وكان لافتاً أن رافسنجاني تجاوز اليزدي في معركته الانتخابية ليشن حربا غير معلنة على التيار المتشدد الحاكم وعلى الحرس الثوري، وقبل أيام تعمد الرئيس السابق تسريب رسالة الخميني حول قبوله بنهاية الحرب مع العراق وتجرع كأس السم. وفيما لم تتوقف الأوساط الخارجية في رسالة الخميني إلا عند المقطع الذي يتحدث عن الحاجة إلى قنبلة نووية لهزيمة صدام حسين أثارت الرسالة داخل إيران ضجة سياسية مختلفة تمحورت حول الكشف عن دور قيادة الحرس الثوري في الهزيمة مع العراق، وبالتالي تبرئة رفسنجاني من تهمة تلاحقه حتى الآن وهي دوره كقائد أعلى للقوات المسلحة في الهزيمة والاستسلام، فما سربه رافسنجاني كشف عن رسالة أبلغها قائد الحرس الثوري يومها محسن رضائي إلى الخميني يقول له فيها: "إن الانتصار على عراق صدام حسين مستحيل إذا لم تمتلك إيران 350 لواء مشاة إضافياً و2500دبابة، و600 طائرة وطوافة والقدرة على صنع الأسلحة النووية، وبناء على هذا التحليل العسكري رد الإمام الخميني برسالة يقول فيها: "إنه لا خيار أمامه سوى القبول بوقف النار وتجرع كأس السم".
وبات واضحا أن رافسنجاني لم يهدف من تسريب هذه الأسرار سوى تحميل عسكر الحرس الثوري المسؤولية عن الهزيمة أمام العراق وإثارة شبهات الإيرانيين تجاه هذا الجهاز وبالتالي تجاه حكم أحمدي نجاد والتيار المتشدد ملمحا في الوقت ذاته إلى أن هذا التيار يهدد إيران مرة أخرى بهزيمة جديدة مع الأميركيين ولا يستحق منحه الثقة العمياء في هذه المرحلة الحساسة جدا من تاريخ البلاد.
انقلاب على المرشد؟!(41/62)
واعتبر المراقبون الإيرانيون أن انتقال رافسنجاني في معركة انتخابات مجلس الخبراء إلى هذا المستوى جاء ليعكس مدى الخلافات القائمة بين أجنحة نظام الملالي وليكشف للعالم أن موقف إيران من المفاوضات والبرنامج النووي لا يعبر عنه نجاد وفريقه بالضرورة وأن هناك احتمالا لقيام قيادة بديلة أكثر اعتدلا، لكن البعد الداخلي لهذه الرسالة يكشف عن إصرار فريق الإصلاحيين والبراجماتيين على عدم الانهزام أمام الفريق المتشدد وكذلك تشويه صورة نجاد ومجموعته قبيل انتخابات مهمة مرشحة لتكون أول وأبرز اختبار لاستمرار شعبية ومواقع نجاد والمحافظين الجدد في إيران منذ الانتخابات الرئاسية في العام 2005 خصوصا على ضوء التهديدات الأميركية والدولية وحالة الإحباط التي تسود عامة الإيرانيين لغياب أية ثمار اقتصادية أو اجتماعية لفوز نجاد.
ولعل ما يزيد من سخونة المعركة هو وجود شكوك لدى الإصلاحيين بأن التيار المتشدد قرر استخدام كل طاقته وإمكاناته لتحويل معركة مجلس الخبراء إلى تكريس نهائي لهزيمة الإصلاحيين وللإمساك الكلي بالسلطة وكل القرارات في إيران، ولهذا اتخذ رافسنجاني قرار النيل من نجاد عبر محاولة سحب أكبر خزان قوة منه وهو الحرس الثوري الذي لعبت أصواته دورا مهما في هزيمة رافسنجاني أمام نجاد في الانتخابات الرئاسية.(41/63)
وفي رأي مصادر إيرانية مطلعة أن قرار رافسنجاني بفتح معركة كسر عظم مع المتشددين جاء على خلفية قرار مشترك اتخذه مع حلفائه الآخرين من عدة تيارات معتدلة أبرز وجوهها الرئيس السابق محمد خاتمي والأمين العام السابق لمجلس الأمن القومي حسن روحاني وعدد كبير من رجال الدين والحوزات الذين إما تعرضوا للتهميش من قبل مجموعة المتشددين الحاكمة، وإما بدأوا يستشعرون بمخاطر المغامرة التي يقود نجاد إيران فيها في مواجهة الأميركيين، ويقال إن بعض المحافظين الجدد قد بدأوا بالابتعاد عن نجاد لهذا السبب ومنهم المفاوض الإيراني علي لاريجاني الذي يحمل في مجالسه الخاصة رئيس الجمهورية مسؤولية إفشال مساعيه الأخيرة للتوصل إلى حل تفاوضي حول البرنامج النووي مع العلم أن لاريجاني يعتبر مقربا جدا من المرشد. والسؤال الأهم المطروح حالياً: ما هو موقف المرشد علي خامنئي من كل ما يجري وماذا سيكون خياره بالنسبة لتركيبة مجلس الخبراء الجديد وشخصية رئيسه؟!.
العارفون بكواليس الصراع على السلطة بين ملالي إيران يأكدون أن الكلمة الأخيرة في اختيار رئيس مجلس الخبراء ستكون للمرشد، كما كانت في اختيار رئيس الجمهورية، ويلفت هؤلاء إلى أن حملة رافسنجاني على اليزدي ونجاد تحظى بمباركة المرشد الحريص على إبقاء التناقضات الإيرانية واللعب عليهما داخليا وخارجيا، فعلى المستوى الداخلي يستبعد المراقبون أن يوافق المرشد على ترأس رفسنجاني أو خاتمي أو أي "إصلاحي" لمجلس الخبراء نظرا لانعكاساته المباشرة على مصير المرشد نفسه، ولكن في المقابل تشكل رئاسة مصباح اليزدي لمجلس الخبراء تهديداً أخطر على المرشد، وهي في حال حصولها ستعني نجاح فريق يزيدى ـ نجاد في السيطرة الكاملة على السلطة وحسم "الانقلاب" الذي يقال في كواليس حوزات إيران إن اليزدي يعده منذ سنوات على الولي الفقيه.(41/64)
لكن مشكلة خامنئي الأخرى هي في أن نتائج انتخابات مجلس الخبراء ستوجه حتما رسالة إلى الخارج حول تركيبة السلطة وموازين القوى في إيران وهي بالتالي مرشحة لتلعب دورا كبيرا في حسم أي من الخيارات التي ستعتمدها واشنطن في تعاملها مع إيران من الآن حتى العام 2008.
ولهذا السبب تبدو انتخابات 15 ديسمبر "كانون الأول" فرصة مهمة بالنسبة للإدارة الأميركية وهي حسب آخر المعلومات قررت التدخل فيها على طريقة تدخل إيران في انتخابات الكونغرس الأميركي، وعلى ضوء ذلك يتوقع المراقبون أن تشهد مرحلة ما بعد 7 نوفمبر "تشرين الثاني" نشاطات أميركية تصعيدية تجاه إيران سواء على خط مسلسل العقوبات والحصار الاقتصادي والمالي أو على خط العودة إلى تسريب سيناريوهات ضربة عسكرية مدمرة مرفقة بتفاصيل عن آلاف الأهداف التي ستضرب أو الأسلحة النووية التي ستستخدم. ويبدو أن قرار بوش الشخصي بمنح تأشيرة دخول لأميركا إلى خاتمي كانت ضمن الرهان على التيار المعتدل.
ويقول العارفون بهذا الخطة إنها تهدف إلى دعم خط الإصلاح والتغيير والاعتدال في إيران وإقناع المرشد خامنئي وكبار المسؤولين الإيرانيين المتشددين بالمعادلة التي كشفت تسريبات رافسنجاني عن بعض منها وقادت إلى تجرع الخميني السم، ومفاد هذه المعادلة، إذا كانت حرب صدام حسين قد قادت إلى هزيمة إيران فكيف يمكن أن تكون عليه الحرب التي تهدد بها أكبر دول في العالم؟!.
دور يهود إيران في التهدئة بين طهران وأمريكا و إسرائيل
الوطن العربي - 1/11/2006(41/65)
المعلومات الواردة من داخل إيران تؤكد أن نظام الملالى يشعر بالراحة إزاء أسلوب التعاطي الأمريكي مع التفجير النووي الذي أجرته كوريا الشمالية ، باعتباره مؤشرا على أسلوب تعاطي واشنطن مع الملف النووي الإيراني ، وفي الوقت نفسه كشفت مصادر في واشنطن ، عن دور يلعبه يهود إيران في تهدئة الأجواء بين طهران وواشنطن ، وكذلك عن دور تقوم به منظمات أهلية أمريكية – إيرانية في تقريب وجهات النظر بين الطرفين إزاء مستقبل إيران النووي .
وحسب المعلومات الواردة من مصادر قريبة من دوائر الحكم في طهران، فإن القيادات المسؤولة في إيران، في مؤسسة الرئاسة ومجلس تشخيص النظام، والأجهزة الأمنية تدارست بعناية رد الفعل الأميركي والعالمي تجاه التفجير النووي الكوري الشمالي ورأت هذه القيادات أن رد الفعل الأميركي اتسم بالتردد والتخبط والضعف، ويعكس عدم وجود خطة مسبقة لمواجهة مثل هذه المواقف وحتى العقوبات التي فرضتها وتحاول أن تفرضها واشنطن على كوريا، ليست بمستوى الحدث، ولا تحظى بقبول عالمي، خاصة من دول مؤثرة مثل روسيا والصين اللتين تطالبان بعدم إغلاق باب الحوار، واللجوء إلى سلاح الدبلوماسية بدل سلاح المقاطعة والحصار.
وتقول المعلومات، إن القيادات الإيرانية المعنية، شعرت بالارتياح، واعتبرت أن الأسلوب الأميركي والعالمي مع الملف الكوري، هو صورة من الأسلوب الذي سيتم فيه التعامل مع الملف الإيراني، خاصة أن أوروبا مازالت تفضل الحوار مع إيران، رغم التهديدات المتواصلة باللجوء إلى مجلس الأمن مرة ثانية، مما يعطي طهران فرصة إضافية للمضي في برنامجها النووي، دون خوف من عقوبات أو من رد فعل غير مألوف، مثل العمل العسكري.
قنوات اتصال:(41/66)
ولكن حسب المعلومات الواردة من واشنطن، فإن إيران لم تركن إلى الراحة مكتفية بالشعور بالاطمئنان، بل إنها تستخدم قنوات مختلفة، لتقريب وجهات النظر مع أميركا ولطمأنة أميركا وإسرائيل بأن ملفها النووي لا يشكل خطرا على إسرائيل ولا على المصالح الأميركية في المتعلقة.
وكشف المعلومات، أن طهران تستخدم لتحقيق هذا الغرض قناة بالغة الأهمية، منطلقة من قاعدة حساسة وتاريخية وهي المكانة العالمية التي يخص بها اليهود أرض إيران، ولقد لفت نظر المراقبين الاهتمام الإيراني حاليا، بإبراز النظرة التقديسية التي يتطلع بها اليهود إلى إيران، والتركيز على قدم الرابطة بين الإيرانيين واليهود، والحديث عن الشواهد التاريخية واللغوية والدينية الموجودة في الأسفار، ووصف كورش ملك فارس بأنه الملك العادل ومخلص اليهود من الأسر البابلي وفاتح أبوب فارس أمامهم.
عودة إلى التاريخ:
ويقول أحد الكتاب الإيرانيين أن أرض إيران بالنسبة لليهود هي أرض كورش مخلصهم، وفيها ضريح إستر ومردخاي، وفيها توفى النبي دانيال ودفن النبي حبقوق، وهي وطن شوشندخت الزوجة اليهودية للملك يزدجر الأول، وتحوي أرضها جثمان بنيامين شقيق النبي يوسف عليه السلام، ويذكر كاتب أخر أن أحد أنبياء بني إسرائيل كان حارساً لمعبد الملك سليمان في القدس، وقد وقع مع النبي دانيال وآخرون في أسر ملك بابل نبوخذ نصر، وأمضى سنوات طويلة في السجن، وعندما فتح كورش بابل، أطلق الأسرى، وقدم النبي "حبقوق" إلى إيران واستقر في همدان، ودفن حين توفى في تويسركان.
وحسب المصادر الإيرانية، فإن نظام الملالي يعتمد على هذه الخلفية الدينية، للانطلاق في حملته لتهدئة مخاوف إسرائيل وأميركا. خاصة أن موريس معتمد ممثل اليهود في البرلمان الإيراني يصف علاقة الأقلية اليهودية، وهي أكبر تجمع لليهود في الشرق الأوسط خارج إسرائيل بنظام الملالي بأنها جيدة جداً، موضحاً أن اليهود موجودين في هذه الدولة منذ 2100عام.(41/67)
ويقدر عدد اليهود في إيران بـ 25 ألف يهودي موزعين على ثلاث مدن رئيسية هي طهران وأصفهان وشيراز، فضلاً عن بعض اليهود في مدينة مشهد. ولعبت الطائفة اليهودية دوراً بارزاً في الحياة السياسية أيام نظام الشاه محمد رضى بهلوي حيث احتلوا مناصب حكومية وتواجدوا في البلاط الحكومي.
ويفضل يهود إيران البقاء بعيداً عن الحياة السياسية ويفضلون الاهتمام بالتجارة على الوظائف الحكومية وبشكل خاص تجارة السجاد وهم حريصون دائماً على تأكيد انتمائهم لإيران ويتسابقون لاتخاذ مواقف في صالح الحكومة الإيرانية. حتى إن ممثلهم في البرلمان موريس معتمد أعلن صراحة تأييد اليهود القوي للبرنامج النووي الإيراني. ويتحدث معتمد عن علاقة يهود إيران مع إسرائيل قائلا: "ليس لدينا علاقات مع إسرائيل أبداً ولكن الحكومة الإيرانية تسمح لنا بالسفر إلى إسرائيل".
ويذكر أن الأب الروحي ليهود إيران هو الحاخام يديديا شوفط، وأبرز معالمهم المقدسة توجد في مدينة أصفهان، ومقبرة النبي دانيال في شوش، ويقول موريس معتمد إن لدى اليهود 80 كنيسا في إيران وأبرز مقدساتهم مقبرة النبي دانيال والنبي حبقوق ومعابد أخرى أيضاً في همدان.
وفي بداية الثورة الخمينية كانت علاقة اليهود شبه متوترة مع النظام وكانوا يتصورون أن النظام الجديد سيعاملهم معاملة سيئة وحصلت هجرة كبيرة إلى أميركا وإسرائيل وأوروبا وبعد فترة تعودوا على الوضع الجديد وانطلقت علاقات جيدة مع النظام الإيراني وصار لهم تمثيل في البرلمان وحصلوا على حقوقهم وصار لديهم مقرات للاجتماعات ولديهم صالات ومستشفى ومكتبة كبيرة جدا كما تنتشر معابدهم في طهران وأصفهان ورغم ذلك يرفض اليهود الاندماج في المجتمع الإيراني حيث اتخذوا من مناطق محددة من طهران مكانا لسكنهم في أماكن بعيدة عن الحماس المذهبي مثل شمال طهران ومناطق جديدة لا تصنف الناس وفق انتمائهم الطائفي بل وفق وضعهم المالي والاقتصادي.(41/68)
وكانت تقارير صحفية قد أشارت إلى أن ما يزيد على 50 ألف يهودي إيراني تركوا البلاد منذ اندلاع الثورة الإسلامية في إيران العام 1979 رغم أن الحكومة في طهران تعترف بوضعهم كأقلية دينية، وتسمح لهم بممارسة شعائرهم الدينية وتعليم اللغة العبرية وتشكيل الجمعيات الاجتماعية.
وكانت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية قد كشفت عن أن ثلاثة يهود إسرائيليين هاجروا من إيران قبل 20 عاما عادوا إلى طهران زائرين بعد أن استصدروا جوازات سفر إيرانية في تركيا.
ووفقا لتقرير الصحيفة الإسرائيلية فإن العشرات من اليهود الإيرانيين الذين هاجروا من إيران إلى إسرائيل في السنوات الأخيرة يتوجهون إلى سفارة إيران في إستانبول ويستصدرون جوازات سفر إيرانية وأن السفارة والسلطات الإيرانية تعرف بالضبط موقع سكنهم الحالي.
وسردت الصحيفة في تقريرها قصة سفر ثلاثة أشخاص إسرائيليين إلى إيران الأصغر من بينهم "42عام" وأكبرهم "60عاما" وكيف أنهم توجهوا إلى السفارة الإيرانية بتركيا وقاموا بإجراءات دامت عاما كاملاً حتى حصلوا على جواز السفر "دون أي إعاقات أمنية إيرانية" وأن السلطات الإيرانية استكفت بأوراق ثبوتية تؤكد أنهم ولدوا في إيران. وأكد الثلاثة أنهم خلال تجوالهم في مسقط رأسهم لم يخفوا هويتهم الحالية وأنهم تجولوا في أماكن كثيرة وأنهم كانوا يجرون اتصالات هاتفية مباشرة من إيران إلى إسرائيل ... كما أنهم تلقوا مكالمات هاتفية دون أية عوائق وحواجز.
ونقلت الصحيفة عن أحد الثلاثة قوله "إن الشعب الإيراني شعب طيب واليهود يعيشون هناك بشكل جيد أكثر من إسرائيل ومن بينهم من يعيشون كالملوك".. مشيرا إلى أن العشرات من الإسرائيليين يتوجهون إلى إيران سنوياً وعلى ما يبدو غالبيتهم الساحقة من أصل إيراني ويعتبرونها زيارات إلى مسقط رأسهم.
رسائل ود متبادلة:(41/69)
ولاحظت مصادر دبلوماسية غربية متابعة للأوضاع في الشرق الأوسط أن القيادات الإيرانية حرصت على تطمين الإسرائيليين وإزالة مخاوفهم، وفي هذا السياق وضعوا تراجع الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد عن تصريحاته التي أنكر فيها حدوث المحرقة، وكذلك تأكيداته مع مسؤولين إيرانيين آخرين بأن البرنامج النووي الإيراني ليس موجهاً ضد إسرائيل، وأن طهران لا تنوي قصف إسرائيل بالصواريخ، وفي المقابل لاحظت هذه المصادر أن مسؤولين عسكريين إسرائيليين حرصوا على التأكيد بأن البرنامج النووي الإيراني لا يمثل خطرا على إسرائيل وأن إسرائيل لا تنوي مواجهة أهداف نووية إيرانية. ومن هؤلاء المسؤولين، وزير الدفاع شاؤول موفاز وهو من أصل إيراني، مثله مثل دان حالوتس رئيس أركان الجيش خلال حرب إسرائيل على لبنان، وكذلك رئيس الدولة موشيه كاتساف (قصاب) الذي كان يتحدث باعتدال عن إيران، قبل أن تنفجر في وجهه فضيحة تحرشه بموظفات، ومما يذكر أن وزير الدفاع الأسبق موشيه دايان هو من أصل إيراني أيضا. ويقول محللون غربيون أن طهران تنطلق من وقائع التاريخ، وبالاعتماد على أقليتها اليهودية، لفتح قنوات اتصال مع أميركا وإسرائيل، ولتبديد المخاوف من البرنامج النووي الإيراني وبرامج التسلح بصفة عامة.(41/70)
ولكن حسب المصادر الغربية، فإن قنوات الاتصال مفتوحة أيضا عبر منظمات أميركية ـ إيرانية تعمل في الولايات المتحدة وبحرية ويستشهدون بمناظرة تمت على شاشة أحد التلفزيونات الأميركية، تحدث فيها الدكتور هوشانغ أمير أحمدي من جامعة روتغرز والعضو في المجلس الأميركي ـ الإيراني الذي يوصف بأنه محامي إيران في الولايات المتحدة، فقد دعا في هذه المناظرة الإدارة الأميركية الحالية إلى فتح باب الحوار مع نظام الملالي بدل استخدام لغة التهديد وأن تفعل كما فعل الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون في زيارته للصين، التي أسفرت عن تحسين العلاقات بين بكين وواشنطن، وعندما سئل عن التهديدات الإيرانية ضد إسرائيل والغرب قال بوضوح إنها "بروباغندا للدعاية الداخلية ولا تمثل سياسة إيران الواقعية".
وتقول المصادر أنه إضافة إلى يهود إيران واتصالاتهم باللوبي اليهودي الأميركي، فإن المنظمات الأهلية تلعب دوراً كبيرا في تقريب وجهات النظر بين واشنطن وإيران، مثل المجلس الأميركي - الإيراني واتحاد مسلمي إيران في شمال أميركا.
وتضيف المصادر الأميركية إلى أن اللوبي الشيعي في الولايات المتحدة، يضم عدداً يتراوح بين مليونين و3 ملايين شخص، من بينهم حوالي مليون شخص من أصل إيراني يتبع معظمهم ولاية السيستاني والآخرون يتبعون آية الله خامنئي والشيخ محمد حسين فضل الله، وتقدر المصادر الأميركية أن المرجعية الإيرانية تعتمد على وقف شيعي كبير للإنفاق على النشاطات التي تتضمن تحسين صورة نظام الملالي الإيراني داخل الولايات المتحدة.(41/71)
وتشير المصادر إلى أن مؤسسة "بيناد علوي" في الولايات المتحدة، تشكل قناة مهمة في تقريب وجهات النظر، وخاصة أنها تعتمد على إمكانيات مالية ضخمة، وهذه المؤسسة التي يقع مقرها في الجادة الخامسة في نيويورك، انشئت العام 1973 تحت اسم "بيناد بهلوي" تغير اسمها بعد أن سيطر عليها الملالي إلى "بيناد مستضعفان" ثم "بيناد علوي" وتضيف أن مجلس إدارة المؤسسة مقره في إيران، ولكن سفير إيران في واشنطن يسيطر على معظم قرارتها، وتقول ملفاتها إنها أنفقت حوالي 5 ملايين دولار لدعم التنظيمات الشيعية في الولايات المتحدة، وإن رأسمالها يفوق الـ 90 مليون دولار.
وتكشف معلومات في واشنطن أن اللوبي الصهيوني استطاع أن يقيم قاعدة للاتصال والتعاون مع المؤسسات الإيرانية ـ الأميركية، وتقول المعلومات إن المؤسسات الإيرانية هي التي مهدت الطريق لهذه الاتصالات، ضمن خطة إيرانية لاستخدام قنوات يهودية في إيصال رسالة من طهران إلى الإدارة الأميركية تهدئ من مخاوفها وتؤكد لها أن إيران التي تسعى عبر التسلح إلى دور إقليمي، لا يمكن أن تتعرض على الإطلاق لا إلى المصالح الأميركية في المنطقة ولا إلى إسرائيل. وتؤكد بعض الدوائر الغربية، أن الحملة الإيرانية متعددة الرؤوس، نجحت إلى حد ما في حمل إدارة بوش على اللجوء إلى سلاح الصبر في تعامله مع الملف النووي الإيراني، بشكل أثار استغراب حلفاء الولايات المتحدة الغربيين.
وتتوقع الدوائر الغربية، أن يطرأ مزيد من التباطؤ الأميركي ـ الغربي في التعامل مع الملف النووي الإيراني، وخاصة أن العالم مشغول الآن بالملف الكوري الذي يثير مخاوف حلفاء أميركا الآسيويين بشكل خاص.
إسلام أوروبي جديد على المذهب الليبرالي
روز اليوسف ـ 14/10/2006(41/72)
لم يكن رفض معظم دول أوروبا دخول الدعاة القادمين من الدول العربية والإسلامية في رمضان الحالي وليد اللحظة، بل كان نتيجة لخطة مسبقة كانت أوروبا قد وضعتها من قبل لمكافحة ما أسمته الأصولية الإسلامية، والتي شملت مقترحات حول تأهيل وإعداد أئمة المساجد ومحاولة الاكتفاء بالدعاة والأئمة الموجودين بها بالفعل بعد تأهيلهم في الجامعات الأوروبية وإجادتهم للغة الدول المقيمين بها.
ففي فرنسا ستشهد مدينة "ليل" في الشهر الجاري افتتاح "معهد ابن سينا" للعلوم الإنسانية كأول مؤسسة جامعية إسلامية معترف بها رسمياً والتي من ضمن أهدافها تخريج الأئمة والمرشدين الدينيين، وتمكينهم من الإعداد المستمر الذي يسمح لهم بتقديم الإسلام بطريقة أكثر قرباً للبيئة الفرنسية.
والمواد التي يدرسها الإمام هي القرآن الكريم وأصول الفقه والتوحيد والعقيدة ومادة أخرى تتعلق بمدارس التفسير الإسلامية مثل مدرسة القرطبي باعتباره ممثلا عن التفسير الشرعي والزمخشري بوصفه ممثلا عن التفسير المرتبط بعلم الكلام، وابن كثير للتفسير الشامل.
كما تم الاتفاق على أن تقدم جامعتا السوربون وأساس في باريس دبلومة جامعية، وسيدرس الأئمة فيها مواد متعلقة بتاريخ فرنسا وقوانينها والمؤسسات الفرنسية وتاريخ العلمانية ودورها في تشجيع التعدد الديني والثقافي، ومواد أخرى تتعلق بالترابط بين فرنسا والحضارة العربية والإسلامية مثل دراسة التاريخ الإسلامي في أوروبا خاصة في الأندلس ودراسة المرحلة الاستعمارية وتاريخ هجرة العمالة المسلمة إلى فرنسا والغرب، وستكون الدراسة متاحة للأجانب وليس للأئمة فقط، وينقسم برنامج الدراسة إلى ثلاثة أقسام: الأول لمدة عامين لمن يريد أن يصبح إماماً، والثاني لمدة ستة أشهر وهو للأئمة الحاليين المزاولين لمهنة الإمامة، وهي عبارة عن دورات تدريبية.(41/73)
والقسم الثالث دراسة ثقافة البلد الذي يقوم على نظام جمهوري علماني ويستند إلى دستور ومعرفة قوانين البلد ومبادئه وثوابته، وسيشمل دراسة علم الاجتماع الفرنسي، وسيكون ذلك في جامعة السوربون لكي يضمنوا عدم قيام الأئمة بالدعوة إلى التشدد من على منابر مساجد فرنسا.
وطالب وزير خارجية فرنسا فيليب دوست بلازى بتعاون الأزهر الشريف مع المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية لتأهيل الأئمة بشكل سليم بعيد عن استخدام الدين لتحقيق غايات سياسية.
وتم التنسيق مع الأزهر في مسألة إعداد الدعاة القادرين على خدمة مجتمعاتهم وتعزيز التقارب بين الشعوب من خلال تفعيل الحوار بين الحضارات والثقافات كسبيل لمواجهة الإرهاب. وتم اختيار أئمة متميزين للقيام بمهمة تعليم وإعداد وتأهيل أئمة المستقبل.
كما طالب وزير داخلية فرنسا وقتها دومينيك دوفيلبان بأن يجيد أئمة المساجد الحاليون اللغة الفرنسية، حيث يوجد في فرنسا ما بين (1300 و1500) إمام مسجد "70%" منهم ليسوا فرنسيين وثلثهم لا يتحدث لغة البلد. وبدأت الحكومة الفرنسية دورات لتعليم الأئمة اللغة الفرنسية داخل جامعاتها يشارك فيها 400 من أئمة المساجد في فرنسا. ولم يعترض وزير الداخلية دوفيلبان على استقدام أئمة غير فرنسيين، ولكنه شدد على ضرورة أن يتحدثوا الفرنسية ويلموا بالثقافة الفرنسية وعاداتها.
أما الحكومة الهولندية فقد أعلنت أنها لن تقبل اعتباراً من عام 2008 أئمة من الخارج، وألزمت السلطات الهولندية الأئمة الحاليين لديها باجتياز دورات تدريبية سريعة يتعلمون فيها اللغة الهولندية، حيث لا يعرف أحد من الأئمة البالغ عددهم 150 إماماً من تركيا والمغرب أكثر من كلمات قليلة من اللغة الهولندية، وبدأت بالفعل جامعة أمستردام بتنظيم الدورات لتأهيل الأئمة وقدمت الحكومة الهولندية 1.5 مليون يورو لتدريب الأئمة في الجامعة الحرة بأمستردام.(41/74)
كما وقعت الحكومة أيضاً مع خمس جمعيات إسلامية إعلان نوايا تهدف إلى تأمين تعليم جامعي كامل للأئمة، وتم تخصيص 375 ألف يورو لذلك، وتم التنسيق بين الجمعيات الإسلامية وجامعة "إينهولند" في أمستردام لوضع برنامج متكامل للتعليم لمدة 4 سنوات، لأن هذه الجامعة لها خبرة في تعليم الدراسات الإسلامية. وسيتم تخريج أول دفعه من الأئمة في نهاية العام الحالي.
وفي بريطانيا تم وقف تولى إمامة المساجد من قبل أشخاص من خارج بريطانيا ولا يتحدثون اللغة الإنجليزية، وهم يشكلون ما يقرب من (1800) إمام من بين 3000 في عموم بريطانيا من بينهم 300 فقط بريطانيون.
وأنشأ مسلمو بريطانيا بمبادرة منهم ما أسموه "المجلس الوطني الاستشاري للأئمة والمساجد"، وهو أول هيئة من نوعها تهدف إلى إعداد أئمة بريطانيين ووضع معايير اختيار الدعاة والأئمة، وهو مجلس مستقل عن الحكومة ويقوده نخبة من الزعماء المسلمين هناك.
وخصصت وزارة الداخلية الإنجليزية 5 ملايين جنية استرليني كمساعدة لإعداد الأئمة تمنح على مدى 18 شهرا، وذلك لجذب الشباب لكي يصبحوا أئمة محليين ومساعدة المساجد في تدريب الأئمة ومنحهم تقارير صلاحية لممارسة الإمامة.
ورغم حيادية سويسرا وتسامحها مع الأقليات إلا أنها بدأت في تدريب وتعليم الأئمة في الجامعات السويسرية وفتح فروع تعليمية في هذه الجامعات للأئمة لضمان تعليمهم الثقافة السويسرية واللغات المتداولة فيها، وهي الألمانية والفرنسية والإيطالية ومعرفة أهمية القيم والمبادئ الأوروبية ويحرصون عليها.
كما طالب مجلس الكنائس السويسري بإنشاء معهد سويسرى متخصص في تأهيل وإعداد الأئمة يخضع لجهات تعليمية أكاديمية عليا لتدريبهم على كيفية التعامل مع الحياة الغربية الليبرالية خاصة بعد سلسلة التقارير الإعلامية التي اتهمت الأئمة الوافدين من الدول العربية والإسلامية بأنهم راديكاليون ولا يناسبون المجتمع الأوروبي.(41/75)
ولذلك فرضت الحكومة السويسرية قيودا على دخول الأئمة الذين اعتادت المنظمات الإسلامية دعوتهم، واستثنت من ذلك الأئمة القادمين من الأزهر الشريف.
أما الحكومة الألمانية فقد أعدت استراتيجية شاملة لمكافحة ما أسمته الأصولية الإسلامية بألمانية وإدماج المسلمين المقيمين وحاملى الجنسية الألمانية تشمل تأهيل وإعداد أئمة وخطباء المساجد في مراكز ألمانية متخصصة بشكل يتناسب مع احتياجات المجتمعات الأوروبية التي يعيشون بها على أن يكون لديهم إلمام باللغة والثقافة الألمانية، وتم ذلك من خلال إلحاقهم بدورات حول الثقافة الألمانية وتعليم اللغة الألمانية، ودعت رئيسة حزب الخضر كلوديا رون إلى ضرورة أن يتم إعداد الأئمة ومدرسي الدين الإسلامي في الجامعات الألمانية لأنه من الخطأ أن يتم استقدام أشخاص لا يعرفون شيئا عن المجتمع الألماني للخطابة في المساجد.
وفي بلجيكا تقدمت مؤسسة الملك بودوان باقتراح يقضي بضرورة إنشاء كلية خاصة بإعداد الأئمة تتبع إحدى الجامعات على غرار الكليات الخاصة بالديانات الأخرى المعتمدة من الدولة.
حيث جاء في تقرير المؤسسة أن بلجيكا التي يعيش على أرضها نحو 450 ألف مسلم من بين 10 ملايين نسمة هم عدد سكانها وبها 328 مسجداً في حاجة إلى إنشاء كلية خاصة لإعداد الأئمة تختص بتخريج أئمة واعين بمتطلبات المجتمع البلجيكي وثقافته، وذلك لأن معظم الأئمة الحاليين الموجودين في البلد يستقون دراستهم ومعلوماتهم من دولهم الأصلية التي قد لا تتفق في الغالب مع احتياجات المجتمع البلجيكي.
وفي أستراليا خطة للمساعدة في تأسيس أول معهد إسلامي لتخريج أئمة محليين هدفه تخريج جيل جديد من الأئمة الذين نشأوا في أستراليا ويتحدثون الإنجليزية بطلاقة ويعرفون عادات المجتمع الأسترالي وتدعو الخطة أيضا إلى تدريب الأئمة الحاليين وإجازة عملهم.
الحسينيّات تنتشر في الاردن كالنار في الهشيم
شيحان 16/11/2006(41/76)
عبّر النائب الإسلامي الدكتور تيسير الفتياني عن قلقه إزاء ما أسماه بوجود نشاط شيعي خطير في الأردن ، يخدم المساعي الرامية لزيادة النفوذ الإيراني في المنطقة .
وقال النائب الفتياني في حديث لـ " شيحان " أنّ السنتين الأخيرتين شهدتا انتشارا لما يسمّى "بالحسينيّات" في عدد من مناطق المملكة، تحظى بدعم من شخصيات عراقيّة شيعيّة كبيرة مقيمة في الأردن، معتبرا أنّ "هذه المراكز يتم فيها بثّ الفكر والعقيدة الشيعيّة المتطرفة، والتربية الدينية للشباب ومتابعتهم لأطول فترة زمنية ممكنة" بحسب تعبيره.
وميّز الدكتور الفتياني بين نوعين من أشكال الدعوة إلى التشيّع الذي ارتبط بروز ظاهرته في البلد بدخول العراقيين بكثافة إليها، حيث يتم في النوع الأول "جذب الفقراء والمحتاجين للترددّ على الحسينيّات من خلال استغلال حاجتهم وعوزهم وإغرائهم بتلبية ما أمكن من تلك الاحتياجات لتشجيعهم على ممارسة الطقوس الشيعية والمشاركة بيوم عاشوراء بما يتخلله من طقوس شيعية وغيره من الاحتفالات والمناسبات ذات الصلة بالمذهب الشيعي.
وذكر بأنّ "أبرز الحسينيّات التي تعمل وفق مبدأ استغلال حاجة الفقراء موجودة في حي أم تينة الواقع في جبل الجوفة". مؤكداً أنّ شكاوى وردت له ولآخرين من النواب الإسلاميين من أهالي الحي المذكور حول قيام مجموعة من الأردنيين بالخروج إلى الشوارع منطلقين من ذلك المركز لممارسة الطقوس الشيعيّة في يوم عاشوراء الأخير مثل ضرب الصدور، غير أنّ الجهات الرسمية لم تعر الأمر أي اهتمام، على حد قوله.(41/77)
وشددّ الفتياني على أنّ" ظاهرة جذب الفقراء للحسينيات تعكس وجود نشاط شيعي وليس تشيّعاً حقيقياً من قبل الفقراء الذين تغريهم المساعدات المادية". لكنّ الخطورة تنطلق من وجهة نظره من كون "هذه الظاهرة تمهّد لما هو أخطر، حيث يتعرّض القائمون على هذه الحسينيات إلى بعض الصحابة رضوان الله عليهم بما لا يليق بمقامهم وبما يسيء إليهم". وقال أنّ "عددا من الحسينيّات أقيمت حديثا في منطقة مؤتة في الكرك، حيث توجد مزارات بعض الصحابة الذين يجلّهم المذهب الشيعي"، مؤكدا أنّ "تلك الحسينيات تعمل بذات الطريقة التي تدار بها حسينيّة جبل الجوفة".
وأعاد الفتياني إلى الأذهان ما شاع من أخبار حول وجود مخططات لتنفيذ مشروع مماثل كبير في منطقة عبدون، مشككاً في التصريحات الحكومية القاضية بوقف تنفيذه، وقال "الحكومة تقول بأنها أوقفته، لكن هل توقف تنفيذه بالفعل؟ مضيفا أن الأمر بحاجة إلى مزيد من المتابعة".
أما النوع الآخر من أشكال التشيع وفق الفتياني فإنه يحمل شكلاً أخر من أشكال الدعوة للتحوّل إلى الشيعية ولكن بحسب وصفه خطورته بالغة وأشد تأثيراً على الأشخاص المستهدفين مبيناً أنّ بعض مساجد السنّة تستغلّ اليوم من قبل بعض الأئمة الذين يدعون في خطبهم جهاراً ومن منابر هذه المساجد إلى التشيّع ويطلبون الطعن في بعض الصحابة من مثل معاوية رضي الله عنه والمبالغة في تمجيد بعضهم الآخر من مثل الحسن والحسين رضوان الله عليهما، كما يتعمدون الإساءة للدولة الأموية.
وكشف الفتياني عن أنّ "أحد هذه المساجد يقع في منطقة الدوّار السادس، حيث يقوم إمام ذلك المسجد بالإساءة إلى بعض الصحابة رضوان الله عليهم، وقد نجح في استمالة بعض مصلّي ذلك المسجد. وقال: إن خطورة ما يقوم به ذلك الإمام تتمثل في كونه نجح بتشكيل حلقة أو مجموعة من الأتباع والمنحازين لمذهبه من منطلق فكري وليس من منطلق الحاجة والإغراء المادي.(41/78)
وبحسب الفتياني فإنّ العديد من الشكاوى وصلته من مصلي ذلك المسجد حول الإساءات التي يقدم عليها ذلك الإمام في خطبه وعلى مسمع المصلين، مؤكدا أنّ العديد من المواطنين باتوا يمتنعون عن الصلاة فيه لكون الإمام لا يزال يقدم الطرح ذاته في خطبه الدينية ويدعوهم في كل مرّه لإظهار الحزن على مقتل الحسن والحسين.
وأتّهم الفتياني الحكومة "بالتقاعس عن القيام بواجبها للحد من انتشار مثل هذه الظاهرة خوفا من وجود تنازع طائفي الأردن بغنى عنه"، مدللاً على ذلك الاستنتاج "باللقاءات التي جمعتنا كنواب للحركة الإسلامية برئيس الحكومة الدكتور معروف البخيت وبعض الوزراء والمسؤولين ذوي الصلة مثل وزير الداخلية عيد الفايز ووزير الأوقاف عبد الفتاح صلاح ومدير الأوقاف وكذلك رئيس مجلس النواب المهندس عبد الهادي المجالي، حيث قمنا بإبلاغهم خلال هذه اللقاءات بالمعلومات السابق ذكرها".
وأضاف أنه وعلى الرغم من ذلك لم يتوقف إمام المسجد المذكور عن إلقاء الخطب المسيئة وعن الدعوة للتشيع، "لا يزال وحسب معلوماتي الأكيدة " يضيف الفتياني ، يمارس دعوته بحرية منذ سنتين وحتى هذه اللحظة، ويبدو بأنهم يتعمدون غضّ الطرف عنه.
وعن ردة الفعل الأولية لرئيس الوزراء قال الفتياني:"استغرب الأمر في بادئه ولا أدري إن كان أخذ الموضوع على محمل الجد، أم أنّه اعتبره مجرّد إخبار ليس إلاّ، وبما أنّه لم يتم متابعة الموضوع بشكل جدي يبدو بأنّه انتهى عند حد العلم به وليس أكثر.(41/79)
وحددّ النائب الفتياني المرّة الأولى التي كشف فيها عن الأمر لرئيس الوزراء بحضور النائب نضال العبادي وآخرين، وهو ذلك اللقاء الذي جمعهم به على خلفيّة قضية أسلحة حماس شائعة الصيت، مبيناً بأنّ ردود فعل الوزراء الحاضرين تباينت بين من تفاجأ بسماع الخبر وبين من أكّد خطورته وضرورة إحاطته بالاهتمام الكافي، بيد أنّ شيئا في ذلك الاتجاه لم يحدث ، وفقاً للفتياني الذي قال "قمت بزيارة المسجد الذي يخطب به ذلك الإمام لمحاولة التقائه والتعرّف إليه والإطلاع على أفكاره، إلاّ أنني لم أجده، وقد أخبرني خادم المسجد في حينه بأنّ الإمام سافر إلى البحرين للمشاركة باحتفالات يوم «عاشوراء.
صالح الورداني: لن أسلم نفسي لأصحاب العمائم
روز اليوسف 11/11/2006
في ظل ما يمكن أن نسميه محاولة البعض لنشر التشيع في مصر، سواء بمعناه السياسي أو المذهبي، يعلن صالح الورداني أشهر شيعي في مصر تراجعه عن هذا الفكر. وليست هذه هي المفاجأة الوحيدة، ولكن الثانية هي قراره بعد كل هذه السنوات من التشيع أن ينقيه - هو والمذهب السني - من الخرافات، سعياً لما يسميه الطريق الثالث في تجديد الخطاب الديني، فلا يعقل - كما يقول - التحدث عن المهدي الذي سيعود ويخرج سيدنا أبا بكر وعمر من قبريهما ليضربهما.
في هذا الحوار ينتقد بعنف مذهبه القديم ويقدم تصوراً لمستقبل التشيع في مصر، والذي يؤكد أنه سيندثر ويصبح تاريخا.
-…هل تعتبر أن مراجعاتك الفكرية تشبه مراجعات الجماعات الإسلامية؟
لا، هناك فارق كبير، فأنا أعتبر أن مراجعات قادة الجماعات الإسلامية منقوصة وغير آمنة، لأنهم تراجعوا عن الفعل لا عن الدافع، فإذا كانوا قد تراجعوا عن العمليات الإرهابية إلا أنهم لم يتراجعوا عن الأفكار التي أضفت إليها شرعية كفتاوى ابن تيمية وغيرها، أما أنا فأتبرأ من أطروحات وأفكار من صميم الفكر الشيعي.
- ما هذه الأفكار التي تبرأت منها؟(41/80)
أولا انتمائي للحركة الإسلامية منذ بداية السبعينيات منحنى رصيدا من التجربة، وقدرة نقدية جعلتني لا أسلم بكل ما أسمع. ووجدت أن الطرح السني السائد بصمة السياسة فيه عالية، كما أنه طرح مذهبي بحت لا يعبر عن حقيقة الإسلام، ولذلك خرجت عليه.
وقد انتبهت إلى الوجود الشيعي أثناء اشتعال الحرب العراقية - الإيرانية، وكانت الساحة ممتلئة بعشرات الكتب التي تهاجم الخوميني، وغالبها كان يوزع مجانا، فبدأت عمليات التأثير والتأثر، وكان في مصر في ذلك الوقت العديد من العراقيين الذين فروا من نظام صدام وجاءوا إلى مصر تحت مظلة الدراسة، وهؤلاء كانوا شيعة، لذلك أسهموا من جهة أخرى في نشر التشيع في مصر [وهم ينتشرون اليوم في بلاد كثيرة ويقومون بنفس الدور نشر التشيع، الراصد]، ومن ثم بدأت في التفكير في الانضمام إليهم بعد أن شاهدت سلوكيات وتناقضات الجماعات الإسلامية بشكل مباشر، وخاصة التعتيم على أهل البيت، فبحثت عنهم من خلال التطور السني، حتى وجدت أن هناك تداخلات كثيرة بين التسنن والتشيع.
-…إذن لماذا هجرت المذهب الشيعي؟
أعتقد جازما أن الدين الإسلامي جاء لتأسيس الشخصية النقدية في التابع لا أن يكون إمعة تابعاً لأصحاب العمائم يوجهونه يميناً ويساراً.
-…ولكنك لم تجب بشكل محدد عن السؤال، ودعني أبدأ معك بمسألة الخلافة؟
من الخطأ تصنيف مسألة الخلافة بشكل مذهبي بمعنى أن الذي يقول أن الإمام على كان أحق بالخلافة نعتبره شيعياً، والعكس يعتبر سنيا، فهذا خطأ عند المثقفين، كذلك من يقول عن السيدة عائشة أنها أخطأت عندما خرجت على الإمام على أنه شيعي، فهذا كلام مذهبي وأنا أدعو إلى تحرير المسلمين من العقل المذهبي. وقد رأيت في دائرة الشيعة تناقضات كثيرة كالتي رأيتها في صفوف الجماعات الإسلامية:(41/81)
أول هذه التناقضات هو الصراع والتفتت والتناحرات، فكل جماعة شيعية تدعى أنها على حق تبعا لمرجعيتها. ثاني هذه التناقضات في الطرح الشيعي هو عملية الإغراق في الماضي، والمسلم يجب أن يعيش بعقل الحاضر، فهم يعيشون بروايات قد تكون صحيحة، وقد تكون خاطئة، وليس منطقياً أن تقنن هذه الروايات حياة المسلمين.
ثالثاً: ما يتعلق بفكرة القبور عند الشيعة والمغالاة فيها، بمعنى أن تنفق ملايين لتجديد مرقد، فى حين يتضور المسلمون جوعاً.
رابعاً: مسألة المراجع والتي وجد فيها عند الشيعة خلل كبير كعلاقة المرجع بالجمهور من الأتباع والمقلدين، حيث رأيت انغلاق المرجع عن الجمهور، فهو متقوقع في دائرة ولا يتصل بالناس والذي يوصله بالناس هم وكلاؤه الذين يتحدثون مع الناس نيابة عنه، والعكس، كذلك هم الذين يتصرفون فى الأموال والأخماس التي تدفع للمرجع كحقوق شرعية ولمست عند هؤلاء الوكلاء تجاوزات في الممارسات.
…
…خامساً: وجدت أن هناك خللا في التعبير عن أهل البيت عند الشيعة، فكل مسلم متشيع لأهل البيت، كما أن التاريخ ليس ملكاً لأحد، فإذا كنت أرى أن لأهل البيت حقوقا ليست لغيرهم، فليس معنى ذلك أنني على المذهب الشيعي، وعندما كنت أكتب عن الشيعة كانت معظم مصادري من الوسط السني، كذلك أضيف أن الإسلام ليس سنة ولا شيعة، وأنا أرى أنه يجب إعادة كتابة التاريخ لتنقيحه من كثير من الخرافات المنتشرة عن أهل البيت.…
…- ما رأيك في الخلفاء الراشدين أبى بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم؟(41/82)
هناك خلل في تناول القضايا التاريخية عمومًا، وللأسف الشديد الشيعة يتناولون القضايا التاريخية وخاصة الخلافات التي وقعت بين الخلفاء تناولاً مذهبياً، وأنا لا أنكر أن لهؤلاء الخلفاء مناقب، فليس معنى أن أختلف مع الإمام على أن أنسفه من التاريخ، كذلك عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان، كما أن عصر معاوية بن أبى سفيان هو الذي ضخم هذه الخلافات، حيث كانت صناعة سياسية حيث أراد أن يتحصن بها لضرب الإمام على واستقطاب العرب إلى صفه من خلال اللعب بالدين. لذلك فالتاريخ في حاجة لإعادة قراءة، وبالتالي إعادة كتابة، بمعنى أنني أعطى أبا بكر حقه، وكذلك عمر وعثمان، وكوني شيعيا لا يعطيني الحق في مهاجمة هؤلاء الصحابة وسبهم فوق المنابر.
-…هل تراجعت عن المذهب الشيعي لأنك رأيت أن دورك في الوسط الشيعي لم يكن كما أردت؟
…هذا كلام غير صحيح، فالشيعة في مصر كلهم يدينون بالفضل لي، وأنا الرأس الأكبر لأنه لا يوجد مفكرون ولا مثقفون في وسط الشيعة، فلا يوجد من يستطيع أن يعرض التشيع للناس، فكلهم شباب متهور ومتحمس يحملها بلغة الحماسة لا أكثر وأنا بالنسبة لهم مرجع، فعندما أنسحب منهم أنسحب عن الأضواء وليس إليها، لأنه لا يوجد زائر شيعي يأتي إلى مصر إلا ويسأل عنى، فأنا بالنسبة لهؤلاء صاحب فكر وطرح وتأتيني دعوات، أما الآن فأواجه ضغوطاً من الشيعة في مختلف الدول كإيران والعراق والكويت، وأنا لا أستطيع أن أدعو هؤلاء لدائرة الشيعة، لكن مهمتي أن أبلغ.
كما أود أن أؤكد أن كثيرا من الشيعة قد اتصلوا بي ليدعموني فيما ذهبت إليه مؤكدين أنهم في حاجة إلى هذا الكلام، ولكن لا نستطيع أن نجهر به وهو التصحيح في دائرة التشيع، خصوصا عندما نلمس مدى العصبية التي يعيشها المسلمون اليوم، وأنا لو جاريت الشيعة بالشكل التقليدي كنت في وضع آخر، سيمولونني بالمال وتجد عندي على الأقل سيارة وبيتا وزوجة كما حدث مع كثيرين.(41/83)
-… صف لنا وضع الشيعة في مصر كما تراه وهل يمكن تحديد عددهم؟
لا يستطيع أحد أن يحددهم، فالشيعة المختفون أكثر بكثير من هؤلاء الظاهرين. وأنا أرى أن الشيعة في مصر تحولوا إلى جماعات كما كانوا جماعات إسلامية في الفكر السني، لأن الشيعة في مصر يتكونون من عناصر كانت في الإخوان المسلمين وعناصر كانت في الجهاد والسلفيين والتكفير والصوفية، لذلك بدأوا يفكرون بعقلية الجماعات، فبدأ كل شخص يعمل لنفسه كردوناً خاصاً مع أتباعه في إطار تنظيمي بطريقة تثير الريبة من حوله، على الرغم من أنها جماعات لا تشارك في العمل السياسي، وأقصى ما يفعلونه أنهم في انتظار الإمام الغائب.
لكن ما يثير الريبة حولهم أن البعض منهم يسافر إلى إيران سرا، في حين أنني كنت أسافر إلى إيران علنا للمشاركة في معرض الكتاب أو لزيارة جامعات معينة. هذا العام رفضت إيران إعطائي تأشيرة دخول إلى أراضيها عبر سوريا. وعندما كنت أسافر كانت بدعوات خاصة ولم أسافر بدعوة رسمية، لأن الدولة تتعامل دائماً مع الأشخاص بحساسية وأنا لست شخصية رسمية، وذلك على الرغم من أنها أرسلت دعوات رسمية لكثير من الشخصيات والصحفيين الذين قاموا بزيارتها، أما أن يصنفوني كرجل إيران في مصر فهذا كلام فارغ. وأعتقد أن الشيعة في مصر سيأخذون وقتهم، ثم يتحولون إلى جزء من التاريخ مثل التيارات الإسلامية التي اندثرت.
-…هل ترى أن الشيعة في مصر يتخذون مبدأ التقية؟
هم يمارسون التقية بمعنى أنهم يمارسون التشيع بأسلوب الجماعات الإسلامية، لذلك يحاربونني منذ سنوات لأنني ضد هذه الظواهر، لذلك هم يعتقدون أنني عميل أمنى لأنهم يرونني ظاهرا وأسافر وأخرج والأمن لا يعترض سبيلي.
- ما تقييمكم للأشخاص الظاهرين على الساحة من الوسط الشيعي كأحمد راسم النفيس ومحمد …الدريني وهل هناك غيرهما؟(41/84)
أنا صنعت أشخاصا في الوسط الشيعي كما ذكرت، فمثلا هناك بعض الأشخاص قاموا بعمل مركز أسموه مركز دراسات أهل البيت للعلوم الإنسانية بقيادة أستاذ علوم في جامعة القاهرة اسمه عاصم فهيم ولا صلة لي بهم الآن. أما الدرينى فهو شخص بلا وزن، والتشيع في مصر عموماً تشيع سطحي، والشيعة في مصر ليس لهم هيكل، وكل منهم يدعى أنه يمثل الشيعة، لذلك فهم في مجملهم مهلهلون ومعظمهم جماعات إسلامية سابقة، كما أن مبدأ الانشقاق مبدأ أصيل في تفكيرهم، لذلك ينشقون على بعضهم البعض.
وأنا لا أعتقد أن الدرينى يمثل أيا من الشيعة، وفى نظري أنه من المحتالين الذين دخلوا الوسط الشيعي ليلعبوا بلا ضوابط. كما أنه غير مقبول لدى كثير من الشيعة. وأعتقد أن الكثيرين قد استفادوا من تشيعهم.
-…هل ترى أن المذهب الشيعي تحول إلى سياسة أكثر منه ديناً؟(41/85)
هو مذهب ديني، لكنه سيُس لبعض الخلافات بين الدول، وأنا أقول إن إيران تدخلت في وسط الشيعة أو مولت، يمكن أن يسافر بعض الناس لإيران سراً من الشيعة وهم معروفون ويأخذون أموالاً، لكن ليس من الجمهورية الإسلامية، إنما من المؤسسات الشيعية التي تمثل المراجع. ومن غير الصحيح أن نتصور أن إيران تسيطر على الشيعة في العالم، أما الصحيح فهو أن المهيمن على الشيعة هم المراجع، وإذا نظرنا للإمام الخومينى مثلاً والذي يعتبر مرجعاً نجد أن نسبة الذين يقلدونه من الشيعة قليل إذا ما قارناه بأتباع السيد الخوئى، بمعنى أنه لم يستطع أن يحظى بالقبول الفقهي عند الشيعة. أما مسألة ولاية الفقيه، فإنها من رابع المستحيلات أن تحدث في مصر، لأن مقومات المجتمع المصري مختلفة تماماً عن مقومات المجتمع الإيراني، فالمجتمع الإيراني مجتمع شيعي مرتبط بمرجعيات، وهذه هي النقطة الفيصلية في الثورة الإيرانية، وحاولت بعض الجماعات الإسلامية في وقت ما أن توحي أن مصر تعيش فوق بركان في فترة ما وأنها ستلحق بإيران في وقت ما، وكنت أسخر من هذا، كما أن العقل المصري لا يتأثر بالعوامل الخارجية بصورة كبيرة لأنه دائماً ما يتأثر بواقعه، وعندما تشيع البعض فعل ذلك حباً في أهل البيت، كذلك انعدام الثقة في الطرح الإسلامي السائد في مصر، ولا ننكر أنه أخذ دفعة قوية بعد غزو العراق للكويت، ثم غزو العراق أحدث في مصر تأثيرات فاعلة لأن المصريين لم يكونوا يعرفون من هو السيستاني وما هي العمامة البيضاء والعمامة السوداء، ثم ظهرت القنوات الشيعية.…
…- كيف تفرق بين الشيعة فى مصر وأصحاب الطرق الصوفية؟(41/86)
المشترك بينهما هو حب أهل البيت، أما التشيع فهو حالة صوفية أرقى، حيث يقوم التابع بالتعمق في معرفة أهل البيت، فيبدأ التعامل مع الشيعة، وهناك بعض الصوفية تحولوا إلى الشيعة دون أن يعلنوا ذلك، وبعض الشباب الذي سافر إلى الخارج والتقى بحوزات جاء إلى هنا بأفكار ملوثة، ونقل عن الأئمة حالات ثيوقراطية حاربتها بشدة.
- ما رأيكم فى التطبير عند الشيعة يوم عاشوراء؟
التطبير عادة وليس عبادة، وليس كلهم وللأسف بعض المراجع يدعمونه، والبعض منهم يتوقف في الإفتاء بحرمته، وأنا أعتبر هذا مؤيدا، وهى أعمال فلكلورية شعبية ولا تجوز، وهى بدعة، وأنا رأيت أن بعض وكلاء المراجع يدفعون للبلطجية لكي يشقوا رؤوسهم في هذه الاحتفالات!
- حدثنى عن أسرتك؟
أنا الآن أعيش بمفردي في هذه الشقة، وكنت متزوجاً ولى ولد اسمه محمود يعيش مع والدته ولم أحاول يوماً أن أضغط عليه أو على والدته وقت أن كانت معي لتتحول إلى التشيع.
غضب في المغرب لزيادة عدد المسلمين الذين "اعتنقوا المسيحية"
العربية نت 19/11/2006
رغم أنهم يحملون أسماء مسلمة مثل محمد أو علي فان هؤلاء المسيحيين المغربيين يواظبون كل أحد على حضور القداس الديني رغم حنق الإسلاميين وشكوك رجال الشرطة. ويقول عبد الحليم منسق الكنيسة الإنجيلية المغربية "عددنا نحو ألف ونتبع نحو 50 كنيسة مستقلة في المدن الكبرى للمملكة". ويوضح هذا الطبيب البالغ من العمر 57 عاما والذي اعتنق المسيحية منذ 16 عاماً أثناء إقامته في الخارج " بما انه مسموح لنا بممارسة شعائرنا دون الاعتراف بنا فإننا وأيضا لأسباب أمنية نتحرك كمنظمة سرية. وبمجرد أن يزيد عدد أتباع كنيسة عن العشرين تنقسم إلى قسمين".(41/87)
وعبد الحليم الذي عاد إلى البلاد منذ سبع سنوات يشعر بالدهشة لتزايد حالات التحول. ويقول "في بداية التسعينات كان عددنا 400 ومنذ 4 سنوات كان العدد نحو 700 والآن تجاوز عددنا الألف". وينتمي معظم هؤلاء إلى الطبقة المتوسطة وهم من العاملين في القطاع الخاص أو من المهندسين لكن بينهم أيضا فنانون وربات بيوت وطلبة وشبان عاطلون عن العمل. وانتشرت المسيحية قديماً في المغرب في القرن الثالث الميلادي قبل أن يدخلها الإسلام في القرن السابع ليصبح حاليا دين الدولة. وبدأت البروتستانتية تنتشر في مطلع التسعينات مع وصول مبشرين أجانب إلى المغرب. واليوم توجد سبع كنائس حرة في مراكش وست في الدار البيضاء وخمس في الرباط وواحدة في العيون, كبرى مدن الصحراء الغربية.
ويوضح يوسف (30 سنة) أن "التلفزيون والانترنت وسيلتان فاعلتان جداً، وفي كنيستي اعتنق رجل عسكري المسيحية بفضل شبكة الحياة". وأضاف رجل الأعمال هذا الذي اعتنق المسيحية منذ 19 عاما واتبعته أسرته كلها "الكثير منا ينظر إلى الإسلام على أنه قيد اجتماعي وليس عقيدة حقيقية والى المسيحية على أنها دين تسامح ومحبة".
وقال إن 60% منهم تحولوا إلى المسيحية نتيجة اتصالات شخصية و30% من خلال التلفزيون والانترنت و10% عن طريق المبشرين. والقنوات المسيحية الثلاث الملتقط بثها في المغرب والتي تبث شهادات باللهجة المحلية وموسيقى دينية ومواعظ هي: الحياة، والمعجزة، وسات7.
إلا أن عدم لفت الأنظار هو السائد لتفادي ردود فعل معادية. فالقداديس تقام في شقق أحياء برجوازية. ويوضح عبد الحليم "علينا أن نتحلى بالحكمة لان جمهور الشعب لا يتصور إمكانية أن نكون عرباً دون أن نكون مسلمين. والخطر الأكبر بالنسبة لنا هو الجهل".
كذلك فان هؤلاء مهددون بالمادة (220) من قانون العقوبات التي تعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات كل من يستخدم وسائل إغراء لزعزعة إيمان مسلم أو تحويله إلى دين أخر.(41/88)
وأكد يوسف "استدعيت عشرات المرات إلى قسم الشرطة" معترفاً مع ذلك بان المملكة "أكثر ليبرالية من الدول العربية الأخرى" وأضاف "أعتقد أن الملك يريد حقا الديموقراطية".
من جانبه أبدى رضوان بن شكرون رئيس مجلس علماء الدار البيضاء معارضته الشديدة لهؤلاء المسيحيين الجدد ويوضح أن "الارتداد عن الدين أكبر خطيئة يمكن أن يرتكبها مسلم". أما بالنسبة للإسلاميين فإنهم يعتبرون ذلك مرفوضاً تماماً ويقول لحسين داوودي نائب حزب العدالة والتنمية الإسلامي أن "الشعب لا يقبل ذلك (التحول عن الدين) وهناك رفض" له.
وشدد على أنه "طالما بقى ذلك على المستوى الفردي فلا بأس. المشكلة هي الجانب الاجتماعي. فإذا حدث تبشير أو إذا جاء أطفال أو معلمون إلى المدرسة مرتدين الصيلب لكان ذلك غير مسموح".
مجلة ألمانية تبشر بـ"ثورة" جنسية بالعالم العربي رغم المحرّمات
العربية نت 25/10/2006
رسمت أسبوعية "دير شبيغل" الألمانية صورة "فاضحة" لمحاولات قالت إن جيلا من الشباب في البلدان العربية يقوم بها لتخطي المحرمات في العلاقات الجنسية، مدللة على ذلك بمشاهد عديدة وحوادث نقلتها من مدن عربية مختلفة.
ورأت المجلة أن ثمة "ثورة جنسية ناشئة في العالم العربي يقودها جيل من الذكور والإناث الرافضين لمجموعة من الضوابط الأخلاقية الإسلامية، وقرروا الانطلاق في الحياة وممارسة المحرم بشكل سري بعيدا عن العيون والرقابة".
بدأت المجلة تقريرها بحكاية بائع مغربي متجول يدعى "أمل". تقول المجلة إن هذا الشخص يعثر صبيحة كل يوم على "واقيات ذكرية" مستخدمة ومتناثرة على شاطئ مدينة الرباط المطلة على سواحل الأطلسي، وتحديداً أمام جدار طويل لإحدى القلاع الجاثمة هناك.(41/89)
وبحسب المجلة تحول هذا الشاطئ إلى مكب "للواقيات الذكرية" المستخدمة بعد صحبة ليل طويل جمعت بعض العشاق المتوارين عن أعين الناس خلف هذا الجدار. ولم تقتصر شطآن وشوارع الحب والجنس في العالم العربي على الرباط فحسب، بل يطل شارع آخر يدعى "شارع الحب" على النيل في مصر، وهناك تحدث مغامرات جنسية من نوع آخر.
"تعايش" الحشمة والجنس:
يقول البائع المغربي المتجول "أمل"، بعد رؤيته لمشهد "الواقيات الذكرية" المتناثرة على الشاطئ : أتمنى أن يذهب هؤلاء الفاسقون للنار.
وجدت دراسة نشرت حديثاً في المغرب أن 56 % من الذكور في المغرب العربي يتجاهلون القواعد الدينية ويشاهدون الأفلام الإباحية بشكل دائم، كما تقول "دير شبيغل". وتضيف متحدثة عن رواية مغربية اسمها "اللوز" لكاتبة تدعى "نجمة"، وهو اسم مستعار كونها لا تجرأ على الإفصاح عن اسمها خوفاً من نعتها بـ"الفاجرة" أو اتهامها بإهانة الإسلام: تجسد هذه الرواية حالة الانقسام الحاصلة في المجتمع المغربي إزاء قضايا الجنس، ورغم تقدم المجتمع وقوانين الزواج لا زال الرجل يعامل المرأة معاملة قاسية، إنه "مجتمع يمكن أن تتعايش فيه الحشمة مع الجنس" كما تخلص الروائية في عملها الأدبي.
ثم تنتقل المجلة إلى القاهرة، مشيرة إلى نهاية شارع الزمالك المطل على النيل حيث يبدأ شارع آخر يسمى "شارع الحب" الذي يلتقي فيه العشاق. تقول: يمكن لسكان الأبنية المطلة على النيل وأثناء خروجهم إلى الشرفات رؤية مشاهد غربية هناك من ممارسات جنسية غير محدودة. وبعد ذلك تتحدث المجلة عن انتشار حانات الشرب والرقص في العاصمة بيروت، وإقامة العلاقات الجنسية التي صارت غير محدودة هناك، حتى انتشر الشذوذ أيضا، في بلد اشتهر بالليبرالية الموجودة فيه.
ثورة جنسية:(41/90)
تقول دير شبيغل: توجد أماكن سرية في العالم العربي يرتادها عشاق هاربون من قوانين بلادهم المتشددة في مجالات العفة وممارسة الجنس، إلا أن هذا القمع لم ينجح، فصارت ممارسة الجنس تزداد ولكن بشكل سري. تسعى الرقابة الدينية لإيقاف هذه الأمور التي يرون فيها تهديداً للأخلاق في بلدانهم ولكن لا يمكنهم فعل شيء أمام انتشار محطات التلفزيون والانترنت ورسائل الجوال.
وتسأل المجلة: هل ينذر تجاوز هذا التابو (المحرمات) والمبادئ الأخلاقية بحدوث ثورة جنسية في العالم العربي؟ أو هل من شأن هذه الإجراءات التي يفرضها المحافظون على الأخلاق والمعارضون لهذه الممارسات خلق مواجهة مع قيم الغرب؟ حتى الآن كل شيء ممكن، حتى أنه يمكن أن ينتهي المطاف برجل في زنزانة بعد العثور على واق ذكري في جيبه.
وتشير إلى صحافي مصري اسمه علي الجندي، 30 عاماً، والذي ألقي القبض عليه ذات يوم ليلا مع فتاة جميلة كانت برفقته في السيارة، وذلك لأنه لا يحمل رخصة قيادة، وعثروا على واق غير مستخدم في جيب قميصه.
يقول الجندي للمجلة: كونت الشرطة صورة في عقلها أن الفتاة التي معي هي مومس، فانتهى بنا المطاف إلى السجن رغم إخبارهم أننا نخطط للزواج بعد أشهر، حتى اتصلت صديقتي بوالدها وأخبرته فتم إطلاق سراحنا. يضيف: هذا الشرطي محبط جنسياً ولولا ذلك لما أقدم على إثارة الموضوع بهذا الشكل.
ولا يفوت المجلة الألمانية الحديث عن تحول شبكة الانترنت إلى ملجأ للرغبات المكبوتة في العالم العربي، مشيرة دراسة حديثة كشفت أن الباحثين عن كلمة جنس في محرك البحث غوغل هم من الباكستان في المرتبة الأولى ثم مصر ثم إيران فالمغرب.
القطب الشيعي المصري المهندس شريف راشد الصدفي :
لا يوجد صحابة مبشرون بالجنة
الأهرام العربي 4 / 11 / 2006
(لاحظ الاستخفاف بالحقائق وانتبه للعقلية التي يعيش بها هؤلاء المتشيعون. الراصد).(41/91)
…الرسول وحده هو المعصوم من الخطأ دون سواه من البشر حتى لو كانوا الصحابة أنفسهم , وبالتالي فليس هناك جريمة في تناولهم بالنقد .. كما أن أهل السنة يروجون أحاديث ليست للرسول منها العشرة المبشرين بالجنة وغيرها .. هذا ما يراه القطب الشيعي المصري المهندس شريف راشد تعبيراً علي رأي الشيعة في أمور عديدة .. يوضحها هذا الحوار .
* سألناه في البداية عن رؤيته ورأيه لما نشر من تطاول علي الصحابة فقال :
أنا لم أطلع علي ما كتبته جريدة الغد ولكنني تابعت البلاغ المقدم من مجمع البحوث الإسلامية للتحقيق ضد الجريدة فيما نسب إليها من إساءة للصحابة , لكن هذه واحدة من التدبيرات السياسية ربما تكون لها أياد داخلية أو خارجية كرد فعل للعاطفة المكتسحة تجاه حزب الله ولزعيمه حسن نصر الله نتيجة للأداء البطولي لهم أمام إسرائيل وإيران كبلد شيعي لها الشرف أن تدعم حزب الله ومن المؤكد أن المخططين الأمريكان والصهاينة ومن شايعهم من العرب يريدون تماما إقصاء وقطع يد إيران عن المنطقة علانية أن تهزم إسرائيل حزب الله وأن تريحهم بإقصائه تماما من الحياة .
* وهل القوي الشيعية في العالم لا تعترف بالحدود القومية بين الدول العربية لأنها تري أنها قوي …فاعلة أم لأنها تري أنها أقليات؟
الشيعة أكثرية في العراق فقط وإيران كذلك، وربما في لبنان أما في الدول العربية إن لم يكن هناك تشيع حقيقي إنما هناك تعاطف من الشعوب لهم نتيجة لأدائهم وسلوكهم , فالشيعة لا يقيمون وزناً للحدود لأنها حدود وتقسيمات استعمارية قديمة فهم الوحيدون الذين يطبقون المفهوم الإسلامي بحق في البلاد العربية , انظر إلي العراق تجد أربعة من آيات الله العظمي الكبار وثلاثة منهم غير عرب .
* لك رسالة ماجستير قديمة عن الموروث الشيعي في مصر , هل هذا الموروث أدي إلي ازدياد عددهم …أم أكثر من حب المصريين وتعاطفهم معهم؟(41/92)
الحس الشعبي الفطري يتجاوب مع الحق بشكل عام , فهناك أربعة مذاهب دينية وليكن هناك مذهب خامس هو المذهب الجعفري، وقديماً اعترف شيخ الأزهر السابق الشيخ شلتوت بالمذهب الشيعي الاثني عشري علي أنه مذهب خامس , والشيء العجيب أن مصر وسوريا علي مدي التاريخ خضعوا تقريبا في معظم المراحل التاريخية لحكم واحد , فهناك تقارب شديد ما بين مصر والشام ومع ذلك تجد أن مصر تختلف عن الشام في مسألة القرب والحب لأهل البيت , هناك عادات متأصلة في مصر كصيام عاشوراء والعادات والتقاليد التي ترجع للجذور الفاطمية الشيعية , فمصر قادرة علي هضم واستيعاب الكثير من الثقافات حتى عندما جاء صلاح الدين الأيوبي وأغلق الأزهر مائة عام وطارد ولاحق الشيعة وأشياعهم إلي آخر حدود مصر ومع ذلك لم يتأثر المسلمون وظلوا علي حبهم وتعاطفهم مع آل البيت وظل الموروث الشيعي في مصر باقيا حتى هذه اللحظة . ولو حللت المفهوم الشيعي لوجدته بحق لب الإسلام فماذا في الفكر الشيعي هل يشكل خطورة علي حقيقة الإسلام؟
* هذه الخطورة هو ما يقال عنهم من وجود مصحف خاص لهم هو مصحف فاطمة وأنهم يحذفون …سورا وآيات من القرآن الكريم وأن فرقهم متعددة ومتناحرة , فماذا تقول في ذلك؟(41/93)
كل هذه الأقاويل باطلة , مصحف فاطمة ليس له علاقة بالمصحف المعتمد لدى السنة ولا يوجد أدني علاقة بينه وبين القرآن الكريم , فهذا مسمي أطلقه العرب علي مجموعة أوراق يسميها سيبويه نفسه مصحفا ً, فلفظ مصحف يطلق علي الكتب بصرف النظر عن مضمون هذه الكتب أما ما يقال عن مصحف فاطمة فهي مجموعة من الأحداث التي شهدتها السيدة فاطمة رضي الله عنها وما وصل إليها من أبيها محمد عليه الصلاة والسلام , وعن طريق زوجها علي بن أبي طالب جمعت هذه الأحداث والتنبؤات في كتاب أسمته مصحف فاطمة وهو تسمية فقط , لكن القرآن الكريم لدى الشيعة هو ذاته القرآن الكريم لدي كل البشر , ولا توجد آيات محذوفة لدي الشيعة لأن الله تكفل بحفظه بينما هناك خلافات مدرجة في كتب السنة المتناولة لتاريخ المصحف فهناك حكاية عن عبد الله بن مسعود وأنه حذف سورتين كاملتين من المصحف هما المعوذتان .
فهناك اختلاف تاريخي ما بين السنة والشيعة ولكن ليس بتشويه صورة الشيعة كما فعل بني أمية وتشويههم لعلي بن أبي طالب سباً وعلنا علي منابر المساجد وهذه السنة التي ابتدعها معاوية وظلت كذلك في عهد بني أمية إلي أن أبطلها عمر بن عبد العزيز خامس الخلفاء الراشدين وكذلك ما فعله المغيرة بن شعبة وسبه لعلي والحسن والحسين علي منابر مساجد الكوفة تنفيذاً لأمر معاوية بن أبي سفيان .
* وماذا عما يقال إن جبريل عليه السلام أخطأ بالرسالة وأعطاها لسيدنا محمد بدلا من علي بن أبي …طالب؟(41/94)
هذا ما يقوله العامة من الشيعة وهذا غير صحيح , أما الثابت فهو أن علياً أحق بالخلافة ممن ولي الخلافة بعد رسول الله , وهناك أدلة علي ذلك في حديث شهير لدي السنة والشيعة معاً هو حديث "غدير خم "، وهو موقع استراح به رسول الله صلي الله عليه وسلم عند عودته من حجة الوداع وأناخوا به واستراحوا ودعي الداعي لصلاة جامعة وقال الرسول لجماعة المسلمين العائدين معه إلي المدينة : أليس الله أولي بالمؤمنين من أنفسهم , قالوا : بلي يا رسول الله وأخذ الرسول بيد علي بن أبي طالب ورفعها وقال : من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم والي من والاه وعادي من عاداه حتى أن عمر بن الخطاب قال : بخ بخ يا ابن أبي طالب قد أصبحت مولي كل المؤمنين . بالإضافة إلي أحاديث صحيحة أخري عن مؤازرة علي بن أبي طالب نفسه للرسول دونا عن باقي الموجودين في تجمعات معينة وأماكن بعينها , وحتى إذا بحثت عن حاكم واحد بعد رسول الله وبعد انتهاء الخلافة الإسلامية علي يد أتاتورك في تركيا عام 1924 طوال هذه الفترة لم تجد حاكما منتخبا ديمقراطيا إلا علي بن أبي طالب .
* وماذا عن انقسام الشيعة إلي فرق ومذاهب؟
هذا الاختلاف ناتج عن وجهات نظر وهو موجود في جميع الأديان فالاختلاف طبيعة بشرية وربما الفئات الأكثر انتشاراً الآن الاثني عشرية والزيدية، لكن الاختلاف التاريخي والثابت بينهما أن الزيدية لا تخطيء تولية الخلفاء الثلاثة الراشدين قبل علي بن أبي طالب والاثني عشرية لها وجهة نظر أخري بأن علياً أحق بالخلافة .
* وهل لهذه الأسباب يجوز سب الصحابة في كل مناسبة وبدون مناسبة؟
هناك فرق بين السب والنقد , فالنقد مباح والسنة لا تقبل النقد في الصحابة , هذا غريب فالنقد معناه أنك تحلل تاريخياً ومن منظور ديني وبمعيار لتحكم به علي الأشياء , فيحق لكل مسلم نقد كل من جاء بعد رسول الله والوحيد المعصوم هو رسول الله , فهذا حق مفترض أن يكون مكفولا لكل مسلم .(41/95)
* رغم أن هناك مبشرين بالجنة من الصحابة؟
حديث التبشير بالجنة حديث غير صحيح ! وحتى بافتراض صحته في موقعة بدر وأن الرسول صلي الله عليه وسلم اطلع عليهم وقال : افعلوا ما شئتم فقد غفر لكم ومع ذلك كان من البدريين من شرب الخمر بعد بدر , فهل معني ذلك أنه مغفور له وشرب الخمر؟ وهل معني ذلك ألا يقام عليه الحد . فهي مسألة متعلقة بالله الذي هو وحده يحاسبهم في الآخرة , ولذلك فأنا علي كمسلم أن أفكر وأفهم فيما فعله خالد وما فعلته السيدة عائشة وبقية الصحابة لأفكر وأفهم على الأقل لأعرف أسباب انهيار هذه الدولة الإسلامية العظمي في ذلك الوقت الذي بدأت فيه موقعة الجمل التي قتل فيها الألوف مع عائشة وطلحة والزبير , فالسنة منطقها عدم فتح هذا الملف نهائيا وعدم مناقشته والخوض فيه بينما هو أصل تاريخي لا يجب إنكاره .
* وما مستقبل الشيعة في مصر؟
هذه مسألة متعلقة بالسلوكيات وبنظام الدولة السياسي , فلن تستطيع أن تنشر مذهبا بالقهر مهما حاولت الأنظمة بكل قواها الأمنية والقمعية وأعتقد أنه بمرور الأيام ومع وجود نظام ديمقراطي حقيقي تتاح الحريات فيه للناس فالحق لابد أن يسود , فمستقبل الشيعة في مصر مرتبط ارتباطا مباشرا بطبيعة النظام السياسي الذي سيسود في هذا البلد .
ناشطات مسلمات يرفضن "استفراد" الرجال بتأويل القرآن
العربية نت 1/11/2006
تجتمع عدد من الناشطات المسلمات في مجال الدفاع عن حقوق المرأة في العالم الإسلامي في مؤتمر بمدينة برشلونة في شمال شرق أسبانيا هذا الأسبوع لمواجهة ما يعتبرنه تأويلا "ذكوريا" للشريعة الإسلامية أدى إلى الانتقاص من حقوقهن وإلى شيوع العنف ضد الزوجات.
ويأتي هذا المؤتمر الذي يعقد من 3 إلى 5 نوفمبر/تشرين الثاني في برشلونة (شمال شرق اسبانيا)، استمرارا للقاء سبقه في برشلونة أيضا في 2005 واختتم بالدعوة إلى "جهاد من أجل مساواة الجنسين".(41/96)
وأوضح عبد النور برادو وهو أحد منظمي المؤتمر أن المؤتمر يهدف إلى "مواصلة العمل من خلال حركة ناشطات مسلمات تزيد تناميا".
وتقول ناشطات حقوق المرأة في العالم الإسلامي إن الحركة "النسوية الإسلامية" ماضية نحو التوسع في الدول الإسلامية وان كانت لا تحظى بانتشار كبير حيث ما زالت رائداتها يلاقين اعتراضات في كثير من الدول الإسلامية من قبل ناشطات إسلاميات أخريات.
وترى الناشطات في هذا المجال وهن من نساء المدن اللواتي أعدن قراءة القرآن وفق نظرة خاصة، انه لا يجب أن يبرر الإسلام الممارسات الثقافية التي تنتقص من النساء لا سيما التي يمليها رجال يستفردون بتأويل النصوص المقدسة. ويأملن أيضا في مكافحة التمييز بين الرجل والمرأة في القانون الإسلامي الخاص بالعائلة.
وأضاف برادو "أدركنا أن عدة منظمات نسائية إسلامية تأسست خلال السنوات الأخيرة وترغب في مكافحة التمييز والدفاع عن النساء في إطار الإسلام كما هو الحال في ماليزيا ونيجيريا وباكستان"، وقال يجب أن يساهم هذا المؤتمر "في تعزيز التيار النسائي الإسلامي كحركة تتجاوز الدول من خلال إقامة شبكة منظمات تنشط ميدانيا في مجال حقوق المرأة في الإسلام".
وستساهم النقاشات في تحليل "مواضيع أساسية تخص وضع المرأة في العالم الإسلامي مثل تعدد الزوجات والحقوق الجنسية ودور النساء كمفكرات ومثقفات".(41/97)
ويشارك في اجتماع برشلونة خبيرات من 18 بلداً مثل الباكستانية شاهين سردار علي المتخصصة في مشاكل العقوبات الجسدية والمستشارة لدى منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، كما تشارك الإيرانية نايرية توحيدي التي نشطت في الحركات النسائية والتيار الإسلامي في إيران وفالنتين مقدم مديرة قسم المساواة ومكافحة التمييز في منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونسكو). وتنظم المؤتمر جمعية إسلامية إسبانية اسمها "لا خونتا إسلاميكا كاتالانا" (الهيئة الإسلامية الكاتالونية) المرتبطة "بلا خونتا اسلاميكا دي اسبانيا". ويرتقب مشاركة 400 امرأة من بريطانيا وفرنسا وألمانيا وهولندا وايطاليا واليونان والنرويج وكذلك من باكستان والمغرب وتونس والجزائر والولايات المتحدة. ويشارك كذلك في مؤتمر برشلونة أساتذة جامعيات وممثلات عن مؤسسات ومنظمات غير حكومية وجمعيات نسائية اسبانية.
وأوضحت الإيرانية نايره توحيدي "أتيت لأرى كيف تعمل الناشطات النسائيات في مختلف المجالات وما هي إستراتيجيتهن لتطوير القوانين المواتية للرجال والتي تفرض عليهن التمييز في كل بلد وكيف تلعب دورا لاحتواء التيار الإسلامي المتطرف". لكنها تعتبر، شأنها شأن مسلمات أخريات أن المعركة قد تكون طويلة المدى. وقالت إن "النساء في إيران على غرار عدة دول إسلامية أخرى يواجهن تحديات ومشاكل من أكبرها اليوم الصعوبات الاقتصادية والبطالة التي تطال عددا متزايدا من الحاصلات على الشهادات".
وتخشى نايرة توحيدي من أن "تحاول الحكومة الإيرانية الإسلامية الحالية فرض المزيد من القيود السياسية والاجتماعية (...) وتأمل ألا يكون خطابها العسكري والمناهض للغرب متزامنا مع دعوات لوضع المرأة في دور تقليدي أكثر مما هي عليه" الآن.
نص تقرير هيئة المفوضين بالمحكمة الإدارية العليا في قضية البهائيين:
البهائية ليست ديانة سماوية .. بل ملة مرتدة خارجة على الإسلام(41/98)
روز اليوسف ـ 14/10/2006
أودعت هيئة المفوضين بالمحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة تقريرها القانوني في قضية البهائيين في مصر والتي أثارت جدلا واسعا منذ أبريل الماضي بعد حكم محكمة القضاء الإداري برئاسة المستشار فاروق عبد القادر بإلزام كل من وزير الداخلية ورئيس مصلحة الأحوال المدنية ورئيس مصلحة الجوازات والهجرة بكتابة ديانة البهائية في خانة الديانة في شهادات الميلاد والبطاقة الشخصية للبهائيين في مصر.
فطعن الوزير ورئيسا المصلحتين على هذا الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا مطالبين بإصدار حكم نهائي بإلغاء هذا الحكم وأحالت المحكمة الطعن لهيئة المفوضين لإصدار تقرير قانوني في القضية.
الهيئة انتهت من تقريرها يوم الخميس الماضي وكتبته في 24 صفحة وطالبت في نهايته بإصدار حكم نهائي بقبول الطعن على حكم محكمة القضاء الإداري وإلغاء الحكم الصادر لصالح البهائيين في مصر.
التقرير الذي كتبه المستشار عبد القادر قنديل نائب رئيس مجلس الدولة استعرض فيه كل النصوص القانونية والدستورية المصرية عن العقيدة وحريتها والتي اعتمد عليها البهائيون في دعواهم التي حصلوا من خلالها على حكم محكمة القضاء الإداري.
التقرير دعا في النهاية حكومة مصر وشعبها وسلطتها التشريعية للعمل من أجل الحفاظ على كيان هذا المجتمع ووحدته ومواجهة أي أفكار قد تؤدي إلى زعزعة واستقرار هذا البلد الآمن وأن تتبع بطريقة أو بأخرى وسيلة معينة لمعرفة هذا الطائفة من المجتمع بحيث يميزون عن غيرهم ويكونون معروفين لجميع من يتعاملون معهم للحذر من هذه الطائفة ومن أفكارهم ومعتقداتهم بحيث لا تخرج هذه الطريقة عن مظلة الدستور وأحكامه.(41/99)
والمعروف أن قضية البهائيين في مصر بدأت بإقامة كل من (حسام عزت) و (رانيا عنايت) دعوى قضائية أمام محكمة القضاء الإداري في العاشر من أبريل العام قبل الماضي تحت رقم 24044 لسنة 58ق طالبا فيها بإصدار حكم قضائي بأحقية كتابة ديانة البهائية في شهادة ميلاد بناتهما الثلاثة باكينام وفرح وهنا وحسام عزت وأيضا أحقيتهما في كتابة خانة الديانة (بهائي) في بطاقتيهما الشخصية.
هيئة قضايا الدولة طلبت من المحكمة إصدار حكم برفض الدعوى إلا أن محكمة القضاء الإداري في الرابع من أبريل الماضي أكدت بأحقية البهائيين في كتابة ديانتهم في بطاقتهم الشخصية وأسندت أسباب حكمها أن المستقر عليه قضاء أن دار الإسلام قد وسعت غير المسلمين على اختلاف ما يدينون ويحيون فيها كسائر الناس بغير أن يكره أحد منهم على أن يغير شيئا مما يؤمن به.
كما أوجب ـ كما قال الحكم ـ قانون الأحول المدنية رقم 143 لسنة 1994 استخراج بطاقة شخصية لكل مصري يبين فيها اسمه ودينه وإن كان مما لا يعترف بإظهار مناسكه كالبهائية ونحوها بل يجب بيانه حتى تعرف حال صاحبه ولا يقع له من المراكز القانونية ما لا تتجه له تلك العقيدة بين جماعة المسلمين ولا يكون للسجل المدني أن يمتنع عن إعطاء بطاقة شخصية أو شهادة ميلاد لمن يدين بالبهائية لا أن يغفل ذكر هذا الدين في بطاقة من يعتنقه.. وانتهت المحكمة إلى أن الامتناع عن إعطاء البهائيين شهادات ميلاد وبطاقة شخصية مخالف للقانون.
إلا أن في 6 مايو الماضي تقدم المستشار رفيق شريف نائب رئيس هيئة قضايا الدولة نيابة عن وزير الداخلية ورئيس مصلحة الأحوال المدنية ومصلحة الجوازات بطعن أمام المحكمة الإدارية العليا تحت رقم 18971 لسنة 52ق عليا مطالبا بإلغاء حكم محكمة القضاء الإداري. وأصدرت هيئة المفوضين بالمحكمة الإدارية العليا تقريرها الجديد بالإلغاء
حيثيات الرفض كما جاء في التقرير تقول:(41/100)
إن الدستور نص في المادة 40 على أن المواطنين لدى القانون سواء ونصت المادة 46 من الدستور على أن تكفل الدولة حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية، وكان التعديل المقترح على المادة الثانية من الدستور يكفل حرية العقيدة لغير المسلمين من أهل الكتاب إعمالا لمبدأ (لا أكراه في الدين) كما يكفل المساواة بين المسلمين وغير المسلمين في الحقوق والواجبات العامة إعمالا لمبدأ (لهم ما لنا وعليهم ما علينا). وكان من المسلم به أن يتعين تفسير أي نص في الدستور بما يتفق مع باقي نصوصه وليس بمعزل عن أي منها وكان من المسلمات أيضاً أن مبادئ الشريعة الإسلامية تقرر أن غير المسلمين من أهل الكتاب إنما يخضعون في أحوالهم الشخصية لشرائع ملتهم.
وبالتالي فإن أي انحراف في تفسير أي نص من الدستور بما يخل بمبدأ المساواة أو حرية العقيدة أو حرية ممارسة الشعائر الدينية لأهل الكتاب من المصريين يمثل مخالفة دستورية صريحة بل يتعارض مع القول بمثل هذا التفسير مع واجب الحفاظ على الوحدة الوطنية التي يلتزم بها كل مصري طبقا لصريح نص المادة 60 من الدستور ويناقض مع مراعاة ما أقره الشعب ضمن مبادئ الاستفتاء الذي تم في 19 مايو عام 1979 بشأن معاهدة السلام وإعادة بناء الدولة.
وأضاف تقرير المفوضين: من المفاهيم القانونية اجتمعت الآراء الفقهية والفتاوى الصادرة من جهات الاختصاص أكدت على أن حرية العقيدة تعني أن للفرد اعتناق ما يشاء من أصول العقائد شريطة ألا ينطوي اعتناق هذه العقيدة على المساس بالنظام العام للدولة واستقرارها وأن البهائية تخرج عن الأديان السماوية ومباشرتها تتضمن المساس بالنظم المستقرة في الدولة فلا يجوز قيد الأبناء على هذه الديانة لمخالفة ذلك للنظام العام.
كما استقر رأي الفقهاء على أنه لا يجوز قانونا طبقا لأحكام قانون الأحوال المدنية ولائحته التنفيذية كتابة - في بيان الديانة - دين غير الديانات الثلاث المعترف بها.(41/101)
وقال التقرير إن هذا يعني أن جميع الدساتير المصرية التزم فيها بمبدأ حرية العقيدة، وإقامة الشعائر الدينية مقيدة بقيد أفصحت عنه الدساتير السابقة وأغفله الدستور الحالي وهو عدم الإخلال بالنظام العام وعدم منافاة الآداب، ولكن الأديان التي تحمي هذا النص حرية القيام بشعائرها قد كشفت عنه الأعمال التحضيرية لدستور 1923 عن المادتين 13.12 وهما الأصل الدستوري لجميع النصوص التي رددتهما الدساتير المصرية المتعاقبة عليه.
وأكد التقرير أن العقيدة البهائية أجمع أئمة المسلمين أنها ليست من الأديان المعترف بها ومن يدين بها من المسلمين يعتبر مرتدا.
وهذه العقيدة ـ البهائية ـ بدأت في إيران عام 1844 بدعوى من مؤسسها (ميرزا محمد علي) الملقب بالباب معلنا أنه يستهدف بدعوته إصلاح ما فسد وتقويم ما أعوج من أمور الإسلام والمسلمين.
وظل موقف البهائية من الشريعة الإسلامية غامضا حتى عام 1848 حتى عقد مؤتمر (دشت) بإيران أعلن فيه خروج البهائية وانفصالها التام عن الإسلام وشريعته ولقد تضمنت كتبهم ومنها كتاب (البيان) الذي وضعه ميرزا محمد علي و"الكتاب الأقدس" الذي وضعه ميرزا حسن علي الملقب (بالبهاء) أو (بهاء الله) على نسف القرآن الكريم مبادئ وأصولا تناقض الدين الإسلامي كما تناقض سائر الأديان السماوية وتهدر أحكام الإسلام في الصوم والصلاة ونظام الأسرة.(41/102)
ولم يقف مؤسسو هذه العقيدة ـ كما قال تقرير المفوضين ـ عند حد ادعاء النبوة والرسالة معلنين أنهم رسل يوحى إليهم من العلي القدير منكرين بذلك أن محمدا عليه الصلاة والسلام خاتم الأنبياء والمرسلين كما جاء في القرآن الكريم، بل يجاوزوا ذلك فادعوا الإلوهية ثم خرجوا من مجال العقيدة الدينية إلى مجال السياسة المعادية للأمة العربية فضلا عن الإسلام والمسلمين فبشروا في كتبهم بالدعوى الصهيونية معلنين أن بني إسرائيل سيجتمعون في الأرض المقدسة حيث تكون أمة اليهود التي تفرقت في الشرق والغرب والشمال والجنوب مجتمعة.
كما أكد تقرير المفوضين أن البهائية في طورها الأخير أو في بدايتها الأولى ارتداد وخروج عن الإسلام وقد اسقط رؤساؤها فرائض الصلاة والصيام والحج والجهاد والحدود والقصاص وسائر ما جاء في الكتاب والسنة من تعاليم ولا يؤمن البهائيون باليوم الآخر ولا بالجنة ولا بالنار على النحو الذي نؤمن به فقد كفر (الباب) بالقيامة كما فصل أمورها ووصفها القرآن وأخذ بتفسير الباطنية لها أو بجحود الباطنية بها،
قال عن القيامة: إنها قيام الروح الإلهية في مظهر بشرى جديد وعن البعث أنه: هو الإيمان بألوهية هذا المظهر وعن لقاء الله يوم القيامة: أنه لقاء (الباب) لأنه هو الله، وعن الجنة أنها الفرح الروحي الذي يشعر به من يؤمن بالمظهر الإلهي. وقد جعلوا الشهر تسعة عشر يوما والسنة تسعة عشر شهرا واعتنق البهائيون دعوات أنصار السلام وأخذوا يرددونها على أنها وحي نازل من السماء وقد بذل الاستعمار جهدا ضخما في مساندة القوم كي تعلو وتتسع دائرتهم وبناء على ذلك ـ كما قال تقرير المفوضين فالبهائية ليست من الأديان المعترف بها ومن يدين بها من المسلمين يعتبر مرتدا وخارجاً على الإسلام ولا يجوز القياس بينها وبين الأديان الأخرى التي اعتبر الإسلام معتنقيها من أهل الذمة يتركون على ما هم عليه ويكون زواجهم صحيحا في نظر الإسلام.(41/103)
وقال التقرير إن المشرع المصري تنبه لخطر البهائية على المجتمع المصري فأصدر القانون رقم 263 لسنة 1960 في شأن حل المحافل البهائية ونص في مادته الأولى على أن تحل المحافل البهائية ومراكزها الموجودة بأقاليم الجمهورية ويوقف نشاطها ويحظر على الأفراد والمؤسسات القيام بأي نشاط ما كانت تباشره هذه المحافل والمراكز. ومضى في مادته الرابعة على أن (كل مخالفة لأحكام هذا القانون يعاقب مرتكبوها بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تجاوز مائة جنيه أو ألف ليرة أو بإحدى هاتين العقوبتين).
وقد طعن بعض الأفراد بعدم دستورية القانون أمام المحكمة العليا تحت رقم 7 لسنة 2ق فأصدرت المحكمة حكمها في أول مارس عام 1975 برفض الدعوى استناداً إلى أن شعائر البهائية مخالفة للنظام العام والآداب العامة. وأكد تقرير المفوضين في نهايته و ذكر كل هذه التشريعات والتفسيرات والآراء والأحكام على مخالفة البهائية للنظام العام وأي تصرف لاتباعها بوصفهم بهائيين أو ترتيب أي حق على هذه التصرفات يعتبر باطلا لذا فإن زواج البهائي أيا كانت ملته يكون باطلا ولا يجوز توثيقه طالما أن ذلك هو ما تقتضيه موجبات النظام العام كما أنه لا يجوز إثبات البهائية في خانة الديانة في البطاقات الشخصية أو شهادات الميلاد لمخالفة ذلك للنصوص الدستورية وللنظام العام والآداب التي ترسخ عليها وقام بها المجتمع المصري بكل طوائفه. وبالتالي فإن امتناع وزارة الداخلية عن إعطاء حسام عزت ورانيا عنايت بطاقتيهما الشخصية وشهادات ميلاد بناتهما مثبت بها الديانة البهائية يكون مسلكا صحيحا قائما على سند صحيح متفقا وصحيح حكم القانون.(41/104)
وهذا لا يخالف الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في العاشر من ديسمبر عام 1948 ووقعت مصر عليه لأنه لا يعدو أن يكون مجرد توصية غير ملزمة وليست له قيمة المعاهدات الدولية المصدق عليها.وأنهى التقرير بتوصية أهاب فيها حكومة مصر وشعبها وسلطتها التشريعية العمل من أجل الحفاظ على كيان هذا المجتمع ووحدته ومواجهة أي أفكار قد تؤدي إلى زعزعة واستقرار هذا البلد الأمن.(41/105)
مجلة الراصد الإسلامية
العدد الثاني والأربعون – ذي الحجة 1427 هـ
* فاتحة القول…الصفويون الجدد 000000000000000000000000000000000000000
ماذا تعلمنا من درس العراق 000000000000000000000000000000000…3
5
* فرق ومذاهب… - الطريقة الشاذلية00000000000000000000000 000000000000000…8
* سطور من الذاكرة…الشاه إسماعيل الصفوي – جزار ، خمار، زير للنساء 0000000000000000000…15
* دراسات …الصفويون 00 البداية والنهاية 0000000000000000000000000000000
عودة الصفويين 0000000000000000000000000000000000000000…19
26
* كتاب الشهر …حقيقة التشيع الصفوي 00 د. علي شريعتي0000000000000000000000000…45
* قالوا …0000000000000000000000000000000000000000000000000…48
* جولة الصحافة ……
العراق…- شيعة العراق 00 فصائل متناحرة 0000000000000000000000000000 …51
…- مراجع الشيعة 00 يجب أن يتكلموا000000000000000000000000000…55
إيران…- البصرة 00 مدخل إيران على الخليج 00000000000000000000000000…58
…- الصوفية تزداد شعبية في إيران 00000000000000000000000000000…63
…- خطة لتصفية أهل السنة في إيران خلال خمسين عام0000000 0000000000…65
…- إيران واستحقاق مجلس الخبراء 0000000000000000000000000000…67
سوريا…- شيعة سوريا يردون على اتهامهم بالتبشير بين السنة والعلويين 00000000000…69
…- التشيع في درعا 00000000000000000000000000000000000000…78
لبنان…- الحكيم 00 نصر الله عدوان لبعضهما أم صديقان 00000000000000000000 …82
…- دعاء على أبواب المشروع الصفوي 00000000000000000000000000…84
…- سقوط حزب الله الخارجي 000000000000000000000000000000000…85
…- على رسلك أيها الداعية الكبير00 إنه المشروع الصفوي الكبير000000000000…90
…- هرموش: فتحي يكن خرج من الجماعة الإسلامية وحيداً 0000000000000000 …92(42/1)
…- فتحي يكن 00 الجماعة الإسلامية في لبنان انحراف عن مسار الإخوان 0000000 …98
* متفرقات …- الجزائر 00 تراهن على التيجانية 000000000000000000000000000…108
…- تنامي القوى الشيعية المتزايد في أفغانستان 00000000000000000000000…111
…- مدافعات مسلمات عن حقوق المرأة يردن تشكيل مجلس لتفسير القرآن 00000000…115
……
……
ملف الصفويون الجدد
الصفويون نسبة للدولة الصفوية (898- 1148هـ /1492- 1735م) التي أقامها إسماعيل الصفوي (892 - 930 هـ /1487-1524م). وهو من سلالة الشيخ صفي الدين الأردبيلي، صاحب إحدى الطرق الصوفية الباطنية التي تقول بالتناسخ وحلول الذات الإلهية في أشياخها. وتطورت هذه الطريقة على يد أحد أحفاده وهو الشيخ إبراهيم الذي أصبح شيعياً متعصباً، فتحولت لتصبح طريقة صوفية شيعية غالية، وقد قاد الشيخ إبراهيم أتباعه لحرب أهل السنة في داغستنان، وسار على دربه ابنه حيدر ومن بعده ابنه إسماعيل. وإسماعيل هو الذي وطد أركان دولة الصفويين ومد سلطانها لإيران وما حولها حتى وصلت بغداد .
وقد تميزت الدولة الصفوية بثلاث مزايا:
الأولي: فرض التشيع على الناس بالقوة: فقد حولت الدولة الصفوية إيران من بلد سني إلى بلد شيعي، وذلك بالقوة والإكراه والقتل، واستعانت بعلماء الشيعة من جبل عامل بلبنان لهذا الغرض، وما يحدث اليوم من دعم إيراني لشيعة لبنان هو رد للجميل الأسود السابق لهم!!!
وقد وصف الأستاذ محمد بهجة الأثري ما فعله إسماعيل الصفوي وجنوده ببغداد فقال: "والبغداديون ما برحوا يتذكرون هذا المخلوق غير السوي، ويذكرون ببالغ الألم فتحه مدينتهم، وفتكه الفتك الذريع بأسلافهم، وقتله العلماء والوجوه والأعيان، وتدنيسه المساجد والجوامع، ونبشه قبور الأئمة"()، وكأنه يصف حال العراق اليوم!!(42/2)
الثانية: الغلو وإدخال الأساطير والخرافات بشكل ضخم على التشيع: وخير شاهد على ذلك كتابات محمد باقر المجلسي، الذي يمكن أن يعد بلغة العصر وزارة الثقافة للدولة الصفوية، وهذه الشركيات والخرافات أصبحت اليوم عماد دين الشيعة، وهو ما يتضح اليوم من قنواتهم الفضائية ومواقعهم الالكترونية.
الثالثة: التحالف مع النصاري ضد المسلمين الأتراك: فقد صرف جيش الدولة العثمانية عن مواصلة الفتوح في أوربا، لحماية العراق من أطماع الصفويين، واستعان الصفويون بالخبرات الإنجليزية لتنظيم الجيش لمحاربة العثمانيين.
وها قد دارت الأيام ورأينا الصفويين من جديد في العراق، لكنهم في هذه المرة عراقيون وليسوا فرساً!!!! فالتشييع بالقوة والإغراء قائم في العراق، وإلا فماذا يعنى أنك مجبر على تغيير اسمك أو مكان سكنك أو عائلتك لتحافظ على روحك ؟! وما معنى تهجير العائلات والعشائر من مناطقها؟؟؟
ماذا نسمي حملات الإبادة التي تقوم بها قوى الأمن الرسمية وبتعاون الميلشيات الصدرية والبدرية، سوى حملات للدولة الصفوية الجديدة .
أما الغلو في الشركيات والخرافات، فلا تحتاج سوى أن تستمع لخطابات زعماء الميلشيات السياسية والعسكرية، لتجد وصف البشر بصفات الرب جل وعلا، أو استحلال دم أهل السنة، أو المجاهرة بلعن زوجات وأصحاب النبي ?. أما التحالف مع الكفار، فالأعمى يراه اليوم: فمن هم رعايا المحتل في العراق سوى أحزاب الشيعة، ومن أعوان المحتل في العراق سوى ميلشيات الشيعة.
الصفويون يعبثون اليوم بالعراق، لكن خيالهم لا يقف عند حدوده، فهل يدرك ذلك الساسة والمفكرون، فيقومون بإنقاذ أنفسهم ودولهم بمساعدة أهل السنة في العراق ؟؟؟
عناصر الملف:
فاتحة القول : الصفويون الجدد .
دراسات : الصفويون .. البداية والنهاية .
عودة الصفوية .
سطور من الذاكرة : الشاه إسماعيل الصفوي – جزار ، خمار، زير للنساء .
كتاب الشهر : حقيقة التشيع الصفوي .
ماذا تعلمنا من درس العراق؟(42/3)
هذا سؤال موجه للجميع علماء و مفكرين، جماعات ومستقلين، حكومات وشعوب، وأهمية السؤال أننا لم نتعلم من أحداث كثيرة مضت، فحدثت مأساة العراق، وإذا لم نتعلم منها فسنشهد عدداً من المآسي المروعة قريباً، والتي لن يفصل بينها زمن طويل كطبيعة هذا العصر المتسارع!! ولعل ما يجرى في لبنان – لا قدر الله – بداية مأساة جديدة .
ماذا تعلمنا من مأساة العراق في قضية إجرام حزب البعث ورئيسه صدام تجاه الشعب العراقي كله؟ ما هو الصواب في حالة مماثلة، كأن تحارب دولة غربية قيادة عربية أو إسلامية مستبدة مستندة لحزب يحمل أيدلوجيا مناقضة للإسلام؟ هل فعلاً أننا لا نملك خياراً إلا الاصطفاف مع هذا الحاكم الطاغية، أو السير في ركاب المحتل؟
هل ما قام به صدام في محاكمته من التظاهر بالمظاهر الإسلامية (رفع المصحف ، الصلاة ، ...) هو تحول حقيقي أو لعبة سياسية كالعادة؟ خاصة أننا لم نشهد تطبيقاً حقيقياً لهذا التوجه في إعلان تغيير مبادئ حزب البعث الذي لا يزال صدام في محاكمته يفتخر ويعتز برئاسته له، وفي مواقع الحزب على شبكة الإنترنيت، وقيادييه في الخارج الحال على حاله تجاه الإسلام؟؟
وهذا يطرح مسألة توبة المفكر والزعيم الذي ينتمي لفكر معاد للإسلام كيف يجب أن يتوب ؟ حتى لا تكون خدعة كما شهد الناس هذا من قبل في السودان أيام النميري وغيرها. ماذا تعلمنا من عدم التحضير للمستقبل ، فلقد بقي أهل السنة في العراق ساكنين حتى سقطت بغداد، بعكس ( شركاء الوطن ) الشيعة الذين كانوا قد استعدوا وشاركوا في التحضير لهذا السقوط من سنوات، عبر مؤتمر لندن وغيره، أو عبر أفرادهم المرتبطين بالقيادة الأمريكية، كالجلبي وعلاوي وكنعان مكية و موفق الربيعي وغيرهم .(42/4)
وها نحن نشاهد ما يجرى التحضير له في لبنان وسوريا والبحرين وعموم الخليج، فما هو تحضيرنا للمستقبل حكومات وشعوب وحركات وعلماء؟ هل ما تقوم به جماعة الإخوان المسلمين في سوريا من اتصالات وتحالفات مع الغرب وأمريكا وخدام والمعارضين السوريين الشيوعيين والبعثيين صواب أم خطأ؟
ماذا تعلمنا من رفض المشاركة السياسية والحكومية في العراق، وعدم الدخول في الجيش والشرطة، هل هذا الصواب أم عكسه؟ وذلك أن هذا سيناريو قادم – للأسف – في عدة دول، هل نترك الحكومة والسياسة لشركاء الوطن الذين يحلمون بإقصائنا؟
هل ما تعانيه مناطق السنة اليوم في العراق من إهمال متعمد للبنية التحتية من كهرباء واتصالات وماء وغذاء ومستشفيات، في الوقت الذي تشن الحرب عليها من المؤسسات الأمنية الرسمية، بسبب ترك كل ذلك للخصوم هو السياسة الحكيمة التي يجب أن نطبقها في المآسي القادمة ؟؟ أم هناك حلول أخرى تكسر هذه الدائرة المغلقة؟
ماذا تعلمنا من مشاركة بعض أهل السنة في اللعبة السياسية وأقصد جماعة الإخوان المسلمين، هل كانت عن مشورة من بقية أهل السنة؟ هل كانت مصلحة أهل السنة رائدهم أم مصلحة حزب وجماعة الإخوان هو المهم؟ هل مارس الحزب الإسلامي الانفتاح ولو بمقدار يسير على بقية أهل السنة المخالفين لاجتهاده، في الوقت الذي كان يبادل فيه أشد أعداء أهل السنة المجاملات الرسمية؟؟ هل المهم هو مشاركة فصيل أم مجموع أهل السنة؟ وكيف نحسن ظروف و شروط المشاركة؟
ماذا تعلمنا من تفرق مجاميع أهل السنة؟ وعدم ترسخ آلية عملية منصفة لإدارة الخلاف، حتى لا نكرر تضارب الفتاوى والمواقف والتي قد تصل حد القتل أو التهديد به كما حدث في قضية المشاركة بالانتخابات والجيش؟(42/5)
هل ستقدم هذه المجاميع المختلفة المشارب، من الإسلامية بأطيافها أو ذات النزعة القومية والبعثية أو البعثية والقومية الخالصة ، نموذج أرقي من نموذج الصراع على السلطة كما حدث في أفغانستان ؟ أو نموذج سرقة جهود المجاهدين المخلصين كما في تاريخ الجزائر وليبيا ومصر وتونس، لصالح التيارات اليسارية القومية؟؟ ماذا تعلمنا من لعبة الإحصاءات المضللة والتي تبنى عليها حصص المشاركة؟
هل هناك اهتمام بالقيام بإحصاءات عادلة ومنصفة ونشرها؟ وهل هناك خطة للتواصل مع الإعلام بذلك؟ماذا تعلمنا من التغاضي عن أصول مذهب الشيعة في حركتهم السياسية؟ هل حصل اهتمام لدى المعنيين من حكومات وحركات وعلماء وعامة،بدراسة مذهب الشيعة؟ هل استفاق بعض المخلصين الحالمين بوحدة السنة والشيعة،أم أن هذا حلم كاذب مادام الشيعة معتكفين على خرافاتهم التي تغذي حالة العداء للسنة؟
هل يستفيد هؤلاء من هذه التجربة فلا يندفعوا لتصديق كل من يرفع الشعارات البراقة، حتى يختبروا فكره وعقيدته وأيديولوجيته ؟
ماذا تعلمنا من لعبة الإعلام، ففي الوقت الذي لم يجرؤ أكثر أهل السنة عن التعبير عن رأيهم بصراحة ووضوح، كان الشيعة يجاهرون بذلك؟ هل سياسة أفلام قطع الرؤوس كانت لصالح أهل السنة أم جلبت لهم التهمة والإدانة؟ لم يجرؤ كثير من صحافيي ومفكري وساسة أهل السنة على إدانة جرائم الشيعة علناً ،إلا بعد أن تحدث الإعلام الغربي عن ذلك؟؟
لماذا لم يستطع قادة العرب التمسك بتصريحاتهم حول "الهلال الشيعي" و"وولاء الشيعة العرب" أمام الهجوم الإعلامي الشيعي، بينما رئيس حزب الله بعد الحرب الأخيرة سب العرب وقادتهم ولم يتراجع؟؟
كيف يجرؤ مقتدى الصدر على مطالبة الشيخ حارث الضاري بفتوى تحرم قتل الشيعة وتأييد بناء مرقد سامراء، وهو لم يحضر لقاء مكة؟ وأتباعه يعيثون في العراق فساداً ؟(42/6)
ماذا تعلمنا من كل هذا حتى لا تقع مأساة جديدة نكون ضحيتها مرتين، مرة لحقد الشيعة ومرة لغبائنا وجهلنا وعدم تعلمنا الدروس؟؟؟؟
هذه أسئلة نطرحها بين يدي الباحثين والعلماء، وندعوهم للاجتهاد الجماعي فيها، للوصول إلى الحق والصواب بقدر الإمكان، والخروج من إستراتيجية التعلم الذاتي بالتجربة التي تكون أكثر من مرة غالباً.
ونحن نرحب بأي بحث أو دراسة أو رأي في هذه القضايا ،شريطة أن تكون متقيدة بالشرع الحنيف والأدب الإسلامي في الحوار مع المخالف.
الطريقة الشاذلية
نسبتها:
الطريقة الشاذلية هي إحدى الطرق الصوفية المعروفة، وتنتشر بشكل أساسي في مصر وتونس والجزائر، وتنتسب إلى أبي الحسن علي بن عبد الله بن عبد الجبار الشاذلي، المولود سنة 591هـ (وقيل سنة 593هـ) في غمارة، بالقرب من مدينة سبتة المغربية. وانتقل في صغره إلى مدينة تونس، وانتقل من بلدة إلى بلدة، وكان ضريراً، ثم حجّ ثم دخل العراق، وبدأ يفتش عن القطب الصوفي - حسب زعمه - فقال له أحد أولياء الصوفية: "إنك تبحث عن القطب بالعراق، مع أن القطب ببلادك، ارجع إلى بلادك تجده"، فرجع الشاذلي إلى بلاده باحثاً عن "القطب"() وهو محمد عبد السلام بن مشيش().(42/7)
كما أخذ التصوف عن أبي الفتح الواسطي الرفاعي، شيخ الرفاعية في عصره(). ومن غمارة في المغرب، حيث أخذ الشاذلي التصوف عن شيخه ابن مشيش، انتقل إلى شاذلة بالقرب من مدينة تونس، واعتزل الناس في جبل زغوان، وهو ملازم للرياضات الصوفية، وأقام على ذلك مدّة، حتى نسب إلى هذه البلدة(). ثم انتقل أبو الحسن الشاذلي من شاذلة إلى تونس، وأخذ ينشر التصوف هناك، والتفّ حوله جماعة من الأتباع، لكنه لقي إنكاراً شديداً من حاكم تونس، ومن كبار قضاتها()، فترك تونس وتوجّه إلى مصر، فكتب أهل تونس إلى أهل مصر إنه يقدم عليكم مغربي زنديق، وقد أخرجناه من بلدنا فاحذروه، ونزل الإسكندرية()، وأخذ يدعو إلى التصوف إلى أن مات سنة (656هـ)، في صحراء عيذاب شرقي مصر، وهو في طريقه إلى الحج().
أهم عقائدها:
1-…الاعتقاد بوحدة الوجود على النحو الذي يعتقد بها عموم الصوفية،2-… إذ نقل الشاذلية عن شيخهم قوله: "من أطاع الله في كل شيء،3-… بهجرانه لكل شيء،4-… أطاعه الله في كل شيء،5-… بأن يتجلى له في كل شيء"(). وقوله: "قيل لي (أي أوحى الله إلي): يا علي،6-… بي قل،7-… وعليّ دُل،8-… وأنا الكل"(). كما نقل الصوفية عن ابن مشيش،9-… شيخ الشاذلي،10-… قوله: "اللهم زج بي في بحار الأحدية،11-… وانشلني من أوحال التوحيد،12-… وأغرقني في عين بحر الوحدة،13-… حتى لا أرى ولا أسمع ولا أحس إلاّ بها"() .(42/8)
14-…تأويل آيات القرآن تأويلاً باطنياً،15-… يصرف الآيات عن مرادها،16-… على طريقة الفرق الباطنية التي ادّعت أن للإسلام والقرآن ظاهراً وباطناً. يقول ابن عطاء الله السكندري: "لكل آية ظاهر وباطن،17-… وحدّ ومطلع"(). كما نقل ابن عطاء عن بعض شيوخه أنه فسر الآية {يهب لمن يشاء إناثاً} الحسنات،18-… {ويهب لمن يشاء الذكور} العلوم،19-… {أو يزوجهم ذكرانا وإناثاً} علوماً وحسنات،20-… {ويجعل من يشاء عقيماً} لا علم ولا حسنة(). وقد نقل شيخ الأزهر السابق عبد الحليم محمود عن أبي الحسن الشاذلي تفسير قول الله تعالى على لسان موسى عليه السلام: {هي عصاي} معرفتي بك،21-… أعتمد عليها،22-… {أهش بها على غنمي} أولادي في التربية،23-… {ولي فيها مآرب أخرى} من باب لي وقعت مع ربّي لا تسعني فيه أرض ولا سماء().
24-… الغلو في الشاذلي،25-… وشيوخهم الآخرين،26-… حتى أوصلوا بعضهم إلى مرتبة الربوبية،27-… فقد قالوا أن مقام الشاذلي هو عند العرش،28-… وأن الله كلّمه في جبل زغوان،29-… الذي اعتكف فيه. وزعموا أنه ما من كائن أو ولي لله،30-… إلاّ وأطلع الله شيخهم أبا العباس المرسي عليه وعلى اسمه ونسبه وكم حظه من الله(). وكان الشاذلي يقول مفتخراً بتلميذه أبي العباس المرسي: يأتي الأعرابي إليه يبول على ساقيه فيخرج من عنده عارفاً بالله.
ويزعم الصوفية أن المرسي كان يتكلم في سائر العلوم وكل اللغات والألسن، ويقول: شاركنا الفقهاء فيما هم فيه ولم يشاركونا فيما نحن فيه. وكان يقول وهو يمسك بلحيته: لو علم علماء العراق والشام ما تحت هذه الشعرات لأتوها ولو على وجوههم.
بعض كراماتهم المزعومة:(42/9)
زعم أتباع هذه الطريقة لشيخهم الشاذلي وشيوخهم الآخرين كرامات تفوق الخيال، كما هي عادة جميع فرق التصوف: فقد زعموا أن الذين يتبعون هذه الطريقة لا يدخلون النار، مستندين إلى قول الشاذلي: "أعطيت سجلاً مدّ البصر، فيه أصحابي وأصحاب أصحابي إلى يوم القيامة عتقاء من النار"().
ومما نسبوه لشيخهم من الكرامات، أن كبير قضاة تونس ابن البراء كان مخالفاً للشاذلي، وقد شكاه إلى حاكمها، لكن الحاكم لم يمس الشاذلي بسوء، إلاّ أنه منعه من الخروج، وما أن منعه إلاّ وماتت جاريته في ذاك الوقت، ثم احترق البيت دون أن يشعروا، فعلم الحاكم أنه أصيب من قبل هذا الولي المزعوم(). وبعد أن أورد الكرامة السابقة، يبدي الشيخ إحسان إلهي ظهير استغرابه لأن القاضي ابن البراء لم يصب بسوء، رغم أنه هو الذي عادى الشاذلي()!! كما زعموا أنهم أعطوا ثلاثاً لم تحصل لمن قبلهم، ولا لمن بعدهم:
الأولى: أنهم مختارون في اللوح المحفوظ.
الثانية: إن المجذوب منهم يرجع إلى الصحو.
الثالثة: إن القطب منهم إلى يوم القيامة(). وهذه تشترك بها جميع الطرق الصوفية.
وزعم ابو العباس المرسي أن الله عز وجل أطلعه على الملائكة ساجدة لآدم عليه السلام فأخذ قسطه من ذلك ثم أنشد يقول:
ذاب رسمي وصح صدق فنائي……وتجلت للسر شمس سمائي
و تنزّلت في العوالم أبدي……ما انطوى في الصفات بعد صفائي
ومن الكرامات المنسوبة للسكندري أن رجلاً من تلامذته حج فرأى الشيخ في المطاف وخلف المقام وفي المسعى وفي عرفة. فلما رجع سأل عن الشيخ هل خرج من البلد في غيبته في الحج فقالوا لا ، فدخل وسلم على الشيخ فقال له: من رأيت في الحج في سفرتك هذه من الرجال؟ فقال الرجل يا سيدي رأيتك. فتبسم وقال: الرجل الكبير يملأ الكون.(42/10)
ومن كراماته المزعومة: أن الكمال بن الهمام زار قبره فقرأ عنده سورة هود حتى وصل إلى قوله تعالى {فمنهم شقي وسعيد} فأجابه من القبر ابن عطاء الله بصوت عال: يا كمال ليس فينا شقي. فأوصى الكمال بن الهمام أن يدفن هناك.
وقالوا في سبب تسمية شيخهم محمد وفا، بهذا الاسم لأن نهر النيل توقف فلم يزد إلى أوان الوفاء فعزم أهل مصر على الرحيل فجاء الشيخ إلى البحر وقال اطلع بإذن الله فطلع ذلك اليوم سبعة عشر ذراعاً وأوفى فسموه وفا. ويقول الصوفية: إنه كان أمياً وله لسان غريب في علوم القوم ومؤلفات كثيرة ألفها في صباه وهو ابن سبع سنين أو عشر.
ويقولون: جاء أحد المريدين يشكو للشيخ عبد القادر عيسى – أحد مشايخ الشاذلية المعاصرين - طول غياب ابنه في الخدمة العسكرية وإنه مضى على غيابه ثمانية أشهر وأمه متألمة لفقده، فأطرق الشيخ ثم قال: سيأتي يوم الأربعاء إن شاء الله. وجاء الابن في الموعد الذي حدده الشيخ فسئل كيف جئت؟ فأجاب: صاح بي الضابط ليلاً وقد وقع على إجازة وهو يقول: ما استطعت النوم من شيخ مهيب يقول أرسل هذا إلى أهله!
ومشى الشيخ عبد القادر عيسى مع أحد مريديه في شوارع عمان بالأردن وأراد أن يقطعا الطريق إلى الجهة المقابلة وبنفس الوقت كان قس يريد أن يقطع إلى الجهة الأخرى فلما أبصر الشيخ القس همس في أذن مريده إن القس مسلم، فصاح القس من الجهة الأخرى {مسلم مسلم}. ويقولون إنه عندما زار الباكستان بايعه فيها دفعة واحدة ما يزيد عن مائة ألف شخص.
الانتساب إلى طريقتهم:
يقول الشاذلية أن أصول طريقتهم تتمثل في تعاليم خمسة:
1…تقوى الله في السر والعلانية.
2…اتباع السنة في الأقوال والأفعال.
3…الإعراض عن الخلق في الإقبال والإدبار.
4…الرضا عن الله في القليل والكثير.
5…الرجوع إلى الله تعالى في السراء والضراء().
والانتساب إليهم يكون بالأخذ عنهم، "والأخذ" أقسام:
2…أخذ المصافحة والتلقين والذكر، ولبس الخرقة الخاصة بهم.(42/11)
3…أخذ رواية، أي قراءة كتبهم من غير حلّ لمعانيها.
4…أخذ دراية، أي حل كتبهم لإدراك معانيها من غير عمل بها.
5…أخذ تدريب وتهذيب وترقّ في الخدمة بالمجاهدة والمشاهدة والفناء().
فروعها: تفرعت الطريقة الشاذلية في مصر وبلدان المغرب العربي إلى طرق كثيرة:
أولاً في مصر، وأهم طرقها:
2…الحامدية، ويرأسها إبراهيم حامد سلامة الراضي.
3…الهاشمية، ويرأسها مصطفى الطاهر الهاشمي.
4…الفيضية، ويرأسها محمود أبو الفيض.
5…الجازولية، ويرأسها سالم جابر الجازولي.
6…الجوهرية، ويرأسها عيسى عبد الرحيم الجوهري.
7…السلامية، ويرأسها شريف محمد طه مشينة.
8…الفاسية، ويرأسها محمد سمير الفاسي.
9…الخطيبية، ويرأسها محمود محمد الخطيب.
10…العفيفية، ويرأسها عبد الباقي محمد العفيفي.
11…المحمدية، ويرأسها محمد عصام الدين زكي.
12…العروسية، ويرأسها علي فكري منصور كريم.
13…الحصافية، ويرأسها محمد أبو الأسرار الحصافي ().
ثانيا: في المغرب العربي، وأهم فروعها:
6…الجازولية، ومن فروعها: الدرقاوة، والحمارشة، والعيسوية، والشرقاوة، والطيبة.
7…العلوية، وهي فرع جزائري من الدرقاوة بمنطقة مستغانم.
8…ومن الطرق أيضاً: الدغوغية، والرباحية، والقاسمية، والصداقية، والزروقية، والسهيلية، والناصرية، والشبية، واليوسفية، والدنية، والكرازية، والحبيبية، والسنوسية، وهذه الطرق منتشرة في أنحاء مختلفة من المغرب العربي مثل: مراكش ومكناس وصلا وطرابلس وفاس، وغيرها().
لما حضرت الشاذلي الوفاة، استخلف على أتباعه أبا العباس المرسي، ثم بعد موت المرسي، تولى مشيخة الطريقة تلميذه ابن عطاء الله السكندري، وبعد موته تولى المشيخة تلميذه داود بن ماخلا، ثم تلميذه محمد وفا، الذي تنسب إليه الطريقة الوفائية الشاذلية، ثم خلفه ابنه علي وفا().(42/12)
ومن شيوخها البارزين بعد علي وفا: أبو المواهب الشاذلي، والنفزي، وابن عجيبة، وعبد المجيد الشرنوبي، وعلي اليشرطي، ومحمود أبو الفيض المنوفي، وقد روي عنهم ما يفيد أنهم كانوا على عقيدة شيخهم الشاذلي من الإيمان بوحدة والوجود، وجواز الاستعانة والاستغاثة بغير الله() .
تلاميذ الشاذلي:
1- أبو العباس المرسي: أبرز تلاميذ الشاذلي، وزوج ابنته، وقد قدم معه من تونس إلى مصر، وأصله من مرسية في الأندلس، وإليها ينسب، وبها ولد سنة 616 هـ وتوفي سنة 686 هـ. ودُفن فى الموضع الذى يحتله اليوم مسجده بالإسكندرية.
2- ابن عطاء الله السكندري: المنسوب إلى الاسكندرية، حيث ولد وعاش، إلى أن غادر إلى القاهرة بعد موت شيخه أبي العباس. اشتهر عن ابن عطاء خصومته لشيخ الإسلام ابن تيمية الذي كان معاصراً له والتسبب في حبسه واستعداء السلطان عليه.
والسكندري هو الذي جمع أقوال الشاذلي والمرسي وترجم لهما، وحفظ تراثهما. وجميع الطرق الشاذلية في مصر ترجع بالسند إليه، وإلى ياقوت العرشي تلميذ المرسي.
توفي ابن عطاء بالقاهرة سنة 709 هـ، ودفن بمقبرة المقطم بسفح الجبل بزاويته.
3- محمد وفا: من أصل مغربي. من مؤلفاته: "فصول الحقائق"، و"العروس"، و"الشفاء". توفي بالقاهرة عام (765هـ)، ودفن بالقرافة.
4- عبد القادر عيسى: ولد في حلب بسوريا عام 1338 هـ (1920م) وتوفي في تركيا في ربيع الآخر من سنة 1412هجرية.
5- محمد مضر مهملات: ولد في مدينة حلب في سوريا وانتسب إلى كلية العلوم في جامعة حلب بأمر من شيخه عبد القادر عيسى الذي اجتمع به سنة 1969 توجه لدراسة العلوم الشرعية في معهد الروضة الهدائية.
?
الشاه إسماعيل الصفوي 00 جزار 00 خمار 00 زير نساء
صباح الموسوي(42/13)
صنع الطائفيون والشعوبيون الإيرانيون للشاه إسماعيل الصفوي هالة مقدسة فاقت هالة الملك كورش الإخميني في التلمود اليهودي. حيث جعلوه بمنزلة نائب الإمام "المعصوم" والحاكم باسمه على الرغم من أنه لم يكن من الفقهاء و ليس حتى من الحكام العدول. وهذه المنزلة التي أعطت لإسماعيل الصفوي آنذاك هي ذات المنزلة التي تطورت فيما بعد إلى نظرية الولي { الفقيه العادل: نائب الإمام المهدي} المتعارف عليها اليوم في إيران والمسماة بولاية الفقيه .
ولكن من هو إسماعيل الصفوي, هذا الرجل الذي تمكن أن يبني دولة إيرانية جديدة طالما حلم الكثير من قادة الشعوبيين قبله في بنائها؟
أنه إسماعيل بن حيدر بن صفي الدين الاردبيلي الذي ولد من أب ذو أصول تركية أذرية وأم أرمنية. ظهر في مطلع القرن العاشر الهجري، ونجح لأول مرة سنة (907هـ - 1502م) في إقامة دولة شيعية اثني عشرية في تبريز عاصمة أذربيجان.
كان جده صفي دين الاردبيلي سني على مذهب الإمام الشافعي وكان معروفاً بتصوفه على الطريقة البكتاشية، وكان عضواً في المجلس السني - الشيعي المشترك الذي أسسه السلطان خدا بندة التركماني حاكم إيران الذي ضم في عضويته فقيه الشيعة في العراق آنذاك العلامة الحلي. [تاريخ إيران - المجلد السادس - ص616].
قبل خمسمائة عاماً تقريباً، عندما كانت إيران تخضع لسلطة الايليخانيين التركمان شهدت المناطق الاذرية في غرب ايران ظهور قوة جديدة اغتنمت فرصة عدم وجود سلطة عثمانية في تلك المناطق وضعف قوة الايلخانيين لتقوم بحركة تمرد تهدف إلى إقامة دولة مستقلة تحمل مذهبا مغايرا للمذهب السني السائد في بلاد فارس آنذاك. وقد عمد قائد تلك الحركة "إسماعيل الصفوي" إلى المزج بين شطحات الصوفية وخرافة المذهب الجديد ليصنع لنفسه نسباً آخر يصله بالنبي محمد ? وهو نسب "السيدية" بدلاً من القزلباشية الذي كان يعرف به.(42/14)
[وهذا التغيير المفاجئ في النسب والمذهب حسب رأي الكاتب والباحث الإيراني إسماعيل نوري لم يجد المؤرخون الإيرانيون والمستشرقون لحد الآن جواباً له وهو: كيف ولماذا قرر الصفويون تغيير لقبهم من الشيخ إلى السيد واختاروا لدولتهم مذهب التشيع الأثني عشري رغم أنهم كانوا على مذهب أهل سنة].
وفي أحد ليالي الجمعة من ربيع عام 908هـ- 1501م التي كان من المقرر أن يعلن في صبيحتها تتويجه ملكاً والمذهب الشيعي بديلا للمذهب السني السائد في تلك المناطق, حضر عدد من أمراء القزلباش (أصحاب القبعات الحمر من قبائل التركمان الذين شكلوا جيش التمرد الصفوي )؛ حضروا لدى إسماعيل الصفوي و ابلغوه عن توجسهم من إمكانية حدوث ردود أفعال من قبل أهالي تبريز الذين كان عددهم يزيد على الثلاثمائة ألف جميعهم من أهل السنة إذا ما سمعوا بالخطبة الشيعية الجديدة التي تقرر أن تتضمن الأذان بـ "أشهد أن علياً ولي الله" و "حي علي خير العمل" ويرفضوا أن يكون الملك شيعياً. فرد عليهم قائلاً: "إني لا أخشى أحداً و إذا ما حدث واعترضت الرعية فاني سوف أجرد سيفي من غمده و بإذن الله لن ادع احداً منهم حيا. [كتاب: "عالم آراء الصفوية" ص64].(42/15)
و في صباح الجمعة توجه إسماعيل الصفوي إلى الجامع وقد انتشر جنود القزلباش بين صفوف المصلين ثم اعتلى المنبر وجرد سيفه من غمده وأشار إلى شيخ يدعى "مولانا أحمد الاردبيلي" وكان ملماً بالعقائد والفقه الشيعي, وكان قد جيء به من خارج تبريز حيث لم يكن في تبريز آنذاك عالم شيعي واحد, أشار إليه أن يصعد المنبر ويلقي الخطبة وكان هو يقف إلى جانبه. وما أن بدأ الشيخ خطبته حتى تعالى الهمس بين المصلين فقسم منهم حين رأوا الجنود فوق رؤوسهم قالوا لله درك من خطيب! أما القسم الأخر فشان عليهم الأمر فقاموا ليخرجوا من الجامع غير أن إسماعيل الصفوي أشار إلى جنود القزلباش أن يطلبوا منهم إعلان التبرؤ و المولاة [التبرؤ من الخلفاء الراشدين الثلاث وإعلان المولاة لعلي بن أبي طالب] فمن فعل نجى ومن امتنع تدحرج رأسه بين قدميه.
وعلى الرغم من أن أهالي تبريز لم يبدو مقاومة تذكر في مواجهة الجيش الصفوي إلا أن جنود القزلباش قاموا بمذبحة شنيعة في المدينة لم تسلم منها النساء والأطفال. كما أنهم عمدوا إلى نبش قبر السلطان يعقوب آق قوي ونلو التركماني وقبور سائر الأمراء في المدينة وحرقوا بقايا جثثهم. [سفرنامه ونيزيان در ايران: ترجمة منوچهر أميري - ص408].
وعلى هذه المنوال واصل إسماعيل الصفوي توسيع دائرة سلطانه ونشر مذهبه الجديد بين الأقاليم الإيرانية التي أخذت تتساقط الواحدة تلو الأخرى تحت شدة بطشه.
و يشير صاحب كتاب «أحسن التواريخ» إلى مذابح السنة في مدينة«شکي» في غرب إيران ومذبحة الشيروانيين وإحراق جثت شيخهم , فرخ يسار وبناء منارة من جماجم القتلى في المدينة. ويذكر أيضا هجوم القزلباش على قلعة باكو والقيام بمذبحة فجيعة بين أهالي القلعة وإحراق جثث الموتى و أبادت ثمانية عشر ألفا من جيش الأمير عثمان آق قويونلو بعد استسلامهم.(42/16)
كما هاجم إسماعيل الصفوي بغداد عام 913هـ وارتكب أفظع المجازر وأباح مقام الإمام أبو حنيفة النعمان ونبش قبره. و في عام 914هـ هاجم الأحواز وأطاح بدولة المشعشعيين بعد مذبحة دامية لا تقل بشاعة عن مذابحه السابقة في تبريز وبغداد وغيرها.
. و من بين مذابح عام 915هـ يمكن ذكر مذبحة شيراز و مذبحة مازندران التي راح ضحيتها أكثر من عشرة آلاف، بالإضافة إلى قتل أكثر من سبعة آلاف من أهل السنة في مدينة يزد وسط إيران مروراً بأعمال القتل و السلب والنهب التي شهدتها على يده مدينة اصفهان التي تحولت فيما بعد إلى عاصمة الصفويين .
وفي عام 916 هـ ارتكب مذبحة مرو التي قتل فيها أكثر من أحد عشر ألفا بعد حربه مع "شيبک خان التركماني" الذي قام جنود القزلباش بتقطيعه وأكله أمام أهل المدينة. وفي عام 917هـ قتل خمسة عشر ألفا من سكان قلعة القرشي تلك المجزرة التي لم يسلم منها النساء والأطفال والكلاب والقطط . وفي نفس العام هاجم هرات وقام بقتل زعمائها وفقهائها , كما هاجم بادغيس وقام بارتكاب مجزرة فضيعة فيها. [مصدر سابق].
وينقل الباحث الإيراني"الدكتور إسماعيل نوري" عن صاحب كتاب "تاريخ الأدبيات الإيرانية" أن الشاه إسماعيل كان شديد الحساسية بنسبة للعلماء والفنانين وسائر المفكرين.
وكان من سيرته أنه كان يطلب منهم القول "بأشهد أن علياً ولي الله " فمن يلفظها يطلق سراحه ومن يرفض يقطع رأسه أو يلقى به في النار. ويضرب مثالاً على ذلك قصة قتل اثنين من أهل العلم والفضيلة من علماء السنة في شيراز وأصفهان وهما العلامة القاضي مير حسين مبيدي والعلامة الأمير غياث الدين محمد الأصفهاني اللذين قتلى شر قتلة نتيجة رفضهم سب الخلفاء الثلاثة .
ولعل هذه المجازر وغيرها هي من كانت وراء تحرك الدولة العثمانية بقيادة السلطان سليم الأول لمهاجمة الدولة الصفوية وإنقاذ أهل السنة من الإبادة الكاملة.(42/17)
ولكن السؤال الذي قد يخطر في بال المتتبع هو إذا كان اليهود قد برروا وصفهم لكورش الإخميني بأنه نبي مرسل وذلك بسبب إنقاذه دهاقنتهم من الأسر البابلي, على الرغم من علمهم أن كورش هذا كان قد قتل زوج خالته وتزوج بها لكي يصبح وريثا للعرش بعد موت جده لأمه, فما هي المبررات التي دفعت بمراجع الطائفية والشعوبية الإيرانية إلى إصباغ هذه القدسية على إسماعيل الصفوي الذي يصفه ابنه طهماسب بأنه جزار و شارب خمر وزير نساء .
وقد جاء ذلك في رسالة بعث بها الشاه طهماسب الأول بن إسماعيل الصفوي إلى السلطان سليمان القانوني بن سليم الأول يقول له فيها, إن أبي حين دخل مع أبوك الحرب في معركة جالديران كان سكراناً في ذلك اليوم ولم يكن لوحده في حالة سكر بل إن قائده "دورميش خان" وسائر أمراء الجيش بل إن اغلب الجيش كان في حالة سكر.
وقد تحدثت الكثير من المصادر التي اختصت بدراسة أحوال مولوك الصفوية أن الشاه إسماعيل كان شارب للخمر وكان حليق اللحية و يحب مجالس اللهو والرقص وبعد أن فتح هرات طلب أن تلبس نسوتها الزينة وتخرج راقصة لاستقباله ولكن على الرغم من كل هذه الرذيلة بقي الطائفيون والشعوبيون يمجدونه وبقي في أعينهم الحاكم نيابة عن الإمام الغائب!
?
الصفويون 00 البداية والنهاية
تمهيد:
"الصفويون" أحد أكثر المصطلحات التي باتت تتردد في وسائل الإعلام حالياً، وخاصة في العراق، حيث دأبت العديد من الصحف والقنوات الفضائية على وصف الحكومة العراقية بـ "الصفوية" بسبب ما ترتكبه من جرائم بحق أهل السنة في العراق من خلال أجهزتها الأمنية، والمليشيات الشيعية المتعاونة معها والتي تشكلت منها الحكومة العراقية ، مثل فيلق بدر، وحزب الدعوة، وجيش المهدي.(42/18)
و"الصفوية" دولة شيعية قامت في إيران في القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي) على يد الشاه إسماعيل، الذي يعد أول ملوكها، وقد كان قيامها مقترناً بالقضاء على مذهب أهل السنة، بعد أن كان معظم أهل إيران من أهل السنة، كما تزامن قيام الدولة الصفوية بارتكاب مذابح يندى لها الجبين بحق أهل السنة، وتم فرض المذهب الشيعي على إيران، والمناطق التي سيطر عليها الصفويون بالإكراه، كما أن الصفويين عمدوا إلى التحالف مع الدول الأوروبية ضد الدولة العثمانية السنية أملاً في إضعافها وإعاقة الفتوحات الإسلامية لأوروبا.
وإذا علمنا أن الحكومة العراقية الشيعية الحالية ، التي رهنت بلادها لإيران تمارس اليوم ما مارسه أجدادها الصفويون بالأمس، فلا عجب أن يطلق عليها اسم "الصفوية"، فهذه الدولة وإن كانت قد انتهت تاريخياً بعد (240) سنة من قيامها على يد دولة الأفشار، فإنها باقية في ممارسات الزمرة الحاكمة في إيران والعراق.
وفي هذه الدراسة المختصرة نحاول تسليط الضوء على نشأة الدولة الصفوية والحكام الذين تعاقبوا عليها، وما ارتكبته ضد أهل السنة من مذابح، وتحالفاتها مع الدول الأوروبية ونهايتها وسير بعض الشيعة اليوم على نهجها.
ونقدم هذه الدراسة في إطار "ملف العدد" الذي نخصصه للصفويين حيث تتناول عدد من الزوايا والمقالات في هذا العدد الدولة الصفوية من جوانب عديدة.
البداية طريقة صوفية:
ينسب الصفويون على صفي الدين الإردبيلي، المولود سنة 650هـ (1334م)، والمتوفى سنة (753هـ)، وهو الجد الخامس للشاة إسماعيل، وقد نشأ نشأة صوفية، وكان صاحب طريقة، مما ساعد على التفاف الكثير من المريدين حوله، وانتشار دعوته وأنصاره.(42/19)
…وبعد وفاته خلفه في رئاسة أتباعه، ابنه صدر الدين موسى، الذي سار على طريقة أبيه، ثم انتقل الأمر إلى ابنه صدر الدين خواجة علي سياهبوش، وهو أول من اعتنق المذهب الشيعي من الأسرة الصفوية، ودعا إليه()، الأمر الذي يعد نقطة تحول في مسيرة هذه الأسرة التي ادعت انتسابها إلى آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم والحسين بن علي رضي الله عنهما، كما جرت العادة عند الشيعة والصوفية.
…وبعد وفاة خواجة علي سياهبوش، خلفه ابنه شيخ شاه، وسار على خطاه، وبعد وفاته، خلفه ابنه السلطان جنيد، الذي كثر أتباعه، وبدأ يكشف عن رغبته في الملك تدريجياً، وهذا ثاني أخطر تحول في مسار الأسرة الصفوية بعد التشيع(). ولا يخفى أن سعي الصفويين لإقامة دولة مخالف لما يعتقد به الشيعة من حصر إقامة الدولة بالمهدي المنتظر، وأن أية دولة تقوم أو راية ترفع قبله هي راية طاغوتية.
…وبدأ السلطان جنيد بإقامة حكم مستقل في أردبيل()، وأخذ يتقوى ويعد الجيوش لغزو شروان()، ودخل في معركة مع حاكمها لكنه هزم وقتل، وتعد هذه المعركة تحولاً خطيراً في مسيرة الصفويين كونها أول معركة يخوضنها.
…وبعد مقتل جنيد، انتقلت الرئاسة إلى ابنه حيدر، الذي أخذ يعد العدة لمقتل والده، وأعد جيشاً يرتدي أفراده القبعات الحمر، ويعرفون باسم "القزلباش" إلا أن حاكم "شروان" استعان بأسرة "آق قويونلو" ()، واستطاعا هزيمة حيدر وقتله، فانتقلت الزعامة إلى ابنه علي، الذي ما لبث أن قتل، فآلت الأمور إلى إسماعيل الصفوي ابن حيدر.
الشاة إسماعيل يؤسس دولة الصفويين:(42/20)
…حظي إسماعيل برعاية من حاكم "لاهيجان"()، مدة خمس سنوات، وفترة إعداد ثقافية وعسكرية، وفي الوقت نفسه كان الخلافات تعصف بأسرة "آق قويونلو"، فتمكن من الانتصار عليها واحتلال عاصمتها تبريز، ودخلها دخول الفاتحين، وأعلنها عاصمة لدولته الفتية، ثم إعلان المذهب الشيعي مذهباً رسمياً للدولة سنة (907هـ)، (1501م)، رغم أن ثلاثة أرباع إيران كانوا على مذهب أهل السنة.
…ساعدت إسماعيل الصفوي عدة عوامل في أن يبسط سيطرته على إيران وما جاورها وتحقيق حلم آبائه في تأسيس دولة شيعية، أهمها:
5…انتشار الفوضى والفتن في إيران بعد موت تيمور لنك، والصراعات التي دبت بين أبنائه، ثم الصراع المحتدم بين قبيلتي "أق قويونلو" و"قرا قويونلو" التركمانيتين اللتين كانتا تسيطران على أجزاء من إيران. كل هذه الصراعات سببت الضعف والانقسام، وولدت الظلم بحق الرعايا، الأمر الذي استغله إسماعيل والصفويون لتحقيق الانتصار على المنافسين.
6…نشاط دعاة الشيعة وانتشارهم بين القبائل، وخاصة في مدن كاشان وقم والري، بل إن النشاط التبشيري الشيعي انتقل إلى أراضي الدولة العثمانية، كما تجلى ذلك في "فتنة شاه قولي" التي تناولنا في العدد 30 من الراصد. http://alrased.net/show_topic.php?topic_id=73
7…القهر الذي مارسه الشاه إسماعيل ضد السنة، والذي جاوز كل الحدود، فعندما فرض إسماعيل التشيع على إيران، ذكر له أن ثلاثة أرباع سكان إيران والعاصمة الجديدة تبريز على مذهب أهل السنة، فلم يأبه لذلك، وأصر على موقفه وقتل من أهل تبريز وحدها (20) ألف سني، والذي بقوا أحياء، فرض عليه التشيع بحد السيف().(42/21)
8…الدافع القومي لدى الشعوب التي كانت تسكن في إيران، والمكونة من أجناس وقوميات مختلفة، كالفرس والترك والعرب والمغول، وكان التعصب للجنس ظاهراً بينهم، فاستطاع الشاة إسماعيل أن يستغل هذا الأمر ويذكي حماس القبائل ضد بعضها البعض، وأشار عليهم بتكوين تجمع خاص يحفظ لهم قوتهم وسيطرتهم على المنطقة. يقول المفكر الإيراني الشيعي د. علي شريعتي: "الدولة الصفوية قامت على مزيج من القومية الفارسية، والمذهب الشيعي، حيث تولدت آنذاك تيارات تدعو لإحياء التراث الوطني والاعتزاز بالهوية الإيرانية، وتفضيل العجم على العرب، وإشاعة اليأس من الإسلام، وفصل الإيرانيين عن تيار النهضة الإسلامية المندفع، وتمجيد الكاسرة().
الآثار المترتبة على قيام الدولة الصفوية:
…ليس من قبيل المبالغة القول بأن قيام الدولة الصفوية شكل "كارثة" لإيران والعالم الإسلامي، فلقد "ظلت غيران ما يقرب من تسعة قرون من الزمان تتبع مذهب أهل السنة والجماعة، فكانت الصبغة السنية ظاهرة فيها، واضحة في جميع ألوان النشاط البشري لأهلها، ما مكن إيران من المساهمة في بناء صرح الحضارة الإسلامية الراقية بواسطة علمائها في مختلف العلوم والفنون، من أمثال البخاري ومسلم وسيبويه والخليل بن أحمد والطبري والبيروني وابن سينا والغزالي والفارابي والفخر الرازي، وغيرهم يعدون من مفاخر المسلمين جميعاً"(). وبقيام الدولة الصفوية الشيعية في إيران تغير مسار النشاط البشري فيها تغيراً جذرياً شاملاً من النواحي السياسية والاجتماعية والدينية والاقتصادية والعلمية والثقافية، ووجه الإيرانيين إلى وجهة مغايرة لوجهة إخوانهم المسلمين في بقية الأقطار().(42/22)
…كما أن "كارثة" قيام الدولة الشيعية الصفوية أدت إلى انقسام العالم الإسلامي إلى معسكرين: معسكر سني بزعامة الدولة العثمانية، ومعسكر شيعي يتبع الصفويين، وزاد من حدة الانقسامات تلك المؤامرات التي حاكها الصفويون ضد العثمانيين الذين كانوا منطلقين في أوروبا فاتحين، كما سنتحدث عنه بعد قليل.
دولة شيعية بامتياز:
انطلقت الدولة الصفوية من مذهبها الشيعي الذي فرضته على إيران في كل صغيرة وكبيرة،، فغيرت صيغة الأذان والصلاة وكافة العبادات على طريقة المذهب الشيعي، دون السماح بإظهار مذهب أهل السنة فيها، وصارت الحركة الثقافية والتأليف مصطبغاً بالمذهب الشيعي، وتبوأ رجال الدين الشيعة مكانة عالية في الدولة الصفوية، وفرض لهم السلاطين خمس أموال الناس وأرباح التجار().
…ويعتبر محمد باقر المجلسي (ت1111هـ)، أحد أبرز الأمثلة لما عملته الدولة من دعم التشيع، فقد اعتبر "شيخ الدولة الصفوية" وكانت له الكلمة المسموعة، وعاش في المرحلة الصفوية الأخيرة عيشة ترف وأبهة، وكان شديد التعصب لمذهبه فأغرى الدولة باضطهاد جميع مخالفيه. واشتهر المجلسي بكثرة مؤلفاته التي تروج لمذهب الشيعة، وأبرزها: "بحار الأنوار في أحاديث النبي والأئمة الأطهار"، ويقع في (25) مجلداً ضخماً، كل مجلد منها يبلغ عدة مجلدات، حتى إن مجموعها بلغ (111) جزءاً، الأمر الذي جعل الشيعة يعتبرونه "دائرة معارف لا مثيل لها".وكتاب "بحار الأنوار" للمجلسي من أهم كتب الحديث عند الشيعة، وقد جمع فيه مؤلفه ما هب ودب من الأخبار والأحاديث المنسوبة للنبي صلى الله عليه وسلم والأئمة من غير تهذيب ولا تحقيق().(42/23)
…وبلغ تعصب الصفويين لمذهبه حداً جعل الشاه عباس يحج من عاصمته أصفهان إلى مدينة مشهد (حيث يوجد مقام الإمام الرضا، ثامن الأئمة عند الشيعة)، سيراً على الأقدام ودعا الشيعة إلى الاقتداء به، والحج إلى مشهد، وجعل علماء الشيعة ومراجعهم يعلنون أن الحج إلى مدينة مشهد يكفي ويغني عن الحج على الكعبة وزيارة بيت الله الحرام(). كما تميز العصر الصفوي بالمبالغة لما يسمى "الشعائر الحسينية" وإظهار الحزن على استشهاد الحسين وبعض الأئمة.
الصفويون والدولة العثمانية:
…كان من الطبيعي أن تثير سياسة الصفويين ومؤامراتهم، الدولة العثمانية السنية التي كانت في أوج قوتها، وكانت تدافع عن ديار الإسلام، وتقاتل أعداءه من الصليبيين على عدة محاور: الروس، والنمسا، والإمارات الإيطالية، وفرنسا، وإنكلترا، والبرتغاليين، والكل يحقد على هذه الدولة. وفي الوقت الذي كان يقوم فيه العثمانيون بحصار بعض دول أوروبا تمهيداً لفتحها، كان سهام الصفويين تنطلق باتجاه الدولة العثمانية، وتشغلها عن متابعة فتوحاتها، وعمد الصفويون إلى احتلال بعض البلدان التابعة للعثمانيين كالعراق، وعقدوا تحالفات مع الدول الأوروبية ضدها، الأمر الذي جعل الصدام بين العثمانيين والصفويين أمراً لا مفر منه، وتعتبر معركة "جالديران"" سنة (920هـ - 1514م) أكبر المعارك بين الطرفين وانتصر فيها العثمانيون انتصاراً كبيراً، غير أنه لم يقضى على الصفويين قضاءً نهائياً، فأعادوا تنظيم صفوفهم خاصة أن المنية عاجلت السلطان العثماني سليم الأول. وتسببت المؤامرات الصفوية ضد العثمانيين بأمرين خطيرين:
…الأول: إعاقة الفتوحات الإسلامية لأوروبا، ذلك أن العثمانيين كانوا يضطرون لوقف حصارهم للمدن الأوروبية، والعودة لتأمين حدودهم مع الصفويين، واسترجاع ما كان يستولي عليه الصفويون من بلاد.(42/24)
…الثاني: أن التحالفات التي عقدها الصفويون مع الدول الأوروبية والتسهيلات التي منحوهم إياها شكلت بداية عهد الاستعمار، والوجود الأوروبي في بلاد المسلمين().
حكامها:
2…إسماعيل بن حيدر مؤسس الدولة سنة 907هـ، اتفق مع البرتغاليين وحارب العثمانيين والأوزبك ومات في الثلاثينات من العمر. انصرف بعد هزيمته أمام العثمانيين إلى معاقرة الخمر والعزلة والفجور.
3…طهماسب بن إسماعيل: تولى الحكم بعد وفاة والده إسماعيل (930هـ)، ولم يكن قد جاوز العاشرة من عمره، فتولى الوصاية عليه زعماء الشيعة، حتى بلغ سن الرشد، انتصر على الأوزبك، ولكنه لم يلبث أنهزم، ودخل بغداد حتى جاءت جيوش العثمانيين فطردت الصفويين منها.
4…إسماعيل الثاني ابن طهماسب: تولى الحكم بين سنتي (984-985هـ)، واختلف مع إخوته، وقتل، وكانت له ميول سنية، وكان يرغب في إعادة إيران إلى المذهب السني.
5…محمد خدابنده بن طهماسب: امتد حكمه خلال الفترة (985-995هـ).
6…عباس بن طهماسب، الملقب بعباس الكبير، وحكم فترة طويلة امتدت من 995هـ حتى 1037هـ، وفي عهده هاجم العثمانيين بعد أن هدأت الجبهة معهم خمس عشرة سنة، كما حارب الأوزبك وانتزع جزءاً من بلادهم، وجعل عاصمته أصفهان. وقد ضعفت الدولة بعد موته، خاصة وأنه كان له أربعة أبناء قتلهم كلهم وسمل عينهم خوفاً من أي يزيلوه عنه.
7…صفي بن صفي مرزا بن عباس، الملقب بصفي الأول وحفيد عباس الكبير، حكم حتى 1052هـ، هزم أمام العثمانيين الذين أخذوا العراق وعقد معاهدة بين الطرفين سنة 1094هـ.
8…عباس بن صفي (عباس الثاني): حكم خلال الفترة (1052-1077هـ)، ولم يلتفت إلى شؤون الدولة.
9…صفي الثاني بن عباس الثاني حكم بين (1105- 1135هـ) وعرف كذلك باسم "سليمان الأول"، وفي عهده استولى الهولنديون على جزيرة قشم في مضيق هرمز، وأخذ الأوزبك خراسان، وقضى حياته بين الخمر والنساء.(42/25)
10…حسين الول بن عباس الثاني (1105-1135)، بدأ في عهده الصراع مع الأفغان، وكان يبيح في عهده الخمور، وكان لعبة بيد الحريم().
11…طهماسب الثاني بن صفي الثاني، حكم خلال الفترة (1135-1144هـ)، واستمر الصراع مع الأفغان في عهده، وأيده نادر خان.
12…عباس الثالث بن طهماسب الثاني، الملقب بالرضيع، لتوليه المنصب طفلاً، بعد خلع والده سنة 1144هـ، واستمر في الحكم بشكل صوري حتى 1148هـ .
لكل بداية نهاية:
…انتهت دولة الصفويين سنة 1148هـ، على يد نادر خان الذي كان في أول أمره من قطاع الطرق، وكان يتمتع بالطموح والذكاء، وقد تمكن بجيش من أفراد قبيلته (الأفشار) من الاستيلاء على إقليم خراسان، وأخذ يمسك بزمام الأمور في هذا الإقليم، وظهرت قوته، مما جعل الشاه طهماسب الثاني يستعين به، ويعينه قائداً لجيشه، واستطاع أن يصبح أقوى شخصية في إيران بعد تحقيقه لعدة انتصارات ضد منافسي الدولة.
…ثم أصبح نادر شاه في منزلة هيأت له عزل طهماسب الثاني، وتعيين ابنه الطفل عباس الثالث ملكاً على الصفويين، وصار نادر وصياً على العرش، ولكن هذا الوضع لم يستمر سوى ثلاث سنوات، إذ بادر نادر شاه إلى عزل عباس الثالث، وتنصيب نفسه ملكاً على إيران، واتخذ لقب الشاه، كما أعلن سقوط الدولة الصفوية وقيام دولة شيعية محلها هي الدولة الأفشارية، التي كان نادر شاه أول ملوكها، واستمرت حتى القضاء عليها من قبل الزنديين سنة 1210هـ.
…وبالرغم من أن نادر شاه شيعي المذهب، إلا أنه حاول التقليل من المفاسد التي أحدثها الصفويون، ومنها سب الصحابة والخلفاء الراشدين، كما حاول إحداث تقارب بين السنة والشيعة، الأمر الذي لم يقبله الإيرانيون المعصبون فبادروا إلى قتل نادر شاه سنة 1160هـ .
?
عودة الصفويين
العلماء والدعاة والمشايخ وطلبة العلم والمثقفين والسياسيين والحكام ودوائر الأمن وصنّاع القرار؛ كل هؤلاء مدعوون لقرءة هذا المقال لفهم ما يجري على الساحة في المنطقة.(42/26)
بقلم/ عبدالعزيز بن صالح المحمود
بعد سقوط بغداد بيد الأمريكان ظهر في بعض وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة مصطلح (الصفويين، والصفويون الجدد)، والملاحظ أن جُل إن لم يكن كل شرائح المجتمع الإسلامي المثقف وغيره يجهل معنى هذه التسمية، حتى تصوّر البعض أن الصفويين هي حزب، أو اسم لميليشيا في العراق، وأن إسماعيل الصفوي هو شخص كعبد العزيز الحكيم ومقتدى الصدر.
لذا رأى راقم هذه السطور أن يساهم بمقال يوضح معنى هذه الكلمة ويعلق هو في الهامش رابطاً القديم بالواقع، مستعيناً بعشرات المصادر العربية والأجنبية والإيرانية والتركية، لتوضيح الحق، والله من وراء القصد.
نشأة الصفويين
تنتسب الأسرة الصفوية إلى الشيخ صفي الدين الأردبيلي (650هـ - 735هـ)، الذي كان في بداية عهده من مريدي الشيخ تاج الدين الزاهد الكيلاني. كان واعظاً صوفياً في مدينة (أردبيل)()، ثم أسس فرقة صوفية تسمى (الإخوان) وقد كثرت هذه الفرقة في إقليم (اذربيجان).
بعد وفاته أخذ مشيخة طريقته ابنه صدر الدين (704هـ - 794هـ)، ولما توفي صدر الدين تولى ابنه "خواجة علي" الذي كانت له لقاءات مع تيمور لنك، وتولى مشيخة الطريقة مدة 36 سنة، ومات في فلسطين سنة 830هـ، وقبره معروف في يافا باسم قبر الشيخ "علي العجمي". وكان للخواجة علي ميل للتشييع ولم يكن تعصباً بل تشيّع خفيف.
ثم تولى ابنه إبراهيم الذي لقب بـ "شيخ شاه" أي "الشيخ الملك"، لأن مظاهر الملك ظهرت عليه. وتوفي سنة 851هـ، وكان تشيعه واضحاً للإمامية، وأدخل أتباعه بصراعات مع أهل السنة في داغستان، وخلفه ابنه الأصغر جنيد والذي كثرت فيه عهده المظاهر الملكية.
وجنيد كان شيعياً جلداً متعصباً محارباً لأهل السنة، وقد قتل في إحدى حروبه في مدينة شيروان سنة 861هـ، وخلف ابنه حيدر وتزوج من "مارتة" بنت حسن أوزون "الطويل"()، وكانت أمها "كاترينا" ابنة "كارلو يوحنا" ملك مملكة طربزون()، اليونانية النصرانية.(42/27)
وحيدر أول من لقب بلقب "سلطان" في العائلة الصفوية وأمر أتباعه الدراويش()، بأن يضعوا على رؤوسهم قلنسوة مخروطية الشكل مصنوعة من الجوخ الأحمر، وتحتوي على اثنتي عشرة طية رمزاً للأئمة الاثني عشر عند الشيعة الإمامية، وسموا بـ "قزلباش"، وهي كلمة تركية تعني "الرأس الأحمر".
وقد كوّن حيدر جيشاً للانتقام لمقتل والده من ملك شروان، ولكنه قتل سنة (893هـ)، وكان لحيدر ثلاث أولاد: علي، إبراهيم، وإسماعيل، وقد خاف الأمير يعقوب أمير "آق قونيلو" منهم فسجنهم، ثم أطلق سراحهم بعد وفاة يعقوب، ولكن علي وإبراهيم قتلا، وذهب إسماعيل إلى مدينة "كيلان" على بحر قزوين جنوب أردبيل، وقد رعاه السادات الصوفية، وحاول منذ صغر تجميع الصوفية والقزلباشية حوله، وتجميعهم من أجل الانتقام من قتلة أبيه وجده، وتم ذلك وتوجه إلى أمير دولة التركمان "آق قونيلو" سنة (907هـ)، وقتله وجلس على ملكه بعد أن بايعته كل قبائل التركمان، وأعلن دولته الصفوية.
الشاة إسماعيل أول ملك للدولة الصفوية (907هـ/1501م)
كما سبق ذكره، قتل الشاه إسماعيل "أمير الآق قونيلو" وأعلن قيام الدولة الصفوية وعاصمتها في مدينة "تبريز"().
وأول ما قام أعلن أن مذهب دولته الإمامية الاثنى عشرية وأنه سيعممه في جميع بلاد إيران، وعندما نُصح أن مذهب أهل إيران هو مذهب الشافعي قال: "إنني لا أخاف من أحد .. فإن تنطق الرعية بحرف واحد فسوف امتشق الحسام ولن أترك أحداً على قيد الحياة"().
ثم صك عملة للبلاد كاتباً عليها: "لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي ولي الله"، ثم كتب اسمه().
وأمر الخطباء في المساجد بسب الخلفاء الراشدين الثلاثة، مع المبالغة في تقديس الأئمة الاثني عشر.
وقد عانى أهل السنة في إيران معاناة هائلة وأجبروا على اعتناق المذهب الأمامي بعد أن قتل الشاه إسماعيل مليون إنسان سني في بضع سنين().
ولرب سائل يسأل: كيف استطاع الشاه إسماعيل أن يسيطر على كل بلاد إيران؟(42/28)
الجواب: هو أن إيران والعراق كانتا تحكم من قبل التركمان "الآق قونيلو"، وكان العراق قد حكم من قبل قبائل التركمان "القرة قونيلو" والشاه إسماعيل كان أتباعه الصوفية والذين سموا بـ "القزلباشية" هم مجموعة قوية من العشائر التركمانية هم: "شاملو، قاجار، تكلو، ذو قدر، افشار، روملو"، وهؤلاء كانوا على شكل الميليشيا الصوفية المتشيّعة، وكان له جيشاً فاتكاً، فتك بأهل السنة الشافعية في بلاد إيران، وكان للصفويين تأثير روحي على أتباعهم؛ وتذكر بعض المصادر الشيعية الفارسية إنه بينما كان الشاه إسماعيل مع أتباعه الصوفية في الصيد في منطقة "تبريز" إذ مر بنهر فعبره لوحده ودخل كهفاً ثم خرج متقلداً بسيف وأخبر رفقاءه أنه شاهد في الكهف "المهدي" صاحب الزمان، وأنه قال له: "لقد حان وقت الخروج"، وأنه أمسك ظهره ورفعه ثلاث مرات ووضعه على الأرض وشد حزامه بيده ووضع خنجراً في حزامه وقال له: اذهب فقد رخصتك().
ثم بعد ذلك بقي الشاه إسماعيل متردداً وقلقاً حتى رأى علي بن أبي طالب رضي الله عنه في المنام وقال له: "ابني .. لا تدع القلق يشوّش أفكارك .. احضر "القزلباشية" مع أسلحتهم الكاملة إلى المسجد في "تبريز" وأمرهم أن يحاصروا الناس .. وإذا أبدى هؤلاء أية معارضة أثناء الخطبة باسم أهل البيت فإن الجنود ينهون الأمر"(). وفعل الشاه إسماعيل ما طلب منه في الجمعة مع أتباعه القزلباشية، وحاصر جامع تبريز وأعلن سيادة المذهب الإمامي الاثني عشرين بقيادة الدولة الصفوية. وسبب هذه الدعوى هو التحرر من فكرة "التقية والانتظار" إلى خروج المهدي والتي بقي علماء الشيعة يحملونها كأحد المبادئ الرئيسية، وهو ترك الجهاد والصراع العسكري إلى ظهور المهدي. ثم لما أرادوا الخروج من هذه الفكرة اخترعوا مجموعة أخرى من الأفكار والخرافات كي يبرروا خروجهم من المذهب.(42/29)
ويحلل الكاتب "راجرسيوري" ذلك بأن الصفويين اعتمدوا على فكرة الحق الإلهي للملوك الإيرانيين قبل الإسلام منذ سبعة آلاف سنة، وذلك بوراثة هذا الحق، وعندما تزوج الحسين بن علي رضي الله عنه بنت ملك الفرس "يزدجرد" بعد معركة القادسية وأولدها الإمام زين العابدين "علي" اجتمع حقان: حق أهل البيت في الخلافة (حسب نظرية الإمامية)()، وحق ملوك إيران، بالإضافة إلى نيابة المهدي. هذا من جانب التشيع.
أما الجانب الصوفي فقد زوّد الفكر الصفوي بالمنامات، فيذكر الصفويون أن أحد شيوخ الصوفية وهو الشيخ زاهد الكيلاني، والذي تربى على يده جدهم "صفي الدين الأردبيلي" تنبأ على أثر رؤية لصفي الدين الأردبيلي "أن ملك هذا الزعيم سيملكون العالم، ويترقون يوماً بعد يوم إلى زمان القائم المهدي المنتظر().
وللرؤى والكشوفات تأثير ساحر في عالم التصوف، لذا فقد أثرت هذه النبوءة على القزلباشية وكان يتصورون أن ملك الصفوييون سيستمر حتى ظهور المهدي؛ لذا اهتزت هذه النظرة بعد موقعة "جالديران" بين الشاه إسماعيل والسلطان العثماني سليم سنة (920هـ/1512م)، وهزيمة الشاه إسماعيل، فبدأ الصراع يدب بين القزلياشية ونشأ تقاتل بينهم بعد اهتزاز هذه العقيدة في عقولهم().
والشاه إسماعيل كان يجمع بين التعصب المذهبي والغلو والتكفير وبين الدموية()، فقد نقل عنه قريبه إبراهيم صبغة الله الحيدري في "عنوان المجد" (ص119) أنه أكثر القتل حتى قتل ملك (شروان) وأمر أن يوضع في قدر كبير ويطبخ وأمر بأكله ففعلوا (أي القزلباشية)، وكان لا يتوجه لبلاد في إيران إلا فعل أشياء يندى لها الجبين من قتل ونهب حتىقتل من أعاظم علماء العجم "السنة" وحرّق كتبهم وانهزم كثير من العلماء، منهم جد مؤلف "عنوان المجد" على بلاد الأكراد السنية في بلاد العراق.(42/30)
ثم أمر الشاه إسماعيل الجنود بالسجود له. وكان من دمويته أن ينبش قبور العلماء والمشايخ "السنة" ويحرق عظامهم، وكان إذا قتل أميراً من الأمراء أباح زوجته وأمواله لشخص ما. وكان أتباعه يقدسونه ويعتقدون أنه لا ينكسر ولا يقدر عليه أحد().
هذا هو مؤسس الدولة الصفوية (إسماعيل شاه) التي تعد الدولة المؤسسة لكل دول الشيعة الاثني عشرية فيما بعد.
توسع الشاه إسماعيل في أرجاء إيران بعد أن تتبع ملك دولة آق قونيلو، فذهب إلى جنوب تبريز إلى مدينة همدان وهزم مراد بيك أمير قبائل آق قونيلو، الذي فر إلى شيراز() واستولى عليها، وقضى على دولة التركمان السنية في إيران وذلك سنة 909هـ()، واستولى على فارس وكرمان وخزستان "عربستان" ومازندران واستراباد().
بعد ذلك توجه الشاه إسماعيل إلى جهة الشرق إلى خراسان واستولى عليها سنة 916هـ، واستولى على مدينة مشهد. وفي نفس السنة توجه إلى مرو شمال شرق إيران وذبح أكثر من عشرة آلاف من سكانها من أهل السنة().
ثم حاول أن يمتد إلى بلاد الأوزبك سنة 918هـ، وأرسل أحد قواده ولكنه انهزم وقتل قائده وضعفت جبهته في هذه المنطقة وهجم عليه الأوزبك وكادوا يستردون خراسان ولكن الشاه إسماعيل استردها.
دخول الشاه إسماعيل العراق واستيلاءه على بغداد
من المعلوم للجميع أن بغداد عاصمة الدولة العباسية سقطت بيد المغول سنة 656هـ، وبعدها حكم العراق المغول وسميت دولتهم الاليخانية إلى أن تسلم الجلائرين دويلتهم "قرا قونيلو" ثم "آق قونيلو" التي بدأ حكمها منذ سنة 806هـ، وكان آخر حكامها سلطان مراد الذي حكم سنة 903هـ، وفي سنة 914هـ اراد الشاه إسماعيل احتلال بغداد فأرسل قائده حسين بك لاله، وانهزم والي بغداد "باريك"، وقد استبشر "نقيب النجف" محمد كمونة بعد أن كان والي بغداد "باريك" قد حبسه لأنه كان ينتظر الشاه، ويؤمل أهلي بغداد والعراق بأن الشاه إسماعيل سلطان عادل.(42/31)
دخل حسين لاله بغداد دون قتال وأخرج محمد كمونة من السجن ورحب به وعظمه، وذهبا هو والوالي إلى الشاه إسماعيل ليبشروه بفتح بغداد().
دخل الشاه إسماعيل بغداد وكرم محمد كمونه وأعلى مقامه ثم زار كربلاء والنجف وأكرم أهلها وعمرها بالذهب والفرش والسجاد الثمين. ثم أدب بعض عشائر الجنوب. هذا خلاصة أعماله في العراق.
وعودة إلى ما فعله الشاه إسماعيل في بغداد، فأهل بغداد لم يقاوموا الشاه لأن محمد كمونه أخبرهم بعدله وكان لاضطراب الأوضاع في زمن "آق قونيلو" يؤملهم بظهر حاكم جديد ينقذهم مما هم فيه، ولكن الشاه إسماعيل أمر قائده حسين لاله بتهديم مدينة بغداد وقتل أهل السنة والصلحاء، وتوجه إلى مقابر أهل السنة ونبش قبور الموتى وأحرق عظامهم. وبدأ يعذب أهل السنة سوءالعذاب ثم يقتلهم، وهدم قبر أبي حنيفة وعبد القادر ونكل بقبر أبي حنيفة ونبش قبره(). وقتل كل من ينتسب لذرية خالد بن الوليد رضي الله عنه في بغداد لمجرد أنهم من نسبه وقتلهم قتلة قاسية(). وقد أرخ الشيعة في ذلك الزمان لهذه الحادثة حتى قال ابن شدقم "الشيعي" في كتابه "تحفة الأزهار وزلال الأنهار": "فتح بغداد وفعل بأهلها النواصب ذوي العناد ما لم يسمع بمثله قط في سائر الدهور بأشد أنواع العذاب حتى نبش موتاهم من القبور". هكذا يسمي أهل السنة النواصب، بمجرد أنهم لا يؤمنون بعقائد الشيعة فهم نواصب يستحقون القتل(). وقد فر كثير من سنة بغداد، وممن هرب الأسرة الكيلانية بعد أن خرّب الشاه إسماعيل قبر عبد القادر، فر هؤلاء إلى الشام ومصر وحكوا للعالم الإسلامي ما فعل الصفويون الشيعة ببغداد وأهلها().
وصلت أخبار المذبحة العظيمة لأهل السنة إلى بلاد الدولة العثمانية في تركيا، إضافة على أخباره السابقة عن تشييع أهل السنة بإيران وقتل الآلاف المؤلفة، بل جسر إلى إرسال دعوته إلى داخل الدولة العثمانية.(42/32)
لذا اجتمع السلطان العثماني سليم الأول في عام (920هـ/1514م)، برجال الدولة وقضاتها وعلماءها ورجال السياسة، وقرروا أن الدولة الصفوية تمثل خطراً على العالم الإسلامي بالعموم وعلى الدولة العثمانية بالخصوص، لذا قرر السلطان إعلان الجهاد المقدس ضد هذه الدولة واستبقها بأعمال نلخصها بما يلي:
2…أرسل السلطان سليم مراسلات للشاه إسماعيل الصفوي، وكان السلطان سليم يكلمه بغلظة.
3…طهر بلاد تركيا من الشيعة التابعين للشاه الصفوي.
ولما لم يستجب الشاه إسماعيل لدعوة السلطان سليم الأول بالتسليم قرر السلطان السير بالجيش بقيادته مستعيناً ببقايا أسرة "آق قونيلو"، وأراد الشاه إسماعيل تأخير الحرب لفصل الشتاء كي يهلك الجيش العثماني جوعاً وبرداً.
أحس إسماعيل بالخطر فطلب الهدنة ولكن السلطان استمر في زحفه إلى صحراء جالديران شمال تبريز حتى وصلها سنة 920هـ/1514م)، وسحق الجيش الصفوي الشيعي على أرضه، وفر الشاه إسماعيل تاركاً كل أمواله، وأسرت زوجته، وقتل الخائن "محمد كمونه" السابق ذكره(). وهكذا أخرج الصفوين من العراق بعد احتلال دام ست سنوات منذ (914هـ - 920م)().
شعر الشاه إسماعيل بالضعف وشرع بالبحث عن صديق ليتعاون معه ضد العثمانيين، وكانت للبرتغاليين الصولة العظمى في بلاد العرب وخاصة طموحهم بواسطة اسطولهم في بحر العرب والخليج العربي واستيلاء قائدهم "البو كريك" على مضيق هرمز.
كل هذه الأمور أغرت الشاه إسماعيل لإجراء اتفاقيات وأحلاف مع البرتغاليين، وقد كان تأثير أمه "مارتا" وجدته لأمه "تيودورا" اليونانية تأثيراً واضحاً في ذلك الحلف().(42/33)
وسننقل نص رسالة أرسلها "البوكيرك" إلى الشاه إسماعيل الصفوي جاء فيها: "إني أقدر لك احترامك للمسيحيين في بلادك()، وأعرض عليك الأسطول والجند والأسلحة لاستخدامها ضد قلاع الترك في الهند، وإذا أردت أن تنقض على بلاد العرب أو تهاجم مكة فستجدني بجانبك في البحر الأحمر، أمام جدة أو في عدن أو في البحرين أو القطيف أو البصرة، وسيجدني الشاه بجانبه على امتداد الساحل الفارسي وسأنفذ له كل ما يريد().
وفعلاً تم التحالف مع النصارى البرتغاليين وأقرهم الشاه إسماعيل باستيلاءهم على هرمز مقابل مساعدة الشاه على احتلال البحرين والقطيف. كما اتفق على مشروع لتقسيم المشرق العربي بأن يحتل الصفويون مصر والبرتغاليون فلسطين().
ولكن هذا الحلم لم يتحقق – ولله الحمد – والفضل بعد الله في ذلك للعثمانيين()، لأن الدولة العثمانية كشفت المراسلات بين الدولة الصفية والمماليك للتآمر لاحتلال مصر، فسارعت باحتلال مصر وقضت على المماليك رغم أن هذا الفتح لمصر هو أحد أسباب تأخير السلطان سليم عن القضاء على الشاه إسماعيل ودولته()، كما أن البرتغاليين سيطروا على البحر العربي والخليج العربي.
عاش الشاه إسماعيل في همدان ثم عاد إلى تبريز بعد خروج السلطان العثماني وهلك سنة (930هـ/1524م).
مستحدثات العصر الصفوي
استحدث الشاه إسماعيل بدعاً أصبحت من المسلمات عند من بعده من الشيعة، منها:
4…السب المقترن بالاضطهاد الطائفي، فقد اتخذ من سب الخلفاء الراشدين الثلاثة وسيلة لامتحان الإيرانيين، وأمر بأن يعلن السب في الشوارع والأسواق وعلى المنابر(). والسب موجود عند الشيعة قديماً وفي مؤلفاتهم، ولكنه لم يعلن بصورته البشعة وعلى المنابر إلا في العهد الصفوي.(42/34)
5…تنظيم الاحتفال بذكرى مقتل الحسين رضي الله عنه سنوياً، وإظهار التطبير (ضرب الرؤوس حتى التدمية بآلة حادة وسكين كبير تسمى الطبر)، وضروب الظهور بالزناجيل (وهو الجنزير) حتى الاحمرار، واللطم على الوجوه والصدور، ولبس الأسود منذ بداية شهر محرم، وتبدأ هذه الفعاليات منذ الأول من محرم إلى اليوم العاشر منه يوم (عاشوراء)، وهو يوم مقتل الحسين، ويمنع الزواج شهر المحرم، وهذا الأمر كان قد استحدث بشكل خفيف في الفترة البويهية، ولكن الشاه إسماعيل طوره بهذا الشكل مع الأشعار البكائية التي تؤثر في النفوس كدعاية للتشيّع. ومنذ سنة (907-930هـ) ليومنا هذا والشيعة في إيران والعراق ولبنان وباكستان يعتبرون هذا من صلب دينهم، وإذا ما أراد حاكم أو مسؤول منعه قالوا: هذا يعادي التشييع. وهم يعلمون أولاً أن الشاه إسماعيل هو أول من أوجد هذه البدع لنشر التشيع. ويذكر الدكتور علي الوردي – وهو شيعي -: أن الشاه إسماعيل اقتبس هذه المراسيل من النصارى حيث كانوا يقومون بطقوس دينية عن مصاب المسيح والحواريين، لذلك كان يدعو النصارى لحضور مواكب التعزية().
6…وضع الشهادة الثالثة في الأذان: (أشهد أن علياً ولي الله)، وهذه البدعة وضعتها فرقة شيعية () في القرن الرابع للهجرة، ذكرهم عالم شيعي هو ابن بابويه القمي ولعنهم، وكذا حاربها أشهر علمائهم وهو الشيخ الصدوق في كتابه "من لا يحضره الفقيه". ولكن الشاه إسماعيل الصفوي أمر به ورفضه في وقته علماء الشيعة. ولم تدخل هذه البدعة في العراق حتى سنة (1870م)، أدخلها ناصر الدين شاه عندما زار النجف في زمن الوالي العثماني مدحت باشا()،(42/35)
ومنذ ذلك اليوم وإلى يومنا هذا أصبح هذا الأذان من مسلمات الشيعة في إيران والعراق ولبنان وجميع تواجد الشيعة في العالم، وسكت علماءهم وهم يعلمون حق العلم أن الأوائل لعنوا فاعليه وإنما فعله المفوضة الغلاة، وهكذا أصبحت أفكار الشيعة الغلاة المرفوضة هي شعائر مسلم بها في عهد الشاه إسماعيل وأصبحت من مسلمات المذهب، وسكت على ذلك جميع المراجع الدينية، وجاءت الثورة الإسلامية في إيران فأحيت كل ما فعله الصفوييون.
25…السجود على التربة الحسينية وهي قطعة من الطين يسجد عليها الشيعة بدل الأرض تسمى "التربة الحسينية"، وأصبحت يومنا هذا جزءاً من دين الشيعة وما هي إلا طريقة لتميز الشيعة عن غيرهم، وأوجدها الشاه إسماعيل فأصبحت من المسلمات الدينية.
26…ضرورة الدفن في النجف، فقد كان يؤتى بالجثث متعفنة من إيران لبعد الطريق وصعوبة التنقل من أجل الدفن في النجف، واشتغل لذلك تجار إيرانيين لنقل الجثث بعد تجفيفها ومثل بالإنسان الشيعي ميتاً كي يوصل إلى مقبرة النجف بعد استحداث هذه البدعة، وإلى يومنا هذا سرت هذه البدعة حتى أصبحت من بدهيات شيعة العراق الدفن بالنجف.
27…تغيير اتجاه القبلة في مساجد إيران باعتبارأن قبلة أهل السنة خاطئة، ومن ثم أصبح الشيعة وإلى يومنا هذا يصلون منحرفين عن القبلة الأصلية لأهل السنة.
28…أجاز علماءه السجود للإنسان وهذه ابتدعها الشاه إسماعيل للقزلباشية، فقد كان يسجد له، واليوم يكرم السادة والعلماء بشكل مغال فيه، وأما السجود فقد انتشر بين شيعة البهرة "الإسماعيلية"، ولكن كل الشيعة يسجدون للقبور ولو بخلاف القبلة.(42/36)
29…إجراء مرتبات ضخمة لعلماء الدين الشيعة ومنحهم إقطاعات وقرى زراعية وأوقاف خاصة، كي يستطيعوا أن يفتوا للسلطان ما يشاء. وهكذا برزت فكرة جمع المال للعلماء وعلماء الحوزة كلهم من أغنى الناس، فمؤسسة الخوئي في لندن تملك الملايين من الدولارات وقيل أكثر، وهذا الخميني عندما كان بالعراق كانت ثروته هائلة جداً، حتى إنه عندما رحل من العراق إلى فرنسا للإقامة حول مبالغ طائلة، واليوم يمتلك الحكيم "عبد العزيز" ومقتدى وغيرهم الملايين، وهذه بدعة فارسية أشار لها شاعر الشيعة أحمد الصافي النجفي عندما أحس بثراء علماء الدين الشيعة فقال:
عجبت لقوم شحذهم باسم دينهم……وكيف يسوغ الشحذ للرجل الشهم
لئن كان تحصيل العلوم مسوِّغاً……لذاك فإن الجهل خير من العلم
لئن أ وجب الله الزكاة فلم تكن……لتعطى بذل بل لتؤخذ بالرغم
أتانا بها أبناء() ساسان حرفة……ولم تكن في أبناء يعرب من قدم
وهكذا استطاع الشاه إسماعيل جعل إثراء العلماء ديناً بعد أن كنا نقرأ عن زهد علي رضي الله عنه وآل البيت، فاليوم أصبح أغنى الناس السادة().هذه بعض مستجدات ومستحدثات الشاه إسماعيل، وللمزيد راجع بعض المراجع ().
عصر ابنه الشاه طهماسب
تولى العرش الصفوي بعد وفاة أبيه وعمره (11سنة) وذلك سنة 930هـ/1524م)، لذلك فإن القزلباشية هم من حكم الدولة.
استغل الأوزبكيون "السنة" ذلك وهجموا على خراسان واستولوا عليها سنة (933هـ)، وهزمت قواد طهماسب، ولكنه سنة (935هـ) أعادها.
وأقام الشاه طهماسب حلفاً (إيرانياً-أوروبياً)، ضد العثمانيين، فأرسل السفراء إلى ملك المجر، وإمبراطور النمسا (شارل السابع)، وهذا الحلف الدافع له هو ظهور السلطان سليمان القانوني سنة (1525م) ويومها ذعر البلاط الإيراني للدولة الصفوية وبدأ بتحريض الشيعة في بلاد تركيا ضد الدولة العثمانية.(42/37)
وفعلاً تم ذلك، ففي سنة 1926م، في منطقة يوزغاد قام الشيعي "بابا ذو النون" بتمرد من (3-4) آلاف شيعي وسيطر على المنطقة وفرض الجزية وهزم بعض القواد العثمانيين إلى أن قمعها السلطان سليمان ودمرها().
وأكبر من ذلك تمرد في منطقة (قونية) "مرعش" جنوب تركيا حالياً، بقيادة قلندرجلبي، ومعه (30) ألف شيعي، وقاموا بقتل السنة وكان شعاره في قتل السنة: "من قتل مسلماً سنياً ويعتدي على امرأة سنية يكون بهذا قد حاز أكبر الثواب". واستطاعوا في البداية قتل قواد أتراك كبهرام باشا، ولكن السلطان أرسل الصدر الأعظم إبراهيم باشا فقتلهم وقضى على تمردهم().
وكان سليمان يخطط لجهاد أوروبا وفتحها وتم له بعض ذلك.(42/38)
عودة إلى طهماسب والعراق، فعندما خسر الشاه إسماعيل في موقعة "جالديران" ضعف نفوذه في العراق لأن التجار الإيرانيين استمروا بالدخول والخروج إلى العراق، وكان العراق يحكم من قبل الحكام الأتراك بقايا "آق قونيلو" ويحاول الحكام الصفويين أن يستميلوا الحكام لهم، ولكنهم لم يفلحوا، وقد حكم العراق حاكم من منطقة إيرانية يدعى "ذي الفقار"، ولكنه لم يتبع طهماسب، وحكم العراق وحاول أن يعلن ولائه للعثمانيين، فهاجم طهماسب بغداد ولم يفلح، ولكنه استخدم الغدر، فأغرى أخوة ذو الفقار بقتله فقتلوه وسلموا الشاه بغداد، وعين عليها ضابط لكل ولاية في العراق، ورجع طهماسب إلى عاصمته قزوين(). لكن أهالي بغداد هرعوا يراسلون السلطان سليمان القانوني كي يخلصهم مما حل بهم وما سيحل تحت الحكم الصفوي. استعد السلطان سليمان القانوني لاستعادة مدينة بغداد، وأرسل رسائل تهدد طهماسب فذعر البلاط الإيراني فراسلوا ملك هنغارية كي يعاونهم ضد العثمانيين، لكن سليمان القانوني أعدم كل الأسرى الإيرانيين الشيعة. فتحرك الهنغاريون فوجه الجيش العثماني لهم أولاً، ووجه مجموعة من ضباطه على تبريز لاستعادتها ومن تمرد من أصحاب الولايات. ودخلوا تبريز دون دم وسيطروا على عموم أذربيجان.
توجه السلطان سليمان بعد ذلك إلى بغداد، وانهزم واليها التابع لطهماسب ودخل سليمان القانوني بغداد وفتح العراق وتبع للدولة العثمانية، وأعاد قبر أبي حنيفة ورفاته وبناه من جديد، وقيل إنهم وجدوا رفاة أبو حنيفة كاملاً في كفنه، وأعيد إلى قبره وبنى عليه قبة، ولكنه زار قبر موسى الكاظم، وزار كربلاء والنجف وأنقذ مدينة كربلاء من الفيضان وبنى سدوداً. ثم رجع وخلص جميع العراق له بل حتى البحرين والقطيف(). كل ذلك كان سنة (941هـ/1534م)، وسيطر نهائياً على تبريز سنة (944هـ) ونقلت عاصمة الصفويين إلى قزوين.(42/39)
تعب طهماسب عسكرياً لذا طلب الصلح من العثمانيين ووقعت معاهدة "أماسيه" سنة (961هـ/1555م).
بعدها حاول طهماسب إقامة علاقات مع إنكلترا، وفكرت إنكلترا بدخول أرض الصفويين فأرسلت تاجراً يحمل رسائل من الملكة اليزابيث الأولى ولكنه في الحقيقة جاسوساً وذلك سنة (965هـ/1558م).
كان طهماسب محباً للعبث والشراب والطرب، وكانت دول أوروبا تذهب إليه لتحريضه على العثمانيين كما فعل سفير فينسيا، ولكن طهماسب كان همه المال والنساء وفسدت بلاده وكثرت الرشوة حتى قيل إنه مات مسموماً من إحدى زوجاته(). وأهم ما يميز فترة الشاه طهماسب:
استدعاءه لعالم شيعي معروف من لبنان وهو نورالدين علي بن عبد العالي الكركي، هذا العالم السيئ الذي برر كل أفعال الصفويين السيئة وألف لهم كتباً تؤيد ما استحدثوه، فألف كتاباً في التربة الحسينية، وجواز السجود للإنسان، وألف كتاباً يؤيد السب والشتم للصحابة بعنوان: "نفحات اللاهوت في لعن الجبت والطاغوت"، أي أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وكان يفضل لعن الصحابة على التسبيح لله. وألف رسالة في تغيير القبلة؛ لذا سماه خصومه الشيعة بأنه "مخترع الشيعة"، لأنه ابتدع وبرر أفعال الصفويين كلها.(42/40)
وأخطر من ذلك كله أنه جعل صاحب الدولة الصفوية (نائب الإمام الغائب)بالوكالة(). فكان ذلك أول تمهيد لنظرية "ولاية الفقيه"، والكركي ذهب أيام الشاه إسماعيل سنة 916هـ، إلى إيران واطلع على الأوضاع ثم رجع إلى النجف ليدرس الحالة الجديدة، فعقيدة الشيعة تقول بالتقية وعدم الجهاد إلى ظهور المهدي، والحالة الجديدة في إيران تخالف المعتقد فلا بد من نظرية جديدة فاخترع "نيابة عامة للفقهاء" عن الإمام المهدي، ولكنها ليست للشاة، ورأى طهماسب أن يجلب الكركي لتكون السلطة للفقهاء التابعين له، ويبعد القزلباشية الذين تحكموا به صغيراً، لذلك سلم طهماسب الحكم للكركي، والكركي أجاز شكلياً لطهماسب بالحكم، ولكن القزلباشية سمت الكركي فمات مسموماً سنة (940هـ)().
الشاه إسماعيل الثاني
مات الشاه طهماسب مسموماً وحدث صراعاً حول العرش حتى وصل إلى إسماعيل ابنه وكان أبوه قد سجنه مدة (25سنة)، فأخرج، وأول ما قام به قتل أخوته واحداً بعد الآخر، وقتل حاشية القصر بدموية وسمل عيونهم, هكذا نقل وقيل.
ولكنه لم يدم طويلاً فبعد مدة دخل عليه جماعة وقتلوه سنة (985هـ)، وقيل إنه أبعد العلماء ولم يعترف بـ "نيابة الفقهاء" وأن العلماء كانوا يلعبون بأبيه، فاتهمه العلماء بأنه أصبح سنياً وقتلوه. والبعض يؤكد أنه تحول إلى سني فقتل().
الشاه محمد خدابنده
وهو ابن طهماسب جلس علىالعرش سنة (985هـ)، وكان ضعيف البصر لدرجة العمى، ولكنه كان جباراً، فقد قتل أخته (بريخان) لما لها من نفوذ عالي في القصر، كما قتل أخواله، وحتى أطفال أخيه إسماعيل الثاني، وحصل قتال بينه وبين العثمانيين زمن السلطان مراد الثالث، وحاول القزلباشية التلاعب بالحكم ووضع حاكم يناسبهم، ولكن ابنه عباس وكان عمره (17) سنة فطن لذلك فجمع جيشاً كبيراً من القبائل وخلع أبوه سنة (955هـ/1587م)().
عهد الشاه عباس الكبير(42/41)
كان الشاه عباس على صغره رجلاً صاحب دهاء ومكر، وكل شيء يفعله غايته تبرر وسيلته، فقام بقتل مربيه وخير قواده، ومدة حكمه كانت (42سنة)، من سنة (996هـ - 1038هـ) (1587-1628م)، وكان أول ما قام به معاهدة صلح مع العثمانيين سلم مدناً كثيرة متنازلاً للعثمانيين. كما شرط عليه إيقاف لعن الخلفاء الراشدين الثلاثة، والذي كان معمولاً به في إيران فقبل. وأبقى ابن أخيه رهينة عند العثمانيين فوافق على كل الشروط().
كان الأوزبكيون السنة قد استولوا على خراسان وعلى مدينتي مشهد وسبزوار سنة (1002هـ)، ولكن مات ملك الأوزبك عبد الله خان وقتل أخوه عبد المؤمن فهاجمهم في مدينة هراة وطردهم من المنطقة سنة (1006هـ).
بعد ذلك اتصل الشاه عباس ببريطانيا لترسل له خبراء أسلحة ورحبت ذلك بريطانيا فأرسلت له "السير أنطوني شيرلي" وأخوه السير "روبرت سيرلي"، واتفقوا على تكوين جيش جديد من حملة البنادق بدل الرماح والسيوف، كما أدخل المدفعية وبنى مصانع، كما إنه كون قبيلة سماها "شاهسون" أي أصدقاء الملك وهو تجمع على أساس الولاء للملك لا على أساس القربى والنسب(). كما إنه ساعد الإنكليز في إضعاف النفوذ الهولندي في الخليج العربي، وإبداله بالنفوذ الإنكليزي، واشتركا معاً بجيوش لتنفيذ هذه المهمة واستمرت حروبهم حتى سنة (1034هـ).
أما حروب الشاه عباس ضد العثمانيين فبدأت عندما شعر الشاه بقوته، شرع بإرجاع ما أعطاه لهم في معاهدته مثل مدينة "تبريز" كما إنه حاول احتلال "شروان وديار بكر"، ثم توجه أخيراً إلى بغداد().(42/42)
والشاه عباس كان طائفياً بشكل جلي، وأشنع ما أراد فعله أنه حاول أن يقنع الإيرانيين بالتخلي عن الذهاب إلى مكة لأداء فريضة الحج والاكتفاء بزيارة قبر الإمام الثامن علي بن موسى الرضا في مدينة مشهد، لأن الواجب القومي يحتم عدم السفر عبر الأراضي العثمانية ودفع رسم العبور، وكان يحث رجال الدين لتعظيم زيارة الرضا، كما إنه تردد مراراً لزيارته ومشى مرة على الأقدام إلى مدينة مشهد ويقال إنه مشى أكثر من (1300كم) ().كم إنه عامل الأكراد السنة معاملة سيئة، فقد طلب منهم الدخول في المذهب الشيعي فرفضوا مما أدى بالشاه عباس إلى قتلهم وشردهم إلى بلاد خراسان ليكونوا حاجزاً بينه وبين الأوزبك، وقد قتل في أيام (70ألف كردي)، ورحل (15000) عائلة كردية().
