تلك قصة طائفة "القرآنيون" الذين اتخذوا اسماً لطائفتهم من القرآن الكريم وهو اسم يجذب الناس ويجعلهم يقبلون بحسن نية، ولكنه اسم يخفي تحته طائفة مخربة للدين كله تحت رعاية ودعم المشروع الأمريكي. ولا تنفصل هذه الطائفة بحال عن محاولات تشويه القران الكريم عبر مراكز دراسات أمريكية ومحاولة إصدار قرآن جديد باسم "الفرقان الحق". إنهم يعملون ليل نهار على ضرب ونسف الأسس التي يقوم عليها الإسلام.. يعملون على تشويه القرآن، ويحاولون إلغاء السنة بعد التشكيك فيها حتى لا يبقى للمسلمين شيء من دينهم.. لكن محاولاتهم تبوء دائماً بالفشل {ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين}.
نحن وإيران: سوء فهم أم تخلف!
سعد بن طفلة - الشرق الاوسط 20/7/007
شهدت الأسابيع الماضية توترات في العلاقة العربية الإيرانية. تم الاعتداء بالضرب على دبلوماسي كويتي في طهران، وترددت مقالات لكتاب كبار مقربين من المؤسسة الحاكمة في طهران تنادي بتبعية البحرين لإيران، وتصريحات «عنترية» إيرانية باستمرار احتلال الجزر الإماراتية الثلاث.
الكتابات والتصريحات الإيرانية المتشددة تجاه عرب الخليج جاءت بعيد اجتماع خليجي بالرياض لوزراء الخارجية والدفاع ومسؤولي الأمن الخليجيين، خرج الاجتماع بمناشدة متكررة لإيران بالتعاون مع المجتمع الدولي بشأن ملفها النووي، وبحل مسألة الجزر سلميا. الاجتماع أغضب الإيرانيين، ورأوا فيه انحيازا للسياسة الأمريكية، فأطلقوا حملة غير مبررة على عرب الخليج.
والموضوع الإيراني يشكل هاجسا لأهل الخليج من نواح عديدة أهمها: ثقافة تصدير الثورة الإيرانية، وندوب الحرب العراقية ـ الإيرانية ودور إيران في عراق اليوم، والتوتر الإيراني مع المجتمع الدولي حول الملف النووي الذي خلق احتقانا في المنطقة، وقد تنذر الهواجس بما هو أخطر من ذلك.
الخليجيون يحكم فهمهم لإيران ثلاثة اتجاهات أساسية:(50/110)
1- اتجاه يرى في إيران دولة مجوسية توسعية حاقدة يدفعها حقد فارسي يتأسى على إيوان كسرى ويعيش في التاريخ أكثر مما يعيش في الواقع. والحق أن هذا التوجه يعاضده تفكير عنصري مشابه في إيران يرى أن «أراب جراب» (العرب جرب)، وأن العرب لم يقدموا من خير للبشرية سوى الرسول محمد وآل بيته، ويتساوى في هذا التفكير الفوقي تجاه العرب عنصريون فرس علمانيون، ومتدينون متخلفون يؤمنون بأن الإمامة ليست في قريش فحسب، بل في آل بيت الرسول تحديدا.
ينتشر هذا الاتجاه بين الأوساط الشعبية والكتابات الصحفية، والديماغوجية الفوضوية الشائعة بين الطرفين.
2- وهناك اتجاه متوجس من إيران، لكنه اتجاه صبور وبراغماتي في آن واحد. يتعامل بتغاض مع إيران، ويراهن على نهاية لنظام الملالي في إيران شبيهة بنهاية العنجهية الصدامية التي اعتدت على إيران، واحتلت الكويت، فكان مآلها الثبور، والدمار للعراق وشعبه. ويرى هذا التوجه أن النظام الإيراني يحمل عوامل ضعفه داخله، فإيران بلد موزاييك لكل قطعة فيه تطلعاتها وطموحاتها الخطرة على بقاء النظام. ويفسر هذا التوجه الخطاب الإيراني المتشدد على أنه مؤشر احتقان النظام من الداخل. يساند هذا التوجه داخل إيران من يدفعون بالنظام دفعا نحو العزلة والصدام مع الجيران والمجتمع الدولي ذلك أنهم يرون في صدامه مع المجتمع الدولي الطريقة الوحيدة للتخلص منه، فتجدهم «ملكيون أكثر من الملك» في المزايدة على الخطاب المتشدد رغم دلائل تشير إلى عدم تدينهم أصلا.
يزداد انتشار هذا التوجه في المؤسسات الفكرية والمؤسسات القريبة من اتخاذ القرار.(50/111)
3 - وهناك اتجاه ثالث هو الأضعف بين هذه الاتجاهات الثلاثة، وهو اتجاه عقلاني يعاني الضعف والضمور في طهران، ويمر بمرحلة مزمنة من الوهن والتردد على الضفة الأخرى من الخليج. هذا الاتجاه ينادي بضرورة العمل بكل الوسائل لتعميق العلاقات الإنسانية والثقافية والاقتصادية بين الطرفين، ويرى في تعميق العلاقات تجاوزا لكافة أنواع الخلافات، ويبرهن بالدلائل على أن ترابط مصالح الناس من شأنها مسح عوالق التاريخ المتخلفة. يتواجد هذا الاتجاه - على استحياء - في أوساط المثقفين ومن يرون أبعد من أنوفهم مما يخبئه لهم قدر السياسات الدولية إن احتدم العداء مع إيران.
الاتجاه الثالث ضعيف بحكم التخلف على ضفتي الخليج، فنحن وإيران في التخلف واحد، وبحكم ارتفاع أصوات الاتجاه الأول الذي يدفع بالمنطقة نحو الهاوية.
بيننا من ينفخ في الاتجاه الأول من متخلفينا الذين يرون في إيران مخلصا لفلسطين ولبنان والعالم الإسلامي كله، وهؤلاء بتخلفهم لن يدركوا أنهم «لا من المعزا، ولا من الضان»، وأن اللعبة أكبر منهم ومن ملايين البائسين من الشعب الإيراني وشعوب المنطقة برمتها.
…(50/112)
مجلة الراصد الإسلامية
العدد الحادي والخمسون – شعبان 1428هـ
* فاتحة القول:…لتكون المصلحة الشرعية بوصلتنا دوماً..............................................…3
* فرق ومذاهب:…شهود يهوه..............................................................................…6
* سطور من الذاكرة:…الحلاج يقول: أنا الحق ... ...........................................................…15
* دراسات: …حركة الجهاد الإسلامي والهوي الشيعي . ...................................…19
* كتاب الشهر: …- أبو الهدى الصيادي ................................................................
- الشيعة في العالم ...................................................................
…47
53
* قالوا: …...........................................................................................…59
* جولة الصحافة : ……
لبنان…- أبو القعقاع .. وفتح الإسلام .. والمخابرات السورية ............... …62
…- الطاشناق ومرجعيته الإيرانية – السورية .............................…66
…- تقرير الحالة الشيعية في لبنان ............................................…68
…- لبننة الحركة الإسلامية ...............................................…88
متفرقات…- أسباب وتداعيات تجميد انشطة جيش المهدي .........................…91
…- دعوى قضائية لإلغاء الموالد وهدم الأضرحة............................…93
…- علة السنة في العراق .......................................................…97
…- طهران تشجع على تكرار غزة في شمال العراق...................................…98
…- هل سيتحول العراق إلى منطقة نفوذ إيرانية ..................................…100
…- آمال عربية على أوهام خارجية ...................................................…105(51/1)
…- رفسنجاني يخطط للإطاحة بنجاد وإقالة خامنئي وإلغاء ولاية الفقيه.........…106
لتكون المصلحة الشرعية بوصلتنا دوماً
أهل العلم هم خلاصة أهل السنة ، وأهل السنة هم خلاصة أهل الإسلام ، وأهل الإسلام هم خلاصة البشرية ، فإذا ما اضطربت بوصلة أهل السنة اضطرب العالم من خلفهم ، هذه هي الحقيقة التي يجب أن تقرر في الأذهان وتوقن بها القلوب والعقول التي تنشد التغيير والتقدم .
كثير ما يجرى في العراق يجرى بعيداً عن رأي أهل العلم والحكمة ، ولذلك تاتي النتائج متواضعة إن لم تكن مخيبة للآمال ، المقاومة والجهاد رمز للعز والحق ويفخر كل مسلم بالمقاومة والجهاد حين يكون في موقعه ونصابه ، وحين يكون عن مشورة ورأي أهل العلم والحكمة .
تتصاعد حالياً دعوات صادقة لجمع كلمة المجاهدين ، والتحذير من الخلاف والاختلاف وهذه الدعوات دعوات محقة ، وإن تأخرت كثيراً .
للأسف لم يتعلم المسلمون من اخطاء الجهاد الأفغاني الذي رفع المسلمون به رؤوسهم عالياً ، لكنه حين وصل لقبض الثمرة تحول لصراع بئيس على الكراسي والمناصب !!
وذلك أن كثيراً من الناس والمنظرين كان يهون من شأن ضرورة تصحيح المنهج والسلوك لدى المجاهدين جماعات وأفراد فحدثت الكارثة وشوه المجاهدون جهادهم .
وبعدها واصل بعض المجاهدون مسيرهم دون مشورة من أهل العلم والحكمة ، فجروا المسلمين لمآزق ومضائق أرهقوا بها إخوانهم و ضيقوا على أنفسهم !!
المصيبة العظمى التي وقعت فيها " القاعدة " هي قتال إخوانهم من المجاهدين الصادقين – بإذن الله – لكونهم يخالفونهم الرؤية والطريقة ، ورغم أن الواقع والعلم والشرع يدلل على خطأ طريقة " القاعدة " القائمة على القتل والقتال دون مراعاة للمصالح والمفاسد وأحكام الشرع .
وها هي " القاعدة " في العراق تستحل دماء المسلمين دون بينة أو دليل سوى رفضهم لطريقهم وأميرهم !!(51/2)
إن المسار الذي سارت فيه "القاعدة " مسار لا يصل إلي مكسب أو مغنم ، بل هو يجر على المسلمين
الويلات ، فلماذا لا تكف القاعدة عن إخوانها من المجاهدين وتنشغل بالمحتلين الأمريكي والإيراني ؟؟
لماذا لا تقوم القاعدة بعملياتها في معسكرات الأمريكان أو مناطق الرافضة ، بدلاً من تدمير مناطق أهل السنة بعملياتها ؟؟
لقد جرت " القاعدة " الميلشيات الشيعية والقوات الأمريكية لإحتلال مناطق أهل السنة بعملياتها بسياسة اضرب وهرب ، وبذلك استبيحت أغلب مناطق أهل السنة ؟؟
كيف تجيز " القاعدة " لنفسها التعاون مع الإحتلال الإيراني مالياً ولوجستاً وعسكرياً ؟ وقد صرح بذلك
" كريكار " على قناة LBC !!
إن الممارسات المنافية للإسلام التي قامت بها " القاعدة ” مثل قطع أصبع المدخن له من الإعتداء على شرع الله ؟ كثير من أفراد القاعدة لا يرقي للسلوكيات المطلوبة للمسلم فضلاً عن أخلاق المجاهدين ، وليس غرضنا هنا تقويم القاعدة وأفرادها والنبي صلى الله عليه وسلم يقول "ثم لا تجدوني بخيلا ولا كذوبا ولا جبانا " فجمع الصدق الى الشجاعة وهذا الامر يفتقده بعض العناصر في القاعدة .
ومقابل هؤلاء وقفت مجاميع لأهل السنة مواقف سياسية عدمية ، فهي ترفض كل شيء وتنتظر أن يخرج المحتل لتبدء هي بالحركة وبالعمل !! و أقل ما يقال في حق أصحابه " فيهم غفلة الصالحين " !! ففي الوقت الذي ينتظرون فيه خروج المحتل يقوم الذين ينتظرون خروج المهدي بتهيأة الأوضاع لخروجه عبر إثارة الفوضي والهرج بقتل الآلاف من أهل السنة ، كما أنهم فرضوا على الأرض واقعاً جعلهم يفرون ليس من منازلهم ومحافظاتهم بل من العراق كله !!
أما من ساروا في طريق العمل السياسي - وهو ضرورة مطلوبة ومطلوب من يحسن إدارتها- فقد ساروا فيها دون أوراق قوة ، لكن بهدف إثبات الوجود ولذلك كانت مخرجات مشاركتهم سلبية .(51/3)
وفي هذا الوقت تلوح بوادر فرص عظيمة للمشاركة السياسية لكن خارج اللعبة الجارية ، عبر مشاركة المقاومة بذلك دون اعتراف بشرعية الإحتلال وحكومته الطائفية ، وبشروط تحقق الكثير من المكاسب الحقيقية لأهل السنة من الأمن والإستقرار والمشاركة الفاعلة بتقاسم النفوذ وتغيير قواعد اللعبة المنحازة للشيعة والأكراد . كما أن هذه المشاركة توقف تمدد المشروع الإيراني في الفراغ السني العراقي .
ولعل في تجربة ما سمي بتسليح العشائر – رغم أنه سماح للعشائر باستخدام سلاحها للدفاع عن نفسها فقط – والتي يقودها قادة سابقون للمقاومة، تجربة تستحق المتابعة والتقويم والنصح لتأتي أكلها كلها ، لا سيما وأن الهدف هو حماية المنطقة السنية من هجمات المليشيات الشيعية ومحاولات تهجير أهلها وقطع الماء والكهرباء عنها وكذلك منع عمليات القاعدة التفجيرية في هذه المناطق دون مصلحة شرعية تعود على أهلها.
وهذه الفرصة يجب أن تحظى بدعم أهل العلم والحكمة ، ودعم الحكومات العربية المجاورة للعراق ،ودعم القوى السنية في العراق إما بالدعم المباشر أو على أقل تقدير كف الأذى والشر عنها .
فقد أتت السياسات السابقة بالويلات والمصائب لأهل السنة فدعوا غيركم يقوم بالعمل فإن فاز ونجح فالخير عائد للجميع وإن أخفق فالضرر يسير ، وليس هذا نهاية المطاف وغاية المقصود ، بل علاج تفرضه الضرورة الآنية لمحنة أهل السنة في العراق ، ويعقبه علاج طويل وكبير وشاق يحتاج الكثير من التخطيط والعمل .
وفي اغتيال " أبو ريشة " مؤشرات مهمة على خطورة هذا المسار على مستقبل حكومة المالكي الطائفية وميلشياتها الشيعية وهي المتهمة الرئيسية في اغتيال " أبو ريشة " ولعل مسارعتها لتمجيد أبو ريشة بعد موته دليل على قتله !!(51/4)
ونحن في الوقت الذي لا نوافق أو نقر موقف " أبو ريشة " من حكومة المالكي ومبايعته لها أو قتله لأفراد "القاعدة" ، نلاحظ أن توجه أهل السنة لترتيب أولوياتهم وإعادة النظر في ما يجرى على أرض العراق من كونهم قرابين تقدم في سبيل تمكين المشروع الإيراني في المنطقة ، نلاحظ أن هذه اليقظة والتحول في الأولويات خط أحمر لن تقبل به إيران وأدواتها ، وستعمل إيران كل شيء لإفشاله ولن تقف عند قتل " أبو ريشة " بل ستوسع نطاق استهداف كل من يحاول منع ذلك .
وفي الختام نحذر الطيبين المغفلين من أهل السنة – وخاصة القاعدة – الذين تستدرجهم إيران بشعار محاربة أمريكا من التعاون مع إيران في إفشال هذا المسار ،لأنهم عندها سيكونون في الحقيقة يبنون ويوسعون الهلال الشيعي الإيراني وهم جاهلون !!
شهود يهوه
بالرغم من أن هذه الزاوية من "الراصد"، مخصصة للفرق والمذاهب الموجودة في إطار المسلمين، إلاّ أننا نقوم بين الحين والآخر بتناول بعض الأديان لأسباب مختلفة كحديثنا عن اليزيدية والصابئة وغيرهما في أعداد سابقة.
وفي هذا العدد نتحدث عن جماعة "شُهود يهْوه" المسيحية، والذي يدفعنا لذلك:
* نشاطها المتزايد بين المسلمين في الغرب، والمتأثرين من المسلمين في المهجر بأفكار شهود يهوه هم من الشباب المنسلخ عن إسلامه أصلا، وقد صرح أحد أفراد شهود يهوه وهو سوري مقيم في ايطاليا ينتمي إلى طائفة شهود يهوه وكان سابقاً من الأرثوذكس, أن التونسيين في ايطاليا هم الأكثر تفاعلاً مع المبشرين لأنهم مثقفون حسب قوله، أما المغاربة فإنهم أميون و لا يتقبلون المبشرين, و قد ذكر بصراحة أن من انضم إليهم من التونسيين هناك هم من العاهرات التي يمتهن البغاء ومروجي المخدرات, و بأن احد شهود يهوه الايطاليين في روما يتقن اللغة العربية قراءة و كتابة وهو يزور المغاربة الأميين بدعوى تعليمهم الكتابة والقراءة بالعربية مجاناً ولكنه يستهدف تبشيرهم في الواقع.(51/5)
* سعيها الدؤوب لإقامة مراكز في الدول الإسلامية.
* كما أن لهذه الجماعة نشاطاً ملحوظاً في أوساط المسلمين عبر أفرادها السائحون في بلاد الإسلام ففي مصر قام بعض السياح بتوزيع بعض منشورات شهود يهوه على أصحاب المحلات.
نشاطهم الرئيسي هو بين النصارى لكنهم أيضاً يقومون بنشر فكرهم بين اليهود والمسلمين، وهم يستغلون في نشر دعوتهم الجنس الناعم لطرق أبواب الناس والدخول على البيوت، حيث أنهم يرسلون دعاتهم من النساء والرجال معاً ويتميزون بالملابس الراقية والمظاهر البراقة ليوقعوا الناس في حبالهم. يسمحون لأنفسهم بدق أبواب الناس ليعرضوا عليهم فكرهم.
وهذه الجماعة تستخدم أساليب عديدة في الدعوة والتبشير منها: طباعة الكتب والرسائل أو تلك التي يسمونها الكراريس، وكذلك التحدث إلى الناس في الشوارع والمقاهي ومحطات القطارات والحافلات بل وطرق أبواب البيوت، الأمر الذي لم يجعل المسلمين بمنأى عن أفكار شهود يهوه، خاصة وأن هذه الجماعة تستغل نقاط الاتفاق مع المسلمين لتبدأ بنشاطها ودعوتها لهم. وأتباع شهود يهوه نشيطين جداً في نشر دعوتهم، لأن من أهم الأسس في فكر شهود يهوه التبشير بفكرهم وتخصيص ساعات كثيرة أسبوعية لدراسة كتب الطائفة ونشرها بين الناس.
وعلى الرغم من توفر عدة مراجع ومصادر إسلامية ومسيحية على حدّ سواء تتناول جماعة شهود يهوه، إلاّ أنّ أهم مرجع لنا هو الموقع الرسمي لهذه الجماعة على شبكة الانترنت www.watchtower.org الأمر الذي تقتضيه الأمانة والدقة.
تعريف:(51/6)
"شهود يهوه" جماعة مسيحية تنفرد بفهم خاص للدين، ولا تعترف بالطوائف المسيحية الأخرى، وفي المقابل لا يعترف المسيحيون بشهود يهوه، ويعتبرونها منكرة لأغلب تعاليم المسيحية وأصولها، بل ويذهب الباحث رأفت زكي، وهو باحث مسيحي من مصر إلى أن "فكر الشهود أخبث وأكثر الأنظمة تجديفاً وكفراً"( ). وإضافة إلى كونها جماعة مسيحية، فإن "شهود يهوه" واقعة تحت سيطرة اليهود، وتخدم أفكارهم، كما سيأتي بيانه.
ظهرت هذه الجماعة في السبعينيات من القرن التاسع عشر على يد الراهب "تشارلز تاز رسل" في ولاية بنسلفانيا الأمريكية. والراهب رسِّل ولد سنة 1852م، من أبوين منحدرين من أصل بريطاني، كانا يتبعان المذهب المشيخي (البرسبيتاريّه)، وتكاد المصادر تجمع على سوء أخلاقه، وقد أوردت موسوعة عالم الأديان شيئاً من هذا بقولها: "المعروف عن راسّل أنه كان مشوّه السيرة، وأنه باع مرّة شحنة من القمح العجائبي (أي ذي خواص خارقه!) لفلاحين بأسعار باهظة، وعند زراعته تبين أنه خدعهم فحكمت عليه المحكمة بردّ ما اختلسه. كما عُرف عنه أنّه كان زير نساء إذ كشفت زوجته ماري فرنسيس أكلي علاقته بروزبول، ثم وجدته في غرفة الخادمة إميلي ماتيوز، فطلقته المحكمة 1906 - 1908، وهرّب أمواله هرباً من دفع النفقة لزوجته.."( ).
وبعد موت رسّل سنة 1916، خلفه على رئاسة الجماعة في السنة التالية جوزيف فرانكلين رذرفورد، وبقي في منصبه حتى وفاته سنة 1942، ليخلفه ناتان هومر نور الذي ظل رئيساً حتى وفاته سنة 1977، ثم تولى المنصب في ذلك العام فريدريك وليم فرانز حتى وفاته سنة 1992، ليخلفه ميلتون هنكل الرئيس الخامس والحالي( ).
واسم جماعتهم "شهود يهوه" هو نسبة لـ " يَهْوه" الذي هو عندهم اسم الرب، أو اسم الله، ويقولون أنه ورد في العهد القديم أكثر من 7 آلاف مرّة، لكن تم إخفاؤه وتم استبداله بـ "الله" أو "الرب". وقد بدءوا باستعمال هذا الاسم لجماعتهم بدءاً من عام 1931م.(51/7)
لكن القسيس إبراهيم جبر القبطي يعتقد أن الإله «يهوه» هو الترجمة العبرية للقب "إله الحرب". وهو عند شهود يهوه إله فئوي خاص بالشعب اليهودي ينفث حقداً وغضبا ضد أبناء الأمم والشعوب الأخرى. وهم يدعون إلى سلام عالمي تحت حكم يهودي عالمي بيته الأبيض: هيكل سليمان. ومن لم يقبل فلينتظر معركة هرمجدون (يقصدون المعركة الكبرى بين اليهود والعرب). وأي سلام يأتي من قوم قتلوا أنبياءهم وأشعلوا الحروب بين الأمم؟
وخلال السنوات الطويلة الماضية استخدم الشهود عدة أسماء لجماعتهم، منها:
-…دارسو الكتاب المقدس.
-…جمعية برج مراقبة صهيون، ولإخفاء كلمة صهيون حوّلوا الجمعية إلى:
-…جمعية برج المراقبة.
-…معروفون على نطاق واسع باسم شهود يهوه.
ولذلك فإن تسميتهم «شهود يهوه» تربطهم باليهود أكثر من ارتباطهم بالمسيحية: فإنهم غير مقبولين كمسيحيين لا في الكنيسة ولا بين حكومات العالم التي تحذرهم بشدة وترتاب من أمرهم. فلا تزال حكومات العالم تلاحقهم وتمنع نشاطهم كما حدث في لبنان وتركيا ومصر وسويسرا وايطاليا وألمانيا والنمسا وكندا وغيرها من بلاد العالم حيث صدرت قرارت المنع بحجة أن جمعية شهود يهوه إنما هي حركة سياسية تعمل لمصلحة الصهيونية ووفق توجيهاتها.
أهم عقائدهم:
يرى أتباع "شهود يهوه" أو الشهوديون، أن المسيحية القديمة أو ما يدين به أتباع الطوائف الأخرى مسيحية زائفة ومشوّهة في جوهرها.
فهم يؤمنون بالتوراة والإنجيل ويعتبرونهما كلمة الله، ويعتبرون ما ورد بها من "أسْفار" موحى بها ودقيقة تاريخية. وهم يسمون العهد القديم أو التوراة: الأسفار العبرانية، أما العهد الجديد أو الإنجيل فيسمونه: الأسفار اليونانية المسيحية.(51/8)
لكن جماعة شهود يهوه تنفرد بعقائد وأفكار خاصة وترجمات للإنجيل، جعل أتباع المذاهب المسيحية الأخرى يخرجونهم من دائرة المسيحية وينسبونهم إلى البدعة والكفر، يقول القس عبد المسيح أبو الخير: "شهود يهوه هم بدعة جديدة، ويقولون عن أنفسهم أنهم ديانة جديدة، وهم ليسوا فرقة أو طائفة مسيحية لأنهم يؤمنون بمسيح آخر غير مسيح الإنجيل، ويبشرون بإنجيل آخر غير الذي تسلمته الكنيسة من الرسل! نعم هم يستخدمون نفس الإنجيل الذي نستخدمه، ولكنهم يكيّفون آياته ونصوصه بحسب أفكارهم وبدعهم"( ) .
أما أهم عقائدهم وأفكارهم التي انفردوا بها فهي:
1- يعتقدون بأن المسيح أو يسوع هو ابن الله وأدنى منه وأنه أول خلائق الله، ويقولون بأن حياة المسيح مرّت بثلاث مراحل:
الأولى: قبل أن يولد كإنسان بوقت طويل، فقد كان في السماء مخلوقاً روحانياً قديراً، وهو أول مخلوقات الله، وبه خلقت سائر الأشياء في السماوات وعلى الأرض، ويصفون المسيح بأنه "ابن يهْوه البكر" تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً، وأنه قضى في هذه المرحلة مع "أبيه" سنين لا تحصى، وأثر ذلك فيه كثيراً، وهكذا صار هذا الابن مثل أبيه تماماً، تعالى الله عن ذلك.
الثانية: حياته كإنسان، إذ يعتقدون أن الله نقل حياة المسيح أو يسوع بشكل عجيب من السماء إلى رحم عذراء يهودية أمنية اسمها مريم، ولم يكن لديه أب بشري، لكنهم يقولون بأن يسوع كان ابن يوسف النجار بالتبني. ويقولون بأن المسيح عاش خلال تلك الفترة في مدينة الناصرة وأنه مُنح المعجزات الكثيرة ومات وكان عمره 33 سنة ونصف وقد مات معلقاً على خشبة لا على صليب، لذلك فهم لا يتخذون الصليب رمزاً وشعاراً مثل بقية النصارى.(51/9)
الثالثة: يعتبرون أن موت المسيح (بحسب اعتقادهم) لم يكن نهاية حياته، فقد بدأت المرحلة الثالثة من حياته عندما أقامه الله كشخص روحاني في اليوم الثالث ... وأنه جلس على يمين الله منتظراً أن يتسلّم سلطته الملكيّة، وما إن تسلمها حتى بدأ يحكم كملك. وباختصار يعتبر الشهوديون "أن يسوع اليوم ليس إنساناً، ولا هو الله القادر على كل شيء، بل هو مخلوق روحاني قدير وملك حاكم، وقريباً جدّاً سيحكم على أرضنا المليئة بالمشاكل"( ). وبالتالي إذا كانت "شهود يهوه" لم توافق المسيحية على القول بالتثليث ولاهوت المسيح، فإنها وقعت في وثنيات أخرى من قبيل الاعتقاد بأن المسيح هو ابن الله، وأنه ساعد الله في خلق الكون( ).
2- يحرمون التبرع بالدم حتى لو كان الشخص مشرف على الموت، فبحسب اعتقادهم فإن كل إنسان يمتلك حياته في دمه، ولا يجوز أن تنتقل تلك الحياة لإنسان آخر، وأن الدم الوحيد القادر على الإنقاذ هو دم المسيح، وهم وبهذا الصدد يقولون صراحة: "إدخال الدم إلى الجسم بواسطة الفم أو العروق يخالف شرائع الله"( ).
3 - منع أتباعهم من أداء الخدمة العسكرية في أي جيش، لأن جميع الحكومات الحالية - تخضع - بنظرهم لسلطة الشرير (الشيطان)، وهم لا يعترفون بأي نظام حكم، وقد قالوا: "المسيحي ينبغي أن يطيع القوانين البشرية التي لا تتعارض مع شرائع الله"، "المسيحي ينبغي أن يبقى منفصلاً عن العالم"، "المسيحي لا يجب أن تكون له أية علاقة بحركات الإيمان الخليط"، "الشيطان هو الرئيس غير المنظور للعالم"... إلخ( ).
والجدير بالذكر أنه في سنة 1918 تم القبض على ثمانية من قادة الجماعة وعلى رأسهم رذر فورد بتهمة التآمر لإحداث تمرد ورفض الواجب العسكري للولايات المتحدة والقوات البحرية وحكم عليهم بالسجن لمدة 20 عاماً، لكنهم قدّموا التماساً، وتم الإخراج عنهم في العالم التالي بعد أن وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها.(51/10)
4 - يرفضون الكنيسة ونظامها وطبقاتها وطقوسها واحتفالاتها، ويعتبرونها أم الزّواني ويجب هدمها، ويعتبرون رجال الدين المسيحيين شياطين، وهم بهذا الصدد يقولون: "طبقة رجال الدين والألقاب الخصوصية هما أمران غير لائقين"( ).
5 - احتلت قضايا نهاية العالم وعودة المسيح حيّزاً كبيراً في فكر وعقيدة شهود يهوه، وتتلخص عقيدة نهاية الزمان عندهم بالأتي:
- لا يؤمنون بالآخرة، ولا بجهنم، ويعتقدون بأن الجنة ستكون في مملكتهم، وهم يربطون نهاية العالم بعودة المسيح وملكوته، ويقولون: "نحن الآن في وقت النهاية"، "الملكوت برئاسة المسيح سيسود الأرض فيخيم البر والسلام"، الأرض لن تصير أبداً خربة أو خالية من السكان"، "النفس البشرية تتوقف عن الوجود عند الموت"، "في ظل الملكوت ستكون الحياة مثالية على الأرض"، "الهاوية (جهنم) هي المدفن العام للجنس البشري"... إلخ.
- يعتقدون بأن المسيح سيعود ليقود المعركة الكبرى "هرمجدون" التي يفنى فيها المليارات من البشر، ويقولون بأن يسوع المسيح بأتي "ملكاً يجلس على فرس أبيض وبالبرّ يدين ويخوض حرباً، ولديه سيف طويل ماضٍ، لكي يضرب به الأمم". وهذه العقيدة مثال على خدمة شهود يهوه لليهود وأفكارهم ذلك أن هرمجدون هي المعركة التي يعتقد اليهود أن أعداءهم سيفنون فيها وينتظرونها بفارغ الصبر.
وإذا كان أعداء اليهود أو أعداء شهود يهوه الموصوفون بـ "الأشرار" سيفنون ويموتون بهذه الحرب الكبرى، فما هو مصير أتباع شهود يهوه؟ يجيبون على ذلك بالقول: "سيحفظهم (أي المسيح) هو وأبوه (الله)، أثناء الحرب القادمة، حرب اليوم العظيم، يوم الله القادر على كل شيء، التي تدعى هرمجدون لكي يحيوا إلى الأبد كرعايا أرضيين لملكوت الله السماوي".(51/11)
ويعتقدون أن 144 ألفاً من أتباعهم سيذهبون إلى السماء في أعقاب المعركة وسيحكمون مع المسيح، وسيصيرون أنباء روحيين لله مثل المسيح ـ تعالى الله عن ذلك ـ أما غالبية أتباعهم فيعتقدون أنهم سيحيون على الأرض (التي ستصبح الفردوس) ولن يذهبوا مع المسيح إلى السماء.
وسبب التفريق بين أتباعهم ووجود أناس منهم يذهبون إلى السماء مع المسيح، وآخرين يبقون في الأرض، هو أنهم حدّدوا عدّة تواريخ لحدوث المعركة الكبرى، وكان أتباعهم يبلغ عددهم 144 ألفاً، ولمّا كذبت تنبؤاتهم ولم يصدق التاريخ الذي حددوه، اخترعوا قصة النوعين من الأتباع للخروج من هذا المأزق.
وقد حددوا لحدوث هرميجدون تواريخ عديدة تثبت بطلانها منها:
سنة 1914، سنة 1915، سنة 1919، سنة 1925، في الأربعينيات من القرن العشرين، ثم قالوا في سنة 1975، ولمّا لم تتحقق نبوءاتهم تركوا تحديد زمن حدوثها( ).
يقول الباحث المسيحي رأفت زكي: ".. وقد تنبأ برج المراقبة (شهود يهوه) عند عودة المسيح سنة 1874، وهرميجدون سنة 1914، وخراب الكنيسة ودمار الكنيسة سنة 1918، والفوضى العالمية الشاملة، والمدينة الفاضلة دون حكومات سنة 1920، والحرب العالمية الثالثة تبلغ ذروتها في هرميجدون تبدأ في عام 1975، ونهاية السنوات الستة الآلاف من التاريخ البشري يتضمن تاريخ هرميجدون، وقد أخفق المراقبة بنسبة 100% لكل نبواتهم، وعلى كل فإن إخفاقهم في تحقيق نبوة واحدة يمكن أن يضعهم في التصنيف تحت زمرة الأنبياء الكذبة"( ).
6- لا يؤمنون باليوم الآخر ولا بجهنم، ويعتقدون أن الجنة ستكون في الدنيا وهي مملكتهم.
انتشارهم وأساليبهم في الدعوة:(51/12)
يقول الشهوديون إن عددهم وصل إلى ستة ملايين شخص ينتشرون في 230 بلداً أي في معظم دول العالم. وقيادتهم التي يسمونها "الهيئة الحاكمة" موجودة في حي بروكلين في نيويورك في الولايات المتحدة التي ترسل كل سنة ممثلين لها إلى أقاليم مختلفة حول العالم للتشاور مع ممثلي المكاتب والفروع، وفي الفروع هناك لجان (3-7) أشخاص يراقبون انجاز العمل في منطقتهم .
وتقدم دعوتهم على بدأ "علنيّة الفكرة وسريّة التنظيم"، ويبذلون جهوداً كبيرة لكسب الناس إلى مذهبهم، ومن وسائلهم: طباعة الكتب والنشرات والمجلات، بكميات كبيرة وبعشرات اللغات، ولدى بعض فروعهم مطابع خاصة بهم لطباعة منشوراتهم وكتبهم. وهم يحرصون على الاحتكاك بالناس ودعوتهم في الأماكن العامة كالمقاهي والشوارع والحافلات وأماكن العمل، بل وطرق أبواب البيوت والتحدث مع أصحابها وهم يقومون بالتجول على الناس في بيوتهم وأماكنهم على طريقة رجال جماعة التبليغ والدعوة بشكل ثنائي رجل وامرأة ويطلقون عليها اسم "عمل الشهادة ".
"وعلى كل عضو من أعضاء شهود يهوه أن يصرف على الأقل 10 ساعات في الشهر في دراسة منشوراتهم، والتعمق في تعاليمهم، وأن يجول قارعاً أبواب الناس مبشّراً إياهم بهذه العقائد، بائعاً كتبهم ومنشوراتهم، وأن يقدم تقريراً مفصّلاً عن نشاطاته..."( ). والهيئة الحاكمة تتكون من 12 شخصاً، بعد أن كان عددها في السابق سبعة. وهم يتواجدون في البلاد العربية التي يوجد بها تجمعات نصرانية كبري مثل مصر حيث يقدر عددهم بـ 800 شخص حسب تقرير الحريات الدينية الأمريكي ، ولهم وجود في لبنان .
إصداراتهم ومؤلفاتهم:
أولت "شهود يهوه" التأليف والطباعة والترجمة اهتماماً كبيراً، وقد أقامت لذلك مبانٍ ومطابع متخصصة، وبشكل أساسي تصدر الجماعة مجلتين هما:
1 - "استيقط" AWAKE ، وهي مجلة شهرية تصدر بـ 81 لغة.(51/13)
2 - برج المراقبة THE WATCHTWER ، ويقدر توزيعها بـ 26 مليون نسخة وهي نصف شهرية تصدر بـ 161 لغة مختلفة( ).
ومن أهم كتبهم:
1- "الفجر الألفي": سلسلة من سبع مجلدات كتبها المؤسس رسّل لنشر أفكاره وتغير اسمها بعد ذلك إلى "دراسات في الكتاب المقدس".
2- "السر المنتهي": كبته زعيمهم الثاني رذر فورد سنة 1917 شنّ فيه هجوماً على الطوائف المسيحية كالكاثوليكية والبروتستانتية ... وقال بأن المسيحية سيطويها النسيان وتمحى من على وجه الأرض( ).
ومن كتبهم أيضاً:
-…"قيثارة الله، لرذ رفورد".
-…"الحق الذي يقودكم إلى الحياة الأبدية".
-…"ليكن الله صادقاً".
-…"المعركة النهائية".
-…"جعل حياتكم العائلية سعيدة".
-…"من الفردوس المفقود إلى الفردوس المردود".
-…أ"ين هم الأموات".
وكتب أخرى كثيرة، إضافة إلى ترجمات عديدة للكتاب المقدس، دأب المسيحيون على وصفها بأنها ترجمات فاسدة( ). أما موقعهم على شبكة الإنترنت فيقدم دعوتهم بـ 310 لغات!!!
ارتباطهم باليهود:
سبق القول بأن جمعية برج المراقبة، أو شهود يهوه، وإن كانت جماعة مسيحية بفهم خاص للدين، إلاّ أن ارتباطها باليهود وخدمتها لهم يمكن ملاحظته مما يلي:
1- التبشير الدائم بمعركة هرمجدون التي يموت فيها الأشرار، والمقصود هنا أعداء اليهود، وعلى رأسهم العرب والمسلمون.
2- اعتبار أن نشوء دولة اليهود هو تحقيق لنبوءات التوراة، ونعمة "يهوه" التي أرسلها إلى شعبه الخاص والمختار.
3- عدم إدانة أي انتهاك إسرائيلي بحق المسلمين والشعب الفلسطيني على وجه الخصوص.
4- إعلانهم سنة 1914م ارتفاع غضب الله عن اليهود، بعد أن كان وقع غضبه عليهم سنة 606م.
5- عملهم لصالح الحركة الصهيونية، وإضافة كلمة "صهيون" إلى اسم جمعيتهم قبل أن يحذفوها خشية انكشاف أمرهم.
6 - عدد من قياداتهم من اليهود، الذين أيّدوا وما زالوا يؤيدون قيام دولة إسرائيل( ).
للاستزادة:(51/14)
1- الموقع الرسمي لجمعية برج المراقبة "جماعة شهود يهوه" على شبكة الإنترنت www.watchtower.org
2 - جماعة شهود يهوه (الجزء الثاني) ـ طارق عبد الباقي منينة.
3 - موسوعة عالم الأديان ـ بإشراف طب مفرّج.
4 - الموسوعة الحرّة (ويكيبيديا).
5 - شهود يهوه ذئاب خاطفة ـ عطا ميخائيل.
6 - شهود يهوه ـ القس عبد المسيح أبو الخير.
7 ـ المذاهب المنحرفة - رأفت زكي.
8 - مقال "شهود يهوه" للشيخ عبد الرحمن دمشقية ـ المنشور في الشبكة الإسلامية.
9 - الموسوعة الميسرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي.
الحلاج يقول: "أنا الحق"!
لم تكن عبارة "أنا الحق" إلاّ مثالاً على فساد معتقد الحلاّج، الصوفي الشهير، وزندقته وإفساده، وبالتالي إصدار الخليفة العباسي أمراً بإعدامه سنة 309 هـ (922م).
ولد أبو المغيث الحسين بن منصور المعروف بالحلاّج بحدود سنة 245 هـ (858م) وأصله من بلاد فارس لكنه نشأ بالعراق وتنقل بين مكة والهند وخراسان وغيرها، وهو أحد كبار رجال الصوفية على مرّ العصور، وقد تتلمذ على يد بعضهم وصحب بعضاً أخر أمثال: سهل التستري، وعمرو بن عثمان المكي، وأبي يعقوب الأقطع، والجنيد بن محمد وأبي السحن الندوي وغيرهم.
وبالرغم من سير الحلاج على نهج الصوفية، إلاّ أن حياته تميزت بالتقلب والتلون، حتى قال فيه ابن الجوزي، "كان الحلاج متلوناً تارة يلبس المسوح، وتارة يلبس الدراعة، وتارة يلبس القباء، وهو مع كل قوم على مذهبهم...، ويقول ابن النديم في كتابه "الفهرست" إن الحلاّج كان يظهر مذاهب الشيعة للملوك، ومذاهب الصوفية للعامة، ويدّعي أن الألوهية حلت فيه! ولعلّ العبارة الأخيرة تحتاج إلى الوقوف إزاءها بعض الشيء، فقد بلغ الحلاج في سوء العقيدة مبلغاً جعله يقول إن الألوهية حلت فيه، وقد كان أحد روّاد عقيدة الحلول والاتحاد الفاسدة التي تبناها الصوفية جيلاً بعد جيل.
وفيما يلي نشير إلى أهم عقائد وأفكار الحلاّج التي قتل على أساسها:(51/15)
1- الإيمان بالحلول. والحلول عقيدة فاسدة تعني أن الله عز وجل يحل في مخلوقاته، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيراً. وقد عدّ الإمام عبد القاهر البغدادي الحلاّج وأتباعه من جملة عشر فرق من الحلولية خرجت عن فرق الإسلام، وغرض جميعها "القصد إلى إفساد القول بتوحيد الصانع".
ويقول عبد القاهر البغدادي أيضاً: "والذين نسبوه إلى الكفر وإلى دين الحلولية حكموا عليه أنه قال: من هذّب نفسه في الطاعة، وصبر على اللذات والشهوات أرتقى إلى مقام المقربين، ثم لا يزال يصفو ويرتقي في درجات المصافاة حتى يصفو عن البشرية، فإذا لم يبقّ فيه من البشرية حظّ حلّ فيه روح الإله الذي حلّ في عيسى بن مريم، ولم يّرد حينئذ شيئاً إلاّ كان كما أراد، وكان جميع فعله فعل الله تعالى. وزعموا أنّ الحلاج ادّعى لنفسه هذه الرتبة". "وذكر أنهم ظفروا بكتب له إلى أتباعه عنوانها: مِن الذي هو رب الأرباب المتصور في كل صورة إلى عبده فلان. فظفروا بكتب أتباعه إليه وفيها: يا ذات الذات، ومنتهي غاية الشهوات، نشهد أنك المتصور في كل زمان بصورة، وفي زماننا هذا بصورة الحسين بن منصور، ونحن نستجيرك ونرجو رحمتك يا علاّم الغيوب"( ).
ويقول الإمام ابن كثير عن الحلاّج: ومما يدل على أنه كان ذا حلول في بدء أمره أشياء كثيرة، منها شعره في ذلك، فمن ذلك قوله:
جبلت روحك في روحي كما……يجبل العنبر بالمسك الفنق
فإذا مسّك شي مسني……وإذا أنت أنا لا نفترق
وقوله:
مزجت روحك في روحي كما……تمزج الخمرة بالماء الزلال
فإذا مسّك شي مسني……فإذا أنت أنا في كل حال( )
2- ادّعاء النبوة ثم تطور به الحال فادّعى الألوهية، فكان يقول أنا الله . وأنا الحق. وفي إحدى المرات أمر حفيدته بالسجود له فقالت: أو يسجد بشر لبشر؟ فقال: نعم، إله في السماء وإله في الأرض.(51/16)
3- انتقاصه من القرآن الكريم والادّعاء بأنه يستطيع أن يكتب مثله، إذ يقول عمرو بن عثمان المكّي: "كنت أماشيه يوماً فقرأتُ شيئاً من القرآن، فقال (أي الحلاّج): يمكنني أن أقول مثل هذا".
4- له كلام يبطل به أركان الإسلام كالصلاة والحج والصيام، وهو ما سنتحدث عنه عند تناول أيام الحلاج الأخيرة ومناقشة العلماء والفقهاء له.
5- كان الحلاّج لا يرى بأساً في الأديان والعقائد والمذاهب الموجودة، كما يتجسد ذلك في قوله:
عقد الخلائق في الإله عقائدا……وأنا اعتقدت جميع ما اعتقدوه
ويعلق كاتب مقال "من هو الحلاّج" على بيت الشعر هذا قائلاً: "وهذا الكلام مع تضمنه إقراره واعتقاده لجميع الكفر الذي اعتقدته الطوائف الضالة من البشر، فإنه مع ذلك كلام متناقض لا يقبله عقل صريح، إذ كيف يعتقد التوحيد والشرك في آنٍ واحد"؟!
6- السحر والشعوذة والحيل. يقول ابن كثير: " وصح أنه دخل إلى الهند وتعلم بها السحر وقال: أدعو به إلى الله". وقد ذكر الخطيب البغدادي وغيره أمثلة لبعض ما كان يقوم به الحلاّج من خداع البسطاء ليظهر أمام الناس أنه صاحب قدرات وكرامات، وبالتالي نشر باطله وأخذ أموالهم.
7- عرف عنه الانحراف والفجور. يقول ابن كثير بعد أن ذكر شيئاً من عقيدته وأتباعه: "ورجع عنه رجلان صالحان ممن كان اتّبعه، أحدهما أبو علي هارون بن عبد العزيز الأوراجي، والآخر يقال له الدباس، فذكرا من فضائحه وما كان يدعو الناس إليه من الكذب والفجور والمخرقة والسحر شيئاً كثيراً.
وكذلك أحضرت زوجة ابنه سليمان فذكرت عنه فضائح كثيرة من ذلك: أنه أراد أن يغشاها وهي نائمة فانتبهت، فقال: قومي إلى الصلاة، وإنما كان يريد أن يطأها". وإذا كان حال الحلاج على النحو الذي ذكرنا من الزندقة والانحراف والإضلال فقد انبرى له العلماء والقضاة، بل ولقد تبرأ منه عدد من معارفه منهم:(51/17)
- عمرو بن عثمان الذي كان يعلن الحلاج ويقول لو قدرت عليه لقتلته بيدي. ولما سئل عن سبب ذلك البغض قال: قرأت آية من كتاب الله فقال: يمكنني أن أؤلف مثله وأتكلم به.
- أبو يعقوب الأقطع: وهو والد زوجة الحلاّج، وقد ندم على تزويجه ابنته قائلاً: زوّجت ابنتي من الحسين الحلاج لما رأيت من طريقته واجتهاده، فبان لي منه بعد مدة يسيرة أنه ساحر محتال، خبيث كافر.
وأيد كثير من الصوفية وحتى اليوم موقف الحلاج وأفكاره منهم. أبو العباس بن عطاء، وأبو عبد الله بن حفيف، وأبو القاسم النصر آبادي، وفارس الدينوري وقد قال بعض هؤلاء: "لو كان بعد النبييّن والصدّيقين موحّد فهو الحلاّج". وإضافة إلى الصوفية فقد انبرت في العصور المتأخرة فئة أخرى للدفاع عن الحلاج وأفكاره تتمثل بالمستشرقين والعلمانيين، فعامة المستشرقين يظهرون أن الحلاج قتل مظلوماً، فقد وافقهم على الحلول الذي يعتقدونه في عيسى عليه السلام، بأن الله تعالى قد حلّ فيه، ولهذا تكلم الحلاّج باللاهوت والناسوت كما يفعل النصارى، ومن ذلك قوله:
سبحان من أظهر ناسوته ……سر لاهوته الثاقب
ثم بدأ في خلقه ظاهراً……في صورة الآكل والشارب
بل رأى بعض المستشرقين مثل الفرنسي بارتلوم دي هيربلوت في كتابه "المكتبة الشرقية" أن الحلاج "مسيحي متخف" وقد تبنى هذه النظرة كل من المستشرق أوغست موللر، والمستشرق أدلبرت ميركي، وظهرت في الفترة الأخيرة دراسات في اللاهوت الشرقي، أهمها أطروحة (ن، م، دهدال ) ترى بأن الحلاج تم صلبه بسبب أفكاره النصرانية.
ازداد خطر الحلاج بعد ما استمال عدداً من الحشم والحجاب في دار السلطان، وجعل لهم في جملة ما ادّعاه أنه يحيي الموتى، وأن الجن يخدمونه ويحضرون له ما شاء ويختار ويشتهيه.(51/18)
وقد انتبه الوزير حامد بن العباس مبكراً إلى خطر الحلاج وإفساده، وأخذ يلحّ على الخليفة العباسي المقتدر بالله بأن يتخذ إجراءً حاسماً، إلاّ أن الحلاج حظي في وقت من الأوقات بحماية أم الخليفة، ومن هنا يجب أخذ العبرة بضرورة الانتباه والرصد لبدايات المبتدعة واستشعار أخطارهم القادمة ، وعدم الركون لعواطف بعض الجهلة من المسؤولين ومعارفهم في حماية هؤلاء الزنادقة والذين سيكونون مصدر للمتاعب والفتن مستقبلاً وهم في زمننا هذا – الزنادقة والجهلة المدافعون عنهم – كثير ولا حول ولا قوة إلا بالله .
ولمّا فُوض الوزير بأمر الحلاج، استدعى عدداً من أصحابه وأتباعه وهدّدهم، فاعترفوا له بما كان يدّعيه الحلاج، وبما كانوا يعتنقونه من أنه إله مع الله وأنه يحيي الموتى فما كان من الحلاج إلاّ أن كذبهم وأنكر، وأخذ يدّعي الإيمان والالتزام بشرائع الإسلام. وبحضور الوزير جيء بالحلاج، وأحضر القاضي أبو عمر محمد بن يوسف، وأحضر كتاب عثر عليه في بيوت بعض أصحابه وأتباع الحلاج، مكتوب فيه:
"من أراد الحج ولم يتيسر له، فليبنِ في داره بيتاً لا يناله شيء من النجاسة، ولا يمكن أحداً من دخوله، فإذا كان في أيام الحج فليصم ثلاثة أيام، وليطف به كما يطاف بالكعبة، ثم يفعل في داره ما يفعله الحجيج بمكة. ثم يستدعي ثلاثين يتماً فيطعمهم من طعامه، ويتولى خدمتهم بنفسه، ثم يكسوهم قميصاً قميصاً، ويعطي كل واحد منهم سبعة دراهم... فإذا فعل ذلك قام له مقام الحج. وإن من صام ثلاثة أيام لا يفطر إلاّ في اليوم الرابع على ورقات هندبا، أجزأه ذلك عن صيام رمضان. ومن صلى في ليلة ركعتين من أول الليل إلى آخره، أجزأه ذلك عن الصلاة بعد ذلك. وأن من جاور بمقابر الشهداء وبمقابر قريش عشرة أيام يصلي ويدعو ويصوم ثم لا يفطر إلاّ على شيء من خبز الشعير والملح الجريش، أغناه ذلك عن العبادة في بقية عمره".(51/19)
هال القاضي أبو عمر ما قرأ من زندقة الحلاج. ومحاولته إبطال أركان الإسلام، فقال له: من أين لك هذا؟ فقال الحلاج: من كتاب الإخلاص للحسن البصري. فقال القاضي للحلاّج: كذبت يا حلالَ الدم. قد سمعنا كتاب الإخلاص للحسن بمكة ليس فيه شيء من هذا. وهذا من فطنة القاضي أنه لم يخدع بنسبة هذه الزندقة للحسن البصري، وكم في زماننا من يخدع بنسبة كثير من الباطل لبعض العلماء السابقين !!
اغتنم الوزير حامد بن العباس قول القاضي للحلاج: يا حلال الدم، فألح عليه بكتابة ذلك، ورفع ما كتبه القاضي بحق الحلاج إلى الخليفة المقتدر الذي حكم بعد فترة انتظار دامت ثلاثة أيام بأن يسلم الحلاّج إلى صاحب الشرطة ويضرب ألف سوط، فإن مات وإلا ضربت عنقه. فضرب ألف سوط ثم قتل وصلب في بغداد في ذي الحجة سنة 309 هـ (922م)، وأحرق جسده، وكان من آخر ما تحدّث به قوله لأصحابه: لا يهولنكم هذا الأمر (أي إعدامي)، فإنني عائد إليكم بعد ثلاثين يوماً.
للاستزادة:
(1)…"تاريخ بغداد": الخطيب البغدادي.
(2)…"الفرق بين الفرق": عبد القاهر بن طاهر البغدادي.
(3)…"البداية والنهاية": الإمام ابن كثير.
(4)…مقال "من هو الحلاّج" - موقع الإسلام سؤال وجواب بإشراف الشيخ محمد صالح المنجد.
(5)…مقال "صرخة الحلاّج" - صحيفة الاتحاد الكردستانية.
حركة الجهاد الإسلامي والهوي الشيعي
أسامة شحادة
ظهرت مؤخراً بشكل واضح وصريح كثير من المظاهر والنشاطات التابعة لحركة الجهاد الإسلامي في داخل فلسطين والتي تحمل تشيعاً صريحاً غير مبطن !!(51/20)
والغريب أن كثيرا من الطيبين من أهل السنة وقفوا مدهوشين أمام ذلك وبعضهم لا يزال يكذب الأخبار التي تصل عن ذلك ، رغم أنها موثقة بالصوت والصورة ومن مواقع حركة الجهاد الرسمية وتصدر عن القيادات الرئيسية للحركة والتي لا تزال تمارس دورها ، وهذا التعاطف مع حركة الجهاد هو ميزة وسلبية في آن واحد للطيبين من أهل السنة ، فهو من جهة يعبر عن شوقهم وحبهم للأرض المباركة وأهلها وإخلاصهم في الدفاع عنها ومساندة المجاهدين الأبطال رغم اختلاف المنهج وتعارض الفكر فهذه الميزة ، أما السلبية فهي سهولة خداعهم لطيبة قلوبهم وسلامة صدورهم فكل من رفع راية الجهاد يصدقونه ولو كان مخادعاً مكاراً ، وما حال ( أبى القعقاع محمد قولا غاصي ) ببعيد !!
ولما كان كثير من أهل السنة لا يعرف حقيقة الهوى الإيراني والشيعي لحركة الجهاد لانخداعه بصلاح ممثلها في بعض الدول وعدم متابعته لأدبيات وأفكار حركة الجهاد لزم التنبيه على ذلك وإقامة الدليل على عمق هذه الروابط وأنها منهج وفكر الحركة وليست سلوكاً سطحياً يراد منه استغفال إيران والشيعة للحصول على الدعم المالي، لأن الحقيقة أن حركة الجهاد منذ نشأتها تعتز بهواها الإيراني الشيعي وتناضل في سبيل تمكينه في فلسطين !!
بداية حركة الجهاد :
تكونت حركة الجهاد في نهاية السبعينيات من القرن الماضي من بعض الطلبة الفلسطينيين الدارسين في مصر ، وكان الدكتور فتحي الشقاقي هو محور هؤلاء الطلبة الذين كان منهم د. رمضان شلح الأمين العام للحركة اليوم و نافذ عزام وعبد الله الشامي ومحمد الهندي ، واستقطبت الحركة بعض كوادر فتح المتدينة في داخل السجون الإسرائيلية ومنهم تشكل الجهاز العسكرى للحركة ، وبعد ذلك تم تنسيق بين الحركة و" سرايا الجهاد الإسلامي " التابعة لفتح القطاع الغربي .(51/21)
حدثت صراعات داخلية وتجاذبات في حركة الجهاد بين ثلاثة شخصيات هي : الشيخ أسعد بيوض التميمي خطيب المسجد الأقصى سابقاً والشيخ عبد العزيز عودة المحاضر بالجامعة الإسلامية بغزة والدكتور فتحي الشقاقي الذي استقرت له الأمور في حركة الجهاد.
وعلى كل حال فهذه الشخصيات الثلاثة كانت مغرمة بالنموذج الإيراني الشيعي !!
فالشيخ التميمي كان من المناصرين والمدافعين عن ثورة الخميني وهذا مشهور ومعلن فهذا ولده الأستاذ محمد أسعد بيوض كتب عن علاقة والده بالإيرانيين وثورتهم : " وبفضل الله أن والدي رحمه الله افترق مع هذه الثورة فورا عندما اكتشف حقيقتها المذهبية القومية المتعصبة وبأنه كان على خطا عندما ظن بها خيرا فكان من أشد أنصارها ... وتم هذا الافتراق بعد جلسة شهدت نقاشا صريحاً وواضحا من قبل والدي مع بعض قيادت الثورة وكيف أن ظنه بهذه الثورة قد خاب وأن جميع المنطلقات التي انطلق منها في موقفه المؤيد لها قد ثبت فشلها وأنها وهم وأنه لن يموت إلا على عقيدته السلفية و حب أبي بكر وعمر وكنت شاهدا على هذه الجلسة ".
وأما افتتاحية موقع الشيخ أسعد بيوض التميمي فقد جاء فيها ما يلي : "ولقد بلغت ذروه جهاد الإمام المجاهد بتأسيسه لحركه الجهاد الإسلامي ( الفلسطينية ) في نهاية عقد السبعينات وبداية الثمانينات من القرن المنصرم والتي تآمرت عليها إيران بأن شقتها ... وكان هذا الفعل بمثابة طعنة من الخلف بعد أن كان الشيخ يقف إلى جانب الثورة الإيرانية من أول يوم معتبراً إياها ثورة في الفكر الشيعي ولا يجوز الحكم عليها قبل تجربتها والتعرف عليها عن قرب ... ولكن للأسف الشديد كانت تجربة مرة حيث اكتشف الإمام المجاهد بعد حين بأن الثورة الإيرانية ما هي إلا ثوره طائفية مذهبية بخلفية قومية لا زالت تحمل الحقد الدفين على أبي بكر وعمر وجميع الصحابة وأهل السنة لذلك حصل بينه وبين إيران انفكاك لا رجعة فيه من عام 1991 " .(51/22)
أما عبد العزيز عودة والذي يلقب بالأب الروحي لحركة الجهاد فمعروف أنه من أوائل من أيدوا الثورة الخمينية في داخل فلسطين .
لكن ما يهمنا أكثر هو الكلام عن فتحي الشقاقي كونه أول أمين عام لحركة الجهاد والحركة ما زالت تتبع خطاه للآن عبر قيادة د. رمضان شلح .
الشقاقي (1951 – 1996 ) ولد في رام الله ثم انتقل إلى مخيم للاجئين في غزة ، سافر للدراسة في مصر ، وأصبح طبيب أطفال .
من الناحية الفكرية تدرج الشقاقي من الناصرية حيث أسس سنة 1966 جماعة ناصرية صغيرة ، بعد هزيمة 67 تحول للحركة الإسلامية وانضم للإخوان سنة 1968 و تركهم سنة 1974 بعد اختلافه معهم حول سياستهم تجاه إسرائيل .
وفي مصر اتصل بجماعات الجهاد ، اعتقل في القاهرة سنة 1979 بسبب تأليفه كتاب " الخميني : الحل البديل " ، وفي 1978أسس حركة الجهاد وأعلنت في 1980 ، عاد لفلسطين فتم اعتقاله سنة 1983 لمدة 11 شهر ، واعتقل مرة أخرى سنة 1986 لمدة 4 سنوات ، وتم إبعاده للجنوب اللبناني سنة 1988 ، وفي عام 1996 اغتيل الشقاقي في مالطا ، رحمه الله.
الشقاقي وجذور العلاقة بإيران :(51/23)
خير من يحدثنا عن هذه العلاقة هو د. رمضان شلح صديق الشقاقي الوفي والقديم والأمين العام لحركة الجهاد الآن ، يقول شلح ( ):" أنه عندما اندلعت الثورة الإيرانية في فبراير/ شباط 1979، طلبوا من الدكتور الشقاقي أن يشرح لهم أبعاد حركة الخميني، وأهدافها، لأن المقربين من الشقاقي وأنصاره لم يكونوا ملمين بحقيقة ما جرى، في البداية قرر أن يكتب دراسة في حدود عشر صفحات حتى يقرأها الجميع، لكن الفكرة تطورت إلى كتيب يطبع ويوزع في الأسواق وأذكر أنه نزل إلى القاهرة وأحضر بعض الكتب والمراجع حول الشيعة وحركة الإمام الخميني من المكتبات ومن جمعية آل البيت ، فألف ذلك الكتيب ( الخميني:الحل البديل ) ، الذي كتبت مسودته بخط يدي قبل أن يرسل للمطبعة ، وقد نزل الكتاب إلى الأسواق بعد وصول الخميني إلى طهران بأيام تقريباً في 16/2/1979م ".
هذه هي بداية العلاقة وأصل الحكاية فهي تعود لعام 1979 وليست وليدة السنوات القريبة !! كما أن الشقاقي استعان بجمعية آل البيت بمصر فهل يدل هذا على أن له بها علاقات سابقة ؟؟ هذا ما ينبغي دراسته وبحثه !!
وعند دراسة هذا الكتيب نجد أنه يعبر عن حالة عاطفية عالية مع قلة وعي ، فقد أورد الشقاقي في كتيبه عدد من الثورات والتجارب التي خدعت المسلمين سابقاً كجمال عبد الناصر وهواري بو مدين في الجزائر وأتاتورك وما جرى في السودان وليبيا من خطف النصر من بين يد المسلمين وتبرز في عرضه لهذه التجارب والأحداث عاطفة جياشة صادقة ترغب بالعز والمجد لهذه الأمة ، وقد ذكر الشقاقي بعض المؤامرات والمكائد والخدع التي تعرض لها المسلمون لتأييد بعض هذه الثورات ثم اكتشفوا حقيقتها ولكن بعد فوات الأوان .(51/24)
ولكنه حين أتى عند ثورة الخميني تحول من كاتب عاطفي يدرك المؤامرات القديمة ، لكاتب مخدوع يمتاز بضعف الوعي وذلك أنه لم يتحصل على قواعد وأصول صحيحة يزن بها الأفكار والشخصيات وكم تعانى أمتنا من أمثال هؤلاء الكتاب والقادة !!
ففي مقدمة كتابه يصف الشقاقي الخميني وثورته بقوله: " مع انتهاء عام 1977م كانت الظروف الموضوعية قد نضجت للثورة محلياً: فساد هائل، وإسلامياً: وعي متزايد وتجربة فكرية وسياسية في غاية العلمية وفي إطار من الأطروحات الشيعية العصرية ـ التي اقتربت من أهل السنة ـ ضمن فترة من أنشط الفترات فكرياً في تاريخهم " ، وهذا يدلك على مدى هشاشة معرفة الشقاقي بالفكر الخميني وأنه رجل ساذج خدع ببعض الخطابات والشعارات الخمينية الدعائية !!
وفي الفصل الثاني والذي وضع له عنوان " الإمام الخميني المفكر والمناضل " !! وكال فيه المديح للخميني حتى أنه ساواه بالمرجع الخوئي وهذا فيه تجاوز كبير تاريخياً ، ورغم أن الشقاقي ينقل فقرات مطولة من كتاب الخميني " الحكومة الإسلامية " إلا أنه لعاطفته وقلة وعيه لم ير حقيقة فكر الخميني الذي سطره في كتابه " الحكومة الإسلامية " ويبقي هنا سؤال من أين حصل الشقاقي على كتاب " الحكومة الإسلامية " في القاهرة مترجماً إلى العربية سنة 1979؟؟ هل من جمعية آل البيت ، فيكون لها علاقة بثورة الخميني ؟ أم أن ثورة الخميني ترجمت الكتاب للعربية مبكراً وطرحته في الأسواق ؟؟ نجد جزاء من الجواب في مقدمة مؤسسة تنظيم ونشر تراث الإمام الخميني لكتاب " الحكومة الإسلامية " والذي طبع سنة 1996م حيث تقول المؤسسة :" في خريف سنة 1970 طبعت(محاضرات الحكومة الإسلامية ) من قبل أنصار الإمام في بيروت بعد مراجعتها من قبله واعدادها للطبع . ومن ثم ارسلت إلى إيران بشكل سري ، كما أرسلت في نفس الوقت إلى أوربا وأمريكا وأفغانستان وباكستان ليستفيد منها المسلمون الثوريون هناك ." ص 6 .(51/25)
وفي هذا الفصل يفصح الشقاقي عن سبب علاقة ( حركة الجهاد ) بالخميني فيقول : " وتبقى هناك قضية هامة في فكر الإمام الخميني وممارسة الحركة الإسلامية في إيران ألا وهو موقفها من قضية فلسطين هذا الموقف الذي ينم عن وعي استراتيجي وتكتيكي بالغ الأثر والأهمية وهو موقف يجب أن تتأمله بقية الحركات الإسلامية لتأخذ منه الدرس والعبرة لا على مستوى النظرية فقط بل على مستوى الممارسة والتطبيق لأن المراوحة في المستوى النظري هي مراوغة تسمح لكل فكر فج ومائع بالبقاء في ميعه يؤدي دوره بشكل غير صحي." وهذه اللهجة الحادة نوعاً ما سببها خلاف السقاقي مع حركة الإخوان المسلمين حول طبيعة التعامل مع القضية الفلسطينية ، حيث يقول " ومن هنا نشأت العلاقة بين الحركة الإسلامية في إيران وفلسطين هذه العلاقة التي لا يمكن سبر كل أغوارها في مثل هذا الكتاب، وربما كان باستطاعتنا الإشارة لبعض جوانبها" ثم يذكر بعض بيانات الخميني المنددة بإسرائيل .
ويختم الشقاقى هذا الفصل بقوله " كنت أود أن أشير قبل ترك هذا الفصل أن الثورة الإسلامية في إيران ثورة إسلامية بمعناها القرآني الرحب.. إنها ليست ثورة طائفة دون طائفة، إن القواسم المشتركة بين جناحي المسلمين السنة والشيعة لتكاد بل هي فعلاً تشكل جسد هذه الثورة بدءاً من منطلقاتها وأهدافها ووسائلها وبواعثها.. إن الخلاف المطروح بين أهل السنة والشيعة حول إمامة الأئمة الاثني عشر وعصمة الأئمة - لا يشكل سلباً ولا إيجاباً - أي تأثير في طبيعة الثورة ومسارها.
ولكن حتى تكتمل موضوعية البحث لا بد لنا من دراسة سريعة لأصول الفكر الشيعي." وهذا يؤكد عاطفية الشقاقي وقلة وعيه بالفكر الشيعي الذي تناول أسسه في الفصل الثالث .(51/26)
حين نقرأ ماذا كتب الشقاقي عن الشيعة تجده استند لكتاب كاشف الغطا " أصل الشيعة وأصولها " وهذا كتاب شيعي دعائي يراد منه خداع المسلمين وذلك أنه لا يورد الحقائق الصحيحة عن الشيعة ، بل يستخدم لغة دبلوماسية ، ولذلك تراه يثنى على الصحابة مثلاً ولكن لا يتبنى الموقف الصحيح وهو البراءة ممن يكفرهم !!
و عندما يستعرض الشقاقي أصول الشيعة فلا يدرك أبعاد " الإمامة " عند الشيعة وأنها ركن الدين من أنكرها كفر ، ولولا الإمامة لما بقي من مذهب الشيعة شيء !!
ويجعل الشقاقي أصول الشيعة أربعة :
1- العصمة : أي أن الأئمة الاثنى عشر معصومون من كل خطأ وزلل ، ويورد الشقاقي رد أحمد أمين على الشيعة في كتابه (ضحى الإسلام) جزء 3 ص222 «لو كان لعلي كل هذه العصمة والعلم ببواطن الأمور وخفاياها لتغير وجه التاريخ ولما قبل التحكيم ولدبر الحروب خيراً مما دبر فإن قيل أنه علم وسكت وتصرف وفقاً لقدر فهو خاضع للظروف خضوع الناس تتصرف فيه حوادث الزمان كما تتصرف في الناس، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء».
2- المهدي: وتعني لغة وديناً الرجل الذي هداه الله فاهتدى وأخذت عند الإمامية معنى «الإمام المنتظر» وهو لا يزال غائباً بين الناس وسيظهر فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً وهو محمد المهدي الذي اختفى نحو 260 هـ. وكان الكثير من الشيعة يرى أنه لا تقوم دولة الإسلام مرة أخرى إلا بظهور المهدي لكن موقف الإمام آية الله الخميني الذي رأى في هذا الانتظار دون التحرك لإقامة حكومة إسلامية أسوأ من نسخ الإسلام .(51/27)
3- الرجعة: وتعني أن الله يرجع قسماً من الأموات إلى الحياة الدنيا ويعتقدون أن النبي صلى الله عليه وسلم وعلياً والحسن والحسين وباقي الأئمة وكذلك بعض خصومهم من الصحابة كأبي بكر وعثمان وعمر ومعاوية!! يرجعون إلى الدنيا بعد ظهور المهدي ويعذب من اعتدى على الأئمة وغصبهم حقوقهم أو قتلهم ولكن الإمام آل كاشف الغطاء يقول في كتابه أصل الشيعة وأصولها، «وليس التدين بالرجعة في مذهب التشيع بلازم ولا إنكارها بضار وإن كانت ضرورية عندهم ولكن لا يناط التشيع به وجوداً أو عدماً» ص99.
4- التقية: هي عندهم كتمان الحق وسر الاعتقاد فيه مكاتمة المخالفين ترك مظاهرتهم بما يعقب ضرراً في الدين والدنيا ويروى عن الإمام جعفر الصادق قوله من لا تقية له لا دين له وأجاز التقية في الدين عند
الخوف على النفس وقد تجوز في حالة الخوف على المال وفي حالة الاستصلاح.
ويقول الإمام آية الله الخميني في كتابه الحكومة الإسلامية ص142 «فلا ينبغي التمسك بالتقية في كل صغيرة وكبيرة وقد شرعت للحفاظ على النفس أو الغير من الضرر في مجال الأحكام.. أما إذا كان الإسلام كله في خطر فليس في ذلك متسع للتقية والسكوت» وتعتبر الشيعة موقف سكوت علي عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهم أجمعين كان تقية وكذلك موقف الحسن من معاوية.
واضح من عرض الشقاقي السابق للفكر الشيعي أنه عرض ساذج لم يعرف من التشيع إلا اسمه ، فأصل التشيع هو الإيمان بالإمامة من أنكرها فقد كفر ، ولذلك حين غفل الشقاقي عن هذا هون من حقيقة الخلاف بين الشيعة والسنة وظن أن المسألة سهلة يمكن التجاوز عنها ، وخاصة حين اعتمد على كتاب كاشف الغطا الغير معتمد داخل الشيعة لكونه للدعاية بين أوساط السنة .
ولذلك تجد تناقضاً في موقف كاشف الغطا في موضوع الرجعة عند قوله «وليس التدين بالرجعة في مذهب التشيع بلازم ولا إنكارها بضار وإن كانت ضرورية عندهم ولكن لا يناط التشيع به وجوداً أو عدماً» ص99.(51/28)
فهو غير لازم ! وإنكارها لا يضر ! وضرورية عندهم ! فأيهم الصحيح ؟؟؟
لاحظ أن كاشف الغطا لا ينكر أن أبا بكر وعمر والصحابة أعداء للائمة وأنهم سيعذبون على هذا !!! ولكن جهل الشقاقي وعاطفته أعمته عن فهم ذلك .
ويختم الشقاقي هذا الفصل بالسؤال عن حكم السني عند الشيعة فيقول : " والسؤال الذي يواجهنا الآن ما موقف الشيعة من أهل السنة.. أي من المسلم الذي لا يأخذ بالإمامة وينكر العصمة؟
ورغم أن الإمام الكليني يقول في كتابه الكافي: «لا يكون العبد مؤمناً حتى يعرف الله ورسوله والأئمة كلهم وإمام زمانه ويرد إليه ويسلم له» إلا أن بعضهم يفسر كلمة لا يكون مؤمناً أي لا يكون مسلماً شيعياً .
ويجيب الإمام محمد الحسين آل كاشف الغطاء على هذا السؤال بشكل حاسم في كتابه «أصل الشيعة وأصولها» قائلاً: «والإسلام والإيمان مترادفان ويطلقان على معنى أعم يعتمد على ثلاثة أركان: التوحيد والنبوة والمعاد فلو أنكر الرجل واحداً منها فليس بمسلم ولا مؤمن وركن رابع وهو العمل بالدعائم التي بني عليها الإسلام وهي خمس الصلاة والصوم ـ والزكاة والحج والجهاد الشهادة مرت في التوحيد.. فهذه الأركان الأربعة هي أصول الإسلام والإيمان بالمعنى الأخص عند جمهور المسلمين ولكن الشيعة الإمامية زادوا ركناً خامساً وهو الاعتقاد بالإمامة» ص127 ـ وقد اعتبر الإمام آل كاشف الغطاء أن عدم الأخذ بالمبدأ الخامس مع الإيمان والعمل بالأركان الأربعة لا يخرج المسلم عن دائرة الإيمان والإسلام فيقول في نفس المصدر السابق «.. وإذا اقتصر على تلك الأركان الأربعة فقط فهو مسلم مؤمن بالمعنى الأعم يترتب عليه جميع أحكام الإسلام من حرمة دمه وماله وعرضه ووجوب حفظه وحرمة غيبته وغير ذلك لا أنه بعدم الاعتقاد بالإمامية يخرج عن كونه مسلماً ـ معاذ الله ـ نعم يظهر أثر التدين بالإمامية في منازل القرب والكرامة يوم القيامة أما في الدنيا فالمسلمون بأجمعهم سواء وبعضهم لبعض أكفاء» ".(51/29)
وهنا تجد تناقضات غريبة من الشقاقي وتهاونا عجيبا ، فكاشف الغطا يؤكد أن الإمامة ركن من أركان الدين !! ومعلوم أن من لم يأت بالركن يكفر! كما أن كاشف الغطا تلاعب حين ضم أركان الإسلام إلى أركان الإيمان ليخلط القضية .
ولذلك لم يسم كاشف الغطا علي أهل السنة مؤمنين بل مسلمين ، لأن الشيعة يرون أن أصول الإسلام قسمان : قسم من أتى به يترتب عليه جريان حكم المسلم كالتلفظ بالشهادة كأهل السنة ، وقسم آخر تتوقف عليه النجاة في الآخرة منها الاعتقاد بالإمامة !! ( لمزيد تفصيل راجع أصول مذهب الشيعة ، للقفارى ، 3/1305 ).
والخلاصة التي يصل إليها الشقاقي : " وبعد فمجمل القول بالنسبة للشيعة الاثني عشرية الذين يشكلون سواد الشيعة اليوم أنهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأنه واحد أحد ليس كمثله شيء وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء بالحق من عنده وصدق المرسلين ويؤمن بجميع أنبياء الله ورسله وبجميع ما جاء به من عند ربه ويقولون بإمامة علي وولده الأحد عشر وأنّهم أحق بالإمامة من كل أحد وأنّهم أفضل الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقولهم بالإمامة هذا لا يوجب كفراً ولا فسقاً لأن إمامة شخص بعينه ليست من أصول الإسلام كما يرى أهل السنة.(51/30)
وهم وإن كانوا أوجبوا إمامة الأئمة الاثنى عشر لكن منكر هؤلاء الأئمة عندهم ليس بكافر ولا بخارج عن الإسلام وتجري عليه جميع أحكامه. كما يقولون بعصمة الأئمة الأثنى عشر وبعودة المهدي الموجود حياً بين الناس وإن أخطأوا في ذلك أو أصابوا فهذا لا يوجب كفراً ولا خروجاً عن الإسلام ومن أهم ما يؤخذ عليهم دعوى القدح في الصحابة الكرام ولكن بعضهم يبرأون من الغلاة ويقولون أن احترام أصحاب نبينا من احترام نبينا فنحن نحترمهم لاحترامه. في حين يقول بعضهم أن أبا بكر وعمر وعثمان رضوان الله عليهم قد اغتصبوا السلطة من الإمام علي رضي الله عنه يقول آخرون منهم أن أبا بكر وعمر وعثمان اجتهدوا فأخطأوا." .
وبهذا يتضح أن عدم معرفة الشقاقي بمذهب الشيعة وانخداعه بالتقية الشيعية والشعارات الثورية ،مع نفسيته الرافضة لموقف الإخوان من القضية الفلسطينية ( فترة السبيعنيات ) جعلته مهيأ لقبول ودعم ومناصرة الثورة الخمينية .
تطور علاقة الشقاقي – حركة الجهاد بإيران والتشيع :(51/31)
هذه بعض التصريحات والمقالات التي كتبها الشقاقي في مجلة "المختار الإسلامي" وغيرها ننقلها من موقع الشقاقي الرسمي على شبكة الإنترنت، ويلزم التنويه هنا أن مجلة المختار هي أحد منابر حركة الجهاد يقول الشقاقي " وحركة الجهاد الإسلامية ليست مجرد مجموعات عسكرية مقاتلة كما تصور أو سألنا كثيرون ولكنها إضافة إلى ذلك وربما قبل ذلك رؤية متجددة في العمل الإسلامي، رؤية منهجية تحدد بوضوح ووعي فهمها للإسلام وللتاريخ الإسلامي ولحركة التاريخ، كما للعالم والواقع أيضاً، ومنذ مجلة "المختار الإسلامي" التي صدرت في القاهرة 1979 إلى الطليعة الإسلامية إلى "الإسلام وفلسطين" إلى عشرات الكتب والنشرات والكراسات التي صدرت عن الحركة قدمت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين إسهاما فاعلا في تطوير العمل الإسلامي المعاصر وهي لا زالت مستمرة في هذا العطاء بجانب الممارسة الجهادية ضد العدو المركزي للأمة." كما صرح الشقاقي لصحيفة اللواء اللبنانية بتاريخ 3/10/1990 ، بل لقد كان الشقاقي هو رئيس تحرير مجلة المختار في بداية نشأتها.
ولا تزال " المختار " تقوم بهذا الدور بقيادة د. محمد مورو ، ومن يطالع المختار الآن يجد بكل وضوح تأييد ثورة الخميني وحزب الله و حسن نصر الله والتهوين من حقيقة الخلاف العقدي بين السنة والشيعة ، وإن كان مورو قد أعلن أن تاييده لإيران قد ضعف بعد موقفها في العراق ولكن ليس لأنه فهم وأدرك حقيقة الفكر الشيعي .
هذه جولة مع بعض مقالات الشقاقي في مجلة المختار والطلائع حسب تاريخ النشر لنرى توطد العلاقة مع إيران والثورة وأنها أصبحت تبنى لكامل المنظومة الفكرية الإيرانية ، وسوف تكون النقولات مطولة لتوضيح الصورة كاملة ولا نتهم بالإجتزاء ، كما يجب التنبيه هنا أن أغلب هذه المقالات كتبها الشقاقي وهو داخل فلسطين حيث عاد لفلسطين في أول الثمانيات وأبعد لجنوب لبنان عام 1988 م.(51/32)
1- في المختار الإسلامي – العدد (12) – السنة الأولى – يونيو 1980. كتب الشقاقي رثاءً بعنوان : وداعاً .. باقر الصدر : " ما أصعب الكتابة عنك... ما أصعب أن يكتب البشر الفانون من أمثالي عن الشهداء الخالدين... ما أصعب أن أكتب عنك يا سيدي، لا أدري أأرثيك... أرثي لنفسي... أم من أرثي هؤلاء القتلة الطغاة من ثوريي هذا الزمان وخصيانه في قصور بغداد.
في يوم ما، دلنى تعبى عليك... وجدت كتابيك العظيمين "اقتصادنا" "فلسفتنا" كان تعب جيل بأكمله.. التهمت.. امتلأت ثقة.. طال ظلك.. طالت قامتي.. تعانقنا كما التلميذ في حضرة أستاذ عظيم... والآن وفي هذه الساعة المتأخرة من هذا الليل يجيء نعيك... العالم يغط في النوم... بينما أنت تترجل عبر الأفق يا سيدي
فارساً جميلاً وكوكباً تزفه النجوم.
2 - في العدد 14 – السنة الثانية – أغسطس 1980 كتب الشقاقي : " مما لا شك فيه أنه كلما تقدمنا في دراسة الثورة الإسلامية في إيران فإننا نجد أنفسنا أمام حدث عظيم، وظاهرة ومعجزة في التاريخ الحديث: أن يطرح دين مرّ على ظهوره أربعة عشر قرناً طرحاً ثورياً وديناميكياً فذاً، ومن خلال مضمون إجتماعي وسياسي وثقافي شامل..".
3 - العدد 21 – السنة الثانية – مارس 1981) ، في ذكرى مرور عامين على انتصار الثورة الإيرانية ، كتب الشقاقي مقالاً طويلاً جاء فيه : " لكن رحلة الثورة لم تكن ببساطة هذه الكلمات... كانت عناء فوق طاقة البشر وملحمة خلود لا يصنعها الإ رساليون محمديون حقيقيون... يا إلهي... أي مجد ينفلت من بين أصابع كف الإمام... وينتظرك يا أمة الإسلام... يا كل أمة الإسلام...
وحققت أول انتصار للإسلام في العصر الحديث، لقد عادت الحياة إلى هذا الجسد الذي ظنوه وقد أصبح جثة هامدة... إنه يستفيق من جديد... ينهض رائعاً وفتياً....
ويبقى السؤال المهم: كيف تحقق الانتصار؟!(51/33)
القيادة الرسالية: والتي تمثلت كأفضل ما يكون في شخصية الإمام الخميني الذي جاءت مراحل حياته معبرة أصدق تعبير عن الشخصية الإسلامية التي جاء الإسلام ليقدمها للبشرية سراجاً منيراً وقدوة فذة... فهو بداية مسلم شديد الإلتزام... ثوري ذو بصيرة نفاذة وحس ورؤية صائبة في أحلك الظروف... شجاع لا يعرف المساومة أو التخاذل، مسكون بعذابات المسلمين وأوجاعهم، في صدره إحساس الحسين بالمسؤولية وفي دمه رؤية الحسين الفذة لمعنى الشهادة...
في حين كان محور حركة الإخوان المسلمين كحركة رائدة في الوطن الإسلامي هو تربية الفرد وكان محور الحركة الكبرى الأخرى – الجماعة الإسلامية في باكستان – هو مواجهة التحدي الفكري فإن محور الحركة الإسلامية في إيران كان يدور حول فكرة الجهاد بما يشمله هذا المعنى من تربية للفرد ومواجهة للتحدي الفكري. من هذا المنطلق تقدمت الحركة الإسلامية في إيران في صياغة نظريتها الثورية، والتي جاءت منبثقة من الإسلام كأصالة وتراث وتاريخ كما جاءت ثمرة سنوات طويلة من التطور السياسي والروحي والفكري...
لا يتسع المجال للحديث عن كل جوانب وإنعكاسات الثورة الإيرانية وسنكتفي بإلقاء الضوء على بعض الجوانب الحركية والفكرية:
1- حققت الحركة الإسلامية في إيران ما فشل فيه الكثيرون من الإسلاميين وهو إيجاد حركة سياسية فعالة، قادرة على إسقاط النظام السياسي المقابل ومهما كان شرساً وقوياً.
2- أسقطت من أذهان الجميع – خاصة مسلمي ومستضعفي العالم – ذلك الرعب من الدول والقوى الكبرى.
3- كما جاء الإنتصار ليسقط الكثير من التبريرات والمفاهيم حول كيفية صياغة نظرية ثورية للحركة الإسلامية ويبرز مفاهيم جديدة مضيئة وبذلك قدمت للحركات الإسلامية في العالم رصيداً ضخماً من التجربة والإبداع الحركي.(51/34)
4- أسقطت مقولة إستحالة قيام حكومة إسلامية في هذا العصر وأثبتت عملياً أنه لا يمكن قيام حكومة حقيقية وجماهيرية في منطقة الوطن الإسلامي إلا إذا كانت حكومة إسلامية شكلاً ومضموناً، كما أسقطت الكثير من المقولات الفكرية التي كانت تطفو على السطح بدءاً بمقولات الماركسيين إن الدين أفيون الشعوب ورجعية رجال الدين وبقية المسلمات والبديهيات الماركسية!!! وإنتهاء بمقولة بريجنسكي عن إنتهاء زمن الثورات الشعبية.
5- طرحت مفهوم وحدة المسلمين [الجامعة الإسلامية] من خلال مفاهيم سياسية واضحة بعد عقود طويلة من التغريب وإنزواء هذه الفكرة إلى الظل.
السنة والشيعة... ضجة مفتعلة: ...ونحن بداية نطرح أمام سكان الوطن الإسلامي السؤال التالي: الذين يهاجمون الثورة الإيرانية هل يفعلون هذا لكونها إسلامية أم يفعلونه لكونهم يسمونها شيعية؟
إن كانوا من الصنف الأول أي أعداء الإسلام فقد كفونا عناء الرد عليهم في مثل هذا المقال... أما إن كانوا من الصنف الثاني فإنا والله لا نجد لهم يوماً في التاريخ الإسلامي نستطيع أن نجالسهم فيه... لأنهم سيبقون دوماً خارج هذا التاريخ سواء بالمفهوم الزماني، أي إذا كان زمانهم ما قبل بعثة محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، أم بالمفهوم السياسي والثقافي ونقصد إسلامهم – غير واعين – بعملية غسيل المخ الذي يشرف عليها الغرب وهنا نطرح سؤالاً آخر... ألا يدري هؤلاء أن شقة الخلاف بين المعتزلة وأهل السنة هي أشد من تلك التي بين السنة والشيعة، ومع ذلك لم نسمع عن فقيه إسلامي أفتى بعصيان أمير المؤمنين إن كان معتزلاً [المأمون مثلاً كان معتزلاً] وكان الأصل هو السمع والطاعة لمثل هذا الأمير حتى لو كبل أحمد بن حنبل (رضي الله عنه) بالقيود وجلده بالسياط وألقاه في غياهب السجن.
ولقد ناقشت المختار الإسلامي (عدد 10) جوهر الخلاف الفقهي بين جناحي الأمة السنة والشيعة ونود هنا أن نطرح الموضوع من زاوية أخرى....(51/35)
وعندما وصل إلى باريس وسئل عن أصول الثورة قدم الإمام رؤيته الثورية الفذة "إن السبب الذي قاد إلى إنقسام المسلمين إلى سنة وشيعة يوماً ما لم يعد قائماً اليوم... كلنا مسلمون... هذه الثورة إسلامية... نحن جميعاً إخوة في الإسلام".
وعندما توجه الحجاج الشيعة إلى مكة أمرهم أن يفعلوا كما يفعل علماء السنة قائلاً: [إفعلوا كما يفعلون حتى لو اعتقدتم أنه خطأ... يجب أن تتبعوهم] ...
وفي التلفزيون الإيراني كانت تعقد الندوات لشرح أفكار الإمامين الشهيدين حسن البنا وسيد قطب والحديث عن دورهما الرائد في الحركة الإسلامية... وقرأت إذاعة طهران على مستمعيها النص الكامل لكتاب سيد قطب الهام "معالم في الطريق" على حلقات...
أما قضية عنصرية الفرس أو الإيرانيون فليست أكثر من مهزلة إعلامية ومزحة سخيفة ساقطة، فالذين حولوا الإمبراطورية الشاهنشاهية إلى جمهورية إسلامية وتخلصوا من كل الرموز الفارسية والساسانية وأحلوا محلها آيات القرآن والأحاديث الشريفة، الذين يهاجمون الأحزاب القومية والعلمانية والذين صرخوا في وجه الإنجليز [أيها الكلاب أخرجوا من بلادنا] في حين كان والد صدام حسين يعمل خادماً في السفارة البريطانية في بغداد... هؤلاء ليسوا عنصريين... هؤلاء ليسوا أحفاد رستم ياعدو سعد ودين سعد... ولو أردنا أن ننتقل بالحوار إلى مستوى آخر لقلنا لك إن الإمام الخميني وأبو الحسن بني صدر ليسا فقط من أصل عربي ولكنها أيضاً ينتميان إلى بيت النبوة العظيم.
كلمة أخيرة: أيها المسلمون... في يوم ما وقف حفيد الرسول الأعظم... الحسين بن علي ليطلق صيحته التي ذهبت في الزمان حجة خالدة [ألا هل من ناصر ينصرنا... ألا هل من ناصر ينصرنا]...
لبيك يا سيد شباب أهل الجنة لبيك يا ابن بنت رسول الله، والله لا يخذلك إلا جاهل... إلا حاقد... إلا عدو لجدك ودين جدك عليه أفضل الصلاة والسلام.(51/36)
4 - العدد 27 ـ السنة الثالثة ـ 15 شعبان 1401 هـ 17 أغسطس 1981م ، عن تأثير ثورة الخميني على حركته وأفرادها : " لقد أدرك مسلمو فلسطين (الوطن ـ الجراح) خاصة بعد الانتصار الإيراني أن الخلاص لن يأتي إلا من خلال فوهات البنادق التي تحملها الأيدي المتوضئة ولهذا لم يكن غريباً تصريح المسؤول اليهودي الذي قال: (إن الدعوة إلى أصول الدين التي ألهبتها حركة آية الله الخميني في إيران أدت إلى تشكيل حركة سرية مسلحة) وتصريح مسؤول آخر (إنّ شبح الخمينية على عتبة دارنا.. إنّه شبح مقلق) كما لم يكن غريبا استقلالية هذه المجموعة المجاهدة عن تأثير حركات سابقة فهي تأتي من تخوم بيت المقدس تبدع مسيرتها وتكبر فوق هذا المحور المقدس (القدس ـ طهران) الذي سَيُميِّز الطيب من الخبيث ويرسم ملامح الصعود الإسلامي العظيم.
وأخيراً هل يكون غريباً أن يكتب أحد أعضاء (أسرة الجهاد) فوق جدران زنزانته مخاطباً الإمام الخميني:
(أية الله .. لقد كانوا يسحقون عظامي هذه الليلة.. جسدي متعب.. متعب يا والدي فمتى تأتي؟) ".
5- كتب الشقاقي مقالا طويلاً في الدفاع عن إيران ومهاجمة أهل السنة في إيران وفقاً لرواية إيران ، ويمكن العودة لكتاب " أحوال أهل السنة في إيران ، لعبد الله الغريب لمعرفة حقيقة القضية التي روج لأكاذيبها الشقاقي بجهله وانخداعه بالإيرانيين، مقاله هذا جاء في مجلة الطليعة الإسلامية (مجلة تابعة لحركة الجهاد )– العدد (2) (شباط/ 1983):
"ولأن خطر المد الإسلامي أكبر من أن يتحمله الغرب فقد بدأت في الشهور الأخيرة أساليب جديدة لإستخدام ورقة الفرقة والتجزئة تظهر إلى السطح.(51/37)
ففي إيران عدة ملايين من السنة وللسنة علماؤهم من الواعين الملتزمين بخط الثورة الإسلامية والحريصين عليه، كما أن هناك البعض من مدعي العلم والمتسلقين على بساطة بعض جماهير المسلمين وأصحاب المصالح، تماماً كما أن في الشيعة أمثال شريعة مداري و(نجمن حجيته) التي تمثل التاريخ المتخلف ذا الأفق الضيق والمحدود والتي أصبحت الآن تقف على هامش الساحة بعد إزدياد الوعي الإسلامي لدى الملايين من الشعب المسلم الثوري. ونظراً لأن قوى الهجمة المضادة للإسلام لن تهدأ في صراعها ضد الصعود الإسلامي حتى يهيمن دين الله ومنهجه على العالم بأسره فإن هذه القوى استغلت التركيبة المعقدة للشعب الإيراني وبدأت تحاول إثارة مسألة الشيعة والسنة بطريقة جديدة.
في العدد الصادر يوم 18 ديسمبر 1982 من مجلة (المجلة) تحقيق بقلم أمير طاهري حول الشيخ عثمان النقشيندي أحد شيوخ الطرق الصوفية في المنطقة السنية من إيران يهاجم النقشبندي الإمام الخميني ويعلن أنه خرج من إيران ليبدأ في قيادة أتباعه ضد نظام الخميني من الخارج. كما أن هناك محاولة أخرى لإقامة ضجة حول مسألة فرض الإقامة الجبرية على الشيخ أحمد مفتي زاده. ولأن قضية الشيخ مفتي زاده هي الأكثر أهمية فسنؤجل الحديث حولها إلى ما بعد مناقشة مسألة النقشبندي.(51/38)
من المعروف أن الطرق الصوفية قد ازدهرت إزدهاراً كبيراً في نهاية العصر العثماني الإسلامي، وكان لذلك أسباب ونتائج ليس هذا موضع الحديث عنها، والحق أن للصوفية تاريخاً طويلاً من الجهاد والدعوة في الوطن الإسلامي الحديث... ولكن ما حدث في الفترة الأخيرة أن بعض مشايخ الطرق الصوفية وفي ظل الجهل والتخلف قد أغرتهم مكتسبات المشيخة فأصبحوا يتصرفون في وطننا وبين أمتنا، وكأنهم سادة إقطاعيون يسلبون حقوق الجماهير المستضعفة في وطننا وبين أمتنا، وكأنهم سادة إقطاعيون يسلبون حقوق الجماهير المستضعفة ويعيشون مرفهين مترفين على عرقها وكدها، وذلك تحت شبهات من التدين والولاء للإسلام. والشيخ عثمان النقشبندي أحد مشايخ الطريقة الصوفية النقشبندية المنتشرة في أجزاء من تركيا وإيران والعراق، وهو يتصرف في مناطق أتباعه تصرف السيد المطاع في أراضي الناس وأموالهم ومصائرهم ويعتبر أن لا سلطة هناك فوق سلطته.. والأسوأ من ذلك أن أبناءه الذين أغرتهم هواية السلطة والتسلط لا يتورعون عن القيام بأيِّ شيء في تلك المناطق يؤكد هيمنتهم على البشر. في عصر الشاه لم يكن للنظام أي اهتمام بما يفعله الرجل فمنهجه واضح أن لا تدخل في الشؤون السياسية ما دامت هيمنته على أتباعه مستمرة ومتواصلة، ونظام الشاه لم يكن ليهتم كثيراً بما يفعله النقشبندي وأمثاله فالمنطقة بعيدة عن العاصمة وليست ذات جدوى إقتصادية كبيرة وكل ما كان بعيداً عن عاصمته وأفراحها وعن مصايفة وفسقها لم يكن ذا أهمية، وهكذا تعايش الشاه بسلطته مع الصوفية وطرقها. بعد الثورة الإسلامية وتصاعد التوجه نحو المناطق السنية أم في المناطق الشيعية. وأمام تعسف الإقطاع القبلي ولا إنسانيته لم تقف الحكومة الإسلامية صامتة أبداً وواجهت الجرائم بحزم وبما يفرضه العدل والواجب الإسلامي. وفي العديد من المناطق الشيعية والسنية تحطمت أوكار الإقطاع وتقدم الإسلام نحو المستضعفين لتحريرهم وإنقاذهم من القهر(51/39)
الإجتماعي والفكري... والحقيقة أن الموضوع لم يثر الكثير من الضجة في الإعلام العالمي الذي تعود على مهاجمة الإسلام في إيران... إلا أن مسألة النقشبندي اعتبرت فرصة سانحة لفتح باب من الحرب المضادة على الجمهورية الإسلامية فالرجل صوفي سني ومسألة (شيعة – سنة) هي الإطار المناسب لأهداف القوى الإستعمارية الآن. ولذا فقد أسرع أمير طاهري الصحفي السابق في (إطلاعات) الإيرانية في زمن الشاه والذي يعمل الآن في (المجلة) و(الصنداي تايمز) والذي كان معروفاً تماماً بعلاقته الوثيقة بدوائر السافاك التي كانت تسلمه المقالات الجاهزة لنشرها في الصحيفة، أسرع طاهري إلى مقابلة النقشبندي وأسرعت (المجلة) إلى إفراد صفحتين للمقابلة. والحق يقال أن المنشور في المقابلة قد كفانا مؤونة النظر والتحليل فالرجل يقول: (إنهم انشأوا محطة إذاعة ماريفان في الآونة الأخيرة وهي لا تستخدم إلا لمهاجمة أسرتي) وهو بالطبع لم يذكر لماذا؟ لم يذكر للقراء جرائم أبنائه وتعديهم على حقوق الناس. ويقول أيضاً: (لقد ظللت دائماً على رأيي في أن رجال الدين يجب ألا يتدخلوا في السياسة اليومية. واليوم وقد أصبح الخميني رجلاً سياسياً يعمل بشكل سافر فإنه ليس هنالك من سبب يدعوني إلى تغيير مبادئي)... ولا نجد هنا من داع للتعليق على ما يدعيه الرجل من فهم الإسلام يخالف أصول الإسلام الأساسية ولكننا نسأل: إن لم تكن السياسة هي السبب فما الذي يدعوه إذن لمعارضة الثورة والخروج من إيران لإعلان الحرب ضدها؟ فالشيخ عثمان زاهد في السياسة ولكنه – بدون شك – غير زاهد في الأراضي والأموال والتسلط الاجتماعي الذي كان يمارسه وهذا هو بالتحديد ما دعاه إلى الخروج. الغريب أن ما قصده طاهري من المقابلة كان إثارة مسألة الشيعة والسنة ولكن النقشبندي في حديثه لم يجد ما يتهم به الإمام إلا إنه رجل سياسة وإنه رجل دين شيعي غير معتمد في شيعته... ونحتار نحن القراء بين المؤامرات وأجزاء(51/40)
المؤامرات!! قضية النقشبندي واضحة لا تحتاج إلى مزيد من الإهتمام ولكن القضية الأهم هي مسألة الشيخ الكردي السني أحمد مفتي زاده الذي وضع منذ شهور تحت الإقامة الجبرية، فيما سجن بعض أتباعه ولم يتقرر بعد هل سيقدمون لمحاكمة أم سيفرج عنهم بعد حين. الخبر نشرته الشقيقة الكبرى (مجلة الدعوة) الصادرة من فيينا في عددها الأخير تحت عنوان مثير على صفتحين، ذاكرة أن الشيخ أحمد مفتي زاده كان دائماً من المؤيدين للثورة، وقد قاتل وأتباعه ضد المنحرفين الإنقساميين في المنطقة الكردية في الشهور الأولى للثورة، وقد كان له بعض المطالب التي سعى إلى تجميع علماء السنة في إيران قبل عدة شهور ضمن مجلس شورى في طهران ليبحثوها ويعلنوها للحكومة، وأن الإجتماع دعي إليه مندوب من وزارة الداخلية ولكن الحكومة لم تراع تاريخ الرجل، وسارعت إلى القبض عليه وإيداعه السجن منذ عدة شهور وحتى الآن. هذا باختصار ما نشرته الشقيقة الدعوة. والحق يقال أننا في(الطليعة الإسلامية) قد قررنا أن نرفع صوتنا في هذا العدد ضد تصرف الحكومة الإيرانية فالرجل ليس قاسملو ولا عز الدين الحسني والجميع يعرف أنه وقف مع الثورة الإسلامية منذ الأيام الأولى .. ولكننا خلال الأسابيع الماضية قمنا بتحري الأمر والتدقيق فيه من عدة مصادر ووجهات نظر فوجدنا أن الأمر مختلف إلى حد ليس ببسيط عما نشرته (الدعوة) ونحن ندرك بثقة أن الصورة الكاملة الصحيحة لو كانت قد توافرت للأخوة في (الدعوة) لما كان موضوع الشيخ مفتي زاده قد أخذ الصورة التي نشر بها. الشيخ أحمد مفتي زاده هو ابن الشيخ مفتي زاده... وقد كان الوالد عالماً جليلاً وكبيراً من علماء السنة المسلمين في المنطقة الكردية من إيران، وبعد وفاة الوالد تسلم الإبن مكانه وخاصة في إدارة المعهد الديني في ساننداج وقد انتقل ولاء أتباع الوالد إلى الإبن في منطقة تتسم بعلاقات الولاء القبلي ومليئة بالمشاكل والعقد التاريخية. ويقول(51/41)
الكثيرون أن الشيخ أحمد رجل فاضل ولكنه أبداً لم يكن في مثل حكمة وعلم والده، ولكنه وقف منذ بداية الثورة الإسلامية في إيران مع خط الإمام الخميني... ولأنه يعرف جيداً أن عز الدين الحسيني لم يكن إلا لعبة في يد الشاه فقد رفض موقفه المعارض للثورة. كما أن مسؤوليته الإسلامية قد منعته من تأييد قاسملو وجماعته الذين تربطهم روابط عديدة بالدوائر الإستعمارية العالمية، والذين يحملون تصوراً غربياً لا علاقة له بالإسلام. وفي السنة الأولى للثورة وحين احتدم الصراع بين أعداء الإسلام والحكومة الإسلامية في المنطقة الكردية وقف الشيخ أحمد مع الحكومة الإسلامية وقاتل أتباعه مع الحرس الثوري ضد أعداء الثورة. في ذلك الوقت أو قبله بقليل أرسل الشيخ أحمد مبعوثاً إلى العالم والمفكر المسلم الكبير أبو الأعلى المودودي – رحمة الله عليه – يسأله الرأي. فأجابه المودودي قائلاً: (يا شيخ أحمد هذا وقت الواجبات فأدوا واجبكم تجاه ثورة الإسلام وبعد أن يستقر حكم الإسلام طالبوا بالحقوق)... ولكن الشيخ أحمد لم يلتزم طويلاً بنصيحة المودودي رحمه الله، وسرعان ما أعلن قائمة بالمطالب للحكومة معطياً إياها مهلة 15 يوماً للإجابة... وكان من هذه المطالب إنشاء جامعة في ساننداج تحت إشرافه وعدة مشاريع ثقافية وعمرانية تحتاج إلى سنوات للإعداد لها فما بالك بإنشائها. وكان المرحوم آية الله بهشتي على علاقة دائمة بالشيخ أحمد وقال يومها: (الشيخ أحمد جيد لكنه عجول). المهم تمت تهدئة الوضع بعد إنذار الـ 15 يوماً، ودارت أحداث متعددة في كردستان طلب على إثرها الشيخ مفتي زاده من الحكومة أن توفر له مكاناً خارج ساننداج لأنه لم يعد باستطاعته مواجهة الضغط الذي تمثله الجماعات المنحرفة والتي كانت تدفع إلى البسطاء كميات هائلة من الأموال التي حصلت عليها من العراق وغير العراق لتحريضها على العصيان، ولم ترغب الحكومة الإسلامية في أن تكون علاقتها بالشعب علاقة الرشوة(51/42)
فرفضت أن تستخدم الوسيلة ذاتها. وبناء على طلب الشيخ أحمد وفرت الحكومة له منزلاً في كرمنشاه بعيداً عن منطقة الصراع وصرفت رواتب لأتباعه المتفرغين وكان له كامل الحرية في الإتصال بجماعته بكردستان أو أن يحضروا إليه في أي وقت، واستمر الأمر على هذا الوضع، في حين واصلت الحكومة المركزية محاولاتها لتعزيز الأمن والإستقرار في كردستان ومطاردة العملاء والخارجين فيما كانت قوافل (جهاد البناء) مستمرة في الوصول إلى القرى بغير سلاح إلا الجرارات وأدوات البناء لمساعدة المنطقة المحرومة على النهوض. وكل يوم يسقط من شباب (جهاد البناء) العديد من شهداء معركة النهضة الحضارية الإسلامية في كردستان. ولكن الأمور لم تستمر على ما هي عليه مع الشيخ مفتي زاده... ففجأة عاود الشيخ أحمد همهماته وحديث عن مطالب جديدة وبدا أن هناك إتصالات في الخفاء للترتيب لشيء ما، وإذا بالشيخ يعلن أنه دعا بعض العلماء السنة من ساننداج وبلوشتان وتركمانستان (من عشرين إلى ثلاثين) إضافة إلى حوالي ما بين 200-300 من أتباعه، إلى إجتماع في منزله بكرمانشاه – وليس في طهران كما نشر من قبل – والحقيقة أن الشيخ مفتي زاده لم يأخذ تصريحاً من الحكومة لعقد الاجتماع بل إن قائد الحرس ومحافظ كرمانشاه نصحاه بألا يفعل مثل ذلك ولكنه رفض طلبهما وأصر على عمله. وفي الإجتماع تلا بياناً شديد اللهجة مطالباً بمجلس شورى جديد في البلاد يتقاسمه الشيعة والسنة بالتساوي وتعديلات في الدستور وتغيير الآذان في كل أنحاء البلاد برفع (أشهد أن علياً ولي الله) من الآذان، ومهدداً في بيانه باستخدام السلاح ضد الحكومة إن لم تنفذ المطالب فوراً. بعدها اضطر المحافظ والحرس إلى التدخل لفض الإجتماع وقد اعتقل الموجودون وأفرج عن معظمهم بعدها بقليل حين اتضح أنه لم يكن لهم أي دور في المسألة، واعترف بعض أعوان الشيخ أحمد بتقليهم أموالاً من دولة عربية،وأن المسألة كانت أكبر حتى مما تصوره الشيخ(51/43)
أحمد... والمؤكد أن أحداً لم يسئ إليه بأيِّ شكل من الأشكال والمسألة أنهيت بهدوء والموضوع بأكمله الآن أمام رأيين: الأول أن يفرج عن الجميع بعد أن أصبح واضحاً لهم ولغيرهم كم كان عملهم بعيداً عن روح الإسلام، والثاني أن يقدموا للمحاكمة وأمام قاضٍ سني كما ينص الدستور بتطبيق فقه المذاهب الإسلامية أياً كانت حيث تتواجد أكثرية من أتباع المذهب. هذا هو شريط الأحداث الذي جرى في مسألة الشيخ مفتي زاده، أما خلفية الأحداث فهذا ما سنبحثه الآن: منذ حوالي سنة أو يزيد بدأت حملة متوازية من نشر الكتب المسطرة من موقف شيعي وسني على ما يبدو عليها، يطعن فيها الشيعة بالسنة ويطعن السنة بالشيعة وقد طبعت كتب مشبوهة وسيئة السمعة في مصر والخليج وباكستان والأرض المحتلة وإيران نفسها، وبدا واضحاً أن الأمر ليس صدفة فقد بيعت الكتب بأسعار لا يمكن أن توازي قيمتها بل وأحيانا وزعت مجاناً كما حدث في موسمي الحج الأخيرين وكان لا بد أن يتساءل المخلصون: لمصلحة من هذا؟ وقد تزامنت مشكلة الشيخ مفتي زاده مع هذه الأحداث، ومطالبه التي أعلنها يعرف هو شخصياً قبل أي شخص آخر أنها غير منطقية وغير معقولة: فمسألة الآذان يعرف الجميع أن هذا الجزء منه ليس واجباً لدى علماء الشيعة ولا يعتبر إلا جزءاً من الآذان تعود الناس عليه لمئات السنين، بما يجعل مسه بشكل مبكر وسريع أمر غير معقول وغير منطقي وقد يثير الكثير من عواطف الناس، فإن كانت المسألة مسألة التقريب فالملاحظ أن هناك العديد من الخطوات التي أعلنها الإمام الخميني من أجل وحدة الأمة، من إقامة صلاة الجمعة إلى التغيير الجوهري الذي طال مجالس العزاء وأوقف بشكل نهائي مسائل التفرقة التي كان يشجع عليها حكام الجور، ودعوته المتواصلة إلى تكافل الأمة وبث روح الوحدة بين جماهير المسلمين الشيعة في إيران حتى أصبحت الصلاة خلف إمام شيعي أو سني مسألة عادية بين المسلمين في إيران وخارجها، وأيضاً إعطاء(51/44)
العديد من المناسبات الدينية الشيعية مدلولاتا وحدوية إسلامية مثل (أسبوع الوحدة) و (يوم المستضعفين)... الخ. كما أن مسألة التقريب ليست بالمسألة الهينة التي يمكن أن تؤخذ فيها خطوات مفاجئة وتحل ببيانات التهديد من هذا الطرف أو ذاك فما زرعة التخلف والإستعمار على مدى قرون طويلة يحتاج منا صبراً وأناة وبحث حتى يمكن حله. أما مطلب حل مجلس الشورى وتقسيمه بالتساوي بين الشيعة والسنة في إيران فهو أصلاً مطلب غير منطقي وغير واقعي وهو كذلك لا ينم إلا عن روح طائفية أو عن طقس مؤامرة. وقضية تعديل الدستور قضية ليست بالجديدة وهي مهمة مجلس الخبراء الذي لم تم إنتخابه إلا قبل شهر واحد فقط والجميع يأملون في أن يسعى المجلس في أقرب فرصة إلى حل هذه المشكلة التي أعلن منذ مدة طويلة أن الإمام الخميني أوصى بحلها. ولكن كل ما مضى لا يفي لتوضيح الصورة تماماً، ولنتمكن من ذلك فلنبحث عن الوجه الآخر للمشكلة: هل كان الشيخ مفتي زاده هو وحده طرف الأحداث الأخيرة أم أن هناك هجمات أخرى؟ لقد اعترف بعض أتباع الشيخ بأنهم تلقوا أموالاً من الخارج وأن ما تم كان حسب تخطيط مسبق من بعض الجهاد التي كانت تدعي الإسلام ويهمها أن ترى مشاكل المسلمين وتتفاقم ومحاولات وحدتهم تسقط، والمفاجأة في الموضوع أن شبكة من المعممين الشيعة يقدر عددهم بحوالي 15-20 فرداً أُلقي القبض عليهم أيضاً بنفس التهمة، تهمة تلقي أموال من الخارج ونشر الدعايات والكتب السيئة التي تدعو للتفرقة بين المسلمين الشيعة والسنة، ولكن أحداً لم يشر إلى هذه المسألة لأن إثارتها خارج إيران قصد بها عزل الثورة الإسلامية عن جماهير الملايين من المسلمين السنة في المنطقة العربية بالذات. وحتى يزداد الأمر وضوحاً فالذين تم اعتقالهم من الشيعة ينتمي بعضهم إلى إتجاه (نجمن حجتيه) المتخلف ذي الأفق المحدود والذي وجهت له الثورة الإسلامية ضربات موجعة بنشر الفكر الثوري الإسلامي وبطرح ولاية(51/45)
الفقيه، فأعادته إلى حجمه الطبيعي كقوة هامشية في المجتمع الإسلامي داخل إيران. وقد وزع هؤلاء البيانات والكتب التي تتهم الحكومة القائمة في إيران بالإبتعاد عن مذهب آل البيت (!) وأنها دولة غير شرعية (!) وتحارب المذهب الشيعي (!) بل والأكثر من ذلك اعتبارهم آية الله العظمى المنتظري سنياً وليس شيعياً (!) كما أشاعوا أفكار للتفريق بين السنة والشيعة... وسنذكر هنا إسماً واحداً من هؤلاء لعله يكفي لتوضيح حجم المؤامرة، وهو محمد رضا مامقاني المعتقل الآن مع الآخرين الذين سيقدمون جميعاً لمحكمة الإسلام حسب أوامر الإمام المعلنة بأن لا فرق بين أحد أمام القانون الإسلامي.
نرجو أن نكون بذلك قد أوضحنا جانباً من صورة المسلمين في كل مكان، فالمؤامرة تتحرك بهدوء وهي مستمرة ما دام الحق في تصاعده والإسلام في نهضته، ذلك أن كل القوى من أعداء دين الله ومنهجه، كل القوى التي يرعبها أن يتحرك المستضعفون من المسلمين ويستلموا زمام أمرهم ويدحروا إلى الأبد قوى التسلط الغربية وأدواتها... هؤلاء جميعاً مستمرون في محاولتهم لتثبيط الصعود الإسلامي وإيقاف قيام الجماهير المسلمة.
إن أهدافهم واضحة: فقد كانت تجزئة الوطن الإسلامي إلى عشرات الوحدات الصغيرة وتجزئة الأمة إلى مذاهب وفرق وطوائف متناحرة، كانت هذه التجزئة إحدى أهم أدواتهم في السيطرة الإستعمارية والهيمنة والنهب على مر القرون، واليوم بوادر وحدة الأمة أرضاً وشعباً تلوح في الأفق لن يكون أمامهم إلا المواصلة من جديد لإبقاء التجزئة والتناحر والشقاق.
فلتعِ جماهير الأمة حجم المؤامرة... وليعِ أبناء الحركة الإسلامية أدوارهم ولنقف جميعاً في مواجهة الغرب ومؤامراته فهذا لن يكون إلا عصر الجماهير المسلمة... عصر إنتصارها... عصر صعودها... وعصر هيمنة منهج دينها الحق.(51/46)
6- في عام 1985 ألف الشقاقي كتابه " السنة والشيعة ضجة مفتعلة ومؤسفة " حشد فيه المواقف المؤيدة و الداعمة للثورة الإيرانية والعقيدة الشيعية من بعض أهل السنة غير المطلعين على حقيقة الثورة والفكر الشيعي .
7 – وفي مقابلة مع صحيفة اللواء اللبنانية بتاريخ 3/10/1990 أجاب الشقاقي بما يلي:
ما هي علاقتكم بكل من إيران وسوريا وحزب الله؟
ـ لقد قدمت الثورة الإيرانية نموذجا للإسلام المقاوم والثوري أكد قدرة الإسلام على الفعل السياسي المؤثر وقيادة الجماهير كما أعطى الإمام الخميني لحياة الإيرانيين وبقية المسلمين معنى جديدا في عالم تسيطر عليه قيم المادة والإفساد.
وكان لهذا أثره علينا كما على أغلب المسلمين في العالم، ولكن حركتنا التي تنظر إلى الثورة الإسلامية كحليف وصديق للمسلمين في مواجهة الشرك والكفر والاستكبار ـ هي حركة مستقلة تماما تقيم الموقف الإيراني ضمن:
1 ـ الموقف والالتزام الإيراني بالإسلام كنظام حياة وممارسة والموقف من الوحدة الإسلامية في إطار يتجاوز البعد القومي والمذهبي الطائفي.
2 ـ الموقف من القضية الفلسطينية.
الموقف الإيراني من هاتين المسألتين هو الذي يحدد موقفنا وعلاقتنا بإيران أما حزب الله فقد تركت نشاطاته العسكرية ضد العدو الصهيوني انطباعا إيجابيا داخل فلسطين المحتلة بل كانت عمليات حزب الله الإستشهادية حلم كل شاب فلسطيني، ونحن نعتز بصداقة حزب الله وجهاده كما نعتز بصداقة أي حركة إسلامية مجاهدة.
أما النظام العربي فلا علاقة رسمية تربطنا بأي طرف من أطرافه.
هل صحيح أنكم اتهمتم بالتشيع؟.
ـ كانت هذه ضجة ومحاولة مؤسفة لصرف الشعب عن جهادنا وإنكارنا حول خصوصية ومركزية فلسطين وضرورة الجهاد الآن، لقد كانت مؤامرة فموقفنا من التشيّع لم يتجاوز موقف ورأي أئمة وعلماء وقادة المسلمين من أهل السنة قيد أنملة.
8- وفي مقابلة مع جريدة العهد ـ بيروت ـ فبراير 1992 ، بمناسبة يوم القدس والجهاد :(51/47)
في الوقت الذي تلتهب فيه القدس المحتلة بالشهداء والجرحى، كيف تفسرون نداء الإمام الخميني الراحل وإعلانه آخر جمعة من شهر رمضان يوما للقدس العالمي؟
ـ علاقة الإمام الخميني بالقدس وفلسطين ليست حديثة فقد كانت قضية فلسطين وبيت المقدس مواكبة لمراحل جهاد ونهضة الإمام بعد مطلع الستينات ........
كيف يمكن أن نلبي هذا النداء؟
ـ كل يلبي النداء من موقعه، المجاهدون في فلسطين يشددون من ضرباتهم ضد العدو الصهيوني بالطلقة والحجر، بالتظاهرات والإضراب...
كونكم الأقرب إلى واقع الانتفاضة كيف تجدون تفاعل الانتفاضة مع نداء الإمام الخميني الراحل؟
ـ الحقيقة أنه منذ أن أطلق الإمام الجمعة الأخيرة من رمضان يوما للقدس والوطن المحتل في هذا اليوم يعيش يوما مشهودا من المواجهة والصدام والتظاهر، وعندما حاول البعض وقف الانتفاضة لأربع وعشرين ساعة في يوم القدس من العام الماضي، خرجت الجماهير وحولت ذلك اليوم إلى نقمة على المحتل ـ وكان يوم القدس في العام الماضي من أعظم أيام الانتفاضة، كما أشير أن مدينة القدس تتميز في هذا اليوم بسبب وجود المسجد الأقصى وحضور الآلاف، والآلاف من كل أنحاء فلسطين، كي تعقد الحلقات والاحتفالات ويتظاهر المسلمون.
ما رأيكم بالحصار المفروض على المقاومة الإسلامية في جبل عامل؟
ـ المقاومة الإسلامية في لبنان موضع فخر وعزة جميع المسلمين في العالم وحصارها لا يمكن أن يكون في مصلحة المسلمين أو العرب أو لبنان وعلى كل لبناني ومسلم غيور أن يكون جنديا في هذا الصف المجاهد ضد عدو الأمة المركزي. إننا نتمنى أن ينتهي هذا الحصار وأن تتوحد جميع الجهود والطاقات ضد "إسرائيل" التي تريد شرا بلبنان.(51/48)
9– في محاضرة للشقاقي بعنوان : "الثورة الإسلامية في إيران والثورة الفلسطينية جدل مقدس " ألقيت يوم 22/2/1993 بدمشق ، قال الشقاقي : الثورة الإسلامية في إيران أحد أبرز معالم وأحداث القرن العشرين ....الثورة الإسلامية في إيران غيرت وجه المنطقة وأثرت عميقا في العالم وتركيبته ومستقبله إلى وأطلقت الصحوة الإسلامية التي لازالت حديث الدنيا ....لقد عاد انتصار الثورة الإسلامية للمسلم في كل مكان من العالم ثقته بعقيدته ودينه ....لقد جعل الإمام الخميني (رضي الله عنه) لحياة المسلمين معنى وأعطاهم الأمل بأن التغيير ليس ممكنا وحسب بل وحتمي أيضاً، وهكذا انطلق مشروع الثورة الإسلامية على صدى نداءات وشعارات الإمام ليغطي مساحات واسعة من العالم وخاصة الوطن الإسلامي . ولأسباب يمكن فهمها كان صدى الثورة الإسلامية في فلسطين من أوضح وأقوى الأصداء.
...وهكذا سنرى انعكاس الثورة الإسلامية على الواقع الفلسطيني يشمل مستويين مختلفين: الأول هو واقع الثورة الفلسطينية في الخارج وتوجهات قيادتها وارتباطاتها وعلاقاتها المحلية والإقليمية والدولية ...أما المستوى الثاني فهو الداخل الفلسطيني الشعبي شاملاً الأرض المحتلة منذ العام 1948.
...فالصحوة الإسلامية التي أطلقتها الثورة الإسلامية كانت تنبت في فلسطين ثورة جديدة تتنامى شيئاً فشيئاً تطوي القلب على الإسلام وتنطلق من المساجد والحارات الشعبية وعلى مدى الثمانينات كان صعود حركة الجهاد الإسلامي والجهاد المسلح في فلسطين، ..... كل هذه الأسباب اجتمعت وتوقفت أمام عنصر التفجير الأساسي الذي سيطلق الشرارة ويحافظ على ديمومتها لأكثر من خمس سنوات: الإسلام المجاهد إلى تلك الروح التي أطلقتها الثورة الإسلامية لتنبت في فلسطين بعد هذه السنوات.(51/49)
واليوم لازال خط الثورة الإسلامية في إيران حياً متيقظا رغم كل هذا الحصار ورغم كل المؤامرات. ولا زالت الانتفاضة المباركة حية قوية مستمرة، والعالم أجمع يشهد على جدل العلاقة القائمة، بين طهران والقدس إلى والمستكبرون يحاولون فصم عرى هذه العلاقة، ومعهم أدواتهم في المنطقة وإعلامهم وأجهزتهم المختلفة. ونجاح هذه المؤامرة على أي مستوى من المستويات سيضرب في الصميم رسالة الثورة الإسلامية ودور الجمهورية الإسلامية. فالقدس هي درة أي مشروع إسلامي ثوري اليوم إلى ولا رسالة لأي ثورة إسلامية أو حركة إسلامية أو قوة إسلامية بدونها.
...إن التأثير الكبير للثورة الإسلامية في إيران على الصحوة الإسلامية في فلسطين وانطلاق الانتفاضة المباركة واستمرارها بزخم إسلامي وبشعارات إسلامية يعطينا فرصة تاريخية لا يجب أن نفقدها.
10 – كلمة الشقاقي في احتفال المستشارية الإيرانية بدمشق في ذكرى يوم القدس بتاريخ (26/3/1992) : " كم كان ملهماً وموفقاً الامام الخميني رضوان الله عليه وهو يجعل من جمعة رمضان الأخيرة يوماً للقدس، بعد شهر من الصيام والقيام والتطهر من أدران الدنيا وأوساخها وفيما المسلمون في ذروة العبادة عليهم أن يتذكروا القدس وأن يجعلوها في مركز اهتمامهم ".
11 – وفي لقاء مع وكالة الأنباء الإيرانية (ارنا) 1/3/1994م حول تأثيرات الإمام الخميني على المنطقة وفلسطين :
بنظركم ما هو تأثير انتصار الثورة الإسلامية في إيران وتطلعات ورؤية الإمام الخميني (قده) في القضية الفلسطينية على مسار الأحداث الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط؟
ـ انتصار الثورة الإسلامية في إيران بقيادة الإمام الخميني هو الذي أطلق الصحوة الإسلامية في المنطقة وهو الذي أعطى دفعة قوية لصعود الإسلام في فلسطين خاصة ...(51/50)
إعلان يوم القدس العالمي واحدة من الابتكارات المهمة للإمام الخميني (قده) في المجلس السياسي. هل أن تأمين إقامة مراسيم يوم القدس جاءت بالقدر المرجو والمتوقع.
ـ الاستكبار العالمي حارب هذا الإنجاز الخميني العظيم ويحاول محاصرته عبر الأنظمة التابعة التي ترى في يوم القدس رعبا يطاردها ولذا تمنع الشعوب المسلمة من إقامة المراسم المناسبة لهذا اليوم العظيم.
ولكن منذ اليوم الأول لإطلاق الإمام ليوم القدس كانت القدس والمسجد الأقصى خاصة من أول المستجيبين لنداء الإمام حيث يتوافد المؤمنون من كل أنحاء فلسطين للاحتفال بهذا اليوم العظيم. إنه يوم لإحياء الإسلام والرسالة حقا.
إلى أي حد استلهمت الانتفاضة أهدافها وأساليبها من ثورة الإمام وإلى أي مدى تقترب الانتفاضة من مواقف الإمام في القضية الفلسطينية؟
ـ باختصار شديد، الانتفاضة ثمرة من ثمرات الصحوة الإسلامية التي أطلقها الإمام الخميني رضوان الله عليه في المنطقة عامة وفي فلسطين خاصة. ولذا فهي على المستوى الشعبي انتفاضة إسلامية تتحرك بأفق إسلامي وشعارات إسلامية مثل تلك التي تعلمها شعبنا من ثورة الإمام المبدعة العملاقة وهي على المستوى الشعبي تتجه نحو الأهداف الإسلامية في دحر الاحتلال والتحرير بعيداً عن المراوغة والحلول
الوسط والتفريط بالثوابت تلك الأساليب التي حاربها الإمام في ثورته ونحاربها اليوم في انتفاضتنا.
باختصار لقد جاء البعد الإسلامي في الانتفاضة تجسيداً لموقف الإمام الإسلامي والثوري من القضية الفلسطينية" .(51/51)
والآن بعد هذه الجولة المطولة في فكر الشقاقي يتبين لنا عمق ارتباط الشقاقي بالثورة الإيرانية والفكر الشيعي ، مما يفسر بوضوح الممارسات على أرض الواقع من تشيع بعض كوادر الحركة بداية ومن ثم على شكل نشاطات لنشر التشيع في داخل فلسطين ، ولكن الهوى الشيعي الإيراني جعل الشقاقي واعوانه ينسون ذلك ويبدؤون في تنفيذ المخطط الإيراني لتصدير التشيع وكسب التنظيمات السنية لتنفيذ المخططات الإيرانية .
بعض ممارسات حركة الجهاد بوحي من ثورة الخميني في حياة الشقاقي :
تبنت حركة الجهاد في مناهجها الداخلية لتثقيف أفراد الحركة العديد من الكتب الفكرية للثورة الخمينية الشيعية ، والتي كانت تدرس لكافة أفراد الحركة بل حتى للأسرى في سجون الاحتلال .
حرصت الحركة على تنفيذ فكرة الخميني بالاحتفال بيوم القدس في أخر جمعة من رمضان .
بعد إبعاد الشقاقي من فلسطين تم إعادة تشكيل التنظيم كون القيادة أصبحت في الخارج ، وعلى ضوء ذلك تم تعزيز علاقات الحركة بالثورة الإيرانية وحزب الله وحركة التوحيد الموالية لإيران – الشيخ سعيد شعبان في طرابلس –وتجمع العلماء المسلمين في لبنان .
قام أحمد مهنا أحد كوادر حركة الجهاد بالانشقاق وتكوين " حزب الله / فلسطين " سنة 1990 وقد تعثر هذا التنظيم ولم يستمر.
نفذت الحركة العديد من عملياتها تحت أسماء مختلفة منها " شهداء كربلاء " !! وذلك قبل عام 1993م حيث أصبحت عمليات الحركة تتم تحت إسم " قسم " .
رغم كل هذه العلاقة والهوى مع إيران إلا أن الشقاقي يصرح لجريدة أخر خبر 10/6/1994 : أن الدعم الإيراني للقضية الفلسطينية هو دون موقفها السياسي وأن المأمول أكثر مما هو متحقق !!
العلاقة مع إيران والتشيع بعد الشقاقي :
يحسن بنا أن نلخص رؤية الخبير بالشؤون الإيرانية صباح الموسوي حول طبيعة العلاقة بين الشقاقي والإيرانيين في ختام حياته رحمه الله ، يقول الباحث الموسوي في بحثه " من باع فتحي الشقاقي للموساد؟ " :(51/52)
" ... فعلى الرغم من مضي عقد كامل على تلك الجريمة إلا أن هناك العديد من التساؤلات المتعلقة بها بقيت من غير جواب... وهناك من غُيّب جسديا أو سياسيا حتى لا يكشف ما عنده من معلومات قد تجيب على تلك التساؤلات التي طرحت عقب مقتل الشقاقي. ومن بين هؤلاء المغيبين أشخاص كانوا على صلة قريبة بشقاقي، وبعضهم كانوا مسؤولين كبار في حركة الجهاد الإسلامي ولكنهم اختفوا او أقصوا من مواقعهم ولم يتكلموا إلى اليوم على الرغم من استطاعتهم الإجابة على الكثير من التساؤلات التي طرحت ولكنهم لم يفعلوا ... مع بداية الثورة الإيرانية وسطوع نجم الخميني وضع الشقاقي كتابه المعروف "الخميني.. الحل الإسلامي والبديل" الأمر الذي لفت نظر الإيرانيين الذين كانوا يتصيدون الفرص ليستغلوا المؤمنين من أصحاب النوايا الحسنة والعواطف الصادقة ليتخذوا منهم وسيلة لتحقيق أهدافهم التوسعية، فكان الشقاقي بعواطفه النبيلة وأيمانه الصادق وقضيته العادلة خير من يمكن استغلاله حسب رأيهم ولهذا وجدوا في امتعاضه من الجمود الحركي لدى إخوان المسلمين تجاه القضية الفلسطينية، وتأثره بالثورية الخمينية، وحماسه الشديد لتكوين حركة إسلامية مسلحة في فلسطين فرصة لكي يعرضوا عليه المساعدة لدعمه وهي الفرصة الذهبية التي ما كان لشقاقي أن يرفضها... من عام 1981 وحتى عام 1988 ، تاريخ إبعاده إلى مرج الزهور في جنوب لبنان، كان الشقاقي يتابع بدقة السياسة الإيرانية ويرى الاختلاف ما بين الشعارات التي كانت تعلن ابان انتصار الثورة والتي تفاعل معها مثله مثل سائر الملايين من العرب والمسلمين، وبين ما آلت إليه تلك الثورة وكيف انحرفت من مسيرة اسلامية إلى طائفية معادية للعرب. وحين اخذ يتردد على طهران ويلتقي المسؤولين الإيرانيين ويحتك بهم عن كثب، بدأت تظهر له الصورة الحقيقية، لهذا سعى إلى تكوين علاقات جديدة مع دول عربية تغنيه عن اعتماده الكلي على الدعم الإيراني. فبدأ بإجراء(51/53)
اتصالاته مع ليبيا والسودان فضلا عن سوريا التي اتخذ منها مقرا رئيسيا له ولقيادة الحركة وقد لقي الدعم من ليبيا ومن السودان التي فتحت أبواب جامعاتها ومعسكراتها لانصار حركة الجهاد وهو ما جعل الشقاقي اكثر تحرر من الضغوط الإيرانية. وحسب ما نقله لنا أحد قادة الحركة السابقين فان ما كانت تقدمه ليبيا في عام يساوي ما تعطيه ايران بخمسة أعوام وكان هذا يغيظ الإيرانيين كثيرا حتى بدأت الهوة تزداد اتساع بينهم وبين الشقاقي الذي كان يواجه مطالب الإيرانيين في كثيرا من الأحيان بالرفض القاطع. ومن ابرز الأمور التي وسعت من رقعة الخلافات بين الطرفين رفض الشقاقي إلغاء منصب مرشد الحركة الذي كان يشغله "الشيخ عبد العزيز عودة" حيث كان الإيرانيون يصرون على ان تحذو حركة الجهاد الإسلامي حذو حزب الله باتخاذ قائد الثورة الإيرانية علي خامنئي مرشدا عاما لها ولكن الشقاقي رفض ذلك وكثيرا ما كان ينتقد الأسلوب المتعالي للإيرانيين وتحقيرهم العرب أمامه بين حين وآخر وصار الإيرانيون يتهمونه بالانحياز لميوله القومية اكثر من الانحياز لميوله الإسلامية. وفي آخر سفرة له إلى طهران في شهر رمضان من عام 1415هـ أي قبل استشهاده بثمانية اشهر حصل الطلاق الغير معلن بين الشقاقي والإيرانيين. ففي تلك السفرة التي رافقه فيها مسؤول العلاقات الخارجية للحركة آنذاك ابو احمد (عصام الناطور)، تم حجز الشقاقي ورفيقه في بيت شمال طهران ولم يسمح له بالخروج منه إلى المدينة كما قُطع عنه الهاتف ولكن بعد فترة شهر بأكمله، تمكن الشقاقي، وبعد مفاوضات مضنية، من إقناع الإيرانيين بإطلاق سراحه ورفيقه بعد ان أقنعهم بأنه سوف يقطع علاقاته بليبيا ويلغي منصب المرشد العام للحركة ويلبي الشروط الأخرى التي كان الإيرانيون يصرون عليها ومن ضمنها ان يكونوا هم من يختار زمان ومكان العمليات العسكرية التي تنفذها الحركة ضد قوات الاحتلال بالإضافة إلى ضرورة تصعيد خطاب الحركة(51/54)
المعادي للرئيس ياسر عرفات والسلطة الوطنية الفلسطينية وهو ما كان يرفضه الشقاقي دائما وكان يصر على توجيه الانتقاد بدل الهجوم والتشهير على غرار ما كانت تفعله بعض التنظيمات الفلسطينية التي تحظي بدعم إيران آنذاك من أمثال الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة بقيادة احمد جبريل وحركة فتح الانتفاضة بقيادة ابو موسى و أبو خالد العملة وغيرها.
كان الإيرانيون ومنذ ان أخذت خلافتهم تتصاعد مع الشقاقي قد بدأوا بتهيئة البديل له وقد وقع اختيارهم على الدكتور رمضان عبد الله شلح الأمين العام الحالي للحركة الذي يعد من الأشخاص الأوائل الذين التحقوا بحركة الجهاد عندما كان طالبا بكلية الاقتصاد في مصر، وحين انتقل من الأراضي المحتلة إلى أمريكا صار يتردد علي ايران وتمكن من بناء علاقات جيدة مع أطراف متنفذة في القرار الإيراني وذلك بعد ان اظهر لها ميوله للمذهب الشيعي وتهجمه المستمر على الخط العروبي والرئيس الراحل ياسر عرفات.
كانت زيارات رمضان شلح النادرة إلى دمشق لا تطول اكثر من أيام محدودة. غير أن هذه المرة دامت قرابة الخمسة اشهر قبل أن يعلن عن استشهاد الشقاقي. وفي اليوم الذي كان من المقرر أن يصل فيه الشقاقي إلى دمشق قادما من مالطا عن طريق قبرص خرج رمضان شلح برفقة المسؤول الإعلامي في الحركة آنذاك لاستقباله وحينما هبطت الطائرة في مطار دمشق ولم ينزل منها الشقاقي قال المسؤول الإعلامي المرافق لشلح "يبدو أن الأخ ابو إبراهيم لن يأتي اليوم" كانت هذه الكلمات كافية لكي يعدم الرجل في لبنان بأمر من الدكتور رمضان شلح لاسباب بقيت مجهولة إلى الآن.(51/55)
بعد مقتل الشقاقي تم إلغاء منصب المرشد العام للحركة وعزل الشيخ عبد العزيز عودة من منصبه واصبح المرشد الإيراني علي خامنئي هو المرشد وهو المرجع لحركة الجهاد، كما تم عزل عصام الناطور مسؤول العلاقات الخارجية والمطلع على كثير من أسرار الخلافات بين الشقاقي والإيرانيين كما تم أبعاد عدد من المسؤولين عسكريين من أمثال أبو جهاد في لبنان.
كما تم إلغاء كتاب "معالم في الطريق" لسيد قطب من المنهاج الفكري للحركة وأصبحت كتب القادة الإيرانيين هي المعتمدة خصوصا بين الأعضاء في الخارج، وهناك الكثير من الأمور الأخرى التي لا تسعها هذه المساحة " .
وهذه الأسئلة التي طرحها الباحث الموسوي على حركة الجهاد توضيحها !! لأننا نرى تطبيق لوازمها في سلوك الحركة في هذه المرحلة ، أما قضية أن الشقاقي قد تبينت له أمور نفرته من إيران فهذه تحتاج أدلة
أوضح لأننا لا نملك مؤشرات تدل على ذلك .
قادة حركة الجهاد اليوم والتشيع :
قادة حركة الجهاد الحاليون لهم مواقف واضحة من تبني ودعم حركة التشيع على المستوى العقدى والمستوى السياسي ، وهذه بعض المواقف :
1- يقول أحد زعماء المتشيعين في مصر وهو د. أحمد النفيس في كتابه " رحلتي مع الشيعة والتشيع في مصر " ص 28 عن مرحلة سجنه بعد اغتيال السادات :(51/56)
في مثل هذا الجو الذي يخيم عليه الجهل لم يكن من الممكن الدخول في أي حوار يتعلق بخط أهل البيت أو حتى بالثورة الإيرانية حيث يعتمد الجميع العقيدة الوهابية الطحاوية التي تخص أتباع أهل البيت بالتكفير باستثناء وجه واحد عايشته في زنزانتي قرابة العشرة أشهر إنه " نافذ عزام " المتحدث الرسمي الآن باسم الجهاد الإسلامي لتحرير فلسطين في قطاع غزة ذلك المجاهد الذي رسخ في قلبي حب القائد العظيم ( روح الله الخميني ) لقد كان ذلك المجاهد جزءا من مجموعة الشهيد بعد ذلك فتحى الشقاقي التي رافقتنا في تلك الرحلة حتى قرب نهايتها ولا زلت أذكر كلماته عن ذلك الأمل الذي تمثله الثورة الإسلامية في إيران بالنسبة للشعب الفلسطيني المظلوم ولقد كان الرجل من الصادقين في توقعاته " . ولا يزال عزام من المروجين علنا لنموذج الثورة الإيرانية .
2- سبق أن مر بنا أن الأمين العام لحركة الجهاد د. عبد الله شلح هو الذي نسخ مسودة كتاب " الخميني والبديل " .
3- يقول د. شلح عن علاقته بحسن نصر الله أمين حزب الله اللبناني :" السيد حسن نصر الله أخ صديق وحليف إستراتيجي ... أول مرة انتبهت له كانت في نهاية عام 1989 كنت في زيارة لبيروت وكان د.فتحي رحمه الله عائداًً من احتفال لحزب الله خطب فيه السيد حسن فكان الدكتور فتحي يتحدث عنه بانبهار شديد .. فعندما راجعت الدكتور وأبديت استغرابي من فرط إعجابه به قال لي عن السيد حسن وبحضور أخوة .....( إذا قدر له أن يعيش فسيكون خميني العرب ) " .
في مقابلة مؤخراً مع شلح لصحيفة الحقيقة بتاريخ 22/8/2007 تبدو العلاقة قوية جداً مع إيران لدرجة أنه لم يستطع الدفاع عن دماء الفلسطينيين في العراق ولو بكلمة !!
" ? الحقيقة الدولية: ما حقيقة قيام إيران بتقديم دعم لحركة الجهاد الإسلامي؟(51/57)
دعم إيران للشعب الفلسطيني ليس سرا فلقد أعلنت إيران دوما عن استعدادها لدعم الشعب الفلسطيني وعندما زار إسماعيل هنية إيران أعلنت إيران عن تقديمها ربع مليار دولار لدعم الشعب الفلسطيني ولكن القضية التي لا يجب إغفالها انه في الوقت الذي تعلن إيران عن تقديم دعم للشعب الفلسطيني يتقاعس العرب عن تقديم هذا الدعم فكان لابد لإيران من ملء هذا الفراغ. ( هذا غير صحيح فالدعم العربي والإسلامي الشعبي والرسمي للشعب الفلسطيني يفوق دعم إيران ، وكذلك الدعم الشعبي لحماس يفوق إيران ، لكن دعم إيران لحركة الجهاد يفوق الدعم العربي والشعبي لها . الباحث )
? الحقيقة الدولية: وما هي علاقتكم بحزب الله؟ وهل يوجد تنسيق بينكم على الأرض؟
رغم عدم وجود تنسيق بيننا وبين حزب الله على الأرض لان لكل منا ظروفه التي تختلف عن الآخر إلا أن علاقاتنا بحزب الله جيدة انطلاقا من قاعدة التحالف ضد المشروع الصهيوني الأمريكي الذي يريد الهيمنة على المنطقة.
? الحقيقة الدولية: ولكن ألا يوجد لديكم تحفظات على دعم إيران للنظام الحاكم في العراق الموالي للولايات المتحدة؟
نحن لا نتفق مع الإخوة في إيران فبينما نثمن دعمها للمقاومة في كل من فلسطين ولبنان فان لدينا تحفظات على دعمها للمهادنين للاحتلال في العراق لان ذلك ليس في مصلحة إيران نفسها وقلنا هذا للإخوة الإيرانيين وسوف تثبت الأيام هذا."
3- الشيخ عبد الله الشامي وعمر شلح يعلنان عن تبعيتهم لمرشد الثورة الإيرانية على خامنئى في احتفالات الحركة .
4- هشام سالم مسئول جمعية غدير الشيعية الإسم والمحتوى.
5- محمد البيومي يتبنى الفكر الرافضي في مدينة رفح جنوب قطاع غزة وهو حاليا متواجد في إيران .
6- محمد الطوخي ممثل الحركة في إيران تشيع .(51/58)
7- بحسب مجلة الوطن العربي 24 /3/2000 م من بين الذين تشيعوا من عناصر الحركة في المخيمات في لبنان: شريد توهان من مخيم الرشيدية في لبنان، ومحمد قدورة من صور، ومسؤول الحركة في جنوب لبنان محمد المجذوب.
نشاطات حركة الجهاد الحالية في نشر التشيع في داخل فلسطين :
هذه بعض الجهود لحركة الجهاد في نشر للتشيع بشكل مكثف داخل فلسطين ، رغم أن الشقاقي قال في كتابه " الشيعو والسنة ضجة مفتعلة ومؤسفة " ص 64 : " ليس في فلسطين شيعي واحد " ولكن بفضل جهوده وجهود حركته انتشر الضلال والشرك والبدعة في فلسطين ولا حول ولا قوة إلا بالله .
1- أقدمت صحيفة الاستقلال بتاريخ 11/ 1/2007 م، على نشر مقال خطير فيه لمز وتعريض بالصحابي الجليل أبي سفيان، قد تكرر هذا من صحيفة "الاستقلال" - التابعة لحركة الجهاد الإسلامي– بنشر مقالات تطعن بالصحابة ، ناهيك عن مقالات التمجيد والتبجيل لحسن نصر وحكومة إيران .
2- إذاعة صوت القدس التابعة للجهاد تبث بشكل واضح أفكار تشجع على التشيع .
3- حركة الجهاد بإرسالهم جرحى فلسطين للعلاج في إيران! ويتم هناك الضغط عليهم للتشيع .
4 - تأسيس مجموعة من الجمعيات التي تباشر التبشير الشيعي، ولهذه الجمعيات أنشطة بين طلبة الجامعات وتقوم بترتيب دورات في داخل البيوت للترويج للفكر الشيعي مثل :
أ. جمعية الإحسان الخيرية مقرها الرئيس في مدينة غزة ولها فروع في كافة أنحاء القطاع .
ب. جمعية غدير ومسئولها هشام سالم ومقرها في بيت لاهيا في شمال قطاع غزة
ج. جمعية رياض الصالحين مقرها في مدينة غزة
هـ. جمعية أرض الرباط مقرها أيضا في مدينة غزة ومسئولها عبد الله الشامي .
و. جمعية آل البيت وتم الإعلان عن تأسيسها حديثا كما وأعلنوا من خلالها عن بداية تأسيس جامعة تحمل اسم جامعة آل البيت وهم حاليا بصدد بنائها .
ز. في محافظة بيت لحم فتم إنشاء اتحاد الشباب الإسلامي وبعض المؤسسات التي تنشر التشيع.(51/59)
5 - طباعة الصحيفة السجادية وتوزيعها في قطاع غزة ، وأطلقوا عليها "الطبعة الفلسطينية".
6 - تنظيم العديد من المهرجانات تارة باسم القدس وتارة باسم الشهداء ولكن هي في الحقيقة إحياء لذكرى الخميني وبداية الثورة الإيرانية وغيرها من المناسبات الرافضية .
7 - إقامة مؤتمر في مدينة غزة بدعوى توحيد المسلمين وكان الهدف الرئيس هو الترويج أن لا فرق بين السنة والشيعة وأن الفروق مع هذه الفرقة الضالة إنما هي فروق سطحية .
8- حشد بعض الوعاظ السذج ودفع أموال لهم لتسخيرهم لنشر فكرهم الرافضي في المساجد.
9- توزيع كميات من الكتب التي تتعلق بالمذهب الرافضي وكذلك الكتب التي تتحدث عن الثورة الإيرانية وغيرها ومن بين هذه الكتب : لأكون مع الصادقين للتيجاني وليالي بيشاور وولاية الفقيه ومختارات من أقوال الخميني وغيرها .
10 - ترتيب منح دراسية للسفر إلى إيران للعديد من الطلبة ناهيك عن سفر أعضائهم إلى إيران بشكل دوري مستمر .
11 - اُعلن عن تشكيل تنظيم جديد في فلسطين المحتلة يحمل اسم "المجلس الشيعي الأعلى في فلسطين". وقال بيان المجلس الذي صدر في رام الله وحمل توقيع "محمد غوانمة" رئيس التنظيم الشيعي الجديد، إننا وباسم الإسلام العظيم ومن قلب فلسطين نعلن عن تأسيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في فلسطين،. وجاء في البيان، إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية ركيزة المشروع الإسلامي العالمي علي طريق إقامة خلافة إسلامية راشدة وعاصمتها القدس الشريف .
ولكن سرعان ما تراجعوا عن هذا المجلس بسبب الضجة التي سببها ، علماً أن محمد غوانمة رئيس المجلس المزعوم أكد في لقاء صحفي أنه تبن المذهب الشيعي عام 1979 مع انتصار الثورة الإيرانية وبقي متكتما على هذا الانتماء حتى عام 1995 وانه عمل لمدة أربعة سنوات مرافقا للشقاقي .(51/60)
ويؤكد أن خطته الحالية هي بناء مسجد شيعي في رام الله، ويعترف بوجود علاقات قوية بين المتشيعين في فلسطين، وبين إيران وشيعة لبنان) (.
12 - محمد شحادة ، وأحد قادة حركة الجهاد، وأحد مبعدي مرج الزهور،حيث تأثر هناك بمجاهدي الحرس الثوري الإيراني وحزب الله فتشيع وأعلن تشيعه ، وقد تعهد في مقابلة مجلة المنبر الشيعية المتطرفة بنشر المذهب الشيعي في فلسطين.وقد أصبحت مدينة بيت لحم حيث يسكن محمد شحادة مركزاً للشيعة في فلسطين( ). ، وله فيها أتباع يعلنون تشيعهم ويعتدون على من يعترض عليهم ، ولذلك رشح شحادة نفسه للانتخابات التشريعية الفلسطينية الأخيرة سنة 2006 في محافظة بيت لحم، رغم مقاطعة حركة الجهاد الإسلامي للانتخابات.
وقد اعتبر شحادة أنه تعرض لمضايقات من الحركة بعد اعتناقه التشيع، إذ يقول: "أخوض الانتخابات مستقلاً، بعد أن رأيت من كنت معهم لا يستطيعون تحمل وجودي باعتباري شيعياً، وبعد أن تشاورت مع من يدعمني ويؤازرني من شباب الجهاد الإسلامي، والفصائل الأخرى"( ).
وعن انتقاله إلى التشيع والمرحلة التي سبقت ذلك يقول:
"كنت أحد مقاتلي حركة فتح الفلسطينية منذ كان عمري 16 عاماً، وقد اعتقلت إثر ذلك في العام 1980، وحكم عليّ بالسجن خمسة وعشرين عاماً، ثم أفرج عني في عملية تبادل الأسرى العام 1985، بعدها تكررت عمليات اعتقالي لعدة أعوام بلا محاكمة بتهمة الانتماء إلى حركة الجهاد الإسلامي التي نشطت فيها بعد خروجي من فتح، ومن ثم أبعدتني قوات الاحتلال إلى مرج الزهور في جنوب لبنان لمدة عام خلال الانتفاضة المجيدة العام 1992...(51/61)
في تلك الفترة أحسست بمعنى أن تكون مظلوماً، وقد تعمق هذا الشعور عندي والرغبة بالانتصار على الظلمة بعد الثورة الإسلامية في إيران المسلمة، حيث دفعني ذلك إلى القراءة المستفيضة عن الثورة الإسلامية ومرتكزاتها الفكرية التي تنطلق من التشيع لآل البيت النبوي... بقيت القراءات تدور في إطارها النظري إلى أن تم إبعادي إلى مرج الزهور كما أسلفت حيث عايشت الممارسة الحقة للفكر الإسلامي من قبل مجاهدي الحرس الثوري الإيراني وحزب الله الذين كانوا يزوروننا في المخيم"( ). ولعل هذا من أهم النتائج التي حصلت عليها إسرائيل من قضية الإبعاد، وهو نقل التشيع إلى داخل فلسطين مع تسهيل عملية التعارف بين قادة الداخل وقادة حزب الله بطريقة لا تثير الشكوك !!!
الخاتمة : بعد هذه الرحلة الطويلة تتضح لنا الحقائق التالية :
أن علاقة حركة الجهاد مع إيران والتشيع علاقة قديم من بداية الثورة واستمرت لليوم.
العلاقة بنيت على فهم قاصر للعقيدة والفكر الشيعي ولا يزال هذا القصور في الفهم مستمر .
تطورت العلاقة من إعجاب بالجانب الثوري للثورة الخميني إلى تبنى العقيدة الشيعية والفكر الخميني لدى الحركة .
تحولت حركة الجهاد إلى أداة من أدوات المشروع الإيراني الشيعي في المنطقة .
من مهام حركة الجهاد اليوم نشر ورعاية التشيع في فلسطين .
فهل يربأ الشرفاء من حركة الجهاد عن القيام بهذا الدور القذر ؟
وهل يصحو بعض الأفاضل المخدوعين بمعسول كلام الجهاد وممثلهم في الجزيرة للحقيقة ؟
نرجو ذلك والله المستعان على السراء والضراء ،،،
أبو الهدى الصيادي في آثار معاصريه
تأليف: حسن السّماحي سويدان
"من درويش يرتزق من ضرب الدف، والتكسب بالرّقى والعزائم، إلى استانبول حاضرة الخلافة العثمانية، حيث النفوذ والجاه والمال والمؤامرات... كان صعود نجم أبي الهدى السريع المعجِب".(51/62)
تكاد العبارة السابقة تلخص بداية ونهاية شخصية صوفية لم يحظ أحد بمثل ما حظيت به في الدولة العثمانية، وتحديداً في عصرها الأخير، الذي كان السلطان عبد الحميد الثاني أبرز رموزه، حيث نال أبو الهدى الصيادي، شيخ الطريقة الرفاعية، مكانة كبيرة، ومنزلة عظيمة عند السلطان عبد الحميد، بحيث صارت كلمته تنفذ على السلطان نفسه.
وكتاب هذا الشهر "أبو الهدى الصيادي في آثار معاصريه" لمؤلفه حسن السماحي سويدان، يحاول أن يعطي صورة مفصلة عن هذه الشخصية التي بحسب المؤلف ـ ملأ الدنيا وشغل الناس "بحسبه ونسبه، وتصوفه وطريقته، وكرمه واريحيته، وعلاقاته الودية وغير الودية مع كثير من رجالات عصره" ص5.
والكتاب الصادر سنة 2002م عن دار البشائر بدمشق في 392 صفحة من القطع المتوسط، يقدم شهادات كتبها عدد من معاصري أبي الهدى الصيادي وممن تعامل معه مباشرة ـ في الغالب ـ من أهل العلم والثقافة والأدب، وقد تباينت الآراء تجاه شخصية الصيادي تبايناً كبيراً، واكتنفها الكثير من الغموض، وذلك يعود إلى اشتهار الصّيادي بالكذب، واختراع الأحداث والشخصيات ـ كما سيأتي بيانه ـ إضافة إلى أن المكانة التي تبوأها أثارت عليه بعض الحاسدين والطامعين والطامحين.
والمؤلف حسن سويدان، وهو لا يخفى بين الحين والآخر إعجابه بشخصية الصيادي وبذكائه ودهائه وطموحه، يشير إلى أن ماضيه ونسبه "هو نقطة الضعف التي اعتمد عليها خصومه في محاربته، فما كان منه (أي الصيادي) إلاّ أن أعاد كتابة سيرته كما يريدها هو متلائمة مع وضعه الحديد، خادمة لدوره العتيد، موثقة بشهادة الأعيان من كل البلدان، لا كما هي في الحقيقة والعيان" ص7.
وسيرة الصيادي التي دونها هو بنفسه، هي واحدة من 11 سيرة للصيادي يعرضها المؤلف بين مدح وذم، وقد اشتملت على الكثير من المعلومات عن حياة الصيادي ومؤلفاته وسياسته والمكانة التي تبوأها وخصومه...
أما الذين نقل المؤلف شهاداتهم عن الصيادي في كتابه فهم:(51/63)
1ـ الصيادي نفسه.
2ـ العلامة عبد الرزاق البيطار.
3ـ الأديب ولي الدين يكن.
4ـ الأديب قسطاكي الحمصي.
5ـ المؤرخ محمد كرد علي.
6ـ الأديب محمد سليم الجندي.
7ـ البحاثة محمد عبد الحي الكتّاني.
8ـ القاضي عبد الحفيظ الفاسي.
9ـ الدكتور سامي الكيالي.
10ـ الأستاذ أدهم الجندي.
11ـ عدد آخر مثل: الأستاذ إبراهيم المويلحي، والعلامة المؤرخ محمد راغب الطباخ،...
وحيث أن الذين نقل المؤلف شهاداتهم في أبي الصيادي من مشارب وتوجهات ختلفة، فمن الطبيعي أن تختلف آراؤهم فيه، لكنها تجمع على ذكائه ودهائه وفصاحته وطموحه وتواضعه، ويتحدث الكثير منها عن كذبه وافتراءاته.
وفيما يلي بيان لأهم ما احتوته هذه الشهادات عن سيرة الصيادي:
1ـ ولد محمد أبو الهدى الصيادي في قرية خان شيخون، في محافظة حلب سنة 1849م، وتوفي سنة 1909م في الأستانة (اسطنبول)، ونقل رفاته إلى حلب سنة 1937م.
2ـ كان الصيادي صوفياً، وانتمى إلى الطريقة الرفاعية، وهي إحدى الطرق الصوفية المنتشرة، وقد ألف في الثناء على طريقته والدعوة إليها وشرح مبادئها عدداً من الكتب منها:
ـ قلائد الزبرجد على حِكَم الغوث الشريف الرفاعي أحمد.
ـ قلادة الجواهر في ذكر الغوث الرفاعي وأتباعه الأكابر.
ـ تنوير الأبصار في طبقات السادة الرفاعية الأخيار.
ـ هداية الساعي في سلوك طريقة الغوث الرفاعي.
ـ الفجر المنير فيما ورد عن لسان الغوث الرفاعي الكبير.
ـ المصباح المنير في ورد السيد الرفاعي الكبير.
"وازدهرت الطريقة الرفاعية بعهده، وشيّد السلطان ضريح القطب الرفاعي على نفقته الخاصة" ص276.
"فسلك الطريقة الرفاعية، وفتح أبوابه لرجالها، وللمنتسبين إلى الرفاعي، فتهافت الناس عليه تهافت الذباب على الشراب" ص 172.
وبعد موت الصيادي، ضعفت هذه الطريقة، وضعف شأن أصحابها.(51/64)
3ـ اعتلى أبو الهدى أعلى المناصب في عهد السلطان عبد الحميد الثاني، فتولى منصب شيخ الإسلام، ومسؤول القضاء، وشيخ الطريقة الرفاعية، ونقيب الأشراف، وأغدق السلطان عليه الأموال والأوسمة والمناصب ، ودعمه بالنفوذ المطلق، ص6.
وتعود هذه المكانة التي تبوأها الصيادي إلى أن "السلطان عبد الحميد كان يحاول أن يقف في وجه التيارات المعارضة لسياسته في الأناضول والشام والعراق، ووجد في التصوف ضالته المنشودة، فتحت غطائه يستطيع أن يبثّ من الدعاية ما شاء حول شخصه وسياسته الداخلية، فقرّب إليه عدداً من رجال التصوف كالشيخ محمد ظافر المدني، والشيخ محمود أبو الشامات، شيخي الطريقة الشاذلية، فبنى لهما التكايا الفخمة وأجرى عليهما الأرزاق.. لكن لم تكد تقع عيناه على أبي الهدى الصيادي حتى وجد فيه الرجل الذي كان ينتظره لتنفيذ سياسته" ص6.
4ـ وصل الصيادي إلى ما وصل إليه من مكانته ونفوذ "بسرعة البرق" ص6، ذلك أنه قبل أن يتبوأ مكانته، كان درويشاً "يرتزق من ضرب الدف، والتكسب بالرقى والعزائم" ص5.
ينقل المؤرخ محمد كرد علي عن أبيه قوله: "كنّا بضعة تجار من الشاميين في إستانبول، ننزل في خان من خاناتها، ولم تكن الفنادق يومئذ معروفة، وكنّا نتألف ونشترك في النفقة والسمر، وكان يزورنا درويش أسمر اللون، جهوري الصوت، تبدو أمارات الذكاء عليه، وله جدائل يرخيها على ظهره، يعتم بمئزر، ويكتسي عباءة وقفطاناً، ويضرب بالدف، وينشد أشعاراً على طريقة القوم (الصوفية) وما كان يشاركنا في النفقة، ومهمته أن يسلينا بأناشيده كل ليلة، وهذا الفتى هو: محمد بن حسن وادي المعروف بأبي الهدى الصيادي الرفاعي" ص130.
وما هي إلاّ فترة وجيزة حتى "أقبلت السعادة على الشيخ الصيادي فتقمصها، وسيق إليه العز بعد الخمول، فأصبح مستشار السلطان، وأحد الرجال الممتازين في دولته، يستأمره في المسائل العظمى، ولا تصبر نفسه عن فراقه زمناً طويلاً" ص134.(51/65)
5ـ ادّعى أبو الهدى الانتساب إلى آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم على عادة ما يصنعه شيوخ الطرق الصوفية، "وربط أسلافه ببيوتاتٍ وبطونٍ كثيرة، فهو رفاعي خالدي، قرشي، هاشمي، علوي، ثم غسّاني، تُبَّعِي" ص83.
كما نسب نفسه من جهة أخرى إلى خالد بن الوليد رضي الله عنه في حين انه "انقرض نسل سيدنا خالد بن الوليد رضي الله عنه في العصر الأول" ص21.
و"كان ماضي أبي الهدى ونسبه هو نقطة الضعف التي اعتمد عليها خصومه في محاربته، فما كان منه إلاّ أن أعاد كتابة سيرته كما يريدها هو متلائمة مع وضعه الجديد، خادمة لدوره العتيد، موثقة بشهادة الأعيان في كل البلدان، لا كما هي في الحقيقة والعيان. أما خصومه، فقد نبشوا ماضيه، وتحرّوا أصله وفصله، وتصيدوا عثراته وهفواته، وتتبعوا مكايده، فأذاعوها، وألّفوا الكتب فيها" ص7.
6ـ ادّعى أن أباه كان من العلماء والأولياء، ونسب إليه الكرامات، ليعتقد الناس أن أبا الهدى ينحدر من بيت علم وفضل "وجميع ما وصفه به ولده من العلم والفضل، وما نسبه إليه من الكرامات وخوارق العادات، وسخاء الطبع، لا أصل له، وهو محض افتراء، فوالده لم يكن سوى رجل من البسطاء المغفلين، أُثِر عنه في تغفّله عدة حكايات، وليس فيه ميزة علم، ولا سمة فضل، وحقيقة أمره أنه لما نشأ ولده أبو الهدى أفندي، وعلا أمره، وذاع في الناس صيته، استحضره إلى الأستانة، وألبسه العمامة الخضراء، التي هي شعار السادة الرفاعية، وصار يعظم شأنه لدى سكان الاستانة، وينسب إليه ما شاء من الفضل والكرامات والأحوال" ص285.
7ـ كما ابتكر شخصية اسماها "الشيخ الرواس" ادّعى أنه شيخه ومعلمه، ونسب إليه العلوم والكتب والشعر، "وأكثر الناس يزعمون أن الرواس شخص موهوم لا حقيقة له، اخترعه أبو الهدى وأضاف إليه أقوالاً وأعمالاً" ص167.(51/66)
"ومن مروياته (أي الصيادي): ديوان الروّاس، وهو مطبوع، وكان يقول إنه شيخه، عنه أخذ العلم، ويقول بعض الناس: إن الروّاس اسم وضعه هو، لمسمّى لم يوجد، وإن الديوان رواه ونسبه إليه، هو نظمه" ص115.
8ـ بالرغم من مكانة أبي الهدى وفصاحته، إلاّ أن الشكوك تحوم في حقيقة كتابته لمؤلفاته فقد "استمال فريقاً من الرجال، منهم الأمراء وأهلُ الثروة، وذوو الحكم في البلاد، فأظهر لهم الود، واستعمل قدرتهم في أغراضه، ووفد عليه العلماء والشعراء والكتاب يستعينون به على قضاء حوائجهم، فكان منهم من يؤلفون الأسفار ويعزونها إليه، ومنهم من ينظمون الأشعار ويروونها عنه" ص85ـ86.
يقول الأديب محمد سليم الجندي: "وأما منزلة أبي الهدى في العلم، فإن له رسائل نسبت إليه، وهي تدلّ على أنه شدا شيئاً من العربية والفقه والتصوف، وليس فيما رأيته من رسائله ما يدل على تبحره في علم ديني أو لدنِّيِّ" ص170.
ومنهم من يذهب إلى "أن أبا الهدى لم يكن على شيء كثير من العلم والأدب أول ظهوره، فلما عظمت شخصيته، جلب معلمين لأولاده، فكان بحجة أنه يلاحظ دروسهم يستمع لما يلقيه الأساتذة، وبذلك تعلم ما قوي به على وضع بعض كتب في التصوف والأدب، بلغت نحو أربعين رسالة وكتاباً" ص137.
9ـ كان الصيادي يحسن إلى العرب الذين كانوا مهمشين في ظل الدولة العثمانية التي تتعصب للأتراك "ومن أبرز أعماله أنه كان رحمه الله من أعظم المناصرين للعرب كافة، وما قصده أحد من أبناء البلاد العربية إلاّ آزره، ولبّى حاجته" ص269.(51/67)
إلا أن إكرام الصيادي للعرب والذود عنهم ومساعدتهم كان لها ـ فيما يبدو ـ أهداف أخرى "وكان من سياسته أن يحمل سلطانه على الاعتقاد أنه صاحب النفوذ الأكبر في الولايات العربية، رضاه رضا العرب، وغضبه غضبهم، وأن عرب السلطنة العثمانية في قبضته، يحركهم ويسكنهم كما يشاء... ولقد رأى من متممات هذه السياسة أن يفتح بابه لكل طالب، فشخص إليه أرباب المصالح من الأقطار العربية، يتوسلون بجاهه للحصول على رغائبهم" ص135.
10ـ اتخذ الصيادي موقفاً عدائياً من الدعوة السلفية، ودعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في نجد على وجه الخصوص "وكان من أعماله مكافحة المذهب الوهابي لئلاّ يتسرّب إلى العراق والشام، لأن السلطان كان يخاف على ملكه في ديار العرب من الوهابين وصاحبهم" ص134.
11ـ كان يدّعي التقوى والصلاح وينسب لنفسه الكرامات، على طريقة الصوفية، "وكان يقول لكثير من الناس: لو شئت لكلمت الطيور، وساميتها إذ تحلق في الجو، ولخاطبت النمال، ودعوت الوحوش فأجابت" ص102.
12ـ اتسمت علاقته مع جمال الدين الأفغاني في بادئ الأمر بالود، لكنها انقلبت إلى عداوة سافرة، ومردّ ذلك سعي البعض بالنميمة بينهما، ثم غضب أبي الهدى عندما بدأ السلطان عبد الحميد بتقريب جمال الدين إليه "فقد اعتقد أبو الهدى أنه (أي الأفغاني) جاء ليزاحمه على مقامه الديني الخطير، لاسيّما بعد أن عرض السلطان على جمال الدين مشيخة الإسلام... وهنا انقلب أبو الهدى على جمال الدين، وأخذ يتّهمه بالكفر والزندقة والإلحاد، وأنه جاء ليفسد العقائد" ص 243 ـ 244.
13ـ إن الخلاف الذي نشب بين الصيّادي والأفغاني، جعل الصيادي يكشف بعضاً من الحقائق عن الأفغاني، وأهمها أنه "إيراني شيعي، ولد في أسد أباد، ودرس في أصفهان، ثم في النجف، ثم طرد من النجف لاتهامه بالزندقة، وله صلات بالبهائية، لا كما كان يدّعي أنه أفغاني ولد في أسعد أباد، وأنه سني حنفي" ص8.(51/68)
بالمقابل أطلق الأفغاني على الصيادي كنية "أبي الضلال" بدلاً من "أبي الهدى".
14ـ كان يظهر من الصيادي التشيع، كما هو دأب الكثيرين من أتباع الطرق الصوفية، ومن ذلك قوله: "إن نقطة واحدة أهريقت من دماء آل البيت أفضل من كلِّ مَن مشى على الأرض بعد الرسول صلى الله عليه وسلم" ص131.
15ـ تولى أحد أبنائه، وهو حسن خالد أبو الهدى، منصب رئيس الوزراء في إمارة شرق الأردن "ولم يكن مثل أبيه في الذكاء والدهاء" ص 177.
16ـ كان أبو الهدى يدني أقاربه، ويوليهم، "وأظن أنه لو وفق إلى اختيار أتباعه وخلصانه من خيرة الناس، لكان أمره على غير ما كان، ولاعترفوا بما كان له من جميل ومعروف بعد مماته، ولكنه اتخذ أناساً كانوا يحبونه لأجل الفائدة التي يتوقعونها منه، فلما يئسوا منها، قلبوا له ظهر المجن" ص179.
17ـ سعى الصيادي بكل السبل إلى كسب ود السلطان عبد الحميد، لتعظم منزلته عنده، "وركز دعوته إلى طاعة أمير المؤمنين... كما دعا إلى الالتفاف حوله، ودعم هذه الدعاية بالمنامات، والكرامات (والليرات الذهبية) والكتب السيّارة مثل (داعي الرشاد لسبيل الاتحاد والانقياد) و (بهجة الزمان في مآثر خليفة سيد ولد عدنان)" ص 7.
"وكان الشيخ (أبو الهدى) يزوّد مولاه (السلطان عبد الحميد) كل يوم بعجيبة من العجائب، فآونة بتبليغه سلامَ النبي صلى الله عليه وسلم، وحيناً يقص عليه رؤيا يزعم أنه رآها، ويفسرها له على ما يلائم هواه ورضاه، ثم يدّعي لأبيه ولنفسه كرامات لا وجود لها، وكان عبد الحميد محبّاً لهذه الأشياء، ويظن أنها من أقرب الوسائل لاستدامة حكمه" ص248.
18ـ توفي أبو الهدى الصيادي سنة 1327هـ (1909م) بُعيد الانقلاب الذي قاده الاتحاديون على السلطان عبد الحميد وأدّى إلى عزله، وكان من الطبيعي أن يمتد انتقامهم إلى أبي الهدى صاحب المكانة الكبيرة ومستشار السلطان، فقادوه إلى السجن وهو مريض، وأهانوه وعذبوه.
الشيعة في العالم(51/69)
فرانسوا تويال – ترجمة: نسيب عون
دار الفارابي- بيروت
عرض: إبراهيم غرايبة
يقدم هذا الكتاب خريطة تاريخية جغرافية سياسية لمذاهب الشيعة وأهلها في العالم المعاصر، ويصلح مرجعا عاما سهلا للمثقف العام، خاصة في هذه المرحلة التي بدأت فيها المسألة الشيعية تأخذ أبعادا سياسية وعقدية، وتختلط فيها المعرفة بالمواقف والصراعات، هذا بالإضافة إلى التحديات السياسية الناشئة عن هذه المسألة في دول عربية وإسلامية عدة. ويعمل المؤلف فرنسوا تويال مديرا للدروس في المدرسة الحربية العليا للجيوش الفرنسية، ولعل الكتاب وضع لتقديم معرفة عامة ومركزة لطلبة الدراسات الجامعية العسكرية.
عودة الشيعة: يرى المؤلف أن المسألة الشيعية تشكل اليوم في الفضاء الإسلامي بعامة تحديا كبيرا وتأخذ مسارا مختلفا إلى حد كبير عما استقرت عليه طوال الفترة السابقة.
وعند إلقاء نظرة عامة على الأحداث والأزمات القائمة اليوم في العالم الإسلامي تمكن بسهولة ملاحظة التأثير والحضور الشيعي، في إيران والعراق والخليج العربي وسوريا ولبنان وباكستان وإيران.
ويقدر المؤلف عدد المسلمين في العالم بنحو مليار ومائتي مليون نسمة، وسيبلغ عددهم في عام 2020 نحو مليارين، ويشكل الشيعة من 10 إلى 12% منهم.
ولكن الشيعة ليسوا مذهباً واحدا أو طائفة متماسكة، فهم منقسمون مذهبيا وسياسيا وإثنيا، وقد كان الشيعة في القرون الخمسة الأخيرة أقلية في البلاد العربية، ولكنهم في إيران كانوا يشكلون الثقل السياسي المهم منذ القرن السادس عشر الميلادي.
وكان المذهب الحنفي والشافعي السنيان تاريخيا يشكلان مذهب الأغلبية في إيران قبل ذلك، في حين كانت الشيعة ظاهرة عربية بامتياز، ثم بدأت المسألة الشيعية تأخذ بعدا مركزيا مع بداية القرن الحادي والعشرين. ولا يمكن حسب رأي المؤلف تقرير أي أمر سواء على صعيد السياسة الداخلية أو على صعيد العلاقات الخارجية من دون أن تؤخذ الوقائع الشيعية بالاعتبار.(51/70)
وقد أصبحت المسألة الشيعية حسب المؤلف تثير تساؤلات مهمة حول مستقبل الدولة والمجتمع في العالم الإسلامي، وحول علاقة الشيعة بالنفط، خاصة أنهم يتركزون في منطقة الخليج العربي التي تحتوي على 70% من نفط العالم، وحول علاقة الشيعة بإيران والصراع بينها وبين الولايات المتحدة والغرب.
وهناك أيضا حسب تقدير المؤلف صحوة شيعية تستعيد الصراع السني الشيعي على مدى التاريخ، وهي مسألة ليست متكئة أساسا على الخلاف الديني فقط، ولكنها متعلقة بالحقوق السياسية والمظالم وتوزيع الموارد.
ولذلك يقرر المؤلف أنه سيكون في وسع أي إنسان أن يدرك أن المسألة الشيعية القائمة على أيديولوجية وفهم ديني خاص يمكن أن تشكل رافعة لعدم الاستقرار في العالم.
وبما أنها ممتدة في رقعة واسعة من العالم الإسلامي ففي مقدورها أن تحرك صراعا عالميا، وقد أظهرت الأحداث الأخيرة أن الشيعة لا تضعف برغم الحروب والعنف والاضطهاد.
ويلاحظ وزير الدفاع الفرنسي السابق جان بيار شوفنمان أن مركز الثقل في العالم العربي قد انتقل في السنوات الخمس والعشرين الماضية من محيط البحر المتوسط نحو الخليج، أي إلى مناطق يشكل الشيعة فيها أغلبية أو نسبة كبيرة مؤثرة.
ولذلك فإن عملية توسع نفوذ الشيعة أو مقاومته تنطوي على أبعاد تتجاوز العالم الإسلامي لتؤثر على مجمل العلاقات الدولية.
الشيعة الإيرانية: هل كانت الشيعة تمثل سلطة مضادة في إيران قبل عام 1979؟ يتساءل المؤلف في محاولة لفهم مدى تأثير الثورة الإسلامية في إيران.
الواقع أن الشيعة يمثلون في إيران استثناء، مقارنة بأوضاعهم في مناطق أخرى من الشرق الأوسط، ويعود السبب في ذلك إلى أن إيران تخضع لحكم شيعي منذ أوائل القرن السادس عشر عندما سيطرت العائلة الصفوية على الحكم هناك وفرضت المذهب الشيعي.(51/71)
ويعتقد البعض أن التشيع كانت مشروعا سياسيا صفويا لمواجهة الدولة العثمانية، إذ كانت أغلبية السكان في إيران سنية، مما يشكل عقبة في الصراع السياسي مع تركيا، فاستقدم إسماعيل شاه الصفوي دعاة شيعة من لبنان والعراق والبحرين لنشر المذهب الشيعي وفرضه على السكان بل وإخلاء المراكز الإيرانية من السنة. ولذلك ظل المذهب السني سائدا في الأطراف الإيرانية بين التركمان والعرب والكرد والبلوش، ولكن الشاه لم يتقبل وجودا سنيا في المجتمعات الفارسية.
وقد حاول نادر شاه إعادة فرض المذهب السني في إيران في القرن الثامن عشر، ولكنه واجه مقاومة ضارية من قبل رجال الدين الشيعة الذين أثبتوا أنهم قوة مؤثرة ونافذة في المجتمع الإيراني الفارسي.
فقد كانوا ينظمون صفوفهم وينظمون المجتمع أيضا، وكانوا يؤدون دورا مهما على المسرح السياسي، وأنشؤوا تحولا عميقا في بنية المجتمع والسلطة والطبقات واتجاهاتها. وأنشأت الهيئة الدينية نظاما تراتبيا من طبقات (حجة الإسلام، وآية الله، وآية الله العظمى) لتنظيم المرجعية الدينية ودورها السياسي والاجتماعي.
وكانت الهيئة الدينية تحصل على إيرادات كبيرة من الأتباع وتدير تلك الموارد بعيدا عن سلطة الدولة، واستخدمت هذه الأموال في بناء شبكات مؤسسية واجتماعية مستقلة عن الدولة وقادرة على التأثير والمواجهة.
وعندما استولت أسرة آل بهلوي على الحكم في إيران أدخلت البلاد في مرحلة من العصرنة العلمانية استجابة للتحولات والتأثيرات الغربية التي اجتاحت العالم، وهي تحولات لم يقبلها رجال الدين بسهولة، خاصة في المسائل الاجتماعية.
ولكن التحدي الشيوعي أجبر الشاه على مصالحة الهيئة الدينية أو مهادنتها على الأقل، وساعد النفط في بروز طبقة مهنية وبرجوازية مستقلة عن السلطة الدينية، وتواجه البرجوازية التقليدية التي كانت تربطها علاقات بنيوية مع رجال الدين.(51/72)
ولكن عمليات التحديث السياسي والتعليمي أنشأت جماعات شيعية جديدة تستند إلى الدين وتقدم خطابا سياسيا معارضا للسلطة، مثل علي شريعتي الذي درس علم الاجتماع في فرنسا، ولكنه كان يقود تيارا إسلاميا واسعا في إيران.
وتحولت الشيعة الإيرانية إلى سلطة حاكمة عام 1979 بعد ثورة شعبية أطاحت بالشاه، وتحول رجال الدين للمرة الأولى إلى قادة للدولة، هذا الانتصار للثورة الشيعية بقيادة آية الله الخميني يعتبره المؤلف الحدث الأكثر أهمية في النصف الثاني من القرن العشرين، وهو أيضا الحدث الأكثر أهمية في تاريخ الشيعة.
وبدأت إيران تخوض عملية سياسية معقدة تسعى للتوازن بين الدبلوماسية السياسية وبين محاولة إقامة جامعة شيعية عالمية، إذ قد واصل قادة إيران الجدد سياسات الشاه الإقليمية، وظلت إيران تعتبر نفسها دولة مهددة من قبل القوى العالمية ومنافسة للدول والقوى الإقليمية مثل تركيا.
وظلت إيران تجد نفسها في مواجهة وتنافس مع العراق والسعودية وباكستان، وهي دول سنية تحتاج إيران استحضار الأيديولوجية الشيعية لمواجهتها، وعززت في هذا السياق تأثيرها ونفوذها على الشيعة في هذه الدول، ولكن المحرك الحقيقي لسياستها وإستراتيجيتها كان الجغرافيا السياسية وليس العقيدة الشيعية.
ويدرج المؤلف في موضوع الشيعة الإيرانية شيعة الهزارة في أفغانستان والعلويين الأتراك والشيعة في شبه القارة الهندية والشيعة في آسيا الوسطى والشيعة في أذربيجان التي يشكل فيها الشيعة 75% من السكان.
وقد حاول الاتحاد السوفياتي في عهد ستالين أن يضم إلى أذربيجان التي استولت عليها روسيا عام 1828 المقاطعات الأذرية في شمال إيران بالإضافة إلى دعم الحركات السياسية الكردية المعارضة لإيران.(51/73)
ينتمي الأذريون إثنيا إلى القومية والثقافة التركية ولكن التشيع يفصلهم عن الأتراك، ورغم الاتحاد المذهبي بين إيران وأذربيجان فإن الجغرافيا السياسية تحرك التنافس والصراع بين البلدين، فقد وقفت إيران إلى جانب أرمينيا في صراعها مع أذربيجان على إقليم كرباغ.
ويمثل الهزارة في أفغانستان قومية مستقلة تتحدث الفارسية وتنتمي إلى المذهب الشيعي في بلد تنتمي أغلبيته إلى المذهب السني، وبعد عام 1992 تحالف الهزارة مع الطاجيك والأوزبك في أفغانستان لمواجهة الهيمنة البشتونية.
وقد استطاع هذا التحالف السيطرة على أفغانستان بمساعدة الولايات المتحدة الأميركية بعد أحداث الحادي عشر من أيلول، وقد جعل ذلك من الهزارة الشيعة جزءا رئيسيا من اللعبة الإقليمية والدولية، وساعدتهم العلاقة مع إيران على تقوية نفوذهم وتحسين أوضاعهم في أفغانستان.
ويقول المؤلف إن الشيعة يمثلون ربع السكان في تركيا، ولكنهم شيعة علويون يتميزون بالانغلاق، وقد تعرضوا للتهميش والاضطهاد في مراحل تاريخية سابقة، ولكن المرحلة العلمانية الأتاتوركية ساعدت على دمجهم ومشاركتهم في العمليات السياسية والتحديثية التي جرت في تركيا.
وأدى المذهب العلوي المختلف عن الاثناعشرية السائدة في إيران إلى فجوة كبيرة بين الشيعة الأتراك وإيران، هذا بالإضافة إلى العامل الجغرافي السياسي والإثني، مما جعل الشيعة في تركيا مسألة تركية لا تشكل امتدادا سياسيا وأيديولوجياً لإيران كما هي الحال في أفغانستان والعراق على سبيل المثال.(51/74)
وتنتشر في شبه القارة الهندية مجموعات من الشيعة الاثناعشرية بالإضافة إلى مجموعات تنتمي إلى الإسماعيلية والبهرة الذين يشاركون الإسماعيليين في المذهب، ولكنهم لا يدينون بالولاء للأغا خان قائد الطائفة الإسماعيلية، وهم يشكلون أقلية بالنسبة للسنة ولكنهم يمثلون تحديا للسياسة والديمقراطية والحكم في الهند وباكستان. وفي آسيا الوسطى تنتشر مجموعات من الشيعة، مثل الإسماعيليين في إقليم واخان وبامير التابع لأفغانستان، بعد أن كان تاريخيا تابعا للصين، وهم يدينون بالولاء للأغا خان.
وهناك أقلية شيعية في جورجيا تتكون من مجموعات اعتنقت الإسلام وانتسبت إلى المذهب الشيعي في القرن الثامن عشر، وقد تعرضوا للتهجير في عهد ستالين، ثم لمجازر بعد استقلال جورجيا عن الاتحاد السوفياتي، ويتعرض الشيعة الذين هاجروا إلى أوزبكستان للاضطهاد والتهميش على أيدي الأوزبك.
الشيعة العربية:
ينتشر الشيعة في العراق وسوريا ولبنان واليمن والخليج العربي، وهم في العراق والخليج ولبنان ينتمون إلى المذهب الاثناعشري السائد في إيران، وفي اليمن ينتمي معظمهم إلى الزيدية، وفي سوريا إلى العلوية، ويوجد دروز في سوريا ولبنان، وهناك إسماعيليون في اليمن والسعودية.
يقول المؤلف إن الشيعة يشكلون أغلبية السكان في العراق، ولكنهم تعرضوا للتهميش والاضطهاد في عهد الدولة العثمانية وفي الدولة العراقية الحديثة، وقد انتشرت بينهم الحركات اليسارية المعارضة، ثم الحركات الإسلامية الحديثة مثل حزب الدعوة.
وقد حاول النظام السياسي البعثي في السبعينيات استيعاب الشيعة بمحاولة دمجهم في الحياة السياسية والاقتصادية وتحديث مناطقهم، ولكن انتصار الثورة الإسلامية في إيران ثم اندلاع الحرب الإيرانية العراقية أدى إلى صراع داخلي دموي في العراق بين الشيعة والنظام السياسي.(51/75)
وينتشر الشيعة على امتداد الخليج العربي، في الكويت والسعودية والبحرين وقطر وعمان، وبالطبع فإن النفط الموجود بكثافة في هذه المنطقة بالإضافة إلى التواصل الجغرافي والمذهبي والإثني بالنسبة لبعض الشيعة يجعل من المسألة الشيعية في هذه المنطقة تحديا سياسيا واجتماعيا كبيرا يتداخل مع العلاقات الدولية والإقليمية. ويزيد انتشار السلفية الوهابية وتمكنها في السعودية والخليج من الصراع الشيعي/السني حسب رأي المؤلف، ويمثل الشيعة في البحرين تحديا كبيرا بسبب المساعي الإيرانية في عهد الشاه لضم البحرين إليها، ولم تتوقف المخاوف البحرينية بعد الثورة الإيرانية.
في اليمن يمثل الشيعة حالة خاصة فهم ينتمون إلى المذهب الزيدي غير المعادي للسنة، وقد حكم الأئمة الزيديون اليمن أكثر من خمسمائة سنة وإن تخللها كثير من الثورات والصراعات مع الدولة العثمانية.
وتعتبر الإمامة الزيدية الدولة الشيعية الأطول عمرا في التاريخ الإسلامي، ولكن الشيعة الزيدية حرمت من نفوذها منذ قيام الجمهورية الحديثة بسبب عزلة الزيديين الجغرافية والمذهبية.
ويشكل العلويون حسب التقديرات التي أوردها المؤلف 13% من السكان في سوريا، ويمثل كل من الدروز والإسماعيليون 1% من السكان، وهي طوائف شيعية مختلفة عن الاثنا عشرية.
وبرغم أنهم يمثلون انشقاقا شيعيا فإن إقامتهم في مناطق ذات سيادة وأغلبية سنية جعلتهم يعيشون في عزلة ساهمت كثيرا في بلورة مذاهب مختلفة كثيرا عن الشيعة وعن السنة.
ولكن مع مجيء الاستعمار وقيام الدولة الحديثة بدأت الطوائف الشيعية تندمج في الحياة السياسية بل وتقودها في سوريا.
ويبلغ عدد الدروز نحو مليون شخص يقيم معظمهم في سوريا ولبنان، وكان أمراء الدروز في لبنان يحكمون الدروز والشيعة والموارنة، ولكن الموازين السياسية تغيرت في القرن العشرين لصالح الموارنة.(51/76)
وبانتصار الثورة الإسلامية في إيران صعد الشيعة في إيران، وتشكلت حركتا أمل وحزب الله بدعم وتمويل إيراني كبير لتجعلا من الشيعة في لبنان رقما صعبا في العملية السياسية اللبنانية والإقليمية أيضا.
هل سيقع انفجار شيعي؟ هل ستشهد الشيعة تطورا فكريا مع موجة العصرنة والتحديث، يتساءل المؤلف، مستخلصا ومعقبا على الخريطة الشيعية الجديدة التي تشكلت سياسيا واجتماعيا مع نهاية القرن العشرين.
وكان الصعود الشيعي في العراق بعد عام 2003 مناسبة لطرح السؤال على نحو أكثر إلحاحا وأهمية، وبالطبع فثمة شواهد كثيرة تشجع على احتمال تطورات سياسية وفكرية على الصعيد الشيعي.
الطيور على أشكالها تقع!!
قالوا: في لقطة على موقع إيلاف شاهدت صورة تجمع بين السيد رئيس الوزراء نوري المالكي وهو يستضيف المفكر اللبناني الكبير فؤاد عجمي وهذا المفكر الكبير من أفذاذ العاملين في شؤون الفكر خاصة السياسي والاجتماعي منه، وهو معروف في الاوساط الاكاديمية والسياسية الراقية في العالم بما في ذلك أمريكا حيث متجنس بجنسيتها ويعمل في حقولها المعرفية والسياسية المتقدمة.
وكالة براثا 25/8/2007
قلنا: لا عجب أن يلتقيا فكلاهما شيعي ، وكلاهما يخدم مذهبه من موقعه.
من جد وجد!
قالوا: افتتح بالهفوف في محافظة الأحساء ظهر الجمعة مسجد آل بوخمسين وسط حضور كثيف تجاوز 2000 مصل حضروا الصلاة بإمامة الشيخ حسن بن الشيخ باقر بوخمسين. وشرع في اعادة بناء المسجد الواقع بحي الفوارس منذ العام 1423هـ/2002م. الذي تأسيس عام 1150هـ/1738م على يد الشيخ محمد الكبير.وتعرض المسجد للهدم على يد الوهابية في أحداث عام 1210هـ/1795م وظل اثر ذلك معطلاً فترة من الزمن إلى أن أعيد بناءه مجددا. المسجد الذي ظهر في طراز معماري متميز واحتوى على شاشات عرض متطورة يقع على مساحة الف متر ويسع أكثر من 2000 مصلي كما ضم مصلى خاصا للنساء وحوزة علمية.
شبكة راصد الإخبارية 27/8/2007(51/77)
قلنا: ويصرخ شيعة السعودية في كل مكان بأنهم مضطهدون!! ولاحظ أنهم لم يشكروا السلطات السعودية ولو مجاملة كما يفعل مغفلونا!
نفس اللعبة القديمة!!
قالوا: تحقيق تقارب بين الصوفية والشيعة في إيران رغبة للسفارة الإيرانية.وهناك تشابها كبيرا بين الطرق الصوفية والشيعية وان التواصل سيحقق نوعا من التقارب المأمول بين المذاهب الإسلامية. وتم الاتفاق مع الشيخ الحجازي شيخ الطريقة القادرية واحمد الحافظ التجاني شيخ الطريقة التيجانية على زيارة تعرفهم بمشايخ الطرق المتشابهة معهم في إيران الشهر القادم .
د. محمد حسن زماني المستشار الثقافي في السفارة الإيرانية بالقاهرة
الحقيقة الدولية / مكتب القاهرة 21-8-2007
قلنا: أين المستشارون الثقافيون للدول العربية ؟ إبحث عنهم في السينما والمسارح إذا سلموا من بارات شارع الهرم !!
مجدد إبليسى
قالوا : من حق المرآة أن تصلي كاشفة الشعر.
جمال البنا
…المصريون 28 / 8 / 2007
قلنا : يذكرنا بالفتوى القديمة جواز صلاة المسلمة على البحر بالمايوه!!
صح النوم!!
قالوا : الدور الايراني في الشرق الاوسط مثير للقلق.
الدكتور محمد حبيب
نائب المرشد العام للاخوان المسلمين
الحقيقة الدولية 22/8/2008
قلنا: هل احتاجت جماعة الإخوان أكثر من 100 ألف قتيل في العراق لتصرح أنها قلقة من دور إيران ؟ كم ستحتاج جماعة الإخوان لتصرح أنها ترفض الدور الإيراني؟؟
يمين غموس
قالوا: أقسم بالله العظيم أنه لا حرب طائفية في العراق.
سيد عبد علي الموسوي، نائب في البرلمان العراقي عن حزب الدعوة
الرأي الكويتية 23/8/2007
قلنا: قالوا للحرامي أقسم، قال: جاء الفرج.
بداية شر زاحف
قالوا : تلقت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في الكويت طلباً لتأسيس جمعية خاصة بالمثليين والمتحولين إلى الجنس الثالث، خصوصاً بعد تزايد أعدادهم.
العربية 10/9/2007(51/78)
قلنا : هذه عاقبة الانفتاح الثقافي والإعلامي ، وهذه سمة المرحلة القادمة من حرب الإسلام مرحلة نشر
الشهوات والإباحية .
من ينتبه !!
قالوا : يطلق مرتدون عن الإسلام في هولندا حملة الأربعاء 12-9-2007، لتسهيل إمكان تخلي المسلم عن ديانته، بقيادة "اللجنة من أجل المسلمين المرتدين"، التي يتزعمها المرتد إحسان جامع. العربية 12/9/2007
قلنا : هذه فتنة جديدة تحتاج حزم وحسم والشر في بدايته وإلا اتسع الخرق على الراقع .
أبو القعقاع .. وفتح الإسلام .. والمخابرات السورية
صحيفة الرأي الكويتية
بقلم مراقب للحركات الإسلامية 21/7/2007
اثر تفجر أحداث مخيم نهر البارد في لبنان والمواجهات العنيفة بين الجيش اللبناني وفتح الإسلام»، كثر الحديث عن هذه الجماعة واحتلت أخبارها كل النشرات الإخبارية التلفزيونية والصحف، تسأل وتحلل من ورائها ومن أسسها ومن يمولها.
