ولعل الحالة الأبرز لمؤشرات تنازع الأدوار وسط عمائم الشباب هو الخلاف الذي? ?طغى على العلن بين السيد ضياء الموسوي? ?والسيد كامل الهاشمي?. ?فقد حاول الاثنان أن? ?يقتصدا في? ?العطاء السياسي? ?المباشر وأن? ?يغلبا جانب التأليف والكتابة والعمل الفكري? ?منذ عودتهما إلى البحرين?. ?وكانت إطلالة كامل الهاشمي? ?الأولى طموحة جداً? ?لأنها رامت مناطحة أفكار محمد عابد الجابري? ?رأساً? ?ودون سابق حضور في? ?الساحة?. ?وعلى قلة بضاعة السيد في? ?تلك المنازلة إلا أن الواقعة بحد ذاتها كانت تؤشر للطموح الذي? ?يعتمل في? ?النفس?. ?واختار السيد أن لا? ?يجهر بعطائه? ''?الفكري?'' ?ولا? ?يخافت به،? ?وأن? ?يبتغي? ?بين ذلك سبيلاً?. ?فلم? ?يسارع إلى النشر الصحافي? ?كما نهج سيد ضياء،? ?وإنما تخير المواضع والمناسبات وأوقات الإدلاء بالدلو?. ?أما السيد ضياء،? ?الخطيب الحسيني? ?فقد دفعته الهمة إلى الانتشار،? ?واستطاع خلال فترة وجيزة أن? ?يكوِّن جمهوراً? ?يحرص على المتابعة في? ?رأس رمان والدير وغيرها،? ?كما أنشأ عموداً? ?صحافياً? ?يومياً? ?لفت المراقبين?. ?وبين الصحافة والفعاليات العامة جارى الاثنان طموحهما فأصدر مؤلفات ذات طابع فكري? ?ضمن سلاسل إحدى الدور الفتية الشيعية الطالعة من لبنان والتي? ?نجحت في? ?إصدار عناوين لافتة وذات بريق حول الفلسفة وعلم الكلام الجديد?.?
إلا أن تحولات السيد ضياء كانت دراماتيكية الطابع وأكثر حيوية،? ?خاصة وأنها قطعت شعرة معاوية،? ?أو كادت،? ?بينها وبين المزاج الشيعي? ?العام? ?يوم أن استقرت في? ?التعيين الرسمي? ?في? ?المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية،? ?وحضر بعض الفعاليات وأعرب عن بعض المواقف ونسبت له تصريحات،? ?عدت في? ?أوساط متحفظة،? ?دلالات على التغريد خارج السرب في? ?آفاق تتجاوز الخطوط الحمراء?.?(36/99)
ومع مساع لافتة لإيجاد مكان تحت الشمس من جانب السيد كامل الهاشمي? ?مؤخراً? ?فقد احتدم الموقف بين العمتين،? ?وخرج كامل عن صمته ليسطر رسالة نقدية بالاسم والإشارة الصريحة تتعلق بتصرفات وتصريحات سيد ضياء وقد تناقلتها التصريحات والتعليقات في? ?بعض المواقع الإلكترونية?.?
بالمقابل،? ?فإن عمائم ثمانينية وتسعينية أخرى تفارقت بها السبل أيضاً?. ?فالشيخ محسن العصفور أعرب في? ?غير موقف من المواقف عن نقودات عميقة للوعي? ?الحركي? ?الذي? ?كان مهيمناً? ?في? ?بيئات التكوين الحوزوي? ?لطلبة العلم البحرينيين خلال تلك الفترات،? ?وهو قد سطر تجربة لا تكتنز بالتحفظات على المجريات الرسمية للتعاطي? ?مع الشأن العام?. ?على العكس من ذلك كان الشيخ محمد سند،? ?مثلاً،? ?الذي? ?اختار حضوراً? ?علمياً? ?في? ?تدريس النحو والأصول في? ?مراحل باكرة من العقد الماضي،? ?لينتهي? ?به الأمر اليوم إلى معارضة حماسية حدية قادت إلى بعض الأزمات مؤخراً?.?
أما السيد حمزة الديري،? ?الشيخ الشاب المتصلب فيما? ?يراه مواقف مبدئية،? ?بحسب الصورة النمطية السائدة عنه،? ?فقد أعلن مؤخراً? ?عدم استبعاده خوض الانتخابات القادمة في? ?معقله الدير وسماهيج،? ?وهو عزم? -?إن صح?- ?يضع الشيخ وجهاً? ?لوجه أمام مرشح وفاقي? ?سهر الليالي? ?الطوال،? ?وبذل العجب العجاب في? ?سبيل تأمين وقوف الوفاق إلى جانب طموحاته في? ?نيل مقعد تلك الدائرة أي? ?عضو شورى الوفاق عباس بوصفوان?.?(36/100)
جانب آخر من التحولات? ?يمكن تلمسه في? ?التعارك الذي? ?يثور ويهبط على زعامة شيعة المحرق بين الشيخ حسين النجاتي? ?والشيخ عبدالعظيم المهتدي? ?البحراني?. ?وهو تنافس? ?يبدو كما لو حسم موقتاً،? ?لصالح الأول?. ?إلا أن وجه الشاهد في? ?الموضوع هو تفارق النهجين تماماً? ?وميل المهتدي،? ?مثله مثل السيد ضياء،? ?إلى اصطفاف قد? ?يحسبه بعض المراقبين انحيازاً? ?إلى الصف الرسمي? ?خاصة بعد قبول التعيين في? ?المجلس الإسلامي? ?الأعلى?.?