وكان يقتل أسرى العثمانيين والأوزبك فإن لم يقتلهم سمل عيونهم، إلا إذا تخلى عن مذهبه فله حكم آخر(). وكان أحياناً يمثل بعلماء السنة فيقطع آذانهم وأنوفهم وتعطى هذه الأعضاء لعوام السنة لأكلها().
وكما كان يحاصر مدناً سنية من أجل تسليمه شخص مطلوب وإلا قتل المدينة كما فعل مع مدينة همدان().
بينما كان يكرم النصارى سواء من كانوا من أهل إيران أو رعايا الدول الأوروبية، بل كرم حتى التبشير المسيحي في إيران. وبنى مدينة للأرمن قرب أصفهان، تدعى "جلفا"، وكان يكرم النصارى بشكل غير طبيعي، لذا أقبل تجار أوروبا من كل حدب وصوب إلى إيران، واصدر قوانين بإعفائهم من الضرائب، ومنع رجال الدين الشيعة من إزعاجهم أو مناقشتهم، وكان يقدم هدايا لحم الخنزيرإليهم، وأمر جميع أعضاء البلاط باحتساء الخمر مشاركة للمسيحيين حتى ولو في شهر رمضان، وبنى لهم الكنائس، بل كان يشاركهم أعيادهم وسماع مواعظهم، مما شجع بعض القساوسة لدعوته للدخول في الدين النصراني ولكنه اعتذر بلطف().(42/43)
أما خلاصة ما فعله في مدينة بغداد، فقد ثار قائداً من القواد العثمانيين على والي بغداد يدعى (بكرصوباشي) وسيطر على بغداد وخاف من بطش العثمانيين، فأرسل إلى الشاه عباس يطلب منه دعمه مقابل أن تكون بغداد تابعة له()، رحب الشاه عباس بذلك، حتى يستعيد بغداد ويتمكن من زيارة النجف وكربلاء، وتكون تحت تصرفه.
توجه صوب بغداد وعندما اقترب من بغداد طلب من "بكر صوباشي" مفاتيح بغداد، ولكن بكر رفض تسليمه خوفاً من الغدر به.
واستطاع الشاه عباس دخول بغداد والسيطرة على الموصل وكركوك وسيطر على أغلب العراق وذهب إلى النجف. ولكن ماذا فعل الشاه عباس ببغداد؟
هتك حرماتها وأستارها، ورمل نساءها، ويتمت الأطفال، وأتلفت الثروات، وخربت الجوامع، وجعلت أرضاً منبسطة، وهدمت المراقد ونهبت ومنها مرقد أبي حنيفة وعبد القادر الجيلاني. وأما العشائر فنكل بها وأجرى عليهم عدة مظالم.
والشاه عباس خدع أهل بغداد عندما وعدهم بالأمان كي يسلموا اسلحتهم، وأخذ يقتل ويعذب الآلاف ورفض كثير من أهل بغداد تغيير عقيدتهم وفضلوا الموت على التشيع ولو بالظاهر، وأخذ أطفالهم والنساء فباعهم كعبيد إلى إيران ولم يعرف لهم خبر، وكان ينوي إبادة أهل السنة في بغداد، لذا طلب من سادن وخادم كربلاء إعداد قوائم لأهل السنة والشيعة كي يبيد أهل السنة، وحول المدارس الدينية إلى اصطبلات وهدم مرقد أبي حنيفة ومشهد عبد القادر الجيلاني، ثم عين والياً لها وغادرها إلى بلاده، وكان ذلك سنة 1033هـ(). وفي سنة 1038هـ، هلك الشاه عباس.
وولي بعده الشاه صفي الأول سنة (1038هـ)، وفي عهده وفي سنة (1048هـ) حرر العثمانيون منه مدينة بغداد وكل العراق ولم يستطع الصفويون عمل أي شيء للعراق بعد ذلك، علماً بأن إيران هي البلد الوحيد المجاور للعراق والتي لها أطماع في احتلاله دائماً، واعتداءات إيران علىالعراق أشهر من أن تذكر.
المستحدثات في عصر الشاه عباس(42/44)
3…أقام أعياداً لكل يوم ولادة إمام من الأئمة الاثني عشر، كما أقام العزاء في ذكرى وفاتهم، وخصص (8) أيام لعلي بن أبي طالب في رمضان().
4…أبقى وأيد كل ما استحدثه الشاه إسماعيل.
5…خصص زيارة الرضا.
6…سمى نفسه (كلب عتبة علي)، أو (كلب عتبة الولاية)، ونقشه على خاتمه.
الدولة الصفوية بعد الشاه عباس
استمرت الدولة الصفوية بعده قرابة (100) عام) وانتهت سنة 1148هـ، وكل من حكم من الصفويين كان غير ملتزم بالدين، فكلهم قتل من عائلته ابنه وأخته وابن أخيه، وطرقهم وحشية في التعذيب والقتل العشوائي وشرب الخمور، هذه هي معالم الدولة الشيعية الاثني عشرية الأولى، وكان تغطي على هذه السلوكية بإقامة الشعائر الحسينية لنصرة آل البيت.
خاتمة مهمة
هذه هي الدولة الصفوية (907هـ - 1148هـ)، قرابة 250 سنة، الدولة الشيعية الإمامية الأولى في التاريخ، إذ أن الدولة الفاطمية دولة شيعية إسماعيلية، والبويهية هي دولة زيدية. فكان أول دولة شيعية إمامية، شيعت إيران بالقوة فقد كان الشيعة نسبتهم في بلاد إيران تقدر (10%)، وأصبحت اليوم (65%)()، والسنة على كونهم (35%)، فلا قيمة لهم في إيران، بل إن النصارى والأرمن واليهود والزرادشت والبهائيين والذين مجموع نسبتهم (2%) لهم من الحرية في العبادة والعمل داخل إيران أضعاف ما للسنة.
وعندما جاءت الثورة الإسلامية في إيران، وهي الدولة الإمامية الوحيدة في الأرض أعلنت في دستورها المادة (12): إن الدين الرسمي هو الإسلام، والمذهب الجعفري هو الاثنا عشري، وهذه المادة غير قابلة للتغيير إلى الأبد.
هذا هو التعصب الطائفي، أما التعصب الفارسي فظهر في الدستور عندما اشترطوا أن يكون رئيس الجمهورية "فارسياً".(42/45)
إن سلوكية الشيعة في كل وقت وزمان سلوك واحد، لأنه ينبثق من مصادر واحدة، فمؤلفاتهم كلها دعوة لتعذيب وتقتيل أهل السنة (النواصب)، فإذا استضعفوا استعملوا (التقية)، وإذا تمكنوا استعملوا اشد أنواع القتل والتكفير لأهل السنة، منطلقين من عقدة الاضطهاد التي تولدت وولدت عند أتباعهم، مثلما ولّد اليهود عندهم عقدة المظلومية والاضطهاد، والتي تولد الحقد الدفين.
لقد تربى الشيعة على هذه العقد أكثر من (13) قرن، وكلهم وإن بنسب مختلفة يحمل هذه العقد، لذلك إذا تمكن الشيعي فعل ما يندى له الجبين، والسنة لا يصدقون كل ذلك لأنهم أحياناً لا يفهمون الدوافع الحقيقية للشيعة.
ما أريد قوله، إن حقد الدولة الصفوية لم يأت على الدولة العثمانية ولا على قومية معينة، بل هي وزعت حقدها على أهل السنة، سواء كانوا إيرانيين أو عراقيين أو أفغان أو أوزبك أو أتراك، كلهم مشتركون بالسنية وهذا جرم يكفي لقتلهم وتعذيبهم: {وما نقموا منهم إلا أن يومنوا بالله العزيز الحميد} [البروج :8]، وصدق الله إذ يقولك: {إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا} [الكهف:20].
نعم، هذا ما فُعل سابقاً، واليوم يفعل في العراق مع أهل السنة، يقتل المرء لكونه سنياً، ولا يضحك عالم أو مثقف أو سياسي على أهل العراق بقوله :إنها فتنة طائفية، فإن قيادات اليوم للعراق أخرجوا معتقدهم الحقيقي الذي وضعته الدولة الصفوية ونفذته، فحذار حذار .. وسيفعل حزب الله في لبنان ما فعل في العراق، وسيفعلون في البحرين والكويت والسعودية ما فعلته القيادات الدينية الشيعية في العراق بالسنة.(42/46)
فهذا "حزب الدعوة الإسلامي" في العراق، ألم يقل لنا الإخوان المسلمين وغيرهم إنهم تلاميذ الداعية والعالم الشيعي محمد باقر الصدر وأنهم معتدلون خلافاً لغيرهم. فماذا فعلوا عندما تمكنوا، إبراهيم الجعفري من قياداتهم، وجواد المالكي من قياداتهم، وكلاهما تتلمذ على محمد باقر الصدر، فماذا فعلوا عندما حكموا العراق؟؟
إن الناطق باسم (جواد المالكي) علي الدباغ وهو من حزب الدعوة يكرر عشرات المرات في الفضائيات: إن الشيعة ظلموا (14) عشر قرناً، آن لهم أن يأخذوا حقهم. وعندما ذهب وفد جماعة الإخوان لتهنئة الخميني بنجاح ثورته الإسلامية، أخبرهم نائبه أنهم – أي السنة – حكموا (14) قرناً، وآن للشيعة أن يحكموا العالم الإسلامي.
نصيحة لجميع السنة في العالم:
إن الجهل بعقيدة الشيعة وبدولتهم الصفوية وما فعلت في العالم الإسلامي في وقتها، يشمل أغلب علماء الأمة ودعاتها ومثقفيها وساستها،ولكي تصدق اسأل من شئت: ماذا تعرف عن الدولة الصفوية؟ فلن تجد جواباً.
لقد تغافلت معظم الجماعات الإسلامية عن عقيدتنا السنية التي كتبها علماءنا ، هذه العقيدة التي فضحت مسالك الشيعة فلم ينخدع أجدادنا بهم، ولكننا اليوم نتيجة هذا التجاهل لما كتبه الأجداد أصبح غالب الجيل الإسلامي اليوم لا يعرف عن خطر التشيع شيئاً بدعاوى مختلفة مرة بدعوى شيعة اليوم غير شيعة الأمس ومرة بأن خطر العدو الصليبي الصهيوني داهم ولا وقت للبحث عن الشيعة وعقائدهم وتاريخهم ونسوا التحالف الصفوي على أوروبا النصرانية لحرب العثمانيين السنة. واليوم تتحالف إيران "الشيعية" مع أمريكا لإسقاط أفغانستان والعراق ومن ثم احتلال العراق.
لقد تكرر على ألسنة عامة الشيعة من جيش المهدي وغيرهم :أن اليهود أحسن من السنة، فمن أين لهؤلاء العوام هذه الأفكار!(42/47)
اذهبوا إلى حوزات قم والنجف، اذهبوا إلى جنوب لبنان والبحرين والقطيف لتروا ماذا يدرّس الشيعة أتباعهم من الحقد ومكر الليل والنهار، ويكيف يدربون على "التقية" في وسائل الإعلام على دعوى "الوحدة الوطنية" و"الوحدة الدينية" و"التقريب" و"نصرة فلسطين".
إيران وحزب الله يرددون ليل نهار أنهم أعداء الشيطان الأكبر "أمريكا"؟! وتحالفوا معهم في إسقاط أفغانستان والعراق. ويزعمون أنهم مؤيدون لأهل فلسطين ؟! ولكنهم يقتلونهم في العراق ويغتصبون نساءهم!
يا سبحان الله! هذا كله نتيجة الخلل المنهجي في التربية العقدية للجيل الإسلامي المعاصر. وتاريخياً جري تزوير وتحريف آخر من قبل المثقفين. فروجوا أن الدولة الصفوية كان لها خلاف سياسي مع العثمانيين، وكلاهما كان محتل للبلدان العربية! والقضية ليست دينية ولا مذهبية، بل هي متاجرة باسم الدين. كل هذه الأفكار المنحرفة ربيت عليها الأجيال المعاصرة وغيبت عنهم الحقيقة.
فالجماعات الإسلامية كلها غيبت عن أصحابها حقيقة الشيعة وما يجري:
فالأخوان المسلمين أغلبهم لا يعرفون عن التشيع إلا القليل، أما عن الدولة الصفوية فلا يعرفون شيء.
بل إن مرشد الإخوان في مصر "محمد مهدي عاكف" يشبه "نصر الله" بصلاح الدين، وما درى أن نصر الله يأنف التشبه بـ "صلاح الدين"، فهم يكرهونه كرهاً أعمى، وقد كتب المفكر الشيعي اللبناني "الأمين" كتاباً في ذم صلاح الدين.
وحزب التحرير مغرق في تنظيره السياسي وتحليلاته الغريبة والعجيبة، بل إن بعض منظري الحزب في لبنان هم من الشيعة. وهم من أوائل من زار الخميني ونقدوا دستوره لأنه مذهبي وليس إسلامي، ومع كل هذا يقولون أن ما يجري في العراق هو من فعل بريطاني وأمريكي، وأما إيران فلا وألف لا!
ولعلهم في مستقبل الأيام وحين يفرض الواقع نفسه يعلمون الحق، سيما وإن لهم حب للدولة العثمانية دولة الخلافة، فما بالهم لا يقراءون ماذا فعلت دولة الخلافة بالصفويين.(42/48)
وأما التيارات الصوفية فلا شأن لها في الشيعة بل أصبح همهم الأول حرب الوهابية، ومن الغريب أن محققاً عراقياً في الثمانينات حقق كتاب "الغنية" للشيخ عبد القادر الجيلاني رحمه الله، فقام بمحو ما كتبه الشيخ عبد القادر في ذم الشيعة، والمحقق صوفي معروف بالعراق!!
وقد أتعبوا أهل السنة في الثمانينات والتسعينات عندما كان همهم الأول في العراق حرب أهل السنة في العراق بدعوى "الوهابية"، وكانوا يصرحون بخطر الوهابية أشد من خطر التشيع!
وقد علموا اليوم من هو أشد خطراً، وأنكى فعلاً عليهم. بل هم اليوم مدخلاً للتشيع في مصر واليمن، وقد حاول إبراهيم الجعفري أن يؤسس تحالفاً مع الطريقة القادرية في العراق ولكنه لم يفلح والحمد لله.
وأما التبليغ فلا شأن لهم بالشيعة البتة!
وأما الجماعات السلفية ومع أنهم من أشد الناس وعياً بخطر الشيعة – بفضل الله أولاً، ومن ثم بكتابات شيخ الإسلام وكتابات إحسان إلهي ظهير ومحب الدين الخطيب وغيرهم فلم تعد كل الجماعات لها نفس الوعي السابق.
فبعضهم مشكلته الأولى الإرجاء والتكفير!
وبعضهم بعيد عن مشكلة التشيع، حتى أصبحت الدوائر الأمنية في بلادهم أكثر وعياً منهم بخطر الشيعة.
وآخرون منشغلون ببعضهم البعض، ومنهم مختلفون هل يؤيد حزب الله في حربه أم لا!
إن على كل الجماعات السنية سواء كانوا من الأخوان والتحريرية، والتبليغية، والصوفية، والسلفية وغيرها من الجماعات أن يعوا أن التشيع الصفوي والإيراني لا يفرق بينهم، فكلهم يحملون وزر السنة! رضوا بذلك أم أبوا، وليعيدوا قراءة التاريخ، وليعيدوا قراءة الدولة العثمانية، وليعيدوا قراءة عقائد علمائهم من أي مسلك كانوا، سواء أكانوا أشعرية، صوفية، ماتريدية، سلفية ..) عن حكم الشيعة.(42/49)
أسأل الله أن يكون هذا المقال، وهذا التوضيح دافعاً لجميع السنة لمعرفة الحقيقة، وأهل السنة عندما حكموا كانوا أهل عدل حتى مع جميع الفرق الإسلامية واللاإسلامية، ومع جميع الأديان، وحتى لو لم يعدلوا، لم يقتلوا ويمثلوا ويهجّروا كما فعلت الشيعة في عهد الصفويين، وما تريد إيران الشيعية فعله بالعالم الإسلامي.
أسأل الله القبول ، والله من وراء القصد
عبد العزيز بن صالح المحمود
?
حقيقة التشيع الصفوي
مختصر كتاب "التشيّع العلوي والتشيّع الصفوي"
للدكتور علي شريعتي (1933-1977)
إعداد
مجلة الراصد الإلكترونية
www.alrased.net
التشيّع العلوي هو التشيّع الذي صدع به علي رضي الله عنه في وجه الظلم والتمييز والاستبداد، وهو التشيّع الذي تجسد في حياة الأئمة الأطهار، تشيّع التوحيد والحب والمعرفة، تشيّع الإنصاف والثورة والكبرياء، وكان لهذا التشيّع قبول ورضى، لما امتاز به من دعوة للتوحيد، ونبذ للغلو والتطرف.
إلا أن هذا التشيّع المضيء تعرض لعملية مسخ وتشويه بأيد شيعية ، فرّغته من مضمونه ومحتواه، وأدخلت عليه ما ليس منه وحدث ذلك بعد أن تحول التشيّع إلى تشيّع حكومي على يد الدولة الصفوية التي حكمت إيران بدءاً من القرن العاشر الهجري ، واستمر هذا النهج بعد قيام ثورة الخميني في إيران.
هذا ما نقدمه يصدع به مفكر شيعي بارز وهو الدكتور علي شريعتي في هذا الكتاب، الذي يهدف لإبراز محاسن التشيّع العلوي الذي كان يتجسد في سيرة الإمام علي والأئمة (ع)، وهو تشيّع يقوم على التوحيد والوحدة الإسلامية والمعرفة، كما أن د.شريعتي يحذر في كتابه هذا من الأفكار الدخيلة والمنحرفة التي أدخلها الصفويون على التشيع، وصار التشيّع الشائع هو التشيّع المنحرف عن نهج آل البيت.(42/50)
ونحن إذ نقدم اختصاراً للكتاب، فإننا نقدمه كمحاولة لتحقيق الوحدة الإسلامية بين أبناء المسلمين جميعاً، ونعرضه كمقدمة لتحقيق التقارب بين السنة والشيعة بنبذ الأفكار المتطرفة التي تعوق وحدتهم، وهو دعوة للعودة إلى النبع الصافي الذي كان عليه النبي ? والأئمة الأطهار.
وأما التشيّع الصفوي فقد أوضح د. شريعتي فساد الدولة الصفوية التي نشرته ونقض أسسه أركانه وأهمها :
4…التناقض الكبير في تصوير الأئمة، فتارة يضعهم هذا التشيّع في مرتبة الربوبية ، فيصورهم على أنهم يخلقون ويرزقون ويدبرون الكون ، وتارة أخرى يصورهم أجراء وتابعين ومتذللين للخلفاء والحكام.
8…تحويل التشيّع العلوي المضيء القائم على التوحيد إلى تشيّع مشبع بالشرك والخرافة، كعبادة القبور، وتأليه الأئمة، والاعتقاد بتحريف القرآن .
9…إهمال جوانب الاتفاق مع باقي المسلمين، وتغذية جوانب الاختلاف والفرقة.
10…وقوف الدولة الصفوية مع النصارى والدول الأوروبية الاستعمارية ضد الدولة العثمانية السنيّة التي كانت تشكّل سدّاً منيعاً أمام هجمات وأطماع هؤلاء الاستعماريين.
11…استيراد الصفويين لعقائد وعادات النصارى وهيئاتهم وإدخالها في التشيّع، وخاصة في المناسبات كعاشوراء.
12…قيام الدولة الصفوية على المذهب الشيعي والقومية الفارسية، وإذكائها للشعور القومي، مما سبب لإيران وشعبها المسلم عزلة، وسلخها عن محيطها الإسلامي.
13…فساد سلاطين الدولة الصفوية و علماء وروحانيين (الاتجاه العرفانى الصوفى) التشيّع الصفوي وما هم عليه من الجمود والغلو وتذللهم للسلاطين وتبريرهم لسياساتهم وتصرفاتهم.
14…اتخاذ علماء التشيّع الصفوي الدين مصدراً للتكسب والترزّق وأكل أموال الناس بالباطل، وإعطاء أنفسهم هالة وقداسة باسم الدين، تمنع الناس من مناقشة آرائهم وانتقاد أفكارهم وتصرفاتهم.(42/51)
15…تحايل الصفويين على العديد من قضايا الدين وإباحتهم للمحرمات كالربا وبعض المعاملات غير المشروعة والتلاعب بالمواقيت عند إجتماع يوم النوروز – وهو يوم عيد - مع يوم عاشوراء – وهو يوم حزن –.
16…إفراغ التشيّع العلوي من مضمونه ومحتواه ، وتضليل المسلمين بالإبقاء على نفس الهياكل والقوالب .
ولعل حديث د. شريعتي المستفيض عن الدولة الصفوية، وما أدخلته من بدعٍ وخرافات على التشيع الأصيل يلفت أنظارنا إلى تجربة الثورة الإيرانية التي سارت على منوال الصفويين في تشويه التشيّع والتحايل على تعاليم الدين وإحداث الفرقة بين المسلمين، وما أشبه الليلة بالبارحة.
فإيران اليوم، وباسم "ولاية الفقيه" تضفي هالة وقداسة على نواب الإمام تجعلهم فوق النقد والمحاسبة، فأدّى ذلك إلى قتل وتعذيب واضطهاد المخالفين في الرأي، و حصل ذلك كله باسم الدين وها هي قضية آية الله منتظري ما زالت ماثلة أمامنا حيث كان ضحية سطوة وظلم زملائه رجال الدين الذين وضعوه تحت الإقامة الجبرية واتهموه بالانحراف – ومن قبل كان آية الله شر يعتمد داري – وهي التهمة التي يتم تلفيقها إلى من يخالفهم الرأي.
وكذلك فإن قضية المثقف والأستاذ الجامعي أغاجاري هي الأخرى تفرض نفسها تجاه ما يقترفه رجال الدين تجاه الآخرين باسم الدين، حين يتم تناول دورهم ومكانتهم وشرعيتها فيكون الرد هو الاعتقال والمحاكم ورميه بالردة عن الثورة أو الدين حتى يتم إعدامه باسم الإسلام!(42/52)
والدين اليوم في إيران مصدر للكسب لهؤلاء وأخذ خمس أموال الناس كونهم نواباً عن الإمام الغائب ، كما أن إيران اليوم تصدر لنا الكتب والمجلدّات والمجلات التي تخالف منهج آل البيت ، ويطفح منها الغلو والتطرف وإحياء أمجاد الصفوية ، وصارت إيران بؤرة توتر واصطدام مع معظم دول العالم الإسلامي كما نرى هذا واضحاً في علاقة إيران مع تركيا وأذربيجان والعراق والخليج ومصر ، وما زالت إيران تحتل جزراً إماراتية ، وترفض حتى مجرد مناقشة الموضوع .
وإذا كانت الدولة الصفوية قد وقفت في السابق مع النصارى الأوروبيين ضد المسلمين العثمانيين، فإن إيران اليوم تعرض عن مساندة قضايا الإسلام في العالم كالشيشان والفلبين وفلسطين وكشمير وأفغانستان والعراق، وبدلاً من دعم قضايا المسلمين ، تدخل إيران في تحالفات مع الدول المعتدية ، فتجدها ترتمي في أحضان روسيا، التي تضطهد المسلمين في الشيشان وتدخل معها في علاقات اقتصادية وثيقة، ونفس الأمر يحدث مع الهند التي تضطهد المسلمين في كشمير وتحارب باكستان المسلمة ، وتوثق إيران علاقاتها معها، وهذه العلاقة موجهة أساساً ضد دولة باكستان المسلمة، وتتصاعد خياناتها للمسلمين للتحالف مع أمريكا لإسقاط إمارة طالبان وبعدها تمنع أتباعها من مقاومة أمريكا في العراق.
والأمر هنا يطول، لكن هذه الأمثلة السابقة دليل على استمرار نهج الصفويين، وأن التشيّع الصفوي الدخيل ما زال مسيطراً وما زال يدعمه حكام إيران.
ولعلّ تنبيه د. شريعتي المسلمين إلى هذا التشيّع الممسوخ، هو الذي جلب له العداء قبل الثورة من قبل رجال الدين المتشددين، وجلب لأنصاره من بعده العداء والاضطهاد، وإن جرأة شريعتي في انتقاد هذا التشيع هي التي أدّت إلى تهميشه وتشويه صورته ، واتهامه بأنه منحرف عن الإسلام، ومعادٍ للإمامة وأنه سنى و… لأن هناك من لا يريد أن يعُود التشيّع العلوي الأصيل، ويريد أن يظل التشيّع الصفوي الممسوخ مسيطراً.(42/53)
ومن أجل مشروع حقيقي للتعاون بين السنة والشيعة على الأسس الثابتة في القرآن والسنة ، قمنا بتلخيص هذا الكتاب وتنقيحه من بعض المخالفات ، وليس هذا تزكية لكل ما في هذا الكتاب أو غيره من كتب شريعتي أو أفكار .
يمكنك الحصول على المختصر كاملاً بتحميل الملف المرفق في الموقع
?
عجز التقي!
قالوا: أعرف تماماً أن أسئلة سياسية سوف تطرح: من المسؤول ومن صاحب المصلحة في كل ما وقع؟ يقيناً أن حزب الله لا مصلحة له في ذلك، وقد تكون هناك أصابع وأياد عملت على صرف التحرك السياسي عن أهدافه المعلنة وإعطائه الطابع المذهبي الذي انتهى إليه.
مجلة الأمان - الجماعة الإسلامية
لبنان 8/12/2006
قلنا: إن كان هذا رأي وقناعة الجماعة الإسلامية فهي مصيبة لا عزاء لها، وإن كان هذا من باب التورية والدبلوماسية فهو جبن وضعف وتضليل للمسلمين في لبنان والخارج.
جلد الفاجر!
قالوا: "إذا كانت معسكرات هذه الدول (دول الخليج) منطلقا للقوات الأمريكية المهاجمة فلماذا يتوقعون أن ينعموا هم بالأمن فيما نحرم نحن منه؟". "وإذا قدم البعض قاعدة أو معسكرا لأمريكا للاستفادة منه في توجيه ضربة لإيران فهل من المنطقي أن يتوقع التنعم بالأمن؟".
فيروز رجائي قائدة مجموعة "كتائب الاستشهاديين"
صحيفة الرأي,20-11-2006
قلنا: هذا تهديد من امرأة لدول ، ويعجز رجال عن اتهام حزب!!!!!
وماذا بعد ذلك؟؟
قالوا: إلا أن المخاطر في الفترة الحالية اتخذت منحي غير طيب ألا وهو دخول العنصر الطائفي في المسألة, وهو ما يؤثر علي مجتمعات الخليج .
الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة وزير خارجية البحرين الأهرام
العربي 2 / 12 / 2006
قلنا: وهل سيكون موقف وزرائنا مشرف وعلى مستوى الحدث.
نصيحة أم عمالة؟
قالوا: حذرت المستشارة نهي الشيعة بشكل عام حوالي سبع مرات في محاضرتها بألا يسبوا صحابة رسول الله إذا أرادوا أن يدخلوا في قلوب عامة المسلمين,
الاهرام2/ 12/2006(42/54)
قلنا: متى يعي بعض الناس أن الشيعة إذا تركوا سب الصحابة خرجوا من تشيعهم؟؟
مصيبة إن صدق!
قالوا: «الأدلة التي لدينا تفيد أن ارتباط إيران بالقاعدة أعمق بكثير من مجرد تزويدهم بمعدات». وأضاف «إنهم يسمحون لهم باستخدام تسهيلات للتدريب للتأكد من أن هجماتهم ستكون فاعلة إلى أبعد الحدود».
مسؤول في جهاز استخبارات غربي
الساحات السياسية 29/ 11/2006
قلنا: للأسف أن تاريخنا المعاصر شهد حالات كثيرة من غباء بعض المخلصين بخدمة عدوهم ، وإن صدقت هذه الأخبار فستكون الخطة الخمسينية لإيران أصبحت قيد التنفيذ على المستوى الرابع.
مذاهب تحت الطلب
قالوا: (لنقبل منهم أن يتدينوا لكن وفق الأنماط التي لا تصطدم مع مصالحنا).
تقرير أمريكي (أين سيكون العالم عام 2020م)
ملحق الرسالة 1/12/2006
قلنا: أين تقارير المسلمين عن هذه المذاهب، وكيفية مقاومتها وهي لم يشتد عودها؟
دجال العراق
قالوا: تصريح عبد العزيز الحكيم إنه وجماعته يريدون في العراق إقامة دولة بعيدة عن التمييز المذهبي، فلا تكون شيعية تقصي السنة، ولا سنية تقصي الشيعة، وهو كلام يمكن قبوله وتصديقه من أي شخص في العراق باستثناء الحكيم.
فهمي هويدى الشرق الأوسط 5/12/2006
قلنا: لو أن هويدي يبقي دوماً متيقظ لحقائق الأفعال الشيعية وليس للأقوال.
فن؟؟
قالوا: أننا مقبلون على لون جديد من الفن الإسلامي يجمع بين المسرح والفيديو كليب، والنشيد والدبكة بأسلوب جديد يناسب متطلبات العصر ويحاكي طموح الشباب والفتيات ورغباتهم ضمن الضوابط الشرعية والأصول والآداب، .... فالموسيقى واللحن أساس في المسرح والنشيد والفيديو كليب، حيث إن الموسيقى تعتبر بمثابة التلوين للصورة، فالأنشودة من غير موسيقى وإيقاع ولحن نراها بلونين فقط.
الشيخ على اليوسف عضو رابطة علماء فلسطين في لبنان - ملحق الرسالة 1/12/2006(42/55)
قلنا: نعم لقد رأينا هذا اللون الجديد من الفن (الإسلامي) على بعض القنوات كالرسالة وإقراء والذي سيعيدنا للفن الصوفي الإباحي، ولذلك لن يطول الوقت لنري المغنيات أو المنشدات الإسلاميات، وكما عادت الفنانات التائبات والمحجبات للفن ستعود المغنيات التائبات له، والمصيبة لو عادات بعض الراقصات؟؟؟!!
منقذ شريف
قالوا: إن الولايات المتحدة «تورطت» في العراق وان «الأمة الإيرانية» جاهزة لمساعدتها على الخروج من المستنقع، شرط أن تغير واشنطن من تصرفاتها العدائية تجاه طهران.
محمود احمدي نجاد الشرق الأوسط 30/11/2006
قلنا: وعلى حساب من سيكون ثمن هذه المساعدة؟؟
الشرك والخرافة تغزونا
قالوا: تهرب بعض الفتيات السعوديات من العنوسة أو من أحزان ما بعد الطلاق أو آلام فقد الزوج الراحل، إلى حفلات الزار ورقصات السامري, بعد أن أوهمهن منظموها بأنها تمتع وتجذب الجن.
العربية نت 26/11/2006
قلنا: إذا كان هذا حال بعض السعوديات، في قلب دولة التوحيد فكيف هو الحال في بلاد الجهل والبعد عن الدين؟؟
بدأ المسلسل
قالوا: أن نحو 200 مسلح فلسطيني وعربي انشقوا مؤخرا عن حركة "فتح الانتفاضة" الموالية لسوريا ويتركزون في شمال لبنان، بينما اتهمت أطراف لبنانية من الأكثرية البرلمانية النظام السوري بالإعداد لـ "مخطط تخريبي يهدف إلى اغتيال 36 شخصية لبنانية" من خلال هذه المجموعة.
خالد عارف أمين سر منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان
العربية نت 29/11/2006
قلنا: هذا ما حذرنا منه سابقا وقد أطلق عليهم ( فتح الإسلام )، سيكون التخريب القادم في لبنان على يد مجموعات سنية فلسطينية وإسلامية ، لكن بتوجيه سوري وإيراني يمر بحزب الله .
…
?
شيعة العراق 00 فصائل متناحرة!
محمود صادق الوطن العربي (15/11/2006)(42/56)
يبدو أن اللاعبين الأساسيين في العراق قد تحالفا ألا يتركاه قبل أن تنفسخ أركان الدولة القومية الواحدة، قبل أيام أصدر مركز التقدم الأميركي للأبحاث في واشنطن تقريراً اعتبر فيه أن الصراع بالعراق أصبح أسوأ من حرب أهلية، وجاء في تقرير المركز أن العراق يخوض الآن ما لا يقل عن أربعة صراعات تهدد بالمزيد من الخروج عن السيطرة، والنزاعات الأربعة المختلفة التي وردت في التقرير هي الحرب المذهبية بين السنة والشيعة في وسط العراق، والتمرد السني في الغرب، والتوتر العرقي بين العرب والأكراد، والصراع الشيعي - الشيعي في الجنوب، وإذا كانت الصراعات الثلاثة الأولى مفهومة وإن كانت مرفوضة فإن تقاتل أصحاب المذهب الشيعي هو الغريب، "الوطن العربي" تبحث في الأسباب التي أدت إلى ذلك والتي تلخصت في كلمتين، إيران وأميركا!.
مسؤول أميركي ذكر بعد عودته نم رحلة سرية إلى العراق أن إيران ستعمد إلى إثارة شقاق واسع بين الشيعة هناك إن هي لم تفلح في تجنيدهم ضمن مخططاتها التي تهدف إلى جعلهم وقوداً في حربها مع المجتمع الدولي بشأن ملفها النووي، وربما تكون تلك الرؤية صائبة لكنها لا تعفي الإدارة الأميركية من مسؤولية إشعال الحروب الأهلية في العراق. ذلك أن الخطط التي تدعمها الولايات المتحدة لإنشاء مناطق تتمتع بحكم ذاتي وتستفيد بشكل غير متساو من الثروة النفطية تهدد بإشعال صراع أكبر بين الفصائل الشيعية المتنافسة يمكن أن يحول العنف الفوضوي القائم بالفعل إلى أقذر الحروب على الإطلاق، وهذا ما أكده أيضاً عدد من المسؤولين بقولهم إن خطط إجراء الانتخابات المحلية العام القادم قبل التشكيل المحتمل لأقاليم فيدرالية جديدة في عام 2008 سيدفع بتلك الصراعات على السلطة إلى الواجهة من أجل الحصول على جانب من السلطة.(42/57)
وقد ذكر مسؤول بالائتلاف العراقي الموحد أنه لا يمكن القول إنه لن يكون هناك قتال، في بعض المناطق قد يصبح الأمر مروعا، نعم سيحاول زعماء كل الفصائل تجنب وقوع معركة ولكن لا يمكن حساب شيء بأي درجة من الدقة في العراق، كما أن بعض العناصر المارقة في أي حزب قد تبدأ الحرب!
وتشير مصادرنا الخاصة إلى أن الصراع الذي بدأ الآن بين الفصائل الشيعية كان من أجل السيطرة على حقول النفط في البصرة والمؤسسات الدينية في النجف، فلم يعد سراً النفوذ الواسع والكبير للميليشيات الشيعية في الجنوب العراقي، حيث يتقاسم هذا النفوذ كل من المجلس الأعلى برئاسة عبد العزيز الحكيم وجناحه العسكري فيلق بدر وحزب الدعوة الإسلامية الذي ينتمي إليه نوري المالكي رئيس الحكومة، وحزب الفضيلة المرتبط بمقتدى الصدر وميليشياته العسكرية "جيش المهدي"، ووصل الأمر بهذه الميليشيات أن تتقاتل فيما بينها حول بسط النفوذ ومن تكون له عوائد النفط المسروق!
وقد ذكرت صحيفة لوس أنجليس تايمز الأميركية أن السبب الرئيسي وراء التصفية والقتل والتنافس هو السيطرة على تجارة النفط العراقي المسروق التي أصبحت رابحة بعد الاحتلال، وقدر مسؤول حكومي قيمة البترول المهرب والمنهوب بحوالي 4 مليارات دولار أميركي، أي ما يعادل 10% من الناتج الوطني العراقي!.
تنافر شيعي(42/58)
إذن قد يبدو شيعة العراق من الخارج مجموعة متجانسة ولكن عند النظر إليهم من الداخل يتبين أنهم يشكلون تركيبة معقدة وغاضبة من التنافس على المال والسلطة، وهذا التنافر الشديد في البناء الشيعي الداخلي أنتج مظاهر وصوراً كثيرة من التناقضات والاضطرابات التي تزيد وترسخ من تبعية الكيانات الشيعية للأطراف الخارجية، بحيث يحق لنا القول إن شيعة العراق إنما ينفذون في الأساس أجندات تلك الأطراف، وحتى هدف إقامة دولة شيعية مستقلة الذي يعتبره أغلبية الشيعة مشروعهم القومي يكتنفه الغموض سواء ذلك في إمكانية تنفيذه أو القدرة على حمايته في حال تحققه، مع اعتبار أن العقبة الأولى في طريق نجاح هذا المشروع هم الشيعة أنفسهم قبل غيرهم.
ونظرياً فإن شيعة العراق جزء أساسي من الشعب العراقي ينتمون عرقا إلى العرب ومذهباً إلى طائفة الشيعة المعروفة منذ القدم في الخريطة الفكرية والسياسية الإسلامية، ويطلق وصف الشيعي في هذه المنطقة على كل من ينتمي إلى المذهب الجعفري ولادة أو اختيارا، فالشيعة ليسوا عرقا ولا جنسا ولا قومية، بل هم مجموعة من الشرائح الاجتماعية التي تتبنى رؤية دينية وفكرية محددة.
ولاية الفقيه
وولاية الفقيه هي الأبرز بين أجوبة ثلاثة للفقه الشيعي التقليدي على السؤال المزمن "من هو الحاكم الأمثل وما هي السلطة المشروعة؟". وقد مال أكثر الفقهاء إلى حصر سلطة الفقيه في الشؤون الروحية، بينما مددها بعضهم إلى الجانب السياسي واختارها آية الله الخميني محورا لمشروعه السياسي الرامي إلى إقامة حكومة دينية في إيران، وطبقا لهذا الرأي يتوجب على الحزب السياسي الرجوع إلى الفقيه، لأنه يمارس عددا من الوظائف المصنفة ضمن الولاية العامة، وإذا كان عمل الحزب سريا فإن إشراف الفقيه ضروري لمنع استثمار قواه المادية والبشرية فيما يتجاوز حدود الشريعة.(42/59)
وقد تعززت مصداقية ولاية الفقيه مع انتصار الثورة الإسلامية عام 1979، ووجدت الأحزاب الدينية الشيعية نفسها مطالبة بتبني قيادة الإمام الخميني، باعتبارها الوسيلة الوحيدة لضمان مشروعية العمل الحزبي.
…
وعلى المستوى السياسي والتنظيمي فإن تبني ولاية الفقيه يعني فعلياً اختصاص كبار رجال الدين بالمرتبة العليا في الهرم القيادي للمنظمة ولكي تكون السلطة السياسية مشروعة، فيجب أن تتصل بالإمام المعصوم وأن تلتزم في أعمالها بالتعاليم الدينية، وهذا يتطلب بالضرورة أن يكون على رأسها فقيه أو ممثل للفقيه يضمن اتساق عملها مع تلك التعاليم.
وقد أسست الأحزاب الشيعية العربية على يد فقهاء فأسس حزب الدعوة الإسلامية العراقي مثلاً محمد باقر الصدر في 1959، وأسست منظمة العمل الإسلامي على يد محمد تقي المدرسي حوالي عام 1970، كما أسس حركة المحرومين (حركة أمل لاحقا) الإمام موسى الصدر في 1974، وتواصل هذا المنحى بعد قيام الثورة الإسلامية، من حزب الله في لبنان، إلى المجلس الأعلى للثورة الإسلامية بالعراق، إلى جمعية الوفاق في البحرين، وكان رجال الدين مؤسسين أو مشاركين رئيسيين في التأسيس.
ويفسر هذا بطبيعة الحال الدور المحوري لرجال الدين في العمق السياسي الشيعي واستمرار الضغط على الأحزاب الشيعية الرئيسية لاتخاذ موقف محدد إزاء دور الفقيه حتى بداية التسعينيات حين تغيرت أولويات الحكومة الإيرانية، كما تراجع النقاش حول ولاية الفقيه وعلاقة الدين بالسياسة بشكل عام، ونتيجة لذلك فقد تحول اتجاه الجدل داخل الأحزاب الدينية إلى قضايا مثل الحريات العامة وحاكمية الشعب والعلاقة الممكنة مع الأنظمة السياسية العلمانية والقوى الدولية ذات التأثير، وانتهى النقاش حول ولاية الفقيه إلى تشكيل مشهد جديد للعمل الحزبي الشيعي، يتألف في الوقت الحاضر من ثلاثة ألوان:(42/60)
- أحزاب تؤمن بولاية الفقيه وترجع دينيا إلى الفقيه الحاكم، وهو حاليا آية الله خامنئي، وأبرز هذه المجموعة حزب الله في لبنان والخليج، إضافة إلى المجلس الأعلى للثورة الإسلامية بالعراق.
- أحزاب تؤمن بدور إشرافي للفقيه على أساس نظرية ولاية الفقيه العامة أو في إطار الالتزام التقليدي بالمرجعية الدينية لكنها لا ترجع إلى الفقيه الحاكم آية الله خامنئي، ومن بينها منظمة العمل الإسلامي، وحزب الفضيلة، والتيار الصدري، وجمعية العمل الإسلامي بالبحرين.
- أحزاب تلتزم بالإطار الديني لكن من دون دور خاص للفقهاء، ويدخل في هذا الصنف حزب الدعوة وجمعية الوفاق في البحرين.
الشورى والولاية
وبالإضافة إلى الموقف من ولاية الفقيه فإن من التقسيمات التي أحدثت شرخا في البناء الشيعي التفرقة بين شيعة الداخل والخارج، فالفريق الأول يعتبر نفسه تحمل المشاق وعانى الكثير من نظام صدام وفي مقدمة هؤلاء بالطبع تيار الصدر.
في حين أن التيارات الخارجية مارست نشاطها في ظروف إيجابية وتلقت الدعم من قوى عظمى مثل الولايات المتحدة، وعلى سبيل المثال فإن عبد العزيز الحكيم زعيم المجلس الأعلى للثورة الإسلامية عاش في الكويت (23)عاماً قبل أن يعود إلى العراق على ظهر دبابة أميركية، ولذلك يقول كاظم العبادي الناصري أحد مساعدي الصدر: "أي شخص تدعمه أميركا يستحق لعنتنا، أولئك الذين يدعون أنهم شخصيات معارضة كانوا خونة غادروا العراق وتركونا نعاني هنا"!.(42/61)
ومن الضروري عند الحديث عن الشأن الشيعي العراقي الإشارة إلى مسألة مهمة، وهي مسألة التغلغل الإيراني في العراق، من الواضح أن السياسة الأميركية عمقت الطائفية وسلمت العراق على طبق من ذهب إلى إيران، فقد سادت اللغة الفارسية والتعامل بالعملة الإيرانية "التومان"، وأصبحت أمرا مألوفاً في مدن الجنوب، وقد وصل الأمر بمحافظ البصرة أن يهدد الحكومة بقطع النفط. وعلى الرغم من وجود القوات البريطانية في البصرة، إلا أن الميليشيات استطاعت أن تبسط نفوذها على جميع مرافق الجنوب، وهناك ثمة شبكات وميليشيات عراقية مسلحة أسسها الحرس الثوري الإيراني لأهداف عديدة ويتصدرها بالطبع تقوية شوكة التيارات الموالية لطهران سياسيا عسكريا، ونفوذ إيران ينمو مع وجود حكومة عراقية يسيطر عليها الشيعة الإيرانيون، إنه نفوذ تغلغل حتى في تفاصيل الحياة اليومية للعراقيين وعمق من بصماته على النسيج السياسي والاجتماعي العراقي، والميليشيات الإيرانية تسرح وتمرح.. كل شيء في العراق الجديد يسير لصالح إيران.(42/62)
وفي الحقيقة فإن إيران لا تدعم كل شيعة العراق بل فقط من يسير على نهجها ويدين بالولاء والطاعة لها، أما من هم غير ذلك فقد استهدفهم النظام الإيراني حتى ولو كانوا أصحاب مذهب واحد، وملالي إيران يحاولون سلخ الهوية العربية عن الشيعة العرب في العراق وذلك بإطلاق كلمة شيعة فقط عليهم أو طلاق لفظ "أتباع أهل البيت". وقد بدأت حرب إيران على شيعة العراق أول ما بدأت بقتل كل شيعي عربي يعارض نفوذها أو نفوذ عملائها في العراق، ولا فرق في هذا بين شيخ عشيرة من العشائر العربية في جنوب العراق أو أستاذ في جامعة أو رجل دين شيعي على علو منزلته، لقد قامت المخابرات الإيرانية بعمليات التصفية تلك بعد أن فشلت بتحريك ملف الاعتراف بالقومية الفارسية كأحد مكونات الشعب العراقي، ومن خلال أجهزة المخابرات الإيرانية التي تعيث في العراق فسادا قامت بضرب الجماهير المنتفضة في مدينة كربلاء وبأسلحة نفر من شرطة المدينة الذين هم في الأصل من عناصر منظمة بدر الإيرانية الذين انضموا إلى وحدات الشرطة المشكلة في العراق حديثا، وليس ببعيد أمر التظاهرات التي خرجت في مدن متعددة بجنوب العراق تندد بالدور الإيراني المحرض على إشعال الفتنة السياسية.
العراق 00 مراجع الشيعة يجب أن يتكلموا
فهمي هويدي - الشرق الأوسط 22/11/2006
[إلى ماذا يحتاج المفكرين والمثقفين من السنة حتى يفهموا حقيقة سلوك الشيعة مراجع وأفراد ، ألم يعتبروا بخيانة طالبان والعراق وبغداد ومؤامرة حزب الله وفرق الموت!! الراصد]
نريد أن نسمع رأيا واضحا لمراجع الشيعة وعقلائهم في ما يتعرض له أهل السنة في العراق. ذلك انه لا يعقل أن يقف الجميع متفرجين إزاء الدعوات التي يروج لها البعض هناك لإنهاء الزيجات بين السنة والشيعة، بزعم أن استمرارها «يغضب الله».(42/63)
وهي المفاجأة التي وقعت عليها ذات صباح، حين قرأت خبرا على الصفحة الأولى في جريدة الأهرام القاهرية (عدد 10/11) يقول إن سيدة عراقية شيعية تزوجت من مسلم سني منذ 18 عاماً، أقاما خلالها حياة مستقرة أثمرت أربعة أطفال، لكن عائلتها أجبرتها مؤخرا على الطلاق منه بدعوى أن العيش معه «يغضب الله». ونقل خبر «الأهرام» عن الشبكة الإقليمية للأنباء (ايرين) إن ثمة تهديدا مماثلا لأكثر من مليوني أسرة عراقية قائمة على الزواج المختلط بين السنة والشيعة. وهو ما يمثل نحو ثلث عدد أسر المجتمع العراقي. كما نقلت الشبكة التي تتبع الأمم المتحدة بشكل شبه رسمي عن جمعية «السلام للعراقيين» الأهلية في بغداد، أن حالات الطلاق تلك تعرض الأطفال لما يشبه «غسيل المخ»، الذي يجعلهم يتقبلون العنف بشكل عام، والطائفي منه على وجه الخصوص، وان ثمة حالات حاول فيها بعض الأطفال الانتحار لمنع وقوع الطلاق بين الوالدين بسبب اختلاف المذهب.(42/64)
بذات القدر فانه لا يعقل أن يقف الجميع متفرجين إزاء انتشار مظاهر التعصب وحالات الاشتباك الطائفي بين أطفال المدارس الابتدائية. وهو ما تحدثت عنه «الشرق الأوسط» في تقرير لها (نشر في 7-11) تضمن تصريحات لعدد من مديري المدارس الذين أعربوا عن قلقهم من تنامي تلك الظاهرة التي لم يكن الاشتباك بين التلاميذ الشيعة والسنة هو التجلي الوحيد لها، لأن بعض الآباء من أهل السنة اشتكوا من أن أبناءهم منعوا من المشاركة في نشاط ديني لزملائهم الشيعة، في الوقت ذاته عبرت مديرة إحدى المدارس عن قلقها من اتجاه المسؤولين عن الوقفين الشيعي والسني إلى فتح مدارس خاصة لمختلف مراحل التعليم، الأمر الذي يؤدي إلى تخريج جيلين مختلفين ومتعاديين من الطلاب. وكنت قد قرأت من قبل خبراً مفاده أن الأطفال الذين يحملون أسماء بعض الصحابة (خصوصاً أبو بكر وعمر، رضي الله عنهما) منعهم آباؤهم من الذهاب إلى المدارس، لتجنب تعريضهم للأذى من جانب متعصبي الشيعة.
لا يعقل كذلك أن يظل الجميع متفرجين إزاء استمرار حالات الخطف والتصفية والترويع التي يتعرض لها السنة بصورة يومية ودورية، من جانب من يسمون بفرق الموت، وكذلك اتساع نطاق عمليات التهجير التي تلاحق أهل السنة في بغداد وبعقوبة وكركوك والموصل وغيرها، مما يعد تطهيراً عرقياً صريحاً. وهو ما يراد له أن يمهد لإقامة الفيدرالية الشيعية التي دعا إليها السيد عبد العزيز الحكيم في العام الماضي، والتي يفترض أن تستأثر بثروة العراق النفطية.(42/65)
هذا اللامعقول إذا صحت الأخبار التي تحدثنا عنه يحز في نفس كل وطني عراقي مخلص لبلده، وكل عربي غيور على أمته، وكل مسلم حريص على دينه. كما انه من الطبيعي أن يستثير أهل السنة ويدفعهم إلى التعبير عن الاستياء والغضب. فضلاً عن انه لا بد أن يقلقنا من حيث أن تلك الرياح البائسة إذا استمرت، فإن أصداءها يخشى منها أن تثير الحساسية إزاء الجماعات الشيعية التي تعيش في كنف المجتمعات السنية في العديد من أقطار العالم العربي والإسلامي. وهو ما قد يؤثر على التعايش والتلاحم والاستقرار في تلك الأقطار.
حين أعلنت فتوى الشيخ ابن جبرين التي نالت من الشيعة وآذت مشاعرهم إبان العدوان الإسرائيلي على لبنان، كان رموز أهل السنة ومراجعهم في مقدمة الذين استنكروها وردوا للشيعة اعتبارهم، ومن ثم عبأوا الرأي العام العربي والإسلامي للوقوف إلى جانب حزب الله في لبنان والانتصار له، والذين اقتربوا من الحدث وقتذاك ـ وكنت واحداً منهم ـ يدركون جيداً مدى الجزع الذي أصاب مراجع وأركان المذهب الجعفري من جراء إعلان كلام ابن جيرين. كما يذكرون لا ريب حجم الجهد الذي بذل على أصعدة متعددة لاحتواء الموقف وتصحيح الصورة لصالح مساندة حزب الله والحفاوة بوقفته الباسلة في وجه العدوان.
وحين تحركت المراجع السنية على ذلك النحو فإنها كانت مدركة أن تصويب الإدراك وترشيده. هو مسؤولية يجب أن ننهض بها في كل وقت. وفي مواجهة الهجمة الإسرائيلية بوجه أخص، وما يتعرض له أهل السنة الآن في العراق يشكل خرقا حادا وحالة خطرة للغاية تقتضي من مراجع الشيعة وعقلائهم أن يخرجوا عن صمتهم ويتحركوا، إن لم يكن لإطفاء نار الفتنة. فعلى الأقل لتحديد موقف واضح يستنكرها ويحرمها، ويحذر من تداعياتها.(42/66)
وهم بذلك لا يبرئون ذمتهم أمام الله والتاريخ فحسب، ولكنهم أيضا يحسمون لغطاً مثاراً في أوساط أهل السنة يشكك في موقف المراجع. ويذهب إلى الزعم بان ما يجرى ليس حماقة من جانب نفر من المتعصبين والمتطرفين، وإنما هو سياسة لطائفة لها تطلعاتها القريبة ومقاصدها البعيدة.
وإذا جاز لي أن اذهب إلى ابعد في المصارحة، مستثمراً ما اعتز به من مشاعر المودة والثقة التي أحظى بها وأتبادلها مع العديد من أتباع المذهب الجعفري، فإنني لا أريد أن يصدق البعض ما يقال عن أن مراجع الشيعة حريصون على الأخذ دون العطاء، فقد رحبوا وشجعوا إلى أبعد مدى الفتوى التي أصدرها في الأربعينات من القرن الماضي الشيخ محمود شلتوت حين كان شيخاً للأزهر. واعتبر فيها أن المذهب الجعفري مما يجوز التعبد به شرعاً، شأنه في ذلك شأن المذاهب الإسلامية الأخرى. لكنهم التزموا الصمت حين اعتبر البعض في العراق أن زواج شيعية من سني أو العكس. يعد إثماً يغضب الله. وهو ذات المنطق التكفيري الذي يروج له متطرفو أهل السنة، مع فرق أساسي هو أن مراجع أهل السنة استنكروه واثبتوا فساده، في حين أن مراجع الشيعة لم يسمع لهم صوت بشأنه. إن التفكير في المشهد العبثي الراهن في العراق، لا ينبغي أن يغفل عوامل واعتبارات عدة في مقدمتها ما يلي:
إن الاحتلال الأمريكي للعراق هو الذي أيقظ الفتنة النائمة وحركها، حين شكل أول مجلس لحكم البلاد بعد سقوط النظام البعثي، على أساس مذهبي وعرقي، وكأنما اختار أن يفرق من البداية بين أبناء الوطن الواحد لكي يسود ويبسط هيمنته. إن ثمة جماعات متطرفة من أهل السنة في العراق ارتكبت جرائم مماثلة بحق الشيعة، بعضها كان من قبيل رد الفعل. والبعض الآخر انطلق من موقف تكفيري لهم. لكننا ينبغي أن نلاحظ في هذا الصدد ما ذكرته تواً في أن مواقف المتطرفين السنة استنكرتها مراجعهم، لكننا لم نشهد استنكاراً مماثلاً بذات الوضوح والقوة من المراجع الشيعية.(42/67)
إن القيادات الشيعية في العراق تتحمل مسؤولية أكبر إزاء ما يجرى، باعتبار أنها في الموقف الأقوى في المرحلة الراهنة، فبيدها السلطة، ولديها ما يكفي من الميليشيات والعناصر المسلحة، ثم إنها مطمئنة إلى الدعم الأمريكي من ناحية، والغطاء الإيراني من ناحية ثانية.
إن إيران ليست بعيدة عما يجري في العراق حيث من الثابت أن ذراعها - أو أذرعها - طويلة هناك. وإذ نقدر حقها في أن تقوم بدور سياسي يؤمن ظهرها ويحمي أمنها. إلا أن الدور السياسي يصبح لعبة خطرة إذا اعتمد على البعد الطائفي. ومن الواضح أنها حتى الآن تلتزم الصمت إزاء الموضوع الطائفي .. ويتعين عليها أن تجلي الغموض في ذلك الجانب، حتى لا يفهم الصمت بحسبانه تحبيذا أو رضاء.
إن الإيقاع بين الشيعة والسنة، وتوسيع رقعة المواجهة بين الطوائف في المنطقة حلم راود كل الكارهين للعرب والمسلمين، وما يجرى الآن لا يلبي لهم ما تمنوه فقط، وإنما أيضاً يمهد لهبوب تلك الرياح المسمومة على مختلف أرجاء العالم العربي والإسلامي.(42/68)
في الوقت نفسه فان إشعال ذلك الحريق البائس من شأنه أن يصرفنا عن تحديات أخرى خطيرة تواجه الأمة، بدءا من الاحتلال الأمريكي للعراق، وانتهاء بالاحتلال الإسرائيلي للأراضى الفلسطينية، مرورا بمخططات الابتلاع والهيمنة التي تتطلع إلى تنفيذها الدول الكبرى، مستثمرة حالة الانشقاق والتشرذم والانبطاح التي تعيش في ظلها الأمة. ذلك بخلاف التحديات الداخلية التي تعوق تقدم الأمة والنهوض بها. إن الجميع في هذه الأمة ينبغي أن يكونوا منتبهين ومتيقظين لذلك كله، ويوجعني أن اضطر في ذلك إلى ذكر الشيعة والسنة وغيرهما من الطوائف والملل والنحل والأعراق، ومن ثم إلى التنويه إلى أن الجميع في مربع واحد ومركبة واحدة. وسوف يصحح الإدراك إذا ما رفع مراجع الشيعة وعقلاؤهم أصواتهم بإدانة ما يجرى في العراق ورفع الغطاء عنه، لأنني ازعم أن هذه المبادرة ستفتح الباب لالتقائهم مع مراجع أهل السنة، واصطفافهم معا لمواجهة قائمة التحديات الأخرى التي تهدد حاضر الأمة ومستقبلها.
البصرة.. مدخل إيران على الخليج
محمود صادق الوطن العربي ـ 29/11/2006
مذكرة اعتقال حارث الضاري لم تكن البداية في مسلسل الاعتداء على أهل السنة في العراق، كما أن ذلك القرار لا يأتي منفصلاً عن تطورات الأحداث الداخلية، لكنه مجرد سلسلة في اعتداءات متتالية ومستمرة ضد السنة العراقيين، وقد أضاءت مذكرة اعتقال أو توقيف الضاري جزءا من ظلام الممارسات السلبية التي تجري بحق أهل السنة، والوضع في العراق خطير ومعالم هذا الخطر متعددة لكننا سنقف عند أبرز تلك المخاطر التي تحيط بهذا البلد المسلم وهو الخطر الشيعي الذي لا يقل في نتائجه المهلكة عن خطر الاحتلال بل يفوقه، فالمخططون له يبذلون كل ما بوسعهم من أجل تحويل هوية العراق لاسيما بغداد لتكون هوية شيعية!.(42/69)
قال عضو جبهة التوافق العراقية السنية خلف العليان إن إيران لا تريد عراقاً مستقراً بل تريد جنوبا شيعيا مواليا لها100% قد ينقسم لاحقا وينضم إليها خصوصا وأن الأطماع الإيرانية في العراق موجودة منذ زمن طويل، فإيران تعتقد أن قسماً من الأراضي العراقية جزء من بلاد فارس. وأن الدولة العباسية والدولة العثمانية قوضتا بلاد فارس!. وقد وجدت إيران أخيرا فرصة سانحة للنيل من العراق بتسهيل الاحتلال والسيطرة من خلال الأحزاب الشيعية. والتدخل الإيراني يأخذ شكلا أكثر وضوحاً في جنوب العراق، حيث توجد مكاتب المخابرات الإيرانية المعروفة باسم اطلاعات، بالإضافة إلى الدعم التسليحي والمادي للميليشيات التي تؤدي دورها المرسوم في المؤامرة الإيرانية التي تهدف إلى تصفية كل الكوادر العراقية التي تنتمي لمذهب أهل السنة خصوصا القيادات العسكرية.
وحسب منظمة "عراقيون لحقوق الإنسان" وجمعية "الضباط الأحرار" فإن أكثر من 11 ألف ضابط سابق من القوة الجوية والبحرية والمشاة تمت تصفيتهم على يد إيران، القسم الأكبر منهم هم طيارون وضباط استخبارات ومشاة على رتب عالية جداً في الجيش السابق، ويؤكد نجيب الصالحي رئيس جمعية الضباط الأحرار في بغداد أن أطرافاً في الحكومة العراقية الحالية متورطون بقتل ضباط عراقيين شاركوا في حرب إيران!
ونتيجة للملاحقات الإيرانية وتهديدات الاغتيال من قبل البشمركة وفيلق بدر وجيش المهدي، هاجر الضباط العراقيون إلى المحافظات السنية التي تسيطر عليها المقاومة وقاموا بالانضمام إلى المقاومة واستوعب الجيش الإسلامي وتنظيم القاعدة وأنصار السنة وبقية الفصائل أعداداً كبيرة منهم، حيث ساهموا في وضع الخطط العسكرية كما شاركوا في صنع المتفجرات والصواريخ وإعداد الكمائن للاحتلال.(42/70)
ويقول اللواء أبو تيسير الضابط في الجيش العراقي السابق وأحد قيادي المقاومة العراقية إن أغلب الضباط السابقين أخذت مقاومتهم طابعاً دينياً سلفيا أكثر من كونه طابعاً دفاعياً وطنياً. كما أن أغلب الضباط الشيعة السابقين الذين شاركوا في سقوط بغداد وتآمروا على البلاد عبر هروبهم من ساحة المعركة هم اليوم ضباط في الجيش العراقي الحالي وجزء منهم تولى مناصب كبيرة، أما الضباط السنة فإما استشهدوا خلال معركة بغداد أو انضموا للمقاومة أو سافروا خارج العراق.
وطبقاً لتقرير جمعية المحاربين القدامى فإن ثلاثة ألاف طيار تم اغتيالهم، وذكر في التقرير أنه تمت تصفيتهم لأغراض سياسية من أطراف خارجية، ويقول اللواء أكرم الشايب إن جميعهم قتلوا على يد مسلحي فيلق بدر الذراع العسكرية للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية بزعامة عبد العزيز الحكيم.
صعود الشيعة
وحاليا تسعى إيران لاستغلال الظروف السياسية وتحقيق أكبر قدر من الانتشار والمكاسب الإقليمية للوصول إلى الهدف النهائي وهو السيطرة العقائدية والسياسية على المنطقة، وصعود الشيعة في المنطقة العربية، أصبح واقعاً لا يمكن إنكاره، فالشيعة: في حالة نادرة منذ قرون، يعيشون حالة صعود في كثير من الجوانب، صعود فكري وسياسي واقتصادي، واستطاعت إيران أن تمد نفوذها إلى منطقة عربية جديدة سنية وليست شيعية وهي فلسطين عن طريق دعمها لحكومة حماس ودخولها كطرف مؤثر على الأحداث داخل فلسطين، خاصة بعد أن انحازت حماس لوجهة النظر الإيرانية ورفضت طلبات الوساطة العربية لإطلاق سراح الأسير الإسرائيلي.(42/71)
وقد حظيت مؤسسة السياسة الخارجية الإيرانية بأهمية بالغة على مستوى الرئاسة الإيرانية، خاصة بعد مجيء الرئيس الحالي محمود أحمدي نجاد والذي كان يهدف إلى تعزيز موقع هذه المؤسسة في اتخاذ القرارات التي تهم البلاد، بكفاءة عالية، والواقع أنه يصعب على المتابع لتطور الأحداث التي شهدتها إيران والمنطقة أخيرا، عدم الربط بين ما يجري في العراق اليوم وتصاعد الأزمة بين إيران والولايات المتحدة خصوصاً حول ملف إيران النووي.
وقد كشفت الأزمة الأخيرة عدداً من الحقائق، أبرزها أن الإستراتيجية السياسية الإيرانية الجديدة تتجاوز ظاهريا شعارات الهيمنة الفارسية على المنطقة أو الصراع المذهبي الشيعي السني، رغم أنها تسعى بطرق متعددة لتحقيق السيطرة وإعادة الحلم الشيعي القديم ببسط نفوذها على المنطقة بدليل أن المطلب الإيراني الجدي الوحيد الذي قدم لأوروبا عن طريق إيطاليا كان ضرورة اعتراف النظام العالمي بالدور الإقليمي الإيراني قبل الدخول مع الولايات المتحدة في أي حوار بشأن المستقبل.
وفي تقارير أعدتها مجموعة من الباحثين المهتمين بشؤون المنطقة إشارة إلى أنه لا يزال يراود الإيرانيين ويدغدغ أحلامهم عودة الإمبراطورية الفارسية القادرة على منافسة الدول المهيمنة اليوم في منطقة الشرق الأوسط، لاسيما الولايات المتحدة الأمريكية، ويقول أحد الباحثين الغربيين: إن إيران سوف تتطور بسرعة لتقديم نفسها في الإقليم كشريك دبلوماسي وقطب جاذب للاستثمارات الخارجية المباشرة، وهذا ما تشير إليه معظم التقارير الغربية التي تفيد بأن إيران قد وضعت لنفسها هدفا أن تصبح القوة الأكبر في الاقتصاد والطاقة في منطقة غرب آسيا خلال العشرين عاماً المقبلة.(42/72)
ويذهب باحث آخر إلى أن حقائق الجغرافيا السياسية تشير إلى أن القوة الإيرانية الحالية إذا ما أرادت الإقلاع فإن مسارها لن يكون الشمال أو الشرق، ففي الشرق هناك القوى النووية الأسيوية الكبرى الهند وباكستان والصين، وفي الشمال هناك روسيا، وبالتالي فإن إمكانية التمدد المتاحة لإيران هي في الغرب، أي منطقة الخليج، حيث يمثل الخليج منطقة رخوة على حيويتها، ولذلك لم تتوقف المحاولات الإيرانية للتمدد غربا، والسيطرة الجغرافية والسياسية، بل وحتى الدينية، على منطقة الخليج.
وبالنسبة للعراق، فإن طهران تسعى إلى إيجاد منطقة أكبر للتأثير والنفوذ الإيراني، ربما تكون مشابهة أو قريبة من المفهوم الروسي "المجال القريب"، وتقوم وجهة نظر طهران على أن جنوب العراق ربما يكون مجالاً مناسباً لإظهار قوة ومكانة إيران في المنطقة، ورغم ذلك لا يوجد من يتمسك بحلم الخميني في هيمنة وسيادة الشيعة على العراق، ولكن ينحصر هدف طهران بجنوب العراق في ممارسة نوع من التأثير السياسي والثقافي والاقتصادي، مشابهة لذلك الذي قامت به إيران في غرب أفغانستان منذ التسعينيات.
تقارير أميركية
وقد ذكر تقرير صادر عن هيئة البحوث التابعة للكونغرس الأمريكي أن أبرز الأخطار الأمنية التي تحدد المعالم الأساسية للتعاون الخليجي ـ الأمريكي، هو ارتفاع نفوذ إيران الإقليمي بعد سقوط صدام، إضافة إلى رفع المجتمع الشيعي الخليجي لمطالب جديدة متأثرا بوصول الشيعة إلى سدة الحكم بالعراق، وإيران لا تخفى طموحها في السيطرة على المنطقة.(42/73)
ففي مقابلة أجراها راديو مونت كارلو مع وزير الخارجية الإيراني أكد الوزير أن كل بلاد الخليج تشكل تاريخيا جزءاً من الأراضي الإيرانية!، ولم يكن ذلك زلة لسان، فقد كررها حسن روحاني مسئول الملف النووي السابق، حيث ذكر في مؤتمر الملف صحفي بإيران أن البحرين جزء لا يتجزأ من الأراضي الإيرانية، وهي تشكل الإقليم الرابع عشر في إيران بموجب الدستور الجديد، وأن الشاه المخلوع تنازل للعراق عن مناطق شاسعة جنوبي إيران بموجب اتفاق الجزائر 1975.
ولا ننسى أيضاً أنه في عام 2004 طالبت إيران قطر بتقليل معدل استغلالها لاحتياطيات حقل الشمال وحقل بارس الشمالي التي تشترك فيه الدولتان، محذرة إياها من أنها قد تلجأ لطرق ووسائل أخرى لحل القضية، هذا بالإضافة إلى احتلالها الجزر الإماراتية الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى منذ عام 1971 ورفضها الدائم حل القضية عبر المحكمة الدولية، لأن إيران تعلم قبل غيرها أن المحكمة الدولية سوف تحكم لصالح الإمارات.
ويشير تقرير الكونجرس الأمريكي إلى أن العراق الموحد والقوي كان يقف حائلا دون تحقيق الرغبة الإيرانية، لذلك فإن إيران حاولت عبر تاريخها الطويل السيطرة على العراق، وفي جميع الاتفاقيات التي تنهي التوتر القائم بين العراق وإيران، منذ الحرب العالمية الأولى، مثل اتفاقيات أرضروم وما تلاها.
كانت إيران تقضم جزءا من الإقليم العراقي من سهل شهرزور، الذي يعد امتدادا لمنطقة السليمانية بشمال العراق، وحتى حوض نهر الكارون ومنطقة عربستان (خوزستان) والمحمرة (خرمشهر)، مقابل البصرة الجنوبية، وحتى اتفاقيات مجرى شط العرب عام 1975 التي وقعها شاه إيران مع نائب الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين.(42/74)
ويعتبر العراق الجغرافي ذا بعد استراتيجي وحيوي بالنسبة لإيران التي ينقصها القرب الجغرافي البري من منطقة الخليج الغنية بالبترول، وبالتالي فإن بسط سيطرتها على البر في الجنوب العراقي يقرب نفوذها وتأثيرها من أبواب الخليج.
وتقوم الإستراتيجية الإيرانية في العراق اليوم على هدف أساسي، وهو ضمان عدم عودة العراق كمهدد لإيران، ويأتي هذا الهدف على رأس أولويات الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد ومعظم قيادات الحرس الثوري. حيث يرون أن هدوء العراق يعد هدفاً إستراتيجياً مهما لإيران، ويرون أن العراق تحت القيادة الشيعية سيكون أكثر أماناً لهم وذلك على اعتبار أن الدول الشيعية لا تحارب بعضها البعض، وبناءً عليه قامت إيران بزرع قوى سياسية ومخابراتية لعناصر عراقية إيرانية الأصل في الداخل ليتولوا تنفيذ السياسات الإيرانية في العراق، ووقتها لن ينفع مقعد في برلمان أو حقيبة وزارية أو منصب سيادي ولا بندقية مقاومة، إن شيعت بغداد، واتشحت الأعظمية بالسوادّ.
مشروع الإنقاذ
في ظل هذا الوضع المتأزم، أصبح إيجاد مشروع سني للإنقاذ، ضرورة ملحة وواجب الوقت المستعجل، وهذا ما تعكف على تفعيله حاليا بعض القوى السنية داخل العراق تؤيدها أطراف خارجية. لأن الواقع إذا بقي على ما هو عليه فإنه بحسب تقديرات هذه القوى سيتم تشييع بغداد فيما بين 6ـ 12 شهرا، والمشروع يراعى ما يلي:
2…تعزيز روح الفريق الواحد في العمل بآليات تكاملية، يتمخض عنها جبهة إنقاذ سنية موحدة وفق مشروع واضح المعالم واقعي واضح الأطراف ومحدد الرؤى.
3…إيجاد تنسيق عال، وتحقيق قدر من التجانس في الرؤى بين الفصائل المسلحة، وتعاون ميداني مشترك، وبالتالي توظيف قوى البندقية في خدمة الشق السياسي في جبهة الإنقاذ.(42/75)
4…العمل على إيجاد قوة ردع سنية لمجابهة الميليشيات الشيعية، من خلال التنسيق بين فصائل المقاومة والاستفادة من الجمهور السني، وتوظيف العشائر السنية لتكون عمقاً إستراتيجياً للمشروع.
5…العمل على تفعيل دور العشائر، لتكون سهام الكنانة لجبهة الإنقاذ ومداد قوتها وعمقها الحقيقي.
6…إعادة هيكلة الجانب السياسي، وتوظيف تجربة السنوات الماضية من عمر الاحتلال في خدمة المشروع السني السياسي، على أن تتخلى القوى السياسية السنية والفصائل المسلمة عن الحزبية الضيقة والفئوية المقيتة.
7…إعادة الموازنة للعملية السياسية في العراق من خلال عودة سنية سياسية تملك قوة حقيقية مؤثرة على الأرض ترغم الشريك الشيعي والكردي والمحتل الأمريكي على التفاوض بجدية من أجل خلاص البلد برمته. وذلك اعتماداً على مداد القوة التي تعطى المفاوض السني وزنه الحقيقي، الذي يمنع الآخرين من الاستخفاف به.
18…أن تتعامل الجبهة بواقعية وحذر مع الأطراف الشيعية والأمريكية، وأن تتخلى عن الثقة الزائدة بالآخرين والتي أوصلت السنة إلى ما وصلوا إليه. من خلال الثقة غير المبررة بالخصوم ووعودهم.
19…محاولة جبهة الإنقاذ الحصول على الدعم العربي والإسلامي والدولي، وتنبيههم لخطورة المشروع الشيعي التوسعي الإقصائي، الذي يحاول أن يبتلع المنطقة برمتها، وإيجاد تنسيق إقليمي عربي لمواجهة هذا المشروع.
الصوفية تزداد شعبية في ايران
[موقع اذاعة البي بي سي العربي نقلاً عن موقع التصوف الإسلامي]
الأضواء خافتة في أحد المنازل شمال طهران، حيث يجتمع عدد من الرجال والنساء في غرفة متسعة. الكل مغمض العينين ويتمايلون للأمام والخلف على ضربات طبل منتظمة.
يرتفع صوت دق الطبول ويزداد سرعة، ويقف بعض الحاضرين ويشرعون في تحريك رؤوسهم شيئا فشيئا في حركة دائرية منتظمة الإيقاع. يتملك البعض منهم شعور بالنشوة يأخذهم ما بين الحلم والوعي.(42/76)
"يتملكك شعور بالاسترخاء الشديد .. .إنه شعور طيب، كأن روحك تحلق عاليا، تشعر بأنك خرجت من جسدك،" هذا ما يشعر به "ماهسا" ذو الـ22 عاماً. ويؤمن ماهسا بأن التمايل أو الرقص على مثل ذلك النوع من الموسيقى قد يفتح طريقا للاتصال بالله. وهؤلاء هم مسلمون شيعة، مثل الأغلبية العظمى من الإيرانيين، غير أنهم يعتبرون أنفسهم من أتباع الطرق الصوفية.
جوهر الأديان:
ويؤمن الصوفية بأن كل الأديان تنضوي في جوهرها على نفس الحقيقة وبأن الله هو الحقيقة الوحيدة فوق الوجود. ويؤمنون كذلك بان أي إنسان، رجلا كان أو امرأة، يمكنه، إن أخلص الجهد، أن يتوصل إلى رابطة روحية مع الله. ويقول الصوفية الإيرانيون إن الطرق الصوفية قد انتشرت سريعا في طول إيران وعرضها خلال السنوات الأخيرة.
ولا تتوافر إحصاءات رسمية، ولكن عددهم يتراوح بين 2 إلى 5 ملايين حسبما يقول "حشمت الله رياضي"، وهو أستاذ سابق للفلسفة والأديان في إيران. ويضيف أن عددهم لم يزد عن 100 ألف قبيل الثورة الإسلامية في البلاد عام 1979.
ويزعم كذلك أن إيران اليوم تضم أكبر عدد لأتباع الطرق الصوفية في الشرق الأوسط.
وأن المئات من الشباب الإيراني يتصوفون يوماً بعد آخر.
يؤمن الصوفيون بأن التمايل أو الرقص على أنواع من الموسيقى قد يفتح طريقاً للاتصال بالله
ويقول البعض إنهم يرون في الصوفية منظورا جديدا للدين بينما يضيف آخرون أن جلسات التصوف تمتعهم وتفتح الباب لإنشاء علاقات قوية فيما بينهم . يقول "أشكان" وهو عضو يبلغ 20 عاما في جماعة صوفية إيرانية تسمى رابطة العالم الجديد إن الصوفية لا تعاني من القيود الدينية الصارمة.
مشاحنات:
ويقول الصوفيون إن الانتشار الواسع لبعض الطرق الصوفية قد ولد مشاحنات مع بعض عناصر الحكومة. واندلعت مصادمات عنيفة هذا العام بعد قرار السلطات إغلاق مسجد للصوفية في مدينة قم المقدسة في إيران.(42/77)
ويقول أعضاء جماعة "نعمةالله جونابادي" إنه "تم إحراق مسجد الصوفية والقبض على المئات من أتباع الطريقة الذين رفضوا مغادرة المكان."
ويقول محافظ قم "عباس محتاج"، حسبما أوردت صحيفة "إيران" الرسمية في موقعها على الإنترنت، إن الصوفيين قد طلب منهم مغادرة المكان بسبب قيامهم بأعمال بناء دون الحصول على التراخيص المطلوبة. وقد أطلق سراح العديد من المعتقلين لاحقاً.
لا توجد قيود حكومية على الأنشطة الصوفية في إيران، فهم إحدى الجماعات التي تعمل في الإطار الإسلامي، عضو البرلمان الإيراني جواد أريانمانيش ونسب إلى "محتاج" قوله إن الصوفية يحتفظون بعلاقات مع دول أجنبية ويحاولون زعزعة الاستقرار في إيران، وهو ما ينفيه "رياضي"، وهو أيضاً عضو في جماعة "نعمةالله جونابادي"، بقوله إن للحكومة دوافع معينة من وراء إغلاق المسجد. ويؤكد أن الصوفية لا يتدخلون أبدا في السياسة، ويحترمون القانون ولا يعادون الجمهورية الإسلامية. وكان لبعض الصوفية سابقا مشاحنات مع بعض أئمة التيار الإسلامي السائد في إيران بسبب ممارستهم لشعائر تختلف عن تلك التقليدية.
ويتهمون أيضا شاه إيران السابق محمد رضا، الذي حكم البلاد قبل الثورة الإسلامية، باعتقال بعض قيادييهم. ويقول بعض الصوفية إن أحداث قم كانت دخيلة على العلاقة الطيبة التي حافظوا عليها مع الحكومة خلال السنوات الأخيرة.
ويقول "جواد أريانمانيش" عضو اللجنة الثقافية في البرلمان الإيراني إنه "لا توجد قيود حكومية على الأنشطة الصوفية في إيران، فهم إحدى الجماعات التي تعمل في الإطار الإسلامي." ويضيف أن "إيران، على عكس الدعاية المغرضة التي ينشرها العالم حولها، هي إحدى أكثر دول العالم تحررا، والصوفية جزء من هذه البلاد ويتمتعون بحرية مطلقة، ولهم أن يمارسوا شعائرهم".
خطة لتصفية أهل السنة في إيران خلال 50 عاما!
الوطن العربي - العدد 1552 - 29/11/2006(42/78)
وضع حكام الجمهورية الإسلامية الإيرانية خطة طويلة الأجل لتصفية الوجود السني في إيران في مدة لا تتعدى الخمسين عاما وذلك من خلال الترحيل القصري أو التحول المذهبي عن مذهب أهل السنة والجماعة إلى التشيع أو القتل والإعدام، وتفاصيل خطة تفريغ إيران من أهل السنة ذكرها المعارض الإيراني محسن ميرى، وذكر أيضا لـ"الوطن العربي" حقائق جديدة عما اسماه بالإجرام الرسمي المنظم ضد أهل السنة من الإيرانيين.
يروي محسن في البداية أن بعض المسئولين الحكوميين جاءوا إلى آية الله المدرس، وهو أحد مراجع الشيعة البارزين، يشكون له سوء تصرفات بعض المعممين وسرقاتهم، فرد عليهم قائلاً لا تقولوا معم يسرق، بل قولوا حرامي يلبس عمامة! وهذا المثل أصبح ينطبق على الحاكمين اليوم في إيران. هكذا اخبرني صديقي السني الذي يسكن مدينة الأهواز، وهنا تستحضرني كلمة لأحد السياسيين الإيرانيين قال فيها "عندما كنا نُظلم في عهد الشاه كنا نلتجئ إلى رجل الدين لكن اليوم أصبحنا نُظلم من قبل رجل الدين فإلى من نلجأ"؟
وقد تعددت في الفترة الأخيرة الأحكام القضائية الصادرة بحق أهل السنة، وهي في معظمها أحكام إعدام، وقد بلغ عدد الذين تم إعدامهم 115 على الأقل منذ بداية العام وفق إحصاء أجرته وكالة الصحافة الفرنسية استنادا إلى شهادات ومعلومات صحافية كان من بينهم هؤلاء الثمانية الذين اعدموا علنا في مدينتي زهدان وايرانشهر في جنوب شرق إيران، ففي مدينة زهدان اعدم شنقا ستة رجال ينتمون إلى مجموعة سنية، وذكرت وكالة الأنبياء الإيرانية أن رجلين آخرين اعدما شنقا في ايرانشهر لإدانتهما بتهمة اغتيال أحد مرافقي الرئيس محمود أحمدي نجاد! وتدلل الوثائق المتاحة على أن الخطة الإيرانية تستهدف هؤلاء الذين يقطنون محافظتي سبيستان ـ بلوشتان وكرمان في جنوب شرق إيران والذين يشكلون أقليات كبيرة في المناطق الحدودية مع باكستان وأفغانستان والعراق.(42/79)
وتشير الخطة الإيرانية إلى أنه إن لم تستطع حكومة إيران قلع جذور أهل السنة في إيران، فيجب عدم السماح لهم أن يكونوا متمسكين بدينهم وعقيدتهم حتى تتم إزالة أهل السنة من إيران في خلال الخمسين سنة الآتية!، وقد أغلقت المخابرات الإيرانية المدارس الدينية لأهل السنة في كردستان وشمال شرق إيران، كحوزة الإمام الشافعي في مهرآباد والمدرسة الدينية في صالح آباد (سرخس) والحوزة العلمية في مدينة مريوان المسماة بدرغاه شيحان وحتى التكايا الصوفية السنية أيضاً لم تنج من هذا الهجوم الشرس للمخابرات الإيرانية!.
كما أبيدت قرى سنية عديدة ومساجدها واضطر الأهالي للهجرة إما إلى خارج البلد، وهو بالضبط ما تريده الدولة، وإما إلى القرى الشيعية ليعيشوا أذلاء وهم يشهدون الإهانة المتواصلة أو ليتشيعوا بعد ذلك كما حدث في بعض قرى بير جند وقرى زابل، ومن القرى التي أبيدت حديثاً في شرق خراسان، دولي جلال، دولي بهلول، بل خشتى، خطابي شنغل، ناري، قلعة غيرى، هشتان.
كما أن هناك مناطق بلوشية أبيدت بالكامل وفي صمت شديد، إن أهل السنة في إيران مضطهدون ومضيق عليهم فهم يعيشون مثل الأسرى، فالشيعة قد استقوا ولذلك بغوا وطغوا فهم يعرفون أن لا أحد يسألهم. أما إذا كانوا ضعفاء أخلدوا إلى الأمن، واظهروا المودة والمحبة لأهل السنة وإذا قويت شوكتهم عاثوا فيهم قتلا واضطهادا، واغتصابا وإجراما.(42/80)
وقد بدأت أمواج الاضطهاد تتسرب من المدن السنية إلى قراهم، والكثير من علماء الدين في بلوشستان الإيرانية يتم اقتيادهم إلى السجن دون جرم إلا أنهم من المذهب السني، وكل الشواهد تدل على أن المخابرات الإيرانية هي التي تقف وراء تلك العمليات بأمر من خامنئي بهدف إخلاء إيران من علماء السنة ليتسنى لهم تشيع البلد كلياً بعد ذلك كما كتبوا ذلك في مخططاتهم الخمسينية، ومخططهم يركز على التصفية الجسدية والاغتيال والإعدام ودس السم والقتال بالطرق المتعددة لعلماء السنة في الداخل والخارج، ويقو محسن ميرى، إننا نناشد المسلمين النصرة ونناشد الهيئات الدولية والمنظمات الإنسانية تقصي الأمور وإدانة التعصب الطائفي لعل هذا يردعهم عن الاستمرار في هذه الممارسات فيتوقفوا عن قتل العلماء الأبرياء وهدم المساجد والمدارس ويتركوا أهل السنة يعيشون في إيران كغيرهم من الأقليات، علما أنهم ثاني أكبر نسبة في إيران إذ إن عددهم يصل إلى ثلث البلد أي من 15 إلى 20 مليون نسمة، وفي مدينة طهران التي يسكنها سبعة ملايين نسمة، لا يوجد مسجد واحد لأهل السنة بالرغم من وجود اثنى عشر معبد للنصارى، وأربعة لليهود بخلاف معابد المجوس.(42/81)
وقد قبضوا على أحد علماء السنة في إحدى المناطق السنية لأنه يتكلم في خطبته يوم الجمعة عن ولاية الفقيه، وكان مما قاله لا يجوز لنا الاعتقاد بعصمة أحد من الناس بعد نبينا كائناً من كان، ثم لم يلبث الشيخ في السجن أقل من أسبوع حتى أعلن توبته في المذياع وأمر بولاية الفقيه على الملأ، وبعد الإفراج عنه سأله أحد كبار العلماء عن سبب رجوعه عن رأيه، فقال والله ما رجعت عن اعتقادي ولكني اضطررت لذلك عندما أدخلوا علي في السجن عشرة شبان من الحرس الثوري ومعهم من يرتدي العمامة السوداء، وهو يحثهم على اللواطة بي أو أن أرجع عن رأيي على الملأ وهو يقول لهؤلاء الشبان أنتم في فعلكم هذا مثابون عند الله عز وجل، وليس عليكم غسل من اللواطة، واللهم رحماك ربي.
إيران واستحقاق مجلس الخبراء
عطاء الله مهاجراني - الشرق الأوسط 27/11/2006
تجري إيران في 15 ديسمبر (كانون الأول) المقبل انتخابات «مجلس الخبراء»، إذ من المقرر أن تنتخب 31 محافظة 86 شخصا ليصحبوا أعضاء في المجلس. فمن محافظة طهران، على سبيل المثال، سيجري انتخاب 16 عضوا، فيما سيجري انتخاب 12 آخرين من 12 محافظة أخرى اعتمادا على حجم السكان في المحافظات. تطور الثورة الإسلامية يمكن أن يتم تحديده بالتركيز على هذه الانتخابات. هوية «مجلس الخبراء» تغيرت بصورة منظمة. فاعتمادا على دستور جمهورية إيران الإسلامية يجوز لخبراء القيادة تعيين وفصل الرئيس. إلا أن كل المجتهدين الذين يريدونهم أن يشاركوا في الانتخابات يجب أن تثبت كفاءتهم وينبغي أن يصادق عليهم مجلس الأوصياء.(42/82)
وهنا تظهر أول مشكلة نتيجة لذلك، إذ أن كل أعضاء مجلس الأوصياء يجري تعيينهم بواسطة زعيم المجلس. من الناحية الأخرى، سيصادق مجلس الخبراء على مجلس الأوصياء. هذا النموذج يوضح تناقض دائرة الإثبات أو التدليل. ولكن في مبادئ علم القانون يعتقد الفلاسفة وخبراء علم المنطق أن هذا النوع من التدليل والإثبات زائف. في ما يلي مثال على مغالطة هذا المنهج:
- لا بد أن يكون الله موجودا.
- كيف عرفت؟
- لأن الإنجيل يقول ذلك.
- ولماذا أؤمن بالإنجيل؟
- لأن الإنجيل هو كلام الله.
إلا أن ثمة تناقضا جوهريا واضحا. تنص المادة 110 من الدستور الإيراني على أن من واجبات القيادة تعيين وفصل والنظر في استقالة «رجال الدين في مجلس الأوصياء».
يجب على مجل القيادة مراقبة زعيم المجلس، إلا أن الأعضاء يجب أن يصادق عليهم مجلس الأوصياء. وبسبب ذلك يجب أن يذهبوا منذ بداية فترة عمل مجلس الخبراء في كل دورة إلى مكتب رئيس المجلس، الذي يتحدث إليهم ويقود المجلس. هذا الرئيس يجري تعيينه بواسطتهم، لكنهم لا يستطيعون انتقاد القيادة بصورة واضحة أو حتى سرية. ليس بوسعهم دعوة رئيس المجلس بغرض مساءلته أو لتوضيح التقرير السنوي إليهم.
ولكن السؤال هنا: لماذا استحالة هذا الأمر؟ لهذا السبب نظرية ولاية الفقيه (حكومة الفقهاء) لها تفسير يؤدي إلى إيجاد مناخ غريب وسلبي. فقبل سنتين قال آية الله مشكيني، المتحدث باسم المجلس، إن رئيس المجلس يختاره الله وإنهم بحكم عملهم في مجلس الخبراء يجب أن يدركوا أن شرعيته مستمدة من الله وليس من المجلس، فهو ممثل الإمام المهدي، وان الإمام المهدي هو الذي اختاره.(42/83)
في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) قال آية الله إمامي كاشاني، إمام صلاة الجمعة: «ولاية الفقيه مثل النور، إنها تضئ بلدنا وشعبنا وحياتنا. بهذا التفسير للقيادة من الواضح تماما أن المجلس واحد من أقسام مكتب القيادة. ولهذا السبب فإن بعض السياسيين مثل عزت صحابي وحبيب بيمان الأعضاء السابقين بمجلس الثورة، قال: هذا المجلس لا فائدة له. واجبهم الأساسي هو إطراء القيادة في الوقت الذي لا يستطيعون فيه الإشراف على رئيس المجلس.
هاتان المجموعتان المهمتان مرتبطتان ببعضهما بعضاً، تفسير ولاية الفقيه وواجب مجلس الخبراء. في أول مقترح للدستور قدم إلى مجلس الخبراء بشأن المصادقة على القانون الدستوري، لم يكن هناك أي مادة حول ولاية الفقيه. كان ذلك عام 1979. إلا أن هذا المادة التي اقترحها آية الله منتظري. وهو الآن رجل الدين الأبرز الذي ينتقد «ولاية الفقيه». بعد عشر سنوات، اقصد في عام 1989.
مادة «ولاية الفقيه» تغيرت، وأضيفت كلمة واحدة فقط إلى المادة، وهذه الكلمة السحرية هي «المطلق!» هذا هو مصدر أسوأ استبداد في العالم، الاستبداد الديني. هذا ما قاله العلامة نعيمي في «تنبيه الأمة وتنزيه الملة». وتعني نظريا أن القائد فوق القانون الدستوري، وعلى وجه التحديد هو فوق كل المنظمات. وفي الأساس هو مسؤول عن كل شيء وإن الإمام المهدي والله تعالى فقط فوقه، وهذا يعني عدم إمكانية مساءلته على الإطلاق، مثلما يقول القرآن عن الله تعالى: «لا يسأل عما يفعل وهم يسألون» صدق الله العظيم [سورة الأنبياء].
في المادة 57 القوة السلطة الأساسية للجمهورية الإسلامية الإيرانية تم تعريفها كما يلي: «سلطة الحكومة في الجمهورية الإسلامية تكمن في الهيئة التشريعية والقضائية والسلطات التنفيذية، التي تعمل تحت إشراف الزعيم الديني المطلق وقيادة الأمة...»(42/84)
أعتقد أن تلك كانت هي المرة الأولى التي يستخدم فيها هذا المصطلح في قانون دستوري، وأعتقد نظريا وعمليا أن هذا النظام المطلق هو مصدر الاستبداد الديني. أتذكر توسل آية الله هاشمي رفسنجاني حول الانتخابات الأخيرة عندما قال إن الله وحده هو الذي يمكن آن يؤويه «إنما أشكو بثي وحزني إلى الله» [سورة يوسف]. إنها واحدة من أكثر ثمار نظام الحكم الاستبدادي.
وأحد من الأهداف الرئيسية للثورة الإسلامية في إيران الوقوف في وجه الاستبداد، كان شعار الحرية هو الشعار الرئيسي، كثير من القادة الثوريين ذاقوا طعم الاستبداد. كان الشاه يعتقد انه ظل الله على الأرض، تماما كما كان يعتقد فيه نمرود، قال «أنا أحيي وأميت» [سورة البقرة].
من الواضح أن المجلس لا يستطيع مساءلة رئيسه، أعتقد أنه يمكننا أن نشيد جسرا بين الإسلام والديمقراطية، وبين الإسلام والحرية وحقوق الإنسان، ولكن من المستحيل الربط بين الإسلام والاستبداد، إلا من خلال التفسير الخاص لطالبان.
بسبب ذلك أعلن السياسيون الوطنيون الإسلاميون عدم مشاركتهم في الانتخابات، إنهم يعتقدون أن هذا النوع من مجلس الخبراء أداة في يد رئيسه. إلى جانب ذلك، فرض مجلس الأوصياء الكثير من الأعضاء، على سبيل المثال، شرق أذربيجان لديها خمسة مقاعد وهناك خمسة مرشحين! وفي غرب أذربيجان هناك مقعدان ومرشحان. في أربع محافظات، هي شمال خراسان وزانجان وبوشهر وكوه كيلويره، هناك مقعد واحد ومرشح واحد. وكل مرشح، مهما كان عدد الأصوات التي حصل عليها، حتى إذا كان صوتا واحدا سيجري انتخابه. هذا يعني أن كل المرشحين سيجري تعيينهم بواسطة مجلس الأوصياء وأكثر من 240 قرر المجلس عدم أهليتهم والبقية جاءوا بالتعيين وليس بالانتخاب.(42/85)
جاء في الفقرة الأخيرة من القانون الدستوري لإيران، المادة 177: «... شكل الجمهورية الديمقراطية للحكومة، المبدأ المقدس، إمامة الأمة، وإدارة شؤون البلد قائم على أساس استفتاء وطني...». أعتقد أن العقبة الأساسية قبل الديمقراطية والحرية هي الاستبداد، في أي مكان وفي وقت.
شيعة سوريا يردون على اتهامهم 00بـ"التبشير" بين السنة والعلويين
العربية نت 6/10/2006 [باختصار]
قرر علماء الشيعة في سوريا الخروج عن صمتهم، والحديث لأول مرة عبر "العربية.نت"، حول ما يثار عن وجود "حملة تبشير شيعية" بين السنة والعلويين في سوريا، بدعم إيراني وبالتزامن مع حرب حزب الله وإسرائيل.
نفي التبشير الشيعي بين السنة:
ولكن ماذا يقول علماء الشيعة السوريون إزاء ما قيل في وسائل إعلام عربية عن "حملة تبشيرية شيعية" بين أهل السنة في بلادهم. العالم الشيعي عبد الله نظام، المشرف على المؤسسات الشيعية الموجودة في سوريا والأستاذ في الحوزة العلمية في "السيدة زينب" وهو مدير الجامعة الإسلامية في "السيدة رقية" بدمشق أيضا، تحدث بإسهاب لـ"العربية.نت" حول الموضوع.
قال: الكلام عن ظاهرة تشيع في سوريا بدعم إيراني وغض السلطات السورية النظر عنها هو كلام عار عن الصحة، وهدفه التفرقة. في سوريا لا يوجد شيء اسمه الدعوة إلى مذهب معين، والقانون يخضع له الجميع بنفس الطريقة، والشيعة أصلا تابعون في كل أمورهم الدينية إلى وزارة الأوقاف في سوريا من مساجد وأئمة.
نحن كشيعة عبارة عن مذهب فقهي، والمذهب الفقهي ليس دينا أو شيئا خاصا حتى يدعو إليه الإنسان لا سيما أنه توجد ضمن المذهب الواحد في الإسلام فتاوى متعددة وأكثر من قول في مسألة واحدة. لا يوجد تشيع في سوريا مرتبط بجهة خارجية أبدا. أي شخص لديه مثال واحد فليقل مثاله لنا.(42/86)
وعن حالات استقبال الشيعة اللاجئين من هول حرب حزب الله وإسرائيل، يقول: الشعب في سوريا شارك في احتضان العائلات مع غض النظر عن المذهب. أكثر المهجرين كانوا من الشيعة لكن الاحتضان الذي حصل لهم كان من إخوانهم أهل السنة وقدموا لهم مساعدات وإيواء في المسكن والشراكة في المسكن. وهذا يؤكد وجود وعي إسلامي بدون تفرقة. رموز أهل السنة مثل كريم راجح وسعيد رمضان وقفوا معهم، وكذلك مجمع المرحوم الشيخ أحمد كفتارو افتتح معسكرا للأيتام وللعائلات المهجرة من لبنان. هذا الاحتضان لا علاقة له بالمذاهب. حتى المسيحيون وقفوا معهم في صيدنايا وفي الأديرة المسيحية.
لا تشيع مقابل المال:
إذن هناك تشيع مقابل أموال كما قالت جهات سورية معارضة – سألت "العربية.نت"؟ يجيب: هذا كذب صراح من جماعات تريد حربا طائفية في المنطقة. الإنسان الذي يتم شراؤه بالأموال لا خير فيه.
وسألت العربية.نت: هناك تقارير تحدثت عن نشاطات إيرانية من خلال بناء مراكز ثقافية جديدة وحوزات شيعية؟ فأجاب الشيخ نظام: لديهم مركز ثقافي في دمشق فقط، و السفارة الأمريكية لها مركز ثقافي أيضا. أما بالنسبة للحوزات، فنحن لدينا حوزات معروفة لتدريس الطلبة كما توجد عند أهل السنة معاهد لتدريس الطلبة أيضا وهي معاهد شرعية. هذا عمل طبيعي والمسيحيون عندهم مدارس لاهوتية.
الأموي لا يعطي دروساً شيعية:
ونفى عبد الله نظام أن يكون المسجد الأموي يعطي دروساً في الفقه الشيعي قائلا: "هذا المسجد لإخواننا السنة". وأضاف: الدروس التي فيه هي لرجال دين وفقه من أهل السنة، ولكن في شهر رمضان حصل أن أذيع حديث رمضان الديني من المسجد الأموي بدلا من ان يذاع في التلفزيون وشخصيا شاركت لمدة 7 دقائق. ودعيت إليه في يوم أصل 29 يوما تكلم فيها رجال دين من السنة فهل كثير على الشيعة أن يتكلموا 7 دقائق في حديث ديني واحد.(42/87)
وأبدى عبد الله نظام استغرابه من موجة التهويل بمد شيعي في بلاده، وقال: العقيدة ليست مصبغة نرسل إليها القماش لتغيير لونه والإنسان حر بما يختار ولا نستطيع أن نفرض عليه أي شئ .
وأشار نظام إلى وجود مزارات شيعية في سوريا منها السيدة زينب بنت علي، السيدة رقية بنت الحسين، السيدة سكينة وأم كلثوم بنات الحسين، ويأتيها زوار من داخل وخارج سوريا وهذه سياحة دينية لأنه توجد كثير من المقدسات الإسلامية للشيعة والسنة مثل زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم ومراقد الصحابة، وبالنسبة للمزارات تمول تمويلا ذاتيا وتتبع وزارة الأوقاف.
تقارب شيعي سني وزيجات:
وتحدث عن تقارب سني شيعي في سوريا منطقع النظير، مشيراً إلى زيجات كثيرة بين الشيعة والسنة في سوريا، وبيوت ملتصقة مع بعضها خاصة في أحياء دمشق حيث توجد هذه الظاهرة.
وقال: القضايا العقائدية قضايا شخصية ولكل إنسان ما يعتقد. كل من يشهد الشهادتين ويعتقد بالقرآن كتابا والكعبة قبلة ويؤدي الفرائض هو من شيعة أهل البيت إذا كان يعتقد بإمامة الإمام علي، وهناك فرق في قضية الخلافة وهذا أمر انقضى ومضى ولا يوجد الآن لا خلافة ولا خلفاء ولا أئمة ولا أحد.
عتاب على الشيخ العودة:
وإزاء التحذير من قبل بعض علماء السنة من امتداد شيعي من إيران إلى العراق فسوريا، وخاصة التحذير الأخير للشيخ سلمان العودة، يقول: أقول لجميع إخوتنا من علماء السنة لا تقلقوا على التسنن والناس لن يبيعوا مذهبهم وعقيدتهم التي اعتادوا عليها ويعتقدون أنها صحيحة لمجرد نصر عسكري حصل في معركة ربما لها طابع أو خصوصية معينة. نشكركم على دعائكم بالنصر. نحن وأنتم أبناء دين واحد والقضية الفقهية لن تفرق بيننا والمذهب ليس دينا، ونحن جميعا ندين بالإسلام ولا حاجة لأحد لأن يتحول من مذهب إلى آخر. أنا أتعجب أن شخصية إسلامية كبيرة مثل العودة يتكلم بهذا. أنا عاتب عليه وأدعوه لأن نقف جميعاً في وجه أعداء الإسلام.(42/88)
رفض التشيع مقابل المال:
ونحا العالم الشيعي السوري البارز نبيل حلباوي منحى العالم عبد الله نظام. وقال حلباوي، في حديثه لـ"العربية.نت"، إن "من يتشيع أو يتسنن لمال فهو لا يحسب في حساب الشيعة أو السنة ولا في حساب المسلمين أصلا".
سألته "العربية.نت": بعض وسائل الإعلام نقلت عن العالم مصطفى السادة قوله إن حرب حزب الله مع إسرائيل أدت إلى موجة تحول من المذهب السني إلى الشيعي في سوريا، فأجاب: "هذه حرب كانت دفاعا عن لبنان بكل طوائفه وتخص كل المسلمين ولا تصب في خانة تغليب مذهب على مذهب".
وتحدث عن حوارات مستمرة بين السنة والشيعة في سوريا، مشيرا إلى وجود "مؤسسات تؤكد هذا التلاقي والحوار وتدعمه". وعن القلق في بعض الدول من امتداد شيعي من إيران إلى سوريا فلبنان ورفع صور حسن نصر الله وخامنئي أكثر من صور الزعماء السياسيين في المنطقة، قال: "الشعوب قالت كلمتها: إنها مع كل من يقف بصدق في وجه أعداء الأمة، وعندما يقوم نموذج فيه هذه المواصفات فإن الجماهير تلتف حوله، كل المسلمين يحترمون أبطال المقاومة في فلسطين ولبنان متجاوزين كل الفتن الطائفية والتفريق بين المسلمين".
وشدد على أن شيعة سوريا يؤمنون أن "المسلمين أمة واحدة، الشيعة والسنة جناحان لهذه الأمة السلامية التي لا تقوم إلا بهما معا، والحديث عن تشيع بين أهل السنة هو في معرض تأثيرات سلبية على قضية التلاحم والوحدة، ويجب أن نركز على ما يجمع ويوحد الأمة".
مبادرة لعلماء السنة بسوريا:(42/89)
وفي جانب آخر للقضية، قال النائب الإسلامي السوري، محمد حبش (محسوب على النظام السوري)، إن الحديث عن وجود "ظاهرة تشيع في سوريا" هدفه وضع سوريا على القطار العراقي وهذا خطير جداً على سوريا والمنطقة ولذلك سيدشن مركز الدراسات الإسلامية الذي يشرف عليه، وبالتعاون مع جميعة علماء الشريعة بسوريا، حملة من لقاءات وحوارات وتنظيم وفود لتوضيح ما يجري في سوريا وتفنيد ما يقال عن تشيع فيها. وقال إن جلسات مركز الدراسات الإسلامية شارك فيها علماء سوريون مثل: د. محمود كفتارو ود.عبد القادر الكتاني.
وانتقد حبش، في حديث لـ"العربية.نت"، التحذير الأخير للداعية السعودي البازر الشيخ سلمان العودة من انتشار التشيع في سوريا"، مشددا على أن "ما يروج له من مد شيعي في سوريا بتمويل إيراني كلام يفقتر للدقة وغير منطقي ولا توجد أدلة ووثائق عليه".
وقال: لم يحصل في سوريا أننا صنفنا الناس طائفيا ولكن الحالة الشيعية في سوريا ممتدة حتى في أهل السنة لأنهم محبون لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأيضا يحترمون سائر الأئمة من الشيعة ولا ينظرون بأي عين سوداء للامتداد الشيعي في سوريا. وما يروج له من مد شيعي في سوريا بتمويل إيراني كلام يفتقر للدقة.
كما أن وجود قرى شيعية في سوريا ظاهرة قديمة، و الاهتمام بالمزارات والأضرحة هو شأن شيعي وسني، ونفرح بوجود مزارات أهل البيت مثل السيدة زينب والسيدة رقية والسيدة سكينة بنت الحسين وعمار بن ياسر.. واجبنا احترام هذه المزارات. كما أن المسيحيين السوريين يحملون مشاعر دافئة تجاه أهل البيت، ومنذ شهور عقد احتفال هائل في كنسية "محردة" من أجل إحياء ذكرى فاطمة الزهراء وهذا شعور وطني سني شيعي مسيحي علوي درزي وإسماعيلي.
مفتي سوريا لم يتشيع:(42/90)
سألت العربية.نت: بعض قوى المعارضة السورية تحدثت عن حالات تشيع بين السوريين مقابل دفع أموال لهم؟ فأجاب د. حبش: إذا كانت هناك حالات تشيع مقابل دفع مال سنرفض ذلك وسنحذر منه، ونقول: هذه حالات غير موجودة وعلى الأقل لا توجد وثائق حقيقية تدل على وجودها، وإذا كانت هناك وثائق سنقاوم أي تسييس أو تحويل للناس عن أفكارهم أو شراء ضمائرهم، ولكن هذا كله كذب، ولا يوجد شريف يرضى بيع ضمائر الناس بالمال نحو أي اتجاه فكري.
وعما أشيع من أنباء في صحف ومواقع عربية عن التشيع السري لمفتي سوريا، سخر حبش من هذا الكلام وقال "هذه ليست إشاعة سوريّة".
وأضاف متحدثا عن هذا الموضوع: يوجد منطق يرفض أي اتصال مع الإخوة الشيعة، ويعتبر أي اتصال معهم هو تشيع، وإذا كان المقصود بهذا التشيع هو إقدامنا نحن على إقامة حوار وعلاقة مع الفقه الشيعي فسوريا كلها شيعية، وقبل 30 سنة قال مفتي سوريا السابق إذا كانت الشيعة هي محبة أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلنا شيعة وإذا كانت السنة هي العمل بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلنا سنة. وإذا كان هذا خط أحمر تتجاوزه سوريا فقد تجاوزناه منذ 40 سنة .
وإزاء ما أشيع عن أن "سوريا منحت الجنسية لعشرين ألف إيراني"، قال: المواطن السوري يعلم أن هذا كذب كذب، فليذكروا اسم شخص واحد فقط منح الجنسية. حتى حالات الحصول على الجنسية تكاد تكون معدومة ولا يمكن تصديق ذلك. وقال: "الانتشار الثقافي الإيراني في سوريا مرتبط بالعلاقات الدبلوماسية وهي قوية مع إيران أكثر من السفارات الأخرى لوجود علاقات إستراتيجية مع إيران".
لا تشيع بين العلويين:
وأول ما يثير انتباه الزائرين إلى العاصمة السورية دمشق انتشار الصور التي تجمع الرئيس السوري بشار الأسد وأمين عام حزب الله اللبناني حسن نصر الله، على واجهة المحلات التجارية، السيارات الخاصة، وحافلات النقل العام، وحتى على الجدران.(42/91)
ويعلق مثقفون سوريون من داخل سوريا على هذه الحالة بوصفها أنها "وطنية" أكثر مما هي مذهبية أو دينية، إذ أن معظم السوريين من مختلف المذاهب الإسلامية وحتى المسيحيين وضعوا هذه الصورة مشددين على أن هذا لم يتم بتوجيهات رسمية أو بالقوة.
وكانت بعض أطراف المعارضة السورية تحدثت أيضا عن وجود "تشيع بين العلويين في سوريا وذلك بدفع من النظام الذي يمر بظروف تدفعه لتشجيع هذا التحالف العلوي- الشيعي"، ودائما حسب هذه المعارضة وفي مقدمتها الإسلامية. إلا أن بعض المثقفين السوريين داخل سوريا نفوا ذلك مشيرين إلى عدم وجود ظواهر تشيع بين العلويين، ومشددين على أن النظام يتحالف مع إيران ولكن ليس في حسبانه أن يضحي بقاعدته الاجتماعية أو خصوصيته السورية.
ونفى الشيخ ذو الفقار غزال، أحد ابرز رجال الدين في الطائفة العلوية في سوريا وخطيب مسجد الإمام الحسن العسكري في اللاذقية ونجل الشيخ الراحل فضل غزال الذي كان مرجعا مهما في الطائفة، وجود ظاهرة تشيع بين العلويين.(42/92)
وقال لـ"العربية.نت": لابد من أخذ هذه القضية في محورين؛ أولا هناك عملية مثاقفة تجري بين كل الأفكار والمذاهب ليس فقط من منظور ديني، وهناك حرب ثقافية الآن، وقضية انتشار التشيع من عدم انتشاره هي إحدى مظاهر هذه المثاقفة التي تجري، فلا يمكن القول إن هناك تشيعا يجري في صفوف أبناء الطائفة العلوية لأنه لا يوجد هناك عمل منظم لهذا التشيع أو محفّز ومحرّض عليه. ومن يعتنق المذهب الشيعي فهو يفعل ذلك بناء على رؤية ذاتية لديه وليس بناء على حملة تخاض ضد الطائفة أو مع الطائفة. ثانيا، نحن العلويين نقول عند كل مناسبة إننا جزء من الشيعة الاثني عشرية الذين انتشروا في هذا العالم، ونحن العلويين كان لدينا دور كبير في نشر مذهب أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى الأخص في سوريا ولبنان وفلسطين والأردن، ودور كبير في الحفاظ على خصوصية المنطقة، وسادة العلويين من ألف عام صدوا الهجمات الخارجية العسكرية والثقافية في كل أشكالها.
وأضاف: أطمئن الناس أنه لا وجود لظاهرة تشيع منظمة أبدا. والحديث عن نشاط إيرانيين ودفعهم المال للناس مقابل التشيع مبالغ فيه، وهذا يراد منه تفريق الجسد الواحد، والأولى بهم أن يقولوا إن اسرائيل تأتينا بالجنس والمخدرات بدل أن يقولوا إن إيران تأتينا بالحسينيات.
النظام لا يحكم على أساس أنه "علوي":
ثم سألت "العربية.نت" الشيخ غزال عن رأيه فيما تقوله أوساط المعارضة وخاصة الإسلامية من أن "النظام يشجع التشيع حماية للطائفة العلوية وله".
فأجاب: النظام شجع على الرؤية المعرفية الممنهجة وافتتح مجالات العلم في كل نواحي الحياة، النظام عندنا لا يمارس قيادة الدولة من باب أنه نظام علوي وهذا أجمل ما في هذا النظام ولكن من باب أنه نظام عربي سوري يحمل فكر الأمة العربية الواحدة وهذا الأمر الذي يلاقي قبولا عند الأغلبية الساحقة من الناس.(42/93)
وتابع "الطائفة محمية من خلال محبة الشعب لبعضه. مفتي الجمهورية أحمد حسون له شعبية كبيرة بين العلويين وغيرهم، وأقص عليك هذه الطرفة التي تبين موقفه: سألوه على أي مذهب تفتي فقال على الذي ييسر مصلحة المواطن. ولدينا مثلا في مديرية الأوقاف السني والعلوي جنبا إلى جنب ولا فرق بينهما.
الطائفة محمية ليس من خلال الشيعة ولكن من خلال حضورها الاجتماعي والعلمي والذي كان غائبا على مدار 400 سنة والنظام سمح بإدخال الرؤية المعرفية وتقويتها عند هذه الطائفة فصار عندنا أطباء ومهندسون مشاركون في الحياة، ولا توجد عندنا طائفية. أنا الآن أسكن في حي الزقزقانية، في اللاذقية، ولدي حوالي 20 جارا بين السني والمسيحي وأتوا في عيد الفطر وعيّدنا في الجامع .
ما بين الشيعة والعلويين ..
ولكن ما هو موقف علماء العلويين إزاء من يعلن تشيعه من أبناء الطائفة- سألت "العربية.نت" الشيخ غزال الذي رد قائلا: هناك بعض الخصوصيات بين الفريقين أي العلويين والشيعة؛ فنحن العلويين مثلا لا نأخذ بولاية الفقيه التي يأخذ بها الشيعة، فضلا عن بعض الخصوصيات في قضية تحديد المرجعية من حيث متى ينتخب المرجع فهذه غير موجودة عندنا، أي حجة الإسلام والمسلمين وآية الله العظمى ثم المرجع ثم الإمام غير موجودة، ثالثا مصادر التشريع عند العلويين أوسع وأشمل؛ فهناك هامش كبير لتجديد الثقافة الإسلامية قد لا تكون موجودة عند غيرهم، ومنها قضية العلاقة والحوار مع الآخر حيث أنه عندنا لا مقدسات في الحوار.
واستطرد: " الشخص الذي يعلن تركه للمذهب العلوي وانضمامه للمذهب الشيعي يتخلى عن بعض هذه الخصوصيات، لكن لا يتحرك كثيرا في فكره ومذهبه، لأن الأشياء التي طرحتها لا تتعلق بالأمور العقدية وإنما تتعلق بالممارسة وتطوير هذه العقيدة، لأنه بالنتيجة سلوك الإنسان هو نتيجة الثقافة وليس الثقافة نفسها. وخلافنا مع الشيعة هو في ممارسة وتطبيق العقيدة الواحدة".(42/94)
وأضاف متحدثا عن الفوارق بين الشيعة والعلويين: قضية وجود نساء علويات لا يرتدين الحجاب هي قضية نسبية فهناك نشاء شيعيات وسنيات لا يرتدين الحجاب أيضا. اللواتي رفعن الحجاب ذلك بسبب عدم تبني الفكر الديني أيضا. أيضا الشيعة ركزوا على الإمام الحسين أكثر من بقية الأئمة.
كما أن العلويين لا يجدون مبررا أو معنى لإخراج الخطاب الديني من المسجد حيث هو أقدس مكان يمكن أن يذكر الله تعالى فيه، ولا حاجة لتوزيع الأماكن التي يجتمع فيها الناس وتشتيت أماكن الخطاب الديني.
ويضيف: أول جامعة أقيمت في الإسلام هي جامعة الإمام جعفر الصادق ومقرها كان في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة المنورة، ولم يقم الإمام جعفر حسينية علما أنه من الأئمة الذين أتيح لهم طرح فكرهم الثقافي في فترة ضعف الدولة الأموية وقيام الدولة العباسية. لا حاجة للحسينيات عند العلويين. كذلك لا حاجة عند العلويين لإثارة مصيبة أهل البيت بالشكل الذي يثار عليه الآن من الضرب بالسكاكين عند الشيعة مما يؤدي لتشتيت الخطاب الديني. العلويون لا يقبلون دولة الفقيه ولا دولة قبل دولة المهدي المنتظر ومع ذلك أي دولة تحكم بالعدل فهي دولة عادلة يقبلون بها. اجتماعيا، العلويون أكثر تشددا في الضوابط الأخلاقية مثلا: نحن نعف عن لحم الذبيحة الأنثى، والدين عندنا تطوع في الإقبال على الله تعالى كما أننا أكثر الطوائف علمانية وانفتاحا في سوريا وهناك قنوات كثيرة في مبادئ العلويين للحوار مع الآخرين حيث أقروا للآخرين بثقافاتهم وصحة ثقافاتهم. وأشار أخيراً إلى أن أبرز علماء الشيعة محمد مهدي شمس الدين ومحمد حسين فضل الله أصدروا فتاوى تقول إن العلويين مسلمون. وقال: في قضايا أصول الدين مثل التوحيد والعدل والنبوة والإمامة لا فرق بين العلويين والشيعة، كذلك أيضا لا فرق في الصلاة والزكاة والحج..الخ.
آراء مثقفين سوريين معارضين(42/95)
من جانبه قال الكاتب السوري المعارض أكرم البني لـ"العربية.نت": الحديث عن ظاهرة تشيع فيه مبالغات، وعلاقة سورية وإيران قديمة وقوية، والآن هذه العلاقة هي إعادة إحياء تحالف على ضوء أوضاع جديدة في المنطقة. سمعت عن مساع للتشيع ولكن ليست ظاهرة وهذا كلام مبالغ فيه. نصر حزب الله شجع البعض على التحرك في اتجاه التشيع، والأمر سياسي أكثر مما هو مفاضلة بين مذهبين وأيهما أفضل من الآخر.
ويضيف: ليس من مصلحة النظام تشجيع التشيع في سوريا، ممكن أن يستفيد من العلاقة الجدية مع إيران وليس من مصلحته أن تذهب قاعدته الاجتماعية من عنده لأطراف إيرانية وليس من المنطقي في السياسة أن يتم نقاش أن هناك علويين من مصلحتهم الآن التشيع أو سنة تشيعوا. الموضوع ليس كذلك. برأيي كمحلل سياسي لا يوجد نظام يسلم قاعدته الاجتماعية الحزبية أو الدينية لحليفه، حتى في علاقة سوريا والاتحاد السوفيتي القوية لم يفعل النظام هذا أي لم يجبر الناس أن يصبحوا شيوعيين وترك مسافة لمصلحته الخاصة وصرف النظر عن نشاط بعض الشيوعيين. النظام علاقته قوية مع إيران ولكن يريد الحفاظ على خصوصيته السورية، وهو أيضا لم يسقط من حساباته العلاقة مع الغرب.
ومن جانبه يقول نبيل فياض، الباحث السوري في شؤون الأقليات، لـ"العربية.نت"، ردا على ما تقوله بعض أوساط المعارضة "عن سماح النظام بنشر صور زعيم حزب الله والسماح بالتحرك الشيعي أنه نابع من قلق عند العلويين لذلك يريدون التحالف مع الشيعة الإيرانيين".(42/96)
أنا شخصياً لا أتفق مع حزب الله ونصر الله وأنا ضد التعصب الديني، لكن حسب علمي النظام لا يجبر أحدا على وضع صورة حسن نصر الله ولا يجبر أحدا أن ينزعها، الناس أعجبوا بحسن نصر الله وهم من مختلف الطوائف. صديقي سني أطلق على ولده الجديد اسم حسن نصر الله، وهو شخص لا علاقة له بالتشيع وإنما يعتبر نصر الله رمزا وطنيا، ولشعب يتطلع دائما لمخلص. نصر الله في سوريا رمز وطني وليس رمزاً دينياً أو طائفياً. التقيت سوريين كثيرين لا يحبون حزب الله ولكن أعجبوا بحسن نصر الله كحالة وطنية.
وأضاف: أما فيما يتعلق بالحديث عن قلق لدى العلويين، فهذا كلام غير دقيق، والعلويون هم أكثر الطوائف علمانية في سوريا، وهذا كلام لإثارة نعرات طائفية ومذهبية كما حصل في العراق. العلويون غير طائفيين، في مكان عملي يوجد معي علويون لم أحس أبدا أنهم طائفيون. هذا كلام هدفه خلق نزعات طائفية في البلاد. وأتمنى للوباء العراقي ألا يمتد إلى سوريا وهناك محاولة لمده إلى سوريا وتفجير الوضع الداخلي في سوريا. وأصلا يوجد خطر على العلمانيين في سوريا أكثر من العلويين ورغم ذلك لم يتحالفوا مع شيعة ولا غيرهم ولا حتى مع علمانيين غربيين.
مناطق الشيعة في سوريا:
ويعتبر قبر السيدة زينب بنت الإمام علي من أبرز المزارات الشيعية في سوريا، حيث يمتد مسجد شيعي ذو قبة ذهبية جنوبي العاصمة السورية دمشق وتحيط به حلقة دينية قرب المزار. وكانت الأغلبية الشيعية الكبيرة التي هجرت العراق تجد منذ فترة طويلة قبل الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في عام 2003 ملاذها الآمن في سوريا.
أما أبرز المناطق التي يتواجد فيها الشيعة بسوريا، فهي:
- في العاصمة دمشق: زين العابدين والجورة والأمين، ويعتبر حي الأمين أهم مركز للشيعة في سورية وفيه مسجدان الأول مسجد الإمام علي بن أبي طالب وحسينية يمتد نشاطها على مدار السنة، والمسجد الآخر مسجد الزهراء.(42/97)
- حوش الصالحية ( زين العابدين) وهي بلدة صغيرة في الغوطة الشرقية وفيها مسجد وحسينية ويوجد عدد كبير من الشيعة العراقيين في منطقة السيدة زينب وحولها الكثيرمن الحسينيات والحوزات العلمية.
- الجورة (حي الإمام جعفر الصادق) تقع بجانب باب توما، وفيها مسجد كبير هو مسجد الإمام جعفرالصادق وحسينية. و أيضاً فيها مدارس وجمعيات ومنتديات خاصة بالطائفة.
- في مدينة حلب شمال سوريا: نبّل التي تقع شمالي حلب 22 كم وكل سكانها شيعة.
-الفوعة: وهي قرية شرق ادلب كل سكانها شيعة عددهم 15ألف نسمة.
- كفريا: تقع غرب الفوعة وأيضا سكانها شيعة عددهم 4 آلاف نسمة.
- معرتمصرين: تقع شمال كفريا ربع سكانها شيعة عددهم 4آلاف نسمة.
- توجد أقلية شيعية في منبج والباب ودير الجمال (منطقة أعزاز).
- مدينة حمص وسط سوريا: يتوزع الشيعة على قرى كثيرة أهمها أم العمد.
- في درعا: يوجد حوالي ألف نسمة وتوجد أقلية مهاجرة من لبنان تمركزوا في عدة مناطق منها: الشيخ مسكين، نوى- مزيريب، المليحة، الكسوة.
- مزيريب، المليحة، الكسوة.
التشيع في درعا
منتديات الإنترنت
هذا ملخص تقرير نشره مركز الدراسات الإسلامية في بريطانيا حول التشيع في محافظة درعا يقول فيه الناشر أنه أعد من قبل ثقات معروفون من جهته, و يضيف أنه سينشر تقارير عن التشيع في محافظات أخرى. و يطالب المركز (الذي يديره الشيخ محمد سرور العابدين) المسلمين أن يفكر كل منهم بما يستطيع تقديمه للإخوة الدعاة داخل سورية, و يقول الناشر: من تدفعه مروءته إلى تلبية هذا النداء فليتصل بنا بالطريقة التي يريدها.(42/98)
ظهرت الشيعة في محافظة درعا منذ عشر سنوات على الأقل بدعم واضح من حكومة البعث حيث لا يخفى على أحد الانتماء العقدي والفكري لحكومة البعث في سورية، وخاصة أن محافظة درعا تتمتع بحضور قوي للبعثية أولاً والصوفية ثانياً ، ولكن وجود الشيعة في المحافظة يزيد على المائة سنة في مدينة بصرى الشام مثلاً ـ بلد الإمام ابن كثيرـ والمليحة الغربية، والشيخ مسكين ، ودرعا المدينة ، وطفس، وغيرها.
ولكن كانوا يستعملون التقية ويصلون في مساجد السنة ويحضرون مجالسهم ولا تستطيع أن تفرق بينهم وبين أهل السنة أبداً .
إلى أن عاد المدعو زيدان الغزالي - تخرج في كلية الفلسفة كان من الإخوان المسلمين ثم انتقل إلى حركة المرتضى التي كان يتزعمها جميل الأسد شقيق حافظ الأسد ثم أصبح ينتمي إلى الرافضة علناً ويلبس زيهم - في إيران وبدأ يدعو إلى التشيع بقوة وهمة تناطح الجبال وكان يأتيه الدعم المالي من إيران علناً عنده شدة في منهجه ودعوته إلى التشيع، يقدم كل المغريات للشباب وخاصة المال وأثاث البيوت والكتب واللباس ولربما يهيئ لهم سفراً إلى إيران, ومن أعظم الأمور التي قدمها ويقدمها زواج المتعة، وكل من تصدى له وعارضه في منهجه دخل السجن أو جرى استدعاؤه وتهديده من قبل الأجهزة الأمنية في سورية لأن الغزالي يعتبر من المقربين جداً للأمنيين وخاصة أنه ابن عم العميد رستم الغزالي الذي كان يترأس الاستخبارات في لبنان هذا من جهة، ومن جهة ثانية أنه كان يتكلم دائماً بلسان الحكومة ويثني على النصارى. .يعمل الغزلي الآن خطيباً في مدينة درعا - حي الزاهرة - جامع علي بن أبي طالب، وهذا المسجد للسنة وقد أخذه عنوة ولا يستطيع أحد عزله منه.(42/99)
للشيعة العراقية باع طويل في المد والنشاط الشيعي في درعا وقد وفدوا إلى درعا منذ سنوات وقبل سقوط بغداد وكان لزعيمهم أبي جعفر العراقي الحضور القوي والمتميز .. قلما يخلو يوم دون أن يوزع مئات الكتب في أرجاء المحافظة وكلها تدعو إلى ضرورة الالتفاف حول المرجعية المنبثقة من الأئمة والانقياد لها .تأثر بدعوته كثير من الناس وخاصة أنه كان يفتش على من كانت جذوره شيعية ويدعوه لإظهار تشيعه علناً دون خوف وكان يردد دائماً على المنبر يجب أن نظهر ودعوتنا أصبحت علنية .
لم يكن في المحافظة أي حسينية على الإطلاق بل كان ممن ينتسب إلى الشيعة ويستعمل أسلوب التقية يصلي في بيوت الله مع أهل السنة والجماعة ، حتى بدأت دعوة الشيعة تظهر فكانت أول حسينية بنيت في مدينة درعا حي المطار مجاورة لمسجدين من مساجد أهل السنة تماماً ، وهذه الحسينية تم بناؤها بشكل سريع جداً حضر افتتاحها السيد حسين فضل الله من لبنان وعدد كبير من حكومة البعث وطلاب العلم من أهل السنة الذين غرر بهم ولا يعرفون حقيقة الشيعة وقد أكرمهم الشيعة .
هناك أيضاًحسينية في مدينة بصرى الشام. في الشيخ مسكين أقاموا حسينية تكاد تطابق الحسينية الموجودة في مدينة درعا نشاطاً وقوة، والقائم عليها هناك رجل من العراق يعتبر هو السيد الآن والمرجعية يدعى ( أبو منتظر ) ، وهذه الحسينية عندما كانت تبنى حرص الشيعة أن لا يعمل فيها إلا من ينتمي للشيعة فقط، وهي مجهزة تجهيزاً لا يقل روعة وإتقاناً عن الحسينية في درعا وخاصة القسم المتعلق بالأطفال .
أما الحسينية التي أقاموها في بلدة المليحة الغربية بجوار المسجد تماماً حتى أن المسافة بينهما لا تتجاوز المائة متر فقط ، وأهالي المليحة عددهم حوالي 5000 نسمة.(42/100)
والشيعة فيهم لها جذور قديمة نشطت منذ سنوات فقط والآن اعتزلوا مساجد أهل السنة واعتزلوا مجالسهم وأفراحهم وأتراحهم وقسموا البلد حتى أنهم غيروا أسماء المحلات التجارية والصناعية خاصتهم وسموها بأسماء شيعية معروفة.
الحسينية التي تحمل أسماً يخالف مضمونها ودعوتها في بلدة قرفة حيث سماها القوم (الوحدة الإسلامية) وهذه الحسينية بنتها إيران والقائم على بنائها وإمامتها زيدان الغزالي الذي مرّ ذكره سابقاً، وبلدة قرفة من القرى التي ظهر فيها التشيع بقوة وكثرة بسبب زيدان الخبيث حيث كان يعطي عطاء يغني الفقراء والمساكين مما اضطرهم إلى أتباعه والالتصاق به، يأتي هذا الخبيث الدعم المالي من إيران علناً وهو يزور المثقفين والمشايخ ويدعوهم للتشيع علناً وقبل أن يستطرد بالكلام يعرض على المدعو المال، أما دعوته لغير المثقفين وطلاب العلم فتكون عن طريق المتعة وقد أثر أثراً واضحاً على كثير من الناس، وفي الفترة الأخيرة بدأ يظهر عداءه للصحابة الكرام وخاصة أبي هريرة ومعاوية وأم المؤمنين رضوان الله عليهم، وقد لمز على المنبر مراراً أبا هريرة وكاد أن يكفر معاوية.
في مدينة طفس بدأ الشيعة التحرك من أجل بناء حسينية ولكنهم يجتمعون في بيت كبير وهبهم إياه المدعو محمد الحجازي ويعتبر هو الحسينية وهذا الأخير له ارتباط مباشر مع السفير الإيراني في سورية وممثل الخامنئي وقد زاروه في بيته مراراً .و في كثير من المدن والقرى ظهر التشيع ولكن دون بناء حسينيات ، و قام الشيعة بتوزيع كتب كثيرة على البيوت حتى غزت كتبهم كل بيت ، ومن ضمن الأهداف التي اطلعت عليها تشييع درعا في عشر سنوات .(42/101)
3…أهل السنة مضطهدون في سوريا و هم يكرهون العلويين جدا، و لكن الملاحظ أن عمق معرفة أهل السنة لديانة الباطنية النصيرية و عقائد الشيعة محدودة في كثير من مناطق سوريا و إن كانوا يرونهم على انحراف، وهذا يتطلب توعية لأهل السنة بعقائد الباطنية بالتفصيل وكذلك عقائد الشيعة وانحرافها عن الإسلام .
4… ينتشر التصوف و الجهل بين كثير من أبناء السنة و هذا يسهل الكثير على الرافضة.
5… يتواجد كثير من السوريين (أهل السنة) في الخارج و خاصة في الجزيرة و الخليج وربما الأردن كمهندسين أو فنيين ومقاولين وكذلك في أوروبا كأطباء وغيره، والغالب من هؤلاء يستطيع زيارة بلاده و أهله في سوريا، ولذا فان دور هؤلاء الإخوة كبير في تعلم دور الحركات الباطنية وعقائدها ونشر العلم الشرعي بين أهليهم و توضيح عقائد الباطنية و التشيع لأهل السنة بالتفصيل.
9… أظن أن الكثير لا يعرف إلا القليل عن عقائد الباطنية بشكل خاص و ذلك يرجع إلى عقيدة الكتمان لدى هؤلاء الناس، وهناك مرجع رائع يوضح عقائد الباطنية وهو رسالة دكتوارة لأحمد الخطيب من الأردن حيث يفصل تاريخ وعقائد فرق الباطنية بأسلوب تاريخي وعقائدي جميل. عنوان الكتاب "الحركات الباطنية و دورها في العالم الإسلامي".(42/102)
10… أكثر المناطق المستهدفة بهذه الحملة كما يقوله علماء سوريا هي أكثر المناطق السورية معاناة من سياسات التفقير و التجويع الحكومية الطائفية ومنها مناطق الريف التالية: دير الزور الجنوبية والشرقية، الحسكة الجنوبية، الرقة الشرقية، إدلب الشرقية والجنوبية، حماة الشمالية الشرقية وريف حماة الغربية، حمص الغربية و الجنوبية الغربية، وبعض مناطق ريف دمشق الجنوبية، وكذلك أحياء دمشق الفقيرة كالحجر الأسود والدويلعة والمساكن الزاهرة ومناطق المخالفات وبعض مناطق الغوطة. وطبعاً مدن ومناطق الساحل السوري ومناطق تواجد الطائفة العلوية التي نالها النصيب الأكبر من الظهور الخميني لدرجة أن الحكومة الطائفية راحت تفتتح مدارس لتعليم اللغة الفارسية لأبناء تلك المناطق تمهيدا لنقل عدد منهم إلى إيران.
11…لمن يريد معرفة تفاصيل التشيع في سوريا و في كل المدن هناك كتاب اسمه "تحذير البرية من نشاط التشيع في سورية".(42/103)
12…من المهم معرفة أن التيار الشيعي الحالي ما هو إلا نتاج من نتائج التيار الصفوي الذي فرض التشيُّع على سُنَّة إيران. ويلاحظ أن المناطق الفارسية التي كانت في السابق القريب سنية شافعية حُوِّلت بالقهر إلى المذهب الإثني عشري، وكانت المدن تُخَيَّر بين السيف والتحوُّل، ولذا لم يبقَ أثر للسنّة في إيران إلا في مناطق الأكراد والبلوش. ولم يمنع تنفيذ المخطط الصفوي في العراق إلا تدخل الدولة العثمانية العسكري، ولكن هذا لم يمنع الشيعة من التمدد السلمي في العراق؛ حيث جرى التركيز على العشائر العراقية عن طريق تردد دعاة الرافضة عليهم في غفلة وغياب من علماء السنة. ففي سنة 1326هـ، كشف الشيخ العلاَّمة محمد كامل الرافعي في رسالة أرسلها من بغداد لصديقه الشيخ رشيد رضا، ونشرتها مجلة المنار في المجلد السادس عشر، ما يقوم به علماء الشيعة من دعوة الأعراب إلى التشيع واستعانتهم في ذلك بإحلال متعة النكاح لمشايخ قبائلهم. وإليك اسماء بعض العشائر التي دخلها التشيع في القرنين الأخيرين: ربيعة، وتميم، والخزاعل، وعشيرة زبيد، بنو عمير وهم بطن من تميم، والخزرج وهم بطن من بني مزيقيا من الأزد، وشمر طوكه، والدوار، والدفافع، وآل محمد، وعشيرة بني لام، وعشائر الديوانية، وعشيرة كعب. وكان التوسع في التعليم بعد ثورة 1958م رافداً لهذا التسلل عن طريق المعلمين الشيعة في المناطق النائية والبدوية.
الحكيم 00 نصر الله: عدوان لبعضهما أم صديقان؟…
أمير سعيد
موقع المسلم - 19/11/1427(42/104)
"لا تخرجوا من العراق" .. "اضربوا بيد من حديد على أيدي الصداميين والتكفيريين والإرهابيين"، هذه رسائل عبد العزيز الحكيم زعيم المجلس الأعلى للثورة "الإسلامية" في العراق للرئيس الأمريكي لدى زيارة القيادي الشيعي البارز لواشنطن. "اخرجوا الإسرائيليين من جنوب لبنان" .. "اخلعوا الحكومة العميلة لأمريكا وإسرائيل في لبنان" . ."حكومة السنيورة غير نظيفة"، وهذه رسائل حسن عبد الكريم نصر الله زعيم "حزب الله" في لبنان للشعب اللبناني.
يمكننا أن نرى لـ"الشيطان الأكبر" أكثر من وجه بعدستي الحكيم ونصر الله، والمفارقة ليست في وجود هاتين العدستين بحد ذاتهما، وإنما في توازيهما في منظار واحد يمسك به مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي!!
بيد أن هذه المفارقة سرعان ما تتلاشي عندما تُقرأ من زاوية المبدأ الإيراني المذهبي الأصيل، وهو مبدأ "التقيّة"، وهي هنا في السياسة تعني أن تتخذ الموقف وضده، وتطلق تصريحاً وتسحبه أو يقوم ممثل آخر بنفيه، وأن تصادق الرئيس الأمريكي وتعاديه في ذات اللحظة، وأن تتحدث بخطاب حنجوري عن "الشيطان الأكبر" (الولايات المتحدة الأمريكية) في بلد وتتحالف معه في بلدان أخرى، فالحل وفقاً لخامنئي ونجاد أن ترحل الولايات المتحدة الأمريكية من العراق فوراً، لكنه عند الحكيم يستدعي بقاءها، والحكيم بالمناسبة هو أول من دعا إلى علنية التفاوض والحوار بين الولايات المتحدة وإيران بشأن الاستيلاء على العراق، وهو الذي كشف الستار عن تحالف "باطني" ينسق الجهود والمواقف لقضم الكعكة السنية الإسلامية منذ أمد بعيد، عندما جعل "الخصمين" يتحدثان كلاهما علنياً عن ضرورة الحوار حول العراق، بعد أن كان التنسيق بين "الخصمين" يجري بصورة سرية.(42/105)
الحكيم بالتأكيد لم يعجبه اتهام الرئيس المصري حسني مبارك للشيعة بالولاء لغير أوطانهم لكنه دعا من قبل إلى تعويض العراق لإيران بمئة مليار دولار نظير خسائر الأخيرة من الحرب، وما زال يحتفظ بـ"فيلق بدر" المجهز إيرانياً بالكامل ويشرف عليه ضباط كبار من الحرس الثوري الإيراني، وهو وحسن نصر الله صنوان في ذلك، لكن الأخير دعا مؤخراً أنصاره للتظاهر باسم العروبة، وقال فيما قال إن بيروت ستظل أرض العرب وحامية العروبة، ولا غرو فدرجات ضعف النظر في عين المرشد ليستا واحدة.
ولذا كان منطقياً أن يكون لكل عدسة اختلاف عن نظيرتها، فكان للحكيم خطاب ظاهر الوضوح والالتصاق بالـ"الشيطان الأكبر"، وكان لنصر الله خطاب مفعم بالثورية الفارغة، والموهمة بالتساوق مع رغبات بني يعرب الطيبين! وهو قد حاول التملص من أخبار تلاحقه بتدريب جيش "المهدي" بالعراق وفرق الموت التابعة له برغم تواتره من مصادر عراقية وأمريكية متعادية.
إذا أردت أن ترى الرجلين عدوين، فذاك ميسر؛ فالحكيم يدعو بقوة إلى بقاء الولايات المتحدة الأمريكية في العراق، وهو بذلك أكثر حظاً في الاقتراب من "الشيطان الأكبر" من (رئيس الوزراء اللبناني) فؤاد السنيورة الذي يمطره نصر الله كل يوم بقذائف اتهاماته بالعمالة للغرب وخيانة الوطن اللبناني مع أن السنيورة لم يدع يوماً من الأيام إلى جلب القوات الأمريكية إلى لبنان مثلما فعل ذلك الحكيم انطلاقاً من مؤتمر لندن المشؤوم لـ"المعارضة العراقية"، واتخذ من ذلك سياسة له ـ ومن قبل سلفه باقر الحكيم ـ، لم يغيرها ولم يتنصل أو يخجل منها ـ والحق يقال ـ خلال تلك الشهور الأربعين الماضية.(42/106)
والسنيورة كما يعلم الجميع برغم اختلافهم البعض معه أو رفضهم لسياسته التقاربية مع الغرب لم ترشح أية معلومات عن تلقيه أموالاً فضلاً عن أن تكون رواتب كما كان يتلقى الحكيم من الأمريكيين خلال عضويته لمجلس الحكم العراقي المنحل ما قيمته 50 ألف دولار كراتب شهري.
وتستطيع أن ترى الرجلين عدوين عندما يأتيك نبأ زيارة الحكيم لواشنطن بعد أيام فقط من زيارة بوش لعمّان، وهو للتذكير لا يشغل أي منصب رسمي في الحكومة العراقية بما يشي بالحفاوة البالغة والعلاقة الحميمة بالرئيس الأمريكي، وقد دان نصر الله من قبل زيارات قادة بعض القوى اللبنانية كجنبلاط ـ ذي المزاجات المتقلبة لا التوجه الأمريكي الثابت كالحكيم ـ واستنكر مقابلات السنيورة مع (وزيرة الخارجية الأمريكية) كونداليزا رايس في بيروت.…
أما إذا أردت النظر إليهما كصديقين فلن تعييك الحيلة أيضاً؛ فالحكيم ونصر الله يتخذان قبلة واحدة في تعلمهما وفي ولائهما ويدينان بالأفكار الميكيافيلية الواحدة التي تسمح لهما بارتقاء ظهور دبابات المحتل والاطمئنان القلبي إليها، وإلى إطلاق القذائف الصاروخية باتجاهها لإيقاف زحفها، وقلب "كبير" يتسع للمقاومة والخيانة في آن معاً، ولرؤى فسيحة يمكن أن لا ترى غضاضة في الجمع بين رفع ألوية المقاومة في بلد وتصفيتها في بلد آخر، وإلى تشجيع الكفاءات في بلد وذبحها في آخر. وحين تجد الرجلين كليهما يقبّل يد مرشد الثورة الإيرانية ويدينان له بالولاء ويوزعان الأخماس باسمه، فلابد ألا تتسلل إليك فكرة أخرى للعلاقة الجامعة بينهما إلا الصداقة والأخوة، فثم هي الصداقة التي يباركها "ولي أمر المسلمين" ـ وفقاً للرجلين ـ ويفيض عليها من رعايته.(42/107)
وحيث نعجز أن نرى الصداقة والعداوة إلا بمعناهما الصريح الذي تربينا عليه وألفناه، فنستميحكم الأعذار أن فشلنا في فهم ماهية هذه العلاقة التي تجمع بين الرجلين، وتجعلهما كثيراً يتجنبان الحديث عن بعضهما البعض بالخير أو بالشر!!
دعاة على أبواب المشروع الصفوي
أحمد موفق زيدان – مدونته في موقع مكتوب
مع الانسحاب السوفياتي من أفغانستان في فبراير" شباط" 1989 وصل على جناح السرعة إلى بيشاور الباكستانية - حيث كنت أغطي الحرب الأفغانية حينها - بعض قيادات العمل الإسلامي الكبار ، الذين لا أود أن أكشف أسماءهم الآن ، وطلب القادة اللقاء مع بعض قادة الجهاد الأفغاني ، وأبلغوا أحدهم أن عليه الآن أن يتحالف مع الشيوعيين في كابول ، الذين قاتلهم وقتلوا إخوانه طوال السنوات الماضية .
كان تبرير القادة الإسلاميين لرأيهم هذا أن المشروع السوفياتي الشيوعي يتهالك إن لم تكن شهادة وفاته قد وقعت بالفعل ، وبالتالي لا خوف ولا خطر على التعاون مع أذنابه في أفغانستان ، كونهم سيكونون منبتين لا رأس ولا داعم ولا مغذي لهم بخلاف أعمدة المشروع الأميركي المنتشي بالنصر في أعقاب انتهاء الحرب الباردة لصالحه ..
هذا الأمر تداعى إلى ذاكرتي ، حين كنت أرقب بألم وحسرة خطاب شيخ شيوخنا الأستاذ فتحي يكن، الذي تعلمنا الكثير على كتبه ، تداعى الأمر إلى ذاكرتي حين رأيت الأستاذ يكن وهو يخطب جيشاً ؛ ولكن للأسف لم يكن جيشه، كان جيش الآخرين ..(42/108)
حديث الأستاذ يكن كان رائعاً في كثير من نقاطه ، ورسائل رائعة ، إلا أن صندوق البريد كان خاطئاً بصريح العبارة ، إن المشروع الأميركي يتهاوى يا سيدي بضربات المقاومة السنية في كل مكان ، لكن الصفويين هم الذين استدعوه وزينوا له القول ، ودعموه ، واستماتوا من أجله ، حصل هذا في أفغانستان والعراق ، وحتى لبنان الذين صمت قادة حزب الله عن النيل ممن التقى زعيم البيت الأبيض ، وأنت يا سيدي تريد مع قادة حزب الله ضرب المشروع الأميركي في لبنان ، أي مشروع يا سيدي ، إن المشروع الأميركي هو في بغداد التي تسعى طهران بصريح العبارة إلى مساعدة الأميركيين في الخروج من المستنقع العراقي السني ....
في الحلق غُصة ولا أود أن أكتب أكثر من هذا ، لكن العجيب نرى القذى في أعين السنيورة ، ولا نرى الخشب والأحجار في أعين غيره !!!
من الذي لم يرق دماء المسلمين واللبنانيين في بيروت ولبنان كلها ؟!! ألم يفعل أفرقاء 14 آذار نفس ما فعلته أفرقاء المعارضة؟!! فمالذي فعله الجنرال عون ، ومنظمة أمل بالمخيمات الفلسطينية؟!! ومالذي فعله النظام السوري في شعبه والشعب اللبناني من طرابلس إلى البداوي والكرنتينا وصبرا وشاتيلا ، حين قامت عصاباته بذبح الفلسطينيين ليكافأ مرتكبها حبيقة لاحقاً بتوزيره في حكومة الوصاية السورية؟!! وما الذي فعله النظام السوري في شعبه وحماة ؟!! أم أننا لا نعد ذلك من أوطان المسلمين؟!!(42/109)
إن ما نريده باختصار هو ألا نكون أداة من أدوات هذا المشروع أو ذاك ، نريد أن نكون مشروعاً خاصاً بنا ، وكفى أن نُستغل أو نُستخدم من قبل هذا الفريق أو ذاك، فما يجري في بلاد الرافدين درس لنا جميعاً، عجباً لهذه الحركات التي تنشد إقامة الدولة الإسلامية وهي تبتعد يوماً بعد يوم كالزاوية المنفرجة عن مشروعها ، وعما قامت من أجله!! لتتقدم الصفوف المؤسسات الدينية التقليدية التي هُوجمت على الدوام على أنها بنت السلطة ، ففي العراق ها هي هيئة علماء المسلمين تنبض بنبض الأمة من غانة إلى فرغانة ، وكذلك في باكستان وأفغانستان ، والآن هيئة الفتوى في لبنان .
سقوط قناع حزب الله الخارجي: العراق, الأحواز وإيران
علي حسين باكير
صحيفة السياسة الكويتية 9-12-2006
عندما نطرح التناقضات الصارخة على المؤيدين لحزب الله عن جهل أو علم, متسائلين عن كيفية تفسيرها و ماهية تأويلها و أماكن تصريفها, يتداعون متخبّطين من كل حدب و صوب بجواب مستنسخ و كأننا في مدرسة ابتدائية مفاده: "أنّ حزب الله هو حزب لبناني ليس له أي علاقة أو نشاط مع الخارج, و هو غير مرتبط مع إيران و لكنّه يكن لها احتراما و امتنانا كبيرين"!!
في هذا التقرير سنعرض لكم النذر اليسير من نشاط حزب الله اللبناني الخارجي مع إهمالنا الحديث عن تبعية حزب الله الدينية و السياسية لإيران لكي نتحدث عنها في تقرير آخر خاص بها.
حزب الله وجيش المهدي:
- (أنا اليد الضاربة لحزب الله اللبناني في العراق)، مقتدى الصدر في تصريح له يوم الجمعة 12-4-2004.
- (تمّ تشكيل مجموعة من 1500 مقاتل للذهاب إلى لبنان)، عضو تيّار الصدر و جيش المهدي في تصريح له في 27-7-2006.(42/110)
أثار التصريح المفاجئ لزعيم جيش المهدي مقتدى الصدر الذي ألقاه في مسجد الكوفة يوم 12-4-2004 في كونه اليد الضاربة لحزب الله اللبناني في العراق تساؤلات عديدة لدى قطاعات واسعة من الخبراء و المحللين و المتابعين عن دوافع هذه الرسالة التي أرسلها الصدر لحزب الله آنذاك و تراوحت التساؤلات وقتها بين:
1…هل هي عرض للتعاون مع الحزب أم رسالة إلى إيران الراعي الرسمي له مفادها أننا في خدمتكم؟
2…هل هي مزايدة سياسية و تصريحات غوغائية؟
3…أم أنها رسالة جوابية عن اتصالات جرت بين حركة مقتدى الصدر و حزب الله؟
4…أم أنها حماقة غايتها استفزاز الجميع بما في ذلك قوات التحالف وتجميل صورة حركته لدى جهات إقليمية؟
لم نحصل على جواب واضح و حاسم بشأن هذا التصريح و اضطررنا للانتظار, إذ أنّ الفضائح و الأسرار لا تكشف عادة فورا, بل تحتاج لفترة ليست بقليلة من الزمان و الوقت.
في 27-7-2006 , قام عضو التيار الصدري و جيش المهدي بالإعلان عن تشكيل مجموعة من 1500 مقاتل للذهاب إلى لبنان دون أن يوضّح لنا مهمتهم هناك. و لم ننتظر كثيرا هذه المرّة حتى تسرّبت المعلومات الحقيقية عن الدور و الأهداف.
إذ نقلت صحيفة نيويورك تايمز بعد ثلاثة أشهر من الخبر السابق, في 28-11-2006 تقريرا مطوّلا جاء فيه أنّ حزب الله اللبناني قام بتدريب ما بين ألف و ألفين عنصر من عناصر جيش المهدي الذي يتزعّمه رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر.
وقد نقلت وكالة" فرنس برس" في اليوم التالي أيضا تصريحاً استخباراتياً يؤكّد تقرير الصحيفة, جاء فيه أن دعم حزب الله للميليشيات الشيعية العراقية و خاصة جيش المهدي سجل تقدما في نهاية العام الفائت وبداية العام, و هي الفترة ما بين التصريحين الأول و الثاني الواردين أعلاه.(42/111)
كما نقلت بعض المصادر الإخبارية عن موظف في مطار بغداد الدولي أن خمسة وثلاثين قياديًا من جيش المهدي كانوا قد غادروا صباح الأربعاء 25-10-2006 إلى لبنان بناءً على دعوة رسمية موجهة لهم من حزب الله, و أن من بين الذين غادروا إلى لبنان المدعو "أبو طالب النجفي"، أحد قادة جيش المهدي الذين برزوا خلال الفترة الماضية في مدينة الحرية، حيث قتل وهجر العشرات من العائلات السنيّة.
التقرير الخطير جدا لا يعني أنّ حزب الله يشترك مع العصابات الصفوية في سفك دماء أهل السنّة في العراق و اللاجئين الفلسطينيين الذين قتل جيش المهدي عددا كبيرا منهم فقط, بل يعني أيضا الطعن في ظهر المقاومة العراقية التي تقاوم أكبر و ضخم قوة احتلال عرفها التاريخ, و التي لا يعترف السيد حسن نصر الله بها صراحة و صنّفها في خطابه الشهير في ذكرى الإمام الكاظم الذي تزامن مع حادثة جسر الأئمة في بغداد بين: "صدّامي بعثي و تكفيري إرهابي", و بات عليها الآن مقاومة ثلاث احتلالات بدلا من واحد: الأول هو الاحتلال الأمريكي و الثاني هو الاحتلال الصفوي و الثالث هو العملاء و المرتزقة من الميليشيات الشيعية و منهم جيش المهدي.
التعليق المباشر على هكذا تقرير سيكون بالنفي الأكيد لهذا الأمر, هذه هي عادة القوم, فإن وافقهم الخبر صدّعوا رؤوسنا به في شاشتهم "المنار" و لم يستحوا أن يكون الخبر من الصحف الصهيونية أو الأمريكية أو حتى البريطانية, و إن لم يوافقهم فالنفي الفوري و الاتهام بأنه تقرير مدسوس, كيف لا و هو صادر عن أعداء الأمّة!!(42/112)
نحن سنكون أكثر إنصافا منهم في ذلك و نتجاهل ما قاله مقتدى الصدر بعظمة لسانه و كيف تطابقت التصريحات المتوالية مع التقرير الأمريكي. و سندفع باتّجاه عدم صحّة التقرير استنادا إلى الجهة التي نشرته و ليس استنادا إى حقائق تبيّن عدم صحّة ما ورد فيه, لكننا في المقابل سنعرض لدور الحزب في الأحواز العربية و في إيران و هذه المرّة على لسان أطراف مسؤولين إيرانيين و شيعة عرب, فهل سينكرون؟!!
حزب الله اللبناني و القضية الأحوازية:
على الرغم من أنّ إقليم الأحواز العربي في إيران يعدّ من أكثر الأقاليم إنتاجا للنفط إلاّ انّه يعد ثالث أفقر إقليم في إيران , و يعاني 80% من الأطفال فيه من سوء التغذية و يبلغ معدّل البطالة بين العرب خمسة أضعاف معدل البطالة بين الفرس. يمنع نشر الصحف والكتب باللغة العربية بهدف محو الهوية العربية ويقتصر التعليم فيه على اللغة الفارسية فقط حيث تبلغ نسبة الرسوب نتيجة اعتماد اللغة الفارسية حصرا ولغيرها من العناصر في المرحلة الابتدائية حوالي 30% وفي المرحلة الثانوية حوالي 50% ويصل معدلات الأمية بين العرب أربعة أضعاف مثيلاتها بين غير العرب.
لا نريد أن نتحدث عن السياسات الإيرانية المقززة والعفنة تجاه عرب الأحواز - وأكثرهم شيعة المذهب - والتي عملت على تهجيرهم وقتلهم واستضعافهم وأوصلتهم إلى هذه الحالة, لكننا سنتحدث عن دور حزب الله في قمع العرب الأحوازيين!!
خلال انتفاضة الطلبة في إيران عام 1999 ومن ثم المواجهات الدامية التي حصلت بين رجال الأمن وأهالي مدينة الأحواز عاصمة محافظة ما يسميه الإيرانيون (خوزستان)، تحدث أكثر من مصدر إضافة إلى قادة الطلبة و الفعاليات العربية بالمدينة عن وجود المئات من العسكريين العرب بين صفوف قوات الأمن ووحدات الحرس التي تولت قمع انتفاضة الطلبة، وإخماد مسيرات العرب الإيرانيين.(42/113)
التفسير الوحيد الذي برز وقتها حول العرب المنخرطين في قوات الأمن الإيرانية وبعض وحدات الحرس الثوري، كان أنهم من رجال فيلق بدر الجناح العسكري للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق, غير أن لهجة بعض رجال الأمن القريبة من لهجة أهل لبنان وسورية أثارت تساؤلات حول جنسية هؤلاء, إلى أن تبيّن أنّهم عناصر من حزب الله اللبناني!!.
من المعروف أنّ المنخرطين في حزب الله اللبناني لا يولدون متدربين عسكريا بالطبع, إنما يتم إرسالهم إلى معسكرات تدريب في دمشق للحالات العادية و لطهران للنخبة حيث يتم تدريبهم على الأسلحة المعقّدة و المتطورة كالأسلحة المضادة للدبابات و الصواريخ المتنوعة المسافات و التوجيه,و لذلك فقد اقتضت هذه الحاجة فتح مراكز تدريب لهم, و بالطبع ستكون في الأحواز.
في 10-4-2006, قامت المنظمة الوطنيّة الأحوازية (عربستان) بإرسال رسالة خطيّة إلى أمين عام حزب الله اللبناني حسن نصر الله تشرح له فيها معاناة العرب في الأحواز من السلطات الإيرانية, وقد ورد في سياق الرسالة إشارة إلى مشاركة أعضاء حزب الله اللبناني في قمع المتظاهرين الاحوازيين, بما نصّه:
"المؤكد أن النظام الإيراني لا تنقصه العناصر ولا الخبرة في كيفية قمع الشعب الأحوازي، إلا أن استخدامه للعناصر العربية اللبنانية وعناصر أخرى من قوات فيلق بدر الناطقة باللغة العربية هي الأخرى لقمع المتظاهرين الأحوازيين، تدلّ بوضوح على حجم المؤامرة والفتنة التي ينوي زرعها بين الأشقاء العرب المسلمين من أبنائنا وأبنائكم، ولا نظن أن أمراً كهذا لا يستدعي التدخل العاجل والفوري من قبلكم، ونستشهد هنا بقول الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين) "الفتنة أشدّ من القتل".(42/114)
وأضافت الرسالة أيضا: "سماحة السيّد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله اللبناني الموقر: نناشدكم بان تطلعوا مناضليكم الشرفاء في حزب الله بمدى خطورة مشاركتهم في قمع أشقائهم الأحوازيين الأبرياء وحجم المؤامرة الإيرانية لزرع الفتن في صفوف العرب والمسلمين".
طبعا كان من الغباء السياسي إرسال هكذا رسالة إلى من يمثّل ذراع إيران في المنطقة والوكيل الشرعي للإمام الخامنئي في لبنان وحليف النظام السوري المدّعي العربية زورا و بهتانا وهو الذي لا يعرف منها إلاّ الشعارات.
فهو قد غدر بعدد كبير من الأحوازيين المقيمين على أراضيه مؤخرا, واعتقلهم وسلّمهم لقمة سائغة للنظام الإيراني كما فعل مع المجاهدين الذين تسلّلوا عبر أراضيه إلى العراق, فسلمهم إلى المخابرات الأمريكية أو ألقاهم في سجونه. لكن على أية حال, نتفهّم الإخوة الذين أرسلوا الرسالة, فالغريق لا يخاف من البلل كما يقول المثل. وقد جاء في مقال نشرته التايمز البريطانية بتاريخ 10-10-2006 بعنوان: "حرب طهران السريّة على شعبها" يتحدّث عن طرق السلطات الإيرانية في لي ذراع الأحوازيين عبر إعدامهم دون التمييز في الأعمار بين قاصر و غير قاصر بالإضافة إلى احتجاز الأطفال و أمّهاتهم إلى حين تسليم رب البيت نفسه للسلطات المختصّة, ما يؤّكد على ما ذهب إليه رسالة المنظّمة الوطنية الأحوازية (عربستان), حيث جاء في المقال ما نصّه: "وما يدعو إلى السخرية, أنّ حزب الله اللبناني الذي من المفترض انّه يمثّل المقاومة العربية في الشرق الأوسط, متورط في قمع و تشريد الأحوازيين العرب في إيران. فقد أقامت إيران في الأحواز (نظرا لسهولة التأقلم و التفاهم بالعربية) مراكز تدريب لحزب الله و فيلق بدر الميليشيا العراقية الذي تقوم فرق الموت التابعة لها بقتل السنّة في العراق".(42/115)
(ملاحظة: كان الحزب الوطني العربستاني قد وجّه نداءا في 21/4/2005 -لست متأكدا من انه وصل للسيد حسن عبر اليد أو مصادر أخرى- يشكو فيها تدخّل الحزب اللبناني في الأحواز مضيفا مستندا إلى الأخبار في الصحف الإيرانية نفسها و مدللا على ذلك في رسالته و ها نحن ننقلها لكم أيضا على الرابط في أوّل الملاحظة). فإذا كذّبنا تورّط حزب الله مع جيش المهدي نظرا للشك في مصدر الخبر, فماذا نقول عن رسالة المنظمّة الأحوازية العربية الشيعية؟!! , على أيّة حال فقد سهّل علينا الإيرانيين مشاق إثبات ذلك من خلال السيد علي أكبر محتشمي.
حزب الله يحارب مع حرس الثورة ضدّ الجيش العراقي السابق:
كشف حجّة الإسلام الإيراني السيد "علي أكبر محتشمي بور" الذي يعتبر مؤسّس نواة حزب الله اللبناني و الأب الشرعي له, و عمل سفيرا في سوريا بين 1982-1985 ثمّ وزيرا للداخلة في إيران في لقاء مع صحيفة "شرق الإيرانية" في 3-8-2006 ما يؤكّد أكثر من مجرّد تبعية حزب الله اللبناني للنظام الإيراني.
فقد أشار بور في هذه المقابلة الخطيرة و لأول مرّة يتم الكشف عن هكذا معلومات علنا, إلى أنّ حزب الله اللبناني "شارك جنبا إلى جنب مع الحرس الثوري الإيراني في الحرب الإيرانية –العراقية"!! ورغم انه لم يذهب ابعد من ذلك، لكنه بين أن علاقة حزب الله مع النظام الإيراني أبعد بكثير من علاقة نظام ثوري بحزب أو تنظيم ثوري خارج حدود بلاده، بحيث يبدو الحزب وكأنه جزء من مؤسسة الحكم في إيران وعنصر أساسي في مؤسسته العسكرية والأمنية.
إذ يقول محتشمي ما نصّه: " جزء من خبرة حزب الله يعود إلى التجارب المكتسبة في القتال وجزء آخر من التدريب.. إن حزب الله اكتسب خبرة قتالية عالية خلال الحرب الإيرانية - العراقية بحيث كان رجال الحزب يقاتلون ضمن صفوف قواتنا أو بشكل مباشر"!!(42/116)
وقال في المقابلة أيضا: "بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان في العام 1982، تراجع الإمام الخميني عن فكرة إيفاد قوات ضخمة إلى لبنان وسورية، بعبارة أخرى بعد أن حطت الطائرة الإيرانية الخامسة في دمشق التي نقلت وحدات من الحرس والبسيج ولواء ذو الفقار الخاص (الخالدون في عهد الشاه) عارض الإمام الخميني إرسال مزيد من القوات، وكنت وقتذاك سفيرا في سورية، وأعيش قلقا حقيقيا حيال مصير لبنان وسورية ولهذا ذهبت إلى طهران وقابلت الإمام الخميني فيما كنت متأثرا ومتحمسا لفكرة إرسال القوات إلى سورية ولبنان، بدأت بالحديث عن مسؤولياتنا وما يدور في لبنان، إلا أن الإمام هدأني وقال إن القوات التي قد ترسلها إلى سورية ولبنان لا بد أن يكون لها دعم لوجيستي كبير، والمشكلة أن طرق الإسناد والدعم تتم عبر العراق وتركيا، والأول في حرب شرسة معنا والثاني عضو في الناتو ومتحالف مع أميركا.... إن الطريق الوحيد هو تدريب الشبّان الشيعة هناك, وهكذا ولد حزب الله".
ووفقا لمحتشمي فإن أكثر من 100 ألف شاب شيعي تلقوا تدريبات قتالية منذ تأسيس حزب الله في لبنان، بحيث كانت كل دورة تدريب تشمل 300 مقاتل, و إلى الآن أقيمت دورات عدة في لبنان و إيران.
فإذا كان حزب الله حزبا لبنانيا و ليس له اهتمام بالشؤون الخارجية, فما الذي يدفعه يا ترى إلى قتال الجيش العراقي السابق إلى جانب الحرس الثوري الإيراني؟! علما أنّ الجيش العراقي جلّه من العرب الشيعة!! فإن قلنا بكذب دور الحزب مع جيش المهدي لأنّ الخبر أمريكي كما يقولون, و في قضية الأحواز لانّ الخبر عربي, فهل نكّذب أيضا ما يقوله مؤسس الحزب و الأب الشرعي له أم ماذا؟!.
على رسلك أيها الداعية الكبير .. إنه المشروع الصفوي الكبير ..!؟
إبراهيم العبيدي
مجلة العصر 11-12-2006(42/117)
كل من استمع إلى خطبة الجمعة السياسية في بيروت، التي ألقاها الداعية الإسلامي الكبير فتحي يكن، والتي عبر فيها عن تيار المعارضة المعتصمين، الذي يقودهم السيد نصر الله أمين عام حزب الله.
لقد تطرق الداعية الكبير في خطبته الحماسية العصماء, وربما لا نشك أنه كان مخلصاً، كما هو حال دعاتنا وعلماؤنا، بخلاف نوايا الأطراف الأخرى التي يصطف معها، وخطابها الذي يتضمن كثيرا من الأمور العدائية والاستفزازية.
واستوقفتني في هذه الخطبة، عدة أمور تتناقض مع ما نعيشه من حقائق في عالمنا الإسلامي، ينبغي الإشارة إليها:
بداية أقول، إن الخطبة كانت في مجملها تحمل معاني جيدة، ولكنها للأسف الشديد جاءت في المكان والوقت الخطأ, وتوحي إلى حد كبير بأن الرؤية السياسية في غاية الضبابية لدى دعاتنا الأفاضل, في وقت يتدافع الجميع على تحقيق مكاسبهم بأي صورة من الصور, حتى لو تتطلب ذلك التحالف مع العدو والمحتل الكافر على أبناء البلد والدين. فبينما يُذبح أهل السنة على أيدي المليشيات الشيعية الصفوية التابعة للحكومة العراقية "الطائفية"، والتي تربطها علاقة وثيقة مع السيد نصر الله أمين عام حزب الله, والذي لم يصدر منه حتى هذه اللحظة موقف واحد واضح يدين فيه هذه الجرائم البشعة ضد السنة، نرى أن داعيتنا الكبير يتصدى بخطبته العصماء ويتبرع أن يكون ناطقاً رسمياً، وبدون مقابل، لحزب الله وما يخططه للبنان وبدعم إيراني، ضمن المشروع الصفوي الكبير في المنطقة.(42/118)
لقد طالب الداعية الإسلامي الكبير في خطبته بما أسماه، إسقاط المخطط الأمريكي في لبنان طبعاً بالتعاون مع السيد حسن نصر الله من خلال إسقاط حكومة السنيورة، ولنا أن نتساءل: أين هو المشروع الأمريكي يا شيخنا، في لبنان أم في العراق؟ ونسي داعيتنا الكبير أن السيد نصر الله من الداعمين الأساسيين والحقيقيين للمشروع الأمريكي في العراق، وهي حقيقة باتت واضحة من خلال دعمه للمليشيات الشيعية التي تهيمن على الوضع في العراق, وما تنفذه من مسلسل إجرامي لتصفية أهل السنة في بغداد ومناطق الجنوب.
فلا ندري عن أي مشروع أمريكي يتحدثون في لبنان, ولماذا يجب إسقاط المشروع الأمريكي في لبنان ومباركته في العراق؟! ونهمس لشيخنا الفاضل، بالقول إن أي جهد لإسقاط الحكومة في لبنان، إنما هو دعم بلا شك لإنجاح إقامة المشروع الصفوي في المنطقة, وفي خطى متوازية مع ما يجري في العراق.
لقد اتهم خطيبنا المفوه بعض أطراف الحكومة بتلوث يدها في دم اللبنانيين, ونسي ما قامت به أمل وميايشيات عون وحتى حزب الله نفسه، له نصيب من مجازر ضد اللبنانيين السنة .
كنا نتمنى من الداعية الكبير أن يُظهر تماسكاً وتوحداً مع الأطراف السنية اللبنانية الأخرى في الجهة المقابلة, لتشكيل جبهة سنية رصينة وقوية في مواجهة المخاطر التي تتهددها، على غرار ما يفعله إخوان السيد نصر الله في العراق، حيث اجتمعوا في ظل الائتلاف العراقي الموحد على اختلاف ألوانهم، إلا أنهم اجتمعوا على مكاسبهم على حساب أهل السنة هناك بالتعاون مع الغزاة المحتلين.(42/119)
من المؤسف جداً أن يُستخدم علماؤنا ودعاتنا، وبهذه الطريقة الساذجة، أداة من قبل تجمعات وأحزاب لها نوايا وأهداف أقل ما يقال عنها، إنها لا تخدم تماسك الأمة , معروفة في باطنيتها وعدائها للطائفة السنية في لبنان وغير لبنان، إلى متى سنبقى مائدة مجانية يقتات عليها اللئام، وتحقق على ظهورنا المكتسبات لهؤلاء الباطنيين ونكون أول الخاسرين. ونذكر شيخنا الداعية الكبير، بأن السيد نصر الله (الذي جمعك به خندق المعارضة) حتى هذه اللحظة، لم يكلف نفسه عناء إطلاق ولو كلمة واحدة، مكتوبة أو مسموعة، في استنكار ما يحدث من جرائم بحق السنة من قبل المليشيات الشيعية التكفيرية الصفوية في العراق.
هرموش: فتحي يكن خرج من الجماعة الإسلامية وحيداً
حوار محمد علوش – موقع الإسلام اليوم 10/12/2006
كشف رئيس المكتب السياسي للجماعة الإسلامية في لبنان، الأستاذ أسعد هرموش عن قصة انفصال الأمين العام السابق للجماعة الشيخ فتحي يكن، مؤكداً أنه خرج من الجماعة وحيداً ولم يخرج معه أحد، والجماعة الآن أصبحت في واد وفتحي يكن في واد آخر.
وقال هرموش في حديثه لشبكة "الإسلام اليوم": "إن النفوذ الدولي تقدم على النفوذ العربي في البلد. نحن كنا من الداعين إلى لبننة الحل ، إلى أن نغادر كل المواقع." رافضاً أية وصاية على لبنان حتى لو كانت عربية. ويصف هرموش تيار المستقبل بأنه مشروع وطني عام ،يضم مسلمين وغير مسلمين. مؤكداً أن هناك إجماع لبناني شامل على المحكمة الدولية ، وعلى انتخاب رئيس جديد، وعلى ضرورة النظر في قانون انتخابي جديد.(42/120)
ومن جانب آخر رد الشيخ فتحي يكن على الأستاذ أسعد هرموش، في حوار مفصل مع "الإسلام اليوم" – ينشر قريباً- قائلاً بأن الجماعة الإسلامية هي التي انحرفت عن مسارها وأصبحت غريبة عن خط الإخوان العام، وأنه لم يعد بالإمكان إصلاحها، مؤكداً أنه استقال ولم يُقل من الجماعة. وفي معرض رده على هرموش قال يكن: لن أتوقف كثيرا عند كلامه ... نحن أكبر من أن يحجمنا أحد .. نحن ما زلنا في خندقنا وقوات الفجر الجناح المقاوم للجماعة هي معي الآن .. وفيما يلي نص الحوار مع أسعد هرموش:
* كنتم أطلقتم مبادرة لحل الأزمة الحالية القائمة بين الحكومة والمعارضة، تخللها تأكيدكم على دستورية رئاسة الجمهورية، في الوقت الذي دعوتم إلى رحيل الرئيس لحود من بعبدا في خطابكم خلال تشييع الوزير بيار جميل؟ ألا يُعدّ هذا تناقضاً في الطرح؟…
- المطالبة برحيله، وعدم التمديد له مطالبة تاريخية للجماعة. الجماعة الإسلامية هي الحركة السياسية اللبنانية الأولى التي طالبت بعدم التمديد للحود، خاصة أن الوجود السوري كان مسيطراً على الساحة اللبنانية بالكامل، وما زال هذا الموقف هو هو الذي يرفض تعديل الدستور لمصلحة شخص، والذي يرفض طبيعة التمديد لموقع رئيس الجمهورية، الكلام الذي نزل بالأمس في آخر موقف للجماعة، اعتبر أن البحث في دستورية الحكومة ودستورية رئاسة الجمهورية، أو المطالبة بإسقاط رئاسة الجمهورية، أو رئاسة الحكومة عن طريق الشارع يؤدي إلى هوة كبيرة بين اللبنانيين.(42/121)
نحن أوقفنا المطالبة بإسقاط رئاسة الجمهورية، حتى لا تُثار حفيظة المسيحيين، وانسجاماً مع مطلب البطريرك الماروني، وبالتالي هذا الأمر كان واضحاً. كما قبلنا في الماضي عدم إسقاط رئاسة الجمهورية، نرفض إسقاط رئاسة الحكومة من باب المعاملة بالمثل. لكن لا يعني هذا أننا نقر بشرعية بقاء لحود في السلطة، فنحن نعتبر أن أساس الأزمة الناشئة هي من التمديد لرئيس الجمهورية، لذلك دعونا إلى انتخابات رئاسية مبكرة في المبادرة نفسها.
* قرأنا أن خطابكم في تشييع الوزير بيار الجميل أحدث إرباكاً لمكتبكم في صيدا؟…
- الحقيقة أن الموضوع ضُخّم أكثر من اللازم، وأُعطي حجماً أكبر من حجمه الطبيعي. عملية المشاركة في التشييع عملية عادية من واجب المشاركة الاجتماعية. طُُلب منا لخاصية موقعنا الإسلامي أن يكون لنا كلمة، تعبر عن حزننا ورفضنا للاغتيال السياسي، ولم تكن كلمتنا مدروسة عندنا، ولم نكن نحن قد أعددنا أنفسنا لإلقاء كلمة، لذلك كانت بنت وقتها.
* بعض الصحف اتهمت الجماعة بأنها أصبحت في خندق 14 آذار. ما صحة هذا الكلام؟
- هذه المشاركة في التشييع فُسّرت على أنها اصطفاف كلي مع 14 آذار، لذلك نحن سارعنا إلى إصدار بيان مركزي من المكتب السياسي في بيروت، الذي أنا رئيسه، ووضح أن مشاركتنا في الواجب الاجتماعي لا يعني أننا مع فريق ضد فريق آخر. الجماعة ما زالت في موقعها الوسطي في التعامل مع الجميع وفق البنود التي طرحناها؛ إذ وضّحنا أننا ضد الاغتيال السياسي، ومع المحكمة الدولية، ومع انتخاب رئيس جمهورية جديد، أي حل هذه الأمور كسلة واحدة.
* سمعنا أنكم تعرضتم لتهديد. ما صحة هذه الأنباء؟…
- نعم، وقد نزل في جريدة المستقبل البارحة منشور يؤكد على ذلك.عندي نسخة سوف أُحملك إياها.
* هل تعدّون أن هذا التهديد هو جدي ومَن برأيكم الجهة التي تقف خلفه؟…(42/122)
- منذ فترة، ونحن نتلقى بعض الرسائل الأمنية التي تحذر من ضرورة الانتباه والاحتراز، حتى حصل نوع من الرسالة الأمنية التي تلقيناها عبر قناة "المنار"؛ حيث كان هناك استضافة للوزير السابق ميشال سماحة، وبالتالي وُجّه لنا نصيحة بعدم التحرك، خاصة بعد مشاركتنا الأخيرة في تشييع جثمان الوزير بيار جميل، وكانت رسالة واضحة. نحن نعتقد أنها رسالة سياسية أمنية.
* هل تعتقد أن وراء الأزمة أيدي خارجية؟
- الواقع السياسي القائم الآن في لبنان واقع متداخل، لا يمكن أن تنظر إلى ما يجري على الساحة اللبنانية بمعزل عما يجري في المنطقة العربية، الذي يجري الآن عملية أكبر من الساحة اللبنانية، لذلك لا نعتبر أن المشكلة تكمن فقط في الثلث المعطل، أو التوازن في الحكومة. هذه القضية سبق وبُحثت في مؤتمر الحوار، وبُحثت في لقاء التشاور، وكان هناك إجماع لبناني شامل على المحكمة الدولية، وعلى انتخاب رئيس، وعلى الشعور بأزمة رئاسة الجمهورية، وعلى ضرورة النظر في قانون انتخابي جديد، كل الأمور الإصلاحية المطروحة لا تجد أن هناك تبايناً كبيراً بين اللبنانيين حولها، لكنْ هناك كلام واتهامات متبادلة بين كلا الفريقين 14 آذار و8 آذار. فريق 14 آذار يعد أن هذا التوتير الحاصل الآن ناتج عن محور سوري إيراني، بالمقابل جماعة المعارضة يتهمون الأكثرية الحاكمة الآن، بأنها على تنسيق وتشاور مع المحور الفرنسي الأمريكي حول 1701. لا شك أن هناك متغيراً في السياسة اللبنانية. نعترف ونقرأ الواقع السياسي كما هو. سوريا انسحبت من لبنان، وتبدلت موازين القوى السياسية في الساحة اللبنانية؛ فقد أصبح لبنان تحت مظلة القرار 1701 شئنا أم أبينا. يعني أن النفوذ الدولي تقدم على النفوذ العربي في البلد، هذا الأمر جعل هناك تحركات سياسية. نحن كنا من الداعين إلى "لبننة" الحل، إلى أن نغادر كل المواقع إلى رفض أية وصاية سواء كانت قريبة أم بعيدة لكننا نرحب بالمساعدة(42/123)
العربية وليس الوصاية العربية.
* هل تتخوفون من عودة الوصاية السورية؟
- لا نتخوف، ولا نظن أن سوريا تريد العودة إلى لبنان، وليس من مصلحتها أيضا ذلك، ولا أتصور أن اللبنانيين سيقدمون على حرب أهلية جديدة، وخصوصاً أنهم جربّوا كل أنواع الحروب، وأنا أستبعد تماماً مهما بلغت الأزمة أن ينجروا إلى الفتنة الداخلية.
* لكن يُقال أن هناك طابوراً خامساً خلف هذه الاغتيالات، وبالتالي هو قادر على إشعال الوضع؟
- نعم، إمكانية التخريب ما زالت موجودة، لكن الإمساك بالقرار السياسي والأمني غير متوافر إلاّ للدولة، لذلك نحن نقول إن على اللبنانيين أن يجتمعوا مع بعضهم البعض، وأن يتعاملوا وفق دولة المؤسسات، ودولة القانون.
المطلوب هو أن نقدم مصلحة البلد على أي مصلحة أخرى. نحن وضعنا معادلة سياسية، قلنا فيها إذا كان هناك هجمة أمريكية إسرائيلية على سوريا فنحن مع سوريا، ومع أي بلد عربي يتعرض للعدوان، أما إذا كان هناك مفاضلة بين مصلحة لبنان ومصلحة سوريا فيجب أن نقدم المصلحة الوطنية بحكم الانتماء للوطن، وإذا كانت هناك مقاربة سياسية في الداخل بين مسلمين وغير مسلمين، بين طائفتنا ومنطقتنا وأهلنا وبين الآخرين، فنحن لا يمكن أن نعتبر أن وقوفنا إلى جانب أهلنا وبيئتنا هو موقف سياسي مغاير للواقع على الرغم من تأكيدنا على الوحدة الإسلامية. نحن نعتبر أن أساس الوحدة الإسلامية هو أساس الوحدة الوطنية.
* هل تنادون بحكومة وحدة وطنية؟
- حكومة وحدة وطنية التي يتفق عليها جميع اللبنانيين، في لبنان وعبر تاريخه، كل الحكومات كانت حكومات وحدة وطنية. لا يستطيع أي فريق أن يقول إنه لم يكن عندنا في يوم من الأيام حكومة وحدة وطنية، ونقصد بذلك إشراك كل القوى الفاعلة من كل الطوائف، ومن كل الكتل النيابية الفاعلة والمؤثرة، إلاّ من لا يريد أن يشترك.الآن طُرحت بدعة جديدة هي الثلث المعطل، هذه لا يمكن أن تعطيها لفريق وتمنعها عن فريق.(42/124)
* لماذا أحجمتم عن المشاركة في الانتخابات، وهل صحيح ما سمعناه من أوساط مقربة جداً من الجماعة بأن سعد الحريري زاركم، وطلب منكم عدم المشاركة؛ لأن الولايات المتحدة لا ترغب بمشاركتم حالياً؟
- هذا الكلام غير صحيح بالمطلق؛ لأن الشيخ سعد لم يقل هذا الكلام، وعندما زارنا كنا قد أخذنا هذا القرار منذ أسبوعين؛ إذ صدر بيان مركزي من الجماعة، أُعلن خلال مؤتمر صحافي، حضرته جميع قيادات الجماعة، وقلنا آنذاك إننا أحجمنا عن المشاركة لأمور ثلاثة:
4…رفضنا " الحلف الرباعي" الذي قام بين حركة أمل، وحزب الله، وتيار المستقبل، وحزب التقدمي.
5…اعتراضنا على قانون الانتخابات الذي عُرف بقانون غازي كنعان، والذي كان الهدف من إصداره هو تقويض ومنع فوز الإسلاميين، ومنع تشكيل قوة أساسية إسلامية في البلد. لقد فُصّل القانون على أجسام طاقم سياسي معين.
6… لم نستطع أن نتفاهم مع تيار المستقبل، ورفضنا أن نكون في الموقع الآخر، أي مع من كانوا يسمون بـ"قتلة الحريري". لقد كان الأقرب لنا تيار المستقبل وحزب الله، إلاّ أننا لم نستطع التفاهم معهم فذهبوا إلى "الحلف الرباعي". و على الرغم مما قُدّم لنا من إغراءات من الطرف الآخر، إلاّ أننا لم نشارك انسجاماً مع محيطنا المتعاطف مع مظلومية اغتيال الحريري.
* هل استقال مؤسس الجماعة وأمينها العام الشيخ فتحي يكن من التنظيم، أم أنكم قمتم بفصله؟ وما هي الأسباب؟(42/125)
- الجماعة الإسلامية حركة شعبية كبرى، ونعتبر أن الجماعة هي الحزب السني الأول في لبنان، هي ليست مجموعة أفراد، بل جسم دعوي وحركي وسياسي وتنظيمي كبير منتشر على كل الساحة اللبنانية. لم يبق بلدة أو قرية في لبنان من أهل السنة والجماعة إلاّ ودخلتها دعوة الجماعة، وهي تضم الآن في صفوفها الآلاف من العناصر والإمكانات والطاقات العلمية والفكرية. هذه الحركة يدخل إليها كل يوم دم جديد، ويخرج منها بعض الناس. هي حركة تسير وفق مشروع وبرنامج، ولا تسير وفق رغبات كائن من كان، وثبت أن من يخرج، يخرج وحده مهما كان موقعه، وهذه ليست أول حالة، سبق وأن خرج الشيخ سعيد شعبان أمير حركة التوحيد، وكذلك الشيخ محمد رشيد ميقاتي، رئيس جامعة طرابلس.
قطار الدعوة يسير، هناك من يتعبون على الطريق، هناك من تختلف رؤاهم ومواقفهم ومصالحهم، وهذا لا يعيب الجماعة في شيء. موقع ورمزية الأخ فتحي موقع نجلّه ونحترمه، وهو موقع متقدم في الدعوة، ولكن منذ فترة حين ترشحت زوجته في انتخابات 2000، وكانت الجماعة قد رشّحته، فلا يُعقل أن يترشح شخصان من نفس البيت على موقعين نيابيين في دائرة واحدة، تتسع لخمسة نواب فقط، فطلبنا منه أن تسحب زوجته ترشيحها، ويبدو أنه لم يقدر على إقناعها، فرشّحنا بدلاً منه الشيخ فيصل مولوي، ومنذ ذلك الوقت والعلاقة جامدة مع الأخ فتحي، حتى سمعنا مؤخراً أنه قام بتأسيس "جبهة العمل الإسلامي" مما استدعى فصله من الجماعة.
* هل انقطعت العلاقة تماماً معه؟
- الجماعة في وادٍ وهو في واد، ولكن تبقى العلاقة الأخوية قائمة.
* هل تخشون من أن تسحب "جبهة العمل الإسلامي" البساط من تحت أقدامكم، وخصوصاً على رأسها رجل بوزن الشيخ فتحي يكن؟(42/126)
- نحن لا نعيش هذا القلق، ومن يخرج من الجماعة يخرج وحده، وقد خرج الشيخ فتحي ولم يخرج معه أحد. في طرابلس مثلاً لم يخرج معه أحد من إخواننا، ولو أنا خرجت، فلن يخرج معي أحد. نحن ارتباطنا بالفكرة والمنهج والدعوة وليس ارتباطاً بالأشخاص.
* وماذا عن تيار المستقبل؟
- في البداية، أقول إن تيار المستقبل والرئيس الحريري مشروع وطني عام، على الرغم من أن أكثريته داخل الطائفة السنية، ولكنه مشروع وتجمع سياسي يضم مسلمين وغير مسلمين.
* ألا تعتقدون أن تيار المستقبل تيار علماني؟
- لا، أنا أعتبره تيار تقليدي، تيار المستقبل تقترب منه وتبتعد عنه بحسب مواقفه من بناء الدولة، يجمعنا به المطالبة بالمحكمة الدولية، والمحافظة على دور السنة في لبنان، ومكافحة الهيمنة الطائفية. لا يمكن أن نلتقي معه في كل الأمور، نلتقي فقط في قضايا فيها مصلحة لبنان ومصلحة الطائفة في المناطق السنية التي ننتمي إليها.
أضف نحن ضد الفتنة داخل الطائفة، نحن مع المشاركة لا المغالبة، نحن ندعو إلى قيام وحدة موقف سني إسلامي بين الجماعة الإسلامية ودار الفتوى وتيار المستقبل وبقية المراجع والجمعيات.
* هل أنتم مع نزع سلاح حزب الله؟
- رأينا واضح. الجماعة تعتبر نفسها جزءاً من هذه الحركة المقاومة في لبنان والمنطقة، نعتبر أن ما تحقق في الجنوب مكسب كبير ينبغي الحفاظ عليه، ونحن اعتبرنا أن الحفاظ على هذه المقاومة لا يأتي إلاّ من خلال جعلها مقاومة شاملة، وليست مقاومة حزب أو طائفة.(42/127)
لقد طرحنا مبادرة، وجُلنا بها على كثير من المواقع السياسية قبل أن تقع الأزمة الأخيرة، وقد تركزت على حفظ ثوب المقاومة من جهة، وحفظ هيمنة الدولة وسيطرتها من جهة أخرى، على أن يكون بيد الدولة قرار السلم والحرب، وأن تتحول المقاومة إلى قوة احتياط إستراتيجي، بحيث تُعمم على كل المناطق الجنوبية على الطريقة السويسرية، فلا يوجد هناك جيش، ولكن الشعب كله مسلح ومدرب. قلنا إن سحب سلاح المقاومة يعتبر خدمة لإسرائيل؛ لذلك نحن ندعو إلى أن تنسق المقاومة مع الجيش.
* ماذا بالنسبة لصواريخ حزب الله؟
- ينبغي أن تكون هذه الترسانة بتصرف الجيش اللبناني.
* ما موقفكم من القوات الدولية؟
- هي موجودة لمدة ستة أشهر، حتى يقوى الجيش اللبناني ويمسك بالساحة الجنوبية، وقد كان وجود هذه القوات باباً من أبواب تطمين الطرفين. هي خطوة مرحلية لظرف مرحلي. يجب أن ننظر إلى وجود القوات الدولية من منظار أن لبنان كان يعاني تقتيلاً وتشريداً وتدميراً.
* ختاماً، هل تتوقعون حلاً سريعاً للأزمة الحاصلة في لبنان؟
- نحن نعوّل على مبادرة عربية، نعتبر زيارة عمرو موسى، ومن ثم وعده بالعودة إلى لبنان مؤشراً على أن هناك مبادرة عربية مدعومة دولياً، بالمقابل نسمع أن نبيه بري متفائل بالحل، وأن هذا التفاؤل سينعكس إيجاباً على الواقع السياسي.
ربما تتكامل مبادرة عربية مع مبادرة دولية. لقد أرسل بري مندوباً له إلى دمشق، وواضح أن سوريا لها تأثير كبير على قوى المعارضة في الوقت الذي للسعودية ومصر دور أيضاً فيه على الأكثرية، مما يعني أننا عدنا إلى انسجام المساعدة العربية مع القرار الدولي في الحفاظ على لبنان لتأمين مستلزمات بقاء هذا الوطن في هذه الفترة الحرجة التي يعيشها لبنان.
فتحي يكن: الجماعة الإسلامية بلبنان انحرفت عن مسار الإخوان
حوار محمد علوش موقع الإسلام اليوم 12/12/2006(42/128)
كان من أبرز المنظرين للحركة الإسلامية، ليس في لبنان فحسب، بل في كافة أرجاء الوطن العربي، ولا تزال الذاكرة الحركية تتذكر "الموسوعة الحركية" و "ماذا يعني انتمائي للإسلام؟"، و"المتساقطون على طريق الدعوة" و "مشكلات الدعوة والداعية" و"الإسلام فكرة وانقلاب" ... .
الشيخ فتحي يكن وُلد في 9 فبراير 1933 في طرابلس بلبنان، وهو متزوج من السيدة منى حداد يكن وله أربع بنات وولد، وحائز على شهادة الدكتوراه في الدراسات الإسلامية واللغة العربية. انخرط فتحي يكن في العمل الإسلامي في لبنان منذ الخمسينيات. وهو أحد فروع تنظيم الإخوان الدولي.
وظل "يكن" مسؤولاً عن أمانة الجماعة الإسلامية حتى نجاحه في الانتخابات النيابية عام 1992؛ إذ قدم استقالته بسبب اختلافات في داخل الجماعة التي وصفها فتحي يكن في حواره مع شبكة (الإسلام اليوم) بأنها قد انحرفت وابتعدت عن منهج الإخوان، وهو الأمر الذي دفعه للاستقالة. بعد غياب عن الساحة الحركية الدعوية، عاد الشيخ يكن إلى الأضواء مجدداً عبر الساحة السياسية هذه المرة، حين تحالف هو وجبهة العمل الإسلامي التي يرأسها مع تيار المعارضة الذي يقوده حزب الله.
(الإسلام اليوم) إلتقت الشيخ فتحي يكن في مقر إقامته بلبنان، وتناولت معه محاور الأزمة اللبنانية، والمحور السوري الإيراني، و حقيقة مخاوف المعارضة من المشروع الأمريكي في لبنان.
فإلى تفاصيل الحوار ...
* في خطبة الجمعة التي أُقيمت في وسط المحتشدين في ساحة الشهداء، قلتم بأن اعتصام المعارضة باقٍ حتى يسقط المشروع الأمريكي في المنطقة، فما علاقة المعارضة بمواجهة المشروع الأمريكي؟(42/129)
- لا شك نحن ننظر إلى التشكل الذي قام في أعقاب جريمة اغتيال الرئيس الحريري على أنه تشكل منحاز، ونستطيع أن نقول بأنه مختطف من قبل المشروع الأمريكي، ويكفي أن يكون فيه بعض القوى التي اصطنعتها إسرائيل، والتي لا تزال تراهن على المشروعين الأمريكي والصهيوني، وأعني بها تحديداً القوات اللبنانية.
يكفي أن يكون هذا، لأقول بأن سقوط قوى 14 آذار يعني بالتالي سقوط المشروع الأمريكي من دائرته اللبنانية. وإذا سقط هذا المشروع من البوابة اللبنانية، فإن هذا سيفتح الباب بالتالي لتساقطه وسقوطه من سائر البوابات العربية الأخرى.
* ما طبيعة هذا المشروع الأمريكي الذي تبشرون بسقوطه؟
- المشروع الأمريكي يرتبط بالفلسفة التي طلعت علينا بها أمريكا، والتي تتمثل في العولمة. العولمة لا شك أنها الإطار الأيديولوجي للمشروع الشرق الأوسطي، والتي تمهد بالتالي لتحقيق هذا المشروع من الجانبين السياسي والاقتصادي. فالعولمة تعني أمركة المنطقة من الناحية الأيدلوجية والفكرية والثقافية والاجتماعية. فإذا تحقق هذا أصبح بالتالي مشروع تقسيم المنطقة طائفياً، ومذهبياً، وعرقياً، وإثنياً سهلاً وميسوراً مما يفسح بالمجال أمام إسرائيل التي تمتلك الترسانة النووية، كما تمتلك أو تؤثر في معظم وسائل الإعلام في العالم، والتي لها الحظ الأوفى في لعبة الدولار، فتصبح هي الدولة المبرّزة والأقوى والأْفعل ضمن منظومة دول الشرق الأوسط. وهذا طبعاً ما خططت له الولايات المتحدة الأمريكية والصهيونية العالمية، وهو المشروع الأخطر الذي يواجه الأمة منذ تبوأت أمريكا قيادة النظام الدولي العالمي، وخاصة بعد سقوط الاتحاد السوفيتي؛ لأنه قبل ذلك كانت الإمبريالية والآن العولمة.
* دعوتم في خطبتكم "السنيورة" إلى وأد الفتنة، أي فتنة تعنون؟(42/130)
- طبعاً أنا لم أدعُ إلى الاستقالة نهائياً. أنا دعوت "السنيورة" لوقفة تاريخية ترضي الله أولاً، تطفئ الفتنة المذهبية، وتخرج لبنان من عنق الزجاجة، من النفق المظلم. إنما الدعوة التي طالبت بها هو الأخذ بمعادلة الثلث الضامن. أنا ضد إسقاط الحكومة بالشارع، ضد أن يتغير الرئيس السنيورة الآن. هو ينبغي أن يتحمل مسؤوليته كاملة، أن يتحمل مسؤولية الفترة الماضية.