وسأشرح هنا ما أعرفه شخصياً عن هذه القضايا: - بعد احتلال القوات الأميركية للعراق احتلالاً عسكرياً من دون تفويض من الأمم المتحدة وإشاعتها بأنها ستبني ديمقراطية تكون مثالاً للمنطقة يجب أن تحتذي به الدول الأخرى وأنها ستستمر بعملية نشر الديمقراطية ضمن مخطط الشرق الأوسط الكبير مما يعني أنها بعد انتهاء ترتيب الأوضاع بالعراق ستنتقل لسورية، وهو ما دفع النظام السوري للتهيؤ ليكون طرفاً في عملية تخريب الجهد الأميركي في العراق من أجل تأخير عملية ما أسموه بالديمقراطية هناك، من اجل إغراق القوات العسكرية الأميركية في مستنقع من المعارك والتفجيرات كي تزداد خسائرها البشرية في شكل يمنع الانتقال للمرحلة الثانية وهي الانتقال لدمقرطة سورية.(51/79)
لذلك اتخذت القيادة الأمنية وعلى رأسها بشار الأسد (الأجهزة الأمنية لا ترفع تقارير ولا تتبع لأحد سوى شخص رئيس الجمهورية حصرا،ً علماً أنها تستهزئ دائما بمناصب مثل رئيس الوزراء أو الأمين القطري المساعد لحزب البعث العربي الاشتراكي أو رئيس مجلس الشعب أو نائب رئيس الجمهورية وتعتبرهم موظفين مهمتهم تجميل صورة النظام).
اتخذت هذه القيادة قراراً بعرقلة وإفشال مهمة القوات الأميركية بالعراق من خلال تطويع الشبان العرب الراغبين لدوافع إسلامية بالجهاد ضد القوات الأميركية في العراق وبحيث يتم تدريبهم ومدهم بالسلاح ونقلهم في شكل غير نظامي لداخل الحدود العراقية من أجل القيام بعمليات تفجيرية أو استشهادية أو انتحارية.
ووضعت الخطة بحيث تتم كل العملية بإشراف دقيق ومباشر من المخابرات السورية لكن من دون وجود فعلي لعناصرها بعملية التنفيذ قد يؤدي لكشف الصلة بين المخابرات السورية وبين تلك الجماعات إذا ما تم إلقاء القبض على بعض العناصر.(51/80)
وبدأ البحث عن شخص ذو صفات محددة، إذ يجب أن تتوافر فيه الجرأة والاندفاع وشخصية كاريزمية تحسن إقناع الآخرين والسيطرة عليهم إضافة لحفظ القرآن والإيمان بالجهاد، حتى يتمكن من القيام بعملية التجنيد للشباب العرب وتم إيجاد المطلوب من خلال سجلات من تم التحقيق معهم في فروع أمنية عدة، وهو محمود كول بن محمد آغاسي (أبو القعقاع)، حيث يتميز بأنه متحمس جريء ومتكلم يحمل إجازة في الشريعة الإسلامية من جامعة دمشق، من مواليد منطقة اعزاز عام 1973، وهو كان أدى الخدمة الإلزامية في اللواء 33 مدرعات وتم التحقيق معه في فروع الأمن بعد عودته من باكستان التي سافر إليها من أجل اللقاء بعناصر من «طالبان» وعند عودته تم إيقافه في القاهرة والتحقيق معه قبل أن يعاد لسورية. والمهم أيضاً أنه كردي وهو ما تحبذه المخابرات السورية (مثل قصة الشاهد الكاذب المدسوس في قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري،وهو أيضاً كردي،هسام هسام).
وتم الاتفاق معه من قبل المخابرات السورية أن يفسح المجال لنشاطه في التجنيد من خلال تمكينه من الخطبة في مسجد التوابين في حلب من دون موافقة وزارة الأوقاف، وكان ضابط الارتباط معه العميد محمد بكور (رئيس فرع المخابرات الجوية في حلب)، وقد فتح فرع الأمن العسكري في حلب أيضا معه اتصال مباشر للرقابة المزدوجة عليه ولتقاطع المعلومات مع فرع الجوية.
وفعلاً بدأ نشاطه في شكل قوي وبدأ يستقطب الشباب العرب القادم لسورية ويأخذهم لمعسكرات تدريب ويزودهم بالسلاح ويؤمن لهم الميكروباصات لنقلهم للحدود العراقية، حيث يتم تهريبهم من هناك بمعرفته. وقد نشطت معه زوجته نجود كور أيضاً في ميدان النساء.(51/81)
وفي جلسة خاصة، سأل احد الحضور محمد سعيد بخيتان (رئيس مكتب الأمن القومي حينها) عن قصة الشيخ أبو القعقاع، وكيف يسمحون بهذه الظاهرة، فأجابه بأنه سأل اللواء عز الدين إسماعيل (رئيس المخابرات الجوية) والذي يرعى أبو القعقاع من خلال فرعه في حلب عن هذا الموضوع في اجتماع مكتب الأمن القومي، فأجابه بان هذا الموضوع يتم بمعرفة السيد الرئيس.
وبعد افتضاح العملية في شكل كبير، حيث كتبت عن أبو القعقاع، العديد من الصحف الأميركية والعربية وأصبح يخشى أن تتم المطالبة به أو اختطافه من قبل جهات أميركية، فكان لا بد من إيجاد حل، وتم الانتظار لحين تقاعد اللواء عز الدين إسماعيل حيث سارع البديل اللواء عبد الفتاح قدسية باستدعائه واعلمه إنهاء التعاقد معه، فما كان من أبو القعقاع إلا أن بدأ يلبس البذلة والكرافات ويحضر الديسكو إعلاناً بانتهاء تلك المرحلة.
كما أوصى اللواء قدسية بعدم التجديد للعميد محمد بكور رغم خبرته الكبيرة من اجل ألا يكون على رأس عمله وإبعاده عن الصورة. وبالفعل تقاعد العميد بكور وتكريماً له تم تعيينه عضوا في مجلس الشعب في ابريل 2007. وبعد أن تم تشديد التهديدات الأميركية بضرورة إغلاق الحدود مع العراق وعدم إرسال مجندين، خضع النظام السوري وبدأ يقيم رحلات استطلاعية للصحافيين كي يروا السواتر الترابية التي وضعها والدوريات التي تراقب الحدود.(51/82)
وهنا برزت أمام النظام مشكلة هؤلاء الإسلاميين المتطرفين الذين قاموا بتجنيدهم والذين ما زالوا موجودين على أراضيه، وكذلك المجندون الذين يعودون من العراق. واتخذت المخابرات السورية قراراً بتشكيل مجموعات مهمتها الاستفادة من الطاقات الجهادية الموجودة لدى هؤلاء الشباب لتفريغها خارج سورية، بدلاً من أن يستخدموها داخلها ضد النظام، فتم تقسيم هؤلاء الشباب ضمن فئات، حسب أولياتهم الجهادية، اعتماداً على تقارير شيوخهم الذين جندوهم ودربوهم وهم كلهم من المخابرات السورية وبرزت أولويات عدة وتم التعامل معها بطرق مختلفة:
-…المجموعة التي برز لديها تحرير القدس الشريف وفلسطين المحتلة من إسرائيل كأولوية تم ضمهم تحت قيادة مرشد روحي واحد، وتم العمل على إقناع قيادات بعض الفصائل الفلسطينية في دمشق بان تقبل استضافة هذه المجموعة ضمن المخيمات الموجودة فيها في لبنان خصوصاً أن أهدافها تتطابق معهم في تحرير فلسطين.(51/83)
وعند انتهاء إعداد أماكن الاستضافة في المخيمات بدأت المرحلة الثانية من العملية، حيث قامت المخابرات السورية بالقبض على المرشد الروحي للمجموعة وبعض عناصرها بالاتفاق معهم وكذلك تم نشر إشاعة بين جميع أفراد المجموعة بأنهم أصبحوا ملاحقين ومطلوبين للمخابرات السورية التي ستقوم بتعذيبهم وسجنهم إذا كانوا سوريين وتسليمهم لبلادهم الأصلية إذا كانوا عربا. وكان من يقوم بنشر الإشاعة يعلم أعضاء المجموعة بأن هناك حركة جديدة تريد تحرير القدس الشريف من المحتل الإسرائيلي وطابعها إسلامي جهادي وقد انشقت عن حركة «فتح» واسمها «فتح الإسلام»، ويمكن أن يقوم بتعريفهم على شخص يقوم بنقلهم خارج الحدود السورية إلى مكان وجود تلك المجموعة المؤمنة حيث سيتلقون التدريب والسلاح استعداداً ليوم النصر. وبهذه الطريقة تم نقل أعضاء المجموعة إلى مخيم نهر البارد في شمال لبنان كي تبدو وأنها عملية هروب من المخابرات السورية لا عن تدبير مسبق وتصميم منها. كما تم في تلك الإثناء إطلاق شاكر العبسي، المحبوس لدى المخابرات السورية وإرساله للبنان وتجهيز البنية التحتية له في المخيمات كي يطلق مجموعة «فتح الإسلام".
-…المجموعة التي برز لديها أولوية إنشاء الدولة الإسلامية وتطبيق الشريعة ونصرة أهل السنة كبداية لا بد منها لتطهير الأرض العربية من المحتل الإسرائيلي والأميركي وتم ضمهم تحت قيادة مرشد روحي واحد. وتم كما في السابق، اعتقاله مع بعض عناصر المجموعة بالاتفاق معهم ونشر إشاعة أن الجميع باتوا مطلوبين للقبض عليهم وكان من ينشر الإشاعة يدعوهم إلى تشكيل مجموعة «جند الشام» التي هدفها إقامة الدولة الإسلامية وكان يتم تأمين طريقة هروب لهم للبنان واستضافتهم من قبل جماعات إسلامية متطرفة ممولة ومدعومة من سورية، بحيث يبدو كامل الأمر أن هذه المجموعة تشكلت بسبب الهروب من ملاحقة المخابرات السورية لا أن العملية مدبرة ومقدر لها أن تصل لهذه النقطة.(51/84)
وبعد ما استقر تشكيل المجموعات في لبنان بدأ تدريبها ومدها بالسلاح لتكون جاهزة ومن خلال قيادتها للعمل بتوجيهات المخابرات السورية وبطريقة تبين أن القرار صادر منهم ولا دخل للسوريين بأي موضوع وذلك في موضوع زعزعة الاستقرار بلبنان لضرب موضوع المحكمة ذات الطابع الدولي. وبدأ العمل لربطها ببعض القيادات السياسية السنية في لبنان من خلال إقناعها بأنه يمكن من خلال تمويل هذه المجموعات أن تقوم باستثمارها لصالحها في موضوع توازن الرعب مع «حزب الله» ويمكن أن يكون البعض تورط في هذه اللعبة المخابراتية، كما حصل في موضوع الشاهدين الكاذبين في قضية الحريري.
وبدأت التحضيرات للتفجير الحالي من خلال العمل على ربط «فتح الإسلام» بقيادات سياسية لبنانية، ونشر ذلك في وسائل الإعلام قبل تفجير المعركة مع الجيش، وبالفعل تم توريط «تلفزيون الجديد» من خلال معلومة أمنية سورية تم إرسالها لهم عن طريق غير مباشر بأنه يمكن ترتيب مواعيد مع عناصر من «فتح الإسلام»، وبالتالي ستكون خبطة إعلامية للمحطة. وبالفعل تم بث اللقاءات يوم الجمعة 13 ابريل 2007 في نشرة أخبار الثامنة والنصف من اجل حرف الانتباه عن المشكل الحقيقي لـ «فتح الإسلام»، وهو المخابرات السورية.(51/85)
ويجب أن يذكر هنا بأن هناك عناصر من «جند الشام» عادت لسورية من لبنان بعد فترة من هروبها وقامت بتنظيم نفسها وبعمليات إرهابية عدة، من المزة للسفارة الأميركية إلى التلفزيون السوري، لكن جميع تلك العمليات معروفة سلفاً من قبل المخابرات السورية، حيث أن أسماء أفراد المجموعة وهوياتهم معروفة بدقة وكذلك منازلهم وتحركاتهم، لذلك يتم مراقبتهم عند التخطيط والبدء بالتنفيذ ويتم انتظارهم أو تعطيل بعض قنابلهم عند المباشرة بالتنفيذ من أجل الاستفادة من هذه العمليات بالإعلان أن سورية هي هدف أيضا للإرهاب وكذلك من اجل قتلهم جميعاً. لذلك نرى انه لا يوجد ناجون نهائياً من أي عملية إرهابية تمت بسورية لأنهم سيعترفون عن كل الفضائح الأمنية التي يعرفونها .ويمكن بسهولة كشف علاقة المخابرات بكامل العملية من خلال التحقيق مع العناصر التي كانت مسجونة في سورية وتم إخلاء سبيلها وكذلك الذين ما زالوا في السجون ومطابقة معلوماتهم مع الذين هربوا إلى لبنان.
الطاشناق ومرجعيته الإيرانية – السورية
حسن صبرا - الشراع 12/8/2007
حزب الطاشناق الأرمني اللبناني كحزب البعث السوري في لبنان كحزب الله الشيعي اللبناني.. ملتزمون بمرجعيات غير لبنانية، سياسية- دينية – أمنية تصدر لهم الأوامر وهم ينفذونها، حتى ولو كانت على حساب لبنان، رغم إمكانية الادعاء بأن هناك نقاشاً يسبق هذا الالتزام.. حتى إذا صدرت الأوامر تستخدم المراجع البديهية العسكرية المعروفة.. نفذ ثم اعترض. حزب الطاشناق في لبنان هو جزء من تركيبة المكتب السياسي الدولي للطاشناق في العالم، ومقره في يريفان عاصمة جمهورية أرمينيا، ورئيسه مركريان ارمني من أصل إيراني وأمين عام الطاشناق في لبنان هوفيك مختريان محسوب على مركريان وهو من أصول حلبية في سوريا.(51/86)
الحضور الإيراني والحلبي السوري في حزب الطاشناق طاغٍ وذو تأثير في القرار اللبناني، من واقع أن إيران تضم نحو 150 ألف ارمني في أصفهان وطهران.. لهم كنائسهم ومدارسهم وتجاراتهم ووكالاتهم وان إيران تفتح الطريق عريضاً على أرمينيا التي يحكمها الآن متعاطفون مع الطاشناق في وقت يتم فيه تضييق الخناق على هذا البلد الصغير من جيرانه الآخرين، دون أن ننسى أن صراع أرمينيا وأذربيجان على نوغورني كاراباخ شهد انحيازاً إيرانياً كاملاً لأرمينيا رغم أن أذربيجان هي بلد إسلامي وان ملايين من أبنائها يشكلون جزءاً مهماً من نسيج الشعوب الإيرانية..
وكان لافتاً للنظر أن إيران المسلمة سمحت بوصول عدد من النواب الأرمن إلى مجلس الشورى الإيراني لكنها لم تسمح بوصول أي مسلم سني إلى المجلس نفسه.. تماماً كما سمحت إيران الإسلامية ببناء كنيس لليهود في طهران وكنائس مختلفة للأرمن في العاصمة وأصفهان وغيرها من مدن إيران.. لكنها لم تسمح حتى الآن للمسلمين السنة ببناء أي مسجد لهم في طهران.
أما في سوريا التي يبلغ عدد الأرمن فيها نحو 80 ألف نسمة، وتركيزهم الرئيسي في مدينة حلب ثم مدينة دمشق، فإن مصالح الأرمن هناك تتعدد بين الكنائس الكبيرة حيث للأرمن مطرانية في حلب تابعة للطاشناق، أما مطران الشام فمحسوب على منافسه اليساري حزب الهانشاق، فضلاً عن المدارس الكبرى والمصالح التجارية الكبيرة.
وقياساً بواقع الأرمن المتراجع عددياً في لبنان حتى أصبح في المرتبة الثالثة بعد إيران وسوريا خارج أرمينيا، فإن هذه إضافة كي يشعر حزب الطاشناق انه لا يملك أن يغرد خارج السرب الإيراني – السوري، وهو الآن محكوم بسياسة النظامين البعثي والفارسي تجاه لبنان.(51/87)
وقد ترجم الطاشناق هذا الالتزام بحلفه الواضح مع جماعات طهران ودمشق في لبنان وهم حزب الله - ميشال المر – ميشال عون، وقد اضفى ميشال عون طابعاً كاريكاتورياً على فهمه لهذا التحالف عبر سعادته باسم ميشال نصر ليان (ميشال عون - ميشال المر – حسن نصر الله و مختريان). هذا الحلف تكرس عملياً في الانتخابات الفرعية في المتن الشمالي لكنه موجود قبل ذلك سراً وعلناً في تزويد حزب الله للطاشناق بالأسلحة منذ عدة أشهر، وفي الحماية السياسية من جانب ميشال عون لهذا الحزب الأرمني عندما وقع مع حسن نصر الله وثيقة التفاهم في كنيسة مار مخايل يوم 6/2/2006.
صحيح أن هناك اعتراضاً قوياً ينمو داخل حزب الطاشناق وفي صفوف الأرمن على هذه المخاطرة التي يقودهم الطاشناق نحوها بمحاولة إخراج الأرمن من المعادلة الصحيحة التي حفظت مواقعهم، وقيمتهم ضمن النسيج اللبناني بالولاء للبنان والدولة، وعدم الدخول في مواجهات وصراعات داخلية تنعكس سلباً على الأرمن اللبنانيين.. إلا أن الطاشناق خرجوا على الإجماع الأرمني السابق، التزاماً بمصالح مرجعيتهم السياسية الموزعة بين طهران وحلب ودمشق.
عقلاء الأرمن في الهانشاق والرامغفار والتيار الأرمني الحر وتيار رافي مادويان وبعض قادة الكنيسة الأرمنية في لبنان يدعون للعودة إلى المعادلة السابقة حتى لا تتأثر مصالح الأرمن اللبنانيين.. لكن حزب الطاشناق كحزب البعث السوري كحزب الله.. لا يهمهم مصالح اللبنانيين طالما أن مصالح نظامي طهران ودمشق مؤمنة ومحفوظة على حساب مصالح لبنان.(51/88)
ولعل هناك بين الأرمن من يذكر حزب الطاشناق بالثمن الذي دفعه خلال فترة الصراع الروسي – الأميركي – كما يقول النائب في الطاشناق اغوب بقرادونيان، حيث سمحت الاستخبارات السورية للجيش الأرمني السري بتصفية قيادات الطاشناق في بيروت عام 1986، حين كان هذا الجيش محسوباً على طهران ودمشق ومدعوماً منهما بالمال والسلاح في وقت كانت فيه قيادة الطاشناق محسوبة على التوجه الأميركي في المنطقة تحت قيادة زتاليان الذي خطفه الجيش الأرمني السري وتمت تصفيته بغطاء من الاستخبارات السورية.
وإذا كان من حق حزب الطاشناق أن يطلب الحماية لنفسه، كقوة سياسية لبنانية، فليكن هذا بالولاء للبنان، مثلما هو مطلوب من حزب الله ومن البعث السوري ومن غيرهم.. لأن الالتزام بمرجعيات معادية للبنان سيجلب كما هو حاصل الآن الخراب على لبنان واللبنانيين بمن فيهم أنصار الطاشناق وحزب الله.. هذا إذا كان للبعث السوري في لبنان.. من وجود.
تقرير الحالة الشيعية في لبنان
جريدة المدى
تأسس في بيروت مؤخرا المركز اللبناني للدراسات والحوار والتقريب وهو مركز يهتم بمحاور وموضوعات عدة ضمن مدار التعريف بالشيعة والتشيع في العالم العربي من خلال عرض موضوعي لمرتكزات التشيع باعتباره مذهبا إسلاميا في مجال علم الكلام والفقه والمصنفات والمؤلفات القديمة والحديثة. ويهدف المركز إلى إزالة بعض الشبهات والالتباسات حول الشيعة والتشيع. ويرى المؤسسون : هاني فحص، محمد حسين شمس الدين، وجيه قناصو أن واقع الحال يظهر الحاجة الماسة إلى مزيد من (التعارف ). ويطرح المؤسسون في بيانهم التأسيسي عدة أسئلة منها : ما نسبة الفعلي ونسبة المفتعل في ما يسمى (المسألة الشيعية)؟. هل التشيع الآن رابطة سياسية عابرة؟. هل ثمة نظام مصلحة شيعية؟
يضع المركز اللبناني للدراسات والحوار والتقريب جملة محاور وموضوعات، تشكِّل مدار اهتمامات المركز منها:(51/89)
أولاً: التَّعريف بالشِّيعة والتَّشيُّع في العالَم العربيّ من خلال:
أ - عرض موضوعيّ لمرتكزات التَّشيُّع، باعتباره مذهباً إسلامياً، في مجال علم الكلام والفقه والمصنَّفات والمؤلفات القديمة والحديثة. من نافل القول أن تحدو الغاية العلميّة والمعرفيّة مباحث هذا المحور ومقارباته، ولكن أحد مقاصده الأساسية هو إزالة بعض الشُّبهات والالتباسات حول الشِّيعة والتَّشيُّع، أكان ذلك في انطباع الآخرين أو في ذهن العامَّة من الشِّيعة أنفسهم. إنَّ معاينة واقع الحال تُظهر الحاجة الماسَّة إلى مزيدٍ من «التَّعارف».
ب - عرض إجمالي لواقع الشٍِّيعة المعاصر، من حيث الدِّيموغرافيا والتَّوزُّع والأوضاع الاجتماعيّة والاقتصاديّة والثَّقافيّة.
ج - الوقوف على الاتِّجاهات السِّياسيِّة والأيديولوجيّة، والتَّشكيلات التَّضامنية لدى الشِّيعة، بما في ذلك الأحزاب الشِّيعيَّة المعاصرة.
ثانياً: قضايا راهنة:
يتناول هذا المحور، بالعرض والدِّراسة والتَّحليل، قضايا كبرى راهنة ذات صلة بالشِّيعة في دوائر انتمائهم المختلفة، من وطنيّة وعربيّة وإسلاميّة. من ذلك، على سبيل المثال لا الحصر:
أ ـ الشِّيعة والدَّولة الوطنيّة ـ قضية الاندماج الوطني.
ب ـ ولاية الفقيه ومشروعية السُّلطة.
ج ـ الهوية بين المحدِّد الدِّينيّ والمحدِّد المحليّ.
د ـ الشِّيعة والوعي التَّاريخي: من سوء التَّفاهم إلى المصالحة.
هـ ـ الشِّيعة والحداثة وما بعد الحداثة.
و ـ الشِّيعة ونظام المصلحة العربيّة.
ز ـ الإصلاحيون الشِّيعة قديماً وحديثاً.
ح ـ الفكرة السِّياسيّة عند علماء الشِّيعة المحدثين.
ط ـ الشِّيعة والشَّرعيات الأمميّة (مؤسَّسات الأمم المتحدة، شرعة حقوق الإنسان، القانون الدُّولي...).
ي ـ العنف المسلَّح ـ المقاومة ـ الجهاد ـ الإرهاب.
ثالثاً: صورة الشِّيعة:(51/90)
صورة الشِّيعة في عين الآخر، والعكس بالعكس، من خلال المواقف والكتابات والمواد الإعلاميّة. وينحصر هذا العمل بالرَّصد والمتابعة والتَّبويب، من دون الدُّخول في تحليل المعطيات والاستنتاج.
رابعاً: حال الحوار والتَّقريب في العالَم العربيّ:
أ - يتابع هذا المرقب الأفكار والمبادرات والوقائع / الأحداث الّتي تعزِّز الحوار والتَّقارب بين مختلف مكوِّنات الاجتماع العربيّ، على صعد الثَّقافة والسِّياسة والاجتماع والاقتصاد، كما يتابع في المقابل تجليات اللاحوار واللاتقارب.
ب - يهتم المركز بموضوعي الحوار والتَّقريب، نظرياً وعملياً، ويسعى إلى إنتاج أطروحات للنقاش في هذا الصَّدد، وإلى اقتراح آليات للغاية ذاتها، وذلك انطلاقاً مِمَّا توصلت إليه الجهود والمساعي السَّابقة في هذا الإطار.
خامساً: العناية الخاصَّة بالموضوع الشِّيعي في لبنان.
يولي المركز الموضوع الشِّيعي في لبنان عناية خاصَّة ومركَّزة، فيعمل على تقديم صورة شاملة وموثقة للحالة الشِّيعية اللبنانية وإشكالياتها في إطار المشروع اللبناني (العيش المشترك) وفي لحاظ علاقة الشِّيعة اللبنانيين بمحيطهم القريب والبعيد وبالأفق الدُّولي ـ الإنساني. هذا إضافة إلى التَّدقيق في الخلفية التَّاريخيّة والثَّقافيّة والاجتماعيّة للحالة الشِّيعية في لبنان.…
ما تقدَّم من موضوعات وغيرها، سيتمُّ التَّصدِّي لها، رصداً وبحثاً وتحليلاً، من خلال النَّشاطات التَّالية:
أولاً: إصدار وترجمة كتب ودراسات متخصِّصة حول قضايا وموضوعات تدخل في إطار اهتمامات المركز ومتابعاته.(51/91)
ثانياً: تنظيم لقاءات وندوات ومؤتمرات، دراسيّة متخصِّصة، وحواريّة تواصليّة عامَّة، في إطار اهتمامات المركز، وعلى الصَّعيدين اللبنانيّ والعربيّ. يرمي هذا النَّشاط إلى تعزيز التَّواصل والتَّفاعل، وإلى تعميق الوعي المشترك بالمشكلات الأساسية وسُبُل معالجتها، بما يُساهم في تخفيف التَّوترات الدِّينيّة والحساسيات المتباينة في المنطقة العربيّة.…
ثالثاً: التَّعاون بين المركز ومؤسَّسات دراسيّة وحواريّة وإنسانيّة ودوليّة، في مجالات الاهتمام المشترك، بهدف تبادل الخبرات وتظافر الجهود وتنسيق المبادرات بما يخدم التنمية البشريّة والسِّلم الأهلي في العالَم العربيّ.
رابعاً: إنشاء موقع إلكتروني خاص بالمركز Website، يعرض نشاطات المركز ونتاجاته، ويوفِّر مصدراً متخصِّصاً للمعلومات في مجالات اهتمامه.
خامساً: رصد الصُّحف اليوميّة والمجلات الدَّوريّة، العربيّة منها والأجنبيّة، إضافة إلى متابعة نتاجات وإصدارات مؤسَّسات البحوث والدِّراسات ذات الصِّلة باهتمامات المركز، وبناء أرشيف مُبرمج للمواد المستحصلة، لغرض تسهيل عمل الباحثين المهتمين بموضوعات مندرجة ضمن عمل المركز.
تقرير الحالة الشيعية في لبنان
يصدر المركز تقريرا شهريا يرصد من خلال الإعلام الحالة الشيعية في لبنان من مختلف وجوهها السياسية والثقافية والاجتماعية على اختلاف تعبيراتها والمعبرين عنها في سياق القضايا اللبنانية بعناوينها الراهنة.
التقرير الأول الذي أصدره المركز ويغطي الحالة من 11 حزيران وحتى 7 تموز 2007 يُمثِّل باكورة إصدارات (المركز اللبناني للدراسات والحوار والتَّقريب - جسور)، وذلك في إطار اهتمامه بالمسألة الشِّيعيّة في لبنان والمنطقة العربيّة، رصداً وتوثيقاً ودراسة وتواصلاً وتبادلاً للخبرات.(51/92)
يهتدي «تقرير الحالة الشِّيعيّة» بخيار اندماج الشِّيعة العرب في دولهم الوطنية القائمة، كما ويهتدي بالتزام الشِّيعة اللبنانيين العيش اللبناني المشترك، بصيغته الميثاقية المتوازنة على صعيد الدَّولة، على نحو ما حدَّدتها المواثيق اللبنانية لا سيَّما وثيقة الوفاق الوطني في الطائف والدستور القائم على أساسها اليوم.
وإذ يهتدي «التَّقرير» بذلك، فإنَّه لا يسعى إلى تقديم وجهة نظر معيَّنة بل إلى تقديم ما هي عليه الحالة الشِّيعيّة في لبنان، على اختلاف تعبيراتها والمعبِّرين، من القضايا اللبنانية بعناوينها الرَّاهنة؛ وذلك بصورة تقريرية، إن لم تكن محايدة فهي تجتهد لأن تكون موضوعية.
ويقول المركز في معرض تقديمه للتقرير: قد يتَّصف بعض تلك العناوين بالثَّبات النسبي، في حين تتراجع عناوين أخرى مع تطوُّر الأوضاع، وتظهر ثالثة، الأمر الذي سيقتضي تعديلات مناسبة من حيث عناوين المتابعة والرَّصد. إن هذا العدد التجريبي، هو «القسم الأوَّل» الذي يتناول الأزمة اللبنانية العامَّة، من خلال المواقف الشِّيعيّة، ومواقف أخرى قد تساجل معها مباشرة، فتعتبر بالتالي جزءاً متمِّماً للصورة الشِّيعيّة المراد تظهيرها.(51/93)
ووعد المركز أن تشتمل التقارير القادمة على (قسمٍ ثان) يتضمن العناوين التالية: اتجاهات الرَّأي؛ تقارير؛ تحقيقات وشهادات؛ نصوص في الحوار؛ وثائق. على أن تكون مواد القسم الثاني ذات صلة بالحالة الشِّيعيّة اللبنانية، بشكلٍ أو بآخر. وتناول تقرير الحالة الشيعية في نموذجه التجريبي الأول عرضاً تقريرياً، من خلال الإعلام، لمجمل المواقف الشِّيعيّة من الأزمة اللبنانية بعناوينها الرَّاهنة.أزمة الحكم ومعركة مخيم نهر البارد والقوات الدُّوليّة والقرار 1701 والحساسيات الطائفية والمذهبية وتطرق إلى الشِّيعة وسلطة الدَّولة والرَّأي الشِّيعي الآخر فضلا عن قضية الإمام موسى الصَّدر. وقد عرضت جريدة "الرأي" الكويتية هذا التقرير على حلقتين 21-22/8/2007.
شكّل تأسيس «المركز اللبناني للدراسات والحوار والتقريب - جسور» الذي يعنى بإعداد تقرير شهري عن «الحالة الشيعية»، إشارة واضحة إلى وجود أزمة ما «يعانيها الشيعة اللبنانيون، داخل التركيبة السياسية لهذه الجماعة، وفي علاقاتها مع الجماعات الأخرى». وأول الغيث» في عمل هذا المركز كان «التقرير الشهري» عينه الذي تولى، بالرصد والتوثيق والدراسة، الاهتمام بالحالة الشيعية في لبنان، وجاء في التعريف عنه أنه «لا يسعى إلى تقديم وجهة نظر معيَّنة، بل إلى تقديم ما هي عليه الحالة الشيعية في لبنان، على اختلاف تعبيراتها والمعبِّرين، من القضايا اللبنانية بعناوينها الرَّاهنة، وذلك بصورة تقريرية، إن لم تكن محايدة فهي تجتهد لأن تكون موضوعية».(51/94)
وأشار المركز إلى أنه «قد يتَّصف بعض تلك العناوين بالثبات النسبي، في حين تتراجع عناوين أخرى مع تطور الأوضاع، وتظهر ثالثة، الأمر الذي سيقتضي تعديلات مناسبة من حيث عناوين المتابعة والرَّصد». ويعرض في قسمه الأول الأزمة اللبنانية العامة، من خلال المواقف الشيعية، ومواقف أخرى قد تساجل معها مباشرة، فتعتبر بالتالي جزءاً متمماً للصورة الشيعة المراد تظهيرها. وتنشر«الرأي» في هذه الحلقة مقاربات لعنوانين هما، أزمة الحكم، معركة نهر البارد . أزمة الحكم بعد استقالة الوزراء الشِّيعة من الحكومة، ثُمَّ إقرار المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في مجلس الأمن تحت الفصل السابع جراء تعطيل جلسات المجلس النيابي، وتركزت أزمة الحكم في عنوانين خلافيين بين الأكثرية النيابية والمعارضة هما «حكومة الوحدة الوطنية» و«رئيس الجمهورية المقبل».
وفيما لَم يتمكن الفريقان من التَّفاهم على الأمرين، كانت معركة مخيم نهر البارد في الشمال بين الجيش اللبناني ومنظمة «فتح الإسلام» الإرهابية تتفاعل داخلياً وإقليمياً على خلفية «تدخل سوري»، حسب رأي الحكومة التي طلبت مساعدة الجامعة العربية في وجه التدخل السوري الأمني وفيما بين الفريقين اللبنانيين . بادرت الجامعة إلى إرسال أمينها العام على رأس لجنة وزارية أجرت اتصالات ومباحثات توفيقية بين مختلف الأطراف اللبنانيين على مدى أربعة أيام (19 - 22 يونيو ) من دون جدوى .
وقد استنتج المراقبون السِّياسيون في حينه أنَّ «الحل العربي» ليس متيسراً حتى الآن، لأسباب تتعدى إرادة أو رغبة القوى المحلية اللبنانية . غادر الوفد العربي آسفاً، على أمل استكمال اتصالاته الإقليمية والدولية، مفسحاً في المجال أمام «مبادرة فرنسية» لحوار لبناني في باريس منتصف يوليو، على مستوى قيادات من «الصَّف الثاني»، وافقت جميع الأطراف على المشاركة فيه، الأمر الذي عكس رغبة لدى الجميع في التقاط الأنفاس و«شراء الوقت».(51/95)
وفي ما يأتي عرض للموقف الشيعي اللبناني من أزمة الحكم خلال الشَّهر المنصرم، مواقف «حزب اللَّه» و«كتلة الوفاء للمقاومة»:
استمر الحزب وكتلته النيابية في اعتبار الحكومة القائمة غير شرعية، بعد انسحاب الوزراء الشيعة منها، مطالبين بحكومة اتحاد وطني تتمثل فيها المعارضة بأكثر من الثلث . كما أضاف الحزب شرطاً جديداً يقضي بإعادة النظر في جميع القرارات التي اتخذتها الحكومة الحالية أثناء غياب الوزراء الشيعة، بما في ذلك قرار الموافقة على المحكمة الدولية .
يُشار إلى أنه حين أخبر عمرو موسى السيد حسن نصر الله، أثناء لقائهما الأخير، أن الرئيس بري وافق على استثناء موضوع المحكمة من القرارات التي يُفترض مراجعتها، ردَّ نصر اللَّه : هذه مسألة جديدة علينا، لَم أكن أعرفها! (صحيفة الحياة 28 يونيو).
رفض مقايضة الحكومة برئاسة الجمهورية، على حدِّ تعبير ممثلي «حزب الله»، بمعنى أن الاتفاق على حكومة وحدة وطنية لا يُلزم المعارضة بتأمين نصاب الثلثين في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية المقبل إذا لَم يتم التوافق معها مسبقاً على الرَّئيس العتيد . في حال الاتفاق على حكومة وحدة وطنية، ينبغي اعتبارها «موسعة» عن الحالية، لا حكومة «جديدة»، لئلا يُصار إلى تعديل البيان الوزاري الحالي الّذي يُقر بشرعية المقاومة واستمرارية عملها، وكان ذلك البيان قبل حرب يوليو 2006 والقرار الدولي 1701 في المقابل أصرَّت الأكثرية على ضرورة مناقشة برنامج الحكومة المطلوبة، للاتفاق على القضايا الأساسية، ولا سيما مقررات طاولة الحوار وما استجد بعد حرب يوليو .
يُذكر أن «حزب الله» تراجع في الآونة الأخيرة عن موافقته السَّابقة على «ورقة النّقاط السَّبع» التي شكلت أساس القرار الدولي 1701، صرَّح المتحدِّثون باسم «حزب الله» مراراً، خلال الشهر الماضي، بأن لدى المعارضة خيارات كثيرة ستلجأ إليها إذا ما فشلت مساعي التَّوافق .(51/96)
و لم يفصح الحزب كثيراً عن تلك الخيارات التي تولت صحافة المعارضة تسريب سيناريوهات لها متعددة، ولكنه ألمح إلى احتمال «الحكومتين والرَّئيسين»، لا سيما على لسان أحد مسؤوليه محمود قماطي الذي قال : «فكرة حكومة ثانية جدية وموجودة وقائمة، وإن كان الدستور لا ينص عليها». ثُمَّ صدر في اليوم التالي «توضيح» مفاده أنَّ ما نُسب إلى قماطي «نُقل بصورة غير دقيقة».
وبعد يومين نفى النائب محمد رعد وجود تباين بين أركان المعارضة في شأن تشكيل حكومة ثانية، لافتاً إلى عدم وجود موقف نهائي حتى الآن في هذا الشأن». (حسب صحيفة «الحياة» في السابع من يونيو) في إشارة ضمنية إلى موقف الرئيس بري الرافض لمثل هكذا حكومة .
وفي رد شديد اللهجة على فكرة الحكومة الثانية قال النائب سعد الحريري: «الكلام عن حكومة ثانية تهويل، وهو فكرة سورية إيرانية مشتركة». واتَّهم الحريري «حزب الله» «بأنه يحاول أن يقول للبنانيين والعرب والمسلمين والعالم إنه هو الذي يعيِّن رئيس الجمهورية المسيحي، ورئيس الحكومة السنّي، والذي يختار الوزراء، ويضع الخطوط الحمر في وجه الجيش في مخيم نهر البارد». ورأى أن قيام حكومة ثانية «فتنة وهدية لإسرائيل» (حسب صحيفة «الحياة» يوم 17 يونيو).(51/97)
ومن كلام النائب وليد جنبلاط في مؤتمر الاشتراكية الدولية الأخير: «إنَّنا نواجه خصماً أو حلفاً واحداً من إيران إلى سورية وامتداداتهما في فلسطين ولبنان والعراق».… وكرر «حزب الله» اتِّهامه الفريق الحاكم بـ«التَّبعية للإدارة الأميركية، وارتباطه بالمشروع الأميركي الرامي إلى القضاء على المقاومة، من خلال تقويض إنجازاتها، وتوسيع صلاحيات اليونيفيل ولا سيَّما نشر مراقبين دوليين على الحدود مع سورية»، كما جاء على لسان الشَّيخ نبيل قاووق . كما ذهب الحزب إلى اتِّهام «الفريق الحاكم بانخراطه في مشروع تآمري قائم على نشر الفوضى وإثارة الفتن وتفتيت لبنان والمنطقة، وإشاعة ثقافة الهزيمة والتَّكيُّف مع واقع الاحتلال، خدمةً لهدف فرض التَّطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب للقدس وفلسطين». (بيان كتلة الوفاء للمقاومة في الخامس من يوليو).
رفض «حزب الله» البحث في المبادرة العربيّة لجهة الأمن اللبناني واستحقاق رئاسة الجمهورية، مصمماً على بند واحد في المبادرة هو موضوع الحكومة، وهو الموقف الذي فرض نفسه أخيراً على كل المعارضة.
هذا «بعدما كان عمرو موسى قد حصل على موافقة بري والسنيورة والحريري وجنبلاط على الدعوة إلى طاولة حوار في غضون أسبوع لبحث المواضيع الثلاثة في رزمة واحدة» (حسب «النَّهار»، 22 يوليو).
وقد لاحظ المراقبون أنَّ «تبدُّل موقف المعارضة في اللحظة الأخيرة إنَّما جاء على أثر تصريح نائب الرئيس السوري فاروق الشرع الذي رفض فيه أي تدخل عربي في الشأن الأمني اللبناني المرتبط بسورية والحدود . وفي ما بدا أنَّه رسالة إلى سورية وإيران، قال الوفد الوزاري العربي للسيد حسن نصر الله : «إنَّ أحداً لن يسمح بغزة ثانية! (حسب صحيفتي «الحياة» و«النَّهار» يوم 23 يونيو).(51/98)
مواقف حركة «أمل» وكتلة التحرير والتنمية ثبت موقفهما في هذه الفترة على أولوية قيام حكومة وحدة وطنية، وعلى التَّحذير من أنَّ «الهروب من هذه الحكومة سيؤدِّي إلى مزيد من الانكشاف السياسي والأمني». كذلك شدَّد الرئيس بري على أن «التوافق على اسم رئيس الجمهورية المقبل وانتخابه في نصاب الثلثين مسألة ضرورية لا عودة عنها ولا يستطيع أحد القفز فوقها على أثر استقباله السفير الأميركي جيفري فيلتمان». (حسب «النهار» يوم 6 يوليو).
وإذ أبدى الرئيس السنيورة استعداداً للبحث في حكومة 17 + 13 شرط الاتفاق على برنامجها مسبقاً، سارع الرَّئيس برّي إلى تثمين هذا الموقف إيجابياً ودعا إلى مباشرة حوار على برنامج هذه الحكومة، مضيفاً: «فإذا لَم نتفق لن نقف عقبة في طريق حكومة صافية للأكثرية . سنكون معارضة، وستكون الحكومة عندئذٍ دستورية وميثاقية بانضمام وزراء شيعة إليها من خارج فريقنا السِّياسي». وفي هذا المنحى الأخير تمايز الرَّئيس برّي عن سائر المعارضين الّذين يهدِّدون دائماً بـ«الخيارات الأخرى والبدائل الجاهزة» في حال عدم الاتفاق.
وإذا كان «حزب الله» يذهب بعيداً في اتهام الحكومة الحالية وفريق 14 مارس بالعمالة للأميركيين وتنفيذ مؤامرة خارجية، فإن الرئيس برّي وكتلته يتجنبان كثيراً هذا المذهب. مع تواتر التسريبات من أوساط المعارضة عن «حكومة ثانية»، دعا الرئيس بري إلى «التَّريث في شأن الحكومة الثانية في انتظار الحلول».
وفي وقت لاحق أشارت مصادر في المعارضة إلى أن قوى حليفة لسورية تتناغم مع الرئيس لحود في توجهه نحو تشكيل حكومة ثانية عشية الاستحقاق الرئاسي، خلافاً لقوى مثل الرئيس بري والنائب ميشال المر وحزب الطاشناق وكتلة النائب إيلي سكاف (الكتلة الشعبية) .(51/99)
وبالنسبة إلى موقف «حزب الله» والتيار الوطني الحر قالت المصادر نفسها إن الرئيس بري لن يختلف في نهاية الأمر مع «حزب الله»، وإنَّ هذا الأخير ينسِّق يومياً مع العماد عون .
وأكدت أن علاقة بري بقيادة «حزب الله» لن تتعرَّض لأي انتكاسة، وأن تشاورهما الدائم كفيل بالتوافق على موقف موحد من الاستحقاقات السِّياسية الداهمة. (حسب ما ذكرت «الحياة»).
وبالفعل فإن الرئيس بري، مع وصول المبادرة العربية إلى طريق مسدود في يومها الثالث، أعلن باسم المعارضة «أن هناك مشروعاً واحداً على الطاولة هو الوضع الحكومي، سواء بتوسيع الحكومة الحالية أو بحكومة جديدة ...والعدد قابل للنقاش». وكان قبل يومين من ذلك أبلغ وفد الجامعة العربية أن المعارضة في الحكومة الجديدة أو الموسعة لن تقدِّم أي ضمانات بخصوص استقالة وزرائها أو بخصوص تأمين النصاب لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية .
وفي مقابل تسريبات صحافية نَسبت إلى الرئيس بري عدم اعترافه بقرارات الحكومة بعد انسحاب الوزراء الشيعة منها، نفى بري لاحقاً هذا الأمر وقال : «كلّ ما طالبنا به هو إعادة قراءة تلك القرارات، ما عدا موضوع المحكمة الدولية لأنها قد صدرت عن مجلس الأمن». في هذه الفترة شنت كتلة التحرير والتنمية حملة شعواء على وزير الاتصالات مروان حمادة، على خلفية ملف الخليوي، وقال مصدر في الكتلة إن «خصخصة الخليوي لن تمرَّ مهما حصل!». ردَّت مصادر حكومية بالقول : «إنَّ البيان الوزاري، الذي أبدى أطراف أساسيون في المعارضة عشقهم له، لا يتضمن فقط دعم سلاح المقاومة وتحرير مزارع شبعا، بل يتضمن أيضاً تحرير القطاعات الاقتصادية» (حسب «النَّهار» يوم 7 يوليو ).
يُشار إلى أن وزير الصحة محمد جواد خليفة، المحسوب على كتلة التحرير والتنمية، هو الوحيد من بين الوزراء المستقيلين الذي لَم ينقطع عن تصريف الأعمال في وزارته خلال الفترة الماضية .(51/100)
وفي الشهر الماضي عاد وزير العمل المستقيل طراد حمادة، المحسوب على «حزب الله»، إلى تصريف الأعمال «لبضع ساعات، كي يتدخل في انتخابات الاتحاد العمالي العام، ثُمَّ ينسحب»، حسب بيان حزب «الكتلة الوطنية» يوم السادس من يوليو الماضي.
جدير بالذكر، أن نائب رئيس المجلس الشيعي الأعلى الشَّيخ عبد الأمير قبلان كان قد طالب الوزراء الشيعة المستقيلين بالعودة إلى ممارسة أعمالهم في مكاتبهم من دون مشاركة في اجتماعات الحكومة، «لأنَّنا لا نقبل بالاستمرار في سرقة الوظائف وتشكيلات داخلية للموظفين بقرارات كيدية من الوكلاء».
مواقف المجلس الإسلامي الشِّيعي الأعلى ونائب رئيسه لـ« حزب الله» وحركة «أمل» دالَّة قوية على مواقف المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى بهيئته الشرعية والتنفيذيّة .
وهذا ناجم عن قوة التنظيمين الكاسحة على مستوى التمثيل الشيعي، وعن توافق عام في إطار المجلس على «أهمية رصِّ صفوف الطائفة» خلف قيادة سياسيّة موحدة في مرحلة ما بعد الانسحاب السوري من لبنان.
لذلك فإنَّ بيانات المجلس تلتزم «الموقف الموحد» للقوتين الشِّيعيتين، لا سيما بخصوص أزمة الحكم والعلاقة مع كل من سورية وإيران . هذا مع حرص المجلس، قدر الإمكان، على عدم الدخول في سجالات سياسية أو طائفية مباشرة، وعلى الدعوة إلى تغليب لغة التفاهم والحوار بين الجميع . في هذا الإطار العام لخطاب المجلس الشيعي، يُلاحَظ أن لنائب رئيسه الشيخ عبد الأمير قبلان «هامشاً خاصاً للتعبير» يتحرك فيه على إيقاع يتراوح ما بين «الحزبين»، ففي بيان بتاريخ 22يونيو الماضي جدَّد المجلس رفضه استمرار الحكومة في وضعها القائم،»باعتبارها غير شرعية ومخالفة للدستور»، ورفض «الدعوات غير المسؤولة لاستقدام قوات دولية إلى الحدود اللبنانية السورية».(51/101)
فالشَّيخ عبد الأمير قبلان «يشيد بالدَّور الإيراني الفاعل في دعم الشُّعوب المستضعفة ونصرة القضايا المحقِّة»، (يوم 12 يونيو) ويدعو السياسيين إلى الإقلاع عن الخطابات المتشنجة والسجالات من على المنابر وفي وسائل الإعلام، كما يدعو الموالاة والمعارضة إلى تقديم لائحة موقعة من أركانها تتضمن المطالب والمقترحات إلى الأمين العام لجامعة الدُّول العربيّة عمرو موسى، وتفوضه اختيار الحل الأنسب لمصلحة لبنان من دون ظلم أحد (يوم 20 يونيو)، ويتساءل : «لمصلحة من الاحتقان والشَّحن المذهبي؟»، (يوم 23 يونيو)، ويحذِّر : «رئيس للجميع، وإلا لن تكون انتخابات !» (في الثاني من يوليو)، ويرى أن لبنان «لن يستقر من دون الاتفاق مع سورية، فهي لها جذورها في هذا البلد، وعلينا أن نتفاهم معها فنعالج كل المشكلات عن قرب»،(يوم السابع من يوليو).
مواقف السيد محمد حسين فضل الله : يحرص السيد محمَّد حسين فضل الله من بين معظم القيادات الشيعية غير الحزبيّة في الدول العربية على إرسال خطاب سياسي مباشر وسجالي . ويتركز خطابه شبه اليومي، من خلال التصريحات والبيانات وخطبة الجمعة، على قضية أساسية هي «المواجهة بين الولايات المتحدة الأميركية والإسلام الحركي في مختلف السَّاحات»، حسب تعبيره . وإذا تطرق لبعض تفصيلات الشأن اللبناني فإنما ليربطها بتلك القضيّة المركزية، وهو في ذلك كله يقدم نصاً عاماً ثابت الأفكار والمفردات، على مسافة من الجمهورية الإسلامية الإيرانية، تتسع أحياناً إلى حد التباين الصريح، وتضيق أحياناً إلى حد التطابق، كما يحدث منذ مدَّة .(51/102)
رأى «ضرورة التصدي لإقامة قواعد عسكرية أميركية في المنطقة»، وأبدى خشيته من أن تعمل الإدارة الأميركيّة لتدمير لبنان سياسياً، وإحداث توترات أمنية فيه»، داعياً «الشعوب العربية والإسلامية إلى مواجهة الخطر الأميركي الذي لا يزال يخطط لإشعال المنطقة سياسياً وأمنياً في ملفات متعددة، بدءاً من الملف الإيراني النووي السلمي، وصولاً إلى السودان والصومال، وكذلك الضغط على سورية، وملاحقة المقاومة في فلسطين ولبنان، واستخدام مجلس الأمن في ذلك كله بمساعدة بريطانية وفرنسية»، (راجع الصحف اللبنانية يوم 11 يونيو) . وحذَّر فضل الله من «أننا نطل على مرحلة مزروعة بالألغام الأميركية»، داعياً الجميع إلى تحمل مسؤولياتهم حيال مستقبل لبنان» . ورأى مجدداً «أن الإدارة الأميركية «تعمل على نشر قواعد عسكريّة في أكثر من موقع في المنطقة، وعلى إذكاء المزيد من النِّزاعات الداخلية»، مشيراً إلى «سعيها لإدخال الأمم المتحدة لاعباً نشطاً في مشروعها إلى جانب لاعبين عرب يعملون لحساب المخابرات المركزية الأميركية»، (راجع الصحف اللبنانية يوم 18 يونيو).(51/103)
«المبادرة العربية فاشلة لأن الخطة الأميركيّة لا تريد الاستقرار السياسي للبنان، خصوصاً عبر التقاء المعارضة والسلطة . وأميركا تعتقد أن ذلك اللقاء قد يحقق نصراً سياسياً للمقاومة يُضاف إلى نصرها العسكري على إسرائيل. فالإدارة الأميركية تريد بقاء لبنان ساحة متحركة في حالٍ من الفوضى لتحريك مشاريعها السياسية في الضغط على أكثر من موقع في المنطقة. ويواجه اللبنانيون في المناطق المحرومة كالبقاع وعكار والجنوب مشكلة السقوط الاقتصادي والحرمان المعيشي والتمييز الطائفي، لأن الذين يشرفون على تنفيذ المسؤوليات في هذا البلد مشغولون عن الواقع الشعبي بالتزاماتهم السلطوية وأزماتهم السياسية الخاضعة للتدخلات الخارجية التي تلعب في الساحة اللبنانية لعبة الأمم، باعتبارها موقعاً من مواقع تحريك النفوذ السياسي في الضغوط الموزعة في حركة الأوضاع في المنطقة»، (راجع الصحف اللبنانية يوم السابع من يوليو).
معركة مخيم نهر البارد ومواقف «حزب الله»: مع اشتداد المعارك بين الجيش اللبناني ومنظمة «فتح الإسلام» على تخوم مخيم نهر البارد في الشِّمال ابتداءً من 20 مايو الماضي، أعلن الأمين العام لـ«حزب الله» موقفاً حاسماً لخصه : «الجيش اللبناني خط أحمر، ومخيم نهر البارد خط أحمر!»، اعتبرت الحكومة وقوى الأكثرية هذا الموقف «قيداً» على الجيش اللبناني الّذي يخوض، حسب رأيها، معركة دفاع مصيرية عن الذَّات وعن الدَّولة في وجه «عصابة إرهابية لا تمت بصلة إلى القضية الفلسطينية ولا إلى الإسلام»، وهو التَّوصيف ذاته الذي قدمته منظمة التَّحرير الفلسطينية عن هذه الجماعة .(51/104)
كذلك شكل موقف السيد نصر الله «غطاءً» على جانبٍ كبير من الأهمية لقوى لبنانية وفلسطينية رفضت اقتحام مواقع «فتح الإسلام» داخل المخيم، حفاظاً على المدنيين، وطالبت بـ«حل سياسي تفاوضي» للمشكلة، فيما اعتبرت قوى من المعارضة أن طرفاً أساسياً في الحكومة «ضالع في توريط الجيش واستنزافه، ضلوعه في التغاضي عن توافد أفراد تلك المنظمة إلى لبنان وانتقالها إلى شماله» .
وبعد تحديده موقفه الأولي ذاك، لوحظ ابتعاد «حزب الله» نسبياً عن السجال العلني في هذا الشأن، لحساسية الموضوع من الناحية المذهبية، ولخصوصية الحزب في هذا الإطار، فاقتصر على تصريحات مقتضبة، من مثل الدَّعوة إلى «عدم الزَّج بالجيش في أتون حروب أمنية ضيقة تخرجه عن مهمته الأساسية»، حسب تصريح الشَّيخ حسن عز الدِّين يم 21 يونيو، أو بيان كتلة الوفاء للمقاومة الذي دعا إلى «معالجة مسؤولة لحال استنزاف الجيش».
إلاَّ أنَّ ذلك لَم يمنع قوى 14مارس من تكرار مأخذها، لا بل هجومها السياسي، على «الخط الأحمر» الّذي وضعه الحزب أمام الجيش، مستغلةً في الوقت ذاته موقف العماد ميشال عون «غير المنسجم» مع موقف السيد نصر الله في هذا الموضوع، ما حمل عون على التصريح بأن موقفه من أحداث مخيم نهر البارد «تمايز عن السيد نصر الله قولاً، ولكنَّه هو نفسه من ناحية الجوهر»، (يوم 16 يونيو) .
كذلك أوضح النائب محمد رعد أن «المدنيين هم فقط الخطّ الأحمر في مخيم نهر البارد». هذا فيما كان الجيش يواصل معركته، متكبداً خسائر فادحة لحرصه على المدنيين، ومصمماً مع الحكومة على إنهاء ظاهرة «فتح الإسلام» من دون شروط وتقديم أفرادها إلى القضاء، وفيما كانت تتواصل عملية إخلاء المدنيين من المخيم.…(51/105)
وفيما كانت المعارك على أشدها، مع نزوح الغالبية العظمى من سكان مخيم نهر البارد إلى مخيم البداوي القريب، تحرك النازحون من البداوي في «تظاهرة عودة بالقوَّة» إلى البارد اصطدمت التظاهرة بحواجز الجيش، ما أسفر عن سقوط قتيلين وعدد من الجرحى في صفوف المتظاهرين . ترافق ذلك مع حملات إعلامية أوحت بأن الفلسطينيين يتعرَّضون إلى «عملية اقتلاع تمهيداً للتوطين ...وأنَّ الصدام هو بين الجيش والفلسطينيين».
وفي المقابل وجه بعض الشماليين السنَّة اتهامات إلى قناة «المنار» الفضائية التَّابعة لـ«حزب الله» بالتحريض على الخلاف، فانتقد النَّائب مصطفى علوش «الحملة التي يشنها (حزب الله) للتحريض على الاقتتال في الشِّمال»، كما أصدرت «لجنة المتابعة اللبنانية - الفلسطينية في البداوي ووادي النحلة» بياناً تمنت فيه على وسائل الإعلام، ولا سيَّما محطة «المنار»، عدم بثِّ الفرقة بين الشَّعبين اللبناني والفلسطيني، حسب ما ورد في الصحف اللبنانية يوم الثاني من يوليو.
مواقف شيعية أخرى متمايزة قليلاً أو كثيراً عن «حزب الله» من هذه المواقف يُذكر التَّالي :
• الشَّيخ عبد الحسين صادق، إمام مسجد النَّبطية: «حيال ما يجري ليس أمام الشَّعب اللبناني سوى أن يحزم أمره ويقف موحداً خلف جيشه الوطني والقوى الأمنية، لتطويق موجة العنف المشبوهة الّتي انطلقت من مربع نهر البارد وإنهائها قبل أن تتفشى وتستفحل» (صحيفة «اللواء» يوم 13 يونيو).
• «اللقاء الوطني لدعم الجيش»: دعت إليه «لجنة تحضيرية» مكونة من شخصيات شيعية عاملة في الشأن العام، وشاركت فيه شخصيات سياسية ودينية وإعلامية، للتوقيع على بيان دعماً للجيش، وانتصاراً للدولة المدنية، وإدانة للاغتيال السِّياسي . كما دعا البيان إلى «أوسع حملة تضامنية مع الجيش والقوى الأمنية في مواجهة المنظمات الإرهابية والمخابراتية وكل من ينتهك السيادة الوطنية»، ( راجع الصحف اللبنانية يوم 26 يونيو).(51/106)
• الشَّيخ عبد الأمير قبلان: «نسأل المعتدين على الجيش : لِماذا لا تقاتلون إسرائيل؟». وعلى أثر لقائه وفداً من رابطة علماء فلسطين أكد الشيخ قبلان رفضه أن «يتحول الصراع بين الجيش وعصابة «فتح الإسلام» خلافاً بين الجيش والفلسطينيين، كما أيد فكرة دخول قوة فلسطينية مشتركة إلى المخيم للسيطرة عليه من الداخل «على أن تكون متوافقاً عليها من فصائل منظمة التَّحرير وقوى التحالف الفلسطيني»، (راجع الصحف اللبنانية يوم الخامس من يوليو الماضي).
في موضوع القوات الدولية والقرار 1701 ، خلال يونيو الفائت، خرقان للقرار 1701 في الجنوب هما الأبرز من نوعيهما بعد حرب يوليو 2006 : إطلاق صواريخ كاتيوشا من الأراضي اللبنانية على مستعمرة «مسكافعام» الإسرائيليّة في الجليل الأعلى، وتفجير دورية تابعة للوحدة الإسبانية العاملة في القوات الدوليّة في منطقة مرجعيون. كما صدر في هذه الفترة بيان رئاسي عن مجلس الأمن في شأن تطبيق القرار 1559 وتقرير الأمين العام للأمم المتحدة في شأن تطبيق القرار 1701.
في مسألة صواريخ الكاتيوشا:
«أطلق مجهولون يشتبه في انتمائهم إلى تنظيم فلسطيني معروف، عصر 17 يونيو، صواريخ كاتيوشا من منطقة عمليات القوات الدوليّة والجيش اللبناني في الجنوب باتِّجاه مستعمرة «مسكافعام» الإسرائيليّة، من دون أضرار تذكر. سارع (حزب اللَّه) إلى نفي أيِّ علاقة له بالعملية، وأبلغ المنسِّق العام للأمم المتحدة في لبنان استعداده للتعاون من أجل إلقاء القبض على مطلقي الصواريخ. كذلك تبلَّغت قيادة «اليونيفيل» من تل أبيب أنَّها «تستبعد أن يكون للحزب علاقة مباشرة بالحادث، وأنَّ مجموعة فلسطينية تقف وراءه، في محاولة لإعادة خلط الأوراق في جنوب لبنان».(51/107)
وربط مصدر وزاري لبناني بين إطلاق الصواريخ وما تشهد جبهة مخيم نهر البارد من تقهقر وضع «فتح الإسلام» ومن يقف معها من تنظيمات أو مجموعات فلسطينية» (النَّهار 18 يونيو). كذلك ربط المنسِّق العام للأمم المتحدة في لبنان بين «زعزعة استقرار الشِّمال واغتيال النَّائب وليد عيدو وإطلاق الصواريخ»، واعتبر السَّفير الروسي في بيروت أنَّ «أيِّ خرق للقرار 1701 غير مسموح به إطلاقاً» (صحف 19 يونيو). من جهته «شكر النَّائب وليد جنبلاط القوى السِّياسيّة الّتي أوضحت أنَّها ليست مصدر الصواريخ» مذكِّراً إياها بمقرَّرات مؤتمر الحوار الوطني التي «كان أبرز نقاطها معالجة السِّلاح الفلسطيني خارج المخيمات لأنَّه بمعظمه يوظَّف لخدمة أغراض إقليمية لا تلتقي مع المصلحة اللبنانية» (19 يونيو).
تفجير الدَّورية الإسبانية «تفجير إرهابي عن بعد، أدَّى إلى مقتل ستة جنود من دورية إسبانية في منطقة مرجعيون» (النَّهار 25 يونيو). سارع (حزب اللَّه) إلى إدانة هذا «العمل المشبوه الّذي يضرُّ بأهل الجنوب ويُساهم في مزيد من العبث بأمن لبنان واستقراره»، كذلك فعلت حركة «أمل» مؤكِّدة أنَّها ستبقى «مع كلِّ الجنوبيين إلى جانب قوات الطوارئ الدولية في تطبيق القرار 1701».
ونقلت وكالة الصَّحافة الفرنسيّة ( 26يونيو) عن مصدر في (حزب اللَّه) أنَّ الحزب «يجري تحقيقه الخاص وهو مستعد للتنسيق مع قوَّة اليونيفيل إذا تبيَّن أنَّ هناك حاجة لذلك». وبالفعل «تلاحقت اجتماعات عقدها مسؤولون أمنيون أسبان مع آخرين في (حزب اللَّه) لتدارك أيّ حادث أمني آخر.
كذلك اتَّفق الطَّرفان على رفع مستوى التَّنسيق الأمني بينهما على نحو ما وصفه بعض الديبلوماسيين بأنَّ (حزب اللَّه) انتقل، بعد حادث التَّفجير، من فريق في التزام القرار 1701 وتنفيذه إلى شريك فعلي في حمايته ومنع أيِّ محاولة لإسقاطه» (الأخبار 30يونيو).(51/108)
وفي ردود الفعل، ذكرت صحيفة النَّهار (25 يونيو) أنَّ «نفي (حزب اللَّه) مسؤوليته عن الحادث لَم يعن بالنِّسبة لديبلوماسيين غربيين عدم معرفته بالحادث أو عدم غضه النَّظر عنه، في منطقة تعود حصرية النُّفوذ السِّياسيّ وغير السِّياسيّ فيها إليه وحده». وفي هذا الاتِّجاه التَّشكيكي ذهب أيضاً تعليق للنائب وليد جنبلاط (النَّهار 3 يوليو). ولعلَّ التَّعليق الأكثر أهمية في نظر المراقبين هو ما ألمح إليه مسؤول السِّياسة الخارجيّة في الاتِّحاد الأوروبي خافيير سولانا من أنَّ «إيران قد تكون على صلة بسيطرة حماس على قطاع غزة وبالهجمات الّتي استهدفت الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل في الآونة الأخيرة... كلُّ هذه الأمور مترابطة ولَم تحدث مصادفة» (النَّهار 3 يوليو).
أمَّا في دمشق فقد «رأى مسؤول طلب عدم ذكر اسمه أنَّ التَّفجير يندرج في سياق الأحداث الّتي يمرُّ بها لبنان تنفيذاً لمشروع يستهدف التَّخلص من سلاح (حزب اللَّه).مؤكِّداً أنَّ «دمشق لن تساوم على السيِّد حسن نصر اللَّه». واعتبر أنَّ «فشل الجيش اللبناني في حسم معركة مخيم نهر البارد أحبط السيناريو الأميركي السَّاعي إلى تجريد (حزب اللَّه) من سلاحه» (الحياة 26 يونيو).
تطبيق القرار 1559: صدر بيان رئاسي من مجلس الأمن في شأن تطبيق القرار 1559 دعم فيه المجلس الحكومة اللبنانية، داعياً إلى «انتخابات رئاسية من دون تدخل أو تأثير أجنبي، وإلى تفكيك سلاح الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية ونزعه، والاحترام الصَّارم لسيادة لبنان ووحدة أراضيه». هذا وأعرب موفد الأمم المتحدة لتطبيق القرار تيري رود لارسن عن قلقه من «تزايد الميليشيات في لبنان بدلاً من أن تتناقص»، وأوضح أنَّ «ضبط شاحنة محملة بالسِّلاح لـ (حزب اللَّه) في سهل البقاع مثير للقلق»، (صحف12 يونيو).(51/109)
تطبيق القرار 1701: صدر في نيويورك تقرير الأمين العام للأمم المتحدة عن تطبيق القرار 1701، مطالباً سورية وإيران «بتحمُّل مسؤولياتهما في ضمان احترام حظر السِّلاح إلى لبنان». وكشف أنَّ الحكومة الإسرائيليّة «وافقت أخيراً على زيارة خبير الخرائط الدولي المكلَّف مسح مزارع شبعا». كذلك أشار التقرير إلى الاشتباه بأنَّ «عناصر مسلّحة تابعة لـ (حزب اللَّه) تقوم بتشييد منشآت جديدة في البقاع، بما في ذلك منشآت لإطلاق الصواريخ، وإجراء تدريبات عسكريّة». ودعا التَّقرير إلى «تجريد (حزب اللَّه) والميليشيات غير اللبنانية من السِّلاح، ليكون للحكومة اللبنانية وحدها السُّلطة والتَّفرد بالسِّلاح» (صحف 30 يونيو).
أهل الجنوب والقوات الدُّوليّة : ثَمَّة قلق متعاظم من الاختراقات الأمنية الجسيمة لمنطقة عمليات اليونيفيل والجيش اللبناني، كان لها انعكاسات مباشرة على المستوى الشَّعبي، بدت معها منطقة مرجعيون شبه خالية على أثر حادث الدورية الإسبانية (النَّهار 26يونيو).وفي أجواء القلق هذه أخذ بعض الجنوبيين يتساءلون، كلٌّ على طريقته، عمَّا إذا كان من الحكمة مواصلة الاندفاع في إعادة بناء ما هدمته إسرائيل في عدوانها الأخير، في حال انفتاح الجنوب مجدَّداً على التسيُّب الأمني! (شهادات كثيرة بهذا المعنى أظهرتها تحقيقات صحافية وتلفزيونية في الآونة الأخيرة).(51/110)
وإذ دفعت الحوادث الإرهابية الأخيرة القوات الدوليّة إلى أن تغدو أقل اختلاطاً بالسُّكان وأكثر توتراً من الناحية الأمنية، فقد أدَّى ذلك إلى تضرُّر بعض أصحاب المصالح من الجنوبيين الّذين يتعاملون مع أفراد القوات الدوليّة، كما أدَّى إلى حالات خطيرة من سوء التَّفاهم، على نحو ما حدث في عديسة وميس الجبل والعباسية. وفي هذا الصَّدد يقول قائد القوات الدوليّة في الجنوب: «التَّدابير الأمنية الجديدة جعلت من كسب ودّ الأهالي وتعاطفهم شيئاً معقَّداً» (النَّهار 4 يوليو). وتقول النَّاطقة باسم اليونيفيل ياسمينا بوزيان: «نأسف لما حصل في العباسية، ونعتبر أنَّه كان نتيجة سوء فهم أو سوء تواصل على الأرجح... ونشكر لقادة المجتمع هناك تفهمهم أنَّ ما حصل كان مجرَّد حادثة».
وتتحدَّث عن تجربتها في الجنوب منذ أيار الماضي بعد خدمتها خمسة أعوام في الكونغو: «النَّاس هنا حارون ومرحبون، وأعتقد أنَّهم يريدون الاستقرار والسَّلام. وأعني بذلك راحة البال، كما نقول في المغرب. (...) تجربتي في الكونغو علمتني أنَّ لمثل هذه الدُّول المأزومة أملاً كبيراً إذا توفرت الإرادة لدى النَّاس لتحقيق الاستقرار. وعمَّا إذا كانت اليونيفيل قد تمكنت من إرساء علاقة جيِّدة بـ (حزب اللَّه) ومناصريه في المنطقة خلال عام، تجيب: انحن نتوجَّه إلى كلِّ المؤسَّسات والمسؤولين في البلدات، ونتعامل مع الجميع بصرف النَّظر عن انتماءاتهم. بعضهم يميل إلى (حزب اللَّه)، وبعضهم الآخر لا يميل... ويبدو أنَّ الأمور تسير حتَّى الآن في الاتِّجاه الصحيح» (النَّهار 7 يوليو).
الحساسيات الطَّائفيّة والمذهبية:(51/111)
يقرُّ الجميع في لبنان باشتداد الحساسيتين الطائفية والمذهبية، بعد الانسحاب السوري في ابريل 2005، خصوصاً بعد حرب يوليو 2006، وخصوصاً منذ أحداث 23و25 يناير2007 ثُمَّ اغتيال النَّائب وليد عيدو في يونيو الماضي. بيد أنَّ ذلك كلّه لا ينبغي أن يحجب حقيقتين: أولاهما أنَّ محرِّك الحساسية الطائفية أو المذهبية في لبنان ليس دينياً عقيدياً (إلاَّ في إطار مجموعات قليلة حديثة التَّكوين) وإنَّما هو سياسي ـ اجتماعي بامتياز، يستغلُّ الغريزة الدِّينيّة لمآرب سياسيّة غير خافية. فلقد أمكننا أن نشاهد في السنتين الماضيتين حالات من «العداء الشَّديد» أو «الغرام الأشدّ» على الأرض فيما بين الطوائف والمذاهب، وفقاً للخلاف أو الاتِّفاق من فوق، مقترنين (العداء أو الغرام) بالخطاب التعبوي المناسب.
الحقيقة الثانية: أنَّ القيادات السِّياسيّة العليا، ذات الدَّالة على القواعد الشَّعبية، تدرك تماماً حقيقة الوضع وخطورته؛ وينبغي الاعتراف بأنَّها عملت على ضبط الغرائز في الأوقات الحرجة ووفقت إلى ذلك في أكثر الأحيان. ولكنَّ مشكلتها مزدوجة: فهي لا تستطيع الإقلاع نهائياً عن التَّحريض الطائفي والمذهبي لأنَّه سلاحها السِّحري في المواجهات السِّياسيّة الصَّعبة؛ وهي تكتشف دائماً أنَّ ما ترسله من خطاب «ذرائعي» نحو قاعدتها الشَّعبية «تقبضه» هذه القاعدة باعتباره «مبدئياً ونهائياً» فتذهب فيه أحياناً إلى أبعد مِمَّا تريد القيادة.(51/112)
بالإجمال ليس في تلك القيادات من لم يلجأ حتَّى الآن إلى التَّحريض الطائفي أو المذهبي، ولا تخلو قاعدته من كلام طائفي، سواء «على الهواء» أو تحته. هذا فيما يتميَّز اللبنانيون جميعاً بأنَّهم أكثر أهل الأرض اختصاصاً بالكلام الطائفي المرمَّز. فيما يلي بعضاً مِمَّا أشارت إليه الصحافة اللبنانية في هذا الموضوع خلال الشَّهر الفائت، لماً أنَّ اغتيال النَّائب وليد عيدو ونجله في يونيو الماضي كان العنوان الأبرز لاستدراج ردود فعل مذهبية وطائفية:
• على أثر اغتيال النَّائب وليد عيدو 12 يونيو 2007، وفيما كانت قوى 14 مارس تعلن أنَّ أحد أهداف الاغتيالات السِّياسيّة هو ألا تعود الأكثرية الحالية أكثرية في مجلسي النُّواب والوزراء، حدثت «زلَّة لسان» من مذيعة تلفزيونية تعمل في إحدى المحطات المحسوبة على فريق سياسي شيعي. سُمعت المذيعة تخاطب زميلاً لها، من دون أن تدري أنَّها قد باتت «على الهواء»، قائلة: «مبروك! لِماذا تأخروا في قتله؟!... بقي أحمد فتفت!.. أنا أعدُّهم!». في اليوم التالي عمَّمت وسائل الإعلام هذا التَّسجيل، بالنَّص والصَّوت والصُّورة، وأرسله الوزير فتفت إلى لجنة التَّحقيق الدوليّة باعتباره «مستنداً». بطبيعة الحال أصدرت إدارة المحطة المعنية بياناً «أسفت فيه للخطأ غير المقصود»، وأعلنت عن «طرد» المذيعة. كذلك كانت هذه الحادثة وتفاعلاتها مدار تعليقات سياسيّة وصحافيّة متباينة في الأيام التالية.(51/113)
• مفتي الجمهورية الشَّيخ محمَّد رشيد قباني، في تشييع النَّائب عيدو: «إنَّ هؤلاء الشُّهداء هم نتيجة سياسة الكيد والحقد والكراهية الّتي يمارسها البعض في لبنان، ونتيجة السِّياسة الّتي تمارس خارج المؤسَّسات الدستورية في الشَّارع، السِّياسة الّتي كانت تهدِّد بزعزعة أمن لبنان واستقراره إذا ما أقرَّت المحكمة الدولية في مجلس الأمن. (...) وإنِّي أسأله اللَّه أن يوفق بعض أبنائنا اللبنانيين الّذين يحيدون عن الطريق بالعودة إلى لبنان والعودة إلى إخوتهم في هذه المسيرة الوطنية الجديدة».
• مفتي جبل لبنان الشَّيخ محمَّد علي الجوزو، في تصريح: «.. شكراً لـ (حزب اللَّه)، وشكراً للمعارضة وسورية الشَّقيقة!.. هذا هو لبنان الّذي تريدون: كراهية وحقد وانتقام وثأر ودماء ودمار وخراب ومتفجرات في كلِّ مكان...».(16 يونيو) سجلت مصادر في المعارضة سلسلة من الملاحظات على المواقف الّتي صدرت خلال تشييع النَّائب وليد عيدو والّتي «لا تقرِّب المسافات بل تزيد الشَّرخ بين اللبنانيين والأفرقاء السِّياسيين». وحذرت من «انعكاسات هذه المواقف على الشَّارع»، مشيرة إلى ما رافق التشييع من «عبارات وموشحات مذهبية أصابت المعارضة ورموز الطائفة الشِّيعيّة في لبنان» (الأخبار 16 يونيو).
وكانت قوى 14 مارس قد انتقدت إشارات طائفية سلبية من الجانب الآخر (الشِّيعي خصوصاً)، أبرزها «بعض مظاهر الابتهاج في الضَّاحية الجنوبية على أثر اغتيال النَّائب عيدو، والهفوة الّتي ارتكبتها مذيعة لـ NBN التابعة للرئيس برّي (النَّهار 16 يونيو).(51/114)
• المطران بشارة الرَّاعي: «لبنان ليس يهودياً ولا إسلامياً ولا مسيحياً، ولكنَّه اليوم مكره على دفع ثمن الصِّراع السُّني ـ الشِّيعي وكلّ خلافات الشَّرق الأوسط ومعضلاته. ودعا البرلمانيين المسيحيين إلى أداء دور رئيسي في الدِّفاع عن حقوق الإنسان والديموقراطية في لبنان، لا أن يكونوا نواباً يوجَّهون عن بعد» (صحف 16يونيو).
• الرَّئيس أمين الجميل: «مخاطر الفتنة السُّنية ـ الشِّيعية واقعية!» (صحف 22يونيو).
• أخذ أصحاب الشِّقق المعروضة للبيع والإيجار يدقِّقون في هويات وانتماءات الرَّاغبين في الشِّراء أو الاستئجار، ولا سيَّما في مناطق معينة) النَّهار 12 يونيو).
الشِّيعة وسلطة الدَّولة : ثَمَّة مبرِّر «واقعي» لمثل هذا العنوان ولاعتباره موضوعاً يستحق الرَّصد والمتابعة من قبل «تقرير الحالة الشِّيعيّة»، من دون أن تُحمل كلمة «شيعة» في العنوان على معنى التَّعميم؛ وذلك لسببين: الأوَّل، أنَّ القوَّة السَّائدة على المناطق الشِّيعيّة في لبنان ((حزب اللَّه) والمقاومة) لها «احتياجاتها الأمنية الخاصَّة» الّتي تتعارض أحياناً مع سلطة الدَّولة، وقد تفسح في المجال أمام سلوكيات فردية خاطئة. هذا فيما لا يزال (حزب اللَّه) يعتبر أنَّ «الدَّولة المطلوبة الّتي يمكن أن يسلمها سلاحه وأمنه لَم توجد بعد»، حسب تصريح للسيِّد حسن نصر اللَّه في الشَّهر الماضي. والسَّبب الثاني، أنَّ فريقاً كبيراً من اللبنانيين يرى إلى (حزب اللَّه) واستطراداً مناطق سيطرته «دولة داخل الدَّولة»، وهو لا يَنِي يوجِّه سهام النّقد إليها. وإذ نتابع هذا الموضوع، نرجو أن تنتفي قريباً دواعي متابعتنا.(51/115)
• «على اثر عراك بين شباب مدنيين في الضاحية الجنوبية (منطقة الرويس) حضرت دورية من قوى الأمن الدَّاخلي وحاولت اقتياد اثنين من المتعاركين للتحقيق معهما في المخفر. تدخلت عناصر مسلحة من أمن (حزب اللَّه)، فأطلقت الموقوفين واقتادت أفراد الدورية إلى مركز للحزب بعد تجريدهم من سلاحهم. بعد اتصالات، تمَّ الإفراج عن قوى الأمن الدَّاخلي والاعتذار إلى قيادتهم. وهي المرة الأولى التي تعلن فيها القوى الأمنية اللبنانية حادثاً يحصل مع عناصر الحزب وتطلب علناً تسليم الفاعلين للتحقيق (النَّهار 16 يونيو). هذا وأصرَّت قوى الأمن بعد ذلك على ملاحقة الّذين اعترضوا الدورية وجرَّدوها من سلاحها، فداهمت عدداً من المنازل في الضاحية بحثاً عن المشتبه بهم، بناء لإشارة القاضي المختص، ولم يعترض عملها أحد. وتردَّد أنَّ (حزب اللَّه) أبلغ المعنيين أنَّه يرفع الغطاء عمَّن تبحث عنهم القوى الأمنية» (النَّهار 18يونيو).
• على أثر جلسة مجلس الوزراء 17يونيو، قال وزير الإعلام تعليقاً على الحادث: «هذا يكرِّس الانطباع الموجود في أذهان بعض النَّاس في لبنان والخارج بأنَّ ثمَّة دولة ضمن الدَّولة. وهو يتنافى مع ادعاء دعم الدَّولة ومؤسَّساتها».
• مفتي صور وجبل عامل السيِّد علي الأمين: شدَّد على «عدم التساهل مع الخروج عن القانون.. ونحن لا نريد دولة لأحد، لا في الضاحية ولا في الجنوب ولا في البقاع، بل نريد الدولة اللبنانية الّتي تفرض القانون على الجميع». وقال: «لقد دعونا الأمين العام لـ (حزب اللَّه) إلى أن يكون جزءاً من الدَّولة القوية وأن يقدِّم ما لديه في سبيل ذلك». واعتبر في حديث إذاعي أنَّ «المعارضة اللبنانية تريد أن تمسك بالسُّلطة وتعيد النَّظر بسلسلة القرارات التي اتخذت بعد حرب تموز. إنَّ أمر المعارضة ليس في يدها، ولديها ارتباط بمصالح إقليمية وبملفات خارج الوضع اللبناني» (إذاعة صوت لبنان 18يونيو).(51/116)
• الشَّيخ محمَّد الحاج حسن، رئيس «التَّيار الشِّيعي الحر»: «الاعتداء على قوى الأمن الدَّاخلي تحت ذريعة الاشتباه المزيف هو مؤشِّر خطر ورسالة عنيفة للدولة وللشعب الحر الأبي. فالسيناريو في العراق وفلسطين ولبنان واحد؛ وهو الاعتداء على سيادة القانون والنِّظام، وذلك يعني أنَّ المدرسة واحدة والأستاذ واحد» (22يونيو).
• حزب الكتلة الوطنية، في بيان: «... في خضم معركة السِّيادة، وبدل التفاف الجميع في شأن مشروع الدَّولة، يستوقفنا مشروع بديل بشرنا به الأمين العام لـ (حزب اللَّه) في خطب سابقة وتؤكِّده الممارسات على الأرض، منها: خطف عناصر دورية لقوى الأمن الدَّاخلي في الضاحية الجنوبية في 15/6/2007، بناء شبكة اتصالات مستقلة مع بنى تحتية على أراض عامَّة وخصوصاً في الجنوب والضَّاحية؛ مشروع «وعد» الّذي ينفذ في الضاحية خارج إطار التشريع؛ حمل السِّلاح ونقله واستخدامه فضلاً عن جهاز أمني استخباراتي مستقل... هذه الأمثلة من الممارسات تؤكِّد أنَّ لـ (حزب اللَّه) خيارين ومشروعين متوازيين هما: أولاً، مشروع هيمنة الحزب الكاملة على الدَّولة اللبنانية، وعندئذٍ يمكن أن يسلّم سلاحه لنفسه. ثانياً، مشروع الدَّولة ضمن الدَّولة بكلِّ مؤسَّساتها وإداراتها، ما يرتب جهوزية للانفصال والتَّقسيم» (النَّهار2 يوليو).(51/117)
الرَّأي الشِّيعي الآخر : المقصود بالرأي الشِّيعي الآخر هو الرأي الشيعي المختلف عن (حزب اللَّه) و «أمل»، لا سيَّما في موضوعي سيادة الدَّولة والتَّمثيل السِّياسي للطائفة الشِّيعيّة. وهو في واقع الحال ليس رأياً واحداً، ولا يضمّه إطار جامع، كما وتعبِّر عنه شخصيات عامَّة، سياسيّة ودينيّة وثقافيّة مختلفة، بالإضافة إلى مساعٍ لتكوين تجمعات سياسيّة مناهضة لهيمنة التنظيمين الرئيسين في البيئة الشِّيعيّة. إنَّ متابعتنا لهذا الموضوع إنَّما تقصد إلى إظهار التَّنوع والتَّعدُّد في الوسط الشِّيعي اللبناني، خلافاً للانطباع السَّائد عن «تراصّ الطائفة خلف رأي واحد». علماً أنَّ التعبيرات التي نرصدها في هذا الإطار هي حصرياً تلك الّتي تقدِّم نفسها بصفتها الشِّيعيّة، من دون أن يلغي ذلك صفاتها الأخرى.
• مفتي صور وجبل عامل السيِّد علي الأمين: تكثف حضوره أخيراً في الإطار العام لحركة 14 مارس، وفي إرسال خطاب داعم للشرعية الدستورية ووحدانية سيادة الدَّولة، لا سيَّما في المناطق الشِّيعيّة اللبنانية. كما ويتركَّز خطابه على توجيه نقد مباشر لـ (حزب اللَّه) وحركة أمل.(51/118)
في حديث إلى موقع «ليبانون فايلز» الإخباري قال السيِّد الأمين: «لو أفصح (حزب اللَّه) أنَّه يريد ربط الشِّيعة اللبنانيين بإيران لما رأينا من يؤيده في هذا الأمر، لكون الشِّيعة قد حسموا خياراتهم عبر عهود عديدة بأنَّ لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه، وأنَّ الطائفة الشِّيعية مؤمنة بالعيش المشترك وترفض أي ارتباط بالمشاريع السِّياسية الخارجية». ولفت إلى أنَّ «ولاية الفقيه لا تعني الطائفة الشِّيعية، بل تعني تنظيم (حزب اللَّه). وهذا الأخير ليس كلّ الشِّيعة، بل هو فريق من أبناء الطائفة له ارتباطه الوثيق بإيران». وأضاف: «ما يجري اليوم أنَّ هناك من يقود الشِّيعة إلى صراع على السلطة لا إلى المشاركة في السلطة. كما أنَّ إرجاع الشِّيعة إلى منطق الحرمان والاضطهاد إنَّما يدخل في إطار إثارة المشاعر من أجل تعزيز قوَّة هذه الواجهة السِّياسيّة، وليس تعزيز قوَّة الطائفة؛ لأنَّ الطائفة تحصل على حقوقها من خلال نظام مستقر، لا من خلال زعزعة الاستقرار» (النَّهار 21 يونيو).
• التيار الشِّيعي الحر: أعلن رئيسه الشَّيخ محمَّد الحاج حسن في بيان بتاريخ 29يونيو اعتزاله العمل السِّياسي «بعدما وصلت الأمور إلى ذروة الاستئثار واحتكار القرار الشِّيعي قسراً، والهيمنة بالمال «النظيف» للإمساك بلقمة عيش الفقراء، والتحدي بالسلاح (...) وبعدما لمسنا تجاهلاً للقضية الشِّيعية ومصير أحرارها». بعد بضعة أيام عاد الشَّيخ الحاج حسن عن اعتزاله وقرَّر مواصلة العمل «نزولاً عند رغبة المؤيدين».(51/119)
• اللقاء الوطني دعماً للجيش...: «انطلق» اللقاء«من توقيع بيان في فندق الكومودور 25/6/2007، مضمونه «دعم الجيش اللبناني، والانتصار للدولة المدنية، وإدانة الاغتيالات السِّياسيّة»، بدعوة من «لجنة تحضيرية» مؤلفة من: دريد ياغي، عقاب صقر، يوسف مرتضى، محمَّد مطر، محمَّد علي مقلّد، فادي يونس، حارث سليمان، مالك مروة، غادة العربي، غالب ياغي، منى فياض، لقمان سليم، ماجد فياض، فادي فواز، مشرف زعيتر، عبد اللَّه رزق. ومن الّذين تحدَّثوا في اللقاء النَّائب باسم السَّبع الّذي اشار إلى أنَّ «هذا اللقاء ذو أكثرية شيعيّة، وهذه ظاهرة إيجابية للطائفة الشِّيعية وللبلد». وأضاف: «لأنَّني من هذه الطائفة الأساسية في هذا البلد التي اتَّخذت قراراً بالانعزال، قررت أن أكسر حاجز العزلة، قررنا إقامة رصيف صغير لأن الأوتوستراد محتل؛ وليس عيباً أن نقول إنَّنا آتون من طائفة لتعميم لقاء وطني على مستوى الوطن كله» (صحف 2يونيو) عضو اللقاء الدكتور محمَّد علي مقلّد أوضح أنَّ اللقاء يرمي إلى «إطلاق صرخة ضدَّ حالة استبداد. وهي حالة ليست شيعية فحسب بل موجودة في كلِّ البلاد. ونحن لسنا حزباً، بل نسعى إلى قيام الدولة الحقيقية ورفض سياسات الاستئثار» (النَّهار 28يونيو). هذا ولم يظهر حتَّى الآن ما إذا كان اللقاء قد اقتصر على توقيع البيان، أم أنَّه سيكون لقاء مستمراً.
• أواخر الشَّهر الماضي ظهر لقاء شيعي آخر، باسم «لقاء الانتماء اللبناني»، من مؤسِّسيه أحمد كامل الأسعد وراشد صبري حمادة.(51/120)
• تشكلت اخيراً جمعية سياسية باسم «الخيار اللبناني»، أعضاؤها المؤسِّسون وأنصارها من الشيعة البقاعيين بوجه عام، وحصلت على «علم وخبر» من وزارة الدَّاخلية. لم تنشر حتَّى الآن أي بيان سياسي، ولكن لأعضائها حركة اتصالات سياسية ما بين البقاع الأوسط وبعلبك وصولاً إلى الهرمل، كما أنشأت في بعض القرى مكاتب خاصَّة بها. وهي حسب الظاهر على غير وفاق سياسي مع كلٍّ من «أمل» و(حزب اللَّه) (خاص ـ تقرير الحالة الشِّيعيّة).
قضية الإمام موسى الصَّدر: بصورة مفاجئة عينت طهران الشهر الماضي نائب رئيس الجمهورية للشؤون القانونية والنيابية أحمد موسوي «لمتابعة قضية الإمام موسى الصَّدر» الّذي اختفى ورفيقاه الشَّيخ محمَّد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين في اغسطس 1978 خلال زيارته ليبيا بدعوة من العقيد القذافي (النَّهار 25يونيو). بعد أيام صرَّح الرئيس برّي: «لا مساومة على قضية الإمام الصدر، ولنا كلّ الثِّقة بالقيادة الإيرانية التي تتابع هذه المسألة» (النَّهار 30يونيو). وفي خطوة قضائية لافتة تلت إعلان طهران تكليف موسوي إجراء اتصالات بالحكومة الليبية لجلاء قضية الصدر، حرك القضاء اللبناني ملف القضية؛ إذ قرر المحقِّق العدلي في القضية القاضي سميح الحاج إبلاغ 15 مدعى عليهم من التابعية الليبية، بينهم وزراء وسفراء وضباط أمن سابقون» (النَّهار 7 يونيو).(51/121)
وكانت صحيفة «الرأي» كشفت نقلاً عن مصادر عربية، تفاصيل «صفقة أجراها رئيس جهاز المخابرات العسكرية السورية آصف شوكت مع كبار المسؤولين الليبيين، تقضي بتسليم مجموعة من الإسلاميين الليبيين موجودين في سورية مقابل دعم مالي ليبي لحلفاء سورية في لبنان. ومن ضمن الصفقة أن تعمل سورية بدعم من إيران ومباركتها على مصالحة نهائية بين الطائفة الشيعية في لبنان ونظام العقيد القذافي». وعن اللواء آصف شوكت نقلت مصادر «الرأي» إشارته إلى أنَّ مثل هذه المصالحة «أصبحت أسهل حالياً بعدما استطاع (حزب اللَّه) السيطرة على الساحة الشِّيعية، وتحوُّل حركة (أمل) الّتي أسسها الإمام الصدر إلى ملحق به» (النَّهار 6 يوليو).
لبننة الحركة الإسلامية
أحمد الأيوبي – الشرق الأوسط 5/8/2007
يمكن اعتبار ظاهرة «فتح الاسلام» نموذجا فريدا من التركيبات الحركية ذات الاختلاط الفريد بين العنصر المخابراتي والعنصر الاسلامي (الجهادي تحديدا) الى درجة يمكن اعتبارها حالة نموذجية لاختراق النظام السوري للساحة الإسلامية.
فلا يمكن إنكار ان من بين عناصر «فتح الاسلام» مقاتلين اسلاميين خاضوا في العراق معارك مع الاحتلال الاميركي، وكانوا ينشطون في إطار دعم مقاومة هذا الاحتلال. لكن من الواضح ان هذا النموذج من المقاومة الاسلامية، بات يعرّض أصحابه للكثير من الاختراقات. ويمكن التحدث هنا عن «أبو مدين» الضابط في المخابرات السورية من مدينة معرة النعمان، الذي كلف بمهمة مرافقة شاكر العبسي بحيث تحول الى القائد الفعلي لهذه المجموعة داخل سورية، والتي تم توريط عناصرها في التحضير لعملية عسكرية ضد النظام، اكتشفتها أجهزته قبل وقوعها. لعله من المفارقة هنا ألا يتمكن من الفرار إلا شاكر العبسي وأبو مدين.(51/122)
اعتقل العبسي في السجون السورية إثر فراره من الاردن وتورطه في اغتيال الدبلوماسي الاميركي فولي، وسجن ليخرج بعد حوالي ثلاث سنوات. ثم وسّع نشاطه داخل الاراضي السورية، وبدأ يخطط للقيام بعمليات ضد النظام، مما أحدث انشقاقاَ في صفوف المجموعات العاملة في إطار دعم المقاومة العراقية.
وقد أدى التباين حول الأولويات بين المجموعات الإسلامية الناشطة في سورية الى فرار المجموعة التي رفضت الصدام مع النظام الى الأراضي اللبنانية، ليقع 13 من أفرادها في أيدي القوى الامنية في ابريل (نيسان) 2006، وسميت حينها مجموعة الـ 13، وكانت منتظمة في إطار «القاعدة»، لكنها لم تمارس أي نشاط عسكري على الاراضي اللبنانية، يوحي بأنها تحمل توجها لإثارة الفوضى داخل لبنان.
دخل العبسي لبنان عبر الحدود البقاعية مع سورية، عبر مواقع حركة (فتح الانتفاضة)، لينظم عددا من الدورات التدريبية، وخاصة في معسكري حلوى وقوسايا، مرورا بمخيم برج البراجنة في بيروت، ليُدفع منه لاحقا الى شمال لبنان ويستقر في مخيم نهر البارد، حيث بدأ تجميع أنصاره، باسم «فتح الانتفاضة» قبل ان يستكمل سيطرته على مراكزها ومخازن أسلحتها وذخيرتها.
أما شهاب القدور (ابو هريرة) فقد حاول توريط «عصبة الانصار» في خيار المواجهة الداخلية مع القوى الامنية اللبنانية، لكنه لم يفلح، واصطدم بموقف صلب من العصبة، يقوم على أساس رفض إعطاء النظام السوري أية فرصة أو ذريعة للعودة الى التدخل في الواقع اللبناني، ومنه واقع المخيمات.
وعندما فشل القدور في تشكيل مجموعة ذات وزن في عين الحلوة، اتجه شمالا نحو مخيمي البداوي ونهر البارد، ليصبح المسؤول العسكري لحركة «فتح الاسلام».
إلا ان التقاطع الأخطر، يتمثل في التقاطع القائم بين «حزب الله» وحركة «فتح الاسلام»، وهو تقاطع قد يبدو للوهلة الاولى غير منطقي، لكن الوقائع تأتي لتؤكد تورط الحزب، وذلك من خلال محطتين مهمتين:(51/123)
الأولى: محطة المجموعة التي تشكلت منها هذه الحركة في منطقة الضاحية الجنوبية، حيث أقام عناصرها باعتبارهم عمالا سوريين، لكنهم لم يلتزموا مستلزمات كونهم عمالا، فباشروا الاتصال بالناس ودعوتهم للعمل معهم، في مجالي الأمن والاستقطاب.
المحطة الثانية: هي رعاية «حزب الله» لزعيم مجموعة «أنصار الله» في مخيم عين الحلوة المدعو جمال سليمان، ورعاية هذا الاخير لشاكر العبسي ومجموعته.
وقد انشق جمال سليمان الضابط في حركة «فتح» في مخيم عين الحلوة عن هذه الحركة عام 1989 في وقت كان فيه السيد حسن نصرالله مسؤولا عسكريا عن إقليم التفاح، ثم أصبح على علاقة مباشرة مع العقيد بسام عبد المجيد (الذي أصبح اليوم وزيرا للداخلية في سورية)، لتنشأ علاقة ثلاثية وثيقة بين «حزب الله» وعبد المجيد وجمال سليمان. وفي إطار خطة «حزب الله» للتوسع أمنيا وسياسيا، أنشأ جمال سليمان في مخيم عين الحلوة جماعة سماها «انصار الله»، شكلت الامتداد الفلسطيني للحزب، ودخولا مباشرا في معادلة المخيمات.
وفي إطار عمله على خط العراق، واكب جمال سليمان المراحل المختلفة لتحرك شاكر العبسي، وحسب المعلومات المتوافرة، فان سليمان التقى العبسي قبل 20 يوما من بدء الاشتباكات في مخيم نهر البارد، في منزل أحد أقربائه وأبناء بلدته (عمقه)، وبرفقته المدعوان حمد وماهر العويد.
وهذه خلاصات أساسية:
ان التورط السوري أكثر من واضح في عملية إنشاء حركة «فتح الإسلام» من خلال عقد مسؤول «فتح الانتفاضة» في سورية ابو خالد العملة صفقة مع شاكر العبسي، تسمح له بالسيطرة على مراكز هذه الحركة ومواقعها وأسلحتها.
أما الباب الآخر للتورط السوري فهو وجود أبو مدين الضابط في المخابرات السورية الذي قتل في شقة شارع المئتين، وهو الذي حدد أهداف عملية عين علق، ووجه بوصلة الارهاب نحو المناطق والمواطنين المسيحيين في لبنان.(51/124)
ان «حزب الله» مطالب بتوضيح هذه السلسلة من الالتباسات المريبة في علاقته بجمال سليمان.
إن مجموعة «فتح الاسلام» تمثل نموذجا جديدا وخطرا من الاختراق السوري للحالة الإسلامية، كونها استطاعت أن توجد التباسات طالما سعى النظام السوري الى خلقها في الأوساط الإعلامية والسياسية، وهي ترتكز على ان المسلمين السنة في لبنان وسورية هم مصدر الإرهاب وانهم لا يصلحون للحكم.
ومن الملابسات الخطرة التي خلفتها حالة «فتح الإسلام» هي عدم تمكن الكثير من الاسلاميين اللبنانيين، المتعاطفين خصوصا مع المقاومة في العراق، أو المتأثرين ببعض أجواء التشدد، من التمييز والتركيز على خطورة الاختراق السوري لمجموعة «فتح الإسلام» رغم كونه ظاهرا وجليا.
أخيرا، تفرض حالة «فتح الإسلام» فتح نقاش جريء حول واقع الحالة الإسلامية، وخصوصا السلفية منها، بحيث يتعين البحث في سبل إنقاذ السلفية من التطرف، ومن تطرف تنظيم «القاعدة» تحديدا، بعد إن نجحت هذه في الاستيلاء على جزء من المسمى عبر ما بات يعرف بـ«السلفية الجهادية».
وهذا لا يتم إلا بجهود جبارة تنقذ هذا التراث الإسلامي، بوجهيه التاريخي والمعاصر من ان يتحول إلى مصطلح مواز للإرهاب، كما هو الحال بالنسبة الى الكثير من المصطلحات والمقاصد الإسلامية الأخرى.
وبالعودة إلى الواقع اللبناني، فان تجربة «فتح الإسلام» وما سبقها من تجارب تضع الإسلاميين في هذا البلد أمام تحد مستقبلي واقعي، وهو كيف يمكن قيام حركة إسلامية لبنانية تعمل في ظل الخصوصية اللبنانية، وتكون نموذجاً حضارياً لجميع الإسلاميين في المنطقة؟ وهنا ندخل في إطار مستلزمات لبننة الحركة الإسلامية، وهذا العنوان هو التحدي الأكبر والأفق المنتظر للعمل الإسلامي في بلاد الأرز.
أسباب وتداعيات تجميد أنشطة جيش المهدي
علي الصافي وكالة أنباء براثا 03/09/2007م(51/125)
(هذا نموذج للتحليل الطائفي الشيعي ، فجيش المهدي يقتل وينهب وأهل السنة هم السبب !! الراصد)
لقد سمعنا بخبر تجميد أنشطة جيش المهدي من قبل زعيمه مقتدى الصدر إلا انه لم يبين أسباب اتخاذه هذه الخطوة، ولكن وبما إنني اعمل في سلك الإعلام أخذني الفضول للبحث وتقصي الحقائق لمعرفة ملابسات ذلك، فكانت البداية من كربلاء كون إن القرار جاء على خلفية ما حدث في زيارة النصف من شهر شعبان المبارك في مدينة كربلاء المقدسة فأخذت أتجول في أزقة وشوارع المدينة وبعض أحياءها السكنية لمعرفة ملابسات الحادث.
ومن خلال البحث استنتجت بان مكتب الشهيد الصدر في كربلاء قد أصيب بداء الفرقة والانشقاق إذ أن المكتب انشق إلى ثلاث فرق متناحرة الأولى هم من أتباع التيار الصدري والثانية من مجاميع جيش المهدي المنشق عن التيار الصدري ويقوده (علي شريعة) الذي تم طرده من المكتب قبل شهر تقريبا، أما الفرقة الثالثة فهي عبارة عن مجاميع إرهابية مسلحة كانت قد أعدت لهذا الغرض وذلك استنادا للكتاب الصادر من مدير عام المعلومات ذو الرقم (39195) والصادر في (6/8/2007) والمعنون إلى مديرية معلومات (كربلاء والنجف وذي قار) ويشير الكتاب الرسمي إلى وجود مجاميع تقدر أعدادهم بـ(500) شخص في منطقة الدواية والشطرة وتقوم بأعمال تدريبية في السواديات وأم الغزلان يرومون القيام بأعمال شغب في زيارة النصف من شهر شعبان وضرب مرقدي الإمام الحسين وأخيه أبي الفضل العباس عليهما السلام واغلب القياديين هم من الحركة السلوكية وتسكن هذه المجاميع محافظة ذي قار ويقودهم المدعو (سعد الجبوري) حسب ما ذكرته الوثيقة.(51/126)
والخطة كانت في بادئ الأمر هي إدخال مجاميع غير مسلحة تلبس الأكفان وتحمل صور مقتدى الصدر تقوم بضرب نقاط التفتيش القريبة من العتبات المقدسة وتروج دعايات كاذبة حول وجود قناصة في العتبات المقدسة وعلى الجميع أن يهاجم العتبات لطرد تلك المجاميع المسلحة ليتسلمون زمام الأمور إلى جانب وجود إسناد من قبل القناصين الذين اعتلوا سطوح البنايات العالية حيث قاموا بضرب عناصر من جيش المهدي ليموهوا للناس بان الجهة التي تقوم بإطلاق النار هم قناصين انتشروا على أسوار العتبات المقدسة إلى جانب استمرار القناصين نفسهم بضرب العتبات المقدسة والزائرين، وقد استغلت تلك المجاميع بشعاراتهم الهمج الرعاع الذين يمثلون غالبية أتباع مقتدى الصدر إلى جانب ذلك كان مكتب الصدر في كربلاء يمدهم بالسلاح الذي زود بها عن طريق بعض سيارات الإسعاف الفوري والشرطة التي تقوم بنقلها لهم.
وكان قد نقل لي احد الأشخاص الذي كان متسترا خلف إحدى البنايات هربا من القناصين، مشيرا في حديثه انه لفت انتباهه أن المجاميع التي كانت تتوجه لضرب منتسبى العتبات كانت ترفع الشعارات التلفيقية والسباب إلا انه سرعان ما رفعت ندائها بهتاف (علي وياك علي) فقال لي إنني توقعت انه قد حضرت شخصية مهمة لكن فوجئت بان المجموعة انشقت وخرج من بينها مجاميع مسلحة تحمل (القناص والبي كي سي والقاذفات) متوجهة صوب العتبات.(51/127)
كما نقل لي شخص آخر كان أمام العتبة العباسية المقدسة بأنه شاهد عضو مجلس النواب عن الكتلة الصدرية الأستاذ (بهاء الأعرجي) يستصرخ بوجه تلك المجاميع ويطالبها بالهدوء وكف الاذى الا انه سرعان ما تفاجئنا بإصابة سيارة الأعرجي بصاروخ قاذفة مما اضطره إلى التوجه للعتبة العباسية ليلوذ بها، في حين نقل بعض سكنة الأحياء الواقعة على طريق الحج البري بأنهم شاهدوا سيارات تحمل مسلحين كانوا مقبلين من منطقة عين التمر التي تربط محافظة الأنبار بمحافظة كربلاء وهم متوجهين إلى مداخل المدينة.
ومن خلال لقائي بأحد منتسبي فوج حماية الحرمين (الفوج الرابع) التابع لوزارة الداخلية أثناء زيارتي له في المستشفى سألته عن سبب انسحابهم؟؟ فقال أننا خذلنا من قبل الحكومة المحلية إذ أنه رغم النداءات المستمرة وإخبارهم بان المجاميع المسلحة قد زحفت صوب العتبات المقدسة إلا أنهم لم يستجيبوا لنا، مبينا إن القتال استمر من مساء الثلاثاء وحتى الساعة الثالثة من فجر يوم الخميس ومجلس المحافظة ومحافظ كربلاء متواطئين مع تلك المجاميع حيث أنهم لم يتخذوا أي اجراء لردع تلك المجاميع، وحتى القطعات التي وصلت كان موقف البعض منها كالمتفرج حيال ذلك أما القطعات الأخرى فأنها لاذت بالفرار ولم تصمد أمام القتال.
وبعد هذا الاستطلاع تبين أن مكتب الصدر في كربلاء وحتى عموم مكاتبه في مختلف محافظات العراق مخترقين من قبل البعثيين والصداميين والوهابيين الذين انضموا في صفوفهم بلباس الدين وان مقتدى الصدر لا يستطيع أن يقودهم مما اضطر إلى إعلان تجميد جيش المهدي.
( لاحظ أنه ذكر أن قادة هؤلاء المشاغبين هم التيار السلوكي الشيعي ، وذكر الكاتب أن القوات الحكومية لم تنجد حراس الضريح فهل هم مخترقون أيضاً من الوهابيين والصداميين ؟ والغريب أنه ينقل وجود تقارير مخابراتية حول نية هؤلاء للتخريب في الاحتفال ولم يتم أخذ اللازم ؟(51/128)
أليس تحميل كل هذا لأهل السنة نوع غباء وتخبط وطائفية مقيتة عند الكاتب ووكالته الشيعية المتطرفة ؟؟ واضح أن الكاتب يحاول إيصال رسالة ضمنية الشيعة لا يمكن أن يقوموا بأي فعل سيء!! الراصد )
دعوي قضائية لإلغاء الموالد وهدم الأضرحة
الأهرام العربي 11 / 8 / 2007
الموالد والأضرحة من أهم العلامات المميزة في مصر والتي تمثل خصوصية شديدة للمصريين وارتبطت بعقيدتهم ومعتقداتهم بل إنها أصبحت لدي قطاع عريض منهم الملاذ الذي يلجأون إليه كلما ضاقت بهم الظروف فيهرولون إلي الأضرحة يلتمسون رضا الله وغفرانه ورزقه وإلي الموالد التي تقام حول بعضها بحثا عن التنفيس عما بداخلهم وبرغم كل ما تمثله الموالد والأضرحة للمصريين إلا أن هناك دعوي قضائية تشهدها المحاكم حاليا تطالب بهدم وإزالة جميع الأضرحة وإلغاء الموالد .. هذه القضية تغير عليها حتى الآن ثلاث هيئات قضائية في مجلس الدولة ولم يتم البت فيها بعد وستنظرها هيئة جديدة في نوفمبر المقبل قد تصدر فيها حكما وقد يتم تأجيلها إلي أجل غير مسمي .. وحول هذه القضية الشائكة جدا كان هذا التحقيق :(51/129)
في البداية يقول صاحب الدعوي القضائية السيد سالم الحفني ويعمل موظفا بالشركة المصرية العامة للسياحة والفنادق : أسعي إلي هدم الأضرحة وإلغاء بدعة الموالد لأنني أري أنها سبب تخلفنا , فالغرب يتقدم علينا بطريقة هائلة سواء علميا أم تكنولوجيا بينما نحن نقف محلك بسبب تقديس هذه الأضرحة والجري وراء إقامة الموالد وهي أعمال بعيدة كل البعد عن الإسلام وأصبحت حاجبا بيننا وبين الله لأننا نعطي لهذه الأشياء ما لا تستحقه فافتقدنا بذلك العدل , وهناك من المفسرين من يقول بأن الله ينصر الأمة العادلة حتى ولو كانت كافرة ويهزم الأمة الظالمة حتى لو كانت مسلمة ومن المعروف أن الموالد بدعة وكما قال الرسول صلي الله عليه وسلم ' إن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ' وبالتالي فليس هناك شيء اسمه موالد , وأنا أري أن هذه الموالد أشبه بنوادي قوم نبي الله لوط والقرآن أوضح لنا أن أهل لوط كانت لهم نواد يرتكبون فيها الخبائث تماما كما نراه الآن في الموالد أما الأضرحة بما فيها أضرحة آل البيت وغيرها إذا ' سيدت ' أي نقول علي أصحابها سيدنا فلان أو علان صارت وثنا وصنما , كما أنها تفسد الصلاة طالما هي داخل المسجد لأنها تؤدي إلي تردد الجن عليه وعندما يدخل أهل الجن أي أماكن تبطل فيها الصلاة ولا يقبل فيها دعاء فلابد أن يكون المسجد خالصا لله سبحانه وتعالي ..
ومن يقول إنهم أولياء الله أرد عليه بأن هؤلاء كانوا كذلك عندما كانوا أحياء والرسول صلي الله عليه وسلم يقول ' لا أظنكم تأتوني بحسبكم ونسبكم ولكن تأتوني بأعمالكم ' فالإنسان سيقابل الله بعمله وليس لأنه قريب الرسول والدليل علي ذلك أن أبا لهب عم الرسول كان أعدي أعدائه علاوة علي أن هناك حديثا شريفا يقول ' لا تشد الرحال إلا لثلاثة المسجد الحرام والمسجد الأقصي ومسجدي هذا ' ولم يذكر الرسول صلي الله عليه وسلم أية أضرحة .…(51/130)
وعما إذا كان يدخل في نطاق الأضرحة التي يطالب بإزالتها ضريح الرسول صلي الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين يقول : كل البشر عند الله سواسية إلا الأنبياء والرسل وكل من ذكروا في القرآن وأخذوا مكانة الأنبياء والرسل فهؤلاء لهم حراس من الملائكة يحرسون قبورهم وهؤلاء الأنبياء والرسل لهم مكانة خاصة ولا أحد يستطيع أن يقترب منهم وقبر الرسول صلي الله عليه وسلم تحرسه الملائكة ومن يدخل لقبره تسجله الملائكة في أوراقهم وينال عنها حسنات , أما البشر الآخرون فإنهم بمجرد موتهم ينقطع عملهم إلا من ثلاث علم ينتفع به وصدقة جارية وولد صالح يدعو لهم .
وعن الأسباب التي دعته للجوء إلي القضاء يقول : لقد قمت بعمل دراسات تعتمد علي الآيات القرآنية التي تنكر مثل هذه الموالد والأضرحة وتقدمت بها إلي جهات دينية متعددة منها لجنة الفتوى ومشيخة الأزهر وقد قام الدكتور سيد طنطاوي بإحالة هذه الدراسات إلي مجمع البحوث الإسلامية وهناك من عارض كما أن هناك من أيد ما أطالب به وأمام هذا التشتت لجأت إلي القضاء فهي قضية رأي عام مصري وعربي وإسلامي ولكي تتجه الدولة بكل علمائها ومثقفيها وعامة الشعب إلي العلم والتقدم التكنولوجي لكي يمكننا منافسة الغرب , فبالأضرحة والموالد لا يمكننا منافسة الآخرين فهي لا علاقة لها بالعلم والدين.(51/131)
ويضيف محمد عبد الونيس سعد المحامي والذي يتبني هذه القضية والدفاع عنها : ليس هناك نص أو قانون يختص بالأضرحة أو الموالد لذا لجأنا إلي القضاء لمطالبة الدولة بمنع إقامتها والحصول علي حكم بذلك لأنها هي المسئولة عن تنفيذ ذلك من خلال منحها التصاريح بإقامة الموالد ووضع الأضرحة بالمساجد وبالتالي فمطالبة القضاء للحكومة بالكف عن منح مثل هذه التصاريح سيحول دون إقامة هذه الموالد والأضرحة الجديدة علاوة علي إزالة القديم والموجود منها وخصوصا الأضرحة التي لأسماء لا نعرف عنها شيئا ولا تاريخا يذكر لها والتي يزيد تعدادها علي 3 آلاف ضريح أما الأضرحة الشهيرة والخاصة بأولياء الله مثل الحسين والسيدة زينب والسيدة نفيسة , وغيرها فإن لم يكن في الإمكان إزالتها فعلي الأقل يتم تجنيبها من المسجد وفصلها عنه ..
وفي الدعوي القضائية التي أقمتها أمام محكمة مجلس الدولة وتحمل رقم 55/2260 ق اعتمدت علي أسس كثيرة فبالنسبة لوضع الأضرحة في المساجد اعتمدت علي الآية الكريمة الواردة في سورة الجن والتي تقول ' اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ' فهذه الآية تحذر من وضع القبور والأضرحة في المساجد وقد فسر الشيخ محمد متولي الشعراوى هذه الآية بأن لكل إنسان شفرة وهذه الشفرة لها حارس من الجن أو قرين وكل إنسان له قرين يراقب عمله وقد ذكر أن الشخص الميت أيضا له قرين أو حارس من الجن فإذا وضعت هذه الشفرة في قبر داخل مسجد.
فمعني هذا أن يدخل أهل الجن هذا المسجد لحراسة الشفرة وهذا تحذير من الله أن المساجد له فلا تدعوا مع الله أحدا أي لا تدعوا أهل الجن يدخلون المسجد ومعروف أن عالم الجن لا يعيشون إلا في الأماكن غير النظيفة ومن هنا فإن وجودهم يبطل الصلاة ولا يرفع فيها دعاء وترتد الصلاة علي صاحبها ..(51/132)
أما بالنسبة للموالد فمنذ قرون طويلة وبعض المتصوفين يقومون بإدارة وإقامة الموالد واللف حول الأضرحة في المساجد ظنا منهم أنهم أهل البيت وتطورت هذه العادة , فصارت لهم تحت اسم الطرق الصوفية وتطورت أكثر فصارت شعبا ومجموعات فيها الشاذلية والأحمدية والبيومية والخليلية وما أكثر الناس الذين يريدون فعل الخير والتقرب إلي العبادة , فالتف حولهم كم هائل من الناس يتوافدون علي الأضرحة في المساجد , ولو كان الله يعلم أن هذه الموالد فيها صلاح الناس لذكرها في القرآن كما ذكر أن أبانا إبراهيم بني لنا بيتا وأمرنا بالحج إليه حتى نرجع منه كيوم ولدتنا أمهاتنا وإذا نظرنا إلي العالم اليوم نجد الدول المتقدمة وصلت إلي غزو الفضاء والعلم والتكنولوجيا بينما مازلنا نحن نجري وراء الموالد التي تضر أكثر مما تنفع فهي تقام بطريقة غير مهذبة وينتشر فيها شرب الخمر والملاهي ولعب القمار وغيرها من الموبقات التي ترتكب باسمها ولا تتفق مع الإسلام ,.
لذلك أسعي إلي إصدار حكم من المحكمة بإلغاء الموالد وإزالة الأضرحة وأعتقد أن ذلك سيتحقق خصوصا أن هذه الدعوي حركت الماء الراكد . …
وعن رأيه في هذه القضية يقول الدكتور محمود زكي جابر أستاذ مساعد علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة حلوان : إن الأضرحة والموالد ليست فقط مجرد مظاهر أو رموز ولكنها أعمق من ذلك لأنها تمس عقيدة ومعتقدات غالبية المصريين فارتباطهم بها ليس وليد اليوم بل هو شئ متوارث بداخلهم ونشأوا علي تقديسه واحترامه .(51/133)
وقد أكد العديد من الدراسات التي أجريت حول هذا الموضوع أنه كلما قل المستوي التعليمي أو انعدم كلما زاد ارتباط الناس بهذه الأضرحة والموالد كذلك كان لبعض الطرق الصوفية دورها الكبير في تدعيم هذه المعتقدات وخصوصا في الريف بل الغريب أن الناس في بعض القري تمنح الولاية لأبناء الصالحين وأحفادهم بغض النظر عن مسلك هؤلاء الأبناء والأحفاد وبعد وفاتهم يبنون لهم الأضرحة وينسجون حولهم الروايات والكرامات لذلك أري أنه من الصعب جدا أن يتقبل الناس هدم الأضرحة أو إزالة الموالد وخصوصا في الريف والمناطق الشعبية لأنهم يرونها شيئا مقدسا فهم كما يذهبون للمسجد للصلاة يذهبون للضريح والموالد للدعاء والتقرب من أصحاب هذه الأضرحة والموالد باعتبارهم أولياء الله الصالحين والنظر إلي كل منهم علي أنه عبد رباني وأن دعوته مستجابة من الله .
وعن رأي الدين يقول الدكتور المحمدي عبد الرحمن أستاذ التفسير وعلوم القرآن بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر : الأضرحة التي في المساجد هي بالفعل مخالفة للشرع .... وإذا كنت لا أقر وجود الأضرحة في المساجد إلا أنني لا أري أن الحل في هدمها لأن ذلك سيحدث بلبلة لدي الناس والبديل عن ذلك هو نشر الوعي لأن هدمها سيجعل الناس تتمسك بها , ... أما ما يحدث من أشياء مثل اختلاط النساء بالرجال ولعب القمار وأن نقول يا حسين مدد والتمايل والتصفيق وغيره من الأشياء التي يقومون بها عن جهل وتتنافي مع الإسلام فلابد من الوقوف ضدها بتوعية الناس بأنها مخالفة للشرع والعمل علي تهذيبها وبالتالي لا يجب أن نأخذ من هذه المخالفات مبررا لإلغاء الموالد بل نحولها إلي مناسبة لتذكير الناس برسول الله وكيف ننصره وبأهل بيته ومدي مكانتهم وكيف نقتدي بهم , فالحب معناه الإتباع خصوصا أن هناك الكثير من الناس لا يعرفون إلا القليل عن أهل البيت وأولياء الله الصالحين .(51/134)
وعلي مثل هذا النوع من القضايا يعلق المستشار محمود عبد الرحمن راجح , نائب رئيس هيئة النيابة الإدارية قائلا : هذه الدعاوي لا يعتد بها لأنها تكون مرفوعة من أشخاص ليس لهم مصلحة , والذي يشجع مثل هؤلاء علي رفعها أنها لا تحتاج إلي رسوم قضائية , وفيما يتعلق بالموالد فما نراه لا يخرج عن كونه احتفالات دينية رسمية يتم عن طريقها الاحتفال الديني , وهذا أمر مباح كدولة إسلامية , كما أن الأضرحة الموجودة ما هي إلا مقابر وشواهد محددة بحدود وليست متصلة بالمساجد الموجودة بها علاوة علي أنها تذكرنا بالموت كعظة , لقول رسول الله صلي الله عليه وسلم : كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها تذكركم بموتاكم , لذلك لا يمكن لأي إنسان أن يطالب بهدم أي ضريح أو قبر يدفن فيه الميت , كما أن ما يسمي بالمولد ما هو إلا عبارة عن سوق يباع فيه ويشتري ويمارس فيه مظاهر عديدة منها ألعاب الأطفال وما هو إلا وسيلة لكسب العيش والاسترزاق , وبالتالي ليس من مصلحة أحد قطع أرزاق هؤلاء الناس أو هدم أضرحة بها موتي , ومع انتفاء هذه المصلحة تعتبر هذه الدعوي كأن لم تكن *
علة السنة في العراق
عبد الرحمن الراشد الشرق الأوسط 14/8/2007(51/135)
لا تستطيع إلا أن تتفهم غضب السنة من الحكومة، لأنها تسمح بميلشيات شيعية مسلحة صريحة العداء للعراقيين السنة، ولا تستطيع إلا أن تتفق مع مطلب السنة بالتمثيل العادل في الحكومة، لأنه لا يمكن أن تكون حكومة للعراقيين وتغفل فئة كبيرة كالسنة. إنما عندما تقرأ تصريحات أحد زعماء المعارضة، مثل الشيخ حارث الضاري، لا تملك إلا أن تذهل من تناقضاتها، وخطورتها على العراقيين السنة أولا، وعدا على أنها بعيدة عن المنطق، ولا تقدم حلا لأوضاع خطيرة قائمة، فإنها أيضا تدعو لديمومة الفوضى التي تضرر منها السنة أكثر من غيرهم. أي أن الشيخ الضاري يدعو إلى مواقف لا أعتقد انه هو نفسه يفهم أبعادها رغم وضوح الصورة مما سببته مواقفه السابقة لهم على مدى ثلاث سنوات.(51/136)
وحتى نفهم الإشكال السني لا بد أولا من رسم خريطة لمواقفهم السياسية. منذ نحو أربع سنوات تشكلت أصوات مختلفة داخل المجتمع السني العراقي حيال التعامل مع الوضع الجديد، وانقسمت إلى خمس فرق مختلفة. فريق قال وقام بحمل السلاح رافضا كل شيء، ويمثل هؤلاء بعثيون وأصوليون، ولم يقدموا حلا عمليا إلا شعارا هلاميا تحت عنوان عريض اسمه دحر المحتل. لم تطرح هذه الفئة المتطرفة صيغة للتعامل مع الشيعة والكرد الذين قبلوا وساندوا الوضع الجديد مما سيؤدي إلى حرب أهلية معهم. الفئة الثانية عارضت بعنف كل الوضع القائم، لكنها لم تحمل السلاح، مثل هيئة علماء المسلمين، ومنهم الشيخ الضاري، وتتهم بأنها أصولية تريد إقامة حكومة دينية. الفئة الثالثة عارضت وفي نفس الوقت انخرطت في العمل المؤسسي. عملت في البرلمان وعادت الحكومة، مثل صالح المطلك وخلف العليان وعدنان الدليمي. ثم الفئة السنية الرابعة التي عملت في كل النظام، الحكومة والبرلمان، ويمثلها الحزب الإسلامي السني وعنه طارق الهاشمي نائب رئيس الجمهورية. والفئة الخامسة تلك التي عملت من اجل النظام العراقي الجديد قبل سقوط نظام صدام وشاركت بعده، إلا أنها لم تحقق كثيرا على الأرض، وأبرزهم السياسي المخضرم عدنان الباجه جي.
والسنة ليسوا وحدهم مجزئين، بل الشيعة أيضا يمرون بنفس الحالة التي تتزايد تفككا مع اقتراب حسم الوضع السياسي وتزايد التدخلات الخارجية.
لكن المشكلة السنية تكمن في أنها بلا قيادة كبيرة، والسبب الرئيسي يعود لقياداتها المعارضة التي لا تملك نفوذا ولا تقدم حلولا عملية بديلة؛ فالشيخ الضاري يقول بالمقاطعة دون ان يدل الناس كيف يتدبرون حياتهم اليومية. والمفارقة انه يقول بمحاربة المحتل في حين ان الفريق النشط ميدانيا هو تنظيم القاعدة الذي يحمل مشروعا اقليميا معاديا للنظم السنية في المنطقة، ويمول من قبل إيران وعن طريق سورية.(51/137)
اما الفريق البعثي فهو يريد السماح له بالعودة للمشاركة في الحكم، وحينها سينقلب على الضاري وغيره، كما انقلب حلفاؤه الصدريون عليه. الشيخ الضاري الآن يحاول إفشال دعوة الحكومة لتشكيل قوى مسلحة من العشائر السنية تدافع عن مناطقها ضد الجماعات السنية المتطرفة، ويتهمها بأنها مخلب قط للنظام والاحتلال، لكن الحقيقة أن هذه العشائر شكلت قوتها رغما عن الحكومة في محاربة الاصوليين المتطرفين، وقد فرضت نفسها على الحكومة وليس كما يقول الضاري.
هذا المشهد المخزي بدعوات المعارضة السنية الرافضة للمشاركة جعل السنة يتامى وشرد منهم نحو مليونين، لماذا؟ لأنهم أولا بلا تمثيل سياسي كاف في البرلمان، بسبب نصائح الضاري والبقية التي دعت لمقاطعة الانتخابات ورفض الدستور، فصاروا مهمشين.
اليوم ما الحل الذي يقدمه الرافضون؟ لا شيء مجرد الجلوس على الهامش في المخيمات في انتظار الحرب الأهلية المقبلة. فيا له من تفكير جاهل وتدميري!
طهران تشجع على تكرار "غزة" في شمال العراق
الوطن العربي 15/8/2007
لاحظت مصادر غربية أن إيران تراقب منذ مدة اللعبة الدبلوماسية الأميركية التي تهدف إلى ترضية مخاوف الأتراك، على حساب الحليف الكردي في شمال العراق، وذلك من ضمن خطة جديدة لتحقيق اتصال بري ما بين سورية وإيران عبر ممر في شمال العراق، ولذلك سعت طهران إلى خلق قاعدة للتفاهم مع الأكراد، خاصة أن إيران لا تشعر بحساسية من مواطنيها الأكراد، إذ إنهم أقلية على عكس تركيا التي تضم أكبر جالية كردية في المنطقة.(51/138)
وحسب رأي المصادر، فإن طهران التي تبني علاقاتها العلنية في شمال العراق، على علاقاتها الجيدة مع جلال طالباني الذي زارها مؤخراً، إلا أن لديها قنوات اتصال أخرى في الداخل الكردي. والمعروف أن طالباني صديق لإيران كما عاش طويلاً في سورية وأسس حزبه فيها عام 1975 وهو شيوعي سابق، كما أنها أقامت قنوات اتصال مع برزاني الذي يخشى من أن تدفع مناطق نفوذه في دهوك وأربيل ثمناً باهظاً من أي عزو تركي محتمل.
في هذه الأجواء، بدأت إيران وسورية اتصالاتهما مع الأكراد. ولكن المعلومات المتوفرة لدى أجهزة أمنية غربية، تشير إلى اتصالات سورية ـ إيرانية سارت في اتجاه آخر، بعيداً عن طالباني أو برزاني. فقد رصدت اجهزة الأمنية الغربية اجتماعات سرية عقدت في مدينة مهاباد الإيرانية القريبة نسبياً من الحدود العراقية.
وقد حضر هذه الاجتماعات قيادات كبيرة من الحرس الثوري الإيراني، منهم قائد هذه القوات في ولاية أذربيجان الغربية، وأحد مستشاري خامنئي الأمنيين، وموفد كبير من المخابرات السورية وهو أحد المكلفين بالملف العراقي، ولكن اللافت للنظر أنه حضر الاجتماع من الجانب اللافت للنظر أنه حضر الاجتماع من الجانب الكردي، قياديون من أحزاب كردية إسلامية، خاصة جماعة الأخوان المسلمين.
وقد استأثرت هذه الاجتماعات باهتمام الدوائر الأمنية الغربية. ذلك أن الجانب الإيراني فيها تحدث بمنطق جديد. فقد أشار في هذه الاجتماعات إلى تجربة حركة "حماس" في عزة، مؤكداً أن إيران ليست ضد السنة وليست ضد العرب، وهذا ما يؤكده موقفها المؤيد لحركة "حماس"، وهي بالتالي ليست ضد الأكراد السنة، بل تدعمهم وتؤيد مطالبهم.
وحسب المعلومات المتوفرة من داخل إيران، فإن الموقف الجديد لطهران، الذي يخدم خطتها لإقامة خط اتصال بري مع سورية عبر شمال العراق، مبني على تقارير للمخابرات الإيرانية تشير إلى تنامي قوة الحركات الأصولية الإسلامية في مناطق الحكم الذاتي الكردية.(51/139)
ورغم أن العواطف الدينية لدى الأكراد السنة تعتبر أن إيران دولة صفوية، إلا أن موقف إيران المؤيد "لحماس"، ودعم إيران لتنظيم "القاعدة"، نجح في تغيير هذه العواطف، بحيث بات ممكنا فتح حوار مع ممثلى الحركات الإسلامية الكردية، لتشجيعها على تكرار تجربة "حماس" في عزة، بدعم من سورية وطهران. بل إن ممثلي سورية وإيران في تلك الاجتماعات التي عقدت في مهاباد، حسب قول التقارير الأمنية الغربية، تعهدوا بتقديم دعم قوي لأي تحرك إسلامي، وتعهدت إيران بتقديم المال والسلاح، لإنجاح مثل هذا التحرك.
والمعلومات المتوفرة تشير إلى أنه لتحقيق هذا الغرض، فإن إيران ستحرض الحركات السلفية المسلحة على القيام بعمليات عنف واغتيال قيادات كردية علمانية، ومؤيدة للأميركيين، بينما تعمل مع "إخوان" كردستان على بناء دولة، على غرار دولة غزة.
وهكذا توصلت دوائر عربية إلى تكوين استنتاج من أن إقليم كردستان العراقي سيخرج من تحت العباءة الأميركية، وسينضم سواء بحكم الظروف الإقليمية أو بحكم التطورات الداخلية، إلى المحور الإيراني ـ السوري، إذا لم تحدث تطورات أكثر عنفاً في المنطقة، تطوى هذا الملف.
هل يتحول العراق إلى منطقة نفوذ إيرانية؟
مختارات إيرانية (العدد84) يوليو 2007
خالد السرجاني - كاتب متخصص في الشئون الإيرانية والتركية(51/140)
تتعدد التحليلات التي ترى أن العراق أصبح ساحة للنفوذ الإيراني، خاصة مع سيطرة الشيعة العراقيين على العملية السياسية، ومعظم التشكيلات الشيعية الممثلة في الحكومة ذات طابع ديني له صلة سابقة بإيران مثل المجلس الأعلى للثورة الإسلامية وحزب الدعوة وتيار مقتدى الصدر، يضاف إلى ذلك أن الولايات المتحدة أجرت حوارات مع إيران فيما يتعلق بالعراق وأشركتها في معظم الاستحقاقات المتعلقة بها، أنها تتعامل معها باعتبارها طرفا رئيسيا فيما يتعلق بهذا الأمر وهذا السلوك الأمريكي لم يكن ليحدث لو لم تكن الولايات المتحدة مقتنعة بأن إيران لاعب رئيسي في مجريات تطور الوضع بالعراق.
يضاف إلى ذلك أن معظم المحللين المتابعين للشأن الإيراني يرون أن هناك ارتباطا كبيرا بين ما يحدث في العراق من تطورات وبين المصالح الوطنية الإيرانية، فمن يقرأون التاريخ يعرفون أن ا لعراق ظل على الدوام منطقة صراع بين الدولة الصفوية الفارسية الشيعية التي تعد إيران امتدادا لها في الوقت الراهن حتى ولو تغيرت التسميات، والإمبراطورية العثمانية السنية التي تمثل تركيا الامتداد الحقيقي لها في الوقت الراهن.(51/141)
من هنا لا يستطيع أي محلل سياسي أن يتجاهل أن ما سوف يحدث في العراق من تطورات سوف يؤثر سواء بالسلب أو بالإيجاب على إيران ومصالحها الإقليمية خاصة في وقت تسعى فيه إلى أن تكون دولة مركزية في نظام إقليمي يعاد تشكيله في الوقت الراهن، والمجمع عليه أن إعادة التشكيل هذه سوف تنطلق من صورة العراق وما سوف تؤول إليه أوضاعه الداخلية والإقليمية، من هنا لا يستبعد أي من هؤلاء المراقبين أن تسعى إيران لأن تكون الدولة الجديدة في العراق تابعة لها ومن المهم الإشارة إلى أن هذا الأمر لم يتحقق حتى الآن ذلك أن الوجود الأمريكي المباشر في العراق يحول دون تحقيق هذا الأمر، ولكن إيران تسعى لأن يصبح العراق الجديد بعد رحيل الولايات المتحدة منطقة نفوذ لها وهي تحسب السيناريوهات المتوقعة في العراق من أجل معرفة أيها يحقق مصالحها الوطنية.
فيكاد يتفق المحللون والخبراء على أن هناك سيناريوهات متعددة لصورة العراق في المستقبل منها اثنين متشددين وبينهما ثالث مثالي ومعتدل حسبما يرى المتخصصون، ويرى هؤلاء أن هذا السيناريو المعتدل يتمثل في قيام دولة عراقية تعددية من الناحية السياسية وديمقراطية تكون نموذجا يحتذى لدول المنطقة فيما يتعلق بتطبيق الديمقراطية، خاصة تلك التي تعاني من وجود تعددية سياسية وثقافية أو مذهبية أو طائفية.
وفي رأي معظم المهتمين بعلاقة إيران بالعراق فإن هذا هو السيناريو الأسوأ بالنسبة لإيران لأنه سوف يدفع الشعب الإيراني للمطالبة بدولة أكثر ديمقراطية لا يسيطر عليه رجال الدين، والذي سوف يزيد من شرعية مطالبهم هو أن رجال الدين في العراق سيكونون راضين عن هذا الوضع بما يعني ضمنا خطأ التصور الذي يسعى رجال الدين في إيران إلى تسييده لدى المواطنين من أن حكمهم هو الوحيد القائم على أساس سليم من الدين.(51/142)
وفي هذا الصدد لابد من الإشارة إلى الخلاف الذي برز في ثمانينات القرن الماضي بين مرجعيات كل من النجف وقم حول نظام ولاية الفقيه وكان الرأي السائد لدى مرجعيات النجف هو أن هذا النظام ليس الوحيد الصحيح لدى الشيعة وإنما هناك صور أخرى للحكم تتوافق مع صحيح الدين وفقا للمذهب الشيعي. ومن هنا فليس خافيا أن العراق الديمقراطي التعددي ليس هو النظام الذي يحقق المصالح الوطنية الإيرانية، يضاف إلى ذلك أن مثل هذا العراق سوف تكون له علاقات قوية مع دول الحوار الجغرافي له ومع الخارج بما يعني أنه لن يكون هناك سوى حد أدنى من التنسيق بينه وبين إيران في مرحلة ما بعد استقراره في الوقت الذي تريد فيه إيران نظاما يحقق لها الحد الأعلى من التنسيق خاصة وأنها تواجه مخاطر دولية وإقليمية متعددة. إما السيناريوهان الآخران اللذان يعتبرهما معظم المراقبين إيجابيان لإيران فهما قيام دولة شيعية في العراق، واستمرار الفوضى الحالية لأطول فترة ممكنة.
1- سيناريو الدولة الدينية الشيعية:
فيما يتعلق بالسيناريو المتعلق بالدولة الشيعية بالعراق فهو السيناريو الذي يرى الكثيرون أنه سيحول العراق إلى دولة تابعة لإيران ومنطقة نفوذ لها. لكن هناك تصورين لهذا السياريو الأول هو أن يتحول العراق بكاملة إلى دولة يسيطر عليها الشيعة، والثاني هو أن يتم تقسيم العراق إلى ثلاثة دويلات تكون واحدة منها شيعية في الجنوب. وفيما يتعلق بهذين السيناريوهين الفرعيين فإن الثاني أي أن تكون هناك دويلة شيعية في الجنوب، هو الوحيد الذي يحقق المصالح الإيرانية على أساس أن هذه الدويلة سوف تكون خالصة للشيعة بما يعطي لرجال الدين فرصة لتطبيق نفس النموذج الإيراني حتى تواجه المصاعب الدولية والإقليمية التي ستواجهها. وهذا الأمر سيجعلها تتنازل عن بعض المزايا الروحية والسياسية من أجل أن تضمن رضاء إيران وتنسيقها معها.(51/143)
ونأتي للسيناريو الفرعي الآخر وهو دولة شيعية على كامل أرض العراق، فهو من الناحية الظاهرية لا يحمل أية خطورة على المصالح الإيرانية، ولكنه في عمقه يحمل هذا الأمر بما يعني أن القيادة الإيرانية لا يمكن أن ترتاح إليه.
ولكن وقبل الإشارة إلى هذه السلبيات لابد من الإشارة إلى أن دولة شيعية عراقية على كامل أرض العراق لن تكون شبيهة بأي حال من الأحوال لإيران. فرجال الدين إن كانوا سيلعبون دورا في السياسة فهو لن يكون بالكثافة التي سيمارسها رجال الدين في إيران ولكن أقصى ما يمكن أن يكون عليه دورهم هو مراجعة القوانين قبل صدورها، ولن يتطور إلى ما هو عليه في إيران فيما يتعلق بقصر العمل السياسي فقط عليهم، أو على من يؤمنون بالنظام ولاية الفقيه، فالتعددية الثقافية والعرقية والمذهبية في العراق سوف تفرض آلياتها وتوازناتها، ولن يستطيع رجال الدين في العراق أن يكرروا نفس النموذج السياسي لكنهم في الوقت نفسه لن يعدموا فرض آليات أخرى للتدخل تجعل العراق دولة دينية لهم دور قوي في صنع القرار بها.
ويمكن إجمال سلبيات العراق الذي يسيطر عليه الشيعة في الآتي: فمن جهة، فإن إيران ليس بها في الوقت الراهن مرجعية شيعية في وزن آية الله علي السيستناني، وبالتالي فإنها يمكن أن تفقد ما لديها من وزن معنوي لدى الشيعة، ويمكن أن يصبح السيستناني مرجعية دينية رسمية وموحدة لدى الشيعة في العالم، ومن جهة ثانية، فإن النموذج السياسي المطروح للعراق في الوقت الراهن يختلف جذريا عن النموذج الإيراني الذي يسيطر عليه رجال الدين، الأمر الذي قد يفتح الباب في إيران نفسها للمطالبة بتعديل نظام الحكم ليسمح المشاركة السياسية لمن هم من خارج المؤسسة الدينية، ولن يستطيع المؤسسة الدينية الإيرانية مواجهة هذه المطالبات بالقول أن النظام الإسلامي يتطلب ذلك، لأن رجال الدين العراقيين لم يعترضوا على النظام السياسي الأكثر انفتاحا في العراق.(51/144)
ومن جهة ثالثة، فإن مدينة النجف العراقية لما لها من مكانة دينية قد تسحب البساط من مدينة قم الإيرانية، وهو الأمر الذي يمكن أن تكون له تأثيرات متعددة على الوزن الإقليمي والدولي والروحي لإيران. وإذا كانت إيران تسعى لأن تكون دولة الشيعة، فإن التطورات التي يشهدها العراق تنبئ بأن تحوله إلى مجرد دولة شيعية فقط، وبالتالي لن يكون هو المرجع والملاذ الوحيد للشيعة في المنطقة وبالتالي في العالم.
ومن جهة رابعة فإن إيران، وإن كانت تسعى لتصدير نموذجها السياسي لدى شيعة العالم الإسلامي، سواء الأقليات أو الدول التي يعد فيها الشيعة أكثرية عددية لكنها ليست حاكمة، إلا أن هذا النموذج يتطلب من أجل تطبيقه صورة ما من التمرد والثورة والسعي لقلب أنظمة حاكمة.
فالنموذج العراقي سيقدم خياراً آخر لهذه الأقليات أو الأكثرية الشيعية وهو يتطلب صورة أخرى من المطالبات ودرجة ما من درجات النضال السلبي غير العنيف، بل وقد يقنع الشيعة بالاندماج في المجتمعات التي يعيشون فيها والمطالبة بتطبيق ديمقراطية تعددية وتمثيل سياسي يشيد بها حدث في العراق، وعلى هذا فإن إيران لن تظل كما هي الآن النموذج الذي يحج إليه الشيعة من أجل تطبيقه.(51/145)
ففي مواجهة صورة الملالي أصحاب العمائم الذين يحكمون في إيران أصبح الشيعة حول العالم يرون سياسيين عراقيين من الشيعة، لا يستطيع أن يقول أي شخص أنهم علمانيون، يتصدرون المشهد ويحتلون أعلى المناصب السياسية، وينجحون في أداء دورهم، ولا يثيرون المشكلات مع دول الجوار أو العالم الخارجي حتى ولو كان رجال الدين لهم دور في مراجعة القوانين أو كانوا يحكمون من وراء ستار، وعلى الشيعة وبالتالي الاختيار بين النموذجين المعتدل والمتشدد، وحتى إن كان هذا الأمر سوف يكون لصالح إيران، فإن ذلك سيكون بعد جدل شديد داخل المجتمعات الشيعية، الأمر الذي يعني أن إيران لم تعد هي النموذج الوحيد بالنسبة لشيعة العالم، خاصة الدولة العربية.
نأتي إلى أبرز سلبيات هذا السيناريو العراقي بالنسبة لإيران، وهو أنه سيبعد احتمال أن يكون هناك هلال أو مثلث شيعي تلعب فيه إيران الدور المركزي، الأمر الذي يجعل منها دولة إقليمية مركزية على حسب ما تقوله تحليلات متعددة انطلاقاً من تداعيات الغزو الأمريكي للعراق الذي أسفر عن سقوط نظام صدام حسين "السني".
والذي يجعلنا نستبعد هذا الاحتمال هو أن شيعة العراق الذين سوف يتصدرون المشهد السياسي في المرحلة المقبلة في العراق، يدركون أن علاقاتهم بالولايات المتحدة مهمة وحيوية خلال سنوات إعادة الأعمار، ويدركون في الوقت نفسه أن الولايات المتحدة لديها خيوط متعددة للسيطرة على العملية السياسية في العراق، إضافة لذلك، فهم يريدون استمرار العراق الموحد في إطار نظام فيدرالي.(51/146)
وليس تقسيم العراق إلى دويلات على أساس عرقي أو مذهبي، وهذا الأمر يجعلهم يقدمون تنازلات للأكراد، حتى يظلوا داخل العراق الموحد، وسوف يظل وزير خارجية العراق كرديا، بما يحول دون التنسيق مع إيران، وسوف يظل الأكراد يضعون (فيتو) على المزيد من التعاون مع إيران مطالبين بدولة مدنية تعددية بما يحد من طموحات الشيعة في المزيد من التنسيق مع إيران، ناهيك عن الدخول في محاور أو تحالفات معها.
أي أن الحدث العراقي لن يمثل خطوة متقدمة لدور إيراني إقليمي مركزي، وإنما على إيران أن تسعى إلى تطويق آثاره السلبية على محاور داخلية وإقليمية متعلقة بها.
2 ـ سيناريو الفوضى:
أما السيناريو الكبير الثاني فهو استمرار الفوضى القائمة في العراق لفترة طويلة من الوقت، ونعتقد وفقا لمؤشرات متعددة أن هذا هو السيناريو الأكثر تحقيقا لمصالح إيران سواء الداخلية أو الإقليمية أو الدولية.
فهذا الوضع يستخدمه الملالي والطبقة الحاكمة في إيران من أجل تأكيد أن هناك مخاطر تواجه دولتهم، وهو ما يعن ضرورة إيقاف أية أصوات مطالبة بالديمقراطية أو الانفتاح أو الحرية، بما يزيد من قبضة الطبقة الحاكمة على المجتمع، فضلا عن ذلك فإن هذا الوضع دفع القوى الدولية المناهضة لإيران لأن تطلب معاونتها في وقف الفوضى السائدة في العراق، وبموجب هذه الطلبات أصبحت هناك آمال لدى إيران بأن تنجو ببرنامجها النووي، وتراجعت أية فرص أو إمكانيات لأن تقوم الولايات المتحدة بتوجيه ضربة عسكرية لإيران، وأصبحت إيران قبلة العالم فيما يتعلق بمساعدتها على حل المعضلة العراقية التي تسبب أزمة للدول التي شاركت في التحالف الدولي الذي خاض الحرب عام 2003.(51/147)
يضاف إلى كل ما سبق أن إيران تدرك أن نتائج ما يحدث في العراق حاليا ستكون هي تأسيس نظام إقليمي جديد تسعى إليه الولايات المتحدة وإسرائيل وتركيا والدول الأوروبية على أن يكون وجود إيران هامشيا فيه، وإيران ليس لديها في الوقت الراهن أية أوراق للعب في هذا الأمر سوى العراق من خلال علاقاتها بأطراف داخلية وما يمكن أن تقوم به من خلال هذه الأطراف لوقف الفوضى الضاربة هناك، وإيران تدرك بالطبع أن انتهاء الفوضى في العراق حتى وإن ساعدت فيه سوف يدفع الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين إلى الالتفاف إليها مرة أخرى وتطويقها سواء بالعمل العسكري أو من خلال إجراءات سياسية أو اقتصادية أو الاثنين معا، وهو ما يعني أنه كلما دامت الفوضى في العراق وقتا أطول كلما حقق ذلك مصالحها الإقليمية وساعد على فتح منافذ أمام نظامها السياسي للتحرك والمناورة والاستقرار.
والمتابع للسلوك الإيراني إزاء العراق في الفترة السابقة سوف يلاحظ أن إيران بتعاملها الحالي مع الشأن العراقي، لا تسهم في إعادة الاستقرار للعراق، وهذا بالطبع يحقق المصالح الاستراتيجية الإيرانية حسبما ذكرنا من قبل، فهي لا تريد أن تساهم في تهدئة الأجواء لصالح المشروع الأمريكي في العراق، وهذا المشروع يتطلب بديهيا أن تظل العلاقات متوترة بين سنة العراق وشيعتها، وتستطيع إيران أن تصبح رقما صعبا في المعادلة السياسية في العراق، إذا ما تركت ورائها الخلافات المذهبية وسعت إلى تضييق الفجوة بين الشيعة والسنة في العراق. وهذا الأمر لا يضمن لها فقط أن تكون طرفا في المعادلة العراقية وإنما قد تقوم بممارسات تغضب شيعة العراق من أجل استمرار دورها في العراق والمنطقة. وهو ما يعني أن إعادة الاستقرار يمكن أن تكون لها تكاليف باهظة على إيران أن تدفعها.(51/148)
من كل ذلك نستطيع القول أن إيران سوف يكون تدخلها في العراق لوقف الفوضى بحساب ومن أجل الوقف الوقتي فقط وليس الوقف النهائي، حتى تعود الفوضى مرة أخرى ويتطلب الوضع الاستعانة بها مرة أخرى.
هكذا دواليك، وذلك حتى يظل المجتمع الدولي يحتاج لها باستمرار، وهذا الأمر يعني في التحليل الأخير أن إيران أمام وضع يتطلب مهارة وحذق من صناع السياسة بها ودرجة هائلة من المناورة لدى المنوط بهم تنفيذ هذه السياسة، أي أن أي مستقبل للعراق سوى هذا السيناريو لن يمثل خطوة متقدمة لدور إيراني إقليمي مركزي، وإنما على إيران أن تسعى إلى تطويق آثاره السلبية على محاور داخلية وإقليمية متعلقة بها. والأمر الذي لا شك فيه هو أن مراكز صنع القرار في إيران تدرك هذا الأمر ولابد من أنها أعدت عدتها من أجل مواجهته، فكافة التحليلات ترى أنها الأكثر استفادة مما حدث في العراق، أي أنها الأكثر استفادة من الفوضى الضاربة فيه حتى اللحظة الحالية. من المهم الإشارة إلى أن إيران قد تساهم في إجراءات متعددة الأطراف من أجل إعادة الاستقرار في العراق ولكن ذلك سيكون مشروطا بما ستحصل عليه من مكاسب سياسية إقليمية ودولية وعلى رأس هذه المكاسب إنهاء التهديدات الأمريكية لها نهائيا وغض الطرف عن برنامجها النووي مع وضع شروط صارمة لكي يخصص هذا البرنامج للأنشطة السلمية فقط.
آمال عربية على أوهام خارجية
خالد أبو ظهر - الوطن العربي 12/9/2007
كانت عادة عربية أن ننتظر باهتمام شديد نتائج الانتخابات التشريعية والرئاسية في الولايات المتحدة، تعبيراً عن دور واشنطن المباشر في المنطقة، وكنا نسمع في موسم كل انتخابات أن بعض العرب يتمنون فوز هذا المرشح على الآخر، لأنهم يرون أنه سيكون أفضل للقضايا العربية.(51/149)
ونتيجة التغييرات في المنطقة، ودخول إيران في كل الملفات العربية ـ العربية والعربية ـ الإقليمية، من العراق إلى لبنان إلى فلسطين، أصبحت التكهنات العربية تدور حول الانتخابات الإيرانية، فيتحدد التفاؤل أو التشاؤم حسب شخصية الفائز فيها، وأخرها انتخاب رفسنجاني لرئاسة مجلس الخبراء، فتفاؤل العرب بأنه سيغير مسار إيران وسيتعامل بشفافية وحسن جوار، ولكن ذلك يبين الضعف والإفلاس العربيين، لأن أملنا في تحسن قضايانا صار محصوراً بين أميركا وإيران، فهل يمكن أن ننتظر من صانع الملوك كما يسمون رفسنجاني في إيران، أن يغير شيئا في قضايانا العربية؟ الجواب طبعاً لا، فرفسنجاني مثل أي مسؤول إيران آخر، سيبحث عن مصالح بلاده، ولكننا نتمسك بأية إشارة إلى تغيير، نتيجة القلق والفراغ في المنطقة، فبدل أن نبني آمالنا على تغيير في إيران، يجب أن نبحث عن وسيلة للإمساك بأمورنا بأيدينا، ونحدث نحن هذا التغيير، ورغم كل ما يقال فإننى لا أرى في طهران سوى تغيير كراسي، وأسلوب الباب الدوار، فإيران والثورة الإيرانية ورفسنجاني، إذا ما حاولوا شيئا، فسيحاولون إيجاد صفقة، أو ترجمة أرصدتهم والتقدم الذي حققوه في صفقة مع الولايات المتحدة، ولا ننسى أن رفسنجاني سياسي قديم وشارك في الحكم وكان أحد مهندسي فضيحة "إيران غيت". وحتى لو وجد صراع في إيران أو اختلاف في الرؤية حول التعامل مع الغرب والملف النووي والأمن الإقليمي، فلا تقلقوا، لأنهم متفقون على العرب، وعلى أن الهدف سيظل هو مصلحة إيران.(51/150)
والإشارات التي تخرج من إيران، ووصول رفسنجاني إلى هذا المنصب، لا تعني أن الإيرانيين سيتراجعون عما يعتبرونه حقاً، ولكنهم يجيدون لعبة كسب الوقت بإعطاء آمال جديدة لأوروبا والولايات المتحدة، ولكن يجب ألا نخطئ فالثورة الإيرانية هي الثورة الإيرانية، وأهدافها لم تتغير، ولكنهم يعرفون كيف يغيرون الوجوه أمام العالم، كما حدث عندما كان خاتمي رئيسا، فدخل العالم في حوار لإعطاء فرصة للإصلاحيين واليوم لا تريد إيران أكثر من مهلة أشهر حتى موعد الانتخابات الأميركية.
وكل ذلك لن يغير شيئاً، إذا لم يملك العرب مصيرهم بأيديهم، وقد حان الوقت لنكف عن انتظار تغيير يأتينا من عند الغير، ولنبدأ التغيير من داخلنا.
رافسنجاني يخطط لإطاحة بنجاد وإقالة خامنئي وإلغاء ولاية الفقيه!
الوطن العربي 12/ 9/ 2007
"الثعلب، الداهية، الحوت مكيافيللي إيران"، هذه المرة أثبت حجة الإسلام علي أكبر رافسنجاني جدارته بحمل هذه الأوصاف التي أطلقها عليه الإيرانيون قبل الخبراء الأجانب عندما أضاف إلى منصبه كرئيس لمجلس تشخيص مصلحة النظام رئاسة أهم مؤسسة في تركيبة النظام الإيراني وهي مؤسسة مجلس الخبراء التي تملك سلطة انتخاب المرشد ومراقبته وإقالته.
ولكن ما هي حقيقة هذه "الثورة" التي حصلت داخل الثورة الإسلامية الإيرانية والتي ذهب كثيرون إلى توقع أنها مقدسة لتحويل رافسنجاني إلى غورباتشوف إيران ومؤشر لتغييرات جذرية على أعلى المستويات السياسية والدستورية والدينية وحتى لانقلاب في مسار الجمهورية الإسلامية، يحمل انعكاسات مهمة داخليا وخارجيا ويحسم الحرب الصامتة بين المتشددين والمحافظين لصالح تيار الاعتدال والبراغماتية؟!(51/151)
اللافت أن بعض المراقبين وصلوا في قراءتهم لانتخاب رافسنجاني رئيسا لمجلس الخبراء إلى حد الجزم بنهاية "النجادية" والتيار الراديكالي وتوقع قرب حسم مصير المرشد علي خامنئي الذي بات دستوريا "رهينة" في يد رئيس مجلس الخبراء وبالتالي بداية الهيمنة الكاملة لرافسنجاني على السلطة والقرار في إيران!
لكن العارفين بخفايا تركيبة السلطة في إيران ولعبة التوازنات الداخلية والأجنحة والتيارات المتصارعة التي جعلت حتى الآن م الصعوبة بمكان معرفة من يملك القرار الفعلي ومن يحكم إيران، يؤكدون أن انتخاب رافسنجاني لا يشكل في حد ذاته مؤشرا كافيا على التغيير وعلى ظهور معادلة قوى جديدة، ولفت خبير إيراني مطلع إلى ضرورة الحذر في المبالغة في تقويم إيجابيات صعود رافسنجاني وما يقال عن عودته إلى موقع القرار على الساحة السياسية الإيرانية وتصوير ما حصل على أنه ثورة داخل الثورة، فالأمر الأكيد أن رافسنجاني قد انتقم أخيراً من خصمه اللدود أحمدي نجاد وتياره المتشدد، وأن انتخابات رئاسة مجلس الخبراء كانت عبارة عن معركة "كسر عظم" بين جناح نجاد الذي مثله آية الله مصباح يزدي وجناح رافسنجاني، وأن التيار المتشدد اضطر لسحب يزدي وترشيح رئيس مجلس صيانة الدستور أية الله أحمد جنتى باعتباره قادرا على هزيمة رافسنجاني الذي فاز أخيراً بـ 41 صوتا مقابل 34 وكانت المعركة قد بلغت ذروتها بين الفريقين عندما شن المتشددون حملة شعواء ضد رافسنجاني وعائلته وصلت حد اتهامه بخيانة الإمام الخميني والوطن وذلك عندما تمت مصادرة الجزء الثالث من مذكرات رافسنجاني الذي تضمن تذكيراً من الرئيس الإيراني السابق وأقرب المقربين من الإمام بأن الخميني كان قد طلب شطب شعار "الموت لأميركا" من شعارات الثورة، وقبل موعد الانتخاب بيوم واحد أطلق الرئيس نجاد بنفسه أخطر اتهامات التخوين لرافسنجاني عندما تحدث عن "خونة" باعوا أسرار البرنامج النووي ويقلون إلى دول الخليج مواقف(51/152)
معادية لمصلحة الجمهورية الإسلامية، وكان واضحاً أن نجاد يقصد رافسنجاني في الشق الثاني، وفي الشق الأول موساويان الخبير المقرب من رافسنجاني والذي شارك في المفاوضات حول الملف النووي قبل اعتقاله ووضعه في الإقامة الجبرية.
هزيمة لنجاد ولكن..صحيح أن انتخاب رافسنجاني كان هزيمة لنجاد وفريقه لكن العارفين بخفايا التركيبة الإيرانية يتحفظون على اعتباره انقلابا داخليا وبداية هيمنة رافسنجاني على السلطة، ويلفت هؤلاء إلى أن رافسنجاني كان قبل انتخابه الأخير يعتبر الرجل الثاني في النظام واللاعب الخفي الأكثر نفوذا وسلطة ويملك شبكات واسعة تمتد من رجال الدين إلى الحرس الثوري مرورا بالبازار والاقتصاد نجح في بنائها لكونه يعتبر واحد من أبرز أركان الجمهورية الإسلامية منذ ثلاثة عقود تمتد من كونه أقرب المقربين من الخميني وتسلمه مناصب عليا من رئاسة مجلس الشورى إلى رئاسة الجمهورية بين 1997.1989 ورئاسة مجلس تشخيص مصلحة النظام، ومن ثم نيابة رئاسة مجلس الخبراء قبل أن ينتخب رئيسا، هذا بالإضافة إلى امبراطوريته المالية وسيطرته على جزء كبير من مافيا السوق السوداء، وحتى بالنسبة لانتقام رافسنجاني من نجاد بعد هزيمة الأول النكراء في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، فإن العارفين يؤكدون أن هذا الانتقام قد حصل في الانتخابات البلدية التي تلتها، وفاز بها رافسنجاني وبلجوء المرشد إلى تكليفه برئاسة مجلس تشخيص مصلحة النظام و "الإشراف" على عمل الحكومة.(51/153)
بكلام مختصر يؤكد الخبراء المطلعون أن ما حصل مؤخراً هو تتمة لاستراتيجية حكم الرأسين واللعب على التوازنات الدخلية وصراع الأجنحة لزيادة الغموض والألغاز في قراءة طريقة الحكم وصنع القرار في إيران الذي كان ولا يزال في يد المرشد الولي الفقيه أية الله علي خامنئي ومجموعة من الملالي من بينهم، بل لعله أبرزهم، هاشمي رافسنجاني... ويلفت هؤلاء إلى أن فوز رافسنجاني برئاسة مجلس الخبراء ما كان ليحصل ضد إرادة المرشد خامنئي الذي يملك سلطة واسعة على الـ 86 عضوا الذين يشكلون مجلس الخبراء والذين يدينون له إما بانتخابهم أو بتعيينهم ممثلين للولي الفقيه في المناطق أو حتى بالعائدات المالية التي يجنونها.
مفاجأة التوقيت
ومن هنا يبدو السؤال الأهم الذي تطرحه العواصم الكبرى، وهو: لماذا اختار المرشد "ترقية" رافسنجاني و "إذلال" نجاد وهل تخفى عليه إعادة نجومية رافسنجاني استراتيجية إيرانية جديدة برسم الداخل والخارج، وماذا سيفعل رافسنجاني بسلطته الجديدة؟
في معلومات "الوطن العربي" أن ما حصل في طهران في الأيام الماضية لم يكن مفاجئا إلا في توقيته، فالتقارير السرية المتداولة منذ بداية الضغوط الدولية على إيران بسبب برنامجها النووي والصراع الأميركي ـ الإيراني حول العراق كانت تشير إلى أن "القيادة السرية الإيرانية" الفعلية والتي يعتبر رافسنجاني أحد رموزها الفاعلين، والتي واجهتها المعلنة مجلس الأمن القومي، كانت تعي خطورة المواجهة مع الولايات المتحدة. ووضعت لذلك خطا أحمر هو تفادي المواجهة العسكرية، ولكن مع عدم التخلي عن البرنامج النووي، وكان الهدف الإيراني هو كسب الوقت وتحسين أوراق طهران في مواجهة واشنطن للوصول إلى صفقة تضمن الطموحات والأطماع الإيرانية بالتحول إلى الطرف الإقليمي الأقوى والمهيمن، وذلك في موازاة العمل على صنع القنبلة النووية وفرضها كأمر واقع.(51/154)
وفي رأي المصادر المطلعة أن القيادة الإيرانية قد اختارت طوعا وضع التيار المتشدد في المواجهة وانتخاب أحمدي نجاد الذي ما زال يعتبر "صوت المرشد والنظام" كجزء من استراتجيتها هذه فما وضعت في الوقت نفسه استراتيجية طوارئ لتفادي الضربة العسكرية عند اقترابها عبر إعادة التيار المحافظ الموصوف بالبراغماتي والمعتدل إلى الواجهة، ولفت أحد الخبراء إلى أن سيناريو إطاحة نجاد وصعود رافسنجاني كان متداولا في أواخر العام الماضي، لكن فشل المفاوضات السرية والعلنية بين الأميركيين والإيرانيين أدى إلى تمديد فترة اعتماد خيار التصعيد والتشدد وتبني نهج نجاد وجماعته.
وفي آخر المعلومات أن القراءة الإيرانية للصراع مع الأميركيين اختلفت على ضوء مستجدات حصلت مؤخرا ومعلومات سرية وثيقة الإطلاع وصلت إلى طهران ولعل أخر هذه المعلومات هو ما نقلته عواصم كبرى مثل باريس وموسكو ولندن إلى طهران من أن الحرب ضد إيران باتت حتمية وأن الرئيس بوش قد اتخذ قراره، وأن موعد الضربة قد لا يكون بعيداً إذا استمرت طهران في سياستها التصعيدية... وإضافة إلى التهديد العسكري فوجئت طهران بمخاطر لعبتها في العراق وتزايد المخاوف لديها من عودة واشنطن إلى تبني تسليم البلد للسنة وليس للشيعة، هذا في حين باتت العقوبات الاقتصادية والمالية مرشحة للتصعيد.(51/155)
وجاء ذلك في وقت بدأت أزمة الاقتصاد الإيراني تنعكس خيبة ونقمة شعبية متزايدة ضد الحكومة وحتى ضد المرشد مما أسهم في تأجيج حرب الأجنحة والتيارات على ضوء تزايد المخاوف على مستقبل الجمهورية الإسلامية... وفي المعلومات أن بعض الحوزات الرئيسية مثل حوزة قم بدأت تدعو إلى التخلي عن نجاد وسياسته وتحذر من هيمنة الحرس على السلطة، وانتقلت أجواء النقمة إلى عدد كبير من كبار ضباط الحرس الثوري الذين وضع بعضهم على لائحة العقوبات وتجميد الودائع والأموال وازدادت مخاوفهم من انعكاسات التهديد بوضع الحرس الثوري على لائحة الإرهاب.
تراجع محسوب
وتكشف المصادر المطلعة أن هذه التهديدات التي بلغت جدية لا سابق لها فرضت على القيادة الإيرانية إعداد تقويم جديد وصفه أحد المراقبين بأنه مشابه لاستراتيجية بوش الجديدة في العراق.
وإذا كان التقويم الأميركي معدا للتمهيد لانسحاب أو لخفض قوات تدريجي وغير معلن، فإن التقويم الإيراني قاد إلى استراتيجية تراجع تدريجي ومحسوب بهدف إبعاد شبع الحرب والعودة إلى المفاوضات وكسب الوقت، والتقاط الأنفاس، وهي استراتيجية تسويق التيار البراغماتي وتلميع صورة زعيمه هاشمي رافسنجاني المعروف بأنه رجل "إيران غيت" وصاحب الدعوات المستمرة للتفاوض وعقد صفقة شاملة مع الولايات المتحدة وتحذيراته من استفزاز "النمر الأميركي الجريح" والذي بات يوصف في بعض الأوساط بأنه "مرشح واشنطن المفضل لحكم إيران".
والأمر الأكيد الذي يجمع عليه الخبراء هو أن انتخاب رافسنجاني رئيسا لمجلس الخبراء كان رسالة إيرانية موجهة إلى الخارج تعكس رغبة في الانفتاح عبر التسويق لأبرز رموز البراغماتية والمحافظين المعتدلين ولعودة الروح للتيار الإصلاحي في إيران، لكن السؤال هو عما إذا كان قرار المرشد بتلميع صورة رفسنجاني ـ خصم أحمدي نجاد اللدود ـ يعكس استراتيجية انفتاح وحوار إيرانية، أم مجرد تكتيك فقط؟!(51/156)
وحتى الأيام الماضية كانت القناعة السائدة بأن ما فعله المرشد لم يكن سوى "عملية تجميلية" لا تضع حد للتساؤل عمن يملك القرار في إيران، ولا عن مدى رغبة الإيرانيين في وقف البرنامج النووي أو وضع حد لسياسة الهيمنة على المنطقة، وعلى الرغم من الاعتراف بجدية رافسنجاني في الانفتاح وعقد صفقة شاملة مع أميركا والعمل على إحياء "نموذج صيني" في إيران، إلا أن الخباء بماضي "مكيافيللي الثورة الإيرانية" يؤكدون التزامه بمبدأ "الغاية تبرر الوسيلة" وبأن "ابن" الثورة الإيرانية وأحد أعمدتها يعتبر في الوقت نفسه "أبو القنبلة النووية" الذي استؤنف البرنامج النووي في رئاسته وهو من أشد المدافعين عن حق إيران في الحصول على السلاح النووي... وخلافة مع التيار المتشدد هو أنه يفضل تقدم هذا البرنامج ببطء وبسرية تامة وبدون إثارة حفيظة العالم والعقوبات الدولية، ويذكر هؤلاء أيضا أن رافسنجاني كان من أصحاب نظرية "تصدير الثورة والإرهاب"، وفي عهده بلغت عمليات خطف الرهائن والتفجيرات في الخارج ذروتها، وكان يلجأ إلى استخدامها للابتزاز والتفاوض وعقد الصفقات التي قادت ليس فقط إلى "إيران جيت" بل أيضاً إلى تعليق "تصدير الثورة إلى دول الجوار".
لعبة توازنات(51/157)
وإضافة إلى التذكير بماضي رافسنجاني وقناعاته المتقلبة التي من شأنها "فرملة" الرهانات عليه للتغيير، يلفت المراقبون إلى أن المرشد الإيراني مازال كالعادة حريصاً على لعبة التوازنات والغموض وعلى رفض السماح بسيطرة جناح على آخر. والدليل أن خامنئي استبق عملية انتخاب رافسنجاني بالسماح حمدي نجاد بإطلاق مؤشر تصعيدى جديد عندما أعلن عن تشغيل ثلاثة آلاف جهاز طرد لتسريع تخصيب اليورانيوم. وقبل ذلك بيوم واحد أصدر المرشد قراراً بتعيين الجنرال محمد جعفري الملقب بـ "عزيز" قائداً للحرس الثوري محل الجنرال رحيم صفوي، وعلى الرغم من تسويق بعض الجهات الإيرانية لعزيز على أنه مقرب من رافسنجاني إلا أن مصادر استخبارية مطلعة أكدت أن القائد الجديد للحرس هو من عتاة المتشددين المقربين من أحمدي نجاد وأحمد جنتي ومن أبرز المسؤولين عن "الجبهة الإيرانية" الحالية في العراق وسبق له أن كان مسؤولاً عن قاعدة "سار الله" في طهران التي تتولى مهمة حماية العاصمة ومواجهة أية انتفاضة شعبية محتملة ولعل أكثر ما لفت في تعيين هذا الجنرال المقرب من المرشد هو توجيه رسالتين: الأولى مفادها أن الحرس الثوري مستعد لمواجهة الأميركيين في العراق ويستعد أيضاً لاحتمالات انعكاسات التصعيد مع الأميركيين وخطه إثارة اضطرابات شعبية في طهران وحماية النظام، والمعروف أن الجنرال عزيز سبق أن هدد الرئيس خاتمي العام 1999 باستخدام الحرس لقمع انتفاضة الطلاب يومها، لكن مصادر إيرانية تتوقع أن يكون تعيين عزيز جعفري مرتبطاً أيضاً بتعديلات تحدث عنها بحجة مواجهة المتغيرات وعلمياً دمج الحرس الثوري بالجيش كخطوة لتفادي وضع الحرس على اللائحة الأميركية للإرهاب.(51/158)
وعلى الرغم من أن العديد من المراقبين يرون في التغييرات الأخيرة في طهران استمراراً للعبة التوازنات ولحكم "الوجهين لعملة واحدة" إلا أن بعض التقارير الاستخبارية بدأت تراهن على تحولات كبرى قد تكون تاريخية بالنسبة لإيران يمكن لرافسنجاني أن يلعب دوراً مهماً فيها على اعتبار أن مرحلة اللعب في الوقت الضائع بدأت تقترب من نهايتها وساعة الحسم والخيار قد دنت بالنسبة لطهران كما لواشنطن.
وفي رأي هؤلاء أن رافسنجاني ومجموعة كبيرة من الملالي بدأت تدرك أن العد العكسي الفعلي للحرب التي تهدد بتدمير النظام، إن لم يكن إيران كلها قد بدأ وأن تفادي هذه الحرب يفرض اتخاذ قرارات حاسمة وأنه لا مجال للرهان على العودة إلى طاولة المفاوضات مجدداً بهدف المناورة وكسب الوقت وانتظار نهاية عهد بوش أو مفاجأة أكتوبر "تشرين الأول" جديدة العام 2008 مثلما حصل في نهاية عهد كارتر وأزمة رهائن السفارة الأميركية. وكذلك لا يبدو أن هناك مجالاً لإثارة انقسامات بين دول مجلس الأمن أو الدول الكبرى بحجة وجود تيار براغماتي معتدل في السلطة. ويجمع معدو هذه التقارير على أن الكرة باتت في يد رافسنجاني ليثبت فعلا أنه أصبح الرجل القوى في إيران. ولإثبات ذلك ينتظر المراقبون أن تشهد الساحة الإيرانية قريباً تأكيدات عملية على هيمنة رافسنجاني على السلطة وعلى جدية مشروعه. وأول هذه التأكيدات حسم حكم الرأسين وإطاحة نجاد عبر تسريع عملية إقالته ولو لأسباب داخلية، أما التحدي الثاني المنتظر من رافسنجاني فهو لعب دور جورباتشوف واستخدام موقعه الجديد لتنفيذ وعده بإحياء دور مجلس الخبراء كما وعد وإدخال تعديلات على المرجعية تبدأ بتحديد فترة حكم المرشد وتنتهي بإعادة النظر بنظرية "الولي الفقيه" وقد تمر بإلغاء منصب المرشد وتكليف قيادة جماعية ثلاثية بهذه المهمة يكون هو أبرز أعضائها مادام حجة الإسلام رافسنجاني لا يحمل لقب آية الله وبالتالي ليس مؤهلاً لولاية(51/159)
الفقيه في حالة وفاة خامنئي أو إقالته لأسباب صحية في الأشهر المقبلة والحاسمة بالنسبة لإيران والمنطقة. وهي أشهر ستفرض على رافسنجاني حسم خياراته وخصوصا أن خامنئي منحه الضوء الأخضر لحسم الصراع بين الجناحين وهو التحدي الأكبر والمستحيل الذي يواجه رئيس مجلس الخبراء رغم سعة دهائه ونفوذه.(51/160)
مجلة الراصد الإسلامية
العدد الثاني والخمسون – شوال 1428هـ
* فاتحة القول:…التشيع الناعم .............................. ................. ..........................…3
* فرق ومذاهب:…النصيرية ............. .......... ......................................................
- فتوى شيخ الإسلام ..............................................................
- رأي من يعرف النصيرية .......................................................
- رأي الشيعة الاثني عشرية في النصيرية ...................................
- لمحة تاريخية عن نشأة النصيرية ............................................
- مواقفهم من القضايا القومية والوطنية .....................................
- مواقفهم في عهد الانتداب الفرنسي .........................................
- النصيريون والنصيرية في العصر الحديث .................................…5
25
26
27
28
30
32
37
* سطور من الذاكرة:…صفحات من تاريخ التنوخيين الدروز ...............................................…40
* دراسات: …مواقف العلماء والمفكرين (25) الشيخ اسماعيل العدوي ....................…42
* كتاب الشهر: …- بلاد الله الضيقة .......................................................... ..........
- السياسة الخارجية للجمهورية الإيرانية الإسلامية ........................…48
51
* قالوا: …...........................................................................................…61
* جولة الصحافة : ……
…- المذهب الذكري ونشأته في بلوشستان .......................................... …64
…- لماذا تعادي الهندوسية المسلمين ................ .................................…64
…- أدركوا أفغانستان ..................................................................…72(52/1)
…- حزب الله اللبناني يعزز نفوذه داخل البحرين ...................................…77
…- حزب الله سرب الخبر الإيراني قبل أسبوعين ...................................…48
…- المخابرات العراقية هي الدعامة الأخيرة للتصدي للهيمنة الإيرانية..............…78
…- منى فياض في حوار مع السياسة..................................................…79
…- العراق في قبضة إيران ..................... ......................................…85
…- إيران ترث الموارنة في لبنان ....................................................…92
…- ندوة النفوذ الإيراني في العراق .......................ً............................…98
…- قادة إيرانيون وأجانب لحزب الدعوة الإسلامي العراقي ... ..................…102
…- المجلس البلدي الكويتي يرفض بناء معبد للبهرة ..............................…106
……
"التشييع الناعم"
بعد أسلوب "تصدير الثورة" و"سياسة الانفتاح الثقافي" و"الخطة السرية"، نلحظ حالياً أسلوباً جديداً يمارس في نشر التشيع، يمكن أن نطلق عليه مصطلح "التشييع الناعم"على غرار مصطلح "القوة الناعمة".
ويقصد به نشر التشيع بصورة غير عنيفة ومثيرة، بل عبر التسلل من الأبواب الخلفية وغير المباشرة، ونلحظ هذا بشكل أخص في الدول التي لا وجود أصلياً للشيعة فيها أو فيها وجود ضعيف.
والهدف من هذا الأسلوب "الناعم" هو تجاوز حالة الغضب والرفض التي يلاقيها التشيع حالياً بسبب فضائح الشيعة في تخريب وتدمير العراق، وما قامت به إيران وأعوانها من شيعة العراق العرب من مذابح دموية عكست حقيقة الموقف والعقيدة الشيعية من أهل السنة رغم مكابرة بعض الجهال من قادة أهل السنة – رسميين وشرعيين – ببراءة الشيعة من هذه الجرائم!!(52/2)
وهذا "التشييع الناعم" مقتبس من أساليب يسارية نجحت في غزو أوربا وأمريكا ونشر الفكر اليساري فيها، كما هو ملاحظ في صعود نسبة التصويت للأحزاب اليسارية في أوربا حتى أن بعض المراقبين بدأ يطلق مصطلح "أوربا الوردية" عليها!!
وهذه الأحزاب طورت نظرية "المثقف العضوي" للمنظر الماركسي الإيطالي غرامشي، والتي تهدف للتغلغل في مفاصل المجتمع عبر مؤسسات "المجتمع المدني" ووسائل الإعلام والتوجيه لقيادة الرأي العام وصناع القرار نحو أيديولوجيتهم.
وهذا ما نلاحظ أنه بدأ يطبق من الشيعة في بلاد أهل السنة، وهذه بعض الأمثلة على سياسة "التشييع الناعمة":
1-…التواصل مع الطرق الصوفية تحت شعار حب آل البيت.
2-…فتح قنوات مع العشائر والعائلات الكبيرة تحت مسميات كثيرة، ومحاولة استقطاب أبنائهم للدراسة في إيران، وبعد ذلك يكونون عوناً في تسهيل مهمة نشر التشيع حين عودتهم لبلادهم وتسلمهم مناصب – خاصة العسكرية والأمنية والجمارك - فيها بحكم وضعهم العائلي.
3-…التركيز على إنشاء الصحف والمجلات والفضائيات – كما في العراق، أفغانستان، لبنان ، البحرين، مصر ...- لتكون بوقاً لنشر التشيع.
4-…تكوين الروابط والمؤسسات والتجمعات بشتى الصفات والعناوين ، للدعاية والدفاع عن أنفسهم ومن ذلك ، الرابطة العالمية للدفاع عن الشيعة – أمريكا، مركز الإمام علي لحقوق الإنسان – مصر، البرلمان الشيعي – هولندا ... .
5-…محاولة التسلل لأجهزة التلفزيون الرسمية بكتابة قصص للمسلسلات وتقديم البرامج، وكذلك التسلل للصحف اليومية لتلميع رموزهم بداية وبعد ذلك بث أفكارهم.
6-…محاولة التسلل للسلك الدبلوماسي في بعض الدول – الباكستان – لتسخير مقدارت الدولة لصالحهم.
7-…التركيز على احتكار قضية "الأشراف" وجعلها مرتبطة بهم.
8-…سلوك بعضهم المسار الديمقراطي للوصول للسلطة، كما في البحرين وجزر القمر التي يتزعمها حالياً آية الله أحمد عبد الله سامبي!!(52/3)
9-…تقديم الدعم والإغاثة في المناطق المنكوبة والمصابة.
10-…رفع شعارات حقوق الإنسان والأقليات المضطهدة.
وقد نجحت هذه السياسة "الناعمة" في تحقيق الكثير من المكاسب للتشيع، وأهم سبب في ذلك هو غياب السياسة المقاومة لهذا "التشييع الناعم أو الخشن"!!
فلا يزال أهل السنة – للأسف – حيال "التشييع الناعم أو الخشن" أحد ثلاثة أصناف:
الرسميين: وهم إما لم يدركوا بعد وجود مشكلة أصلاً!! أو تصورهم لها قاصر و محصور بالبعد القومي الفارسي فقط، مع استبعاد كامل للفكر والعقيدة الشيعية.
أفراد الحركات الإسلامية السنية وعامة أهل السنة: وهؤلاء لا يزال غالبهم لا يدرك الخطر العقدي للفكر الشيعي، ولا يزال أيضاً يحلم بإمكانية الاستفادة على الصعيد السياسي من إيران، وفي الحقيقة أنهم هم الجسر الذي على أكتافهم يعبر التشيع إلينا!!
علماء ودعاة أهل السنة والجماعة: وهؤلاء غالباً يدركون الخطر الشيعي، ولكنهم يفتقدون الرؤية حيال مشروع المقاومة المطلوب لصد "التشيع الناعم والخشن"، ومن كان يملك هذا التصور فهو لا يملك إمكانية تطبيقه!!
نسأل الله أن نتمكن من صد هذا العدوان "الناعم والخشن" قبل أن يخرجوا لنا بأسلوب جديد يكون أكثر شراً والعياذ بالله.
النصيرية
[هذا البحث المميز عن النصيرية مستل من كتاب "دراسات في الفرق والمذاهب القديمة والمعاصرة" للأستاذ عبد الله الأمين، ولكون هذا الكتاب نادر الوجود وقليل من اطلع عليه، نعيد نشر هذا الفصل منه، وخاصة مع تصاعد التشيع في سوريا وزيادة الدور السوري في المنطقة، والذي قد يأذن بزواله أو زيادة نفوذه!!].
طائفة من غلاة الشيعة ألّهوا عليَّ بن أبي طالب, وحجتهم في ذلك كما يروي الشهرستاني في "الملل والنحل": أن ظهور الروح بالجسد الجسماني أمر لا ينكره عاقل.
فمثله في جانب الخير: كظهور جبريل عليه السلام بصورة بشر مثله, وفي جانب الشر كظهور الشيطان وكظهور الجن بصورة إنسان يتكلم بلسانه.(52/4)
ويقولون: ولما لم يكن بعد رسول الله ? شخص أفضل من علي بن أبي طالب وأولاده المعصومين من بعده باعتبارهم خير البرية: فظهر بصورتهم ونطق بلسانهم وأخذ بأيديهم. لذا سموا بالإلهية.
وينتسب النصريون إلى "محمد بن نصير" الفارسي الأصل, الذي كان باباً للإمام الحسن العسكري, والذي ادعى أن الإمام الثاني عشر الغائب أوصى له بالإمامة من بعده؛ وبذلك جمع الاسم والباب وورثها من بعده لمشايخ المذهب النصيري .
يقول النوبختي في فرق الشيعة (ص78): وقد شذت فرقة من القائلين بإمامة علي بن محمد في حياته فقالت بنبوة رجل يقال له محمد بن نصير وكان يدعى أنه نبي بعثه أبو الحسن العسكري، وكان يقول بإباحة المحارم وتحليل نكاح الرجال بعضهم بعضاًً, ويزعم أن ذلك من التواضع والتذلل وأنه أحد الشهوات والطيبات ولم يحرم شيئاً من ذلك. يقول ماسينو: يمثل النصيريون الجناح المحافظ والحشوي للحركة الشيعية السلمانية، بينما يمثل الإسماعيلية والدروز الجناح التقدمي لها.
معتقداتهم:
الولاية والإمامة: يعتقد النصيريون بولاية علي بن أبي طالب أمور المسلمين الدينية ويزعمون أن النبي ? بايعه ثلاث مرات سراً: 1. يوم نام في فراشه ليلة الهجرة 2. ويوم بيعة الشجرة 3. وفي دار أم سلمة.
أما البيعة الرابعة فكانت جهرية يوم غدير خم حيث أمره الله تعالى ببيعته كما يزعمون فقال يومها: ((من كنت مولاه فعلي مولاه)).ونزلت الآية الكريمة: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} {المائد:3}.
والولاية عندهم أعلى مرتبة من النبوة فإن الأنبياء يوحى إليهم بواسطة جبريل أو يكلمهم الله مباشرة أما الإمام المعصوم المطهر فهو مصدر الإرادة الإلهية دون وحي أو واسطة لأنه تحت تأثير الإرادة الإلهية مباشرة.(52/5)
عصمة الإمام: والأئمة بنظرهم معصومون من أي خطأ فقد وردت الآيات بعصمتهم وطهارتهم ويقصدون الآية الكريمة: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} {الأحزاب:33}. أما الأنبياء في نظرهم فلم يرد نص بعصمتهم متجاهلين قول الله تعالى في عصمة رسوله الأمين: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى ? إِنْ هُوَ إلاّ وَحْيٌ يُوحَى} {النجم:3-4}. [عن "تاريخ العلويين" (ص174, 175].
تأليه الإمام: الألوهية بنظر النصيريين مثلثة الأجزاء متحدة الحقيقة كما هي عند النصارى. فهي عندهم معنى واسم وباب, كما هي عند النصارى أب ابن وروح قدس.
أما المعنى فهو علي بن أبي طالب وهو الله العلي القدير. وأما الاسم فهو محمد بن عبد الله وهو حجابها النوراني. وأما الباب فهو سلمان الفارسي الذي يوصل إلى الحجاب النوراني. وبعد انتهاء دور النبوة أصبح هؤلاء الثلاثة يتنقلون في الأئمة الأثنى عشر حتى خلفوها إلى محمد بن نصير النميري حسب ادعائه.
أما التشهد عندهم فهو: أشهد أن لا إله إلا علي بن أبي طالب. وقد وصفوه في كتاب "المجموع" بأنه أحد صمد لم يولد ولم يلد وأنه قديم لم يزل. جوهرة نور ومن نوره تسطع الكواكب, وهو نور الأنوار تجرد من الصفاة يشق الصخور, ويسجر البحور ويدبر الأمور, ويخرب الدول, حفي الجوهر.
وفي كتاب "الهداية الكبرى" للخصيبي: قال علي للشمس وعليك السلام يا خلق الله الجديد ثم همهم همهمة تزلزل منها البقيع فأجابت الشمس :وعليك السلام يا أخ رسول الله ووصية أشهد أنك الأول والآخر والظاهر والباطن وأنت بكل شئ عليم. [عن كتاب "العلويين بين الحقيقة والأسطورة"].
ويعتقدون أن عليًّا خلق محمداً عليه السلام، وأن محمدًا خلق سلمان الفارسي، وأن سلمان خلق الأيتام الخمسة وهم:
اليتيم الأكبر المقداد بن الأسود الكندي الموكل بالرعود والعواصف.
أبو ذر الغفاري وهو موكل بحركات الكواكب والأفلاك.(52/6)
عبد الله بن رواحة وهو موكل بالرياح وقبض الأرواح.
عثمان بن مظعون وهو موكل بالأبدان أمراض الإنسان.
وقمبر بن كادان مولى علي وخادمه, وهو موكل بالتناسل.
وهؤلاء الخمسة خلقوا العالم. فعلي عندهم رب العالمين وخالق الكون وباعث الرسل، وهو يسكن السحاب، الرعد صوته والبرق ضحكه, ويرى الشماليون سكان الساحل السوري أنه يسكن القمر بينما يرى الكلازيون سكان الجبال أنه يسكن الشمس.
ويقول الدكتور الشكعة في كتابه "إسلام بلا مذاهب" (ص292) وما بعدها: "وتقدم هذه الفئة المضللة أدلة علي ألوهية علي بن أبي طالب لا تخلو من فكاهة في كثير من الأحيان، فهم يقرءون الآية الكريمة من سورة يس: (أوليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم) فيغيرون حرف الجر على إلى علي بعد أن ينقطوا الألف المقصورة، وأن عثمان حين جمع المصحف حولها من علي إلى على فتصبح السورة (أوليس علي بقادر على أن يخلق مثلهم). ومن الطرائف حول التدليل على ألوهية ما ورد في "الباكورة السليمانية" (ص87) ما يلي: (أن علياًً أرسل جابر بن يزيد الجعفي في قضاء غرض له ولما وصل إلى الموضع المقصود رأى علياً بن أبي طالب جالساً على كرسي من نور والسيد محمد عن يمينه والسيد سلمان الفارسي عن شماله، ثم التفت إلى ورائه فرآه هكذا، ثم نظر عن يمينه فرآه أيضاً، ثم نظر إلى السماء فرآه والملائكة أمامه يسبحون بحمده ويسجدون له)".
ويذكر القوم أن علياً ظهر بصورة ناقة صالح وعند بعض فرقهم ظهر بصورة كلب.(52/7)
ويعتقد هؤلاء القوم أن الرعد صوته ينادي قائلاً يا عبادي أعبدوني ولا تشكوا بي. وإذا كان الإله لم يلد ولم يولد فالحسن والحسين وأولاده في الظاهر. ولقد ذكر صاحب "الباكورة السليمانية" خمس عشرة سورة كلها مكرسة لتأليه (علي) والتوكيد على عقد ع.م.س الذي يرمز فيه حرف العين إلى علي الإله، والميم إلى محمد، والسين إلى سلمان الفارسي الذي يمثل عندهم الباب. وسنجد في نصوص كتبهم المختلفة بعد قليل ما يؤكد ألوهية علي بن أبي طالب.
كتمان الدين والتقية: جاء في "تاريخ العلويين" لأمين غالب الطويل: لقد كان الأئمة من أهل البيت يحتمون بحماية الإسلام المعنوية, ولم يكن ذلك متحققاً للأبواب ولا لمن معهم، لذلك اضطروا إلى التقية والكتمان، فهم يتظاهرون بالإسلام تقية حتى يحضر الإمام الغائب صاحب الزمان وينتقم لهم من مخالفيهم أتباع الخليفتين, عندها لم يعد هنالك ضرورة للتكتم، ويشبهون التقية بالثوب وديانتهم بالبدن ولا يضع البدن ولا يغير حقيقته إذا لبس أي ثوب كان. ومن حجتهم في التكتم: أنه لما أعلن كمال الإسلام كانت بعض العقائد مكتومة وخفية لذا بقيت مكتومة إلى يومنا هذا لخصوصيتها.
ويقولون: إن بني هاشم كانوا يعرفون أحكاماً لا يعرفها الأمويون, وإن أهل البيت تعلّموا علوماً لم يتعلمها غيرهم, وإن بيعة غدير خم هي إفشاء لبعض حقوق أهل البيت أما بقية الحقوق فبقيت مكتومة.
لذا كان إفشاء الدين خطيئة فهم يمنعونه عن أبنائهم حتى يبلغوا سن الرشد, وبعد تعهد أوليائهم على أنهم
أهل لحفظ سر الدين, عندها يقسم المرشح بسر (ع.م.س) على كتمان هذا الدين عن الآخرين.
التناسخ: عقيدة التناسخ قديمة في التاريخ فهي سمة مشتركة بين ديانات العالم القديم.(52/8)
يقول الشهرستاني في "الملل والنحل" (ج2, ص54): "والغلاة على أصناف كلهم متفقون على التناسخ والحلول. كان التناسخ مقالة في كل ملة من المجوس والمزدكية والبرهمية في الهند ولدى الفلاسفة والصائبة".…ويقول محمد فريد وجدي في "دائرة المعارف": ولعل أوائل القائلين بها هم: أحمد بن ضابط وتلميذه أحمد ناقوس وأبو مسلم الخراساني ثم انتشر ذلك في القرامطة.
ولقد لخص النوبختي فكرتهم في كتابه "فرق الشيعة" (ص 32-35) بقوله: ومقتضى مذهب هؤلاء الغلاة أن لا دار الدنيا، وأن القيامة إنما هي خروج الروح من البدن ودخولها في بدن آخر, إن خيراً فخير وإن شراً فشر, وأنهم مسرورون في هذه الأبدان أو معذبون فيها. والأبدان هي الجنات وهي النار, وأنهم منعّمون في الأجسام الحسنة الأنيسة المنعمة, ومعذّبون في الأجسام الرديئة المشوهة من كلاب وقرود وخنازير وحيات, وأن المؤمن عندهم يتحول سبع مرات قبل أن يأخذ مكانه بين النجوم, أما نصوصهم في ذلك فهي:
أ- في الباب الرابع من "الباكورة السليمانية" يقول: إنهم كانوا قبل بدء العالم أنواراً مضيئة وكواكب نورانية لا يأكلون ولا يشربون ولا يغوطون.
ب- وفي الباب السادس يقول: إن النصيرية تعتقد أن أرواح الشرفاء من المسلمين الراسخين في العلم تحل في هياكل الحمير, وأرواح علماء النصارى تحل في أجسام الخنازير, وعلماء اليهود في هياكل القرود.
ج- في الباب السابع: متى خلصنا من هذه الكثايف البشرية ترتفع أرواحنا إلى ما بين تلك الكواكب المتلاصقة التي هي درب التبان وتلبس هياكل نورانية, وحينئذ نرى السماء صفراء وإذا سكنا في هذه الحياة الفانية تحل أرواحنا في أجسام؟ وليس لها حياة إلى أبد الآبدين.
لقد أجمع علماء المذاهب الإسلامية على إخراج من يقول بالتناسخ من دائرة الإسلام، وحكموا عليه بالكفر، لاصطدام هذه الفكرة مع ركن ثابت عرف من الدين بالضرورة ألا وهو الإيمان باليوم الآخر الثابت بنصوص يقينية.(52/9)
كما أجمعت المجامع الكنسية المسيحية المنعقدة في ليون فرنسا عام 1276 وفي فلورنسة عام 1439 على إدانة القائلين بالتناسخ وتكفيرهم. وكفّر المتكلم اليهودي المعروف سعديا الفيومي القائلين بالتناسخ من اليهود كما في كتاب "الأمانات" (ص208).
التأويل وعلم الباطن: يقول الدكتور الذهبي في كتابه "التفسير والمفسرون" (ج1 ص18): "التأويل هو صرف المعنى الراجح إلى المعنى البديل يقترن به فإذا لم يكن اللفظ محتملاً المعنى الذي حمّل عليه ولم يبين المتأوّل الدليل الذي حمله على ذلك كان تأويلاً فاسداً بل تلاعباً بالنصوص. والتأويل الفاسد هو الذي اعتمده الغلاة مدعين أن القرآن ظاهراً وباطناً وأن المراد منه باطنه دون ظاهره. ويقولون: إن الظاهر صدفة لا بد من كسرها نهائياً لنصل إلى حقيقتها الباطنية بالتأويل".