* تطالبون ببقاء الرئيس السنيورة على رأس الحكومة، وفي الوقت ذاته تجزمون بأن إسقاطها هو إسقاط للمشروع الأمريكي في المنطقة ككل .. كيف؟
- لا، هناك تفاهم مع قوى المعارضة. نحن لا نريد أن نلقي هذه الحكومة جانباً. نحن نريد أن تبقى هذه الحكومة، وأن يعود الوزراء المستقيلون، ولكن ضمن إطار معادلة (الثلث+1) الضامن، وتُعدّ حكومة انتقالية تحضيرية لوضع قانون انتخاب. يهمنا نحن أن ننتقل من هذا الوضع الذي فيه انعدام الوزن سياسياً إلى الوضع السياسي الطبيعي العام. نحن نريد وضع قانون انتخاب وإجراء انتخابات مبكرة.
* برأيك.. ما أساس الأزمة الحقيقية الآن في البلد؟(42/131)
- أساس الأزمة هو الانقسام الذي حصل في أعقاب اغتيال الرئيس الحريري. هذا الانقسام له سبب. لا شك أن الذي وضع السياق، وقام بجريمة الاغتيال كان يخطط لأن يستولي على مواقع القرار في البلد. من خلال ذلك، وفي فترة انعدام الوزن في الحياة السياسية، وتحت نتيجة تأثر الشارع السني بجريمة الاغتيال، وحدوث فراغ في المرجعية السنية، والذي يترافق مع التحضر الآخر لدى القوى المسيحية ذات الصلة المباشرة بالمشروع الأمريكي، ركبت الموجة، وتشكلت هذه المعارضة غير الطبيعية، التي جعلت هناك أكثرية نيابية، معظم الذين هم فيها الآن، كانوا خصوماً ألدّاء للرئيس الحريري منذ العام 1992 وحتى استشهاده. طبعاً أنا أعرفهم فرداً فرداً. لا أحب أن أذكر أسماء بالتفصيل، ولكن من نائلة معوض وزيرة الشؤون الاجتماعية إلى بطرس حرب النائب في البرلمان إلى آخرين، وهناك أمثال سمير جعجع رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية من الذين ليس لهم ثقة بالمشروع العربي أصلاً.
* من وراء هذه الاغتيالات؟ هل هي جهة واحدة؟ وماذا تريد بالضبط؟…
- قد تكون هنالك تقاطعات مصلحية لأكثر من جهة في هذا، وبظني أن القرار، والتخطيط المركزي لم يكن بعيداً عن البيت الأبيض الأمريكي. وليس بمستبعد أن تشترك بعض القوى، والأجهزة الأمنية المختلفة التي يعج بها لبنان في تنفيذ هذه الجريمة. وهي تريد تطبيق المشروع الأول لأمريكا، كي تدخل أمريكا لبنان، تريد أن تفتعل صدمة، أي ذريعة تساعدها إلى دخول لبنان، كالذريعة التي افتعلتها مع العراق؛ حيث ادعت أنه يمتلك أسلحة دمار شامل. أمريكا حتى تتحرك تحتاج إلى قرار دولي، هم أخذوا قراراً دولياً، لكن أمريكا كانت قد باشرت باحتلال العراق.
* كيف تدخل أمريكا إلى لبنان؟(42/132)
- لا شك أن أمريكا هيأت الوضع السياسي لتقبُّل هذه الفكرة. عندما تم توجيه أصابع الاتهام إلى سوريا بأنها وراء جريمة الاغتيال، وعندما خرج الجيش السوري من لبنان مباشرة، بدأت الدبلوماسية الأمريكية تتحرك، وتهيئ الأجواء كذلك لهذا الانحياز. قد لا تحتاج أمريكا لأن تتدخل عسكرياً إذا تم وضع اليد السياسية على المؤسسات الرسمية اللبنانية، من رئاسة الجمهورية مروراً بمجلس النواب، وصولاً إلى الحكومة؛ لأنه سبق عندما تشكلت الأكثرية، ولم يعد هناك إجماع، عندها بدأت أمريكا بأطروحاتها مثل قضية التمديد، طرحته على أنه غير مشروع لتنسف تقريباً ما تبقى من العهد الماضي، حتى إنها تحاول أن تسقط تقريباً الأدوات التي تشكلت في الفترة الماضية، وحتى هي تحول على مفاصل المواقع الرسمية أي المواقع الثلاثة.
* ذكرت في خطبتك أنه على رأس الجهاز القانوني للمحكمة الدولية امرأة يهودية، متخرجة من تل أبيب، هل هذا يعكس مخاوف حزب الله من المحكمة الدولية؟ هل لهذا علاقة باستقالتهم من الحكومة؟(42/133)
- الموضوع هذا أساساً لا يعرفه حزب الله .سمعه مني ولم يسمعه من غيري. فأنا أخبرتهم به من قبل الخطبة؛ إذ كان هناك محاضرة لي، وتكلمت أنا حول المحكمة. للأسف، نحن تعوّدنا أن كل ما يصدر عن مجلس الأمن، لا بد أن يُرتّب صهيونياً، بحيث تمسك به إسرائيل، وبخاصة في قضية تتعلق بمشروع الشرق الأوسط، وعندما خرجت بعض الدراسات تشير إلى أنّ على رأس هذه المحكمة، من الناحية القانونية، دكتورة يهودية، خريجة تل أبيب، طبعاً عندئذ بدأنا نفكر أن كل شيء محبوك لصالح المشروع الأمريكي في المنطقة، المشروع الأمريكي الصهيوني. يبدو أن هناك ثلاثة مشاريع، مشروع أمريكي أمريكي، مشروع أمريكي صهيوني، مشروع صهيوني صهيوني. وقد تشكل المشروع الثنائي الأمريكي الصهيوني في أعقاب الحادي العشر من أيلول 2001 عندما ضُرب مركز التجارة العالمية، حيث ذهب شارون من هنا، والتقى رئيس بلدية نيويورك نيابة عن الرئيس بوش، ووقّعا حلفاً ثنائياً، في نفس مكان تهدم البرجين لمكافحة الإرهاب في العالم. أي مكافحة من اتهموا أنهم وراء تدمير مركز التجارة العالمي.
* أنتم الحركة السنية الوحيدة التي تحالفت مع المعارضة، ماذا تريدون من هذه المشاركة؟(42/134)
- في الأساس، نحن لو لم يكن هناك أي معارض، لو لم يكن هناك حزب الله، ولا تيار عون، ولا أي قوة أخرى، حتى لو لم يكن هناك، لا "لقاء وطني" ولا "قوة ثالثة"، نحن لا نجد أنفسنا إلا في هذا الموقع. [لكن للأسف، الكثير ممن يعتبرون أنفسهم سنيين لا يجيدون القراءة، ولا يعرفون بالفعل ما يجري حولهم!!!! الراصد]. في الأساس، هذا موقعنا، نحن هذا الموقع يفرضه علينا الصراع العربي الإسلامي– الإسرائيلي. لا أن نكون في الصف الآخر حيث يلهث وراءه الكثيرون. أساساً الموجود في الصف الآخر، إما صنعته إسرائيل أو وضع اتفاقات 17 أيار مع إسرائيل الذين هم الكتائب اللبنانية وأمين جميل الرئيس السابق للبنان، وما أشبه ذلك. موقعنا الطبيعي هو موقعنا الجهادي، الموقع الصدامي مع هذه الجهة، الموقع الذي هو امتداد لحركتنا العسكرية، التي تمثل الساحة السنية، التي هي حركة حماس فضلاً عن حركة الجهاد الإسلامي. حركة حماس للأسف هي المؤسسة الجهادية العسكرية التي تمثل الساحة السنية كلها وليس للإخوان المسلمين فقط. نحن نراهن على هذه الجبهة، جبهة حماس المقاومة، فكيف يمكن أن نكون في موقع غير هذا الموقع.
هناك موقعان، إما أن نكون مع حماس ضد إسرائيل، أو أن نكون مع إسرائيل ضد حماس. ليس هناك موقع ثالث، ولا يجوز أن يكون. ليس في هذا اجتهاد فقهي، فتقول: أنا آخذ الجانب الوسطي، ليس هناك وسطية في هذا. أنت موقعك يفرض عليك، إما مع المشروع الصهيوني أو ضد. أما أن تقول: أنا لا مع، ولا ضد، فهذا غير مقبول. نحن لم يجذبنا في الأساس إلى موقع المعارضة، لا مشروع شيعي، ولا حزب الله، ولا "عون"، ولا غيره. حتى نحن كان لدينا علامة استفهام على "عون" عندما كان في الخارج.
\
* مشروع عون هو علمنة الدولة كما يُقال، ألا يناقض تحالفكم معه فكركم كحركة إسلامية سنية؟(42/135)
- الموقف السياسي في الأساس هو المواجهة. المعارضة الآن لا تتوقف، موقع المعارضة يجمعها مشروع مواجهة مشروع إسرائيل وأمريكا، مواجهة المشروعين الأمريكي والصهيوني على نفس النسق الذي جمع قبائل العرب قبل الإسلام في دار عبد الله بن جدعان فيما عُرف بحلف الفضول، والذي قال به النبي عليه الصلاة والإسلام: "لو دُعيت إلى مثله في الإسلام لأجبت"، ولم يكونوا شيئاً واحداً، وبعد مجيء الإسلام كذلك أكّد النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه لو دُعي إلى مثله وهو نبي وقائد إسلامي لأجاب، والذي يقوم طبعاً على أساس رفع الظلم، وما أشبه ذلك. المعارضة الآن تواجه الطاغوت العالمي حالياً.
* تعني أن المعارضة لها امتدادات خارجية؟
- لا شك أنّ لها امتدادات فكرية ثقافية وجدانية في العالم لكن ليست عضوية.
* هل هذه المعارضة مرتبطة بمحور سوري إيراني حقيقة؟
- قد تلتقي فكرياً ومنهجياً، لكن غير مرتبطة توجيهياً، وغير عضوية أبداً.
* عمن تتكلم بالضبط عن المعارضة ككل أم عن جبهة العمل الإسلامي فقط؟
- طبعا، أنا أتكلم عن جبهتنا أي جبهة العمل الإسلامي فقط، أما عند الآخرين فلا أدري.
* تقصد حزب الله وحركة أمل؟
- نعم ممكن يكون عندهم ارتباط أو تلقي أو إملاءات معينة، لكن نحن لا يُملي علينا أحد شيئاً، نحن نأخذ قرارنا من أنفسنا سواء غضب الآخرون أو رضوا، وبغير تشاور مسبق مع أحد، ممكن يستغرب من معنا في المعارضة من الأحزاب الأخرى، وقد يستنكرون بعض مواقفنا، لكن لا ننتظر قراراً خارج قناعتنا وخارج إطار اجتماعاتنا. هذا ينبغي أن يكون واضحاً جداً جداً.
* هل تخشون على وضع السنة في لبنان من تهميش سياسي؟(42/136)
- التخوف في الأساس يأتي إذا بقيت هذه الطائفة على هامش الأحداث؛ فعدم قراءتها جيداً لما يجري، وعدم رغبتها في أن تكون رأس الرمح في مواجهة المشروع الغربي كما كانت، الآن لا شك هي على هامش الأحداث. هي ليست فاعلة على الأقل، ألغت موقعها المقاوم في مواجهة إسرائيل، بحيث قفز إلى الأمام مشروع حزب الله والمقاومة الإسلامية، علماً أنّا في الجماعة كنّا أول من بدأ المقاومة في الجنوب.
* لكن هناك من يقول بأن حزب الله قوّض مقاومة السنة في الجنوب، وجعل المشروع المقاوم حكراً عليه، وهو يمنع أي سني من حمل بندقية في الجنوب، حتى ولو كان من أهلها!!
- لا أبداً هذا الكلام غير صحيح؛ لأنه عندما قامت المقاومة السنية لم يكن هنالك مقاومة شيعية حتى عام 1983، أي بعد الاجتياح الإسرائيلي بسنة واحدة، عندئذ قامت المقاومة الشيعية، أي بعد أن انسحبت إسرائيل إلى الشريط الحدودي حيث المناطق الشيعية، عندئذ خبا دور المقامة السنية؛ لأن العمل في المناطق الشيعية من قبل المقاومة السنية ليس بالأمر السهل، هنا بدأ عمل حزب الله، واستمر التنسيق بين قوات الفجر والتي هي سنية وحزب الله فترة طويلة من الزمن، بعد ذلك توقف العمل المقاوم السني فترة معينة ثم تابع عمله وباستقلالية كقوات فجر، صحيح لم يكن بالمستوى الذي عليه حزب الله؛ لأن المواقع التي احتلتها إسرائيل مؤخراً ليست مواقع سنية، ومن طبيعة الحرب ومن عوامل النصر أن تمتلك الأرض وطبيعتها وسكانها التي أنت تقاتل عليها، تراجع العمل المقاوم السني اليومي، لكن لا يزال هناك تنسيق حتى يومنا هذا، ونحن عندنا في جبهة العمل الإسلامي، تنظيم قوات الفجر الجناح المسلح لا يزال قائماً، ومسؤول قوات الفجر عضو ركن من أركان الجبهة.
* هل تتخوفون من هلال شيعي على غرار ما تخوف منه الملك الأردني مؤخراً؟(42/137)
- وأنا طبعاً سمعت وقرأت وناقشت، لست بعيداً عن الأحداث هذه، وآخر ما قرأت ما كان عنوانه: "المشروع الصفوي" الذي يتعلق بالمنطقة هذه، وأنا ناقشت هذا المشروع مع السيد حسن نصر الله شخصياً، في جلسة من الجلسات، قلت له: "شو سمعنا أن هناك مشروعاً صفوياً".
قد يكون هناك مشروع صفوي، وقد يكون هناك مشروع شيعي، لكن أنا بالتالي أقول: أليس هناك مشروع سني إسلامي، فإن لم يكن هنالك مشروع إسلامي سني، أفلا ينبغي أن يكون لدينا مشروع سني إسلامي؟ ألا يدفع وجود مشروع شيعي صفوي في المنطقة إلى قيام مشروع سني عربي، وإذا كان هناك فرصة للتعاون بين المشروعين أليس هذا بأحفظ للذين يتخوفون من المشروع الشيعي؟ أليس هذا بأحفظ للسنة من ألاّ يكون هنالك مشروع سني عندنا؟ [هل من يقترح التعاون بين المشروع السني و الصفوي يعرف شيء عن المشروع الصفوي ؟ الراصد].
* كلام جميل، ولكن إذا سلّمنا بوجود مشروع صفوي أو حتى مشروع شيعي، فإنه سيكون على حساب السنة في البلاد العربية، نحن نسمع يومياً ما تفعله فرق الموت من فيلق بدر وجيش مقتدى الصدر بأهل السنة في العراق، حتى إن جرائمهم تطال الفلسطينيين، حتى تناقص عددهم من (30) ألفاً إلى (3) آلاف، فضلاً عن الاغتصاب وحرق المساجد، كيف يمكن أن يكون هناك تلاقٍ بين مشروعين يقوم الأول منهما على تفتيت الآخر وتمزيقه؟(42/138)
- لا شك أن الساحة الشيعية ليست سواء، كما أن الساحة السنية ليست واحدة، هناك مجرمون، وهناك من هو مستعد للتعاون مع إسرائيل من الطائفتين، ومن الفريقين. مثلاً في العراق أنا أعتقد أن عبد العزيز الحكيم وقبله محمد باقر الحكيم عندما دخل بقوات فيلق بدر إلى العرق قال: "نحن لا نحتاج من أمريكا إلاّ أن تغطينا بسلاحها الجوي". أنا استنكرت كلامه هذا على قناة "العالم" الفضائية، وقلت: ألا يعني هذا أن احرقوا العراق أيها الأمريكيون حتى ندخل نحن؟ لا شك أن في العراق الآن فريق من الشيعة قد يكون أخطر على الأمة وعلى الإسلام من المشروع الأمريكي والصهيوني. هنالك قوى شيعية قد تكون بالفعل في حالة تعاون مع المشروع الأمريكي. كما أن هنالك قوى سنية ليس في العراق وحسب بل على امتداد العالم العربي والإسلامي ضليعة في التعاون مع إسرائيل. لا بد أن ننظر نحن بعينيين. السنة ليسوا سواء والشيعة ليسوا سواء؛ فيهم من هو عميل من هذا الطرف أو ذاك.
* هل تتوقع قيام حلف إيراني أمريكي خصوصاً بعد حصول إيران على الطاقة النووية؟
- أنا لا استبعد شيئاً ضمن إطار التفتيش عن تقاطع المصالح، نحن لا نستطيع أن نحكم.
* كيف يمكن أن ينشأ حلف بينهما، وإيران تدّعي أنها دولة إسلامية، فكيف تتفق الثوابت الإسلامية مع البراغماتية الأمريكية؟(42/139)
- لا شك أن الثورة الإيرانية عقائدية أيديولوجية واضحة المعالم أقامها الخميني، إنما القوى التي حكمت بعد ذلك، وأفرق هنا بين الثورة والدولة، وأفرق بين الدولة والحكومات المتعاقبة؛ فهنالك حكومات كثيرة مرت في إيران. الإيرانيون أنفسهم يعرفون تماماًَ، في عهد رفسنجاني كان منفتحاً على أمريكا كلياً، لكن هذا لا يعني أن انفتاح رفسنجاني يعني الدولة كلها أو السلطة كلها، لهذا السبب أقاموا مرجعية روحية تتمثل الآن بالخامنئي ليقول هذا صح وهذا خطأ. لو تُرك الأمر لرأس النظام أي السلطة الزمنية وحدها، لأخذت إيران مباشرة إلى الوجه الآخر أو الطرف الآخر. هنالك في إيران من هم على استعداد أن يقيموا علاقات مع أمريكا، لهذا السبب قلت إنه يمكن أن تقوم هناك مذكرة تفاهم أمريكية إيرانية على نقاط معينة. [مسكين خامنئي!! الراصد].
* هل لإيران مطامع في دول الخليج؟
- هذا يحتاج إلى براهين في ذلك، هناك تخوّف خليجي كبير من ذلك، ولكن أنا بحسب قراءاتي ومتابعتي لم ألمس أي نية لإيران بأن توجّه قواها العسكرية ضد أي دولة عربية أو إسلامية. [احتلال جزر الإمارات وتهديد البحرين أضغاث أحلام عند الدكتور يكن . الراصد].
* ما طبيعة العلاقة التي تربطك بالنظام السوري؟ وهل أنت راضٍ عن تحالف إخوان سوريا مع عبد الحليم خدام؟(42/140)
- بالنسبة إلي، تعود علاقاتي مع النظام إلى الفترة التي بدأت فيها المشاكل بين الإخوان والنظام؛ لأن الموقف الذي اخترته بعد قراءتي لما يجري، والذي تم التعاون من خلاله مع قيادات إخوانية كثيرة ومنها المواقع القيادية المركزية لحركة الإخوان المسلمين، والتي تمثلت بقيادة المرشد العام التلمساني، ثم بعد ذلك الأستاذ مصطفى مشهور، والتي تمثلت داخل سوريا بقيادة الشيخ عبد الفتاح أبو غدة المراقب العام الأسبق. …كنا نحن نرفض ما أُلصق بحركة الإخوان، بأنها هي التي كانت وراء مجزرة "كلية الضباط" التي ذهب ضحيتها حوالي (120) شخصاً في تلك الفترة من الطائفة العلوية، والتي لم تكن في الأساس من ترتيب حركة الإخوان، وإنما قامت بها ما سميت بتلك الفترة "الطليعة"، وعندما وُجّهت أصابع الاتهام إلى الإخوان، القيادة قبلت هذا التحدي ظناً منها أنها على وشك الوصول إلى الحكم، وبدأت الأحداث.
فريق من القيادة كان يرفض هذا الأمر، على اعتبار أن ليس للإخوان علاقة بذلك، من هؤلاء، وعلى رأسهم الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، فنحن في هذا الإطار حضرنا، وأبدينا رأينا في ألاّ تتحمل الحركة ما اتّهمت به بغير حق في مسؤولية "كلية المدفعية".…
منذ تلك الفترة بدأت مهمتي بالمشاركة مع عدد من قياديي حركة الإخوان المسلمين التنظيم السوري لمحاولة حلحلة هذا الأمر، وطي هذه الصفحات، وإعادة الأمور إلى نصابها، وطبعاً كان على رأس الذي شاركنا وشاركته الشهيد أمين يكن الذي كان مراقباً للإخوان المسلمين في تلك الفترة.
منذ تلك الفترة بدأت العلاقة، وبعد ذلك استمرت المساعي لإغلاق الملف أي تحقيق نوع من المصالحة بين حركة الإخوان وقياداتها الموجودة في الخارج وبين النظام، مع مشاركة كثير من القيادات مثل حماس، وكذلك نجم الدين أربكان رئيس الوزراء التركي السابق، وكذلك الرئيس عمر بشير وإخواننا في الأردن. ولا نزال نتابع هذا الملف لإغلاقه وإجراء المصالحة، ثم اصطدمنا.(42/141)
بعد ذلك بما أُعلن عن تشكيل جبهة الخلاص الوطني بين إخوان سوريا وعبد الحليم خدام، ولم أكن أتصور في يوم من الأيام أن يتعاون إخواننا في سوريا مع عبد الحليم الخدام الذي كان من كبار المسؤولين الأكثر دموية في الأحداث التي كانت بين الإخوان والنظام؛ فهو لا يستطيع أن يغسل يديه من المسؤولية. [وبقية النظام الذي لكم علاقة به هل هم أشرف يا دكتور !!؟ الراصد].
أنا أسأل: ما الذي يمكن أن يعطيه خدام للإخوان، ذلك الشخص الذي خسر كل أوراقه؟ هو لا يستطيع أن يعطيها شيئاً، هو مفلس تماماً، خدام هو الذي سيربح من رصيد الإخوان وليس العكس، ولكون هذا المنحى مرفوض من قبل القيادة المركزية لحركة الإخوان المسلمين في العالم الذي عبر عنه الأستاذ المرشد محمد مهدي عاكف، وعبر عنه الكثيرون، واستهجنوه كلياً.
* قلتم القيادة المركزية للإخوان، هل تقصد أن هناك قيادة مركزية لكل الإخوان في العالم أم أن هناك إخوانيات، إخوان مصر، إخوان سوريا وهكذا؟
- لا، هناك قيادة مركزية للشق المصري، وأيضاً للشق العالمي للتنظيم، المواقف توحي بأن هناك إخوانيات، لكن الحقيقة عكس ذلك. هناك قيادة مركزية للتنظيم عالمياً. هناك خط إستراتيجي عالمي للإخوان، ولكن في الأمور الداخلية فأهل مكة أدرى بشعابها، أما الموقف السياسي العام فلا يجوز أن يكون بحال من الأحوال متناقض بين إخوان بلد إلى بلد آخر، فهل يُعقل أن يكون إخوان سوريا مثلاً مع إسرائيل وإخوان مصر ضد؟!
* لكم كتاب قديم بعنوان" المتساقطون على طريق الدعوة" حذرتم فيه من سقوط المنتسبين للإخوان على طريق الدعوة، ثم بعد ذلك سمعنا أنكم انفصلتم عن الإخوان. فهل أنتم وقعتم في الذي حذّرتم منه أم أن الجماعة هي التي تساقطت على طريق الدعوة؟(42/142)
- نعم، أنا كتبت في هذا الإطار، لكن السقوط عن منهجية الحركة هو الذي يعني السقوط على طريق الدعوة، الآن منهجية الجماعة شيء ومنهجية الإخوان شيء آخر، المنهجية التي عليها الجماعة الإسلامية اليوم في لبنان سواء المنهجية الدعوية أو السياسية قد انحرفت وابتعدت بعداً كبيراً عن منهجية الإمام حسن البنا.
* ما السبب في رأيك؟
- السبب بدأ منذ 1992 عندما اقتحمت الحركة العمل السياسي ودخلت البرلمان، تعاظم الهم السياسي، وتراجع الهم الدعوي تراجعاً كبيراً، فنشأت هنا معضلات. عندما يضعف الجسم تأتيه الأمراض من كل مكان، معروف أن المناعة تأتي من المنهج التربوي في عمل الحركات الإسلامية، والذي يحفظ السياسة من الانحراف هي التربية في الأساس، فإذا أنت ألغيت التربية من حياة الفرد تكون قد ساهمت في تدميره وتضييعه، فإنسان كان يصلي يصبح إنساناً لا يصلي، السياسة في هذا التصور أصبحت شيطاناً رجيماً.
منذ العام 1993 بدأت هذه الظواهر تطفو على سطح العمل الإسلامي للجماعة الإسلامية، وكان لا بد من التنبه، ولا بد من التوازن وللأسف لم يكن. لذلك كان آخر ما كتبته "البصمة الوراثية لمنهجية الإمام البنا" هذا الكتاب لم يُكتب من أجل لبنان بل من أجل تنظيم سوريا وغيرهم من التنظيمات.
* ما الفرق بين جبهة العمل الإسلامي والجماعة الإسلامية؟(42/143)
- "جبهة العمل الإسلامي" أشبه بالجبهات التي تشكلت، وكانت قيادتها الجماعة الإسلامية مثل مجمع طرابلس في الستينيات، وجبهة الإنقاذ في السبعينيات، والهيئات الإسلامية في الثمانينيات والتسعينيات، وقد كان الشيخ سعيد شعبان أمير حركة التوحيد ضمن هذا الإطار، فالجبهة عادة تتشكل، هي ليست تنظيماً كتنظيم الأحزاب، وإنما هي إطار يعمل فيها أحزاب وقوى، مثل الآن "جبهة الأحزاب" في لبنان فيها القومي والشيوعي. نحن ألفنا هذا النوع من الجبهات، "الجماعة الإسلامية" كانت الحاضنة لهذه الجبهات التي تشكلت عبر نصف قرن، فهذه على شاكلتها، وفي الأساس قامت هذه الجبهة.
* ما أولويات عمل الجبهة حالياً؟
- تسديد العمل السياسي حتى لا يكون هناك خروج عن الخطاب السياسي العام المألوف لدينا، وضبط الإيقاع في نفس الوقت، حتى لا تنفرد فئة بعمل معين، يرتد سلباً على الفئات الأخرى.
* هل تعتقد أن "جبهة العمل الإسلامي" سوف تأخذ الدور الريادي على الساحة السنية، أم أن تيار المستقبل أصبح الآن هو الواجهة؟
- ليس هناك وجه للمقارنة بين جبهة إسلامية وبين تيار المستقبل. أساساً هناك تجمع مالي سياسي معين لا يرتبط بالبيئة السنية إلاّ من حيث اسمها، هو تيار علماني، ليس لهذا التيار أهداف سنية عليا كما للحركات الإسلامية الأخرى.
هو تجمع سياسي طارئ تشكل، وكان له هذه الفعالية بعد اغتيال الشهيد الحريري، ولن يكون تيار المستقبل يوماً ما مرجعية لأهل السنة والجماعة في لبنان، هو غير مؤهل لذلك. أما الساحة الإسلامية الأخرى فلها أهدافها، لها منهجيتها، لها برامجها. أما جبهة العمل الإسلامي فإنها لمّا تشكلت لم تقم ابتداء إلاّ بمشاركة قياديين حركيين، كان فيها أعضاء يمثلون الجماعة الإسلامية، لكن انسحابهم منها بسبب التضارب الذي حصل.(42/144)
* في حوار لنا مع رئيس المكتب السياسي للجماعة الإسلامية أسعد هرموش، قال لنا إنك خرجت من الجماعة ولم يخرج معك أحد، فكيف تقول إنه كان معكم من الجماعة أحد؟
- أنا لا أتوقف عنده، المهم عندما بدأت جبهة العمل كان فيها قياديون من الجماعة، لكن وجود هؤلاء في الجبهة أحرج القيادة التي لديها ارتباط مع 14 آذار فطلبوا منهم الانسحاب. إنما بدأ العمل بوجود ممثلين عن الجماعة.
* هل انقطع إنتاجكم الفكري والتنظيري للحركات الإسلامية، وخصوصاً التنظيمات الإخوانية؟
- كلا ما زلت أكتب، وقد نزل لي كتابان مؤخراً في الأسواق، وهما:"العيادة الدعوية" و"البصمة الوراثية لمنهجية الإمام البنا" وكتاب "الدعوة بين السائل والمجيب".
* هل تخشى من مواجهة داخلية بين الحركات الإسلامية؟ وهل تتخوفون من علمنة الحركات؟
- في واقعنا الحالي، هناك حركات إسلامية استطاعت الولايات المتحدة أن تستوعبها وان تؤمركها.
* سمّ لي واحدة من هذه الحركات؟
- المجلس الإسلامي الأمريكي "كير" يتبنون فكرة الإسلام المعدل، وهو الإسلام الذي يطرحه بوش، لكنه إسلام غير إسلام رسول الله عليه الصلاة والسلام، إسلام أمريكي، بمعنى كل ما يؤدي إلى نهوض الأمة إلى قوتها إلى جهاديتها إلى علميتها، هذا التوجه يقتل أي أمل بالنهوض في الأمة.
بعد عام 2001 وموضوع القاعدة، بدؤوا بتغيير هذا المفهوم،أي بتغيير الإسلام، الإسلام الذي يدعو لحمل البنادق دفاعاً عن الأمة، لذا فقد بدؤوا بالدولة السعودية في تغيير المعاهد والمناهج، وكذلك في الأزهر حتى استطاعوا أن يختزلوا كثيراً من المقررات في الأزهر، كل المقررات القرآنية التي فيها قضايا الجهاد والغزوات يريدون إسلاماً منحنياً مطأطئ الرأس.
الجزائر "تراهن" على "التيجانية" لمحاربة الإرهاب في إفريقيا
العربية نت -29/11/2006(42/145)
رغم مغادرة الوفود الأجنبية المشاركة في الملتقى الدولي للإخوان التيجانيين الذي احتضنته ولاية الأغواط (400 كلم جنوب الجزائر العاصمة) مؤخرا، غير أن ذلك لم يمنع استمرار بوادر اندلاع أزمة جديدة بين الجارتين الجزائر والمغرب حول من له أحقية استضافة مقر الخلافة العامة للطريقة التيجانية التي تعد أكبر الطرق الصوفية انتشارا في العالم بحسب رأي العديد من المراقبين.
ورغم دعوات قادتها في المملكة المغربية لمقاطعة هذا اللقاء الذي انعقد بعد 22 سنة من الانقطاع ، إلا أن 111 شخصية ممثلة لثلاثين دولة منتسبة للطريقة التيجانية حضرت إلى ملتقى الأغواط، وجاء العديد من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا و مصر وسوريا وليبيا وتونس والسودان والسنيغال وغامبيا وكولومبيا، وهو اللقاء الذي كان مناسبة لـ "جمع أشراف ومريدي هذه الطريقة في منبعها بعين ماضي حيث يوجد مسقط رأس مؤسس التيجانية الشيخ أبو العباس سيدي أحمد التيجاني".
بحسب ما جاء في تصريح لرئيس الحكومة الجزائرية عبد العزيز بلخادم لـ " العربية. نت"، الذي أردف موضحا أن "ارتباط اسم الطريقة التيجانية بعين ماضي لا يحتاج إلى اعتراف من أحد ما دام التاريخ والعلم يؤكدان ذلك".
وقال رئيس الاتحاد الثقافي الإسلامي في السنغال المرشد احمد غيان شيام في تصريح لـ"العربية.نت" إن مشاركته كعضو في الوفد تهدف إلى "توطيد العلاقات بين المسلمين في كل مكان بصفة عامة وبين السنغال والجزائر بصفة خاصة"، مؤكدا أن عدد أتباع الطريقة التيجانية في بلده السنيغال لا يقل عن ستة ملايين تيجاني من مجموع? ?10? ?ملايين? ?مواطن? ?سنغالي?.?(42/146)
ولا يختلف عن نظرته هذه، شريف محمد الغزالي حيدر، شيخ الزاوية التيجانية في غامبيا الذي حضر رفقة وفد هام إلى الملتقى، الذي صرح لـ"العربية نت" بأنه حضر هنا استجابة لدعوة تلقاها للمشاركة في ملتقى الإخوان التيجانيين بالجزائر هذا بهدف "التعرف? ?على? ?المكان? ?الذي? ?ولد? ?به? ?وعاش? ?فيه? ?مؤسس? ?الطريقة? ?التيجانية".
جدل حول مقر الخلافة العامة:
وكان غياب الوفد المغربي الذي تلقى الدعوة لحضور الملتقى قد أثار إستفهامات لدى الحاضرين عن خلفية هذا الموقف، لكن مسؤولا بلجنة تنظيم الملتقى رفض الإفصاح عن هويته، كشف لـ "العربية. نت" أن "الجزائر وبغرض ضمان مشاركة الوفد المغربي أسقط حضور الوفد الصحراوي من قائمة المدعويين، لكن ذلك لم يشفع لها في كسب رضى القصر الملكي في الرباط".
وعندما سئل وزير الشؤون الدينية والأوقاف الجزائري بوعبد الله غلام الله عن خلفيات غياب الوفد المغربي، قال والحرج باد عليه: "نحن نحكم على ظواهر الأمور.. و الوفد المغربي أبلغني اعتذاراته بسبب تزامن الملتقى مع عمل مهم لهم خارج البلاد".
و كان لافتاً للمؤتمرين، المشاركة القوية للوفد السنغالي الذي حضر بـ 31 شخصية من مجموع 100 مدعو للملتقى إلى جانب الوفد السوداني، ومعروف أن السنغال لديها كلمة مسموعة ونافذة لدى التيجانيين في كل العالم و ليس في إفريقيا فحسب، ومعلوم كذلك أن ملك المغرب محمد السادس قام في الرابع عشر من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري بزيارة إلى السيغال كان من بين أهدافها ثني الوفد السنغالي عن المشاركة في ملتقى الأغواط بالجزائر، بحسب ما ذكرت جريدة " الشروق" اليومية الجزائرية عشية افتتاح الملتقى.(42/147)
و يصر المغرب على أحقيته في استضافة مقر الخلافة العامة للطريقة التيجانية بمدينة فاس المغربية حيث يوجد ضريح مؤسس الطريقة سيدي أحمد التيجاني، و يعقد المغرب سنويا مؤتمرا للتيجانيين، بالنظر إلى حجم النفوذ الكبير الذي تحظى به الطريقة في العالم وبالنظر إلى أن النظام المغربي قائم أساسا على " البيعة لأمير المؤمنين".
لكن الجزائر التي توجد بها العديد من الطرق الصوفية منها التيجانية والقادرية والرحمانية والهبرية، تؤكد على أنها الأولى باحتضان مقر الخلافة بالنظر لعدة شواهد، وهي أن مسقط رأس مؤسس الطريقة التيجانية يوجد بالجزائر وتحديدا بمدينة عين ماضي بالأغواط، وهناك توجد مقبرة تضم أضرحة أبناء وأحفاد مؤسس التيجانية، والأهم من ذلك أن الزاوية التيجانية توجد في عين ماضي حيث يزورها منتسبو الطريقة من كل أصقاع العالم.
نشأة الطريقة التيجانية:
وتعود نشأة الطريقة التيجانية، بحسب العديد من المؤرخين، إلى مؤسسها أبي العباس أحمد بن محمد بن المختار التيجاني (1150هـ -1230/ 1737م- 1815م) المولود بعين ماضي، ويعد هذا الشخص هو الخليفة الأول للطريقة وهو من وضع " أسسها" التي تقوم على مبايعة الخليفة من أبناء التيجانية عملا بمبدأ الأكبر سنا.
ولا تختلف الطريقة التيجانية عن غيرها من الطرق الصوفية في تبني منطق "عدم مغالبة السلاطين لأن الله قد أقام العباد كما يريد ولا يليق -في نظرهم- مقاومة الحكام"، و برأي المتتبعين فقد حظيت هذه الطريقة بالاهتمام بعد أحداث 11 سبتمبر لما لها من فكر يعادي الفكر التكفيري الجهادي الذي تحمله " السلفية الجهادية"، خصوصا وأن أتباعها يعدون بالملايين في العالم.
محاصرة الفكر الجهادي:(42/148)
وحمل البيان الختامي للملتقى الدولي للإخوان التيجانيين بالأغواط، دعوة مبطنة لمحاربة التطرف الديني والإرهاب من خلال "حمل رسالة المحبة و السلام" التي أوصى بها الملتقى منتسبي الطريقة التيجانية القادمين من 30 دولة في العالم و خصوصا القارة الإفريقية التي تعيش وضعا مزريا اختلط فيه الفقر بالجهل إلى جانب التطرف الديني والحروب الأهلية، كما هو حاصل في عدد من الدول الموجودة في منطقة الساحل الإفريقي.
وإذا كانت الرسالة المعلنة لملتقى الإخوان التيجانيين تتمثل في جمع شملهم فوق أرض الجزائر باعتبارها منبع الطريقة التيجانية ( إحدى أكبر الطرق الصوفية انتشارا في العالم) بما يحمله هذا اللقاء من رمزية كبيرة و من تأكيد على أحقية الجزائر في احتضان مقر الخلافة العامة فوق ترابها، فإن الرسالة المبطنة كانت ولا تزال التمكين للفكر الصوفي في مواجهة الفكر السلفي الذي تفرع عنه الفكر الجهادي، هذا الأخير الذي أصبح مرادفا اليوم للإرهاب ولتنظيم القاعدة والجماعة السلفية للدعوة والقتال.
ووفق هذا المنطق، يكون ملتقى التيجانية بعين ماضي قد أسس لعمل طويل المدى الهدف منه محاصرة الإسلام الجهادي والتوجه السلفي والتطرف الديني، و توجد في هذا الإطار عدة تجارب خصوصا في القارة الإفريقية تمكنت من "مغالبة" هذه التوجهات على غرار ما حصل في السنغال إحدى أكبر الدول " التيجانية" حيث ظهرت بها في فترة سابقة جماعة سلفية تدعى "عباد الرحمن" قبل أن تعمد السلطات السنغالية إلى "إخماد الفتنة في مهدها" مستعينين بزعماء التيجانية لجمع التأييد الشعبي ضد أفكار التطرف المختلفة.(42/149)
وفي الجزائر لا يحتاج المرء إلى جهد كبير كي يكتشف حجم الدعم الذي قدمته السلطة منذ مجيء الرئيس بوتفليقة للطرق الصوفية المختلفة وأيضا لتيار السلفية العلمية في مواجهة المد التكفيري الذي حملت لواءه في سنوات الأزمة الجماعة الإسلامية المسلحة ( الجيا) وتحمل لواءه اليوم "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" بقيادة عبد المالك دردقال المدعو أبو مصعب عبد الودود، وهذه الأخيرة تتخذ من الصحراء الكبرى منطقة استراتيجية لنشاطاتها الإرهابية مستفيدة في ذلك من تدهور الأوضاع السياسية والاجتماعية لبعض دول الحزام الأمني للجزائر، كتشاد ومالي وموريتانيا، التي تشهد منذ سنوات نشاطا متواصلا للجماعات المتمردة على الأنظمة الحاكمة.
تنامي القوة الشيعية المتزايدة في أفغانستان إلى أين؟
أبو فضل نافع - موقع المسلم 20/11/1427 …
في أعقاب الهجوم الأمريكي على أفغانستان والتغيرات التي طرأت على أفغانستان يشهد هذا البلد تنامياً ملموساً للدور الشيعي في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والتعليمية والاجتماعية وغيرها يسير بخطى مدروسة وبصورة منظمة وبدعم خارجي .
وفي حالة استمرار الوضع على ما هو عليه سيكون للنشاط الشيعي المتعاظم دوراً خطيراً على مستقبل أفغانستان والمنطقة بشكل عام خاصةً إذا وضع في عين الاعتبار كون أفغانستان مجاورة لإيران وما يجري في العراق بعد قيام الحكومة الشيعية هناك وما ظهر من مخططات الرامية لظهور كيانات شيعية في الخليج وبعض دول الشرق الأوسط .
ومن هنا ينبغي وضع النفوذ الشيعي المتنامي في أفغانستان ومالها من انعكاسات ضمن ما يجري من تطورات وتجاذبات سياسية وعسكرية في المنطقة وارتباطه بالسياسات الدولية.(42/150)
الشيعة وحسب بعض الإحصائيات المتوفرة يشكلون حوالي8 -10بالمائة من مجموع سكان أفغانستان ولكن ما يتمتعون به من نفوذ وإمكانات في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية تفوق بكثير هذه النسبة . وفيما يلي نحاول إلقاء نظرة سريعة إلى النشاط الشيعي المتنامي في أفغانستان اليوم:
أولا :المجال السياسي:
يمكن رصد وفهم الدور الشيعي في السياسة الأفغانية من خلال عدد أعضاء الشيعة في البرلمان ,و عدد المقاعد الشيعية في الحكومة وعدد الأحزاب السياسية الشيعية وعلاقات الجهات الشيعية مع الدول والقوى الخارجية، فمثلاً يشكل نواب الشيعة ربع أعضاء البرلمان الأفغاني وهذا لأول مرة في تاريخ البلاد الأمر الذي يعني تجسد القوة الشيعية المؤثرة في اتخاذ القرارات داخل البرلمان، وعلى صعيد المشاركة في الحكم فإن الشيعة قد حصلوا على نسبة كبيرة من المقاعد الوزارية وحكام الولايات مقارنةً مع النسبة التي يشكلونها فمثلاً النائب الثاني لرئيس الجمهورية عبد الكريم خليلي ووزير العدل ووزير الصناعة ووزير النقل ووزير الأشغال العامة وعدد من نواب الوزراء وحكام بعض الولايات المهمة مثل هرات وباميان وسمنجان ودايكوندي من الشيعة كما أن الشيعة حصلوا على التمثيل ولأول مرة في المحكمة العليا والمجلس الأعلى للقضاء . وجدير بالذكر أن المذهب الشيعي الجعفري قد تم الاعتراف به في الدستور الأفغاني جنب المذهب السني الحنفي لأول مرة في تاريخ البلاد و على صعيد الأحزاب وتكتلات السياسة فهناك العديد من الأحزاب والمنظمات الشيعية الفاعلة مثل حزب الوحدة وحزب وحدة الشعب وحزب الاقتدار الوطني وحزب الحركة الإسلامية للشعب الأفغاني وغيرها من المنظمات والهيئات والجمعيات .(42/151)
وبخصوص العلاقات الخارجية فللشيعة الأفغان وفاعلياتهم علاقات قوية مع الولايات المتحدة الأمريكية والحكومة البريطانية إضافةً إلى علاقات قوية مع إيران حكومةً ومؤسسات وشخصيات دينية كما أن الشيعة الأفغان أسرعوا بإنشاء علاقات رسمية وشعبية مع الشيعة في العراق .تبادل الزيارات بين رجال الدين الشيعة العراقيين وآخرها الزيارة الرسمية التي قام بها وقدمت رجال الدين الشيعة العراقيين برئاسة ممثل آية الله السيستاني إلى أفغانستان ولقاءاته مع رئيس الجمهورية والجهات الرسمية والشعبية دليل على تنمي تلك العلاقات. وأما العلاقات الشيعية مع الأمريكان والبريطانيين فقط أثمرت عن الاهتمام المتزايد لأمريكا وبريطانيا للمناطق الشيعية مثل ولاية باميان واجزاء من ولاية غزني عبر إقامة العديد من المشاريع التنموية مثل إنشاء الجامعة والمؤسسات التعليمية وغيرها.
ثانيا: المجال الاقتصادي :
يسيطر الشيعة على قطاعاتٍ مهمةٍ من اقتصاد أفغانستان ومن ذلك على سبيل المثال قطاع الاتصالات حيث أنهم يحتكرون قطاع الهاتف الجوال فجميع الشركات الثلاث للهاتف المحمول يملكها المستثمرون الشيعة مثل شركة روشن الذي يملكها زعيم الطائفة الإسماعيلية كريم آغا خان وشركة أفغان بيسيم الذي يملكها شخصية شيعية معروفة اسمها إحسان بيات وشركة اريبا التي هي شركة اجنيبة تعتمد على مشاركة المستثمرون الشيعة الأفغان. ويوفر الشيعة الأفغان الأرضية والدعم للشركات الإيرانية تشكل صادراتها نسبة كبيرة من البضائع التي يستهلكها السوق المحلي الأفغاني.
ثالثاًًًًًًً:المجال الإعلامي:(42/152)
إن الشيعة الأفغان وبدعمٍ خارجي سواءً من أمريكا وبريطانيا وفرنسا أو بدعمٍ حكومي وشعبي من إيران أكثر فاعليه في القطاع الإعلامي فعلى سبيل المثال أربعة من القنوات التلفازية التسعة في البلاد يملكها الشيعة مثل قناتي طلوع ولمر الذي يملكها الشيعة الإسماعيلية بدعمٍ وتمويل مباشر من زعيم الطائفة الإسماعيلية كريم أغاخان وقناتي آريانا الوطني وآريانا العالمية اللتان يملكهما رجل أعمال شيعي أحسان بيات وأما القناة الخامسة اسمها تمدن أي الحضارة فهي في طور الإنشاء والتي ستطلق قريباً ويشرف عليها المرجع الشيعي المشهور آصف محسني .
أما عن المؤسسات الإعلامية الشيعية والجرائد والمجلات الأسبوعية والشهرية والفصلية فحدث ولا حرج وبناءً على مسحٍ ميداني قام به أحد المشتغلين بالإعلام في كابل قريب من نصف الجرائد والمجلات الموجودة في السوق تصدر من قبل الشيعة. وقد حرص الشيعة بدعمٍ من إيران وغيرها من الدول بالعمل في قطاع السينما والدليل على ذلك أن في المهرجان السينمائي الذي أقيم الصيف الماضي في كابل كان للأفلام السينمائية التي أنتجها المخرجون الشيعة نصيب الأسد .
رابعاً:المجال التعليمي:
إن الشيعة الأفغان من أنشط الناس في مجال التعليم الديني والذي يشهد توسعاً ملموساً بعد قيام الثورة الإيرانية والأحداث التي شهدتها أفغانستان خلال العقود الثلاث الماضية .هناك آلاف الطلبة الشيعة الأفغان الذين يتلقون التعليم الديني في الجامعات والمدارس والحوزات الدينية الشيعية في كل من إيران والعرق وبالتحديد في مدن قم ومشهد و النجف .(42/153)
كما أن العاصمة الأفغانية كابل وبعض المناطق الشيعية الأفغانية شهدت قيام العشرات من المدارس والجامعات والحوزات الدينية الشيعية في السنوات الخمس الأخيرة وتعتبر جامعة خاتم النبيين في كابل أبرز وأهم إنجاز في هذا المضمار, هذه الجامعة عبارة عن مجمع تعليمي ديني شيعي يقع في حي (دهمزنك)، وهي منطقة استتراجية في قلب العاصمة الأفغانية كابل وتم بناؤه على مساحةٍ كبيرةٍ من الأراضي التي تم شراء جزءٍ منها لهذا الغرض وقامت الحكومة بمنح الجزء الآخر ويشرف على المجمٌع الزعيم الشيعي آصف محسني وقد تولت أعمال البناء شركة إنشاء إيرانية اسمها أفغان- طوس ويتكون المجمٌع من عشرات المباني التي تتضمن مئات الغرف والقاعات الدراسية إضافةً إلى صالات كبرى للندوات والمؤتمرات والمعارض والمكتبات والمباني السكنية للطلبة وقد صرٌح آصف محسني بأنه يريد من هذا المجمٌع أن يكون حوزة علميةٍ في المنطقة مثل حوزتي قم في إيران والنجف في العراق ليدرس فيها الطلاب من أنحاء دول المنطقة .وبعض الذين زاروا قم يقولون أن مجمٌع خاتم النبيين في كابل أكبر حجماً وأحدث بناءً من الحوزة العلمية في مدينة قم الإيرانية مما يدل على خطورة الدور المستقبلي المراد من إقامته، ولا شك أن إطلاق هذا المشروع العملاق يحتاج إلى مئات الملايين من الدولارات كما يظهر سرعة إنجاز عملية البناء والتي هي الآن في مراحلها الأخيرة أن ثمة دعم رسمي إيراني وراء المشروع. وجدير بالذكر أن قناةً تلفزيونية شيعية ً جديدة في طور الإنشاء بأسم (تمدن) أي الحضارة , يقوم بإنشائه آصف محسني ولا شك أن هذه القناة يكوٌن رافداً أخرا لنشر المذهب الشيعي في أفغانستان .
خامساً: المجال الاجتماعي :(42/154)
خلال السنوات الخمس الماضية شهدت الساحة الأفغانية تزايداً ملموساً لقوة الشيعة ونفوذهم على المستوى الاجتماعي ومن مظاهر تلك القوة الاحتفال بالمناسبات الشيعية ومن أبرزها يوم عاشوراء والذي تحوٌل ولأول مرة في تاريخ البلاد لاستعراض قوة الشيعة ليس في العاصمة الأفغانية كابل فحسب وإنما في بقية المدن مثل هرات وباميان وبلخ ومزار شريف وغيرها , ووصل الأمر في هذا العام إلى درجة أن الشيعة في مدينة هرات حاولوا إقامة حفل عاشوراء في الجامع الكبير في هرات وهو مسجد سني تاريخي وكذلك وصل الجرأة ببعض الخطباء الشيعة إلى التفوه بكلماتٍ مسيئةٍ إلى الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ومنهم الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه عبر مكبٌر الصوت الأمر الذي أدٌى إلى استفزاز أهل السنة ونشوب اضطرابات في المدينة وقد كان للحاكم الشيعي في الإقليم دورا واضحا في حماية الشيعة خلال الاضطرابات . ويرى المراقبون أن التنامي المتعاظم لنفوذ الشيعة وقوتهم في أفغانستان يكوٌن له انعكاسات خطيرة على هذا البلد ودول المنطقة في المستقبل يؤٌدي إلى نشوب اضطرابات وفتن وتجاذبات سياسية واجتماعية يراد منها زعزعة الأمن والاستقرار لخدمة أهداف استعمارية حاقدة.
مدافعات مسلمات عن حقوق المرأة يردن تشكيل مجلس لتفسير القرآن
العربية نت 20/11/2006
تعهدت ناشطات مسلمات في مجال الدفاع عن حقوق المرأة من أنحاء العالم بإنشاء أول مجلس نسائي لتفسير القران والتغلب على اثنتين من النظرات النمطية بشأن ديانتهن وهما أن المسلمين إرهابيون وأن الإسلام يضطهد المرأة.
ويعد إنشاء المجلس النسائي من الأفكار غير المسبوقة التي ظهرت في الاجتماع خلال عطلة نهاية الأسبوع حضرته أكثر من 100 من زعيمات الحركة الإسلامية النسائية الناشئة.(42/155)
وقال كثيرات في الجماعة المشكلة حديثا والمسماة المبادرة النسائية الإسلامية للروحانية والمساواة "وايز" إن أحكام الشريعة الصارمة ليست سماوية لان رجالا صاغوها وينبغي تغييرها لكي تشمل حقوق المرأة.
وقالت زينب أنور المديرة التنفيذية لجماعة أخوات في الإسلام وهي منظمة ماليزية تعمل من اجل حقوق المرأة في إطار العمل الإسلامي "في مجتمعاتنا الرجال يمتلكون السلطة وهم يقررون ما ينبغي أن يعنيه الإسلام وكيف يمكنا أن نطيع هذا المفهوم المعين في الإسلام".
وقالت "لا استطيع أن أعيش مع اله ظالم. القانون نفسه تقدمي لكن أولئك الرجال الذين يسيطرون عليه ليسوا كذلك". وقالت ديزي خان مديرة الجمعية الأمريكية للتقدم الإسلامي "اسما" أنها تأمل في إنشاء صندوق يقدم منحا دراسية لسيدات مسلمات يدرسن الشريعة الإسلامية حتى يستطعن تكوين مجلس شورى نسائي ليكون الأول المشكل من نساء لتفسير القران.
ويقول رجل الدين فيصل عبد الرؤوف مؤسس جمعية "اسما" أن النساء يردن أيضا تحطيم الأساطير القائمة خاصة في الغرب.
وقال عبد الرؤوف "هناك اثنان من المفاهيم الخاطئة حول الإسلام هما انه مرتبط بالإرهاب وان الإسلام يضطهد المرأة. هاتان أسطورتان نسعى لتدميرهما. إننا في حاجة إلى تغيير مفهوم الإسلام في الغرب و لا يمكن التوصل إلى ذلك دون مشاركة المرأة".
ويتفق زعماء دينيون و نشطاء حقوق الإنسان وأكاديميون وسياسيون على أن التعليم أمر ضروري لتحطيم الحواجز بين الجنسين وبين الأجيال. وقالت ويندي تشامبرلين نائبة المفوض السامي لشؤون اللاجئين في جنيف والسفيرة الأمريكية السابقة في باكستان "التعليم هو الحل وهو الوسيلة المناسبة لإيجاد طرق لتحطيم الحواجز".
وقالت "علينا أن نجعل القوانين تعمل لصالحنا. علينا أن نجعل المؤسسات الديمقراطية تعمل من اجلنا".(42/156)
وقالت البارونةاودين اول مسلمة تدخل مجلس اللوردات في بريطانيا انها تتفق مع القول بان النساء في حاجة الى ان يتحكمن في مصيرهن وان يقفن مع بعضهن البعض وان يساعدن على تمكين النساء الاخريات. واضافت "اذا كان توني بلير وجورج بوش اتفقا وشنا حرب فيمكن تخيل قوة السلام الذي يمكن للنساء ان يأتين به".
وقالت ماري ويلسون رئيسة مشروع البيت الابيض الذي يتابع ويدفع النساء الى مناصب قيادية "لا تعتذرن عن كونكن تعملن من اجل النساء. النساء في اية دولة هن حكومة في المنفى وينبغي ان نكون الحكومة التي في السلطة".(42/157)
مجلة الراصد الإسلامية
العدد الثالث والأربعون – محرم 1428هـ
* فاتحة القول: ... دروس وعبر من إعدام صدام0000000000 0000000000000000 ... 3
* فرق ومذاهب: ... ماذا تعرف عن الشيعة00000000000000000000000000000000 ... 7
* سطور من الذاكرة: ... اعترافات خطيرة حول دور التصوف في خدمة المحتل00000000000000 ... 20
* دراسات: ... مواقف المفكرين (23) د. عبد الله النفيسي 0000000000000000000 ... 24
* كتاب الشهر: ... عبادة التوحيد: شريعت بن محمد حسن0000000000000000000000 ... 41
* قالوا: ... 000000000000000000000000000000000000000000000 ... 48
* جولة الصحافة :
- عقبة أمام المد الشيعي000000000000000000000000000000 ... 53
- التشيع الديني في الأردن اشتد بعد حرب حزب الله 000000000000 ... 59
- بيان من جماعة الإخوان المسلمين في سوريا0000000000000000 ... 66
- كيف يصنع العلويون في سوريا مستقبلهم الوطني00000000000000 ... 68
- بحث حول التشيع في سوريا000000000000 00000000000000 ... 75
دروس وعبر من إعدام صدام
شهد عيد الأضحى المبارك نهاية صدام حسين رئيس حزب البعث العراقي والرئيس السابق للعراق، وقد كانت عملية إعدام صدام مليئة بالعبر والدروس والدلالات، ولكن ردة فعل الغالبية كانت انفعالية عاطفية ولم تقف عند كثير من دلالاته ، والآن – فيما يفترض - وبعد أن حضرت العقول نفصل في دلالات وعبر إعدام صدام.
أولاً : الدروس التي تخص الشيعة وإيران:
كالعادة كان أغلب المتحدثين والمعلقين في الأيام الأولي، من الإسلاميين والقوميين واليساريين يعلقون ما حدث على مشجب أمريكا فقط، ولم تكن عندهم الشجاعة لذكر الفاعلين المباشرين وهم الشيعة وذلك حرصاً على مشاعر الشيعة المجرمين ! وحرصاً خادعاً على وحدة موهومة مستحيلة مع هؤلاء المجرمين .(43/1)
ثم بعد أسبوع ندد المتحدثين والمعلقين بالشيعة وإيران من خلفهم، وهذا يشكر لهم ولكن نريد منهم أن يثبتوا على هذا الموقف حتى تترك إيران والشيعة من خلفها عداوتها لنا، ولا يكون هذا الوعي بالخطر والدور الإيراني وقتياً وردة فعل سرعان ما تزول...سرعان ماتزول ..!!
لا يزال يصر قادة الإخوان في الأردن على سياسة مسك العصاة من الوسط! تجاه إيران، فقد انسحبوا من بعض المسيرات التي نددت بإيران وطالبت بإغلاق سفارتها، كما دعت حماس لتكف عن مسايرة إيران وحزب الله. وتبرير قادة الإخوان لذلك هو: تجنبا للانجرار وراء محاولات وضع أميركا وإسرائيل وإيران في سلة واحدة في العداء للأمة العربية، و تضخيم ملف الخطر الإيراني على حساب الخطر الصهيوني الأميركي. العجيب أن قادة الإخوان لا يعدلون في موقفهم بين "دحلان" وإيران، رغم أن جرائم "دحلان" أرحم بكثير من إيران! فلماذا لا يزن الإخوان بميزان واحد؟
شكلت الهتافات المصورة وقت إعدام صدام، باسم "مقتدى" و"الحكيم" حقيقة من نفذ الإعدام!! و تنصل "تيار مقتدى" من ذلك كما جاء على لسان نصار الربيعي الناطق باسم الصدر في النجف الذي وصفه "بأنه تصرف فردي" يتناقض مع قوله "ما صدر من أفعال يعارض التعليمات التي أمر بها الصدر"، أي أن هناك تعليمات لأتباعه عند تنفيذ إعدام صدام! وهناك جدل قوى حول مشاركة "مقتدى " بنفسه إعدام صدام.
أما تبرير موفق الربيعي للرقص" حول جثة صدام، بأنها عادة عراقية! فنعم هي عادة " الشروق" وليس العراقيين الشرفاء!!
إن إعدام صدام على قضية الدجيل، دون جرائمه الأخرى هو لكون هذه القضية مختصة بحزب الدعوة الشيعي فقط، و لكون هذه القضية هي الوحيدة التي يمكن إعدام برزان (شقيق صدام) عليها فقط كونه ترك رئاسة الاستخبارات العراقية عام 1982م.(43/2)
إن اختيار توقيت إعدام صدام ليس خطأ، بل توقيت مدروس ومختار من قبل الجماعات الشيعية التي أرادت أن تقدم ( لأشقائها وإخوانها السنة في الدين والوطن) هدية عيد الأضحى!! وكل من لا يدرك هذا فهو جاهل ومغفل. وهي بذلك تعبر عن حقيقة موقفها من الآخرين.
إن إعدام صدام في مقر الشعبة الخامسة للاستخبارات، والمختصة بإيران تشكل رسالة لكثير من القادة العرب أن إيران لا تنسى ثأرها!!!
إن تأجيل إعدام برزان والبندر لما بعد العيد، ليكون يوم إعدام صدام يوماً مميزاً وهو يوم عيد الأضحى عند أهل السنة، يكشف بوضوح عن روح الانتقام البشعة والكره العميق التي تكنها هذه القوى الشيعية الطائفية.
لا يمكن أن تقدم الأحزاب الشيعية (العراقية) على إعدام صدام إلا بموافقة إيرانية، فهم يستأذنون إيران في كل شيء، إما تنفيذاً لعقيدة ولاية الفقيه التي يؤمن بها المجلس الأعلى وحزب الدعوة، أو لأنها المستشار والموجه لهم. لقد كان الحكيم يخرج من جلسات صياغة الدستور العراقي لإجراء مكالمة مع طهران حول الفقرات!! منها جاء الترحيب الإيراني بذلك، دون مراعاة لمشاعر حلفائها ومحبيها من السنة وخاصة الإخوان المسلمين وحركة حماس.
لقد حذر صدام قبل شنقه بلحظات من إيران وأطماعها، فهل يستفيد المخدوعون بإيران من المسلمين بنصيحة ووصية صدام لهم وهم يعتبرونه مجاهداً بطلاً؟؟ أم سيبقون يحاولون أن "يركبون حصانين" في نفس الوقت، صدام وحزب البعث من جهه، وحزب الله وإيران من جهه أخرى؟ والحقيقة أنهم هم (الحصان المركوب) من الجهتين ، حزب البعث وحزب الله !!!
إعدام صدام رسالة شيعية وإيرانية أنه لا مجال للمصالحة والتنازل من قبلهم من أجل إنجاح المصالحة أو حصول توافق سياسي، فهل يدرك المسلمون ذلك.(43/3)
في إعدام صدام رسالة تهديد لكل المخالفين للشيعة و إيران من الحكام و الأحزاب و العلماء، أن هذا مصيرهم حين تتاح للشيعة الفرصة، وأنهم لا يكلون و لا يملون من السعي للحصول على هذه الفرصة.
ترحيب إيران العلني بإعدام صدام، وعدم مراعاتها لمشاعر مناصريها والمتعاونين معها، يدل على أنها لا تأبه بهم، وإنما هي تستخدمهم فيما يخدمه .
حزب الله وسكوته المريب، وكأن ما حدث حلم أو خيال، يؤكد طائفيته وانتهازيته، ولذلك لا يدين حزب الله زملاءه في خدمة إيران كحزب الدعوة والمجلس الأعلى وجيش المهدي، مهما فعلوا من عمالة للمحت ، واستهانة بكل المشاعر السنية، واستباحة لدم وعرض السنة، فهذا يعفى عنه لكونه شيعة إيران. فمتى يفيق المخدوعون بحزب الله؟؟
محاولة الخالصي استنكار توقيت وطريقة الإعدام، بعد أسبوع ورمي المسؤولية على الاحتلال فقط، هي محاولة فاشلة، فلماذا وقعت القيادات الشيعية في الفخ الأمريكي إذا كانوا حريصين على التعاون والتكامل من أهل السنة؟ وأين عقلاء الشيعة في لحظة الحدث؟ وأين براءة عقلاء الشيعة – إن وجدوا- من إعدام صدام بهذه الطريقة؟
تهديد المالكي بقطع العلاقة مع أي دولة تعترض على إعدام صدام، بداية لإعدامات مهينة قادمة، واستغلال للإعلام بطريقة دنيئة للوصول لمصالحهم الطائفية، ويقابله سذاجة سنية في التعامل مع وسائل الإعلام.
في إعدام صدام بهذه الطريقة، رد على من حذر من "خدعة التحليل العقدي" ونقول له نعم السياسة تقوم على المصالح، لكن ما الذي يحدد المصالح؟ أليست المبادئ و العقائد والأفكار هي التي تحدد المصالح!!
ثانياً: الدروس التي تخص صدام وحزب البعث:(43/4)
لقد نص أهل العلم في زماننا على أن عقيدة حزب البعث عقيدة كفرية، لأنها تؤمن بالعلمانية الملحدة، وتنادي بالاشتراكية منهجاً، كما نص أهل العلم على كفر رئيس الحزب الأصلي "ميشيل عفلق" اليهودي المتظاهر بالنصرانية! والذي زعم صدام أنه أسلم! ولم يعلن له توبة لا من اليهودية ولا من النصرانية ولا من البعثية! وأكثر مواقع البعث لا تذكر في ترجمة عفلق أنه أسلم ؟؟؟!!! كما أن أهل العلم نصوا على كفر زعيمي نظام البعث في العراق وسوريا صدام لبعثيته والأسدين لبعثيتهما وعلويتهما.
لقد بقي صدام يعلن افتخاره برئاسة حزب البعث أثناء محاكمته وهذا يشكك في توبته!
لا يزال حزب البعث العراقي وأحزاب البعث العربية التي تدور في فلك البعث العراقي، تقر وتعترف بزعامة صدام لها، كما أنها لا تزال تعلن العقائد البعثية المنافية للإسلام والتي كفر العلماء حزب البعث لأجلها، ومن يطالع مواقع وأدبيات حزب البعث العراقي على شبكة الإنترنت يجد ذلك، وخاصة دستور الحزب.
أعلن صدام الشهادتين حين أعدم ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول :" من كان أخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة " ، فلذلك نقول قد يكون صدام تاب فعلاً عن حزب البعث وفكره حين عاين الموت ولم يتمكن من إعلان كفره بالبعث، وهذا علمه عند الله، وهو ما نرجوه . لكن قبل ذلك من الصعب إثبات توبة لصدام من فكر البعث وكفره ، وذلك أن الداعي لبدعة مكفرة لا بد له من التوبة العلنية من بدعته ، وخاصة إذا كان يستخدم الكذب والخداع في دعوته وهذا حال البعث والشيعة !!
وصية صدام التي لم تعلن، هل احتوت وصية زوجته وبناته وحزبه وأنصاره، بالتوبة والعودة للإسلام؟(43/5)
لكن المطلوب من أتباعه البعثيين أن يستفيدوا ويعتبروا من إعدام زعيمهم ، فهو عند الموت لم يتذكر شعارات البعث الفاسدة بل نطق بالشهادتين ، فعليهم إعلان التوبة من فكر البعث الإشتراكي، ذلك أن توبة المرتد يجب أن تكون بالبراءة من ردته، كما عليهم التنصل من كل الأدبيات المناقضة للإسلام وإعلان ذلك بكل وضوح، وعبر كافة منابرهم الإعلامية المختلفة.
إن اعتقال وسجن ومحاكمة وإعدام صدام عبرة لكل الحكام والقادة والزعماء الظالمين والمستكبرين، وهي فرصة لهم للعودة لدينهم وربهم قبل أن يحال بينهم وبين التوبة، كما فيها العبرة لهم أن كل المناهج باطلة سوى الإسلام، فليلتزموه ويطبقوا شرعه. وليتذكروا دوماً قول القائل: بشر القاتل بالقتل ولو بعد حين!!
…
ماذا تعرف عن الشيعة
[ بمناسبة قرب حلول موعد عاشوراء ، نقدم هذه المادة التعريفية بالشيعة ، وخاصة لأهل البلدان التى لا يوجد بها شيعة ، ونرجو حرص الإخوة والأخوات على نشر هذه المادة في المنتديات المحلية مع الإشارة للراصد ،وسنكمل سلسلة الطرق الصوفية العدد القادم – بإذن الله – الراصد]
شرعَ لنا الإسلامُ في كل عام صوم العاشر من شهر محرّم والمسمى يوم (عاشوراء) شكراً لله تعالى أنْ أنقذ نبيَّ الله موسى - صلى الله عليه وسلم - من فرعون، وكان هذا يوماً تصومه اليهود في المدينة النبوية قبل دخول النبي - صلى الله عليه وسلم - لها، فلمّا دخلَها وشاهد اليهودَ يصومونه، سألهم عن ذلك، فذكروا له هذا السبب ، فقال: نحن أحقّ بموسى من اليهود، ثمّ شرعَ للمسلمين صومه، وحتى يخالف اليهود في فعلهم أضاف لأمّته صيام يوم التاسع من محرم، والمسلمون منذ ذلك اليوم وليومنا هذا على هذه السُّنّة.(43/6)
وصادفَ في نفس (عاشوراء) سَنة (61هـ) أن حدثت جريمة عظيمة في تاريخ الإسلام؛ ألا وهي مقتل حفيد رسول الله وريحانته وسبطه الحسين - رضي الله عنه -، على أرض كربلاء في العراق، وكانت هذه الفتنة هي أحد المبررات التي استندت فِرقة (الشيعة الإثنا عشرية) – أو ما يسمّون (الشيعة الإمامية) أو (الجعفرية) أو (الرافضة)؛ كلُّ هذه الأسماء لفِرقة معيَّنة تواجدها اليوم في إيران والعراق ولبنان والكويت وباكستان وغيرها من البلاد - على مقتل الحسين - رضي الله عنه - لترويج عقيدتها.
والذي دفعَ لكتابة هذه السطور هو جهلُ أغلب العرب والمسلمين؛ سواء كانوا عامة أو نخباً، مفكرين أو علماء أو ساسة أو غير ذلك، عن معرفة هذه الجماعة، والسبب عدم وجود الشيعة في دولهم، ونخصّ بالذكر: الأردن، مصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب والسودان، وغيرها من بلاد الإسلام.
ومع تصاعُد أحداث اليوم، وخاصة حوادث احتلال العراق (2003م) وحرب لبنان (2006م)، برزَ اسمُ الشيعة في وسائل الإعلام والصحف والفضائيات بين مادح وقادح، فكان لا بدّ من كلمةٍ منصفة تعرّف المسلمين والعرب بهذه الطائفة، دون عاطفة أو انفعال، تحمل القارئ على تأييد أو ذم غير معتمد على مستند أو دليل، كي يتمكّن القارئ من التوصّل إلى حقيقة هذه الجماعة بإنصاف.
عقائد الشيعة الإمامية:
لا بدّ لمعرفة كلِّ جماعة أو فِرقة دينية؛ من معرفة عقيدتها التي تستند إليها، وما هو الفرق بينها وبين بقية عقائد المسلمين.(43/7)
1- "الإمامة": اتّفق كلُّ علماء هذه الجماعة (الشيعة الإمامية) قديماً وحديثاً - لا اختلاف بينهم - على عقيدة هي الأساس لنشأتهم، وهي المحور لبقية عقائدهم، ومنها انطلقت كلُّ مخالفاتهم لعقائد بقية المسلمين، تعرف باسم "الإمامة". فيعتقد الشيعةُ أنّ الإيمان لا يتمّ للإنسان حتى يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر، ومن ثمّ الإيمان بولاية عَليّ، فإذا لم يؤمن بولاية علي فهو ليس بمؤمن وإنْ آمن ببقية الأمور.
ومعنى ولاية عليّ: أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أوصى بعد وفاته بأن يكون عليّاً هو وليّ الأمة وخليفتها، وهو من يكمّل معرفة الدين للمسلمين، وهو منصِبٌ إلهيٌّ كالنبوّة، فكما أن الله يختار مَن يشاء من عباده للنبوّة؛ فهو يختار للإمامة مَن يشاء(1). هذه الإمامة مَنْ لا يؤمن بها عند الشيعة فهو كافر بالله عند الأغلب(2)، والقليل منهم يجعله فاسقاً غير مؤمن. هذا الاعتقاد المنحرف عن عقائد بقية المسلمين ولّدَ عدّة عقائد أخرى مبنية عليه:
2- العصمة: فكما أنّ الأنبياء معصومون في تبليغ الوحي؛ فكذلك الإمام علي، وكل إمام بعده ينبغي عصمته لأنّه مبلِّغٌ عن الله كالنبيّ، وبهذا تولّد معتقدٌ آخر عند الشيعة؛ ألا وهو (العصمة)(3)
__________
(1) هذه العقيدة لا يوجد مؤلِّفاً شيعياً، سواء كان منذ 1000 سنة أو اليوم إلا واتفق عليها. حتى قال كاشف الغطاء في "أصل الشيعة" (128): (إنّ الإمامة منصبٌ إلهي كالنبوّة).
(2) قال الكليني في "الكافي" (1/52و54): (إنّ معصية عليّ كفرٌ، وإن اعتقاد أولوية غيره بالإمامة شرك)، وقال من بعده المجلسي في "بحار الأنوار" (23/390): (اتفقت الإمامية على أنّ مَن أنكر إمامةَ أحد من الأئمة وجحدَ ما أوجبه الله تعالى من فرضِ طاعته؛ فهو كافرٌ مستحقٌّ للخلود في النار).
(3) لم يكن الشيعة يتكلّمون بالعصمة إلى زمان جعفر الصادق؛ حيث كتبَ أحد تلامذته وهو هشام بن الحكم وتكلّم بذلك بعد وفاة
جعفر، هذا ما ذكره ابن النديم في كتابه "الفهرست" (249).والبعض يقول:إنّ أصل الفكرة من عبد الله بن سبأ اليهودي الذي أسلم وقدّس عليّاً وأراد أن يحرقَه عليٌّ فهرب. والقول بالعصمة ذكرَهُ كلُّ علماء الشيعة بلا خلاف، فهذا جعفر الخليلي يقول في كتابه "موسوعة العتبات" (284): (يجب أن يكون الإمام كالنبي معصوماً عند الشيعة)، وانظر: "عصمة الأئمة عند الشيعة"، لأنور الباز، دار الوفاء، مصر.(43/8)
.
لذا؛ فإنّ أقوال الأئمة كأقوال الأنبياء، فهي تشريع، كما إننا معاشر المسلمين عندنا أنّ السُنّة (سُنّة النبي - صلى الله عليه وسلم -)، هي التشريع بعد القرآن، فهم عندهم أقوال الأئمة هي السُنّة، فلا فرقَ بين قول النبي أو قول علي أو قول الحسين أو الحسن أو جعفر الصادق أو الرضا، أو ... أو ... من بقية الأئمة عند الشيعة. هذا هو الفرق الثاني مع بقية المسلمين.
وعودة لمعنى الولاية (ولاية علي أو أي إمام آخر)؛ فهي ليست بمعنى المحبة لعليّ أو أحد من أئمة أهل البيت؛ فإننا معاشر المسلمين كلّنا نحبّ عليّاً؛ كونه أحد أكابر الصحابة، وكونه أحد علمائهم، وكونه من أهل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكونه بطلاً من أبطال الإسلام، وكونه، و... و... إلى غير ذلك من المواصفات والمناقب العالية· بيدَ إنّ كلّ ذلك لا يكفي ولا ينفع عند الشيعة، بل لا بدّ من الإيمان بالولاية أو الإمامة(1).
__________
(1) يقول محمد صادق الروحاني عندما سئل: هل يحكم على السنة بالكفر، وهم طبعاً لا يوالون علياً ولكنهم لا يكرهون أهل البيت ويحبّونهم هل يدخل السنة الجنة؟فأجاب: (يُشترط في صحة العبادات الولاية لأمير المؤمنين عليه السلام، فمن فقد الشرط لا يتحقق المشروط).www.alserdaab.com/pics/kufar.gfi وهذا الخميني يقول في كتابه "الأربعون حديثاً" (215): (لا يقبل الإيمان بالله ورسوله من دون الولاية· إنّ ولاية أهل البيت ومعرفتهم شرط في قبول الأعمال يُعتبر من الأمور المسلّمة).(43/9)
ومن عقيدة "الإمامة" الإيمان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نص على علي أنه الإمام من بعده الذي يكمل الدين، وعقيدة العصمة للإمام عن الخطأ وأنه كالنبيّ؛ تولّد من هاتين العقيدتين فكرة تكفير كلّ مَن لم ينفّذ ذلك سابقاً من الخلفاء الراشدين (أبو بكر وعمر وعثمان) وبقية الصحابة لأنهم بايعوهم على حُكمهم. فحكَموا بكفرهم وأنّهم أصبحوا أعداء لله ورسوله؛ لأنهم لم يطيعوا الرسول بزعمهم. لذلك لعنوهم وسبّوهم، بل جعلوا ذلك قُربة لله؛ فلهذا ترى الشيعة قديماً وحديثاً يسبّون ويلعنون الصحابة وأمّهات المؤمنين، ورفضوا التسمّي بأسمائهم، ولا يدَعون أيَّ فرصة إلا وانتقصوا منهم.
الواقع يخالف المعتقَد: لكنّ الناظر لسيرة علي وأولاده وأزواجه وأحفاده في التاريخ؛ لا يجد أثراً لذلك المعتقد، فلا توجد ثمّة عداوة بين الصحابة في عهد أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وأولاده، بل إنّ علياً زوّج عُمر ابنتَه (أم كلثوم) ابنة فاطمة رضي الله عنها، فهل يزوِّج عليٌّ مَن يعتقد كُفرَه أو يعتبره فاسقاً، أو مخالفاً لله ورسوله، غاصباً للخلافة. بل كان عليٌّ يسمّي أولادَه بأسماء أبي بكر وعمر وعثمان(1)، ولو رجعتَ لسيرة كلّ إمام للشيعة لوجدته مخالفاً لمعتقد الشيعة، من أجل ذلك قالت الشيعة بمعتقد جديد كي تخرج من هذا التناقض الحاصل بين الواقع والمعتقد.
3- (التقيّة) : وهي إخفاء الحق خوفاً من إظهاره، فيُصاب بالسوء.
ولم يعتبروا ذلك وسيلةً للتخلّص من الاضطهاد فحسب، بل أدخلوا (التقيّة) كجزء من معتقدهم(2)
__________
(1) هذا ثابت في كتب الشيعة والسُنّة.
(2) نقلوا عن جعفر الصادق: (تسعة أعشار الدين في التقية، ولا دين لمن لا تقية له). وعن علي بن الحسين: (يغفر الله للمؤمنين كل ذنب ما خلا ذنبين: ترك التقية...). وعن جعفر الصادق: (تارك التقية كتارك الصلاة).(43/10)
، وكلّما واجهوا نصّاً أو كلاماً صادراً من أحد أئمتهم يخالف ويناقض معتقدهم قالوا: إنّما قاله الإمام (تقيّةً)، وهكذا أصبح لا يُعرف الحق من الباطل، بل هو أمر انتقائيّ.
معتقدات جديدة:
4- تحريف القرآن: ولَمّا كان علي - رضي الله عنه - هو محور الأمر عند الشيعة، وأنه الإمام الواجب على كل مسلم - حسب اعتقادهم - الإيمان به، أصبح هو محور الولاء والبراء. بيدَ أنّ هذا الأمر ولد مشكلتين، المشكلةً الأولى في كتاب الله (القرآن). فعليٌّ مع أهمية الإيمان به وأنه الإمام وأنه محور أساس في الإيمان، فلا يوجد أي نصٍّ صريح بولايته وعصمته في كتاب الله. والمشكلة الثانية كانت أنّ القرآن المصدر الأول والثقل الرئيس في الإسلام؛ قام بجمعه أبو بكر ووضعه عند ابنة عمر وزوجة النبي حفصة، ثم كتبه لجميع أمصار الإسلام الخليفة عثمان، واليوم كل مصاحفنا في كل بلاد الإسلام منذ أربعة عشر قرناً لا تختلف حرفاً واحداً، والإشكال عند الشيعة: أين عليّ من ذلك؟! وكل من ساهم بذلك هو أعدى أعداء الشيعة. لذلك ذهبَ جُلّ علمائهم إلى القول بنقصان القرآن وتحريفه؛ للهروب من هذه المشاكل والأسئلة المُحرجة(1).
__________
(1) يكاد علماء الشيعة لغاية القرن الثالث عشر للهجرة يتّفقون على تحريف القرآن إلا أربعة منهم وهم: (الصدوق والمرتضى والطوسي وأبو علي الطبرسي)، وقد ألّف عالمهم النوري الطبرسي كتاباً بذلك سمّاه: "فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب ربّ الأرباب". وصرح بذلك عدد من علمائهم المعاصرين .(43/11)
5- الرجعة : أئمة الشيعة اثنا عشر إماماً، أحد عشر إماماً عاشوا وماتوا؛ وهم: (علي بن أبي طالب) وابنه (الحسن)، ثمّ أخوه (الحسين)، ثمّ ابن الحسين (علي زين العابدين)، ثمّ ابنه (محمد الباقر)، ثمّ ابنه (جعفر الصادق)، ثمّ ابنه (موسى الكاظم)، ثمّ ابنه (علي بن موسى الرضا)، ثم ابنه (محمد بن علي الجواد)، ثم ابنه (علي بن محمد الهادي)، ثم ابنه (الحسن بن علي العسكري)، هؤلاء الأئمة الأحد عشر لم يَحكم أحدٌ منهم سوى الخليفة علي - رضي الله عنه - (5 سنوات)، وابنه الحسن (بضعة أشهر) وتنازَلَ لمعاوية عن الخلافة، والبقية عاشوا حياة عادية ولم يَحكموا قطّ. أما الإمام الثاني عشر فهو ابن (الحسن بن علي العسكري) والملقب بـ (المهدي) وأنه اختفى صغيراً وسيظهر آخر الزمان. لَمّا كان اعتقادهم أن الأئمة هم الحكام الشرعيون بنص النبي - صلى الله عليه وسلم -، و لأنّ هذا لم يتحقق في الواقع سوى خلافة علي بن أبي طالب لذا وجدوا أنفسهم مضطرين لإيجاد عقيدة يؤمنون بها للانتقام نفسياً من أعداء الشيعة (الخلفاء الراشدين الثلاثة، الدولة الأموية، العباسية) هذه هي عقيدة (الرجعة)(1) أي عودة الأئمة لنصرة الشيعة ضد هؤلاء.
__________
(1) عقيدة الرجعة متّفق عليها عند الشيعة، بل هي من مفردات الإمامية كما يقول كاشف الغطاء في "أصل الشيعة وأصولها" (ص35). وأصرح منه ما قاله محمد باقر الشريعتي في كتابه: "عقائد الإمامية" (ص288): (ويجب أن تؤمن بالرجعة فإنها من خصائص الشيعة، واشتهر ثبوتها عن الأئمة عليهم السلام، وبين الخاصة والعامة، وقد روى عنهم عليه السلام: ليس منّا مَن لم يؤمن بكرّتنا).(43/12)
وأهمّ من ذلك ما سيفعله المهدي والذي سيمارس أشدّ أنواع الفتك(1) والقتل بالصحابة وبأمهات المؤمنين (عائشة وحفصة)، ومن ثم العرب وقريش كلهم سيحييهم ويعذّبهم وينتقم منهم بالجملة. هذه هي عقيدة (المهدي) الذي يملأ الأرض عدلاً (بنصرة الشيعة) كما مُلئت جوراً (بنصرة السُنّة)؛ لذلك فهم يدعون ويطلبون من الله استعجال ظهور الأئمة وبالأخص المهدي، فيكتبون عند ذكره (عجّلَ اللهُ فرجَه) أي خروجه، وتصديقاً لذلك عندما أعدموا صدام حسين، هتفوا (اللهم صلِّ على محمد وآل محمّد وعجِّل فرجهم والعن عدوّهم)، (عجِّل فرجَهم) أي عقيدة الرجعة، أي: عجِّلْ يا ربّ عودة الأئمة للانتصار لهم. إذن هي عقيدة تعيش معهم ليل نهار. فالرَجعة هي رجعة الأئمة، وهو رجوعٌ عام، و(المهدي) له رجوعٌ خاصّ؛ لأنه أشدهم فتكاً بعدوّه، فيكتبون بعد ذكره (عج) اختصاراً لـ (عجلَ اللهُ فرجَه أو خروجَه).
التطوُّر في عقائد الشيعة:
عقيدة الشيعة متطوِّرة، ونقصد بذلك أنّ كلَّ الذي ذكرنا لم يظهَرْ مرةً واحدةً في زمن معيَّن، بل هو ناشئ خلال فترة (200 سنة) تقريباً إلى أن استقرّت عقائد الإمامية، ففي كل فترة زمنية أو تاريخية تظهر أفكار واعتقادات ثم يظهر من الشيعة مَن يخالفها وينكرها إلى أن يستقرّ المعتقد إلى شكل معيَّن.
__________
(1) الذي يقرأ ما سيفعله (المهدي) في كتب الشيعة عند ظهوره يستعيذ بالله من ظهوره، فهو يمثّل أحد أكابر المجرمين سفكاً وقتلاً في تاريخ البشرية. راجع كتاب "حقيقة المهدي المنتظر عند الشيعة".(43/13)
فمثلاً كان الشيعة الأوائل يؤمنون أنّ الإمام المنصوص عليه هو علي رضي الله عنه، ثمّ إنّ عليّاً هو مَن أوصى لابنه الحسن، وأنّ الحسن هو مَن أوصى للحسين. بينما الشيعة حالياً يقولون: إنّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو الذي عيَّن الإثنا عشر إماماً بأسمائهم. وهذا يناقض التاريخَ كلّه، فقد ذكر كثيرٌ من علمائهم أنّ أولاد (علي زين العابدين الإمام الرابع) اختلفوا هل (زيد بن علي بن زين العابدين) هو الإمام، أم الابن الآخر وهو (محمد الباقر)، فانقسم التشيّع إلى زيدية (نسبة لزيد بن علي) واختار الإمامية (محمد الباقر)، فلو كان عند الإمامية نصٌّ لقُضي الأمر(1). ثمّ أولاد (جعفر الصادق) اختلفوا هل الابن الأكبر (إسماعيل) هو الإمام، أم (موسى الكاظم) فالإسماعيلية أتباع إسماعيل، والإمامية اختاروا جعفراً. فلو كان هناك نصٌّ لما كان هناك خلاف، بل حتى الشيعة الإمامية يؤمنون أنّ الإمام كان إسماعيل ولكنّ اللهَ بدا له أن يغيّر الإمام وغيَّرَه لجعفر، وظهرت عقيدة عند الشيعة تسمى (البداءة على الله)(2).
ومن الأمثلة على تطوّر المعتقد عند الشيعة قضية (المهدي)(3)
__________
(1) وقد ناقشه الصدوق في كتابه "إكمال الدين" (ص75، 76).
(2) يقول الشيعة: إنّ جعفراً الصادق نصَّ على إمامة ابنه إسماعيل ولكنه مات فقال الصادق: بدا لله في إسماعيل، وإنّ إسماعيل كان سكّيراً فنُقلت إلى موسى الكاظم، انظر : "الغيبة" للطوسي (120).
(3) نُسبت المهدوية أولاً لـ (محمد بن الحنفية) وذكر شاعر الشيعة السيد الحميري شعراً بذلك وناقشه جعفر الصادق بذلك وأنكره. ثم نُسبت لجعفر الصادق من أتباعه، فعندما مات نسبوها لموسى الكاظم، ثم للرضا، وجماعة آخرون نسبوها للباقر ولذي النفس الزكية وإسماعيل بن جعفر الصادق وغيرهم كثير· فإنّ فكرة ظهور المهدي سيطرت على الشيعة في العهد الأول كما يقول الشيعة، فأين النصّ على الإمام الثاني عشر عند الشيعة.(43/14)
؛ ففي كل زمن يظهر عند مجموعة من الشيعة يعتقدون أنّ فلاناً هو الإمام، فقد جعلت جماعة (محمد بن علي بن أبي طالب) المسمى (محمد بن الحنفية) هو المهدي، ومنهم مَن جعل (محمد الباقر) و(جعفر الصادق) و(ذو النفس الزكية) وغيرهم هم (المهدي) فلو كان هناك نص، وأن الأئمة إثنا عشر لَما حصلَ هذا التناقض والاختلاف، وصدق الله حين يقول في كتابه: { وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا } [النساء:82]، كما اختلفت النصارى في حقيقة عيسى، فقال تعالى: { فَاخْتَلَفَ الأحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ } [مريم:37].
وإنّ هذه الاختلافات تولّدها الاختلافات السياسية، فمنذ أن بدأت مشكلة علي ومعاوية رضي الله عنهما، ومن ثم خروج الحسين - رضي الله عنه - على يزيد ومقتله إلى سنة (260هـ) وقت غياب المهدي - كما يزعم الشيعة - خلال هذه السنين (200 سنة) كانت تظهر عقائد للشيعة ويُحذف منها ويُضاف إليها، لذلك لا تجد مؤلَّفاً للشيعة قبل سنة (300هـ) يحمل عقيدة كاملة للشيعة.
وإنّما ظهرَتْ مؤلفات الشيعة بعد ظهور الدولة البويهية (وهم شيعة من بلاد الديلم من بلاد فارس سيطروا على الحكم العباسي، لكنهم أبقوه شكلاً وهم مَن حكم واقعاً) في زمن هذه الدولة ظهرت مؤلفات الشيعة ومعتقداتهم.
نتائج تطور عقائد الشيعة :
استقرّت عقائدُ الشيعة بعد التطور على الآتي:
أولاً: لأنّ الإمام هو علي وأولاده إلى اثنا عشر إمام؛ هو قضية إيمان وليس محبّة فحسب، فكلّ مَن لم يؤمن به فهو كافر؛ فالسُنّة كفّار على الأغلب أو فُسّاق وضُلال منحرفون، مستحقّون للإهانة واللعن، وأولُ ذلك هم الصحابة وأمهات المؤمنين والأئمة الأربعة (أبو حنيفة، الشافعي، مالك، أحمد بن حنبل) وأتباعهم.(43/15)
ثانياً: ولأنّ حضارة الإسلام ودوله من الخلافة الراشدة، والأموية، والعباسية، والسلجوقية، والأيوبية، والمماليك، والعثمانية، والدولة الأموية بالأندلس، وغيرها؛ هي دول قامت على حضارة سُنية (غير شيعية)؛ لذا فهي حضارة باطلة ظالمة.
وكل فتوحات المسلمين وقادتهم من خالد بن الوليد وسعد بن أبي وقاص وأبي عبيدة وصلاح الدين الأيوبي وغيرهم؛ فهم فسّاق كفار وتشوَّهُ سيرتهم ويُلعَنون وتؤلَّف المؤلفات بذلك؛ هذا فكرياً(1)، وقد طبّقوا هذه الأفكار عملياً؛ فقد اصطفّ الشيعة على مدى التاريخ الإسلامي مع أعداء المسلمين؛ بدءاً من الصليبيين ثم التتار واليهود والأمريكان حالياً، هذه حقيقة مرّة وبدهيّة.
وليس ذلك بمستغرَب، فالفكر الشيعي والشيعة لا يعترفون بسواهم، ويكفّرون مَن هو غير شيعي، ومؤلّفاتهم مليئة بذلك، فهو فكرٌ سوداويٌّ لا يؤمن بالتعايش مع المخالف إلا بالإقصاء والاحتقار والانتقام سلباً وقتلاً لمن خالفهم سواء كان سُنّياً أم غير ذلك، وهذه هي سمات الفكر التكفيري.
وتستطيع أن تتأكّد بالرجوع إلى مصادر ومراجع الشيعة سيما وأنها أصبحت مطبوعة مبذولة، بعد أن كان الشيعة يتحرّجون من انتشارها.
__________
(1) مثل المتشيع راسم أحمد النفيس الذي هاجم وطعن في شخصية القائد صلاح الدين على صفحات صحيفة القاهرة التابعة لوزارة الثقافة المصرية.(43/16)
ثالثاً: ولأنّ الفكر الشيعي يريد أن يتميّز عن غيره، لذا شرع بتوليد فقه لأتباعه مخالف لأهل السُنّة في كلّ تفاصيله الصغيرة والكبيرة؛ في الصلاة والصيام والزكاة والحج وغير ذلك، ثم نسبة هذا الفقه لأهل البيت، ولعلّك عملياً تدرك لماذا يخالف الشيعة السنةَ في أعيادهم في رمضان والحج، وافتعال مناسبات وأعياد ومزارات خاصة بهم(1).
رابعاً: ولأنّ الحضارة الإسلامية سُنّيّة (دولها وأفرادها وعلماءها) ونسبة الشيعة قليلة لا تتجاوز بكلّ أطيافهم (الإمامية، الإسماعيلية، الزيدية) أكثر من 10% من العالم الإسلامي؛ بسبب هذا لا يستطيع الشيعة بكلّ ما يحملون من أحقاد وأفكار سوداء أن يعيشوا مع أهل السُنّة.
لذلك استخدموا (التقيّة) فأظهروا غير ما أبطنوا، ونافقوا، وتملّقوا، وتزلّفوا، وتقرّبوا لنيل مراداتهم بكلّ الوسائل بنفس الطريقة اليهودية؛ لهذا ظلّ جمعٌ من علماء الأمة ومثقّفيها لا يعرفون العقائد الشيعية الحقّة، بل حاول كثيرٌ من الكتّاب الشيعة أن يموّهوا على أهل السنّة ويلمّعوا التشيّع على أنه ثورة على الباطل وأنه حبٌّ آل البيت.
وما أن يتمكّنوا في بلدٍ ما أو منطقة أو مدينة حتى تظهر عقائدهم الحقّة، فإذا كانت لهم شوكة سفكوا الدم وأهلكوا الحرث والنسل، كما فعل الصفويون في إيران والعراق، وكما خانوا الخليفة العباسي وسلّموه للتتار، ولا يخفي عنك اليوم ما يجري في العراق.
__________
(1) ذكروا أصل ذلك عن الرضا أنه سئل عمن لا يجد إماماً من أهل البيت ماذا يفعل؟ قال له الرضا: (ائت فقيه البلد (السنّي) فاستفتهِ في أمرك، فإذا أفتاك بشيء فخُذ بخلافه فإنّ الحقّ فيه). انظر: "عيون الأخبار" (1/275) للقمي. وقد رجّحه الخميني في كتابه "تحرير الوسيلة".(43/17)
خامساً: كما إنّ الشيعة أوجدوا طقوساً وممارسات داخلَ مذهبهم، لتحفيز أتباعهم للتعصّب أكثر وأكثر للمذهب، فالمسيرات الحسينية السنويّة في شهر محرم ويوم عاشوراء (ذكرى مقتل الحسين رضي الله عنه) وضرب الرؤوس إلى أن يسيل الدم، وتعذيب النفس باللّطم والبكاء وبإعادة تمثيل حادثة مقتل الحسين لأهل البيت وإظهار الشعور بالاضطهاد والمظلومية المستمرّ، وهو الكفيل باستمرار عقيدة وعقدة التشيّع في نفوس أصحابه. ومن ثمّ عمل أماكن مثل المساجد تسمى (الحسينيات) هي أماكن للتشييع وتسميتها باسم يربطها بالحسين - رضي الله عنه -. ومن ثَمَّ إقامة الاحتفالات بمواسم مستمرة في ذكرى ولادة كلّ إمام ووفاته.
وقبل ذلك وضع مؤلّفات تحمل أحاديثاً وأقوالاً للأئمة تُعطي أجوراً وثواباً من الله لفاعل ذلك؛ فالبكاء من أجل مقتل الحسين له كذا ألف حسنة، وزيارة الإمام الفلاني له أجر كذا حجة وعمرة، وإنّ حبّ آل البيت لا تضرّ معه معصية، وإنّ الشيعة مهما فعلوا فهم من المصطفين الأخيار عند الله(1). وهذه نفس طريقة تفكير اليهود: { نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ } . وقوله تعالى: { وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً } .
أسئلةٌ لا بدَّ لها من جواب:
ولرُبَّ سائلٍ يسأل - وخاصّة ممن يعيش في الأردن ومصر ودول المغرب العربي والسودان بل حتى في سوريا وغيرها -: نحن عايشنا عدداً من الشيعة في الجامعات ودوائر الدولة، وتزاوج آخرون من الشيعة، فلم يلاحظ ذلك في الشيعة مثلما كتَبْنا ووصَفْنا!!
__________
(1) كما ذكر ذلك ابن بابويه القمي في "علل الشرائع" (1/164): (نزل جبرائيل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - مطالباً إياه بتبليغ علي أن الله أعطاه الجنة والنار فليُدخل إلى الجنة من يشاء ويُخرج من النار من يشاء) وذكر أيضاً: (إن الجنة خُلقت لمن أحبّ علياً وإنْ عصى الرسول، وخُلقت النار لمن أبغض علياً وإنْ أطاع الرسول).(43/18)
وجوابُ ذلك أنّ الشيعة حركة تستخدم (التقية) وهي إخفاء ما لا يُستَساغ في عقلية المسلم؛ من تحريف القرآن، وكُفر الصحابة، وأنّ علياً كالنبيّ معصوم ، ومن جهة أخرى إنّ أفكار العالم العربي والإسلامي بعد سقوط الدولة العثمانية تغيّرت، ودخلَتْ أفكارٌ جديدة مثل القومية والشيوعية والعلمانية، وظهور الحضارة الغربية بأفكارها المادية وترك التديّن..
هذه الأفكار دخلَتْ على كلّ شعوب المنطقة السُنة والشيعة، وهجرت الأفكار الشيعية وأصبحت من القديم المهجور، سيّما وأنّ أفكار التشيّع هي في الأصل صعبة التصديق، فهي مُخفاة حتى على أصحابها، لذا فإنّ الأحزاب الشيوعية كان وجودها في إيران وجنوب العراق ولبنان أكثر من غيرها، لذلك نشأ جيلٌ من الشيعة المثقَّفين لا يعرفون من عقائدهم أيّ شيء، وهؤلاء إذا تأثّروا دينياً فهم أقرب إلى السُنّة.وحاول علماءُ الشيعة المعاصرون ومفكّروهم طرحَ التشيّع بثوب جديد، مُخفين كثيراً من العقائد ذات الطابع الأسطوري كالرجعة، ومزيّنين الفكرَ الشيعي بثوب مغاير لحقيقته، مستغلّين أنّ أكثر المصادر والمراجع التي تبين الفكر الشيعي كانت لا تُطبع إلا نادراً، وأنّها حكرٌ على المراجع الدينية والحوزات الشيعية، وظلّت الحالُ هكذا إلى سنة 1979م؛ حيث قامت الثورة الإسلامية في إيران (الثورة الشيعية) والتي نشرت وأعادت طباعة المراجع والمصادر الشيعية. لذلك كلّما رأيت شيعياً متديِّناً أو ملتزماً بعقيدته الشيعية؛ تعرف الفكر الشيعيَّ على حقيقته وبمبادئه التي ذكرنا. وكلّما ابتعد المرء الشيعي عن دينه؛ وجدتَه أنظف فكراً وعقلاً، وأقرب إلى فهم الإسلام الصحيح على حقيقته.سؤالٌ آخر
ولرُبَّ سائل آخر يسأل: الشيعة اليوم هم ملايين وعلماؤهم كثُر، فهل كلّ هؤلاء على ضلال وانحراف؟!
والجواب هو: أليس أهل الصين من أتباع بوذا وكونفوشيوس بالملايين ودينهم مجموعة أساطير وخرافات؟!(43/19)
فليس غريباً أن تنحرف ثلّةٌ من المسلمين بأفكار منحرفة كأفكار الشيعة التي بدأت بأفكار التشّيع البسيط وتعقّدت إلى أن استقرّت على ما ذكَرْنا. سيّما وأنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أشار إلى أنّ أمّته ستفترق وتختلف.
هل الشيعة يحبّون أهل البيت؟!
كان الشيعة سابقاً في تاريخ الدول الإسلامية يعامَلون من قِبَل المسلمين بشكل عادي، نعم يختلفون معهم ولكن لم يمارسوا ضدّهم القتل والتشريد والإبادة، فعشرات العلماء الشيعة عاشوا في كنف الحضارة الإسلامية كأدباء وشعراء بل وحتى وزراء؛ لأنّ أهل السُنّة يستطيعون التعايش مع كلّ الجماعات والفرق، وإن اختلفت معها وحاربت انحرافاتها العقدية، كما فعل علي مع الخوارج، ولم يقاتل أهل السنة إلا من رفع السلاح على المسلمين أو خانهم أو حاول إفساد دينهم .
أما الشيعة؛ فكانوا دائماً يحاولون الحكم ولم يُفلحوا، إلى أنْ تعاونَ العلويّون مع العباسيين سياسياً لإسقاط الدولة الأموية ونجحوا وقامت الدولة العباسية، والعباسيّون هم أحفاد عمّ النبي - صلى الله عليه وسلم - العباس وهم من أهل البيت النبوي، لكنّ هذا ليس مطلب الشيعة بل هم يريدون أهل البيت العلوي رغم أنّ أبا طالب والعباس كليهما عمٌّ للنبي - صلى الله عليه وسلم -.
وهذا يكشف مسلكاً في طريقة فهم الشيعة لآل بيت النبي من أنه محور يتعلّق بعليّ وأبنائه فحسب، وإنّ ما يردّدونه من أنّ آل البيت ظُلموا غير صحيح.
فهذا هو أبو جعفر المنصور، هو ابن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس عم النبي - صلى الله عليه وسلم - من النسل النبوي الهاشمي، فما بالهم يلعنونه، وعندما تولّوا أول حكومة شيعية في العراق بعد الاحتلال - حكومة إبراهيم الجعفري - بأيام؛ فجّروا تمثالاً(1) منصوباً لرأس أبو جعفر المنصور باني بغداد حِقْداً منهم.
__________
(1) المعلوم حرمة إقامة التماثيل، لم تفجر الشيعة هذا التمثال لحرمته، فقد تركوا كثيراُ من تماثيل العراق قائمة.(43/20)
وهذا هارون الرشيد حفيد أبي جعفر؛ يلعنونه ليل نهار، وكذا المعتصم وغيرهم، بل من حقدهم على العباسيين سلّموا آخرَ خليفة عباسي للتتار وقتله شرّ قتلة.
ومن الجدير ذِكرُه أنّ الشيعة تسمّي مَن ينتمي نسَبه لآل البيت بـ (السيّد) والجمع (سادة) ولهم عند الشيعة من الاحترام والتقديس لنسبهم ما يتعجّب المرء له حتى لو فعلوا من الفسوق والعصيان فهم يبقون (سادة) كما يقول الشيعة، ورغم ذلك فإنّ هناك عشائر سنيّة عراقية تنتمي لنسَب الحسين - رضي الله عنه - كعشيرة النعيم والمشاهدة و الحديدين، ولكنهم مع كل نسبهم الذي يعترف به الشيعة؛ فإنهم لا يحترمونهم بل قتلوهم في العراق في تصفياتهم الجسدية في عصر الجعفري وجواد المالكي، ولم يحترموا نسبهم كما يدّعون حبّهم لآل البيت. وكذا العشائر التي تنتمي للحسن - رضي الله عنه -، مثل أشراف مكة والتي منها ملوك الأردن وبيت الحسني وغيرهم، فهؤلاء لا يُحترمون بل يُشتمون ليل نهار رغم أنّ الكلّ يعرف صدقَ نسبهم، وكل جرمهم أنهم سُنّة.(43/21)
والأدهى من ذلك أنّ العشائر الشيعية والتي يرجع نسبها لآل البيت الحسيني كالموسوي والحسيني يقدَّسون عند الشيعة، ولكنهم عندما يتحول جمعٌ منهم إلى السُنّة يحكم عليهم بالردّة ويقتلوا كما حصل في العراق. إذاً؛ ليست القضية هي حبّ واحترام آل البيت، بل المقياس هو التشيّع وعقائده وحبّ آل البيت (شعار ظاهر) يُستخدم كذريعة لخداع الناس بالتشيّع، بل إنّ سيدنا علي رضي الله عنه وأرضاه له أولادٌ قُتلوا مع سيّدنا الحسين في معركته بكربلاء منهم أبو بكر بن علي وقبره من المفروض في كربلاء، فما بال الشيعة اليوم لا يزورونه كما يزورون أخ الحسين الآخر العباس وكلاهما أولاد علي من غير فاطمة، وكلاهما شهيد مع أخيهم الحسين! ولكن كيف يعظّم الشيعة ولداً اسمه (أبو بكر) ولو كان ابناً لعليّ ؟ كما قام الشيعة بإخفاء جريمة (المختار الثقفي) عندما قتل ابناً لعليّ اسمه عبيد الله، وذلك لأنهم يحبّون المختار الثقفي الدجّال.
ولم يذكروا ابناً للحسين - رضي الله عنه - اسمه عمر استشهد مع أبيه ولا يُعرف عن قبره شيء؛ لأن اسمه (عمر) وهذا لا يروق لهم حتى ولو كان ابن الحسين الإمام عندهم. كلّ هذا يدلّل أن مقاييس الشيعة هي بمعتقدهم وليس بحبّ آل البيت.
الواقع المعاصر والتشيّع:
التشيّع حركة خطرة على حضارتنا الإسلامية، فعلى مدى تاريخنا لم يشارك الشيعة في فتح أي بلد أو نشر ديننا الحنيف أو إقامة حضارة في أي منطقة من العالم، بل كانوا عكس ذلك في كلّ دولهم يحطّمون الأمة ويساهمون في تقسيمها ويشاركون في إكثار مشاكلها، فالدولة الفاطمية والتي ظهرت أول الأمر في المغرب العربي وانتقلت إلى مصر وتعاونت مع الصليبيين ضدّ الدولة الزنكية إلى أن قضى عليها صلاح الدين قبل تحرير بيت المقدس.(43/22)
وقبل ذلك ظهرت الدولة البويهية وسيطرت على العباسيين وأبقتهم شكلاً وحكمت فعلاً، وساهمت وشاركت بقتل الخلفاء وسمّلت عيونهم، وأشاعت سبّ الصحابة، وكتبوا على جدران المساجد لعن الصحابة، وفي عصرهم كُتبت مؤلّفات الشيعة، بعد مرور سنة 300 للهجرة.ثمّ ظهرت بعد ستة (900هـ) الدولة الصفويّة، فشيّعت إيران، وغزَت العراق، وذبحت الآلاف بل أكثر من مليون شخص مسلم كي يتشيّع الباقي. وقبل ذلك مساهمة واضحة من ابن العلقمي في سقوط بغداد على يد المغول وتقديم الخليفة ضحية بيد التتار.
ثمّ ظهرت الثورة الإسلامية في إيران وتصوّرَ كثيرٌ من المسلمين والعرب أنها ثورة إسلامية؛ متناسين أنها دولة شيعية لهم عقائد مختلفة عن عقائد بقية المسلمين، ولهم طموح وأحلام غير ما للأمة من الأحلام. ونسيَ المسلمون والعرب ذلك بحجّة أنّ شيعة اليوم غير شيعة الأمس، ولضعف ثقافة المسلمين (أهل السنّة) في الشيعة، لهذا ولغيره ذهب كثير من الأحزاب والجماعات الإسلامية والعربية فرادى وجماعات لتقديم التهاني لدولة إيران الإسلامية، لكن إيران لم تحترم أحداً وأعلنت في دستورها أنها ((دولة شيعية إلى الأبد)) ثم شرعت داخل إيران بتعذيب أهل السنة بل وقتلهم ،وخارجا بمشروع تصدير الثورة (أي التشيّع) والتحرّش بجيرانها، فدخلت مع العراق حرباً ثمان سنوات، كان كلّ العالم ومنذ الأيام الأولى لاندلاعها يطالبون الفريقين لإيقاف الحرب فوافق العراق ولم توافق إيران.
وساهمت في تصدير التشيع إلى كلّ بلاد الإسلام بكلّ الوسائل. إلى أن وصلَ الحال بها أنْ ساعدت أمريكا في احتلال أفغانستان، ومن ثمّ التآمر مع أمريكا لإسقاط العراق، وظهر الوجه الحقيقي للتشيّع وانكشف الغطاء.(43/23)
لقد صنعَت إيران بؤرة سوء في لبنان لتمزّقه بما يسمى "حزب الله" والذي سُمح له ولوحده أن يُسلح ليصنع له مجداً وراءه ما وراءه، فلماذا حوربت كلّ المنظمات الفلسطينية وحوربت المخيمات في لبنان وذُبحوا على يد اليهود ومنظّمة (أمل) الشيعية بقيادة (نبيه برّي) وبعدما أزاحوا الفلسطينيين إلى تونس صنعوا مجداً لحزب الله فظلّ حزبُ الله علناً يموَّل مالياً ويستلم السلاح علانية.
والسؤال: لماذا كل هذا بينما يحارَب ما سواه من المقاومات، وتُغلق إذاعات وفضائيات لمجرّد علاقاتها بمقاومة ما، بينما يمتلك الحزب فضائية لا يستطيع أحدٌ إغلاقها؟ كلّ هذا يعطيك انطباعاً غير مريح. إنّ الأيام ستكشف لنا جميعاً حقيقة هذا الحزب الشيعي، وأنه لا يختلف عن بقية الأحزاب المرتبطة بإيران، وكلّهم ينهل من مشكاة واحدة، وهي التشيّع.
لعلّنا في هذه العُجالة عرفنا بالشيعة، أو مهّدناُ للتعريف بهم، وعلى المرء أن لا ينخدع بهذه الجماعة وحِيَلِها واستخدامها مبدأ التقية الخبيث، والذي حوّلَ آلاف الأكاذيب الشيعية إلى حقائق، وحوّل الحقائق إلى أكاذيب، وليت الأمر اقتصر على الفكر والأفكار، بل شرعَ الشيعةُ اليوم وتحت ظلال الأمريكان وسقف بريطانيا بالقتل والحرق والذبح لأهل السُنّة في كلّ بلادٍ تمكّنوا بها وهم اليوم يدٌ يفرح المستعمرُ واليهود بها، ولهم مصالح مشتركة؛ فالشيعة يريدون نصراً وهيمنةً جديدةً على العالم الإسلامي، والمحتل فرِحٌ لأنه يريد تحطيم العالم العربي والإسلامي. وقد مارس علماؤنا سابقاً التحذير منهم، ولكن كثير من علماءنا اليوم قصروا من التحذير، بل عملوا على التقريب بيننا وبينهم من جهلهم بحقيقة الشيعة؛ ولا حول ولا قوة إلا بالله، وليذكر الجميع أنّ خلافنا مع الشيعة ليس شكلياً، بل هو خلافٌ في كلّ شيء دون مبالغة.
أساليب الشيعة لدعوة السُنّة للتشيُّع:(43/24)
الشيعيُّ لا يستطيع تقديمَ عقيدته الخرافية للعالَم الإسلامي ويقول صراحة: هذا هو معتقدي، بل دائماً ما يسلك دعاتهم أسلوباً آخر؛ فهم يشكّكون أهل السنة بمعتقدهم وبالتاريخ وبالشبهات حتى إذا وقع المسلم في شكٍّ بأحاديث نبيّه وبصحابته وبتاريخه، ورَكبتْهُ الشبهات، وتزعزعت صورة عقيدته ودينه، طرحوا له عقيدتهم كبديل. وأسلوب آخر يستدرجون به البسطاء من أهل السنة ، و التباكي والحزن لمصاب أهل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - ، كما جري في مقتل الحسين - رضي الله عنه - .
مقارنة بين الشيعي إذا تسنن والسني إذا تشيع:
وهذه المقارنة مهمة جداً ، لأنها تكشف حقيقة ما آمن به الطرفان، السني إذا تشيع ،كمحمد السماوي التيجاني التونسي ، أو حسن شحاته المصري، أو من عداهم تجده يعرض لك ما حصل عليه في عقيدته الشيعية الجديدة،كما في كتبهم وأشرطتهم فإذا هي :
شتم وطعن في زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهذا خيانة لعميد آل البيت ! وتكذيب للقرآن الذي مدح زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - .
سب وتكفير لأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وهذا أيضاً طعن في ذكاء وفطنة عميد آل البيت ! وتكذيب للقرآن الذي مدح أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في مواضع عدة .
بينما لو نظرت لمن ترك التشيع وسار في طريق المسلمين الواسع لوجدت :
الإعلان بعبادة الله وحده .
الافتخار بحب آل البيت وحب الصحابة .
الشفقة على أحبابه أن لا يدركوا الخير بحب القرابة و الصحابة.
حقيقة ما جري في مقتل الحسين - رضي الله عنه -:
من درس قصة مقتل الحسين يعلم أن الشيعة هم الذين خدعوه حين دعوه للكوفة ، ومن ثم خانوا رسوله إليه ابن عمه مسلم ابن عقيل حتى قتله والي الكوفة – عليه من الله ما يستحق- وبعد ذلك تحول الشيعة إلى كلاب صيد عند الوالي تبحث عن الفريسة وهي الحسين !!!! فقام الشيعة بحصار الحسين وآل بيته وقتلهم!!(43/25)
وقد سبق أن حذره أحبابه من الصحابة كابن عمر من المسير للكوفة والركون للشيعة ،لكن القدر لا يرد، فباء الشيعة و والي الكوفة و يزيد بن معاوية بدم الحسين . وما يقوم به الشيعة اليوم من طقوس همجية تسيل فيها الدماء حتى من الأطفال الأبرياء هو للتكفير عن خديعة وخيانة أجدادهم ، لكن كيف يكفرون عن خيانتهم وهي تتجدد كل وقت كما يشاهد العالم أجمع اليوم في العراق وأفغانستان ولعلهم يفعلونها في البحرين ولبنان!!
هل يمكن الوحدة مع الشيعة ؟
الجواب بالتأكيد سيكون بالإيجاب ، فلقد تعايش الإسلام والمسلمين مع التائبين من الأديان الأخرى ، بل ومن الوثنين. نعم الوحدة مع الشيعة ممكنه، إذا أراد الشيعة ذلك وصدقوا الله وعباده في الوحدة الإسلامية.
هل تمسك الشيعة بالثوابت الإسلامية كصيانة القرآن عن التحريف وطهارة زوجات النبي أمهات المؤمنين وصدق وإخلاص خلفاء وأصحاب الرسول وعدم تكفير عموم المسلمين ، مطلب صعب على الشيعة إذا أرادوا الوحدة الصادقة!!
هل انتهاج سلوك سليم وقويم مع المسلمين ، فلا اعتداء على نفس أو عرض أو أرض ، مطلب شاق على الراغبين بالوحدة ؟ ويكون ذلك بطريقة واضحة، تعلن وتلتزم الثوابت علانية وتعاقب من يفسد الوحدة ، وترجع الحقوق إلى أصحابها . هذا طريق الوحدة الإسلامية ، و ما عداها فهو لعبة سياسية!!
اعترافات خطيرة حول دور التصوف في خدمة المحتل
…صاحب السجادة الكبرى يلقي بين يدي فرنسا " خطبة الإخلاص" الجزائر في 23/1/1350هـ لمراسل مجلة الفتح، التي يصدرها الأستاذ محب الدين الخطيب.(43/26)
…نشرت جريدة "لابريس ليبر Lapresselibre " وهي جريدة فرنسية استعمارية يومية كبرى تصدر في عاصمة الجزائر في عددها الصادر يوم السبت 16 مايو (28ذي الحجة)، خطبة طويلة ألقاها الشيخ "سيدي" محمد الكبير صاحب "السجادة الكبرى"، أي رئيس الطريقة الصوفية المسماة بالطريقة التجانية، بين يدي الكولونيل سيكوني "الفرنسي" الذي ترأس بعثة من الضباط قامت بنزهة استطلاعية في الجنوب الجزائري، ومهدت "لابريس ليبر" للخطبة بكلمة جاء فيها.
…وبعد ما طافت هذه البعثة العسكرية في مدينة الأغواط، سافرت إلى عين ماضي المركز الأساسي للطريقة الصوفية الكبرى "التجانية"، ملبين دعوى رئيس هذه الطريقة المحترمة المبجلة الشيخ سيدي محمد الكبير، وبعدما تفرجوا على المدينة، يعني: قرية عين ماضي، وعلى الزاوية ذهبوا إلى القصر العظيم الذي شيِّد بإيعاز من السيدة الفرنسية مدام اوريلي التجاني (أيّم التجاني)، وفي ردهات هذا القصر الرائعة الجميلة أقيمت مأدبة فخمة فاخرة كبرى لهؤلاء الضباط ولنواب الحكومة العسكرية المحلية بالأغواط وعين ماضي، وفي أثناء شرب الشاي قام حبيبنا حسن سي أحمد بن الطالب، وتلا باسم المرابط سيدي محمد الكبير صاحب السجادة التجانية الكبرى خطبة عميقة مستوعبة للخدمات الجليلة الصالحة التي قامت بها الطائفة التجانية لفرنسا وفي سبيل فرنسا من توطيد الاستعمار الفرنسي، وفي تسهيل مهمة الاحتلال على الفرنسيين، وفي إشارات التعقل التي كانت تسديها هذه الطريقة الصوفية لمريدها من "الأحباب".(43/27)
…ثم قالت الجريدة: وحيث طلب منا نشر هذه الخطبة القيمة فإننا ننشرها فيما يلي: وهنا أوردت الجريدة جانباً كبيراً من الخطبة – نصفها أو ثلثيها – كله ثناء لا يحصى ولا يعد على فرنسا المستعمرة، فوصفها الخطيب بأنها "أم الوطن الكبرى"، وانهال عليها مدحاً وشكراً بما لا يخرج عن معنى ما نسمعه دائماً من دعاتها المأجورين، إلا أنه قال: "حتى الأرذال الأوباش أعداء فرنسا الذين ينكرون الجميل، ولا يعترفون لفاضل بفضل، قد اعترفوا لفرنسا بالمدنية والاستعمار، وبأنها حملت عنا ما كان يثقل كواهلنا من أعباء الملك والسيادة، وحملت الأمن والثروة والرخاء والسعادة والهناء.
…ولكن المهم من الخطبة هو الجانب الأخير منها، لأنه يحوي اعترافات خطيرة مثبتة بتواريخها، ونحن ننقل هذه الاعترافات حرفياً، ونعرضها على صفحات الفتح المجلة التي يثق بها المسلمون جميعاً، ولكل مسلم أن يحكم على هذه الاعترافات بما يشاء.
قال الشيخ سيدي محمد الكبير صاحب السجادة الكبرى "التجانية"، وهو "خليفة" الشيخ أحمد التجاني الأكبر مؤسس هذه الطريقة، وهذا "الخليفة" يسيطر على جميع أرواح الأحباب المريدين التجانيين في مشارق الأرض ومغاربها. إنه من الواجب علينا إعانة حبيبة قلوبنا مادياً وأدبياً وسياسياً، ولهذا فإني أقول لا على سبيل المن والافتخار، ولكن على سبيل الاحتساب والتشرف بالقيام بالواجب: إن أجدادي قد أحسنوا صنعاً في انضمامهم إلى فرنسا قبل أن تصل بلادنا، وقبل أن تحتل جيوشها الكرام – كذا – ديارنا.(43/28)
…ففي سنة 1838 كان جدي سيدي محمد الصغير – رئيس التجانية يومئذ – أظهر شجاعة نادرة في مقاومة أكبر عدو لفرنسا، الأمير عبد القادر الجزائري، ومع أن هذا العدو – يعني : الأمير عبد القادر – قد حاصر بلدتنا عين ماضي، وشدد عليها الخناق ثمانية أشهر، فإن هذا الحصار تم بتسليم فيه شرف لنا نحن المغلوبين، وليس فيه شرف لأعداء فرنسا الغالبين، وذلك أن جدي أَبى وامتنع أن يرى وجهاً لأكبر عدو لفرنسا، فلم يقابل الأمير عبد القادر! وفي سنة 1864 كان عمي سيدي أحمد – صاحب السجادة التجانية يومئذ – مهد السبيل لجنود الدوك دومال،وسهل عليهم السير إلى مدينة بسكرة، وعاونهم على احتلالها.
…وفي سنة 1870 حمل سيدي أحمد هذا تشكرات الجزائريين للبقية الباقية من جنود "التيرايور" الذي سلموا من واقعة "ريش – هوفن"، وواقعة "ويسانبور"، ولكي يظهر لفرنسا ولاءه الراسخ وإخلاصه المتين، وليزيل الريب وسوء الظن اللذين ربما كانا بقيا في قلب حكومتنا الفرنسية العزيزة عليه – يعني: من حيث كونه مسلماً ولو بالاسم فقط – برهن على ارتباطه بفرنسا ارتباطاً قلبياً، فتزوج في أمد قريب بالفرنسية الانسة أوريلي بيكار (مدام أو أيّم التجاني بعدئذ)، وبفضل هذه السيدة – نعترف به مقروناً مع الشكر – تطورت منطقة كوردان هذه ضاحية من ضواحي عين ماضي من أرض صحراوية إلى قصر منيف رائع، ونظراً لمجهودات مدام أوريلي التجاني هذه المادية والسياسية فإن فرنسا الكريمة قد أنعمت عليها بوسام الاحترام من رتبة "جوقة الشرف".
…المراسل: وسيدي أحمد هذا لما تزوج في سنة 1870 بهذه المرأة الفرنسية، كان أول مسلم جزائري تزوج بأجنبية، وقد أصدرت هي كتاباً فرنسياً في هذه الأيام أسمته: "أميرة الرمال" تعني نفسها، وقد ملأته بالمثالب والمطاعن على الزاوية التجانية، وذكرت فيه أن سيدي أحمد هذا إنما تزوجها على يد الكاردينال(43/29)
لافيجري على حسب الطقوس المسيحية، وذلك لأن قانون الزواج الفرنسي كان دينياً مسيحياً لا مدنياً، ولما توفي عنها سيدي أحمد هذا خلفه عليها وعلى السجادة التجانية أخوه سيدي علي!.
…ولما أنعمت فرنسا بوسام الشرف على هذه السيدة منذ أربعة أعوام، قالت الحكومة في تقريرها الرسمي ما نصه: لأن هذه السيد قد أدارت الزاوية التجانية الكبرى إدارة حسنة كما تحب فرنسا وترضى، ولأنها كسبت للفرنسيين مزارع خصبة ومراعي كثيرة، لولاها ما خرجت من أيدي العرب الجزائريين (التجانيين)، ولأنها ساقت إلينا جنوداً مجندة من "أحباب" هذه الطريقة ومريدها يجاهدون في سبيل فرنسا كأنهم بنيان مرصوص.
…واليوم تعيش هذه السيدة (أيم التجاني) في مزرعة لها كبرى في ضواحي مدينة بلعباس – وهران عيشة المترفين ذوي الرفاهية والنعيم، وهي الآن لم تقطع علاقاتها بالزاوية التجانية، بل لا تزال تسيطر عليها، وتقبض على أزمتها، ومع أن الأحباب التجانيين يتبركون بهذه السيدة ويتمسكون بآثارها ويتيممون لصلواتهم على التراب الذي تمشي عليه، ويسمونها "زوجة السيدين"، فإنها لا تزال مسيحية كاثوليكية إلى هذه الساعة، ومن العجيب أن إحدى وستين سنة قضتها كلها في الإسلام وبين المسلمين من (1870-1930)، لم تغير من مسيحيتها شيئاً، وهذا دليل على ما كانت تكنه في قلبها لهؤلاء الأحباب في رقابهم وأموالهم!!(43/30)
…ولنرجع إلى نقل الاعترافات فنقول: ثم قال سيدي محمد الكبير: وفي سنة 1881 كان أحد "مقاديمنا" سي عبد القادر بن حميدة مات شهيداً مع الكولونيل فلاتير حي كان يعاونه على احتلال بعض النواحي الصحراوية. وفي سنة 1894 طلب منا جول كوميون والي الجزائر العام يومئذ أن نكتب رسائل توصية، فكتبنا عدة رسائل ، وأصدرنا عدة أوامر إلى أحباب طريقتنا في بلاد الهكار (التوارق) والسودان نخبرهم بأن حملة فو ولامي الفرنسية هاجمة على بلادهم، ونأمرهم بأن لا يقابلوها إلا بالسمع والطاعة، وأن يعاونوها على احتلال تلك البلاد، وعلى نشر العافية فيها!!
…وفي سنة 1906-1907 أرسل المسيو جونار والي الجزائر العام يومئذ ضابطه المترجم مدير الأمور الأهلية بالولاية العامة سيدي مرانت برسالة إلى أبي المأسوف عليه سيدي البشير، فأقام عنده في زاوية كوردان شهراً كاملاً لأداء مهمة سياسية، ولتحرير رسائل وأوامر أمضاها سيدي البشير والدي – رئيس التجانية يومئذ 0، ثم وجهت – أرسلت – إلى كبراء مراكش – المغرب الأقصى – وأعيانها وزعماء تلك البلاد وجلهم، أو قال: وأكثرهم تجانيون من أحباب طريقتنا نبشرهم بالاستعمار الفرنسي، ونأمرهم بأن يتقبلوه بالسمع والطاعة والاستسلام والخضوع التام، وأن يحملوا الأمة على ذلك، وأن يسهلوا على جيوش فرنسا تلك البلاد.(43/31)
…وفي الحرب العالمية الكبرى أرسلنا ووزعنا في سائر أقطار شمال أفريقية منشورات تلغرافية وبريدية استنكاراً لتدخل الأتراك في الحرب ضد فرنسا الكريمة وضد حلفائها الكرام، وأمرنا أحباب طريقتنا بأن يبقوا على عهد فرنسا وعلى ذمتها ومودتها. وفي سنة 1913 إجابة لطلب الوالي العام للجزائر أرسلنا بريداً إلى المقدم الكبير للطريقة التجانية في السنغال سيدي الحاج مالك عثمان ساي نأمره بأن يستعمل نفوذنا الديني الأكبر هنالك في السودان لتسهيل مأمورية كلوزيل الوالي العام للجزء الشمالي من إفريقية الغربية، أي لكي يسهل عليه احتلا واحة شنقيط. وفي سنة 1916 إجابة لطلب المريشال ليوتي عميد فرنسا في مراكش كان سيد علي – صاحب السجادة الرئيس الذي كان قبلي – كتب مئة وثلاث عشرة رسالة توصية، وأرسلها إلى الزعماء الكبار وأعيان المغاربة يأمرهم بإعانة فرنسا في تحصيل مرغوبها وتوسيع نفوذها وذلك بواسطة نفوذهم الديني! وفي سنة 1925 في أثناء حرب الريف أرسلت أنا – حبيبنا – المخلص ومريد طريقتنا ومستشارنا المعتبر حسني سي أحمد بن الطالب، الذي قرا هذه الخطبة بلسان سيده، إلى المغرب الأقصى، فقام بدعاية كبرى – وبروباغندا – واسعة في حدود منطقة الثوار، وتمكن من أخذ عناوين الرؤساء الكبار والأعيان الريفيين والمقاديم وأرباب النفوذ على القبائل الثائرة، وكتبنا إليهم رسائل نأمرهم فيها بالخضوع والاستسلام لفرنسا، وقد أرسلنا هذه الرسائل إلى مقدمنا الأكبر في فاس فبلغها إلى المبعوث إليهم يداً بيد. وبالجملة فإن فرنسا ما طلبت من الطائفة التجانية نفوذها الديني إلا وأسرعنا بكل فرح ونشاط بتلبية طلبها وتحقيق رغائبها، وذلك كله لأجل عظمة ورفاهية وفخر حبيبتنا فرنسا "النبيلة". والله المسؤول أن يخلد وجودها بيننا لنتمتع برضاها الخالد! ثم لما ختم خطبته هذه بالثناء العاطر على الموظفين الفرنسيين وعلى الضباط العسكريين واحداً واحداً، ومدح الوالي العام الحالي(43/32)
ووصفه بأنه "المستعمر الأكبر". وما انتهى الشيخ من خطبته حتى نهض ليوتنان كولونيل سيكوني رئيس البعثة العسكرية وشكر الشيخ وأثنى عليه، ثم قال له: "ومن كمال مروءتك وإحسانك يا سيدي الشيخ "المرابط" أنك لم تذكر ولا نعمة واحدة من النعم التي غمرتني بها، فأنت الذي أنجيتني من الطوارق الملثمين، وأنقذتني من أيديهم، وهكذا جعل الكولونيل يذكر مناقب أخرى للشيخ كثيرة. ونلفت نظر القراء إلى شيئين اثنين: أحدهما: أن الرئاسة الروحية في هذه الطريقة التجانية هي موحدة في يد الخليفة، وليس لأحد منهم أن يستقل عنه، وأما هم اليوم يقفون موقفاً حرجاً جداً للغاية، فهم يحاربون ويحاربهم دعاة الإباحية والإلحاد، وأهل الجمود والخرافات، ويقاومون في هؤلاء وهؤلاء الاستعمال الغاشم، وما فيه من قسوة وطغيان.
[من كتاب مشتهى الخارف الجانى في رد زلقات التجاني الجاني/تأليف العلامة محمد الخضر الشنقيطي
دار البشير – عمان ص616- 621]
مواقف العلماء والمفكرين من الشيعة (23)
د. عبد الله النفيسي
[هذه سلسلة من البحوث كتبها مجموعة من المفكرين والباحثين عن عقيدة وحقيقة مذهب الشيعة من خلفيات متنوعة ومتعددة ، نهدف منها بيان أن عقائد الشيعة التي تنكرها ثابتة عند كل الباحثين ، ومقصد آخر هو هدم زعم الشيعة أن السلفيين أو الوهابيين هم فقط الذين يزعمون مخالفة الشيعة للإسلام.(43/33)
ود. عبد الله النفيسي ، من رجالات العمل الإسلامي في الكويت والعالم ، وهو حاصل على درجة الدكتوراة في العلوم السياسية ، تولى الأمانة العامة لمؤتمر الشعبي لمقاومة التطبيع مع الكيان الصهوني في الخليج ، له العديد من الكتب من أهمها: دور الشيعة في تطور العراق السياسي ، والذي هو رسالته في الدكتوراة التي حصل عليها عام 1978م ، كان من مستلزماتها زيارة العراق والتعرف على واقع الشيعة عن كثب فقابل عدد من المراجع وأطلع على كتب نادرة في ذلك الوقت ، ونحن نقدم لك ما خلص له د. عبد الله النفيسي في كتابه حول فكر وعقيدة الشيعة وذلك من صفحة 16- 31]. الراصد
عقائد الشيعة السياسية الدينية
إن الغرض الذي نبتغيه من هذا الفصل درس النواحي العقائدية التي تأخذ بها الشيعة الاثنى عشرية. وهي دراسة اقرب إلى الدراسة الوصفية الموضوعية منها إلى الدراسة التحليلية التقابلية. وقد أوليت عنايتي تلك العقائد التي لها أهميتها السياسية، أي تلك العقائد التي كانت لها أثر عميق لي السلوك السياسي لدى الشيعة كمجموعة بشرية. ولكي أكون موضوعياً في بحثي، بقدر ما يسعني أن أكون موضوعياً، فإني اعتمدت المصادر الشيعية ذاتها قبل أن أعزو أي شيء إلى العقائد الاثنى عشرية ذاتها. وفي ظني أن أي عالم يتصدى لدراسة هذا الموضوع لا بد له من أن يشير إلى الكتب الأربعة المعترف بها لدى الشيعة، وهي الكتب التي تعرف بـ "كتب الرجال" وهي:
"الكافي في علم الدين" لمصنفة الكليني.
"الاستبصار" لمصنفة الطوسي.
"من لا يحضره الفقيه" لابن بابويه.
"تهذيب الاحكام" للطوسي.
إن هذه الكتب الأربعة تعتبرها الشيعة، بصورة عامة، والأمامية بصورة خاصة، كتباً صنفها ثقات، وهي حرية بان يوثق بما جاء فيها. أما سائر الشروح والتعاليق التي صنفها رجال من السنة أو من المستشرقين فهي كتب يرجع إليها وإنما لا تعتبر الكتب المراجع الأساسية في دراسة الموضوع.(43/34)
والعقيدة الشيعية الأولى هي الأمامة. وهي عندهم، وعند علمائهم الدينيين، ركن من أركان الإيمان(1). والواقع أن من لا يؤمن بإمامة أهل البيت لا يعتبر عندهم رجلاً مؤمناً(2) حتى وأن كان المسلم يقوم بجميع الفروض والشعائر الدينية، فإنه يظل غير مؤمن إلى أن يؤمن بالإمام ويطيع أوامره. وقد حدد فقهاء الإمامية هذا المُصطلح ـ الإمامية ـ بكل دقة ووضوح. فإن العلامة الحلي في معالجته الفقه الشيعي(3) يحدد الإمامة ويعرفها بأنها رئاسة عالمية عامة في الأمور الدينية والدنيوية تلقي على عاتق شخص نيابةً عن النبي. فمن هذه الناحية يعتبرون الإمامة فرعاً من النبوة لأنها تستمد سلطتها من النبي. إن هذا التعريف ينفي، مبدئياً، مشاركة الأمة في تعيين الإمام. ونقطة أخرى على جانب من الأهمية ما جاء في التعريف من أنها "تخص شخصاً" وهذا يسترعي انتباهنا إلى أمرين: أولاً أن من هو أهل للإمامة رجل يعينه الله سبحانه بواسطة نبيه، وليس أي رجل كان... ثانياً: لا يمكن أن يكون هنالك أكثر من شخص آخر في فترة معينة من الزمن يستحق هذا المنصب الرفيع.
إن وظيفة الإمام "أن يثأر للمظلوم من ظالمه، وأن يردع الظالم عن ظلمه، عند ذلك يرجع إلى الصلاح ويصرف عن الفساد(4)
__________
(1) ابن بابويه: "رسالات الاعتقادات"، (ص64). الكليني: "الكافي"، (2/21-28).
(2) الكليني: "الكافي"، (2/28).
(3) هو الحسن بن يوسف بن علي بن مطهر الحلي، الباب الحادي عشر، ترجمه إلى العربية و.م ملر (miller) ونشرته "الجمعية الملكية الأسيوية" سنة 1928، 120. والمؤلف يعلم أن ترجمة ملر ليست ترجمة دقيقة، ولكن نظراً إلى صعوبة الحصول على النص العربي الأصلي للحلي فقد اعتمدنا الترجمة.
(4) المصدر ذاته (ص62).(43/35)
". ومن المبتذل أن نقول أن كل امرئ نظر في المبادئ السياسية ودرس أحوال المجتمع يدرك جيداً أنه ينبغي أن يقوم في المجتمع زعيم أو قائد تدين له الجماعة بالولاء والطاعة. فإنه هو الذي يقف في وجه الظالم ويثأر للمظلوم، وهو الذي يقودهم إلى سواء السبيل، ويردهم عن الفساد الذي يقوض النظام في أمورهم الدنيوية، كما أنه الرجل الذي يجنبهم الأضرار الناجمة عن الإثم والفساد ويضمن لهم سعادة الآخرة فيخشى المرء عاقبة الحساب. وهذا مما يقربهم من حالة السلام والنظام ويبعدهم عن الفوضى والخصام.
ولكن بسبب ما أريق من دماء في الحروب التي نشأت حول الخلافة أخذ فقهاء المسلمين من ذوي الفكر الرزين يتساءلون عن ضرورة الإمامة. والواقع أن بعضهم أعلن أنه ليس من الضروري بمكان إن يكون على المسلمين إمام(1). وقالت الأشعرية أنه بحسب السنة ينبغي أن يكون هنالك إمام، وقالت المعتزلة أنه بحسب العقل ينبغي أن يكون هناك قائد للأمة.
أما الإمامية الأثنى عشرية - وهي موضوع دراستنا هذه - فلها وجهة نظر خاصة تدافع عنها بحججها الخاصة، ومنها:
لطف الله:
واللطف من صفات الله، ومن أسمائه الحسنى "اللطيف"(2). ومعنى لطف الله أنه يقرب خلائقه إلى الطاعة ويبعدهم عن العصيان، وهذا يتم على يد الإمام. لأنه من المعروف أنه إذا قام بين الجماعة زعيم وقائد يردعهم بواسطة العقاب، فإنها تقترب من النظام والسلام، وتبتعد عن الفوضى والخصام. هذا هو معنى اللطف. ولذا فإن الله سبحانه لكونه لطيفاً فإنه ينص على تعيين إمام ليقوم بهذه الوظيفة التي ذكرناها آنفاً
الوصي على الشرائع:
__________
(1) وهم الخوارج.
(2) المجلسي، محمد باقر: "حياة القلوب"، (3/1- 23).(43/36)
وتقول الشيعة هناك حاجة ماسة مستمرة إلى قيام وصي على الشرع ليقيه من التحريف والتغيير وسوء الفهم والإضافة إليه أو الحذف منه. فإن آيات القرآن الكريم تتضمن جوهر الشريعة ومعظم الأوامر والنواهي ليست واضحة المعنى(1). لذا وجب أن يقوم مفسر من عند الله فيعطي الاستدلالات الشرعية والتفسيرات بناء على نص القرآن الكريم. وليس من يستطيع أن يقوم بهذا الأمر الجلل سوى إمام الزمان، لأن من ألقابه "العلم المحيط" أي أنه يدرك فوراً الأمور التي يريد معرفتها(2). وبدون هذا الوصي لا يستطيع مسلم معرفة عبادة الله(3). وبدون إمام لا يستطيع الناس أن يميزوا بين الصواب والخطأ لأن القرآن الكريم لا يكفي وحده أن يكون الهادي إلى سواء السبيل(4).
النبوّة والإمامة:
إن كل ما يدل على أن النبوة ضرورية يدل على أن الإمامة ضرورية أيضاً. لأن الإمامة خلافة النبوة، وتقوم مقامها في ما عدا تلقي الوحي من دون وسيط. وكما أن على الله سبحانه وتعالى فلسفياً أن يقيم النبوة، عليه أيضاً أن يقيم الإمامة.
اتقاء الأذى:
__________
(1) يجدر بنا أن نشير هنا إلى أن الشيعة يختلفون عن السنة في نظرتهم إلى تفسير القرآن الكريم، فإن أكثر الآيات عندهم تفسر على أنها إشارات إلى أهل البيت، ويطلب إلى القارئ، الكريم أن يعود إلى الفصل الثاني من مصنف المجلسي الذي سبقت الإشارة إليه.
(2) الكليني: "الكافي"، (1/258).
(3) المجلسي: "حياة القلوب"، الجزء الثالث.
(4) الكليني: "الكافي"، (1/178). يشير الكليني إلى قضية الاعتماد على الإمام في معرفة الصواب والخطأ إلى أنها تتعارض مع رأي عمر بن الخطاب لأنه كما يزعم الشيعة - عندما أشرف النبي على الوفاة طلب قلماً وحبراً كي يكتب بلاغاً يبلغه الأمة لئلا تضل سواء رفض عمر الانصياع إلى طلبه قائلاً "إن الرجل يهذي يكفينا كتاب الله".(43/37)
على المسلمين أن يقوى أنفسهم من الأذى والشر. (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة.) (قرآن كريم). وفي القرآن الكريم آيات لا حصر لها تأمر المؤمن يحيا حياة صالحة طاهرة متقشفة. ولأن المسلمين يعيشون في مجتمعات منظمة ـ شأنهم في ذلك شأن سائر الناس ـ فينبغي لهم أن يدينوا بالولاء للإمام أو السلطان لكي يدافع عنهم ويحافظ على ممتلكاتهم ولكي يصرف عنهم السوء. بكلام آخر تفرض طبيعة الاجتماع على المسلمين أن يكون لهم إمام، ولكن تجدر الإشارة إلى أن تعيين الإمام هذا ليس من الجماعة، لأن الأفراد في الجماعة يختلفون في الرأي فيقع الخصام بينهم مما يؤدي بهم إلى التهلكة بيد أن القصد هو دفع الأذى عن الناس. وبعد إثبات الحجة على ضرورة قيام الإمام ينتقل فقهاء الشيعة إلى ذكر الصفات التي ينبغي أن تتوافر في الأمام، تلك الصفات الضرورية التي تؤهّله للقيام بوظيفة الإمامة.
العصمة:
العصمة من الخطأ هي الصفة الأولى للإمامة. فمن هذه الناحية يكون الأئمة في مستوى الأنبياء والرسل وملائكة الله. يقول ابن بابوية - وهو الملقب عند الشيعة بالشيخ الصدوق(1) - ما معناه: إن عقيدتنا في الأنبياء والرسل والأئمة أنهم معصومون مُطهرون من كل دنس، لا يقترفون إثماً سواء أكان من الكبائر أم الصغائر. ولا يعصون الله في أوامره ويتصرفون بحسب وصاياه. وكل من ينكر عصمتهم هو جاهل وكافر. إننا لعلى يقين من عصمتهم. إنهم يتحلون بالكمال والتمام والمعرفة من بَدء رسالتهم حتى نهاية عمرهم، لا يمكن أن يُعزى إليهم نقص ولا عصيان ولا جهل في جميع الأحوال.
والحجج المنطقية التي يوردها فقهاء الشيعة إثباتاً لصحة عصمة الأمام ترد في معظم كتبهم وفي كل دقة ووضوح، ويعدد الحِلّي (في الباب الحادي عشر) الأسباب في إصرار فقهاء الشيعة على إيمانهم الراسخ في عصمة الأمام من الخطأ فيقول:
__________
(1) ابن بابوية: "رسالات الاعتقادات"، (ص99).(43/38)
إن أولى وظائف الإمام ردع الناس عن اقتراف الإثم. فإذا كان هو نفسه غير معصوم وجب أن يكون هنالك إمام آخر لردعه عن الخطأ، فينتج عن ذلك قيام عدد لا حصر له من أئمة يكون الواحد منهم رادعاً الآخر، وهذا مُحال.
إذا أخطأ الإمام يترتب على الجماعة إما أن تستنكر وقوعه في الخطأ أو أن تتغاضى عنه. فإذا استنكرت الجماعة خطأ إمامها فإنه لا شك يفقد الثقة التي أولته إياها الجماعة، وبعد أن يكون هو الرادع يصبح عرضة للردع من قبل الآخرين. وفي هذه الحالة ينتفي شرط تعيينه إماماً للناس أن يطيعوه ويقتدوا بسلوكه. والعصمة من الخطأ صفة تلازم الإمام لأنه الوصيّ على الشرع. ويعلم كل واحد منا أن مصادر الشرع هي القرآن الكريم، والحديث المتواتر، والإجماع، والقياس. ولكن - يقول فقهاء الشيعة - إن ليس واحدٌ من هذه المصادر بمفرده يصلح لأن يكون الحارس الأمني على سلامة الشرع، وليس القرآن الكريم وحده ولا الحديث الشريف يتضمنان جميع أحكام الله، كذلك الإجماع لا يفي بالغرض لأن الناس أثمة وقد يجمعون على الخطأ. وتؤكد الشيعة صحة الحديث الشريف: "بعض هذه الأمة من بعدي ستسلك بموجب الكتاب وبعضهم بموجب الحديث وبعضهم الآخر بموجب القياس ولكنهم يضلّون أنفسهم ويضلون الآخرين ولا يبقى من قيّم على الشرع سوى الإمام".
أن من لا يكون معصوماً من الخطأ فهو ظالم، ولا يليق بالإمام أن يكون ظالماً. لذا لا يصلح أن يكون إماماً من ليس بمعصوم عن الخطأ. وقد كثر الكلام عن العصمة لدى الأئمة. غير أن الأسباب التي تحمل الشيعة على الإيمان بعصمة الإمام لا تعدو الأسباب الأربعة التي جئنا على ذكرها آنفاً. وقد أفلح فقهاء الشيعة في الربط بين عصمة الأمام وشرط التعيين بواسطة النبي. والتعيين هو الصفة الثانية التي تلازم الأمام.
التعيين بالنص:(43/39)
العصمة من الخطأ أمر يخفى على الناس، ولا يعلمه سوى الله سبحانه، ولكن كيف يُعرف الإمام، وكيف يُعين؟ وقد أجاب العلاَّمة الحِلّي في مُصنّفه عن فقه الشيعة(1) عن هذا السؤال بقوله: ينبغي أن يكون الأمام منصوصاً على إمامته لأن العصمة من الخطأ أمر من القلب والنفس ولا يعلم خفايا النفس سوى الله سبحانه وعليه ينبغي أن يكون التعيين من الله الذي يعلم أن الإمام معصوم من الخطأ، أو لا فينبغي على الإمام أن يقوم بمعجزة للتدليل على صدق دعواه، ولنا أن نستنتج من كلام العلامة الحلي أن تعيين الإمام يتم بإحدى طريقتين، وذلك إما بإظهار أمره إلى من هو نفسه معصوم من الخطأ، أي إلى النبي الذي يُعلن أمر عصمته وتعيينه إلى الجماعة، أو بقيام الإمام بمعجزة تظهر أهليته لمنصب الإمامة(2).
غير أن الإمامية تشدد على ضرورة النص على الإمامة. ينبغي أن يكون هنالك نص. فقد أوحى الله سبحانه إلى نبيه محمد الذي عين علياً خليفة له في خطبة الوداع عند غدير خمّ.
الأفضل :
والصفة الثالثة التي تلازم الإمام هي الأفضلية، أي أن الإمام أهلٌ لأن يتبعه الناس، ومعنى هذا أن الإمام له أن يتحلى بالصفات التي تجعل منه قدوة وزعيماً وأميراً، يقول الحليّ:
"ينبغي أن يكون الأمام أفضل الناس إطلاقاً، وهذه صفة ملازمة للإمامة لا يستغني عنها بغيرها، لأنه من غير المعقول ومن غير المعروف بالتقليد أن يكون المفضول أعلى مقاماً ومنصباً من الأفضل. إثباتاً لهذا الرأي يستشهد العلامة الحلي بالقرآن الكريم:
__________
(1) المصدر ذاته، (ص63).
(2) للقارئ أن يعود إلى كتاب يعنى بمعجزات الأئمة لمصنفه الراوندي وعنوانه "خرائج الجرائح".(43/40)
"... أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يُهدى فما لكم كيف تحكمون" [سورة يونس الآية 34]، لذا فإنه واجب أن تتوافر في الأمام صفة الكمال والأفضلية، كما أنه واجب أن يكون أرفع الناس مقاماً في زمانه. وهكذا فإن الإمام يبقى أفضل الناس في أحواله. فلا يعاشر أهل السوء والسرقة من الناس، وهو رجلٌ تأبى عليه أخلاقه المكر والجهل والحسد والخشونة والفظاظة والطمع والجبن.
وهو في طبيعته يكون خالياً من كل نقص وعيب كالجنون والخرس والخمول العقلي أو أي عاهة جسدية أخرى تفقده إعجاب الناس به وحبّهم إياه، وبعد أن تتوافر فيه هذه الخلال وهذه السجايا يُصبح أهلاً لأن يُتبع.
العلم المحيط:
ولكون الإمام الوصي على الشرع، والمرجع الثقة في تفسير القرآن الذي منه يستمد فتاويه واستنتاجاته، ينبغي له أن يكون ذكي الفؤاد ليدرك معاني القرآن الكريم إدراكاً عميقاً، وهذا ما تسميه الشيعة بالعلم المحيط، ويورد أهل الحديث من الشيعة ومن جملتهم الكليني زعيمهم في رواية الحديث، في مصنفه الكافي حديثاً مؤداه أن الأئمة يدركون فوراً المعنى الذي يريدونه(1).
وتعيين الإمام على هذه الصفة. وعلى هذه السجايا والمواهب، موضع اختلاف بين الشيعة الأمامية وسائر المذاهب الإسلامية الأخرى، فعند السنّة إذا اقتنعت الجماعة أو الأمة باستعداد أحدهم لهذا المنصب الرفيع فإنهم يعترفون به زعيماً دينياً عن طريق البيعة ويصبح الإمام عندهم. غير أن الشيعة الأمامية تتحفظ بصدد الدور الذي تلعبه الجماعة أو الأمة في تعيين الإمام، يقول المجلسي إن الإمامة سلطة من الله ورسوله، وليست أمراً يتم بالاتفاق بين الجماعة أو باختيارهم، كما أنه ينبغي على كل إمام أن يُعين خلفه.
ويورد العلامة الحلي، والمجلسي أيضاً، البراهين والأدلة على أن تعيين الإمام هو من الله سبحانه وتعالى وبواسطة نبيه:
__________
(1) الكليني: المرجع ذاته، (2/21).(43/41)
أولاً: إن الإمامة "خلافة" من الله ورسوله، ولا يمكن أن يحصل التعيين إلا بنص من كليهما. يقول المجلسي ما مؤداه أنه من غير المعقول الاعتقاد أن الجماعة تستطيع اختيار إمامها، وهذا لا يختلف عن القول غير المعقول أن الناس يستطيعون أن يختاروا نبيهم أو يعينوه، إن هذا محال.
ثانياً: إذا حصل تعيين الإمام بمجرد الاعتراف بشخص ما لأنه تحلى بالصفات التي يتحلى بها الزعيم أو القائد فإن ذلك يؤدي حتماً إلى قيام الفتنة في الأمة إذ أنهم يختلفون في الرأي فتعيّن فئة منهم إماماً، وتعيّن الأخرى إماماً آخر، في الوقت الذي تكون فيه المهمة الإمام الأولى الحفاظ على النظام والاستقرار.
ثالثاً: إذا تُرك أمر تعيين الإمام إلى الأمة فلا شك في أن ذلك يكون سبباً لنشوء الخصومات والمنازعات وقيام حالة من الفساد كما يبدو في الحجة الثانية أعلاه، والخصومة والمنازعة والفساد أمور بغيضة مكروهة تتعارض مع مشيئة الله وأرادته، فينبغي للخالق سبحانه ـ وهو الرحيم الذي يمقت الشر والفساد ـ أن يحسم الأمر وذلك بتعيينه شخصاً أهلاً للمنصب الرفيع، منصب الإمامة، فيرعى الشرع ويوفر الخير للأمة.
رابعاً: إن الله سبحانه تعالى قد عّلّم المسلمين بواسطة نبيه ورسوله دقائق أمور عيشهم اليومي، كقص شعر الذقن والشارب. وأمور أخرى تتعلق بالنظافة وبالحياة الزوجية، وذلك في وضوح تام، إذاً لا شك في أن تعيين خليفة يقوم مقام نبيه أمر تفوق خطورته تعليمهم أموراً وقضايا ثانوية كالتي ذكرناها، ولأن الله سبحانه لا ينسى عباده ولأنه لا يُهمل أمورهم فيكف لنا أن نتصور أنه يغفل أمر تعيين إمام يحتاج إليه الناس في أمور إيمانهم ودينهم؟(43/42)
خامساً: وكان من عادة النبي صلى الله عليه وسلم أنه عندما يغادر المدينة لفترة قصيرة كان يعين من يقوم بالسلطة مكانه. وقد قام النبي بهذا الأمر مرة عندما ذهب إلى مكة التي لا تبعد كثيراً عن المدينة، ولم يترك أمر تعيينه لاتباعه. إذاً في مثل هذه الحالة هل يمكننا أن نتصور أن الرسول غفل أمر تعيين خلفٍ له، أو ترك الأمر للجماعة يتدبرونه في ما بينهم كيفما يشاؤون؟
سادساً: بما أن جميع الناس عرضة للوقوع في الخطأ فإنه من المحتمل جداً أن يقعوا في خطأ اختيار إمام لهم فيعينون من ليس بأهل للمنصب. ونحن نعلم أن من وظائف الخليفة ردع الظالم وحماية المظلوم، وبما أن الناس قد اختاروا خطأً فإن الإمام المختار من قبل الناس لا يمكن أن يقوم بوظيفته على الشكل الأتم، وكذلك لأن الإمام ينبغي أن يكون شخصاً بدون خطيئة. وبما أن العصمة آمرٌ خفيٌ لا يعلمه إلا الله، فقد وجب، إذاً أن يكون التعيين من الله سبحانه تعالى لأنه وحده يعلم من هو المعصوم. إن تعيين الإمام من قبل الله بواسطة رسوله عقيدة أساسية يأخذ بها كل شيعي، والواقع أن المجلسي يبعد إلى أبعد من هذا فيقول أن الإسلام ذاته تتقوض أركانه ويزول بدون إمام منصوص عليه. يقول بدون إمام تبقى أحوال المسلمين في كل مكان معرضة للأخطار، وعليه فإن الله سبحانه لو لم يعين إماماً، ولو أنه لم يفرض الإمامة، يكن بعمله هذا قد أزال أثر نبيه من الوجود، وفي هذه الحالة يكون الإيمان بالله وبرحمته ناقصاً غير مكمل. ومن يقل بهذا فإنه يكذب القرآن الكريم وينكر رسالة النبي، وتكذيب القرآن وإنكار رسالة النبي هما الكفر عينه(1).
حق عليّ في الإمامة:
__________
(1) majlisi- op. cie. In Donaldson. The sh,ste Reiigion 319.(43/43)
تتجسد جميع الصفات التي ينبغي أن تتوافر في الإمام في شخص علي بن أبي طالب ولذا ـ تزعم الشيعة ـ كان النبي يولي أمر تعليمه وتدريبه اهتماماً خاصاً، ويروي ابن بابويه خبراً يسنده إلى سُليم بن قيس الهلالي يقول فيه علي عن نفسه(1) أنه كان يزور النبي كل ليلة وكل نهار في خلوة خاصة لا يعلم أحدٌ بها. وكان يجيبني عما كنت اسأله، كما أني كنت اتبعه أنى ذهب، وكان الصحابة يعلمون أن النبي لم يتصرف مع أحد من الناس كما كان يتصرف معي. وكانت هذه الأحاديث الخاصة تتم في بيتي. وكنت كلما قصدت زيارته في الأماكن التي كان يقيم بها كان يحاول أن أخلو معه، فكان يسأل زوجاته أن يغادرن المكان فلا يبقى في المنزل سوانا نحن الاثنين. كذلك كان النبي عندما يزورني يطلب إلى كل أحد أن يغادر المكان. باستثناء فاطمة، وأحد أبني. كي نكون وحدنا، وكنت إذا سألته عن أمر أجابني. وكنت إذا فرغت من طرح الأسئلة عليه كان يبدأ هو بطرح الأسئلة علي حتى لم يبق شيء من الوحي الذي أوحى به إليه. أو من التعليم الذي علمه إياه الله سبحانه، أو من آيات القرآن، وكل ما له علاقة بالحلال والحرام والأوامر والنواهي والأمور السالفة والعتيدة، لم يعلن لي، وكان يعلمني ويطلب إلي أن أقرأها. وكان يُملي علي هذه الأمور فادوّنها أنا بنفسي. وكان يفسر لي تأويلها وظاهرها وباطنها وكنت استظهرها فلا يفوتني حرفٌ منها".
__________
(1) ابن بابويه: "رسالات الاعتقادات" (ص122).(43/44)
وينتهي الخبر إلى أن الرسول سمّى الأئمة الأحد عشر الذين سيخلفون علياً في الإمامة. ويؤكد فقهاء الشيعة - ومن جملتهم ابن بابويه - صحة هذا الخبر، ويشيرون إلى لقاء جرى بين سُليم بن قيس الهلالي وبين الحسن والحسين، إبنّي عليّ، في عهد معاوية. فقص سليم الخبر عليهما فقالا له إنك صادق في قولك. كما أن فقهاء الشيعة يعددون الأدلة والبراهين على صحة إمامة علي في جميع مصنفاتهم. والواقع أن بعض هذه المصنفات قد خص هذا الموضوع ذاته بمصنفات لا تبحث سوى في سرد هذه الأدلة والبراهين. وقد كان ابن مُطهر الحلي أحد أولئك الفقهاء. فإنه ألف كتاباً عالج فيه هذا الموضوع وحده. وعنوان مصنفه هذا "كتاب الألفين" أي ألفا دليل وبرهان على صحة إمامة علي. وسأحاول أن ألخص في صورة عامة مقتضبة هذه الأدلة.
أولاً: يُورد فقهاء الشيعة عدد من الأحاديث النبوية حول حقّ علي في الإمامة، منها "سلموا عليه بإمرة المؤمنين" ومنها "إنك خليفة بعدي" ويستنتجون من هذه الأحاديث أنها إشارات واضحة إلى أن علياً هو الإمام بعد النبي.
ثانياً: كان علي أفضل الناس في زمانه وهو أفضلهم لأسباب عديدة أهمها سببان: (أ) يورد فقهاء الشيعة أحاديث عن النبي يقول فيها أن علياً كان مساوياً له. ومن المعلوم أن النبي كان أفضل الناس، إذا وجب أن يكون المساوي له أفضل الناس، وإلاّ ـ وهذا واضح بين ـ لما كان مساوياً له. (ب) وكان علي أفضل الناس لأنه كان الشخص الوحيد من جماعة الصحابة الذي احتيج إليه في قضية المباهلة. ومن كان يفتقد أفضل من الذي لا يُفتّقدُ إليه. كما أنه احتيج إلى علي عندما جرى الحوار مع نصارى نجران الذي دار حول صحة نبوة محمد.(43/45)
ثالثاً: لم يكن أحد من بين الذين طالبوا بالخلافة من كان معصوماً عن الخطأ سوى علي. وعليه فإنه كان الرجل الوحيد المؤهل لهذا المنصب الرفيع، وتتفق الشيعة على أن أبا بكر والعباس ـ وهما من أكابر الذين طالبوا بالخلافة بعد وفاة النبي ـ لم يكونا معصومين عن الخطأ. ولم تثبت سوى عصمة علي فكانت الإمامة من حقه.
رابعاً: كان علي أعلم أهل زمانه بعد رسول الله .ويذهب فقهاء الشيعة إلى إيراد الإثبات والأدلة على صحة هذا القول. فيقولون:
(أ) كان شديد الحرص على العلم، كما أنه كان قوي الحدس ذكي الفؤاد. وعندما تتوفر هذه الصفات والسجايا في شخص واحد ينبغي للمسلمين أن يعتبروه أعلم الناس قاطبة.
(ب) ويبدو جلياً لعلماء الشيعة من مطالعتهم كتب التاريخ والسير أن الصحابة ومن بعدهم من التابعين، كانوا يستشيرون علياً في المشكلات الدينية والقضائية التي كانوا يجابهونها. وكانوا في غالب الأحيان يرجعون إليه لإسداء الرأي، وكانوا يتفقون في ما بينهم مسبقاً على أن يقبلوا بحكمه حتى وأن جاء حكمه هذا مخالفاً لرأيهم. وهذا القول في أن علياً كان مرجعاً يرجع إليه في المسائل الدينية والقضائية يأتي موافقاً لما كانت تقول به المعتزلة والأشعرية والإمامية، فإنها كانت أيضاً هي تحترم علمه واقتداره. وكانت المعتزلة تُجلّ علياً لعلمه وتُكبر فيه حكمته، لأنها كانت عادة ترجع في أمورها إلى أبى علي الجبّائي، وهذا كان في أمور العلم يرجع إلى أبي هاشم بن محمد بن الحنفية الذي كان يرجع إلى أبيه عليّ. أما الأشعرية فلأنها كانت ترجع إلى أبي الحسن الأشعري الذي كان تلميذا لأبي علي الجبائي. وأما سبب رجوع الإمامية إلى علي فظاهر. ذلك بأنهم اتباعه.
(ج) وقد قال النبي مرة عن علي: "إنه أفضلكم قاَََََََضياً" وبما أن القضاء يتطلب معرفة علوم مختلفة فإن علياً، كما تقول الشيعة، كان سيد القوم في أمور القضاء.(43/46)
خامساً: إن ما كان عليه علي من خلق كريم وزهد في الحياة ـ وقد برهن على ذلك بالفعل لا بالكلام فقط ـ حتى أنه "طلق الدنيا ثلاثاً"(1) يكفي ليجعل منه رجلاً مؤهلاً لمنصب الإمامة.
إن الأدلة على إثبات إمامة علي أكثر مما يستطيع أحد أن يحصيها في مثل هذا المقام، وكان فقهاء الشيعة يفسرون آيات قرآنية ويؤولونها بطريقة تثبت صحة دعواهم. وخطبة الوداع عند غدير خمّ إثبات وبرهان قاطع يأخذون به(2)، ومن الأدلة على إمامته المعجزات التي عملها بيده، ومنها معجزة إزالة البوابة الضخمة في حصن خيبر، والتحدث مع الحيوانات الضارية من على منبر الكوفة، ورفعه حجراً ثقيلاً عن فم بئر لم يستطع الجيش أن يرفعه، وإرجاع الشمس القهقري ثم إعادتها إلى مجراها الطبيعي(3).
__________
(1) الحلي، ابن المطهر في المرجع ذاته (ص70)، ويكثر فقهاء الشيعة من ذكر خبر يقول إن الدنيا جاءت إليه بصورة فتاة جميلة فطلقها ثلاثاً فلم تعد تصلح أن تكون له زوجة شرعية.
(2) أما في ما يتعلق بغدير خم فإن علماء الشيعة يؤكدون أن ابن حنبل، وهو صاحب المذهب السني الحنبلي السني، جاء مراراُ على ذكر الحادثة في مسنده كما هو مذكور في كتبهم ولا سيما في الكتب الأربعة المشهورة.
(3) الراوندي: "خرائج الجرائح".(43/47)
وبعد إثبات حق علي في الإمامة يأخذ فقهاء الشيعة بإثبات حق أبنائه فيها من بعده. ويوردون إثباتاً لذلك أحاديث لا يرقى إلى صحتها شك جاء فيها ذكر الأئمة الأحد عشر الذين سيتعاقبون عليها من بعد الإمام علي(1). ويقولون إن في سيرة النبي محمد التي كتبها علماؤهم حديثاً عن النبي أنه قال للحسين بن علي ما مؤداه إن هذا هو ابني حسين، إمام وابن إمام وأخو إمام ووالد لتسعة أئمة والتاسع منهم القائم وهو أفضلهم. ومن الأدلة التي يوردونها لإثبات حق أبناء علي في الإمامة الخبر الذي يرويه علماء الشيعة في كتب تفسير القرآن ـ أي في مصنفاتهم من كتب التفسير ـ عن جابر بن عبد الله الأنصاري بمناسبة تفسير الآية الشريفة: "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم..." (سورة النساء، الآية 58) إذ قال جابر للنبي: يا رسول الله إننا نعرف الله ونطيعه ونعرفك أنت ونطيعك، ولكن من هم أولو الأمر منا الذين يأمرنا الله بطاعتهم؟ ويزعمون أن الرسول أجاب قائلاً: يا جابر هم خلفائي وأصحاب الرياسة من بعدي، وأولهم علي، ومن بعده ابنه الحسن...ثم....إلى أن جاء النبي على ذكر أسماء الأئمة الاثنى عشر وأخرهم سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن ملئت جوراً وظلما(2).
الخلاص بشفاعة الأئمة:
إن نظرة الشيعة إلى مصادر الشريعة الإسلامية تختلف اختلافاً كلياً عن نظرة السنة إليها. فالسنة تعتبر المصدر الأول للشرع القرآن الكريم ثم الحديث الشريف (السنة) والإجماع والقياس. ولكن الشيعة، في صورة عامة، يتطلعون إلى إمام بالتعيين من قبل الله بواسطة رسوله يستطيع وحده تفسير القرآن ويدرك معناه الباطني(3).
__________
(1) الحلي، المرجع ذاته، (ص78).
(2) الحلي، المرجع ذاته، (ص79).
(3) "تحفة الزائرين"، (ص363).(43/48)
وبسبب هذا الخلاف الجوهري في النظرة إلى الإسلام، فإن الشيعة تنظر إلى قضية خلاص الإنسان من زاوية تختلف عن نظرة السنة. فإن الخلاص البشري، في نظرة الشيعة، لا يتم كما ترى السنة، بواسطة إتباع أحكام القرآن، أي أن تكون حياة المسلم منسجمة مع أوامر الله ونواهيه كما نصها الوحي، وإنما بواسطة إمام الزمان ولذا مفروض على الشيعي أن يعرف إمام زمانه، وأن يتبعه كقائد مثالي، وهذا الإمام المتبع يشفع له يوم الحساب كي تُغفر له زلاته، لأن الشفاعة لدى الله هي وقف على الأنبياء والأئمة، لهم وحدهم حق الشفاعة، إذا كان الإمام في الغيبة يقوم مقامه لدى الشيعة المجتهد الأكبر الذي يمثله، والذي يجب أن يُتبع وأن يُطاع، وعليه وجب على كل إنسان يبغي الخلاص أن يُقيم بينه وبين الإمام أو ممثله علاقات روحية، مباشرة أو غير مباشرة، لكي يضمن لنفسه الشفاعة، والعبادات التي يقوم بها العبد وما تنطوي عليه من عناءٍ ومن تكريس للذات لا تغني عن الإيمان بإمام الزمان. والرجل الذي لا يعرف إمامه، يقول الإمام الباقر، يشبه حملاً أضاع راعيه، وأضاع قطيعه فسار يومه تائهاً، وينتهي مثل الخروف الضال بأن يلقاه ذئب يفترسه. ثم يلي ذلك تحذير خطير يُعزى إلى الإمام باقر يقول فيه: هكذا تكون حال الإنسان الذي يستيقظ يوماً نفسه بدون إمام فيسير في الحياة تائهاً إلى أن يوافيه أجله فيموت موت الكافرين، وعليه فإنه من المستحيل على الإنسان معرفة الله وعبادته العبادة الصحيحة ما لم يكن هذا الإنسان على معرفة إمامه. ويظهر من هذا القول أن الإنسان لا يستطيع أن يحصل على معرفة الله إلا بواسطة معرفته الإمام(1).
__________
(1) راجع الكليني، (2/21، 28، 180).(43/49)
ولدى الشيعة كتب ومصنفات مليئة بالأحاديث والشروح التي تتناول هذه القضية، والتي تثبت أن خلاص النفس البشرية لا يتم إلا بشفاعة الأئمة، يروي ابن بابويه ـ ويُعرف بالشيخ الصدوق ـ أن الإمام باقر قال إن رسول الله قال لعلي ما مؤداه أن هناك حقائق ثابتة، وهي أولاً أنك وأبناءك من بعدك ستكونون شفعاء للناس، إذ أنهم لن يعرفوا الله إلا بواسطتكم، والحقيقة الثانية أنك ستشفع في حضرة الله لأولئك الذين سيدخلون الجنة، أي أولئك الذين اعترفوا بك واعترفت أنت بهم. والحقيقة الثالثة أنك الشفيع الأول المطلق لأن الذين مأواهم جهنم هم أولئك الذين لم يعترفوا بك إماماً ولا اعترفت أنت بهم أتباعاً، ويقول المجلسي(1) في كتابه "حياة القلوب" نقلاً عن الإمام باقر(2)، أن الرسول قال ذات مرة لعلي ما مؤداة: يا علي أنك ستجلس معي يوم القيامة ومع جبريل عند الصراط ولن يستطيع أحدٌ أن يعبر الصراط إلى الجنة ما لم يُرخّص له بالدخول، وما لم يكن من مريديك الأوفياء. ويسمي ابن بابويه الأئمة أنهم أبواب الله، والسبيل إليه والأدلاّء إليه، ومفسرو وحيه ومستودع علمه(3). والإيمان لدى الشيعة محبة الأئمة، والكفر كرههم، وكلما زادت محبة الفرد للأئمة ارتفع مقامه بين جماعة المؤمنين.
__________
(1) المجلسي: نقلاً عن دونالددسون، (ص345).
(2) نذكر القارئ بنظرة الشيعة إلى صحة الحديث أو عدم صحته، فإذا كان الحديث يسند إلى أحد الأئمة فهو حديث صحيح، وليس من الضروري أن يعود الإسناد إلى النبي، لأن الإمام معصوم من الخطأ.
(3) ابن بابويه: المرجع ذاته، (ص96).(43/50)
ويُسرف المجلسي في نظرته عندما يحاول تقرير شروط دخول الجنة والجحيم، فيؤكد أن ذلك يتوقف عن إيمان الفرد بالإمام أو رفضه له، ويعتقد معظم علماء الدين لدى الشيعة أن الذين يرفضون الإيمان بالإمامة، باستثناء الحمقى والمغفلين منهم، سيدخلون النار شأنهم في ذلك سائر الكفار. ثم إنه يحدد معنى الحمقى والمغفلين بقوله إنهم الذين، بسبب ضعف في عقولهم، لا يستطيعون أن يميزوا بين الخير والشر. ومثال على الأحمق المغفل هو ذلك التاعس الحظ الذي ولد وترعرع في حريم ملك سُنّي.
والصلوات التي تؤديها جموع الشيعة في زياراتهم لأضرحة الأئمة في النجف وكربلاء والكاظمين وسامراء، أو في المدينة تحتوي على أدعية وتضرعات تعكس عقيدتهم الثابتة، والتي تؤكدها هذه الصلوات، من أن هؤلاء الأئمة هم شفعاء يشفعون لهم .
و يورد المجلسي في كتابه "تحفة الزائرين" ـ وهو أشبه بدليل للزائر للأمكنة المقدسة عندهم ـ عشر صلوات طويلة تصلح لأن تتلى في أثناء زيارة النجف الأشرف، ومعظم هذه الصلوات، تعزى إلى أئمة مختلفين، وقد تداولها مئات الألوف من الحجاج على مدى قرون عند زيارتهم مزار علي في النجف الأشرف(1)
__________
(1) بعض ما يرددونه في هذا المقام: السلام عليك يا حبيب الله، السلام عليك يا حجة الله، السلام عليك يا خليفة الله، السلام عليك يا حارس الجنة والنار، أشهد أنك كلمة التقوى، وباب الهداية والأساس المتين والطود الراسخ والصراط المستقيم، وأشهد أنك حجة الله لخلقه، والشاهد لعباده، والوصي على علمه، ومستودع أسراره، وموضع حكمته، وأخو رسول الله... إلخ من العبارات المشابهة لهذه الأقوال.(43/51)
، ومن ينظر جيداً في الألقاب التي يغدقونها على الأئمة لا يتمالك عن القول إن السبيل الوحيد الذي يؤدي إلى الله، بحسب هذه الصلوات، هو عبر تكريم الأئمة ومحبتهم وتقديس ذكرهم ولا يمكن لمسلم أن يكون رجلاً تقياً ورعاً إذا كان لا يعرف، كلمة التقوى، - وهذا من ألقاب الإمام - ولا يمكن له أن يهتدي ما لم يمر بـ" باب الهداية"، وهو الإمام ومن يدرس الألقاب التي يلقبون بها الأئمة يدرك، كما أدركنا نحن، أن السبيل الوحيد إلى الله لا يكون إلا عبر الإمام.
عقائد ثانوية:
إن الرجل الذي يؤمن بضرورة الإمامة، وبالصفات التي يتحلى بها الإمام وبالألقاب التي يُعرف بها، وأن الإمام معين بالنص، وبحق علي في الإمامة، نقول إن الرجل الذي يؤمن بهذا كله يُصبح مسلماً شيعياً تقياً ورعاً، هذه الأركان الأربعة للعقيدة الإمامية تشكل المبادئ العظمى الأساسية في مذهب الاثنى عشرية. غير أن لدى الاثنى عشرية أركاناً أخرى ثانوية منها:
1- المسألة:(43/52)
تعتقد الشيعة أن هناك موتّين مختلفين، الموت في هذه الدنيا، والموت في اللحد، ويروي لنا ابن بابوية في كتابه "رسالات الاعتقادات" خبر دفن فاطمة بنت أسد أم علي(1)، بعد أن قبضها الله حملها النبي بذراعية ووضعها في اللحد، ثم انحنى فوق جثمانها وأخذ يتمتم بصوت منخفض مدة طويلة من الوقت مردداً قوله: "ابنك، ابنك". عندما خرج من القبر سألته الصحابة أن يقول لهم ما الذي كان يردده، فقال لهم أنه عندما كان في القبر راح ملكان يسألانها عن مولاها، فقالت: الله مولاي، ثم سألاها عن بيتها فقالت: محمد ثم سألاها من هو إمامها ووليها، فترددت وتلعثمت برهة، فذكرها النبي قائلاً لها: "أبنك ، أبنك" بعد ذلك غادر الملكان القبر قائلين أن لا سلطة لنا عليها. ثم، يقول ابن بابويه، إنها ماتت ميتتها الثانية، والشاهد على هذا قوله عز وجل: "قالوا ربنا أمتنا اثنتين وحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل (سورة غافر الآية10)(2).
2- الحوض:
في الجنة حوضٌ يُعرف بالكوثر، والساقي يوم القيام سيكون الإمام علياً بن أبي طالب، وسيسقي أصحابه وأتباعه ويمنع عدائه من الاقتراب إليه، وتعتقد الشيعة أن من يشرب منه مرة لا يعطش ثانية. ويزعمون أن النبي قال مرة عن الحوض أن جماعة من أصحابي سيجرون أمامي وأنا واقف عند الحوض ويرمون في النار فأصيح هم أصحابي، هم أصحابي يا الله ، فيجيبني سبحانه لا تعلم ماذا فعلوا بعدك(3).
3- الأعراف:
__________
(1) ابن بابويه: "رسالات الاعتقادات"، (ص60).
(2) المصدر ذاته، (ص54).
(3) المصدر ذاته، (ص67).(43/53)
والأعراف سور بين الجنة والنار: "وعلى الأعراف رجالٌ يعرفون كلاً بسيماهم..." [الأعراف: 45]. وتعتقد الشيعة أن أولئك الرجال الوارد ذكرهم في الآية هم النبي وأوصياؤه، أي أئمة الاثني عشرية، ولا يدخل أحدٌ الجنة إذا لم يكن يستطيع أن يعرف الأئمة أو إذا كان الأئمة لا يعرفونه. ولا يدخل النار سوى من ينكر حقهم في الإمامة، أو من ينكره الأئمة، وهكذا نرى أن دخول الجنة أو النار أمر يتعلق بالنبي والأئمة، أي أنهم هم الذين يقررونه، كما أنه ظاهر، بحسب هذا المعتقد، إن الشيعة هم الوحيدون الذين سينعمون بنعيم الجنة لأنهم هم الذين يعترفون بحق الأئمة.
4- الصراط :
وهو جسر يمتد فوق جهنم، وهو المكان الذي على البشرية أن تمر عليه، وقد ورد ذكره في القرآن الكريم: "وأن منكم إلا واردها كان على ربك حتماً مقضيا"،(سورة مريم: 70)، وتزعم الشيعة أن النبي قال ذات يوم لعلي: يا علي إني سأجلس يوم القيامة عند الجسر معك ومع جبريل ولن يمر أحد ما لم يبرز سجلا بالمغفرة بفضل ولائه لك(1)، وتعترض الجسر عقبات ولكل عقبة منها اسم تُعرف به، فهناك عقبة الفرض والأمر والنهي، وتضيف إليها الشيعة عقبة الولاية وهي محبة الأئمة، وعند كل عقبة يمر الإنسان الذي بُعث من قبره ويستوقف لكي يفي ما عليه من دين لله سبحانه، حتى وإن اجتاز المسلم جميع العقبات تظل أمامه العقبة الرئيسية الخطيرة، عقبة الولاية للأئمة، جميع البشر سيستوقفون عند هذه العقبة ليسألوا عن حبهم وتعلقهم بأمير المؤمنين علي، وبالأئمة من بعده، ومن كان لديه الجواب الصحيح نجا وسمح له بعبور الجسر(2)،والرجل السيئ الطالع هو من لا يستطيع أن يعطي جواباً فيقذف به إلى نار جهنم، ولكن يستطيع الأمام علي والأئمة أن يشفعوا له، والله غفور رحيم فيخرجه من النار بشفاعتهم كما يقول الإمام علي(3).
__________
(1) ابن بابويه، المصدر ذاته، (ص72).
(2) ابن بابوية، المصدر ذاته، (ص73).
(3) ابن بابوية، المصدر ذاته، (ص54).(43/54)
5- الظالمون :
إن معنى الظلم الحرفي وضع الشيء في غير موضعه، ومثال على ذلك من يدّعي الإمامة وهو ليس بإمام. فإن أبا بكر وعمر وعثمان أمثلة على ذلك، فإن الشيعة تعتبرهم الغاصبين الثلاثة، وليس أسهل على الشيعي من أن يفهم معنى الظلم كفهمه هذه القضية، أي اغتصاب حق علي في الإمامة على يد هؤلاء الثلاثة. وتقول الشيعة أن الظالم لا يتردد في اختلاف الفرية على الله سبحانه تعالى، ويستشهدون بالآيتين الشريفتين: "ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا، أولئك يُعرضون على ربهم ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجاً وهم بالآخرة هم كافرون"، [سورة هود: 17،18]. وتفسير الشيعة عبارة "سبيل الله" على أنها تعني علياً بن أبي طالب والأئمة من بعده، وليس الظالم من يدعي الإمامة وهو ليس أهلاً لها، بل الظالم أيضاً من ينسب الإمامة إلى من هو ليس أهلاً لها. والظلم عند الشيعة يؤدي بصاحبه إلى الكفر . ولذا تعتبر الشيعة كل من حارب علياً كافراً (1) ويوجز ابن بابويه قضية الظلم بقوله أن من كان إيمانه يخالف إيماننا (أي الإيمان بعلي وبالأئمة من بعده) ليست له أي صلة بدين الله ومعنى قوله هذا أن من لم يكن شيعياً فهو ليس بمسلم.
6- التقية:
ومعنى التقية تحليل أو إعفاء من متطلبات الدين، أوامره ونواهيه، تحت الضغط، أو التهديد، لدفع الأذى(2). ويعرف الأستاذ برون بالتقية أنها نوع من التخفي الذي يفرضه التعقيل(3) في ظروف خاصة.
__________
(1) ابن بابوية، المصدر ذاته، (ص108).
(2) ابن بابوية، المصدر ذاته، (ص110).
(3) E.G.BROWNE: PERSIAN LITERATURE IV P.17(43/55)
وأفضل شاهد على معنى التقية ما ذكره ابن بابويه عن الإمام جعفر الذي قال لقد أسمع الرجل يسبني في المسجد فاختبئ وراء عمود كي لا يراني، وقال عاشروا الناس ظاهرياً وخاصموهم باطنياً طالما أن الأمارة رأي شخصي. فالتقية إذا فرض على كل شيعي ينتمي إلى الأثنى عشرية(1)، وهي وسيلة ينتفع بها في علاقاته مع المرتدين والكفار، أي المسلمين من غير الشيعيين، ومن المشركين، وتجعله حذراً لبقاً في تصرفه معهم، ويزعمون أن الإمام جعفر قال: " إن الرياء مع المؤمن شرك ومع المنافق من أهل الرجل وبيته عبادة"(2).
والتقية واجبة إلى أن يظهر الإمام القائم. ويشدد ابن بابويه على هذه النقطة ذاتها فيقول إن من يتخلى عن ممارسة التقية قبل ظهور قائم الزمان يكون خارجاً عن دين الله ويكون قد عصى الله ورسوله وإمامه(3).
نلاحظ من هذا أن الشيعة في عقائدها الأساسية الأولى تركز على أهمية وإمرة أهل البيت، أما في عقائدهم الثانوية فإنهم يركزون على نقطتين:
(أ) على حتمية شفاعة الأئمة لأهل الشيعة .
(ب) وعلى أنهم، من بين البشر، الفرقة الناجية التي تدخل الجنة بدون حساب وعقاب.
إن أثر هاتين العقيدتين: إمرة أهل البيت وشفاعة الأئمة لهم يوم الحساب، يبدو جلياً في تصرفهم السياسي في جميع الأقطار ولا سيما في إيران والعراق، والعقيدة الأولى (إمرة أهل البيت) تفرض على كل شيعي أن يُبدي الطاعة التامة والولاء الخالص لممثل الأمام (القائم)، والعقيدة الثانية (شفاعة الأئمة لهم) تجعل من الشيعي رجلا متصلباً عنيداً في موقفه السياسية، إذ لا بأس عليه إذا وقف مثل هذه المواقف في الحياة الدنيا ما دام الإمام سيشفع له حتماً يوم الحساب ويضمن له الجنة؟
__________
(1) ابن بابوية، المصدر ذاته، (ص112).
(2) نعمان ق . كتاب الأشربة .
(3) ابن بابوية، المصدر ذاته، (ص111).(43/56)
وقبل أن تحاول تفسير التصرف أو السلوك السياسي لدى الشيعة ينبغي لنا أن نتفهم عقائدهم الأساسية والثانوية تفهماً عميقاً، لأن خلفية الشيعية لا تفرق إطلاقاً بين السياسة والدين.
…
عبادة التوحيد
تأليف: العلامة شريعت بن محمد حسن سنگلجي
هذا الكتاب نموذج للعديد من الدعوات والمشاريع الصادقة في وحدة الأمة الإسلامية وعزتها بترك الخرافة و الوثنية، والتي لم تقابل بالتشجيع والدعم بسبب رفض المنتفعون من الفرقة تركها!
ولتعريف القارئ على أحد هذه المشاريع نقد لكم هذا التعريف بالمؤلف ومنهجه وعرض عام لمحتويات كتابه ، وذلك من إعداد الأستاذ خالد البديوي الذي اعتنى بإخراج الكتاب وتحقيقه .
ترجمة المؤلف:
اسمه: العلامة شريعت بن محمد حسن سنگلجي (1). ولد عام 1310هـ.
__________
(1) حرف (گ) هو الحرف السابع والعشرون من الألفباء الفارسية، ويلفظ كالجيم المصرية، ولا يوجد هذا الحرف في اللغة العربية.(المعجم الذهبي/490)(43/57)
نشأته وتعلمه: والده هو الشيخ حسن كان ابن عم الشيخ فضل الله نوري(1)، تعلم العلوم الابتدائية عند أبيه ثم دخل في مدرسة ميرزا زكي وهي من المدارس المعروفة بكثرة طلابها في طهران العاصمة في حي (سنگلج) ، اشتغل بطلب العلم عند العلماء في وقته، فقد أنهى دروسه النهائية في سلم التفقه في الحوزة العلمية (المسمى مرحلة الخارج) عند الحاج الشيخ عبد النبي النوري (ت:1344هـ)، وتعلم الحكمة والفلسفة عند ميرزا حسن الكرمانشاهي (ت:1334) والعرفان عند ميرزا هاشم الاشكوري (1332هـ)، كما تتلمذ عند الشيخ علي النوري والشيخ فضل الله النوري، ثم رحل مع أخيه الشيخ محمد سنكلجي إلى النجف لإكمال دراسته، وحضر دروس علماء معروفين هناك مثل السيد ضياء الدين العراقي (ت:1361هـ)، والسيد أبو الحسن الأصفهاني (ت:1365هـ)، وعند رجوعه من النجف في عام 1340هـ اشتغل بالوعظ والتبليغ وعمره ثلاثون عاماً. وقد كان للعلامة شريعت سنكلجي نشاط ثقافي بارز في عهد رضا خان البهلوي، وكانت جهوده منصبة على تجديد الدين في حياة الناس، وأما الجمهور الذي هلل لأفكار العلامة شريعت سنكلجي فهم المثقفين المتدينين الذين لم تعجبهم الخرافات وكانوا يتطلعون إلى صيغة دينية بعيدة عن الأساطير(2).
__________
(1) مناضل سياسي مشهور في تاريخ إيران الحديث، دخل معركة المطالبة بالدستور أو ما يسمى وقتها بـ "الحكومة المشروعة" بدل الحكومة المشروطة التي كان ينادي البعض، وانتهى الأمر بإعدامه. للمزيد: انظر تذكرة الغافل وارشاد الجاهل تأليف فضل اللّه نوري
(2) انظر كتاب: "جريان ها وسازمان هاي مذهبي سياسي إيران"، أي: "الحركات المذهبية والسياسية في إيران". تأليف: رسول جعفريان. من منشورات (مركز اسنا انقلاب إسلامي) [صفحة 625-628].(43/58)
وقد تميز العلامة شريعت سنكلجي في وقته بتركيزه على شرح القرآن الكريم وبيان ثوابته، وقد أحدث هذا الاتجاه أثراً حتى في أوساط بعض الرموز العلمية عند الشيعة الإمامية، ومن هؤلاء آية الله الطالقاني الذي حاول الاقتراب من القرآن، وهذا ما أكّده رسول جعفريان بقوله: إن توجه آية الله الطالقاني كان من طريق سنكلجي وخرقاني وليس كما يقول البعض أنه متأثر بجمال الأفغاني ومحمد عبده(1).
مسيرة المؤلف من خلال كلماته
اجتهاد في التحصيل رجاء توفق الله والنتيجة هي الهداية:
(أقول: إن العبد الفقير الفاني [شريعت سنكلجي] قد اجتهد منذ سنوات في مطالعة فنون عدة بحسب طاقته البشرية فتعلم التفسير، والحديث، والكلام، والفلسفة، والفقه، وأصول الفقه، والتاريخ، مستيقناً بقول الله تعالى (والذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبلناً) حتى اهتديت بهدى القرآن، وميزت بين الحق والباطل حسب الطاقة وبمعرفتي للإسلام الحنيف عرفت الأوهام والخرافات والبدع ورددت عليها بما عرفت من هدي القرآن).
بداية المواجهة:
بدأ شريعت سنكلجي بيان آرائه ودعوة الناس إلى ترك الخرافات والبدع سنة (1345هـ)، وعمره 35عاماً. يقول رحمه الله: إن الكلام بما يخالف عقائد الناس وبيان خرافاتهم أمرٌ صعب جداً خطير للغاية، وقد ابتليت بذلك منذ ستة عشر عاماً(2).
لحظة مهمة في حياة المؤلف:
__________
(1) انظر كتاب: "جريان ها وسازمان هاي مذهبي سياسي إيران" (ص628).
(2) كتب المؤلف هذه السطور في مقدمة الطبعة الأولى أي سنة 1361هـ، مما يعني أنه بدأ دعوته عام 1345هـ.(43/59)
(أنا شخصياً كان لي خاتماً من حديدٍ صينيٍ كنت قد رأيتُ له خواصَ (فضائل) في الكتب، كان منها أنه إذا كان في اليد حُفظ صاحبه في المفاوز والبحار من الآفات، ولهذا السبب لما عزمت على السفر لحج البيت الحرام أخذت معي ذلك الخاتم، ولما كنت ذاهباً من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة؛ كان عندي كتاباً في الحديث كنت أطالعه في الباص، وإذ بي أفاجأ بمشاهدة هذه الأخبار التي نقلتُها، فلما دققت النظر فيه؛ قلت يا ويلي، كم كنت في جهل بالتوحيد والإسلام!! أنا محرم وحاج لأسافر إلى بيت الله وفي يدي صنم! لماذا لا أعتقد أن الله رب العالمين هو الحافظ فقط؟ كيف أعتقد في أن حجراً يحفظني مع أنني أنا الذي أحفظه؟.. عندها حدثت ليَ حالة من الفزع لا أستطيع أن أشرحها, فبدأت أستغفر ونزعت الخاتم من يدي ورميته في الصحراء وقلت: (ليس من طبيعة العاشق أن يكون في قلبه معشوقان. والحمد لله رب العالمين).
شريعت سنكلجي يصدع بالحق خوفاً من لعنة الله:
"رأيت أن أبيّن ما علمني ربي من المطالب والمقاصد الإسلامية الثابتة، وأن أشرح لطلاب الحقيقة ومحبِّي الفائدة وأيقنت أنني إن لم أفعل ذلك فسأكون داخلاً في قول الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إذا ظهرت البدع في الدين فعلى العالم أن يظهر علمه وإلا فعليه لعنة الله)(1)".
المواجهة والابتلاء:
(تلقيت مصاعب في تأليف هذا الكتاب ونشره، - ومثله كتاب مفاتيح فهم القرآن، ومحاضرات ليلة الخميس - لأن بعض الجهلة والذين لا يعرفون حقيقة التوحيد كانوا يشنُّون عليَّ الغارة تلو الغارة ، بل أنهم لم يألوا جهداً في الافتراء عليّ طاعة لأنفسهم وأهوائهم).
سبب حربهم له:
__________
(1) ورد في الكافي للكليني (1/54) ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا ظهرت البدع في أمتي فليظهر العالم علمه، فمن لم يفعل لعنه الله). وانظر: "الوسائل" (16/ 269, 271).(43/60)
(أنا أعتقد أن ما يورده الجهلة ويشغبون به عليّ, إنما هو بسبب دعوتي للإصلاح التي قدمتها في هذا الكتاب وكتب ومحاضرات أخرى، حيث بيّنت الإسلام الصحيح الذي هو إسلام السلف، والذي تكون نتيجته دحض كثير من الخرافات وهدم كثير من المعابد الوثنية).
دوافع خصومه:
أولاً: كما يقول العلامة سنكلجي (هو حسد بعض الأقران).
ثانياً: لأن آراءه تهديد مصادر أرزاق خصومه. يقول رحمه الله: (وليعلم جميع إخواننا أن حرب هؤلاء علينا ليست حرباً دينية بالأساس بل هي حرب مادية اقتصادية).
ثالثاً: ظهور آراء أثر آراء المؤلف بين الناس.
(أنه قد ظهر تأثير كتبنا ومحاضراتنا بحول الله وقوَّته بشكل كبير لدى أصحاب العقول النيِّرة، وساهمت كلماتي في تعريف الناس بالقرآن، ومن المسلَّم به أن الشخص إذا تعرّف على حقائق القرآن فإنه سينفكّ عن أهل الدعاوى الباطلة، ولن يستطيع أي كاهن أو شيطان من الإنس أو الجن أن يغلبه، وهذا ما يملأ قلوب أصحاب الدعاوى الباطلة حسدا وغيظاًً، لأنهم يرون أن منافعهم في خطر عظيم، فسيسعون بكل وسيلة إلى الإبقاء عليها).
تهديده بالقتل:
(أنا شخصياً هددوني بالقتل، وحرِّضوا الناس علي بشكل مستمر {أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذباً فعليه كذبه وإن يك صادقاً يصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب}، وأحياناً يصوِّرون أقوالي بصورة الباطل ويصورنها بأنها أكاذيب،ولا يعلمون أن ما كان لله فإنه يبقى وينمو مهما كان،يقول تعالى:( ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء ).)
شريعت سنكلجي يمضى في دعوته لا يلتفت للتهديد:(43/61)
(ويجب أن يعلم الأعداء أن هذه الحال لن تدوم، وأن محاربتهم لكلام الله بالافتراء والأكاذيب وإخفاء حقائق القرآن سيستمر، وليعلموا أن الله معنا بحوله وقوته .. نقول الحق ونكتب ولا نخاف لومة لائم أو ضرر الأرذال والسفلة، نسأل الله أن يبارك في عملنا).(ولن يمنعنا أبداً همّ الخبز أو الخوف على أرواحنا من إظهار حقائق الإيمان).
وفاته: توفي شريعت سنكلجي رحمه الله سنة 1363هـ عن عمر يناهز الثالثة والخمسين.
مؤلفاته: كتاب مفتاح فهم القرآن "كليد فهم القرآن"، وقد أثار هذا الكتاب جدلاً واسعاً وقته في إيران، وذلك لأن المؤلف فسر القرآن بطريقة توافق الطريقة الصحيحة حيث اعتمد على الآيات في بيان توحيد الله ونفي الخرافات والغلو، كما أن مما أثار اللغط حول كتابه اعتماد المؤلف لمصادر أهل السنة كمصدر معتبر به في فهم القرآن.