يقول أمين غالب الطويل في كتابه "تاريخ العلويين": كان أهل السنة يظنون أن علم الباطن منحصر في الإسماعيلية والحقيقة أن علم الباطن هو علم مختص بالعلويين, ويقول: إن الأحكام الإسلامية لم تكن كلها ظاهرة كما يظن البعض ولقد نسبوا للإمام الرابع علي زين العابدين هذه الأبيات:
إني لأكتم من علمي جواهره ……كي لا يرى الحق ذو جهل فيفتينا
وقد تقدم في هذا أبو الحسن……إلى الحسين وأوصى قبله الحسنا
ورب جوهر علم لو أبوح به ……لقيل لي أنت من يعبد الوثنا
ولا ستحل رجال مسلمون دمي ……يرون أقبح ما يأتونه حسنا(52/10)
ويقولون في تفسير الآية الكريمة: (منه آيات محكمات هنّ أم الكتاب وأخر متشابهات)، بأن الآيات المتشابهات لها معنى ظاهر ومعنى باطن يريدون أن يدعموا آراءهم بتأويل هذه الآيات, ويقولون بأن التفسير الصحيح منحصر في الإمام وحده، ويستدلون على ذلك بالآية الكريمة: (وكل شيء أحصيناه في إمام مبين)، لذا فالإمام عندهم عارف بعلوم الأولين والآخرين – ولو كان جاهلاً - وذلك بسبب صلته المباشرة بالله تعالى. ويقولون بأن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم خصّ بالتنزيل، وأن عليّاً رضي الله عنه خصّ بالتأويل, وأن التأويل خير من التنزيل، والباطن خير من الظاهر، لذا سموا الشيعة الاثنى عشرية بالظاهرية القشيرية ورموهم بالكفر والردة لوقوفهم عند ظواهر النصوص كما ذكر الشيبي في "الفكر الشيعي" (ص130 و240).
من تأويلاتهم: الجنة: رجل أمرنا بموالاته وهو الإمام, والنار: رجل أمرنا بمعاداته وهو ضد الإمام.
الصلوات الخمس عندهم: علي والحسن والحسين ومحمد وفاطمة. وأن ذكر هؤلاء يغني عن الاغتسال من الجنابة والوضوء للصلاة أما الصوم فهو: حفظ سر الدين, والحج زيارة الإمام, والجهاد لعنة الخصوم "الباكورة السليمانية".
يقول سالسري: لقد انتهى التأويل الباطن بالأحكام الشرعية أن تتحول إلى حطام من السخف الذي لا ينطوي على معنى, إذ صار كل حكم من أحكام الشرع يمثل رمزاً أو تجسيداً لذات من الأشخاص.
وفي "فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة" (ص148) يقول حجة الإسلام أبو حامد الغزالي: من يغير برهان قاطع كالذي ينكر حشد الأجسام وينكر العقوبات الحسية في الآخرة بظنون يجب تكفيره قطعاً.
يقول جولد زيهر في كتابه "العقيدة والشريعة" (ص338) ما يلي: وهكذا أصبحنا لا نستطيع أن نتبين في مذهبهم قواعد الإسلام وأركانه وانتهى الأمر حقيقة إلى طمس معالم الإسلام وانحلال عقائده انحلالاً تامّاً.(52/11)
إسقاط التكاليف وإباحة المحرمات: نزعة قديمة تبيح لأتباعها تجاوز الأحكام الدينية والإلزامات الخلقية والاعتبارات الاجتماعية. ربطها مؤرخو الأديان بالمجوسية والزرادشتيه والمزدكية. ذلك أن المجوس طبقة من الكهنة كانت تبيح الزواج بالأقارب المقربين. [عن "تاريخ حضارات الشرق" ج2 ص434[.
ويقول الشهرستاني في "الملل والنحل" (ج ص286) ما يلي: "عرف عن مزدك دعوته إلى الإباحية واستحلال النساء فقد تزوج يزدجر الثاني الذي تولى الحكم في القرن الخامس الميلادي من ابنته، كما عرف أن بهرام جور الذي حكم في القرن السادس الميلادي قد تزوج من أخته. ويذكر أيضاً أن عادة الزواج بالمحارم كانت عادة منتشرة في الزرادشتية، وكانت أكثر شيوعاً بين أهل التقى إرضاء لآلهتهم. وقد تأوّل الجناحية الآية الكريمة: (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا) في إسقاط التكاليف، ثم انتقلت هذه العادة وتأصلت في المجتمع النصيري".
يقول حمزة الدرزي في "الرسالة الدامغة" يصف النصيريين بقوله: فيهم القتل والسرقة والكذب والافتراء والزنا واللواط. وفي كتاب "المقالات والفرق", يحذر الإمام أبو محمد الحسن العسكري أحد أتباعه من النصيريين فيقول له: إني أبرأ إلى الله من محمد بن نصير الطهري وابن بابا القمي. إني محذرك وجميع موالي ومخبرك أني ألعنهما عليهما لعنة الله.
يقول لاجانش في "تحفة النظّار" لابن بطوطة وفي "خطط الشام" ما يلي: إن النصيرية يشكلون فرقة غالية تذكرنا أخلاق المجوس حيث يبيحون إشاعة البنات والأخوات والأمهات، لا يصلّون ولا يتطهرون ولا يصومون متأوّلين قوله تعالى: (يريد الله أن يخفف عنكم) (ويضع عنهم إصرهم والأغلال).(52/12)
ويقول القمي في "المقالات والفرق": ولكن النصيرية أوغلوا في التأويل ،فلقد أوّل ابن نصير الآية بإسقاط التكاليف وإباحة المحارم وحل نكاح الذكور في أدبارهم، ويزعم أن ذلك من التواضع وأنها من الطيبات الحلال. لقد أحلوا الخمر بل إنهم يعظمونها ويعظمون شجرة الكرمة التي هي أصل الخمرة، لذلك يستعظمون قطعها. أما الاسم المقدس للخمرة عندهم فهو عبد النور لأن الله ظهر فيها ،كما وأنهم يحبون ابن ملجم قاتل الإمام علي بن أبي طالب لأنه خلّص اللاهوت من الناسوت ويخطئون من يلعنه.
العبادة عندهم: نوع من الحب والطاعة والولاء لأئمتهم ورؤسائهم. أما العبادات الظاهرية التي يؤديها المسلمون السنيون فهي معرفة أشخاص من أئمتهم ورؤسائهم الدينيين وأصحاب المراتب عندهم.
ورد في "الباكورة السليمانية" أن الصلوات الخمس وأوقاتها عندهم كالآتي: الظهر لمحمد العصر لفاطر أي فاطمة والمغرب للحسن والعشاء للحسين والصبح لمحسن الخفي. والزكاة دفع خمس ما يملكون لشيوخهم حتى من مهور بناتهم.
أما الحج فهو زيارة أئمتهم ورؤسائهم، والصوم حفظ سر الدين والبعد عن النساء، والجهاد سب الخصوم والنصيريون لا يؤدون صلاتهم في المساجد إنما يصلون في بيوتهم صلاة تشبه صلاة النصارى ويجتمعون أحياناً في بيوت معلومة ويسمون اجتماعهم (عيداً) يعظهم فيها شيوخهم ويتلون عليهم بعض القداسات التي نقلنا بعض نصوصها.
السباب والشتائم على الشيخين وغيرهم ممن عادى أحد أئمتهم: اعتقادهم أن مسبة المخالفين فريضة دينية وهي من الجهاد ،ويشملون بذلك كل من عادى الرسول ولو كان من أهل البيت, وكل من عادى عليّاً ولو كان من أصحاب الرسول, وكل من عادى فاطمة ولو كان من أصحاب علي, وكل من عادى الحسنين ولو صاحب أباهم.(52/13)
ويعلل الطويل صاحب كتاب "تاريخ العلويين" سبب ذلك اعتقادهم عصمة الأئمة وآبائهم، فمخالفة أحدهم مخالفة للعصمة ومعاداة أحدهم معاداة لصاحب الحق, ويقولون: إن من أسلم من قريش بعد التحاق علي بالرسول الكريم ليس كامل الإيمان ولو لم يعاد أهل البيت. ويقول صاحب الكتاب: بعد وقعة صفين اتخذ علي عادة بأن يلعن معاوية وعمرو بن العاص بعد صلاة كل ظهر، وكذلك جعل معاوية شتم علي ووليه والأشقر وابن عباس من الفرائض، وقد ظل الأمويون يشتمون عليّاً حتى خلافة عمر بن عبد العزيز الذي نهى عن ذلك، لذا اعتبر العلويون شتم المخالفين والغاصبين لحقوق أهل البيت من الفرائض الدينية. وهذا لا دليل عليه.
ويرى بعض الدارسين أن سبب تخصيصهم سيدنا عمر بمزيد من شتائمهم ونقمتهم ويدّعون أنه هو الشيطان نفسه وهو الشجرة المنهي عنها في القرآن. يرجع إلى الفتوحات الساحقة التي تمت أثناء خلافته في بلاد فارس والمذهب النصيري كله تم تحضيره وتنسيقه ونشره في بلاد فارس وعلى أيدي أناس من فارس وأن عمر كان عوناً لأبي بكر في تولّيه الخلافة وحجبها عن علي. وأنه عارض عليّاً في منع السيدة فاطمة من ميراث فدك. وموقفه من جبلة بن الأيهم باني مدينة جبلة التي تقع في موطن إقامتهم بسوريا حين هروبه من بلاد الروم, ومن أسباب ذلك أيضاً إيصاؤه بالخلافة من بعده لستة يختارون الخليفة بينهم؛ مما مهد لتولي عثمان ولتقوية نفوذ الأمويين. تلك أسباب كرههم للشيخين جزاهما الله عنا كل خير.
المرأة في عقيدة النصيريين: ليس للمرأة عند النصيريين اعتبار إنساني لذا فهي ليست جديرة بتلقي الدين وتحمّل واجباته, ذلك لأن المحارم عندهم كانت مباحة في الماضي حتى منعتها القوانين السورية. ولقد كنا نظن قبل الاطلاع على عقائدهم – بأن تساهلهم في الحفاظ على بناتهم وتأجيرهن كخادمات في بيوت الأثرياء يرجع لفقرهم, ولكن نصوص ديانتهم التي تحط من قدر المرأة تفسر لنا هذه الظاهرة.(52/14)
فقد ورد في الفصل السادس من "درة الدرر": "أن عليّاً قال في كتابه (الطاعة حتى تقوم الساعة) مخاطباً سلمان الفارسي: واعلم أنني إنما ظهرت للخلق والعباد بصورة التأنيس (الإنسان) حتى أبيّن لهم الخير والشر. فمنهم من سمع النداء وسكن في ضميره فنم على إقراره, ومنهم من سمع النداء ولم يؤكد ولم يسكن في ضميره فنم على إنكاره على مدى الأدوار والأكوار. ومن من لم يسمع النداء وهم النساء وسائر الإناث, فمن ذلك اليوم حرمت على النساء المعرفة وحرمت على المؤمنين أكل لحوم الإناث (من الحيوانات) لهذا قلت: وكل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه. واعلم يا سلمان أن إسرائيل اسمي"، انتهى.
لذلك يسمون فاطمة بصفة المذكر فينطقونها فاطم. لأن المرأة ليست من أهل الدين والمعرفة في نظرهم.…وفي كتاب "الباكورة السليمانية" (ص61): ولعل من أهم العوامل التي ساهمت في تعميق عقدة النقص عند المرأة النصيرية هو اعتقادهم الديني بأنها لا تملك روحاً كما هي الحال بالنسبة لبقية الحيوانات الأخرى.…ورد في كتابهم "المصفت الشريف" (ص168): وقال منه السلام الشياطين من المرأة. وإن الإنسان في كفره وعتوه وتمرده وتناهى في ذلك صار إبليساً ويرد في صورة امرأة.
القيامة في عقيدة النصيرية: القيامة عندهم هي قيام الإمام المحتجب صاحب الزمان ليحكم بين أتباعهم وخصومهم, ويحقق السيادة لهم وحدهم ضد خصومهم من أتباع الخليفتين الأول والثاني ومن شايعهم, وعندها يعلن الدين كل خفي ومكتوم منه. وهذه القيامة هي الرجعة الكبرى والكرة الزهرا.(52/15)
ومن نصوصهم في ذلك ما جاء في "درة الدرر" وفي الفصل السادس ما يلي: عن جابر قال: أتيت مولانا الباقر عليه الصلاة فقلت: فما فعل الله بالأول والثاني (يعني أبا بكر وعمر) لعنهما الله قال: مزجهما بالخلق المنكوس حتى إذا قام القائم وصار إلى الغريب ودعي إلى ما دعي إليه السيد محمد ويجد الأول والثاني فيخرجهما ويأتي بهما إلى البقيع ثم يأتي بجذع من جذوع النخل ويأمر بشقه ويصلبهما عليه فيورق الجدعان من تحتهما فيفتتن بها الناس في آخر أمرهما, أشر مما فتنوا في أوله ثم ينادي القائم عليه السلام بأصحابهما فيزجرهم زجرة واحدة.
وفي سورة الشهادة من نفس المرجع: واقرأ في الرجعة البيضا والكرة الشقرا وفي كشف الغطا وجلا العمل وإظهار ما كتم وإعلان ما خفي وظهور علي بن أبي طالب من الشمس قابضاً على كل نفس, الأسد من تحته, وذو الفقار بيده, والملائكة من خلفه والسيد سلمان بين يديه والماء ينبع من بين قدميه والسيد محمد ينادي ويقول هذا مولاكم علي بن أبي طالب فاعرفوه وسبحوه وعظموه وكبروه. هذا رازقكم وخالقكم فلا تنكروه.
قداسات النصيرية: للنصيرية قداسات كما للنصارى، ذكر منها كتفاجو ثلاثة قداسات: أ- قداس الطيب لكل أخ حبيب. ب- وقداس النجور في روح يدور في محل الفرح والسرور. ج- قداس الآذان وبالله المستعان؛ جاء فيه: ديني مسلسل طاعة إلى القديم الأزل أقر كما أقر السيد سلمان حين أذن المؤذن في أذنه وهو يقول: شهدت أن لا إله إلا هو العلي المعبود, ولا حجاب إلا السيد محمد المحمود ولا باب إلا سلمان الفارسي ولا ملائكة إلا الخمسة الأيتام الكرام ولا رب إلا ربي شيخنا وهو شيخنا وسيدنا الحسين بن حمدان الخصيبي سفينة النجاة وعين الحياة, حي على الصلاة حي على الفلاح تفلحوا يا مؤمنون حي على خير العمل بعينه الأجل.(52/16)
بعض نصوص كتبهم: وتحمل السور أسماء مختلفة بعضها قرآني مثل سورة الفتح أو السجود محرّفاً عن السجدة, وأسماء أخرى غير قرآنية مثل الحجابية, والبيت المعمور, والجبل, والشهادة. وقد تبدأ بعض السور بآية أو آيتين قرآنيتين ثم لا تلبث أن تتجه وجهتها في تأليه "علي".
ففي "الباكورة السليمانية" (ص26) نجد؛ إن سورة الجبل تبدأ بالقرآن الكريم على هذا النمط: (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم * إن الدين عند الله الإسلام * ربنا آمنا بما أنزلت واتّبعنا الرسول فاكتبنا مع الشّاهدين)( ). وحتى الآن فإن تلاوة هذه الآيات البينات سليمة تماماً, غير أننا لا نلبث أن نفاجأ بأن الآية قد وصلت باللون النصيري مبتعدة كل الابتعاد عن قدسية المسرى القرآني وإذ الفقرة القرآنية الأخيرة تصير هكذا "واكتبنا مع الشاهدين بشهادة ع م س, اشهد عليّ أيها الحجاب العظيم, اشهد عليّ أيها الباب الكريم, اشهد علي يا سيدي المقداد اليمين, اشهد عليّ يا سيدي أبو الدر الشمال... بأن ليس إلهاً إلا عليّ بن أبي طالب الأصلع المعبود, ولا حجاب إلا السيد محمد المحمود, ولا باب إلا السيد سلمان الفارسي المقصود وأكبر الملائكة الخمسة الأيتام, ولا رأي إلا رأي شيخنا وسيدنا الحسن بن حمدان الخصيبي الذي شرع الأديان في سائر البلدان ...(52/17)
أشهد بأن الصورة المرئية التي ظهرت في البشرية هي الغاية الكلية وهي الظاهرة بالنورانية وليس إله سواها وهي علي بن أبي طالب, وأنه لم يحط ولم يحضر ولم يدرك ولم يبصر. أشهد بأني نصيري الدين, جندبي الرأي, جنبلاني الطريقة, خصيبي المذهب, جليّ المقال, ميموني الفقه, وافر الرجعة البيضاء والكرة الزهراء, وفي كشف الغطاء وجلاء العلماء, وإظهار ما كتم وإجلاء ما خفي, وظهور علي بن أبي طالب من عين الشمس قايض على كل نفس, الأسد من تحته وذو الفقار بيده والملائكة خلفه والسيد سلمان بين يديه والماء ينبع من بين قدميه والسيد محمد ينادي ويقول: هذا مولاكم علي بن أبي طالب فاعرفوه وسبّحوه وعظّموه وكبّروه. هذا خالقكم ورازقكم فلا تنكروه. اشهدوا عليّ يا أسيادي أن هذا ديني واعتقادي وعليه اعتمادي وبه أحيا وعليه أموت وعليّ بن أبي طالب حي لا يموت بيده القدرة والجبروت, إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً علينا من ذكرهم السلام.(52/18)
وحتى تكون الفكرة عن هذا الفريق أوسع فلا بأس من قراءة السورة الخامسة التي أطلق مؤلفها عليها "الفتح", وهو يستفتحها بسورة الفتح الكريمة, ثم لا يلبث كالعادة أن ينتقل إلى تأليه عليّ مع تعريج علي جمل غير مترابطة إذا لم يخرج القارئ منها بما يقنعه فإنه يخرج بمزيد من الفكر عن طبيعة العقيدة النصيرية حسبما تقدمها هذه الجماعة: "(إذا جاء نصر الله والفتح * ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً * فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توّاباً)، أشهد أن مولاي أمير النحل عليّ اخترع السيد محمد من نور ذاته وسمّاه اسمه ونفسه وعرشه وكرسيه وصفاته متصل به ولا منفصل عنه ولا متصل به بحقيقة الاتصال ولا منفصل عنه في مباعدة الانفصال, متصل به بالنور منفصل عنه بمشاهدة الظهور, فهو منه كحس النفس من النفس أو كشعاع الشمس من القرص أو كدويّ الماء من الماء أو كالفتق من الرتق أو كلمع البرق من البرق أو كالنظرة من الناظر أو كالحركة من السكون, فإن شاء علي بن أبي طالب بالظهور أظهره وإن شاء بالمغيب غيبة تحت تلالي نوره.…وأشهد بأن السيد محمد خلق السيد سلمان من نور نوره وجعله بابه وحامل كتابه, فهو سلسل وسلسبيل وهو جابر وجبرايل وهو الهدى واليقين وهو بالحقيقة رب العالمين. وأشهد بأن السيد سلمان خلق الخمسة الأيتام الكرام, فأولهم اليتيم الأكبر والكوكب الأزهر والمسك الأذفر والياقوت الأحمر والزمرد الأخضر المقداد بن أسود الكندي وأبو الذرّ الغفاري وعبد الله بن رواحة الأنصاري وعثمان بن مظعون النجاشي وقنبر بن كادان الدوسي هم عبيد مولانا أمير المؤمنين لذكره الجلال والتعظيم, وهم خلقوا هذا العالم من مشارق الشمس إلى مغربها وقبلتها وشمالها وبرها وبحرها وسهلها وجبلها ما حاطت الخضراء وحوت الغبراء من جابلقا إلى جابرصا إلى مراصد الأحقاف إلى جبل قاف إلى ما حاطت به قبة الفلك الدوّار إلى مدينة السيّد محمد السامرة التي اجتمع فيها المؤمنون واتفقوا(52/19)
على رأس السيد أبي عبد الله ولا يشكون ولا يشركون ولا في سر علي بن أبي طالب يبيحون ولا يخرقون له حجاباً ولا يدخلون إليه من باب اجعل المؤمنين مؤمنين ومطمأنين ومؤيّدين مجبورين على أعدائهم وأعدائنا منصورين, واجعلنا بجعلتهم مؤمنين مؤمنين ومطمأنين مستورين مجبورين, على أعدائهم وأعدائنا منصورين بسر الفتح ومن فتح الفتح ومن كل الفتح على يده اليمين بسر سيدنا محمد وفاطم (أي فاطمة) والحسن والحسين ومحسن سر الخفي وأشخاص الصلاة وعدّة العارفين علينا من ذكرهم السلام صلوات الله عليهم أجمعين". [عن الباكورة السليمانية ص18, 19].
ومن كتيب صغير محفوظ في باريس تحت رقم (6182) يضم مئة سؤال وسؤال مع أجوبتها تتضمن عقيدتهم نورد نصوصاً منه:
من الذي خلقنا؟ الجواب: علي بن أبي طالب أمير المؤمنين.
من أين تعلم أن عليّاً إله؟ مما قاله هو عن نفسه في خطبة البيان "أنا سر الأسرار أنا شجرة الأنوار, أنا دليل السماوات, أنا أنيس المستجاب, أنا سائق الدعوة, أنا شاهد العهد أنا زاجر القواصف, أنا محرك العواطف, أنا فوق السحاب ... إلخ".
من الذي دعانا إلى معرفة ربنا؟ محمد، كما قال في خطبته إنه أي علي ربي وربكم.
إذا كان عليّاً الرب فكيف تجانس مع المتجانسين؟ إنه لم يتجانس بل احتجب في محمد في دور تحوله واتخذ اسم علي.
ما المعنى وما الاسم وما الباب؟ هؤلاء الثلاثة لا ينفصلون كما في قولنا بسم الله الرحمن الرحيم؛ فالله هو المعنى، والرحمن هو الاسم، والرحيم هو الباب.
ما اسم مولانا أمير المؤمنين في مختلف اللغات؟ سماه العرب عليّاً، وسمى نفسه هو أرسطوطاليس، وفي الإنجيل اسمه إيليا أي إلياس وسماه الهنود كنكره.(52/20)
لماذا تسمى مولانا باسم أمير النحل؟ لأن المسلمين ويقصد النصريين مثل النحل ولذا سمي أمير النحل.…ما أسماء المراتب السبع؟ المرتبة الأولى وتحوي أربعمائة باب منها الأنوار والسحاب والشموس, المرتبة الثانية الأيتام الخمسة, والثالثة النقباء وعددهم ستمائة نقيب, والرابعة النجباء وعددهم سبعمائة, والخامسة المختصين وعددهم ثمانمائة والسادسة المخلصين وعددهم تسعمائة والسابعة المحسبين وعددهم ألف ومائة.
ما اسم الخمر المقدس؟ عبد النور لأن النور ظهر فيها.
ما معنى الكلمة الظاهرة والباطنة؟ الكلمة الظاهرة قدرة مولانا والباطنة هي ألوهيته.
وهناك نص آخر أورده ابن الفضل العمري في كتاب "التعريف بالمصطلح الشريف" نقله عنه القلقشندي في "صبح الأعشى" (ج13 ص250) وهو كما يلي: "إنني وحق العلي الأعلى وما اعتقده في المظن الأسنى وحق النور وما نشأ منه والسحاب وساكنه وإلا برئت من مولاي علي العلي العظيم وولائي له ومظاهر الحق وكشفت حجاب سليمان من غير إذن وبرئت من دعوة الحجة نصير, وخضت مع الخائضين في لعنة ابن ملجم ...
... وكفرت بالخطاب – يعني دين النصيرية – وأذعت السر المصون وأنكرت دعوى أهل التحقيق وإلا قلعت أصل شجرة العنب من الأرض بيدي حتى أجتث أصولها وأمنع سبيلها وكنت مع قابيل على هابيل ومع النمرود على إبراهيم وهكذا مع كل فرعون قام على صاحبه إلى أن ألقى العلي العظيم وهو علي ساخط وأبرأ من قول قنبر وأقول إنه بالنار ما تطهر".
ويعلق الدكتور الشكعة على هذه النصوص فيقول (ص296):(52/21)
قد تستبد الحيرة بالمسلم وهو يقرأ هذه الصفحات التي سطرت عن العقيدة المنسوبة للعلويين ولقد هممت أن أنكر هذه المعلومات جملة وتفصيلاً, وأوشكت أن أفعل ذلك حتى ولو كان الأمر متعلقاً بعدد قليل من العلويين, ولقد أسهم في تزكية إنكاري هذا أن مصدر أكثر هذه المعلومات التي ذكرت مأخوذة من كتاب "الباكورة السليمانية في كشف أسرار الديانة العلوية" لمؤلفه سليمان الأدني (نسبة إلى أدنه) نشأ علوياً ثم تحول عن العلوية إلى اليهودية, ثم ما لبث أن تحول إلى البروتستانتية, ثم حلا له أخيراً أن يتحول إلى راهب كاثوليكي. [تاريخ العلويين ص393].
الواقع أن هذا التحول في حد ذاته يحمل معنى التقلب والتحدي الذي يجعل المرء يتردد في اعتماد ذلك الكتاب كمصدر يعتمد عليه, خاصة وأن الرأي العلوي في سليمان هذا أنه كان سكيراً عربيداً, الأمر الذي أدى إلى طرده من الجامعة العلوية. أما الرجل من ناحية وجهة نظره فيذكر أنه لم يستطع أن يتقبل عقائد القوم وغلوهم الشديد المقرون بالجهل, الأمر الذي زعزع عقيدته أو بالأحرى جعله وقد وجد نفسه بغير عقيدة, ومن ثم أخذ يبحث عن دين, وينتقل من عقيدة إلى أخرى بين الإسلام واليهودية والمسيحية, بل تأرجح بين فرقتين من الفرق المسيحية نفسها.
إن صاحب "الباكورة السليمانية" ربما كان معذوراً من الناحية الشكلية في تخبطه بين الديانات, شأن غيره من العلويين الذين افتقدوا التوجيه الديني الرشيد فتحولوا كلية عن الإسلام, وإن الشيخ الجليل عبد الرحمن الخير, وهو ممن نجلهم من إخواننا العلويين ديناً وعلماً وحسن إسلام يقول في هذا المقام:(52/22)
"إن المخلصين من رجالات العلويين الأفذاذ ظلوا يجالدون سياسة الاستعمار الغاشمة التي كانت ترمي بين ما ترمي إليه تنصير جهلائهم, ومن البداهة أن الاستعمار لا يقدم على تنصير مسلم إلا إذا كان بين هذا المسلم وبين الإسلام شأن بعيد, مسافته جهل وغفلة, ولقد كان عدد كبير من مشايخ العلويين – ناهيك عن عوامهم - غارقين في تيارات الغلو, سالكين متاهات الجهل بحقائق العقيدة, هذا فضلاً عن كثرة عددهم الذي كان يناهز عدد العوام". [عن تاريخ العلويين ص477].
نقول: إننا أوشكنا أن نرفض كل ما جاء في كتاب "الباكورة" سالف الذكر – وما جاء فيه مفزع خطير - لولا أننا رأينا اتفاقاً ومطابقة في الكثير من الذي أورده مع آراء محمد بن الحسن العاني الخديجي المشهور باسم المنتجب العاني المتوفى حوالي سنة 400 هـ. والمنتجب العاني واحد من أعلام المذهب العلوي وشعرائه.
إن كلا من المنتجب العاني وسليمان الأدني يذكر "أيتام سلمان الخمسة, ويعدد أسماءهم, وهم المقداد الكندي, وأبو ذر الغفاري, وعبد الله بن رواحة الأنصاري, وعثمان بن مظعون, وقنبر بن كادان, وذكرهم مقرون بالتمجيد والإجلال عند كل من المصدرين. [انظر "الباكورة السليمانية" ص18, 19 و"المنتجب العاني" ص111, 112].
وكل من المنتجب العاني وسليمان الأدني يتفقان في ذكر الآراء الشديدة الغلو حول ما أسمياه "ظهورات الإله في المظاهر التي اصطفاها" "فهابيل وشيت ويوسف ويوسف ويوشع وآصف وشمعون وعليّ كلهم ظهورات تتجلى فيهم ذاتية الله حيناً وتغيب حيناً آخر عن الأبصار". ["المنتجب العاني" ص89, و"الباكورة السليمانية" ص47].(52/23)
ويتفق كل من المنتجب وسليمان في تأليه علي بن أبي طالب وظهوره من عين الشمس على أسد, وسيفه بيده, والملائكة خلفه, وسلمان بين يديه, المنتجب يذكر ذلك في قصيدة أطلق عليها جذوة التوحيد, وصاحب الباكورة يذكر ذلك في سورة الشهادة أو الجبل. الحق أنني لا ألوم بعض "المشايخ" فضلاً عن العوام إذا ما قورن موقفهم بموقف عالم كبير كالمنتجب العاني.
وكل من سليمان الأدني والمنتجب يتفق في مثلث ع. م. س, أن هذا المثلث: علي. محمد. سلمان – يكاد يطفو على كل صفحات باكورة الأدني, وهو في نفس الوقت، يجري على لسان المنتجب في أكثر من قصيدة, إن قصيدة المنتجب التي أسماها "كأس الوفاء" ينثرها ويعلق عليها مؤلف المنتجب على هذا النحو قائلاً: "والحق ما دعا إليه محمد بن عبد الله في رسالة الإسلام, فالميم ويعني به محمداً هو استمرار الحقيقة الثانية في الأزل وبه يستجير, ويعني به سلمان الذي جعله محمد من آل البيت هو استمرار الحقيقة المحمدية كما فاض نور الحقيقة المحمدية الأحدية الجليلة التي لا تقاس ولا نسب لها...".
وتظهر مغالاته – أي مغالاة المنتجب - من جهة مقالته بإفراز عليّ بإمارة المؤمنين, ولعله كان يرى في علي المظهر الإنساني للذات الإلهية مما يجعل القارئ يتصور أن الهدف من قول المنتجب هو عقد ع م س صريحاً كل الصراحة. [المنتجب العاني ص89, والباكورة السليمانية ص27].
ويتفق كل من المنتجب والأدني في هجاء الصحابة البررة والتطاول على أم المؤمنين السيدة عائشة, وسوف نعف عن ذكر نصوص التطاول على أم المؤمنين إجلالاً لمقامها الشريف, ونضرب صفحاً عما وصف به الصحابة الكرام إكراماً لمقامهم, وإنما يستطيع القارئ أن يراجع النصوص في مصادرها إذا أراد".["المنتجب العاني" ص193, 194 و"الباكورة السليمانية" ص44].(52/24)
ويتفق سلمان الأدني مع المكرون السنجاري في ذكر أشخاص الصلاة, وأعترف أنني حتى الآن ما فهمت أن هناك أشخاصاً للصلاة وأشخاصاً للصوم وأشخاصاً للحج .["المكزون التجاري" 2/270 و"الباكورة السليمانية" سورة الفتح ص18, 19.].
الحق أن المنتجب شاعر بارع متمكن موهوب, أما أن يكون المنتجب نفسه ذا صلة وثيقة بالديانين فهذا أمر يكون الرجوع عنه بكثير من اليسر في ضوء النماذج السابقة التي أوردناها كأمثلة على تفكيره وعقيدته, خاصة إذا كان هذا الفكر يلصق بالعلويين ويستهدف استكناه ما يرويه البعض حول عقيدتهم.
إن أولى قصائد ديوان المنتجب على الرغم من عمده فيها إلى الإلغاز والتخفّي والإغراق في المصطلحات الباطنية والوقوف وراء الرموز لم يستطع أن يكون بمنجاة عن اقتناص القارئ اللبيب لأهدافه ومعانيه. إن أولى قصائده –وكانت مدح المهاجري- مطلعها:
إن كنت لي صاحباً قف لي بهبّود ……وقل لعينيك في إطلالها جودي
بني نمير رضاكم منتهى أملي……وأنتم دون خلق الله مقصودي
أيامكم فهي أيامي وقولكم……قولي ومعبودكم بالسر معبودي
وللحجاب سجودي مع سجودكم……وللعلي العظيم الشأن توحيدي
والباب سلمان منه أصل معرفتي……كما به طاب في الفردوس تخليدي
عن "مستدرك الأعلام" (ص195)، وفي كتاب "الإسلام في مواجهة الباطنية" لأبي الهيثم نشر دار الصحوة؛ نصوص كثيرة مأخوذة عن مخطوطات ينشر بعضها لأول مرة لا تخرج في فحواها عن هذا الخط.
أشهر المؤلفات والمؤلفين في النصيرية: المؤلفون الخمسة الذين أدرجوا في التراث الكتابي للنصيرية في رأي ماسينيبون هم:
أ- المفضل الجعفي (المتوفى 180هـ) يلقب بالعالم وهو معتمد بوصفه راوياً للكتب المنسوبة للإمام جعفر الصادق أشهرها "الصراط" و"العقود" و"الأساس" و"الأشباه والأظلة" وهي مخطوطات باريس.
ب- يونس أو يوسف بن ظبيان الكوفي له "حقائق أسرار الدين".
ج- محمد بن سنان الظاهري (متوفى 225هـ) له "الأنوار والحجب".(52/25)
د- جعفر بن محمد بن المفضل الجعفي. له "آداب عبد المطلب".
هـ- أبو شعيب محمد بن نصير النميري البصري (متوفى 270هـ) له "الأمثال والصور"، مخطوط باريس.
و- محمد بن حبان الجنبلاني (المتوفى 287هـ) له "الإيضاح في سبيل النجاح".
أما مؤلفو النصيرية الأقدمون فهم:
1-…الخصيبي: (أبو عبد الله الحسين بن حمدان) ويلقب بالشيخ يبراق توفي في حلب 357هـ له "الهداية الكبرى". أهداه لسيف الدولة، و"كتاب المائدة والمجموع". وكتاب "أسماء النبي وأسماء الأئمة" وكتاب "الإخوان".
2-…والحلي محمد بن أحمد وله رسالة في "باطن الصلاة" و"شرح المجموع" و"الفتن" و"الرتق" وغيرها.
3-…والقطيعي أبو الفتح محمد بن حسن البغدادي له "الرسالة الاسمية".
4-…والجسري علي بن عيسى له كتاب "الأوحد".
5-…وأبو ذهبية إسماعيل بن خلاد: من بعلبك وهو من الإسحاقية: له كتاب "الفصح والبحث".
6-…والشيخ الطبراني أبو سعيد ميمون بن قاسم: له "مجموع الأعياد" و"الحاوي" و"الدلائل" و"الرد على المرتد" وغيرها.
7-…أبو يعقوب إسحاق النخعي الملقب بالأحمر ألف كتاباً في التوحيد أسماه "الصراط" ملأه خرافات وتدجيلاً.
وأما مؤلفو النصيرية الحديثون، فمنهم:
الكركي علي بن الحسين له "السر الخفي" و"الإفادة في إيضاح الشهادة".
ومحمد بن يونس كلازوجراني من أنطاكية له "التأييد" و"الجدول الوراني" و"الباطن".
والشيخ إبراهيم مرهج, والشيخ حسين الأحمد همين تلميذ المرهج له "اليمنية" و"الزبدة" و"الابتهالات" و"المنهل المورود" و"غنيمة السفر". والشيخ علي ماخوس له "الوراثة".
ومحمد أمين غالب الطويل الأدني متوفى 1922 في اللاذقية وله "تاريخ العلويين".(52/26)
وسليمان الأدني من أدنة كان نصيرياً ثم تنصّر بتأثير المبشرين الأمريكان, جاء اللاذقية وألف فيها "الباكورة السليمانية" وطبعه المبشرون غير أنه سحب من السوق بسرعة ثم تظاهر أهله بالتسامح معه ودعوه للعودة إليهم ولما وصل إليهم حرقوه حيّاً لكشفه أسرارهم. كما ورد في "دائرة معارف القرن العشرين" لفريد وجدي.
تشكيلاتهم الدينية: يعتقدون أن الأجزاء الثلاثة (الاسم، والمعنى، والباب) لم تنته بعد انتهاء الرسالة بل بقيت متجسدة في أشخاص ثلاثة فظهر المعنى بصورة الإمام، والاسم بولي عهد الإمام, الذي سيحل محله بعد وفاته, والباب هو الذي يقف بجانب الإمام يدعو له ويجمع الناس حوله ويبلغهم تعاليم الإمام.
فعلي بن أبي طالب بابه سلمان الفارسي ولقبه زوربة, والحسن بن علي بابه قيس بن ورقة ولقبه سفينة, والحسين بن علي باب رشيد الهجري. وعلي بن الحسين بابه عبد الله بن أبي غالب الكابلي (كنكر). ومحمد الباقر وبابه يحيى بن معمر بن أم الطويل الثومالي. وجعفر الصادق بابه جابر بن بريد الجعفي. موسى الكاظم وبابه محمد بن أبي زينب الكاهلي. وعلي الرضا بابه المفضل بن عمر. محمد الجواد بابه محمد بن المفضل بن عمر. وعلي الهادي بابه عمر بن الفرات الملقب بالكاتب. الحسن العسكري بابه محمد بن نصير البصري النميري مؤسس المذهب النصيري أما محمد الحجة المهدي المنتظر فقد اختفى في زعمهم عام 265هـ.
رجال الدين عندهم أربع عشرة مرتبة فيقسمون إلى قسمين:
الأول: خمسة عشر ألف شخص يتكون منهم العالم العلوي النوراني الكبير وهم السماوات السبع وهم: الكواكب التي تقع خارج درب التبانة وهم سبعة: الأبواب والأيتام والنقباء والنجباء والمختصون والمخلصون والممتحنون.(52/27)
والقسم الثاني: منهم تسعة عشر ألف شخص يتكون منهم, العالم النوراني الصغير هم: الأرضون السبع مجموعة كنجوم في درب التبانة, تتخلص أرواحهم من الهياكل البشرية وتتطهر من الأدناس بالتناسخ, ثم تلبس الهياكل النورانية وتلتحق بالنجوم السمتوية وتذهب إلى الجنة أما مراتبهم فسبعة كذلك هي: المقربون، الكرويون، الروحانيون، المقدسيون، التابعون، المستمعون، اللاحقون.
أعيادهم: أما أعيادهم فهي خليط من أعياد الديانات المختلفة كالنصرانية والهندوكية وغيرها وهي:
أ- عيد الغدير في 18 ذي الحجة وهو عيد الشيعة عامة, وسر تقديسه في اعتقادهم أن النبي الكريم آخى في حجة الوداع بين الصحابة ولم يؤاخ بين علي وأحد منهم فرأى الرسول في علي انكساراً لخاطره فضمه إلى صدره وقال له: ((أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي)) والتفت الصحابة وقال لهم: ((من كنت مولاه فعلي مولاه)).
وبيعة الغدير عند النصيرية هي ذكرة استخلاف النبي صلى الله عليه وسلم لعلي وفيها كمال الدين الذي عنته الآية الكريمة (اليوم أكملت لكم دينكم). وفي صبيحة هذا اليوم يصلون صلاة العيد ركعتين قبل الزوال ويلبسون الجديد ويذبحون الأغنام ويلحقون الأجانب بالأهل في الإكرام كما روي في صبح الأعشي.
ب- عيد الفطر: ويسمى عيد الفطاير يحتفلون به في 6 كانون الثاني يناير بعد انتهاء الصوم الخاص بهم (عن الدسم).
ج- عيد الأضحى: يحتفلون به في الثاني عشر من ذي الحجة أي بعد احتفال المسلمين بيومين, كما يحتفلون ليلة العاشر من ذي الحجة باعتبارها الليلة التي ولد فيها سيدنا علي بن أبي طالب.
د- عيد الفراش: وهي ذكرى جلوس سيدنا علي في فراش ابن عمه رسول الله ليلة الهجرة (رأس السنة الهجرية).
هـ- عيد عاشوراء: في العاشر من محرم وهي ذكرى مصرع الحسين في كربلاء، وهو عيد عند سائر الشيعة غير أنهم يعتقدون أن الحسين لم يمت بل اختفى كعيسى بن مريم.(52/28)
و- عيد الغدير الثاني: في التاسع من ربيع الأول وهي ذكرى ضم الرسوم للحسن والحسين في ردائه. وهو يوم المباهلة حيث اجتمع الرسول الكريم بوفد نصارى نجران وضم إليه أهله وقال (تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم) والآية من آل عمران.
ز- عيد النيروز: أو العيد الجديد يحتفلون به في أول الربيع وهو عيد فارسي الأصل مدته ستة أيام. والظاهر أن بعض المسلمين قد تأثروا به في بعض الأقطار فشاركوا بالاحتفال به حتى منع في عهد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه.
ح- عيد المهرجان: في 16 تشرين الأول أكتوبر ويصادف أول الخريف. وهو عيد فارسي كذلك.
ط- عيد رأس السنة الميلادية: وهو عيد النصارى ويسمونه عيد (القوزلّة) يجتمعون فيه وهم سكارى ويطفئون الأنوار. كما يحتفلون بعيد البربارة وعيد الميلاد النصرانيين.
ي- عيد الصليب: يحتفل فيه النصيريون ويجعلونه بداية معاملاتهم كدفع الأجور وبدء الزراعة وقطف الثمار، ثم يتجهون إلى المعارض المقامة في الأديرة لشراء لوازمهم كمعرض دير الحميراء في تكعاغ ويعرض دير مار إلياس في صافينا كما يروي مصطفى الشكعة في "الإسلام بلا مذاهب.
ك- عيد ليلة النصف من شعبان: ويعتقدون أن التجلي الأعظم سيكون فيها.
طوائف النصيريين وعشائرهم:
أ-الحيدرية : نسبة إلى حيدر وهو لقب سيدنا علي رضي الله عنه.
ب-الشمالية: أو الشمسية, وهم الذين يقولون إن عليّاً في السماء يسكن الشمس وإن الشمس هي محمد.
ج- الكلازية: أو القمرية: يعتقدون أن عليّاً يقيم في القمر ويعتقدون أن الإنسان إذا شرب الخمر الصافية يقترب من القمر وينتسبون إلى الشيخ محمد بن كلازي.
د- الغيبية: يقولون إن الله تجلى ثم غاب والزمان الحالي هو زمان العودة. وهم يجردون الله من صفاته مثل الإسماعيلية.(52/29)
أما من ناحية أصولهم القبلية: فيعتبر اليعقوبي أن أصل النصيريين المتواجدين في جبال النصيرية (جبل السمان سابقاً) تنحدر من القبائل اليمنية همدان وكندة ويزيد الهمذاني قبائل غسان وبهرا وتنوخ، وهم ممن اعتنق المذهب الشيعي في وقت مبكر, فلقد هاجرت غسان إثر الحروب الصليبية مع أميرهم الحسن بن مكزون وهو جد الحدادين, وفرضوا سيطرتهم على جبل سنجار.
كما ورد في "تاريخ العلويين" للطويل أنهم إلى أربعة أقسام:
1.…الكلبية في قرداحة ومعهم عدة عشائر منها الرشاونة والرسالنة والنواجرة والجلقية والقراطلة.
2.…الخياطين في المرقب ومعهم عشائر أخرى. نسبة للشيخ علي الخياط. وتشمل: البساترة والخزرجية والسوارخة والعبدية والبغدادية.
3.…الحدادين ومعهم المهالبة وغيرهم في سنجار. والحدادين نسبة إلى المعلم محمد الحداد بن الأمير ممدوح السنجاري بن أخ الأمير محمد المكزون وهم أصل عشائر بني علي والمتاورة والمهالبة والدراوسة.
4.…المتاورة (أو المتاولة) والنيلاتية قرب حلب والمتاورة نسبة إلى متوار أول موطن نزل به المكزون.
ومن العشائر التي تنسب إلى أمكنة إقامتها: الرشاونة نسبة إلى قرية الرشية في جبل الشعراء, والجردية نسبة لجرود الجبال التي سكنوها, والفقاورة نسبة إلى قرية فقرو في جنوبي مصياف, والدراوسة نسبة إلى جبل دريوس وقد سبق القول أنهم من الحدادين.
ومن العشائر التي نسبت إلى صفة عرفت بها أو إلى شخص تولى زعامتها: عشيرة الغيبية أي الذين رضوا بما كتب عليهم في الغيب وانقادوا للمقادير, وجماعة الجرانة لأنه حفروا أجراناً في الصخور حيث كانوا يدخرون الماء الذي يشربونه أيام انقطاعهم للدعاء, ثم يتغلب اسم الكلازية على الجرانة نسبة إلى الشيخ محمد بن يونس كلازو, من قرية كلازو التابعة لأنطاكية.(52/30)
وبنفس الطريقة يتغلب اسم الحيدرية أو المواخسة نسبة إلى الشيخ على الماخوس الذي انشق على الكلازية واتبع الحيدرية فسمي الذين اتبعوه الماخوسية, وهي اسم قرية في جهات اللاذقية. [عن "تاريخ العلويين" 373/474].
ومن أكبر العشائر العلوية عشيرة الكلبية, وهم يسكنون قلب جبال العلويين في عديد من قراه, وهي تضم الرشاونة والرسالنة والنواصرة والجلقية والقراطلة.
وواقع الأمر أن قضية العشائر العلوية قضية معقدة, لأنها لا تخضع للنظام العشائري المعروف من حيث الانتماء العرقي, وإنما هي مجموعات من القوم ارتبطت برباط الإقامة أو المصحلة المشتركة او العقيدة أو الوشيجة الصوفية أو الحلف ضد الأخطار.
فإذا أخذنا مثلاً عشيرة الدراوسة وجدنا نسبتهم إلى جبل دريوس حسبما مرّ بنا قبل قليل, ولكنهم في نفس الوقت يمثلون فروعاً من الحدادية – وقد ذكر ذلك.
والمهالبة وبني علي وفرعاً من القراطلة, وهؤلاء الأخيرون من الأتراك وليسوا عرباً على عكس المهالبة وبني علي, ويمكن القياس على ذلك في تكوين أكثر العشائر توزيعهم في البلاد الإسلامية كما ورد في دائرة المعارف الإسلامية.
يستوطن في جبل العلويين (النصيرية) (213000) نسمة حسب إحصاء عام 1956.
وفي لواء اسكندرون بتركيا (58000) نسمة. ومنهم فيلسوف القومية العربية (زكي الارسوزي).
وفي محافظة حماة وحمص وبعض أحياء حلب وريف جسر الشغور وشمالي بحيرة الحولة (3060) نسمة (بانياس الفلسطينية وعين فيت).
وفي فلسطين شمالي نابلس (2000) نسمة.
وفي قيلقية أو كيلكيا وطرسوس في تركيا (8000) نسمة. ويعرفون باسم التختجية والحطابون ويطلق عليهم في شرق الأناضول اسم القزل باشيه.
وفي كردستان من إيران قبائل تتشابه عقائدهم مع النصيريين ويسمون بالنصيريين, أو (العلي الهية) كذلك.
وفي ألبانيا باسم البكتاشية.
الأقليات وإحصاؤها في سوريا حسب إحصاء عام 1949م
الطوائف…اللاذقية…حماة…حمص…السويداء
السنيون…92131…161932…225774…2000(52/31)
النصيريون…281798…62530…57572…
الإسماعيليون…5200…33557…238…
الأرثوذوكس…45015…28282…72495…
الكاثوليك…1502…1059…12442…
بروتستانت…32806…860…2642…
طوائف أخرى…8675…1353…7149…
الدروز…-…-…-…18500
وأما بقية المحافظات فغالبية السكان الساحقة مسلمون سنيون.
فتوى شيخ الإسلام "ابن تيمية"
هؤلاء القوم الموصوفون المسمون بالنصيرية هم وسائر أصناف القرامطة الباطنية: أكفر من اليهود والنصارى بل وأكفر من كثير من المشركين, وضررهم على أمة محمد صلى الله عليه وسلم أعظم من ضرر الكفار المحاربين, مثل كفار الترك والإفرنج وغيرهم.
فإن هؤلاء يتظاهرون عند جهال المسلمين بالتشيع وموالاة أهل البيت, وهم في الحقيقة لا يؤمنون بالله ولا برسوله ولا بكتابه, ولا بأمر ولا بنهي ولا بثواب ولا عقاب ولا جنة ولا نار ولا بأحد من المرسلين قبل محمد ولا بملة من الملل السالفة, بل يأخذون كلام الله ورسوله المعروف عند المسلمين ويتأولونه على أمور يقرونها ويدعون أنها علم الباطن من جنس ما ذكر السائل.
ومن غير هذا الجنس فإنهم ليس لهم حد محدود فيما يدعونه من الإلحاد في أسماء الله تعالى وآياته, وتحريف كلام الله ورسوله عن مواضعه إذ مقصودهم إنكار الإيمان وشرائع الإسلام بكل طريق, مع التظاهر بأن هذه الأمور حقائق يعرفونها هي من ما ذكر السائل.(52/32)
ومن جنس قولهم أن الصلوات الخمس معرفة أسرارهم والصيام المفروض كتمان أسرارهم وحج البيت العتيق زيارة شيوخهم, وأن يدي أبي لهب هما أبو بكر وعمر وأن النبي العظيم والإمام المبين هو علي بن أبي طالب. ولهم في معاداة الإسلام وأهله وقائع مشهورة وكتب مصنفة, فإذا كانت لهم مكنة (استطاعة) سفكوا دماء المسلمين كما قتلوا مرة الحجاج وألقوهم في زمزم وأخذوا مرة الحجر الأسود, وبقي معهم مدة وقتلوا من علماء المسلمين ومشايخهم وأمرائهم من لا يحصي عددهم إلا الله تعالى وصنفوا كتباً كثيرة فيها, وصنف علماء المسلمين كتباً في كشف أسرارهم وهتك أستارهم وبينوا ما هم عليه من الكفر والزندقة, وبالإلحاد الذي هم فيه أكفر من اليهود والنصارى ومن براهمة الهند الذين يعبدون الأصنام.
ويقول: إن التتار إنما دخلوا بلاد المسلمين وقتلوا خليفة بغداد وغيره من ملوك المسلمين بمساعدتهم ومؤازرتهم. فإن منجم هولاكو سلطان التتار والذي كان وزيره هو النصيري الطوسي بآلاموت وهو الذي أمر بقتل الخليفة وبولاية هؤلاء.(52/33)
ويقول: وهم إذا كانوا في بلاد الإسلام التي يكثر فيها أهل الإيمان قد يخفون على من لا يعرفهم, وقد اتفق علماء الإسلام على أن مثل هؤلاء لا تجوز مناكحتهم ولا يجوز أن ينكح الرجل مولاته منهم ولا أن يتزوج منهم امرأة, ولا تباح ذبائحهم ولا يجوز دفنهم في مقابر المسلمين ولا يصلي على من مات منهم أبداً, فإن الله نهى نبيه عن الصلاة على المنافقين كعبد الله بن أبي ونحوه ممن يتظاهرون بالصلاة والزكاة والصيام والجهاد مع المسلمين. ولا يظهرون مقالات تخالف دين المسلمين فقال تعالى: (ولا تصل على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره) فكيف هؤلاء الذين هم مع الزندقة والنفاق ويظهرون الكفر والإلحاد. ويقول: وأما استخدام هؤلاء في ثغر من ثغور المسلمين أو حصونهم وجندهم فهو من الكبائر بمنزلة من استخدم الذئاب في رعي الغنم, فإنهم من أغش الناس للمسلمين ولولاة أمرهم ومن أحرص الناس على إفساد الملة والدولة, فالواجب على ولاة الأمور قطعهم من الدواوين المقاتلة لا يغزو ولا يغيره ولا يجوز لهم تأخير هذا الواجب مع القدر عليه. [عن فتاوى ابن تيمية].
رأي من عرف عقائدهم من النصارى
[رأي الدكتور فيليب حتّى فيهم والوارد في كتاب "تاريخ سورية ولبنان وفلسطين" (ص220-221 الجزء الثاني].
يقول: إن مذهبهم مذهب سري الطابع كهنوتي النظام باطني التعليم.
وعن عقائدهم يقول: إن النصيرية شأن غلاة الشيعة يؤلهون عليّاً وهو فيما يرون آخر مراحل التجسد الإلهي وأهمها, ويتمثل مذهب هذه الملة في آراء شيعية متطرفة ثابتة من أصل وثني, أو هو بتعبير آخر رواسب من ملل سورية وثنية مغلفة بغلاف من التعليم الشيعي المنحرف.
ويقول: ويسمى النصيريون أحياناً بالعلويين وقد اشتهروا بهذا الاسم عندما حول الفرنسيون هذه المنطقة إلى دويلة منفصلة سموها دولة العلويين عام 1920.(52/34)
ويقول لامانس: إن النصيريين يشكلون فرقة غالية تذكرنا بأخلاق المجوس حيث يبيحون إشاعة البنات والأخوات والأمهات. لا يصلون ولا يتطهرون ولا يصومون, وإذا ألزموا ببناء المساجد فإنهم لا يدخلونها ولا يعمرونها وربما أوت إلى المسجد مواشيهم ودوابهم, وربما وصل إليهم الغريب فينزل في المسجد ويؤذن للصلاة فتقول له: لا تنهق علفك يأتيك. ["تحفة النظار ابن بطوطة" و"خطط الشام" [ج3 ص107-109].……ويقول نولدكه في كتابه "جوتينكان" (ص29): وأدى بهم التأويل إلى نسيج سقيم من الأكاذيب والجهالات.
وفي المرجع السابق (صفحة 152) يقول لامانس بعد زيارته للشيخ الأعلى للنصيرية الحيدرية: ومما جعلني أشك في النظام الديني للنصيرية أن كثيراً من طقوسهم وعباداتهم مبني على تشويه الآيات القرآنية ومسخها.
وفي المصدر السابق (صفحة 122) يقول أيفاتو: لقد انتهى التأويل الباطني بالأحكام الشرعية إلى أن تتحول إلى حطام من السخف الذي لا ينطوي على معنى إذا صار كل حكم من أحكام الشرع يمثل رمزاً أو تجسيداً لذات من الأشخاص. [راجع "الباكورة السليمانية" ص37].
عن سالسبري يقول كولد زيهير في كتابه "العقيدة والشريعة في الإسلام" (ص338) ما يلي: وهكذا أصبحنا لا نستطيع أن نتبين في مذهبهم قواعد الإسلام وأركانه وانتهى الأمر حقيقة إلى طمس معالم الإسلام وانحلال عقائده انحلالاً تامّاً.
رأي الشيعة الاثنى عشرية بالنصيرية
ولو رجعنا إلى المصادر الشيعية الاثنى عشرية وتتبعنا رأيها في ادعاءات واعتقادات ابن نصير لوجدنا إجماعاً على بطلان هذه الادعاءات والاعتقادات, وهذا سعد بن عبد الله القمي المتوفى عام 301هـ يقول:(52/35)
"وقد شذت فرقة من القائلين بإمامة علي بن محمد في حياته, فقالت بنبوة رجل يقال له محمد بن نصير النميري كان يدعي أنه نبي رسول, وأن علي بن محمد العسكري أرسله, وكان يقول بالتناسخ, ويغلو في أبي الحسن (علي بن أبي طالب) ويقول فيه بالربوبية, ويقول بالإباحة للمحارم, ويحلل نكاح الرجال بعضهم بعضاً في أدبارهم, ويزعم أن ذلك من التواضع والتذلل في المفعول به, وأنه من الفاعل والمفعول به إحدى الشهوات والطيبات, وأن الله لم يحرم شيئاً من ذلك, وكان محمد بن موسى بن الحسن بن الفرات( ) يقوي أسبابه ويعضده. أخبرني بذلك عن محمد بن نصير أبو زكريا يحيى بن عبد الرحمن بن خاقان أنه رآه عياناً وغلام له على ظهره, قال فلقيته فعاتبته بذلك, فقال: إن هذا من اللذات وهو من التواضع لله وترك التجبر"( ).
وهذا الرأي نجده أيضاً في كتاب "فرق الشيعة" للنوبختي المتوفى عام 310هـ, فيوافق القمي على قوله في ابن نصير( ). ويصف الفقيه الشيعي أبو جعفر الطوسي ابن نصير بالإلحاد والجهل( ).
والحقيقة أن محمد بن نصير لم يكن أول من زعم هذه المعتقدات, فلو تتبعنا تاريخ الغلاة والباطنيين, لوجدنا السبئية – أتباع عبد الله بن سبأ اليهودي - أول من ادعى أن عليّاً إله في الحقيقة, ثم تبعهم في ذلك (بيان) الذي زعم أن جزءاً إلهياً حل في علي, واتحد بجسده وبه كان يعلم الغيب. وجاء بعد البيان أبو الخطاب, والذي يعتبر من الأصول التي اعتمد عليها بن نصير, فادعى أن الأئمة آلهة, فلما بلغ ذلك جعفر الصادق لعنه وطرده, فادعى الألوهية لنفسه بعد ذلك.
لمحة تاريخية عن نشأة المذهب النصيري ومؤسسيه(52/36)
لقد اتخذ محمد بن نصير مدينة سامراء مقراً له إلى أن هلك 262هـ, وكان محمد بن نصير البصري النميري باباً للإمام الحسن العسكري وبعد وفاة الإمام العسكري ووفاة أو غيبة ابنه محمد – حسب اعتقادهم - استقل ابن نصير بزعامة الطائفة وادّعى لنفسه الخصائص التي كانت للأئمة من أهل البيت فجمع بذلك الباب والإمامة, وبعد وفاة ابن نصير تولى الزعامة من بعده محمد بن جندب, ومن بعده أبو محمد عبد الله بن محمد الجنان الجنبلاوي الفارسي نسبة إلى جنبلان في العراق العجمي وكان عالماً بالفلسفة والنجوم والتصوف وبقية علوم عصره.
وقد أحدث النصيريون طريقة خاصة بهم نسبوها للجنبلاوي سموها الطريقة الجنبلانية وكا الجنبلاوي معاصراً للجنيد بن محمد بن حبيب الخراز البغدادي الصوفي, سافر الجنبلاوي إلى مصر وتعرف فيها بالحسين بن حمدان الخصيبي المصري وضمه إلى طريقته واصطحبه معه إلى جنبلان حيث صاحبه بقية حياته, واستلم رئاسة الطائفة من بعده, ثم رحل الخصيبي إلى بغداد حيث قام بمعظم أعماله الدينية وألف كتاباً أسماه "زست باش" أهداه إلى تلميذه عضد الدولة ابن بويه ويعرف عند النصيريين باسم الرسالة الرستباشية ومعناه الطريق إلى الاستقامة.
وفي بغداد نظم الخصيبي طريقته الجنبلانية ومذهبه النصيري وعين وكلاء عنه لقيادة الطريقة والمذهب, ثم سافر إلى خراسان وبلاد الديلم ومضارب بني ربيعة وتغلب لنشر أفكاره وجمع الأنصار حوله. ثم ازدادت جذور التصوف عمقاً عند المنتجب العاني والمكزون السنجاري وغيرهم من زعماء النصيرية.(52/37)
لقد تمكن البويهيون من التسلط على مركز الخلافة العباسية سنة 334 هـ وكانوا كسائر المواطنين الفرس والديلم يعتنقون المذهب الزيدي إلا أنهم لأسباب سياسية أعلنوا المذهب الشيعي الاثنى عشري مذهباً رسمياً للدولة, وقد رافق هذا الحدث تحول فكري أدى إلى التواصل والتفاعل بين التشيع والاعتزال بلغ غايته في وزارة الصاحب بن عباد الذي ورث الاعتزال من والده, فنتج عن ذلك نشاط علمي قام به صفوة علماء الاثنى عشرية أمثال ابن بابويه القمي والشيخ المفيد والشريف الرضي والمرتضى علم المهدي لتحديد معالم المذهب ورفع الاشتباه بينهم وبين المذاهب المتداخلة معه.
بعد هذا التطور السياسي والفكري اضطرت الجماعات الغالية التي كانت تدعي التشيع زوراً وبهتاناً إلى الانتقال إلى بلاد الشام, علها تبعد عن رقابة فقهاء الإمامية, وخاصة بعد أن فقدت وزيرها ابن الفرات الذي عرف بنزعته الباطنية وبانتمائه للقرامطة, والتي سوغت له ادعاء الوحي والنبوة كما ورد في صفحة (313) من كتاب "الوزراء" للصابي.
دخل الخصيبي دمشق فلم يرتح لها ولم يجد فيها مبتغاه فغادرها بعد أن ذم أهلها في قصائده, واستقر في حلب وألف كتابه "الهداية الكبرى" وقدمه هدية إلى سيف الدولة الحمداني وبقي في حلب حتى توفي 346هـ, ودفن شمالي حلب ولا يزال قبره حتى الآن معروفاً باسم قبر الشيخ يابراق, ويعتقد النصيريون أن الخصيبي هو الإمام العظيم الذي نفخ فيهم روحاً عالية رفعتهم من حضيض الأسر والهوان إلى الاستقلال والحاكمية.(52/38)
كما ورد في كتاب "تاريخ العلويين" (ص195) وفي صفحة (199, 200) يقول: "لقد دأب الخصيبي ووكلاؤه في الدين إرشاد بعض أفراد من بقية الأديان إلى دينهم, وهؤلاء يبقون بصفتهم مسلمين شيعة أو جعفرية، والذين يشاهد فيهم الكفاءة يدخلهم في الطريقة الجنبلانية التي استحال أفرادها في يومنا هذا إلى الشعب العلوي النصيري الذي أصبح يملك سجايا وميزات نبوية تقارب جميع الطوائف العربية والتركية من مسيحية ويهودية. فقد كان للخصيبي وكلاء في العراق والشام وله تلاميذ من الملوك والأمراء من بني بويه وبني حمدان والفاطميين, لذا كانوا يسمونه شيخ الدين".
مما تقدم يتضح أن الخصيبي كان يتظاهر بتشيعه لآل البيت ويكتم نصيريته حتى إذا وثق من أتباعه أدخلهم في الطريقة الجنبلانية ومن ثم ينقلهم إلى دين الطائفة النصيرية.
بعد وفاة الخصيبي نشأ للنصيريين مركزان: أحدهما في بغداد يرأسه السيد علي الجسري ناظر جسور بغداد والذي انقرض بعد حملة هولاكو على بغداد, والثاني: في حلب يرأسه محمد بن علي الجلي الذي استلم رئاسة الطائفة بعد أبي سعيد الميمون سرور بن قاسم الطبراني فنقل مركزه إلى اللاذقية عام 423هـ، وبقي فيها حتى توفي عام 426هـ، وله مقام في مسجد الشعراني باللاذقية معروف باسم قبر الشيخ محمد البطرني أو الطبراني. والجلي نسبة إلى جلية قرب أنطاكية حيث تضم زعيم الفرع الجيلاوي من النصيرية, حتى اليوم.(52/39)
حين انتقل أبو سعيد الميمون إلى اللاذقية كانت جبلة مركزاً للإسحاقية وهي فرقة باطنية غالية تنتسب إلى أبي يعقوب إسحاق النخعي الملقب بالأحمر لأنه كان يستر برصه بصبغة حمراء. ألف كتاباً أسماه "الصراط" وجعل موضوعه التوحيد أكثر فيه من الخلط والزيغ [كما في "تاريخ بغداد" و"تاريخ العلويين" و"البداية والنهاية"]. والذي تولى الزعامة بعده الأعسر ثم اللقيني ثم الحقيني ثم إسماعيل بن خلاد –الملقب بأبي ذهبية لكثرة غناه- ولما نقل أبو ذهبية مركز إقامته إلى اللاذقية خاف منه أبو سعيد الميمون الطبراني, وتصادف قدوم جماعة من عشيرة الهلاليين مهاجرين بزعامة الأمير دياب بن غانم طلباً للكلاً, فنزلوا على ضفة نهر العاصي الغربية فاستعان بهم أبو سعيد الميمون الطبراني لقتل إسماعيل بن خلاد أبو ذهبية زعيم الإسحاقية. فقتلوه عام 245هـ وله قبر في اللاذقية يعرف بقبر الشيخ قرعوش. وبقتله انحلت زعامة الإسحاقية وانفرد ابن ميمون بزعامة الطائفة
وبعد وفاة أبي سعيد الميمون الطبراني تناوب على رئاسة الطائفة عدة مشايخ إلى أن جاء الأمير حسن المكزون السنجاري إلى اللاذقية بناء على طلب الشيخ محمد اليانياسي والشيخ علي الخياط اللذين شرحا له مضايقة الأكراد والأتراك لهم فزحف لجيش قوامه خمسة وعشرون ألفاً وعسكر قرب قلعة أبي قبيس على جبل الكليبة فتنبه الأكراد والأتراك لخطره فتجمعوا في مصياف وأغاروا عليهم فهزموهم فرجع إلى سنجار. وبعد ثلاثين عاماً أغار على جبال النصيريين واتخذ قلعة أبي قبيس مقرّاً هدفياً له وقرية سيانو قرب جبلة يقرأ شفوياً ثم بدأ للتأليف في قواعد المذاهب حتى هلك عام 638هـ، ودفن في كفر سوسة وصار قبره مزاراً للجاهلين.
وفي الأسماء الكبيرة التي تولت رئاسة العلويين أبو الحسن الطرسوسي الصغير المتبتل العابد الزاهد الصائم وأبو الحسن الطرسوسي الكبير.(52/40)
كان أبو سعيد الميمون الذي ولد في طبرية أعظم رجل بعد الخصيبي ألف كتباً عديدة في المذهب وكان مشهوراً بالسباب على الشيخين وأتباعهما, ثم انفرط عقد الطائفة من بعده لعدم وجود من يحل محله في العلم والقيادة, وبقي للطائفة مجلسهم الطائفي الذي يخطط للوصول إلى الحكم, كما وأن لجوءهم إلى الجبال الحصينة في محافظة اللاذقية ليؤكد شعورهم بالعزلة الدينية أولاً بسبب احتقار المسلمين لهم في وقت يعتبرون فيه أنفسهم شعب الله المختار, كما يؤكد عزلتهم عن المجتمع الذي ناصبوه العداء فكانوا مع الغزاة ممن يكيدون له ولوطنه ولعقيدة شعبة.
مواقفهم من القضايا القومية والوطنية
أول هذه المواقف تواطؤهم مع الصليبيين ضد العرب والمسلمين, إذ الثابت كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في رسائله: إن السواحل الشامية إنما استولى عليها الصليبيون من جهتهم ولتأكيد صلتهم بالغزاة, ورد قول محمد كرد علي في "خطط الشام" (ص52):
"دبروا محاولة مزدوجة لقتل البطل صلاح الدين الأيوبي وإنهاء حياته ولو وفقوا لقتلوا أمة بأسرها". ويعترف محمد أمين غالب الطويل بأن مدينة أنطاكية سقطت بعد الصليبيين بفعل الاتفاق والذي وقع بين الزعيم النصيري فيروز وبين قائد الصليبيين بوهموند.
وفي "تحفة النظار" (ص65) ورد ما يلي: "عندما تصدى الملك الظاهر بيبرس لحملات التتار المغول وأفلح في صدّ اجتياحهم الأسود للبلاد العربية كان النصيريون عوناً للتتار ولم يتمكنوا من دخول حلب ودمشق إلا بمؤازرتهم, ولما انتهى الظاهر بيبرس من التتار عام 676هـ في عين جالوت توجه إلى حصون النصيرة فعمل فيها هدماً وتخريباً".(52/41)
يقول ابن تغري بردي: ثم خرج الظاهر من دمشق يوم السبت عاشره وتوجه بطائفة من العسكر بجهة وولده ويبليك الخازندار بطائفة أخرى إلى جهة, وتواعدوا الاجتماع في يوم واحد وبمكان معين ليشنوا الغارة على جبلة واللاذقية والمرقب وعزفة ومرقية والقليعات وصافيتا ومجدل الطرطوس, - ويتم في رحلة ابن جبير - ثم ألزمهم ببناء المساجد وتعميرها علّهم يعودون إلى دين الإسلام, ثم لم يلبثوا أن تركوها خربة لا يدخلونها ولا يعمرونها وربما أدت إليها مواشيهم وربما أدى إليها مستطرق فأذن فيها فيقولون لا تنهق علفك يأتيك. ["النجوم الزاهرة" ج7 ص150].
ثم أعادوا الكرة فحمل عليهم المنصور سيف الدين بن قلاوون حملة شديدة وأمرهم بتشييد المساجد والإنفاق عليها. وورد في "البداية والنهاية" للحافظ ابن كثير الجزء الرابع الصفحة (53) ما يلي:
"وفي مطلع القرن الثامن للهجرة عام 707هـ خرجت النصيرية عن الطاعة وقام بينهم رجل اسمه محمد بن الحسن المهدي القائم بأمر الله, فكان تارة يدعي أنه علي بن أبي طالب وتارة يدعي أنه محمد بن عبد الله صاحب البلاد, تزعم شن حملة من التكفير على المسلمين فتبعه الكثيرون من النصيرية، ثم هاجموا المسلمين في مدينة جبلة فقتلوا الكثيرين من أهلها وهم يصيحون لا إله إلا علي ولا حجاب إلا محمد ولا باب إلا سلمان, وأمر أصحابه بتخريب المساجد واتخاذها خمارات وسبوا الشيخين وكانوا يقولون لمن أسروه من المسلمين: قل لا إله إلا علي واسجد لإلهك المهدي الذي يحيي ويميت حتى يحقن دمك".(52/42)
ويقول صاحب كتاب "تاريخ العلويين" ص328 وهو نصيري لاذقاني: "ثم سافر تيمور إلى الشام وهو كمصيبة سماوية وقبل سفره جاءت هذه العلوية – درة الصدف - بنت سعد الأنصار ومعها أربعون بنتاً بكراً من النصيريين وهي تنوح وتبكي وتطلب الانتقام لأهل البيت, وسعد الأنصار هذا هو من رجال الملك الظاهر, فوعدها تيمور بأخذ الثأر ومشت معه إلى الشام والبنات النصيريات معها تنوح وتبكي وينشدن الأناشيد المتضمنة للتحريض والأخذ بالثأر, فكان ذلك سيجيء للشام بمصائب لم يسمع بمثلها. ويقول: ولم ينج من بطش تيمورلنك بالشام إلا عائلة واحدة من المسيحيين وأمر تيمور بقتل أهل السنة واستثناء العلويين النصيريين وبعد الشام ذهب تيمور إلى بغداد وقتل بها تسعين ألفاً".
وتشير ملفات السياسة للدولة العثمانية في كتاب "باش وكالة أرشيفي مهمة دفتري" (70 و80) ما يلي: أن التدابير الوقائية التي تعتمدها السلطنة ضد النصيريين كان دافعها وباستمرار تحقق العثمانيين من وقوف النصيرية إلى جانب الفرس؛ ذلك لأن الشيخ جنيد الجد الأعلى للشاه إسماعيل الصفوي كان قد أقام ردحاً من الزمن في قلاع النصيرية القريبة من جبل أرسوس بخليج إسكندرون. ودخل في علاقات مصاهرة وزواج معهم كما أكدت ذلك دائرة المعارف الإسلامية.
لذا أرسلت الدولة العثمانية أكثر من حملة ضدهم لأنهم كانوا رديفاً يعين الصفويين الفارسيين في حربهم ضد السلطنة, وكانت المعركة الفاصلة بينهم معركة جالديران عام 1514م انتصر فيها ياروز سليم على الصفويين وأنصارهم من النصيريين.(52/43)
ويبرر محمد أمين غالب الطويل خيانتهم في كتابه "تاريخ العلويين" يقول: ولما كان لابد للضعيف المظلوم من التوسل والخيانة لكي يحافظ على حقوقه أو يستردها، وهذا أمر طبيعي يساق إليه كل إنسان؛ كان العلويون كلما غصب السنيون حقهم يتوسلون بغدر السنيين عند سنوح الفرصة. إن كارثة بغداد عام 656 هجرية حيكت بيد الوزير الباطني ابن العلقمي ومساعده ابن أبي الحديد والرافضي النصير الطوسي الذي ما زال يتزلف لهولاكو حتى أصبح مستشاره المفضل.
مواقفهم في عهد الانتداب الفرنسي
سكن النصيريون جبال اللاذقية المنيعة وقلاعها الحصينة, كقلعة صهيون قرب الحفة وقلعة المرقب قرب بانياس وقلعة الحصن قرب تلكاخ مما ساعدهم في الحفاظ على شخصيتهم الانعزالية وعقيدتهم الطائفية وتعصبهم لبعضهم كأقلية، ومما شجعهم بالتالي على التعاون مع القوى الخارجية الغازية في سيطرتها على سكان البلاد الأصليين( ). ولئن شجع المجلس الملي النصيري أتباعه على النزوح للمدن بغية تضليل المسلمين والسيطرة عليهم, إلا أن الغالبية العظمى ظلت محتفظة بطابعها الطائفي وبعزلتها الشعورية وبولائها لكل مستعمر دخيل. [ورد في كتاب "تطور الحركة الوطنية" لزوقان قرقعط "درزي قومي"].
ففي كانون أول 1912م صرح بوانكاريه رئيس وزراء فرنسا في البرلمان الفرنسي آنذاك قائلاً: لست بحاجة أن أقول للمجلس: إن لنا في لبنان وسورية مصالح تقليدية وأننا لعازمون على جعلها موضع احترام.(52/44)
ولكي لا تتداخل خارطة التجزئة الفرنسية مع خارطة التجزئة البريطانية كانت الاتفاقيات التي تمت بينهما بعد الحرب العالمية الأولى تهدف إلى الحفاظ على حصة كل منهما؛ فلقد استثنت بريطانيا في مراسلاتها مع الشريف حسين المناطق الداخلة في حصة فرنسا والتي منها منطقة النصيريين في اللاذقية والإسكندرونة وبيروت, كما تم الاتفاق بين لويد جورج وكليمنصو على أن يتم انسحاب الإنجليز من كليكية وسورية وجبل لبنان في الأول من تشرين الثاني، على أن يحل محله الجيش الفرنسي والذي انتشر بالفعل في الساحل السوري وكليكية, كما انتشر الجيش العربي في دمشق وحمص وحماة وحلب, وقد أثار هذا الاتفاق مشاعر الغضب والاحتجاج لدى الملك فيصل والحركة الوطنية. وسافر فيصل إلى باريس في 20 تشرين الأول 1919 لإجراء محادثات تهدف إلى وحدة القطر السوري واستقلاله.
ولكن الجنرال غورو المفوض السامي الفرنسي في بيروت أرسل إلى فرنسا يحذرها من التساهل مع فيصل لعدم رغبة النصيريين بالاتحاد مع السوريين, فقال في برقيته كما ورد في كتاب "بلاد الشام" للكوثراني ص211 ما نصه: وأفيدكم بهذا الصدد أن النصيريين الذين يستيقظ حسهم الإقليمي الذاتي قد ساعدوني كثيراً في قمع الفتنة التي أثارها الشريف حسين في منطقة تلكلخ, ولقد تلقيت برقية تفيد أن 73 زعيماً نصيرياً يتحدثون باسم جميع القبائل يطالبون بإنشاء اتحاد نصيري مستقل تحت حمايتنا المطلقة.(52/45)
وبانتهاء الحرب قسم الفرنسيون سوريا إلى ثلاث حكومات منتدبة هي: حكومة بيروت، وحكومة اللاذقية، وحكومة الإسكندرونة. أما بالنسبة لحكومة اللاذقية فقد ضمت إليها كافة النصيريين الملحقين بريف المحافظات المجاورة حماة وحلب وحمص، وجلعت لها كياناً مستقلاً وسمتهم باسم حكومة العلويين وذلك بتاريخ 1/9/1925. وذلك تغطية لواقع هذه الطائفة الغريبة عن المجتمع السوري؛ وذلك استجابة لرغبة النصيريين أنفسهم كما يذكر يوسف الحكيم في كتابه "سورية والعهد العثماني" (ص68).
لقد أشار الملك فيصل على رجال الحركة الوطنية ضرورة عقد مؤتمر يضم ممثلين عن سوريا بمناطقها الثلاث يهدف إلى إثبات رغبة الشعب السوري في الوحدة والتحرر.
ويقول الحكيم الذي شغل مناصب وزارية في عهد فيصل في الصفحة (99) من المرجع السابق: إن النصيرية أخلصوا للانتداب الفرنسي ولم يبعثوا بنائب عنهم إلى المؤتمر السوري، ويبرر موقفهم بأنه كان متفقاً مع مزية العرفان بالجميل حيث شملهم الفرنسيون بالعناية والعدالة والعطف البارز.
وقد يتوهم البعض بأن ثورة صالح العلي النصيري كانت بدافع الوطنية مما يدل على وجود وطنيين بينهم وخونة كغيرهم من الطوائف الأخرى، ولكن المطلعين على تاريخ هذه الطائفة ليدللون على أنها لم تكن لدافع وطني بل كانت بدوافع شخصية وحجتهم في ذلك:
1-…أن ثورة صالح العلي كانت محصورة في منطقته ولم تعمم كافة مناطق النصيريين.(52/46)
2-…يقول محمد كرد علي في "خطط الشام" (ج3 ص174, 175): أما مبعث ثورة صالح العلي, فإن الدراسة التحليلية لها قادتنا إلى القول بأنها ترتبط أساساً بالصراع الذي كان قائماً بين النصيريين والإسماعيليين, وهو صراع قديم اشتد حين استولى الإسماعيلية على بلدة القدموسي التي تعد من أهم مراكز النصيرية, وكان صالح العلي يشن هجماته عليها لطرد الإسماعيلية منها, ولما جاء الفرنسيون وتحالفوا مع الإسماعيليين فكان طبيعياً أن يهاجم صالح العلي الإسماعيلية وحلفاءهم الفرنسيين.
3-…استغلت الحكومة العربية برئاسة الملك فيصل النزاع القائم بين صالح العلي وخصومه الإسماعيليين وحلفائهم الفرنسيين, فعينته نائباً عن جبل النصيريين لقاء تعاونه معهم كما اتصلت به حركة الاتحاديين في تركيا وأمدته بالسلاح لتضغط على فرنسا فتجبرها على الانسحاب من كليكيا وتقطع كل صلة لها بالعروبة والإسلام وكان لها ذلك حيث انسحبت فرنسا من كليكيا عام 1920م.
4-…وما أنا تخلى الاتحاديون عن صالح العلي بعد انسحاب فرنسا من كليكية واشتدت هجمات الفرنسيين على صالح العلي حتى استسلم عام 1921م بعد وساطة زعماء النصيريين دون أن يمسوه بأذى بينا أعدموا كل من وقع في أيديهم من قادة الجهاد الوطني من المسلمين.(52/47)
5-…وقامت الثورة السورية في المحافظات عام 1925 واستمرت حتى عام 1927م ولم تحرك نداءات المجاهدين وقادة الحركة الوطنية الشعور القومي والوطني لدى صالح العلي, مما يؤكد أن ثورته لم تكن بدوافع وطنية بل بدوافع شخصية وطائفية, ولو كانت بدوافع وطنية لاستجاب صالح لنداءات المجاهدين ولضم جهوده إلى جهودهم. ولكن صلحه مع المستعمرين أخمد في نفسه رغبته في تحرير وطنه, ولم يبق في الميدان سوى رجال الحركة الوطنية يتجاوب معهم كافة أفراد الشعب المسلم, وتحرك يوسف العظمة وزير الحربية السوري ليقاوم زحف الجيش الفرنسي في معركة غير متكافئة القوى, نال خلالها شرف الشهادة في الوقت الذي كان فيه صالح العلي يعلم ولاءه للمستعمرين, واضمحلت روحه الوطنية التي تتاجر بها طائفته والجاهلون ممن حولهم.
وفي استعراض ميليران رئيس وزراء فرنسا لخطته المرسلة ببرقيته بتاريخ 6 أيار سنة 1920 يقول: وبالنسبة لهؤلاء المقيمين في المنطقة الساحلية, والذين يتكلمون جميعاً اللغة العربية فيشكلون جماعة دينية مرتبطة نظرياً بالإسلام لكنها في الواقع منفصلة عنه تماماً ويجب أن لا تندمج بالمسلمين.
وجاء قرار غورو في أيلول 1920 كما يقول يوسف الحكيم في كتاب "الوثائق التاريخية" (ص254) وثيقة رقم (43): "إنه لما كان النصيرية قد صرحوا جلياً ومراراً بآمالهم بأن يكون لهم إدارة قائمة بذاتها تحت رعاية فرنسية؛ لأجل ذلك يجب أن تنشأ مقاطعة تجمع أكثرية هؤلاء ليتاح لهم أن يواصلوا السعي في سبيل مصالحهم السياسية والاقتصادية, وتحقيقاً للأماني التي صرحوا بها".
وأصر الفرنسيون على تقسيم سوريا إلى دويلات طائفية, فسموا جبل العرب بحكومة الدروز وحكومة اللاذقية بحكومة العلويين, وضمت إليها أقضية صهيون وجبلة وبانياس وصافيتا ولواء طرابلس الشام القديم ومصياف وطرطوس بلغت مسحتها آنذاك حوالي سبعة آلاف كيلو متر كما ورد في كتاب "بلاد الشام" (ص235, 236) للكوثراني.(52/48)
وما أن بدأت فرنسا تتخذ سلسلة الإجراءات التمهيدية للاعتراف باستقلال سوريا حتى تقدم زعماء النصيرية بمذكرتهم إلى الحكومة الفرنسية يطالبون بالإبقاء على انفصال منطقتهم.
ففي الوثيقة 124 من وثائق الخارجية الفرنسية ذكر المفوض السامي بونسو في خطابه لوزير الخارجية بتاريخ 28 نيسان 1933م أن وفداً من وجهاء النصيرية برئاسة رئيس المجلس التمثيلي في اللاذقية وصل بيروت لإبداء وجهة نظره بالوحدة السورية, وقد حدد رئيس المجلس موقفه بقوله: إننا لا نريدها بل على العكس نعارضها، فالسوريون يعدوننا من الوجهة الدينية وأكدوا معارضتهم حتى لاتحاد كونفدرالي.
وفي مذكرة بتاريخ 12 مارس 1933 تحمل اسم محمد سليمان الأحمد الابن الأكبر للشيخ سليمان الأحمد والمعروف باسم بدوي الجبل جاء فيها: "أن النصيريين ليسوا بمسلمين.
ويذكر العالم الشهرستاني الذي يشكل أكبر موسوعة في الأديان يذكر في كتابه "الملل والنحل": "أن النصيرية من المذاهب الإلحادية ولا صلة لهم بالدين الإسلامي وأن تسمية أنفسهم مسلمين محض افتراء لجئوا إليها لتغطية زندقتهم".
وعن ثورة الشيخ صالح العلي تقول المذكرة: إنها حتمية نتيجة سوء التفاهم بادئ الأمر, لكن الفرنسيين استثمروا هذه الثورة استثماراً نبيلاً حيث شملوا زعيمها بالعفو وعاملوه معاملة نبيلة. ثم حددوا موقفهم من الوحدة السورية بقولهم: إننا نعلن تمسكنا بالاستقلال وإننا نرى في فرنسا منقذتنا في هذا المجال. [وثيقة 205].(52/49)
أما الوثيقة [492] والمؤرخة في 8 حزيران 1926 فقد جاء فيها ما يلي: "لقد جاءت حكومة الانتداب إلى بلادنا ونحن فريقاً منا بادئ الأمر إلى محاربة الجيش الفرنسي, ولكن الفريق الأكبر منا وثق بشرف فرنسا, فوضعنا أيدينا بيد الانتداب الذي قدر لنا هذه الثقة فحفظ لنا استقلالنا ونظمه, ومنذ ذلك الحين أخلصنا لفرنسا إخلاصاً لا حد له, وزاد هذا الإخلاص أن جميع المفوضين السامين كانوا يصرحون ويعدون باسم فرنسا بضمان هذا الاستقلال وحمايته, وكنا نتقبل هذه الوعود والتصريحات كما نتقبل كلام الله, وكم كانت دهشتنا عظيمة حين رأينا الفرنسيين ولأول صدمة يتلقونها من السوريين يتناسون جميع وعودهم السابقة ويعدون السوريين بإمكانية إلحاقنا بسوريا. إننا لا نسمح حتى لفرنسا الكريمة المحسنة أن تتصرف باستقلالنا وتهبه هدية لمن تريد, متناسية إخلاصنا وتضحيتنا وثقتنا من جهة ووعودها وتأكيداتها من جهة أخرى".
وفي الملف [493] من سجلات الخارجية الفرنسية يسجل كتاب رئيس حكومة النصيريين إبراهيم الكنج المؤرخ في 25/6/1936, إلى وزير خارجية فرنسا يقول فيه:
كانت فرنسا وعدتنا بالاستقلال تحت حمايتها وقد حافظت على هذا الاتفاق ونظمته خلال الست عشرة سنة الماضية, ونحن لا نرى إلا أنها تنسى التزاماتها ومهمتها التحريرية عندما توافق الآن على التضحية بنا إلى أعدائنا القدماء, خلافاً لمصلحتها ومصلحتنا ولأجل أن أثبت حسن نوايانا واهتمامنا بالمصلحة العامة وفي حالة الاستحالة كلياً للإبقاء على استقلالنا من وجهة النظر الدولية فنحن نوافق على بحث اتحاد دولتنا مع لبنان البلد الجار الذي يتألف مثل بلادنا من أقليات سنتوصل دون شك إلى التفاهم معها وسنعرض مبررات هذا الاتحاد اللبناني النصيري بما يلي:
1-…أن البلدين كانا مرتبطين بولاية بيروت في العهد العثماني.
2-…كان لهذين البلدين صلات اقتصادية واسعة.(52/50)
3-…التشريعات الواردة في حكومة اللاذقية وحكومة لبنان بخلاف التشريعات السورية.
4-…يتألف لبنان من أقليات دينية وهذا يشبه حكومة اللاذقية.
5-…باتحاد حكومة اللاذقية ولبنان سيصبح لبنان الوطن الأوسع للأقليات في كل المشرق فيصبح عدد نفوسه ما يقارب (1.700.000).
وفي الملف [493] تشير الوثيقة [852] إلى ما يلي: أن المجلس التمثيلي لدولة العلويين الذي يضم سبعة عشر عضواً وفق عدد السكان إلى اثنى عشر عضواً نصيرياً يؤيدون الاستقلال خمسة منهم يؤيدون الوحدة مع سوريا ومن هؤلاء الخمسة ثلاثة مسلمين سنيين واثنان نصيريان.
أما الوثيقة ذات رقم [3547] في وزارة الخارجية الفرنسية والتي وقع عليها سليمان الأسد ومحمد سليمان الأحمد, ومحمود أغا حديد, وعزيز أغا هواش, وسليمان مرشد, ومحمد بك جنيد, وفيما يلي نص هذه الوثيقة نورده لأهميته: "دولة ليون بلوم, رئيس الحكومة الفرنسية: إن الشعب العلوي الذي حافظ على استقلاله سنة فسنة بكثير من الغيرة والتضحيات الكبيرة في النفوس, هو شعب يختلف في معتقداته الدينية وعاداته وتاريخه عن الشعب المسلم (السني). ولم يحدث في يوم من الأيام أن خضع لسلطة من الداخل.
"إننا نلمس اليوم كيف أن مواطني دمشق يرغمون اليهود القاطنين بين ظهرانيهم على عدم إرسال المواد الغذائية لإخوانهم اليهود المنكوبين في فلسطين, وإن هؤلاء اليهود الطيبين الذين جاءوا إلى العرب المسلمين بالحضارة والسلام, ونثروا على أرض فلسطين الذهب والرخاء, ولم يوقعوا الأذى بأحد, ولم يأخذوا شيئاً بالقوة, ومع ذلك أعلن المسلمون ضدهم الحرب المقدسة بالرغم من وجود انكلترا في فلسطين وفرنسا في سوريا.(52/51)
"إننا نقدر نبل الشعور الذي يحملكم على الدفاع عن الشعب السوري ورغبته في تحقيق استقلاله, ولكن سوريا لا تزال بعيدة عن الهدف الشريف, خاضعة لروح الإقطاعية الدينية للمسلمين. ونحن الشعب العلوي الذي مثله الموقعون على هذه المذكرة, نستصرخ حكومة فرنسا ضماناً لحريته واستقلاله, ويضع بين يديها مصيره ومستقبله, وهو واثق أنه لابد واجد لديهم سنداً قوياً لشعب علوي صديق, قدم لفرنسا خدمات عظيمة". [عن "العلويون" أو "النصيرية" (ص55 و56).
النصيريون والنصيرية في العصر الحديث
من المبالغة أن تقول بأن النصيريين اليوم يدينون كلهم بالمذهب النصيري الذي عرضنا تعاليمه, ومن الخطأ أن تقول بأن صلتهم قد انقطعت بهذا المذهب. إذ من الواضح أن المذهب قد تشكل لأهداف سياسية وطالما وجد بين شعب مسلم كان لابد له من أن يأخذ صبغة دينية حتى يحافظ على أنصاره وأعوانه.
وقد ساعد تفشي الجهل بين هذه الطائفة على رواج هذه الخرافات والأباطيل التي تنتهي بأن تجعل للزعماء من أهل البيت وخلفائهم سلطة إلهية تخولهم حق تغير العقائد والعبادات, وأنه لا قيمة لأي تفسير عندهم إلا إذا كان عن طريق الأئمة أو من ينوب عنهم وإن لم يكونوا من أهل البيت, وبذلك يسهل طمس معالم الدين وهذا ما يهدف إليه تأسيس أمثال هذه المذاهب. والنصيريون إزاء هذا المذهب ثلاثة أصناف:
1-…المتعلمون وهؤلاء لا يدينون بالمذهب النصيري لمخالفته أبسط الحقائق العلمية, لذلك فقد تأثروا بالمبادئ المستوردة والدخيلة التي أوجدت لكي تكون البديل للأفكار الدينية, كالماركسية والوجودية والقومية العربية والقومية السورية وقليل منهم من تأثر بالإسلام.
2-…الطبقة العامة: وهي متمركزة في قرى الجبل وهؤلاء لا زالوا يتأثرون بالخرافات الدينية ويخضعون لسلطة رجال الدين والزعماء الطائفيين.(52/52)
3-…طبقة شيوخ الطائفة والرؤساء: وهو صنفان المتعلمون منهم لا يقتنعون بدينهم النصيري, غير أنهم لا يبصرون أتباعهم من العامة وذلك لكي تبقى لهم السيطرة الكاملة عليهم, والجاهلون منهم لا زالوا يأخذون بحظ من هذه الخرافات بحكم التوارث حفاظاً على شخصيتهم المتميزة,
ففي العصر الحديث وفي قرية الجوبة التابعة لقضاء الحفة في محافظة اللاذقية السورية, وفي عهد الانتداب الفرنسي ادعى سليمان المرشد الألوهية وآمن به أتباعه سنين عدداً, ولقد ساهم المستشار الفرنسي في إيهام نصيري الحفة بهذه الألوهية حيث قيل بأنه كان يسجد للرب سليمان أمام أتباعه ليوهمهم بصدق نبوءة سليمان, وكان يكشف بعض الحقائق التي لا يعرفونها بالوسائل الحديثة, كالراديو والهاتف وغيرها فينبئ أصحابه بها فيزدادون إيماناً به ..
وبهذا يمكن للاستعمار أن يشتري عشيرة كاملة بشراء رئيسها الذي يدين له أنصاره بالطاعة العمياء. وما أن أخذ الشعب السوري استقلاله حتى عاش النصيريون في مواقعهم الحصينة منعزلين لا تعرف السلطة حقيقة ما يجري بينهم. وما أن اغتر الرب سليمان بقوته حتى راح يطالب بالحكم الذاتي وبتعيين وزير نصيري لمدينة اللاذقية, وتمرد على الدولة وأعلن العصيان المدني وهدد بالانفصال إن لم يستجب لطلبه فكان أن جهزت الحكومة السورية قوة عسكرية وهاجمته في مركز ربوبيته, وألقت القبض عليه وحكم عليه بالإعدام بعد محاكمة علنية ونفذ الحكم فيه زمن الرئيس شكري القوتلي عام 1946 وتولى الربوبية من بعده ابنه مجيب.
لاحظ النصيريون أن انعزالهم واعتمادهم على الأجنبي لم يحقق شيئاً من أهدافهم بل زاد في تسويد صفحتهم وتدني سمعتهم, فقرروا أن يغيروا خطتهم ليسدلوا ستاراً على ماضيهم الأسود ويوشحوه بوشاح الوطنية علّهم يصلون إلى هدفهم بالسيادة التي دغدغت أحلامهم طويلاً.(52/53)
جاء في الملف [515] من سجلات الخارجية الفرنسية: أن التنظيمات العشائرية والتي كان اعتمادنا عليها لتشكيل العمود الفقري للاستقلال الذاتي والتي يشكل زعماؤها أعضاء المجلس التمثيلي بدأت الآن تفقد قدرتها, كما أخذت الدعاية الوحدوية الدمشقية تستقطب الزعماء العشائريين الثانويين الطموحين هذا إضافة إلى أن انتشار التعليم الابتدائي صار يهدد الرابطة الباطنية القديمة التي لم يعد جهازها الوعظي الساذج يرضي الأجيال الجديدة.
إزاء مخاوف الرؤساء من فقد سيطرتهم على أتباعهم كان لا بد من رسم خطة ماكرة تستهدف استقطاب هؤلاء الأتباع باسم مصلحة الطائفة والتخطيط لسيادتها فكان أن رسموا لهم الخطط التالية:
1-…الخروج من عزلتهم التي لم تحقق لهم أي مكسب سياسي وذلك بالهجرة إلى المدن المجاورة كي تضيع هويتهم الطائفية ويتغلغلوا بين أوساط المسلمين البسطاء فينخدعوا بهم ويتألفوا معهم ويتزاوجوا فيما بينهم ويسخروهم لخدمة الطائفة.
2-…الولاء والانصياع لشيوخ الطائفة: وخشية أن يتناسى النصيريون طائفتهم نتيجة هذا الاختلاط كان لابد من الولاء لشيوخ الطائفة للأسباب التالية:
أ- إرضاء لله وطاعة للإمام واستجابة لدوافع الحقد التي رضعوها ضد المسلمين منذ نعومة أظافرهم.
ب- التسلل إلى المراكز الهامة في الدولة والتخطيط لملئها واحداً بعد الآخر بهدوء وصمت, فهم أقلية منظمة, الجيل الناشئ فيها مجهول الهوية الطائفية, يسهل شغل المناصب الهامة بهم دون لفت نظر المسلمين الأكثرية الساحقة لأنهم غير منظمين ومتفرقين يسهل تمرير المخططات عليهم.
ج- حسماً لأي خلاف ينشب فيما بينهم لأن في خلافهم ضياعاً لسيادتهم وفقداناً لمناصبهم ومكاسبهم الدنيوية.
3-…الإقبال على التعليم لملء مراكز التوجيه الهامة وللسيطرة على المؤسسات الثقافية العليا وتوجيهها لقطع كل صلة بين الجيل الجديد وتراثه الحضاري.(52/54)
4-…الانتساب إلى الأحزاب القومية باعتبارها مظنة الوصول إلى الحكم, وبوصولها يصل أبناء الطائفة إلى الحكم ويعملون على السيطرة عليه والانفراد به كما أن رفع هذه الأحزاب لشعارات الوطنية والقومية يضفي عليهم صفة الوطنية, وبذلك يسدلون الستار على ماضيهم التآمري الخياني المخزي.
5-…الإقبال على التطوع في الجيش والانتساب للكليات العسكرية وذلك لكي يتمكنوا من السيطرة على الأسلحة الفعالة وأجهزة الأمن فيكونوا دعماً لأي تحرك عسكري أو سياسي أو حزبي لهم فيه ضلع.
ومما ساعدهم على التغلغل في صفوف القوات المسلحة وبسرعة أن فرنسا في عهد الانتداب السوري شكلت فرقة عسكرية خاصة أسمتها (فرق الشرق الخاصة) اعتمدت فيها على أبناء الأقليات عامة وعلى النصيريين خاصة, مما جعل المسلمين يحجمون عن التطوع فيها, فكانت الأقليات هي الأكثرية فيها, ولما نالت سورية استقلالها أصبحت هذه الفرق نواة جيش الاستقلال, تعج بأبناء الطوائف وأكمل النصيريون بتخطيطهم السيطرة الكاملة على القوات المسلحة, وعلى حين غفلة من المسلمين الذين اتخذوهم مطية للسيطرة والتسلط ولا حول ولا قوة إلا بالله.
صفحات من تاريخ التنوخيين الدروز
يشعر المرء بالحيرة أحياناً إزاء ما يراه من انضمام أبناء طائفة الدروز في فلسطين إلى جانب سلطات الاحتلال في محاربتها للمسلمين من أبناء فلسطين، حتى غدا بطش الجنود الدروز بالفلسطينيين أمراً مشهوراً، سواءً من قوات حرس الحدود الإسرائيلي الذي يشكل الدروز نسبة مهمة فيه، أو سلطات السجون والمعتقلات الإسرائيلية.
لكن شيئاً من الحيرة قد يزول، إذا علمنا أن ما يقوم به أبناء الدروز اليوم في فلسطين، هو ما كان يمارسه بعض أجدادهم من العداء للمسلمين، وموالاة الكافرين، خاصة وأن عقائد الدروز تنص على التذلل والسير في ركاب الغالب( ).(52/55)
ولتوضيح شيء من هذه الممارسات تجاه المسلمين، يجدر بنا العودة إلى سيرة دولة من دول الدروز، قامت في وقت ما من التاريخ الإسلامي، وهي دولة التنوخيين.
وتعود بنا الذاكرة إلى 657هـ، ففي ذلك العام زحف المغول إلى بلاد الشام، بزعامة كتبغا، ابن هولاكو واحتلوا دمشق في ربيع الآخر سنة 658هـ وكان الأمراء الدروز التنوخيون يسيطرون على لبنان.
ولما دخل المغول دمشق، جاء الأمير الدرزي جمال الدين حجي إلى كتبغا يعلن خضوعه له، مما جعل كتبغا يقر جمال الدين على مقاطعة الغرب التي كان يتولاها. وانضم إلى جمال الدين، أمير درزي آخر هو زين الدين صالح.
"ولما سمع الأميران أن جيش المماليك في طريقه إلى قتال التتار اتفقا أن يتوجه زين الدين إلى المماليك، ويقيم جمال الدين حجي عند التتار بدمشق، مما يضمن وجود أحدهما إلى جانب المنتصر، وبذلك تسلم مصلحة قومهما"( ).
وهكذا اتخذ الدروز أسلوب "اللعب على الحبلين"( )، بدلاً من الوقوف مع المسلمين في وجه الهجمة المغولية الشرسة، التي كانت قد أنهت للتو الخلافة العباسية في بغداد وقتلت خليفة المسلمين، وارتكبت أفظع الجرائم هناك.
وبعد انتصار المماليك على المغول، وسيطرتهم على بلاد الشام، فإنهم لم يتعرضوا لمناطق الدروز بسوء، ووجّهوا اهتمامهم لاحتلال المناطق الساحلية التي كانت لا تزال بيد الصليبيين، لكن قائد المماليك الظاهر بيبرس كانت تساوره الشكوك في حقيقية موقف الدروز، خاصة بعدما نما إلى علمه أن أمراء الدروز على اتصال بوالي طرابلس الصليبي( ).
"ولما كان بيبرس يستعد لحملته ضد الصليبيين، فللاحتراس أمر بسجن زين الدين صالح، وجمال الدين حجّي وأخيه سعد الدين خضر. ولمّا كلّم أحد الأمراء السلطان بأمرهم، قال بيبرس أنه لن يؤذيهم، ولن يطلق سراحهم إلاّ بعد أن يفتح صيدا وبيروت وطرابلس. ولم يخرج السلطان عنهم إقطاعهم ولا ممتلكاتهم الخاصة"( ).(52/56)
وقد كان للتنوخيين مواقف مشينة، قبل عهد بيبرس ، فعندما سيطر الصليبيون على أنطاكيا خلال حملتهم الأولى سنة 490هـ، عزم الصليبيون على التوجه إلى جنوب بلاد الشام لاحتلالها، والوصول إلى بيت المقدس، وكانوا قد تمكنوا من احتلال شمال بلاد الشام.
وفي ذلك الوقت كان التنوخيون يشكلون عماد دعوة الدروز في جبل لبنان، ولم يعترضوا سبيل القوات الصليبية المتجهة لاحتلال بيت المقدس، بل مرت بأمان من جوارهم.
كما ظل التنوخيون خلال الحملات الصليبية في موقع المتفرج أو المتواطئ، وقام أحد زعمائهم بتسليم مدينة صيدا إلى الصليبين سنة 504هـ، بعد أن صالحهم عليها بالأمان( ).
للاستزادة:
(1)…"الدروز في التاريخ" - د. نجلا أبو عز الدين.
(2)…"الفرق الإسلامية" - د. محمد أحمد الخطيب.
(3)…"التنوخيون أجداد الموحدين الدروز" - نديم حمزة.
مواقف العلماء والمفكرين -25-
[هذه سلسلة من البحوث كتبها مجموعة من المفكرين والباحثين عن عقيدة وحقيقة مذهب الشيعة من خلفيات متنوعة ومتعددة ، نهدف منها بيان أن عقائد الشيعة التي تنكرها ثابتة عند كل الباحثين، ومقصد آخر هو هدم زعم الشيعة أن السلفيين أو الوهابيين هم فقط الذين يزعمون مخالفة الشيعة للإسلام. الراصد].
[الشيخ إسماعيل صادق العدوي]
[إمام وخطيب الجامع الأزهر]
(هذه مقتطفات من كتابه "نظرة في فكر الشيعة")
أصل التشيع ومتى نشأ؟
فموضوع التشيع من المواضيع أو من القضايا التي يهمنا ويهم كل مسلم أن يتعرف عليها، حتى تتميز الأمور، وحتى يظهر أمر الدين ظهوراً جليا بلا لبس ولا خفاء.
وكلمة "الشيعة": مأخوذة من "شَايَعَ فلانٌ فُلانا" أي: نَاصَرَه وأيده.
و"الشيعة" في العرف الموجود: هم أتباع، أو أشياع سيدنا عليّ كرَّم الله وجهه وهذا يرجعنا إلى أصل الشيعة. فأصل الشيعة هو هذا المعنى. "كل من شايع سيدنا عليا كرم الله وجهه فهو شيعي" في عُرفِ الشيعة.(52/57)
والشيعة يُرجعون أصل مذهبهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو أنه - صلوات الله وسلامه عليه - قد ذَكَرَ في أحاديثه الشريفة ما يؤدي إلى أن الله تعالى يوالي من يوالي علياً، ويحب من أحبه، وجاءوا بأحاديث كثيرة في هذا المعنى، والأحاديث الواردة في هذا المعنى وَرَدَ غيرها الكثير في شأن الصحابة الآخرين.
وكما تكلمنا من قَبل: إذا كان التشايعُ بالأحاديث فسوف نُقسم الصحابة إلى أحزاب، وإلى من يشايعهم من الأتباع: فهذا حزبُ أبي بكر، أو شيعة أبي بكر، وهذا حزبُ عمر أو شيعة عمر، وهذا حزبُ أبي عبيدة بن الجراح. وهكذا نفصلُ الصحابة تفصيلاً ونضعُ موازينهم على حسب الأحاديث الواردة في التشيع.
فيطلب من المسلمين أن ينظروا إلى من هو أكثر أحاديث حتى يُشايعُوه، وحتى يكونوا في حفظه. هذه النظرة الأولى للشيعة هي نظرة خاطئة؛ ونظرة مردودة.
الأمر الثاني: أنهم أرجعوا تاريخ شيعتهم إلى القرآن الكريم عندما يقول الله سبحانه وتعالى: {يا أيها الرَسُولُ بَلِغ مَاَ أُنزِلَ إِليكَ مِن رَبِكَ وإن لَم تَفعَل فَمَا بَلَغتَ رِسَالَتَهُ وَاللَهُ يَعصمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَهَ لا يَهدِي القَومَ الكَفِرِينَ} [المائدة: 67].
قالوا: إن الله سبحانه وتعالى أَمرَ نَبيّه صلى الله عليه وسلم أن يُبَلِّغ علياً أنه سيكون خليفته من بعده، هذا بإجماع الشيعة، وليس هناك فَرق بين مذهب ومذهب آخر فالآية عندهم أصلٌ من أصول التشيع، وهي مرجع من المراجع المهم، وسندٌ من الأسانيد التي لا تقبل الجدال عندهم. فتفسيرهم لهذه الآية: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك أي: بلغ علياً بذلك( ).
وحجتهم في ذلك أن الآية مدنية، والسورة مدنية، والنبي صلى الله عليه وسلم ليس في حاجة إلى آية يؤمر فيها بالتبليغ؛ لأنه مبلغ الدعوة منذ نزل القرآن عليه بمكة من بداية الأمر، فمعنى {يأيها الرسول بلغ} أي بلغ شيئاً جديداً. فالآية في معناها جديد، وفي تحقيقها جديد.(52/58)
ويُرَدُّ عليهم أيضاً ببساطة تامة: الآية مدنية، والسورة مدنية.
والمعنى: يا أيها الرسول بلغ، أي: استمرّ في التبليغ، كقول الله ـ تبارك وتعالى ـ في أول سورة الأحزاب: {يا أيها النبي أتقِ الله ولا تطع الكفرين والمنفقين إن اللهَ كانَ عَلِماً حَكِيما} [الأحزب:1].
{يا أيَّهاَ النبيُّ اتَقِ اللَهَ} أي: استمر في التقوى واستمر في عدم طاعة الكافرين والمنافقين.
وهذا السند أيضاً مردود عليه: وإن كان ذلك قد حَدَث بالفعل، فلا يمكن لصحابي من الأصحاب أن يُخَالف القرآن أبداً، ولم يُخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في هذا الشأن وإلا كان أمراً حتمياً أن يكون خليفته من بعده، فلا حاجة إلى الجدال حتى يستمرَّ الأمر في الشيعة " الإثنا عشرية" كما يقولون فلا داعي للخلاف؛ لأنه قضية خطيرة من القضايا المهمة التي لا تقبل أن يخالفهم فيها.
فهذا أيضاً مردود عليهم كما تقرَّر من قبل، وانتقل النبي صلى الله عليه وسلم، وهو راضٍ عن أصحابه جميعاً، وقد بشرهم بالجنة، وبَشرَ عشرةً خواصاً بهذه النعمة، ومنهم سيدنا علي كرم الله وجهه.
وليس معنى حب آل البيت أن يَتَميَّزوا بحكم خاص، أو بإقطاع خاص في الإسلام، فهذا أمر شورى بين المسلمين {فَبِماَ رَحمَةٍ مِنَ اللَهِ لِنتَ لَهُم وَلَو كُنتَ فَظاً غَليظَ القَلبِ لانفَضوا مِن حَولِكَ فاعفُ عَنهُم واستَغفِر لَهُم وَشَاورهُم في الأَمرِ}. وقال سبحانه: {وَأَمرُهُم شُورى بَينَهُم}.
لقد ترك النبي صلى الله عليه وسلم أمر الناس على هذا، وكل عقله، وكلهم حفظة على هذا الدين، وعلى عليم بأحكامه، وليس هناك تخطيط معين من النبي صلى الله عليه وسلم حتى يفصل هؤلاء عن بقية المسلمين بحكم خاص، أو بإرادة خاصة في الحكم.(52/59)
وقد جاءت السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها تطلب من الغنائم خادماً يعينها أو خادمة تعينها في طحن الأشياء، فقالت: يا رسول الله إن يدي قد كلت من الرحى فأعطني خادماً يعنيني، فقال: "يا فاطمة، ألا أدلك على خيرٍ من ذلك" فقالت: بلى يا رسول الله، فقال: "إذا أويت إلى فراشك، فسبحي الله ثلاثاً وثلاثين، واحمدي الله ثلاثاً وثلاثين، كبري الله ثلاثاً وثلاثين، فذلك خير لك من الدنيا وما فيها". إذاً هذه إشارة فلم يكن إلا الوصيّة بالدين، الوصيّة بالعبادة، والتعبد والقربى إلى الله.
أما مسألة الحكم ومسألة الدنيا، فلم يأت فيها شيء من ذلك إطلاقاً، وعندما ترك النبي صلى الله عليه وسلم ميراثه فأرسلت السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها إلى سيدنا أبا بكر رضي الله عنه تطلب منه ميراثها فيما تركَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها: لقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نحن معاشر الأنبياء لا نُورثُ ما تركناه صدقة"، فلا ميراث في الدنيا، ولا ميراث في الحكم.
إذن: لم يكن الإسلام إقطاعاً لأحد ولا مقصوراً على أحد، وإنما هي رسالة، وليست مُلكاً.
هذه أمة واحدة حافظ عليها آل البيت، الذي قال الشيعة: يجبُ الانفصال بهذا المذهب، وأصول المذهب لم ينفصلوا عن المسلمين فقد جاء سيدنا علي كرم الله وجهه إلى سيدنا أبي بكر، وبايعه بعد ستة أشهر، وتمت المبايعة، فقد كان مشغولاً وقت المبايعة بتجهيز سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان مشغولاً بعد ذلك ببعض الأمور ولكنها مبايعة كاملة ولم يشذ عنها أحد.
وعندما تولى الخلافة رضي الله عنه وأرضاه ثم في موقعة "صفين" ثم تأميم جماعة المسلمين فعندما رفع جماعة معاوية المصاحف على أسنة الرماح، قَبِل رضي الله عنه ذلك حقنا لدماء المسلمين، وتمت الجماعة، ولم ينفصل عنها.(52/60)
أيضاً عندما قُتل رضي الله عنه شهيداً في "النجف" في العراق، وتولى بعده سيدنا الحسن رضي الله عنه أمرَ الخلافة بعد أبيه، ومكث حوالي سبعة أشهر تمام الأربعين سنة الهجرة فتنازل عن الخلافة لسيدنا معاوية ابن أبي سفيان رضي الله عنه وذلك حِفاظاً على جماعة الإسلام وتحقيقاً لنبوءة الحبيب صلى الله عليه وسلم فقال صلوات الله وسلامه عليه في سيدنا الحسن رضي الله عنه: "ابني هذا سيدٌ ولعل الله أن يُصلِِحَ به فئتين عظيمتين من المسلمين"، وتنازل عن الخلافة، وذلك إتماماً لجماعة المسلمين ولوحدتها التامة، واستقام الأمر في البلاد. فليس في جند علي كرم الله وجهه مذهب معين ولا انشقاق عن جماعة الإسلام، وليس في روع سيدنا الحسن هذا الأمر. وعندما انتقل سيدنا معاوية إلى الرفيق الأعلى وتولى الخلافة يزيد، قام سيدنا الحسين لوضع الأمور في نصَابها كمسئول بديل عن وضع الظلم عن كاهل الإسلام.
فلم يكن له حزب معينٌ في مكة، ولم يكن له حزب معين في المدينة، وإنما أرسل إليه جماعة من العراق فقالوا: معك مائة ألف سيف؛ حتى ترفع الظلم عن المسلمين.
فخرج مجاهداً من أجل رفع الظلم عن المسلمين، فعندما خرج مجاهداً في يوم "التروية" في الثامن من ذي الحجة خرج من مكة إلى العراق انفض عنه هؤلاء جميعاً، فأين الحزبُ؟ وأين الشيعة؟
لو كان هناك حزب بمعنى الكلمة، أو تشيع، لكن هناك خطر على الباطل، وكان هناك إقرار الحق، فانقض هؤلاء جميعاً، وبقيت سبعة أفراد من أسرته الشريفة ومن آل البيت.
وقف وحده في "كربلاء" حتى تمت الشهادة العظمى ـ وهو خير الشهداء ـ في يوم الجمعة العاشرة من المحرم في سنة 61 من الهجرة.
إذاً أين الشيعة؟ أين الأصول؟(52/61)
نحن نتكلم عن الأصول التي يجمعُ عليها أهل السير والتاريخ وليس هناك معارضة، وليس هناك انشقاق فيما عرض على التاريخ، هل يشك أحد، أو هل يعترض أحد على انفضاض الشيعة ـ كما يسمونهم ـ عن سيدنا ومولانا الحسين رضي الله عنه، عندما ذهب إلى العراق؟
هل يعترض أحد على ذلك؟ هل يشك أحدٌ في جماعة الإسلام التي تمت على يد سيدنا الحسن رضي الله عنه؟ هل يشك أحدٌ في أن سيدنا علي كرم الله وجهه كان من أحرص الناس على جماعة الإسلام في موقعة "صفين"، وفي المبايعة وفي غير ذلك من المواقف العظيمة الرائعة؟ إذا أين الأصل؟
يقول الشيعة: إن الأصل مرة يكون القرآن -وقد نفينا ذلك - كما ورد في الأحاديث - وقد انتهينا من ذلك -.
إن الأصل لم يكن في عهد الإمام الأول، لأن الإمام الأول كان حريصاً على جماعة الإسلام ـ قالوا هذا بلسانهم ـ ولم يكن ذلك في عهد الإمام الثاني؛ حرصاً على الإسلام وعلى جماعته، ولم يكن ذلك في عهد الإمام الثالث "سيدنا الحسين رضي الله عنه"، لأنه كان الإسلام في ازدياد، وجماعة الإسلام ما زالت بخير.
أما التشيع فمنذ عهد يزيد نشأ هذا المذهب، كيف ينشأ مذهب، ولا أصول له من قبلُ؟ ومن الذي أقر هذا المذهب؟ ومن الذي أوصى به؟ ومن الذي حقق له معالمه؟
هذا سؤال لا إجابة عليه.
فقالوا: إن الشيعة بدءوا منذ احتاج المسلمون إليهم، وذلك منذ مأساة "كربلاء".
وفي العاشر من المحرم بدأت الشيعة انتشارها، وبدأ الناس يلتفون حولها منذ هذا التاريخ.
فبداية الشيعة عند الإمامية وعند غيرهم هو هذا اليوم، فهل جماعة الإسلام متوقفة على فئة دون فئة؟ هؤلاء الأئمة - رضي الله عنهم - هل كان لهم حُكمٌ بمعنى الحكم في تاريخ الإسلام؟(52/62)
لا، كانوا ضمن الدول التي ظهرت، ضمن الدولة الأموية، وضمن الدولة العباسية، حتى جاءت الدولة الفاطمية، وهنا ظَهَرَ أمرهم، وعند جمهور أهل العلم لم يكن الحكم لواحد من الأئمة، وإنما كان الحكم أولاً، مثلاً للمعز لدين الله الفاطمي، ولغير هؤلاء، حتى انتهى حكمهم وجاء حكم آخر، وهكذا، فَلِمَ لم تتم الإمامة العامة، ولم يتمّ الحكم للأئمة الأحد عشر إماماً؟!
إذا هم أهل البيت يدعون إلى الخير، ويدعون إلى الإسلام، وإنما حصرهم المذهب حصراً، وقُسمَ هؤلاءِ تقسيماً وهم على براءة منه. فلو سئل الأئمة هل هناك انفصال بكم عن دائرة الإسلام؟
الجواب: لا. {إِنمَا يُريدُ اللهُ ليُذهِبَ عَنْكُمُ الرجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطهرَكُم تَطهِيراً}
بعد هذا بدأ هذا المذهب بعد أن تكلم عن أصله الذي أشرنا إلى عَدَمِ الاقناع به، فالأصول ليست معهم، وهي مع جماعة الإسلام.
المشكلة الأخرى الدقيقة، من شايع الإمام علياً كرم الله وجهه التزم الأمر، أو كان من المنتظر أن يكون إجماع على هذا المذهب ، فانقسم الشيعة إلى أكثر من مائة مذهب، وكل مذهب يناقض الآخر، ويتكلم فيه، ويعترض عليه.
وأذكر من هؤلاء: مذهب الإمامية، مذهب الزيدية، مذهب الإسماعيلية، مذهب العلوية، مذهب العلياوية، مذهب المُخَمسَة، مذهب الراجعية، مذهب الواقفية، مذهب القحطية، مذهب الخطابية، إلى غير هؤلاء.
وكل من هؤلاء له شطحات في كلامه، وله خروج شديد عن دائرة الإسلام والمسلمين، وعن الكتاب والسنة، فهذا أمر معروض على العقل أمامكم. أين الإجماع على محبة سيدنا علي كرم الله وجهه؟ فبعضهم يرجحُ أمر الشيعة إلى سيدنا علي زين العابدين رضي الله عنه فسمي بالمذهب الزيدي.
وهناك مذهب أيضاً إضافة إلى ما قُلتُ المذهب الجعفري.
وهناك العلويون، يُرجعُونَ أصلَهم إلى سيدنا علي كرم الله وجهه.(52/63)
إذاً المرجع مختلف فيه .. إما إلى سيدنا عليّ، وإما إلى سيدنا علي زين العابدين رضي الله عنه. وإما إلى جعفر "الجعفرية". وإما إلى غير هؤلاء، فما مرجع الشيعة في هذا الإيثار وفي هذا التقسيم؟ لم يكن له أصول في الإسلام إطلاقاً، كما سنتكلم عن المذاهب الأخرى المستحدثة كالدروز مثلاً، هذا مذهب من المذاهب الخطيرة على الإسلام.
وهناك مذهب البهائية، والقادينية، من المذاهب الهدامة التي سنتناولها ـ إن شاء الله.
فمذهب الشيعة مذهب جديد لم يكن مذهباً فقهياً فيه بعض الكلام عن بعض الفروع، كالمذاهب الأربعة، وابن جرير والليث بن سعد، والظاهرية، وإلى غير هؤلاء. ولم يكن كمذاهب أهل الكلام كالمعتزلة والأشاعرة، والماتريدية، وغير ذلك. هذا مذهب وَضَع أسسه على أصول عقائدية أو عَقَدِية، وعلى أصول تشريعية. فلم يكن هناك رأي في الفروع فقط، وإنما تكلم في الأصول، والأصول مردود عليهم بها.
مثلاً تكلموا عن أركان الإسلام فقالوا: أركان الإسلام ـ عند الإمامية ـ: الصلاة، الصيام، الزكاة، الحج، الإمامة.
والإمامة ركنٌ ركينٌ من أركان الإسلام عندهم. ومعنى الإمامة: أن الإمام من الأئمة الاثنى عشر هو معصوم كما عُصِم الأنبياء، والإمام عصمته واجبة، لابد من الإيمان بذلك، حتى لا يَشُك الناس فيه.
فلا بد من الإيمان بعصمة الأئمة الاثنى عشر فقط، إذاً من آل البيت نَضَعُ العصمة لاثني عشر واحداً فقط، أين الدليل؟ وما هو المرجع والسند؟
فإذا كانت العصمة للتسلسل يجب العصمة لبقية النسل الشريف إلى يوم القيامة، إنما حصر العصمة في هؤلاء فقط، هذا أمرٌ يجب النظر فيه؛ فقد قسمنا آل البيت إلى قسم معصوم من الخطأ، وقسم يجوز عليه الخطأ.
فالإمامية قالوا ذلك، وغير الإمامية قالوا: إن العصمة موجودة في هذا النسل الشريف إلى يوم القيامة، وقد ضربنا مثالاً في أحد هؤلاء الوارثين الذين قال غيرهم بعصمتهم.(52/64)
فالإمامية قد حصروا العصمة في اثني عشر إماماً، ظهر أحد عشر واحداً، وبقي واحد وهو المنتظر في آخر الزمن أما غيرهم قلم يقولوا بذلك، وتكلموا عن العصمة للجميع، قالوا حتى في ذرياتهم، وفي نسائهم فعمَّموا العصمة.
* إن عموم العصمة، وخصوص العصمة يحتاج إلى دليل، والشيعة مذهب من المذاهب، فلم يكن هناك اتفاق على العصمة، هل هي على الاثني عشر فقط رضي الله عنهم جميعاً؟ أم تشمل غيرهم؟ ولا كلام في حقهم وفضلهم فهم من أكمل الخلق، ومن أحسن الخلق أدباً، وسيرهم هي عطر للأنام، وإنما نتكلم عن العصمة ولا دليل عليها.
بلاد الله الضيقة
" الضاحية " أهلاً وحزباً
فادي توفيق
كتب المؤلف في خاتمة كتابه هذا : "أن يكون موضوع كتابك طائفة تنسب إليها وينسبك إليها الآخرون فمثل هذه المادة الكتابية لا ترى فيها الطوائف الأخرى سوى وثيقة تؤكد بها ظنها المسبق بطائفتك ولسان حالها فيما هي تقلب صفحات ما أنت صانع، شهد شاهد من أهله، أما أنت جاعل طائفتك موضوعاً لبحثك مخرجاً سرها إلى متن العلانية والنشر، فلست في نظر أبنائها ومقدميها أكثر من عميل للطوائف الأخرى أو كاره نفسك على أقل تقدير".
ورغم إدراك المؤلف فادي توفيق لنظرة الجميع لكتابه، إلا أنه كتبه ونشره! وصدرت طبعته الأولى سنة 2005 م، عن دار الجديد – بيروت في (170) صفحة من القطع المتوسط.
والمؤلف كما يقول عن نفسه في ثنايا الكتاب شيعي من الريف، سكن حارة حريك ،وسبق أن كان رئيس بلدية ومن ثم نائباً في البرلمان، وساهم مع موسى الصدر في وضع قانون المجلس الشيعي الأعلى.
كتاب "بلاد الله الضيقة " يتناول ثلاث قضايا رئيسية هي:
- قصة هجرة الشيعة من الجنوب إلى بيروت، واستيلاؤهم على الضاحية.
- نشأة حزب الله وصداماته مع حركة أمل، وفرضه على الشيعة رؤيته وتصوره للخميني.
- إقامة حزب الله دولة مستقلة في داخل لبنان.(52/65)
وقد تناول المؤلف هذا القضايا في كتابه بشكل متداخل، أقرب ما يكون للمذكرات والبوح الشخصي، وسنعرض للخلاصات والاستنتاجات والمشاهدات التي خلص لها المؤلف في كتابه حول هذه القضايا.
يرى المؤلف أن منطقة الضاحية الجنوبية لم تكن تعرف بهذا الاسم، بل كانت عدة حارات: حريك، برج البراجنة، الشياح، الغبيري.
وقد كان 60% من سكانها من المسيحيين، والذين هاجروا منها هاجروا على دفعات بسبب ميلشيات المقاومة الفلسطينية بداية، ثم هاجر شيعة الجنوب إليها فيما بعد، وميلشيات حزب الله أخيراً.
ويفرق المؤلف بين شيعة الضاحية الأصليين وبين الشيعة الوافدين إليها من الجنوب، وقد أصبحت " الضاحية " منطقة مغلقة على الشيعة وعلى أتباع حزب الله بالتحديد، يتهيب الناس المرور بها، ولها أنظمة وتقاليد خاصة بها تختلف عن بقية لبنان!! ويرى المؤلف أن حزب الله عرف بدايته مع العلامة حسين فضل الله في مسجد الرضا (بئر العبد) حيث كان طلابه النواة الأولى لمقاتلي حزب الله.
ويقول أن منطقة الضاحية لم يكن فيها مسجد حتى ثلاثينات القرن الماضي، فقد كان تدين الشيعة بسيطا وكانت احتفالات عاشوراء تقتصر على تلاوة القرآن وسرد محطات من السيرة الحسينية وكانت تخلو من اللطم وضرب الجنازير وشج الرؤوس، ولكن هذا تغير بعد " الإسلاميين الخمينيين" و هو اللقب الذي يطلقه المؤلف على عناصر حزب الله.
عقب غياب موسى الصدر تم تشويه حركة أمل على حسب تعبير المؤلف، وقد كان أفراد حزب الله يعايرون أفراد الحركة بلحية رئيسها نبيه برى المحلوقة بالشفرة في مخالفة للفتوى الشرعية!!
وقد ولد هذا صدامات مسلحة بين الطرفين ولّدت انحسار نفوذ أمل في الضاحية وتغول الحزب عليها، وهذا لم يتم إلا بعد موافقة سوريا التي سبق لها أن ضربت الحزب في بداية الثمانينات، ولكن حين قويت إيران، واحتاجت سوريا لخدمات حزب الله تغيرت المعادلة بين سوريا والحزب .(52/66)
يمكن معرفة حدود نفوذ حزب الله في بيروت من ملاحظة لوحات الإعلان ، حيث أن اللوحات الإعلانية في منطقة نفوذ الحزب يتم تعديلها لتتوافق مع نهج الحزب فلا تظهر الخمر أو الفتيات العاريات، وهذا مثال يقدمه المؤلف لبيان نفوذ الحزب في منطقته، كونه يقيم دولة داخل الدولة، ومن ذلك أن معايير الدولة في الرقابة الصحية والقانونية على المحلات لا تسرى على الضاحية التي يسرى عليها قانون الحزب فقط!!
فحين ألغيت حصص التربية الدينية من المدارس نفذت جميع المدارس في لبنان ذلك القرار بإستثاء مدارس الضاحية! وفي الضاحية فقط يمكن لك فتح محالات تكرير المياه أو سنترالات الاتصالات!! كما في الضاحية لا تحتاج إلى رخصة قيادة لقيادة الدراجة النارية!
لقد امتدت سلطة الحزب في الضاحية لتطال حياة الناس الشخصية، فاستقبال الزوار في الضاحية لم يعد بالأمر السهل! فلابد من معرفة هوية الزائر وتاريخه من قبل الجهاز الأمنى للحزب!! كما أن الجهاز الأمنى يطلب من الساكنين في الضاحية تفاصيل دقيقة عن معارفهم وأصدقائهم !! بل تعدى هذا إلى سؤال القاطنين من أصول جنوبية عن معارفهم في الجنوب في حالة قيامهم بزيارة الجنوب!!
ويشير المؤلف إلى أن بدايات الحزب شهدت أعمال عنف لفرض رؤيتهم الشرعية، فتمت عمليات تفجير وتكسير وتعرض للناس والمحلات، حتى لما استتبت الأمور للحزب في الضاحية وأصبح هذا الواقع متقبلا، أصبح الحزب يكتفي بلفت النظر للمخالف لأنه سرعان ما يستجيب خوفاً من العواقب.
يختم المؤلف بفصل عن أن الضاحية رغم نفوذ الحزب فيها وإسباغ الإسلام عليها إلا أنها تحتوى أيضاً الخمر والدعارة!! الدعارة المنحلة والدعارة الشرعية "المتعة".
لقد أضحت الضاحية "بلاد الله الضيقة".
كتاب : السياسة الخارجية لجمهورية إيران الإسلامية
تأليف الدكتور منوجهر محمدي - أستاذ القانون والعلوم السياسية بجامعة طهران
د. حسين صوفي محمد حسن - باحث متخصص في الشأن الإيراني(52/67)
[مجلة مختارات إيرانية عدد 86]
تحظى بنية اتخاذ القرار المتعلق بسياسة إيران الخارجية بخصوصية شديدة تميزها عن غيرها من السياسات الخارجية للدول الأخرى، إذ عادة وكما هو مفترض لدى أنظمة العالم كافة أو وزارة الخارجية هي التي تتصدى لاتخاذ القرار على الصعيد الخارجي، بيد أن وزارة الخارجية في إيران قد لا تتصدى بمفردها للقيام بمثل هذا الدور بقدر ما تتصدى له مؤسسات أخرى.
ففي واقع الأمر، ربما تقع عملية صنع قرار السياسة الخارجية في بعض الأنظمة السياسية ذات البرامج السياسية المعقدة تحت تأثير نفوذ عدد من المؤسسات والشخصيات التي رغم عدم تمتعها بأي مسئولية رسمية إلا أنها وبنفوذها تتدخل في إدارة شئون الدولة، وتؤثر في صناعة القرار الخاص بالسياسة الخارجية، فبما يعرف في القاموس السياسي بـ "جماعات الضغط".
ولعلنا مع مثل تلك الأنظمة نشهد نوعين من بنى اتخاذ القرار: الأولى بنية رسمية، وهذه تحددها دساتير وقوانين الدولة، والثانية غير رسمية، وتلك تحددها توجهات الرأي العام، وأفكار الاحزاب السياسية، والنقابات والصحف، حيث إن بعض التوجهات قد تنهض للتأثير وبطرق شتى على صناعة القرار السياسي في الدولة، وسواء كان هذا لتحقيق مصالحها الشخصية أو مصالح غيرها.(52/68)
والأمثلة على ذلك كثيرة، فالسياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية مثلاً لا تجاز قبول مرورها على اللوبي اليهودي ومستشاري شركات البترول عابرة القارات، وكذا موافقة أصحاب الصناعات العسكرية غير الرسمية، وفي هذا السياق ربما تعد الدول النامية، وخاصة الدول ذات الأنظمة الأوتوقراطية نموذجاً لتفشي البنية غير الرسمية. إذ عادة ما يكون القرار الخارجي في ظل تلك أنظمة إما متأثراً بمصالح الجهات الرأسمالية ذات النفوذ في الداخل أو بمصالح جهات أخرى في الخارج، أما فيما يتعلق بصناعة القرار الخارجي في إيران فالمسألة مختلفة لاختلاف النظام الإيراني نفسه الذي ينبع من ماهية دينية من ناحية، ولطبيعة صناعة القرار الخارجي القائمة على التشابك والتوازي من ناحية ثانية.
فإيران تعتمد على نظام في القوى المتوازية من شأنه أن يجعل كل طرف. بما في ذلك موظفو الحكومة. في ظلال نسبي. أما الأكثر إظلاماً فهو هوية أولئك، الذين يتخذون القرارات المهمة، فتقريبا كل منظمة لها ظلها، وعادة ما يكون الظل أكثر أهمية من المنظمة نفسها. وبالتالي نرى أن أي مسئول إيراني عادة ما يتحدث عن أنهم يفعلون كذا وكذا أكثر مما يتحدث عن أننا نفعل كذا وكذا. ولعل الكتاب الذي نحن بصدده الآن يكتسب أهميته من حيث إنه يوضح جوانب كثيرة تتعلق بصناعة القرار الخاص بسياسة إيران الخارجية والتي لم تكن معروفة من قبل.(52/69)
ففي عام 1999، قامت دار نشر "دادكستر" بطبع كتاب "سياسة إيران الخارجية"، ثم أعادت طبعه مرة أخرى عام 2003، والكتاب من القطع المتوسط، حيث يقع في مائتين وثمانية صفحة. وقد جاء في مقدمة وجزئين، تناولت المقدمة خصائص الثورة الإيرانية وما أحدثته من تغييرات واضحة المعالم على جميع المستويات والأصعدة في إيران خاصة صعيد سياستها الخارجية. كما تناولت أهداف هذه السياسة والأساليب التي تنتهجها من أجل تحقيق أهدافها المرجوة. وقد فرق الكتاب بين الأهداف القومية لإيران كحماية استقلالها وصيانة أمنها القومي في الداخل والأهداف الأخرى التي تسعى إلى تحقيقها على الصعيد الإقليمي والدولي.
أما الجزء الأول والذي جاء تحت عنوان "أسس ومبادئ سياسة إيران الخارجية" فقد بين فيه أن أهداف وأسس السياسة الخارجية الإيرانية إنما تنبع من الدستور الإيراني وأن من أهم وأبرز تلك الأهداف والمبادئ ما يلي:
أولاً: السعي لتأسيس أمة عالمية واحدة: يؤسس الإيرانيين لهذا الهدف من منطلق الآية القرآنية: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} [المؤمنون: 52]، إذ أنهم رأوا أن الإسلام يدعو جميع المسلمين للوحدة والاتحاد، ولذلك يتحتم - من وجهة نظرهم - على الحكومة الإسلامية العمل لتأسيس ائتلاف إسلامي عالمي تجتمع أمة الإسلام كافة تحت لوائه حتى يتثنى تحقيق أمة واحدة نهاية الأمر، ويرون أن هذا الهدف ذاته لطالما كان يخيف أعداء الإسلام؛ ولذلك كانوا يعمدون إلى سياسة "فرق تسد" في العالم الإسلامي للحيلولة دون توحد هذا العالم، ولعل ما يحدث من فتن وخلافات كبرى بين فرق الإسلام الشيعة والسنة لعلامة بارزة على تلك السياسة.(52/70)
وجدير بالذكر أن تحقيق الأمة العالمية للإسلام لا يتأتى بتجييش الجيوش أو بفرض نظم خاصة على الأمم الأخرى كتلك التي فرضتها الإمبراطورية العثمانية على العالم الإسلامي من قبل وإنما يتأتى ذلك عبر تأسيس نظام فكري وروحي يتوحد تحت مظلته جميع المسلمين، وعليه يجب على المسلمين السعي والتغيير من أجل هذا الهدف اقتداءٌ بقوله: " {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد:11].
ثانياً: حماية المستضعفين أمام المستكبرين: ينص البند الرابع عشر من الدستور الإيراني على أن الحكومة الإسلامية في إيران تعمل ضمن أهدافها على إسعاد الإنسان في المجتمعات البشرية كافة، وأن الاستقلال والحرية وإقرار حكومة العدل والحق لهو حق مكفول لجميع شعوب العالم، وعليه فهي تؤيد حقوق المستضعفين ونضالهم في مواجهة المستكبرين في نقطة من بقاع الأرض، وتباعاً تتحرك سياسة إيران الخارجية على نصرة المستضعفين في الأرض ومحاربة المستكبرين الأمر الذي من شأنه تحقيق الأمة العالمية الواحدة انطلاقاً من الآية القرآنية: {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} [القصص:5].
ثالثاً: صيانة الاستقلال وحماية الحدود: نص البند الثالث والخمسون بعد المائة من الدستور على صيانة استقلال الأراضي الإيرانية وبقاء حدودها بعيدة عن كافة أشكال التهديدات الخارجية ومن ثم وضعت السياسة الخارجية الإيرانية استقلال بلادها والدفاع عن حدودها وثغورها محور اهتمامها.
رابعاً: الدعوة: من أهداف ووظائف السياسة الخارجية الإيرانية أيضاً الدعوة؛ بمعنى دعوة غير المسلمين إلى الإسلام استناداً لقوله: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125].(52/71)
خامساً: مبدأ اللاشرقية واللاغربية: منذ قيام الثورة في إيران وهي تقع هذا الشعار "اللاشرقية واللاغربية" في سياستها الخارجية، ذلك الشعار الذي يعني الحياد من المنظور السياسي (الحياد عن الكتلة الشرقية والغربية)، واتباع سياسة الولاية الإسلامية على المجتمع من المنظور الديني وفقاً للآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ} [الممتحنة:1].
أما الفصل الثاني وجاء بعنوان "أساليب وسبل تنظيم السياسة الخارجية"، فقد أوضح أن ثمة طرائق لتنظيم السياسة الخارجية يجب على أي نظام اتباعها وعلى أصعدة ثلاث هي: الشعوب، والحكومات، والمنظمات الدولية.
- الشعوب: ترى إيران أن العلم مقسم إلى شعوب جائرة مستكبرة وأخرى مظلومة مستضعفة، وأن هذه الأخيرة تحتاج إلى النضال من أجل حصولها على حقوقها في مواجهة قوى الاستكبار؛ ولذلك فقد عمدت سياستها الخارجية بعض السبل لتوصيل تجربتها (نموذجها الثوري) إلى شعوب العالم الثالث وبخاصة المقهورة منها لاسيما شعوب روسيا، شعوب أفريقيا، سود أمريكا. ومن هذا المنطلق، ووفقاً لإمكانات وحدود صلاحيات حكومتها التي أقرتها في دستورها يتحتم على المتصدين لسياستها الخارجية اتباع العناصر التالية والتي تمكنها من تصدير ثورتها لشعوب العالم المستضعفة: دعم الحركات التحررية في العالم.
- تسخير وسائل الإعلام المختلفة لخدمة تصدير الثورة الإيرانية.
- قيام سفاراتها في الخارج بلعب دور مؤثر في هذا الاتجاه.
- تشكيل الندوات والمؤتمرات.
- إرسال البعثات العلمية للخارج من أجل الدعوة للثورة.(52/72)
- الحكومات والمنظمات الأهلية: رأت إيران كذلك أن الحكومات مقسمة إلى أقسام عدة؛ منها حكومات إسلامية وأخرى غير إسلامية على أن الأولى مقسمة بدورها إلى ثلاث، حكومات إسلامية صديقة؛ تربطها علاقات وثيقة بالحكومة الإيرانية وقد تتخذ هذه الحكومات نفس المواقف السياسية التي تنتهجها إيران حيال حكومات الاستكبار العالمي، وهذه الحكومات من الضروري الدخول معها في علاقات تعاون مشتركة وغض الطرف عن الخلافات الصغيرة الموجودة. وحكومات إسلامية محايدة؛ وهذه الحكومات قد لا تتوافق سياستها بالضرورة مع المبادئ الإيرانية لكنها في الوقت ذاته، لا تتخذ مواقف مناهضة للسياسات الإيرانية، وهذه يتحتم التواصل معها دون الإخلال بالأهداف الأساسية للجمهورية الإيرانية الإسلامية. وحكومات ثالثة لا تتخذ مواقف مناهضة غير أنها تعد أداة في يد قوى الاستكبار العالمي يسيطر عليها كيفما يشاء لظلم الشعوب المستضعفة، وهذه يتحتم التواصل معها أيضا من أجل إثنائها عن تلك السياسة.
أما الحكومات غير الإسلامية، فهي مقسمة إلى ثلاث: حكومات ثورية لديها سياسة مستقلة عن قوى الاستكبار، وهذه الحكومات تجد دعما من شعوبها وهو ما يحتم إقرار العلاقة معها من أجل ترغيبها في نهج السياسة الإيرانية، وحكومات لا تميل لسياسة إيران الخارجية ولكنها لا تعاديها، لذلك ينبغي إقامة علاقات اقتصادية سياسية معها حتى تظل ذا سياسة مستقلة بعيد عن نفوذ الاستكبار العالمي، وحكومات ثالثة مناهضة بالفعل للإسلام وإيران كحكومات نظام الاحتلال الإسرائيلي، أما هذه فمن الضروري عدم الاعتراف بها بل والعمل على عزلها عن المجتمع الدولي.(52/73)
وجاء الفصل الثالث تحت عنوان "مصادر النفوذ الوطنية في أعمال السياسة الخارجية الإيرانية" أن ثمة عوامل كثيرة تميز السياسة الداخلية وتمنحها الضمانات الكافية لتنفيذ أهدافها على الصعيد المحلي سواء كان هذا عبر القانون أو قوات الشرطة وأساليب أخرى كثيرة وهو الأمر الذي لم يتوفر لتحقيق أهداف السياسة الخارجية على الصعيد الدولي بخاصة أو كانت هناك مصالح متعارضة بين سياسات الدول بعضها البعض. ففي مثل تلك الظروف يستحيل تحقيق أهداف السياسة الخارجية لاسيما السياسة الإيرانية التي لطالما تواجه عراقيل جمة من قبل قوى الاستكبار على الصعيد الدولي نظراً لدعوتها الساعية لتأسيس وحدة إسلامية كبرى تجمع العالم الإسلامي كافة تحت مظلتها.
ومن هذا المنطلق، تحتاج السياسة الخارجية إلى مصادر تستمد منها قوتها بحيث تجعلها قادرة على تنفيذ أهدافها الخارجية، ومن أهم أبرز تلك المصادر؛ العوامل الجغرافية الإستراتيجية والمصادر الطبيعية إضافة إلى القوة العسكرية الرادعة (التقليدية وغيرها) الأمر الذي يساعد في النهاية على حماية الاستقلالية وصيانة الحدود، ولا ننسى أن المحافظة على بقاء النظام ثابت ومستقر وقوى في الداخل ينعكس بشكل كبير على أداء الدبلوماسية ويحقق أهدافها في الخارج.(52/74)
أما الفصل الرابع بعنوان "بنية اتخاذ القرار الخاص بالسياسة الخارجية الإيرانية" فقد تطرق إلى أنه في إيران ثمة عدد من المؤسسات والقوى السياسية الاقتصادية والدينية التي تتمتع بنفوذ قوى في علمية صنع القرار، ومن جملة هذه المؤسسات: مكاتب آيات الله، أئمة خطب الجمعة، الأحزاب السياسية ذات التأثير، لاسيما جمعية مدرسي الحوزة العلمية في قم، جمعية رجال الدين المناضلين (روحانيت مبارز)، مجمع رجال الدين المناضلين (روحانيون مبارز)، حزب الله، إضافة إلى وسائل الإعلام والصحف مثل صحيفتي الجمهورية الإسلامية والديمقراطية. إلى غير ذلك من الصحف المنتمية لتيارات اليمين واليسار في إيران، ومن ثم نفترض ومنذ البداية أن سياسة إيران الخارجية تعد محصلة تعامل معقد ومتعدد المستويات بين المسئولين في هرم السلطة الإيرانية، وليس كما هو متخيل محصلة أداء وزارة الخارجية بمفردها رغم أن المادة "57" من الدستور الإيراني تنص على أن إيران تلتزم بنظام حكومي يقوم على أساس الفصل بين السلطات، وطبيعي أن أساس هذا الفصل يجري على أعمال وزارة الخارجية التابعة للسلطة التنفيذية أيضاً. إلا إننا نجد أن تدوين السياسة الخارجية الإيرانية وتنفيذها يقع كذلك وبشكل مباشر في نطاق صلاحيات المرشد (قائد الثورة)، والسلطتين التشريعية والتنفيذية معاً. ولعلنا إذا ما راجعنا الدستور الإيراني فيما يتعلق بهذا الخصوص لتأكدنا من تعدد مستويات التداخل نظرياً... وهذا تماماً ما قد يبدو من الشرح التالي:(52/75)
1- المرشد: المرشد أو "الولي الفقيه" هو أعلى سلطة في إيران، ووفقا لـ "ولاية الفقيه المطلقة"، فإن سقف صلاحيات المرشد لا تحدد حدود قانونية، وبالتالي فإن جزءا هاما من قرارات السياسة الخارجية يقع بشكل مباشر أو غير مباشر في إطار صلاحيات المرشد، والمادة "110" تنص على أن المرشد هو الذي يعين السياسات العامة لإيران بالتشاور مع مجمع تشخيص مصلحة النظام، ولعل السياسة الخارجية تعد جزءا من هذه السياسات التي تجب أن تحصل على موافقة المرشد.
2- رئيس الجمهورية: رئيس الجمهورية هو الشخص الثاني بعد المشد في سلم هرم السلطة الرسمي في إيران، وهو الذي يتولى وفقا للمادة "113" من الدستور مسئولية تنفيذ الدستور، وتنظيم العلاقة بين السلطات الثلاث، إضافة إلى رئاسته للسلطة التنفيذية.
أما فيما يخص صنع القرار الخارجي فرئيس الجمهورية يلعب دوراً مؤثراً في صناعة هذا القرار من خلال جملة الوظائف التالية:
أ - تعيين الوزراء ومن ضمنهم وزير الخارجية ( المادة 124، 122).
ب- التوقيع على المعاهدات والاتفاقيات والمواثيق التي تبرم بين الحكومة والدول الأخرى بعد المصادقة عليها في المجلس سواء رئيس الجمهورية بنفسه أو عن طريق ممثله القانوني (المادة 125).
ج - تعيين السفراء المقترحين من قبل وزير الخارجية، والتوقيع على أوراق اعتمادهم وكذا تسلم أوراق اعتماد سفراء الدول الأخرى (المادة 128).
3- مجلس الوزراء:
يتم تنفيذ السياسات العامة التي يحددها المرشد بالتشاور مع مجمع تشخيص المصلحة في شكل قرارات وقوانين عبر مجلس الوزراء، مع الأخذ في الاعتبار مسئولية كل وزير من الوزراء فيما يخصه من وظائف وواجبات، وتباعا فإن عملية قطع العلاقات الدبلوماسية وكذا تقليصها أو توسيعها تقع في نطاق صلاحيات السلطة التنفيذية.(52/76)
4- مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان): مجلس الشورى هو أعلى سلطة تشريعية في إيران، ويستطيع هذا المجلس إصدار وتشريع القوانين في إطار الحدود الواردة بالدستور ومع مراعاة المبادئ الدينية، هذا ويساهم مجلس الشورى في سياسة إيران الخارجية من خلال الصلاحيات التالية:
أ- يجب مصادقته على المواثيق والمعاهدات والاتفاقيات الدولية (المادة 77).
ب- يُحظر مجلس الشورى إدخال أي تغيير على الحدود الإيرانية وحتى وإن كان التغيير لا يضر باستقلال ووحدة الأراضي الإيرانية ويراعي المصالح القومية فمن الضروري مصادقة أربعة أخماس نواب المجلس (المادة 78).
ج ـ التصديق على المصالحة في الدعاوى المتعلقة بالأموال العامة، وفي الحالات التي يكون فيها أحد أطراف الدعاوى أجنبياً (المادة 139).
د- عمليات الاقتراض والإقراض ـ داخل إيران وخارجها ـ التي تجريها الحكومة يجب أن تحظى موافقة المجلس (المادة 80).
هـ- لا يجوز للحكومة توظيف الخبراء الأجانب إلا في حالات الضرورة وبعد موافقة المجلس.
و- يحق للمجلس مراجعة شئون إيران كافة بما في ذلك السياسة الخارجية قطعاً وفقا للمادة (76).
5 - مجلس صيانة الدستور (الرقابة على القوانين): وفقاً لصلاحيات هذا المجلس الواردة بالدستور تحت المادتين (94، 96)، يلعب مجلس صيانة الدستور دوراً مؤثراً هو الأخر في مراقبة السياسة الخارجية، وذلك من خلال تصديقه على القرارات التي يصدرها مجلس الشورى ومنها ما قد يتعلق بالسياسة الخارجية، للتأكد م مطابقتها للدستور والشرع.
6- مجمع تشخيص مصلحة النظام: الواقع أن هذا المجمع يعد جهة استشارية بالنسبة للمرشد واضع السياسات، لكنه رغم ذلك يحظى بمكانة حيوية بين اروقة صنع القرار في إيران. خاصة وأنه قد يفصل في الخلاف القائم بين مجلس الشورى ومجلس الصيانة، وقطعاً قد يكون هذا الخلاف حول مسألة تتعلق بالسياسة الخارجية.(52/77)
7- مجلس الأمن القومي والسياسة الخارجية: بموجب المادة (176)، من دستور إيران فإن مجلس الأمن القومي الإيراني منوط للقيام بالوظائف التالية:
أ - وضع السياسات الدفاعية والأمنية في إطار منظومة السياسات الموضوعة من قبل المرشد.
ب- العمل على التنسيق بين كافة الأجهزة المعنية فيما يتعلق بالشئون الأمنية والسياسات الداخلية والخارجية.
ج- الاستفادة الكاملة من الإمكانات الموجودة لدى إيران من أجل التصدي لأية تهديدات داخلية أو خارجية وكذا يدخل جزء هام من وظائف مجلس الأمن القومي في حيز العلاقات الخارجية.
8 ـ وزارة الخارجية: وفقا للدستور فإن السياسة الخارجية الإيرانية تقوم على الاستقلال الكامل، ووحدة أراضيها، والدفاع عن حقوق جميع المسلمين، وعدم الانحياز مقابل القوى المتسلطة (المادة 152)، وكذا يمنع عقد آية معاهدة قد تؤدي إلى السيطرة الأجنبية على الثروات الطبيعية والشئون الأخرى لإيران (المادة 153)، كما تستطيع حكومة إيران منح اللجوء السياسي إلى الذين يطلبون ذلك باستثناء الذين يعتبرون وفقاً لقوانين إيران مجرمين وخونة (المادة 155).
وهكذا لم تتضمن نصوص الدستور ولا لوائح مجلس الشورى على قيام وزارة الخارجية بتحديد توجهات السياسة الخارجية الإيرانية، ولعل المواد سالفة الذكر توضح ذلك، غير أنه قد ظُن أن وزارة الخارجية هي الجهة المعنية بصناعة القرار الخارجي، من قبيل المعتاد، بينما وبالنظر إلى هيكل السلطة الفعلي في إيران وصلاحيات المسئولين سنجد أن تنفيذ السياسة الخارجية هناك يقع على كاهل وزارات ومؤسسات مختلفة كلا حسب نطاق صلاحياته؛ فوزير التجارة يتدخل فيما يتعلق الأمر بالتبادل التجاري مع العالم الخارجي، بينما يتدخل وزير الدفاع حينما يتعلق الأمر بشئون التسليح، وكذا وزير الثقافة وغيره من الوزراء، كلا وفقا لوظائفه وصلاحياته.
وعلى أية حال، يمكننا رصد مهام وزارة الخارجية الإيرانية في النقاط التالية:(52/78)
أ- المتابعة والمراقبة الدائمة للأحداث الدولية والأوضاع الخارجية، وإعداد التقارير الخاصة بذلك.
ب- إجراء المباحثات مع الدول الخارجية والمنظمات الدولية.
ج- إقامة وتطوير العلاقات الخارجية مع الدول الخارجية.
د- مراقبة وتقيم أداء السفارات الإيرانية في الخارج.
تأسيسا على ما سبق، يمكننا القول إن بنية القرار الخاص بسياسة إيران الخارجية إنما هي محصلة تعامل معقد ومتشابك بين المسئولين في سلم هرم السلطة، ومن ثم فهناك تغييرات قد تطرأ على محتوى هذا السلم أو وقوع أية اختلافات بين القائمين على صناعة هذا القرار والمنفذين له فسرعان ما يؤثر على توجهات السياسة الخارجية الإيرانية.
ولعل المتتبع لعملية سير السياسة الخارجية في إيران خلال الثلاث عقود الأخيرة لسوف يلاحظ تراوحها بين الجدب تارة والمدى تارة أخرى وذلك انطلاقا من ذلك المحصلة نفسها التي ذكرنها، فإيران بعد الثورة، وتحديداً إبان فترة الحكومة المؤقتة بقيادة أبو الحسن بني صدر شهدت محاولات لإقامة علاقات خارجية تقوم على رؤى ليبرالية بحتة، ولكن سرعان ما دب الخلاف بين الحسن بني صدر والخميني، وحينما دانت الأمور للأخير، بدأت السياسة الخارجية تسير وفقا لمنظومة عرفت بمنظومة "خط الإمام" أي السير وفقا لتوجهات الخميني (وتحديداً وفقاً لنظرية ولاية الفقيه)، وهكذا رفعت السياسة الخارجية الإيرانية شعارات "اللاشرقية واللاغربية"، "والتولي والتبري" في نهجها.(52/79)
والحقيقة أن سياسة إيران الخارجية في تلك المرحلة اتسمت بالتوتر خاصة حينما راحت تتمحور حول مبدأ تصدير الثورة، وتعزيز العلاقات الإيرانية مع الحركات الإسلامية الناهضة في الدول الإسلامية أكثر من توطيد علاقاتها بالحكومات نفسها، ولكن بعد وفاة الخميني، وانتهاء فترة الحرب العراقية الإيرانية ومع تولي مقاليد حكم إيران التيار اليساري المعتدل أصبحت المصالح القومية تحتل الصدارة على قائمة أولويات السياسة الخارجية، ومن ثم شهدنا المرحلة الثانية من عمر السياسة الخارجية الإيرانية بانتهاج حكومة الرئيس محمد خاتمي سياسة نبذ التوتر في السياسة الخارجية، وكذا إقرار العلاقات الإيرانية مع جميع دول العالم باستثناء إسرائيل.
أما مع تولي الجناح الأصولي المتشدد بزعامة محمود أحمدي نجاد مقاليد الحكم فسرعان ما دخلت علاقات إيران مع العالم الخارجي مرحلة جديدة من التوتر مرة أخرى.
الجزء الثاني من الكتاب بعنوان "قضايا السياسة الخارجية الإيرانية" تناول أهم وأبرز القضايا التي شهدتها إيران منذ قيام ثورتها عام 1989، وحتى التسعينيات، حيث استعرض الفصل الأول منه السياسة الخارجية للحكومة الإيرانية المؤقتة، وأوضح مدى الفجوة التي كانت موجودة آنذاك بين الزعامة الدينية والقيادة السياسية والتناقضات التي ظهرت على السياسة الخارجية في ذلك الوقت من عمر الثورة. فبعد أسبوع واحد من قيام الثورة والإطاحة بنظام محمد رضا شاه قام الخميني بتعيين مهدي بازركاني أمين عام حزب "نهضة حرية إيران" في منصب رئاسة الوزراء للحكومة المؤقتة وهو الذي باشر أعماله وحدد مهام حكومته على النحو التالي:
- القيام بتنظيم وإدارة شئون البلاد.
- تنظيم استفتاء شعبي على تغيير النظام من ملكي إلى نظام جمهوري.
- تأسيس مجلس مؤسسين لتدوين الدستور.
- انتخاب مجلس لنواب الشعب الإيراني.(52/80)
جدير بالذكر أن بازركان قام باختيار أعضاء حكومته من أطياف الوسط ذات التوجهات الليبرالية، ولذلك فسرعان ما اصطدمت هذه الحكومة الليبرالية بالزعامة الدينية بقيادة الخميني والقوى الثورية الأخرى، وكانت أبرز صداماتهم؛ الخلاف حول أيهما الأكثر أهمية وإلحاحاً: جمهورية إيرانية أم جمهورية إسلامية.
ويؤكد الفصل الثاني بعنوان "احتلال السفارة الأمريكية"، أن قضية احتلال السفارة كانت من أبرز قضايا العلاقات الخارجية في تاريخ الثورة إبان تلك الفترة من عمرها حيث عرفت هذه القضية بالانقلاب الثاني نظراً لتداعياتها وآثارها السلبية على علاقات إيران الخارجية. فبعد قيام الثورة الإيرانية أعلنت الولايات المتحدة استعدادها استضافة الشاه المخلوع فقام الطلاب أعضاء الجمعيات الإسلامية (أتباع خط الإمام) باحتلال السفارة الأمريكية لدى طهران وأسر خمسة وستين من العاملين بالسفارة. تلك الأزمة التي دامت لأكثر من 444 يوماً الأمر الذي أفضى إلى تداعيات داخلية ومن جملتها إقدام الحكومة المؤقتة على تقديم استقالتها وأخرى خارجية وأهمها قطع العلاقات الأمريكية مع إيران.
أما الفصل الثالث بعنوان "الجذور التاريخية والسياسية لاعتداء العراق على إيرن" فقد تناول ظروف اعتداء العراق على الحدود الإيرانية، وبين كيف أن ثمة عوامل بعضها متعلق بالعراق وبشخصية رئيسها وبعضها كان يرجع لعوامل إقليمية ودولية استطاعت أن تلعب دوراً مؤثراً في الحرب المفروضة (الحرب العراقية الإيرانية).
وهكذا تناول الفصل الرابع قرار مجلس الأمن رقم 598. بعد أن استعرض أهم العمليات العسكرية والسياسية للجانبين والتي انتهت بقبول إيران وقف إطلاق النار والذي كان ـ على حد قول الخميني ـ بمثابة تجرع كأس من السم.(52/81)
وأخيراً جاء الفصل الرابع تحت عنوان "الثورة الإسلامية والنظام العالمي" والذي تناول أهم وأبرز ملامح النظام العالمي منذ الحرب العالمية الثانية وحتى أواخر التسعينيات، حيث أوضح مدى التأثيرات الجارية على الساحة العالمية بخاصة عقب انهيار الاتحاد السوفيتي وتحول النظام العالمي إلى نظام أحادي القطبية وتداعيات ذلك على مجريات الثورة وأهدافها في داخل وخارج إيران، حيث شهد العالم وإيران - في ظل النظام الجديد - فرض الهيمنة الأمريكية بما لديها م قدرات اقتصادية وعسكرية وسياسية مكنتها من احكام سيادتها على شعوب العالم وقطعاً الحكومة الإيرانية التي لطالما واجهت الهيمنة الغربية وسياساتها على شعوب العالم المستضعفة فقد واجهها الكثير من التحديات مع هذا النظام مما حال دون تحقيق أهدافها الخارجية وكذا وضع العراقيل أمام دبلوماسييها للقيام بالمهام المنوطة بهم على الصعيد الدولى.
في النهاية وما يجب التأكيد عليه هو أن هذا الكتاب يحظى بالأهمية ليس لمجرد أنه كتاب دراسي مقرر على طلاب العلوم السياسية ويبين المبادئ والأسس التي تقوم عليها سياسة إيران الخارجية فحسب وإنما نظراً لتوضيحه مدى أهمية الجانب الأيديولوجي في السياسة الخارجية الإيرانية وحجم تأثيرها على علاقاتها الخارجية سواء كان سلباً أو إيجاباً، ورأينا كيف أنها ظلت تحتفظ بمبدأ "اللاشرقية واللاغربية" حتى بعد سقوط الكتلة الشرقية وانهيار الاتحاد السوفيتي. وفي كل الأحوال، فإنه كلما زاد المؤثر الأيديولوجي للثورة الإيرانية على سياستها الخارجية كلما جاء هذا بالسلب على علاقاتها سواء الإقليمية أو الدولية.
مؤامرة!!
قالوا: إن هناك مؤامرة كبيرة على البصرة تقودها جهات خارجية وإن بعض أجهزة الشرطة المحلية ضالعة فيها، دون أن يذكرها بالاسم ولكن المراقبين يقولون إن المقصود هو إيران و الميليشيات المرتبطة بها وفي المقدمة جيش المهدي.
رئيس شرطة البصرة اللواء عبد الجليل خلف(52/82)
الوطن الكويتية 26/9/2007
قلنا: حاميها حراميها!!
من التشيع الناعم
قالوا: رفضت المملكة الأردنية الهاشمية طلب المجلس الأعلى لرعاية آل البيت في القاهرة بفتح مقر لصحيفة "صوت آل البيت – لسان المجلس ، وكان المجلس قد فوض بذلك المهندس الشريف علي محمود عودة .
موقع الكرار – المجلس الأعلى لرعاية آل البيت
12/9/2007
قلنا: هذا نموذج على التشييع الناعم الذي يتسلل بيننا دون أن ينتبه له الكثيرون!!
تحذيران!!
قالوا: التحذير الأول : "الكويت ستكون الضحية الأولى لأي توتر في المنطقة"، النائب حشمت الله فلاح عضو مجلس الشورى الإيراني .
والتحذير الثاني: " أن لا تمد رجلها أكثر من بساطها". النائب حسن كامران عضو مجلس الشورى الإيراني .
السياسة الكويتية
3/10/2007
قلنا: الكلام للكويت وأسمعي يا جارات !!!
حقيقة المتنصرون منا!!
قالوا: قرر 45 شابا جزائريا من ولاية بجاية ذات الأغلبية الأمازيغية العودة إلى الدين الإسلامي، بعد أن كانوا قد اعتنقوا المسيحية لعدة سنوات، إن ارتدادهم عن دينهم كان بإغراءات من عجوز اعتنق المسيحية أثناء فترة الاستعمار الفرنسي للبلاد. حيث وعدهم بالتكفل بأمورهم الشخصية من خلال ربط علاقاتهم بجمعية فرنسية مسيحية، ثم اكتشفوا أن العجوز كان "يكذب" عليهم، لمدة سنوات طويلة و أن كل الأمور كانت تسير ضد طموحاتهم، وهو ما دفعهم إلى اتخاذ "قرار نهائي" بالعودة مجدداً إلى اعتناق الإسلام??.
صحيفة "الشروق اليومي" 15-9-2007.
قلنا: ولكن كم من الجزائريين اعتنق الشيوعية والإلحاد عن قناعة وليس الجوع ولم يرجع؟؟
الإقتداء بالماركسيين!!
قالوا: أكدت دراسة أصدرها مركز الخليج للدراسات الإستراتيجية أن العوامل الدينية والأفكار الجهادية لا تكون مسؤولة وحدها عن ظاهرة "التفجيرات الانتحارية" حول العالم، حيث تبين أن 57% من هذه العمليات كانت تتبناها جماعات غير دينية أو علمانية أو ماركسية
العربية نت 27/9/2007(52/83)
قلنا: كم خسر العمل الإسلامي بتقليده للماركسية والماركسيين وأساليب عملهم !!
التشيع الناعم (2)
قالوا: إن زوجها محمد الدريني ابرم عقدا مع ( اتحاد الإذاعة والتلفزيون الرسمي) لكتابة حلقات مسلسل باسم "الفدائيون" انتهى منه بالفعل ويتكون من 60 حلقة، وكان يداوم على التردد على مبنى التلفزيون بالقاهرة، وللاتفاق على سهرات ومسلسلين آخرين باسم الغناية، ورحلة الأهوال ليقوم التلفزيون بانتاجها، وحصل على بطاقة دخول من أمن المبنى مثبت بها أن وظيفته "مؤلف".
منى كمال زوجة محمد الدريني العربية نت 1/10/2007
قلنا: ماذا سيدس الدرينى في هذه المسلسلات والسهرات من سموم؟؟
تمازج الكفر بالفحش!!
قالوا: أعلنت المغنية الأمريكية مادونا نفسها "سفيرة لليهودية" في العالم، وذلك بمناسبة زيارتها لإسرائيل في 12 سبتمبر الجاري، للاحتفال بالسنة اليهودية الجديدة. العربية نت 19 /9/2007
قلنا: متى يفهم شبابنا المخدوع أن الشهوات سفيرة الشبهات!!
الصوفية المتشيعة
قالوا: عقدت الطريقة" العزمية" ملتقى كبيراً دار حول سبل تفعيل دور الصوفي للنهوض بأمته ، وقد طالب الدكتور احمد شوقى الحفنى بأن يكون ملتقى "العزمية" قاطرة لعمل صوفي عملاق جدير بالذكر فإن الطريقة العزمية تصدت للوهابية بجدارة لا زالت تحصد نتائج مواقفها الغيورة على التصوف من العناصر المندسة في الطرق ومشيخة الطرق الصوفية والأزهر.
موقع الكرار – المجلس الأعلى لرعاية آل البيت
12/9/2007
قلنا: هذه من أكثر الطرق تعاوناً مع الشيعة، وهي باب شر لا بد من حربه قبل زيادة شره.
من مآسينا!
قالوا: أظهرت دراسة أعدها المجلس المصري لمحاربة الإدمان أن 8.5% على الأقل من المصريين - أي حوالي ستة ملايين نسمة- من مدمني المخدرات بكل أنواعها سواء المخدرات الطبيعية أو التخليقية، ونوهت إلى أن السواد الأعظم من هؤلاء يتراوح أعمارهم ما بين 15 إلى 25 عامًا .
موقع المصريون 3/10/2007(52/84)
قلنا: بين هؤلاء تنتشر دوماً الأفكار المنحرفة والضالة ، فالوقاية خير من العلاج .
ومأساة أخرى!!
قالوا: كشفت دراسة حديثة للمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية عن وجود 275 خرافة علي الأقل تتحكم في حياة المصريين وأوضحت الدراسة أن المصريين ينفقون أكثر من 10 مليارات جنيه سنوياً علي الدجالين وأن 63% من المصريين بينهم 20% من صفوة المجتمع يؤمنون بالخرافات .
صحيفة الراية القطرية23 - 9 - 2007
قلنا: هذا مما يؤكد أهمية الجهود التي تبذل لحرب الشرك والخرافة وحاجتنا إلى المزيد منها، ولا نلتفت لكلام العلمانيين واليساريين والسذج من المسلمين الذين يهونون من هذه الجهود المباركة في نشر دعوة التوحيد .
المذهب الذكري ونشأته في بلوشستان
عبد الرشيد البلوشي
مجلة الفرقان 10/9/2007
نبذة تاريخية عن بلوشستان:
دخل الإسلام في بلوشستان في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة 23 للهجرة وكتيبة المجاهدين كانت في المنطقة، ثم كتب صحار العبدي عن أوضاع هذه المنطقة إلى عمر رضي الله عنه وقيل إلى عثمان رضي الله عنه فقال: (ماؤها وشل، وثمرها دفل، ورجالها بطل إن قل الجيش ضاعوا، وإن كثروا جاعوا، وما وراءها شر منها). فاستحسن عمر رضي الله عنه رأيه، وأمر بعدم تقدم الجيش.
ثم في خلافة عثمان رضي الله عنه عين بعض العمال لتبليغ الدين، فكان منهم محمد بن هارون، فقال بعضهم: إنه كان من شمال بلوشستان، واعتبره البعض من العرب، وهذا الرجل عاش إلى عهد محمد بن قاسم رحمه الله وشاركه في جهاده وكون جيشا كبيرا والتحق به، ثم توفي بمنطقة لبيله (مدينة في بلوشستان - بباكستان) وقبره موجود هناك. والحاصل أن بلوشستان (واسمها القديم مكران) كانت جزءاً من دولة الإسلام في خلافة عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، ثم صارت بابا للإسلام وطريقا لفتح بلاد السند والهند.
مؤسس هذا المذهب وتاريخ ظهوره:(52/85)
اتفق المسلمون، وكذلك الفرقة الذكرية بأن مؤسس هذه الفرقة هو شيخ الضلالة محمد أتكي البنجابي، وكان ظهوره في ولاية بنجاب بانك (كملبور حاليا) في الهند، كما يقول محمد قصر قندي في شعر له (بلغة الفارسية) وهو كان زعيما للقوم. فيقول وفي سنة 977 بعد أحمد يعني هجرة محمد، كان ظهوره في الهند وفي مكان غير معلوم، ويروون في ذلك رواية كاذبة: أن أبا بكر سأل رسول الله، ومتى يكون خروج المهدي؟ قال: ( قد يأتي بعد مماتي من بلاد الهند في سنة 977، اسمه كاسمي واسم أبيه كاسم أبي ) وهذا يخالف عقيدتهم بأنه نور لم يلد ولم يولد. ومن الغريب والدليل الواضح على كذب هذا المتنبي بأنه رجل بنجابي جاء من الهند وأتباعه كلهم من البلوش ولا يوجد من بني جنسه من اعتنق هذا المذهب (الذكري) والله يقول: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [إبراهيم:4]. علما بأنه قد اعتبر بعض المؤرخين، وكذلك بعض الكتاب المعاصرين أصل البلوش ونسلهم من العرب، كما جاء في "فتوح البلدان" للبلاذري وكتاب "دائرة المعارف الإسلامية"، وكتاب "بلوشستان ديار عرب"، "وبلوشستان قوس الخليج"، وغيرها، وعاداتهم ولغتهم وتقاليدهم تؤيد ذلك.
واللغة البلوشية هي أقرب لغة إلى اللغة العربية، والحروف الهجائية هي نفس الحروف العربية، بزيادة الحروف ب. ج. ك وردت إليهم من المناطق المجاورة.
وصوله إلى بلوشستان وادعاءه النبوة:(52/86)
ولقد أخبر الرسول وهو لا ينطق عن الهوى عن هؤلاء الدجالين، وحذر أمته من شرهم وأشار أن الفتنة من الشرق، كما جاء في صحيح البخاري، كتاب الفتن. فقد روى مسلم من حديث ثوبان رضي الله عنه بأن رسول الله قال: ((وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون كلهم يزعم أنه نبي وأنا خاتم الأنبياء ولا نبي بعدي)) [رواه الإمام مسلم في الفتن، وأبو داود في الفتن والملاحم].
وجاء عن ابن عمر رضي الله عنه قال، سمعت رسول الله يقول: ((إن في أمتي نيفاً وسبعين داعياً كلهم داع إلى النار لو أشاء لأنبأتكم بأسمائهم وقبائلهم)) وهذا إسناد لا بأس به،[النهاية في الفتن والملاحم 1/81].
وذكر الشيخ أبو القاسم رفيق الدلاوري بحثاً مختصراً في هذا الموضوع، وبيّن فيه أئمة التلبيس من مسيلمة الكذاب إلى ميرزا غلام القادياني نحو سبعين شخصاً، ولكنه غفل عن هذا المتنبي الأتكي الكذاب، (ذكرى مسألة تأليف عبد الحق البلوشي ص: 54).
قال الدكتور ضياء الحق الصديقي في موضوع قدوم هذا الكذاب إلى بلوشستان، قد اشتهر بأن رجلا باسم ملا محمد سافر من بلاده أتك (من ولاية بنجاب في الهند) للحج، ثم ألقى الشيطان في أمنيته بأنه نبي مرسل، وعند عودته من الحج مر إلى بلاد الشام والعراق وإيران، ولم ير مصلحة لإظهار نبوته في تلك البلاد، لوجود العلماء، ولما وصل إلى مدينة تربت – ببلوشستان – ووجد في أهلها الجهل والأمية، وجد ضالته فجلس في غار عند جبل مراد، واشتغل بالعبادة وادعى بأنه مهدي منتظر ولما اشتهر بين الناس ادعى النبوة ثم كتب كتاباً ووضعه داخل شجرة ثم ذهب إليها مع مريديه وأخرج الكتاب، وادعى أنه وحي من روح الأمين وتنزيل من رب العالمين. (نقل من كتابي) "الدر الثمين في سيرة سيد المرسلين" ( 1/232). وسمى كتابه هذا "كنز الأسرار، وبرهان التأويل".
…بعض عقائد الذكرية:(52/87)
إنهم يعتقدون بأن نبيهم كان طاهراً، وهو نور الأولين والآخرين، وهو شافع في المحشر، وخاتم الأنبياء والمرسلين وسيدهم جميعاً، وهو صاحب تأويل القرآن، ونور رب العالمين، وصاحب الكوثر، وجاء في كتاب "سير جهاني" للاتكي، إنه في يوم القيامة شهيد للأمة، وشفيع لسبعة وسبعين نبياً، وهو صاحب الشفاعة، ولا يقبل شفاعة غيره من الأنبياء والمرسلين عند الله تعالى، وهو المراد بقوله تعالى: [فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا].
…ويعتقدون بأنه كان نوراً ذهب بالملأ الأعلى ولم يأكل من مأكولات الدنيا من حين ظهوره إلى اختفائه إلا منا واحدا من لبن الجنة، وعشرة أمنان من طعام الجنة وفواكهها، ولم يلتفت إلى طعام الدنيا ومائها. [مهدي نامة ص38]. قال المهدي (الأتكي) (إن الله خلق الخلق من نوري) [سفرنامه ص3] لعزيز اللاري، وهو نور الدنيا والآخرة، قالوا إن موسى قال لله تعالى: (هل تخلق بعد المهدي رسولاً آخر، قال الله لا أخلق نبياً بعده، وهو نور الأولين والآخرين) [رسالة موسى ص99] (نسخة مخطوطة) (وقد صرح بأن الله خلق كل الكائنات من نوره) [سفر نامه مهدي ص3]، ويعتقدون بأن نبيهم جالس على كرسي أمم الله تعالى ويدافع عن أمته.
ذكر بعض العبادات لهذه الفرقة:
1- الشهادة: اتفقت الذكرية بأن: كلمة الشهادة عندهم: هي لا إله إلا الله نور باك (الطاهر) محمد مهدي رسول الله.(52/88)
2- الصلاة: هي عبادة تشريعية، والشارع عندهم نبيهم محمد المهدي فهو مشرع للأحكام وناسخ لمذهب الإسلام، فلذلك نسخ المذكور الصلوات الخمس، وبدلها بالذكر (لا إله إلا الله) يرددونها في أوقات ثلاثة بصوت عال، عند الظهيرة وبالليل وعند طلوع الفجر، فالصلوات الخمس لا تجوز، وصلاة الجمعة والعيدين كفر، وضلالة، والصلاة عندهم بمعنى الرحمة والإحسان. وكذلك يذكرون في منتصف الليل، وعند غروب الشمس، ويذكرون فيها منفرداً لأنه ليس بواجب، إلا في الأوقات الثلاثة المذكورة. الركن الثاني - السجدة، ثم يسجدون ويدعون ببعض الأدعية، ولا يشترط استقبال القبلة بدليل: (فأينما تولوا فثم وجه الله).
3- الصوم: والصيام في رمضان منسوخ عندهم، كما هو موجود في أقوال المهدي (ص4)، و"سير جهاني" (ص168)، ولكنهم في الجملة يعتقدون بالصوم ويعتبرونه طاعة، ولضعف ثقافتهم لا يوجد لديهم استعمال الفرض والواجب والسنة، ويلتزمون بصوم العشر الأولى من ذي الحجة، وكذلك يصومون أيام البيض وكل يوم الاثنين، وعدد صيامهم في السنة نحو 98 يوما، علماً بأنهم لا يعتقدون بالسحور، بل يصومون ليوم واحد نحو 24 ساعة.
4- الزكاة: ونظام زكاتهم قريب من نظام الفرقة الباطنية والإسماعيلية، وجاء في كتابهم القصص الغيبي (الغيبية) "ويزعمون أنها أحكاماً للمهدي، أنه يجب على أمة محمد العشر، ولكنه من يعمل بشريعة المهدي عليه السلام فالواجب عليه بأمر المهدي الحصة السابعة من جميع ماله للعلماء والفضلاء، ومن يعمل بعلم الطريقة بدين المهدي فلا بد أن يدفع خمس ماله" [القصص الغيبي ص48]، علماً بأنهم لا يفرقون بين الأموال النقدية والمزارع والمواشي، وكذلك لا يشترط النصاب عندهم، ويوجد في مذهبهم بيع الجنة وإعطاء صكوك الغفران، كما كان يفعل ذلك البابا بالمسيحيين.(52/89)
5- الحج: وحج بيت الله من أركان الإسلام، ولكن بدله هذا النبي المزعوم إلى الحج بجبل المراد، (بمدينة تربت) حيث أن نبيهم المزعوم قد أقام هناك عشر سنوات، وهذا الجبل مشهور باسم خليفة نبيهم، والمجدد الأول لهذا المذهب كان اسمه مراد، وهذا المكان هو المقام المحمود عندهم، وموضع الشفاعة لنبيهم في يوم القيامة، فلذا يجب زيارته. [نور تجلي ص41].
وهناك أماكن ومقدسات عندهم، مثل الكوثر، وشجرة طوبى، والصراط، وعرفات، وشجرة (كهور) عند جبل مراد وغيره يقومون بهذه الأعمال، مثل الطواف والسعي والوقوف، والأضحية وغيرها ويتعين لحجهم يومان فقط، يوم التاسع والعاشر من ذي الحجة.
معجزاته: ذكروا أنه ضرب مرة عصاه بالأرض فخرج الماء، ثم ضربه مرة أخرى فخرج اللبن، وكان هذا من تلبيسه حيث كان قد دفن قرباً من الماء، وقربا من اللبن في هذين المكانين، وأما كتبهم فأكثرها مخطوطة وبلغة الفارسية.
جهاد الشيخ عبد الله رحمه الله معهم في بلوشستان الإيرانية : ثم إن كثيراً من هذه الفرقة كانوا يسكنون في بلوشستان الإيرانية، وكان الشيخ يدعوهم إلى الإسلام فأسلم بيده أحد علمائهم البارزين، وبني مسجداً في قريته، فأساءوا هؤلاء على النبي، وعزموا بهدم المسجد، فنصحهم الشيخ وكان أكبر عالم في المنطقة، فلم يقبلوا، فبين الشيخ في خطبته الجمعة هذه الإساءة وخطرهم على المسلمين، وشجع المسلمين على الجهاد فانضم إليه المسلمون وقاتلوهم فقتل زعيمهم ففروا إلى بلوشستان - بباكستان - ومن ذلك الوقت قد طهر الله هذه المنطقة من رجسهم، وهم يعيشون في بلوشستان تابع باكستان والكراتشي ومنطقة السند.(52/90)
أداء العمرة في 27 رمضان : ولما انتصر عليهم الأمير نصير خان النوري رحمه الله منعهم من أداء الحج وسلب منهم الحريات الدينية، ولكن بعض علمائهم كانوا يؤدون العمرة عند مقدساتهم بالخفية، ثم بعد احتلال الإنجليز المنطقة عادت لهم كل الحريات إلى يومنا هذا، فهم يحجون في ذي الحجة ويعتمرون في تاريخ 27 من رمضان بغير صيام وقيام، بل يجعلون هذا اليوم عيداً لهم فيأكلون ويتمتعون. والمسلمون لا يتحملون هذا الاجتماع الكبير في حالتهم المذكورة فيتضاربون ويتقاتلون، والمسؤولون يتفرجون ويميلون إليهم بسبب أخذهم الرشوة.
فالواجب على حكام المسلمين والجمعيات الدينية والجماعات الإسلامية المطالبة من الحكومة الباكستانية بمنع هذه الفرقة الضالة عن الحج والعمرة في هذا المكان وجعلهم أقلية غير إسلامية، كما كانوا في عهد الأمير النوري رحمه الله، وأن يكتب بجوازاتهم غير مسلم حتى لا يسمح لهم بالدخول في الأماكن المقدسة عند المسلمين ويمنعون من الزواج بالمسلمات، لعل هذا يجعلهم يفكرون في تغيير موقفهم.(52/91)
كما يجب على علماء المسلمين ودعاة الحق وحماة الشريعة دعوة هؤلاء الكفرة وغيرهم إلى الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة وبالأخلاق الفاضلة الحميدة وتقديم صورة صحيحة للإسلام والقيم الإسلامية بأسلوب حكيم مراعاة لأصول الدعوة بالصدق والإخلاص والشفقة والرحمة والحلم والرفق واللين والتواضع والاعتدال والثقة بالله والتدرج بالدعوة والبدء بالأهم فالأهم قال الله تعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125]. وقال أيضا: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف:108]. وقال: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159]. وقد بعث الله جل وعلا موسى وهارون عليهما الصلاة والسلام إلى فرعون وهو أطغى الطغاة ادعى الألوهية والربوبية، وأمرهما بقوله: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44].
وأما التشديد والغلو والعنف والتطرف، فهذه أمور تخالف الإسلام وتعارض مع أسلوب الدعوة وتتسبب في التنفير عن الإسلام وتقديم صورة سيئة له، بل أنها تخالف منهج الأنبياء والمرسلين والدعاة المخلصين الصادقين، علما بأن الرسول كان يتعامل مع أعدائه بالشفقة والرحمة والحلم والرفق والعفو ملأ قلوب الناس علما وحكمة ومعرفة، طالبا من المسلمين الاقتداء به والسير بسلوكه ونهجه وسنته، فالإسلام انتشر بالحق والحكمة وليس بالسيف كما يزعم أعداء الإسلام الذين يريدون تشويه الدين والإساءة للرسول الكريم ظلما وعدوانا. والله الموفق وهو الهادي إلى سبيل الرشاد. وصلى الله على نبينا محمد رحمة للعاملين وخاتم الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.(52/92)
لماذا تعادي الهندوسية المسلمين
عبدالله مدني
الفرقان الكويتية 1/10/2007
بعد اندحار البوذية في شبه القارة الهندية ظهر الإسلام منقذاً للشعب الهندي ولاسيما لدى الطبقات المقهورة حسب التقسيم الطبقي للهندوسية، ثم ازداد إقبال الناس على الإسلام في العقدين الثاني والثامن من القرن العشرين، وكان زعماء الهندوسية يزعمون أن المسلمين ينصهرون في نظام الطبقات السائد في البلاد، ولكن الأحداث جاءت خلاف ما زعموا، وتهيأت الظروف لانتشار الإسلام، مما شكل خطراً كبيراً على الهندوس العنصريين، ومن هنا بدؤوا يعادون المسلمين ويحاربون الإسلام.
وتتلخص عوامل هذا العداء في النقاط التالية:
1-…أن مسلمي الهند لم ينصهروا في نظام الشرك السائد في البلاد، بل حافظوا على كيانهم بوصفهم طبقة داعية إلى الله.
2-…تحولت الطبقات (المقهورة) الخاضعة للعنصريين إلى الإسلام بسرعة فائقة.
3-…حدثت صحوة سياسية قوية في الطبقات المقهورة حتى بدأت تجاري العنصريين في الوصول إلى السلطة.
4-…أقلقت الصحوة الإسلامية في البلاد الإسلامية والعربية، واندحار بعض القوات العالمية على أيدي المسلمين - جميع العنصريين - وحملتهم على التجمع ضد مد الإسلام.
5-…أن العنصريين كانوا يريدون سيطرة الحضارة الهندوسية القديمة، ولكن المسلمين لم يستجيبوا لهذه الإرادة بل قدموا حضارة إسلامية أمثل بدل الحضارة الوثنية المضللة، وحيث إن الحضارة الإسلامية كانت تحمل مبادئ سامية للعدل والمساواة والتوحيد والرسالة فإن العنصريين شعروا بنوع من النقص والقصور في حضارتهم، وقد ولّد هذا الشعور فيهم العداء ضد المسلمين.
6-…أعضاء الهندوسية يتخوفون من أن تبقى الديمقراطية في صورتها الصحيحة؛ لأن المسلمين بذلك لا يمنعهم شيء من الوصول إلى السلطة، وبعد هذا الشعور ظهر التقارب بين حزب المؤتمر وحركة آر. اس. اس وهذا التقارب لمسه جميع الناس في السنوات الماضية القريبة.
تمويه وتشويه:(52/93)
إن الحركات والمنظمات التي تتكون لتحقيق الأغراض السياسية والمادية، لا لخدمة الكائن البشري، تستخدم لذلك وسائل شتى، وتوحي دائما بأنها تهدف إلى خدمة البشرية فحسب، ومن هذه الوسائل الإغراء وإثارة العصبيات وإذكاء نار العداوة في القلوب، وتفريق صفوف الناس وإشغالهم بتوافه الأمور حتى لا يتمكنوا من النظر في إصلاح أحوالهم وتحسين أوضاعهم، ولكي لا تسنح لهم فرصة اختبار إخلاص الزعماء.
وهذا هو حال الحركة الهندوسية في العصر الراهن؛ حيث إنها تكونت بدافع من الأغراض السياسية والمادية ووجد زعماؤها الحكم الإسلامي في الهند يمتاز بالاتحاد بين المسلمين والهندوس، فالحكام المسلمون لم يفرقوا بين الشعب المسلم والشعب الهندوسي، وعاملوهم على قدم المساواة، إنهم لم يأتوا إلى الهند بدافع من العصبيات الدينية، ولا دخلوا في الحروب مع الحكام الهندوس بالعوامل الدينية، بل نرى فوق ذلك أن الحكام المسلمين حينما قاتلوا مع الحكام الهندوس كان جيش الفريقين يضم المقاتلين من المسلمين والهندوس على السواء، ومن هنا دلل الباحثون على أن هذه الحروب نشأت لأغراض أخرى غير دينية، وأن ذلك العصر كان في الحقيقة عصر الحياد الديني، وأن مثل هذا الحياد لم يوجد في العصر الاستعماري ولا في الهند المستقلة.
ولكن الحركة الهندوسية شوهت محاسن ذلك العصر وصورته بالعصر الذي تقوى فيه العصبية وتضيع فيه الحقوق، وتكثر المشاجرات وتهدر الكرامات، كل ذلك لتحريض الهندوس ضد المسلمين، ولإيجاد التباغض والتنافر بين الناس حتى تظهر أهمية الحركة الهندوسية بين الهندوس، وأنها جاءت لإنقاذ ديانة الهندوس التي تعرضت لأنواع من الخطر على أيدي المسلمين.
الاعتداء والتحدي(52/94)
أتباع الهندوسية سائرون في طريق العدوان والعنف منذ البداية ولكنهم كانوا يخفون اتجاههم العدواني حرصاً على سمعة الحركة وحفاظاً على المصالح التي يعرفونها، وبعد نجاحهم في هدم المسجد البابري تخلوا عن التظاهر بالسياسة السلمية وكشفوا القناع عن الوجه الحقيقي للحركة، فبدؤا يفتخرون بالقوة، ويوجهون التهديد إلى المعارضين وخاصة المسلمين، نرى ذلك واضحاً في تصريح لأحد أعضاء الحركة وهو (إيج وي شيشادري) حيث يقول: تواجه اليوم القيادة المسلمة وضعاً جديداً، إنها كانت تمارس الضغوط على الزعماء السياسيين، ولكنها تواجه الآن قوة هندوسية واعية، وقد تأكد لديها الآن أن التعالي على الآخرين والتظاهر بالسيوف اللامعة لا ينفعها البتة إذا قررت الصدام مع الهندوسية.
موقف الهندوسية من النصرانية والإسلام
دخول الهندوس في الديانات الأخرى من النصرانية والإسلام كان ناشئاً عن عجز الديانة الهندوسية عن تلبية حاجات العصر وإقناع الأتباع الذين يعيشون في عصر تقدم العلوم والتكنولوجيا، وعن وجود المحاسن العديدة في الإسلام والنصرانية التي كان الهندوس يتطلعون إليها، ولما حدث احتكاك الهندوس مع غيرهم في الدول العربية وسنحت لهم فرصة دراسة الإسلام ومبادئه وشرائعه في الهند؛ دخل عدد كبير من الناس في الإسلام في القرن العشرين. وقد أقلق هذا الوضع المتطرفين من الهندوس، لا سيما الذين كانوا يهدفون إلى أغراض سياسية واقتصادية، ومن هنا نشأت الحاجة إلى تنشيط الهندوسية من جديد، وإلى تعزيزها بالوسائل المادية والعلمية.
ومما يلاحظ أن الهندوسية اتجهت في عصرها هذا إلى استخدام القوة والعنف كما نرى في هدم المسجد البابري والأحداث التي تلته.(52/95)
ومما يرضي الكتلة الهندوسية كثيراً أن يشعر المسلمون بوصفهم جماعة بنوع من الخوف والقلق، وأن يروا أنفسهم محتاجين إلى كرم الأغلبية وعطفها، وألا ينظروا إلى كيانهم بوصفه أمة، وألا يتعاطفوا مع إخوانهم المسلمين في العالم، ويقدموا الاعتذار عن الحكم الإسلامي في الهند، ويلتزموا نحو الشخصيات التاريخية موقف الهندوسية من الحب والإعجاب أو الكره والنفور، وأن يتركوا من الملابس والأزياء ما يمنحهم نوعاً من الترف، ويقدموا التحية بقبض اليدين أمام الجبهة المنحنية، وأن يختاروا من الأسماء ما يثبت انتماءهم إلى الهندوسية، وألا يؤذنوا بمكبرات الصوت، وأن يتخلوا عن أحكام الشريعة الإسلامية في الوراثة والنكاح والطلاق، ويخضعوا للقانون المدني الموحد، ويدافعوا عن وحدة الأزواج وتحديد النسل، ومن يوصي منهم بإحراق جثته بعد الموت فإنه يستحق الثناء الأكثر.
ونعرف باستعراض أحوال المجتمع الهندي في العصور الوسطى أن المسلمين دخلوا في الهند وأسسوا فيها الحكم قبل بداية القرن الثالث عشر الميلادي، وحيث إن الشعب كان يعاني الطبقية والعنصرية، فإنهم رحبوا بالمسلمين الذين كانوا يعاملون بالمساواة ويؤمنون بالتوحيد، وبعد قتال الكشتريين للمسلمين انهزموا لفقد حماية الشعب.
وقد صرح المؤرخون بأن نظام الطبقات عده ديناً مقدساً والإصرار على تطبيقه بشدة، هو الذي حبب الإسلام إلى الناس، وجعلهم يدخلون فيه أفواجا، ولكن الهندوسية المتعصبة تزعم أن الحكومات المسلمة أجبرت الناس على قبول الإسلام، والواقع أن هذا الزعم باطل، والباعث على نشره وترديده هو التودد إلى الناس وتحريضهم ضد المسلمين.
أدركوا أفغانستان ...
هل العرب يترقبون عراقاً آخر في أفغانستان و باكستان؟!
الدكتور شاه نظر وزيري، عضو هيئة العلماء - بيشاور(52/96)
بدأ النشاط الراديكالي الشيعي المتعصب يأخذ شكلاً جدياً في المنطقة؛ فالجامعات الشيعية والأجنحة الدعوية تحت إدارة مكتب مدينة قم ومدينة مشهد ووزارة إرشاد الإيرانية والآيات الأحرار لهم صولات وجولات على أرض الأفغان ولا رقيب عليهم وليس هناك من يحاسبهم، وكأن البلد بلدهم، وهم صناع مستقبله. وفي أعقاب الهجوم الأمريكي والتغيرات التي طرأت على أفغانستان يشهد هذا البلد تنامياً ملموساً للدور الشيعي في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والتعليمية والاجتماعية والإعلامية وغيرها يسير بخطى مدروسة وبصورة منظمة وبدعم خارجي.