- توحيد العبادة: -وهو الكتاب الذي نقدم للقارئ ترجمته باللغة العربية-.
- كتاب الإسلام.
- محاضرات ليلة الخميس.
- الموسيقى(1).
أبرز معالم منهج العلامة شريعت سنكلجي
أولا: محاربة الخرافات، وتنقية التوحيد:
__________
(1) مصادر الترجمة: "زندگي نامه، "رجال ومشاهير إيران" ( ج 4/ 69 - 70 ). تفسير وتفاسير جديدة (ص36). "مفسران شيعة" (ص 189 - 190 ). "مؤلفين كتب چاپي" ( ج 2 - 560 ). "دانشنامه قرآن وقرآن پژوهي به كوشش بهاء الدين خرمشاهي" (چاب 1377 ص 1300 - 1301). "جريان ها وسازمان هاي مذهبي سياسي إيران" 1320هـ ش- 1357هـ ش/أي: "الحركات المذهبية والسياسية في إيران". تأليف: رسول جعفريان. من منشورات (مركز اسنا انقلاب إسلامي).(43/62)
يقول الكاتب الشيعي المعاصر رسول جعفريان عن العلامة شريعت سنكلجي: (وهو بظنه كان يناضل من أجل إزالة الخرافات.. ) ويذكر جعفريان أن سنكلجي كان يريد إبعاد الخرافات عن الدين لأنها في نظره ليس لها جذور في المذهب الأئمة(1).
ويقول شريعت سنكلجي رحمه الله: أنا أعتقد أن ما يورده الجهلة ويشغبون به عليّ إنما هو بسبب دعوتي للإصلاح التي قدمتها في هذا الكتاب - أي كتاب توحيد العبادة - وكتب ومحاضرات أخرى، حيث بيّنت الإسلام الصحيح الذي هو إسلام السلف، والذي تكون نتيجته دحض كثير من الخرافات وهدم كثير من المعابد الوثنية. والذين قرءوا مقالاتي القرآن وتعلموا التوحيد والإسلام لن يتأثروا بالدعاوى الباطلة وكلام حماة الخرافات، بل سيميّزون الباطل والأوهام، وفي المقابل فسوف يرفع المنتفعين من الخرافات أصواتهم بذمِّنا بكل طريق ممكن، لأنهم يرون أن منافعهم في خطر)(2). ويرى المؤلف رسول جعفريان أن سنكلجي ينتمى إلى فئة من العلماء قريبة من الوهابية.
ثانياً: نقض فكرة عدم فهم القرآن بدون تفسير الإمام، وبيان أن القرآن سهل ميسر للفهم.
يقول رسول جعفريان: (وكان شريعت يقول ليس هناك أي آية أو كلمة في القرآن لا يمكن أن يفهمها البشر، وبطن القرآن هو نفس التفسير والتأويل وهو نفس ظاهر القرآن) إهـ.
وبطبيعة الحال فإن هذا أمر غير مقبول عند أغلب الدوائر العلمية الإمامية، وقد نقد المؤلف هذا الفهم السقيم و حذر من الأصوات التي تدعي أن القرآن لا يمكن فهمه، أو أنه محرف وكشف مقاصد أصحاب هذه الأقوال(3).
ثالثاً: الاعتماد على منهج في الاستدلال يتضمن الاستدلال بروايات وكتب أهل السنة والجماعة مع مصادر الشيعة، وهذا ما يتضح من خلال هذا الكتاب.
__________
(1) انظر كتاب: "جريان ها وسازمان هاي مذهبي سياسي إيران" أي: الحركات المذهبية والسياسية في إيران" (ص625-628).
(2) انظر: (ص 24- 25).
(3) المرجع السابق.(43/63)
رابعاً: التجديد في الدين. حيث سعى المؤلف رحمه الله إلى تقديم رؤية حضارية للدين، تقوم على التمسك بالإسلام الصحيح وتطوير طرق تعلمه وتعليمه مع الأخذ بكل سبل التطور والرقي الدنيوي، وهذا ما أقر به الكاتب الشيعي المعاصر رسول جعفريان حيث قال عن العلامة سنكلجي: (كانت نظرته إلى الإسلام نظرة يمكن أن نجعلها في إطار الإسلام الحضاري المتقدم)(1).
خامساً: الاستقلال في المنهج.
حيث لا يمكن للمطلع على هذا الكتاب أن يصنف المؤلف من الإمامية، كما أنه لا يجد أن المؤلف يزعم بأنه من أهل السنة والجماعة، والحقيقة أن المؤلف لا يفصله عن منهج أهل السنة إلا الاسم فقط، وبيان ذلك أن العلامة شريعت سنكلجي انتهى إلى ترك القول بالإمامة مع التدين بالاحترام والولاء لأهل البيت والصحابة رضي الله عنهم ويقدّر للجميع جهدهم وجهادهم في نشر التوحيد وهذا هو مذهب أهل السنة، خلافاً للتيار الغالب على الشيعة الإمامية والذي يتبنى نظرية العداء بين الآل والأصحاب وغيرها من البدع والمحدثات.
عرض لمحاور الكتاب
مقدمة الطبعة الثانية:
تحدث فيها المؤلف عن انتشار الطبعة الأولى ونفاد نسخها حتى بيعت النسخة بعشرة أضعافها ما دعاه إلى إصدار الطبعة الثانية، كما ذكر أنه أضاف في هذه الطبعة مسائل وتوضيحات لبعض الفصول كالحديث عن مسائل الاستغاثة بغير الله. كما تعرض المؤلف لذكر المصاعب التي واجهته في تأليف ونشر آراءه وكتبه ومنها هذا الكتاب، ومن هذه المتاعب تهديده بالقتل، وبيّن أن كل ذلك بسبب طرحه آراء تخالف العقائد الخرافات التي يروج لها أناس تقوم مصالحهم المادية والاقتصادية في بقاء الخرافة.
مقدمة الطبعة الأولى:
__________
(1) انظر كتاب: "جريان ها وسازمان هاي مذهبي سياسي إيران"، أي: "الحركات المذهبية والسياسية في إيران". (صفحة 625-628).(43/64)
خصّصّها المؤلف لشرح حديث (بدأ الإسلام غريباًً وسيعود غريباً كما بدأ...)الحديث، حيث بين المؤلف حقيقة الغربة الأولى التي عاشها الإسلام، وأنها نفس الغربة التي ألقت بظلالها على المسلمين في العصور المتأخرة، ولخّص معالم هذه الغربة بإعراض الناس عن توحيد الله تعالى وعدم إفراده بالعبادة، ولم يُخْف المؤلف شدة أسفه على تخلي المسلمين عن حقائق دينهم وقبولهم للخرافات والبدع الباطلة إلى درجة صارت فيها أسواق التوحيد كاسدة ومتاجر الشرك مكتظة، الأمر الذي دفعه لتأليف هذا الكتاب.
الجزء الأول من الكتاب: حقائق حول توحيد العبادة.
تحدث المؤلف في هذا الجزء عن مقدمات في توحيد العبادة وهي ضرورة الإيمان بأن القرآن حق لا يأتيه الباطل، وأن الغاية التي بُعث بها الأنبياء-كما في القرآن- دعوة الناس إلى إفراد الله بالعبادة وترك عبادة من سواه، كما بين المؤلف أن التوحيد نوعان هما الربوبية والألوهية أو التوحيد العلمي القولي والتوحيد العملي الإرادي، ثم وضّح المؤلف معنى العبادة وأن أكمل المراتب التي يصل إلى الإنسان هي مرتبة العبودية، وأن عبادة الله واجب لا يسقط إلا بالموت، ثم تحدث المؤلف عن اختلاف العلماء في أفضل مراتب العبادة وبيّن أن أحسن الأقوال هو أن أفضلها ما كان خالصاً لله وكان موافقا لمقتضى حال كل شخص.
الجزء الثاني من الكتاب: الشرك وأنواعه(43/65)
تحدث المؤلف عن الشرك فبين أنه قسمان الأكبر وهو عند المؤلف شرك التسوية بين الخالق والمخلوق من كل وجه، والأصغر وهو صرف شيء من خصائص الله لغيره، ثم تحدث عن بعض أنواع الشرك وصُوره ومنها: الاعتقاد بالتأثير الغيبي للأحجار والحِلَقة والخواتم والتبرك بها أو بالأشجار، وكذلك الذبح أو النذر لغير الله، والدعاء والاستغاثة بغير الله تعالى، وكذلك الاعتقاد بتأثير النجوم (التنجيم)-وهنا استطرد المؤلف فبيّن مذاهب الصابئة ومناظرة إبراهيم الخليل لهم. كما بيّن المؤلف أن من أنواع الشرك الأصغر التطيّر والتشاؤم وفي مقابل هذا وضّح المؤلف منهج الإسلام في الحث على التفاؤل.
كما أن من أهم موضوعات التي تطرق لها المؤلف بيان أن الغلو في الصالحين سبب كفر بني آدم، وتوضيح حقائق مهمة حول التوسل والوسيلة بين العبد وربه.
ثم تحدث المؤلف عن نوع من أنواع الشرك الأصغر وهو الرياء، ثم عاد إلى موضوع الشفاعة فعرفها وذكر أنواعها في القرآن، وشروط حصول العبد على شفاعة الشافعين، وأخطاء الناس في التعامل مع الأسباب. ثم تحدث المؤلف عن كيفية ظهور عبادة الأوثان وعبادة الأموات مبيناً أهم الأحكام التي وضعها الإسلام لسد الطرق التي قد توصل الناس إلى عبادة القبور، ثم بيّن المؤلف الزيارة المشروعة للقبور وفوائدها، ثم تطرق لسبب ظهور عبادة الأوثان والأحجار والأشجار؛ وأشار إلى تحريم الإسلام لصنع التماثيل والمجسّمات حماية للتوحيد وسدّاً لذرائع عبادة الأوثان.
ثم ختم المؤلف كتابه ببيان أن التوحيد هو أساس الفضائل، ثم الحديث عن كيفية ظهور الشرك والخرافات بين أهل الإسلام.
أخيراًَ: ذكر المؤلف قائمة بالمراجع التي استفاد منها في تأليفه للكتاب وهي57 مرجعاًً.
اتبع الرأس الذنبا(43/66)
قالوا: أطلقت جماعات إسلامية سودانية حملة مناهضة للفكر الشيعي، متهمة طهران بتبني تنظيمات تعتنق المذهب الشيعي، وطالبت البشير بإغلاق المستشارية الثقافية الايرانية في الخرطوم وفتح تحقيق فى دخول كتب شيعية وعرضها في معرض الكتاب في العاصمة السودانية.
الحياة - 19/12/2006
قلنا: هذا جيد، ولكن الأجود منه الانتباه قبل بداية المعرض لما تحتوى كتب الأجنحة الشيعية (إيران، العراق، لبنان، البحرين). وها هو معرض القاهرة على الأبواب فهل نقوم بحسم الداء قبل وقوعه؟
لا شريعة ولا عقيدة
قالوا: «البهرة مسلمون والكويت بلد إسلامي وعظمة سلطان البهرة يوصي دائما بالتمسك بالشريعة الإسلامية».
جعي عباس شفقت حسين مندوب سلطان البهرة في الكويت الوطن 10 /1/2007
قلنا: الحقيقة أن البهرة، لا يتفقون مع المسلمين لا في الشريعة فقد نسخها إلههم السلطان! وأما العقيدة فهي تأليه السلطان! للفائدة صدر كتاب جديد هو "البوهرة" للدكتور رحمة الله قمر الهدي، عن دار عمار – الأردن.
حزب البعث حتى اللحظات الأخيرة!!
قالوا: لو ان صدام حسين بنفسه ذهب إلى المصالحة دون حزب البعث لن يجدي شيئاً. "أي حوار أو مفاوضات إن لم تكن مع الحزب كمؤسسة رسمية فلن يجدي ذلك نفعا (...) والذين حضروا إلى المصالحة لا يمثلون حزب البعث.
المحامي العراقي ودود فوزي احد محامي الدفاع عن صدام، الذي قابله قبل أقل من 24 ساعة من اغتياله .
العرب اليوم 5/1 /2007
قلنا: هذا يؤكد ضرورة التثبت في المواقف لأصحاب العقائد، وعدم الاكتفاء بالسلوكيات العامة.
السب لأمريكا والقتل لنا!!(43/67)
قالوا: كشفت أن التحقيقات الأمريكية مع الإيرانيين الخمسة الذين تم اعتقالهم في أربيل يوم الخميس الماضي كشفت عن وجود وثيقة عند أحدهم وهو ضابط في المخابرات الإيرانية "إطلاعات" تضمنت خطة متكاملة لتهجير أهل السنة من بغداد، وقالت المصادر أن الخطة أعدت في إيران وان أدوات تنفيذها هي ميليشيات جيش المهدي وفيلق بدر، مما أكد المعلومات عن ما يسمى بمعركة بغداد الحاسمة والتي تهدف إلى تهجير السنة من بغداد والسيطرة عليها من قبل الميليشيات الصفوية.………………… وكالة حق 13/1/2007
قلنا: كم سيحتاج بعض المخلصين من تقارير وجواسيس ليدرك أن هذه هي حقيقة إيران، وليس خطب العداء لأمريكا.
مكة براء منهم
قالوا: إن إيران بدأت قبل فترة قصيرة جداً بتشكيل فيلق عسكري قوامه (10) آلاف مقاتل أطلقت عليه اسم "فيلق مكة" وأنشأت له معسكرات في السماوة وصحراء النخيب بالقرب من الحدود السعودية العراقية بهدف نقل الفوضى عبر الحدود.
محمد الدايني عضو البرلمان العراقي - الوطن السعودية 8/1/2007
قلنا: على إثر ثبوت هذه المعلومات تم اعتقال ممثل الصدر في دمشق، في المدينة المنورة يروج لبيانات طائفية.
الغزو الخفي
قالوا: أوقفت وزارة التربية الجزائرية (11) مدرسا من أتباع أهل البيت عليهم السلام في عدد من المدارس الحكومية عن التدريس بدعوى نشر الفكر الشيعي بين التلاميذ .
وكالة الأنباء الشيعية 18/12/2006
قلنا: وكم من أمثال هؤلاء ينتشر بيننا ونحن لا ندرك.
إسلام فري سايز!
قالوا: قرر الحكام الإسلاميون لولاية كيلانتان الواقعة في شمال ماليزيا السماح بفتح نواد للرقص ما دامت لا تقدم خموراً وتضمن الفصل بين الرجال والنساء وعدم كشف النساء بطونهن، وذلك تحت مسمى "الديسكو الإسلامي.
العربية نت 17/12/2006(43/68)
قلنا: لا بد من متابعة التطور الفكري لدى الحركات ( الإسلامية ) الأسيوية، حيث تم خلط كثير من المفاهيم الإسلامية المحلية ما قبل الإسلام وكذلك المفاهيم العلمانية.
السحرة الديجتال
قالوا: قرر مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر بالإجماع منع طبع وتداول المؤلفات التي تروج للسحر والشعوذة والخرافات ومصادرة جميع الكتب الموجودة بالأسواق التي تحض على هذه الأعمال المنافية للدين، وأكد اتفاق جميع العلماء علي تحريم شراء أي كتب تروج للسحر والجن أو الاستماع والاتصال ببرامج الفضائيات التي يدعي أصحابها معرفة الغيب من قراءة الأبراج والنجوم وغيرها وذلك لحرمة السحر وتعلمه وتعليمه.
صحيفة المصريون 17- 12 – 2006
قلنا: لا بد من الضغط على الحكومات لإيقاف مثل هذه القنوات من البث، والقيام بحملة قوية للتحذير منها.
المهم أين الجنة؟
قالوا: استدعت النيابة العامة المصرية زعيم الشيعة المصريين محمد الدريني حول وقائع تعذيب ذكرها في كتاب أصدره مؤخرا بعنوان "عاصمة جهنم ".…………العربية نت 17/12/2006
قلنا : لاحظ الحقد الأسود في قلبه فليس جهنم بل عاصمتها!!
كم نحتاج للتخلص من أثارها؟
قالوا: رصدت شركات الإنتاج الغنائي هذا العام ميزانيات ضخمة لتصوير أغنيات مطربيها التي يتم تجهيزها حالياً والتي وصل عددها إلى أكثر من 200 كليب غنائي. ورصدت الشركات نحو 170 مليون جنيه مصري (نحو 30 مليون دولار أميركي) لتصوير الأغاني الجديدة فيما يعد الميزانية الأضخم من نوعها منذ ظهور الفيديو كليب وانتشاره كظاهرة. وتعد صناعة الفيديو كليب حالياً.… الملف نت 10/1/2007
قلنا: هذا زمن حرب الإسلام بالشهوات.
لماذا؟
قالوا: منعت السلطات الأمنية في الكويت إقامة ندوة "واقع أهل السنة في العراق". رغم أن المنظمين اقترحوا تغيير اسمها لتصبح "ماذا يحدث في العراق؟"، إلا أن هذا التغيير لم يغير قرار السلطات منع عقد الندوة.
قدس برس 14/1/2007(43/69)
قلنا: لماذا يمنع نواب الكويت وتجمعاته السياسية السنية عن طرح موضوع مهم، بينما "المهري" الزعيم الشيعي لحزب الله الكويتى الذي خطط لإعتداءات مكة في التسعينات، يصرح علناً بسب القرضاوى وغيره من السنة!!
من يضحك على من؟
قالوا: ج : حماس الآن على صلة مع النظام السوري الذي يحكم علينا بالموت والإعدام.
س: ألم تطلبوا وساطة خالد مشعل مع النظام السوري؟
ج : والله لو شعر أبو الوليد "مشعل" بأن كلامه مجد لما قصر.
س: لديكم اتصالات مع أبي الوليد؟
ج : طبعاً وعلاقتنا قديمة معه ولكن " ما طالع بيد الرجل شيء" .
مقابلة مع على البيانونى - الوطن العربي10/1/2007
قلنا: أصبحت الازدواجية الإخوانية في السياسة تشابه كثيراً الازدواجية العربية في المواقف!
لماذا لا تحدد القاتل؟
قالوا: ما يمارس بحق الفلسطينيين في العراق هو جرائم حرب منظمة تمارسها مليشيات مسلحة تخدم السياسة " الصهيو أمريكية" ... إن حكومة المليشيات الحاكمة في العراق تتحمل المسؤولية الكاملة عن قتل ومحاربة الفلسطينيين في العراق.
"بيان حركة الجهاد الإسلامي"
الرأي 22/12/2006
قلنا: لماذا لا تحدد حركة الجهاد الفاعل الحقيقي لهذه الجرائم ، وتسميه لنا ؟ وما فائدة علاقتكم بإيران إذا كانت إيران وعملائها يجرون بروفة قتل أهلنا في دولتهم القادمة في الشام والتي ستبنى على أكتافكم؟!
صوفية العولمة تجتاح حتى أرض التوحيد
قالوا: عاشت نحو 300 فتاة سعودية في مدينة جدة حالة جديدة وغريبة لأول مرة ...في الحفل الغنائى الإسلامي والذي ضم الأذربيجاني "سامي يوسف " و المقدوني "مسعود كورتز" .. تراوحت أعمارهن بين 12- 22 سنة ...استقبلت الكثير من الفتيات نجميهن المحبوبين بتصفيق حار مصاحب بتصفير وصراخ ، وارتدت معظمهن تى شيرت مطبوعاً عليه كلمة " أمة واحدة" .
الشرق الأوسط 10/12/2006(43/70)
قلنا: إذا كان هذا حال فتيات السعودية، فرحم الله حالنا، سيعيد هؤلاء الفنانين الحضرات الصوفية القديمة بكل شرورها ولكن بطريقة الديسكو! فتجد الموسيقي بكل أشكالها، والمؤثرات الصوتية ، واختلاط الرجال والنساء كما حدث في مصر والأردن وغيرهما، وتجد حضور العاريات بقصد التعبد! لأن الكلمات روحانية ومديح نبوي!؟ ولعله لن يطول الزمن حتى نرى المشاركة بالرقص من جمهور الحضور، ويبقي شيء من الحضرات القديمة لم يحدث وهو المخدرات والزنا.
حتى أنت!
قالوا: تمنى على المسؤولين اللبنانيين عدم الإساءة إلى إيران وزج اسمها أو اسم غيرها في خضم الحديث اللبناني الداخلي .
محمد حسين فضل الله ، بيان من مكتبه عقب زيارة السفير الإيراني له.
الشرق الأوسط 28/12/2006
قلنا : الشيعة كالجسد الواحد!! ولكن لماذا تتدخل إيران بالحديث الداخلي ؟
مفاوضات إسلامية!!
قالوا: فيما الشعب الفلسطيني يرزح تحت حصار خانق بسبب إصرار حماس على رفض الاعتراف بإسرائيل وعدم التفاوض معها ، كانت إسرائيل تخوض فعلاً جولة جديدة من المفاوضات المباشرة مع إيران .
هذه المفاوضات تجرى في جينيف بشأن مطالبه إيران إسرائيل ببضعة ملايين بقية فاتورة نفطية من أيام الشاه!!
الغد 7/1/2007
قلنا: لم تنفي سفارة إيران في الأردن الخبر ! وهذا رابط لمزيد من الإطلاع:
C:\Documents and Settings\osaosa2000\Desktop\Foreign Policy The Top Ten Stories You Missed in 2006.htm
بروفات لماذا ؟؟
قالوا: لوحظ توافد عناصر من المعارضة البحرينية الشيعية إلى بيروت للإطلاع على آليات الاعتصام وسط بيروت. وشرح لهم كيف يتم تنظيم الاعتصام وتزويد المعتصمين بما يحتاجونه وكيف يتم توجيهم وفق جدول أعمال دقيق .
الوطن العربي 10/1/2007
قلنا: على ماذا تنوى المعارضة الشيعية ؟ وما هو الذي ستطالب به عبر الاعتصام ، استلام الحكومة ؟؟
عقبة أمام المد الشيعي!
د/ محمد بن إبراهيم السعيدي(43/71)
رئيس قسم الدراسات الإسلامية بكلية المعلمين بمكة
(هذه مشاركة من أحد قراء الراصد المميزين نسعد بمشاركتكم في الاستفادة منها)
بعد الثورة الإسلامية في إيران والتي جعلت من أولياتها نشر المذهب الشيعي في العالم الإسلامي واجه القائمون على تنفيذ هذه الأولية عقبة كأداء تمثلت في كون المذهب الشيعي لا يرى مشروعية الجهاد إلا مع الإمام المعصوم, ولم تكن هذه الفكرة محل تقية أو إخفاء لدى مراجع الشيعة كأمثال محمد باقر الصدر في كتابه "اقتصادنا" وهذا يعني للشعوب الإسلامية المتطلعة إلى التخلص من زمن الهزيمة أن عليها تأجيل التفكير في حلول عسكرية إلى أمد غير محدد، وكانت المراجع الشيعة على اقتدار تام لتأويل هذا القول أو إيجاد مخارج فقهية له لولا أن التاريخ الشيعي بات أمام جميع المطالعين فقيرا بالرموز الجهادية منذ تأسيسه في، مقابل الأكثرية السنية الممتلئ منذ نشأة الإسلام بعمالقة الجهاد ابتداء بالصحابة الكرام دون استثناء وأبطال الفتوحات الإسلامية من التابعين مروراً بنور الدين زنكي وصلاح الدين والظاهر بيبرس وانتهاء برموز المقاومة ضد الاستعمار الغربي في العصر الحديث , بل إن التاريخ الشيعي ملطخ بنماذج سيئة من أعداء الإسلام كابن العلقمي ونصير الدين الطوسي وإسماعيل الصفوي.(43/72)
هذه العقبة حتمت على حكماء الشيعة والمسئولين عن تحقيق المطامح الدعوية - وربما التوسعية - للمذهب الشيعي – وربما الدولة الشيعية – أن يقدموا للأمة الإسلامية في هذه الأوقات الحالكة نماذج وضاءة تجيب مباشرة عن أي تساؤل حول الجهاد في المذهب الشيعي دون الحاجة إلى تكلف فتوى بهذا الشأن أو الالتفات إلى التاريخ النضالي الفقير ومحاولة العبث به. فكان حزب الله اللبناني أنسب ما يكون للقيام بهذا الدور لاسيما وقد تكاملت فيه عدد من المواصفات لا توجد في فرع آخر من فروع هذا الحزب في العالم الإسلامي . فليس فرع الحزب في لبنان بحاجة إلى تأسيس أرضية جماهيرية كما هو الحال في الفروع الأخرى , كما أن العدو جاهز ولا يحتاج إلى صناعة بل هو عدو من الطراز المطلوب حيث يلتقي جميع المسلمين على عداوته كما يلتقون على قبلة واحدة الأمر الذي يجعل صيتهم ذائعا فيما إذا حققوا أمجادا على حساب هذا العدو , كما أن اضطلاع حزب الله بهذه المهمة كفيل بإنساء الذاكرة اللبنانية والعربية والفلسطينية جرائم منظمة أمل الشيعية والتي اقترفتها أثناء الحرب الأهلية بحق المخيمات الفلسطينية رغم أن هذه الجرائم لم تحض حتى الساعة بظهور إعلامي نظرا للظروف التي أحاطت بوقوعها أو لأمور أخر الله أعلم بها ونسجل هنا علامة استفهام هل هذا التجاهل حتى اليوم لكونها منظمة شيعية؟(43/73)
إلى هنا ولا اعتراض على القصة إذ لا بأس أن يقال: إن من حق كل طائفة تعتقد صحة تعاليمها أن ترسخ قدمها وتدعوا إلى مذهبها وليكن من نتائج ذلك تعزيز نفوذها وإحكام سيطرتها لاسيما إذا صحب ذلك تصحيح بعض مفاهيمها والتكفير عن بعض ما يحسب التكفير عنه من أخطاء الماضي , لا بأس بكل ذلك, لكن القصة لم تنته . تقاطعت مصالح الشيعة مع مصالح أعداء الإسلام – ولاحظ أنني أقول تقاطعت ولم أقل حتى الآن توافقت وأقول تقاطعت ولم أقل حتى الآن تآمرت – فقوة حزب الله ونفوذه تعنيان استحالة قيام دولة حقيقية في حدود إسرائيل الشمالية حيث لا يمكن لدولة لبنان نزع أسلحة هذا حزب قوي يتبنى مقاومة المحتل كما أن هذا الحزب لا يمكنه الانصياع لدولة ما زال يخيفها هاجس الحرب الأهلية ولا بأس أن يعطي العدو حزب الله بعض المكاسب المعنوية التي تكفل لهم تحقيق المد الفكري وهي في حقيقتها لا تؤثر على دولة إسرائيل إذ إنها مطالبات بأسرى لن يخسر اليهود ولو أطلقوهم جميعا ومزارع لا تتجاوز مساحتها الأربع كيلو مترات تتجاوزها مطامح الصهاينة كثيرا , والخاسر الحقيقي جراء تلك المطالبات هم اللبنانيون جميعهم والسنة منهم على الخصوص أما الصهاينة فإن نجاح حزب الله في نشر طروحاته الدينية التي ليس في أصلها معاداة لليهود على حساب طروحات أخر يعد مكسبا لا بأس في أن يدفع ثمنا له مكاسب ضئيلة تعود اليهود على تقديم أكبر منها في سبيل الوصول إلى غايات أكثر بعدا . وكما أن المقاصد الدينية لدى صهاينة النصارى الأمريكيين تقاطعت مع مقاصد الصهاينة اليهود رغم العداء العقدي والتاريخي بين الفريقين , فكذلك وبالحرف تقاطعت مقاصد الشيعة مع مقاصد اليهود الصهاينة.(43/74)
أولاً: فاليهود يقيمون دولة لملك من آل داود , والشيعة يقيمون دولة لمهدي يحكم بشرع داود, واليهود يتوعدون بقتل العرب قاطبة في معركة وادي مجيدون مع ملكهم, ومهدي الشيعة أعظم نكاية في العرب من ملك داود. وهذه الحقيقة المرة تخفى على الكثيرين حتى من الشيعة أنفسهم إذ يعتقدون أنهم ينتظرون مهديا يحكم بالإسلام ويعز الله به العرب معدن الرسالة وأصل الأئمة ،إلا أن كتبهم ناطقة بغير ذل .
روى المجلسي في "بحار الأنوار" (52/ 318): (أن المنتظر يسير في العرب بما في الجفر الأحمر –كتاب مزعوم يظهر به القائم المزعوم- وهو قتلهم). وروى أيضاً (62/ 349) : (ما بقي بيننا وبين العرب إلا الذبح) . وروى أيضاً: (52/ 333): ( اتق العرب فإن لهم خبر سوء أما إنه لم يخرج مع القائم منهم واحد).
ولنقف عند هذه الرواية المروعة عند المجلسي في "بحار الأنوار" (52/353) عن جعفر الصادق: (لو يعلم الناس ما يصنع القائم إذا خرج لأحب أكثرهم ألا يروه بما يقتل من الناس حتى يقول كثير من من الناس ليس هذا من آل محمد ولو كان من آل محمد لرحم).
والقارئ لروايات الشيعة في كتبهم المعتمدة حول جرائم مهديهم المزعوم في قتل العرب والمسلمين لا يبعد عنه ما ذكره سفر يوشع بن نون في تعداد مآثره في استئصال الكنعانيين والسيد محمد باقر الصدر في كتابه في : تاريخ ما بعد الظهور, يؤكد تواتر هذه الروايات وأن نكاية مهديهم ستكون في المسلمين, بل العجيب أنه بعد تصفيته للمسلمين لا يريق محجما من دم في سبيل نشر دينه الجديد هكذا.(43/75)
ومما يقوله منكرا روايات العامة – أهل السنة - التي تقول إن المهدي لا يريق دما مطلقا: وبإزاء هذه الأحاديث المتواترة القطعية-يقصد أحاديثهم في القتل الذريع -، يوجد ما ينفي مباشرة الإمام المهدي (ع) للقتل، الأمر الذي سمعنا تكذيبه من الأخبار السابقة ثم يسوق الأحاديث الكاذبة في زعمه عند أهل السنة الصفحة 398 أما حكم الإمام بحكم آل داود فقد جاء في أعظم مصادر الشيعة وأوثقها عندهم وهو كتاب الكافي للكليني حيث عقد بابا في الأئمة إذا ظهر أمرهم حكموا بحكم آل داود ولا يسألون البينة ثم روى عن جعفر الصادق: (إذا قام قائم آل محمد حكم بحكم داود وسليمان ولا يسأل بينة) [أصول الكافي] (1/397).
ولا يكذب السيد الصدر هذه الروايات فقد عقد لها فصلا بعنوان المبررات الكافية لاتخاذ المهدي أسلوب قضاء داود وسليمان الصفحة 572 , ويسوق لتبرير ذلك كلاما تأويليا لا يفيده الفهم العربي لتلك النصوص .
إذا فإن اليهود والنصارى والشيعة ينتظرون رجلا يقتل العرب ويقيم دين داود فهم إذا ينتظرون رجلا واحدا؟
وما يمنعنا أن نصدق ذلك ؟ فكما أننا صدقنا بتوافق اليهود والنصارى على هذه المصلحة رغم ظهور العداوة التاريخية بينهما وأنهار الدماء التي سالت بينهما فمالنا نتوقف عن تصديق توافق اليهود والشيعة وكتابهم الكافي في أوثق أجزائه وأصحها عندهم وهو الأصول ناطق بذلك.
وهناك نقطة التقاء أعظم وأنكى وهي أننا نعلم عداوة اليهود ضمنا للكعبة المشرفة ولا أعرف عنهم نصا يدعو إلى هدمها أما الشيعة فإن هدم الكعبة المعظمة من أبرز أعمال قائمهم . روى المجلسي في بحار الأنوار: (52/338): (أن القائم يهدم المسجد الحرام حتى يرده إلى أساسه والمسجد النبوي حتى يرده إلى أساسه).(43/76)
وهو يهدم المسجد لأن القبلة ستتحول عنه إلى الكوفة روى الفيض الكاشاني في "الوافي" (1/215) عن الصادق : (يا أهل الكوفة لقد حباكم الله بما لم يحب أحدا من فضل , مصلاكم بيت آدم وبيت نوح وبيت إدريس ومصلى إبراهيم ... ولا تذهب الأيام حتى ينصب الحجر الأسود فيه).
ألا يعني كل ذلك تقاطعا أو التقاء – قل ما شئت – في المقاصد الدينية لدى الفريقين. إن هذه المقاصد أبعد ما تكون عن مقاصد أهل السنة بل أبعد ما تكون عن مخيلتهم حتى إن من مخلصي أهل السنة وأهل الفكر فيهم من غضب من شك بعض الطلاب بحقيقة الحرب الدائرة بين حزب الله واليهود فألف مقالة سماها خدعة التحليل العقدي حاول فيها أن يرشد إلى أسلوب أمثل في تصور الأحداث وتصويرها ونحن معه في تبني ذلك الأسلوب الذي دعا إليه لكن لا في جميع الأحوال إذ نجد أنفسنا عاجزين عن تبنيه في هذه القضية .
ثانياً: وأمر آخر تتقاطع فيه مصالح الأعداء مع مصالح الشيعة وهو كذلك العقبة الثانية أمام المد الشيعي, هو السلفية , فالاتجاه السلفي يحضي بعداوة الفريقين الشديدة فمن جهة شيعية يرى الإمام الخميني في كتابه الحكومة الإسلامية : أن بالإمكان التوافق مع نظام صدام حسين البعثي في العراق وليس هذا ممكنا مع النظام الوهابي في الرياض , كما أن كتابه "كشف الأسرار" طافح بالبغض الشديد لهذا الفكر وأهله.
وما فتئ علماء الشيعة في كتاباتهم ومناظراتهم يحاولون جاهدين عزل السلفية عن بقية الاتجاهات السنية ليوهموا الناس أن الخلاف الحقيقي ليس بين الشيعة وأهل السنة بل بين هذين الفر يقين من جهة وبين السلفيين من جهة أخرى.(43/77)
وسر ذلك أن السلفيين هم أشد أهل السنة قولا في البدع إذ لا تقتصر البدعة عندهم على الجوانب العملية وحسب بل تسبق ذلك إلى منهج التلقي والفهم لنصوص الكتاب والسنة واستنباط الأحكام والعقائد , مقتصرين في ذلك على طريقة الجيل الأول من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن تبعهم بإحسان هذا الجيل الذي يكن له الشيعة بغضا شديدا وبقدر ما يكون البعد منه أو القرب يكون البعد عن التشيع بمفهومه المذهبي أو القرب منه وهذه الطريقة كفلت للسلفيين حصانة من البدع وأبقتهم أكثر المسلمين نقاء من أوضار الخرافة وبعدا عن سفاسف التأويلات فجعل مذهبهم ينتشر بروحه وبساطته ودون جهد يذكر من أهله في جميع أرجاء العالم الإسلامي بل ويؤثر إيجابا على أبناء الفرق السنية الأخرى.
حتى إن كثيرا ممن يظهرون مخالفة السلفية في منطلقاتها تأثروا بها شعروا أم لم يشعروا . فكان السلفيون في طرف والشيعة في الطرف المقابل , وبقي السلفيون علماء وعامة أبعد ما يكونون عن التأثر بمفاهيم الشيعة الذين اجتهدوا منذ الثورة الإيرانية في تصديرها للعالم الإسلامي في أغلفة محكمة بكل ما تحمله كلمة تصدير من معنى وكانت قدرة المجتمعات المسلمة في فك تلك الأغلفة وفضح ما تحتها بقدر ما فيها من قرب من الفكر السلفي .
الحاصل : أن الدولة الشيعية التي يعدونها للمهدي ويأملون وجودها حقيقة في عام 2050 لا بد لقيامها من الحد من نفوذ الفكر السلفيي وإبعاده عن الطريق فكريا وسياسيا بأي وسيلة كانت.
وها هي خطط الشيعة في تكوين فيدرالية شيعية بجنوب العراق بالتعاون مع المحتل الأمريكي تواجه وبقوة من المقاومة العراقية التي هي بمختلف أطيافها سنية سلفية كما يبدوا من تصريحات قادتها التي تذاع من حين لآخر .(43/78)
وإذا كان السنة أخبث وأنجس عند الشيعة من اليهود فما بالك بالسلفيين منهم الذين هم أبعد السنة عن مقارفة ما عليه الشيعة , قال سيدهم نعمة الله الجزائري في "الأنوار النعمانية" (2/206) عن حكم أهل السنة: (إنهم كفار أنجاس بإجماع علماء الشيعة وإنهم شر من اليهود والنصارى وأن من علامات الناصبي تقديم غير علي عليه) .
فإذا كنا عندهم شر من اليهود فما العجيب في أن تتقاطع مصالحهم مع اليهود ضدنا . ومن المفيد لنا هنا أن نتذكر أن المناظرين الشيعة إذا ووجهوا بمثل هذه النصوص من نعمة الله الجزائري أبو البراءة منها والقول بخطأ سيدهم واكتفوا بتأويلها تأويلات باطنية سمجة.
أما اليهود فلا نحتاج إلى إطالة في بيان عدائهم لأهل السنة الذين يخيفونهم بما يرونه من مشروعية الجهاد في كل زمان ومكان إلا أن الطرق الصوفية الغالية والمحسوبة على أهل السنة شغلت نفسها بشعائرها البدعية الداعية إلى انصراف الإنسان إلى نفسه وانعزاله عن كل ما يحيط به في شعائر رهبانية ما أنزل الله بها من سلطان وكان الجهاد في سبيل الله أحد ما شغلت الطرق الصوفية نفسها عنه من شعائر الإسلام وكان لتمكن هذه الطرق في مختلف أنحاء العالم الإسلامي وعدم تفاعلها مع الأحداث أكبر الأثر في تمكين الدول الصليبية في مطلع العصر الحديث من الاستيلاء على معظم بلاد المسلمين التي لم تنهض لمقاومة المحتل إلا مع النهضة السلفية في مطلع العصر الحديث وأصبح لكل بقعة من بقاع المسلمين حظ من مقاومة المحتل بقدر حظه من التأثر بالفكر السلفي وبعده عن الانعزالية الصوفية.(43/79)
بل قد وصل التأثير السلفي إلى الصوفية نفسها حيث شهد مطلع العصر الحديث تأسيس طرق صوفية حاولت الجمع بين تزكية النفس الصوفية والالتفات إلى العمل الإسلامي والذي هو من مقومات الفكر السلفي كما حدث في ليبيا وتأسيس الطريقة السنوسية . إذا فأعداء الإسلام لهم تجارب غير محمودة مع السلفية جعلت محاربة الفكر السلفي وتشويهه ودعم خصومه من أهم ما تعمل عليه من استراتيجيات في المنطقة .
ثالثاً: فإذا كان الشيعة يبشرون بقتلنا مع إمامهم المزعوم كما يبشر بذلك اليهود والنصارى مع ملك آل داود وإذا كانوا يروننا أخبث وأنجس من اليهود وإذا كانت مصالحهم تلتقي أو تتقاطع ضدنا مع اليهود والنصارى فهل ما يحدث بينهم من عداوة وسجال تمثيلية كما يقول البعض؟
إن للقائلين بأن ما يحدث هو تمثيلية مبررات لا يمكن أن نستهجنها أو نستهين بها لا سيما وأن العصر الحديث قد كشف لنا عددا من مسرحيات العدواة التي سالت فيها دماء حقيقية ثم تبين بعد عقود أنها كانت مسرحيات هادفة , وليس أقلها خطرا مسرحية ثورة اليهود الهاجانا على الانتداب البريطاني في فلسطين والتي خرجت على إثرها الدولة المنتدبة لتسلم البلد للثوار اليهود سنة 1948 وذلك بطريقة قانونية شكلا،دولة منتدبة سلمت البلد للثوار هكذا وبكل بساطة . كما ظهر جليا من خلال كتابات وليم كار ورجاء جارودي أن المذابح التي لحقت باليهود على يد الألمان كانت مسرحية كبيرة أريقت فيها دماء كثيرة لكنها مع هذه الدماء ظلت مسرحية هادفة . إذا فالقول بأنها تمثيلية ليس قولا سقيما كما يحلو للبعض أن يصوره لكنه مع توجهه ليس حتى هذه الساعة القول الذي أميل إليه.(43/80)
ذلك أن التمثيليات الخطيرة من هذا النوع والتي تراق فيها الدماء ويعبث فيها بعقول الشعوب ومقدراتهم يكون فيها عادة من الإحكام والسرية ما يجعل فضحها أمرا يحتاج إلى عقود طويلة من الزمن ويظل القول بها نوعا من التخرص الذي يبعد بصاحبه عن الحلول الواقعية ويدخل به في حمأة جدال لا ينتهي ثم لا يصل معه إلى أكثر من كونها توقعات , هذا ما لا نريده . ونحن وإن قلنا في الشيعة واليهود ما قلنا فلا شك أنهما أمتان متغايرتان متعاديتان لكل واحدة منهما مصالح وإن تقاطعت مع مصالح الأخرى أو ربما توافقت فترة من الزمن أو في جانب معين إلا أنها لا يمكن أن تتطابق كما لا يمكن أن تتطابق مصالح أي أمتين على هذه البسيطة.
فما يحدث هو عداوة حقيقية ولكن لا بأس للأعداء تمكين بعضهم لبعض وذلك في الأمور التي يخسر الفريقان إذا اتخذا فيها مواقف متغايرة . فالحرب الأخيرة مثلا كانت حربا حقيقية لكن الفريقين سارا فيها سيرة تحقق لكل منهما ما يريده من مكاسب .
أما اليهود فقد أوقعوا بالحزب من الخسائر المادية والبشرية ما يكفل لهم أمن جانبه ولمدة سنوات عديدة , ولم يجهزوا عليه لأن موته يعني وحدة الدولة اللبنانية وقوة السنة في هذه الدولة وهي قوة لا يريدونها في حدودهم الشمالية بعد أن ذاقوا الأمرين منها لدى السنة في فلسطين في الجنوب والوسط والعرب السنة داخل حدود الثمانية والأربعين الذين تذكر التقارير أنهم بالرغم من محاولات اليهود الجادة منذ إنشاء الكيان الصهيوني لاستيعابهم إلا أن التدين والروح الجهادية والعدائية لليهود تنموا بينهم مع إشراقة كل صباح . كما أن كيانهم محاط بدول سنية فكان من مصلحتهم أن يوجدوا لأنفسهم منفذا شيعيا في الشمال يرون أنه وإن عاداهم إلا أن هذا العداء يمكن استيعابه على عكس العداء السني.(43/81)
واستفاد حزب الله أن ظهر بمظهر المنتصر الصامد أمام العدو الصهيوني في وقت يبحث فيه المسلمون عن قيادات دينية تحقق نصرا , وهذا ما أكسب الشيعة قبولا بين السنة حتى المثقفون منهم بل وصل القبول للشيعة إلى حد إعجاب كثير من السلفيين بمنجزات الحزب ضد إسرائيل وهو أمر لم يكن الشيعة ليحلموا به لولا مثل هذا النصر .
وقد سارع الشيعة في استغلال هذا الموقف فكثفوا من الدعوة إلى التشيع في هذه الفترة الوجيزة وحققوا مكاسب فعلية ولا أعني بذلك استقطاب كثيرين إلى التشيع , بل تأسيس أرضية لقبول الاستماع بإنصات إلى دعاة الشيعة وهو مكسب لا يمكن أن يقال عنه إلا أنه إنجاز خطير لم يكن ليتم لولا هذه الحرب ولمعان حزب الله الجهادي , الذي استحق عند كثير من السنة لقب صلاح الدين العصر الحديث (ليته كذلك) وهو إنجاز جعل أحد رموز السنة وهو الشيخ يوسف القرضاوي والمعروف عنه التساهل في أحكامه ضد الشيعة , أقول : إن هذا الإنجاز جعله يصرخ محذرا من المد الشيعي في مصر واستغلال الشيعة حب المصريين لرسول الله وآله ليحولوهم إلى المذهب الشيعي . وجاءت تقارير من سوريا تحذر من تغلغل شيعي بين الأكثرية السنية السورية. هذه بعض التأملات في الواقع الشيعي الحاضر أسأل الله أن ينفع بها ويحق الحق بكلماته إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
التشيع الديني في الأردن اشتد بعد حرب حزب الله
وأردنيون سافروا لزيارة الحسينيات
الدستور- ماهر أبو طير (باختصار) 14/1/2007
في الوقت الذي أثار فيه إعدام الرئيس العراقي صدام حسين موجة ردود فعل واسعة سياسيا ودينيا ، كان لافتا للانتباه أن إعدام الرئيس تسبب بموجة غضب على الشيعة باعتبارهم يقتصون من صدام حسين كرمز سني في هذه الحالة على الأقل .(43/82)
المذهب الشيعي الذي حشد خلفه ملايين العرب اثر ما أنجزه حزب الله في جنوب لبنان ، تسبب حينها بحالة تصالح داخل بيت المسلمين بين المذهبين السني والشيعي ، أسقطت عداوات الحالة العراقية ، بل وقطفت إيران ذاتها إحدى ثمار انجاز حزب الله ليصبح لها وجودها المعنوي في العالم العربي ، حتى أن موجة التشيع ومصالحة الشيعة امتدت إلى دول عربية ، فالبحرين سيطر الشيعة البحرينيون على برلمانها ، وفي فلسطين ظهر بيان باسم المجلس الأعلى للشيعة الفلسطينيين في غزة ، فيما دول خليجية أخرى باتت تفكر بإدخال وزراء شيعة إلى حكوماتهم ، فيما يطل بين وقت وأخر متحدثون باسم شيعة مصر ليقولوا أن هناك مليوني شيعي مصري لا حقوق لهم ويتحدث زعيمهم باسم المجلس الأعلى لشيعة آل البيت.
وفي سوريا ولبنان يشتد قوسهم ،وفي دول عربية أخرى مثل عمان واليمن وتونس نجد بؤرا شيعية أو مذاهب شيعية أخرى ، ومابين الرغبة بتثبيت هؤلاء على عروبتهم أو ولائهم القطري للدولة التي ينتمون إليها، أو عزلهم الضمني عن إيران ، التي تطرح نفسها باعتبارها حاضنة الشيعة وقم قلب الشيعة في العالم بدلا من النجف الذي كان تحت احتلال صدام حسين سابقا ، يبدو أن الهلال الشيعي يطل بنفسه على المنطقة بقوة خصوصا ، أن فكرة المصالحة أو الاحتواء تقود في الحالتين إلى بروز الشيعة كقوة في العالم العربي، فيما فكرة القمع اليومية والملاحقة باتت غير منجزة لدى أنظمة كثيرة باتت تهرب من مبدأ القمع نحو المصالحة ليستفيد الشيعة في المحصلة.(43/83)
ويقول مراقبون أن هناك خطرا على الأردن من التشيع الديني والتشيع السياسي ، إذ دخل الأردن ما يزيد عن مليون عراقي غالبيتهم من الشيعة الميسورين بالإضافة إلى الفقراء الذين انقسموا كفقراء شيعة بين مجموعتين الأولى فضلت الهجرة إلى الشام باعتبارها ارخص معيشيا ، ومجموعة أخرى فضلت البقاء في الأردن ، أما أغنياء الشيعة العراقيون فقد انقسموا أيضا إلى مجموعتين ، فأغنياء الشيعة العراقيون العروبيون أو المرتبطون بالنظام السابق فضلوا البقاء في الأردن كونه دينيا وسياسيا لا يعزلهم عن عروبتهم أو باعتباره حاضنة تتفهم على الأقل وجود العراقي وعيشه بيننا ، فيما أثرياء الشيعة العراقيون ، المتدينون والمستبدلون قم بالنجف والذين يعتبرون ميلهم الديني والمذهبي قبل عروبتهم فقد فضلوا العيش في سوريا لاعتبارات عديدة أهمها المساحة الممنوحة للشيعة في سوريا.
إذاً في الأردن لدينا نوعان من الشيعة العراقيين الأول أغنياء الشيعة العروبيون بالإضافة إلى فقراء الشيعة والسنة على حد سواء دون إنكار أن هناك عداوة تفصل بينهم من ظلال ما يحدث في العراق.
حزب الله الذي أطلق آلاف الصواريخ على إسرائيل أشاع موجة من التعاطف مع الشيعة في الأردن في ذلك التوقيت إذ كان عاديا أن تسمع تعبيرات بين الناس (الله نصرهم ولو لم يكونوا على دين حق لما نصروا وقد نكون نحن على خطأ أو متأثرين بالثقافة الأموية التي نراها حتى اليوم في بطون الفقه والكتب وعلينا أن نراجع كل شيء).بهذا الاستخلاص كانت التعبيرات تقال في ذلك الحين ، وربما خطابات حسن نصر الله في ذلك الوقت كان يعرف توقيتها من انشغال كل الناس في بيوتهم لمتابعة الخطابات التي لاقت صدى كبيرا خصوصا أن خطاباته في ذلك الوقت لم تحمل مفردات مذهبية.(43/84)
في ظل هذه الأجواء كان التشيع الديني في الأردن هو الحدث الأبرز الذي لم يلتفت إليه احد ، إذ كان الحديث ينصب فقط عن التشيع السياسي بمعنى الإعجاب بحسن نصر الله ومناكفات إيران لواشنطن وغير ذلك ، بل واعتبار ما يجري في العراق فتنة قد لا يكون لا الشيعة ولا السنة مسؤولاً عنها.
وهكذا كان، بدأت بؤرة التشيع الديني بالتزايد ، ووفقا لمعلومات مؤكدة فأن هناك ثلاثة مصادر بدأت تغذي التشيع في الأردن، وعلى الرغم من أن السلطات الرسمية نفت في وقت سابق وجود طلب رسمي لديها بإنشاء حسينية في عبدون، برغم من المؤكد أن هناك طلبا تم تقديمه رسميا إلا أنه تم رفضه ، لاعتبارات رسمية ودينية وأمنية. وكان لسان حال الجهات الرسمية أن المساجد موجودة وهي لجميع المسلمين ولا حاجة لحسينية ، والحسينية هي مكان يتم فيه تلاوة أذكار تمجيد آل البيت واللطميات على مقتل الحسين رضي الله عنه ، وغير ذلك.
ويمكن أن تكون أي شقة أو فيلا بمثابة حسينية، وعلى هذا فقد كان هناك حاجة لترخيص رسمي من جانب مقدمي الطلب ليس لعدم قدرتهم على ممارسة العبادات في أي مكان أخر ، بقدر تأسيس بؤرة علنية أولية للتشيع في الأردن ، بمباركة الدولة وهو الأمر الذي لم يتم.(43/85)
وشهدت الساحة الأردنية خلال العقد الماضي ، أي خلال عشر سنوات ماضية ثلاثة مصادر للتشيع الديني ، أولها وجود مجموعة قليلة تعد باليد لأشخاص يحملون شهادة الدكتوراه وهم من الأردنيين تشيعوا في ظروف مختلفة وعادوا إلى الأردن بهذا المشروع وبدءوا بالسعي لتشييع اكبر عدد ممكن وكان لافتا للانتباه وفقا لمطلعين قلة إمكاناتهم المالية بمعنى عدم وجود تمويل مالي لهم من أي طرف عربي أو إقليمي وكانت مؤلفات خاصة تتعلق بالتشيع يتم تصويرها باستخدام آلات تصوير عادية، وتوزيعها على المريدين الجدد ، ويؤكد مطلعون أن السلطات الرسمية كانت مطلعة على تحرك هؤلاء خصوصا تحركات لشخصين من السلط واربد، إلا أن كون تشيعهم يعد فردياً وعملهم غير منظم أو مؤطر قلل من أهمية تحركهم في المحصلة، برغم وجود ألاف الكتب المهربة التي تشرح المذهب الشيعي وتوجد في مكتبات وسط العاصمة ومخازنها المعلنة أو تلك المخازن التي لا يعرف عنها احد وتوجد بها الكتب الممنوعة بالإضافة إلى هذه النوعية من الكتب والتي تم استيرادها من لبنان وسوريا ، أو ادخلها العراقيون معهم منذ عام 1990 على شكل نسخ تم استنساخها، ومابين طرفي المشهد هذا لم يكن الأمر يشكل موقفا أو تهديدا ، خصوصا ، مع دخول الانترنت ووجود مئات المواقع التي تتحدث عن التشيع ، والمفارقات الدينية والفقهية في الاختلاف بين مذهبين ، ووجود أيضا عشرات المواقع السنية التي ترد عليهم.…
أما ثاني هذه المصادر فقد جاء مع دخول العراقيين إلى الأردن ، وكان لافتا للانتباه أن العراقيين خلال دخولهم إلى الأردن في فترة حكم الرئيس العراقي صدام حسين ، لم يعلنوا عن هويتهم كشيعة ، بل كانوا يتحركون كعراقيين ، أولا وأخيراً، باستثناء المجموعات التي هاجرت إلى الغرب أو إلى سوريا والتي جاهرت بتشيعها.(43/86)
غير أن سقوط النظام العراقي قبل سنوات ، جعل المجاهرة بالتشيع أمرا عاديا مع سقوط النظام الذي لم يكن يحمي السنة بقدر طغيانه آنذاك على السنة والشيعة والمذهبية ، ولا بأس هنا أن نذكر أن صدام لو صنف عدوا للشيعة كونه قتل في الدجيل، من العراقيين وأرسل جنوده إلى مراقد الأئمة في حالات فوضى كبرى كما حدث في النجف والجنوب بعد حرب 1990 ، فيتوجب تصنيفه كذلك عدوا للسنة والأكراد كون جيش العراق بطش حينها بالأكراد السنة في كردستان وبالعرب السنة في الرمادي ومواقع أخرى.
فالرئيس السابق لم يكن مذهبيا ، فيد بطشه امتدت إلى الجميع فيما جنده وجيشه وحزبه ضم السنة والشيعة معا، غير أن العراقيين الشيعة لسبب أو أخر قفزوا عن المعادلة السابقة ، وجاهروا بتشيعهم بعد سقوط النظام ، ودخلت إيران كخط مغذ وقوي جدا ، وعلى حد تعبير احد الخبراء فإن دخول إيران على خط الشيعة في العراق ، كان يهدف أولا وأخيرا إلى منع عودة النجف كمرجعية للشيعة في العالم والحفاظ على قم كمرجعية وحيدة.(43/87)
ويقول مطلعون إن العراقيين الذين قدموا إلى الأردن ، خصوصا ، الشيعة منهم ، أقاموا عدة حسينيات في مناطق مختلفة دون الإعلان عن ذلك رسميا ، وبرغم أنهم كانوا يشاهدون في المسجد الحسيني وسط البلد يصلون منفردين مع وضع ورقة أو أي قطعة لعزل جبين المصلي عن السجاد لعدم القدرة على استخدام التربة الحسينية المأخوذة من موقع المعركة التي استشهد فيها الحسين رضي الله عنه ، إلا أنهم لم يتعرضوا لأي مضايقات بسبب المذهب ، ويقول مطلعون أن هناك عدة حسينيات في جبال عمان الشرقية ولمجموعات ليست كبيرة حتى لا تلفت الانتباه ، ويشير البعض إلى جبال مثل النزهة و الأشرفية ، وفي أوساط المخيمات نجد أن هناك تواجدا كبيرا لفقراء الشيعة العراقيين ، إذ يقول مطلعون أن هناك بضعة ألاف من الشيعة العراقيين يعيشون في مخيم البقعة وأعلنوا فرحتهم علنا صبيحة إعدام صدام حسين مما أدى إلى نشوب مشادات بالأيدي بينهم وبين مواطنين اعتبروا فرحهم هذا مبالغا فيه ، والتباس على سبب الإعدام الحقيقي ، وتقول مصادر مطلعة أن هناك 150عائلة أردنية تشيعت في مخيم البقعة خصوصا بعد انجازات حزب الله ضد إسرائيل. ويلفت مراقبون الانتباه إلى أن احمد الجلبي زعيم حزب المؤتمر العراقي وهو على علاقة قوية جدا بواشنطن وطهران ويزور السيستاني بشكل دائم ، قال قبل ثلاثة أسابيع في مقابلة مع إحدى الشبكات الأمريكية أن هناك ثلاثين ألف شيعي أردني تمنعهم السلطات الرسمية من ممارسة عباداتهم ، والواضح أن الجلبي يصفي حساباته مع الأردن ، كونه محكوما على خلفية قضايا اختلاسات ، وأيضا يحرض شيعة العراق بتأثيرهم على حكومة المالكي لمنع أي تحسن في العلاقات بين عمان وبغداد وبما ينعكس على الأردن خصوصا على الصعيد الاقتصادي.…(43/88)
ويقول مطلعون أن الرقم الذي يطرحه الجلبي مبالغ فيه أساسا ، إذ توجد عائلات أردنية في منطقة الرمثا وشمال الأردن وأصلها من منطقة بنت جبيل اللبنانية ، وهاجروا إلى الأردن منذ عشرات السنين وأصبحوا مواطنين أردنيين ، وهي عائلات شيعية أصلا ، غير أن أحفادا لهذه العائلات يقولون أنهم لم يعودوا شيعة أساساً، وأنهم أصبحوا سنة، وان أجدادهم هم الشيعة ، وعلق احد أبناؤهم في وقت سابق بأنهم كانوا دوما محل شك السلطات الرسمية خلال الحرب العراقية الإيرانية وفي مناسبات عديدة برغم تأكيدهم أنهم أردنيون أولا وأخيرا ، وولاؤهم للأردن قبل أي شيء أخر ، إلا أن المناكفات الفقهية تطل برأسها حين يقول علماء سنيون أنهم شيعة ولن يتخلوا عن مذهبهم وما يقال مجرد تقية تتم ممارستها من اجل الاستمرار وأنهم احتياط استراتيجي للمشروع الشيعي ، ومابين الرأيين يبدو هؤلاء في وضع لا يحسدون عليه حين يتم إطلاق سهام الشك عليهم في كل مناسبة.
وتقول مصادر عليمة لـ(الدستور)أن العراقيين حاولوا في فترات ما شراء أراض في منطقة المزار الجنوبي ، إلا أن هناك تعليمات غير معلنة بالتنبه إلى هذه التحركات في قطاع الأراضي في تلك المنطقة ، لوجود ضريح سيدنا جعفر بن أبي طالب عليه السلام الملقب بجعفر الطيار، كما تمت المحاولة لشراء أراض، عبر تسجيلها بأسماء لأردنيين.(43/89)
وبرغم أن السلطات الرسمية ، تتيح للعراقيين الشيعة بالذهاب إلى مقام جعفر بن أبي طالب خصوصا في عاشوراء ، إلا أن اللافت للانتباه عدم وجود تسهيلات فأرض المقام لم تكن سابقا مفروشة بالسجاد ، لمنع الجلوس لفترات طويلة ، فيما تباع قرب المسجد صور للإمام الخميني وحسن نصر الله ومقتدى الصدر وشخصيات إيرانية وشيعية عراقية بما في ذلك السيستاني ، كما تباع أشرطة اللطميات والأذكار بكاء على الحسين في تلك المنطقة ـ وأيضا في وسط العاصمة عمان ولدى سائقي السيارات القادمة من بغداد - كما تباع في تلك المنطقة التربة الحسينية.
وكانت إيران في الثمانينات قد عرضت على الأردن مطلع ذاك العقد اعمار مقام جعفر بن أبي طالب على نفقتها وإقامة منشات سياحية إلا أن الملك الراحل الحسين بن طلال رفض العرض كليا حتى لو أدى ذلك إلى وصول مليون سائح إيراني سنويا كما كان مطروحا وقال الملك الراحل جملة شهيرة أمام بطانته آنذاك مغزاها(أنا من آل البيت وأولى ببيتي من أي احد أخر) مما أدى لاحقا وبعد سنوات إلى اعمار الضريح ضمن سلسلة اعمار مقامات صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويقول مطلعون أن هناك حسينية أخرى في عمان الغربية ، ووفقا لجهات رفيعة المستوى فأن هناك قلقا رسميا من ظاهرة التشيع الديني في الأردن خصوصا ، مع وجود معلومات حول سفر أردنيين إلى سوريا وزيارتهم لمرجعيات شيعية هناك والتشيع على أيديهم والعودة ودون الإعلان عن تشيعهم استنادا إلى مبدأ التقية ، ويعلق خبراء أن المؤسف أن يتم طرح الشيعة العراقيين أو الشيعة العرب أو حتى مبدأ التشيع كخطر على الأردن أو على العالم العربي ، لولا زواج المتعة الذي حصل فعليا بين التشيع العربي وإيران التي لها مشروعها في المنطقة والذي يطل بوجه ديني وبقلب قومي.(43/90)
ويرى محللون أن الشيعة العراقيين في الأردن ، خصوصا الأثرياء منهم ، بدءوا يفكرون أصلا بمغادرة الأردن ، فيما الفقراء منهم لا يمتلكون حاليا خيارات أخرى ، حتى أولئك الذين لا يتم تجديد اقاماتهم يستمرون بالتواجد في الأردن ، وتقول مصادر عليمة لـ(الدستور) أن هناك رقابة أعلى من المتوقع على بؤر عديدة ، من الناحية الأمنية ، والسياسية لما يحدث ، إذ بدأت السلطات بالتدقيق جيدا في ما يحضره المسافرون معهم من كتب ومنشورات وأشرطة في المواقع الحدودية مع سوريا والعراق، بالإضافة إلى وسائل أخرى تبقى طي الكتمان ، ليبقى التشيع ليس هو المشكلة ما لم يتصل بإيران أو بقرار ذات لحظة من المرجعيات الدينية للشيعة في النجف لبقية الشيعة بالتحرك باتجاه ما ، لغاية ما ، وهي تخمينات مجهولة ، في التوقيت والمغزى.
وترك العراقيون بالمحصلة تأثيرا واضحا إذ تشيع ألاف الأردنيين (هذه مبالغة قد لا يتجاوزون المئات. الراصد) خصوصاً مع وجود تأثير لما يسمى العرفانيين لدى الشيعة وهم نظير أهل التصوف لدى أهل السنة، ويوجد في النجف وقم عدد قليل من العرفانيين ، والروح الجمعية للشيعة محكومة بالغيبيات ، ويقال أن هناك ما يسمى بـ (البشارة)لدى الشيعة في إيران والعراق مفاده بأن زمن الشيعة قد حل وظهور دولتهم الممتدة من إيران إلى مصر مرورا بدول الخليج وباكستان والهند قد اطل ، وان موجهم لن يتم رده بأي طريقة ، وان زمن دول سابقة لهم كالصفوية والفاطمية عائد لا ريب فيه ، وتفسر الروح الجمعية والغيبية هذه تحركهم بكلمة من أي مرجع .(43/91)
في ظل هذه الأجواء ووجود عائلات أردنية شيعية ووجود بؤر قليلة تروج للتشيع في الأردن، وما جهز له العراقيون الشيعة في الأردن من وجود مالي وديني وتغلغل في الحياة العامة ، بل وخطورة امتثال فقراء الشيعة بكلمة أو فتوى من أي إمام يتم تقليده ، جاءت معركة حزب الله الأخيرة كمصدر ثالث من مصادر التشيع الديني في الأردن. ووفقا لمطلعين فأن هناك عددا لا بأس به من الشباب الأردني سافروا إلى لبنان بعد الحرب الأخيرة وزاروا مقار لحزب الله، وتشيع بعضهم فعلا وعاد إلى الأردن ، كأحد تأثيرات الحرب الأخيرة على الأردن ، والواقع أن يأسا شديدا لدى العرب وشباب المسلمين من رؤية أي انجاز لدى إسرائيل تهدم مع رؤية صواريخ حزب الله تتساقط على إسرائيل ،
والواضح أن حسن نصر الله حشد خلفه شباب العرب والمسلمين في ذلك الوقت ، ويقول مطلعون أن الحالة النفسية والمعنوية التي حققها حزب الله آنذاك ، تم استثمارها أردنيا من جانب قوتين الأولى بؤر التشيع الأردني المحدودة والتي لم تكن تلاقي إقبالا ، إذ باتت تحرك بوحي من النصر الإلهي وبتأثير منه ، فيما استفاد منه العراقيون الشيعة للحديث عن مذهبهم علنا وإثبات أن حزب الله لقي مددا ربانيا في حربه ضد إسرائيل.
ولعل هناك أدلة لا تعد ولا تحصى على ارتفاع عدد الأردنيين الذين غادروا إلى دمشق ولبنان في فترة الحرب وما تلاها ، وزيارتهم لحسينيات في دمشق وبيروت وعاد مئات منهم وقد تشيعوا فيما ساهم كثيرون منهم في تشييع أسرهم والإثبات لعائلاتهم بوسائل فقهية ودينية وتاريخية أن التشيع هو الأصح من السنة وان التشيع في حقيقته كفكرة مذهب قائم على عبادات كثيرة وعلى إقامة سنن رسول الله.(43/92)
إذن ثلاثة عناصر لعبت دورا في خلق حالة من التشيع الديني في الأردن ، خصوصا في أوساط الأردنيين الفقراء وفي أوساط المخيمات وفي بؤر محدودة ومتوسطة في مدن كالرمثا والسلط واربد ، ليتم تقدير عدد الشيعة الأردنيين بخمسة عشر ألف شيعي (ليس هناك مستند منطقي في هذا الرقم . الراصد ) بمن في ذلك العائلات الأردنية التي هاجرت أساسا من بنت جبيل ، والتي لا تطرح نفسها باعتبارها شيعية، فيما التشيع السياسي هو الأخطر كونه يقود في المحصلة إلى التشيع الديني كنتيجة منطقية للتشيع السياسي
وتقول مصادر عليمة أن السلطات الرسمية تشعر بقلق عميق ، فعلى الرغم من أن إعدام صدام حسين بهذه الطريقة اسقط إيران وحزب الله في الساحة الأردنية ، وجعل مشروع نقل التشيع إلى الأردن ، مشروعا ضعيفا وغير قابل للحياة ، إلا أن المخاوف تنبع من شيء أخر تماما ، يتعلق حقيقة ليس بالسنة الذين غضبوا لإعدام صدام حسين ، بل لأولئك الذين تشيعوا ولن يعودوا عن تشيعهم أصلا ، باعتبارها قضية قناعة دينية ، فيما لا يتوقع أن يتراجع التخطيط لتغذية عملية التشيع في الأردن ، في ظل مبدأ التقية أولا ، وفي ظل وجود عدد كبير من العراقيين في الأردن وحرية سفر الشباب إلى سوريا ولبنان ، بل والبدء لترويج لقصة أن واشنطن تريد إثارة الشقاق بين السنة والشيعة ، وانه ليس شرفا للمسلم أن يشتم الشيعة مصطفا من حيث لا يعلم مع اليهود ، وهذا التبرير كفيل لوحده بحسر موجة النقد للشيعة في الأردن تدريجيا ، مع سريان نظرية المؤامرة الأمريكية - الإسرائيلية على حزب الله وسمعته وعلى مشروع إيران الإسلامي.(43/93)
والواضح أن الأردن أمام إجراءات عديدة قد تتخذ بين وقت وأخر ، ليس لعداوة تجاه الشيعة العرب ، بل لكون التشيع بات سلاحا في أيد أطراف إقليمية ، لتغيير هوية المنطقة تدريجيا من عربية سنية إلى هوية جديدة ، وإذا كانت الخيارات صعبة ، فإن تغذية الناس بوعي فقهي من جهة والتنبه لما يفعله كثيرون خصوصا الطلبة الذين يدرسون خارج الأردن وأولئك الذين يسافرون إلى دول الجوار ، وأيضا ، وجود بؤر للترويج للمذهب الشيعي ، تعمل بشكل دائم أو متقطع ، والتنبه لما يفعله الزوار والمقيمون العرب هو أمر هام جدا ، وإذا كانت هناك حسينية صغيرة موجودة في مخيم البقعة تم إغلاقها ، فإن الواجب إطلاق رسالة أن المسجد هو لجميع المسلمين وان التباس الدين بأي أجندات أخرى هو أمر خطير ، وعلى حد تعبير إعلامي عربي ، فإن نسبة الدخول من الأردن على مواقع الانترنت الشيعية هي من أعلى النسب عربياً.
بيان من جماعة الإخوان المسلمين في سورية
لبنان والأمة.. بين المشروعَيْن
الأمريكيّ الغربيّ والإيرانيّ الفارسيّ
إلى أبناء أمتنا العربية والإسلامية..(43/94)
لم يَعُد ما يجري في لبنان شأناً لبنانياً، كما لم يَعُد ما يجري في العراق شأناً عراقياً؛ فلقد أحدث الاحتلال الأمريكيّ للعراق فراغاً في المنطقة، وخللاً في ميزان القوى، سمح للمشروع الإيرانيّ الفارسيّ بالتمدّد، ووضع أمتنا بين مشروعين مُريبَيْن: دوليّ بأبعاده الثقافية والسياسية والاقتصادية المعروفة، وإقليميّ حلم دائماً بالاستحواذ على المنطقة، والثأر من التاريخ والجغرافيا.. ولم يُجْدِ حرصُنا، ولا نداء العقلاء من أبناء أمتنا أجمع، لصياغة مشروعٍ أصيلٍ في أفقٍ إسلاميٍ حضاريّ، يجتمع عليه أبناء الأمة ويستظلّون بظله، ويلتفّون حول ثوابته.. لم يُجدِ ذلك نفعاً، في كفكفة المشروع الإقليميّ!! ولقد أكدت الأحداث لكل المتابعين، أنّ مشروعاً مذهبياً خفياً يتسلّل عبر العناوين والشعارات، لتصفية حساباتٍ مذهبيةٍ تاريخية، تشهد عليها مجريات الأحداث في العراق ولبنان وسورية على السواء..
في ظل المشروع الأمريكيّ المتداعي في العراق، تَقدّم المشروع الإيرانيّ الفارسي، وعلى أنقاض العراق من إنسان وعمران ارتفع هذا المشروع، وبمهادنة المشروع الأمريكيّ والسكوت عليه تمكّن، و هو لا يفتأ يقدّم نفسَه بديلاً تارةً، ومنافساً ثانيةً، ومناهضاً ثالثة!! ليكتسب بذلك المزيد من الولاءات، وليتسلل إلى القلوب الطيبة عَبْرَ زُخْرِف القول والشعارات، مغيّباً الكثير من الحقائق. ولولا مساعدته وتأييده للمشروع الأمريكيّ، ما احتُلَّت أفغانستان، ولا سقط العراق، ولولا تعاطيه الإيجابيّ مع المشروع الأمريكيّ لما استقر لهذا المشروع على أرض العراق مقام.(43/95)
يا أبناء أمتنا العربية والإسلامية.. إنه من السذاجة والعجز، أن تجدَ أمتنا العربية المسلمة نفسها، بجماهيرها ونخبها وقادتها، محاصَرةً بين المشروعَيْن الأسودَيْن المريبَيْن، والخيارَيْن المُرّين، دون أن تضعَ لنفسها أو يضعَ لها قادتها ومفكروها مشروعَها الذاتيّ.. مشروعَها الذي يحمي وجودها وحقيقَتَها، ويحفظ هويّتها، ويعبّر عن مصالحها، ويجسد طموحات أبنائها، ويستفيد من كل معطىً إيجابيٍ خيرّ، ويرفض كلَ مفارقةٍ تمسّ عقيدتها أو ثقافتها أو تاريخها أو حاضرها أو مستقبل أجيالها.
إنّ أول ما تهيب به جماعتُنا أبناءَ الأمة في هذا السياق، أن يقرؤوا الوقائعَ ببصيرة، وأن يفرزوا القوى بحذر، وأن يَنفذوا إلى عواقب الأمور ومآلات المواقف، وأن يكفّوا عن التعامل الساذج مع العناوين والشعارات بكلّ ما تحمله من زيفٍ أو بريق.(43/96)
في إطار المخطط الإقليميّ الرهيب، الذي لا يقلّ ضراوةً وتعصّباً - كما تشهد المجريات على أرض العراق - نظروا إلى لبنان فوجدوه الحلقةَ الأضعف، فبدؤوا بالرئيس الشهيد الحريري لأمرٍ لا يَخفى، ولسببٍ لا يجوز أن يغيب، ولعبوا بكلّ الأوراق، وهاهم اليوم يحاولون قطفَ ما زرعوا وحصاد ما بذروا.. يقفون في لبنان موقفَ الآمر الناهي، ليكونوا الوجهَ الآخرَ للحزب القائد للدولة والمجتمع! الحزب الذي يمنعُ ويمنح، ويَخفِضُ ويرفع، ويمنح شهادات حسن السلوك، أو صكوك الحرمان والغفران.. يا أبناء أمتنا العربية والإسلامية.. إنّ لبنان الديمقراطيّ الحر الموحّد هو المطلب، وهو المخرج، وهو الأمان للّبنانيين جميعاً، ولا يمكن أن يكونَ لبنانُ (لبناناً).. إذا كان فيه فريق - مهما علا شأنه وكثر عدده - يظنّ أنّ من حقه أن يستأثر بلبنان الدولة والسيادة والقرار، أو يظنّ أنّ الديمقراطية تُصنَع في صخَب الشوارع لا عبر صناديق الاقتراع.. فالحوار الوطني الإيجابي البنّاء، يبقى دائماً هو المخرج، والاقتناع بحق (الآخر) في الوجود وفي الحياة، وفي التفكير والتعبير والمشاركة.. يبقى دائماً هو السياج الذي يُعطي لأيّ حوارٍ وطنيٍ مغزاه. لذلك فإننا ندعو اللبنانيين جميعاً، إلى إدراك حجم التهديدات التي تحدق بلبنان، والعودة السريعة إلى طاولة الحوار الوطني، والاحتكام إلى المؤسسات الدستورية الشرعية.(43/97)
مرةً أخرى، لم يَعُد ما يجري على أرض لبنان وأرض العراق وامتداداته إلى وطننا الحبيب سورية، حيث يُهدّدُ نسيجُه الوطنيّ وتركيبتُه السكانية.. لم يَعُدْ شأناً قُطرياً، إنها حلقاتٌ في مشروعٍ إقليميٍ، يُهدِّد أمتَنا من أفغانستان إلى آسية الوسطى إلى جزيرة العرب إلى مصر والسودان.. إنه مشروع يثير قلقنا، ويدفعنا إلى إطلاق النداء تلوَ النداء، لأنه مشروع يهدِّد وجودَنا، كما ينفَّذُ اليومَ في العراق، وتقوم عليه مرجعية، وتَرعاه دولة، وتُنفَق عليه أموال، ويتحرك عليه مبشِّرون ودعاة.. ولا ينفع في مواجهته غرور المغرورين، أو تجاهلُ غير المبالين. إنّ جماعتنا جماعة الإخوان المسلمين في سورية، إذ ترفض الانخراط في الجدل العقيم حول أيّ المشروعين أمَرّ وأخطر.. لتجدُ أنّ هذه الأمة بجماهيرها ونُخَبِها وقياداتها، مؤهّلةٌ ومدعوّةٌ ليكونَ لها خيارُها الأصيل، خيارٌ ينطلق من أصالتها وتاريخها وحضارتها، ومن وحدة رؤية أبنائها في لبنان وسورية والعراق وفلسطين.. وإننا نهيب بقادة الأمة وجماهيرها، أن يضعوا ما يجري على أرض لبنان في سياقه الإقليمي، وأن يفسّروه في ضَوْء ما جرى ويجري في سورية والعراق، وأن بقفوا سدّاً منيعاً في وجه ما يحاكُ ضدّ أمتنا من مؤامرات.. وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ).
12 من كانون الأول (سبتمبر) 2006م/ جماعة الإخوان المسلمين في سورية
كيف يصنع العلويون في سورية مستقبلهم الوطني
زهير سالم - مدير مركز الشرق العربي - لندن
وأحد قيادات الإخوان السوريين، نشر على موقع الشرق العربي
(هذه رؤية تستحق المناقشة والحوار حول مستقبل العلاقة بين الأغلبية المسلمة المظلومة وبين الأقلية المستبدة كون هذه الحالة ستتكرر في أكثر من بلد وإن بأشكال مختلفة. الراصد)
ماذا يعد أهل السنة للعلويين؟(43/98)
عنوان مقال نشر باللغة الانجليزية على موقع سيريا كومنت في 30 آب 2006، طرح حزمة من الأفكار والتساؤلات تستحق التوقف عندها ومناقشتها . لم يشأ كاتب المقال أن يفصح عن اسمه الحقيقي ، مفضلاً أن يرمز له بأي اسم يحمله احد أبناء الطائفة !! سنناقش في هذا المقام الأفكار الواردة في المقال، ونجيب على التساؤلات المطروحة إيمانا منا بأهمية وجدية ما طرح ، و صدقية هذه الأفكار في التعبير عن حالة يعيشها فريق من أبناء مجتمعنا ، بغض النظر عن شخص الكاتب وحقيقة ودوافعه .
سنضطر ابتداءً إلى تقديم تلخيص وافٍ للمقال لنعين القارئ على متابعة الحوار.
نستطيع أن نركز المقال في النقاط التالية :
حديث عن طبيعة النظام القائم واستناده على أفراد أكثر من استناده على طائفة , في محاولة لنفي الصبغة الطائفية عن النظام ، بمعنى أن الطائفة ليست مستفيدة جميعا من هذا النظام.
دور تعاقب الأجيال في صياغة الموقف الطائفي , يبدو أن الكاتب ينتمي إلى الجيل الثاني من حكم العلويين, فهو كما يريد أن يخبرنا من الجيل الذي لم يعاصر (مرحلة الاضطهاد السني !!) قضية لا نريد أن نتوقف عند مناقشتها في هذا السياق.
الطائفة العلوية لا تزال تتحكم بالمواقع المهمة في الجيش و الأجهزة الأمنية .إقرار مفيد في سياق الحوار.
يرى الكاتب أن الاتجاه الذي تسير إليه سورية لا يبشر بخير ..ثمة تخوف من كارثة يقاد إليها البلد. يحمّل الكاتب مسؤوليتها مجموعة مؤلفة من طوائف كثيرة ، ولكنها في النهاية ستحمل للعلويين وحدهم (يحاول الكاتب أن يشير إلى اشتراك جميع الطوائف في حكم البلد أو في صنع الكارثة)
ثم يتساءل الكاتب :لماذا لا يفعل العلويون شيئاً لتفادي الكارثة ؟ لماذا نصمت عنها ؟ ولماذا لا يقوم جنرال علوي بانقلاب عسكري؟
للإجابة على هذه التساؤلات يتحدث الكاتب عن نوعين من الأسباب ، عام يتعلق بالسوريين جميعاً وخاص يتعلق بالعلويين ..(43/99)
في السياق العام يذكر ستة أسباب نكاد نوافقه على معظمها ؛ فثقافة الخوف التي انتشرت بين الناس ، وقيام الشك والريبة في نفوس المواطنين، وثالثاً الصراع الخارجي الذي تفرضه الإدارة الأمريكية ، وعاطفة الشارع السوري ضد هذه الإدارة ، وتحكم الرئيس الراحل بالجيش وإحكام القبضة عليه ، مما يصعب أي عملية تحرك أو يجعلها مستحيلة ؛ كل هذه العوامل متضافرة تجعل التغيير في سورية مستحيلا أو بعيد المنال كما يرى كاتب المقال ، ما لم يشارك فيه العلويون ، وهؤلاء العلويون لن يشاركوا في التغيير ما لم يروا بديلاً واضحاً . ومن هنا يطالب الكاتب المعارضة (أن تقدم رؤية واضحة عن المستقبل تطمئن الشعب السوري بحيث يقتنع بالمخاطرة بالميزات القليلة التي يتمتع بها .وعلى رأسها الأمن . يؤكد الكاتب أنه لا تزال عبارات الوعود العامة والغامضة عن الديمقراطية والحياة الأفضل تصبغ خطاب مؤيدي تغيير النظام!!
في النقلة إلى الأسباب الخاصة بالعلويين . يركز الكاتب على أن السبب الرئيس الذي يحول دون فاعلية العلويين في دعم عملية التغيير هو (الخوف من الآخر ) وهذا الآخر في رأيه يتمظهر في فريقين من الناس:
الأول زعماء المعارضة الدينية السنية و الأكراد الذين يتناولون بفظاظة ووضوح (نريد إنهاء الحكم العلوي).
والفريق الثاني هم كل من يقول على استحياء أو بإيجاز إنه يجب إنهاء احتكار المناصب العليا في الجيش و الأمن .
يزعم الكاتب أن أحدا من السياسيين أو المثقفين لم يجب على السؤال : ما هي خططكم بالضبط تجاه العلويين بعد أن نتخلى عن السلطة ؟! ثم يسرد العديد من الأسئلة عن مستقبل مجموعات من المواطنين العلويين على النحو التالي :
- ما هي خططكم تجاه عشرات الألوف من العلويين العاملين في الجيش وأجهزة الأمن؟(43/100)
- ما هي خططكم تجاه الحرس الجمهوري والقوات الخاصة؟ ...هل ستدفعون لهم معاشات تقاعدية إذا قررتم حل قواتهم أم أنهم سيطردون ويرمون في الشوارع –على الطريقة الأمريكية ؟! هل تقدرون مخاطر مثل هذا التسريح على الأمن ؟!
- وما هي خططكم تجاه عشرات الألوف من العلويين الذين يعملون كموظفين في كثير من المؤسسات غير الفاعلة -يقصد الوهمية – هل ستغلقون هذه المؤسسات؟ .
- هل ستوقفون المشاريع الإصلاحية في المنطقة الساحلية؟
- هل ستعكسون قانون مصادرة الأراضي وإعادتها إلى ملاكها؟
- هل ستطالبون بمحاكمة المسؤولين الأمنيين على أعمالهم خلال 35 سنة الماضية؟ وما هي الرتب التي ستعتبرونها مسؤولة ؟
-هل ستحاكمون النخبة السنية أيضا بنفس المعيار؟!
يؤكد الكاتب إن الإجابة على هذه الأسئلة مطلوب وأن تحييد القضية المذهبية والسكوت عنها لا يخدم القضية الوطنية .. وأنه إذا كان (السنة ) يريدون تغيير النظام فعليهم معالجة المسألة العلوية أولاً ..وبغير ذلك لن يتم التغيير إلا بطوفان شعبي داهم وهو ما يراه العلويون حتى الآن الخطر البعيد ..
*** ***** ***
اضطررنا إلى تلخيص المقال لأهميته ، ولضرورة تفهم أبعاد الحوار وافاقه في إطار من الصدق والصراحة الوطنيين ، حيث لا تنفع الشطارة والمراوغة ، كما يقول الكاتب . نؤيد ابتداء رأي الكاتب أن مشاركة المواطنين العلويين في عملية التغيير ستجعلها أكثر سهولة وأكثر سلاسة وأكثر أمناً للجميع ؛ ولكننا نؤكد في الوقت نفسه أن التغيير قادم بإذن الله لأنه سنة التاريخ وسنة الحياة ..(43/101)
وملحوظتنا الابتدائية أن الكاتب وضع أهل السنة وحدهم (عربا وأكرادا) في مواجهة العلويين!! متناسياً أن الفئة الحاكمة وضعت العلويين في مواجهة جميع مكونات المجتمع السوري . فالكاتب لا يستطيع أن ينكر حالة الاستياء التي تسود أبناء المذاهب والطوائف جميعا ، كما تسود رجال الفكر والسياسة الذين يصعب حسبانهم مباشرة على تيار مذهبي أو طائفي ..
ثم إن التقويم العام للنظام القائم في سورية على أنه حكم أقلية علوية لا يعتمد على مقياس من هو المستفيد من النظام!! فنحن نعلم أن الأقلية المستفيدة من النظام تتوزع على جميع الطوائف وإن بنسب متفاوتة ..الصبغة العلوية تستند على حقيقة من هم القائمون على النظام؟ فنظرية ابن خلدون عن (العصبية) التي تحمي السلطان تتجلى في أوضح صورها في نظام الأقلية العلوي ، الذي يقوم على دعم نخبة مغلقة من رجال الجيش والأمن. وهو ما لا ينازع فيه كاتب المقال. مرتكزات الحكم علوية محضة . دون أن يعني ذلك أن جميع أبناء الطائفة مستفيدون ، وان أحداً من غير أبناء الطائفة لا يستفيد. من الضروي جداً أن نميز في توصيف النظام بين المستفيدين منه والقائمين عليه . ونظن أن قول الكاتب في إحدى عباراته (نتخلى عن الحكم ) غنية عن أي تعليق .
الذي يثير الاهتمام بالمقال أيضا اعترافه الصريح أن التغيير الجذري من الداخل لن يكون إلا بمساعدة العلويين أنفسهم ، أو بقيام انتفاضة جماهيرية كاسحة.
وهاتان الحقيقتان المتعانقتان بحاجة إلى الكثير من التأمل. حقيقتان تمثلان رؤية صائبة عمليا ، وتلقيان على عاتق العلويين مزيدا من المسؤولية الذاتية و الوطنية. إن لم تكن الأولى فستكون الثانية, وماذا بعد الثانية؟!(43/102)
[هل تكون هذه حيلة للتضحية بقلة وإنقاذ للكثرة ؟ أو هي حقيقة يجب إدراكها بحجمها فمن أساء يعاقب بعدل مهما كان ؟ أم الضرورة فعلاً تقتضي التغاضي عن بعض الحقوق ؟ قضايا لا تحل إلا بدراسة ومشورة بين أهل العلم وأهل الحكمة والخبرة ، ولا ينفرد به طرف. الراصد ]
ثمن المشاركة في التغيير:
جملة التساؤلات التي طرحها الكاتب تشير إلى حراك فكري وسياسي يتردد وسط الطائفة . وهي تساؤلات مبشرة بخير من ناحية ، كما تشير إلى عقلية من يريد أن يحتفظ بقانون للامتيازات الخاصة صنعها ظرف طارئ في تاريخ الوطن!!
سنعود إلى أصل العنوان الذي اقترحناه لمقالنا : كيف يصنع العلويون مستقبلهم الوطني ؟! سؤال نطرحه بدورنا على العلويين أنفسهم . وهم في رأينا الطرف الأَولى و الأقدر على الإجابة عليه ..
كاتب المقال وضع العلويين بين خيارين : مشاركة في تغيير سلمي هادئ و سلس . أو انتفاضة جماهيرية كاسحة يكون لها ما بعدها ..
صحيح أن جزءاً من الجواب مطلوب من القوى السياسية والمجتمعية الوطنية ؛ ولكن الجزء الأوفى من الجواب منتظر من العلويين . وستبقى الفرصة متاحة للعلويين ما زالوا يملكون زمام المبادرة . مؤشرات كثيرة دولية و إقليمية ومحلية تؤكد أن الفرصة باتت مهددة أو مضيقة . إذا أضاع العلويون الفرصة فلا أحد يدري كيف سيكون المستقبل الوطني بشكل عام ، ومستقبل العلويين بشكل خاص .
العلويون حسب كاتب المقال يتخوفون مما سيخسرون، ولكن الآخرين لا يجدون ما يخسرونه ، بعد أن جردهم النظام الحاكم من كل شيء !!
الذي نخاف منه كقوى وطنية مسؤولة أن يكون الخاسر الأول في معركة المستقبل هو سورية ، أي أن نكون جميعاً خاسرين !! وأن يكون المستفيد طرفاً ثالثاً أو رابعاً لا ندري.
هذا أول ما يحتم علينا أن نتجرد عن التفكير في دائرة (نحن ) و(هم) في إطار وطني . وهذا ما تسعى القوى الوطنية المسؤولة أجمع إليه.(43/103)
ومن هنا يأتي الجواب على جملة التساؤلات التي طرحها كاتب المقال غير عائم ولا ضبابي، إنه الجواب الوطني المعتمد عند الجميع : المطلوب: وطن لجميع أبنائه. وطن تكون فيه المواطنة أساس الحقوق والواجبات. نظن أن من حق المواطن (الكردي) مع وافر الاحترام، أن يطالب بالمساواة المطلقة بالمواطن العلوي ، دون أن يتهمه أحد بالفظاظة !! وأن يطالب بحقه الدستوري في كل مفاصل الحياة العامة ، وما ينطبق على الكردي ينطبق على الجميع. ومرة أخرى ينبغي ألا يفكر العلويون بقانون /للامتيازات /جديد .
[مهم تجلية المفهوم الشرعي للمواطنة ، لأنها بدعة العصر الحالي! الراصد].
المعارضة الاسلامية مثلاً التي تتحدث باسم شريحة من الحراك الوطني الإسلامي ، والتي مارس رجال السلطة بحقها أقسى المجازر ، و أكثرها دموية وشمولية في تاريخ سورية الحديث ، وربما القديم أيضاً ؛ كانت من المؤسسين للتوافقية الوطنية : سورية لجميع أبنائها. والمواطنة مناط الحقوق والوجبات ... وهي أصدرت أكثر من ورقة أعلنت فيها موقفا متقدما في رؤية الهوية الوطنية الجامعة للشعب السوري على الصعيدين الإسلامي والقومي.
فعلى الصعيد الأول أكدت بوضوح أن مظلة الإسلام تظلل جميع المنتمين إليه من أبناء المذاهب بمن فيهم العلويون أنفسهم . فصادرت بذلك الورقة التي طالما لعبت بها المؤسسة الأمنية (فتوى ابن تيمية) لتخويف العلويين من السكين السني القادم!! [ ؟؟ ]
وللحقيقة التاريخية أيضا فان المعارضة الإسلامية لم تعتمد أبدا هذه الفتوى كمنهج للتعامل مع العلويين أو مع غيرهم . كانت ورقة هذه الفتوى لعبة ماكرة للأجهزة الأمنية ، لبث الخوف والريبة بين المواطنين ،كما يقول الكاتب ، وبالتالي لحشر أبناء الطائفة وراء النظام وتفتيت الوحدة الوطنية لمصلحته.(43/104)
في ظل الحقائق السابقة: سورية لجميع أبنائها ، والمواطنة مناط الحقوق والواجبات ، وسيادة القانون لا نظن أن من حق احد أن يطالب أن يكون فوق القانون ، ولا بمقدور احد أن يمنح أحدا امتيازا بقانون عرفي من نوع خاص.. دولة السواء الوطني هي التي ندعو الجميع إليها، بمن فيهم العلويون.
وحين نتحدث عن سورية لجميع أبنائها من البديهي أن نؤكد أن التفكير في مواطن القامشلي أو دير الزور أو السويداء ينبغي أن يكون على مستوى التفكير بالمواطن في حلب أو حماة أو دمشق أو طرطوس أو القرداحة.. في دولة السواء الوطني لا مكان لمنطقة تهمل على حساب أخرى. ولا حق لمواطن أن يدعي حظا في السهم الوطني أوفر من أخيه . إن الحديث عن الحكومات (السنية) السابقة أو المتعاقبة يخرج عن إطار الوصف الوطني الطبيعي.(43/105)
إن الوطن الذي كان قد خرج لتوه من مرحلة الاستعمار، هو الذي فتح الباب واسعا أمام أبناء الطائفة لينضموا إلى الجيش في ظروف اجتماعية قاسية ، دون أن تحسب بدقة الحسابات التي قادت الوطن إلى هذه المآلات الصعبة!! ولا يمكن أن يكون في دولة السواء الوطني مكان لسياسات استئصال أو إقصاء أو تجويع أو تهديد بالرزق أو حرمان من فرصة العمل . ولا يمكن في دولة سيادة القانون أن تحمل وازرة وزر أخرى، وعندما يكون القانون عادلاً ، والقاضي نزيهاً ، والمحكمة دستورية فلا يخاف من تبعات القانون إلا المجرمون .. إن القوى الوطنية في سورية لا تملك (منديل أمان) تقدمه للعلويين ؛ إن لم يسع العلويون أنفسهم إلى إحلال شعار أمن الوطن مكان أمن السلطة ، أمن المستقبل مقابل مكاسب اللحظة . نقول هذا تقريراً لا تهديداً ولا تلويحاً بتهديد . لأن أحدا ببساطة لا يمتلك الساحة لحظة انطلاق (انتفاضة جماهيرية كاسحة) حسب تعبير كاتب المقال نفسه. باختصار شديد يمكن القول مع كاتب المقال ، إن كثيرا من أوراق الخلاص أو التغيير هي في أيدي العلويين ، وعلى العلويين أن يوازنوا بين الانسحاب الكيفي في اللحظة الداهمة تحت سلطان الفوضى ، وبين الانسحاب الآمن المنظم في ظل حسابات دقيقة وضمن مشروع وطني عام يبسط الجميع أيديهم إليه!!(43/106)
كلمة الانسحاب هنا لا تعني انسحاباً من الجغرافيا أو انسحاباً من الحياة السياسية أو الاجتماعية فهذا النوع من الانسحاب غير وارد في أذهان أصحاب المشروع الوطني ، وإنما المقصود الانسحاب أولاً من بنية السلطة والكف عن ممارسة سياسات التسلط والفساد والابتزاز. بالطبع ستعني هذه العبارة الشريحة المنغمسة في لعبة النظام الحاطبة في حباله فقط. والانسحاب ثانيا من خندق السلطة، والكف عن دعمها ، والتغطية على جرائرها ، والخروج من ليل الصمت على سياسات العسف والظلم والفساد. انسحاب بالتقدم إلى المشروع الوطني وتحمل تبعاته بإخلاص وصدق ، والوقوف في خندق النضال الوطني إلى جانب عارف دليلة وغيره من الكثيرين الذين نظروا إلى أنفسهم على أنهم مواطنون سوريون قبل أن يكون لهم أي انتماء آخر .. وبالطبع ستجد الشرائح المسحوقة من أبناء الطائفة خلاصها الحقيقي في المشروع الوطني التحرري بأبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية . تدرك القوى السياسية كما يدرك المثقف السوري أن آل الأسد حكموا ويحكمون باسم الطائفة زوراُ ، ويدرك جميع هؤلاء أن امتيازات الحكم لم تنل كل أبناء الطائفة ، ولا أحد ينسى أن محمد عمران مات مقتولاً بترتيب طائفي ، وأن صلاح جديد مات في سجن حافظ ، وأن إبراهيم ماخوس ما زال في منفاه ، وأن منير الأحمد قتل تحت التعذيب ، وان سليمان الأحمد وغيرهم كثيرين كانوا أقطابا في المعارضة الوطنية ، وهم على علم أيضاً أن عبارة (آل الأسد) لم تعد دقيقة بعد انشقاق رفعت وبنيه.
ولكن من الصعب نقل هذا الإدراك إلى رجل الشارع العادي في ساعة الانتفاضة الجماهيرية الكاسحة التي أشار إليها كاتب المقال . وهذا يخيفنا كقوى وطنية مسؤولة ويفرض علينا أن نحذر منه.(43/107)
معاناة العلويين في مناطقهم محسوسة للنخبة الوطنية فقط . المجتمع السوري عامة يعتبر كل علوي شريكا في السلطة !! ويضعه موضع الريبة والشك . العلويون أنفسهم هم الأقدر على الخروج من الخندق الذي حشرهم فيه النظام .
إن اشتراك العلويين مثقفين وسياسيين في صياغة مشروع الخلاص الوطني ، وفي تشخيص مواطن الخلل ، وفي اقتراح الحلول للمشكلات ؛ هو احد المخارج المنتظرة لحل الأزمة ، أو لتوقي نتائجها. التشخيص الصامت لا يجدي .والكتابة باللغة الانكليزية على المواقع الأجنبية لا تأتي بحل . والانتظار لا يعني غير تضييق أكثر للفرصة ..
والمستقبل الآمن لا يكون بوعد يصدره أي فريق وطني ، لأنه بواقعية وصدق لا يملك أحد أن يصدر مثل هذا الوعد . المستقبل الآمن ممكن والطريق إليه ميسور وهو بيد الطائفة نفسها ..إنه في الانخراط في المشروع الوطني ، والتضحية مع الآخرين ، وعزل النظام (الفرد) و(الفئة) ؛ هذا هو الطريق إلى المستقبل الأمن ..
يمتلك العلويون اليوم عدة خيارات ، سيكون أسوءها أن يقرروا الانتظار ، وكأن الأمر لا يعنيهم . بشار الأسد اليوم يلعب على وجودهم وعلى مستقبلهم . فهل يتركونه يلعب بورقتهم كما يشاء ، وأن يغامر بمستقبلهم ومستقبل أولادهم ومن باب أولى بمستقبل وطنهم سورية كما يريد؟!
بشار الأسد يرفض المشروع الوطني ، ويصر على المضي في سياسة الاستبداد والفساد لزيادة عوامل الاحتقان . بشار الأسد يرفض المصالحة الوطنية بدعوى أنه ليس هناك جرح وطني !! مائة ألف إنسان هم حصيلة المجزرة الوطنية من قتلى ومفقودين ومهجرين .إلى جانب ممارسات في السجون يندى لها الجبين .(43/108)
بشار الأسد يصر على أنه ليس هناك جرح وطني . سيكون مخطئاً من يصدقه ، أو من يصدق أن هذه الدماء هانت على أهلها .. المصالحة الوطنية مخرج ، وهي ممكنة ما دامت إرادة الخير قائمة في نفوس الكثرة الكاثرة من أبناء الوطن . المصالحة الوطنية مبادرة يباشرها العقلاء من أبناء الطائفة لمصلحتهم ، لامتصاص عوامل الثأر والنقمة والغضب ..مرة أخرى لا نقول هذا تهديداً ، وإنما استجابة لرغبة كاتب المقال بألا تحيد القضايا الخطيرة .
في ظل المصالحة الوطنية لا بد أن يتحمل المسؤولون الأولون مسؤوليات جرائرهم أو جرائمهم، ومرة أخرى في ظل سيادة القانون وأمام قاض نزيه وقضاء دستوري عادل ...
الغفران الوطني لا يملكه فرد أو يمنحه حزب أو جماعة ، الغفران الوطني حالة يمكن للطائفة العلوية أن تصنعها بالسعي إلى إيجاد الظروف المناسبة لهذا الغفران وأول هذه الظروف التوقف عن تغذية الاحتقان. كل بداية سياسية ينبغي أن يكون لها ظلها الاجتماعي ، والقبول بالاحتكام إلى القانون خير من الاحتكام إلى الفوضى !! وربما يقول قائل: إن العلويين إذا لم يتلقوا تطمينات تحافظ على امتيازاتهم ومواقعهم وتغطي الجرائم التي ارتكبت باسمهم وبأيدي بعضهم ، فلن يشاركوا في التغيير ، وستكون عملية التغيير أصعب. وهذا كله صحيح ، ولكنه يعني أيضاً أن العلويين قد قرروا أن يذهبوا في المعركة ، التي فرضها آل الأسد عليهم أو باسمهم إلى نهايتها ، وهو خيار نحذر منه دون تهديد ، معركة ستكون بين الطائفة العلوية وبين انتفاضة شعبية كاسحة تشترك فيها كل مكونات المجتمع السوري بلا استثناء !!
وعلى الطرف الآخر من المعادلة اليوم قوى وطنية مدركة ومسؤولة أسقطت كل مرتكزات التفكير الطائفي والفئوي وهي تنادي بسورية لجميع أبنائها بدون استثناء فهل يسمع العلويون النداء؟ هل يقبلون بحقوق المواطنة في دولة السواء الوطني وفي ظل سيادة القانون ، وفي ظل تلك الدولة وهذا القانون لا يخاف إلا المجرمون .(43/109)
بحث حول التشيع في سوريا
موقع إيلاف 7/1/2007
[هذا بحث لا يمكن الجزم بدقة معلوماته، ولا قصد الجهة المنفذة والداعمة له ! لكن يلاحظ عليه ما يلي :
نفي أي دور إيراني بين سنة سوريا .
عداء التقرير لجماعة الإخوان والتيار الإسلامي وأنهم وراء شائعات التبشير بالتشيع .
يؤكد التقرير اختراق التشيع للعلويين ، ولعل هذا يوضح طبيعة العلاقة السورية الإيرانية ، وسبب …النفوذ الإيراني في سوريا .
التقرير يخاطب الغرب ، بأن هذه الأقليات علمانية بعكس السنة الأصوليين .
لم يوضح التقرير من الذي يعمل على نشر التشيع بين علوي وإسماعيلي سوريا.
ولذلك يجب على من لديه معلومات تؤكد أو تنفي هذا طرحها للفائدة العام . الراصد ]
ظهرت في الآونة الأخيرة إلى الوجود قضية لم تكن مطروحة على جدول أعمال اهتمامات الرأي العام، سواء داخل سورية أم خارجها، وهي قضية ما سمي بعملية التشيع في البلد المذكور.
ولعل أول من أثارها المراقب العام للإخوان المسلمين في سوريا، المحامي علي صدر الدين البيانوني، ونائب الرئيس "المنشق" عبد الحليم خدام، في تصريحات إعلامية مختلفة قبل أن تأخذ طريقها إلى بيانات رسمية صادرة عن "جبهة الخلاص الوطني". وأشير في مختلف هذه التصريحات إلى أن السفارة الإيرانية تقود هذه العملية مقابل دفع مبالغ مالية لكل من يتخلى عن مذهبه السني ويلتحق بالمذهب الجعفري، وصولا إلى الإعراب عن مشاعر القلق بشأن ما يمكن يؤدي إليه الأمر من تغيير لبنية السكان الديمغرافية في سوريا!
فهل لهذه المعلومات والهواجس المثارة أي أساس واقعي، أم أن الأمر يدخل في إطار التعبئة السياسية ـ الإيديولوجية على خلفية " المواجهة المذهبية " الجارية في العراق والشرق الأوسط عموما، و الصراع السياسي الدائر في لبنان على وجه الخصوص، والذي وجد بعض فصائل المعارضة السورية نفسه مدفوعا إلى الدخول فيه بحكم التداخل بين قضايا البلدين!؟(43/110)
هذا السؤال، ونعني تحديدا الجانب العلمي الإحصائي، أجيب عليه مؤخرا في أول دراسة من نوعها في هذا المجال قام بها باحثون ميدانيون على مدى ستة أشهر بناء على طلب إحدى الجهات الأوربية الرسمية، وبتمويل منها. وتتناول الدراسة عملية "التشيع" في سوريا خلال عشرين عاما (1985 ـ 2005)، مع ملحق إضافي تناول النصف الأول من العام 2006.
أعد الدراسة تسعة باحثين ميدانيين متخصصين في مجال علم الاجتماع وعلم الاجتماع السياسي والإحصاء، ويشتركون في أنهم جميعا علمانيون ونشطاء في حركات "المجتمع المدني" السورية. وقد جاءت الدراسة في 32 صفحة فولسكاب وتحت عنوان The Shiitization Process in Syria 1985-2006, a Socio-statistic paper (عملية التشيع في سوريا 1985 ـ 2006، دراسة اجتماعية ـ إحصائية)، أشرفت عليها، إداريا وحسب، منظمة "المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سوريا "، التي انحصر دورها في ترشيح الباحثين وترتيب الاتصال بينهم وبين الجهة الممولة مقابل السماح للمنظمة بوضع اسمها على البحث كجهة مشرفة إداريا.
وبسبب حساسية الموضوع، خصوصا لجهة إمكانية ملاحقة الباحثين أمنيا وقضايا بتهمة " قبض أموال من جهات أجنبية "، فقد أجريت الدراسة بشكل سري وبعيدا عن الأضواء، كما جرى إغفال أسمائهم والاحتفاظ بها على وثيقة مستقلة لدى الجهة الممولة في بلجيكا. وقدم للدراسة الكاتب والصحفي السوري نزار نيوف.
وهو متخصص أكاديميا في الاقتصاد والعلوم السياسية والتاريخ الاقتصادي ـ السياسي المقارن للديكتاتوريات في حوض المتوسط.
الإطار الجغرافي - الديمغرافي العام للدراسة:(43/111)
تتناول الدراسة عملية التشيع في المحافظات السورية الرئيسة: دمشق وريف دمشق، حلب وريفها، حمص، حماة، اللاذقية، طرطوس، إدلب، الرقة، دير الزور، السويداء. وقد اختيرت هذه الدراسة، كما يشير البحث، لكونها تضم الغالبية الساحقة من سكان سوريا، ولأن عملية التشيع تجري في حصريا، ولأنها المحافظات التي تضم أقليات إسلامية مذهبية غير سنية (علويون، إسماعيليون، شيعة.. إلخ) بنسب مختلفة، طاغية في بعضها، وضئيلة في بعضها الآخر. وأشار البحث إلى أن محافظة القنيطرة قد استثنيت من البحث بسبب وضعها الخاص (معظم أراضيها تحت الاحتلال الإسرائيلي منذ العام 1967)، ولكون الغالبية الساحقة من سكانها نازحين إلى المحافظات السورية الأخرى، لاسيما دمشق وريفها، وبالتالي فقد شملها البحث بطريقة غير مباشرة.
طريقة البحث وكيفية الحصول على معلوماته الخام:
يشير البحث إلى أن الباحثين لجأوا إلى طريقة " مبتكرة " وهي تفرغ كل منهم لمنطقة جغرافية ـ ديمغرافية بعينها، وعدم الالتقاء ببعضهم البعض أو مناقشة المعلومات والنتائج الخام التي توصل كل منهم إليها طيلة الفترة المكرسة لجمع المعلومات والبيانات، وهي خمسة أشهر. أما الشهر الأخير فخصص لعقد حلقات نقاشية مغلقة فيما بينهم لتداول هذه المعلومات ومناقشتها وغربلتها واستخلاص المعطيات النهائية والنتائج بعد بعضها من الحساب حين تكون نسبة الارتياب أكبر من 50 %، ومن ثم تحرير النص النهائي.
مصادر المعلومات الخام فقد حددها البحث بأربعة:
- سجلات المحاكم الشرعية (المذهبية) وبيانات الزواج والطلاق ؛
- معطيات مستخلصة من سجلات مديريات وزارة الأوقاف في المحافظات ؛
- مقابلات شخصية ميدانية مع رجال دين ووجهاء ومواطنين عاديين ينتمون إلى مختلف المذاهب الإسلامية المعنية.(43/112)
- معطيات مستخلصة من سجلات المراكز الثقافية الإيرانية والحوزات والمدارس الشيعية التي تشرف …عليها وتدعمها، جزئيا أو كليا، السفارة الإيرانية في دمشق.
نتائج البحث:
خلص البحث إلى نتائج تشير إلى أن إجمالي المسلمين المتشيعين في سوريا خلال عشرين عاما ( 1985- 2006 ) لا يتجاوز اثنين وستين ألفا، أغلبيتهم الساحقة من أبناء الطائفة العلوية، ولا يتجاوز نسبة المسلمين السنة فيهم الألف وخمسمئة مواطن!
وفي المعطيات الأكثر تفصيلا، يشير البحث إلى أن عدد الأسر " العلوية" التي تشيعت خلال الفترة المذكورة بلغ 8783 أسرة. وبافتراض أن متوسط عدد أفراد الأسرة السورية هو ستة أشخاص، وأن جميع أفراد الأسرة تبعوا رب الأسرة المتشيع ، فإن العدد الإجمالي للعلويين الذين تشيعوا يبلغ حوالي 52700 شخص. هذا بينما بلغ عدد الأسر الإسماعيلية المتشيعة حوالي ألف ومئتي أسرة، أي حوالي سبعة آلاف وأربعمئة شخص. واستنادا إلى هذه الأعداد تكون نسبة المتشيعين في كل طائفة/ مذهب خلال الفترة المذكورة: 85 بالمئة في الوسط العلوي؛ 13 بالمئة في الوسط الاسماعيلي؛ و2 بالمئة فقط في الوسط السني. ولم يسجل التقرير أي حالة تشيع في الأوساط الأخرى (مسيحية، درزية.. إلخ).
الوضع الجغرافي للتشيع:
تلاحظ الدراسة أن التمركز الجغرافي للتشيع في الوسط العلوي توزع على النحو التالي: محافظة طرطوس وريفها 44 بالمئة ؛ محافظة اللاذقية وريفها 26 بالمئة ؛ محافظة حمص وريفها 14 بالمئة ؛ محافظة حماة وريفها دمشق وريفها 16 بالمئة (وهؤلاء ينحدرون من مختلف المحافظات).(43/113)
أما التمركز الجغرافي للتشيع في الوسط السني فتوزع على النحو التالي: محافظة حلب وريفها 46 بالمئة ؛ محافظة دمشق وريفها 23 بالمئة ؛ محافظة حمص 22 بالمئة ؛ محافظة حماه 5 بالمئة ؛ محافظة إدلب 4 بالمئة. وقد أهملت نسب التشيع في محافظتي دير الزور والرقة والقنيطرة كونها لا تشكل إلا أجزاء عشرية متناهية الصغر (بضع عائلات تعد أصابع يد واحدة)، ولكون النشاط الشيعي فيها يبتعد عن الشكل " التبشيري" ويقتصر على الجانب " الطقسي" (إحياء المناسبات الدينية المرتبطة بالتراث الديني الشيعي، و ترميم وإحياء بعض الأضرحة القديمة وتنظيم الزيارات إليها من مناطق أخرى، سواء من داخل سورية أو خارجها).
هذا بينما جاء التمركز الجغرافي للتشيع في الوسط الإسماعيلي على النحو التالي: محافظة حماة وريفها (وبشكل خاص مدينتي السلمية ومصياف و بلدة عقارب) 51 بالمئة ؛ محافظة طرطوس وريفها (بلدات: القدموس ومنطقة نهر الخوابي) 43 بالمئة ؛ محافظة حلب وريفها 3 بالمئة ؛ محافظة دمشق وريفها 2 بالمئة؛ محافظة إدلب وريفها 1 بالمئة.
من ناحية ثانية، ذكرت الدراسة ملاحظتين في هذا السياق، أولاهما أنه لم تسجل أي حالة تشيع في وسط الشيعة الموحدين (المعروفين باسم " الدروز ") أو في الوسط المسيحي بمختلف مذاهبه (الكاثوليكية، الأرثوذوكسية، البروتستانتية.. إلخ).
وثانيهما أن 7 بالمئة على الأقل من المسلمين السنة الذين تشيعوا في دمشق وريفها جرى في أوساط العائلات الشيعية في الأصل، والتي "تسننت" مع الزمن لأسباب مختلفة. وذكرت في هذا الإطار حالات نموذجية من عائلات (العطار، قصاب حسن، اللحام، بختيار / اختيار..). كما وسجلت ملاحظة مشابهة لجهة المسلمين السنة في حلب، حيث أشارت إلى أن 11 بالمئة منهم ينحدرون من أصول شيعية في الأساس، أو من "قرى شيعية" في إدلب مثل " لفوعة" و "معرتمصرين". وهو ما أسمته الدراسة بـ "تجديد التشيع".
الوضع المهني والاجتماعي للمتشيعين:(43/114)
خلصت الدراسة إلى أنه من الصعب ربط حالات التشيع بوضع اجتماعي " معياري " يمكن الركون إليه علميا في تحديد سبب أساسي أو طاغ وقف وراء تشيع هؤلاء، سواء في الوسط السني أو في الوسطين الاسماعيلي والعلوي، لاسيما منه الجانب الاقتصادي، أو ما أشير إليه في بعض وسائل الإعلام بـ " الفقر والحاجة إلى الأموال الإيرانية ". فالقسم الأكبر من المتشيعين السنة في دمشق (64.4 بالمئة) ينتمون لعائلات تجارية أو مهنية وضعها الاقتصادي جيد أو ممتاز. كما أن القسم الأكبر منهم (حوالي 69 بالمئة) من حملة الشهادات الثانوية أو المعاهد المتوسطة وما فوق. واقتربت النسب في حلب من هذا الإطار. حيث سجل البحث أن 61 بالمئة من متشيعي حلب ذوو وضع اجتماعي ـ اقتصادي متوسط أو جيد. فيما كان معظم الفقراء المتشيعين منهم (39 بالمئة) ذوي أصول شعية بعيدة (جددوا تشيعهم). أي أن دافعهم إلى ذلك " ديني ". ولم تتجاوز نسب المتشيعين لأسباب " مالية" في الوسط السني إجمالا (في جميع المحافظات التي جرى مسحها) الـ 3 بالمئة.
وسجلت الدراسة " مفارقة ظريفة " في هذا المجال، وهو أن بعض السنة المتشيعين، وخصوصا طلاب الجامعات منهم، غير ملتزمين دينيا، وكان تشيعهم، حسب ما أفادوا للباحثين، " لأنهم أرادوا الحصول على مبلغ مالي لتسديد نفقات الدراسة أو الزواج رغم أن الالتزام الديني، سواء أكان سنيا أو شيعيا، إسلاميا أو مسيحيا، لا يعني لهم شيئا ". وهو ما يمكن أن يصنف تحت عنوان " الانتهازية ". مفارقة ظريفة أخرى سجلتها الدراسة في الملحق الإضافي لجهة المتشيعين السنة، لا سيما من تشيع منهم بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان الصيف الماضي، وهي أنهم " تشيعوا حبا بحزب الله وحسن نصر الله "!(43/115)
في إطار التشيع في الوسط العلوي، أشارت الدراسة إلى أن الأغلبية الساحقة من المتشيعين (حوالي76 بالمئة) هم من الطلاب أو العاطلين عن العمل. ولاحظت الدراسة أن قسما من المتشيعين العلويين هم من العسكريين. وهذه الملاحظة منقولة من إفادة أحد رجال الدين العلويين في طرطوس، لأنه من الصعب معرفة النسبة الحقيقية من المتشيعين العسكريين، لأسباب " لوجستية " مفهومة.
أما المتشيعون في الوسط الإسماعيلي فجلهم (حوالي 84 بالمئة) من الفئات الوسطى وما فوق، منهم 68 بالمئة من حملة الشهادات الثانوية وما فوق.
خلاصات البحث الأساسية:
استخلصت الدراسات ستة مؤشرات أساسية من عملية التشيع في سوريا:
- إن معظم حالات التشيع جرت وتجري في الوسط الإسلامي المعتبر تاريخيا وفقهيا من " العائلة الفقهية الشيعية " (اسماعيليون، علويون..).
- إن نسبة التشيع المتواضعة جدا (2 بالمئة) في الوسط السني لا تسمح بالحديث أبدا عن " عملية تبشير شيعي " في هذا الوسط، خصوصا إذا أخذنا بعين الاعتبار أن قسما من هؤلاء ينحدرون أصلا من عائلات شيعية تسننت مع الزمن لاعتبارات مختلفة .
- إن نسبة المتشيعين لأسباب اقتصادية ـ مالية (الوضع الاقتصادي ـ الاجتماعي) لا تسمح بالحديث عن " ظاهرة تشيع مأجور " أو " ظاهرة ارتزاق مذهبي" .(43/116)
- إن الغالبية الساحقة من حالات التشيع الاسماعيلي تندرج في " الإطار الطقسي " و " الرمزي" إذا جاز التعبير، كالالتزام بالصلوات الخمس في مساجد ينفصل فيها النساء عن الرجال بدلا من الصلوات " شبه المختلطة " عند الاسماعيليين حيث النساء الملتزمات دينيا منهم لا يعنين كثيرا بوضع الحجاب وإزالة المكياج أثناء الصلاة. وبالنسبة للمتشيعين العلويين، تلاحظ الدراسة أنها اقتصرت في غالبيتها الساحقة على الرجال (93 بالمئة). أما النساء المتشيعات فلم يلتزمن بما يعرف بـ " الشادور " (الحجاب)، واكتفين بعطاء عادي للرأس. و يعود هذا أساسا إلى أن الفقه الجعفري، على الطريقة العلوية، يعفي النساء من واجباتهن الدينية. (المرأة غير مكلفة شرعيا).
- إن استمرار وتيرة التشيع على هذا النحو في الوسطين الاسماعيلي والعلوي، سيؤدي إلى " انقراض " الطائفة الأولى نظريا خلال عقد من الزمن، وإلى " انقراض" الثانية خلال ربع قرن.
- حددت الدراسة نسبة الإنحراف المعياري بـ ± 2.5 بالمئة.
- وفي تقديمه للبحث أشار نزار نيوف إلى أن حركة التشيع في سوريا بدأت مع العلامة عبد الرحمن الخير (المولود في العام 1925). لكنها لم تأخذ بعدا جماعيا منظما إلا مع جميل الأسد، شقيق الرئيس الراحل، الذي أسس " جمعية الإمام المرتضى " مطلع الثمانينيات الماضية لأسباب "مافيوية - سياسية - مذهبية مركبة" حسب تعبير الكاتب.(43/117)
حيث "كان همه الأساسي التربح والتكسب من خلال الحصول على أموال إيرانية بذريعة تمكين أعضاء جمعيته، لاسيما العلويين منهم، من أداء فريضة الحج (...) رغم أن العلويين، كما الاسماعيليين، لا يؤدون هذه الفريضة لحجج فقهية وتاريخية مختلفة، بعضها يتصل بأن الحجر الأسود الموجود اليوم ليس الحجر الأسود الأصلي الذي أخفاه القرامطة، وبعضها الآخر ينطلق من اجتهاد فقهي يرى أن الحج والدوران حول الكعبة هو طقس وثني صرف ". ومن المعلوم أن الرئيس السوري الراحل حل جمعية الإمام المرتضى في العام 1984 وحظر نشاطها قانونيا بقرار من رئيس مجلس الوزراء آنذاك عبد الرؤوف الكسم. كما وأشار في تقديمه إلى واقعة أن الرئيس السوري الراحل "كان يعارض بقوة عملية التشيع (...) بدليل أنه أمر باعتقال أحد أطباء الأسنان العلويين في طرطوس، المهلب حسن، وبمصادرة كل المطبوعات والمنشورات التي كان يتولى إحضارها من إيران ". وليس معلوما المصير الحقيقي لهذا الطبيب، ولو أن بعض المعلومات تشير إلى أن الرئيس الراحل "أمر بتصفيته وهو رهن الاعتقال".(43/118)
لكن الملاحظة الأهم في المقدمة هو إشارة الكاتب في تقديمه إلى أن " عملية التشيع في الوسط العلوي والاسماعيلي أكثر خطورة وكارثية على المجتمع السوري من تشيع المسلمين السنة بما لا يقاس (...). فالفروق بين السنة والشيعة تكاد لا تذكر، من حيث التزمت والتعصب الفقهي والطقسي، بينما تشيع العلويين والاسماعيليين والدروز هو الخسارة الحقيقية للتعددية الثقافية في سوريا، بالنظر لأن هؤلاء هم الورثة الحقيقيون للفكر الاعتزالي وللثورة الثقافية الإسلامية في القرنين التاسع والعاشر، وآخر بقاياها (...) فضلا عن أنها طوائف علمانية إذا جاز التعبير ؛ بمعنى أنها طوائف تفصل الزمني عن الديني في عقائدها، ولا تؤمن أصلا بفكرة الدولة الإسلامية ". ومن هنا، يقول الكاتب، على القوى العلمانية والمعارضة في سوريا "أن تتعاطى مع عملية تشيع هذه الطوائف باعتبارها كارثة ثقافية وطنية لا بوصفها خطرا متربصا بالبنية الديمغرافية لسكان سوريا كما يحاول أن يصور الأمر، على نحو شديد الابتزال والسطحية والانتهازية المذهبية ـ السياسية، كل من خدام وجماعة الإخوان المسلمين (...). ذلك لأن جمهور هذه الأقليات الإسلامية الثلاث هو في الواقع الخزان الحقيقي والأهم والأكبر للحركات العلمانية واليسارية والديمقراطية (...) وبانقراض هذه الطوائف تصبح مهمة القوى الديمقراطية والعلمانية عسيرة جدا، إذ سيتوجب عليها آنذاك النحت في الصخر السني بدلا من الغرف من البحر العلوي ـ الاسماعيلي ـ الدرزي ـ المسيحي"!(43/119)
مجلة الراصد الإسلامية
العدد الرابع والأربعون – صفر 1428هـ
* فاتحة القول:…المشروع الداهم والمشروع الغائم ...................................................... …3
* فرق ومذاهب:…المولوية ................................................................................…8
* سطور من الذاكرة:…هل يعيد التاريخ نفسه .................................................................…15
* دراسات: …الهيمنة الإيرانية على العراق وأذرعها المختلفة .....................................
كيف نواجه المشروع الإيراني بـ 13 خطوة ......................................…17
36
* كتاب الشهر: …الزهر والحجر .. التمرد الشيعي في اليمن .......................................…47
* قالوا: ……53
* جولة الصحافة : ……
العراق…- تيارات نشطت بعد الاحتلال وتمويلها مجهول …60
…- الشيعة يحلمون بالبدر الشيعي…62
…- جند السماء برواية ابن بطوطة…65
أيران…- العرقيات والأقليات في إيران…70
…- إيران النووية .. خطر قادم علينا…80
…- الحرب على إيران متوقعة والعرب سيعملون على إنشاء قوتهم النووية…93
…- نعم هناك تفتيت الشرق الأوسط…93
مصر…- الدمرداش العقالي .. الذي تشيع بسبب طلاق امرأة نوبية…101
…- إيران تطالب بتعيين وزير شيعي للعتبات المقدسة…108
…- معارك الشيعة والسنة .. تاريخ شيعة مصر…113
…- الأرض بتتكلم فارسي…115
لبنان…- مقابلة مع الشيخ محمد الجوزو .. مفتي لبنان…117
متفرقات…الحوثيون والسلطة بين الأحقية والمظلومية…126
…العلمانية أنهكت نفسها…127
…د. محمد الأرناؤوط: الاستعمار قام بتصفية الوقف السني…132
…فؤاد العجمي: سفير قم في مؤسسات صنع القرار الأمريكية…133
…كلام جميل يحتاج إلى بيان صريح…139
…هل تم اختطاف الجزيرة الإنجليزية…142
…الشيعة يحلمون بـ "البدر الشعي"…147
…الأمين العام لحزب الفضيلة الإسلامي الشيعي:…150(44/1)
…الطائفية ومشجب الصهيونية …153
…من ينفذ المخطط الأمريكي…154
المشروع الداهم والمشروع الغائم
تواجه الأمة الإسلامية اليوم العديد من المشروعات التي تستهدف وجودها وكيانها، وهذه المشاريع تتنوع في قوتها وسرعتها وخطرها ومصدرها وتنبه المسلمين لها، ومن هذه المشاريع المشروع الشيعي الصفوي، والذي يتصف بالقوة والسرعة وعدم تنبه الكثير من العقلاء والقادة له فضلاً عن عوام المسلمين، كما أنه يهاجم من الداخل وعبر الكثير من التجمعات والأفراد المخلصين ولكنهم مغفلون!
المشروع الداهم:
ويهدف هذا المشروع للسيطرة على الأمة كلها، في محاولة جديدة بعد المحاولات السابقة زمن الفاطميين والبويهيين والصفويين، وهو ينطلق من خلفية عقدية متطرفة تؤمن باستئصال الآخرين وسحقهم، هذا المشروع لا يتورع عن أي تحالفات في سبيل الوصول لمقصده النهائي وهو السيطرة الكاملة على أمة الإسلام. ويسلك هذا المشروع في سبيل ذلك العديد من الوسائل أهمها :
1-…تكوين دولة رسالية تحمل مسؤولية تنفيذ هذا المشروع، وقد نجح في ذلك بتكوين الجمهورية الإسلامية الإيرانية، التي أخذت على عاتقها القيام بالمهمة بكل إمكانياتها كدولة.
2-…ربط كل التجمعات الشيعية في البلاد العربية والإسلامية بهذا المشروع، وقد قطعوا شوطاً كبيراً في ذلك .
3-…تمكين بعض التجمعات الشيعية من السلطة في بلادهم ليكونوا رديفا لإيران في تنفيذ المشروع، وقد نجحوا لحد كبير في لبنان "حزب الله، حركة أمل" وفي العراق حيث سيطروا على الدولة العراقية الجديدة .
4-…اختراق بعض التجمعات السنية أو التعاون معها لتكون جسراً يعبر التشيع عليه للمناطق السنية، وقد نجحوا في ذلك في فلسطين ومصر والسودان وغيرها، أو التحالف التكتيكي مع البعض الآخر كبعض زعامات القاعدة الذين لجأوا إلى إيران أو أبي مصعب الزرقاوي .(44/2)
5-…التنسيق على الحد الأدنى مع كافة الفصائل الشيعية المخالفة، إما بالقيام بأدوار محددة أو السكوت وعدم إعاقة المشروع.
وهذا المشروع الصفوي الداهم، يكاد يتحكم بكل حركة صغيرة أو كبيرة يقوم بها أي طرف شيعي ، فمن ذلك :
-…دفاع الجميع عن إيران، فمثلاً صرح المرجع الشيعي اللبناني محمد حسين فضل الله قبل اسبوعين قائلا " لا تزجوا إيران في الصراع الدائر في لبنان "وذلك بعد زيارة السفير الإيراني له، وبعد أيام تصدر الأوامر من طهران بوقف الاعتصام!!
-…حين استنكر الشيخ يوسف القرضاوى تلاعب الشيعة بالتقريب والحوار في مؤتمر الدوحة الأخير، انبرى له رئيس علماء الشيعة محمد باقر المهري في الكويت، ويطالب بعزله وإقصائه!!
-…أي دعم من إيران لأي حركة سنية لابد من مقابل له، ومن ذلك ما تقوم به حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين الآن حيث قامت بإرسال الجرحى لقم! والطلاب لحوزات لبنان!
-…تسخير كل إمكانيات الدولة لخدمة المشروع، واستقطاب الطلاب من البلاد كافة إلى إيران، ودعم الرئيس الشيعي في جزر القمر باتفاقيات ومساعدات، وزيارات التأييد له ومنها زيارة رجل الدين الشيعي السعودي حسن الصفار!
-…التعليقات في مواقع شبكة الانترنت على أي موضوع متعلق بالشيعة أو إيران، حيث نجد أن هناك كثافة وسرعة في الرد، وردود تقوم بفتح جبهات جديدة بدل مناقشة ما ورد في الموضوع الأصلي.
-…دعم القيادات الشيعية لتمرد الحوثي في اليمن.
وهذا المشروع مشروع شبه متكامل، فهناك من يعمل على صعيد تعبئة الجماهير الشيعية، وهناك من يقوم باستمالة الأحزاب والحركات السنية، وهناك من يتابع المستجيبين من السنة، ولذلك نجد الكم الكبير من الوسائل الإعلامية سواء كانت قنوات فضائية أو مجلات وصحف أو مواقع ومنتديات لدول ليس فيها تشيع!! عدا عن كتابهم في الصحف والمجلات العامة، والمشاركة في القنوات الفضائية والإذاعية.(44/3)
أما إيران الدولة فعملها في لبنان أو العراق، نموذج مثالي للحركة من خلال مشروع واضح، فالعمل العسكري يتناغم مع الدور السياسي ويغطيه الدور الإعلامي الإيراني وغير الإيراني.
أما عن "داهمية" هذا المشروع الصفوي وانتشاره، فهذه بعض ملامحه:
-…فهاهم في أفغانستان يتمددون تجاه السيطرة والسلطة بأضعاف حقهم.
-…وفي العراق يكاد الأمر لا يصدق، عن مدى السيطرة والإجرام دون رادع.
-…أما لبنان فهم يطالبون صراحة بالسيطرة على البلد، عبر صيغة الثلث زائد واحد، أو إقالة الحكومة، أو الإعتصامات والتخريب، وهم لا يستجيبون لأي وساطة عربية أو إسلامية!
-…أما في فلسطين فدورهم واضح في تفعيل الحرب الأهلية! لكنهم يستطيعون تزويقه باسم دعم المقاومة، فيخدعون قادة العمل الإسلامي فضلاً عن عوام المسلمين.
-…أما تجمعات الشيعة في الخليج، فهي لا تناور في إعلان مطالبها، ومساومة الحكومات السنية على مكاسب لا يستحقونها، بوسائل ضغط غير شريفة عبر الاستقواء بإيران، أو بعض منظماتهم في أمريكا وأوروبا والتي تروج أكاذيب حول مضايقات طائفية بحقهم .
-…وفي اليمن ها هم من ثلاث سنوات وهم يقودون تمردا مسلحا ضد الدولة، وهو ما سيكون نموذجا لغيرها من دول الخليج.
-…وفي جزر القمر وصلوا لسدة الحكم، عبر الرئيس المتشيع .
-…وفي نيجيريا حيث الثقل الإسلامي الأفريقي، ها هم كوّنوا طائفة شيعية، تصطدم بالمسلمين هناك وتشغلهم عن واجباتهم الأساسية.
-…أما حركة التبشير الشيعي، فهي تنتشر في كثير من الدول ،وخاصة دول الشام ومصر وأفريقيا .
-…ولهم عمل دؤوب في جمهوريات آسيا الإسلامية، ودول جنوب آسيا، والجاليات الإسلامية في الغرب، ولكن لا يوجد من يكشف أبعاد هذا العمل .
وخطورة هذا المشروع أنه يأتي باسم النصرة والتصدي للعدوان الصهيوني والأمريكي على الأمة، ولذلك يحقق نجاحات كبيرة بين المسلمين، ولا ينتبه له إلا القليل من الناس.(44/4)
ومصدر آخر لخطورة هذا المشروع، هو قصور رؤية الساسة والمثقفين تجاهه، فالغالبية منهم ترى التعاطي معه من المنظور الأمني فقط ، والفصل بين التشيع الديني المقبول والتشيع السياسي المرفوض!!
وهذا الفهم القاصر لحركة التشيع في الحقيقة هو جزء من المخطط الداهم، ذلك أن التشيع ذاته ليس فيه هذا الفصل بين الديني والسياسي، فهو في الأصل سياسي بغطاء ديني!!
فمن يفارق أهله إلى التشيع، يفارقهم في العقيدة والشريعة والسياسة، فهو لا يعترف بالسلطة القائمة لأنها" إمارة جور اغتصبت حق الأئمة"، ولذلك فإن هذه السلطة وأتباعها "نواصب"، أي قد نصبوا العداء لأهل البيت "ولذلك" فهم أشد أعداء أهل البيت، وقتالهم مقدم على غيرهم من اليهود والنصارى" كما هو حاصل في العراق، فهل تقتل الميلشيات الشيعية المسلمين العراقيين أم النصارى الأمريكان المحتلين ؟؟؟؟؟؟؟
وسكوت الشيعة في بعض الدول على السلطة والتعاون معهم هو "تقية واجبة" قننها المراجع للتعامل مع "الحكومات الجائرة والظالمة، وقد أفرد لها الخميني صفحات عديدة في كتابه (الحكومة الإسلامية ) " فهل يدرك ساستنا ومثقفونا ذلك ؟؟
هذا هو المشروع الداهم ، فما هو المشروع الذي يجب أن يتصدى له ؟؟
المشروع الغائم:
ويقابل هذا المشروع الداهم ، مشروع غائم وإن كان بعض الأصدقاء يسميه المشروع النائم، نعم هو مشروع غائم أو نائم، سواء على مستوى الدول والحكومات، أو السياسيين والمثقفين، أو حتى العلماء والدعاة!!
نعم هذه هي الحقيقة ، فلا يوجد مشروع مقابل لهذا المشروع الصفوي الداهم ، وذلك لأسباب عديدة منها:
-…عدم اتفاق الحكومات على سياسة واحدة تجاه هذا المشروع، بسبب خلفياتها الفكرية المتنوعة.(44/5)
-…عدم امتلاك الحكومات تصورا حقيقيا شاملا لخطر هذا المشروع، فقد تكون الواحدة منها تدرك جوانب من الخطر السياسي لكن لا تدرك خطورة الفكر الشيعي الذي ينطلق منه المشروع الصفوي الداهم، ولذلك فالقبول بالتشيع الديني خطأ كبير، لأنه سيكون في المستقبل ثورة كثورة الحوثي!!
-…تبنى الحل الأمني فقط في التعامل مع المشروع الداهم .
-…أما السياسيون والمثقفون فهم غالباً من خلفيات إلحادية أو ليبرالية، ولذلك فهم يؤمنون بالحل العلماني الذي ثبت فشله في أوروبا فضلاً عن بلادنا .
-…غياب فهم التكامل بين الدوافع القومية الفارسية والدوافع الدينية الشيعية، في حركة السياسة الخارجية لإيران ، لدى المنظرين السياسيين الرسميين.
-…عدم التعاون مع العلماء من قبل السلطات الرسمية.
-…أما العلماء والدعاة ، فالمهتمون منهم - بارك الله في جهودهم- يعملون في الغالب بإستراتيجية إطفاء الحرائق أو ردة الفعل.
وتركيزهم على حفظ رأس المال من عامة المسلمين ، وقد تخدمهم بعض الظروف ،
ولكن لا يزال مشروعهم لا يلقى القبول الرسمي، بعكس المشروع الداهم الذي استطاع ترخيص صحف ومراكز دراسات وإبراز قيادات، كما في الكويت والسعودية ومصر وفلسطين والسودان وغيرها .
ويفتقد عمل المشايخ والدعاة إلى :
1-…التنسيق بين الجهود المتشابهة ، عبر وسائل إدارية حديثة كالتحالفات والشبكات التي تضمن الخصوصية والاستقلالية مع التعاون في المشتركات.
2-…توفير غطاء رسمي دائم.
3-…التواصل مع الجهات الرسمية لوضع مشروع متكامل.
4-…وضع خطة إستراتيجية تولي الدراسات والأبحاث وتطوير الخطاب وتهيئة الكوادر عناية، تفوق توزيع بعض المطبوعات والإصدارات.
5-…تقديم خطاب قوي وجذاب في مكافحة هذا المشروع الصفوى الداهم، دون الوقوع في فخ اتهامات الصفويين لهم بالطائفية والتكفير والإرهاب.(44/6)
6-…تقديم التصور الإسلامي للتعايش مع الآخرين بعدل ورحمة، دون هضم حق الأكثرية أو تنازلها عن ثوابتها، مع إعطاء الأقليات حقوقهم الشرعية العادلة.
7-…التواصل مع الجهات السنية المخدوعة ودعمها إذا كانت الحجة هي الدعم المالي، مع ربط الدعم ببرنامج عملي لمقاومة التبعية للمشروع الصفوي الداهم.
8-…لا بد من الضغط السياسي لتحسين أوضاع أهل السنة في إيران مقايضة بأحوال الشيعة في الدول العربية ، فكل تنازل هنا يجب أن يقابله تنازل هناك.
9-…تبنى قضية الجزر الإماراتية المحتلة من قبل إيران وتصعيدها .
10-…التركيز على قضية الإحصاءات المضخمة للشيعة في المنطقة.
11-…الاستعداد لدخول عصر الطوائف والأقليات المدعومة من الصهيونية لخدمة مخططاتها .
هذه رؤية لما يحدث في واقعنا، نرجو أن نخرج من دوامتها بخير وننتهي من مرحلة المشاريع الداهمة والتي تقاوم بمشاريع غائمة أو فردية أو منقطعة، مما يطيل مدة الشفاء ويرسخ البلاء، لنصل لمرحلة بلورة المشاريع الناضجة والمشتركة والمستمرة، فنرى عزة الإسلام والأمة. نحن واثقون من تجاوز هذا المشروع وإن طالت المعاناة ، ولكن نهدف إلا تقليل شرها ما أمكننا ذلك.
المولوية
المولوية هي إحدى الطرق الصوفية التي تنتشر بشكل خاص في تركيا وسوريا، وتنسب إلى جلال الدين الرومي، المعروف عند أصحابه باسم "مولانا" أو "مولوي"، وتشتهر هذه الطريقة بالرقص الدائري والغناء واستعمال الناي.
النشأة:
ولد مؤسس هذه الطريقة جلال الدين محمد بن محمد الحسين البلخي سنة 604هـ -1207م، في مدينة بلخ (من أعمال خراسان)، فهو إذاً فارسي الأصل، لكنه هاجر وهو صغير مع والده حتى استقر في قونية (عاصمة الدولة السلجوقية) والواقعة في جنوب تركيا، وبها أقام وتوفي سنة 672هـ (1273م).(44/7)
وبعد أن كان مدّرساً للفقه، تحول المولوي إلى التصوف على يد شمس الدين التبريزي، الذي سأله: لماذا تأخذ نفسك بدراسة الفقه؟ فأجاب المولوي: لأعرف الشرع، فقال التبريزي: أليس الأجدى أن تعرف صاحب الشرع!
وبهذا المنطق الغريب صرف التبريزي المولوي عن دراسة وتدريس العلوم الشرعية، إلى براثن التصوف بحجة أن الأجدى هو معرفة الله سبحانه وتعالى لا معرفة الشريعة، ويعلق الدكتور عبد المنعم الحفني على هذا الفهم فيقول: "وهذه مغالطة، إذ كيف أعرف صاحب الشرع إن لم أعرف لأي شيء يشرّع، ولماذا يشرع، وما الذي يشرّع له"؟( ).
وقد تعلق المولوي بأستاذه التبريزي تعلقاً كبيراً إلى الدرجة التي جعلته يحبس نفسه معه في حجرة واحدة أربعين يوماً( ).
وإضافة إلى تتلمذه على يد التبريزي، فقد زار جلال الدين المولوي دمشق، واتصل بشيخ الصوفية الأكبر محيي الدين بن عربي (560- 638هـ) وتلاميذه، ومنهم سعد الدين الحمومي، وصدر الدين القونوي. وقد عاصر المولوي عدداً من شيوخ الصوفية أبرزهم أبو الحسن الشاذلي، مؤسس الطريقة الشاذلية.
وقد ترك المولوي عدداً من المؤلفات أشهرها:
1-…المثنوي: ويضم أكثر من 25 ألف بيت من الشعر، تم جمعها في ستة مجلدات ضخمة، وهو ذو مكانة خاصة عند الصوفية، وقد وصف الرومي كتابه هذا بأنه "فقه الله الأكبر"! والفرس يسمونه "قرآن بهلوي" أي قرآن الفارسية.
2-… ديوان شمس تبريز: ويحتوي على آلاف الأبيات الشعرية، والرباعيات في الغزل الصوفي.
3-… كتاب "فيه ما فيه": وهو كتاب قصص وأمثال ومواعظ وذكريات.
4-…المجالس السبعة: ويشمل على سبع مواعظ دينية وخطب ألقاها أثناء اشتغاله بالتدريس.
أهم العقائد والأفكار والسلوكيات:(44/8)
تتشابه عقائد المولويين مع عقائد عموم الصوفية وطرقهم، التي تم الحديث عنها أو عن بعضها في الحلقات الماضية، كالإيمان بوحدة الوجود، وصرف بعض أنواع العبادات لغير الله، كالاستغاثة بالأولياء وطلب العون والشفاء والحاجات من شيوخهم، ونحن في معرض حديثنا عن الطريقة المولوية، وشيخها جلال الدين الرومي، نود أن نشير إلى عقائدها البارزة وأفكارها التي عبّر عنها الرومي بوضوح في مؤلفاته وأشعاره، ومن ذلك:
1- إيمان المولوي بوحدة الأديان، وأنه لا فرق بين الإسلام والنصرانية واليهودية، وسائر الأديان، كما يتضح ذلك في هذه الأبيات:
نفسي، أيها النور المشرق ... لا تنأ عني لا تنأ عني ..
حبي، أيها المشهد المتألق ... لا تنأ عني لا تنأ عني ..
انظر إلى العمامة أحكمتها فوق رأسي ..
بل انظر إلى زنار زرادشت حول خصري ..
أحمل الزنار، وأحمل المخلاة ..
لا بل أحمل النور ... فلا تنأ عني لا تنأ عني ..
مسلم أنا .. ولكني نصراني وبرهمي زرادشتي ..
توكلت عليك أيها الحق الأعلى ... فلا تنأ عني لا تنأ عني ..
ليس لي سوى معبد واحد ... مسجداً كان أو كنيسة أو بيت أصنام ..
ووجهك الكريم فيه غاية نعمتي ... فلا تنأ عني لا تنأ عني( )
والأبيات السابقة للرومي تحمل المعاني ذاتها التي صرح بها شيخ الصوفية الأكبر، ابن عربي الذي قال:
لقد صار قلبي قابلاً كل صورة ……فمرعى لغزلان ودير لرهبان
وبيت الأوثان وكعبة طائف……وألواح توراة ومصحف قرآن
أدين بدين الحب أنى توجهت……ركائبه فالحب ديني وإيماني( )
ويقول الرومي في موضع آخر:
أيها المسلمون ليت شعري ما التدبير؟ أنا لا أدري من أنا ..
فلا أنا مسيحي ولا يهودي ولا زرادشتي ولا مسلم ..
ولا شرقي ولا غربي ولا علوي ولا سفلي ..
ولا أنا من عناصر الطبيعة ..
ولا أنا من الفلك الدوّار( )
ولذلك دخل في الطريقة المولوية العديد من اليهود والنصارى( )(44/9)
2- تكرر في كلام جلال الدين الرومي الإيمان بوحدة الوجود( )، ولعلّ الأبيات السابقة تكشف عن جزء من ذلك ووجه الربط في ذلك وبحسب الشيخ محمود القاسم فإن "عقيدة وحدة الوجود، هي التي ترى كل الأديان صحيحة، لأن كل المعبودات هي الله وكل شيء هو الله"( ).
وفي أبيات ونصوص أخرى يتضح لنا أكثر اعتقاد المولوية بوحدة الوجود إذ يقول الرومي:
ولا بهذا الكون ولا ذلك ... ولا في الجنة ولا النار موطني
ولا طردت من عدن ولا يزدان .. ولا من آدم أخذت نسبتي
بل مقام ما أبعده من مقام .. وطريق خفي المعالم
تجردت عن بدني وروحي .. فمن جديد أحيا في روح محبوبي( )
ويقول أيضاً: "إن الله هو ماتراه فيّ بعين قلبك، لأنه اختارني بيتاً له، فإذا رأيتني فقد رأيته، وطفت حول الكعبة الحنفية، وإذا عبدتني فقد عبدته، وسبّحت له، فلا تظن أنني شيء غيره"( ).
ولم تكن وحدة الوجود عقيدة محصورة في جلال الدين المولوي، إذ أن الرحالة الأمريكي: "w.seabrook"، الذي زار بلاد الشام في العشرينيات من القرن الماضي والتقى فيها بعض شيوخ المولوية وحضر حضراتهم وطقوسهم، ينقل عن شيخ المولوية في مدينة طرابلس، شفيع المولوي ما يفيد إيمانه هو وطريقته والصوفية بهذه العقيدة إذ يقول الشيخ شفيع: "الغاية القصوى للصوفي هي الاتحاد بالله، غير أن السبل إلى ذلك متشعبة ... وأما نحن المولوية فنؤمن بأن الروح والجسد متساويان في القداسة، بأن الروح تنمو مثل زهرة على ساق الجسد. نحن نتقبل الجمال المادي والحسي باعتباره مرآة حقيقية للجمال المادي"( ).
3- للرومي ميول شيعية واضحة وغلو في علي رضي الله عنه وآل البيت، شأن معظم المنتسبين إلى الطرق الصوفية، ومن ذلك قوله:
منذ كانت صورة تركيب العالم ... كان عليّ
منذ نقشت الأرض وكان الزمان ... كان عليّ
ذلك الفاتح الذي انتزع باب خيبر بجملة واحدة ... كان عليّ
كلما تأملت في الآفاق ونظرت فيها أيقنت بأنه في الموجودات ... كان عليّ(44/10)
إن من كان هو الوجود ولولاه لسرى العدم في العالم الموجود ... كان عليّ
إن سر العالمين الظاهر والباطن الذي في شمس تبريز ..... كان عليّ
يقول الدكتور الحفني بعد إيراده لهذه الأبيات: "فهل لهذا الكلام معنى آخر سوى أن عليّاً هو الله؟!!" ( ).
4- الدعوة إلى الاستغناء عن العلم الشرعي، وتفضيل علوم التصوف وخرافاته، وقد سبق الحديث عن أن شمس الدين التبريزي أقنع جلال الدين الرومي بترك دراسة وتدريس الفقه والاتجاه إلى التصوف بحجة معرفة الله لا معرفة شريعته. وقد أورد الرومي قصة في كتابه "المثنوي" مفادها أن رجلاً جلس في حضرة حبيبه، فأخرج كتباً في الغرام وأخبار العشاق، وأخذ يقرأ فيها، فقال المعشوق منكراً: إن كان هذا من أجلي، وبعد أن وصلت إليّ فهو تضييع للعمر، أنا حاضر إلى جوارك وأنت تقرأ الكتب؟! أنا معك وأنت منشغل عني، ما هذه أمارة العاشقين.
يقول الدكتور القصيّر: "وترمز هذه القصة إلى اعتقاد المتصوفة استغناءهم عن العلم الشرعي بعد الوصول إلى حقيقة، وبلوغ مرتبة اليقين"( ).
5- الانحلال والاستهانة بأحكام الشرع، فقد مرّ بنا أن علاقة الرومي بشيخه التبريزي كانت مبنية على الشذوذ، وتكرر في أشعاره ذكر العشق.
كما أن أذكار المولوية قائمة على الرقص والموسيقى - كما سيأتي بيانه -، وينقل الرّحالة سيبروك شيئاً من ولع شيخ المولوية في طرابلس بالتدخين، بعد أن حلّ ضيفاً عليه، فيقول: "كان واضحاً أن ضيافة الدراويش لا تقشف فيها، إذ سرعان ما وجدنا أنفسنا ندخن سجائر من القاهرة فاخرة مذهبة الأعقاب، ونرشف شراباً ضارباً إلى الخضرة من عصير العنب الأبيض والليمون المعمول حديثاً. دخّن الشيخ المولوي وشرب معنا".(44/11)
ويقول الرّحالة في موضع آخر: "... ووجدت صعوبة في التوفيق بين هذه الصورة الذهنية "زهد الصوفية"، والحقيقة التي أمامي "تمتع شيخ المولوية بالطعام والشراب والملذات" وأنا أراقب الشيخ شفيع وهو يدخن سيجارة ومذهبة العقب تدخين مترف، ويحتسي القهوة احتساء خبير حسن الذوق"( ).
أذكارهم ورقصاتهم:
ارتبط اسم المولوية بالغناء والموسيقى والرقص. ولآلة الناي مكانة كبيرة عند المولوية وشيخها الرومي الذي يقول: "استمع للناي كيف يقص حكايته، فهو يشكو آلام الفراق في صوت هو شكاية، ويقول به إنه منذ قطعوه من الغابة والناس يبكون ببكائه، وصدره يمزقه الفراق،..."( ).
ويتميز المولوية بالرقص الدائري من قبل الدراويش المصاحب للموسيقى، ويعتقدون أن رقصهم هذا يوصلهم إلى الله، بل والاندماج معه سبحانه - تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً - .
يقول شيخ المولوية السابق في طرابلس شفيع المولوية مخاطباً الرحالة الأمريكي سيبروك: "إن جميع الدروب تنتهي إلى الله، وعلى كل إنسان أن يختار الدرب الذي يراه أفضلها له. ولكنك تريدني أن أتكلم على الدرب الذي اخترناه نحن المولوية، كيف نسعى من خلال الرقص إلى الاندماج في الانسجام العلوي"( ).
ونظراً لانغماس المولوية في الموسيقى والغناء الذي حسبوه ذكراً لله، كان أبرز الملحنين الموسيقيين الأتراك من المولوية. وقد أطلق على المغني أو المنشد أو الدرويش الذي يؤدي أغانيهم اسم "سَماع زَن" Sema Zen ، أو مَولد خان( ).
انتشارها وأهم شخصياتها:
تنتشر المولوية بشكل خاص في تركيا، وبدرجة أقل في سوريا وفلسطين ولبنان، وبعض الدول الأخرى.
أولاً- تركيا: تعتبر مدينة قونية التركية مركز هذه الطريقة في العالم، ذلك أن جلال الدين الرومي قضى معظم حياته بها، كما أنه دفن فيها، في مسجده المسمى بالقبة الخضراء.(44/12)
وإضافة إلى مدينة قونية، فللطريقة مراكز أخرى في استانبول وغاليبولي، كما أن التكايا المولوية انتشرت في قيصرى وسيواس وآقسراي.
وبالرغم من أن تركيا العلمانية تقف بوجه الحركات والتيارات الإسلامية، إلاّ أن المولوية تحظى بشيء من الدعم والتسهيل بحجة اعتبار الدولة مراسم المولوية (الغناء والرقص...) كجزء من الفولكلور التركي( ).
ثانيا- سوريا: تعتبر مدينة حلب القريبة من تركيا أهم مركز للمولوية في سوريا، وخصوصاً مسجد المولوية في باب الفرج بحلب. وفي العاصمة دمشق يتركز المولويون في جامع المولوية في أول شارع النصر، مقابل محطة الحجاز، والجامعان لا يزالان موجودين إلى الآن( ).
ثالثاً- لبنان: حيث تعتبر مدينة طرابلس أهم مراكز المولوية هناك.
خامساً- فلسطين: حيث تعبتر التكية المولوية من أهم التكايا التي أقامها العثمانيون في القدس، وقد بناها قومندان القدس خداوند كاربك سنة 995هـ. وكان تعيين شيخ التكية يأتي من الشيخ الأعلى للطريقة المولوية في قونية بتركيا، وكان لها أملاك وأوقاف للإنفاق عليها اندثرت كلها.
وفي السبعينيات من القرن الماضي، توفي آخر شيوخها عادل المولوي، الطرابلسي الأصل، وكانت الطريقة موجودة في القدس قبل الوجود العثماني فيها، وقد ثبّت السلطان العثماني سليم عندما زار القدس رئيس الدراويش المولوية أخفش زادة، في وظيفته، ومنحه 500 أقجة صدقات. وفي القرن الحادي عشر الهجري، كان في القدس عدد كبير من أتباع المولوية، يتقاضى الواحد منهم 500 أقجة( ).
أما شخصياتها:
فبعد جلال الدين الرومي، تولى رئاسة الطريقة تلميذه حسام الدين الحلبي، ويقول المولوية أن الرومي كان شديد التعلق بتلميذه! وان التلميذ هو الذي أشار على الأستاذ بكتابة مؤلفاته.
وبرز في هذه الطريقة محمد باقر الشلبي الذي كان شيخاً لها في قونية في العشرينات من القرن الماضي، والشيخ شفيع المولوي شيخ الطريقة في طرابلس، وغيرهم.
للاستزادة:(44/13)
1-…"الموسوعة الصوفية" ، عبد المنعم الحفني.
2-…"الكشف عن حقيقة الصوفية" - محمود عبد الرؤوف القاسم.
3-…"عقيدة الصوفية وحدة الوجود الخفية" - د. أحمد القصير.
4-…"مغامرات في بلاد العرب" - ويليام سيبروك.
مقالات:
1-…"المولوية"، د. هدى درويش www. Alazhr.org
2-…"المولوية وبدائع "سماع زن" التركية سعد عبد المجيد www. Islam- online. Net.
3-…"المولوية"، أحمد بوبس، الملحق الثقافي لصحيفة الثورة السورية.
4-… "تكايا الصوفية في فلسطين"، نافذ أبو حسنة، المركز الفلسطيني للإعلام.
?
هل يعيد التاريخ نفسه؟
هذا السؤال يتردد دائماً على ألسنة الباحثين والكتاب، ولكن لا يوجد له جواب نهائي، ولعل المراد بطرح هذا السؤال هو: هل نستفيد من دروس التاريخ ؟ أو بالأحرى ظروف كثير من التجارب المرة والمآسي التي مرت على أمتنا والتي تتشابه بشكل كبير مع ما يجرى اليوم فهل تعلمنا من رصيد الخبرة؟ أم سنقع من جديد في الحفرة نفسها، بسبب نقص الإيمان أو انحرافه أو عدمه، عند صانعي الأحداث، مصداقاً لقول النبي ?: "لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين".
وسنقف سريعاً مع عدة تحديات تعرضت لها أمتنا في فترة الدولة العثمانية وما قبلها، من قبل الباطنية والشيعة والدولة الصفوية، ولعلنا أن نفصل فيها في الأعداد القادمة بإذن الله عز وجل.
في القرنين السادس والسابع الهجريين كثر أتباع الفرق الباطنية في الأناضول، وخاصة في شرقه ووسطه، وقد كانت هذه المجموعات الباطنية بعيدة عن سلطة ونفوذ الدولة السلجوقية، وقد عقدت هذه المجوعات الباطنية تحالفات مع الصليبيين والأرمن والمغول، ضد المسلمين ونتيجة لذلك كاد المسلمون في الأناضول أن يلقوا نفس مصير المسلمين في الأندلس، فبينما كانوا يخوضون حرباً ضد الفناء على يد الصليبين، كان أتباع هذه المجموعات الباطنية يقيمون المذابح الجماعية للمسلمين بالاتفاق مع الأرمن.(44/14)
أليس هذا ما يحدث في العراق اليوم: المسلمون يقاومون المحتل الأمريكي، والميلشيات الشعية الصفوية تقيم المجازر والتهجير القسري للمسلمين!!
كان أول تمرد تواجهه الدولة العثمانية، هو تمرد جمع تعاون ثلاث جهات: الشيعية العلوية ، اليهودية ، الصوفية الباطنية . وذلك على يد الشيخ بدر الدين الذي ولد في مدينة بورصة، ورحل لتعلم التصوف في القاهرة على يد شيخه حسين الأخلاطي، الذي أمره بالمسير إلى تبريز في إيران ، وقد مكث فيها مدة طويلة ثم عاد إلى القاهرة، وغادرها بعد وفاة الأخروطي. وفي طريق عودته مر على معاقل التجمعات الشيعية الغالية، وبدأ يدعو لمذهبه الجديد، والذي هو امتداد للمزدكية التي شاعت في بلاد فارس قبل الفتح الإسلامي لها، وكان جوهر دعوته وحدة الأديان، وحين بلغ أمره للسلطان نفاه إلى ازنيق مع تحديد إقامته.
لم يثن هذا بدر الدين عن دعوته، فقد كان على اتفاق وتعاون في هذا المذهب مع ببور كلوجه مصطفي وشخص يهودى اسمه طورلاق كمال، ولما رأوا كثرة الأتباع، زعم أنه ذاهب للحج ووصل إلى مقدونيا سراً، وبدأ تمرده على الدولة العثمانية، فتمكن من تحقيق بعض الانتصارات في البداية، لكن سرعان ما قبض عليه وأعدم، فخمدت فتنته.
وهكذا نجد تعاون اليهودية مع غلاة الشيعة الصوفية، كما أن لتبريز دوماً دورا في الفتنة قديماً وحديثاً.
فها هي الأحداث تتكرر: الشيعة يحثون وينسقون مع أمريكا لاحتلال العراق ، وها هو الكونجرس يتعاون مع زعيم الصوفية في أمريكا هشام قباني لمحاربة الصحوة الإسلامية ونشر الإسلام الصوفي الغارق في الجذبة مع الانحلال الخلقي والخرافة.(44/15)
يقول المثل التركي القديم: "إنما تقتحم القلعة من داخلها"، ولذلك حين قامت الدولة الصفوية الشيعية، نفذت هذه الخطة فقامت بنشر وبث الدعاة إلى التشيع في الدولة العثمانية، وقامت أيضاً باستقبال الرعايا العثمانيين وخاصة من الطرق الصوفية، فتلقنهم المذهب الشيعي وتدربهم عسكرياً ومن ثم تعيدهم إلى الأناضول لحين حلول ساعة الصفر.
وحين انتبه السلطان بايزيد لما يحدث حد من هذه الرحلات، لكن الشاه إسماعيل الصفوي طلب من للسلطان السماح بعودة هذه الرحلات فأجاب السلطان طلبه.
ومن نتائج هذه الرحلات وتكوين هذه الخلايا، قيام فتنة شاه قولى، والتي سبق أن عرضناها بتفصيل في العدد الثلاثين من الراصد - يمكن الرجوع له من خلال أرشيف المجلة أو أرشيف سطور من الذاكرة – ونضيف هنا جزءا من محضر التحقيق مع عميل من عملاء شاه قولي الذي يلقب نفسه نور خليفة في حين لقبه الناس شيطان قولى.
جاء في محضر التحقيق :" كم كنتم حين اتصلتم بشاه قولى؟
كنا أربعة أشخاص، ذهبنا إليه في شهر صفر الماضي فأعطى لكل منا عشرين ورقة دعوة لتوزيعها.
أين ذهب الثلاثة الآخرون؟
ذهب صفر إلى سزر وإمام، وعلي إلى سلانيك وتاج الدين إلى شوج ".
وهذا ما يحدث اليوم، فالوفود الشيعية لا تنقطع عن زيارة إيران، ومعسكرات التدريب لا تخلو من الشيعة العرب وغير العرب، بل لقد أقاموا بعضاً منها في لبنان والعراق لمن يتحرج من زيارة إيران. وهذا الذي ذكرناه هو جزء بسيط مما عانته الدولة العثمانية من الفرق الباطنية، ولكن السؤال المهم هو ماذا تعلمنا من هذا التاريخ؟؟
المصدر:
هذه الأحداث من كتاب: "الحروب العثمانية الفارسية وأثرها على انحسار المد الإسلامي عن أوربا"، للدكتور محمد عبد اللطيف هريدي، نشر رابطة الجامعات الإسلامية 1987م.
…
?
الهيمنة الإيرانية على العراق وأذرعها المختلفة
إعداد: عبد الوهاب بن إسماعيل الربيعي
تقرير خاص بالراصد(44/16)
[هذا التقرير أعد من العراق، والمطلوب تعاون الجميع لإعداد تقارير باستمرار حول التحرك الإيراني الشيعي لمعرفته وتحديد طرق العلاج، وخاصة في (لبنان، البحرين، السعودية، الإمارات، سوريا، الكويت، اليمن، باكستان ) بالدرجة الأولى، كي لا يأخذوا على حين غرة ويفاجئوا بأن الأمر قد استفحل، وحين ذاك لا يجدوا إلا الغرب ليستنجدوا به. وليعامل الأمر من الناحية الفكرية قبل السياسي. الراصد]
التدخل الإيراني في العراق إبان فترة الحصار بين سنة (1991- 2003 م):
لم تستطع إيران نسيان حربها مع العراق والتي استمرت لثمان سنوات حصدت خلالها قيادات من الحرس الثوري، فتحينت إيران الفرص للانتقام، مع ما تحمله من مخططات مسبقة لتشييع العراق والمنطقة ومد نفوذها بشكل عميق، مستغلة خطيئة صدام حسين في الكويت، ثم ضرب الحصار ،فأهلك الحرث والنسل. فاستغلت إيران حالة الفقر والحصار الذي كان يعاني منه الشعب العراقي، كما استغلّت حالة إغلاق الحدود العراقية باستثناء حدودها مع الأردن، فقامت بالنشاطات التالية :
1- التسلل لداخل العراق وقد بدأ هذا التسلل بشكل ملحوظ في أوائل التسعينيات وبالتحديد من عام (1991 - 1997) بشكل حقيقي من خلال الأوجه التالية :
-…إدخال عناصر تابعة للأحزاب الشيعية الدينية مثل: (حزب الدعوة، المجلس الأعلى، حركة 15 شعبان، وغيرها)، وقد تمّ ذلك من خلال الحدود المشتركة في المناطق الجنوبية للعراق (البصرة و العمارة) وذلك بهدف التمركز في مناطق جنوب العراق ووسطه (مدينة بغداد) ولغرض تحريك الخلايا الشيعية النائمة لهذه الأحزاب.
-…استغلال سماح العراق بالسياحة الدينية إلى (العتبات المقدسة!) وهي (النجف وكربلاء) بالنسبة للشيعة، فضمّت وفود الزائرين الإيرانيين أعداداً لا بأس بها من رجال المخابرات والحرس الثوري الإيراني، وهذا ما تنبهت له المخابرات العراقية آنذاك ورصدته.(44/17)
-…العلاقات التجارية البسيطة بين تجار عراقيين وإيرانيين، سهّل التحرك بين البلدين ودخول رجال المخابرات الإيرانية إلى العراق.
-…إقامة أماكن ومقرات للحرس الثوري الإيراني وللمخابرات الإيرانية في شمال العراق، الذي انفصل عن الحكومة المركزية بعد إعلان الحظر الجوي، وبالأخص في مدينة السليمانية حيث كان للإيرانيين علاقة متميزة بـ (جلال الطالباني) وفي مدن أربيل ودهوك التابعة (لمسعود البارزاني)، وقد كان العداء مستفحل بين الحزبين لحد الاقتتال، وكان للطالباني علاقات على جميع الأصعدة مع إيران وإسرائيل، بينما كان للبارزاني علاقات بالمخابرات العراقية؛ لذلك فإن الطالباني كان المرتع الخصب للتواجد الإيراني، لا سيما وأن مناطق نفوذه هي المناطق العراقية الشمالية الشرقية المجاورة لإيران، حتى أنّ إيران شيدت (حسينية) فخمةًً في السليمانية، علماً أنه لا يوجد شيعي واحد بين أكراد العراق (هناك أكراد شيعة يسمون – فيلية - ولكنهم يسكنون في بغداد ومدينة خانقين وبعضهم سافّر إلى إيران بعد سنة 1979).
وكانت نتائج محاولات التسلل هذه لغاية سنة 1997، تغلغل إيراني كبير في مدن ( البصرة والعمارة ) بالدرجة الأولى. و(النجف وكربلاء) بالدرجة الثانية، ثم بشكل أقل في المحافظات الجنوبية (المثنى، ذي قار ، القادسية، واسط ، بابل)، أما في ( بغداد) فكان الأكثر ضعفاً.
2- استقطاب عدد من عناصر أجهزة الدولة بشكل سري وهي أجهزة : (الأمن العام ، المخابرات، الاستخبارات، الجيش، التصنيع العسكري) وذلك من خلال الشخصيات الشيعة بالدرجة الأولى، مستغلّين تدني مستوى المعيشة للعراقيين أثناء الحصار (أصبح راتب المعلم 10- 15$)، وكان ثمرة ذلك العثور على وثائق من التصنيع العسكري، وأسلحة الدمار الشامل، وبرنامج العراق النووي، وتهريب وثائق وأوراق عن رجال التصنيع والعلماء، والاتصال مع الضباط في الجيش العراقي وحثّهم على الالتحاق بالمعارضة.(44/18)
3- القيام بالتنسيق مع القوي الشيعية العراقية في العراق عبر شيعة الخليج (السعودية، البحرين، الكويت، الإمارات) الذين جاءوا لزيارة الأماكن المقدسة في العراق من خلال الأردن، فقد كشفت المخابرات العراقية وقتها بأنّ هذه الزيارات مداخل للمخابرات الإيرانية عن طريق شيعة تلك الدول وبالأخص شيعة (البحرين والإمارات).
4- شكّل التجار العراقيين الشيعة في الأمارات و في الأردن مركز ارتباط جيد مع إيران، حيث لعبت مكاتبهم التجارية فيما بعد دوراً في استقطاب الشيعة في العراق.
بعد سنة 1997 تطور التدخل على النحو الآتي:
تغيّرت الأمور في هذه المرحلة، حيث قرر الأمريكان تبديل نظام صدام حسين بشكل نهائي، وبدأ الإعداد في الولايات المتحدة لذلك، ونشطت المعارضة العراقية ، وازداد التغلغل الإيراني في العراق.
فقد تحرك حزب الدعوة، والمجلس الأعلى في الجنوب بشكل أوسع، ورفعت مئات التقارير من حزب البعث والأمن والمخابرات العراقية تشير إلى أن التغلغل الإيراني أصبح واضحا، وازداد وجود (فيلق القدس الإيراني) حتى يقال أنهم هم من قام بتصفية واغتيال (محمد صادق الصدر/ والد مقتدى) لأنه كان مدعوماً من الحكومة العراقية كمرجعية عربية بينما كانت إيران تريد بقاء المرجعية الفارسية والمتمثلة في السيستاني.
أخطر ما فعل في هذه المرحلة هو إجراء إحصاء مناطقي لأهل السُنة في المناطق (البصرة، الحلة، واسط، بعض مناطق بغداد، ديالى، الناصرية، الديوانية، كربلاء ، النجف)، والقيام باغتيال شخصيات دينية سُنية نشطة في المناطق الشيعية، واغتيال عدد من قيادات حزب البعث، وكل من قبض عليه في تلك الاغتيالات اعترف بتوجيه إيراني له، كما أن إيران كانت تتخوف من تواجد منظمة (مجاهدي خلق) المعارضة؛ لذلك قامت بضربات لرجالاتها مستخدمة أعضاء من (حزب الدعوة ، المجلس الأعلى / فيلق بدر)، كما أن التواجد الإيراني أصبح واضحاً ومكثفاً في الشمال العراقي (الأكراد) .(44/19)
وفي هذا الشأن هنالك ملاحظة مهمة وهي أن سوريا كانت تتعاون مع إيران للدخول إلى العراق واللقاء مع المعارضة العراقية في سوريا (وذلك في زمن حافظ الأسد)، أما مع مجيء (بشار الأسد) وفتح الحدود السورية – العراقية فقد تمّ التضييق على المخابرات الإيرانية في سوريا. كما كان للعراقيين الشيعة وجوداً في لبنان بالأخص في الجنوب وذلك للتدرب مع حزب الله ، وهذا ما كشفته المخابرات العراقية بعد عام (2001م) وقد كان مسار انتقال شيعة العراق إلى لبنان يتم من خلال الإمارات أو الأردن أو إيران نفسها.
ومن الذين تدربوا هناك المدعو (بيان جبر الزبيدي) وكان تدريبه استخباراتي وليس عسكري، واسمه الإيراني هو (باقر صولاغ غلام خسروي) وزير الداخلية سابقاً و المالية حالياً. أما بالنسبة للأردن في هذه المرحلة فقد حوت مكاتبا تجارية أصحابها شيعة، ثبت فيما بعد بأنه كان لبعضهم ارتباطات مع إيران، والبعض ثبت ارتباطه شخصيا مع إيران.
وأخيرا فإنه منذ عامي (1999، 2000 م) بدأ في أمريكا وأوربا إعداد شخصيات شيعية عراقية بعضهم من أصول إيرانية للقيادة في العراق، ولا يستغرب القارئ عندما يجد أن عددا لا بأس به ممن كانوا في الأردن هم الآن مع الحكومة العراقية (الشيعية) سواء في مجلس الحكم أم البرلمان أم في الوزارات.
الوجود الإيراني بعد سقوط العراق (الاحتلال):
كما سبق ذكره فإن الوجود الإيراني في العراق ظهر على صورتين:
الصورة الأولى : الشخصيات الشيعية العراقية المرتبطة بإيران، والصورة الثانية: التواجد الإيراني في شمال العراق.
بعد سقوط العراق ونظام صدام (البعث)، طرح موضوع الوجود الإيراني في العراق وعلاقته بالاحتلال وكانت هناك عدة عدة احتمالا :
الأول: وجود تعاون مسبق بين إيران و أمريكا للعب دور في العراق يصبّ في مصلحة الطرفين.
الثاني: أن سياسة أمريكا وصنع الفوضى الخلاقة في العراق هو من شجع إيران للعب دور مهم لمصلحة الجانب الإيراني.(44/20)
الثالث: يجمع بين الاحتمالين؛ فإنّ إيران عملت على تطوير وجودها في العراق من خلال اتفاق وتعاون مسبق بين إيران وأمريكا، ولكن إيران استغلت بشكل أوسع من الاتفاق المبرم بسبب الانغماس الأمريكي في مستنقع العراق، فكثفت من وجودها وأصبحت تُمسك بزمام الأمور في العراق أكثر من الأمريكان، والرأي الثالث يؤيده الباحث، ويؤكده ما بدأت به إدارة بوش مؤخراً من ضرب مصالح إيران في العراق ورجالاتها وإظهار للعالم ما يثبت تورط إيران في دعم المليشيات وجماعات المتمردين لضرب القوات الأمريكية المنتشرة في العراق.
المخطط إيران للتدخل ومن ثم الهيمنة على العراق:
لقد قامت إيران بتشكيّل وزارة الأمن القومي الإيرانية - وبكادر كبير وميزانية مالية ضخمة- بعد سقوط العراق، وظيفة هذه الوزارة:
-…إجراء اتصالات مع كل الجماعات الشيعية المحلّية في العراق سواء كانت جماعة أو حزب أو جمعية سياسية أو إغاثية أو ثقافية، وخططت وفق جدول زمني استدعاء كل قياداتها إلى إيران، للتعرف عليها ومحاولة الاتفاق معها، وتشمل الدراسة حجم الجماعة وأماكن تواجدها في العراق ، ويتم التأكد من مصداقية حجم الجماعة ورجالاتها من خلال تزكيات جماعات شيعية عراقية ورجال دين.
-…فإذا تمّ الاتفاق والتنسيق ترصد مبالغ ورواتب لأعضائها للعمل على نشر التشيّع - هذا دينيا - ومن ثم العمل وفق مخطط ترسمه هذه المؤسسة؛ شريطة أن توافق الجماعة أو الحزب على أن تزوّدهم إيران - ولكل جماعة - بثلاثة مستشارين (أمني، عسكري، سياسي) يكون استقرارهم قرب مراكز تواجد هذا الحزب أو الجماعة، وقد تم ذلك الأمر خلال الفترة من (9/4/2003 – 1/1/2004) حيث تمّ الاتفاق مع كل الأحزاب الشيعية في العراق، وغطت كل الساحة الشيعية العراقية، وأصبح القرار الشيعي في العراق يصنع بواسطة لجنة مركزيه إيرانيه.(44/21)
-…واجهت هذه الخطة في البداية مشكلة مع التيار الصدري التابع لـ (مقتدى الصدر) والذي رفض التبعية لإيران أول الأمر، إلا إنّ المرجع الحقيقي للتيار الصدري ( كاظم الحائري) والمقيم في مدينة قم الإيرانية عمل على توجيه كثير من الرجالات في التيار الصدري إلى إيران، وفعلاً تمّ هذا الأمر، وعندما زار مقتدى الصدر إيران رفض ( خامنئي) استقباله؛ لأنّه كان يعتبر في أول الأمر تياراً عربياً مهاجماً لإيران، إلا أنّ رفسنجاني قابله وتمّ الاتفاق معه على دور في العراق مقابل خدمات لإيران، وتمّ ذلك للطرفين.
أهم الأحزاب والمؤسسات الشيعية التابعة أو المتعاونة مع إيران في العراق:
أ- المجلس الأعلى للثورة الإسلامية: أُُسس سنة (1982) في إيران من خلال تجمع عدة فصائل شيعية، ولكونه تنظيم مُحكم تشرف عليه إيران مباشرة ومدعوم 100 % من قبل إيران انسحبت منه عدة جماعات وأحزاب منها:حزب الدعوة، منظمة العمل الإسلامي ( تيار المرجع الشيرازي )، و عدد من علماءهم والشخصيات الشيعية المعروفة نتيجة لشعورهم أنّ العمل سيكون خدمة لإيران لا للشيعة والتشيع.
فبقي المجلس لجماعة محمد باقر الحكيم (مواليد 1937 في النجف) وهو الشقيق الأكبر لعبد العزيز الحكيم، وقد استقبل الخميني شخصياً محمد باقر الحكيم عند قدومه إلى إيران سنة (1980). والمكون الرئيسي لهذا الحزب هم: (اللاجئين المسفّرين من العراق أصحاب الأصول الإيرانية بالإضافة إلى أسرى الحرب العراقية الإيرانية). و يشرف خامنئي شخصيا ومكتبه على المجلس الأعلى مباشرةً، ولدخول رجال المخابرات الإيرانيين للعراق ينسقون مع المجلس الأعلى .(44/22)
إنّ المجلس الأعلى هو رجل إيران الأول في العراق، مثله مثل حزب الله في لبنان، وهو ما أكده صبحي الطفيلي الأمين العام الأسبق لحزب الله، حين شبه عبد العزيز الحكيم رئيس المجلس الأعلى بحسن نصر الله أمين عام حزب الله وأنهما ينفذان أوامر خامنئي شخصياً، وهذه النقطة مهمة لكل من يريد التعامل بشكل واقعي مع الشأن العراقي، وليعلم الجميع أنّ ليس للمجلس الأعلى خيار،وخياره بيد إيران، ومحاولات عبد العزيز الحكيم للظهور إلى أمريكا أنه من سيحفظ لهم مصالحم في العراق هي محاولة خادعة مدروسة من قبل إيران بعناية لكسب الوقت لحين وضع أمريكا بمأزق أكبر، فالمجلس دون مبالغة ورقة إيرانية فحسب.
أما أصوله الفكرية فمستندة إلى جهتين:
يستند هذا الحزب على والد محمد باقر الحكيم المرجع السيد محسن الحكيم . وكذلك مرجعية محمد باقر الصدر (مؤسس حزب الدعوة).
وخلال سنتين من التأسيس تشكّل ذراع عسكري لهذا التنظيم يدعى (فيلق بدر) أو ما يسمى في إيران بـ (فيلق 9 بدر) وقوامه (10- 15 ألف فرد)، مركزه إيران، وكانت ظيفته هو شن حرب عصابات على (نظام صدام)، والقيام باغتيالات لأعضاء الحزب والجيش والأجهزة الأمنية، منطلقاً من الأراضي الإيرانية، هذا كله لغاية (1988)، ثم نقل عمله إلى شمال العراق بعد عام (1991) في منطقة كردستان العراق. وفيلق بدر قيادته للمدعو ( هادي العامري) الملقب (أبو حسن العامري) فيما بعد.
من المؤسسين لهذا الحزب:
محمد باقر الحكيم ، السيد محمود الهاشمي، محمد كاظم الحائري، محمد تقي المدرسي، مهدي الأصفهاني، عبد العزيز الحكيم ،حسين الصدر، محمد باقر الناصري، الشيخ بشير البشيري، محمد الحيدري، الشيخ محسن الحسيني، السيد محمد باقر المهدي أو المهري، الحاج أبو بلال الأديب، إبراهيم الجعفري، السيد أكرم الحكيم، السيد أبو علي المولى، عبد الله الموسوي (عبد الجبار آل سيد جاسم الصافي).(44/23)
أبرز شخصيات المجلس الأعلى وذراعه العسكري منظمة (بدر) الحالية:
عبد العزيز الحكيم من مواليد 1950 في النجف، كان سنة 1986 عضواً في ( شورى المركز) للمجلس الأعلى، وأنيط له إدارة (الملف السياسي) للمجلس الأعلى، ثم إدارة (العمل السياسي) في مؤتمر لندن سنة (2002م)، وفي مؤتمر (صلاح الدين) في شمال العراق للمعارضة العراقية، ثم أصبح رئيس المجلس الأعلى بعد مقتل أخيه هو يحمل الجنسية الإيرانية.
عادل عبد المهدي: من مواليد 1944 في العراق، يحمل الجنسية الفرنسية، دكتوراه في الاقتصاد من فرنسا، لم يكن متديناً بل شيوعياً ثم بعثياً في الستينات، حكم عليه بالإعدام بسبب نشاطه السياسي، ففرّ إلى: فرنسا – لبنان - إيران، وانضم في إيران للمجلس الأعلى، شغل منصب وزيراً للمالية، ثم هو اليوم نائباً للرئيس (الطالباني) ورُشح لرئاسة الوزراء قبل المالكي لكنّ التيار الصدري رفضوه.
عمار الحكيم: الابن الأكبر لعبد العزيز الحكيم، وهو شخصية سيئة (غير نزيهة) مالياً، والمشرف على تهريب الأموال إلى إيران (النفط)، يعتبر وزير خارجية (المجلس الأعلى)، فهو من يدير العلاقات بين المجلس وأمريكا، وإسرائيل، وأوروبا ،وبعض الدول العربية، له عدّة زيارات لإسرائيل بعد السقوط (غير معلنة)، يلمّع من قبل الإدارة الأمريكية وقد يكون ذلك من قبل إيران ليلعب دوراً بدل أبيه، تلقّى دعماً مالياً من الكويت قبل السقوط وبعده (تلقى 6 ملايين دولار أمريكي لدعمه في الانتخابات الأخيرة)، وهو الذي هرّب وثائق الدولة العراقية إلى إيران وهو ما يعادل حمولة عشر سيارات مليئة بالوثائق، يدعو لإقامة حلف (شيعي+ أمريكي) ، نشأته الأولى على يد المخابرات الإيرانية، وله ولاء غير طبيعي لإيران.(44/24)
سعد قنديل (سعد تقي): أصله إيراني،يحتل منصب نائب رئيس المكتب السياسي للمجلس الأعلى، إلا أنه شخصية ضعيفة، يدّعي أنه حاصل على الدكتوراه وتبين عدم صحة ذلك، ليس فعّالاً في المجلس حالياً لأنه متأثر بأفكار غربيه. والمجلس تسيطر عليه شخصيات دينية.
هُمام باقر حمودي (مواليد 1952)، مسؤول تنظيم العراق في المجلس الأعلى، دكتوراه من الجامعات العراقية، كان ناشطاً شيعياً منذ السبعينات، وهو الآن من مستشاري عبد العزيز الحكيم، له نشاط فكري شيعي وصاحب مؤلفات، اختير لكتابة الدستور العراقي إبان حكومة الجعفري، أحد واجهات المجلس الأعلى لقدرته على الحديث الصحفي.
جلال الدين الصغير: وهو على انتمائه للمجلس الأعلى، إلا إنه يمتلك ميليشيا خاصه به في جامع (براثا) تقوم بجرائم طائفية كبقية فرق موت في منطقته (العطيفيه وما جاورها)، متكلّم، صاحب مخططات خبيثة لتشيع مدينة بغداد.
كان هدف المجلس الأعلى هو إقامة حكم شيعي على نظام (ولاية الفقيه)، وأن يكون (محمد باقر الحكيم) قائداً ومرجعاً بدل السيستاني، إلا أنّ مقتله حال دون هذه الفكرة، والتي استبدلت بسيطرة (المجلس الأعلى) على قرارات السيد السيستاني وإصداره على لسان ممثليه، ومنعه من الظهور؛ وبالتنسيق مع إيران تمّ توحيد آراء السيستاني لدعم خطوات (المجلس الأعلى) السياسية.
ويعد المجلس الأعلى الذراع الأول لإيران في العراق، بسبب السيطرة الإيرانية عليه، حين عاد أعضائه (عددهم يتراوح ما بين 10-15 ألف شخص) إلى العراق بعد السقوط سكنوا ضمن مخطط مدروس في جنوب العراق مع عوائلهم، ولوحظ أن عددا لا بأس به منهم متزوج من إيرانيات؛ لأن أكثر هؤلاء إمّا من أصول إيرانية، أو من الأسرى العراقيين في الحرب العراقية الإيرانية، وكل من يحاول الهرب منهم (لأن بعضهم حاول الهرب لسوريا والأردن) يقوم فريق من بدر بتصفيته، وتصفية عائلته وتمّ ذلك فعلا عندما حاول بعضهم الهرب.(44/25)
دور فيلق بدر في المخطط الإيراني الصفوي للهيمنة على العراق:
تنفيذ تصفيات فورية للشخصيات الموجودة في قوائم مجهزة و معدة سلفاً، وتم ذلك حسب التسلسل الآتي:
1- تصفية قيادات حزب البعث العربي الاشتراكي وبالتحديد رتبة الرفاق منهم، وهناك إحصائية لغاية شهر 8/2003م قتل (3000 بعثي) منهم (سبعة شيعة) أي خلال خمس أشهر فقط تمّ تصفية 3000 شخص هؤلاء.
2- اغتيال الشيعة المتدينين والذين تحولوا إلى سُنة في مدينة بغداد وضواحيها على سبيل الخصوص، وقليل من ذلك في جنوب العراق والبصرة، وقد تمّ تصفية الكثير من المهتدين الشيعة؛ وللأسف لا يوجد جهة مختصة برعاية ومتابعة والدفاع عن هؤلاء المهتدين، إذ أنّ عدد المهتدين كبير جداً (أكثر من ربع مليون) وهذا الرقم تقديري على حد اطلاع الكاتب فحركة تسنن الشيعة وخصوصا في القرى والأرياف في محيط بغداد بدأت في ثمانينيات القرن المنصرم واستمرت إلى 1998م.
3- تصفية العلماء والمفكرين والصحفيين وأساتذة الجامعات والأطباء والكفاءات الفكرية والطبية، وهذا ثبت عليهم وثبت كذلك على شبكات تابعة للموساد، وبعض هذه القوائم أعدّ منذ سنة (2001م) في إيران بخاصة علماء التصنيع العسكري، والذرة، وعلماء الجامعات العراقية، وقد ساهم (حسين الشهرستاني/ وزير النفط حالياً) بإعداد قوائم لإيران؛ لأنه كان خبيراً في المفاعل النووي العراقي، وأكّد ذلك من وقع بالأسر من (فيلق بدر) أنّ هذه رغبة (إيرانية - إسرائيلية) مشتركة.(44/26)
4- القيام باغتيالات لضباط وطيارين في الجيش العراقي السابق ويبلغ عدد هؤلاء المغتالين هو (11ألف ضابط) منهم ( 3000 طيار)، وقد صرح رسميًا اللواء الركن أكرم الشايب من الموصل أن فيلق بدر هو من تابع هذه العمليات مباشرة وبالتعاون مع مكتبهم في شمال العراق مع مكتب تنسيق ( إيراني وبشمركة)، وكذلك ما كشف عنه اللواء منتظر السامرائي مسؤول عمليات القوات الخاصة في وزارة الداخلية (التي يقودها صولاغ) من قوائم أعدت جاهزة معدة مسبقا بأسماء الطيارين وضباط الأركان الذين أعدمتهم القوات الخاصة والذين كانوا يخرجون في الليل في أوقات حظر التجوال لينفذون مهمات الاعتقال والإعدام.
5- القيام بإرسال تهديدات إلى الأصناف السالفة الذكر، مما نتج عنه هجرة المئات بل الألوف، هجرة داخلية وهجرة خارجية.
6- الاصطدام مع التيار الصدري؛ لأنه رفض التعاون مع إيران وقد حدثت تصفية متبادلة بين التيارين – سفر مقتدى إلى إيران – كما ذكر سابقاً وهذا سهّل على المقاومة العراقية التعاون مع التيار الصدري لتهريب أسماء كل فيلق بدر تقريباً أو قياداتهم، وقد كشف تسجيل مصور حدة هذا العداء بين الصدر والحكيم والذي يُظهر اعتراض مقتدى على أحد الخطباء الصدريين عندما توجه بالشكر على بعض أفعال الحكيم فأبدى مقتدى عدم رضاه عن هذا الشكر.
7- تشكيل كادر إعلامي، وتشكيل فضائية (الفرات) وعدداً من الصحف يحوي عدداً من الصحفيين ذوي الأصول الإيرانية. إذ أنّ إيران لها أكثر من (300) صحفي وإعلامي داخل العراق بالتنسيق مع قناة (العالم الإيرانية)، والتي نصبت مقويات ومرسلات على طول الحدود العراقية الإيرانية؛ لأنّها تعتبر مؤثراً قوياً .....(44/27)
على الشارع الشيعي سياسياً، وكذلك المواقع الإلكترونية الإخبارية مثل وكالة أنباء براثا (واب )، وهو يمثل قمة التطرف الشيعي في الخطاب الإعلامي الموجه لشيعة العراق وذلك عبر تعبئتهم بثقافة المظلومية وبث هاجس اجتثاث وإبادة الشيعة في العالم والمخططات التي سار عليها كل حكام العراق من أجل إقصاءهم وإبعادهم عن الساحة السياسية وصناعة القرار واستخدام الألفاظ التي تحرك مشاعر الشيعة نحو الثأر والانتقام من عهود القهر والتهميش، وكذلك من مواقع أخرى مثل الطريق إلى كربلاء وشبكة كربلاء للأنباء والعشرات من المواقع والصفحات الإلكترونية والتي يُرى من خلالها تطابق الأفكار الشيعية مع ما تقوم به المليشيات الشيعية من حربها على أهل السنة.
يعاني المجلس الأعلى من تدني شعبيته داخل الكيان الشيعي العراقي، خلافاً لحزب الدعوة والتيار الصدري، ولسدّ هذه الفجوة ،استخدم الأموال، ومنح الوظائف الحكومية والانتساب للجيش والشرطة بشكل واضح في كسب بقية الشيعة لحزبه ؛ وحصل ذلك فعلا .
ب- حزب الدعوة الإسلامي:(44/28)
الذي يعد أقدم حزب شيعي سياسي حيث تأسس في الخمسينيات، وهو ورأس الأحزاب الشيعية في العراق و في المنطقة العربية، ومنه تفرعت بقية الجماعات والأحزاب، منها حزب الله اللبناني وكثير من أحزاب المنطقة الشيعية، إنّ حزب الدعوة هو أكبر ممثل للشيعة في العراق تاريخيا وفكريا، كان للحزب موقف قديم من عدم الارتباط بإيران، وهذا قبل ظهور الثورة الإسلامية في إيران ، ومع بعد تحريض الثورة الثورة الإيرانية له شروع حزب الدعوة بعمليات عسكرية داخل العراق سنة (1978-1979) والقيام باغتيالات ، مما جعل الحكومة العراقية تشن عليه حملة قوية ، ونتيجة لهذه الحملة فرّ جمع كبير من الحزب إلى إيران. بعد اندلاع الحرب العراقية – الإيرانية، ساهم الحزب بأعمال التجسس لحساب إيران، مثل تقديم معلومات حول المواقع العسكرية، و محاولة اغتيال صدام حسين في الدجيل شمال بغداد وعلى إثرها تم إعدام الكثيرين منهم وهرب الكثير منهم خارج العراق، وقد ذهب جمع من المحللين السياسيين إلى أن حكم الإعدام الذي نُفِذ بحق صدام كان بمثابة ثأر قديم وتصفية حساب حان لحزب الدعوة أن يأخذه وقد تسلم زمام السلطة في العراق .
ونتيجة لهذه الحملة توجّه أغلب أعضاء الحزب إلى (إيران و سوريا)، وساهم إبراهيم الجعفري أثناء تواجده في إيران بتأسيس المجلس الأعلى، ولكنه لم يستمر في المجلس لعدم ارتياحه من مطالب إيران لربطهم مخابراتياً، فبدأ أكثر أعضاء حزب الدعوة بالتوجه نحو سوريا والدول الغربية-لندن بالأخص- وبعضهم إلى دول الخليج كالإمارات والكويت، فأصبحت (سوريا ، لندن) هما المركزان الرئيسيان للحزب .(44/29)
في فترة التسعينيات سرب حزب الدعوة بعض كوادره إلى داخل العراق من إيران عن طريق شمال العراق لجلب معلومات وإجراء عمليات اغتيالات لكوادر حزب البعث،وإحياء خلايا نائمة للحزب. وبعد سقوط العراق بيد الاحتلال، انقسم حزب الدعوة على نفسه تجاه شرعية الاحتلال وتجاه التبعية لإيران- فالحزب كان من الرافضين لاحتلال أمريكا للعراق ،ولهم تحفّظ عن بعض تدخلات إيران بشأن الأحزاب الشيعية – لذلك انقسم الحزب لثلاثة أقسام:
- حزب الدعوة / إبراهيم الجعفر .
- حزب الدعوة / تنظيم العراق / بزعامة عبد الكريم العنزي.
- حزب الدعوة / الذي رفض الانتماء للعملية السياسية.
حزب الدعوة / إبراهيم الجعفري:
مجموعة الجعفري وافقت على المخطط الأمريكي – الإيراني، (هذه المعلومات أعلنها أعضاء من حزب الدعوة رفضوا أفعال التنظيم، وعادوا إلى لندن وفضحوا أسراراً كثيرة حول حزب الدعوة)، أما إبراهيم الجعفري (أبو أحمد)، وكذا (جواد المالكي " نوري المالكي" أبو إسراء) وغيرهم من المشاركين في العملية السياسية، فقد وافقوا على الارتباط بإيران فقط والتعاون معها.
حزب الدعوة / تنظيم العراق:
أما مجموعة عبد الكريم العنزي، فكان ارتباطهم بإيران أقدم من حزب الدعوة والجعفري. وحزب الدعوة- بعد السقوط- أعاد النظر في كل أطروحاته القديمة ،وارتبطوا بإيران باتفاقات مبرمة، والغوا بعض الخلافات مع المجلس الأعلى مؤقتاً بأمر إيراني. و طلبت إيران من حزب الدعوة ربط مقتدى الصدر والكتلة الصدرية بإيران .(44/30)
ولفقد الحزب لكثير من كوادره العسكرية والقتالية، لم تكن له ميليشيات بعد السقوط، وأصبح ذراعا لإيران سياسياً وليس عسكرياً، ولأنّ حزب الدعوة هو الأقدر والأكفأ فكريا، وكوادره أكثرهم من المثقفين والمفكرين في الجامعات و كان له ارتباط فكري بأفكار الإخوان المسلمين كأفكار سيد قطب وغيره، في حين أن أكثر من ينتمي للمجلس الأعلى هم من غير الطبقة المثقفة،بل هم شخصيات عملت بالخفاء (اغتيالات، تفجيرات...)؛ لذا اختير أعضاء حزب الدعوة لرئاسة الوزراء.
يحتوى حزب الدعوة عددا لا بأس به من الأعضاء من أصول إيرانية مثل (علي الأديب) واسمه الحقيقي (علي زندي أو يزدي) إيراني، وهو من منظري الحزب.
ويعد حزب الدعوة واقعيا هو من يحكم العراق سواء (إبراهيم الجعفري و نوري المالكي) كرئيساً وزراء، وكلاهما أثبت أن ولاءه لإيران أكبر من ولائه للعراق، فقد أطلقوا سراح كل المعتقلين الإيرانيين التي قبضت عليهم الشرطة أو الجيش بتهمة القيام بأعمال تخريبية في العراق، وكان في سجون الداخلية أكثر من (250 شخص إيراني) ألقي القبض عليهم ينفذون تفخيخ السيارات أو الدخول من الحدود بطرق غير رسمية، وهذا كان في أول يوم من مجيئهم للسلطة، وقام المالكي كذلك بإطلاق سراح (400 إيراني) في أول عهده، كما إن هناك تقارير كثيرة جداً عن تواجد إيراني في وزارة الداخلية - في وزارة صولاغ - ولكن كان يتم غض الطرف عنها من قبل إبراهيم الجعفري والمالكي ، وحين كشفت الصحافة تواجد إيراني مكثف في البصرة، قام الجعفري و المالكي بالدافع عن التواجد الإيراني وعللوا ذلك بأنه وجود رسمي ،ولقد لاحظ ذلك كل من السنة والشيعة العرب.
خلاصة علاقة الحزب بإيران أنه ورقة إيرانية بدرجة أقل من المجلس الأعلى، ولكنه لا يقل خطورة بسبب حساسية الوظائف التي تقلدها وخلفيته الفكرية أخطر من المجلس الأعلى.
ج-حركة حزب الله في العراق :(44/31)
تأسست هذه الحركة داخل العراق سنة (1992م) وناطقها كان (السيد عقيل محمد الغالبي)، ولا يوجد دليل على ارتباطها بـ (حزب الله اللبناني).
رئيس الحزب أو الأمين العام للحركة هو (حسن راضي كاظم الساري/ مواليد 1961، من أهالي مدينة العمارة، من أصول إيرانية، تم ترحيله من العراق إلى إيران،ومكث هناك ومنح الجنسية الإيرانية، انضم سنة ( 1979-1980) إلى الحرس الثوري، وعمل مع قيادات الحرس على الحدود العراقية، وعمل مستشاراً سياسياً لـ (محسن رضائي وعلي شمخاني و محسن رشيد و محمد باقر ذو القدر و أحمد فروزنده وهم كبار قادة الحرس الثوري)، وله رتبة عميد في قوات الحرس، وهو خريج دورات (دافوس) التابعة لجامعة الإمام الحسين في إيران.
وللحركة وزعيمها ارتباط قوي بإيران ، وقد قامت بعض وحدات حزب الله العراقي بعمليات اغتيال للقيادات البعثية الشيعة في الجنوب وكذلك تم اغتيال بعض رؤساء العشائر المعارضين التواجد الإيراني. تقيم الحركة علاقة تنسيق مع المجلس الأعلى، كما أن تدريباتهم العسكرية تتم في (معسكر الفجر / في الأهواز).
تعد هذه الحركة أداة إيرانية عسكرية بحتة في الجنوب العراقي. وتتواجد الحركة في مدن العمارة ، البصرة و مناطق الجنوب.
د-حركة سيد الشهداء (ع) الإسلامية:
ويرئسها السيد داغر الموسوي (داغر جاسم كاظم)، قائد إحدى المجموعات المحلية في مدينة البصرة، واسم داغر الحركي هو(أبو أحمد الشامي)،وهو عضو رسمي في قوات الحرس برتبة عميد، وتخرج من كلية الأركان التابعة لقوات الحرس في طهران، أقام (20سنة) في إيران وبالتحديد في منطقة الأهواز، وعمل في معسكر الحرس الإيراني المسمى (الفجر)، وهو الآن نائب في البرلمان، له جريدة (الفتح) الأسبوعية ورئيس تحريرها (رشيد مجيد السراي وميثم العطواني وعادل أحمد)، مقرها في بغداد – شارع فلسطين.
من شخصياتهم / وهو نائب الأمين العام / أبو جعفر الموسوي.(44/32)
والحركة تابعة مالياً للمجلس الأعلى للثورة. وتعد هذه الحركة هي ورقة إيرانية في الجنوب فحسب.
هـ - التيار الصدري :
يترأسه (مقتدى الصدر)، وهو ابن المرجع العربي(محمد صادق الصدر) والذي اغتيل في عهد صدام حسين، والراجح - عند الباحث - أن فيلق القدس الإيراني هو من اغتاله للتخلص من المرجعية العربية ،وإبقاء مرجعية السيستاني لوحدها في الساحة، وكان هدف صدام هو تبديل المرجعية الإيرانية بالعربية.
ومقتدى شخص صغير السن ولا يمتلك خلفية دينية - بل عرف عنه قبل مقتل أبيه بالخلاعة وشرب الخمر ومعاشرة النساء، (عمره الآن 33 سنة)، ويعد تلميذ والده ( كمال الحائري) خليفة والده الديني، لذا فإن المرجعية الدينية للتيار الصدري حالياً هو (الحائري)، وانقسم التيار بعد السقوط إلى قسمين: أتباع مقتدى الصدر، وأتباع كمال الحائري. ولكن تمكن مقتدى الصدر تهميش خط الحائري في العراق، واعترف الحائري أن لا وجود له بالعراق خوفاً من بطش جماعة مقتدى بأتباعه، ولكنه استطاع بتوجيه من إيران (لأن الحائري موجود في طهران و قم تحديدا) من احتواء بطانة الصدر؛لأن تأثيره الفكري ومنزلته العلمية هي الأقوى.
تعتبر علاقة التيار الصدري علاقه قويه جداً مع حزب ( الدعوة – الجعفري) أما علاقته مع حزب (الدعوة – العنزي) فهي غير جيدة.
وافقت إيران على حصار وضرب التيار الصدري من قبل الأمريكان للضغط عليه وعلى ميليشيات جيش المهدي كي ينظموا للتيارات الشيعية ويدركوا حاجتهم للغطاء الإيراني، وتصبح مقاومتهم للأمريكان بحسب المصالح الإيرانية. وساهم (المجلس الأعلى) عبر مشاركة فيلق بدر بالمعارك ضد جيش المهدي في النجف (أيام حكم إياد علاوي)، ويومها أراد مقتدى تصفية السيستاني، ولكنه هرب إلى لندن (بحجة العلاج)؛ لأن مقتدى يكره السيستاني، وعمل على إزاحته من المرجعية.(44/33)
بعد معارك النجف أحس مقتدى أن هناك رغبة أمريكية ومن بعض الشيعة لتصفيته وانه لا يستطيع العمل إلا بتوجيه إيراني، لذلك اقتنع بزيارة إيران، وتم هذا بتاريخ (9/4/2004 م)، ورفض يومها (خامنئي) أن يقابله لأن (مقتدى) كان دائم الشتم لإيران، ولكن الحائري اقنع (رفسنجاني) بلقائه، علماً أن (حسن نصر الله) كان يحث (مقتدى) شخصياً والتيار الصدري على أن يعمل على طريقة حزب الله في لبنان ويقاتل الأمريكان كي يحصل له مجد يعود بفائدة للمذهب الشيعي، ويكسب التشيع سمعة حسنة في العالم السني، ونصحه نصر الله بزيارة إيران والاعتذار للقيادات الإيرانية، والحصول على الأموال والسلاح، فمقتدى كان يعاني شحاً في القضية المالية لعدة أسباب وهي:
- لا يعتبر مقتدى مرجعاً عند الشيعة فلا يحل له أخذ الخمس (الشيعة يأخذون خمس المال بدل الزكاة ويعطونها لمرجع ديني).
- لا يشرف مقتدى على أي ضريح من أضرحة الشيعة والذي يدر دخلاً ضخماً من تبرعات الزائرين للمراقد الدينية.
- يمتلك مقتدى أكبر طيف شيعي في العراق، وأتباعه أكثر عدداً، ما يحتاج معه إلى نفقات هائلة، بالإضافة إلى أن ميليشيا جيش المهدي والتي تحتاج إلى رواتب وسلاح.
كل هذه الأسباب دفعت مقتدى إلى زيارة إيران، ومقابلة رفسنجاني (عراب السياسة الإيرانية) الذي استطاع أن يضم مقتدى لبقية مقتنيات الجمهورية الإيرانية، وأهمية هذا الإنجاز تنبع من كون التيار الصدري كان يعد الفصيل الشيعي الوحيد البعيد عن إيران، ومن جهة أخرى شعرت إيران أن اذرعها في نهاية سنة (2004) باتت ضعيفة لأن المقاومة العراقية استطاعت تصفية أكثر من(800) قيادي عراقي وإيراني من فيلق بدر، وقتل ألاف المقاتلين منه، لذلك قررت: اختراق التيار الصدري. وكسب مقتدى وإعطائه دورا جديداً.(44/34)
وكان على مقتدى أن يثبت حسن نيته لذلك بعث بـ (800-1200) رجل من جيش المهدي للتدرب في إيران- هذا بعد زيارته بتاريخ (9/4/2004) وزودته إيران يومها بأجهزة خاصة لإجراء اتصالات بها، فمنح (400) جهاز خاص للاتصال بين تياره وبين الحرس الثوري .
كما أن وزارة الداخلية في زمن (صولاغ) في وزارة إبراهيم الجعفري كانت لفيلق بدر، ولا يسمح لجيش المهدي بالدخول في قواتها، لكن هذا الأمر تغير بعد زيارة مقتدى، ففي زمن المالكي دخل التيار الصدري في الانتخابات وحصل على (30) صوت. ودعم المالكي شخصياً، كما أن مقتدى اشترط الحصول على وزارات، وفعلاً تم له ذلك سمح لأتباعه بدخول الجيش والشرطة، حتى غدا جيش المهدي أحد المكونات الرئيسية في الشرطة، ومكون لا بأس به في الجيش.
وبذلك أصبح أتباع إيران هم ثلثي ضباط الشرطة، وأكثر من النصف في الجيش، والبقية من جيش المهدي بقيت ميليشيات ارتبطوا بضباط من الحرس الثوري مع إيران مباشرة. وتم منح مقتدى حصة من النفط ، لأن نفط الجنوب (البصرة) في زمن بريمر ترك نهبا (بدون عدادات) من قبل الأحزاب الشيعية، وتم تصديره لإيران بأسعار مخفضة، وكانت كل عائداته تذهب لتقوية الميليشيات كفيلق بدر وغيرها في البصرة وتم استثناء تيار الصدر يومها من ذلك. وبذلك تكون إيران قد نجحت في جعل أكبر قوتين عراقيتين شيعيتين على علاقة تبعية بها وهما: على الصعيد السياسي ، المجلس الأعلى، حزب الدعوة. وعلى الصعيد العسكري، فيلق بدر، جيش المهدي.(44/35)
ولأنّ الصدريون لا يملكون في تنظيماتهم من يملك الحس السياسي،وبسبب العلاقة الوطيدة بينهم وبين حزب الدعوة، وتقارب النسب بين والد مقتدى ومؤسس حزب الدعوة (محمد باقر الصدر)، نتيجة لذلك أصبح حزب الدعوة هو الواجهة السياسية للتيار الصدري، وازداد نفوذ ميليشيا جيش المهدي في بغداد العسكري والسياسي. إذ أن هناك تقارير تشير إلى أن (80%) من الجيش والشرطة من الأحزاب الشيعية وأن الحظ الأوفر لجيش المهدي، لتكون قوة ضاربه لإيران داخل العراق .
وأصبح جيش المهدي اليوم يد إيران الضاربة الأولى في العراق ،فقد تعهدت إيران براتب ( 1500$) لكل عنصر من جيش المهدي الذي وصل عدده الآن (20 ألف) فرد و ينتشرون في وسط وجنوب العراق وكل ذلك لمواجهة الجيش الأمريكي في حال نشوب صراع مع إيران، وتم قبل أيام ضبط شحنة كبيرة من الذخيرة متطورة تم إدخالها بالتعاون مع جيش المهدي لكن كشفت صدفة وهي ( 40 طنا) من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة. من جانب آخر فتح جيش المهدي أربع مراكز تجنيد في بغداد :الأول في مدينة أور ،والثاني في الكاظمية والثالث في الشعلة ، والرابع في أبو دشير جنوب بغداد. والهدف هو تجنيد (10 ألاف) عنصر جديد براتب (1500$) ونفقات لعائلته إذا قتل، ثم بعد انتهاء المعارك يحضر دورات تثقيفية في إيران ولبنان. كما أدخلت إيران صواريخ مضادة للطائرات معها ضباط إيرانيين من الحرس لتدريب جيش المهدي عليها.
وأخيراً أكملت أربع مجموعات من جيش المهدي (مجموعها 1316عنصراً) تدريبهم في أربع مراكز تدريب داخل إيران: (قصر شيرين – عيلام – الحميدية - سوزنكرد) وتم نقلهم إلى بغداد من العمارة تجنباً من دخولهم من ديالى حيث تسيطر المقاومة العراقية عليها والقاعدة.(44/36)
هذه هي خلاصة أعمال التيار الصدري وجيش المهدي وارتباطه بإيران ، قد يعجب القارئ لوجود أسلحة إيرانية في العراق لكن الذي يذهب لأي منطقة سنية في بغداد وأطرافها سيجد بقايا قذائف الهاون إيرانية الصنع.
وفي سنة 2006 بالتحديد وبخلاف ما تعثر عليه المقاومة مع عناصر جيش المهدي من أجهزة اتصالات إيرانية وهذا ما حصل في منطقة خان بني سعد وحي العامل والأعظمية والعدل.
الدور الإيراني في إشعال الصراع الطائفي:
بسبب نجاحات المقاومة العراقية فكرت أمريكا بالتعامل مع السنة وباشرت التفاوض مع المقاومة (البعثيون ، الإسلاميون، الوطنيون ،القوميون) وكانت النتائج الأولية جيدة ، عندها تم افتعال قضية (نسف القبة في سامراء).
وتم ترتيب الأمر إيرانيا بالتنسيق مع كل من: ( جيش المهدي، الميليشات، فيلق بدر، فرق الموت، والحكومة من خلال تحيد الجيش والشرطة)، ولعل بعضاً من التيار الأمريكي تيار (نيكروبونتي) كانت له رغبة باستخدام الميليشات الشيعية لمواجهة المقاومة السنية من خلال إدخال عنصر الطائفية في الصراع، وهذا الأمر رتب مع إيران، (أي أن التيار الأمريكي المتصهين نسق مع إيران لتفجير القبة) لاستغلال الحركة الطائفية لضرب المقاومة.
وتم أيضاً تنفيذ المخطط الطائفي لتطهير مدينة بغداد من السنة بالتدريج بدءاً من جانب الرصافة (لأنه يحوي مدينة الصدر) وانتهاءاً بالكرخ فأطراف بغداد. شارك في عملية التطهير الطائفي في بغداد الشرطة وقسم من الجيش وكان لإيران دور مباشر في هذا المخطط، حيث تم إلقاء القبض على أعداد كثيرة من الإيرانيين واعترفوا أنهم جاءوا وفق مخططات لتطهير بغداد من السنة.(44/37)
حين أدركت إيران أن ميليشيات جيش المهدي لم تحقق هدف القضاء على القوة السنية المتمثلة بالمقاومة، وأشعلت بدل ذلك فتنة طائفية مكشوفة تطور الشيعة فيها وأنها هجّرت وقتلت مدنيين، رأت إيران من بداية عام (2006) إرسال الحرس الثوري على شكل مجاميع، ودخلوا بكثافة إلى محافظة ديالى للهجوم من جهة شرق بغداد. فتوجهت فصائل من المقاومة إلى محافظة ديالى لمواجهة المد الإيراني، فقتل الألاف من الإيرانيين في ديالى وهزموا، وبدأ السنة بتهجير الشيعة من ديالى لأن إيران استخدمت الشيعة في محافظة ديالى للتواجد في منازلهم.
تمكنت المقاومة قتل (25) ألف شخص من ميليشيا جيش المهدي من منتصف العام (2004) حتى عام (2006) هذه الخسائر أقلقت أطرافا عدة منها إيران.
ولتفجير الوضع أكثر تواردت أنباء عن توجه لتفجير قبة الإمام الحسين في مدينة كربلاء، وقبة الإمام علي في النجف لتكبير الهجمة الطائفية، مستخدمة جيش المهدي كذراع لها، ولكن المحاولة لم توفق.
الوضع في البصرة:
يمكن أن نذكر الكثير من خصوصيات مدينة البصرة بالنسبة لإيران مثل: البصرة قريبة من إيران، ودخول إيران لها سهل ، التواجد المخابراتي قديم في البصرة، منذ التسعينيات ،كوّنت إيران مجموعات شيعية كثيرة فيها وجود النفط ،تعتبر المنفذ إلى دول الخليج ،خنق العراق مائياً كونها المنفذ البحري الوحيد.
لذا فإنّ إيران كثفت وجودها المخابراتي والسياسي والاقتصادي في البصرة منذ السقوط ، وقامت فيها بأول عمليات التهجير بالعراق ، فالبصرة كان فيها على الأقل (35%) سنة واليوم بقي فيها (7%) فقط من السنة، وأكثرهم هاجر داخلياً وقليل منهم هاجر إلى الخارج.
هناك علاقات وطيدة لإيران مع الأحزاب الشيعية كما سبق ،ودوائر الدولة والشرطة والجيش هي للشيعة، والمعبر الإيراني(المنذرية) نشط جداً؛ لأنه منفذ رئيسي للحرس وفيلق القدس، ووزارة الاستخبارات الإيرانية.(44/38)
وقد وصل من سيطرة الإيرانيين في البصرة أنها أصبحت تتدخل في قرار المجلس البلدي، والقرار الاقتصادي ،حتى تعامل أهل البصرة بالعملة الإيرانية (التومان)، ثم كونت عصابات لتصفية كل من يعارض الوجود الإيراني إن كان سنيا أو حتى شيعيا ، وكونت مكاتب لتهريب النفط، وعصابات لإدخال المخدرات إلى العراق. كما إن كل البضائع القادمة من جهة الكويت تم السيطرة عليها وأصبح لا يمر شيء حتى يعرف ماهيته، وكل خارج من طريق الخليج العربي إلى (الكويت والإمارات) يمر من خلال مكاتب تجارية معينة .
الأكراد وإيران:
للأكراد علاقة وثيقة مع إيران قديمة: ففي عهد ( شاه إيران) دعم الأكراد إضعافاً للحكومة العراقية، وعند مجيء (الخميني) استمر الدعم، وكانت القضية الكردية لها شخص مركزي وهو (ملا مصطفى البارزاني) وهو والد مسعود البارزاني، و لإيران علاقات استثنائية مع (جلال الطالباني) ولهم مكاتب متعددة في المدن الكردية، ترسم ونتفذ المخططات الشيعية الإيرانية في العراق، فمثلا: مخطط اغتيال الطيارين وكذلك مخططات تهجير السنة في بغداد كُشفت في قنصلية إيران في أربيل، تهريب السلاح يتم من الشمال، ومؤخرا كشف أن إيران تقوم بتزويد المليشيات الشيعية بأسلحة نمساوية ومعلوم أن الإيرانيين هم من استورد هذه الأسلحة.
توسع الأكراد وسيطروا على مدينة خانقين ومندلي في محافظة ديالى، ونزلت قوات (البشمركة) وفيها المكتب الرئيسي لتهريب المخدرات إلى العراق.
ورغم أن الأكراد في الأصل هم من السنة لكنهم يتبنون أيديولوجية لا تراعي المصالح الإسلامية، ولذلك لا تتورع الحركة الكردية أن تخطط وتتعاون مع كل الأطراف الإيرانية والأمريكية وحتى إسرائيل وغيرها لنيل الانفصال وتكوين دولتهم الكردية،هذا التفكير ربطهم بعلاقات وطيدة مع إيران باعتبار الجوار والمصالح المشتركة للطرفين؛لذا عمل الأكراد على تقديم خدمات لإيران.
العلمانيين الشيعة:(44/39)
ليس لإيران اذرع دينية فحسب بل إن هناك عدداً من العلمانيين والليبراليين لهم علاقات وطيدة مع إيران ومنهم: أحمد الجلبي وهو رجل أمريكا سابقاً ، ولكنه ثبت أنه رجل إيران؛ فقد حاول تهريب وثائق العراق لإيران ومنعته أمريكا. وهو أول من شكّل فرق اغتيالات للعلماء، وله علاقات مع الموساد، والشك أنه عميل مزدوج بين (إيران والموساد) وهناك عدداً لا بأس به من العلمانيين الشيعة وقسم منهم في بريطانيا هم أصدقاء لإيران أكثر من أمريكا أو بريطانيا.
إن من يعمل لأمريكا ولإيران فهو أخلص لإيران وذلك للأسباب التالية: إنه يخاف إيران وبطشها به وبعائلته فهي أقرب له من أمريكا، وأعرف وأبقى في المنطقة. إنهم يعتبرون أن هذه الخدمة للمذهب الشيعي وأمريكا وسيلة للوصول للهدف كما يفعل (موفق الربيعي) (اسمه الإيراني كريم شاهبور) مهما يقدّم من خدمة لأمريكا فهو لا بد أن تتوافق مع مصلحة إيران .
أمريكا تعمل لمصلحتها أولا، ومصالحها في المنطقة متقلبة، بينما إيران لها هدف ثابت وهو إقامة إمبراطورية إيران وحلم دولة شيعية كبرى (مزيج من شعور قومي فارسي وديني شيعي) فهي تنفق أموالا طائلة، وتعمل ليل نهار، وتستخدم كل أوراقها، وتحمى عملائها بخلاف أمريكا.
السيطرة الاقتصادية:
منذ السقوط وإيران تخطط بالسيطرة على الاقتصاد العراقي فقامت بعدة خطوات:
* بعد سنة 2003 ولغاية نهايتها تم تصفية مجموعة من تجار البورصة العراقية من السنة على يد فيلق بدر وأشهر اغتيال كان للتاجر المعروف عمر فخري، وأحرقت أكثر محلاتهم محلات السنة.
* بدأ واضحاً عملية اغراق السوق العراقية بالبضاعة الإيرانية وبأسعار زهيدة.(44/40)
* تم تهديد أكثر التجار السنة في مناطق بغداد وقاد هذه العملية كريم ماهود حيث أخبر التجار إن لم يبيعوا المحلات فسيحرقها فبدأ بحرق 55 محلاً في العلاوي والشورجة والرصافي، اتبعها باغتيالات واسعة لـ60 تاجر من كبار التجار، بعد ذلك أصبحت الاغتيالات للطبقة الثانية من التجار.
وقام كل من كريم ماهود وانتفاض قنبر وعمار الحكيم وإبراهيم الجعفري بالاستحواذ على مئات المحلات، وقاموا بعملية تزوير لوثائق الملكية، ومنع التجار السنة في المحافظات السنية من جلب بضائع من الدول العربية حتى منعت كثيراً من بضائع مصر و الأردن من الدخول للسوق العراقية بحجة عدم مطابقتها للمواصفات.
*هناك تقرير أن 60%من أسهم للشركات والمصارف هي بيد إيرانيين وبإمكانهم تدمير السوق متى أرادوا.
العراقيين المسفرين:
هم من سكن في العراق من أصولهم إيرانية،تم تسفيرهم بشكل واسع بعد اكتشاف ضلوع إيرانيين في عملية اغتيال الفاشلة لطارق عزيز سنة1979، وقد ثبت ارتباط عدد كبير منهم بالمجلس الأعلى، وغيرها من الأحزاب الشيعية، وقسم آخر فرض على الأحزاب من قبل إيران وقسم يعمل ضمن دوائر المخابرات الإيرانية، وقسم استخدم لتغير الديمغرافية في بعض المناطق السنية عن طريق الإسكان.
هذه هي مجمل تدخلات إيران غير المباشرة في العراق، أما التدخلات المباشرة فهي على النحو الآتي:
- إيران بعد السقوط أدخلت (3-4) ألاف رجل من الحرس الثوري وفيلق القدس.
- اشترت خلال الشهور الخمسة الأولى (5) ألاف بيت أو شقة، ودكان ،ومستودع، ومطعم، ومحطة وقود، لحساب إيرانيين .
- بشكل خاص مكتب المرشد (الخامنئي) يعمل دينياً كما يلي:
- هناك (7) ألاف طالب ومدرس (شرعي) عراقي وإيراني أخذ البيعة المباشرة من خامنئي، كل هؤلاء للعمل مستقبلاً على تشييع العراق ودول الجوار، وهم تحت توجيهات المرجعية الخامنئية في العراق ،يدرسون داخل الحوزة بالنجف وكربلاء، يصرف عليهم (30-40) مليون دولار شهرياً.(44/41)
- هناك ألفين شخص عراقي يدرسون في حوزات قم برعاية المرشد الأعلى.
- تستخدم إيران وسائل غير مسلحة في العراق.
- الورقة الأولى السياحة الدينية بإرسال ألاف الإيرانيين إلى العراق، والحث على استقدام ألاف الشيعة لزيارة الإمام الرضا في مدينة مشهد أي:
عراقيين ....... إلى مشهد لزيارة الرضا.
إيرانيين ....... إلى كربلاء والنجف وسامراء.
- الكتاب الديني فقد سخرت مئات الآلاف من للمؤلفات التي تروّج للتشيع.
- استخدام الخطاب العاطفي وخاصة في قضية مقتل الحسين والأغاني في هذه المناسبات.
- هناك أكثر من (30) منظمة لأغراض ثقافية وإنسانية إيرانية المنشأ والتمويل.
- أنشأت إيران مستشفيات لجرحى جيش المهدي في مدينة المحمرة في إقليم عربستان المجاور لمدينة البصرة، تسمى (مستشفى ولي العصر) ويتم نقل الجرحى من خلال سيارات كبيرة الشاحنات المحملة بالبضائع ثم ينقل الجرحى بإشراف فيلق بدر في مدينة البصرة.
- جندت إيران مباشرة إيرانيين في الشرطة زمن(صولاغ) وهناك على الأقل (1500) شرطي إيراني الأصل.
- في الجنوب العراقي أنشأت بيوت تسمّى (بيوت العفاف) أي ممارسة زواج المتعة، أكثر العاملات به من إيران ونساء ساقطات من العراق، وقد صرح الدكتور حسين عبد الله الجابري مدير معهد الأمراض السارية والمعدية في مدينة النجف أن زواج المتعة هو السبب الرئيسي لانتشار مرض الإيدز حيث رصدت (80) حالة إصابة إيدز في مدينة النجف فقط.
- لإيران سيطرة مباشرة على عدد من الصحف بواسطة رؤساء تحرير صحف،و تمول من إيران مباشرة .
- إدارة بعض الحسينيات وجعلها مقرات تابعة للاستخبارات الإيرانية بواسطة تسليمها بيد إيرانيين كانوا مسفرين ادخلوا دورات في إيران للعمل المخابراتي.
- إغراق العراق بالمخدرات حتى سجلت 4000 حالة إدمان على المخدرات في النجف وحدها، بعد أن كان العراق من أنظف الدول العربية من المخدرات.(44/42)
- وأخيرا جاءت قامت منظمة (مجاهدي خلق ) يوم (27/1/2007) بنشر (31 ألف) اسم لعملاء إيران في العراق، التابعين لفيلق القدس الإيراني، نشرت الاسم الإيراني، والاسم العربي، المستخدم في العراق، والاسم المستعار، ورواتبهم وأرقام حسابهم في بنوك إيران، وكلهم يعملون داخل العراق في الجنوب والوسط وحتى في المناطق الكردية.
فيلق مكة :
لوحظ تواجد لعدد كبير من السيارات قرب مدينة السماوة، وعندما توبعت لمدة وجد أنها لمجاميع من الجنود قدره البعض بـ (10000) ألاف عسكري يتدربون تدريباً عسكرياً في معسكرات في الصحراء جنوب غربي العراق على بعد مئات الكيلومترات عن الحدود السعودية العراقية.
ثم جاءت الأخبار بعد ذلك أن عشرات الضباط الإيرانيين يدربون (فيلق مكة) وهو مخصص للمملكة العربية السعودية لإدخال هؤلاء الأشخاص بعد التدريب العسكري والإستخباراتي داخل السعودية لإحداث القلاقل والفتن. يتم التدريب في المعسكر على التدريب البدني ، دورات لإعداد القنابل المحلية ، عمليات التسميم الكيماوي ، وهناك تنسيق مع شيعة السعودية لإخفاء هذه الخلايا عند دخولها إلى السعودية.(يشبه ما فعله شيعة البحرين بالتوجه إلى لبنان للتدريب عند حزب الله على طرق إقامة الإضراب العام فإن شيعة البحرين سيرتبون في المستقبل لإضراب عام مفتعل كورقة لصالح إيران) .
أن المنتمين إلى هذا الفيلق هم من قوات بدر وجيش المهدي وبعض الأحزاب الشيعية في جنوب العراق، والمتدربين عرب من جنوب العراق لأن أشكالهم يمكن تسمح لهم بالاختفاء داخل السعودية، ولا نستبعد أن يوجه هؤلاء إلى الكويت لأنّ الصحراء مفتوحة على الجميع وهذه ورقة جديدة تملكها إيران لمواجهة المنطقة إضافة إلى ورقة (العراق – لبنان – فلسطين – البحرين – الحوثي في اليمن). والله من وراء القصد،،
كيف نواجه المشروع الإيراني بـ 13 خطوة
ورقة عمل لمواجهة المشروع الإيراني
بقلم: علي حسين باكير(44/43)
هذه محاولة فردية متواضعة لتأطير جهود كل من يرى في التصرفات والسياسات الإيرانية المتّبعة حالياً في المنطقة العربية خطرا يكتنف ساحتنا, ومشروعا للهيمنة علينا و تقسيمنا وتفتيتنا شانه في ذلك شأن المشاريع الأمريكية والصهيونية, يتّفق معهم في جوهره ويكون مكمّلا لهم و لا يختلف عنهم إلاّ في حدود الأدوات و الوسائل المستخدمة.
ولكن و قبل الخوض في البنود الأساسية الموجهة بطبيعة الحال لكل من يرى انّه يستطيع الاستفادة منها ( من إعلاميين ومواقع إعلامية, جمهور وجمعيات أهلية, وجماعات ضغط شعبية, كتّاب وغيرهم) في مواجهة المشروع الإيراني للمنطقة, يجب علينا التأكيد على عدد من النقاط الأساسية التي تكون محوراً ثابتاً راسخاً في ذهنا خلال إتّباع الخطوط العامة للسياسة التي تحدّدها هذه الورقة في مواجهة المشروع الإيراني في الوطن العربي و الذي يطال الشعوب بالدرجة الأولى و منها:
أولاً: الحفاظ على وحدة وتماسك النسيج الداخلي للدولة والشعب في الوطن العربي وعدم السماح بتفتيت المجتمع أو اختراقه والعمل على جمع مكوناته و ثبيتها على قاعدة قابلية الاندماج في الدولة العربية وليس على قاعدة التفريق و الولاءات المتعددة, وعدم الخضوع لمبدأ تصدير الفتن الذي تقوم به إيران وغيرها من الدول الغربية. فالاستقرار الداخلي و الاجتماعي ضمن الإطار الطاغي لهوية المنطقة العربية الإسلامية شرط أساسي في نجاح تطبيق سياسة مواجهة المشروع الإيراني التفتيتي, و لذلك يجب أن نشير هنا أيضا إلى أنّ تطبيق كل ما سيأتي من بنود في هذه الورقة يساعد في لجم المشروع الإيراني و لكنه لا يلغيه, فعملية الإلغاء سواء للمشروع الإيراني أو الإسرائيلي يستلزمها وجود مشروع عربي لديه الحد الأدنى من مقومات الصمود و هو ما يجب التحضير له جدّيا.(44/44)
ثانياً: ضرورة مواجهة الدعاية التي تقوم إيران بترويجها حاليا من أنّ كل من يريد صدّ مشروعها فهو مع المشروع الأمريكي أو الصهيوني!! فهذا فخ تريد إيران أن توقعنا فيه من خلال الإيحاء بانّ كل من يناهض مشروعها يقف في مركب واحد. لكنّ الحقيقة هي أنّ المشروع الإيراني هو نفس المشروع الأمريكي و الإسرائيلي للمنطقة بل إنّ هذه المشاريع متكاملة فيما بينها و أي خلاف يظهر فيما بينها يكون على حجم الحصّة فقط.
ثالثاً: يجب أن نعلم أنّ إيران ستعمد إلى تنفيس الاحتقان ضدّها كلما اضطرت إلى ذلك, لكن هذا لا يعني أنّها تراجعت عن مشروعها، فهناك فرق كبير جداً بين تغيير الهدف وتغيير الأسلوب, و ما تقوم به إيران دائما هو تغيير الأسلوب والتكتيك و بقاء الهدف والاستراتيجية. لذلك سنجد أنّها ستطلق شعارات عن أنّ من يريد مواجهة مشروعها يريد الفتنة والتقسيم و سنسمع من وقت لآخر عن دندنة حول الوحدة الإسلامية والحوار والتعايش و التسامح ومصطلحات من هذا القبيل.
يجب أن نوقن أنها مجرّد مناورة إيرانية كما أثبتت الوقائع, ذلك أنّ التشيع "الصفوي" الذي يطعن في كل السنّة - وفي الشيعة المخالفين له أيضا- لا يمكنه أن يكون عامل توحيد أو تفاهم, و لا يمكن تقبّل التشيع "الصفوي" القائم على القومية الفارسية و على تحريف صحيح الدين وعلى الخرافات واحتقار العرب و سبّ واهانة وطعن جيل كامل من الصحابة وتاريخ كامل للدولة الإسلامية. و لا يمكن أيضا تقبّل الحجّة المكروره من أنّ إسرائيل دائماً و حصرياً - و ليس إيران - هي من يقف وراء وخلف كل ذلك, - اللهم إلاّ إذا كانت إسرائيل تخترق الأجهزة الدينية والمؤساسات الإيرانية الرسمية وتقوم بنشر هذه الفتن وهذا التشيع الصفوي. يجب أن نعلم أن هكذا مناورات إيرانية باتت قديمة و يجب التنبه لها دائما, فهناك حقائق لا يمكن لإيران إنكارها في هذا المجال.
أمّا فيما يتعلّق بالبنود العملية فهي:(44/45)
البند الأول: التركيز على أنّ مواجهة المشروع الإيراني لا تعني تناسي أو تجاهل مواجهة المشاريع الأخرى الموازية أو المكمّلة للمشروع الإيراني-الصفوي و أهمها المشروع الصهيوني. إذ سنجد أنّ الصهاينة قد يتدخلون في أجندة محاربة المشروع الإيراني- الصفوي, و ذلك لخلق صورة وهمية عن أنّ الجميع في خندق واحد ضدّ إيران, و بالتالي يستفيدون من جهودنا في مواجهة المشروع الإيراني, و هو نفس الأسلوب الذي اتّبعته إيران سابقا. إذ استطاعت أنّ تخلق صورة وهمية عن عدائها لإسرائيل وأمريكا للاستفادة من جهودنا, فبينما كنّا نحارب هذا المشروع الأمريكي والإسرائيلي في أفغانستان والعراق و لبنان, كانت هي تقطف ثمار المواجهة وتترجمها مطالب من أمريكا و إسرائيل. لذلك فالوضع هنا يقتضي مقاربة ثنائية وحرب ثنائية على جبهيتن, ولا مانع من تخصيص فئات معيّنة لمواجهة كل جهة, أو اعتماد أسلوب آخر يقوم على توضيح تعقيدات هذه النقطة للعامة لا سيما فيما بتعلق بأنّ مواجهة أحد هذه المشاريع على انفراد لا يعني إهمال المشروع الآخر أو مساندته أو التحالف معه, و هذا ما يتطلب جهدا إعلاميا و عمليا كبيرا.
البند الثاني: الحرص على عدم جمع الشيعة في سلّة واحدة. إذ ظهرت في الآونة الأخيرة حالة تململ من المشروع الإيراني في بعض أوساط الشيعة العرب الغير مواليين "للولي الفقيه" بالتحديد –هناك شيعة عرب موالين للولي الفقيه - و ذلك لأسباب عديدة مختلفة منها:(44/46)
1-…الاستعلاء القومي: إذ يرى بعض الشيعة العرب أنّ "ولاية الفقيه" تمثّل البعد القومي الفارسي الاستعلائي, وأنّ المشروع الإيراني في هذا الإطار سيجعل من المراجع الشيعية العربية الكبرى مجرّد "خدم" للمنظومة الدينية الإيرانية المتمثّلة بالتشيّع "الصفوي" – راجع في هذا المجال كتاب "علي شريعتي" التشيع العلوي والتشيع الصفوي. وحتى إنّ إيران لم تكتف بالتشيع "الصفوي", فاخترقت المرجعية العربية من خلال تنصيب إيرانيين عليها يدّعون عدم موافقتهم على مبدأ الولي الفقيه لكنهم ينفذون أجندة إيران السياسية والطائفية والمصلحية بامتياز, وآية الله الإيراني السيستاني مثال صريح و واضح على ذلك.
2-…تضارب المصالح: إذ لا بدّ لنا أن نأخذ بعين الاعتبار وجود حد معين من تضارب المصالح فيما يتعلّق بمدرسة المرجعيّة, إذ أنّ إيران تسعى إلى نقل الثقل الأساسي من مدرسة النجف التاريخية إلى مدرسة "قم" ما يكرّس إيران كمرجع أساسي لشيعة العالم من الناحية الفقهيّة والمذهبيّة والسياسية, مع ما يترافق من تضارب في المصالح السياسية والاقتصادية والمالية المتعلّقة في الخمس وغيره.(44/47)
في هذا الإطار, يجب علينا أن لا نهمل كل هذه التناقضات بغض النظر عن أسبابها و طبيعتها وبغض النظر أيضا عن موقفنا من المخالفين والمنشقّين عن المشروع الإيراني. صحيح أننا كنّا نتكلم عن جميع الشيعة "المتدينين" في المرحلة السابقة على أنهم واحد لا اختلاف فيه, وقد كان ذلك صائبا في حينه, ذلك أنّهم لم يكونوا قد اختلفوا فيما بينهم, و لم يكن المشروع "الصفوي" واضحا بمثل هذه القوّة بالنسبة إليهم وما كان الآخرون يروون فيه إلا تمثيلا وحماية للتشيّع, أمّا وقد حصلت انشقاقات الآن وبات البعض يرى فيه خطراً عليهم قبل أي أحد, فقد بات من الأهمية بمكان عدم دفع هؤلاء للالتحاق قسرا بالمشروع الإيراني عبر النظر إليهم بعين واحدة أو إهمالهم, فهم يعلمون أنّ إيران لا تبالي بهم إنما تريدهم مجرّد أداة لتنفيذ مآربها لا تأبه لهم و لا لمقدساتهم ولنا عبرة في دك الأمريكيين للنجف ومقابرهم المقدسة دون أن يبدي الإيرانيون أي ردّة فعل على ذلك. وعليه ينبغي أن نحرص على هذه الفئة وأن نتيح لها قدرا من الدعم والتبني في مواجهة الآخرين على أن تتمحور علاقتهم معنا على ثلاث عناصر أساسية:
1-…ضرورة أن يكونوا معارضين للمشروع الإيراني بشكل صريح و واضح لا لبس فيه.
2-…ضرورة أن لا يكونوا مع المشروع الأمريكي كبديل.
3-…ضرورة أن يكونوا ممن يؤمن بالاندماج بالعمق العربي كنواة للوحدة الإسلامية المنشودة.
ويتواجد عدد لا بأس به ممن تنطبق عليهم هذه العناصر على الساحة الآن وفي خضم الأحداث خاصّة في كل من لبنان والعراق. و يتعرض هؤلاء لضغط كبير مادي و نفسي وإعلامي ومالي ولحملات تشويه وتأليب الرأي العام "الشيعي" عليهم و لفتاوى إهدار دم وتخوين وعمالة, و كل ذنبهم أنّهم لا يوافقون على المشروع الإيراني الاختراقي وأهمهم:
1- في لبنان:(44/48)
أ. التيار الشيعي الحر الذي بدأ يتبلور في لبنان وهو عبارة عن تجمع للشيعة من مختلف الانتماءات, الدينية والاقتصادية والإعلامية والسياسية يهدف إلى رفض الوصاية الإيرانية من خلال مقاومة توجهات –حزب الله- السياسية و الدينية بالأساس ومعارضة كل أدوات إيران في الداخل اللبناني من الذين يتلقون أوامرهم من طهران. و ن أبرز أعضائه:
- "منسق التيار الشيعي الحر الشيخ محمد الحاج حسن", الذي سرّب حزب الله بشأنه فتاوى إهدار دم مؤخراً لمجاهرته برفض الوصاية الإيرانية وإتباعها, وهدّد عائلته بضرورة التبرؤ منه و تمّ تشويه سمعته باتّهامه بأنّه "لص", "تاجر حشيشة" و تمّ نشر وثائق عن هذا الموضوع تعود إلى فترة الوجود السوري في لبنان, وهذا بحد ذاته ذو مغزى.
ب. الشيخ صبحي الطفيلي, وعلى الرغم من انّه لم ينضم بعد إلى التيار, لكنه يبقى الأمين العام الأول لحزب الله وله مكانة خاصة عند أتباع منطقته, و قد تمّ فصله من الحزب لرفضه الأوامر الإيرانية ولأنه أراد الحزب لبنانيا خالصا بعيداً عن أوامر طهران, فتعرض لحملة عنيفة واستخدمت المخابرات السورية أجهزة الدولة اللبنانية والجيش في ملاحقته وتدمير كل ما يمتلكه من وسائل اتصال بالجمهور من إذاعة ومنشورات وتمّ اختلاق ملفّات أمنيّة بحقّه وجرت محاولة شهيرة لاغتياله بإيعاز من إيران أثناء تواجده في "الحسينية", وهو يعد من أبرز المنادين بخطورة المشروع الإيراني على العرب وعلى الشيعة أنفسهم, وقد حذّر دائما من مشاريع إيران و من الفتن التي تريدها بين السنة و الشيعة حيث يقول أن لا مصلحة للشيعة في معاداة السنّة, وعلى الشيعة أن يحرصوا على التوحّد مع "البحر الواسع" و أنّ مصلحتهم تكمن في هذا وليس في الاقتتال أو التخاصم معهم, مؤكدا في مرات عديدة أنّ إيران عميلة للمشروع الأمريكي-الإسرائيلي و مشاركة معه في العراق و أفغانستان و سياسيا في لبنان.
2- في العراق:(44/49)
أ. الشيخ حسين المؤيد, و من أجرأ ما أدلى به هو أنّ إيران اخطر من إسرائيل على العرب لانّ مشروع إسرائيل مكشوف ولا يمكن لأحد أن يكون معه, فالسياسة الإيرانية ليست إيجابية في أهدافها وليست إيجابية في أساليبها، ولا يوجد للنظام الإيراني مشروع إسلامي عام وليس له مشروع شيعي كامن وإنما له مشروع قومي يتخذ من الدين والمذهب وسائل لتحقيق أهداف ذلك المشروع القومي، والسياسة الإيرانية ترسم من زاوية المصلحة القومية الإيرانية "على حد قوله". كما يعد أول من طالب بهدم مزار "أبو لؤلؤة المجوسي" - قاتل الخليفة عمر رضي الله عنه - الموجود في إيران و الذي يحظى بقدسية كبيرة لدى "التشيع الصفوي".
البند الثالث: إظهار صورة العربي في المناهج الإيرانية و كيف ينظر الإيراني إلى العربي, و هي نظرة احتقار و استعلاء و ازدراء, كي يصبح الجميع على بيّنة و لا يتم أخذنا على حين غرّة. فالفكر الإيراني في هذا المجال يتشابه إلى حد بعيد مع الفكر الصهيوني الذي يتحدّث عن الآخرين عبر مصطلح "الأمميين" و"شعب الله المختار". المشكلة في هذا الباب أنّ العرب ليس لديهم أيّة فكرة عن تراث إيران في هذا المجال وليس لديهم أية فكرة عن صورة العربي في الداخل الإيراني, لعل ذلك يعود إلى انشغالهم في الصراع مع أمريكا وإسرائيل, لكنّ ذلك لا يبرر الجهل التام الذي نحن فيه عن طبيعة مشروع إيران ومقوماته القوميّة والفكرية والشعوبية والمذهبيّة.
لا ننكر على أي شعب سعيه إلى بلوغ القمة واعتزازه بعلمائه وعظمائه ومفكريه, بل الواجب التنافس في هذا المجال, لكن المنكر هو أن يقوم من يدّعي بأنّه "إسلامي" وأنّ "جمهوريته إسلامية" وانّه من "سلالة الرسول الأكرم" بتحقير العرب ودعم سياسات شعوبية وحقائد فارسية وصفوية متظاهراً بعكس ذلك.(44/50)
الطامة الكبرى في هذا الإطار, أنّ السياسات السلبية لا تأتي من القوميين الفرس فقط و إنما من الحوزة الدينية الإيرانية. تلك الحوزة التي تدّعي الإسلام وتقوم بالسر والعلن على تخريبه, تلك الحوزة التي احتفلت بخسارة العرب في حرب 67 باعتراف الإمام جواد الخالصي نقلاً عن السيد هاني فحص، كتاب "الشهنامة" مثال حيّ وواقعي على احتقار العرب, ومع ذلك تفتخر الحوزة الدينية الإيرانية بانّ من أكبر انجازاتها الحديثة, العمل على إعادة إحياء ودعم "الشهنامة" الذي يمثّل قمّة السياسة "الشعوبية" الفارسية.
ولمن لا يعرف, "فالشهنامة" ملحمة شعرية وضعها الشاعر الفارسي الشعوبي "أبو القاسم الفردوسي" (411-329هـ) بتكليف ملكي بقصد تحقير العرب وتمجيد الفرس وملوكهم و رفع مكانة اللغة والتراث الفارسي والحط من منزلة العرب والمسلمين الذين دحروا الإمبراطورية الفارسية وحرروا أبنائها من الجاهلية وعبادة النار وادخلوا عليهم نور الإسلام, و تقع في حوالي 60 ألف بيت شعري, وقد اجتهد الفردوسي على جمعها طيلة فترة تتراوح بين 30 و40 سنة على أن لا يرد فيها أي كلمة عربية. حيث صب جل غضبه على العرب واصفا إياهم بأبشع الأوصاف التي من اقلها " الحفاة الرعاة أكلة الجراد الغزاة " وغيرها من النعوت والأوصاف الشائنة الأخرى. ومن نماذج الأشعار العدائية ضد العرب التي دونها الفردوسي في ملحمته الأبيات التالية:
زشير شتر خور دن وسو سمار
عرب رابجايي رسيده است كار
كه تاج كيانرا كند آرزو
تفو باد بر جرخ كردون تفو
وتعني ترجمتها:
من شرب لبن الإبل وأكل الضب بلغ الأمر بالعرب مبلغاً
أن يطمحوا في تاج الملك فتبا لك أيها الزمان وسحقا
كما جاء فيها المثل الشهير الذي يردده الإيرانيون:
"سكع اسفهان آبا يخ ميخرد, عرب در بي يابان ملخ مي خوراد"
و ترجمتها:
"الكلب الأصفهاني يشرب الماء البارد, و العربي يأكل الجراد في الصحراء".(44/51)
ونتساءل كما تساءل صباح الموسوي, أي حوزة دينية إسلامية هذه التي تقوم بالترويج لهذا العمل وتفتخر به وتعتبر أنّ إعادة إحيائه من أعظم انجازاتها!! وذلك عبر طبع كاتب "الشاهنامه" على قرص ليزري ( سي دي ) مدته ساعتين يتضمن ترجمة باللغات الإنجليزية والفرنسية والعربية للشاهنامه، مع نبذة تاريخية عن حياة الفردوسي وصور عن قبره المشيد، كما ذكرت مؤسسة نور التابعة لحوزة قم المقدّسة التي قامت بهذا الإنجاز الإعلامي الكبير!!
هل ديوان الشاهنامه كتاب عقائدي أو فقهي مثلا, لكي تقوم الحوزة العلمية الدينية بصرف الملايين أو على إنتاجه وتوزيعه بالمجان من قبل المراكز الثقافية والسفارات الإيرانية المنتشرة في أكثر من مئة وعشرين بلداً؟!
البند الرابع: إظهار التعاون الحثيث والعلاقات السريّة الإيرانية - الإسرائيلية والإيرانية- الأمريكية وهي حالات كثيرة وخطيرة وفضائحية لمن هو متابع للموضوع. البعض يقول في مثل هذا الموقف, هناك دول عربية كثيرة تقيم علاقات مع إسرائيل. نعم هذا الكلام صحيح, و هذه الدول تخفف علينا عبء تناولها, فكل شيء مكشوف وبالتالي لا تستطيع ادعّاء عكس ما هو ظاهر, أضف إلى هذا أنّ هذه الدول لم تدّع يوما أنها ضد أمريكا, فلذلك فالفضيحة تكون لمن يدّعي ذلك بالعلن و يقوم بالسر بعكسه.
العلاقة بين إسرائيل و إيران هي علاقة تفاعلية و تكاملية و ليست صدامية أو متناقضة, و نتحدى من يدّعي عكس ذلك أن يأت بدليل واحد على قوله, لن يجد سوى الكلام الفارغ و الشعارات.
والتركيز في هذا الجانب يجب أن يكون على عنصرين أساسيين هما:(44/52)
أولاً: التعاون السري الحثيث. و هو تعاون كبير و خطير جداً لا يقتصر على التعاون العسكري والتكنولوجي والصناعي ولا ينحصر على بداية الثورة الإيرانية حيث باعت إسرائيل أطنانا من الأسلحة والمعدات لإيران (هل يمكن أن تتصورا أن تبيع إسرائيل النظام المصري أسلحة!!, و لا نعرف من العميل هنا) بل يمتد على طول الفترة منذ ذلك الوقت و حتى اليوم.
ثانياً: تماثل الأهداف. إذ يجب عرض الأهداف الإيرانية التي تريد تحقيقها في المنطقة ومقاربتها بشكل دائم بأهداف المشروع الصهيوني, كي يستطيع القارئ أو المتلقي الربط بشكل آلي وفوري, وسيكون هذا سهلا جداً عليه خاّصة أنّ أهداف المشروعين واحدة تقريبا, وبما أنّ الأحداث تتمحور حالياً حول العراق فلا بد من التركيز على تلاقي دور الصهاينة والصفويين في تدمير العراق.
ولا بدّ أن نشير هنا ودائما إلى أنّ التهديدات و الأبواق و الطبول التي تقرع دائما وتروّج أنّ هناك حرب أمريكية على إيران هي أبواق موسمية.
فعندما كانت إيران وأمريكا تنجحان في الإطاحة في أفغانستان والعراق لم نكن نسمع أي تهديدات, أمّا الآن فقد اختلفا على الحصّة و النسبة فإننا نسمع اليوم ما نسمع و الذي يبقى في إطار الكلام.
البند الخامس: التركيز على التناقضات الإيرانية في المواقف من مختلف الملفات الإقليمية وعرضها في إطار مشروعها. إيران ذات وجهين, فالمتابع لها ليعتقد أنّ هناك إيرانين وليس إيران واحدة, وذلك بطبيعة الحال لأنها تمتلك عدّة مستويات من الخطاب ولأنها تعتمد مشروعاً سرياً, لذلك فالمنافق لا بد وأن ترى تناقضا في خطاباته و أدائه بين الحين و الآخر. و لا يقتصر التناقض الذي كان موزعا بشكل متعمد بين ما يسمى إصلاحيين و بين المحافظين بل تعداه ليصبح تناقضا في داخل كل واحد منهم. نعطي مثالين على هذا:(44/53)
1- اشتهر نجاد بتصريحه الشهير عن ضرورة إزالة إسرائيل عن الخارطة و تدميرها, ثمّ بعد ذلك أطلق تصريحه الشهير الآخر في 26-8-2006 بمناسبة افتتاح مصنع إنتاج الماء الثقيل في "آراك" قائلا بالحرف الواحد "إيران لا تشكّل خطرا على الغرب و لا حتى على إسرائيل".!! ثمّ أعاد الإيرانيون تطمين الغرب في 11 شباط 2007, فقال لاريجاني ما نصّه:
" أن برنامج إيران النووي لا يمثل تهديداً لإسرائيل, وأن بلاده مستعدة لتسوية جميع الأمور العالقة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية خلال ثلاثة أسابيع.... وأن كل ما يرد بشأن رغبة إيران في تهديد إسرائيل هو كلام خاطىء"!!
2- يطالبون بانسحاب الولايات المتّحدة من العراق و في الوقت نفسه ساعدوها على احتلاله واحتلال أفغانستان!! ومن المعروف أنّ إيران هي أول دولة في العالم اعترفت بمجلس الحكم المعين من قبل المحافظين الجدد, ثمّ كانت أول دولة في العالم تؤيد الانتخابات التي يديرها المحتل ثم أول دولة تعترف بالحكومة العراقية التي نشأت عن الانتخابات المزيّفة تحت ظل الاحتلال.
هذه التناقضات إن دلّت على شيء فهي تدل على أنّ تصريحات العداء لأمريكا و إسرائيل هي قنابل دخانية للمغفّلين من أبناء امتنا, و أنّ إيران تتبع المصالح و ليس المبادئ. إيران حرّة بطبيعة الحال في سياساتها و لكن ما نعترض عليه هو أن لا تتم المتاجرة بنا و نكون أوراقا في خدمة إيران.
البند السادس: تعريف و تبيان و كشف أدوات إيران و وسائل اختراقها للمنطقة من الناحية البشرية والمادية و المذهبية والاجتماعية, وتحديد حلفاءها في البلدان العربية وتحديد طرق وأساليب التعامل معهم, من خلال إثارة نقاشات فكرية, علمية لنقل الصورة الحقيقية عن إيران وعن سلبية التبعية لها. فهناك تيارات و جماعات معينة في البلدان العربية تابعة دينيا للولي الفقيه الإيراني.(44/54)
والخطر لا يكمن بمجرد أنهم تابعين للولي الفقيه الإيراني ولكن الخطر يكمن في أجندة الولي الفقيه وبالتالي فإن اصطدمت مصلحته بمصلحة البلدان العربية والشعوب العربية فان الجماعات الموالية له مضطرة لتنفيذ أوامره بغض النظر عن النتائج. هذا وتقوم إيران بعمليات اختراق واسعة للشعوب العربية عبر وسائل منها إعلامية و منها دعائية ومنها اقتصادية ومنها مذهبية عبر التبشير المذهبي والذي يؤدي إلى تغيير في الموازين وإثارة الحساسيات الطائفية والاقتتال الداخلي في الدول العربية وهذا واضح جلي, في كل من لبنان, سوريا, الأردن, فلسطين, السودان, ...و غيرهم.
البند السابع: استخدام الوسائل والأساليب والأدوات المناسبة في مخاطبة الجمهور من العامة والخاصة فيما يتعلق بالخطر الإيراني. فلكل فئة مستهدفة طريقة خاصة بالتفكير أو الاستجابة للخطاب الموجّه إليهم. فمنهم من يستجيب للمحاجّات العقلية والمنطقية, ومنهم من يستجيب للمحاجّات الشرعية الدينية, ومنهم للمحاجّات التاريخية, ومنهم للوقائع والأحداث و الصور البصرية, و عليه فلا يجوز استخدام أسلوب واحد جامد و خشبي في مخاطبة كل هؤلاء ولهذه الفئات وكأنّها واحد موّحد. فمن الأخطاء المتّبعة في هذا المجال على سبيل المثال, الحديث بشكل آلي عن الخطر الإيراني بأسلوب ديني و تاريخي, فترى البعض يمهّد للحديث عن الخطر الإيراني بمقدّمة تاريخية شرعيّة طويلة جداً, غير ذات فائدة كبيرة تدفع العديد من المتلقّين إلى النفور أو الملل أو عدم استيعاب الأحداث و ربطها.(44/55)
البند الثامن: توظيف الأوضاع والتطورات والتعامل معها بشكل "ذكي" لكشف المشروع الإيراني ومحاصرته والضغط عليه. هناك نقص كبير في اعتماد هذا الإطار في مخاطبة الجمهور ومسألة "إعدام صدام" نموذج لهذا النقص. فبدلاً من أن يتم الاستفادة من هذه الواقعة - التي حصّلت بالطريقة الطائفية الصفوية التي شاهدها العالم بأسره- بطريقة تؤدي إلى إلحاق أكبر ضرر ممكن بالمتعاطفين و المؤيدين للمشروع الإيراني- الصفوي من خلال التركيز على طريقة الإعدام ويوم الإعدام والدول التي احتفلت بالإعدام وأولها إيران - إسرائيل وأمريكا, انشغل البعض في مناقشة ما إذا كان صدّام شهيدا أم لا, ظالماً أم لا!! وبدلاً من أن يتم توجيه زخم الواقعة المصوّرة باتّجاه موقف توحيدي من المشروع الإيراني وعملائه والمبايعين له, تحوّلت الواقعة في بعض الزوايا إلى عامل جدلي تفتيتي. ماذا يهمنا إذا كان شهيدا أم لا في هذه اللحظة الآنية بالذات!! ما يهمنا هو ضرب المشروع الإيراني. لذلك لا بدّ من "قبر" السذاجة التي يتّسم البعض بها في تناولهم ومعالجتهم للأمور وخاصة وبصراحة كاملة "بعض الإسلاميين", والعمل على الاستفادة من الأحداث بأكبر قدر ممكن, لا سيما أنّ جزءا كبيراً من الفضائح و الضغوط التي يتعرّض لها المشروع الإيراني حالياً ليس مردّه محاججات هؤلاء الدينية أو الشرعية بقدر ما هي أخطاء المشروع الإيراني وتطورات الأحداث, وهذا ما يؤكد وجهة نظرنا في ضرورة استغلال مثل هذه الأحداث بدلاً من تحويلها إلى جدل أفلاطوني غير ذي جدوى.(44/56)
البند التاسع: اعتماد مبدأ المعاملة بالمثل وعدم الاكتفاء بموقف الدفاع. إذ أنّ السكوت عن التصرفات والسياسات الإيرانية يعطي انطباعا بالضعف المفرط, ولذلك فانّ خطوات مماثلة لتلك التي تتّخذها إيران تجاه العرب يساعد على إعطاء رسالة واضحة سريعة. فعلى سبيل المثال منعت إيران مرّتين في العام 2005 و2006 دخول بضائع عربية إليها وأعادتها وذلك لأنها تحمل ختم " الخليج العربي", ومن المعلوم كيف قامت الدنيا و م تقعد في إيران حينما نشرت مجلة "ناشيونال جيوغرافيك" أطلسًا أخيرًا يرد فيه ذكر «الخليج العربي»، ما دفع طهران إلى حظر المطبوعة في إيران ومصادرة جميع النسخ التابعة لها، ومنع صحافييها وكوادرها من دخول إيران وتبني حملة إعلامية مكثّفة ضدّ المجلة لحملها على التراجع ترافق مع حملة أخرى لتأكيد فارسية الخليج معلنة أنّ تسميته بـ "الخليج العربي" إنما جاء بناءا على مؤامرة صهيونية!!. مثل هذه التدابير المضادة يمكن اتّخاذها من قبل الجماهير أو المؤسسات المدنية و الإعلامية حتى إذا لم توافق السلطات في البلدان العربية بذلك. أمّا فيما يتعلّق بعدم الاكتفاء باتّخاذ موقف دفاعي, فيمكننا في هذه الحال تبني مطالب أهلنا في عربستان قوميا و دعم السنّة في إيران دينيا, و ذلك لإفهام إيران أنّها ليست محصّنة وأنّ ألاعيبها في اختراق شعوبنا وبلداننا ليست مسألة مجانية.(44/57)
وفي هذا الإطار, لا افهم لماذا لا يتم إثارة مسألة عربستان على الأقل في الإعلام العربي؟ إذا اعتبرت الأنظمة أنّ هذه المسألة تمثّل إحراجاً لها مثلا, إلاّ أنّ هذا لا يجب أن يمنع الشعوب من إبقاء المسألة حيّة من خلال فتح قنوات اتصال مع الأحوازيين و نقل معاناتهم ومآسيهم و التعريف بقضيتهم ولو من باب إعلامي شانها شأن أي مسألة أو قضية في العالم. و في سياق متّصل يجب تبني استراتيجية إعلامية تذكّر بانّ جزرنا في الإمارات مازالت تحت الاحتلال الإيراني, لا نقول تصعيد الوضع ليصل إلى حرب بسبب الجزر, و لكن نقول إبقاء هذه المسألة في ذهن الناس من خلال التركيز إعلاميا عليها كلما كان ذلك مناسبا مع نقل حقيقة ما يتم فيها من سياسة "تفريس" وتغيير معالم و فرض لسياسة الأمر الواقع.
البند العاشر: التركيز دائما على المسؤولين المتفرسيين الموجودين عندنا وخاصة في العراق, والكشف عن أصولهم و أسمائهم الحقيقية التي يعمدون دائما إلى إخفائها و استبدالها بأسماء عربية أصيلة و شهيرة كي يستطيعوا تحقيق أكبر اختراق ممكن, و الحرص على إحصاء عدد الزوّار الإيرانيين إلى البلدان العربية لنستطيع عبر ذلك معرفة نسبة الاستطيان التي تحصل تحت شعار زيارة المراقد و السياحة الدينية والأماكن المقدّسة. إذ استطاع القوم عبر هذه الحجّة إدخال عدد كبير من المستوطنين الذين استقروا مع الوقت و عملوا على إنشاء بيئة شيعية مماثلة لتلك الموجودة في إيران في الدول العربية و اكبر مثال على ذلك موجود في سوريا, و الأردن و العراق.(44/58)
البند الحادي عشر: إنشاء مركز أبحاث جامع هدفه دراسة ورصد السياسات السلبية الإيرانية تجاه المنطقة وتقديم الاقتراحات بشان سبل معالجتها أو مواجهتها, والاهتمام برعاية باحثين وإعلاميين عرب ودفعهم لإتقان اللغة الفارسية وذلك لما في هذه النقطة من أهمية لجهة تناول ونقل و تحليل ونقد و كشف الأخبار والوثائق الإيرانية التي تكون باللغة الفارسية والتي يستعصي على عدد كبير من العرب فهمها أو ترجمتها.
ويكون لهذا المركز لجان دينية وأخرى سياسية, تقوم الأولى بدراسة كل ما يرد من إيران من كتب ومطبوعات تعود "للتشيع الصفوي" ومراجعتها والتدقيق بها للتأكد من خلوها مما يطعن بالدين الإسلامي والصحابة تحت أي مسمى من المسميات و تسجيل لوائح بأسماء تلك المنشورات والموجودة بكثرة في البلدان العربية والتي تدخل تحت عنوان "معرض للكتاب" , أو من خلال الحملات التبشيرية والمراكز الثقافية والسفارات الإيرانية في البلدان العربية, بالإضافة إلى رصد تحركات إيران في مجال التبشير المذهبي. فيما تقوم اللجان السياسية بمتابعة التطورات السياسية السلبية الإيرانية و رصد التدخلات في الشؤون الداخلية من الناحية السياسية و الاجتماعية و فيما يتعلق بأدوات الاختراق و أساليبه و تقديم تقرير شامل بشأنها برسم الرأي العام العربي و للمهتمين.
البند الثاني عشر: إنشاء لجان شعبية مشتركة من جميع الدول العربية للعمل بشكل جماعي, و إرسال رسائل إلى السفارات الإيرانية والمفوضيات الثقافية بشان ضرورة عدم التدخل في الشؤون الداخلية سواء الدينية أو السياسية و ذلك لكي لا يكون الأمر و كأنه رد فعل طائفي أو مصلحي معيّن, و لإظهار الثقل الجماعي في مواجهة المبادرات الفردية التي لا تؤدي الغرض المطلوب منها.(44/59)
البند الثالث عشر: إنشاء لجان مهمتها متابعة هذه السياسة بشكل دائم و تقديم تقارير بشأنها والعمل على تطويرها تعديلها أو تغييرها متى ما اقتضت الحاجة إلى ذلك, أو إذا حصلت تغييرات أو تطورات على صعيد السياسة الإيرانية و أدواتها.
…
"الزهر والحجر"
التمرد الشيعي في اليمن
وموقع الأقليات الشيعية في السيناريو الجديد
تأليف: عادل الأحمدي
لا ينظر كتاب "الزهر والحجر" الصادر مؤخراً إلى الحركة الحديثة في اليمن على أنها "أزمة طارئة أو فتنة مبهمة" بل: "معضلة لها جذور ولديها تطلعات ورؤى وحسابات على جانب من الخطورة والتعقيد".
وبحسب المؤلف الأستاذ عادل الأحمدي، فإن "الحوثية" حركة سياسية تعد تطوراً لتيار الإمامة الشيعية الجارودية في اليمن، مستغلة التوغل الاثنى عشري الإيراني في المنطقة، وكشفت عن نفسها عبر سلسلة من الأحداث بين عامي 2004 - 2006 مستغلة سوء الأحوال الداخلية في اليمن سياسياً ومعيشياً، وكذلك الأوضاع الإقليمية والدولية المتمثلة بأحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، ثم الاحتلال الأمريكي للعراق سنة 2003 (ص11).
ويؤكد الأحمدي في كتابه الصادر عن مركز نشوان الحميري للدراسات والنشر بصنعاء في (448) صفحة أن "الحركة الحوثية الاثنى عشرية" لم تكون معروفة في اليمن إلا عقب اندلاع مواجهات عسكرية بينها وبين السلطات في 18/6/2004، بقيادة حسين بدر الدين الحوثي، الذي قتل بعد أقل من ثلاثة أشهر من المواجهات التي تركزت في محافظة صعدة بشمال اليمن.(44/60)
وبعد مقتل حسين الحوثي، قاد والده بدر الدين المواجهات ضد السلطات، وقد اتخذت هذه المواجهات أشكالاً، عديدة مثل حرب العصابات وتشكيل خلية ناشطة في العاصمة صنعاء لاغتيال عدد من الضباط والمسؤولين ولعل تجدد الاشتباكات الذي حصل مؤخراً (نهاية شهر يناير 2007) في محافظة صعدة بين عبد الملك الحوثي وأنصاره من جهة، والسلطات الحكومية من جهة أخرى، يحثنا على تقديم هذا الكتاب لمتابعي الراصد، خاصة وأن انتشاره حتى الآن مازال محصوراً في اليمن.
والمؤلف لا يغفل في ما قدمه من رصد لنشوء وتطور الحركة الحوثية والمعارك التي خاضتها ضد السلطات الحكومية، أن يضعها في إطار الحراك الشعيي الاثنى عشري في المنطقة والدور الذي يراد للأقليات أن تلعبه من أجل تنفيذ مخططات معينة.
الزيدية والاثنى عشرية:
وبما أن الحركة الحوثية و صراعاتها المسلحة في اليمن لا تنفصل عن الطموحات الشيعية المتصاعدة في العراق ودول الخليج بقيادة إيران، فقد رأى المؤلف أن يخصص أول فصول الكتاب للحديث عن التشيع ونشأته وعقائده، وعن المذهب الزيدي المنتشر في شمال اليمن، والذي تغلغل الشيعة الاثنى عشرية من خلاله، ووجهوه خلاف ما أراده الإمام زيد بن علي رضي الله عنهما، وهو الذي كان يترضى على الشيخين أبي بكر وعمر، ويرفض ما جاء به الشيعة الذين ادّعوا حبهم واتباعهم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وبنيه.
ويقرر المؤلف في هذا الفصل أن الزيدية الأولى التي قادها الإمام زيد لم تكن تحمل شيئاً من التشيع (ص 50) بل وكان المؤلف قبل ذلك (ص21) ذهب إلى أن "مذهب الإمام زيد، رضي الله عنه، علاقته بمذاهب أهل السنة الأربعة لا تختلف قيد أنملة عن علاقات المذاهب الأربعة فيما بينها من حيث أن جميع هذه المذاهب تحركت داخل مساحة واحدة، فاتفق الأئمة على الأصول والمنطلقات الثابتة، ومن ثم اختلفوا في الفروع".(44/61)
يستعرض المؤلف عادل الأحمدي انحراف مذهب الزيدية نحو التشيع على يد أبي الجارود ، الذي أدخل نظرية الوصي إلى المذهب الزيدي بادىء ذي بدء: ليتوالى التقارب مع مذهب الشيعة الاثنى عشرية.
ومما حافظ على انتشار هذا المذهب في اليمن واستمراره قيام دولة تحميه وترعاه،بل وقامت استناداً إليه، وهي دولة الأئمة الزيديين التي ظلت قروناً طويل إلى أن أنهتها الثورة اليمنية التي قامت ضد حكم الأئمة سنة 1962م.
دولة الأئمة الزيديين:
تعود نشأة دولة الأئمة الزيديين في اليمن إلى سنة 284هـ. وهو العام الذي قدم فيه يحيى بن الحسين من الحجاز على مدينة صعدة، في فترة ضعف الدولة العباسية فأخذ يدعو إلى الإمامة، وتلقب بالهادي.
وترتكز فكرة الإمامة في الفكر الزيدي الجارودي على "استحقاق البيعة لمن يخرج من أبناء الحسنين (الحسن والحسين رضي الله عنهما) داعياً لنفسه عالماً مجتهداً قوياً وأضاف بعضهم: وخالياً من العيوب الجسدية والعاهات، وأن يخرج على الظلمة شاهراً سيفه ويدعو إلى الحق. وجوزوا خروج إمامين في قطرين يستجمعان هذه الخصال ويكون كل واحد منهما واجب الطاعة..." (ص55).
ويقدم المؤلف شخصية الإمام الهادي بشكل مغاير عما كنا قد تحدثنا عنه في أعداد سابقة من الراصد، إذ يذهب الأستاذ الأحمدي إلى أن الهادي ... داعية للتشيع بين القبائل اليمنية (ص56).
وبالرغم من أن الزيديين أقاموا لهم عدة دول في طبرستان (بلاد الديلم) والمغرب إلا أن دولتهم في اليمن تميزت بامتدادها لقرون طويلة (1150 سنة تقريباً) ويبين المؤلف في هذا الفصل أن دولة الإمامة في اليمن كانت نموذجاً للفساد وسوء الإدارة والضعف، إلاّ أن التذرع بالعدو الخارجي كان يعطيها بعض القوة وهو ما يحصل الآن من قبل الحركة الحوثية عبر رفع الشعار المستبطن عمالة الدولة لأمريكا وإسرائيل" (ص58) .(44/62)
وبشيء من التفصيل يتحدث الأحمدي عن الخصائص العامة للدولة الزيدية الجارودية التي نشأت في اليمن فهي، ليست ذات نزعة وطنية فلا تحافظ على وحدته تاريخياً وجغرافياً ولا تبالي بتشطيره ولا تسعى لاستعادة المبتور منه، كما أنها أوجدت بين اليمنيين التنافر والبغضاء ليظلوا حطباً لبقائها، وهي ليست ذات رؤية حضارية فقد عملت على إبقاء اليمن واليمنيين في الجهل والتخلف ، وليست ذات منحنى تنموي ولا بعد إنساني. كما يذهب المؤلف إلى أن الإمامة مشروع استيلاء لا مشروع حكم، "تبدع دائماً في وسائل الوصول إلى كرسي الحكم، لكنها تفشل دائماً في إدارته" (ص84).
الانعتاق الكبير:
شعر اليمنيون بعد سنوات طويلة من الجهل والحرمان بحاجتهم إلى تغير الأوضاع وهو ما تحقق بثورة سبتمبر سنة 1962م، إذ قام عدد من الضباط بانقلاب على آخر الأئمة الزيديين منهين بذلك قروناً طويلة من عمر هذه الدولة.
وبالرغم من أن معظم هؤلاء الضباط من أتباع المذهب الزيدي، إلا أن الحكم الجديد في اليمن لم يكن يستند لفكرة الإمامة الشيعية أو الزيدية الجارودية، بل كان حكماً جمهورياً يبدي تجاهه المؤلف الكثير من التعاطف ويكيل له الكثير من المديح. رغم أن هذه ذات توجه علماني ولم تخلوا من الظلم والانحراف عن الشرع.
وإذا كانت ثورة سبتمبر التي يصفها المؤلف بالانعتاق الكبير قد شكلت شيئاً جيداً لكثير من اليمنيين للخلاص من سوء الأوضاع، فإنه من الطبيعي أن تشكل الثورة خطراً على فئة أخرى من اليمنيين، شعروا بأن الثورة أجهزت على مذهبهم ووجودهم وعلى دولتهم التي استمرت حوالي 1150 سنة، ويأتي في مقدمة هؤلاء أسرة حميد الدين التي ينحدر منها أخر الأئمة الزيديين ( يحيى - أحمد - البدر) وعدد من الأسر المنتمية إلى آل البيت وبعض المنتفعين.
مشروع يبحث عن أرض:(44/63)
وقد شكلت الحركة الحوثية إحدى أبرز المحاولات الرافضة للنظام الجمهوري القائم على أنقاض النظام الإمامي، رغم مرور أكثر من أربعين سنة على قيام الثورة وبحسب المؤلف فإن الثورة اليمنية سنة 1962م "وإن كانت أسقطت نظاماً إمامياً حاكما في شمال اليمن، فإنها على الإطلاق لم تقض على الإمامة كمشروع مستمر يحمل في طياته عوامل عودته وانبلاجه من جديد" (ص112).
ويدلل المؤلف على ذلك بأن "حسين الحوثي كان يردد على أتباعه أن أعداء الأمة لا يحاربون الشيعة إلا بسبب كونهم لا يزالون يحملون فكرة الإمامة، ويشدد في أحيان أخرى على ضرورة اضطلاع آل البيت بالمسؤولية الكبرى المناطة بهم وهي قيادة الأمة، وأن تنازلهم عن هذا الحق الإلهي قد أورد الأمة، وهم في مقدمتها موارد الذلة والهوان" (ص111).
وبالرغم من مرور أكثر من 40 سنة على القضاء على دولة الإمامة، فإن المؤلف يشير إلى أسباب خارجية وداخلية عملت على إبقاء المشروع الإمامي حياً في نفوس البعض ويقسمها إلى عوامل عامة ومحلية.
أولاً: العوامل العامة: وهي:
1-…أن التشيع يحيط نفسه بفئتين تضمنان له القبول، الأولى :غلاة الشيعة والفرق التي انبثقت عنها كالنصيرية والإسماعيلية ... بحيث يبدو التشيع سواء كان جعفرياً اثنى عشرياً أو زيدياً جارودياً، معتدلاً إذا ما قيس بهذه الفرق المنحرفة، والفئة الأخرى: الصوفية المحسوبة على أهل السنة إذ يعمل الشيعة على تشجيع الصوفية واستغلالهم وبث الشبهات والخرافات من خلالهم بحجة محبة النبي صلى الله عليه وسلم وآل بيته.
2-…الزكاة والخمس التي يعطيها أفراد الشيعة ومنهم الزيدية إلى علمائهم وزعمائهم.
3-…أن التشيع استعمل من قبل أعداء الأمة لتمزيقها، لذلك كان هؤلاء حريصين على قيام الدولة الشيعية وبقاء أفكارها، كما يحصل اليوم في العراق.
ثانياً: العوامل المحلية(44/64)
حيث يبين المؤلف أنه إضافة للأسباب والعوامل السابقة، فإن عوامل خاصة باليمن أسهمت في بقاء جذوة التشيع، أهمها، تجييش القبائل واستغلالها ضد المعارضين، والتضاريس الجغرافية الصعبة وإضافة إلى جهل الشعب.
الحركة الحوثية النشأة والمواجهة:
يبدأ المؤلف في هذا الفصل الاقتراب أكثر من نشأة الحركة الحوثية، والتي جاءت متزامنة مع انتصار الثورة الإيرانية واشتداد عودها، ذلك أن ثورة الخميني التي قامت في إيران سنة 1979 أعطت للشيعة - ينما كانوا - دفعة قوية، بحيث أن أحد مشايخ الزيدية كان يدرس مادة عن الثورة الإيرانية ومبادئها في إطار (إتحاد الشباب) الذي أسسه سنة 1986م.
ومع تحقيق الوحدة اليمنية في مايو/ أيار 1990، وما رافقها من انفتاح سياسي والسماح بتأسيس الأحزاب السياسية تأسس عدد من الأحزاب الشيعية أبرزها: حزب الحق، و اتحاد القوى، الشعبية، وقد انضم آل الحوثي (بدر الدين وأولاده) إلى حزب الحق، لكنهم استقالوا من الحزب بعد أن عصفت به الخلافات، وكان آل الحوثي قبل تركهم لحزب الحق قد أسسوا (منتدى الشباب المؤمن) الذي تحول ـ في خطوات لا تخلو من الدلالة - إلى (تنظيم الشباب المؤمن)، وقد تفرغ حسين الحوثي لإدارة هذا التنظيم، مضحياً سنة 1997 بمقعده بمجلس النواب اليمني الذي كان قد فاز به في انتخابات سنة 1993.(44/65)
وفي هذا الفصل يتحدث المؤلف عن اندلاع المواجهات بين أنصار الحوثي والسلطات الحكومية، وما رافقها من "تعبئة كربلائية" ذلك أن الحوثي كان قد وزع على أنصاره كتاب "عصر الظهر" لمؤلفه علي الكوراني الذي يشير فيه إلى ظهور ثورة إسلامية ممهدة لظهور المهدي، كما ذكرت بعض التقارير أن الأجهزة الأمنية ضبطت مع بعض أتباع الحوثي وثيقة مبايعة الحوثي على أنه الإمام والمهدي المنتظر (ص153). ثمة ما يشير إليه المؤلف أيضا في الحزب الحكومية الحوثية وهو استعداء أهل السنة والانتقاص من علومهم وعلمائهم ومذهبهم. ويشير المؤلف أيضاً إلى الدعم الذي حظيت به الحركة الحوثية من قبل الأقليات الشعبية في دول الخليج والسفارة الإيرانية في صنعاء .
وتحت عنوان (كل ما حدث.. مسؤولية من) يقدم المؤلف رأيه وتقييمه فيمن يتحمل مسؤولية المعارك التي خاضها الحوثيون ضد السلطات الحكومية، لكن المؤلف يذهب في الخلاصة ـ إلى حد ما ـ عكس ما احتوته الفصول السابقة ذلك أنه يحمل السلطات الحكومية والمعارضة بدرجة أقل ـ مسؤولية تدهور الأوضاع في اليمن وفسادها وسوء المعيشة الأمر الذي أدى لنشوء نزاع مسلح، في حين أنه اعتبر الحركة الحوثية "صاحبة مشروع لا يحتاج إلى الأسباب والمبررات حتى يبرز إلى السطح بقدر ما يتحين الظروف" (ص180). ويختم المؤلف كتابه بفصلين عن حقيقة العداء بين إيران وأمريكا وإسرائيل، فيتوصل إلى أن هذا العداء عداء كاذب ليس له وجود، بل هناك علاقة تعاون وتكامل في الأدوار لضرب القوة الإسلامية.(44/66)
ومن ذلك مواقف إيران من القضية الفلسطينية ،فحين جاء عرفات إلى إيران لتهنئة الخميني قامت الطائرات الإيرانية الحربية بحصاره في الجو وحين تعرض الفلسطينيون للذبح على يد مليشيات أمل سكت وصمت الخميني عن ذلك!! وتوجت بصفقة "إيران جيت" وهي صفقة السلاح الإسرائيلي الأمريكي إلى إيران! يخلص المؤلف إلى أن ثورة الحوثي هي مخطط إيراني يهدف إلى إشعال المنطقة لتشتيت قدراتها وصرفها عن عدوها وهو إسرائيل. وأن هذا المخطط ليس له حدود فهو يمارس في العراق ولبنان واليمن والخليج وغيرها من البلاد. وبعد ذلك زود المؤلف كتابه بملاحق عديدة جداً ، ضمت أغلب ما نشر في الصحافة حول تمرد الحوثي ، وبعض الوثائق الرسمية والحوثية ، كما أضاف له الكثير من الصور حول مواضيع الكتاب.
قطع رؤوس
قالوا: "إذا لم تتوقف عن الكتابة عن الشيعة فسوف نقطع رأسك مثلما قطعنا رأس صدام".
جماعة الحوثي تهدد الصحفي عبد الفتاح البتول
الجزيرة نت 4/2/2007
قلنا: ويحدثونك عن مظلومية أتباع آل البيت!!
حتى جزر القمر
قالوا: إن "نشر التشيع شيء سيء في مجتمع جزر القمر".
قاضي قضاة موروني، العربية نت 8/2/2007
قلنا: لا تصدق المزاعم أن هناك تبشير شيعي وصل جزر القمر، واستولى على رئاستها ونحن نتفرج!!
كذاب بقرون!
قالوا: المسؤولية في عودة التفجيرات للعراق وفي العاصمة بغداد وبهذه الشدة يعود إلى تأثير الفتاوى التكفيرية ضد الشيعة والتي أصدرتها مجموعة ما تعرف بثمانية وثلاثين عالماً وهابيا في السعودية.
المحلل السياسي والإعلامي العراقي أزهر الخفاجي
الوكالة الشيعية للأنباء 5/2/2007
قلنا: من كان الكذب دينه، فهل يتورع عن قلب الحقائق ، هل فتاوى (38) هي التي هجرت السنة من منازلهم وهدمت مساجدهم وحرقت محلاتهم وقتلت رجالهم!!!
حرام على بلابله الدوح(44/67)
قالوا: رجال الدين أليسوا بشراً؟ أليسوا مواطنين؟ أليس من حقهم أن يمارسوا أبسط أمور الديموقراطية؟ حسن نصر الله يعمل الآن رئيساً لميليشيا وأنا لا أسميه زعيم حزب، لأن حسن نصر الله تحوّل من زعيم يريد محاربة إسرائيل إلى رئيس ميليشيا يحارب شعب لبنان ويحاول أن يدمر لبنان... وإذا لم أتكلم أنا، فمن الذي سيتكلم؟ هل نسكت جميعاً ونترك حسن نصر الله و(نائبه) نعيم قاسم الذي ينط (يقفز) من خلف المنابر ويهدد ... جميعهم يتحدثون بلغة فوقية وإملائية ... هل هذا كلام يجوز؟
مفتى الجبل الشيخ محمد الجوزو
صحيفة الرأي الكويتية 28/1/2007
قلنا: نعم لماذا الهجوم على علماء السنة فقط حول دورهم السياسي، ويباح للشيعة والشيوعيين وغيرهم!
الوطنية الشيعية
قالوا: ففي الحقيقة كانت هناك "حالة وطنية" والإخوة الكويتيون الشيعة كانوا يعرفون أن صدام مجرم وسوف يهجم على الكويت ودعم الحكومة لصدام ليس من المصلحة الوطنية للكويت فهؤلاء الذين قاموا بعمليات تفجيرية وثبتت عليهم بالأدلة فإن هذا حقيقة نتيجة للروح الوطنية التي كانوا يملكونها وهو أمر فعلوه من دون أوامر من الخارج.
المهرى في برنامج أوراق خليجية على قناة أوربت
قلنا: لم يقدم للمحاكمة هذا المجرم رغم مطالبة بعض النواب، لكن السؤال لو كان القائل عالماً سنياً وبرر لبعض المتهورين فعلهم هل كان سيغض الطرف عنه؟ أم العصاة النووية بدأت عملها ؟؟
فلتمان الطيب!(44/68)
قالوا: أليس لفيلتمان وزارة في العراق؟ زلماي خليل زاد، السفير الأميركي في العراق، أليست لديه وزارة؟ وهو متحكم بالوزارة هناك أكثر بكثير من تحكم فيلتمان بوزارة لبنان. فلماذا وزارة فيلتمان بالعراق، وزارة الأحبة والأصحاب والحلفاء، ووزارة فيلتمان في لبنان يجب أن ندخل الشيعة والسنّة في حرب دموية ضدها؟ ... الأخ السيد حسن هو منفذ السياسة للسيد الخامنئي في لبنان، ولا يحيد عنها قيد أنملة، والسيد عبد العزيز الحكيم أيضا منفذ سياسة السيد الخامنئي في العراق ولا يحيد عنها قيد أنملة السيد عبد العزيز يذهب إلى واشنطن في الأمس القريب ويطلب من بوش مباشرة إبقاء الجيش الأميركي في العراق، 150 ألف جندي أميركي يذبحون الشعب العراقي.
الشيخ صبحي الطفيلي الأمين الأسبق لحزب الله، حوار وكالات 27/1/2007
قلنا: هذه شهادة من شخص غير وهابي ، فماذا ردهم.
عمى الألوان
قالوا: إن أكثر من 70% من ضحايا العنف في العراق خلال عام 2006 هم من الشيعة.
الرئيس العراقي جلال طالباني، العربية نت 19/1/2007
قلنا: من سيشهد للعروس إلا قريباتها!!
سفير الأخوية العظمي
قالوا: قام السفير الليبي بزيارة لمحافظة صعدة، حيث يتم تقديم دعم مالي ومعنوي لميليشيات الحوثي المسلحة، كما قام بتهديد - الزميل إبراهيم مجاهد رئيس تحرير صحيفة «أخبار اليوم»- بالتصفية الجسدية عبر مكالمة هاتفية أكد خلالها السفير على انه لن ينتظر القضاء أو رئاسة الدولة كي تأخذ حقه وإنما سيأخذ -ما زعمه انه حقه الشخصي- بيده!! ………… جريدة أخبار اليوم 16/1/2007
قلنا: ما هو الرابط بين ليبيا والحوثي، أم هي مهمة جديدة تنفذها ليبيا نيابة عن إيران!!
هذا منطق رئيس علمائهم!
قالوا: إننا نؤكد أن مصلحة الإسلام والتقريب بين مذاهبه والوحدة الإسلامية تقتضي أن يعزل هذا الرجل – يقصد القرضاوي - الذي يثير النعرات الطائفية دائماً من منصبه، لأنه متشنج وغير متزن ويخضع لتأثير جماعات غسلت مخه.(44/69)
محمد باقر المهري وكيل المرجعيات الشيعية ورئيس تجمع العلماء الشيعة في الكويت
الشرق الأوسط 26/1/2007
قلنا: أعان الله شيخنا القرضاوي، حيث أنه بدأ يتعرض لحرب الشيعة عليه لأنه وقف مع الحق ورفض مسايرة الشيعة، وكل هذا والشيخ لا يزال يعتقد بإمكانية التعاون مع الشيعة ويدعوا المسلمين للدفاع عن إيران إذا هوجمت، فكيف سيكون حاله مع حاقدي الشيعة كالمهري لو سار على سياسة مراجع الشيعة وقت غزو أفغانستان والعراق وهي سياسة الحياد بينهم وبين أمريكا!!!!!!!!
ولا في الأحلام
قالوا: اقترحنا عليهم شيئاً لم يكونوا ليحلموا به وهو قطع مساعدة حزب الله وحماس وسلام مع إسرائيل.
رجل الأعمال الأميركي السوري الأصل إبراهيم سليمان، العربية نت 20/1/ 2007
قلنا: متى تدرك حماس أن قيادة البعث العلوي في سوريا، لن تتهاون في المتاجرة بورقة حماس لمن يشترى!
الزحف العقاري
قالوا: كاتب هذه السطور هو الوحيد من كتّاب البحرين والخليج الذي استعمل تعبير «الوعي العقاري))، وبقي طوال ربع قرن يستعمل هذا التعبير، ويُكثِر من التنبيهات والتحذيرات والإنذارات، ويردد أن العاقبة في المتوسط وخصوصاً في المدى الطويل سوف تكون وخيمة جداً، على الخليج العربي كما على المكان المحلي، إذا لم تنته الغفلة الغائرة والمتمادية عن مسألة الأرض، ومَن البائع ومَن المشتري.
الكاتب البحرينى حافظ الشيخ، أخبار الخليج 4/2/2007
حزب الله يدعم أنصار الله
قالوا: يقوم حزب الله بتمويل ودعم تنظيم "أنصار الله" الفلسطيني في مخيمي عين الحلوة والرشيدية، والذي يترأسه الفلسطيني جمال سليمان المعروف في أوساطه بـ "الشيخ جمال" وهو كان من أطر حركة "فتح" السابقة.
الدعم يتجلى في تزويد التنظيم بأسلحة متوسطة وخفيفة، وبدعم مالي، وتدريب مجموعات من "أنصار الله" في مراكز تدريب عائدة للحزب في منطقة البقاع الغربي.
الشراع 12/2/2007(44/70)
قلنا: من يكشف الغطاء عن حقيقة هذه التنظيمات التابعة لحزب الله ، لماذا نعجز عن توعية أمثال هؤلاء؟
انفصام المبدأ
قالوا: فمبدأ حفظ الكرامة للرموز الذي? ?طالب به النائب علي? ?سلمان في? ?تعليقه على إجراء التحقيق مع مشيمع والخواجة مبدأ لا? ?يطالب مشيمع والخواجة بتطبيقه علنا?ً! ?رغم أنه? ?يعلم أن هؤلاء لا? ?يحترمون رمز الدولة الأول وهو جلالة الملك في? ?خطابهم،? ?فهل لمشيمع والخواجة كرامة من نوع خاص؟ وحقوق من نوع خاص؟ وهل هم رموز من نوع خاص؟ فإن كان مشيمع والخواجة وعلي? ?سلمان متمسكين بمبدأ حفظ الكرامة للرموز،? ?فليحترموا أنفسهم أولاً? ?وليحترموا الناس ثانياً? ?حتى لا? ?يأمرون الناس بالمعروف وينسون أنفسهم؟
سوسن الشاعر - الأيام البحرينية 3/2/2007
قلنا: جميل أن يبدأ الكثير في رؤية المغالطات التي يقوم بها الشيعة بكافة ألوانهم ، سياستهم تقوم على: مالي فهو لي وما لك فهو قابل للمفاوضة !!!
التاجر أولاً
قالوا: عرضت إيران على أمريكا بعد غزو العراق، وقف دعم حزب الله وحماس، مقابل عدم الاعتداء والحصار لها.
العربية نت 18/1/2007
قلنا: هذه حقيقة القوم تجار يبحثون عن الصفقات ولو على حساب المبادئ .
التدخل المزعج
قالوا: "إن إيران تتدخل بشكل لسنا معه والشعب غير راض عن ذلك".
صدر الدين القبانجي، المقرب من المجلس الأعلى،
العربية نت 10/2/2007
قلنا: و شهد شاهد من أهلها.
عصر الزور
قالوا: أن الجنوب العراقي أصبح مرتعا للافكار المهدوية و أن بعض الشخصيات الدينية من أصل غير عراقي يتبني الكثير من هذه الجماعات، ومدها بالمال والعتاد والأفكار المنحرفة ومن هذه التجمعات:
أولاً: جماعة السلوكيين وتتطابق أفكارهم مع أفكار الحجتية في ايران، وهم من دعاة نشر الرذيلة والباطل بحجة أن ذلك يعجل بظهور المهدي عليه السلام.
ثانياً: جماعة أحمد بن الحسن، وهؤلاء يتمركزون في ضواحي النجف الأشرف، وقد ضرب مقرهم قبل ضرب جند السماء.(44/71)
ثالثاً: جماعة روح الله، وهؤلاء يدعون أن السيد الخميني هو روح الله حقا، وأنه غائب ولم يمت وسوف يعود، وهؤلاء تشكيل جديد، تشكل من العناصر التي تم طردها من جيش المهدي.
رابعاً: جماعة المرسومي، وهؤلاء يتواجدون في ديالى، ويدعي قائدهم المرسومي أنه داعي الحق، ويطلق على جماعته الموطئون.
خامساً: جماعة النبأ، ويعتقد هؤلاء أن السيد مقتدى الصدر هو النبأ، ويتواجدون في مدينة الصدر.
ويضيف المصدر أن أفكار الشيخ علي الكوراني لها رواج هناك، وهي لحمة ثقافتهم، واليه يرجعون في سجالاتهم الفكرية والروحية.
الوطن الكويتية 14/2/2007
قلنا: المجانين كثر، وأكثر منهم من يصدقهم!
خطر قادم
قالوا: 15 ألف مسلم يعتنقون المسيحية سنويا في فرنسا.
العربية نت 6/2/2007
قلنا: قد تكون هذه الأرقام مبالغ فيها ، لكن الجاليات الإسلامية في الغرب تعانى من إهمال المسلمين، ويقظة أصحاب الأفكار الباطلة بأنواعها.
محادثات جديدة
قالوا: إن مسؤولين إيرانيين و إسرائيليين يجرون الآن محادثات سرية في أوروبا لتسوية نزاع قديم حول دين على إسرائيل لإيران.
الجزيرة نت وإسلام أون لاين
قلنا: لماذا هذا الخبر تم نشره على موقعي الجزيرة نت وإسلام أون لاين الصفحة الإنجليزية فقط؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
كانت في الصيانة والترميم!!
قالوا: دعا حسن هاشم الربيعي النائب عن الكتلة الصدرية في الائتلاف العراقي الموحد الوقف السني إلى استلام بقية المساجد في مدينة الصدر وعددُها عشرة بعد أن تم تسليم جامع حليمة السعدية رسميا إلى الوقف السني.
الملف نت 12/2/2007
قلنا: ومتى سيسلمونا المفقودين والقتلى ، ونسلمهم للمحاكمة ؟
ثمن المساعدات
قالوا: اعتذرت صحيفة "الاستقلال"، التابعة لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، رسميًا عن مقال نشرته في عددها الأسبوع الماضي يتهجم على الصحابي الجليل "أبي سفيان"، رضي الله عنه.
موقع الحقيقة(44/72)
قلنا: هذه نتيجة التعامل مع إيران دعم مالي وسب أمريكا في البداية، والخاتمة زيادة الدعم بشرط سب الصحابة.
ماذا ستفعل؟
قالوا: هناك كتبًا شيعية توزع في مصر، وقام بتأليفها كبار رموز الشيعة ويطعنون فيها في عدالة الصحابة (رضي الله عنهم).
د. أحمد الطيب رئيس جامعة الأزهر الحياة 21/1/2007
قلنا: نريد فعلاً إيجابياً بقدر وزن جامعة الأزهر في الدفاع عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
من يستفيد؟
قالوا: والآن وبعد مرور أكثر من ربع قرن على ثورة الخميني، اكتشفنا واكتشف الملايين من أمثالي أننا كنا واهمين!، أعجبتنا وجذبتنا القشرة الخارجية للثورة، وخاصة بعد احتكاكها بالولايات المتحدة، وأحداث السفارة الأمريكية في طهران، ثم المحاولة الأمريكية الفاشلة لتحرير رهائن السفارة.
الكاتب الصحفي السيد أبو داود مفكرة الاسلام
قلنا: هل يستفيد جيل اليوم من تجربة من سبقوه في هذا الطريق المظلم.
وقح جداً
قالوا: الشيعة لا يصوبون سهامهم ضد السنة وهم يعرفون جيداً أنهم ليسوا مسئولين عما ارتكبه البعض من جرائم ومن ثم ما هو المنطق أن يقدم غير المخطئ اعتذاراً عن خطأ لم يرتكبه .
المتشيع المصري أحمد النفيس ، القاهرة 6/2/ 2007
قلنا: هذا رد الشيعة الوقح على تساهل وتفريط مفتى مصر د. على جمعة ، حين ساوى بين الشيعة والسنة وطالب باعتذار الطرفين لبعضهما البعض، حين يفرط المفتى ويساوى الشيعة المعتدين بالسنة المظلومين، لن يكون جواب المعتدى إلا مزيد من السفاهة والوقاحة .
أهدافهم مختلفة
قالوا: في حال تمكنت إيران من امتلاك القنبلة النووية فمن المرجح أنها لن تستخدمها لتدمير إسرائيل.
باحثون إسرائيليون، هارتس 5/2/2007
قلنا: إذا كانت هذه قناعة إسرائيل فلماذا يظن بعض المغفلين أن إيران تعادى إسرائيل.
الجمهورية الإسلامية(44/73)
قالوا: لو كنا نتحدث كونتون شيعي في الضاحية، نعم هذا مشروع تقسيمي أما نحن نتحدث عن دولة إسلامية.…………… من خطاب لحسن نصر الله عام 1982م، المحرر 1/2/2007
قلنا: هذا هو الهدف النهائي جمهورية شيعية.
هل هي بدعة جديدة؟
قالوا: أدى ما يزيد عن مليوني مسلم من أكثر من 70 دولة الصلاة الختامية! وتعرف بالبنغالية "أخيري مناجاة "، وذلك في الإجتماع السنوي لجماعة التبليغ، وهو يعد ثاني أكبر تجمع للمسلمين بعد الحج!
الغد 5/2/2007
قلنا: هل يوجد في السنن الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، الصلاة الختامية؟
ابن عربي "فلامنكو"
قالوا: تقام في القاهرة والإسكندرية ثلاث حفلات لفناني موسيقي " لفلامنكو" الأسبانية، الذين قاما بتسجيل قصائد ابن عربي مما أضاف لموسيقس الفلامنكو معاني جديدة.
الغد 10/2/2007
قلنا: متى يحولونها ديسكو، أليس مذهبه "دين الحب"!
تيارات نشطت بعد الاحتلال وتمويلها مجهول:
«مدّعو نبوة» و«مهديون» و«ممهدون» و«مستعجلون» و«جند الله»
الحياة 2/2/2007
حمَّل تيار الزعيم الشيعي مقتدى الصدر مرجعيتي السيد علي السيستاني والشيخ كاظم الحائري مسؤولية حل «جيش المهدي» أو بقائه، فيما كشفت أحداث النجف الدامية جوانب غامضة لاتجاه حركات دينية لا تقتصر على الشيعة وحدهم، بل تمتد إلى المذاهب السنية، والى الخارج أيضاً، بحسب الناطق باسم الحكومة على الدباغ.
تتداول هذه الحركات أفكاراً، بعضها خطير وغريب، ولا تختلف في تنظيمها عن الميليشيات. تبدأ «باستعجال ظهور المهدي، من خلال نشر القتل والفساد»، ولا تنتهي بـ «جند السماء» الذين خاضوا معارك عنيفة هذا الأسبوع وقتل منهم العشرات، وتضم القائمة عشرات الملل، ولا يكتفي أصحابها بادعاء أنهم «مهديو هذا الزمان»، بل يذهب أحدهم إلى ادعاء «النبوة».(44/74)
اختفى من محافظة البصرة رجل ظهر بعد الاحتلال الأميركي للعراق ادعى أنه «نبي» جديد لكن دعوته لم تلق رواجاً، ويؤكد بعضهم في البصرة أنه يدعى سيف الدين وقتل عام 2006.
لكن حركات أخرى وجدت في بيئة عراقية يمتزج فيها الجهل بالاضطراب النفسي الذي ولده الاحتلال والحصار الذي دام أكثر من 12 عاماً حيزاً نموذجياً للتكاثر. وادعى رجل دين من العمارة أنه «الثاني بعد المهدي المنتظر»، وأنه يلتقي به. واعتمد على اسمه (أحمد)، إذ تقول رواية: «يخرج رجل إلى يمين الإمام المهدي المنتظر يقاتل معه واسمه احمد»، والرجل المعني اسمه احمد الحسن، ولقب نفسه بـ «اليماني» وظهر بعد الغزو الأميركي مباشرة، وأخذ يبث دعوته في منطقة السهلة في الكوفة. وصار لديه أنصار، واشتبك مع محافظ النجف السابق عدنان الزرفي عام 2004، فرحل إلى منطقة أخرى ولا يزال يبث دعوته ويبني المساجد والحسينيات. وله موقع على الانترنت، ويلتف حوله آلاف الأنصار يتخذون لأنفسهم لقب «جند الله».
كانت هذه الجماعة التابعة لليماني نفت أي علاقة لها بأحداث النجف الأخيرة أو أن يكون زعيمها احمد قتل. وأكدت في البصرة أن حركتها «سلمية ولا ترتبط بجند السماء».
واستعرض الدباغ، أمس نشوء جماعة «جند السماء» فقال إنها «نشطت بعد سقوط النظام السابق مباشرة وشاركت في أعمال السلب والنهب واشترت مزارع في منطقة الزركة قرب الكوفة ولديها حوالي 317 نصيراً».
وأضاف أن قائدها «الكرعاوي حاول نشر أفكاره من خلال منشور سماه «بيان الظهور المقدس» الذي كان متداولاً بين أتباعه». وأشار إلى أن «الجماعة كانت تعد العدة لتنفيذ عمليتها في رمضان 2006 إلا انه تم تأجيل الظهور إلى العاشر من محرم من هذا العام». وهناك جماعات أخرى منها «الممهدون»، يتزعمها السيد محسن الحمامي، ومرجعها في البصرة. وتتميز هذه الجماعة بذيل من القماش الطويل يمتد من العمامة إلى ما تحت الرقبة، مهمتها «تمهيد الأرض للمهدي».(44/75)
لكن أغرب المجموعات التي يتداول الأهالي روايات عنها في عدد من مدن الجنوب تلك التي تدّعي أن عليها «نشر الفساد في الأرض لاستعجال ظهور المهدي» وهي تحلل القتل والسرقة ويحملها بعضهم مسؤولية اغتيالات وأعمال عنف، ولا يعرف اسم زعيمها، ويطلق عليها اسم «المستعجلون». ويعتقد أن لكل واحدة من تلك الجماعات ميليشيات خاصة بها، وتمويلاً مجهول المصدر. وقال شهود إن الشرطة دهمت الأربعاء مكتباً في قضاء الحي جنوب الكوت يعتقد بأنه تابع لجماعة «جند السماء».
على صعيد آخر، أناط التيار الصدري مسألة حل «جيش المهدي» الذي تستهدفه الإستراتيجية الأميركية الجديدة بالمرجعيات العليا. وأكد الشيخ عبد الهادي المطيري، رئيس اللجنة السياسية لمكتب الشهيد الصدر لـ «الحياة» ان حل الجيش لا يرتبط بمقتدى الصدر «بل بالمرجعيات العليا». وأشار إلى أن «آية الله العظمى السيد علي السيستاني في النجف وآية الله العظمى كاظم الحائري في إيران يتحملان مسؤولية حل الجيش أو بقائه».
من جانبه أكد سهيل العقابي، مساعد الصدر والمسؤول الإعلامي في تياره في بغداد لـ «الحياة» أن «الصدر زار السيستاني وبحث معه في قضية حل «جيش المهدي» وان الأخير رفض».
الناطق باسم هيئة علماء المسلمين:
الشيعة يحلمون بـ "البدر الشعي"
جريدة روز اليوسف 16/1/2007
كيف أثرت عمليات التهجير وعمليات القتل على التركيبة السكانية في المدن والأحياء ذات الغالبية السنية؟(44/76)
الفيضي: وفق تقرير جيمس بيكر ومجموعة دراسة العراق فإن عدد المهجرين يزيد على مليون وربع المليون وهو رقم دقيق. أما بالنسبة للمناطق التي استهدفتها عمليات التهجير فهي أحياء الحرية والصليخ والشعب وأور وهي كلها مناطق في بغداد تم تهجير السنة منها بشكل كامل فيما عدا حي الصليخ الذي مازال فيه سنة يقاومون. وحسب إحصائيات الهيئة المعتمدة على وثائق أهل المنطقة فإنه في قرية الإصلاح وحدها في شرق بغداد تم تهجير ألفي نسمة من السنة من أصل السكان البالغ عددهم ستة آلاف نمسة من السنة والشيعة على يد الميليشيات وسيارات الشرطة والحرس الوطني.
هل تتهم الحكومة العراقية برئاسة نوري المالكي بالتورط في عمليات تهجير السنة؟
الفيضي: نعم أتهم أجهزة الدولة بالتورط في ذلك.
تتزايد الاتهامات لوسائل الأعلام العراقية من قنوات فضائية وصحف ومواقع اليكترونية بإذكاء الروح الطائفية في العراق.. فيكف ذلك؟
الفيضي: هناك قنوات مثل الفرات والفيحاء المعبرة عن تيار الائتلاف الشيعي تسمى السنة بالنواصب وهم تاريخيا جماعة تكره الإمام علي رضي الله عنه. هذه القنوات تحرض على السنة بالأسماء ووتتهم حارث الضاري وهيئة علماء المسلمين وأئمة المساجد بالإرهاب. وبالنسبة للمواقع الإلكترونية أبرز مثال هو موقع أنباء براثا الذي نعتقد أن الشيخ جلال الدين الصغير إمام وخطيب مسجد براثا هو المسئول عنه رغم أنه بزعم أنه لا علاقة له به.
كيف أثرت عمليات العنف الطائفي على الزواج المختلط بين السنة والشيعة؟
الفيضي: الزواج بين السنة والشيعة يكاد يتوقف لأن ميليشيات جيش المهدي ومنظمة بدر والميليشيات الأخرى التابعة لها تقتل كل من يسمى سفيان أو الحكم وتقتل الشيعية التي تتزوج من رجل سني.
هل تتبع جميع هذه الميليشيات جيش المهدي ومنظمة بدر؟
الفيضي: هما الحاض الأكبر للميليشيات فهما يتميزان بقوة التنظيم.. لكن هناك حوالي 30 عنوانا أو 30 اسما لهذه المجموعات.(44/77)
هل يتم تحويل مساجد السنة إلى مساجد للشيعة؟
الفيضي: هناك 50 مسجداً في بغداد يسيطر عليها الشيعة حتى الآن. وهناك 200 مسجد للسنة في بغداد وضواحيها حرق منها 40 مسجداً بالكامل والباقي تم تحويله إلى حسينيات منذ أحداث سامراء التي تم فيها تفجير قبة مرقد الإمام الهادي.
ما هي هوية المجموعات التي تستهدف السنة في العراق؟
الفيضي: لا ندري تحديدا لكننا نسمع عن تورط إيرانيين في هذه الأعمال فحسب الإحصاءات الحكومية قام نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي بإطلاق سراح 400 سجين إيراني وقبله أطلق إبراهيم الجعفري سراح 1200 منهم. والسكان يتحدثون عن تواجد إيرانيين تابعين للمخابرات الإيرانية والحرس الثوري الإيراني وبكثافة في مدينتي البصرة والعمارة. بل إني أكشف لكم أن من يأتي إلى البصرة الآن قادما من الكويت يقوم بتسجيل وثائقه باللغة الفارسية ومن لا يصدق يذهب بنفسه ليتأكد.
لكن السيد مقتدى الصدر أصدر مؤخرا بيانا يعلن فيه براءته من كل شيعي يقتل سنيا وكل سني يقتل شيعيا..؟
الفيضي: نحن في الهيئة ومنذ وقوع تفجيرات سامراء ومرور 7 أشهر الآن من القتل الدموي كنا نطالب مقتدى الصدر بالتكلم. لكن الشيعة لديهم نظام التقية أي أنهم يقولون شيئا ويفعلون شيئا آخر، وهناك لقطة للصدر تذيعها قناة الزوراء يدعو فيها الشيعة إلى دخول الجيش لمدة شهرين لقتل السنة ثم الخروج منه مرة أخرى.
كيف تقيمون الموروث الثقافي للشيعة؟
الفيضي: الشيعة أهملوا في عهد الحكومات السابقة وعلماء الدين المرتبطين بإيران هم الذين قاموا بتثقيفهم وعملوا على إذكاء الاحتقان الطائفي وشغلهم بمقتل الإمام الحسين مما جعل ثقافتهم محدودة.
هل تتهم إيران باستهداف السنة؟
الفيضي: من دون شك وذلك من خلال الميليشيات التابعة لها مثل بدر. والقول بأن المخابرات الإيرانية لا علاقة لها بالموضوع هو في الواقع أمر غير منطقي.(44/78)
ففي مدينة البصرة تمارس المخابرات الإيرانية عمليات تهجير واسعة للسنة الذين كانوا يمثلون نحو 40% من سكان المدينة لكن الآن انخفض عددهم إلى النصف. هذه الميليشيات الموجهة تريد أن يصل القتل الطائفي إلى مرحلة الحرب الأهلية لكنه لن يصل.
ما هو دور الاحتلال في القتال الطائفي الدائر؟
الفيضي: الولايات المتحدة متورطة في الاقتتال الطائفي لأنهم يمنعون السنة من امتلاك السلاح وينتزعونه من الأهالي الذين يقاومون الميليشيات في حي العدل في بغداد وغيره من الأحياء. هم يفتشون البيوت بيتا بيتا ويأخذون السلاح. كما أنه وقت فرض حظر التجول تجدين الميليشيات تعمل بحرية وتكون النتيجة كما حدث في أحداث حي الحرية في بغداد حيث تم حرق السنة أحياء. هذا تواطؤ مخز ومخجل ومرعب.
كيف تقيم علاقتكم بالسعودية؟
الفيضي: لم تكن هناك علاقة بيننا وبين السعودية لمدة ثلاث سنوات ونصف السنة ثم اجتمعنا مؤخرا بالملك عبد واستقبلنا بحفاوة بالغة.
هل تخلت عنكم السعودية عندما أعلن وزير خارجيتها سعود الفيصل أن بلاده لن تتدخل لدعم السنة في العراق إذا تدهورت الأوضاع وأصبحت هناك حرب أهلية فعلية؟
الفيضي: هذا القرار كان خطرة حكيمة لأننا لا نريد دعما خاصا بالسنة فهذا يدعم السنة وإيران تدعم الشيعة وهذا لن يجدي نفعا. نحن نريد دعم القوى الوطنية المناهضة للاحتلال من سنة وشيعة.
هل ما تقوم به إيران في العراق يأتي ضمن سيناريو معد لإقامة هلال شيعي في المنطقة؟
الفيضي: نعم هو مشروع إيراني للهيمنة على المنطقة. بل إني أقول إن حلمهم لم يعد يقتصر على الهلال الشيعي بل البدر الشيعي للهيمنة والسيطرة على المنطقة بأكملها وهو ما نراه في المنشورات التي بحوزة الميليشيات.
جُند السماء برواية ابن بطوطة!
رشيد خيون
الشرق الأوسط 14/2/2007(44/79)
ما أكثر عوائد أهل العراق، مِن جعل الشموع، على كرب النخيل، سابحة في مياه دجلة، بمناسبة عيد خضر الياس، إلى ترك حفنة من الشعير، على شواطئ الأنهار في ليالي الجُمع، طعاماً لفرس المهدي المنتظر (غاب 260 هـ). جرت تلك العوائد بهدوء وألفة، بعيداً عن التفسير العلمي أو الفقهي، وعن تشاكل السياسة وأضواء الإعلام. كان ذلك قبل ظهور الجماعات المهدوية المسلحة، والادعاء بالمهدي، وآخرها كان «جند السماء». لكن الحقيقة: «وكل يدعي وصلاً بليلى.. وليلى لا تقر لهم بذاكا». ولا غرابة، فالشأن عراقي لا إيراني صفوي!
فقبل سبعة قرون، شاهد ابن بطوطة (ت 779هـ) بالحلة، مركز الفرات الأوسط، في زمن السلطان المغولي بهادرخان (بين 716 - 736هـ)، جماعة حالها حال «جُند السماء»، التي حسب الرواية الرسمية كان رئيسها ضياء عبد الزهرة الكرعاوي فناناً، وتحول إلى نيابة المهدي المنتظر، وحيث دائر المكان نفسه، وقد أعلمتنا الأخبار أن أغلب الجماعة الأخيرة انحدر من الحلة.
قال ابن بطوطة: «من عاداتهم أن يخرج في كلِّ ليلة مائة رجل من أهل المدينة عليهم السلاح، وبأيديهم سيوف مشهورة، فيأتون أمير المدينة، بعد صلاة العصر، يأخذون منه فرساً مُسرجاً مُلجماً أو بغلة كذلك، ويضربون الطبول والأنفار والبوقات أمام تلك الدابَّة، ويتقدمها خمسون منهم، ويتبعها مثلهم، ويمشي آخرون عن يمينها وشِِمالها ... ويقولون: باسم الله يا صاحب الزمان! باسم الله اخرج، قد ظهر الفساد وكثر الظلم، وهذا أوان خروجك» (الرحلة).(44/80)
اختفت تلك الجماعات، بعد إعادة العقل العراقي مكانته وتحول الحلة إلى حاضرة ثقافية، وظل يتداول أمر ظهور المهدي، كتقليد شعبي، نسوة يتركنَّ الشعير لفرسه، أو قارئ حسيني، مثل الذي حذرنا من على المنبر بظهور الإمام هذا العام (1967)، بدلالة الحرب والهزيمة. حينها لم يشغلنا التحذير، بقدر ما كانت تجذبنا أقاويله الجذابة ضد نظريتي النشوء والارتقاء ورأس المال، ومن دون أن يدري فتح عيوننا عليهما، نحن تلاميذ المدرسة المتوسطة. كان هذا قبل تحوّل حفنات الشعير، وتمني الظهور إلى مفرقعات حارقة.
على أية حال، لم يفكر طاعمو فرس الإمام، ولا سادن باب سرداب الغيبة، ولا قارئ المنبر بتهيئة قاعدة مسلحة للمهدي! على خلفية أنها أمر إلهي، يفوق قدرات البشر، مثل غيابه.
لا يشيدها «جيش المهدي»، ولا حزب «الولاء» جماعة محمود الصرخي، وهو المهندس المدني، ولا «أنصار المهدي» جماعة أحمد الحسن، المهندس المدني أيضاً، وهو اليماني وصي الإمام ورسوله! وشعارهم نجمة خماسية في وسطها رسمة سيف ذي الفقار، أحيطت بعبارة: «أنصار الإمام المهدي مكن الله له في الأرض». وأكد الأخير لقائه بالإمام، وتقدم بطلب، منشور في موقعهم «المهديون»، لمناظرة آية الله علي السيستاني، وإنه سيقدم للأخير سؤالاً واحداً، يجمع فيه علوم المتقدمين والمتأخرين!
وكانت عقيدة حركة «جند الإمام»، التي انشقت من حزب الدعوة، التهيئة للظهور سلمياً. يقول أحد كوادرها، وهو أكاديمي! وعضو في البرلمان العراقي: «حركة إسلامية ترتكز على عقيدة الإمام المهدي المنتظر... من خلال إيجاد مناصرين للإمام، وإيجاد مؤسسات وأُطر ينجز من خلالها الإمام مهمته» (الخريطة السياسية للمعارضة العراقية). وأخيراً ظهرت جماعة «جند السماء»، أواخر الشهر المنصرم، التي كثر القتل فيها، إلا أنها في كل الأحوال وظفت عقيدة الانتظار. ومن العراق اقتبست إيران الشعار، فنادت بعد الثورة (1979): «مهدي بيا». أي: يا مهدي تعالى!(44/81)
عادت تلك الجماعات بهيئات مسلحة أيضاً، وكأن الزمن لا حِراك فيه. فأول ما ظهرت مؤخراً فكرة تأسيس جيش للمهدي العام (1996) بمدينة الثورة، شرقي بغداد، قبل أن تُفرض عليها تسمية الصدر بسبع سنوات، بزعامة الشيخ عبد الزهرة البديري. أعلن أنه ألتقى الإمام، في المنام، وكلفه بتأسيس جيشه. وكان المدبر لأمر الجيش شخصاً يُكنى أبا المهيمن. واجتمع لهما خلق لا يستهان بعددهم، وهم من مقلدي الصدر الثاني وقرروا إعلان «الصيحة» بالظهور. بعدها أُعتقل اليماني مبعوث المهدي المفترض ومريده أبو المهيمن وأُعدما. وبتجربة الشيخ البديري أسس مقتدى الصدر جيش المهدي الحالي، وبأتباع من مدينة الثورة نفسها.
روى قصة البديري أحد خلصاء الصدر (اغتيل 1999) الشيخ عباس المياحي، في كتابه «السفير الخامس»(2001). ومن المعلوم كان عدد سفراء المهدي التقليديين أربعة، توفي آخرهم علي بن محمد السَّمرّي في (326 وقيل 329). وها هو صاحب الكتاب جعل شيخه الصدر ـ بعد ألف ومئة عام ـ سفيراً خامساً. وحسب الكتاب ولد الصدر ساجداً، وفي كيس، نظيفاً من الدماء. ومَنْ يقرأ ولادة الإمام الثاني عشر في «بحار الأنوار» للمجلسي (ت 1111هـ) يجده وُلد «ساجداً يتلقى الأرض بمساجده ... نظيفا منظفا».
ومما لا ريب فيه، يساعد النكوص في السياسة والمعاش والثقافة على تغييب الوعي، حتى تنفلت الوهميات من عقالها. هذا ما لعبته الحوادث الجسام بأهل العراق: المظالم والحروب والحصار. ثم إعلان الحملة الإيمانية على غفلة من الزمن، التي قطعت رؤوس نساء بالفؤوس، على مشهد من الناس، وسنت قانون غسل العار.(44/82)
عاش الناس الانفصام، لعقود من الزمن، بين ذلة الواقع ورخص الأرواح وبذاخة الهتاف «الشعب العراقي العظيم»! بين شحة الطعام والدواء وبذاخة رئاسة الدولة (65 قصراً منيفاً). أما الآن فهناك في رأس الدولة مَنْ يدعم ويمارس اللامعقولات، لأنها الطريق الأسهل إلى الزعامة. إذن ما وجه العتب على الرعية البائسة!
وما يزيد الطين بلة، والخطر شدة، أن الجماعات المهدوية أخذت تتمرد، وتفرخ جماعات، لا تلجمها زعامة أو قيادة. ولنا في ما حدث بمحافظة العمارة دليل. لما أصدر قائد جيش المهدي، وملهم التيار الصدري، أمراً بوقف القتال مع الشرطة، رد فرعه هناك بالأهزوجة: «السيد جندي بجيش المهدي وسرحناه»! ولغير العراقيين: سُرح من الخدمة ولم يعد قائداً! أقول: من زمن ابن بطوطة إلى اليوم، الحكمة والمنطق مع مَنْ! أمع العلماء الحافظين لقدسية عقيدة المهدي، بقولهم إنها ربانية، والسياسة مدنية حتى ظهوره؟ أم مع الذين حشروها في ما نرى ونسمع من مهازل ومظالم؟ إن عقيدة دولة مؤملة من عالم الغيب، ستفرش الأرض عدلا وقسطا، ويفترض تآخي الصقور والحمائم فيها، أترى مناخها مناسباً لأمير العصابة التي شهدها ابن بطوطة، وأمراء عصابات اليوم، التي تدعي التهيئة والتحضير لها!؟ من هنا كم تبدو الأكذوبة هائلة! للموضوع صلة.
الأمين العام لحزب الفضيلة الإسلامي الشيعي:
المجلس الأعلى للثورة الإسلامية وحزب الدعوة
استخدما الورقة الطائفية لتعزيز رصيدهما السياسي
جريدة روز اليوسف 16/1/2007
من يقف وراء مخطط التهجير في العراق؟
الجابري: عملية التهجير ليست عملية عفوية بل مخططا سياسياً منظماً تقوم به جهات سياسية متعددة تعمل على زرع بذور الفتنة الطائفية في العراق وهي في الغالب تكون في الأوساط الشيعية وتؤمن بالمنهج الطائفي وتمهد الطريق إلى فصل الجنوب والوسط عن العراق.
هل تقصد المجلس الأعلى للثورة الإسلامية؟(44/83)
الجابري: لا أستطيع أن أحدد فكل اتجاه فيه تفاوتات ولا يوجد اتجاه مجمع على موقف موحد وإنما المنهج الطائفي هو الذي يحرك الذي يحرك هذه العمليات. وفي الوسط السني هناك المنهج التكفيري لكن لا توجد قوى سياسية معينة تمثل هذا المنهج أيضا وإنما أحزاب وأفراد.
أين تتركز عمليات التهجير؟
الجابري: في المحافظات المختلفة مثل بغداد بشكل أساسي وديالى والموصل وكركوك وهي تشهد عمليات تهجير للداخل والخارج. فالشيعة الذين يسكنون في مناطق ذات أغلبية سنية هاجروا إلى مناطق شيعية والعكس صحيح. العملية أصبحت جد خطيرة لأنها تؤدي إلى الفرز الاجتماعي وبالتالي تتحول البلدات إلى كانتونات شيعية وسنية.
هل توجد إحصائيات خاصة بعدد الشيعة المهجرين؟
الجابري: لا بالفرز لا يوجد أرقام خاصة بالشيعة فعمليات التهجير تشمل السنة والشيعة. لكن الأرقام الرسمية الصادرة عن وزارة الهجرة والمهجرين في الشهر الماضي تشير إلى عمليات ترحيل داخلية وعمليات تهجير خارجية وصلت لثلاثة ملايين عراقي بين السنة والشيعة كما أن معدل هجرة العراقيين إلى الخارج يصل إلى ثلاثة آلاف في الشهر الواحد تقريبا.
دأبت قناة الزوراء على إذاعة لقطة لمقتدى الصدر يدعو فيها الشيعة إلى الانضمام إلى الجيش لقتل السنة ثم الخروج منه.. هل تعتقد أن هذه اللقطة صحيحة أم أنها مركبة؟
الجابري: أنا لم أرها وبالتالي لا أستطيع أن أعلق عليها لكن تركيب هذه اللقطة يحتاج إلى بعض الوقت.
لكن هل تعتقد أن مقتدى الصدر دعا بالفعل إلى ذلك؟
الجابري: لا أستطيع أن أحكم فأنا لم أر اللقطة.
هل امتد الصراع السياسي بين السنة والشيعة إلى العلاقات الإنسانية ليخلق صراعا اجتماعيا بينهما؟(44/84)
الجابري: العنف الطائفي ليس اجتماعيا بل سياسيا فالقوى السياسية أرادت توظيف طوائفها في خدمة مشروعها السياسي ولذلك أول ما ظهرت الطائفية ظهرت عند تشكيل مجلس الحكم وقت المشاورات مع السفير بريمر. وعندما جاءت القوى السياسية التي أتت من الخارج مثل المجلس الأعلى وحزب الدعوة التي لم تجد أرضية شعبية لها في العراق ووجدت حزب الفضيلة والتيار الصدري هما المسيطران على الشارع الشيعي ، فبدأت تستخدم الورقة الطائفية لتعزيز رصيدها السياسي وتم تشكيل الائتلاف العراقي الموحد على هذا الأساس وتم توظيف الورقة الطائفية في الانتخابات .
لكن حزب الفضيلة كان من المؤسسين لهذا الائتلاف؟
…الجابري : نعم وهذا خطأ تاريخي وقعنا فيه.
والحقيقة الائتلاف لم يأسس لغرض طائفي وإنما استطاعت القوى الطائفية أن تغير مساره إلى المنحنى الطائفي. ولهذا أول ائتلاف شكلناه كان يضم الإسلاميين والعلمانيين وسنة وشيعة وأكراد وتركمان أي أنه كان تركيبة وطنية لكن بدأت محاصرة وعزل الشخصيات العلمانية والسنية التي شاركت معنا في هذا الائتلاف إلى أن غادرت الائتلاف بعد شهر أو شهرين. وحاولنا تصحيح المسار لكن الفجوة بدأت تكبر لذلك عند تشكيل الائتلاف الثاني كان أكثر طائفية من سابقه وحاولنا الخروج من البداية لكن معوقات قانونية منعتنا وتدخلات من السلطة.
كيف تأثرت عمليات التزاوج بين السنة والشيعة؟
الجابري: التزاوج بين أبناء الشيعة والسنة طبيعي جدا على الرغم من أن القوى الطائفية والتكفيرية حاولت جر الشعب العراقي إلى الفتنة الطائفية. هذه القوى نجحت للأسف بعد تفجيرات سامراء التي طالت المراقد المقدسة وأصبح هناك احتراب طائفي يغذي سياسيا من قبل هذه القوى لكن النتيجة لم تصل بعد إلى أن يكون هناك فرز اجتماعي فلم يحدث عمليات تطليق أو قتل مثلا. المشكلة هي في السكن فالشيعي الذي يبقى في منطقة سنية معرض للقتل والعكس فهو فرز قسري.(44/85)
هناك من الشيعة من يتهم هيئة علماء المسلمين بإذكاء روح الطائفية؟
الجابري: لا الهيئة تمثل القوى السلفية التي تؤمن بمقاتلة قوات الاحتلال فقط.
ما هي طبيعة علاقتكم بالقوى الشيعية الأخرى مثل المجلس الأعلى للثورة؟
الجابري: نحن نمثل قوى الداخل في حين يمثلون هم قوى الخارج الذين تغربوا عن العراق لسنوات طويلة.
ما هي علاقتكم بإيران؟
الجابري: نحن الجهة الوحيدة التي لا تربطنا علاقات مع إيران. بل إنها تدخلت في قضية رئاسة الوزراء لصالح المرشحين الآخرين وعلمت على إفشالنا لأننا نتبنى منهاجا وطنيا وليس منهجا طائفياً.
هل قمتم بزيارة إيران من قبل؟
لجابري: نعم منذ عامين لتهدئة الأمور وشرح أهدافنا لكن قناعاتهم لم تتغير.
لماذا انفصلتم عن التيار الصدري؟
الجابري: لأسباب تتعلق بالعمل المنظم بينما هم يعتمدون العمل العفوي ووجدنا أن الأيديولوجية السياسية ضيقة وتعسر علينا العمل وفضلنا الانفصال لأننا كنا مقبلين على عملية ديمقراطية وانتخابات وأردنا عملا سياسيا منظما بالإضافة إلى بعض الخلافات الأخرى لكن تظل العلاقات بيننا علاقات أخوية.
هل تعتقد في تورط جيش المهدي في عمليات قتل السنة؟
الجابري: الحقيقة أن هناك بعض القوى الطائفية اخترقت جيش المهدي وربما حتى قوى خارجية..
لكن جيش المهدي نفسه لا ينفذ مخطط استهداف السنة؟
الجابري: لا لأن التيار الصدري تيار وطني ونحن التياران الأساسيان اللذان يمثلان قوى الداخل ولا نرتبط بأي قوى خارجية.
يعتقد الكثيرون أن الحكومة العراقية تهادن التيار الصدري وما تقوم به الجماعات التابعة له من أعمال عنف ضد السنة وهي بذلك متورطة في أعمال العنف الطائفي..
الجابري: الحكومة فشلت حتى الآن في حل قضية الميليشيات عموما وحتى لو لم تشارك في دعم الميليشيات فهي مسئولة عن حفظ الأمن وحل الميليشيات وجمع أسلحتها ودمجها في المجتمع المدني وهي لا تزال مقصرة في ذلك.(44/86)
ذكرت أن المجلس الأعلى للثورة الإسلامية مرتبط بقوى خارجية فهل منظمة بدر تنفذ أجندة خارجية؟
الجابري: نحن نسمع من الأوساط السنية أن بدر تستهدفهم ووردت إشارة في تقرير بيكر هاميلتون أن منظمة بدر تستهدف السنة العراقيين.
إيران .. هل تخطو أسرع للإستفادة من التنوع القومي؟
(أوضاع العرقيات والأقليات في إيران)
المجلة 28/1 /2007
ركزت الأدبيات التنموية على عامل الاندماج القومي سبيلا لتحقيق التنمية والاستقرار بديلا عن الفوضى العرقية والمذهبية والطائفية والقومية التي قد تعصف بكيانات تلك البلدان ولعل النموذج العراقي والأفغاني أكثرها اقترابا من الذاكرة والواقع عندما تم التركيز على الجزء وتعميمه على مساحة الوطن بكامله فغدت حالة الاغتراب تفرض نفسها وتعكس واقعا مقسما وقابل للانشطار.
دول العالم الإسلامي قاطبة تعيش فيها قوميات وطوائف متنوعة وهي لفترة طويلة اندمجت في المشروع القومي والوطني لبلدانها غير أن عوامل مختلفة دفعت بالأقليات للإنسحاب وعدم الانسجام الداخلي لعدة عوامل أساسية:
أولها: داخلي نظرا لغياب العدالة في التوزيع وغياب المساوة واحترام الحقوق.(44/87)
والثاني: خارجي أن كثيراً من تلك الأقليات على اختلافها كانت لبعضها اتصالات خارجية أو هي جزء من مكون حضاري وجغرافي آخر تم دمجه واقتطاعه عنوة في لحظة تاريخية وسياسية ما، مما يجعل مشكلاته دائمة ما لم تحظى هذه المكونات بالاحترام من خلال استيعابها وتوظيف حالة التنوع القومي في خدمة الوطن الواحد لبناء الدولة الوطنية القوية وعبر تدعيم قدرات النظام السياسي من خلال تعزيز المشاركة السياسية. لذا لا يكفي فقط تعيين مستشار هنا ومسؤول هناك كدليل على حالة الاندماج بقدر ما يكشف النقاب عن أزمة الاندماج نفسها التي تعاني منها الدولة والتي قد تكون سببا لتفسخها ذات يوم. والسؤال الذي يطرح نفسه هو إلى متى تبقى قضية القوميات في العالم الإسلامي محط صراع وتنازع وتجاذب داخلي وخارجي.
تمتاز إيران بتركيبة سكانية متنوعة الأعراق والأديان والمذاهب تضاف إلى خصوصيتها القومية والحضارية التي ساعدتها في السابق لتكون ولمدة طويلة من الزمن إمبراطورية عظمى هيمنت على شعوب وأمم عديدة.
ورغم زوال إمبراطوريتها، والتي اشتهرت بحكمها القاسي على سكان الأراضي التي كانت قد وقعت تحت هيمنتها، إلا أن إيران بقيت تحتفظ بالكثير من خصوصيتها المميزة التي هيأت لها لتكون جزءا مهماً من الأمة الإسلامية وأن تلعب دوراً ملحوظا بإغناء تراث وحضارة هذه الأمة وذلك على الرغم من مساعي الشعوبيين والمتطرفين الذين حاولوا وبكل قوة فصل إيران عن جسد الأمة الإسلامية والعودة بها إلى حضارتها التي كانت عليها قبل دخولها في الإسلام ونعني بها الحضارة المجوسية.(44/88)
إلا أن تمسك المؤمنين من أبناء الأمة الفارسية بالإسلام وحضارته الإنسانية التي ساهموا في اغنائها أفشلت مساعي هؤلاء الشعوبيين وأبقت إيران عضوا من أعضاء الأمة الإسلامية. ولكن هذا لا ينفي أيضا أن هؤلاء الشعوبيين قد تمكنوا من الحفاظ على قوتهم في جسم الدولة الإيرانية وما زالوا يعملون على توسيع الثغرات السلبية التي تنحو بإيران إلى المواجهة مع البلدان الإسلامية والعربية منها تحديداً بدلا من التكامل معها.
والسبب في ذلك حسب ما عبر عنه الكثير من منظري الحركة الشعوبية هو الحنين إلى أمجادهم الغابرة واعتزازهم بثقافتهم وحضارتهم القديمة التي كان الإسلام والعربية سببين في دحرها على حد قولهم. وعلى الرغم من مضي أكثر من أربعة عشر قرنا على اندثار الإمبراطورية الفارسية إلا أن هؤلاء المتطرفين مازالوا يعيشون مرارة تلك الهزيمة ومازالت الجاهلية تنخر في أفكارهم ومع الأسف فإن بعضهم يتقلد مناصب مرموقة في الدوائر الرسمية والشعبية ذات التأثير المباشر في صنع القرار الإيراني أو تعطيل القرارات الإيجابية التي تحد من التطرف والغلو.(44/89)
وبإلقاء نظرة على الخارطة السكانية لإيران يمكن مشاهدة الآثار السلبية التي خلفتها وما تزال تخلفها سياسات هؤلاء المتطرفين على مكونات المجتمع الإيراني. فإيران كما هو معروف بلد يتشكل من أقوام وشعوب مختلفة الأعراق والديانات والمذاهب، والشعب الفارسي ليس إلا واحد من هذه المكونات المتعددة للدولة الإيرانية الحديثة التي كانت تعرف بـ "مملكة فارس المحروسة" قبل أن يغير أسمها الشاه رضا بهلوي في ثلاثينيات القرن الماضي بعد انقلابه على الحكم القاجاري إلى "الدولة الشاهنشاهية الإيرانية" وذلك بعد إخضاعه المناطق والأقاليم، التي كانت تعيش في زمن الأنظمة التي سبقت (وهي القاجارية، الافشارية، الصفوية) بين الحكم الذاتي واللامركزية الموسعة، إلى سلطة طهران المباشرة التي اتسمت في عهده بالدكتاتورية المطلقة والتي أرخى فيها العنان للمتطرفين الفرس لممارسة سياسة التمييز العنصري والطائفي ضد أبناء الشعوب والقوميات غير الفارسية وهو ما دفع بأبناء تلك الأقليات إلى مواجهة سياسات رضا خان بهلوي عبر الانتفاضات والثورات الشعبية وحركات التمرد المسلحة.
إلا أن تلك الاحتجاجات سرعان ما كانت تخمد نتيجة القمع الشديد الذي كانت تواجهه من قبل الحكومة المركزية التي كانت تحظى بدعم القوى العظمى. وبعد الآذريون الناطقون باللغة التركية والذين يشكلون نسبة ما يقارب الثلاثين في المائة من مجموع سكان إيران البالغ عددهم سبعين مليون نسمة من أكبر القوميات الإيرانية.
ويقول الآذاريون أنهم يتجاوزون عدد الفرس إذا ما أضيف إليهم التركمان والقشقائيون والازبك، وهم جميعا من القوميات الإيرانية الناطقة باللغة التركية. والآذريون الذين أغلبيتهم من الشيعة الإثنى عشرية من أهم القوميات التي انتفضت ولمرات عديدة بوجه النظام البهلوي وقد أفلحوا في عام 1945م من إقامة جمهوريتهم الديمقراطية بزعامة "سيد جعفر بيشه وري" الذي كان يحظى بدعم الاتحاد السوفيتي.(44/90)
ولكن انسحاب السوفيت من شمال إيران، والذي جرى بموجب الاتفاق الذي كان قد وقع في مؤتمر طهران عام 1943 والذي اتفق الحلفاء فيه على الحفاظ على وحدة إيران والانسحاب منها فور انتهاء الحرب العالمية الثانية أدى هذا الانسحاب إلى انهيار جمهورية أذربيجان التي لم تدم سوى عام واحد فقط وقد فر زعيمها بيشه وري هاربا إلى باكو في الشق الشمالي من أذربيجان التي تحولت إلى جمهورية شيوعية في إطار الاتحاد السوفيتي عقب انسلاخها من أذربيجان الجنوبية. وكان الآذريون وبسبب مشاركتهم الفعالة في الثورة الدستورية التي شهدتها إيران في مطلع القرن الماضي، قد تمكنوا من إدخال مادة مهمة في أول دستور إيراني وهي المادة الخاصة بمجالس الأقاليم والولايات والتي تنص على منح القوميات الإيرانية غير الفارسية نوعاً من الحكم الذاتي المحدود.
غير أن هذه المادة وكسائر مواد الدستور عطلت في عهد الشاه رضا بهلوي ولكن في عهد ابنه الشاه محمد رضا أراد رئيس وزرائه الجنرال (رزم آرا) في عام 1948 تطبيق هذه المادة لصالح الشعوب الإيرانية غير الفارسية إلا أنه واجه معارضة شديدة من قبل رئيس الكتلة الوطنية في البرلمان الإيراني آنذاك الدكتور محمد مصدق ورفيقه الدكتور حسين فاطمي الذي أصبح فيما بعد وزيراً للخارجية في حكومة مصدق عام 1951 والذي كان الوزير الوحيد الذي أعدم بعد الإطاحة بمصدق وعودة الشاه إلى السلطة.(44/91)
هذا بشأن الآذريين أما الأكراد الذين يبلغ عددهم قرابة العشرة ملايين، وفقا لما تقوله أدبيات حركاتهم السياسية، فهم موزعون على عدد من المحافظات والمدن الإيرانية الغربية وأهمها محافظة كردستان وعاصمتها سنندج وأغلبهم من اتباع المذهب السني، ولم يكونوا بأقل من نظرائهم الآذريين تحركا في مواجهة الحكومات المركزية، وليس ذلك في عهد رضا خان بهلوي وابنه محمد رضا وحسب؛ بل إنهم شكلوا حركة دائمة ما تزال مستمرة في مواجهة حكومة طهران. وقد أثمر كفاح الأكراد في مواجهة النظام البهلوي عن إقامة جمهورية مهاباد الكردية التي استمرت من شهر كانون الأول 1945 ولغاية كانون الأول 1946 بقيادة "قاضي محمد" الذي أعدم فيما بعد على يد الحكومة الشاهنشاهية.
إلا أن هذه الجمهورية الكردية كما الجمهورية الآذرية لم تعمر أكثر من عام واحد فقط وانهارت بعد انسحاب الروس من شمال وغرب إيران في 9/آيار 1946م لتعود بعدها السلطة في المناطق الكردية إلى الحكومة المركزية في طهران والتي ذكر زعيم حزب الديمقراطي الكردي الإيراني المغدور عبد الرحمن قاسملو في مذكراته أن الأمريكان والبريطانيون أمدوها بالخبراء والسلاح للقضاء على جمهوريات آذربيجان ومهاباد وذلك عبر السفير الأمريكي ج. آلن الذي أشرف بنفسه على سير القتال في كردستان بصحبة الجنرال رزم آرا رئيس الأركان العامة للقوات الشاهنشاهية الإيرانية. ولكن مع ذلك ورغم القمع الذي تعرضوا له لم يتخل الأكراد عن محاولاتهم في الحصول على الحكم الذاتي.(44/92)
أما البلوش والذين يشكلون نسبة الثلاثة في المائة من عدد سكان إيران فإنهم يشكون باستمرار من اضطهاد قومي ومذهبي مزدوج كونهم من أتباع المذهب السني. وقد كانت لهم محاولات عديدة في عهد النظام البهلوي للحصول على حقوقهم القومية والمذهبية المشروعة إلا أن محاولاتهم تلك لم يكتب لها النجاح وذلك بسبب تعارضها مع المصالح الغربية في المنطقة من جهة وشدة القمع الذي مورس ضدهم من قبل السلطة المركزية من جهة أخرى.
وبالإضافة إلى الآذريين والأكراد والبلوش هناك التركمان الذين يربو عددهم على المليون ونصف نسمة ويقطنون في الشمال الشرقي من إيران وأغلبهم من السنة
وهناك الازبك والطاجيك الذين يقنطون في إقليم خراسان وهم أيضا من أهل السنة وجميعهم عانوا من سياسة التمييز القومي والمذهبي في عهد النظام البهلوي ومازالوا يشكون من هذه سياسة ضدهم. أما عرب الأحواز والذين دأبت الحكومات الإيرانية المتعاقبة علة وصفهم بـ "عرب اللسان" فهم يشكون على الدوام من سياسات الدولة الإيرانية ضدهم.
وقد شهدت الأحواز في عهد النظام البهلوي ثورات وانتفاضات عديدة إلا أنها لم يكتب لا النجاح في تحقيق آمالهم وقد استمرت مناهضتهم للنظام البهلوي إلى أن تم إسقاطه بثورة شعبية شاركت فيها جميع مكونات المجتمع الإيراني.
بعد انتصار الثورة الإسلامية شاعت أجواء من التفاؤل بين الشعوب والقوميات الإيرانية وذلك اعتقادا منها أن السياسات العنصرية والطائفية التي كانت تمارس ضدها قد ولت وسوف لن يكون لها أثر في عهد النظام الجديد الذي اتخذ من "الإسلام" عنوانا له.(44/93)
إلا أنه وعلى الرغم مما وعد به قادة النظام الجديد وما جاء به دستور الجمهورية الإسلامية من مواد تنص على حقوقهم المشروعة إلا أن ذلك لم يلغ تذمر أبناء الشعوب والقوميات الإيرانية من ما يسمونه بالسياسات التمييزية ضدهم. مستدلين على ذلك بجملة من الوقائع والوثائق التي يعرضونها كدلائل ملموسة على صحة ما يتهمون به نظام الجمهورية الذي يقولون إنه لم يطبق المواد الدستورية التي تنص على نبذ التمييز الطائفي والعرقي والاعتراف بالحقوق الثقافية والقومية للإثنيات الإيرانية.
ومنها على وجه التحديد المواد الدستورية رقم 15و19و48 التي تنص على أن يتمتع أفراد الشعب الإيراني من أي قومية أو عشيرة كانوا، بالمساواة في الحقوق، ولا يعتبر اللون والعنصر أو اللغة وما شابه ذلك سببا للامتياز. كما لا يجوز التمييز بين مختلف المحافظات والمناطق في مجال استغلال المصادر الطبيعية للثروة والموارد الوطنية العامة وتنظيم وتقسيم النشاط الاقتصادي في مختلف المحافظات ومناطق البلاد، بحيث يوظف في كل منطقة رأس المال والإمكانيات الضرورية في حدود حاجاتها واستعدادها للنمو. وقد قد نصت المادة 15 من الدستور على حق القوميات الإيرانية بأن تكون لها صحفها ووسائل إعلامها وتدريس آدابها ولغاتها إلى جانب اللغة الرسمية، أي الفارسية في جميع المراحل الدراسية.
إلا أن تلك المواد الدستورية وعلى الرغم من مضي ربع قرن من عمر الجمهورية الإسلامية فإنها ما تزال مجرد حبر على ورق. علما أن الوعود بتحقيق تلك المواد الدستورية كانت من أهم الشعارات الانتخابية لحملة الرئيس الإيراني السابق السيد محمد خاتمي الذي ورغم ما حظي به من شعبية طوال مدة رئاسته التي استمرت ثماني سنوات.(44/94)
إلا أنه لم يتمكن من تطبيق تلك المواد المعطلة وذلك بسبب النفوذ القوي للحركة الشعوبية المتطرفة والمتغلغلة في أحشاء النظام والسلطة الإيرانية حسب ما يقوله نشطاء الحركات السياسية لأبناء الشعوب والقوميات الإيرانية وهي حركات تنشط في الخارج غالبا ويحمل الكثير منها النظام الإيراني مسؤولية ما يحدث أحيانا من احتجاجات وأعمال عنف دامية في الأقاليم والمناطق ذات الأقليات القومية والمذهبية والتي شهدت إيران خلال العامين الماضيين وقوع العديد منها وكان أبرزها قد وقع في أقاليم، أذربيجان وبلوشستان والأحواز وكردستان.
ففي إقليم بوشستان الذي يبلغ عدد سكانه أكثر من ثلاثة ملايين نسمة غالبيتهم من أهل السنة وبحكم وقوع الإقليم في منطقة المثلث الإيراني الباكستاني الأفغاني الذي تحيطه الجبال من الشرق والشمال فقد أصبح ممرا ومرتعا خصبا لمافيا المخدرات الدولية ويعتقد نشطاء البلوش تعمد الحكومات الإيرانية المتعاقبة بإبقاء هذا الإقليم على ما هو عليه من الأوضاع الحياتية البائسة لم يكن ناجما من النظرة العنصرية والطائفية التي يكنها المتطرفون في السلطة للشعب البلوشي السني فقط وإنما هناك قوى المافيا التي عملت بشدة على منع الحكومات من تحسين أوضاع الإقليم لكي يتم إجبار أبنائه من البلوش على التعامل مع منظمات المافيا الناشطة في قضايا تهريب المخدرات والسلاح والرقيق الأبيض الذي أصبح مؤخرا واحد من أهم السلع المتاجر بها حسب قولهم. وهذا ما دفع بالبلوش لإنشاء تنظيمات وحركات سياسية تطالب بالحقوق القومية والمذهبية التي حرموا منها طوال المائة عام الماضية.(44/95)
ومن أبرز هذه الحركات التي نشأت في بلوشستان في السنوات الأخيرة يمكن ذكر "منظمة جند الله" ذات التوجه الإسلامي السلفي والتي شنت العام الماضي سلسلة من الهجمات المسلحة ضد مراكز حكومية وعسكرية إيرانية أسفرت عن مقتل العديد من عناصر ومسؤولي الدولة في الإقليم. وكان من أبرزها عملية الكمين الذي نصبته لقافلة حكومية في منتصف شهر مارس العام الماضي على طريق "تاسوكي" الواصل بين مدينة زاهدان مركز الإقليم ومدينة زابل ثاني أكبر المدن البلوشية وقد أسفر الهجوم عن مقتل حاكم مدينة زاهدان واثنان وعشرون شخصا آخر واحتجاز سبعة آخرين. وكانت منظمة جند الله قبل ذلك قد هاجمت مخفراً حدوديا وأسرت ثمانية من عناصره أطلقت سراح سبعة منهم لاحقا فيما أعدمت قائد المخفر.
وفي الثالث عشر من آيار من نفس ذات العام نصبت مجموعة غير معروفة من قبل تدعى "فيدائيو الإسلام" كمينا في منطقة "دارزين" الواقعة بين مدينتي كرمان وبم وسط إيران وقد أسفر الكمين عن مقتل اثني عشر شخصا وإحراق أربع سيارات وقد تمكن المهاجمون من الفرار باتجاه القرى البلوشية الواقعة في سفوح جبلية محاذية للحدود مع باكستان.
وفي مساء الخامس عشر من ديسمبر (كانون الأول) المنصرم عشية انتخابات مجلس الخبركان والمجالس البلدية التي شهدتها إيران مؤخرا انفجرت سيارة ملغومة أمام مقر حاكم إقليم بلوشستان وقد أعلنت "منظمة جند الله" مسئوليتها عن الانفجار واصفة إياه بأنه محاولة غير ناجحة لاغتيال حاكم الإقليم.
وكانت السلطات الإيرانية في الأشهر الأخيرة ورداً على تلك الهجمات قامت بإعدام عدد من أعضاء منظمة جند الله التي توعدت مؤخرا في بيان لها نشر على موقعها الإلكتروني على شبكة الإنترنت توعدت بشن هجمات مسلحة تحت عنوان (الاقتدار 2) قائلة إنها قد تطال أهدافا مهمة في العاصمة طهران.(44/96)
هذا على الجانب البلوشي أما في أذربيجان فقد واجهت السلطات الإيرانية في العام المنصرم تحديا صعبا من قبل الآذريين تمثل جانبا منه في الاحتجاجات الدامية التي جرت في يونيو حزيران العام المنصرم في عدد من المدن المحافظات الآذرية وهي محافظة أذربيجان الغربية وأذربيجان الشرقية وأردبيل وقزوين وزنجان وغيرها. وقد حدثت تلك الاحتجاجات عقب نشر صحيفة حكومية رسما كاريكاتوريا اعتبره الآذريون مهينا لهم وللغتهم التركية وعلى أثرها نظموا احتجاجات واسعة شارك فيها الطلبة الآذريون في جامعة طهران الأمر الذي دفع بالحكومة الإيرانية إلى تشكيل لجنة طوارئ أمنية بإمرة قائد قوى الأمن الداخلي في طهران الجنرال طلائي، وقد أوكلت لها الحكومة مسؤولية كبح الانتفاضة الآذرية وفرض أحكام عرفية في المناطق الساخنة ومنع المسيرة الاحتجاجية التي كانت تنوي الزحف على العاصمة طهران.
وكانت مقاطعة الآذريين للانتخابات مجالس البلدية ومجلس الخبركان (خبراء القيادة) الأخيرة قد أربكت التيارات السياسية المشاركة في تلك الانتخابات وقد سجل الآذريون بالإضافة إلى البلوش والأحوازيين أدنى نسبة من المشاركة في تلك الانتخابات.
أما على صعيد مناطق الأقليات القومية الأخرى فلم تكن الأحوال فيه أفضل حالا من مناطق البلوش والآذريين حيث كانت المناطق الكردية في العام المنصرم قد شهدت الكثير من الحوادث الدامية التي نجم بعضها عن مظاهرات احتجاجية والبعض الآخر عن صدامات مسلحة بين قوات المعارضة الكردية و قوات الجيش والحرس الثوري والتي وقعت ضحيتها العديد من الأفراد من كل الجانبيين.(44/97)
وعلى الرغم من أن الحركات الكردية الرئيسية وهي حزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني ومنظمة كوملة قد أوقفت ومنذ ما يقارب العشر سنوات جميع أنشطتها المسلحة إلا أن ذلك لم يحد من ظهور حركات كردية مسلحة في المنطقة ومن أبرزها منظمة "pjak" القريبة من حزب العمال الكردستاني التركي لتقوم بشن هجمات مسلحة ضد القوات الإيرانية بهدف الحصول على الحكم الذاتي للأكراد.
وفي الجنوب من إيران فقد شهد إقليم الأحواز العربي العام الماضي حوادث كانت الأعنف منذ عدة سنوات تخللها سلسلة من الانفجارات التي استهدفت مراكز تجارية وأنابيب للنفط بالإضافة إلى استهداف مكاتب حكام اثنين من المدن العربية الرئيسية في الإقليم وهي مدينة عبادان، الواقعة على شط العرب في مقابل مدينة البصرة العراقية، ومدينة دزفول التي تقع في الشمال من الأحواز وتضم أهم قاعدة جوية في جنوب إيران.
وعلى إثر هذه الهجمات قامت السلطات الإيرانية في مارس آذار الماضي بإعدام اثنين من النشطاء الأحوازيين ينتمون "لحركة أفواج النهضة الأحوازية" بعد إدانتهم بتنفيذ جزء من تلك الهجمات التي أوقعت أكثر من 22 قتيلا وأكثر من مائة جريح، كما أن أحكاما بالإعدام قد صدرت في أكتوبر الماضي على خمسة عشر ناشطا أحوازيا آخر ينتمون إلى مجموعة تطلق على نفسها "كتائب الشهيد محيي الدين الناصر" إلا أنه وبسبب الضغوط التي مارستها منظمات إنسانية دولية قد تأجل على ما يبدو إعدام هؤلاء المتهمين. وكان التلفزيون المحلي لمدينة الأحواز قد بث في أوائل كانون الماضي صور اعترافات عشرة من المحكومين بالإعدام تبنوا مسؤولية سلسلة من الانفجارات التي شنت على مؤسسات نفطية ومراكز حكومية ومن بينها الانفجار الذي وقع بسيارة مفخخة أمام مقر قائم مقامية مدينة الأحواز في حزيران عام 2005م، وكذلك تفجير بنك سامان ومبنى دائرة التخطيط وتفجير أنابيب للنفط وغيرها م الهجمات الأخرى.(44/98)
ويشكو عرب الأحواز باستمرار مما يسمونه التمييز العنصري والطائفي الذي يتعرضون له، ويستشهدون بالعديد من الوثائق والمستندات التي بحوزتهم للتأكيد على صحة ما يتهمون به السلطات الحكومية. وعلى الرغم من أن أغلبيتهم من الشيعة إلا أن ظاهرة العودة إلى المذهب السني في الوسط الأحوازي آخذة بالارتفاع. وحسب ما يؤكده أحد الناشطين في العمل الدعوي فإن نشر فقه المذهب السني يعد جريمة يعاقب عليها الداعية من قبل السلطات الإيرانية ولذلك فإن العمل الدعوي يتم بسرية.
ويقول الأحوازيون السنة أنهم محرومون من بناء المساجد وإنشاء الجمعيات الاجتماعية، فهناك مسجدان فقط لأهل السنة في الأحواز والاثنان يقعان في مدينة عبادان، واحد منهما مغلق والآخر وهو مسجد الإمام الشافعي فإنه يحتاج إلى ترميم لكن السلطات الإيرانية ترفض السماح لهم بترميمه. ويقولون أن اعتقال زعيم السنة في الأحواز الشيخ عبد الحميد الدوسري في العام الماضي والحكم عليه من قبل محكمة الثورة بالسجن ثمانية عشر عاما إنما جاء عقب رفضه التوقف عن إلقاء خطب الجمعة و إغلاق المسجد الوحيد لأهل السنة في الأحواز.
ويشكو السنة الإيرانيون عامة من سياسة التمييز ضدهم وهم يتساءلون عن السبب الذي يجعل السلطات تلجأ إلى هذه السياسة. بالرغم من أن أهل السنة الذين يقدر عددهم بأكثر من عشرين مليون نسمة قد أثبتوا ولاءهم على مر التاريخ إلى وطنهم وكانت لهم مساهمة كبيرة إن لم تكن الأكبر في انتصار الثورة الإسلامية وقيام النظام الجمهوري الحالي.(44/99)
ولكن مع ذلك نجد أن السنة يعاملون معاملة الرعية لا معاملة المواطنين فدستور الجمهورية الإسلامية يحرم السني من تبوؤ المناصب العليا في الدولة كمنصب رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الشورى (البرلمان) ناهيك عن منصب مرشد الثورة. وتخلو الحكومة الإيرانية الحالية من أي وزير سني كما لا يوجد من بين أعضاء الهيئة الرئاسية لمجلس الشورى عضو سني واحد. أما أعضاء مجلس الرقابة الدستورية الذي يبلغ عدد أعضائه اثني عشر عضوا، ستة منهم يعينهم مرشد الثورة والستة الآخرون يرشحهم رئيس السلطة القضائية ويقدمهم للبرلمان الذي يصادق عليهم، فهؤلاء الأعضاء جميعهم من الشيعة وليس فيهم سني واحد. أما ممثلو مرشد الثورة في الأقاليم والمدن والمؤسسات فجميعهم من الشيعة وليس فيهم من أهل السنة أبدا. وهناك الكثير من الأمثلة التي يقدمها سنة إيران كأدلة على السياسة التمييزية التي تمارس بحقهم.
وعلى الرغم من نفي المسؤولين الإيرانيين الدائم للاتهامات الموجهة لهم بانتهاكهم لحقوق أهل السنة، إلا أن ذلك النفي لم يمنع أبرز علماء أهل السنة وهو الشيخ مولوي عبد الحميد إمام جمعة مدينة زاهدان من نقد سياسة التمييز الطائفي الذي تمارس ضد أهل السنة. حيث صرح الشيخ مولوي في نوفمبر الماضي قائلا: إذا لم يتم مواجهة المتطرفين ووقف تصرفاتهم العنصرية والطائفية فإن مخاطر كثيرة سوف تواجه الجمهورية الإسلامية، وإننا نأمل من قادة النظام أن يقفوا بوجه المتطرفين الشيعة بأن لا يفرضوا مزيداص من القيود الطائفية على أهل السنة.(44/100)
وأضاف مولوي عبد الحميد، أن أهل السنة بذلوا قصارى جهدهم لأن لا ينقلوا شكواهم من السياسات التمييزية التي يتعرضون لها إلى الخارج، حيث إن غيرتنا الإسلامية وإيرانيتنا منعتنا من نقل شكوانا من بعض المسؤولين في النظام إلى المجامع والمنظمات الدولية الحقوقية والإنسانية. [ وهذا بخلاف الشيعة الذين أنشئوا عشرات المؤسسات والمواقع التي تعنى بالشكوى ضد ممارسات طائفية مزعومة ضدهم .الراصد ]
يذكر أن أهل السنة المقيمين في طهران والذين يبلغ عددهم قرابة المليون شخص، قرروا مؤخرا إقامة صلاة الجمعة في الحدائق العامة بعد أن تم إغلاق المدرسة الباكستانية التي كانوا يقيمون صلاة الجمعة فيها وذلك لعدم وجود مسجد لأهل السنة في طهران بينما توجد كنائس للنصارى واليهود ومعابد للمجوس.
ويجب أن نشير إلى أن هناك مدنا كبيرة ليس فيها أي مسجد لأهل السنة مثل مدن: أصفهان، يزد، شيراز، ساوة، كرمان وغيرها من المدن كما تم هدم وإغلاق المساجد والمدارس والمراكز الدينية لأهل السنة. مثل: هدم مسجد (جامع شيخ فيض) الواقع في شارع خسروي في مدينة مشهد بمحافظة خراسان في 18/7/1994 وتحويله إلى حديقة للأطفال.
عدا عن قيام الحكومة بإغلاق عشرات المساجد والمراكز الدينية مثل: مدرسة ومسج نور الإسلام في مدينة جوانرو في كردستان مسجد ومدرسة شيخ قادر بخش البلوشي في محافظة بلوشستان، مسجد لأهل السنة في هشت ثر في محافظة جيلان، مسجد أحمد بيك في مدينة سنندج مركز محافظة كردستان، مسجد في كنارك في ميناء ضابهار ببلوشستان، مسجد في مدينة مشهد في شارع 17 شهريور، مسجد الإمام الشافعي في محافظة كرمانشاه في كردستان، مسجد أقا حبيب الله في مدينة سنندج بكردستان، مسجد الحسنين في شيراز، مسجد ومدرسة خواجة عطا في مدينة بندر عباس بمحافظة هرمزكان، مسجد النبي في مدينة ثاوة في كردستان في كردستان، مدرسة موملانا جلال الدين منصور أقايى، مدرسة خليل الله في مدينة سنندج.(44/101)
وأمام هذه الأوضاع التي تتحكم في مصائر السنة في إيران، يجدر بنا أن نتأمل في خلفيات قرار الرئيس الجديد، محمود أحمدي نجاد، باتخاذ مستشار من أهل السنة يوجه الرئيس الإيراني إلى مصالح هذه الفئة المهضوم حقوقها منذ عقود في البلاد.. حيث جاء قرار نجاد في ظل ظروف أمنية وسياسية تشهدها البلاد والمنطقة بأكملها أهمها: تصاعد الأصوات المنددة باضطهاد السنة في إيران، بما في ذلك جهات دولية ومنظمات حقوقية.
وداخليا وجه النواب السنة في البرلمان رسالة هي الأولى من نوعها ـ بعد الغزو امريكي للعراق ـ إلى أربعة من المراجع الشيعة الكبار، نددوا فيها بما وصفوه بـ "التمييز الفاضح" ضد أهل السنة في إيران من قبل أجهزة الحكم، وقد وجهت الرسالة إلى اثنين من المراجع المعارضين، وهما آية الله حسين علي منتظري وآية الله عبد الكريم موسوي أردبيلي، واثنين آخرين من المرتبطين بالسلطة العليا في طهران وهما آية الله فاضل القوقازي، الملقب بلنكراني، وناصر مكارم الشيرازي.
ذكرت الرسالة أن أهل السنة يشكلون ما يزيد على عشرين في المائة من سكان إيران، وتساءلوا عما إذا كان تولي أصحاب الكفاءة والمؤهلات العلمية من السنة الوظائف القيادية والمسؤولية الكبرى كالوزارة ونيابة الوزراء والسفارة فضلا عن قيادة القوات المسلحة والمسؤوليات الرئيسة في القضاء، أمراً مخالفاً للمذهب الشيعي المسيطر على البلاد.
وأشاروا إلى أن أهل السنة محظور عليهم تولي تلك المناصب حيث لا يوجد سني واحد في مجلس الوزراء والمناصب الرئيسة في الوزارات والمؤسسات الكبرى، كما أن المحافظين ورؤساء الدوائر الرسمية في المدن والمحافظات التي يشكل أهل السنة الأغلبية المطلقة فيها مثل كردستان وبلوشستان وطالش وبندر عباس والجزر الخليجية وبوشهر وتركمن صحرا وشرقي خراسان، هم جميعا من الشيعة.(44/102)
واشتكى النواب الإيرانيون السنة من عدم موافقة السلطات العليا على إقامة مسجد لهم في طهران رغم انتماء ما يزيد على مليون من سكان العاصمة إلى المذهب السني، وقالوا في رسالتهم: "بينما هناك معابد وكنائس للأقليات الدينية مثل الزرادشتيين واليهود والنصارى في العاصمة، تواصل السلطات الحاكمة رفضها لبناء مسجد لأهل السنة في طهران". وخارجياً أدانت منظمة (هيومن رايتس واتش) في تقريرها العالمي للعام 2005م ما يتعرض له السنة من اضطهاد في إيران وجاء في الشق المتعلق بالأقليات ما نصه: "ما برح أبناء الأقليات العرقية والدينية في إيران عرضة للتمييز، بل وللاضطهاد" وأشار التقرير إلى: "معاناة طائفة البلوش، وهم أقلية أغلب أفرادها من السنة ويعيشون في إقليمي سيستان وبلوشستان الواقعين على حدود البلاد، من عدم تمثيلهم في الحكومة المحلية".
وبعد هذا العرض الذي تقدم يبقى التساؤل الذي يراود المهتم بالشأن الإيراني هو هل من حل لازمة القوميات في إيران قبل استفحالها؟.
إيران النووية
خطر قادم علينا .. أم فرصة تعاون؟!
المصور 26/1/2007
[هذه الندوة مثال على مستوى إدراك خبرائنا في الدول العربية السنية للمشروع الإيراني ، ويلاحظ على هذا الإدراك ما يلي :
-…انطلاقهم من قاعدة مصلحة الدولة القطرية ، دون المصلحة الإسلامية العامة ، ومع تضارب المواقف والمصالح القطرية ، تزيد حدة الانقسامات السياسية العربية .
-…الخلفية الفكرية الليبرالية هي الغالبة على هذا الإدراك ، وهذه الخلفية غير مؤهلة لإدراك حقيقة المشروع الإيراني .
-…تحميل علماء أهل السنة مسؤولية ضعف العلاقة مع إيران ، والتغاضي عن كل ممارسات الاحتلال والخيانة والإجرام الإيراني بحق المسلمين .
-…لا نختلف في مركزية العداء الصهيوني للأمة ، لكن نعتقد أن المشروع الإيراني هو مشروع مساند للمشروع الصهيوني وليس مصادم له. الراصد ](44/103)
إيران ماذا تمثل لنا نحن العرب؟ هل تمثل لنا فرصة تعاون أم احتمال خصام وعداء في المستقبل؟
اختلفت الآراء حول الإجابة عن هذا السؤال وبالطبع اختلفت الإجابة عن السؤال الذي يفرض نفسه بعده وهو كيف نتعامل مع إيران هل نسعى لإقامة علاقات تعاون معها أم نخشاها ونخشى ما تخطط له لأن تكون القوة الإقليمية الأولى في المنطقة؟ البعض لا يستطيع أن يلغي شكوكه في السياسة الإيرانية التي تنحو منحى قومياً وليس أيديولوجيا فقط وتسعى لتحقيق طموحات قومية تتعارض مع طموحاتنا العربية، وهؤلاء لا ينسون موقف إيران من احتلال جزر الإمارات الثلاث وينظرون بريبة إلى تدخلاتها في العراق ولبنان وسعيها لزيادة نفوذها في مواقع أخرى في المنطقة.
على الجانب الآخر هناك آخرون يعتقدون أن ثمة ما يمكن أن يجمعنا مع إيران خاصة أن الدولة الإيرانية الحديثة كانت ترغب دائما في إقامة علاقات تعاون مع مصر وأن الشكوك في السياسة الإيرانية ترجع لوجود تحريض أمريكي بسبب رغبة واشنطن في تطويع إيران ورغبة إسرائيل في أن تظل هي القوة النووية الوحيدة في المنطقة. طرحنا هذا السؤال على عدد من الخبراء والمهتمين بمتابعة السياسة الإيرانية وهم. السفير مصطفى عبد العزيز مساعد وزير الخارجية السابق، اللواء دكتور أحمد عبد الحليم عضو مجلس الشورى والدكتورة نيفين مسعد أستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، والدكتور محمد السعيد أستاذ بكلية الآداب جامعة عين شمس، وقد تباينت الرؤى والمواقف بينهم إلا أنهم جميعا اتفقوا على أمر واحد هو أن الفراغ الذي تركه العرب في المنطقة سعت إيران إلى شغله وعلى أننا يجب أن ندير علاقاتنا مع إيران انطلاقا فقط من مصالحنا وليس مصالح أمريكا في المنطقة.(44/104)
- المصور: هناك وجهتا نظر حول علاقة إيران بالدول العربية الأولى ترى أن إيران تمثل دعما استراتيجيا للقوة العربية ويجب أن تصل العلاقة إلى تحالف مع إيران وهو النهج الذي تنتهجه سوريا وبعض المنظمات الفلسطينية، في حين أن هناك وجهة أخرى تؤكد على أن إيران تشكل خطورة شديدة على الدول العربية، وأن لها مطامحها الخاصة في المنطقة والتي ستكون على حساب الدول العربية ومصر!؟.
* اللواء د. أحمد عبد الحليم: إيران دولة إقليمية كبيرة وموجودة جغرافيا في المنطقة ولها علاقات تاريخية مع كثير من الدول في المنطقة وبصفة خاصة مصر، وثانيا العلاقات الدولية تتطلب المواءمة مع المتغيرات القائمة، وبالتالي لا نستطيع أن نؤكد أن إيران خطر كامل على المنطقة.
وكذلك لا نرى أن هناك استفادة كاملة من التحالف مع إيران، وعلينا في التعامل مع إيران أن نستفيد من المزايا التي تتحقق من التعامل معها ونضاعفها، وثالثا هناك محاولات إيرانية مستمرة للاتصال بمصر وإنشاء علاقات معها، ولذلك يتعين عمل تقدير موقف حقيقي وعملي من إيران، بناء على تحديد المصالح والأهداف ثم التعامل مع القضايا المختلفة بشكل واقعي.
ـ المصور: مازال السؤال مطروحا كيف نتعامل مع إيران.. هل يمكن التعامل معها كحليف استراتيجي أم كخطر داهم على المنطقة؟(44/105)
* د. نيفين مسعد: الطرح الذي عرضه د.أحمد عبد الحليم أقرب إلى ما ينبغي أن يكون عليه الحال في المنطقة، وليس ما هو قائم بالفعل، وحتى يتسنى لنا معرفة ما إذا كانت إيران تمثل خطرا على الأمة العربية من عدمه، لا بد أن نحلل الأهداف، وأعتقد أنه منذ نشأة إيران وحتى بعد قيام الثورة الإسلامية وهي تتصرف وكأنها دولة وتمثل المرجعية الأيدولوجية عنصرا مهما من عناصر التأثير على السياسة الخارجية الإيرانية، فالبعد القومي هو المسيطر على السياسة الإيرانية، ومن هنا نتفهم صدور دعوات من إحدى القيادات الإيرانية تطالب بعودة البحرين إليها، كجزء من الأراضي الفارسية، ومن ثم فإيران تنطلق من منحى قومي ويلاحظ ذلك في تحالفاتها ـ ليست إسلامية بالضرورة ـ بدليل تعاملها مع الولايات المتحدة أثناء حرب الخليج الأولى، بل وتعاملها حتى مع إسرائيل.
ـ المصور: هل هذا المنطلق القومي هو المسيطر على السياسة الخارجية الإيرانية في عهد أحمدي نجاد؟
* د. نيفين مسعد: الخطاب السياسي الذي يستخدمه نجاد وإعلاء شعارات المقاومة ضد إسرائيل وأمريكا والحملة الدعائية الضخمة التي يتزعمها، ليست من منطلق إسلامي، إنما بسبب أن إسرائيل تمثل خطر رئيسيا على إيران، وهنا نتدخل ـ كعرب ـ مع المصلحة الإيرانية في مواجهة إسرائيل، لأنها العدو المشترك لكلينا، [ ما هي مظاهر وأشكال هذا العداء ؟ الراصد] ولكن إيران تتصرف من منطلق قومي وطائفي بدليل ما يحدث في العراق ودعمها للشيعة في القضاء على السنة العراقية.
ولذلك فيجب هنا أن تختلف مصالحنا كعرب مع المصلحة الإيرانية، لأن الأخيرة تستهدف ألا تقوم قائمة للعراق حتى تحمي حدودها من كل الجوانب، وعندما يتحدث أي مسئول إيراني يصف بلاده بأنها القوة العظمى إقليمياً، وبالتالي فهم لا يتحدثون عن شراكة إقليمية إنما تهدف إلى إقامة نظام تكون لها القبضة واليد العليا في السيطرة عليه.(44/106)
ـ المصور: عندما صنعت باكستان القنبلة النووية شعر المواطنون العرب بسعادة بانطلاق القنبلة الإسلامية، كما وصفوها، ومع الوقت اكتشفوا أن هذه القنبلة لا تفيد العرب بشكل واضح، فهل امتلاك إيران للسلاح النووي من الممكن أن يكون مفيدا للدول العربية أم سيوجه ضدها؟
* السفير د. مصطفى عبد العزيز: أولا أتصور أن إسرائيل هي أكبر المخاطر على منطقة الشرق الأوسط، فهي دولة لها مشروع للهيمنة على المنطقة وخطة لإجلاء الفلسطينيين عن بلدهم، وتمتلك السلاح النووي، والسلام ليس في نيتها إطلاقا، لذلك فيجب ألا ننسى أن إسرائيل هي الخطر الرئيسي علينا، ورغم المبادرات العربية للسلام إلا أن إسرائيل لم تبد نيات حقيقية في إقامة سلام عادل وشامل، إنما تعمل على إدارة الأزمة مع الفلسطينيين وإضاعة الوقت لابتلاع المزيد من الأراضي، وبالنسبة للتطلعات الإيرانية فأتصور أن الحرب الإيرانية العراقية التي استمرت لثمانية أعوام قد تركت في الذاكرة الإيرانية تداعيات سلبية للغاية، كما أن الولايات المتحدة تسعى إلى اظهار إيران بأنها دولة لها طموحات تمثل خطرا على المصالح العربية، حتى صار البعض يرى الخطر الإيراني على المنطقة مقدما على الخطر الإسرائيلي، وبسبب وضع إيران الإقليمي فهي تسعى إلى انتزاع كل عناصر القوة حتى تحمي أمنها ضد كل المخاطر المتعددة، سواء مخاطر الجوار الجغرافي أو المخاطر الدولية المعلنة، وإيران طرحت أكثر من مشروع للتعاون الأمني الإقليمي لكن رفضت هذه المشروعات بسبب عمليات التحريض الأمريكية المتواصلة، وعلينا بعيدا عن النظرة الأمريكية ـ الإسرائيلية لها، فهناك نقاط مشتركة كثيرة تجمعنا بإيران، أهمها القاسم الحضاري المشترك وثقافة واحدة تقريبا، وبالتالي محاولة استثمار تلك الأمور في إحداث تعاون اقتصادي ضخم بيننا، فعلينا أن نعيد النظر بواقعية لعلاقتنا مع إيران.(44/107)
- المصور: لكن ألا يشكل تمسك إيران بمشروعها النووي هاجسا أمنيا عربيا؟
* السفير د. مصطفى عبد العزيز: هناك مغالطات سياسية غر عادية حول مشروع إيران النووي، ففي ظل المخاطر الجغرافية التي تهدد إيران، من الطبيعي أن تسعى إلى امتلاك عناصر الردع الذي سيحدث التوازن النووي في المنطقة، بعد أن أصبحت الدعوات إلى إخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل غير مجدية، لأن إسرائيل ستظل محتفظة بترسانتها النووية.
- المصور: وما الذي يضمن لنا أن القنبلة النووية الإيرانية ستحدث توازنا مع القنبلة الإسرائيلية، وألا يمكن حدوث تعاون مستقبلي بين إسرائيل وإيران ويكون على حساب الدول العربية؟
* السفير د. مصطفى عبد العزيز: لا أرى سببا للهجوم على المشروع النووي الإيراني إلا لأنه سيعيد توازن القوى في المنطقة.
- المصور: رغم أن النظام الإيراني ذو طبيعة دينية ومن الطبيعي أن يسعى إلى إنشاء أممية إسلامية في المنطقة إلا أنها تتصرف بمنطق قومي كقوة إقليمية وتسعى لتحقيق أهدافها القومية إلى تتناقض مع الأهداف العربية مثلما حدث في العراق أخيرا؟
* د. محمد السعيد: الدولة المدنية الإيرانية التي نشأت في القرن السادس عشر تحت مسمى الدولة الصفوية ما قامت إلا لكي تكبح جماح الدولة العثمانية في إمامة المسلمين في العالم، وبالفعل حدث انحسار للمد الإمبراطوري العثماني نحو الشرق، والغريب أن الدولة الصفوية أسستها أسرة سنية لكنها وجدت أن المذهب الشيعي هو أولى بأن تتمسك به وخصوصا المذهب الاثنى عشر، وكان ذلك هو الركيزة الأولى التي قامت عليها الدولة الإيرانية الحديثة، أما الركيزة الثانية فهي القومية الفارسية اعتقد أنها تختلف عن القومية العربية فالأخيرة يجمعها فقط اللغة، بينهما القومية الإيرانية تربطها موروثات تاريخية وحضارة.
ـ المصور: هل هذا البعد القومي عنصر تقارب أم تباعد بين العرب وإيران؟(44/108)
* د. محمد السعيد: الإيرانيون يشعرون في أعماقهم بالتقارب مع مصر لأنها دولة صاحبة حضارة عريقة، ومذهبيا فالإيرانيون يعتبرون أن مصر هي الأقرب إليهم من أي دولة عربية أخرى، فمصر هي التي احتضنت آل البيت وكان تأتي إلينا وفود كبيرة من إيران للسياحة الدينية في عصر الرئيس السادات والمذهب الشافعي أقرب ما يكون بالمذهب الاثنى عشر في إيران فهناك أوجه تقارب بين مصر وإيران، والإيرانيون حريصون على أن تكون لهم علاقة بمصر في جميع النواحي فهناك إمكان لإقامة علاقات طيبة مع الجانب الإيراني.
ـ المصور: إلى أين تمضي العلاقات الأمريكية الإيرانية... إلى حوار كما يدعو تقرير بيكر هاملتون أم إلى حرب كما تحرض إسرائيل الإدارة الأمريكية؟
* اللواء د. أحمد عبد الحليم: ليس لدينا ما يخيفنا من إيران، وبالنسبة للخطورة الإيرانية على العرب أعتقد أن هناك ثلاث مجموعات عربية مختلفة في تعاملها مع إيران الأولى هي دول المغرب وعبر البحر المتوسط والتي لها علاقات قوية بعدد من الدول الأوروبية والتي تشجع خروج هذه الدول العربية عن القضايا الجوهرية الملحة لها، والثانية هي دول شرق الشرق الأوسط طبقاً لتقسيم "إندكيت" على اتصال مباشر بالولايات المتحدة باستثناء إيران، والمجموعة الثالثة وهي الدول المباشرة في الصراع العربي الإسرائيلي، والتي لها استراتيجيتها مع الولايات المتحدة وأعتقد أن دول الخليج هم الأكثر استشعاراً بخطر إيران.
ـ المصور: هل السياسة الأمريكية تراهن على الأوضاع الداخلية والمشاكل والاضطرابات الإيرانية وخصوصاً مع تزايد الانقسام بين المتشددين والمعتدلين داخل إيران؟(44/109)
* اللواء د. أحمد عبد الحليم: منذ الثورة الخومينية مرت إيران بثلاث مراحل أولاً تصدير الثورة الدينية وحلم الإمبراطورية الفارسية ثم جاءت مرحلة وسطية وكانت أكثر اعتدالا وبداية تعرف لإيران على حقائق الموقف الإقليمي والدولي، أما المرحلة الحالية فهي مرحلة الدولة القومية التي مازالت تحتفظ بعناصرها بما فيها العنصر الديني بكن توجهاتها بالكامل مدنية وبالتالي أعتقد أن هناك عددا من المحاور التي تتحرك عليها السياسة الأمريكية تجاه إيران وأحد هذه المحاور هو حصار السياسة الإيرانية الحالية بعدة وسائل منها التهديد باستخدام القوة في إطار الردع وكذا عملية استغلال الأمم المتحدة ودول المنطقة في اتباع السياسة الأمريكية تجاه إيران.
- المصور: هل تلعب الولايات المتحدة وإسرائيل على قضية الخلاف بين السنة والشيعة لتوسيع الخلاف بين الدول العربية وإيران؟(44/110)
* د. نيفين مسعد: الولايات المتحدة تستخدم كل الأدوات والأساليب لتحقيق مصالحها ومن ضمنها استغلال الخلاف بين السنة والشيعة. وبالنسبة للعراق أرى أن هناك قيادات شيعية تتعاون مع إيران مثل مقتدى الصدر ونوري المالكي وإبراهيم الجعفري لكن هناك قيادات شيعية أخرى لا تتعاون مع إيران، فهناك تعدد في الموقف الشيعي العراقي نحو إيران، وأرى أيضاً أنه من حق إيران امتلاك قنبلة نووية كما تمتلك إسرائيل أسلحة نووية، لكني أزعم أن امتلاك إيران للقنبلة النووية لن يكون رصيدا يحسب للدول العربية كما لن يحدث التوازن النووي مع إسرائيل، لأن إيران لن تقدم على التلويح باستخدام القنبلة النووية إلا إذا تهددت مصالحها القومية. ولا أعتبر أن السلاح النووي الإيراني سيكون رادعاً لإسرائيل فيما يتعلق بعلاقاتها مع الدول العربية، ولاشك أن هناك تأثيرا للموقف الأمريكي على القرار المصري نحو إيران، لكن الموقف المصري ليس مبنيا فقط وبالأساس على التأثيرات الأمريكية، فهناك اختلاف بين مصر وأمريكا في العديد من القصايا وخصوصا الصراع العربي الإسرائيلي، وبالتالي الضغوط الأمريكية قائمة لكنها ليست المتغير الوحيد في نظرة مصر إلى إيران.وحول العلاقات الأمريكية الإيرانية فهناك خلاف داخلي حيث نص تقرير بيكر ـ هاملتون على الحوار معها، لكن الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في العراق ترفض هذا الحوار، وفي تصوري أنه في نهاية المطاف ستفاوض الولايات المتحدة مع إيران، وأرى أن الولايات المتحدة بزيادة قواتها في العراق فهي تدفع المزيد من جنودها في المرمى الإيراني، وبالتالي فهي تخدم إيران من حيث لا تدري، ولن يكون أمامها خيار سوى الحوار مع إيران.
- المصور: هل تلجأ أمريكا للحرب بالوكالة مع إيران عن طريق إسرائيل؟(44/111)
* د. نيفين مسعد: مسألة ضربة أمريكية أو إسرائيلية على إيران اعتقد أنها غير واردة تماماً، لأن إيران لها علاقات متشعبة مع الكثير من الدول، بل وتسعى للوصول إلى الفناء الخلفي للولايات المتحدة، فإيران دولة متشعبة وحيوية في علاقاتها الخارجية بالإضافة إلى عناصر قوتها السياسية والعسكرية ولن تدير الولايات المتحدة العلاقة معها بغير تفاوض خصوصا أن هناك انقساما داخل المجتمع الدولي حول الملف النووي الإيراني.
- المصور: هل الوضع الداخلي الإيراني يمكنها من الاستمرار في المواجهة العنيفة مع الأمريكان؟
* السفير د. مصطفى عبد العزيز: علينا أن ننظر إلى الداخل الإيراني نظرة محايدة، فبعد الحرب العراقية الإيرانية وتولي رافسنجاني رئاسة إيران وكان معتدلا في علاقته بأمريكا واتبع نفس السياسة محمد خاتمي الرئيس السابق الذي رفع راية التقارب مع الغرب، لكن لم يدعم بشكل يمكنه من غلبة التيار المعتدل، وانتصر التيار المتشدد كذلك بسبب التحريض الأمريكي ـ الإسرائيلي المستمر على إيران، مما زاد من التشدد الإيراني واقترابها إلى الثورة أكثر من تقاربها مع إيران الدولة، وزاد التشدد في عهد نجاد.
- المصور: كيف ندير علاقاتنا العربية مع إيران؟
* د. محمد السعيد: الإيرانيون يعتبرون مصر هي قاطرة علاقتها مع الدول العربية والإفريقية، نظراً للخبرات التاريخية الطويلة لمصر في التعامل مع العرب وأفريقيا وبالتالي تصر إيران على توطيد علاقتها مع مصر، ومن قبل كان هناك تقارب شديد بين إيران والسعودية.
وزار رفسنجاني السعودية من قبل وسافر الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى إيران عندما كان ولياً للعهد أما الآن فقد انقلبت الموازين بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان، وإعلان علماء المملكة أن الشيعة مرتدون.(44/112)
[ لاحظ تحميل علماء السنة المسؤولية كاملة، والتغاضي عن الجرائم والخيانات الشيعية التي استوجبت الفتوى ونشرها. وهذا التعاطف مع إيران يكثر في كتابات الدكتور السعيد . الراصد ]
- المصور: هل يمكن أن يحدث شقاق داخل إيران خاصة في ظل الصراع بين المحافظين والمعتدلين؟
* د. محمد السعيد: المذهب الشيعي به مرونة شديدة فبعد وفاة الخميني كان هناك شخصيات دينية بارزة (آيات الله) الذين لهم حق المرجعية برغم وجود اختلافات بين هذه القيادات لكنها لا تصل إلى حد القتال.
وبالتالي فلا يجب أن نراهن على إمكانية حدوث انفجار داخلي إيراني، بعد أن أدرك الإيرانيون مؤخراً وجود عنصر مهم في سياستهم إلى جانب القومية والدين ألا وهم مجموعة التكنوقراط الذين منهم نجاد، وهم الذين يمثلون طلائع تطوير إيران، هؤلاء المدنيون أوفياء جداً للمذهب الشيعي، وهم يرون أن التقدم لن يتم إلا من خلال تطوير بلادهم، ولذلك فهم متمسكون بالمشروع النووي الإيراني إلى أبعد الحدود، لأنه مشروع قانوني وفي إطار القوانين الدولية
* السفير د. مصطفى عبد العزيز: حقيقة فإن المذهب الشيعي يتسم بالاجتهاد المتواصل والمرونة الشديدة في التفكير، والتغير السياسي الذي حدث بعد الانتخابات البلدية الأخيرة لا يعبر عن صراع داخلي بقدر ما أصفه بأنه حالة سياسية صحيحة. فهناك آليات داخل النظام الإيراني تسمح له بالتوازن والتواؤم بعكس العالم العربي الذي يتسم بالجمود عقائدياً وسياسياً.
- المصور: وكيف نرى الانشقاقات داخل الحرس الثوري ومحاولة اغتيال أحمدي نجاد وألا يمكن استعمالها أمريكيا؟(44/113)
* السفير د. مصطفى عبد العزيز: كل تلك التعبيرات بمثابة حيوية سياسية فالكل يعبر عن رأيه في إطار المصالح القومية الإيرانية، والأمريكان أعلنوا عن إشاعة القلق وعدم الاستقرار داخل إيران بأسلوبهم الذي اتبعوه في دول أخرى، لكن أظن أن إيران متيقظة لكل هذه المحاولات وتنفذ استراتيجية مضادة حيث زار نجاد دول أمريكا اللاتينية التي تعد بمثابة الفناء الخلفي للولايات المتحدة لبعث رسالة شديدة اللهجة لقادتها.
* اللواء د. أحمد عبد الحليم: دول الخليج لها مخاوفها وسياستها ولا نستطيع فرض سياسات معينة عليها إنما إجراء تشاورات معها، والسياسة المعتدلة المصرية تضع في اعتبارها المخاوف الخليجية من المد الإيراني وفي نفس الوقت عدم قطع العلاقات مع إيران لوجود مصالح معها ولأنها دولة إقليمية كبرى لا تستطيع أن نتجاوزها، إنما نفكر في كيفية التعاون معها على الشكل الأمثل.
فسياسة مصر منطلقة من تأمين الأمن القومي المصري فقط، والعلاقات بين الدول قائمة على المصالح التي تتغير بتغيير الحدث والزمن، [ لذلك إيران والشيعة صفهم موحد ونحن نقابلهم بمصالح وسياسات متفرقة ، فيحققون ما يصبون إليه. الراصد ] وأي نوع من العلاقات في هذا الإطار يتضمن فرصاً يتم تنميتها ومخاطر نحاول تجنبها، ولذلك فلابد من أن تكون هناك علاقات متوازنة، تتطور سلباً وإيجاباً طبقاً لأي متغيرات جديدة نتعامل معها، لا يوجد شيء ثابت في العلاقات الدولية.
* د. نيفين مسعد: بما أن إيران تشغل أي فراغ يشكله العرب، فإذن على العرب أولاً أن يهتموا بقضاياهم بدلاً من التدخلات الإيرانية في هذه القضايا مثل القضية الفلسطينية واللبنانية والعراقية وحتى السودانية، فلابد أن يعود إلينا زمام المبادرة أولاً في المنطقة.(44/114)
ثانياً صحيح أن هناك تدنيا في الوضع العربي لكن ليس هناك انتقاء لهذا الوضع العربي، والمطلوب هو إصلاح هذا التدني خصوصاً أن دول المغرب العربي ليست بعيدة عن إيران، وفي وقت من الأوقات كانت حلقة الوصل بين إيران والعالم الخارجي، وبالتالي قضية بناء موقف عربي من إيران هو قضية واردة ومطلوبة.
ثالثاً: هناك أطر للعلاقات بين مصر وإيران لكنها غير مفعلة، ومنها مثلا مجموعة دول الثماني وكذلك مجموعة دول الجوار العراقي التي تشارك فيها مصر مع السعودية وإيران، وبالتالي فهذه الأطر قابلة للتفعيل، لأنه من مصلحة مصر إقامة علاقات مع إيران فمثلا السعودية لها علاقات مع إيران وكذلك الإمارات، مع أن الخصومة بين مصر وإيران لن تكون مثل ما بين إيران وبين دول الخليج، وليس من مصلحة مصر عزل نفسها عن إيران، إنما إقامة علاقات معها بما يخدم مصالها.
* السفير د. مصطفى عبد العزيز: بالفعل لا يجب أن نلغي أو ننفي البعد العربي في التعامل مع إيران، وفي ظل ذلك أعتقد إذا فعلت مصر علاقتها مع إيران سيؤدي إلى تخفيف الكثير من المخاوف الإيرانية كما يحدث تهدئة في المنطقة، وأؤكد أننا يجب أن نعيد النظر إلى إيران من منطلق مصالحنا الوطنية مع مراعاة الأمن القومي العربي، وعلينا تفعيل الجسور بين العالم العربي وإيران حتى نجنب المنطقة أخطار عديدة، بدلا من أن نترك الحبل على الغارب للسياسات الأمريكية في الخليج العربي والتي قد تتطور إلى صراع إسلامي غربي واسع، ويصاحبه تحديات جسيمة على المنطقة، ويجب أن ندرك أن إسرائيل تشكل الخطر الرئيسي على كل الدول العربية.(44/115)
* د. محمد السعيد: بالفعل العلاقات بين الدول تقوم على أساس المصالح لكن هناك أبعادا أخرى وقواسم مشتركة غير المصالح في هذه العلاقات فيجب أن نستثمر الثابت في العلاقات من خلال تغير أوضاع في المتغير، فهناك قواسم مشتركة بين العرب وإيران يجب أن نهتم بها، ونحسن مستوى العلاقات حتى يحدث التطور المناسب للمنطقة فجميع العرب في انتظار قيام مصر بدور الفاعل سواء على مستوى السياسات الإقليمية أو الدولية، ولا تترك دورها فارغا ليقوم به آخرون.
- المصور: شكراً لكم على الحوار..
تسخيري يتحدث لـ"العربية.نت" عن مزار قاتل عمر بن الخطاب
24/1/2007
أثارت مناقشات مؤتمر الحوار بين المذاهب الإسلامية الذي شهدته العاصمة القطرية "الدوحة" السبت 20/1/ 2007 وحضرها علماء كبار من المذهبين السني والشيعي، عدة قضايا مثيرة للجدل، من أهمها دعوة المراجع الشيعية الإيرانية لإزالة مشهد مقام في مدينة كاشان بإيران، لقاتل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، أبو لؤلوة المجوسي، فقد وصفه البعض بأنه مبنى فخم له قبة عالية ومقام على قبر وهمي، يحمل اسم "مرقد بابا شجاع الدين أبو لؤلؤة فيروز" ويزوره بعض الناس في ما يسمى "عيد فرحة الزهراء" الذي يمثل عندهم ذكرى قتل أمير المؤمنين عمر.
آية الله محمد علي تسخيري رئيس مجمع التقريب بين المذاهب في طهران، والذي كان على رأس الوفد الإيراني الذي حضر المؤتمر، سخر من إثارة هذا الموضوع ووصفه بالسخافة.
وقال في حوار مع "العربية.نت" إن أبا لؤلؤة رجل مجرم أقيم عليه الحد في المدينة المنورة ودفن فيها ولم تنقل جثته إلى إيران، والقبر الموجود في كاشان، مجرد مكان وهمي ليس له اعتبار ولا يزوره أحد.(44/116)
لكنه أجاب بقوله " أنا غير متأكد" عندما سئل عن إمكانية إزالة هذا المزار، مكتفيا بأنه لم يره شخصيا، ويتم حاليا التحقق منه لاقتلاع الفتنة من جذورها، ومشيرا إلى أنه ليس مبنى "فخما أو مهما" بالدرجة التي يجري الترويج لها، بل مزار سخيف لرجل مجرم قاتل نال جزاءه الذي يستحقه بإقامة الحد الإسلامي عليه. وكان قد نسب لعضو آخر في الوفد الإيراني وهو د. محمد على آذر شب الأستاذ بجامعة طهران قوله ردا على إثارة موضوع مزار أبي لؤلؤة خلال مؤتمر الدوحة، إن هذا "المقام" يعبر عن تيار ديني معين، ولا يمكن لدعاة التقريب أن يطلبوا إزالته.
قضية سخيفة لا قيمة لها: واستطرد آية الله محمد علي تسخيري: الحديث عن مرقد لأبي لؤلؤة المجوسي بالغ السخافة، فهناك قبر وهمي ينسب لهذا المجرم وهو ادعاء وتزوير، فكما هو معروف فقد دفن في المدينة "المنورة" بعد إقامة الحد عليه وقتله. وأضاف: لا يهتم بهذا المزار أو المشهد إلا بعض المتطرفين في ثقافتهم، ونحن غير مسؤولين عنه ولا نرى أحدا في إيران يهتم به، ومع هذا الأسف يثير أعداء "الثورة الإسلامية" ومثيرو الفرقة بين التشيع والتسنن، قضية سخيفة لا قيمة لها. ونفى تسخيري ما يتردد بأنه مزار فخم جدا في شكله المعماري ومطلي بماء الذهب "أبدا.. أنا حقيقة لم أره، لكني الأنباء التي سمعتها تؤكد أنه ليس مبنى فخما أو شيئا من هذا القبيل، ولا يزوره أحد".