إن الشيعة في أفغانستان وبدعمٍ خارجي سواءً حكومي وشعبي من إيران أكثر فاعليه في القطاع الإعلامي، فعلى سبيل المثال ثمانية من القنوات التلفازية في البلاد يملكها الشيعة مثل قناتي طلوع ولمر الذي يملكها الشيعة الإسماعيلية بدعمٍ وتمويل مباشر من زعيم الطائفة الإسماعيلية كريم أغاخان، وقناتي آريانا الوطني وآريانا العالمية اللتان يملكهما رجل أعمال شيعي أحسان بيات، وأما القناة الأخرى اسمها تمدن أي الحضارة فهي في طور الإنشاء، وقناة البصيرة التي أطلقت قريباً ويشرف عليها المرجع الشيعي المشهور آيت الله آصف محسني.
أما عن المؤسسات الإعلامية الشيعية والجرائد والمجلات الأسبوعية والشهرية والفصلية فحدث ولا حرج وبناءً على مسحٍ ميداني قام به أحد المشتغلين بالإعلام في كابل قريب من نصف الجرائد والمجلات الموجودة في السوق تصدر من قبل الشيعة. وقد حرص الشيعة بدعمٍ من إيران وغيرها من الدول بالعمل في قطاع السينما والدليل على ذلك أن في المهرجان السينمائي الذي أقيم الصيف الماضي في كابل كان للأفلام السينمائية التي أنتجها المخرجون الشيعة نصيب الأسد .(52/97)
وكذلك الأمر في باكستان، وقد أشار الأستاذ الدكتور جمال إسماعيل شاه في مقال له نشر في بعض المجلات والمواقع العربية في حينها إلى خطورة ما يمارسه القوم إلا أن الكلام لم يجد من يصغي له، وها نحن نحذّر الحكام العرب والباكستانيين بشكل عام، وأصحاب القرار السياسي في المنطقة بشكل خاص أن هذه السياسات الشيعية إن كتب لها النجاح - لا قدر الله - لا بد وأن نترقب عراقاً آخر، ودماء أخرى يريقها الشيعية المتعطشة بالدماء على أراضي هذه البلاد. وسوف يعيد التاريخ نفسه وسوف يتطاول الشيعة سواء على دبابات الاستعمار أو على دباباتهم هم إلى النفط العربي وإلى الكراسي التي لم يحفظ عليها أصحابها كالرجال، ولا شك أنهم سوف يبكون عليها كالنساء!
ثم إنني أؤكد أن الأمر لم يخرج من أيدينا بعد، ويمكن أن يتداركه ذوي الشأن باتخاذ الإجراءات التالية:
أولاً: تربية كوادر متخصصة في العربية من الباكستانيين والأفغان في الجامعات العربية، ولابد لهؤلاء الطلاب الذين يبعثون إلى البلاد العربية أن يكونوا يحملون شهادات الثانوية الحكومية من باكستان - على الأقل - للدراسة في مرحلة الليسانس. وعلى الشهادات العالية والعالمية الحكومية للدراسات العليا. ولابد أن يشترط في هؤلاء الطلاب إجادة اللغة الإنجليزية أو على الأقل يؤهلوا لإجادتها قبل التفرغ للعربية!
ثانياً: التشجيع والدعاية للدراسة في كلية اللغة العربية وأصول الدين بالجامعة الإسلامية العالمية بإسلام آباد، بوضع منح دراسية تقدم إلى طلاب السنة من قبل المؤسسات الباكستانية الأهلية كالرشيد ترست والخدمت فونديشن وغيرها، ويشترط عليها الإشراف الجاد على مسيرة تعليم الطالب.
ثالثاً: ترتيب دورات تدريبية خاصة لطلاب كليتي اللغة العربية وأصول الدين في مجالاتهم التخصصية في باكستان وفي خارج باكستان.
رابعاً: إرسال أساتذة متخصصين من العرب ممن يهمه واقع العالم العربي ومستقبله إلى هاتين الكليتين.(52/98)
خامساً: جلب طلاب السنة الذين أكملوا الليسانس في هاتين الكليتين للدراسات العليا إلى البلاد العربية.
سادساً: ترتيب دورات تربوية علمية لطلاب الدراسات العليا في البلاد العربية كديبلوم في الأدب أو في اللغة أو في طرق التدريس لمدة سنتين أو أقل.
سابعاً: إنشاء مراكز لتعليم اللغة العربية تحت إشراف جاد من قبل المؤسسات العربية.
وهناك الكثير من الطرق التي يمكن أن يواجه بها هذا الخطر الداهم... أقلها الحركة.... ولا ينفع البكاء والعويل وضرب الكف على الأخرى وإظهار الأسف والتأوّه.... ولاسيما وقد رأينا مجموعة من طلاب الشيعة الذين تخرجوا في كلية اللغة العربية في هذا العام سجّلوا للدراسات العليا في كلية أصول الدين!!
وهذا يعني سيكون لدينا بعد خمسة أعوام فقط مشايخ في الحديث والفقه والتفسير ومقارنة الأديان يفتون السنة في شئون دينهم وهم شيعة اختفوا وراء أقنعة «التقية». وسوف يظهرون على القنوات الفضائية وعلى المواقع في الشبكة العنكبوتية وهم يرتدون عباءة السنة ولا يُعرف حقيقتهم!! ويرى المراقبون أن التنامي المتعاظم لنفوذ الشيعة وقوتهم في أفغانستان وباكستان يكون له انعكاسات خطيرة على دول المنطقة في المستقبل يؤٌدي إلى نشوب اضطرابات وفتن وتجاذبات سياسية واجتماعية يراد منها زعزعة الأمن والاستقرار لخدمة أهداف استعمارية حاقدة . فيا أمة الإسلام .. ويا أمة العرب...! إذا لا تأخذكم نخوة الإسلام ولا تحرككم غيرة الدين فعلى الأقل تحركوا لمصالحكم ومستقبلكم قبل أن تفوتكم الفرص!!
وإليكم مقال الأستاذ الدكتور جمال إسماعيل شاه:
اللغة العربية مطية السياسات الشيعية في باكستان!!(52/99)
تفاجأت كلية اللغة العربية بالجامعة الإسلامية العالمية بإسلام آباد في عام 2004م بعدد بلغ 40 طالباً شيعياً تقدموا للدراسة في هذه الكلية، - لأول مرة في تاريخ الأقلية الشيعية في باكستان -، ثم تتابع الأمر إلى أن تجاوز عددهم 80 طالباً، بعدما كاد أهل السنة يزهدون في الكلية لأسباب ترجع إلى:
1.…عدم قدرة الكلية على توعية الطلاب لصناعة فرص للعمل.
2.…مستوى الكية الدنيء في اللغة، فالطالب يتخرج وهو ولا يتقن العربية.
3.…التعامل الإداري السيئ، ولاسيما في ظل العمادة الحالية.
4.…ضعف مستوى الأساتذة الذين عينوا على أكتاف الوساطات والرشاوي و...
كانت الحكومة الإيرانية دوماً حريصة على أن تجد لها مجالاً للنشاط في وسط هذه الجامعة لما لها من صلة وثيقة بالعالم الإسلامي ولميزة العالمية فيها، ولكن القيادة الواعية السابقة في الجامعة كانت تحول بينهم وبين مآربهم، فوجدوا أن أفضل طريقة للوثوب إلى أهدافهم هي الركوب على أكتاف الأجنحة الشيعية الباكستانية الموالية لهم.
فانطلقوا صوب كلية اللغة العربية لما لها من الأهمية البالغة التي يجهلها - مع الأسف - كثير من قيادة الجامعة والوسط الإسلامي بوجه عام والوسط الرسمي بشكل خاص. فقد تجاوز عدد طلاب الشيعة - الموالين للأجنحة الراديكالية في الحكومة الإيرانية - نصف طلاب البنين في الكلية، ولهم سكن خاص بهم ومواصلات ورعاية خاصة، فهم يدرسون العقيدة الشيعية والدروس الدينية في سكنهم ويؤهلون في المواد العصرية ويدخلون في الامتحانات الحكومية للحصول على شهادات في مختلف التخصصات من الجامعات المفتوحة. كما أن لهم دروس خاصة لرفع مستواهم اللغوي تعقد في سكنهم الخاص. فالجهة التي تربيهم لأهداف خاصة تعتني بهم أشد العناية وتمنعهم من الاقتراب بسائر الطلاب ومن الاحتكاك بالجو الطلابي العام لئلا يتأثروا بالبيئة فتفسد سياساتهم. أما أهم النقاط التي يرمون للحصول عليها هي:(52/100)
ملء الفراغ الدبلوماسي الباكستاني في المنطقة. فباكستان سوف تبقى جزءاً من العالم الإسلامي وبحاجة إلى صلات وثيقة مع العالم العربي. وسفارات الدول العربية في باكستان وسفارات باكستان في تلك البلاد بحاجة إلى من يتقن اللغة العربية ومن يخوض هذا الميدان سوف يستطيع أن يؤثر في مجرى الصلات بين باكستان وهذه الدول. ولا سيما إذا كان منقاداً من جهة تتمتع بقدرات استخباراتية وسياسية هائلة.
إشباع الجانب الإعلامي:
أصبح اليوم الكلمة الأولى بعد هدير الطائرات للإعلام، والجانب الإعلامي العربي والفضائيات العربية في باكستان تتسم بالسطحية والسذاجة وذلك لأن مراسلي الفضائيات العربية هم من العرب أنفسهم ممن لا يدرك الوضع الاجتماعي والسياسي في باكستان بشكل جيد، ولا أحد منهم يجيد اللغة الأردية، وهي لغة الشارع الباكستاني، فالتعامل بينهم وبين الوسط الباكستاني يتم من خلال لغة وسيطة، وهي الإنجليزية التي يعاني الطرفان من الضعف والركاكة فيها!!
وكذلك الإعلام الباكستاني يعكس العالم العربي من خلال ما ينقله من الإعلام الغربي، وذلك لأنه ليس لديه من يجيد اللغة العربية ليلعب دور الوسيط بين هذه الشعوب.
فالشيعة وقد درسوا هذا الضعف من شتى جوانبها يسعون ليكون لهم الكلمة الأولى فيها، ولا يخفى على العقلاء ماذا يعني ذلك؟ وما دوره في وضع مفاهيم وتصورات معينة بين الشعب الباكستاني والعربي ودوره في إقامة الصلات بينهما.
السيطرة على الكلية العربية:
ومما سوف يحصلون عليه من غير ثمن هي كلية اللغة العربية، فطلابهم بما لهم من المؤهلات والشهادات وما يساندهم من المال في هذا الجو الإداري الفاسد الذي يحكمه نظام الرشاوي والوساطات سوف يعينون أساتذة وموظفين في الكلية، ومن ثم الانطلاق نحو جميع الكليات وإدارة الجامعة.(52/101)
وهناك جوانب أخرى كثيرة كإشباع الجانب التجسسي والدعوي و... مما يفكر فيه من خطط لهذا البرنامج الذي يتغافل عنه المسؤولون في الجامعة الإسلامية، وسوف يحاسبون أمام الله وأمام التاريخ عن هذه الثغرة التي تركوها ليلدغ الأمة منها.
وإذا أدركنا ما لهذه الكلية من السمعة الجيدة في العالم الإسلامي والعربي وما لها من السمعة الممتازة في باكستان مما ليست لغيرها من الكليات والجامعات سوف ندرك بأن القوم قد أصابوا مرماهم، وكانوا أعقل وأذكى مما نظن في اختيارهم لهذه الكلية ولهذه الجامعة.
ولا شك بأن القوة الاستعمارية المهيمنة على العالم قد تفكر في الأقلية الشيعية كإحدى بدائلها للحكم على باكستان يوم تزهد في الذيول الحالية، وذلك لأن الأقلية تبقى دوما أخلص من يخدم الاستعمار حفاظاً على نفسها!
لكن هذه الصورة القاتمة وهذه الخطط الرخيصة سوف تنهار إذا واجهتها سياسة مدروسة وعقول مسئولة تعنى بما يلي :
-…إذا توفرت إدارة للجامعة على مستوى المسئولية وأدركت ما ينبغي لها من عمل .
-…وإذا أصبحت إدارة الكلية مخلصة تعي ما يجب عليها من واجبات.
-…وإذا أدركت الدول العربية ما يحاك عليها وراء الكواليس ففتحت أبواب جامعاتها أمام الطلاب الباكستانيين وكسرت الحواجز الثقافية بينها وبين باكستان، وأرسلت طلابها في برامج التبادل الثقافي المتفق عليها بين هذه الدول إلى باكستان، وإذا ساندت الكليات العربية المخلصة في هذا البلد بأساتذة ومتخصصين.(52/102)
ولعل الحكومة المصرية والحكومة السعودية لا تدركان مدى خسارتهما بعد ما تركتا الجامعة وسحبتا أساتذتهما منها ولهما الفضل -بعد الله عزوجل- في إنشاء هذه الجامعة، وقد كانت الحكومة المصرية تساند هذه الجامعة بأكثر من مليون دولار سنوياً خلال ثمانية عشر عاماً، والحكومة السعودية يجب أن لا تنسى المظاهرات التي قادتها تيارات البريلوية والشيعة أمام سفارتها في إسلام آباد يوم أن أنشئت هذه الجامعة. وها هما بعد ما استقرت أمور الجامعة وصارت لها سمعتها وهيبتها يتركونها لقمة صائغة لهؤلاء الذين عارضوا قيامها ووقفو سداً منيعاً في وجهها!!
وإذا أدرك الشعب الباكستاني والجماعات الإسلامية مدى حاجتهم إلى اللغة العربية، فإن دنياهم لن تزدهر وآخرتهم لن تسعد إلا إذا ركبوا مطية هذه اللغة المقدسة!.
الدكتور جمال إسماعيل شاه
أستاذ اللغة الإنجليزية بمعاهد الرياض - سابقا-
Jamalesmail1967@yahoo.com
حزب الله اللبناني يعزز نفوذه داخل البحرين..
ويعتبر شيعتها في الخندق الأمامي للمقاومة
موقع أفاق 6/10/2007
للعام الثاني على التوالي يلقي الشيخ نعيم قاسم نائب الأمين العام لحزب الله اللبناني كلمة في المشاركين في مسيرة يوم القدس في البحرين، حيث أشار فيها إلى أن "شعب البحرين معنا في الخندق الأمامي للمقاومة".
وقال نعيم قاسم في كلمة مسجلة بثت أثناء المسيرة التي انطلقت من دوار قرية القدم غربي العاصمة المنامة وتزعمها نائب رئيس المجلس العلمائي الشيعي السيد عبد الله الغريفي والأمين العام لجبهة الوفاق الوطني الإسلامية الشيخ علي سلمان، إن "البحرينيين كما هي حال الأمة سوف ينتصرون على العدو الصهيوني"، مطالباً "البحرينيين بمزيد من الوحدة والتعاون ومؤكداً أن هذا اليوم هو يوم الأمة ويوم الإسلام".(52/103)
وأثنى نائب الأمين العام لحزب الله على "دعم الشعب البحريني لحركات المقاومة ضد العدو الصهيوني"، واصفاً شباب وشابات البحرين بأنهم "في الخندق المتقدم دائماً للمقاومة".
وقال قاسم "إن إحياء يوم القدس العالمي هو (إحياء لأمر إلهي)، وهو شعار ومؤشر من أجل المسيرة الحقيقية للإسلام العظيم، وعندما نحمل لواء القدس فإننا نحمل لواء الإسلام الحقيقي، ونحمل لواء الأمة الوسط التي ذكرها الله في كتابه العزيز".
وقد وصلت فرقة الولاية الإسلامية للإنشاد التابعة لحزب الله إلى البحرين، ومن المقرر أن تقوم بعدد من الفعاليات في البلاد.
وكان آلاف المواطنين البحرينيين الشيعة قد شاركوا في مسيرة يوم الجمعة التي رفعت فيها الأعلام الفلسطينية واللبنانية ورايات حزب الله، كما رفعت صور للزعيم الإيراني الراحل الخميني والمرشد الأعلى علي الخامنئي وأمين عام حزب الله حسن نصر الله وعباس الموسوي والشيخ راغب حرب الأمينين العامين السابقين للحزب.
وردد المتظاهرون شعارات "الموت لأميركا" و"الموت لإسرائيل" وشعار "من رام الله إلى البحرين شعباً واحداً لا شعبين" قبل أن تنتهي المسيرة في منطقة السنابس غربي العاصمة المنامة.
حزب الله .. سرب الخبر الإيراني المزعوم قبل أسبوعين
الشراع 17/9/2007
قبل حوالي أسبوعين من نشر خبر الوكالة الإيرانية المزعوم عن تدبير السفير السعودي في لبنان الدكتور عبد العزيز الخوجة لاغتيال أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله، كانت "الشراع" قد حصلت على معلومات، مصدرها حزب الله بأن هناك خطة أعدها السفير الخوجة لقتل نصر الله.(52/104)
معلومات حزب الله المسربة تقول: أن لقاء كان سيتم بين الخوجة وبين نصر الله، وان الخوجة كان مزوداً بمادة إشعاعية شفافة لصقت بيده وأنها تترك أثرها حين السلام على نصر الله في الأماكن التي تلمسها كف الخوجة أي على اليد أو اليدين وعلى الكتف وعلى الساعد.. وأن هذه المادة تستمر فعاليتها لمدة ست ساعات، وان الإشعاع الذي يخرج من هذه المادة يدل على مكان وجود الشخص الذي يحملها، أي السيد نصر الله، الذي سيكون عرضة للاغتيال بواسطة الطائرات الصهيونية خلال مدة ست ساعات يكون خلالها السفير الخوجة غادر لبنان بطائرة خاصة كانت تنتظره لهذه الغاية!!.
وتتابع معلومات حزب الله المسربة: أن الحزب اكتشف هذه الخطة (ولم يكشف كيف عرف بها) وأنه تعمد تعطيل مجيء الخوجة لزيارة نصر الله، وان السفير السعودي حسب مزاعم حزب الله اتصل بالمعاون السياسي لنصر الله حسين خليل (ويسمونه في حزب الله هسام هسام) ليسأله عن تأخر إرسال السيارة إليه للتوجه إلى لقاء نصر الله، وأن خليل أجابه ساخراً: يللا السيارة على الطريق.. البس وانتظر تحت البيت.
حزب الله سرّب أيضاً انه بعد كشف الخطة بحث إمكانية اعتقال الخوجة وتسليمه للدولة (لم يعرف أي دولة) للتحقيق معه وأن نصر الله يحتفظ بتسجيلات هاتفية عن الخطة كلها (أين هي هذه التسجيلات.. وهل يمكن تدبير خطة قتل بهذه الأهمية عبر الهاتف، وهل يحتاج الأمر إلى مباحثات أو مكالمات هاتفية فقط؟).(52/105)
حزب الله سرّب أيضاً اسم اللواء محمد الذهبي مدير الاستخبارات الأردنية باعتباره مشاركاً في عملية الاغتيال (مع التذكير ثانية بأن مصادر معلومات حزب الله عن عمليات اغتيال لنصر الله تدبرها الاستخبارات الأردنية هو دائماً الكاتب الصحافي الأميركي سيمور هيرش، الذي زعم سابقاً أن سعد الحريري يمول فتح الإسلام) [ طبعاً كثير من الإسلاميين يثق سيمور هيرش لأنه معادى للنظام الأمريكي، لكنهم لا يدركون أجندة سيمور هيرش التي تقوم على ضرب أمريكا بالإسلاميين لصالح جماعته!! الراصد ].
لقد تعمدنا في "الشراع" عدم نشر هذا التسريب من جانب حزب الله، لأننا أدركنا مخاطر النشر في هذا الظرف، وكان يمكن أن نفند هذه التسريبات باللجوء إلى الصديق السفير السعودي لكننا وجدنا أن الأمر لا يستحق إزعاج الرجل بأمر تافه مثل هذا التسريب.
لكن، الآن بات الأمر واضحاً وهو أن الأمر متفق عليه بين جهة ما في إيران وبين أتباعها في حزب الله وأن وراء الأكمة ما وراءها، خاصة وقد سبق هذا التسريب خبر بثته قناة"المنار" التابعة لحزب الله عن السفير الخوجة زاعمة أنه كان وراء ترحيل السعوديين بعد أيام من بدء حرب تموز 2006 بما يشير إلى تورطه في معلومات عن العدوان الصهيوني.
إنها رسالة إيرانية؟ ربما لكنها قد تكون إحدى إرهاصات التباين الداخلي الإيراني أو إحدى إشارات الغضب الإيراني من سياسة السعودية المعتدلة دفاعاً عن لبنان والعراق وفلسطين التي لا تعجب التطرف الإيراني. وفي جميع الحالات فهي إشارة إلى أن حزب الله يتلقى الأوامر فقط.. وينفذها ثم يعتذر.
* * * * * * *
منى فياض في حوار مع "السياسة"
بيروت - من صبحي الدبيسي: السياسة
* كيف تحددين موقعك في الساحة الشيعية؟
- نحن جزء من الشيعة الوطنية وليس الشيعة السياسية ونريد ان يتعاملوا معنا كوطنيين وهذا الكلام موجه لجميع الفئات ومن كل الطوائف.(52/106)
* ممن تطلبين ان يتعامل معك من هذا الموقع وهل هناك نظرة مغايرة لما انتِ فيه؟
- كل الآخرين وأنا اسمح للآخر أن يسميني شيعية وبالمقابل اريده ان ينتقد طائفته كما انتقدت طائفتي وهكذا نستطيع الخروج من طوائفنا ولكن عندما اجده يفرح لانني انتقدت طائفتي وبالمقابل لا يفعل الشيء نفسه حيال طائفته فماذا يتغير؟
الولاء للطائفة
* لمصلحة من تنتقدين الخط الشيعي؟
- لمصلحة الدولة المدنية واذا وجدت ان لدى الفريق الاخر التوجه نفسه فلا مشكلة ونستطيع ان نتفق على كل الأهداف شرط ألا يكون ذلك من منطلق تعصب الاخر لطائفته. وأحيانا أسال نفسي بماذا يختلف الشيعة عن بقية الطوائف وهل صحيح ان الشيعة السياسية تهدد الكيان والوطن ولماذا يكون الولاء للطائفة أكثر من الولاء للوطن؟
قيل لي إن السنة والموارنة والدروز هم كذلك ولا فرق في ممارسات الطوائف. كلهم منخرطون في الخيار الطائفي.
لو نظرنا إلى المسيحيين المؤيدين لعون على الرغم من تحالفه مع "حزب الله" لوجدنا انهم يؤيدونه لأنه زعيم مسيحي قوي ويشكل لهم ضمانة. وفي البداية تعاطفوا معه عندما كان ضد"حزب الله" ومع جنبلاط.
الدروز مثلاً متحلقون حول وليد جنبلاط على الرغم من اعجابي بخطه السياسي لكنه اذا ارتكب اخطاء لا يتجرأ أحد على انتقاده والسنة مع الحريري كذلك. حتى الارمن أصبحوا طائفة أثنية وخياراتهم السياسية يجب ان تتلاقى مع اثنيتهم مع اصلهم الارمني على حساب لبنان. فعندما يختارون أن يكونوا ضد مشاركة القوات التركية في "اليونيفيل" فهذا يعني انهم فضلوا اثنيتهم على انتمائهم للوطن الذي تعامل ويتعامل معهم كلبنانيين فجاة اصبحوا ارمن غير لبنانيين.(52/107)
أنا لا التقي مع الخيارات الشيعية السياسية لسببين: على الرغم من ان الشيعة مثل كل الطوائف اللبنانية ومعظم الناس في هذه الطوائف يتمسكون بالقائد وبالزعيم ولكن خطورة الخيار الشيعي أن له ميزتين يؤكد عليهما ولن يتخلى عنهما. أولاً خلط الدين بالسياسة فأنا استطيع أن انتقد أي زعيم آخر من دون ان يتهمني أحد بأنني انتقد القدسية الدينية. إن انتقاد عون والحريري وجنبلاط وغيرهم ليس اهانة للروح الالهية أما إذا انتقد أحد نصر الله فكأنه ينتقد الدين والقداسة. وكلنا نتذكر ماذا جرى بعد تقديم حلقة شربل خليل (برنامج بسمات وطن على ال بي سي) رغم انه ينتمي إلى حلفائهم العونيين.
الأمر الثاني الخطير ان"حزب الله« مسلح... كيف يمكن لجهة سياسية ان تكون على قدم المساواة مع الاخرين في وقت تملك السلاح بماذا يهددني جنبلاط؟ مهما كانت خياراته او الدروز او السنّة بالنسبة للسنّة يحاولون اليوم الصاق»فتح الاسلام« بهم وبرايي ان هذا غير صحيح ونحن ننتظر التحقيق. لهذا السبب انتقد خيارات ممثلي الطائفة الذين يحتكرون تمثيلها واعتقد ان هناك كثيرين في هذه الطائفة مثلي يرفضون هذا الدور لكن تنقصهم الجراة الكافية لتوجيه الانتقاد. لهذين السببين يتميز»حزب الله« عن الاخرين اي خلط الدين بالسياسة والامر الثاني وجود السلاح تحت حجة مقاومة اسرائيل.
* هل يفهم من كلامك ان يتحرر ابناء جميع الطوائف من التعصب المذهبي لطوائفهم والانخراط في مشروع الدولة؟
- الانتماءات الطائفية والمذهبية والاجتماعية والعائلية بحسب المفهوم العشائري لا يستطيع احد تغييرها لانه انتماء عضوي كوننا ولدنا في هذا المكان ويشكل لنا حماية للجو العاطفي المحيط بنا. ولكن الانتماء شيء وان يكون عندنا ولاء بالمعنى السياسي شيء آخر.(52/108)
قد يستطيع الإنسان أن ينتمي لأي كان يمكنه ان ينتمي للخميني أو للبابا لكن الولاء السياسي يجب ان يكون للدولة اللبنانية. فقط لا غير.. وهذا هو الشيء المفقود لاننا نخلط الولاء بالانتماء. ننتمي للطائفة فيصبح ولاؤنا لها حتى لو كان عندها ارتباطات سياسية بدول اخرى. وهذا الامر لا يصح في بناء الدول.
واحد من خيارين:
* هل تعتقدين أن الدولة اللبنانية سليمة من الأخطاء حتى يكون الولاء لها أهم من الولاء للطائفة؟
- قطعاً الدولة غير سليمة. وأنا لدي الكثير من الانتقادات لشخصيات من 14 آذار ولكثير من الشخصيات ضمن الفئة التي نسميها »فريق السيادة« او فريق الموالاة ولكن عندما يكون مصير البلد مهددا ولدي خيار بين العنف والحرب الاهلية وزوال الدولة التي اسمها لبنان بحسب خيارات المعارضة وبين اعتماد خيارات 14 اذار التي تحافظ على لبنان اي عندما اكون امام خياري وجود أو اللاوجود اختار أولاً المحافظة على الوجود وعندما نتاكد من وجود الدولة عندها نستطيع ان نحاسب ونناضل ضد الفساد.
لقد أوضحت لنا معركة "فتح الإسلام" أن الكثير من الفئات السنّية نظراً لحرمانها الحقيقي التحقت بفئات مسلحة وكل فئة منهم تأخذهم إلى الجهة التي تريد. فئة تأخذهم إلى مكان مخابراتي مثل "فتح الإسلام" وفئة تأخذهم إلى جهاد أممي لا يعرفون اتجاهاته كتنظيم "القاعدة". وهذا يفرض السؤال عن السبب وكل الدولة حتى الان لم تستوعب بعد خطورة المسألة.(52/109)
سمعنا كثيراً عن حرمان الجنوب وهنا أيضاً نخلط بين حرمانين.. صحيح أن الجنوب كان يعيش حالة حرمان اقتصادي لكنه لم يكن يختلف عن اية منطقة لبنانية بالحرمان لا عن البقاع ولا عن عكار، فالحرمان كان يعم كل الريف اللبناني وهذا أمر طبيعي في بلد مصنف عالم، ثالث ولكن تم خلط الحرمان الاجتماعي بالحرمان السياسي واعتقد ان الشيء الذي كان يعاني منه الجنوبيون شعورهم بالتهميش والإهمال انطلاقا من اتفاق القاهرة سنة 1969 لأن الاحتلال الإسرائيلي شكل أذية للجنوبيين مثل أذية الفلسطينيين. وبالتاكيد كانت الاذية أكبر على الجنوبيين لانهم فصلوا عن شريان حياتهم الحيوي اذ ان علاقة الجنوبي كانت مع فلسطين ولم تكن في مكان اخر والاحتلال الاسرائيلي قطع الجنوبي عن فلسطين فاجبروا على اقامة علاقات تجارية واقتصادية مع اسرائيل لان الاحتلال حصل مع بدايات تركيز الدولة القومية.
لقد جاء "اتفاق القاهرة" ليزيد من هذا الانقسام ما جعل المواطن الجنوبي يتخلى عن ارضه ويقدمها للفلسطينيين عبر "فتح لاند" ولتتولى المقاومة الفلسطينية محاربة اسرائيل انطلاقا من هذه البقعة الصغيرة في العرقوب وكان ذلك تخليا من العرب ككل لان الدولة اللبنانية كانت دولة ضعيفة. تم التخلي عن الجنوب لان اتفاق القاهرة يشبه تفويض العرب لسورية بإدارة الملف اللبناني.(52/110)
اتفاق القاهرة كان يحتّم على الفلسطينيين الانطلاق بعملياتهم ضد اسرائيل من منطقة معينة في العرقوب وبحجة هذا الاتفاق استباح الفلسطينيون الجنوب اللبناني تماما كما فعلت سورية عندما كلفت بحفظ الامن في لبنان فاحتلته عسكريا وسياسيا وانا لا الوم الدولة في ذلك الوقت لانها دولة ضعيفة. وكل الدول العربية كانت تريد ذلك والولايات المتحدة بحسب مشروع كيسنجر كانت تسعى لذلك. من هنا تخلط الشيعية السياسية بين عدة انواع من الحرمان الذي لم يعد حرمانا بالمعنى الحقيقي هذا الحرمان كان بالمعنى السياسي لقد تحررنا سنة 2000 بعد التحرير كان ينبغي ان نتخلى عن كلمة حرمان لانها لم تعد تنطبق على واقع الطائفة الشيعية ابدا لان الامور تطورت الى الافضل بدرجات عالية.
المال والفساد:
* هناك حرمان يشكو منه الجنوبيون نتيجة الولاء السياسي فمن يماشي سياسة "حزب الله" وحركة "أمل" يحصل على حقوقه كاملة ومن لا يؤيد هذه السياسة تنزع منه حقوقه ما المطلوب برايك لمعالجة هذه المشكلة؟
- عند وجود المال يوجد الفساد وهذه قاعدة اساسية. وهذا بالدرجة الاولى يشير الى ان»حزب الله« لم يعد منزها وانه دخل باللعبة للاخر. في البداية كانت ممارسات "حزب الله" فيها الكثير من المثالية. وكانوا يتصرفون ضمن نطاق الاخلاق بشكل عام. وكانوا بعيدين عن الفساد اللبناني بعد حرب تموز انخرطوا في هذا الجو عن قصد او عن غير قصد وبرايي يجب التنبه الى خطورة هذا الموضوع. وعليهم أن يدركوا أن غرقهم في الوحول اللبنانية إلى أين أوصلهم. عليهم أن يتخلوا عن ذلك. فاما أان يكونوا حركة ما فوق القومية فاذا تحرر الجنوب عليهم البحث عن مكان آخر ليناضلوا فيه تماما كما تفعل "القاعدة" او انهم لبنانيون منتمون لهذا البلد وعليهم ان يتصرفوا كمواطنين لبنانيين. من الخطا ان يتسلّم»حزب الله« الاموال ويوزعها على المتضررين بطريقته الخاصة.. ولكن اعود واذكر اينما وجد المال وجد الفساد.(52/111)
سمعت الكثير مما يجري ولكنني لم اعاين المسألة بشكل شخصي. حتى "حزب الله" سيتعرض لهذا الفساد خصوصا اذا لم يتعاط مع الجميع بالتساوي. كيف يمكن ان تدفع التعويضات على المتضررين الموالين ل¯"حزب الله" وتحجب عن الفريق الذي لا يؤيده. فباي حق يجري ذلك. الإسلام يقول بالتعاطي مع الضحايا بشكل متساوٍ والا يصبح فهمهم للاسلام مختلفا. وكذلك ايضا على حركة "أمل" أن تتصرف بشكل آخر. الحكومة شكلت مجلسا للجنوب كي لا تتهم بالفساد والاختلاس فلماذا يتهم مجلس الجنوب بالفساد. وهذه مناسبة لمساعدة الناس بشكل عادل. برأيي هذه ممارسات خاطئة والناس لا يمكنها أن تصمت كل الدهر ولا نعرف كيف ستكون ردة فعلها. فالأوطان لا تبنى بهذه الطريقة.
* ما رايك بمخيم رياض الصلح الذي دمر الوسط التجاري وهدد الاقتصاد اللبناني؟
- أعتقد أن الأمور اختلطت طويلاً. فالمسالة برأيي معقدة جداً ومتشابكة. في بداية الأمر كان الهدف إسقاط الحكومة من خلال النزول إلى الشارع والقيام بالاعتصامات كان ذلك نوعاً من التطبيق لما حصل في ايران قبل عودة الخميني اذ نزل الناس الى الشارع وادى ذلك الى سقوط الشاه. لكن الشاه كان فعلا حاكماً مستبداً. والأمور في لبنان لا تقاس بما جرى في إيران. لقد حاولوا تطبيق شيء ما في زمان ومكان غير مناسبين اطلاقاً وتناسوا أن الرئيس برّي انتخب رئيسا لمجلس النواب انطلاقا من خيار شيعي وبالمقابل من الطبيعي ان يتحرك السنّة دفاعا عن مركز سنّي. في البداية كان هدفهم تغيير الحكومة واسقاط خيارات 14 اذار لم ينجحوا بذلك لان هذا الامر هدد بحرب اهلية حقيقية.(52/112)
وأود الإشارة إلى أمر آخر هو أن الفولكلور الذي حصل والاحتفالات التي جرت في هذا المخيم كانت وليدة شعور البعض ممن لم يكن بمقدورهم السهر في وسط بيروت حتى لتناول فنجان القهوة. فنزلت الفئات الريفية والمحرومة اقتصاديا الى مكان يعتبر رمزا للراسمالية الجديدة (سوليدير). وكان في ذلك مطالبة اجتماعية تقول بان وسط بيروت ليس للاغنياء فقط. وهكذا خيّموا في رياض الصلح ودخنوا النرجيلة وشربوا القهوة و"النسكافيه" بـ500 ليرة. والمشكلة انه بعد تحريض واثارة الجمهور باتجاه الفوضى والشغب من الصعب التخلي عن ذلك بسهولة.
صعب التقسيم:
* هل الكيان اللبناني في خطر من خلال ما يحكى عن ظواهر تقسيمية بدات تطل براسها وهل هناك استحالة لقيام وفاق وطني حقيقي يحمي لبنان من هذا الخطر؟
- بعد القضاء على العصابة الإرهابية في الشمال أصبح من الصعب الكلام عن التقسيم ولا اعتقد إن "حزب الله" والجمهور الشيعي الذي يتحدث باسمه يسعيان لهذا النوع من التقسيم ولا أفكر في يوم من الايام ان يقدم»حزب الله« على هكذا خطوة لان نضال هذا الحزب يجعلنا نامل ان يتخذ خطوات لمصلحة لبنان. أحيانا نشعر أنهم يغلبون مصالحهم الخاصة على لبنانيتهم. ولكن الان اشعر بان لبنان يمر بمرحلة خطيرة.
وفي هذا السياق فأنا لست مؤهلة للدخول في مجال الأسئلة الإستراتيجية ولكن لدي حدساً بهذه المخاطر ويجب ان نعرف اولا من هي الجهة التي تريد تقسيم لبنان الى دويلات لها طابع اسلامي متشدد حتى النظام السوري لا يناسبه تحويل لبنان الى دولة او دويلات اسلامية متشددة. وكما لاحظنا في الفترة الاخيرة كان لدى السوريين رغبة بالقول بانهم ساعدوا الجيش. اعتبر هذا الأمر نوعا من اعادة التفكير لدى النظام السوري شعورا منه ربما بتهديد داخلي من هؤلاء الناس. وهذا ما حصل في العراق.(52/113)
أستطيع القول أن هذا النظام استبدادي وليس عندي امل بان يستعيد السلوك المتوازن او على الاقل الجراة لتصحيح اخطائه. في المقابل يجب ان نتطلع الى الاطراف الداعمة لهذا الخيار لا يوجد الا ايران فهل هي مستعدة للمساهمة في التقسيم؟
إذا ساهمت بإقامة دولة سنّية في الشمال هذه الدولة بطبيعة الاحوال جمهورها فقير ومعبا على الطائفة الشيعية بشكل اساسي وضد العلويين بالدرجة الثانية وبالتالي ليس من مصلحة ايران دعم مشاريع كهذه مع الاشارة بان ملامح التحول في السياسة الايرانية قد بدات تظهر مع عودة رفسنجاني الى الواجهة السياسية بقوة فهو يتميز بعقلانية سياسية اكثر لان الرئيس نجاد اخذهم الى اماكن لم يتخيلوا بانهم قد يصلون اليها من خلال اعتماده على الجماهير. ف
الرئيس نجاد جماهيري بالمعنى السيئ وليس بمعنى مصلحة الجماهير يستخدم شعارات الجماهير الفارغة ويأخذها إلى طريق مسدود. أما عن القوى الدولية الداعمة للتوجه التقسيمي في لبنان فاعتقد ان لا وجود لهذه القوى نحن محكومون بالتوافق ومحكومون بالتطلع الى مصلحة لبنان ولا أعتقد بان هناك ظروفا اقليمية تسمح اطلاقا باقامة هذه الدويلة. ولذلك امكن القضاء على عصابة "فتح الإسلام".
مشاعر عنصرية:
* برأيك هل تستطيع قوى الاعتدال الشيعي ان تفتح كوّة في الجدار الصلب المتمثل ب¯"حزب الله" والى اين يريد»حزب الله« اخذ الشيعة؟(52/114)
- ما نطالب به هو استعادة عقلانية هذا الحزب واستعادة وطنيته وبرايي ان التطرف لن يكتب له النجاح على المدى الطويل قد ينجح لفترة قصيرة بتعبئة وشحن نفوس الناس لفترة ولكن هذا لا يدوم لست متفائلة بسرعة حصول تغيير في الذهنية. ولكن خلال خمس سنوات في ظل المعطيات الموجودة حولنا يمكنهم ان يستعيدوا صفاء ذهنهم وتوازنهم وتكون المنطقة قد شهدت بعض التغييرات تجعلهم يعيدون قراءة واقعهم وادراك ان الانسان لا يمكن ان يعيش بكرامة الا في بلده. وحتى ايران غير مؤهلة ان تستوعب الشيعة اللبنانيين اذا ما حصل لهم مكروه. لان تجربة العراقيين ما زالت ماثلة للعيان.
عندما هجر الشيعة العراقيون الى ايران عوملوا معاملة سيّئة جدا من خلال التضييق عليهم ومنعوا من الزواج بالايرانيات منعوا من حرية التحرك. العرب الموجودون في ايران يشعرون بتعاظم السلوك العنصري ضدهم. عند الايرانيين وعند العرب ايضا في بلادنا الكثير من المشاعر العنصرية يجدر بنا عدم اثارتها والعمل على عدم تعميقها وتعزيز فكرة قبول الاختلاف والراي الاخر.
محمد الدايني البرلماني العراقي يكشف بالوثائق :
العراق في قبضة إيران
الأهرام العربي - 8 / 9 / 2007
وثيقة تؤكد وجود 70 ألف جندي من الجيش الإيراني في العراق , وأخري أمريكية تكشف عن أسماء الضباط الإيرانيين الكبار في الحكومة.
محمد الدايني : فيلق القدس الإيراني يحكم العراق وأمريكا ستتخلي عن المالكي قريباً جداً،(52/115)
السفير الإيراني في بغداد حسن كاظمي قمي يترأس اللجنة الأمنية في العراق , والإيراني جمال جعفر الإبراهيمي عضو البرلمان العراقي هرب قبل خمسة أشهر من ملاحقة أمريكية بعد اكتشاف مسئوليته عن تفجير السفارتين الأمريكية والفرنسية في الكويت عام 1983, وهو واحد من 11 إيرانياً منتخبين في البرلمان , وهم ضمن الائتلاف الشيعي , وتم انتخابهم بأوراق مزورة جاءوا بها عبر شاحنات من إيران , وجميعها تحمل علامة واحدة هي(555) أي الائتلاف الشيعي الذي تم إعلان فوزه بأغلبية مقاعد البرلمان , وشكل الحكومة الحالية ..
أما عبد العزيز الحكيم ونوري المالكي وباقر صولاغ وغيرهم من الحكومة الحالية فأعضاء في فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني , ومنظمة بدر هي الجناح العسكري للمجلس الأعلى الثورة الإسلامية , وتعد جزءا من منظمات عسكرية أوسع , تبدأ ببدر واحد وتنتهي ببدر تسعة , وكل بلد حول إيران , عربي أو غير عربي , له رقم منظمة , تمهيداً لبناء إمبراطورية فارسية , واعترف أحمدي نجاد رئيس إيران رسميا باحتلال العراق عندما قال إنهم مستعدون لملء الفراغ بعد الانسحاب الأمريكي .
هؤلاء هم قادة فرق الموت , ورؤساء الميليشيات التي تقوم بعمليات التفجير بالسيارات المفخخة , وقتل كل أعضاء الجيش العراقي السابق , ورؤساء العشائر , والعلماء والطيارين . وظهر دورهم البارز في عملية "الزرقا" في محافظة النجف الواقعة في منطقة الفرات الأوسط , عندما قتلوا وجرحوا الآلاف من أبناء الشيعة , متهمين إياهم بأنهم من منظمة إرهابية تدعي "جند السماء", غير أن هؤلاء الناس كانوا قد بدأوا يعلنون عن رفضهم وجود هذه الأحزاب الإيرانية , فكان الانتقام منهم شديداً ورهيباً , نساء وأطفالاً وشيوخاً ورجالا ًً, ومن قام بتصفيتهم فيلق القدس الإيراني , بمساعدة الطائرات الأمريكية , ويترأس هذه الشخصيات مسئولون إيرانيون في أجهزة الأمن المختلفة .(52/116)
ويقف علي رأس هؤلاء فروزندة الذي قام بتنفيذ إعدام الرئيس العراقي صدام حسين صباح عيد الأضحي في 30 ديسمبر 2006, ويشرف الآن علي إعدام كل الوطنيين العراقيين وإلقاء جثثهم في الأماكن المجهولة , وتفجير الأضرحة والحسينيات والمساجد والجامعات لاختلاق فتنة طائفية , وطالت أعماله حتي الأسواق الشعبية ثم اتهام تنظيمات أخري بها , سواء المقاومة المشروعة أم تنظيم القاعدة , ولذلك خلقوا "قاعدة " مرتبطة بإيران تقوم بهذه الأعمال الوحشية ..
هذا الكلام الخطير كشفه لـ "الأهرام العربي" محمد الدايني , عضو البرلمان العراقي الحالي , ولأنه خطير ويحمل اتهامات واضحة لأعضاء البرلمان العراقي ولحكومة نوري المالكي , بادرنا الدايني بتقديم بعض الوثائق التي حصل عليها بوصفه عضواً عن محافظة ديالي , شمال بغداد , و المتاخمة لإيران من ناحية الغرب , ونائباً عن الشعب العراقي , كما حصل عليها من خلال اختراق مجموعته الوطنية , حسب وصفه , لكل أجهزة الدولة , مؤكداً أن العراق من شماله إلي جنوبه مخترق من كل الأجهزة , سواء كانت وطنية أم تابعة للاحتلال الأمريكي أم الإيراني , إضافة إلي جهاز الموساد الإسرائيلي وغيره من أجهزة دولية وإقليمية جاءت بعد الغزو الأمريكي في عام 2003.(52/117)
كنا نحن قبل أن نلتقيه حصلنا علي وثائق من مصادرنا الخاصة لا تقل خطورة عما قدمه لنا الدايني , الذي بدوره اطلع عليها وأكد صحتها , احدي هذه الوثائق رقم 3840/ ص . م بتاريخ 20/4/2006 رفعها بيان جبر الزبيدي "باقر صولاغ " وزير الداخلية في حكومة إبراهيم الجعفري السابقة ووزير المالية الحالي , إلي رئيس الوزراء يطالب فيها بدمج فيلق بدر في أجهزة الداخلية والدفاع , وتبدأ بـ ' إلي دولة رئيس الوزراء المحترم : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. نحيل إليكم طلبات منظمة بدر المقدمة إلينا باعتبارنا رئيس لجنة دمج الميليشيات , ولشمولهم بهذا القانون وحسب الأمر (91) الخاص بدمج الميليشيات في القوات المسلحة , وبناء علي الأمر الصادر من مجلس الوزراء المرقم 898/12/1/2 في 10/8/2005, نرفق لكم أسماء الوجبة الأولي من الضباط من منظمة بدر , والتي تبدأ بالتسلسل رقم (1) العميد صادق عبد العظيم الحلو , وتنتهي بالتسلسل (1117) الملازم ياسين عبد الرضا دخل الحساني .
للتفضل بتعيينهم ومنحهم رتبهم حسب خط خدمتهم في منظمة بدر وتنسيبهم إلي وزارتي الداخلية والدفاع حسب التوافق بين الوزارتين وتنفيذ أوامركم للوزارات ذات الشأن بتنفيذ القرار , ونقترح لجنة من وزارتي الداخلية والدفاع لقبولهم حسب الأصول واستنادا للأمر ..91 مع فائق الشكر والتقدير .. المرفقات قائمة بأسماء الضباط ,.. نسخة منه إلي المكتب الخاص للمتابعة .. توقيع باقر جبر الزبيدي .. رئيس لجنة دمج الميلشيات وزير الداخلية ..".
وقد رد الجعفري علي هذا الطلب بالموافقة بتأشيرة تحمل لا مانع , ثم توقيعه الذي حمل اسم إبراهيم الأشيقر الجعفري ..(52/118)
وثيقة أخري تحمل نفس العبارات السابقة من حيث الديباجة والصياغة , ولكنها مؤرخة في 4-5-2006, تحت رقم /5/500/ ص . م , ويطلب فيها باقر صولاغ ضم أعضاء حزب الله العراقي كضباط في وزارتي الداخلية والجيش , ويبدأ التسلسل رقم (1) عباس فاخر البهادلي وتنتهي بالتسلسل (250) سعدون عبد الستار عبد , وكانت تأشيرة الجعفري هذه المرة بـ ' لا مانع حسب الأصول القانونية '.
أما بقية الوثائق فعبارة عن أوامر إدارية تنفيذية عاجلة لإلحاق هذه العناصر في مفاصل الدولة العراقية , أما الأخطر , فهو ما أشار إليه الدايني بأن هذه العناصر تم إلحاقهم بالعراق رغم أنهم من فيلق القدس الإيراني ويحملون الجنسية الإيرانية , ويصرفون رواتبهم من الحرس الثوري الإيراني ومن الدولة العراقية .. فعلي سبيل المثال كشفت مصادر الأهرام العربي عن أعضاء جيش القدس الإيراني في وزارة الداخلية العراقية , وهم :
أولا : أقسام وزارة الداخلية , نائب وزير الداخلية أحمد الخفاجي , رئيس العمليات , محمد نعمة نصير الحسان , مستشار وزارة الداخلية , مهدي صالح العزاوي , رئيس فرقة نزع المتفجرات , اللواء جهاد اللبيدي , مستشار وزارة الداخلية اللواء عبد الخضر ضاهر , المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية اللواء عبد الكريم خلف .
ثانيا : المحافظون : محافظ بغداد حسين الطحان , عمدة بغداد , ساهر الفيصل , رئيس مجلس محلي بغداد نعيم الكاظم , محافظ البصرة السابق حسن الرشود , محافظة المثني محمد الحسيني , محافظ النجف أبو سعد أبو طلال , نائب محافظ النجف عبدالحسين عبدالرضا باقر أبتان .
ثالثا قادة الشرطة : قائد شرطة ميسان إسماعيل كاظم , قائد شرطة الإنقاذ اللواء علي الياسري , قائد شرطة ديالي السابق اللواء غسان الباوي , قائد شرطة سامراء اللواء رشيد فليح , قائد الحرس الحدودي اللواء عبد الرضا كاظم .(52/119)
لكن كيف جري ذلك تحت سمع وبصر الولايات المتحدة الغازية؟ يقول الدايني : بعد انهيار الدولة العراقية في التاسع من إبريل 2003, ودخول القوات الأمريكية إلي البلاد سمحت قوات الغزو بأن تتغلغل أجهزة المخابرات الإيرانية : فيلق القدس , الحرس الثوري الإيراني , جهاز اطلاعات - المخابرات الإيرانية - كما عملت علي أن تكون جزءا من الوضع السياسي في العراق , فدخلت البرلمان وشكلت الحكومة , وتغلغلت في الوزارات المختلفة , النفط والصحة والنقل , وتلك الوزارات تحديدا تسيطر عليها أجهزة مخابرات إيرانية , وأذكر وأنا من محافظة ديالي الحدودية مع إيران كنت والمحافظ نلقي القبض علي متسللين إيرانيين ونسلمهم للقوات الأمريكية ولكن المفاجأة أنها كانت تطلق سراحهم علي الفور .
ولعلنا لا ننسي - والكلام للدايني - أن الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي قبل نهاية ولايته وصعود أحمدي نجاد مكانه صرح بأن علي أمريكا ألا تنسي مساعدتنا لها في أفغانستان والعراق , وجاء تصريح خاتمي بعد تصاعد الضغوط الأمريكية علي إيران في ملفها النووي .
أما المفارقة المثيرة للدهشة فهي أن الحدود العراقية حتي هذه اللحظة سائبة , فلا توجد شرطة عراقية ولا جيش عراقي أو أمريكي ولا حرس حدود ولا أبراج مراقبة , في حين أن أمريكا تتهم بلداناً عربية أخري مثل سوريا بفتح الحدود لعبور المقاتلين إلي العراق , ونحن نعلم أن حدود سوريا مع العراق محصنة بساتر ترابي , وتراقبها أمريكا بدقة علي مدار الساعة , ولا تتجاوز هذه الحدود 600 كم , في حين أن الحدود الإيرانية مع العراق يبلغ طولها 1487 كم , ولا وجود للأمن فيها سواء من أمريكا أم العراق الحالي ..…(52/120)
فالوجود الإيراني الكبير في العراق جاء حسب الدايني مع وصول الميليشيات المسلحة أولاً , ثم من الحدود المفتوحة , ويكشف الدايني عن مفارقة لم يتوقف أمامها أحد إلي الآن , وهي أن عدد سكان العراق إلي ساعة الغزو كان 22 مليون نسمة , لكنه تحول في أثناء الانتخابات إلي 28 مليون نسمة , ويتساءل ويجيب لقد جاء الفارق من إيران , وفي أثناء الانتخابات أدلوا بأصواتهم لصالح (555) قائمة الائتلاف الشيعي الموحد , إضافة إلي التريلات المحملة بأوراق انتخابية مزورة باسم نفس القائمة وأمسكت بها قوات الاحتلال الأمريكي , لكن أحدا لم يعرف إلي الآن أين ذهبت هذه الأوراق رغم علم الأمريكيين بها؟
لكن كيف حصل محمد الدايني علي هذه الوثائق؟ وما الدليل علي صحتها ومصداقيتها؟ يجيب علي الفور : لست مواطناً الآن فحسب , بل أنا عضو برلماني عند الشعب العراقي , وأعتبر نفسي ممثلا للقوى الوطنية المناهضة للاحتلال في العراق .. والقوى الوطنية العراقية ينتمي إليها كل من هو عراقي , بعيداً عن الطائفية والمذهبية , وجميعاً ينتمون إلي مؤسسات راسخة , وهذه المؤسسات الوطنية بها ملايين البشر الوطنيين , ونحن نخترق جميع هذه المؤسسات مثلما هي مخترقة من قبل إيران , ومن قبل المحتل , وواجبنا في هذه المرحلة كالتزام أخلاقي وطني أن نتعامل بحجم خطورة الاحتلال , وفي العراق احتلالان : أمريكي وإيراني , وهذا الأخير أخطر من الأمريكي , لأن لديه أبعادا توسعية تمتد إلي بلدان عربية أخري لتصدير ما يسمي بالثورة الإيرانية , ولدينا هذه الوثائق .(52/121)
ويضيف مثلا لدينا وثيقة بتوقيع نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي بتاريخ 10-8-2006 يأمر من خلالها بإطلاق سراح 442 إيرانيا قبل زيارته لإيران , ولدينا ملفات أخري من خلال اطلاعنا علي كل القرارات التي تشرع في البرلمان , وهناك قرارات يتم التصديق عليها في هيئة الرئاسة وتنشر في الوقائع الرسمية , ونتساءل لماذا مادامت تنشر في الوقائع لا تعرض علي البرلمان؟
وليس هذا فحسب , بل لدينا ملفات بتوقيع المالكي بخصوص تصفيات لقوي سياسية معينة , وفيها يخاطب الجهة التي يعمل معها ويأخذ توجيهاته منها ونعني إيران , هذه الوثائق بتوقيع السفير الإيراني في بغداد حسن كاظمي قمي الذي يترأس اللجنة الأمنية العراقية , وعندما كشفنا ذلك قبل أشهر أنكروا , ولكنهم أثناء مفاوضات أمريكا وإيران في بغداد في جولتي التفاوض بين الطرفين المحتلين كان قمي علي رأس المفاوضين الإيرانيين , وهو نفسه من يترأس اللجنة الأمنية في العراق ..
وعن حجم فرق الموت وفرسان مالطا والإسرائيليين في العراق , يقول الدايني : إن أمريكا عندما جاءت للعراق وجدت مقاومة كبيرة , لم تكن في حساباتها , فأرادت أن تشوه المقاومة فأطلقت علي فصائل المقاومة تسميات لا ترتبط بها , واتفقت مع إيران والصهيونية الإسرائيلية , وخلقت قاعدة مرتبطة بإيران مسئول عنها شخص اسمه فروزندة مرتبط بفيلق القدس وارتبطت بها ميليشيات للتصفيات الجسدية .
والمالكي وحكومته يعرفون بهذا الأمر , وقد عملوا علي زج الكثير من أرباب السجون والسوابق إلي وزارات الدولة , ومن يعمل بفيلق القدس قتلوا أغلب ضباط الجيش العراقي خلال المعركة مع إيران , واستهدفوا الوطنيين العراقيين وشيوخ العشائر .(52/122)
ويواصل الدايني : إن أمريكا ضمن خطتها تستهدف حتى المواطن البسيط الذي يبيع الخضار , فعندما ينام الناس في بيوتهم يستيقظون علي جثث مجهولة مرمية في الشوارع , فمن أين تجيء هذه الجثث؟ فالموطنون يعتقلون من بيوتهم بدون أوامر قضائية وبعدها يرمون في الشوارع ,.
وهناك العديد من الأطباء وقبل شهرين ألقي القبض علي علي دقدوق اللبناني المرتبط بحزب الله ومرتبط بفيلق القدس الإيراني ويصرف شهريا من 7 إلي 10 ملايين دولار ومهمته قتل المواطن العراقي في كل مكان , وسيأتي اليوم الذي نفضح فيه هذه الملفات .
وعن لماذا يطرح عبد العزيز الحكيم فيدرالية الجنوب؟ يقول الدايني إن المجلس الأعلى والذي يعتبر خامنئي الأب الروحي له هو مؤسسة تابعة لفيلق القدس وتسمي 9 بدر , وهي هيكلية تنطلق من العراق إلي بلدان أخري , لكن 9 بدر هي مؤسسة من مؤسسات فيلق القدس يترأسها في العراق عبد العزيز الحكيم , أما قادة فيلق القدس الآخرون فهم مسجدي فروزندة وقاسم سليماني , هذه المؤسسة يرتبط بها من كان يعيش في إيران ومن بينهم المالكي وحزب الدعوة وثأر الله وشهيد المحراب .
أما لماذا يصرون علي الجنوب؟ ففي اعتقادهم بأنهم سيطروا علي أهلنا في الجنوب ولكن من خلال متابعتنا للأحداث , فإن الجنوب انقلب كليا علي الحكيم وعلي الأحزاب المرتبطة بإيران .(52/123)
ويعود بنا الدايني إلي لحظة إعدام الرئيس صدام التاريخية وكيف أن الإشارات كانت تقول إن هناك تخطيطاً لإخراج صدام فيقول , من أعدم صدام هي إيران وتحديداً فروزندة قائد في فيلق القدس الإيراني وأعدمه في بغداد , وبعد إعدامه بساعات خرج أغا محمدي مسئول الملف العراقي بمكتب خامنئي وقال هنيئا بإعدام الطاغية صدام وقد أعدم بأيدي المؤسسات الإيرانية , أنا هنا لا أريد الدفاع عن صدام ولكني أتكلم عنه كمواطن , لكن إصدار الأحكام التنفيذية بإعدام صدام مخالفة , لأن الدستور يقول : إن صدور الأحكام لا يتم إلا بالمصادقة عليه من رئيس الجمهورية ونائبيه فما دخل المالكي بتوقيع إعدامه كمواطن عراقي؟ وهذه مخالفة دستورية وسيأتي اليوم الذي يحاسب فيه المالكي علي هذا الأمر , وهناك ملف في الكونجرس بهذا الأمر وسيظهر خلال الأيام القريبة . ويضيف الدايني , أعتقد أنه في الأيام القريبة ستتخلي أمريكا بشكل كلي عن المالكي , وأن العد التنازلي قد بدأ فعلا , مئات الآلاف قتلوا في ولاية المالكي , وسيغير المالكي من خلال البرلمان العراقي .
وعن توقعاته للمرحلة المقبلة في حال تغيير المالكي , يقول الدايني إن الوضع سيبقي في العراق غير مستقر , ويؤثر سلبيا علي المنطقة , وكانت هناك مشاريع بديلة , فأمريكا كانت قد بدأت بتقوية جهة علي جهة أخري كانت في يوم ما قد ظلمتها , ولكن نحن لا نريد ذلك , ولا نريد أن نتكلم بطائفية , فقط نريد حكومة مهنية تكنوقراط , وانتخابات مبكرة في العراق , ولا تعطي الأجهزة الأمنية للميليشيات , وأعتقد أن أمريكا إن فعلت ذلك ربما تخرج من العراق بما يحفظ ماء وجهها ..(52/124)
وعن أبرز ما كشفه الدايني يقول : كشفت كثيراً من السجون السرية مثل سجن الجادرية , وسجن لواء الذئب , وسجن ساحة النسور , وسجن ديالي , والأخير سجن رهيب ومرعب , واستطعت بمعونة وطنيين أن أصور بالفيديو عمليات اغتصاب الرجال , وكيف يتم جلب زوجات السجناء وبناتهم ليجبروهم علي الاعتراف بجرائم لم يرتكبوها وإلا زنوا أمامهم بهؤلاء النسوة , ورأيت كيف كان يتم قلع الأظفار , وشاهدت التابوت الكهربائي كآلة من أبشع أنواع التعذيب , وفور حصولي علي هذه الأدلة عرضتها علي الفضائيات قبل عرضها علي البرلمان لأن بعض البرلمانيين متورطون في التعذيب , وصورت فيلما وثائقياً مع قناة البي بي سي وكان صادماً للرأي العام الأوروبي والأمريكي ..
وبعد أن شاهد الرأي العام العالمي تلك الصور , خصوصاً الشارع الأمريكي بدأ يتفاعل , ويعرف حقيقة ما يجري في العراق من قبل الاحتلال . فوجهت لي دعوة من الكونجرس الأمريكي في إبريل الماضي , وكان لي برنامج مطول في الولايات المتحدة , وكشفت خلاله حقائق دامغة , كان لها صدي كبير علي الوضع السياسي الأمريكي , وزادت من الضغوط علي الرئيس الأمريكي جورج بوش وعلي الحكومة العراقية الحالية , وشرحت لهم كيف أن السفير الإيراني هو الذي يدير الأمور في البلاد ..
ويقول الدايني إن أعضاء الكونجرس كانوا جاهلين بما يجري في العراق , وكانوا يتصورون أن هناك إعمار ورفاهية , قلت لهم إن العراق رقم واحد في الجثث المجهولة وفقدان الخدمات والتهجير , وأكثر من نصف مليون مفقود , وأن النساء يتم الاعتداء علي شرفهن .. وأخبرتهم أنه بفضل المقاومة العراقية نقلت المعركة إلي معركة أمريكية - أمريكية , وبدأ الصراع ينتقل إلي الكونجرس وإلي البنتاجون وبدأ بوش يواجه مصاعب وتحديات كبيرة , والأيام القليلة المقبلة ستكون حبلي بالمفاجآت .(52/125)
وعندما اندهشوا مما يجري حقيقة , سألوني عن الحل , فقلت لهم عليهم برحيل قواتهم عن العراق , وساعتها سيسقط المالكي وكل من جاءوا معه , والعراقيون قادرون علي تخليص أنفسهم من الاحتلال الإيراني , فلا توجد صراعات طائفية , وعندما تساءلوا عن الإرهاب قلت لهم بصراحة أنتم من جاء بهولاء وسيخرجون معكم , وقدمت لهم الوثائق الدامغة , ومن يومها ووفود الكونجرس لا تنقطع عن العراق لكشف ما يجري , وأحسب أن هذا إنجاز للعراق والعراقيين ..
وعن لماذا لم يقدمها للنظام العربي الرسمي , وجامعته العربية أولا , قال الدايني : إن النظام العربي الرسمي خائف علي كراسيه من أمريكا رغم أن المقاومة العراقية أثبتت أن أمريكا مجرد أكذوبة , ومع ذلك التقيت مسئولين في الجامعة العربية وأطلعتهم علي الأوضاع الواقعية , كما سلمت ملفات إلي كثير من الدول العربية .. ولكن لا جدوي من المواقف الرسمية , وهي غير مشجعة , بينما الموقف الشعبي مشرف .. ولكن البلدان العربية بدأت أخيرا تتخذ بعض المواقف حيال ما يجري خوفا من النفوذ الإيراني المتنامي الذي بدأ يهدد مصالحها الإستراتيجية .
وعن تلقي أعضاء الكونجرس لمفهوم المقاومة العراقية , وهل لها رأس وقاعدة؟ وهل لديها مشروع لتكون بديلاً شرعيا؟ قال الدايني : أولا أريد أن أشير إلي أن المقاومة العراقية وحدها دون كل حركات التحرير العالمية علي مدي التاريخ الإنساني لم تحصل علي أي دعم من أي بلد , وهذه المقاومة الباسلة تدخل عامها الخامس وتقاتل عنجهية وغباء القوة الأمريكية , وقد لا يعرف كثيرون أنها بدأت بعد الاحتلال بساعات , وفي بادئ الأمر كانت علي شكل مجاميع صغيرة , وصارت تكبر وأصبح لها رؤوس وقيادات , ولكن لا يستطيع أحد أن يتكلم عن هذه الرءوس فذلك يجب أن يبقي سراً للحفاظ عليها .(52/126)
وفي هذا الإطار قدمنا مشروعاً للكونجرس الأمريكي يقوم علي جدولة انسحاب القوات الأمريكية من العراق وفور الانسحاب سيهرب من جاء بهم الاحتلال علي ظهر الدبابات وأذناب النفوذ الإيراني , وقلنا لهم سنجلب الكل المتخاصم مع العملية السياسية بمن فيهم المقاومة العراقية , فسألوا كيف نأتي بمن قتلوا أبناءنا من الأمريكيين ونتفاوض معهم؟ قلت لهم تتكلمون عن بضعة آلاف بينما أنتم قتلتم أكثر من مليون عراقي ...
... وأرقام الصليب الأحمر تؤكد أن هناك أكثر من مليون مفقود , وهناك أربعة ملايين مشرد ولاجيء في العالم , وأنتم أيضا دمرتم وسرقتم أكثر من 12 ألف قطعة أثرية في العراق , وأكدت لهم أنني أعتبر أن العراق من البلدان المنكوبة .
وعندما سألوا عن ارتباط إيران بالمقاومة , أكدت لهم أنها لا ترتبط بإيران , بل هي من الجيش المنحل , فأكثر من 250 ألفا من الجيش العراقي هم في فصائل المقاومة الآن . وقلت إن مجيء القوات الأمريكية للعراق هو لسرقة ثروات العراق النفطية والاقتصادية , وعلي سبيل المثال قانون النفط لا يمكن أن يمر , وعندما تكلموا عن موافقة مجلس الوزراء , قلت لهم إنه ليس سلطة تشريعية , وعددت لهم ثغرات هذا القانون , فهو كالثوب مفصل علي مقاس الشركات الأمريكية والبريطانية , وأخيرا أوضحت لهم أن من جاء بالاحتلال هم خمسة أشخاص يقف علي رأسهم بوش وهؤلاء الأشخاص يمتلكون الشركات النفطية ويريدون نفط العراق .
لكن الدايني رغم فضحه لأمريكا وحكومة المالكي الإيرانية , واعتباره إنجازا أن يصل إلي الكونجرس والرأي العام العالمي فإنه بدا متشائما , وقال إن المرحلة المقبلة صعبة جدا علي الشعب العراقي وعلي القوات المحتلة والقوات الإيرانية لكن في الحصيلة النهائية ستفلح القوي الوطنية , وأعتقد أنه بعد منتصف سبتمبر أمريكا ستغير إستراتيجيتها في العراق ليس من أجل الشعب العراقي بل من أجل مصالحها الخاصة , وستخضع لإرادة الشعب العراقي .(52/127)
* * * * *
إيران ترث الموارنة في لبنان
الشراع 17/9/2007
حسن صبرا
إيران تريد حكم لبنان من خلال جماعاتها فيه، كما تحكم الآن العراق، ومن خلال جماعاتها هناك.
في العراق احتكمت إلى الاحتلال الأميركي، كي تحتل إيران العراق وتشكل فيه فرق الموت وميليشيا بدر التابعة للمجلس الأعلى (آل الحكيم) وجيش المهدي (جماعة مقتدى الصدر) وحزب الدعوة (إبراهيم الجعفري ثم نوري المالكي) وعشرات التشكيلات الصغيرة التي استنسخت دكاكين لبنان المسلحة خلال الحرب الأهلية خاصة في المناطق الإسلامية. استندت إيران إلى الاحتلال الأميركي كي تشكل الحكومة التي ترجع إليها، وكي تشكل الأحزاب التي تتمول منها، وكي تؤلف الكتل النيابية التي تدين لها بكل شيء من المرجعية إلى الانتخاب إلى التمويل ومن الاقتراع إلى الإعلام إلى بناء المؤسسات..
هكذا تحكم إيران العراق في الحكومة ومجلس النواب وقوات الشرطة وبقية المسلحين (قاعدة، فرق موت – استخبارات حرس ثوري..). الآن إيران تريد حكم لبنان بعد رحيل النظام السوري عنه، وبالأدوات السورية نفسها التي ظاهرت بشار الأسد في 8 آذار/مارس 2005 عبر مسيرة الوفاء له.
طرحت إيران مبدأ المثالثة بدل المناصفة لحكم لبنان وفق صيغة جديدة بديلة عن اتفاق الطائف أو الدستور الجديد للبنان الذي أقرّ عام 1989. أرادت إيران اعتماد القاعدة التي وضعها الرئيس نبيه بري عام 1988 كشرط لتأييده قائد الجيش يومها ميشال عون لرئاسة الجمهورية.
عون وافق على المثالثة عام 1988، وأرسل إلى الرئيس بري هذه الموافقة لقاء جهد يبذله بري مع الرئيس الراحل حافظ الأسد، مكملاً لجهد آخرين حفروا طريقاً بين عون والأسد.(52/128)
كان شرط بري يومها بسيطاً: نريد وزارة المالية للشيعة، ولا نريد أن نأكل من حصة احد لا المسلمين السنة ولا المسيحيين الموارنة فتصبح "السيبة" ثلاثية. لكن شرط إيران الآن مختلف تماماً. إيران تريد وراثة الموارنة في السلطة التنفيذية مع المحافظة على حصة الشيعة في مجلس النواب وفي مجلس الوزراء وزيادتها في بقية المؤسسات.
كيف ذلك؟ إيران تريد للبنان رئيساً توافقياً، بحيث يكون الرئيس الماروني محكوماً بإرضاء قوى الاستقلال وقوى التبعية لسوريا ولإيران، وهذا الرئيس الذي يرضي المتخاصمين لا يستطيع أن يكون حكماً بين الجميع، بل يكون خادماً عند الجميع.. وهذا هو المعنى الوحيد لكلمة توافقي.. وهذا ما تريده إيران: رئيساً طرطوراً للبنان. الرئيس التوافقي ماروني.. إذن يتم نزع السلطة والقوة وموقع الحكم من الموارنة في السلطة التنفيذية ويتم جعل القوة والتنفيذ والحكم داخل مجلس الوزراء الذي يرأسه سني قوي.. كما يرأس مجلس النواب شيعي قوي.. لكن الموارنة وحدهم يكون لهم في السلطة ممثل طرطور.
وحسب المفهوم الإيراني يختار الشيعة للحكومة التي يرأسها السني القوي وزراء أقوياء.. ينفذون داخل مجلس الوزراء المشروع الإيراني.. أي السلطة التنفيذية القوية التي يرأسها سني قوي بحضور وزراء شيعة أقوياء ورئيس مجلس نواب شيعي قوي. أما الماروني التوافقي فهو طرطور.
يضاف إلى ذلك..أن إيران تريد المزيد من المؤسسات التي تخضعها لحكم شيعي من جماعتها (حزب الله أو أمل)، فبعد أن حصل النظام السوري على موقع مدير عام الأمن العام للشيعة على حساب الموارنة، تريد إيران مواقع جديدة للشيعة وأيضاً على حساب الموارنة، لأنها لا تريد الدق بالسنّة، فهي قادمة لوراثة الموارنة، وليس لوراثة السنّة (حتى الآن).
والمواقع المارونية المحتملة للوراثة الشيعية هي حاكمية مصرف لبنان، مديرية الاستخبارات في الجيش اللبناني.. وغيرها.. لكن دائماً وزارة المالية.. ووزارة الخارجية.(52/129)
لقد بات مفهوماً أن القيادات الشيعية السياسية في لبنان تعتبر أن كل موقع تدخله أو تدخل إليه احد جماعاتها هو ملكية شخصية وسياسية وعامية لها وللمذهب الشيعي. فقد بات من المستحيل أن تتخلى القيادات الشيعية بعد الآن عن وزارة الخارجية بعد أن ذاقوا أهميتها في علاقات لبنان الخارجية.. إلا إذا حصلوا مثلاً على وزارة الداخلية.
وبات من المستحيل أن تتخلى القيادات الشيعية بعد الآن عن مديرية الأمن العام بعد أن ذاقوا أهميتها في العلاقات الداخلية إلا إذا حصلوا على قيادة الجيش. وبات من المستحيل أن تتخلى القيادات الشيعية عن مطلبها بأن تكون وزارة المالية لها.. أو أنها تريد موقع حاكمية مصرف لبنان، وهي تعرض المقايضة بأن تتولى الطائفة السنية مصرف لبنان مقابل تسليم وزارة المالية لشيعي، فإذا تعذرت هذه المقايضة فإن إيران والقيادات الشيعية تريد احد الموقعين: إما وزارة المالية.. وإما حاكمية مصرف لبنان وليقتتل الموارنة مع السنّة على الموقع المتبقي من حصة الشيعة!!.
وكانت إيران طلبت في مباحثاتها مع الموفد الفرنسي جان كلود كوسران أن يتم استحداث منصب نائب رئيس الجمهورية ليسند إلى شيعي على أن يعطى صلاحيات منها ترؤس جلسات مجلس الوزراء في حال غياب رئيس الجمهورية، وذلك إذا تعذّر إعطاء الشيعة وزارة المالية.
ومع تعذر هذا الطرح باستحداث منصب نائب رئيس الجمهورية. إذن:
* رئيس توافقي ماروني يعني رئيساً ضعيفاً.
* مثالثة بدل المناصفة تعني أن يقفز الشيعة إلى مواقع جديدة للحكم في لبنان على حساب الموارنة.(52/130)
وإلا لا انتخابات رئاسية للجمهورية في لبنان حتى لو دعا رئيس مجلس النواب إلى انتخاب رئيس في جلسات تبدأ يوم 25/9/2007، لأن شرط الانتخاب هو التوافق، فإذا تعذر القبول برئيس طرطور، فلا انتخاب لرئيس بالنصف زائداً واحداً في الدورة الثانية للانتخاب.. وإلا تصعيد اعتصام ساحة رياض الصلح إلى إحتلالات لوزارات ومؤسسات والمطار والمرفأ.. ونذر حرب أهلية تنتظر خلافاً سعودياً – إيرانياً جذرياً.
كيف تروج إيران لهذا المشروع؟ أول المؤيدين لهذا البرنامج الإيراني للحكم في لبنان عبر حزب الله وحركة أمل هو النائب ميشال عون الذي سارع للقول انه هو الرئيس التوافقي.. وهو يعلم أن من المستحيل القبول به رئيساً من قوى الاستقلال ومن قوى التبعية لسوريا وإيران نفسها.
لماذا؟ لأن عون وضع نفسه في خانة التحدي لقوى الاستقلال، وهو كرّس نفسه منذ مجيئه إلى لبنان للتهجم والتطاول على رموزها ومثلما وضع نفسه في خدمة النظام السوري والمشروع الإيراني وأدواتهما في لبنان.
وبالمقابل طالما أن عون يعتبر نفسه قوياً ووحيداً ومنفرداً للسلطة في لبنان، فإن إيران ودمشق لن تقبلا به لأنهما تريدان رئيساً مارونياً طرطوراً كي ينفذا مشروعهما الآنف الذكر.. وعندما يدعي عون انه قادم لحماية المسيحيين فإن هذا يعني أن عليه مواجهة المشروع الإيراني لوراثة الموارنة في لبنان.. وهذا لم ولن يحصل وبالتالي فإن تأييد عون للمشروع وزعمه انه الرئيس التوافقي أصبحا بلا أي قيمة.(52/131)
بكركي .. أما بكركي التي وصلتها تفاصيل المشروع الإيراني فإنها أول الأمر حملت هذا المشروع إلى الفاتيكان ليعرضه غبطة البطريرك على الحاضرة الرسولية، ليستمع إلى رأيها، وفي ذهن طهران أن الحاضرة حالياً ليست حاضرة بعد سلسلة الأخطاء التي ارتكبها البابا بنيديكتوس بحق المسلمين في إحدى محاضراته، فضلاً عن أن البابا الجديد نسبياً لم يستطع حتى الآن ملء كرسي البابا الراحل الذي رسم للبنان مكانة مميزة حيث اعتبره رسالة وشد جميع اللبنانيين إلى مفهومه الكبير.
ويرى البطريرك الماروني أن المشكلة الأساسية ليست فقط في الطمع الإيراني وفي الطموح الشيعي أمامه، بل في التشتت الماروني الذي كشفته الانتخابات الفرعية في المتن الشمالي يوم 5/8/2007 بأفظع صوره.. فضلاً عن خوفه من إمكانية عقد الصفقات الخارجية التي إن لم تتم عموماً على حساب لبنان.. فإنها ستتم حتماً على حساب الموارنة.. علماً بأنه من المؤمنين بأن الموارنة ولبنان توأمان.
وبدل أن يتوحد الموارنة لمواجهة هذا المصير القاتم فإنهم يتشتتون ويعددون الولاءات لمطامع شخصية على حساب الحضور والمواقع المسيحية والمارونية منها.
والبطريرك الماروني الذي حمى سابقاً إميل لحود ومنعه من السقوط بعد ثورة الأرز في 14 آذار 2005، واجه من لحود نكراناً للجميل وعناداً عندما دعاه مرتين للتنحي لحفظ الموقع الماروني.. دون جدوى حتى وصلت الأمور إلى تجاوز شخصية الرئيس الماروني إلى موقع الرئاسة نفسه بما أصابه من فقدان هيبة وإهمال وتجاهل وجود مثلما حصل حين جرت انتخابات المتن الفرعية على مقعد ماروني شاغر باغتيال الوزير والنائب الشهيد بيار أمين الجميل دون الحاجة إلى توقيع الرئيس على مرسوم الحكومة بإجراء الانتخابات.. ومثلما حصل في تسلم السفراء اللبنانيين المعتمدين المرسلين مواقعهم في عواصم العالم وفق مرسوم لم يوقعه أيضاً رئيس الجمهورية.(52/132)
هذا التجاهل لموقع الرئاسة يحمِّله البطريرك لإميل لحود وهو يخشى أن يصبح هذا التجاهل عرفاً وهذه السوابق ومثلها هي التي تحكم لبنان في ظل التوازنات والظروف غير الطبيعية التي يمر بها لبنان بين فترة وأخرى.
وأميركا؟
إيران تعتقد أن أميركا لن تستطيع تعيين الرئيس في لبنان، لأن طهران تمسك بورقة المعتصمين في ساحة رياض الصلح، وتمسك بمقاليد المطرقة من على منصة رئاسة مجلس النواب، والمسافة بينهما وبين السرايا والوزارات خاصة المالية والداخلية ومصرف لبنان.. ليست بعيدة.. هذا فضلاً عن أن طهران تملك ورقة التعطيل.. فإذا احتاجت مزيداً من التعطيل فإن فرق الاغتيالات السورية جاهزة للاستمرار في لعبة سحب الكراسي كي تفقد الأكثرية أكثريتها داخل مجلس النواب وداخل مجلس الوزراء.
وسيظل التعطيل الإيراني ساريا وبالقوة المباشرة لحزب الله، والقوة العمياء للاستخبارات السورية حتى تقبل أميركا أن تعطي لإيران الحصة التي تريدها. وحيث أن حصة إيران هي من حساب الموارنة فإن واشنطن لن تكون محرجة بالتنازل من حساب المسلمين حتى لا يغضب هؤلاء ويغضب العرب (من السعودية إلى مصر والأردن..).
المحرج الوحيد سيكون رئيس فرنسا الجديد نيكولا ساركوزي الذي يبذل جهداً كبيراً مع إيران ومع سوريا كي لا يصل إلى طريق مسدود أو تصعيد بالتحالف مع واشنطن ضد طهران ودمشق. ليظل مقبولاً من رعايا الأمس الموارنة الذين كانوا وجدوا فيه الأم الحنون.
وإيران تعتقد أن أميركا بوش تحتاج نجاحاً للتجربة الديموقراطية في لبنان، وهي من أجل هذا النجاح مستعدة للتنازل لإيران في لبنان لاستمرار التجربة، مثلما احتاجت إيران لإبقاء تجربة الحكم في العراق التي تعتبرها أميركا ناجحة وفق مقاييسها.(52/133)
أما سوريا فإن إيران تعتقد أن بشار الأسد يعرف انه غير حافظ الأسد، فوالده حكم لبنان وهو طرد منه، وحافظ الأسد أقام علاقة ندية مع طهران، وهو الآن تابع لها، وبشار يعرف انه غير مؤثر بورقة حزب الله إلا إذا اختلف مع إيران، وهو يعرف أن إيران الآن هي التي تشكل الحماية له وهو ليس في موقع المنافسة أو المواجهة.
النظام السوري أصبح الآن عجلة في عربة القاطرة الإيرانية المعززة بالوقود.. وبأسرع قوة قد يستطيع الخروج من الخط للحظة، لكن طهران قادرة على تأمين عجلة أخرى، أما العجلة إذا خرجت عن العربة فإنها عاجزة عن إيجاد عربة أخرى.. إلا إسرائيل.
وهذه المعادلة التي كثيراً ما استخدمتها سوريا ضد اللبنانيين الوطنيين بتخييرهم بين استمرار وصايتها أو الخضوع لإسرائيل، تنطبق الآن على نظام عائلة الأسد.. إما الاستمرار عجلة في العربة الإيرانية، أو الانفكاك للحاق بالعربة الإسرائيلية!!
والسعودية؟ تعتقد إيران أن إمكانية الاتفاق مع المملكة العربية السعودية في لبنان، واردة لأن ما يهم المملكة هو استقرار لبنان وحماية المسلمين فيه، وإيران لن تقدم على ما يمس حقوق المسلمين السنّة في لبنان.
وتعتقد إيران أن المملكة العربية السعودية لا تقبل عقد أي صفقة على حساب لبنان، وان الصفقات المطروحة هي بين أميركا وسوريا وبين سوريا وإسرائيل، ولقد حسمت المملكة موقفها بأن لا قبول بأي صفقة بين أي من هؤلاء على حساب لبنان. وان كانت الرياض تخشى دائماً من صفقات أميركية وقحة كما حصل في صفقة إيران غيت عام 1986، حين باعت واشنطن أسلحة لإيران في حربها ضد العراق في وقت كانت اعتبرت إيران عدواً لها.(52/134)
وتعتقد إيران أن السعودية تؤمن أن لبنان هو غير العراق، وان الفرز الطائفي في العراق غير ممكن في لبنان، وان الحضور اللبناني في الخارج مؤثر بما يسمح بتحرك عربي ودولي من أجل لبنان لمنع الحرب المذهبية فيه، وان إيران ستكون أكبر الخاسرين في أي حرب مذهبية، لذا فإيران لن تشجع الحرب المذهبية بل وستمنعها بالاتفاق مع السعودية.
إذن تتقدم إيران بطموحها، وقد اعتبرت أن الطبخة اللبنانية استوت خاصة مع استحقاق الرئاسة وقد وضعت له الشروط: رئيس ماروني توافقي + انتخابات وفق معادلة الثلثين في كل عمليات الاقتراع وليس فقط النصاب فإذا تعذر.. فإن التهويل بإرعاب المسلمين السنّة تحديداً للتخلي عن الموارنة والقبول برئيس ماروني طرطور يتحول إلى وقائع من ساحة رياض الصلح إلى ساحة النجمة إلى السرايا والوزارات ومصرف لبنان.
ندوة النفوذ الإيراني في العراق
وكالة الأنباء الإسلامية - القاهرة في 6 سبتمبر 2007
حذر الخبراء والأكاديميون المشاركون في ورشة العمل التي عقدها المركز الدولي للدراسات المستقبلية والإستراتيجية بالقاهرة حول (النفوذ الإيراني في العراق وانعكاساته الإقليمية) من خطورة غياب الدور العربي في العراق مما أدي إلى خلق فراغ استراتيجي بعد الاحتلال قامت إيران بملئه وأصبح الطريق أمامها ممهداً لابتلاعه. وأكدوا أن أهداف إيران أصبحت تتجاوز إرهاق القوات الأمريكية إلى تشكيل مستقبل العراق بعد أن أصبحت تسيطر عليه بالفعل ، لافتين إلي أنها قد تبرم " صفقة" مع الولايات المتحدة بشأنه مما يفرض تساؤلا هاما حول المطلوب لمواجهة هذه المخططات الإيرانية من جانب الأطراف العربية من اجل استعادة العراق.(52/135)
وفي بداية الورشة أكد الدكتور عادل سليمان المدير التنفيذي لمركز الدراسات المستقبلية والإستراتيجية والمشرف على برنامج الدراسات الإيرانية بالمركز أن التوجهات الإيرانية قد شهدت في السنوات الأخيرة تحركات واسعة النطاق في دوائر خارجية مختلفة، في إطار تصور إيران لدورها الإقليمي، أو دورها العابر للأقاليم في بعض الأحيان وأضاف بأن تلك التحركات ارتبطت بتدخلات مباشرة في الشئون الداخلية لبعض دول المنطقة، على نحو يتجاوز ما هو مفهوم عادة بالنسبة لخدمة المصالح القومية الإيرانية، وأدى ذلك إلى إثارة نقاشات واسعة حول أبعاد الدور الخارجي الإيراني.
وأشار إلي أن الدور والنفوذ الإيراني في العراق يأتي في مقدمة التحركات الإيرانية الخارجية التي تستحوذ على اهتمام خاص ومتزايد سواء من القوى السياسية العراقية المختلفة أو من القوى الإقليمية وفى مقدمتها دول الجوار للعراق أو من القوى الدولية وجعله يستحوذ على اهتمام العديد من مراكز البحوث والدراسات. وأوضح أن التدخل الإيراني في العراق يثير عددا من الأسئلة المركبة حول أهداف إيران في العراق، وحدود مصالحها المتعلقة بأوضاعه، والأدوات التي تستخدمها في إدارة سياساتها العراقية، وتحالفاتها الداخلية بالعراق، وموقفها إزاء الارتباطات العربية للعراق، وتفاعلاتها مع الولايات المتحدة بشأن مستقبل العراق، وبعض الأساليب المثيرة للجدل في إستراتيجيتها المتبعة إزاء العراق.
فرق الموت:
وقال سليمان إنه بات من الواضح أن أهداف إيران أصبحت تتجاوز إرهاق القوات الأمريكية إلى تشكيل مستقبل العراق وابتلاعه فضلا عن أن حجم التواجد الإيراني بالعراق يتطلب نقاشا، كما تتسم علاقات إيران بالشيعة العرب في العراق بالتعقيد.(52/136)
وأشار إلي أن إيران أصبحت تسيطر على العراق بالفعل، كما أنها قد تبرم " صفقة" مع الولايات المتحدة بشأنه، وثمة حاجة لمناقشة ما يفترض أن تفعله الدول العربية بهذا الشأن، في ظل سؤال كبير هو : كيف يمكن التعامل بصورة جادة مع إيران فيما يتعلق بسياساتها في العراق، لكن السؤال الأهم هو هل يمكن استعادة العراق؟. بينما رأى الدكتور محمد السعيد عبد المؤمن أستاذ الدراسات الإيرانية بجامعة عين شمس أن الورشة تهدف لخدمة مصالح الأمة العربية والإسلامية في المقام الأول والتأكيد على أن الوجود الإيراني يقلق العرب والمسلمين متسائلا عن أسباب زيادة النفوذ الإيراني في العراق تحديدا بعد الاحتلال ومع وجود الاحتلال؟ وكيف يتزايد النفوذ مع وجود أمريكا، وهل هناك صفقة معها حول العراق؟
وتابع تساؤلاته: هل لإيران مشروع إقليمي؟ وما أهدافها في العراق؟ وهل تسعى لتصدير ثورتها ومذهبها الاثني عشري الشيعي للعراق ودول المنطقة؟ وما موقفها إزاء الارتباطات العربية بالعراق ؟ وهل يمكن استعادة العراق للحظيرة العربية ؟ لافتا إلي أن الإجابة علي هذه التساؤلات تحتاج إلى جهد مكثف وتحرك سريع لتدارك الموقف ووقف تداعياته؟؟
واستعرض العلاقات التاريخية منذ مملكة الفرس بين البلدين مشيرا إلى أن النظام الإيراني استثمر رعايته لمعظم الأحزاب المعارضة لنظام صدام حسين والشيعية منها على وجه الخصوص وأهمها فيلق بدر الذي يضم 40 ألف عنصر إلي جانب وجود 4 فرق إيرانية مدربة بالعراق في البصرة، إضافة إلى مهام لمكاتب الحركة لمساعدة الفقراء وإعادة بناء العتبات وكذلك فرق لاغتيال المعارضين للنفوذ الإيراني داخل العراق يطلق عليهاالبعض "فرق الموت .
كارثة النفوذ الإيراني(52/137)
وأوضح عبد المؤمن أن إيران ترى أن إيجاد حكومة عراقية تتمتع بعلاقات جيدة معها مكسب لها، مشيرا إلى التحرك الأمني بين حكومة نوري المالكي وإيران اتخذ في الوقت الحالي خطوة هامة لم يلتفت إليها الكثير اتفقا خلالها على إعادة بناء النقاط الحدودية بين البلدين وزيادتها إلى 530 نقطة وزيادة الحرس الثوري ومنع التهريب للسلع والمخدرات وتخصيص معبرين لزيارة العتبات المقدسة.
وقام الدكتور حميد الراوي أستاذ المنظمات الدولية بكلية العلوم السياسية بجامعة بغداد بعرض ورقة أساسية في ورشة العمل ودار النقاش حولها أكد فيها على أن النفوذ الإيراني في العراق بمثابة كارثة حقيقية أحدثها الزلزال المدمر الذي ضرب العراق على يد الاحتلال الأمريكي عام 2003. والقي بمسئولية عن هذه الكارثة علي الأمم المتحدة والاحتلال الأمريكي ومنظمة المؤتمر الإسلامي والجامعة العربية لافتا إلي أن هذه الجهات تتحمل المسئولية الأخلاقية والقانونية حيال كل ما حدث ويحدث في العراق.
.
وأضاف انه في ظل احتلال العراق صار النفوذ الإيراني يمثل مشكلة حيث تسعى إيران للمساومة على الوضع في العراق لتخفيف الضغوط عليها، فضلا عن أن المشروع الإيراني ذو نزعة قومية بمسحة دينية، وكمحاولة منها لإفشال تجربة الاحتلال الأمريكي البريطاني للعراق ولإبعاد هذا الخطر عنها.
وسلط الضوء على نفوذ إيران المتزايد بالعراق وإطلاق أمريكا يد إيران في كافة أنحاء العراق لدرجة السماح بمشاركة السفير الإيراني لاجتماعات لجنة الأمن العليا بالعراق، فضلا عن أن إيران وجدت نفسها أمام فرصة ذهبية للثأر ومعاقبة خصومها في الحرب الإيرانية العراقية من ضباط الجيش بل والعلماء النابهين في المجالات المختلفة بالقتل.(52/138)
وأشار إلي أن إيران نشرت مكاتبها في كثير من المدن العراقية لمراقبة الوضع عن كثب ونتيجة الوضع المتوتر بين أمريكا وإيران بخصوص البرنامج النووي صارت تتفاوض مع المحتل من اجل مستقبل العراق، وتقدم الدعم لكافة القوى المناوئة للاحتلال من تدريب وتقديم السلاح نكاية في الاحتلال الأمريكي.
شرطي المنطقة
وأشار إلى أن إيران تتشبث بالأوراق التي في يديها للمساومة عليها لتمرير مشروعها النووي والعراق من أهم الأوراق التي تساوم بها موجها دعوة صريحة للدول العربية للبحث عن مخرج في العراق بعيدا عن أمريكا وإيران خاصة وأن إيران صارت تسيطر على مراكز صنع القرار العراقي.
ونصح إيران أن تتعامل مع العراق وفقا للجوار الدولي لأنه لا يمكن لإيران أن تحكم العراق حيث أن القبائل المنحدرة من أصول عربية وتبلغ نسبتهم 80% من شيعة العراق يرفضون حكم إيران لبلادهم.
وكشف النقاب عن أن دول الجوار الإقليمي تكبلها علاقات إيران الدبلوماسية سواء سوريا أو تركيا وتجعلهما غير قادرتين على التصدي للنفوذ الإيراني، إضافة إلى توجيه الاتهامات للمملكة العربية السعودية بدعم السنة لتخويفها لتبتعد عن العراق، و الدور الكويتي منشغل فقط في كيفية الثأر لاحتلالها عام 90، بينما الأردن تضررت اقتصاديا من احتلال العراق،في حين كانت مصر وحدها سنويا تتعامل بـ5 مليارات دولار في برنامج النفط مقابل الغذاء مع بغداد قبل الاحتلال.
وأشار إلي أن أمريكا أزالت حكومتين مناوئتين لإيران وهما العراق وأفغانستان، مما يعد خدمة ذهبية لإيران عجزت عن تحقيقها سنوات طويلة، كما أن إيران تمتلك ثلاث رؤوس نووية حصلت عليها منذ عام 2005 جاهزة من الاتحاد السوفيتي. وتساءل هل العرب سيظلون مكتوفي اليد عن التصدي لإيران وللمد الشيعي؟ وهل ستصبح إيران شرطي المنطقة؟ وهل ستوجه أمريكا ضربة لإيران لتغيير النظام الحاكم؟
إيران تسرق النفط!!(52/139)
ومن جهته حمل الدكتور مدحت حماد أستاذ الدراسات الإيرانية بآداب طنطا المسئولية كاملة لما يحدث في العراق لغياب العرب وعدم وجود رؤية أو إستراتيجية أو هدف واضح لدى القادة العرب في التعاطي مع هذه الملفات الملتهبة في المنطقة سواء العراق أو فلسطين أو الصومال مما أتاح المجال أمام النفوذ الإيراني للتوسع والهيمنة عليها .
وقال إن العرب يعانون من فقدان الاتزان وعدم وجود رؤية أو مشروع عربي شامل وتحكمهم الهواجس وضرب مثلا بفلسطين حين انسحب العرب لتدخل إيران على الخط ودخلت لاعب رئيس في فلسطين عبر الجهاد الإسلامي وحماس متسائلا أين الوجود المصري الذي ساعد العراق علي تحرير جزيرة الفاو؟.
وأكد الدكتور حميد شهاب الأستاذ الزائر بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة أن موضوع النفوذ الإيراني في العراق تقتضي الحاجة إلى تناوله بهدوء، وتفكير عميق بعيدا عن روح التعصب لأي طرف سواء داخلي أو إقليمي .
وأوضح أن حساسية الموضوع الذي نتناوله يتمثل في موضوع الشيعة حيث أن إيران لا تمثل كل الشيعة في العراق كما أن الامتداد العربي لشيعة العراق أقوى وأكثر من الولاء المذهبي للشيعة في طهران مشيرا إلى أن العشائر الشيعية العربية في العراق بايعوا مرشحا غير عراقي ليكون حاكما وملكا عليهم وهو الأمير فيصل من الحجاز وهذا قبل 80 سنة من اليوم ، ما يؤكد قوة الامتداد العربي لعشائر العراق.
وقال انه مما يؤكد ذلك تصريح السيد حيدر العبادي وهو من الشيعة يشير فيه إلي " أن إيران تسرق النفط العراقي ولابد من التصدي لهذه السرقة" مما يعني انه عندما تتأزم الأمور وعند الحاجة فإنهم يتغلبون على المذهبية ويعودون إلى عروبتهم وعراقيتهم.
* * * * *
وثائق سرية تكشف:
قادة إيرانيون وأجانب لحزب الدعوة الإسلامية العراقي
الملف - بغداد 7/10/2007(52/140)
كشفت وثائق رسمية للنظام العراقي السابق عن أسماء القيادات الإيرانية والأجنبية في تشكيلات حزب الدعوة الإسلامية.
وتفيد الوثائق الصادرة عن إحدى السفارات العراقية "جرى حذف البلد الذي تتواجد فيه" بأن صفوة قيادات حزب الدعوة الذي أسسته في العراق المخابرات البريطانية والإيرانية عام 1960 ليسوا عراقيين. ومعظمهم تبؤا ويتبؤا اليوم مناصب قيادية في الحكومة العراقية.
والمثير فيما كشفته الوثائق أن قيادات من أصول إيرانية و أخرى غير عراقية، لحزب حمل اسم (حزب الدعوة الإسلامية في العراق) الذي انقسم الآن إلى ثلاثة أحزاب وهي حزب إبراهيم أشيقر (الجعفري) وحزب جواد أو نوري المالكي وحزب دعوة العراق.
ومن ضمن قوائم الأسماء التي أوردتها الوثائق ، الشخص الذي يحمل الرقم التسلسلي (2) هو الإيراني المرشح أن يكون الولي الفقيه لجمهورية (شيعستان) بعد تقسيم العراق وأن إيران تريده أيضا منافسا ليكون مكان السيستاني في النجف!.
والشخص الذي يحمل الرقم التسلسلي (5) عضو إيراني في برلمان عملاء الاحتلال اسمه الحقيقي (علي زندي) وكان مسؤول عما يسمى بملف المصالحة الوطنية في عهد حكومة الجعفري، وهو من المرشحين بديلاً عن المالكي. وتالياً نص الوثائق التي نشرها موقع البصرة نت.
وثيقة رقم (1)
ما بين الأقواس (......) محذوف
نصها:
بسم الله الرحمن الرحيم
سفارة جمهورية العراق
(أسم السفارة والبلد مرفوع)
الرقم: س غ / 4م
التاريخ: 6/10/ 1997
التاريخ الهجري:
(هناك ختم جاء فيه: وزارة الخارجية العراقية، مكتب وزير الخارجية، 6046 في 11/10/1997)
سري للغاية وشخصي
وزارة الخارجية، مكتب الوزير
م/ معلومات
لاحقا ببرقيتنا الرمزية 29 في 21/9/97 استدعى السيد السفير يوم الإثنين 6/10/97 من قبل الخارجية (........) حيث استقبله السيد رئيس الدائرة العربية (......) وسلمه المذكرة ومرفقها قائمة بأسماء أعضاء في حزب الدعوة العميل.(52/141)
وإضافة إلى ما ورد في المذكرة من نقاط فقد عبر عن رغبة سلطات الأمن (....) بالتنسيق مع الجهات العراقية المختصة في هذا المجال.
ملاحظات السفارة
بالرغم من أن التحقيقات ما زالت جارية وبسرية تامة، ألا أن ما يتوفر من معلومات لحد الآن ينحصر في أن المجموعة التي القي القبض عليها هنا (....) هي عبارة عن منظمة لها ارتباطات واسعة تمتد من إيران إلى دول الخليج فالسعودية وصولا إلى سوريا...، وقد تسلمت أموالا كبيرة لتمويل نشاطاتها مع التقدير.
التوقيع
السفير
المرفقات :
مذكرة مع قائمة أسماء
يُكتب للمخابرات لتبيان الرأي حول التعاون مع الجانب (......) حول الموضع
توقيع
11/10
بدون تعليق!
قائمة الأسماء رقم (1)
تفاصيل الأسماء:
1- عبد الحليم الزهيري، الملقب أبو محمد/ أيراني الجنسية/ عضو اللجنة المركزية ومسؤول فرع الحزب في (.....)/ يقيم في إيران وسوريا/ يلتقي ببعضهم في مواسم الحج وفي سوريا.
2- محمد مهدي الآصفي/ إيراني الجنسية/ عضو اللجنة المركزية والناطق الرسمي باسم الحزب/ يقيم في إيران/.
3- محمد مهدي العطار، إيراني الجنسية/ عضو اللجنة المركزية/ يقيم في إيران/ كان يتواجد في أمارة الشارقة حتى السبعينات، له علاقة باللجنة المالية للحزب.
4- حسن شبر العطار/ إيراني الجنسية، عضو اللجنة المركزية، يقيم في إيران، وصف أنه مسؤولا عن اللجنة المالية للحزب.
5- علي الأديب الملقب (أبو بلال)، إيراني الجنسية، عضو اللجنة المركزية، يقيم في إيران وسوري، مسؤول المكتبين الإعلامي والسياسي، ومسؤول عن تنظيم الحزب في باكستان وأفغانستان.
6- أبو عقيل - لا تفاصيل -، إيراني الجنسية، عضو اللجنة المركزية، يقيم في إيران، متخصص في كتابة الفكر الخاص بحزب الدعوة الإسلامي.
7- أبو أحمد الجعفري، هناك من ذكر أن أسمه الدكتور إبراهيم الجعفري، يقيم في إيران، مسؤول اللجنة الفرعية لتنظيم الحزب في لندن.(52/142)
قائمة رقم (2) سنوافيكم بها قريبا (أن شاء الله) لأنها لا زالت بحوزة المصدر
قائمة رقم (3)
16- ناصر جمعة الخلصان، عضو ويعتقد أنه قيادي في تنظيم دبي، يقيم في دبي، يمتلك متجر في دبي ويسير حملة للحج وأنه كان يستضيف في منزله اجتماعات حزبية تابعة للتنظيم.
17- بدر (أبو جمال)، كويتي الجنسية، عضو، يقيم في الكويت، شارك في أحد الاجتماعات التنظيمية بدبي، يسير حملة للحج باسم التوحيد.
18- كاظم عبد الحسين محمد، كويتي الجنسية، غير معروف درجته الحزبية، يقيم في الكويت، صاحب حملة (الغضنفر) للحج، حضر عدة اجتماعات تنظيمية في دبي ممثلا عن تنظيم الكويت وبمعية آخرين، على علاقة بمحمد حسين فضل الله.
19- جواد كاظم (أبو لواء)، عراقي الجنسية، عضو بالحزب، غير معروف الإقامة، تم اعتقاله عام 90 من قبل سلطات الأمن الإماراتية لعلاقته بحزب الدعوة.
20- ثامر عبد الرحيم الكاظمي، عضو محتمل، يقيم في مسقط، لديه أخ يدعى كاظم من أعضاء حزب الدعوة.
21- عبده فلاح السوداني، من أصل عراقي الجنسية، يلقب (أبو مصعب) ويحمل الجنسية البريطانية، عضو بالحزب، يقيم في لندن، ذكر أنه يتردد على مقر حزب الدعوة الإسلامي في لندن.
22- أبو مجاهد /إيراني الجنسية من أصل عراقي، عضو بالحزب، يقيم في إيران، من أعضاء حزب الدعوة، مذيعا في تلفزيون وإذاعة إيران، يقدم برنامجا سياسيا، حضر اجتماعا للحزب بسوريا عام 85.
القائمة رقم (3)
23- أبو سمر العبادي، عراقي الأصل بريطاني الجنسية، عضو بالحزب، يقيم في لندن، حضر اجتماعا للحزب في سوريا عام 85
24- د، موفق الربيعي، بريطاني الجنسية، عضو بالحزب، يقيم في لندن، حضر مؤتمرا للحزب في سوريا عام 85
25- أبو أحمد المشهدي، عراقي الجنسية، يقيم في إيران، حضر اجتماعا للحزب في سوريا 85
26- أبو زهراء، عراقي الأصل ربما يحمل الجنسية الألمانية، عضو بالحزب، يقيم بألماني، ممثل الحزب في
المانيا، حضر اجتماعا للحزب في سوريا عام 85.(52/143)
27- أبو تقي، بحريني الجنسية، يحمل جوازا إيراني، عضو بالحزب، حضر اجتماعا للحزب في سوريا عام 85
28- حاجي مسلم، سوري الأصل، كندي الجنسية، عضو بالحزب، يقيم بكندا.
29- المهندس (أبو ياسر)، عراقي الأصل بريطاني الجنسية، عضو بالحزب، يقيم بلندن، عضو تنظيم لندن، وعضو في المكتب السياسي التابع للحزب.
المجلس البلدي في الكويت يرفض تشييد معبد لأتباع طائفة "البهرة"
العربية نت 11/10/2007
( لا حظوا دفاع الشيعة عن البهرة ليكون مدخلاً لهم لزيادة طقوسهم المبتدعة وإعلان كافة معتقداتهم الشركية مستقبلاً !! الراصد )
رفضت اللجنة الفنية في المجلس البلدي في دولة الكويت، تخصيص موقع لمسجد يتبع أتباع طائفة "البهرة" (شيعة إسماعيلية)، كانوا قد تقدموا بطلبه في منطقة "العارضية"، شمال البلاد. واستندت اللجنة الفنية، في رفضها الطلب، إلى اعتبار أن مقدميه ليسوا كويتيين "وكذلك لأن المسجد ظاهريا هو مسجد، وفي الحقيقة معبد". لكن النائب الكويتي صالح عاشور – شيعي - انتقد رفض السماح ببناء مسجد خاص بهذه الطائفة، مشيراً إلى أنها من المذاهب الإسلامية الموجودة في الكويت وجميع أنحاء العالم، ولها مساجد في الكثير من الدول مثل الهند وباكستان والإمارات واليمن ومصر وسورية ودول أخرى. واعتبر انه "من حقهم أن يكون لهم مسجد يمارسون فيه صلواتهم وشعائرهم وذلك وفق ما كفله الدستور من حرية المعتقد.
وأضاف، وفق ما نقلت صحيفة "الجريدة" الكويتية الخميس 11-10-2007، "بما أننا في دولة التسامح الديني وحرية العقيدة، وبلادنا تضم مساجد للمسلمين ومعابد وكنائس للديانات الأخرى، فمن باب أولى منح البهرة مسجدا"، مطالبا الحكومة بالتدخل لحسم مثل هذه القضايا وعدم تركها لاجتهادات بعيدة عن المصلحة العامة للوطن.
ورفض عاشور القول إن البهرة يريدون معبدا لهم، "حيث أن كلمة معبد تكون لغير المسلمين ولكنهم طائفة مسلمة ومسالمة تحب هذا البلد ولا يجوز تكفير طائفة مسلمة".(52/144)
والبهرة طائفة من الإسماعيلية، يعترفون بالإمام المستعلي ومن بعده الآمر ثم ابنه الطيب ولذا يسمون بالطيبية، وهم إسماعيلية الهند واليمن، تركوا السياسة وعملوا بالتجارة فوصلوا إلى الهند واختلط بهم الهندوس الذين أسلموا. أما اسمهم فهو لفظ هندي قديم يعني "التاجر".
ويتزعم الطائفة حالياً محمد برهان الدين، وهو الزعيم الثاني والخمسون، وقد استلم زمام الزعامة بعد وفاة الزعيم الـ 51 طاهر سيف الدين.
وينتشر أتباع هذه الطائفة في بعض دول المنطقة مثل السعودية والإمارات واليمن وسلطنة عمان، إضافة إلى العراق، إلا أنهم غير منتشرين بين المواطنين الكويتيين، باستثناء وجود بعض أتباع تلك الطائفة بين الجاليات الباكستانية والهندية المقيمة في الكويت.
ويقدر أتباع الطائفة، التي صنفها فقهاء مسلمين بأنها "باطنية" بنحو مليون نسمة في أنحاء العالم، إلا أنهم يعتبروا قوة اقتصادية كبيرة، حتى بدأ أتباعها في بعض الدول العربية بالمطالبة بحقوقهم الدينية.(52/145)
مجلة الراصد الإسلامية
العدد الثالث والخمسون – ذي القعدة 1428هـ
* فاتحة القول…أخطاء في التعامل مع المشكلة الشيعية ..............................................…3
* فرق ومذاهب…الأقباط ..................................................................................…8
* سطور من الذاكرة…الشيعة العرب سبب غلو التشيع الصفوي ...........................................…14
* دراسات …سورية وإيران ... تنافس وتعاون .............. . ...................................…21
* كتاب الشهر …الباطنيون الجدد والقراءة المتهافتة للنص الديني ................................…32
* قالوا…...........................................................................................…36
* جولة الصحافة ……
…- الأهواز اليوم قمع ونهب وتفريس ومتابعة ما بدأه الشاة ............... …40
…- الأسدي يكشف "الأرصفة السرية" لنقل خلايا إيران الناعمة للخليج ..........…46
…- الخمور والسهرات الماجنة بكربلاء تتسبب بهروب نائب المحافظ .............…49
…- السجل الأسود لتنظيمات أقباط المهجر ............................................…51
…- بوتين في إيران .. جولة الشطرنج الساخنة ....................................…54
…- حضور الزي العربي في قلب طهران ............................................…57
…- خطة الملالي لضم اليمن إلى المحور الإيراني .....................................…62
…- رسالة من الأهواز ...................................................................…64
…- عودة البرهانية الجماعة الصوفية المحظورة في مصر .........................…71
…- بهرة الكويت: لدينا مساجد في الخليج فكيف نقمع في بلد الحريات ...........…76
…- العلامة الحسيني: مخطط إيراني للتخلص من زعماء شيعة العرب .........…78(53/1)
…- مقابلة مع إبراهيم الوزير ..........................................................…79
…- شرطة كربلاء: جيش المهدى أزهق مئات الأرواح …………………..
…82
……
أخطاء في التعامل مع المشكلة الشيعية
لا يزال أهل السنة – وخاصة قادة العمل الإسلامي – عموماً لا يحسنون التعامل مع المشكلة الشيعية، ولذلك تجدهم يفرطون بحقوقهم من جهة ويدعمون خصومهم الشيعة من جهة أخرى وبالمجان، رغم أن الشيعة لم يقدموا أي تنازل أو بادرة تدل على حسن النية، وذلك وفق القاعدة الميكافيلية "ما هو لك فهو موضع تفاوض وما هو لي فهو لي فقط!! ".
و لهذا التعامل الخاطئ مع المشكلة الشيعية أسباب نجملها في:
- السذاجة وحسن النية تجاه الشيعة.
- الحرص العاطفي على وحدة الأمة.
- الانخداع بالشعارات والخطابات الشيعية.
- الدعم الشيعي المادي لبعض الفصائل السنية كحركة الجهاد الإسلامي.
- الخوف من الوصم بالطائفية.
- ضغط الإعلام الشيعي الموجه.
- عدم وجود تصور وبرنامج واضح لمقاومة الأطماع الشيعية .
وهذه بعض النماذج من التعامل الخاطئ مع المشكلة الشيعية:
أولاً: مشاركة الأستاذ إبراهيم المصري نائب رئيس الجماعة الإسلامية في لبنان في ندوة عقدتها مجلة "شؤون الأوسط" وهي مجلة شيعية لبنانية مرموقة في الأوساط السياسية العربية، وكان مما قاله الأستاذ المصري: "إن إضفاء الطابع المذهبي أو السياسي على ما يدور في العراق يتضمن ظلماً لمذهب (أي مذهب) وللسياسة كذلك. فما علاقة الخلاف المذهبي - سواء كان عقيدياً أو فقهياً – بعمليات القتل والنسف وأين يختلف الشيعة والسنة في العراق وعلى ماذا؟ فالشيعة يعتبرون أمريكيا الشيطان الأكبر، والسنة يواجهون الاحتلال الأمريكي ويقاتلونه. وإذا كانت إيران هي من يغذي الصراع الطائفي في العراق كما يقول بعض العرب فما مصلحتها في ذلك ما دام العدوان الأمريكي يستهدفها من أجل برنامجها النووي ؟(53/2)
يبدو لنا من بعد أن المؤسسات الدينية قادرة على أن تأخذ المبادرة فتصدر الفتاوى والمواقف التي توحد الساحة الإسلامية بجناحيها السني والشيعي وقد فعلت شيئاً من ذلك عند إصدار "ميثاق مكة" في رمضان الفائت 2006 ..."( ).
وهذا الكلام قد يتساهل فيه مع شخص يعيش في بلد لا يوجد فيه شيعة أو لم يخالطهم، أما أن يصدر عن قيادي إسلامي كبير في لبنان فهذه مصيبة وهي تضع علامات استفهام كبيرة على منهجية الجماعة وفكرها، ففي هذه الأسطر القليلة كمية من المغالطات تحتاج لمجلد لشرحها ولكننا نحاول الاختصار قدر الإمكان:
فهل الأستاذ المصري لا يعرف على ماذا يختلف الشيعة والسنة في العراق؟؟
ونحن هنا لن نذكر له حجم الخلاف العقدي الذي بين الطرفين، لأنه إن كان يجهله فهي كارثة على أتباعه من المسلمين وإن كان يعرفه ويتغاضى عنه فهو غاش لإخوانه وأحلاهما مر، وليختر لنفسه!!
وسنقصر الحديث معه في الخلاف السياسي بين السنة والشيعة في العراق، ألا يعلم الأستاذ المصري أن الشيعة هم من أغرى الأمريكان لاحتلال بغداد في مؤتمر لندن وغيره؟؟ ألا يعلم الأستاذ المصري موقف الشيعة من التعاون مع الأمريكان سياسياً وعسكرياً في بغداد؟؟ ألا يعلم الأستاذ المصري بفتاوى السيستانى المؤيدة للأمريكان في العراق؟ ألم يطالع مذكرات بريمر حول السيستاني؟؟ ألم يسمع الأستاذ المصري بمطالبة الشيعة بتقسيم العراق ؟؟ ألم يسمع الأستاذ المصري بفضائح حكومة الجعفري والمالكي الطائفية والدموية؟؟
هذا هو الخلاف يا أستاذ!! أما تبرئة إيران من دعم وتسهيل الطائفية في العراق فهو موقف غريب من الأستاذ المصري فلقد أقر بذلك العديد من الهيئات والشخصيات الشيعية!!(53/3)
أما طرفة "وثيقة مكة" التي استشهد بها الأستاذ المصري فهي تدل على قصر نظر أو قصور فكر إذا كانت مقصودة إن لم نقل طعنة في الظهر لإخوانه المسلمين في العراق، فهذا المؤتمر الذي يستشهد به الأستاذ المصري رفض السيستاني حضوره !! ورفض إرسال مندوب عنه !! وهكذا فعل مقتدى الصدر!! فلم يحضر ولم يرسل من ينوب عنه!! فهل موقف المرجعية الشيعية هذا يستحق ثناءك وإعجابك؟؟ إن أمرك لعجيب!!
لسنا ندرى ما هو دافع هذه التصريحات، ولماذا يتطوع الأستاذ المصري بالدفاع وتبرئة المجرم بدل أن يطالب بحقوق إخوانه الضحايا؟؟ ولكن ما نتيقن منه أن هؤلاء القادة وبهذا الفكر وبهذه المواقف قد جنوا على أمتهم وغشوها ولم ينصحوا لها، فهل يتوبون ويعودون عن ذلك؟؟
أوردها سعدُ وسعد مشتمل ما هكذا يا سعد تورد الإبل
ثانياً: أطلق الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي بمناسبة عيد الفطر المبارك لعام 1428 هـ نداء للمشاركة في الدفاع عن إيران إذا هاجمتها أمريكا، مؤكدا على "وجوب" الدفاع عن إيران إذا تعرضت للضرب من الولايات المتحدة؛ "لأنها وطن إسلامي يدين من فيه بالإسلام كما أن العدو هو أمريكا التي أعلنت الحرب على الإسلام تحت اسم الحرب على الإرهاب"( ).
والعجيب في هذه الفتوى أنها خالية من أي مطلب من إيران! ولا نقصد بذلك ابتزاز إيران بل المقصود هو مطالبة إيران بتقديم بادرة حسن نية تجاه المسلمين مثل:
-…إدانة التطهير الطائفي في العراق الذي تقوم به الميلشيات الشيعية المدعومة من إيران ورفع الدعم والحماية عن قادتها ، علماً أن إيران قد حاولت في مؤتمر اسطنبول الأخير لدول جوار العراق إدماج هذه الميلشيات في الجيش العراقي !!
-…حث حزب الله في لبنان على إنهاء الأزمة السياسية فيه.
-…إعطاء أهل السنة الإيرانيين حقوقهم.
-…لجم القنوات والمواقع الإلكترونية الشيعية التي تبث الحقد والكراهية وتشحن الشيعة على المسلمين.(53/4)
-…إعطاء عهود حقيقية بالوفاء للمسلمين وعدم التعرض لبلادهم وخاصة دول الخليج، فلا زلنا نذكر سرقة إيران طائرات العراق في عام 90 وخيانته عام 2003 وخيانة أفغانستان.
ففي حين تطلق إيران التهديدات لدول الخليج، وتمارس القتل في العراق، وتدعم تمرد الحوثي في اليمن، وترعى التشيع في الدول العربية، وتعطل الحياة في لبنان، وتقمع أهل السنة في إيران، يخرج علينا الشيخ القرضاوي ليطالبنا بالوقوف معها؟؟
فما هو الفرق بين سياسة أمريكا وإيران ؟؟ ولماذا تمارس إيران نفس سياسة أمريكا ولا تأخذ حكمها؟؟ ثم يا شيخ هل يصح عندك أن قادة إيران ينطبق عليهم وصف "وطن إسلامي يدين من فيه بالإسلام"؟؟؟
وهل نسيت يا شيخ يوسف لقاءك مع رفسنجاني على قناة الجزيرة وكيف أنه تنصل وتهرب من كل مطالبك الشرعية وركز فقط على مطالبتك بالوقوف مع إيران ؟؟ وأنت الآن تلبي مطالبه مجاناً دون أن يستمع لما قلته من حقائق أو يلفت لمشاعرك ومشاعر ملايين المسلمين من خلفك ، فضلاً عن أن يلبى لك شيئاً.
ثالثاً: قام الشيخ سلمان العودة بنشر مقال لصحيفة الجزيرة السعودية بعنوان "فلنفرح بالعيد" ثم نشره في موقعه مع حذف سطرين من بعد أن قام الشيعة بحملة تشهير ضده ووصمه بالتكفيري والطائفي، وكأن المقصود هو جعله عبرة لغيره من أهل السنة!!
وحذف الشيخ العودة لهذين السطرين مستغرب منه، فليس فيهما خطأ علمي أو شرعي!! وهما لا ينافيان الوحدة الوطنية ولا الأخوة الإسلامية!!
وكان الأولي بالشيخ العودة مطالبة الشيعة المحتجين عليه بحذف الكفر والبهتان والتطاول على مقدسات المسلمين من الصحابة وأمهات المؤمنين الذي تمتلئ به كتب ومقالات ومواقع شيوخهم من السعوديين وغيرهم.
نعم كان حرياً بالشيخ العودة مجابهتهم وليس مسايرتهم في باطلهم، وأين مطالبة شيعة السعودية ورموزهم بالتنصل علانية من رموزهم في الخارج ومؤسساتهم التي تستعدى الغرب والمنظمات الدولية على الوطن والبلد والوحدة والأخوة!(53/5)
رابعاً: قام موقع "الإسلام اليوم" الذي يشرف عليه الشيخ سلمان العودة أيضاً بنشر مقابلتين: الأولى مع متشيع مغربي يدعى "هاني إدريس"، والثانية مع زعيم حركة الجهاد الفلسطينية رمضان شلح، ولم يكن الموقع موفقاً في ذلك.
فما هي الضرورة الصحفية أو السبق الصحفي لمحاورة متشيع مغمور في المغرب؟ وما فائدة نشر صورة محسنة وجميلة غير حقيقية عن التشيع في أوساط أهل السنة؟ ولماذا لم يقم المحاور بمطالبة هذا المتشيع بالاعتذار عن كذبه وافترائه على الصحابة في كتبه وهي منشورة على شبكة الإنترنت؟؟
والأغرب من هذا كله هو عدم تعقيب الموقع – الذي يرتاده الآلاف من عوام المسلمين – على افتراءات المتشيع المغربي وأباطيله!
وحين ترى التعليقات على هذه المقابلة في شبكة الإنترنت تجد أن تعليقات الاستحسان جاءت من السعودية! وذلك لأنهم من الشيعة!! وتجد تعليقات الاستنكار من أهل المغرب الذين يعرفون حقيقة هذا المتشيع! وهنا نوجه سؤالا لإدارة الموقع ومشرفه: متى أعطاكم الشيعة فرصة لعرض بضاعتكم على جمهورهم دون إحراجكم بتقديم تنازلات؟؟ أجيبونا؟؟
أما مقابلة " شلح " فهي تغريد خارج السرب ، ففي الوقت الذي يتزايد فيه النشاط لنشر التشيع في فلسطين بواسطة حركة الجهاد يتم فتح المجال "لشلح" لنفي كل ذلك دون دليل أو برهان!!
ونسجل هنا بكل وضوح أننا نعتقد أن هناك موقف مسبق من إدارة الموقع بتلميع "شلح" وحركة الجهاد، رغم أن نشاط حركة الجهاد في نشر التشيع أمر معلن ومكشوف وقامت عليه العديد من الحقائق والبراهين( )، ولذلك نستغرب أن الذي حاور "شلح" كان كتلميذ ابتدائية بين يدي أستاذه، فلم يواجهه بحقائق نشاطهم في نشر التشيع ولم يطلب أي دليل يفند كلام خصوم حركة الجهاد!!(53/6)
لا ندرى ما هي الغاية التي يريد موقع "الإسلام اليوم" الوصول إليها؟ ولكن ما ندريه أنه بدأ يفرّط في بعض الثوابت الشرعية للحصول على ألقاب: "إصلاحي، مستنير، معتدل، غير متعصب، ونحن نخشى عليه أن يصبح كالغراب الذي لم يصبح طاووساً ولم يبق غراباً !!
خاتمة:
متى يدرك إخواننا ومشايخنا أن أسطورة "جناحي الأمة شيعة وسنة" وهْم لا حقيقة له، وأن ركضهم خلفه ركض خلف السراب .
وأن الصواب هو مطالبة الشيعة بكل وضوح وقوة بالكف عن بدعهم وغلوهم وحقدهم وخيانتهم لنا، وأن عليهم تقديم البراهين القوية على حسن نيتهم تجاهنا.
نعلم أن في الشيعة من لا يعادينا ولكن هؤلاء لا قوة ولا سلطة لهم - وأكثرهم لا يجرؤ على قول ذلك – وهم خارج دائرة الصراع الحالي، ويجب عدم إعطائهم أكبر من حجمهم ولا التعويل عليهم كثيراً ولا قليلاً.
الأقباط
تمهيد:
ابتداء من هذا العدد، نقوم بالتعريف بعدد من المجموعات المسيحية الموجودة في المنطقة العربية كالأقباط في مصر، والموارنة في لبنان، والكلدانيين في العراق ...إلخ، كون هذه المجموعات تعيش في المنطقة ، وبعضها يتولى سدة الحكم كما في لبنان، إضافة إلى أن علاقاتها مؤخراً مع المسلمين كثيراً ما يشوبها الاضطراب والصدام كما في مصر.
ثمة أسباب أخرى تدفعنا لطرق موضوع الجماعات المسيحية منها أن هذه المجموعات لا تعيش بمعزل عن المسلمين، فهي جزء من المجتمع ويلعبون أدوار سياسية واجتماعية واقتصادية، وربما عسكرياً، ونحن نرى الآن في لبنان مثلاً أن الشيعة الممثلين بحزب الله وحركة أمل يقيمون تحالفاً مع بعض الأطراف المارونية المسيحية (عون، فرنجية) في مواجهة تحالف آخر يرأسه تيار المستقبل (السني) المتحالف مع بعض الأطراف المارونية (الجميل، جعجع) إضافة إلى التيار الدرزي الذي يمثله وليد جنبلاط.(53/7)
كما أننا لا نغفل عن أن هذه المجموعات المسيحية، أو غيرها من الأقليات يراد لها أن تكون عنصر اضطراب في المجتمعات الإسلامية، إذ يتم في كثير من الأحيان دعمها ورعايتها واستغلالها من القبل الغرب لإضعاف المجتمع الإسلامي، وضرب سكانه بعضهم ببعض، لاسيما عندما يتم المبالغة في أعداد ونسب هذه الأقليات، لإظهار أنها مضطهدة مهمشة ولا تحصل على الحقوق والامتيازات التي توازي أعداد أفرادها.
ومما يجدر ذكره أيضاً أن هذه المجموعات ليست كتلة واحدة متفقة ومنسجمة، إذ أن داخل كل جماعة مسيحية ـ شأن الجماعات والأديان الأخرى ـ توجهات وتيارات دينية وسياسية عديدة، تصل فيها الأمور في غالب الأحيان إلى مستوى الصراع والتخوين وربما التكفير.
الأقباط
يطلق على المسيحيين في مصر اسم الأقباط ومفردها قبطي وينتمي معظمهم إلى الكنيسة الأرثوذكسية( ) ويرأسهم حالياً البابا شنودة الثالث. وقد أختلف في أصل كلمة قبط أو قبطي، ويذهب أحد الآراء إلى أنها مرادفة لكلمة "مصري".
ويقول الأقباط إن كنيستهم هي أقدم كنيسة مسيحية في العالم، أسسها القديس مرقس (الرسول) في القرن الأول الميلادي من مدينة الإسكندرية.
ونسبة الأقباط في مصر بحدود 6% إلى 10% كما دلت الإحصائيات الرسمية، وقد دأب الأقباط على التشكيك بالنسب الرسمية، وهم ينتشرون في أنحاء عديدة في مصر، مثل الاسكندرية، والصعيد... إلخ. وعلاقة الأقباط بالمسلمين يشوبها التوتر والاضطراب ، فالأقباط عادة ما يشعرون بأنهم مهمشون مظلومون، وبغض النظر عن صحة هذه النظرة، فإن الأقباط يرتكبون خطأ فادحاً عندما ينكرون الهوية الإسلامية لمصر، ويقفون موقف العداء للفتح الإسلامي لمصر الذي تم على يد الصحابي عمرو بن العاص رضي الله عنه إضافة إلى استفزازهم للمسلمين من خلال الكتابات والأعمال الفنيّة واستعداء الغرب على بلادهم.
جانب من مطالبهم وسياساتهم:(53/8)
1.…يطالب الأقباط باستبعاد الهوية الدينية لمصر (الإسلام) والاكتفاء بالهوية القومية، وإلغاء خانة الديانة من البطاقة الشخصية واستمارات طلب الوظائف، ويعتبرون ذلك تمييزاً ضدهم.
2.…بناء الكنائس الخاصة بهم دون قيود أو معوّقات.
3.…الإشراف على أوقاف يقولون إن وزارة الأوقاف الإسلامية تضع يدها عليها في حين أنها مملوكة للأقباط.
4.…بث برامجهم الدينية في وسائل الإعلام الحكومية أسوة بالبرامج الإسلامية.
5.…المطالبة بدخول أجهزة الأمن والمخابرات العامة والكليات الحربية وتقلد المناصب الحكومية العليا.
6.…المطالبة بتمثيل "مناسب" لهم في البرلمان المصري من خلال ما يسمونه "التمييز الإيجابي" عن طريق الكوتا أو المحاصصة، من خلال حصر بعض المناطق للمرشحين الأقباط فقط، ومطالبة الحزب الوطني الحاكم بوضع مرشحين أقباط على قوائم مرشحيه للبرلمان.
7.…تدريس تاريخهم ولغتهم وثقافتهم في المدارس والكليّات المصرية حيث يدرس أبناؤهم وبناتهم.
8.…مطالبة الرئيس المصري بالاهتمام بهم والاجتماع بقيادتهم الدينية وزيارة كنائسهم.
9.…عدم قبول الدعوة الإسلامية بينهم، ومعاقبة الذين يتحولون إلى الإسلام منهم، ويدّعون أن "عمليات اختطاف واغتصاب لفتيات مسيحيات تتم من قبل متطرفين مسلمين لإجبارهن على التحول إلى الإسلام"!( ).
رد مصري رسمي: في أحد الردود الرسمية على مطالب الأقباط، وادّعاءاتهم بالتهميش والاضطهاد، قالت وزيرة القوى العاملة والهجرة المصرية عائشة عبد الهادي إن الأقباط الذين تبلغ نسبتهم بحسب الإحصاءات 10%، يملكون ما يزيد على ثلث إجمالي الثروة فيها، وليس أدل على ذلك من أن كبرى الشركات العاملة في مجالات الاقتصاد المصري الحيوية كالاتصالات وصناعة السيارات والتشييد والبناء وما يرتبط بها يملكها أقباط.(53/9)
رد الوزيرة جاء ردّاً على تقرير لمدير منظمة العمل الدولية، ومما جاء في الرد المصري أن العدد الأخير من مجلة فوربس أشار إلى أن ثلاثة من الأقباط المصريين جاءوا في قائمة أثرى أثرياء العالم، وأن من بين عشرة مليارديرات بالمنطقة العربية؟ جاء ثلاثة من الأقباط المصريين في القائمة، في حين جاءت هذه القائمة خالية من أي مسلم مصري. وعزا الرد المصري ضعف تمثيل الأقباط في البرلمان إلى إحجامهم عن الترشيح مع التأكيد على أن مشاركتهم في عملية التصويت عالية.
ومما جاء في الرد أن الحكومة الحالية تضم وزيرين من الأقباط، أحدهما يتولى وزارة مهمة (المالية)، كما أن المجلس القومي لحقوق الإنسان يرأسه قبطي هو د. بطرس بطرس غالي( ).
من أبرز شخصياتهم:
1.…البابا شنودة الثالث: بابا الأقباط الحالي منذ سنة 1971، ولقبه عندهم "بابا الاسكندرية، وبطريرك الكرازة المرقسية". اسمه قبل الرهبة: نظير جيد روفائيل، وهو من مواليد سنة 1923. درس التاريخ في جامعة فؤاد الأول (القاهرة حالياً)، ثم درس العلوم الدينية، وعمل في التدريس والصحافة ثم دخل السلك العسكري.
2.…مكرم عبيد باشا: وزير مالية مصر في العهد الملكي، وأحد قادة حزب الوفد قبل فصله منه، وهو صاحب العبارة المشهورة: "نحن مسلمون وطناً ونصارى ديناً، اللهم اجعلنا نحن المسلمين لك، وللوطن أنصاراً. اللهم اجعلنا نحن نصارى لك وللوطن مسلمين".
3.…د. منى مكرم عبيد: حفيدة مكرم عبيد، وأول وزيرة للبيئة في مصر عام 1997 ولمدة خمس سنوات وأبرز الأعضاء المؤسسين لحزب الغد المصري.(53/10)
4.…بطرس بطرس غالي: كان وزير دولة للشؤون الخارجية في عهدي السادات ومبارك، وقبل ذلك أستاذاً للعلوم السياسية بجامعة القاهرة (1949 - 1977م)، كما رأس المجلس الأعلى لحقوق الإنسان وهو هيئة مصرية حكومية. أما خارج مصر، فقد تولى غالي منصب الأمين العام للأمم المتحدة خلال عامي 1992 - 1996، ثم ترأس بعد ذلك منظمة الفرنكفونية الدولية. وبطرس بطرس غالي هو حفيد بطرس باشا نيروز عالي، رئيس وزراء مصر الأسبق.
5.…بطرس باشا غالي: رئيس وزراء مصر في العهد الملكي، اشتهر بمحبته للإنجليز وموالاته لهم، فقد وافق كرئيس للوزراء على تمديد امتياز شركة قناة السويس 40 عاماً إضافية، وصادق كوزير مؤقت للعدل، على أحكام محكمة دنشواي بإعدام ستة فلاحين مصريين، قتلوا جنوداً بريطانيين كانوا قد قتلوا فلاًحة مصرية أثناء صيدهم للحمام. أصبحت سياسات غالي الموالية لبريطانيا مثار نقمة المصريين، الأمر الذي أدّى إلى اغتياله في شهر فبراير/شباط سنة 1910م.
6.…نجيب ساويرس: رجل أعمال بارز، وصاحب مشاريع كبرى في قطاع الاتصالات، في العالم العربي. أبدى تخوفه مراراً من الفوز الكبير للإسلاميين وجماعة الإخوان تحديداً في مجلس النواب المصري سنة 2005، معتبراً أن هذا الفوز سيكون له تأثيراته السلبية على البورصة المصرية!!
7.…جورج إسحاق: سياسي، ومنسق الحركة المصرية من أجل التغيير (كفاية) التي تتبنى رفض التمديد للرئيس حسني مبارك، أو توريث الحكم لنجله جمال.
8.…ممدوح نخله: محامِ، ومدير مركز الكلمة لحقوق الإنسان بالقاهرة.
9.…القس زكريا بطرس: يدير قناة الحياة الفضائية التي تبث من أمريكا، والتي تتعمد بث الإهانات للمسلمين والتحقير من المقدسات الإسلامية وخاصة القرآن الكريم والنبي صلى الله عليه وسلم ، وتطالب بعودة مصر إلى ما قبل الفتح الإسلامي.(53/11)
10.…غالي شكري: (1935 - 1998) كاتب وناقد يساري، حصل على الدكتوراة من جامعة السوربون بفرنسا عن أطروحته التي حملت عنوان "النهضة والسقوط في الفكر المصري الحديث). كان غالي يسارياً ناصرياً، عمل في سلك التعليم، ثم الصحافة، وتولى مناصب في مجلات: القاهرة والشعر والطليعة، وله عدد كبير من الكتب والدراسات، كان أوّلها عن خاله الأديب الشيوعي "سلامة موسى"، وهو بعنوان: "سلامة موسى وأزمة الضمير العربي" وبعدها أصدر كتاب "أزمة الجنس في القصة العربية" وقد فضحه وبين حقيقته الأستاذ محمود شاكر في كتابه "أسمار وأباطيل ".
11.…سلامة موسى (1887 - 1958) رائد الاشتراكية المصرية، ومن أوّل المرّوجين لأفكارها. ولم يدع شيئاً يعادي الإسلام إلاّ وتبناه. فبعد أن درس في أوروبا، عاد إلى مصر وبدأ يركّز على ضرورة الانتماء الكامل للغرب، وقال: "فلنولِّ وجهنا شطر أوروبا .. ونجعل فلسفتنا وفق فلسفته". تبنى الإلحاد والماركسية وقال: "وأحب أن أعرف أنه ليس في العالم من تأثرت به، وتربيت عليه مثل كارل ماركس، وكنت أتفادى اسمه خشية الاتهام بالشيوعية". دعا إلى الفرعونية كأساس لانتماء المصريين بدلاً من الإسلام، ودعا إلى العاميّة بدلاً من اللغة العربية والفصحى، ودعا إلى أن تكتب اللغة العربية بالحرف اللاتيني.
12.…رؤوف سلامة موسى (1929-2006) أكبر أبناء سلامة موسى. درس الطب البيطري في جامعة القاهرة، وحصل على الدكتوراة من انجلترا، وعاد إلى مصر في سنة 1978، وأسس بعد ذلك مؤسسة المستقبل للطبع والنشر. وإضافة إلى كتاباته في الصحف والمجلات، قام رؤوف من خلال مؤسسة المستقبل، بطباعة كتب والده سيئة الذكر، إضافة إلى مؤلفات عدد من الكتاب الذين دأبوا على مهاجمة الإسلام وأهله، وعلى رأسهم فرج فودة ونوال السعداوي.
أقباط المهجر:(53/12)
يقيم عدد كبير من الأقباط المصريين خارج بلادهم، وقد أسسوا عدداً من الهيئات في الخارج، وخاصة في الولايات المتحدة، وقد استغل عدد من الجهات الأمريكية قضيتهم لممارسة ضغط على الحكومة المصرية.
ويلعب أقباط المهجر دوراً كبيراً في تأجيج الغرب على مصر، مستفيدين من أجواء الحرية هناك، فهم عادة ما يعقدون المؤتمرات ويستغلون المنابر الإعلامية، ويتهيئون لإطلاق التلفزيون القبطي عبر الأقمار الصناعية.
ويلعب أقباط المهجر دوراً مكملاً للأقباط في داخل مصر، فالطرف الأول يقول ما قد يعجز الطرف الآخر عن قوله، كما أن أقباط المهجر أقاموا العلاقات الوثيقة مع المسؤولين الأمريكيين، الأمر الذي يجعل قادة الأقباط في داخل مصر يتبرؤون أحياناً من مسلك أقباط المهجر، كي لا يتهموا بالخيانة والتآمر على بلادهم.
ومن المؤتمرات المهمة التي أقامها أقباط المهجر لنصرة دينهم، المؤتمر الذي عقد في ولاية شيكاغو الأمريكية في الفترة 19- 20/10/2007، وضم عدداً من القانونيين والسياسيين ونشطاء حقوق الإنسان، وطرح عدداً كبيراً من التصورات والمطالب، تم الإشارة إلى بعض منها.
الانشقاق على الكنيسة المصرية:
في شهر يوليو سنة 2006م (جمادى الآخرة سنة 1427هـ) أعلن رجل دين قبطي انشقاقه عن الكنيسة في مصر، معتبراً أن عهد البابا شنودة الثالث هو الأسوأ في تاريخ الأقباط، معلناً عن تأسيس "مجمع مقدس" مرتبط بالأقباط في الولايات المتحدة.
وكان ماكس ميشيل راعياً لكنيسة المقطم قبل إعلانه هذا، وأطلق على نفسه اسم "الأنبا مكسيموس الأول". وقد فاجأت الكنيسة الجديدة الكثيرين بقدرتها على استقطاب الأقباط، من خلال تساهلها في العديد من الأحكام التي يعتبرها الأقباط وكنيستهم من المحظورات.
كما أخذ راعي الكنسية الجديدة بالتودد للمسلمين والدعاء لهم في "قدّاسه" متهماً سياسة شنودة بأنها كانت تصب الزيت على النار.
أعمال فنيّة استفزازية(53/13)
يقيم الأقباط بين الحين والآخر أعمال فنية تستفز المسلمين، وتهين دينهم، ومن ذلك مسرحية بعنوان: "كنت أعمى ولكني الآن أبصر"، وأغنية عنوانها "ارضع يا كبير"..الخ.
أهم المراجع:
1.…المجموعات العرقية والمذهبية في العالم العربي ـ ناجي نعمان وأخرون.
2.…موسوعة عالم الأديان - ط. مفرّج وآخرون.
3.…موسوعة تاريخ أقباط مصر www.coptichistory.org
4.…مواقع الكتروانية ووكالات أنباء وصحف (إسلام أونلاين - صيد الفوائد - إيلاف - الأقباط - متحدون - صحيفة الغد الأردنية - وكالة الصحافة الفرنسية - القدس العربي - الغربة - الأهرام).
الشيعة العرب سبب غلو التشيع الصفوي!!
يحاول بعض الناس، وخاصة من أصحاب الاتجاه القومي، أن يصور وجود نوعين من التشيع: الأول تشيع عربي، والآخر فارسي.
كما دأب هؤلاء على وصف التشيع العربي بالمعتدل الإيجابي واعتبار التشيع الفارسي متطرفاً وغالياً وصدامياً، وعادة ما يربطون بين التشيع الفارسي وبين الدولة الصفوية الشيعية التي قامت في إيران في بدايات القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي)، قائلين إن الكثير من بدع وخرافات التشيع من عمل الصفويين. وفي هذه السطور نناقش هذه الافتراضات/ مبينين أن الشيعة العرب، وخاصة الذين قدموا من منطقة جبل عامل بلبنان إلى إيران هم الذين أسسوا التشيع الصفوي، بعد أن تبوءوا المراتب العليا في الدولة الصفوية.
تأسيس الدولة الصفوية:
بعد عام 906هـ (1500م) البداية الحقيقية لقيام دولة الصفويين الشيعة، ففي ذلك العام أعلن الشاه إسماعيل الصفوي قيام هذه الدولة، متخذاً من مدينة تبريز عاصمة لدولته، وسرعان ما أعلن إسماعيل أن المذهب الشيعي الاثنى عشري هو المذهب الجديد لدولته، حيث كانت إيران منذ الفتح الإسلامي وحتى الاحتلال الصفوي على مذهب أهل السنة( ).(53/14)
وتجمع المصادر التاريخية على أن انتقال إيران من مذهب أهل السنة إلى التشيع كان انتقالاً دموياً "وقد عانى أهل السنة في إيران معاناة هائلة، وأجبروا على اعتناق المذهب الإمامي بعد أن قتل الشاه إسماعيل مليون إنسان سني في بضع سنين، وكان يمتحن الإيرانيين السنة بطرق شتى، كأن يطلب من الفرد السني سب الخلفاء، ثم يطلب منه مزيداً من السب، فإن وافق أطلق سراحه وإلا قطعت عنقه فوراً، وأعلن سب الصحابة والخلفاء في الشوارع والأسواق وعلى المنابر، منذراً كل المعاندين السنة بقطع رقابهم"( ).
وإذا كانت إيران طيلة تسعة قرون من عمرها على مذهب أهل السنة، وإذا كان التشيع جاءها بطريق السيف والإكراه، فقد رأى إسماعيل الصفوي أن الحاجة ماسة لتعميق التشيع في إيران من خلال بناء فقهي وفكري متين( )، بحكم أن الإيرانيين لم يدخلوا في التشيع بالفكر والإقناع بل بالإجبار.
رأى إسماعيل الصفوي أنه أنجز جزءاً من المهمة من خلال إكراه أهل السنة في إيران على اعتناق التشيع، لكنه أحس أنه من الأهمية بمكان ترسيخ هذا التشيع من خلال العلماء والكتب والمدارس، وهذا الأمر لم يكن متيسراً في إيران، فهي – كما أسلفنا – كانت سنية، الأمر الذي جعل إسماعيل وحكام الصفويين من بعده يصوبون أنظارهم إلى خارج إيران للبحث عمن يقوم بهذه المهمة.
جبل عامل:
وتوجهت أنظار إسماعيل إلى منطقة جبل عامل في لبنان التي كانت آنذاك إحدى معاقل الشيعة، وفيها الكثير من العلماء الشيعة.(53/15)
يقول الباحث حسن غريب: "رأى مؤسس الدولة الصفوية – الشاه إسماعيل – أنه من العسير عليه أن يوفر للناس حقيقة المعتقد وترسيخ مبادئه في نفوسهم، ووجد أيضاً أن الكتب غير متوفرة، فعمد إلى ملء الفراغ من خلال استحضار علماء الشيعة من جبل عامل. وقد غادر هؤلاء العلماء إلى إيران بدعوة وبغير دعوة. أما أخوه الشاه عباس الأول فقد خطا خطوات أوسع في الاستعانة برجال الدين، إذ كان يقوم بمظاهر تعظيم كبير للأئمة ولأضرحتهم وزيارتها، وفي عصره أصاب سوق العلم رواج كبير"( ).
"وفي عهد الملك الصفوي طمهاسب، أصبحت استمالة علماء جبل عامل للتوجه إلى إيران من السياسات الأساسية للحكومة هناك، وهكذا استمرت هجرة العلماء العاملين منذ ذلك الحين، وحتى سقوط الحكم الصفوي"( ). لم يستطع علماء الشيعة في جبل عامل مقاومة الإغراءات الصفوية للقدوم إلى إيران، فنصرة المذهب ودعمه وترسيخ دعائمه في إيران احتل لديهم مكانة كبيرة، لكن ثمة أسباباً أخرى دفعتهم للهجرة إلى إيران إذ "كان المهاجرون عموماً يجدون في إيران ظروفاً مواتية، والذين تجاوبوا مع الحكومة الصفوية وتضامنوا معها، كانوا يحصلون على عطايا وهدايا، على شكل أملاك وأموال نقدية وعينية"( ).
ومن الأسباب التي شجعت علماء جبل عامل بلبنان للتوجه إلى إيران المكانة الكبيرة التي حصلوا عليها:وقد وصل احترام الملوك الصفويين للعلماء والفقهاء العامليين – خصوصاً - إلى حد أنهم فوضوا إليهم كافة المهام القضائية في البلاد، ومنحوهم السلطات والصلاحيات اللازمة، فأصبحوا المصدرين والمنفذين للحكام والحدود الشرعية وعقوبات القصاص في كل مدن إيران"( ).(53/16)
ويقدر مؤلف كتاب "هجرة علماء الشيعة" عدد علماء جبل عامل الذين هاجروا إلى إيران في العهد الصفوي بـ (97) عالماً ، لم يعد منهم إلى جبل عامل سوى سبعة فقط. أما حسن غريب فيقول إن الذين ذكرتهم كتب التاريخ يبلغ عددهم 63 عالماً، أما من لم يذكر فعددهم كثير( ). وقام هؤلاء العلماء العاملين العرب بالموافقة على كل جرائم الصفويين ضد أهل السنة في إيران كما أنهم قاموا بتأصيل كل عقائد الغلو والشرك التي عرفتها الدولة الصفوية ، وهاك بعض الأمثلة على جهود هؤلاء العلماء الشيعة العرب :
1- الكركي أبرز المهاجرين:
يعتبر علي بن عبد العالي الكركي( )، المعروف بالمحقق الكركي أو المحقق الثاني( ) أبرز المهاجرين العامليين إلى إيران، فقد هاجر في السنوات الأولى لتأسيس دولة الصفويين، وليس هذا فحسب، بل إنه تبوأ في هذه الدولة منزلة لا تدانيها منزلة، إذ يقول الشاهرودي عن الكركي وتنقله في الأمصار ثم استقراره في إيران: "ثم رحل إلى بلاد إيران هادفاً الترويج للمذهب الشيعي، وقد لقي من السلطان الشاه إسماعيل الصفوي آيات الاحترام والتكريم والتقدير، وأناط إليه الشاه وظائف كثيرة وجعل له مرتباً سنوياً كبيراً ليصرفه في تحصيل العلوم ويفرقه بين الطلاب والمشتغلين بالعلم، كما كان في دولة السلطان الشاه طهماسب الأول، ثاني ملوك السلالة الصفوية، معظماً مبجلاً في جميع أرجاء بلاد إيران، نافذ الكلمة مطاعاً، وعينه الشاه حاكماً في الأمور الشرعية في عموم البلاد، وأعطاه فرماناً "مرسوماً" ملكياً بذلك، وقد بلغ شأنه في تحديد الوظائف والمراتب حتى قيل: إن كل من يعزله الشيخ الكركي لا يعين ثانية، وإن كل من ينصبه الشيخ لا يعزل بالمرة"( ).(53/17)
ويؤكد مصدر شيعي آخر على المكانة المرموقة التي تبوأها الكركي في الدولة الصفوية، فقد "صار يوجه النشاط الديني في إيران كلها ... وأمر بأن يفرد في كل بلد وقرية إماماً يصلي بالناس ويعلمهم شرائع الدين. وواضح أن هذا يعني خطة لنشر التعليم الشيعي، شملت إيران كلها، كان الكركي يشرف عليها بنفسه، متنقلاً من بلد إلى آخر، ومن الجدير بالذكر أنه كان يقوم بنفسه بتدريس كبار رجال الدولة"( ).
وبحكم هذه المنزلة وهذه الصلاحيات، فقد مضى الكركي "وبرر كل أفعال الصفويين السيئة وألف لهم كتباً تؤيد ما استحدثوه، فألف كتاباً في التربة الحسينية، وجواز السجود للإنسان، وألف كتاباً يؤيد السب والشتم للصحابة بعنوان "نفحات اللاهوت في لعن الجبت والطاغوت" أي أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وكان يفضل لعن الصحابة على التسبيح لله. وألف رسالة في تغيير القبلة، لذا سماه خصومه الشيعة بأنه (مخترع الشيعة) لأنه ابتدع وبرر أفعال الصفويين الشنيعة كلها"( ).
النيابة العامة للفقهاء:
لكن التطور اللافت الذي أدخله الكركي على التشيع الصفوي تمثل بنظرية النيابة العامة للفقهاء عن الإمام المهدي الغائب، فالشيعة ظلوا لقرون طويلة يحرمون الجهاد وإقامة الدولة إلا في ظل الإمام المهدي، ويعتبرون كل دولة تقوم في ظل غياب المهدي دولة طاغوتية، "وعندما أراد الصفويون التحرك العسكري لإقامة دولة خاصة بهم ... وجدوا نظرية الانتظار غير معقولة ولا واقعية، وتشكل حجر عثرة أما طموحهم وتحركهم"( ).
في هذه الأثناء طور الكركي نظرية النيابة العامة للفقهاء عن المهدي والتي كان يتبناها بعض علماء جبل عامل، والتي بموجبها أعطى رجال الدين الشيعة صلاحيات المهدي المنتظر، إذ قال الكركي في كتابه "جامع المقاصد" (ص11): "إن الفقيه المأمون الجامع لشرائط الفتوى منصوب من قبل الإمام "المهدي"، ولهذا تمضي أحكامه ويجب مساعدته على إقامة الحدود والقضاء"( ).(53/18)
وهذه النيابة للفقهاء كانت خلافاً لما أراده الشاه إسماعيل الصفوي الذي كان يعتبر نفسه الأحق بهذه النيابة بناء على بعض المنامات التي ادعاها، والأوامر التي ادعى أنه تلقاها من الإمام علي رضي الله عنه، ومن المهدي المزعوم للحرب وإقامة الدولة، وقد كان إسماعيل هذا يعتبر نفسه :نائب الله وخليفة الرسول والأئمة الاثنى عشر وممثل الإمام المهدي في غيبته"( ).
وتتحدث المصادر الشيعية عن أن الاختلاف حول من ينوب عن المهدي المزعوم، الحاكم أو الفقيه سبب جفاء بين الشاه إسماعيل والكركي، جعل الأخير يغادر إيران إلى النجف بالعراق، وظل كذلك إلى أن اعتلى طمهاسب الأول عرش الدولة الصفوية بعد وفاة إسماعيل.
فطمهاسب الذي تولى الحكم صغيراً "قرر أن يستعين بالفقهاء "نواب الإمام المهدي العامين" لكي يعزز من شرعيته الدستورية، ويضرب القزلباشية( ) المتصارعين حول السلطة"( ).
وظل الكركي في مرتبة لا تدانيها مرتبة خلال عهد طمهاسب رغم الخلافات التي نشبت مع بعض علماء الشيعة الآخرين، وظل الكركي الآمر الناهي في الدولة الصفوية حتى وفاته.
2- بعد الكركي: لم ينته تأثير علماء جبل عامل بعد وفاة الكركي، ذلك أن عدداً من المهاجرين هم أيضاً تبوءوا المراتب العليا في الدولة الصفوية، وساهموا في النهضة الشيعية، نذكر منهم على وجه الاختصار:
1- كمال الدين درويش محمد بن الحسن العاملي: يوصف بأنه أول من نشر أحاديث الشيعة في عهد الصفوية، وقد فرغ نفسه كلياً للتدريس مبتعداً عن الشأن السياسي خلافاً للكركي( ).
2- علي بن هلال الكركي: ترك جبل عامل وذهب إلى انجب والهند ثم إيران "ناقلاً معه مكتبة ضخمة يبلغ تعدادها أربعة آلاف مجلد، حيث خلف أستاذه الكركي في منصب شيخ الإسلام"( ).(53/19)
3- حسين بن عبد الصمد الجباعي: قيل إن الشاه طمهاسب كان يأمر واليه في خراسات بأن يحضر ولده – أي ولد الشاه محمد خدابنده – إلى مجلس الشيخ لسماع درسه ووعظه، وبأن ينفذ فتاواه وأحكامه"( ).
4- بهاء الدين العاملي: وهو ابن حسين بن عبدالصمد الذي سبق ذكره، عينه الشاه عباس الكبير شيخاً للإسلام في عاصمته الجديدة "أصفهان"، وهو أعلى منصب ديني رسمي في البلاد، وظل يشغل هذا المنصب حتى وفاته سنة 1030هجرية، (1621م)، وأصر الشاه عباس على نقل الجثمان إلى مدينة مشهد ليدفن جوار ضريح الإمام الرضا ثامن الأئمة عند الشيعة الاثنى عشرية، وما يزال قبره مزاراً مشهوداً( ).
"ونشط العاملي في التأليف، وبلغت مؤلفاته الشيعية من الأهمية بمكان عند الشيعة للحد الذي اعتبروا فيه كتابه "جامع عباسي" أحد أعظم الكتب تأثيراً في تاريخ الشعوب الإسلامية( ). وكتابه الآخر "خلاصة الحساب" ظل يدرس في المدارس الإيرانية حتى أمد قريب، وكذلك أشعاره بالفارسية.
أما كتاباه "زبدة الأصول" و"الفوائد الصمدية" فهما دائران حتى اليوم في الحوزات العلمية، درج عليهما مئات الألوف من طلابها، ويكفي أن نلقي نظرة على قائمة الشروح والحواشي والتعليقات التي وضعت على مختلف كتبه لنتصور وكأنها كانت شغل الناس الشاغل( ).
5 ـ محمد بن الحسن الحرّ العاملي ولد سنة 1033هـ (1623م) أحد أكبر علماء الدولة الصفوية في مراحلها الأخيرة، وأحد أهم علماء جبل عامل على الإطلاق، هاجر إلى إيران سنة 1073هـ (1662م)، وأعطي منصب شيخ الإسلام وقاضي القضاة في (مشهد)، وفيها توفي سنة 1104هـ (1692م)( ).(53/20)
من مؤلفاته الهامة كتابه "أمل الآمل في علماء جبل عامل" لكن أهم مؤلفاته على الإطلاق كتاب "وسائل الشيعة إلى تحصل مسائل الشريعة"، وقد ألفه في مدة 18 سنة، وهو كتاب في الحديث له مكانته الكبيرة عند الشيعة. ويعتبر الشيعة أن كتاب (وسائل الشيعة) للحر العاملي، وكتاب (الوافي) للفيض الكاشاني، و(بحار الأنوار) للمجلسي، "من أهم ما أضافه العصر الصفوي إلى المكتبة الشيعية، في حقل الدراسات الفقهية والعلوم المهيئة لها"( ).
واعتبروا أن كتب الحديث الثلاثة السابقة (وسائل الشيعة، والوافي، بحار الأنوار) قد أكملت سلسلة كتب الحديث الأربعة القديمة، ذات القيمة التاريخية لفقه الإمامية وتطوره.( )
الخلاصة:
إن دراسة هجرة علماء لبنان وعلى الأخص منطقة جبل عامل إلى إيران منذ السنوات الأولى لقيام الدولة الصفوية وحتى نهايتها، وتقلدهم أعلى المناصب؛ لا تدع مجالاً للشك في أن العلماء الشيعة العرب وعلى وجه الخصوص اللبنانيون كان لهم التأثير البالغ في التشيع الصفوي، فقد نشروا العلوم الشيعية وألفوا الكتب الكثيرة وأقاموا الحوزات والمعاهد، فالحوزة العلمية في أصفهان مثلاً لم تزدهر إلى في عهد البهائي العاملي( ).
ويؤكد الباحث الإيراني مهدي فرهاني أن علماء جبل عامل ساهموا بتربية جيل من الفقهاء الإيرانيين الذين مارسوا الشأن السياسي في الدولة الصفوية بعد ذلك، وهو ما يجسد ما قام به العامليون من إغناء الفقه الشيعي في أبعاده السياسية مؤكداً أن قيادة التيار الديني الفقهي في العصر الصفوي كانت للعنصر العربي( ).(53/21)
فتقرر أن ما نشرته الدولة الصفوية من شرك وغلو وتطرف كان من صناعة وتربية الشيعة العرب!! وبهذا يتأكد لنا أن التشيع والفكر الشيعي بذاته هو مصدر الخطر والشر وليس العرق أو القومية الفارسية ، نعم إذا اجتمع التعصب القومي الفارسي - لا يزال هناك العديد من أبناء القومية الفارسية من أهل السنة - مع الخطر والحقد الشيعي تعاظم الشر وتضاعف الخطر .
للاستزادة:
1.…"الهجرة العاملية إلى إيران في العصر الصفوي"، جعفر المهاجر.
2.…"نحو تاريخ فكري سياسي لشيعة لبنان"، حسن غريب.
3.…"هجرة علماء الشيعة في جبل عامل إلى إيران"، باللغة الفارسية، مهدي فرهاني منفرد، عرض: سالم مشكور، صحيفة النهار، 20/12/2001م.
4.…"تطور الفكر السياسي الشيعي من الشورى إلى ولاية الفقيه"، أحمد الكاتب.
5.…"المرجعية الدينية ومراجع الإمامية"، نور الدين الشاهرودي.
6.…"عودة الصفويين"، عبدالعزيز المحمود.
7.…"غيران في ظل الإسلام في العصور السنية والشيعية: ، د. عبد النعيم حسنين.
سورية وإيران ... تنافس وتعاون
عرض وتلخيص: فيصل الشيخ محمد
[الراصد أعدت ملخص هذه الدراسة رغم كونها تعود لعام 1995م لأهمية هذه الدراسة وكونها لا تزال صالحة للتداول ، وأيضاً بسبب ندرة الكتابة الأكاديمية الموثقة عن طبيعة العلاقة بين إيران وسوريا ، ولكونهما محط الأنظار حالياً في الشرق الأوسط] .
تمهيد: ليس مستغرباً أن تهتم مراكز البحوث في الغرب اهتماماً كبيراً بمنطقة الشرق الأوسط.. وخاصة بلاد ما بين النهرين وبلاد الشام.. فهما عقدتا الوصل بين الشرق والغرب.. وملتقى الحضارات التي أثرت الإنسانية بما قدمت لها من شرائع وقوانين تنظم حياة الناس والمجتمعات والدول.
إضافة إلى ما حبا الله هذه المنطقة من ثروات طبيعية وكنوز دفينة.. كانت محل شغف قلوب الطامعين والمغامرين.(53/22)
فعلى مر التاريخ كانت منطقة الشرق الأوسط عسل يسيل له لعاب ملوك الغرب والشرق على السواء.. فهذا الإسكندر الأكبر يغزوها قبل ثلاثة آلاف عام من الميلاد.. وهذه ملوك أوربا يقودون الحملات الصليبية لنحو قرنين مستهدفين بيت المقدس وساحل بلاد الشام ومصر.. وحتى قبائل التتار لم تسلم منهم هذه المنطقة.. فاجتاح هولاكو بغداد ودمر أعظم حضارة عرفها التاريخ.. وفي القرن الثامن عشر قاد المغامر الفرنسي نابليون بونابرت حملة استهدفت المنطقة.. ولولا هزيمته أمام أسوار عكا لكان فعله لا يقل همجية عن أسلافه.
وفي أوائل القرن العشرين غزت بريطانيا وفرنسا المنطقة وتقاسمتها بموجب اتفاقية سايكس – بيكو المعقودة بينهما؛ بما عرف باقتسام تركة (الرجل المريض) الدولة العثمانية التي انهارت.. وجاءت أم الكوارث بتنفيذ وعد (بلفور) الذي وعد به اليهود بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين عام 1917.. وتم بموجبه إقامة دولة يهودية مغتصبة على أرض فلسطين.
وفي أوائل القرن الواحد والعشرون (2003) غزت جيوش أمريكا وبريطانيا العراق ودخلت بغداد السلام.. وأحالوا العراق إلى مستنقع دموي ابتلع مئات الألوف من الأبرياء.. ولا يزال أهل العراق يتجرعون الموت على أيدي القوات الأمريكية وحلفائهم من الميليشيات الشيعية العميلة لها وفرق الموت التي تربت على عينها.
وكانت الأسباب الحقيقية لكل هذه الغزوات وضع اليد على الكنوز الدفينة والثروات الهائلة التي حبا الله بها هذه المنطقة.. وفي مقدمة هذه الثروات النفط الذي يشكل بالنسبة للغرب شريان الحياة.(53/23)
لقد دأب الغرب منذ مطلع القرن العشرين على محاولة دق أسافين النزاعات في المنطقة.. وبين المنطقة العربية ودول الجوار. فقد قدمت بريطانيا التي كانت تحتل العراق إمارة المحمرة (الأهواز) هدية لإيران لتكون بؤرة خلاف وصراع بين إيران من جهة والدول العربية (وخاصة العراق) من جهة أخرى.. وقامت فرنسا عندما كانت تحتل سورية بسلخ لواء اسكندرونة وقدمته إلى تركيا.. ليكون بؤرة صراع وخلاف مستديم بين سورية وتركيا.. وتكرر نفس الحال في الدول العربية التي كانت مستعمرة من قبل الدول الأوربية في شمال إفريقية.
وتوَّج الغرب حقده على العرب والمسلمين بإقامة دولة يهودية مغتصبة في فلسطين العربية.. ليبق النزيف العربي متفجراً دون أي أمل في وقفه.. وساحة صراع وتنافس مفتوح إلى ما لا نهاية.
لهذه الأسباب وغيرها كان اهتمام الغرب بالمنطقة كبيراً وعميقاً.. وخاصة الاهتمام بأوضاع المنطقة العربية.. ومنها الدول الأساسية ذات الأهمية والمتميزة من بينها.
من هنا فإننا نجد اهتمام مراكز البحوث الغربية تتسابق في جمع المعلومات حول هذه المنطقة.. خدمة للباحثين والسياسيين والمتابعين والدارسين والمهتمين لأوضاعها.. إضافة إلى الحكومات الغربية لرسم استراتيجيتها في هذه المنطقة.. استناداً إلى لغة البحث والأرقام والمعلومات الموثقة.. بما في ذلك أدق التفاصيل والمعلومات التي قد يرى البعض في المنطقة العربية بأنها تمس الجرح.. أو تقع في دائرة المحرمات.. أو أنها تثير النزعات والأحقاد الأثنية والمذهبية والطائفية.. أو أن الحديث عنها هو خط أحمر غير مسموح تجاوزه.
من بين هذه الدراسات دراسة بعنوان : "سورية وإيران .. تنافس وتعاون"( ) صادرة عن (معهد دراسات كلية القديس أنطوني) في أكسفورد.. حيث كلفت الباحثين: (أحمد خالدي وحسين ج. آغا) في إعداد هذه الدراسة.. وقد أنجزا عملهما الموثق هذا بشكل جيد ودقة كبيرة.. ونشره المعهد عام 1995.(53/24)
صدرت الترجمة العربية لدراسة " سورية وإيران.. تنافس وتعاون " في (214) صفحة من الحجم الصغير.. موزعة على سبعة فصول.. إضافة إلى مقدمة الناشر العربي ومقدمة الطبعة الإنكليزية.. ورغم صغر الدراسة إلا أنها تكتنز في داخلها كمّاً هائلاً من المعلومات المكثفة والمضغوطة.
لقد استقصى الباحثان بشكل كامل أصول العلاقة بين سورية وإيران ومسار تطورها.. وبعملهم هذا فإن إسهامهما في فهم ديناميكية سياسة الشرق الأوسط يتعدى العلاقة الثنائية المحضة بين دمشق وطهران..
انسجاماً مع أيديولوجية نظاميهما.. فإن الباحثين قد درسا أيضاً التأثير الذي مارسه محور دمشق-طهران.. والمتوقع تأثيره على النزاع العربي – الإسرائيلي.
قد أختلف في بعض جوانب هذه الدراسة مع الباحثين.. ولكن هذا لا يمنع من أن أقدر استنتاجهما الهام وتحليلهم للدوافع التي جعلت إيران ذات النظام الإسلامي المتزمت تتحالف مع سورية ذات النظام القومي العلماني المنفتح.. وهذه الدراسة هي محل تقدير واهتمام حري بكل باحث أو سياسي أو مهتم في المنطقة قراءتها بإمعان وروية.. ففيها العديد من الجوانب والتحليلات التي تستحق الوقوف عندها.
إن تلخيص هذه الدراسة ومناقشة ما جاء فيها تطلبت كثيراً من التمحيص والتدقيق والمراجعة والصبر.. لتكون مرآة تعكس بصدق ما جاء فيها من معلومات وتحليلات وتوقعات.. تفيد القراء والدارسين والباحثين والمهتمين.. ولكنها وبكل الأحوال لن تكون بديلاً عن اقتناء الأصل والاطلاع على ما جاء فيه.
الفصل الأول:(53/25)
تحدث الفصل الأول عن (جذور التحالف السوري – الإيراني).. فقد ربط الباحثان أهمية هذه العلاقة إلى المصالح المشتركة في العراق والدور الحيوي للشيعة فيه.. كذلك للدور الشيعي في لبنان بالنسبة لسورية وإيران على حد سواء.. معيدان جذور تلك العلاقة زمنياً إلى ما قبل سقوط الشاه بزمن بعيد .. حيث الروابط الاجتماعية الدينية تتمثل في موطن الشيعة اللبنانيين التاريخي في جبل عامل جنوب لبنان؛ مع إيران الصفوية (السلالة الفارسية الشيعية) إلى القرن السادس عشر.. وكانت الفترة اللاحقة منذ استقلال سورية قد شهدت خصاماً سياسياً بين سورية – وإيران نتيجة القلق الإيراني حول الطبيعة الراديكالية للنزعة القومية العربية التي تبنتها سورية.. خشية أن يمتد تأثيرها إلى المناطق الناطقة بالعربية في إيران.. ويؤدي إلى زعزعة الاستقرار فيها.. وفي المقابل كانت نظرة سورية والدول العربية إلى إيران على أنها تحت حكم الشاه ليست سوى شرطي أمريكي في المنطقة.. وعنصر مهم في المخطط الاستراتيجي الغربي الكبير (ومعها إسرائيل بالطبع).
ولكن بحلول السبعينات من القرن الماضي.. وسيطرة حافظ الأسد على مقاليد الحكم في دمشق.. بدأ عدد من العوامل الجديدة تحدث تأثيراً جوهرياً في العلاقات العربية الإيرانية عموماً.. وعلى موقف سورية المتميز إزاء إيران بشكل خاص.
حيث بدأت العلاقة تتوطد بين دمشق وطهران عقب حرب 1973.. لتتوج هذه العلاقة بتوقيع اتفاق اقتصادي عام بين البلدين سنة 1974 وزيارة حافظ الأسد الرسمية إلى طهران.(53/26)
كما يتحدث الباحثان في هذا الفصل عن لبنان والصلة الشيعية – العلوية بعد أن اعترف موسى الصدر بأن العلويين هم شيعة اثني عشرية.. بعد أن كانت نظرة الشيعة إلى الطائفة العلوية على أنها فرقة مغالية تتصف بالهرطقة.. والطائفة العلوية في سورية التي ينتمي إليها حافظ الأسد.. كان لها دور مميز في شغل القاعدة الأساسية للسلطة منذ قيام انقلاب الثامن من آذار عام 1963.. بالرغم من أنهم أقلية في سورية (يشكلون ما بين 10- 12%).. وعمل حافظ الأسد منذ وصوله إلى السلطة عام 1970 على تمتين علاقته مع شيعة لبنان وإيران على التوالي.. كما أقام صداقة حميمية مع الزعيم الشيعي اللبناني موسى الصدر (اختفى عندما كان في زيارة إلى ليبيا فيما بعد).. وراح حافظ الأسد أبعد من ذلك في علاقته مع المعارضة الإيرانية؛ عندما قدَّم عرضاً لاستقبال الخميني في دمشق بعد أن طردته العراق عام 1978.
كما يتحدث الباحثان في هذا الفصل عن العلاقة الإيرانية – الفلسطينية.. ولقاء المعارضة الخمينية مع حركة فتح.. وإقامة أمتن العلاقات معها.. وقد تطورت هذه العلاقة إلى قيام حركة فتح بتدريب عناصر من التيار الخميني المعارض للشاه وعناصر من حركة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة أيضاً.. وكان الخميني يهدف من ذلك إلى الوصول إلى الساحة الإقليمية الأوسع.. والتي تم استغلالها لاحقاً – كما يقول الباحثان – في إرسال مجموعات من الحرس الثوري إلى البقاع في عام 1982.
ثم يأتي الباحثان على دور المدارس الدينية الشيعية خلال الفترة السابقة للثورة الإيرانية في كل من قم والنجف ولبنان.. حيث تم إرساء الأسس من أجل رؤية عالمية للمذهب الشيعي.. وإقامة شبكة من الصداقات الشخصية والولاءات السياسية والدينية التي سيكون لها أثر هام على المنطقة ككل.
الفصل الثاني:(53/27)
تحدث الباحثان في هذا الفصل عن المراحل الحرجة في نشوء التحالف السوري مع الثورة الإسلامية الإيرانية.. فقد اندفع النظام السوري بعد نجاح ثورة الخميني في طهران نحو إيران كسراً للعزلة التي كان يعيشها.. وخاصة بعد تورطه في الحرب الأهلية اللبنانية .
وجاءت الحرب العراقية – الإيرانية عام 1980 لتساعد في تحضير الأساس لتحالف رسمي بين سورية وإيران.. حيث ذهب حافظ الأسد في دعمه لإيران بعيداً .. فأمدها بالسلاح والعتاد والمواد التموينية.. وهذا دفع العراق أن ينشر بعض فرقه العسكرية المهمة على حدود العراق مع سورية لأغراض دفاعية.. إضافة إلى تزويد سورية لأكراد العراق الثائرين في المنطقة الكردية من شمال العراق بالسلاح والعتاد والتسهيلات اللوجستية.. وهذا فرض على العراق إلى حشد بعض فرقه العسكرية المهمة لردع الثوار الأكراد.. مما أضعف دفاعات الجبهة العراقية وأراح في المقابل القوات العسكرية الإيرانية.
بعد وقف الحرب الإيرانية – العراقية التي دامت ثماني سنوات واصل النظام السوري تمتين علاقته مع الثورة الخمينية.. هذه العلاقة المتنامية جعلت سورية في موقف قوي بمواجهة محور (مصر-الأردن-العراق-والسعودية). ويتحدث الباحثان في هذا الفصل باقتضاب عن الأحداث الدامية التي وقعت في سورية بين عامي (1976-1982).. والمجازر التي ارتكبها حافظ الأسد بحق السوريين وخاصة بأهل مدينة حماة. ثم ينتقل الباحثان إلى استعراض أحداث غزو إسرائيل للبنان عام 1982.. والهزيمة الكبرى التي تعرض لها الجيش السوري هناك.. حيث تمكن الطيران الإسرائيلي من تدمير شبكة الصواريخ أرض-جو السورية.. وإسقاط (102) طائرة حربية سورية؛ ومقتل (61) طيار سوري.
ويسترسل الباحثان في الحديث عن العلاقات الإيرانية الفلسطينية.. والسورية الفلسطينية.. وشيعة لبنان والفلسطينيين.. والانشقاقات الشيعية اللبنانية؛ بين متحالف مع سورية ومؤيد لمنظمة التحرير الفلسطينية.(53/28)
بعد إنهاء الغزو الإسرائيلي للبنان اتسع تقاطع المصالح والتوجهات بين سورية وإيران – كما يقول الباحثان - وتمتنت العلاقات بين البلدين بشكل كبير.. حيث أصبح لإيران موطئ قدم في لبنان وفي مواجهة إسرائيل.. مترافقاً بوجود بعض الوحدات العسكرية الغربية في لبنان (مارينز أمريكي، قوات خاصة فرنسية).
ولا ينسى الباحثان الحديث عن بعض التوترات التي كانت تحدث بين الإيرانيين والسوريين في لبنان.. حيث كان لبنان محطة تجاذب واستقطاب بين دمشق العلمانية وطهران الدينية.. لينعكس ذلك على العلاقة السورية الفلسطينية.. والذي أدى إلى طرد السوريين لمنظمة التحرير الفلسطينية من لبنان.. وتأسيس حزب الله الشيعي المتطرف.. وقيام حزب التوحيد السني في شمال لبنان بقيادة الشيخ سعيد شعبان.. كما كان للاقتتال الشيعي – الشيعي في لبنان دافعاً لإيران للتشاور الكامل مع حافظ الأسد.. ومنحه دوراً في ضاحية بيروت الجنوبية معقل حزب الله الموالي لطهران.
لم تدم الخلافات السورية – الإيرانية طويلاً.. فقد جاءت حرب الخليج الثانية ومشاركة الجيش السوري في التحالف الثلاثيني الذي قادته الولايات المتحدة الأمريكية.. لإخراج العراق من الكويت محل رضا من الولايات المتحدة وقبول من إيران.. وبالتالي إضعاف صدام حسين العدو اللدود لكل من طهران ودمشق.. وهذا بالتالي أتاح لسورية أن تكون جسراً بين طهران ودول الخليج العربي.. حيث أعادت هذه الدول علاقاتها الدبلوماسية معها تباعاً.. كما نجحت دمشق في إزالة التوترات بين هذه الدول وإيران.. وخفت
مطالبات دولة الإمارات بالجزر التي احتلتها إيران في الخليج العربي (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى).
الفصل الثالث:(53/29)
يناقش الباحثان في هذا الفصل الرؤية الإيرانية للصراع العربي – الإسرائيلي.. والعداء الذي تكنه الثورة الإسلامية في طهران للكيان الصهيوني المغتصب لفلسطين.. ونظرة الثورة الإسلامية لهذا الكيان على أنه غير مهتم بشكل حقيقي بأي سلام مع العرب.. ونيته السيئة تجاه حل قضية فلسطين.. وبالتالي دعوتها العلنية إلى تدمير إسرائيل.
ثم يعود الباحثان في نفس السياق إلى الحديث عن الغزو الإسرائيلي لجنوب لبنان عام 1982.. ويوردان شهادة وزير الداخلية الإيرانية السابق (علي أكبر محتشمي) والتي قال فيها: (إن الخميني رفض مشاركة الوحدات القتالية الإيرانية والمتطوعين الإيرانيين إلى جانب القوات السورية أثناء الغزو الإسرائيلي للبنان) وبرر ذلك – بحسب ما جاء في شهادة محتشمي – بقوله:
(إن إيران لا يمكنها أن تحارب إسرائيل عبر هذه المسافات الطويلة وفي غياب حدود مشتركة مع لبنان وفلسطين).. وأضاف الخميني قائلاً: (لذلك فإن الحرب هي مسؤولية العرب).
وهذا يكشف عن حقيقة وجود مستويين من الخطاب السياسي الإيراني ، أحدهما دعائي ثوري يستقطب العواطف والتأييد لإيران وآخر واقعي يراعى المصالح السياسية القطرية الإيرانية فقط .
ثم يتحدث الباحثان عن موقف إيران السلبي من الأزمة الشيشانية.. حيث مُنع الشيشانين من العبور إلى أراضي إيران.. بحجة المحافظة على العلاقات الجيدة التي كانت تقوم بين الثورة الإيرانية والنظام الشيوعي في موسكو.. آخذين بالاعتبار ثقل روسيا كدولة مهمة ويمكن الاعتماد عليها في توريد الأسلحة إلى طهران بعد أن أوقف الغرب مد إيران بالأسلحة بعد نجاح ثورة الخميني.
كما يستعرض الباحثان في هذا الفصل الرؤية السورية للصراع العربي – الإسرائيلي.. والقومية العربية ومسألة فلسطين وبصمات الأسد عليها.. والدور السوري التاريخي في معالجة هذه القضية الشائكة.. إلى أن يصل إلى الشعار الذي رفعه حافظ الأسد وهو (مبدأ التوازن الاستراتيجي) مع إسرائيل.(53/30)
وقد اعتبر حافظ الأسد أن تحالفه مع إيران هو جزء أساسي من التوازن الاستراتيجي الذي يسعى إليه لمواجهة إسرائيل.
ثم يعرّج الباحثان بالحديث عن المقاربة السورية للتسوية مع إسرائيل ما بعد حرب 1973.. وقبول سورية بقراري مجلس الأمن (242 و 338).. وبالتالي عقد اتفاق فك الارتباط بين القوات السورية والإسرائيلية في الجولان عام 1974.. الذي التزمت به سورية بشكل مثير للشكوك – كما يقول الباحثان – على مدى العقدين الماضيين.
كما يتحدث الباحثان في هذا الفصل عن قمتي العرب في تونس والمبادرات الأمريكية من أجل السلام في المنطقة.. واللقاء الباهت الذي تم بين صدام حسين وحافظ الأسد في قمة فاس الثانية.. والتي لم تؤثر على العلاقة المتينة بين طهران ودمشق.
وتطميناً للحليفة إيران ندب حافظ الأسد وزير إعلامه أحمد اسكندر أحمد إلى طهران.. ليؤكد للقيادة الإيرانية بأن التحالف السوري الإيراني هو أقوى من أن ينقص منه أو يخدشه لقاء عابر بين حافظ الأسد وصدام حسين.. نزولاً عند الضغوط التي مارسها القادة العرب عليه من أجل أن يتم هذا اللقاء.
وقد أكد الوزير أحمد اسكندر أحمد في طهران دعم سورية للثورة الإسلامية ضد (أعدائها الداخليين والخارجيين.. وإلى تطابق وجهات نظريهما.. وعلى متانة العلاقة بين البلدين.. وإلى تطابق وجهات نظريهما بخصوص مؤتمر فاس وجدول أعماله).. معتبراً – أي اسكندر – أن (الثورة الإيرانية هي الحدث الأهم في النصف الثاني من القرن العشرين).
وفي نفس الفصل يتحدث الكتاب عن اتفاقية منظمة التحرير مع الأردن عام 1985.. ومعارضة كل من طهران ودمشق لتلك المعاهدة.. وشجبها ورفض كل ما جاء في بنودها.
الفصل الرابع:(53/31)
يستعرض الباحثان في هذا الفصل العوامل المحلية والإقليمية التي طرأت ما بعد مؤتمر مدريد للسلام.. وعن مقتضيات عملية السلام بالنسبة للتحالف الإيراني – السوري.. وسكوت طهران على ذهاب سورية إلى المؤتمر حفاظاً على الروابط المتينة التي أقامتها معها رغم رفض إيران لمثل هكذا مؤتمرات غير مجدية.
كما استعرض الباحثان نظرة سورية وإيران لأي تسوية عربية – إسرائيلية.. مستنتجان أن مثل هذه التسويات وهذه المؤتمرات لن تؤثر على المصالح الحيوية التي تربط بينهما.. لا على المدى المنظور أو المتوسط بل ولا على المدى البعيد.. حيث تعتبر كل من دمشق وطهران أن الهم الأكبر لهما يتمثل في العراق وما يمثله النظام فيها من تهديد لهما.. وأن هناك ما يربطهما في لبنان من مصالح مشتركة تستحق الالتفات إليها والاهتمام بها.. فوجود الطائفة الشيعية في لبنان تستحق الرعاية والعناية المشتركة بين العاصمتين لما تمثله من دعم للوجود السوري والإيراني في لبنان.. فليس غير هذه الطائفة يمكن الاعتماد عليها في تحقيق ذلك وترسيخه.
كما يستعرض الباحثان في هذا الفصل أوضاع الشيعة في لبنان والصراعات اللبنانية – اللبنانية والدور السوري والإيراني في لبنان.
ثم ينتقل الباحثان للحديث عن العامل التركي في استقرار المنطقة أو زعزعتها من خلال التحالف العسكري بين أنقرة وتل أبيب.. وتأثير هذا التحالف على سورية ولبنان.. وهذا دفع كل من إيران وسورية للتنسيق مع تركيا لمراقبة التطورات في العراق وصياغة فهم مشترك لمستقبل العراق.(53/32)
كذلك لم ينس الباحثان دور دول الخليج العربي وما يمكن أن تلعبه سورية في تجسير الهوة بين هذه الدول- التي تتهيب من الطموحات الإيرانية وأطماعها في المنطقة - وبين طهران والتقريب بينهما والتقليل من مخاوف هذه الدول من برامج إيران التسليحية.. وكذلك في نقل هذه المخاوف إلى الجانب الإيراني للسعي إلى طمأنة دول الخليج بأن إيران لا أطماع لها في الخليج وأنها تريد إقامة أحسن العلاقات معها.. وأن قواتها المسلحة ستكون في خدمة دول الخليج والدفاع عنها.
ثم ينتقل الباحثان إلى الحديث عن العامل الفلسطيني ومدى تأثيره على العلاقات السورية – الإيرانية.. والدور الذي لعبته إيران مع منظمة التحرير الفلسطينية وعن العلاقة التي أنشأتها معها.
كذلك يستعرض الباحثان الخلافات التي كانت تحدث بين إيران ومنظمة التحرير من حين لآخر.. والحديث عن العلاقة بين طهران وحركتي حماس والجهاد الإسلامي.. وأن إيران تقر بأن وجودها في لبنان ودورها مع الحركات الفلسطينية محكوماً إلى حد كبير بموقف سورية إزاء مثل هذه الروابط.. طالما لبنان منطقة نفوذ سورية.
الفصل الخامس:
ويتحدث الباحثان في هذا الفصل عن أهمية علاقات البلدين سورية وإيران.. حيث يمكن أن تلعب سورية دوراً ملطفاً للسياسة الخارجية الإيرانية.. وكقناة غير مباشرة محتملة بين الغرب وأمريكا مع إيران.. وقد كان بالفعل لسورية دوراً مهماً أثناء أزمات الرهائن المختلفة في لبنان وهو مشابه لنوع الدور الذي لعبته سورية لبعض الوقت بين إيران والأقطار العربية الأخرى، وخصوصاً دول الخليج..
وعلى نحو مشابه، فإن مصلحة إيران بالصلة السورية – كما يعتقد الباحثان – يمكن رؤيتها كعامل لمصلحتها في الحفاظ على الأقنية اللارسمية للاتصال مع الولايات المتحدة وما يتمتع به السوريون من إمكانية التعويل عليهم نسبياً في هذا الخصوص بالمقارنة مع الأقنية الممكنة الأخرى من وجهة النظر الإيرانية.(53/33)
كما أن كل من سورية وإيران وضعتا في الحسبان دور الولايات المتحدة وروسيا المهم في المنطقة.. ودورهما المؤثر في أي تسوية محتملة بين العرب وإسرائيل.. معترفتين بأن دور روسيا في المنطقة هو دور محدود.. في مقابل الدور الكبير الذي يمكن أن تلعبه الولايات المتحدة الأمريكية..
كما يعتقد الباحثان أن مصلحة الولايات المتحدة لا تكمن في إضعاف الروابط السورية الإيرانية كجزء من الثمن الذي يتعين على سورية أن تدفعه مقابل تسوية شرق أوسطية، بل إنها تكمن في الاتجاه المعاكس تماماً، أي في استغلال هذه الروابط لتسهم في الوصول إلى تحقيق علاقات غربية جيدة مع إيران، إضافة إلى احتواء السياسة الإيرانية المعادية للغرب حيثما يكون ذلك ممكناً.
إن إيران من ناحيتها، تعترف بقيمة مثل هذه الاتصالات، وقد تسعى لتشجيع طموحات سورية للعب دور الوسيط، وهو دور لا يحمل أية عقوبة أو خطورة من وجهة النظر الإيرانية. وقد لوحظ أن علاقة جديدة أكثر إيجابية قد بدأت بالتطور بين البلدين، بما في ذلك وجود مقدار واسع من التفاهم حول القضايا الإقليمية واحتمال قيام علاقات اقتصادية واسعة.
وجاءت هذه النتائج – كما يقول الباحثان – بفضل الجهود الأمريكية المواظبة للحفاظ على علاقات جيدة مع سورية، كما اتضح ذلك من خلال عقد اجتماعي قمة بين الرئيسين الأسد وكلينتون، بما في ذلك زيارة كلينتون الهامة، سياسياً ورمزياً، إلى دمشق في تشرين الأول 1994، التي استقبلت برضا علني كبير من الجانب السوري، وعدم انزعاج من الجانب الإيراني..(53/34)
إن هذه الجهود الأمريكية لا تخدم فقط في تسهيل الاتفاق السوري الإسرائيلي حول الجولان، بل تساعد أيضاً في ضمان التأييد السوري المستمر لسياسة الولايات المتحدة إزاء العراق، كما حصل أثناء حشد القوات العراقية على الكويت في تشرين الأول 1994، بهذا المعنى، فإن السياسة الأمريكية في الاحتواء المزدوج ضد العراق وإيران تسمح لسورية بهامش أوسع من المناورة مع الولايات المتحدة ذاتها ويساعد سورية في أن تعتبرها الولايات المتحدة بمثابة (استقرار) ضد العراق وإيران.
كما لا يجب أن تقلل سورية وإيران في المستقبل من دور روسيا كمورد وحيد للأسلحة لكل من سورية وإيران.. وهذا يحتم على كل من طهران ودمشق المحافظة على علاقة جيدة مع موسكو.
ومن هنا نجد السياسة الإيرانية الرسمية منذ عام 1991 قد تميزت بحذر ملحوظ في التعامل مع الأحداث الجارية في الجمهوريات الجنوبية السابقة من الاتحاد السوفييتي. هذا الحذر ينبع من الرغبة في الحفاظ على مستوى مقبول من النوايا الحسنة المتبادلة مع موسكو إضافة إلى تجنب الخلاف المباشر والمنافسة مع تركيا – أو بشكل معكوس – تجنب أي انطباع بالاصطفاف مع تركيا ضد روسيا. وأخيراً، فإن لطهران مصلحة واضحة في تجنب أي تأثير للصراعات المحلية في تلك الجمهوريات إلى داخل إيران نفسها نظراً للتعقيدات السياسية والإثنية الدفينة في المنطقة، وهذه المصلحة هي وراء تحمل طهران المدهش لسياسة روسية (المعادية للإسلام) في الشيشان والبوسنة.
الفصل السادس:
يستعرض الباحثان في هذا الفصل العلاقات العسكرية بين إيران وسورية.. دون الخوض في التفاصيل لغياب التأكيد الرسمي – كما يقولان – ولكنه تأكد أن هناك تعاوناً عسكرياً بين دمشق وطهران في مستوى معين.. وخاصة في مجال صناعة الصواريخ أو تعديلها.. والتي من بينها ما بإمكانه حمل رؤوس غير تقليدية.(53/35)
وينوه الباحثان إلى أن زيارة الرئيس الأسد إلى موسكو للتوقيع على معاهدة الصداقة والتعاون السورية – السوفييتية في أوائل تشرين الأول من عام 1980، بعد شهر واحد من اندلاع الحرب الإيرانية – العراقية،تم فيها توسط الأسد لدى الاتحاد السوفييتي لصالح إيران لتسهيل شحنات الأسلحة السوفييتية إلى طهران وإرسال إمدادات إضافية مباشرة من سورية وليبية. وبدءاً من تشرين الثاني 1980 فإن المجال الجوي والموانئ السورية استخدمت أيضاً للمحافظة على تدفق الأسلحة العربية إلى إيران بما في ذلك الشحنة الأولى من صواريخ سكود – ب من ليبيا وأسلحة أخرى من الجزائر في منتصف 1981. وقد دُعمت ببعثة تدريب ومساعدة عسكرية سورية إلى إيران وبمساعدات سورية متزايدة للتمرد الكردي ضد النظام العراقي.
كما تحدث الباحثان عن الساحة الاقتصادية الواسعة بين سورية وإيران، التي توجت باتفاقية النفط والتجارة السورية – الإيرانية في آذار 1982 التي كانت مؤشراً على الشكل الأول للتحالف وشملت الاتفاقية إمدادات الأسلحة السورية إلى إيران إضافة إلى نشر القوات السورية على الحدود العراقية تزامناً مع إغلاق سورية لخط أنابيب النفط العراقي السوري في نيسان 1982... معتبران أن ما بين إيران وسورية هو تحالف اقتصادي منوع ومتين.. وقد لا يكون أقلها تزويد إيران لسورية ب 300 ألف طن من النفط المجاني سنوياً حتى عام 1987.. ليرتفع إلى مليون طن مجاني سنوياً.. إضافة إلى إمدادات نفطية أخرى بسعر السوق.. وهناك العديد من التعاون الاقتصادي بين البلدين في المجال الصناعي والغذائي.
وفي هذا الفصل يسهب الباحثان في القلق لدى أمريكا والغرب من إمدادات الأسلحة الروسية إلى المنطقة وخاصة منها الصواريخ البلاستية البعيدة المدى.. وتعاون إيران وسورية في حقل تكنولوجيا الصواريخ ذات مغزى في ضوء جهود البلدين لتطوير أنظمة إطلاق طويلة المدى ذات رؤوس حربية غير تقليدية.
الفصل السابع:(53/36)
في هذا الفصل الختامي لهذه الدراسة يستنتج الباحثان تكاليف التحالف بين طهران ودمشق.. فمن منظور سورية فإن التحالف يخدمها ويخدم مصالحها الحيوية.
وكذلك نفس النظرة بالنسبة إلى إيران.. فهي تعتقد أن تحالفها مع سورية قدم لها دعماً مهماً خلال الحرب الإيرانية – العراقية التي لولاه لما صمدت إيران أمام العراق كل هذه السنوات.. وأن تحالفها مع سورية أتاح لها فرصة التواجد في لبنان.. كما أن سورية قدمت لها تسهيلات تجارية كبيرة.. كما أن سورية كانت جسرها إلى دول الخليج والدول العربية.
وبالرغم ما بين النظامين العلماني في سورية والديني المتشدد في إيران من تباين.. فإن هناك تسامح من كلا الطرفين تجاه الآخر حفاظاً على التحالف الذي يربطهما.
هذا ملخص قد يكون معقولاً لهذه الدراسة المهمة.. مجدداً القول بأن هذا الملخص أو هذه الدراسة لا تغني عن اقتناء الأصل وسبر أغوار ما جاء فيه.
القراءة الجديدة للنص الديني:
الباطنيون الجدد والقراءة المتهافتة للنص الديني
تأليف: د. عبدالمجيد النجار
عرض: محمد العواودة
يرصد الدكتور عبد المجيد النجار في كتابه القيم "القراءة الجديدة للنص الديني" (إصدار مركز الراية للتنمية الفكرية، 2006) أفكار أبرز رواد المدرسة التأويلية الجديدة، أو "الباطنيون الجدد" كما يحب أن يسميهم وهم: نصر حامد أبو زيد، جمال البنا، عبد المجيد الشرفي، محمد الشرفي، محمد سعيد العشماوي، محمد محمود طه، محمد شحرور، محمد أركون.