وكرر بأنه "ادعاء يدخل في إطار التحريض ضد الجمهورية الإسلامية، وصناعة عدو وهمي من إيران للعالم الإسلامي، وجزء من مؤامرة كبرى للتستر على العدو الحقيقي المتمثل في أمريكا والصهيونية".
أبو لؤلؤة مجرم لا وزن له: وأكد تسخيري أن أبا لؤلوة رجل مجرم وقاتل لا قيمة له.. "أنا لم اسمع عنه الكثير ولا أؤيد أبدا أن يكون له مزار يرتاده البعض، فلا وزن لهذا الرجل ولا للمكان الذي ينسب إليه".(44/117)
عندئذ سألته "العربية.نت" عن ما قاله صديقه د. محمد علي آذر شب الأستاذ بجامعة طهران في نفس المؤتمر بشأن صعوبة إزالة "مقام" أبي لؤلؤة لأنه يعبر عن تيار ديني معين في إيران، وليس من حق دعاة التقريب المطالبة بإزالته.
قال تسخيري: لم أسمع منه هذا الكلام خلال جلسة المؤتمر، لكنها عموما قضية سخيفة لا تحتاج لمطالبة ولا معنى لطرحها أصلا. وعن إمكانية إزالة هذا المزار.. أجاب: "لا أدري والله. على كل نحن نحقق هل يوجد مزار بهذا الشكل.. ونتابع ذلك حتى نقتلع الفتنة من جذورها، ولكني أوصي بعدم الاهتمام به إطلاقا فهو شئ سخيف جدا".
متطرفون عند الشيعة والسنة:
قلت له: أنت إذن لست متأكدا من وجود مزار لأبي لؤلؤة في مدينة كاشان؟.. رد تسخيري: أنا لم أره من قبل، ولست متأكدا منه، ولكننا نتابع الأمر. الحقيقة أنه يوجد متطرفون عند الشيعة كما يوجد مثلهم عند السنة، وهناك سفهاء لدى الطرفين، وعلى عقلاء كل منهما أن يؤدبوا سفهاءهم.
سألت آية الله تسخيري: هل سمعت بهذا المزار لأول مرة في مؤتمر الدوحة ولم تسمع به قبل ذلك؟.. أجاب: لا.. لقد سمعت بعض الأنباء عنه قبل ذلك ولكني لم اهتم بهذا الموضوع لأنني كما قلت سلفا لا أرى فيه أي قيمة.
لا نتحمل مسؤولية هذه الكتب: وعن اتهام الشيخ يوسف القرضاوي لإيران صراحة في مؤتمر الدوحة بنشر التشيع في بلاد سنية، ورد فعله على هذا الاتهام لكون صاحبه واحدا من كبار دعاة التقريب بين المذهبين السني والشيعي؟.. علق تسخيري: أنا استغربت جدا من الشيخ القرضاوي أن يتصور أن هناك تبشيرا شيعيا منظما في الخارج.
وأضاف: قلت له إننا في إيران لسنا مسؤولين مطلقا عن ما يصدر من كتب هنا وهناك، ولا يجب تحميل الشيعة ولا قيادة الجمهورية الإسلامية هذه الأمور، كما أننا لا نحمل السنة مسؤولية الكتب التي تصدر بالمئات لتهاجم إيران وتصف الشيعة بأنهم مجوس و روافض وقرامطة جدد وصفويين، فما أكثر الكتب الصفراء هنا وهناك.(44/118)
وواصل تسخيري: قلنا مرارا وتكرارا إننا نتبرأ من كل كتاب يهين مقدسات الطرف الآخر ولا نؤيده مطلقا، ونتبرأ من كل تبشير منظم، لكننا لا نستطيع أن نمنع أي أحد يريد إصدار كتاب يعبر عن أرائه.
واستطرد آية الله محمد علي تسخيري: لقد انتقدني بعض الكتاب الشيعة المصريين وتساءلوا: من أعطاك الحق أن تتحدث نيابة عنا. أنا شخصيا أقول: لا يمكننا أن نمنع أحدا من أن يؤلف كتابا وتسمح به سلطات بلاده، ليس من حقنا منع الفكر وقهر حرية الرأي، ولكن لا نشجع ذلك، فهذا أمر نتبرأ منه.
وعن سبب انتقاد الكتاب الشيعة المصريين له، قال: أنا هاجمت كل كتاب يهين مقدسات الطرف الآخر، ولست ضد كتاب يتحدث عن عقيدة صاحبه وعن أرائه ويستدل على ما يراه، فأنا احترم أي كتاب من هذا النوع يصدر عن السنة أو الشيعة، وذلك أمر لا نستطيع أن نرده مطلقا.
يجب وقف التبشير المذهبي: قلت له: هل توافق على مقولة القرضاوي بأنه لا يجوز أن يحاول طرف نشر مذهبه في بلاد خالصة للمذهب الآخر؟.. فأجاب تسخيري: أنا أؤمن بأنه يجب وقف أي تبشير أو استغلال لهذه المسألة، لكني أؤمن أيضا بأننا لا نستطيع أن نحجر على الإنسان أن يبين رأيه أو أن يستدل عليه. هذا أمر ليس بيد أحد ويخالف حقوق الإنسان والحقوق التي منحها له الإسلام. ولذلك أنا لا أمانع أن يقوم كاتب سني بنشر رأيه في إيران وسرد أدلته، والمهم ألا يهين مقدسات الآخر ولا يثير الفتنة.
سألت تسخيري: هل تعتقد أن الكتب الشيعية التي تنظر سلبيا للصحابة أصبحت من الماضي ولا اعتبار لها الآن في أوساط الشيعة؟.. أجاب: نعم.. إنها كذلك، وأنا لا أنكر أن هناك أناسا متطرفين وحمقى يهاجمون أو يهينون، ولكن التيار العام هو تيار الاحترام. لا بأس أن يمارس الإنسان حقه في النقد الموضوعي، أما أن يهين مقدسات الآخر فذلك مرفوض.(44/119)
أزمة كتب معرض الخرطوم: قلت له إن د. عصام بشير وزير الأوقاف السوداني السابق تكلم في مؤتمر الدوحة عن كتب شيعية وزعت في معرض الكتاب في السودان تهاجم الصحابة ولمح إلى دور إيراني.. عقب تسخيري: الحقيقة أن جهات رسمية وغير رسمية من إيران اشتركت في معرض الخرطوم، منها نحن من خلال مجمع التقريب حيث اشتركنا بكتب تدعو كلها للتقريب بين المذاهب والوحدة والتفاهم. لكن يبدو أن هناك ثلاثة كتب لناشر من العوام، أي غير محسوب على جهة رسمية، وقيل إن تلك الكتب احتوت تلميحا وليس تصريحا في نقد الصحابة، وأنا لم أطلع على تلك الكتب ولا أعرف مضمونها.
ثم أضاف: في الواقع اعتقد أنها قضية سياسية أكثر منها فكرية، فهناك جهات معينة في السودان حركت هذا الموضوع كما أخبرني مسؤولون سودانيون لكي تحقق هدفا معينا. أتصور أن هناك هدفا استعماريا كبيرا لجعل الشيعة عدوا للسنة والعكس، وتحركات من عملاء لتنفيذ المؤامرة الكبرى التي تهدف لتوجيه البوصلة الإسلامية نحو عدو وهمي بعيدا عن العدو الحقيقي وهو الكيان الصهيوني.
التقريب في خطر بسبب العراق:
قلت له: هل نحن الآن على أبواب حرب طائفية بسبب ما يجري في العراق؟.. أجاب تسخيري: العراق إذا بقي على أوضاعه الحالية، فيجب أن نحكم بالفشل على كل جهود التقريب والوحدة. هناك شحن مستمر للعداء والكراهية، و إذا بقي الوضع على ما هو عليه، فيجب أن نقرأ الفاتحة على التقريب بين المذهبين السني والشيعي. وعبر تسخيري عن شعوره بأن العقلاء في العراق كثر ولن يسمحوا لأعداء الأمة بتنفيذ مؤامراتهم، ويمكنهم أن يتداركوا الأمر بتدخل كل الهيئات الدينية السنية والشيعية أولا، ثم كل المخلصين من السياسيين في عالمنا الإسلامي لإيقاف هذا النزيف.(44/120)
وعن مدى النجاح الذي حققه مجمع التقريب بين المذاهب قال: هناك اليوم إقبال شديد على فكرة التقريب رغم كل الموانع والعقبات الموضوعة في طريقها، وقد تقبلتها المجامع العلمية، وصارت هدفا من أهداف الأسيسكو ومجمع الفقه الإسلامي الدولي، وكذلك الاتحاد الإسلامي العالمي لعلماء المسلمين الذي يرأسه
القرضاوي. هذه الفكرة مستمرة وربما تنتقل إلى الجماهير بشكل أو بآخر، وستؤدي دورها وتحقق هدفها.
وتمنى محمد علي تسخيري أن نصل لليوم الذي "لا نفرق فيه بين المسلم على أساس مذهبه. هذا الذي نقصده ونسير إليه، فالملاحظ أنه عندما يجتمع أتباع المذاهب الأربعة "السنية" لا يقال إن هذا شافعي أو مالكي أو حنبلي أو شافعي، فكل يختار مذهبه وينظر للآخر كأخ عزيز ومكرم. ونرغب أن تنتقل هذه الحالة إلى كل المذاهب الإسلامية المعروفة وهي المذاهب السبعة، فبالإضافة إلى المذاهب الأربعة هناك المذهب الزيدي والمذهب الامامي الاثنى عشري والمذهب الإباضي. نتمنى أن ينظر أتباع تلك المذاهب لبعضهم البعض على أساس الأخوة والحقوق المتبادلة.
مدير مشروع التهديد العابر للقوميات بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولي في واشنطن أرنود دي بورشجريف لـ "المجلة":
الحرب على إيران متوقعة والعرب سيعملون على إنشاء قوتهم النووية
والشرق الأوسط سيشهد حربا نووية قادمة
المجلة 28/1/2007
واشنطن: حاوره د. فارس بريزات
يعتبر أرنود دي بورشجريف من أكثر المحللين السياسيين ذوي الخلفية الإعلامية إلماما بشؤون الشرق الأوسط. وبصفته مديراً لمشروع التهديد العابر للقوميات:(44/121)
TRANSNATIONAL THREAS PROG- ECT في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن لديه كثير من المعلومات والحقائق عن خفايا صناعة السياسة في واشنطن خصوصا وأنه داخل السنة الحادية والثمانين من عمره ولا يزال يتمتع بحيوية ونشاط، ويكتب بشكل يومي. وينشر دون انقطاع. ونظراً لمعاصرته للسياسة منذ الخمسينات من القرن الماضي ومتابعته لتفاصيل صناعة القرارات المهمة ـ التي حددت معالم السياسة الخارجية للولايات المتحدة ـ تمكن من كتابة العديد من الكتب والمقالات التي تتناول التهديد العابر للقوميات. وكان من أوائل الذين كتبوا في الإرهاب الإلكتروني CYBER TERROR- ISM في عام 1998. أثناء عمله في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية كتب عشرات الكتب والتقارير كان آخرها عن الذكرى الخامسة لأحداث أيلول 2001. ويعمل الآن في العديد من المشاريع البحثية ذات العلاقة بالأمن والسياسة والخارجية.
ومن خلال عمله مع مجلة نيوزويك لمدة تزيد عن 30 عام غطى أرنود دي بورشجريف أغلب مناطق العالم وأحداثها المهمة. عندما كان في الحادية والعشرين من عمره عينته نيوزويك مديراً لمكتبها في بروكسل. وبعد ثلاث سنوات أصبح مديراً لمكتب نيوزويك في باريس. وعندما كان في السابعة والعشرين من عمره أصبح محرراً رئيسيا في المجلة لمدة 25 عاماً. وفي عام 1985 عين رئيسا لتحرير صحيفة واشنطن تايمز اليمينية، واستمر في هذا الموقع حتى عام 1991 ويعمل الآن محرراً عاماً وغير متفرغ EDRROR AT LARGE للصحيفة. وبين عامي 1991 و2001 عمل السيد أرنود دي بورشجريف رئيساً لمجلس إدارة UNTTED PRESS (INTERNATIONAL) UPI ورئيسا لها، ويعمل الآن كذلك محرراً غير متفرغ لها.(44/122)
ونظرا لعمله الصحفي المتميز نال السيد أرنود جائزة أفضل تغطية لمجلة من الخارج، وأفضل تحليل للشؤون الخارجية لمجلة. وفي عام 1981 قلد السيد أرنود دي بورشجريف ميدالية الشرف من مجلس الأعمال العالمي، وفي عام 1985 قلد ميدالية جورج واشنطن للتميز عن أفضل الأعمال المنشورة. لا شك أن رجلا بهذه الخلفية لديه الكثير الذي لا بد من سماعه، ونشره للقارئ العربي. لذلك ارتأى مكتب المجلة في واشنطن التحدث إلى السيد أرنود دي بورشجريف لطرح الأسئلة الملحة التي تشغل المنطقة العربية بشكل عام، ومنطقة الخليج بشكل خاص، ولا شك أنها تشغل الرأي العام العالمي كذلك.
التقته المجلة في مكتبه في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية محاطاً بصور عديدة مع الزعماء العرب وكان هذا الحوار:
* تحدثت عن احتمال شن الولايات المتحدة حربا على إيران وقلت إن ذلك أمر وارد، هل لا زلت تعتقد أن الحرب على إيران قادمة؟
- دي بورشجريف: اليوم يبدو أن فرص اندلاع حرب بين الولايات المتحدة وإيران أكثر من 50 في المائة.
* لماذا؟(44/123)
ـ الرئيس بوش يريد أن يترك إرثاً وإنجازاً يتجاوز ما قام به حتى الآن وهو تدمير الشرق الأوسط. هكذا سيتذكره التاريخ أنه الرئيس الأمريكي الذي دمر الشرق الأوسط، وهو بلا شك لا يرغب أن يذكره التاريخ بهذه الصورة. العراق هو أكبر كارثة في تاريخ الولايات المتحدة. عندما يتحدث الناس عن العراق يقولون إننا خسرنا الحرب في فيتنام، وأنها كانت أكثر فظاعة من حرب العراق ولكن ما أود قوله هنا هو إننا خسرنا معركة فيتنام في الحرب الباردة، وهي حرب ربحناها في النهاية، فهي معركة في حرب، ولكن العراق شيء مختلف. العراق كارثة كبيرة. ولا شك أن الرئيس بوش متورط جداً. ويمكنني القول أنه يشبه رجلاً في منتصف الطريق ولا يعرف أن يذهب. في هذه الحالة قد يكون الحل إمامه أن يتحرك بسرعة كبيرة جداً باتجاه آخر ليس مهما أين، ولكن المهم هو تغيير المسار، والانطلاق بسرعة. والاتجاه الوحيد الممكن للرئيس أن يأخذه، من وجهة نظري، هو إيران، ولعلك لاحظت ما يقوله الإسرائيليون إنه من غير المعقول أن يسمح الغرب لإيران بامتلاك السلاح النووي، وهي من واجبات الغرب أن يقوم بشيء ما لوقف هذا البرنامج. وإذا لم يقم الغرب بوقف هذا البرنامج ستقوم إسرائيل بذلك. وهذا ما يقوله الإسرائيليون. وهذا سيناريو مغر للرئيس بوش، أي أن تقوم إسرائيل بضرب إيران وتجر الولايات المتحدة معها.
* هل تعتقد أن الإسرائيليين سيقومون بضرب إيران؟(44/124)
ـ لا يستطيع الإسرائيليون أن يقوموا بذلك بشكل فعال لوحدهم. لديهم حولي 11 طائرة قادرة على تزويد الطائرات بالوقود في الجو لكي يتمكنوا من ضرب العمق الإيراني يجب أن يقوموا بإعادة التزويد بالوقود في الجو مرة أو مرتين، ويجب أن يجتازوا المجال الجوي الإيراني فوق العراق ومنطقة الخليج. أي شيء يقوم به الإسرائيليون سنلام نحن عليه سواء عملوه عن طريق المفاجأة كما عملوا في حرب الأيام الستة عام 1967، أو حتى في حال إخبارنا بها بشكل خاص. في النهاية سنتحمل نحن المسؤولية. وسيعزز هذا العمل الصورة الموجودة في العالم الإسلامي حول المؤامرة الصهيونية الأمريكية على العالم الإسلامي. وحتما ستكون هذه هي الصورة حتى بين أكثر الناس اعتدالا في الأردن ومصر.
* يبدو أن هناك عاملين سيحكمان التحرك الأمريكي تجاه إيران. الأول عامل شخصي للرئيس الأمريكي، والثاني، إسرائيل. وعلى أي حال إذا قام الرئيس بعمل عسكري ضد إيران فإن هذا لا يساعده على أن يدخل التاريخ كصانع سلام في العالم، وإنما سيدخل التاريخ كصانع أزمات في الشرق الأوسط، وسيخلق نقطة ساخنة جديدة في المنطقة؟
ـ النتيجة ستكون أكثر من نقطة ساخنة. عمل كهذا سيفجر المنطقة. الرئيس بوش لا يراها كذلك. فهو كان يعتقد أن العراق سيكون قصة نجاح كبيرة تخلده في التاريخ. صدق الرئيس بوش أن التاريخ سيذكره بتلك الصورة على حاملات الطائرات التي أعلن منها انتهاء المهمة في العراق. وهو يرى إيران بنفس الطريقة. البعض يقول له أنه يمكن أن نقوم بالعملية. مثلا، الإسرائيليون يقولون: إن العملية تتطلب ضرب سبعة عشرة نقطة مختلفة. بعض قادة القوات الجوية في البنتاغون يقولون إنه يمكن إنجاز العملية في ثلاث ليال من القصف المتتالي على نحو سبعمائة نقطة ومن بين هذه النقاط توجد ثمان وخمسين يجب استهدافها عن طريق قنابل اختراق لتتمكن من اجتياز جدران الحماية المعزرة حولها. هذه حملة كبيرة.(44/125)
* ما هي توقعاتك لرد الفعل الإيراني؟
ـ أول ما سيقوم به الإيرانيون، وأنا اعرف إيران جيداً وأعرف البحرية الإيرانية جيدا، لأنني أمضيت وقتاً طويلا فيها أثناء عملي خاصة أيام الشاه، سيقومون بنشر ألغام بحرية في الخليج وبمجرد رؤية أول لغم بحري سيرتفع سعر برميل النفط إلى 200 دولار، وبشكل فوري. وسيبدأ التفكك في المنطقة.
* هل تعتقد أن الرئيس فكر ملياً في مضاعفات الهجوم العسكري على إيران؟ وهل لديه الجاهزية للتعامل مع النتائج؟
ـ لا أعتقد أنه يؤمن أنه ستكون هناك نتائج كارثية لمثل هذا العمل تشمل كل المنطقة لأنه يعرف أن السعوديين وهم حلفاء في المنطقة وبناء على ما نعرفه مما حدث بين الملك عبد الله وديك تشيني كانت هناك رسالة سعودية واضحة، وهي أننا لن نقف مكتوفي الأيدي مما يجري في العراق، وما يحدث للسنة هناك من تصفيات. وإذا كنت ستضع نفسك مكان بوش وتفكر في السيناريوهات التي ستتبع ضرب إيران فإنك لن ترى النتائج بالصورة الكارثية التي أراها أنا. فهو يراها من زاوية مختلفة.
*يبدو أن العرب سيكونون هم الخاسرون، هل تتفق مع هذا التقييم؟
ـ طبعاً. البيت الأبيض والبنتاغون يرون أن دول الخليج هي معنا وسيشكرونا على ما سنقوم به. هذه الحسابات موجودة وقد تكون حسابات خاطئة جداً، وبرغم ذلك يمكن القول أن هذا السيناريو محتمل. ونعرف ما هو موقف دول الخليج فهم بالطبع منزعجون من البرنامج النووي الإيراني.
* في الوقت الذي ترى فيه الأنظمة السياسية في المنطقة إيران كخطر استراتيجي، يأخذ الرأي العام في العالم الإسلامي موقفا لا يرى أن إيران تشكل تهديداً استراتيجياً. هل تعتقد أن هذه المواقف المتناقضة ستساهم في خلق عدم استقرار لبعض الأنظمة في المنطقة؟(44/126)
ـ طبعاً. ودعني أقول التالي. إيران لديها مخاوف أمنية جدية سواء كانت تحت حكم الشاه أو رجال الدين أو العسكر. فعلى يمينها في أفغانستان يوجد نحو 20 ألف جندي أمريكي و20 ألف جندي من الناتو. وعلى يسارها في العراق يوجد نحو 150 ألف جندي أمريكي. وخلفهم يوجد الأسطول الأمريكي السادس. أربعة من أصل ثمان قوى نووية عالمية توجد بجانب إيران وهي باكستان والهند وروسيا وإسرائيل.
بالطبع هذه تشكل مخاوف أمنية جدية لإيران. وإيران قوة رئيسية في المنطقة ففيها سبعين مليون إنسان، وحضارة عريقة ويتساءلون إذا كانت باكستان تمتلك القنبلة النووية ولم لا نمتلكها نحن كذلك؟ولكن ما يجعل الموضوع إشكالياً هو وجود شخص غير سوي مثل أحمدي نجاد على رأس السلطة في إيران. فهو يؤمن بعودة الإمام الثاني عشر ولا بد أن يسبق عودة الإمام الثاني عشر حالٍ فوضى عارمة. وبالمناسبة هو ليس وحيداً في هذا التفكير. هنا في الولايات المتحدة يوجد نحو ثمانين مليون شخص وهم المسيحيون المولودون مجدداً.
المسيحيون الإنجيليون يؤمنون بذات الشيء، نهاية العالم وعودة المسيح أثناء حياتهم. هذا الشخص يؤمن بعودة الإمام في حياته، وهو أكمل الخمسين في شهر تشرين الأول (أكتوبر) فلا زال أمامه كثير من الوقت. كلاهما غير سوي.
* أنت عاصرت الكثير من الحروب والحكام وكانت لك صداقات مع العديد من حكام المنطقة، هل ترى أن طموح إيران النووي الآن جديد؟ أم أنه استكمال لمرحلة تاريخية سابقة؟
ـ الشاه قال لي عام 1972 أن إيران ستصبح قوة نووية يوما ما. وعندما سألته لماذا، قال الموضوع بسيط، لقد تم تعييني كشرطي للمنطقة حسب نظرية نيكسون الأمنية للمنطقة. ونظرية نيكسون الأمنية اتبعت نظرية ملء الفراغ الذي تركه الإنجليز بعد أن تخلوا عن مسؤولياتهم شرق قناة السويس. وهذا جعل الولايات المتحدة الوارث لهذه المسؤوليات.(44/127)
ولذلك قام الشاه بشراء الكثير من المعدات العسكرية بما في ذلك تسع طائرات نقل عسكري من طراز 747 وعندما سألته عن السبب؟ قال لي لأتمكن من إنزال قوات في أي منطقة من الخليج تتعرض لاضطراب مثل انقلاب أو ما شابه ذلك خلال نصف يوم. وعندما تمت الإطاحة بالشاه كانت هناك عشرة مفاعلات نووية في طريقها إلى إيران خمسة من الولايات المتحدة وخمسة من أوروبا. الحلم الإيراني بالقوة النووية قديم. ولو كان نظام الشاه هو القائم الآن ويطور برنامجاً نووياً لا أعتقد أن الغرب كان سيعيق تقدمه.
* تتحدث بعض الدول العربية الآن عن تطوير برامج نووية خاصة بها وبرامج نووية سلمية مشتركة. ما تعليقك؟
ـ أعتقد أن هذه هي الخطوة الأولي وهي تغطية للدخول في المجال النووي لأن الدول العربية لا تستطيع أن تقف مكتوفة الأيدي في حين أن إيران تطور تكنولوجيا نووية. ففي الوقت الذي لا توجد فيه دولة عربية واحدة لديها قدرات نووية هناك إسرائيل وإيران بقدراتهما النووية، فهي استجابة طبيعية من قبل الدول العربية.
* هل تعتقد أن الولايات المتحدة ستغض الطرف عن النشطات النووية للدول العربية؟
ـ من الصعب التنبؤ بذلك. ولكن لدينا سنتين متبقيتين من إدارة الرئيس بوش وسيكون مشغولا جداً مع إيران ولا أعرف إذا ما سيكون لديه الوقت للالتفات إلى هذه البرامج السلمية الصغيرة. أشك أنه سيعير هذه البرامج اهتماماً.
* في حال أن إيران ضربت كيف ترى العلاقات السعودية الأمريكية ما بعد ضرب إيران؟
ـ من الصعب التنبؤ بدقة ولكن هذا يعتمد إلى حد كبير على ما إذا كانت السعودية طرفاً أم لا بشكل غير مباشر مثل أن يتم ضرب أبقيق أو رأس تنورة وهذا ربما يدفع السعودية إلى الصف الأمريكي. على الرغم من صعوبة التنبؤ إلا أنني أستطيع أن أخمن أن بعض أفراد العائلة المالكة وصناع القرار، ولا أعرف عن بقية المجتمع، سيأملون أن تكون العملية سريعة وفعالة.(44/128)
* ماذا عن الحل الدبلوماسي؟ المنطقة تفضل الحل الدبلوماسي لتجنب النتائج الكارثية لعملية عسكرية؟
ـ إنا كتبت مؤيدا الوصول إلى صفقة جيوسياسية مع إيران. ولا يوجد لدينا أي شخص يمكن أن يفاوض في مثل هذه الصفقة سوى جيمس بيكر.
رأيت كيف تعرض جيمس بيكر ولي هاملتون لانتقادات كثيرة جداً من قبل المحافظين القريبين من الرئيس بوش. وأنا طالبت قبل سنتين على الأقل أن نرسل جيمس بيكر إلى مدينة قم كما بعثنا هنري كسينجر إلى الصين في مهمة سرية وليس لدينا أي شخص يستطيع القيام بذلك.
كونديليزا رايس لا تستطيع أن تذهب إلى مدينة قم، وتجلس مع المرجعية الدينية هناك. لأن عقلها لا يعمل بهذه الطريقة.
جيمس بيكر مؤهل وقادر للقيام بهذه المهمة لأنه يفهم حدود التعامل وما يمكن إعطاؤه للإيرانيين. ولكن هذا يعني قبولنا أنهم سيحصلون على سلاح نووي في قادم الأيام. وعلى الرغم من وجود عدة طرق لصياغة حل دبلوماسي، إلا أن الوقت بات متأخرا جداً الآن.
* في حال ضرب إيران، فإن برنامجها النووي لن يتوقف ربما يتأخر لكنه لن يتوقف. وربما يعزز الهجوم على إيران الموقف الإيراني، ويبرر موقف إيران بالحصول على السلاح النووي؟
ـ سألت هذا السؤال لأشخاص مهمين جداً في عالم المخابرات وأخبروني أنه إذا ضربنا إيران فإن أفضل ما يمكنك أن تأمل به هو تأخير برنامجها النووي من 5 إلى 10 سنوات. وقال أحد الأشخاص المهمين الموجودين، إذا كانت الضربة العسكرية ستؤخر البرنامج النووي الإيراني 5 إلى 10 سنوات فيجب علينا أخذ ذلك بعين الاعتبار. لأنه خلال هذه الفترة ربما يتمكن الإصلاحيون من السيطرة على النظام السياسي في إيران وربما سيتخلصون من الأشخاص المعنيين بخلق هذه المشكلة هذه هي طريقة تفكير بعض قيادات الأجهزة الاستخبارية الأمريكية.(44/129)
* وماذا عن قولك أن إيران ستحصل على القنبلة سواء تحت حكم الإصلاحيين، أو المتطرفين أو الشاه، الحصول على القنبلة هو طموح إيراني وسيضطر العرب أيضاً لتطوير سلاحهم النووي؟
ـ أتوقع ذلك. وأتوقع أيضاً أن يشهد جيلك تبادل هجمات نووية في منطقة الشرق الأوسط.
نعم هناك مخطط تفتيت الشرق الأوسط فماذا عن دور إيران؟
29/ 1 /2007
حسن صبرا – مجلة الشراع
نعم، هناك مخطط أميركي – صهيوني لتفتيت الشرق الأوسط، ونحن نقول لتفتيت المشرق العربي وصولاً إلى مصر والسودان وليبيا.. ونحن نقول أن بداية هذا المخطط هي في العراق وفق معادلة باتت مفهومة، فتفتيت العراق يمهد لتفتيت سوريا وتفتيت الأخيرة يمهد لتفتيت لبنان.. أما دول الخليج العربي فتأثيرات أوضاع العراق تجعل تفتيتها أسهل من تفتيت أية دولة أخرى.. بالجغرافيا والمذهبية الكامنة.
ونحن نضيف أن تفتيت العراق هو نقطة تقاطع في المصالح بين إيران وبين العدو الصهيوني، وان ما يمنع أميركا حتى الآن من تفتيت بلاد الرافدين هو الحرص العربي السعودي – المصري – الأردني على وحدة وعروبة العراق.. علماً بأن أميركا تدرس الموضوع من زاوية مصلحتها، فإذا وجدت أن تفتيت العراق يخدم هذه المصلحة فهي لن تتردد لحظة في هذا التفتيت، دون أن ننسى أن غباءها أيضاً يؤدي دوراً مهماً في مخططاتها بوعيها أو بدونه، والجريمة التي ارتكبها بول برايمر في العراق بحل الجيش والمؤسسات الأمنية كانت جزءاً من غباء التخطيط الذي أوصل العراق إلى ما تريده إسرائيل وإيران معاً.(44/130)
عدا هذا من الذي يطالب بتفتيت العراق؟ إنه ابرز حلفاء إيران وحزب الله رئيس المجلس الأعلى الإسلامي عبد العزيز الحكيم، الذي كان أول من دعا إلى إنشاء أقاليم مذهبية في العراق انطلاقاً من جمع 9 أو 10 محافظات ذات أغلبية شيعية في الجنوب تملك النفط والماء والكثافة البشرية والعلاقة مع إيران والصداقة مع أميركا.. وهذه كلها كافية لإنشاء دويلة شيعية في العراق، تتناسب في وضعيتها مع الدويلة الكردية في شمالي العراق حيث أيضاً النفط والمياه والسياحة والعلاقة مع أميركا والجغرافيا مع إيران.. ولا يبقى لسنة العراق إلا دويلة صغيرة في الوسط العراقي حيث لا نفط ولا إمكانات، حيث الإمكانية الوحيدة الآن هي مقاتلة الإحتلالين الأميركي والإيراني، وبهذا يتحالف الحكيم وجماعته مع أميركا وإيران وينصرف سنة العراق لمحاربة أميركا وإيران.. هنا تنهض دولة شيعية وفي الشمال دولة كردية.. وعلى السنة أن يقلعوا أشواكهم بأيديهم لأنهم يحاربون احتلال أميركا وإيران للعراق.
إذن الذين يريدون تنفيذ المخطط الأميركي – الصهيوني لتفتيت المنطقة هم حلفاء إيران وحلفاء حزب الله.. أليس هذا سبباً كافياً كي يحدد حزب الله موقفاً مما يجري في العراق انطلاقاً من رفض الاحتلالين الأميركي والإيراني لهذا البلد؟.
أليس هذا كافياً كي يبذل السيد حسن نصر الله جهداً مع حليفه عبد العزيز الحكيم كي يمتنع عن المطالبة ثم الترويج ثم العمل الدؤوب من خلال عمليات الفرز المذهبي الإرهابي عبر فرق الموت التي يقودها ابنه عمار، بتفتيت العراق؟.
هل وصل إلى مسامع السيد نصر الله أن عبد العزيز الحكيم هذا طالب بأن يدفع العراق 100 مليار دولار تعويضات عراقية لإيران عن خسائر الحرب التي جرت بين البلدين (1980 –1988).(44/131)
هل وصلت إلى مسامع السيد نصر الله، فرق الموت التي شكلها مقتدى الصدر داخل العراق لذبح السنة داخل بغداد لإخلائها منهم تمهيداً لإعلان دويلته في العاصمة العراقية وعاصمتها مدينة الصدر تاركاً النجف لآل الحكيم، وليبحث حزب الدعوة عن دويلة ثالثة في البصرة أو غيرها؟.
هل وصلت إلى مسامع السيد نصر الله، عمليات قتل الشيعة التي يقوم بها مجرمو "القاعدة في بلاد الرافدين" وهم مرسلون من إيران وتابعتها دمشق، وهما حليفتان لحزب الله الذي يرفع صور رئيسيهما احمدي نجاد وبشار الأسد في تظاهراته ضد استقرار لبنان.
مخطط تفتيت الشرق الأوسط الذي جاءت به كونداليزا رايس حقيقي وقد بدأ من العراق بواسطة إيران وحلفاء حزب الله، فإذا كان الحزب ضد هذا المخطط فما عليه إلا أن يضيء شمعة ضده بدل أن يظل يلعن الظلام. فهل يكشف حزب الله دور إيران في هذا المخطط أم يكتفي فقط بلعن الظلام الأميركي- الصهيوني، دون أن يضيء ولو شمعة على دور مرجعيته الإيرانية؟
الدمرداش العقالي .. المستشار الذي تشيع بسبب طلاق امرأة نوبية:
الصحابة ليسوا عدولاً(!!)
جريدة روز اليوسف 16/1/2007
[تكشف هذه المقابلة عن حقائق مهمة حول أكاذيب ادعاءات قادة الشيعة كالدريني والنفيس وغيرهم، ومع أن الدمرداش يبدوا أعقلهم إلا أنهم جمعياً يعتنقون نفس الأفكار. الراصد ]
ما أوجه الاتفاق والاختلاف بين الشيعة والأشراف؟
- هناك فرق شاسع بين النسب والمذهب، فعدد الأشراف في مصر يزيد على 6 ملايين مواطن ولهم شجرة تنتهي بهم إلى النسب الشريف، في الوقت الذي لا يوجد فيه رقم دقيق للشيعة في مصر، ومن المستحيل أن يوجد في مصر 6 ملايين شيعي فليس كل من هو منتسب ينتمي إلى المذهب الشيعي.
ولكن محمد الدريني سبق أن حذر الحكومة من انتفاضة 6 ملايين من الأشراف؟(44/132)
- الساحة امتلأت بالكثير من ذرية أبو جهل، فهذا الشخص جاهل ويطلق الكثير من التخاريف من بينها أن أبناء قبيلة الجعافرة في أسوان ينتمون إلى المذهب الشيعي وهذا كذب، فالجعافرة قبيلة تمتد من قرية الدويم جنوب الخرطوم، وحتى مدينة إسنا في مصر ويدعي أنهم ينتسبون إلى نسل جعفر الصادق، فالسودان ومصر بها أكثر من 10 ملايين شخص ينتسبون إلى جعفر بن أبي طالب. والقول بأن الأشراف في مصر الذين ينتسبون إلى آل البيت هم شيعة قول جاهل إلا إذا اعتقدنا أن مجرد حب آل البيت تشيع فإن 99% من المصريين شيعة دون أن يشعروا فلا يوجد شخص واحد في مصر لا يحب آل البيت.
وهل حب آل البيت يعني التشيع؟
- حب آل البيت عنصر من عناصر التشيع لكنه عنصر عام كل مسلم يدعيه حتى الذين يكرهون علي بن أبي طالب، فالذين كانوا يقولون اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد، فحب آل البيت فرض في الصلاة.. فمجرد الحب لا يعني التشيع.
فالتشيع هو الانتقال من مجرد الحب إلى الاعتقاد بأنهم وحدهم مصدر العلم عن الله عز وجل أخذا من صريح القرآن والسنة النبوية.
فأهل الشيعة يعتقدون أنهم هم المصدر الوحيد لمعرفة الحقائق القرآنية لقول الله عز وجل في سورة الأحزاب: "إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا".
ولذلك فإن الله يأتمن هؤلاء على دينه.
السنة والشيعة يتفقون على كل أركان الإسلام ولا يختلفون إلا فيما ينقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فغلاة الشيعة لا يقبلون إلا ما ينقل عن الرسول إلا إذا كان من آل البيت حتى لا يكذب على الرسول، أما أهل السنة فيقولون إن الصحابة كلهم عدول لا يكذبون، والقول إنهم عدول به مغالطة للقرآن والرسول صلى الله عليه وسلم، فالفارق الوحيد الأساسي الأصولي بين السنة والشيعة هو على من تأخذ عن رسول الله.
ولماذا تشيعت؟(44/133)
- تشيعت عندما كنت قاضياً بمحكمة الأحوال الشخصية بأسوان عام 67، وكان عمري في ذلك الوقت 35 عاما، ولم أكن أعرف شيئا قبل ذلك عن المذهب الشيعي، فكنت أحكم في جلسة وجاءتني امرأة نوبية تطلب الطلاق من زوجها الذي لم ينفق عليها، وفوجئت بالزوج يخرج من جيبه قسيمة طلاق غيابي منذ عام فصرخت المرأة، وقالت إنه عاشرها معاشرة الأزواج منذ شهرين، فأصبت بالذهول وقررت تأجيل الدعوى ولجأت إلى الدكتور محمد أبو زهرة الأستاذ بكلية الشريعة جامعة طنطا، فقال لو أن الأمر بيدي ما جعلت الطلاق إلا على مذهب الإمام جعفر الصادق وهو إمام الشيعة الإمامية الاثنى عشرية الذي يعتمد على حكم القرآن بألا يتم الطلاق إلا أمام قاض ووجود شهود ذوي عدل وعدم خروج الزوجة من بيتها قبل انتهاء أيام العدة وإذا لمسها كأنه رجع إليها، فمن المستحيل أن يحدث طلاق غيابي في الشريعة الإسلامية مثلما يحدث حاليا.
ختان الإناث مازال يثير جدلاً واسعاً بين علماء أهل السنة.. فماذا عنه في المذهب الشيعي؟
- ختان الإناث في المذهب الشيعي حرام وعبث بجسد المرأة وأذكر أنه للمرة الأول تتوافق وجه النظر بين الحكومة المصرية والإيرانية حول وثيقة الأسرة الصادرة عن الأمم المتحدة في مؤتمر السكان.
وماذا عن الاختلاف في الزكاة والمواريث؟(44/134)
-…هناك اتفاق في الميراث بين المذهبين السني والشيعي ما عدا ميراث ابن الابن علاوة على الزكاة فهي بمعايير أهل السنة لا تكفي شيئا ولكن في المذهب الشيعي فهناك زكاة فورية على كسب العمل وقدرها 2% وربع العشر على ما تم توفيره ومر عليه حول كامل. ومن هذا المنطلق فإن زيادة الضرائب عند أهل السنة إقرار بأن القرآن لا يكفي لسد احتياجات الحياة ولذلك تم اللجوء إلى قانون وضعي يفرض الضرائب، [ كيف يلزم السنة هذا القانوني بالقانون بدل الشريعة!!! الراصد] فوفقا للمذهب الشيعي فإن دفع الضرائب جزء من الدين لبناء الحياة في الأرض، والغريب أن المساجد في مصر وأهل السنة لا تدفع مقابل استهلاك المياه التي تعتبر شيئا مقدسا عند الشيعة.
ولماذا يرفض المصريون اعتناق هذا المذهب رغم التيسيرات الكبيرة التي يقدمها ورغم أنه انطلق من مصر؟
- المصريون لم يرفضوا المذهب الشيعي ولكن لم تتح لهم الفرصة للعرض الحر لهذا المذهب لتعريف المواطن به، فالشعب المصري لم يرفض أو يقبل المذهب الشيعي ولكن لا يوجد له طرح لأن السياسة أفسدت طريقة الحرية الفكرية في الإقناع.
وما تقييمك لطبيعة العلاقة بين مصر السنة وإيران الشيعية؟
- مصر وإيران يتبادلان الأدوار فهما دولتان متماثلتان في جميع النواحي السياسية والاقتصادية والسكانية فعندما كانت مصر عدوا سياسياً للغرب في عهد عبد الناصر كانت إيران الشاه في أحضان التبعية الأمريكية والأوضاع معكوسة الآن.
والغريب أن سقوط الشاه جاء متواكبا مع معاهدة كامب ديفيد التي كان هو مهندسها بالإضافة إلى الملك الحسن ملك المغرب، فمصر وإيران كالقوسين المتواجهين إذا أحسنوا استخدام تقابلهم جعلوا كلا منهما محصورا بإرادتهم وتوجههم ولكن أمريكا والغرب لا تريد ذلك فقديما كانت مصر شيعة فاطمية في الوقت الذي كانت فيه إيران هي قلب السنة وكان يتم فيها حرق الشيعة حرقا. [ هذا كذب من المستشار القانوني! الراصد](44/135)
ولكن مخاوف تصدير الثورة الإيرانية أثار القلق في نفوس المصريين؟
- بعد نجاح الثورة الإيرانية تزايدت لهجة التصعيد ضد مصر ويرجع ذلك إلى صدام حسين الذي عقد مؤتمر الصمود والتحدي ببغداد وتقرر فيه قطع العلاقات مع مصر وتم حشد الشعب الإيراني لدعم القضية الفلسطينية وضد مصر بعدما وافق الرئيس الراحل السادات على استضافة الشاه في مصر مما أثار القلق في نفوس الإيرانيين على الثورة.
ولكن هذا لا يبرر تسمية شارع ي إيران باسم قاتل الرئيس السادات؟
-…كانت تنتاب الإيرانيين مخاوف كثيرة على الثورة بسبب استضافة مصر للشاه فأصبح السادات مندمجاً في أذهانهم مع الشاه رغم عدم الصداقة بين السادات والشاه، فاعتبروا وجود الشاه في مصر عداء شخصياً للسادات.. فقتلة السادات هدموا القضية الفلسطينية وهددوا العلاقات بين مصر وإيران حيث اعتبروا اغتيال السادات نصراً إلهياً لهم. وأرى أنه لا يوجد شعب في المنطقة يحب الشعب المصري بقدر الإيرانيين فهم يكرهون كل العرب عدا مصر.
وما دلائل ذلك؟
- يتصورون أن الإسلام جاء في المنطقة وبها ثلاث حضارات الرومانية الغازية والحضارتان الفارسية والمصرية اللتان اعتنقتا الإسلام ويرون أن أعراب الجزيرة العربية أشد كفرا ونفاقا وفقا للنصر القرآني وأهدروا حقوق الحضارتين واعتقدوا أنهم أقاموا دولة عربية عرقية ويرون أيضا أن أهل مصر قدموا تضحيات كبيرة لنصرة الإسلام. [ أي أنهم يحبونهم بسبب الحضارة الفرعونية التي سبقت الحضارة الفارسية !! وليس لهدف إسلامي .الراصد ]
فتصدير الثورة استخلاص من الذهنية المصرية في مفهومها علاوة على أن دخول صدام حسين في حرب مع إيران خلق فجوة كبيرة في العلاقات العربية ـ الإيرانية.
وما تفسيرك لازدياد المد الشيعي في الآونة الأخيرة؟(44/136)
- لا شك أن المد الشيعي في العالم متزايد فالولايات المتحدة الأمريكية بها قوتان إسلامية إحداهما شيعة وأخرى إخوان مسلمين، وفي معقل بوش في تكساس يوجد شيعة وإخوان مسلمين والمد الشيعي له عوامل ذاتية وأخرى مساعدة، فالعوامل الذاتية تتمثل في أن نجاح الثورة وإسقاط الشاه لفت أنظار المكافحين في العالم بإرادة المقاومة ضد الولايات المتحدة الأمريكية وهذا التجسيد تمثل في حزب الله.
وما حقيقة الأموال التي تنفق من قبل إيران للمد الشيعي في الداخل والخارج؟
- أي فكر في العالم يحتاج إلى الدعم المادي، فالمملكة العربية السعودية بدءا من الملك عبد العزيز وحتى عبد الله الثاني تنفق على جماعة أنصار السنة المحمدية أصحاب الفكر الوهابي في مصر وتقدم كتباً مجانية وتمنح جوائز لعلماء السنة على أعمال لا تستحق الجوائز، فالدعم المادي ليس بدعة.
ولكن هذا الأمر خطير.. فالتدعيم المادي يدعم فكرة الطائفية في المجتمعات.. فما تعليقك؟
- المال لا يدعم الطائفية.. فمن يغير مذهبه وعقيدته مقابل المال والعطاء لا يخدم عقيدته في المذهب.. بدليل صالح الورداني الذي يعتبر أقدم شيعي في مصر فإذا كنت إيران تدعم المذهب الشيعي في مصر بالمال لكان صالح الورداني أول من تدعمه رغم صرخاته التي تتمثل في أن إيران أصبحت كالفأر الميت.
ولكن صالح الورداني اعترف أنه تلقى دعما من إيران، وقال تشيع تقبض ؟
ـ الورداني قال لو أن هناك عطاء لأستمر على المذهب الشيعي، فالذي يقدم العطايا لن يترك ضحيته تتصرف كيفما يشاء، فالإيرانيون ليسوا كغيرهم لأنهم يعلمون أن ما اشتري بالمال... يباع بالمال أيضا.
ولكن هناك حالات في الداخل تم اتهامها بتلقي تمويلا من إيران وتم تقديم بعضهم للمحاكم؟
- هذه القضايا دليل على عدم صحة ذلك، فالقضايا كلها انتهت بعدم تقديمهم للنيابة فلا يوجد دليل فهناك 5 تنظيمات: "87 و88 و89 و96"، لم يقدم أي تنظيم منهم للمحاكمة.(44/137)
وماذا يطلب الشيعة في مصر من الخارج؟
- شيعة مصر لا يحتاجون شيئاً من الخارج فالشيعة في مصر غير معروفين أو محددين ولكن هناك عاطفة تشيع تحوم في الأفق، فهناك حب لأهل البيت وأنا شخصيا لا أعرف إلا الأسماء التي تترد وأعتقد أن هذه الأسماء ليست شيعية مثل صالح الورداني وراسم النفيس والدريني، فمن يقول إن الأشراف ينتمون للشيعة كذب.. وأن الطرق الصوفية لا تنتمي إلى المذهب الشيعي على الإطلاق، ففي مصر 46 طريقة صوفية وكلهم أعداء لبعضهم البعض.
راسم النفيس قال إن أهل السنة أكبر أكذوبة في التاريخ... فما تعليقك؟
- هذا الكلام أكثر افتراء على التاريخ وكلمة صفيقة لا يقولها عاقل فقد اتفقت الأمة في مدوناتها أن هناك أهل السنة والجماعة وهناك الشيعة فمن ينكر أهل السنة كمن ينكر الشمس فالخطأ والصواب شيء وإنكارهم شيء آخر.
وكيف يمكن التقريب بين المذهبين؟
- مصر كثيرا ما تبدع ثم تفسد ما أبدعته تغزل وتتخلص من غزلها فمصر أبدعت فكرة التقريب بين المذاهب على أساس علمي وليس سياسي وتم تشكيل لجماعة للتقريب عام 1946 ودعمها عبد الناصر بعد الثورة وقام بطباعة كتب الشيعة بوزارة الأوقاف، وتم طباعة موسوعة الفقه الإسلامي التي تشمل المذاهب الثمانية، الأربعة لأهل السنة: "المالكية، والحنابلة، والشافعية، والأحناف"، علاوة على الشيعة الإمامية والزيدية ثم الإباضية للخوارج ثم مذهب الظاهرية وهذه المذاهب الثمانية تغطي كل أتباع الإسلام في العالم.
وأحلم كشيعي مصري بعقد حلقات دراسية للتقريب وتساهم في إيجاد الحلول المناسبة لمشاكلنا المعاصرة، فالإسلام بستان كبير فيه أزهار كثيرة تصنع عطرا متعدد الأذواق.
وما رأيك في الحكم الأخير بعدم تدوين البهائية في خانة الديانة؟(44/138)
ـ أنا حزين جدا لهذا الحكم، فالبهائية دين مثل باقي الأديان، فمن أين جاءوا بأن الأديان ثلاثة هي : اليهودية والمسيحية والإسلام، فالقرآن يعتبر أن الكفر دين حيث قال: "لكم دينكم ولي دين"، فكيف يتم إثبات ديانة خلافا لما يعتقدونه فهذه مصيبة كبرى علاوة على حالات الخداع التي تحدث في المجتمع؟
[نسي أو جهل المستشار أنهم مرتدون عن الإسلام! أم لأنهم أصلاً كانوا شيعة يدافع عنهم. الراصد ]
جماعة الإخوان المسلمين المحظورة تناولت هذا الحكم بشكل حاد... فما تقييمك لأفكار تلك الجماعة ومدى دعمها للفكر الطائفي؟
الإخوان المسلمون ظاهرة موجودة في المجتمع فسرها كلام ابن خلدون عندما عرف المجتمعات العربية بأنها سهلة الانقياد إلى الدين فإذا انقادت غضت الطرف عمن يقودها، فهي جماعة استفادت من طبيعة الشعب المصري.
فالدستور المصري اعتبر الشريعة الإسلامية مصدر التشريع إذن لم يعد لهم الحق في احتكار القضايا الدينية أو التفسير الديني فكل مصر مؤتمن على دينه، وحيث أن الدستور نص على أن الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع فليس من حق أحد أن يحتكر اسم الإخوان المسلمين لنفسه فممنوع أن يقول أحد إنه من الإخوان المسلمين فهو مصري يدين بالإسلام ويقدم حلولا منه.
وما رأيك في أزمة الحجاب الأخيرة ؟
- مصر انتهت من أزمة الحجاب من عهد سعد زغلول [ أي أن العودة للحجاب خطأ يحسن تركه !! الراصد ] فحسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين كان يخطب في مسلمات سافرات ولكن قتلة السادات أعادوا الحجاب مرة أخرى فعندما قرر محمد عثمان إسماعيل محافظ أسيوط ومستشار السادات في ذلك الوقت تأسيس الجماعة الإسلامية لمواجهة الشيوعيين أعاد الحجاب من جديد وكانت المحافظة تشتري قماش الحجاب وتوزعه على الناس.
ألا ترى أن فكرة التنظيم ليست في محلها خاصة أن الإخوان المسلمين والشيعة ينتهجون نفس المنهج؟(44/139)
- التنظيم يعني الانغلاق على الآخرين وأنا ضد أي عنوان يخصص مجموعة على أخرى وما يقال إن الشيعة تنظيم يحتاج إلى دليل.
الدليل هو التنظيمات الخمسة التي تم القبض عليها في السابق؟
ـ التشيع عمل فكري فردي فلا توجد جماعية في الفكر خصوصا إذا كان الفكر غريبا على الناس، فالرسول لم يسفه عقائد المشركين أو يسبهم والشيعة لم يسبوا الصحابة فأنماط السلوك لا يتم فرضها على الآخر.
ولماذا لم يؤد الشيعة صلاتهم على سجادة؟
- الرسول صلى الله عليه وسلم هو أول من صلى، وأكد علماء السنة والشيعة أن الرسول لم يسجد على مفروش أبدا، حيث كان سجوده على الأرض، فالصلاة على التراب أو الحصى هو الثابت عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد يقال: إنه لم تكن هناك إمكانيات للسجاد فيرد مالك بن أنس شيخ المذهب المالكي أنه كان لا يفضل السجود إلا على التراب وجعله فضيلة وليس فرض فكان يضع منديلا في جيبه ويطلق عليه "صرة التراب" وقال الرسول "صلى الله عليه وسلم": "جعلت لي الأرض مسجداً وطهور".. وغلاة الشيعة حرموا السجود على ما يجوز لبسه أو أكله، كما أن هناك بعداً دينياً واقتصادياً واجتماعياً وتصوفياً وإحساساً بالزهد في السجود على الأرض".
هل معنى ذلك أنك لا تصلي بمساجد أهل السنة؟
- أنا أصلي بجميع المساجد لأن هناك فرقا بين الفرض والتفضيل، فالتشيع عندي رحلة للبحث عن حقيقة كيف يعبد الله؟
بماذا فسر محاولات البعض أن يطلقوا على أنفسهم أنهم زعماء الشيعة... فهل هناك صراع؟(44/140)
ـ ما يقوم به عناصر الشيعة في مصر مجرد أفكار يقصدون بها إما زعامة موهومة تحتاج إلى تحليل نفسي أو محاولة لجذب الانتباه والبحث عن الشهرة وعندما يأتيني أحدهم أطرده شر طردة فعندما كانت تأتيني صحيفة آل البيت كنت اشتم الدريني كلما يتصل بي وكذلك صالح الورداني وراسم النفيس الذي اتهمني بأنني معوق بأن يكون للشيعة أي كيانات، فالصحف لم تكن لتذهب إلى هؤلاء إلا من خلال الهوس الذي يقدمونه للناس.
وما حقيقة المهدي المنتظر في المذهب الشيعي؟
- أهل السنة يدعون أن المهدي إنسان عادل يولد ويظهر وسبق أن ادعى ابن جهيمان السعودي عام 1400 هجرية أنه المهدي المنتظر وحدثت فتنة بالحرم المكي. أما المهدي في مفهوم الشيعة فهو إنسان مولود منذ 1100 سنة ومختف وعندما يظهر تكون لديه معجزات تغير موازين الكون.
وهل يختلف مصحف فاطمة عن مصحف أهل السنة؟
-…لا يوجد مصحف على الأرض سوى الذي يطبع في مصر والسعودية وبلاد الشام فالسيدة فاطمة بنت رسول الله كانت تسأل الرسول عن بعض الآيات فكان عليها ضوابط وتفسيرات لبعض الآيات فكانت تكتبها في هامش المصحف.
ولذلك فالمصحف فسر إجابات رسول الله لفاطمة، هذا المصحف أنكر أهل السنة إجابات الرسول في هامشه،علاوة على أن المصحف عند أهل السنة 114 سورة وعند الشيعة 111 سورة، وحدث ذلك الفارق من خلال اندماج لبعض السور حيث تم دمج الأنفال والتوبة والفيل وقريش في سورة واحدة والضحى والشمس في سورة واحدة.
ما تفسيرك للجدل والخلافات الدائرة الآن بين السنة والشيعة والتي أشعلت أزمة في لبنان؟
- جميع الشيعة مع حسن نصر الله وأصبحوا يدا واحدة وانضم إليهم فصيل كرامي رئيس الوزراء الأسبق المحسوب على الناصريين علاوة على الإخوان المسلمين والمسيحيين الموارنة التابعين إلى ميشيل عون وإيميل لحود في حين انقسم السنة بعدما نجح السعوديون في خلق قوة الحريري. فما يحدث في لبنان صراع سياسي وليس مذهبيا.(44/141)
ولكن ذلك أدى إلى تراجع شعبية حسن نصر الله في الشارع العربي؟
ـ خطة حسن نصر الله في إسقاط الحكومة يهدف إلى تعطيل فكرة نزع سلاح حزب الله وليس تعطيل محاكمة الحريري، ولكن كل طرف لا يستطيع أن يبوح بذلك للآخر.
وهل تملك إيران خيوط حل الأزمة في لبنان؟
-…حزب الله هو أكبر فصيل في العالم العربي تابع لإيران ولكن إيران لا تستطيع أن تملي على حسن نصر الله أي شيء من منطق الثقة الكاملة بين الطرفين والقدرة على قيادة المعركة فحل الأزمة اللبنانية في يد حسن نصر الله وليس إيران. فحسن نصر الله أقوى من نجاد لدى خامنئي وإذا لم يرض أمراً من نجاد لعوقب نجاد من خامنئي.
إيران تطالب بتعيين وزير شيعي لـ "العتبات المقدسة" في مصر
القاهرة 6/2/2007
كان ناصر حمودي أحد أقطاب الشيعة في إيران قد أشار في مقاله المنشور في مجلة الحكومة الإسلامية والتي تصدر باللغتين الإنجليزية والفارسية إلى تخوف العالم الشيعي على الأضرحة التي تحوي آل البيت والتي اسماها "العتبات المقدسة" مشيرا إلى أن بعض السنة المصريين أشاعوا قبل ذلك أن هذه الأضرحة خالية وأن مجرد الطواف حولها وزيارتها يعتبر كفرا وبالتالي فإن من حق الشيعة حماية هذه الأماكن. وأكد حمودي أن عدد من رجال الشيعة في العالم ينوون إقامة دعوى قضائية في مجلس الأمن ضد الحكومة المصرية لمطالبتها بتمكين العلماء الشيعة من الإشراف على هذه العتبات.(44/142)
وتساءل حمودي إذا كانت الحكومة المصرية حسنة النية تجاه الشيعة فلماذا لا تقوم بتعيين وزير شيعي تكون مهمته الحفاظ على الآثار الشيعية وحمايتها؟ تجدر الإشارة إلى أن أكثر من مائة رجل دين شيعي من باكستان وإيران والعراق قد أعلنوا عن عزمهم إقامة دعوى قضائية ضد الحكومة المصرية في مجلس الأمن يطالبون فيها بأحقيتهم في رعاية ما يطلقون عليه العتبات المقدسة ويأتي هذا الإعلان في رد فعل لقيام الحكومة المصرية برفض تنظيم مهرجان العتبات المقدسة والذي كان ينوي الشيعة تنظيمه لمصر بغرض زيارة هذه الأماكن. وقد جاء هذا الرفض ليثير الشيعة في العالم وهذا ما عبرت عنه الصحف الباكستانية والإيرانية على وجه الخصوص فقد أكدت صحيفة همشري الإيرانية أن مصر ترفض حتى الآن حج الشيعة إلى "العتبات المقدسة" في مصر على الرغم من العائد المادي الكبير الذي سيعود بملايين الدولارات على الاقتصاد المصري وهو الأمر الذي اعتبرته الجريدة أكبر دليل على عداء المصريين للشيعة. أما صحيفة "نوايا وقت" الباكستانية فقد أشارت إلى أن هذا الرفض يؤكد عداء مصر للشيعة وأنها تبث الكراهية للمذهب الشيعي بين المصريين.
تواجد شيعي:(44/143)
والمعروف هذا المطلب الذي احتوته مجلة الحكومة الإسلامية سبقه تواجد شيعي في مضمار الآثار الإسلامية بمصر منذ بداية الثمانينات حتى الآن وهو ما تجلى في قيام البهرة على وجه الخصوص بترميم كثير من الآثار الفاطمية وكما يقول د. أحمد الزيات أستاذ الآثار الإسلامية بجامعة طنطا فإن البهرة تقدموا في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي يطلب للحكومة المصرية لترميم بعض آثار آل بيت الرسول ? وكذلك بعض المساجد الفاطمية مثل مسجد الحاكم بأمر الله حيث كانت حالته قد وصلت في ذلك الوقت إلى حالة معمارية سيئة كما كان قد سرق منه أيضا كثير من أعمدته وأروقته وبوائكه وتحول إلى مكان مهجور كما كان بداخله مدرسة السلحدار الابتدائية ومخزن للبصل والثوم ولليمون وكان مرتعا للدواب بسبب قربه من سوق البصل. وقد قامت الحكومة المصرية حينئذ كما يضيف الزيات بدراسة المشروع الذي عرضته طائفة البهرة لترميم المسجد على نفقتها الخاصة تحت إشراف المجلس الأعلى للآثار وبالفعل وافقت الحكومة وقام البهرة بترميم المسجد على مرحلتين الأولى شملت إزالة الإشغالات داخل المسجد مثل المخزن والمدرسة وفي سبيل ذلك اشتروا قطعة أرض بمنطقة الجمالية وبنو فيها مدرسة بديلة في المرحلة الثانية قاموا بترميم المسجد تحت إشراف المجلس حيث جلبوا العديد من الخامات غير الموجودة بمصر من الخارج مثل خشب التاج الهندي والفضة التي كانت تزين الأبواب.
اللؤلؤة والجيوشي:
كما قام البهرة أيضا والكلام للزيات بترميم مسجد اللؤلؤة بالمقطم عام 1989 وكذلك مسجد الجيوشي بدر الدين الجمالي بنفس المنطقة ما قاموا بتصميم عدة مقاصير في بعض المساجد خاصة مساجد آل البيت مثل مسجدي السيدة زينب والحسين بالإضافة لمسجد الأقمر.(44/144)
ويضيف الزيات في مسجد الحسين أيضا قام البهرة بعمل باب سميك من زجاج السكريت بغرفة المخلفات النبوية التي تحتوي على جزء من قميص الرسول ? كانت السيدة ماريا القبطية أعطته له كهدية من المقوقس حاكم مصر وكذلك العصا التي كان يتكئ عليها والمكحل وبعض شعيرات من جسده الشريف وقد كان من السهل في البداية كسر هذا الباب إلى أن قام البهرة بتصميمه من جديد بشكل لا يمكن اختراقه أو كسره كما قاموا بإضافة مجموعة من اللآلئ والأحجار الكريمة للباب وكان ذلك عام 1988.
ظروف سياسية:
مصدر مسئول بالمجلس الأعلى للآثار أكد أن الظروف السياسية التي عاشتها مصر في بداية الثمانينيات خاصة بعد المقاطعة العربية لمصر إبان اتفاقية السلام ودعوة السادات إلى الوحدة الإسلامية بديلا عن الوحدة العربية كانت من بين الأسباب التي سهلت للبهرة الاتجاه إلى ترميم الآثار الفاطمية وبعض آثار آل البيت ثم اتجه البهرة بعد ذلك إلى تطبيق نظام لكفالة وهو نوع من المشاركة بينهم وبين أصحاب المجال التجارية في منطقة الجمالية بهدف زيادة تواجدهم في المنطقة.
انتقادات كثيرة:
ويشير محمد أبو العمايم مدير إدارة المشروعات بقطع لآثار الإسلامية والقبطية سابقا إلى أن مشروعات الترميم التي قام بها البهرة وخاصة جامع الحاكم بأمر الله وقعت بها بعض الأخطاء الترميمية وهذا موجود بالفعل ولا يمكن تجاهله، ولكن يمكن القول إن حجم العمل وضخامة هذا المسجد يطغى على هذه السلبيات.
ويؤكد أبو العمايم أن البهرة أثناء ترميم جامع الحاكم بأمر الله أصدروا قرارات منها ازالت قبة قرقماش من أمام الباب الرئيسي وهذه القبة تعود لعصر المماليك وكان من الممكن تفكيكها وبناؤها من جديد إلا أنها نقلت إلى صحراء المماليك إلى قبة الأشراف برسباى وقبة قاني بك الأشرف وكان مفترضا أن تنقل إلى مكان آخر أفضل من ذلك.(44/145)
وفي جامع الجيوشي كما يوضح أبو العمايم طمست أعمال البياض والتجديد التي تمت بالمسجد وزخارفه التي كانت موجودة سابقا وكذلك جامع اللؤلؤة الذي تغيرت معالمه.
ويشير حجاجي إبراهيم أستاذ الآثار الإسلامية إلى أنه عندما قام البهرة بترميم جامع الحاكم بأمر الله أزالوا كل الإضافات التي طرأت عليه بعد العصر الفاطمي والتي أضافها السنة وتعتبر أثرية. ويضف حجاجي في جامع الجيوشي أيضا قام البهرة بطلائه باللون الأسود ثم الأبيض دون مراعاة لشكله الأصلي.
الفيض الحاكم:
جدير الذكر أن طائفة البهرة في سبيل تكريس وجودها في مصر وتحديداً بين أكبر أثر تنتمي إليه وهو جامع الحاكم بأمر الله طلبت من المجلس الأعلى للآثار الموافقة علي إنشاء مبنى لهم بالقرب من المسجد يسمى "دار الفيض الحاكم" ليكون مقراً لهم بدلا من تشتتهم وقد شهدت مناقشات ساخنة حول هذا الموضوع فبينما أيده البعض اعترض عليه البعض الآخر انطلاقا من تأثير المبنى على بانوراما المنطقة الأثرية وكذلك حالة الآثار الموجودة بها وانتهت اللجنة إلى الموافقة على إقامة المبنى وفقا للمعايير المحددة للبناء في هذه المنطقة.
اهتمام أشمل:
وبالإضافة إلى البهرة واهتمامهم بالآثار الإسلامية بمصر هناك أيضا مؤسسة أغاخان التابعة للطائفة الإسماعيلية الشيعية التي يتزعمها كريم أغاخان وقد قامت هذه المؤسسة بعدد من المشروعات المتعلقة بالآثار الإسلامية خاصة المرتبطة بها فعلى سبيل المثال ومنذ حوالي عامين قامت بالاتفاق مع محافظ أسوان على تطوير المنطقة المحيطة بضريح أغاخان بالبر الغربي للمحافظة حيث اتفق الجانبان على أن تشمل عملية التطوير إنشاء مجموعة من الأسواق والبازارات السياحية وبعض المراكز الخدمية الحضارية.(44/146)
وبالرغم من أن الاهتمام بالآثار الإسلامية يعتبر جزءا من فلسفة المؤسسة انطلاقاً من المنظور العقائدي إلا أنها مع ذلك تهتم بالآثار الإسلامية التي ترجع إلى كافة العصور وهي بذلك أكثر شمولا من طائفة البهرة فعلى سبيل المثال قامت المؤسسة بترميم مدرسة "درب شغلان" بمنطقة الدرب الأحمر والتي تصدعت في زلزال 1992.
كما قامت المؤسسة بتطوير منطقة الدرب الأحمر أثريا وتنمويا بالتعاون مع الجمعيات الأهلية وهناك أيضا حديقة الأزهر التي تعد أهم مشروعات المؤسسة في مصر وقد تم الكشف من خلال العمل بهذا المشروع عن جزء من سورة القاهرة الذي يرجع إلى العصر الأيوبي ويبلغ طوله 1300 متر وكان في حالة متهالكة جدا إلا أن المؤسسة استطاعت بالتعاون مع المجلس الأعلى للآثار وبعض الخبراء الإيطاليين قامت بإظهار السور وترميمه وإرجاعه إلى حالته الأصلية.
تغلغل شيعي:
وحول المطلب الذي تضمنه المقال المنشور بمجلة "الحكومة الإسلامية" يعود د. حجاجي إبراهيم ليشير إلى أنه لا يجب النظر لمثل هذا المطلب الغريب الذي يحتوي على رغبة دفينة للتغلغل الشيعي في مصر تحت ستار الحفاظ على العتبات المقدسة وغيرها... وربما ظهر ذلك أيضا من خلال سعي البهرة لشراء المحال التجارية الموجودة بمنطقة الجمالية بمبالغ خيالية ليحققوا تواجدا لهم في هذه المنطقة التي تحوي كما هائلا من الآثار الفاطمية.
ويضيف د. حجاجي لقد كان أولى بهؤلاء الذين يطالبون بالحفاظ على الآثار الشيعية في مصر أن يحافظوا على أثارهم التي تدمر يوميا بالنجف بالعراق مشيرا إلى أن مصر ليست بها مساجد للشيعة وأخري للسنة وإنما بها مساجد للمسلمين عامة وبالتالي لا يوجد أي مبرر يعزز هذا المطلب خاصة في ظل اهتمام المصريين بالمساجد وعدم إلحاق أي ضرر بها مهما حدث والتاريخ يشهد بذلك، فعندما دخل العباسيون مصر انتقموا من الطولونيين ودمروا كل ما يمس لهم بصلة وأبقوا على جامع أحمد بن طولون.
إجلال وتقدير:(44/147)
ويعلق محمد أبو العمائم على مطلب المجلة قائلا إن المسلمين بصفة عامة يهتمون بالأضرحة لأنها جزء من تاريخ الإسلام، ومسلمو مصر يقومون بتعظيم وتقدير أضرحة آل البيت ليس كنوع من انحراف العقيدة ولكن كإجلال وتقدير لهم وبالتالي فإن مصر لا تحتاج لتعيين وزير لحماية هذه الأضرحة.
ويؤكد د. أحمد الحساوي أستاذ الآثار الإسلامية بجامعة القاهرة أن هذا المطلب لا يستحق الرد عليه مشيرا إلى أنه لا يوجد عتبات مقدسة في مصر وإنما مساجد هي موضع تقدير واحترام من المصريين.
ويضيف الحساوي أن هذا المطلب يعتبر نوعا من التدخل في الشئون الداخلية لمصر وإن كان هذا لا يفسر من منطلق نشر المذهب الشيعي في مصر بقدر أنه نوع من الوفاء تجاه آل البيت.
تعزيز المطلب:
من جانبه يشير السيد محمد الدريني المفكر الشيعي وأمين المجلس الأعلى لشئون آل البيت إلى أن اهتمام الشيعة بالآثار الإسلامية في مصر يكاد يكون منحصراً في طائفة الشيعة الإسماعيلية والتي يمثلها البهرة حيث يقومون بترميمهم بعض المراقد مثل مرقد الأشرف بالمرج وبعض المساجد الأخرى بمنطقة الجمالية.
وحول اهتمام الشيعة بالآثار الشيعية دون سواها أوضح الدريني أن كل مراقد آل البيت ليست خاصة بالشيعة وحدهم وإنما لكل المسلمين.
ويضيف الدريني أن مائة قيادة شيعية في أربع دول أعلنوا عن عزمهم إقامة دعاوي قضائية ضد مصر أمام الأمم المتحدة من أجل تحقيق إشراف شيعي على هذه العتبات المقدسة وهذا ما رفضناه من جانبنا حيث أن أهل مصر قادرين على الحفاظ على هذه الأماكن وتقديم أفكار جديدة للارتقاء بها وتطويرها نظرا لارتباطهم بها.(44/148)
وحول مطلب المجلة الإيرانية أكد الدريني أن إحساس الناس المرهف بآل البيت وخوفهم على الأماكن الخاصة بهم يجعلهم يطالبون بذلك من أجل المحافظة عليها وإن كنت أتمنى ـ والكلام للدريني ـ أن يكون هذا المطلب مصريا على أن يقوم الوزير الشيعي المقترح بمهام وزير السياحة فيما يتعلق بهذه الأماكن لتنشيط حركة السياحة لهذه الأماكن فضلا عن الاهتمام بها.
ويؤكد الدريني أنه رغم اهتمام المصريين بأماكن الشيعة إلا أن تعيين وزير شيعي لها أمر مهم جدا خاصة في ظل افتقادها لكثير من الخدمات المتعلقة بالسياحة وتنظيم الزيارات وعمل المرشدين هذا فضلا عن حمايتها من المتزمتين من السنة الذين يروجون لبعض الخرافات المستمدة من الفكر الوهابي بحرمات زيارة هذه الأضرحة وكل هذه الأسباب تجعلني أعزز هذا المطلب.
معارك الشيعة والسنة" تاريخ شيعة مصر "
"من تاريخ شيعة مصر"
حسين كروم القدس العربي 8/2/ 2007(44/149)
خصصت جريدة الكرامة ـ لسان حال حزب حركة الكرامة تحت التأسيس ـ عدة تحقيقات للشيعة في مصر، كتب اثنان منها زميلنا مؤمن المحمدي، قال في أولها: قصة جمعية آل البيت هذه الجمعية ظهرت يوم 22 أغسطس 1973، ظهرت كما هو واضح من تاريخ تأسيسها في فترة صعود للتيارات السلفية الإسلامية من نوعية الجهاد والجماعة الإسلامية والرئيس المصري نفسه قام بتركيب زبيبة وأسمي نفسه الرئيس المؤمن وأضاف لاسمه اسم محمد ومع كل هذا المد السني السلفي لم تجد جمعية آل البيت ضيقاً ولم تعان من هجمات أمنية ولم تتم ملاحقتها بدعوي أنها تروج للمذهب الشيعي بل كانت جمعية رسمية أهلية لها مسجد علني هو مسجد آل البيت، في 2 ديسمبر 1979 صدر قرار من وزارة الشؤون الاجتماعية بحل جمعية آل البيت بعد ست سنوات وأربعة أشهر من العمل لأن الجمعية خالفت القانون الخاص بالجمعيات!! وتمت مصادرة المسجد، بواسطة وزارة الأوقاف وكانت مبررات الوزارة أن الجمعية تمثل خطورة علي عقائد الناس ووحدة صفوفهم وتغزو عقولهم بأفكار غريبة عن الدين الذي توارثوه.
بعدها بسنتين وبعد رحلة في المحاكم وفي 29 ديسمبر 1981 أصدر القضاء حكما بوقف حل الجمعية ومعاودة النشاط علي اعتبار أنها لا تمثل خطرا ولا تخرق قانونا لكن بالطبع مباحث أمن الدولة كانت هناك ومن ثم لم تعد الجمعية للوجود.
والسؤال: لماذا استمرت الجمعية ست سنوات إذا كانت خطرا وما هي الأضرار التي حدثت في هذه السنين الطويلة؟ فستكتشف بكل سهولة أن العام الذي قامت فيه الثورة الإيرانية بقيادة الخميني إذن حكومتنا الرشيدة لا تتعامل مع الشيعة علي الأساس المذهبي أو نتيجة لتمسكها بسنة الحبيب في مواجهة المتشيعة بل علي أساس سياسي محض وقصة آل البيت بحذافيرها تتكرر في كل مرة، ففي أعوام 87 و88 و89 تم إلقاء القبض علي تنظيمات شيعية مختلفة.(44/150)
وفي التحقيق الثاني قال: أولا: تعداد الشيعة في مصر غير معروف لكننا أمام أرقام تجعلهم نصف مليون حسب تقديرات أمريكية و700 ألف في تقديرات أمنية مصرية أما الشيعة أنفسهم فيقولون إن عددهم أكثر من مليون.
ثانيا: لا يوجد للشيعة في مصر تواجد جغرافي معين فمن المعروف أن شيعة العراق مثلا يتركزون في الجنوب وحول المزارات الشريفة حسب تعبيراتهم أما في مصر فالشيعة متناثرون في كل مكان و حتى الآن لم يثبت أن هناك شارعا واحدا في مصر قد أصبح علي المذهب الشيعي وهذه النقطة لا تسمح للشيعة بتشكيل غيتو أو تجمع خاص أو ما إلي ذلك.
ثالثا: مصر دولة كبيرة حقا هضمت كل المذاهب والأفكار التي دخلتها وأعطتها ملامحها الخاصة وعلي ذلك فالشيعة في مصر اكتسبت ملامح تختلف كلية عن الشيعة في أي بلد آخر فهي قائمة هنا علي السلفية المترهبنة، والانعزالية، فالطابع السلفي طغي علي شيعة مصر وأصبح ملمحا هاما من ملامح شخصية الشيعة المصرية، فالشيعي المصري يميل للقراءات التراثية دون القراعات الفكرية المعاصرة. هل تعلم أن كثيرا من الشيعة المصريين هاجم دار البداية وهي دار شيعية ظهرت منذ أكثر من ربع قرن لكونها ركزت منشوراتها علي النتاجات الفكرية والثقافية المعاصرة لمفكري الشيعة وهو ما يقوله العالم الشيعي صالح الورداني بأن الكثير من شيعة مصر يصرون علي التمسك باللحية وإطالتها بحيث يصعب تمييزهم عن السنية الوهابية، وفي الوسط الشيعي المصري الكثير من العناصر الثرية لكن ترهبنها يحول دون التحرك الايجابي لصالح دعوتهم.
وحالة الرهبة هذه دعمت الانعزال عن الواقع وتمسكت بفكرة انتظار الإمام الغائب فهذه الفكرة وجدت فيها الشخصية المصرية ملاذها كي تبرر موقفها السلبي من الواقع علي أساسها ولعل التدين السلبي هذا هو الذي سهل لصلاح الدين استئصال الشيعة من مصر.
رابعا: كم واحداً منا يعلم أن السيد جمال الدين الأفغاني كان شيعيا؟(44/151)
استقبلنا الأفغاني وأثر فينا وجاهد في جهادنا وناضل ضد محتلنا لكنه لم يؤثر مطلقا علي تركيبة مصر السنية وقد حدث هذا لأن مصر ببساطة دولة لا تجد حرجا في التعامل مع الشيعة لأن فيها مزارات أهل البيت وأهلها يقدرون آل البيت وإن كنت لا أوافق علي فكرة أن مصر سنية المذهب شيعية الهوي فإنه لا دخان بلا نار وهذه الفكرة أساسها هو عدم تأثر مصر إطلاقا بأي شيعي زارها وفي نفس الوقت فإنها لم تلفظه!!
خامسا: لا يمتلك الشيعة في مصر رؤوس أموال تجعلهم يتحكمون أو يحكمون أو يروجون مذهبهم ببساطة فلم نسمع عن رجل أعمال واحد شيعي يقترب من دوائر شيعية ومع صعوبة تلقي أموال من الخارج نظرا لصرامة الأمن المصري في هذا الاتجاه فلا يمكن أن نجزم بأنهم من هذه الناحية قادرون علي صياغة تنظيم شيعي قوي.
سادسا: التقارب الذي ندعو إليه بين السنة والشيعة ليس جديدا ولا بدعة، وفي عام 1959 أصدر الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر الأسبق فتواه الشهيرة بجواز التعبد علي المذهب الشيعي، هل يمكن أن يدلني أحد القراء الأفاضل علي سبب واحد بعد كل ذلك يدعونا لاستبعاد الشيعة؟ أشك! .
وصالح الورداني الذي استند مؤمن إلي الكثير من أقواله، كتب في القدس العربي في بداية التسعينيات عدة مرات، وكان يزورني في المكتب عندما كان مقره في شارع قصر العيني، وأهداني بعض كتيبات له، كانت تصدر عن دار نشر مقرها في عمارة تواجه مسجد صلاح الدين، خلف مبني كلية الطب وأمام المسرح العائم علي بداية كوبري الجامعة بحي المنيل.
الأرض بتتكلم ' فارسي '!
داوود الفرحان
الأهرام العربي 27 / 1 / 2007(44/152)
سواء استمرت القوات الأمريكية في اعتقال الإرهابيين الإيرانيين الأربعة الذين اصطادتهم بالجرم المشهود في أربيل شمالي العراق أم أطلقت سراحهم بضغط من الحكومة الطائفية في بغداد , فإن الثابت والأكيد أن في الموضوع ألف ' إن '. لقد بح صوت الوطنيين العراقيين من التحذير من التغلغل الإيراني المكشوف الذي وصل إلي المنطقة الخضراء ومجلسي النواب والوزراء و حتى مجلس الرئاسة .
الأدلة لا تعد ولا تحصي عن الدور الإيراني التدميري في وزارتي الدفاع والداخلية , وأجهزتهما العسكرية والأمنية بالإضافة إلي الميليشيات وفرق الموت . ويعرف الجميع أن الاستخبارات الإيرانية بمختلف مسمياتها موجودة ومنتشرة في كل قطاعات البلاد الخاضعة لسلطة حكومة المنطقة الخضراء , من الحدود إلي المطارات إلي الجوازات إلي الجمارك إلي الخارجية إلي التجارة إلي النفط إلي الإعلام إلي مجالس المحافظات , وحتى إلي داخل المستشفيات وثلاجات الطب العدلي .…
وليس من قبيل النكتة أن يصرح السفير الإيراني في بغداد حسن كاظمي عقب اجتماعه أخيرا مع هوشيار زيباري وزير خارجية حكومة المالكي بأن بلاده ' تعمل لمصلحة الأمن في العراق .. لا ضده '! والأغرب قوله ' إن طهران مستعدة لتدريب وتسليح قوات الأمن العراقية بحيث تتمكن من مواجهة الإرهابيين '.
والإرهابيون الذين يقصدهم كاظمي هم أبناء الشعب العراقي الذين يرفضون الاحتلالين الأمريكي والإيراني ويعتبرونهما وجهين لعملة رديئة واحدة . بل إن كثيرا من العراقيين يعتبرون الخطر الإيراني أشد إيذاء للعراق لأن الاحتلال الأمريكي مهما طال فإنه سيرحل بينما الداء الإيراني مقيم مثل مرض الإيدز .(44/153)
وما قاله الدبلوماسي الإيراني هو تحصيل حاصل لأن طهران التي دربت كل فيلق بدر الجناح العسكري لمجلس عبد العزيز الحكيم مازالت تدرب وتجهز بالأسلحة والمعدات جيش المهدي وفرق الموت , بل وتشارك عناصرها في اختطاف واعتقال وتعذيب وقتل الآلاف من العراقيين الأبرياء .
ويعرف القاصي والداني في العراق تلك العمليات القذرة التي أدت إلي اغتيال أعداد كبيرة من الطيارين وضباط الجيش وقادة الأمن العراقيين , وأساتذة الجامعات والأطباء والعلماء وأئمة الجوامع والناشطين السياسيين , ومعظمها كان بتخطيط وإشراف ودعم إيراني يرتدي عمامة الدين والطائفية .
لقد وجدت إيران في الأخطاء والخطايا الأمريكية في العراق فرصة العمر للوثوب إلي السلطة في بغداد عبر رجالها المخلصين الذين آوتهم خلال فترة هروبهم من مطاردة النظام العراقي السابق , وتحت شعارات الديمقراطية والانتخابات والتعددية التي روجت لها قوات الاحتلال وتحمس لها رجال الدين والسياسيون المرتبطون بإيران , قطفت طهران ثمار الغزو الأمريكي للعراق وإسقاط نظامه السابق الذي كان يعتبر العدو رقم واحد لنظام الملالي .
لم تكن طهران في انتظار عصا سحرية للسيطرة علي العراق بدون حرب ولا قتال , فهي اكتفت بالفرجة علي جيش الاحتلال الأمريكي وتابعه الذليل جيش الاحتلال البريطاني اللذين كانا يقومان بدور كاسحة الألغام أمام التغلغل الفارسي في دولة العراق المنهارة بعد حل الجيش العراقي والأجهزة الأمنية الوطنية .
وكلما ادلهمت الخطوب أمام حكومة المنطقة الخضراء سارع قادتها الطائفيون والعنصريون إلي طهران لدراسة الموقف مع أرباب النعمة وتوقيع اتفاقيات أمنية لا يعرف عن تفاصيلها الشعب العراقي شيئا .(44/154)
هل هي مصادفة أن حكومتي الجعفري والمالكي تطلقان فورا سراح كل إيراني يتم اعتقاله في العراق , بينما يساق العرب من جنسيات سعودية ومصرية وسورية وسودانية ومغربية وجزائرية إلي الإعدام بتهمة التسلل إلي البلاد للقيام بأعمال ' إرهابية ' ؟…
خلاصة الكلام : إن طهران تحكم اليوم العراق تحت العلم الأمريكي . عاشت الديمقراطية وعاش التحرير .. والأرض بتتكلم ' فارسي '!
مقابلة مع الشيخ محمد الجوزو مفتى جبل لبنان
الرأي - 28/1/2007 باختصار
• كان لبنان يوم «الثلاثاء الأسود» على موعد مع أحداث خطيرة ، كيف نظرتم إلى ما حدث؟
-…يريدون محاربة المحكمة ذات الطابع الدولي(التي تنظر في جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري) ولا يريدونها أن تنجح في الوصول إلى قتلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري... وما زاد الطين بلّة، عندما تسببوا بقتل 5 مواطنين لبنانيين، إضافة إلى إصابة مئات الجرحى... وهذه يجب أن تضاف إلى لائحة الاغتيالات.
لبنان خرج من حرب استمرت 17 سنة ودمر، واعدنا بناءه بصعوبة، وتكبد خسائر كبيرة وديونا هائلة، وهم دائما يشتكون من هذه الديون ويحمّلون المسؤولية إلى الرئيس الحريري رحمه الله، مع أن المسؤولية هي لأصحاب الميليشيات والعصابات التي كانت ترتبط بالوصاية السورية، إذ أنهم كانوا يقتسمون الغنائم. والمعروف أن سورية لم تكن في لبنان فقط للنزهة، بل كانت تعتبر لبنان «بيضة من ذهب» .
• ألا تعتقد انه كان من الأجدر ترك المعارضة تعبر عن موقفها من خلال الإضراب الذي دعت إليه؟
- إغلاق الطرقات مرفوض ، فليس من حقهم إغلاقها وليس من حقهم أن يعطلوا الحياة السياسية والاقتصادية، لا يوجد بلد ديموقراطي في العالم يضرب فيه الناس لمدة 60 يوما...
أين الديموقراطية في ما يفعلونه؟ هذه وقاحة، وهذا تطاول على القانون وعلى الديموقراطية، لماذا يريد حسن نصر الله إسقاط الرئيس فؤاد السنيورة ؟ لماذا ؟ ما هذه العداوة بينهما.(44/155)
قتلوا الحريري واسقطوا نهائيا الزعامة الإسلامية السنية في لبنان، والآن يريدون إسقاط السنيورة، فلماذا هذا الاستهداف . هذا استهداف مذهبي 100 في المئة وليس كما يدّعون بأنها قضية وحدة وطنية على الإطلاق.
• قتلوا الحريري... من هم الذين قتلوا رفيق الحريري؟
- جميعهم مشاركون في هذه الجريمة.... جميعهم مشاركون... الذي يؤيد سورية يكون مشاركا لسورية في ما ارتكبته... هل قوى «14 مارس» هي التي قتلت زعماء «14 مارس»؟
لماذا قتلوا الصحافيين جبران التويني وسمير قصير؟
أليس من اجل الكلمة ومن اجل القلم، أليس من اجل رأيهم ... فهل يقتل إنسان من اجل رأيه؟ هذا بشع جدا. يقول «أنت مين كي تنتقدنا» ... ( في إشارة إلى كلمة سابقة استخدمها السيد حسن نصر الله في أحد خطاباته قال فيها : أنت مين... أنت شو تاريخك ) ... وأنا أقول إن من حق أي إنسان أن ينتقد أي إنسان... لا يوجد إنسان فوق الناس أبدا، ولا توجد مرجعية في الدنيا تستطيع أن تنسب إلى نفسها القدسية.
• ماذا يريد حسن نصر الله من رؤساء الوزراء؟
- رفيق الحريري لم يعطوه الثقة في أي يوم من الأيام على الإطلاق، بل إنهم كذبوا علينا، وقالوا بعد موته انه كان صديقا لنا وكان حبيبا لنا، أما في حياته، فلم يكن إلا عدواً لدوداً، ونحن نعرف رأي «حزب الله» في رفيق الحريري قبل موته، ورأي «حزب الله» الآن في الحريري. لا يحاول إنسان أن يتبرأ من مواقفه القديمة ويبدلها فجأة...
• ألا تعتقد أن من المبالغة القول أن لبنان يواجه خطر الحرب والفتنة، خصوصا بعدما أكد السيد حسن نصر الله رفضه لذلك ؟
- أنا لا أريد رفضا في الكلام فقط... أنحن دولة ديموقراطية أم لا؟ أنؤمن بهذه الديموقراطية أم لا؟ الوسائل المشروعة فقط هي التي تُقبل . أنا أسأل: أين هي الشرعية ؟ هل هي في مجلس النواب ؟(44/156)
إذاً فلنعد إلى مجلس النواب وليس إلى شارع النواب، إذ لا يوجد شارع للنواب ولا شارع للشرعية، الشارع للشارع وخطاب الشارع يختلف عن خطاب مجلس النواب... أنتم كنواب تم انتخابكم وأنتم بدوركم انتخبتم، وكان لكم دور في مجلس النواب، فلماذا تتمردون الآن على مجلس النواب ؟
أكبر غلطة تم ارتكابها، أن الرئيس نبيه بري أصبح زعيما للشيعة وليس رئيسا لمجلس النواب... هو بنفسه انزل نفسه من مستواه الكبير، لذلك لا يجوز أبدا وبأي شكل من الأشكال أن نحوّل القضايا إلى قضايا مذهبية وطائفية، كادت تقع مجازر بين المسيحيين أنفسهم، فهل هذا من مصلحة لبنان؟
قال السيد حسن وأعلن السيد حسن... لقد قال كثيرا السيد حسن نصر الله، ولكن ما يحدث على الأرض ليس كما يقوله السيد حسن، والذين لبسوا الأقنعة الثلاثاء الماضي، أليسوا ميليشيات وقراصنة؟ السنيورة لم تتلوث يداه في دماء الناس ولم تتلوث يداه بسرقة الناس كما يدّعون، بل السارقون هم الذين سرقوا أرض الجناح وأرض الأوزاعي وسرقوا طريق المطار وسرقوا منطقة الرمل العالي (مناطق في ضاحية بيروت الجنوبية) .
لا يجوز أن نجر لبنان إلى هاوية الدمار من جديد. بني الرجل (الحريري) رحمه الله، بني لبنان بناء رائعا جدا، وصنع ما لم يصنعه أي سياسي، وأنا قلت للعماد ميشال عون: أي شارع أنت شققت، وأي بناء بنيت؟ أنت دمرت فقط... ألم تكن كل أعمال عون خلال توليه السلطة في لبنان دمارا، بينما الحريري بني؟ وعون يرجم الحريري ويقول أن الحريري كذا وكذا... فاللص الذي يسرق موازنة الدولة ويأخذها من الخزينة ويذهب يصبح شريفا ( في إشارة إلى مغادرة العماد ميشال عون عام 1991 لبنان إلى منفاه في فرنسا، بعدما كان رئيسا للحكومة العسكرية وقائدا للجيش واتهم وقتها انه استولى على أموال طائلة وأخذها معه ) والرجل الذي بني ووزع من جيبه وعلّم آلاف الطلبة، تم اتهامه ورجمه .(44/157)
• هل يحق لأي إنسان أن يضع يده على أي قطعة أرض في لبنان ليست له؟ أليست هذه قرصنة؟
- هم اغتصبوا أراضي الاوزاعي، هذا الحي النظيف الذي كان منتزها لبيروت، ماذا أصبح حاليا ؟ صار حيا عشوائيا، فيه أبنية متراكمة مبنية في طريقة غير شرعية وغير قانونية ولا تحتوي على أي خدمات، وكل ما أرادوا فعله من خلال هذه الأحياء العشوائية في الاوزاعي، هو الإساءة إلى بيروت، ونجحوا في ذلك، إذ أن كل مسافر قادم إلى لبنان، ينظر تحته ولا يرى من الطائرة سوى أحياء عشوائية.
هناك فرق كبير ما بين رؤية حسن نصر الله ورؤية رفيق الحريري . فرؤية الحريري كانت البناء والحضارة والتقدم وتقديم لبنان على انه بلد مدني، إنما السيد حسن نصر الله، فمنع بناء جسر في منطقة الاوزاعي وأطلق نظرية : البشر قبل الحجر ...
• رفيق الحريري، رحمه الله، دفع من جيبه الخاص وعلّم لكم 36 ألف طالب ...
لا أريد التحدث مذهبيا، لكنه أرسل من الطلاب الشيعة أكثر من الطلاب السنة، وكانوا يدرسون في فرنسا وفي الولايات المتحدة وكنت أراهم يتعلمون ويدرسون على حسابه ثم يشتمونه، فقط كانوا يسبونه لأنه رجل قوي ورجل لديه إمكانات ضخمة، ويبدو أن لديهم عقدة، ولا يريدون رجلاً نظيفا في لبنان ولا يريدون رجلا قويا، لأنهم لا يحبون الأقوياء بل يحبون الضعفاء، لذلك، هم يريدون إضعاف الدولة وليس تقويتها.
• غالبا ما تتعرض إلى انتقادات غير مباشرة من قيادات «حزب الله» على خلفية مواقفك الحادة، ألا تعتقد أن من المفيد تغليب الخطاب المعتدل ؟(44/158)
- ليُغلّب الآخرون أولا... أنا لا أملك السلاح، وليس عندي ميليشيات... أنا أملك الكلمة فقط وأقول كلمة الحق لأنني أرى باطلا ينتشر على الساحة اللبنانية وأرى تزويرا للحقائق، وأنا لا أستطيع السكوت عن التزوير أنا حر، واعتز أن لبنان هو بلد الحرية، في حين أنهم يريدونه بلدا للعبيد وبلدا للمخابرات السورية، يريدون أن نبقى ملتحقين بالمخابرات السورية ويحكمنا رستم غزالة ويحكمنا غازي كنعان ...
هل هذه كرامة لبنان ؟ لماذا يريد أن يعيدنا إلى عصر التبعية ؟ لماذا يريدون الآن إعادة سورية إلى الساحة اللبنانية ؟ هذه كلها مؤامرات كي تشتعل النار في لبنان ، ثم يقولون : فلتأت سورية لتضبط الموقف لأن الشعب اللبناني لا يستحق أن يعيش حرا ويحتاج إلى وصاية وهذا هو الملخص الآن .
• يؤخذ عليك مقاربتك المباشرة كرجل دين للملفات السياسية - الأمنية، خصوصا تلك المتعلقة بـ «حزب الله» ... أليس من الأجدى ابتعاد رجال الدين عن السياسة؟
- رجال الدين ليسوا بشرا ؟ ليسوا مواطنين ؟ أليس من حقهم أن يمارسوا أبسط أمور الديموقراطية ؟ حسن نصر الله يعمل الآن رئيسا لميليشيا وأنا لا أسميه زعيم حزب ، لأن حسن نصر الله تحوّل من زعيم يريد محاربة إسرائيل إلى رئيس ميليشيا يحارب شعب لبنان ويحاول أن يدمر لبنان... وإذا لم أتكلم أنا، فمن الذي سيتكلم؟ هل نسكت جميعا ونترك حسن نصر الله و(نائبه) نعيم قاسم الذي ينط (يقفز) من خلف المنابر ويهدد... جميعهم يتحدثون بلغة فوقية وإملائية ... هل هذا كلام يجوز ؟(44/159)
ذهب غازي كنعان ورستم غزالة وجاء حسن نصر الله ونعيم قاسم ليمليا علينا ما يريدان؟ نحن لسنا عبيدا على الإطلاق، نحن أحرار وسندافع عن حرية اللبناني وكرامته... فليفسروا كلامي كيفما يشاؤون، أنا كلامي ضد المذهبية وضد كل الطائفية، أنا مع جمع كل الطوائف في لبنان على قدم المساواة، أنا مع إلغاء الطائفية السياسية، أنا مع أن ينتخب أي لبناني من أي طائفة، حتى للرئاسات الثلاث... لا نريد هذا التصنيف.
ماذا فعلت فينا المذهبية والطائفية ؟ الرئاسة تعطلت، فأُسيء للموارنة جميعا عندما استمر هذا الرئيس (العماد إميل لحود) للأسف الشديد بالتعامل مع الناس وكأنهم عبيد، هو عميل لسورية ولا يريد الخروج من هذه العمالة... أساء إلى الموارنة قبل أن يسيء إلى غيرهم، وكذلك الأمر بالنسبة إلى مجلس النواب، الأستاذ نبيه بري هو صديقي، لكنني لا أوافق على موقفه لأنه ضيّع الأمانة الملقاة على عاتقه.
فلو انه فتح أبواب مجلس النواب وناقش كل القضايا داخل المجلس، لكان حلّ الكثير من الأمور، لكنه يعقّدها، وهو يعقدها لمصلحة من ؟ لمصلحتي أنا ؟ لمصلحتك أنت ؟ لمصلحة الشعب اللبناني ؟ أبدا، هذه لمصلحة (الرئيس السوري) بشار الأسد، لمصلحة (الرئيس الإيراني محمود) احمدي نجاد لمصلحة (آية الله علي) الخامنئي الذي يتدخل في شؤوننا الداخلية. ... الخامنئي يحارب مع الولايات المتحدة في العراق من خلال زميليه عبد العزيز الحكيم ومقتدى الصدر، وهما ينتميان إلى مرجعية واحدة هي مرجعية الخامنئي، ويقاتلان إلى جانب أميركا!! كيف نكره أميركا في لبنان ونحن نحبها في العراق ؟ كذلك الحرب في لبنان هي خدمة لإسرائيل وليس أبدا محاربة لإسرائيل، وما يحدث في لبنان الآن هو فتنة، وإذا تطورت ستخدم إسرائيل اكثر.
• المطلوب من سماحتك اليوم ومن الجميع أن تكونوا احرص الناس على الوحدة المذهبية...(44/160)
- (مقاطعا) هل لأني شيخ سني ليس من حقي أن أتكلم بينما مشايخ الشيعة جميعهم بإمكانهم الكلام ؟؟؟
• إذاً من هو المسؤول عن إشعال الفتنة المذهبية في لبنان ؟
- مشايخ الشيعة طبعا ... مشايخ «حزب الله» هم المسؤولون عن إشعال هذه الفتنة، لان كلهم يصطفون حول «حزب الله» وينفذون كل ما يقوله الحزب. مثلا ( نائب رئيس المجلس الشيعي الأعلى ) عبد الأمير قبلان الذي كان يظهر بمظهر معتدل، تراه اليوم يقول أن على المراجع الدينية أن تقنع السنيورة بالاستقالة... أنت يا قبلاني تطالب باستقالة السنيورة بعدما كنت تشيد في السابق بالرئيس الحريري؟ يعني هم مسموح لهم أن يهاجمونا ويحاربونا ويملوا علينا أوامرهم وتعليماتهم ونحن ليس من حقنا أن ندافع عن أنفسنا وإلا اتهمنا بالمذهبية.
أنا لست مذهبيا، ولو كنت مذهبيا لما كنت سايرتهم فترة طويلة... جميعهم يعرفون أنني لست متعصبا مذهبيا، بل كنت دائما منفتحا عليهم وكنت أسايرهم دائما واضحك معهم وأقول لهم: لماذا تزايدون علينا في حب آل البيت الكرام، فانا اسمي محمد علي ووالدي اسمه علي وابني البكر اسمه علي وأنا أبو علي ... وفجأة انقلبت إلى مذهبي الآن لأنني أقول كلمة الحق وأحارب الباطل وأحارب المذهبية التي تهدد لبنان ...
ليس من حق أي مذهب أن يلغي المذهب الآخر ولا أي طائفة أن تلغي الطائفة الأخرى، فإذا استقال وزراء الشيعة، إذاً سقطت الدولة وسقطت الأمة كلها، لان الشيعة اضربوا، فلنضرب معهم ولتضرب الدولة وإلا الشرعية غير موجودة، لا في الحكومة ولا في أي مكان ... الشرعية مرتبطة بالشيعة أيضا ... هل يجوز هذا الكلام ؟ إذاً هم يتحدثون بشرعية الطوائف وشرعية المذاهب وليست شرعية الوطن وهذا ما أحاربه...
• هل من الواقعية بمكان تحميل «حزب الله» مسؤولية ما يجري والتعاطي معه كجزء من محور خارجي ؟
- نحن نتعاطي مع «حزب الله» كجزء من محور خارجي. فتسليحه وتمويله من إيران .(44/161)
• لم توفر العماد ميشال عون من انتقاداتك القاسية، لماذا وهو المعروف بماضيه المناهض للتدخلات الإقليمية في لبنان ؟ .
- هذا كلام فقط، للأسف الشديد كان من اشد المعارضين لـ «حزب الله» وذهب إلى الكونغرس الأميركي وطالب بإصدار القرار 1559 الداعي إلى نزع سلاح «حزب الله» وإخراج سورية من لبنان . وعندما خرجت سورية من لبنان بعد اغتيال الرئيس الحريري، غضب عون وقال : أنا الذي كنت أسعى لخروج سورية وأنا الذي سعيت وراء القرار 1559 وعندما أصبح داخل لبنان، استبعد هاتين القضيتين، ووقع اتفاقا مع «حزب الله» داخل الكنيسة، وهذا الاتفاق الذي عقده مع السيد حسن نصر الله في كنيسة يرمز إلى أشياء ابعد مما نعرفه نحن.
إذاً هذه كلها ألعاب بهلوانية... هو يريد أن يكون شريفا ونزيها ويطالب بالشفافية، وأنا اسأله : أين الشفافية عندما كنت على رأس الدولة ؟ أين هي الشفافية عندما قتلت الناس بالجملة ؟
أنا كنت أتعرض للقصف في منطقة الطريق الجديدة، وهو (عون) كان يقصف في شكل شديد للغاية المنطقة الغربية في بيروت، لدرجة أن بيتي أصيب بسبب قصف عون 4 مرات . فتركت بيروت وذهبت إلى الجيِّة وأقمت في دار الفتوى هناك بسبب قصفه، تركت منزلي رغم أني أصلحته أكثر من أربع مرات، إلا انه لا يزال يدلف ( يرشح الماء إلى داخله ) بسبب عون وصواريخه، واليوم تأتي يا عون وتريد أن تكون رئيسا للجمهورية ؟ هذا لا يجوز.
كان يقول: أنا أحارب السوريين... أنت حاربت اللبنانيين، أنت قتلت اللبنانيين، ودمرت منازلهم في حين لم تصب السوريين بأي أذى. كان يدّعي انه يحارب سورية، والآن صار طرفا مع سورية، لان كل من يقف إلى جانب «حزب الله» هو في طرف سورية.(44/162)
لا أريد أن اذكر جماعتنا السنية، لان لا احد منهم يمثل للأسف طائفته الآن، إنما كل منهم يبحث عن دور. ما عسانى أن أتحدث عن بعض الأشخاص الذين طردتهم سورية وعذبتهم وسجنتهم، ثم تحوّلوا إلى دعاة للمخابرات السورية ودعاة للوصاية السورية... هؤلاء من جماعتنا نحن. بعض الذين يتحدثون باسم المسلمين السنة الآن كانوا في السجون السورية وعذبوا على يد السوريين.
أنا استغرب بعض رؤساء الوزراء السابقين أنفسهم كانوا يقولون لي كلاما غريب الشكل عندما كانوا في الحكم ولو كشفت هذا الكلام لفضحتهم، لكنني لا أريد الدخول في معركة رؤساء الوزراء السنة، لأنني أريد أن أبقي على بعض الاحترام الذي يتحلون به حتى الآن.
• تركز دائما على الطموح الرئاسي للعماد عون، ألا تعتقد أن مثل هذا الطموح مشروع؟
- مشروع ... لكنه يبعده عن الرئاسة، لأنه الآن يسعى إلى تخريب لبنان وتدميره مثلما كان يفعل في الماضي، كم هي المدة التي أقام فيها عون في فرنسا؟ 13 عاما ؟ الم تعلّمه فرنسا أن يحترم القانون من خلال إقامته هناك واحترام الشرعية ؟
• لماذا تربطون كل ما يجري وكأنه مؤامرة على المحكمة الدولية في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وخصوصا أن الجميع وافقوا على ذلك في مؤتمر الحوار .(44/163)
- هذا هو الغش... أي أن نتفق ثم لا نتفق . فبعد أن اتفقنا على قضية الحوار وما وصلنا غليه من أننا جميعنا نريد المحكمة، خرج علينا السيد حسن نصر الله في حديث نشرته مجلة «العربي» في مصر وقال أن جون بولتون، وقبل خروجه من مجلس الأمن، قال لأحد الوزراء اللبنانيين - ولم يسمه - أعطونا قانون المحكمة الدولية ونحن نعطيكم رأس حسن نصر الله... لماذا رأس حسن نصر الله ؟ هل حسن نصر الله كان مشاركا في جريمة اغتيال الرئيس الحريري... لا اعتقد... إذا لو كنت بريئا لا يستطيع لا جون بولتون ولا غيره التعرض لك لان هناك قضاة يحترمون أنفسهم، فالغرب من هذه الناحية دقيق جدا ولا نستطيع أن نقول أن هذا القاضي البلجيكي أو الألماني سيكون خاضعا للسياسة الأميركية. لماذا يريد ربط هذه القضية بالسياسة الأميركية ؟ حتى يبطل المحكمة نهائيا ويلغيها.
• تتهمون بعض الأطراف باللعب على الوتر المذهبي، في وقت تتحالف هذه الأطراف مع شخصيات سنية مرموقة كالرئيسين سليم الحص وعمر كرامي والداعية فتحي يكن وسواهم؟
-…( مقاطعا ) ... لا تقول لي داعية أرجوك ... أنا أحاكم حاليا شخصا يضع كلمة دكتور إلى جانب اسمه وهو لم يحصل على الدكتوراه، فاستبدل كلمة دكتور بحرف الدال . وعندما سألته عن حرف الدال ، قال لي : اقصد بها داعية. هذا هو أخونا فتحي يكن وللأسف ، عندما سأكبر قليلا ، سوف أخرف قليلا ... هذا الرجل ( يكن ) الطيب والذي أحبه كثيرا، يتم استغلال اسمه عبر الإعلام . وكل واحد يغرّد خارج سربه أنا لا اعترف به.
• ألا تعتقد أن مخاوف «حزب الله» في مكانها بعد تعرضه لحرب قاسية من إسرائيل وبتواطؤ مع الولايات المتحدة ؟(44/164)
- أولا ، حسن نصر الله كنا جميعنا معه ووقفنا إلى جانبه في تلك الحرب، لكن هل كان من حقه تجاوز «الخط الأزرق» ليخطف جنديين؟ هو كان يعمل على مسألة مزارع شبعا، وفجأة، ومع بداية فصل الصيف والناس في لبنان فرحون ومستعدون لموسم اصطياف مزدهر، ذهب وخطف جنديين وقتل ثمانية آخرين، وأعطى إسرائيل مبرّرا وحصلت هذه الجريمة (تدمير لبنان) .
ومن يتسبب بهذه الجريمة هو مسؤول وإلا لما كان عليه تحمّل المسؤولية ويقول أنا هو المسؤول... هو اعترف وقال : لو كنت اعلم أن إسرائيل سترتكب هذه الجريمة لما كنت أقدمت على خطف الجنديين. إذاً أنت آذيت لبنان وتسببت في دماره، وإذا كان ذلك عن حسن نية فهذه مشكلة... مشكلة كبيرة أن توصلنا حسن النية إلى ما وصلنا إليه. هل اعترف للشعب اللبناني بأنه وقف إلى جانبه خلال الحرب؟
على العكس، قام وشتم الشعب اللبناني واستثنى عون، في حين أن الجميع استقبلوا النازحين واحتضنوهم... وخلال تلك الفترة كانوا يسبّون الحريري ويقولون أن لا احد عمل أي شيء سوى عون ... إذا حتى في التقدير للمشاعر الوطنية الكريمة التي ظهرت على أيدي أبناء الشعب اللبناني، أنكرها السيد حسن وحوّلها إلى سياسة، وقال انه لا يوجد احد وقف معنا إلا عون... وهذا كلام ليس صحيحا. إذا أنا انتقدت نقدا سياسيا، فرد علي بالسياسة، لكن ترد علي وتسبني... إذا أنت تكون شتمت نفسك، والإناء ينضح بما فيه.
• اليس من المفيد استجابة رئيس الحكومة فؤاد السنيورة إلى دعوة توسيع الحكومة ومنح المعارضة الثلث المعطل أو الضامن فيها لتفادي الأسوأ ؟
- أبدا أبداً أبداً... لن يسيطر حسن نصر الله على رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس النواب والحكومة، هذا غلط، ولا يمت إلى الديموقراطية بصلة، لماذا يكون قرار الحكومة بيده ؟ هي حكومة متكاملة فيها كل الطوائف. كان وزراء «حزب الله» ممسكين بأهم وزارات وكانوا يشاركون ولا احد كان يعطل دورهم.(44/165)
«حزب الله» لم يشارك بأي حكومة سابقة، وعندما شارك الآن، فجّر الحكومة من الداخل. خوفي من «حزب الله» أن يفجر كل الصيغة اللبنانية وليس فقط الحكومة. هو يريد أن ينفذ ما يراه هولا ما يراه الآخرون. هذه ديكتاتورية بكل معنى الكلمة.
• أنت دائما صدامي ... دعنا نعطي الناس فكرة عن وجهك المسالم، وأطرح لنا حلولا كي نخرج من هذا المأزق السياسي؟
- أنا لبناني ... وأنا جبلي ... ولست «رخوا» مثل غيري ... وأنا لا أسالم إلا المسالم ... نسالم من يسالمنا ونرد على من يعتدي علينا ... هناك اعتداء صارخ على حكومة الرئيس رفيق الحريري من قبل موته وبعد موته والآن يوجد اعتداء صارخ على الرئيس السنيورة وعلى حكومته، وهذا مرفوض، إذ لا يوجد أبدا في الدنيا شرع يقول أن ما يحدث الآن هو صحيح... لماذا؟ أنت انتصرت؟ فصرت تريد أن تملي إرادتك علينا؟ ما هذا النصر؟ لنعرف ما هذا النصر؟
عندما حررت الشريط الحدودي عام 2000 قلنا لك انك انتصرت، ولكن اليوم أنت لم تحرر، بل رجعت إلى الخلف وجئتنا بالأمم المتحدة إلى لبنان... رميت خمسة ألاف صاروخ وأصبت 80 شخصا نصفهم من العرب!
• إذاً ما الحل؟
- الحل هو أن نعود إلى لبنانيتنا ولا تكون أهواؤنا مرتبطة لا بالشرق ولا بالغرب ... أنا لا أريد دولة تعطيني السلاح كي أحارب أخي المواطن، ولا أريد دولة تشتريني بالمال... الحل هو لبناني - لبناني، مع احترامنا الكامل لإيران .
تقول لي أن أميركا أفضل من إيران وطهران أفضل من واشنطن فهذا نوع من الدجل السياسي، نحن هنا لسنا في موقع التصنيف، إذا كانت هذه الدول تعمل لمصلحة لبنان أم لا، فنحن نعرف أن عدونا الأساسي أميركا، من يحارب أميركا في العراق ؟ السنة، صح أم لا، لماذا تسلبني هذا الشرف، لم نر أحدا قام وقال إن السنة هم الذين انتصروا على أميركا في العراق، في حين كل السنة قالوا أن «حزب الله» انتصر على إسرائيل.(44/166)
السنة هم ملح لبنان الآن، يدافعون عنه أكثر من الموارنة، الذين يعتبرون أن لبنان صنع لهم ومن اجلهم ويعتّزون بذلك، ورغم ذلك، أنا اعتبر أن السنة متقدمون على الموارنة في الدفاع عن لبنان وعن حريته وفي ترسيم حدوده وعمل سفارة بينه وبين سورية، وهذا لم يكن موجوداً في السابق عند السنة، لكن هذا دليل على التصاقهم بالصيغة اللبنانية وحرصا منهم على هذه الصيغة، لذلك، لا يستطيع إنسان أيا يكن أن يتهمنا الآن بأننا منحازون... نحن منحازون للبنان، وليس للسنة فقط...
من هو حليفي؟ هو أكثر الناس تطرفا في المسيحيين (الرئيس التنفيذي لحزب القوات اللبنانية سمير) جعجع، فوضعنا يدنا بيده، لماذا، لأننا نريد أن ننتهي، نريد البلد، نريد التسامح والمحبة والأخوّة... لقد تعبنا.
الحوثيون والسلطة بين الأحقية والمظلومية
عبد الفتاح البتول
أخبار اليوم 4/2/2007(44/167)
في إطار التداعيات التي خلفتها وتخلفها فتنة الحوثي وتمرد الحوثيين، تبرز عدة تناقضات وتخبطات، فمن ناحية يزعم هؤلاء أنهم زيدية وليسوا اثني عشرية، ومن ناحية أخرى يؤكدون بلسان الحال والمقال أنهم شيعة اثنا عشرية، وهذا ما ينسحب وينطبق على الصحف التي تدافع عن الحوثيين وتتحدث باسمهم مثل «الأمة» و«البلاغ» وموقع «الشورى نت» فهذه الصحف التي أثبتت أنها حوثية أكثر من الحوثيين- تدافع عن الشيعة- مطلق الشيعة بالحق وبالباطل، وتتمترس مع شيعة إيران والعراق ولبنان مع أنهم شيعة إمامية اثنا عشرية، والمطلوب من الإخوة في هذه الصحف وكذلك من الإخوة الحوثيين العسكريين منهم والسياسيين والإعلاميين والصحفيين والمثقفين أن يحددوا موقفاً واضحاً وقاطعاً من الشيعة الإثني عشرية، واثبات أو نفي اندماجهم أو انتمائهم للتشيع الإمامي الإثني عشري، على أساس يعرف الآخرون الكيفية والطريقة التي بموجبها يتم التخاطب معهم والتحاور والاختلاف والاتفاق والأخذ والرد، فقد اختلط الحابل بالنابل والحق بالباطل، حتى رأينا الأخ محمد المقالح يكتب مقالاً تحليلياً مطولاً في صحيفة «الثوري»، يتساءل في عنوانه :«أيها الحوثيون.. من انتم؟» فإذا كان- احد ابرز مؤيدي ومناصري- الحركة الحوثية- لا يدري من هم ولا يعرف ما هي أهدافهم، فكيف لمثلي أن يعرف أو يدري!!(44/168)
بل أصدقكم القول إنني لم ادر ماذا يريد- المقالح- في مقاله وما هي أهدافه، هل يريد أن يحرف القضية عن مسارها الحقيقي والواقعي؟ أم انه يريد أن ينظر ويضع- لجماعة الحوثي- إطاراً فكرياً وسياقاً سياسياً يضفي عليهم الشرعية، وخاصة أن الصديق محمد المقالح يؤكد أن الحوثيين مجرد مواطنين- مظلومين- وأنهم لا يعملون شيئاً سوى الدفاع عن أنفسهم ومعتقداتهم حتى الموت أو الشهادة!!. وإذا كان -المقالح- لا يعرف من هم الحوثيون اليوم، فانه يعرف تماماً ويدرك طبيعة الحوثيين الطبيعة الأولى بقيادة حسين بدر الدين الحوثي الذي قال عنه- المقالح- انه الشهيد الذي قاتل وثلة من أتباعه المؤمنين قتال الأبطال في مران، وقدموا على مدار ثلاثة أشهر من القتال بأسلحتهم الخفيفة- أروع الأمثلة في الشجاعة والتضحية والفداء !! هكذا يصبح- حسين الحوثي- وأتباعه- ثلة من المؤمنين- يقاتلون- الطرف الآخر الذي هو مقابل- المؤمنين- انه فعلاً معادلة صعبة ونتائج مفجعة أن تنقلب الموازين وتتغير الحقائق إلى هذه الدرجة، الحوثيون وأنصارهم ومن دار في فلكهم يمثلون فسطاط الإيمان، ومن خالفهم ووقف ضدهم من الفسطاط الآخر.(44/169)
الأكثر روعة أن صحيفة «الأمة» طالبت بلسان مواطنين محافظة صعدة بإلزام الطرفين- الجيش والحوثيين- وخاصة الجيش بوقف إطلاق النار وتطبيق توجيهات الرئيس، بهذه الأساليب يريد هؤلاء أن يحولوا القضية إلى نزاع بين طرفين- على قطعة ارض أو مسألة ثأر، على الطرفين وخاصة الجيش- وقف إطلاق النار- بل وتطبيق مطالب الأخ عبد الملك الحوثي بتشكيل لجنة تحقيق لمعرفة الطرف المتسبب بالمشكلة الحالية !! هذه هي القضية في تصور البعض: نزاع بسيط ومشكلة حالية بين طرفين، كل طرف يطرح ما لديه- بالتساوي- ولجنة الوساطة سوف تحكم وفق تحقيقاتها على الطرف الذي تسبب في حدوث المشكلة، صحيفة «الأمة» وهي تدافع عن - حزب الله اللبناني- وشيعة العراق- لم تنس أن تنشر رسالة- عبد الملك الحوثي- قائد التمرد الحالي- والتي يؤكد فيها قيام-الدولة بالاعتداء عليهم حيث قامت -أي الدولة- بإرسال حملة عسكرية لمهاجمة- أصحابنا- أي دولة الحوثي- الذي يطالب وفق الرسالة التي نشرتها- الأمة:أولاً: سحب تلك الحملة العسكرية المستحدثة والمخالفة للاتفاقية بين الطرفين. وثانياً: تشكيل لجنة من قبل المحافظ للتحقيق في أسباب الحملة ودوافعها والاعتداء من قبلها !! إنهم باختصار يشترطون قبل أي وساطة أو حل- سحب الحملة العسكرية- للقوات الجمهورية من حدود القوات العسكرية الحوثية ومناطق نفوذها الأمامية- حسب الاتفاقية الموقعة بين-الدولتين- عفواً اقصد بين الطرفين.
الخلاصة يا عباد الله! فإن هؤلاء يريدون إعادة حقهم الضائع في حكم اليمن أرضاً وإنساناً، انه الحق المزعوم والادعاء الباطل: نحن سادات الأمم من أطاعنا فهو في أعلى الجنان، ومن عصانا كان في النيران من تحت فرعون وهامان !!.
القاهرة تحاور "أريك كاوفمان"
العلمانية أنهكت نفسها ولم تعد قادرة على إلهام أنصارها
القاهرة 6 /2/ 2007(44/170)
أثار المقال الذي نشره الدكتور أريك كاوفمان في مجلة "روسبيكت" البريطانية ثم في مجلة "نيوزويك" الأمريكية حول نهاية العلمانية في أوروبا. الكثير من الجدل حول تفسيره المبنى على علم الديمغرافيا والذي يركز على الدور الذي ستلعبه الصحوة الدينية وعواقبها الديمغرافية من ميل المتدينين لإنجاب عدد أكبر من الأطفال في انحسار العلمانية في منتصف القرن الحادي والعشرين.
أهمية هذا المقال تكمن في مواكبتها لأحداث تشير بالفعل إلى نشاط اليمين الديني في أوروبا الغربية والولايات المتحدة مما يثير العديد من التساؤلات حول ظاهرة تراجع العلمانية في هذه المجتمعات والتي كانت تحديدا المهد الذي نشأ فيه الفكر الليبرالي العلماني وسوف تنشر القاهرة ترجمة المقال في العدد القادم.
حول هذا المقال وهذه التساؤلات التي أثارها أجرت جريدة القاهرة هذا الحديث مع الدكتور أريك كاوفمان:
* أنت محاضر في العلوم السياسية وعلم الاجتماع، لماذا اخترت حصريا التفسير الديمغرافي لما تسميه بظاهرة انحسار العلمانية؟
- أغلب نظريات الدين والعلمنة لا تعطي الاهتمام الكافي لعلم وصف السكان أو الديمغرافيا ولكنني أعتقد أنه في غاية الأهمية خاصة الآن ونحن نرى أن العلمانية تفقد بعض ديناميكيتها في العديد من الدول الغربية عندما تتوقف عملية التغير الاجتماعي، تصبح الديمغرافيا أكثر أهمية.
* مقالك الذي نشر في مجلة "بروسبيكت" بعنوان التناسل من أجل الله وفي مسجلة نيوزويك بعنوان عودة الإيمان وفي حديث مع هيئة الإذاعة البريطانية بعنوان نهاية العلمانية يتحدث عن صحوة التدين لأسباب ديمغرافية، ما هو تعريفك للتدين والدين؟
- التدين تعريفه هنا هو الإيمان الخاص والمعتقدات الشخصية أكثر منه التدين بمفهوم ممارسة الطقوس الدينية السؤال الذي طرح في استطلاع الرأي الذي قمت به كان بالتحديد هل أنت إنسان متدين؟ وحصرت الإجابات بين "نعم"، "لا" أو أنا ملحد.(44/171)
* هل تنطبق أطروحتك على المجتمعات غير الغربية والتي ما زالت تعمل من أجل التحديث وبها شريحة من المثقفين والمفكرين الذين يدعون إلى العلمانية؟
ـ إذا كانت العلمانية هنا تشير إلى علمنة المعتقدات الخاصة وليس فصل الدين عن الدولة، ففي هذه الحالة أعتقد أن أطروحتي تنطبق على المجتمعات غير الغربية، وبشكل ما أعتقد أن أطروحتي تنطبق أكثر على هذه المجتمعات. فعلى مدار فترة طويلة من الزمن، كان الناس الأكثر ثراء والأكثر حداثة يكونون أسراً كبيرة نظرا لقدرتهم المادية والتي تؤهلهم للزواج في سن مبكرة. ونظرا لانخفاض معدل الوفيات بين أطفالهم يبدو أن هذا الاتجاه انعكس تماما في القرن العشرين عندما ينجب هؤلاء الناس الأكثر حداثة عددا أقل من الأطفال، فإن عملية الحداثة بالتالي تواجه مأزقا وسيكون عليها أن تعمل جاهدة على تعويض هذه الخسارة الديمغرافية. ولذلك نرى أن هذه الظاهرة تؤدي إلى نمو المجتمعات السكانية التقليدية والأكثر تدينا ونرى هذا بالفعل يحدث في تركيا وإسرائيل ومصر.
العلمانية أنهكت نفسها:
* تحدثت عن الردة الدينية بين أبناء الشرائح المتدينة وتوقعت أن تصل العلمانية إلى قمة نموها بين عامي 2035 و 2045, ولكنك توقعت أن تكسب الصحوة الدينية المعركة في النهاية لماذا تحديدا منتصف القرن الحادي والعشرين؟(44/172)
ـ هذه التوقعات خاصة بفرنسا ومجتمعات أوروبا البروتستانتية وهما المركز الذي بدأت منه العلمانية وهما أيضا الأكثر تقدما بين الدول الغربية، سبب توقف عملية العلمنة سيكون 25 % ديمغرافي بمعنى أن الشرائح المتدينة ستستمر في إنجاب عدد أكبر من الأطفال عن الشرائح العلمانية، ولكنه سيكون 75% اجتماعي بمعنى أن عدد أقل من الناس المتدينين المنتمين لأجيال ما بعد 1945 ستختار اتجاه العلمانية وحتى إن كان تدينهم تدينا في إطار عام وليس في إطار الممارسة الفعلية للشعائر الدينية فإنهم سينقلون هذا التدين إلى أولادهم، هذا وينبغي أن نلاحظ أن الديمغرافيا ستزداد أهميتها عندما نضيف عامل الهجرة فالواقع يشير إلى أن عدد السكان في أوروبا الغربية ينخفض بالفعل بدون أن تأخذ في الاعتبار أعداد المهاجرين، وانخفاض عدد السكان سيزداد حيث أن معدل الإنجاب انخفض في الثلاثين عاما الأخيرة 2.1 إلى 1.5 طفل لكل امرأة.عدد سكان أوروبا الغربية حاليا يحوي 5% من ذوي الأصول غير الأوروبية ولكن هذه النسبة ستصل إلى ما بين 15 إلى 25% نحو عام 2050 وهذه الزيادة ستنعكس بشكل سكان أكثر تدينا من السكان الأصليين لأوروبا وهو بالتالي الأمر الذي سيرفع نسبة التدين في أوروبا بشكل عام.
* البعض انتقد أطروحتك اعتقادا منهم بأن التفسير الديمغرافي وحده لا يكفي لشرح انحسار العلمانية أنه لابد من مراعاة عوامل أخرى، ما تعليقك؟(44/173)
ـ أتفق على أن لديهم وجهة نظر جزء مما يحدث هو أن القوى الديمغرافية تغيرت في القرن العشرين لصالح الشرائح المتدينة، ولكن ما يحدث أيضا هو أن العلمانية أنهكت نفسها، لقد أصبحت كفكرة قديمة يجب أن تبرر نفسها، ولا يبدو أنها لا تزال قادرة على إلهام متبعيها، إذا نظرنا إلى ما يكتبه المفكرون الليبراليون، ستجد أن العديد منهم يوجهون النقد العلني للعلمانية لأنها أصبحت تمثل نسخة قديمة وعقيمة، وستجد أن هؤلاء يفضلون على سبيل المثال التعددية الثقافية والتي تتعامل بتسامح أكبر مع التنوع الديني والتعدد الأخلاقي لأن هذا التسامح أكثر حيوية. قد يكون هناك أيضا جزء خاص بوجود حدود سيكولوجية لدرجة العلمنة التي يمكن أن يتوصل إليها البشر، فالبشر في النهاية في حاجة إلى الاستمرارية والأمان الوجودي والخلود وتحقيق معنى، إلخ.
* لقد أشرت إلى ظاهرة ازدياد عدد المورمون عن اليهود في الولايات المتحدة كمثال للخصوبة الدينية أو التناسل من أجل الله. هناك مثل مشابه في ازدياد عدد الفلسطينيين عن اليهود في الأراضي المحتلة. هل ترى أن هناك وجها للمقارنة بين الحالتين؟
ـ نعم ففي كلتا الحالتين تلعب القوى الديمغرافية دورا سياسيا حيث إن الأعداد لها وزنها وخاصة مع وجود الديمقراطية هناك فرق واحد يجب أن أشير إليه وهو أن حافز الفلسطينيين لزيادة الخصوبة سياسي في المقام الأول بينما أن حافز طائفة المورمون فهو حافز ديني.
الإسلام الأوروبي:
* تلعب الهجرة دورا مهما في تفسيرك لانحسار العلمانية، ولكن يبدو لي أنها تلعب دورا أقل أهمية من الصحوة الدينية لدى السكان البيض. ألا تخشى أن يساء فهم أطروحتك على أنها تدق ناقوس الخطر ضد نمو الإسلام الأوروبي؟(44/174)
ـ التأثير الرئيسي على المدى البعيد سيكون للدور الذي سيلعبه السكان البيض حيث سيعكس المسيحيون ارتفاعا في معدلات إنجابهم لأسباب دينية أعتقد أيضا أن نمو الإسلام الأوروبي سيكون قوة لها وزنها وأهميتها. ما أريد أن أقوله هو أن القوتين معا ستؤديان إلى زيادة تيار التدين وأنه إذا انضم المسيحيون البيض إلى المسلمين المتدينين فإنه من الممكن أن يحدثوا تغيرا اجتماعيا مشابها لما حدث في الولايات المتحدة عندما انضم المسيحيون الإنجيليون البروتستانت مع الكاثوليك التقليديين واليهود المحافظين ووحدوا قواهم في الثمانينات والتسعينيات لزج أجندة دينية على طاولة الحزب الجمهوري لا يمكن أن ننسى أن هذه الطوائف كانت من القوى المعارضة السابقة وبالتالي لم يكن عرضا أن يشغل جون كينيدي منصب أول رئيس كاثوليكي للولايات المتحدة عام 1960 بعد قرابة المائتي عام على تأسيسها.
* كيف ترى الدور الذي يلعبه الإسلام الأوروبي فيما يخص انحسار العلمانية؟ هل يمكن مقارنته بالدور الذي يقوم به المسيحيون الإنجيليون؟
ـ لا أعتقد أن الإسلام الأوروبي سيتزعم القوى المؤدية إلى انحسار العلمانية، ولكن المسلمين الأوروبيين من الممكن أن يكونوا حلفاء مؤثرين للمسيحيين المتدينين الذين يعملون لمجابهة المدى العلماني. وأتذكر أنني سمعت ذات مرة في مناظرة إسلامية في بريطانيا واحدا من المسيحيين الإنجيليين يطالب شباب بريطانيا المسلمين بالنهوض والإدلاء بأصواتهم لمن يعملون على مقاومة القوى العلمانية.
لا ينبغي لنا أن نقلل من أهمية الحدة التي يرفض بها المسيحيون المتدينون العلمانيين إلى الدرجة التي تجعلهم مستعدين لضم قواهم السياسية مع الجماعات الإسلامية.
* هل ترى أن هناك صراعا بين الدين والعلمانية أم أن انحسار العلمانية سيحدث تدريجيا بسبب التغيرات الديمغرافية؟(44/175)
ـ أعتقد أن الديمغرافيا ستسبب أزمة للعلمانية الليبرالية، المجتمع الحالي الذي نعيشه والذي يجمع بين تسامح رسمي تجاه التنوع الديني والثقافي وبين علمانية متضمنة سيظهر متناقضاته عما قريب. العلمانية ستضطر لإيجاد لغة مجتمع مشترك ومعنى يمكن أن يلهم الناس بنفس الطريقة التي يلهمهم بها الدين. فيما مضى كانت الوطنية المنافس الرئيسي للدين ولكن الليبرالية الآن تخلت عن مفهوم القومية وتبنت التعدية الثقافية، لا أعتقد أن الأمور ستستمر كثيرا على هذا الحال.
فكر ثقافي محافظ:
* تحدثت عن التحالفات بين الطوائف المختلفة فيما يخص القيم والأفكار المحافظة، هل ترى أي أمل لهذه التحالفات الآن في ظل الأزمات السياسية في الشرق الأوسط والحرب الشاملة على الإرهاب؟
ـ الإمكانية موجودة لأن المناخ العام اليوم يسمح بمناقشة الدين بشكل أوسع من مناقشة القوميات والعرقيات. الليبراليون لن يرحبوا بفكرة أن يقوم المحافظون ببناء تحالفات طائفية على أسس دينية، ولكنهم سيرون أنه هذه سياسة أكثر تقدمية من الحركات المحافظة المبنية على أسس قومية تعبئ المسيحيين والليبراليين ضد الآخر غير الأوروبي.
ولذلك أعتقد أن الضغط الاجتماعي سيؤدي إلى فكر ثقافي محافظ من أجل تعبئة المجتمع على أسس دينية لقد حدث هذا في السياسية الأمريكية عندما اتحد اللاتينيون والبروتستانت البيض والكاثوليك البيض واليهود في ائتلاف ديني على الرغم من الفروقات الواضحة بينهم، جزء من السبب يرجع إلى أن الأمريكيين الليبراليين كانوا غاية في الفعالية في وصف الحركات العلمانية القومية التي تتمركز حول البروتستانت البيض بالعنصرية.
نرى هذا يحدث الآن من خلال الحزب الجمهوري حيث إن نخبة الحزب تحاول أن تحافظ على رؤيتها الدينية وعلى رغبتها في اجتذاب الأمريكيين من الأصول اللاتينية عن طريق تجاهلها للدعوات المنادية إلى الحد من الهجرات اللاتينية إلى الولايات المتحدة.(44/176)
* كيف ترى مستقبل نظريات العلمانية السائدة والتي لها ثقلها الأكاديمي على مدى حقبة طويلة من الزمن؟
ـ أعتقد أن العلمنة ستستمر في الدول الأكثر تدينا مثل الولايات المتحدة، توجد زيادة في عدد السكان العلمانيين في نفس الوقت الذي يحدث فيه ازدياد في نمو الشرائح المتدينة مما يؤدي إلى تضاؤل الشريحة الوسطية، بالإضافة إلى ذلك سينتهي الحال بالشرائح العلمانية بالتضاؤل التدريجي بسبب الانخفاض الديمغرافي مما يرجح كفة المتدينين على المدى البعيد.
في أوروبا الكاثوليكية ستستمر العلمنة بشكل يفوق النمو الديمغرافي للمتدينين لبعض الوقت. لكن هذا الاتجاه سيصل إلى منحدر في وقت ما من القرن الحادي والعشرين يبدأ بعده في التراجع، في العالم غير الغربي، أتوقع أن تستمر محاولات التنمية والتحديث والنمو الحضري والتعليم ولكن هذا لن يستطيع مواكبة النمو المتزايد للمجتمعات السكانية المتدينة، أراهن على أن عدد العلمانيين سيزداد ولكن في الوقت نفسه سيزداد عدد المتدينين المناهضين للعلمنة التي سيتم وصفها كأحد واردات المجتمعات الغربية، ولذلك سيتحول القرن الحادي والعشرين إلى قرن يهد صحوة دينية أكبر مما شهده القرن العشرين.
د.محمد موفق الأرناؤوط:
أستاذ التاريخ والاستشراق الاستعمار قام بتصفية الوقف السني
المجلة 21/1/2007
هل يمكن أن نعتبر الوقف أساسا للعمل الخيري؟
ـ منذ القرن الثالث الهجري أصبح الأمر كما تقولون، وإذا أخذنا كتاب العالم المشهور الخصاف المتوفى سنة 261هـ كنموذج لأقدم الكتب التي نعرفها عن الوقف، والذي يلخص أحكام الوقف فإنا نجده يجتهد بأنواع كثيرة من الوقف ذات بعد اجتماعي الجديد مثل الإنفاق على الأرامل والأكفان وفقراء السجون وعلى الخانات في الطرق لتقديم الخدمات، وهنا نجد أن الوقف أصبح يمثل ذروة العمل الخيري الذي يقدم خدمات لفئات تحتاج إليها وقد لا تصلها خدمات الدولة.(44/177)
إلى أي مدى يمكن القول إن انهيار مؤسسة الوقف السني كان عائدا لسياسة معينة استهدفت تقويضه لصالح جهة ما.
ـ نعم الدولة الوطنية تكمل ما بدأه الاستعمار في بلاد المسلمين بتصفية الوقف السني، وعندما نقول إن الدولة الوطنية العربية وبخاصة ذات النظام الشمولي صادرت الأوقاف ولم تحمها.
بل أضرت بها، وتراجع حماس المواطن العربي للوقف، لا يعني هذا أن سياسة الدولة الوطنية مسؤولة عن انهيار الوقف، وهذا الانهيار كان هدفا أمام القوى الاستعمارية في بلاد الشام والمغرب العربي، لأن زوايا الصوفية في المغرب هي التي تزعمت المقاومة ضد الاستعمار، وفي المشرق العربي كان الهدف إطفاء أي مساحة تمنح المجتمع العربي التماسك والقوة في مقابل تقوية الأنظمة العربية التي جاءت نتاج الخبرة الاستعمارية وخاصة في بلاد الشام. وهذا على خلاف الجانب الشيعي الذي تعامل فقهاؤه مع النظام القائم وأجازوا التعامل مع الغاصب الأجنبي مقابل الحفاظ على امتيازاتهم وعلى رأسها الخمس، ففي العراق قانون العتبات الخاص بالشيعة وقانون الوقف الخاص بالسنة، ولهذا شهدت مؤسسة الوقف السني انهيار أجهزتها ومرافقها ولم تجد الدولة في الوقف دور الشريك في التنمية الاجتماعية والتكافل إلا عندما اكتشفت أنها عاجزة اليوم عن الاستمرار في تقديم الخدمات لمواطنيها.
فؤاد عجمي... سفير "قم" في مؤسسات صنع القرار الأميركية
علي جمال الدين
المجلة 28 /1 /2007(44/178)
هذه اللحية البيضاء الكثيفة الوقورة، والرأس الأصلع الجذاب لا تخفيان وراءهما رجل دين، ولكنهما تشيران إلى خطيب مفوه، ومتحدث لبق، لا يرتفع صوته كمعظم العرب، ولا يجز على أسنانه غيظا كما يفعل كثيرون منا حينما يتملكهم الغضب ، إنه أمريكي نموذجي، يجسد قصة نجاح كلاسيكية في أرض المهجر، جاءها فقيرا قليل الخبرة، وهو الآن يرتدي ملابسه طبقا لأحدث خطوط الموضة، ضيف دائم في البرامج الإخبارية بشبكة سي بي إس نيوز، وكاتب تتصدر مقالاته الصفحات الأولى في وول ستريت جوزنال ونيويورك تايمز، وتقتبس أفكاره البراقة من جانب كتاب كبار مثل توماس فريدمان، وجوديث ميلر.
ويعود كل هذا ببساطة إلى أن "فؤاد عجمي" يعرف بالضبط ما يريد أن يسمعه الحكام، ويحترف صياغته في قالب يبدو علميا تؤيده حقائق التاريخ والواقع، بالضبط كما وصفه آدم شاتز الكاتب والناقد في دورية "ذا نيشن" الأمريكية، الذي نصح هوليود بالرجوع إلى فؤاد عجمي إذا أرادت إنتاج فيلم عن حرب الخليج الثانية، ولكل ذلك فإن كلماته تجد الطريق مفتوحا إلى دوائر صنع القرار في الإدارة الأمريكية، فهو الأكاديمي البحر في العلوم السياسية، كما أنه ابن الأرض التي تدور فيها كل الصراعات الساخنة في الشرق الأوسط، وهو يدرك ما لا يدركه الذين درسوها من فوق المكاتب، ويتحدث بلغة أهلها، ويعرف بالضبط ما يريدون، ويمكن عن طريق استدعائه إلى البيت الأبيض، أو إلى وزارة الخارجية أو الدفاع، والاستماع إلى آرائه بضع دقائق، استيعاب وتلخيص مشكلة تعصف بالشرق الأوسط واتخاذ قرار حيالها.
التجربة والنموذج:(44/179)
وفؤاد عجمي قادر بالفعل على تلخيص أي مشكلة تخص الشرق الأوسط في الوقت المسموح، وعدد الكلمات المطلوبة، تماماً كما لخص في (359) صفحة هي عدد ورقات كتابه الأخير الصادر عام 2006 بعنوان "هدية الأجنبي" المعضلة العراقي في أنها تعبر عن هدية يقدمها الأمريكيون للعراقيين من خلال تخليصهم من حكم النظام البعثي، وأن كل المشكلات الطائفية التي تعصف بالعراق الآن ما هي إلا نتاج صراع تاريخي لا دخل للأمريكيين فيه، حيث لم يستوعب السنة العراقيون الواقع الجديد الذي يقزم وجودهم السياسي، ويعيدهم إلى حجمهم الطبيعي كأقلية سكانية وسياسية، وهالهم أن يستمتع الشيعة بثمار الغزو الأمريكي الذي وفر لهم حقهم في الوصول إلى السلطة وممارسة الحكم.
أما الذين يتحملون فعلا مسئولية الاقتتال الطائفي في العراق، فهم الحكام العرب، وكلهم مستبدون متسلطون يمارسون القهر في مواجهة شعوبهم بحسب عجمي، ولا يرغبون في أن تكون "التجربة الديمقراطية العراقية" نموذجا يحتذى في المنطقة، ولذلك فهم يدعمون العنف والاقتتال الداخلي في العراق رغبة منهم في إثبات فشل تصدير فكرة الديمقراطية إلى الدول العربية.
وهدية الأجنبي التي يصفها فؤاد عجمي كما يراها بعين الخبير الاستراتيجي الذي يحمل الجنسية الأمريكية والمتحدث بلسانها، تختلف عن الهدايا التي قدمت من قبل في لبنان وفي الصومال، فهناك اصطدم الأجانب الذين كانوا قد جاءوا إلى المنطقة بحقائب تملؤها الآمال والطموحات العريضة في تحقيق إنجازات فعلية على أرض الواقع، ثم ما لبثوا أن هرعوا حاملين حقائبهم فور اصطدامهم بواقع معقد، أما في العراق فإن الأجنبي لن يرحل قبل أن يقدم هديته على الوجه الأكمل، ولن يثنيه عن ذلك مخاوف الدول العربية التي تخشى من تزايد قوة الشيعة في العراق وتوسيع النفوذ الإيراني في المنطقة.
النزعة الطائفية(44/180)
ويمكن لأي قارئ لكتابات عجمي أن يكتشف بسهولة، أن سنوات الدراسة الأكاديمية، والجنسية الأمريكية، والتجول لسنوات في أروقة مؤسسات صنع القرار، لم تكن ذات تأثير فعال على الانتماء المذهبي لأستاذ كرسي العلاقات الدولية بجامعة جونز هوبكنز الأمريكية المرموقة، بل على العكس، فقد استطاع بإصرار عجيب أن يطوع كل منجزاته الأكاديمية وعلاقاته بالسياسيين لخدمة معتقداته الطائفية الشيعية،
وقد تراوح هذا الاهتمام بقضايا الشيعة من شكله السافر في كتابه: الإمام المختفي، موسى الصدر وشيعة لبنان الصادر عام 1986، إلى اهتمام يتوارى شيئا فشيئا خلف الأفكار السياسية البراقة في كتب: بيروت، مدينة الندم الصادر عام 1988، وقصر أحلام العرب الصادر بعد عشر سنوات عام 1998، وهو الكتاب الذي وصف فيه فكرة القومية العربية والدعوة إلى الوحدة العربية بأنها مجرد دعوة للسيطرة السنية على المنطقة تتخفى في رداء علماني.
كما كتب فيه أننا في عالم لا يتحقق فيه النصر بمراعاة مبادئ الرحمة أو الاعتدال، ويعتبر الأفكار الطائفية التي عبر عنها في كتابه الأخير "هدية الأجنبي" امتدادا للأفكار التي طرحها في هذا المؤلف، حيث يقرر أن شيعة العراق مستقلون عن إيران، ولم تؤثر فيهم السنوات الطويلة التي قضاها عدد كبير منهم في إيران إكراها أو اختيارا، وأنهم لن يثأروا من السنة الذين يرى أنهم ارتكبوا من قبل جرائم بحق الشيعة في ظل حكم حزب البعث، ونقل عجمي هذه التطمينات في كتابه عن المرجع الشيعي آية الله علي السيستاني الذي استطاع أن يلتقي به على وجه الاستثناء بفضل انتمائه الشيعي على الرغم من رفضه القاطع لقاء أي شخص يحمل الجنسية الأمريكية.
البدايات الأولى(44/181)
ولد فؤاد عجمي في التاسع من سبتمبر عام 1945، في بلدة أرنون الجنوبية اللبنانية، وهي قرية جبلية صخرية كان الاحتلال الإسرائيلي قد ضمها في الثامن عشر من فبراير عام 1999 وانسحب منها في إطار الانسحاب الإسرائيلي الشامل من الجنوب اللبناني الذي اكتمل في صباح الرابع والعشرين من مايو عام 2000، وقد ولد فؤاد في أسرة تعتنق المذهب الشيعي، وربما استمدت العائلة لقبها "عجمي" من جانب سكان الجنوب اللبناني الذين لقبوها بهذا الاسم بسبب أصولها الفارسية غير العربية، حيث تنحدر الأصول الأولى لعائلته من مدينة تبريز في إيران، وقد هاجر أجداده من هناك في منتصف القرن الثامن عشر الميلادي قاصدين حياة أفضل في لبنان.
أما فؤاد نفسه فقد هاجر إلى الولايات المتحدة قبل أن يبلغ الثامنة عشرة من عمره بأيام معدودة في عام 1963، وبعد أن أمضى عدة سنوات في الدراسة في كلية إيسترن أوريجون التي تحولت فيما بعد إلى جامعة، انتقل إلى الدراسة في جامعة واشنطن وتخرج فيها وكان بحث التخرج الذي كتبه يتعلق بدراسة العلاقات الدولية في ظل وجود حكومة عالمية، والحكومة العالمية فكرة نشأت منذ العهود اليونانية والرومانية القديمة، وقوامها أن العالم في حاجة إلى قوة تعلو سلطات الدول القومية المعروفة وتقوم على تفسير وتطبيق القانون الدولي.
حقول التخصص
وبعد عشر سنوات من وصول عجمي إلى الأراضي الأمريكية، وتحديدا في عام 1973، انضم إلى الفريق الأكاديمي المتخصص في العلوم السياسية بجامعة برينسيتون، حيث كانت أفكاره السياسية قد تبلورت، وكان محور اهتماماته وآرائه تنصب حول القضية الفلسطينية بالأساس، وكان فوز فؤاد بجائزة ماك آرثر العلمية عام 1982 محطة تحول في بحياته الأكاديمية والعملية، حيث كانت الجائزة عبارة عن منحة دراسية يحصل الفائز من خلالها على منحة دراسية لمدة خمس سنوات للتخصص في مجالات الفنون والعلوم المختلفة.(44/182)
وقد جاء هذا الفوز بعد وقت قصير من صدور كتابه الأول: ورطة العرب، الذي يحلل فيه الأزمة الفكرية والسياسية التي سحقت العالم العربي بعد هزيمة عام 1967 في حرب الأيام الستة، وقد أعيد طبع هذا الكتاب مرتين إحداهما في عام 1981، والثانية في عام 1992، وهو الآن أستاذ في الجامعة الأمريكية، ويشغل منصب مدير برنامج دراسات الشرق الأوسط في كلية باول نايتز للدراسات الدولية المتقدمة المعروفة اختصارا بـ (SAIS) والتي تتبع جامعة جونز هوبكنز بالولايات المتحدة الأمريكية.
وبحسب مصادر المعلومات في جامعة جونز هوبكنز فإن فؤاد يعتبر من الناحية الرسمية أحد المتخصصين الأكاديميين في المواضيع السياسية التي تتعلق بالعلاقات العربية الإسرائيلية، والعلاقات الدولية، والدين الإسلامي، والثقافة والقانون، وكذلك الشؤون الخاصة بمنظمة الدول المصدرة للبترول أوبك، وهو من ألد أعداء فكرة "صراع الحضارات" التي كان صمويل هنتنجتون المفكر الأمريكي أول من كتب عنها باعتبارها البديل الحتمي بعد نهاية الحرب الباردة، ويناهض عجمي فكرة ذوبان الدولة القومية في إطار الحضارات، مؤكدا على أن الدول تستخدم الأبعاد الحضارية، لتنفيذ مآربها، ومشيرا إلى أن هتنجتون تجاهل الصراعات التي تحفل بها كل حضارة من الحضارات في داخلها.
رسم السياسات(44/183)
ويعتبر فؤاد أحد أكثر المفكرين السياسيين الأمريكيين ذوي الأصول العربية إثارة للجدل، ويعتبر علامة بارزة بين أبناء جيله من المثقفين الأمريكيين بوجه عام، ليس لأنه يرى نفسه كذلك، ولكن لأنه أضحى بالفعل واحدا من الذين يرسمون سياسة الولايات المتحدة الخارجية باختياره مستشارا لوزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس، وهو أحد أعضاء هيئة المديرين في مجلس العلاقات الخارجية بالولايات المتحدة الأمريكية (CFR)، الواقع في مدينة نيويورك، وهو مجلس غير حزبي يضم عددا كبيرا من المفكرين السياسيين الأمريكيين تولدت فكرة إنشائه في الثلاثين من مايو عام 1919، ويعتبر مرجعا للمعلومات والتحليلات السياسية المتعلقة بسياسة الولايات المتحدة الأمريكية.
وتؤكد الوثائق التأسيسية لهذا المجلس على أن من أهدافه تعميق فهم الإدارة الأمريكية للأجزاء الأخرى من العالم، والمساهمة بالأفكار والاقتراحات في تطوير السياسة الخارجية الأمريكية، وهو المجلس الذي تصدر عنه الدورية الأمريكية واسعة الانتشار والتأثير "فورن أفيرز" التي يتولى عجمي عضوية مجلس مستشاريها، كما أنه يتولى أيضا عضوية مجلس تحرير مطبوعة الشرق الأوسط الفصلية:(44/184)
"MISSLE EAST QUARTELY” التي يرأس تحريرها مايكل وربين الذي تخصص في دراسة التاريخ بجامعة يال الأمريكية، والذي شغل منصب المستشار السياسي للسلطة المؤقتة في بغداد، بالإضافة إلى كونه أحد مستشاري وزارة الدفاع الأمريكية فيما يخص الشؤون العراقية والإيرانية سابقا، و"ميدل إيست كوارترلي" هي إحدى إصدرات منتدى الشرق الأوسط الذي أنشئ عام 1990، والذي قصر موقعه على الإنترنت تعريف المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط بأنها "محاربة الإسلام الراديكالي، بنوعيه الإرهابي أو القانوني الذي يصطبغ بالمشروعية، والعمل على إقناع الفلسطينيين بقبول إسرائيل، وتقليل اعتماد الولايات المتحدة على مصادر الطاقة الموجودة في الشرق الأوسط، وتحسين إدارة الولايات المتحدة لتصدير الديمقراطية، وتقوية مصالح الولايات المتحدة مع المملكة العربية السعودية، ومجابهة التهديد الإيراني".
علاقة ذات مغزى
ولكن البعض يرى في عجمي أحد أكثر المؤثرين في السياسة الخارجية الأمريكية لأسباب أخرى تتعلق بالفترة التي قضاها أثناء السنوات الدراسية الجامعية مزاملا للأمريكيين الداعمين لنظرية التفوق الأمريكي، وقد تحول إعجاب عجمي بواحد من مناصري هذه الأفكار إلى علاقة صداقة قوية، وكان زميل الدراسة الذي اختاره عجمي ليشاطره وجدانه على الصعيد الفكري الأمريكي بول وولفويتز الذي يجلس الآن على كرسي رئيس البنك الدولي، والذي شغل منصب نائب وزير الدفاع الأمريكي، والذي يعد واحدا من أهم صقور الإدارة الأمريكية ذوي التأثير والخبرة، حيث شغل أيضا مناصب قيادية في عهد كل من الرئيسين الأمريكيين السابقين بوش الأب وريجان.(44/185)
وأهم هذه المناصب كان في عهد ريجان حيث كان مديرا لتخطيط السياسات في وزارة الخارجية بعد أن كان سفيرا لأميركا في اندونيسيا أكثر البلاد الإسلامية سكانا، ثم أصبح في وقت لاحق مساعد وزير الخارجية لشئون الشرق الأقصى، وفي عهد بوش الأب انتقل إلى وزارة الدفاع وكيلا للوزارة لشؤون السياسيات، وقبل أن تختاره الإدارة الأمريكية الحالية في مصبه الرفيع بوزارة الدفاع كان وولفويتز عميدا لكلية العلاقات الدولية في جامعة جونز هوبكنز التي درس فيها عجمي.
ويقول زملاؤه أنه لم يكتب كلمة في أبحاثه ودراساته وتقاريره أثناء عمله الأكاديمي إلا وكان يحض فيها على اتخاذ التدابير العسكرية الأمريكية ضد أي دولة يشتبه في دعمها للإرهاب، ولذلك اعتبره الباحثون الأمريكيون أهم مهندسي الغزو الأمريكي للعراق، وأشرس المدافعين عن فكرة التدخلات العسكرية لتحقيق المصالح الأمريكية بوجه عام.
تراجع سريع(44/186)
ومنذ عدة سنوات بدأ عجمي في الظهور المكثف بالقنوات الفضائية كمحلل سياسي وخبير في العلاقات الأمريكية بدول الشرق الأوسط، وقد تركزت آراؤه على الدعم الصريح لسياسات الإدارة الأمريكية في العراق، وأيد فكرة التدخل العسكري لفرض الديمقراطية هناك، وهو أول من أكد على أن العراقيين سيستقبلون قوات الائتلاف الدولي بالورود لدى وصولهم بغداد، لأنهم سيكونون فرحين بالخلاص من 35 عاما متواصلة من الحكم الاستبدادي، وقد جاء هذا التعبير تحديدا على لسان ديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي عام 2002، الذي كان يهدئ من مخاوف الأمريكيين بشأن الحرب على العراق، فاستشهد بأقوال البروفيسور خبير الشؤون "الشرق أوسطية" فؤاد عجمي كما سماه في تلك الخطبة، وقال إن عجمي يتوقع أن تمتلئ شوارع البصرة وبغداد بمظاهر الفرح والابتهاج تحية وترحيبا للجنود الأمريكيين، بالضبط كما حدث في كابل عاصمة أفغانستان بعد قدوم الأمريكيين. ولا تزال هذه التصريحات متاح للباحثين في أرشيف البيت الأبيض وسرعان ما كتب عجمي رأيا مناقضا تماما لهذه العبارات التي نقلت عنه، عندما رأى أن توقعاته لم تجد ما يصدقها على أرض الواقع، وجاء هذا الرأي في مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية في مقال نشر عام 2003، قال فيه إن الولايات المتحدة لا بد أن تتوقع معارضة ومقاومة لسياستها في الشرق الأوسط، فالرأي العام هناك يرى أن الحرب في العراق مجرد حرب تخدم فيها الولايات المتحدة إسرائيل وطريقة لتأمين منابع النفط العراقي، ولن يستمع أحد للآراء التي تطالب بشكر القوات الأجنبية، ولكنه طالب الأمريكيين بالتعايش مع هذه البيئة التي تشكك في نواياهم، ولا يجب أن تعامل هذه الأصوات باهتمام مبالغ فيه.
إعجاب يهودي(44/187)
وقد كانت آراء عجمي هذه مثارا للعديد من الانتقادات التي لم تنبع من العالم العربي في أول الأمر، ولكنها جاءت على لسان باحثين وأكاديميين أمريكيين، اتهموه بأنه مروج دعايات يحرص على التأنق وحضور اجتماعات السياسيين ومنتدياتهم، ويحب الظهور في وسائل الإعلام، ويستطيع أن يبرهن على ما يذهب إليه من هم في السلطة بالنظريات السياسية البراهين العلمية فورا، وهو الخبير الجاهز لتبرير أي سياسات تريد الولايات المتحدة إقناع الرأي العام بها خاصة فيما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط.
واتهمه آخرون بميله للناصرية واعتناقه مبادئها، وتعصبه للمذهب الشيعي، وجنوحه لتأييد الحكومة الإسرائيلية، هذا فضلا عن تأييده للغزو الأمريكي للعراق، ويصنفه البعض ضمن الجناح اليساري في حزب المحافظين، وبينما يشبهه الناقد الأمريكي مارتن كارمر بالفلسطيني إدوارد سعيد، الذي استطاع مثله الاستحواذ على التفكير الأمريكي في مرحلة اصطبغت بالقطيعة بين الجانبين، تشبهه هيلينا كوبان بأحمد الجلبي الذي ترك بلاده صغيرا بحثا عن ملاذا آمن في أحضان الدولة الأقوى، دون التأمل في أي معسكر يقف، وفي أي خندق سيحارب.
هذا في الوقت الذي يحب فهي عجمي أن يشبه نفسه بهنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، الذي تحكي سيرته قصة بروز سريعة، وهو محق في ذلك إلى حد ما، فقد ارتبط كيسنجر بعلاقات صداقة مع كل من نيلسون روكفيلر ونيكسون ليضمن صعود درجات سلم السياسة في أمان، بينما حرص عجمي على أن يرتبط على نحو وثيق بـ "لورانس تيتش" الرئيس السابق لشبكة سي بي إس الإخبارية، ومورت زاكرمان مالك مؤسسة يو إس نيوز وورلد وربورت، ومارتن بيريتز المالك المشارك في مؤسسة "نيو ريبابليك" وليزلي جيلب رئيس مجلس العلاقات الخارجية بالولايات المتحدة الأمريكية.(44/188)
ويقول عنه آدم شاتز في مقال كتبه تحت عنوان "الراوي الأصلي" إنه الوحيد من بين العرب الذي استطاع أن يحوز على مشاعر الرضا والتأييد من جانب الجناح اليميني المتطرف واليهودي الأمريكيين بينما حاز بجدارة على احتقار أبناء جلدته من العرب، ومن أبرز المبشرين بأفكار فؤاد عجمي الكاتب اليهودي الأمريكي نورمان بوذوريتز، الذي كتب عنه في واحدة من مقالاته أنه الوحيد ن بين أبناء جلدته الذي يقول الحقيقة بشأن الموقف إزاء إسرائيل.
كلام جميل يحتاج إلى بيان صريح
د.سعد البريك ، الرسالة - 2 /2/2007
أبهجني المقال الذي كتبه الأخ حسن الصفار في ملحق الرسالة قبل أسبوعين وما تضمنه من دعوة إلى الوحدة والالتقاء ورص صفوف الأمة ، وأفرحتني دعوته إلى نبذ الفرقة وعدم الانجرار إلى أتون الفتنة المذهبية التي يخطط لها أعداؤنا ، والوعي بما يراد بالأمة من صراع مهلك واقتتال مدمر .
لكن يعكر هذا الكلام الجميل فتوى السيد السيستاني التي نشرها في موقعه ثم سحبها ـ لكن بقي ما يؤكدها بعد تحديث الموقع ـ بتكفير أهل السنة إذا لم يعتقدوا بوجوب إمامة علي رضي الله عنه وذريته من بعده ، وحَكَمَ على أكثر من ألف وثلاثمائة مليون مسلم بالكفر والخروج من الإسلام .
قد يعجب القارئ !! إذ ما علاقة الصفار بالسيستاني ، وما هو وجه الربط بين هذين الرأيين المتناقضين ، حتى إن الجغرافيا لا تجمعهما ، ففتوى التكفير أصدرها السيستاني في العراق ، ومقال الصفار التوحيدي كتبه في المملكة ، وما علاقة هذا بذاك ، وأين المملكة من العراق ؟!! .(44/189)
الأمر يبعث على العجب فعلاً ، والأسئلة محقة وفي محلها ، لكن سرعان ما يزول هذا العجب إذا علمنا أن الأخ الصفار يعتبر أن السيستاني هو «المرجع الأعلى والمرجع الفعلي حالياً في الساحة العراقية وفي كثير من المجتمعات الشيعية»، وهذا الكلام مقتبس بالحرف من مقابلة الأخ الصفار نفسه في قناة الجزيرة في حوار حول «المرجعية الشيعية بين الدين والسياسة»، وذلك مساء الأحد 18 محرم 1426هـ 27 فبراير 2005م، ونشرها في موقعه الشخصي في الانترنت . بل إن الأخ الصفار أكد في مقابلة مع وكالة رويترز صباح الخميس 14 ذي الحجة الموافق 5/2/2004م أن مرجعه هو السيد السيستاني بقوله «هناك اتصال دائم بيننا وبين السيد السيستاني في العراق في الأمور الدينية في أخذ الفتاوى الفقهية الدينية».
وكتب دومينيك إيفينز مندوب وكالة «رويترز» للأنباء في الرياض مقالاً نشرته شبكة «راصد الإخبارية» يوم الخميس في 26 يناير 2005م – قال فيه : «الشيخ الصفار يقلد آية الله علي السيستاني ذو السلطة الواسعة»، ولم يصدر عن الأخ الصفار أو عن الشبكة ما ينفي صحة هذه المعلومة ، ونفس المقال نشرته أيضاً شبكة «النبأ المعلوماتية» يوم الأحد 31/1/2005 الموافق 20/ ذو الحجة/1425.
بل إن الأخ الصفار افتخر بأن ذكر في سيرته الذاتية المنشورة في موقعه الشخصي أن السيد السيستاني هو على رأس المراجع التي منحته إجازة وشهادة «تقديراً لكفاءته وتوثيقاً لدوره الديني والاجتماعي».
ومن معاني التقليد ـ كما هو معلوم ـ الولاء والطاعة في الأمور الاجتهادية التي يفتي بها المرجع المقلَّد . ومن المعلوم أيضاً أن المرجع لا تقتصر مرجعيته على مقلديه من سكان وطنه فحسب، بل هي مرجعية عابرة للحدود ، لذلك نجد أن وكلاء المراجع منتشرون في الدول الأخرى ، ومهمتهم ربط الناس بمرجعهم البعيد في الفتيا وقبض الأخماس وغيرها .(44/190)
المرجع السيستاني يفتي ـ بجرة قلم ـ بكفر كل الأمة عدا شيعة أهل البيت, الأخ الصفار ـ يدعو إلى الوحدة والتقارب مع من كفَّرهم مرجعه !! . إن هذا لا يمكن أن يستقيم في العقول أبداً ، إلا إذا جاء كلام الأخ الصفار من باب التقية . والذي أحسب أنه أنبل من أن يتكلم ـ تقيةً ـ بهذا الكلام الجميل الذي يريح العقلاء وينزع فتيل الفتنة.
كما أحسب أن الأخ الصفار أعقل من أن يشرب من الإناء ثم يكدره، ولا إخاله يقول بكفر شعب عاش بين ظهرانيه متعايشين متعاونين وأكلوا من خيرات هذه الأرض المباركة وتنفسوا هواءها ثم يقول بكفر أهلها في الدنيا وخلودهم في دركات الجحيم إلى الأبد !!
وإزالة للبس والتناقض الذي قد يراه البعض ، فإني أنتظر من الأخ الصفار أن يحرر الموقف من فتوى المرجع السيستاني التكفيرية بما لا يدع مجالاً للاحتمال والظن وحتى لا يكون الأخ حسن الصفار تابعاً لمرجعه السيستاني بتكفير من لم يقل بالإمامة.
كما ننتظر أن يحرر الموقف من موضوع الولاء ومفهومه له ، هل هو ولاء ديني فقط أم ولاء سياسي أيضاً ، سيما وأنه أكد أن سلطة المراجع اتسعت لتشمل السياسة والاقتصاد ، وذلك في تصريحه في مقابلته مع قناة الجزيرة والمنشور في موقعه الشخصي بما نصه :» اتسع دور الفقيه المرجع ليشمل الزعيم السياسي والاقتصادي"، وتتأكد هذه الحقيقة إذا علمنا أن المرجع الأعلى السيستاني أطلق عدداً من الآراء والمواقف السياسية ، فهو الذي وافق على مسودة القانون الإداري الانتقالي في العراق ، وتدخّل في صياغة بعض فقراته، وأفتى بأن الانتخاب واجب شرعي ، ودَعَم كل الأحزاب الشيعية وبارك اختيار الجعفري مرشحاً لرئاسة الحكومة.
إذاً المرجع له زعامة سياسية واقتصادية فضلاً عن زعامته الدينية ، فما هو موقف الأخ الصفار من الآراء السياسية للمراجع لو كانت معادية لوطنه وولاة أمره ؟(44/191)
وهل يقدم مصلحة الوطن على طاعة المرجع أم يحذو حذو كثير من شيعة العراق في طاعة المرجع حتى ولو خالفت مصلحة الوطن ؟.
ولا بأس هنا بالتذكير بفتاوى المرجع الأعلى السيد السيستاني وامتثال شيعة العراق المطلق لها والتي أدت إلى تمكين المحتل من رقاب البلاد والعباد عندما أفتى بإلقاء السلاح وعدم مقاومة المحتلين . فهل يحمل الأخ حسن نفس الولاء الديني والسياسي للمرجعية كشيعة العراق؟.
وماذا لو تعرضت المملكة لاعتداء من أي جهة كان ، وأفتت المرجعية بعدم مساندة الكفار ـ أي أهل السنة ـ في مقاومتهم للغزاة ، فهل سيعصي الأخ الصفار المرجعية ويستمطر غضب الله تعالى بتقديم مصلحة الوطن على طاعة المرجع ، أم سيسعى إلى رضا الله بطاعة المرجعية فيترك وطنه وبلاده نهباً للغزاة الطامعين ؟.
هذا ما ننتظر رأي الأخ الصفار فيه أيضاً.
كلام الأخ الصفار في الوحدة وطاعة ولاة الأمر جميل ورائع - كما أسلفت - لكنه بذلك يخالف المخطط الامبراطوري الصفوي الذي يسعى إلى « فتح الأراضي المقدسة « « وتحريرها من أيدي الكفرة « كما ورد في خطبة د. محمد مهدي صادقي في احتفال رسمي وجماهيري أقيم في عبدان في 17/3/1979 م تأييداً لثورة الخميني حيث قال :»أصرح يا إخواني المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها أن مكة المكرمة حرم الله الآمن يحتلها شرذمة أشد من اليهود». وأكدها محمد الكناني على مداخلة له على قناة المستقلة قائلاً :» اليوم بغداد ... وغداً نجد. وإن من البديهي أن المخطط الامبراطوري الفارسي سيسعى في سبيل تنفيذ ما يريد إلى الاستعانة بمؤيديه ومُواليه من شيعة المملكة الذين لا يخفون ولاءهم للمرجعيات في قم والنجف.
فما هو موقف الأخ حسن الصفار من هذا المخطط ؟ ولمن الخيار في المعادلة الحرجة ، المرجعية أم الانتماء للوطن ؟.
هل تم اختطاف الجزيرة الانجليزية..؟
المتعاطفون مع "إسرائيل" يحاولون الاستئثار بالجزيرة الفضائية باللغة الإنجليزية!(44/192)
بقلم: خالد عمايرة، ترجمة أديب قعوار
لما أعلنت فضائية الجزيرة منذ عامين عن نيتها في افتتاح فضائية الجزيرة باللغة الإنجليزية، استبشر العديد من الناس حول العالم خيراً بأن هذه الفضائية ستقدم بديلاً أصيلاً للفضائيات الغربية الناطقة بالإنجليزية التي تتمادى في تحيزها للصهيونية، لكونها تقع تحت النفوذ الصهيوني.
المفروض بهذه الفضائية، التي تأخر افتتاحها عدة مرات لأسباب مختلفة، أن تقدم إلى مئات الملايين من المتكلمين باللغة الإنكليزية حول العالم النظرة الإقليمية والعالمية من وجهة النظر العربية.
فضائية الجزيرة هي أول فضائية باللغة الإنجليزية مقرها في الشرق الأوسط (الوطن العربي)، إدارتها تتنقل في ما بين مراكزها في أثينا والدوحة ولندن واشنطن د.س. وكوالامبور.
وقد استقطبت فضائية الجزيرة الإنجليزية نجوما في عالم التلفزة مثل السير ديفيد هورست وريز خان. ولكن لسوء الحظ،، كما يبدو، سيخيب أمل من ينتظرون أن يروا فضائية تقدم الحقائق بموضوعية، وبشكل خاص متحررة من النفوذ البريطاني/الأميركي والإسرائيلي.
والحق يقال، إننا نرى بوادر شؤم تظهر فهناك متعاطفون مع إسرائيل، وبعضهم عمل سابقاً في البي. بي. سي.، الذين بدأوا يحاولون السيطرة على سياسة التحرير في الفضائية الجديدة، متحججين بالمهنية والأسس الصحافية. كاتب هذه السطور كان ولا يزال منذ زمن يعمل في Al-JaziraLEnglish.net التي دمجت في الفضائية)، اكتشف بمحض الصدفة أن كبار المحررين الغربيين في الفضائية يحاولون قدر الإمكان منع نشر مقالات، وبشكل خاص أخبارا وقصصا تصور حقيقة إسرائيل وتصرفات سلطة الاحتلال ضد الفلسطينيين.(44/193)
وقد أصبح هذا الاتجاه لافتاً منذ مدة. ومثل على ذلك أهملت Aljazeera.net/English نشر أنباء هامة من "إسرائيل" تتحدث عن اعتراف ضابط عسكري "إسرائيلي" بأن الطيران الحربي "الإسرائيلي" قد ألقى على الأراضي اللبنانية خلال الحرب على لبنان ما يزيد عن مليون قنبلة عنقودية (الحقيقة ما يزيد على مليون ومئتي ألف قنبلة في الأيام الثلاثة الأخيرة من الحرب.
كما أن هؤلاء المحررين الكبار أهملوا قصة دعوة إيفي إيتان، رئيس حزب يميني إسرائيلي لطرد الفلسطينيين العرب من الأراضي الفلسطينية المحتلة (الضفة الغربية)، حتى بعد أن نبهت الفضائية إلى ذلك.
هناك عشرات بل مئات من الأمثلة المماثلة، جميعها تتحدث عن الإهمال المتعمد لتغطية مثل هذه الأنباء والقصص الخطيرة والهامة عن المأساة التي يعيشها الفلسطينيون تحت نير الاحتلال الصهيوني، وبشكل خاص قصصا وأنباء مختلفة بما فيه المستهجن منها.
وفي وقت سابق من العام الحالي رفض أحد المحررين من أنصار "إسرائيل" قصة الطالبة في جامعة النجاح في نابلس التي فقدت عينها اليمنى بعد أن أطلق جندي "إسرائيلي" رصاصة مطاطية عليها وهي في طريقها من الجامعة إلى المنزل.
أما رئيس التحرير، فينس رايان، فقد تحجج بأن هذا الخبر لا يستوجب الأولية في النشر، وسيحضر تغطية أوسع لمثل هذا الخبر في المستقبل ولكن هذا الوعد لم يتحقق أبداً.
ولكن نتيجة إصرار كاتب هذه السطور فقد نشر الموقع المقال الذي كتبته، وهو من أفضل ما كتبت. انظر: “Rubber Bullets Menace West Bank, aljazeera.net/English”).
الظاهر أن رايان لم يغفر لي "جرأتي وتطاولي" كما يظهر من تصرفاته اللاحقة. خلال الأسبوع الثالث من شهر حزيران/يونيو المنصرم عندما قدمت مقالاً عن الأولاد والأطفال الفلسطينيين الذين قتلهم جيش الاحتلال "الإسرائيلي" وتنظيمات المستوطنين شبه العسكرية.(44/194)
وقد كتب هذا التقرير استناداً على إحصائيات صادرة عن وزارة الصحة الفلسطينية. ولكن عوضاً أن يشكرني على هذا المقال، كتب لي فور رؤيته، ومن غير تفكير، أني كاذب وأن المعلومات الواردة فيه مختلقة. وقد دلت نبرته بالكثير عما يغني عن المجلدات.
ولما فشلت مع هذا الرجل الذي لم يقبل قط نشر أي مقال أعتبره "معادياً لإسرائيل" (اقترحت كتابة مقالات وقصص عديدة)، لجأت إلى رئيس تحرير الموقع والأخبار في الفضائية، رسيل ميريام، الذي حسب اعتقادي هو أيضاً من أكثر مؤيدي إسرائيل العاملين في الفضائية اليوم.
وبدلاً من أن يعالج القضية بشكل مهني قام ميريام بشن حملة عشواء علي واتهمني بالافتقار إلى المهنية وانتهاك الأخلاقية المهنية الصحافية.
وقد ادعى بأن استعمال مصطلحات مثل "شهيد" حتى ضمن مقتطف شيء يفتقر إلى المهنية (معظم وسائل الإعلام العربية تستعمل هذا المصطلح للفلسطينيين الذي يقتلهم الجيش "الإسرائيلي ) لا يتوافق مع المهنية الصحافية. وهو الشخص الذي نشر فوراً كل البيانات والأنباء التي أذاعها الناطق الرسمي باسم الجيش "الإسرائيلي" والقادة اليهود الذين يصفون الفلسطينيين بـ"الإرهابيين والقتلة والمجرمين".
ولما رأى ميريام بأنه يفتقر إلى أية حجة ضدي لجأ إلى أساليب تضليلية متهما إياي بخلق الفوضى والمشاكل في موقع الجزيرة الإلكتروني (هذا علماً بأن سلطات الاحتلال تمنعني من مغادرة الضفة الغربية). وبعد تبادلنا عدد من الرسائل الاليكترونية، قال لي بأني مطرود من العمل.
لقد كتبت أكثر من 300 مقالة للجزيرة نت/الإنكليزية، وربما أكثر من أي من مراسليها الآخرين، ولم أواجه أي مشاكل مع مدرائها السابقين. حتى أن ميريام ذاته عندما بدأ العمل في الموقع عام 2005 مدح مهينيتي في العمل وخبرتي كصحافي. لا أدري لماذا يتصرف ميريام بهذا الشكل. ربما إن بعض أصدقائه الصهاينة طلبوا منه منع نشر أي مقال يشتم به "معاداة إسرائيل".(44/195)
لدي شكوك... واعتقد بأنها ستظهر للعيان في المستقبل.
قد يكون مرامه أن يصنع من فضائية الجزيرة الإنجليزية غطاءً لصراع عربي-"إسرائيلي" مماثل لما قامت به البي. بي. سي. حيث أمضى سنين كمنتج ومقدم برامج ومحرر.
وهناك الطامة الكبرى. لقد نتج عن تغطية البي. بي. سي. للصراع العربي/"الإسرائيلي" والاحتلال "الإسرائيلي لفلسطين أن أصبحت أكثرية النشىء الإنكليزي يعتقدون "إن الفلسطينيين هم المستعمرون" وأن "اليهود هم ضحايا عنف المستعمر الفلسطيني".
كما ظهر في نتائج استفتاء إنكليزي للرأي اجري منذ بضع سنوات. بالطبع، من المهم أن يكون المراسل محايداً عندما يغطي صراعاً دولياً. ولكن من الأهم أن تكون صادقاً عندما تتعامل مع صراع غير متجانس، اي عندما يكون طرف هو المحتل ومضطهد (بفتح الهاء) والطرف الآخر هو المحتل والمضطهد (بكسر الهاء) .
ومع الزمن فطنت إدارة الفضائية، وإن متأخرة، (ولا أدري إلى أي مدى) بالنسبة للوبي المؤيد ل"إسرائيل" الذي يتنامى باستمرار. أخذ هذا التنامي اتجاهين رئيسيين: تحييد المراسلين الفلسطينيين في "إسرائيل" والمناطق الفلسطينية المحتلة، ومن ثم الاعتماد على تقارير وكالة الأنباء الأميركية، الأسوشيتد برس"، التي ينظر إليها على أنها وكالة الأنباء "الإسرائيلية".(44/196)
وغني عن القول، أن تقارير فرع هذه الوكالة في القدس التي مجمل موظفيها من اليهود الأميركيين المتطرفين والمؤيدين طبعاً ل"إسرائيل" يحرصون على ألا تفوتهم الفرصة لتنبيه القراء بأن "حماس" "منظمة إرهابية"، ,وإن المقاومة الفلسطينية ما هي إلا مجموعة ارهابيين. ولا تحاول "الأسوشيتد بريس" أن تتذكر تلك الحكمة القديمة القائلة بأن "الإرهابي" بالنسبة لشخص ما هو المناضل في سبيل الحرية بالنسبة لآخر، وأن "إسرائيل" بالنسبة للملايين من الناس حول العالم دولة إرهابية بكل معنى الكلمة وفي محاولة لتصحيح الوضع قبل فوات الأوان، عينت الإدارة العليا للجزيرة الصحافي المصري القدير، إبراهيم هلال، للتأكد من عدم انجراف الهوائية بعيداً عن سياسة فضائية الجزيرة العربية.
ونزولاً عند تعليمات مدير عام الجزيرة، وضاح خنفر، طلب هلال من ميريام إعادتي إلى وظيفتي. نفد ميريام الأمر ولكن مرغماً.
في 18 تموز/يوليو وجه ميريام إلي رسالة مقتضبة يأمرني فيها بالاعتذار منه (ولا أدري لأي سبب) ويحذرني بأن عملي سيكون باستمرار تحت المراقبة الصارمة. وقال لي بأنه سيكلفني بكتابة بعض التقارير ، وبأنه هو ولا أحد غيره من سيقرر متى ولماذا. ولكنه لم يكلفني مطلقاً بكتابة تقرير واحد، بالرغم من كثرة الأنباء والأحداث الخطيرة التي تقع في فلسطين.
اقترحت عليه أن أكتب تقارير عن الأحداث والوضع في غزة، الصراع بين حماس وفتح على السلطة وكيف أن "إسرائيل" تمنع الفلسطينيين من الحصول على الطعام والعمل. ولكنه لم "يتنازل" قط للرد على رسائلي.
الأسبوع المنصرم قرر ميريام تغيير كامل قوانين سياسة تحرير Aljazeera.net/English. التي تحدد "المقالات غير مرغوب بها" أي تلك التي تفضح الإجرام والعنصرية "الإسرائيليين" ضد الفلسطينيين، أو تلك التي تصور "إسرائيل" ككيان نازي سوف لن تجد طريقها إلى النشر على aljazeera.net.(44/197)
المهم أن ميريام كان قد طبق هذه القوانين منذ ثلاثة أو أربعة شهور، وبذا لم تنشر أي قصة تبرز الاضطهاد الصهيوني للفلسطينيين، التي أخذت مؤخراً أبعادَاً استئصاليه على موقع Al-jazeera’s English. بينما تنشر العديد من القصص والأخبار عن مثل ضحايا "كاترينا" وغيرها من الأحداث في أطراف العالم. ويدعي ميريام بأنه استلم تفويضاً كاملاً من مدير عام الجزيرة، وضاح خنفر، بتقرير ما ينشر وما لا ينشر على موقع الجزيرة الإنجليزي.
وقد حاولت أن أنقل قلقي من هذا الاتجاه المتفشي بين المسؤولين الكبار في فضائية الجزيرة وبعضهم أعلن عن إحباطه و غيظه الشديد من هذا الوضع.
وقد نقل لي بأن "ميريام ينظر إلى الوضع السائد في الجزيرة العربية بازدراء وخيبة أمل."
كما قال لي آخر بأن هذا الرجل وأصدقاؤه يريدون أن يحولوا الجزيرة إلى "تلفزيون أخبار فوكس" Fox News وحتى "جروساليم بوست". والأخيرة هي جريدة اليمين "الإسرائيلي" الرئيسية والتي يعتبرها الليبراليون لسان حال المستوطنين اليهود.
وأنا متأكد بأن هذا المقال سيؤدي إلى طردي من "الجزيرة. ولكني على استعداد بالتضحية بمصالحي الخاصة وخسارة كل دخلي على أمل أن يقوم المسؤولين في فضائية الجزيرة، وبشكل خاص رئيس مجلس الإدارة حمد بن ثامر آل ثاني والمدير المفوض وضاح خنفر و يفتحا أعينهما ويتنبها ويتأكدا بألا تصبح فضائية الجزيرة سلاحاً في أيدي أعداء العرب والمسلمين. أناشدكم باسم الله بألا تسمحوا لهم باختطاف "الجزيرة" تحت غطاء الأخلاقية الصحافية.
الناطق باسم هيئة علماء المسلمين:
الشيعة يحلمون بـ "البدر الشعي"
جريدة روز اليوسف 16/1/2007
كيف أثرت عمليات التهجير وعمليات القتل على التركيبة السكانية في المدن والأحياء ذات الغالبية السنية؟(44/198)
الفيضي: وفق تقرير جيمس بيكر ومجموعة دراسة العراق فإن عدد المهجرين يزيد على مليون وربع المليون وهو رقم دقيق. أما بالنسبة للمناطق التي استهدفتها عمليات التهجير فهي أحياء الحرية والصليخ والشعب وأور وهي كلها مناطق في بغداد تم تهجير السنة منها بشكل كامل فيما عدا حي الصليخ الذي مازال فيه سنة يقاومون.
وحسب إحصائيات الهيئة المعتمدة على وثائق أهل المنطقة فإنه في قرية الإصلاح وحدها في شرق بغداد تم تهجير ألفي نسمة من السنة من أصل السكان البالغ عددهم ستة آلاف نمسة من السنة والشيعة على يد الميليشيات وسيارات الشرطة والحرس الوطني.
هل تتهم الحكومة العراقية برئاسة نوري المالكي بالتورط في عمليات تهجير السنة؟
الفيضي: نعم أتهم أجهزة الدولة بالتورط في ذلك.
تتزايد الاتهامات لوسائل الأعلام العراقية من قنوات فضائية وصحف ومواقع اليكترونية بإذكاء الروح الطائفية في العراق.. فيكف ذلك؟
الفيضي: هناك قنوات مثل الفرات والفيحاء المعبرة عن تيار الائتلاف الشيعي تسمى السنة بالنواصب وهم تاريخيا جماعة تكره الإمام علي رضي الله عنه. هذه القنوات تحرض على السنة بالأسماء ووتتهم حارث الضاري وهيئة علماء المسلمين وأئمة المساجد بالإرهاب. وبالنسبة للمواقع الإلكترونية أبرز مثال هو موقع أنباء براثا الذي نعتقد أن الشيخ جلال الدين الصغير إمام وخطيب مسجد براثا هو المسئول عنه رغم أنه بزعم أنه لا علاقة له به.
كيف أثرت عمليات العنف الطائفي على الزواج المختلط بين السنة والشيعة؟
الفيضي: الزواج بين السنة والشيعة يكاد يتوقف لأن ميليشيات جيش المهدي ومنظمة بدر والميليشيات الأخرى التابعة لها تقتل كل من يسمى سفيان أو الحكم وتقتل الشيعية التي تتزوج من رجل سني.
هل تتبع جميع هذه الميليشيات جيش المهدي ومنظمة بدر؟
الفيضي: هما الحاض الأكبر للميليشيات فهما يتميزان بقوة التنظيم.. لكن هناك حوالي 30 عنوانا أو 30 اسما لهذه المجموعات.(44/199)
هل يتم تحويل مساجد السنة إلى مساجد للشيعة؟
الفيضي: هناك 50 مسجدا في بغداد يسيطر عليها الشيعة حتى الآن. وهناك 200 مسجد للسنة في بغداد وضواحيها حرق منها 40 مسجدا بالكامل والباقي تم تحويله إلى حسينيات منذ أحداث سامراء التي تم فيها تفجير قبة مرقد الإمام الهادي.
ما هي هوية المجموعات التي تستهدف السنة في العراق؟
الفيضي: لا ندري تحديدا لكننا نسمع عن تورط إيرانيين في هذه الأعمال فحسب الإحصاءات الحكومية قام نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي بإطلاق سراح 400 سجين إيراني وقبله أطلق إبراهيم الجعفري سراح 1200 منهم. والسكان يتحدثون عن تواجد إيرانيين تابعين للمخابرات الإيرانية والحرس الثوري الإيراني وبكثافة في مدينتي البصرة والعمارة. بل إني أكشف لكم أن من يأتي إلى البصرة الآن قادما من الكويت يقوم بتسجيل وثائقه باللغة الفارسية ومن لا يصدق يذهب بنفسه ليتأكد.
لكن السيد مقتدى الصدر أصدر مؤخرا بيانا يعلن فيه براءته من كل شيعي يقتل سنيا وكل سني يقتل شيعيا..؟
الفيضي: نحن في الهيئة ومنذ وقوع تفجيرات سامراء ومرور 7 أشهر الآن من القتل الدموي كنا نطالب مقتدى الصدر بالتكلم. لكن الشيعة لديهم نظام التقية أي أنهم يقولون شيئا ويفعلون شيئا آخر، وهناك لقطة للصدر تذيعها قناة الزوراء يدعو فيها الشيعة إلى دخول الجيش لمدة شهرين لقتل السنة ثم الخروج منه مرة أخرى.
كيف تقيمون الموروث الثقافي للشيعة؟
الفيضي: الشيعة أهملوا في عهد الحكومات السابقة وعلماء الدين المرتبطين بإيران هم الذين قاموا بتثقيفهم وعملوا على إذكاء الاحتقان الطائفي وشغلهم بمقتل الإمام الحسين مما جعل ثقافتهم محدودة.
هل تتهم إيران باستهداف السنة؟(44/200)
الفيضي: من دون شك وذلك من خلال الميليشيات التابعة لها مثل بدر. والقول بأن المخابرات الإيرانية لا علاقة لها بالموضوع هو في الواقع أمر غير منطقي. ففي مدينة البصرة تمارس المخابرات الإيرانية عمليات تهجير واسعة للسنة الذين كانوا يمثلون نحو 40% من سكان المدينة لكن الآن انخفض عددهم إلى النصف. هذه الميليشيات الموجهة تريد أن يصل القتل الطائفي إلى مرحلة الحرب الأهلية لكنه لن يصل.
ما هو دور الاحتلال في القتال الطائفي الدائر؟
الفيضي: الولايات المتحدة متورطة في الاقتتال الطائفي لأنهم يمنعون السنة من امتلاك السلاح وينتزعونه من الأهالي الذين يقاومون الميليشيات في حي العدل في بغداد وغيره من الأحياء. هم يفتشون البيوت بيتا بيتا ويأخذون السلاح. كما أنه وقت فرض حظر التجول تجدين الميليشيات تعمل بحرية وتكون النتيجة كما حدث في أحداث حي الحرية في بغداد حيث تم حرق السنة أحياء. هذا تواطؤ مخز ومخجل ومرعب.
كيف تقيم علاقتكم بالسعودية؟
الفيضي: لم تكن هناك علاقة بيننا وبين السعودية لمدة ثلاث سنوات ونصف السنة ثم اجتمعنا مؤخرا بالملك عبد واستقبلنا بحفاوة بالغة.
هل تخلت عنكم السعودية عندما أعلن وزير خارجيتها سعود الفيصل أن بلاده لن تتدخل لدعم السنة في العراق إذا تدهورت الأوضاع وأصبحت هناك حرب أهلية فعلية؟
الفيضي: هذا القرار كان خطرة حكيمة لأننا لا نريد دعما خاصا بالسنة فهذا يدعم السنة وإيران تدعم الشيعة وهذا لن يجدي نفعا. نحن نريد دعم القوى الوطنية المناهضة للاحتلال من سنة وشيعة.
هل ما تقوم به إيران في العراق يأتي ضمن سيناريو معد لإقامة هلال شيعي في المنطقة؟
الفيضي: نعم هو مشروع إيراني للهيمنة على المنطقة. بل إني أقول إن حلمهم لم يعد يقتصر على الهلال الشيعي بل البدر الشيعي للهيمنة والسيطرة على المنطقة بأكملها وهو ما نراه في المنشورات التي بحوزة الميليشيات.
الأمين العام لحزب الفضيلة الإسلامي الشيعي:(44/201)
المجلس الأعلى للثورة الإسلامية وحزب الدعوة استخدما الورقة الطائفية لتعزيز رصيدهما السياسي
جريدة روز اليوسف 16/1/2007
من يقف وراء مخطط التهجير في العراق؟
الجابري: عملية التهجير ليست عملية عفوية بل مخططا سياسياً منظماً تقوم به جهات سياسية متعددة تعمل على زرع بذور الفتنة الطائفية في العراق وهي في الغالب تكون في الأوساط الشيعية وتؤمن بالمنهج الطائفي وتمهد الطريق إلى فصل الجنوب والوسط عن العراق.
هل تقصد المجلس الأعلى للثورة الإسلامية؟
الجابري: لا أستطيع أن أحدد فكل اتجاه فيه تفاوتات ولا يوجد اتجاه مجمع على موقف موحد وإنما المنهج الطائفي هو الذي يحرك الذي يحرك هذه العمليات. وفي الوسط السني هناك المنهج التكفيري لكن لا توجد قوى سياسية معينة تمثل هذا المنهج أيضا وإنما أحزاب وأفراد.
أين تتركز عمليات التهجير؟
الجابري: في المحافظات المختلفة مثل بغداد بشكل أساسي وديالى والموصل وكركوك وهي تشهد عمليات تهجير للداخل والخارج. فالشيعة الذين يسكنون في مناطق ذات أغلبية سنية هاجروا إلى مناطق شيعية والعكس صحيح. العملية أصبحت جد خطيرة لأنها تؤدي إلى الفرز الاجتماعي وبالتالي تتحول البلدات إلى كانتونات شيعية وسنية.
هل توجد إحصائيات خاصة بعدد الشيعة المهجرين؟
الجابري: لا بالفرز لا يوجد أرقام خاصة بالشيعة فعمليات التهجير تشمل السنة والشيعة. لكن الأرقام الرسمية الصادرة عن وزارة الهجرة والمهجرين في الشهر الماضي تشير إلى عمليات ترحيل داخلية وعمليات تهجير خارجية وصلت لثلاثة ملايين عراقي بين السنة والشيعة كما أن معدل هجرة العراقيين إلى الخارج يصل إلى ثلاثة آلاف في الشهر الواحد تقريبا.
دأبت قناة الزوراء على إذاعة لقطة لمقتدى الصدر يدعو فيها الشيعة إلى الانضمام إلى الجيش لقتل السنة ثم الخروج منه.. هل تعتقد أن هذه اللقطة صحيحة أم أنها مركبة؟(44/202)
الجابري: أنا لم أرها وبالتالي لا أستطيع أن أعلق عليها لكن تركيب هذه اللقطة يحتاج إلى بعض الوقت.
لكن هل تعتقد أن مقتدى الصدر دعا بالفعل إلى ذلك؟
الجابري: لا أستطيع أن أحكم فأنا لم أر اللقطة.
هل امتد الصراع السياسي بين السنة والشيعة إلى العلاقات الإنسانية ليخلق صراعا اجتماعيا بينهما؟
الجابري: العنف الطائفي ليس اجتماعيا بل سياسيا فالقوى السياسية أرادت توظيف طوائفها في خدمة مشروعها السياسي ولذلك أول ما ظهرت الطائفية ظهرت عند تشكيل مجلس الحكم وقت المشاورات مع السفير بريمر. وعندما جاءت القوى السياسية التي أتت من الخارج مثل المجلس الأعلى وحزب الدعوة التي لم تجد أرضية شعبية لها في العراق ووجدت حزب الفضيلة والتيار الصدري هما المسيطران على الشارع الشيعي ، فبدأت تستخدم الورقة الطائفية لتعزيز رصيدها السياسي وتم تشكيل الائتلاف العراقي الموحد على هذا الأساس وتم توظيف الورقة الطائفية في الانتخابات .
لكن حزب الفضيلة كان من المؤسسين لهذا الائتلاف ؟
الجابري : نعم وهذا خطأ تاريخي وقعنا فيه . والحقيقة الائتلاف لم يأسس لغرض طائفي وإنما استطاعت القوى الطائفية أن تغير مساره إلى المنحنى الطائفي ولهذا أول ائتلاف شكلناه كان يضم الإسلاميين والعلمانيين وسنة وشيعة وأكراد وتركمان أي أنه كان تركيبة وطنية لكن بدأت محاصرة وعزل الشخصيات العلمانية والسنية التي شاركت معنا في هذا الائتلاف إلى أن غادرت الائتلاف بعد شهر أو شهرين. وحاولنا تصحيح المسار لكن الفجوة بدأت تكبر لذلك عند تشكيل الائتلاف الثاني كان أكثر طائفية من سابقه وحاولنا الخروج من البداية لكن معوقات قانونية منعتنا وتدخلات من السلطة.
كيف تأثرت عمليات التزاوج بين السنة والشيعة؟(44/203)
الجابري: التزاوج بين أبناء الشيعة والسنة طبيعي جدا على الرغم من أن القوى الطائفية والتكفيرية حاولت جر الشعب العراقي إلى الفتنة الطائفية. هذه القوى نجحت للأسف بعد تفجيرات سامراء التي طالت المراقد المقدسة وأصبح هناك احتراب طائفي يغذي سياسيا من قبل هذه القوى لكن النتيجة لم تصل بعد إلى أن يكون هناك فرز اجتماعي فلم يحدث عمليات تطليق أو قتل مثلا. المشكلة هي في السكن فالشيعي الذي يبقى في منطقة سنية معرض للقتل والعكس فهو فرز قسري.
هناك من الشيعة من يتهم هيئة علماء المسلمين بإذكاء روح الطائفية؟
الجابري: لا الهيئة تمثل القوى السلفية التي تؤمن بمقاتلة قوات الاحتلال فقط.
ما هي طبيعة علاقتكم بالقوى الشيعية الأخرى مثل المجلس الأعلى للثورة؟
الجابري: نحن نمثل قوى الداخل في حين يمثلون هم قوى الخارج الذين تغربوا عن العراق لسنوات طويلة.