والمدرسة التأويلية الجديدة التي يقدم لها النجار - الذي بات متخصصا قصرياً في التصدي لهذه المدرسة في مجمل كتبه ورسائلة وتعليقاته- ليست جديدة بمعنى أنها بدعا من بنات أفكار هؤلاء الرواد؛ وإنما هي امتداد لأفكار بعض الليبراليين العرب في بواكير القرن الماضي أمثال قاسم أمين اللذين تبنوا خطاب الإصلاح الديني الغربي، وصولا إلى محمد عبده الذي يعتبر المؤسس لهذا الخطاب وداعيته في العصر الحديث.(53/37)
إلا أن ما يميز هذه المدرسة التي يعرض لها النجار خطابها الفج وجرأتها على الدين الإسلامي بشكل غير مسبوق، وتبنيها منهجية وأدوات التحليل الاستشراقي الغربي في تفسير النصوص الدينية بالقراءة التفكيكية من زاوية العلوم الأدبية والإنسانية للطعن في قدسية النص الديني مثل: التاريخية، والهرمنيوطيقا، والنسبية، والرمزية، وإدخال بعض المعادلات والقوانين الرياضية، حتى يغدو النص الديني بهذا التفسير مجموعة من النصوص الوضعية تمكن من قراءته وبناءه من جديد من خلال جملة من المقاصد والمعاني ذاتية القراءة.
ومع أن النجار اكتفى بذكر هؤلاء الرواد كونهم أهم المؤسسين المعاصرين لهذا الخطاب إلا أن هذه المدرسة لا تقف عند حدودهم بل تمتد لتشمل الكثيرين من أتباعها والمتساوقين بفكرها من المثقفين والاكادميين والكتاب العرب المعاصرين، الذين لا تسع هذه العجالة عرض آرائهم ومناقشة كتبهم أمثال: صادق بلعيد، حسن حنفي، صادق جلال العظم، الطيب التيزيني، تركي علي ربيعو، سيد القمني، عبد الهادي عبد الرحمن، أنور خلوف ...
فخلاصة آراء هذه المدرسة تقدم الدين الإسلامي على أنه ليس هو هذا الدين الذي تدينت به الأمة طيلة أربعة عشر قرنا، وإنما هو شيء آخر ما تزال النصوص متضمنة إياه بإفهام أخرى تنتظر من يستخرجها، معتمدين في ذلك على عدة عوامل لتحقيق هذه الغاية أهما إهدار التراث الإسلامي كونه منافيا لمفاهيم العدل والمساواة وحقوق الإنسان، ما تطلب عندهم إحالة تأويل النص لذاتية مطلقة من حق كل فرد أن يمارسها باحتمالات غير متناهية من المعاني يتحكم في أساسها الضمير الإنساني.(53/38)
في سياق رده على هذه القراءة الجديدة، فإن النجار يبين تهافتها وعدم أصالتها من عدة وجوه تجتمع على أنها تعاملت مع النص الديني كما لو كان نصاً بشريا، مهدرة بذلك أو تكاد طبيعة كونه وحيا من الله، ومتجاوزة في كثير من الأحيان طبيعتة اللغوية وما تقتضيه قوانين اللغة العربية من وجوه الدلالة على المعاني بحجة أن الألفاظ هي ألفاظ النبي صلى الله عليه وسلم أو إن لم تكن كذلك فقد طالها التغيير البشري لأن مقصود كلام الله عندهم خاص بالمعاني دون الألفاظ.
وحينما حُددت طبيعة النص الديني في هذا الاتجاه من الوصف بالبشرية والتاريخية والظنية فإن القراءة التي مورست عليه كانت في طابعها العام قراءة اسقاطية بما هو حاضر سلفا في الأذهان بمقتضى انتماءات مذهبية ومواقف أيديولوجية باعتبارها أحد الاحتمالات الممكنة لهذا النص مادام نصا مفتوحا على احتمالات غير متناهية.
فقد كان أغلب هؤلاء القراء الجدد للنص الديني ممن تكونوا ثقافيا على الفكر العلماني - بشقيه اليساري والرأسمالي - حتى أصبحت كبرى قضاياه مسلمات بالنسبة إليهم وعلى اعتبارها مدلولا من مدلولات النص واحتمالا من احتمالاته، فقد كان من تلك المسلمات على سبيل المثال:
فكرة التغيير المطلق التي انبنت عليها الفلسفة العلمانية في تقديرها للطبيعة كما بدا في نظرية التطور، وفي تقديرها للقيم الإنسانية كما بدا في المذهب الأخلاقي الاجتماعي، وفي تقديرها للماهية الإنسانية ذاتها كما بدا في الفلسفة الوجودية.
وشخصنة الدين وفصله عن الحياة العامة كما في فكرة العلمانية وإسقاط القانون الوضعي فيما يتعلق بالعقوبات والأحوال الشخصية على النص الديني، منتهين إلى أن هذه الإسقاطات التي يسموها قراءة جديدة لا تحمل صفة موضوعية ثابتة في النص وإنما هي قيم متغيرة بتغير الظروف والأوضاع ينبغي التأول فيما يناسبها من المعاني والأحكام.(53/39)
إن ما أثاره هؤلاء المؤولة من مطاعن في موثوقية النص الديني يكاد يكون كله مستصحبا لما أثاره المستشرقون من شبهات متعلقة بالقرآن والحديث منذ ما يزيد على قرنين،
فالاستدلال على ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم هو ذاته الذي منع تدوين الحديث، فيه ضحالة فكرية كبيرة عند الوعي أن المنع كان تحوطا لكي لا يختلط ما هو قرآن بما هو حديث وهو ما ينافي أيضا قوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} ( الحشر: 7) وقوله: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} (الأعراف، 58 ).
"فهذا خطاب عام يدلل بوضوح على موثوقية السنة وديمومتها، ولا يمكن فهمه على أنه خطاب محصور بالزمان والمكان وإلا كانت الرسالة نفسها لا تتجاوز ذلك الزمان وذلك المكان، كما أن الأمر قد اقتضى المنع من التدوين ولم يقتضي المنع من الحفظ ولم يقتضي المنع من العمل بالسنة والفرق جلي واضح بيهما، ولئن كان الحديث النبوي قد داخله الوضع حقا فإن هذا النص النبوي قد حظي من العلوم المنهجية التي تميز صحيحة من سقيمه بما لم يكن له سابقة أو لاحقة في التاريخ الثقافي الإنساني وهي تلك العلوم التي تتحرى الصادق من غيره في الرواية المنقولة.
أما ما اعتمدته هذه القراءة من تشكيك في موثوقية القرآن من حيث انتقاله من النبي صلى الله عليه وسلم مقروءا إلى المسلمين بعد ذلك مكتوبا فليس من غاية لهذا التشكيك إلا أن يكون مدخلا لبعض تأويلاتهم الباطلة للنص القرآني، فإن الفيصل في ذلك ما يقدمه القران نفسه للناس فيما إذا كانت لغته نبوية بشرية أو إلهية، فالمعاني وحدها لو كانت هي النازلة في قوله تعلى " إنا أنزلناه قرآنا عربيا " ( يوسف، 2) فإنها لا توصف بأنها عربية إذ هي من المشترك بين جميع أهل اللغات، وإنما الألفاظ من حيث ذاتها ومن حيث نظمها ودلالتها على معانيها هي التي توصف بذلك.(53/40)
أما القول: إن القران قد زيد فيه في عصر التدوين بعد وفاة النبي فهذا أيضا قول متهافت، فما جمع في عهد عثمان لم يكن سوى جمع لما دون في السطور متفرقاً بما يماثل ما هو محفوظ متواتراً في الصدور، والادعاء بحصول تغير في القرآن بتدوينه على ترتيب غير ترتيبه الزمني لا يخضع لأي أساس منطقي، وهو ادعاء مردود أيضا لأن الترتيب التوقيفي للقرآن الذي هو مدون به الآن في المصحف كان ترتيباً مصاحباً لنزوله فما من آية نزلت على النبي عليه السلام إلا أمر كتّابه أن يضعوها في مكانه التوقيفي من سورته فعندما اكتمل النزول كان الترتيب التوقيفي مكتملاً، وعلى حد زعم هؤلاء الباطنية لن يكون الدين والتاريخ الإسلامي كله إلا أكذوبة كبرى صنفها رجال متواطئون على الباطل، وهذه النتيجة لا يقبلها عقل سليم حينما يتعلق الأمر بجهود أمه بأكملها في فهم دينها من مصدره المحفوظ. ومما وقعت فيه هذه القراءة من مزالق خطرة؛ تقدير العلاقة بين النص فيما يتضمنه من حكم شرعي وبين المقصد الذي من أجله شرع ذلك الحكم، وكذلك تقدير العلاقة بين ذلك النص وبين ما يجري به واقع الحياة الانسانيه.
فهذه العلاقة المزدوجة أقيمت في القراءة الجديدة على خلل كبير في كل من طرفيها، لأن النص الديني إذا كان قد حدد مقاصد ما يتضمنه من أحكام فإنه أيضا قد حدد أحكاما تفضي إلى تلك المقاصد وجعل هذا مرتبطا بذاك وملازما له ولم يوجه هذا النص بأي حال من الأحوال إلى أن تلك المقاصد إذا ما أمكن تحقيقها بغير الأحكام الموضوعة لها فإنه يمكن إهدار تلك الأحكام، فبأي مبرر إذن تلغى الأحكام إذا ما تحققت مقاصدها بطريق غيرها؟(53/41)
إن المقصد من أي حكم محدد يتضمنه النص الديني إذا كان باديا في تحقيق مصلحة أو درء مفسدة جراء تطبيق ذلك الحكم فان ذلك المقصد يتضمن بصفة أساسية إيقاع الحكم نفسه، فإذا ما أهدر ذلك الحكم فقد أهدر المقصد أو شطر كبير منه وذلك أيما حكم من أحكام الدين في المفهوم الإسلامي عبادة كان أو معاملة فان مقاصده الأساسية عبادة الله تعالى وطاعته في تطبيق ذلك الحكم مهما يكن له من مقصد يتعلق بالمصلحة الدنيوية.
ولكن يبقى أخطر ما يعتمده هؤلاء المفكرون في قراءتهم الجديدة - كما يرى النجار- معادلة النص والواقع بحيث تجعل ما يجري به الواقع من قيم ثفافيه وحضارية وحقوقية هي الحكم الذي يحتكم إليه في تبين دلالة النص الديني وفي استبدال الأحكام المستفادة من النص بمقتضى تلك الأدلة بما يقتضيه الواقع الجاري بأوضاعه المتغيرة على الدوام، فلا يكون بحسب هذه القراءة للنص الديني مضمون موضوعي ثابت، فإذا ما كان هذا الواقع هو القيم على النص الديني بحيث يقع تأويله بحسب ما ينقلب إليه الواقع من أوضاع لتكون مضمونا له، فإن ذلك سيفضي لا محالة إلى أن يكون هذا النص متضمنا في بعض الأزمان الأمر باعتقاد الباطل وفعل الشرور باعتباره دينا !! وتصوره يكفي في رده وبطلانه.
ولنا أن نتصور فظاعة هذا المآل الذي تنتهي إليه القراءة الجديدة بهذا التأويل الواقعي،ٍ فتصبح القيم والقوانين السائدة في هذا الواقع هي التي يؤول على أساسها النص القرآني ، لتبقى مهمة النص الديني مقصورة على التوجيه الروحي دون محددات الأحكام.
صراحة مطلوبة
قالوا: إنهم (الإيرانيون) لا يملكون قنبلة. هم بصدد تطوير واحدة أو بصدد تطوير قدرات حيازتها.
الشيخ سلمان آل خليفة – ولي عهد البحرين
قلنا: سياسية الصراحة والوضوح هي التي تجدي وتحفظ لنا حقوقنا.
عصر الشذوذ!(53/42)
قالوا: تعتزم مجموعة من الشواذ إشهار أول مؤتمر أردني للشاذين جنسياً من الذكور وذلك تزامنا مع يوم الانتخابات البرلمانية في العشرين من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.و اختارت إحدى مناطق الأردن السياحية لإقامة احتفاليتها كما أنهم سيشاركون أقرنائهم في العالم للاحتفال بيوم «ممثليي الجنس العالمي» في أحد مقاهي العاصمة والذي يصادف في 23 من شهر نوفمبر القادم.
الحقيقية الدولية 1/11/2007
قلنا: هذه آفة خبيثة لا تجد لحد الآن برنامج مكافحة حقيقي على مستوى الأمة رغم تزايد خطورتها.
دولة درزية!!
قالوا: واتهمه – يقصد جنبلاط - بالسعي للقاء وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك في واشنطن تمهيداً للتفاهم مع الإسرائيليين على مشروع دولة درزية، موازية للدولة الكردية في شمال العراق، تضم الجولان وجبل العرب في سوريا ومنطقتي راشيا وحاصبيا في لبنان، على أن يشن الإسرائيليون حرباً محدودة على لبنان وسوريا تستهدف احتلال هذه المناطق وتسليمها إلى لجنبلاط .
النائب اللبناني السابق ناصر قنديل - الحقيقية الدولية 28/10/2007
قلنا: المتهم من الدروز الموالين لسوريا وهو لا يرفض الدولة بقدر رفضه لقادة جنبلاط لها، وإلا فإن فكرة الدولة الدرزية حلم لكثير من الدروز.
السلفية الخطر القادم!
قالوا: وتذكرت ما قاله لي صديق أستاذ في احدي الجامعات الأمريكية إذا قال لي إن أكبر مشروع بحث أنجزته المؤسسات البحثية في أمريكا الآن هو عن السلفية، ومن ثم فبحث السلفية وتوجهاتها وكيفية التعامل معها هو موضة الأبحاث في الغرب اليوم وذلك جزء في ظني لا علاقة له بالعلم بقدر ما له علاقة بأصحاب القوة والنفوذ والمصالح التي توجه الأجندة البحثية للباحثين وتقررها.
د. كمال حبيب - المصريون 31/10/2007
قلنا: لا تزال الأصابع اليهودية تشوه حقيقة الإسلام والدعوة السلفية ، وتقوم ممارسات كثير من الشباب الثائر في خدمة هذه المخططات اليهودية .
السفير الدرويش!!(53/43)
قالوا: للعام الثالث علي التوالي، حرص السفير الأمريكي في مصر ، فرانسيس ريتشاردوني، وأسرته على زيارة مدينة طنطا شمال القاهرة، وحضور احتفال الطرق الصوفية بمولد "العارف بالله السيد البدوي".
العربية نت 3/11/2007
قلنا: ليس بعد الكفر ذنب!!
إسلام نسوي!!
قالوا: تعرضت داعية هندية مسلمة لانتقادات غاضبة من علماء مسلمين في البلاد، لقيامها بحملة لبناء أول مسجد للنساء في ولاية تاميل نادو جنوبي البلاد، على أن تشغل الإناث كل مراكز السلطة في المسجد الجديد، من المؤذن إلى الإمام .
العربية نت 25/10 /2007
قلنا: هذه بدعة جديدة تأكد قوله صلى الله عليه وسلم "لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه".
ولاية الفقيه الدموية
قالوا: كتابات توضع على سياراتنا وعلى باب البيت، «من لم يُقتل اليوم فسيُقتل غداً. تراجع عن مواقفك» و«من لم يمش مع ولاية الفقيه فدمه مهدور» كما ألحقوا ضرراً بإطارات سياراتنا فضلاً عن رسائل التهديد عبر الهاتف أو البريد الالكتروني وهي كثيرة ومتعددة.
محمد علي الحسيني الأمين العام لـ «المجلس الإسلامي العربي»
الرأي العام – الكويت 24/10/2007
قلنا: هذه سياسة حزب الله وإيران مع من يخالفها من الشيعة ، فمتى يفهم المخدوعون بها من أهل السنة؟؟
وشهد شاهد من أهلها
قالوا: أصدرت الهيئة العراقية للشيعة الجعفرية بياناً بعنوان وضع قوة القدس والحرس الثوري الإيرانية على لائحة الإرهاب انتصار للشعبين العراقي والإيراني.
الملف نت 3/11/2007
قلنا: متى يتوقف عن تمجيد إيران بعض إخوتنا من أهل السنة ؟؟
مصيبة ذهبت!
قالوا: إن الوفد الإيراني لم ينجح في إدخال عبارات في المادة التاسعة لـ "دعم إدخال بعض الميليشيات في الجيش العراقي".
الحياة 3/11/2007
قلنا: مصيبة نجى أهل العراق منها بفض الله أولاً والواعين من الناس !!
دجال من الدجاحلة!!
قالوا: "إن المعيار الرئيسي هو إرادة الشعب وليس أولئك الذين يعتبرون أنفسهم رسلاً خاصين من الله".(53/44)
محمد خاتمي
في خطاب أمام أعضاء "جبهة المشاركة الإسلامية الإيرانية"
وكالة أنباء الطلبة الإيرانية 28/10/2007
قلنا: فليضاف نجاد لقائمة مدعي النبوة من الدجالين عبر التاريخ.
سرقة للقتل!!
قالوا: إن شبكة قوات الحرس – الثوري - تصادر يومياً أكثر من نصف مليون برميل من نفط الجنوب العراقي لاستخدامها كمصدر لتمويل وإسناد المجموعات الإرهابية في العراق.
دولت نوروزي
ممثلة المجلس الوطني للمقاومة الايرانية في بريطانيا
وكالات 28/10/2007
قلنا: لكن تأكدوا أن السرقة والقتل تتم بفتوى شرعية من المراجع !!
موقف صحيح
قالوا: أعلن شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي ووزير الأوقاف المصري الدكتور محمود حمدي زقزوق رفضهما التام لدعاوى من يسمون أنفسهم بالقرآنيين الذين ينكرون السنة كأصل ثابت للتشريع الإسلامي .
محيط 6/11/2007
قلنا: هذا أقل ما يجب عليهم و شكرهم وتأييدهم مهم .
تسلل يهودي
قالوا: أحيا العشرات من اليهود من أصول مصرية وإسرائيليون يوم الثلاثاء الماضي، الذكرى المئوية على إنشاء المعبد اليهودي .
المصريون 31/10/2007
قلنا: هل هذه مقدمة لطلبات يهودية أكبر في الدول العربية والإسلامية ؟؟
خطر جديد !!
قالوا : إن نوادي روتاري والإنيرويل قررت إطلاق فضائية تتحدث باسمها وتروج لسياستها .
المصريون 9/11/2007
قلنا : معلوم دور هذه النوادى في نشر الفساد والفتن وهي سرية فكيف حين تصبح علنية !!
الأحواز اليوم: قمع ونهب وتفريس ومتابعة ما بدأه الشاة
حوار مع رئيس المكتب السياسي لحزب النهضة العربي صباح الموسوي
الشراع 22/10 /2007
قضية الأحواز العربية قضية منسية، فعلى الرغم من أن أهلها يرفضون تسميتها الإيرانية ((عربستان)) إلا أن الإعلام العربي قد نسي أو تناسى عن قصد أو عن غير قصد قضية شعب عربي يعتبر نفسه شعباً محتلاً، تماماً كحال الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال الإسرائيلي.(53/45)
حمل التاريخ كثيراً من المفاجآت لعرب الأحواز التي حملت اسم الناصرية تحت حكم الشيخ خزعل لغاية سنة 1925 حين تم انتزاع الحكم البهلوي للاستقلال الاحوازي لينضوي هذا الإقليم العربي تحت العلم الإيراني قسراً.
ما هي مظاهر التمييز العنصري الذي يمارسه النظام الفارسي ضد العرب في إيران؟؟
- حتى لا نسهب في التفاصيل نود أن نجمل إليكم هنا بعضاً من الممارسات التمييزية للنظام الإيراني ومنها ما يلي:
أولاً: عدم الاعتراف رسمياً بوجود شعب أو قومية عربية على ارض الأحواز وقد دأب النظام الإيراني على إطلاق تسمية ((عرب اللسان)) على الأحوازيين نفيا لعروبتهم.
ثانياً: حرمان العرب من التعلم والتعليم بلغتهم العربية. فرغم أن الدستور الإيراني قد اقر صراحة في مادتيه 15 و19 حق غير الفرس من الإيرانيين بالتعلم بلغتهم وإصدار الوسائل الإعلامية من صحف ومجلات وغيرها، إلا أن ما يسمى بالجمهورية الإسلامية وعلى رغم من مرور أكثر من ثمانية وعشرين عاماً على قيامها فإنها ما تزال تمنع عرب الأحواز من هذا الحق الدستوري ولم تسمح بإصدار أي صحيفة أو مجلة أو إنشاء مكتبة أو مدرسة عربية واحدة في الأحواز.
ثالثاً: منع العرب من اختيار الأسماء العربية لمواليدهم إلا بما يتوافق مع قائمة الأسماء التي وضعتها دائرة الأحوال المدنية. فهناك مادة في قانون دائرة النفوس وهي المادة رقم 20 تجبر صاحب المولود على أن يختار اسم مولوده منها، فأي مولود يحمل اسماً غير مدرج ضمن هذه القائمة لا يمنح شهادة ميلاد، وهذا الأمر يطبق في الأحواز فقط.
رابعاً: منع العرب من التحدث باللغة العربية أو ارتداء الزي العربي في المؤسسات و دوائر العمل الرسمية.
خامساً: عدم قبول أي شكوى أو رسالة تظلّم تكتب باللغة العربية.(53/46)
سادساً: تفريس المدن والقرى والمواقع التاريخية العربية كافة. وعلى سبيل المثال تغيير اسم الإقليم من عربستان (الأحواز) إلى (خوزستان) وقد شمل هذا التغيير أسماء جميع المدن والمواقع العربية وأصبح اسم المحمرة والتي كانت مركز الحكم العربي في الإقليم (خرمشهر) كما قام النظام بتغيير جميع أسماء الشوارع والمناطق والأحياء العربية التي لم يتسن للنظام البهلوي تغييرها.
سابعاً: سياسة الحد من الإنجاب ومنع تكاثر العرب حيث يتم إرسال بعثات طبية إلى القرى والأرياف في الأحواز لتقوم بتوزيع حبوب وأدوية توهم النساء الأحوازيات أنها لتنظيم الدورة الشهرية ولكنها في الواقع تؤدي إلى حدوث عقم لدى النساء. كما وتقوم هذه البعثات بإجراء عمليات جراحية للنساء بعد الولادة لاستئصال بيت الرحم ومن دون علمهن وذلك كله من أجل الحد من تكاثر العرب.
ثامناً: بناء المستوطنات وجلب مئات الآلاف من المستوطنين الفرس بهدف تغيير البنية الديموغرافية للإقليم.
تاسعاً: محاكمة المناضلين العرب في المحاكم الثورية ومنع المتهمين من توكيل محامين للدفاع عنهم وتنفيذ الإعدامات بالمناضلين في الساحات العامة بهدف زرع الرعب في قلوب المواطنين العرب، والى غيرها من الإجراءات العنصرية التي يطول شرحها.
كيف تتعامل السلطات الإيرانية مع الجمهور العربي في عربستان؟(53/47)
- تعد سياسة مصادرة أراضي المزارعين العرب واحدة من أهم الإجراءات العنصرية التي مارستها الجمهورية الإيرانية ضد أبناء شعبنا الأحوازي طول ما يقارب العقود الثلاثة الماضية، حيث قامت السلطات الإيرانية بمصادرة أكثر 800 ألف هكتار من الأراضي التي تعود ملكيتها لحوالي ثمانين ألف شخص من المزارعين العرب. وقد ترك هؤلاء الناس من دون أن يقدم لهم بديل يعيشون منه حيث كانت هذه الأراضي هي المصدر الوحيد لمعيشتهم. وقد جاء هذا الإجراء بقرار رسمي صادر من مكتب مرشد الثورة علي خامنئي في عام 1996م وهذا رقمه وتاريخه (24194/1- 30/5/76 ).
يضاف إلى ذلك مسألة محاربة التراث والتقاليد العربية : فهناك إجراءات رسمية تمنع العربي من ارتداء زيه في المراكز والدوائر الرسمية بينما نجد أن الكردي أو غيره من الأقوام الإيرانية الأخرى يرتدون زيهم الشعبي في الأماكن الحكومية دون حرج، والشاهد على ذلك أن النواب الأكراد في البرلمان الإيراني غالبا ما يحضرون جلسات البرلمان بلباسهم الكردي دون أن يعترض عليهم احد . أما العربي إذا ارتدى لباسه الشعبي فإنه يكون موضع سخرية و يوبخ. وهكذا بالنسبة للغة فممنوع على المعلم العربي التحدث بلغته مع الطلاب وممنوع على الموظف العربي أن يخاطب المراجعين باللغة العربية وهلم جرا.
و قد أصدرت السلطة القضائية الفارسية في الأحواز العام الماضي قرارا يجبر أولياء المتوفى بالتوقيع على تعهد يلزمهم عدم إقامة المراسم التي اعتاد العرب أجراءها كالأهازيج و العراضات التي عادة ما تجرى عندما يكون المتوفى شخصية اجتماعية مرموقة ولا يسمح بدفن الميت إلا بعد توقيع هذا الإقرار. وكذلك بالنسبة للزواج فلا يسمح بتسجيل عقد الزواج إلا بعد التوقيع على تعهد بعدم إجراء الاحتفالات العربية المعتادة.(53/48)
أما بخصوص حرمان العرب من عائدات النفط فالكل يعلم أن تسعين بالمئة من النفط الإيراني يتم إنتاجه في الأحواز. وبالرغم من إنتاج إيران لأكثر من أربعة ملايين برميل من النفط يومياً إلا أن الشعب الأحوازي يعد من أفقر الشعوب فالعرب لا ينالون من هذه الثروة سوى الدخان المنبعث من آبار النفط . وكان قدم قبل سنتين اقتراح للبرلمان الإيراني يطلب الموافقة على تعيين اثنين بالألف من حصة النفط المستخرج من الأحواز لإعمار المنطقة إلا أن البرلمان الإيراني الذي يهيمن عليه المتشددون رفض هذا الاقتراح.
كما أن الأحواز وعلى الرغم من امتلاكها لأربعة ملايين هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة وامتلاكها ثلث كميات المياه الموجودة تحت يد الدولة الإيرانية بالإضافة إلى وجود اكبر حقول النفط و الغاز والموانىء البحرية والشركات البتروكيماوية إلا أنها الأولى في عدد الفقراء والمدمنين على المخدرات والأولى في عدد السجون والسجناء والأولى في أعداد العاطلين عن العمل.
هل هناك تمييز داخل العرب بين السنة والشيعة؟
- في الحقيقة أن الظلم والتمييز العنصري ضد الشعب الأحوازي مبني بالدرجة الأولى على الهوية العربية للأحوازيين ولكن مع ذلك فإن الأحوازيون السنة يتحملون ظلماً أضافياً حيث تم إغلاق جميع مساجدهم إلا مسجداً واحداً بقي لهم في مدينة عبادان. وهناك ملاحقات واعتقالات مستمرة في صفوف الدعاة والمبلغين من أهل السنة. و بالإضافة إلى أهل السنة فهناك أبناء طائفة الصابئة العرب الذين يبلغ عددهم السبعين ألف نسمة تقريباً فهم يعانون أيضاً من اضطهاد قومي وديني مزدوج.
ما هي طبيعة التركيبة الديموغرافية لسكان إيران بين فرس وعرب وتركمان وأكراد وبلوش وآذريين؟(53/49)
إيران التي يحاول نظامها صبغة شعوبها وقومياتها المختلفة بهوية ولغة واحدة وهي اللغة والهوية الفارسية إلا أن الفرس لا يشكلون سوى اقل من نصف عدد السكان البالغ عددهم سبعين مليون نسمة ولكن هذه الأقلية هي من يمسك بالسلطة وجميع مفاصل الحياة في إيران.
فالإحصائيات المعتمدة تظهر أن الترك الآذريين يبلغ عددهم حوالي العشرين مليون نسمة ويأتون بالمرتبة الثانية ثم يليهم الأكراد بعشرة ملايين ثم عرب الأحواز بحوالي خمسة ملايين ومن دون احتساب أعداد العرب الساكنين في المدن الإيرانية، ثم البلوش بثلاثة ملايين ثم التركمان بمليونين وهناك بعض الأقليات القومية كالبشتون والأرمن والسريان وغيرهم. وجميع هذه القوميات تعاني من سياسة التمييز القومي.
ما هي طبيعة التركيبة الطائفية بين شيعة وسنة ومسيحيين وأقليات أخرى؟
- الشيعة وهم الأكثرية يليهم المسلمون السنة الذين يتجاوز عددهم العشرين مليون نسمة وعمدتهم من الأكراد والبلوش والعرب و التركمان وهؤلاء تمارس ضدهم سياسات تمييزية مؤلمة جداً حيث لا يوجد لأهل السنة مسجد واحد في طهران التي يوجد فيها أكثر من عشر كنائس للمسيحيين الأرمن و ثلاثة معابد للمجوس وثلاثة معابد لليهود ومعبد للهندوس، كما لا يوجد وزير أو سفير أو حتى وكيل وزارة واحد من أهل السنة في الحكومة الإيرانية.
ثم هناك المسيحيون الأرمن الذين يقدر عددهم بأكثر من مائة وخمسين ألف نسمة ثم يليهم المجوس وعددهم حوالي السبعين ألفاً ثم الصابئة العرب ثم يليهم اليهود وعددهم يقارب الأربعين ألف نسمة ثم السريان . وجميع هذه الأقليات الدينية معترف بها دستوريا و لديها ممثلون في البرلمان الإيراني سوى الصابئة العرب فالدستور لا يعترف بهم ولا يوجد لهم ممثل في البرلمان.
من الذي يدافع عن حقوق العرب في عربستان؟ ولماذا تعدد جبهات التحرير الشعبية؟(53/50)
- في الوقت الراهن الشعب الأحوازي وحده من يواجه النظام الإيراني المتجبر ولكن نأمل أن يأتي اليوم الذي نجد العرب وجميع الخيرين في العالم واقفين إلى جانبنا. أما فيما يخص تعدد الحركات والتنظيمات الأحوازية فهذا مرده إلى أمرين الأول وهو اختلاف الرؤى والأيدلوجيات وهذا أمر طبيعي وهو موجود في اغلب الساحات أما الأمر الثاني فهو نتيجة الغزو الثقافي الفارسي الذي تمكن من تأسيس شريحة أحوازية واسعة مشربة بالفكر والثقافة الهجينة ودخل بعضها ساحة العمل السياسي وباتت تائهة بين فكرها وعاطفتها.
هل تلجأون إلى العنف والمقاومة المسلحة لتحصيل حقوقكم، وما هو الموقف العربي والدولي منكم؟
الكل يعرف أن الأحواز تم ضمها إلى الدولة الإيرانية بفعل احتلال عسكري قتل فيه الآلاف من أبناء شعبنا وأن الإجراءات العنصرية التي أعقبت الضم تم فرضها بأساليب أمنية وعسكرية كما أن جميع الانتفاضات التي قام بها شعبنا منذ 1925م ( عام الاحتلال ) والى اليوم قد تم قمعها بالحديد والنار. ولهذا فإن من لجأ إلى استخدم العنف وما زال يطبقه على الأحوازيين هي دولة الاغتصاب الفارسي.
وحينما يقوم الأحوازيون بمواجهة هذا العنف بعنف مضاد فإن ذلك يعد أمراً مشروعاً كونه يأتي للدفاع عن النفس. وقد نضطر في بعض الأحيان للقيام بالعمليات المسلحة التي تستهدف المراكز العسكرية والاقتصادية والتجارية الإيرانية في الأحواز من اجل لجم القمع الإيراني المتوحش.
ولكن رغم ذلك فإن الحركة الأحوازية بجميع أطيافها قد عملت للمطالبة بحقوق شعبنا عبر الوسائل السلمية وهي ما تزال متمسكة بهذا الخيار.
و بشأن الموقف العربي والدولي فهو غائب نهائيا حيث معروف أن المواقف الدولية عادة ما تأتي وفق مصالح خاصة وهذه المصالح على يبدو لم يحن تحقيقها في الأحواز بعد.
هل تخشون استخدام الغرب لكم لإرباك النظام الإيراني؟(53/51)
- أبداً نحن شعب أصحاب قضية عادلة ولا نقبل لأنفسنا أن نكون أدوات بيد الآخرين أياً كانوا ولكن حين تقتضي مصلحتنا في التعاون مع جهة دولية أو عربية ما لمواجهة الخطر الإيراني ولجمه بما يضمن إعادة حقوقنا المغتصبة فلا نتوانى عن فعل ذلك. و هناك فرق بين أن نكون شركاء متعاونين وبين أن نكون أدوات. ولو أردنا أن نكون أدوات لقبلنا الرضوخ للدولة الإيرانية ولما ثرنا عليها.
ما هي العقبات أمام إيصال صوتكم إلى العالم؟
- في الواقع هناك عدة عقبات من ضمنها عدم امتلاكنا وسائل إعلامية قادرة على إيصال صوتنا والتعريف بمظلومية شعبنا في ظل هذا الحصار الإعلامي والسياسي المفروض علينا من قبل سلطات الاغتصاب الفارسي. ثانياً، القمع الشديد الذي مورس ضد النشطاء من أبناء شعبنا في الداخل.
أما الأمر الآخر فهو الضعف المادي الذي نعاني منه حيث أن الحركة الأحوازية لحد الآن ما زالت تعتمد على إمكانياتها الذاتية المحدودة وهي إمكانيات لا تلبي حاجة قضية بحجم القضية الأحوازية . إلى جانب ذلك أن الدول العظمى ما تزال تتجاهل معاناة شعبنا وشرعية مطالبنا ولم تسع لسماع ما لدينا . وهذا بحد ذاته يشكل عقبة كبيرة أمام تحركنا الدبلوماسي والسياسي.
كيف تعاملت معكم السلطات السورية بعد إغلاق مكاتبكم وترحيلكم من دمشق؟
- لقد كان لنا حضور ونشاط إعلامي وسياسي ملحوظ في سوريا أيام الرئيس الراحل حافظ الأسد ولكن مع الأسف بعد وفاته تغير كل شي فقد أغلق مكتبنا و صودرت جريدتنا ( النهضة الأحوازية ) وقد تم استدعائي لأكثر من ثلاث مرات من قبل أجهزة الأمن السورية وأجبرت على توقيع وثيقة تلزمني عدم القيام بأي نشاط سياسي أو إعلامي على الأراضي السورية وأجبرت بعد ذلك على ترك سوريا في عام 2001م.(53/52)
وفي عام 2006 قامت السلطات السورية بعمل يندى له جبين كل عربي شريف و إنسان حر. حيث أقدمت الاستخبارات السورية على خطف ستة من المناضلين الأحوازيين وتسليمهم إلى السلطات الإيرانية. وبعضهم كان يحمل جنسيات دول أوربية وبعضهم الآخر كان حاصلاً على حق اللجوء السياسي من مكتب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في دمشق وكان من بين الذين تم تسليمهم لطهران أشخاص محكوم عليهم بالإعدام ولكن ورغم المناشدات التي قدمتها الحركات الأحوازية والعديد من منظمات حقوق الإنسان العربية والدولية للإفراج عن هؤلاء الأحوازيين وعدم تسليمهم لإيران إلا أن السلطات السورية لم تأبه بتلك النداءات وقامت بتسليمهم للسلطات الإيرانية وهم الآن في وضع خطر جداً. فما الذي ارتكبه هؤلاء الأحوازيون بحق سوريا حتى يعاقبوا عليه وهل هذه من مبادئ القومية والإنسانية التي يزعمونها؟.
من يقف معكم الآن؟
الخيرون من أبناء امتنا العربية، فهناك قوى عربية شعبية بدأت تهتم بقضيتنا وتسعى للتعرف على معاناتنا وهناك قوى عربية والمقاومة العراقية الباسلة قدمت الكثير من المساندة للمناضلين على ارض الأحواز وهذا شيء مهم جداً و يجعلنا نستبشر الخير بأمتنا التي تناست قضيتنا لمدة طويلة من الزمن. كما جرت في الآونة الأخيرة اتصالات من قبل بعض الأطراف العربية الرسمية معنا ونأمل أن يكون العرب قد اخذوا العبر من إيران التي لم تدع أي ثغرة أو فرصة إلا واستخدمتها كورقة للتدخل في شؤون دول المنطقة بحجة الدفاع عن الشيعة وعن الفرس الحاملين للجنسية العربية.
الأسدي يكشف "الأرصفة السرية" لنقل خلايا إيران النائمة للخليج
العربية نت 29/10/2007(53/53)
يُعتبر الأسدي (52 عاما)، القنصل العام للجمهورية الإسلامية الإيرانية في دبي حتى عام 2003 تاريخ انشقاقه، علماً بأنه أول مسؤول مدني ينشق عن النظام الإيراني قبل أن يطلب اللجوء السياسي في السويد. كما كان سفيراً لبلاده في البرتغال ثم مستشارا لوزير الخارجية، قبل أن يصبح عام 2001 قنصلاً عاماً لبلاده في دبي.
حركات تحرر.. خلايا نائمة
وأكد عادل الأسدي أن "الخلايا النائمة منتشرة في كافة الدول الخليجية دون استثناء"، سارداً لـ "العربية.نت" المراحل التي قادت نشوء هذه الخلايا في الخليج.
فقال: بعد قيام الثورة الإيرانية أصبح لقوات الحرس الثوري قسم خاص سمي بـ(حركات التحرر) والذي كان يتولى مهمة تمويل وتدريب العناصر الإسلامية المتشددة الموالية للثورة الإيرانية في مختلف الدول الإسلامية على العمليات العسكرية.
وكان يترأس القسم مهدي هاشمي، الذي جرى إعدامه بسبب دوره في كشف تفاصيل اللقاء السري الذي جمع هاشمي رفسنجاني بمبعوث الرئيس الأمريكي الأسبق إلى طهران مك فرلين، إبان الحرب الإيرانية العراقية، وهو الأمر الذي اشتهر بـ "فضيحة إيران غيت". وتواصل قوات الحرس الثوري هذه المهمة حتى يومنا هذا بالتنسيق مع الأجهزة الاستخباراتية، والديبلوماسية الإيرانية.…
وأوضح: "في الدول العربية والخليجية، تعمل الأجهزة الاستخباراتية في السفارات والممثليات الإيرانية على استقطاب وتجنيد العناصر الشيعية المتطرفة التي تدين بالولاء إلى النظام الإيراني على حساب ولائها لأوطانها. ومن ثم يتم إرسال هذه العناصر إلى إيران عبر دولة ثالثة، دون أن تختم جوزات سفرهم. وهناك ينظم لهم دورات تدريب عسكرية واستخباراتية وسياسية وأيديولوجية.…(53/54)
وتابع "بعد عودتهم إلى أوطانهم يتم تنظيمهم بحيث يتحول كل منهم إلى عنصر ناشط في خدمة أجهزة الاستخبارات الإيرانية في هذه الدول، والذي سيقوم بدوره بتجنيد عناصر جديدة لصالح شبكاتهم السرية التي تنفذ أوامر وتعليمات طهران".
وزاد "إن رجال الاستخبارات المتواجدين في السفارات والممثليات والمراكز الثقافية والتجارية والمدارس والمستشفيات والنوادي والمؤسسات التابعة للنظام الإيراني في الخارج يضطلعون بدور أساسي في هذا الخصوص".
أرصفة سرية.. وعناصر شيعية وسنية:
ورداً على سؤال "العربية.نت" عن الطريقة التي يتم فيها "إيصال السلاح الإيراني إلى هذه الخلايا في دول الخليج ونقل العناصر"، أجاب الأسدي: هناك أرصفة سرية تابعة لقوات الحرس الثوري وأجهزة الاستخبارات الإيرانية، والتي لا تخضع لأي إشراف من قبل الحكومة أو الجمارك الإيرانية. وربما تستخدم هذه الأرصفة التي تطل بعضها على الخليج لإرسال الأسلحة إلى الخلايا النائمة في الدول الخليجية.
وقال: "ليس بالضرورة أن تكون كل عناصر هذه الخلايا من الشيعة، لأن أجهزة الأمن والاستخبارات الإيرانية تتغلغل بأساليب بالغة التعقيد والسرية داخل بعض التنظيمات السنية المتطرفة، وتؤثر في توجهاتها وقراراتها دون علم من قادة هذه التنظيمات".
وعن الفترة التي يعتقد أن الخلايا ستستيقظ فيها، قال: "عندما تقتضي مغامرات النظام الإيراني، ولا أقول مصالحه، لأن تشكيل مثل هذه الخلايا أساسا لا تتلاءم مع المصالح الحقيقة لإيران".
سر عداء "شمخاني" لدول الخليج(53/55)
وفي سياق الحوار، سألت "العربية.نت" القنصل المنشق الأسدي "عن سر تصريحات وزير الدفاع الإيراني السابق علي شمخاني المتشدد إزاء الخليج عندما هددها، ومن ثم تراجعه عن هذه التصريحات، فأجاب: شمخاني ليس الوحيد من المسؤولين في النظام الذي أطلق مثل هذه التهديدات. فمسؤلون آخرون، مثل العميد علي رضا أفشار (القائد السابق لقوات التعبئة التابعة للحرس الثوري)، كانوا قد أطلقوا تهديدات مماثلة ضد الدول الخليجية. ولكن تهديدات شمخاني قد أخذت على محل الجد بشكل اكبر لأنه كان له دور مؤثر في القلاقل التي حصلت في بعض الدول الخليجية.…
وأوضح"أن السيد شمخاني عندما كان في قوات الحرس الثوري كان يتولى قيادة مجموعة خاصة تعمل في مجال تخطيط وتنفيذ أعمال إرهابية في دولة الكويت. وكان لشمخاني خطة إرهابية بالغة الخطورة في البحرين أيضا، ولكن لحسن الحظ تم الكشف عنها. حينها كنت نائبا لرئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان) فأبلغت بأنه جرى كشف باخرة مليئة بالمتفجرات كانت متوجهة إلى البحرين".
وتابع "وعندما استفسرت لجنتنا الأمر من السيد بشارتي، الذي كان نائب وزير الخارجية آنذاك، فإنه قال لنا إن جهازا من قوات الحرس الثوري يترأسه شمخاني يقف وراء تلك المحاولة الإرهابية. ومن هنا يتضح بأن تورط شمخاني في الأعمال الإرهابية لا يقتصر على التصريحات، وإنما هو عمليا متورط في تخطيط وتنفيذ بعض الخطط والمحاولات الإرهابية في المنطقة".
الولي الفقيه القادم؟
وعلى صعيد آخر، سألته "العربية.نت" عن شخصية "الرجل القوي في إيران الآن"، فقال: حسب دستور الجمهورية الإسلامية، فإن كافة الصلاحيات في البلاد تقع بيد شخص واحد وهو الولي الفقيه أو المرشد الأعلى للجمهورية.(53/56)
وأضاف: تنص المادة 57 من الدستور على أن السلطات الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية) تخضع لإشراف صاحب الولاية المطلقة أي القائد أو المرشد الأعلى. كما تمنح المادة 110 من الدستور كافة الصلاحيات لإدارة البلاد إلى الولي الفقيه أيضا. ولذلك فإن دور كل من رئيس الجمهورية والبرلمان والسلطة القضائية في إدارة شؤون الحكم لا يتجاوز كونه دورا شكليا وهامشيا. في السابق كان الخميني هو الرجل الأقوى في النظام واليوم حل محله خامنئي. وكل من تسول له نفسه أن يعارض المرشد الأعلى، سيُتهم فورا بالكفر ومحاربة الله.
ورداً على سؤال "من هو الولي الفقيه القادم في إيران" بعد رحيل خامنئي.
أجاب الأسدي: يبدو أن خامنئي يفضل رئيس السلطة هاشمي شاهرودي كخليفة له. وبما أن معظم أعضاء مجلس الخبراء الذي يتولى مهمة تعيين وعزل القائد أو الولي الفقيه هم من المحسوبين على خامنئي، فلا استبعد أن يقوموا بتعيين هاشمي شاهرودي خلفا لخامنئي في المستقبل، على الرغم من أن شاهرودي ظل لسنوات يطرح نفسه كمعارض عراقي. وأضاف: على كل فإن الأمر لا يمكن أن يتم بهذه البساطة. لأن سياسات خامنئي وممارساته خلال السنوات الأخيرة قد ساهمت بدور ملحوظ في تصعيد المعارضة ضد النظام في الداخل، وحطت من مكانته السياسية والدينية على الصعيدين الشعبي والحكومي، لدرجة صار بعض المسؤولين في النظام أيضا يطالبون سرا بتنحيته من منصبه. وهذا ما دفع خامنئي إلى أن يستقوى أكثر وأكثر بالحرس الثوري لفرض سيطرته على السلطات الثلاث وكافة أجهزة الدولة.
سألته "العربية.نت": بصفتك مستشارا سابقا في وزارة الخارجية، ومن ثم قنصلا سابقا، ماذا تخبرنا عن صناعة السياسية الخارجية الإيرانية، ومن يتخذ القرار في السياسية الخارجية رئيس الجمهورية أم المرشد أم الحرس الثوري؟(53/57)
أجاب: أود هنا التأكيد على أن تعيين وزير الخارجية لا يمكن أن يتم دون موافقة المرشد الأعلى، وذلك نظرا لأهمية وحساسية هذا المنصب. صحيح أنه يوجد في إيران وزارة خارجية ولجنة برلمانية لشؤون الخارجية، ومجلس أعلى للأمن القومي، إلا أن كافة القرارات الخاصة بالسياسة الخارجية يتم اتخاذها من قبل القائد أو المرشد الأعلى للجمهورية.
كما أن القرارات الصادرة عن المجلس الأعلى للأمن القومي لا يمكن تنفيذها دون مصادقة القائد. وهذا لا يقتصر على السياسة الخارجية بل يشمل كافة القرارات الهامة والأساسية التي تصدر في مجالات كالسياسة الداخلية والدفاعية.
الخمور و"السهرات الماجنة" بكربلاء تتسبب بهروب نائب المحافظ
العربية نت 4/11/2007
[هذا حقيقة وطبيعة السلوك الشيعي فكيف في صراعهم مع أهل السنة؟؟ الراصد]
قال نائب محافظ كربلاء، جواد الحسناوي، إنه ترك محافظته ولجأ إلى العاصمة بغداد ليبقى تحت حماية التيار الصدري الذي هو قيادي فيه، لخوفه على حياته المهددة من قبل ميلشيات شيعية هددته بعد إثارته موضوع "التطهير العرقي للعرب", و"انتهاك مقدسات كربلاء وشرب الخمور فيها".…
وتأتي تصريحات الحسناوي، عقب تقارير صحفية ذكرت أن أوامر اعتقال صدرت في حق أربعة من أعضاء مجلس محافظة كربلاء بعد أحداث الزيارة الشعبانية التي شهدتها المدينة قبل شهور، بعدما أدينوا بتهم تتعلق بـ «الإرهاب»، من بينهم نائب المحافظ.…
وتحدث الحسناوي، في اتصال مع "العربية.نت" من مكانه السري في بغداد، عن أن قانون دمج الميلشيات الذي صدر عن مجلس الحكم العراقي السابق مثل ميليشيات المجلس الأعلى للثورة الإسلامية وحزب الدعوة وحزب الله، أتى سلبا على الأجهزة الحكومية فحصلت تصفية للحسابات على حساب القوى العربية في الجنوب، مثل كربلاء.
واتهم الحسناوي هذه الميليشيات بـ"استئصال للعرب بالتنسيق مع إحدى دول الجوار وجلب الأسلحة ووضعها في أماكن مقدسة ".(53/58)
خمور في الأماكن المقدسة:
وعن انتهاك مقدسات كربلاء، قال إن ذلك تم " بقتل أكثر من 100 زائر لمنطقة (ما بين الحرمين) الشيعية المقدسة، على يد الميلشيات المتنفذة والمسيطرة على منطقة ليست تابعة للحكومة ولا سلطة لها عليها وإنما ترجع لإحدى المرجعيات في النجف".
وتابع " كان مكتب السيد الشهيد الصدر منع الغناء وشرب الخمور في الأماكن المقدسة، ولكن الآن الميلشيات تساعد في بيع الخمور وإقامة الحفلات الماجنة ليلا، وتنتشر محلات لبيع الخمور كما في منطقة الهندية، وتوجد نواد راقصة ويحصل الشرب في الشوارع وهذا انتهاك لمدينة مقدسة".
حياته مهددة:
وقال الحسناوي إنه، وبعد أن طالب بالتحقيق بكل هذه الملفات، "قامت رئاسة المحافظة وإدارة الشرطة بتلفيق تهمة الإرهاب له".
وأضاف "وثائق وأوراق إلقاء القبض حُولت للقضاء الكربلائي ثم للمحكمة الجنائية في بغداد التي قالت إنها مزورة وصدر أمر قبض بحق مدير الشرطة، واستقدام المحافظ للمحكمة، ولكن لم يتم تنفيذ ذلك لقوتهم وتبعيتهم لقوى متنفذة"، على حد قوله.
ووصف الحسناوي وضعه القانوني بـ"السليم" ، مشيرا إلى أنه "ينتظر قرار الحكومة العراقية بخصوص هذا الملف مع أني أراها مساندة لهذه القوى في كربلاء".
وقال "لدي خوف على حياتي، وأنا أقيم في أماكن تحت حماية التيار الصدري في بغداد ولهذا لم أرجع إلى كربلاء".
الحسناوي مُتهم بـ"الإرهاب"
وتبقى الإشارة إلى أن صحيفة "الحياة" أوردت في عددها الصادر يوم 2-11-2007 أن أوامر اعتقال صدرت في حق أربعة من أعضاء مجلس محافظة كربلاء بعد أحداث الزيارة الشعبانية التي شهدتها المدينة قبل شهور، بعدما أدينوا بتهم تتعلق بـ«الارهاب.(53/59)
كما اعتُقل مسؤول اللجنة الأمنية في المحافظة حامد كنوش، فيما توارى بقية المسؤولين عن الأنظار بعد صدور أوامر اعتقالهم وهم نائب محافظ كربلاء جواد الحسناوي واحمد الحسيني ومسوؤل الإعلام في مجلس المحافظة غالب الدعمي، كما ورد في "الحياة".
السجل الأسود لتنظيمات أقباط المهجر
محيط 5/11/ 2007
لم يكن طبيعياً أن تمر واقعة انسحاب الأقباط من المشاركة في المؤتمر الوطني الذي دعا إليه رموز مسيحية بارزة في مصر لإعلان موقفهم الرافض للمؤامرات التي يحيكها تنظيم أقباط المهجر مرور الكرام، فبعد تدفق المئات من الرموز القبطية للمشاركة في الوقفة الاحتجاجية التي دعت إليها حركة "شركاء من اجل الوطن" للإعلان عن رفض ممارسات ومؤتمرات أقباط المهجر ردا على المؤتمر الذي نظمه التجمع الأمريكي القبطي مطلع الأسبوع الماضي والذي استمر في الفترة من 20 أكتوبر إلى 23 أكتوبر تحت عنوان القضية القبطية معالجة جديدة الواقع و الآليات .
حيث فوجئ الحاضرون بانسحاب جميع المشاركين في غمضة عين على إثر تلقيهم مكالمة هاتفية نسبها صموئيل سويحة ـ أحد الناشطين الأقباط ـ لبطريرك القليوبية تأمرهم بعدم مهاجمة المؤتمر أو منظميه ، فالواقعة تشير إلى وجود واقع خطير وهو ثمة تعاطف بين أقباط الداخل مع أقباط المهجر ومؤتمراتهم التحريضية ضد مصر بزعم اضطهاد الأقباط .
فبعد ما دعا نشطاء الحركة وعلى رأسهم صموئيل سويحة الأقباط للمشاركة في هذه الوقفة الاحتجاجية لرفض ابتزاز أقباط المهجر والمطالبة بحل مشاكلهم على أرضية وطنية ومن داخل مصر وهو ما لم يستجيب له قبطي واحد فضلا عن المؤتمرات التي عقدتها بعض الأحزاب السياسية لرفض مؤتمرات أقباط المهجر شهدت مشاركة ضعيفة للغاية من جانب النشطاء السياسيين والمواطنين للرد على افتراءات أقباط المهجر .(53/60)
وتأتي هذه الواقعة وسط تزايد ملحوظ لعدد هذه المنظمات التي يقارب عددها الـ 15 منظمة سواء كانت في أوروبا أو الولايات المتحدة الأمريكية أو استراليا وتنامي نشاطها عبر تنظيم المؤتمرات وتدشين مواقع الانترنت و المراكز الإعلامية الدولي لبث الافتراءات عن واقع الأقباط في مصر ومطالبة الحكومات الغربية لممارسة الضغوط على مصر بزعم إجبارها على حل مشاكل الأقباط .
وقد استطاعت هذه المنظمات إصدار تقارير من الإدارة الأمريكية تتضمن وجود اضطهاد للأقباط في مصر بما يؤدي إلى فرض عقوبات عليها من بينها التهديد بقطع المعونة الأمريكية أو توجيه الجزء الأكبر منها إلى تجمعات الأقباط . ولعل من أشهر هذه المنظمات هي منظمة أقباط الولايات المتحدة والتي أسسها المهندس مايكل منير في واشنطن والتي تزعم أن الأقباط في مصر يتعرضون يوميا لاعتداءات جسدية ونفسية موثقة وغير قابلة للإنكار وان هذه الاعتداءات مستمرة و ترتكب عمداً أو تحت غطاء الإنكار و الإهمال من الحكومة المصرية نفسها أو من بعض الأفراد المسلمين الجهلة و المضللين على حد وصف المنظمة .
وقد أسس منير موقعا على الانترنت ومركزا إعلامياً دولياً في الولايات المتحدة كما انه وثيق الصلة بلجنة الحريات بالكونجرس الأمريكي والذي شارك في العديد من جلسات الاستماع أمامها وتقديم تقارير تفيد باضطهاد الأقباط في مصر ومنها تقديمه تقرير عن الأحداث الطائفية في قرية بمها مركز العياط بمحافظة الجيزة - جنوب العاصمة - مؤخرا كما انه تقدم بمشروع قانون للكونجرس لمحاسبة مصر .(53/61)
القائمة تضم أيضا منظمة الأقباط متحدون والتي أسسها الملياردير المصري المهندس عدلي أبادير في سويسرا في شهر سبتمبر عام 2004 والذي قام بتنظيم ثلاث مؤتمرات كلها تزعم وقوع اضطهاد للأقباط في مصر فكان المؤتمر الأول في زيورخ في 25 سبتمبر عام 2004 والثاني في واشنطن في شهر نوفمبر 2005م الذي انعقد تحت شعار مسلمون ومسيحيون من اجل الديمقراطية وحقوق المواطنة في مصر .
وقد شارك في هذا المؤتمر الدكتور سعد الدين إبراهيم مدير مركز بن خلدون و الدكتور احمد صبحي منصور زعيم جماعة القرآنيين و الدكتور جهاد عودة رئيس قسم العلوم السياسية وعضو لجنة السياسيات وهو الأمر الذي شكل مفاجأة للكثيرين الذين اعتبروا مشاركة جهاد عودة يعد بداية اعتراف من الحزب الوطني بأقباط المهجر وقد وشهدت جلسات المؤتمر مناقشات ساخنة وحادة عن مشكلة أوضاع من أطلقوا عليهم الأقلية القبطية في مصر ووسائل حلها بينما عقد المؤتمر الثالث في مدينة زيورخ بسويسرا في شهر مارس من العام الحالي والذي حمل عنوان الأقليات في الشرق الأوسط . وتشير المعلومات إلى أن هناك صراعا بين كل من عدلي ابادير ومايكل منير على زعامة تنظيم أقباط المهجر، وبتوصية من ابادير، أسس المهندس كميل حليم التجمع القبطي الأمريكي في نوفمبر 2005 حيث ذكر حليم أن التجمع بدا بفكرة من ابادير بضرورة تنظيم الأقباط في أميركا بسبب نسبتهم العددية وما يمكن أن تحققه لصالح قبضتهم .(53/62)
ولعل هذا ما يفسر حالة التنسيق بين تجمع حليم ومنظمة ابادير والتي ظهرت جليا في المؤتمر الأخير الذي نظمه التجمع بالولايات المتحدة الأمريكية تحت عنوان "القضية القبطية.. معالجة جديدة للواقع و الآليات" في ولاية شيكاغو الأمريكية والذي غاب عنه مايكل منير رئيس منظمة أقباط الولايات المتحدة وشارك فيه أعضاء في الكونجرس الأمريكي وطالب بإلغاء خانة الديانة من البطاقة و زعم اضطهاد الحكومة للأقباط وتستر الأجهزة الأمنية على عمليات اختطاف الفتيات المسيحيات وإجبارهن على دخول الإسلام. ومن المنظمات الخطيرة أيضا منظمة مسيحيي الشرق الأوسط والتي يرأسها نادر فوزي ومقرها كندا وتعلن المنظمة أن هدفها الأساسي هو حصول مسيحي الشرق الأوسط على حقوقهم وقامت المنظمة بتنظيم مؤتمر المساواة بكندا في يوليو 2004 ثم إصدار كتاب "المضطهدون" باللغة العربية والإنجليزية وتعد هذه المنظمة تبشيرية بالأساس وتتلقى أموالا طائلة من المتربصين بمصر وبالإسلام.
وهو ما ظهر جليا خلال اعتقال اثنين من أعضائها وهما عادل فوزي رئيس فرع المنظمة في مصر وبيتر عزت مصور بموقع الأقباط بتهمة ازدراء الدين الإسلامي على موقع المنظمة على الانترنت والتي تزامنت مع تفجر قضية تنصير الشاب محمد حجازي
وقامت المنظمة أيضا بترجمة كتاب المضطهدون إلي اللغة العربية والذي يتكون من 230 صفحة تعرض المنظمة من خلاله مزاعم اضطهاد الأقباط بمصر خلال القرن الماضي وصورا مسيئة للإسلام والإساءة إلي النظام الرسمي في البلاد .
وكانت قبل ذلك قضية وفاء قسطنطين زوجة كاهن أبو المطامير ـ بمحافظة البحيرة ـ و التي شهرت إسلامها قد أظهرت دور المنظمة المشبوه والتي كانت تدغدغ مشاعر الشباب القبطي بمصر وتلهب حماسه بمطالبته بالاستمرار في المظاهرات والاعتصام داخل الكنائس حتى خضعت الدولة لإرادتهم وسلمت وفاء للكنيسة .(53/63)
وقد دفعت حملات الإساءة التي قادتها المنظمة اثنين من المحامين إلي تقديم بلاغ إلي النيابة العامة يطلبان فيه التحقيق في الإساءات والأكاذيب التي تبنتها المنظمة وتحديدا علي موقعها الالكتروني علي الانترنت وبدورها قامت النيابة بمنح إذن للمصنفات الفنية لمراقبة ومتابعة الموقع وكتابة تقرير مفصل حول ما يحتويه من إساءات للإسلام ورسوله وزوجاته ثم تم القبض على الشخصين المذكورين .
غير أن هناك منظمات قبطية خارجية لا تقل خطورة عن المنظمات السابقة وأبرزها الاتحاد القبطي الأمريكي والذي أسسه المحامي رفيق اسكندر والذي دعا قبل ذلك رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي ارئيل شارون للتدخل لحماية الأقباط في مصر الذين زعم أنهم يتعرضون للإبادة.
كما طالب في تقرير أرسله إلي وزارة الخارجية الأمريكية ولجنة الشئون الخارجية بالكونجرس بفرض عقوبات اقتصادية وسياسية علي مصر لتعرض الأقباط بها للاضطهاد وهو نفس ما تطالب به الجمعية الوطنية القبطية الأمريكية التي يترأسها المحامي موريس صادق .
وتضم القائمة السوداء أيضا منظمات منظمة الأقباط الأحرار ويرأسها جاكوب كيرياكي اندرو فانوس وتأسست في مارس 2006 و الهيئة القبطية الأوروبية ويرأسها ناجي عوض و الهيئة القبطية الاسترالية أسسها صموئيل فاهد و يرأسها حالياً سمير حبشي و منظمة أقباط متحدون انجلترا ويرأسها إبراهيم حبيب وتأسست في يناير 2006 وكلها منظمات تسعى لإشعال نار الفتنة بين المسلمين والأقباط وتدويل قضية الأقباط في مصر كأقلية مضطهدة .(53/64)
ويرى المراقبون أن الدور المشبوه الذي تلعبه تنظيمات أقباط المهجر يفرض على الجميع تحمل مسئولياته في التنبيه إلى هذا الخطر الداهم وفضح مزاعم وافتراءات تلك المنظمات في المحافل الدولية ، كما يضع أقباط الداخل على المحك لإبراء ساحتهم من المؤامرات الدنيئة التي يحيكها أعداء الوطن لبلدهم الراعي مصر . فبرغم عدم إنكار الدور الوطني على كثير من الرموز المسيحية في مصر والذين يأتي على رأسهم قداسة البابا شنودة الثالث ـ بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية ذات الأغلبية الكبيرة ـ إلا أن حالة الصمت المطبق التي غالبا ما تصاحب تلك المؤتمرات المشبوهة لأقباط المهجر وواقعة الانسحاب الأخيرة تثير حالة من الشكوك تستوجب الرد من الدوائر المسيحية المسئولة.
بوتين في إيران: جولة الشطرنج الساخنة
أمير طاهري - الشرق الأوسط 12/10/2007
من المتوقع أن يقوم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بزيارة إلى طهران الأسبوع المقبل، لما قد يكون آخر مهمة له قبل انتهاء رئاسته.
فلأكثر من ربع قرن، ظلت إيران تقوم بكل ما في وسعها لتحقيق زيارة من هذا النوع من دون نجاح. فميخائيل غورباتشوف وبوريس يلتسين رفضا الدعوة من ملالي إيران. وحتى الآن كان بوتين يتبع السياسة نفسها. وخلال الصيف الماضي حينما عقد ما سمي بقمة مجموعة شنغهاي رفض بوتين دعوة الرئيس الإيراني نجاد لإجراء اجتماع ثنائي بينهما. إذن ما الذي جعل بوتين يغير رأيه ويقرر الذهاب إلى طهران في هذا الوقت؟(53/65)
يمكن القول إن أحد الأسباب هو القلق المتصاعد في روسيا من أن تحدي أحمدي نجاد للأمم المتحدة، قد يؤول إلى حرب إقليمية. ويأمل بوتين أنه قد يكون قادرا على إقناع القيادة الخمينية كي تتراجع عن حافة السقوط. ويبدو كأن النجاح في طهران مثل باقة ورد أخيرة لثمانية أعوام رئاسية قضاها بوتين في الكرملين. وستعزز فرص نجاح حزب بوتين قبل أسابيع قليلة من الانتخابات الروسية العامة، وبعدها يخطط للحصول على رئاسة الوزارة.
ووفق الدستور الروسي فإن بوتين لا يستطيع أن يرشح لفترة رئاسية ثالثة، ولكن استراتيجيته هي المساعدة على أحد معاونيه إلى منصب الرئاسة ثم يصبح هو رئيسا للوزراء. ويمكن آنذاك للمعاون أن يستقيل كرئيس بعد فترة ستة أشهر على سبيل المثال مما يسمح لبوتين أن يسعى للحصول على المنصب الرئاسي مرة أخرى.
لذلك فإن تحقيق انقلاب دبلوماسي في طهران سيقوي من موقع روسيا عالميا في الشرق الأوسط، ليكون لشعار «روسيا صانعة سلام» مقابل «أميركا مشعلة الحروب» صدى واسعا في المنطقة وفي أوروبا بل حتى في أميركا، ليجد بوتين وروسيا نفسيهما فجأة عائدين إلى دوري الدرجة الممتازة.
وعلى الرغم من أنه قد تكون للحسابات السياسية المحلية دور في قرار الذهاب إلى طهران، فإنه من الخطأ اعتبارها الأسباب الوحيدة وراء هذه المبادرة المهمة. فقرار بوتين جاء، إذا كانت مصادرنا صحيحة، بعد مشاورات مع ثلاث قوى أساسية في الاتحاد الأوروبي: ألمانيا وبريطانيا وفرنسا. وفي حقيقة الأمر، أجرى الرئيس الفرنسي نيكولاس ساركوزي اجتماع قمة مع بوتين قبل أيام قليلة من إعلان الأخير عن قراره بزيارة طهران. وأخبرتنا مصادر فرنسية أن ساركوزي «كان متشجعا جدا» باستعداد بوتين للاقتراب أكثر من مواقف الاتحاد الأوروبي بما يخص إيران.…(53/66)
والسؤال: ما الذي يتعين على بوتين أن يبلغه لطهران؟ يجب عليه أولا أن يحررهم من وهم أن بوسعهم فعل ما يرغبون لأن أميركا، وهي القوة الوحيدة المستعدة لاستخدام القوة ضدهم، قد تكون عاجزة في أفغانستان والعراق. وعلى بوتين أن يلفت انتباههم لحقيقة أن قراري مجلس الأمن اللذين أقرا في ما يتعلق بالنشاطات النووية لإيران يمكن إلغاؤهما فقط بقرار آخر من مجلس الأمن، يشير إلى أن المر حل. ولا يمكن تجنب القضية.
والمطلب الأساسي لمجلس الأمن من طهران هو إيقاف برنامجها لتخصيب اليورانيوم كشرط مسبق لمفاوضات هادفة إلى التوصل إلى اتفاق شامل. ومن الناحية المنطقية فإن هذا لا ينبغي أن يكون صعبا على إيران القيام به.
فإيران ليست لديها مشاريع طاقة نووية، وبالتالي فإنها لا تحتاج إلى تخصيب اليورانيوم لاستخدامه كوقود. ومشروع الطاقة النووية الإيراني الوحيد قيد الإنشاء يشيد من جانب الروس الذين قرروا إيقاف إكماله حتى يجري حل النزاع مع الأمم المتحدة. وفي كل الأحوال فإن روسيا مستعدة لتزويد المشروع المذكور بكل ما يحتاجه من وقود لفترة حياته البالغة 37 عاما.
ويرتاب بعض الخبراء الغربيين في أن الزعماء الخمينيين يسعون إلى اليورانيوم المخصب، لأنهم يريدون إنتاج أسلحة نووية.
وبينما قد يكون هذا صحيحا فقد يكون هناك عامل آخر في الموضوع. فقد أعلن الرئيس احمدي نجاد مرارا وتكرارا أن إدارته لن توافق على التخلي عن برنامج التخصيب في ظل أية ظروف. وأكد أن «هذا خط أحمر لن نتجاوزه.
والحقيقة أن الموافقة على الإيقاف أو حتى إلغاء برنامج التخصيب، يمكن أن يرقى إلى انتحار سياسي بالنسبة لأحمدي نجاد، بينما يستعد تحالف من المتشددين لانتخابات عامة صعبة في مارس المقبل. ويمكن لانتكاسة في انتخابات مارس، أن تؤدي إلى تدمير آمال أحمدي نجاد في إعادة انتخابه عام 2009.(53/67)
وهكذا فإن انتصار بوتين الدبلوماسي، قد يعتمد على خضوع احمدي نجاد. وفي الوقت نفسه، فإنه إذا ما عاد بوتين إلى موسكو خالي الوفاض فإنه قد يبدو ضئيل القيمة في اقل تقدير.
هل يمكن إيجاد مخرج مما يبدو شبيها بمأزق دبلوماسي؟
أعتقد أن هذا ممكن ... يجب أن يصر بوتين في طهران على التفاوض بصورة مباشرة مع «المرشد الأعلى» علي خامنئي. ويعتقد بعض الخبراء أن خامنئي أصبح سجين لدى ثوريين شباب أكثر تطرفا في الحرس الثوري الإيراني، ولم يعد بوسعه تحديد الأشياء وفق ما يريد. وفيما أصبحت عملية الصعود المتواصل للحرس الثوري حقيقة وواقع، اعتقد أن خامنئي لا يزال يتمتع بقوة تمكنه من ترجيح الكفة لصالح هذه السياسة أو تلك. أي تسوية يصادق عليها علي خامنئي، ستوفر غطاء لأحمدي نجاد وزملائه المتشددين، الأمر الذي يجعل التوصل إلى اتفاق سهل التحقيق في نهاية الأمر.
الأزمة التي أثارها قرار أحمدي نجاد باستئناف تخصيب اليورانيوم الذي أوقفه سلفه محمد خاتمي، لا يمكن حلها بهذه العجلة. فزيارة بوتين ربما تكون بداية لسلسلة من الزيارات التي من المحتمل أن تفضي إلى حل في نهاية الأمر.
التسوية التي من المحتمل أن يطرحها بوتين من المحتمل أن تتضمن عدة عناصر رئيسية أهمها أن موافقة طهران على تعليق عمليات تخصيب اليورانيوم لفترة محددة تجرى خلالها محادثات مع الجهات المعنية في الأمم المتحدة بغرض التوصل إلى اتفاق بشأن إلغاء القرارين وتحديد جدول زمني لرفع العقوبات المفروضة أصلا.(53/68)
ولإرضاء طهران، بوسع موسكو إقامة برنامج مشترك لتخصيب اليورانيوم يعمل فيه علماء إيرانيون إلى جانب زملائهم الروس في كل من إيران وروسيا تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية. مثل هذا الإجراء سيلبي رغبة طهران في تطوير قدرة علمية ونووية فنية محلية على أساس استخدام مصادر اليورانيوم الخاصة بإيران. (وهي مصادر تقدر بأنها ستكفي لفترة سبع سنوات من الوقود لمعمل الطاقة الذي تعكف إيران على بنائه بخبرات روسية على الساحل الإيراني للخليج . هذه الأزمة التي أشعلتها طموحات طهران النووية لا تزال قابلة للحل. زيارة بوتين ربما تمثل آخر فرصة لذلك على نحو يتماشى مع مخاوف المجتمع الدولي ويحفظ لقيادة خامنئي ماء وجهها.
من المؤكد أن مشاكل الكثير من الدول، خصوصا الدول الغربية الرئيسية، مع النظام الخميني في طهران لا تقتصر فقط على طموحاتها النووية، فيما باتت القضية النووية الآن تدفع بإيران إلى حافة الحرب. وبقبوله مهمة محفوفة بالمخاطر يكون بوتين، الذي كثيرا ما يصفه أعداؤه السياسيين بأنه انتهازي، أبدى درجة من الشجاعة الأخلاقية التي تستحق الإشادة.
نجاح بوتين ربما ينزع فتيل الأزمة في الوقت الراهن على الأقل. أما فشله، فمن المحتمل أن يؤكد وجهة نظر الذين يعتقدون أن النظام الخميني لن يتراجع عن أي من مواقفه الرئيسية، إلا إذا اجبر على ذلك.
خضوع أم استسلام للمطالب المغيبة ..
حضور الزي العربي في قلب طهران، ومخاوف إيرانية من ورقة القوميات
أحمد الدليمي
المجلة 7/10/2007 ( بتصرف )
إن حكومة نجاد وجدت نفسها تستسلم أمام المطالب العربية، وأن توقف الانتهاكات؛ لأن العصر الحالي هو احترام الإثنيات والقوميات، وإذا كان الاستعراض العسكري الإيراني قد أفرد مساحة للقيم العربية الأصيلة فإن الرئيس نجاد وجد نفسه مرتديا الجلباب العربي وهو يزور خوزستان للمرة الأولى.(53/69)
فاجأت إيران العالم وإقليم خوزستان العربي الإيراني عندما سمحت لكتائب من البسيج والحرس وهم يرتدون الزي العربي (الدشداشة والعقال والعباءة) للمشاركة في الاستعراض العسكري الذي أقيم مؤخرا في طهران قرب مرقد الخميني بمناسبة ذكرى حرب الثماني سنوات، وموضع الاستغراب العالمي والخوزستاني ينطلق من حقيقة أن النظام الإيراني ومنذ تأسيس الثورة عام 1980 تعامل بحذر واستهزاء على حد سواء من اللباس العربي الخوزستاني، وهي الطريقة التي ورثها عن الشاه المخلوع الذي كان يعاقب كل مواطن عربي أحوازي يأتي إلى العاصمة طهران باللباس العربي (العقال و الدشداشة والعباءة) لأنه كان يعتبر لبس الزي العربي هو لبس للتخلف والرجعية، وقد سارت الثورة التي أطاحت بالشاه عام 1979 على المنوال نفسه إلا أنها خففت من درجات الضغط بعد الأحداث الدموية التي شهدتها الأحواز، حيث خرج الآلاف من عرب الأحواز في منتصف إبريل / نيسان 2005 في مظاهرات يطالبون فيها بالمساواة وتحسين أحوالهم المعيشية رغم وجود منابع النفط في مناطقهم، ويطالبون بحريات ثقافية ووقف ما يسمى بفرسنة الشعب العربي هناك، غير أن تلك المظاهرات تم إخمادها بالقوة وقتل فيها عدد من المتظاهرين وتم القبض على عشرات آخرين منهم.
وما يزال إقليم خوزستان بشهد عمليات تفجير متعددة تتهم طهران القوات البريطانية المستقرة في جنوبي العراق بتدبيرها ودعم المجموعات العربية الإيرانية المعارضة. ومن جهتها تبين التنظيمات الأحوازية المعارضة لنظام إيران بأن هذا الإقليم ضم عام 1925 قسرا إلى إيران، وأنها تسعى في سبيل استقلاله ، و تعاني هذه الأقليات التي تقطن الحدود في معظم الحالات من الفروق الواضحة من حيث مستوى المعيشة والتعليم وفرص التعليم والعمل والرعاية الصحية والاجتماعية إضافة إلى شعورهم بأنهم مواطنون من درجة ثانية أو ثالثة أحيانا.(53/70)
ويبدو أن النظام السياسي في إيران قد أفاق على حقيقة الثقل الذي يمثله العرب في خوزستان، كما أن العمليات الدامية التي يشهدها الإقليم والتي لا يسلط عليها الإعلام كل جهده بسبب مشاغله في العراق.
أقول: أفاقت الحكومة الإيرانية على تلك الحقائق وابتكرت أساليب الهدف منها ترويض عرب خوزستان واحتواؤهم من خلال التراخي في الضغوط على العادات العربية و الزي العربي المعروف، فنجحت في زج عدد من العرب في البسيج والطلب منهم أن يرتدوا اللباس العربي إرضاء للداخل ورسالة للخارج مفادها أن طهران تحترم العرب ولذلك فهي منحتهم كامل الحرية في إظهار أنفسهم بلباسهم وتقاليدهم أمام سفراء الدول الخارجية.
يقول الكاتب الأحوازي سلمان نوري الزبيدي (باحث في الشؤون الإيرانية): إن إيران تعاملت طوال الثمانية عقود الماضية من تاريخها الحديث مع ملف الشعوب غير الفارسية بشكل عام والشعب العربي الأحوازي بشكل خاص من منظار أمني بحت، وهو إفراز لطبيعة تكوينها وطبيعة البنى الأساسية المكونة للنظام السياسي الإيراني، حيث نلاحظ أن هذا الخطاب الأمني والسياسي الإقصائي أفرز ودفع بلاعبين عسكريين وأمنيين لتسيير شؤون الدولة وللتعاون مع الملفات الأكثر إلحاحا كقضية الشعوب في إيران.
وهم كذلك من يحتكر السلطة والثروة والإعلام وكل ما يمت بالحياة اليومية للشعب الإيراني والشعب العربي الأحوازي بصلة. وهذا ما يفسر شدة وشراسة تعامل هذه الأطراف العنصرية مع العرب سواء على مستوى صانع القرار في طهران أو في الإقليم، كما تزداد حدة التعامل خاصة لو أخذنا طبيعة الظرف السياسي والمأزق الذي تعاني منه القيادة الإيرانية، وكذلك أهمية الأحواز من حيث الموارد الاقتصادية والجغرافية السياسية في المنطقة.(53/71)
والحكومة الحالية التي تمسك بمفاصل السلطة في إيران هي التجسيد الأبرز لإفرازات طبيعة الخطاب السياسي لهذه القومية وهذا التوجه والتي تسمى (القومية الفارسية)، حيث يجتمع فيها التزمت والغلو الطائفي الصفوي وكذلك العنصرية الفارسية بأوضح صورها وتجلياتها الممكنة. وحول السماح للعرب بارتداء الزي العربي في الاستعراض العسكري الأخير.
قال الزبيدي: (إنني أشك في هذا الموضوع ولا أعتقد أن هؤلاء عرب بل هم فرس والدليل أنهم لم يرتدوا العقال العربي بشكل صحيح؛ لو كانوا يؤمنون بهذا الأمر لسمحوا لطلبتنا أن يدرسوا اللغة العربية وأن يسمحوا لنا أن نسمي أطفالنا بأسماء عربية ليست مفروضة علينا).
وأضاف: (إنني أعتقد أن هذا التراخي جاء بسبب الضغوط الخارجية خاصة تداعيات العملية المذهبية في العراق، فإيران مرشحة للتفجير، لكنها تحاول أن تستفيد من الدرس العراقي بطرق ذكية خبيثة) ويرى الكاتب الأحوازي محمد حسين الأحوازي: (إن مسرحية الظهور باللباس العربي إنما هي نوع من عمليات ذر التراب في وجه الآخرين. وقال: إن الإيرانيين وطوال الفترات السابقة من عمر دولتهم الحديثة تعاملوا مع ملف الأحواز بهاجس أمني مفرط وبقسوة منقطعة النظير والمحرك الأساس في كل ذلك هو النظرة الأمنية الضيقة والحقد التاريخي الدفين ضد عروبة الأحواز). مضيفا (إن الأسلوب الوحيد والقاسم المشترك لكل الحكومات المتعاقبة في إيران لتحديد الأسباب للتناقضات القومية كالملف الأحوازي هو تصدير الأزمة إلى خارج الحدود وربط كل تلك التناقضات والتفاعلات السياسية بالجهات الأجنبية).(53/72)
وأكد محمد حسين الأحوازي: (إن السماح بارتداء الدشداشة العربية هو نوع من التناقض لأن الدوائر الرسمية في الأحواز لا تسمح للموظفين حتى كبار السن بارتداء الدشداشة؛ كما أن مسؤولي السلطة لا يريدون لفتياتهم أن يرتدين الحجاب العربي ويؤكدون على اللباس الإيراني في موضوع الحجاب لدوام الرسمي. وقد توارثت الحكومة الحالية من الحكومات السابقة الاستهزاء والازدراء للعربي وإرثه الثقافي والحضاري، ويطلقون على العربي كلمات مثل الجاهل والمتخلف والأحمق) وأشار إلى المجازر التي ارتكبتها الحكومة ضد الأحوازيين بقوله: (إن أقوى تلك المجازر هي تلك المجزرة في الأربعاء الأسود على يد الأميرال أحمد مدني وقوات الحرس الثوري).
واستمرت تلك المجازر الوحشية ضد الأحوازيين من خلال المحاكمات الصورية والإعدام بالجملة على يد أحمد جنتي رئيس محاكم الإقليم في تلك الفترة وكذلك خلخالي وعلي فلاحيان رئيس محكمة الثورة في المحمرة وعبادان وزركر ومصطفى بور محمدي، حيث أصدروا حكم الإعدام في حق العشرات وتم تنفيذ الحكم رميا بالرصاص). وأضاف (وأما المجزرة الثانية فكانت عام 1988م بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية والتي سميت بخطه تنظيف السجون راح ضحيتها المئات من الأحوازيين الذين كانوا سبق وأن صدرت بحقهم أحكام السجن).
ويعتقد بعض المحللين الإيرانيين بأن طهران وبعد احتلال العراق وأفغانستان باتت في وضع لا تحسد عليه فأمريكا قد حاصرتها بأوراق كثيرة ومنها الورقة الطائفية، ولذلك انتبهت إيران إلى هذه الحقيقة وراحت تعمل على تفتيت تلك الورقة من خلال إيجاد الوسائل المقاومة، كما أنها عملت لإيقاف تداعيات ما يجري في العراق وخاصة ما يتعلق بالحرب الطائفية.(53/73)
ويقول المحقق الإيراني نور الدين أبو الخير رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط في إيران: (إن واشنطن لا تسعى علنا لاستخدام الورقة العرقية نظرا لحساسية الموضوع لدى الطيف الأكبر للمعارضة الإيرانية التي لا تختلف في تعاملها مع الأقليات العرقية عن الحكومة المركزية في طهران، وأضاف: (لكن هذا الأمر لا يعني واشنطن ولندن تسقطان الورقة العرقية من حساباتها في التعامل مع الملف الإيراني، ويبدو أن لندن هي تتعامل مع هذا الملف الحساس عبر تنشيط المجموعات العرقية التي تتمتع بدوافع قوية للقيام بعمليات عسكرية داخل إيران.
ويرتبط تفاقم الأزمة العرقية في إيران ارتباطا وثيقا بكيفية تعامل طهران مع الملف العرقي داخليا ومدى جهود كل من واشنطن ولندن في توظيف هذه الورقة ضد حكومة إيران). وأضاف الدكتور نور الدين: (إن الحكومة الإيرانية لجأت إلى سياسة احتواء مزدوجة بحيث تسعى للتعامل مع الأقليات العرقية بشكل مباشر بعيدا عن قياداتها السياسية وتنظيماتها التي تتحرك من الخارج وتخوينها في الداخل. ومن جهة أخرى تشعر طهران أن القوى الإقليمية مثل باكستان وتركيا لا ترحب بأي دعم أميركي للبلوش والأكراد من شأنه تقوية النزعات العرقية في الدولتين).(53/74)
في الحقيقة أن ما ظهر في الاستعراض العسكري الإيراني هو أمر ترتاح إليه واشنطن وطهران معا لأن أمريكا تريد من الحكومة الإيرانية أن تعطي الحقوق الكاملة لتلك الأقليات ومهما يكن من سجال سياسي بين الطرفين إلا أن تلك الخطوات تعتبرها واشنطن إنجازا لها لأن طهران كانت في السابق تكتم أفواه الأقليات غير الفارسية وتقمع أي كلمات مضادة للأجندة الفارسية؛ في مقابل ذلك فإن طهران تبدو هذه الأيام قلقة ومنزعجة من سيناريو انفصال إقليم خوزستان (احواز) ذي الأكثرية العربية والذي يحتوي على مصادر النفط الأساسية في إيران، وتخاف من سيطرة الولايات المتحدة وبريطانيا على هذه المنطقة الاستراتيجية المهمة كأسوأ سيناريو يمكن أن يتحقق.
والحقيقة أن المخاوف الإيرانية ازدادت بعد وصول تقارير مفادها أن واشنطن تريد بناء قاعدة كبرى قرب الحدود مع إيران، إضافة إلى أن مخاوف إيران بدت تزداد أكثر بعد ورود تقارير استخباراتية مفادها أن القوات البريطانية تسعى لبناء قواعد ثابتة لها جنوب العراق، وتخشى طهران من التقارير الاستخباراتية التي تؤكد على نشاط استخباراتي بريطاني ويشمل هذا دائرة المخابرات السرية (M16) و GCIIQ (ذراع المراقبة الإلكتروني للمخابرات البريطانية) وجهاز الأمن الداخلي البريطاني (الاستخبارات البريطانية الداخلية) (M15) وفرع شرطة المدينة الخاص، وهذا الحضور الاستخباراتي المكثف، كان سببا في قلق الإيرانيين إزاء التطورات على الحدود الجنوبية في مقابل ذلك تركزت نقطة الخلاف الأخرى حتى الآن، في التصميم البريطاني لإحباط التأثير الإيراني في جنوب العراق، ففي الوقت الذي انشغل فيه الأمريكان بمواجهة المقاومة السنية، اكتشفت بريطانيا وتتبعت عمليات المخابرات الإيرانية والنشاطات.(53/75)
وتستند هذه المخاوف إلى جملة حقائق ووقائع، حيث إن كل الوكالات السرية المدنية والعسكرية البريطانية لها حضور في الأخرى في الجنوب العراقي، وكثير من عراقيي الجنوب محتارون من تصرف البريطانيين الذين ضغطوا بقوة لوقف الاتصالات مع الإيرانيين وأخضعوا بعض العراقيين لتحقيقات مطولة حول علاقتهم بالمخابرات الإيرانية، ويعتقد النائب الإصلاحي علي بور حسيني أن الوجود العسكري البريطاني في جنوب العراق يثير هواجس ومخاوف كثيرة. إذ يخشى الإيرانيون أن يقلد البريطانيون (وهم الحكام الفعليون في جنوب العراق) سلوك النظام العراقي ويشنون حملة استخبارات شاملة ويديرون العمليات في محافظة خوزستان الإيرانية الغية بالنفط. ولهذا عابت بعض الدوائر في الحكومة الإيرانية ومجموعات الضغط، والتفجيرات التي هزت خوزستان خلال الربيع الماضي.
في حين يري بعض المراقبين أن الإيرانيين لم يقدموا أي دليل ثابت يشير إلى التدخل البريطاني، وعلاوة على ذلك من الصعب، في نظرهم إيجاد تفسير لماذا البريطانيون يريدون زعزعة خوزستان، طالما أن عدم الاستقرار في هذه المحافظة يمكن أن يؤثر سلبا على الأوضاع في الجنوب العراقي؟ وحول أهداف إيران من خلال إبراز اللباس العربي وغيره من الألبسة القومية في الاستعراض العسكري الأخير قال حسيني: كما تعلمون فإن الاستعراض احتوى على أسلحة وعلى ألبسة لأن إيران تعاني من ضغوطات طائفية لا تقل حدة عن المؤامرات والتهديدات الخارجية الأخرى.(53/76)
وقال: (في خارطتنا العرقية يعتبر الفرس والأذريون والجيلاك والأكراد والعرب والبلوش والتركمان من أهم هذه العرقيات التي تشكل "الموزاييك" العرقي في إيران، وبحسب المصادر الرسمية يشكل الفرس 15% من السكان البالغ عددهم قرابة 70 مليون نسمة، في حين يشكل الأذريون24% والجيلاك المازندارنيون8% والأكراد 7% والعرب 3% واللور والبلوش والتركمان 2% لكل منهم وبقية العرقيات 1% من السكان) وأضاف: (وكما تعرفون فإن الفرس لهم الغلبة ويتميز المشهد القومي الإيراني بتداخل ما بين المذهبية والقومية، كما أن امتداداتها الجغرافية الإقليمية تضيف إليه بعدا إقليميا مما يجعل الأمر غاية في التعقيد). وبنظرة سريعة على الخريطة العرقية في المنطقة المحيطة نجد أن هذه العرقيات لها امتداداتها في الخارج، فالعرب يمتدون إلى العراق ودول الخليج في الجنوب، والبلوش لهم امتدادهم في إقليم بلوشستان في باكستان وأفغانستان، أما التركمان فيجاورون أذربيجان، والأكراد جزء من الحلم الكردي الكبير في تركيا وكردستان العراق.
وأخيرا فالدشداشة العربية وجدت لها هامشا لكي تتنفس الصعداء، ومهما قيل فإن التطورات الدولية والإقليمية أجبرت الإيرانيين على التعاطي الإيجابي مع الأقليات والقوميات، ولأن العرب لهم الحصة الكبرى في إيران فإن حكومة نجاد وجدت نفسها تستسلم أمام المطالب العربية. وأن توقف الانتهاكات، لأن العصر الحالي هو احترام الاثنيات والقوميات، وإذا كان الاستعراض العسكري الإيراني قد أفرد مساحة للقيم العربية الأصيلة فإن الرئيس نجاد وجد نفسه مرتديا الجلباب العربي وهو يزور خوزستان للمرة الأولى.
خطة الملالي لضم اليمن إلى المحور الإيراني
الوطن العربي 26/9/2007
توقع تقرير أعده جهاز غربي تزايد العمليات الإرهابية في اليمن، كما توقع استهداف شخصيات سياسية وعسكرية و استخباراتية في عمليات اغتيال تستبق أعمال عنف وتوجيه ضربات إلى أهداف مدنية.(53/77)
وقد بنى هذا التقرير توقعاته على معلومات داخلية تشير إلى أن إيران أصبحت اللاعب الأساسي في اليمن، وأن قادة من قوات القدس الإيرانية، وهي جهاز العمليات الخارجية للحرس الثوري الإيراني يترددون بانتظام على مناطق يمنية وبطريقة سرية، من ضمن خطة تستهدف في النهاية تحويل اليمن إلى شريك في المحور الإيراني.
التقرير الذي أعده الجهاز الغربي يلاحظ أن اليمن يمر حاليا بمرحلة أخطر من مرحلة حرب الوحدة في عام 1974، ويقول إن هناك من يحرض الجنوب الغاضب على تأكيد هويته واستقلاله، ويقول إنه طوال السنوات الماضية كانت الأمور تسير بشكل سلبي في الجنوب، وفي الأشهر الماضية تطور الغضب الجنوبي على شكل اعتصامات سلمية للمتقاعدين، إلا أن الاعتصامات تطورت من المطالبات الاجتماعية إلى المطالبة السياسية بالاستقلال، وتحول محتجوا الجنوب إلى دعاة استقلال عن الهيمنة الشمالية السلطوية.
ويضيف التقرير أن الاضطرابات الجنوبية فاجأت نظام الرئيس علي عبد الله صالح وهو في ذروة انغماسه في أحداث صعدة، والحرب مع الحوثيين، هذه الحرب التي فتحت الأعين على التدخلات الإيرانية في اليمن.
مخطط إيران لليمن
ونقل التقرير عن نتيجة توصلت إليها أجهزة المخابرات اليمنية نفسها وتقول إن التحرك الأخير لأنصار الحوثي ليس غريباً عن مخطط إيران لمد نفوذها إلى اليمن، وهناك معلومات أكيدة بأن إيران تمد تنظيم الحوثي المعارض بالأسلحة والأموال، وأنها كانت وراء دفعه مرة أخرى لشن عمليات عنف وقتل وتخريب ضد سلطات حكومة اليمن. انطلاقاً من مدينة صعد، الأمر الذي أدى إلى دفع القوات اليمنية للقضاء على عناصر تنظيم الحوثي وأنصاره في هذه المناطق.(53/78)
فقد وزعت في اليمن خلال الاضطرابات التي وقعت في بداية عام 2007 منشورات تدعو المواطنين إلى قتال من يعتدى عليهم سواء كانت الحكومة أو المشايخ أو غيرهم، وتستدل المنشورات التي وزعت في مناطق ضحيان والصفراء ومناطق أخرى شهدت مواجهات حامية مع قوات الحكومة بأحاديث تدعو الناس لقتال من يقاتلهم.
وتذكر المنشورات التي ذيلت باسم حسين بدر الدين الحوثي، وعبد الله عيضة الرزامي إلى أن أي نظام يدعو للتعاون مع الولايات المتحدة أو إسرائيل، فهو أسوأ على الأمة من المتأمرين من اليهود، وكان الحوثيون قد تجمعوا في بداية هذه العام في منطقة النقعة على بعد 60كم من محافظة صعدة، وتقول مصادر رسمية في حكومة صنعاء إنهم يشترون الأسلحة والذخائر من الأسواق بأموال جاءتهم من طهران، وإنهم يستهدفون الانقلاب على النظام الجمهوري الذي قام منذ 44 عاماً، وإعادة حكم الإمامة الزيدية إلى اليمن، بحجة أن النظام القائم حاليا غير شرعي منذ استولى على الحكم العام 1962 وأطاح بحكم الإمام.(53/79)
وتحدث التقرير عن معلومات خطيرة تشير إلى وجود مخططات سياسية منظمة من قبل إيران تعمل على توطين عراقيين من أصل فارسي في اليمن، وأن هذه المخططات يتم تنفيذها بالتعاون مع شركات وشخصيات عراقية وإيرانية تجارية ودبلوماسية، تحاول من خلالها توظيف أكبر عدد ممكن من الإيرانيين في اليمن، وتبدأ تلك المخططات من نقطة استخدام أشخاص عراقيين وإيجاد عمل لهم في البلاد بفتح محلات وورش مختلفة لهم، ثم الحصول لهم بعد ذلك على حق الإقامة واللجوء من وزارة الخارجية اليمنية، وهؤلاء الأشخاص يحملون جنسية عراقية فعلاً ولكنهم من أصول فارسية إيرانية ويتبعون المذهب الشيعي، مستغلين ظرف الاحتلال الذي يعاني منه العراق وحملات التهجير التي تنفذها ميليشيات وفرق الموت الشيعية التابعة لإيران ضد المواطنين العرب السنة، ثم ينتهي الأمر بتزويجهم بنساء يمنيات من أسر فقيرة محدودة الدخل، وتزويج عراقيات من رجال يمنيين، وبذلك يمكن أن يحصلوا على الجنسية اليمنية، وقد سبق أن جرى تنفيذ هذه المخططات الإيرانية في السودان والجزائر.
تسليح ومعسكرات تدريبية(53/80)
ويمضي التقرير الذي أعده الجهاز الغربي إلى مزيد من التفاصيل ويقول: إن نظام الملالي يطبق في هذه المرحلة نموذجه التقليدي في اليمن، ولم تتوقف مساعداته اللوجيستية إلى الحوثيين وكذلك إلى قبائل أخرى في اليمن الجنوبي قد تنضم إلى صوت موحد على غرار "حزب الله" اللبناني، حيث إن إيران تدرك أن النظام الاشتراكي السابق في اليمن الجنوبي لم يستطع القضاء على القبلية بل دمجها في نظامه الأيديولوجي، وبعد سقوطه عاد الصوت القبلي إلى سابق عهده، وهو صوت ناقم على تسلط اليمن الشمالي، ولذلك من السهل تأطيره ضمن المشروع الإيراني لليمن. ويوضح التقرير أن هناك عمليات تهريب منتظمة من الصومال إلى اليمن، تتضمن شحنات أسلحة وأموال جمعت من الشبكات الإفريقية لـ "حزب الله" ومن رجال أعمال لبنانيين، وتستهدف المرحلة الأولى من المخطط الإيراني، استخدام الأسلحة والأموال، لخلق خلافات مذهبية ودينية في اليمن وفق النموذج الإيراني، وتهريب مخدرات إلى اليمن لخلق فوضى اجتماعية.
ويكشف التقرير أنه تحقيقاً لأهداف الخطة الإيرانية، فإن قوات القدس جهزت معسكرات تدريب للميليشيات اليمنية في ضواحي طهران وقم وجزيرة خرج، حيث تتولى قوات القدس ومدربون محترفون تدريب شبان يمنيين من الشمال والجنوب على حرب العصابات وأعمال التخريب وإعداد المتفجرات وتنفيذ عمليات اغتيال، كما يجري انتقاء المميزين منهم للقيام بعمليات سرية في الدول العربية والإسلامية.(53/81)
إضافة إلى ذلك، يقول التقرير، إن شيوخ قبائل معينة في الشمال والجنوب تلقت أموالاً طائلة في إطار هذه الخطة الإيرانية إضافة إلى تقديم مواد إعانة للأقليات اليمنية. وتساهم اللجنة الوطنية الإيرانية للحوار الديني ومؤسسة أهل البيت الإيرانيتان بدور مكمل للدور العسكري الذي تقوم به قوات القدس، فهاتان المؤسستان الإيرانيتان متواجدتان بقوة في اليمن، وتقومان بدور خطير في المناطق اليمنية الفقيرة وتقدمان مساعدات نقدية وقروضاً حسنة وتوفران منحاً دراسية لكسب ود اليمنيين.
كما أن الأطباء الإيرانيين الذين يوفرون العلاج المجاني في المناطق الشمالية الجبلية، إنما هم عملاء للنظام الإيراني مهمتهم مزدوجة، جمع المعلومات عن المزاج الشعبي واليمني واكتساب تعاطف اليمنيين، وذلك بالتزامن مع دعم إعلامي للأطراف التي تساندها إيران في اليمن عبر محطتي "العالم" والكوثر" التلفزيونيتين الإيرانيتين، ولذلك يتوقع التقرير أن يؤدي التدخل الإيراني القوي والسافر في اليمن إلى حرب أهلية تتداخل فيها الولاءات القبلية مع الخلافات المذهبية. بحيث يصل الأمر إلى نهاية الدولة اليمنية الحالية، وانضمام اليمن إلى المحور الإيراني، الأمر الذي يمنح إيران موقعا استراتيجياً خطيراً على مدخل البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن، بالإضافة إلى حدود مميزة مع الجوار الخليجي.
رسالة من الأهواز
[رداً على ما كتبه الأصولي الشوفيني المدعو حجة الإسلام والمسلمين جهانجير محمودي والمنشور على موقع بازتاب العنصري]
بقلم : رضا وشاحي
(ترجمها إلى العربية: جابر أحمد)(53/82)
يحاول هذا اللوبي وبدعم حكومي إلى الهيمنة على سلم الوظائف الحكومية في إقليم الأهواز وجعلها حكرا على الوافدين وخاصة اللور والبختياريين ومنع السكان الأصليين من العرب من تبوءها أو الاقتراب منها ، كما أن الهدف الحكومي من وراء إسناد هذا اللوبي ودعم توجهاته المشبعة بالعنصرية هو دق إسفين الخلافات والنزاعات بين القوميتين اللرية والبختيارية من جهة والشعب العربي الأهوازي من جهة ثانية.
نشر موقع بازتاب المقرب من المحافل الأمنية الإيرانية والذي يديره محسن رضائي القائد العام للحرس الثوري الإيراني الأسبق مقالا مليء بالكذب والافتراء على الشعب العربي الأهوازي و نشطائه مدافعا فيه عن نظرية شمولية تدعو إلى الانصهار بالقومية الفارسية التوسعية الـ " بان ايرانيسم " حيث لم يكتف بدعوة الإيرانيين إلى التمسك بها فحسب وإنما دعا العالم كله إلى ذلك ، مبررا أفكاره العنصرية بأنها تستند إلى النصوص الدينية والعلم وأنها منسجمة تماما مع ما يطرحه مرشد الثورة الإيرانية على خامنئي.
خلفيات المدعو محمودي:
ينتسب الملا محمود جهانجيري سياسيا إلى لوبي أصولي عنصري توسعي يعمل تحت لواء أيدولوجية القومية الفارسية المتطرفة في إقليم الأهواز ويطلقون على أنفسهم اسم "بان ايرانيسم" وهو يقيم في مدينة الأهواز التي يروج بشأنها أنها تعود ملكيتها إلى الشعب اللوري.…
يسعى جهانجير وزمرته إلى استغلال الظلم الذي لحق بالشعب العربي الأهوازي على يد الأنظمة المتعاقبة على دفة الحكم في إيران لتنفيذ مخطط يرمي إلى النيل من العرب ومن وجودهم التاريخي على أراضيهم ،ويدير هذا اللوبي القائد الأسبق للحرس الثوري الإيراني محسن رضائي كما يعتبر حميد زنكنه عضو مجلس الشورى الحالي وممبيني العضو في مجلس بلدية الأهواز من الأعضاء الأساسين فيه.(53/83)
يحاول هذا اللوبي وبدعم حكومي إلى الهيمنة على سلم الوظائف الحكومية في إقليم الأهواز وجعلها حكرا على الوافدين وخاصة اللور والبختياريين ومنع السكان الأصليين من العرب من تبوءها أو الاقتراب منها ، كما أن الهدف الحكومي من وراء إسناد هذا اللوبي ودعم توجهاته المشبعة بالعنصرية هو دق إسفين الخلافات والنزاعات بين القوميتين اللرية والبختيارية من جهة والشعب العربي الأهوازي من جهة ثانية في حين أن كل الدلائل التاريخية ما عدا بعض الإسثناءات تشير إلى أن علاقة الشعب العربي الأهوازي باللور والبختياريين إبان فترة حكم الشيخ خزعل كانت على أحسن ما يكون وأن جميع المتتبعين لمثل هذه القضايا على علم تام بذلك .
وبالإضافة إلى ما ورد يعتبر هذا "الملا " عضوا بارزا في حزب بان ايرانيسم الأصولي القومي الفارسي المعادي للعرب والإسلام وان كتاباته المستمرة منذ عدة سنوات في موقع هذا الحزب "منبر الحرية " ( تريبون ازادي ) والتنظير لأفكاره وترويجها خير دليل على ما نقول، ورغم الأطروحات العنصرية التي يطلقها هذا الحزب إلا أنه يعمل في إقليم الأهواز على مرأى ومسمع أجهزة النظام الإيراني، التي دعمته وأسندته لكونه قد كرس جل نشاطه ضد مثقفي الشعب العربي ورصد تحركاتهم حيث أصبح جزءاً من الجهاز الأمني والإستخبارتى لمواجهة شعبنا الذي ما برح يؤلب السلطة عليه آناء الليل وأطراف النهار .
قام جهانجير هذا برفع تقارير موسعة ضد نشطاء المجتمع المدني الأهوازي ولعل أخر ما قام به من أعمال عدائية هي رسائله الموجهة إلى وزير الاستخبارات الإيراني ضد الكاتب والمؤرخ الأهوازي المعروف موسى سيادت وافتراءاته المستمرة ضد الشخصيات العربية الأهوازية و المرشحين العرب إلى مجلس الشورى الإسلامي ، والترويج إلى الثقافة المعادية للعرب عبر نشر بيانات مزورة باسم الشخصيات والمجموعات العربية وتوزيعها في الإقليم حيث لا يمكن القيام بهذه الأعمال لولا الدعم الحكومي.(53/84)
يريد الملا محمودي في واقع الحال مرة أخرى إحياء أفكار القومية الفارسية ولكن في بوتقة إسلامية ، مع العلم أن سياسة الحكومة الإيرانية تجاه القوميات سواء في عهد الشاه أو نظام الجمهورية لم يجر عليها أي تغير وظلت مستمرة مثل ما كانت سائدة من قبل حيث أن سياسة الجمهورية الإسلامية الشوفينية تجاه القوميات منطبقة تماما مع سياسة النظام الملكي الذي كان يحكم إيران سابقاً.
مفهوم الأصولية الشوفينية للقومية الفارسية:
إن أول ما يلفت نظر القارئ في هذا المقال الذي جاءت تحت عنوان "همه مي بايست بان ايرانيسم باشيم" أي يجب أن نكون كلنا أصوليين فرس، هو أن إطلاق مثل هذه الشعارات وإشاعاتها بين أفراد المجتمع الفارسي تثبت بوضوح أن الحكومة الإيرانية الراهنة تساندها مجموعة من القوميين الفرس المشبعين بالعنصرية التي تسعى إلى التوسع على حساب الغير وذلك عبر إحياء عقيدة الأمبراطورية الصفوية ، وفي هذا المجال يحاول محمودي مرة ثانية.
وكعادة رجال الدين المتربعين على دفة الحكم في إيران دغدغة المشاعر الدينية عبر جر الشيعة إلى هذه الساحة حيث يدعي أن " إيران هي البلد الوحيد الذي يدعم الشيعة في العالم، ولولا وجود إيران لما بقى شيء من الإسلام" وهو في هذا المجال لم يكتف بدعوة المسلمين إلى تبني الأصولية الفارسية وحسب وإنما دعا العالم المسيحي أيضا إلى تبنيها.
وزعم بان "المسيح سوف يظهر تزامنا مع ظهور المهدي المنتظر" ورغم أن الدعوة إلى تبني أيدولوجية القومية الفارسية تقوم على نظرية أرجحية العنصر الآري على باقي الشعوب ، وهي نظرية رجعية للغاية إلا أن محمودي يدعي "أن الأكراد والعرب والأتراك والبلوش سوف يصبحون أفضل مما هم عليه الآن إذا ما نجح مشروع نظرية القومية الفارسية" القائمة على التوسع حيث يقول:(53/85)
" إن الأصولية الفارسية هي عقيدة كل مسيحي ينتظر عودة المسيح عليه السلام لأنه سوف يظهر معه الإمام المهدي وأن الأصولية الفارسية هي عقيدة كل من يراودهم الأمل بحكم الصالحين ...
... وأخيرا وليس آخرا الأصولية الفارسية عقيدة كل المحرومين والمستضعفين تاريخيا والذين ينتظرون ذلك اليوم الذي يزول فيه حكم الطغاة وأنها عقيدة ما بعدها من عقيدة ... كما انه في الوقت الذي تعد هذه العقيدة فارسية وآرية بحتة ولكنها سوف تجلب الخير والبركة لجميع الإيرانيين سواء من العرب أو العجم والكرد أو الترك أو البلوش".
تعني الأصولية الفارسية الاحتكار والاحتواء المقرون بالفكرة القومية الفارسية ، وهي قائمة على أساس أفضلية الدم الآري على باقي الشعوب في فكر السيطرة على العالم، ونواجه في دراستنا لتاريخ هذه الأصولية أفرادا من أمثال داوود منشي زادة وحبيب الله نوبخت حيث كان هذا الأخير عضوا في رسميا في منظمة الس اس في الجيش النازي الألماني – الرايخ الثالث ، وبعد هزيمة ألمانيا إبان الحرب العالمية الثانية عاد إلى إيران وأسس على أثرها حزبان فاشيان هما الحزب الاشتراكي القومي للعمال الإيرانيين " سومكا" وحزب " كبود" كما أننا نعثر أثناء بحثنا عن مروجي هذه الأصولية على أسماء مثل داريوش همايون و محسن بزشكبور واللواء في الجيش الإيراني السابق حسين منوجهري الذي غير اسمه فيما بعد إلى بهرام اريانا ، وقد كان هذا الشخص عضوا في حزب " كبود " وكان له دور مؤثر وفعال في قمع عشائر الجنوب.
إن ماضي النازيين وتاريخ الحرب العالمية واضح للغاية ، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه انه خلال العقود العشرة الماضية أي "رحمة وبركة " جلبتها للشعوب مثل هذه الدعوات للشعوب الإيرانية؟ هل التهجير القسري وتبديل تاريخ هذه الشعوب والقضاء على ثقافاتها وإعدام مناضليها يعتبر رحمة يا سيد محمودي؟(53/86)
هل نهب ثروات الشعوب و الفقر الفادح وانعدام التنمية لدى الشعوب التي تعتقد أن الأصولية الإيرانية سوف تكون خير وبركة عليها هي رحمة؟ هل منع الشعوب من إصدار صحافتها وقمعها ثقافيا وسياسيا يعد رحمة ؟ لم يمر يوما إلا ونسمع فيه أخبار الإعدامات و الاعتقالات وأعمال التعذيب التي يتعرض لها النشطاء العرب و الأكراد والأتراك و البلوش والتركمان أنا لا أرى حتى تفسير واحدا كيف أن رجلا يدعى أنه حجة الإسلام ولا يشاهد أو يسمع بكل هذه الأخبار وهذه الممارسات التي يندي لها الجبين ، لا بل الأنكى من ذلك يقوم بتزييف الحقائق.
لقد تصدى هذا الملا محمودي في مقالته إلى اثنان من نشطاء الحقوق المدنية في الأهواز هما المفكران الأهوازيان السيد الدكتور كريم بني سعيد والأستاذ يوسف عزيزي حيث قال "إن احد قادتهم ومفكريهم ويدعى كريم بني سعيد قد تحدث في 24 من شباط عام 2004 أمام البرلمان الدنماركي بصفته رئيساً منتخباً لوفد الشعب العربي الأهوازي.. وألقى خطابا يندرج ضمن التحريف الذي يقوم به هؤلاء القوميين الذين ينادون إلى الفدرالية ..
... حيث قال في خطابه: "لقد تحمل شعبنا وخلال العقود الثماني الماضية إلى الاضطهاد القومي وسياسة التطهير العرقي وأكثر الأعمال وحشية من قبل النظام الشاهنشاهي البهلوي والجمهورية الإسلامية في ظل نظام ولاية الفقيه".
لا تتعجبون إذا احتج هؤلاء العنصريون الأوغاد على خطاب السيد الدكتور بني سعيد في البرلمان الدنماركي ، لان الحديث عن الشعب العربي الأهوازي وانتهاك حقوقه يعتبر من الجرائم الكبرى لدى هؤلاء العنصريين من أنصار أيدلوجية الأصولية الفارسية ، لأن من وجهة نظرهم أن العرب ليس لهم وجود حتى يظهر من يقوم بالدفاع عن حقوقهم.(53/87)
كما أن محمودي في هذه المقالة ينسب شتى التهم إلى السيد يوسف عزيزي بغرض تأليب الرأي الحكومي عليه حيث اعتبره شيوعيا سابقا وهي طريقة مرفوضة و بعيدة كل البعد عن النقد الموضوعي والعلمي فقد قال :
"وعلى سبيل المثال إن يوسف عزيزي والذي هو من الماركسيين السابقين وممن ينادون بالترويج للماركسية قد قال في أحد محاضراته في وزارة الداخلية بتاريخ 14 |9 |81 ( 2003 / ) تحت عنوان " الأحزاب القومية ونطفة الفاشية الجديدة في إيران " (هناك مسالة تطرح بين فترة وأخرى حول التوجهات الانفصالية والمناداة إلى الاستقلال ، فإن مثل هذه التوجهات موجودة في أذربيجان وكردستان وأيضا في خوزستان ... ومن وجهة نظري إن الاتجاهات التي تنادي بالاستقلال تتراوح نسبتها بين 15% إلى 20 % وأنني اعتقد انه إذا نفذت الحكومة المادتين الـ 15 و19 من الدستور وتسمح بحرية نشاط الأحزاب القومية أن هذه النسبة سوف تنخفض إلى حد كبير مما يسقط ورقة الاستقلال ممن ينادون به)".
أقول إلى الملا محمودي انه إذا كان الأمر يتعلق بالتطرق إلى ماضي الأفراد فمن الأفضل التطرق إلى ماضيك الفاسد الذي هو أوضح من الشمس ، ألم تقر بعظمة لسانك للقضاء وفي الرسائل الموقعة بتوقيعك حيث انك قمت بتوزيع المنشورات ضد المرشحين العرب ؟ ألم تطرح بنفسك وبغية الإساءة إلى هؤلاء المرشحين من تشكيل تنظيم وهمي سميته ألوية المحمرة الحمراء؟
نحن لا نريد الدخول في مثل هذه المهاترات أليس من الأفضل لك نقد أفكار الأشخاص وما يطرحونه بدلا من التطرق إلى حياتهم الشخصية وماضيهم ؟.
أصل التسمية:
المسالة الثانية تتعلق بتسمية إقليم الأهواز ، فهنا نراه يعالج هذه المسالة بنفس الأساليب البهلوية حيث يحاول حرف ماضي هذا الشعب وتاريخه من خلال إطلاق تسمية خوزستان عليها ...(53/88)
... حيث يقول: " وعلى الرغم من البراهين الواضحة التي تؤكد على أن خوزستان هي أرض تعود إلى احد الأقوام غير العربية يسمون بالهوزي أو الخوزي حيث انشقت تسمية خوزستان من "خوزي"، أما اسم الأهواز وهوزية تغيرت اليوم إلى اسم الهويزة وقد أخذت التسمية من أسماء هذين القومين ، إلا أنهم يصرون على القول إن خوزستان كانت أرضا عربية وقد اغتصبت من قبل الشعب الفارسي".
إن هوية الشعب العربي الأهوازي واضحة جدا يا ملا محمودي حيث هناك وثائق لا عد لها ولا حصر تؤكد أن هذه المنطقة كان يطلق عليها منذ غابر الأزمان اسم الأهواز ، كما أن المكاتبات الحكومية في العهد العثماني والقاجاري وحتى في عهد الاحتلال البريطاني تشير إلى تسمية هذه المنطقة باسم إقليم عربستان أو إمارة المحمرة وهذا ما يؤكده خسروي في جميع كتاباته عن المنطقة حيث سميت هذه المنطقة عام 1503 وفي العهد الصفوي باسم عربستان ولكن قبل ذلك ومنذ آلالاف السنين كانت هذه المنطقة تسمى بالأهواز وذلك ما نراه في كتب نهج البلاغة وغيره من أمهات المصادر التاريخية لذلك ألا يحق لأبناء هذا الشعب تسمية بلادهم ومدنها بأسماءها التاريخية؟؟
اللغة الأم:
يوجه الملا محمودي نقده إلى المدير السابق لإدارة التربية والتعليم في إقليم الأهواز الذي صرح بان عدم التدريس بلغة الأم تسبب في تدني الوضع التعليمي في الإقليم حيث قال محمودي: "والاهم من ذلك ما ورد على لسان المدير السابق لإدارة التربية والتعليم في خوزستان ،الذي قال بأنه يرى أن تدني الوضع التعليمي للأطفال و البراعم والشباب العرب هو نتيجة ازدواجية اللغة".(53/89)
نقول لمحمودي أن هذا الموضوع لا يقبل النقاش فكل طفل يجب أن يدرس بلغة أمه حتى لا يعاني من انخفاض المستوى التعليمي، وهذا ما أكدته الكثير من البحوث الدراسات النفسية والاجتماعية الصادرة في هذا المجال، فمن هنا يعد تصريح مسؤول التربية والتعليم في الإقليم منطقيا ومنطبقا مع الحقيقة تماما وإن استدلاله العقلي واضح. ونشير إلى أن السيد جيم كيومينز أكد في مقالة له نشرت تحت عنوان " أهمية لغة الأم في التعليم " في بحث تتبع أكثر من 150 حالة على مدى 35 عاما أكد على صحة أهمية لغة الأم في تسريع التعليم لدى الأفراد .
الفيدرالية منحرفة:
لم يكتف محمودي بما طرحه من أفكار ودعوة "جميع المسلمين سنة وشيعة " وغيرها من الأديان والقوميات لتبني الأصولية الفارسية وحسب وإنما هاجم النظام الفيدرالي باعتباره" نظاما منحرفا" ...
... فكتب بهذا الصدد يقول:"من وجهة نظري أن الفيدرالية تمهد الطريق إلى الانفصال، لأنه وعبر هذه الأفكار المنحرفة وبمساعدة الدول العربية يجر أبناء (القومية العربية) المعصومين إلى شباك الانفصال ، وهذا الأمر ينطبق بحذافيره على القوميات الإيرانية الأخرى فالأتراك والأذريين سوف يدعمون (أتراك إيران) وأكراد العراق سوف يساعدون أكراد إيران و أكراد البلدان الأخرى و البلوش سوف يحظون بالدعم من قبل بلوش باكستان وأفغانستان كما التركمان سوف يحصلون على دعم ( جمهورية تركمانستان)".(53/90)
هنا نوجه خطابنا إلى محمودي بالقول بأنه إذا كان الانفصال سيئا ، ففي الحقيقة أنت وأمثالك من يروج إلى الانفصال ،حيث أنكم تريدون قمع الجميع باسم الدم الآري وأنكم تريدون فرض الأصولية الفارسية على الغير باسم الدين. إن المهم في هذا المجال هو حق تقرير المصير للشعوب فمن حقها أن تختار نوع حكوماتها، ونقول أننا شعب يعشق الحرية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية ، ولكن على ما يبدو أن قيما من هذا القبيل ليس لها أي قيمة مقابل الأفكار الشوفينية التوسعية التي تبشرون بها، فإنكم عنصريون ونحن ننشد العدال.
فالنظام الفيدرالي الذي ترفضونه وتعتبرونه نظاما منحرفا تقتدي به الكثير من شعوب العالم وهو أفضل طريق لحل المشكلات الاجتماعية بما فيها القضية القومية لأنه في ظل نجاح إقامة النظام الفيدرالي سوف يتم الحد من سطوة الدولة المركزية وتدخلها في الشاردة و الواردة من أمور الأقاليم وأن الكثير من الحقوق المهدورة للقوميات سوف تعود إلى أصحابها ومما لا شك فيه أن الفيدرالية ستقبر الأفكار الآرية المعادية للإنسانية إلى الأبد.(53/91)
كما انه سوف يقضي على شمولية الدولة المركزية عبر تقسيم السلطة على الأطراف وسوف تقرر الشعوب مصيرها بنفسها ومن هذا المنطلق فإنكم تعارضون الدعوة إلى قيام النظام الفيدرالي في إيران، وفي هذا المجال استخدمتم الدين والعلم كوسيلة، لإسناد ما تطرحون من أفكار عنصرية ،وأنكم لم تكتفوا بمزج الدين بالسياسة، وإنما ألحقتموها بالأفكار التوسعية للقومية الفارسي العنصرية ، وبعملكم هذا إنكم تسكبون الزيت على النار الملتهبة أساسا. فإنها دعوة للاقتتال بين العرب والفرس واللور وإنكم تذرون الملح عامدين على جراحات أبناء الشعب العربي الاهوازي المظلوم، من خلال القيام باستعراض عضلات القوة أمامهم وتجاهل معاناتهم والفقر المدقع رغم أنهم يسكنون على بحيرة من النفط ، لكن ثقوا بان قتلكم و تعذيبكم وإعداماتكم وسجونكم لن ترهب هذا الشعب ولن تلين من عزيمته أبدا.
الإسلام نفسه هو نظرية القومية الفارسية:
لقد خصص محمودي قسم من مقالته حول العلاقة بين الدين ونظرية القومية الفارسية وبعد الإتيان بكثير من السفسطة وتزوير الحقائق يشير إلى مقترح العقيد معمر القذافي الداعي إلى تسمية الخليج العربي بالخليج الإسلامي.
وفي هذا الصد كتب يقول " إن ما يجلب الانتباه هو إجابة الإمام الخميني على مقترح الرئيس الليبي العقيد معمر القذافي الذي طلب منه وفي سبيل الحفاظ على وحدة العالم الإسلامي إنه من الأفضل تبديل اسم الخليج الفارسي إلى الخليج الإسلامي ، لا شك إن كل من يؤمن بالأهداف الإسلامية سوف يقول أن مقترح العقيد معمر القذافي مقترحا صائبا وصحيحا وكان الجميع ينتظر أن الخميني سوف يرد بالإيجاب عليه ، إلا أن إجابته خلافا لما كان متوقع فقد أجاب العقيد معمر القذافي إجابة عجيبة حيث قال (الفرس وإيران هما نفسهما الإسلام)".
خلاصة القول:(53/92)
لو أمعن النظر في الظروف التي سبقت نشر هذه المقالة لرأينا أنها نشرت قبل عدة أيام من تنفيذ حكم الإعدام بحق ثلاثة من الشباب العرب الأهوازيين وذلك بغية تهيئة الأرضية للقيام بمثل هذا العمل الإجرامي المعد سلفا ضد ابناء شعبنا الأبي، إلا انه ورغم ما احتوته مقالة محمودي من أقاويل وافتراءات فإنها لا تنفع إلا أولئك من امنوا بالتوجه الشيعي الصفوي وبأهدافه التوسعية ولكن اعلم يا محمودي أن مصير حكومة رجال الدين الذي يمثلها خطابك القومي الفارسي الرجعية لن يكون أفضل من مصير جميع الحكومات التي حكمت شعوبها بالنار والحديد حيث ذهبت وغير مأسوف عليها إلى مزبلة التاريخ.
عودة البرهانية الجماعة الصوفية المحظورة فى مصر
د. فاطمة سيد أحمد - روز اليوسف 5/11/2007
تعاود الطريقة «البرهانية» الصوفية المحظورة قانوناً في مصر، الظهور بشكل مستتر من خلال مسبحة وورقة بها أسماء الرسول مغلوطة، ويتم توزيعهما في الشارع بواسطة بعض الأشخاص، وقبل أن نذكر كيف عرفنا ذلك؟
فإنه حسب المعلومات التي توفرت لدينا بعد رحلة بحث طويلة مابين دار الإفتاء والأزهر والعلماء المسلمين والمجلس الأعلى للطرق الصوفية، أن «البرهانية» تكونت بالسودان في الستينيات بواسطة مؤسسها «محمد عثمان عبده البرهاني»، بدأت الظهور في مصر مع بداية السبعينيات عندما جاء مؤسسها لزيارة «الحسين».
بعد ذلك خلف «عبده البرهاني» ابنه «إبراهيم» في قيادة الطريقة، ومع بداية التسعينيات قاموا بتأليف كتابين اعترض مجمع البحوث الإسلامية عليهما وحظر تداولهما، وتمت مصادرتهما، وهما «تبرئة الذمة في نصح الأمة» و«بطائن الأسرار» وقد قالوا أن مؤلفيهما من «أهل البرزخ».(53/93)
وقد تم شجب هذين الكتابين للمغالطات التي وردت بهما والمفاهيم التي تقوم على الجان والبرزخ وأشياء أخرى لا يقرها الدين، وتمت مصادرة الكتابين بواسطة وزارة الأوقاف والأزهر وشيخ الطرق الصوفية آنذاك «أبو الوفا التفتازانى»، وعلى هذا الأساس منعت هذه الطريقة من مزاولة نشاطها في مصر لمخالفتها ومغالطاتها.
ولكن بعد أن أصبح لها مريدون بأسوان، ومنهم «محمد شاهين حمزة»، ولا نعلم إن كان مازال على قيد الحياة أم لا، وهل خلفه أحد؟ ولكن «حمزة» هو الآخر ألف كتاباً بعنوان «حقائق يختلف فيها الناس وأباطيل يتفقون عليها»، يذكر فيها أن الجان موجود جنباً إلى جنب مع الإنسان، ويتم التزاوج بينهما، ويذكر بأن «البرزخ» حياة أخرى، وأن للأرواح فيها اتصالات دائمة ببعضها، ولها مجالس علم، وهناك يعود شمل الأسرة التي تفرقت بموت أفرادها إلى الانتظام، وهناك لا أمراض ولا عاهات، وينمو الأطفال روحياً حتى يبلغوا سن الرشد ثم يتوقف نموهم، ولهؤلاء الأطفال معاهد علم، ولصغارهم ما يشبه دور الحضانة في الدنيا، هذا أقل القليل الذي جاء بهذا الكتاب الذي تمكنت من الحصول على نسخة منه بصعوبة من أحد مريديهم بالحسين، والذي اختفى بعد ذلك ومازال الكتاب معي.
ولكن منذ ستة أشهر حضر إلى مصر حفيد «البرهاني» والذي يقيم بألمانيا، ويدعى «محمد إبراهيم عبده البرهاني» يريد معاودة نشاط «الطريقة البرهانية»، ولكن لا أحد يعلم ماذا فعل وقد غادر مصر.. ومن هنا كان التخفي والتستر من «البرهانية»، حيث قام بعض الأشخاص بتوزيع مسبحة وورقة بها أسماء للرسول مغلوطة على الناس والمحلات في الشارع، وحتى الآن لا يعلم هؤلاء الذي يقتنون الورقة المجهولة الهوية والتي تحتوى على 195 اسما للرسول، كما يدعى أصحاب هذه الورقة، ومسبحة عددها مائة حبة، ولها شكل مختلف، إن هذين الشيئين لـ«البرهانية المحظورة».(53/94)
وقد بدأت رحلة البحث عن هذه الأشياء التي تبدو من أول وهلة غرابتها ومغالطتها، عندما أعطت لي صديقة صاحبة أحد المحلات بشارع قصر العيني هذه الورقة والمسبحة كهدية بعد أن تركهما لها شخص غير معروف، ولا يعمل في هذا الشارع الكبير الذي يضج بالوزارات والمحلات علاوة على مجلسي الشعب والشورى ومجلس الوزراء، ثلاث ورقات وثلاث مسابح، وعمل نفس الشيء مع بعض السائرين في الشارع، وأيضاً مع المحلات الأخرى، ولم ينظر أحد إلى محتوى الورقة ولم يلفت انتباه أحد أن المسبحة غير طبيعية وغير شرعية بالنسبة للمذهب السني الذي يعتنقه الشعب المصري، اختفى هذا الشخص وظل ما وزعه متداولا بين أيدي الناس، حتى وصلت إلى إحداها.
ولفت نظري أنه لا يمكن أن تكون الأسماء التي كتبت عن الرسول الكريم كلها صحيحة، وأيضاً شكل المسبحة غريب بالنسب لي، وأردت معرفة مصدر هذه الأشياء،خاصة أن عنوان الورقة بعد البسملة والصلاة على الرسول، كتب «أسماء سيدنا محمد صلى الله تعالى عليه وسلم، اللهم صلى وسلم وبارك على اسمه»، وفى أول سطر بالورقة بدأت أسماء مثل «سيدنا - محمد - أحمد - حامد - محمود» بعدها وفى نفس السطر الأول أيضاً وجدت اسم «أحيد - وحيد - ماحي - حاشر»، وبعدها كانت هناك أسماء أخرى غريبة في الورقة مذكورة على أنها أسماء الرسول مثل «أكليل - مجتبى - روح القسط - مفتاح - صاحب القضيب - حزب الله - صاحب التاج - صاحب اللواء - روح القدس - قائد الغر المحجلين- صاحب القدم - صاحب السيف-صاحب الخاتم-رءوف-رحيم-أذن خير-الشهيد..إلخ».(53/95)
واعتقدت في البداية أن الورقة خليط ما بين المذهبين السني والشيعي، وعندما عرضت هذا على «سامر القرنشاوي» وهو باحث ومتخصص في المذهب الشيعي، قال لي: إن المسبحة ليست للمذهب الشيعي، وإن بالورقة بعض الأسماء التي لا يمكن أن يطلقها الشيعة على الرسول لأنها خاصة بالأئمة الاثني عشر عندهم، مثل «المجتبى» التي يطلقونها على سيدنا الحسن، و«الشهيد» على سيدنا الحسين، و«صادق» على جعفر الصادق.
ومن هنا فإنه مستبعد أن تكون هذه الأشياء تخص المذهب الشيعي، على الرغم من أن في نهاية الورقة السالفة الذكر، كتب فيها عن سيدنا «على بن أبى طالب» كرم الله وجهه، وقد وضعت في برواز للدلالة، وأيضاً كلمة «طالب» كتبت «طلب»، وقد نصحني «القرنشاوى» أن أبحث في الطرق الصوفية، لأن هذه الورقة فيها الكثير مما يردده بعض الصوفيين، إلا أنه شكك في مصداقيتها أيضاً، لأن هناك خلطاً بين الأسماء والصفات للرسول، وأيضاً خلطاً بين أسماء الله وأسماء الرسول، وأن «كليم الله» المذكورة على أنها اسم الرسول، هي الصفة التي تطلق على سيدنا «موسى».. وهكذا.(53/96)
وبدأت رحلة البحث بـ«الورقة والمسبحة» مارة على بعض الطرق الصوفية مثل «الجعفرية - الدسوقية - العزايم»، ولكن جميعهم أكدوا لي أن المسبحة تخص «جماعة صوفية محظورة» في مصر تدعى «البرهانية» بالسودان، ولها مريدون بأسوان، وأن الورقة لا تمت لأي جماعة صوفية حاصلة على تصديق رسمي من المجلس الأعلى للطرق الصوفية الصادر بها قرار جمهوري، لأنها جماعات ملتزمة ولا تصدر عنها هذه الأشياء، والحقيقة أن الورقة مجهولة الهوية، وبالفعل لو كانت صادرة عن إحدى الطرق الصوفية الكبيرة المعروفة والمعترف بها، لكانت وضعت اسم «الطريقة» في أعلى الورقة. ولذلك يجب معرفة الحقيقة من أهل العلم والمعرفة والمسئولين في المؤسسات الدينية، بداية سألت الدكتور عبد المعطى بيومي وقرأت له في التليفون الأسماء المكتوبة في الورقة، فقال: لا يمكن لأحد أن يطلق أسماء على الرسول الكريم، بغير ما ذكر في القرآن الكريم وهما «أحمد ومحمد».
أما «مصطفى ومحمود» فهما صفتان للرسول مثل «الصادق - الأمين»، وهناك صفات مأخوذة من كتب متناثرة، وأن من يفعل هذا يريد أن يشغل الناس عن الواقع العملي وهو في ذلك لا يفيدهم بشيء، ولكنها تحمل إيحاءات، وأؤكد أن الذين يفعلون ذلك يحاولون أن يتسللوا إلى الفكر ليشغلوا الناس بهذه الأشياء الشكلية التي لا تنتج عملاً.(53/97)
أما الشيخ «عبد الحميد الأطرش» عضو دار الإفتاء فقد قال لي أن هناك بعض الأحاديث التي تذكر بأن الرسول قال: «أنا العاقب فلا يأتي أحد بعدى»، ومن هنا يمكن لبعض المتصوفين أن يأخذوا «العاقب» على أنها اسم للرسول، وأيضاً الماحي ولكن «الهادي» صفة، و«الحاشر» أيضاً صفة؛ ولكنه طلب منى أن أرسل له صورة من هذه الورقة عبر الفاكس، ولكنى وجدت أنه من الأجدى أن أذهب له لكي أطلعه على المسبحة أيضا، وذهبت إلى دار الإفتاء ليستوقفني موظف الاستعلامات، فأخبرته بأنني أريد مقابلة الشيخ «الأطرش» فقال: غير موجود، فقلت له: أريد أن أقابل فضيلة المفتى في أمر مهم، فقال أنه خارج البلاد، فقلت له أريد أن أقابل أي شيخ مسئول بالدار، فقال: ليه؟……
فأعطيت له بطاقتي الصحفية لإثبات شخصيتي وقلت له إنني أريد استفسارا في تحقيق مهم، فقال لي: قولي ما هو؟
فقلت له: آسفة أريد مقابلة أحد المشايخ المسئولين، فما كان منه إلا أن أخرج لي استمارة صغيرة لأكتب بياناتي وأترك رقم تليفوني، وأنهم سوف يتصلون بي فيما بعد، وبالطبع لم أملأ الاستمارة التي أراد بها موظف الاستعلام تعطيلي بما أنني لم أذكر له ماذا أريد؟ وبعد ذلك توجهت إلى فضيلة شيخ الأزهر، وأطلعته على الورقة والمسبحة، فقال لي: فعلا معظم ما جاء بهذه الورقة غير صحيح وإنه مما لاشك فيه، لا يقول هذا الكلام إلا إنسان ليس عنده علم صحيح، وأن هذه الأسماء المذكورة في الورقة أو معظمها ليس من أسماء الرسول، ولا حتى من صفاته، وأن المسبحة غريبة وغير صحيحة، وأن علىّ التوجه إلى المجلس الأعلى للطرق الصوفية لعلى أعرف مصدر هذه الأشياء.(53/98)
واتصلت بشيخ الطرق الصوفية «حسن الشناوي» لمقابلته، ولكنه اعتذر لأنه في طنطا بـ «مولد البدوي»، وبعدها سيذهب لـ «مولد إبراهيم الدسوقي»، وإني إذا أردت مقابلته يكون بعد شهر بالتمام، ولذلك قرأت له الورقة، فقال: إنها لا تمت لأي طريقة صوفية، فسألته: هل لها صلة بالطريقة «البرهانية» فقال لي: ربما، لأن شكل المسبحة التي تصفينها لي خاصتهم، ولكن الورقة ليس عليها ما يثبت أنها منهم، فقلت له: حتى ولو كانت الاثنتان يتم توزيعهما سويا، فضحك ولم يرد على تساؤلي وبالتالي سألته: من هم إذن «البرهانية»؟
فقال: إنهم جماعة أصدروا كتابين بهما مغالطات رفضها الأزهر، وذلك في الثمانينيات، وإنه صدر قرار بعدم التعامل معهم أو الاعتراف بهم، ولكنهم عاودوا الظهور منذ ثلاث سنوات في الموالد، وأن حفيد «البرهانية» ويدعى «محمد إبراهيم عبده البرهاني» والمتزوج من ألمانية ومقيم هناك في ألمانيا قد حضر منذ ستة أشهر، ولكن «الشناوي» تهرب من الإجابة عن باقي تساؤلاتي، وعندما طلبت منه الحصول على صورة من قرار الحظر الصادر عن المجلس الأعلى للطرق الصوفية حتى لا يتعامل الناس معهم، قال لي أرسلي خطابا وأنا أرد عليك، وأنهى المكالمة.
قمت بعد ذلك بالاتصال بالشيخ «علاء أبو العزايم» عضو مجلس الطرق الصوفية، وعرضت عليه الشيئين بالتليفون أيضا لأنه خارج القاهرة فأكد لي أنهما لـ«البرهانية» والذين يطلق عليهم «جماعة المهاويس» لأنهم يقومون بأعمال السحر وتحضير الأرواح والجان، وأن لهم سمعة سيئة لاختلاط الرجال بالنساء لقياس قوة الإرادة حسب زعم هذه الجماعة، ولذلك تم تجنبهم من قبل الطرق الصوفية المحترمة، كما يقول أبو العزايم، ولكنه أكد لي بضرورة وجود دعم من الخارج لأن أموالهم كثيرة للغاية.(53/99)
وتواصلت رحلة البحث فقمت بالاتصال بالدكتور أحمد عمر هاشم - عضو المجلس الأعلى للطرق الصوفية، والذي قال إنه لا يعرف «البرهانية» ... والمجلس الأعلى للطرق الصوفية في مصر طالب بأحد المؤتمرات العالمية للتصوف في ماليزيا بـ «كوالالامبور» وقد حضرت هذا المؤتمر أنا وشيخ مشايخ الطرق الصوفية، فكانت رغبة الشيخ «حسن الشناوي» إنشاء مجلس أعلى عالمي للطرق الصوفية ويكون مقره القاهرة، وذلك حتى لا يدخل أحد من أي بلد ويدعى تحت مظلة التصوف أي زعم ...
وسألت د.عبد الله النجار أيضا ربما تكون لديه فكرة عن هذه الجماعة ومزاعمها، فقال أنه في عام 1972، وكان لازال طالبا بكلية أصول الدين، حضر موكب مهيب لمؤسس جماعة البرهانية في زيارة له لسيدنا الحسين، ويومها فرشت له السجاجيد الحمراء، ونثرت عليه الورود بكثرة ليس لها مثيل، واستقبل وكأنه الرسول الكريم، وليس شيخ طريقة. أما الدكتور عبد الله عبد الحى - عميد كلية أصول الدين الأسبق- فهو الذي تعرف على الورقة رغم التعتيم بها على من أصدرها، وقال: إنها خاصة بجماعة البرهانية السودانية، وذكر لي كل ما كتبته في بداية الموضوع للتعريف بهم، وقال إنهم يحاولون المعاودة للظهور في ظل ما يطلق عن الحريات.
وعند زيارتي لمقر المجلس الأعلى للتصوف لمعرفة أي شيء إضافي تعرف كل من يعمل بهذا المكان على الأشياء التي بحوزتي بأنها بالفعل تخص «البرهانية» المحظورة، وذكر لي البعض بأنهم مرفوضون كجمعية صوفية، وأن لهم «دورا» أي مكانا في الحسين، ولكنهم لم يخبروني به رغم إلحاحي الشديد عليهم، ولم يمكنني الاستدلال عليه، وأيضا ذكروا لي أن المسبحة التي معي وعددها «مائة» حبة،وتباع في الحسين بثلاثة جنيهات وأن هذه الجماعة تقوم بقراءة أوردة معينة عليها ألف مرة لاستحضار «صاحب السيف» أو «حزب السيف»، وقد ذكرت في الورقة إياها أنها من أسماء الرسول «صاحب السيف» فما معنى هذه التخاريف؟(53/100)
وذكروا لي أيضا أن هناك تحالفا ضمنيا بين «البرهانية» المحظورة و«البرهامية» وهى جماعة صوفية مصرية مقرها في شارع المنصورية بالدراسة، وأن هذا التحالف يجعل «البرهانية» إذا ما أرادوا مزاولة نشاط ما لهم، فإنهم يلجئون لمقر «البرهامية»، ولكن عندما قمت بزيارة مقر البرهامية أنكروا هذا، ورفضوا حتى دخولي المكان وكان الرد على الباب فقط.
وبعد كل ما سبق، كيف يمكن توعية الناس من الأشياء التي توزع عليهم دون رقابة، ولماذا لا يخرج علينا علماء الأزهر ودار الإفتاء والمشايخ المحترمون ليعرفوا الناس أسماء الرسول وصفاته، والمسبحة التي يجب أن نذكر الله عليها، وليس أي شكل على هيئة مسبحة صالحاً لذلك، وبدلا من البرامج التي تطلق علينا فتاواها....
ونطرح سؤالا مهما للمجلس الأعلى للطرق الصوفية: هل هذا المجلس قائم على الاعتراف فقط بالطرق الصوفية من عدمه وحضور المؤتمرات، أم عليه أيضا مراقبة ومتابعة المخالفين حتى لا تندس الخزعبلات في الدين تحت زعم التصوف، وأوجه سؤالا آخر لشيخ الطرق «حسن الشناوي» الذي قال لي ليس من سلطته هذا، ولكنها سلطة جهات أخرى في الدولة في إشارة منه لأجهزة الأمن: ألا يجب الإخطار عن هذه الجماعات، ثم أين مؤسسات المجتمع المدني التي يجب أن تكون مهمتها الأساسية هي مراقبة كل ما يضر المجتمع والناس.
وهل المجلس الأعلى للطرق الصوفية يعتبر منظمة مجتمع مدني أم لا؟ وأين كل من يهمه الأمر لما يحدث في الشارع من فوضى جماعات محظورة من كل نوع.
بهرة الكويت: لدينا مساجد في الخليج.. فكيف نقمع في بلد الحريات؟
القبس 18/10/2007 باختصار
(لمعرفة حقيقة البهرة ودينهم راجع الراصد عدد 23)(53/101)
بهرة الكويت البالغ عددهم أكثر من 25 ألف شخص أطلقوا صرخة ألم، وتحدث عدد كبير منهم عن مشاعرهم عقب موجة معارضة حقهم في إقامة دار عبادة قائلين ' لنا مساجد في البلدان الخليجية الأخرى فلماذا تحرمنا الكويت من ذلك وهي دولة الحريات وتعايش الأديان كافة؟"
البهرة قالوا: فلنحتكم للنصوص الدستورية التي تعتبر جازمة ويفترض أنها لا تخضع للتأويلات السياسية، ومن المؤسف أن ينسى بعض النواب قسمهم باحترام الدستور وصيانة مبادئه التي تنص على احترام حرية العبادات.
وأضافوا أن قضية حرماننا من بناء مسجد يجب ألا تمر مرور الكرام لأنها ليست قضية انتهاك حرية الناس في القيام بعباداتهم من دون مخالفة للآداب العامة وإنما الكارثة في الانتهاك الواضح لنص المادة 35 من الدستور. 'القبس' التقت مجموعة من البهرة في مبناهم في منطقة العارضية الذي رفض الترخيص به كمسجد من قبل لجان المجلس البلدي المختصة، وكان لابد من فتح المجال لهم لعرض مطالبهم وخلفية قضيتهم، لاسيما أن هذا الأمر اخذ أبعادا اكبر من مجرد رفض المسجد، إذ تحركت منظمات حقوق الإنسان والجمعيات الأخرى المختصة للتنديد بقرار الرفض مما قد يؤثر في صورة الكويت مستقبلا.
بداية قال حسين عبد الشفيع استغربنا كثيرا من رفض الترخيص لمسجدنا واستغربنا أكثر من آراء بعض النواب التي أخرجتنا من ملة الإسلام، مشيرا إلى أن البهرة مسلمون مسالمون ولا يملك أي احد أن يوكل لنفسه حق تقرير مصير الناس وقمع حرية عبادتهم.
أما علي موالي الدين فقال إن الزعيم الحالي للبهرة والموجود حاليا في الهند محمد برهان الدين هو الزعيم الثاني والخمسون للبهرة، حيث استلم الزعامة بعد وفاة الزعيم الـ 51 طاهر سيف الدين، وتعتبر طائفة البهرة من أغنى الطوائف في العالم خصوصا أنها - أي الطائفة - تملك عددا كبيرا من الفنادق ووكلاء بعض الشركات في الهند، وتعرف تجارتهم بالذهب والألماس ويعتبرون أسياد هذه التجارة في العالم.(53/102)
لكن هل البهرة طوائف .. سألنا من إلتقيناهم فقال صفي الإله 'نعم هم فرقتان:الأولى البهرة الداودية نسبة إلى قطب شاه داود وينتشرون في الهند وباكستان ومركزهم الرئيسي بومباي، والثانية البهرة السليمانية نسبة إلى سلميان بن حسن ومركزهم في اليمن. وينتشرون كذلك في الكويت والسعودية والإمارات والبحرين والعراق ووصل عدد أتباع هذه الطائفة إلى أكثر من مليون نسمة.
أما بهاء فقال: كيف تحرمنا دولة الحريات من بناء مسجد؟ مشيراً إلى أن للبهرة مساجد في كل من الإمارات والبحرين ، وقد طلبنا ترخيصا لبناء مسجد في الكويت بناء على وعود عديدة حصلنا عليها منذ سنوات طويلة، كما أن وزارة الأوقاف لم ترفض إعطاءنا الترخيص والدليل رفعها طلب الترخيص للمجلس البلدي واللجنة الفنية التي رفضت الطلب لأسباب غير منطقية.
واجمع من إلتقيناهم من البهرة على أنهم يحتاجون إلى المسجد، فهم يقيمون صلاتهم حاليا في منطقة العارضية إلا أن المكان أصبح ضيقا علينا خصوصا مع تزايد أعداد البهرة في الكويت حتى فاق عددنا الـ 25 ألف نسمة. وأضافوا أكدنا مرارا إننا فقط نريد الترخيص ونحن كطائفة تتكفل في بناء المسجد وفق مراقبة ومتابعة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ولا نريد أن تتحمل دولة الكويت أي نفقات. وحول تكفير البعض لهم وبالخصوص بعض نواب مجلس الأمة، أوضح البهرة أن التكفير حرام، ونحن مسلمون ولا يجوز تكفيرنا، وان من كفرنا يجب عليه أن يستغفر ويتوب إلى الله.
العلامة الحسيني: مخطط إيراني للتخلص من زعماء الشيعة العرب
العربية نت
قال العلامة اللبناني السيد محمد علي الحسيني، أمين عام المجلس الإسلامي العربي في لبنان، إن الحرس الثوري الإيراني وضع مخططا لاغتيال و"تغييب" زعماء الشيعة العرب، كانت محاولة اغتياله في لبنان منذ أسبوع جزءا من هذا المخطط.(53/103)
وكان العلامة السيد محمد علي الحسيني قد اتهم الحرس الثوري بمحاولة اغتياله على طريق صور جنوب لبنان منذ أكثر من أسبوع، عندما تهاوت مقدمة السيارة التي يستقلها وهي من ذوات الدفع الرباعي بطريقة مستغربة وانفصلت عن هيكلها، وذلك بوضع مواد مؤكسدة (أسيد) على مقدمة السيارة قبل أن يستقلها لتذيب هيكل السيارة المعدني الذي انفصل مع إطارها الأمامي وتحطم فوق الطريق.
"تغييب" شيعة العرب:
وقال:" نحن مجموعة من علماء الشيعة العرب في دول مثل العراق والبحرين ولبنان بدأنا بالتحرك، ضد ولاية الفقيه والنفوذ الإيراني، فبدأ الحرس الثوري يستهدفنا.. في العراق مثلا الشيخ جواد الخالصي تعرض للتهديد وذهب خائفا على نفسه إلى سوريا ، وكذلك الشيخ حسين المؤيد الذي توجه إلى الأردن".
وتابع "الإمام موسى الصدر خرج على توصيات قيادة الثورة الإيرانية، وقام بتقوية الخط الشيعي العربي، فقاموا بتغييبه من أجل تغييب الخط الشيعي العربي، إضافة إلى التآمر على السيد محمد باقر الصدر في العراق وقتله".
ويعتبر العلامة الحسيني أن "المجلس الإسلامي العربي"، الذي يقوده، يرى " أن تشيعنا العربي هو تشيع من دون تعصب وكان لنا تأثيرنا على الشيعة في الخليج".
وتابع: "وبدأت بنقد فكرة ولاية الفقيه، خاصة أن قادة الحرس الثوري يعتبرون أن لبنان دولة إيرانية تتبع ولاية الفقيه، وأن جميع الشيعة هم حزب الله ، نحن ولاؤنا للبنان وتوجهنا عربي".
وفي هذا السياق، يتابع العلامة الحسيني، قرر الحرس الثوري الإيراني "تصفية وإبادة كل شيعي عربي مخالف لتوصية ولي الفقيه". وقال"النظام الإيراني يخاف مني شخصيا لأني الوحيد الذي أتحرك فكريا وتنظيميا خصوصا أني خريج مدرسة قم العالمية، وفي إيران لم أكمل اجتهادي بسبب مواقفي الوطنية سجنوني وأرهبوا تلاميذي". أنا بديل حسن نصر الله".(53/104)
على صعيد متصل، وصف العلامة الحسيني علاقته السياسية بحزب الله بـ"السيئة"، طارحا نفسه "البديل للحزب وأمينه العام السيد حسن نصر الله".
وأضاف الحسيني، 33 عاما، متحدثاً: "أنا بديل حسن نصر الله .ولدي مشروع سياسي. ولدي شعبية. يمكن أن أحل مكانه وهذا الذي يجب أن يحصل لأنه بالنتيجة لا يحق إلا الحق. أنا أؤيد المبادرة العربية للسلام، وهل مكتوب على شيعة لبنان وحدهم تحمل الموضوع الإسرائيلي؟"، على حد تعبيره.
ولفت إلى نشاط منظمته في جنوب لبنان والضاحية والجنوبية في بيروت، وفي البقاع أيضا، مشيرا إلى إحدى نشاطاته وهي الدعوة للتظاهر أمام السفارة الإيرانية وبسبب ذلك تلقى رسالة فحواها " أنه إذا أكملت سوف أكون الخصم اللدود لنا في المنطقة العربية". وقال: إنه "يعيش في الضاحية الجنوبية حيث يوجد حزب الله" وقال " وأنا صوت شيعي أساسي ولذلك لن أغادر الضاحية .. وحولي حماية أمنية".
.. وشتم الصحابة: وفي سياق حديثه عن ما أسماه "مخطط طهران لاغتيال زعماء الشيعة العرب"، يضيف العلامة الحسيني أن الشيعة العرب يرفضون "شتم الإيرانيين للصحابة".
وأوضح متحدثا لـ"العربية.نت":" أرسلت رسالة لمرشد الثورة الإيرانية علي الخامنئي وقلت له فيها إذا كنت تطالب بالوحدة عليك أن تهدم قبر أبي لؤلؤة ( قاتل الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه) الموجود في (كاشان) لأن هذا القبر أذية لقلوب ملايين المسلمين، وعليك إحراق كتب الفتنة التي تدعو للعن الصحابة التي وزعت مجانا في إيران".
وأضاف " الشيعة العرب يتميزون بالهدوء والرصانة ويتزوجون من السنة والسنة يتزوجون منهم".
مقابلة مع إبراهيم الوزير
الوطن العربي 24/10/ 2007 باختصار
[يلاحظ على إبراهيم الوزير دفاعه عن شيعة اليمن الحوثيين وهجومه على أهل السنة من السلفيين وجعلهم سبب تمرد الحوثي فلمصلحة من يروج الوزير هذه الأكاذيب؟؟!! الراصد](53/105)
المفكر إبراهيم صاحب صحيفة "البلاغ" اليمنية واحد من أشد المناصرين للزيدية في اليمن، ويرى أن الهاشميين يتعرضون لاضطهاد شديد من الحكومة في صنعاء.
بداية لماذا خرجت من اليمن؟ وما سر الإقامة في مصر في الوقت الحالي؟
-…خرجت لأنني تعرضت هناك لمضايقات كبيرة، حيث تم تجميد نشاطي، وأعطيت لي أوامر بعدم ممارسة أي نشاط سياسي، فقد خرج بعض الدساسين ليقولوا إنني أسب الرئيس في خطبة الجمعة، وهذا شيء غير معقول، وكان بوسع الرئيس أن يتصل بغالب القبش رئيس الأمن المركزي، ويتأكد من صحة ما وصله من معلومات ولكنه لم يفعل.
وقد تجاوز الموضوع حد الوشاية إلى تحديد إقامتي جبريا فقد اتصل بي الرئيس تليفونيا، وقال لي، "الزم بيتك أنت الآن في الخامسة والسبعين"، فرددت عليه: إذا كنت تريد تحديد إقامتي جبريا عليك أن تصدر حكما قضائيا بذلك ينشر في الصحف، لا أن يتم عبر مكالمة تليفونية؛ لذا اخترت أن تكون مصر هي منفاي الاختياري خشية أن أتعرض لأي ضغوط.
العلاقة مع الحوثي
ما طبيعة علاقتكم بـ .. حسين بدر الدين الحوثي؟
- لا علاقة شخصية خاصة بيني وبين حسين بدر الدين ولا بيني وبين أسرة الحوثي، الشيء الوحيد الذي يربطنا هو أنهم زيدية، ونحن زيدية... هم هاشميون، ونحن أيضاً كذلك. فليس بيني وبينهم أي شيء يمكن أن يندرج تحت مسمى العلاقة الخاصة فأنا لم ألتق به أبدا.
ما هي سيناريوهات الوضع المستقبلي في صعدة بعد فشل المبادرة القطرية؟(53/106)
- النظام في صنعاء والأخ الرئيس بالذات كان يستطيع حل المشكلة سلميا وكانت لديه القدرة على ذلك، وقد وجدت أمامه بالفعل عدة فرص لحل المسألة لكن من الواضح أنه لا يردي الحل السلمي ويريد إخضاع الناس في صعدة بالقوة.. وهذه هي المشكلة لأنه من الصعب إخضاع أناس لا يبالون بالموت ولا بالهزيمة، وعندهم جبال شاهقة يقاومون منها بكل قوة، لذلك كان من المفترض والمأمول في نفس الوقت أن يلجأ النظام في صنعاء وعلى رأسه الرئيس للحلول السلمية وذلك أولى لجبر خواطر اليمنيين، لأن الحاكم الذي يريد أن يتغلب على شعب بالقوة وسفك الدماء لا ينال بذلك خيراً أبدا. لذا لابد من العودة إلى مائدة المفاوضات مرة أخرى لأن الوضع في اليمن ينذر بكارثة.
برأيكم لماذا لا يريد الرئيس حل مشكلة صعدة سلميا، وما هي معوقات الحلول السلمية؟
- معوقات الحل السلمي تكمن في النظام اليمني نفسه؛ فالنظام في صنعاء لا يريد حل المشكلة، وإنهاء حالة الحرب.
أما أسباب عدم رغبتهم في حل الأزمة فترجع إلى أن كثيراً من المسؤولين لديهم رغبة في إذلالنا نحن الهاشميين المنتمين إلى الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، كما إنهم يسعون إلى إنهاء تواجدنا في اليمن تماما واستبدال المذهب الزيد بالمذهب السلفي... وهذه هي أهم أسباب عدم حل مشكلة صعدة.
ولماذا في هذا التوقيت بالذات تسمى الحكومة القضاء على المذهب الزيدي؟
- بالأصل وجد أناس جاءوا من خارج اليمن وبدأوا محاولة القضاء على المذهب الزيدي وعلى أهل صعدة، وصعدة للزيدية بمثابة مدينة "قم" للجعفرية في إيران..
.. فهي مركز نشر المذهب الزيدي؛ ووجود مراكز لنشر الأفكار السلفية بها من الطبيعي أن يضيق بها أهل صعدة، مما اضطر حسين الوحثي للصعود إلى رأس الجبل وأن يجمع معه بعض الناس ويربيهم تربية خاصة وأن يستمروا هناك ليكونوا نواة لمقاومة الفكر السلفي الذي دخل إلى اليمن بأموال خارجية.(53/107)
وما طبيعة علاقتكم بليبيا وإيران؟ وهل تتلقون تمويلا منهما كما يشاع؟
- علاقتي بليبيا أنني عضو في القيادة الشعبية الإسلامية العالمية ودائما ما أدعى إلى مؤتمرات في طرابلس، أما مسألة التمويل فهي أمر مثير للسخرية والدهشة في نفس الوقت، فأنا عندما أذهب لا أحصل سوى على قيمة التذكرة، والإقامة في الفندق ولم أتلق منهم جنيها أو دولاراً ولا كثيراً ولا قليلا. أما علاقتي بإيران فليس بها أي أموال وقد زرتها في مؤتمر التقريب من المذاهب؛ فأنا عضو في جماعة التقريب بين المذاهب التي يرأسها محمد علي تسخيري.
كيف ترى العلاقات الحوثية الإيرانية؟
- الذي أعرفه أن الإيرانيين لم يمدوا الحوثيين بأي شيء وأن حسين بدر الدين في محاضراته يجعل الإمام الخميني مثلا أعلى ونموذجا للحاكم المثالي. لهذا تردد عن الخميني كلام كثير في كتب حسين بدر الدين. ولكن هذا لا يعني أنه أصبح جعفريا كما أشيع أو أنه حصل على أموال من إيران وأنا أجزم بهذا كل الجزم.
برأيكم من المحرك الأساسي للصراع الحالي بين السنة والشيعة في اليمن؟
- لم يكن هناك أي خلاف بين السنة والشيعة في اليمن؛ فالدولة بها مذهبان فقط هما الزيدية الشيعة والشافعية السنة، وهولاء كانوا يصلون خلف هؤلاء. ولم يكن هناك مساجد خاصة بالزيدية وأخرى بالشافعية، وكانوا يتزاوجون ويتعايشون كإخوة؛ إلى أن جاء إلينا الفكر السلفي المتشدد مدعوما بأموال لتحويل اليمن إلى منبر لفكرهم المتطرف فبدلا من الشافعية الهادئة نجد السلفية المتطرفة.
برأيك جوهر الصراع في اليمن سياسي أم طائفي؟
- في الأصل لا يوجد صراع في اليمن. لكن عندما وجد الصراع الطائفي كان المحرك له الأغراض السياسية؛ فالسياسة أو جدت الصراع في اليمن من أجل أن يكون تابعا لغيره.
تتهمون الحكومة بأنها تضطهد المذهب الزيدي.. فلماذا لا يتم القضاء عليها حتى الآن رغم مرور خمسين عاما؟(53/108)
السبب يكمن في أن الفكر الزيدي متفتح جدا فكما هو معروف عن الزيدية بأنهم سنة الشيعة وشيعة السنة، فهم يمثلون المذهب الوسطى لذا من الصعب القضاء عليه فنحن لسنا متشددين ليصعب كسرنا بالإضافة إلى وجود الزيدية في اليمن منذ العام 282هـ أي ما يقرب من 1200عام، هذا بالطبع مع وجود دعم من الشعب اليمني للزيدية والذين يمثلون غالبيه.
شرطة كربلاء: جيش المهدى أزهق مئات الأرواح تحت "ذريعة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر"
الملف نت 8/11/2007
اتهمت قيادة شرطة كربلاء الخميس ميليشيا جيش المهدي التابعة لرجل الدين الشيعي مقتدى الصدر بمئات عمليات الاغتيال تحت "ذريعة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر" خلال السنوات الأربع الماضية.
وأفاد البيان الذي يعتبر الاتهام الصريح الأول ضد ميليشيا جيش المهدي من قبل قادة عراقيين "نحمل ميليشيا جيش المهدي مسؤولية مئات الأرواح التي أزهقت ظلما وعدوانا ونحملهم مسؤولية الانتهاكات التي طالت حقوق الإنسان في كربلاء والفوضى والإرباك الأمني الذي ساد المدينة قبل إحداث كربلاء".
وشهدت هذه المحافظة الشيعية في نهاية آب/ أغسطس الماضي مواجهات بين جماعات مسلحة والقوى الأمنية في مناسبة ذكرى مولد الإمام المهدي "الإمام الثاني عشر لدى الشيعة" وأسفرت عن مقتل 52 شخصا وإصابة أكثر من 300 آخرين أمر على إثرها الزعيم الشيعي مقتدى الصدر بتجميد نشاطات جيش المهدي لمدة ستة أشهر.
واعتبر البيان أن "جيش المهدي سبب فوضى وإرباكا امنيا للمحافظة وانتهاكات لا مثيل لها لحقوق الإنسان وأراد أن يفرض على المواطنين نظاما يضاهى نظام طالبان تحت مسميات وبدع ما انزل الله بها من سلطان".
وأضاف أن "هذه الجماعات عاثت فسادا وأوغلت في غيها تحت ذريعة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وحاولت بشتى الوسائل تقويض سلطات الدولة والقانون لكي تكون هي الأمر والناهي في حياة الناس ومصائرهم".(53/109)
بدوره قال العميد رائد شاكر مدير شرطة المدينة للصحافيين إن جيش المهدي مسؤول عن قتل المئات من الأبرياء خلال السنوات الأربع الماضية في كربلاء فقط.
وأوضح "لقد قام جيش المهدي منذ عام 2004 حتى العام الجاري بقتل 606 بينهم 69 امرأة وكذلك قتل 62 شرطيا بينهم 12 ضابطا". وأضاف إن "جيش المهدي تورط خلال هذه السنوات ب 37 عملية تسليب و 134 عملية خطف جميعها في كربلاء فقط بالإضافة إلي زرع العشرات من العبوات الناسفة".
وقال العميد إن "عمليات الاغتيال انخفضت بعد أحداث كربلاء في الزيارة الشبعانية إلى واحدة فقط ولا توجد أى عمليات خطف ولا زرع للعبوات".
وكانت القوات العراقية شنت حملة اعتقالات كبيرة ضد عناصر جيش المهدي واعتقلت العشرات ولا تزال تلاحق آخرين بتهمة تورطهم بإشعال أعمال العنف خلال الزيارة.
وجاءت تصريحات قيادة الشرطة في رد على اتهامات وجهها التيار الصدر للشرطة بقتل طفلين وتعذيبهما قبل أسبوعبين في بلدة الحر شمال مدينة كربلاء. لكن قائد شرطة كربلاء قال "إن الطفلين الذين قتلوا قبل نحو إسبوعين هم أبناء شخص من جيش المهدي مطلوب للقوات الأمنية بسبب تنفيذه ستين عملية اغتيال في المدينة".
وأضاف إن "الأطفال قتلوا اثر تبادل إطلاق نار عندما قام والدهم بإطلاق النار على الدورية الشرطة التي كانت تقوم بعمليات تفتيش في المنطقة".(53/110)
مجلة الراصد الإسلامية
العدد الرابع والخمسون – ذو الحجة 1428هـ
* فاتحة القول:…فتن .. فأين ابن حنبل منها ........................................ ..........................…3
* فرق ومذاهب:…سلسلة التجمعات المسيحية في المنطقة - الموارنة..........................................…5
* سطور من الذاكرة:…عباس صفوي يحول الحج إلى مدينة مشهد..................................................…12
* دراسات: …- التشيع فقه وليس مذهباً فقهياً .............. ...............................................
- دين الثعالب .................................. ...............................................…15
20
* كتاب الشهر: …حسن العلوي: الدعوة إلى المصالحة أم القطيعة ............................................…29
* قالوا: …..................................................................................................…33
* جولة الصحافة : ……
…- معركة كسر العظم الشيعية – الشيعية بين الصدر والحكيم ......................... …36
…- الأحمدية: مهدوية جديدة ودعوى المسيح ............................................…41
…- الكابلاه ......................................... .........................................…49
…- الكونغرس يلعب بالطرق الصوفية ضد الاخوان المسلمين ...........................…51
…- بوش وسفيره في القاهرة يرتديان العباءة الصوفية للتصدي للحركات الإسلامية...…53
…- قريباً تنطلق قناة الشيعة السعودية ......................................................…55
…- اجتماع تحضيري لمؤتمر الأحزاب الإسلامية في طهران..................................…56
…- هل من لقاء بين الفقهاء والمتصوفة ......................................................…58(54/1)
…- حتي لا " يصبح للخطايا ثمن " .........................................................
- فرسنة الخليج ...............................................................................
- عضو في البرلمان الإيراني: لا مضايقات ضد السنة في إيران ........................
…62
63
65
فتن .. فأين ابن حنبل منها؟؟
تشهد هذه المرحلة من تاريخ الأمة الإسلامية هجمات غير مسبوقة في حجمها أو كثافتها من جهة، ومن جهة أخرى من حيث تنوعها وتباين منطلقاتها، وتشترك معظم هذه الهجمات في كونها موجهة للعقيدة الإسلامية وأصول الدين والشريعة.
وهذه الهجمات تأتي في سياق حرب الإسلام من داخله بعد انكسار موجة الهجوم على الإسلام من خارجه، كما كان الشأن في صدر الإسلام، فبعد أن فشلت جهود كفار قريش وأعوانهم في الصد عن دين الله تحولوا لإستراتيجية الحرب من الداخل، كما قال الله عزوجل عن مكرهم الجديد: "أسلموا وجه النهار واكفروا آخره"، و بعد ذلك نشأت ظاهرة النفاق التي لا تزال لليوم، رغم أنها في أحيان كثيرة لا تخفي نفسها!!
وقد شهد التاريخ الإسلامي ردةً تصدى لها الصديق رضي الله عنه، ومن بعده جاءت فتنة خلق القرآن فواجهها الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، أما اليوم فإن الفتن لا تجد إماماً يتصدى لها، مع تقديرنا للجهود المباركة التي يقدمها علماؤنا ودعاتنا، فإن ما تواجهه الأمة يحتاج أضعاف ما هو مبذول لذلك من وقت وجهد وفكر ومال.
وهذه الهجمات على العقيدة الإسلامية وأصول الدين والشريعة يمكن إجمالها في المجالات التالية:
* زيادة نشاط الفرق المارقة عن الإسلام كالقاديانية والبهائية في الأوساط الإسلامية، وباللغة العربية بعد أن كان تركيزهم على أطراف العالم الإسلامي الناطق أهلها بغير العربية، وذلك عبر الفضائيات ومواقع الإنترنت وغيرها.
* الجهود الشيعية – الإيرانية وغير الإيرانية- الرامية لنشر التشيع وزرع عقائده الباطلة بين المسلمين .(54/2)
* الدعم والتشجيع اليهودي واليساري للطرق الصوفية في العالم، لضرب منهج التمسك بالكتاب والسنة، والعودة للخرافات والبدع والمنكرات، والاستسلام لأعدائنا باسم التسامح والأخوة الإنسانية بفضل عقيدة وحدة الوجود التي هي لب وجوهر التصوف.
* رعاية المنحرفين من القرآنيين والعقلانيين والمرتدين وفسح المجال لهم في وسائل الإعلام المختلفة.
* محاولة ترسيخ أحقية "المثقفين" من الملاحدة والماركسيين وغيرهم في تناول أمور الإسلام، وعدم قصره على علماء الشريعة!!
* محاولة ضرب أسس فهم الدين من معرفة النصوص ومعرفة اللغة ومعرفة أصول الاستنباط (أصول الفقه)، بالدعوة لمنهج جديد في إثبات النصوص الشرعية وترسيخ مناهج الألسنيات في معرفة اللغة، والمطالبة بتطوير أصول الفقه.
* السعي لتكوين تيارات منحرفة وشاذة في داخل الصف الإسلامي وإعطاؤها الحق في تقديم رؤيتها
للإسلام: كتجمع المرتدين عن الإسلام، أو تيار الإسلام النسوي، أو المسلمين الشاذين جنسيا!!
* تكثيف المطالبة بعلمنة الإسلام في شؤون الحكم، بدعوى الخوف من النزاعات والصراعات الطائفية.
هذه لعلها أهم الهجمات التي تواجهها العقيدة وأصول الشريعة الإسلامية اليوم. والحقيقة أن كل واحدة من هذه الهجمات منفردة تحتاج لجهود ضخمة لمقاومتها وصدها فكيف وهي مجتمعة!! ولذلك نؤكد على عدم قدرة عالم أو جهة معينة على صد هذه الهجمات لوحدها، بل لا بد من التعاون والتكاتف المستمر لصد هذه الهجمات ودحرها.
وللمساهمة في شرف هذا الجهاد وفي صد هذه الهجمات نقترح بعض الخطوات:
- معرفة الهجمات والأخطار التي تحتاج إلى صد.
- صياغة رد شرعي يتصف بالعلمية و العقلانية لكل هجمة على حدة.
- جمع القواسم المشتركة بين هذه الردود، وجعلها ثقافة شعبية بين المسلمين ، لتكون مطعوم وقاية من هذه الهجمات .(54/3)
- تقديم هذه الردود في قوالب مختلفة (خطبة، محاضرة، بحث، مقالة، كتاب ...) ومراعاة الشريحة المعنية ( العلماء وطلبة العلم، المثقفون، العوام، عوام متأثرون بهذه الأفكار، دعاة لهذه الأفكار ...) .
- الحرص على الوقاية المسبقة،عبر استشراف الفتن القادمة – وهي علامة أهل العلم – والعمل على تحصين المجتمع الإسلامي منها، لسهولة ذلك وحرصاً على دين المسلمين.
وكل هذا لا يتأتى إلا عبر عمل مؤسسي، لا يرتبط بفرد أو جهة دون غيرها من أهل السنة .
ونحن ندعو كل الغيورين للمشاركة بهذا الجهاد الذي يكاد يصل للوجوب العيني، بالعمل والتحرك نحو تحقيق هذه الخطوات كلها أو بعضها.
والله الموفق ،،
?
سلسلة التجمعات المسيحية في المنطقة العربية (2)
تمهيد:
نقوم بالتعريف بعدد من المجموعات المسيحية الموجودة في المنطقة العربية كالأقباط في مصر، والموارنة في لبنان، والكلدانيين في العراق...إلخ، كون هذه المجموعات تعيش في المنطقة، وبعضها يتولى سدة الحكم كما في لبنان، إضافة إلى أن علاقاتها مع المسلمين كثيراً ما يشوبها الاضطراب والصدام كما في مصر.
ثمة أسباب أخرى تدفعنا لطرق موضوع الجماعات المسيحية منها أن هذه المجموعات لا تعيش بمعزل عن المسلمين، فهي جزء من المجتمع وتلعب أدوارا سياسية واجتماعية واقتصادية، وربما عسكرية، ونحن نرى الآن في لبنان مثلاً أن الشيعة الممثلين بحزب الله وحركة أمل يقيمون تحالفاً مع بعض الأطراف المارونية المسيحية (عون، فرنجية) في مواجهة تحالف آخر يرأسه تيار المستقبل (السني) المتحالف مع بعض الأطراف المارونية (الجميل، جعجع) إضافة إلى التيار الدرزي الذي يمثله وليد جنبلاط.(54/4)
كما أننا لا نغفل عن أن هذه المجموعات المسيحية، أو غيرها من الأقليات يراد لها أن تكون عنصر اضطراب في المجتمعات الإسلامية، إذ يتم في كثير من الأحيان دعمها ورعايتها واستغلالها من قبل الغرب لإضعاف المجتمع الإسلامي، وضرب سكانه بعضهم ببعض، لاسيما عندما يتم المبالغة في أعداد ونسب هذه الأقليات، لإظهار أنها مضطهدة مهمشة ولا تحصل على الحقوق والامتيازات التي توازي أعداد أفرادها.
ومما يجدر ذكره أيضاً أن هذه المجموعات ليست كتلة واحدة متفقة ومنسجمة، إذ أن داخل كل جماعة مسيحية ـ شأن الجماعات والأديان الأخرى ـ توجهات وتيارات دينية وسياسية عديدة، تصل فيها الأمور في غالب الأحيان إلى مستوى الصراع والتخوين وربما التكفير.
2- الموارنة
الموارنة (أو المارونيون) أكبر الطوائف المسيحية في لبنان، وثالث أكبر طائفة مسيحية في العالم العربي بعد الأقباط و الروم الأرثوذكس. وينتمي الموارنة إلى الكنيسة الكاثوليكية( )، وتعتبر من الكنائس "الخلقيدونية"، نسبة إلى المجمع الخلقيدوني الذي انعقد عام 451 م، وأعلن أن المسيح هو "إله حق وإنسان حق، يجمع في شخصه الطبيعة الإلهية والطبيعة الإنسانية"( ).
والمجمع الخلقيدوني جاء ردّا على "المونوفيزية"، التي تعني: عقيدة الطبيعة الواحدة، والتي تبنّاها رئيس دير كبير قرب القسطنطينية، يدعى أوطاخي (أوتيخا)، وقال: إن الطبيعة الإنسانية في المسيح قد امتزجت بالطبيعة الإلهية امتزاجا كليا حتى تلاشت فيها، ولم يبق شيء في المسيح من الطبيعة الإنسانية، بل استحالت كلها إلى الطبيعة الإلهية، وبذلك لم يبق من المسيح سوى أقنوم واحد هو الأقنوم الإلهي. وقد تبنى هذه العقيدة بشكل خاص الأقباط والأرمن( ).(54/5)
وقد أخذت المارونية اسمها من "القديس مارون الناسك" الذي يقولون بأنه عاش في القرن الرابع الميلادي، لكنهم يؤكدون أن مصادرهم التاريخية لا تذكر شيئاً عن وطنه "ولا اسم والديه أو زمن ولادته ولا سيرة حياته قبل اعتزاله الدنيا، ولا الزمان والمكان الذي تنسّك فيه، ولا حتى تاريخ وفاته أو اسم البلدة التي استولت على جثمانه وبنت له فيها كنيسة عظيمة"( ).
فرنسا الأب الروحي
وبالرغم من أن الموارنة يشكلون 19% فقط من مجموع سكان لبنان، إلاّ أنهم يمثلون القوة السياسية والاقتصادية الأولى، وفي وقت سابق كانوا يشكلون أيضاً القوة العسكرية الأولى، ولم يأتِ ذلك مصادفة، إنما بإشراف وتنفيذ سلطات الاحتلال الفرنسي للبنان (1920- 1943)، فالفرنسيون الذين يشتركون مع الموارنة في الانتماء إلى المذهب الكاثوليكي، عملوا على توطيد سلطة الموارنة، وحصروا رئاسة الجمهورية بالموارنة، كما أعطوا المسيحيين تمثيلاً في المجلس النيابي يفوق المسلمين رغم أن عدد المسلمين في لبنان يفوق عدد المسيحيين.
وللموارنة صلات وثيقة بالدولة الفرنسية، تعود ـ بحسب موسوعة المجموعات العرقية والمذهبية - إلى الحملة الصليبية السابعة سنة 1429م، والتي كان على رأسها ملك فرنسا لويس التاسع، فعندما نزل لويس في عكّا، تقدم إليه وفد من الموارنة معهم المؤن والهدايا، وقد سلمهم الملك رسالة تتعهد فيها الدولة الفرنسية بحمايتهم( ). لم تكن الحملة الصليبية السابعة أول حملة تحظى بدعم وتعاطف الموارنة، إنما منذ الحملة الأولى "وفي ربيع 1099م توقف الصليبيون (وهم في طريقهم إلى القدس) في عرقا قرب طرابلس، ليحتفلوا بعيد الفصح، فالتقاهم هناك وفد من موارنة جبل لبنان ليرحبوا بهم ويعرضوا عليهم المساعدة"( ).(54/6)
"وتنفّس الموارنة الصعداء، مع وصول الصليبيين إلى لبنان (بسب معاناتهم من الدول الإسلامية، وعلاقتهم السيئة مع الروم)، واعتبروهم نعمة من السماء، كذلك كان شعور الصليبيين، إذ وجدوا في الماروني ـ ابن المنطقة ـ الدليل المخلص، والمحارب الصلب"( ). "وقد عاش الموارنة مئتي سنة، إلاّ قليلا في ظل حكم الفرنجة توطدت خلالها العلاقة بينهما في أكثر من مناسبة دينية وعسكرية" ( ).
وخلال تبعية لبنان للدولة العثمانية، كان لفرنسا وجود معنوي ومادي في الدولة العثمانية وخاصة في لبنان، وقد تمثل هذا الوجود في البداية في الاتفاقات التي عرفت بـ "الامتيازات الأجنبية" وكان آخرها سنة 1740 م، وكانت تنص في بادىء الأمر على حماية اللاتين، لكن فرنسا استغلت ضعف الدولة العثمانية لتفرض حمايتها على جميع الطوائف المسيحية في لبنان، وبخاصة الموارنة( ).
الموارنة والنظام السياسي
لبنان بلد يعجّ بالطوائف والملل التي يصل عددها إلى 12 طائفة أهمها السنة، والشيعة، والأرثوذكس، والأرمن، والموارنة، والدروز... الخ، وقد قام النظام السياسي في لبنان منذ الاستقلال سنة 1943، بل وفي فترة الاحتلال الفرنسي، على نظام المحاصصة الطائفية، فحُصرت رئاسة الجمهورية بالموارنة، ورئاسة الوزراء بالسنة، ورئاسة مجلس النواب بالشيعة، ووُزّعت المقاعد النيابية بنسبة ستة إلى خمسة بين المسيحيين والمسلمين.
وحابى هذا النظام بشكل واضح المسيحيين، وخاصة الموارنة، على حساب المسلمين الذين يشكلون الأكثرية في لنبان، لاسيما حين أعطى لرئيس الجمهورية (الماروني) صلاحيات كبيرة، ومقاعد نيابية للمسيحيين تفوق الممنوحة للمسلمين، قبل أن يتم تعديل هذا الوضع في اتفاق الطائف سنة 1989، الذي عزّز بدوره صلاحيات رئيس الوزراء (السنّي) على حساب صلاحيات رئيس الجمهورية، وزاد مقاعد المسلمين في مجلس النواب، وصارت الحقائب الوزارية تقسّم مناصفة بين المسلمين والمسيحيين.
الموارنة والحرب الأهلية(54/7)
أسس الموارنة في السابق، وخلال فترة الاحتلال الفرنسي للبنان، العديد من التكتلات والأحزاب السياسية، وكذلك المؤسسات الاجتماعية والرياضية.. ومن أبرز تلك التكتلات: "الكتلة الدستورية"، التي أسسها الرئيس السابق بشارة الخوري سنة 1932، "والكتلة الوطنية" التي أسسها إميل إدِّه، وكلاهما من الموارنة. وقد سيطرت هاتان الكتلتان على الحياة السياسية في لبنان حتى فترة ما بعد الاستقلال.
وفي رد على نشاط دعاة الوحدة مع سوريا، والمنادين بسوريا الكبرى، أسس فريق من الشباب المسيحي منظمة "الكتائب اللبنانية" سنة 1936، وعلى رأسها الماروني بيير الجميل، وقد كان للكتائب دور كبير في الحياة السياسية اللبنانية، وكذلك أدوار قذرة في الحرب الأهلية التي اندلعت سنة 1975، واستمرت حتى سنة 1991، خاصة وأن حزب الكتائب، امتلك السلاح والقوة العسكرية مثل معظم الأحزاب الأخرى.
أعلن حزب الكتائب الماروني العداء للوجود الفلسطيني في لبنان، وتورطت قواته بمذابح ضد سكان المخيمات الفلسطينية سنة 1982، وفي مقدمتها صبرا وشاتيلا، إذ وقفت قوات الكتائب صفاً واحداً مع القوات الإسرائيليية الغازية، ضد المواطنين الفلسطينيين العُزّل في المخيمات لترتكب مجازر يندى لها الجبين.
ولم يكن الصف الماروني موحّداً خلال الحرب الأهلية (75 - 91)، ففي تلك الحرب دخلت المجموعات المارونية في صراعات ضد بعضها البعض، كما دخلت في صراعات ضد المجموعات التي تمثل الأديان والمذاهب الأخرى، ففي تموز سنة 1980، استطاع حزب الكتائب السيطرة على مراكز حزب الوطنيين الأحرار الذي أسسه الرئيس السابق كميل شمعون، والقضاء على قوته العسكرية، وتوحيدها تحت شعار "القوات اللبنانية".
وفي السنوات الأخيرة للحرب، دخل سمير جعجع الماروني في معارك طاحنة ضد الجنرال ميشيل عون الماروني أيضا، الذي كان قائداً للجيش، ورئيساً لحكومة عسكرية، سميت تلك الحرب ـ من شدة ضراوتها ـ "حرب الإلغاء".(54/8)
كما اتهم جعجع باغتيال عدد من قادة الموارنة، منهم داني شمعون رئيس حزب الوطنيين الأحرار، وطوني فرنجية ابن الرئيس السابق وعائلته، وكلهم ينتمون للطائفة المارونية.
لقد دفع الخلاف الكبير الذي برز في صفوف الموارنة خلال الحرب الأهلية الأخيرة عدداً من المراقبين إلى اعتبار أن تلك الحرب كانت بالأساس حرباً مارونية، تهدف إلى فرض القوة وتقاسم النفوذ، وتمثيل الطائفة، لكن ذلك لا يلغي أن الحرب ايضاً كانت قراراً خارجياً لدول تبحث في لبنان عن موطئ قدم، وخاصة إيران وسوريا.
الموارنة في الأزمة السياسية الحالية
كما أن الصف الماروني لم يكن خلال الحرب الأهلية موحّداً، فهو اليوم أيضاً ليس موحّداً، فما زال الصف الماروني منقسما انقساما حادّا إزاء انتخاب رئيس للجمهورية الذي ما زال مقعده شاغرا منذ 23/11/2007 ، ويبدو اليوم في لبنان تكتلان أساسيان يتنازعان السلطة وبينهما خلافات عميقة:
الأول : يعرف بـ "تحالف 14 آذار" ويتكون بشكل أساسي من القوى المعارضة لسوريا المتهمة باغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، وأهم مكونات هذا التحالف تيار المستقبل الذي يرأسه سعد رفيق الحريري، والمحسوب على السنة، والتيار الدرزي برئاسة وليد جنبلاط، إضافة إلى تيارين مارونيين هاميّن، أولهما حزب الكتائب برئاسة أمين الجميل، والآخر تيار القوات اللبنانية برئاسة سمير جعجع.
الثاني: يعرف "بتحالف 8 آذار" ويتشكل أساساً من القوى الموالية لسوريا، وعلى رأسها حزب الله وحركة أمل، وهما حزبان شيعيان، يدين الأول بالولاء لإيران، والآخر لسوريا. وإضافة إلى حزب الله وأمل، يضم التحالف اثنين من رموز الموارنة هما ميشيل عون وسليمان فرنجية.
أبرز شخصياتهم الدينية والسياسية حاليا:
1- البطريرك مار نصر الله صفير:(54/9)
أعلى زعيم ديني لدى المارونيين (ولد في أيار 1920). ولقبه: بطريرك إنطاكية وسائر المشرق للموارنة، درس الفلسفة واللاهوت في جامعة القديس يوسف ببيروت. من مؤلفاته: موارد من الإنجيل، مواعظ الأحد ..الخ.
2- العماد اميل لحود:
رئيس الجمهورية المنتهية ولايته دون انتخاب خلف له (من مواليد يناير 1936). عين قائداً للجيش عام 1989 بعد إقصاء قائد الجيش ورئيس الحكومة العسكرية آنذاك ميشيل عون. انتخب رئيسا للجمهورية عام 1998 ومدد له بضغط سوري لفترة رئاسية ثانية عام 2004.
بعد إغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري في 2005 وما تبعه من خروج للقوات السورية من لبنان و فتح تحقيق دولي في حادثة الاغتيال، تم إجراء انتخابات نيابية أدت إلى فوز تحالف 14 آذار بأغلبية المقاعد النيابية والتي بدأت بمقاطعة لحود ومن ثم مطالبته بالاستقالة لتحميله مسؤولية الاغتيال كون الحريري كان معارضا التمديد للحود، لكن لحود تلقى الدعم من القوى الموالية لسوريا و التيار الوطني الحر بزعامة ميشال عون عدو الأمس.
3- أمين الجميّل:
رئيس الجمهورية خلال الفتره 1982 - 1988، خلفا لأخيه بشير الجميّل الذي تم انتخابه لرئاسة لبنان ولكنه اغتيل قبل تسلمه المنصب. توجه إلى المنفى بعد نهاية فترته الرئاسية. وانتقل من سويسرا إلى فرنسا وعاد إلى لبنان عام 2000 لينضم إلى تيار معارض لإميل لحود الذي اعتبره الجميل رئيسا تحت الهيمنة السورية.
سنة 2001 دخل أمين في نزاع مع كريم بقرادوني حول زعامة حزب الكتائب الذي أسسه والده بيير الجميّل، وانتهى النزاع ظاهرياً بتولي الجميل منصب الرئيس الأعلى المستحدث، و بقاء بقرادوني في موقع الرئيس.(54/10)
اغتيل نجله وزير الصناعة بيير أمين الجميّل في نوفمبر 2006. وفي يوليو 2007 ترشح الجميّل لشغل مقعد نجله في إنتخابات المتن الشمالي الفرعية. ورغم الدعم الذي تلقاه من حلفائه في تحالف 14 آذار إنهزم الجميّل أمام مرشح التيار الوطني الحر، كميل خوري.
4- العماد ميشال عون:
(من مواليد 17 فبراير 1935) قائد عسكري وسياسي. كلف في نهاية سنوات الحرب الأهلية اللبنانية من قبل الرئيس امين الجميل بتشكيل حكومة عسكرية بعد تعذر انتخاب رئيس جمهورية جديد يخلف الجميل حيث كان عون في حينه قائدا للجيش اللبناني.
عاد في مايو 2005 من منفاه في باريس التي قضى فيها 15 عاما، بعد لجوئه اليها بعد نهاية الحرب. وقد خاض الانتخابات النيابية بعد عودته بفترة قصيرة وحصد نجاحاً ودخل البرلمان اللبناني بكتلة نيابية مؤلفة من 21 نائباً. يتزعم عون حالياً التيار الوطني الحر أهم الأحزاب السياسية المعارضة في لبنان والمتحالف مع حزب الله بوثيقة تفاهم وقعت في فبراير 2006 في كنيسة مار جرجس.
5- سمير جعجع:
(من مواليد 1952) أحد أبرز أمراء الحرب اللبنانيين. رئيس الهيئة التنفيذيّة لحزب القوات اللبنانية، احدى الميليشيات السابقة التي لعبت دوراً مهماً في الحرب الاهلية اللبنانية. انضم في صباه إلى الذراع الطلابي لحزب الكتائب، لكن بسبب تنامي نفوذه وقيامه بانتقاد الزعامات المسيحية ، تم طرده من الكتائب.
في عام 1994 سجن بسبب تفجير كنيسة سيدة النجاة، و حوكم بتهمة إغتيال رئيس الحكومة رشيد كرامي ورئيس حزب الوطنيين الأحرار، داني شمعون, كما اتهم باغتيال النائب طوني فرنجية ابن الرئيس سليمان فرنجية وعائلته.
حكمت المحكمة عليه بالإعدام وتم تخفيف الحكم إلى السجن مدى الحياة، وتم حل القوات اللبنانية. اطلق سراح جعجع عبر عفو نيابي خاص من قبل المجلس الجديد الذي انبثق بعد خروج الجيش السوري من لبنان عام 2005 ليعود إلى نشاطه السياسي.(54/11)
يعد من ابرز قادة تحالف 14 آذار المعادي لسوريا مع وليد جنبلاط و سعد الحريري.
8- سليمان فرنجية
(من مواليد 1965) حفيد رئيس الجمهورية سليمان فرنجية (1970 - 1976). بعد اتفاق الطائف عين عضوا بالمجلس النيابي عام 1991 وكان حينها اصغر نائب بالبرلمان، كما دخل المجلس النيابي بانتخابات الاعوام 1992 و1996 و2000 ، بينما خسر المقعد النيابي بالانتخابات الاخيرة عام 2005.
شارك بالحكومة لأكثر من مرة وحمل أكثر من حقيبة، وتربطه علاقة شخصية قوية مع الرئيس السوري بشار الأسد. يعتبر فرنجية من أكبر المعارضين لحكومة فؤاد السنيورة و لتحالف 14 آذار و خصوصا للقوات اللبنانية المتهم قائدها سمير جعجع بقتل والده.
7- ميشيل إدّه: (من مواليد 1928) سياسي ورجل أعمال. شغل عدة مناصب وزارية بين 1980 و1998. ترأس الرابطة المارونية منذ عام 2003 ولغاية عام 2007. يرأس منذ عام 1990 الشركة العامة للطبع و النشر، التي تصدر صحيفة لوريون لوجور.
8- المهندس ريمون روفايل: عميد المجلس العام الماروني، ومدير الأمن العام سابقا بين عامي 1991– 1998.
9- الدكتور جوزف طربية: رئيس الرابطة المارونية، ويرأس مجلس إدارة مجموعة بنك الاعتماد اللبناني منذ العام 1988، ورئيس جمعية مصارف لبنان ورئيس مجلس ادارة اتحاد المصارف العربية منذ 2001.
10- الأب عبدو ابو كسم: رئيس المركز الكاثوليكي للإعلام الخوري .
11- الأب يوسف مونس: أمين سر اللجنة الأسقفية لوسائل الاعلام( ).
للاستزادة:
1- موسوعة المجموعات العرقية والمذهبية في العالم العربي - إشراف ناجي نعمان.
2- موسوعة الأديان (الميسرة) - إصدار دار النفائس.
3- المسيحيون العرب: الدور والحضور (عدد خاص من مجلة "معلومات" الصادرة عن المركز العربي للمعلومات في بيروت ـ العدد 45 أغسطس/آب 2007).
4- موسوعة ويكيبيديا على شبكة الانترنت.
عباس الصفوي يحول الحج إلى مدينة مشهد(54/12)
"مشهد" إحدى أكبر مدن إيران، وأكثرها قدسية لدى الشيعة، وتنبع هذه القدسية من وجود ضريح علي بن موسى (الرضا) فيها، وهو الذي يعتبره الشيعة الاثنى عشرية ثامن أئمتهم.
لم تكن "مشهد" مجرد مدينة تحتوي ضريح شخص يعتبره الشيعة أحد أئمتهم الاثنى عشر، بل غدت في يوم من الأيام مكاناً للحجّ، بدلاً من مكة المكرمة!
تعود بنا الذاكرة إلى الدولة الصفوية الشيعية التي قامت في إيران بدءاً من عام 906 هـ (1500م) واستمرت 250 سنة، وتعود بنا تحديداً إلى عهد الشاه عباس الكبير، الذي أزكمت جرائمه هو وباقي حكام الصفويين، الأنوف، وقد عرضنا في الراصد عدداً من هذه المخازي كالجرائم التي ارتكبها الصفويون ضد أهل السنة في إيران والعراق، وكالتحالفات التي كانوا يعقدونها مع الدول النصرانية ضد الدولة العثمانية السنية، والبدع والخرافات التي نشروها وأدخلوها على التشيع( ).
والحديث عن مخازي الصفويين وعباس الكبير( ) أمر يطول لكننا في هذه السطور نعرض شيئاً من تعصبه لمذهبه الشيعي، وكرهه بالمقابل لعقيدة المسلمين، هذا التعصب تمثل في إحدى صوره بطلب عباس من الإيرانيين أن يتوجهوا بالحج إلى مقام الرضا في مشهد، بدلاً من مكة المكرمة، وكي يكون عباس قدوة الناس في هذه الفعلة النكراء توجه هو إلى هناك، ماشياً!!
نعم، توجه الشاه عباس سيراً على الأقدام من أصفهان التي كانت عاصمة للدولة الصفوية آنذاك، إلى مدينة مشهد، وقطع في هذه الرحلة التي دامت 28 يوماً، أكثر من 1200 كيلو مترا، ثم بقي هناك مدة ثلاثة أشهر، يعمل فيها مع الخدم في التنظيف وخدمة زوار مقام الرضا، ومساندة عمال البناء( ).
لماذا الرضا ومشهد؟
ثمة أسباب عديدة جعلت عباس الصفوي يتوجّه بالحج إلى مقام الرضا في مدينة مشهد بدلاً من مكة، أهمها:
1.…تقديس الشيعة لأضرحة أئمتهم، كما سيأتي بيانه، واعتبار زيارتها أفضل من الحج والكعبة ومكة ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم والمدينة النبوية.(54/13)
2.…الخلاف المحتدم آنذاك بين الصفويين، والدولة العثمانية، فاعتبر عباس أن الواجب القومي يحتم عدم السفر عبر الأراضي العثمانية ودفع رسم العبور لها( ).
3.…لفت الأنظار إلى مدينة مشهد وإيران، ومحاولة تحويل ولاء الشيعة لها( )، لاسيّما وأن "مشهد" هي المدينة الإيرانية الوحيدة التي تضم ضريح أحد أئمة الشيعة الاثنى عشرية، بعكس العراق مثلاً، الذي يوجد فيه أضرحة خمسة من الذين يعتبرهم الشيعة أئمة لهم (علي، الحسين، الكاظم، الهادي، العسكري) إضافة إلى مكان اختفاء المهدي المزعوم.