ما هي علاقتكم بإيران؟
الجابري: نحن الجهة الوحيدة التي لا تربطنا علاقات مع إيران. بل إنها تدخلت في قضية رئاسة
الوزراء لصالح المرشحين الآخرين وعلمت على إفشالنا لأننا نتبنى منهاجا وطنيا وليس منهجا طائفياً.
هل قمتم بزيارة إيران من قبل؟
الجابري: نعم منذ عامين لتهدئة الأمور وشرح أهدافنا لكن قناعاتهم لم تتغير.
لماذا انفصلتم عن التيار الصدري؟
الجابري: لأسباب تتعلق بالعمل المنظم بينما هم يعتمدون العمل العفوي ووجدنا أن الأيديولوجية السياسية ضيقة وتعسر علينا العمل وفضلنا الانفصال لأننا كنا مقبلين على عملية ديمقراطية وانتخابات وأردنا عملا سياسيا منظما بالإضافة إلى بعض الخلافات الأخرى لكن تظل العلاقات بيننا علاقات أخوية.
هل تعتقد في تورط جيش المهدي في عمليات قتل السنة؟
الجابري: الحقيقة أن هناك بعض القوى الطائفية اخترقت جيش المهدي وربما حتى قوى خارجية..
لكن جيش المهدي نفسه لا ينفذ مخطط استهداف السنة؟(44/204)
الجابري: لا لأن التيار الصدري تيار وطني ونحن التياران الأساسيان اللذان يمثلان قوى الداخل ولا نرتبط بأي قوى خارجية.
يعتقد الكثيرون أن الحكومة العراقية تهادن التيار الصدري وما تقوم به الجماعات التابعة له من أعمال عنف ضد السنة وهي بذلك متورطة في أعمال العنف الطائفي..
الجابري: الحكومة فشلت حتى الآن في حل قضية الميليشيات عموما وحتى لو لم تشارك في دعم الميليشيات فهي مسئولة عن حفظ الأمن وحل الميليشيات وجمع أسلحتها ودمجها في المجتمع المدني وهي لا تزال مقصرة في ذلك.
ذكرت أن المجلس الأعلى للثورة الإسلامية مرتبط بقوى خارجية فهل منظمة بدر تنفذ أجندة خارجية؟
الجابري: نحن نسمع من الأوساط السنية أن بدر تستهدفهم ووردت إشارة في تقرير بيكر هاميلتون أن منظمة بدر تستهدف السنة العراقيين.
الطائفية ومشجب الصهيونية
أسامة شحادة - الغد 9/2/2007
فجأة ودون سابق إنذار تصاعدت التصريحات حول مسؤولية الصهيونية عن إشعال الفتنة الطائفية بين السنة والشيعة، ومصدر هذه التصريحات القيادات الشيعية من مختلف البلاد (إيران، العراق، الكويت، السعودية، لبنان) وكأن هناك اتفاقا على هذا السيناريو!
لا شك أن هناك مخططات صهيونية لإشعال الفتنة، لكن هل هذه كل الحقيقة؟ هل كل ما يجري هو بمخطط صهيوني؟
صحيح أن هناك قيادات شيعية ترفض هذا بالكلام مع قدرتها على الفعل، لكن لم نجد للآن مواقف على الأرض من القيادات الفاعلة!
لقد استنكرت كل القيادات الرسمية والشعبية السنية جرائم القاعدة في العراق، بعكس قيادات شيعية كبرى لا تزال تبرر الجرائم بحق أهل السنة بمكافحة الإرهاب. والغريب أن تلك الجرائم ينتقمون فيها من العلماء والدعاة والأطفال والنساء، دون الإرهابيين المفترضين!(44/205)
أغلب القيادات الشيعية ترمي القاعدة بالإرهاب لأنها تقوم بالقتل العشوائي وهي تقاوم المحتل، لكنها لا ترمي الميلشيات والقوات الشيعية بالإرهاب وهي تقتل المواطنين قصداً دفاعاً عن المحتل!
لا زلنا نذكر صمت المراجع الشيعية عن مأساة الفلوجة، وسجن أبو غريب، وفرق الموت، والتهجير، والاختطاف وغيرها من الجرائم التي يندى لها الجبين.
محاربة الطائفية ليست بالشعارات فقط! ففي مؤتمر الحوار والتقريب الأخير بقطر، برر التسخيري زعيم التقريب تعظيم وتمجيد "قبر أبو لؤلؤة المجوسي" قاتل الخلفية العادل عمر بأنه هذا قناعة لدى بعض المواطنين الإيرانيين، وهنا نتساءل فأين العقلاء والمسؤولين؟ وهل يجب على السنة فقط لجم المتطرفين أما القيادات الشيعية فلديها مطلق الحرية في صنع ما يريدون؟
لماذا لا تقوم إيران بمبادرة حقيقية لوأد الفتنة بمنح السنة الإيرانيين حقوقهم المغيبة والذين تبلغ نسبتهم 25% من سكان إيران أو مساواتهم بالأقلية اليهودية على أقل تقدير، ليكون ذلك نموذجاً يحتذى من الدول العربية، بخاصة أن إيران تحمل راية التقريب.
لماذا لا تصدر مرجعيات الشيعة الدينية والسياسية وثيقة رسمية ملزمة يعاقب من يخالفها من الشيعة،
تلتزم فيها بالثوابت والمشتركات الأساسية بين المسلمين وهي:
1- الإقرار بسلامة القرآن الكريم من أي نقص أو زيادة أو تحريف، وكفر كل من يخالف ذلك في القديم أو الحديث من أي طرف كان، وتجريم طباعة وترويج الكتب والأشرطة التي تروج للطعن بالقرآن الكريم.
2- الاتفاق على منزلة الصحابة الكرام وأمهات المؤمنين، وعدم التساهل مع من يسبهم أو يكفرهم، ومنع ذلك في كافة الوسائل الإعلامية، والقيام بمسؤولية توعية الشارع الشيعي حول ذلك من خلال المناهج المدرسية ووسائل الإعلام الرسمية.(44/206)
3- إعلان عدم كفر المسلمين الذين يعظمون آل البيت رضوان الله عليهم، ولكنهم لا يعتقدون أن الإمامة لابد أن تكون لآل البيت فقط، ولا يؤمنون بالغلو في آل البيت، وإعطائهم صفات الربوبية والألوهية.
4- عدم تكرار إعانة أعداء الأمة من الصهيونية وأميركا، كما حدث في أفغانستان والعراق.
5- التزام المواطنين الشيعة بمصلحة بلادهم وعدم الارتباط السياسي بالمصالح الإيرانية فقط.
لماذا ترفض القيادات الشيعية، المرتبطة بإيران، عملياً هذه الثوابت، وهذا ما نجده في ممارسات الميلشيات الطائفية في العراق، وصمت الحكومة على ذلك، كما أن إيران هي الداعم والمعين لهذه الميلشيات، أو حزب الله في لبنان كما أن العديد من المواقع الإلكترونية والفضائيات المحسوبة على قوى شيعية تروج لفكر الغلو والتكفير الطائفي فتجد فيها الطعن بالقرآن وتكفير الصحابة وأمهات المؤمنين.
هناك مشروع صهيوني لزرع الفتنة فلماذا تقوم قيادات شيعية بمساعدته؟ نريد أفعالاً جادة ومسؤولة ومستمرة.
من الذي ينفذ المخطط الأمريكي في المنطقة ؟
أسامة شحادة
العصر 20/1/2007
تتصاعد بعض الأصوات مطالبة أهل السنة بالوعي وعدم الانجرار في صراع مع إيران ، بحجة أن هذا الصراع لا يخدم سوي المخطط الأمريكي للمنطقة ، وذلك أن نشوب صراع طائفي هو مطلب وحاجة أمريكية صهيونية ، لتشتيت القوى الإسلامية عن صراعها الحقيقي .
وبعضهم يتعالم على أهل السنة بتخطئتهم في تعاونهم مع أمريكا في أفغانستان ، وكذلك دعمهم للعراق في حربه مع إيران .
ولنحاول مناقشة هذه الرؤية في النقاط التالية :
نقر بوجود صراع حقيقي بين المشروع الأمريكي والمشروع الصفوي .
ليس من المصلحة في شيء إثارة حرب طائفية بين السنة والشيعة .
لكن من الذي ساعد أمريكا في الاعتداء على الأمة في العراق وأفغانستان ؟ أهل السنة أم المشروع
الصفوي لمصالحه الطائفية ؟(44/207)
لماذا المشروع الصفوي في صراعه مع المشروع الأمريكي، يعتدي على أهل السنة ؟ أليس الأجدى له تحييد السنة ؟ من الذي يمارس التطهير الطائفي والقتل على الهوية ونشر طائفيته في البلاد السنية ؟
لماذا يطلب من أهل السنة السكوت عن الاعتداء الصفوي عليهم ؟ ولا يطالب المجرم المعتدى بالكف عن إجرامه ؟
هل نبقي مكتوفي الأيدي حيال المشروع الصفوي الذي لم يستجب لكل الدعوات له بالكف عن الاعتداء على أهل السنة ؟
لماذا إيران تنفذ بعض المخطط الأمريكى لمصلحتها ، وتشعل حرب طائفية لتحقق بها سيطرتها ، ومن ثم نتهم أهل السنة أنهم المنفذين للمخطط الأمريكي !!!!
أهل السنة حين تعاونوا مع أمريكا في أفغانستان والعراق ، فقد كان ذلك لحمايتهما والحفاظ عليهما وهو ما حدث ، لكن حين تعاون المشروع الصفوي مع المشروع الأمريكي فقد كان لإزالتهما وتدميرهما وهو ما حصل !!
من الذي دخل في ركاب المحتل الأمريكي في أفغانستان والعراق ؟ أليس هم قادة وأحزاب الإخوان المسلمون !ومن الذي يقود مقاومة المشروع الأمريكي هناك أليس هم أهل السنة .
الخلاصة : نحن لسنا جزءاً من المشروع الأمريكي ولا معنيين بتحقيقه ، ولكن نحن نرفض أن يعتدى المشروع الصفوي على حقوقنا ومقدساتنا بحجة الصراع مع المشروع الأمريكي .
لتكف إيران عن الاعتداء علينا في العراق ولبنان والخليج وحتى في إيران نفسها لتكف عن التنكيل بأهل السنة والعرب الشيعة ، فنكف عن التصدي لها ومقاومتها ، ولتكمل صراعها مع المشروع الأمريكي بطريقتها ، ونحن نستمر بمقاومة المشروع الأمريكي بطريقتنا .
لكن أن يقوم المشروع الصفوي بحربنا وقتلنا والتنكيل بنا بذريعة صراعه مع أمريكا ، ويراد لنا أن نقف مكتوفي الأيدي ، فهذا ما يجب أن تفهم إيران أنه لن يكون ، ويجب أن يفهم المروجون له أن هذا هو قمة الغباء إن لم يكن الخيانة .(44/208)
مجلة الراصد الإسلامية
العدد الخامس والأربعون – ربيع الأول 1428هـ
* فاتحة القول:…لنحافظ على جهودنا 00 كي لا يسرقها العمانيون والصهينيون ..........................…3
* فرق ومذاهب:…الطريقة الدسوقية .............................................................................…5
* سطور من الذاكرة:…خطر تغلغل الشيعة في الدول السنية .........................................................…8
* دراسات: …
القصة الكاملة للعلاقات الإيرانية – الأمريكية ...............................................…10
* كتاب الشهر: …الوطن الإسلامي بين السلاجقة والصليبيين ..................................................…34
* قالوا: …..................................................................................................…38
* جولة الصحافة : ……
اليمن…- الرئيس اليمني .. أبواب الحوار والوساطة سدت مع الحوثيين ......................... …41
…- اليمن 00 قصة تمرد .......................................................................…42
إيران…- واشنطن وطهران تتنازعان المخابرات العراقية .........................................…48
…- تنامي الدور الإيراني سببه العرب والأمريكيون ........................................…50
…- رفسنجاني يطالب مجلس الخبراء بتعيين مرشد جديد للثورة قبل وقوع الواقعة ....…54
…- ماذا يجري في بلوشستان الإيرانية ......................................................…60
لبنان…- مقابلة مع مفتي صورالشيخ علي الأمين ......................................................…63
…- الشيخ محمد علي الجوزو .. سورية سجن كبير .......................................…76
…- الهلال الشيعي اللبناني ...................................................................…79(45/1)
…- حزب الله يطلب مفاوضات مباشرة مع إسرائيل في ألمانيا ............................…82
متفرقات…- ائتلاف المنظمات الإسلامية يوجه بياناً إلى قادة الأمة ...............................…83
…- الإخوان التيجانيون .. الرهان الجديد في الحزائر ....................................…90
…- الصابئة المندانيون يجدون في كردستان العراق ملاذاً ................................…97
…- القاديانية والخلافات المذهبية .. تحديات في طريق مسلمي سورينام ................…98
…- شعوذات الحب والتفريق والكراهية .. الأكثر انتشاراً بين السعوديين ...............…101
…- حملة مجهولة للتشيع في أوساط الصحفيين والمثقفين المصريين ..................…103
…- مقابلة مع الدكتور رمضان شلح الأمين العام للجهاد الإسلامي ......................…104
…- طقوس شيعية ............................................................................…108
…- ماذا فعل نجاد في الخرطوم؟ ...........................................................…110
…- أهل السنة والجماعة ليسوا طائفة من المسلمين .. بل هم الأمة الإسلامية ........…116
…- الإخوان – حماس وإيران والسؤال الحائر ؟..........................................…122
لنحافظ على جهودنا 000
كي لا يسرقها العلمانيون أو الصهيونيون!(45/2)
بفضل الله عز وجل قامت جهود عديدة مباركة في هذا الوقت ، للدفاع عن حوزة الدين من اعتداء المبطلين من الشيعة الروافض الصفويين، وذلك بعد أن طمعت قيادات ومرجعيات شيعية في السيطرة والانتشار في بلاد الإسلام، بسبب غفلة المسلمين وجهل كثير منهم بحقيقة نوايا كثير من قيادات الشيعة التي لا تحمل إلا الحقد والكره للمسلمين من أول صحابي من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى آخر مسلم. هذه الجهود المباركة في التصدي لهذه الأطماع والمخططات الشريرة، تنوعت بحسب القدرة والحال علماً و عملاً، فمنها الخطب والدروس، ومنها الكتب والمقالات و غير ذلك مما نسأل الله عز وجل أن يبارك ويثيب كل قائم عليه.
وهذا التصدي لهذه الهجمة الشيعية الصفوية مطلب شرعي صحيح، ولكن يجب الحذر من أن تكون نتيجة هذه الجهود المباركة خدمة مجانية لأعداء آخرين لنا، لكنهم في نفس الوقت يخالفون الشيعة ويخافونهم.
ومن مكر هؤلاء محاولة سرقة جهودنا مرة أخرى من جديد، ذلك أنهم سبق لهم سرقة العديد من جهود المخلصين، بدءا من ثورة الجزائر مروراً بتونس وأبو رقيبة وليس انتهاءً بأفغانستان.
وحتى نحافظ على هذه الجهود نحتاج لترشيد خطابنا وعدم الانسياق وراء العواطف والانفعالات أو الانخداع باستمرار الأجواء المساندة شعبياً ورسمياً .
فيجب أن لا يكون همّ خطابنا بيان كفر عقائد الشيعة، بل يجب أن نركز على بيان عقائد الشيعة على حقيقتها وأن هذه العقائد هي ما يعتقده قادة الشيعة المعاصرون، ونترك للجمهور الحكم عليهم، وهذا يتطلب مزيداً من الأبحاث والدراسات الجادة التي تقدم إضافة حقيقية وليس تكرارا لما سبق.(45/3)
كما يجب أن يركز الخطاب على إقناع الجمهور بأهمية قيام المواقف المساندة لأي جهة على خلفياتها العقدية، وعدم الاقتصار على المواقف السياسية الدعائية كما حصل مع إيران وحزب الله، ذلك أننا قادمون على مرحلة جديدة ستشهد صعود العديد من الطوائف والفرق المنحرفة، فيجب أن يكون جهدنا قائما على الإقناع والتحصين الفكري لسائر الانحرافات الفكرية والعقدية، ولا نبدأ دوماً من البداية !
كما يجب أن يتسم خطابنا بالعدل والحق وتقديم الحلول للطائفية البغيضة، وبيان حقيقة الوسطية والعدل الذي كفله الإسلام لغير المسلمين أصلاً وللمنحرفين عن الإسلام، بشرط الالتزام بالقوانين المرعية وعدم إعانة الأعداء أو الإساءة للمسلمين.
ومراعاة الخلافات بين المجموعات الشيعية أمر مهم ، فليس من الحكمة والفطنة توحيد صف الشيعة على عدائنا وحربنا، وليس من العقل في شيء تحويل كل الشيعة إلى غلاة ومتطرفين، وذلك من خلال بعض المقالات أو الشعارات أو التصرفات التي تخالف الشرع القائم على العدل والإحسان، فالشيعة فيهم من يرفض الغلو والاعتداء ، وفيهم من يعقل عاقبة الاعتداء والتطاول على جموع المسلمين ، وفيهم من خفف من غلوائه بسبب الجهود المباركة في نشر الوعي بحقيقة التشيع الصفوي، فلذلك يجب أن نسعى لكسب القطاعات الشيعية غير الغالية للاعتدال أكثر، بتشجيعها على أن تعلن اعتدالها وتستنكر تعدى غلاتهم ، والتواصل معهم حتى لا يكونوا عوناً في الاعتداء علينا.(45/4)
وننبه هنا إلى أن عدم مراعاة كل ذلك سيكون مدخلا لأعدائنا من العلمانيين وخاصة العلمانيين الغلاة من اليساريين ، للمطالبة – وقد طالبوا – بإقصاء الإسلام والإسلاميين من الساحة السياسية، بدعوى أن الإسلاميين – سنة وشيعة – سيدخلون البلاد في حالة طائفية دموية، وهذا بدأ يصبح مطلباً لدى بعض أهل العراق، فيجب الحذر من أن يصبح جهادنا ضد العدوان الشيعي الصفوي سببا لتمكين العلمانية في بلادنا، بسبب عاطفة جامحة أو قصور نظر أو تهور أحمق!! وللوصول لمعالم ترشيد الخطاب يجب الرجوع لأهل العلم العارفين بحقائق الأمور ومن الذين لهم مشاركة حقيقية في هذا المجال .
و لا يغيب عنا أن إثارة الطائفية وتفتيت العالم الإسلامي مطلب صهيوني، ولكن هل نستسلم لهذا المشروع الصهيوني؟ هل من العقل والحكمة أن نترك المشروع الشيعي الصفوي ينشر الطائفية والدمار في العراق، والبحرين ولبنان، ويتمدد في البلاد الأخرى، بحجة أن الصراع الطائفي مطلب صهيوني؟؟
بالطبع ليس هذا من الحكمة، ولذلك يجب أن يكون موقفنا واضحاً:
1-…فضح المشروع الشيعي الصفوي وأنه المنفّذ للمشروع الصهيوني.
2-…التصدي للمشروع الشيعي الصفوي، حسب ملامح الخطاب الرشيد الذي قدمناه.
3-…عدم إغفال المشروع الصهيوني، الذي يريد صرف النظر عن جرائمه بخلق صراع داخلي بين المسلمين .
4-…ليس لنا مصلحة بالمشاركة في أي حرب بين أمريكا وإيران ، ويجب أن نقف على الحياد بينهما، مع الاستعداد لأي تصرف إيراني بإثارة شيعة الخليج ولبنان لتوسيع دائرة الصراع.
هذه رؤيتنا لما يجب أن تكون عليه جهود أهل السنة في مقاومة الغزو الشيعي الرافضي ، ونرحب بأي مشاركة لتعميق وترسيخ هذه المقاومة المباركة.
الطريقة الدسوقية
التأسيس:(45/5)
الدسوقيّة إحدى الطرق الصوفية التي تنتشر بشكل خاص في مصر، وتسمى أيضاً "البرهامية"، وقد تفرعت إلى فروع عديدة. وينتسب الدسوقيون إلى برهان الدين إبراهيم بن أبي المجد المعروف بالدسوقي، وهو عند الصوفية أحد الأقطاب الأربعة (إضافة إلى الجيلاني والرفاعي والبدوي). ويزعم أتباعها أنها خاتمة الطرق الصوفية و أكثرها انتشاراً في جميع أرجاء العالم .
ولد الدسوقي في شعبان سنة (633هـ)، وتوفي في مصر سنة (676هـ)( ) (1236- 1277م)، وهو كبقية شيوخ الصوفية ينسب نفسه إلى آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وإلى أبناء الحسين بن علي رضي الله عنهما. وقد أحاط الدسوقيون مولد شيخهم بجملة من الخرافات منها أنه لما وضعت أمه في الليلة التالية للتاسع والعشرين من شهر شعبان، اتفق وقوع الشك في هلال رمضان، فأشار أحد المتصوفة المعاصرين للدسوقي (ابن هارون) أن ينظروا إلى هذا الصغير (الدسوقي) هل رضع في هذا اليوم، فأخبرت والدته أنه من الأذان فارق ثدييها ولم يرضع، فأرسل ابن هارون يقول لها:لا تحزني فإنه إذا غربت الشمس شرب( ).
عقائدها:
1-…أضفوا على أنفسهم وشيوخهم صفات الربوبية التي لا تجوز إلاّ لله سبحانه وتعالى، إذ يقول الدسوقي: "أنا موسى في مناجاته، أنا علي في حملاته، أنا كل ولي في الأراضي جميعهم بيدي، خلع الفقراء ألبسهم الله ربي وربهم ورب كل شيء، أنا في السماء شاهدته، على الكرسي خاطبته، بيدي أبواب النار غلقتها، أنا بيدي جنة الفردوس فتحتها، من زارني أو زاره ـ يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ بيدي جنة الفردوس أسكنته"( ).
2-…جاء في بعض كلام الدسوقي ما يفيد اعتقاده بوحدة الوجود الفاسدة والتناسخ وشهود الوحدة، على نحو ما يؤمن به الصوفية، إذ يقول:
أنا الواحد الفرد الكبير بذاته……أنا الواصف الموصوف بذاته
ويقول أيضا:
تجلى لي المحبوب في كل وجهة……فشاهدته في كل معنى وصورة
وخاطبني مني يكشف سرائري……فقال أتدري من أنا قلت منيتي(45/6)
فأنت مناي أنت أنا أنت دائما……إذا كنت أنت اليوم عين حقيقتي
وأنظر في مرآة ذاتي شاهداً……لذاتي بذاتي وهي غاية بغيتي
وما شهدت عيني سوى عين ذاتها……وإن سواها لا يلم بفكرتي
بذاتي تقوم الذات في كل ذروة……أجد فيها حلة بعد حلة
فليلى وهند والرباب وزينب……وعلوى وسلمى بعدها وبثينة
عبارات أسماء بغير حقيقة……ومالوا لوحوا بالقصد إلاّ صورتي( )
من كراماتهم المزعومة:
ادّعت هذه الطريقة لشيوخها وعلى رأسهم الدسوقي، ما لا يحصى من الكرامات، ورفعوهم فوق مرتبة الأنبياء والملائكة. فقد ادّعوا أن الدسوقي لما بلغ من العمر سنة، أمسك من يحملهم الريح من أولياء الله، وأقعدهم في الأرض، ولمّا بلغ سنتين أقرأ مؤمني الجن القرآن، ولما بلغ التاسعة، فكّ طلسم السماء، ولمّل بلغ اثنتي عشرة نقل مريديه من النار إلى الجنة بإذن الله، ولمّا بلغ ثلاث عشرة سنة، جعلت الدنيا في يده كالخاتم، قلبها كيف شاء، ولمّا بلغ خمس عشرة سنة خاطب جبريل وعرف الإجمال والتفصيل، ولمّا بلغ ست عشرة جاوز سدرة المنتهى، وحصل إليه المراد وانتهى، ولمّا بلغ سبع عشرة سنة رأى ما يخطه القلم. وما خطه مما كان ويكون كرؤية أحدنا الإناء في يده"( ).
كما ذكروا له من الكرامات أنه كان يتكلم بجميع اللغات كالسريانية والعبرانية وغيرهما، ويعرف لغات الطير والوحوش، وأنه صام في المهد، وأن قدمه لم تسعها الأرض، وأنه ملك الدنيا وصافح جبريل عليه السلام، وأن سبعة من القضاة أرادوا امتحانه فدفع لهم النقيب، فدفعهم خلف جبل قاف، وبعد سنة جاء بهم فاعتذروا. وزعموا أن تمساحاً خطف صبيّاً، فجمع الدسوقي كل تماسيح البحر وطلب منهم أن يرجعوه حيّاً ففعلوا( ).
انتشارها وفروعها:
…تنتشر الدسوقية بشكل خاص في السودان ومصر، ومركزها في مصر مدينة دسوق، بمحافظة كفر الشيخ، وفي سوريا وتركيا واليمن، وشيخ الطريقة في مصر: محمد علي عاشور.
ومن فروعها في مصر:
1-…الشرنوبية وشيخها محمد عبد المجيد الشرنوبي(45/7)
2-…السعيدية الشرنوبية وشيخها حمدي إبراهيم الشرنوني.
3-…الشهاوية وشيخها محمد أبو المجد الشهاوي.
4-…المجاهدية وشيخها عبد القادر أحمد مجاهد ( ).
…وفي السودان: تعرف بالطريقة البرهانية الدسوقية الشاذلية، وقد استطاع شيخ الطريقة الشيخ محمد عثمان عبده البرهانى أن ينشر الطريقة في جميع أرجاء السودان ومصر بالإضافة إلى افتتاح مراكز الطريقة في أكثر من سبعا وثلاثين دولة في قارات آسيا وإفريقيا وأمريكا وأوروبا،وذلك تحقيقا لنبوءة سيدى إبراهيم القرشى الدسوقى حيث قال:
ولا تنتهى الدنيا ولا أيامها……حتى تعم المشرقين طريقتى
وتنتشر الزوايا البرهانية في السودان ومصر وليبيا وتونس والسعودية والإمارات العربية والعراق والأردن والكويت وسوريا ولبنان والصومال وباكستان. فلا توجد مدينة كبرى بألمانيا إلا و بها صرح برهاني وتوجد فى لندن وباريس وروما ونابولى وكوبنهاجن واستكهولم ونيويورك( ).
خطر تغلغل الشيعة في الدول السنية
روى لنا ابن الأثير في كتابه "الكامل" قصة هروب عبيد الله المهدي الإسماعيلي من سلمية إلى المغرب، حيث أسس مساعده أبو عبد الله الشيعي هناك دولة فتية ، وتحتوى هذه القصة على دروس مهمة لمن يعقل ولكن أين هم؟
قال ابن الأثير: "وشاع خبره عند الناس أيّام المكتفي (العباسي) فطُلب فهرب هو وولده أبو القاسم نزار الذي وليّ بعده وتلقّب بالقائم وهو يومئذ غلام وخرج معه خاصّته ومواليه يريد المغرب وذلك أيّام زيادة الله فلمّا انتهى إلى مصر أقام مستترًا بزيّ التجار وكان عامل مصر حينئذ عيسى النُّوشريّ فأتته الكتب من الخليفة بصفته وحليته وأمر بالقبض عليه وعلى كلّ مَن يشبهه .(45/8)
وكان بعض خاصّة عيسى متشيّعًا فأخبر المهديَّ وأشار عليه بالانصراف فخرج من مصر مع أصحابه ومعه أموال كثيرة فأوسع النفقة على مَن صحبه فلمّا وصل الكتاب إلى النُّوشريّ فرّق الرسل في طلب المهديّ وخرج بنفسه فلحقه فلمّا رآه لم يشكّ فيه فقبض عليه ونزل ببستان ووكّل به فلمّا حضر الطعام دعاه ليأكل فأعلمه أنّه صائم ورقّ له وقال له : أعلمني بحقيقة حالك حتّى أُطلقك فخوّفه بالله تعالى وأنكر حاله ولم يزل يخوّفه ويتلطّفه فأطلقه وخلّى وقيل : إنّه أعطاه في الباطن مالًا حتّى أطلقه".
من دروس هذه القصة: تستر دعاة الشيعة لليوم بمظهر التجار!! فكم من البلاد قد تغلغلوا فيها باسم الاستثمار وتنشيط الاقتصاد!!
ومن الدروس: اليقظة لبطانة المسئولين، فكم من بطانة الخاصة تعمل لمصالحها لا مصلحة من قرّبها وولاها، ومن ذلك ما نراه اليوم من سيطرة الشيعة في بعض البلاد على مصلحة البريد! ووزارة الإعلام! ووزارات المالية والنفط!! فقل لي ماذا بقي؟؟ وقد تغلغل بعضهم في الأجهزة الأمنية، وإلا فكيف هرب أمثال ياسر الحبيب الكويتي من السجن إلى لندن!؟
ومن العجائب أن يتولى المدرسون الشيعة تدريس الطلاب مادة التربية الإسلامية في بعض الدول، لنقص أعداد المدرسين السنة فيها!! أما الغفلة التي تصل حد الغباء كثيراً ، المصيبة التي حدثت بسبب غفلة "النُّوشريّ " الذي رقّ له لمّا علم انه صائم!!
ولو استعرضنا سيرة الدجالين كلهم لرأينا منهم العجب في الزهد بداية، ثم رفع التكاليف عنهم، كما فعل عبيد الله المهدي هذا لما استقرت له الأمور في المغرب، فقد وقع في الفواحش ولما روجع في ذلك قال : " أنا نائب الشرع أحلل لنفسي ما أريد".(45/9)
ومن هذه الغفلة ما صرح به بعض الطيبين لما زاروا الخميني ليباركوا له انتصار الثورة، فقال قائلهم:" لقد رأينا رجلا من عصر الصحابة، إنه يأكل الجبن والزيتون ويجلس على الحصير" !!! فهل مثل هذا يستأمن على رعاية بعض البهائم فضلاً عن أن يتصدر لقيادة حركات إسلامية !! فمتى يتعظ المسلمون من مصائبهم في التاريخ؟!
…
…
القصّة الكاملة
للعلاقات الإيرانية الأمريكية
علي حسين باكير- باحث في العلاقات الدولية
السياسة الكويتية 6-3-2007
تتسارع الأحداث والتطورات في منطقة الخليج العربي بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران في الآونة الأخيرة, وينذر التصعيد المتسارع بين الطرفين بوقوع حرب كارثية لا توفر أحدا. وعلى الرغم من أن معظم السيناريوهات والكتاب يتحدثون بإسهاب مطلق عن الخيار العسكري ويشيرون إلى هذا الاحتمال بنسبة كبيرة, إلا أن هناك من يرى أن الهدف من التصعيد الثنائي الحاصل حاليا هو فتح باب للتفاوض الديبلوماسي المباشر بين إيران وأميركا وان كان لكل منهما شروطه التي يريدها من الآخر قبل الجلوس إلى طاولة الحوار. الولايات المتحدة تريد أن تفرض هذا الخيار عبر التهديد بقوتها العسكرية الضخمة, في حين تقوم إيران باستخدام أوراقها "النووية" والإقليمية "في لبنان والعراق وفلسطين وعدد آخر من الساحات" من أجل جر أميركا للتفاوض وفق شروطها.(45/10)
وبين هذا وذاك تصل المنطقة إلى ما نراه ونشاهده اليوم. من هذا المنطلق, نعرض في هذا التقرير المسهب القصة الكاملة للمساومات الإيرانية-الأميركية منذ العام 2001 مرورا بالعرض الإيراني السري الذي تقدمت به إيران العام 2003 إلى الولايات المتحدة للتفاوض عليه - والذي يجري الحديث عن إعادة إحيائه حاليا- مقابل الخدمات "الجليلة" التي أدتها لأميركا في احتلال أفغانستان والعراق, وكيف أدى الرفض الأميركي في مناقشة العرض إلى تطور النزاع بين الطرفين واستعانة إيران بالملف النووي وحزب الله كورقة للضغط من اجل جر أميركا للموافقة على مناقشة العرض, وكيف سعت أميركا إلى تجريد إيران من أوراقها قبل طرح الموضوع للنقاش, وصولا إلى التطورات والأحداث التي تجري اليوم على ارض الواقع.
إدارة بوش الجديدة وبداية الحكاية:
عندما استلمت الإدارة الأميركية الحالية مقاليد السلطة بعد أن تهاء فترة "الرئيس بيل كلينتون", كان هناك مجموعتان تتصارعان لرسم سياسة محددة تجاه إيران. لقد كان ريتشارد أرميتاج وكيل وزارة الخارجية الأميركية والمقرب جدا من وزير الخارجية كولن باول بطل المجموعة التي تريد فتح قنوات دبيلوماسية وحوارية مع طهران.
عاش ارميتاج في إيران لعدة أشهر في العام 1975 بصفته عضوا في فريق وزارة الدفاع الأميركية مهمته عرقلة أو كبح جماح شراء الشاه لكم هائل من الأسلحة خوفا من تضخم قدراته العسكرية, وقد كان أرميتاج منذ تلك اللحظة مهتما جدا بإيران, وقام خلال توليه منصب وكيل وزارة الخارجية باستقدام "ريتشارد هاس" المتخصص في شؤون الشرق الأوسط وذلك خصيصا من اجل رسم سياسة جديدة تجاه إيران.(45/11)
عمل "هاس" لأربع سنوات في فريق الأمن القومي لإدارة الرئيس بوش كرئيس لقسم الشؤون الخارجية في منطقة الشرق الأدنى وجنوب آسيا , سعى خلالها ومنذ صيف العام 2001 إلى استكشاف إمكانية الانخراط مع إيران ديبلوماسيا عبر تخفيف العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها وفق قانون العقوبات الليبي-الإيراني كخطوة أولى. لكن وبينما كان هذا الفريق يمهد الطريق لخط ديبلوماسي مع إيران, حصلت هجمات 11 سبتمبر 2001 ما غير مفهوم الانخراط الأميركي مع إيران كليا.
11 سبتمبر وغزو أفغانستان: بوابة الاتصال الإيراني مع أميركا:
في 11 سبتمبر ,2001 وبعد الهجوم الكبير الذي شنه تنظيم القاعدة مباشرة, اجتمع المحلل في وكالة المخابرات المركزية »السي أي ايه«والخبير في شؤون مكافحة الإرهاب فلاينت ليفيرت ترافقه مجموعة عمل صغيرة مع وزير الخارجية كولن باول, حيث تم اقتراح فتح قنوات مع الدول الداعمة للإرهاب والتي لن يكون باستطاعتها في هذه اللحظة أن تظهر الجانب السلبي لها لأن الولايات المتحدة ستخوض حربا عالمية ضد الإرهاب بشرعية كاملة من الأمم المتحدة. وخلال أسابيع قليلة اتصلت كل من: إيران, سورية, ليبيا والسودان بالولايات المتحدة عبر قنوات مختلفة مقدمة عرضا بمساعدة الولايات المتحدة في القضاء على القاعدة. وذكر ليفيرت حينها أن الإيرانيين أبلغوه أن هم يكرهون القاعدة أكثر منهم وان لإيران مصلحة وثأر في القضاء عليها, وأن بإمكان إيران أن تساعد الولايات المتحدة عبر القنوات والمصادر المهمة التي تمتلكها في أفغانستان والتي من الممكن أن تكون مفيدة لها في هذا الموضوع إذا أراد الأميركيون التعاون.(45/12)
إذ كانت الحكومة الإيرانية من أوائل حكومات العالم التي دانت الهجوم أن لم تكن أولهم. فقد سارع الرئيس الإيراني محمد خاتمي أن ذاك بإدانة هذه التفجيرات بعد ساعات فقط من وقوعها, ولأول مرة منذ قيام الثورة الإيرانية عام 1979 تم إيقاف شعار "الموت لأميركا" في خطبة الجمعة المركزية في طهران. وأدان "محسن أرمين" نائب رئيس مجلس الشورى الإيراني التفجيرات واصفًا إياها بالعمل الإجرامي غير المقبول, وقام 165 عضوًا من أعضاء مجلس الشورى البالغون 290 عضوًا بالتوقيع على وثيقة أعربوا فيها عن تعاطفهم مع الشعب الأميركي, وطالبوا بحملة دولية لمكافحة الإرهاب.
وقد بعث كل من "محمد عطريا نفر", رئيس مجلس مدينة طهران, ومرتضى الويري, رئيس بلدية طهران برسالة إلى عمدة نيويورك, رودولف جولياني جاء فيها: "لقد استقبلنا الأعمال الإرهابية الأخيرة التي راح ضحيتها الكثير من المواطنين الأبرياء ببالغ الأسى والحزن, ومما لا شك فيه أن هذه الأعمال لا تستهدف مواطني مدينتكم فقط, بل أن ها تستهدف كل مواطني العالم, ونحن نيابة عن مواطني مدينة طهران ندين وبشدة هذه الأعمال اللاإنسانية ومرتكبيها, ونقدم خالص مواساتنا لسيادتكم ولمجلس المدينة ولكل مواطني نيويورك الأعزاء, آملين أن يتم استئصال جذور الإرهاب".
لقد كانت تلك اللحظة بداية لفترة مميزة جدا وغير عادية من التعاون الإستراتيجي بين الولايات المتحدة وإيران. وبينما كانت الولايات المتحدة تستعد للهجوم على أفغانستان, قام مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى "ريان كروكر" بعقد سلسلة من الاجتماعات السرية مع مسؤولين رسميين إيرانيين في جنيف-سويسرا. في هذه الاجتماعات تم التباحث عما تستطيع إيران تقديمه من مساعدة في الهجوم المرتقب على أفغانستان, وقد اقترح الإيرانيون تقديم أربع أن واع من المساعدة وهي:(45/13)
1-…نشر فرق للبحث والإنقاذ لمساعدة الأميركيين على طول الحدود مع أفغانستان وداخلها إذا اقتضى الأمر.
2-…تقديم المساعدات الإنسانية.
3-…والاهم من كل هذا إعطاء الأميركيين معلومات وبيانات وإحداثيات لأهم المواقع التي يجب عليهم قصفها في أفغانستان كما وعرضت على الأميركيين الكثير من النصائح بشان التفاوض مع المجوعات الإثنية والعرقية الرئيسية في البلاد ومع التوجهات السياسية لهم بعد الإطاحة بنظام طالبان من خلال خبرتهم الناجمة عن دعم تحالف الشمال ضد حركة طالبان لفترة طويلة.
استمر زخم التقارب الإستراتيجي بين الأميركيين وبين الإيرانيين بالصعود في نوفمبر, وديسمبر من العام 2001 في أوائل ديسمبر, وخلال مؤتمر "بون" الذي عقد بعد الإطاحة بنظام طالبان لتنصيب حكومة جديدة للبلاد, ضغط الإيرانيون على حلفائهم في تحالف الشمال لتقليل المطالبة بعدد اكبر من المقاعد, كما حرصت إيران على أن يتضمن الاتفاق الختامي لغة محاربة الإرهاب.
جاء ذلك بعد عرض إيراني قدمه د. محسن رضائي الأمين العام لمجمع تشخيص مصلحة النظام في إيران خلال حديثه في فضائية الجزيرة عندما قال: "إن الخلاص منه -أي المستنقع الأفغاني- يجب أن يمر عبر إيران, وإذا وصلت أميركا إلى طريق مسدود في أفغانستان لابد وأن تحصل على طريق للخلاص من هذا الطريق المسدود, فإيران طريق جيد, وإيران يمكن بشتى الطرق أن تحل هذا الطريق, وتخلص المنطقة من الأزمة الحالية, وتنتهي هذه الأزمة".
وقد أشاد المبعوث الخاص الأميركي جيمس دوبنز بالدور الإيراني والتعاون الكامل أن ذاك وكذلك فعل المحلل في وكالة المخبرات المركزية »سي أي ايه والخبير في شؤون مكافحة الإرهاب فلاينت ليفيريت قائلا: "ما كان لاجتماع -بون- أن ينجح لولا التعاون الإيراني الكبير, لقد كان لهم فعلا نفوذ كبير على حلفائهم واقترحوا علينا استثمار هذا النفوذ التابع لهم لصالح التعاون والتنسيق الدائم بين إيران وأميركا".(45/14)
ونظراً للتعاون الإيراني المنقطع النظير في مرحلة تاريخية حرجة للولايات المتحدة, قام مكتب التخطيط السياسي الأميركي بإعداد تقرير في نهاية نوفمبر يقترح وجود "فرصة حقيقة" لقيام تعاون كبير بين إيران والولايات المتحدة ضد القاعدة. لقد اقترح التقرير تبادلا للمعلومات وتنسيقا مشتركا على الحدود خاصة أن إيران باستطاعتها تأمين معلومات إستخباراتية تكتيكية بشكل ممتاز. وقد دعم هذا الاقتراح أن ذاك كل من المخابرات المركزية ومنسق مكافحة الإرهاب في البيت الأبيض وايني داونينغ.
لقد كانت الإستراتيجية التي تبناها كل من هاس وليفيريت بدعم من ريتشارد أرميتاج وكولن باول تقتضي استغلال رغبة الدول المدرجة على لائحة الإرهاب بالتعاون مع الولايات المتحدة خاصة-سورية وإيران- وذلك من أجل إحداث تغيير جذري في السياسيات معها واستغلال المفاوضات معها من اجل فتح حوار حول دعمها للمجموعات الإرهابية للوصول إلى مساومات تقتضي شطبهم من لائحة الدول الداعمة للإرهاب إذا نفذوا ما يطلبه الاميركيون منهم بهذا الشأن.(45/15)
مع إيران, فان هذه المحادثات كان يمكن لها أن تتطرق لأمور أخرى من بينها البرنامج النووي الإيراني. لقد كان فريق التخطيط السياسي المذكور يعد لجميع الخيارات والمستويات التي من الممكن أن يخاض التفاوض فيها والمنافع التي يمكن أن تقود إليها هكذا مفاوضات مع إيران للطرفين, حيث تتراوح العروض من دعم عضوية إيران في منظمة التجارة العالمية وصولا إلى إعطائها ضمانات أمنية. وقد وصف ويلكرسون رئيس الفريق المساعد لوزير الخارجية الأميركية أن ذاك لـ كولن باول الخطة بأنها اتفاق حقيقي كبير. تم اعتبار الفترة الممتدة بعد 11 سبتمبر 2001 من أكثر الفترات الواعدة والايجابية للانفتاح الإيراني على أميركا منذ أن قطاع العلاقات بين البلدين في العام 1979 وقد كشفت إيران نفسها فيما بعد عن مدى هذا التعاون بينها وبين أميركا والخدمات الجليلة التي قدمتها لها في محاول للتقرب من "الشيطان الأكبر", إذ نقلت وسائل الإعلام في 9/2/2002م عن رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام الرئيس الإيراني السابق; علي أكبر هاشمي رفسنجاني قوله في يوم 8 فبراير في خطبته بجامعة طهران: "إن القوات الإيرانية قاتلت طالبان, وساهمت في دحرها, وإنه لو لم تُساعد قواتهم في قتال طالبان لغرق الاميركيون في المستنقع الأفغاني...يجب على أميركا أن تعلم أن ه لولا الجيش الإيراني الشعبي ما استطاعت أميركا أن تُسْقط طالبان.
ونقلت الوكالات فيما بعد في 15 مارس 2002 عن صحيفة نوروز الإيرانية ما أكده نائب رئيس مجلس الشورى الإيراني الإصلاحي محسن أرمين عن "وجود اتصالات مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران, وان هذه الاتصالات لطالما كانت قائمة في السنوات الماضية, وبحسب مصادر سياسية في إيران تمت مثل هذه 'الاتصالات' في الأشهر الماضية في عدد من الدول الأوروبية".(45/16)
لكن حصلت استدارة أميركية فيما بعد عبر المحافظين الجدد في البيت الأبيض. ووفقا للخبير بالشؤون الإيرانية والمؤرخ غارثر بورتر, فقد عرقل المحافظون الجدد هذا الانفتاح وذهبت كل خدمات إيران سدا عندما تم وضعها في لائحة محور الشر كما أراد الرئيس بوش رغم معارضة مستشارة الأمن القومي كوندوليزا رايز ونائبها ستيفن هادلي لذلك, فيما ساند كل من نائب الرئيس ديك تشيني, ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد واليميني دوغلاس فيث توجهات بوش تجاه إيران".
وفي ذلك الوقت, تم تسريب العديد من الأخبار عن أن إيران تقوم بتهريب عناصر القاعدة المنسحبين من أفغانستان وتسهيل دخولهم إلى أراضيها. لكن وفقا للمحلل في وكالة المخبرات المركزية »السي أي ايه« والخبير في شؤون مكافحة الإرهاب فلاينت ليفيريت والذي التقى مسؤوليين رسميين إيرانيين في جنيف مرات عديدة, فان الحقيقة كانت أن الإيرانيين قد اتخذوا خطوات كبيرة وتعانوا بشكل فعال مع واشنطن, وان هذا التسريب عن تعاون إيران مع القاعدة كان يهدف إلى ضرب الانفتاح الإيراني.
يقول ليفيريت: حتى أن الإدارة الأميركية طلبت من الإيرانيين أن ذاك أن يزيدوا من عدد حراس الحدود على تلك الجبهة لرصد عناصر القاعدة ومواجهتهم في ذلك الوقت, فقامت إيران بالاستجابة فورا لهذا الطلب, بل أن ها استجابت أيضا لطلب واشنطن حجز أي من الواردة أسماؤهم على لائحة تم تقديمها للإيرانيين, وطلبت واشنطن من إيران أن تمنع هروب أي من الواردة أسماؤهم في القائمة والذين من الممكن أن يكونوا قد دخلوا إيران سرا, فقامت إيران بتعميم أسمائهم على الحدود تلبية لطلب واشنطن.(45/17)
انعكس التراجع الأميركي على الوضع الإيراني, ورأت إيران أن ها لم تحصل على شيء مهم مقابل ما قدمته للإدارة الأميركية من خدمات جليلة وكبيرة جدا ما كان باستطاعة أحد في المنطقة أن يقدمها, فانعكس ذلك بشكل سلبي على القيادة الإيرانية وأعلن آية الله "علي خامنئي" في مايو من العام 2002 أن المفاوضات مع الولايات المتحدة أمر عديم الفائدة.
الفرصة الإيرانية الثانية: مساعدة أميركا في غزو العراق مقابل الحصول على مكاسب إستراتيجية.
شكلت الحرب المرتقبة على العراق فرصة أخرى لقيام كل من إيران والولايات المتحدة بفتح قنوات اتصال بينهما. فقد اعتقدت إيران أن الفرصة سانحة لإعادة اختبار الموقف الأميركي الذي يحتاج إلى إيران بشدة في هكذا موقف, وبالتالي إمكانية كسب صفقة مهمة جدا مع الأميركيين على حساب العراق والمنطقة.
وبالفعل فقد أن قلبت الحسابات الإيرانية بشكل دراماتيكي من جديد عندما قررت الولايات المتحدة غزو العراق. ففي أواخر العام 2002 قام السفير الأميركي في أفغانستان زلماي خليل زاد بعقد اجتماعات مع مسؤولين حكوميين إيرانيين في جينيف-سويسرا عبر ديبلوماسية الأبواب الخلفية التي تشتهر إيران بها منذ الثورة الإسلامية, طالبا المساعدة في نقطتين اثنتين مبدئيا:
- الأولى تتمحور حول مساعدة إيران لأي طيار أمريكي تسقط طائرته في الأراضي الإيرانية خلال الهجوم على العراق.
- أما الثاني فيتمحور حول الطلب من إيران عدم إدخال أي قوات أو ميليشيات إلى داخل العراق خلال الهجوم.(45/18)
لقد وافقت إيران على هذين المطلبين مقابل وعد أولي من قبل زلماي خليل زاد بان لا يتم مهاجمة إيران بعد الإطاحة بنظام صدام حسين. وعلى الرغم من التعاون الإيراني والاستجابة الأميركية, كان هناك شك لدى كل طرف بنوايا الطرف الأخر وانه يبيت له. لقد كان هناك اقتناع لدى المسؤولين في مجلس الأمن القومي الإيراني أن الولايات المتحدة ما أن تنتهي من العراق وتتمركز فيه وتستقر حتى تبادر إلى الهجوم على إيران. وقد أكد ذلك تريتا بارسي المتخصص في السياسة الخارجية الإيرانية في جامعة "جون هوبكنز" للعلاقات الدولية المتقدمة, والذي التقى عددا كبيرا من المسؤولين الإيرانيين وأجرى معهم كما من اللقاءات والمقابلات ومن بينهم رئيس مجلس الأمن القومي الإيراني ووزير الخارجية الإيرانية أيضا, حيث نقل وجهة نظرهم القائلة " إذا لم نفعل شيئا الآن, فستكون إيران التالية".
رأى المسؤولون الرسميون الإيرانيون أن الفرصة الوحيدة لكسب الإدارة الأميركية تكمن في تقديم مساعدة اكبر واهم لها في غزو العراق عبر الاستجابة لما تحتاجه, مقابل ما ستطلبه إيران منها, على آمل أن يؤدي ذلك إلى عقد صفقة متكاملة تعود العلاقات الطبيعية بموجبها بين البلدين وتنتهي مخاوف الطرفين.
عمل الإيرانيون على استغلال فترة الهجوم الأميركي على العراق من أجل طرح "صفقة" مع الولايات المتحدة تمهد الطريق أمامهم لتحسين العلاقات والتفاوض لمصلحة إيران. وبالفعل في بداية عام ,2003 كان الإيرانيون يعتقدون أن هم يمتلكون ثلاث عناصر جديدة تخولهم دفع وجر أميركا للتفاوض وهي:
أولاً: النفوذ الإيراني الكبير في عراق ما بعد صدام, من خلال الميليشيات والأحزاب السياسية الشيعية والمنظمات الشيعية العسكرية التي تم تدريبها في إيران والتي عادت إلى العراق لتنخرط في إطار الحكم.
ثانياً: قلق إدارة بوش المتزايد حول البرنامج النووي الإيراني.(45/19)
ثالثاً: رغبة الأميركيين في استجواب عناصر تنظيم القاعدة الذين قامت إيران باحتجازهم في العام 2002 .
وبينما كان الاميركيون يغزون العراق في ابريل من العام ,2003 كانت إيران تعمل على إعداد "اقتراح" جريء ومتكامل يتضمن جميع المواضيع المهمة ليكون أساسا لعقد "صفقة كبيرة" مع الاميركيين عند التفاوض عليه في حل النزاع الاميركي-الإيراني.
قام "صادق خرازي" سفير إيران في فرنسا أن ذاك وهو قريب وزير الخارجية الإيراني "كمال خرازي" بصياغة مسودة "وثيقة الاقتراح" وقد حصلت هذه المسودة على موافقة مباشرة من القادة الإيرانيين وعلى رأسهم المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية "علي خامنئي".
ومن أجل التأكيد على أن هذه الوثيقة هي اقتراح رسمي جاد من إيران, تم إرفاقها برسالة تبين موافقة المرشد الأعلى للجمهورية شخصيا عليها, وتم تسليمهما إلى السفارة السويسرية في طهران (والتي تلعب دور راعي المصالح الأميركية بعد أن قطاع العلاقات الديبلوماسية الثنائية الإيرانية-الأميركية) الى شخص السفير "تيم غولديمان" الذي لعب دور الوسيط وقام بنقلها الى الإدارة الأميركية.
وقد أكدت المقابلات التي أجراها تريتا بارسي مع مسؤولين رسميين إيرانيين في اغسطس من العام 2004 موافقة وانخراط المرشد الأعلى علي خامنئي على هذه الوثيقة وموافقته على الصفقة.
العرض الإيراني السري: نعترف بإسرائيل ونتنازل عن النووي ونوقف دعم حزب الله مقابل منحنا الوصاية على الخليج والاعتراف بنا قوة إقليمية شرعية.
تم إرسال العرض الإيراني أو الوثيقة السرية إلى واشنطن في الوقت المناسب الذي كان يجتمع فيه كل من مبعوث إيران لدى الأمم المتحدة جواد ظريف مع خليل زاد في جنيف"-سويسرا في 2 مايو 2003 وقد وصلت نسخة من الاقتراح-الوثيقة إلى وزارة الخارجية الأميركية عبر الفاكس, ونسخة أخرى تم تسليمها لوسيط أميركي شخصيا.(45/20)
عرضت إيران أيضا في هذا الاجتماع الثنائي الخاص قيامها بعمل حاسم وسريع ضد أي مجموعات إرهابية تتواجد على أراضيها وخاصة فيما يتعلق بالقاعدة.
ومقابل ذلك طالبت إيران الولايات المتحدة بعمل حاسم ضد المجموعات الإرهابية الإيرانية لاسيما منظمة مجاهدي خلق (منظمة مجاهدي خلق المعارضة للنظام الإيراني الحالي كانت الولايات المتحدة أدرجتها على قائمة المنظمات الإرهابية خلال فترة كلينتون وذلك في محاولة لتحسين العلاقات الثنائية أن ذاك, ومازالت على القائمة) التي حاربت الى جانب الجيش العراقي في الحرب مع إيران, وان تقوم الولايات المتحدة باتخاذ الإجراءات المناسبة السريعة فيما يتعلق بأعضاء المنظمة الموجودين على أراضيها.
وفي هذا الاجتماع الخاص, اقترح جواد ظريف تبادل المعلومات بين الطرفين حول تنظيم القاعدة ومنظمة مجاهدي خلق في اتفاق منفصل. ووفقا لـ فلاينت ليفيريت, فان ظريف عرض على خليل زاد تسليم الولايات المتحدة قائمة بأسماء قياديي القاعدة المحتجزين في إيران, مقابل الحصول على لائحة بأسماء أعضاء منظمة مجاهدي خلق الذين أسرتهم أميركا في العراق.
أما بالنسبة إلى العرض الإيراني السري, فقد كانت دائرة الأشخاص الذين يعرفون به سواء من الجهة الإيرانية أومن الجهة الأميركية ضيقة جدا, والسبب في ذلك حسبما أشار أحد المسؤولين الإيرانيين الرفيعى المستوى أن لا يتحول الوضع إلى فضحية إيران-غيت ثانية.(45/21)
يقول غارثر بورتر وهو مؤرخ وصحافي متخصص في الكتابة عن السياسة الأميركية تجاه إيران, ويبدي تعاطفا شديدا تجاهها وانتقادا لاذعا للإدارة الأميركية لعدم التعاون معها وتنمية العلاقات المشتركة للبلدين, وهو احد الأشخاص القلائل الذين اطلعوا شخصيا على الوثيقة الى جانب المتخصص في السياسة الخارجية الإيرانية في جامعة جون هوبكنز للعلاقات الدولية المتقدمة تريتا بارسي: تعترض الوثيقة المؤلفة من صفحتين على الخط السياسي الرسمي لإدارة جورج بوش باتهام إيران بأنها تسعى إلى تدمير إسرائيل ودعم الإرهاب في المنطقة".
لقد عرض الاقتراح الإيراني السري مجموعة مثيرة من التنازلات السياسية التي ستقوم بها إيران في حال تمت الموافقة على الصفقة الكبرى وهو يتناول عددا من المواضيع منها: برنامجها النووي, سياستها تجاه إسرائيل, ومحاربة القاعدة. كما عرضت الوثيقة أن شاء ثلاث مجموعات عمل مشتركة أميركية-إيرانية بالتوازي للتفاوض على خارطة طريق بخصوص ثلاثة مواضيع: أسلحة الدمار الشامل, الإرهاب والأمن الإقليمي, التعاون الاقتصادي". وفقا لبارسي, فان هذه الورقة هي مجرد ملخص لعرض تفاوضي إيراني أكثر تفصيلا كان علم به في العام 2003 عبر وسيط سويسري نقله إلى وزارة الخارجية الأميركية بعد تلقيه من السفارة السويسرية أواخر ابريل اوائل مايو من العام 2003 .
وتضمنت الوثيقة السرية الإيرانية لعام 2003 والتي مرت بمراحل عديدة منذ 11 سبتمبر 2001 ما يلي:
1-…عرض إيران استخدام نفوذها في العراق لـ (تحقيق الأمن والاستقرار, أن شاء مؤسسات ديمقراطية, وحكومة غير دينية).
2-…عرض إيران شفافية كاملة لتوفير الاطمئنان والتأكيد بأنها لا تطور أسلحة دمار شامل, والالتزام بما تطلبه الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشكل كامل ودون قيود.(45/22)
3-…عرض إيران ايقاف دعمها للمجموعات الفلسطينية المعارضة والضغط عليها لإيقاف عملياتها العنيفة ضد المدنيين الإسرائيليين داخل حدود إسرائيل العام 1967 .
4-…التزام إيران بتحويل حزب الله اللبناني الى حزب سياسي منخرط بشكل كامل في الاطار اللبناني.
5-…قبول إيران بإعلان المبادرة العربية التي طرحت في قمة بيروت عام ,2002 أوما يسمى طرح الدولتين والتي تنص على إقامة دولتين والقبول بعلاقات طبيعية وسلام مع إسرائيل مقابل أن سحاب إسرائيل إلى ما بعد حدود 1967.
واشترطت إيران مقابل تقديمها هذه التنازلات عددا من الشروط التي وردت في هذه الوثيقة السرية المقدمة العام 2003 إلى الإدارة الأميركية منها:
1-…إنهاء السلوك العدائي للولايات المتحدة تجاه إيران بما فيه إلغاء تصنيفها ضمن محور الشر وتسميتها دولة داعمة للإرهاب".
2-…رفع العقوبات الاقتصادية والتجارية كليا عن إيران, والإفراج عن الأموال المجمدة لها في الولايات المتحدة وإسقاط كافة الأحكام القضائية الصادرة بحقها والمساعدة في تسهيل أن خراطها في المؤسسات المالية والاقتصادية الدولية.
3-…اتخاذ موقف حازم ونهائي ضد من أسمتهم إرهابيي حركة مجاهدي خلق المعاديين لإيران خاصة الموجودين على الأراضي الأميركية,واحترام مصالح إيران القومية والشرعية في العراق وعلاقاتها الدينية في النجف وكربلاء.
4-…السماح لإيران بالوصول الى الطاقة النووية السلمية ومصادر التكنولوجيا البيولوجية والكيماوية.
5-…والأهم من كل هذه المطالب, مطلب إيران بالحصول على إقرار واعتراف أميركي بـ(شرعية مصالحها الأمنية في المنطقة كقوة إقليمية شريعة) والتي تعني وفق نفس المصدر الذي اطلع على الرسالة السرية منحها الوصاية او اليد العليا في الخليج والاشتراك في الترتيبات الأمنية المستقبلية للمنطقة, بالإضافة الى الحصول على ضمانات بعدم التعرض لعمل عسكري.(45/23)
المفاجأة الكبرى في هذا العرض كانت تتمثل باستعداد إيران تقديم اعترافها بإسرائيل كدولة شرعية!! لقد سبب ذلك إحراجا كبيرا لجماعة المحافظين الجدد والصقور الذين كانوا يناورون على مسألة تدمير إيران لإسرائيل و"محوها عن الخريطة".
بالنسبة لعدد من الأكاديميين الأميركيين المختصين بالشؤون الإيرانية وحتى العديد من الأوساط الإسرائيلية البحثية فان ذلك لم يكن ذلك مفاجأ.
هم يعرفون أن التهديدات الإيرانية لإسرائيل ومسألة العداء هي أمر مصطنع وموجه للطبقة العامة من الناس بغرض كسب التعاطف والدعم, وليس أدل على ذلك من الرسائل التي تشير دائما إلى وجود علاقات سرية وتعاون بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية وإسرائيل.
فعلى سبيل المثال, يقول افرايم كام وهو أحد أشهر الخبراء في مجال الاستخبارات والباحث في مركز جافي للدراسات الإستراتيجية في جامعة تل أبيب", في دراسة له أعدها بتكليف من وزارة الدفاع الإسرائيلية: أن إيران من ناحية عملية لا تعتبر إسرائيل العدو الأول لها ولا حتى الأكثر أهمية من بين أعدائها...وعلى الرغم من الخطاب السياسي الإيراني المناكف لإسرائيل إعلاميا, إلا أن الاعتبارات التي تحكم الإستراتيجية الإيرانية ترتبط بمصالحها ووضعها في الخليج وليس بعدائها لإسرائيل, وهي تبدي حساسية كبيرة لما يجري في دول الجوار".
ومثله نقل معهد omedia البحثي الإسرائيلي في تقرير مهم له بعنوان إيران بحاجة الى إسرائيل للباحث زيو مائور جاء فيه: أن إيران لا تشكل أي خطر على إسرائيل ولا تريد تدميرها, بل هي في حاجة لإسرائيل وتعتبرها مكسبًا إستراتيجيا مهما حتى تظل قوة عظمى في المنطقة... وهي تستغل وتستخدم إسرائيل كذريعة لتحقيق أهدافها ولدعم مكانتها الإقليمية ولنشر مبادئ الثورة الإيرانية تحت شعار معاداة إسرائيل".. أن التصريحات الدعائية الإيرانية ضد الولايات المتحدة الأميركية أيضا هي من باب الاستهلاك الإعلامي فقط".(45/24)
مثل هذه الخلاصات عن حقيقة العلاقة بين إيران وإسرائيل ليست يتيمة, وهناك شواهد كبيرة جدا تؤكد وتدعم هذا التوجه لدى عديد من الأطراف بما في ذلك الإيرانية والإسرائيلية والأميركية.
تم إهمال العرض الإيراني التاريخي الكبير من قبل صقور الولايات المتحدة في البيت الأبيض. لكن اذا كانت إيران طرحت الاعتراف بإسرائيل وقدمت كل هذه التنازلات, فما الذي حال دون موافقة الاميركيين على عقد مثل هذه الصفقة?
تشير بعض المصادر أن سبب الإهمال والرفض الأميركي هو أن العرض لم يكن رسميا ولم يكن باستطاعة الجهات الأميركية التمييز بين ما قامت إيران بطرحه وبين ما أضافه السفير السويسري الوسيط تيم غولدمان", معتبرة أنه كان مجرد بالون اختبار لابتزاز الولايات المتحدة مقابل الحصول على مكتسبات كبيرة جدا. هذا فيما يعتقد البعض الآخر أن السبب هو المناورة الإيرانية وان الأميركيين كانوا سيناقشون الطرح فيما لو تم بطريقة مباشرة ورسمية وليس عبر وسطاء وتسريبات, فيما ترى مصادر أخرى أن السبب الحقيقي لإهمال العرض يكمن في عنصرين أساسيين:
الأول: هوان إيران أعطت نفسها قدرا اكبر من الوزن والقوة والمكانة الإقليمية والدولية عندما ساوت نفسها بالولايات المتحدة وهو الأمر الذي ما كان يتم قبوله للاتحاد السوفيتي فكيف بإيران!! وهو الأمر الذي لم يعجب صقور الإدارة الذين كانوا يرون أن الولايات المتحدة قادمة لتغيير الأنظمة في الشرق الأوسط بدءا من أفغانستان وليس أن انتهاء بالعراق وقد يكون الدور على النظام الإيراني تاليا, خاصة أن أميركا كانت في موقع قوي عسكريا وسياسيا خاصة أن المقاومة العراقية لم تكن قد بدأت أعمالها بعد.(45/25)
الثاني: وهو العنصر الأهم, أن المشكلة تكمن في المطلب الإيراني بإعطائها الوصاية على الخليج والاعتراف بها قوة شرعية. إذ أن الاستجابة لمثل هذا الطلب يعني تحويل إيران إلى قوة عالمية تسيطر على نفط العالم عبر الخليج وتتحكم بالممرات وعوامل القوة وتبتز الآخرين متى تشاء, وهذا أمر مرفوض بتاتا في السياسة الأميركية خاصة أن الولايات المتحدة كانت قد حسمت أمرها في إخضاعه لإشرافها مباشرة لاسيما بعد تجربة الشاه وتجربة صدام التي كادت تحول هذين النظامين إلى قوة عالمية تتحكم بالدول العظمى.
أما بالنسبة إلى الاقتراح الثاني الأقل أهمية الذي ورد في اجتماع جواد ظريف مع خليل زاد في جنيف-سويسرا, فقد تمت مناقشته في الإدارة الأميركية وعلى الرغم من أن ه لم يقر بشكله المطروح, الا أن الولايات المتحدة قامت باتخاذ خطوات محددة في ذلك الوقت تجاه جماعة مجاهدي خلق في العراق مقابل الحصول على معلومات محددة من قبل الإيرانيين عما هو متوفر لديها من تحركات للقاعدة. وقد أجاز البيت الأبيض عبر الرئيس بوش لوزارة الخارجية متابعة الاتصالات مع الإيرانيين في جنيف.
في هذه الأثناء, كان جناح تشيني, رامسفيلد, وفايث غير مرتاح للنوايا الإيرانية, وحصلت حينها تفجيرات في الرياض أدت إلى مقتل (8) أميركيين وعدد كبير من السعوديين, وقد اتهمت المخابرات الأميركية حينها إيران بإيوائها المخططين لهذه التفجيرات, في حين أن إيران كانت قد أعلنت أنه لو كان هناك فعلا عدد من التابعين للقاعدة على أراضيها, فان هذا لا يعني أنها تؤويهم, اذ لا يمكن مراقبة الحدود الشاسعة او السيطرة عليها كليا.(45/26)
وبغض النظر سوءا كان هذا صحيحا أم لا, فقد استغل الجناح الأميركي المتشدد هذه الحوادث وأقنع بوش بان إيران تساعد القاعدة على استهداف الأميركيين, فقام بوش بإلغاء اجتماع كان من المقرر للأميركيين أن يجتمعوا خلاله بوفد إيراني في 21 مايو ,2003وبذلك قطعت قناة الاتصال الديبلوماسية الوحيدة مع الإيرانيين.
جناح الحمائم الأميركي يصطدم بصقور المحافظين الجدد منعا لتغيير النظام الإيراني:
حاول فريق وزير الخارجية الأميركية كولن باول التحرك لإبقاء قناة الاتصال مع الإيرانيين مفتوحة, فقرر متابعة موضوع وملف مجاهدي خلق والالتزام بما تم طرحه في الاقتراح الثاني خلال اجتماع كل من مبعوث إيران لدى الأمم المتحدة جواد ظريف مع خليل زاد في جنيف"-سويسرا في 2 مايو 2003 وقام كولن باول بإرسال رسالة رامسفيلد -الذي سمح لمجموعات مجاهدي خلق بالتنقل من والى المخيم بحرية- يذكره فيها بأن مجموعات مجاهدي خلق المتواجدين بالعراق هم أسرى لدى القوات الأميركية وليس حلفاء, وانه لا يجوز السماح لهم بالتنقل بحرية من والى المخيم الذي يقيمون فيه.
ونتيجة للتجاذب الاميركي الداخلي, وافقت الإدارة الأميركية على إعادة فتح أبواب الحوار مع إيران شرط أن تقوم بداية بتسليم الولايات المتحدة قيادات القاعدة الموجدين لديها أو إعطاء معلومات مهمة بشأنهم. فنقل ريتشارد أرميتاج -الذي اعرب المسؤولون الإيرانيون عبر قنوات خلفية عديدة عن تمنياتهم بان يرأس هو أي وفد للحوار أو الاتصال مع طهران لكونه مهتم جدا بالانفتاح على إيران وعاش فيها عددا من السنوات ولديه خلفية جيدة عنها- هذه الرسالة في شهادة له أمام الكونغرس الأميركي في اكتوبر ,2003 قائلا: الولايات المتحدة ستكون مستعدة لإجراء حوار واسع النطاق مع إيران لكن بعد أن تقوم الأخيرة بتسليم قادة القاعدة الموجودين لديها أو مشاركة معلومات مهمة عن جميع قادتها المهمين".(45/27)
أصر صقور الإدارة الأميركية على تطبيق ما اصطلح على تسميه قواعد هادلي في الانفتاح على إيران اذا كانت راغبة في فتح قناة اتصال,. هذه القواعد كانت تفرض على إيران تنفيذ ما يطلب منها أولا ومن ثم الحديث عن المواضيع التي سيتم النقاش حولها.
وبحلول الفصل الأخير من سنة ,2003 كانت إيران رأت في برنامجها النووي فرصة لفتح نقاش وحوار مع الدول الأوروبية وبالتالي توسيع أي إطار إقليمي ودولي لمواجهة أي جهد أميركي يسعى لعزلها بعدما شعرت الأخيرة أن المحافظين الجدد جادين في مسألة تغيير النظام الإيراني او على الأقل زيادة الضغط عليه في المرحلة المقبلة.
في ذلك الوقت تسربت العديد من السيناريوهات الأميركية لإسقاط النظام في إيران عبر هجوم عسكري كبير, فيما طرحت بعض الأوساط اعتماد أساليب أخرى غير عسكرية لإخضاع النظام الإيراني.
فقد اقترحت مؤسسة اميركان أن تربرايز أن يتم العمل على تطوير سياسة الحصار الاقتصادي- العسكري لإيران ليصبح حصارا إيديولوجياً أيضا, من خلال مواصلة مشروع إدارة بوش في نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط, على أن يتم العمل على تحقيق هدفين:
- منع إيران من الحصول على دعم قوى كبرى. وبرغم أن قطع علاقات إيران بالصين سيكون صعباً, إلا أن الأمر ليس كذلك مع الهند التي يمكن إغراؤها بقطع علاقتها مع طهران مقابل إقامة تحالف إستراتيجي بينها وبين أميركا. (وهذا بالتحديد مع فعله بوش خلال زيارته الأخيرة للهند).
- أما الهدف الثاني فهو أن تحتفظ الولايات المتحدة بالمبادرة في مشروعها الجديد للإصلاح والتغيير في الشرق الأوسط الكبير.
فالعزل الحقيقي للنظام الإيراني لن يتحقق إلا حين يغرق هذا الأخير في بحر أكبر من الحكومات الليبرالية القابلة للمساءلة في المنطقة. وإذا ما استقرت الديمقراطية في أفغانستان والعراق, برغم استمرار أعمال العنف فيهما, فستتعرض إيران الى مخاطر مضاعفة في الداخل.(45/28)
امتعضت إيران من التصرف الاميركي الذي لم يكافئها على دورها الايجابي وعمل على محاصرتها, فصرح محمد علي أبطحي نائب الرئيس الإيراني للشؤون القانونية والبرلمانية أنذاك بالإمارات في ختام أعمال مؤتمر الخليج وتحديات المستقبل الذي نظمه مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية بإمارة أبوظبي في 15/1/2004م قائلا:
قدمنا الكثير من العون للأميركيين في حربيهم ضد أفغانستان والعراق....ولولا التعاون الإيراني لما سقطت كابول وبغداد بهذه السهولة!!... لكننا بعد أفغانستان حصلنا على مكافأة وأصبحنا ضمن محور الشر, وبعد العراق نتعرض لهجمة إعلامية أميركية شرسة".
حاول جناح الحمائم في الإدارة الأميركية التوصل الى تسوية, فاقترحت بعض الأوساط الأميركية في تلك الفترة من العام 2004 بأن يتم أن تهاج سياسة الانخراط الانتقائي في التعامل مع إيران, وذلك كحل وسط بين عقد صفقة كبيرة مع النظام الإيراني تشرعن وجوده وتعترف به قوة إقليمية لها كلمة ووزن فيما يحصل في الخليج, وبين خيار الإطاحة بالنظام الإيراني وإسقاطه بعمل عسكري, وبالتالي تفادي ما يمكن أن ينتج عن أحد هذين الخيارين من تداعيات اقليمية ودولية.
ويعد كل من روبرت غيتس مدير وكالة المخابرات المركزية سابقا في عهد إدارة جورج بوش الأب ومدير جامعة تكساس, ورد اسمه في فضيحة إيران-كونترا,(أصبح وزيرا للدفاع في العام 2006), وزبيغنيو بريجنسكي مستشار الأمن القومي الاميركي في عهد كارتر والذي يعمل مستشارا في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية وأستاذا للسياسة الخارجية في جامعة هوبكنز, من أبرز الداعين الى اعتماد سياسة الانخراط الانتقائي مع إيران.(45/29)
وقد شارك الاثنان في إعداد تقرير أصدره مجلس العلاقات الخارجية الاميركي في يوليو2004 على شكل توصيه للإدارة الأميركية بعنوان: إيران: حان الوقت لمقاربة جديدة اقترحا فيه اعتماد مواضيع محددة في الحوار المباشر بين أميركا وإيران مع استبعاد خياري الصفقة الكبرى من جهة وتغيير النظام من جهة أخرى.
وقد جاءت ابرز توصيات التقرير باختصار على الشكل التالي:
1-…تقديم عرض لإيران بقبول الحوار المباشر معها حول مواضيع تحقيق الاستقرار الإقليمي وذلك عبر تصريح او بيان يتبعه خطوات عملية في هذا الإطار, لان من شأن هذا التحرك أن يؤسس لتعاون إيراني بناء في دعم حكومتي العراق وأفغانستان وبالتالي يعزز الثقة في الحديث عن الهواجس المتأتية من تحركات إيران الإقليمية ومناقشتها بشكل ايجابي.
2-…دفع إيران الى توضيح وضع قيادات القاعدة الذين ألقت القبض عليهم عندها, وفتح حوار حول الموضوع الأمني بشرط أن لا يكون لإيران أي دور مشبوه في قضايا العنف والإرهاب, ومقابل ذلك تعمل الولايات المتحدة على تفكيك قواعد مجاهدي خلق في العراق بشكل نهائي تمهيدا لتقديم قياداتهم للعدالة.
3-…تطوير إستراتيجية أكثر فعالية بخصوص البرنامج النووي الإيراني بالتعاون مع الحلفاء في أوروبا وروسيا, والتوصل الى اتفاق مقبول مقابل أن تقوم إيران بالتخلي كليا عن تخصيب اليورانيوم ودورة الوقود الكاملة.
4-…العمل على إعادة إحياء عملية السلام كي لا تقوم أي أطراف ومن ضمنها إيران باستغلال الوضع.
5-…تطوير العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية مع الشعب الإيراني والسماح للمنظمات الغير حكومية الأميركية بالعمل في إيران, والبدء في محادثات انضمام إيران الى منظمة التجارة العالمية.(45/30)
حاولت إيران استدراك هذا الحراك الداخلي الأميركي الذي يدعم الانفتاح معها, فلجأت إلى الديبلوماسية الثقافية", وقامت بإرسال دعوة رسمية الى رئيس المكتبة القومية الأميركية والأرشيف الدكتور جميس بيلينغتون والذي يعد أيضا من المسؤولين الكبار في السلطة القضائية الأميركية, فقام بزيارته الى إيران في نوفمبر 2004 بعلم وموافقة كل من وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي الأميركي ليكون بذلك ثاني أكبر مسئول أميركي يزور إيران منذ اندلاع الثورة الإيرانية بعد زيارة مستشار الأمن القومي الأميركي روبرت ماكفرلين السرية إلى إيران والتي تم الكشف عنها فيما بعد في إطار فضيحة إيران-جيت والمثلث الإسرائيلي- الإيراني- الأميركي.
كانت إيران تحاول إرسال رسالة واضحة من خلال هذا النوع من الديبلوماسية على أمل أن تكون على منوال ديبلوماسية البينغ-بونغ الأميركية-الصينية. لكن الواقع في الداخل الاميركي كان قد تجاوز هذا الطرح تمام وذلك لان فوز الرئيس جورج بوش لولاية ثانية أدى إلى تقوية المحافظين الجدد خاصة بعد أن تم العمل على تصفية الحمائم الموجودين داخل الإدارة الأميركية لاسيما في وزارة الخارجية من أولئك المهتمين بالانخراط مع إيران في محادثات مباشرة مفتوحة.
وقد رأت الإدارة الأميركية الجديدة أن هكذا طرح لن يفيد ولن يوقف إيران عن تحقيق مشروعها النووي العسكري, إذ أن اعتماد هكذا سياسية سيؤدي إلى نفس العواقب التي أدت إليها سياسة واشنطن المتساهلة مع كوريا الشمالية إبان فترة كلنتون, حيث لم تنفع المحادثات ولا سياسة الجزرة في إبعاد كوريا الشمالية عن تحقيق برنامج نووي عسكري خاص بها.(45/31)
وعندما أصبح النقاش الأميركي والدولي يدور حول برنامج إيران النووي والسلاح النووي, أنتقل الملف داخليا من يد الحمائم في الخارجية الأميركية إلى يد الصقور فيها وتحديدا إلى يد جون بولتون نائب وزير الخارجية لشؤون الرقابة على التسلح والأمن الدولي والعضو البارز في تيار المحافظين الجدد الأميركي.
لقد كانت سياسة جون بولتون تقتضي زيادة الضغوط على إيران عبر التصويت على نقل ملفها من وكالة الطاقة الذرية إلى مجلس الأمن من اجل دفعها إلى إيقاف دورة الوقود النووي بشكل كلي.
في هذه المرحلة بالذات قامت إيران بالتواصل مع الدول الأوروبية من اجل منع الولايات المتحدة من تحقيق هدفها في نقل الملف إلى مجلس الأمن أو إيقاف إيران عن إكمال عملها في تحقيق دورة الوقود النووية الكاملة.
لكن جميع المؤشرات في تلك الفترة كانت تشير إلى أن إيران قد غيرت فعلا توجهها وباتت لا تفضل مناقشة أي طرح أو اقتراح أو تسوية مع الولايات المتحدة.
والسبب في ذلك وفقا لمصادر رفيعة المستوى أن إيران رأت في ذلك الوقت أن الولايات المتحدة قوية جدا وتمتلك جميع أوراق اللعبة في الشرق الأوسط وان هذا سيضعف الموقف الإيراني في أي مفاوضات مباشرة ولن يكون لدى إيران ما يمكن أن تستخدمه فيها في تلك المرحلة".
وعليه, فقد قرر المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي -وفق نفس المصدر- إرجاء هذا الموضوع إلى حين حصول تغييرات لصالح إيران تمكنها من دخول أي مفاوضات مباشرة من موقع القوة, وهو من اجل ذلك قام بالإيعاز إلى أجهزة الدولة الإيرانية من الباسيج و"الباسدران حرس الثورة وعناصر حزب الله وأجهزة المخابرات والجيش بالتصويت للمرشح الرئاسي أحمدي نجاد لان المرحلة تتطلب تصعيدا ورفسنجاني ليس رجلها.(45/32)
فأصبح أحمدي نجاد الرئيس في العام 2005 وشهدت هذه السنة تصعيدا كبيرا في علاقة إيران مع جيرانها ومع المنظومة الدولية نتيجة لتشدد الرئيس الجديد وإتباعه نهج تصدير الثورة الإيرانية وأفكارها. وكان وزير الخارجية الفرنسي فيليب دوست بلازي نقل في مذكراته التي أصدرها أخيرا كلاما مهما عن الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد -يعبر عن هذا التوجه الثوري ومداه- قوله في سبتمبر 2005 علينا أن نتمنى أن تعم الفوضى بأي ثمن, لنرى عظمة الله".
مع مرور الوقت, أخذ مكتسبات الولايات المتّحدة و قوتّها تتراجع شيئا فشيئا, و بدأت معالم الغرق في أفغانستان و العراق تظهر شيئا فشيئا, بالإضافة الى مواجهتها العديد من الأزمات و القضايا الدولية من النووي الكوري الشمالي الى قضية السلام في الشرق الأوسط الى التراجع في الحرب على الإرهاب الى الأزمات الداخلية التي أخذت تعصف بالولايات المتّحدة الأمريكية.
مضت عدّة سنوات بعدها على العرض الإيراني السرّي الى أن وصلنا الى العام 2006, حيث شرع الإيرانيون بالإعداد لحملة دبلوماسية لإعطاء إشارة للأمريكيين بأنّهم جاهزين لأي مباحثات مباشرة من دون شروط, و لم تستثن هذه الحملة حتى من يعتبرون أنفسهم أعداء "للشيطان الأكبر" بمن فيهم الرئيس الإيراني المحافظ أحمدي نجاد. و قد كانت عملية "تخصيب اليورانيوم" خلال كل تلك الفترة الماضية إحدى أهم الأسلحة في الضغط على الولايات المتّحدة لإجبارها على فتح مثل هذا الحوار.
فأعلن المتحدّث باسم وزير الخارجية الإيرانية "حميد رضا آصفي" في 3 آذار/مارس من العام 2006 أن بلاه مستعدّة للتفاوض اذا تخلّت امريكا عن التهديد و الشروط المسبقة لمثل هذا الاجتماع. ثمّ تبعه الرئيس الإيراني أحمدي نجاد الذي أبدى في مؤتمر صحفي في 24 نيسان/آبريل رغبته بالحوار مع الولايات المتّحدة الأمريكية.(45/33)
شكّلت المطالب الإيرانية هذه بفتح اتصال مباشر من أمريكا إحراجاً للإدارة الأمريكية خاصّة أن عددا من الجهات الداخلية كان قد بدأ يلوم الرئيس بوش و أنصاره على تفويت فرصة العام 2003 للتفاوض مع إيران من موقع القوّة و ليس من موقع الضعف. ولكنّ هؤلاء كان يبررون موقفهم بأنّ الولايات المتّحدة قوية في جميع الظروف. ومن ثمّ فانّ إيران ليست قطبا دوليا كالاتحاد السوفيتي مثلا كي تفرض نفسها ندّا للولايات المتّحدة, و هناك بعض الأسئلة التي لا يمكن الإجابة عليها مباشرة وهي كيف يمكن لإيران أن تثبت أن ها لا تسعى إلى امتلاك أسلحة نووية, كما أن النخبة في الأمن القومي الأمريكية تعتقد أن ما طالبت به إيران هو أكبر بكثير مما يتوافق مع موقعها و قدراتها.
إيران من جهتها رأت في العام 2006 تحولا كبير يحصل لصالحها في عدد كبير من العناصر المؤثرة و هو الأمر الذي يجعل مفاتيح اللعبة في يدها. و من خلال متابعتنا للتصريحات و التحركات الرسمية الإيرانية, نستطيع أن نلحظ أن هناك عددا من المؤشرات التي توحي بأنّ إيران تحاول إعادة إحياء "الصفقة الكبرى" عبر استغلال عدد من العناصر و منها:
1-…غرق أمريكا كليّا في العراق و أفغانستان.
2-…سقوط الجمهوريين في الانتخابات النصفية التي حصلت مؤخرا و وصول الديمقراطيين.
3-…استبدال وزير الدفاع الأمريكي رامسفلد بـ"جيتس" و هو أحد المنظرين و المطالبين بفتح قنوات دبلوماسية مع إيران من أجل عقد صفقة معها, و قد ضمّن تقريره المرفوع الى مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي هذا الأمر.
4-…تقرير لجنة بيكر حول العراق والذي يوصي بفتح قنوات اتصال مع إيران حول العراق.
5-…امتلاك إيران أوراق ضغط و تخريب كبيرة في لبنان عبر حزب الله.
6-…استغلال إيران لحماس و عدد من الفر قاء الفلسطينيين.(45/34)
و بناءا عليه, فقد كانت إيران ترى أن الولايات المتّحدة أصبحت في متناول يدها و أن الوقت الأنسب لإعادة طرح "الصفقة الكبرى" على طاولة البحث هو الآن.
يقول "جارثر بورتر" المؤرخ و المهتم بهذا الشأن: "يطرح البعض أن العرض الإيراني هو انعكاس للثقة الزائدة التي تتمتع بها إيران نتيجة للكارثة الأمريكية في العراق, و بالتالي عدم الخوف من أي هجوم أمريكي محتمل, بينما يفسّر البعض الآخر سعي إيران إلى عرض تسوية شاملة مع الولايات المتّحدة على أنه خوف من وقوع هجوم أمريكي مفاجئ عليها ...
منذ العام 2003, أقنعت التغييرات الدراماتيكية السياسية التي حصلت في المنطقة و من بينها (وصول نظام شيعي موالي لإيران في العراق و نظام صديق لها ايضا في أفغانستان, ازدياد نفوذ و قوّة حزب الله في لبنان بالإضافة إلى حماس و الجهاد في فلسطين), أقنعت إيران على أن هذا الوقت هو الوقت المناسب للمساومة مع الولايات المتّحدة, و قد أكّد علي ولايتي المستشار الشخصي للخامنئي في العلاقات و الشؤون الخارجية في محاضرة له ألقاها في شهر نوفمبر/تشرين أول "نحن تمتلك القوّة الكافية الآن للمساومة, لماذا لا نساوم؟". يضيف "بورتر": "الحافز الأساسي الذي يدفع القيادة الإيرانية الآن لمساومة الولايات المتّحدة الأمريكية ليس الخوف من الولايات المتّحدة بقدر ما هو حاجتها اليها لتحقيق هدفين رئيسيّين هما:
أولا: دمج إيران كلّيا في النظام الاقتصادي العالمي.
ثانيا: الاعتراف بمكانتها كقوة إقليمية شرعية في الشرق الأوسط."
وايّا يكن الأمر, فقد كان أمام بوش خيارين, إما أن يقبل بتوصيات لجنة بيكر- هاملتون و يأخذ معطيات هزيمته في العراق و أفغانستان بعين الاعتبار و يفتح حوار مباشر مع إيران و يوافق على كل ما تطلبه وهو الأمر الذي كان معظم المراقبين يظن أن ه سيحصل بما فيهم إيران, وإما أن يعمل بعكس ذلك وهو الأمر الذي اتّبعه بوش.(45/35)
إيران تفجّر المنطقة لجر أمريكا للتفاوض و الولايات المتّحدة تحاول تعطيل أوراق إيران الإقليمية قبل الانقضاض عليها. لقد قرّر الرئيس بوش زيادة عدد قواته في العراق لإرسال رسالة واضحة إلى إيران وإلى الجميع باّن أمريكا ليست ضعيفة و ستنتهي كليّا من مشكلة العراق.
لا شك أن غرق أمريكا في العراق يسر إيران, و لكنّها تفاجأت من عرض المقاومين و بعض الجهات المرتبطة بهم التفاوض مع الأمريكيين بحدود شهر نوفمبر/تشرين ثاني 2006 مقابل انسحابهم من العراق. إذ أن هذا التطور (في المنظور الإيراني) أن تمّ فعلا يعني خسارة حلفائها في العراق لموقعهم السياسي و خروج إيران من المسألة بخفّي حنين, فهي كانت تنوي الاستفادة من مقاومة العراقيين بشكل غير مباشر ليتم تجير نتائجها إليها في أي مفاوضات مع الأمريكيين.
هذا التطور سرّع من التحرّك الإيراني في المنطقة, لان تخلّص الولايات المتّحدة من مشكلتها في العراق سواء عبر التفاوض مع المقاومين لتمهيد الانسحاب او من خلال إشراك قدر أكبر من السنة العرب في العملية السياسية على حساب الشيعة, يعني أن إيران خسرت ورقة كان من الممكن أن تفاوض الأمريكيين عليها مقابل مكتسبات.
نفس الأمر ينطبق على الوضع اللبناني, حيث تراجع موقع حزب الله عمليا, ودمرت بيئته و بنيته التحتيّة و هو كما ذكر "حسن نصر الله" لن يخوض حربا أخرى, و هذا يعني أن إيران لم يعد بإمكانها الاستفادة من خدماته على صعيد الحروب و لم يعد ينفع استخدامه كورقة سوريا أو إيرانية في أي تفاوض مع الجهات الدولية, إذ أصبحت قضيته بعد إغلاق الحدود قضية داخلية, و الباقي هو سلاحه فقط و هذا ما يمكنها التفاوض عليه. لذلك يقوم الحزب الآن بحركة انقلابية في الداخل اللبناني ليستعيد المبادرة و يشكل رافعة للدور الإيراني في المنطقة.(45/36)
عندما تمّت إثارة موضوع ضرورة فتح اتصالات مع سوريا و إيران للمساعدة على استقرار العراق و لبنان بعد فوز الديمقراطيين في المجلس, قام الرئيس الإيراني احمدي نجاد في 18-11-2006 بتوجيه رسالة عبر وزير الخارجية الإيرانية "سيد جليلي" الى رئيس الوزراء الايطالي "رومانو برودي" يعرض فيها عن "استعداد إيران للمشاركة في حل مشاكل الشرق الأوسط إذا اعترف لها بوضع قوة إقليمية". و اذا دققنا في هذه الجملة سنجد أن ها مطابقة تقريبا للبند رقم 5 الوارد في العرض الإيراني السرّي للعام 2003!!
أهملت الولايات المتّحدة رسالة نجاد و ردّ بوش بطلب المساعدة من العرب في حل المعضلتين العراقية واللبنانية بدلا من أن يفتح قناة اتصال مع سوريا و إيران.
أصبح على إيران إيجاد بدائل تستطيع من خلالها جر الأمريكيين للتفاوض معها و تكون قادرة على تلبية المطالب التي ستطلب منها حال الاتفاق على ذلك. لذلك وجدت إيران أن الجبهة العراقية و الجبهة اللبنانية هي من أكثر الجبهات التي لها نفوذ كبير جدا فيها و تستطيع استغلالها لدفع الأمريكيين الى مفاوضات.و لذلك قامت بخطوتين:
- الأولى: دفع حزب الله إلى تصرف غير مفهوم و للمرة الأولى في تاريخه إلى صراع سياسي داخلي و أن تقل الحديث من الحرب و الأسرى و الدمار إلى الحديث عن ضرورة إسقاط الحكومة التي تسعى لإخلاء لبنان من النفوذ السياسي الإيراني و السوري. و قد قام السيد حسن نصر الله بتاريخ 23-11-2006 بإلقاء خطاب من اجل تحديد ساعة الصفر للإطاحة بالحكومة اللبنانية.
- الثانية: دعم الميليشيات الشيعية في العراق و فرق الموت للاصطدام بالسنّة و خلق فتن كبيرة بحيث تظهر الإدارة الأمريكية غير قادرة على ضبط الوضع و بالتالي عندما يريد الأمريكيون معالجة الأمر فانّه لا بد وأن يرجعوا إلى إيران لا إلى العرب لأنّ العرب لا نفوذ لهم على المقاومة العراقية أو على الميليشيات الشيعية و جيش المهدي.(45/37)
و لذلك قامت إيران بخطوة غير مسبوقة بهذا الحجم المفضوح بتزويد جيش المهدي و فيلق بدر بأموال طائلة و أسلحة تمّ ضبط بعضها و تبين أنها صناعة إيرانية أنتاج العام 2006. و هذا يعني أن هذه الأسلحة لم تصل إلى الميليشيات الشيعية عبر وسيط أو السوق السوداء لأنّها لو كانت كذلك لكان تاريخ الإنتاج سيكون أقل بسنتين على الأقل, و هذا يعني تورّط الحكومة الإيرانية بالمسألة مباشرة أو الحرس الثوري. وقد حصلت تفجيرات مدينة الصدر بتاريخ 23-11-2006 أيضا و هو نفس تاريخ إعلان السيد حسن نصر الله.
تبع النشر الإيراني للفوضى في المنطقة و تفجيرها في وجه الأمريكيين عرض آخر بالمساعدة. ففي 27-11-2006, رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية أمام حشد من "الحرس الثوري" يقول: "الأمة الإيرانية مستعدة لانتشالكم (أمريكا و بريطانيا) من ذلك المستنقع (العراق)". يتابع أحمدي نجاد: "بشرط واحد, عليكم أن تتعهدوا بتصحيح نهجكم، عودوا وخذوا قواتكما إلى ما وراء الحدود. و ستكون أمم المنطقة بقيادة الأمة الإيرانية مستعدة لإظهار طريق الخلاص لكم".
الفصل الأخير: إيران تخسر أوراقها وتخصيب اليورانيوم الورقة الوحيدة ... الولايات المتّحدة تحشد عسكريا لضرب إيران أم للتفاوض معها؟
لم تنجح الألغام الإقليمية التي وضعتها إيران في فلسطين و العراق و لبنان بعد أن تمّ تحليل عناصرها و تفكيكها , فهي قد فشلت عبر تفجيرها للمنطقة في جر الولايات المتّحدة للتفاوض, و أن عكس ذلك سلبيا عليها خاصّة بعدما بذلت المملكة العربية السعودية جهدا دبلوماسيا كبيرا في تنفيس الألغام السياسية و الاجتماعية التي زرعتها إيران في العراق, لبنان, وفلسطين. لقد أدت التهدئة إلى سحب هذه الأوراق من يد إيران, و استغلت الولايات المتّحدة ذلك في الترويج غير المباشر في التحضير لحملة عسكرية ضدّ إيران لتعطيها رسالة قويّة بانّ تحركاتها جدّية, و قد عزّزت ذلك بعدد من التحركات منها:(45/38)
1- إرسال حاملة الطائرات الأمريكية (USSC) حمل على متنها جناح الطيران التاسع، المكون من خمسة آلاف ضابط وبحار وعنصر من مشاة البحرية, و التي ستنضم مع أربع سفن حربية وثلاث مدمرات إلى القوات العاملة في منطقة الخليج قريبًا.
2- منح قواته في العراق رخصة لاعتقال أو قتل عملاء إيران النشطين في العراق، والذين أعلنت حركة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة لائحة بأسماء أكثر من 31 ألفا منهم.
3- مداهمة القوات الأمريكية لمبنى القنصلية الإيرانية في مدينة أربيل، شمال العاصمة بغداد، حيث اعتقلت عدداً من بين العاملين بالمبنى و صادرت العديد من الوثائق السرية الخطيرة.
4- اعتقال عدد من الدبلوماسيين الإيرانيين في العراق من بينهم اثنان مما قيل أن هم ضباط في الحرس الثوري من أجل التحقيق معهم.
كل هذه التحركات التي تمّت خلال الشهر الأول من سنة عام 2007 كان الهدف منها إيصال رسالة واضحة الى إيران باّن الولايات المتّحدة قررت خوض تصعيد كبير ضدّها و أن الاعتقاد بانّ الولايات المتّحدة ضعيفة هو خطأ استراتيجي سيوقع إيران في خطأ حسابات قاتل.
و فجأة عاد الحديث عن موضوع العرض الإيراني السرّي العام 2003, حيث عرضت القناة الثانية في هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي في 17-1-2007 ما قاله "لورنس ويلكرسون" مساعد وزير الخارجية السابق كولن باول لبرنامج نيوزنايت (أخبار الليلة) من أن إيران كانت قد عرضت العام 2003 على الولايات المتحدة حزمة من التنازلات, مضيفا: "اعتقدنا أن ها كانت فرصة سانحة [لقبول العرض] ... لكن وبمجرد أن رُفع العرض الإيراني إلى البيت الأبيض، وبمجرد بلوغه مكتب نائب الرئيس، حتى عادت إلى الظهور تعويذة:نحن لا نتعامل مع الشيطان" و تمّ رفضه.(45/39)
و ترافق ذلك مع ما ذكرته وزيرة الخارجية الأمريكية "رايس" في جلسة استماع أمام الكونجرس الأمريكي من أنها لم تتبلغ بهذا العرض في تلك الفترة عندما كانت مستشارة الأمن القومي للرئيس جورج بوش. وقالت "لم أكن في وزارة الخارجية في تلك الفترة"، مضيفة "انطلاقا مما فهمته، أنه فاكس وصل إلى الخارجية",لكن "إذا ما قرأتم تعليقات ريتشارد ارميتاج حول طبيعة هذا الفاكس، تدركون ربما لماذا لا يشكل هذا الفاكس وثيقة جذبت انتباها كبيرا لدى الإدارة...
إن مصادره (الفاكس) كانت تدعو إلى الشك"، مبدية موافقة ضمنية على قرار ارميتاج بالامتناع عن إبلاغها شخصيا بهذا العرض. ورفضت رايس التوضيح العلني لمضمون هذا الفاكس، لكنها وعدت بإجابة الكونجرس خطيا.
من المؤكّد أن هذه الضجّة التي تمّت إثارتها في هذه الفترة بالذات حول موضع "العرض الإيراني" لم تكن عفوية و لم تكن عشوائية, فالهدف على ما يبدو إعادة فتح الموضوع و لكن عبر وسائل الإعلام و ليس بالطرق الدبلوماسية, و كأنّ الإدارة الأمريكية تقول للإيرانيين: "نحن مستعدون الآن لمناقشة هذا العرض ...اتصلوا بنا", بالطبع الفترة هذه مؤاتية لفتح نقاش خاصّة في ظل السخط الإقليمي و الدولي العربي و الغربي على إيران و مشروعها التخريبي في المنطقة –و الذي لا يقل ضررا عن المشروع الأمريكي نفسه-, لانّ إيران ستكون تحت ضغوطات كبيرة خلال أي مفاوضات تجري.(45/40)
لجأت إيران إلى الاتصال بالمملكة العربية السعودية علّها تكون الجسر الذي يوصلها إلى الولايات المتّحدة الأمريكية و كانت قد وسطت سابقا عبد العزيز الحكيم فحمّلته رسالة إلى الأمريكيين بهذا الخصوص. و ما لبث الرئيس الإيراني أحمدي نجاد أن أعلن في الذكرى الثامنة والعشرين لانطلاق الثورة الإسلامية في إيران في 12/2/2007 عن استعداده للتفاوض و الحوار و لكن دون شرط وقف تخصيب اليورانيوم, و هو الشرط الذي تطلب واشنطن من طهران تنفيذه قبل أي مباحثات. فقد قال نجادي: "إذا كنتم مستعدين للتفاوض، لماذا تصرون على وقف (تخصيب اليورانيوم)؟ اذا علقنا أنشطتنا، فعن ماذا ستتحدثون؟.... نحن مستعدون للتفاوض تحت شروط نزيهة وعادلة.. أننا نرفض الشروط التعجيزية ولن نقبل تعليق التخصيب كشرط مسبق للحوار".
هذا و قد أعادت "رايس" طرح عرض المفاوضات المباشرة بشرط إيقاف التخصيب و ذلك في برنامج أمريكي استضافها على الهواء مباشرة, فأشاد وزير الخارجية الإيرانية بالجزء الأول من كلامها و ردّ "لاريجاني": "انّ إيران مستعدة أيضا و لكن يجب على الولايات المتحدة أن تطرح ذلك بطلب رسمي و ليس عبر وسائل الإعلام", و لم يعلّق على مسألة التخصيب.
هل يكون رافسنجاني رجل المرحلة؟...الخطأ في الحسابات الإيرانية قد يؤدي الى حرب مدمرة في هذه المرحلة بالذات و بدلا من أن يتم فتح خط اتصال بين الطرفين, كان هناك إصرار إيراني بعدم إيقاف التخصيب لأنها كما يبدو الورقة الأخيرة التي يمتلكها النظام الإيراني في التفاوض على مطالب مهمة من الغرب, و من أجل ذلك فقد بدا التعنت الإيراني كبيراً وهو الأمر الذي دفع الإدارة الأمريكية متمثلة في ديك تشيني بالتصريح بانّ كل الاحتمالات مفتوحة, دون أن تهمل طبعا ترك الباب الخلفي مفتوحا للمفاوضات التي يسعى الطرفين إلى عقدها كلّ بشروطه.(45/41)
وأرسلت الإدارة الأمريكية عددا من الإشارات في هذا المجال خاصّة بعد أن أصدرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقريرها في 22 شباط/فبراير 2007 والذي ذكرت فيه أن إيران لم تلتزم بالمهلة المعطاة لها بناءا على قرار مجلس الأمن الصادر في كانون أول/ديسمبر 2006 للاستجابة لمهلة الستين يوما التي منحها إياها لوقف تخصيب اليورانيوم.
وعندما سئلت "رايس" بعد هذا التقرير عن إمكانية القيام بتدخل عسكري ضد إيران، أجابت: "كنا في غاية الوضوح بأننا ملتزمون بالطريق الدبلوماسية، ونعتبر أن الطريق الدبلوماسية يمكن أن تتكلل بالنجاح أن بقيت الأسرة الدولية موحدة", فيما أشار تشيني الى أن " كل الخيارات مطروحة لثني إيران عن امتلاك السلاح النووي".
و تمّ تسريب سيناريوهات عن تحضيرات أمريكية و تحضيرات إسرائيلية عسكرية للقيام بهجوم كاسح على إيران, مما استدعى مساعد وزير الخارجية الإيرانية "منوشهر محمدي" إلى الرد قائلا: "مستعدون لمواجهة كل الأوضاع, بما فيها نشوب حرب ... ليس لدينا أي مشكلة في التعامل مع الولايات المتحدة .... عقدنا لقاءات غير رسمية مع الولايات المتحدة بشأن أفغانستان والعراق لكنهم يقولون أنه يجب علينا أن نقبل شروطهم قبل التفاوض.. لكننا إذا قبلنا شروطهم فلا مبرر للتفاوض. ولذلك كنا دائما نقول أننا مستعدون للتفاوض مع الولايات المتحدة بدون شروط لكنهم لم يقبلوا ذلك حتى الآن". ويبدو أن الرد الإيراني الواثق من أنها مستعدة حتى للحرب هو ردّ وهمي ينطلق من رؤية مفادها أن الولايات المتّحدة ضعيفة و في مأزق داخلي و خارجي و أن كل المعطيات من ارتفاع أسعار البترول إلى سيطرة إيران على مضيق هرمز و إمكانية تهديدها خطوط نقل النفط العالمية تشير إلى عدم إمكانية شن الإدارة الأمريكية أي حرب على إيران.(45/42)
ستكون إيران في غاية الغباء إذا راهنت على أن وضع أمريكا الحالي الغارق في العراق وأفغانستان ووضع الإدارة الأمريكية الضعيف جماهيريا في الداخل و ارتفاع أسعار النفط و غيرها من العوامل قد تحول دون تمكين أمريكا من شن هجوم على إيران. لا يمكن المراهنة على هذا التصوّر و ذلك لانّ القيادة الأمريكية الحالية و الإدارة المساندة لها هي قيادة غير عقلانية, بمعنى أن ها إذا أرادت القيام بالعمل فإنها لن تقيم وزنا لهذه القيود, فالقيادة الغير عقلانية تكون خطيرة جدا و الأخطر أن يقوم خصمها ببناء خطواته على أساس اعتبار أن القيادة الأولى ستقوم بردود فعل عادية أو خطوات عقلانية مدروسة كما جرت العادة, و هنا يكون الخطر مضاعفا و النتائج أكثر كارثية (وقع حزب الله اللبناني في هذا الخطأ في المعركة الأخيرة ). و على الرغم من ذلك فأمريكا لا تزال في الإطار العقلاني طالما أن باب المفاوضات مفتوح. لكنّ التصعيد يعني أن المعركة قد تبدأ قريبا, اذ تفيد بعض التقارير أن مكتب نائب الرئيس ديك تشيني وأنصار الخيار العسكري من خارج الإدارة يعتقدون أن الوقت قد حان من أجل اتخاذ قرار حاسم في هذه المسألة. و لذلك وبما أن للإدارة الأمريكية سنتين قبل انتهاء ولايتها وبما أن السنة الأخيرة تكون القيادة الأمريكية فيها في حالة "البطّة العرجاء" شلل تقوم بتصريف الأعمال و لا تتّخذ عادة أي قرارات حاسمة سياسية و عسكرية, فهذا يعني أن العام 2007 قد يكون عام الحسم عسكريا.
و نظرا لان العملية العسكرية ستكون فجائية على الأرجح و سريعة و خاطفة و في توقيت مفتوح, فانّ فصل الشتاء سيتم تجاهله لصالح الربيع, أو بداية الصيف, و لا بدّ أن القيادة الأمريكية ستأخذ بعين الاعتبار أفضلية الهجوم على المنشآت النووية قبل أن يتم تشغيلها لتلافي أي تسرّب للإشعاعات (مفاعل بوشهر سيتم تسليم الوقود النووي له من روسيا في آذار/ مارس 2007, و سيتم تشغيله في أيلول من نفس العام).(45/43)
و بناءا على المعطيات فقد يؤذّن شهر آذار من العام 2007 لبداية مثل هذه السيناريوهات العسكرية على أن لا يتجاوز شهر أيلول و هو تاريخ تشغيل المفاعلات الإيرانية. فهل ستقع إيران في خطأ آخر للحسابات؟
انطلاقا من هذه الاعتبارات, يبدو أن هناك تحركات إيرانيّة سريّة لتفادي وقوع هذه الحرب و أن بدت السجالات الإعلامية غير ذلك, فالمتتبع لأوضاع إيران يرى أن رئيس تشخيص مصلحة النظام الشيخ هاشمي رافسنجاني أصبح يتمتع بقدرة اكبر على لعب دور سياسي بعدما كان الرئيس الإيراني يحتكر كل أوراق اللعبة, و يبدو أن هذا التغيير تمّ بتوجيهات عليا من مرشد الجمهورية الإيرانية الخامنئي ليستطيع رافسنجاني أن يلعب دورا مشابها للدور الذي لعبه بتكليف من الخميني في فضيحة إيران-جيت.
وقد بدأت ملامح هذا الدور تظهر شيئا فشيئا في إشارة ربما انتهاء دور الرئيس نجاد الذي استنفذ غرضه من التصعيد. حيث باشر رافسنجاني في شهر شباط/فبراير 2007 حملة تصريحات دبلوماسية في مختلف الاتجاهات سواء للداخل الإيراني او للولايات المتّحدة, بعدما تسربت اخبرا عن تشكيل خلية "أزمة" تضمّه الى جانب الرئيس السابق "خاتمي" و ذلك لإيجاد مخرج للمأزق في العلاقة مع أمريكا و الوضع الاقتصادي الداخلي المخزي و الحرج.
و قال "رفسنجاني" في تصريح له في أواخر شباط/فبراير 2007 ردّا على سياسات احمدي نجاد المتشددة: "على المتطرفين في إيران صون ألسنتهم لئلا تتعرض الجمهورية الإسلامية للخطر". وغمز من قناة نجاد قائلاً: "لن يحققوا نتائج بهذه الطريقة بل ستخلق لهم مشاكل وللعالم، خصوصاً منطقتنا", "علينا أن نكون أكثر حذرا, فإنهم (الاميركيون) مثل نمر جريح ويجب عدم الاستهانة بهم"
فهل سنشهد عقد صفقة إيرانية-أمريكية جديدة بغض النظر عن شموليتها امّ أن إيران ستقع في خطأ فادح للحسابات يقودنا الى جحيم الحرب مباشرة؟!
…
?
الوطن الإسلامي بين السلاجقة والصليبيين
تأليف: حسن الأمين(45/44)
يصلح كتاب "الوطن الإسلامي بين السلاجقة والصليبين" لمؤلفه حسن الأمين، أن يكون نموذجاً لقراءة التاريخ على الطريقة الشيعية وهي القراءة بعين واحدة! ولخدمة غرض خبيث هو تزوير التاريخ وتفصيله لصالح طائفيته الشيعية ، فالكتاب الصادر عن مركز الغدير في لبنان سنة 1996 أشبه بمحاكمة شيعية لعدد من قادة السنة ودولهم، وفي مقدمة ذلك القائد نور الدين زنكي ودولة السلاجقة.
والكتاب الصادر في 320 صفحة، من قبل واحد من أكبر مؤرخي الشيعة المعاصرين، نموذج للانتقائية في المصادر التاريخية، واعتماده بشكل شبه وحيد على ابن الأثير في كتابه "الكامل في التاريخ"، وأحيانا سرده للمعلومات بدون عزو ولا توثيق. وفيما يلي نعرض شيئاً يسيراً من الأفكار التي بثها المؤلف في كتابه ومجّد فيها الشيعة وحلفاءهم (الدولة الفاطمية ـ البساسيري) وفي المقابل انتقاصه من أهل السنة وقادتهم ودولهم (السلاجقة ـ المرابطون ـ نور الدين زنكي).
1- الدولة الفاطمية:
في الوقت الذي سببت فيه الدولة العبيدية الفاطمية شرخاً كبيراً في جسم الأمة الإسلامية، وحاربت مذهب أهل السنة ودولة الخلافة العباسية، وفرضت مذهبها الشيعي الإسماعيلي بالقتل والاضطهاد ، يكيل المؤلف لها المديح في مواضع عديدة، ويخترع لها المبررات تلو المبررات، فهو أولاً يستنكر تسميتها بالدولة العبيدية (نسبة إلى جدهم عبيد الله المهدي) ص8 ويعتبر أن هذه الدولة "كانت مصدراً من أكبر مصادر التجميع لا التفريق: لقد كان نشوؤها ضرورة من ضرورات العالم الإسلامي في ذلك الحين الذي تمزقت فيه قوى المسلمين، وتفرقت كلمتهم..." (ص311).(45/45)
وفي معرض دفاعه الدائم عنهم وعن خياناتهم، خاصة في فترة الحروب الصليبية، يذهب المؤلف إلى أن "الدولة الفاطمية كانت قد انتهت سلطتها، قبل وصول الصليبين بربع قرن، وأن الذي أنهى سلطتها وحلّ محلهاهم الجماليون الذين قامت بهم الدولة الجمالية التي صارت هي صاحبة الأمر والنهي، والتي حجرت على الخلفاء الفاطميين في بيوتهم، ومنعتهم من أي تصرف في شؤون الدولة" (ص 305 – 306).
وقد نسي المؤلف أو تناسى أن موالاة الفاطميين لليهود والنصارى كانت سياسة ثابتة، حتى عندما كانت الدولة في أوج قوتها، وهو ما أوضحناه في الراصد عدة مرات فقد كان دأب حكام الدولة العبيدية الفاطمية اتخاذ اليهود والنصارى مستشارين ووزراء، والسماح ببناء المعابد والكنائس، وبالمقابل اضطهاد أهل السنة، والتضييق على مؤسساتهم ومذهبهم.
2- دولة السلاجقة:
الدولة السلجوقية هي إحدى الدول السنيّة القوية التي قامت في العراق وفارس وأنحاء كثيرة من العالم الإسلامي، ووقفت بوجه الصليبيين، والروم قبل ذلك، وأنقذت الخلافة العباسية من مؤامرة البساسيري والفاطميين ـ كما سيأتي ـ ونصرت مذهب أهل السنة، ورغم ذلك فقد كان للسلاجقة أخطاء ومفاسد عديدة أبرزها كثرة اختلافهم على الحكم، وتعاون بعض حكامهم مع الصليبيين.
إلاّ أن المؤلف ـ وبحكم شيعيته ـ لا يكاد يرى من السلاجقة إلاّ المساوئ، فهو لا يرى من معاركهم وحروبهم سوى النهب والدمار، ولا يصورهم إلاّ بهذه الصورة. بل ويشطح خياله ليصور أن أهل السنة في العراق، وفي بغداد تحديداً كانوا رافضين لقدوم السلاجقة الظالمين، وكانوا يفضلون عليهم البويهيين( ) الشيعة الذين ـ بحسب المؤلف ـ "لم يكونوا يؤثرون فريقاً على فريق" (ص40)، دون أن يقدم عزواً أو مرجعاً يفسر هذا الكره السني للسلاجقة السنة، والسرور من دولة البويهيين الشيعة.(45/46)
وفي الوقت الذي تشير فيه معظم المصادر التاريخية إلى أن الخليفة العباسي لقي الاحترام والتقدير من السلاجقة وزعيمهم طغرل بك بعد انتصارهم على البويهيين والبساسيري، إلاّ أن حسن الأمين ينقل لنا أخباراً غريبة من قبيل قوله أن "هيبة الخلافة انتهكت من السلاجقة في أول يوم وصلوا فيه إلى بغداد، وذلك بإهانة رسل الخليفة ونهبهم وتجريدهم حتى من ثيابهم" (ص50).
ويقول في موضع آخر: "وهذا الخليفة الذي تآمر مع السلاجقة على البويهيين، عامله السلاجقة بالمهانة منذ اليوم الذي دخلوا فيه بغداد" (ص54).
3- نور الدين محمود:
نور الدين محمود واحد من قادة المسلمين البارزين، ومن أبرز الذين دافعوا عن ديار المسلمين، وحموا مذهب أهل السنة، وعرف عنه التقوى وحسن السيرة، إلاّ أن لهذا القائد الكبير شأن آخر عند حسن الأمين، فهو ينكر جهاد نور الدين وسعيه لتكوين دولة قوية يواجه بها الصليبيين، ويقول: "لم يكن في ذهن نور الدين تطلع إلى تحديد الجبهة الإسلامية من الفرات إلى النيل، ولم تكن هذه الفكرة - فكرة الجبهة الإسلامية المتحدة - هي المحرك الأول الذي جعل نور الدين محمود يتجه ببصره شطر مصر. بل المحرك له على ذلك هو أمر شخصي بحت حيث ينتصر لمستنجديه على منافسه لقاء مكاسب شخصية هي الاستحواذ على ثلث دخل البلاد" (ص310).
ويواصل المؤلف انتقاصه من شأن نور الدين وبطولاته، فيقول: "وكل ما جرى أن ثلث دخل مصر أغرى نور الدين، بإرسال عسكر إلى مصر لنصر شاور على ضرغام، بقيادة أسد الدين شيركوه، وإذا كان العسكر قد استطاع إعادة شاور إلى السلطة، فإنه لم يستطع التغلب على غدر شاور، ورجوعه عمّا قرره لنور الدين واستنجاده بالصليبيين، على أسد شيركوه الذي آثر السلامة فرجع إلى الشام.
وهذا كله من دون عزو لمرجع تاريخي معتبر ، ولكن من كانت منهجيته التاريخية على طريقة اليهود : اكذب ثم اكذب ثم اكذب وستصدق الكذبة ! فستكون هذه نتائجه التاريخية!!
4- المرابطون:(45/47)
بالرغم من أن كتاب حسن الأمين مخصص للحديث عن "الوطن الإسلامي بين السلاجقة والصليبيين"، إلاّ أنه يخصص فصلاً عن دولة المرابطين السنيّة التي قامت في المغرب العربي، وقدّمت العون والنجدة للمسلمين في الأندلس، الذين كانوا يواجهون خطر الإبادة والطرد من الفرنج فيتناس خدماتهم للإسلام، فيصورهم بصورة البدو والأعراب الذين لا يحلون حلالاً ولا يحرمون حراماً (ص175).
أما قائد المرابطين العظيم، يوسف بن تاشفين، فالمؤلف يهمل ذكر نصرته للمسلمين في الأندلس وإنشائه لدولة إسلامية قوية، ويركز على الخلافات التي نشبت بينه وبين المعتمد بن عباد وملوك الطوائف، ويجعلها الأساس في حديثه عن هذه الدولة.
ويبدي المؤلف شماتته بدولة المرابطين التي زالت على أيدي دولة أخرى هي الموحدون، عدة مرات، ويقول في إحداها: "ابتدأوا أمرهم ـ أي المرابطون ـ بذبح ألفي مسلم صبراً، وانتهوا بالاستنجاد بالإفرنج! ومع ذلك فهم أصحاب دعوة إسلامية!!" (ص197). ويا ليته كان صادقاً وأميناً فيعزو أو يوثق دعاويه العجيبة ،أو عادلاً ومنصفاً فيذكر خيانات أسلافه وأهله.
5- البساسيري:
رسلان البساسيري هو في الأصل مملوك تركي من مماليك بهاء الدولة بن عضد الدولة البويهي، ثم صار من جملة الأمراء عند البويهيين، وبعد أن صارت له المكانة والقوة، تآمر على الدولة الخلافة العباسية وحاول إسقاطها بالاتفاق مع خليفة الفاطميين، المستنصر.
ورغم اعتراف حسن الأمين بالدور الذي لعبه البساسيري لإسقاط دولة الخلافة العباسية لصالح العبيديين الفاطميين، إلاّ أن حديثه عنه عادة ما يأخذ أسلوب الثناء والإعجاب، والسبب في ذلك باختصار أن البساسيري حاول إسقاط دولة سنية لتحل محلها دولة شيعية إسماعيلية.(45/48)
يقول المؤلف عن البساسيري: "...ثم ترقت به الحال وتقدم عند الخليفة القائم، وقلده الأمور بأسرها، وخطب له على المنابر، وهابته الملوك ثم جرت بينه وبين وزير الخليفة الملقب رئيس الرؤساء مناظرات، فخرج البساسيري من بغداد، وأخرج الخليفة منها، وخطب للمستنصر الفاطمي وقتل رئيس الرؤساء شر قتلة، واستولى على بغداد سنة كاملة" (ص59 -60).
ويثني المؤلف - للأسف - على البساسيري في مواضع عديدة، مدّعياً أن أهل السنة وقفوا في صفه منها قوله "فهذا البساسيري لما عدل بين الناس، ولم يتعصب لمذهب، كان السنيّون والشيعة في مناصرته على السواء، ومضى السنيّون على أصالتهم الفطرية يؤيدونه على الظالمين وإن كانوا من أتباع مذاهبهم" (ص71)، ومنها قوله: "وأحسن السيرة في الناس، وبشهادة ابن الأثير: لم يتعصب لمذهب، وأجرى الجرايات على المتفقهة" (ص75).
وهكذا لا تنتهي كذبات هذا المدعو حسن الأمين، وما هو والله بالحسن ولا الأمين.
البطولات الزائفة
قالوا: منذ أسابيع بدأ تلفزيون (المنار) ببث لقطات مصورة لعمليات مقاومة منسوبة إلى فصائل شيعية في العراق، ولأول مرة أشار السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير إلى أن الطرف الشيعي في العراق يمارس المقاومة إلى جانب إخوانه السنة.
الدستور 11/3/2007
قلنا: هذا يؤكد العلاقة الطائفية بين حزب الله والميلشيات الشيعية في العراق.
التقريب المستحيل
قالوا: بعد توقف أنشطتها لأكثر من 40 عاما، دعت "دار التقريب بين المذاهب الإسلامية" في مصر في بيان لها لتحريم تكفير المذاهب بين المسلمين وخاصة بين السنة والشيعة. بعد إعادة أنشطتها رسمياً أواخر الشهر الجاري برئاسة الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر الشريف ومشاركة الشيخ عبد الله تقي الدين القمي من كبار علماء الشيعة في إيران.
المؤتمر نت 6/3/2007
قلنا: محاولة فاشلة، وخطوة تضليلية جديدة.
خلل المنهج ونتائجه(45/49)
قالوا: الترابي يستعدي أمريكا على النظام الحاكم ،كما يستعدي الداخل المعارض الثائر في منطقة دارفور وغيرها ، كما استعدى من قبل ويستعدي اليوم قادة الجنوب ويحرضهم على الدولة المركزية.
الدستور 11/3/2007
قلنا: متى يدرك المسلمون أهمية سلامة المنهج وسلامة الخلق ، فلا يسندون الزعامة لفاقدهما.
خطوة صحيحة
قالوا: قررت السلطات الكويتية منع دخول "مشعوذي" القنوات الفضائية إلى البلاد.
العربية نت 6/3/2007
قلنا: يجب أن تحتذي بها سائر الدول الإسلامية ، كما يجب على مؤسسة عربسات إيقاف بث هذه القنوات.
موسم الفضائح
قالوا: اعترف وكيل وزارة الصحة العراقي حاكم الزاملي، المنتمي للتيار الصدري، بوجود قائمة تضم 61 شخصية سياسية وبرلمانية عراقية متورطة في أعمال العنف في العراق، ودعم المليشيات وفرق الموت.
المجتمع 10/2/2007
قلنا: هذا اعتراف وكيل وزارة الصحة بعد اعتقاله، فلو اعتقلوا صولاغ وزير الداخلية كم سيكون عدد المتورطين؟
اختلفوا فافتضحوا
قالوا: وقالت مصادر مطلعة أن القيادة السورية هددت بري بـ " فضح تورطه في اختفاء الإمام موسى الصدر".
السياسة الكويتية 26/2/2007
قلنا: لاشك أن إيران وسوريا وليبيا وبري متورطون في اختفاء الصدر.
مهمة جديدة
قالوا: يتخوف عرب الأحواز – الشيعة – من حملة اعتقالات وقمع جديدة تنفذها المخابرات الإيرانية عبر" جيش المهدي " الذي وصل بالمئات إلى عبادان.
الوطن العربي 28/2/2007
قلنا: هذا ثمن احتماء مقتدى بإيران ، ودليل صفويتهم وفارسيتهم، فهاهم الشيعة العرب يقتلون الشيعة العرب لمصلحة الشيعة الفرس!!
منهج معروف
قالوا: هدد يحيى الحوثي بتوسيع نطاق المواجهات بين أنصاره والقوات اليمنية خارج محافظة صعدة .
الغد 26/2/2007
قلنا: هذه سياسة شيعية إيرانية معروفة ، في لبنان والبحرين وغيرها.
ورع بارد
قالوا: اتخذت السلطات الليبية إجراء يمنع سفر المرأة الليبية دون سن الأربعين من دون محرم.
الغد 8/3/2007(45/50)
قلنا: هل يسرى هذا على حماية القذافي النسائية؟ أم محرمهن معهن؟؟
خطر خفي
قالوا: العلمانيون العراقيون ليسوا حبل النجاة، فهم من زرع الطائفية في البلاد.
المرجع الشيعي حسين المؤيد، الحقيقة 7/3/2007
قلنا: يجب الحذر من أمثال هؤلاء العلمانيين وخاصة الشيوعيين منهم.
سفير إرهابي
قالوا: السفير الإيراني السابق – في الأردن – كان ينشئ تنظيماً مسلحاً.
بسام العموش، السفير الأردنى السابق في طهران – الحقيقة 7/3/2007
قلنا: كل سفراء إيران هكذا لكن هذا الذي فضح فقط ومتأخراً.
مطلوب فتوى!
قالوا: هناك ترتيبات يقوم بها مسؤولون عراقيون من أجل أن يصدر السيستاني فتوى تحرم قتل الفلسطيني في العراق.
أسعد عبد الرحمن، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير – الرأي 23/2/2007
قلنا: نعم تحتاج هذه الفتوى لإعادة حفظ القرآن من جديد للسيستاني مع مراعاة صعوبة نطقه للعربية وكذالك تحتاج جرد المطولات من كتب الروايات لمعرفة تحريم قتل الفلسطيني على أي شئ يقاس، حيث لا توجد رواية عن المعصوم بخصوص الفلسطيني، ولذلك لا تستعجلوا الفتوى، وعموماً لا يزال هناك آلاف الفلسطينيين في العراق لم يقتلوا، ولذلك ستخرج الفتوى حين ينتهي قتلهم!!
ليست أول كذبة!
قالوا : وعدني رفسنجاني مطلع التسعينات بالمال لإعمار الأقصي، لكنه للآن لم يقدم لنا شيئاً.
الشيخ عز الدين التميمي، عضو مجلس الأعيان الأردني – الرأي 20/1/2007
قلنا: ليش هو ضريح شيعي حتى يدفع له؟
الرئيس اليمني: أبواب الحوار والوساطة سدت مع الحوثيين
الشرق الأوسط 13/3/2007
…أعلن الرئيس اليمني علي عبد الله صالح أن أبواب الحوار والوساطة قد سدت مع الحوثيين بعد بذل كل المساعي لإقناعهم بالكف عن الأعمال الإرهابية والإجرامية.(45/51)
…ذكر ذلك في هجوم غير مسبوق يشنه الرئيس علي عبد الله صالح وذلك في حديث توجه به للمواطنين في محافظة صعدة. وقال إن القوات المسلحة والأمن لن تترك العناصر الإرهابية تعبث بالأمن والاستقرار في محافظة صعدة.
…وأضاف «نتحدث اليوم عبر الهاتف مع أعضاء السلطة المحلية والمشايخ والأعيان والشخصيات الاجتماعية عن تلك الفتنة التي أشعلتها عناصر إرهابية في بعض المناطق من هذه المحافظة» حيث نعت الحوثيين بأنهم «أعداء الحرية والتنمية والديمقراطية، أعداء الأمن والاستقرار وأعداء الوطن بشكل عام، وهم يقومون بقطع الطرق وقتل النفس التي حرم الله».
…وقال إنهم يرفعون شعار «الموت لأميركا .. الموت لإسرائيل، وهم يقصدون بذلك الشعار قتل الجندي والضابط في القوات المسلحة اليمنية وقتل المواطنين الأبرياء» مضيفا «هذا الشعار هو الزيف بذاته، وفي حقيقة الأمر ما تريده هذه العناصر الإرهابية هو الانقلاب على النظام الجمهوري، وهم لا يضرون سوى مصلحة الوطن ومصلحة محافظة صعدة على وجه الخصوص» مشيرا إلى أن «المتمردين يريدون إعادة النظام الإمامي الكهنوتي البائد الذي ثار شعبنا اليمني من اجل اقتلاعه إلى غير رجعة وقدم مقابل ذلك التضحيات الغالية والجسيمة».
…وقال «لا مكان لهذه العناصر في المجتمع اليمني وهي مثل السرطان الذي ينخر في جسم هذه المحافظة، ولا بد من إزالته لأن استمرار هذه العناصر في أعمال التخريب يعيق جهود التنمية في محافظة صعدة». ودعا الرئيس صالح المسؤولين والشيوخ والسلطة المحلية في ذات المحافظة إلى «مواصلة التعاون مع المؤسسة العسكرية والأمنية في أدائها لواجبها في مواجهة تلك العناصر الإرهابية والتخريبية الخارجة على النظام والقانون من اجل الحفاظ على الأمن والاستقرار والسكينة العامة».(45/52)
…إلى ذلك قتل 11 شخصا من الحوثيين في اشتباكات جرت أمس مع القوات المسلحة في مدينة صعدة باليمن، وقالت وزارة الدفاع اليمنية عبر موقعها الالكتروني إن القوات الحكومية أحبطت محاولتين للتسلل لبعض العناصر الحوثية، وكانت إحدى هاتين المحاولتين للتسلل إلى مدينة صعدة عاصمة المحافظة وذلك عبر سوق الطلح القريب من المدينة.
…وقالت المصادر إن المتسللين كانوا يرتدون ملابس نسائية وأشارت إلى أن عدد المنفذين لهذه العملية كانوا 11عنصرا من الحوثيين، وعند كشف هذه العناصر من قبل قوات الجيش باشرت هذه المجموعة بإطلاق النار على أفراد القوات الحكومية، فيما رد أفراد الجيش على نيران المتسللين بصورة سريعة وهو ما أدى إلى مقتل هذه الجماعة على الفور، لكن المصادر الحكومية لم تشر إلى الخسائر التي لحقت بقوات الجيش.……وذكرت المصادر ذاتها أن مجموعة مماثلة بنفس العدد وهم 11عنصرا حاولت تكرار عملية التسلل إلى مدينة صعدة بيد أن قوات الجيش اعتقلت هذه المجموعة وهم في حالة تلبس مرتدين لملابس نسائية. وأكدت المصادر أن هدف المجموعتين من عمليتي التسلل إلى مدينة صعدة كان القيام بتنفيذ أعمال تخريبية ضد بعض المصالح الخدمية وترويع المواطنين الأبرياء وكان بحوزة المقبوضين متفجرات وأحزمة ناسفة.…ونقلت مصادر أخرى عن مواطنين من منطقة بني معاذ بصعدة مشاهدتهم لأكثر من 15 جثة ولم تستبعد المصادر كون هذه من الحوثيين وجاء العثور على هذه الجثث من قبل المواطنين في هذه المنطقة على خلفية الاشتباكات العنيفة بين القوات المسلحة ومن يقف ضد الحوثيين من القبائل المتطوعين مع قوات الجيش وبين المتمردين من الحوثيين الذين يقودون حربا ثالثة في غضون ثلاثة أعوام تكبد اليمن خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات. وكانت المصادر العسكرية قد ذكرت في مقتبل الأسبوع الجاري أن الحوثيين تكبدوا خسائر في المعارك التي جرت بين الطرفين منذ بداية المعارك الراهنة بلغت حسب(45/53)
التقديرات الحكومية 160 قتيلا.
اليمن .. قصة تمرد
«الجوانب السياسية والدينية» في النزاع.. والعامل الخارجي
الشرق الأوسط 2/3/2007
…يثير الصراع العسكري في شمال اليمن بين القوات الحكومية ومسلحي تنظيم «الشباب المؤمن» أو من باتوا يعرفون بـ«الحوثيين»، جملة من التساؤلات حول حقيقة ما يدور في أقصى شمال اليمن (محافظة صعدة)، في ظل عدم قدرة الصحافيين على السفر إلى المنطقة والوقوف على حقيقة الأحداث الدائرة هناك، رغم أن السلطات اليمنية بدت أكثر حرصا من ذي قبل في الإعلان عن حجم خسائرها في الحرب الدائرة، التي أسفرت عن مقتل عشرات الضباط وصف الضباط والجنود وعشرات من مسلحي الحوثيين خلال بضعة أسابيع فقط .
…بدأت الحرب الأولى بين القوات النظامية وأنصار الحوثي في صيف عام 2004 وحينها لم يكن احد قد سمع بـ«الحوثيين».
…كانت هناك مجاميع من «الشباب المؤمن»، كما عرفوا في ما بعد، تردد شعارات معادية للولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل قبل أشهر من الحرب في العراق.. واتخذ هؤلاء الشباب أسلوبا خاصا بهم للتعبير عن آرائهم، تمثل في الهتاف عقب كل صلاة جمعة في الجامع الكبير بصنعاء، معقل الطائفة الزيدية، بـ«الموت لأميركا.. الموت لإسرائيل»، ولم يكن أحد يتوقع حينها أن هذه الشعارات والهتافات ستكون بداية لقضية ستتطور في منحى مختلف وتصبح بهذا الحجم.. ولم يكن النائب السابق حسين بدر الدين الحوثي شخصية معروفة، بل كان ما زال مغمورا بالنسبة للشارع اليمني.(45/54)
…وخلال السنوات الثلاث الماضية، شهدت الحرب بين الحوثيين والسلطات اليمنية كراً وفراً، وفي سبتمبر (أيلول) 2005، أعلن الرئيس علي عبد الله صالح عفوا عاما وشاملا عن الحوثيين، مقابل أن يرموا أسلحتهم وينزلوا من الجبال. وجرى الإفراج عن مئات المعتقلين منهم وشرعت السلطات، وفي ضوء جهود الوساطة، في دفع تعويضات للمتضررين الذين دمرت بيوتهم واستهدفت مصالحهم جراء الحرب. وساد اعتقاد لدى الناس بأن الأزمة والحرب في صعدة انتهت، غير أن المعارك عادت مع نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي، وبصورة أكثر ضراوة مما كانت عليه في السنوات الماضية. وكان قيام الحوثيين بتهجير حوالي 50 يهودياً يمنياً من سكان منطقة آل سلم من بيوتهم، القشة التي قصمت ظهر البعير والشرارة لعودة الحرب.
…وتقع محافظة صعدة التي تشهد التمرد منذ صيف عام 2004، في أقصى شمال اليمن، وتبعد عن العاصمة صنعاء بحوالي 243 كيلومترا وتبلغ مساحتها 11357 كيلومترا مربعا ويقطنها حوالي سبعمائة ألف نسمة. واغلب سكانها من أبناء الطائفة الزيدية، فيما ما زال يسكن بها أيضا بضع عشرات من اليهود اليمنيين، الذين لم يهاجروا إلى إسرائيل. وتتميز صعدة بأنها ذات تضاريس جبلية وعرة، إضافة إلى مساحات صحراوية.
…ويقول الشيخ يحيى النجار، وكيل وزارة الأوقاف والإرشاد اليمنية، ردا على سؤال حول الفكر الذي يحمله الحوثيون، انه «من خلال متابعة هذه الجماعة منذ صيف عام 2004 وحتى اليوم، واستنادا إلى أدبياتهم من «ملازم» وغيرها، أنهم اعتنقوا المذهب الشيعي الإثني عشري الصفوي، وهو المذهب الذي لا تعرفه اليمن». وأضاف أن «حسين بدر الدين الحوثي كان يعبئ الملتفين حوله بهذه الأفكار».(45/55)
ويذكر أن حسين الحوثي، الذي لقي حتفه على أيدي القوات الحكومية في العاشر من سبتمبر 2004 ينتمي إلى أسرة زيدية عريقة، ويعيد الشيخ النجار التحول المذهبي الذي طرأ على آل الحوثي من الزيدية إلى الاثني عشرية، «إلى الزيارات المتكررة إلى إيران من قبل حسين بدر الدين الحوثي وإخوانه ووالده أيضا».
…ويؤكد وكيل وزارة الأوقاف اليمنية، أن الحوثيين ينتشرون حاليا في محافظات أخرى غير صعدة معقلهم. ويقول إن «هناك أناسا من الحاقدين على الوطن والنظام الجمهوري استجاب بعضهم للحوثيين، لكننا نقوم بالتوعية».
…ورداً على سؤال لـ«الشرق الأوسط» حول تعامل وزارة الأوقاف والإرشاد اليمنية مع الحوثيين، كحركة دينية أم سياسية، يقول الشيخ النجار «إن هناك قوى تدعمهم من خارج الوطن، لا شك ولا ريب، وفي نفس الوقت دخلوا في مسألة تصفية الحسابات الإقليمية». لكنه يضيف «نتعامل معهم من وجهة دينية لأن هذا مذهب وافد على جسم الأمة اليمنية، وهو غلاف خارجي والأمر أخطر من ذلك». ويعد تنظيم «الشباب المؤمن» الذراع العسكري لحركة الحوثيين حاليا.. لكن كيف تأسس هذا التنظيم؟(45/56)
…يرد محمد عزان، الأمين العام السابق لمنتدى «الشباب المؤمن» بالقول، إن «فكرة الشباب المؤمن كانت عبارة عن فكرة دينية.. منتدى يجتمع فيه الشباب وتدرس فيه بعض الدروس الدينية والفكرية، وكان الهدف منه توعية الشباب وإخراجهم من حالة القوقعة والتعصب وما شابه ذلك. واستمر المنتدى فترة طويلة حوالي عشر سنوات منذ عام 1990 وحتى عام 2000، ولهم أدبيات وكتب ونشرات تعكس فكرتهم ورؤيتهم المنفتحة الواعية المدركة إلى أقصى الحدود .. لكن جاء الأخ حسين بدر الدين الحوثي وتبنى خطاً آخر ونهجا جديدا وحاول أن يسربهما من خلال الشباب المؤمن، وواجهناه حينها، وحاول التغيير في المناهج، مما أدى إلى أن أعلن لنفسه تيارا آخر يسمونه حاليا حركة الشعار.. ولا علاقة للشباب المؤمن بما يجري، وكثير منهم هم ضد الحركة الحالية حتى قبل أن تختلف الحركة مع الدولة».
…ويزعم عزان أن حسين الحوثي كان دخيلاً على هذا التنظيم، ويقول إن منتدى الشباب المؤمن أو الحركة أو التنظيم قام على أساس ديني «وكون الشباب أو أكثرهم كانوا من محافظة صعدة والمنتدى هناك أصلا، فقد كانت خلفية المنتدى زيدية، لكن كنا، وحسب وثائقنا، نقدم رؤية منفتحة على الآخرين تلتقي معهم أو تترك في المنطقة المتفق عليها وتتجاوز الخلاف. وشنت علينا حملة في عام 1997 وعام 1998 من قبل بعض الزيدية وأصدروا ضدنا فتاوى بأننا صرنا نسنن المذهب الزيدي».(45/57)
…ويذكر عزان لـ«الشرق الأوسط»، عن انضمام حسين الحوثي إلى «الشباب المؤمن» وسيطرته عليه انه «انضم في البداية وأراد استغلال الحضور الجماهيري للمنتدى، وكان الأمر طبيعيا في البداية، على أساس أن يكون احد أعضاء الهيئة الإدارية، ولكنه سرعان ما بدأ في تغيير بعض الأفكار والمناهج.. بدأ يطرح ألا تدرس بعض الكتب، وألا يقوم بعض الأشخاص بالتدريس، لكننا واجهناه وأفكاره خلال عام تقريبا، وبين عامي 1999 و2001، جرى الخلاف وانفصلنا عنه وأصبحنا إدارتين مختلفتين إداريا وماليا».
…ويحدث محمد عزان «الشرق الأوسط» عن الفكر الذي كان يعتنقه حسين الحوثي وأتباعه من بعده، ويقول «إن أصله ومرجعيته والخلفية التي جاء منها هي زيدية، لكنه خرج عنها عندما ضمن في أدبياته أفكارا لا تمت إلى الزيدية بصلة، مثلا تبنى الفكر التعلمي، وهو الفكر الذي يرد عليه علماء الزيدية في كتبهم، وهو فكر يقول إن الأمة تكتفي بإمام يعلمها كل ما تحتاج، ولا تحتاج إلى دراسة الكتاب والسنة أو أي شيء آخر، ويكفي أن يكون لديها إمام أو زعيم أو قائد أو قدوة.
…وحسين الحوثي لم يكن يسمى إماماً ولكن كان يطلق عليه القدوة، وقد كان يركز في ملازمه (أدبياته) على مسألة القدوة ووجوب اتباعها والأخذ برأيها. الشيء الآخر حملته الشديدة على الصحابة لدرجة انه حمل بعضهم أسباب فشل الأمة وغزو إسرائيل لبلاد العرب، رغم أن إجماع الزيدية يقوم على منع النيل من الصحابة والخلفاء الراشدين».(45/58)
…ويرد الأمين العام السابق لـ«الشباب المؤمن» على سؤال لـ«الشرق الأوسط» إن كان أخوة حسين الحوثي ووالده يعتنقون نفس الأفكار التي يؤمن بها؟ بالقول «لا. بالنسبة لوالده لم يظهر في كتبه ما ظهر على لسان حسين، لكن تأييد الأب (بدر الدين الحوثي) لحسين لا ندري تحت أي عنوان يأتي، هل لأنه قدوة أو مجتهد بالنسبة لأخوته، مثلا يحيى بدر الدين الحوثي هذا لديه أشياء وأفكار أخرى ويريد أن يلعب سياسة، كما يقال.. لا يريد أن يلعب دينا وفكرا كما كان الحال بالنسبة لحسين الذي كان أكثر وضوحا من شقيقه يحيى في الدين والسياسة».
كما يتحدث عزان عن تأسيس تنظيم أو منتدى «الشباب المؤمن» في إطار رده على سؤال حول الجهات الداعمة بالقول انه كان «تأسيسا متواضعا. لقد كانت هناك مجموعة من الشباب يحاولون تنظيم أنفسهم، وقد كانت هناك حلقات موجودة في المساجد ولم يكن الأمر بحاجة إلى دعم، بل إلى تنظيم. العلماء في البلاد والعلماء من البلاد والكتب موجودة وكل ما كان هناك هو نوع من التنظيم لها، وكانت لا تقام أو تأتي إلا في الصيف لمدة ستين يوما أو خمسين يوما، لذلك لم تكن تحتاج إلى دعم». وينفي أن يكون معظم المقاتلين الحاليين مع الحوثيين، جميعهم من الشباب المؤمن، «أما الذين يقاتلون حاليا مع عبد الملك الحوثي فهم أشخاص لا نعرفهم في حلقات العلم وكثير منهم لا يهتم حتى بالفروض والواجبات المعروفة. معظم الذين يقاتلون حاليا هم مجموعة من الذين لديهم مشاكل وثارات وخلافات مع أهاليهم».
وعن قصة الشعار، الذي تسبب في الأزمة والحرب الراهنة، يقول عزان «من خلال معرفتي بالأخ حسين وبالحركة، انه أراد أن يستقطب اكبر عدد من الشباب، ولأن القضية الفلسطينية وأميركا وإسرائيل كانت قضية مهمة للمسلمين رفعها كشعار.(45/59)
…عندما كان يتحدث عن اليهود أو أميركا أو إسرائيل كان يجعل ذلك شعارا فقط من اجل تعبئة الناس حول القضايا التي هي محل خلاف، مثل الإمامة والصحابة، والدليل على ذلك انه في إحدى ملازمه، تحت عنوان الخطر اليهودي، بدأ يتحدث عن مسألتي أبي بكر وعمر من أول ملزمة حتى آخرها بصورة تخالف عنوان الملزمة».
…وتحدث لـ«الشرق الأوسط» الدكتور مرتضى زيد المحطوري، رئيس مركز بدر العلمي الزيدي (وهو متشيع، الراصد ) عن الشباب المؤمن والتطورات في صعدة، بصفته عالما من علماء الزيدية في اليمن، فقال «الذي نعرف أن هؤلاء الشباب كانوا يدرسون ضمن الحلقات والحركات المنتشرة باليمن ويعرف بذلك القاصي والداني. كانت لهم فقط مجرد أنشطة صيفية وكنا نسمع عن الشباب المؤمن وما شابه ذلك، وكنا نسمع انه كان بينهم وبين حزب المؤتمر الشعبي الحاكم علاقة وتعاون طيبان».
…وعما إذا كانت حركة الحوثي أتت بدعم لتكون مقابلة لانتشار الفكر السلفي في صعدة، من خلال مركز «دماج» الذي أسسه وكان يديره الشيخ الراحل مقبل الوادعي، يقول المحطوري «كنا نسمع أن هناك من كان يدعمهم (الحوثيين) بمبلغ نصف مليون ريال شهريا، (أي ما يعادل 2500 دولار أميركي)، وكنا نخمن أن هناك جماعة تربى ضد جماعة أخرى».
…وعن خطورة العزف على نغمة المذهبية، يرد الدكتور المحطوري بالقول، «أنا أشم رائحة كريهة وهي إدخال البلد والعالم العربي في أتون حرب ضروس، وربما للدول الكبرى أصابع فيها، باعتبار أن الأميركيين متورطون في العراق في مستنقع، وتتهم إيران في توريطها أو التشفي فيها أو إشعال الحرائق حولها. لا أدري إن كانت أميركا تروج لأي فئة في اليمن أنها محسوبة على الجعفرية لغرض ما، ولكن تعالج الأمور ونحن لا نرضى وليس لنا ناقة أو جمل في أن يدخل الناس في اشتباك مسلح مع الدولة، ونحن نرفض الظلم ونقاومه، ولكني أرى أن المقاومة تكون بطرق مشروعة وسلمية وهو ما وصل إليه العالم الحديث».(45/60)
…وعن وجود خطر يهدد اليمن بحرب طائفية، يقول المحطوري إن «الدولة إذا لم تتنبه إلى جرجرة الطائفة الزيدية إلى حظيرة الاتهام بالصفوية والجعفرية، فان هذا الكلام مزعج لنا جدا.. يفترض خروج طائفة محسوبة على الزيدية، لكن أن تجرجر أمة بكاملها، وأن يقاد الكثير من الناس إلى السجون ويتعرضون للاتهام والبطش والخوف وخلط الحابل بالنابل.. هناك أصابع تلعب من اجل إحراق البلد، لمصلحة من هذا الذي يحدث. كون الدولة تتحارب مع فرقة هذا ليس خطيرا، فيمكن أن تنتهي الأمور ويمكن أن نتحارب ولو كانت الحرب مأساوية والدماء تشكل خطورة شديدة، لكن الأخطر من ذلك هذا التجيير وهذه المؤامرة الفكرية.. كنت أفضل ألا نرفع هذه النغمة على الإطلاق.
…هناك حرب والدولة تقاتل وهي مسؤولة عما تفعل، وهذه الجماعة اختارت هذا المنحنى الصعب ولكن يزعجني هذا الزعيق بالصفوية وغيرها، رغم أن شاه إيران كان يلقى تأييدا من دول المنطقة ومن المجتمع الدولي وهو صفوي».
…ويتهم المحطوري السلطات بعدم السماع لمبادراتهم كعلماء زيدية من اجل حل المشكلة القائمة في صعدة .. ويضيف «من يسمع لنا، نحن الآن نتحسس رؤوسنا، الأمن واقف على الأبواب وقد اعتقل مجموعة من المدرسين والطلاب معي في المركز، الذين كانوا حجرة عثرة أمام الأفكار التي نادى بها الحوثيون وما زالوا في المعتقل ونحن مستعدون لتقديم المبادرات ونحن مع الدستور والقانون، لكنهم لا يسمعون لنا في الحقيقة».
…ويقول المحطوري «إن هناك أطرافا في الحكم لها مصلحة في ضرب المذهب الزيدي، من خلال ضرب حركة الحوثيين»، وينفي علمه بتورط إيران أو ليبيا بتمرد صعدة، ويقول إن الدولة تستطيع أن تعرف مصدر الدعم الذي يصل للحوثيين. وطبعا أنا ضد الحرب والعنف ولكن تجيير الحرب على أنها إيرانية بغرض إلحاق الأذى بالزيدية.. النغمة هذه وراءها أياد تريد أن تلعب بالنار وما يجري هو لعبة كبيرة».(45/61)
…ويكشف رئيس مركز بدر العلمي، انه جرى اعتقال ثلاثة من منتسبيه في العاصمة صنعاء ونحو ثلاثين آخرين في محافظة حجة من قبل أجهزة الأمن، ويصف المعتقلين بأنهم «من المتنورين».
…ويشكو الصحافيون من شح في المعلومات بشأن الأوضاع في صعدة، ويقول المحامي خالد الآنسي، المدير التنفيذي للهيئة الوطنية للدفاع عن الحقوق والحريات «هود»، إن الطرفين (الحكومة والحوثيين) يتعاملون بنفس الأسلوب في التعتيم حول خسائرهما وما يدور هناك. ويؤكد في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن المنظمة لم تستطع حتى اللحظة الحصول على أرقام معينة لأعداد المعتقلين في ذمة الأحداث في صعدة. ويعيد ذلك إلى عدم استقرار تلك الأرقام، «فالاعتقالات لم تقتصر على محافظة صعدة، بل امتدت إلى محافظات أخرى»، على حد قوله.
…ويعتبر الآنسي أن أحداث صعدة بحاجة إلى «شفافية» بحيث يتم الكشف عن الكيفية التي نشأ فيها التيار الحوثي وكيف تسلح. كما يعتبر الحديث عن المسؤولية الخارجية «كلاما غير مسؤول لأنه لا بد من عوامل محلية للدور الخارجي». ويعلق المحامي والناشط الحقوقي على تفويض مجلس النواب اليمني ومجلس الشورى للحكومة بحسم الوضع في صعدة «بما يحفظ الأمن والاستقرار»، بالقول انه «تعامل مع الأمر الواقع حاليا لأنه لم يتم التعامل منذ البداية وفقا للدستور والقانون وترك الموضوع للقرارات العسكرية».
واشنطن وطهران تتنازعان المخابرات العراقية!
الملف - بغداد 7/3/2007
…كشف تقرير أمريكي أن صراعا خفيا يدور للسيطرة على المخابرات العراقية "الذي كما يبدو يشكل رهانا صعبا للإدارة الأمريكية، وبدأ يؤرقها".
…وقال التقرير الذي بثته شبكة سي أن أن أن إيران تسعى للسيطرة على وكالة الاستخبارات الوطنية العراقية "المخابرات"، الممولة بالكامل من قبل وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA وفق ما أكدته مصادر عسكرية وإستخباراتية، وليست ممولة من قبل الحكومة العراقية.(45/62)
…ومنذ الإطاحة بنظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، نشرت الـ CIA أكثر من 500 عنصر لها في العراق، وفق ما أكدته مصادر استخباراتية، ما جعل المنطقة الأكبر لعمليات وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية في العالم، حتى أن هذه العمليات هي أكبر من تلك التي كانت في سايغون إبان حرب فيتنام.
…ويكشف التقرير أن الإدارة الأمريكية هي من كان وراء تعيين محمد عبد الله الشهواني مديرا لوكالة الاستخبارات الوطنية العراقية.
…غير أن الأحوال تغيرت حاليا، ويبدو أن السيطرة الأمريكية على أجهزة الاستخبارات العراقية أصبحت مهددة. فقد حددت وثيقة صادرة عن وكالة الاستخبارات الوطنية العراقية برنامج عمل جديد لعالم الاستخبارات العراقي والعاملين فيه.
…وبموجب هذه الخطط فإن كل المعلومات الاستخبارية المجمّعة ستخضع لإشراف الحكومة المركزية العراقية الصديقة مع إيران. إلا أن مسؤولين عراقيين رفيعين يزعمون أن وكالة الاستخبارات الوطنية العراقية بعيدة عن سيطرة ونفوذ رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي، كما أن الشهواني هو محور تحقيق من قبل الحكومة العراقية لمزاعم غير محددة تتعلق بالفساد، كما أنه لم يشاهد في الأشهر الثلاثة الأخيرة.
…ونقل التقرير عن رئيس القائمة العراقية الوطنية الدكتور أياد علاوي، الذي وصفه بأنه أحد حلفاء واشنطن والذي رأس الحكومة العراقية المؤقتة، قوله "لا أعلم ما إذا كان ذلك هجوما ضد الاستخبارات الأمريكية، لكن لا شك أن ما يحصل هو هجوم سياسي ضد شهواني.
…يُذكر أن أحد أنداد الشهواني هو وزير الأمن الوطني العراقي شيران الوائلي، الذي يتفاخر بعلاقاته مع الإيرانيين، فيما ينأى بنفسه عن الأمريكيين.(45/63)
…وكشفت مصادر ذات طبيعة أمنية لـ "الملف نت" قبل شهور أن الائتلاف الحاكم الذي لا ينظر بعين الرضى إلى وجود الشهواني على رأس هذا الجهاز الأمني، يفكر بالإطاحة به. وتردد أن شخصية سياسية مقربة من الائتلاف يجري تلميعها ، بحيث تكون رأس الحربة لاختراق الدعم الأمريكي للشهواني، وتقديمها كبديل له. وقد أعدت ملفات فساد ضد الشهواني، من المنتظر تقديمها حال نضوج الظروف.
وسبق أن تمت تصفية العديد من عناصر الجهاز الوطنية.
…وتكشف مصادر الملف نت أن طهران تعتبر أن السيطرة على جهاز المخابرات الهدف رقم (1) لها في العراق. وتسيطر طهران وتتمتع بنفوذ في المليشيات الشيعية الدينية، وتنشر عناصر مخابراتها وأعضاء الحرس الثوري في جنوب العراق.
…وفي السنوات الثلاثة الأخيرة، توسعت وزارة الوائلي لتضم ثلاثة آلاف عنصر استخباراتي، كما يتوقع لها أن تتطور أكثر، وفق مصادر استخباراتية أمريكية. ما يعني أن جهاز الوائلي سيكون بديلا للمخابرات.
…وكان الوائلي صرح لشبكة CNN أن دور القوات المتعددة الجنسيات في العراق هو دور داعم لمسألة الأمن وأنه لدى وزارته علاقة جيدة معهم، مضيفا "إلا أننا لا نساوم ولا نتخذ طرفا مع أحد.. الأمريكيون يمنحونا دعما معنويا وليس دعما لوجيستيا."
…وأكد الوائلي أنه الشخص وراء قيام هذه الوزارة، التي بحسب تقارير أصبحت منظمة استخباراتية لم تكن واشنطن وحلفائها تتحسب لها.
…وأوضحت مصادر استخباراتية عراقية، أن الخطة الاستخباراتية الجديدة ستقدم قريبا للجمعية الوطنية العراقية (البرلمان) ما أن تنال موافقة المالكي.
…وكان لافتا الزيارة التي قام بها المالكي قبل أسابيع إلى جهاز المخابرات، ودعوته لضباطه للابتعاد عن الحزبية، قائلا أن من كان ولائه لغير العراق خائن. غير أن المالكي ومرافقيه المقربين من طهران، منعوا من دخول قسم إيران في جهاز المخابرات.(45/64)
…ويعتقد أن اغلب المعلومات الاستخبارية عن عملاء إيران في العراق التي وصلت القوات الامريكية وصلت عن طريق الجهاز.
وخلص تقرير سي ان ان إلى أن المساعي التي بذلتها الشبكة للوقوف على رأي قيادة الجيش الأمريكي ووكالات الاستخبارات الأمريكية في هذا الشأن قد باءت بالفشل.
تنامي الدور الإيراني سببه العرب والأمريكيون
خالد الدخيّل – فوربز العربية / 3/2007
إدارة بوش مضطرة إلى مواجهة تداعيات فشل حربها على العراق، أبرز وأخطر هذه التداعيات في العراق نفسه: اندلاع حرب أهلية غير معلنة على أسس طائفية، وفشل ظهور حكومة وحدة وطنية مؤهلة لمعالجة الموقف المتدهور هناك. تنامت بشكل متواصل معارضة محلية ودولية لهذه الحرب، كان من نتيجتها خسارة حزب الرئيس بوش الجمهوري في انتخابات الكونجرس الأخيرة. لكن أهم تداعيات الحرب الأمريكية على العراق، هو تنامي الدور الإيراني في منطقة الخليج العربي، وعلى امتداد المشرق العربي كله، حيث وجدت إدارة بوش نفسها وجهاً إلى وجه أمام هذا التطور الذي تعتبره مصدر تهديد للمصالح الأمريكية. المفارقة أن مكاسب إيران المتمثلة في تنامي دورها لم يكن إلا نتيجة مباشرة للحرب الأمريكية على العراق. بفضل هذه الحرب اكتسب الوجود الإيراني في لبنان وسورية ثقلاً وتأثيراً لافتين. وبدرجة أكبر امتد هذا الوجود إلى العراق، وهو تحت الاحتلال الأمريكي، بعبارة أخرى، الفشل الأمريكي في العراق هو نجاح إيراني باهر ومجاني.(45/65)
كيف يمكن تحليل هذه العلاقة بين فشل الحرب الأمريكية في العراق، وتنامي الدور الإيراني في المنطقة؟ المسألة المركزية هنا هي ضعف أو إضعاف الدول العربية الحليفة للولايات المتحدة. لا يبدو أن الأخيرة تأخذ المصالح الإقليمية الاستراتيجية لحلفائها العرب بعين الاعتبار في سياستها تجاه الشرق الأوسط. هي معنية باستقرار هذه الدول داخل حدودها، ترتكز السياسة الأمريكية على التحالف مع هؤلاء العرب، وإسرائيل. لكن هذين الطرفين في حالة صراع. والولايات المتحدة في هذه المرحلة ليست معنية بشكل جاد بالتوصل إلى حل لهذا الصراع. بدلاً عن ذلك تتبنى واشنطن بشكل كامل المصالح والأهداف الإسرائيلية في المنطقة، ضد مصالح حلفائها العرب، آخر المؤشرات على ذلك أن المحافظين الجدد ـ أو حلفاء الدولة العبرية في واشنطن ـ تفوقوا على حلفاء أمريكا الإقليميين وأقنعوا إدارة بوش بغزو العراق. ما يعني أن تأثير الحلفاء العرب في السياسة الأمريكية تجاه المنطقة محدود، حتى عندما تصطدم تلك السياسة مع مصالحهم. أول ضحايا هذه المعادلة كان الدور المصري الذي ضعف وتضاءل أخيراً إلى درجة غير مسبوقة في التاريخ الحديث. أوكلت إلى مصر مهمة ضبط الفلسطينيين، وتوفير غطاء عربي للتنازلات المطلوبة منهم. أصبح الدور المصري لا يتجاوز الوساطة بين فتح وإسرائيل، والآن بين حماس وإسرائيل، ثم بين حماس وفتح، وفي كل ذلك لم تتمكن مصر من تحقيق أي تقدم في أي من تلك الوساطات.
الضعف العربي أوجد فراغاً في المنطقة، وهو ضعف لم يكن جديداً تماماً. لكن جاء الفشل الأمريكي الكارثي في العراق فبرز المأزق الأمريكي إلى جانب الضعف العربي، هذه فرصة تاريخية أمام إيران لتوسع من دورها، وتمد نفوذها.(45/66)
الدور الإيراني في هذه الحالة ليس نابعاً تماماً من تغير في طبيعة الدولة الإيرانية، أو نتيجة لنمو ملموس في قدرات إيران السياسية والاقتصادية، بقدر ما هو نتيجة طبيعية لفشل الآخرين. السؤال: ما هي معالم الفشل الأمريكي؟ وكيف جاءت نتيجته لمصلحة الدور الإيراني تحديداً؟
أولاً: بعد سقوط العراق تحت الاحتلال، استبعدت إدارة بوش تحت تأثير أحداث سبتمبر، أي دور عربي، وخصوصاً الدور السعودي.
ثانياً: أنها كقوة احتلال استبعدت السنة وعقدت تحالفاً مع القوى الشيعية والكردية، وسلمتهما السلطة تحت سيطرتها.
ثالثاً: أن القوات الأمريكية المحتلة لم تكتفِ بحل النظام السياسي السابق، بل حلت الدولة بكاملها من خلال حل الجيش والمؤسسات الأمنية، في كل ذلك تكون إدارة بوش قد أجهزت على أهم وأخطر خصم لإيران، أو النظام العراقي السابق، وقبله كانت قد قضت على خصم آخر، وهو نظام طالبان في أفغانستان. تحالف إدارة بوش مع المجلس الأعلى للثورة في العراق، وحزب الدعوة العراقي، هو تحالف مع حلفاء إيران، بل إن نشأة المجلس الأعلى للثورة كانت في طهران، وكانت كوادره تتلقى تدريبها على يد الإيرانيين، حتى أحمد الجلبي، الذي كان مقرباً من وزير الدفاع الأمريكي السابق دونالد رامسفيلد.
اتضح أن علاقته مع الإيرانيين وطيدة. وهذا يعني أن السياسة الأمريكية تجاه عراق صدام حسين لم تخلص طهران من أقوى خصومها في المنطقة وحسب، بل جاءت بحلفاء ورجال طهران إلى الحكم في بغداد. بعبارةٍ أخرى، نقلت إدارة بوش العراق من كونه ألد خصوم إيران على مدى قرون، ليصبح أهم حلفائها في المنطقة، أحد أهداف إدارة بوش من غزو العراق كان إضعاف هذا البلد، وإخراجه من الصراع العربي ـ الإسرائيلي.(45/67)
لكن ما تحقق هو أن إيران أصبحت من أقوى دول المنطقة. على مدى التاريخ كان العراق البوابة الشرقية للعالم العربي أمام النفوذ الإيراني، بعد الغزو الأمريكي، تحول العراق إلى بوابة غربية لامتداد النفوذ الإيراني في المنطقة كيف يمكن تفسير ذلك؟
يقال إن قناعة إدارة بوش كانت، وربما لا تزال، بان إسقاطها لنظام صدام حسين، وتسليم الحكم لقوى المعارضة العراقية كاف لتخلي هذه القوى عن تحالفها مع طهران لمصلحة تحالف جديد مع واشنطن وحتى الآن ليس هناك ما يؤشر إلى حدوث مثل هذه الانعطافة، فعلاقة حلفاء واشنطن من القوى الشيعية مع إيران لا تزال كما كانت عليه قبل الغزو الأمريكي للعراق، بل إن هذه القوى تنجه إلى الاحتفاظ بهذه العلاقة.
قال رئيس الوزراء العراقي. نوري المالكي، أخيراً إن موقف واشنطن من دول الجوار غير ملزم لبغداد. من ناحية أخرى، هناك من يقول إن تطورات الوضع في العراق، وعلى مستوى المنطقة ككل يجعل من احتمال تفاهم الولايات المتحدة وإيران، خصوصاً في ما يتعلق بالبرنامج النووي للأخيرة، وارداً كما هو احتمال المواجهة العسكرية بينهما.
أفضى الاحتلال الأمريكي للعراق إلى إضعاف حلفاء أمريكا العرب، ليس فقط في الخليج العربي، بل في بقية العالم العربي. لم يأتِ الاحتلال بلبن الديموقراطية، بل فجر الصراعات الإثنية والمذهبية في هذا البلد، ودفعه إلى منزلق حرب أهلية، ولا يقل سوءاً عن ذلك، أن الغزو الأمريكي جعل من تقسيم العراق خياراً مطروحاً للخروج من المأزق، وهو ما يؤكده التقرير الأخير للاستخبارات الأمريكية.
المذهل أن الأمريكيين لم يأتوا إلى العراق إلا بآلتهم التدميرية فقط، لا يملكون خطةٌ للبقاء، ولا خطة للخروج، ولا خطة لإعادة بناء الدولة على أسس تحفظ للعراق أمنه ووحدته واستقراره، والنتيجة انهيار أحد أعمدة النظام الإقليمي العربي، وتحوله إلى مصدر تهديد للمنطقة بشبح انتشار الطائفية، وبمخاطر التقسيم المدمرة.(45/68)
المدهش أيضاً طلب الإدارة من السعودية ومصر، عدم التدخل في العراق، تحت ذريعة أن هذا التدخل سيفاقم من التوتر الطائفي والإثني. يبدو هذا الموقف الأمريكي استجابة لرغبة حكام العراق الجدد. في مقابل ذلك فشلت إدارة بوش في مراقبة قنوات التدخل الإيراني، ما حدا بوزير الخارجية السعودي، الأمير سعود الفيصل، إلى اتهام الإدارة بتسليم العراق لإيران.
عدم التدخل السعودي تحديداً فاقم من اختلال التوازن في المشهد السياسي العراقي، فالقوى الشيعية تتمتع بدعم وحماية الأمريكيين والإيرانيين، والقوى الكردية تحت حماية ودعم الأمريكيين. في المقابل بقي السنة معلقين في الهواء من دون أي دعم أو حماية، لا من الداخل ولا من الخارج، الأسوأ من ذلك أنه أصبح ينظر إلى السنة على أنهم يجب أن يدفعوا ثمن جرائم حكم صدام حسين، على اعتبار أنه كان حكم الطائفة السنية، وكان من الطبيعي أن تنفجر في ظل هذا الوضع أعمال المقاومة والعنف في العراق.
نتائج الحرب الأمريكية على العراق واضحة إسقاط نظام صدام واستبدال حلفاء طهران بنظامه، وإضعاف العراق، ومعه حلفاء أمريكا في المنطقة، ترتب على ذلك انقلاب في توازنات القوة في الخليج العربي بشكل صارخ لمصلحة إيران، الأمر الذي كان من الطبيعي أن يترتب عليه تنامي الدور الإيراني، كان العراق قوة توازن مع إيران في المنطقة، بخروجه من هذه المعادلة أصبحت إيران هي الطرف الأقوى فيها.…كانت السياسة الأمريكية حتى نهاية عهد إدارة بيل كلينتون الديموقراطية تقوم على أساس الاحتواء المزدوج لكل من العراق وإيران. ثم جاءت إدارة بوش لتنقلب على هذه السياسة، وتنشر الفوضى في المنطقة. وهذا لا يمكن وصفه إلا بواحد من اثنين: إما أنها تعبير عن فشل سياسي مدمر، أو تعبير حقيقي عما يسمى في واشنطن بـ "سياسة الفوضى الخلافة". السؤال: "سياسة خلاقة" بالنسبة إلى من؟ إلى إسرائيل؟ أم إلى واشنطن؟ أم إلى كليهما معاً؟(45/69)
من ناحيتها أدركت إيران فائدتها السياسية من فشل الأمريكيين والعرب، خصوصاً لناحية تعزيز دورها في المنطقة. وحيث إن طبيعة تنامي دور إيران في هذه اللحظة هو نتيجة لفشل الآخرين أكثر منه انعكاساً لتنامي قدراتها الذاتية، تعمل القيادة الإيرانية على قلب المعادلة، من خلال تطوير هذه القدرات، حيث تصبح المصدر الأول لتعزيز هذا الدور، وبما يجعل منه جزءاً طبيعياً من توازنات القوة في المنطقة. أي إن إيران تطمح لأن تجعل من دورها الجديد شيئاً مكملاٌ للخريطة السياسية وتوازناتها التي ترتسم حالياً في منطقة الخليج العربي. وفي هذا الإطار تحديداً، تأتي الأهمية الحيوية للبرنامج النووي بالنسبة إلى طهران، وإصرارها على سرعة استكمال هذا البرنامج، بعبارةٍ أخرى، الاحتلال الأمريكي للعراق قلب البيئة الاستراتيجية في المنطقة لمصلحة الدور الإيراني، وجعل من السلاح النووي بالنسبة إلى طهران خياراً لا يمكن التخلي عنه لحماية وتعزيز هذا الدور. فالحزام العسكري الأمريكي المحيط بإيران يشكل تهديداً لهذا الدور. وهو حزام يمتد من قاعدة غارسيا العسكرية في المحيط الهندي جنوباً، مروراً بالأسطول الأمريكي في الخليج والقواعد الأمريكية في قطر والعراق. إلى قاعدة إنجيرليك في تركيا شمالاً، والعراق هو العمق الإستراتيجي الوحيد المتوافر لإيران.
وتحوله من خصم لدود طوال القرون الماضية إلى حلف هو تطور لا يمكن لإيران التفريط فيه. لمواجهة الحزام العسكري الأمريكي، وللمحافظة على عراق حليف، يتطلب أن تكون لإيران قوة عسكرية رادعة، وهذا غير ممكن من دون سلاح نووي، هنا تبدي قمة فشل الغزو الأمريكي الذي جاء لمنع العراق من تطوير سلاح نووي، فإذا به يمهد لتوسع نفوذ إيران، ويواجه برنامجها النووي، ويدفع بالعراق إلى أن يكون الحليف الذي لم تحلم به طهران من قبل.
رفسنجاني يطالب مجلس الخبراء بتعيين مرشد جديد للثورة قبل وقوع الواقعة ..(45/70)
"مرض خامنئي" يفجر صراعا مريرا بين أركان السلطة على "الولاية"
أحمد الدليمي - "المجلة" 25/2/ 2007
فاجأ هاشمي رفسنجاني، الشخص الثاني في النظام السياسي الإيراني ومراجع قم، الجمهور بعد أن أعلن أمام الملأ أن الأمور ليست على ما يرام في إيران وعلى مجلس الخبراء أن يعين خليفة لـ (المرشد خامنئي) قبل أن يفاجأ بـ (الحادث) كما حصل بعد وفاة الخميني.
وقال رفسنجاني في تصريحات مثيرة في مدينة قم (إن دراسة انتخاب الخليفة عملية صعبة إلا أن ذلك لا يعفي مجلس الخبراء من القيام بالعمل وإن القيام بهذا العمل في الظرف الراهن أفضل من أوقات أخرى).
وكانت شخصيات سياسية مقربة من خامنئي قد انتقدت زيارة رفسنجاني إلى قم، واعتبرت (التوقيت) غير مناسب وذلك بسبب الاستعدادات التي تجري في البلاد لإقامة المسيرات والاحتفال بالذكرى (28) للثورة: أنصار الرئيس أحمدي نجاد واصلوا الهجوم على رفسنجاني حيث كتبت فاطمة رجبي، زوجة رئيس مكتب الرئيس أحمدي نجاد، سلسلة من المقالات هاجمت فيها الزيارة وأهداف توقيتها، وسخرت رجبي في تعليقات لإذعة من أحاديث رفسنجاني وزيارته قم رغم تأجيلها أكثر من مرة.
وإذا كانت جماعات أحمدي نجاد قد هاجمت رفسنجاني فإن الأخير لم يسلم أيضاً من هجوم قام به المرشد خامنئي بنفسه عندما انضم إلى جبهة نجاد في التقليل من حجم التهويلات المعادية والتقليل من قيمة التهديدات الأمريكية، فقد أكد خامنئي (يدعي البعض أنه لا ينبغي التقليل من حجم التصريحات المعادية لكننا نقول إن كلامه صحيح ولكن لا ينبغي وأنت تحذر من ذلك أن تتجاهل قوة الشعب) وكان ذلك رداً على الثلاثي (رفسنجاني وخاتمي وكروبي).(45/71)
الذين اتفقوا قبل أيام على اعتبار أن ما يصرح به الرئيس نجاد من التقليل من حجم التهديدات الأمريكية غير صحيح، وتأسيسا على ذلك فإن ما قام به رفسنجاني من زيارة إلى قم لها دلالات كثيرة، فالرجل الذي يعد من أكثر الشخصيات المقربة لمؤسس الثورة الإمام الخميني يسعى إلى نيل (رضا المراجع في قم والمعروف أن النظام السياسي في إيران يتكئ في بنائه السياسي على المرجعية الدينية في قم؛ وتحتل قم مساحة مهمة في تنظيم أجندة السياسة الإيرانية بل إن المدينة هي (صانعة القرار السياسي وأهله في إيران).
على أن رفسنجاني الذي وصل إلى قم ويحمل في جعبته ملفات متعددة يسعى خلال هذه الأيام إلى حسم تلك الملفات ومن أهمها موضوع انتخاب الخليفة لـ (خامنئي) حيث إنه يعتقد أن مرض خامنئي قد يفاجئ الجميع بحدوث زلزال، وتلافيا لذلك فالمصلحة تتطلب وضع البديل من الآن تحسباً لأي طارئ على أن ما يصرح به رفسنجاني لا يعني موافقة النخب الأخرى خاصة الحرس الثوري وجنرالاته الذين يعيشون حالات من عدم التفاهم مع رفسنجاني ويعتقدون أن إثارة مثل تلك المواضيع من شأنها تقديم خدمات للأعداء).
وإلى جانب رجالات الحرس فإن هناك شخصيات دينية في قم لا تميل إلى رفسنجاني وتعتقد بضرورة طرح شخصيات تمتلك (علمية أكبر ويقف الشيخ مصباح اليزدي الموقف المعارض لطروحات رفسنجاني خاصة في (قراءاته لولاية الفقيه المطلقة) وهذا المبدأ شكل خلافا أساسيا ما بين رفسنجاني والجماعات الدينية التي تؤمن بولاية الفقيه المطلقة.(45/72)
على أن رفسنجاني يسعى إلى تهذيب المبدأ والتقليل من صلاحية (ولاية الفقه) وليس إلغاء الكل وإلى جانب العلماء فإن رفسنجاني يعيش صراعا مريرا مع النخب السياسية للجيل الثالث ومن أبرزهم الرئيس أحمدي نجاد الذي اشتدت معه حدة المواجهات على خلفية انتقاد الشيخ هاشمي رفسنجاني أحمدي نجاد أكثر من مرة تارة من على منبر الجمعة في طهران وتارة أخرى من خلال اللقاءات مع المسؤولين بسبب عملية العزل والتطهير بحق أنصار رفسنجاني وخاتمي.
وقال رفسنجاني أخيراً من على من منبر الجمعة، أن تلك الأساليب والأعمال تمثل (ايدز النظام) أي بمعنى (حقن السم في جسد النظام) وقال: لا ينبغي أن تذهب تلك القدرات والكوادر المهمة للثورة ضحية شعار حزبي للحكومة ولا ينبغي تطيهرها من وظائفها. إن الإمام الخميني لم ينظر إلى الأمور في بداية الثورة بهذا المنظار، وربط رفسنجاني عمليات التطهير للرئيس نجاد بأنها تتطابق مع أجندة العدو حيث قال (إن العدو يسعى إلى بذر التفرقة بين الشعب وإن تلك الأساليب يتطلع إليها الأعداء وينبغي الوقوف ضدها وعدم السماح لها).
وكانت حكومة نجاد قد قامت بعمليات لعزل المحافظين السابقين ومسؤولين في البنوك والمناصب الحساسة وكان الأفراد قد شغلوا تلك المناصب منذ عهد رفسنجاني، ويطمح الرئيس نجاد إلى عزل المسؤولين كافة الذين مضت عليهم فترة طويلة والذين لا يؤمنون بنهجه.
وكانت شائعات قد سرت بأن البرلمان ينوي طرح مشروع لاستجواب وزير الداخلية بسبب عزله لأنصار خاتمي ورفسنجاني من مناصب المحافظات والأقضية، كما انتقد رفسنجاني الأوضاع السياسية.(45/73)
وقال: إن الظروف وبعكس ما يروج لها الإخوة غير طبيعية، الأوضاع المحيطة بإيران خطيرة ويجب على الحكومة العودة إلى الشعب وإلى جميع عناصر النظام لأجل التشاور كما يجب أن نهيئ المستلزمات كافة في مقابل ما يقوم به الأعداء وأن ما يقال من حرب نفسية قد ترك تداعيات على الأوضاع الداخلية في البلاد، فهناك ضعف في الإنتاج والشعب قد وقع تحت تأثير الدعايات الحربية ويجب أن نهيئ إمكانيات للشعب.
كما انتقد هاشمي رفسنجاني الشخص الثاني في النظام السياسي الإيراني، سياسات أحمدي نجاد الداخلية ووصفها بأنها بدلا من أن تقضي على الفقر بل ساعدت على نشر الفقر في جميع أرجاء البلاد وقال رفسنجاني أمام عدد من المسؤولين في مؤسسة الإمام الخميني (إن التصدق على الفقراء وتوزيع الغذاء عليهم لا يعني الوصول إلى العدالة والقضاء على الفقر والبطالة) وأضاف رفسنجاني في أول رد على الشعارات التي رفعتها حكومة نجاد والتي حملت اسم تطبيق العدالة).
إن موضوع القضاء على الفقر يحتاج إلى سياسة حكيمة تتمثل في توسيع صلاحية القطاع الخاص وشراء الحكومة لبعض المعامل والتعامل بشفافية مع القطاعات الخاصة والاكتفاء الذاتي، وكانت العلاقة قد ساءت بين الرجلين بعد انتخاب أحمدي نجاد رئيسا للبلاد حيث ما زال رفسنجاني يعتقد أن نجاد وصل بالتزوير للحكم، وفي مقابل ذلك امتنع نجاد من الحضور إلى جلسات مجمع تشخيص مصلحة النظام وبقي كرسيه شاغراً طيلة الفترة الماضية أي منذ عام ونجاد لا يحضر جلسات المجمع بحجة السفر إلى المحافظات وهي سياسة ينتقدها رفسنجاني لأنه يعتبرها عبوراً للخطة العشرينية للبلاد، والمعروف أن نجاد في كل زيارة للمدن يتبرع بأموال من الموازنة للحكومة.(45/74)
وخاطب رفسنجاني نجاد بقوله (إن موضوع الفقر لا يتعلق بإيران فقط وإنما نجد ذلك حتى في الدول الكبرى)، انتقادات رفسنجاني للحكومة تأتي في إطار الحرب النفسية بينه وبين غريمه نجاد والتي أشعلت الحرب منذ وصول الرئيس نجاد إلى الحكومة حيث شكك رفسنجاني قبل عام في الانتخابات وقال (أشكو أمري لله)، ومنذ ذلك التاريخ لم تسلم خطبة من خطب طهران لرفسنجاني من توجيه أسهم النقد للرئيس نجاد الذي نأى بنفسه عن حضور جلسات المجمع الذي يشرف عليه رفسنجاني واستخدام أسلوب الزيارات الميدانية للمدن، وتوجيه الانتقادات لرفسنجاني وأنصاره من منابر المحافظات، على أن الرئيس نجاد لم يفتح النار في خطاباته على رفسنجاني فحسب بل على جميع خصومه من المحافظين والإصلاحيين ولم يسلم خاتمي من انتقادات نجاد. خبراء إيرانيون أكدوا أن الصراع بين رفسنجاني وأحمدي نجاد ليس صراعاً شخصياً بل يكشف للعالم أن هناك صراعا بين مؤسستين تحكمان إيران وهما مؤسسة المتشددين برئاسة خامنئي ومؤسسة المعتدلين بقيادة رفسنجاني.
ويواصل نجاد معاركه مع رفسنجاني في مختلف الجبهات بمساندة الحرس الثوري و(البسيج) بينما يواصل رفسنجاني معاركة الداهية من داخل مؤسسات الحكومة لأجل إسقاطها، وعندما شعر نجاد بثمة أخطبوط يتحرك داخل مؤسساته ويسعى إلى ابتلاع الحكومة، قام بعمليات تصفية لأنصار رفسنجاني، وهي العمليات التي جعلت رفسنجاني يعيش في جزيرة معزولة داخل النظام.
ويضيف الخبراء لـ (المجلة) (إن رفسنجاني سينتصر في معركة كسر العظم مع أحمدي نجاد وهناك تحركات في الحوزة لأجل تهيئة الأمور لرفسنجاني كخليفة لخامنئي بعد إشاعات مرضه)، وقال أحمد محمدي، باحث إيراني لـ (المجلة): إن هدف زيارة رفسنجاني هو حصول دعم المراجع لخلافته كبديل لعلي خامنئي بعد رحيله ولما كانت السياقات الفقهية في إيران تتطلب من رفسنجاني أن يكون فقيها (آية الله) فإن رفسنجاني تمكن من الحصول على إجازة اجتهاد).(45/75)
على أن زيارة رفسنجاني إلى قم جوبهت بانتقادات من قبل أنصار الرئيس أحمدي نجاد وبعض المراجع الذين يدعمون نجاد أمثال المرجع مصباح اليزدي، وكانت الكاتبة فاطمة رجبي زوجة رئيس مكتب الرئيس أحمدي نجاد، قد وجهت مقالا تحذيريا للشيخ هاشمي رفسنجاني على موقعها الخاص، وكانت الكاتبة المذكورة قد وجهت خلال أيام انتقادات لاذعة لتصريحات هاشمي رفسنجاني واتهمته بـ (تبديد ثروة بيت المال).
ورغم قيام جبهة رفسنجاني بتنظيم حملة مضادة ضد فاطمة رجبي إلا أن الأخيرة قامت اليوم بكتابة مقال هاجمت فيه الزيارة التي قام بها الشيخ رفسنجاني إلى قم، سخرت الكاتبة من المانشيت الذي جاء في صحيفة (جمهوري) التابعة لأنصار الشيخ رفسنجاني الذي جاء تحت عنوان (رفسنجاني ضيف على مدينة قم يوم 8 فبراير) وتساءلت الكابتة قائلة: لا ندري لماذا كثرت زيارات رفسنجاني خلال عهد الرئيس نجاد؟… …وقالت: إن رفسنجاني وعادل وخاتمي يكثرون هذه الأيام من زياراتهم إلى المدن وتظاهرون بالمحبة للناس غيرة من الزيارات التي يقوم بها الرئيس أحمدي نجاد إلى المدن، واتهمت رجبي رفسنجاني بتبديد ثروات الشعب وتأسيس المافيات التجارية في البلاد وتعليق الأنشطة النووية.
وقالت: نحن لا ندري ماذا يفعل رفسنجاني في قم؟ ماذا يقول للمرجع؟ وأضافت (ربما سيتحدث لهم عما تحدث فيه في خطبة الجمعة التي أقلق بها الناس من قيام عمليات هجومية قريبة على إيران) وانتقدت رجبي في هجوم لاذ على الصداقة بين رفسنجاني وخاتمي والتي تعززت بعد فوز أحمدي نجاد على حد تعبيرها.(45/76)
وقد ازدادت المخاوف لدى الأوساط السياسية الداخلية المناهضة لرفسنجاني من تلك الزيارة ولاسيما أن هاشمي رفسنجاني قد حاز على أغلبية الأصوات في الانتخابات، وأن تلك الأصوات قد منحته ثقلاً استثنائيا في الشارع الإيراني، فلقد حقق تيار المعتدلين في إيران برئاسة رفسنجاني فوزا كاسحا على المتشددين في انتخابات البلدية، وتقول النتائج إن تيار رفسنجاني حصد (80%) بالائتلاف مع الإصلاحيين، في المقابل لم يحصل تيار الرئيس نجاد على نسبة تؤهله للدخول في قيادة المجالس، وكان أنصار الرئيس نجاد يطمحون إلى السيطرة على البلديات لإقصاء مدير البلديات محمد باقر قاليباف المقرب من رفسنجاني.
وقد اتهمت جبهة رفسنجاني الحكومة لأجل التلاعب في نتائج الانتخابات وبعثت برسائل إلى المرشد خامنئي رئيس البرلمان ورئيس القضاء، وبحسب المعلومات فإن عددا من أعضاء جبهة الإصلاحات نظموا جلسة مع الشيخ رفسنجاني وطالبوه بالتدخل لتنظيم جبهة قوية ضد جهة نجاد وخامنئي وتمشيا مع نداءات أنصاره واصل الشيخ هاشمي رفسنجاني انتقاداته للرئيس نجاد ولم يتوان لحظة عن انتقاد جميع مشاريع حكومة الرئيس نجاد خاصة في مجال السياسة الخارجية والشأن النووي والقضية الاقتصادية. وبسبب الانتقادات ظهرت على السطح جبهة مؤلفة من الثلاثي (رفسنجاني ـ خاتمي ـ كروبي).
إن الثلاثي يعتقد أن الأوضاع المتشنجة في البلاد تدعو للوحدة ولتشكيل فريق لإنقاذ البلاد، ولذلك بدأت الاستعدادات مبكرة للانتخابات الرئاسية في ظل انخفاض واضح لشعبية أحمدي نجاد في الشارع الإيراني)، فقد دعا مجيد أنصاري النائب السابق لرئيس خاتمي الحكومة الإيرانية إلى إشراك جميع النخب السياسية في التطورات السياسية الداخلية والخارجية.(45/77)
وحذر أنصاري من تصاعد وتوتر الأزمة بين إيران والغرب وقال في تصريح لـ (المجلة) (لا أحد يستطيع تغطية المشاكل الداخلية وتلك الأزمة الساخنة وأن التصريحات للأصدقاء هي خلاف الواقع، هناك أزمة وهناك أساطيل تتحرك في المنطقة وتحشد بهدف تطبيق الشرق الأوسط الكبير).
وشدد أنصاري على أن أمريكا استخدمت الملف النووي ذريعة لضرب إيران وإن تلك الدولة الشريرة إضافة إلى إسرائيل تنويان تدمير إيران في المنطقة) وأضاف أن ذلك هو الهدف الاستراتيجي لأمريكا منذ 27 عاما، وأكد أنصاري أن هناك جلسة عقدت في منزل الشيخ كروبي حيث عبر فيها أغلب المسؤولين السابقين عن استيائهم من الأوضاع السائدة وقلقهم من المستقبل.
وقال (إن هؤلاء السياسيين اجتمعوا في السابق مع خاتمي وهاشمي رفسنجاني وينوون كتابة رسالة إلى المرشد خامنئي حول تصرفات الحكومة ومآل الأمور في إيران).
وقال: إنني أفضل أن تكتب تلك الأفكار إضافة إلى آراء سياسيين آخرين حول التطورات الداخلية، وقلق الشارع الإيراني من تداعيات نهج الحكومة في تعامله مع الغرب إلى المرشد خامنئي، من جانبه تساءل منتجب نيا الأمين العام لجبهة الإصلاحات في حديث لـ (المجلة) عن الأسباب التي تجعل الرئيس نجاد لا يشعر بالقلق رغم أن الجميع يعيشون في بحر القلق؟
وقال: (يجب أن تكون هناك مباحثات بين النخب من كل الطوائف قبل فوات الأوان) وأضاف: (إن هناك قلقا قد تملك الجميع من إدخال البلاد في دوامة العنف والحرب والحصار).(45/78)
وأخيراً، فإن التململ من ممارسات حكومة الرئيس نجاد وعدم التوفيق للوصول إلى أهدافها هي التي جعلت من رفسنجاني يعجل بالذهاب إلى قم لأجل الحصول على صك الاعتراف بقيادته كخليفة لخامنئي خوفا من ظهور شخصيات تحظى بمقبولية خامنئي كنجاد، على أن (التنافس حول الغنائم ما بعد خامنئي قد يتحول إلى معارك ودماء، وكما قيل فإن (الملك عقوق) وإن السلطة في إيران لها أكثر من مغر وأكثر من طامع، والعملية قد لا تحسم بين ليلة وضحاها كما حدث للخميني، لأن دنيا السياسة في إيران قد اتخذت بعد الخميني مشارب وطوائف وكل فئة تدعي أن لها حق الولاية.
إن الطريق إلى كرسي الولاية ليس مفروشا بالورد بل حافل بالألغام (وهكذا يصور كاتب إيراني للمجلة) ويقول إن الخوف على السلطة قد يشجع آخرين لتنظيم عمليات قتل). إن مشهد الذهاب إلى قم للتفكير بتقسيم الإرث الخميني مع وجود خامنئي على قيد الحياة قد أحزن بلا شك خامنئي الذي يشاهد بأم عينيه ذلك التكالب والصراع على مسرح الحياة في إيران.
وقد عجل بالرجل لحسم الأمر بنفسه من خلال ترشيح شخص يفاجئ به الجمهور ولكن قد تصطدم تلك الأحلام بجدران صلدة، لأن كل المعطيات تحتم على خامنئي وأنصاره القبول بتجاه البوصلة الذي يشير إلى رفسنجاني، وهذا الشخص حاز على جميع المؤهلات وذهابه إلى قم دليل قوي على مبايعة المراجع كخليفة لخامنئي، وبهذه الخطة الاستباقية يتمكن رفسنجاني من أكل الخصوم قبل أن يتعشوا به، وخرب كل قواعد اللعبة ونسف كل الأحلام لأنه تمكن من أخذ تواقيع المراجع وتأييدهم له قبل فوات الأوان.
ماذا يجري في بلوشستان الإيرانية؟
د. عبدالله المدني*
شفاف الشرق الاوسط 25/2007(45/79)
…تعود بلوشستان مرة أخرى إلى واجهة الأحداث، لكن هذه المرة عبر جزئها الواقع في إيران والمعروف بإقليم سيستان. هذا الجزء الذي لم يحظ باهتمام إعلامي مساو لما حظيت به بلوشستان الباكستانية في السنوات الأخيرة بسبب ما يقال عن تعتيم إيراني متعمد على أوضاعها.
…فمنذ منتصف فبراير الجاري صار اسمها يتردد في نشرات الأخبار و التعليقات على خلفية قيام جماعة تطلق على نفسها اسم "جند الله" بتفجير حافلة عسكرية في زاهدان عاصمة الإقليم المذكور، الأمر الذي أدى إلى مقتل 11 وإصابة 31 فردا من أفراد الحرس الثوري الإيراني. غير أن هذه الحادثة لم تكن سوى الأخيرة في سلسلة حوادث مماثلة بدأت تقلق مضاجع طهران منذ أكثر من عامين.
…ففي يناير 2006 قامت الجماعة بنشر شريط فيديو عن تنفيذها حكم الإعدام في ضابط مخابرات إيراني يدعى شهاب منصوري من بعد أسره مع تسعة من رفاقه بالقرب من الحدود الإيرانية الباكستانية. وفي مارس من العام نفسه نصبت كمينا للحرس الثوري الإيراني و نجحت في قتل 26 وإصابة 12 منهم. وبعد ذلك بشهرين قالت الجماعة أنها قتلت 12 فرداً على الطريق الموصل ما بين مدينتي كرمان وبام.
…إلى ذلك أعلنت الجماعة في وقت سابق عن مسئوليتها عن اسر فريق من رجال المخابرات الإيرانية كانوا مسافرين ضمن قافلة عسكرية من بينهم ضابط في قوات الباسيج شبه العسكرية يدعى احمد شيخي وضابط شرطة يدعى أمير هاراتي، وطالبت بإطلاق سراح عدد من أعضائها المعتقلين في السجون الإيرانية مقابل إطلاق سراح هؤلاء.
و يذكر أن كلا من إسلام آباد و طهران أعلنتا أنهما تتعاونان ضد ميليشيات بلوشية على جانبي الحدود المشتركة في مناطق يغلب عليها الطابع القبلي و ظلت بعيدة تقليديا عن هيمنة السلطة المركزية، واصفتين العملية بأنها ضد عصابات تتاجر في المخدرات الأفغانية.(45/80)
…وبطبيعة الحال فان بين القبائل البلوشية من يتاجر بالمخدرات باعتراف جماعة جند الله، غير أن تعاون البلدين يبدو انه يستهدف، كما كان الحال في ظل كل أنظمتهما المتعاقبة، كبح جماح التطلعات القومية البلوشية التي اعتبرت على الدوام تهديدا لوحدتهما و استقرارهما.
…ويمكن القول أن تزايد تعاونهما في السنوات الأخيرة له علاقة بمشروع لمد خط أنابيب الغاز من إيران إلى الهند عبر باكستان و الذي يمر الجزء الأكبر منه في أراضي بلوشستان الكبرى ويلقى معارضة من مواطني الأخيرة بحجة انه لن يعود عليهم بأي نفع.
…لا شك أن هذه التطورات غير المسبوقة هي مؤشر إلى وجود تمرد آخذ في الازدياد في بلوشستان الإيرانية التي تعد الأفقر والأكثر إهمالاً وتخلفا في إيران، رغم لجوء طهران إلى النفي المتكرر.
…فالأخيرة لئن عمدت إلى إلقاء مسئولية هذه الحوادث في البداية على جماعات تتاجر بالمخدرات، فإنها سرعان ما عادت لتقول أنها من عمل المرتبطين بالقاعدة ونظام طالبان الأفغاني المدحور مع توجيه أصابع الاتهام إلى المخابرات الأمريكية والبريطانية التي بحسب زعمها تستغل العوامل القومية والمذهبية لتجنيد البلوش الموالين للتنظيمين المذكورين و دعمهم بالمال والسلاح للإخلال بأمن و وحدة إيران، لكن دون أن تفسر لنا كيف تدعم واشنطون و لندن جماعات إرهابية أصولية هما في حالة حرب معها.(45/81)
…لا توجد إحصائيات ديموغرافية دقيقة يعتد بها لجهة التقسيمات القومية و المذهبية للشعب الإيراني، وبالتالي فمثلما يصعب التوصل إلى العدد الصحيح للقوميات الآذرية و العربية والكردية و التركمانية فانه من الصعب معرفة عدد بلوش إيران. لكن التقديرات تشير إلى وجود ما بين 10 – 15 مليون بلوشي موزعين على إيران و باكستان و أفغانستان، وأن عددهم في إيران قد يصل في أفضل الأحوال إلى 4 ملايين نسمة يدين غالبيتهم الساحقة بالمذهب السني و يعيشون في منطقة صعبة لجهة التضاريس و متخلفة لجهة الخدمات والتنمية، وذلك كنتيجة للإهمال الطويل سواء من جانب النظام السابق أو الحالي.
…ويبدو أن هؤلاء قرروا استغلال الأجواء العدائية الراهنة ما بين طهران و الغرب، معطوفة على المناخ المشحون ما بين سنة المنطقة و شيعتها كنتيجة لتداعيات الوضع في العراق، في التمرد على النظام الإيراني، عل ذلك يجلب الاهتمام لقضيتهم التي ما برحوا يشبهونها بقضية الشعب الكردي. و في هذا يعتبر تحركهم أيضا صدى لما يقوم به منذ بعض الوقت إخوتهم في باكستان الذين وجدوا في مآزق نظام برويز مشرف و مخططاته لاستغلال ثروة بلوشستان من الغاز فرصة للانتفاضة.
…أما طهران التي دأبت على نفي وجود تمرد أو انقسامات اثنية حادة بين القوميات المكونة للشعب الإيراني، فتبدو عبر عملياتها ضد البلوش و اتهاماتها لهم بالإرهاب والارتباط مع القاعدة و طالبان كما لو أنها تريد أن تقول أنها مثل باكستان تحارب على جبهة مقاومة الإرهاب، عل ذلك يخفف عنها الضغوط الغربية ذات العلاقة بملفها النووي أو دورها في العراق.(45/82)
…وفيما يتعلق بجماعة " جند الله" التي برزت على سطح الأحداث كقائدة للتمرد، فان المعلومات المتوفرة حولها قليلة. إذ لا يعرف عنها سوى أنها تنظيم ميليشاوي تأسس في عام 2002 ويستخدم العنف ضد أهداف إيرانية محلية بما في ذلك مسئولي الحكومة والأمن رجال الحرس الثوري، بذريعة أن القومية البلوشية فشلت في إقناع طهران بالطرق السلمية بحقوقها المذهبية والسياسية و التنموية، وأن صوتها غير مسموع في العالم.
…وبالمثل، فالمعلومات المتوفرة عن قائده لا تتعدى انه شاب ملتح لم يكمل الرابعة والعشرين من العمر هو "عبد الملك ريغي" الذي لا يزال حيا خلافا لما ادعته طهران من أن قواتها نجحت في قتله في ابريل من العام الماضي مع 11 من أعوانه قرب الحدود الأفغانية في عملية عسكرية. حيث ظهر الرجل بعيد هذا الإعلان في شريط فيديو عرضته قناة "العربية" ليكذب الادعاءات الإيرانية وليصفها بالحرب النفسية من اجل تهبيط عزيمة الشعب البلوشي.
…أما ارتباط التنظيم بالقاعدة أو طالبان فلا يوجد عليه دليل دامغ سوى أن أعضاءه مثلهم كمثل غالبية البلوش يغلب عليهم طابع المحافظة و التشدد الديني وهاجس التدخل الأجنبي في شئونهم. كما أن وجود علاقة للتنظيم بتنظيم آخر يحمل الاسم نفسه ويمارس العنف و التفجير و الحرق ضد الأقلية الشيعة ومساجدها في باكستان غير مؤكد.
…وعلى خلاف المتوقع من قادة مثل هذا التنظيم، قال عبد الملك ريغي في مقابلة نادرة له عبر الهاتف مع صحيفة "امروز" الإيرانية في مايو الماضي أنه متمسك بهويته الإيرانية، نافيا أن بلوش إيران يسعون إلى الانفصال عن الكيان الإيراني، و مضيفا أن غاية مطالبهم هو تحقيق العدالة والمساواة و التنمية ضمن دولة ديمقراطية فيدرالية مكونة من بلوشستان ذات سيادة و إيران.(45/83)
…وهذا إن صح فانه يمثل نهجا يعتمد شيئا من الواقعية ولا يراهن على الأحلام كما في حالة جماعات متمردة أخرى. وهو يتناغم أيضا مع رؤية " حزب شعب بلوشستان" و هو حركة لها موقع اليكتروني وتقول أنها تناضل فقط ضد سياسات التمييز و القمع والإهمال الطويلة في بلوشستان على أيدي النظام الإيراني الحالي، و قد تكون بمثابة الجناح السياسي لجند الله.
* عبد الله المدني: باحث و محاضر أكاديمي في الشئون الآسيوية.
مقابلة مع مفتى الشيخ علي الأمين
شفاف الشرق الأوسط 25/2/2007
…في المقتطفات التالية من مقابلة الشيخ علي الأمين على " شاشة العربية"، يفتح مفتي صور الجعفري ملفّات قديمة وحسّاسة من بينها عمليات خطف الأجانب في بيروت في الثمانينات التي قام بها حزب الله في الثمانينات لصالح إيران وسوريا، مشيراً إلى "مراجع كبار" (الشيخ حسين فضل الله؟؟) رفضوا اتخاذ مواقف ضد عمليات الخطف. كما يذكّر الشيخ الأمين بعمليات حزب الله ضد حركة أمل الشيعية التي ذهب ضحيّتها بضع مئات من شباب "أمل"، وبمشروع الدولة الإسلامية في لبنان الذي يفترض أن الحزب قد تخلّى عنه..
…جيزال خوري: مساء الخير، برنامج بالعربي يستقبل الليلة العلامة السيد علي الأمين مفتي صور وجبل عامل، تصريحاته أثارت عاصفة من التساؤلات الكثيرة، فهو رجل دين شيعي خالف حزب الله في آرائه وفي أدائه السياسي كما رفض الحرب، تلقى تهديدات عبر البريد الإلكتروني وعبر الرسائل منذ أسبوع تقريباً بعد مشاركته في الذكرى الثانية لاغتيال الرئيس الحريري، وكان قد ألقى كلمة طالب فيها بالعدالة وبالمحكمة الدولية...(45/84)
…علي الأمين: في الحقيقة لم يعني لم تكن هي تهديدات متأخرة وإنما كشفت عنها أنا بعد هالأمور، يعني هي كانت سابقة لعلها من يعني بعضها مثلاً من شهرين أو شهر من.. بعد الحرب وبعد الكثير مما جرى.. ولاّ هي ليست جديدة. طبعاً هي رسائل مجهولة المصدر, يعني لا يمكنني أن أتهم شخصاً بعينه أو جهةً أو فريقاً,..
…جيزال خوري: نعم، سماحة السيد هو شوي يعني الناس ما كثير بتعرف عن ماضيك، ولكن اليوم عم تسأل بعد ما كنت خلينا نقول إنو عطيت خيار آخر للطائفة الشيعية في لبنان، ولكن كنت من مؤسسي حزب الله يعني هكذا يقال من مصادر كثيرةً ليست فقط مصادر من الصحف أو من الإنترنت، ولكن مصادر من أصدقاء، يعني كنت من مؤسسين هذا الحزب، واختلفت معهم بعد حربهم مع حركة أمل، يعني الواحد لازم يقول أن هذا الحزب شارك في الحرب الأهلية اللبنانية، مش صحيح أنه لم يكن يعني بفريق في هذه الحرب، وملت أكثر نحو حركة أمل، لماذا؟
…علي الأمين: أنا لم أكن من المؤسسين لحزب الله، وإنما عندما كنت أنا في إيران في بداية الثمانينيات عدت إلى لبنان بعد شي تقريباً ما يقارب ثلاث سنوات رجعت إلى لبنان, وكنت مدرساً في الحوزة هناك بعد أن ذهبت إلى إيران من العراق...
….. بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران واستشهاد آية الله العظمي السيد محمد باقر الصدر في العراق في سنة 1980 عدت إلى لبنان, ومن ثم ذهبت إلى إيران, وكنت مدرساً هناك في الفقه والأصول لمجموعة من الطلاب العرب ومنهم اللبنانيون، قسم من الطلاب الذين كنت معهم أو كان بعض الزملاء لنا من العراق هم الذين كانوا يعني من المؤسسين لحزب الله، فنتيجة يعني يمكن الزمالة أو التدريس كنت قريباً منهم لا أنني ..
…جيزال خوري: مثل مين؟ مين اللي كانوا من مؤسسين حزب الله وكانوا من تلاميذك؟(45/85)
…علي الأمين: من الزملاء مثلاً كان رحمة الله عليه الشهيد السيد عباس الموسوي كان من الزملاء الذين يعني أعرفه من العراق، أيضاً من الإخوة الذين كانوا من المؤسسين سماحة الأخ الشيخ صبحي الطفيلي، أيضاً كان المعرفة به من خلال.. من العراق يعني كنا لعله في خندق واحد في تلك المرحلة في العراق، كنا يعني قريبين..
…جيزال خوري: السيد حسن نصر الله كان طالب؟
…علي الأمين: السيد حسن نصر الله يعني لا يمكن هو أخ عزيز وكبير, وكان طبعاً هو في تلك المرحلة كان من الطلاب الموجودين في الحوزة في النجف ولم يطل هناك المكث، ثم جاء إلى لبنان وبقي يتلمذ على يد المرحوم الشهيد السيد عباس الموسوي، وذهب لعله فترة إلى إيران وأنا كنت موجوداً هناك, وكنا نحضر بعض حلقات يعني الدرس أو.. فلذلك هو أقرب يعني إلى أن يكون زميلاً, وطبعاً هو يتمتع بصفات من يعني الفضيلة والتحصيل..
…جيزال خوري: يعني عم تقول هو أقرب إلى أن يكون رجل دين من أن يكون رجل سياسي بهذا المعنى؟
…علي الأمين: هو يعني طبعاً كان معداً لذلك, طبعاً هو الآن هو رجل سياسي بامتياز الآن، وكذلك طبعاً له صفة الغالبية ورجل الدين..
…جيزال خوري: يعني عم تقول سماحة السيد ما تآخذني عم تقول إنت ما كنت مع حزب الله, وليش الناس يقال أنه كنت مع حزب الله أكثر واختلفت معهم بعد الحرب مع حركة أمل؟
…علي الأمين: قسم منهم قلت أنا عندما شكل حزب الله ولم يكن.. كان هناك شورى مثلاً كان معظم لعله أعضاء الشورى التي شُكلت كانوا من طلابي يدرسون عندي في بيروت، كنت أنا أدرس في بيروت في الحوزة وكان معظمهم يدرس عندي، فكانوا طبعاً يرجعون إلي بوصفي كمدرس..
هدف تأسيس حزب الله
…جيزال خوري: شو كان هدفهم عندما أسس هذا الحزب؟ ما كان هدف التأسيس؟(45/86)
…علي الأمين: الهدف طبعاً هو كان هدفاً يعني دينياً إسلامياً عاماً، وأن الإسلام عاد مجدداً إلى دورة الحياة بعد إقصاء طويل عاد من خلال الثورة الإسلامية، فالمشروع كان في تلك المرحلة هو مشروع ثقافي إسلامي ولم يكن يعني مشروعاً يعني عسكرياً أو يهدف إلى سلطة أو ما شاكل ذلك، فهو كان أقرب إلى العمل الثقافي والتبشيري أكثر من العمل السياسي.
…جيزال خوري: ليش اختلفت معهم؟
…علي الأمين: الخلاف جرى في تلك المرحلة يعني كان هناك خلاف بعد ما قبل عملية الاختلاف بينهم وبين حركة أمل في الحقيقة، يعني كان هناك مرحلة في بداية الثمانينات.. في أواسط الثمانينات صارت عمليات خطف وغيرها كنت أنا من الرافضين لهذا الأمر، وقلت يومها لبعض الكبار أنه لا يجوز نحن يعني أن نوافق على مثل هذه الأمور لأن هذه بعيدة عن يعني فكرنا وقيمنا ومبادئنا، وطلبت يومها من بعض كبار المراجع بأنه أن يأخذ يعني موقفاً صلباً من هذا الأمر، لأن الإسلام لا يمكن أن ينشر عقيدته من خلال منطق الإكراه والإجبار، ويومها تركت أنا الحوزة لأنه لم يُستجب وقلت بأنه لا يمكننا أن نثقف جماعةً لا نملك قرارها، وعلى هذا الأساس أنا انطلقت إلى الجنوب لأن الجنوب كان ساحةً لا تزال ساحة بعيدة عن كل هذه الصراعات الداخلية وعن صور الخطف التي عبرت عنها يومها بأنه يخطف بريق الجهاد وضوئه ونوره..
…جيزال خوري: عم تحكي عن خطف الأجانب؟(45/87)
…علي الأمين: نعم في تلك المرحلة، فأنا عدت إلى الجنوب يومها وبقيت هناك إلى أن صار صراع بين حركة أمل يومها وحزب الله, وكنت أرى أنا بأن حركة أمل والمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى يمثلان خط الاعتدال في الطائفة الشيعية, يعني وهي مؤسسات تؤمن بنهائية الوطن اللبناني وبالعيش المشترك, واعتبرت أن الفريق الآخر يحمل مشروعاً يعني يختلف مع هذا الأمر، ولذلك أنا يعني وقفت إلى جانب حركة أمل لهذه المسألة ولأنه فعلاً كان معتدىً عليها بنظري، لأنها يعني لم تكن هي البادئة بما جرى.
…جيزال خوري: نعم، سماحة السيد بس عم تقول أنه هيدول كان عندهن مشروع يعني الوطن النهائي والعيش المشترك يعني الوطن الذي هو لبنان، لأنه ليس هناك لبنان إذا لم يكن هناك عيش مشترك، بس مشروع الآخرين شو كان؟
…علي الأمين: إي المشروع الآخر بدأ يبرز في تلك المرحلة على أنه.. يعني أن لبنان أو الطائفة الشيعية في لبنان هي جزء من مشروع الجمهورية الإسلامية الكبرى، وكانت تطرح بعض الأفكار في تلك المرحلة..
…جيزال خوري: يعني أن يكون لبنان هو حلقة من الهلال الشيعي أو المثلث الشيعي اللي عم ينحكى عنه؟
…علي الأمين: لم يكن طبعاً هذا الكلام الهلال الشيعي لم يكن في تلك المرحلة بحث, وإنما كان بعضهم يومها طرح مشروع جمهورية إسلامية..
…جيزال خوري: في لبنان؟
…علي الأمين: في لبنان طبعاً، وكتبوا في ذلك كتب، بعضهم كتب كتاب: "الجمهورية الإسلامية في لبنان" وغيرها، وكان هناك رفض طبعاً من قبلنا وقبل..
…جيزال خوري: تعتقد أنه بعده المشروع ساري سماحة السيد أنه بعد ما زال الهدف هو إنشاء جمهورية إسلامية؟
…علي الأمين: لا أعتقد أن هذا الأمر حزب الله يعني لم يعد موجوداً في قاموسه ولذلك هو دخل في تركيبة النظام والدولة, فيما بعد وصار له نواب ووزراء وآخرين، بالتالي هو أمر ترك، كان يومها في تلك المرحلة نتيجة الفراغ الذي كان موجوداً في لبنان لا في دولة لا في يعني..(45/88)
…جيزال خوري: يعني اليوم وقت بتشوف أن حزب الله اللي هو الحلقة الأقوى في المعارضة اللبنانية الذي يعني اعتصم في وسط بيروت، والذي كان يعني الدافع الأساسي لما يسمى الثلاثاء الأسود في لبنان عندما أحرقت الدواليب وصار هناك بعض الاشتباكات, واليوم يهدد بالعصيان المدني, هل تعتقد أنه ما زال مشروع حزب الله هو مشروع الدولة اللبنانية؟ ولماذا هذا التصرف؟ هل يعتقد حقيقةً أنه هيك متروك بشكل على جنب بالنسبة للدولة الحالية أم هناك مشروع آخر؟
…علي الأمين: يعني أي مشروع في الحقيقة يعني أحادي في هذا الوطن مكتوب له الموت والفناء، لا يمكن لأي فريق في لبنان أن يصنع دولةً ووطناً على شاكلته، هذا الوطن يعني هو وطن لجميع الطوائف ولجميع الفرق الموجودة فيه, ولا يمكن لفريق أن يفرض رؤيته على أي فريق آخر، ما قامت به المعارضة في الفترة الأخيرة هي تقول بأنها يعني تريد أن تحسّن مواقعها في السلطة..
…جيزال خوري: إن كان في الحكومة أم..
…علي الأمين: نعم, ولذلك قالوا بأننا نريد أن ندخل في كل التفاصيل وفي كل القضايا، طبعاً هذا الأمر نعتقد يعني..
…جيزال خوري: أنه مشروع..
…علي الأمين: أمر مشروع، ولكن بطبيعة الحال هنا توجد مؤسسات, يعني يمكن من خلال مؤسسات الدولة أن يصل الإنسان إلى ما يصبو إليه من تطوير أو تغيير أو إصلاح، وهذه الوسائل التي يعني تستخدم من اعتصامات ومن عصيان لا نعتقد بأنها يمكن أن يعني تؤدي إلى نتيجة كما شاهدوا هم من خلال هذه الفترة الطويلة التي يدخل فيها يمكن هذا الاعتصام في مجموعة غينيس من هذه المجموعات العالمية، لكن من دون أن يحقق نتيجة إيجابية بالعكس..
…جيزال خوري: طيب لماذا هذا التصعيد وهذا التشدد سماحة السيد إذا مش عم يحسوا فيه نتيجة؟(45/89)
…علي الأمين: ولذلك هذا هو يعني الأمر المستغرب, أنه يعني لماذا يعني يكون هناك إصرار في المضي من أجل أن نصل إلى هذه المطالب المعلنة, مع أننا قد خضنا مثل هذه التجارب، يعني في لبنان أنا أعتقد بأن يعني هناك سبيلين للتغيير والإصلاح، أحدهما عرفناه وعرفنا نتائجه وهو الشارع في 1975, والآخر هو اتفاق الطائف اللي هو يعني سبيل المؤسسات..
…جيزال خوري: الدستور الجديد للدولة.
…علي الأمين: الدستور الجديد، أعتقد أنه يعني المشاركة السياسية وفي النظام السياسي بعد اتفاق الطائف حسم كيفية الوصول إلى الأهداف والإصلاحات من دون أن نلجأ إلى الأمور الأخرى، الأمور الأخرى لا يمكن أن تحقق الأهداف المرجوة.
لبنان متخوف من حرب أهلية جديدة
…جيزال خوري: .. سماحة السيد كنت عم تقول أنه ما رح يوصل لنتيجة كل هذا التصعيد من قبل المعارضة، اللبنانيين الحقيقة خايفين من حرب أهلية، خلينا نكون كمان واضحين أكثر خايفين من سيناريوهين، أولاً: حرب شيعية سنية في لبنان، وخايفين: من تقسيم إلى كانتونات، فبدي منك تقول شو هل ممكن نوصل إلى تقسيم لحماية كل طائفة يعني يصير عندها أمن ذاتي خوفاً من الطائفة الأخرى؟ وهل فيه إمكانية لحرب سنية شيعية في البلد؟
…علي الأمين: يعني كلاهما مر كما يقال, يعني الكانتونات هي مرة, والأمر الآخر هو أكثر مرارة.
…جيزال خوري: صحيح، فيه إمكانية لكانتونات برأيك في لبنان؟(45/90)
…علي الأمين: لا يمكن، كيف يمكن؟ يعني أنا لا نتصور بأنه يمكن أن نجعل من لبنان كانتونات أو فيدراليات أو ما شاكل ذلك, لأن لبنان هو بلد يعني العيش المشترك المتشابكة علاقاته, والعيش أيضاً يعني هو في كله دمج يعني يوجد دمج في لبنان، فلذلك أمر من الصعب أن يعني يتحقق إلا بخراب, يعني وعندئذٍ فالذين يبحثون عن مشاركة بأي شيء يشاركون؟ إذا خرب كل شيء فعندئذٍ بأي شيء نشارك، ولذلك نحن يعني نقول بأن المطلوب اليوم من يعني المعارضة والموالاة أيضاً بأن نفكر جدياً بإيجاد الوسائل التي تخرجنا من هذه الأزمة القائمة من خلال العودة إلى المؤسسات, ووضع الأمور المختلف عليها على طاولة الحوار.
…جيزال خوري: وين المعارضة برأيك أخطأت بالتعامل مع المعارضة؟
…علي الأمين: المعارضة أخطئت يعني..
…جيزال خوري: الموالاة يعني الحكومة حكومة الرئيس السنيورة وقوى 14 آذار هل برأيك يعني أخطأت بالتعامل مع المعارضة حتى وصلت الحالة إلى أنه فيه معتصمين بوسط بيروت وعاملين شلل كامل في اقتصاد هذه المدينة والخوف؟
…علي الأمين: يعني أنا أعتقد أن المعارضة استعجلت في هذا الأمر، كان بالإمكان أن يعني تحصل على ما تريد من السلطة التي لم تكن عصيةً على التفاهم لأجل الوصول إلى مطالبها, كان هناك استعجال في إعلان الطلاق، الطلاق عندما أعلن بعد جلسات التشاور أعتقد أنه كان فيه شيء من الاستهجان..
…جيزال خوري: كيف تفسر مواقفه للرئيس بري اليوم اللي هو متشدد جداً الحقيقة؟(45/91)
…علي الأمين: يعني هو أنا للحقيقة قلت للبعض بأنني ما أعرفه من الرئيس بري في الثمانينات عندما تعرفت عليه, وإلى التسعينات وإلى ما بعد 2000 وهكذا رأيت أنه يعني هو شخص يختلف في الحقيقة, لأننا نحن نعرفه بأنه كان من أشد المدافعين عن مشروع الدولة, ومن أشد المدافعين عن الاعتدال, ومن أشد المدافعين عن الانصهار الوطني. الآن يعني نسمع كلمات بأننا نريد الوحدة الوطنية ونريد العيش المشترك ونريد الدولة, ولكن نرى القول في وادٍ والممارسة في وادٍ آخر، يعني لا يوجد تقارب..
…جيزال خوري: سماحة السيد هل الطائفة الشيعية خائفة في لبنان من انتصار قوى 14 آذار إذا كان هناك انتصار وليس هناك انتصار لأي قوى في لبنان؟ ولكن تسلم الحكومة وانسحاب الجيش الصوري, وخلينا نقول الرعاية الدولية والإقليمية لهذه القوى ولهذه الحكومة بالذات، هل هذا يخيف الطائفة الشيعية في لبنان؟
…علي الأمين: الطائفة الشيعية يخيفها الفراغ ويخيفها غياب مشروع الدولة، أما عندما يكون هناك دولة المؤسسات والقانون فهذا يحدث طمأنينة للجميع، الآن قد يعني في مقام التنازع قد يخيف الواجهة في الطائفة الشيعية لكن لا يخيف الطائفة الشيعية، الطائفة الشيعية كبقية الطوائف اللبنانية تريد دولة المؤسسات والقانون مع غض النظر عن اختلاف هذه الواجهة السياسية مع تلك الواجهة السياسية.
…جيزال خوري: بس مش هيدا الواقع يعني سماحة السيد, الحقيقة أنه يعني هناك جهاز أمني لحزب الله، هناك سلاح لحزب الله خارج الدولة اللبنانية، ويعني هناك فرض بالقوة لبعض المواقف ولبعض القرارات وإذا ما زبطت منحتل نحن وسط بيروت مثلما فعلوا، يعني ما فيه شي ببين بيظهر بأن حزب الله واليوم حزب الله وحركة أمل اللي هم الأكثرية الشيعية بنوابهن يعني بانتخابات النيابية هم اللي ربحوا كل هذه الانتخابات خاصةً في منطقة الجنوب, ما منشوف أنه فيه جهد لأن تقوم الدولة أو دولة المؤسسات أو دولة القانون؟(45/92)
…علي الأمين: ما هو هذا الآن يعني نحن طبعاً.. هذا الذي نستغربه من هذه الواجهة التي اكتسبت تأييد الناس في الجنوب عبر السنين الطويلة، إنما هو من أجل مشروع الدولة، يعني الناس الآن لماذا اكتسبتها حركة أمل أو اكتسبها حزب الله في مرحلة من المراحل؟ لم تفهم الناس في تلك المرحلة إلا أن الذين أتوا إنما هو يستكملون مشروع الإمام الصدر، الذي كان يقول لا قيامة للدولة اللبنانية إلا بتذويب مشروع الدويلات، وكان هناك يعني كفاح من أجل الشرعية ومن أجل الدولة وإلى آخره، الناس عندئذٍ اكتسب هؤلاء التأييد من خلال أنهم استغلوا المشروع..
…جيزال خوري: بس اليوم عندهم تأييد كبير سماحة السيد, يعني حضرة سماحتك قلت فيه 40% من مجموع الشيعة هم مع حزب الله وحركة أمل، بس فيه 60% هن إذا بدنا نقول إنو هيدي الإحصاءات موجودة, بس فيه 60% منهن بأي مكان آخر ولا بأي إطار آخر، إذن؟
…جيزال خوري: يعني حتى الـ 40% التي تؤيد حزب الله لا تؤيده في مقابل مشروع الدولة، تؤيد الناس حزب الله في مقابل الاعتداءات الإسرائيلية، حزب الله اكتسب هذه المكانة في الطائفة الشيعية لمواجهة الاعتداءات الإسرائيلية والاحتلال الإسرائيلي، أما إذا قال للناس بأنني أنا أريد أن أعيق مشروع الدولة لن يجد له أنصاراً ومؤيدين، الناس تريد مشروع الدولة.
…جيزال خوري: بس أنا بدي قلك شي سماحة السيد المقاومة في العالم عادةً عندما تنتصر تأخذ السلطة، حزب الله انتصر مرتين على إسرائيل ولم يستطع أن يأخذ السلطة، أو على الأقل أن يكون له الأكثرية في الحكومة؟(45/93)
…علي الأمين: المقاومة في العالم تأخذ السلطة لأنها تكون ممثلة لكل العالم، لا تكون مقاومة لشريحة معينة، في لبنان ليست مقاومة كل الشرائح المعينة، هذه المقاومة كانت هم كانوا يقولون نحن لا نريد أن نوظف انتصاراتنا في أي مكاسب سياسية داخلية، وعلى هذا الأساس أيضاً اكتسبوا التأييد من الآخرين، ولذلك لا معنى لأن يعني يكون هناك طلب بأنني أنا انتصرت على إسرائيل وهو أول الكلام طبعاً هذا أمر مبحوث فيه, أنه صار فيه انتصار أو لأ طبعاً نحن قلنا أنه صار فيه مواجهات صار في بطولات صار في..
…جيزال خوري: صمود..
…علي الأمين: إي صمود.
حزب الله لم ينتصر على إسرائيل
…جيزال خوري: سماحتك قلت في صمود والصمود بوجه إسرائيل هو انتصار يعني..
…علي الأمين: هلأ هذه بتصير في اللغة العربية يعني من بنحو من أنحاء المجاز، ولا ما في لأ الانتصار هو الغلبة على الآخر، يعني مدلول كلمة الانتصار في اللغة العربية إنك أنت تهزم عدوك, وإلا نحن يمكن احتفلنا بالانتصار على العدو وكان لا يزال بعده موجود في كثير من القرى يعني هذا ليس صحيحاً.
…جيزال خوري: يعني بالجنوب سماحة السيد أنت عايش بالجنوب بيحسوا الناس أنهم انتصروا على إسرائيل؟
…علي الأمين: لا ما فيه هذا الإحساس.
…جيزال خوري: شو شعور الناس بالجنوب يعني المنطقة اللي هي بالنهاية عندما يكون فيه اشتباكات مع إسرائيل أو في حرب مع إسرائيل هي المنطقة اللي أكثر شي تدمر، ماذا يشعر الناس في الجنوب اليوم؟
…علي الأمين: اليوم طبعاً يعني بدؤوا يشعرون بنحو من الاطمئنان الأكثر نتيجة وجود الجيش اللبناني ووجود هذا الدعم الدولي لمشروع الدولة ومؤازرتها في بسط سلطاتها وسيادتها, الآن فيه نحو من الاطمئنان والاستقرار عند الناس.
…جيزال خوري: حتى بعد الحادثة اللي صارت من كم يوم من مارون الراس عندما طردوا الفرنسيين اللي كانوا عم يطببوا الناس في هذه المنطقة.(45/94)
…علي الأمين: يعني هذه حادثة أنا بعتقد ما إلها يعني هي حادث فردي..
…جيزال خوري: ما إلها دلالة سياسية؟
…علي الأمين: لأ، هلأ قطعاً يمكن أن يكون بعضهم مدفوعاً من قبل بعض التيارات التي يعني لا تريد أن تكون هناك علاقات جيدة مع قوات الطوارئ الدولية وغيرها وإلى آخره، بس أعتقد أنه عموماً الكل يقولون نحن مع 1701 ومع مشروع الدولة ومع الكل, يعني بالآخر أيضاً أنه مجرد يعني إيجاد إشكال لقوات الطوارئ في هذا المكان أو في ذاك المكان هذا لن يؤدي إلى يعني أن يكون هناك إلغاء لمشروع الدولة اللي الناس كلها تمسكت فيها.
…جيزال خوري: هل سماحتك خائف من عمليات ضد قوات الطوارئ؟
…علي الأمين: أنا لا لست خائفاً حقيقةً.
…جيزال خوري: يعني عم بتقول أن الناس بالجنوب هم يرحبون بهذه القوات وبالجيش اللبناني.
…علي الأمين: يعني ما في شك نسبة كبيرة الآن هي طبعاً يعني الناس حتى قبل لهم تجربة مع قوات الطوارئ الدولية مع القرار 425 مع قوات الطوارئ الدولية التي عاش معها الناس يعني ما يزيد على عقدين من الزمن, وكانت العلاقات إيجابية وجيدة وحسنة، وأهل الجنوب لم يكونوا أبداً ضد هذه الحالة من التواصل مع المجتمع الدولي.
…جيزال خوري: نعم يعني سماحة السيد بس يقال أن حادثة مارون الراس هي تحذير بأنه إذا المحكمة الدولية ستكون تحت الفصل السابع المقاومة ستتصرف بشكل آخر، والأرجح أن الناس في الجنوب كمان سيتصرفون بشكل معادي للقوات الدولية؟(45/95)
…جيزال خوري: الناس إذا تركت وحدها لا تتصرف, الناس تفهم بأن قوات الطوارئ الدولية ليست هي قوات معادية وليست قوات احتلال, ووجودها الآن في الجنوب بهذه الكثافة وبهذا التنوع الدولي يمنع إسرائيل من القيام بأي اعتداءات على الجنوب، أما إذا فرغنا الجنوب من قوات الطوارئ الدولية ومن الجيش معناتها هذا بصير تعريض الجنوب إلى الاعتداءات الإسرائيلية, فلذلك الناس لا أظن أنها في وارد أن تواجه يعني قوات الطوارئ الدولية لأنها معناتها عم تعرض بلدها للأخطاء.
…جيزال خوري: ليش بعد ما صار في اعمار بالجنوب؟
…علي الأمين: ما صار فيه اعمار الآن يعني طبعاً كما قلنا الناس تريد مزيد من الاستقرار ومزيد من يعني أن الدولة تبسط سلطتها وسيادتها وتؤكد مرجعيتها للناس هناك، لحد الآن لا تزال يعني الخطى التي تقوم بها الدولة هي خطى خجولة في هذا الشأن.
…جيزال خوري: سماحة السيد إذا كان الناس هيدا جوها يعني في الجنوب أو عند الطائفة الشيعية لماذا لم يعني يحدث هناك خرقاً في الصف السياسي الشيعي؟ لماذا اليوم هو حزب الله هو يمثل الطائفة الشيعية سياسياً؟
…علي الأمين: يعني قلنا بأن حزب الله طبعاً يمثل لأنه نتيجة هذه المرحلة الجهادية الطويلة والإنجاز اللي تحقق في سنة 2000 أعطى رصيد كبير لحزب الله لدى الناس, أنه هذه منطقة يعني احتلت سنوات طويلة وتمكن حزب الله أن يحرر هذه المنطقة, ويحقق هذا الإنجاز من خلال يعني مساعدات أيضاً للدولة اللبنانية, والشعب اللبناني كله لأنه ما كان ليتحقق هذا الإنجاز لولا هالحالة من التضامن العام التي كانت في مشروعه الجهادي.
…جيزال خوري: هل كان هل يعطي مال.. هل حزب الله يعني يعطيهم لقمة عيشهم للناس؟(45/96)
…علي الأمين: هو هذا كان زاد رصيد لا بأس به، طبعاً أنت لا تنسي بأن هناك طبعاً خدمات كبيرة, بحيث أن الكثير من الخدمات التي يحصل عليها المواطن هناك إنما يحصل عليها من خلال قوى الأمر الواقع الموجودة من خلال مؤسساتها من خلال مساعداتها، حتى إمكانات الدولة التي تصل إلى الناس إنما تصل عبر قوى الأمر الواقع هناك، ويستخدمونها ضد الدولة في آن معاً، هي إمكانات تصل إلى الناس من خلال الدولة اللبنانية لكن عبر قوى الأمر الواقع التي يعني تستخدم الناس في كثير من الأحيان ضد الدولة اللبنانية أيضاً وهذه مفارقة
…جيزال خوري: نعود إلى الفقرة الأخيرة من برنامج بالعربي، سماحة السيد علي الأمين، هل يعني مثلما قلت في البداية أنكم صوت آخر عن صوت حركة أمل وحزب الله، هل حضرتك بصدد إنشاء تيار شيعي آخر ليبرالي معتدل؟
…علي الأمين: يعني نحن نعتقد أن الطائفة الشيعية هي طائفة الاعتدال، وليست هي بحاجة في الحقيقة لأن توجد يعني لأنه هي بالأصل معتدلة وربيت على هذا النهج.. اليوم طبعاً في كما قلنا الواجهة السياسية التي مثلتها نتيجة الأحداث والإعلام والثقافة, والإمساك بكثير من الأمور طبعاً لتصقل يمكن ذهنية الإنسان وتحاول أن يعني توجهه باتجاه آخر، نحن لسنا بصدد إنشاء أي يعني حزب آخر أو تيار آخر, وإنما نريد إيجاد حالة من النقد الداخلي, وتوليد حالة من الوعي داخل الطائفة الشيعية بأن على الأقل نسأل هؤلاء الذين يقودون هذه السفينة، إلى أين أنتم بنا ذاهبون؟ نحن لا نوافق على جعل الطائفة الشيعية في دائرة العزل الداخلي هذه سياسة العزل يعني أنا سميتها، لأن سياسة العزل تؤدي في الحقيقة إلى الكثير من الأضرار والأخطار.(45/97)
…وقد قلت أنا لبعض القيادات يعني قبل الحرب حرب تموز بأننا راضون نحن بأن تقودوا هذه السفينة سفينة الطائفة الشيعية ضمن هذا الوطن, لكن من حقنا كركاب في هذه السفينة أن نسألكم إلى أين أنتم بنا ذاهبون, وإننا نرى أمواجاً قادمة أو آتية فاسمعون, اسمعوا منا نحن, المطلوب أن نسمع ولذلك عليكم أن تجمعوا وجوه أهل الرأي والفكر في الطائفة من أجل أن تصوغوا القرار الصائب والسليم.
…جيزال خوري: برأيك هن لوين رايحين؟ وهل قرارهن بيدهن؟
…علي الأمين: يعني إذا لم يكن قرارهم بأيديهم فيجب أن يعملوا من أجل أن يكون هذا القرار بأيدينا يعني بأيدي الناس.
…جيزال خوري: لوين رايحين هنّ؟
…علي الأمين: هذه السياسة طبعاً المعتمدة هي سياسة أنا أراها أنها يعني هي ذات أداء خاطئ بامتياز أنا أراها، هي أداء متعثر لعله منذ سنة ونصف من الاستقالة من الاعتزال الأول إلى الاستقالة الأخيرة نحن وجدنا أن هذه الأمور لا تنسجم لا مع مصلحة الوطن ككل ولا مع الطائفة الشيعية التي يجب أن لا تتأثر طبعاً علاقاتها بعلاقات الطوائف الأخرى ولا بالعالم العربي، هم عملوا لنا مشكلة الآن للطائفة ليس في الداخل فحسب وإنما في العالم العربي والإسلامي.
…جيزال خوري: بس مش هم وحدهم، خلينا نقول كمان أن شيعة العراق عملوا مشكلة كمان في العالم العربي سماحة السيد، يعني كل هذا الوضع يعني بيّن أن هناك فتنة بين السنة والشيعة في المنطقة؟(45/98)
…علي الأمين: هلأ الشيعة الشيعة في العراق المشكلة الموجودة في العراق أنا أعتقد أن يعني الفتنة ليست هي فتنة مذهبية بين سنة وشيعة في العراق، الشيعة والسنة يدفعون أثمان طموحات سلطوية موجودة، وأنا أعتقد أنه يعني الشيعة في العراق الذين يدفعون أثمان باهظة من الناس العاديين هو فيه تحوّل ثقافي في نظرة الطائفة الشيعية والشيعة إلى السلطة أصلاً، يعني نحن مثلاً كنا في النجف وعاصرنا نظرية كانت تقول: يعني أن الأئمة أئمة الشيعة عبر التاريخ كانت نظرتهم إلى السلطة هي نظرة المشاركة في السلطة وليست نظرة المصارعة على السلطة، اللي عم بصير في العراق حتى الحوزة في عهد المراجع الكبار القدامى والأعاظم كانوا دائماً مع منطق الذي يؤدي إلى لون من المشاركة, بل في بعض الأحيان أصلاً العزلة التامة عن السلطة، المهم أن تبقى السلامة العامة للمجتمع في العلاقات وفي يعني التواصل, صار فيه تحول أنا باعتقادي حتى في الرؤيا يعني الرؤية السياسية عند الحوزة في النجف.
…إنها انتقلت هي بقدرة قادر من حوزة ومدرسة كانت تؤثر السلامة, السلامة العامة للمجتمع اللي هي كانت منطلقة من سياسة علي بن أبي طالب الذي كان يقول عندما وقع الصراع على الخلافة وجلس في بيته: لأسالمن ما سلمت أمور المسلمين، مع أن الخلافة كانت أمر كبير جداً, لكنه كان يرى بأن سلامة الأمة في علاقاتها وفي حياتها وفي التواصل فيما بينها هو أهم بكثير من أن يقع صراع على السلطة ونزاع عليها.
…جيزال خوري: سماحة السيد أنت كنت مع إعدام صدام حسين؟
…علي الأمين: أنا لست مع الشكل, طبعاً الطريقة التي يعني أعدم فيها صدام حسين هي طريقة لا أراها طريقة يعني مقبولة.
يجب أن نسلك السلوك الذي يمنع الفتنة المذهبية في لبنان(45/99)
…علي الأمين: في لبنان أنا يعني لا يوجد عندي خوف من وجود حرب مذهبية, بس يجب على الذين يعني يقولون بأن الفتنة خط أحمر أن نسلك السلوك فعلاً الذي يمنع الفتنة حقيقةً، لا يمكن أن أقول أنا ضد الفتنة في لبنان ولكنني أدعو تارة إلى عصيان, وأخرى أعتصم وأغلق الطرقات وغيرها, أنا ما قادر أفهم يعني، كيف يمكن أنت تقول أنا لا أريد هذا الشيء, ولكن الممارسات يمكن أن تؤدي عن قصد أو غير قصد إلى هذا الأمر.
…جيزال خوري: كيف تفسر المتفجرات اللي التقت اليوم بالأشرفية؟
علي الأمين: يعني طبعاً هو عملية استغلال كل هذه الأمور, الفئات التي لا تريد الاستقرار في لبنان عم توجد مادة من أجل إحداث هذه القلاقل والاستغلال.
…جيزال خوري: هل المحكمة بالنسبة لهم يعني هي اللي عملت هذه عملية اللا استقرار؟
…علي الأمين: المحكمة الدولية، هلأ يمكن أن تكون هي المحكمة الدولية.. طبعاً هي المحكمة الدولية أساس في هذه الأمور، أنا أعتقد أن هذه الحصص في السلطة وكذا..
…جيزال خوري: من شو خايفين؟ من شو خايف الرئيس بري وحزب الله من هذه المحكمة؟
…علي الأمين: يعني هو من الحق أن كان يصير في حالة من الدراسة لهذا الأمر، هلأ يمكن بعضهم يخشى من أن تُطلق يد هذه المحكمة لتتعرض إلى أمور قديمة مثلاً قبل التسيعينات والثمانينات وإلى غيرها، يمكن أن يقال مع أنه في أمور الدولة اللبنانية بعد..
…جيزال خوري: كانت واضحة أنه من مروان حمادة إلى الشيخ..(45/100)
…علي الأمين: بقي منطق أن الخوف من التسييس, وأنا أعتقد أنه يمكن أن نحصل جميعاً على ضمانات لعدم التسييس, لأنه لا يريد أي فريق التسييس لهذه المحكمة، وأنا مثلاً بحسب قراءتي المتواضعة لبنود المحكمة واطلعت عليها وجدت فيها الكثير من شبكات الضمان والأمان لعدم الإدانة العشوائية ولعدم الاتهام العشوائي, ولذلك أنا أعتقد أنه يجب الجميع أنهم كانوا يدرسون هذه المسألة وينتهي الأمر، يعني من جملة البنود أنا اللي سمعتها مثلاً..
…جيزال خوري: عم يدافعوا عن مين هم؟
…علي الأمين: أنا من جملة البنود اللي كنت استمعت لها من بعض القيادات والتشكيلات أن المتهم يعني بريء حتى تثبت إدانته، أصلاً هذه المادة نفسها قرأتها في بنود المحكمة الدولية، ووجدت الكثير من الضمانات يعني, وطبعاً المحكمة الدولية نحن في مجتمع دولي طبعاً فيه هناك مؤسسات دولية, وهناك يعني عدالة مش أنه من الأمور العشوائية بتصير، وصارت هناك محاكمات كبرى منذ محاكم لورن بيرغ بعد المحكمة العالمية الثانية وإلى يومنا..
…جيزال خوري: إلى ميلوسفيتش..
…علي الأمين: إلى ميلوسفتيش ما كان هناك أي ضجة وخشية من أن يكون هناك تجريم، فيمكن أنا باعتقادي أن يحصل الجميع على مثل هذه الضمانات وعندئذ تنطلق الأمور، يعني لا تعود الحصص هي مشكلة.
…جيزال خوري: أنت دائماً متفائل سماحة السيد أنا سؤالي الأخير هل تعتقد..
…علي الأمين: يعني تفاءلوا بالخير تجدوه.
روابط الطوائف والمذاهب لا يجوز أن تكون على حساب الأوطان
…جيزال خوري: أنا هل تعتقد أن وضع إيران يؤثر على كل شيعة المنطقة؟ بمعنى إذا إيران انتصرت سينتصر الشيعة في المنطقة, وإذا إيران انهزمت أو ضربت إيران هل سيتأثر يعني أبناء الطائفة الشيعية؟(45/101)
…علي الأمين: نحن دائماً نتمنى لإيران أن تكون دولة قوية مزدهرة ومنتصرة على الجهل والفقر والعدوان اللي بيصير عليها وعلى التخلف, ونتمنى لها كل خير، لكن نحن نعتقد أنه نحن في مجتمع يعني كل فئة مرتبطة بوطن وبمنطقتها وبتاريخها، روابط الطوائف والمذاهب لا يجوز.. والأديان لا يجوز أن تكون على حساب الأوطان، نحن نتمنى لها كل خير، لكن نحن ما إلنا علاقة بأي مشروع هي تختاره في الحقيقة، وسؤالي أنا إذا كان البعض يعني يريد أن ينفذ سياسة إيرانية في لبنان أو في المنطقة.
…أنا بدي إسأل الآن حتى الإخوة الإيرانيين: أن ربحهم لبعض الشيعة في لبنان, هم بكل الأحوال لن يربحوا كل الشيعة في لبنان, أن ربحهم لبعض الشيعة في لبنان إذا كان يؤدي إلى أن يخسروا العالم الإسلامي, أن تصبح إيران في موضع شك وخوف عند كل المسلمين في العالم، شو هي السياسة هذه؟ هل هي من مصلحة إيران؟ ليس من مصلحة إيران, أنا بعتقد أن هذه السياسة التي تعتمد بعضهم إذا بقول هي سياسة إيران يمكن عم يحمل إيران أكثر من ذلك، لأن إيران إذا بدها تعمل توازن ما معقولة تجي تربح بعض الشيعة في لبنان أو بعض الشيعة في العراق وتخسر هذا العالم الإسلامي اللي كان في يوم من الأيام تحركه من أقصاه لأقصاه كلمة من الإمام الخميني.
الشيخ محمد علي جوزو:
سورية سجن كبير
الوطن العربي 28/2/2007
الشيخ محمد علي جوزو مفتي جبل لبنان، أحد أهم الشهود على أوضاع لبنان والمنطقة العربية، ولذلك فهو في هذا اللقاء يتحدث عن مستجدات الأوضاع في لبنان، وفي الشرق الأوسط عموما.
وفيما يلي نص الحوار:
* ما هو وضع السّنة الآن في لبنان؟
- لاشك أن السنة الآن أقوى من الماضي بكثير، فلأول مرة تجتمع كلمة السنة في كل لبنان وزحفوا إلى السراي الحكومي لمؤازرة حكومة السنيورة رداً على مواقف حزب الله التي اتخذت مظهراً شيعياً مذهبياً حاداً، فكانت النتيجة ردة الفعل "السنية" التي رأيناها.(45/102)
* إذن في ظل هذا الوضع القائم الآن ماذا على السّنة أن يفعلوا.. وهل سيؤدي ذلك مواجهة في الشارع؟
- المواجهة ستنعكس على الجميع ـ والشيعة اليوم في العراق يدفعون ثمناً أغلى من أي ثمن في العرق لأنهم حاولوا أن يلغوا دور السنة. فكانت النتيجة أن السنة في العراق أثبتوا وجودهم، ورغم حجم خسائرهم، إلا أنهم استطاعوا أن يهزموا أميركا وخامنئي نفسه حيا "شعب العرق" لأنه أذل أميركا ووضع أنفها في التراب.. وأنا أقول له أي "شعب" تعني... فالشعب العراقي ينقسم الآن إلى قسمين، قسم مع أميركا وهم الشيعة، الذين يدينون لإيران بالولاء، وقسم ضد أميركا وهم سنة العراق "الأنبار"، وهم تاريخهم طويل في محاربة الاستعمار، ولذلك فإنهم إذا ما قرروا فتح معركة على مستوى كبير فما من شك أنهم سيخسرون.
وإسرائيل هي المستفيد الأول من حرب بين السنة والشيعة، وأميركا بمخططها في المنطقة لا أحد يقف في وجهها ويفشل مخططها إلا السنة، وليس حزب الله هو الذي أفشل هذا المخطط، فسنة العراق هم الذين أفشلوا مخططات أميركا، ولذلك فإن واشنطن لا تقوى اليوم على خوض معركة أخرى ضد إيران، من هنا فإن من مصلحة إيران أن تنضم للجبهة العربية وألا تعمل على نشر نفوذها في العالم العربي، لأن هذا النفوذ الذي تسعى إليه إيران يجعل هناك حالة "حرب بين العرب والفرس" ونحن لا نريد هذا اليوم، وإيران من مصلحتها أن تظل في حضن الأمة الإسلامية، وألا تفرض نفسها بالقوة، فالأكثرية من أهل السنة، وليس من مصلحتها أن تستفرد بالأمر وحدها. لذلك أنا قلت لخامنئي إنه من الأفضل له ولجماعته أن ينضم إلى السنة في العراق لحماية إيران نفسها بمحاربة الأميركيين حتى يخرجوا من العراق.
* الاتجاه الدولي في الفترة الحالية لزيادة الضغوط على حزب الله وإيران، فإذا وصلنا إلى مرحلة المواجهة.. فهل تعتقد أن القيادات السّنية ستأخذ اتجاهاً راديكالياً متشدداً، مما ينعكس أثره على الجميع؟(45/103)
- كما قلت.. ليس من المصلحة أن نخوض معركة بين السنة والشيعة، فذلك ليس من مصلحة الشيعة ولا السنة، والطموحات التي كانت تراود الخميني في بداية الثورة الإيرانية خطأ كبير، ولذلك فعليهم أن يرجعوا لعقلهم وصوابهم وأن يكون هناك صلح بين السنة والشيعة .. وحتى إذا كان هناك خطر على حزب الله فنحن الأقدر على حمايته أكثر مما يحمي هو نفسه.. الآن المشكلة أن حزب الله يعتقد أنه بهذا الشكل يحمي نفسه وأنا أعتقد أنه يكشف نفسه أكثر وأكثر ويثبت للخارج أنه ضلع من أضلاع عدم الاستقرار في المنطقة.
* وماذا عن الإصرار على رفض المحكمة؟
- هذا الإصرار على رفض المحكمة الدولية للتحقيق في جريمة اغتيال الحريري أوجد الشكوك الغريبة وراء هذا الرفض، وأصبح الجميع على قناعة أن هذا الإصرار وراءه دوافع لإبعاد الكأس عن فم حزب الله نفسه، ولهذا فما يحدث الآن هو الخطأ بعينه سواء من إيران أو سورية أو من حزب الله على أرض لبنان، حتى إن البعض يظن أن حزب الله قام بأسر الجنديين الإسرائيليين حتى يعطل قرار المحكمة الدولية، لأن هذه العملية تمت في توقيت غير مناسب وهو موسم السياحة والاصطياف في لبنان فضرب موسم السياحة وعطل الاصطياف، ثم بعد انتهاء الحرب لم يكتف بهذا الضرر واستمر في ضرب الاقتصاد، إذن هناك خطة أبعد من محاربة إسرائيل، وحتى هذه الصواريخ التي أطلقها حزب الله والتي بلغت خمسة آلاف صاروخ، ماذا كانت نتيجتها؟
هناك 80 مدنياً إسرائيلياً قتلوا و 120 عسكرياً إسرائيلياً في الحرب، بينما في الجانب اللبناني هناك 1200 مدني لبناني قتلوا في الحرب إضافة إلى 500 من كوادر حزب الله... إذن المحصلة أننا دفعنا الثمن الأكبر، ودمر بلدنا، بينما إسرائيل أصيبت ببعض "الرضوض" ورغم ذلك فهم يحاسبون بعضهم الآن على هذا، أما نحن فلا نستطيع حساب المتسبب في دمار بلدنا، بل إنه هو الذي يحاسبنا، بعد أن تسبب في دمار البلد.(45/104)
* ما رأيك فيما يقولون حول وجود تنظيم "القاعدة" في لبنان.. هل هي فبركة أم أن هذا الأمر صحيح؟
- هم عندما تحدثوا عن "القاعدة" كانوا يقصدون مجموعة ذهبت إلى مخيم النهر البارد هم "جماعة أبو موسى" وهي جماعة سورية تسببت في حروب شرسة في لبنان بينها وبين جماعة "أبو عمار"... ولذلك فإن سورية هي من أذاعت أن "القاعدة" موجودة في لبنان.
وحتى حين قتل الحريري حاولوا نسب الجريمة إلى "أبو عدس" المنتمي لتنظيم "القاعدة"... وصرحت يومها في مقابله مع "الجزيرة" أن هذا الكلام لا أساس له من الصحة، لأن السلطة على الأرض فعلياً هي لسورية، وإذا كان "أبو عدس" هو من قتل الحريري، فمن قتل جبران تويني وسمير قصير وجورج حاوي وبيار أمين الجميل... هذه الجرائم المتعددة من قام بها.. هذا كلام كله لا يدخل في نطاق العقل أو المنطق ولا يمكن أن يقبل.. ولذلك فما يفعلون الآن يثبت التهمة عليهم.
الحرب الداخلية:
* ألا يبدو حزب الله وكأنه لا يهتم لمسألة الحرب الداخلية هذه؟
- أنا أقول إنه توجد طبقات فقيرة جداً في الجنوب. وعلى حزب الله ألا يعول كثيراً على الدولارات الإيرانية التي تمده بها، فلو حدث أن ضربت إيران فلن تستطيع أن تمده ولو بدولار واحد.. فماذا سيفعل عندئذ.
هل توجد أصوات أخرى تعبر عن الشيعة غير "حزب الله"؟
- نعم.. كثير.. ولكنهم لا يفسحون لها المجال.. وهناك عائلات وشخصيات شيعية كبيرة ضد ما يحدث من حزب الله فهناك عائلة الأسعد، ومحمد مهدي شمس الدين وعائلته، وبيت الأمين وعلى رأسه السيد علي الأمين. وبيت حمادة... وغيرهم كثير لا يرضون عن هذا العمل لكن القوة والنفوذ السلاح هو الذي يجعل بقية الشيعة لا تستطيع التعبير عن نفسها، فهناك حالة "خطف" للطائفة الشيعية بكاملها من جانب "حزب الله" وحركة "أمل".
* وماذا عن موقف نبيه بري.. وهل يستطيع أن يخرج من هذا الموقف؟(45/105)
- لا يستطيع.. فقبل أن يذهب إلى إيران صرح بأن الحكومة شرعية، ثم تراجع عن موقفه هذا هناك في إيران بعد الضغوطات التي مورست عليه، وكان عليه أن يكون أذكى من ذلك... ولأننا لا نريد دمار لبنان فإننا مازلنا نراهن على موقف نبيه بري بأن يفتح مجلس النواب لمناقشة مختلف القضايا.. ونبيه بري خسائره الآن أقل بكثير من خسائر "حزب الله" الذي فقد ثقة معظم اللبنانيين من سنة ومسيحيين، باستثناء هذه الأصوات السنية الذين اشتروهم بدولارات إيران.
* من الواضح الآن أن يد طهران هي التي تحرك الأمور سواء في العراق أو لبنان أو غزة... فبعد يوم واحد من هدوء الأمور في لبنان اشتعلت النار في غزة؟
- إذا كانت هناك أخطاء داخل الصف الفلسطيني فلأننا كلنا كمنطقة منهارون ليس فقط الصف الفلسطيني، فالأحوال في لبنان وفي فلسطين سيئة جداً بسبب كثرة الأيدي التي تلعب في الخفاء والتي أوصلتنا إلى ما نحن فيه الآن، ولذلك فلا بد من وحدة الصف اللبناني والفلسطيني، وعلى الحكم في سورية أن يتغير وأن يعطي لشعبه حرية اختيار من يحكمه على الطريقة الديمقراطية وليس ديمقراطية "بوش"، فسورية الآن سجن كبير، والشعب السوري كله معتقل لدى نظامه.
الهلال الشيعي اللبناني
الوطن العربي 7/3/2007
الملف المفتوح في لبنان ليس سوى فصل في الصراع الأميركي - الإيراني في الشرق الأوسط، لأن طهران التي تسعى إلى إقامة الهلال الشيعي تحاول ألا تحصر النزاع في المنطقة، وتحاول أيضا تأجيل المواجهة مع أميركا حول ملفها النووي، عن طريق زرع الألغام في العراق ولبنان.
وإيران تعتبر لبنان الجسر الأخير للهلال الشيعي عن طريق استلام فريق الثامن من مارس "آذار" ولاسيما حزب الله وحلفاءه، لذلك فإن الصراع بين الأكثرية والمعارضة يختصر الصراع الأميركي ـ الإيراني في المنطقة.(45/106)
من هنا فإن الخلافات القائمة على الثلث المعطل في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة ليست سوى واجهة، فحدود اللعبة الكبرى تتجاوز لبنان وتمتد إلى جغرافية العراق، وربما دول أخرى في المنطقة مثل اليمن، وهو ما يدفع قوى 14 مارس "آذار" للتمسك بمواقفها لئلا تقع البلاد في محظور المخطط الإيراني ـ السوري.
ولكن هناك مؤشرات متعددة ومتنوعة تدل على أن هناك محاولات لإقامة هلال شيعي مصغر في لبنان من خلال ربط المناطق الشيعية بعضها بالبعض الآخر، ابتداء من ضاحية بيروت الجنوبية امتدادا إلى جنوب لبنان الذي قد يرتبط جغرافياً وديمغرافيا بالبقاع عبر بوابة "جزين" ذات الغالبية المسيحية، وهذا ما يفسر عمليات شراء الأرض في المناطق المسيحية في الجنوب من أجل إقامة هذا الهلال الشيعي، والواضح أن هذا الهلال بدأت تظهر ملامحه وصورته على الأرض، بعد أن تم وصل الجنوب بكامله عبر الطريق الممتد من بوابة منطقة مرجعيون إلى سائر بلدات وقرى البقاع من خلال شراء كل الأراضي المسيحية في "جزين" وكفر حونة والقطراني وصولا إلى مشغرة التي تربط البقاعين الغربي والشمالي بالجنوب، وبهذه الطريقة يكتمل الهلال الشيعي الذي يحاصر كل المناطق السنية والمسيحية، وقد رصدت إيران لتحقيق هذا المشروع أكثر من خمسة مليارات دولار، لأنها ستكون مضطرة لشراء آلاف الهكتارات من الأراضي لوصل المناطق الشيعية ببعضها.
والذي يؤكد هذه المعلومات قيام متمولين شيعة وجمعيات شيعية أخرى بشراء الأراضي إما بأموال خاصة من المغتربين الشيعة في أفريقيا وإما من إيران.(45/107)
والخطير في هذا الموضوع أن المسيحيين في الجنوب وجزين لا يترددون في بيع أراضيهم في ظل الإغراءات المالية من أجل شراء الأراضي في كسروان وجبيل وغيرهما من المناطق المسيحية الصرفة أو بقصد الهجرة إلى كندا واستراليا أو فرنسا والولايات المتحدة، لذلك فإن البلاد تشهد حاليا فرزا ديمغرافيا ولكن بخطوات متباطئة ريثما يتقرر مصير اللعبة الكبرى.
واستنادا إلى مصادر في المعارضة فإن حزب الله سيحقق الهلال الشيعي وفق الأجندة الآتية:
1-…استكمال معالم هذا الهلال جغرافيا من خلال شراء ما تبقى من أراض في المناطق الممتدة من جسر الخردلي حتى مثلث كفر متى ـ كفر حونة ـ مشغرة، خصوصا أن هناك عددا من القرى المسيحية والدرزية التي مازالت تعوق هذا الهلال ولاسيما منطقة "طلة خازن" التي هي في الأصل مزرعة واسعة يملكها مواطنون دروز من آل علم الدين، من ثم شراء كل الأراضي من هذا المثلث وصولا إلى بلدة مشغرة بالذات.
2-…الإسراع في إقامة المجمعات السكنية وإنشاء المتاجر وأسواق الخضار وكل سبل الحياة في هذه المجمعات، وتاليا نقل بعض العائلات الشيعية من منطقة إلى منطقة، بحيث تصبح المناطق الشيعية مترابطة.
3-…تنفيذ العصيان المدني في المرحلة الثالثة من خلال الامتناع عن دفع كل الضرائب والرسوم إلى الدولة والامتناع أيضا عن دفع اشتراكات الماء والكهرباء، والهاتف الثابت، ودعوة موظفي الدولة الشيعة إلى عدم المداومة في مكاتبهم، يستثنى من هذا العصيان المطار والمرفأ. وفي حال نجاح هذا العصيان في مناطق معينة وفشله في مناطق أخرى، أي مناطق قوى 14 مارس "آذار" تتعرض البلاد إلى نوع من الانقسامات الحادة التي قد تشكل أمرا واقعا ديمغرافيا.(45/108)
4-…رفض الرئيس نبيه بري دعوة مجلس النواب للانعقاد طوال الدورة العادية للمجلس التي تبدأ في 20 مارس "آذار" وتنتهي أواخر شهر مايو "آيار"، وهذا يعني تعطيل الحياة التشريعية في البلاد ووقف عجلة الدولة وهذه الخطوة تزيد في الانقسامات.
5-…دفع البلاد إلى مزيد من التأزم السياسي ورفض أي حل لا يناسب المعارضة ويتعارض مع قرار المعارضة بالتحكم بالسلطات الثلاث: رئاسة الجمهورية، رئاسة مجلس النواب، والحكومة، إضافة إلى احتمال تفجير الأوضاع الأمنية، خصوصاً أن القنابل والعبوات الناسفة والمتفجرات الأخرى المتطورة تشكل في الأصل رسائل ضاغطة وتحذيرات بربط هذه المتفجرات بالصواعق اللازمة لتفجيرها. وهذا يؤدي حكما إلى حرب مذهبية وحرب أهلية.
6-…دفع البلاد إلى الفراغ الدستوري من خلال تعطيل الانتخابات الرئاسية وامتناع الرئيس إميل لحود عن تسليم صلاحياته وفقا لأحكام الدستور إلى مجلس الوزراء مجتمعا، لأن حكومة الرئيس فؤاد السنيورة غير شرعية وغير دستورية، وهذا أمر يدفع فريق 14 مارس "آذار" إلى الاجتماع برئاسة نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري وانتخاب رئيس جديد للجمهورية بالأكثرية المطلقة، أي 70 نائبا، وفي هذه الحال ترفض المعارضة الاعتراف بالرئيس الجديد، وهذا يعني أن البلاد أصبحت منقسمة على نفسها، الأمر الذي تعلن معه المعارضة حكومة الأمر الواقع.(45/109)
وفي ضوء هذه الانقسامات ينشأ وضع خطير في البلاد من حروب أهلية متنقلة، ومن فرز جغرافي وديمغرافي. بحيث يصبح لبنان يهدد السلام في الشرق الأوسط، لذلك فإن مجلس الأمن، بناء على توصية من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، وبناء على طلب الدول الكبرى الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، يتخذ قرارا سريعا بإرسال قوات دولية إلى لبنان لمساعدة الجيش اللبناني على فرض الأمن والاستقرار، إضافة إلى قوات دولية أخرى على طول الحدود مع سورية لوقف إمدادات الأسلحة، وفي هذه الحالة يتحول لبنان إلى يوغسلافيا ثانية، بحيث تقوم مناطق كيانية طائفية.
ولكن، في موازاة هذه الصورة السوداوية، هناك اتصالات ومشاورات في الداخل والخارج تهدف لإيجاد حل سريع للأزمة السياسية ومنع البلاد من الانزلاق في هذه الهوة العميقة.
ولهذه الحلول أكثر من محطة: الأولى في 11 مارس "آذار" حيث سيعقد في بغداد اجتماع دولي من أجل العراق بحضور إيران وسورية والدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، أي أن هذه الاجتماع سيكون مناسبة لتوجيه إنذارات أميركية وأوروبية حاسمة لإيران وسورية، فإذا تمكنت الدول الكبرى من فرض تسوية للأوضاع في العراق. فإن ذلك سينعكس على الأوضاع اللبنانية والعكس صحيح أيضا، والمحطة الثانية ستكون في الرياض حيث ستعقد القمة العربية في 28 ، 29 مارس "آذار" الحالي للبحث في أوضاع المنطقة وخصوصا أوضاع العراق ولبنان.
وفي أية حال، فإن معطيات المعارضة لا تدل على أن الأوضاع تتجه نحو التسويات والاستقرار بل تنذر بمضاعفات خطيرة على صعيد وحدة لبنان والوحدة الوطنية والاستقرار الأمني، لأن السلاح يتدفق بوفرة على كل الأحزاب والتنظيمات في فريقي السلطة والمعارضة.
حزب الله يطلب مفاوضات مباشرة مع إسرائيل في ألمانيا
السياسة الكويتية 11/3/2007(45/110)
…كشف ديبلوماسي عربي في العاصمة البلجيكية بروكسل النقاب أمس السبت عن أن قياديين اثنين من "حزب الله" اللبناني مضطلعين بالتفاوض مع مسؤولين إسرائيليين عبر الحكومة الألمانية في برلين حول تبادل الأسرى " طلبا هذا الأسبوع من الوسطاء الألمان نقل رغبتهما في لقاء الموفدين الإسرائيليين هؤلاء مباشرة في خطوة فاجأت كلاً من برلين وتل أبيب, إلا أن المفاوضين الإسرائيليين طلبوا العودة إلى حكومتهم للحصول على جواب حول رغبة حزب الله".…
…ونقل الديبلوماسي العربي لـ" السياسة " في اتصال به من لندن أمس عن ديبلوماسي ألماني زميل له في العاصمة البلجيكية التي تضم »المحطة الأضخم في أوروبا للاستخبارات الإسرائيلية« أن »طلب قياديي حزب الله لقاء مباشرا وجها إلى وجه مع البعثة الإسرائيلية للتفاوض على الأسرى هو الثاني من نوعه بعد طلب سابق عام 2003 خلال فترة التفاوض السابقة حول الأسرى رفضته حكومة رئيس الوزراء السابق أرييل شارون".…
…وأعرب الديبلوماسي الألماني عن اعتقاد حكومته أن طلب حزب الله مفاوضات مباشرة مع الإسرائيليين قد يكون ناجما عن إفراج إيران عن مطالبات سابقة للامين العام للحزب حسن نصر الله بالسماح له بالانخراط في لقاءات مباشرة مع الإسرائيليين كانت دائماً ترفض حصولها وذلك في خضم حملة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي العنيفة المتجددة على طهران لثنيها عن استكمال برنامجها النووي ورفع سقف العقوبات عليها التي قد تبلغ خلال الأسابيع الستة المقبلة مرحلة تشبه حصاراً عسكرياً وسياسياً وتجارياً شاملاً عليها يمنع أي مسؤول فيها أو ديبلوماسي لها في الخارج مغادرة بلاده أو التحرك بحرية تامة".…(45/111)
…ولمس الديبلوماسي العربي في بروكسل في "التقريظ" الذي وجهه حسن نصر الله في خطابه أول من أمس في بيروت لمناسبة ذكرى أربعين الحسين بـ"الديمقراطية" في إسرائيل و بـ "انتخاباتها البرلمانية الحرة", محاولة لـ" دعم مطلب موفديه إلى ألمانيا لعقد لقاءات مباشرة مع الإسرائيليين. لكن يبدو في اعتقاد (المسؤولين) الألمان أن الولايات المتحدة تمنع حكومة ايهود اولمرت من أي اتصال مباشر مع الحزب المدرج على لائحة الإرهاب الأميركية الدولية كما منعتها حتى الآن من عقد مفاوضات ولو سرية مع النظام السوري".…
ائتلاف المنظمات الإسلامية يوجه بيانا
إلى قادة الرأي بالأمة
حول المسودة المقدمة من لجنة مركز المرأة بالأمم المتحدة في الجلسة الحادية والخمسين
26 فبراير- 9مارس 2007
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نظرا للخطر الذي أصبح يهدد كيان الأمة من خلال الهجمة الشرسة على الأسرة، و الإصرار على هدم كيانها، و إحساسا منا بالمسؤولية الملقاة علي عاتقنا جميعا؛ ارتأينا أن نشرككم معنا في التصدي لما تواجهه الأمة ليس في دينها فحسب بل وقيمها الإنسانية، وإيمانا منا بحرصكم الشديد على المصلحة العامة - وكما عهدناكم في خدمة هذا الدين والذود عنه - وعليه فإننا نلجأ إليكم لتتعاونوا معنا من خلال موقعكم، ونحيط سيادتكم علما بأننا قد تمكنا من خلال موقعنا من إلقاء بيان أمام الوفود المجتمعة في الأمم المتحدة؛ لتوضيح موقف المنظمات الإسلامية تجاه ما أثير من قضايا، فضلا عن التحاور مع الوفود الرسمية للتمسك بالتحفظات.
…ونقترح عليكم الدعم في الدفع للتمسك بالتحفظات على المواثيق التي تتعارض مع القيم الإسلامية و الإنسانية، وألا تتبنى الوفود الرسمية الممثلة للدول العربية والإسلامية مشروع وثيقة القضاء على كافة أشكال التمييز ضد الطفلة بكل موادها، و أن لا تقبل أن تُفرض على الدول المواثيق المشار إليها لاحقا كمرجعية قانونية تلزم بتطبيقها رغم التحفظات.(45/112)
…ذلكم أهم النقاط الحرجة التي تشكل الخطر إذا ما تمت المصادقة عليها، والموجودة في المسودة المطروحة و التي سيتم التوقيع عليها.
…وقد بدأت بعض الدول في الاستجابة للضغوط، حيث رفعت كل من مصر وسوريا تحفظاتها عن اتفاقية حقوق الطفل، ووعدت سوريا برفع التحفظات عن اتفاقية سيداو - القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة - ... ونخشى أن تنتقل العدوى لباقي الدول. و إذا ما تعهدت أي دولة برفع التحفظات، فسيكون من الصعب جدا التراجع... لذا فنحن نهيب بكم سرعة التحرك، والتواصل مع الجهات المعنية - حكومات ووزارات الخارجية - حتى تتواصل بدورها مع الوفود المشاركة في هذه الجلسة، للتمسك بالتحفظات، وعدم الرضوخ للضغوط الدولية المتزايدة والمستمرة. والله الموفق و هو يهدي السبيل
منسق ائتلاف المنظمات الإسلامية
اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل
نيويورك 3 مارس 2007
دراسة اللجنة حول المسودة
…دأبت الأمم المتحدة على إصدار الوثائق المتتالية من خلال المؤتمرات المتتالية الخاصة بالمرأة والطفل، مدعية العمل من اجل الارتقاء بهما، وتحسين وضعيتهما، وحمايتهما من العنف ..
…ومن أخطر الوثائق التي صدرت عن هذه المؤتمرات، اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) والتي تقوم بالأساس على إلغاء كافة الفوارق – حتى البيولوجية منها- بين الجنسين، وما يترتب عليها من أدوار داخل الأسرة، وإلحاقها بوثيقة بكين التي تعد وثيقة سياسات وآليات لتطبيق بنود سيداو.
…وتطرح تلك الوثائق فكرا مستخدمة مجموعة من المصطلحات بدون وضع تعريفا واضحا، أو تعريفا شديد العمومية بحيث يتسع للعديد من المفاهيم. وتظهر المعاني الحقيقية لتلك المصطلحات من خلال آليات التطبيق. وعلى سبيل المثال، مصطلح "العنف ضد المرأة" الذي فسرته آليات التطبيق بأنه يشمل: ما ينبني على القوامة من الطاعة للزوج ورعاية الأسرة، والأمومة باعتبارها عملا غير مدفوع الأجر.(45/113)
…كما تحمل تلك الوثائق تناقضا واضحا، بين المطالبة بإعطاء الفتيات والنساء الحق في الممارسات الجنسية خارج نطاق الزواج، وبين المطالبة بتجريم الزواج المبكر (تحت 18 سنة) والعمل على رفع سن الزواج بشكل مستمر.
…كما تطالب تلك الوثائق بالاعتراف بالشواذ، وذلك من خلال استبدال مصطلح "الجنس Sex" والذي يعني ذكرا أو أنثى بمصطلح "الجندر بمعنى النوع Gender" والذي يشمل الذكر والأنثى والشاذ والشاذة ..الخ.
…وفي مجال مواجهة مرض الايدز –والذي نرى أن السبيل الوحيد للوقاية منه هي نشر ثقافة العفة في المجتمعات- تنسب الأمم المتحدة انتشار المرض إلى "وصمة العار Stigma" التي تمنع المريض من الإفصاح عن مرضه (وكأن هذا هو السبب الرئيسي في انتشار المرض، وليس ممارسة الشذوذ أو الزنا) ووفقا للأمم المتحدة، فإن وصمة العار هذه سببها وجود "العادات والتقاليد والأديان"، ولا سبيل للقضاء عليها إلا بتغيير العادات والتقاليد وتحدي الأديان، وما سينبني عليه من برامج إعلامية، وتعليمية، وثقافية، تتلقى الدعم الوافر من الأمم المتحدة، لتغيير نظرة المجتمع نحو الشواذ والزناة، ومن ثم تقبلهم مما يؤدي إلى إزالة وصمة العار، وكسر حاجز الصمت الذي يمنع مريض الايدز من الإفصاح عن مرضه. وبالتالي تتخذ ذريعة للتخلص من الأديان والقيم التي تحفظ المجتمعات من الانحلال والتي تعد العقبة الكئود في سبيل التطبيق الكامل لتلك الوثائق المشبوهة.
…وقد وقعت معظم دول العالم على تلك الاتفاقيات، وتحفظت الدول الإسلامية على البنود التي تخالف الشريعة الإسلامية، ولكن تسعى الأمم المتحدة سعيا حثيثا لرفع تلك التحفظات، وذلك بممارسة ضغوطا عديدة على الحكومات تبدأ بربط المساعدات التي تقدمها الدول المانحة بتطبيق بنود تلك الاتفاقية، ثم إغداق الأموال على الجهات التي تتبنى تطبيق البنود تطبيقا كاملا بلا أي تحفظ.(45/114)
…وتعتبر المنظمات غير الحكومية التي تعتمد في تمويلها على الأمم المتحدة، هي الذراع الطويلة الممتدة داخل الدول، والتي تقوم بدور لا يستهان به في نشر الثقافة التي تحملها تلك الوثائق داخل المجتمعات، ومن جهة أخرى تمارس ضغطا شديدا على الحكومات، وذلك عن طريق صلتها القوية بالأمم المتحدة، وتقديم التقارير الموازية لتقارير الحكومات، والتي تعتمد على فضح تقارير الحكومات، وإظهار تلك التقارير بأنها تقارير ملفقة لا تعبر عن الواقع. كما تضغط ضغطا شديدا لتغيير قوانين الأحوال الشخصية، بحيث تكون تلك الاتفاقيات هي المرجعية الأساسية فقط عوضا عن الشريعة الإسلامية.
…وقد رصدنا من خلال مشاركتنا ضمن ائتلاف المنظمات الإسلامية في الجلسة الواحدة والخمسين للجنة مركز المرأة، عدد من النقاط الحرجة الموجودة في المسودة التي سيتم التوقيع عليها، والتي تمثل خطورة شديدة على الأسرة والمجتمع نوردها فيما يلي:
1- في البنود من 1- 10: تم التأكيد على الالتزام بما ورد في الاتفاقيات الدولية السابقة كوثيقة بكين والسيداو واعتبارها الإطار القانوني لحماية ودعم "حقوق الإنسان للفتيات"، وذلك في تجاهل واضح للتحفظات التي تم وضعها من قبل الدول على تلك الوثائق.…
2- في الفقرة a من البند 11 والتي تنص على :
11- a. Ratify without reservations the Convention on the Rights of the Child and the Convention on the Elimination of All Forms of Discrimination against Women and their respective Optional Protocols, (SG report girl child OP 51 a) and ensure that they are incorporated into national law and become fully applicable in domestic legal systems; (SG report girl child OP 51 c)(45/115)
…طالب التقرير بالتصديق بدون تحفظات على اتفاقية حقوق الطفل واتفاقية السيداو والبروتوكول الاختياري الملحق بكل منهما، والفقرة بهذا النص تشكل ضغطا لرفع جميع التحفظات عن هذه الاتفاقيات عند توقيعها، وتكمن الخطورة في ذلك أن البنود التي تم التحفظ عليها في تلك الوثائق من قبل الدول الإسلامية، إنما لتعارضها الصريح مع الشريعة الإسلامية
3- في الفقرة f من البند 11 والتي تنص على:
f. Review, enact and strictly enforce laws and regulations concerning the minimum legal age of consent and the minimum age for marriage, raising the minimum age for marriage where necessary, and generate social support for the enforcement of these laws, inter alia, through increasing educational opportunities for girls (SG report girl child OP 51 e) and advocating the benefits of keeping girls in schools0…
والتي تضمنت تحديد السن القانوني لممارسة الجنس، وكذا السن القانوني للزواج، ثم طالبت برفع سن الزواج )فقط) إذا لزم الأمر.
4- في الفقرة a من البند 12 والتي تنص على:
12- a. Redouble their efforts to meet the target of eliminating gender inequalities, in primary and secondary education by the earliest possible date and at all educational levels by 2015; (based on WSO OP 58 a)
…طالبت بمضاعفة الجهود والتأكيد على إزالة الفوارق القائمة على الجندر في مناهج التعليم الابتدائي والتعليم الثانوي )يعني إزالة جميع الفوارق بين الجنسين (حتى الفوارق البيولوجية، والتي يشير لها مصطلح الجندر) وتنشئة الأولاد والبنات على ذلك.
5- في الفقرة b من البند 12 والتي تنص على:(45/116)
b. Identify constraints and gaps and develop strategies to ensure accelerated achievement of equality in enrolment and completion of schooling at the primary and secondary levels for all girls, including pregnant girls and young mothers (SG report girl child OP 52 x) and promote gender-sensitive, empowering educational processes, by reviewing and revising as necessary, school curricula, formal and non-formal educational materials and teacher-training programmes, and encourage and support girls’ interest and involvement in fields and occupations traditionally dominated by men; (SG report girl child OP 52 y and aa)
…تضمنت تحديد الفجوات وخلق استراتيجيات لضمان تقدم متسارع في التحاق البنات في التعليم الابتدائي والثانوي بما فيهن "البنات الحوامل" و "الأمهات الصغيرات" دون تحديد ذلك ضمن إطار الزواج مما يعطي المبرر مستقبلا لممارسة الزنا بين الأولاد والبنات ووجوب تقبل ذلك في المجتمعات
6- في الفقرةk من البند 12 وتحت عنوان "الصحة" والتي تنص على:
k. Make widely available comprehensive information and counseling to girls and boys, including in school curricula, on human relationships, sexual and reproductive health, sexually transmitted diseases, HIV/AIDS, and the prevention of early pregnancy, that are confidential and easily accessible and emphasize the equal responsibility of girls and boys; (based on SG report OP52 j and AC girl child 1998 C)(45/117)
…طالبت بتقديم معلومات متكاملة للأولاد والبنات وتضمينها في المناهج الدراسية، حول العلاقات بين الناس، والصحة الجنسية والإنجابية (والتي تتضمن ضرورة تقديم المعلومات حول كيفية ممارسة الجنس مع التحكم في توقيت حدوث الحمل فيما يعرف بالجنس الآمن Safe sex، والذي يشمل الأشكال المختلفة للممارسات الجنسية ومنها الشذوذ. كما تشمل الصحة الإنجابية تيسير وصول المراهقين إلى وسائل منع الحمل، وطرق التخلص من الحمل الناتج عن تلك العلاقات والذي يسمى بالحمل غير المرغوب فيه عن طريق تقنين الإجهاض ليصبح مباحا وقانونيا وتسميته بالإجهاض الآمن) وطرق الوقاية من الحمل المبكر مع مراعاة السرية والخصوصية في حصولهم عليها، وضمان سهولة الوصول إليها مع التأكيد على تساوي المسئولية بين البنات والأولاد (أي المسئولية في استخدام وسائل منع الحمل)، وذلك كما أشار تقرير لجنة الخبراء الصادر عن قسم الارتقاء بالمرأة DAW للجلسة الحادية والخمسين
7- في الفقرة n من البند 12 وتحت عنوان "الإيدز" والتي تنص على :
n. Take appropriate measures to provide a supportive environment for girls infected with, and affected by, HIV/AIDS, including by providing appropriate counselling and psychosocial support, ensuring their enrolment in school and equal access to shelter, nutrition, health and social services, as well as to protect them from all forms of stigma, discrimination, violence, exploitation and abuse; (SG report girl child OP 52 m)
…في الفقرة مطالبة برفع الوصمة عن مريض الإيدز وفي هذا التفاف حول المعنى فعادة ما تكون الآليات الموجهة لرفع الوصمة عن الممارسات المؤدية لانتقال مرض الايدز كالزنا والشذوذ ونحوه وليس عن المرض بحد ذاته بحيث يتقبل المجتمع مثل هذه الممارسات.
8- في الفقرة q من البند 12 وتحت عنوان "عمالة الأطفال" والتي تنص على:(45/118)
q. Raise government and public awareness as to the nature and scope of the special needs of girls employed as domestic workers and of those performing excessive domestic chores in their own households, and develop measures to prevent their economic exploitation and sexual abuse, (AC girl child 1998 F) and ensure that they have access to education and vocational training, health services, food, shelter and recreation; (SG report girl child OP 52 o)
…طالبت الوثيقة برفع الوعي الحكومي والعام حول "الاحتياجات الخاصة" بالفتيات العاملات في المنازل واللاتي يمارسن –وفقا للوثيقة- "عملا منزليا مكثفا في بيوتهن" واعتبرته "استغلالا اقتصاديا" (حيث أن هذا العمل يكون غير مدفوع الأجر) وطالبت بآليات لمنع "استغلالهن اقتصاديا" وانتهاكهن جنسيا ، والتعليق هنا على تعبير " واللاتي يمارسن عملا مكثفا في بيوتهن" فما المقصود به وما هي مقاييسه ، وما هو المقصود بالاستغلال الاقتصادي للفتاة العاملة داخل بيتها، وهل يكمن ذلك في عدم تلقي الفتاة أجرا من أهلها مقابل العمل الذي تقدمه في بيتها وهو ما اعتبره تقرير الخبراء من أسوأ أشكال عمالة الأطفال؟
9- في الفقرة t من البند 12 وتحت عنوان "العنف" والتي تنص على :
t. Provide age-appropriate and gender-sensitive services to girl victims/survivors of all forms of gender-based violence, including comprehensive programmes for the physical, psychological and social recovery such as health, counseling and legal services, hotlines/hiplines and shelters, and ensure adequate human and financial resources for these services; (A/RES/61/413 OP6 and SG report girl child OP 52 h)(45/119)
…طالبت الوثيقة برفع "الحساسية الجندرية" للفتيات ضحايا أو الناجيات من العنف المبني على الجندر، وهو تعبير مطاط يحتاج لتعريف واضح (فقد ورد في تقرير الخبراء: أن رفض المجتمع للفتيات السحاقيات يعد نوعا من العنف ضدهن، وذلك بناء على ما يسمونه بالهوية الجندرية، والتي تعني إحساس الفرد بذاته، ذكرا او أنثى بغض النظر عن تركيبه البيولوجي، وتحدد الهوية الجندرية للفرد توجهه الجنسي، أي ميله الجنسي نحو احد الجنسين). وقد أوصى تقرير لجنة الخبراء بإعطاء الفتاة حق اختيار جنسها، وبالتالي حق اختيار توجهها الجنسي، وعدم اجبارها على توجه جنسي معين.
10- في الفقرة 14 والتي تنص على :
14. The Commission calls on Member States and international and non-governmental organizations to mobilize all necessary resources, support and efforts, including at the international level, to realize the goals, strategic objectives and actions set out in the Beijing Platform for Action with regard to the elimination of all forms of discrimination and violence against the girl child and the further actions and initiatives to implement the Beijing Declaration and Platform for Action (based on A/RES/60/141 OP 19) Support to the UN system.
يعود للتأكيد على الالتزام بتطبيق البنود الواردة في وثيقة بكين لإزالة جميع أشكال التمييز والعنف ضد الفتاة دون ذكر للتحفظات
11- في الفقرة 15 والتي تنص على :(45/120)
15. The Commission urges all Member States, as well as multilateral, financial an development institutions to support the entities of the United Nations system, especially its funds and programmes, to increase their efforts, including through the UN Country Teams, to strengthen their country-level advocacy and their technical capacities to address all forms of discrimination and violence against the girl child. Participation of girls in decision-making
طالبت بالتعاون التام مع أجهزة الأمم المتحدة لإزالة جميع أشكال التمييز والعنف ضد الفتاة وهذا تعبير مطاط غير محدد يحتاج لتوضيح وتحديد وهل يعني إزالة جميع الفوارق بين الجنسين واعتبار ما يخالف ذلك عنفا ؟
الإخوان التيجانيون.. الرهان الجديد في الجزائر
سامية بن معروف - باحثة جزائرية ( باختصار)
موقع مركز دراسات الظاهرة الإسلامية
مقدمة:
…احتضنت الجزائر خلال شهر نوفمبر المنصرم من سنة 2006 ملتقى دوليا للإخوان التيجانيين لأول مرة في تاريخ الجزائر وربما في حاضر الدول العربية والإسلامية أسال حبر الكثير من الكتاب والباحثين, والمعلقين وقد جاء كحتمية لتوجه الدولة الجزائرية نحو دعم نشاط الزوايا والطرق الصوفية بالجزائر إذ بدا هذا التيار واضحا بعد مجيء الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى سدة الحكم كما جاء أيضا بعد مشروع المصالحة الوطنية وما تبعه من ردود أفعال بين مناصرة ورافضة له وكذا المزايدات السياسية عليه .(45/121)
…ويبدو من الوهلة الأولى أنه ليس عيبا أن تولي الدولة و أجهزتها اهتماما و انشغالا بالمؤسسات التقليدية ذات الطابع الديني و الثقافي في المجتمع، و هي مؤسسات ترتبط جذريا بثقافة الشعب و تصوراته للكون و الحياة تعرف في أرجاء المغرب العربي بالزوايا و الكتاتيب. و عادة ما يدرج هذا الاهتمام في سياق تنمية الثقافة المحلية والمحافظة على الهوية والشخصية الوطنية و تحسيس الأجيال بانتمائهم الحضاري والتاريخي، والتواصل المعرفي بين مختلف الأجيال و هو ما تقوم به أي دولة في العالم.
…إلى هنا يكون الأمر طبيعيا، غير أن ما يلاحظ في الآونة الأخيرة من عودة مفاجئة لهذا التوجه وتحت عناية سامية ممثلة في رئيس الجمهورية و بعض الوزارات كالشؤون الدينية من خلال ضخ الأموال ودعم المسؤولين من اكبر مسؤول في الدولة إلى رؤساء بعض الأحزاب..الشئ الذي ، يثير الكثير من الشكوك و يدفع إلى طرح بعض التساؤلات من قبيل: لماذا كل هذا الاهتمام "بالإسلام الشعبي" القائم على الخرافة و الأسطورة ؟ و لماذا اختيار هذه الفترة بالذات ؟ و هل هناك نية حقيقية لتحديث الزوايا و إيقاظها لتؤدي دورها الحضاري في المحافظة على الشخصية الوطنية أم هو خطة لتحضيرها و إعادة تشكيلها لمواجهة الإسلام السياسي العدو التقليدي لها ؟ ما هي الرسالة التي يراد إيصالها؟.
…هل أصبحت التيجانية هي الحصان الذي تركبه السلطات الجزائرية لمحاربة الإرهاب كما جاء في الصحف, هل التيجانية وهي طريقة صوفية هي المخرج للشعب الجزائري من التطرف والإرهاب؟؟؟
…ثم سؤال أخر ما موقع الحركات الإسلامية المعروفة في الجزائر وعلى رأسها حركة الإخوان المسلمين وبقايا تلامذة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين و تلامذة مالك بن نبي من هذا التوجه؟؟؟
…ما هو الغرض من هذه الحملة و هل من أهدافها الخفية تهميش دور الحركات الإسلامية المعتدلة الرئيسية في الجزائر؟؟(45/122)
…أم أن الهدف هو أكبر مما يتصوره الإسلاميون من ضرب لنفوذهم بل يمتد إلى تقليص الفكر التغريبي والفكر الاستئصالي والنزعة الامازيغية لدى البعض علما وأن بلاد القبائل بها الكثير من الزوايا ورجالاتها يحضون باحترام كبير لدى الأوساط الشعبية وكلمتهم مسموعة ونافذة أكثر من نفوذ السلطة في حد ذاتها. أم أن القضية أوسع وأشمل من الحدود الجزائرية وتشمل رهانات دولية أخرى تأتي إفريقيا في مقدمتها.
الاستعمار الفرنسي والطرقية:
…كان للاستعمار الفرنسي بالجزائر دورا كبيرا في إحياء الطرقية وتشجيعها من خلال تشجيع إقامة المراسيم والطقوس العقائدية الخاصة بكل طريقة.
…تاريخيا، كانت الاحتفالات تقام في أمكنة و أزمنة اكتسبت مع الوقت قدسية خاصة تصاحبها مجموعة من الشعائر و الطقوس تصل إلى حد الاعتقاد الخاطئ بها. و حسب دراسات اجتماعية فان هذه الاحتفالات و 'الوعدات 'عرفت تطورا ملحوظا إبان فترة الاستعمار، و هي تقوم أساسا على فكرة التسليم و الخضوع لقوى ميتافيزقية تنسب إليها الخير و الشر. ووفق هذه التصورات تشكلت البنية الذهنية و السلوكية للمريدين و ما يعرفون "بخدام الأضرحة".
…وتحول الدين الذي يحث أتباعه على الأخذ بالأسباب و التحرك نحو التغيير إلى طقوس تثير حالة من السكون في الإنسان و الانجذاب نحو الطوطم سواء كان إنسانا أو حيوانا أو شيئا، منزوع الإرادة و القدرة و لا خيار أمامه إلا الخضوع و الإذلال لأمر الواقع.(45/123)
…لقد ابتليت الشعوب في العالم الإسلامي ومنها الجزائر في ذلك الوقت بهذه الظواهر المتخلفة حتى أصبح الاستعمار في نظرهم قضاء و قدرا محتوما. يشير محمد إقبال إلى رسوخ هذا الفكر السلبي البعيد عن صميم العقيدة الإسلامية الصحيحة في ذهن المسلم حتى غدت هذه الأنماط من التفكير عقبة في طريق التحرير ومقاومة الاستعمار، و على هذا الصعيد ناضل إقبال ليثبت ويبرهن أن المؤمن في ذاته هو قضاء الله و قدره المحتوم يقول متمثلا " سألني ربي: هل ناسبك هذا العصر و انسجم مع عقيدتك و رسالتك ؟ قلت: لا يا ربي، قال: فحطمه و لا تبالي".
…إن القرآن الذي انزل على النبي الكريم ليشق لنا دروب الحياة و يعلمنا كيف نحيا وكيف نختار الحياة التي نريد أضحى عند الطرقيين و ممن ينتسبون زورا و بهتانا إلى التصوف مصدرا للاستسلام و الموت، يقول اقبال" انك ايها المسلم لا تزال اسيرا للمتزعمين للدين، والمحتكرين للعلم، ولا تستمد حياتك من حكمة القرآن رأسا، إن الكتاب الذي هو مصدر حياتك و منبع قوتك، لا اتصال لك به إلا إذا حضرتك الوفاة، فتقرأ عليك سورة 'يس' لتموت بسهولة، فواعجبا قد أصبح الكتاب الذي انزل ليمنحك الحياة والقوة يتلى الآن لتموت براحة و سهولة".
…تفطن المستعمر الفرنسي إلى أهمية هذه الأفكار و أدرك ضرورة توظيفها في مشروعه الاستيطاني، حيث استخدمها في التشويش على الثورة في الجزائر و كسب الوقت و الضغط على رجال الإصلاح كما هو الحال مع أعضاء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين حتى أطلقوا عليهم استهجانا "البادسيين" نسبة للشيخ العلامة عبد الحميد بن باديس الذي كرس كامل جهده وأصحابه معه في محاربة هذا الفكر الراكد.
…لقد مدت الإدارة الاستعمارية كل العون و التقدير للطرقيين و شدت على أيديهم، فكانت تشاركهم في توفير شروط الأمن و السلامة لزوار و مريدي الأضرحة سنويا و لا يدفع المتنقلون في القطارات إلا نصف التسعيرة.(45/124)
…وذكر في هذا الصدد المؤرخ الفرنسي اميل دارمنغهم Emile Dermenghem1945) أن ضريح الولي سيدي عابد كان يزوره سنويا من 80 إلى 100 ألف زائر من الجزائر العاصمة ووهران ومناطق أخرى.
…ويتم الاحتفال تحت حراسة الدرك والأمن الفرنسيين المجندين خصيصا لهذه الوعدات ، لا يحتاج الإنسان إلى كثير من الجهد ليكتشف مساحة التقاطع بين السلطة المعنوية/الروحية للطرقيين و بين السلطة السياسية/العسكرية للفرنسيين، الأمر الذي افرز نوعا من التعاون كانت نتيجته محافظة فرنسا على المركز الروحي للأمكنة التي يشرف عليها مشايخ الطرقية و ذللت لهم الصعوبات للتغلغل بين أبناء الشعب الفقراء كما ساهمت في الانتشار المذهل للزوايا.
…والتي بلغ عددها حوالي 349 زاوية آنذاك. و من جهة أخرى قامت الإدارة الاستعمارية بغلق مؤسسات و مدارس جمعية العلماء المسلمين و مطاردة علماءها و التضييق عليهم، لتفسح المجال أمام الخط الذي يمثل التدين الشعبي المغشوش ليخدر الشعب و يغذي مخياله الجماعي بالأساطير و الخرافات التي تجعله في النهاية يعيش الأوهام و يطلب المحال و تنزع منه كل أنماط التفكير الناقد و السببي الذي يثير التساؤلات والشكوك.
…من هذا المدخل حاول الاستعمار تقديم التدين الخرافي كبديل عن الإسلام السياسي الثوري، بحكم أن الأول مبني على الحكاية و الأسطورة و تغذية الخرافات و جعل أتباعه عاجزين عن مواجهة الواقع و استيعاب مشكلاته و هو ما يوصل إلى الإذلال و الاستعباد.
…بينما الثاني فهو قائم على فكرة واعية، ناقدة، ثورية ، المؤمن فيه لا يجاري الأوضاع بل هو مكلف بتغييرها، وهو على جاهزية تامة للتضحية من اجله. لقد اختار الاصلاحيون زمن الاحتلال هذا النهج و سعوا إلى نشره في أرجاء الوطن .(45/125)
…فالكتب والرسائل التي الفوها هي تعبير عن طبيعة الصراع القائم مع الفكر الطرقي آنذاك، و تعتبر كتابات الشيخ عبد الحميد بن باديس مثالا على ذلك حيث تركزت على تصحيح العقيدة و كشف الزيغ و التشويه الذي تنشره الطرق المنحرفة ، إضافة إلى كتابات أخرى للشيخ البشير الإبراهيمي و المبارك الميلي "الشرك و مظاهره" و لعبد الرحمن المجاوي (ت1912) "اللمع في إنكار البدع" وكتاب "آداب الطريق في التصوف" لابن الموهوب (ت1939)الذي حمل فيه على البدع و الطرقية و لأبو يعلي الزواوي (ت1952) "الإسلام الصحيح".
…ويمكن إحصاء الكثير من الكتب والرسائل التي الفت لبيان دعاوي الطرقية وفساد عقيدتها وخطورتها على مستقبل الأمة, وقد تحمل رجال الإصلاح في سبيل ذلك كل الضغوط و الإكراهات حيث وصلت إلى حد الاغتيالات والنفي.
…لقد كان الاستعمار يرى في هذا التدين الخرافي سبيلا إلى تحطيم العقيدة الصحيحة وتوجيه الشعب الوجهة التي يريدها بتشجيعه الثقافة السلبية والتصورات الفاسدة التي علقت 'بإنسان ما بعد الموحدين'، مستغلا الجهل المطبق وسرعة ارتباط الناس بالأوهام والخرافات. ولم تكن الأمية حصرياً على العامة فقط بل حتى شيوخ الطرقية وروادها كانوا يحملون ويبشرون بالقيم الفاسدة والتدين المغشوش فهاهو احمد توفيق المدني يتساءل في مذاكراته عن ابن عليوة(ت1934) المشهور بالعلوي المستغانمي -وهو المعروف بعدائه الصريح للحركة الإصلاحية- بقوله:" لا أزال في حيرة من أمره ولن أزال، كيف يمكن من إنشاء طريقة صوفية وهو شبه أمي؟ وكيف كان له سلطان على الناس وهو لا يكاد يبين ؟(45/126)
…لقد تظافرت السلطتان الإستعمارية والروحية من اجل تخدير الشعب وتركه يموج من بحر من الخرافات أساسها تقديس الأشخاص، و سيستمر هذا التقديس إلى مرحلة ما بعد الاستقلال أين نرى استعمال المواطنين لمفردة ' سيدي الرايس' بنفس المضمون الروحي والرنين القدسي المهيب الذي كان يستعمله المواطن البسيط عند لقاء شيخه أو زيارة ضريح ولي فيبدأ طلبه وتضرعه بقوله 'سيدي فلان..'.
…هذا هو واقع الطرقية أبان الاستعمار الفرنسي للجزائر وبعد الاستقلال قام الشعب الجزائري بالنبذ الكلي للطرقية وأهلها إلا من رحم ربك من الكتاتيب والزوايا التي بقيت محافظة على أصالتها ودورها الريادي والحضاري في تلقين علوم الدين وتحفيظ القرآن الكريم والمحافظة على الانتماء الإسلامي للأمة الجزائرية كالمدارس و الكتاتيب و بعض الزوايا التي أدت دورها في المقاومة و عبر ترسيخ كتاب الله تعالى في صدور أبناء الجزائريين داخل القرى والمداشر.
…في الواقع إن الدين الذي يمثل الخلاص للشرائح الاجتماعية الأقل حظوة هو نفسه الدين الذي تلبسه الفئة الحاكمة لإضفاء الشرعية و المحافظة على مركزها الاجتماعي حسب نظرية ماكس فيبر. و بهذا الأسلوب يراد للطقوس و الخرافات في الجزائر أن تتحول من كونها حكايات تروى إلى هوية تشكل الجيل الجديد من الجزائريين.
…لكن ماذا عن هوية قائمة على الزيف و الضلال ؟ إن محاولة بعث الخرافات و الطرقية من جديد إنما هو علامة على التقهقر و عودة إلى ما قبل 1930 سنة تأسيس الحركة الإصلاحية. وأن الاستقلال الحقيقي ليس هو التحرر من الاستعمار فحسب، بل يمتد إلى التحرر من كل أعراض الظاهرة الاستعمارية.
والسؤال الجوهري الذي نصل إليه الآن هو من يمثل حقيقة هذا التوجه في الجزائر, السلطة أم أن هناك قوى أخرى وإذا كانت السلطة في الجزائر تدعو إلى الوسطية والاعتدال لماذا تقف في وجهة حركة الإخوان المسلمين الذين تمثلهم حركة مجتمع السلم.(45/127)
…وهل معنى مشاركة حركة مجتمع السلم في السلطة هو عبارة عن محاولة أخرى لتهجين التيار الاخواني مثلما تم تهجين كل من حركة الإصلاح الوطني وحركة النهضة اللتان غرقتا في صراعاتهما الداخلية وحمى الانشقاق وتمرد المناضلين فلم يعد لهما صوت يسمع ولا رأي يؤخذ بهظ…
…وإذا كانت فعلا السلطة تتبنى الاعتدال وتتبنى المشروع الإسلامي فلماذا إذن التوجه نحو الطرقية وتشجيعها وتزويدها بالأموال أليس هذا مسعى لإيجاد بديل آخر أليس هذا هو نفس الهدف عندما أوعزت السلطة لإيجاد بديل لجبهة التحرير الوطني بتكوين حزب التجمع الوطني الديمقراطي الذي أمتص الكثير من كوادر جبهة التحرير حيث كان مدة من الزمن في دواليب الحكم استعملته السلطة لإسكات بعض الأصوات هنا وهناك المطالبة برحيل الحزب العتيد لكن ما هو ملاحظ أن هذه البدائل تكون دائما إلى جانب السلطة أي أن هذه البدائل تدور دائما في فلك السلطة تلجأ إليها في كل مرة تكون فيها تحت الضغط وذلك بإعادة تكييف نفسها تحت تسميات مختلفة. إن الضغط الذي تواجهه الآن السلطة في الجزائر يتمثل في ثلاثة محاور:
…الأول: التيار الإسلامي المعتدل الذي بدأ يأخذ مكانه في المجتمع الجزائري ويطالب بالمزيد من المشاركة في الحكم .
…الثاني: التيار الديمقراطي الذي يحاول أن يعيد هيكلة نفسه وتحصينها بفضل اختراقه للمنظومة الاجتماعية والثقافية والتعليمية والعزف على وتر البعد الامازيغي للجزائر.…
…الثالث: وهو تيار مافيا المال والأعمال والذي كشفت محاكمة الخليفة التي تجري وقائعها بولاية البليدة عن الكثير من خباياه وتورط الكثير من الساسة والمسؤولين السامين في الدولة والذي يهمهم الآن بقاء السلطة على شكلها الأول لتوفير الغطاء والحماية لهم وعدم انكشاف أمرهم.(45/128)
…إذن ومن خلال ما تقدم فان تشجيع السلطة للزوايا يرمي بالدرجة الأولى إلى إيجاد حماية كافية لها أو ربما إيجاد نوعية جديدة من الشرعية لبقائها في سدة الحكم وهي في نفس الوقت تضرب أعداءها من الإسلاميين والمتطرفين الامازيغ باللعب في عقر دارهم وباستعمال نفس الوسائل ونفس التسميات ويبدو أن الخاسر الكبير هم أصحاب الاتجاه الديمقراطي اللائكي – العلماني - الذين لن يبقى لهم الشيء الكثير للمراهنة عليه أما أصحاب المال والنفوذ فهم حتما ينتظرون ما ستؤول إليه مجريات محاكمة القرن للتموقع من جديد غير أن المثير حقا في هذه الموضوع هو الخلاف الذي ظهر فجأة بين الجزائر والمغرب حول أحقية تواجد مقر الخلافة التيجانية على أرض كل واحدة منها لتتوجه الأنظار إلى معطيات أخرى مغايرة تماما تأخذ البعد الإفريقي بعين الاعتبار.
الخلاف حول المقر العام للخلافة التيجانية:
…مكمن الخلاف بين الجزائر والمغرب حول هذه النقطة هو على خلفية الصراع بين المغرب وجبهة البوليزاريو وموقف الجزائر الداعم للقضية الصحراوية حيث أن المغرب ترى في لم الجزائر لشمل الأفارقة مدخلا آخر لحشد الأصوات والدول ضدها في قضية الصحراء الغربية كما يرى المغرب أن هذه النقطة هي ورقة ضغط أخرى تمارسها الجزائر ضدها لكسب الأفارقة إلى جانب الصحراء الغربية بالنظر إلى الحجم الكبير الذي تحظى بها الطريقة التيجانية لدى الأفارقة خاصة في السنغال والسودان
…كان غياب الوفد المغربي الذي تلقى دعوة رسمية لحضور الملتقى قد أثار إستفهامات عديدة لدى الحاضرين عن خلفية هذا الموقف وقد كان مسؤولا بلجنة التنظيم رفض الإفصاح عن هويته قد أعلن لموقع العربية. نت أن الجزائر وبغرض ضمان مشاركة الوفد المغربي أسقط حضور الوفد الصحراوي من قائمة المدعوين لكن ذلك لم يشفع لها في كسب رضي القصر الملكي في الرباط .(45/129)
…والشئ الذي كان لافتا للانتباه أيضا في الملتقى هو المشاركة القوية للوفد السينيغالي الذي شارك بـ31 شخصية ومعروف أن السينيغال لديها كلمة مسموعة ونافذة لدى التيجانيين في كل أنحاء العالم وليس في إفريقيا فقط إلى جانب الوفد السوداني
…ظاهر الصراع بين الجزائر والمغرب هو مكان تواجد الخلافة فالجزائر ترى أن سيدي أحمد التيجاني مولود في عين ماضي بالجزائر فهي بالتالي الأحق في احتضان مقر الخلافة في حين أن المغرب ترى أن سيدي أحمد التيجاني مدفون بأراضيها فهي الأحق بأن تكون مقر الخلافة لديها لكن الحقيقة هي أن الذي يسطر على الطريقة التيجانية يكون قد سيطر على أفريقيا كلهاز
…ويبدو أن الجزائر هي السباقة لهذا الاكتشاف حيث أن المغرب كانت استفاقته متأخرة نوعا ما فالطريقة التيجانية هي بوابة إفريقيا الجديدة وهي الورقة الرابحة في العلاقات الإفريقية إذ تعطي لصاحبها حق الامتياز في كثير من الأمور وحق الحل والربط في الشؤون الإفريقية .
…إذن فورقة الطرقية هي أكبر بكثير مما يتصوره البعض وهو استعمال مقنع للدين من أجل البقاء في الحكم ومن أجل ربح بعض الأدوار السياسية على الساحة الداخلية والإقليمية وهو مجرد توزيع جديد للأدوار وموازين القوى ولعل الأمور لا تزال في بدايتها وسوف تكشف لنا الأيام القادمة عن أي منحى ستنحوه هذه القضية الجديدة وهي تموقع الإخوان التيجانيين على الخريطة السياسية الجزائرية والإفريقية.
الصابئة المندائيون يجدون في كردستان العراق ملاذا آمنا
الغد 12/3/2007(45/130)
…اربيل- دفعت الأوضاع الأمنية الصعبة في بغداد وخصوصا عمليات القتل والخطف والسرقة بعديد من أبناء طائفة الصابئة المندائيين الذين يمتهنون الصياغة إلى المغادرة باتجاه كردستان العراق باعتباره ملاذا آمنا. وتعرض الصابئة، وهم من أقدم طوائف العراق، إلى تهديدات وأعمال ابتزاز ففضل عدد من أفرادهم التخلي عن مصالحهم في بغداد بحثا عن مكان آخر لممارسة مهنتهم والحفاظ على وجودهم.
وقد استقرت 44 عائلة في "عاصمة" الإقليم أربيل و12 أخرى في السليمانية.
…ووصل الرئيس السابق لمجلس شؤون الطائفة سعدي ثجيل برفقة عائلته ومجموعة من الشبان العاملين معه إلى أربيل، حيث فتح مشغلا لصياغة الذهب بغية استمرار مهنته التي ورثها من أبائه وأجداده.
…ويقول ثجيل "لم نتعرض لتهديدات مباشرة من احد لأننا طائفة مسالمة لكن شظايا الإرهاب استهدفتنا وكذلك العصابات كوننا طائفة مسالمة وصغيرة وليس هناك من يساندنا" مضيفاً "أن
غالبية أبناء الطائفة هاجروا إلى أوروبا أو سورية أو الأردن".
…ويتابع هناك "علاقات تاريخية بين الصابئة والأكراد وكنا دائما نؤيد حقهم في إقامة حكم ذاتي إو الاستقلال للعيش بسلام".
…ويشير ثجيل إلى "لقاءات" بين رئيس طائفتهم عبد الستار حلو ورئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني في بغداد مؤخرا مهدت لانتقال هذه العائلات إلى أربيل والسليمانية بحيث "وعدتنا حكومة الإقليم بتقديم التسهيلات".
…ويرى أن الصابئ، ويطلق عليه في العراق "الصبي" بضم الصاد وتشديد الباء، لا يستطيع ترك مهنته معربا عن اعتقاده أن كردستان هي "المكان الأنسب لممارستها مع أبناء طائفته".
ويقول إن "كردستان تستهلك وتستورد الذهب فلو شجعت الحكومة الصاغة الصابئيين الذين لديهم تاريخ في هذا المجال فنستطيع أن نجلب الورشات والمعامل المتطورة من اجل زيادة الإنتاج وجعل المنطقة مصنعة للذهب وليس مستهلكة".(45/131)
…ويضيف ثجيل، الذي يحتفظ بنسخة من كتابهم المقدس "كنزا ربا" أو "الكنز الكبير" مدون باللغة العربية، بأنهم يريدون "الحفاظ على طقوسهم الدينية" وينتظرون وصول رجل دين لممارستها "كما نتوقع أن تخصص لنا حكومة الإقليم قطعة ارض نتخذها مقبرة".
…ويؤكد "نقيم طقوسنا داخل منازلنا حالياً بانتظار رجل الدين".
…ويشير ثجيل إلى العلاقة الحميمة بين الطائفة والماء "وكما يقولون فان الضرورات تبيح المحظورات فأربيل بعيدة عن الأنهر والمياه الجارية فأين وجد الماء وجد الصابئة لكن الوضع الجديد يتضمن اجتهادات ولا يشترط أن نكون قرب المياه الجارية".
…ويضيف "نعتقد أن منطقتي اسكي كلك (شرق أربيل على نهر الزاب الكبير) والتون كوبري (جنوب اربيل على نهر الزاب الصغير) أفضل الأماكن لممارسة طقوسنا الدينية".
…وديانة الصابئة مزيج من المعتقدات البابلية والمسيحية والفارسية وإحدى الفترات الأكثر قداسة في جدولها الزمني "الأيام الخمسة البيضاء".
…ويكن الصابئة احتراما كبيرا للنبي يوحنا المعمدان الذي عمد السيد المسيح في مياه نهر الأردن وقد غادروا القدس في القرن الثاني ميلادي باتجاه بلاد ما بين النهرين هربا من اضطهاد اليهود المتشددين لهم.
يشار إلى أن عدد أتباع الطائفة في العراق بلغ أكثر من 65 ألفا إبان السبعينات والثمانينات غالبيتهم في منطقة الأهوار في الجنوب وبغداد، لكنه تراجع بسبب أعمال العنف والخطف ولم يتبق منهم سوى 22 ألفا حسب تقديرات منظمات غير حكومية.
القاديانية والخلافات المذهبية .. تحديات في طريق مسلمي سورينام!
المجتمع 10/2/2007
رضا عبد الودود(45/132)
…كشفت أعمال "المؤتمر السنوي العشرين لمسلمي أمريكا اللاتينية والكاريبي" الذي عقد في مدينة "ساو باولو" البرازيلية خلال شهر أغسطس الماضي الكثير من التحديات التي تواجه مسلمي سورينام؛ من تنامي الأنشطة التنصيرية، وتراجع المستوى الثقافي والتعليمي للمسلمين، وانتشار الفرق المنحرفة التي شوَّهت عقيدة مسلمي تلك البلاد..
…قبل النظر لتلك التحديات وسبل مواجهتها، لابد من إطلالة سريعة حول دولة سورينام التي لا يعرفها الكثيرون من المسلمين.. بل لربما يتعجب كثير من المسلمين من وجود دولة اسمها "سورينام"، فضلاً عن أن يكون بها مسلمون، وهكذا تكون نكبة المسلمين المنسيين من قبل إخوانهم.
…تقع دولة سورينام شمال قارة أمريكا الجنوبية على ساحل المحيط الأطلنطي، تحدها من الشرق جويانا الفرنسية، ومن الغرب جويانا الإسبانية، ومن الجنوب البرازيل، ومن الشمال المحيط الأطلنطي وتبلغ مساحتها 163265 كلم2 ، وعاصمتها مدينة "باراماريو"، عرفها الإسبان عام 898ه أي بعد سقوط الأندلس بعام واحد، وادّعوا ملكيتها، وقد نازعهم الإنجليز والهولنديون، حتى سيطر الهولنديون عليها عام 1078ه بعد أن احتلها الإنجليز عدة مرات.…
…وحصلت سورينام علي استقلالها الذاتي عام 1374ه، ثم شكلت مع هولندا اتحادًا إضافة لجزر الأنتيل الهولندية.
أشهر مقايضة في التاريخ .. السكر مقابل سورينام:
…ومن عجائب التاريخ وتفاعلات السياسة الدولية، في بداية القرن السابع عشر كان السكر سلعة إستراتيجية بالمقام الأول، وقد احتكرته بريطانيا بمزارعها الشاسعة في الهند وفي البحر الكاريبي.
…وفي الوقت نفسه، كان الهولنديون محبطين من عزوف الأوروبيين عن الانتقال للعمل والحياة كأجراء في مستعمرة هولندا الجديدة في الساحل الشمالي الشرقي لأمريكا الشمالية.(45/133)
…لذا ففي عام 1640م بادلت بريطانيا هولندا جزءا من مستعمرتها "جويانا" الغنية بقصب السكر (بأمريكا الجنوبية) مقابل المستعمرة الهولندية الباردة الجرداء، أمستردام الجديدة (بأمريكا الشمالية). وسمي الجزء الهولندي من "جويانا" بعد ذلك ب"سورينام"، وغيّر الإنجليز اسم "نيو أمستردام" إلى "نيويورك".
النشاط البشري:
…الزراعة حرفة السكان الأولى، وتتركز في المنطقة الساحلية، والحاصلات تتكون من الأرز، وقصب السكر، والبن، والقطن، ويشغل الأرز أكبر قدر من المساحة الزراعية، وبالبلاد ثروة غابية تضم أخشاباً نادرة، إلى جانب صيد الأسماك، تتمثل الصناعة في بعض الصناعات الاستهلاكية، والسكر واستخلاص المعادن، وتشتهر سورينام بإنتاج خام البوكسيت، حيث تنتج 20% من إنتاجه العالمي ومن الألمنيوم..
…ويعتمد اقتصادها على الثروة المعدنية المتمثلة بالبوكسايت (خام الألومنيوم) وصناعة الألومنيوم، والمحاصيل الزراعية مثل: الأرز، والسكر، والفواكه، والموز، حيث تغطي الغابات مساحة واسعة من البلاد، حيث إن نصيب الفرد من الناتج القومي هو 3400 دولار سنوياً.
…إلا أن سورينام تعاني من مشكلات بيئية متمثلة في انقراض الغابات بسبب قطع الأخشاب للتصدير، وتلوث الممرات المائية نتيجة للأنشطة التعدينية.
تاريخ المسلمين في سورينام:
…جلب الهولنديون الرقيق من إفريقيا لتعمير البلاد، ونتيجة لسياسة الاستعباد والظلم ثار الأفارقة بقيادة أحد المسلمين والتجأوا إلى الغابات ودخلوا في صراع مع الهولنديين، الذين أُرغموا تحت قوة وصلابة المقاومة على التفاوض مع المسلمين الأفارقة الذين عرفوا باسم "جيوكا"، أي "زنوج الغابة" في عام 1172هـ، وعندما هدأت الثورة بدأ الهولنديون في استقطاب العمال من مستعمراتهم في الهند، والصين، وإندونيسيا، ثم هاجر إلى البلاد بعض سكان بلاد الشام وزاد عدد المسلمين بالبلاد.(45/134)
…وتبلغ نسبة المسلمين 40% من إجمالي السكان، وهي نسبة كبيرة جدًا بالنسبة لكونهم أقلية، وترجع أسباب زيادة نسبة المسلمين لعدة أسباب منها: إقبال أعداد جديدة كل عام على الدخول في الإسلام، وهجرة جماعات من السكان من البلاد، وغالباً ما تكون هذه الجماعات غير مسلمة، وزيادة نسبة المواليد عند المسلمين عن غيرهم.
…وبذلك تعتبر سورينام من أعلى بلاد المهجر من حيث نسبة المسلمين، وربما تصبح بعد قليل من جملة أمصار العالم الإسلامي وتنضم لمنظمة المؤتمر الإسلامي كمراقب، كما تطالب بعض الفعاليات السياسية بأمريكا اللاتينية.
تحديات في طريق المسلمين:
…يعد الأفارقة الذين جُلبوا كرقيق هم أول المسلمين وصولاً إلى سورينام، غير أن الظلم، وتفكك الأسرة، والجهل، والأشغال الشاقة، ونشأة الأجيال في مجتمع بعيد عن الإسلام .. كل تلك العوامل جعلت هؤلاء المسلمين ينقرضون ويذوبون في المجتمع حتى جاء العمال الإندونيسيون وكانوا كلهم لحسن الطالع من المسلمين، ثم جاء عمال من الهند كان أغلبهم مسلمون.. وكان مجيء المسلمين للبلاد فاتحة خير عليها فعاد الإسلام للظهور، وأقيمت المساجد وُرفع الأذان، وأقيمت الشعائر بحرية، مما جعل كثيرًا من الأفارقة يعودون إلى الإسلام مرة أخرى.
الخلافات المذهبية:
…وأسس المسلمون الهنود جمعية لهم باسم "جمعية المسلمين السورينامية" يمثلون أهل السنة والجماعة على المذهب الحنفي سنة 1375هـ عقب الاستقلال مباشرة، وبنوا عدة مساجد كبيرة، وشيدوا عدة مدارس ابتدائية وثانوية، ولهم منظمة "جامعة العلماء" تضم أئمة المساجد، ويصدرون مجلة الإسلام باللغة الهندية، ويعتبر الهنود أكثر المسلمين نشاطًا في مجال الدعوة والعمل الإسلامي.(45/135)
…وفي المقابل، أسس أهل جاوة الإندونيسيون الذين استوطنوا سورينام "الاتحاد الإسلامي السورينامي" على المذهب الشافعي.. وهذا الأمر يعتبر في حد ذاته أكبر عائق يواجه المسلمين، حيث إن مشكلة التعصب والمذهبية تعوق كثيرًا من جهود الدعوة، وإنشاء أمثال تلك الجمعيات على أساس مذهبي، يولِّد العصبية، والفرقة، والخلاف، بل والنزاع، مثلما يحدث عند تحديد اتجاه القبلة، إذ يمكن تبعًا لموقع البلاد الجغرافي التوجه شرقًا والتوجه غربًا بسبب أن البعد يصبح واحدًا تقريبًا عن مكة لكروية الأرض..
…فالهنود حين يبنون مساجدهم يجعلون القبلة شرقًاً، على حين أن الإندونيسيين يتجهون غربًا، وهكذا يتفرق المسلمون في أمر شُرع أصلاً لاتحادهم.
…ويجد المسلمون عقبة أخرى في طريقهم، وهم القاديانيون الذين يُقدر تعدادهم بعشرة آلاف، وقفوا حائلاً دون توحيد المسلمين، وذلك عندما تشكلت "جمعية سورينام الإسلامية" سنة 1367هـ وكانت تهدف للقضاء على التعصب المذهبي بين الأحناف والشافعية، غير أن القاديانيين تسللوا إلى هذه الجمعية حتى فشلت تلك وفشل معها مشروع الوحدة التي تمثل أكبر مشكلة يتعرض لها المسلمون بتلك البلاد النائية.
…وإزاء هذا الوضع لابد من التحرك السريع لتثبيت عقيدة وإسلام مسلمي سورينام من قبل المنظمات الخيرية ورابطة العالم الإسلامي لتقديم المناهج الفقهية الوسطية، وإنشاء الجامعات الإسلامية لتثقيف أبناء المجتمعات الإسلامية في عموم أمريكا اللاتينية؟
في دراسة ميدانية لوزارة الشؤون الإسلامية
شعوذات"الحب" و "التفريق" و "الكراهية" الأكثر انتشارا بين السعوديين
دبي – العربية.نت 2/3/2007(45/136)
…قالت دراسة صادرة عن مركز البحوث والدراسات الإسلامية التابع لوكالة وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف في السعودية إن ثمة تفشيا لممارسات خاطئة متعلقة بالسحر والشعوذة، وأن سحر الحب (العطف) هو الأكثر انتشارا في المجتمع, حيث يستخدم بغرض ربط وتعليق شخص آخر وجاء بنسبة 20% يليه سحر الصرف, الذي يستخدم في التفريق بين زوجين حيث أشار إليه 18% من عينة الدراسة.
…وفي الدرجة الثالثة جاء استخدام السحر والشعوذة للعلاج من الأمراض المستعصية, وقد يمارس هذا تحت مسمى الطب الشعبي, وذكر 6% ممن شملهم الاستطلاع أنهم استخدموا السحر لغرض الإنجاب والعلاج من العقم, و6% استخدموا السحر للاستعلام عن الغيب كقراءة الفنجان أو الكف أو التنجيم. و3% استخدموا السحر للاستدلال على شيء مفقود, و5% يعلقون الخرز أو الودع و4%.
…وقالت الدراسة إن ممارسة السحر في المجتمع المحلي قد تكون في شكل "القراءة" والرقى غير الشرعية التي يقوم بها بعض الدجالين، وذلك بحسب التقرير الذي أعده الزميل عبد الله العبد الله ونشرته صحيفة "الوطن" السعودية.
…وشملت الدراسة الميدانية 400 فرد, يمثلون أربع فئات مهنية, الفئة الأولى تمثل مجموعة من المختصين في الشريعة, والفئة الثانية من العاملين في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, والفئة الثالثة تمثل مجموعة من خطباء المساجد التابعين لوزارة الشؤون الإسلامية والإفتاء والدعوة والإرشاد, والفئة الرابعة تمثل مجموعة من المختصين في علم النفس وعلم الاجتماع, وشارك في المرحلة الثانية من الدراسة 2689 شخصاً كلهم من السعوديين متوسط أعمارهم 24 سنة تقريباً, نسبة الذكور منهم 57.9% ونسبة الإناث 42.1%.
"بهلوانيات" و"تخيل":(45/137)
…أما عن أنماط السحر والشعوذة التي استجدّت في المجتمع السعودي ـ طبقاً لأفراد العينة ـ فقد تصدرت الألعاب البهلوانية والسيرك (التخيل) المقدمة بنسبة 8%, ثم التنجيم وأبراج الحظ 5% ونفس النسبة للاستعلام عن الغيب وقراءة الكف, ثم بعد ذلك التماس الشفاء من الأمراض عن طريق السحر, وممارسة الخدم والشغالات لسحر أهل البيت, وسيطرة المرأة على زوجها, والسفر للخارج لالتقاء السحرة أو الاتصال بهم هاتفياً.
…وأكدت الدراسة أن أكثر فئات المجتمع تأثراً بالسحر والوقوع تحت تأثير السحرة والمشعوذين هي من العوام ذوي التعليم والثقافة الدينية الضحلة 19%, ثم النساء 13%, وضعاف الإيمان الذين أصابهم المرض لفترة طويلة 12%, والطبقات الفقيرة 7%, والطبقة الغنية المترفة 5% وكذلك بالنسبة لأهل البادية 5%, والعصاة والحساد وأصحاب القلوب السوداء 3%, والشباب من هواة السفر للخارج 1%, ونفس النسبة لأصحاب الثقافات المنحرفة والفرق الضالة, والخادمات من جنوب شرق آسيا.
…أما عن الآثار التي يمكن أن يتعرض لها الفرد من جراء الاستعانة بالمشعوذين والسحرة, فقد أظهرت الدراسة أن 28% قالوا إن أثر ذلك يؤدي إلى جلب غضب الله عز وجل فيخسر الإنسان آخرته بسبب ضعف توكله على الله وقلة إيمانه, و14% قالوا إن ذلك يؤدي إلى القلق والاضطراب النفسي وضيق الصدر والأمراض النفسية, و12% قالوا إن ذلك يؤدي إلى ضرر مادي بسبب استخدام السحر, و7% أكدوا أن اللجوء للسحرة يؤدي إلى فشل في الحياة الزوجية, و6% أنه يؤدي إلى الإصابة بالأمراض.
و5% قالوا إنه يؤدي إلى قسوة القلب, ونفس النسبة قالوا إنه يؤدي إلى تسلط شياطين الإنس والجن على من يذهب للسحرة, و3% قالوا إن هؤلاء منحرفون أخلاقيا.
"أهمية نشر العلم الشرعي":(45/138)
…ولدى السؤال عن طرق الوقاية من انتشار ممارسات السحر والشعوذة في المجتمع السعودي اعتبر أغلب المشاركين أن نشر العلم الشرعي وزيادة وعي الناس وبيان الأحكام الشرعية لهم عن السحر والسحرة بشتى الطرق عبر وسائل الإعلام والصحف والمجلات والكتب والنشرات والمحاضرات هو الحل الأول للتصدي للسحرة والمشعوذين, وطالب 22% بالحزم والشدة في التعامل مع السحرة والمشعوذين وتطبيق أحكام الله عز وجل فيهم أولاً بأول.
… وقال 8% بضرورة تقوية الإيمان والتوكل على الله والوازع الديني, والإكثار من تلاوة القرآن الكريم والتحصن بالأذكار, و7% طالبوا بتعاون أفراد المجتمع مع المسؤولين في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والشرطة للقضاء على السحرة والمشعوذين, بل وتشجيع أفراد المجتمع على ذلك, ولو من خلال المكافآت المالية.
…وطالب 3% بإيجاد البديل بحيث هناك من يرقون الرقية الشرعية من المشايخ والصالحين المعروفين لدى الجهات المختصة, وأكد 3% على ضرورة عدم السماح لأحد بعلاج الناس إلا بعد دراسة سلوكه وحاله ومراقبته للتأكد من شرعية عمله وإصدار تصاريح خاصة بهذا العمل ومراقبة العاملين في هذا المجال, و2% أشاروا إلى دور وسائل الإعلام في عرض بعض الحالات لتوعية الناس الذين يلجأون للسحر والشعوذة, ونفس النسبة طالبت بضرورة دعم قدرات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في سبيل مواجهة السحرة والمشعوذين معاً. وأشار بعض المشاركين إلى ضرورة تشديد الرقابة على العمالة الوافدة, وخاصة المنزلية, وإلى تبصير الجاهل منهم بأحكام السحر والشعوذة عن طريق الكتيبات, والعمل على تربية الأسرة الصالحة حتى ينبذ المجتمع السحر والشعوذة.
حملة "مجهولة" للتشيع في أوساط الصحفيين والمثقفين المصريين
المصريون 10 - 3 - 2007(45/139)
…أطلقت جهة شيعيه تطلق على نفسها اسم "حوزة الهدى للدراسات الإسلامية" حملة تستهدف محاولة التأثير على المصريين لاعتناق المذهب الشيعي وذلك من خلال رسائل إلكترونية موجهة لعدد كبير من المثقفين والصحفيين المصريين, وصلت "المصريون" نسخة منها.
…ووجهت الرسالة التي اشتملت على عدد من المواقع التي تبث الثقافة الشيعية على الانترنت، الدعوة للأطفال في مصر لحضور ما أسمته برنامج "أبناء الحسين" عبر شبكة الإنترنت؛ وهو العرض الذي يجسد واقعة كربلاء, ومسابقات يشارك فيها الأطفال عبر الشبكة الدولية, والاستماع إلى ما أسمته "قراءة حسينية".
…ووجهت الدعوة لمشاهدة مسلسل "غريب طوس" على الإنترنت, كما أعلنت عن الفصل الدراسي الثاني بالحوزة للعام الدراسي 2006/ 2007 للرجال ودعت الراغبين إلى متابعة الدراسة عبر الإنترنت.
…ودعت العناصر المختارة التي أرسلت إليها رسائل إلكترونية والتي ترغب في اعتناق المذهب الشيعي إلى أن تسجل أسماءها على رابط خاص على الموقع المذكور , وتسجيل أي ملاحظات أو رغبات لهم. غير أن محاولات نشر التشيع في مصر على مدار عام لم تنجح سوى في التأثير على خمسة فقط أبدوا إعجابهم بالمذهب الشيعي وافقوا على اعتناقه، الأمر الذي يعكس محدودية تأثير الجماعات الناشطة في هذا المجال ووقوف المصريين أمام محاولات استمالتهم لاعتناق المذهب الشيعي.(45/140)
…وهي المرة الأولى التي تعلن فيها جهات شيعية عن الدعوة للتشيع داخل مصر من خلال البريد الإلكتروني ولأسماء محددة, حيث كانت تقتصر من قبل على الدعوة السرية وبشكل شخصي كما حدث في البحر الأحمر عامي 2003 و2004 أو من خلال بعض جماعات التصوف. ولا يعرف مصدر تلك الرسائل وما إذا كانت مرسلة من داخل مصر أم من خارجها، وكان الدكتور الشيخ يوسف القرضاوى رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين قد حذر مرارا وتكرارا من محاولات التمدد الشيعي في دول المنطقة السنية، وإنها قد تساعد على نشر الفتنه بين المسلمين بدلا من توحدهم.
…وفي هذا الإطار، جاء حوار القرضاوي مع هاشمي رافسنجاني رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام بإيران والذي خصص للحديث عن محاولات إيران المستمرة للدعوة للتشيع في الدول العربية السنية.
مقابلة مع الدكتور رمضان شلح الأمين العام للجهاد الإسلامي
أجرت المقابلة وكالة قدسنا الإيرانية ونشرها موقع حركة الجهاد الإسلامي
نداء القدس 12/2/2007
حول تقييمه لنتائج زيارته لجمهورية إيران الإسلامية
… قال الأمين العام للجهاد الإسلامي الفلسطيني: الزيارة كانت ايجابية وتحدثنا مع القيادة الإسلامية في إيران حول أوضاع المنطقة وأخر التطورات والمستجدات الإقليمية لاسيما أن هناك محاولات أمريكية محمومة لطرح إستراتيجية جديدة في المنطقة.(45/141)
…وهذه الإستيراتيجة للأسف عنوانها اليوم هو مزيد من الحصار و الملاحقة لقوى المقاومة والممانعة في الأمة وأيضاً حاولت إشعال نار الفتنة بين كافة أبناء الأمة وتحدثنا عن مخاطر هذه السياسة وكيف يمكن لجماهير الأمة ولقوى المقاومة والممانعة أن تتصدى لهذه الفتنة وأن تعصم الأمة من الانزلاق إلى هذا المستنقع الخبيث وهو المستنقع المراد به أن يسلبنا قيمة الانتصار الذي حققته قوى المقاومة سواء في لبنان حيث الهزيمة النكراء التي حلت بالكيان الصهيوني على يد حزب الله و حيث الصمود والمقاومة التي أبدتها انتفاضة الشعب الفلسطيني الباسلة و حيث صمود الشعب العراقي ومقاومته الرشيدة التي تستهدف قوات الاحتلال وشكلت مأزقاً كبيراً للسياسات الأمريكية في المنطقة .
…ووجدنا استجابة كبيرة لدى قيادة الجمهورية الإسلامية بأهمية وضرورة الحفاظ على وحدة الأمة بكل قواها وفي كل بلدانها وكل شعوبها و وجدنا تأكيد على ضرورة وحدة الشعب الفلسطيني بكل فصائله و الاصطفاف في خندق واحد لتفويت الفرصة على الأعداء سواء في فلسطين أو المنطقة بكل المقاييس استطيع أن أقول أن الزيارة والحمد لله كانت ناجحة جداً وحققت أهدافها .
…ورداً على سؤال لوكالة قدسنا بشأن تقييمه لمقابلاته ومحادثته مع قائد الثورة الإيرانية سماحة آية الله الخامنئي وباقي المسئولين الإيرانيين وكذلك مواقف قائد الثورة بشأن القضية الفلسطينية خاصة والمنطقة بصورة عامة.(45/142)
قال الدكتور رمضان عبد الله : سماحة القائد له مكانة خاصة لدى مجاهدي شعبنا الفلسطيني ولدى كل المجاهدين والشرفاء في هذه المنطقة . أولاً بالنسبة لنظرتنا له " حفظه الله " نحن نعتبره نموذج للقيادة الإسلامية التي غابت منذ قرون عندما ضربت العلمانية عالمنا الإسلامي وأصبح بما سمي بالفصل بين السياسة والدين، والدين والدنيا كما يسميها البعض ، غابت القيادة الإسلامية التي تتولى الحفاظ على الدين بما فيه العقيدة من فقه وشريعة وقيم ثم تسيس أمور الدنيا للناس .
…سيدي القائد الخامنئي "حفظه الله" المرشد الأعلى في الجمهورية الإسلامية كنموذج لهذه القيادة الإسلامية التي يمكنها أن تواجه الفصل بين الدين والسياسة بصورة تبرز بوضوح القيادة السياسية والدينية جنباً إلى جنب في العالم الإسلامي تأخذ الإسلام بشموليته كما جاءنا من عند الله سبحانه وتعالى ولا تفصل بين السياسة وبين الحياة وبين الدين وفي موقفه السياسية نحن نرى حرصاً كبيراً من جانبه على الأمة كلها ونرى تفاعل متميز مع القضايا المصيرية للأمة وعلى رأسها قضية فلسطين. نرى استعداد التضحية التي قد تبدو في بعض الأحيان من وجهة النظر هي التضحية بمصالح إيران كدولة يعني المصالح القومية والوطنية وبمعنى أن قضايا الأمة لها أولوية في عقل وفكر مرشد الجمهورية الإسلامية.(45/143)
…هذا كله يعزز على أن إيران من وجهة نظرنا تتعاطى مع قضايا الأمة الإسلامية انطلاقاً من الإسلام، الإسلام الواحد الذي جاء به نبينا محمد " ص " بعيداً عن التقسيمات الدينية و الطائفية و التي يحاول الأعداء أن يثيروها تنطلق من وحدة الأمة الإسلامية ومن الحفاظ على مصالحها وتنطلق كذلك من ضرورة مد يد العون والإسناد لتحقيق مبدأ الأخوة الإسلامية ومن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم ، هذا حديث وهو قاعدة. نحن لن نرى أية غضاضة في سياسة الجمهورية الإسلامية بالذات في التعاطي مع القضية الفلسطينية. إن مواقف وتصريحات سماحة القائد تثبت انه يتخذ مواقفه مع الأخذ بمعين الاعتبار كافة أحداث العالم الإسلامي في حين أن أعداء الإسلام يحاولون بث الفرقة نرى أن القائد يؤكد على وحدة الكلمة بين المسلمين .
…وحول تأثير شخصية الإمام الخميني "رض " على الثورة الفلسطينية و يقظة الشعب الفلسطيني والانتفاضة الفلسطينية
…قال الدكتور رمضان عبد الله في حديثه مع وكالة قدسنا : بالنسبة للثورة الإسلامية ككل بقيادة الإمام الخميني " رحمه لله " كانت حدثاً فريداً ليس في تاريخ الإسلام والمنطقة بل والعالم كله. إسلامياً مثلت الثورة الإسلامية نقطة فاصلة في تاريخ النهوض الإسلامي . البعض كان يعتقد أن الإسلام في العصر الحديث لا يمكن أن يعود له أي دور في قيادة الحياة وكأن الإسلام شئ يتعلق بالماضي .
الإمام الخميني " رحمه الله " بالثورة جاء ليدك حصون هذا العالم وينقذ النائمين ويقول لهم أن الإسلام عاد من جديد لقيادة الحياة . هذا الحدث على هذا المستوى كان له دور كبير في إيقاظ ضمائر ومشاعر وعقول الفلسطينيين ليبحثوا من جديد عن موقعية الإسلام في حياتهم وعن قربهم وبعدهم من هذا الإسلام.(45/144)
…الأمر الثاني هو أن الإمام الخميني " رحمه الله " والثورة الإسلامية ابرزا قدرة الشعوب على التغيير. إذا عم الفساد والظلم والطغيان لا يمكن أن ننتظر أن يأتي الله سبحانه وتعالى بمعجزات وان نكون مع القاعدين منتظرين أن تهبط علينا منح من السماء لتغير أحوالنا ، كلا . "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" .
…الإمام الخميني " رحمه الله " اخذ زمام المبادرة ولكن لم يؤخذ زمام المبادرة بانقلاب عسكري ولم يأتي إلى الحكم أو إلى الجمهورية الإسلامية على دبابات عسكرية كما كان يفعل البعض ، ولم يعمل القتل والسيف في رقاب شعبه كما حدث في ثورات كثيرة في العالم . إن الثورة الإسلامية تعتبر استثناء يعني يمكننا أن نسميها " الثورة البيضاء ". نحن كشباب قبل ربع قرن فتحنا عيوننا على الثورة الإسلامية وكنا نرى الشعب الإيراني بتوجيهات من الإمام الخميني"رحمه الله" يلقي بالورود و الأزهار على الجيش لا بالحجارة ولا بالرصاص .
…ثورة تنتصر بالورد وبالزهور لا يمكن أن تأتي لشعبها بغير الورود والزهور . هكذا يجب أن تكون الحياة في ظل مشروع الثورة الإسلامية وهذا الكلام ليس بالشعر أو الأدب بل إن هذا ما حدث بالفعل والثورة بعد ذلك رغم كل ما فعله أعدائها والغرب وقوى الاستكبار من مؤامرات ومن حصار وحروب ، ومن دماء، اثبت الشعب الإيراني انه أهل المسئولية وقيادته أثبتت أنها قادرة على قيادة اعقد مشروع للإسلام في هذا العصر وفي هذا العالم المعقد وحققت انجازات وصمدت و اليوم إيران ببركة الإسلام وببركة قيادتها وبركة تضحيات شعبها وصموده وصبره وقدرته على التحمل واستجابته الإنسانية لقيادته ، استطاعت أن تتحول إلى قوة إقليمية في هذه المنطقة واخطر ما أنجزته هي انه يمكن للمسلمين أن يحققوا النمو وان يصنعوا حضارة تلعب دوراً من جديد على طريق الحضارة على قاعدة لا شرقية ولا غربية .(45/145)
وأضاف الأمين العام للجهاد الإسلامي الفلسطيني في مقابلته مع وكالة قدسنا:
…في السابق كانوا يقولون لنا لا تستطيع أن تنشأ أي تنمية وأي تقدم أو أي انجاز حضاري إلا أن تكون تبعاً للشرق أو الغرب أما اليوم إيران بلد قاعدتها الاقتصادية والعلمية والتقنية و الاجتماعية وفي كل المستويات على قاعدة الاستقلال الحضاري الذي ينظر من هوية الأمة التي تنبع من دين وعقيدة هذه الأمة .
وسألت وكالة قدسنا الدكتور رمضان عبد الله أين كان عندما انتصرت الثورة الإسلامية في إيران و كيف واجهها:
…فقال: لما حدثت الثورة أنا كنت في مصر وكنت طالباً ادرس الاقتصاد في جامعة الزقازيق و كغيري من أبناء جيلي من المسلمين في كل مكان من العالم ، كنت مشدوداً إلى هذه الثورة و شعرنا بأننا كمسلمين وكعرب وكفلسطينيين يعني أولاً كمسلمين شعرنا وكأننا نولد من جديد وان هناك طريق العزة والكرامة يفتح بهذا الحدث الذي شكل زلزالاً في العالم.
…وثانياً كفلسطينيين شعرنا أننا الآن أمام حليف جديد يعني أنا مازلت اذكر ماذا يعني بالنسبة لي كشاب فلسطيني آنذاك أن تغلق سفارة إسرائيل في طهران وتتحول إلى سفارة فلسطين. ومازلت اذكر عندما كنت أتابع أحداث الثورة من خلال مجلة الحوادث اللبنانية وما كان يكتبه فيها سليم اللوزي وعندما ذهب ياسر عرفات بعد ذلك للتهنئة بالثورة والتقى بالإمام الخميني "رحمه الله" ذلك التعليق الذي كتبت مجله الحوادث بأن الطيران الإيراني وكان تسليحه من قبل أمريكياً حيث جعل الشاه في عهد ظلمه إيران قاعدة أمريكية وحليف استراتيجي لإسرائيل فكتبت الحوادث: لأول مرة ياسر عرفات يرى طائرات فانتوم صديقه تخرج لاستقباله ذلك لأننا كفلسطينيين تعودنا على الفانتوم الأمريكي الذي يقوده الطيار الإسرائيلي ويقتل الشعب الفلسطيني ولكن الطيران الإيراني بفانتومه خرج لتحية ياسر عرفات.(45/146)
…واذكر يومها كانت صورة عرفات على غلاف مجلة الحوادث و هو جالس إلى جوار الإمام الخميني رحمه الله و كتب سليم اللوزي تحت الصورة : " آية الله عرفات وأبو مصطفى الخميني ".
…وفي نفس المجلة كتب الكاتب المصري الأستاذ محمد جلال الكشك الذي عاد مع الإمام الخميني " رحمه الله" من نوفل لوشاتو على الطائرة إلى طهران وكتب: شعرت أن الإمام في الطائرة يقرأ بعض الأدعية ويرددها فسألت أحد مرافقين الإمام: ماذا يقرأ الإمام ، فقال لي: يقرأ القرآن فسألته أي سورة يقرأ؟ فقال: الإمام يقرأ سورة الأنفال.
…ويضيف الكشك هنا: أدركت عندها أن الإمام ذاهب إلى القتال يعني انه لن يتراجع وسورة الأنفال هي سورة "بدر" والذي يذهب إلى طهران وهو يقرأ سورة الأنفال يعني انه ذاهب إلى "بدر" وفعلاً كانت بدر وكان عشرة الفجر هي الانتصار الذي انزل الله سبحانه وتعالى السكينة على الإمام الخميني "رحمه الله" وعلى الشعب الإيراني الذي حقق هذا الانتصار الكبير.
…وفي ختام اللقاء قدم وفد وكالة قدسنا الإيرانية للأنباء درعاً تذكارياً من قبل الوكالة للامين العام للجهاد الإسلامي الفلسطيني الدكتور رمضان عبد الله .
طقوس الشيعة
صحيفة المدينة السعودية 26/2/2007
…تحت الأرض وليس فوقها وداخل الغرف المغلقة للعراقيين وتحديدا الفقراء وهم الأكثر في عمان يدير العراقيون بهدوء بالغ وبدون إثارة أو أضواء (حوزتهم) الخاصة بعيدا عن الارتياب وعن أعين السلطات، فالعراقيون في الأردن، وتحديدا في الأحياء الشعبية التي احتلوها بالكامل تقريباً مثل حي (المحطة) الشهير يقيمون كامل طقوسهم الشيعية وكما اعتادوا عليها في جنوب العراق.(45/147)
…حامد البياتي، شاب عراقي يقول: ما يفعله أي شيعي في العالم علنا وفي الساحات العامة وفي المجالس والحسينيات نفعله هنا في أماكن تجمعنا في عمان، ونفهم أننا لا نستطيع نقل طقوسنا الموسمية للشارع إلا في حالات نادرة، لكن والحق يقال فإن أحدا لا يتدخل بنا من هذه الناحية.
…وفي الواقع لا يقتصر الأمر على البيوت فوسط العاصمة الأردنية الآن هناك سلسلة مطاعم شعبية مشهورة تجولت فيها «المدينة» ويتم تصنيفها في القاموس العراقي المسكوت عنه باعتبارها مطاعم عراقية شيعية منها مطعم العزائم ومطعم تنور الحبايب ومطعم الباشا ومطعم يدعي كل يوم ... منشدهم ويستمعون لأشرطة الكاسيت الخاصة بنشيدهم، واحيانا يتم تنظيم حفلات اللطم الشهيرة.
…ودائما يأتي محسنون عراقيون فيستأجرون المطعم بكامله في المناسبة الدينية، ويأمرون بتوزيع الطعام مجانا حيث يطبخ الطهاة حصرياً طبخة الهريسة التي تعتبر الطعام الدائم لأي يوم فيه مناسبة دينية.وخلال العام الماضي فقط بدأ بعض الشيعة العراقيين بالتسرب تدريجيا لإقامة نشاطات دينية في الساحات العامة القريبة من المدرج الروماني والساحة الهاشمية لكن مع حذر شديد، لكن ما يحصل في المراقد المقدسة جنوبي العراق يحصل في الساحة الرئيسية لقرية مؤتة في مدينة الكرك جنوبي الأردن حيث يتجمع آلاف الشيعة العراقيين والإيرانيين لممارسة طقوس عاشوراء وغيرها بالقرب من ضريح الشهيد جعفر الطيار في قرية مؤتة.(45/148)
…وفي هذه المناسبة العلنية تقوم السلطات الأردنية بحراسة المشهد تحت لافتة السياحة الدينية غير أن أهل المنطقة من سكان جنوب الأردن منعوا بالقوة وصول العراقيين إلى الضريح دون تدخل من السلطات.ويبدو أن مجموعات شيعية تحاول التنشط وتنظيم نفسها تحت عنوان السياحة الدينية المحلية من قبل سلطات عمان، واستنادا إلى معلومات خاصة حصلت عليها «المدينة» فالأردن يشهد تحت الأرض حركة تبشير شيعية تنشر أفكار المذهب الشيعي، وتعيد إنتاج القصص وتخاطب بظروف خاصة، ومع كل مظاهر الحذر، مواطنين أردنيين.
…والأهم أن أدبيات الشيعة، بدأت تنتشر على نطاق أوسع وسط الأردنيين أنفسهم، وبدون أن تلاحظ السلطات ذلك وهناك معلومات لم يتسنّ التثبت منها تشير إلى أن عددا من الأردنيين تشيعوا فعلا وأعلنوا موالاتهم للمذهب الشيعي وغادروا المساحة السنية الوحيدة المتاحة شرعيا في الأردن.وهنا سألنا مثقفا شيعيا يقيم في عمان عن متطلبات التشيع لأي مواطن أردني فقال مصرا على تجنب ذكر اسمه: المسألة لا تتعدي بكل الأحوال الموافقة على قبول قراءة الأدبيات الشيعية، وإعلان الإيمان ببعض الأفكار المهمة والمركزية، ومشاركة تجمعات الشيعة في عمان بمناسباتهم.
…وكان السؤال التالي: هل هناك مجموعات نشطة شيعيا تتحدث للأردنيين؟
…فكانت الإجابة: نعم هناك وتعمل بشكل غير علني. هل تعرف شخصيا أردنيين أعلنوا أنهم أصبحوا شيعة؟ وكانت الإجابة: نعم أعرف عدة أشخاص أهمهم اثنان صحافي وشاعر.ووفقا للمثقف العراقي نفسه فإن المد الشيعي قادم لا محالة لدول المنطقة والأردن من بينها والحكومة الأردنية لا تستطيع فعل أي شيء ضد المجتمع العراقي الشيعي في المملكة فلو أبعدتهم أو ضايقتهم لما تحمل الأردن التكلفة ولو سمح لهم بالتوسع لأصبح الوضع أخطر مما يتوقع بالنسبة لدولة سنية ومجتمع سني.(45/149)
…والحل فقط بما لا تفعله المؤسسات الأردنية مع العراقيين المتواجدين بينها وهو أن تدرسهم فالحكومة الأردنية لم تقم بعد بأي دراسة حول المجتمع العراقي. وتجار وسط البلد أو قاع المدينة في العاصمة عمان يعرفون أن جميع العراقيات اللواتي يعملن في بيع السجائر على أرصفة وفي أسواق عمان شيعيات بكل الأحوال بدليل أنهن وبدون استثناء يرتدين زي المرأة الشيعية والغالبية الساحقة من العراقيين في الأردن الذين يعملون في قطاع العمال المهرة أو الفنيين من الشيعة سواء العاملين في ميكانيك السيارات أو في صناعة الأحذية وصباغة الجلود.
ماذا فعل نجاد في الخرطوم؟
الوطن العربي 7/3/2007
لم تكن الزيارة التي قام بها الرئيس الإيراني أحمدي نجاد للسودان الأسبوع الماضي عادية بكل المقاييس، فتوقيت الزيارة له اكثر من مدلول، فهي تأتي في قمة الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة على إيران بسبب برنامجها النووي، وكذلك في ظل الضغوط التي تمارس ضد الخرطوم بسبب الوضع في دارفور. فكلا النظامين في طهران والخرطوم رأى أن الوقت مناسب جداً لإرسال رسالة قد تكون خاطئة إلى أطراف إقليمية ودولية تقول: نحن هنا وأمامنا المزيد من الأوراق التي قد تقلق البعض.
أبعاد أخرى: لكن رغم وجاهة هذه الطرح إلا أن مصادر سودانية مطلعة كشفت لـ "الوطن العربي" عن أن الزيارة كان لها أبعاد أخرى من جانب إيران، التي ركزت على السودان منذ فترة في محاولة لتغيير طبيعة ومذهب سكانه من السنة إلى الشيعة، كما أنها تقوم بعمليات تبشير شيعية ضخمة في المناطق الفقيرة خاصة في الجنوب وبين المسيحيين واللادينيين.(45/150)
ويؤكد المصدر ذاته أن الحكومة السودانية تتغاضى عن هذه الحركات الإيرانية في مقابل الأموال الضخمة التي تحصل عليها من إيران، فضلا عن دعمها عسكريا من خلال التدريب والمعدات، وأنها من هذه المنطلقات رتبت للاحتفالات الضخمة التي صاحبت زيارة نجاد للخرطوم ومنها لقاؤه بحشود ضخمة من رجال الدين، حيث أخذوا يرددون الهتافات المؤيدة لإيران أثناء إلقاء خطاب فيهم خاصة عندما قال: إن السودان قاعدة كبيرة للإسلام وإن هذا البلد يضم نور القرآن الكريم في حياة المواطنين وإن الإيمان يتدفق في قلوب مواطني هذا البلد حيث يتواجد علماء الدين وكبار المفكرين الصالحين وإن إيران والسودان يستطيعان الشموخ والرقي إلى مراتب التقدم والتطور بالنظر لامتلاكهما مصادر وثروات طبيعية وإنسانية هائلة وعبر التعاون فيما بينهما "وهو ما كان يؤشر إلى أكثر من معنى".
ويوضح المصدر أن حجة النظام في ذلك أن الشعب السوداني شعب سني أصيل ولن يحيد عن مذهبه، لكن المصدر يحذر من أنه قد يأتي يوم نقول فيه إن السودان كان يوما سنيا خاصة بعد أن وجد المذهب الشيعي ميلا لدى بعض الفقراء ومن أتباع الطريقة المهدية التي تحاول إيران إقناعهم بأنهم شيعة بالأساس وأن الإمام المهدي ينسب إلى المهدي المنتظر المخلص حسب عقيدة المذهب الشيعي.
السودان والمذهب الشيعي:
وفي هذا الصدد يقول الكاتب والمحلل السوداني الدكتور عثمان عيسى إن السودان ما كان يعرف مذاهب الشيعة على الإطلاق، لكن التشيع بدأ يتسلل إلى البلاد عن طريق ما تقدمه إيران من منح دراسية للطلاب السودانيين؛ حيث ولجت أفكار الرفض أرض السودان، وكانت تلك أرضية مناسبة لإنشاء ما يعرف الآن بـ "المراكز الثقافية الإيرانية"؛ ونشطت السفارة الإيرانية في مجال تطوير العلاقات السودانية الإيرانية، وحرصت على إنشاء تلك المراكز ورعايتها بعناية.(45/151)
وقال عيسى إن من أبرز أنشطة السفارة الإيرانية انضمامها لجمعية الصداقة الشعبية العالمية باسم "جمعية الصداقة السودانية الإيرانية"، وربطت هذه الجمعية بالسفارة الإيرانية مباشرة، وقد أسهمت هذه الجمعية في تنشيط المراكز الثقافية الإيرانية وغيرها من الأنشطة الدعوية، ويتوجه أعضاء هذه الجمعية إلى المكتبات التابعة لتلك المراكز.
وأشار المحلل السوداني إلى أن بدايات دخول التشيع إلى السودان زيارة الإيرانيين لشيوخ الطرق الصوفية وتوثيق العلاقة بهم، وخصوصاً من يدعي منهم أنه من آل البيت، والتظاهر لهؤلاء الشيوخ بأنهم يجتمعون وإياهم في محبة آل البيت ومناصرتهم، وادعاؤهم أن أساس اعتقادهم واحد.
وهكذا تتوالى الزيارات لهؤلاء مع الإغراءات المادية لهم، فتكونت العلاقات المتينة. ومن خلال هؤلاء الشيوخ تم الوصول إلى مريديهم وأتباع طرقهم، وسمح لهم بإلقاء المحاضرات في مساجدهم وقراهم، كل هذا حدث بسبب هذا المدخل وهو اجتماعهم مع الطرق الصوفية في ادعاء محبة آل البيت.
أبرز المؤسسات والأنشطة
وتنفرد "الوطن العربي" بنشر أهم ملامح الخطة الإيرانية لنشر التشيع بالسودان والتي تقوم على عدة محاور ومرتكزات، فتؤكد الخطة على أن العمل المؤسسي يظل من أشد الأنشطة تأثيراً على الفرد والمجتمع، إذ يجد الفرد نفسه عضواً في العمل بالتدريج، ولا بد أن يتشرب أثناء عمله شاء أم أبى أفكار صاحب العمل.(45/152)
وطبقا لمصادرنا فإن هذا ما اتجهت إليه بالفعل أنظار الإيرانيين إلى السودان، فاستوعبوا أكبر قدر ممكن من الموظفين سواء في المراكز أو المعاهد التابعة لهم على شكل حراس ومستخدمين وسكرتارية وسائقين ومترجمين وغير ذلك، وهذا التوظيف بهذه الكثرة ليس سببه كثرة العمل وضغوطه بقدر ما هو استيعاب أكبر قد ممكن للتأثير المباشر عليهم عقائدياً، وهذا ما حصل مع الأسف، بالإضافة إلى ذلك اتجه اهتمام الإيرانيين إلى الأساليب التي تمس المجتمع مباشرة، مثل إنشاء المدارس والمعاهد، والجمعيات. وضربت المصادر طبقا للخطة نماذج ببعض ما يخص هذه الأنشطة وهي:
أولاً: المراكز الثقافية حيث تعتبر هذه المراكز آليات لتنفيذ الأنشطة في مجال نشر التشيع بين المثقفين، وهي في الوقت نفسه تمثل واجهات يتستر خلفها دعاة الرافضة لتشيع المجتمعات المستهدفة في السودان ومن أبرزها.
أ ـ المركز الثقافي الإيراني بالخرطوم، وهو بمثابة العقل المدبر لنشر الفكر الشيعي في السودان، ولهذا المركز عدة أقسام:
قسم الإعلام والثقافة: يحتوي على مكتبة لأشرطة الفيديو. وأشرطة الكاسيت، والجرائد الإيرانية، ومن أهم عروض الفيديو التي تقدم، عروض عن ولاية الإمام علي رضي الله عنه، وعن بطلان بيعة أبي بكر رضي الله عنه في السقيفة، وأنها كانت بمحاباة وقبلية ويتم في هذا القسم نشر أشرطة فيها سب للصحابة رضي الله عنهم وخاصة الإمامين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، كما توزع في هذا القسم الكتب الخاصة بالفكر الرافضي لزوار المركز وخاصة الطلاب.(45/153)
ومن أخطر أنشطة هذا القسم تقديم المنح الدراسية للجامعات الإيرانية، وأكثر المنح تكون لجامعة الإمام الخميني، لأن هذه الجامعة تقوم بتدريس ما يعرف بالفقه الجعفري، وقد تم خلال السنوات التسع الأخيرة إرسال عدد كبير جداً من الطلاب إلى تلك الجامعة، وخاصة الطالبات، وقد تخرج في تلك الجامعة عدد كبير، وتم تعيين أغلبهم في المراكز الثقافية الإيرانية، وبعضهم في السفارة الإيرانية بالخرطوم، وتعطي تلك المنح للطلاب الذين سبق التحاقهم بإحدى الدورات التي ينظمها المركز، والذين يبدو عليهم الاستعداد لمناقشة العقيدة، أو يظهر أن لديهم رغبة في المال مقابل التنازل عن عقيدتهم.
ثانياً: دورات في الخط الفارسي، وعبرها يضعون السم في العسل بترسيخ أصولهم الرافضية في خطوط عريضة لا تغيب عن الذهن بتكرارها.
ثالثاً: دورات في الفقه المقارن ويدرس في منهجه كتاب اسمه: الفقه على المذاهب الخمسة ويعنون بها المذاهب السنية الأربعة المعروفة "الحنفي، والمالكي، والشافعي، والحنبلي"، بالإضافة لمذهب الرافضة الفقهي الذي يسمونه بـ "المذهب الجعفري". ويؤتى بالمعلمين الذين يقومون بتدريس هذا النوع من الدورات من إيران مباشرة.
رابعاً: دورات في المنطق: ويدرس فيها كتاب "خلاصة المنطق" وهو مدخل للتشكيك في عقائد الطلاب، فبه يبدأون، ثم يدخلون في الفقه المقارن، ثم يخرجون الطلاب من السنة إلى الرفض.
خامساً: دورات في أصول الفقه وتقام هذه الدورات خاصة للطلاب الجامعيين، بالأخص طلاب جامعة أم درمان الإسلامية، وجامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية، فيقوم المدرس الإيراني بتدريس هذه المادة لأهميتها عندهم: ففي هذه المادة خاصة يتكلمون عن الخلاف بين السنة والشيعة، وعن الإمامين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.(45/154)
قسم المكتبة: وتوجد في هذا المركز مكتبة عامة تحوي كميات من الكتب في كافة التخصصات، وذلك لجلب كل طبقات الطلاب والباحثين، واستقطاب كل فصائل المجتمع، ومن أقسام تلك المكتبة جناح خاص بالعلوم الشيعية باللغتين العربية والفارسية، وتتوفر فيها الصحف اليومية السودانية والإيرانية.
قسم المناسبات: وهو من الأقسام المهمة جداً في المركز: فهو يختص بإقامة المناسبات الدينية والسياسية، مثل إقامة ذكرى ميلاد الأئمة الاثنى عشر.
وذكرى ميلاد السيدة فاطمة الزهراء، ومولد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وذكرى الإسراء والمعراج، ويوم عاشوراء الذي يجتمعون فيه ويبكون ويسبون الصحابة، وتقام مناسبات أخرى مثل تأبين الأئمة، وكذلك الاحتفالات السياسية كذكرى تولي الحكم، وميلاد الخميني وموته، وعيد النيروز "وهو عيد وثني مجوسي معروف"، وسائر الاحتفالات التي يقيمها الشيعة في العالم، ويتم أثناء تلك الاحتفالات عرض أفلام وثائقية حول الأئمة الاثنى عشر، والخميني باسم "من الميلاد حتى العروج".
ومن أنشطة هذا القسم كذلك استقطاب المسؤولين والوجهاء وشيوخ الطرق الصوفية وأساتذة الجامعات بتوجيه بطاقات الدعوة في المناسبات، ودفع مبالغ لهم باسم الهدية، وتوجيه دعوات لهم لزيارة الجمهورية الإيرانية. وخلال السنوات الخمس الماضية قام مجموعة من أهم رجالات الحكومة بزيارة طهران، بالإضافة إلى زيارات على مستوى قيادات الجيش والطلاب وحفظة القرآن، إلى جانب أفراد من أساتذة الجامعات ومشايخ الطرق الصوفية.(45/155)
ويوجه هذا القسم دعوته للطلاب الأفارقة في "جامعة إفريقيا العالمية بالخرطوم" والتي كانت سابقاً تسمى "المركز الإسلام الإفريقي" وكان مركزا مهما من مراكز نشر السنة في إفريقيا عموماً، ولأن هناك محاولات جادة بل مثمرة لكسب هذه الجامعة والتأثير عليها مباشرة أو غير مباشرة، فقد ظهر هذا التأثير المباشر على إدارة الجامعة والمسؤولين فيها وتم كسبهم وكسب ولائهم. وليس من الغريب أن يكون أحد المسؤولين الكبار في هذه الجامعة هو أحد الأشخاص الذين كان لهم أكبر الأثر في إيجاد موطئ قدم للرافضة في السودان في بداية نشر مذهبهم فيه. ويأتي التركيز على هذه الجامعة؛ لأنها على غرار جامعة الأزهر في مصر، حيث إن نوعية غالب الطلاب من جنسيات أجنبية، فالتأثير عليهم سهل ومثمر في بلادهم بعد تخرجهم.
ب ـ المركز الثقافي الإيراني بمدينة أم درمان: وتم إنشاء هذا المركز بإيحاء من الشيعة الذي يقطنون هذه المنطقة، وله أنشطة المركز الثقافي الإيراني نفسها بالخرطوم، ويستعين المركز في أنشطته بالذين سبق لهم أن نالوا دراسات في إيران ممن يتقنون اللغة الفارسية، ويقوم هذا المركز بعقد لقاءات جماعية أسبوعية كل يوم أربعاء، ويتوافد إلى هذه اللقاءات جمع غفير من الطلاب، ويحضر بعض تلك اللقاءات زائرون من إيران، ويقومون بندوات لنشر فكر الشيعة، إذ يتميز مدير مركز أم درمان "وهو سوداني" بالمبادرة إلى الأعمال، وله خبرة في أساليب استدراج الطلاب إلى فكر الرفض.
ثانياً: المكتبات العامة: للاهتمام العظيم الذي يوليه الرافضة لأنشطة التشيع قاموا بإنشاء المكتبات العامة التي تمثل في السودان مأوى لكل الطلاب لاعتبارات عدة، ومن أبرز تلك المكتبات:
1 - مكتبة المركز الثقافي الإيراني بالخرطوم.
2 - مكتبة المركز الثقافي الإيراني بأم درمان.
3 - مكتبة الكوثر بحي السجانة "وسط الخرطوم".
ثالثاً: المؤسسات التعليمية:
أ - المدارس: وهي على النحو الأتي:(45/156)
1 - مدرسة الإمام علي بن أبي طالب الثانوية للبنين بمنطقة الحاج يوسف في محافظة شرق النيل، أنشئت هذه المدرسة في هذه المنطقة الشعبية أملاً في إقبال الطلاب عليها نظراً للظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها أكثر الناس.
2 - مدرسة الجيل الإسلامي لمرحلة الأساس للبنين بمنطقة مايو في محافظة الخرطوم: وهي أيضاً منطقة نائية في طرف العاصمة يقطنها النازحون إلى العاصمة من جنوب السودان وغربه.
3 - مدرسة فاطمة الزهراء لمرحلة الأساس للبنات بمنطقة مايو في محافظة الخرطوم،
ب: المعاهد:
1 - معهد الإمام علي العلمي الثانوي للقراءات بمنطقة الفتيحاب بمحافظة أم درمان: أنشئ في سنة 1996م، لاستقطاب طلاب الخلاوي، وفي السنة الأولى وقعت في المعهد جريمة أخلاقية تم على إثرها إغلاقه.
رابعاً: الجمعيات والروابط والمنظمات
1-…رابطة أصدقاء المركز الثقافي الإيراني، هذه الرابطة ليست إلا "رابطة شيعة السودان" فهي واجهة شيعية تتم عبرها اللقاءات مع المدعوين للتشيع، ويتم في هذه اللقاءات إلقاء المحاضرات وتقديم الكتب والهدايا من قبل مديرا المركز محمد الهادي تسخيري الذي خلف المدير السابق علاء الدين واعظي.
2-…رابطة الثقلين.
3-…رابطة آل البيت.
4-…رابطة المودة.
5-…رابطة الظهير. وهذه الروابط الأربع روابط طلابية يشرف عليها بعض خريجي الجامعات الإيرانية والسورية واللبنانية والتركية، ولها أنشطة مختلفة كإقامة الندوات والمحاضرات وإصدار مجلات حائطية ودوريات.
6-…رابطة الزهراء، وهي رابطة خاصة بالطالبات في المدارس والمعاهد والجامعات، وتشرف عليها إحدى أهم الناشطات في الحركة الشيعية النسائية وممن امتزج التشيع فيهن امتزاج الروح بالبدن وهي أيضاً عضو مهم ومؤثر في الاتحاد النسائي الإسلامي السوداني العالمي.(45/157)
7-…ويقوم المركز الثقافي الإيراني بدفع مبالغ كبيرة لكل الروابط المذكورة من أجل تمويل الأنشطة؛ إضافة إلى الرسوم الدراسية للأعضاء، وتأمين ملابس وكتب دراسية ومبالغ مالية للمواصلات، وغير ذلك مما يحتاجه الطلاب.
8-…جمعية الصداقة السودانية الإيرانية: نشأت هذه الجمعية بدعم بعض السياسيين من البلدين.
9-…منظمة طيبة الإسلامية: وهي تعني بإنشاء المدارس والمعاهد، ويتبعها بعض المعاهد والمدارس سالفة الذكر، كما يتبعها ما يعرف بـ "مجلس أمناء المدارس الإيرانية بالسودان" والذي يضم عدداً كبيراً من الشخصيات السودانية الموالية للرافضة في السودان.
خامساً: مؤسسات اقتصادية ومشاريع استثمارية:
شركة إيران غاز: وهي إحدى أهم الشركات العاملة في تعبئة أنابيب الغاز ونقلها وتوزيعها في السودان، ويوجد في كل حي موزع أو أكثر لهذه الشركة، حيث يعمدون إلى إعطاء التوكيل في الحي لمن كان على مذهبهم ليكون مصدر دخل لأبناء ملتهم. ومن الجدير بالذكر أن المسؤولين الإيرانيين في هذه الشركة بدءاً من مديرها العام يشاركون في الأنشطة الدعوية الشيعية، ويباشرون الدعوة بأنفسهم في الأوساط التي يحتكون بها.
المطعم الإيراني: وقد أقيم في مبنى فخم من ثلاثة طوابق يطل على شارع المطار، وشارع رقم 15 بحي العمارات، إلا انه قد أخفق من ناحية اقتصادية وتم إغلاقه.
استثمارات في البترول: للإيرانيين استثمارات في مجال التنقيب عن البترول السوداني واستخراجه. وهكذا نرى من الخطة الإيرانية أن السودان هذا البلد الإسلامي السني يتعرض لتلك الهجمة الشيعية في ظل غفلة من أهل السنة وانشغال. ويتساءل العديد من الخبراء والمحللين: هل سيكون السودان إيران إفريقيا؟!.
أهل السنة والجماعة ليسوا طائفة من المسلمين... بل هم الأمة الإسلامية
حسام تمام - القاهرة 20/2/2007(45/158)
في البدء كانت الجماعة وكانت السنة ولم تزل تعبيراً عن وحدة الأمة السياسية و الإعتقادية أو توقاً لها إن غابت، لم تكن متنا يقرأ أو بناء ذهنيا، ولكنها ضرورة استدعاها واقع الانقسام السياسي والفرقة المذهبية الذي اجتاح الأمة فكان لا بد لما كان بديهياً أن يعرف، فكان ما استقر عليه من مذهب أهل السنة والجماعة.
لم يكن ظهور "أهل السنة والجماعة" جزءاً من حركة تكون المذاهب والفرق الإعتقادية، بل جاء رداً عليها وتأكيداً على أن وحدة الأمة ما زالت حاضرة في وعي الجماعة المسلمة برغم واقع الانقسام والفرقة، وفاعلة بما يدفعها إلى العمل من أجل استعادة اللحظة التاريخية الأولى لتأسيس الأمة الواحدة، أي لحظة الوحدة السياسية والاعتقادية التي كانت على عهد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ صاحب الرسالة والقائد المؤسس للأمة، وظل المفهوم ـ تاريخياً ـ عنواناً على رفض الفرقة والفتنة، الفرقة السياسية أو الفتنة المذهبية التي بدأت تدب في جسد الأمة.
عام الجماعة:
كانت البداية مع عام الجماعة (41 هجرياً) الذي تنازل فيه الحسن بن علي، عن حرب معاوية بن أبي سفيان الذي كان قد رفض مبايعة علي بن أبي طالب ـ رابع الخلفاء الراشدين ـ متذرعاً بأنه فرط في الثأر من قتلة عثمان بن عفان، رضي الله عنهم جميعاً.
بتنازل الحسن أصبح معاوية بن أبي سفيان خليفة للمسلمين، وأجتمع الأمر عليه بعد تفرق ليصبح العام "عام الجماعة" ويُعدُ من خرج عليه خارجاً عن "أهل الجماعة" في إشارة إلى استعادة الأمة وحدتها السياسية مجدداً بعد تفرق، فقد غلبت الأمة وحدتها على أي خلاف حول شرعية السلطة، على اعتبار أن الجماعة هي مصدر الشرعية، بل لا شرعية إلا من الجماعة، "فلا إسلام إلا بجماعة" كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ودون الجماعة تكون "الفتنة" لعن الله من أيقظها.(45/159)
الوعي المبكر بـ "الجماعة" هو وعي بصيرورة الأمة واستمراريتها، وهو إعلان سريع بأن الأمة ليست حزباً سياسياً ـ كما في طرح الخوارج ـ وإنما هي جماعة مفتوحة لكل من يعلن التوحيد ويقبل بالانضواء تحت راية الجماعة، فإعلان التوحيد هو بداية دخول المسلم في الجماعة أما استمراره فيها فهو رهن بالتزامه جماعة المسلمين، بعدها سيأتي الإمام الشافعي (تُوفي 204 هجرياً) ليعطي لـ (الجماعة) أصلها الشرعي ويجعل منها إطاراً مرجعياً للأمة حين يجعل من الإجماع الركن الثالث من مصادر الدين (بعد القرآن والسنة)، بما يفرض على الأمة دائماً الالتزام بكل ما يجمع أمرها ويؤكد وحدتها.
فتنة خلق القرآن:
أما مصطلح أهل السنة فقد ظهر بعد نحو قرنين ـ بدايات القرن الثالث الهجري ـ رداً على الفتنة المذهبية التي اجتاحت الأمة مع نشأة الفرق التي وصلت ذروتها مع ما عرف بفتنة "خلق القرآن" التي تبنى فيها الخليفة العباسي المأمون (تُوفي 218 هجرياً) عقيدة المعتزلة وتصورهم لصفات الله، وحاول فرضها على جماعة المسلمين وإجبار العلماء والفقهاء والقضاة وأهل الحديث على القول بها.
تاريخياً وبمواجهة "الفتنة" كان الإمام أحمد بن حنبل (تُوفي 241 هجرياً) أول من تحدث بمصطلح (أهل السنة والجماعة)، وكان النص الذي كتبه والذي عُرف بعقيدة أحمد أهم نص يحدد معالم (أهل السنة والجماعة) وفيه يقول ـ بعد بيان معتقدهم ـ "هذه المذاهب والأقاويل التي وصفت مذاهب أهل السنة والجماعة...".(45/160)
لقد دفعت الفتنة المذهبية الأمة إلى البحث عن صياغة محكمة لعتقدها في موماجهة أهل البدع، فكتب أهل العلم رسائل في عقيدة "أهل السنة" فظهرت إضافة إلى عقيدة أحمد بن حنبل (توفي 241هجريا) نصوص أخرى مثل عقيد ..... بن عثمان الدمشقي (ت 300 هجرياً) وعقيدة الطحاوي الحنفي (ت 321هجريا) وعقيدة أبي الحسن الأشعري (ت 324هجرياً)، وغيرها من الرسائل التي تصوغ معتقد أهل السنة وهي نصوص لم يبتدعها أصحابها كما لم ينسبوها لأنفسهم، وإنما نسبوها إلى السلف إثباتاً للمشروعية وتأكيداً لاتصال معتقد الأمة وعدم انقطاعه.
قبل الفتنة لم تكن هناك ضرورة للتنظير لمفهوم (أهل السنة والجماعة)، ولكن لما نشأت المذاهب والفرق وحاول بعض الحكام فرض تصورات المذهب اعتقادية مستحدثة على علماء الأمة، بادر العلماء والفقهاء والقضاة وأهل الحديث إلى بيان "مذهب" الأمة في الاعتقاد، فنظروا لما عرف لاحقاً بـ (مذهب أهل السنة والجماعة) الذي جاء رداً على كل ما خرجت به المذاهب الأخرى عما كانت عليه جماعة المسلمين.
أهل القبلة:
في معتقده الذي يعد أهم نص جامع محدد لمعتقد أهل السنة والجماعة ذكر الإمام أحمد بن حنبل ما يرد به على ما أثارته الفرق والمذاهب، ومما يقول فيه: "الإيمان قول وعمل ونية وتمسك بالسنة" وإن "الإيمان يزيد وينقص" وإن "القدر خيره وشره وقليلة وكثيرة وظاهره وباطنه حلوه ومره ومحبوبه ومكروهه وحسنه وسيئه وأوله وأخره من الله" وإن "القرآن كلام الله" وإن "صفات الله ثابتة وإنه ليس كمثله شيء.
وأهل السنة كما يبين الإمام أحمد "لا يشهدون على أحد من أهل القبلة أنه في النار لذنب عمله ولا لكبيرة أتاها إلا أن يكون في ذلك حديث، ولا يقولون بالخروج على السلطان الذي تجب طاعته ما لم يأمر بأمر هو لله معصية وإن الجهاد ماض قائم مع الأئمة برّوا أو فجروا لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل.(45/161)
ويرتفع أهل السنة كما يبين الإمام أحمد ـ عن أسباب الخلاف ويتجاوزون وقائعه التي مزقت الأمة معتقدين أن الواجب ذكر محاسن الصحابة أجمعين والكف عن ذكر مساوئهم أو الخوض في الخلاف الذي شجر بينهم... وأن حبهم سنة والدعاء لهم قربة والإقتداء بهم وسيلة والأخذ بآثارهم فضيلة وأن خير الأمة بعد النبي أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ـ بترتيبهم ـ وهم الخلفاء الراشدين المهديون.
وتأثرا بما شهده عصره من فتنة الشعوبية وطعنها في العرب توسلا للطعن في الإسلام نسفه يرى الإمام أحمد أن من معتقد أهل السنة أنهم يؤمنون "أن على المسلم أن يعرف للعرب حقها وفضلا وسابقتها، ويحبهم لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم حبهم إيمان وبغضهم نفاق وألا يقول بقول الشعوبية وأراذل الموالي الذين لا يحبون العرب فإن لهم بدعة ونفاقاً وخلافا.
إن الإصرار على وحدة الجماعة المسلمة سياسيا واعتقاديا هو ما أصّل في (أهل السنة والجماعة) روح الاعتدال والتوسط ومنحهم مزاج الصفاء الخالي من نزعات التمرد والطائفية، فالحفاظ على الوحدة كان دائما ما يدفعهم إلى التقريب والتوحيد وليس التباعد والتفرق ولحظة الوحدة الأولى على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ظلت حاضرة أبدا في وعيهم، وهي التي ما زالت تفعل فعلها في خيالهم الجمعي وتدفع بهم ـ في كل عصر ـ إلى القفز فوق واقع الفرقة والفتنة والحلم باستعادة لحظة البدء الأولى.
والجميل في الصورة التي صاغها أهل السنة لتاريخهم أنها وإن لم تتحقق واقعيا في بعض تفاصيلها فإنها كانت لازمة وضرورية لبناء الوعي بالذات الذي يعصم الأمة فيما سيأتي عليها من مستقبل.
البراءة هي الأصل(45/162)
حين نشأت (أهل السنة والجماعة) لم تكن فرزا طائفيا داخل الأمة، بل تمييزاً للتيار العام فيها عما خرج عليه من فرق ومذاهب جديدة، لذلك اتسعت مظلتهم لتشمل عموم الأمة ممن لم يغرقوا في الأهواء والبدع، وهو ما يؤكده حديث الإمام الإسفرائيني (توفي 429 هجرياً) عن (أهل السنة والجماعة)، فهو يعدد (في كتابه الفرق بين الفرق) [مؤلفه هو الإمام البغدادي ! الراصد] من يشملهم أهل السنة فيذكر فيهم الفقهاء المحدثين والمتكلمين والزهاد المتصوفة وأهل الأخبار والآثار واللغويين والنحاة والقرّاء والمفسرين والمجاهدين في الفتوح، وسائر الأمة ممن لم يعرف عليهم الخروج على المستقر والمعروف في الاعتقاد.
لم يكن تصور (أهل السنة والجماعة) للإسلام مغلقا أو غارقا في الدوجمائية كما قد يبدو من مسلك بعض الجماعات التي تتوسل بالسلفية وتحيلها إلى إطار مغلق، بل كان واسعا يسمح بالاختلاف داخله، ولكنه اختلاف يحدده سقف الانتماء للتيار العام في الأمة عقيدة وانتماء، وهو سقف بدأ بسيطاً عاماً لكنه استوى وأحكم وتبلورت معالمه مع صياغة المذهب بعد فتنة خلق القرآن.
أهل السنة والجماعة يستوعبون في إطارهم كل المسلمين ـ أهل القبة ـ مفترضين أن الأصل فيهم هو البراءة والانتماء للأمة حتى لو وقعوا في أخطاء اعتقادية تدخل في باب التشيع أو الإرجاء أو القدرية، ما دامت مجرد أخطاء أو زلات لم تأخذ بعداً أيديولوجيا يؤسس لمعتقد جديد مخالف لما عليه أهل السنة والجماعة، وساعتها فقط يحدث الفصل.
ولذلك سنجد فيمن وسعهم (أهل السنة والجماعة) من رمى بشيء من القدرية مثل (وهب بن منبه والحسن البصري ومكحول وقتادة) أو التشيع مثل (طاوس بن كيسان وعدى بن ثابت) أو الإرجاء مثل (محارب وحماد)، ولم يقل أحد بخروجهم من أهل السنة والجماعة، فقد كانت مجرد ميول أو أفكار لم تستو أيديولوجيا أو تتبلور في مذهب خارج عن الأمة مثلما حدث بعد ذلك في مذاهب التشيع والقدرية والإرجاء.(45/163)
ليس انحيازاً للسلطان:
ظهور (أهل السنة والجماعة) لم يكن - على غير الشائع خطأ - انحيازا للسلطة أو السلطان، على الرغم مما استقر عليه المذهب من وجوب طاعته ورفض الخروج عليه ما لم يأمر بمعصية، بل جاء رداً على سعي السلطة لاحتكار الدين ومحاولتها فرض تصورها الاعتقادي على عموم الأمة كما فعل المأمون وعدد من الخلفاء العباسيين الذين تبنوا اعتقاد المعتزلة وحاولوا فرضه على الأمة، كما كان تأكيدا ـ في الوقت نفسه ـ على انفصال العلماء عن سيطرة السلطة ومشروعها.
أهل السنة يلتزمون الطاعة للسلطة ليس انحيازا لها أو خضوعاً، فالذين صاغوا هذا المعتقد - كما في حالة أحمد بن حنبل - كانوا أول من تصدى للسلطة وأكثر من نالهم بطشها، وإنما يلتزمون طاعتها حرصا على الجماعة "فلا إسلام إلا بجماعة ولا جماعة إلا بإمارة ولا إمارة إلا بطاعة"، وهي طاعة مشروطة بالا تكون في معصية، والطاعة تكون لسلطة لم تفرط في أهداف الأمة الكبرى، الدعوة والجهاد، فبالدعوة تحفظ الأمة دينها وبالجهاد تحمي بيضتها وترد عدوها، أما إذا خانت السلطة أمتها فلا طاعة لها؛ لأنها حين تخون الأمة، بمنع الدعوة أو بالتفريط في حماية دار الإسلام، إنما تهدد جماعة المسلمين.
إن أهل السنة يرون أن وجود الجماعة وفاعليتها واستمراريتها هو اصل الشرعية وليست السلطة هي أصلها، وفساد السلطة يقلل الشرعية ولكن لا يرفعها عن جماعة المسلمين.
والطاعة واجبة ما وجدت الإمامة، فإن غابت فليس البديل الخروج والتشرذم وتفتيت الأمة، بل اجتناب الفتنة "فإن لم تكن جماعة ولا إمام فكن جليس بيتك ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يأتيك الموت وأنت على ذلك".
إنها دعوة لاجتناب الفرقة والتشرذم حتى في غياب الجماعة وهي فرض مستبعد في كل الأحوال "فلا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ـ أو من خذلهم ـ إلى يوم القيامة"، و"الجهاد ماض إلى يوم القيامة لا يضره عدل عادل ولا جور جائر".(45/164)
إن الجماعة هي الوحدة والتوحد، وهي مرتكز الوجود والاستمرارية الذي يجمع الأمة ولا يفرقها، أما السنة فهي المفهوم الذي يعطي للأمة امتدادها التاريخي حين يصلها بالنبوة المؤسسة للأمة ويعطيها أيضا إمكانية الاستمرار في الحاضر والمستقبل.
إنه الاستمرار الشرعي غير المنقطع الذي يصل الأمة كلها عبر مراحلها التاريخية المختلفة بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ دونما انقطاع.
السنة هم الأصل
لم يكن الوعي السني بالذات طائفيا يوما ما، ولم ير السنة أنفسهم طائفة بإزاء طوائف أخرى، ولا ينتابهم إحساس الأقلية ولو صادف أن كانوا أقلية عددية في مكان ما، بل دائما ما يُرون الأصل، بل الأمة ذاتها، فتراهم دائما ما ينتدبون أنفسهم لقضاياها وينفرون لمعاركها دون أن يسألوا عن المذهب أو الطائفة، إذ يكفيهم أن يندبهم إليها أخ لهم في الأمة، وهم:
لا يسألون أخاهم حين يندبهم……في النائبات على ما قال برهانا
تجد ذلك لدى البسطاء ممن تتعلق أعينهم بهموم المسلمين في كل مكان دونما مجرد تفكير، فضلا عن البحث في المذهب والطائفة، وتجده أيضا في قوافل المجاهدين التي ظلت وما زالت تطوف بقاع المسلمين في كل زمان ومكان؛ ممن نذروا أنفسهم للدفاع عن الأمة وكل منهم "أخذ بعنان فرسه في سبيل الله إذا سمع هيعة ـ صيحة استغاثة ـ شمر إليها" من دون أن يختبر الناس في مذاهبهم وطوائفهم.. فأهل السنة والجماعة دائما فوق المذهب وأعلى من الطائفة وأبعد من السلطة وحسابات السياسة.
الإخوان – حماس وإيران والسؤال الحائر ؟
مجلة العصر - أسامة شحادة
كثرت مؤخراً الانتقادات لموقف جماعة الإخوان وحركة حماس من إيران ، وذكك بعد تكشف الدور السيئ الذي تقوم به إيران وأذرعها المختلفة وخاصة حزب الله وفيلق بدر وجيش المهدي .(45/165)
هذا الدور الذي ينطلق من رؤية مركبة شيعية – فارسية ، حيث أن الفكر الشيعي المعاصر تأسس على يد الدولة الصفوية التي أججت النزعة الفارسية و أعطتها بعداً دينيا ً كما هو ظاهر في روايات المجلسي في كتابه بحار الأنوار .
وهذه التركيبة الشيعية – الفارسية هي المسيطرة لليوم على إيران ، وهي تبرز بوضوح في نصوص الدستور الإيراني حيث المادة 12 من الدستور تنص : ( الدين الرسمي لإيران هو الإسلام والمذهب الجعفري الإثنى عشري وهذه المادة تبقى للابد غير قابلة للتغيير ) !!! وتكرر في الدستور الإيراني هذا البعد الشيعي في مواد أخرى متعلقة مثلا بمجلس الشورى أو الجيش وقسم الرئيس ( لا يحق لمجلس الشورى الإسلامي أن يسن القوانين المغايرة لأصول وأحكام المذهب الرسمي للدولة ) مادة 72 وتكررت في المادة 85 ،( يجب أن يكون جيش جمهورية إيران الإسلامية جيشا إسلاميا وذلك بان يكو ن جيشا عقائديا وأن يضم أفراد لائقين مؤمنين بأهداف الثورة الإسلامية ) مادة 144 ، ( إنني باعتباري رئيسا للجمهورية اقسم بالله القادر المتعال في حضرة القران الكريم أمام الشعب الإيراني أن أكون حاميا للمذهب الرسمي .... ) مادة 121 . وهذا بخلاف جميع الدول الإسلامية على تنوع مذاهبها التي تنص على الإسلام فقط دون ذكر مذهب معين !!
أما النزعة الفارسية فتظهر في نصوص مثل ( اللغة والكتابة الرسمية والمشتركة هي الفارسية ) !! مادة 15 ، ( بداية التاريخ الرسمي للبلاد هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويعتبر التاريخان الهجري الشمسي والهجري القمري كلاهما رسميين ) مادة 17، فلماذا المخالفة لكل البلاد الإسلامية في التاريخ الهجري الشمسي ! هل ليوافق التاريخ الفارسي القديم؟!(45/166)
وضوح هذا البعد الشيعي – الفارسي للجميع بما فيهم أفراد جماعة الإخوان وحركة حماس ، دعت الجميع للتساؤل عن صحة الموقف الإخواني – الحماسي من إيران ، والذي تبلور في رسالة حزب جبهة العمل الإسلامي لفروعه حول الموقف من إيران وتلاه زيارات من قيادة الجماعة للشعب لمناقشة الموضوع ، هذا الموقف الذي يمكن تلخيصه بـ : المساندة لإيران هي مساندة سياسية في وجه الإمبريالية والصهيونية ،
مع استنكار الجرائم التي يرتكبها أعوان إيران في العراق ، ورفض مواقف إيران في العراق وأفغانستان .
وموقف الإخوان وحماس ينطلق من موقف سياسي يريد فك الحصار عن حماس و دعم صمود الشعب الفلسطيني وتقوية جبهة المقاومة بوجه المشروع الصهيوني في المنطقة .
وبغض النظر عن صحة هذا الموقف من عدمه ، لم نجد أحداً سأل لماذا تحرص إيران على هذه العلاقة ، وهي تعلم – كما يقول الإخوان وحماس – أن الإخوان وحماس لا يرحبون بمواقفها العقدية ويعارضون نشاط إيران في نشر التشيع ، فما هي المكاسب السياسية التي تحصل عليها إيران من هذه العلاقة ؟؟
هل يمكن لجماعة الإخوان وحماس أن يجيبونا ، خاصة أن ثقافة " البازار الإيراني " التي تقبل المفاوضة التجارية على كل شيئ تسيطر على مواقف إيران ، كما حصل في أفغانستان ويحدث الآن في العراق ؟؟
أما حكاية دعم صمود الشعب الفلسطيني ، فهذه لا يمكن فهمها بأي طريقة كانت وهي تمارس إبادة الفلسطينيين في بغداد عبر وكلائها ، دون أن يستنكر ذلك أحد قياداتهم السياسية أو الشرعية ولو ذراًً للرماد في العيون ، هذه الإبادة التي لا تجد من يوقفها ويرفعها عن الفلسطينيين في بغداد ، وقد صدر حديثاً كتاب " فلسطينيو العراق بين الشتات والموت " يكشف تفاصيل هذه الجرائم ، فما هذا الدعم لصمود الشعب الفلسطيني !!(45/167)
وهذا القتل من أعوان إيران للشتات الفلسطيني والسكوت الإيراني عليه موقف ثابت لهم ، وقد دون ذلك الأستاذ فهمي هويدي في كتابه " إيران من الداخل " حول موقف الخميني من مجازر " أمل " في المخيمات الفلسطينية بلبنان عام 1985م، فقال : " في يونيو 85 وقتال " أمل " للفلسطينيين في بيروت كان قد بلغ ذروته وبينما تكلم مختلف رموز النظام منتظرى ورفسنجانى وخامنئى، فإن الإمام التزم الصمت . وقيل وقتئذ أنه معتكف في الأيام العشرة الأخيرة من شهر رمضان . ولما أنتهى الصيام خرج الإمام من اعتكافه وألقى خطاباً في " حسينية جمران" بعد صلاة العيد . وفيما توقع الكثيرون أن يعلن موقفاً تجاه ما يجرى في لبنان ، فإن الإمام لم يشر إلى الموضوع من قريب أو بعيد ، وكام جل تركيزه في الخطاب على دلالة المظاهرات المؤيدة للحرب مع العراق ، التى خرجت يوم القدس ( آخر جمعة من رمضان ). كنت أحد الذين استمعوا إلى خطبة الإمام في صبيحة ذلك اليوم (20 يونيو) ولم أستطع أن أخفى دهشتى من تجاهله لما يجرى في لبنان ، ليس فقط لأن الفلسطينيين هم ضحيته ولكن لأن الجانى منسوب إلى الشيعة . ونقلت انطباعاتى إلى صديق خبير بالسياسة الإيرانية ، فكان رده أن الإمام له حساباته وتوازناته ". !!! ص 404
أما تصريحات رموز النظام فقال عنها هويدي : " كان خامنئى يعبر بصدق عن موقف الحكومة والأجهزة الرسمية ، التي لزمت الصمت طوال خمسة أيام بعد بدء الإعتداء على المخيمات الفلسطينية، ثم بدأت تتحدث عن " وقف القتال" " وتجنب إستمرار نزيف الدم " وهو موقف بدا خاضعاً " للحسابات " أكثر منه ملتزماً بالمبادئ . إذ كان واضحاً الدور السورى في دعم أمل فضلاً عن أن تلك الأجهزة وضعت في
اعتبارها أن " أمل " هي في النهاية منظمة شيعية ". ص 403
فهل يعيد التاريخ نفسه أم أنها حقيقة الموقف ، ولكن من يتعلم ؟؟(45/168)
وبقي علينا أن نعرف موقف جماعة الإخوان وحركة حماس من ما يجرى على الأرض في غزة بالتحديد من نشر للتشيع بشكل مكثف ، فقد أقدمت صحيفة الاستقلال - التابعة لحركة الجهاد الإسلامي – بتاريخ 11/ 1/2007م ، بنشر مقالا خطيراً فيه لمز وتعريض بالصحابي الجليل أبي سفيان ، وقد تكرر منها ذلك، وما تبثه إذاعة صوت القدس التابعة للجهاد من أفكار تشجع على التشيع ؟
وأيضاً ماذا عن الجرحى الذين يتم إرسالهم للعلاج في إيران ! ويتم الضغط عليهم للتشيع ؟؟
وقد أسست بعض الجمعيات التي تباشر التبشير الشيعي مثل :
1- جمعية الإحسان الخيرية مقرها الرئيس في مدينة غزة ولها فروع في كافة أنحاء القطاع.
2. جمعية غدير ،ومقرها في بيت لاهيا في شمال قطاع غزة .
3. جمعية رياض الصالحين مقرها في مدينة غزة.
4. جمعية أرض الرباط مقرها أيضاً في مدينة غزة .
5. جمعية آل البيت . كما وأعلن عن بداية تأسيس جامعة تحمل اسم جامعة آل البيت .
ولهذه الجمعيات أنشطة بين طلبة الجامعات وتقوم بترتيب دورات في داخل البيوت للترويج للفكر الشيعي . أما في محافظة بيت لحم فتم إنشاء اتحاد الشباب الإسلامي وبعض المؤسسات التي تنشر التشيع .
وهذه النشاطات الشيعية في الأوساط الفلسطينية ليس طارئة ، بل هي قديمة وهذا ما صرح به الدكتور صالح الرقب القيادي البارز في حركة حماس ، والذي ألف كتابه " الوشيعة في كشف شنائع وضلالات الشيعة " سنة 2003م ، وذكر سبب تأليف للكتاب هو " ما لوحظ من زيادة نشاط الدعوة للشيعة الإثني عشرية في الآونة الأخيرة على مستوى قطاع غزة خاصة " ص 3 ، وفي ص 63 قال الرقب : " ومما يؤسف له أنه تولى طباعة الصحيفة السجادية وتوزيعها في قطاع غزة بعض الجهلة المغرر بهم ، وأطلقوا عليها " الطبعة الفلسطينية " وكتب أحدهم مقدمة لها غالى في مدحها وتعظيمها " .(45/169)