تبرير شيعي
ومع إقرار الشيعة بتوجه الشاه عباس إلى مشهد ماشياً، إلاّ أنهم ـ أو بعضاً منهم على الأقل ـ ينفي أن تكون هذه الزيارة للحج، ويقولون إن عباس الصفوي لم يتخذ مقام الرضا كعبة، إنما قصد زيارته ماشياً "للتزلف إلى المولى عز وجل بزيارة ولي من أوليائه، والتوسل إليه بخليفة من خلفائه... والشيعة إنما تقصد زيارته بداعي الولاء للعترة الطاهرة الذي هو أجر الرسالة، ورغبة في المثوبات الجزيلة المأثورة عن أئمتهم عليهم السلام"( ). لكن جملة من الحقائق تدحض هذا الكلام وتؤكد أن عباس الصفوي قصد من عمله هذا توجيه الناس إلى حج مشهد ومقام الرضا وليس فقط مجرد الزيارة، ومن تلك الحقائق:
1- تقديس الشيعة مقامات وأضرحة أئمتها، ومن ضمنها مقام الرضا، وتفضيلها على مكة والمدينة، كما دلت بذلك رواياتهم قديماً وحديثاً، ومن تلك الروايات:
أ- روى الكليني عن أبي عبد الله (أي جعفر الصادق) أنه قال: إن المؤمن إذا أتى قبر الحسين (ع) يوم عرفة واغتسل من الفرات ثم توجه إليه، له بكل خطوة حجة بمناسكها، ولا أعلمه إلاّ قال وغزوة!
ب- يقول الخوئي، وهو المرجع الأكبر للشيعة الإمامية في زمانه،: "تستحب الصلاة في مشاهد الأئمة (ع) بل قيل: إنها أفضل من المساجد. وقد ورد أن الصلاة عند عليّ (ع) بمائتي ألف صلاة" كتاب منهاج الصالحين، مسألة 562.(54/14)
جـ- عن أبي عبد الله أن رجلاً سأله عن الغسل إذا أتى قبر الحسين، قال: اجعله قبلة إذا صليت وتنحّ هكذا ناحية.
د -عن الرضا (ع) قال: زيارتي تعدل عند الله ألف حجّة! ونسبوا له أيضاً القول:
هـ- يكتب الله لزائري مائة ألف شهيد، ومائة ألف صدّيق، ومائة ألف حاج ومعتمر، ومائة ألف مجاهد.
و- نسبوا إلى عليّ القول: من زار الرضا غفر الله ذنوبه ما تقدم منها وما تأخر مهما كانت.
ز- وادّعوا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ستدفن بضعة مني بأرض خراسان (أي مشهد)، لا يزورها مؤمن إلاّ أوجب الله له الجنة، وحرّم جسده على النار( ).
2- أنه في عام 390هـ، جرت محاولة من قبل إحدى فرق الشيعة لتحويل الحج إلى مصر. كان ذلك في زمن الحاكم بأمر الله، أحد حكام الدولة العبيدية الفاطمية، التي تتبع المذهب الشيعي الإسماعيلي، ففي ذلك العام حاول الحاكم نبش قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ونقلها إلى مصر حيث مقر الدولة العبيدية( ). وعليه فإن ما قام به الشاه عباس الصفوي، من صرف الإيرانيين عن مكة والحج، حاول القيام بمثله حاكم آخر من الشيعة.
للاستزادة:
1.…"عودة الصفويين" عبد العزيز المحمود.
2.…"زيارة المراقد عند الشيعة" د. طه الدليمي.
3.…"التشيع بين مفهوم الأئمة والمفهوم الفارسي" محمد البنداري.
4.…مقال "مرجع شيعي يعلن ولادة قاتل المهدي المنتظر" صباح الموسوي، موقع مفكرة الإسلام.
التشيع فرقة وليس مذهباً فقهياً
أسامة شحادة(54/15)
من المغالطات الشائعة – للأسف – القول بأن التشيع مذهب فقهي كسائر المذاهب الأربعة! وهذا خطأ فادح، خاصة حين يصدر عن بعض العلماء والفقهاء، الذين يحلمون أن تجتمع كلمة الأمة الإسلامية، فيظنون أنهم حين يجعلون الشيعة مذهبا فقهيا كسائر المذاهب الأربعة يعملون على تحقيق الوحدة المنشودة، لكنهم في الحقيقة يبعدون الأمة عن مجدها وعزتها بهذا الصنيع، فالأمة ليست بحاجة لهؤلاء الشيعة بقدر حاجتها لأبنائها الضّالين وراء شهواتهم أو المتقاعسين عن خدمتها، ففيهم الغنية عن الشيعة وأمثالهم.
مفهوم مصطلح "المذهب":
يعرّف الدكتور عبد العزيز الخياط معنى المذهب في الاصطلاح بقوله: "طريقة المجتهد في استنباط الأحكام من الكتاب والسنة والإجماع والقياس ومجموع الاجتهادات والآراء الفقهية التي توصل إليها في أمور الناس وفق القواعد الأصولية والفقهية "( ).
فالمذهب إذاً هو نظر واجتهاد في الأحكام الفقهية (الفروع) ولا يتعلق بمسائل العقائد والإيمان، ولذلك لا تعدّ الخوارج والمرجئة والقدرية والمعتزلة من المذاهب الفقهية، وكذلك هو حال الشيعة، فهي فرقة وليست مذهبا، لأنها تخالف وتنازع في الأصول والعقائد وليس في الفروع والأحكام الفقهية.
صحيح أن كثيراً من أهل العلم أطلق لفظ المذهب على المعتزلة والشيعة، ولكن بمعنى النحلة والفرقة، أما بمعنى المذهب الفقهي فهذا معنى لم يقصده أحد ٌ منهم.
والذي دفعني لكتابة هذا البحث هو ما أراه اليوم من تساهل البعض في جعل التشيع مذهبا فقهياً كسائر المذاهب الأربعة، بل ومحاولة تدريسه في الجامعات والكليات الشرعية لأهل السنة بدعوى أنه مذهب فقهي.
أصل هذه الظاهرة:
لم تكن الأمة الإسلامية في يوم من الأيام تعتبر التشيع مذهبا فقهيا، بل إن أول من حاول جعله مذهبا فقهياً هو الحاكم الإيراني نادر شاه( ) الذي أراد الجمع بين أهل السنة ومذاهبهم، والتشيع لوقف الحروب بين حكام إيران الصفويين، والدولة العثمانية.(54/16)
وكانت له رغبة حقيقية بذلك ورتب مؤتمرا في مدينة النجف العراقية (سنة1156 هـ - 1743 م)( ) جمع فيه علماء الشيعة والسنة، وأقام مناظرة بينهم انتهت بخضوع الشيعة لمنهج أهل السنة، وأمر أن يصلي الجميع سوية في ذلك الجمع، وكانت النتيجة أن ثار علماء الشيعة عليه وأفشلوا محاولته، فبرز من يومها اسم المذهب الجعفري نسبة إلى جعفر الصادق؛ لذا يطلق البعض على الشيعة أحياناً اسم (الجعفرية) .
كانت هذه حادثة تاريخية نادرة لم تتكرر، ثم تجددت هذه الدعوى من بعض الإيرانيين الذين قدموا إلى القاهرة وأسسوا جمعية التقريب ( )، بعد ذلك جاءت فتوى الشيخ شلتوت، شيخ الأزهر، والتي أصبحت مستندا للكثيرين في اعتبار الشيعة مذهبا فقهيا.
حقيقة خلاف الشيعة مع المذاهب الفقهية الأربعة:
تخالف الشيعةُ المذاهبَ الفقهية الأربعة في قضايا العقائد والأصول وليس في المسائل الفقهية، وسنذكر مثالين فقط من قضايا خلاف الشيعة للمذاهب الأربعة في قضايا العقائد والأركان ومنهج فهم الدين :
1- في أركان الإيمان: تجمع المذاهب الأربعة على أركان الإيمان الستة المعروفة ، في حين أن الشيعة جعلوا الإمامة (ويقصدون بها أن إمامة المسلمين بعد النبي صلى الله عليه وسلم محصورة في إثني عشر رجلا هم علي بن أبى طالب وبعض بنيه بنص القرآن) لب الإيمان، ولهذا قال ابن المطهر الحلي: "إن مسألة الإمامة (إمامة الاثني عشر) هي أحد أركان الإيمان المستحق بسببه الخلود في الجنان والتخلص من غضب الرحمن"( ).
وبذلك تكون المذاهب الأربعة بأصحابها وأتباعها ـ حسب المفهوم الشيعي ـ خالدة في النار، حائزة غضب الرحمن!! وهذه العقيدة هي ما يؤمن به شيعة اليوم مع تخفيف العبارة فقط، فهذا المجلس الشيعي الأعلى في لبنان – على اعتداله ـ ينشر على موقعه الإلكتروني عقيدة الشيعة في الإمامة، فيقول :" نعتقد: أنّ الإمامة أصل من أُصول الدين لا يتم الإيمان إلاّ بالاعتقاد بها"( ).(54/17)
ومعلوم أن جميع أتباع المذاهب الأربعة اليوم لا يؤمنون بمفهوم الإمامة الشيعي، وبذلك لا يتم لهم إيمان! وهذا تكفير واضح من المجلس الشيعي الأعلى لسائر المذاهب الأربعة، فكيف يعد التشيع مذهباً خامساً معهم وهو يكفّرهم؟؟
2- الشيعة تخالف إجماع المذاهب الأربعة في مفهوم السنة النبوية، فإن التعريف الشيعي الإمامي للسنة هو "قول المعصوم أو فعله أو تقريره"، متعدين بذلك تعريف المذاهب السنية المختلفة للسنة بأنها: "قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أو فعله أو تقريره"( ). والفرق ضخم جدا ًبين أن تكون السنة محصورة بالنبي صلى الله عليه وسلم فقط وبين أن يتوسع مفهوم السنة ليشمل غيره من أئمة الشيعة.
ومعلوم أن السنة النبوية لم يتعهد الله بحفظها كالقرآن الكريم، ولذلك نشأ علم الحديث بفروعه المختلفة لتنقية السنة النبوية من الموضوعات والأكاذيب، ومعلوم أن الشيعة ليس لهم عناية بعلم الحديث النبوي فضلاً عن سنة أئمتهم!! ولذلك كانت الروايات عن أئمتهم مصدراً لكل العقائد الباطلة التي روّجوها، وعلى رأسها عقيدة الإمامة التي لم ترد في القرآن فاخترعوا لها عشرات الروايات المكذوبة على أئمتهم.
موقف الشيعة من الأئمة الأربعة ومذاهبهم:
إن موقف الشيعة من الأئمة الأربعة ومذاهبهم، موقف في غاية الكره والبغض، بل هو موقف التكفير والطرد من الإسلام، فكيف يقال أن الشيعة مذهب كسائر المذاهب الأربعة؟؟ ولقد فصّل في ذلك الشيخ خالد الزهراني في بحثه "موقف الشيعة من الأئمة الأربعة"( )، فقد جمع فيه روايات الشيعة التي تطعن بالأئمة الأربعة، وإقرار علمائهم لما حوته هذه الروايات من طعن فظيع بهم، وما قاله شعراؤهم في ذم الأئمة الأربعة.
وقد دارت مطاعن الشيعة على النحو التالي:
1.…رمي الأئمة الأربعة بالجهل، والادّعاء بأنهم اعتمدوا في الفقه والحديث على أئمة الإثني عشرية.
2.…اتهام الأئمة الأربعة بإحداث مذاهب مخالفة للكتاب والسنة.(54/18)
3.…الادّعاء بأن المذاهب الأربعة تجري وفق هوى السلطات.
وقد نقل الزهراني قول شاعرهم:
إذا شئت أن ترضى لنفسك مذهباً……ينجيك يوم البعث من ألم النار
فدع عنك قول الشافعي ومالكٍ……وأحمد والنعمان أو كعب أحبار
ووالِ أناساً قَولُهُم وحَدِيثُهُم……روى جَدُّنا عن جبرائيل عن الباري
وليس هذا هو موقف السابقين من الشيعة فحسب، بل إن بعض حمقي المتشيعين من المعاصرين – كالتيجاني التونسي – يكرر هذه النظرة المبغضة للأئمة الأربعة ولمذاهبهم، فيقول في كتابه (ثم اهتديت): «ربما أن المذاهب الأربعة فيها اختلاف كثير، فليست من عند الله ولا من عند رسوله».
ويقول في كتابه (الشيعة هم أهل السنة): "وبهذا نفهم كيف انتشرت المذاهب التي ابتدعتها السلطات وسمّتها بمذاهب أهل السنة والجماعة... ثم يقول: والذي يهمنا في هذا البحث أن نبيّن بالأدلة الواضحة بأن المذاهب الأربعة لأهل السنة والجماعة هي مذاهب ابتدعتها السياسة". فكيف بعد هذا كله يزعم عاقل أن الشيعة مذهب فقهي كسائر المذاهب الأخرى.
هل هناك مذهب فقهي عند الشيعة؟
حاول الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه (جعفر الصادق) اختراع مذهب لجعفر الصادق ولم يوفق وذلك لكون هذا المذهب غير موجود أصلا ً!! فليس للشيعة مذهب فقهي كسائر المذاهب الفقهية المعروفة وذلك لأسباب:
1- كثرة الكذب في رواتهم.
2- مبدأ مخالفة أهل السنة، استناداً إلى رواية مكذوبة على جعفر الصادق :(ما خالف العامة ففيه الرشاد)( )، مما ولّد لديهم تناقضات كبيرة كون بعض المسائل فيها أقوال متعددة لأهل السنة بين الحل والحرمة، فأين سيذهب الشيعة إذاً بمخالفتهم؟؟
3- التقية، وهي تشمل الإفتاء بغير الصواب!! مما يضلل الناس!!
وقد أصدر الشيخ الدكتور طه الدليمي كتاباً بعنوان "أسطورة المذهب الجعفري"( )، توصل فيه إلى [أن (الجعفرية) في واقع أمرهم:
* لا يتبعون فقهاً معروفاً للإمام جعفر الصادق!
* أو فقيهاً واحداً ينقل إليهم فقه جعفر!!(54/19)
* أو فقهاً متفقاً على مسائله!!!
* أو – على الأقل - فقهاء عديدين متفقون في عموم مسائل الفقه!
وبدلاً من أن يتبع الشيعة فقهاً معلوماً محدداً معروف النسبة إلى الإمام جعفر، تراهم - عند التطبيق - يخالفون نظريتهم في الإمامة ويتبعون مذاهب فقهائهم، علماً بأن كل فقيه من هؤلاء الفقهاء مذهب قائم بحاله: ومن قلّد واحداً منهم لا يحل له – عندهم - أن يقلد الآخر!
وبينهم من الاختلافات ما ضج منها علماؤهم قبل عوامهم! فهذا أبو جعفر الطوسي، شيخ الطائفة، يقول: "وقد ذكرت ما ورد عنهم عليهم السلام في الأحاديث المختلفة التي تخص الفقه في كتابي المعروف بالاستبصار وفي كتاب تهذيب الأحكام ما يزيد على خمسة آلاف حديث. وذكرت في أكثرها اختلاف الطائفة في العمل بها. وذلك أشهر من أن يخفى، حتى إنك لو تأملت اختلافاتهم في هذه الأحكام وجدته يزيد على اختلاف أبي حنيفة والشافعي ومالك"( )].
خاتمة:
وبذلك يتضح لنا أن الشيعة لا تملك مذهبا فقهيا أصلاً تجتمع عليه، فكيف وهي أصلاً تخالف المذاهب الفقيهة الأربعة في الأصول والعقائد وأركان الدين، بل تطعن بها وتكفرها.
بل كتب محب الدين الخطيب كتابه الصغير الرائع "الأصول التي قام عليها دين الشيعة .." أي انه جعلهم دينا مستقلا، ولعل هذا هو الحق: فهُم دين مستقل يشترك معنا بأشياء، لكنه يختلف معنا في الأصول والعقائد، والاشتراك ببعض الأشياء لا يعنى جعله مذهبا، فالإسلام يشترك مع الديانات السماوية بأشياء كثيرة، ولكن لا يصح أن يقال أن الديانات واحدة، وما ذنبنا نحن معاشر أهل السنة إذا كان الشيعة يعتبروننا كفارا، لأننا لا نؤمن بما يؤمنون به من الإمامة، والرجعة، والبداء وغير ذلك من الاعتقادات الخاصة بفرقتهم .
ونخلص من هذا عدم صحة إطلاق مصطلح "مذهب"، بمعنى المذهب الفقهي على الشيعة، بل الصحيح وصفهم بالفرقة لأنها حقيقة حالهم، حيث فارقوا المسلمين بأصل كلّي وعقدي ولم يكن خلافهم معهم محصورا في الفروع.(54/20)
دين الثعالب..!
د. طه الدليمى
قبل أيام قليلة تناقلت وسائل الإعلام المحلية والعالمية خبر اجتماع كبير لرؤساء عشائر ورجال دين وشخصيات شيعية في جنوب العراق، وصدور بيان عنه بإدانة التدخل الإيراني الطائفي في العراق. وجاء في الخبر ما يلي: (وقع أكثر من ثلاثمئة ألف عراقي من بينهم ستمئة من زعماء العشائر الشيعية على بيان يتهم إيران بنشر الانفلات الأمني جنوبي العراق.
وقال البيان إن "أكثر الطعنات إيلاما وأكثر الخناجر تسمما التي غرزتها إيران في خاصرة الشيعة في العراق هو استغلال المذهب وبشكل مخجل لتحقيق نواياها الشريرة".
كما اتهم البيان إيران باستهداف المصالح الوطنية العليا والبدء في التخطيط لتقسيم العراق وفصل المحافظات الجنوبية عن العراق.
ودعا الموقعون - ومن بينهم 14 رجل دين و600 شيخ عشيرة و1250 حقوقيا ومحاميا و2200 طبيب ومهندس وأستاذ جامعي و25 امرأة - الأمم المتحدة لإرسال وفد للتحقيق فيما وصفوها بالجرائم التي ترتكبها إيران وأتباعها في جنوبي العراق. وأطلع شيوخ العشائر المشاركون في الحملة وكالات الأنباء ومراسلي الصحف العالمية على الأوراق التي احتوت على التوقيعات الأصلية) وكالات الأنباء25/11/2007.
الطريف في الخبر ما جاء في تضاعيفه من (رفض الشيوخ الكشف عن أسمائهم خشية تعرضهم للانتقام)!. واستبشرت جهات إعلامية سنية بالخبر. ولربما عده البعض دليلاً إضافياً من أدلة وجود تيار عروبي وطني في أوساط الشيعة.
لسنا ضد النادمين، ولكن..
لست ضد هذا كله. بل نحن مع كل الصاحين من نومهم – وإن طال – ومع كل الراجعين عن غيهم – وإن تمادوا – ومع كل خطوة في الاتجاه الصحيح – وإن تثاقلت – بل نمد أيدينا لانتشال الغارقين، الذين يستغيثون للخلاص مما هم فيه. ولكن..(54/21)
كل شيء بمقدار. وكل شيء ينبغي أن ينظر إليه على حجمه الذي هو عليه دون زيادة أو نقصان. حتى لا نَظلِم، ولا نُظلَم. فالله تعالى ذم الذين يظلمون أنفسهم في مواضع متعددة من القرآن الكريم كقوله جل وعلا: [وَمَاْ ظَلَمْنَاهُمْ وَلكِِنْ كَانُواْ أَنْفَسَهُمْ يَظْلِمُونَ]. والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أُضل، أو أزلّ أو أُزل، أو أظلم أو أُظلم، أو أجهل أو يُجهل علي). وهو من أذكار الخروج من المنزل.
والمسؤولية العظيمة التي ينبغي أن نستشعرها، تفرض علينا أن لا نأخذ الأمور على ظاهرها، أو ننساق معها انسياقاً عاطفياً، تكون عاقبته وبالاً وابتئاساً وإحباطاً، في زمن كثرت فيه دوافع اليأس، ودواعي الإحباط. إنما المطلوب أن ننظر إلى ما يحدث نظرة موضوعية، تحسب حسابات الربح والخسارة، وتوازن بين الحسابين: أيهما أكبر؟ وأيهما وهم أو سراب لا يغني من لذع الحقيقة شيئاً؟
مساكين أهل السنة..!
قبل حوالي سنة حضرت مجلساً ضم نخباً متنوعة من العراقيين: منهم علماء دين، ومنهم شيوخ عشائر، ومنهم سياسيون وعسكريون كبار، ومنهم أساتذة جامعات. تطرق البعض منهم إلى أن في الجنوب شيوخ عشائر كثيرين، يعادون إيران، ويتمتعون بالشعور العربي والحس الوطني. فتجاوب البعض الآخر مع هذا النوع من الطرح، وراحوا جميعاً يكيلون المدح والثناء لهؤلاء الشيوخ، وأنهم كثرة في أوساط شيعة الجنوب، ويأتون بقصص وحكايات يرونها تؤيد وجهة نظرهم!
تلفتّ يميناً وشمالاً، وأخذت أنظر إلى نفسي باستغراب! أين ما أراه مما أراه؟!(54/22)
وحين أخذ الحديث مستحقه من الأخذ والرد خاطبت الذي بدأ الموضوع – وكان أحد مشايخ الدين في البصرة - فقلت: لي على ما قلتم تعقيب في سؤالين: الأول: هؤلاء الشيوخ الذين تصفهم بالعروبية والوطنية ماذا فعلوا يوم دخل المحتل البلد؟ هل وقفوا ضده؟ أم صفقوا له مع المصفقين؟ أم ماذا كانوا يصنعون؟ فقال - هو وبعض الحاضرين - : صحيح.. لقد صفقوا للمحتل. قلت: وسؤالي الثاني: هل هؤلاء الذين تقولون عنهم: "يعادون إيران ويكرهون العجم" أذلهم العجم حين سيطروا على البصرة وبقية محافظات الجنوب، وأهانوهم، وضربوا مصالحهم؟ أم أكرموهم وعاملوهم معاملة الند للند؟ قال: بل أذلوهم وداسوا على رؤوسهم، وضايقوهم في أرزاقهم ومصالحهم المادية.
قلت: أيها الإخوة! فأين العروبة والوطنية مما هم فيه؟! هؤلاء قوم تصوروا أن المحتل سيفرش لهم دنياهم بالورود، فلما ضربت مصالحهم، وأذلت معاطسهم، وتبخرت أحلامهم، انطلقت ألسنتهم سخطة للدنيا، كما قال تعالى فيهم وفي أمثالهم: [وَمنْهُم منْ يَلمِزُكَ في الصَّدقاتِ فَإنْ أُعطُواْ مِنهَا رَضُواْ وَإنْ لمْ يُعْطَواْ مِنهَا إِذَا هُمْ يَسخَطُونَ] [التوبة:58].
ليست الوطنية أن تفتح أبواب بلدك، وتنفتح معه للأجنبي المحتل، حتى إذا أهانك وأذلك ناديت بالويل والثبور. وليست العروبية أن تستبشر بالعجمي يطأُ فراشك معززاً مكرماً، تقبل يديه، وتمسح البساط ما بين رجليه، حتى إذا وطئت قدماه رأسك صحت: "عجمي! خذوه!" لا أبداً.(54/23)
الوطنية أن تصطف مع بلدك في الحالتين، والعروبية أن تمقت الشعوبية والشعوبيين في المرتين. على أنني لا أعمم فأقول: كل هؤلاء على تلك الشاكلة. بل منهم من هو وطني عروبي بحق. وهم كما قال تعالى فيهم وفي أمثالهم: (لَيْسُواْ سَوَاءً) (آل عمران:113). ولكن هنا يتبادر سؤال: كم هو مجموع هؤلاء وهؤلاء، أي الوطنيين الحقيقيين والمزيفين كلاً على بعض؟ لا شك أنهم قليل. وهم - وإن كثروا - لا تأثير لهم في تغيير مجرى الأحداث؛ فلا ينبغي أن نعول ليهم كثيراً، ونعطي للأمر حجماً أكبر مما هو عليه في الواقع.
الأرقام الواردة في الخبر..!!!
وأول ما يلفت النظر في هذا الخبر، الأرقام الواردة فيه! وأولها عدد التواقيع (000 300) ثلاثمائة ألف توقيع! هذا عدد ضخم ليس من السهل تصديقه. ومن جرب عرف. ولك أن تتخيل نفسك ملزماً بالترويج لأمر يحتاج إلى توقيع (000 10) شخص، لا (000 300)، عندها ستشعر بضخامة هذا العدد! ومقتدى قبل ثلاث سنوات أراد أن يجمع – للدعاية والتطبيل لا أكثر- مليون توقيع يطالب برحيل الأمريكان. وإلى الآن لم نسمع خبراً عما آل إليه الأمر! رغم أن جهات سنية معتبرة - مثل هيئة علماء المسلمين - كانت معه، ووعدته المساعدة في هذا الموضوع نفسه.
الرقم الآخر عدد رؤساء العشائر وهو (600) ستمائة شيخ عشيرة..! وأنا أسأل: كم هو عدد العشائر في العراق كله؟ وارجعوا إلى كتب الأنساب. فكم هي عشائر الجنوب وحده؟ ربما يقال: المقصود بالعشائر هو الأفخاذ.(54/24)
ونقول: حتى وإن كان هذا هو المقصود فإن العدد يبقى كبيراً، لا سيما إذا أخذنا بنظر الاعتبار عدد العشائر التي لم توقع. ولا شك أنه كبير. ومن استحضر الأجواء السياسية والعسكرية في الجنوب، وسيطرة إيران والأحزاب والتجار والمراجع والمليشيات الموالية لها يدرك صعوبة الاصطفاف ضد إيران. والخبر يشير إلى هذا فقد جاء فيه: (رفض الشيوخ الكشف عن أسمائهم خشية تعرضهم للانتقام)! والشيء نفسه يقال عن عدد الحقوقيين والمحامين (1250)..!!!
هل يمكن أن يعقد مؤتمر بهذا الحجم، ثم يمكن التغطية على المشاركين فيه بعدم الكشف عن أسمائهم؟! إذن أين تمكنوا من عقد اجتماعهم؟ هل تحت الأرض؟ أم في جزيرة من جزر المحيط؟ أليس من وسائل إعلام حضرت الاجتماع؟ ثم من يجرؤ على معارضة المالكي ومقتذى هذه المعارضة في علاقتهم وارتباطهم بإيران؟
وعندها تدرك أن الخبر موضوع للدعاية القائمة على المبالغة والتضخيم. فمن يقف وراءه؟ من هو المستفيد؟
ليس المهم الحدث
وهنا لي أن أقول:
1.…ليس المهم الحدث، وإنما تفسير الحدث: كيف؟ ولماذا؟ ما هي أسبابه؟ وما الغاية التي يريد الانتهاء إليها؟
2.…وليس المهم الحدث، إنما استغلال الحدث. فإن كنا جادين فعلاً؛ فلنعمل على استثمار هذه البوادر – بل حتى البوادر أو الأحداث السيئة - لصالحنا، بشرط أن لا تكون خسارتنا أكثر من ربحنا. لا أن نقف موقف المتفرج، أو المزمر بالسلب أو الإيجاب دون أن يدري عن حقيقة الأمر شيئاً. وهو المطلوب بالنسبة للخصم ابتداءً أو مآلاً.
وتأسيساً على ما سبق، وعلى فرض صحة أصل الخبر، أقول:
مؤتمرات متلاحقة من العيار نفسه..؟!(54/25)
بعد الخبر بيوم أو يومين تتابعت اجتماعات متلاحقة من الجنس نفسه، تحت مظلة المصالحة، ونبذ الطائفية، والتآخي بين السنة والشيعة. مؤتمر للعشائر يعقده الشيخ أحمد عبد الغفور في جامع أم القرى. مجلس علماء العراق يقيم مؤتمراً في النجف بعده بيوم أو يومين. وآخرها اليوم (28/11) وفد صدري من أهالي حي الثورة (المسمى بمدينة الصدر) يزور الأستاذ طارق الهاشمي في مكتبه، ويدعوه إلى تبني مشروع الوحدة والمصالحة، وأنهم اختاروه ممثلاً لهم في هذا المشروع، طالبين منه أن يضع يده بيد مقتذى في سبيل هذا الهدف!!! ولا ندري ما الذي يعقد من اجتماع في الغد القريب؟!
أكل هذا يحصل من دون اتفاق، أو تخطيط؟! فمن وراءه؟ ومن المستفيد؟ وماذا يراد لنا؟ وبنا؟
ما خسروه في القتال يريدون سلبه بالكلام
يقول الانجليز: "ما نخسره في ميدان الحرب، نكسبه على طاولة المفاوضات". فهل الشيعة اليوم يطبقون المبدأ نفسه؟ فبعد أن استعملوا جل أوراقهم في القتل والتخريب والتدمير، ومحاولة تنفيذ مشروعهم في جعل جنوب العراق ووسطه، والعاصمة بغداد منطقة صافية للشيعة، بتصفية أهل السنة، وإرعابهم، وتهجيرهم. ثم تبين لهم بالملموس أن تحقيق هذا الهدف ليس بالسهل. لا سيما أن قواعد اللعبة تغيرت كثيراً، ومصالح (الإخوة الأعداء) بدأت بالتضارب. إذن المرحلة تقتضي مد اليد للآخر والجلوس معه على طاولة مفاوضات (الأخوة، والتصالح، ونبذ الطائفية،
والحفاظ على وحدة البلد، وتعليق كل الأخطاء على شماعة إيران).
المشكلة أن الكثير من أهل السنة يسارع في تصديق مثل هذه الخزعبلات، مدفوعاً بشتى الأسباب. ولا يتردد في نسبة جرائم الشيعة التي ملأت الأرض حتى ضجت أطرافها، إلى جهات خارجية كالموساد وإيران، وكأن منفذيها من العراقيين مجرد دمى تحرك بخيوط خفية، لا إرادة لهم في تنفيذها قط!(54/26)
سمعت يوماً - وأنا غلام يافع - رجلاً يقول لصاحبه: ندعو فلاناً، ثم نشبعه ضرباً وإهانة، ولو بالوسائد. ثم نختم ذلك بالضحك آخر الأمر، ونقول له: كنا نمزح معك. فنهينه أمام الحضور، وفي الوقت نفسه نتخلص من تبعة الفعل! هذا ما يريد الشيعة فعله بنا اليوم! أحلوا للمحتل بلادنا، وذبحوا شبابنا، وقتلوا علماءنا، وشردوا أهلنا، وحرقوا مساجدنا، ومزقوا مصحفنا، ودمروا بلدنا. ثم ها هم اليوم يضحكون علينا باسم الإخوة والتصالح! عيب علينا والله نلدغ من الجحر نفسه في كل عام مرة أو مرتين، ثم لا نتوب ولا نكون من المعتبرين!
انظروا إلى الشاشة ففيها الجواب
رأيت اليوم (28/11) على شاشة التلفاز رئيس الوقف الشيعي صالح الحيدري في اجتماع النجف بين العمائم السنية والشيعية، وهو يندد ويقول: "لا مذهبية ولا طائفية ولا فئوية ولا.. ولا" ! فقلت: لقد هزلت حتى صار مثلك يتكلم بهذا ! وتذكرت قول الشاعر العراقي المبدع أحمد مطر:
رأيت جرذاً
يخطب اليومَ عن النظافة
وينذر الأوساخ بالعقاب
وحوله يصفق الذباب(54/27)
وصباح هذا اليوم رأيت على قناة المستقلة المدعو محمد رشاد الفضل مذيلاً اسمه بما يسمى "التيار الاصلاحي المستقل" يتحدث حديثاً مطولاً عن إيران وتدخلها بشؤون العراق، وقتلها للشيعة العروبيين في المحافظات الجنوبية، ويسميه القتل لإعلاء شأن المذهب. ويقول: اللغة الفارسية تاخذ مجالها الآن في النجف، وينتظرون إلغاء اللغة العربية. وأن أحد الإيرانيين المتخفين من أعضاء مجلس النواب العراقي هو الذي اقترح اعتبار اللغة الفارسية لغة رسمية في العراق إلى جانب اللغة العربية. ويذم المجلس الأعلى وبدر، ويتحدث عن ارتباطهما بإيران. ويحكي قصة الإيراني محمود الهاشمي، كيف صار أول رئيس "للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق". ثم صار رئيساً لمجلس القضاء الإيراني، وسمى نفسه شاهرودي. وأنهم سألوه في البرلمان الإيراني: أنت عراقي أم إيراني؟ فقال: أنا إيراني، لكن لمصلحة إيران قلت: أنا عراقي. كل هذا قاله في كلام طويل عن إيران وتآمرها على العراق.
وأنا أسأل القارئ: ما تقول - وأنت تسمع مثل هذا الكلام - في مثل هذا؟ أجب قبل أن تقرأ ماذا قال عن السيستاني، ومقتدى وجيش المهدي والتيار الصدري؟ والمقاومة العراقية الباسلة.
لقد دافع عن غراب إيران علي السيستاني، واصفاً إياه بأنه رجل دين لم يتدخل في السياسة قط، وأنه ضد الأمريكان. ولا علاقة للمجلس الأعلى به. ثم صار يكيل المدح للتيار الصدري. وكان مما قاله فيه: "التيارالصدري مدرسة اصلاحية، يرعون الفقراء والمساكين، ويرفضون التصرفات الخاطئة للشيعة. ولا علاقة له بايران. كلهم شباب عراقيون عرب". وغير ذلك من الكلام.(54/28)
ولم يكتف بهذا حتى حمل على المقاومة حملة شعواء، ونفى أن تكون ثمة مقاومة في العراق! وكان مما قال بهذا الخصوص: نسمع بأن هناك (38) جيشاً يقاوم الاحتلال. لو صح هذا، ولو كان صحيحاً أن هناك مقاومة، لما كان هذا العدد القليل لقتلى الأمريكان. إلى الآن لم يبلغ عدد القتلى أربعة آلاف. لو كل واحد منهم قتل أمريكياً لبلغ عدد القتلى عشرات الآلاف. إذن كل ما يقال عن وجود مقاومة كذب. هؤلاء يقتلون العراقيين فقط. ثم رجع يمجد مقتذى الصدر ويقول عنه: الصدر يرفض الطائفية، والتقسيم، والقتل. وعرج على ما أسموه بالانتفاضة الشغبانية، وصار يمجدها. والآن ماذا تقول في هذا؟ هل غيرت إجابتك؟
ما الناتج النهائي الذي يمكن أن تحصل عليه من هذا الشخص وأمثاله؟ وهم عامة من يتحدث في الوطنية والعروبة والإصلاح من الشيعة.
نصيحتي لكل المخلصين أن لا يستعجلوا في الحكم على الشيعي، بمجرد أن يسمعوه يذم إيران، أو هذا الطرف الشيعي أو ذاك، حتى يسمعوا كلامه كله، ويقلبون مجال النظر فيه من كل جانب، وينظروا إلى مواقفه كلها.
هؤلاء هم الشيعة! فلا يصح أن ننظر إلى تظاهرهم بالعداء لإيران، ونوقع لمن فعل ذلك على بياض.
الالتفاف على مكاسب العشائر السنية
كلنا يعلم أن العشائر السنية خطفت الأضواء في الفترة الأخيرة، وأصبحت أحد الأرقام المحسوبة في المعادلة العراقية. فصارت الوفود الشيعية تترى إلى المناطق الغربية السنية تخطب ودها، وتحاول الالتفاف عليها؛ حتى لا تنفرد بالقرار المؤثر وحدها. ولا تتخذ قرارات تؤثر سلباً على من باع البلد واصطف مع المحتل. ومعلوم عنا طيبة أهلنا، كما أنهم ليسوا خبراء في معرفة العقلية الشيعية، وكيف تفكر؟ يسمعهم الشيعة معسول الكلام، ولا شيء غير الكلام والهوسات (الأهازيج) والأشعار، ويأخذون مقابلها مواقف عملية لها وزنها.(54/29)
فعلى سبيل المثال: قامت العشائر السنية بتأمين طريق الرمادي – سوريا، والرمادي – الأردن، دون تفريق بين سني وشيعي، فصار الشيعي يسلكه آمناً مطمئناً. بينما لم يحصل أهل السنة مقابله تأمين طريق بغداد – المحافظات الجنوبية، فلا زال السني لا يأمن على نفسه في سلوكها. وهذا خطأ سياسي كبير. كما عادت عوائل شيعية عديدة إلى المناطق السنية المؤَمَّنة كالعامرية وغيرها، لكن لم يعد ما يقابلها من العوائل السنية إلى بيوتهم في المناطق الشيعية. هذا إذا سلمنا أن هذا العمل المتبادل هو الصحيح.
أكثرنا يجهل كيف يفكر الشيعي؟ وكيف يسلك؟
لا زال أهل السنة في العموم بعيدين عن المعرفة الدقيقة بنفسية الشيعي ودوافعه في تصرفاته، وعقليته وكيف يفكر؟ وكيف يسلك في تنفيذ أفكاره؟ نعم عرف الكثيرون عقائد الشيعة. لكن معرفة العقائد وحدها لا تكفي، بمعزل عن هذه الأمور. إن أكثرية أهل السنة يجهلون هذا كله، ويقيسون نفسية الشيعة وعقليتهم وطرائق تفكيرهم وسلوكهم قياساً جامداً على ما عليه أهل السنة أنفسهم من ذلك.
التقليد والعلاقة العضوية بين الشيعي ومرجعه
الشيعي حياته مبنية على العلاقة مع المرجع الديني بناء يصعب هدمه، وتأسيس علاقة أخرى خارج هذا البناء. فالتقليد عند الشيعي عقيدة ودين لا يمكن أن يتخلى عنه، وإلا شعر بأن حياته الدنيوية مهددة بالأعداء الذين يريدون الانقضاض عليه، وحياته الأخروية مهددة بالخلود في جهنم. نعم قد يتضايق من هذه العلاقة، وقد يلاحظ انحراف المرجع الذي يقلده، وقد يشكو منه، بل ربما يسبه، لكنه في النهاية يعود إليه، ليأخذ بفتواه وتوجيهه في دنياه وأخراه. والمرجع إما عجمي أو مستعجم. فالفتوى عادة ما تصب في مصلحة إيران.(54/30)
هذه العلاقة الصميمية بين الشيعي والمرجع لا يتصورها حتى علماء أهل السنة – إلا القليل – فعندما يأتي شيخ عشيرة شيعي، أو أستاذ جامعي، أو رجل عادي إلى شيوخ عشائرنا، أو علمائنا، ويظهر لهم الشكوى والتذمر من عزيز الحكيم، أو السيستاني، أو مقتذى، أو المالكي، أو يسب إيران – وقد يكون صادقاً في سبه وشكواه – يتصور شيوخنا وعلماؤنا أن هذا يكفي في سلخ الشيعي عن مرجعه، وابتعاده عما هو مخطط له من السير في الطريق الخاطئ الذي يسلكه. ويستبشرون بما رأوا وسمعوا، وربما تفاخروا به، وصاروا يتحدثون بما حققوه من مكاسب مع فلان وفلان من شيوخ ووجهاء وشخصيات شيعية مؤثرة. ويتخذون مواقف تضر بنا مقابل كلمات سمعوها، وأوهام تخيلوها. ولا ينتظرون حتى يروا موقفاً عملياً ملموساً بناء على ما سمعوه من كلام. ولا يدور ببال الكثيرين منا أن هذا الشيعي الشاكي المتذمر – حتى لو كان صادقاً – إنما هو في نهاية المطاف لن يصدر إلا عن أمر المرجع الذي كان يذمه ويتذمر منه! والسبب أن التقليد عند الشيعي دين وعقيدة. وليس هو كما عند أهل السنة. فيقع جماعتنا في مفارقة القياس مع الفارق.
مرض الإدمان على المراجع(54/31)
والسبب الآخر نفسي. وهو لا يقل عن السبب الأول: الاعتقادي. إن الشيعي يتربى منذ تعومة أظفاره على تقديس المرجع والخضوع له إلى حد العقدة التي يمكن أن نسميها بـ (عقدة الأب). فإن الشيعي مهما تضايق من رجل الدين، وشعر أنه يظلمه ويعتدي عليه، ومهما ذمه أو تكلم عليه، لا بد في النهاية أن يعود لطاعته والاستسلام له. كما يفعل الولد البار مع والده. هل رأيت رجلاً يدمن الخمرة، لكنه يتضايق منها، ويعلم أنها تؤذيه؛ فيذمها ويسبها، ويتمنى الخلاص منها، لكنه عند حلول الظلام يعود إليها يترشفها ويشربها. فهو يلعنها في الصباح، ويصحبها في المساء. كذلك الشيعي مع المرجع. فلا يغرنكم كلام الشيعة على مراجعهم، حتى تروا موقفهم العملي منهم. والنتيجة أن العلاقة مع إيران علاقة لا تنفصم ما دام الشيعة يؤمونون بالتقليد، ويطبقونه في واقعهم ديناً وعقيدة لا يمكن لهم أن يتخلوا عنها.
هل يعلم جماعتنا أهل السنة بهذا؟ أم إنهم يستغربون كلامي؟ ويتخذون من استغرابهم له سبباً لرفضه؟
انتبه..! ليس كل من عادى عدوك صار صديقك
هل كل من كان عدواً لعدوك كان صديقاً لك؟ اللهم إلا على طريقة استغلال العداوة بينهما للإضرار بهما كليهما، أو بأحدهما اقتناصاً للفرصة. والحكماء عندما قالوا: "عدو عدوي صديقي" قصدوا هذا، ولم يقصدوا الصداقة الحقيقية. فلو افترضنا أن بعض الشيعة صدق في عداوته لإيران، فلا يعني هذا أنهم انقلبوا أصدقاء لنا. فالأعداء طالما يختلفون فيما بينهم. والخبراء يقولون: لا يوجد في السياسة أعداء دائميون ولا أصدقاء دائميون. إنما توجد مصلحة دائمة. فتختلف المصالح بين بعض الشيعة وإيران، وتضطرب العلاقة. ثم تلتقي المصالح وتتجدد العلاقة.(54/32)
ربما يختلف اليهود مع إيران إلى حد الحرب. لكن هذا لن يجعل واحداً منهما صديقاً لي. وعلي في هذه الحال أن أقتنص الفرصة لا أكثر. لا أن أطبل لهذا الطرف أو ذاك في حسابات وهمية لا تعود علينا إلا بالخسارة. فهب أن شيعياً شتم إيران، فكان ماذا؟
لقد طفح الكيل، وأمسى التدخل الإيراني في شؤون العراقيين لا سيما في الجنوب، واستعداء هذا على هذا واضحاً، ومحاربة العرب، ومن عنده بقية من أصول وأخلاق عربية – حتى من الشيعة - والتعصب للفرس، والتمييز العنصري صار الناس يعيشونه واقعاً، حتى سفاحو جيش المهدي صار بعضهم يستنكره ويشكو منه، ويذم إيران لأجله. فهل نشطب على تاريخ خمس سنين من العداوة والقتل والجرائم، من أجل أن هذه الحثالات - وقد ضربت مصالحها، وداس العجم على معاطسها – صارت تشتم إيران؟
هكذا بهذه البساطة؟!
اللعبة المزدوجة في السياسة الإيرانية
إيران تتبع في سياستها دائماً وأبداً مبدأ "اللعبة المزدوجة". فهي تعين الضد وضده في وقت واحد. فهي تمد هذه اليد للجهات الشيعية، واليد الأخرى للجهات السنية المتصارعة معها، وغير المتصارعة أيضاً، المتطرفين منهم وغير المتطرفين! وتشجع العملية السياسية والعلاقة مع الأمريكان، وفي الوقت نفسه تشجع العمل المقاوم ضدهم!
وهكذا تعمل مع هذه القوى جميعاً، ويكون لها مع كل جهة نصيب. وهي لعبة قديمة لليهود ذكرها القرآن العظيم في سورة البقرة، في قوله تعالى: (وإِذْ أخذْنَا مِيثاقَكُمْ لا تَسفكونَ دِمَاءَكُم ...) الآية والتي بعدها. وقد ذكر أحد المهتمين بهذا الشأن أن وفداً زار أحد الدول العربية، يطعن في إيران، ويحذر منها. بينما الحقيقة أن هذا الوفد مرسل من قبل إيران نفسها لهذه المهمة.(54/33)
لقد كثر الطاعنون في إيران. وكشفت الكثير من أوراقها. فوجود مجموعة من بضعة أفراد يطعنون فيها لن يغير من المعادلة شيئاً، ولن يزيد الأمر سوءاً. فلتصطنع إيران هذه المجموعة، وتتفق معهم مسبقاً ليديروا الأمور لصالحها. يتجسسون لها، ويطلعون على بواطن الأشياء لها. ويختطفون الثمرة من يد أصحابها، ويضعونها في سلتها. هكذا تلعب إيران لعبتها. فعلينا أن نكون حذرين جداً جداً في التعامل معها، ومع أذنابها، ولا نعطي الأمان والاطمئنان لكل من يشتمها، ويتظاهر بالعداء لها.
وصدق أحمد شوقي حين قال:
مُخطئٌ من ظنَّ يوماً……أنَّ للثعلبِ دينا
…
?
حسن العلوي: الدعوة إلى المصالحة أم القطيعة؟؟
محمد العواودة
في منتصف هذا العام (2007) وفي لقائه مع الإعلامي المعروف تركي الدخيل في برنامجه "إضاءات" على قناة العربية، كان حسن العلوي - المفكر العلماني والبعثي العراقي السابق - يبشر بأطروحته الإصلاحية "النوعية" الجديدة في معادلة النزاع الطائفي الدائر بين أهل السنة والشيعة في العراق بعنوان "عمر والتشيع" التي ستقوم على أساس المقاربة التاريخية - هذه المرة - من خلال غربلة جريئة لمكامن التأجيج في كل من الخطابين السني والشيعي الثاوي في كل من التراثين، أو بمعنى آخر إجراء مصالحة تاريخية بين الطائفتين تسهل مهمة المصالحة المجتمعية وتكريس السلم الأهلي، مساهمة منه لحقن دماء العراقيين وترسيخ مبدأ المشاركة الفاعلة في المشهد العراقي.(54/34)
جاء الرد السني سريعاً، ومن العراق نفسه على الكاتب والكتاب فور نزوله في السوق، فيؤلف الدكتور طه حامد الدليمي كتاباً بعنوان "العلوي وكتابه: عمر والتشيع، وحدوية العلماني والديني عند الشيعي" الذي حاول فيه بداية، تحديد المنطلقات النفسية والأطر الفكرية عند العلوي التي يجدها ثاوية في كل من البعدين السياسي والتاريخي المستبطن للبعد العقدي الشيعي، حيث يجد العلوي يحاول أن يتنصل منها في ظاهريتة المقاربية، وليس أدل على ذلك أن يمهرها ببعض القوالب الفكرية الشيعية المعاصرة واستخدامها كجوازات عبور إلى الوعي السني، متمحورا - العلوي - في قراءته كلها على مبدأ التقية الخالدة في الوعي الشيعي، واستخدام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رمز الكره الايدولوجي للشيعة - كرافعة للقفز لظاهريته العلمانية وتسويق دعوته للمصالحة التاريخية والسلم الأهلي.
فهل سينجح العلوي في تقديم رؤى تصالحية حقيقية مع التاريخ؟
في سياق تناوله التاريخي لمقاربته المجتمعية التصالحية للماضي والحاضر، يستدعي العلوي أمير المؤمنين عمر- رضي الله عنه – إلى مشروعه ويثني على إنجازاته وأفعاله، ولكن الدليمي، يرى أن العقل الباطن وترسبات الطفولة عند العلوي "العلماني " تأبى إلا أن تطفو على عقله الواعي ليلمز عمر على طريقة الشيعة في التنقيص منه، ولكن في سياق إظهار إعجابه بعمر، فينعته بـ " ابن حنتمة" غير مرة، وهي ما تستخدمه الأسطورة الشيعية للنيل من نسب عمر، أو ترديد العلوي في كتابه القول: إن قوم عمر – عشيرته - لم يكن لهم ثقل أو بلاء في القتال، أو التأصيل بالقول - استنادا إلى مرويات شيعية معتدلة!! - إن مقتل عمر كان على أيدي أبناء جلدته من قريش "غير المؤمنين!!" وليس على يد أبي لؤلؤة المجوسي كما تقول الرواية السنية، وهو الذي دخل قومه – أبو لؤلؤة - في الإسلام عن إيمان ويقين غير قريش الذين دخلوا الإسلام تملقا وخيفة وإغراء.(54/35)
يضيف الدليمي، إذا تجاوزنا الطعن المبطن بعمر بن الخطاب وبقية الأصحاب والطعن الصريح بقريش؛ فان العلوي يتهم أهل السنة اليوم ويصف تسننهم بـ "التسنن الأموي"، فجمهور المسلمين في البلدان العربية والإسلامية متهم وغير معترف به عنده، علماً أن المصطلح المخترع "التسنن الأموي" هو مصطلح شيعي صفوي يقصدون به المواجهة بالمثل، محاولا العلوي من هذا، استبطان القطيعة وإن أظهر المصالحة، تلك المصالحة التي تشطب على تاريخ قرن هو من أخصب القرون وله في نفوس مئات الملايين من المسلمين ماله من منزلة، محاولا التشنيع على الأمويين بمعادلتهم ومقابلتهم بالصفويين، فهل يستوي المثلان؟
يمكن للناظر في هذا الكتاب أن يرى بوضوح اختباء العلوي خلف علمانيته التي يحاول أن يظهر بها في هذا الكتاب كطرف غير منحاز، إلا أنه يأبى إلا أن يظهر شيعياً منحازا وهو يلمز صلاح الدين الأيوبي وإنجازه العظيم بالقضاء على الدولة الفاطمية الشعوبية ومستحدثاتها في سب الصحابة...الخ، ولكنه كشيعي نموذجي يستعمل أسلوبا حلزونيا في الوصول إلى المراد، فلا يذكر صلاح الدين باسمه وإنما يشير إليها إشارة بالمرحلة الأيوبية ويجعلها مثالا للتراكم الطائفي.
إن هذه التقريرات التاريخية المبتسرة تعبر في رأي الدليمي عن أمرين: معلومات تاريخية سطحية، وعقليه جمعية شيعية، وبالرغم من أن الدليمي لم ينقص العلوي باعه في التاريخ إلا أنه يجده حين يقترب من نقاط التماس التاريخية مع الاتجاه الشيعي تتسطح معلوماته وتتقعر لينقلب قزما قصير اليدين، أعشى العينين، لينفلت لتشيعه متخندقا خلف علمانيته.(54/36)
ويتساءل الدليمي، فهل يمكن لنا من بعد أن نتصور أن الشيعي يمكن أن يتصالح مع التاريخ؟ الجواب طبعاً: كلا، لأن هذا التصور كما يراه الدليمي لا يعدو أن يكون إلا وهماً ،لأن علماء التشيع أدخلوا التاريخ في العقيدة في بيعة الغدير، واغتصاب أبي بكر للخلافة، وتكفير الصحابة، وكسر ضلع الزهراء ...الخ من الخزعبلات التاريخية التي امتزجت عند الشيعي مع عقيدته امتزاجا لا يمكن بعده الفصل أو التمييز بينهما.
يستحضر الدليمي كتابين من مؤلفات العلوي يستند عليها في تحليل شخصيته - الكتابان اللذان يؤوّلا مبدأ التقية عنده والتلون عند اختلاف الحال وتغير مراكز القوى ضمن الدائرة التي يدور فيها - فمثلا نراه في كتاب "دماء على نهر الكرخا" الذي كتبه العلوي باسم مستعار هو حسن السوداني - لعله يقصد من ذلك حفظ خط الرجعة عندما تتغير الأحداث - وقد كتبه العلوي وهو ما يزال يعمل سكرتيراً صحفيا للرئيس صدام حسين، يتحدث فيه عن الفرس وكيف تلبسوا بالتشيع مستترين به على مكائدهم ضد العرب ودينهم الجديد ودولته القومية الجديدة وإرجاع أسباب الحرب ودوافع الصراع إلى جذور عرقية قديمة تمتد إلى فجر التاريخ.
ثم هرب العلوي وكتب عدة كتب منها "الشيعة والدولة القومية" يقلب فيه الحقيقة، و يتهم فيه أهل السنة بالطائفية والاستحواذ على السلطة والعمالة للإنكليز والتمالؤ معهم على إقصاء الشيعة الذين دافعوا عن الوطن في ثورة العشرين ورفضوا أن يضعوا أيديهم بأيدي الإنكليز- مثل السنة -.
بينما نجده في كتاب "عمر والتشيع" ( الكتاب التصالحي ) يقول عن الحرب – الخليج الأولى – إنها حرب أمريكية ضد الشيعة خاضها العراق بالنيابة عن أمريكا، ويمجد الخميني ويقارنه بعمر الفاروق بشخصيته وعدالته وتفاصيل حياته.(54/37)
لينتهي الدليمي من خلال هذا الكتاب إلى أن المنظومة الفكرية والنفسية للإنسان الشيعي كاملة بعقائدها وعقدها وعاطفتها، وهيجانه ورؤيته الأشياء والأشخاص والواقع والتاريخ وتعلقها بإيران ورجالها، تبين أن الوطنية والعروبة لدى هؤلاء مجرد دعوى هائمة أو عاطفة تائهة عائمة ليس لها عند الامتحان من حقيقة وبرهان، كما أنه لا فرق بين شيعي علماني وآخر متدين، فكلاهما سواء عند خط النهاية، وان العلماني والديني يتوحدان في شخصية الشيعي توحدا تاما ويشتبكان في النسيج الواحد.
يستشهد العلوي لنظريته في المشاركة بعدة عمائم شيعية هي: محمد مهدي الخالصي، محمد حسين كاشف الغطاء، محمد حسين فضل الله "الأب الروحي لحزب الله "، وآخرون مثل: موسى الصدر "مؤسس منظمة أمل"، ومحمد باقر الصدر" مؤسس حزب الدعوة "، محمد باقر الحكيم " مؤسس المجلس الأعلى ومنظمة بدر" وأخيرا بالخميني نفسه" مؤسس جمهورية إيران الشيعية"، فالثلاثة الأُول، يقول عنهم العلوي "يتفق هؤلاء المراجع في كونهم خارج المنهج الصفوي وهم لا يرون ما يضر بالعامة نافعا للشيعة ولا يرتاحون لحديث يثني على الإمام علي بهجاء عمر و يأخذون بروايات الفرقة والانقسام، أي ليسوا من دعاة القطيعة.
يدعو الدليمي إلى عدم الاغترار بكتب مثل كتاب "عمر والتشيع" فهي ليست إلا كتب دعائية تنشر بين أهل السنة، وهي تغاير الكتب الأخرى التي يعتمدونا في سراديبهم وجوّانيهم، ويتساءل الدليمي في هذا السياق، أليس محمد مهدي الخالصي هو القائل في "أصول مذهب الشيعة الإمامية" لم اذكر الصحابة بخير لأني لا أريد أن أتعرض لعذاب الله وسخطه بمخالفته الكتاب والسنة والإطراء على من قبح أعماله القرآن المجيد والأحاديث المتواترة...".
أوليس محمد كاشف الغطاء هو الذي يقول في كتابه "اصل الشيعة وأصولها" لولا علي لكان الإسلام ضرطة عنز".(54/38)
أو ليس محمد حسين فضل الله هو المفتي في كتابه "مسائل اعتقادية" بعدم جواز التعبد في فروع المذهب السني أو أي مذهب إسلامي غير مذهب أهل البيت لأنه المذهب الذي قامت عليه الحجة القاطعة.
"أو ليس موسى الصدر هو المؤسس لمنظمة أمل صاحبة المجازر الطائفية والإبادة للمخيمات الفلسطينية.
أو ليسس محمد باقر الصدر مؤسس حزب الدعوة يقول في كتابه "فدك في التاريخ" عن خلافة أبي بكر الصديق أنها خلافة لم تباركها السماء ولا رضي بها المسلمون، ويفسر الخير الذي كان عليه الخلفاء الثلاثة الأول أنهم كانوا ملجأين إلى ذلك لإرضاء الناس لأنهم كانوا تحت مراقبة النظر الإسلامي.
أو ليس محمد باقر الحكيم مؤسس منظمة بدر غني عن التعريف في وعي العراقي السني بما قامت به منظمته من أعمال يندى لها الجبين.
أما الخميني الوجه الذي يظهره العلوي لعمر تحت عنوان "تجارب المشاركة العلوية العمرية" فإنه أغنى أهل السنة عن التعريف أيضا في كتابه "الحكومة الإسلامية" حيث جاء بما لا يحتمله عقل عاقل، فكيف تصح المشاركة بهذه العقليات الغائرة في الأسطورة التاريخية الشيعية في محاربة أهل السنة ؟ وكيف ستتصالح مع التاريخ ؟ وكيف لها أن تكرس السلم الأهلي في العراق، أو غير العراق؟
يخلص الدليمي، أن العلوي قد أغرى في ظاهريته العلمانية من خلال كتابه هذا بانفلاته من اللوازم الدينيه وطقوسه التعبدية وهو يقدم نظريته للمشاركة والإصلاح بين السني والشيعي، لكن سرعان ما ينكشف للقاريء أن تحت لسان هذا الرجل معمماً حوزويا مختبئا، يظهر في اللحظة المناسبة، وفي فؤاده لوعة (ملاية) أو قارئة تعاز شيعية تدور بنواحها ودموعها بين البيوت.
الحسينيات؟؟!!
قالوا: "تحرير" المساجد من السياسة نقاط التفاهم بين وفد مؤتمر صحوة الأنبار وشيوخ عشائر الأنبار مع رئيس ديوان الوقف السني الشيخ أحمد عبد الغفور السامرائي.
العربية نت 26/11/2007(54/39)
قلنا: إلى متى يستمر مسلسل الغباء؟ وماذا عن الحسينيات والمرجعيات الشيعية من سيحيدها؟؟
الكشف العرفاني!
قالوا: مؤكدا أن التصوف هو الرجوع إلى القلب الذي يدرك الحقائق الإلهية بالذوق والكشف والعبادات والرياضيات وهي الطريق إلى اكتشاف الحقيقة.
الشيخ سعد شرف مدير مركز دار الغزالي بنابلس
موقع دار الغزالي 11/5/2007
قلنا: ها هو التصوف الغالي يطل من جديد ومن أرض فلسطين، ليدخلنا في دوامة الخرافة والشرك مرة أخرى.
3 مليارات!!
قالوا: منذ سنوات عدة عمل فيلق القدس على إنشاء مجموعة شركات وهمية موزعة على المنطقة كلها بهدف تمويل عملياته، ففي العراق، يمتلك 3 مليارات يورو سنوياً يذهب قسم منها لتمويل حزب رئيس الحكومة نوري المالكي (الدعوة)، والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق.
جريدة المحرر 1/12/2007
قلنا: ولذلك لن يقاوم هذا المكر الصفوي الحاقد إلا جهد مقارب له في الكم والكيف !!
طوفان الدعارة والشذوذ القادم
قالوا: شهدت مدينة القصر الكبير، شمال المغرب، حفلاً علنياً بزفاف شاذين على مدى يومين، حضره عشرات المثليين من الجنسين، بينما شاركت دورية للشرطة طعام العشاء مع المحتفلين.
العربية نت 26/11/2007
قلنا: ماذا أعددنا لصد هذا الطوفان الذي سيصلنا مصداق حديث النبي صلى الله عليه وسلم "لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه"؟؟
"لتزول منه الجبال"
قالوا: رغم أن هذا المهرجان استطاع القيام بخطوات كبيرة في طريق ترويج ثقافة أهل البيت (ع)، إلا أنه لا يمكن الاكتفاء بذلك، بل لا بد من القيام بخطوات عملاقة في هذا السياق.
جعفر سبحاني مدير مؤسسة الامام الصادق العلمية
وكالة أنبا للأنباء 13/11/1428
قلنا: هذه نية القوم، فماذا عن نية قومنا؟؟
إلى متى الغفلة(54/40)
قالوا: ما العيب أن تكون شيعيًا؟ فالشيعة اليوم هم عزُّ هذا الزمان، تحدوا الاستكبار العالمي الذي تمثله أمريكا وإسرائيل، ووقفوا إلى جانب المستضعفين من أبناء فلسطين، فعندما انتصرت الثورة الإسلامية في إيران، قام الإمام الخميني بتحويل السفارة الإسرائيلية هناك إلى سفارة فلسطينية".
أحمد يوسف المستشار السياسي لرئيس الوزراء إسماعيل هنية
الملف نت 24/11/2007
قلنا: بماذا حازوا لقب عز هذا الزمان؟ هل بقتل الفلسطينيين في لبنان والعراق؟ أم بتسليم بغداد؟ أم بخيانة أفغانستان؟ أم بتخريب لبنان؟
ثبات مطلوب
قالوا: أكدت الإمارات العربية المتحدة السبت 1-12-2007 مجدداً تصميمها على استعادة ثلاث جزر إستراتيجية في الخليج "تحتلها" إيران، داعية طهران إلى مفاوضات ثنائية مباشرة أو اللجوء إلى التحكيم الدولي لتسوية هذا النزاع.
العربية نت 1/12/2007
قلنا: لا بد من المطالبة الصريحة والقوية بحقوقنا من الإيرانيين ولا بد من دعم العرب حكومات وشعوب لذلك.
علاقة مرفوضة
قالوا: إن 70 شخصا على الأقل، مدنيون وعسكريون، قتلوا في مواجهات بين السنة والشيعة في شمال غرب باكستان.……………………… العربية نت 18/11/2007
قلنا: هذا النمط الدموي بين الشيعة والسنة نمط مرفوض، وهذا النمط – للأسف - سيبقي مستمراً حتى يتسلم ملف المشكلة الشيعية من يجمع العقيدة الصحيحة مع السياسة الشرعية الحكيمة.
…
باب فتنة جديد!!
قالوا: وقعت سوريا وإيران مطلع الأسبوع الجاري في طهران اتفاقًا لتأسيس جامعة إيرانية في سوريا تحمل اسم الفارابي، متخصصة بالعلوم الحيوية وتقنياتها يكون مقرها مدينة اللاذقية الساحلية.
موقع البينة 19/11/2007
قلنا: دوماً كانت الجامعات الإيرانية بوابة شرور على مجتمعاتنا.
معركة كسر العظم الشيعية - الشيعية بين الصدر والحكيم
جريدة المحرر 1/12/2007(54/41)
تصاعدت في الآونة الأخيرة حدة الخلاف الشيعي- الشيعي على المال والسلطة والنفوذ الحوزوي بين الصدريين وجماعة آل الحكيم. الخلافات بين الفريقين تحولت إلى معركة كسر عظم بكشف التيار الصدري وذراعه العسكري- جيش المهدي عورات فيلق بدر ذراع عبد العزيز الحكيم ومجلسه الأعلى العسكري، ضمن لعبة تبادل التهم والأدوار حسب السيناريو الأميركي المرسوم لكلا الفصيلين الشيعيين المدعومين من طهران، حيث اتخذت تلك الحرب تبادل الاتهامات التالية:
1.…اتهام الصدريين للبدريين باستخدام الأداة العسكرية الأميركية في تنفيذ مآرب غربية - إيرانية تصب في خانة تقسيم العراق بدءاً من وسطه وصولاً إلى جنوبه على شكل فدرالية شيعية تضم تسع محافظات ستكون في القريب العاجل دولة الإمام الحجة القائم أو المهدي المنتظر.
2.…البدريون اتهموا الصدريين بالمثل، وأن من أسس لنهضة هذه الدولة في ظل حكم صدام حسين هو المرجع الراحل محمد صادق الصدر والد مقتدى، الذي يتبع في تطلعاته الحوزوية المرجع الفارسي السيد كاظم الحسيني الحائري موجه التيار الصدري ومرشده الروحي.
3.…كما يتهم البدريون غرماءهم الصدريين ومرشدهم الروحي (الحائري) بالسعي وراء الهيمنة الميليشياوية على مؤسسات الدولة ضمن إطار فصائل وأجنحة عسكرية غير منضبطة على خلاف فيلق بدر تتمثل بجيشي المهدي والإمام الحجة القائم الذي يمثل الشق الفارسي من التيار الصدري.
4.…كما وجه عبد العزيز الحكيم ونجله عمار التهم العلنية للحائري بالسعي إلى استخدام آلة الصدريين العسكرية في الهيمنة على قرار حوزة النجف العربية، لضمان زعامتها وحصرها في إطار حوزة قم الفارسية، وهو مطلب تسعى إليه مراجع إيران (غير العربية) منذ عقود سابقة لم يكن لنظام الرئيس الراحل صدام حسين أي وجود فيها.(54/42)
5.…كما يتهم المرشد الروحي لحوزة قم والجمهورية الإسلامية السيد علي خامنئي غريمه الحائري بالتصيد في الماء العكر، محاولاً استغلال سلاح ونفوذ وقوة وسطوة الصدريين للوصول إلى رأس الهرم الحوزوي النجفي والتسيد على قرار المرجعية النجفية وصولاً إلى الكربلائية لضمان سرقة ونهب ثروات وعائدات - أجدادهم - على حد تعبيرهم - التي تضم مراقد ومقامات حقيقية وتشبيهية للإمام علي -ع- في النجف وذريته في كربلاء، والتي تقدر بملايين الدولارات سنوياً.
6.…الصراع الحوزوي الخفي القائم على استباحة الدماء وسرقة الثروات وعائدات المراقد الدينية وضع أُسسه الحائري منذ عقد التسعينيات حين أحيا صدام حسين صلاة الجمعة ورهن قيادة مرجعية النجف للصدر الثاني (والد مقتدى الذي تمت تصفيته على يد الحرس الثوري)، حين شعر صدام وأجهزته الأمنية بأخطار زحف النفوذ والهيمنة الفارسية صوب مرجعية النجف خصوصاً بعد حرب السنوات الثماني بين العراق وإيران، واستغلال طهران ضعف قدرة العراق الاقتصادية بفعل الحصار الشامل الذي فرض عليه طيلة عقد التسعينات حتى يوم احتلال بغداد الأسود في نيسان/ أبريل 3002. حيث لم يبقَ للعراق سوى ثلاث رئات يتنفس بها اقتصادياً وهي سورية والأردن وإيران.(54/43)
7.…قرار وضع الحرس الثوري على لائحة الإرهاب الدولي، ناهيك عن الانشقاق في الرأي داخل المؤسسة الإيرانية السياسية للخلافات الواضحة للعيان بين معسكَري الإصلاحيين الذين يتزعمهم الشيخ هاشمي رفسنجاني والمحافظين (الصقور) الذين يتزعمهم المرشد علي خامنئي والمنحدر منه الرئيس احمدي نجاد، فأدى ذلك إلى تفريط طهران- كما توقعنا سابقاً- بالتيار الصدري برمته بدءاً من مؤسسته السياسية وانتهاء بالعسكرية المتمثلة بجيش المهدي، بل تسبب ذلك بانزواء جيش الإمام الحجة في زاوية فيلق بدر الحرجة على حساب الصدريين الملاحقين من قبل القوات الأميركية- العراقية المنحدر غالبية عناصرها وقادتها العسكريين والأمنيين من الحاضنة والأصول الفارسية.
8.…التيار الصدري ألقى على الفور بسلاحه وأدواته أمام تلك الحملة، رافعاً شعار الوحدة الوطنية بدءاً من التراب العراقي وصولاً إلى وأد الفتنة المذهبية التي ساهم في شرعنتها لأسباب مذهبية وأخرى نفعية حاول عبرها نسخ نموذج تعاليم الحوزة الفارسية على الشارع العراقي برمته لغايات عدة أهمها إرضاء طهران، ولهذا السبب أطلق الصدر نداءات استغاثة عدة قبل تواريه عن الأنظار وهروبه إلى إيران وبعد ظهوره من غيبته التي ربطها أتباعه الجهلة على وجه الخصوص بأن زعيمهم الأوحد - مقتدى الصدر - لن يظهر إلا بظهور الإمام الغائب - المهدي المنتظر. محاولين الإيحاء للشارع الصدري بمثقفيه وجهلته بأن قائدهم لا يهاب القوات والملاحقات الأميركية وأن غيبته القصيرة هي لترتيب وضع التيار وذراعه العسكري.
9.…البدريون ومن خلفهم بنو فارس اعتبروا ذلك الأمر جزءاً من مسرحيات الصدر الثاني الحوزوية التي أسس بنيانها بقوله قبل اغتياله بأسبوع واحدٍ فقط، «أنا الأعلم وعليكم تقليدي بعد مماتي». ومحاولة مقتدى الصدر اقتباس ذلك الأمر من فتاوى ونصوص حوزة أبو القاسم الخوئي - مرجع شيعة العراق والعالم الإسلامي الذي أنابه الصدر الثاني.(54/44)
10.…التقتيل والتدمير الصدري اليومي سرعان ما كشف عوراته غرماؤه وشركاؤه في القتل (البدريون) الذين انقلبوا عليه تلبية للحاجة الأميركية والظرف الذي تعيشه الحالة السياسية في ظل غياب وانسحاب كتل شيعية مؤثرة (التيار الصدري وحزب الفضيلة) من الائتلاف الشيعي الموحد الذي يتزعمه الحكيم الأب.
11.…رئيس الحكومة المالكي هو الآخر تمسك بذيول المشروع الأميركي المتناغم مع الإيراني الذي سرّع خطوات الملاحقات والتصفيات الجسدية بين صفوف الصدريين المسلطة عليهم الأضواء الأمنية بسبب التصاقهم وتتبعهم أثر الحرس الثوري الموصوف أميركياً ودولياً بالإرهابي.
12.…الانشقاقات داخل كتلة الائتلاف الشيعي انتقلت عدواها إلى التيار الصدري وجيش المهدي الذي أصبحت مجموعاته الصغيرة المتدربة في إيران على يد أمهر الخبراء والمدربين العسكريين والاستخباريين اللبنانيين التابعين لحزب الله وفيلق القدس والحرس الثوري أشد قسوة وضرراً بسمعة التيار الصدري برمته، لقيامها بعمليات قتل وتشريد وتدمير يومية شملت شرائح عدة من الشيعة قبل السنة، بسبب تشكيل مجالس الصحوة والإنقاذ السنية وتسليحها ودعمها من قبل الأميركيين.
13.…المخطط الأميركي- الإيراني الجديد الذي تساوق مع مشروع الفدرالية الشيعية المذهبية حيث دخلت خلايا وعملاء ومصادر قوات الاحتلال الأميركي بقوة وتحديداً أحمد الجلبي الذي يتخذ من البيت الشيعي الذي يتزعمه واجهة وغطاء لشرذمة الوضع السياسي للشيعة المؤتلفين تحت عباءة الحوزة السيستانية والحكيم.(54/45)
14.…الأميركيون استثمروا الخلاف الصدري- البدري ميدانياً، فدأبت السياسة الأميركية المتوافقة مع المنهج الإيراني الفارسي على إشعال فتيل الصراع الشيعي العربي والفارسي المتشيع في العراق الذي تقوده إيران وتدعمه إقليمياً وتهدف من خلاله إلى ضرب القوى الوطنية على الساحة العراقية المؤمنة بالمنهج القومي العربي ومنها مناطق الفرات الأوسط والجنوب، وتحديداً العشائر العربية الأصيلة لا المستعربة الزاحفة من إيران والمستوطنة في أرض العراق مستغلةً غياب السلطة ودولة المؤسسات والقانون.
15.…لتضارب مصالح التيار الصدري خصوصاً في الفترة الأخيرة مع آل الحكيم ومن وراءهم إيران وكشفهم مخطط سعي طهران بحوزتها وستارها الديني المزيف إلى جانب حكومة المالكي لضرب العشائر العربية الشيعية ضمن رقعة فدرالية الجنوب والوسط الشيعية، وذلك لتحقيق مخطط تغيير الديموغرافية السكانية في تلك المناطق.
16.…المخطط المذكور (إلباس جنوب العراق الغني بالثروات الرداء الفارسي) أُسند لعمار الحكيم، والنائب المعمم صدر الدين القبنجي، من خلال طرد الشيعة العرب واستبدالهم عبر عملية استيطانية بإيرانيين على غرار ما يجري في فلسطين على يد إسرائيل وفي إقليم الأحواز الشيعي العربي على يد الحرس الثوري.(54/46)
17.…مهمة الحكيم والقبنجي تقتصر على قيامهما عبر أذرعهما الميليشياتية (فيلق بدر وميليشيا حزب الدعوة وميليشيا أحرار العراق) بمنح وثيقة الجنسية العراقية للمتسللين الإيرانيين وتحديداً اعضاء وضباط فيلقي القدس ومكة، حيث تقوم دوائر الجنسية والأحوال المدنية في محافظتي النجف وكربلاء بتنظيم وإصدار 400- 500 وثيقة (شهادة الجنسية العراقية، وبطاقة الأحوال الشخصية) يومياً للمتسللين الذين ترد أسماؤهم عبر منظمات المجلس الأعلى الإسلامي ومؤسسة شهيد المحراب التي يتزعمها عمار الحكيم والمنظمات الأخرى التابعة لحزب الدعوة الإسلامي بشقيه العربي والفارسي اللذين يتزعمهما إبراهيم الجعفري ونوري المالكي. في الوقت ذاته يجري تنظيم وإصدار بطاقات الحصة التموينية للفرس الغرباء، ناهيك عن شراء الأراضي والعقارات بغية توفير السكن المناسب، ولهذا السبب أصدر المالكي قبل أسابيع قراراً بتوجيه من طهران ألغى بموجبه فرض سمة الدخول كما ألغى رسوم الدخول على الإيرانيين حصراً، في حين شدد إجراءات الدخول والإقامة على العرب من دول الجوار العراقي، حيث استثنى المالكي وبتوجيه من طهران الإيرانيين وتحديداً الاستخباريين لتسهيل مهمة تشييع الجنوب ومن ثم سرقة ثرواته وصولاً إلى زيادة عدد مهجريه واستبدالهم بشيعة بلاد فارس.
18.…إصدار الوثائق المذكورة سلفاً يتم- حسب المصادر الصدرية الحوزوية المعتدلة- من خلال لجان تعمل في الدوائر الاختصاصية لمحافظتي النجف وكربلاء وبسرية تامة، ناهيك عن المشاريع والاستثمارات الاقتصادية التي يتم بناؤها لتشغيل الأعداد الإيرانية التي تتسلل يومياً للسكن في محافظات الفرات الأوسط والجنوب والتي تصل للعراق تحت ذريعة زيارة الأماكن المقدسة وتجري تلك الأعمال بصورة حثيثة ومتواصلة.(54/47)
19.…المخطط المذكور غايته تهيئة أرضية خصبة لفدرالية الجنوب والوسط الشيعية التي نادي بها الحكيم ونائب رئيس الجمهورية الشيعي عادل عبد المهدي في 16 الجاري بهدف تقليد فدرالية الإمارات العربية المتحدة التي هيأت أرضية خصبة لتوطين رؤوس أموال غربية وعربية في دولة الإمارات، ووحدت الشعب الإماراتي. ولهذا السبب قام آل الحكيم وبتوجيه من إيران بتأسيس تشكيلات عسكرية منسوخة عن ميليشيا الدعوة وبدر لا ترتبط بالحكومة العراقية أو بمجلس الوزراء العراقيَّين ولا تخضع لسيطرتهم، بل تخضع لسيطرة السفير الإيراني في بغداد حسن كاظمي قمي.
20.…طهران استغلت بعض مرجعيات شيعة العراق الدينية في الصراع السياسي الذي تشهده الساحة العراقية وما يرتبط به من ملابسات فورطت التيار الصدري الذي يتسم قياديوه بقلة الخبرة والدراية وقصر النظر السياسي والتصرف المرتبك على الدوام في أعمال القتل ضد العراقيين المناوئين.
21.…بعد أحداث كربلاء الدامية حاول قياديو المجلس الأعلى توريط قيادات حكومية أخرى بعملية خطيرة جداً لضرب التيار الصدري ومنها الأوامر التي أصدرها مستشار الأمن الوطني العراقي موفق الربيعي لقائد عمليات كربلاء اللواء صالح المالكي المنحدر من محافظة البصرة بإبادة الصدريين خلال شعائر الزيارة الشعبانية قبل أكثر من شهرين ونيف، وهي عملية توريط كارثية ضد المواطنين بشكل عام وضد التيار الصدري بشكل خاص، وحين رفض صالح المالكي تنفيذ تلك الأوامر أقيل من منصبه خلال ساعتين.(54/48)
22.…فيلق بدر أشاع أن كميات كبيرة من الأسلحة المختلفة الخفيفة والثقيلة والمتفجرات دخلت العراق من إيران عن طريق محور (البصرة- المثنى- واسط- ذي قار- القادسية) في محاولة لإبطال مفعول فتوى الصدر بتعطيل الأعمال العسكرية لمدة ستة أشهر قابلة للتمديد وحث الصدريين على عدم الانضباط والتقيد بفتواه ساعيَين (المجلس الأعلى وفيلق بدر) إلى إطالة أمد الصراع الشيعي - الشيعي بين الصدريين والبدريين، بهدف إجبار القوات الأميركية- العراقية على التدخل لصالح البدريين على حساب خصومهم الصدريين. وكشفت المصادر أن الأسلحة المذكورة مرسلة من قبل الحرس الثوري إلى فيلق بدر ضمن مخطط إقرار فصل جنوب ووسط العراق عبر عملية جمع تواقيع مليونية. كون المخطط المذكور هو حلقة الوصل الهامة بين صفقات تم الاتفاق عليها بين عمار الحكيم وقادة الحرس الإيراني في وقت سابق من هذا العام لتأمين الاستعدادات لمعركة الانفصال التي يخطط لها الائتلاف الطائفي تحت شعار فيدرالية الجنوب.
23.…غاية البدريين والإيرانيين من إثارة وإطلاق تلك الشائعات هو لفت أنظار قوات الاحتلال لضرب وتحجيم جيش المهدي بمناسبة الحملة العسكرية المقررة ضده في هذه المرحلة بغية التضييق عليه وإخراجه من ساحة الصراع العسكري والسياسي في محافظات الفرات الأوسط والجنوب، وتحويله إلى طرف مطواع متمسك بالأجندة الأميركية- الإيرانية الساعية إلى تشريح العراق برمته.
الأحمدية: مهدوية جديدة ودعوى المسيح الموعود
بسام ناصر - الغد 23/11/2007(54/49)
"الجماعة الإسلامية الأحمدية" اسم آخذ بالتردد والشيوع بين الناس، بعد انطلاق محطتهم الفضائية المعروفة باسم (mta العربية)، فمن هي هذه الجماعة؟ ومن هو مؤسسها؟ وهل حقاً أنه ادعى أنه المهدي المنتظر والمسيح الموعود؟ وما هي عقائد تلك الجماعة؟ وما هي مقولاتهم ومفاهيمهم التي يخالفون بها جماهير المسلمين؟ وهل لهم أصول وقواعد خاصة بهم يستندون إليها في قراءاتهم وتأويلاتهم للنصوص الدينية؟
وفي هذا السياق فان السؤال الأكثر إثارة للجدل هو: هل الجماعة بعقائدها ومقولاتها وأفكارها وتصوراتها تعتبر ذات توجه واتجاه تجديدي في مسار الفكر الإسلامي وحركته المعاصرة أم هي حركة ودعوة يُنظر إليها على أنها خارجة على العقائد الإسلامية الثابتة، ومفارقة للأصول والقواعد الشرعية المقررة، وهي في الوقت ذاته ذات توجهات باطنية مريبة؟ فيما يلي محاولة للوقوف على أفكار الجماعة ومعتقداتها، وبيان للمفاهيم التي تدعو إليها، بالاستناد إلى المعلومات والمقالات والتقارير التي تتبناها الجماعة والمنشورة على موقعها الرسمي باللغة العربية، مع مناقشتها مناقشة هادئة بعيداً عن كل ألوان التكفير والتضليل والتفسيق.
مؤسس الجماعة: سيرته ودعواه
تُعرف الجماعة بـ"الأحمدية" نسبة إلى مؤسسها "ميرزا غلام أحمد"، ويُطلق عليها أيضاً القاديانية نسبة إلى قاديان مسقط رأس مؤسسها (وهي قرية تقع بإقليم البنجاب وتبعد بنحو ستين ميلاً عن لاهور في باكستان)، وقد ولد مؤسس هذه الحركة في عام 1252هـ 1839م (بحسب ما أوردته موسوعة المفاهيم الإسلامية الصادرة عن المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في مصر)، غير أن تاريخ ميلاده المثبت على موقع الجماعة الرسمي هو 1250هـ 1835م.(54/50)
"الإمام المهدي والمسيح الموعود عليه السلام" هي الصفة المعتمدة التي يطلقها "الأحمديون" على مؤسس جماعتهم، وتلك الصفة قد ادّعاها هو لنفسه، وأضافها لذاته، فهو يقول: "قد بينتُ مراراً وأظهرت للناس إظهاراً أني أنا المسيح الموعود والمهدي المعهود، وكذلك أُمرتُ، وما كان لي أن أعصيَ أمرَ ربي وأُلْحَقَ بالمجرمين، فلا تعجلوا علي، وتدبروا أمري حق التدبر إن كنتم متقين، وعسى أن تكذبوا أمراً وهو من عند الله" (إعجاز المسيح، الخزائن الروحانية مجلد 18 ص:7-9 نقلاً عن موقع الجماعة الالكتروني).
ويقول كذلك: "اسمعوا يا سادة هداكم الله إلى طريق السعادة، إني أنا المستفتي وأنا المدعي، وما أتكلم بحجاب، بل إني على بصيرة من رب وهاب، بعثني الله على رأس المائة لأجدد الدين وأنور وجه الملة، وأكسر الصليب، وأطفئ نار النصرانية، وأقيم سنة خير البرية، ولأصلح ما فسد وأروج ما كسد، وأنا المسيح الموعود والمهدي المعهود، منَّ الله علي بالوحي والإلهام، وكلمني كما كلم رسله الكرام، وشهد على صدقي بآيات تشاهدونها..." (الاستفتاء الخزائن الروحانية ج22 ص:641).
يظهر جلياً من النصوص أعلاه -وغيرها كثير- أن "ميرزا غلام أحمد" قد ادّعى لنفسه أنه المهدي المنتظر والمسيح الموعود، "والأحمديون" يعتقدون هذا الاعتقاد فيه، وهم يفرقون بين الوحي التشريعي والوحي الإلهامي، فالأول يوافقون جماهير المسلمين بأنه انقطع بوفاة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، أما الوحي الإلهامي فهم يعتقدون أن نبوءة مؤسس جماعتهم "ميرزا غلام أحمد" قد تحققت عن طريقه، وهو قد صرح بهذا وادّعاه بكل وضوح وجلاء.
الوحي الإلهامي ويقينية تحققه(54/51)
من المقرر أن الوحي بمعناه اللغوي يندرج تحته معانٍ عدة منها: الإلهام الفطري للإنسان، كما أوحى الله إلى أم موسى، قال تعالى:{وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه..}[القصص: 7]، ومنها كذلك الإلهام الغريزي للحيوان: كما أوحى الله إلى النحل {وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتاً ومن الشجر ومما يعرشون}[النحل: 68]... إلى ما هنالك من معان أخرى يتناولها الوحي بمعناه اللغوي.
ولأن إثبات صحة وقوع الوحي بمعناه الإلهامي على أنه من الله، واقع في دائرة الغيب الذي لا سبيل لإثباته إلا عن طريق الخبر الصادق، كما أخبرنا القرآن عن وقوع ذلك لأم موسى، فان كل من يدعيه لنفسه، ويزعمه لذاته مطالب بإقامة الدليل على دعواه تلك، ونحن ليس بين أيدينا دليل نقطع بصدقه يشهد بوقوع ذلك وتحققه إلا القرآن الكريم، ولأن الوحي التشريعي قد انقطع وهو الشاهد الصادق المثبت لوقوع هكذا أحداث، فان كل من يدعي حدوث ذلك له، يعتري ادعاءه الإخباري ذاك الصدق والكذب، حتى يقيم الأدلة القاطعة، والبراهين الساطعة على صحة دعواه، وإلاّ فان مجال الدعوى واسع عريض يحسنه كل أحد ويقوى عليه كل من هبّ ودب.
ثم إن الوحي الإلهامي لا يعدو أن يكون مطابقاً وموافقاً لما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم بقوله - كما في الصحيحين وغيرهما- "إنه قد كان فيما مضى قبلكم من الأمم محَدَّثون، وإنه إن كان في أمتي هذه منهم فانه عمر بن الخطاب"، فالمحدثون هم الملهمون، وهي الإصابة من غير نبوة، وفي شرحه لهذا الحديث وفي معرض حديثه عن وقوع ذلك في الأمة الإسلامية ذكر الحافظ ابن حجر الجملة التالية:"حتى إن المحدث منهم إذا تحقق وجوده لا يحكم بما وقع له بل لابد له من عرضه على القرآن فان وافقه أو وافق السنة عمل به وإلاّ تركه".(54/52)
فهل ما جاء به ميرزا غلام أحمد كان موافقاً للقرآن والسنة بما فهمه علماء الأمة وجماهير المسلمين منذ عصر الصحابة ولغاية ساعتنا هذه، أم أنه جاء بمقولات وأفكار ودعاوى خارجة عن المقررات الإسلامية الثابتة، وصادمة للوعي الإسلامي المشكل عبر القرون؟.
إن قضيتي خروج المهدي ونزول عيسى عليه السلام، واللتين ادّعاهما مؤسس الجماعة الأحمدية لنفسه، استفاضت بشأنهما الأحاديث النبوية، وتكاثرت فيها صفاتهما وأخبارهما، وحري بمن زعم ذلك وادّعاه أن يدرس تلك الأحاديث ويحققها تحقيقاً علمياً، ثم يرى مدى انطباقها وتحققها فيما انتحله وادّعاه، والسؤال الملح في هذا المقام هو: ما مدى انطباق الأحاديث الواردة في بيان صفات وحيثيات قضيتي خروج المهدي ونزول عيسى على المتنبئ القادياني "ميرزا غلام أحمد"؟
أحاديث المهدي وعيسى ودعاوى "ميرزا"
بادئ ذي بدء فان الدارس لأدبيات الجماعة الأحمدية، والفاحص لطريقة تعاطيها مع الأدلة الشرعية إثباتاً واستدلالاً، يجد أن للجماعة أصولاً وقواعد خاصة، فهم يُعْمِلون سيف التأويل ويسلطونه على النصوص قطعية الثبوت والدلالة، فيشككون في ثبوتها، ويتعسفون في تأويلها إلى درجة التأويل الفاسد مخرجين لها عن دلالتها، مع ليِّ أعناقها لتوافق معتقداتهم ومقولاتهم، وثاني تلك القواعد أنهم لا يعتمدون علوم الحديث بآلياتها وأدواتها المقررة عند علماء الحديث في عملية التصحيح والتضعيف، بل ما وافق معتقداتهم ومقولاتهم صححوه وحسنوه، وما خالفها وهدمها ونقضها من أساسها ضعفوه أو أعملوا فيه سيف التأويل.(54/53)
فالمهدي - عند من يؤمن به ويعتقد بخروجه - جاء ذكره وبيان صفاته في أحاديث كثيرة، هذه جمل منها: "المهدي منا أهل البيت"، "المهدي من ولد فاطمة"، "لا تنقضي الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي... يملأ الدنيا عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً"، "يكون في أمتي المهدي .. فتنعم فيه أمتي نعمة لم ينعموا مثلها قط تؤتى أكلها ولا تدخر منهم شيئاً والمال يومئذ كدوس فيقوم الرجل فيقول يا مهدي أعطني فيقول خذ". فهل تحقق شيء من هذه الصفات المذكورة في هذه الأحاديث في "ميرزا غلام أحمد"، فهو أعجمي ليس عربياً ولا يمت إلى الرسول بنسب، واسم أبيه لا يواطئ اسم أبي الرسول، وهو لم يملك العرب ولا العجم، والأرض لم تملأ وقت خروجه عدلاً وقسطاً، وأين هي النعمة العظيمة التي لم تنعم الأمة بمثلها قط وذلك حين خروج المهدي؟.
كما أن نزول عيسى عليه السلام، جاءت بخصوصه أحاديث صحيحة صريحة، هذه جمل منها: نزوله عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين ملكين، نزوله وقت ظهور الدجال وقتله له، موت كل كافر يجد ريح نفسه، كسره الصليب، قتله الخنزير، جمعه الناس على دين واحد، كثرة المال في عهده، شيوع الأمن في الأرض بنزوله. وبالقطع واليقين فان شيئاً من ذلك لم يتحقق لـ "ميرزا غلام أحمد".(54/54)
وإن من يستمع إلى متحدثي الجماعة ودعاتها الذين يظهرون على قناتهم (mta العربية)، يقف على مدى التحريف والتبديل والتأويل الذي يمارسونه بحق تلك النصوص لتوافق دعاويهم، وتنصر مذهبهم، ولو أدى ذلك - مثلاً - إلى القول بأن نزول المسيح لا يعني بالضرورة نزوله من السماء، بل هو على حد قول القائل، نزلت ضيفاً على فلان، كما أنه لا يلزم منه نزول ميرزا بنفسه إلى دمشق ـ أي ذهابه إلى هناك لأنه لم يذهب قطعاً إلى دمشق ـ بل يصدق على ذهاب أحد خلفائه إلى دمشق!، أو أن تكون المنارة البيضاء شرقي دمشق واقعة في قاديان!،(ما أفسد التأويل وأبطله حينما يؤدي إلى التحريف والتبديل).
موت عيسى بين الاستثمار والإنكار
النصوص القرآنية المتحدثة عن موت نبي الله عيسى عليه السلام، ظنية الدلالة لذا فانها تحتمل الاختلاف، والسبب في ذلك راجع إلى تفسير حقيقة وفاة عيسى ورفعه، المذكورة في قوله تعالى: [إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ] (آل عمران:55)، وقوله تعالى: [وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا* بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا] (النساء:157-158).(54/55)
ولئن كان الاختلاف قد وقع بين علماء الأمة في حقيقة الوفاة والرفع، فان جمهورهم على أن الرفع كان بالروح والجسد معاً، وأن الوفاة إما بمعنى النوم، أو القبض، أو على رأي من قال إن في الآية تقديماً وتأخيراً والتقدير إني رافعك إلي... ومتوفيك حينما تنزل إلى الأرض حين يحين أجلك، وأن نزول عيسى عليه السلام سيكون نزولاً حقيقياً كما تواترت الأحاديث النبوية بذلك. ذلك الاختلاف والاحتمال في الفهم والاستدلال فتح الأبواب على مصاريعها "للأحمديين"، كي يستثمروه على أوسع نطاق، فما دام أن عيسى قد مات موتاً طبيعياً، وأن رفعه بجسده خرافة لا حقيقة لها (بحسب اعتقادهم) لذا فان الأحاديث الواردة في نزوله ليست على ظاهرها، بل لا بد من تأويلها، ليخلصوا من ذلك كله إلى أن المراد من نزول عيسى هو نزول مثيله وشبيهه ألا وهو "ميرزا غلام أحمد".
كما أن رؤيتهم تكتمل بما يعتقدونه من أن المسيح الدجال قائم بيننا، وأنه يجتاح العالم، وهو المتحقق بفهمهم، والمتجسد في رؤيتهم، بالاستعمار الغربي، وأخطاره التبشيرية الاحتلالية، فما مدى انطباق النصوص الحديثية الواردة بشأن الدجال على رؤيتهم تلك؟ وهل حقاً أن الدجال هو أمة (كما تقول الأحمدية) وليس رجلاً (كما نطقت بذلك الأحاديث النبوية) ... يتبع في مقال قادم.
الدجال بين تأويلات"الأحمدية" ومنطوق الأحاديث النبوية(54/56)
تكاثرت الأحاديث النبوية التي يخبر فيها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عن ظهور الدجال، والتي جاء فيها وصفه وصفاً دقيقاً، مع بيان حاله وما يقع على يديه من خوارق العادات، وما يدعيه من الألوهية، ولعظم خطر فتنة الدجال، التي هي أكبر فتنة ـ كما أخبر بذلك صلى الله عليه وسلم بقوله: "ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة خلق أكبر من الدجال" (رواه مسلم)، فقد أكثر رسول الله صلى الله عليه وسلم من التحذير منه ومن فتنته، وكذلك فعل الأنبياء عليهم السلام من قبله، كما حكى عليه الصلاة والسلام عنهم ـ فيما أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما ـ "ما بعث الله من نبي إلا أنذر أمته من الأعور الكذاب...".
وفي بعض تلك الأحاديث يُعَلِّم الرسول الكريم أصحابه وأمته أدعية يستعيذون بالله من شر تلك الأهوال والأحداث والفتن، كما ورد في الصحيحين عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن شر فتنة المسيح الدجال". وفي صحيح مسلم أن عائشة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعيذ في صلاته من فتنة الدجال.(54/57)
من يقرأ تلك الأحاديث ويدقق النظر فيها، ويمعن النظر في ألفاظها ودلالاتها، فإنه يُكَوِّن صورة عن الدجال تتمثل في أنه رجل يظهر في آخر الزمان، وأن ظهوره يكون إحدى علامات الساعة الكبرى، وأن أحداثاً عظيمة من خوارق العادات تجري بين يديه، تكون فتنة للناس... إلى آخر ما ورد في أوصافه وصفاته وأحواله، وعلى ذلك جمهور علماء المسلمين من السلف والخلف، إلاّ أن الجماعة الأحمدية "القاديانية" لها رؤيتها الخاصة والتي تخالف بها كل تلك المقررات الثابتة مخالفة كلية، وتغاير ما عليه اعتقاد أئمة المسلمين وجمهورهم قديماً وحديثاً، فما هي عقيدتهم في المسيح الدجال؟ وكيف يتعاطون مع الأحاديث الواردة في بيان فتنته؟ وهل وفقوا في تأويلاتهم لتلك الأحاديث بإنزالهم لها، وحملهم إياها على وقائع وأحداث وصور ومخترعات معاصرة رأوا أنها تتطابق مع ما جاء وصفه في تلك الأحاديث؟
الأحمدية ومنظومتها العقائدية
الرؤية المركزية في المنظومة الفكرية والعقائدية للجماعة الأحمدية قائمة، على أن عيسى بن مريم عليه السلام، قد مات موتاً طبيعياً وأن عملية الصلب التي وقعت له حقيقية، إلا أنه لم يمت قتلاً على الصليب، فقد خُيل لليهود الذين قاموا بصلبه وشُبّه لهم أنه قد مات، إلا أنه بعد إنزاله لم يكن ميتاً، وبعد أن استفاق هاجر إلى بلاد المشرق(العراق، ايران، أفغانستان، كشمير)، وعاش هناك ما يقارب مائة وعشرين سنة، ثم مات هناك ...
وقد زعموا أن قبره موجود في إحدى مناطق كشمير كما بين ذلك مؤسس جماعتهم "ميرزا غلام أحمد" في كتابه "المسيح الناصري في الهند".(54/58)
يبنون على تلك المقدمة،ويستخلصون منها أن نزول عيسى ليس كما يفهمه عامة المسلمين، بل هي أحاديث مجازية، متضمنة لألوان من الكناية والاستعارة، فلا بد من تأويل كل أحاديث الفتن وأشراط الساعة، لتتناغم مع رؤيتهم القائلة، بأن نزول عيسى يعني في فهمهم هو ظهور شبيهه من الأمة الإسلامية، والذي وقع حقيقة ـ وفق تفسيراتهم وتأويلاتهم ومعتقداتهم ـ والذي تمثل في ظهور مهديهم المنتظر ومسيحهم الموعود وهو مؤسس جماعتهم.
الأحمدية وعلامات الساعة الكبرى
من علامات الساعة الكبرى ما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث حذيفة بن أسيد الغفاري قال: اطَّلع النبي صلى الله عليه وسلم علينا ونحن نتذاكر، فقال: "ما تذاكرون؟" قلنا، نذكر الساعة، قال: "إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات، فذكر الدخان، والدجال، والدابة، والطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى بن مريم، ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف، خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم".(أخرجه مسلم وأحمد والترمذي وابن ماجة وأبو داود).
فما هو تأويل هذه العلامات في فكر الجماعة "الأحمدية"؟ يذهب "الأحمديون" إلى أن بعض هذه الآيات قد ظهر وتحقق، ففي مقال له بعنوان "حقيقة المسيح الدجال"، - والمنشور على موقع الجماعة الرسمي- يفسر أحد كتابهم - نذير المرادني- الدخان بأنه إشارة إلى ظهور صناعات جديدة ومعامل كبيرة ينطلق من أبراجها الدخان بكثرة.
وكذلك ظهور اختراعات حديثة تعتمد أساساً في تشغليها على مواد قابلة للاشتعال كالبترول والفحم الحجري ينتج عن احتراقها الدخان، ويشير أيضاً إلى تطوير القديمة واختراع أسلحة جديدة ينتج الدخان عن استعمالها، وآخرها الأسلحة الفتاكة كالقنابل الذرية، فالدخان ـ كما يرى الكاتب ـ هو ميزة هذا العصر فلذلك يمكن تسمية عصرنا هذا بعصر الدخان.(54/59)
ويقرر أن الدجال هو ما يسمى اليوم بالاستعمار أو الرجل الأبيض (وسيأتي تفصيل ذلك)، ويذهب إلى القول بأن الدابة هي وسائط النقل الحديثة كالطائرات والقطارات والسيارات والبواخر التي حلت محل وسائل النقل القديمة.
الدجال كما تراه "الأحمدية"
تأسيساً على الأحاديث الصحيحة الواردة في الدجال (بعد تأويلها بما يتفق ورؤيتهم)، وبعض الأحاديث الضعيفة والواهية، فإن الأحمدية شكلت للدجال صورة وتصوراً، يتمثل في أنه الاستعمار والرجل الأبيض وما يحمله معه من شرور وأخطار التبشير والعقائد الضالة المنحرفة، لذا فإن عمل المهدي المنتظر والمسيح الموعود يتجسد في التصدي لشرور الانحرافات العقدية التي يأتي بها المسيح الدجال، وقد يكون من المناسب إيراد بعض النماذج من تأويلاتهم للأحاديث وكيفية إنزالها على الوقائع والأحداث:
* يخبرنا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: أن الدجال حين يخرج من مكمنه ينزل في بلاد الشام والعراق: أي يغزوها ويحتلها وهذا ما حدث بعد الحرب العالمية الأولى حين زحفت جحافل الغرب على البلاد العربية في المشرق والمغرب.
* يصف الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم سرعة الدجال في سفره وانتقاله بأنها تعادل سرعة الريح وهذا الوصف إشارة إلى استعماله وسائط نقل سريعة وقوية يستغني بها عن وسائط النقل القديمة المعروفة.
* ويصفه أيضاً أن لديه إمكانيات ووسائل تمكنه من إنزال المطر وزراعة الأرض زراعة جيدة وإنبات محاصيل ذات مواصفات جيدة أيضاً وأنه نتيجة اعتماده على وسائل متقدمة ومتطورة في مجال الري والزراعة وتربية الحيوانات الداجنة سينعم بخيرات لا حدود لها، وهذا الأمر ذكُر في روايات أخرى بأن الدجال حينما يخرج، يخرج معه جبال من خبز وجبال من فواكه وجبال من الخضرة وجبال من ثريد، أي تتبعه خيرات الأرض يتصرف بها حسب أهوائه.(54/60)
* ثم يخبرنا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: أن البلاد والشعوب التي تقاطعه وتخالفه وتقطع صلاتها به: تُمهل بلادها فيصبحون ليس بأيديهم شيء من أموالهم وخيراتهم وهذا إشارة إلى الحصار الاقتصادي الذي يقيمه الدجال ضد الدول التي تختلف معه بنظام حكمها وبآرائها السياسية ومواقفها الدولية، ولأن خيرات الأرض بيديه يتصرف بها حسب أهوائه وميوله الاستعمارية.
* يُعلمنا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: أن الدجال لديه إمكانات تساعده في استخراج كنوز الأرض وخيراتها من الذهب والمعادن الأخرى والبترول، يقول عليه السلام:(يمر بالخربة فيقول لها: أخرجي كنوزك). وأن الدجال هو أكثر الناس فائدة من استخراج هذه الكنوز وأنه يحملها إلى بلاده لينعم بخيراتها ويستفيد وحده منها، وإن هذه الأراضي المليئة بالخيرات والكنوز تكون مهملة من قبل أصحابها الحقيقيين بسبب جهلهم وتخلفهم العلمي.
* ثم يصور لنا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم صورة حقيقية عن تقدم الدجال في مجال الطب لدرجة أنه يقوم بإجراء عمليات جراحية يكون الإنسان خلالها كالميت تماماً وبعد انتهاء العملية ونجاحها يعود الإنسان أكثر حيوية وأكثر نشاطاً وقوة."ثم يدعو رجلاً شاباً، فيضربه بالسيف فيقطعه، ثم يدعوه فيقبل ويتهلل وجهه يضحك".
حمار الدجال كما تصوره "الأحمدية"
لعل من أغرب تأويلاتهم تلك ما استخلصوه من الأحاديث التي لم يثبت منها شيء حول حمار الدجال، وهم لا يعتنون بتصحيح الأحاديث وتضعيفها وفق القواعد المقررة عند علماء الحديث، بل يتشبثون بكل ما يسند تأويلاتهم، ويدعم رؤيتهم بصرف النظر عن مدى ثبوته وصحته، فما قيمة تلك الأحاديث الواهية والضعيفة ـ كأحاديث حمار الدجال كما سيأتي ـ حتى تبنى عليها عقائد وتصورات، فيما يلي بعض نماذج من تأويلاتهم لحمار الدجال، والتي يرون أنها تنطبق على وسائل النقل الحديثة:(54/61)
* في حديث أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء وصف الحمار على الشكل الآتي: تحت الدجّال حمار أقمر طولُ كلِّ أذن من أُذنيه ثلاثون ذراعاً يتناول السَّحاب بيمينه ويسبق الشمس إلى مغربها" (كنز العمال)!
في هذا الحديث إشارة واضحة إلى الطائرة التي هي من مخترعات الدجّال في آخر الزمان، فلفظ حمار أقمر أي لونه فضّي، وهذا هو لون الطائرة وأُذناه الطويلتان هما جناحا الطائرة، وما تبقّى من ألفاظ الحديث لا ينطبق إلاّ على الطائرة. لأنّه لا يسبق الشمسَ إلى مغربها إلا الطائرة.
* وروى أبو نعيم عن أبي حذيفة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(يصف حمارَ الدجّال: يخوض البحرَ لا يبلغ حقويه وإحدى يديه أطول من الأخرى، فيبلغ قعره فيخرج الحيتان ما يريد). وهذا الحديث يُشير إلى اختراع البواخر العملاقة منها ما هو مُخَصَّص لصيد الحيتان ومنها ما هو مُخصَّص لنقل البضائع وشحنها، وهذا النوع مزوَّد بروافع آلية من أجل تحميل البضائع إلى السفينة ثمّ تفريغها منها. والبواخر هي وسيلة النقل التي خرج بها الدجّالُ من جزيرته إلى شتّى أنحاء العالم، وقد وُصِفَت بأنّ صوتها يصل إلى الخافقين من شدّته ويخرج الدخان من خلفه.(54/62)
* الوصف الأخير لحمار الدجّال ينطبق على القطارات التي كانت تعتمد في سيرها على الفحم الحجري، وهي وسيلة النقل البرية الأساسية التي كان الدجّال يعتمد عليها في تنقُّلاته البرية الداخلية في البلاد التي وصل إليها واستعمرها، يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عن هذا الحمار:(يأكل الحجارة - أي الفحم الحجري- ويسبقه جبل من دخان ـ أي يخرج دُخانه الكثيف من مقدمته ـ ويركب الناس في جوفه - أي بداخله- وليس على ظهره). وهذا مصداق قوله تعالى في سورة التكوير: (وإذا العِشارُ عُطِّلَت) أي أنه في آخر الزمن زمن خروج الدجّال وزمن عودة اليهود إلى فلسطين يستغني الإنسان عن ركوب واستعمال الجمال بسبب اختراع وسائل نقل أقوى وأسرع.
الكابلاه
شبكة إسلامنا
الكابالا هي مذهب يهودي متصوف متشدد وهو مذهب اعتنقه العديد من المشاهير الذين تعج بهم قنواتنا الفضائية ومجلاتنا وأصبحت صورهم تعلق في غرف نومنا!!
وتقول "الموسوعة العربية الميسرة" أن القبالة Kabbalah مذهب عند اليهود، وهو مذهب في تفسير الكتاب المقدس – التوراة-، يقوم على افتراض أن لكل كلمة ولكل حرف فيه له معنى خفيا. ونشأ المذهب في القرن السابع ، واستمر حتى القرن الثامن عشر الميلادي، وهو محاولة ترمى إلى إدخال روح مستحدثة في اليهودية ، ولكن لقي أنصاره اضطهادا شديدا.
وكانوا يقولون أن مصدر كل شيء هو الله، وأن الشر هو نتيجة البعد عن الله، وأن الروح الإنسانية أزلية، وأنها إذا كانت طاهرة تفوقت على الشر، وأن لأسماء الله قوة خفية.…
ومصدر هذا المذهب هو "كتاب الخلق" عند اليهود مع دخول بعض تعاليم فبثاغورس العددية بما يعرف بمذهب عبادة الأعداد ، وأفكار أفلاطون الميتافيزيقية، وبعض تعاليم المسيحية. وأتباع هذا المذهب يؤمنون بتناسخ الأرواح .. والمذهب يرسم طريقة عددية في التفسير والتأويل وبعض فنون السحر والتنجيم والهرطقة.(54/63)
الكابالا هي واحدة من أعقد الفلسفات الدينية إنها تتعمق برموز غامضة وباطنية طبيعة الله والكون، وهي معقدة جداً حيث طيلة قرون لم يسمح سوى للرجال اليهود المتدينين جداً ممن يناهزون الأربعين وقد كرّسوا حياتهم في الدين اليهودي يسمح لهم بدراستها فقط.
والكابالا صرعة جديدة عند المشاهير وهي اعتناق فكري أو ديني لمذهب الـ Kabbalah اليهودي ويرمز إليه بخيط أحمر يلف على المعصم.
هل سبق وان وضعتم هذه الربطة من قبل دون ان تعلموا ...بحجة الأناقة والموضة!! هل تعلمون ما تلبسون وما يباع في محلات الإكسسوارات!!
وهل رأيتم شبابنا ولاعبي الكره لدينا يضعونها في أيديهم سبحان الله هل أصبح بهذا الغباء نضع خيط لا يمت للأناقة والجمال بصلة فقط لمجرد التقليد ولا نعلم ماذا تعني ومن الفنانين المشهورين المعتنقين لهذا المذهب ومن الدعاة له المطربة الأمريكية اليهودية "مادونا" والتي أثارت زوبعة إعلامية قبل سنتين عندما ذهبت إلى إسرائيل للحج!!
وأيضا الزوجان الشهيران "ديفيد بيكهام وفيكتوريا بيكهام" وتحية لكل فتاة معجبة بوسامة اليهودي بيكهام وزوجته ولكل من تعلق صورة وتتابع أخباره!!
وهناك أيضا مطربة المراهقين وملهمة الفتيات المراهقات والذين لا يعون شخصية الفنان المشهور وديانته ويتخلون عن مبادئهم باسم الفن ... وهي المطربة الشهيرة "بريتني سبيرز" وهي من اكبر الدعاة إلى الكابالا وأيضا تحية لكل معجب ومعجبة بها ولكل من نشر صورها وجعلوه رمزا للجمال والتواقيع وأصبحت الفتيات يقلدن هذه اليهودية في كل شئ ...
وأيضا "باريس هيلتون" الفتاة المدللة المشهورة وريثة صاحب سلسلة الفنادق الشهيرة هيلتون والتي لها فروع لدينا هنا في بلادنا ومنها هيلتون جده!!
ومن الفنانين المعروفين باعتناق مذهب الكابالا (هيو جاكمان) (ديمي مور) (وينونا رايدر).(54/64)
وقد أصبحت كلمة كابالا منتشرة في الأزياء والإكسسوارات حتى أنها قد تباع لدينا دون أن نعلم ماذا تعني هل سبق أن اشتريتم بلوزة أو بودي أو تي شيرت مكتوب عليه كتابة باللغة الانجليزية دون أن تعلموا ما معناها!!!
الكونجرس يلعب بالطرق الصوفية ضد الإخوان المسلمين؟!
صحيفة اللواء الأردنية 27/11/2007
حرص السفير الأمريكي ريتشارد دونى على حضور الاحتفالية الكبرى لمولد السيد البدوى بمدينة طنطا للعام الثالث على التوالى وسط مشايخ الطرق الصوفية يكشف بجلاء حجم الاهتمام الكبير الذي توليه أمريكا للشأن المصري بل وشأن كافة دول المنطقة فيما يسمى لديها بالمشروع الأمريكي في المنطقة فبعد أن كانت تدعم الجماعات الإسلامية المتشددة بدأت عقب أحداث 11 أيلول في دعم التيار الصوفي في مصر والمنطقة العربية من منطلق أن الإسلام الصوفي هو الإسلام المعتدل الذي يتماشى مع مشروعها في المنطقة ولخلق كتلة سياسية من الصوفيين تكون بديلاً لكتلة الإخوان تحت قبة البرلمان المصري.
فما هي أسرار الدعم الأمريكي للطرق الصوفية في مصر؟
في البداية يجيب د. أحمد محمد سلطان أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية بجامعة القاهرة قائلاً: بدأ الدعم الأمريكي للتيار الصوفي في مصر والمنطقة العربية عقب أحداث 11 أيلول عندما اصطدم المشروع الأمريكي "الشرق الأوسط الكبير" بالجماعات الإسلامية المتشددة وأيضاً بجماعة الإخوان المسلمين، وهو ما اضطر أمريكا للبحث عن تيار إسلامي جديد يكون موازياً ومعادياً لتيار الجماعات السلفية المتشددة وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين.
وبعد دراسات مستفيضة قامت بها لجنة الحريات الدينية بالكونجرس الأمريكي المتشددة توصلوا إلى اختيار الإسلام الصوفي على اعتبار أنه الإسلام المعتدل الذي يتماشى مع المشروع الأمريكي وطموحاته في المنطقة وصدرت التوصيات بضرورة خلق كتلة سياسية من الصوفيين تكون بديلاً لكتلة الإخوان تحت قبة البرلمان.(54/65)
ومن جانبها أصدرت مؤسسة راند الأمريكية تقريراً طالبت فيه بضرورة دعم وتأييد الاتجاه الصوفي في مصر والمنطقة العربية حيث وصفتها بأفضل وطالبت مؤسسة راند بضرورة استخدام المعونة الأمريكية في دعم الحركات والطرق الصوفية وترميم مزاراتها، ودفع الحكومات العربية لتشجيع نهضة صوفية في بلادها".
وبعد الدراسات والتقارير والأبحاث بدأ الدعم الحقيقي للصوفية ففي 2002328 حيث عقد في مدينة هامبرج الألمانية المؤتمر الثامن والعشرين للمستشرقين الألمان والذي أفرد جلسات مطولة تحت عنوان "الأخوة الصوفية حركة اجتماعية معتدلة".
كما خصصت جلسة أخرى لدراسة صورة الموالد الصوفية في مصر، وفي نفس المؤتمر وافقت الحكومة الألمانية على فتح أول معهد للشريعة الإسلامية يحمل اسم النقشبندي أحد زعماء الطرق الصوفية.
وفي نهاية 2003 شهدت مدينة الإسكندرية مؤتمراً فريداً من نوعه عقد في مكتبة الإسكندرية تحت رعاية منظمة اليونسكو تحت عنوان "المؤتمر العالمي للطريقة الشاذلية" وكان رعاة المؤتمر هم المركز الوطني الفرنسي للبحوث والدرسات، والمعهد الفرنسي للآثار الشرقية، ووزارة البحث العلمي الفرنسية، ووزارة الخارجية الفرنسية.. وكانت وزارتا السياحة والخارجية المصريتان ضيفتين.
وفي أوائل 2004 استضافت وزارة الثقافة الدنماركية علماء ومشايخ الطريقة الفارضية وعقدت مؤتمراً دولياً أستمر أكثر من عشرين يوماً تحت عنوان "الإسلام الصوفي بين الماضي والمستقبل" وعقب هذا المؤتمر مباشرة تم افتتاح الأكاديمية الصوفية في مصر.(54/66)
د. عادل محيى الدين أستاذ علم الاجتماع بجامعة حلوان أكد أن هناك بالفعل تحركات أمريكية ملحوظة لدعم التيار الصوفي في مصر وقد بدأ هذا الدعم في أوائل 2005 عندما فوجئ الشيخ حسن الشناوي شيخ مشايخ الطرق الصوفية بالسفير الأمريكي ريتشارد دونى يطلب مقابلته وهو الأمر الذي أزعج الشيخ حسن الشناوي فقام بإخطار جميع الجهات الرسمية بالدولة، وعقد أول لقاء بين الشيخ حسن الشناوي والسفير الأمريكي بحضور مسئولين من الحكومة.
وأضاف: أن اللقاءات تكررت بعد ذلك بين الشيخ الشناوي والسفير الأمريكي، خاصة في مدينة طنطا حيث عرض ريتشارد دوني على شيخ مشايخ الطرق الصوفية فكرة دخول القيادات الصوفية للانتخابات البرلمانية كتيار ديني سياسي معتدل وعقب هذا اللقاء صرح الشيخ حسن الشناوي في أول تصريح سياسي له.. "إن المشيخة العامة للطرق الصوفية لم ترشح أحداً ليمثلها في الانتخابات البرلمانية ولكنها لن تمنع أحد أعضائها من ترشيح نفسه على اعتبار أن هذا حق يكفله الدستور لكل مواطن.
الشيخ الحسن الشاذلي عضو المشيخة العامة للطرق الصوفية، أكد أن الزيارات المتكررة للسفير الأمريكي للموالد والمناسبات الدينية الصوفية قد تكون وراءها أهداف أمريكية سياسية، خاصة أن أمريكا تدرك عدد وحجم الصوفيين في مصر وثقلهم، إلا أن السفارة الأمريكية لن تتمكن من اختراق مشيخة الطرق الصوفية في مصر لأننا نعي وندرك كل الأبعاد.
بوش وسفيره بالقاهرة يرتديان العباءة "الصوفية" للتصدي للحركات الإسلامية
موقع المصريون - مجدي رشيد - 12 / 11 / 2007
أعرب سياسيون ومحللون عن اعتقادهم بأن مشاركة السفير الأمريكي بالقاهرة فرانسيس ريتشاردوني الصوفيين الاحتفالات بموالد الأولياء، وحضوره المناسبات والاحتفالات الشعبية المختلفة تأتي في إطار حملة "علاقات عامة" تهدف إلى خلق انطباع مغاير في الذهنية المصرية حيال المسئولين الأمريكيين.(54/67)
وقللوا من أهمية تصريحاته التي أكد فيها أن الرئيس جورج بوش معجب بالشاعر الصوفي جلال الدين الرومي، وأنه استشهد بكلمات له خلال لقائه مسئولي المركز الإسلامي بواشنطن خلال هذا العام، فيما اعتبروه نوعًا من الدجل السياسي.
ورأوا أن هدفه من ذلك هو محاولة تحسين شعبية الرئيس بوش في الأوساط الإسلامية، والعمل على محو الصورة السيئة التي التصقت بأذهان الرأي العام الإسلامي حيال هذا الرجل الذي وصف الإسلام بالفاشية.
كما اعتبروا الهدف من حضور السفير الأمريكي للموالد والتجمعات الصوفية، هو محاولة من جانبه لتعزيز النزعة الصوفية حتى تكون بديلاً عن الإسلام السياسي الرافض لمشاريع الهيمنة الأمريكية في العالم الإسلامي.
وأكد الدكتور كمال حبيب الباحث في شئون الحركات الإسلامية أن هناك اتجاها أمريكيًا وبشكل عام يدعم الاتجاهات الصوفية في العالم العربي والإسلامي كبديل للاتجاهات السلفية، كما أن رؤية الصوفية للإسلام تعبر عن المفهوم الأمريكي والغربي لهذا الدين والذي يقترب من النزعة المسيحية، فيما يتعلق بفصل الدين عن السياسة، مشيرًا إلى أن المولوية وأفكار جلال الدين الرومي منتشرة في تركيا وعديد من البلدان الغربية.
وأوضح أن الولايات المتحدة ترى أن الصوفية تعبر عن الدين المدني، وتسعى لأن تكون بديلاً عن الإسلام الجهادي والمقاوم للمخططات الاستعمارية الغربية، في ظل المخاوف الأمريكية المتنامية من تزايد نفوذ التيارات الإسلامية المقاومة بمنطقة الشرق الأوسط.
وقال إن هذا الأمر يفسر جهود الأمريكيين لتعزيز الإسلام الصوفي بديلاً عن الإسلام الجهادي خاصة وأن الأول هلامي وليس له أي تأثير في توجيه سلوك الإنسان، حسب قوله.(54/68)
في حين، رأى عبد الغفار شكر المحلل السياسي أن تحركات السفير ريتشاردوني تهدف لتحسين صورة الولايات المتحدة بالشارع المصري، وأنها تأتي في إطار حملة علاقات عامة بعد أن أيقن أن الموالد والتجمعات الصوفية للمصريين البسطاء مجالاً خصبًا لتغيير صورة الولايات المتحدة لدى المصريين.وأظهر استطلاع أجرته منظمة "وورلد ببلك أوبنين" الأمريكية، المتخصصة في إجراء استطلاعات الرأي في وقت سابق من هذا العام، أن مصر تأتي في صدارة الدول الإسلامية الأكثر "عداءً" للولايات المتحدة.
ووفق الاستطلاع، فإن 92% من المصريين يرون أن واشنطن تهدف لـ "تقويض" الإسلام، بينما رأى ذلك 74% من المسلمين في دول إسلامية أخرى كما أيد 80% من المصريين شن هجمات ضد القوات الأمريكية بالمنطقة، في نسبة هي الأعلى أيضًا بين أربعة دول إسلامية كبري، هي: مصر وإندونيسيا وباكستان والمغرب.
بدوره، رأى الدكتور ضياء رشوان الباحث بمركز "الأهرام" للدراسات السياسية والاستراتيجية، أنه من الخطأ أن تعتقد الإدارة الأمريكية أن الحركات الصوفية هي بديل عن حركات الإسلام السياسي، بدليل أن تركيا تمتلئ بالحركات الصوفية، ومع ذلك حقق حزب "العدالة والتنمية" ذي الجذور الإسلامية نجاحًا منقطع النظير، ونفس الأمر حدث في المغرب حيث تنشط الحركات الصوفية، ورغم ذلك استطاعت الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية أن تحصد أصوات الناخبين.
وأشار رشوان إلى أن هناك العديد من الدراسات التي ترى أنه من الممكن استخدام الحركات الصوفية لمجابهة حركات الإسلام السياسي والسلفية، وأن الرئيس الأمريكي جورج بوش يعتقد بإمكانية ذلك، لذا يمكن أن يكون لديه اتجاه نحو هذا الهدف.
لكنه رفض توصيف زيارات السفير الأمريكي للأضرحة بأنها جزء من سياسة بلاده في هذا الشأن، بدليل أن سفراء سابقين عليه لم يتجهوا هذا الاتجاه، وإنما الأمر يرجع إلى شخصية السفير نفسه.(54/69)
ويرى ريتشاردوني المغرم بحضور الموالد في مصر منذ عمله قبل أكثر من عقدين في السفارة الأمريكية بالقاهرة أن هذه الاحتفالات "تعكس طيبة المصريين وروح المحبة وكرمهم ودفء ترحيبهم وتدينهم المعتدل وسماحة دينهم، وكيف أن الإيمان يربط الأمريكي بالمصري ولا يفرقهما".…
من جانبه، أرجع الدكتور عبد الله الأشعل الدبلوماسي السابق والمحلل السياسي تصرفات السفير الأمريكي إلى رغبته في التسلل إلى الرأي العام الشعبي؛ وهي محاولات تعكس حرصه على الظهور بمظهر مغاير عن الصورة العامة لبلاده، وأنه ربما يحاول من هذه التصرفات تخفيف وطأة السياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط وعلى رأسها مصر، بعد أن أيقن أن مرتادي هذه الأماكن بسطاء يمكن خداعهم بهذه التصرفات.
واستبعد الأشعل أن يكون لهذا الأمر علاقة بمحاولة احتواء الإسلام السياسي والجهادي، لأن ذلك يستلزم ليس الكلام فقط وإنما تمويل للحركات الصوفية ومساعدتها على جذب أكبر عدد ممكن من الجماهير والمريدين. في حين وصف تصريحات الرئيس الأمريكي عن الشاعر جلال الدين الرومي بأنها مجرد نوع من الدجل السياسي، لأن تصرفاته وسياساته ضد الصوفية ولو أنه أعجب بآراء وأفكار هذا الشاعر الصوفي لكان شرفًا له ذلك ولكن هذا من قبل الدجل السياسي ليس إلا.
قريبا تنطلق قناة "الشيعة السعودية"
موقع وكالة ابنا للأنباء الشيعة 20/11/1428
كشفت الاستعدادات المتلاحقة على قدم وساق في لندن العاصمة البريطانية عن عزم اثنين من الإعلاميين المعروفين بمدينة الإحساء وهما "حمزة الحسن" و"فؤاد إبراهيم" على إطلاق قناة فضائية شيعية تعمل على دعم جهود الإصلاح في المملكة العربية من خلال التعبير عن آراء ومصالح الطائفة الشيعية التي تمثل الأغلبية في المنطقة الشرقية ويتجاوز عدده ثلاثة مليون نسمة بالجزيرة العربية .(54/70)
وقد أكد القائمون على القناة الشيعية المعارضة على أهمية استغلال الإعلام المرئي، وإمكانيات القنوات الفضائية التي تستطيع أن تحقق النجاح المرجو في ترويج أفكار الإصلاح في وقت قياسي قد يعجز عنه الأساليب التقليدية لذلك وقع الاختيار على قمر "الهوتبيرد" الأوروبي بشكل مبدأي وأقمار أخرى لتحقيق هدف القناة في المطالبة بحقوق الشيعة السعوديين وذلك بالتعاون مع وسائل الإعلام والمؤسسات الإعلامية العالمية بالإضافة إلى منظمات حقوق الإنسان العالمية .
كما تعمل القناة المنتظرة على بيان واقع الأقلية الشيعية بالسعودية وكشف انتهاكات حقوق الإنسان الممارسة في حقها،وترصد القناة شتى شئون الشيعة في البلاد من خلال النشرات الإخبارية والبرامج التحليلية الحوارية الجادة المباشرة والمسجلة وكذلك البرامج الوثائقية التاريخية وتدعو تلك البرامج الوثائقية إلى الإصلاح المعتدل في الداخل والخارج .
وعلى الرغم من أنه لم يتفق على اسم محدد للقناة حتى الآن إلا أنه سيكون ذات مدلول إصلاحي معبر وقد تم طرح بعض المسميات من أبرزها "طوى ، الساحل ، الواحتين".
وأكد القائمون على القناة أنهم نفذوا هذا المشروع تحقيقا لرغبة الطائفة الشيعية وأنهم لجأوا إلى القمر الأوروبي لأن القمر المصري "النايل سات" والقمر السعودي "العرب سات" يقع تحت سيطرة الحكومتين السعودية، والمصرية اللتان تمنعان بث القنوات الشيعية التي يغلب عليها الطابع الديني.
اجتماع تحضيري لمؤتمر الأحزاب الإسلامية في طهران
الجزيرة نت 25/11/2007
يعقد مؤتمر الأحزاب الإسلامية اجتماعا تحضيريا في العاصمة الإيرانية طهران بمشاركة ممثلين عن عشرة أحزاب إضافة إلى عدد كبير من الشخصيات السياسية والحزبية في الجمهورية الإسلامية.(54/71)
ومن الأطراف المشاركة في اجتماع المؤتمر -الذي يستضيفه حزب مؤتلفه الإيراني- حركة المقاومة الإسلامية (حماس) من فلسطين وحزب الله اللبناني والمجلس الإسلامي الأعلى من العراق وحركة أمل اللبنانية والحزب الإسلامي الكويتي وثلاثة أحزاب إسلامية من أذربيجان.
وقد حالت أسباب سياسية دون مشاركة حزب بحريني كما منعت الظروف السياسية في باكستان حضور عدد من الأحزاب واعتذر حزب العدالة والتنمية التركي عن الحضور بسبب انعقاد جلسة مشتركة بين مجلس الشورى والحكومة التركية.
وتقول رئاسة المؤتمر إن هذا الاجتماع كان مقررا انعقاده العام الماضي لكنه تأجل بسبب الحرب التي شنتها إسرائيل على لبنان والأوضاع الحرجة في فلسطين المحتلة.
وتعتبر رئاسة المؤتمر أن انعقاد هذا اللقاء يشكل خطوة هامة وجماعية لدعم المقاومة الفلسطينية كما أنه يعد بداية لانطلاق حركة إسلامية عالمية.
دعوة لليقظة
وفي افتتاح الاجتماع أمس السبت دعا موسى أبو مرزوق نائب رئيس المكتب السياسي لحماس إلى يقظة العالم الإسلامي من أجل التصدي للمؤامرات التي تحاك ضده، واعتبر أن عقد مثل هذا الاجتماع هو مطلب جميع المسلمين.
وأكد أبو مرزوق أن الولايات المتحدة ترى في العالم الإسلامي المنافس الأكبر لها بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، مشيرا إلى أن أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 وفرت الأرضية المناسبة لمخططاتها الهادفة لفرض هيمنتها على الأرض الإسلامية.
ووصف أبو مرزوق السياسة الأميركية بالعدوانية وحملها مسؤولية إشعال النار في لبنان وأفغانستان والعراق وما تعاني منه بعض البلدان مثل سوريا وإيران واليمن والجزائر والسودان.
ودعا مسؤول حماس إلى ترتيب سلم الأولويات في العالم الإسلامي موضحا أن مواجهة الصهيونية هي واجب العالم الإسلامي كما أن على المسلمين أن يتصدوا للجهل والأمية التي تنتشر في بلدانهم.
مقاومة وتحديات(54/72)
من جانبة أكد مسؤول العلاقات الخارجية في حزب الله اللبناني علي دعموش على أن اجتماع الأحزاب الإسلامية يأتي في ظروف حساسة للغاية تدعو للوعي بأن إسرائيل لا تهدد الأحزاب الحاضرة وحدها وإنما تشكل تهديدا خطيرا للجميع.
وذكر دعموش أن المقاومة في لبنان أثبتت أنه ومهما كان العدو قادرا ومسلحا ومدعوما فإنه قابل للانكسار والهزيمة، في إشارة إلى فشل إسرائيل في حرب على لبنان صيف 2006.
وأكد دعموش أن حركة المقاومة في لبنان تواجه ضغوطا كبيرة ولكنها تجدد التأكيد على مواصلة السير دون انحراف عن نهج المقاومة للحيلولة دون أن تكون لأميركا وعملائها الكلمة الأولى في لبنان.
وفي السياق يرى رئيس المؤتمر حميد رضا ترقي أن وحدة الأمة الإسلامية مطلب قديم وحلم كل الأمم المسلمة، كما أنها باتت ضرورة يؤكدها الواقع وتدعو إليها النخب السياسة والثقافية في العالم الإسلامي.
واعتبر ترقي أن الوحدة الاقتصادية أمر سهل المنال ولكن الوحدة السياسية والثقافية تحتاج الكثير من العمل والجهد.
وحدد ترقي مجموعة تحديات أمام الأمة الإسلامية على رأسها ترك الفضائل الأخلاقية والابتعاد عن روح الإسلام الأصيل وشيوع الخرافات والبدع في عقائد المسلمين والفصل بين الدين والسياسة وقيام الفرق التي تدعو لنشر الفرقة والخلاف بين أبناء الأمة.
هل من لقاء بين الفقهاء والمتصوفة؟
حسام تمام - الغد 5/12/2007
في أقصى بقاع بلاد الغرب الأفريقي وفي قرية نائية أقرب إلى واحة في الصحراء الموريتانية وقريبا من حوض نهر السنغال الحد الفاصل بين البلدين: موريتانيا والسنغال جرت وقائع هذه الندوة التي تأخرت في الكتابة عنها لظروف سفر طويل وتنقلات لا يستقر معها المقام،ثم عدت إليها بعدما صرت على قناعة بأن موضوعها والسياق الذي عقدت فيه بل وأجواء الندوة عموما من الأهمية بما يفرض التوقف كثيرا عندها.(54/73)
أكتب عن ندوة "الفقهاء والصوفية في الغرب الإسلامي ودلالات التقريب" التي نظمتها منظمة آل البيت بالتعاون مع المركز الأفريقي للدراسات والأبحاث الصوفية والتي استغرقت أعمالها يومين كاملين من المناقشات.
دعيت للمشاركة في أعمال الندوة بمحاضرة عن الصوفية والحركات الإسلامية المعاصرة، وكنت المشرقي الوحيد في الندوة التي ضمت باحثين ومفكرين وعلماء وفقهاء وشيوخ طرق صوفية ومريدين من كل بلاد الغرب الأفريقي تقريبا: المغرب والسنغال والنيجر ومالي و..وموريتانيا التي تقع فيها القرية النائية والفريدة التي استضافت الندوة: تيكماطين.
ندوة في قلب الصحراء
لا يمكن التطرق إلى فكرة الندوة ولا أعمالها دون التوقف والتأمل في طبيعة المكان الذي عقدت فيه والناس الذين قاموا على هذا العمل الإسلامي الفريد من نوعه.
على العكس من أي فاعلية يمكن أن يحضرها الباحث كانت هذه الندوة؛ فاللقاء ليس- كما جرت العادة- في صالات الفنادق التي تتنافس في عدد نجماتها ولا في مدرجات الجامعات أو قاعات مراكز الأبحاث بل في قرية صغيرة في قلب الصحراء المترامية على الحدود الموريتانية السنغالية، وفي مشارف القرية وعلى الرمال قريبا من بيوتها المتواضعة عقدت فاعليات الندوة وكان مشهدا نادرا.
الوجوه السمراء التي يعلوها البشر ويختلط فيها اللباس الأبيض والعمامات الخضراء التي يعرف بها الصوفية مع الألوان الأفريقية الزاهية اصطفت بالمئات وربما الآلاف في جلسة أبعد ما تكون عن التكلف والتصنع. لم يكن هناك من مظاهر الحداثة إلا السيارات التي جاءت بالضيوف من كل دول الجوار الأفريقي تقريبا،والمولّد الذي يمد الندوة والقرية بالكهرباء والميكروفونات التي تنقل وقائع النقاش لأهل القرية من حضر منهم النقاش أو من فضل الاستماع لها من البيت حيث لم يكن بإمكان أحد من أهل القرية رجالا ونساء إلا المشاركة ولو بالترحيب بالضيوف والقيام علي خدمتهم..(54/74)
افترش الجميع الرمال ما عدانا نحن الضيوف الذين لم نغادر مقاعدنا التي بدت غريبة فوق تلال الرمال إلا إلى بيوت أهالي القرية وقلوبهم التي كانت أكثر رحابة من صحراء لا تبلغ العين مداها.
برنامج متنوع
الندوة هي السابعة في سلسلة الندوات التي تنظمها منظمة آل البيت التي تأسست حديثا، وقد أطلق عليها اسم المرحوم الشريف محمد الأمين الشيخ، وكانت هناك رعاية ومباركة لها من الشيخ صالح امباكي ابن شيخ السنغال الأشهر أحمدو بمبا ساكن مدينة طوبا ذات الأهمية الدينية بالسنغال وحضور مشايخ الطرق والزوايا الصوفية. وكان عنوان الندوة بليغا في التعبير عن أهدافها فقد علت أشغالها لافتة كبيرة كتب عليها:"القائمون على الدين إذا اجتمعوا على إقامته ولم يتفرقوا فيه لم يقهرهم عدو".
فقد كان هناك محور للتصوف كان من أهم موضوعاته: دلالات التقريب بين المسلمين في المنهج المريدي وأثر الطريقة القادرية الفاضلية على مجتمع حوض نهر السنغال والصحراء الكبرى.
وفي محور الفكر الإسلامي ناقشت الندوة قضايا مثل: الإمامة في بلاد السودان الغربي بين الفقهاء والمتصوفةـ وأثر الفقه والتصوف الأندلسي على المجتمع الصحراي المغربي، والمهدوية في الأديان السماوية ودورها في صراع الحضارات، والأثر الصوفي على الحركات الإسلامية المعاصرة، والمرأة في الغرب الإسلامي وتفعيل التقريب..
وفي المحور التاريخي نوقشت قضايا مثل المرابطين وقراءة جديدة في التاريخ وحركة الهجرة، والتبادل التاريخي بين الشمال والجنوب وانعكاسه على تشكل الهوية في الغرب الإسلامي.(54/75)
وكان هناك محور عن المحظرة الموريتانية التي هي مدارس القرآن التقليدية والتي ينظر إليها كجامعات مفتوحة. كما كان هناك محور قانوني عالج قضايا مثل الرقيق والتبيعة والحدود السياسية وعوائق التقارب في الغرب الإسلامي. إضافة إلى المحور الأدبي الذي ركز على الأدب الصوفي بشكل خاص. لقد شارك في أعمال الندوة فقهاء ومتصوفة من جميع المدارس الفقهية والطرق والزوايا الصوفية في الغرب الأفريقي تقريبا.
التقريب ضرورة اللحظة
انطلقت الندوة من الإحساس بخطورة أن ألف سنة مرت على هذه المنطقة والصراع فيها محتدم بين مدرسة الإحسان التصوفية والمدارس الفقهية والسلفية منها خاصة، وأن هذا الصراع والمواجهات بل والمناظرات التي تخللته ولدت شرخا كبيرا بين الناس بل وكثيرا ما وصلت إلى حد التكفير وإراقة الدماء بما عرقل جهود الدعوة إلى الله في أدغال أفريقيا القارة التي كان ينظر إليها باعتبارها قارة الإسلام قبل أن تجتاحها جيوش التنصير،.. وهو ما استدعى البحث عن إمكانية اللقاء بين الصوفية والفقهاء من أجل استئناف الدعوة الإسلامية لمسيرتها مجددا.
وكان واضحا في الندوة كذلك الإحساس بالخطر من أن هذا الصراع بين الفقهاء والمتصوفة فتح الباب لاختراق التشيع للفضاء السني المالكي الذي ظل مهيمنا على هذه المنطقة المهمة من العالم الإسلامي، إذ بدا أن قطاعا كبيرا من بلدات الغرب الأفريقي الإسلامية السنية تتشيع عبر قنطرة التصوف والحديث عن فضل آل البيت؛ فالدبلوماسية الإيرانية هي الأكثر نشاطا، والحضور الإيراني يتعاظم ويحاول اختراق التجمعات الدينية التقليدية وعلى رأسها الطرق الصوفية. حتى استطاعت إيرات فتح أقسام لدراسة الفقه الشيعي والتشيع في بعض جامعات دولة مثل غانا المعروفة تاريخيا بكونها سنية مالكية.(54/76)
لقد أثار المد الشيعي في المنطقة الإحساس بالخطر لدى الفقهاء والمتصوفة الذين جمعتهم الندوة التي سعت للتقريب بينهم ولكن من واقع فهم مختلف لفكرة التقريب أساسه أن التقريب يفترض أن يكون بين المدارس السنية والتي تنتمي إلى مذهب واحد( أهل السنة ) وليس بين المذاهب المختلفة.
كما فرقت الندوة بين تجليات مختلفة للتصوف وتحاول الكشف عن خصوصية التصوف في هذه المنطقة من العالم الإسلامي، فالصوفية في الغرب الأفريقي كانت دائما رائدة الجهاد ضد المستعمر في عموم أفريقيا، وأعلام الجهاد في هذه المنطقة هم على الإجمال متصوفة مثل الشيخ
عبد القادر الجزائري والشيخ عبد الكريم الخطابي والشيخ ماء العينين في صحراء المغرب والشيخ عمر الفوتي والشيخ عثمان دا فوديو في غرب أفريقيا الشيخ أحمدو بمبا والشيخ مابا خوباه في السنغال ومالك سيسي في بوندو وفولتا العليا..وكانت أعمال الندوة حاسمة في التأكيد على أن التصوف في الغرب الافريقي ظل جهاديا مناضلا ولم يعرف ما عرفته بعض بلاد المشرق من تقاعس للطريقة الصوفية في مواجهة المستعمر.
وربما كانت هذه الروح التي دفعت بمنظمي الندوة لتخصيص بعض محاورها لقضية الصراع العربي الصهيوني(مثل: باب المغاربة في القدس الشريف والحضور المغاربي في الصراع العربي الصهيوني، ودور آل البيت التاريخي في الصراع الفلسطيني الصهيوني) إضافة إلى دعوة سفير فلسطين ليكون في مقدمة الحضور إضافة إلى توصيات الندوة بضرورة قطع العلاقات الموريتانية مع الكيان الصهيوني والتي رأت أنها غريبة على الشعب الموريتاني.
لقد حددت الندوة هدفها بتقريب الخطاب الفقهي من المتصوفة وإعادة التفاهم وأعلنت أنها أقرب إلى محاولة للصلح أو التقارب بين التصوف والفقه، وكان هناك تركيز على رفع التناقض بين التصوف والفقه وتأكيد مستمر على أنه تناقض طارئ إذ لم يكن في القرون الأولى أي تعارض(54/77)
فالصوفية الأوائل اتبعوا السلف،والخلاف جاء في عصر التخصص والمصطلح، فمطلب الصوفي ما هو الأفضل ومطلب الفقيه هو ما يسقط به الحرج ومن ثم فهما متكاملان وليسا متناقضين.
الجيل الجديد من المتصوفة
بقي أن نقول أن منظمة آل البيت التي نشأت في قرية نائية بالصحراء هي نموذج للعمل الأهلي الشعبي القادر على الاستغناء عن أموال التمويل الغربي والرسمي فهو ذاتي النفقة ولا يأخذ تبرعات وإنما يعتمد على دعم المريدين.
وقد تأسست لتقوم بمهمة حفظ للنسل الشريف حيث تسعى لجمع سلاسل ومشجرات الأنساب الشريفة في موريتانيا والغرب الأفريقي ودراستها على ضوء الهجرات ومعطيات التاريخ، وكذلك التأريخ للمدارس الصوفية في أفريقيا ومعرفة نظرتها إلى آل البيت، وأخيرا غربلة الموروث الأفريقي الصامت وتحديد موقع أل البيت فيه.
والحق أن القائمين على هذه المؤسسة يمثلون الجيل الجديد من المتصوفة والذي يسعى إلى تجديد التصوف وتنقيته وإعطائه دينامية حركية أولا عبر التحاور مع أبناء المدارس الإسلامية الأخرى السنية بشكل خاص، والانفتاح على وجهات النظر المختلفة حتى ولو كان لها ما تأخذه على التصوف، ثم إن هذا الجيل على درجة كبيرة من الوعي بخطر انغلاق التصوف أو عدم إدراكه للمخاطر التي تتهدده وعلى رأسها التشيع.
حتي لا " يصبح للخطايا ثمن "
فؤاد الهاشم - الوطن الكويتية 10/12/2007(54/78)
كانت المرة الأولى ـ قبل حوالي شهر ـ حين علمت بتفاصيل دقيقة كنت أجهلها سابقاً ـ عن التركيبة الشيعية في الكويت و..اتجاهاتها المختلفة بعد اتصال جاءني من سيدة كويتية شيعية قالت إنها مدينة بمبلغ يصل إلى حوالي عشرين ألف دينار لا يجعلها تنام الليل، فهي مطلقة ولديها ابنة في سن الشباب وتضطر ـ منذ سنوات ـ للانتقال من منزل قريبة لها إلى أخرى هرباً من »الضبط والإحضار« الذي يلاحقها ثم.. طلبت مني مساعدتها!! سألتها أن تعطيني رقم هاتف أي لجنة خير شيعية تجمع أموال »الخمس« فقالت لي أنهم يرفضون إعطاءها أي مساعدة لأنها من "جماعة السيستاني" ـ أو "الشيعة الأصوليين" كما يسمونها الجهة الأخرى ـ لكنني كنت متفائلاً بالأمر وأخذت منها رقم هاتف اللجنة الخيرية التي تتبع مرجعية.. ثانية! رد علي أحد الأشخاص فقلت له: أنا فلان وأتمنى عليكم مساعدة سيدة كويتية شيعية بحاجة للعون«! ظهر من صوته أنه لم يصدق أن الذي يكلمه هو أنا، فكرر على مسامعي بصوت عال.. " أنت فلان.. ما غيره؟" قلت له: "نعم" فكررها ـ ثانية أنت اللي تكتب في الجريدة؟ قلت له: "نعم"، وأعادها للمرة الثالثة حتى أصابني الشك أن هناك شخصاً آخر في الكويت يحمل نفس.. اسمي!!(54/79)
أعطيته تفاصيل حاجة المرأة للمساعدة وكذلك رقم هاتفها، فطلب مني إبلاغها بأن تكتب رسالة وتقدمها إلى لجنتهم وتضع في أعلاها الجملة التالية: "من طرف فؤاد الهاشم"، فشكرته وأبلغت السيدة بالأمر، ثم.. مر شهر كامل!! اتصلت المرأة وقالت إنها حصلت منهم على مبلغ 150 ديناراً فقط، وبأنه لولا وساطتي لما حصلت على فلس واحد، بينما أعطاها بيت الزكاة "السني" مبلغ خمسة آلاف.. دينار! أتمنى من الزميل الكاتب "علي البغلي" الذي يفرد ضلوعه كل يوم للهجوم بمناسبة وبدون مناسبة على الجماعات السلفية والإخوانية وكل جمعية خيرية يقودها مطوع أن يخصص جزءاً من كتاباته لتلك اللجان الشيعية الخيرية التي تفرق بين أبناء الشيعة حسب مرجعياتهم وتنسى أنهم »مسلمون بشر ويمرون بضائقة مالية« وان لا علاقة لمرجعياتهم بظروف حياتهم اليومية من أكل وشرب ودفع إيجارات وأقساط وغيرها، وأن الدموع التي تذرفها تلك السيدة ـ ذات المرجع "السيستاني" ـ هي ذاتها التي تنهمر من عيون سيدة أخرى تتبع مرجعاً دينياً آخر، والدم الذي يجري في عروق الأولى هو ذاته وبنفس لونه الذي يجري بعروق.. الثانية!
نريد من "علي البغلي" الذي يعتبره وكيل المراجع الشيعية ـ من كتّاب المرجعيات الشيعية ـ وهو يحاول إقناعنا بمدى انبهاره بالثقافة الفرنسية والفكر الليبرالي المستنير في الوقت الذي يمتلئ فيه قلمه بالحبر الطائفي البغيض... أن يفرد ضلوعه ـ أيضاً ـ على هذه الممارسات التي تفتت أبناء طائفته وتجعلهم يكرهون بعضهم.. بعضاً!! وإلا.. فإن "خطايا" كتاباته عن "الليبرالية المزعومة" التي يمارسها على قرائه ستكون ـ مثل التراب الذي.. بلا "ثمن"!!
فرسنة الخليج
جميل الذيابي الحياة 9/12/2007(54/80)
في عام 1981 أعلنت ست دول عربية خليجية عن قيام مجلس للتعاون في ما بينها، بغية تحقيق مجموعة من الأهداف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، لبناء الإنسان الخليجي ومواجهة الأخطار المحيطة به وفي مقدمها صلف السياسات الإيرانية.
وفي القمة الأخيرة الثامنة والعشرين للمجلس التي عقدت في الدوحة، حلَّ رئيس دولة إيران التي تشكل «صداعاً» دائماً لدول المجلس، ضيفاً على القمة، وليته كما تمنى البعض لم يأتِ، إذ جاء متحدثاً عن «خليج فارسي»، متجاهلاً عروبة الخليج ودوله.
لم يحمل الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، أي تطمينات لدول الخليج، كما لم يحمل تغييراً في النهج والمنهج الإيراني، إذ لم يقدم حلاً عملياً واحداً لتجاوز الأخطار التي تواجه دول المنطقة سوى رفع الشعارات والتحديات.
تجاهل نجاد ملف بلاده النووي واستمرارها في تخصيب اليورانيوم، وهو ما يزيد خشية دول الخليج ويثير مخاوفها «القائمة»، كما تجاهل عن قصد احتلال بلاده الجزر الإماراتية الثلاث منذ العام 1971، وتجاوز التدخلات الإيرانية «غير المقبولة» في الشؤون العراقية واللبنانية، وأيضاً التلاعب بالمسألة الفلسطينية. أعتقد أن نجاد حصل في «قمة الدوحة» على ما يريد، إذ جاء إليها «متحدثاً» ومحللاً، فسرق الأضواء واختطف أجواءها خلفه، وقال ما يريد، وتجاهل ما كان يُنتظر منه أن يقول ويبدي تطمينات حوله.
ذهب نجاد إلى ترديد مسمى «الخليج الفارسي» أكثر من مرة، وهو بالمناسبة عقدة إيرانية، معتبراً أن بلاده دولة خليجية، خصوصاً عندما قال في كلمته خلال الجلسة الافتتاحية إن «دولنا السبع تتمتع بإمكانات وقدرات هائلة»، إذ تجاوز حضوره كضيف على القمة ليصنّف بلاده كواحدة من دول مجلس التعاون.(54/81)
إيران تعاني من «أزمات» وتسلّط حكومي داخلي، وهناك قهر يمارس على بعض الأقليات، كما هو حاصل في منطقة الأهواز الغنية بالنفط، حيث يعيش سكانها تحت خط الفقر، وهم شبه محرومين من الماء النقي، خصوصاً العرب منهم. كم هي إيران في حاجة ماسة إلى استخدام قدراتها في حلّ مشكلاتها الداخلية وإسباغ الرفاهية على مواطنيها؟!
استعرض نجاد عضلاته «اللسانية» ورفع الصوت بشعارات «إقليمية»، وابتعد عن تقديم التطمينات بشأن «القلق» الخليجي من المفاعل النووي الإيراني، ولم يقدم حلولاً عادلة «توافقية» للجزر الإماراتية المحتلة من قبل إيران.
من المؤكد أن نجاد أراد عبر «روزنامة» الاقتراحات التي قدمها لدول الخليج، تصفية حسابات مع الولايات المتحدة، بغية إحلال العلاقة الإيرانية مع الدول الخليجية محل العلاقة الخليجية – الأميركية.
لم يقدم الرئيس الإيراني ما يثبت حسن نيات بلاده أو تراجعها عن مشاريعها، فقد تجاهل الحديث أو التعليق على القضايا الكبرى التي تمثل إيران لاعباً أساسياً فيها وتهدد أمن المنطقة واستقرارها.
السياسات الإيرانية هي إحدى مصادر الخطر الحقيقي الذي يحدق بالمنطقة، وكما قال نجاد في خطابه أمام القمة إن «أمن دول الخليج (الفارسي) متشابك، وإن التوترات الأمنية المحتملة في أي مكان في المنطقة ستؤثّر على بقية الدول»، وهنا أعتقد أن في ذلك رسالة «غير مباشرة» للدول الخليجية مع تشابك خيوط الأزمة الإيرانية، فيما لو تعرضت طهران لضربة عسكرية أميركية.
لا شك أن التوترات المستمرة في المنطقة هي إحدى نتائج السياسات الإيرانية، وما على دول الخليج العربية إلا السعي لتأمين منطقتها وأمن شعوبها في ظل عدم اتخاذ إيران مواقف تؤكد حرصها على سلامة المنطقة واستقرارها. ولا أظن أن إيران ستقدم ما يطمئن جيرانها.(54/82)
سياسة إيران «توسعية» و «فوضوية» وتهدد مصالح دول المنطقة وشعوبها، وهذا ما يستوجب التوقف عند الدعوات لدول الخليج إلى تبنّي اقتراح تطوير أنظمة إقليمية للدفاع الصاروخي في المنطقة، لتشكل مظلة حماية ودفاع في مواجهة التهديد الإيراني عند أي عمل عسكري أميركي ضدها.
الاقتراحات التي تقدم بها نجاد إلى «قمة الدوحة» نوع من التكتيك «الوقتي» ومراوغة «مكشوفة» وقفز على الحقائق، ولا تصلح سوى «مانشتات» صحافية وعناوين للنشرات الإخبارية.
أعتقد أن النهج الإيراني لن يتغير طالما أن من يمسكون باللعبة السياسية في طهران ويقفون خلف قراراتها هم من الملالي الكبار، سواء استنكر الإصلاحي خاتمي أو رفع الشعارات المتشدد أحمدي نجاد أو فاوض لاريجاني فالقرار يملكه غيرهم، ومطامعهم لا تتوقف عند استيطان جنوب العراق بل تصل إلى "فرسنة" الخليج كله.
عضو في البرلمان الإيراني: لا مضايقات ضد السنة في إيران
وكالة ابنا للأنباء 28/11/1428 هـ
أكد العضو السني في مجلس الشورى الإسلامي في إيران غل محمد بامري بأن السنة في إيران يعيشون بصفاء ومحبة جنبا إلى جانب مع إخوانهم الشيعة و ليس هناك أي مضايقات للسنة خاصة في تأديتهم عباداتهم وتعاليم الدين الإسلامي الحنيف.
وقال بامري وهو عضو مجموعة الصداقة البرلمانية الإيرانية - الكويتية في حديث مع صحيفة ''الأنباء'' الكويتية: لقد كان هناك نوع من الاضطهاد والمضايقات ضد السنة قبل انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية لكن بعد قيام الثورة الإسلامية أكد الدستور على حقوق الأقليات المختلفة.
وأضاف: كان السنة في إيران قبل انتصار الثورة يذهبون من بلوجستان إلى باكستان والأكراد من غرب إيران إلى كردستان العراق وذلك من اجل دراسة قضايا مذهبهم، أما اليوم فان الحركة أصبحت عكسية ويأتون من باكستان و شمال العراق ليدرسوا في بلوجستان والحوزات الدينية في إيران.(54/83)
وأكد يقول: أما بالنسبة للمشاركة السياسية للسنة في المرافق الحكومية فإنهم يتبوأون اليوم مناصب سامية في مجالات مختلفة سواء في طهران أو في المدن الإيرانية الأخرى والمجال مفتوح ولا توجد أي محظورات أمام أفراد الشعب سواء من الشيعة والسنة.(54/84)
مجلة الراصد الإسلامية
العدد الخامس والخمسون – غرة المحرم 1429هـ
* فاتحة القول…الخطر الإيراني في مرحلة الحوار ..................................... ..........................…3
* فرق ومذاهب…سلسلة التجمعات المسيحية في المنطقة – الكلدان .............................................…6
* سطور من الذاكرة…نادر شاه يقضي على الدولة الصفوية ...........................................................…10
* دراسات …- الشيعة بين يوم عرفة ويوم عاشوراء ........ ................................................
- جهود علماء العراق في الرد على الشيعة .... ...............................................…15
29
* كتاب الشهر …فرقة البوهرة .. شناعة التاريخ وفساد العقيدة ................................................…45
* قالو ….......................................................................................................…50
* جولة الصحافة ……
إيران…- التفاوض مع إيران وسيناريو الدمية المحشوة .................. .........................…52
…- العرب والعلاقات الإيرانية – السورية .......................................................…54
…- دولة إيران السرية ................................... ..........................................…57
…- شكراً لمكتبة التعبئة والتنسيق في الحرس الثوري الإيراني. ............................…59
صحوات…- تنظيم القاعدة لم يعد الخيار السياسي لسنة العراق .......................................…68
…- صحوة أبو غريب والأسئلة الملغومة ........................................................…70
…- ماء النار .........................................................................................…73(55/1)
صوفية…- استقالوا من السياسة فهربوا إلى التصوف ................................................…57
…- هل أصبح بوش متصوفاً ......................................................................…78
متفرقات…- الأحزاب الشيعية والمرجعية في العراق ولبنان ...........................................…79
…- لقاء مع الخالصي .............................................................................…83
…- حزب ا لتحرير .. قوة صاعدة جديدة في المشهد السياسي الفلسطيني ................…87
…- دعوة قبطية جديدة لتأسيس "الإخوان المسيحيين" ......................................…89
…- حوار مع فضل الله .. دور الشيعة في العالم العربي .....................................…92
……
……
……
……
……
……
……
……
الخطر الإيراني في مرحلة الحوار؟؟
المتابع لما آلت إليه الأمور بين الولايات المتحدة وإيران يدرك بوضوح أن إيران قد كسبت هذه الجولة من الصراع، وذلك بتوقف الإدارة الأمريكية عن تبني خيار ضرب إيران، والمطالبة بدلا من ذلك بالحوار والتفاهم، وأخيرا صدور تقرير المخابرات الأمريكية الذي منح إيران شهادة براءة من البرنامج النووي العسكري.
لم يكن التراجع الأمريكي هذا بسبب قوة إيران بقدر ما هو بسبب الدهاء الإيراني في اللعب على التناقضات في المنطقة واستخدام خصومها لمصالحها من جهة، ومن جهة أخرى بسبب ما تتلقاه إيران من دعم ومساندة - ولو بشكل غير مباشر- من أطراف دولية كروسيا والصين، أو قوى سياسية يهودية ويسارية في أمريكا وأوروبا بحجة معارضة الهيمنة الأمريكية وتفرد أمريكا بالقرار.(55/2)
وقد سبق لنا في الراصد أن بيّنا رؤيتنا في ما قد يجرى بين أمريكا وإيران في العدد (50) وقلنا حينها: "ليس من مصلحتنا حصول الصراع بين الطرفين، وليس من مصلحتنا أيضاً بقاء تهديد الطرفين لنا وابتزازنا دوماً! وهذا يحدث بسبب ضعفنا وضياع بوصلتنا في تقدير الأمور على حقيقتها".
وللأسف لا نزال في نفس المتاهة، فالدول العربية ومع عدم تأييدها ضرب إيران، إلا أنها لا تملك رؤية حيال السياسة الواجب إتباعها معها، وأي مراقب يدرك بسهولة غياب الموقف العربي المشترك والواضح، كما حدث في دعوة الرئيس أحمدي نجاد لحضور قمة مجلس التعاون الخليجي الأخيرة، ومن بعدها دعوته رسمياً لأداء مناسك لحج في أول بادرة من نوعها من السعودية تجاه إيران، وأيضاً كما يتضح ذلك من الدبلوماسية النشطة بين مصر وإيران في الآونة الأخيرة.
وهنا يكمن خطر من نوع جديد في السياسة الإيرانية، فمع وجود صراع بين أجنحة الحكم الإيراني، إلا أنها تتصارع على تحقيق أكبر المكاسب لإيران على حساب جيرانها وذلك كحال الصراع السياسي في إسرائيل بين حزبي الليكود والعمل، ولذلك فإن من يفرح بهذا الصراع، ويعلق عليه آماله واهم ومخطئ!!
و هذا الخطر يكمن في أن إيران تملك مشروعا واضحا يهدف إلى التوسع والهيمنة السياسية على المنطقة، منطلقاً في ذلك من تمازج البعد الطائفي الشيعي مع البعد القومي الفارسي. وهذا المشروع الإيراني يتوسل لتحقيق أهدافه بكل طريقة من التهديد بضرب دول المنطقة وإشعال آبار البترول إلى اقتراح الدخول في تحالف عسكري مشترك !!
وفي المقابل، فالدول العربية لا تملك رؤية موحدة لهذا الخطر، ولا كيفية التعامل معه، بل وحتى الصحوة الإسلامية لا تزال منقسمة تجاه هذا الخطر أصلاً، وغالب من يؤمن بوجود الخطر الإيراني لا يملك تصورا للعمل ضده أومقاومته.(55/3)
ولأن إيران تملك مشروعا لديه عدة سيناريوهات جاهزة لكل المراحل (الحرب، السلم) فإنها أقدر على الحركة والمناورة، إضافة لتوفر الرغبة والإرادة قبل أن ينتبه ساسة الدول العربية. ولا ننسى هنا أن المشروع الإيراني سبق الدول العربية بأشواط كثيرة جداً.
وما نخشاه هنا أن تقوم الدول العربية بتنفيذ مطالب إيران السياسية لتهدئة الأوضاع في المنطقة ولكن دون أن تلتزم إيران بشيئ، ذلك أن مطالب إيران دائماً تكون في مصلحتها ومصلحة أعوانها مثل:
-…الاعتراف بفارسية الخليج.
-…تميز التجمعات الشيعية في الدول العربية والتساهل معها كحال حزب الله في لبنان.
-…الانفتاح الثقافي والسياحي، وتسهيل وصول الدعاة وضباط المخابرات الإيرانيين للدول العربية تحت ستار السياحة الدينية.
-…منع النشاطات التي تكشف حقيقة إيران وطائفيتها.
-…تكثيف مؤتمرات الوحدة والتقريب المراد منها أن تكون جسراً لاختراق دولنا.
-…عقد اتفاقات ومعاهدات تمكّن إيران من توثيق تغلغلها في مفاصل الاقتصاد والسياسة ، مما سيؤدي بدوره لزيادة النفوذ الإيراني من جديد ، وخلق مشاكل للدول العربية أكثر من ذي قبل، وسينقلب الوفاق الإيراني العربي الجديد الى مكاسب لإيران وخسارة جديدة لبلداننا.
أما لو نظرنا إلى مطالب الدول العربية، فهي مطالب سلبية مثل مطالب مصر مثلاً:
-…تغيير اسم شارع في طهران يحمل اسم "خالد الاسلامبولي" .
-…عدم التدخل في الشؤون العربية.
بينما كان الواجب على الدول العربية تبني مطالب حقيقية مثل:
-…مطالبة إيران وعلى الفور بالخروج من العراق وعدم الاستمرار في تدميره.
-…طلب تقديم بوادر إيجابية من إيران تجاه الدول العربية بالاعتراف بسيادتها والتراجع عن احتلال الجزر الإماراتية ووقف تعطيل الحياة السياسية في لبنان .
-…تبني مطالب أهل السنة في إيران و إعطائهم حقوقهم ومساواتهم ببقية المواطنين.(55/4)
-…تبنى قضية عرب الأحواز الشيعة، الذين تنكّل بهم إيران بسبب عروبتهم ومحاربتهم السياسية العنصرية الفارسية.
-…مطالبة إيران بالتخلي عن سياسة نشر التشيع في الدول العربية، ودعم بعض الحركات الإسلامية بهدف ارتهان سياستها لإيران.
وحتى تستطيع الدول العربية رسم سياسة صحيحة تجاه إيران، فإنها تحتاج أن تفهم حقيقة المحركات الإيرانية المتمثلة بالعقيدة الشيعية والقومية الفارسية اللتين امتزجتا معاً بشكل لم يعد هناك فاصل بينهما، وبدون ذلك سيبقى فهم السياسة الإيرانية لدى صناع القرار لدينا غير مفهوم.
فهل تتنبه دولنا العربية لذلك ؟؟
?
سلسلة التجمعات المسيحية في المنطقة العربية
3((الكلدان))
يوجد في العراق أقلية مسيحية تتوزع على على ثلاث قوميات: الكلدان، والأشوريين، والسريان. في حين تعتبر الموصل، عاصمة محافظة نينوى، موطن المسيحيين وتجمعهم، يعتبر الكلدان أكبر هذه المجموعات وأكثرها عدداً.
وفيما مضى كان للكلدان مملكة ضخمة، قامت بعد إسقاط حكم الأشوريين وامتدت حتى الحدود المصرية، وبرز من حكامها نبوختنصر (605 - 562 ق م) الذي سبى اليهود وهجّرهم إلى بابل، أما سقوط الأسرة الكلدانية فكان على يد قورش الثاني الفارسي.
وحتى منتصف القرن الخامس عشر الميلادي، كان الكلدان والأشوريون يشكلون مجموعة مسيحية شرقية متراصّة تتبع المذهب النسطوري. والنسطوريون أو النساطرة هم أتباع بطريرك القسطنطينية نسطورس (380 - 451 م)، الذي أعلن أن في المسيح شخصين أو أقنومين: الشخص الإلهي والشخص الإنساني، بعكس ما كان معتمداً عند المسيحيين من أن المسيح شخص واحد بطبيعتين إلهية وإنسانية.
أُدين نسطورس وأتباعه، واعتبروا خارجين على تعاليم الكنيسة، لكن الدولة الفارسية وجدت في أتباع نسطورس خير أداةٍ لمحاربة الدولة الرومية البيزنطية، فأعلن الأمبراطور الفارسي النسطوريةَ ديناً لجميع مسيحيي بلاد فارس.(55/5)
وانتخب أول بطريرك نسطوري وهو (باري) بعد موت نسطورس بسنوات، ومنذ ذلك الحين سميت الكنيسة النسطورية بكنيسة الشرق، وتسمى بطريركها بطريركاً للكنيسة الشرقية، وانتشرت وتوسعت في بلاد فارس والعراق والهند وحتى الصين، وازدهر مذهبها، فهي الفرقة المسيحية الوحيدة التي كان مسموحا لها التبشير بأفكارها في هذه المنطقة.
انقسام الكنيسة النسطورية
وفي القرن السادس عشر الميلادي، نشطت الإرساليات التبشيرية الكاثوليكية في أوساط النسطوريين، فانضم أكثرهم إلى الكنيسة الكاثوليكية( ) وخاصة من القاطنين في الموصل، وفي القرى المجاورى لها مثل: تلكيف، وكارامليس، وباقوفة وقرقوش، والقوش وهكذا تكونت طائفة جديدة باسم الكلدان.
ويذهب بعض الباحثين إلى أن التبشير الكاثوليكي كان موجها بشكل أساسي إلى الطوائف المسيحية (النساطرة واليعاقبة) لإدخالهم في الحظيرة الكاثوليكية، في حين أن التبشير البروتستانتي الذي دعمته بريطانيا فيما بعد كان يستهدف المسلمين( ).
أما النساطرة الذين بقوا على مذهبهم ولم يعتنقوا الكاثوليكية، فانفصلوا عن الموصل، وأسسوا كرسياً بطريركياً مستقلاً وراثياً بزعامة المار شمعون الثالث عشر (1660 - 1700م) الذي اتخذ قرية قوجانس في كردستان تركيا مركزاً لبطريركيته، بعد أن كان مقرهم الأصلي في قرية القوش القريبة من الموصل. وهذه الفرقة التي يسمى أتباعها حالياً (الأشوريون أو النساطرة) سنتحدث عنها في العدد القادم من الراصد إن شاء الله.(55/6)
وإذا كان الكلدان افترقوا عن الأثوريين النساطرة بسبب النظرة إلى المسيح وألوهيته، وهل هو بطبيعتين بشرية وإلهية، أو طبيعة واحدة امتزج فيها الإلهي والبشري ـ تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ـ فإن بعض المصادر تذهب إلى أن الفرقتين تسلّمان بأن في المسيح طبيعة إلهية وأخرى بشرية. ولكن الاختلاف هو في مريم عليها السلام، فالأشوريون كالنساطرة يؤمنون بأن مريم العذراء هي أم الطبيعة البشرية في المسيح وهي ملكة السماء والأرض. أما الكلدان فيؤمنون كالكاثوليك بأن مريم هي أم الله( )!
وعودة إلى الكلدان الكاثوليك الذين شكلوا طائفة جديدة، وأصبح لهم كنيستهم الخاصة بهم، ورهبانهم، وأديرتهم، واتحدوا بروما بعد أن تكثلكوا، لكن علاقتهم بمقر الكنيسة الكاثوليكية كانت تتراوح بين المدّ والجزر، إذ أنهم كانوا في بعض الأوقات يعودون إلى العقيدة النسطورية، كما أن بابا الفاتيكان كان يرفض أحياناً الاعتراف ببطريركهم( ). وبحسب موسوعة عالم الأديان، الصادرة طبعتها الثانية عام 2005، فإن الكلدان الذين يتبعون بطريركية بابل الكلدانية التي مركزها بغداد( ). يصل عددهم إلى نحو 600 ألف نسمة، منهم أكثر من 400 ألف في العراق، وأغلبهم يسكنون بغداد، فرّ بعضهم باتجاه مناطق الشمال والدول المجاورة، كبقية العراقيين بسبب الأوضاع الأمنية المتردية.
وللكلدان جاليات عديدة ومراكز خارج العراق ( في إيران 30 ألفا، في لبنان 10 آلاف، في سوريا 5 آلاف ...) وفي أوروبا واستراليا وتركيا والولايات المتحدة التي يصل الكلدان فيها إلى سبعين ألفاً. وكذلك في الهند، التي يصل عدد الكلدان فيها إلى مليونين ونصف المليون، وهم يعرفون بـ "الملبار"، لكنهم يخضعون لسلطة روما المباشرة، وهم لا يزالون محتفظين بالطقوس الكلدانية الجارية عند إخوانهم الكلدان مع استخدام لغتهم المحلية (الملايالم).(55/7)
وللكنيسة الكلدانية رهبنة للرجال هي الرهبنة الأنطونية للقديس هرمزد، ورهبنتان للنساء هما: جمعية راهبات القلب الأقدس التي تأسست عام 1915، ومقرها الموصل، وجمعية راهبات الكلدان بنات مريم المحبول بها بلا دنس التي تأسست عام 1922، ومركزها بغداد.
أما اللغة الطقسية فهي الكلدانية أي السريانية الترتيّة.
شخصيات وهيئات كلدانية:
ومن أشهر شخصيات الكلدان وهيئاتهم حاليا:
1-…البطريرك مار عمانوئيل الثالث دلي، ولقبه بطريرك بابل على الكلدان. ولد في بلدة تل كيف قرب مدينة الموصل في أيلول سنة 1927، وأعلن بطريركا في نهاية عام 2003 خلفا للبطريرك مار روفائيل الأول. من مؤلفاته كتاب "المؤسسة البطريركية في كنيسة المشرق" المطبوع في بغداد عام 1994.
2-…طارق عزيز، نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الأسبق في نظام صدام. من مواليد سنة 1936 في تل كيف. ولد باسم ميخائيل يوحنا ولكنه قام بتبديله لاحقاً إلى طارق عزيز. وهو معتقل حاليا من قبل قوات الاحتلال الأمريكي في العراق.
3-…الأب فيليب نجم، المسؤول عن شؤون الكلدان في اوروبا من قبل بابا الفاتيكان.
4-…أبلحد أفرام، أمين عام حزب الاتحاد اليمقراطي الكلداني اكبر حزب كلداني.
5-…فؤاد بوداغ السكرتير العام للمجلس القومي الكلداني الذي تأسس في بلاد المهجر في أستراليا وأمريكا وأوروبا والدنمارك، عام 2002 ، ... باعتباره أول تنظيم قومي يظهر على الساحة السياسية للكلدان.
6-…نزار ملاخا، الناطق الإعلامي للمجلس القومي الكلداني.
7-…جوزيف كساب المدير التنفيذي للجمعية الكلدانية الاميركية.
8-…د. نوري بركة رئيس المؤسسة الكلدانية الامريكية، ورئيس اتحاد القوى الكلدانية في كاليفورنيا والذي كان يسمى التجمع الكلداني.
9-…سعيد شامايا، رئيس المنبر الديمقراطي الكلداني الذي تأسس في ديترويت مؤخرا ويميل إلى الحزب الشيوعي العراقي.
10-…مانويل بوجي مشرف راديو صوت الكلدان.(55/8)
11-…الأب ريمون موصللي، راعي الكنيسة الكلدانية في الأردن. وهو من مواليد عام 1966 في سوريا، حيث شغل بعض المناصب الكنسية، قبل أن يعين في الأردن عام 2002.
12-…عيسى حنا دابش، رئيس الرابطة الدولية للفنانين التشكيليين المحترفين الكلدان.
13-…حبيب تومي رئيس تحرير موقع نادي بابل الكلداني في النرويج.
للاستزادة:
1-…"موسوعة المجموعات العرقية والمذهبية في العالم العربي" ـ إشراف ناجي نعمان.
2-…"موسوعة الأديان (الميسرة)" - إصدار دار النفائس – بيروت.
3-…"موسوعة عالم الديان" - إشراف ط. مفرج.
4-…"الأديان والمذاهب بالعراق" - رشيد الخيون.
5-…المسيحيون العرب: الدور والحضور (عدد خاص من مجلة معلومات التي يصدرها المركز العربي للمعلومات ـ العدد 45 في أغسطس 2007).
6-…"موسوعة ويكيبيديا" على شبكة الانترنت.
7-…مواقع الهيئات والمنظمات الكلدانية على الانترنت.
8-…مقال "النشاط التنصيري في كردستان العراق" ـ د. فرست مرعي الدهوكي، المنشور في مجلة البيان جمادى الأولى 1421هـ / 2000م.
نادر شاه يقضي على الدولة الصفوية
في النصف الأول من القرن الثاني عشر الهجري (الثامن عشر الميلادي)، ظهر على مسرح الأحداث في إيران قائد عسكري كبير، هو نادر قلي، الذي سيعرف بدءاً من عام 1148هـ (1735م) باسم نادر شاه، عندما يتوج ملكاً على إيران.
في تلك الأثناء، كان الضعف قد بدأ يدبّ في الدولة الصفوية التي قامت في إيران في عام 907هـ (1501م) وفرضت التشيع على أهلها، وقد بدأ ضعف الصفويين يظهر بعد وفاة خامس ملوكهم، عباس الكبير، سنة 1037هـ، ليبلغ ذروته في عهد الشاه حسين تاسع ملوك هذه الدولة. الذي تولى الحكم في سنة 1106هـ وحتى سنة 1135هـ، إذ غلب على الحكام الصفويين الانشغال بالنساء والخمور.(55/9)
أغرى ضعف الدولة الصفوية، القبائل الأفغانية، فاحتلت أجزاء من إيران، وعزلت الشاه الصفوي وكذلك فعلت الدولة العثمانية( ) وروسيا، وهنا يظهر نادر قلي، كقائد عسكري وجبار من الجبابرة، حتى أطلق عليه الأوروبيون لقب "نابليون الشرق"، لكن نشأة نادر كانت نشأة وضيعة، إذ كان صباه راعياً للغنم بالقرب من خراسان، ثم صار قاطع طريق تتبعه عصابة من الأشقياء، وأخذ أتباعه يزدادون بمرور الأيام، حتى بلغ عددهم في عام 1727م حوالي خمسة آلاف محارب( ).
أسرع نادر ووضع نفسه وأتباعه تحت إمرة طهماسب الثاني ابن الشاه حسين، وكان نادر قد رأى (أو ادّعى أنه رأى) في منامه عليّاً رضي الله عنه وهو يقلده سيفاً، ويهيب به لإنقاذ إيران، ويعده بالعرش، فكان هذا الحلم بمثابة نقطة تحول في حياته، حيث أيقن انه مكلف بمهمة يجب أن يؤديها( ).
وبطبيعة الحال لم يكن نادر قلي الحاكم الشيعي الوحيد الذي ادّعى رؤية عليّ في المنام، إذ سبقه في ذلك الشاه إسماعيل الصفوي، مؤسس الدولة الصفوية وأول حكامها، فقد مرّ مع أتباعه بنهر، فعبره لوحده، ودخل كهفاً، ثم خرج متقلداً سيفه، وقال لأتباعه بأنه شاهد المهدي المنتظر، صاحب الزمان، وأنه قاله له: لقد حان وقت الخروج، وأمسك ظهره ورفعه ثلاث مرات ووضعه على الأرض، وشدّ حزامه بيده، ووضع خنجراً في حزامه وقال له: اذهب فقد رخصتك.
ثم بعد ذلك ادّعى إسماعيل أنه رأى عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه وأنه قال له: "ابني... لا تدع القلق يشوش أفكارك"...( ).
تعكس منامات إسماعيل ونادر وغيرهما من حكام الشيعة قديماً وحديثاً، حالة شيعية فريدة، إذ من المعروف أن الفكر الشيعي يحرم على أتباعه الجهاد أو إقامة الدولة في ظل غياب المهدي المزعوم، فجاءت هذه "المنامات" للحصول على الشرعية، والخروج من مأزق غياب المهدي( ) . كما أنها توضح أن كل الشيعة حتى اللصوص منهم يتسترون بالمذهب الشيعي لتبرير جرائمهم وطغيانهم.(55/10)
وعلى كل حال فقد تمكن نادر قلي بجيش من أفراد قبيلته (الأفشار) من الاستيلاء على إقليم خراسان، وأخذ يمسك بزمام الأمور، مما جعل طهماسب الثاني ابن الشاه حسين، يستعين به ويعينه قائداً للجيش الصفوي، مما يسّر له الظهور وتدعيم قوته، وتمكن من إلحاق الهزيمة بالأفغان، واسترداد الأراضي التي كان الروس قد سيطروا عليها وكذلك العثمانيون( ).
أثارت انتصارات نادر شاه ومحاولة بعثه الحياة في الدولة الصفوية، حفيطة الدولة العثمانية، فاندلعت بين الصفويين والعثمانيين معركة في أيلول سنة 1731م، كان على رأس الجيش الصفوي الشاه طهماسب الثاني الذي لقي هزيمة منكرة اضطر على إثرها لعقد الصلح مع العثمانيين والتنازل لهم عن جورجيا وأرمينيا( ).
وحين سمع نادر عن هذا الصلح ـ لو يكن حينها قد شارك في المعركة لوجوده في خراسان ـ تملكه الغضب، وتوجه إلى أصفهان ـ عاصمة الشاه الصفوي ـ وعزله، ونصّب مكانه ابنه عباس، البالغ من العمر ستة شهور( )، ونصّب نادر نفسه وصياً على العرش، لكن هذه الوصاية لم تدم سوى ثلاث سنوات، إذ أنه في سنة 1148هـ (1735م)، عزل نادر قلى الشاه عباس الثالث الصفوي، وأعلن سقوط الدولة الصفوية التي دامت قرابة قرنين ونصف، وقيام دولة جديدة محلّها، يقف هو على رأسها، وصار منذ ذلك الحين يعرف بـ"نادر شاه".
التوجه نحو العراق
لم يكن نادر شاه يرى نفسه إلاّ في ساحات المعارك، فهو قائد عسكري لا يخرج من معركة إلا ليدخل في أخرى، وخلال الفترة التي سيطر فيها على زمام الأمور في الدولة الصفوية، أو تلك التي نصّب فيها نفسه ملكاً على إيران بعد إسقاط الصفويين، استطاع نادر أن يعيد لإيران حدودها القديمة بعد طرد القبائل الأفغانية والروس والعثمانيين من الأراضي الإيرانية، التي احتلوها، ولم يكتفِ بذلك إنما كانت له نزعة استعمارية واضحة تعززت بفعل ما كان يملكه من قوة ونفوذ أو ضعف بعض خصومه.(55/11)
واستطاع نادر شاه خلال سنوات قليلة أن يحتل جزءاً من أفغانستان، وغزا الهند، واستولى على "دِلهي"، وعاد منها وهو يحمل معه كنوز أباطرة المغول، والماسة الشهيرة كوهنور وعرش الطاووس..( ).
وإضافة لذلك، تطلع نادر شاه نحو العراق، وكأن قدر العراق أن يظل مطمعاً لكل من يحكم إيران، فقبل نادر شاه لا نكاد نجد حاكماً من حكام الصفويين إلاّ واحتل العراق أو حاول احتلاله، وكذلك كان شأن ملوك الامبراطورية الفارسية قبل الإسلام، الذين كانوا يرون العراق امتداداً طبيعياً لدولتهم.
لم يجنِ العراق وأهله من أطماع نادر شاه سوى الويلات والدّمار، ففي الأيام الأولى من عام 1733م، تقدم نادر شاه نحو بغداد، ولمّا تعذر عليه دخولها، فرض الحصار عليها، وطوّقها من جميع جهاتها، فانقطع عنها التموين، وأخذت أسعار الأطعمة فيها ترتفع شيئاً فشيئاً( ).
يقول د. الوردي: "أدرك نادر قلي أنه غير قادر على فتح بغداد عن طريق الهجوم المباشر وذلك لضعف مدافعه بالمقارنة إلى المدافع العثمانية من جهة، ولمناعة سور بغداد وصمود المدافعين عنه من الجهة الأخرى، فلجأ إلى طريقة الحصار الطويل والتجويع، والواقع أنه نجح في ذلك نجاحاً غير قليل، فقد استفحلت المجاعة في بغداد بحيث صار الناس يأكلون الكلاب والقطط ويمتصون دماءها ويمضغون جلودها"( ).
وينقل الأثري عن علامة العراق الشيخ عبد الله السويدي، والذي كان شاهد عيان على هذا الحصار الظالم، قوله: "ولم يزل الأمر كذلك إلى نفذ الزاد، وقلّت الميرة، وضألت (نحفت) العباد، ووقعت في حيرة، فأكلوا لحوم الخيل والبغال والحمير، والكلاب والسنانير (القطط)، وامتصوا الدم، ومضغوا الإهاب... وبيعت الأبكارُ العذارى، بأرغفة الشعير، واستولى على الناس رديّ الأفكار، فهم حيارى بل سُكارى لهذا الأمر الخطير"( ).(55/12)
وفي كل مرّة كان نادر شاه يضطر فيها لإنهاء حصاره عن بغداد، كان يعود لحصار جديد ولمعركة جديدة تطالها وتطال مدن العراق الأخرى، وخاصة البصرة والموصل وكركوك وأربيل.
التقريب بين السنة والشيعة
وبالرغم من نزعة نادر العسكرية، واعتداءاته المتكررة على الدول السنيّة، وخاصة أفغانستان والعراق، إلاّ أن تحوّلاً غريباً طرأ في سنوات حياته الأخيرة، هذا التحول تمثل بدعوته للتقريب بين السنة والشيعة، وانتقاده للمنكرات التي ابتدعها الصفويون قبله في إيران، ثم دعوته لمناظرة بين علماء السنة والشيعة في مدينة النجف العراقية، عرفت فيما بعد باسم "مؤتمر النجف" الذي انعقد في شوال سنة 1156هـ.
ثمة أسباب عديدة دفعت نادر شاه لتبني مشروع التقريب، أولها أنه بعد احتلاله لأفغانستان السنيّة، أصبح جزء كبير من مملكته يدين بمذهب السنة على خلاف المذهب الشيعي الذي يدين به الإيرانيون بعد أن فرضه عليهم الصفويون، لذلك رأى نادر أن وجود مذهبين مختلفين في مملكته قد يضعفها، وقد عبّر عن مخاوفه تلك لعلامة العراق السويدي فقال له: " إنّ في مملكتي فرقتين: (تركستان) و (أفغان) يقولون (للإيرانيين): أنتم كفار! فالكفر قبيح، ولا يليق أن يكون في مملكتي قوم يكفّر بعضهم بعضاً"( ).
وقد عدّد د. الوردي أسباباً أخرى دفعت نادر لتبني التقريب، منها أنه أراد أن ينسى الإيرانيون الأسرة الصفوية التي أسقطها هو، باعتبار أن هذه الأسرة هي التي نشرت في إيران سب الصحابة ومواكب العزاء.
ومن الأسباب أيضاً أن نادر شاه كان يحلم بأن يقضي على الدولة العثمانية ويبني مكانها دولة إسلامية كبرى تجمع كل المسلمين، الشيعة وأهل السنة معاً.(55/13)
ومن الأسباب أن نادر لم يكن متعصباً للمذهب الشيعي، أو "لأي من الطائفتين المتنازعتين".. كما أنه كان يحاول التشبه بملك الهند المشهور "أكبر شاه" المغولي، الذي ابتكر ديناً جديداً بغية توحيد الهنود في عقيدة واحدة، وربما أن نادر شاه أراد أن يفعل مثله في العراق وإيران.
ومنها أيضاً أن نادر كان يريد أن يجعل من التشيع مذهباً فقهيّاً خامساً، بجانب المذاهب السنيّة الأربعة( ).
أيّاً كان هدف نادر من دعوته للتقريب بين السنة والشيعة، فقد عقد مؤتمر النجف، برعايته، وفتح الله على يد الشيخ عبد الله السويدي، رئيس المؤتمر، ورئيس الجانب السني، وأقر علماء الشيعة المجتمعون في النجف بعدم صحة سب الشيعة للصحابة وأنكروا عدداً من بدع الشيعة.
لكن ارتباط هذا المؤتمر برغبة وشخصية نادر شاه جعل أثره في إيران محدوداً، وقد تناولنا هذا المؤتمر في عدة مواضع في الراصد، والمهم أن ما اتفق عليه في المؤتمر، لم يُرّد له أن يكون نهجاً في إيران، إذ أن علماء الشيعة الإيرانيين الذين كانوا قد تشربوا التعصب، لم يرق لهم أو لبعضهم، أن يروا إيران تعود لعقائد أهل السنة التي حال الصفويون بينهم وبينها، فقاموا بقتل نادر شاه سنة 1160هـ (1747م) ليموت بموته مشروع حقيقي للتقريب بين السنة والشيعة.
كان نادر يعبر عن فرحه بما حدث في مؤتمر النجف ويقول: "إنما هذا أمر يسّره الله تعالى ووفقني له حيث كان رفع سب الصحابة على يديّ مع أن آل عثمان منذ كان السلطان سليم إلى يومنا هذا، كم جهزوا عساكر وجنوداً، وصرفوا أموالاً، واتلفوا أنفساً ليرفعوا السبّ فما توفقوا في ذلك... فأنا لي منّة على جميع المسلمين حيث أني رفعت السب عن الصحابة وأرجو أن يشفعوا لي"( ).
ولكن ما حدث هو العكس فبعد اغتيال نادر شاه عاد سب الصحابة في إيران كما كان من قبل ولا يزال مستمراً لليوم!!
للاستزادة:(55/14)
1-…"ذرائع العصبيات العنصرية في إثارة الحروب وحملات نادر شاه على العراق في رواية شاهد عيان" ـ محمد بهجة الأثري.
2-…"لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث" ـ د. علي الوردي.
3-…"إيران في ظل الإسلام في العصور السُّنية والشيعية" ـ د. عبد النعيم حسنين.
4-…"عودة الصفويين" ـ عبد العزيز المحمود.
الشيعة: بين يوم عرفة ويوم عاشوراء
بقلم
عبدالجبار الملا إبراهيم
الحج ركن الإسلام العظيم تتجلى فيه عبودية المرء واستسلامه لأمر الإله الواحد الأحد المتفرد بالجلال والجمال والكمال والعظمة، ومشهد الحجيج يوم عرفة يظهر مدى هذا الانقياد والإذعان التام الذي يدين به الموحدون لله عزّ وجل .
في هذا الجو والمشهد الفريد الصافي تأتي أفعال الشيعة لتكدره ، كما فعل إبليس من قبل حين أفسد جو الخشوع لما أمر الله تعالى بالسجود لآدم حيث قال تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ } (34) سورة البقرة. وبدأت من يومها فصول العصيان والطغيان البشري على أمر الله وحكمه، وبدا الصراع بين الحق والباطل: {بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} (36) سورة البقرة.(55/15)
وكان المحرك الأول- ويكاد يكون الوحيد دائما - لهذا التشويش والإفساد على المسلمين وشق صفهم من الداخل هم أهل البدع وعلى رأسهم الشيعة الإمامية، والذين ينتشرون في إيران والعراق ولبنان وبعض دول الخليج وأفغانستان وباكستان، حيث دأبوا على مخالفة المسلمين في عيديهما (الفطر والأضحى) ليتميزوا بذلك عن باقي الأمة ويجعلون لمذهبهم طريقة ومنهاجا تفارق في كثير من تفصيلاتها شعائر الإسلام،مستندين على رواية مكذوبة لجعفر الصادق تنسف كل وفاق فقد روى الكليني (وهو عندهم كالبخاري عند أهل السنة ) في أصول الكافي (1/68 ): (ما خالف العامة ففيه الرشاد)، فيا أيها الشيعي لا تتعب نفسك بالتعلّم والعلم ففقه آل البيت قائم كلّه على نظرية مخالفة السُنة!
ومنذ طفولتنا في العراق ونحن نصوم لرؤية الهلال ولا يصوم جيراننا الشيعة حتى تعلن (قم وطهران) بداية رمضان ولو تأخروا يوم أو يومين عنا!! وكأن الهلال سني!! ولما كنا نمازح جيراننا الشيعة في تأخر صومهم ونحن نرى القمر بازغا وهم لمّا يصوموا بعد فيقولوا باللهجة العراقية هروباً من الواقع المر ( ذبهه براس عالم تطْلع منها سالم) وذبهه بالعراقي أي ألقي تبعتها ومسؤليتها.
ويذكر صديقنا الدكتور طه الدليمي في كتابه الرائع "الشيعة عقيدة دينية أم عقدة نفسية" (ص14) أنه في زمن حكم الرئيس العراقي الراحل أحمد حسن البكر (1968-1978 ) أراد أن يوحّد السُنة والشيعة في الصوم فطلب من المرجع الشيعي آنذاك أبي القاسم الخوئي أن يتبع السُنة الشيعة في الصوم فمتى صام الشيعة وقرروا الصوم أعلنت الحكومة يوم الصوم، لكن الخوئي رفض هذا المقترح!!(55/16)
وإذا كانت الدول الإسلامية السّنية قد يخالف بعضها بعضاً في مواعيد رؤية هلال رمضان أو شوال لأغراض عدم الرؤية أو اختلاف المطالع أو سياسية أحياناً وحسابات لا توافقهم عليها شعوبهم ، فإنها لا تصل إلى درجة من الصفاقة لتتلاعب بموعد يوم الأضحى – عدا ليبيا القذافي وتونس بن علي!!، فالدولة المسئولة عن مناسك الحج والتي تقوم على خدمة الحجيج وتسيير مناسكه وتسهيل أداء الشعائر هي من تحدد رؤية هلال شوال( ) ولا زلت اذكر سنة 1978م عندما ذكرت ذلك لصديق لي من حزب الدعوة فقلت: لماذا دائماً أنتم تختلفون عنّا في الهلال ألا يصادف أن نتوافق يوما ما؟ ثم سألته ماذا تفعلون في الحج وأنتم ترون الهلال لذي الحجة غير هلالكم: فأجابني متهرباً من السؤال الأول لقد سألنا العلامة محمد باقر الصدر عن ذلك وكيف يقف بعرفة وهي ليست عرفة؟ فقال متهربا من السؤال الأول، إن وقوفكم مع المسلمين يوم عرفة وهو ليس عرفة الحقيقي أعظم أجراً لكم ففيه صبركم على الأمر إلى أن يظهره الله عزّ وجل!!
إنّ الشيعة (حكومات وشعوبا) بأفعالهم هذه تُلزمنا وتحتم علينا التنبيه والتحذير من جملة من الأمور يمارسونها:
أولاً: إنّ مخالفة أكثر من 3.5 مليون حاج سنويا وبقية المسلمين في أداء عبادات هذا الشهر المحرم الفضيل وعلى رأسها الحج، هي مفارقة لأمرهم وإجماعهم وكلمتهم تندرج تحت التحذير الالهي لقول الله تعالى: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا} [النساء:115].
وعصيان لأمر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حيث قال :((عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد ومن اراد بحبوحة الجنة فليزم الجماعة)) [أخرجه الترمذي (2165) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.(55/17)
ثانياً: إنّ عدم تعظيم شعائر الله تعالى في هذه الأيام المباركة جريمة تستوجب العقاب الشديد والعذاب الأليم، وقد شاهدنا الفضائيات العربية السُنية كلها- الدينية العلمانية والخليعة والملتزمة- تتابع هذا الحدث المهيب، والمشهد العظيم والوقت الجليل الذي اجتمع لأجله أكبر جمع مسلم في أكبر مؤتمر في العالم، بل حتى الفضائيات الأجنبية نقلت وأهتمت بهذا الحدث، إلا الفضائيات الشيعية الدينية مثل: الفرات، وبلادي، والسلام، وبعض القنوات الشيعية العلمانية مثل: الفيحاء فقد استمرت في بث برامجها متجاهلة يوم عرفة ويوم الحج الأكبر (عيد مليار مسلم)، بل إني شخصيا تابعت صباح يوم عرفة قناة الفرات الفضائية وهي تضع كلمة في أعلى الشاشة عند شعارالقناة : (يا باقر العلوم).
ثالثاً: لم يكتفوا بذلك - بمخالفة المسلمين في أعيادهم - بل عمدوا إلى تقديس أيام ومناسبات أخرى جعلوا منها مواعيد مشهودة ولها أجور عظيمة تشمل من أحيى فرحها أو حزنها مثل:
•…يوم عاشوراء (استشهاد الإمام الحسين).
•…يوم الغدير(البيعة).
•…يوم ولادة و وفاة كل إمام (الأئمة الاثني عشر وفاطمة رضي الله عنها).
•…أربعينية الإمام الحسين.
•…مرد الرأس.
•…فرحة الزهراء.
هذا عدا عن أيام يخصصونها ليتذكرون بها الفواجع الأليمة التي حلّت بهم كما يزعمون مثل:
•…هجوم الوهابية على المشهد الحسيني في كربلاء.
•…مقتل محمد باقر الحكيم.
•…مقتل محمد صادق الصدر (والد مقتدى).
•…مقتل محمد باقر الصدر (الأب الروحي والمؤسس الفكري لحزب الدعوة الشيعي).
•…ذكرى الانتفاضة الشعبانية المباركة كما يسمونها (أحداث الغوغاء والسلب والنهب) التي قام بها شيعة في الجنوب بعد خروج العراق من الكويت، مستغلين حرب عاصفة الصحراء والتحالف الدولي بقيادة أمريكا على الشعب العراقي سنة 1991م.(55/18)
•…حادثة جسر الائمة في بغداد: حيث قتل اكثر من 1000 شيعي كانوا يريدون زيارة موسى الكاظم فقتلوا بالتدافع، ومنهم من غرق في نهر دجلة وبقيت أحذيتهم على الجسر.
حقيقة موقف الشيعة من الكعبة ومكة:
إن الشيعة لا تعظم الحج بمقدار ما تعظم مقدساتهم – كما يزعمون –، بل الشيعة ليس لهم اعتبار يذكر لبيت الله مقابل قبر من مقابر أئمتهم، فكان لابدّ من دراسة تكشف هذا وتوضحه لعلمائنا أولا؛ لأنهم هم من أفقد الأمة الوعي تجاه فهم مسألة التشيع وهونوا من الخلاف معهم، لذلك كانوا هم أول من أخاطب في هذا المقال، وثانياً: السُني العامي كي يعرف ما هو التشيع، وثالثاً: الشيعي المغفل الذي لا يعرف حقيقة مذهبه ، فأقول بعد حمد الله:
الشيعة وتفضيل كربلاء والنجف على مكة والمدينة:
في عقيدة الشيعة أن أرض كربلاء والنجف تفوق قداستها أرض مكة المكرمة والكعبة المشرفة فهذا الشاعر الشيعي يقول :
ومن حديث كربلا والكعبة لكربلا بان علو الرتبة( )
ولعل بعضنا يعذرهم فيبرر قباحة هذه المقولة ويعتبر هذا من غلو الشعراء ومبالغاتهم، فنقول:(55/19)
لقد وردت روايات واضحة في كتب الأقدمين والمتأخرين من الشيعة في هذا المعنى؛ فهذا المجلسي عالم الدولة الصفوية ينقل في كتابه "بحار الأنوار" الذي يعد موسوعة الشيعة الحديثية ينقل في (ج101/ ص109) عن جفر الصادق: (إن أرض الكعبة قالت من مثلي، وقد بني بيت الله على ظهري، يأتيني الناس من كل فج عميق، وجعلت حرم الله وأمنه! فأوحى الله إليها: أن كفّي وقرّي ما فضل ما فضلت به فيما أعطيت كربلاء إلا بمنزلة الإبرة غرست في البحر فحملت من ماء البحر، ولولا تربة كربلاء ما فضلتك، ولولا من تضمه أرض كربلاء ما خلقتك، ولا خلقت البيت الذي به افتخرت، فقري واستقري، وكوني ذنباً متواضعا ذليلا مهيناً غير مستكبر لأرض كربلاء، وإلا سخت بك وهويت بك في نار جهنم). وهو كذلك في كتاب "كامل الزيارات" (ص270 ). ويذكر المجلسي في كتابه السابق (ج101/ص107) عن علي بن الحسين زين العابدين قال: (اتخذ الله أرض كربلاء حرماً مباركاً قبل أن يخلق الله أرض الكعبة، ويتخذها حرما بأربعة وعشرين ألف عام، وقدسها وبارك عليها، فما زالت قبل خلق الله الخلق مقدسة مباركة ، ولا تزال كذلك حتى يجعلها الله أفضل أرض في الجنة، وأفضل منزلة ومسكن فيه أولياؤه في الجنة).
وإن أبيت التصديق وقلت هذا مذهب الشيعة القدامى وشيعة اليوم ليسوا كشيعة الأمس، نقلنا قول والد مقتدى الصدر المرجع العربي!! محمد صادق الصدر في كتابه "أحكام الشريعة" (1/32 ) حيث يقول: (...وردت روايات بتفضيل كربلاء على البيت الحرام ونحن نعلم أن علي (ع) خير من الحسين كما نطقت به الروايات فيكون قبره خيراً من قبره فيكون أفضل من الكعبة أيضا!!).
وهذا مرجع الخليج ميرزا حسن الحائري الأحقاقي في كتابه "أحكام الشيعة" (1/32): ) كربلاء تلك الأرض الطيبة الطاهرة، والأرض المقدسة التي قال في حقها رب السماوات والأرضين مخاطباً الكعبة حين افتخرت على سائر البقاع: قري واستقري لولا أرض كربلاء وما ضمته لما خلقتك).(55/20)
ويقول مصلح الشيعة الكبير في هذا العصر محمد حسين آل كاشف الغطاء (1295– 1373هـ) في كتابه "الأرض والتربة الحسينية": (...كربلاء أشرف بقاع الأرض بالضرورة).
وذكر الأستاذ محمد البنداري في كتابه البديع "التشيع بين مفهوم الأئمة والمفهوم الفارسي" (ص257-258) عدة روايات شيعية بتفضيل كربلاء وغيرها على مكة والكعبة والمدينة:
( ... تفضيل كربلاء والكوفة على مكة والمدينة:
-…إن الله اتخذ كربلاء حرما آمنا مباركا قبل أن يتخذ مكة حرما
-…لموضع الرجل في الكوفة أحب إليّ من دار في المدينة .
-…إن الله اختار من جميع البلاد الكوفة وقم وتفليس .
-…الكوفة حرم الله تعالى وحرم رسوله صلى الله عليه وسلم وحرم علي (ع ) .)
وأحال هذا على مراجع الشيعة المعتمدة مثل: "وسائل الشيعة: للحر العاملي، و"المزارات" لعبد كاظم وغير ذلك.
ومن المتداول بين الشيعية قول الشاعر الشيعي:
هي الطفوفُ فَطُفْ سبعًا بمغناها فما لمكةَ معنًى مثل معناها
أرضٌ ولكنها السبعُ الشدادُ لها دانتْ وطأطأَ أعلاها لأَدْناها
والطفوف جمع طف وهي أرض كربلاء ( نشرت القصيدة جريدة "برجم الإسلام " الإيرانية، سنة 1366هـ بتاريخ العاشر من محرم).
وجاء في كتاب "كامل الزيارات" لأبي القاسم جعفر بن محمد بن جعفر بن موسى بن قولويه ألقمي في (فَضل كربلاء وزيارة الحسين عليه السلام) في الباب الثامن والثمانون:(55/21)
[- ( وساق سنده ): قال عليُّ بن الحسين عليهما السلام : (... إنّك وأومأ بيده إلى الحسين عليه السلام مقتولٌ في عِصابة من ذُريّتك وأهل بيتك وأخيار من اُمّتك بضِفَّة الفرات بأرض يقال لها: كربلاء، مِن أجلِها يكثر الكَرْب والبَلاء على أعدائك وأعداء ذرِّيتك في اليوم الّذي لا ينقضي كَربُه، ولا تَفنى حَسرتُه، وهي أطيب بقاع الأرض - ووردت في البحار بلفظ اطهر -، وأعظمها حُرْمةً، يُقتَل فيها سِبْطُك وأهلُه، وأنّها مِن بَطحاء الجَنّة .... وتحفّه ملائكة من كلِّ سماء مائة ألف ملك في كلِّ يوم وليلة، ويصلّون عليه ويطوفون عليه ويسبّحون الله عنده ويستغفرون الله لِمَن زارَه ويكتبون أسماءَ مَن يأتيه زائراً من اُمتك مُتقرّباً إلى الله تعالى وإليك بذلك، وأسماء آبائهم وعَشائرهم وبُلدانهم، ويوسِمون في وجوههم بِميسم نور عرش اللهِ: «هذا زائر قبر خَيرِ الشُّهداء وابن خيرِ الأنبياء»، فإذا كان يوم القيامه سطع في وجوههم من أثر ذلك الميسم نور تغشى منه الأبصار يدلُّ عليهم ويعرفون به، وكأنّي بك يامحمّد بيني وبين ميكائيل، وعليُّ أمامنا ومعنا من ملائكة اللهِ ما لا يُحصىُ عَددُهم، ونحن نلتقط من ذلك الميسم في وجهه من بين الخلائق حتّى ينجيهم الله مِن هول ذلك اليوم وشدائده، وذلك حكم الله وعطاؤه لمن زارَ قبرَك يا محمّد أو قبرَ أخيك أو قبرَ سِبطيك لا يريد به غيرَ اللهِ عزَّ وجلَّ، وسَيجتهد أناس ممّن حقّتْ عليهم اللّعنة مِن الله والسَّخَط أن يعفوا رَسْم ذلك القبر ويمحو أثره فلا يجعل الله تبارك وتعالى لهم إلى ذلك سبيلاً. ثمَّ قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: فهذا أبكاني وأحْزَن).(55/22)
- حديث آخر ( وساق سنده ) قال: سمعتُ أبا عبدالله عليه السلام يقول لرجل مِن مَواليه: (يا فلان أتزورُ قبر أبي عبدالله الحسين بن عليِّ عليهما السلام؟ قال: نَعَم إني أزورُه بين ثلاث سنين أو سَنتين مرَّة، قال له - وهو مصفرُّ الوجه -: أما واللهِ الَّذي لا إله إلاّ هو لَوْ زُرتَه لكان أفضل لك ممّا أنت فيه! فقال له: جُعلتُ فِداك أكلُّ هذا الفضل؟ فقال: نَعَم والله، لو إنّي حدَّثتكم بفضل زيارته وبفضل قبره لتركتمُ الحَجَّ رأسا وما حَجَّ منكم أحَدٌ، ويحك أما تعلم أنَّ الله اتّخذ [بفضل قبره] كربلاء حَرَماً آمِناً مبارَكاً قبل أن يتّخذ مَكّة حَرَماً؟
قال ابن أبي يعفور :فقلت له: قد فرض اللهُ على النّاس حِجَّ البيت ولم يذكر زيارة قبر الحسين عليه السلام فقال: وإن كان كذلك فإنَّ هذا شيء جعله الله هكذا، أما سمعت قول أبي أمير المؤمنين عليه السلام حيث يقول: إنَّ باطن القدم أحقُّ بالمسح من ظاهر القدم ولكنَّ الله فرض هذا على العِباد؟! أو ما علمتَ أنَّ الموْقف لو كان في الحَرَم كان أفضل لأجل الحَرَم ولكنَّ الله صنع ذلك في غير الحَرَم؟!
حديث آخر (وساق سنده) عن أبي جعفر عليه السلام: قال: خلق الله تبارك وتعالى أرض كربلاء قبل أن يخلق الكعبة بأربعة وعشرين ألف عام، وقدَّسها وبارَك عليها، فما زالَتْ قبل خلْق الله الخلق مقدّسة مباركة ولا تزال كذلك حتّى يجعلها الله أفضلَ أرْض في الجنّة وأفضل منزل ومسكن يسكن الله فيه أولياءه في الجنّة).(55/23)
- حديث آخر .. ( وساق سنده) (قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول :إنَّ اللهَ تبارَك وتعالى فضّل الأرضين والمياه بعضها على بضع، فمنها ما تفاخَرَتْ ومنها ما بَغَتْ، فما مِنْ ماءٍ ولا أرض إلاّ عوقبت لتركها التَّواضع لله حتّى سلّط اللهُ المشركينَ على الكَعبة، وأرسل إلى زَمزم ماءً مالحاً حتّى أفسد طعمَه، وإنَّ أرض كربلاء وماء الفُرات أوَّلُ أرض وأوَّلُ ماء قدَّس اللهُ تبارك وتعالى، فباركَ الله عليهما فقال لها: تكلّمي بما فضّلك الله تعالى فقد تفاخرتِ الأرضون والمياه بعضها على بعض؟! قالت: أنا أرض الله المقدَّسة المباركة؛ الشِّفاء في تُربتي ومائي، ولا فخر، بل خاضعة ذليلة لمن فعل بي ذلك، ولا فخر على مَن دوني، بل شُكراً لله. فأكرمها وزاد في تواضعها وشكرها الله بالحسين عليه السلام وأصحابه، ثمَّ قال أبو عبدالله عليه السلام: مَن تواضع لله رَفَعَهُ الله ومَن تكبّر وَضعه الله تعالى).] اهـ من كتاب "كامل الزيارات".
وغير ذلك كثير يتعجب المرء من هذه المجازفات العظيمة، ويبدو أنهم فطنوا لهذه الترهات والأكاذيب فأنكرها بعض عقلائهم كمحمد حسين فضل الله فقام نفر من الشيعة بتسفيه أقواله، وجرت مناقشات مطولة مدارها: هل كربلاء أفضل أم مكة؟! فهذا يثبت أدلته وذاك ينفي، وآخر منصف! يقول: إن هذا أمر مختلف فيه، ولا داعي لإثارة الفتن!( ).
وإن شئت أن تسمع ذلك بأذنك – فهو موجود على شبكة الإنترنت - فاسمع إلى آية الله صادق الشيرازي وهو يفضل كربلاء، وأسمع إلى الداعية الشيعي المعروف عبد الحميد المهاجر وهو يقول : لو خيرت بين الجنة وكربلاء لأخترت كربلاء!
ويكفي الشيعة خزياً أنهم يختلفون في هذه المسألة أصلاً!!
لا تقل لي أيها القارئ أن ثمة من ينكر ذلك من الشيعة وليس هذا رأي الجميع، فما عليك إلا أن تدخل إلى المواقع وترى على ماذا يتثقف الجيل الشيعي الصاعد! إنها ثقافة الغلو والتطرف، ثقافة التشيع الصفوي.(55/24)
وعند الشيعة اليوم كربلاء قطعة من الجنة، وهي أشرف بقعة على الأرض على الإطلاق، وفضل زيارة الحسين وأخيه العباس رضي الله عنهما لا يعدله شيء من الأعمال والعبادات، ومثلها النجف حيث مرقد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وكذا مدينة سامراء حيث قبر علي الهادي ومحل اختفاء المهدي المنتظر محمد بن الحسن العسكري احد أركان عقيدتهم، حتى إنهم يسمون قبر الحسين والعباس: (الحرمين الشريفين أو المقدسين) وكلنا اليوم يسمع كلمة: النجف الأشرف ولا يسمع كلمة مكة المشرفة عند الشيعة!!
منزلة الحج عند الشيعة أقل من زيارة كربلاء والنجف:
من المؤسف ذكر هذا، أو حتى ذكر هذا الغرض الذي رويت فيه الأحاديث والأقوال المكذوبة على أهل البيت منذ القدم لإعطاء زيارة القبور دوراً وفضلا عظيماً، وليت هذا الأمر توقف عند هذا الحد بل تعداه إلى تفضيل هذه الأفعال على الحج، ولعلنا نذكر أمثلة يسيرة من ذلك:
جاء في "الكافي" ( 1/324) وغيره: (إن زيارة قبر الحسين تعدل عشرين حجة، وأفضل من عشرين عمرة وحجة). وهذه الرواية موجودة عند ابن بابويه: "ثواب الأعمال" (ص52)، الطوسي: "تهذيب الأحكام" (2/16)، ابن قولويه: "كامل الزيارات" (ص161 ) الحر العاملي: "وسائل الشيعة" (10/348 ).
وحينما قال أحد الشيعة لإمامه: إني حججت تسع عشرة حجة، وتسع عشرة عمرة "أجابه الإمام قائلاً: (حج حجة أخرى، واعتمر عمرة أخرى، تُكتب لك زيارة قبر الحسين عليه السلام). انظر الطوسي: "تهذيب الأحكام" (2/16)، "وسائل الشيعة" (10/348)، "بحار الأنوار" (101/38).
فكأنه يقول له (كما يقول الدكتور القفاري) :علام تبذل كل هذا الجهد، وزيارة قبر الحسين أفضل من عملك هذا! ثم تراه وَجَّهَهُ لإكمال عشرين حجة وعمرة ليكتمل بذلك فضل زيارة واحدة لقبر الحسين، ولم يوجهه لزيارة الحسين، وذلك زيادة في التقريع وإظهار السخرية وإبداء التحسر.(55/25)
وتذهب رواياتهم إلى المبالغة بأفضلية قبر الحسين وقبور سائر الأئمة على الركن الخامس من أركان الإسلام؛ حج بيت الله الحرام ، وتصل في ذلك إلى درك من العته والجنون، أو الزندقة والإلحاد لا يكاد يصل إليه أحد في هذا الباب، حتى ليقول القائل بأن هذا دين المشركين لا دين المسلمين الموحدين؛ لأن هؤلاء يقدمون لنا ديناً آخر غير مايعرفه المسلمون، دين شيوخهم وآياتهم لا دين رب العالمين، وتخرصات وأوهام رجالهم، لا سنة سيد المرسلين، فهي أشبه ما تكون بمؤامرة لتغيير دين المسلمين، وتغيير قبلة المسلمين (الكعبة): بيت رب العالمين. وتُقدم لنا رواياتهم هذا المعنى بصور مختلفة وأساليب متنوعة لتؤثر في قلوب السذج والجهلة، وتخدع عقول الناشئة والعجم (غير الناطقين باللغة العربية) فما أسرع تأثير البدعة في هؤلاء.
فهذا أحد الأعراب يشد الرحل من اليمن لزيارة الحسين فيسأله جعفر عن أثر زيارة قبر الحسين، فقال هذا الأعرابي: إنه يرى البركة من ذلك في نفسه وأهله وأولاده وأمواله وقضاء حوائجه، فقال أبو عبد الله : (أفلا أزيدك من فضله فضلاً يا أخا اليمن؟ قال: زدني يا ابن رسول الله - صلى الله عليه وآله، قال: إن زيارة أبي عبد الله عليه السلام تعدل حجة مقبولة زاكية مع رسول الله صلى الله عليه وآله. فتعجب من ذلك، فقال له: أي والله، وحجتين مبرورتين متقبلتين زاكيتين مع رسول الله صلى الله عليه وآله فتعجب، فلم يزل أبو عبد الله عليه السلام يزيد حتى قال: ثلاثين حجة مبرورة متقبلة زاكية مع رسول الله صلى الله عليه وآله). انظر ابن بابويه القمي: "ثواب الأعمال" (ص52)، الحر العاملي: "وسائل الشيعة" (10/350-351).
بهذا الأسلوب الغريب الذي هو أشبه ما يكون بلعب الأطفال ومحاوراتهم، يقرر جعفر أن زيارة الضريح أفضل من ثلاثين حجة.(55/26)
ويفترون أيضاً على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بأنه قرر هذا الشرك بنفس هذا الأسلوب الذي يكشف بلفظه كذبهم فضلاً عن معناه، حيث تقول روايتهم:
(كان الحسين عليه السلام ذات يوم في حجر النبي صلى الله عليه وآله، وهو يلاعبه ويضاحكه، وأن عائشة قالت: "يا رسول الله: ما أشد إعجابك بهذا الصبي!! فقال لها: وكيف لا أحبه وأعجب به وهو ثمرة فؤادي وقرة عيني، أما إن أمتي ستقتله .. فمن زاره بعد وفاته كتب الله له حجة من حججي، قالت: يا رسول الله حجة من حججك، قلا: نعم وحجتين، قالت: وحجتين؟ قال نعم وأربعاً، فلم تزل تزده وهو يزيد حتى بلغ سبعين حجة من حجج رسول الله صلى الله عليه وآله بأعمارها). انظر: "وسائل الشيعة" (10/351-352).
وتذهب رواية أخرى إلى أنك: (من زار قبر أبي عبد الله كتب الله له ثمانين حجة مبرورة). انظر: "ثواب الأعمال" (ص52)، "كامل الزيارات" (ص162)، "وسائل الشيعة" (10/350).
وتزيد رواية أخرى على ذلك فتقول: (من أتى قبر الحسين عليه السلام عارفاً بحقه كان كمن حج مائة حجة مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم). انظر: "ثواب الأعمال" (ص52)، "وسائل الشيعة" (10/350).
وتتنافس رواياتهم في المبالغة في الأعداد لتتجاوز المئات إلى مرحلة الآلاف ، وتتجاوز ذلك إلى ذكر أصناف من الثواب والأجر؛ وكأن الدين هو مجرد زيارة قبر، والوقوف على ضريح. والقرآن ليس فيه ذكر للمراقد والقبوروالأضرحة، وإلا فثمة سؤال يطرح على الشيعة أين احكام الزيارة في القرآن ؟ ولماذا لم يذكر حكما واحدا عن هذه الزيارة أو حتى إشارة ؟
روايات تدل على تهوين شأن الحج:
وثمة روايات مذكورة في كتب الشيعة عن أئمتهم تهون من شأن الكعبة، فقد روى الكليني في "الكافي" (1/392 ) عن أبي جعفر ورأى الناس بمكة وما يعملون فقال: فعال كفعال الجاهلية!!(55/27)
وفي رواية أخرى (1/393 ) قال: إنما أمر الناس أن يأتوا هذه الأحجار فيطوفوا بها ثم يأتوا فيعْلمونا ولايتهم! أي ينصرونا ويعرضوا مودتهم لنا نحن أهل البيت.
وثمة أمر مشتهر بين شيعة العراق أن الحج لا يكتمل حتى يزار الحسين.
بل ثمّة روايات شيعية تشجع الناس يوم العيد ويوم عرفة لذهاب لزيارة قبورهم.
فقد ذكر الكليني وغيره: (من أتى قبر الحسين عارفاً بحقه، في غير يوم عيد، كتب الله له عشرين حجة وعشرين عمرة مبرورات مقبولات .. ومن أتاه في يوم عيد كتب الله له مائة حجة ومائة عمرة .. ومن أتاه يوم عرفة عارفاً بحقه، كتب الله له ألف حجة وألف عمرة مبرورات متقبلات، وألف غزوة مع نبي مرسل أو إمام عادل). انظر: الكليني، "فروع الكافي" (1/324 )، ابن بابويه: "من لا يحضره الفقيه" (1/182)، الطوسي: "التهذيب" (2/16)، ابن قولويه: "كامل الزيارات" (ص169)، ابن بابويه: "ثواب الأعمال" (ص50)، الحر العاملي: "وسائل الشيعة" (10/359).
ويتمنى شيعي آخر بعد سماعه دعاء من جعفر لزوار قبر الحسين، قال: (والله لقد تمنيت إني زرته ولم أحج). "وسائل الشيعة" (10/321 )، "فروع الكافي" (1/235 )، "ثواب الأعمال" (ص35).
وليتهم اكتفوا بهذا القدر من الأكاذيب بل طعنوا في الحجيج و نقلوا رواية تقول: (إن الله يبدأ بالنظر إلى زوار قبر الحسين بن علي عشية عرفة قبل نظره إلى أهل الموقف).
قال الراوي: وكيف ذلك؟ قال أبو عبدالله: (لأن أولئك أولاد زنا وليس في هؤلاء أولاد زنا) الفيض الكاشاني: "الوافي" (8/222).
والسؤال لماذا في هؤلاء أولاد زنا وليس في أولئك؟!
روايات تفضيل الحج على زيارات القبور تقية!!
ولأن دين الشيعة تأسس على فترات زمنية متعدد وكذابين كثر، تشعر التناقض واضحا في الروايات، فهذه سنة كونية وقاعدة إلهية: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} [النساء: 82] .(55/28)
فقد وردت رواية ترفض الأجر العظيم وترفض المعادلة بالحج والعمرة بالزيارة، تقول الرواية عن حنان: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما تقول في زيارة قبر الحسين – صلوات الله عليه – فإنه بلغنا عن بعضكم أنه قال: (تعدل حجة وعمرة؟) قال: فقال: (ما أضعف هذا الحديث، ما تعدل هذا كله ولكن زوروه ولا تجفوه فإنه سيد شباب أهل الجنة.. ). "بحار الأنوار" (101/35 )، "قرب الإسناد" (ص48).
بيد أن علماء الشيعة رفضوا هذه الرواية، واعتبروا هذا النص يناقض عشرات الروايات فقد علق المجلسي عن هذه الرواية: (الأظهر أنه محمول على التقية)، أي أن جعفراً يقول هذا الكلام على سبيل الكذب مجاملة لأهل السُنة أو خوفاً منهم وليس من دين الشيعة..
وهكذا يفعل شيوخهم بكل رواية عن أهل البيت لا توافق أهواءهم، يبطلون مفعولها بهذه الحجة الجاهزة" التقية" فصار التشيع يكتسب غلوه على مر الأيام بفعل شيوخه، وصار دينهم دين شيوخ الروافض لا دين الأئمة.
أفعال على القبور تشبه أفعال الحج:
ينفعل الفرد الشيعي عندما تنكر عليه أي فعل مغال حول زيارات القبور ويتهمك بالوهابية، فللشيعة مناسك للقبور يسمونه "مناسك المشاهد"، وقد ألف أحد علماءهم كتاباً بذلك وهو ابن النعمان كما ذكر ابن تيمية في "منهاج السنة" (1/175) فهاج علماء الشيعة وكذبوا ابن تيمية، وتمر الأيام ويؤلف عالم الشيعة آغا بزرك الطهراني كتابه المعروف "الذريعة في تصانيف الشيعة" فيكشف عن وجود ستين كتابا ألفها علماء الشيعة في هذا الباب؟!
وفي كل هذه الكتب الطواف بالقبور، وتقبيل جوانب القبر، والصلاة لصاحب الضريح، ويتوجه بعضهم للقبر في صلاته، وهذه الصلاة تعدل الحج والعمرة بل عدة مرات من الحج والعمرة، فقد ذكر الكاشاني رواية تقول: (الصلاة في حرم الحسين لك بكل ركعة تركعها عنده كثواب من حج ألف حجة، واعتمر ألف عمرة وأعتق ألف رقبة وكأنما وقف في سبيل الله ألف ألف مرة مع نبي مرسل) "الوافي" (8/234).(55/29)
ويبدوا أن أتباع الرضا لم يرق لهم ذلك فذكروا أن المشي للرضا وليس الصلاة هو ما يعدل ذلك، فقد وردت روايات في ذلك نذكر منها: (وله بكل خطوة مائة حجة، ومائة عمرة، وعتق مائة رقبة في سبيل الله، وكتب له مائة حسنة، وحط عنه مائة سيئة) "بحار الأنوار" (100/137 ).
ولا يتجشم المرء عناء إثبات هذه الروايات عن الشيعة فالواقع اليوم يصدق ذلك؛ فهذه كربلاء والنجف ومشهد الرضا في إيران وزينب في سوريا تمتلئ بالزوار بالملايين يضاهي الشيعة فيها الحج، والفضائيات الشيعية تنقل نقلا مباشراً وحيا للجميع ذكرى الزيارة يعظمونه أكثر من الحج، فتطابقت روايات الشيعة مع أفعالهم، وتحقق الهدف من ذلك؛ وهو صرف الشيعة عن بيت الله وتعظيم قبور الأئمة لأنها أعظم عندهم، هذه الحقيقة المرة التي لا يريد بعض أهل السُنة أن يعترف بها: أن الشيعة لا تعظم شعائر الله، أو على الأقل: لا تعظم الشيعة شعائر الله بالقدر الذي تعظم فيه أضرحة ائمتهم، والله المستعان.
نداء إلى علماء الأمة وأئمتها:
إن الذي يؤلم كل مسلم الكبر الذي يجده من الشيعي في تحدي شعائر الله تعالى وتجاوز الشعور الإسلامي الواحد وقد أمرنا الله بالاستعاذة منه فقال: {إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [غافر :56]. ولكن الذي يزيد في الألم ويعمق في الجرح هو سكوت العلماء والمؤسسات الشرعية في العالم الإسلامي عن هذا الاستكبار والغطرسة الشيعية في التعدي على كل قيم ومبادئ الدين مع الإصرار على أنهم يمثلون الدين الصحيح وان ما سواهم على ضلال مبين ،ولقد عظم البلاء بعد ان أصبحت لهم شبه دولة في العراق ، فأصبحوا يقتلون المسلمين ويستحييون نسائهم ويهدمون المساجد ويدنسون المصاحف ويفتخرون بذلك، فهل من كبر بعد هذا الكبر.(55/30)
إن الذي يتابع البيانات والتصريحات والمؤتمرات التي عقدها الشيعة في جميع أنحاء العالم لاستنكار هدم المرقدين في سامراء والخطوات التي يجب اتخذاها والمواقف التي يجب استغلالها يجد سعياً حثيثاً وجهداً دؤوباً في طلب باطل والمنافحة عنه وتخطى جميع العقبات في سبيل تحصيله، والكل يعلم أنهم بدفاعهم عن القبور والمراقد والأضرحة، إنما يهدفون منه إلى إعادة الشرك إلى أرض الإسلام، والتاريخ يشهد على أن الفكر الشيعي لم يقدم للأمة إلا الهزائم والبدع والخرافات والرجعية الفكرية والعلمية!!
وللأسف لا نجد الموقف الواضح والحازم والمطلوب تجاه ما يفعله الشيعة من شق لوحدة المسلمين والاستهانة بشعائر الله وتعظيم غيرها من لدن علماء الأمة ومرجعياتها: كالأزهر وهيئة كبار العلماء أو منظمة المؤتمر الإسلامي أو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أو هيئة علماء المسلمين العراقية.
قال تعالى: {هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} ([آل عمران: 119].
فمؤتمرات التقريب بين المذاهب يأتيها كثير من الرموز الإسلامية ولو حبوا ، أما حين يطلب منه أن يستنكر قتل امرئ مسلم واحد أو شجب هدم مسجد واحد على أرض العراق فإنه يقدم أعذاراً ممجوجة حتى لا يفعل ذلك. والدعاة والمصلحين الذين كانت لهم أياد بيضاء في هداية كثير من الشباب إلى الطريق المستقيم من درب الشهوات والملذات والمعاصي ،يقفون عاجزين عن تحصينهم من الشبهات التي يقذفها الشيعة اليوم وفتنتهم المتعاظمة يوما بعد يوم ، وفتنة الشباب المسلم بالشيعة ماضية على قدم وساق.(55/31)
أما المفكرين والكتاب الذين نظروا للصحوة الإسلامية فهم بسكوتهم بحجة إصلاح ذات البين نخشى أن يشملهم قوله تعالى: {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ} [البقرة:12 ] - رغم حسن نواياهم - أما الذين لهم تواصل – على درجات- بدولة الشيعة الكبرى - إيران- مثل حركة حماس والجهاد وجماعة الإخوان المسلمين في مصر والأردن ، فنكلهم الى الله تعالى ونقول:{وَاللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} [البقرة:220]
خاتمة:
وليت الشيعة اكتفوا بالغلو في أئمتهم فحسب ، فمع كل قصة وفاة إمام من أئمتهم لابدّ أن تقترن هذه المناسبة باللعن والسب للصحابة والقادة والعلماء، وطعن على التاريخ والحضارة والخلافة الإسلامية بجميع دولها وحكامها ؛ لأن الغرض أصلا من إحياء مثل هذه الذكرى هو تهييج عواطف الناس بمظلومية الأئمة المفتراة أصلا، وحق أهل البيت المسلوب من عهد الخلفاء الراشدين المهديين حتى اليوم ومثله في أيام الغدير، وكذا عند مولد كل إمام وخاصة ولادة المهدي حيث تبرز عقيدتهم في انتظار الفرج والخلاص وزوال الطغيان السُني الجاثم على صدروهم وعودة الحق المزعوم لأهله.
لا ريب أن هذا التضخيم والتعظيم لأمر القبور والمراقد والمناسبات يحتاج إلى خروج كبير عن مفاهيم الفطرة البشرية والثوابت الإسلامية ؛ لأن الإسلام قام بنفي كثير من هذه الأمور والتي هي من أعمال الجاهلية ومنكراتها.ولقد علم الشيعة قديماً أن ما يفعلونه غير موافق لدين الإسلام فقاموا بوضع الأحاديث على النبي صلى الله عليه وسلم مثل: (....ولكن حثالة من الناس يعيّرون زوّار قبوركم بزيارتكم كما تعيّر الزانية بزناها، أولئك شرار أمتي لا تنالهم شفاعتي ولا يردون حوضي ) قاله علي بن أبي طالب رضي الله عنه كما يفترون.(55/32)
بل إن المتابع لأفعال الشيعة في العراق وغيره يجد أنهم يعتبرون من أنكر بالكلام أو بالفعل على شيء من القبور والمشاهد والأضرحة فقد وقع في الإثم المبين وتجاوز في معصيته حدّ المشركين والمنافقين، وليس أدلّ على ما نقول ما فعلوه عندما تم تفجر المرقدين – رغم أن دلائل كثيرة تشير لمسؤولية الشيعة عن ذلك - في مدينة سامراء في 22/2/2006( ) حيث قاموا بقتل ما يزيد على 250 شخص في ثلاثة أيام من أهل السنة بشكل فردي وجماعي (حفلات خاصة يحضرها رجال دين شيعة) هذا عدا عن حرق وإغلاق وهدم واحتلال أكثر من (170) مسجداً في عموم العراق على الأقل.
وقاموا بهجمة إعلامية شرسة على السعودية وعلمائها ونظموا عشرات المسيرات الاحتجاجية في جميع دول العالم يشنون حرباً إعلامية ودبلوماسية على "الوهابية" و"السعودية" وصرح جميع أئمتهم ومراجعهم على الإطلاق بضرورة بناء المرقد من جديد وتطهير المناطق المجاورة له من السنة و وضع حماية شيعية خاصة له.
إن هذه السلوكيات التي تبين حقيقة المذهب الشيعي وأهله تجاه مقدسات المسلمين في حالة عجزهم عن أن ينالوا منها، وإلا فلو تمكنوا لفعلوا ما يندى له الجبين فإن لهم تاريخا أسودا في هذا الأمر، ومخططات حاقدة ويكفي ما فعله أتباع الخميني في ثمانينات القرن المنصرم واقرأ كتاب "بروتوكولات آيات قم".
وفي نفس الوقت الذي نشاهد الشيعة يحاولون النيل من أيام المسلمين ويحالون إطفاء نور عظمتها جلالها في قلوب العالم، فإنهم يضاهؤن بتعظيم مقدساتهم فالذي يشاهد التغطية المباشرة لطقوس الشيعة في عاشوراء وجموعهم المتوافدة إلى كربلاء يرى تعظيماً يفوق تعظيمهم للمقدسات الإسلامية (إن وجد أصلا).(55/33)
حتى إن تفاعلهم مع القضايا الإسلامية يكاد يكون معدوماً فلم نجد منهم غيرة للنبي صلى الله عليه وسلم رداً على الهجمة الأوروبية على شخص الرسول محمد صلى الله عليه وسلم أو استنكاراً للحفريات تحت المسجد الأقصى أو تهديد أحد أعضاء الكونغرس الأمريكي بقصف الكعبة أو تدنيس المصحف في سجن غوانتنامو أو غيرها من الأمور التي توحد المسلمين برهم و فاجرهم، عربيهم وأعجميهم وتجعلهم على قلب رجل واحد. لأن مذهبهم وجد وتطور لزرع الفتنة والفرقة في الإسلام.
جهود علماء العراق في الرد على الشيعة
مع مقدمة مختصرة في تاريخ تشيّع العشائر العراقية
بقلم: عبد العزيز بن صالح المحمود
(القسم الأول)
مقدمة مختصرة في تاريخ تشيع العشائر العراقية
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين( ).
مقدمة:
فهذا هو القسم الأول من بحث مختصر حول جهود علماء العراق في الرد على الشيعة في الفترة الممتدة من نشوء الدولة الصفوية في إيران وحتى سقوط الدولة العثمانية، حاولت فيها أن أوضح جهود علماء العراق في مقارعة التشيع كدين وفرقة منحرفة. وما ذكرناه من جهود هو ما تمكنا من الوصول إليه، وإلا فهناك جهود لا تزال حبيسة المخطوطات في بطون المكتبات العامة والخاصة لا يعلم عنها شيء.
وهذه الجهود ليست مقصورة على مذهب أو جماعة من أهل السنة كلا بل هي عامة لكل أهل السنة بمختلف مذاهبهم الفقهية أو مناهجهم العقائدية، فتكوين العراق السُني المذهبي في تلك الأيام هو:
* حنفي المذهب (وهو المذهب الغالب في العراق بين العرب والتركمان).
* الشافعي (وهو مذهب بعض العرب السُنة والأكراد)( ).(55/34)
* المالكية (وهذا مذهب بعض أهالي سنة جنوب العراق إلى أن اختفى وتبدل بالمذهب الحنفي ولا يزال بعض كبار السن من أهل السنة في الجنوب العراقي يقولون نحن موالج باللهجة العامية العراقية بتبديل الكاف جيما؛ أي موالك)، وليس هذا غريبا فالمالكية كانوا بالعراق لغاية القرن السادس للهجرة ثم انحسر وجودهم وبقي قسم منهم على شواطئ الخليج والإمارات المتحدة أهلها أكثرهم مالكية.
* وقليل من أهل الجنوب حنابلة في قصبة الزبير في محافظة البصرة.
أما العقائد السُنية في العراق في يومها: فهي الماتريدية والأشعرية، وقليل من السلفية من بقايا أهل الحديث،و ازداد عددهم مع تأثر العراقيين بحركة محمد بن عبد الوهاب في بلاد نجد. والطرق الصوفية المعروفة في العراق هي القادرية والنقشبندية والرفاعية، وكانت غالبة على العراقيين في ذلك الوقت.
كل هؤلاء - بكل مذاهبهم وعقائدهم وطرقهم - ساهم في رد التتشيع والدعاية ضده. وثمّة جهد غير منظور، ألا وهو التدريس والدعوة وثقافة مقاومة التشيع ومقارعته واعتبار مواجهته جهاداً.
ولقد كان لأهالي بغداد خصوصا والعراق عموماً وقفات شجاعة في مواجهة الغزو الصفوي الشيعي، فقد نقل المحقق عماد عبد السلام رؤوف في تحقيقه لكتاب "زبدة الآثار الجلية في الحوادث الأرضية" لداود جلبي في هامش (ص62-63) وصفا لأهالي بغداد ومقاومتهم الجيش الصفوي الذي أرسله الشاه عباس لاحتلال بغداد وقتل سُنتها وذلك سنة 1032م بعد حصار أكل الناس فيه لحوم الحيوانات والآدميين:(55/35)
( .. يصف المؤرخ محيي الدين العباسي قاضي تكريت المعاصر للأحداث كفاح أهل بغداد في تلك الأيام العصيبة فيقول: (أن أهل بغداد قاموا بأعمال عظيمة قلما أمة قامت بها، بأن حاربوا الشاه وقتلوا منه كثيراً .. وقد شحنوا أبواب السور بكثرتهم وصعدوا الأبراج يرمون من مزاغلها العدو بالنشاب وليس من يعينهم ويدير حركاتهم، ومع هذا قاموا بحرب دامية استظهروا بها على العجم، وفتحوا باب السور الوسطانية وخرجوا عليهم بالسيوف والخناجر وصارت ملحمة في الباب وعلى قناطر الباب، دامت ثلث النهار حتى ملئ الخندق بأشلاء العجم، ولما تراجع عسكر العجم من أطراف المدينة وقوي ساعدهم أوصدت الباب العالي ودام القتال إلى الليل ثم رجع العجم إلى مضاربه وخيامه، وتركوا قتلاهم وجرحاهم في الخنادق لا يحصون، ولما كان الغد أخذ أهل بغداد يقوون أخوانهم في الأبواب ويشحنونها بالمقاتلة، والنساء ينقلن إليهم الطعام و يزغردن فرحاً وتشجيعاً وكل هذا والمدينة خالية من الجند ..). نقلاً من مخطوط نشر قسم منه في جريدة العراق 27 حزيران 1930 م ) اهـ ( ).
وما كان الناس في يومها ليدافعوا لولا ثقافة سُنية أصيلة غرست فيهم ترفض التشيع ، ولولا ثقافة أودعها فيهم أهل العلم والدعاة .
ولما رفض الأكراد السُنة قبول التشيع وفضلوا النفي على التشيع، حدث هذا في زمن الشاه عباس الصفوي فشرد (15000) عائلة كردية إلى خراسان ، كما ذكره محمد أمين زكي في كتابه (خلاصة تاريخ الكرد وكردستان) ( 207 ،208 ، 211).
والدارس لأحوال العراق يجد هذه الجهود والأعمال متذبذبة بحكم الوضع السياسي فتارة تنشط وتارة تفتر. ومرد ذلك الوعي بحقيقة التشيع وخطره سواء عند العرب والتركمان والأكراد هو جهود علمائه ودعاته في هذا المجال، ولهذا وقف أهل العراق مع كل وال أو حاكم أو خليفة يخلّصهم من التشيع وأهله.(55/36)
ولأهمية هذا الوعي في وقاية بلادنا ومجتمعاتنا من أخطار التشيع القادمة أذكر قصة ذكرها لي أحد الأخوة الباحثين الأفاضل حول سفر أحد فضلاء بغداد بعد دخول الصفويين بها إلى استانبول عاصمة الدولة العثمانية واحتياله لدخول قصر السلطان والأذان فيه بـ "حي على خير العمل" (أذان الشيعة) فأمر الخليفة العثماني بإحضاره وسأله عن سبب صنيعه هذا؟ فأجابه قائلا: هذا الأذان سيصل لقصرك وسيشيع في بلدك هذا إن لم تنقذ بغداد من الصفويين؛ فهبّ السلطان لنجدة بغداد و تحريرها و تمّ له ذلك.
وهكذا يفعل فضلاء العراق اليوم يؤذنون في كل عواصم الدول العربية؛ في الأردن ومصر والسعودية ودول الخليج والسودان واليمن وغيرها من بلاد الله ، منذرين شعوبها وحكامها علّها تلامس أسماعهم مثلما لامست صرخة تلك المرأة أذن المعتصم أوعلها تفعل ما فعله أذان العراقي الذي أذن في بلاط الخليفة العثماني ، فيهبوا جميعاً بكل الوسائل والحيل والفرص كي ينقذوا اليوم سُنة العراق بل العراق أجمعه، فلا يحفظ العراق إلا سُنته،وأهل السُنة أحن على الشيعة من أنفسهم،وليذكر الشيعة أيام حكم السُنة خير لهم أم أيام حكمهم بعد الاحتلال (عهد الجعفري والمالكي)!!؟؟.
وأرجو من المولى عزّ وجل أن لا يصدق في العرب والمسلمين قول الشاعر عمر أبو ريشة رحمه الله:
ربّ وامعتصماه انطلقت ملء أفواه الصبايا اليتم
لامست أسماعهم لكنّها لم تلامس نخوة المعتصم
ولعل في ذلك تحفيزاً وإيقاظاً لنفر من أهل جلدتي من السُنة ، سواء كانوا من أهل بلدي العراق الجريح ، أو من بلد من بلدان العالم الإسلامي يحمل عقيدة أهل السُنة والجماعة، أو شريك في الدم والعرق تدفعه عروبته لشيء من الغيرة، ويدفعه قول الشاعر يوم رأى الشعوبية تعمل عملها في أيام حضارتنا الأولى (نهاية الدولة الأموية) فقال يصف الشعوبيين الفرس:
يدينون ديناً ما سمعت به عن الرسول ولا جاءت به الكتبُ(55/37)
فمن يكن سائلاً عن أصل دينـ ـهم فإنّ دينهم أن تُقتل العربُ
والله ولي التوفيق.
نبذة عن العراق وشيعته .. وتشيّع قسم من أهله وعشائره
أعتقد أنه من المهم بداية أن ألقي بعض الضوء على تاريخ الشيعة بالعراق وأسباب تشيع بعض العشائر في الجنوب ، لتتضح للقارئ قيمة هذه الجهود العراقية في الرد على الشيعة ، فهي ليست جهود مبعثها الفراغ وحب النزاع أو الترف الفكري،ولكنها جهود دافعها التصدي للعدوان والطغيان الشيعي الصفوي.
فمن المعروف للباحثين في الشأن العراقي أنّ بلاد العراق هو منشأ التشيّع الأول، ومدينة الكوفة- التي بناها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه- كانت ملاذا للشيعة الأوائل( )، وفي العراق قبور من يقدسهم الشيعة ويعتبرونهم – حسب زعمهم – أئمة معصومين ؛ حيث قبر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه في مدينة النجف، وفيه استشهد الحسين على أرض كربلاء، ومعه أخوه العباس وجميع شهداء معركة كربلاء، وفي بغداد قبر موسى الكاظم وحفيده محمد الجواد، وفي سامراء قبر علي الهادي وولده الحسن العسكري رضي الله عنهم أجمعين، وفي العراق أيضاً خرافة الشيعة ومحل غيبة المهدي المنتظر وغير ذلك كثير من القبور الصحيحة والمفتراة.
فالعراق بلد مقدس عند الشيعة، ورغم كلّ ذلك لم يكن العراق في يوم من الأيام بلدا شيعيا، لا شعباً ولا حكومة، بل كان العراق سُنيا منذ عهد الأمويين ثم العباسيين ثم إبان حكم المغول وبروز دولة اللإلخانيين ثم دولة الجلائريين ثم دول التركمان (الآق قونيلو، والقرة قونيلو) ثم من بعدهم العثمانيين.(55/38)
فعلى مرّ هذه الحقب والعراق بشماله وجنوبه وشرقه وغربه بلد سُني حاكما ومحكوما، ويؤيد ذلك أن كل الرحالة والمؤرخين العرب والأجانب عندما مرّوا بالعراق أو بغداد ووصفوهما فإن كل هؤلاء ذكروا معالمه الأثرية سواء كانت المساجد أو المقابر أو التكايا أو الزوايا الصوفية أو دور العلم أو المدارس والربط والقصور كلها تدل على أصالة الوجود السُني، وأنه هو الأصل في كل تاريخ العراق وحضارته.
فقد مرّ بالعراق ابن بطوطة، والرحالة الإيطالي ماركو بولو، ومن ثم حمد الله الفارسي المتوفى سنة (740 هـ/1339م )، ومن ثم التركي نصوح السلاحي المطراقي الذي رافق السلطان سليمان القانوني في فتحه بغداد (944 هـ/1536م) ورسم صورة لمدينة بغداد، والرحالة الفرنسي جزبز تافرنيه (1632-1652م)، ومصطفى بن كمال الدين محمد الصديقي الدمشقي (1162هـ/1749م)، والدانماركي كرستين ينبور (1766م)، وصموئيل إيف (1779م)، وكي لسترانج، وفيلكس جونس وكولينكوود (1853- 1854م)، ثم رشيد خواجة (1908م)؛ كل هؤلاء الشهود الرحالة والجغرافيين شاهدوا العراق ووصفوه ورسموا خرائط للعراق ولبغداد ، ولا تكاد تجد بغداد أو العراق إلا بلدا سنيا إلا يسيرا أو قليلا من المواطن الشيعية هنا وهناك.(55/39)
نعم في العراق شيعة في بؤر ومناطق متفرقة؛ فالشيعة كانوا أول الأمر في الكوفة وهناك كان مركز التشيّع العلمي ثم ضعفت الكوفة، و تحول مركز العلم الشيعي من الكوفة إلى مدينة النجف – كان هذا في القرن الرابع الهجري – وبرزت بعد ذلك الحلّة المزيدية، وأصبحت الحلة ومن ثم النجف مراكز التشيع في العراق ؛ بها مدارسهم وعلماؤهم( )، وفي العهد العثماني برزت مدينة كربلاء بعد أن كانت قرية صغيرة، ولا ننسى أن في غرب بغداد وفي الكرخ ( ) كانت هناك محلات للشيعة في زمن الدولة العباسية.كما كان في بغداد قبر موسى الكاظم وحفيده وجامع براثا، وبقية بغداد كلها سني بجانبيه الرصافة والكرخ. وكذا العراق فكلّه بلد سُني سواء في عاصمته بغداد وفي جنوبه البصرة وفي شماله الموصل أو ولاية شهرزور( ).
واستمر هذا الحال في كل العهود التي تلت سقوط بغداد: ففي عهد الإليخانيين (656-738هـ / 1258-1338م) وهم المغول وبعد أن خربوا بغداد وقتلوا أهلها:
-…جاء إلى بغداد من سكنها من العشائر من حولها وأصبحت بغداد أكثر سنية فقد اندثرت حتى مدينة الكرخ الشيعية.
-…ثم من بعدهم جاء الجلايريون (738- 795 هـ ) (1338- 1392 م ).
-…ثم حكم تيمورلنك المغولي (795- 808 هـ ) (1392-1411م ).
-…ثم حكم الجلائريون( )( 808-874 هـ) (1411-1469م )
-…ثم حكم التركمان الآق قوينلو والقرة قوينلو (874-914 هـ ) (1469-1508م ).
-…في كل هذه الفترات كان الحكم سنياً( ) بحتا لمدينة بغداد والعراق.
-…ثم احتل الصفويون بغداد وجزءا من العراق سنة (914- 930هـ /1508 - 1523 م) ونصروا الشيعة وقتلوا السنة، لكن بغداد والعراق بقيا بلدا سنيا
-…ثم طرد أمير كردي هو (ذو الفقار) الصفويين واحتل بغداد (930-936هـ /1523-1529م).
-…وعاد الشاه طهماسب الصفوي واحتل بغداد (936- 941هـ /1529-1534م ).(55/40)
-…لكن العثمانيين الأتراك السُنة أنقذوا بغداد في يوم 24 جمادى الآخرة سنة (941هـ /1534م)( ) وعاد العراق سُنيا من جديد كما كان دائما.
-…ثم في سنة (1030 هـ/1621 م) احتلت بغداد وبعض العراق من قبل الصفويين الذين بقوا إلى سنة (1048هـ /1633م) بيد أن العثمانيين السُنة أنقذوا بغداد والعراق من جديد بتاريخ 18 شعبان وظل العثمانيون إلى سقوط العراق بيد الأنكليز سنة 1917م.لذلك يقول كل المؤرخين الفتح العثماني بينما يقولوا الغزو الصفوي.
محاولات الشيعة لحكم العراق
وقد حاول الشيعة قديما حكم البلاد إبان سيطرة البويهيون( ) على الحكم العباسي ( 320-447 هـ) إلا أنه ومع نصرة البويهيين للتشيع بقي العراق وأهله سُنة، وبقي حكام العراق هم العباسيين السُنة وإن كان حكمهم شكليا للبلاد، ولم يكن بوسع البويهيين إعلان التشيع؛ لأن أهل العراق السُنة يومها كانوا سيرفضون هذا الخيار، فعلماء العراق ومدارسهم كلها سُنية ولا تعرف في بغداد أي مدرسة شيعية.
وكانت مساعي الشيعة مستمرة لنصرة مذهبهم فتأسست دولة المشعشعين في بلاد الأحواز( ) بين سنتي (840-914 هـ)، وقد حاولت نشر التشيّع في الجنوب فنجحت في ذلك في مناطق البطائح (الأهوار) وهي الآن في محافظة ميسان ومركزها العمارة ( ).
وسبب ذلك يعود إلى أن أهل هذه المناطق غير تابعين لسلطة الدولة، ويثورون على كل حاكم، ويعيشون معيشة متخلفة بعيدة عن الحضارة والمدنية، وحياتهم قائمة على تربية الجاموس وصيد الأسماك والتنقل بين الأهوار، ومساكنهم من قصب( )؛ لذا لم تستقر عندهم حضارة ولا مدارس علم ولا مساجد، وكان تشيعهم مردّه عدم وجود محصّن لهم ثقافي أو حضاري يحميهم.(55/41)
وكان هَمُ المشعشعين الغزو والسطو على البلاد، فناسب أهل البطائح عقلية المشعشعين وأفعالهم لذلك كان هذا أحد أسباب قبولهم للتشيع. فهذا مؤسسهم محمد بن فلاح عندما ظهر سنة 840 هـ في الكوفة وأدعى المهدية، وكان قد خلط التصوف المنحرف بالتشيع، وادّعى ألهوية علي، فأفتى شيخه الشيعي أحمد بن فهد الحلي (ت:841هـ ) بقتله، فهرب إلى الأهوار وحماه سكان الأهوار المعدان (المعادي) والتفوا حوله، وهم أول جماعة حمته وكون معهم دولته، والعشائر المتأثرة به وقتها هم: بنو سلامة والسودان وبنو أسد وبنو طي وبنو حطيط، وهؤلاء تأثروا بتشيعه الغالي وشرعوا بالإغارة على المدن السُنية كمدينة واسط ( قبل أن تندرس )، ومدينة جصّان( ) فقاتله أهلها السُنة وذلك في سنة 844 هـ وبعد مرور عام سيطر على مدينة الحويزة وانضم إليه من القبائل العربية: عبادة وبنو ليث وبنو سعد ، وهذا يعني أن بواكير انتشار التشيع في الجنوب بدأت من محمد بن فلاح المشعشعي( ).
وكذا كان لبروز الدولة الصفوية ( ) في بلاد إيران على يد الشاه إسماعيل الصفوي دور آخر في نشر التشيع في العراق، بعد أن شيّع أهالي إيران السُنة عنوة ثم غزا العراق واحتل بغداد وقتل كثيرا من أهل السنة، وحاول تشييع العراق كله ولم يفلح، إلا أن التشيع أخذ بالازدياد في جنوب العراق لعدة أسباب فصلناها في بحثنا (تاريخ تشيّع العشائر العراقية) يسر الله نشره.
ونستطيع تلخيص بعض هذه الأسباب الرئيسة لتشيّع الجنوب والوسط:(55/42)
الجنوب والوسط عبارة عن قبائل غير مستقرة ، ثائرة باستمرار على الدولة المركزية في بغداد، وأصول هذه القبائل بدوية قادمة من جزيرة العرب إما لطلب الماء والكلأ ، وإما هربا من عدو قوي أو دم و ثأر، أو فرارا من دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه بعد أن جرى القتال بينهم وبينه. عدم الاستقرار هذا أدى إلى انعدام الحضارة فيه ؛ فلا مدن رئيسية فيه ؛ فالسائر في تلك الأيام من مدينة بغداد إلى البصرة بمحاذاة نهر دجلة لا يلاحظ وجود أي مدينة هناك سوى واسط وهي مدينة انتهت في القرن التاسع للهجرة، أما إذا سرت مع الفرات فلا توجد سوى مدينتي الحلة والنجف (وهما مدن شيعية منذ القدم) ثم تأتي بعد ذلك مدن وقرى صغيرة إلى أن تصل للبصرة.
ولا تكاد ترى في كتب التراجم والتاريخ أي مؤلّف أو عالم أو أديب سُني ينتمي لتلك المناطق، فهي مناطق مهملة حضاريا وغير منتجة لأي جهد مبدع أو حتى جهد عادي، فلا تتوفر فيها مدارس للعلم و ليس فيها إلا القليل من المساجد، ولا زالت هذه المناطق إلى عهد قريب تعيش في جهل مبين، ومبادئ الدين وأصوله مغيبة عن معظمهم. هذه النقطة كانت مرتكز دعوة الشيعة في الجنوب وبعض الوسط.
والحقيقة إن التشيع لم يدخل للجنوب بعد تكوين الدولة الصفوية بل بقي الجنوب سنيا وفي القرن الحادي عشر وبعد استقرار التشيع في إيران وشعور علماء الشيعة في لبنان والبحرين والعراق (النجف والحلة) أن ثمّة دولة شيعية (الصفوية) تدعوهم لدعم التشيع، وذهاب عدد من العلماء للشاه الصفوي وتأليفهم كتباً عديدة له، يومها بدأ التخطيط لتشييع جنوب العراق لقلة العلماء السُنة بينهم وندرتهم باستخدام عدة وسائل منها:(55/43)
* مجالس التعزية الحسينية في شهري محرم وصفر؛ وهي عبارة عن قصائد حزينة تحكي مقتل الحسين رضي الله عنه وتحمّل أعداءه السُنة (على حد تعبير الشيعة) دمه إلى يوم القيامة، ويجري فيها البكاء واللطم، وقد كانت عشائر الجنوب تؤثر عليها النظرة المقدسة لآل البيت ومن ينتسب لهم، فقد كان للأحداث الدامية الأليمة التي مرت بمقتل الحسين بن علي رضي الله عنهما الأثر البالغ في انحياز العديد من القبائل العربية في العراق إلى آل بيت النبي الكريم والتعاطف معهم، بل والقتال وبذل الدماء لنصرتهم رضي الله عنهم هذا قديما وبقيت جذوره موجودة فيهم( ).
* المواكب الحسينية، وهي مسيرات يتم فيها ضرب الظهور واللطم وجرح الرؤوس بالطبر (آلة حادة مثل السكين، لكنها أكبر) وتستخدم فيها أصوات الطبول والبوق مع قصائد حزينة. هذان الأمران أحدثتهما الدولة الصفوية واستخدمتهما في العراق والهند لنشر التشيع، علما أن في بداية الأمر لم يكن العربي يقبل هذه الأفعال وإنما ينظر لها ويشاهدها دون أن يمارسها أما من يقوم بها فهم الفرس والهنود والأذريون القادمين للزيارة وإحياء ذكرى مقتل الحسين في عاشوراء، ومع مرور الزمن أصبح أهالي الجنوب والوسط من العشائر العربية هم من يفعل ذلك.
* زيارة المراقد المقدسة عند الشيعة وترتيب أجور على هذه الزيارة، وقد زخرف الصفويون مقامات وأضرحة الأئمة الشيعة بالذهب والزخارف كي تسلب لب هؤلاء الأعراب.
* استخدام الفرس زواج المتعة بجلب نساء من إيران لممارسة المتعة بين قبائل وعشائر العراق الجنوبية والوسطى العربية، التي تأبى هذا الفعل مع نسائهم العربيات لأنه عار، بينما يرتضيه شيخ العشيرة أو الوجيه مع نساء من غير العرب يهبن أنفسهن بدراهم معدودة أو مجانا؛ فهي دعارة حلال أو شرعية (كما يسميها بعض الشيعة).(55/44)
* انتقال مركز التشيع من إيران إلى العراق في كربلاء والنجف، فحين قضى الأفغان على الدولة الصفوية واستولوا على إيران وأرادوا إعادتها كما كانت دولة سنية سنة 1722م، هربت مئات العوائل الفارسية للعراق وممن هرب كبار علماء الفرس الشيعة وذلك خلال الفترة ما بين (1722-1763م).
* محاولات بعض حكام إيران تطبيق ونشر التشيع أثناء احتلاله بعض المناطق العراقية، فعندما احتل كريم خان زند الإيراني الشيعي مدينة البصرة سنة 1766م طبق الصلاة على الطريقة الشيعية ونشر خطب الجمعة، وسك عملات عليها أسماء الأئمة الأثني عشر، وزامن هذا ضعف العثمانيين وصعود دور المماليك في العراق سنة 1747م، والذي شهد فيه العراق فوضى عارمة استغلها الشيعة العجم مع الفرس ودخلوا العراق بشكل كبير .
* الأعمال الخيرية لدولة أوذه الشيعية في شمال الهند (1720 - 1856م) حيث حوَّل حكام أوذة ووزراؤها ووجهاؤها أكثر من مليون روبيّة للأغراض الخيرية والمشاريع الاقتصادية والوظائف الدينية، فساهمت كثيراً في دعم المجتهدين الفرس في النجف وكربلاء، الذين كانت لهم صلة بدولة أوذة، وابتداءً من تشرين أول سنة 1852م أصبحت تبرعات أوذة الخيرية تدفع عن طريق الوكيل السياسي البريطاني في العراق، الذي منحت له سلطة قانونية للإشراف على إنفاق المال، وكان يقوم باختيار المجتهدين الشيعة الذين يتولون التصرف والتقسيم لهذه الأموال ، منهم خمسة هنود، معادلة للهيمنة الإيرانية.
وبحلول عام 1908م أشيع أن القسم الأعظم في هذه الأموال يدفع للمجتهدين الإيرانيين ؛ لأن البريطانيين يفكرون بالاستيلاء على إيران ويحتاجون لمساعدة علماءهم لتسهيل هذا الاحتلال( ). حتى عبّرت الدولة العثمانية عن ذلك بقولها " الدفعات السرية للأماكن المقدسة من السلطات الهندية البريطانية"( ).(55/45)
* مجيء كم كبير من تجار الفرس الشيعة واستقرارهم في المدن المقدسة الشيعية ككربلاء والنجف وفي بغداد في محلة الكاظمية ومدينة سامراء .
* تطوير النظام العشائري الذي تحول من بداوة إلى استقرار في الريف، والذي أدى إلى تقليص سلطة الشيوخ (شيوخ القبائل) وظهور سلطات جديدة مثل:
* السراكيل الذين كان دورهم كمراقبي عمل وكانوا وسطاء بين مالك الأرض والفلاحين وكانت وظيفتهم بالدرجة الأولى تنحصر في إبقاء الأرض مزروعة ليتسنى تحصيل الفوائد للملاك.
* فئة أخرى يطلق عليها اسم السادة (جمع سيد)( ) ينتشرون في المناطق العشائرية، لهم منزلة دينية مرموقة كون أن نسبهم يرجع إلى أسرة النبي الكريم على حسب قولهم. وقد تعزز موقعهم عندما عملوا كأولياء، وكان بعضهم يدعي امتلاك قوى خارقة لعلاج الأمراض، وكان لدعائهم وزن معنوي عند سكان الأهوار، وقد حظي هؤلاء بقدسية عند رجال العشائر الذين كانوا يقسمون الأيمان بأسمائهم، وكانت منزلتهم العليا تتجلى في حقيقة إنّ دية السيد القتيل هي ضعف دية الشخص الاعتيادي.
وكان السادة يمنحون موافقتهم ومباركتهم في الأعراس والختان ومراسيم الجنازة ، وهم الوحيدون الذين يقرؤون ويكتبون حينذاك وكانوا بمثابة همزة وصل لأهل العشائر مع العالم الخارجي.
كما أعطيت للأشراف (السادة) في الجنوب (قبل التشيع) منزلة تعززت بسبب عقدة عشائر الجنوب تجاه قضية مقتل الحسين، هذا الأمر الذي بقي متأصلاً فيهم، ولا يقدم على الأشراف سواهم حيث كان الشريف يُفضّل في ترؤس الحلف المبرم بين القبائل المتعددة كما هو معروف في (حلف المنتفق أو المنتفج).(55/46)
* كما كانت هناك فئة ثالثة تدعى بـ (المؤامنة) أو (العالم) وهؤلاء ليسوا بالضرورة من آل البيت ولهم منزلة أدنى من السيد، تدخل في الهيكل التشكيلي للمجتمع العشائري، وكانوا يُرسلون عادة من قبل الحوزة العلمية في النجف، وهم من خريجي المعاهد الفقهية ومفوضون في تسوية أمور الزواج والطلاق والميراث، وكانوا يقيمون المراسيم الدينية ويقودون المواكب الحسينية ، و يعتقد أنهم من ادخلوا زواج المتعة إلى الجنوب العراقي ، وبذلك أتيحت الفرصة لشيوخ العشائر الاقتران بعدد من الزيجات ولو كانت مؤقتة.
* وقد هاجر العديد من أسر الأشراف السُنية من الحرمين وغيرها إلى بلاد الرافدين كأسرة أبي طبيخ التي هاجرت من الإحساء بحدود 1214 ه ، وأسرة السعدون من الحجاز قبل أربعة قرون، و(البو محمد) من الحجاز سنة 1213 ه ، والسادة العذارية - نسبة إلى زيد بن علي بن أبي طالب - من المدينة النبوية، وكذا آل زوين قبل عدة قرون، وكما سبق ذكره فإن التشيع أعطى هذه الفئة ميزات لا تعطى للسيد السني؛ وإذا ما نزل شريف من الأشراف أو السيد بما هو المصطلح عليه في العراق فله المكانة العالية وينظر له بقدسية كبيرة، وإذا كان متواضع الحال أو معدماً منحه شيخ القبيلة أرضاً خصبة، ويوثق تلك المنحة بصك شرعي كما فعل شيخ الخزاعل لأسرة آل أبي طبيخ بحدود عام 1214 ه .
وكذلك ما فعلته قبيلة (العنافجة) إحدى فروع قبيلة آل كثير مع السيد أحمد الجابري الذي هاجر من العمارة على أثر خلاف بينه وبين والده، حيث أنزلوه منزل إجلال وإكرام وأعطوه أرضاً مزروعة.(55/47)
لأن القبائل المتواجدة في وسط وجنوب العراق يعتبرون أن للسادة حقاً في أملاكهم الخاصة وكذا في وارداتهم السنوية فيقدمون ذلك مع الطاعة. يقول عبد الجبار فارس (شاهد عيان) : "ويندر أن نجد قرية خلت منهم أو عشيرة لا يحط معها بعضهم، وهم أينما حلوا كانوا من المقربين عند الشيوخ ولهذا صاروا يقطعونهم قسماً من أراضيهم ويخصصونها ملكاً لهم ... ".
بل نجد (التجمع القبلي) المكون من قبائل شتى يسمى أحياناً باسم الأسرة التي تنتمي إلى الرسول وحلت بينهم كـ (آل سيد نعمة)، حتى بلغ الأمر بأمير المحمرة ( من مقاطعة الأحواز - خوزستان - عربستان) خزعل بن جابر الكعبي العامري ( ت 1355ه / 1936م) قوله المشهور لما طلب منه أحد أفراد أسرة السيد هاشم النزاري أن يسمح له بقتله وذلك لتحريضه القبائل ضد خزعل: "لو أعطيت ملك الدنيا لما رضيت أن ألاقي ربي ويداي ملطخة بدم علوي".
وبناء على هذا التصور وهذه القدسية والهالة التي تحيط بأي أسرة علوية تنتسب إلى رسول الله. ونظراً لما يتمتع به السيد وسط القبيلة من مميزات ومكانة المذكور بعضها آنفاً، أكثر الادعاء بالسيادة، وقل من هو مقطوع بنسبه كما يقول العزاوي.
ولكثرة السادة وازدياد نفوذهم تنبه فريق من الناس لتلك الظاهرة وأخذوا يتساءلون عنهم مما اضطر مدعي السيادة أحياناً إلى تغيير محلات سكنهم لتفادي تدقيق رجال العشائر تدقيقاً شاملاً في موقعهم. وحاول رؤوساء بعض العشائر لتعزيز مكانتهم وهيمنتهم على عشائرهم وقبائلهم تزويج بناتهم لبعض السادة( ).(55/48)
* ولقد كان رد فعل القبائل والعشائر العربية وخاصة في منطقة الفرات الأوسط التي تتكون من (كربلاء، الحلة، الديوانية) - والنجف تعتبر أحد أقضية لواء كربلاء - على هجمات الوهابيين (أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب) لأكثر من مرة منها ودخولهم كربلاء عام 1801 م، أن حفز علماء الشيعة وعلماء النجف بالذات إلى تكثيف عملية تشيُّع قبائل العراق، وواكب ذلك سياسة العثمانيين الملحة في توطين العشائر التي بدأت في عام 1831م. فتواكب العاملان على بناء جيش من أبناء القبائل لحماية المدينتين من الخطر الوهابي القائم كما سموه( ).
وأخذ علماء الشيعة يعمقون قوة ربط أبناء القبائل بحب المدينتين (كربلاء والنجف) وتنظيم الزيارات المستمرة على مدار العام. إما أن يكون تاريخ ولادة النبي أو وفاة إمام أو زيارة أحد الأئمة وهذه أهمها:
(يزار قبر الحسين رضي الله عنه يوم عاشوراء، وفي العشرين من صفر، وفي غرة رجب ومنتصفه، وفي منتصف شعبان، وأول أيام عيد الفطر، ويوم عرفة، وأول أيام عيد الأضحى. كما يزار قبر الإمام علي رضي الله عنه في ذكرى المولد النبوي في الـ17 من ربيع الأول ، وفي الـ17 من رجب (ذكرى الإسراء والمعراج ) ، وفي الـ 18 من ذي الحجة )( ).
* فسّر بعض المحللين للمجتمع العراقي دوافع اعتناق بعض الأفراد للتشيع طوعاً هو تهربهم من تبعات قانون التجنيد العثماني الذي كان يعرف بـ (السفربر) الذي كان المجند حينذاك إذا شارك في حملة عسكرية نادراً جداً ما يعود إلى أهله، وتخلصاً من تداعياته لجأ عدد كبير من العراقيين إلى القنصليات الإيرانية واكتسبوا جنسيتها وتشيعوا هرباً من التجنيد العثماني.(55/49)
* يذكر الكاتب علاء الدين المدرس في كتابه "ثقافة الوسط" (ص370): أنه في منتصف القرن التاسع عشر اتفقت انكلترا وإيران (في عهد القاجاريين)على ضرورة وضع خطة محكمة لنشر التشيع بين العشائر العربية الجنوبية والخليج، وتتعهد الحكومة الإنكليزية بتسهيل مهمة الوافدين الإيرانيين والحصول على موافقة والي بغداد والباب العالي، ويتعهد الجانب الإيراني بالمقابل بإرسال رجال دين وأموال كافية لتنفيذ المهمة، وغرض الخطة هو زعزعة قبضة والي بغداد على جنوب العراق والخليج وتسهيل وتأمين طريق شركة الهند البريطانية من خلال السيطرة على الطريق البحري بين الشام وبغداد والبصرة والبحرين ورأس الخيمة ومسقط وموانئ إيران الجنوبية والهند. وهذا الأمر يؤكده ما يلي:
- إن سياسة الاستعمار البريطاني واعتماده على مبدأ (فرق تسد) جعل بريطانيا تعتمد في استعمارها للعراق على كم كبير من التقارير التي كتبها فريق من السواح منذ أكثر من خمسة قرون وكانوا يتلقون الدعم المادي وغيره من عدة مؤسسات منها: الجمعية الملكية الجغرافية ، شركة الهند الشرقية ، المتحف الوطني، مصلحة الاستخبارات العسكرية. ومن أشهر هذه الرحلات الخاصة بالعراق وأقدمها رحلة الهولندي د. ليونهارت راوسلف عام (1573م)، وجاكسون الذي زار العراق سنة 1767م وهو من موظفي ( شركة الهند الشرقية )، ورحلة كلوديوس جيمس ريج ( 1787 - 1820م ) وما دوّنه عن العشائر الكردية والعربية وعن اليزيدية يعتبر على جانب كبير من النفاسة( ) .(55/50)
ورحلة جيمس بيلي فريزر ( 1783- 1856م ) الذي كان كثير الاهتمام بوصف الحالة الاجتماعية ولاسيّما في ذكر عادات وطباع العشائر العربية والكردية التي مر بها( ). ورحلة الليدي دراور التي وصفت في رحلتها النجف والكوفة وكربلاء والكاظمَية وسامراء وبغداد والموصل والبصرة، والمرأة، والعشائر، واليهود، واليزيدية، والصابئة، والأهوار، والعادات والتقاليد( )، وتسيكر الذي زار منطقة الأهوار ودرس أحوالها الاجتماعية والاقتصادية( ). وقبائل بدو الفرات عام 1878م لـ (اللّيدي آن بلنت)( )، وهنري ليارد زار بدو دجلة والفرات عام 1841م وعاش بين الجبور فترة من الزمن( ). ومذكرات عن القبائل العربية البدوية للميجر ف.ل ايدي عام 1919م، ومذكرات عن عشائر وشيوخ عانه ومنطقة البو كمال ومذكرة عن مدينة عانه للكابتن سي. سي. مايللز عام 1919م، ومذكرات عن عشائر وشيوخ الشطرة للكابتن س. أس. أف. بركلي عام 1919م( ) ... حتى أن بعض المسؤولين المعتمدين كان يطلب من العارفين بأصول العرب وقبائلهم أن يكتب له ما يعرفه عنهم لدرجة أن كلوديس جيمز ريتش (ريك) المقيم البريطاني بالبصرة وفي بغداد عام 1808م ، كان داود باشا والي بغداد يعتقد بأنه متآمر مع الأكراد والإيرانيين( ).
وهكذا مع قلة الوازع الديني وقلة العلماء سرى التشيّع في الجنوب، وحصل هذا بالتحديد في القرن الحادي عشر والثاني عشر للهجرة، أي بعد سنة 1750م تقريبا، وأصبح التشيع سمة غالبة على الجنوب العراقي وجزءا من وسطه.
و من الملاحظ أنه بحلول القرن العشرين كانت العشائر المستقرة ما زالت منقسمة على أسس طائفية، فعشائر المنتفك قد تشيعت، بينما بقيت عشائر الشحيم والسعدون على أصلها السُني، أما عشائر الفراعنة والزوابع وتميم فقد تفرقت بين شيعية وسنية، أما عشائر الجبور في حوض الفرات فقد تشيعت، بينما عشائر جبور دجلة احتفظت بمذهبها السني وهكذا..(55/51)
والسؤال المهم كيف أثر التشيع على عرب الجنوب فيما يتعلق بمحبتهم للعراق وروحهم الوطنية؟
وجوابه: إن قيادة عرب الجنوب – مع الأسف – هي بيد علماء الدين الشيعة، وهؤلاء أصبحت السيطرة عليهم سهلة من قبل المستعمر فإنّ الإنكليز و بناء على تلك المعلومات والتقارير والرحلات السابقة استطاعوا معرفة أغلب ما يتعلق بالقبائل وشيوخهم وتفرعاتهم ومدى ولائهم للدولة العثمانية وتسلحهم بل وحتى نوع السلاح ومصدره، وتمكن الإنكليز شيئاً فشيئاً باستخدام الترغيب بالأموال والأراضي والمناصب الإدارية، والترهيب بالحرمان والسجن والإبعاد عن البلد.
وفي نهاية المطاف تم لهم السيطرة على البلاد والتمكن في نهاية سنة 1917م، من تأسيس قوات عسكرية قوامها أفراد العشائر سموها ( شَبَانة ).
وتذكر (المس بيل) في مذكراتها سنة 1919م أن ما يقرب من ( 400 شيخ ورئيس ) من العشائر الفراتية في الحلة والهندية والناصرية والديوانية قد نظموا عرائض ومضابط يطلبون فيها استمرار الإدارة البريطانية المحتلة( ). وهكذا انخرط الكثير من رؤساء القبائل والعشائر ذات الأصول الرفيعة في خدمة المستعمر .
كذلك تمكنوا من الهيمنة على كثير من شيوخ النجف وكربلاء ووجهائهم ، فقد تمكن السيد هادي الرُّفيعي - وهو سادن الروضة العَلَوية - من تنظيم مذكرة تحمل تواقيع 21 شخصية من وجهاء المدينة وتجارها يطلبون الحكم البريطاني المباشر( ).(55/52)
ومع هؤلاء ستة من المجتهدين في النجف كانوا على استعداد لتأييد إدارة بريطانيا حتى يتمكن أهل البلد من الحكم بأنفسهم، وإذا ما بحثنا عن هؤلاء نجدهم ثلاثة هنود كانوا رعايا بريطانيين: السيد (هاشم) الهندي النجفي، (محمود) الهندي النجفي، ومحمد مهدي الكشميري، ومجتهد واحد من أصل فارسي هو جعفر بحر العلوم، وحسن بن صاحب الجواهري (يحمل الجنسية الإيرانية)، وعلي بن محمد رضا كاشف الغطاء، وكان على صلة وثيقة بكاظم اليزدي الإيراني أكبر المجتهدين علماً وصاحب النفوذ الكبير بين العشائر العربية الشيعية( ).
لذلك فإن الوجود الشيعي العربي في العراق أصبح مرتبطاً بسبب ولاء القبيلة لرجال الدين إما بإيران أو بأي مستعمر دخيل، حصل هذا سابقا ويحصل اليوم بتعاونهم مرة مع الأمريكان ومرة مع إيران، وأصبح التشيع خطرا على البلاد والعباد، وضعف الولاء للقبيلة والوطن والعروبة وثمة نظرية لابد أن يدركها أهل الجنوب بوعي تام وهي:
* كلما ضعف التدين الشيعي في الجنوب قوي ولاء القبيلة والعشيرة للوطن والعروبة.
* وكلما قوي التدين الشيعي في الجنوب ضعف ولاء العشيرة للوطن؛ لأن بوصلة التشيع تحولت منذ نشأة الدولة الصفوية إلى إيران ، وإيران تعمل لخدمة بلدها في تقوية آصرة الشيعة بهم باستخدام المرجعية ، أي تستخدم المذهب في خدمة إيران.
ومهما حاول بعض المخلصين من أبناء الجنوب التمرد على سلطان علماء الدين لم يفلحوا لأن التشيع قام على تقديس رجل الدين الشيعي المستخدم من قبل إيران.
وفتوى العالم عند الشيعة مقدسة حتى يقول المثل العراقي الشهير (ذبها براس عالم واطلع منها سالم ) ومعنى (ذبها ) أي إرميها أو علقها .(55/53)
وأي مستعمر يغزو البلاد ينتظر الشيعة في الجنوب فتوى العالم، وهذا بدوره مرتبط بالحوزة في إيران- إلا ما ندر- لذا فإن شيعة العراق لن يستقلوا بقرارهم، ومهما حاول البعض تفسير غير ذلك سيتعب ؛ لأن قرار الفرد في الجنوب صودر لحساب رجل الدين الشيعي. وحتى لو أفتى العالم بالقتال والجهاد فهو قرار لمصلحة إيران.
بينما لا تجد هذا عند السُنة ، فهم أحرار في قراراتهم حتى لو أفتى عالم لهم بغير ما أرادوا، فالسُنة وحدهم هم من يحمي العراق ووحدته وأصالته وهويته، وهم أصلح لكل العراق من غيرهم ، وأصلح حتى للشيعة في بقاء أرض العراق مستقرة وقراره مستقل.
انتهى الجزء الأول ويليه الجزء الثاني بإذن الله ...
?
فرقة البوهرة: شناعة التاريخ وفساد العقيدة
محمد العواودة
لا يعسر على الدارس للفرق والطوائف الإسلامية أن يعرف أن من أكثر النماذج الطائفية التي شكلت أكبر الخطر في التاريخ الإسلامي على المؤسسة الدينية الإسلامية؛ عقيدة، وممارسة، ومجتمعا، وسياسة، ودولة، هي فرقة "الشيعة الإسماعيلية"، المنسوبة إلى إسماعيل بن جعفر الصادق.
وتكمن خطورة هذه الفرقة؛ في تطرفها الديني والعقدي وزوغانها عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وممارستها الفساد ضمن نظام معرفي مزدوج باطن / وظاهر، فالباطن هو حقيقة العقيدة والرؤية والفعل والنظام، أما الظاهر فهو على المستوى المعرفي إسقاط ما في الباطن على ظاهر النص الديني وليّ عنقه ليخدم العقيدة والرؤية والفعل والنظام، أما على مستوى الممارسة العملية فان جميع المضامين الباطنة تخضع للظرف والواقع المحيط، فإن تجلى الظاهر للباطن ظهرت، وإلا كان الظاهر تقية تمارس مع الخصم الديني حتى يتجلى الظاهر للباطن.(55/54)
والتقية - بفتح التاء وكسر القاف - بشكل عام هي: ضرب من ضروب المراوغة والكذب يلجأ إليها الممارس لهذا النمط العقدي لحماية دعوته أو حماية نفسه عندما لا يخدمه الظرف والواقع، وقد ازدهر هذا المبدأ في العقيدة الباطنية عامة عندما طارد الخلفاء العباسيون والسلاجقة والأيوبيون أئمة الدجل والنفاق منهم في مراحل تاريخية مختلفة تحت أسماء وألقاب مختلفة انتزعوها من جوانيهم أو استدعاهم بها غيرهم في إطار التنافس بين الشيعة أنفسهم أو مع غيرهم كـ" الإسماعيلية والتعليمية والفاطمية والعبيدية والطيبية والقرامطة...الخ مثلت كلها عقيدة واحدة وان اختلفت المسميات .
وفرقة البوهرة، التي نحن بصدد التقديم لها في كتاب هذا الشهر، هي: فرقة لها امتداد أصولي وعقدي ومعرفي لفرقة الإسماعيلية متقدمة الذكر، وتمتاز هذه الفرقة عن غيرها من الأصول الإسماعيلية البائدة؛ أن لها امتدادا حيا في واقعنا المعاصر في بعض الدول العربية والإسلامية، ما يعني أنه يجب التنويه إليها واخذ الحذر منها، وخاصة أن ثمة من لا يزال يظن بها الخير كفرقة إسلامية في بلاد شركية، أو لأن بعضا من البوهرة رجع إلى السنة مع بقاء نسبته إليها.
ولهذا جاء كتاب "البوهرة: تاريخها وعقائدها" للدكتور رحمة الله قمر الهدى الأثري، في ثلاثماية وأربعين صفحة من القطع المتوسط ( دار عمار – عمان 2006 ) ليعرّف حقائقها، ويفند مزاعمها، ويؤصل مبادئها. وهذا الكتاب هو في الأصل أطروحة علمية من الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية.
فالبوهرة هي: فرقة من فرق الشيعة الإسماعيلية الطيبية القائلة بإمامة احمد المستعلي دون أخيه نزار، وذلك بعد انقسام الدولة الفاطمية الإسماعيلية بين المستعلية والنزارية.(55/55)
وقد تحيز أهل اليمن – الدولة الصليحية التابعة للدولة الفاطمية - للمستعلي وادعوا لجوء ولده "الطيب" لليمن، وهناك نزاع حول حقيقة وجود عقب للآمر، وحين ضعفت الدولة الصليحية انتقل دعاتها إلى الهند سنة 946 هـ ، وإن كانت الدعوة قد وصلت قبل ذلك وأصبحت تعرف بالبوهرة.
والبوهرة تعني في اللغة الهندية "التاجر" لأنه غلب عليهم مهنة التجارة واستطاعوا أن ينشروا مذهبهم عن طريقها مثل سلفهم الاسماعليين، أما عن أصلهم فهم من قبيلة "قضاعة" جاءوا مهاجرين من المدينة كما في "القاموس المحيط " للفيروز أبادي، وقيل من المدينة والطائف في بعض المراجع الأخرى، والبوهرة هم خليط من الهنود والباكستانيين والأفغان والعرب، وفر لهم الحكم الإسماعيلي النزاري على السند في أواخر القرن الرابع مرتعا خصبا، ولما فتحها القائد محمد الغزنوي (421هـ) ارتحلوا إلى غجرات ( جنوب الهند) واستوطنوها، وتاريخهم بالجملة تاريخ له ارتباط وثيق مع تاريخ البريطانيين بجميع تشكيلاتهم الطائفية.
عقيدة البوهرة:
تبني عقيدة البوهرة الإسلام على سبع دعائم هي: الولاية وهي أفضلها، والطهارة، والصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، والجهاد، ومن أئمتهم من يسقط الطهارة ويجعلها ست دعائم، أما الإيمان فهو يندرج تحت عنوان كتاب الولاية، بمعنى أنهم يعتبرون الإيمان من الولاية، وقد عرفوا الولاية أنها:
اعتقاد بوصاية علي وإمامة الأئمة المنصوص عليهم من ذرية علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء رضي الله عنهما الذين يجب طاعتهم كما الوحي، ومن أهم شروط الولاية معرفة الإمام، وقد جاءوا بأحديث كثيرة منسوبة إلى جعفر الصادق تدلل على هذه المعرفة مثل قوله: "من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية".(55/56)
ومن الأصول التي اتفق عليها جميع طوائف الشيعة ومنها الإسماعيلية؛ القول بضرورة وجود إمام معصوم منصوص عليه من ذرية علي وفاطمة، ولا يكون الإمام إماما إلا من نص نبي أو وصي أو إمام، ولذا سموا بـ "أهل النص والتوفيق ".
وخلاصة رواياتهم عن الأئمة؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن إلا إماما مستودعا، وكان علي هو الإمام المستقر وصاحب الحق للمراتب الأربع - التفاضلية - المذكورة في كتبهم، والإمام المستودع عندهم هو الإمام الذي تودع لديه الإمامة مؤقتا لسبب من الأسباب وفي ظروف استثنائية ثم ترد هذه الأمانة إلى وارثها الحقيقي في وقت مناسب.
والشيعة عامة يعتبرون أن الإمام معصوم من جميع الرذائل والفواحش ما ظهر منها وما بطن من سن الطفولة إلى الموت، وقالوا لن تكون الغيبة الكاملة في أمر الله حيث لا يكون زمان يغيب فيه الإمام عن الدنيا ولا تكون سيطرته عليها؛ فلن يغيب هو بل يختفي عن أعين الناس ويكون موصولا بخواصه وهم يعرفونه ويعرفونه، فأول الهداة بعد النبي صلى الله عيه وسلم علي بن أبي طالب ثم الأوصياء من بعده، مستدلين على ذلك بقوله تعالى: {.. وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ..} [آل عمران:7].
ومن عقائدهم في الأنبياء والأئمة، أن الأنبياء كلهم حدهم التنزيل، فشرائعهم مشتبهة وفيها اختلاف، وصدرت منهم الذنوب، وطلبوا مراتب لا يستحقونها، وكانوا غير معصومين، ومن بينهم رسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، ولأجل ذلك يخاطبه الله تعالى: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح:1]. ولكن الأوصياء والأئمة من ذريته حدهم التأويل الذي لا اختلاف فيه ويستدلون على ذلك بقوله تعالى: {مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ} [الملك:3]. لأنهم لم يطلبوا مراتب لا يستحقونها، فهؤلاء ملائكة ومعصومون وأفضل من الأنبياء أربع درجات.(55/57)
ووصفوا أئمتهم بمعرفة علم الغيب، كما ينقل المؤلف عن جعفر بن منصور اليمن احد معلميهم الغابرين في الإسماعيلية كقوله "أولياء الله يعلمون أفعال العباد ويطلعون على سرائرهم" (أسرار النطقاء) بل ويدعون أن الوحي ينزل على الإمام كما في كتبهم السرية، ويوجبون تقديسه وتعظيمه، كما يجب على كل من هو من عبيد الإمام أن يقدم للإمام الصلات والنذائر مرة واحدة على الأقل في كل سنة.
وقالوا أن تعظيم الإمام تعظيم لله، والأولياء يقبّلون الأرض بين يدي الإمام، ويستدلون على ذلك بفعل سلمان الفارسي - برأه الله منهم - انه رضي الله عنه سجد يوما لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى عليه السلام في جبينه نور الإمامة".
أما التناسخ والحلول فهو من صلب عقيدة البوهرة، حيث يرون أن روح الميت تنتقل إلى حيوان أو غيره أعلى أو أدنى منزلة؛ لتنعم أو تعذب جزاء على سلوك صاحبها الذي مات، وهي عقيدة معناها إنكار البعث والحساب، ولهم تأويلات في إثباتها تحريفا للآيات والأحاديث، وهذا ظاهر في كتبهم السرية، وقد المح إليها أبو حامد الغزالي في كتابه "فضائح الباطنية" بوضوح.
ومن فساد عقيدتهم، عملهم بمبدأ الظاهر والباطن، ويروي المؤلف بعضا من جزئيات هذا النظام، منها أقوالا وأحاديث ينسبونها لأئمتهم، وقد ركزوا عقيدتهم على هذا المبدأ "العمل بالظاهر والعلم بالباطن" فالظاهر الذي يتصل بالفرائض والواجبات التي جاءت بها الشريعة، والأخرى هي العبادة العملية وهي: علم التأويل والحقيقة.(55/58)
والبوهرة وان كانوا يقولون بالظاهر والباطن معا؛ فإن ما يلفت النظر؛ أنهم يؤكدون على الباطن اشد تأكيد في كتبهم، أما الظاهر فهو عندهم مثل الرؤيا في تعبيره، وفي الظاهر تناقض واختلاف، ويقولون أن الظاهر علم كثيف وتقليد محض من غير دليل، وأهل الظاهر أهل كفر بل أهل شرك، والإشراك عندهم هو: الإشراك في الولاية، وقد جعلوا التأويل دعامة علم الباطن وينسبون ذلك إلى رواية موضوعة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "للقرآن باطن وللباطن باطن إلى سبعة أبطن".
ومن هذه التأويلات الفاسدة، قولهم بالمثل والممثولة، وهو ما يسبغون تحت ستاره على أئمتهم كل صفات التقديس والألوهية، واستنادا إلى هذه النظرية؛ ابتدعوا نظام الحدود الروحانية والجسمانية، فقالوا أن الإمام مثل، والسابق ممثولة، والحجة مثل والتالي ممثولة...الخ، وكل صفات العقل الكلي أو العقل الأول صبغت على الإمام، لان العقل الكلي في العالم العلوي يقابله إمام في العالم الجسماني، فكل صفة في العقل الكلي تكون في الإمام، ومعنى ذلك أن الأمام هو صاحب الصفات الإلهية والأسماء الحسنى إلى آخر صفات الالهية.
أما مبدأ التقية فانه يعني في اصطلاحاتهم " ترك فرائض الدين في حالة الإكراه أو التهديد أو الإيذاء، وهي إحدى مباديء عقائد الشيعة الرئيسية على اختلاف طوائفهم، ويروون عن أئمتهم أحاديث كثيرة في الكتمان والتقية منها: "التقية ديني ودين آبائي وأجدادي، من لا تقية له لا دين له".
ويرى المؤلف، أن السبب في إيجاب التقية ظاهراً هو: تبرير أقوال أئمتهم المتضاربة في مسألة واحدة في أوقات شتى، وجواب الإمام عندهم جواب ملهم من عند الله لا يتصور فيه أي خطأ، ولأنه معصوم من ذلك، أما مسألة التعطيل فإنهم يتساوقون تماما مع أصولهم الاسماعيلية الكبار الذين اظهروا اعتقادهم في التأويل الباطني وطرحوا عن أنفسهم تكاليف الشريعة ودعوا الناس إلى ذلك جهارا، وقد جاء ذلك في كتبهم إجمالًا وتفصيلاً.(55/59)
أما ما أسموه بالشرائع العقلية مثل عقد النكاح والطلاق والمواريث والأملاك ودفن الموتى وتغسيلهم..الخ شرائع لم ترفع عن الإمام وخلاصة مذهبهم ؛ أن الإيمان برسالة الإمام محمد بن إسماعيل هو الركن الأساسي لدينهم، وتعطيل الشريعة ونسخها مستلزم لاعتقادهم بالرسول السابع والناطق السابع، وكما هو معلوم فلا وجود للإسماعيلية إلا ومعها التعطيل.
البوهرة اليوم:
ليس من إحصائية تشير إلى أعداد البواهر بدقة، وإنما هي تقديرات متضاربة، وقد أشار بعض المؤرخين إلى أن أعدادهم في الهند بلغت مليوني شخص؛ إلا أن هذا العدد - بحسب المؤلف - قد تقلص كثيرا بعد دخول الكثيرين منهم في أهل السنة والجماعة أو الإمامية الاثني عشرية.
ويدل على ذلك تصريحات أحد قادتهم أنهم حوالي (300000) ألف نسمة " ويقيم عدد منهم يقدر بـ (250000) ألفا باليمن وفي جزر فيجي.
ويقول المؤلف أن عددهم الآن لا يتجاوز نصف مليون نسمة على أية حال، وهم منتشرون في جميع ولايات الهند، نصفهم يسكن في غجرات، أما خارج الهند فغالبيتهم يسكنون مدينة كراتشي بباكستان وعددهم حوالي " 25000" والبقية منتشرون في شتى بقاع العالم.
وجل البواهر يشتغلون اليوم بالتجارة كما كانوا في السابق، ولا يوجد فيهم نسبة مثقفين أكثر من غيرهم، ولهم عدة معاهد وجامعة هي " الأكاديمية العربية " بمدينة سورت، ولهم نحو 300 مدرسة و350 مسجدا، أسس جله في سنة 1915 في عهد داعيتهم ظاهر سيف الدين، كما أن معظم البوهرة في غجرات يتكلمون الغجراتية، أما في بقية مقاطعات الهند فباللغة الهندية، ولهم طقوس وعادات متأثرة بالهندوس، ويعملون بالتقويم الفاطمي الذي اعتمد على الحسابات الفلكية وليس الهلال المعتبر عند باقي المسلمين، وتكون عندهم العشر الأوائل من شهر محرم أيام حزن وعزاء على شهادة الحسين وتقام مجالس العزاء في كل يوم منها.(55/60)
وفي الختام عرج المؤلف على جهود الداعي الحالي محمد برهان الدين وأبيه طاهر سيف الدين في محاولة إحياء آثار الدولة الفاطمية و تولي رعايتها في مصر.
شهادة زنديق!!
قالوا: لم ينفرد الشيعية برأي لم يوافقهم عليه أحد علماء السنة, بدءً من الأئمة المعصومين 12 وعصمتهم والمهدي المنتظر.. محي الدين بن عربي يوافق, وحتى المهدي المنتظر المهدي، المنتظر محمد بن الحسن بن علي، باسمه ونصه محي الدين بن عربي يقول أنا التقيت به مرتين مرة في تونس ومرة في المغرب، وذاكره في الفتوحات.
إياد جمال - برنامج اضاءات
العربية نت 16/12/2007
قلنا: متى كان ابن عربي الزنديق حجة على أهل السنة!!
تقية بقرار حكومي!!
قالوا : أجهزة الشرطة الإيرانية قررت في تنظيم مراسم إحياء عاشوراء والتي يقوم الإيرانيون بإحيائها سنوياً، منع أي محاولة لعرض صور وهمية للائمة الاثنا عشر وكذلك منع استعمال التماثيل وهي مسائل ترى من خلالها الحكومة محاولة لتخريب القيم الإسلامية التي يجب أخذها من هذه المناسبة. التعليمات الجديدة أوصت باستخدام صور الحرمين الشريفين وصور الأشخاص الذين قتلوا في سبيل حماية الثورة الإسلامية كبديل لصور الأئمة والتماثيل الأخرى.
محجوب الزواوي
الغد 3/1/2008
قلنا: اعتراف صريح أن الممارسات في طقوس عاشوراء الشيعية تخرب القيم الإسلامية.
هيكل وسيده الجديد!!
قالوا: دعا الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الكاتب والصحفي الكبير محمد حسنين هيكل إلي الكتابة عن مشاركته في قمة مجلس التعاون الخليجي في الدوحة ، وطالب في مؤتمر صحفي عقده هيكل بتحليل تداعيات زيارته إلي الدوحة كأول رئيس إيراني يشارك في قمة مجلس التعاون منذ إنشاء هذا المجلس عام 1981 .
الأهرام العربي 8/12/2007
قلنا: بالتأكيد إن أسباب ثقة نجاد بهيكل هي قدرته المجربة على تضليل الجماهير!!
لمن؟(55/61)
قالوا: طالب بإنقاذ ضريحي الإمامين الحسين وأخيه العباس من الأيادي الإيرانية التي تفرض سيطرتها وسطوتها عليهما. وقال إن أسلحة مختلفة وصلت مؤخراً من إيران إلى مدينة كربلاء وتم تخزينها في الدور والبنايات وفي أماكن مجاورة للضريحين.و أن هناك معلومات موثقة تؤكد أن بعض هذه الأسلحة والذخيرة موجودة حالياً في غرف خاصة داخل الضريحين الشريفين.
أحمد الحسيني رئيس لجنة الأوقاف والسياحة الدينية في كربلاء
العربية نت 22/12/2007
قلنا: هذه هي الحقيقة الصراع على النفوذ ومال الخمس بين الفصائل الشيعية.
شرهم وصل مصر!!
قالوا: أمرت نيابة أمن الدولة العليا بمصر الأربعاء 12-12-2007، بحبس 8 من أعضاء تنظيم ديني جديد، اعتنقوا فكراً "يبيح الصلاة بغير وضوء، والتبرك بالمقابر، وتكفير بعض الأئمة". وأشارت مصادر قضائية مصرية إلى مواصلة التحقيق مع 14 شخصاً آخراً، ينتمون للتنظيم الذي يبلغ عدد أتباعه 22، بينهم 3 لبنانيين، وقزاخستانياً. وأضافت المصادر إلى أن التحقيق يجري مع أعضاء التنظيم، الذي يسمى تنظيم "الأحباش"، في ما نسب إليهم من الانضمام إلى جماعة غير مشروعة، وازدراء الأديان وحيازة مطبوعات تحمل أفكارهم. وقال المصدر القضائي أن أعضاء ما يسمى بتنظيم الأحباش حاولوا نشر أفكارهم في جامعة الأزهر واستقطبوا بعض الشباب بها.
العربية نت 22/12/2007م
قلنا: هل يتم القضاء عليهم قبل استفحال أمرهم وشرهم في مصر؟
قمة الدبلوماسية!!
قالوا: الدبلوماسيون الإيرانيون يزورون السجن المركزي والسجن العمومي من غير تنسيق مع وزارة الخارجية.
مسؤول في وزارة الداخلية
الوطن الكويتية 11/12/2007
قلنا: هذا وهم يقيمون العلاقات الأخوية مع دول الجوار الخليجي فكيف لو كانت العلاقة حرب وعداء !!
التفاوض مع إيران .. وسيناريو "الدمية المحشوة"
توماس فريدمان – الاتحاد الإماراتية
(13/12/2007)(55/62)
بحكم نشأتي في ولاية منيسوتا، كانت إحدى هواياتي المفضلة، الذهاب إلى المعرض الصيفي للولاية كل عام لمشاهدة ذلك الشخص الذي يخمّن وزن كل من يقف أمامه في حدود خمسة أرطال فحسب. أما في حال تمكن أحدنا من خداعه، فسيكون من الفائزين بإحدى الدُمى الحيوانية المحشوة التي كان يهدينا إياها. وبإحالة ذكريات الطفولة المبكرة هذه إلى منطقة الخليج العربي، حيث طورت الدول الصغيرة قدرتها على حماية نفسها من "الحيتان" المفترسة، فإن من رأيي أنها اكتسبت المهارات نفسها التي رأيتها عند ذلك الرجل في ولاية منيسوتا.
فما أن تنظر إحدى هذه الدول إلى أحدهم، حتى تتمكن من تخمين وزنه في حدود لا تتجاوز الخمسة أرطال. أما في الوقت الحالي، فإن كافة الدول الخليجية تحاول تخمين وزن الولايات المتحدة الأميركية باعتبارها حامية لها، ومن ثم تتساءل عن الوزن الحقيقي للعم سام في ظروف الأزمة الإيرانية الماثلة، وما إذا كان وزنه كافياً للجم إيران؟
وقد حضرت مؤتمراً أمنياً عقد خلال الآونة الأخيرة في مملكة البحرين بحضور مسؤولي دفاع ومحللين من شتى أنحاء العالم. وكان محور النقاش الرئيسي فيه، تقديرات الاستخبارات القومية الأميركية الأخيرة بشأن البرنامج النووي الإيراني. وبين كافة الخبراء العرب والأوروبيين الذين إلتقيتهم وتحدثت إليهم، عمّت الدهشة والذهول إزاء هذا التقرير الإستخباراتي المذكور، ليس بسبب النتائج التي توصل إليها فحسب، وإنما كذلك الطريقة التي وضع بها، بحيث يضمن خفض وزن أميركا كطرف مفاوض لطهران.(55/63)
ولدى العرب شعور بأن الجار الإيراني قد انغمس في تجارة المخدرات على امتداد الثمانية عشر عاماً الماضية. وفي الآونة الأخيرة تلاحظ نشاط طهران العلني في زراعة الخشخاش الذي يستخلص منه الهيروين، فيما يعد انتهاكاً صارخاً للقانون في بيت الجوار القريب. وإلى جانب النشاط الزراعي هذا، فقد حسّنت طهران نوعية الشاحنات المستخدمة في نقل هذه المنتجات وتسليمها للعملاء.
غير أن الذي حدث في العام الماضي، ونتيجة لتشديد دوريات الرقابة الشرطية، وتهديد دول الجوار وعزمها على اتخاذ خطوة ما لوقف هذا النوع من النشاط التجاري غير المشروع، فقد أرغم التاجر الإيراني المشبوه، على إغلاق المعامل الخاصة بمعالجة الهيروين في قبو بنايته. وما أن أقدم على تلك الخطوة حتى أعلنت قوات الشرطة عن إبراء ذمته من تلك التجارة المحظورة!
بيد أن لسان حال الدول العربية لا يزال يقول: "قفوا برهة.. إن هذا التاجر لم يكف بعد عن زراعة الخشخاش، الذي واصل استغلاله في صنع الهيروين حتى عام 2003. وها هو اليوم يدّعي أنه حوّل نشاطه إلى التجارة في الزهور. ولكن إياكم أن تصدقوه، لأنه لا يزال يروج للمخدرات، ولذلك فهو يوسع أسطول شاحناته حتى يتمكن من نقل وتسليم بضاعته هذه للعملاء. فكيف لكم أن تبرئوا ذمته من تجارة المخدرات؟ وعن هذا السؤال ترد قوات الشرطة بالقول: عفواً... فإن لنا تعريفاً فنياً وقانونياً دقيقاً جداً لمفهوم "الترويج للمخدرات" وهو لا ينطبق على "جاركم" الذي تتحدثون عنه بأي حال.
وإذا ما استبدلنا عبارة "الخشخاش" بعبارة "تخصيب اليورانيوم" فإن هذا هو عين الذي حدث بين الولايات المتحدة الأميركية وطهران. واليوم تحاول إدارة بوش أن تقول للكل: ولكن لتتخذوا الحيطة والحذر، لأن إيران لا تزال دولة خطيرة، ولا بد للدول من أن تحافظ على تحالفها، حتى تتمكن من إرغام إيران على وقف أنشطتها الخاصة بتخصيب اليورانيوم.(55/64)
ولكن ماذا يفيد هذا التحذير الآن، بعد أن فقدت واشنطن وزنها بسبب تقريرها الاستخباراتي الأخير، في ظروف يتطلع فيها الجميع إلى تطبيع علاقاته التجارية مع طهران، ناهيك عن تشديد العقوبات عليها؟ وخسارة الوزن الأميركي هذه هي ما تشعر به الآن دول المنطقة، وتثير قلقها أكثر من أي شيء آخر.
وعلى حد قول "جاري سيمور"، مدير الدراسات بمجلس العلاقات الخارجية الأميركي، والخبير السابق في مجال الانتشار النووي في ظل إدارة كلينتون: فقد أعطى التقرير الاستخباراتي القومي الأخير انطباعاً خاطئاً ومضللاً عن زوال الخطر الإيراني، بتأكيده وقف إيران لأنشطتها النووية العسكرية منذ عام 2003. غير أن ذلك الخطر لم يزُل فعلياً كما يقول "سيمور"، طالما أن إيران لا تزال تواصل أنشطتها الخاصة بتخصيب اليورانيوم، في انتهاك صريح منها لحظر الأمم المتحدة للانتشار النووي، وهو الحظر الذي وافقت عليه طهران. "وإلى جانب ذلك النشاط، تواصل طهران أيضاً اختباراتها للصواريخ بعيدة المدى، التي تستخدم لاحقاً لأغراض عسكرية نووية.
صحيح أن إيران تصر على تبرير أنشطة التخصيب هذه – التي لا تزال دون مستوى تطوير السلاح النووي- بحاجتها إلى توفير الوقود اللازم للمفاعلات التي تصنع منهاً طاقتها الكهربائية السلمية. ولكن الملاحظ أنه ليست لإيران أي مفاعلات من هذا النوع أصلاً. ولكي تتمكن طهران من الوصول بمستوى تخصيب اليورانيوم إلى مرحلة صنع السلاح النووي، فإن كل الذي تحتاجه هو الاستمرار في إدارة اليورانيوم المخصب هذا، بواسطة أجهزة الطرد المركزي. وهذا هو الجانب الأكثر صعوبة في صنع السلاح النووي، وهذا ما لا تزال طهران تواصل العمل فيه".(55/65)
ولكن المشكلة الآن –والحديث لا يزال لـ"سيمور"- هي أن قدرتنا على حشد تحالف دولي قوي ضد هذا الخطر النووي الإيراني قد ضعفت كثيراً. وفي تأكيد التقرير الاستخباراتي القومي الأخير وقف إيران لأنشطتها النووية العسكرية، ما وفر مبرراً كافياً لكل من الصين وروسيا لإضعاف العقوبات المفروضة سلفاً على إيران.
لكن ومع ذلك، فإن الخيار الأمثل هو التوصل إلى تسوية سلمية تفاوضية مع إيران بشأن أنشطة تخصيبها لليورانيوم. لكن وفي حال التفاوض معها، دون أن يستند ظهر الولايات المتحدة إلى تحالف دولي قوي ومستعد لتشديد العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، فإن الشيء الوحيد الذي ستخرج به الولايات المتحدة من هذا التفاوض، هو دمية حيوانية محشوة، مثل تلك التي كنا نحصل عليها أيام طفولتنا الباكرة.
العرب والعلاقات الإيرانية- السورية
رضوان السيد – الاتحاد الإماراتية
(25/11/2007)
مع اشتداد الأزمة اللبنانية بشأن انتخابات الرئاسة وتصاعدها، عادت إلى العلن الأحاديث والتحليلات حول طبيعة العلاقات الإيرانية -السورية والإيرانية -العربية. ولو تأملنا العلاقات السورية- العربية قبل عقدين من السنين لوجدنا أنه كانت للنظام السوري قضايا واهتمامات في لبنان، ومع منظمة التحرير الفلسطينية، ومع نظام الرئيس صدام حسين بالعراق.
وفي مطالع التسعينيات انجلى المشهد عن مشاركة "إيرانية" للسوريين في هذه الملفات الثلاثة. ويذهب المراقبون الآن إلى أنّ هذه المشتركات ما تزال سائدة، لكنّ "مرجعية" العلاقة تغيرت، بمعنى أن سوريا صارت هي الطرف المستجيب، وإيران هي الطرف القائد. ففي السابق كان لدى سوريا "تكليف" أو اعتراف من الولايات المتحدة بالتصرف في لبنان، والتصرف إلى حدٍ ما لإضعاف عرفات وضبطه، وكذلك الأمر مع صدام حسين.(55/66)
أما في السنوات الأخيرة فقد استجدت عدةُ ظروفٍ غيرت من طبيعة العلاقة جوهرياً، وإن لم تُغير المشتركات. فقد غزا الأميركيون العراق في ربيع عام 2003، وأدخلوا إليه معهم المعارضات الشيعية التي كانت تتمركز بإيران. وبذلك صار الإيرانيون يشاركون في حكم العراق، وفي تشكيل مستقبله، بعد أن حُرموا من ذلك طوال نصف القرن الماضي، باستثناء الضغط أحياناً من خلال دعم التمردات الكردية. وعارض السوريون الغزو الأميركي للعراق، ودعموا المقاومتين الإسلامية والقومية.
وبدا لأول وهلة أنهم لا يوافقون على الفيدرالية بالعراق أو تقسيمه بخلاف ما تهدف إليه إيران. بيد أن الضغوط الأميركية والإيرانية (وبشكل منفصل أو منسق) أخمدت المعارضة السورية للغزو، وفتحت الباب لحديث أميركي -سوري اتصل وانقطع مراراً وتكراراً تارة بسبب العراق وطوراً بسبب لبنان، مع استمرار "التعاون" في "مكافحة الإرهاب". وفي عام 2005 خرج الجيش السوري من لبنان إثر صدور القرار رقم 1559 واغتيال رفيق الحريري.
ولأنّ "حزب الله" المشكَّل والمسلَّح والمدعوم من إيران والموالي لها صار طرفاً رئيسياً مباشراً في قلب النظام وفي مواجهته في الوقت نفسه، فقد صارت إيران طرفاً مباشراً أيضاً في التنفُّذ بلبنان، وفي استقلالية نسبية عن سوريا، وإن ظل لسوريا حلفاؤها على الساحة اللبنانية والذين لا علاقة لهم بإيران حتى حرب صيف 2006.
خلال تلك الحرب وبعدها، امتدت يد إيران إلى حلفاء سوريا الآخرين من المسيحيين والسنة. وهكذا صارت إيران صاحبة اليد العليا في النفوذ والسيطرة في لبنان أيضاً بعد العراق، وإن تكن المصالح المشتركة ما تزال موجودة، والتنسيق -في لبنان بالذات- لا يزال قوياً وقائماً.(55/67)
وفي الملف الفلسطيني قويت علاقات إيران بحركة "حماس" بعد عام 2003، ثم بعد وفاة الرئيس عرفات عام 2004. ومن الواضح أن قرار استيلاء "حماس" على غزة ما اتُخذ في سوريا فحسب، بل في طهران أيضاً. وقد توازى ذلك مع السلوك الإيراني الآخر في لبنان، والذي شجّع "حزب الله" ودفعه للانفصال المتزايد عن النظام اللبناني، ثم الهجوم عليه لتحطيمه وللأسباب نفسها: مناطحة الولايات المتحدة و(إسرائيل) عبر الأراضي العربية، وإضعاف العرب وزيادة انقسامهم، وإظهار إيران بمظهر الحامي للإسلام والمُدافع عن حُرماته في وجه الغرب، وزيادة نفوذ الشيعة مذهبياً وسياسياً في ديار العرب والمسلمين.
في الملفات الثلاثة يملك السوريون والإيرانيون مصالح مشتركة، ولا يزال النظام السوريُّ هو "الطريق" للإيرانيين إلى لبنان وفلسطين، ولا تزال العلاقة (الاستراتيجية) القائمة تخدم الطرفين رغم تغيُّر طبيعة العلاقة لصالح إيران التي صارت تملك القرار، وتتحمل الأعباء أكثر من السابق.
بيد أن النظام السوري يُعاني الآن من مشكلاتٍ كبيرة مع الغرب الأميركي والأوروبي منذ زوال تكليفه في مطالع الألفية الثالثة، واقتصار الأمر على التهديدات والابتزازات المتبادلة. وبالإضافة إلى الضغوط الغربية الشديدة (والتي تتناول علاقاته بإيران أيضاً)، انعزل عربياً كذلك في المدة الأخيرة بسبب سياساته في لبنان بالدرجة الأولى، لكن أيضاً في فلسطين والعراق. وهكذا للمرة الأولى خلال ثلاثين عاماً، صار لدى النظام ما يخسرُهُ وليس حسابات الأرباح ومقاديرها الكثيرة أو المتوسطة فقط.(55/68)
وهناك من يرى أن التوتُّر داخل النظام يبلغ ذروته الآن لوقوف أطرافه المختلفة على مفترق طرق: فإذا تعاونوا مع الغرب ثمة إمكانية لتحسُّن العلاقات مع أميركا وأوروبا، وبدء التفاوض مع إسرائيل على الجولان، وربما أيضاً الإراحة والفُسحة في بعض المسائل الشائكة. صحيح أن النظام السوري لا يبدو مهدداً في وجوده، لكنه تقلّص نفوذاً وحركة بحيث ما عاد يستطيع تقديم شيء مفيد للغرب أو العرب.
وهذا كلُّه في الوقت الذي تعتقد فيه إيران بأنها بحاجة لتوتير شديد مع الغرب ومع أنصاره من العرب، من أجل النووي، ومن أجل حسم الصراع الداخلي على مشارف الانتخابات بعد أن خسر نجاد انتخابات مجلس الخبراء. ولدى أطراف في النظام السوري شهية عالية للتوتير وإحداث الاضطراب، لكنها تعلم أنها تحت خطر وضغط كبيرين وقد تجلِب على نفسها مزيداً من الأخطار التي لا قِبل لها بتحمّلها إذا غامرت بمدّ رأسها أو قبضتِها الآن.
ولذا ففي الوقت الذي تريد فيه السلطة السورية إظهار التروي بعض الشيء لاختبار جدية الوعود والإنذارات في أنابوليس، وفي لبنان وفي العراق وفي محاربة الإرهاب وفي الجولان وفي مصالح النظام بشكل عام... تصلُ الحركة الإيرانية المتوترة إلى ذروتها دافعة زعيم "حزب الله" نفسه السيد حسن نصرالله الله -وعلى خلاف عادته- للإعلان عن منع انتخابات الرئاسة في لبنان بالقوة واصفاً الذين يريدون الانتخابات بأنهم لصوص وقتلة وعملاء للمشروع الأميركي والصهيوني(!).
وهكذا للمرة الأولى منذ خمس سنوات أو أكثر يبدو الإيرانيون أكثر توتراً من السوريين، أو أن هناك تفاوتاً في اللهجة والمواقف -قد يكون منسقاً- يتقدم فيه الإيرانيون على السوريين غير آبهين حتى بتفجير صراع شيعي-سني في لبنان بعد العراق.(55/69)
وهذا السلوك الإيراني المتوتر، لا يظهر في لبنان فقط، بل يظهر أيضاً في العراق -في حين يهدأ السوريون هناك ظاهراً أكثر من عام. فقد أقدم رئيس الوزراء نوري المالكي على إقالة الوزراء السنة لتذمّره من مطالبهم ومن مقاطعتهم لحكومته، والمالكي إلى جانب الحكيم هما الحليفان الرئيسيان لأميركا ولإيران في الوقت نفسه.
وقد اشترك الأميركيون والإيرانيون منذ عام 2003 وحتى عام 2006 في إعانتهم على استلام مفاصل السلطة الجديدة بالعراق. وعندما بدأت المناكفات الإيرانية- الأميركية بعد عام 2005 استخدم الإيرانيون جماعات من تيار الصدر، ومن ميليشيات "المجلس الأعلى" و"حزب الدعوة" في إزعاج الأميركيين والسنة، لكنهم يتجهون فيما يبدو وفي العامين الأخيرين إلى تكرار تجربة "حزب الله" في العراق، عبر تشكيل "جيش القدس" بقيادة إيرانية، وكوادر عراقية.
وقد كان العراق بالنسبة للنظام السوري -بخلاف الوضع في لبنان- لعبة نفوذ ومساومة، أما بالنسبة لإيران فهو ملف استراتيجي، هدفه الحيلولة دون ظهور سلطة مركزية قوية، وعراق موحّدٍ من جديد. ولذا فإن مشكلات العراق لن تنتهي بالخروج الأميركي، ولن يقتصر الأمر على الانفصال الكردي، بل ستستمر السياسات الرامية إلى الإضعاف والفوضى إلا إذا برزت جبهة عربية قوية تفرض حديثاً استراتيجياً مع إيران في كل الملفات.
والظاهر الآن أن سوريا وإيران تتعرضان لضغوط شديدة، أما إيران فتتحدى العالم على الأرض العربية وبواسطة التشيُّع المذهبي أو السياسي... فهل تحدث تغيرات في المدى المنظور أم يكون الأمر توزيع أدوار لا أكثر؟! أعتقد أن ما سيحدث في لبنان خلال الأسبوعين القادمين سوف يؤشر في هذا الاتجاه أو ذاك.
دول إيران السرية
علي سعد الموسى - الوطن السعودية
1 / 1 / 2008م(55/70)
والذين يزعمون اليوم أن إيران قد فشلت في مشروع - تصدير الثورة - إنما هم واهمون متعامون عن الحقائق الثابتة على الأرض، وسأحمل على مسؤوليتي القول إن الخطر الحقيقي على مستقبل المنطقة ينبع من ركني إيران ثم إسرائيل وأنا لم أضع - إشارة التراتب - ولا الترتيب عبثا وإنما استقراء للواقع.
وعلى أسوأ الأحوال، فإسرائيل أمامنا على جبهة ثابتة وفي حدود جغرافية معلومة واضحة بحدود - الميل - وأجزائه بينما بؤر إيران السرية والمعلنة تنتشر في سائر الجسد العربي مثل حمم البراكين المفاجئة.
ومن حركة ـ الحوثيين ـ في جبال اليمن إلى "دولة حزب الله السرية" في لبنان، مرورا بالواقع الإيراني الذي سلخ اليوم جنوب العراق عن خريطته، فما زال مشروع تصدير الثورة يختار له بؤر التعايش ليحيلها إلى ثكنات مواجهة، وآخر الضحايا على القائمة ليس إلا مملكة البحرين الشقيقة. يلعب مشروع تصدير الثورة الإيراني على التناقضات في توازن محسوب.
فبينما يسكت الجهاز الإيراني الرسمي في القيادات السياسية هناك عن التعليق على فتنة الحدث المذهبي، يتولى الدور أحد أقطاب اللعبة من الملالي وها هو آية الله شريعتمداري يعلن في خطبة جمعة صاخبة أن البحرين ولاية إيرانية.
ومخطئ من يظن أن تصريحه عبارة شاردة من رجل يعبر عن نفسه ولا يتكلم بالضرورة عن الرأي الرسمي للدولة، فكل العملية تبادل أدوار راسخ في أدبيات المشروع السياسي الضخم لتصدير الثورة.
ومن يقرأ الكتاب الشهير ـ دولة حزب الله السرية ـ يعلم تماما أبعاد المشروع ويدرك جليا حجم الهدف القومي الفارسي وإن تلبس لغة دينية مؤدلجة.
وعدا عن اللعب المكشوف على التناقضات المذهبية التي تكتنزها دول الخليج العربي ولبنان والعراق فإن مشروع تصدير الثورة أيضا يمد يديه إلى المجتمعات السنية الخالصة في استغلال خطير للظروف السياسية السيئة.(55/71)
اللعبة الإيرانية واضحة مكشوفة في تحييد الكيان السوري عن محيطه العربي، وقيادات حركة حماس تجد في إيران اليوم جدارا استناديا جعلها حركة أسيرة لما تمليه عليها القيادة الإيرانية.…
ذات الكتاب يبرهن أن إيران تمد جذورها نحو حركة الإخوان المسلمين، مستغلة أولا، أن ذات الحركة ـ واسعة المذهب ـ لا يوجد لديها حدود عقدية بعد أن تحولت من حركة دينية إلى فكرة سياسية، وثانيا، لأنها أخطر حمم البراكين في الجسد العربي وهي تنتشر في كل الخارطة وداخل كل النقابات والبرلمانات وأوساط النخبة العربية.
مخطئ أخيرا من مازال يظن أن الحرب الأهلية بفضل هذه البؤر والبراكين التي زرعتها إيران في الجسد العربي لم تنفجر بعد، بل هي واحدة بعد الأخرى والقادمة على الطريق. وعلى مسؤوليتي أخيرا فإن حروبنا العربية القادمة بين ظهرانينا ستكون مع "دول إيران السرية" على الخريطة العربية.
شكراً لمكتب التعبئة والتنسيق في الحرس الثوري الايراني
كتب حسن صبرا الشراع
(24/12/2007)
حتى لو نفى حزب الله ما أوردته جريدة "الشرق الأوسط" على لسان مصادر قريبة من مكتب "التنسيق والتعبئة" للحرس الثوري الإيراني في طهران، "بسحب مسؤوليات" القائد العام للجناح العسكري لحزب الله من الأمين العام حسن نصر الله، ومنحها بصورة مؤقتة إلى نائبه نعيم قاسم، فإن رمي الخبر الإيراني بهذه الطريقة يحمل دلالات وتبعات خطيرة جداً تبدو أهميتها أنها صادرة من منابع إيرانية بحتة، وهي من حيث الشكل والمضمون تحفز على تقييم جديد قديم لطبيعة هذا الحزب على الأرض اللبنانية، وفي هذه المرحلة بالذات.
من حيث الشكل:
يبدو الخبر الإيراني الخاص بفرقة من فرق الحرس الثوري الإيراني عبر الحدود، وهو حزب الله في لبنان تعبيراً عن أمر ما يتم داخل هذا الحرس في طهران، سواء كان صراعاً بين أجنحة الحرس، أو موقفاً معترضاً داخل هذا الحرس من قياداته على أداء قائد هذه الفرقة في لبنان (حسن نصر الله).(55/72)
ومن حيث الشكل أيضاً، فإن إيراد الخبر (رغم نفيه) منسوباً إلى "مكتب التعبئة والتنسيق" في قرار داخلي للحرس الثوري الإيراني، هو توكيد لحقيقة عضوية موقع حزب الله داخل هذا التشكيل الميليشياوي، العسكري الإيراني، بحيث أن تغييراً بحجم إزاحة أمين عام حزب الله ذي المكانة اللبنانية والعربية والإسلامية غير المسبوقة لأي شخصية لبنانية أو عربية، إلا لكبار كبار راحلين، هو قرار تفصيلي داخلي في مؤسسة أمنية - عسكرية - ميليشياوية إيرانية، لا يحتاج حتى إلى قرار سياسي لا من قيادة الحرس مثلاً، ولا من وزارته، ولا من رئيس الجمهورية وطبعاً ليس من مكتب علي خامنئي حيث ما زال الأخير يمنح نصر الله صفة وكيله السياسي في لبنان، إلى جانب وكيله الشرعي الآخر محمد يزبك.
ومن حيث الشكل أيضاً فإن نفي الخبر في الزميلة السعودية الدولية نفسها لم يأت من أي مصدر إيراني آخر، بل من حزب الله نفسه، في توكيد بأن مصدر الخبر الإيراني لم يقابل بمصدر إيراني آخر ينفي، بل بنفي حزبي لبناني يعرف قبل غيره أن مكانته في لبنان أمر آخر مختلف تماماً عن مكانته داخل إيران. فهو في لبنان قائد المعارضة اللبنانية التي تسيطر على قرار السلم والحرب في هذا الوطن، والتي تهدد بتقسيم البلد وتفتيته، والتي تحاصر حكومته وتقفل مجلس نوابه وتمنع انتخاب رئيس للجمهورية فيه، وتهدد أكثرية اللبنانيين بـ 30 ألف صاروخ وعشرات آلاف المسلحين المنشورين في مواقع مختلفة من مناطق لبنان تمهيداً للانقضاض على المؤسسات والمدن والقرى والأراضي والمواقع..
أما في إيران فإن حزب الله هو تفصيل صغير يقرر أمره "مكتب تعبئة وتنسيق" محدداً حجمه بما يسمح لمكتب ما داخل الحرس الثوري الإيراني بأن يخلع أمينه العام بكل الصفات التي له ومنحها.. "تصوروا"، منحها لمسؤول آخر في هذه الفرقة الإيرانية عبر الحدود.(55/73)
ومن حيث الشكل أخيراً، فإن عبارة منح موقع القائد العام للجناح العسكري لحزب الله في لبنان لنائب أمينه العام نعيم قاسم، وسحبه من الأمين العام حسن نصر الله توكيد لما يجهد أساتذة القانون (ومفردات القاموس) السياسي أنفسهم أمام تلامذتهم لشرحه "qui donne or donne" أي من يمنح.. يأمر.
شكراً لمكتب التنسيق والتعبئة في الحرس الثوري الإيراني.
أما في المضمون:
1-…فإن هذا إعلان رسمي إيراني لم يتم نفيه حتى الآن، بأن إيران الدولة الفارسية على بعد آلاف الكلمترات عن لبنان نجحت في إقامة دولة مستقلة، داخل الأراضي اللبنانية، من خلال إحدى فرقها المسلحة واسمها في لبنان حزب الله.
فهي تمول هذه الدولة بما يسمح لها بأن تقيم لها جيشاً مدججاً بالسلاح، ومؤسسات أمنية، ورعايات اجتماعية واقتصادية ومالية وتوجيهات ثقافية وإعلامية، وإلزامات وتكليفات فقهية لا علاقة لها بلبنان أو مصالحه بها، وهي وجدت فقط لخدمة المصالح الإيرانية البحتة.
2-…وهذه الدولة الفارسية في إيران، مع نجاحها بإقامة دولة لها في لبنان نجحت أيضاً بأن يكون لهذه الدولة جمهور لبناني بحت، صحيح انه على المذهب الشيعي في الإسلام، لكنه جمهور لبناني يلتزم بقرارات حزب الله في طبيعته الفارسية، وفي تركيبته العضوية الكاملة في إحدى مؤسسات الدولة الإيرانية.
إنه أمر مختلف تماماً عن التزام الحزب الشيوعي اللبناني مثلاً بقرارات وتوجيهات المكتب السياسي للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفياتي السابق، حيث لم يكن للحزب الشيوعي في لبنان جمهور، بل أعضاء حزبيون فقط، ولم يكن هناك ارتباط عضوي لبناني بالحزب الشيوعي السوفياتي.و(55/74)
لم تكن العقيدة الشيوعية تحمل من القداسة ما يلزم شيوعيي لبنان بعبادتها كما في حال جمهور حزب الله في لبنان الذي يأتيه التكليف الشرعي من إيران عبر أمينه العام اللبناني الوكيل السياسي لولي الفقيه في إيران علي خامنئي أو من سيأتي بعده.. ويصبح تنفيذه أمراً شرعياً دينياً ذا طبيعة إلهية منسوبة إلى وضع ولي الفقيه الذي هو بحسب النظرية الإيرانية نائب الإمام (المهدي المنتظر) المعصوم هو وقراراته (رب غفرانك).
انطلاقاً من هذه الحالة، فإن جمهور حزب الله ينفذ أوامره وفق عقيدتي المال الممنوح والتكليف الشرعي، بما يجعل هذا الجمهور مرتبطاً بوعيه أو بدونه بالقرار الفارسي الذي يحدد لهذه الدولة في لبنان، ولمسؤوليها في فرقة الحرس الثوري التي تقوده، بغض النظر إذا كان هذا القرار مناسباً للبنان وأهله (ومن ضمنهم جمهور حزب الله) أم لا.. فهذا الجمهور بوعيه أو بدونه مرتبط بإيران من خلال أهم أمرين حاسمين في مسألة العصبية التي تنشىء الدول وهما العقيدة والتمويل.
وانسجاماً مع هذه الطبيعة - العضوية لجمهور حزب الله في لبنان، فإن رؤيتها لمختلف المسائل السياسية - الدينية - الثقافية وتبعات ذلك عسكرياً وأمنياً هي رؤية قد تتناسب مع رؤية بقية الجماهير اللبنانية، وقد تختلف معها تماماً بما يجسد وجود الدولة الفارسية في لبنان حاملة في توجهاتها بذوراً "شرعية" (بمعنى الحق) بما يسمح لها أن تقرر في هذا البلد ما تريد بمعزل عن جماهيره، وبطبيعة الحال من مؤسسات الدولة التي أسسها اللبنانيون وأقاموا لها الصروح الدستورية والسياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإعلامية والتربوية..(55/75)
وفي مثال تفصيلي وصارخ الدلالة أيضاً، فإن ولاء هذا الجمهور في أي مواجهة مثلاً بين المؤسسة العسكرية للبنان ممثلة بالجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي وبين حزب الله (القوة المسلحة للدولة الفارسية في لبنان) هو لهذا الحزب وميليشياته التي شكلتها هذه الدولة إلى جانبه حتى لو أسمتها في مرحلة من المراحل المقاومة الإسلامية، حتى لو كانت مهمتها في مرحلة من المراحل مقاتلة إسرائيل لجعل إيران على حدود فلسطين.
في السياسة عملياً
فإن أمراً ما يجري بين قادة الحرس الثوري الإيراني وبين أحد أفرعهم في الخارج (لبنان عبر حزب الله) استدعت تسريب هذا الخبر، أو نفيه بما يؤكده في هذه المرحلة بالذات، خاصة مع تكاثر الكلام عن خلافات داخل هذه الفرقة (حزب الله) بين أمين عام الحزب حسن نصر الله وبين نائبه نعيم قاسم.
ومع ضآلة المعلومات المتسربة من داخل هذا الجسم الحديدي المسمى حزب الله، فإن أنباء سيطرة الأجهزة الأمنية على مؤسساته الشرعية والسياسية، حاسمة وتشير إلى أن لهذه الأجهزة رجالها والمدافعين عنها والمتبنين لوجهة نظرها داخل مؤسسات الحزب، بما يشير إلى ازدواجية على الأقل في اتخاذ القرار بحيث يمثل نصر الله جناحاً فيها ويمثل قاسم جناحاً آخر مدعوماً من هذه الأجهزة.
ومن يتابع تصريحات قاسم ونصر الله يجد تسابقاً بينهما في التصعيد السياسي والتهديد الأمني، بما يسمح بالقول أحياناً انه رسائل داخل الحزب، مزايدة أو استقطاباً، أو رسائل إلى قادة الحرس الثوري بمن يمثل مصالحه أفضل تمثيل.. أكثر من أن تكون رسائل داخل الوطن اللبناني نفسه.. بل إن هذا الداخل مقصود بالتهديد كتعبير عن قوة كل من هذين الجناحين وقدرته على تمثيل إيران تمثيلاً أقوى.(55/76)
وفي هذا المضمار فإن هذا التصعيد هو تجسيد لمطلب وحالة إيرانية في نزاعها الإقليمي والدولي سواء تحت التهديد الأميركي - الصهيوني أو في مناخ الحوار الإيراني مع الولايات المتحدة وتمهيداً له بإظهار القدرة على امتلاك الأوراق المؤثرة وأهمها على الإطلاق ورقة الهيمنة على لبنان عبر فرقة الحرس الثوري فيه وهي حزب الله.
وفي الإطار السياسي العملي أيضاً، فإن لبنان كله دولة ومؤسسات وقوى حية من مختلف المناطق والطوائف والمذاهب، ومثقفين مدعوون إلى فهم جديد لطبيعة وجود حزب الله في لبنان مع هذا الجمهور الواسع الذي يحتضنه (بسبب عصبيتي التمويل والعقيدة).
لقد أصبح لدى لبنان كله مستمسك شرعي قانوني سياسي، صادر من إيران عن طبيعة اختراقها للوطن حتى بقوة لبنانية، وحتى بجمهور لبناني، يمكن مخاطبة العالم كله بشأنه، فهو اختراق إيراني رسمي لدولة ذات سيادة، عضو مؤسس في جامعة الدول العربية، عضو مؤسس في الأمم المتحدة، عضو مؤسس في المؤتمر الإسلامي، عضو مؤسس في الفرانكوفونية، وبقية المؤسسات الدولية وهو شريك إيران على الأقل في الأمم المتحدة والمؤتمر الإسلامي..
لا أحد يدعو إلى الشكوى ضد إيران، فلا فائدة من هذا الأمر، وطبعاً ليس بالإمكان مواجهتها، لكن حفظ الحق اللبناني في السيادة والاستقلال يستدعي أن يظهر لبنان حقه تحت عنوان اظهر حقك ولا تأخذه كمرحلة أولى إلى أن تستطيع أن تأخذه.
صفقة أميركية ـ إيرانية لتفويض طهران برعاية
حقوق الشيعة في العالم العربي
رياض علم الدين -الوطن العربي
2/1/2008(55/77)
هل يكون العام 2008 عام انتصار "الهلال الشيعي" وإنجاز "الصفقة الكبرى" بين واشنطن وطهران؟! هذا السؤال الذي يبدو غريباً ومستغرباً، بالنسبة للكثير من المراقبين الذين ما زالوا يراهنون على انفجار الصراع الأميركي ـ الإيراني للهيمنة على المنطقة. بدأ يحتل منذ أسابيع، صدارة النقاشات الدائرة في كواليس العديد من العواصم الكبرى ومراكز الدراسات ومؤسسات صنع القرار حتى داخل الولايات المتحدة.
وفي معلومات "الوطن العربي" أن الانطباع العام المسيطر حالياً في هذه المؤسسات هو أن الحرب الأميركية ـ الإيرانية التي كانت منتظرة في العام 2007 لم تؤجل فقط بل إنها لم تعد واردة.
ويبدو أن الذين كانوا ما زالوا يراهنون على الانفجار الكبير قبل إبريل "نيسان" المقبل كموعد أخير قبل دخول إدارة بوش حمى الانتخابات الرئاسية قد بدأوا بإعادة النظر في حساباتهم على ضوء مفاجأة التقرير الاستخباري الذي أصدره 16 جهازاً أمنياً أميركياً في الثالث من ديسمبر "كانون الأول" الماضي ومنح إيران شهادة براءة من البرنامج النووي العسكري، والعارفون بخفايا وخلفيات وتداعيات إصدار هذه التقرير واستحقاقاته يؤكدون أنه جاء ليشكل انعطافه 180 درجة في الصراع بين "محور الشر" و"الشيطان الأكبر" وأنه نقل العلاقات الإيرانية - الأميركية من المواجهة المحتمة إلى الحوار المفتوح على ما يصفه البعض بأنه "صفقة كبرى" بدأت مؤشراتها تظهر بوضوح منذ ما قبل صدور التقرير الاستخباري، وراحت تتزايد وتتضح أكثر بعده عبر ظهور مستجدات ومفاجآت كلامية وميدانية تصب في خانة تبني سيناريوهات "الصفقة" وانقلاب المحاور والمعادلات.(55/78)
ويبدو أن تصريحات وزيرة الخارجية الأميركية في الأيام الماضية لم تفاجيء سوى "حلفاء واشنطن" الذين توقفوا مطولاً عند ما قالته رايس عن أن واشنطن "لا تملك أعداء دائمين" ما يعني حتماً أنها لا تملك "حلفاء دائمين" مشيرة إلى أن الإدارة الأميركية التي كانت حتى أيام قليلة تطلق التهديدات ضد إيران وتسرب سيناريوهات الضربة العسكرية، لم تعد تضع على طهران سوى شرط واحد هو "تعليق تخصيب اليورانيوم" ـ وليس وقفه ـ وبعدها فإن رايس جاهزة للقاء نظيرها الإيراني منوشهر متقى "في أي مكان وزمان وللحديث في أي موضوع يشاء".
وجاءت تصريحات رايس هذه لتزيد من مؤشرات الصفقة الكبرى والاستعداد الأميركي لها وهي مؤشرات كان معدو التقارير الاستخبارية قد بدأوا برصدها من خلال تتبع سلسلة مفاوضات سرية نشطت مؤخراً بين واشنطن وطهران رغم إلغاء الموعد الرسمي لجولة مفاوضات الثامن عشر من ديسمبر "كانون الأول" في العراق. وفي معلومات "الوطن العربي" أن الزيادة المفاجئة التي قامت بها رايس إلى العراق في ذلك التاريخ كانت تهدف حسب تقارير استخبارية لعقد "لقاء تاريخي" مع نظيرها الإيراني يكرس لعودة الحوار المباشر بين البلدين بعد 29 عاماً من القطيعة... لكن تراجع الإيرانيين عن إعلان "تعليق التخصيب" رغم مبادرة الروس بافتتاح المجال أمامهم عبر تسليمهم اليورانيوم المخصب مصحوباً بتصريحات روسية وأميركية حول عدم حاجة طهران إلى التخصيب.
ورغم ذلك تؤكد مصادر استخبارية أوروبية مطلعة لـ "الوطن العربي" أن المفاوضات السرية بين الأميركيين والإيرانيين لم تتوقف، وتكشف عن ثلاث جولات مفاوضات على الأقل قد حصلت في الأسابيع الماضية واحدة في جينيف "سويسرا" وثانية في فيينا "النمسا" وثالثة في الجزائر.
الصفقة الكبرى والهلال الشيعي(55/79)
وتصيف هذه المصادر أن الجانب الإيراني قد استغل هذه المفاوضات لإطلاق ما بات يعرف بعرض "الصفقة الكبرى" مع الأميركيين، ووضع كل القضايا والمطالب الإيرانية على الطاولة وهي مطالب تجاوزت النووي والعراق إلى إسرائيل ودور إيران الإقليمي ومشروعها لفرض هيمنتها على المنطقة، من خلال المطالبة بموافقة أميركية على تسميتها وصية على الشيعة وحامية لحقوقهم حسب ما كشف خبير أمني غربي مطلع على خفايا هذه الاتصالات.
وفي معلومات هذا الخبير أن إيران استغلت التقرير الاستخباري ونتائجه من أجل تسريع عملية الانتقال إلى المراحل التالية من مطالبها التوسعية وتطلعات النفوذ والهيمنة. ويفند الخبير هذه الخطة الإيرانية بقوله إن الصراع الأميركي ـ الإيراني كان منذ البداية يشمل سلسلة ملفات كانت تتخفي خلف الملف النووي. فبالإضافة إلى الخلاف النووي كانت طهران تسعى للحصول على ضمانات أمنية أميركية من أجل عدم إطاحة النظام وعدم شن حرب ضدها. وكذلك كانت تبحث عن "ضمانات" لدورها في العراق ولتكريس حكم الشيعة وعدم عودة السنة إلى السلطة وعدم إقامة عراق قوى عسكرياً قادر على تهديدها في المستقبل.
والملف الثالث كان مطلب إيران كممثل وراع للشيعة في العالم العربي وضامن لحقوقهم، أما الرابع فهو ملف الاعتراف بالدور الإقليمي المهيمن لإيران في المنطقة، وهو ملف يعتبر الإيرانيون أنه مرتبط بملف الاعتراف الأميركي بدور إيران في "حماية الشيعة".(55/80)
ويضيف الخبير أن وثيقة المالكي ـ بوش التي منحت ضمانه إيرانية بالوكالة، لبقاء الأميركيين في العراق وبناء قواعد دائمة كانت الصفقة الأولى التي أفسحت المجال أمام الخوض في الصفقة الكبرى، ويقول: إن هذه الصفقة قد تمت بعدما أبلغ الأميركيون الإيرانيين صراحة في أغسطس "آب" الماضي أن "واشنطن ليست في وارد الانسحاب من العراق، وإذا كانوا راغبين في إفساح المجال للحوار بين البلدين فعليهم تجاهل الرهان على انسحاب أميركي من العراق والتعامل مع هذا الوجود كأمر واقع دائم والانطلاق منه لفتح صفقة جديدة". وعلى ضوء ذلك أعادت طهران النظر في استراتيجية "المواجهة" مع أميركا في العراق، وأعدت وثيقة التفاهم بين بوش والمالكي على أساس أن يكفل الأميركيون بقاء السلطة في بغداد في يد الشيعة ومنع حصول أي "انقلاب سيء" عليها.
وفي رأى هذا الخبير أن ما يدعيه الأميركيون بأن طهران لم ترد على إيجابيات التقرير الاستخباري بمبادرة إيجابية حول تعليق النووي هو ادعاء خاطئ إذ يؤكد أن التقرير جاء رداً على وثيقة المالكي ـ بوش، ولذلك يعتبر الخبير أن حسم الخلاف حول العراق بوثيق التفاهم، وحسم الخلاف على "النووي" بشهادة البراءة وما تعنيه من إلغاء لذريعة الحرب وإسقاط النظام قد أفسحت المجال للخوض في وثيقة تفاهم إيرانية ـ أميركية شاملة هي حالياً محور المفاوضات السرية الدائرة بين الطرفين.
ويبدو أن البند الجديد من "وثيقة التفاهم" هذه يشمل حالياً حقوق الشيعة ودور إيران في "رعاية" الشيعة في عدة دول عربية وهو ما يعرف بـ "الهلال الشيعي" وتؤكد المصادر المطلعة أن طهران قد تعمدت فرض معادلة الهلال الشيعي كأمر واقع في مفاوضاتها مع الأميركيين بما ينقض ما كان سائداً حتى الآن بأن المشروع الأميركي أعد لمناهضة المشروع الإيراني لإقامة هلال شيعي يمتد من طهران إلى بيروت مروراً بالعراق .... والبحرين.
البحرين و"الحرة"!(55/81)
ويؤكد هذا الخبير أن ما يجري في لبنان منذ أشهر وما جرى في البحرين في الأسبوع الماضي هو امتداد لمشروع الهلال الشيعي الذي استأنفته إيران وفق النموذج العراقي والتوافق مع الأميركيين حوله، وكان لافتاً للمراقبين أن طهران لجأت إلى الإسراع في فتح ملف الشيعة في أكثر من بلد دفعة واحدة في موازاة تسارع خطوات التقارب مع الولايات المتحدة بما يكشف عن حرص واضح على وضع هذا الملف ضمن عرض "الصفقة الكبرى".
وفي الوقت الذي كان منتظراً أن تكتفي إيران بكشف أوراقها في لبنان فقط عبر الدفع نحو إقامة الدولة الشيعية على أنقاض الدولة اللبنانية الساقطة في الفراغ الرئاسي فوجئ المراقبون باندلاع التظاهرات الشيعية في البحرين في رسالة تهديد واضحة للاستقرار في الخليج، ورسالة تعويم لنظرية الهلال الشيعي.
فما حصل في البحرين بدا مثيراً لريبة المراقبين من أهدافه الحقيقية ،إذ أن التظاهرات قد حصلت في ذكرى أحداث تعود إلى أوائل التسعينيات متجاهلة كل الإصلاحات التي تحققت في السنوات الأخيرة على صعيد المطالب الشيعية، والتي أوصلت إلى البرلمان كتلة شيعية تعد 17 نائباً من أصل أربعين.
أعدت في طهران ووفق خطة موضوعة سلفاً، إذ توقف المراقبون عند سرعة تركيز "المعارضة الشيعية" على مزاعم بوجود كتائب فدائيي صدام في صفوف القوات الخاصة في إشارة واضحة إلى "تجنيس عراقيين سنة"!(55/82)
أما الخبراء الأمنيون فقد استعادوا التقارير التي كانت قد صدرت منذ أكثر من شهرين وتتحدث عن قيام إيران بتجنيد المئات من شيعة البحرين وإرسالهم إلى معسكرات في "قم" و "طهران" لتدريبهم على حرب الشوارع والعصابات والعصيان المدني إضافة إلى إرسال العشرات من شيعة البحرين إلى معسكرات لحزب الله في البقاع اللبناني، حيث جرى تدريبهم على هذه العمليات على أيدي خبراء من الحرس الثوري وحزب الله الذي كان يدرب في الوقت نفسه الآلاف من عناصره على تنظيم التظاهرات ووسائل إسقاط حكومة السنيورة ومواجهة الفراغ...
وكان لافتاً للمراقبين أن تظاهرات البحرين قد انطلقت بعد أيام قليلة من رفض وزير خارجية طهران منوشهر متقى المشاركة في منتدى الأمن الإقليمي الذي عقد في المنامة وحضره وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس، وتذرع الإيرانيون يومها بخلاف مع البحرين حول تشغيل مستشفى بتمويل إيراني... لكن زيارة متقى حصلت بعد أسبوع من التظاهرات وانتهت إلى توقيع مذكرتي تفاهم تتضمنان خمسين بنداً من التعاون في مجالات الطاقة والغاز والصناعة والتجارة والاقتصاد والمصارف... وتوثيق العلاقات مع مملكة البحرين المجاورة التي ما زال العديد من المسؤولين الإيرانيين يتعمد الإشارة إلى أنها "جزء من إيران"!(55/83)
وكشفت مصادر أميركية مطلعة على المفاوضات السرية بين طهران وواشنطن أنها فوجئت هذه المرة ببرودة رد الفعل الأميركي على التهديد الإيراني الواضح لدولة حليفة تؤوي مقر الأسطول الخامس، مذكرة بأن أحداث 1992 قد حصلت بعد أقل من عام على اتفاق مقر الأسطول الخامس! وهذه المرة لم توجه الخارجية الأميركية تحذيرات لمواطنيها في البحرين ولم تعلن التعبئة في قواتها... وأكثر من ذلك توقفت هذه المصادر عند مشاركة تلفيزيون "الحرة" الأميركي في حملة دعم حقوق الشيعة وتخصيصه برنامج "ساعة حرة" ـ للمرة الأولى ـ لاستضافة كل رموز المعارضة الشيعية والمدافعين عن حقوق الشيعة في البحرين... وذلك بعد أقل من ثلاثة أشهر على شن الكونجرس حملة ضد هذا التلفزيون الأميركي لاتهامه بإجراء مقابلة مع حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله مما أدى إلى إطاحة مدير القناة!!
وفي رأي هذه المصادر أن هذا التحول الذي ظهر عبر تلفزيون "الحرة" يعكس الانقلاب الحاصل في العلاقات الأميركية ـ الإيرانية والإستراتيجية الأميركية الجديدة في المنطقة، ويؤكد بأن "وثيقة التفاهم" التي يجري الإعداد لها والتفاوض حولها بين طهران ودمشق ذات أبعاد إقليمية تتجاوز العراق إلى البحرين وحتى لبنان.
"سلة" لبنان - إيرانية..
ففي معلومات هذه المصادر أن الخطة الإيرانية التي ظهرت عبر تظاهرات الشيعة في البحرين هي نفسها التي تخفيها أزمة الفراغ الرئاسي في لبنان وشروط المعارضة التي يقودها حزب الله، وفي رأي أحد هؤلاء الخبراء أن "سلة التفاهمات" التي وضعها حزب الله باسم المعارضة كشروط لانتخاب العماد سليمان هي في الواقع جزء من "سلة التفاهم الكبرى" التي تسعى إيران للتفاوض حولها مع الأميركيين، والشراكة التي يطالب بها الشيعة في لبنان هي في صلب هذه المطالب الإيرانية التي دخلت مرحلة المطالبة بحقوق الشيعة وفق النموذج العراقي.(55/84)
وفي الحالة اللبنانية لوحظ أن آخر التقارير تضع أزمة الفراغ الرئاسي في إطار "الصفقة الكبرى" وضمن التوافق على رسم معادلة جديدة تقود تدريجياً إلى إسقاط اتفاق الطائف والدخول في عملية إعادة نظر في تقاسم السلطة.
ويشير أحد التقارير إلى أن ما يجري الحديث فيه حول مستقبل لبنان هو نموذج عراقي بالفعل، بحيث يقود إلى سيطرة الشيعة على الحكومة المركزية على الطريقة العراقية ووزاراتها الحساسة وخصوصاً الدفاع والداخلية بما يضن اختراق حزب الله للمؤسسات العسكرية والأمنية على طريقة دمج "فيلق بدر" في العراق بالقوات الرسمية.... وضمن النموذج العراقي نفسه الذي تبناه الإيرانيون تعمل طهران على تسويق مشروع "فيدرالية الأقاليم" في لبنان على طريقة فيدرالية إقليم الجنوب التي يرعاها عبد العزيز الحكيم، فتكون حصة الشيعة في لبنان السيطرة على الدولة المركزية وعلى دويلة كبيرة كما في العراق.
وفي أي حال، بات مؤكداً بالنسبة للعديد من عواصم القرار الدولي ومؤسسات البحث والدراسات أن الصيغة اللبنانية في شكلها الحالي قد سقطت وأن الأشهر المقبلة ستشهد مرحلة تصعيدية في اتجاه التمهيد لصيغة جديدة تصر إيران على أن تكون لحساب الشيعة وتعمل حالياً على التفاوض في شأنها مع الأميركيين.
ولهذا لم يكن مفاجئاً أن العديد من مؤسسات البحث المهتمة بالوضع اللبناني قد بدأت منذ أسابيع في دراسة وإعداد سيناريوهات جديدة لنظام سياسي جديد في لبنان تتميز كلها بطرح فكرة الفيدرالية وإعادة النظر في المحاصصة وتقاسم الصلاحيات بين المذاهب والطوائف...
لكن المفاجأة هي من أن العديد من المراقبين المطلعين يعتبرون أن عملية إعادة رسم خريطة المنطقة لا تجري هذه المرة لحساب واشنطن وعلى حساب طهران بل إن بعضهم يصل إلى حد الحديث عن استعداد إيراني وعرض جدي للقيام بمهمة إعادة رسم خرائط المنطقة شرط أن يكون "الهلال الشيعي" محورها!(55/85)
فهل يكون 2008 عام انتصار "الهلال الشيعي" بضوء أخضر أميركي أم أنه سيكون عام انقلاب التحالفات وتقلب المواقف واستمرار طباع بوش حتى اليوم الأخير من عهده تاركاً الكرة في الملعب الإيراني كما هي منذ أكثر من شهرين مع ما يعنيه ذلك من انعكاسات ومفاجأت خطيرة تنتظر المنطقة من الآن وحتى الربيع المقبل على الأقل؟!.
تنظيم «القاعدة» لم يعد الخيار السياسي لسُنّة العراق
محمد أبو رمان - الحياة
31/12/2007
تثير مسألة تمكّن تنظيم «دولة العراق الإسلامية» (المرتبط بالقاعدة) من الإطاحة برؤوس وقيادات في الصحوات العشائرية في العراق في الأسابيع الأخيرة، ونشاطه المكثف في العمليات الانتحارية سؤالاً حيوياً فيما إذا تمكنت «القاعدة» من استعادة زمام الأمور والعودة مجدداً إلى الساحة، بعد شهور من التراجع الملحوظ في النشاط العسكري وانحسار نفوذها من العديد من المحافظات العراقية التي كانت تخضع لها سابقاً؟
الإجابة عن السؤال السابق تكمن في الوقوف على السياق السياسي الذي يؤطر المجتمع السني في العراق اليوم، ما يقتضي العودة قليلاً إلى الوراء لملاحظة مسار الأحداث وتطوراتها. فبدايات عام 2007 شهدت لأول مرة حروباً إعلامية شرسة بين «دولة العراق الإسلامية» وبين الفصائل السنية المسلّحة الأخرى، في مقدمتها كتائب ثورة العشرين والجيش الإسلامي، وتمّ الكشف بصورة واضحة وصريحة عن معارك مسلّحة جرت في تلك الفترة وأدّت إلى قتلى وجرحى وصراع شديد على النفوذ في العديد من المناطق.(55/86)
في الحقيقة، كانت هذه الصراعات المتفجرة بين القاعدة وبين الفصائل المسلّحة بمثابة مسمار فولاذي دقّ شقّاً بدأ بالاتساع بين القاعدة وبين حاضنتها السنية، إذ بدأ نجم «الصحوات العشائرية» بعد ذلك بالصعود بصورة متسارعة، إلى أن استطاعت هذه «المجاميع» طرد أفراد القاعدة والحد من نفوذها بصورة كبيرة وملحوظة، وباعتراف أنصار القاعدة ومؤيديها، إذ تقدِّر قراءات متعددة عدد أفراد الصحوات العشائرية اليوم بسبعين ألف مقاتل، وانحسار نشاط القاعدة بنسبة 60 في المئة.
تمتاز العلاقة بين «الصحوات العشائرية» وبين «قوى سنية» فاعلة بأنّها متشابكة ومتعانقة، وإن كان ذلك بصورة غير رسمية، فهنالك مؤشرات ومعلومات على اندماج عدد كبير من أفراد الجيش الإسلامي وحماس العراق وجيش المجاهدين وحركة جامع (وجميعها تشكل ما أطلق عليه مؤخراً «المجلس السياسي للمقاومة العراقية»)، بينما لا تزال كل من كتائب ثورة العشرين وجيش الراشدين (جبهة الجهاد والتغيير) يتخذان مساحة أبعد عن هذه الصحوات، وفي أحيان توجه هيئة العلماء المسلمين نقداً لاذعاً لها، على الرغم من الخلافات السياسية والأيديولوجية والصراعات المسلّحة التي تنشب بين هذه الاتجاه وبين القاعدة.
السياق السياسي يظهر أنّ «حصار القاعدة» وتآكل حاضنتها السنية يتسعان باضطراد في الشهور الأخيرة، على المستويات الأمنية والسياسية والاجتماعية. فنجاح الحزب الإسلامي في لعب دور كبير في صوغ الصحوات العشائرية، مع بناء ملامح تحالف جديد استراتيجي مع الجيش الإسلامي والقوى المرتبطة به، وضمان وجود دعم أميركي سياسي وعسكري واقتصادي بمثابة متغيرات كبيرة تشكل «بيئة سُنيّة» جديدة مختلفة كليا عن البيئة السابقة التي نمت وصعدت فيها القاعدة حتى باتت بهذا الحجم وبتلك القوة والنفوذ.(55/87)
فالمشهد العراقي يختلف تماماً عن المرحلة السابقة؛ ويمكن ملاحظة ملامح هذا الاختلاف بتحول شطر كبير من الصراع المسلّح من الاقتتال الطائفي (سني- شيعي) إلى الاقتتال داخل الطائفة نفسها (سني- سني، شيعي- شيعي) في سياق محاولة القوى المتنافسة السيطرة على مناطق النفوذ الجغرافي لتواجد كل طائفة.
حتى اللعبة الطائفية - التي أتقنت القاعدة التعامل معها في المرحلة السابقة - انقلبت اليوم عليها. فالقوى السنية المختلفة أصبحت ترى في النفوذ الإيراني الأكثر خطراً وصاحب الأوّلية في المواجهة على الخطر الأميركي، ما يعني التحالف والالتقاء مع الأميركيين على مواجهة الإيرانيين.
بينما لا تزال القاعدة تصر على أوّلية الخطر الأميركي وثانوية التهديد الإيراني أو على الأقل محاولة تحييده في هذه المرحلة، ما أدّى إلى التحول البنيوي في المشهد هو إعادة الولايات المتحدة النظر في سياساتها في العراق جاعلة «الخطر الإيراني» التحدي الرئيس بدلاً من القاعدة، مما خلق مجالاً واسعاً للقاء بين قوى سنية عراقية والولايات المتحدة، وأدّى إلى صعود فكرة «الصحوات العشائرية»؛ وهي وإن كان هدفها المعلن «تطهير المناطق السنية من القاعدة» فإنّ وراء المشهد يبرز هدف ثان وأخطر وهو بناء «ميليشيات سنية مسلّحة» في مواجهة الميليشيات الشيعية التي يحظى أغلبها بدعم وتمويل إيرانيين. لم تعد القاعدة تمثّل اليوم الخيار السني في العراق، فقد توافرت لها الحاضنة الاجتماعية سابقاً تحت وطأة الاحتلال وتهميش السنة واستعدائهم وشعورهم بالخطر الكبير في ظل ضعف قدرتهم على مواجهة التحديات الحيوية. أمّا اليوم فليس من مصلحة السنة ولا من خياراتهم المضي قدما مع مشروع القاعدة «الأممي» ومع خطها الديني والسياسي «المتشدد».(55/88)
فالمجتمع السني يرى أنّ مصلحته تكمن في استثمار التناقضات السياسية الجديدة في اللعبة الإقليمية والمحلية وأن يكون طرفاً فاعلاً في لعبة الصفقات أو الصراعات مع إيران على العراق، لا أن يكون السنة خارج اللعبة بأسرها!
هذا لا يعني، بحال من الأحوال، أنّ القاعدة قد انتهت أو في طريقها إلى الزوال، فالقاعدة لا تزال التنظيم الكبير القوي الفاعل، وقد استطاعت اليوم أن تكتسب جسداً عراقياً (أكثر من 90 في المئة) من أفرادها، وأن تنتج قيادة عراقية محلية بموازاة القيادة الخارجية. وتمثل الضربات الأمنية المؤلمة التي وجّهتها القاعدة إلى قيادات «الصحوة العشائرية» مؤشراً مهماً على حيويتها وقدرتها، حيث شكّلت ما يسمى بكتيبة «الصدّيق» وهي كتيبة مدرّبة ومحترفة أمنياً لاستهداف مجاميع الصحوة، وفي الاسم استعادة رمزية لـ»حروب الردّة» التي قام بها أبو بكر الصديق، ما يتقاطع مع إطلاق القاعدة وصف «الردة الجماعية» على «مجاميع الصحوة».
مستقبل القاعدة في العراق مرتبط بدرجة رئيسة بقدرة «الصحوات العشائرية» والقوى السنية المسلّحة الأخرى على التوافق على برنامج سياسي عام وقيادة معينة خلال المرحلة القادمة، تكون ممثلة للمجتمع السني في اللعبة العراقية، وهو تحدّ بالغ الصعوبة لوجود اختلافات أيديولوجية ولتعدد الزعامات العشائرية وتتباينها في المواقف والطموحات، وإن اتفق أغلبهم على مواجهة القاعدة وإضعافها داخل المناطق السنية على المدى القريب.
صحوة أبو غريب و"الأسئلة الملغومة"
حسن البرارى - الغد
3/1/2008(55/89)
في نظام دولي يتميز بما يسمى بالفوضوية أو الأناركيا (غياب سلطة عالمية مركزية تجبر الدول على تنفيذ الاتفاقات وتنفيذ القانون وتمنعهم من الاعتداء على الآخرين)، فإنّ ما يحرك أي دولة أو لاعب أقل من دولة في اللعبة الإستراتيجية، على مستويي التكتيك والإستراتيجيا، هو تحديد مصدر التهديد، وهذا بدوره يؤثر بشكل كبير على تحديد الدولة أو الجماعة لنمط وشكل التحالفات أو التفاهمات التي تقيمها مع لاعبين آخرين سواء أكان هؤلاء اللاعبون دولا أو جماعات.
هذا تفكير استراتيجي ناجع وكل دولة أو جماعة تخفق في فهم هذا المنطق وعدم التصرف بموجبه، فإن البيئة الإستراتيجية الفوضوية ستعاقبها. ويبدو أن هذا السلوك غريزي لدى الكثير من السياسيين ولا يحتاج الواحد منهم أن يكون ضليعا في فكر هوبز، وميكافيلي، أو حتى ثوسيديدس ليفهم عقلانية سلوك كهذا.
أنتج الاحتلال الأميركي حالة من الفوضى العارمة في العراق. وبهذا فقد تحول العراق ليكون مسرحا للصراع بين أكثر من لاعب إقليمي ودولي. وأقامت الجماعات العراقية نمطا من التحالفات مع القوى الخارجية والداخلية لتحقيق أهدافها بناء على طموحها أو تحديدها لمصدر التهديد.
من دون شك، فالخاسر الأكبر من الاحتلال الأميركي هم العرب السنة. وانخراط قسم كبير من العرب السنة في مقاومة وطنية ضد الاحتلال الأميركي لم تقوِّ من وضعهم في التعامل مع الجانب الأميركي وبنفس الوقت صعدت القوى الشيعية (بخاصة المرتبطة بإيران) لتستأثر باللعبة السياسية والثروة معا. وأكثر من ذلك يشعر العرب السنة أن التغيير برمته جاء ضد مصالحهم لكنهم يستوعبون أيضا انه لا يمكن لهم الاستمرار في "لعبة مقاومة الاحتلال الأميركي نيابة عن إيران"، كما يقول أحد قادة المقاومة سابقاً والصحوة لاحقاً.(55/90)
فقد التقينا مؤخرا، وبعض الأصدقاء الأردنيين، مع "أبو عزام"، أحد قيادات الصحوات العشائرية في أبو غريب، وعرض علينا وصفا كاملا عن رؤيته لما يجري في العراق، وكيف يمكن حماية العرب السنة. قال، بالحرف الواحد، "إنّ مصدر التهديد الأكبر الذي يواجهه عرب السنة هو الاحتلال الإيراني ثمّ الاحتلال الأميركي".
الاحتلال الأميركي، وفقاً لـ"أبو عزام"، زائل على المدى المتوسط، أما إيران وأدواتها في العراق فهم باقون. وعليه فالمنطق يقول: إنّه إذا لم يكن باستطاعة العرب السنة مواجهة الأميركيين والإيرانيين معاً، كما أثبتت خبرة السنوات السابقة، فإنّ الحل هو التحالف مع الاحتلال الأميركي من اجل تحسين موقف السنة وإلحاق هزيمة بالاحتلال الإيراني.
تحدث "أبو عزام"، أيضا، عن وجود الاف المقاتلين في صحوة أبو غريب. فبالنسبة له فإن العدو ليس القاعدة بالدرجة الأولى، كما تذكر وسائل الإعلام، وإنما إيران وأدواتها. وبالتالي فالتحالف مع الأميركيين وتلقي المساعدات العسكرية والمالية من الجانب الأميركي هو في صالح العرب السنة لخوض معركة بغداد، إذ استغلت القوى الموالية لإيران وجود الاحتلال الإيراني للعراق والتفاهم مع الأميركيين لتطهير بغداد من العرب السنة. ويتحدث السيد أبو عزام عن عودة الكثير من السنة إلى بغداد بفضل جهد الصحوة وأن الطريق ما يزال في بدايته.
صُدِمنا من حِديّة الطرح الذي يقفز على ما ارتكبته الولايات المتحدة في العراق. وقد تجادلنا معه حول أهمية التركيز على إخراج الأميركيين من العراق. فكان جوابه أن العرب السنة لا يمتلكون القدرة على إلحاق هزيمة بالولايات المتحدة بينما يتعرّضون للتطهير الطائفي وتصادر منازلهم وأحياؤهم بالكامل، إلى الدرجة التي تغيّرت فيها هوية بغداد نفسها.(55/91)
وفقاً لـ"أبو عزام" فإنّ الصحوات هي نتيجة "مراجعة" قاسية وجذرية قامت فيها فصائل "المقاومة" العراقية بعد سنوات من القتال والصراع مع الأميركيين، وصلت بعدها إلى أنّ المستفيد الرئيس من الحال الراهنة على المدى البعيد هو إيران، بينما يقع العرب السنة بين مخالب الإيرانيين والقوى التي تدور في فلكهم من ناحية والقاعدة وأيديولوجيتها العدمية من ناحية أخرى والمواجهة مع أقوى قوة عسكرية في العالم "الولايات المتحدة" من ناحية ثالثة.
بناءً على هذه المراجعة، كما يقول "أبو عزام"، قررت قوى سنية رئيسة العمل على تغيير المعادلات السياسية والأمنية والتعامل بنوع من الواقعية الحقيقية وتحكيم العقل بدلاً من الانجرار وراء شعارات كبيرة ستؤدي إلى خسارة العرب السنة بغداد وبيوتهم وأحياءهم، بعد أن خسروا الحكم بعد الحرب الأخيرة.
للأمانة؛ أثار هذا الحديث ووضوح الرؤيا لدى "أبو عزام" في شجوني جملة من التساؤلات. كيف لي كعربي مؤمن بعروبة ووحدة العراق ومعارض لأي احتلال في العالم أن اتفق مع من يقول بأن بقاء الاحتلال الأميركي الآن هو في صالح العرب السنة؟! وفي الوقت نفسه أدرك أن الحديث باستخدام تعبيرات كبيرة مثل "مقاومة الامبريالية" هو وإن كان سهلا وشعبويا إلا انه لا يلتقط أين تكمن مصالح العراقيين. ثم هل يجوز لي أن أحدد للعرب السنة في العراق أين هو مصدر التهديد الرئيسي بالنسبة لهم؟! وهل أُخوّنهم؟ وإذا فعلت الأخيرة.. فماذا بقي من تعدديتي التي ما انفككت الحديث عنها كقيمة عليا وصحية لأي مجتمع!
الحقيقة أن الحديث مع "أبو عزام" مثّل تحدياً بالنسبة لجملة من المسلمات التي أؤمن بها، وعلى رأسها ما نسميه في العلوم الاجتماعية بـ"العلاقة السببية"؛ فالوضع العراقي هو نتاج غزو أميركي أدى إلى تفكيك الدولة وأخفق في إعادة بنائها، ما فتح المجال أمام إيران للتغلغل والعبث في طبيعة العراق.(55/92)
لو كنت إيرانيا لوجدت أن مصالحي تكمن في تقسيم العراق وإضعافه، حتى في ظل قيادة شيعة العراق؛ لأنّ ذلك يعطي إيران ميزة إستراتيجية هي أحوج ما تكون لها، أي النفوذ السياسي وتوظيف الدين في سبيله في المنطقة، بينما وجود عراق قوي وموحد، حتى وإن كان يحكمه الشيعة، فإنه على المدى البعيد يشكل منافساً لإيران، ويعيد الاعتبار لـ"شيعة العرب" في مواجهة القومية الفارسية، أو ما تمّ الاصطلاح عليه بـ"الصراع الخفي بين النجف وقم".
هل سيؤدي اندثار الاحتلال الأميركي للعراق إلى جعل العراق في وضع أفضل أم أسوأ؟ بكل تأكيد، سيكون الجواب منسجما (مع) ومستمدا (من) موقع المجيب. فبالنسبة للقاعدة، على سبيل المثال، فإن الوضع سيكون أكثر من ممتاز. أما إيران فستوظف القوى الموالية وتفوقها الإقليمي للمضي في أجندة لا تتحقق إلا على حساب السنة.
أما بالنسبة لـ"أبو عزام" فإنّ الانسحاب الأميركي حالياً، وإن كان مطلوبا، فلن يفيد عرب السنة. فالمطلوب هو "توظيف الاحتلال الأميركي لسحق الاحتلال الإيراني وتثبيت عرب السنة في بغداد".
أتفهم جيدا ما طرحه "أبو عزام" وأعطيه الحق بتحديد مصادر التهديد التي يراها تحيق بالعراق وعرب السنة، لكن المشكلة في طرحه هي غياب المشروع السياسي والاستراتيجي، كما قال أحد الزملاء الحضور. فهذه الرؤية، وإن كانت تنطلق من معاناة واقعية يومية، كما يصف "أبو عزام"، فإنّها لا تجعل من "الصحوات العراقية" رافعة لعمل وطني لمقاومة الاحتلالين وبناء دولة بأسس حديثة، ولا تضمن في الوقت نفسه أن يكون توظيف الاحتلال الأميركي لها أكبر في سياق الخروج من مأزقه الكبير في العراق، ذلك المأزق الذي فجّر الأسئلة الملغومة ليس في العراق وحده، بل في المنطقة بأسرها!
ماء النار!
سميح المعايطة - الغد
2/1/2008(55/93)
في الذاكرة العربية والعراقية مواعيد وأيام أصبحت خاصة بالقضية العراقية. فالأيام الأخيرة من كل عام أصبحت موعدا لذكرى إعدام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، وهو إعدام تجاوز أبعاده السياسية، ولم يذكره الناس باعتباره تم في عهد الاحتلال الأميركي فحسب، بل جاء مناسبة ليشير إلى حجم النفوذ الفارسي والعقلية الثأرية، ويحمل شهر نيسان ذكرى احتلال بغداد، أما آذار فيحمل في يومه العشرين بداية الحرب والعدوان.
مع مرور السنوات يقل التوقف عند الذكريات والمواعيد، لكن من المؤكد أن واقعا صعبا ومريرا أصبح أهم من الذكريات الرقمية. وقائع أنتجت تحالفات وفكرا وانقسامات، حتى لو غادر الاحتلال فإن هذه الوقائع أصبحت جزءا من تضارب الجسد العراقي، ولا ندري إن كانت هذه التضاريس قابلة للتغيير.
في اليوم الأخير من العام الماضي جمعنا بعض الأصدقاء مع احد قادة المقاومة العراقية، الذي تحول مع مجموعة كبيرة من القوى إلى ما يسمى بـ"مجالس الصحوة" التي أسستها العديد من قوى المقاومة والعشائر السنية؛ وضمّت مجموعات من المقاتلين لحماية مناطق العرب السنة، التي تعرضت للاستهداف الطائفي، هذه المناطق التي فقدت أمنها، بخاصة بعد أن تم تشكيل القوى الأمنية والعسكرية العراقية على أساس طائفي وبغياب أي توازن.
أهم ما في حكاية مجالس الصحوة أنها عبرت عن تحول في القناعات والأولويات لدى العديد من القوى التي كانت تمارس المقاومة ضد الاحتلال الأميركي.
وهذا ما أشرتُ إليه من تضاريس جديدة في جسد الدولة العراقية. فقوى المقاومة، كما يقول احد قادتها، كانت تقاتل نوعين من الاحتلال؛ الأول هو الاحتلال الأميركي والثاني الاحتلال الفارسي بأدواته من القوى العراقية التي تتبع لطهران، ومحصلة المراجعة كانت قناعة هذه القوى أن الخطر الفارسي وعمليات التطهير الطائفي هي الخطر الأول الذي يجب مواجهته.(55/94)
وكما يقول هذا القائد فإنّ الاحتلال الأميركي خطر، لكنه يزول بزوال جيش الاحتلال، أما الخطر الإيراني فهو - كما يقول- خطر على الهوية العربية للدولة العراقية، ولهذا تحولت القناعات، فكانت مجالس الصحوة، التي جسدت حالة أمنية لحماية مناطق السنة بالتعاون مع الجيش الأميركي.
قامت فكرة مجالس الصحوة على التعاون مع الأميركيين لحماية المناطق السنية من الاستهداف الطائفي وتوفير الأمن لسكانها في ظل تزايد النفوذ الإيراني.
من يقرأ ويسمع عن مجالس الصحوة وأرضيتها السياسية والفكرية قد يقبل بالفكرة أو يرفضها، وهذا أمر طبيعي، لكن علينا أن نتوقف عند المكاسب التي تحققت للاحتلال الأميركي الذي وجد المناصرة عند قدومه من قوى شيعية وسنية فتحت له الأبواب ومنحته "شرعية!"، وقامت بعض القوى والميليشيات الشيعية بالتعاون مع إيران بمحاولة تغيير هوية الدولة العراقية والقيام بعمليات استئصال طائفي، ومحصلة هذا فائدة أخرى للاحتلال الأميركي الذي مدت له العديد من قوى المقاومة السنية يدها لتحول أوّلوياتها من مقاومة المحتل إلى حماية نفسها وإنشاء قوى أمنية مهمتها الأساسية حماية مناطق العرب السنة وتوفير الأمن لها.(55/95)
الاحتلال عندما يدخل أي دولة مثل "ماء النار" الذي يصيب وجها بالتشوه والألم، ولإزالة التشوه نحتاج إلى جراحة تصنع تشوهات من نوع جديد، وتصبح الجراحة والقبول بالتشوه الجديد من وجهة نظر أصحابها ضرورية، بل يدافعون عنها. انه الاحتلال الذي مهما تحدثنا عن مأزقه فإنه صنع أيضا مأزقا للآخرين، وهو في بحثه عن مصالحه يبدل صداقاته وعلاقاته ومعادلاته. احد قادة مجالس الصحوة ذكر معلومة اعتبرها من انجازات فكرة الصحوة وهي عودة المهاجرين من أبناء بعض مناطق بغداد إلى بيوتهم، وذكر أنّ قرابة (100) ألف من الأشقاء العراقيين قد عادوا إلى بلادهم من الذين تواجدوا في الأردن، وهذه المعلومة إذا تأكدت فإنها تشير إلى أمر هام سواء ارتبط بمجالس الصحوة أو غيرها.
"نحن أدرى بظروفنا" و"نحن الذين نكتوي بالنار ويُقتل أبناؤنا على البطاقة الشخصية"؛ هذه بعض العبارات التي استمعت إليها، وبعض الزملاء، في تبرير القناعات الجديدة التي أفرزت فكرة مجالس الصحوة. أما نحن الذين في الخارج فسيقبل بعضنا بمبررات رجال الصحوة، وسيرفضها بعضنا، على قاعدة رفض أي تعاون مع الاحتلال، أو رفضا لقناعة أهل الصحوة بأن الخطر الإيراني اكبر من خطر الاحتلال الأميركي.
استقالوا من السياسة فهربوا إلى زوايا التصوف
حسين الرواشدة - الدستور
17-12-2007
لا توجد لدينا – في الأردن - جماعات صوفية ناشطة ، لكن يبدو أن الأعوام القليلة الماضية شهدت إقبالا من قبل الشباب المتدين على التصوف، الأمر الذي أعاد لحلبات الذكر، بفرقها وشيوخها وطقوسها المختلفة، نوعا من الحضور، ليس هذا فحسب، ولكننا شهدنا أكثر من إعلان عن مهرجانات حظيت برعاية رسمية وقدمت فيها أناشيد ووصلات غنائية صوفية، مما يذكرنا بالعصور التي كان فيها للمتصوفة، بأشعارهم وموالدهم ومواسم سماعهم، بصمات واضحة في الحياة الثقافية والاجتماعية، وحراك واسع في المجتمع.(55/96)
لسنا في وارد الحكم على تجربة المتصوفة، واستعراض المناخات التاريخية والسياسية التي أفرزتهم، أو - حتى - الإشارة إلى الأدوار الايجابية والسلبية التي اتسمت بها ممارساتهم (دعك من تصوراتهم وأفكارهم) ومدى أثرها على المجتمع والدين أيضا، ولكننا - بدافع الفهم فقط - نريد أن نتساءل عن سر انسحاب بعض الشباب المتدين من مهادات العمل الإسلامي، بمفهومه الحركي والسياسي، ومن إغراءات الوعي الذي مثله ما كان يسمى بالصحوة الإسلامية، إلى مهادات التصوف وإغراءات العرفان بما يرافقهما من اعتزال السياسة، وربما العمل، ومن العزلة عن المجتمع وهمومه والزهد في الحياة وقطع الصلة بالدنيا لإدامتها مع الآخرة فقط.
لدي - بالطبع - العديد من الأسباب التي استأذن في تحريرها هنا، منها:خيبة الشباب المتدين بما قدمته الحركات والجماعات المحسوبة على العمل السياسي والدعوي الإسلامي من انجازات، وشعورهم بالإحباط من الدور الذي يمكن أن يقوموا به في مثل هذه الظروف المعقدة التي انزوى فيها الفعل الإسلامي بعيدا عن جماهيره (لا تسأل عن الأسباب والمبررات؟). ومنها أن هذه الحركات فشلت في استقطاب هؤلاء الشباب ولم ينجح خطابها في الوصول إليهم ناهيك من التأثير بهم.
ومنها - أيضا - أن الحروب التي أعلنت تحت لافتة مواجهة التطرف أو الإرهاب، والمضايقات التي بدأت تتصاعد ضد ما يسمى بالإسلام السياسي أقنعت هؤلاء الشباب بالبحث عن ملاذات دينية آمنة ، تحفظ تدينهم وتبعدهم عن دوائر الشكوك ومصائر المحنة المتوقعة.(55/97)
ومن الأسباب - أيضا - أن الطلاق الذي أشهره كثير من الشباب، المتدين وغير المتدين على السياسة ، وعزوفهم عن ممارستها والمشاركة فيها قد ساهم في إلجاء المتدينيين منهم إلى التصوف (دعك الآن من التطرف الذي انحاز له البعض) ، كخلاص فردي أولا ، وكاحتجاج على الواقع وهروب منه ثانيا، كما الجأ غير المتدينين إلى البحث لدى أحزاب الطرب واللعب واللهو بأنواعه عما يمكن أن يملأ عليهم فراغهم.
من الأسباب أيضا أن الإغراءات الروحية التي يقدمها المتصوفة دفعت بعض الشباب إلى التجربة والمغامرة، ولكنهم حين سلكوا الطريق وذاقوا عرفوا، وأرادوا أن يزدادوا.. ولا شك بان الذين عرفوا التصوف - كتجربة - يدركون ما تقدمه هذه المهادات الدينية الروحية من مضامين وما تستخدمه من أدوات للاستقطاب والتغلغل في وعي المريدين وإدامة حضورهم وشهودهم لملء الزوايا.
أخشى ما أخشاه - مع الاحترام للتجربة الصوفية ودورها النضالي ضد الاستعمار والتربوي والجمالي أيضا - أن تكون ظاهرة انسحاب الشباب المتدين إلى الزوايا دليلا على فشلنا في تحريرهم من العزلة واليأس والخوف، وعلى عجز أحزابنا ومؤسساتنا السياسية عن إطلاق واستثمار طاقاتهم ودمجهم في العمل بأنواعه، وعلى استغراقنا - جميعا - في البحث عن مخرج من أزماتنا وواقعنا ، بالهروب إلى الغيب أو المجهول ، أو - حتى - بعمارة الآخرة على حساب عمارة الدنيا.
بين التصوف والتطرف
حسين الرواشدة - الدستور
استطرادا لمقالة نشرت في هذه الزاوية قبل عطلة العيد حول الشباب الذين استقالوا من السياسة فهربوا إلى زوايا الصوفية، وردتني العديد من الرسائل والمهاتفات التي تعلق على المسألة من وجهات نظر مختلفة، وأنا - هنا - استأذن في نشر بعض ما تضمنته من ملاحظات.(55/98)
إحداها من أستاذ في فلسفة الجمال والتصوف يرى أن الصوفية نهضت بدور هام في عالمنا العربي والإسلامي، سواء من جهة التربية التي يتلقاها المريدون من شيوخهم ، أو من جهة إبراز الجمال في فكرنا الإسلامي الذي اتسم - للأسف - بالمبالغة في الجدية والتجهم والاهتمام بالجلال على حساب الجمال، لكنه يشير إلى مخاوف كثيرة من وراء هذا الهروب ، من أبرزها أن يكون تعبيرا عن اليأس والإحباط اللذين يشعر بهما الشباب المتدين بسبب الانسدادات السياسية والاجتماعية التي تعاني منها مجتمعاتنا، أو أن يكون انسحابا إلى مهادات العزلة والانفصال عن المجتمع احتجاجا أو رفضا لما يحدث فيه، والشباب هنا لا يفهمون من التصوف إلا ما يسد الفراغ الذي يشكون منه ، وبالتالي فان تصوفهم مجرد مغامرة مؤقتة أو تجربة عابرة لا يكتب لها الاستمرار، ويرى أن التشجيع على التصوف من قبل بعض الحكومات جاء بدافع محاربة التطرف أو المفاهيم الجهادية التي تأثر بها الشباب في العقود الأخيرة ، وقد غاب عن البعض أن التربية الصوفية التي تقوم على فكرة الجهاد النفسي - أصلا - قادرة على إنتاج جيل مستعد للتضحية، وبان التجربة الصوفية في الجهاد - سواء في ليبيا أو السودان أو شمال أفريقيا ولاحقا العراق - أثبتت أن لدى المتصوفين الاستعداد لمواجهة المحتلين أكثر من غيرهم من أتباع الحركات والجماعات التي تعمل تحت لافتة الإسلام السياسي.(55/99)
ملاحظة أخرى من أحد القراء يقول فيها أن الشباب المتدين أصبح أمام خيارين: التطرف أو التصوف ، وكلاهما يعبر عن منهج من الغلو بشكل أو بآخر، والأفضل أن ننهض بخطاب إسلامي معتدل ومتوازن يفسح المجال أمام الشباب لتصريف طاقاتهم والتعبير عن أنفسهم والمشاركة في مجتمعاتهم ، ويضيف بان تجارب الجماعات والحركات الإسلامية لم تنجح في جذب جمهور الشباب، وبان ثمة مبالغة عند الحديث عن إقبال المتدينين على زوايا التصوف، فاغلبهم استقال من السياسة ومن هذه الجماعات والحركات أيضا ، وهو يخشى أن يكون التطرف - بأحزابه المختلفة - قد اصطادهم.
ملاحظة ثالثة من شاب دخل إلى عالم التصوف منذ نحو سنة بعد أن ظل عاطلا عن العمل خمس سنوات يقول فيها: إن أدبيات الصوفية التي تقوم على الزهد والتقشف وتطهير النفس من شهوات الدنيا قد جذبته ، وانه اقتنع أخيرا أن أفضل وآمن طريق هو الطريق الذي يعبده المشايخ المتصوفون لمريديهم حتى يصلوا إلى الجنة ، وهي - كما يضيف - الدار الباقية التي يتمناها كل مسلم ، وقد شعرت ولأول مرة في حياتي بالراحة النفسية وبعلاقاتي القوية مع الخالق عز وجل ، وما دمت - والكلام ما زال للقارئ العزيز - لم احصل في هذه الدنيا على أي شيء كنت أتمناه فلماذا اخسر الآخرة أيضا ، ثم ما لي والسياسة وما لي وهذه العوالم المتناقضة..؟؟ أنا أريد أن ارضي الله واعمل لآخرتي فقط.(55/100)
ملاحظة أخرى وردت من أستاذ في الشريعة يرى فيها أن صور التدين المغلوط والمغشوش انتشرت في مجتمعاتنا الإسلامية وتجد من يشجعها أيضا ، وهي تعبر عن أزمة فكرية واجتماعية نعاني منها ، ويضع مسؤوليتها على الخطاب الديني والسياسي والفكري والتربوي الذي أنتجته النخب ، لكنه يضيف بان الطلب المتزايد على الإسلام - وهو في تصاعد - وتمدد حالة التدين - وهي تختلف عن الصحوة - لم يقابلهما عرض مناسب للإسلام ولا قنوات متاحة لتصريف طاقات الشباب ، مما أفسح المجال لبروز طبقة أو"نخب" استثمرت هذا الطلب وحاولت أن تتعامل معه بمنطقها وبما يخدم أهدافها ..الخ ، وينصح القائمين على إنتاج خطابنا الإسلامي تحديدا بتوجيه الشباب وإقناعهم بحقيقة الإسلام ، دين العمل والمشاركة والإنتاج والاعتدال ، وعمارة الآخرة مرورا بعمارة الدنيا أولا ، وعندها سيكون أمام الشباب الوعي اللازم للاختيار بدل أن يجدوا أنفسهم أمام خياري: التطرف أو التصوف فقط.
هل أصبح بوش متصوفا؟
د. زكريا سليمان بيومي
المصريون 16/12/2007
لم يكن جديداٌ أن نسمع عن اهتمام أحد السياسيين الغربيين بمتابعة احتفالات المتصوفة بمولد أحد العارفين بالله مثلما فعل فرانسيس ريتشاردونني السفير الأمريكي، فقد سبقه إبان الاحتلال البريطاني لمصر إدوارد لين الذي داوم علي حضور مثل هذه الموالد وكتب عنها كتابه المشهور "المصريون المحدثون عاداتهم وشمائلهم".
لكن الغريب والجديد هو إعراب الرئيس الأمريكي المؤمن جورج بوش الابن عن إعجابه بشعر أحد أقطاب التصوف وهو جلال الدين الرومي واستشهاده ببعض من هذا الشعر في إحدى لقاءاته مع الجالية الإسلامية.(55/101)
ومما يثير الدهشة والانتباه في هذا المشهد الصوفي البوشي أنه يعجب بشاعر إيراني، فهل كان بوش علي علم بأن جلال الدين الرومي هو جد قديم ومعلم لشعب يعتبره بوش الآن من محاور الشر؟ وهل يدري بوش أنه يجهز لضربة عسكرية تسعي لإبادة أحفاد جلال الدين الرومي الذي ينال إعجابه؟ لعلنا نتفق مع ما كتبه الدكتور نصار عبد الله في اعتبار ذلك نكتة العام.
وقد يفرض هذا أن نراجع أنفسنا عن سر ارتباط السياسيين في الشرق والغرب بالمتصوفة ، لا التصوف، فهذه الطرق قد نشأت واتسع نطاقها في ظل النظام الإقطاعي، ورأي أقطاب هذا النظام في انتشارها واتساع تأثيرها ما يعينه علي الحفاظ علي مكانته ومكاسبه ، ولهذا سارع الإقطاعيون إلي العمل علي استمرارها ودعم شيوخها فبنوا لهم الأربطة والخانقاوات ومنحوهم العطايا والهبات حتى تنجح طرقهم في أن تجتذب إليها جموع الكادحين وترسخ بينهم ترك الدنيا إلي الآخرة فتحمي الإقطاع من إمكانية الثورة والسعي للتغيير من خلال الرضا بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل . وحتى إدوارد لين الكاتب الإنجليزي العاشق للطرق الصوفية فقد علق في كتابه أن الاستعمار الإنجليزي سيظل لفترة طويلة في مصر ما بقي هذا الفكر أو هذه القناعات سائدة وراسخة لدي عامة شعب مصر.
وقد استمر الكثير من السياسيين في استخدام المتصوفة في لعبة السياسة كأن يعلن أحد كبار الملاك انتماءه لاحدي الطرق الصوفية كالدمرداش باشا ومن بعده ابنته قوت القلوب الدمرداشية، وكذلك بعض أقطاب حزب الوفد الليبرالي التوجه.(55/102)
وحتى حين تولي الثوار العسكريون السلطة في مصر واصطدموا بأصحاب الفكر الإسلامي الشمولي الحركي ممثلا في جماعة الإخوان المسلمين تقربوا من الصوفية معربين للشعب عن أنهم لا يعادون الدين الإسلامي بل يعادون من يريد استخدامه في الميدان السياسي ، فعيّن المشير عامر نفسه في المجلس الصوفي الأعلى ، ثم أقلع عن الفكرة وعيّن أحد أتباعه وأقربائه وهو الشيخ علوان كرئيس لهذا المجلس . ثم دمج الكثير من الطرق الصوفية في صفوف الاتحاد الاشتراكي العربي مستفيدا بشعبيتها ولكي يكونوا أداتهم في السيطرة .
الأحزاب الشيعية والمرجعية في العراق ولبنان
الدكتور فؤاد إبراهيم (كاتب شيعي سعودى)
موقع راصد الشيعي 28 / 12 / 2007م
حققت فتوى السيد محمد كاظم اليزدي في مطلع القرن العشرين والقائلة بأن «عمل العامي بلا احتياط أو تقليد باطل» ذروة المجهود التراكمي للفقيه الشيعي على امتداد عشرة قرون، أي بحسب العقيدة الشيعية منذ بدء الغيبة الكبرى للإمام المهدي عام 329هـ.
أسست الفتوى لسلطة الفقيه الشيعي على المستويين الديني - الاجتماعي والديني ـ السياسي، وبذلك أرست الفتوى لعلاقة دينية شديدة الإحكام بين فئتين: «المجتهدين» و«المقلّدين»، فبينما بقيت النجف الأشرف بحوزتها الدينية التقليدية حاضنة لمرجعية عليا كرّست انشغالاتها الذهنية والمدرسية في تبليغ الأحكام الفقهية العبادية، فيما اجترحت قم بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 درباً آخر ينزع نحو تخويل الفقيه سلطة إضافية اكتسبت أهميتها من خلال أطروحة ولاية الفقيه كما نظّر لها الإمام الخميني منذ كان في منفاه بالنجف الأشرف عام 1969.(55/103)
وبمعنى ما، جسّدت المرجعية في تمظهراتها الاجتماعية والسياسية إطاراً سلطوياً نهائياً، يخترق المجال الحيوي للفرد والمجتمع معاً، ويفضي إلى إعادة إدراج الجمهور الشيعي في صيغ تحالفية تتوسل بإملاءات فقهية صارمة، تسمح بتعزيز سلطة الفقيه ونفوذه الاجتماعي والسياسي. وإجمالاً، حظي الفقيه الشيعي بسلطة روحية وسياسية واجتماعية على مقلّديه، وساهم المنجز الثوري الإيراني في ترسيخ تلك السلطة.
بالنظر إلى العمل السياسي في الفضاء الشيعي، شهد القرن الماضي تجارب حزبية شيعية انطلقت خارج عباءة المجتهد الشيعي، بل خضعت تلك التجارب تحت تأثيرات تجارب حزبية أو حركية سنية، مثل حزب التحرير في الأردن والإخوان المسلمين في مصر.
في واقع الأمر، أن الحوزة الشيعية في النجف ممثلة في مرجعها الأعلى «الحكيم والخوئي مثلاً» نأت بنفسها وأتباعها عن الانخراط في العمل السياسي، اعتقاداً منها بأن السياسة تنطوي على مصادر تهديد بالغة الخطورة على الحصن الحوزوية.
الموقف السلبي التسليمي للحوزة الشيعية قابله حراك سياسي مدني ناضل من أجل تحريك الساكن الشيعي عبر قنواته التقليدية «الحوزة ومشتقاتها»، ولكن دون جدوى، مما اضطر الناشطين الشيعة المتأثرين بالأدبيات الحركية السنية للاستعانة بالطبقة الثانية في النظام المراتبي الحوزي، طمعاً في اختراق المجال الحيوي لسلطة المرجع، في محاولة لاستقطاب قدر من التأييد الشعبي، وهو ما قامت به حركة ما يسمى بالنهضة أو الشباب المسلم التي تأسست كأشكال بدائية للعمل الحزبي الشيعي في بداية الأربعينيات من القرن الماضي.
إن أول اختبار جدّي للعمل الحزبي الشيعي يمكن الوقوف عنده كان في عام 1958 حين استيقظت المرجعيات الشيعية في النجف وكربلاء على ارتطامات متواصلة للموج الشيوعي الذي تسلل إلى داخل الحوزة، واختطف عدداً من رجالها.(55/104)
وكرد فعل، عقدت المرجعيات الشيعية العليا «السيد محسن الحكيم، والسيد مهدي الحسيني الشيرازي» لقاءً عاجلاً أسفر عن صدور الفتوى المشهورة «الشيوعية كفر وإلحاد»، وفي محاولة للتصدي لما أطلق عليه بـ «المد الأحمر» وردت فكرة العمل الحزبي، في سياق قناعة طارئة بأن سرّ نجاح المد الشيوعي يكمن في تنظيمه، ولابد من مجابهته بنفس الأداة. بيد أن الاتفاق على سلاح المواجهة لم يكفّ الخلاف على من يحمله، والمدى الاجتماعي والسياسي الذي يمكن بلوغه.
تباينت وجهات النظر حول علاقة المرجعية بالعمل الحزبي في هذا اللقاء، وبخاصة بعد أن أوكل الحكيم والشيرازي إلى الطبقة الثانية المؤلّفة من أبنائهم والمقرّبين الحميميين منهم أمثال السيد مهدي الحكيم والسيد محمد باقر الصدر والسيد محمد مهدي الشيرازي وآخرين.
وهنا ينشق الجدل عن افتراق حقيقي مازلنا حتى اليوم نعيش تموّجاته على خلفية سؤال العلاقة بين المرجعية والعمل الحزبي. فبينما قرّرت المرجعية طواعية النأي عن أي عمل حزبي علني مع الاكتفاء بتوفير الغطاء الشرعي لها، نزع، في المقابل، اتجاه السيد محمد مهدي الشيرازي وإخوانه وأتباعه إلى انضواء الحزب داخل فضاء العمل المرجعي، فيما أعلن عن ولادة حزب الدعوة عام 1958 باستقلالية سياسية شبه تامة عن سلطة المجتهد.
تمظهرات الخلاف بين أفراد الطبقة عكسها كتاب السيد حسن الشيرازي «اغتيل عام 1979» بعنوان «كلمة الإسلام» الصادر سنة 1963.
يعقد الشيرازي في كتابه مقارنة بين ثلاثة أنواع متضاربة من الحركات: الفردية والعلمائية والحزبية. وخلص إلى أن القيادة السياسية في المجتمع الإسلامي موكولة إلى مرجع التقليد، إسقاطاً للعقيدة الشيعية القائلة بأن القيادة نابعة من الإرادة الإلهية ومن جوهر الإسلام. فيما كان المرجع السيد محمد الشيرازي يميل «قبل المرحلة الإيرانية» للاعتقاد بأن الأحزاب الإسلامية موجّهة لتدمير المشروع الإسلامي فكرياً.(55/105)
سنلحظ خلال سيرورة حزب الدعوة منذ نشأته وحتى تشظيه في نهاية الألفية الثانية، أن الانشقاقات الحاصلة في داخله كانت تتم على خلفية مشروعية العمل الحزبي منظوراً إلى تمثّل ولاية الفقيه أو المرجعية، وحتى الانشقاق الأول الذي قاده السيد سامي البدري، الذي برز كقائد لجناح حزب الدعوة في منطقة الكرادة الشرقية في بغداد خلال عامي 1965 ـ 1966 كان يدور حول انخفاض حصة العلماء في القيادة إلى جانب اختراق الأفكار السنيّة لأدبيات الدعوة.
الانسحابات المتواصلة من هرم القيادة الدعوية منذ انسحاب السيد محمد باقر الصدر والأخوين السيد مهدي الحكيم والسيد محمد باقر الحكيم عام 1962، ثم فقيه الدعوة السيد محمد كاظم الحائري عام 1988 وصولاً إلى انسحاب قائد حزب الدعوة الشيخ محمد مهدي الآصفي وعدد من العناصر القيادية في نهاية التسعينيات من القرن الماضي، أحدثت ـ الانسحابات هذه ـ ارتجاجات عنيفة في بنية الحزب وأعادت إحياء مقولة «حزب الأفندية» التي لاحقت الحزب منذ ولادته.
مثّل سقوط بغداد في التاسع من أبريل 2003 حدثاً إنقاذياً لحزب الدعوة بعد مسلسل الانفلاشات المتواصلة في بنيته التنظيمية، وكان انتقاله إلى العراق بعد سقوط الدولة فيه انفراجاً حقيقياً على المستويين السياسي والحزبي. عاد الحزب للإبحار في مياهه الإقليمية دون عبء الرعاية الخارجية، وبعيداً عن مركز جاذبية ولاية الفقيه التي رهنت نشاطاته السياسية خلال عقدين من الزمن وخلخلت شبكته التنظيمية.(55/106)
كان انتقالاً تاريخياً عبره الحزب بقليل من العناء وبكثير من المكاسب، فقد دخل إلى الساحة العراقية بمجده القديم ووصل إلى سنام السلطة السياسية بعامل خارجي، وفي الوقت ذاته بمباركة مرجعية غير مكلفة سياسياً ودينياً وشعبياً. فمرجعية النجف ممثلة في السيد علي السيستاني ليست مناصرة لأطروحة ولاية الفقيه، بل تمثّل امتداداً للخط المرجعي التقليدي الذي يكتفي بولاية حسبية تقتصر على فئات اجتماعية بأوضاع خاصة مثل القصّر والأيتام أو مصالح عامة مثل الأوقاف.
لاشك أن قدرة الدولة على فرض منطقها، بالنظر إلى أن مشروع الدولة العراقية حالياً منجز خارجي لم تشارك المرجعية الشيعية فيه، سمحت للحزب الشيعي العمل في مساحة مناورة محررة من سلطة الفقيه، الذي بدا هو الآخر متسامحاً إلى حد كبير بموجب رؤيته الفقهيه الخاصة وكذا خصائص ذاتيه غير مغفولة.
تجربة الدولة العراقية الجديدة تعكس وجهاً جديداً للعمل الحزبي الشيعي يتناقض كلياً مع التجربة الإيرانية التي أطلقت سلطة الفقيه إلى خارج فضائها الجغرافي بحسب فحوى «ولاية أمر المسلمين»، التي تخوّل الفقيه، نظرياً على الأقل، سلطة على أتباع المرجعيات الشيعية الأخرى، وهي سلطة عابرة للحدود.…
وتنبىء التجربة الحزبية الشيعية الوليدة في العراق عن انحسار تدريجي لظل ولاية الفقيه، مع إبقاء المرجعية الشيعية كمظلة روحية وتوحيدية بالغة الضرورة في حوادث كبرى مثل تفجيرات مرقدي الإمامين الهادي والعسكري في سامراء.
وبطبيعة الحال، فإن تجربة التيار الصدري هي الأخرى تلفت إلى إمكانية تطوّر عمل سياسي مشتق من داخل الحوزة أو من المجتمع الديني الشيعي ولكنه غير خاضع لتأثيرات ولاية الفقيه، مع دعوى الارتباط المفتعل بين تيار مقتدى الصدر وإحدى المرجعيات الشيعية المغمورة، مثل السيد محمد كاظم الحائري. وفي واقع الأمر، أن السيد مقتدى الصدر هو المرجعية الحقيقية بالمعنى السياسي والروحي.(55/107)
في لبنان، تمثل حركة أمل التي نشأت كمقاومة مدنية ذات أبعاد اجتماعية وسياسية بالدرجة الأولى، نموذجاً لكائن حزبي شيعي غير متصاهر بنيوياً أو فقهياً مع المرجعية الشيعية، وإن مثّلت قيادة السيد موسي الصدر للحركة رمزاً دينياً وشعبياً.
ومنذ اختفاء الصدر في نهاية السبعينيات، لم تواجه حركة أمل بقيادة رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري إشكالية مشروعية العمل السياسي، وفيما أشعلت الحرب الأهلية أسئلة عديدة حول المصير البيولوجي للجماعات المتنازعة، فإن سؤال المشروعية من بين أسئلة أخرى لم يكن مطروحاً.
ولا ننسى خاصية الفضاء اللبناني في كونه مفتوحاً على علائقية شديدة المرونة مع دواخله، إن على مستوى العمل الحركي أو مستوى التحالفات الداخلية أو مستوى العمل السياسي الوطني، وبالتالي فإن إشكالية رجل الدين والأفندي التي أثيرت بكثافة في العراق لم تكن واردة في لبنان، إلى جانب نشأة حركة أمل المدينية وابتعادها عن معاقل التشيع التقليدي الذي جعلها في مأمن من الخضوع لامتحان التواشج المرجعي.
وبطبيعة الحال، فإن ولادة حزب الله في عام 1985، بعد ثلاث سنوات على الاجتياح الإسرائيلي للبنان، لم تستكمل إلا بعد أن قضمت من الحصة التنظيمية لحركة أمل، ليس كناتج إشكالي عاشته الأخيرة حول مشروعية ولا مشروعية العمل السياسي بقدر ما هو نتاج لتحول داخلي، ترجمه مشروع المقاومة لا مشروعيتها.
ارتباط حزب الله بأطروحة ولاية الفقيه، وامتثاله لمملياتها وإن أخذ طابعاً دينياً إلا أنه يتغذى على أجندة سياسية غير مكتومة، بما يدرجه في شكل تحالف سياسي، مع التذكير بشيخوخة حركة أمل وترهّل شبكتها التنظيمية وفقدانها المبادرة المرتبطة بمعترك نضالي لافت.(55/108)
في كل الأحوال، إن تآكل الجسد التنظيمي لحركة أمل ليس ناشئاً عن افتقارها للغطاء المرجعي، وإن حرصت قيادة الحركة على تنشيط قنوات التواصل مع الرموز الروحية الشيعية في لبنان وخارجه، ولكن تآكلها عائد لغياب قيادة كاريزمية من عيار السيد موسى الصدر، أو قيادة منجز مثل السيد حسن نصر الله.
لقاء مع الخالصي
موقع الإسلام اليوم - محمد حسين - 4/12/1428
[هذه مقاطع من مقابلة أخرى مع رمز شيعي معتدل! لكن طرحه لا يختلف عن طرح غلاة قومه!! الراصد]
* في سياق الحديث عن تقسيم العراق،إلى أي مدى وصل مخطط تقسيم العراق؟…
أتوقع وأتمنَّى وأدعو وأعمل على منع تقسيم العراق؛ لأنه إذا حصل فمعنى ذلك أن المخطط الأمريكي–الصهيوني قد نجح في إيجاد الشرق الأوسط الجديد, والتقسيم- إن حدَث- فلن يقف عند حدود العراق فقط, بل سيطول العديد من الدول المجاورة وأولها إيران.
ومشروعنا في مواجهة التقسيم هو رفض مخطط الاحتلال السياسي منذ البداية والدعوة إلى مشروع وطني موحد, وهذا الذي سبق أن عبّرنا عنه باسم المؤتمر التأسيسي. ( أليس دعاة التقسيم في العراق هم القيادات الشيعية !! الراصد )
* إذا انتقلنا إلى محور آخر, ألا تعتبر أن التقارب الإيراني–الأمريكي الذي شهدناه مؤخرًا يصبّ في خانة تقسيم العراق, ودعم الاحتلال مقابل مكاسب محدودة قد تحصل عليها إيران؟…
هذا التقارب ينعكس بشكل سلبي على العراق وعموم المنطقة، وعلى مشروع الوحدة الإسلامية بين السنة والشيعة, وقد نصحنا الإيرانيين ألا يعالجوا خطأ دعمهم للعملية السياسية بخطأ أكبر وهو الحوار مع الولايات المتحدة الأمريكية، إذ سيعطى هذا صورة عن تعاون إيراني مع الاحتلال للحصول على بعض المغانم السياسية الضيقة، وهذا القصور هو أخطر ما يواجه مشروع وحدة الأمة في مواجهة المشروع الصهيوني الأمريكي. ( كل هذه الجرائم قصور! الراصد).
* وبرأيك ما هو البديل أمام إيران، وهى تواجه تضييقًا أمريكيًّا ودوليًّا؟(55/109)
نحن نعلم جميعًا أن الثورة الكبرى قامت في إيران على أساس التخلُّص من الشيطان الأكبر, فلا يمكن أن يكون طوق نجاة إيران هو الشيطان الأكبر ذاته، فعليهم أن يتوكلوا على الله سبحانه وتعالى, وأن يوحّدوا سعيهم في الداخل ويتجهوا نحو أبناء الأمة الإسلامية.…
وقد بدأ في الأفق تقارب إيراني–عربي, وهى خطوة ستكون مشفوعة بالحوار السني–الشيعي مع تأكيدنا على أن إيران لا تمثل شيعة العراق أو كل الشيعة في العالم. لكن يبقى في النهاية أن التقارب العربي الإيراني خطوة في الاتجاه الصحيح, ونتمنَّى من الدول العربية أن تتنبه إلى مخاطر التخندق الطائفي في المنطقة على أساس إجماع دول عربية معتدلة، وهى دول سنية، في مواجهة إيران الشيعية وحلفائها في المنطقة.
ولاشك أن المخطط الصهيوني يغزّى الاتجاه السابق، فإسرائيل تعيش على هذا الأمل؛ لأنها تخشى من مواجهة الأمة موحدة، ولا تقبل دعمها للشعب الفلسطيني, لأنها لن تجد سوى المصير الذي وجدته في لبنان.
* هناك العديد من التقارير بدأت تخرج لتكشف عن قيام ميلشيات شيعية- بالتعاون مع الاحتلال- بإبادة السنة؟
هذا وصف مبتور وتفسير يريده الاحتلال؛ فالذين تعاونوا مع الاحتلال من الشيعة لم يعودوا شيعة، كما أن الذين تعاونوا مع الاحتلال من السنة لا يمكن اعتبارهم سنة. لذلك فالقول: إن الشيعة تعاونوا مع الاحتلال، هو قول مغلوط؛ إذ يوجد من الطائفتين من تعاون مع الاحتلال، وقاموا بعمليات تطهير عرقي إجرامي بالتعاون مع هذا الاحتلال.(55/110)
كما أن ما قامت به القاعدة أمر معلن، إذ أصدرت قياداتها بيانات تعلن فيها قتل الشيعة على الهوية على اعتبار أنهم روافض, في المقابل أيضًا نشأت فرق الموت بدعم من الاحتلال لقتل السنة على الهوية\ن وكلا الفريقين لا يمثلان السنة أو الشيعة ولا يوجد من علماء الشيعة البارزين من باركوا هذه الأعمال، حتى من ساهموا فيها لا يتبنوها كما تبناها الزرقاوي، مثلاً. ( أصبح أهل السنة الضحايا هم المجرمون!! أما من يملك الجيش والشرطة والسلطة ويقتل الآخرين السنة بمباركة المراجع والحوزات ضحايا !! الراصد )
* يفهم من كلامك أن هناك بعض علماء الشيعة يقفون خلف بعض هذه العمليات؟
بعض الشيعة يحاربوننا؛ لأننا كشفنا أعمالهم, وقلنا لهم: إن تعاونهم مع الاحتلال يساهم في الفتنة الطائفية, والذي يمارس هذه الممارسات خرج من الإسلام, وصار أداة من أدوات الاحتلال, ونحن نعتقد أن الذي أثار الفتنة هو الاحتلال وأجهزة استخباراته وشركات الأمن الخاصة وعلى رأسها "بلاك ووتر".
* الحديث عن إثارة الفتن يدفعنا إلى التساؤل عن حقيقة الدور الإيراني في العراق؟
العراق بلد مستباح تلعب فيه جميع أجهزة استخبارات العالم وعلى رأسها الموساد "الإسرائيلي"، فهل تتوقع أن بلدًا مجاورًا مثل إيران لا يتدخل في الشأن العراقي، ولكن غير محبوب بالنسبة لنا أن تلعب إيران هذا الدور, وأنا شخصيًّا أعتبر الدور الإيراني لا يتسم بالحكمة والإيجابية، على الأقلّ في بعض جوانبه مثل الجزء المعلن من هذا الدور, وهو دعم العملية السياسية التي هي في الأساس مخطط أمريكي–صهيوني لتقسيم البلاد.
إضافة إلى أن دعم إيران لبعض أطراف العملية السياسية بدعمها بعض المجاميع التي شاركت في الفتنة الطائفية, فإن بعض الإيرانيين أنكروا بشدة هذا الأمر, وإن كان ذلك ناتجًا بشكل تلقائي من الدعم المتسرع للعملية السياسية وأركانها من دعاة الطائفية المتحالفين مع المشروع الأمريكي.
مخاوف أهل السنة:(55/111)
* لكن هناك تخوفًا لدى السنة من المدّ الشيعي في المنطقة؟
السنة والشيعة عليهم أن يتخوّفوا من المدّ الصهيوني في المنطقة، وعلى كلّ سني أن ينزع الخوف؛ إذ يجب عليه أن يكون شيعيًّا مخلصًا في حبّه لآل البيت، فآل البيت لكل أبناء الأمة الإسلامية وليسوا لطائفة دون الأخرى. وعلى كل شيعي في الوقت نفسه أن يكون سنيًّا صادقًا لأبناء السنة ولنبي الأمة محمد صلى الله عليه وسلم؛ فالعدو هو الذي يخوفنا لكي نظلّ بعيدين عن بعضنا البعض، مستغلين هذه الفرقة لتحقيق مآربهم.
* لكن هناك من علماء السنة من حذّروا بالفعل من أن هلالاً شيعيًّا في المنطقة بدأ يظهر بقوة بعد الانتصار الذي تحقق لحزب الله في جنوب لبنان؟
كلمة هلال شيعي لم تأت من دائرة علمية يعتدّ بها، وإنما صدرت ضمن فعاليات الأزمة التي تصدر للمنطقة بشكل دائم, ونحن نرفض هذا المنهاج بشكل عام, وندعو كل أبناء الأمة إلى التماسك على برنامج النهضة تحت راية الإسلام والانتصار الذي تحقق في جنوب لبنان كان انتصارًا لكلّ الأمة بمن فيهم المسيحيين في جنوب لبنان, والجميع فرح بهذا الانتصار في كافة أرجاء العالم الإسلامي.
أما الأصوات المتشككة أو التي تتخوف من توظيف هذا الانتصار طائفيًا أو التي تحاول توظيفه طائفيًا كلها متهمة في نظري, إما بعدم الوعي أو بالاستغلال من قبل العدوّ بشكل مباشر أو غير مباشر.
وأنا شخصيًّا سوف أؤيد هذا الانتصار وبنفس القوة لو حقّقه المارونيون أو الدروز, فكيف لو حقّقه أهل السنة ضد العدو الصهيوني في فلسطين.
* ولكن هل كل الشيعة بهذا الطرح الذي فهمناه من أرائك؟
بالطبع لا, فلا نتوقع لمجتمع يقدّر بمئات الملايين أن يكونوا على مستوى واحد من الفهم, وإن كان هؤلاء جزء من هذه الأمة, وحين نقرأ عن الإسلام نجده عظيمًا, ولكن حينما يعيش البعض بين المسلمين, ويجد سلوكيات غير إسلامية, فإن البعض قد ينفر من هذا الدين الحنيف.(55/112)
* ولو أمكننا أن نذكر نسبة الشيعة الذين يؤمنون بهذا الفهم, فكم تقدرهم؟
لا أستطيع أن أحدد بالضبط, ولكن هناك كلمة يقولها الإمام علي, رضي الله عنه: "لا تستوحشوا من طريق الحق لقلّة سالكيه", فإذا كان هذا طريق الحق, فعلينا أن نبقى فيه, وأعتقد أن النسبة تتزايد في الاتجاه الصحيح، خاصّة بعد الاحتلال الأمريكي للعراق بعد أن تكشفت للجميع "سنة وشيعة" حقائق عِدّة.
* في إطار آخر, هناك بعض المآخذ التي يأخذها أهل السنة من استخدام الشيعة للتقية, فهل يعتبر أهل السنة التسامح الذي تشيرون إليه في سياق التقية؟
للأسف.. التقية تمّ فهمها بشكل مغلوط ( من الذي فهمها بشكل مغلوط؟؟ الراصد)، وهى في أصلها كما هو معروف في قوله سبحانه وتعالى: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً}. ومن هنا فالتقية مع الكافر الذي تخشى على نفسك ودينك أن يصيبك منه بطش وعنف, أما مع أبناء الأمة وعلماء المسلمين المخلصين الذين لا خشية منهم على النفس والروح والعرض, فلا معنى لوجود التقية, ولو أردنا نحن استعمال التقية في هذا الزمان لكان أولى بنا استخدامها مع الاحتلال الأمريكي، خصوصًا وأننا ندفع ثمن أخطائنا نوعًا ما لهذا الموقف. كما أننا لسنا في عملنا جميعًا مأمورين بشقّ الصدور، وليس لنا إلا الظاهر، مصداقًا لقول النبي صلى الله عليه وسلم للصحابي أسامة بن زيد, رضي الله عنهما: "أشققت عن صدره يا أسامة".
* لكن ألا يستحل بعض الشيعة من استخدام التقية مع المسلمين، خاصة وأنهم ينظرون إلى المسلمين على أنهم كفار؟(55/113)
لا أحد من علماء المسلمين الشيعة الذين يعوّل عليهم قد ذهبوا إلى تكفير أهل السنة, وإنما هي أقوال جاهلة أو إشاعات مدسوسة أو استنتاجات من أحاديث قالها البعض كمن يقول: إن الإمامة أصل من أصول الدين ومن أنكرها فقد خرج عن الدين. (كذب صريح. الراصد). وبما أن أهل السنة لا يعتقدون بالإمام فيكون النتيجة إخراج أهل السنة من الدين لكن لا أحد من علماء الشيعة يقبل بهذا الاستنتاج، وإن قالوا: إن الإمام أصل من أصول الدين فهي ملزمة لمن قبل بالأدلة التي وردت فيها, أما من يناقش في الأدلة أو يحاول في استنتاجاتها فإنه يبقى في إطار الدائرة الإسلامية ويكون هذا واحدًا من الأحكام المختلف عليها.
حزب التحرير: قوة جديدة صاعدة في المشهد السياسي الفلسطيني
جوناثان سباير - الغد 12/12/2007
المظاهرات التي خرجت قبل نحو أسبوع في عموم الضفة الغربية احتجاجا على مؤتمر أنابوليس للسلام في الشرق الأوسط عكست وجود قوة جديدة تظهر على ساحة المشهد السياسي الفلسطيني. تلك هي "حزب التحرير" المحظور، حيث نظم الحزب مظاهرة في الخليل، شارك فيها نحو 2500 شخص، ثم قتل أحد أعضاء الحزب في اشتباكات لاحقة مع قوات الشرطة التابعة للسلطة الفلسطينية. وكانت تجمعات مماثلة قد أقيمت في مدن أخرى في الضفة الغربية.
وشكّل النجوم البطيء والحذر لحزب التحرير من رحم غموض مطبق موضوعاً جذب انتباه المعنيين بمراقبة الشؤون الفلسطينية في السنوات الأخيرة. وجاءت المظاهرات المناهضة لأنابوليس لتكون المرحلة الأخيرة في عملية النجوم هذه. وقد تشير هذه التطورات إلى وجود تيارات سياسية أكثر عمقاً، سواء في الضفة الغربية أو فيما وراءها.(55/114)
كان حزب التحرير قد تأسس في عام 1952 في القدس الشرقية التي كانت تابعة للأردن في ذلك الوقت، على يد القاضي الشرعي تقي الدين النبهاني الذي يتحدر من قرية "إجزم" بالقرب من حيفا، ويتمثل هدف الحزب في إعادة إقامة دولة الخلافة الإسلامية حتى تحكم العالم الإسلامي، ثم يجري ضم كامل العالم لينضوي تحت الحكم الإسلامي في نهاية المطاف.
وكان لقب الخليفة الذي استعاده السلاطين العثمانيون بعد أن غاب منذ سقوط الخلافة العباسية قد ألغي رسميا على يد مؤسس تركيا الحديثة كمال أتاتورك في عام 1924، وخلال فترة وجوده التي تقارب نصف قرن، تطور حزب التحرير ليصبح منظمة إسلامية دولية من المعروف أنها تنشط في 45 بلداً، ولها فروع ناشطة على وجه الخصوص في إندونيسيا وأوزبكستان، وقد اتخذت لها مسالك في أوساط المجتمع الباكستاني الذي يقيم في المملكة المتحدة.
لا تحتوي فروع الحزب على أجنحة متمردة مسلحة، ولا تشارك الحركة في الانتخابات، وإنما يسعى حزب التحرير بدلاً من ذلك إلى التحريض والتثقيف وكسب المؤيدين لفكرة إحياء الخلافة. والهدف هو ترك العمل العنيف -مثل تدمير إسرائيل الذي يؤيده الحزب- للقوى المسلحة التقليدية للخلافة الإسلامية المستعادة. هذا التوجه - اللاتمردي واللا سياسي- بالمفهوم التقليدي، عنى في الكثير من تاريخ وجود الحركة، أن العالم العربي بات ينظر إلى حزب التحرير تقليدياً باعتباره تياراً غريباً ومدرسياً وأكثر اتصالاً بالعالم الأخروي.(55/115)
لكن مثل هذه النظرة تظل مضللة وفاقدة الصلاحية. إنها مضللة لأن حزب التحرير حتى لو كان لا يمتلك جناحاً عسكرياً في ذاته، فإن التجربة الأخيرة في أوروبا تظهر انه كان بمثابة حاضنة لتغذية وتثقيف إرهابيي المستقبل، والذين يمضون بعد ذلك إلى استثمار تجاربهم في اطر عمل مختلفة. وكان كل من عمر خان شريف وعاصف محمد حنيف على سبيل المثال، وهما الباكستانيان البريطانيان اللذان فجرا بار مايك في تل أبيب في عام 2003 مرتبطين بجماعة منبثقة عن حزب التحرير في بريطانيا، كما كان هذا حال "مفجر الحذاء" ريتشارد ريد. وهذا هو السبب في أن الحزب يعتبر خارجاً على القانون في عدد من البلدان الأوروبية.
وتعتبر الفكرة المذكورة فاقدة الصلاحية لأن الحزب أصبح خاضعاً منذ عام 2003 لإدارة قيادات شابة واعية إعلامياً، والتي يهدف توجهها الجديد إلى تمكينها من تأسيس تواجد كبير وأكثر ظهوراً في أجزاء العالم الذي يتحدث العربية. ويقود حزب التحرير الآن شخص أردني من أصل فلسطيني (مجهول محل الإقامة) يدعى الشيخ أبو ياسين عطا أبو رشتة.
وفي ظل قيادة أبو رشتة، استطاع حزب التحرير أن يستخدم بفعالية شبكة الانترنت في نشر رسالته. ولم تعد فكرته المركزية لإحياء الخلافة هي نفس الفكرة الأشبه بالهلوسة التي بدت عليها ذات مرة. وحتى مع كونها لا تقع في أي مكان قريب من إمكانية التحقق، فان الاستخدام الثابت والمستمر والإلحاح على فكرة إحياء الخلافة في الأدبيات الدعائية التي روجها أسامة بن لادن أعطت للفكرة تواجدا جديدا في الرأي العام في العالم العربي.(55/116)
وكان الظهور المتنامي لحزب التحرير في الضفة الغربية في السنوات القليلة الماضية بالتالي نتاجا لكل هذا، حيث لعب أعضاؤه دورا بارزا في التنظيم والمشاركة في المظاهرات التي جرت ضد الرسوم الكاريكاتورية الدنماركية التي أساءت للرسول محمد في السنة الماضية. وفي أيار (مايو) الماضي، نظم الحزب تظاهرات ضد افتتاح مدرسة مسيحية تبشيرية جديدة في الخليل. أما الأمر الأكثر إثارة للدهشة، فهو أن الحزب نظم تجمعا حاشدا من 10.000 شخص في مدينة البيرة، شمالي القدس، وتجمعات مماثلة في الخليل ورام الله تحت شعار (إن الخلافة هي القوة الصاعدة)، وكانت الاحتجاجات المعادية لانابوليس هي آخر مرحلة في عملية الظهور هذه.
يظل حزب التحرير مع ذلك تياراً صغيراً يمثل أقلية في السياسة الفلسطينية، وبحيث لا تنبغي المبالغة في تقدير أهمية ظهوره، لكنها لا ينبغي تجاهلها في الوقت نفسه.
دعوة قبطية جديدة لتأسيس "الإخوان المسيحيين" ..
تحت شعار المسيح هو الحل
كتب صموئيل سويحة (المصريون) 12 - 12 - 2007
ثار الحديث مجددًا عما يعرف بجماعة "الإخوان المسيحيين"، التي كانت "المصريون" قد كشفت عن شخصيات قبطية تسعى لإحيائها، مع تبني رئيس تحرير جريدة قبطية يرأس مجلس إدارتها الدكتور صفوت البياضي، رئيس الطائفة الإنجيلية الدعوة لإنشاء هذه الجماعة على ذات النسق التنظيمي لجماعة "الإخوان المسلمين".
وأكد الدكتور ناجي يوسف رئيس تحرير جريدة "الطريق والحق" البروتستانتية في افتتاحية العدد الأخير من جريدته وتناقلته المواقع القبطية، أن من أهم شعارات "جماعة الإخوان المسيحيين" شعار "أنصر أخاك إن كان مظلومًا، أصنع الخير لأخيك كما أوصانا كتابنا المقدس، أصنعوا الخير للجميع".…(55/117)
وجاء في مقاله: "اليوم لم تعد تهدئة الخواطر وشعار "عاش الهلال مع الصليب تصلح لمعالجة وخمد نيران الفتن والمؤامرات، فإن صمتت الجماعات والحكومات، فالإنترنت تتكلم والفضائيات تفضح والأقمار الصناعية تصور والمعارضات والمظاهرات تنتشر في كل مكان، وأصبحنا في مركب كبير ضاع فيه الملاح والمجداف وتكسرت فيه البوصلة واختفى بر الأمان وازداد الظلم".
وزعم يوسف في سياق دفاعه عن الفكرة، أن المسيحيين في مصر يتعرضون للاضطهاد من قبل الأغلبية المسلمة، مدعيًا تعرض منازلهم للحرق وتهجيرهم من مساكنهم إلى مناطق أخرى، في إطار ما وصفه بـ "الطغيان الديني".
وأضاف قائلاً: "اعترض المسيحيون فحرقت بيوتهم وكل ما لهم، ثم يتدخل أهل الخير من غير المسيحيين أو من المسئولين الحكوميين لعقد صلح بين المسيحيين المعتدى عليهم والمحروقة حقولهم وبيوتهم، وفي النهاية على المسيحيين أن يتركوا القرى وأن يعتذروا للظالمين، وتخرج علينا عناوين الجرائد والمجلات معلنة أنه مجرد صراع على قطعة أرض أو بيت أو ساقية أو بئر قديم مردوم شب بين عائلة محمد وعائلة جرجس وقد تصالح الطرفان والحمد لله واستتب الأمن وعاشت الوحدة الوطنية".
وتابع: "جلست أفكر في كل هذا محاولاً إيجاد حل لهذا الطغيان الديني الذي لا يستطيع أحد أن يوقفه، وقلت لنفسي لماذا لا نتبع خطى المعتدين ونرد عليهم بأسلوبهم, فإن كنا وإياهم نتكلم لغتين مختلفتين فلن يفهم أحدنا الآخر ولن نصلح من الأمر شيئاً، فلماذا لا يكون لدينا "جماعة الإخوان المسيحيون".(55/118)
ومضى قائلاً: "المسيحيون في العالم أكثر عددًا وعتاداً ومالاً من غير المسيحيين, مع أنه ليس لدينا كثير من البترول، فلابد من صحوة للمسيحيين أيضًا, وعلى المسيحيين أن لا ينتظروا حركة أو تغييرًا أو حتى تأييدًا من قيادات الكنيسة في أي دولة من الدول لهذه الجماعة، فالقادة والساسة والمسئولون الكنيسيون مغلولو الأيدي, مراقبون، تحتم عليهم مناصبهم أن يلتقوا بنظرائهم معانقين مهللين هاتفين عاش الصليب مع الهلال أو مبارك شعب مصر". وأعرب يوسف عن اعتقاده بأن "الحركة المسيحية القادمة ستبدأ من رجل الشارع البسيط الكادح المضطهد والمستعبد في بلاده، فلابد لهذه الحركة المسيحية أن تستغل الوازع الديني لدى الشعوب المسيحية في كل مكان. ألم يحن الوقت أن يغار المسيحيون على مسيحيتهم ومسيحهم، ألسنا نحن أبناء الشهداء الذين حفظوا لنا الإيمان بدمائهم، الشهداء الذين نتغنى بحياتهم ونحن أبعد ما نكون عن روحهم".
وفي هذا السياق، دعا حركة "الإخوان المسيحيين" إلى "إعادة قراءة الإنجيل والتوراة بعقل متفتح ورؤية جديدة تتناسب مع روح العصر الذي نعيش فيه، ليس معنى هذا أننا نغير أو نؤول الآيات الكتابية على غير ما أنزلها المولى سبحانه وتعالى، لندرس النصوص التي عوقتنا وكبلتنا ومنعتنا من الدفاع عن أنفسنا في وجه الهجمات الباطشة التي تعرضنا لها".
لم يتوقف رئيس تحرير "جريدة الطريق والحق عند هذا الحد، فقد مضى إلى ما هو أبعد من ذلك، عندما دعا إلى تطبيق العقيدة المسيحية في نظم الحكم والقوانين بكافة دول العالم، وأن يقوم أعضاء البرلمانات في تلك الدول على سن تشريعات متلائمة مع روحها.
وأعرب يوسف عن أمله بـ "أن تكون المسيحية دين ودولة أيضًا، فما أعظم أن يكون رئيس أي دولة في العالم مسيحيًا مؤمنًا غيورًا منقادًا بروح الله، يخاف المولى تبارك أسمه ويعمل مرضاته.(55/119)
ما أجمل أن تكون هناك حكومة تتكون من مسيحيين تملأ المحبة والشفقة والرحمة والسلام قلوبهم.
ما أروع أن يكون جل أعضاء مجلس الشعب والشورى من الممتلئين بروح العلى الذين يعرفون كيف يفصلون في القضايا ويميزون الأمور المتخالفة، يحكمون بالعدل بين الناس ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر بحسب شريعة الحب والسلام شريعة المسيح تبارك اسمه".
واستطرد قائلاً: "أليس من حق المسيحيين أن يحكموا بما أنزل الله في التوراة والإنجيل، لأن فيها هدى للناس ورحمة"، قائلاً إنهم الحق بذلك أسوة بالجماعات الإسلامية التي تطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية.
وزعم أن تلك الجماعات "تطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية حتى في البلاد الأوربية والأمريكية, ويحتفظون بمدارس إسلامية خاصة لكل الأعمار في أوروبا وأمريكا تدرس فيها الشريعة الإسلامية واللغة العربية والتاريخ الإسلامي".
وأضاف متسائلاً: "أليس من حق جماعة الإخوان المسيحيين أن تطالب في بلادها بنفس هذا الذي تمارسه الجماعة الإسلامية بالخارج في بلاد المسيحيين. ونظرًا لأننا اقتنعنا بأن المسيحية دين ولا علاقة لها بالدولة، تركنا حقنا في الترشيح في مجالس النقابات والهيئات والبرلمانات في البلاد العربية لأننا صدقنا كذبة أن المسيحية ليست دينًا ودولة". وأكد أن "جماعة الإخوان المسيحيين تؤمن بأن المسيحية دين ودولة وأن على المسيحيين أن يجاهدوا بكل الوسائل التي علمهم رئيس السلام استعمالها للحصول على مقاعد في مجلس الشعب والبرلمانات والنقابات المختلفة".(55/120)
وعلى غرار شعار "الإسلام هو الحل" الذي ترفعه جماعة "الإخوان المسلمين"، يقول يوسف إن جماعة "الإخوان المسيحيين" ترفع شعار "المسيح هو الحل"، ودعا في ذات الوقت إلى السماح لها برفع شعاراتها جنبًا إلى جانب "الإخوان المسلمين" في الانتخابات. وتابع يوسف "نؤمن كمسيحيين أن المسيح هو الحل كما يؤمن الإخوة المسلمون بأن "الإسلام هو الحل"، ونحن نؤمن أن لا حل لمشكلات العالم واضطراب الشعوب وكوارث الزمان إلا في شخص رئيس السلام، فلماذا لا تعلق اليافطات واللافتات في الانتخابات على باب النقابات والهيئات، التي تحمل شعار الجماعة، فهذا ما تؤمن به "جماعة الإخوان المسيحيون"، وأرى أن "جماعة الإخوان المسيحيين" لابد لها أن تضع هذه اللافتات جنبًا إلى جنب اللافتات الأخرى فلكل إيمانه وقناعاته وانتماؤه لدينه".
وقال يوسف إن جماعة "الإخوان المسيحيين" ترى أيضًا أنه لابد من الحصول على ملايين أو بلايين الدولارات من جميع الدول التي تؤمن بفكر الجماعة، وهذه الأموال لابد أن تصرف على تعليم الصغار والشباب في كل مكان الشريعة المسيحية، وتطبع الكتب والشرائط والبرامج الإذاعية والتليفزيونية، فمن حق كل طفل مسيحي أن يعرف شريعة إلهه، ولابد من وجود مئات من المراكز المسيحية المتخصصة في كل البلاد الشرقية منها والغربية حتى البلاد الإسلامية أسوة بما تعمله الجماعات الإسلامية في بلاد الأوربيين والأمريكان".(55/121)
الجدير بالذكر أن المحامي ممدوح نخلة المحامى ورئيس مركز "الكلمة" لحقوق الإنسان، قال في تصريح سابق لـ "المصريون" إنه على استعداده للترشح لمنصب المرشد في تلك الجماعة في حال أبصرت النور وتحولت من مجرد فكرة لبعض الأقباط إلى واقع فعلي. وقال نخلة: إنه سيضع برنامجًا للوحدة الوطنية وسيختار شعار "المواطنة هي الحل" بدلا من شعار "المسيحية هي الحل" وهو المقابل لشعار جماعة "الإخوان المسلمين"، وإنه سيجعلها جماعة مدنية على أرضية المواطنة وليست جماعه تسير على نسق ديني يكون فيها جميع المواطنين سواء ولن يكون هناك مواطن درجة أولى وآخر درجة ثانية، حسب تعبيره.
و أكد أنه في حالة فوزه بمرشد "الإخوان المسيحيين" سيسعى للحصول على مقر للجماعة في شارع المنيل، وهي المنطقة ذاتها التي يوجد بها مقر جماعة "الإخوان المسلمين"، كما قال إنه سيسير على نفس نسقها دون وجود تشكيلات عسكرية أو ما شابه وأن عضويتها لن تقتصر على المسيحيين كما يبدو من اسمها، وإنها ستكون مفتوحة أمام المسلمين. وأكد أنه سيسير على نهج مواثيق حقوق الإنسان والقوانين الوضعية، مبررًا ذلك بأن المسيحية ليست ديانة تشريع، غير انه نفى ذلك فيما بعد.
دور الشيعة في العالم العربي في ظلّ التحديات الراهنة
حوار مع فضل الله
شبكة راصد الإخبارية الشيعية- 30 / 12 / 2007م
[هذا نموذج للفكر السياسي الشيعي المعاصر، ومع أن فضل الله يعد من المعتدلين ومن غير الموالين لإيران، إلا أن طرحه السياسي يعلى المصالح الشيعية على الحقيقة والمصلحة الإسلامية!! وقد جعلنا كلام فضل الله الغريب باللون الأحمر. الراصد].
أقامت «وكالة شرق برس» حلقة نقاش مع المرجع الديني السيد محمد حسين فضل الله بعنوان «دور الشيعة في العالم العربي في ظلّ التحديات الراهنة».(55/122)
* سماحة السيد: الشيعة لا سيّما الشيعة في العالم العربي باتوا اليوم قضية من القضايا وبدأنا نقرأ عن المسألة الشيعية في العالم العربي، ونحن نسمع أيضاً عن الهلال الشيعي، والخطر الشيعي والمشروع الشيعي. ما هي قراءة سماحتك لدور وموقع الشيعة في العالم العربي في مواجهة التحدّيات الراهنة فهل هناك مسألة شيعية؟ وهل هناك مشروع شيعي خاص مستقل عن مشروع الأمة، وإذا لم يكن كذلك فهل يفرض على الشيعة العرب تحديداً أن يستكينوا لتهميشهم وهدر حقوقهم وحرمانهم من المشاركة العادلة في حكم أوطانهم، وكيف السبيل لذلك دون الوقوع في شرك الفتنة أو دون السقوط في فخّ المشروع الأميركي الاستنكاري؟ ما رأي سماحتك في من يرى أن على الشيعة العرب أن يستفيدوا من المتغيّرات الدولية والإقليمية وأن يتعلموا (من تجاربهم) وأن يسعوا للسلطة حتى لو كانت عن طريق الأجنبي والأميركي، ألا يحق لهم ما يحق لغيرهم؟
سماحة السيد: كيف نوفّق بين همّ الأمة والإسلام وبين همّ الشيعة والتشيع، وهل نضحّي بمصالح الشيعة من أجل مصالح الأمة؟ أم نضحي بمصالح الأمة من أجل مصالح الشيعة؟ أترك الكلام لسماحتك على أن يكون بعض الوقت، للنقاش.
- بسم الله الرحمن الرحيم في البداية أحبّ أن أشكر هذه المشاعر والعواطف الإسلامية الطيّبة التي تملأ قلبي بالمحبة التي عشتها مع كلّ هذا الجيل الذي عاش معي وعشت معه من خلال كلّ هموم الإسلام الذي هو الرسالة التي حملتها منذ أكثر من 50 سنة، الإسلام الوحدوي الذي ينفتح على كلّ الخطوط الاجتهادية في الواقع الإسلامي، سواء على مستوى تنوّع المذاهب أو على مستوى تنوّع الاجتهادات.
مسألة الشيعة عندما ندرسها فإننا قد نفكّر بأنه ليس هناك عالم شيعي، هناك مزق متناثرة قد تلتقي في المشاعر.(55/123)
هناك بعض الاتهامات أو بعض الحملات التي تمسّ الجانب الثقافي لم يطرحه بعض رجالات الشيعة وخصوصاً الرجالات الدينيين التي لا تسمح بدراسة الأسس الثقافية والفكرية للعقيدة الشيعية، وتعتبر أن أيّ نوع من أنواع مناقشة بعض المفردات كفراً وبعضها ضلالاً وما إلى ذلك.
وربما تجد كثيراً من غير المسلمات بالمعنى الثقافي مسلمات بالمعنى الشعبي في هذا المجال، أما عندما تنطلق المسألة في الساحة السياسية في هذا المقام فإننا لا نرى هناك وحدة شيعية، هناك موقع من مواقع الشيعة الكبير الذي يتمثل في العراق، كما يتمثل في إيران التي هي الدولة الشيعية الوحيدة في العالم كله، وهكذا نجد أن هناك موقعاً من مواقع التشيّع استطاع أن يتبلور ويتأهل في المدّة الأخيرة بفعل المقاومة، وهناك بعض المواقع الشيعية الصغيرة في الخليج أو في باكستان، أو أفغانستان وفي سوريا أيضاً، ولكنها لا تمثل شيئاً كبيراً يمكن أن يتحرّك باتجاه المستقبل..
لذلك فقد أصبحت المسألة الشيعية مشكلة لواقع العالم الإسلامي السني، الذي اعتاد على أن يكون المرجع للعالم الإسلامي، حتى أنّ الثقافة التي يتحرّك فيها السّنة من خلال أغلب مشايخهم، ومن خلال بعض ما يرد في كتب الشيعة أو في خطابات بعض خطباء الشيعة، أو ما شابه ذلك ممن يعتبرون الشيعة خارجون عن الإسلام من خلال، أن بعض الأفكار تمثل الغلو أو تمثل الشرك على حسب المفاهيم التي يحاولون أن يتبرّأوا في مقياس كون الإنسان موحّداً أو مشركاً، مؤمناً أو كافراً لأن هناك جدلاً حول مسألة الإيمان والكفر، والشرك والتوحيد وما إلى ذلك..(55/124)
ولذلك فإن النظرة العامة حتى الآن لدى الكثير من مشايخ السّنة في العالم انعكست على الواقع الشعبي هو أن الشيعة ليسوا بمسلمين، حتى أنه من الطريف جداً أن هناك عالماً في كندا، افتى بحرمة ذبائح الشيعة، لأنهم يذكرون عليها اسم الحسن والحسين ، وهذا أمر كاذب لا نعرف له أساس عند أيّ فرد شيعي، كلّ هذا ترك تأثيره على الواقع الشعبي، خصوصاً وأنّ إيران دخلت في الجوّ السياسي من خلال العنوان الشيعي الكبير الذي تتميّز به..
وقد لاحظنا في البداية أن ثورة الإمام الخميني «رحمه الله» استطاعت أن تكسر هذا الحاجز في العالم الإسلامي، باعتبار أنها الثورة التي هزّت قواعد الاستكبار الأميركي، التي كانت المنطقة تُعاني منه معاناة كبيرة جداً، ولكن المخابرات الدولية من جهة والمخابرات المحلية، وخصوصاً العربية من جهة، والجهات الطائفية المذهبية التي تعيش المشكلة في مسألة الشيعة، حاولت أن تحاصر هذه الثورة بالطريقة التي تجعلها ثورة شيعية، بدلاً من أن تكون ثورة إسلامية، وبهذا استطاعت أن تعبّأ العالم العربي في الحرب الإيرانية - العراقية على أساس أنها الحرب العربية - الفارسية، بحيث أدخلت الجانب القومي في حساباتها السياسية.
وبذلك برزت هناك مشكلة بين إيران وبين العالم العربي، وخصوصاً أن بعض الشيعة دخلوا في هذه المسألة، باعتبار أن الذين لجأوا إلى إيران من الشيعة، وخصوصاً من الشيعة العراقيين، ولم يجدوا ما كانوا يأملون فيه من الرعاية الكاملة في إيران، لأنّ لإيران ظروفاً صعبة كانت تعيشها، وخصوصاً أنه عندما قدم إليها اللاجئون من أفغانستان بنسبة أكثر من 2 مليون، واللاجئون من العراق بنسبة أكثر من نصف مليون وما إلى ذلك، مما يجعلها لا تخطّئ المسؤولين الصغار فيها، ما أوجب مشكلة في داخل العالم الشيعي، فأصبح الكثيرون من العراقيين ضد الجمهورية الإسلامية وأصبحوا يعتبرونها كأنها تنطلق من الجانب القومي.(55/125)
المشكلة الشيعية أصبحت مشكلة مذهبية في العالم الإسلامي، وخصوصاً عندما أثيرت المسألة بأنّ الشيعة بدأوا يعملون لتشييع السّنة، في كلام قد يكون له واقعية في بعض المناطق، ولكن قد يكون بشكل جزئي، وليس له واقعية في أكثر المناطق
لذلك فالقضية المطروحة الآن في المسألة الشيعية هي أن العالم الإسلامي السني في هذا المقام، سواء على المستوى الديني أم على المستوى السياسي أصبح يخشى من هذه الانطلاقة الشيعية التي تمثلت في المقاومة الإسلامية في لبنان والتي تركت تأثيرها من الناحية الشعورية في العالم الإسلامي بحيث أنهما اجتاحت الجوّ السني، حتى أن بعض السّنة انتقلوا إلى التشيع من خلال الانتصار الذي حصلت عليه المقاومة الإسلامية.
كما أن العالم السني الذي كان هو المسيطر من الناحية السياسية أصبح يخاف من سيطرة الشيعة على العراق، ومن تقدم الشيعة، ومن حركة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في مواقفها الصلبة، وخصوصاً من خلال الحركة الأمريكية السياسية الإعلامية والمخابراتية التي حاولت الإيحاء إلى العالم العربي، وإلى أكثر من العالم العربي في العالم الإسلامي كباكستان، وفي غيرها بأن إيران أصبحت تمثل خطراً في شيعيتها..
ولذلك انطلقت الحملة على الشيعة من خلال الحملة على إيران، والحملة على المقاومة الإسلامية فيما تتحرّك به أميركا في لبنان من خلال رعايتها لأمن إسرائيل والتزامها بأمن إسرائيل، وهذا هو الذي يفسّر ما انطلق به الملك عبد الله الأردني الذي تحدّث عن الهلال الشيعي، في الوقت الذي لا يمثل هذا العنوان أيّ واقعية في العالم، لأنه ليست هناك أيّ فرصة لإيجاد اتحاد بين الشيعة في لبنان والشيعة في سوريا والشيعة في العراق والشيعة في إيران، بل إن هناك مزقاً متناثرة هنا وهناك.(55/126)
لذلك نحن نقول في هذا المجال إن المشكلة الشيعية أصبحت مشكلة مذهبية في العالم الإسلامي، وخصوصاً عندما أثيرت المسألة بأنّ الشيعة بدأوا يعملون لتشييع السّنة، في كلام قد يكون له واقعية في بعض المناطق، ولكن قد يكون بشكل جزئي، وليس له واقعية في أكثر المناطق.
وأيضاً من الناحية السياسية الخوف من سيطرة الشيعة بفعل بعض المواقع السياسية، التي استطاعوا أن ينجحوا فيها خصوصاً في الموقف الإيراني من خلال الملف النووي، الذي تحاول أميركا وأوروبا أن تثير الخطر منه باعتبار أن إيران تحاول صنع السلاح النووي، الذي يشكل خطراً على العالم كما هي النكتة السياسية التي يعتبرونها كما أثاروها بالنسبة إلى العراق الذي كان لا يملك أيّ قوة هناك.
أما موقفنا نحن، فنحن أمام هذا الوضع الذي نعيش فيه وهذا الإرباك المنطلق من التراكم التاريخي من جهة، ومن خلال المشاكل الحاضرة من جهة أخرى، نحن علينا أن لا ندخل في حركية الفتنة، في هذا المقام، لأنه ليس لنا أيّ مصلحة في فتنة سنية - شيعية، ولذلك فإنّ علينا أن نصرّ على مسألة الوحدة مع إصرارنا على مواقعنا السياسية القوّية، ومع إصرارنا على شعاراتنا السياسية التي تنفتح على كلّ العالم الذي يقف ضد أميركا، وهذا الاستكبار العالمي، نحن علينا أن نبقى في مواقعنا الإسلامية، أن لا نقدّم التنازلات في مبادئنا، بل أن نؤصّل مبادئنا، وأن لا نفسح المجال للخرافة والغلو والتخلف أن يعطي العنوان الكبير للتشيع، أي أن نقوم بحركة داخلية في تأهيل المذهب الشيعي ليكون منفتحاً على تراث أهل البيت الذين يمثلون التراث الحضاري الذي يمكن أن نقدّمه إلى العالم كله.(55/127)
وفي الوقت نفسه، فإننا ندعو إلى الحوار الإسلامي ـ الإسلامي حتى مع السلفيين، وعلينا أيضاً أن نندمج، وأن نقيم تحالفات سياسية مع الحركات الإسلامية السّنية، بغض النظر عن طبيعة العلاقة بها، كما في الجماعة الإسلامية، وكما في الإخوان المسلمين، وكما في الجبهة الإسلامية، وأن ننفتح على الواقع السّني من خلال الشعارات الإسلامية الكبيرة والشعارات السياسية الكبرى، خصوصاً التزامنا بالقضية الفلسطينية، والتزامنا بمواجهة الاحتلال في العراق وفي أفغانستان، خصوصاً بمواقفنا السياسية ضد أميركا وضد حلفاء أميركا في داخل لبنان، يعني أن لا تقوم بعملية ردّ فعل انفعالي، بحيث نتحرّك على أساس أن نعيش الفتنة، بل أن نهرب من الفتنة إلى العقلانية وإلى الموضوعية وإلى الصبر على هذه المسألة.
نحن لا نشعر بأن هناك عالماً شيعياً موحّداً يملك سياسة واحدة ويملك خطاً ثقافياً واحداً في المقام، ولكننا نحاول أن نجمع الطلائع المثقفة الواعية المنفتحة الحضارية التي تنطلق من خلال أصالة تراث أهل البيت ومن خلال أصالة الإسلام في الكتاب والسّنة لنعيش على القيادة الإسلامية، أي علينا أن نعمل كي لا نكون على الهامش وخصوصاً الهامش الثقافي بل علينا أن نصرّ على أن نقود الحركة الإسلامية، من الناحية الثقافية كما من الناحية السياسية، وخصوصاً داخل البيت الشيعي بحيث نعمل على التخطيط لمحاربة كلّ الخرافيين وكل المتخلفين وكل الغلاة في هذا المجال، حتى نستطيع أن نصنع جيلاً شيعياً إسلامياً منفتحاً في خط الحضارة الإسلامية.(55/128)
* سيدنا المشكلة غالباً تكمن في التفاصيل، واليوم خصوصاً ونحن في موقعنا الإخباري الذي نتحرك من خلاله موجّه في الأغلب منه نحو العراق، والعراق اليوم قضية القضايا في المنطقة والمسألة الشيعية هي مسألة أساسية، وهناك نسمع عن توجّهات من يقول إننا علينا أن نتحرك كشيعة، بمعزل عن الأبعاد الإيديولوجية، وعلينا أن نستفيد من خطأ ثورة العشرين التي حصلت، والتي ضيّع الشيعة فيها الكثير، فهم الذين ثاروا وهم الذين سلموا الحكم، وهناك من يدعون الآن إلى فيدراليات على أساس مذهبي سني وشيعي وقومي، ما وجهة نظركم بهذا الشأن؟
- أنا أتصور أن مشكلة الشيعة في العراق هي أنهم عاشوا ردّ فعل لأن الشيعة عزلوا عن المسؤوليات الحكومية في العراق بشكل عام، وكانوا يعيشون تحت تأثير هذا النوع من العزلة، في حالة نفسية خانقة قد لا تتحرّك من خلال التعبير عن نفسها بشكل قوي، أو بشكل ثائر وما إلى ذلك، حتى أنه عندما بلغ بعض سياسي الشيعة، ووصل إلى مستوى أعلى، مثل «صالح جبر» حاولوا إسقاط وزارته باعتبار معاهدة «بورتوسموث» الذي كان نوري السعيدي وراءها، وكانوا السنة وراءها، ولكن كانت الخلفيات شيعية - سنية، ولذلك بقي الشيعة يخلصون للجو العام في العراق، بالرغم من أنهم كانوا مضّطهدين وكانوا مظلومين..
وعندما سقط الحكم الملكي الذي جاء به الشيعة، لأنّ علماء الشيعة هم الذين ذهبوا إلى مكة وجاؤوا بالملك فيصل الذي انطلق سنياً، مع أنه هو من العائلة الهاشمية، ثم تطورت الأمور في انقلاب عبد الكريم قاسم، والسيد عبد السلام عارف، والمدّ الشيعي الأحمر، إلى أن تسلم حزب البعث في الستينات الحكم، وبذلك انطلق هذا الحزب من خلال العمليات الشيعية المعارضة في هذا المجال، وخصوصاً المسألة الإسلامية التي كان يقودها حزب الدعوة الاسلامية بقيادة السيد محمد باقر الصدر، بحيث أن الحكم الجديد البعثي شجّع على الاضطهاد، وبكلّ وحشية، كما عمل أيضاً على اضطهاد الأكراد.(55/129)
هذه المسألة استطاعت أن تفسح المجال لتحالف كردي - شيعي، والتي كان الضغط فيها إلى أن تعترف المعارضة الشيعية بالحكم الفيدرالي، وهذا كان منشأه.
ومن المعلوم أن الفيدرالية كانت واضحة بالنسبة إلى الإقليم الكردي، ولكن لم تكن واضحة بالنسبة للواقع الشيعي ولكنها أخيراً انفتحت من خلال الطروحات الأخرى في وجود فيدرالية في المناطق الجنوبية، والمنطقة الوسطى للسنة، ومنطقة إقليم كردستان، والواقع أن الشيعة انطلقوا من خلال ذلك، فهم يخافون الآن من الحكم المركزي، لأن الحكم المركزي الذي عانوا منه كثيراً في الماضي وفي التاريخ، ربما يتحوّل أيضاً إلى اضطهاد الشيعة بحسب التطوّرات السياسية التي قد تفسح المجال للسنة.
كما نلاحظ ذلك الآن في الخطوات الأميركية الأخيرة في هذا المجال، ولذلك كانت المسألة بنظر الذين أثاروا المسألة الفيدرالية من هذا الجانب، لا من خلال مواجهة الوحدة الإسلامية بمعناها الثقافي ومعناها السياسي العام، ولكن طبيعة ردّ الفعل الذي حدث في العراق، سواء من خلال دخول القاعدة التي هي واجهة سنية، وانخراط الكثيرين من جيش صدام ومن السنة معهم، للإفتاء بقتل الشيعة.
وهذا ما نلاحظه في أن الشيعة واجهوا عملية القتل المنظم اليومي في المقام، وأما ما يُثار بأن الشيعة يقتلون السنة فهذا ليس واقعياً بل هو عملية ردّة فعل جزئية تخرج من هنا وهناك، ونجد أن الاحتلال الأميركي يحاول أن يشجع بعض هذه الأوضاع.
ولذلك فإن المسألة الشيعية في العراق ليست مسألة منفصلة، أي أن المثقفين الشيعة لا يعيشون الحالة الطائفية المنخنقة، بل نجد أن هناك كثيراً سواء من مرجعيات الشيعة يدعون إلى الوحدة الإسلامية في العراق وكذلك بالنسبة إلى بعض الحركات الشيعية من «حزب الدعوة» مثلاً، وحتى المجلس الإسلامي الأعلى وحتى حركة مقتدى الصدر، يحاولون أن يخاطبوا السنة وأن يحاوروا السنة، وأن ينطلقوا من خلال الوحدة الإسلامية في العراق.(55/130)
لكن هناك حالة فوضى في العراق، فوضى ثقافية وسياسية، خصوصاً أن دخول إيران إلى العراق أيضاً أوجب نوعاً من أنواع الفوضى في التصوّر للدور الإيراني في العراق الذي ربما انطلق بعض الشيعة ضده، كما ينطلق السنة أيضاً ضده، ومن الطبيعي أن لأميركا دوراً في هذا المجال، لذلك نحن لا نستطيع أن نقول بأن هناك خطاً شيعياً في العراق في مواجهة الحالة الإسلامية أو القومية أو ما إلى ذلك، بل هناك فوضى، وهناك حلقة مفرغة ونوع من الدوامة، التي تلف الجميع مما يجعل من الصعب جداً أن يُعطي الإنسان الواقع في العراق، صورة واضحة في هذا المجال.
* إلى أي مدى ترون مشروع العالم الشيعي الموحّد يمكن أن يحقق نجاحاً؟
- أنا لا أتصوّر أنه من السهل جداً إيجاد عالم شيعي موحّد، أولاً من الناحية الدينية فهناك تعددية في المرجعيات، وهذه التعددية في المرجعيات حوّلت قصة الانتماء المرجعي إلى حالة عصبية، ولذا نجد أن أتباع كلّ مرجع يحاولون أن يتدخلوا لإبعاد الآخرين عن مرجعياتهم لحساب هذه المرجعية، وهذا ما نلاحظه الآن، لذلك فإن تعدّد المرجعيات الشيعية يمنع وجود مرجعية شيعية واحدة، يمكن أن يلجأ إليها جميع الشيعة.
أما بالنسبة إلى تعدّد الخطوط السياسية الشيعية بين الخطّ الذي ينطلق من إيران التي ربما يتداخل فيها مسألة الدولة مع المسألة الشيعية لأن إيران تتحرك كدولة تريد أن تحمي نفسها بقطع النظر عن المسألة الشيعية ولكنها تستفيد وتشجع الجانب الشيعي، ولذلك من الصعب جداً أن تكون هناك وحدة شيعية مرجعية على المستوى الديني أو السياسي.
* ما هو تأثير الحوزات الشيعية في قُم والنجف على سياسة الشيعة في العالم العربي؟(55/131)
- أعتقد أن هناك مشكلة صراع بين النجف وبين قم، فالنجف كانت هي الحوزة الوحيدة والكبرى التي مضى عليها أكثر من ألف سنة. والتي تخرّج منها أكثر علماء الشيعة في العالم الذين كانوا يهاجرون إلى النجف، ولكن المشاكل التي أحاطت بحوزة النجف والتهجير الذي حصل من قبل صدام حسين وما إلى ذلك، أضعف حوزة النجف وبذلك استطاعت «قُم» التي كانت حوزة محدودة أمام حوزة النجف، استطاعت أن تتوسّع خصوصاً مع رعاية الدولة لها والتي أصبحت هي الحوزة الأولى الكبرى في العالم، بينما حوزة النجف لا تزال محدودة لا تملك الكثير من عناصر القوة.…
- في العراق يعتبر القادة السياسيون الشيعة، أن الحكومة التي تمثل الواجهة السياسية إنما هي تمثل المشروع الأميركي في العراق؟
ـ لا أتصور القضية كذلك، الحكومة العراقية تضمّ جماعة من الشيعة، جماعة من السنة، ولذلك فإنه من الطبيعي جداً أن أي حكومة داخل منطقة محتلة، لا يمكن أن تحصل على أيّ حرية في عملها. وهذا ما نعرفه في الحكومة العراقية فإنهم لا يملكون الكثير من الحرية لإدارة الواقع سواء في إدارة الواقع القانوني أم في الواقع الإداري في العراق.
* ثمة أكثر من مشكلة تواجه الواقع الشيعي، فهناك مشكلة يقال إن الشيعة غير مخلصين لكياناتهم الذاتية، وإنهم أصبحوا مستغرقين في مشاكلهم الذاتية على حساب الفهم الإسلامي العام كما يجري في العراق، الإشكالية الأولى: هل الشيعة مخلصون لأوطانهم وإلى أيّ مدى هم كذلك بمعنى أنه إذا أصبح هناك فتنة فنحن سنكون بعيدين عن السياسة.(55/132)
- أنا لا أعتقد أن الشيعة أصبحوا غير مخلصين لأوطانهم فالشيعة مشكلتهم أنهم مخلصون لأوطانهم أكثر من إخلاصهم لخصوصياتهم الذاتية، ولكن كما قلنا فإن المسألة في العراق هي مسألة فوضى بحيث أنك لا تستطيع أن تميّز بين موقع وموقع آخر، لأن المشاكل الأمنية المطبّقة على الواقع الشيعي من جهة وعلى الواقع العراقي بشكل عام، وفقدان الخدمات الضرورية أو ما إلى ذلك أوجد القضية من قبيل الفوضى التي لا تستطيع أن تحدد فيها خطوطاً واضحة مستقيمة، الشيعة هم أكثر الناس إخلاصاً لوطنهم، والدليل على ذلك ثورة العشرين، والدليل على ذلك المقاومة الإسلامية في لبنان.
* سماحة السيد، حضرتك تحدثت عن تكفير الشيعة، من قبل السنة واستباحة قتلهم، وخاصة ما نراه في العراق من انتهاك للأماكن المقدسة، اليوم أين دور تجمع علماء المسلمين والأحزاب في ردّ هذه النقمة؟
- أما بالنسبة لقضية الفتاوى التي تكفر الشيعة والتي لا تزال موجودة فقد يستعمل العلماء السنة التَّقية من الشيعة في هذا المقام، أما بالنسبة لتجمع العلماء فيوجد نوعاً من أنواع المناخ النفسي الذي قد يُوحي ببعض الجوّ الإسلامي، ولكن تجمع العلماء المسلمين لا قوة له، كما أنه لم يدخل هؤلاء دخولاً فاعلاً قوياً في الواقع الشيعي.
• على مستوى لبنان، وفي ظل الأجواء السياسية المشحونة، هل يعتبر دور الشيعة اليوم في مرحلة ذهبية؟
أن يُقال بأنّ الشيعة يعيشون في فترة ذهبية فأظن أن هذه الفترة فيها شيء من النحاس والفضة والذهب والألماس، ليس هناك ذهب خالص في هذا المجال.
* البعض يقول إن موقف الشيعة في العراق واستلامهم السلطة عن طريق الاحتلال الأميركي، أساء للموقف الشيعي العام؟(55/133)
- أظن أن الشيعة لم يدخلوا السلطة من جهة الاحتلال الأميركي ولكن لأنهم الأكثرية، فمثلاً رئاسة الوزراء أصبحت للشيعة، حيث كانت من قبل لأياد علاوي، بعد ذلك أصبحت بيد الجعفري، بعدها بيد المالكي، ومن جهة فإن كتلة الائتلاف هي أقوى الكتل في المجلس النيابي، ولذلك انطلقت بطريقة ديمقراطية، كما أن الحكومة التي تتألف من وزراء، فيها سنة وشيعة، وأكراد، ولذلك فإننا نلاحظ أن رئيس الجمهورية كردي، ووزير الخارجية كردي، ونائب رئيس الوزراء سني، فلذلك ليس هناك حكومة شيعية إلا من خلال إذا ما اعتبرنا العراق مثل لبنان، بطريقة طائفية، لأن المعارضة مثلاً تتكلم عن السنيورة مع أن الحكومة اللبنانية حكومة ائتلافية، والمعارضة أيضاً ائتلافية، ولذلك ليس الشيعة هم الذين يحكمون العراق بشكل أساسي، بل إن هناك الكثير من المواقع الكبرى في العراق بشكل أصبحت بيد السنة.(55/134)
مجلة الراصد الإسلامية
العدد السادس والخمسون – صفر 1429هـ
* فاتحة القول…عملية المؤامرة بالمقلوب .......................................... ................…3
* فرق ومذاهب…الأثوريون ............................................................................…5
* سطور من الذاكرة…الصفويون يدخلون الاستعمار إلى منطقة الخليج ..................................…12
* دراسات …- جهود علماء العراق في الرد على الشيعة ........................................
- قصة جماعة الإخوان المسلمين مع الشيعة والثورة الإيرانية ..................…15
31
* كتاب الشهر …- حسن العلوي: التعاملات السرية بين إسرائيل وإيران والولايات المتحدة الأمريكية..
- تاريخ غير معروف لسورية في القرن العشرين .................................…35
* قالوا …..........................................................................................…48
* جولة الصحافة ……
إيران…- إيران الخطر الأول على العراق ................................................. …51
…- لنأخذ بعين الاعتبار الوصول إلى "صفقة شاملة" مع إيران ....................…58
…- الجمهوريون والأزمة النووية الإيرانية ......... .................................…63
…- 40 أسرةيهودية هدية طهران لإسرائيل .........................................…67
(عاشوراء)…- الغدر والغدير ......................................................................…71
…- في نقد التفسير الأسطوري لحادثة عاشوراء ....................................…76
مصر…- خطوة جديدة لاختراق مصر من قبل إيران .......................................…78
…- مستقبل العلاقات المصرية الإيرانية ...............................................…82(56/1)
منوعات…- مشروع أركون في جنوب شرق آسيا ............................................…86
…- التوابون .. دراسة تحليلية في عملية غسيل المخ ......... ......................…90
…- رسالة من مواطن سوري ...........................................................…100
…المؤامرة الجديدة على مدينة بغداد ................................................... …103
……
……
عقلية المؤامرة بالمقلوب؟؟
عقلية المؤامرة عقلية غير مقبولة وذات سيئة السمعة! ولذلك يلجأ الكثير من الناس لاتهام مخالفيهم بهذه التهمة المعلبة والجاهزة، من أجل إجهاض أي حوار أو نقاش يكاد يصل لتقرير خطأ صاحب التهمة الجائرة !
ولكن من الغريب أنك تجد بعض الناس يعيب عقلية المؤامرة عند الآخرين ، ثم يمارسها هو لكن بالمقلوب أو المعكوس! ولعل من نافلة القول هنا أن إخفاق غالب الحركات والجهود الإسلامية في تحقيق النجاح والفوز في مشاركاتهم السياسية أو الجهادية، هو نابع من إخفاقهم أصلاً في الفهم والتفكير، أو كما عبر عنه أحد الأفاضل في حوار معه مؤخراً :" إن الإسلاميين منذ 15 سنة هم يتكلمون عن فقه الواقع فقط!!" أي أنهم لم يفقهوا الواقع بعد لكنهم يتحدثون عنه، وفرق شاسع بين الحديث عن الانتصار والحصول عليه مثلاً!!
نعود لعقلية المؤامرة التي ينبذها الجميع، ولكنهم غالباً يقعون أسرى شباكها وحبائلها، بعض المحللين يحاول القول أن " فكرة أو هاجس الهلال الشيعي، أمريكية غربية "، وهذا فيه جانب من الحقيقة لكن هؤلاء يقعون في الخطأ من الجانب الآخر وهو نفي وجود أطماع ومشروع إيراني لا يقتصر على الهلال بل هو يطمح ليكون بدر التمام !! كما في روايات الشيعة وأساطيرهم التي تزعم أن المهدي سيكون له الظهور التام وسينجح فيما فشل فيه الأنبياء ومنهم نبينا صلى الله عليه وسلم كما يعتقد الخميني( ).(56/2)
وسبب هذا العور في التحليل أن كثيراً من المحللين يؤمنون بأن أمريكا هي مصدر كل شر، بل بعضهم يؤمن أن أمريكا دوماً هي أكبر شر، دون مراعاة للتفاصيل والوقائع التي ينادون هم بها في الموقف من إيران! فلو أنهم استقاموا على تنظيرهم في أن من حق إيران أن تراعي مصالحها، لرأوا أن المصلحة الإيرانية تكون أحياناً أعظم شراً من غيرها.
لا يختلف أحد على أن الأطماع والعدوان الأمريكي على أمتنا هو عدوان غاشم وغادر، ولكن ليس هو الاعتداء الوحيد على أمتنا وليس هو الأخطر دوماً، جوهر الخلاف الحقيقي هو الجهل بالأطماع والعدوان الإيراني على أمتنا، جوهر الخلاف هو في التغابي عن أن العدوان الإيراني في أحايين كثيرة يفوق الخطر الأمريكي، الخلاف الحقيقي هو الجهل بأن هذه الأطماع والاعتداءات على أمتنا تنبع من الخلفية الدينية الشيعية للقيادة السياسية في إيران. هذا هو جوهر الخلاف والنقاش مع هؤلاء المحللين، الذين يغمضون أعينهم عامدين عن مرجعية وخلفية القيادة الإيرانية ، والتي هي بالكامل في يد علماء الشيعة المتعصبين.
ثم يواصل هؤلاء المحللين تبرير هذه الرؤية العوراء لمشروع إيران فيقولون "أن ذلك لا يعني أن الإيرانيين لم يشاركوا في طرح هذه الفكرة أو العمل لها، ولكنها انبثقت من بعد سياسي، يسعى لاستثمار الولاء المذهبي كواحد من أدوات السياسة". ولا أدرى لماذا يصر هؤلاء على عقلية المؤامرة بالمقلوب والمعكوس فيحرصون على تبرئة المدان بالأدلة القطعية الثبوت والقطعية الدلالة.
فعند هؤلاء ليس للفكر الإيراني الشيعي أطماع بالتوسع ! رغم أن العقيدة الشيعية تقرر كفر كل من عدا الشيعة من الذين لا يؤمنون بالأئمة، وتقرر كفر كل الحكومات الإسلامية وأنها مغتصبة حق الأئمة، وأن المهدي – الذي اقترب ظهوره كما يزعمون – سيحرر الحرمين من السنة الأحياء بقتلهم ، والأموات – خاصة أبو بكر وعمر – بنبش قبورهم وجلدهم وتحريقهم!(56/3)
لماذا يحاول بعض المحللين تبرئة الشيعة بأي طريقة ووسيلة ، رغم أن الشيعة يعلنون في كل وقت وبكل وسائل الإعلام أنهم أصحاب مشروع شيعي واضح ، ولعل في هتافات حزب الله الأخيرة "هيهات منا الذلة" الذي يشير إلى حادثة استشهاد الحسين، موعظة وتذكرة لهؤلاء.
لماذا يقفز هؤلاء المحللون عن الحقائق التي يرونها بأعينهم من أن المراجع الشيعية هادنت الاحتلال الأمريكي وتبعتها الجماهير الشيعية في ذلك تديناً، لتحقيق الحلم بالسيطرة على العراق، ويقررون أن فكرة الهلال الشيعي فكرة أمريكية في الوقت الذي نجد الشيعة مراجع وأتباعا، الذين يرفعون شعار "الشيطان الأكبر" هم من خدع أمريكا وجعلها أضحوكة وسهل لها احتلال العراق!(56/4)
ما يجب أن يتفق عليه أهل الرأي من المسلمين أن إيران تحكمها قيادة شيعية متدينة، تبنى سياستها على تحقيق مصالح إيران من المنظور الشيعي، ولذلك ورغم الفارق الكبير بين الشعارات الجوفاء التي تطلقها إيران والسياسات الحقيقة التي تمارسها على أرض الواقع. إلا أن هذه السياسات لا تتعارض أبداً مع العقيدة والفكر الشيعيين، وأن هذه القيادة لديها مشروع داهم للعدوان على جيرانها المسلمين فقط! وتسخر له كل مواردها ولو على حساب شعبها وسعادته، وفي سبيل هذا المشروع تقوم إيران بفرض التبعية لها على التجمعات الشيعية بالترغيب والترهيب، كما أنها تبذل الكثير من الجهود لاستمالة وتأييد وتقاطع المصالح من العديد من جماعات وتنظيمات وشخصيات أهل السنة. أما الحال عندنا معاشر أهل السنة فعلى العكس تماماً فلا توجد حكومة إسلامية واحدة أعضاؤها من السنة المتدينين أو تحكم سياساتها بعدم التفريط بالثوابت الشرعية، فلذلك محاولة البعض المقارنة بين إيران والدول العربية لنفي وجود كماشة سنية في مقابل هلال شيعي، هي محاولة مضحكة وتكشف عن حقيقة عمق أزمة أمتنا ، فإذا كان هذا حال قادتها ومحلليها في الفهم والإدراك ، فمن الطبيعي بقاؤنا في حالة الهوان والضياع، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
?
الأثوريون
الأثوريون أو الأشوريون هم إحدى المجموعات المسيحية في العراق، إضافة إلى الكلدان والسريان، وقد قمنا في العدد الماضي بالتعريف بطائفة الكلدان، التي تعتبر أكبر المجموعات المسيحية في العراق، والتي كانت - حتى منتصف القرن الخامس عشر الميلادي - تشكل مع الأثوريين مجموعة شرقية متراصّة تتبع المذهب النسطوري( ). وبسبب نشاط الإرساليات التبشيرية الكاثوليكية في أوساط النسطوريين بدءاً من القرن الخامس عشر الميلادي، اعتنق مجموعة من النساطرة المذهب الكاثوليكي، وعرفت باسم "الكلدان"، فيما عرف الذين بقوا على مذهبهم ولم (يتكثلكوا) باسم الأثوريين.(56/5)
وهؤلاء النساطرة الأثوريون، اتخذوا من قرية قودجانس في منطقة جبال هكارى في كردستان تركيا مقراً لبطريركيتهم، وانفصلوا عن الموصل التي أصبحت مقرّاً للكلدان الذين اعتنقوا المذهب الكاثوليكي، وأسس الأثوريون كرسيا بطريركياً مستقلاً وراثياً بزعامة البطريرك المار شمعون الثالث عشر (1660-1700م)، وصار هذا اللقب (المار شمعون) يطلق على كل من يتولى البطريركية على النساطرة( ).
وبقي مقر هذه الكنيسة في تركيا حتى الحرب العالمية الأولى ( 1914 ـ 1918م)، فقد اضطر النساطرة الأثوريون لترك مناطقهم في تركيا بسبب وقوفهم مع روسيا في حربها ضد الدولة العثمانية (كما سيأتي بيانه)، فلجأ قسم منهم إلى العراق، وُرُحل قسم آخر إلى منطقة الخابور الأعلى في الجزيرة ـ سوريا، وكانوا قد تخلّصوا من اسمهم القديم "النساطرة"، فأطلق عليهم اسم "الأثوريين" ليتميزوا عن الكلدان الكاثوليك، واتخذوا مؤخراً اسماً رسميّاً لكنيستهم هو "كنيسة الشرق الأشورية"( ).
وشهدت الكنيسة الأشورية خلال مسيرتها الكثير من الانشقاقات والصراعات والخلافات، واعتناق الكاثوليكية ثم العودة للنسطورية في أحيان كثيرة، نتجت بعض هذه الخلافات بسبب النظام الوراثي فيمن يعتلي سدّة البطريركية، وطبيعة العلاقة مع بابا روما، زعيم الكاثوليك، والموقف من الإرساليات التبشيرية البروتستانتية التي كانت ترعاها الولايات المتحدة وبريطانيا، إضافة إلى علاقتهم بالدول التي يقيمون بها مثل تركيا والعراق.
ويفضل الأثوريون أن يطلق عليهم اسم "الآشوريين" لأنهم يعتبرون أنفسهم امتداداً لحضارة "أشور" التي قامت في العراق قبل أكثر من 2500 سنة، "وأحفاد الدولة الأشورية القديمة وأصحاب العراق الحقيقيين"( ).
الأشوريون والدولة العثمانية:(56/6)
شكل قيام الحرب العالمية الأولى حدثاً مصيرياً للأشوريين، فقد دخلت الدولة العثمانية التركية التي كان مسيطراً عليها من قبل حزب الاتحاد والترقي وزعيمه كمال أتاتورك في حرب مع روسيا القيصرية، وسرعان ما وضع الأشوريون أيديهم بأيدي روسيا ضد دولتهم تركيا.
كان الأشوريون يرون الفرصة سانحة لإنشاء وطن قوي لهم، والانفصال عن تركيا، خاصة وأن بطريرك الأشوريين، بنيامين، تلقّى وعداً من قيصر روسيا نيكولاس الثاني نهاية سنة 1915م بحصول الأشوريين على الاستقلال فور انتهاء الحرب( ).
كان القيصر الروسي يطمح في انضمام الأشوريين إلى الكنيسة الأرثوذكسية، وكان الأشوريون قد دخلوا في معارك ضد القوات التركية، والسكان الأكراد، وقد ارتكبوا من الأعمال الوحشية الشيء الكثير، فقد ساهموا مع المسيحيين الأرمن والقوات الروسيّة في حرق مئات القرى الكردية وتدميرها في منطقة هكارى وأرومية، وقتل وتدمير لحوالي مليون كردي.
وبسبب تلك المواقف المخزية، انتقم الأتراك والأكراد من الأشوريين، لا سيما وأن القوات الروسية انسحبت من كردستان تحت ضغط القوات العثمانية، إضافة إلى ظهور ثورة اكتوبر الاشتراكية في روسيا سنة 1917م( ).
وبسبب ما حلّ بالأشوريين بسبب وقوفهم مع روسيا ضد تركيا، لجأ قسم منهم إلى العراق وآخرين إلى سوريا ولبنان، وهذه الدول الثلاث أصبحت بعد اتفاقية سايكس بيكو تحت سيطرة بريطانيا وفرنسا، فلم يتردد الأشوريون من عرض خدماتهم على هذين البلدين الاستعماريين كما عرضوها بالأمس على روسيا.(56/7)
وفي ظل الاحتلال البريطاني للعراق، تشكلت من كتائب الأشوريين قوة خاصة، سميت "الليفي" كانت مهمتها مساندة القوات البريطانية في إخماد انتفاضة الشعب العراقي، وثورة الكرد سنة 1919، وثورة العشرين سنة 1920م( ). وقام الانجليز بإسكان الأشوريين في المناطق الكردية في منطقة العمادية وعقرة ودهوك وديانا، وقاموا بترحيل الأكراد إلى مناطق أخرى، وخلال تلك الفترة ارتكب الأشوريون مذابح ضد المسلمين، كما في مذبحة الموصل بتاريخ 15/8/1923، ومذبحة كركوك في 4/5/1924.
ويتحدث أحد مفكري الأشوريين بفخر عمّا قدمه أجداده من دعم للحلفاء ضد العثمانيين في الحرب العالمية الأولى، ويعرب عن خيبة أمله لتنكرهم لقومه فيقول: "وقد وعد الحلفاء القيادة الأشورية خلال الحرب العالمية الأولى بدولة مستقلة بعد معاناتهم لأكثر من 2500 سنة، بينما تحققت وعود لورانس للعرب بدون أي وفاء للشعب الأشوري الذي كان له دور أساسي (في) حماية جبهة القوقاز، وإلهاء قسم كبير من الجيش العثماني عن الجبهة الغربية في البلقان"( ).
الأشوريون وتمرد سنة 1933:
ظل الأشوريون يتحينون الفرصة للانفصال عن العراق وإنشاء وطن قومي لهم، بعد أن سعوا لذلك من قبل في تركيا، وشهد العام 1933 حدوث تمرد آشوري كبير، خلال غياب حاكم العراق آنذاك، الملك فيصل الأول، خارج البلاد( ) ، واستطاعت القوات العراقية بقيادة بكر صدقي القضاء على التمرد، وقتل أعداد كبيرة من المسلحين الأشوريين، وكان من نتائج التمرد الأشوري، إبعاد البطريرك شمعون إيشاي إلى قبرص بعد سحب الجنسية العراقية منه.
ومن قبرص، توجه إلى بريطانيا حيث أقام مدة طويلة، وفي سنة 1942، وبينما كانت الحرب العالمية الثانية على أشدّها، غادر البطريرك لندن إلى الولايات المتحدة، واستقر في ولاية سان فرانسيسكو، إلى أن اغتيل سنة 1975م.(56/8)
وتعود أسباب اغتياله من قبل أبناء كنيسته إلى التغييرات التي أدخلها على العبادات الأشورية وطقوس الكنيسة، مثل: إدخال الحساب الغربي في الأعياد الثابتة، وفي حساب عيد الفصح، متخليّاً بذلك عن التقويم اليولياني القديم، كما قام بتخفيف الصلوات وتقليص الصوم، ثم صمم على الزواج( ). وقبل اغتياله بسنوات قليلة، كان قد سمح للبطريرك بزيارة العراق، واستعادة جنسيته، وإعادة الكنائس وتسليمها للكنيسة الشرقية.
ويحيي الأشوريون في الثامن من آب/ أغسطس من كل عام ذكرى سقوط قتلى منهم في تمرد سنة 1933، تحت اسم "يوم الشهيد الأشوري".
وقد وضع اغتيال شمعون إيشاي حدّاً للبطريركية الوراثية في الكنيسة الشرقية الأشورية، بعد أن استمر فيها هذا القانون طوال قرون عديدة، إلاّ أنه قبل وفاته، كانت الكنيسة الشرقية قد انقسمت إلى كنيستين:
الأولى : في بغداد، بالعراق، وتوصف بأنها محافظة.
الأخرى: في شيكاغو بالولايات المتحدة، حيث لجأ بضعة آلاف من الأشوريين، وتوصف بأنها إصلاحية.
ويتبع قسم من الآشوريين في العراق بطريرك شيكاغو، رغم وجود بطريرك أشوري في بغداد، وما زال البطريركان يتقاسمان السلطة على الكنيسة الشرقية النسطورية( ).
أعدادهم:(56/9)
وتذهب موسوعة عالم الأديان الصادرة طبعتها الثانية في عام 2005 إلى أن أعداد المنتسبين إلى الكنيسة الأشورية بقسميها، يكتنفها المبالغة، فقد وردت أرقام من قبل منتسبيها تفيد بأنهم يصلون إلى 600 ألف، في حين تفيد الموسوعة بأن دراسات تذكر بأن عدد الأشوريين النساطرة، المقيمين في البلدان العربية يبلغ نحو 75 ألف نسمة، أكثرهم في سوريا ولبنان والعراق، في حين يبلغ أتباع الكنيسة المحافظة حوالي 50 ألف نسمة( ). ولا تبتعد الأرقام في موسوعة "المجموعات العرقية والمذهبية" الصادرة عام 1990 كثيراً إذ "لا يتجاوز عدد الأشوريين في الشرقين الأدنى والأوسط، المئة وخمسين ألف نسمة، ويتوزعون تقريباً كالتالي: 70 ألفاً في العراق، 30 ألفاً في إيران، 40 ألفاً في سوريا، و5 آلاف في لبنان، وثمة أعداد أخرى منهم في إيطاليا وأمريكا الشمالية واستراليا والهند"( ) .
بعض هيئاتهم وأحزابهم وقوائمهم الانتخابية:
1.…"قائمة الرافدين الوطنية" التي تضم "الحركة الديمقراطية الآشورية" وبعض الأطراف المؤيدة لها كالمجلس القومي الكلدوآشوري، إضافة إلى المجلس القومي الكلداني وبعض المستقلين.
2.…قائمة "التجمع الوطني الآشوري" وهي تضم عددا من التيارات والشخصيات الآشورية التي تتعصب للتسمية الآشورية وحدها كاسم لكافة مسيحيي العراق.
وبحسب آشور كيواركيس، فإنه خلال الحرب العالمية الأولى كان قد برز أوّل حزب آشوري وهو "الحزب الإشتراكي الآشوري" الذي أسسه عام 1917، المؤرّخ الآشوري بنيامين أرسانيس والدكتور فريدون آتورايا الذي وضع أوّل دستور للدولة الآشورية المنتظرة.
وبعد ذلك تمّ تأسيس "حزب الإتحاد والمحبّة الآشوري" في العراق أثناء الحرب العالمية الثانية ولكن توقفَ عمل هذين الحزبين "بسبب قمعهما من قبل الأنظمة وإعدام وملاحقة مؤسسيهما"، ثمّ تأسست "المنظمة الديموقراطية الآشورية" عام 1957، والتي ما زالت مستمرّة حتى اليوم.(56/10)
وفي عام 1968 تأسست منظمة "الإتحاد الآشوري العالمي - AUA"، لتكون المنظمة- المظلة لكافة المؤسسات الآشورية من سياسية وغيرها."
الأشوريون وتطلعاتهم السياسية في العراق:
لا يخفي الأشوريون سيرهم في ركاب الأمريكان في العراق، يقول آشور كيواركيس: " ..فإن الآشوريين اليوم هم جزء أساسي من المعارضة العراقية (لنظام صدام).
ورغم سلبيات المعارضة فقد أصرّت التيارات الآشورية على المشاركة فيها انطلاقاً من الحسّ الوطني العراقي وبدعم من الإدارة الأميركية، وقد فرض الرئيس الأميركي الآشوريين في المعارضة العراقية بقرار رئاسي رقم /2003-05/ على أن تنضم منظمة "الحركة الديموقراطية الآشورية" (تحديداً) إلى المعارضة العراقية وذلك بفضل نشاط اللوبي الآشوري الأميركي".
كما لا يخفي الآشوريون رغبتهم بدولة مستقلة في العراق، رغم قلة عددهم، يقول كيواركيس: "لا نبالغ لو قلنا أن حلم كل فردٍ آشوري هو دولة مستقلة، وكأحفاد الدولة الآشورية القديمة وأصحاب العراق الحقيقيين نتمنّى أن نحظى بكيان قومي كما يسعى الشعب العربي في فلسطين، ونقولها بكل فخر كون ذلك حقنا المشروع تاريخياً وسياسياً وإنسانياً".
لكن الآشوريين يعترفون بأن قيام دولة مستقلة يواجه صعوبات كثيرة، يضيف كيواركيس قائلا: "لكن تبقى فكرة "الدولة المستقلة الآشورية" أمنية على الصعيد الفردي، فبالعرف السياسي يجب التفريق بين "الحق المشروع" و "البرنامج القومي"، حيث أن الأخير يتعلق بالظروف التي تمرّ بها الأمّة الآشورية اليوم تحت سيطرة "قوى الأمر الواقع" (عرب وأكراد) التي تتحكّم بمصيرنا على أرضنا، وهذا لا يعني أن برامج الأحزاب الآشورية تتضمّن مخططات انفصالية وتعمل لأجل "دولة مستقلة"، بل أقله تطالب بالمساواة - مع باقي الفئات التي تعيش على أرض آشور- تحت راية عراقٍ واحد ديموقراطي حر.(56/11)
وعندما نقول "مساواة" إنما نعني بذلك "المساواة ضمن أية صيغة في عراق المستقبل" أي أنه في حال فدرلة العراق نطالب بولاية آشورية أسوة بالآخرين تحت الراية العراقية الجامعة، لكن ما نقرأه بين أسطر بيانات المعارضة، لا يوحي بشيء من المساواة خصوصاً بما يتعلق بالقومية الآشورية في ظل النظام الفيدرالي المطروح وفي هذه الحال سيدخل النضال القومي الآشوري منعطفاً أشدّ صعوبة في مواجهة المؤامرات الانفصالية الكردية وأيديولوجيتها الشمولية الموروثة عن نظام بغداد، ليتحوّل الموقف الآشوري إلى أكثر إصراراً وربّما بطرق مختلفة عمّا مضى، مما سيؤثر على سمعة ما تسميه المعارضة العراقية "ديموقراطية ما بعد صدام".
ولتحقيق هذه الغاية توجه المسيحيون في العراق، ومن ضمنهم الآشوريون، صوب الولايات المتحدة، لإعطائهم حكما ذاتيا، يبدو تحقيقه أكثر واقعية من دولة مستقلة، وقد أوردت مجلة معلومات (نقلا عن صحيفة الديار اللبنانية) شيئا من هذا التوجه ومن الحِراك المسيحي، في خبر نشرته بتاريخ 8/1/2007 ، حيث تقول الصحيفة:
"أعطت دائرة الأقليات الاثنية والدينية التابعة لوزارة الخارجية الأميركية موافقتها المبدئية على العمل لمنح المسيحيين في العراق حكما ذاتيا وذلك خلال البحث النهائي في مستقبل بلاد الرافدين السياسي!.... وفي هذا السياق تسلم السفير الأميركي في العراق خليل زاده نسخة عن مقترحات سبق أن قدمتها مجموعة مشتركة للأحزاب الكلدانية والأشورية والسريانية إلى لجنة إعداد مسودة دستور إقليم كردستان العراق تطلب فيها منح المسيحيين حكما ذاتيا وإلحاق منطقة سهل نينوي بالإقليم الكردي. وذلك لوضع حد لهجرة المسيحيين الكثيفة.(56/12)
وجاء في المقترحات التي رفعت إلى الخارجية الأميركية، المطالبة باعتماد تسمية شاملة للمسيحيين وهي الشعب الكلداني - الأشوري - السرياني أينما وردت في الدستور الخاص بإقليم كردستان بدلا من الكلدان والأشوريين والسريان، وجعل الأول من نيسان رأس السنة القومية للكلدان والأشوريين والسريان عطلة رسمية في إقليم كردستان العراق.
كما ورد في المقترحات ضرورة تضمين الدستور الكردي المرتقب نصا واضحا لا لبس فيه بحق الشعب المسيحي في الحكم الذاتي ضمن سهل نينوى. وطالبت المجموعة المشتركة للأحزاب الكلدانية والأشورية والسريانية، بتقديم ترتيبهم في المادة السادسة من دستور الإقليم بحيث يصنفون في مرتبة القومية الثانية بعد الأكراد بعد أن جاء ترتيبهم ثالثاً أي بعد الأكراد والتركمان في مسودة دستور الإقليم.
ويرى موقعو مذكرة المقترحات أن مستقبل الشعب الكلداني الأشوري السرياني سيكون أفضل لو التحق بإقليم كردستان العراق وحصل على حقوقه القومية ضمن الإقليم بدلا من تشتته بين الحكومة العراقية وحكومة الإقليم. ويشير معدو هذه المقترحات إلى انه بعد تثبيت الحقوق في دستور إقليم كردستان العراق يلي ذلك المطلب الرسمي من الحكومة المركزية في بغداد إلحاق سهل بنسفوي بإقليم كردستان.
وتشدد مقترحات الأحزاب المسيحية المشتركة على أن المطالبة بكيان ذاتي للشعب المسيحي لا يعني الانسلاخ عن العراق فالمسيحيون وقواهم السياسية يحملون بنبل حقوقهم منذ عقود طويلة... وما يراد منه من وراء هذه المقترحات أن يصبح المسيحي سيد نفسه ولديه موقعه الجغرافي والتاريخي خصوصا وان هذه المنطقة معروفة منذ الأزمنة الغابرة بأنها مسيحية.
وبحسب واضعي مذكرة المقترحات فان منطقة مسيحية تتمتع بحكم ذاتي ستصبح ملاذا آمنا للمسيحيين في العراق. وهذه مفيدة للطائفة المسيحية، ولشعبها العريق والأصيل والقديم على هذه الأرض العربية الطيبة".
للاستزادة:(56/13)
1.…"موسوعة المجموعات العرقية والمذهبية في العالم العربي" ـ إشراف ناجي نعمان.
2.…"موسوعة الأديان (الميسّرة)" - إصدار دار النفائس.
3.…"موسوعة عالم الأديان" (الجزء الثالث عشر) ـ إشراف ط. مفرج.
4.…"الأديان والمذاهب بالعراق" ـ رشيد الخيون.
5.…"المسيحيون العرب": الدور والحضور (عدد خاص من مجلة معلومات التي يصدرها المركز العربي للمعلومات ـ العدد 45 ـ أغسطس 2007).
6.…موسوعة ويكيبيديا على شبكة الانترنت.
7.…مواقع الهيئات والمنظمات الأثورية على الانترنت.
8.…مقال "النشاط التنصيري في كردستان العراق" ـ د. فرست الدهوكي، المنشور في مجلة البيان، جمادى الأولى 1421هـ / 2000م.
9.…مقال "الآشوريون شعبٌ حي وطموح" ـ آشور كيواركيس، المنشور في موقع إيلاف، في 7 أبريل 2003.
الصفويون يدخلون الاستعمار إلى منطقة الخليج
في فترة مبكرة من عمر "الراصد"، وتحديداً في العدد الثاني، تناولنا الاتفاقيات والتحالفات التي عقدتها الدولة الصفوية الشيعية في إيران مع الدول الأوربية، وفي مقدمتها البرتغال وهولندا وإسبانيا والمجر وبريطانيا، ضد الدولة العثمانية السنيّة. كان من نتائج هذه التحالفات: إعاقة الفتح العثماني لأوروبا، ففي الوقت الذي كان العثمانيون يحاصرون المدن والدول الأوروبية تمهيداً لفتحها، يباغتهم الصفويون الشيعة من الخلف، فيضطر العثمانيون لإنهاء حصارهم على أوروبا، والعودة لحماية حدودهم مع الدولة الصفوية، واسترداد البلدان التي وقعت في قبضة الصفويين خلال انشغال العثمانيين بحروبهم الأوروبية، وفي مقدمة تلك البلدان: العراق، التي سقطت في قبضة الصفويين عدة مرات( ).(56/14)
وكان من نتائج هذه التحالفات أيضاً: إدخال الاستعمار إلى منطقة الخليج العربي، فقد مهّد الصفويون من خلال معاهداتهم وتحالفاتهم مع الأوروبيين الطريق للدول الأوروبية للتواجد في المنطقة واحتلالها بل والتعاون في ذلك، وهو الأمر الذي لابد من التفصيل فيه بعض الشيء، والتذكير بأن الشيعة الذين يتظاهرون اليوم بلعن أمريكا، ورفع شعارات "الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل"، فإن أجدادهم الصفويين هم من أدخلوا الاستعمار إلى المنطقة، وسهّلوا له احتلاله، كما سهّلت إيران في الوقت الحاضر لأمريكا احتلالها لأفغانستان والعراق.
الصفويون والبرتغاليون:
ارتبط الصفويون باتفاقيات مع البرتغال منذ وقت مبكر، منذ عهد أول حكام الدولة الصفوية، الشاه إسماعيل (ت 930هـ/ 1524م)، وفي ذلك الوقت كانت البرتغال قوة استعمارية كبيرة، ففي القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي)، كان البرتغاليون قد وصلوا إلى مناطق كثيرة في آسيا وأفريقيا، ولم يكد ذلك القرن يشرف على الانتهاء، حتى كان البرتغاليون قد اكتشفوا رأس الرجاء الصالح، واحتلوا الهند.
وبعد سيطرتهم على مناطق في آسيا، ومنها الهند، تطلع البرتغاليون صوب منطقة الخليج العربي والمشرق الإسلامي، إذ كانوا بصدد إنشاء امبراطورية مسيحية كبيرة في الشرق، إضافة إلى عدم اكتفائهم بالسيطرة على الطرق الرئيسية للتجارة العالمية، إنما العمل على إحكام سيطرتهم على الطرق البحرية الفرعية الأخرى حتى تصبح جميع منافذ التجارة في أيديهم، بحكم أن الخليج العربي هو شريان التجارة الهام إلى نهر الفرات وسواحل الشام( ).
وبعبارة أخرى اجتمعت لدى البرتغاليين أسباب دينية واقتصادية لاحتلال الخليج، أولها سيطرة الروح الصليبية على الجنود البرتغاليين الذين نشأوا في وقت احتدام الصراع بين المسلمين والنصارى في الأندلس، فأشربوا في قلوبهم الرغبة الجارفة في الانتقام من المسلمين( ).(56/15)
و"كان للدافع الصليبي كما يتضح أثره في رسائل البرتغال للملك البرتغالي في لشبونة حيث ذكر انه إذا سيطر على البحرين والقطيف يصبح الطريق للأراضي المقدسة من ناحية الشرق ممهّداً للسيطرة البرتغالية على مكة والمدينة، وانتزاع اسم محمد صلى الله عليه وسلم من الجزيرة العربية كلها"( ).
أما الأهداف الاقتصادية، فإضافة إلى ما ذكرناه من رغبة البرتغاليين في السيطرة على طرق التجارة الفرعية بعد سيطرتهم على طرق التجارة الرئيسية، فقد كانت بعض مدن الخليج ودوله تعيش نهضة واضحة وازدهاراً وبها ثروات وخيرات كبيرة، خاصة البحرين والقطيف.
قدم الصفويون الخليج للبرتغاليين على طبق من ذهب، ولم يكونوا يأبهون لأغراض البرتغاليين الدينية والاقتصادية، مادامت تحالفاتهم معهم ستؤدي إلى إضعاف الدولة العثمانية، العدو اللدود للصفويين، وإذلال الإمارات السنيّة، وفي سنة 1515م ذهب سفير الشاه إسماعيل الصفوي إلى مملكة هرمز التي كانت تحت سيطرة البرتغاليين، وحمل عدة مطالب واقتراحات للبرتغاليين، أهمها:
1.…تقدم البرتغال بعض سفنها لإيران كي تمكنها من غزو البحرين والقطيف.
2.…يساعد البرتغاليون الشاه في قمع تمرد قام ضده في مكران.
3.…يتنازل الشاه للبرتغاليين عن "جوادر" على ساحل بلوخستان( ).
4.…تتحد الدولتان في مواجهة الدولة العثمانية.
5.…تصرف حكومة إيران النظر عن مملكة هرمز، وتوافق على أن يبقى حاكمها تابعاً للبرتغال، وألاّ تتدخل في شؤونها الداخلية( ).
ويذكر المؤرخون أن البرتغاليين كانوا يفكرون بتأجيل احتلالهم للخليج لانشغالهم بالهند، لكن عرض الصفويين للبرتغاليين عجل بغزوهم واحتلالهم للخليج العربي.(56/16)
دخل البرتغاليون إلى الخليج في سنة 912هـ/ 1507م، أي بعد سنوات قليلة من تأسيس الدولة الصفوية (تأسست سنة 907هـ/ 1501م) وكانوا قبل ذلك احتلوا جزيرة سوقطرة قبالة اليمن، لكنهم شعروا بعدم جدوى احتلالها، لفقرها من الموارد الطبيعية، ثم حاولوا احتلال عدن، لكنه لم يستطيعوا ذلك فرأو أن يتجهوا شطر منافذ الخليج العربي، ومنها القطيف.
وخشي القائد البرتغالي البوكيرك أن يثير تحركه هذا حفيظة الشاه إسماعيل الصفوي، فأراد أن يكسب ودّه، ويأمن جانبه، وليخيف بهذا التقرب، عرب الخليج، فأرسل البوكيرك إلى إسماعيل رسالة فيها: "إني أقدّر لك احترامك للمسيحيين في بلادك، وأعرض عليك الأسطول والجند والأسلحة لاستخدامها ضد قلاع الترك في الهند، وإذا أردت أن تنقض على بلاد العرب أو أن تهاجم مكة! ستجدني بجانبك في البحر الأحمر أمام جدّة أو في عدن أو في البحرين أو في القطيف أو في البصرة وسيجدني الشاه بجانبه على امتداد الساحل الفارسي، وسأنفذ له كل ما يريد"( ).
الأوروبيون والصفويون: لم يقتصر تحالف الصفويين مع البرتغاليين، بل تعدّاه إلى الجمهوريات الإيطالية، وإسبانيا والمجر وهولندا وبريطانيا، الأمر الذي أوجد لهذه القوى أيضاً موطئ قدم في منطقة الخليج.
خذلان شيعي ومقاومة سنيّة:(56/17)
وفي مقابل تآمر الصفويين مع الأوروبيين ضد الدولة العثمانية وإمارات الخليج العربي، استبسل أمراء الخليج السنّة (أو بعضهم على الأقل) في الدفاع عن بلادهم ضد الهجمة الصليبية البرتغالية، وبرز هنا اسم السلطان مقرن بن زامل، سلطان البحرين (والبحرين آنذاك كانت تطلق على الجزيرة المعروفة إضافة إلى الساحل الشرقي للخليج)، فعندما بدأت البرتغال استعداداتها لغزو البحرين، ذهب السلطان مقرن إلى الحج لطلب المساعدة من أمراء وملوك البلاد الإسلامية( ) وعندما اندلع القتال، قاتل حتى أسر وقتل. ويصف الدرورةُ السلطان مقرن بأنه "كان أميراً جليل القدر، معظماً مبجلاً، في سعة من المال، مالكي المذهب، فلما حجّ ورجع لبلاده لاقته الفرنج في الطريق وتحاربت معه فانكسر الأمير مقرن وقبضوا عليه.... واستولوا على أموال الأمير مقرن وبلاده، وكان ذلك من أشد الحوادث في الإسلام وأعظمها، وقد تزايد شر الفرنج على شواطئ البحر وسواحل المحيط الهندي"( ).
للاستزادة:
(1)…"الصفويون والدولة العثمانية" - أبو الحسن علوي عطرجي.
(2)…"تاريخ الاحتلال البرتغالي للقطيف" - علي الدرورة.
(3)…"تاريخ الخليج وشرق الجزيرة العربية" - د. محمد محمود خليل.
(4)…"عودة الصفويين" - عبد العزيز المحمود.
جهود علماء العراق في الرد على الشيعة
(القسم الثاني)
بقلم
عبد العزيز بن صالح المحمود
تمهيد:
تحدثنا في الحلقة الأولى من هذا البحث عن تاريخ تشييع بعض مناطق وعشائر الجنوب والوسط في العراق، وأسبابه بصورة مختصرة، لأننا سنفرد لهذا المبحث كتابا مستقلا يسر الله نشره.
وفي هذا القسم الثاني سنتناول المواضيع التالية:
1.…أسباب إهمال هذا التراث وعدم ذيوع وانتشار هذه الجهود .(56/18)
2.…عرض لمؤتمر النجف الذي عقد برعاية حاكم إيران آنذاك نادر شاه، وما نتج عنه من نتائج إيجابية للعراق، إلا أن يد العجم الغادرة لم ترد لهذا المؤتمر النجاح، فقامت بإغتيال نادر شاه وأجهضت جهودا قيمة، ولله الأمر من قبل ومن بعد ..
3.…جهود جل علماء العراق في الفترة من بداية نشوء الدولة الصفوية وحتى تكوين الدولة العراقية الوطنية الحديثة سنة 1921م، ذاكرين أسماءهم ومؤلفاتهم والإشارة لكونها مطبوعة أو مخطوطة.
لماذا أهمل هذا التراث:
سؤال يطرح نفسه، لماذا ظلّ هذا التراث مغيباً وحبيساً عن الأمة ليومنا هذا؟ وللجواب عن هذا السؤال أقول: إن هناك عدة أسباب ظهرت بعد انهيار الدولة العثمانية حالت دون ظهور هذا التراث أذكر منها:
-…أن أكثر الدول العربية وشعوبها خضعت لاستعمار؛ إما انكليزي أو فرنسي أو إسباني أو إيطالي، وأصبح أكبر همها التخلّص من الاستعمار والتغاضي عن أي مؤثر داخلي والاشتغال بالعدو الخارجي.
-…ظهور الحركات القومية والوطنية واستبدالها العاطفة الدينية بشعار الوطنية .
-…أن الدولة العثمانية في آخر عهدها تبنّت سلوكيات ظالمة منحرفة بعيدة عن الإسلام مما أدى إلى نفور المسلمين منها، واستبدالها بمبادئ جديدة مثل الحرية والإخاء والمساواة والاشتراكية والقومية العربية والقومية الفارسية والطورانية (أي القومية التركية) والقيم الوطنية وغير ذلك.
-…ظهور الثورة البلشفية في روسيا وانتشار الفكر الشيوعي والاشتراكية مما أدى إلى صرف الأنظار عن أهل الدين، فالتيار الذي يمثل الدين آنذاك لم يستطع مقاومة هذا المد الجارف، فهم يعيشون في واد والحضارة تسير في واد آخر.(56/19)
فالتصوف بخرافاته كان هو الدين السائد في المجتمع السُني، والدين أصبح عبارة عن مجموعة من البدع والسلوكيات المنحرفة ومبادئ ومفاهيم غير صحيحة، وأصحاب الإصلاح الإسلامي محارَبون، حتى أن المرء المتدين كان يسمى رجعيا حسب المفاهيم الجديدة ؛ بزعم أنه يريد الرجوع بالأمة الى الوراء .
-…بعد سقوط الدولة العثمانية انتهت آخر دولة دينية إسلامية واستبدلت قوانين الدول العربية والإسلامية بقوانين تحمل مبدأ العلمانية و تفصل الدين عن الدولة .
لهذه الأسباب المذكورة وغيرها أصبح همّ أهل الدين سواء في العراق وفي بقية العالمين العربي والإسلامي مقاومة الإلحاد الشيوعي والتحرر من القيم الغربية ومحاولة إصلاح الدين مما علق به، ومحاولة إرجاع المجتمع لقيمه الإسلامية؛ لذلك أهمل موضوع التشيع وخطره، وأصبح شاغل المثقف والمفكر والعالم المسلم الملتزم بدينه الرقي بأمته،
وظهرت فكرة توحيد الأمة بكل أطيافها السني والشيعي تحت مسمى الوطنية أو القومية للنهوض بالأمة من جديد، فقرر كثير من العلماء والمفكرين والمؤرخين والشعراء وغيرهم تجاوز الصراع السُني الشيعي في الكتابة والتأليف، وغض الطرف عن هذه المؤلفات التراثية الرائعة؛ لأنها تمثل عندهم عهداً مضى واندثر.
وثمة أمر مهم آخر وهو: إنّ مصر كانت رائدة العمل الإسلامي الثقافي في وقتها، وغالب ما كتب لعلاج أزمة الأمة الإسلامية كان مصبوغاً بصبغة مصرية وهي مشكلة الاحتلال الأجنبي بداية ومن ثم الصراع مع السلطة الشيوعية والعلمانية بعد زوال الاحتلال.(56/20)
ومعلوم أن مصر لم تعان من المشكلة الشيعية؛ لذا لم تدخل مفردة التشيع ضمن الكتب التي عالجت المخاطر الداخلية والخارجية على الأمة مثل كتاب "حصوننا مهددة من الداخل" أو ضمن الدراسات التي تناولت الغزو الفكري ككتابات أنور الجندي رحمه الله أو سيد قطب ومحمد قطب ومحمد الغزالي وغيرهم، وكل العالم الإسلامي اليوم تبع لهذه الرؤية المصرية، فكتاب "أجنحة المكر الثلاثة" لعبد الرحمن حبنكة الميداني، رغم أنه كتب من مفكر شامي يعايش المشكلة العلوية والشيعية والدرزية لكنه قلد الفكر المصري في المعالجة؛ لذا لم يتناول التشيع كخطر؛ فضعف الإحساس بالخطر الشيعي أو انعدم أحيانا.
وهناك سبب آخر عند العراقيين خاصة ألا وهو: إنّ أهل العراق ومفكريهم لم يعتنوا كثيرا بطبع تراثهم بسبب أنظمة الحكم الدكتاتورية التي تسلطت على غالب تاريخ العراق المعاصر، فهذه آثار الألوسي الجد المفسر، والحفيد محمود شكري، وعمه نعمان لم يكتب لها النشر والذيوع ، وهذا الإهمال بل قل العقوق سببه أهل العراق أنفسهم وهو قصور منهم ، وما نشر من تراثهم ففي الخارج في مصر والسعودية ولبنان.
بل إن حركة النشر للمؤلف والعالم العراقي لم تلاق تشجيعا محليا وغلب عليها الضعف لأسباب كثيرة ليس هذا محلها، كما إن بعض التوجهات الإسلامية لاسيما أصحاب المنهج الترضوي - كما يسميه صديقنا الدكتور طه الدليمي - رفض نشر هذه المؤلفات.
ولا يفوتنا ذكر مسألة مهمة ألا وهي قلة الوعي الإسلامي، والخوف من غدر الشيعة والمخابرات الإيرانية( ) كما فعلت بالشهيد - بإذن الله - إحسان إلهي ظهير؛ لذلك فثمة جمع لا بأس به من العراقيين يكتب اليوم بأسماء مستعارة، والله المستعان .
مؤتمر النجف:(56/21)
بعد ضعف الدولة الصفوية ومحاولة الأفغان والعثمانيين السيطرة على أراضيها التي آلت للسقوط والتمزق، قتل آخر شاه صفوي (شاه حسين) فحاول ابنه الثار له، وكان (نادر شاه) أشهر قواده، فجعله وزيرا له، وبدأ يحقق به بعض الإنتصارات حتى منح لقب (طهماسب قلي) أي عبد طهماسب ( ).
أصبح نادر شاه في وضع قوي، وبدأ يستعيد أمجاد الدولة الصفوية من جديد وحاول غزو الهند وبلاد تركستان وبلاد الداغستان والأفغان، وبعد موت طهماسب ألغى نادر شاه الدولة الصفوية وكان بداية لحكم جديد افتتحه هو. ثم حاول السيطرة على بغداد وحاصرها حتى جاع أهل بغداد وأكلوا الحمير والقطط والكلاب ومكث ثمانية شهور ولم يوفق لدخولها، ولكن ملكه تعاظم حتى كان في ملكه من السنة والشيعة، ولم يكن نادر شاه شيعي النزعة وإنما أراد أن يستقر ملكه الذي توسع ولقب نادر شاه (شاهنشاه ) وطالب الدولة العثمانية بالاعتراف به وبالمذهب الشيعي كمذهب خامس، وأن يحظى مذهب الشيعة بكرسي للتدريس عند الكعبة أسوة بالمذاهب الأربعة.
عاد نادر شاه وحاصر بغداد سنة (1156هـ ) بسبعين الف محارب، وحاصر البصرة وشهرزور (السليمانية) وكركوك وأربيل والموصل، وزار ضاحية من ضواحي بغداد وهي مرقد موسى الكاظم والمسماة اليوم بـ (الكاظمية) وصالح والي بغداد ولم يدخلها ، ولكنه عبر النهر وزار قبر أبي حنيفة النعمان في منطقة الأعظمية ....
ثم قفل متوجهاً نحو النجف لزيارة قبر علي رضي الله عنه، وعندها أراد نادر شاه عقد مؤتمر لمصالحة علماء الشيعة والسنة الخاضعين لملكه من أهل إيران وأفغانستان وتركستان وأوزبكستان وكانوا حوالي 70 عالما أحضرهم معه، وطلب من والي بغداد أن يرشح له عالما لكي يناظر علماء العجم الشيعة والوصول لحالة من التوافق الديني بين الجميع.(56/22)
رشح والي بغداد لهذه المهمة عالم العراق آنذاك أبا البركات عبد الله بن الحسين بن مرعي بن ناصر الدين السويدي، وهو في وقته من أجلّ علماء العراق وينتمي لأسرة علم وفضل وهي من الأسر النوادر في العلم كأسرة الألوسي.
تهيب السويدي لهذه المهمة خوفا من أن لا يوفق لعناد الشيعة ومكابرتهم، أو أن يبطش به الشاه نادر، لكن والي بغداد أصر عليه.
خرج العلامة السويدي الى النجف مارا بمدينة الحلة (وكانت تحت سيطرة نادر شاه) والتقى بأهل السنة من سكانها وأخبروه بمن حضر مع الشاه من الشيعة وأن الشاه مهتم لهذا الأمر، وقفل سائرا الى مدينة النجف حيث يعسكر الشاه، فاستعجل الشاه مجيء السويدي فأرسل باستقباله، حتى ظن السويدي أن شرا سيحصل له، ولكنه ألهم الشجاعة، وتوكل على رب العزة لنصرة دينه، واستقبله حاشية الملك ووزراؤه ، ودخل ورحب به نادر شاه، وشرح له أنه يريد إيقاف التكفير بين السنة والشيعة الخاضعين تحت سلطانه وأنه يريد مناظرة بينه وبين علماء الشيعة، والالتزام بوقف التكفير، وطلب منه بأن يخبره عن أي شيء يجعل الشيعة يكفرون السنة كي يتولى السلطان بنفسه منعه.
وفي اليوم الأول للمناظرة خضع علماء الشيعة للسويدي، حيث أمرهم بالتوقف عن سب الصحابة والخلفاء الراشدين وأمهات المؤمنين، وذم المتعة، واشترط على السنة أن يكفوا عن تكفير الشيعة إذا توقفوا عن السب، فوافق السنة.
شكر نادر شاه فعل السويدي، وفي اليوم الثاني أمر العلماء المجتمعين بكتابة محضر المؤتمر وأن يوقع العلماء السنة والشيعة عليه، وفعلوا، ووضعت نسخة منه داخل قبر علي بن أبي طالب الخليفة الرابع الراشد رضي الله عنه وعن أولاده، ونسخة أرسلت مع السويدي إلى والي بغداد .(56/23)
وتوعد نادر شاه الشيعة في بلده إن عادوا للسب بقتلهم وسبي أولادهم؛ لأن إيران قبل مجيء الصفويين وأول حكامهم المجرم إسماعيل شاه، لم يكن بها سب للصحابة، فإنه واولاده وأحفاده هم من أوجد السب في إيران وساندهم علماء الشيعة القادمون من لبنان (مثل الكركي) وعلماء النجف والبحرين.
وفي اليوم الثالث ذهبوا الى الكوفة لحضور صلاة الجمعة مشتركين، وكان الخطيب شيعيا وهو نصر الحائري الكربلائي، الذي ترضّى على الصحابة والخلفاء الراشدين ودعا للخليفة العثماني وكذا لنادر شاه ولكن بدعاء اقل، وكانت الصلاة بعضها بالعربي والبعض بالفارسي، وجرت مناقشة بين مفتي الشيعة الإيراني، والسويدي حول المذهب الجعفري.
ويعتبر هذا المؤتمر أكبر جهد قام به علماء العراق، رغم أنه لم يأت أكله، فقد قتل الصفويون نادر شاه بعد ثلاثة اشهر من تاريخ هذا المؤتمر، وعاد حكام إيران لنشر التشيع في الجنوب العراقي الجاهل ونشر الكتب السيئة، فقد اشترت إيران وقتها مطبعة حجرية في سنة 1883م ونشرت كتب التشيع وارسلتها للعراق، وتحول الصراع من عسكري الى فكري مذهبي.
ولنا كلمة حول مؤتمر النجف ومدى تأثير التشيع الايراني على التشيع في العراق:
فإن علماء العراق الشيعة لم يكن لهم وجود فعّال، فقد سرد الناشرون لهذا المؤتمر أسماء العلماء من السنة والشيعة ولم يذكروا علماء العراق الشيعة، إلا خطيبهم، وهذا يعني أن شؤون الشيعة دائما كانت بيد الإيرانيين، فعندما أمر ملك إيران نادر شاه بوقف سب الصحابة توقف، لكنهم في المقابل لم يمتثلوا للعثمانيين بوقف السب!!(56/24)
ليست هذه الحادثة الأولى التي يخضع شيعة العراق فيها لإيران، فقد ذكر الباحث العراقي الشيعي المنصف الدكتور علي الوردي( ) أنه في سنة 1870 م زار ملك إيران، الشاه ناصر الدين القاجاري، النجف زمن حاكم العراق مدحت باشا، وعندما سمع الأذان بدون (أشهد أن عليا ولي الله) أمر بإعادة الآذان وذكر هذه الفقرة، ومن يومها دخل هذا الأذان للعراق وأصبح من مقدسات الشيعة، يدافعون وينافحون عنه كأنه دين، وقد كان أسلافهم من علماء الشيعة يبدعون واحيانا يلعنون من يفعل ذلك؛ لأنه من بدع فرقة المفوضة الشيعية؛ الذين يدّعون أن الله فوض الخلق لعلي وعلي ساعد الله على خلق الكون فمن أجل ذلك كفرهم الشيعة، فهذه الطائفة المنحرفة هي من أوجد هذه الشهادة الثالثة.
وأهم من ذلك كله ما يفعله الشيعة اليوم من اللطم وضرب السلاسل السوطة (الجنازير أو الجنزيل) على الظهور، وضرب الرؤوس بالقامات والسيوف وإسالة الدماء، وهذا لم تعرفه شيعة العراق لغاية سنة 1831م حتى صدره لنا شيعي إيراني يدعى باقر بن الشيخ أسد الله الدزفولي (من مدينة دزفول أو دسبول الإيرانية) وكان يسكن مدينة الكاظم، وكان العرب الشيعة لا يعملون شيئا من هذا بل يفعله الفرس والتركمان وشيعة القفقاس والأذربيجانيون المقيمون في مدينة كربلاء والنجف.
فقد ذكر أن التسوط بالسلاسل دخل النجف سنة 1919م وان الحاكم البريطاني في النجف هو أول من أدخل ذلك، لأنه كان حاكماً على مدينة كرمنشاه الإيرانية، أما كربلاء فقد دخلها سنة 1899م، وقبل ذلك لم يكن العرب العراقيون يمارسونه بل كانوا يقفون مشاهدين فقط؛ لأن العربي يعبر عن حزنه ومشاعره باللطم والعويل ونشر الشعر، أما تعذيب الجسد وإسالة الدماء فهذه ثقافة دخيلة على العرب.(56/25)
وكذا تمثيل الشبيه (وهو تمثيل قصة مقتل الحسين) وكان زمن إدخاله لمدينة الكاظم ببغداد هو أواخر القرن الثامن عشر، وكان العثمانيون يشجعون أحيانا على ذلك فقد سمح والي بغداد علي رضا سنة 1831م بإقامة هذه الطقوس وكان بعض الجنود العثمانيين يشاركون في الشبيه (التشابيه باللهجة العراقية) في مدينة النجف، في حين كان الوالي مدحت باشا وعلامة العراق أحمد شاكر يعارضان هذه التصرفات غير الحضارية( ).
أما الأشعار الحسينية وترانيم العزاء ونغمة الأذان فقد أسست على الطريقة الفارسية بينما عرب العشائر لهم أشعارهم وقصائدهم، فاين ألحانهم من الحداء وغيره في ذلك؟ والجواب واضح فهذه عادات مستوردة تلقفها أهالي الجنوب الجهلة والإمّعات من الفرس، وأستخدم التشيع كأداة لتمرير العادات الصفوية للعراق.
فليفقه شيعة العراق أن هذه الأفعال ليست دينا فضلاعن أن تكون دينا لآل البيت، وسيبقى شيعة العراق رهينة بيد إيران شاءوا أم أبوا، وستبقى إيران حكومة ومفكرين يستخدمون التشيع لتحقيق مكاسب سياسية طامعة.
جهود علماء العراق في الرد على التشيع
سنسرد جهود العلماء التي وصلت إلينا حسب التاريخ والى قيام الدولة العراقية الحديثة:
1 - الشيخ علي بن أحمد الهيتي رحمه الله
من علماء مدينة هيت وهي بلدة مشهورة على الفرات وتقع حاليا ضمن محافظة الأنبار وله كتاب (مختصر القاموس المحيط للفيروزآبادي ) ومنه نسخة بدار الكتب المصرية برقم (614 لغة).
وله مؤلف قيّم اسمه "السيف الباتر لأرقاب الرافضة الكوافر" وله عدة نسخ خطية وحقق كرسالة علمية من قبل الأخ محمد موسى حجازي السيوطي في المملكة العربية السعودية في الجامعة الإسلامية ...
ولم تنشر، وسأنشرها قريبا بالتعاون مع دار البخاري على نسخ خطية عراقية ومصرية وغيرها بإذن الله تعالى، ويعد هذا المؤلف أقدم مؤلف عراقي وصل إلينا في نقد الشيعة .(56/26)
وهذا المؤلف أراد به الهيتي أن يبين للسلطان العثماني أن ضرر التشيع وقتال الدولة الصفوية أمر لابد منه شرعا ونقل علي الهيتي عن علماء ما وراء النهر ، وعلماء الروم ، وعلماء كردستان الفتوى بوجوب قتالهم. ثم قال: ( حتى أني رأيت منقولاً عنهم: أن من قتل رافضيًا فكأنما قتل وغزا سبعين كافرًا من أهل الحرب لأن ضررهم أكثر من الكافر) ثم قال: ( فلا شك أنه يجب قتلهم ، ويحل أكل أموالهم ، وسبي نسائهم وأولادهم ، فإن رأيي وعلمي أدى إلى ذلك ، وأقطع بجوازه ، بل بوجوبه ، وكل من يتوقف في ذلك من أهل زماننا فلا شك في جهله ، وعميان بصيرته بل لا شك في كفره ، لأن الرضى بالكفر كفر ، وهؤلاء الطائفة الملعونة ما أحبهم قلب فيه إيمان كما قال الله تعالى: (لا تجد قومًا يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادُّون من حادّ الله ورسوله) [ المجادلة:22].
وتوفي الهيتي سنة 1029 هـ وقيل 1020 لكنه يصح؛ لأنّ سنة تأليف الرسالة تم بعد خمس سنوات كما في (إيضاح المكنون) لإسماعيل باشا البغدادي.
2- زين العابدين بن يوسف بن محمد بن زين العابدين بن طاهر بن صدر الدين بن محمد بن إسماعيل الكوراني الشافعي:
مفتي بغداد ومن علماء الأكراد ولا يعلم عن ترجمته الشيء الكثير إلا أن هذه العائلة أنجبت علماء كثرا، له كتاب "حاشية على حاشية اللاري على شرح الهداية" وهي ضمن مخطوطات جامعة صلاح الدين في السليمانية في 80 صفحة كما أشار إلى ذلك المحدث حمدي السلفي حفظه الله في مقدمة تحقيق كتاب المترجم "اليمانيات المسلولة على الرافضة المخذولة" وله تفسير "سورة الإخلاص": وقد بيّن فيه أنه استوفى فيه الرد على غلاة الرافضة والقرامطة، ذكره في اليمانيات ولا ندري عنه شيء.
وقصة كتاب اليمانيات أنه في سنة 1066 هـ وردت رسالة إلى العراق من بعض الشيعة كتبوا فيه اعتقادهم وزعموا أنه اعتقاد جمهور الشيعة في بلادهم، فجاء الرد والبيان من هذا العالم الكردي الغيور.(56/27)
والكتاب نشر لأول مرة سنة 1997م بتحقيق المحدث حمدي السلفي حفظه الله ونفع به أهل السنة ضمن مجموعة (رسائل في الرد على الرافضة) ، ثم حققه الدكتور المرابط ولد المجتبى الجكني كرسالة ماجستير نالت درجة الامتياز سنة 1415هـ في الجامعة الإسلامية في السعودية. وسأطبعه بإذن الله في مكتبة البخاري بمصر بإذن الله .
أما عن وفاته فلا نعلم إلا أنه كان حياً سنة 1066هـ.
3- الشيخ عبد الله بن احمد بن حسن بن احمد الزيزي الربتكي الموصلي:
ولد سنة 1060 هـ وطلب العلم على يد جملة من علماء الأكراد ورحل في طلب العلم وذهب إلى مكة المكرمة حاجا سنة 1146 والتقى بالعلماء في طريقه وفي الحجاز، وعاد سنة 1147 هـ إلى الموصل وتفرغ للتدريس والتأليف. سافر إلى القسطنطينية واجتمع بعلمائها وأدبائها ولقي تكريما لما رأوا من علمه وأدبه وتتلمذ على يده نفر يسير. وله رسالة (في بيان كفر الرافضة وأنّ دارهم دار حرب) نشرها وحققها الشيخ المحدث الكردي حمدي عبد المجيد السلفي حفظه الله على ثلاث نسخ في مجموعة رسائل في الرد على الرافضة سنة 1997، وستنشر بتحقيقي قريبا في دار البخاري في مصر بإذن الله. وسنة الوفاة هي 1159هـ.
4 - أبو البركات عبد الله بن الحسين بن مرعي بن ناصر الدين السويدي( ):
ولد سنة 1104 هـ ( 1693 م) في كرخ بغداد ،وأصله من مدينة الدور شمال بغداد ويرجع نسبه إلى الخليفة المتوكل. توفي والده ولم يبلغ السابعة فتولاه خاله فدرس عليه اللغة والفقه ودرس على بعض المشايخ أيضا مثل محمد الرحبي مفتي الشافعية وآلي أفندي الرومي وسلطان الجبوري وخلق كثير، تولى التدريس في مسجد الإمام أبي حنيفة في الأعظمية وفي الحضرة القادرية وفي المدرسة المرجانية، زار حلب ودمشق في رحله الحج سنة 1157هـ (1745م) واستفاد أهلها منه كالشيخ محمد إبراهيم الطرابلسي مفتي حلب ونقيبها وغيرهم له مؤلفات كثيرة ويعتبر من أعيان العراق.(56/28)
له رسالة في(نقض عقائد الشيعة) يوجد منها نسخة في مكتبة أوقاف بغداد تقع في 130 ورقة (1/13785/ مجاميع) نسختها، وكانت لدي رغبة بتحقيقها إلا أن الشيخ حمدي عبد المجيد السلفي أخبرني في المدينة النبوية أن هذه الرسالة ملخصة من كتاب البرزنجي (نوافض الروافض ) ولم أتحقق من الأمر .
وله بحوث في هذا الباب ضمن كتابه "النفحة المسكية في الرحلة المكية " منها رسالة في الرد على الشيعة بمسألة غسل الرجلين توجد نسخة في أوقاف بغداد في 5 ورقات (14/3797 مجاميع) .
أما جهده الأكبر في هذا المجال فهو في المناظرة المشهورة في النجف والتي جرت بدعوة من نادر شاه حاكم إيران آنذاك بعد أن اتسع الخلاف بين السُنة والشيعة، فجرت مناظرة بين علماء الشيعة وأهل السنة عند القبر المزعوم( ) لعلي رضي الله عنه.
وكان الحكم للشيخ أبي البركات السويدي رحمه الله فنصر أهل السنة والجماعة ورُفع السب واللعن والطعن في الصحابة، وأقر أئمة الشيعة بكثير مما أنكروه وأحدثوه وهدى الله به جما غفيرا من الشيعة إلى طريق الحق والصواب. وقد طبع الكتاب باسم (الحجج القطعية لإتفاق الفرق الإسلامية) وطبع بمطبعة السعادة بالقاهرة سنة 1333 هـ وأعيد طبعه باسم (مؤتمر النجف) على يد الفاضل محب الدين الخطيب، وطبع بعد ذلك أكثر من طبعة .(56/29)
وحاول بعض الشيعة التنقص من هذا الإمام الغيور وربط أمره بالسلطة العثمانية تارة وبدعوة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب تارة أخرى ومنهم المدعو رسول محمد رسول في كتابه "الوهابيون والعراق" والذي ملأه طعنا وثلبا بأئمة الُسنة في العراق ، وقد رد عليه الدكتور وليد خالص ولكن ليس من وجهة نظر شرعية بل تاريخية، وهناك جوانب كثيرة لم يتطرق لها لأنه محصور بالفكرة العامة السائدة في هذا الوقت: وهي أن الشيعة إخوة في العقيدة والوطن وان كل من حاربهم فكريا أو عسكريا فهو معتد أثيم وينعت بشتى الأوصاف (إرهابي، وهابي، ناصبي، أموي، مبغض، آل البيت) . وكانت وفاة السويدي سنة 1174 هـ .
5- حسين بن علي بن عبد الله بن فارس العشاري البغدادي:
(نسبة إلى عشارة بلدة على الخابور) كان فقيها أصوليا وشاعرا، ولد في بغداد سنة 1150 هـ (1710م) ودرس على عبد الرحمن السويدي وبرع في العلوم وغلب عليه الفقه حتى لقب بالشافعي الصغير أو الشافعي الثاني. تصدر التدريس في مسجد أبي حنيفة في الأعظمية وفي الحضرة القادرية وفي المدرسة المرجانية، ولما استلم الوزير عبد الله بن سليمان ولاية البصرة وبغداد اسند إليه التدريس في البصرة وأرسله إليها.
اشتهر بشعره ومدائحه النبوية وفي مدح الصحب والآل رضوان الله عليهم أجمعين وله رسالة "الأبحاث الرفيعة في الرد على الشيعة" عندي نسخة منها، حققتها وستنشر في دار البخاري بمصر.
وله ديوان شعر طبع بتحقيق وليد الأعظمي و عماد عبد السلام رؤوف سنة1977 في مطبعة الأمة ببغداد. توفي في بغداد سنة 1195 هـ ( 1781م) .
6- عبد الرحمن بن عبد الله السويدي:(56/30)
ولد في بغداد سنة 1134 هـ ودرس على والده وفصيح الدين الهندي، تصدر للتدريس وله مصنفات منها (حديقة الزوراء في سيرة الوزراء (تاريخ بغداد)، تاريخ حوادث بغداد والبصرة ) وقد ظهر حسه المدافع عن السنة والفاضح لهجمات العجم الشيعة على البلاد وتنكيلهم بالعباد في تلك الفترة في هذين الكتابين، وهذه سيرة كل مؤرخ سُني غيور على بيضة أهل السنة ودولتهم. توفي سنة 1200هـ.
7- ياسين خير الله الخطيب العمري:
لد في الموصل سنة 1157 هـ (1744م) وهو من أعيانها وأدبائها وشعرائها. في مؤلفاته يميل إلى الصوفية وينكر من يخالفهم في سلوكهم، ومن آثاره: "منية الأدباء في تاريخ الموصل الحدباء". و"غرائب الأثر في حوادث ربع القرن الثالث عشر". و"الدر المكنون في المآثر الماضية من القرون (منه نسخة بدار الكتب الوطنية بباريس). و"زبدة الآثار الجلية في الحوادث الأصلية"، انتخب زبدته الأستاذ الكبير داود الجلبي والأصل للعمري، طبع بتحقيق د عماد عبد السلام رؤوف.
وأود هنا نقل مقطع صغير يبين حميته على أهل السنة: ".....وقتل من أهل بغداد ما يزيد على أربعين ألف نفس، وملك الشاه عباس بغداد، ورفع السيف عن أهلها، وجمع كتب أهل السُنة والقاها في دجلة حتى قيل أنها صارت جسرا يمشون عليها، وأمر اللعين بهدم مرقد الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان رحمه الله، وهدم مرقد الشيخ عبد القادر الكيلاني،..وهربت العمرية من الموصل خوفا من الرافضة، وممن هرب جدنا الشيخ موسى الخطيب العمري..). توفي العمري بعد سنة 1232 هـ (1816م) .
8- عثمان بن سند الوائلي البصري المالكي:
أصله من نجد، ولد سنة 1180 هـ في جزيرة فيلكه بالكويت ثم انتقلت عائلته إلى الإحساء فنشأ فيها واستفاد من أئمتها مثل الشيخ عبد الله البيتوشي الكردي (ستأتي ترجمته) ومحمد بن عبد الله بن فيروز الإحسائي وغيرهما. وفي سنة 1204 هـ رحل إلى البصرة وأخذ عن علمائها ومنهم المحدث علي السويدي.(56/31)
وله تاريخ مشهور "مطالع السعود بطيب أخبار مولانا داود" (يعني داود باشا والي بغداد) واختصره أمين الحلواني وقد تكلم فيه عن تلك الفترة وعن هجمات العجم الروافض على بغداد والبصرة وهو تاريخ مفيد حوى أخبارا وأشعارا وفوائد كثيرة، وفيه ذكر بعض تاريخ تشيع العشائر العراقية، أما الأصل فقد طبع بتحقيق البحاثة عماد عبد السلام رؤوف وسهيلة القيسي.
وأما المختصر فقد طبع بالهند سنة 1304 بعناية المختصر وأعاد تحقيقه الأستاذ محب الدين الخطيب رحمه الله ونشره في المطبعة السلفية سنة 1371 وعندي نسخه منه بخط العلامة نعمان الآلوسي .
وله منظومة في الرد على دعبل الخزاعي سماها (الصارب القرضاب في نحر من سب الأصحاب) أو (الصارم القرضاب في الرد على من سب أكارم الأصحاب )عندي نسخة منها، وهي قصيدة في 1600 بيت شعر، وقد أُبلغت أن أحد الفضلاء المصريين يعمل على تحقيقها ونشرها.
توفي في بغداد سنة 1242 هـ ودفن في مقبرة الشيخ معروف الكرخي ببغداد.
9- محدث العراق علي بن محمد بن سعيد بن عبد الله السويدي:
حفيد أبي البركات، أخذ عن والده الشاعر محمد سعيد، وعن عمه عبد الرحمن وتصدر للتدريس، له كتاب في "الرد على الإمامية" لم نطلع عليه، وكتاب "العقد الثمين في بيان مسائل الدين" في العقائد، نصر فيه الكثير من عقائد السلف ودافع عن شيخ الإسلام ابن تيمية، والكتاب مطبوع في مصر سنة 1830م.
مات سنة 1237هـ.
10- أبو الفوز محمد أمين بن محدث العراق علي بن محمد بن سعيد بن عبد الله السويدي:(56/32)
ولد في بغداد سنة 1200 هـ (1786م) من مؤلفاته المشهورة "سبائك الذهب في معرفة انساب العرب" وهو مطبوع ، وله كتاب (الصارم الحديد في عنق سلاسل الحديد في تقييد ابن أبي الحديد) وهو مؤلف ضخم جليل في الرد على الرافضة، حقق كرسالتين علميتين في الجامعة الإسلامية في السعودية: واحدة بتحقيق فهد بن ضويان بن عوض السحيمي سنة 1414هـ ، والأخرى بتحقيق جازي بن بخيت بن بدر الكلبي الجهني سنة 1415هـ . وله أيضا "السهم الصائب في الرد على الإمامية" لم نطلع عليه. ترجم له علي الآلوسي مفتتحاً به كتابه "الدر المنتثر في رجال القرن الثاني والثالث عشر". توفي أثناء عودته من الحج في مدينة بريدة، التي تقع حاليا في ضمن المنطقة الشمالية في السعودية سنة 1246هـ (1830م).
11- أبو الثناء شهاب الدين محمود بن عبد الله بن محمود الحسيني الآلوسي:
ولد في بغداد سنة 1217 هـ وتربى في ظل أسرة علمية معروفة، وترجمته مبثوثة في العديد من الكتب وقد خُصصت لذلك كتب، فهو علامة العراق على الإطلاق، اشتهر بتفسيره الراقي "روح المعاني" وتصدر للإفتاء والتدريس، وقد كتب الدكتور عبد الله البخاري سفراً في جهوده في الرد على الرافضة من خلال سيرته وآثاره التي وصلت إلينا وأولها التفسير القيم روح المعاني، وله أيضا في هذا المجال:
* "رسالة الأجوبة العراقية على الأسئلة اللاهوية" نشرها وحققها الأستاذ المحدث العراقي الكردي حمدي عبد المجيد السلفي سنة 1997م ، ثم حققها الدكتور عبد الله بن بو شعيب البخاري .
* "نهج السلامة إلى مباحث الإمامة" نشره و حققه الدكتور العراقي مجيد خلف .
* "النفحات القدسية في رد الإمامية" حققته على ثلاث نسخ خطية، وسينشر في دار البخاري بمصر بإذن الله . توفي سنة 1270 في بغداد .
ومما يجدر الإشارة إليه إن الشيعة حاولوا نبش قبر هذا الإمام الفذ في شهر أغسطس 2006م إلا أن أهل السُنة تصدوا لهم وأجبروهم على الفرار تاركين خلفهم السلاح والمعاول.(56/33)
12- أبو الهدى عيسى صفاء الدين البندنيجي القادري النقشبندي البغدادي:
ولد في بغداد سنة 1203هـ ( 1788م) وأصله من مدينة مندلي (بندنيج )عالم صوفي من علماء العراق أخذ العلم على علماء العراق وسافر للشام والمدينة ثم عاد وجلس للتدريس وله عدة تلاميذ معروفين منهم نعمان الألوسي وعبد السلام الشواف وغيرهم، وله علاقة قوية بأبي الثناء الألوسي، من أشهر مؤلفاته في الرد على الشيعة هي: (الأجوبة البندنيجية على الأسئلة اللآهورية) وهو نفس السؤال الذي ورد على أبي الثناء ورد على أهل لاهور، وموضوعه سبّ الصحابة وحكمه. والكتاب حققته وسيطبع ان شاء الله في دار البخاري بمصر. توفي سنة 1283 هـ ( 1866م).
13- الشاعر عبد الغفار عبد الواحد الأخرس:
ولد في الموصل سنة 1220 هجرية وترعرع في بغداد. قرأ كتاب سيبوية على أبي الثناء الألوسي المفسر. سمي بالأخرس لثقل في لسانه فذهب إلى الهند للعلاج لكنه لم يرق له، وفي سنة 1290 هـ ذهب إلى البصرة قاصدا الحج فحبسه المرض فقفل عائدا إلى بغداد وتوفي في السنة التالية 1291 هـ في البصرة ودفن في مقبرة الحسن البصري.
نشر ديوانه سنة 1963م بتحقيق أحمد الفاروقي، ثم أعاد الشاعر وليد الأعظمي نشره وتحقيقه من جديد.
ومن شعره الرائع:
كتموا نفاقا دينهم ومخافة……فلو استطيع ظهوره لاستظهروا
لا خير في دين يتاقون الورى……عنه من الإسلام أو يتستروا
ليس التقى هذه التقية إنما……هذا النفاق وما سواه المنكر
هم حرفوا كلم النبي وخالفوا……هم بدلوا الأحكام منه وغيروا
لو لم يكن سب الصحابة دينهم……لتهودوا من دينهم وتنصروا
وقال مادحاً الوزير نجيب باشا الذي جرد حملة لتأديب كثير من السراق والمجرمين الذين يلوذون بمرقد الحسين بكربلاء فانذرهم واقتحم المرقد وفعل فيهم الأفاعيل وأرجع الهدوء لمدينة كربلاء:
لقد خفقت في النحر ألوية النصر ……وكان انمحاق الرفض في ذلك النحر(56/34)
محى الرفض صمصام الوزير كما محى……دجى الليل في أضوائه مطلع الفجر
وكر البلا في كربلاء فأصبحت……مواقف للبلوى ووقفا على الضر
……
…
…
14- فصيح الدين إبراهيم بن صبغة الله بن أسعد الحيدري:
وهو أحد علماء العراق المعروفين، فقيه شافعي أشعري العقيدة ، يعود أصله إلى العائلة الصفوية ولكن عائلته هربت وبقيت على أصلها السني، ولد سنة 1235 هـ، ونشأ في بغداد وتتلمذ على علمائها وتتلمذ على يده الكثير. له مؤلفات جمة ذكرتها في مقدمة تحقيقي لرسالته الرائعة (النكت الشنيعة في بيان الخلاف بين الله تعالى والشيعة) الذي نشرته في دار البخاري بمصر على نسخته الخطية الوحيدة في مكتبة أوقاف بغداد، وقد سبقني لنشره الشيخ حمدي السلفي في المجموع المذكور.
وأشهر مؤلف عرف به (عنوان المجد في أخبار بصرة وبغداد ونجد) وهو وثيقة نادرة في تاريخ تشيع العشائر العراقية، وقد طبع مرارا ولكنه يحتاج إلى تحقيق. توفى سنة 1299 هـ.
15- داود بن سليمان بن جرجيس العاني النقشبندي الخالدي:
ولد في بغداد سنة 1226 هـ وقيل 1231 هـ كان يدرس في مدرسة محمد أفندي الطبقجلي في محلة العاقولية وغالب تدريسه في النحو والفقه والحديث، وكان يعظ الناس في شهر رمضان في جامع الوزير على ضفاف دجلة.
له "رسالة في الرد على البهاء العاملي في مسألة غسل الرجلين ومسحهما" منها نسخة في مكتبة أوقاف بغداد وتقع في 25 ورقة (17/3797/مجاميع) وقد حققها الدكتور الفاضل مجيد خلف وهي منشورة بتحقيقه على موقعه الالكتروني، وقد جمعتها هي ورسالة احمد بن حيدر المارواني القادمة الذكر في رسالة واحدة لأنشرها في دار البخاري بمصر. وله تأليفات وكتابات وشعر .
توفي في سنة 1299 هـ ودفن في مسجد الست نفيسة في كرخ بغداد جوار الشيخ موسى الجبوري، من متصوفة بغداد.
16- نعمان خير الدين الآلوسي:(56/35)
هو النجل الثالث لأبي الثناء، صاحب التفسير ولد سنة 1252 هـ وتتلمذ على مشايخ أجلاء. نشر آثار والده وآثار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، وابن رجب وغيرهم، وتصدر للتدريس في المدرسة المرجانية وأنشأ مكتبة أوقفها لتلك المدرسة (المكتبة النعمانية).
توفي في محرم سنة 1317 ودفن في مدرسته بجانب مرقد مرجان ومن أعماله في هذا المجال:
* كتاب "صادق الفجرين في جواب البحرين" وهو رد على سؤال من البحرين حول الخلاف بين علي ومعاوية رضي الله عنهما.
* "رسالة في الدروز والبهائية" في 3 ورقات.
ومؤلفاته الأخرى كلها في نصرة عقيدة أهل السنة.
ومن العجب أن محمد الكثيري وهو متشيع من المغرب ألف كتابا في الطعن في الدين سماه "السلفية بين الإمامية وأهل السنة" وذكر من ضمن الكتب التي "حاربت منهج ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب" كتاب جلاء العينين والأجوبة النعمانية على الأسئلة الهندية و لم يدر هذا الجاهل المسكين أن هذه المؤلفات شهب حارقة لإفك الشيعة المارقة.
17- عبد الله بن محمد البيتوشي:
ويسمونه سيبويه الثاني من علماء الأكراد، ويعد في علماء الإحساء والبصرة تتلمذ عليه واختص به العلامة عثمان بن سند البصري كما تقدم في ترجمته. من مؤلفاته المبشرات في شرح منظومة المكفرات نشرها الشيخ المحدث حمدي السلفي بدار النوادر سنة 2006 .
قال مؤرخ العراق الأستاذ عباس العزاوي رحمه الله ( ):
إن كثيرا من علمائنا الأفاضل ألفوا في كشف حقيقة التشيع بعد شيخ الإسلام ابن تيمية .... ومن الكتب في هذا الباب "حديقة السرائر وشرحها" لعبد الله البيتوشي( ). وهذا الكتاب نشر مؤخرا بدار غراس للنشر في الكويت سنة 2007.
18- أحمد بن حيدر بن محمد المارواني الكردي( ):(56/36)
جده محمد هو أول من وصل كردستان من هذه العائلة التي يرجع أصلها إلى الصفويين إلا أنهم سنة، أخذ عن والده ورحل إلى دمشق وبقي مدة ثم رجع إلى بلاده فأقام في مدرسة والده و علّم وأفاد حتى ذاع صيته في العراق وإيران وتركيا وسوريا .
سافر إلى الحج والتقى في سفره العالم الهندي عبد الحكيم السيالكتي وتعارفا وتباحثا وتصادقا، وبعد رجوعه إلى كردستان أرسل له نسخة من كتابه المحاكمات "تعليقات على شرح الدواني للعقائد العضدية" وأرسل له السيالكتي بنسخة من "المطول في علم البلاغة" بخط مؤلفه مسعود التفتازاني كما ذكر ذلك إبراهيم فصيح الحيدري وهو أحد أحفاده .
له "رسالة نبذة من الأفكار وزبدة من الأنظار في رد مذهب الإمامية في غسل الرجلين في الوضوء" نشرها المحدث الجليل حمدي السلفي ضمن مجموعه المبارك المذكور سابقا سنة 1997م، وهذه المعلومات من مقدمة تحقيقه للرسالة المذكورة، وسنعيد نشرها هي ورسالة داود النقشبندي السابقة ونجمعها في رسالة واحدة في دار البخاري بمصر.
19 - الشيخ حاوي رسول أفندي الكركوكلي نجل منلا يعقوب الماهوني:
أصله من كركوك، هاجر إلى بغداد سنة 1220 هـ ، كتب تاريخه المشهور (دوحة الوزراء) بالتركية ونقله إلى العربية موسى كاظم نورس، وهذا التاريخ يتناول فترة غارات الإيرانيين الشيعة على العراق وأهمها وأبرزها في فترة الوالي داود باشا والي بغداد، وشأنه بذلك شأن عثمان بن سند البصري وعبد الرحمن السويدي وياسين بن خير الله العمري. توفي الكركوكلي سنة 1824 م .
20- أبو المعالي محمود شكري بن عبد الله بن محمود بن عبد الله بن محمد الألوسي:(56/37)
ولد في بغداد سنة 1273 هـ (1856م) أخذ عن والده وعن عمه نعمان خير الدين الألوسي واستمر في طلب العلم حتى ذاع صيته ونال رتبة رئيس المدرسين، وتولى إنشاء القسم العربي في جريدة الزوراء أول جريدة تصدر بالعراق ،وكان اهتمامه بالعلوم الأدبية واللغوية والدينية، وألف العديد من الكتب والرسائل القيمة ونال ببعضها جوائز عالمية .
ترجم له تلميذه البار العلامة محمد بهجة الأثري في كتابه "أعلام العراق" والذي جمع فيه سير العلماء الألوسيين ومآثرهم ،وكذلك مقدمة الدكتور عبد الله البخاري لتحقيق كتاب "صب العذاب على من سب الأصحاب" للألوسي حيث خصص مبحثا للحديث عن جهود الألوسي في الرد على الشيعة (ص 88-94).
ومن أشهر آثاره في هذا الشأن تأليفا:
* "رجوم الشياطين" أشار إليه في كتابه الآخر "صب العذاب"، ولا نعلم عنه شيئاً.
* "صب العذاب على من سب الأصحاب" ويسمى أيضا "غياهب الجهالات".
وله اختصار وتهذيب وترجمة:
* "المنحة الإلهية تلخيص ترجمة التحفة الاثني عشرية" فالأصل لشاه عبد العزيز الدهلوي (من علماء الهند) بالفارسية نقله إلى العربية الشيخ غلام محمد بن محيي الدين الأسلمي (من علماء الهند) واختصره الإمام الألوسي، ونشر مرارا منها ما نشره محب الدين الخطيب ، وفي النية نشره محققاً.
* "السيوف المشرقة مختصر الصواعق المحرقة"، فالأصل للشيخ نصر الله الحسيني الصديقي (من علماء الهند) ولعل الله ييسر لنا تحقيقه ونشره.
* "سعادة الدارين في شرح حديث الثقلين" لشاه عبد العزيز الدهلوي ألفه بالفارسية ونقله إلى العربية وأضاف عليه الألوسي وقد نشرناه في مجلة الحكمة، ثم سينشر في دار البخاري بمصر بتحقيقنا.
* مقال في الرد على صاحب "الحصون المنيعة" العاملي، نشر في مجلة المنار.(56/38)
* وله مناظرات مع علماء الرافضة ذكر بعضها في كتابه "المسك الأذفر" ومما يؤثر عن أبي المعالي غيرته على السنة والعقيدة وتغيظ الشيعة منه في القديم و الحديث ، فقد راسل الدولة العثمانية مرارا لغرض وضع مخطط لعودة الجنوب العراقي للتسنن لكن الدولة العثمانية سقطت.
توفي العلامة الالوسي سنة 1343 هـ (1924م) ودفن في بغداد .
وبعد فهذا ما وقفت عليه من جهود علماء العراق في الرد على الشيعة، وهناك بالتأكيد جهود أخرى لم نقف عليها وأيضاً هناك الكثير من أهل العلم الذين لم يتركوا لنا مؤلفات في هذا الباب لكن كانت لهم جهود تعليمية ودعوية حصنوا بها المجتمع البغدادي والعراقي من التشيع وفتنه .
ومن هذه المساهمات ما قام به العلامة محمد سعيد النقشبندي من منع تشيع مدينة سامراء وإيقاف المد الشيعي وبناء المدرسة العلمية السنية في سامراء وإسناد أمرها إليه وهو من كبار متصوفة العراق .
وبعد أن أوجزنا جانبا من جهود وأعمال أئمة أهل العراق من جميع المذاهب والطرق في محاربة هذا الطاعون الذي يهدد العقيدة والدولة والثقافة الإسلامية ،كان لابد من الإشارة انه لا نستطيع الإلمام بجميع العلماء الذي ساهموا في هذا المجال فهناك من أسهم بشكل فعال لكن ثمة ظروف حالت دون شهرته وذيوع صيته لأن هم مواجهة التشيع كان يحمله جل الأئمة والدعاة وقد أورثوه لمن بعدهم فكانت في نهاية القرن العشرين نقلة نوعية في هذا الشأن فقد ترك ما يزيد على ربع مليون شيعي مذهب الضلالة لينعموا بنور الحق والسنة الغراء على يد دعاة وأئمة حاربهم السلطان وزجهم في السجون ومنعهم ابسط حقوقهم وهذا ما سنتاوله في الجزء الثالث من هذا البحث، والله الموفق لكل خير.
مواقف العلماء والمفكرين (27)
الأستاذ عدنان سعد الدين
قصة جماعة الإخوان المسلمين مع الشيعة والثورة الإيرانية!!(56/39)
هذه سلسلة من البحوث كتبها مجموعة من المفكرين والباحثين عن عقيدة وحقيقة مذهب الشيعة من خلفيات متنوعة ومتعددة ، نهدف منها بيان أن عقائد الشيعة التي تنكرها ثابتة عند كل الباحثين ، ومقصد آخر هو هدم زعم الشيعة أن السلفيين أو الوهابيين هم فقط الذين يزعمون مخالفة الشيعة للإسلام . الراصد
الشيخ عدنان سعد الدين من القيادات التاريخية لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا ، وقد كان له نشاطات بارزة في خدمة الدعوة الإسلامية في بلاد عديدة جداً.
كتب الشيخ مذكراته والتي صدر منها مجلدين للآن عن دار عمار – الأردن، وقد تعرض في مذكراته لموقف جماعة الإخوان المسلمين للثورة الإيرانية والعقيدة الشيعية فقال في صفحة 2/401:
والخطأ الفادح، أو الخطيئة الكبرى بتعبير آخر، ما ارتكبه قادة التيارين الإسلامي والقومي في بلاد الشام والعراق، من تصميم أكثرهم على تجهيل الأجيال الصاعدة لحقيقة الحركات الباطنية والجماعات السرية في تاريخها، وفي واقعنا المعاصر، وصرفهم عن التحدث في هذه الموضوعات أو الاهتمام بها، أو التحذير منها، بدعوى الخشية على الوحدة الوطنية، وإثارة الحساسيات بين أبناء الوطن الواحد، وإذا كان هذا التفكير مقبولاً على صعيد العمل السياسي، ووجوب إقصائه عن برنامج الأحزاب في الساحة السياسية، فإنه لخطأ فادح إخفاء وطمس الكيد الباطني، وما ينبثق عنه من خطط وبرامج ومخططات على الصعيد الفكري والفقهي والفلسفي، وتجهيل الأمة ـ ولاسيما قادة الفكر ـ بها، وعدم تحصينهم من شرورها وأخطارها، لتكون لديهم المناعة مما يبيت لأمتنا العربية والإسلامية من مؤامرات ما زلنا نكتوي بنارها.(56/40)
خلت الساحة لورثة الحركات السرية الباطنية، ليتسللوا إلى أعماق مجتمعاتنا غير المحصنة، وداخل أحزابنا، وصميم أجهزتنا الحساسة، ويستلموا مفاصلها، ويمسكوا بالقرار، وتبقى الأمة بأكثريتها الكاثرة كالقطيع الذي يسوقه الجزارون إلى حيث يريدون، لاستخدامهم أو عزلهم أو التخلص منهم مادياً أو معنوياً أو بالأسلوب الذي يقررون.
عندما ظهرت حركة الخميني ـ الذي خدع المسلمين في جنبات الأرض بوعود ظهر فيما بعد كذبها، من تحرير القدس وفلسطين، وأداء صلاة الشيعة في الحج مع عامة المسلمين... إلخ ـ طار الناس فرحاً، واندفعوا وراء الخميني دونما وعي أو تبصّر، وبجهل مطبق بتاريخنا العربي والإسلامي، وبجهل أكبر بعقائد وأفكار الحركة الخمينية، فلم تمض على ذلك أشهر معدودات، وقبل اكتمال عام على استلام الخميني الحكم في إيران، وطرد الشاه، وإلغاء الملكية، وانتصار دول ولاية الفقيه، حتى ظهرت الفجيعة للعيان، وخيبة الأمل في هذا النظام.
فمنذ الأسبوع الأول لاعتلاء الخميني عرش الطاووس في طهران، حضر الوفد الفلسطيني برئاسة عرفات، لتحط به أول طائرة هبطت في مطار طهران بعد الانتصار، حدثني الأستاذ هاني الحسن سفير فلسطين في إيران عن تجربته فقال: لم أكتشف انتمائي لأهل السنة والجماعة - أو سنيتي حسب تعبيره - إلا في إيران، عندما أقمت في طهران سفيراً لفلسطين، من شدة ما رأيت من تعصب طائفي شيعي ذميم ضد المسلمين الآخرين. وعندما فتحت السودان مركزاً ثقافياً في طهران، مقابل سبعة عشر مركزاً ثقافياً إيرانياً في السودان، وصار الإيرانيون يوزعون الدولار على طلاب جامعة الخرطوم وغيرهم من الجامعات الأخرى، وبشروا بالمتعة، وإسقاط صلاة الجمعة... إلخ حتى يظهر الإمام.(56/41)
حدثني ابن عمر رئيس المركز الثقافي الوحيد في طهران في زيارة لي في الفندق بالخرطوم، قائلاً: لم أر أشد تعصباً من هؤلاء لمذهبهم بصورة تجعل الإنسان في يأس من التفاهم معهم أو التعاون مع قادتهم ومؤسساتهم. وعندما حطت الطائرة الثانية التي حملت وفداً إسلامياً عريضاً يمثل الحركات الإسلامية الكبرى في العالم الإسلامي، سمعت من الدكتور أحمد القاضي أحد أبرز أعضاء الوفد الكبير، كيف كان الإيرانيون الحكام الجدد ينظرون إلى أعضاء الوفد باللامبالاة، وتركهم وحدهم فترات طويلة ينتظرون الإذن للمثول بين يدي ولي الفقيه - الخميني - ليقدموا له التهنئة بالانتصار، بل إن أحدهم من الزملاء القدامى في الدراسة قال للوفد متشفياً: الآن ذكرتمونا؟ مع أنهم تعاملوا معه ومع أمثاله الكثر في نطاق الاتحاد الإسلامي في أمريكا بأخوة كاملة، دون أن يفطنوا إلى مذهبه أو طائفته أو تشيعه الذي بدا كالحاً حينما صار مسؤولاً في حكومة ولي الفقيه.
دُعينا إلى أمريكا لنشارك في حوار تحضره نخبة مختارة من العاملين في حقل الدعوة، من الشرق، وآخرين من المقيمين في ديار الغرب لمناقشة سبل الدعوة وتبليغها إلى الآخرين، والوسائل والأساليب والطرق المجدية في ذلك، ولاسيما الحديثة منها، وكان العدد المختار قليلاً لا يتجاوز خمسة وعشرين إلى ثلاثين مشاركاً من قيادات الجماعة.(56/42)
طلبت الكلام، فذكرت أننا جميعاً أيدنا الخميني في انتصاره على الشاه، فرحنا بذلك، وبالطروح التي صدرت عنه بادئ ذي بدء، ولكن لم تمض على ذلك أشهر قليلة ، حتى ظهر ما كان خافياً عبر الإذاعة الناطقة بالعربية في الأحواز، وفي كتبهم التي تنال من الخلفاء الراشدين الثلاثة أبي بكر وعمر وعثمان، وإصرارهم على الاحتفاظ بالجزر الثلاث: أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى التي احتلتها حكومة الشاه، مستغلة ضعف دولة الإمارات أمام جبروت إيران، لتنزعها من أهلها بالقوة، بدعوى أن حكومة الخميني لا يمكن أن تعيدها إلى الاستعمار!!
وغير ذلك مما بدا في سياسة جمهورية ولاية الفقيه، بيد أن أحد القادة المشاركين، انتصب واقفاً بسرعة فائقة، وحاول إسكاتي قائلاً: لماذا لم تقولوا هذا في عهد الشاه؟ فأجابه الأخ الكبير المحسن الوفي عبد الله المطوع أبو بدر رحمه الله قائلاً: دعه يكمل كلامه، فأكملت وانتهى النقاش بعد ذلك.
وعاد كل منا إلى بلده، فحدث لغط كبير في أوساط الجماعة حول الثورة الخمينية بين مؤيد لها ومعارض أو متحفظ عليها أو حيران تجاهها، فشكلت الجماعة لجنة من علمائها لبحث العقائد الشيعية وفقه الشيعة وسياساتهم وموقفهم من المسلمين، فقدمت اللجنة العتيدة دراسة رصينة انتهت فيها إلى أن بين السنة والشيعة فروعاً يمكن تجاوزها، وخلافات تمس الجوهر، وتصادم العقيدة لا يمكن تجاوزها أو التغاضي عنها، مثل الإمامة التي هي لدى الشيعة ركن من أركان الإسلام كالشهادة والصلاة والصوم والزكاة والحج، وأنها وقف من الله كالقرآن الكريم ـ أي مُنَزَّلة ـ يخرج من الملة من ينكرها، ومن لا يؤمن بها، وأن الأئمة الاثنى عشر معصومون...
وإننى أقتصر على إيراد نتف من أقوال الخميني لأن الجدل حول عقيدته وأفكاره وآرائه السياسية والفقهية يحتاج إلى مجلدات مطولة: يقول الخميني في الأئمة: لا يتصور فيهم السهو والغفلة( ).(56/43)
ويقول عن الصحابيين الجليلين الخليفتين أبي بكر وعمر: ولكننا نشير إلى جهلهما بأحكام الإله والدين، وإن مثل هؤلاء الأفراد الجهال الحمقى الأفاقين والجائرين غير جديرين بأن يكونوا في موضع الإمامة، وأن يكونوا ضمن أولي لأمر( ).
كما قال الخميني عن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إن أعماله نابعة من أعمال الكفر والزندقة والمخالفات لآيات ورد ذكرها في القرآن الكريم( ).
ويتهم الخميني أبا بكر الصديق رضي الله عنه، بأنه كان يضع الحديث( )، كما يتهم الصحابي الجليل سمرة بن جندب أيضاً في كتابه "الحكومة الإسلامية" بأنه كان يضع الحديث( ).
ذكر الخميني بتاريخ 28 - 6 - 1980 في خطاب إلى الشعب الإيراني بمناسبة ذكرى الإمام المنتظر في الخامس عشر من شعبان: فكل نبي من الأنبياء إنما جاء لإقامة العدل، لكنه لم ينجح، حتى خاتم الأنبياء محمد (صلى الله عليه وسلم) الذي جاء لإصلاح البشر وتهذيبهم وتحقيق العدالة، لم يوفق في ذلك أيضاً، فالذي سينجح بتحقيق العدالة في كل أرجاء العالم هو المهدي المنتظر.
وقال أيضاً في كلمة ألقاها في حسينية جماران بتاريخ 2ـ 3ـ 1968: إن فاطمة الزهراء عاشت بعد وفاة والدها خمسة وسبعين يوماً، قضتها حزينة كئيبة، وكان جبرائيل يأتي إليها لتعزيتها، ولإبلاغها في الأمور التي ستقع في المستقبل، وكان الإمام علي يكتب هذه الأمور التي تنقل لها من قبل جبريل( ).
ويقول الخميني كذلك: إن لأئمتنا مقاماً لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل( ).
وقد اخترت النقل عن الخميني، وتجاوزت الحديث عن ائمة الشيعة الكبار، كالكليني والمجلسي والحارثي والكاشاني والجزائري والطبرسي وكاشف الغطاء والعاملي وغرهم، الذين تحدثوا عن البداء والرجعة ونكاح المتعة، وتحريف القرآن، وعصمة الأئمة، وتكفيرهم للصحابة إلا ثلاثة، وردهم للسنة المطهرة، وعقيدتهم في الجهاد.. إلخ.(56/44)
قدمت لجنة العلماء الإخوانية التي ضمت فطاحل فقهاء الجماعة دراستها المعمقة الرصينة فأعترض الأخر القيادي قائلاً: الخلاف بيننا وبينهم في العقيدة، ولكن المواقف السياسية متشابهة، ولما قيل له: والخلاف أيضاً معهم في المواقف السياسية في كذا وكذا من الأمور، قال: كما ذكر في الحوار الذي جرى في أمريكا: الآن فطنتم لهذه المخالفات، ولم يفطنوا لها في أيام الشاه، وحجب التقرير عن الجماعة، ولم يأخذ به، ولم يطلع عليه أبناءُ الجماعة وبناتها ليتنوروا، وليتحصنوا من هذه الضلالات، وذهب جهد علماء الجماعة الإسلامية هدراً، فماذا يقول من يفعل هذا يوم يقوم الناس لرب العالمين؟ وما هي حجتهم أمام الله تعالى في اليوم العسير؟ نسأل الله تعالى له ولأمثاله العفو والمغفرة، وأن يتجاوز عنهم، وأن يجزيهم خير الجزاء بما قدموه من خدمة لدعوة الإسلام، ولرسالة سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأزكي والسلام.
?
التحالف الغادر:
التعاملات السرية بين إسرائيل وإيران والولايات المتحدة الأمريكية
Treacherous Alliance: The Secret Dealings Of Israel, Iran And The U.S.( )
تأليف: Trita Parsi
عرض : الأستاذ علي باكير
"التحالف الغادر: التعاملات السريّة بين إسرائيل و إيران و الولايات المتّحدة الأمريكية". هذا ليس عنوانا لمقال لأحد المهووسين بنظرية المؤامرة من العرب، و هو بالتأكيد ليس بحثا أو تقريرا لمن يحب أن يسميهم البعض "الوهابيين" أو أن يتّهمهم بذلك، لمجرد عرضه للعلاقة بين إسرائيل و إيران و أمريكا و للمصالح المتبادلة بينهم و للعلاقات الخفيّة.
انه قنبلة الكتب لهذا الموسم و الكتاب الأكثر أهمية على الإطلاق من حيث الموضوع و طبيعة المعلومات الواردة فيه و الأسرار التي يكشف بعضها للمرة الأولى و أيضا في توقيت و سياق الأحداث المتسارعه في الشرق الأوسط و وسط الأزمة النووية الإيرانية مع الولايات المتّحدة.(56/45)
الكاتب هو "تريتا بارسي" أستاذ في العلاقات الدولية في جامعة "جون هوبكينز"، ولد في إيران و نشأ في السويد وحصل على شهادة الماجستير في العلاقات الدولية ثم على شهادة ماجستير ثانية في الاقتصاد من جامعة "ستكوهولم" لينال فيما بعد شهادة الدكتوراة في العلاقات الدولية من جامعة "جون هوبكينز" في رسالة عن العلاقات الإيرانية-الإسرائيلية.
و تأتي أهمية هذا الكتاب من خلال كم المعلومات الدقيقة و التي يكشف عن بعضها للمرة الأولى، إضافة إلى كشف الكاتب لطبيعة العلاقات و الاتصالات التي تجري بين هذه البلدان (إسرائيل- إيران – أمريكا) خلف الكواليس شارحا الآليات و طرق الاتصال و التواصل فيما بينهم في سبيل تحقيق المصلحة المشتركة التي لا تعكسها الشعارات و الخطابات والسجالات الإعلامية الشعبوية و الموجّهة.
كما يكتسب الكتاب أهميته من خلال المصداقية التي يتمتّع بها الخبير في السياسة الخارجية الأمريكية "تريتا بارسي". فعدا عن كونه أستاذا أكاديميا، يرأس "بارسي" المجلس القومي الإيرانى-الأمريكي، وله العديد من الكتابات حول الشرق الأوسط، وهو خبير في السياسة الخارجية الأمريكية، وهو الكاتب الأمريكي الوحيد تقريبا الذي استطاع الوصول إلى صنّاع القرار (على مستوى متعدد) في البلدان الثلاث أمريكا، إسرائيل وإيران.
يتناول الكاتب العلاقات الإيرانية- الإسرائيلية خلال الخمسين سنة الماضية و تأثيرها على السياسات الأمريكية وعلى موقع أمريكا في الشرق الأوسط. و يعتبر هذا الكتاب الأول منذ أكثر من عشرين عاما، الذي يتناول موضوعا حسّاسا جدا حول التعاملات الإيرانية الإسرائيلية و العلاقات الثنائية بينهما.(56/46)
يستند الكتاب إلى أكثر من 130 مقابلة مع مسؤولين رسميين إسرائيليين، إيرانيين و أمريكيين رفيعي المستوى و من أصحاب صنّاع القرار في بلدانهم. إضافة إلى العديد من الوثاق و التحليلات و المعلومات المعتبرة و الخاصة. ويعالج "تريتا بارسي" في هذا الكتاب العلاقة الثلاثية بين كل من إسرائيل، إيران و أمريكا لينفذ من خلالها إلى شرح الآلية التي تتواصل من خلالها حكومات الدول الثلاث و تصل من خلال الصفقات السريّة و التعاملات غير العلنية إلى تحقيق مصالحها على الرغم من الخطاب الإعلامي الاستهلاكي للعداء الظاهر فيما بينها.
وفقا لبارسي فانّ إدراك طبيعة العلاقة بين هذه المحاور الثلاث يستلزم فهما صحيحا لما يحمله النزاع الكلامي الشفوي الإعلامي، و قد نجح الكاتب من خلال الكتاب في تفسير هذا النزاع الكلامي ضمن إطار اللعبة السياسية التي تتّبعها هذه الأطراف الثلاث، و يعرض بارسي في تفسير العلاقة الثلاثية لوجهتي نظر متداخلتين في فحصه للموقف بينهم:
أولا: الاختلاف بين الخطاب الاستهلاكي العام والشعبوي (أي ما يسمى الأيديولوجيا هنا)، و بين المحادثات والاتفاقات السريّة التي يجريها الأطراف الثلاث غالبا مع بعضهم البعض (أي ما يمكن تسميه الجيو-استراتيجيا هنا).
ثانيا: يشير إلى الاختلافات في التصورات والتوجهات استناداً إلى المعطيات الجيو-ستراتيجية التي تعود إلى زمن معين و وقت معين.
ليكون الناتج محصلة في النهاية لوجهات النظر المتعارضة بين "الأيديولوجية" و "الجيو-ستراتيجية"، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ المحرّك الأساسي للأحداث يكمن في العامل "الجيو- ستراتيجي" و ليس "الأيديولوجي" الذي يعتبر مجرّد وسيلة أو رافعة.
بمعنى ابسط، يعتقد بارسي أنّ العلاقة بين المثلث الإسرائيلي- الإيراني – الأمريكي تقوم على المصالح والتنافس الإقليمي والجيو- استراتيجي و ليس على الأيديولوجيا والخطابات والشعارات التعبوية الحماسية...الخ.(56/47)
وفي إطار المشهد الثلاثي لهذه الدول، تعتمد إسرائيل في نظرتها إلى إيران على "عقيدة الطرف" الذي يكون بعيدا عن المحور، فيما تعتمد إيران على المحافظة على قوّة الاعتماد على "العصر السابق" أو التاريخ حين كانت الهيمنة "الطبيعية" لإيران تمتد لتطال الجيران القريبين منها.
وبين هذا وذاك يأتي دور اللاعب الأمريكي الذي يتلاعب بهذا المشهد و يتم التلاعب به أيضا خلال مسيرته للوصول إلى أهدافه الخاصّة و المتغيّرة تباعا.
واستنادا إلى الكتاب، وعلى عكس التفكير السائد، فإن إيران و إسرائيل ليستا في صراع أيديولوجي بقدر ما هو نزاع استراتيجي قابل للحل. يشرح الكتاب هذه المقولة و يكشف الكثير من التعاملات الإيرانية – الإسرائيلية السريّة التي تجري خلف الكواليس و التي لم يتم كشفها من قبل. كما يؤّكد الكتاب في سياقه التحليلي إلى أنّ أحداً من الطرفين (إسرائيل و إيران) لم يستخدم أو يطبّق خطاباته النارية، فالخطابات في واد والتصرفات في واد آخر معاكس.
وفقا لبارسي، فإنّ إيران الثيوقراطية ليست "خصما لا عقلانيا" للولايات المتّحدة و إسرائيل كما كان الحال بالنسبة للعراق بقيادة صدّام وأفغانستان بقيادة الطالبان.
فطهران تعمد إلى تقليد "اللاعقلانيين" من خلال الشعارات و الخطابات الاستهلاكية وذلك كرافعة سياسية وتموضع ديبلوماسي فقط.
فهي تستخدم التصريحات الاستفزازية و لكنها لا تتصرف بناءاً عليها بأسلوب متهور و أرعن من شانه أن يزعزع نظامها. وعليه فيمكن توقع تحركات إيران وهي ضمن هذا المنظور "لا تشكّل "خطرا لا يمكن احتواؤه" عبر الطرق التقليدية الدبلوماسية.
وإذا ما تجاوزنا القشور السطحية التي تظهر من خلال المهاترات و التراشقات الإعلامية و الدعائية بين إيران و إسرائيل، فإننا سنرى تشابها مثيرا بين الدولتين في العديد من المحاور بحيث أننا سنجد أنّ ما يجمعهما أكبر بكثير مما يفرقهما.(56/48)
كلتا الدولتين تميلان إلى تقديم أنفسهما على أنّهما متفوقتين على جيرانهم العرب (superior). إذ ينظر العديد من الإيرانيين إلى أنّ جيرانهم العرب في الغرب و الجنوب اقل منهم شأنا من الناحية الثقافية والتاريخية وفي مستوى دوني. و يعتبرون أن الوجود الفارسي على تخومهم ساعد في تحضّرهم و تمدّنهم ولولاه لما كان لهم شأن يذكر.
في المقابل، يرى الإسرائيليون أنّهم متفوقين على العرب بدليل أنّهم انتصروا عليهم في حروب كثيرة، ويقول أحد المسؤولين الإسرائيليين في هذا المجال لبارسي "إننا نعرف ما باستطاعة العرب فعله، وهو ليس بالشيء الكبير" في إشارة إلى استهزائه بقدرتهم على فعل شي حيال الأمور.
و يشير الكتاب إلى أننا إذا ما أمعنّا النظر في الوضع الجيو-سياسي الذي تعيشه كل من إيران وإسرائيل ضمن المحيط العربي، سنلاحظ أنهما يلتقيان أيضا حاليا في نظرية "لا حرب، لا سلام".
الإسرائيليون لا يستطيعون إجبار أنفسهم على عقد سلام دائم مع من يظنون أنهم اقل منهم شأنا ولا يريدون أيضا خوض حروب طالما أنّ الوضع لصالحهم، لذلك فان نظرية "لا حرب، لا سلام" هي السائدة في المنظور الإسرائيلي. في المقابل، فقد توصّل الإيرانيون إلى هذا المفهوم من قبل، و اعتبروا أنّ "العرب يريدون النيل منّا".
الأهم من هذا كلّه، أنّ الطرفين يعتقدان أنّهما منفصلان عن المنطقة ثقافيا وسياسيا. اثنيا، الإسرائيليين محاطين ببحر من العرب ودينيا محاطين بالمسلمين السنّة.
أما بالنسبة لإيران، فالأمر مشابه نسبيا. عرقيا هم محاطين بمجموعة من الأعراق غالبها عربي خاصة إلى الجنوب و الغرب، و طائفيا محاطين ببحر من المسلمين السنّة. يشير الكاتب إلى أنّه و حتى ضمن الدائرة الإسلامية، فإن إيران اختارت إن تميّز نفسها عن محيطها عبر إتّباع التشيّع بدلا من المذهب السني السائد و الغالب.(56/49)
و يؤكد الكتاب على حقيقة أنّ إيران و إسرائيل تتنافسان ضمن دائرة نفوذهما في العالم العربي و بأنّ هذا التنافس طبيعي وليس وليدة الثورة الإسلامية في إيران، بل كان موجودا حتى إبان حقبة الشاه "حليف إسرائيل". فإيران تخشى أن يؤدي أي سلام بين إسرائيل و العرب إلى تهميشها إقليميا بحيث تصبح معزولة، وفي المقابل فإنّ إسرائيل تخشى من الورقة "الإسلامية" التي تلعب بها إيران على الساحة العربية ضد إسرائيل. استنادا إلى "بارسي"، فإن السلام بين إسرائيل و العرب يضرب مصالح إيران الإستراتيجية في العمق في هذه المنطقة ويبعد الأطراف العربية عنها و لاسيما سوريا، مما يؤدي إلى عزلها استراتيجيا. ليس هذا فقط، بل إنّ التوصل إلى تسوية سياسية في المنطقة سيؤدي إلى زيادة النفوذ الأمريكي و القوات العسكرية وهو أمر لا تحبّذه طهران.
ويؤكّد الكاتب في هذا السياق أنّ أحد أسباب "انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان في العام 2000" هو أنّ إسرائيل أرادت تقويض التأثير و الفعالية الإيرانية في عملية السلام من خلال تجريد حزب الله من شرعيته كمنظمة مقاومة بعد أن يكون الانسحاب الإسرائيلي قد تمّ من لبنان. ويكشف الكتاب أنّ اجتماعات سرية كثيرة عقدت بين إيران وإسرائيل في عواصم أوروبية اقترح فيها الإيرانيون تحقيق المصالح المشتركة للبلدين من خلال سلة متكاملة تشكل صفقة كبيرة، تابع الطرفان الاجتماعات فيما بعد و كان منها اجتماع "مؤتمر أثينا" في العام 2003 والذي بدأ أكاديميا و تحول فيما إلى منبر للتفاوض بين الطرفين تحت غطاء كونه مؤتمرا أكاديميا.(56/50)
و يكشف الكتاب من ضمن ما يكشف من وثائق و معلومات سرية جدا، أنّ المسؤولين الرسميين الإيرانيين وجدوا أنّ الفرصة الوحيدة لكسب الإدارة الأمريكية تكمن في تقديم مساعدة أكبر وأهم لها في غزو العراق العام 2003 عبر الاستجابة لما تحتاجه, مقابل ما ستطلبه إيران منها, على أمل أن يؤدي ذلك إلى عقد صفقة متكاملة تعود العلاقات الطبيعية بموجبها بين البلدين و تنتهي مخاوف الطرفين. وبينما كان الأمريكيون يغزون العراق في نيسان من العام 2003, كانت إيران تعمل على إعداد "اقتراح" جريء و متكامل يتضمن جميع المواضيع المهمة ليكون أساسا لعقد "صفقة كبيرة" مع الأمريكيين عند التفاوض عليه في حل النزاع الأمريكي-الإيراني.
تمّ إرسال العرض الإيراني أو الوثيقة السريّة إلى واشنطن. لقد عرض الاقتراح الإيراني السرّي مجموعة مثيرة من التنازلات السياسية التي ستقوم بها إيران في حال تمّت الموافقة على "الصفقة الكبرى" وهويتناول عددا من المواضيع منها: برنامجها النووي, سياستها تجاه إسرائيل, و محاربة القاعدة. كما عرضت الوثيقة إنشاء ثلاث مجموعات عمل مشتركة أمريكية - إيرانية بالتوازي للتفاوض على "خارطة طريق" بخصوص ثلاث مواضيع: "أسلحة الدمار الشامل", "الإرهاب و الأمن الإقليمي", "التعاون الاقتصادي".
وفقا لـ"بارسي"، فإنّ هذه الورقة هي مجرّد ملخّص لعرض تفاوضي إيراني أكثر تفصيلا كان قد علم به في العام 2003 عبر وسيط سويسري نقله إلى وزارة الخارجية الأمريكية بعد تلقّيه من السفارة السويسرية أواخر نيسان / أوائل أيار من العام 2003.
هذا و تضمّنت الوثيقة السريّة الإيرانية لعام 2003 و التي مرّت بمراحل عديدة منذ 11 أيلول 2001 ما يلي( ):
1.…عرض إيران استخدام نفوذها في العراق لـ (تحقيق الأمن و الاستقرار, إنشاء مؤسسات ديمقراطية، وحكومة غير دينية).(56/51)
2.…عرض إيران (شفافية كاملة) لتوفير الاطمئنان والتأكيد بأنّها لا تطوّر أسلحة دمار شامل, والالتزام بما تطلبه الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشكل كامل ودون قيود.
3.…عرض إيران إيقاف دعمها للمجموعات الفلسطينية المعارضة و الضغط عليها لإيقاف عملياتها العنيفة ضدّ المدنيين الإسرائيليين داخل حدود إسرائيل العام 1967.
4.…التزام إيران بتحويل حزب الله اللبناني إلى حزب سياسي منخرط بشكل كامل في الإطار اللبناني.
5.…قبول إيران بإعلان المبادرة العربية التي طرحت في قمّة بيروت عام 2002, أو ما يسمى "طرح الدولتين" و التي تنص على إقامة دولتين و القبول بعلاقات طبيعية و سلام مع إسرائيل مقابل انسحاب إسرائيل إلى ما بعد حدود 1967.
المفاجأة الكبرى في هذا العرض كانت تتمثل باستعداد إيران تقديم اعترافها بإسرائيل كدولة شرعية!! لقد سبّب ذلك إحراجا كبيراً لجماعة المحافظين الجدد والصقور الذين كانوا يناورون على مسألة "تدمير إيران لإسرائيل" و"محوها عن الخريطة".
ينقل "بارسي" في كتابه أنّ الإدارة الأمريكية المتمثلة بنائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني و وزير الدفاع آنذاك دونالد رامسفيلد كانا وراء تعطيل هذا الاقتراح و رفضه على اعتبار "أننا (أي الإدارة الأمريكية) نرفض التحدّث إلى محور الشر". بل إن هذه الإدارة قامت بتوبيخ الوسيط السويسري الذي قام بنقل الرسالة. ويشير الكتاب أيضا إلى أنّ إيران حاولت مرّات عديدة التقرب من الولايات المتّحدة لكن إسرائيل كانت تعطّل هذه المساعي دوما خوفا من أن تكون هذه العلاقة على حسابها في المنطقة. ومن المفارقات الذي يذكرها الكاتب أيضا أنّ اللوبي الإسرائيلي في أمريكا كان من أوائل الذي نصحوا الإدارة الأمريكية في بداية الثمانينيات بأن لا تأخذ التصريحات والشعارات الإيرانية المرفوعة بعين الاعتبار لأنها ظاهرة صوتية لا تأثير لها في السياسة الإيرانية.(56/52)
باختصار، الكتاب من أروع و أهم الدراسات و الأبحاث النادرة التي كتبت في هذا المجال لاسيما انّه يكشف جزءا مهما من العلاقات السريّة بين هذا المثلّث الإسرائيلي – الإيراني – الأمريكي. ولا شك انّه يعطي دفعا ومصداقية لأصحاب وجهة النظر هذه في العالم العربي و الذين حرصوا دوما على شرح هذه الوضعية الثلاثية دون أن يملكوا الوسائل المناسبة لإيصالها للنخب والجمهور على حدا سواء وهو ما استطاع "تريتا بارسي" تحقيقه في هذا الكتاب في قالب علمي وبحثي دقيق ومهم، ولكن ما لم يتم ترجمة الكتاب كاملاً للعربية ووصوله للقارئ العربي والمسلم فسيظل الكثير من شعوبنا يعيش في أوهام النصرة و النجدة الإيرانية للقضايا الإسلامية والعربية وعلى رأسها قضية فلسطين!!
تاريخ غير معروف لسورية في القرن العشرين
محمد م. الأرناؤوط الغد 15/12/2007
(هذا الكتاب مؤلفه زعيم من زعماء المرشدية ، ولذلك يجب الحرص في التعامل مع تبرئته لطائفته من تهمة ادعاء الألوهية لزعيمها سليمان المرشد. الراصد).
ما الذي يجعل كتاباً يصدر في ثلاثة آلاف نسخة ينفد في ثلاثة أسابيع فقط؟ لو أن الأمر يتعلق بكتاب صادر في اليونان (التي يبلغ عدد سكانها ضعف سكان الأردن)، لما توقف أحد عنده لأن هكذا رواج (3 آلاف نسخة) يكاد لا يذكر هناك. ولكن في عالمنا العربي، وفي ظل أزمة الكتاب التي تشتد قتامة، يبدو أن الأمر يتعلق بكتاب غير مألوف.(56/53)
وربما يخفف من هذا أن الكتاب أقرب إلى المذكرات، حيث إن كتب المذكرات تستقطب في العادة مزيداً من القراء وخاصة إذا كانت تكشف عن خبايا أو جوانب مجهولة. ولكن الأمر يعود هنا أيضاً إلى أن هذا الكتاب يشكل أول عرض تاريخي للطائفة المرشدية (نسبة إلى سلمان المرشد) التي كان لها دورها في النسيج الاجتماعي والسياسي السوري المعقد خلال القرن العشرين، وذلك منذ استقلال سورية عن الدولة العثمانية وحتى الصراع المعروف على السلطة الذي اندلع في1984م بين حافظ الأسد وأخيه رفعت الأسد.
فقد كانت هذه الطائفة متهمة بشتى التهم وملاحقة من عدة أنظمة توالت على حكم سورية حتى1970م، حين أصدر حافظ الأسد بعد تسلمه للسلطة أوامره بإنهاء الحصار المفروض على هذه الطائفة. ولذلك فقد كان لأفراد هذه الطائفة، الذين كانوا يشكلون الأغلبية في "سرايا الدفاع" التابعة لرفعت الأسد، دورهم في ترجيح كفة الصراع لصالح حافظ الأسد في1984م.
في هذا الكتاب الذي نشره نور المضي بن سلمان المرشد تحت عنوان "لمحات عن المرشدية: ذكريات وشهادات ووثائق"، لدينا رؤية مرشدية مختلفة مدعومة بالوثائق عن تاريخ سورية في القرن العشرين. صحيح أن هذه رؤية ذاتية (مرشدية) عما كان يحدث في سورية وعما كان يحصل للطائفة، ولكنها قطعة فسيفساء لا بد منها لاستكمال الصورة البانورامية عن تاريخ سورية في القرن العشرين.(56/54)
في هذا الكتاب لدينا صورة مفصلة عن أوضاع الفلاحين الصعبة في الساحل السوري خلال النصف الأول للقرن العشرين، وهي تشكل خلفية مهمة لفهم الاهتمام بالمنطقة ومحاولة استقطاب أبنائها من قبل أطراف عديدة محلية وخارجية. فقد عملت جهات فرنسية خلال فترة الانتداب الفرنسي على تحويل سكان المنطقة من ديانتهم النصيرية إلى النصرانية، وذلك بدعم من سلطات الانتداب، كما سعت أحزاب سورية ناشئة(الحزب القومي السوري وحزب البعث إلخ) إلى التمدد في هذه المنطقة واستقطاب كوادر عسكرية في لعبة الانقلابات العسكرية (حالة غسان جديد الذي انضم إلى الحزب القومي السوري وأخوه صلاح جديد الذي انضم إلى حزب البعث).
وفي هذا الكتاب لدينا قاعدة معلومات مدعمة بالوثائق عن الصراع الذي دار بين النائب في البرلمان السوري سلمان المرشد(الذي تنسب إليه هذه الطائفة خطأ) وبين حكومة الاستقلال في 1946م الذي انتهى إلى إعدام المرشد في16/12/1946م.
فقد كان هذا الصراع في جوهره بين الفلاحين المحرومين من الأراضي وبين الأسر الإقطاعية التي حازت على هذه الأراضي في أواخر الحكم العثماني بشتى الطرق، حيث قام الفلاحون بتحريض من المرشد على طرد الإقطاعيين من أراضيهم والتصرف بها كما لو كانت لهم. وقد خشيت الأسر الإقطاعية، التي كان لها نفوذ على حكومة الاستقلال، أن تمتد هذه الحركة إلى المناطق المجاورة. وهكذا يتضح هنا، من عريضة الاتهام و سيرورة المحكمة، أن المرشد لم يعدم بسبب ادعاء الألوهية كما كان يشاع عنه طويلاً ولكن لأجل قتل زوجته أم الفاتح بعدما قرر الاستسلام لرجال الدرك الذين حاصروا قريته جوبة البرغال لكي لا تساء معاملتها كما كان يعتقد.(56/55)
والمهم هنا أن صاحب الكتاب، الذي هو ابن سلمان المرشد، يوضح بجلاء أن سلمان اقتصر دوره على تنبيه سكان المنطقة على التخلف الذي كانوا عليهم وخلق منهم جماعة منظمة تمكن بفضلهم من النجاح في الانتخابات والوصول إلى البرلمان. فقد شق لهم الطرق التي أخرجتهم من عزلتهم الطويلة عن العالم، ومن ذلك الطريق الملتوي من الجبل إلى سهل الغاب الذي لا يزال يعرف بـ"طريق سلمان"، وشجعهم على إرسال أولادهم إلى المدارس حتى يتمكنوا من الالتحاق بالوظائف.
وفي هذا السياق فقد كان لسلمان دور مهم في تخليص سكان المنطقة من بعض العقائد المتوارثة كالاعتقاد بالترائي(القول بأن الرسول محمد والإمام علي وأولاده لم يكونوا من لحم ودم وإنما أنوار تتراءى على الأرض) وتقديس الشمس والقمر وتقديس بعض الأعياد (القوزلي والبربارا والصليب) وإبطال وراثة المشيخة حيث ربط المشيخة بامتحان يثبت فهم الشيخ المعمم بدينه إلخ. وعلى صعيد العلاقات الاجتماعية فقد كان له دور كبير في تخليص المرأة من الوضعية المهينة التي كانت تعيش فيها. فحسب النظرة الموروثة كانت النساء يعتبرن نجسات ولا يفضلن الحيوانات في شيء، ويحرمن حتى من أكل النذور.
وبعبارة أخرى فإن استقلال الجماعة دينياً عن النصيرية أو العلوية إنما تم بواسطة ابنه مجيب الذي أعلن الدعوة في25/8/1951م ولكنه اغتيل في منطقته في 27/11/1952م على يد عناصر أرسلت من قبل الحاكم الجديد لسورية أديب الشيشكلي، وهو الذي اتخذ موقفاً متشدداً من بعض الطوائف الدينية في سورية(الدروز والنصيرية والمرشدية) مما أدى إلى اغتياله لاحقاً في البرازيل التي لجأ إليها.(56/56)