ثمة في? ?المشهد الشبابي? ''?العلمائي?'' ?جنبات أخرى،? ?إذ هناك تيار آخر? ?يهفو إلى تقديم نماذج من العلماء الشبان دون أن تسعفه الفرص حتى الآن هو تيار الشيخ سليمان المدني? ?عليه رحمة الله?. ?إذ لا تزال صورة الشيخ محمد طاهر ابن الشيخ الراحل بحاجة إلى تأكيد جماهيري? ?لم تنله لأسباب متعددة منها انشغال طاهر بمراحل الطلب حتى الآن?.?
ترى،? ?ما الذي? ?تؤشر إليه هذه الفسيفسائية في? ?المشهد? ''?العلمائي?'' ?الشاب؟ مؤكد أن من بين ما تؤشر إليه هو أن الاستجابات في? ?أوساط أولئك العلماء الشباب ليست واحدة تجاه معالجات مشاكل الواقع?. ?والمواقف ليست مصمتة?. ?كما أن هذه الاختلافات توشك أن تقود،? ?مع الوقت،? ?إلى لون من ألوان تبريد الاستجابات وإكسابها واقعية المناورة والحوار مع المعطيات القائمة أكثر من حماسية الخطاب وثورية المنطلقات?. ?والزمن جزء من هذه المراهنة في? ?كل هذه الأحوال?.?
ظهور إسلام جديد فى إسرائيل
أحمد الغريب - صحيفة الميدان المصرية 8/6/2006 باختصار(36/101)
أخيراً بدأت إسرائيل في الترويج لأفكار ومعتقدات أحدى الجماعات المارقة عن الإسلام والمعروفة باسم الجماعة الإسلامية الأحمدية وهي الأبعد ما تكون عن الإسلام , خاصة وأن الجماعة له مركز كبير في "إسرائيل" بمدينة "كبابير" بحيفا حيث تستعد للترويج لأفكارها التي تنفي الجهاد والمقاومة وهو ما تعتبره إسرائيل الفرصة لضرب المقاومة الفلسطينية .
صحيفة معاريف الإسرائيلية نشرت تقرير لها بعنوان "الإسلام – ليس مثلما كنتم تعتقدون" قاصدة أن الصورة التي يعرفها الناس عن الإسلام وأنه دين تطرف وإرهاب وعنف ليس صحيحة كلية , مشيرة إلي أن هناك من يؤمنون بدين الإسلام ولكن ليسوا متطرفين أو دعاة عنف وقالت الصحيفة أنه وخلال العقد الأخير وخاصة منذ هجمات نيويورك عام 2001 بات الإسلام والمسلمين مرادفاً للإرهاب والعنف والتعصب الديني لكن هناك تيارات دينية ترى أن العنف والجهاد كلمات تتنافي مع مبادئ الإسلام وذكرت الصحيفة أن تلك التيارات الدينية تدعو للسلام والتصالح بين الأديان والتسامح مشيرة إلي أن أحدى تلك التيارات هي الجماعة الإسلامية الأحمدية التي ينتشر أتباعها في "إسرائيل" مشيرة إلي أن هؤلاء الأتباع عقدوا مؤخراً المؤتمر السنوي لهم لمناقشة مستقبل نشاطهم في المنطقة وقالت "معاريف":أن الطائفة الأحمدية تأسست في القرن التاسع عشر بمدينة "قاديان" في الهند وأسسها "ميرزا غولام أحمد" ومن هنا جاء اسمها , حيث قدم "أحمد" نفسها نبياً ومسيحاً مخلصاً لأتباع الديانات السماوية المختلفة الذين ينتظرون ظهوره ومجيئه,وقالت: أنه يؤمن بأن رسالته تدعو لدخول الإنسانية جمعاء فيها والإيمان بدين واحد حسبما ذكرت الصحيفة وقالت الصحيفة :أن تلك الطائفة لديها نحو 150 مليون ( رقم غير صحيح البهائية والتي هي أكثر نشاط منها عددها 5 ملايين ، الراصد ) من الأتباع حول العالم مشيرة إلي أن هؤلاء يرون أنفسهم مسلمون في كل شيء بل أنهم الأشخاص الذين يمثلون حقيقة(36/102)
الإسلام ويحاربون بشدة الإسلام السني خاصة وأن هؤلاء يعتبرون أتباع الطائفة الأحمدية كفار ومسلمون حادو عن الصراط المستقيم وقال مراسل الصحيفة "أيتمار عنبري" أن الفتاوى التي أصدرها علماء المذهب السني تكفر أتباع الطائفة الأحمدية في باكستان وحول العالم وأدعي "عنبري" أنه وعلى الرغم من حملات المطاردة والعداء التي يتعرضون لها إلا أن أتباع الأحمدية نجحوا في النمو والتزايد والإنتشار في كافة بلاد العالم خاصة في أفريقيا وأسيا وفي إسرائيل حيث يصل عددهم لنحو 1500 شخص وقالت الصحيفة أن زعيم الطائفة الأحمدية في "إسرائيل" "محمد شريف عودة" يسعى وبقوة منذ عدة سنوات لتقريب الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة من معتقدات الطائفة ودفعهم للإيمان بها ونقلت الصحيفة عنه القول:أن هناك اهتمام كبير من قبل الفلسطينيين للتعرف على ما يدعو إليه منهج الطائفة الأحمدية وذلك على الرغم من حملات المطاردة الشرسة التي نتعرض لها في الأراضي الفلسطينية وما يقوم به قادة وزعماء السنة هناك لترهيب الناس منا,على حد زعمه وأوردت الصحيفة بعضاً مما ورد خلال المؤتمر السنوي للطائفة الأحمدية في "إسرائيل" مشيرة إلي أن العشرات من الفلسطينيين من الضفة الغربية وصلوا لحضور المؤتمر في "إسرائيل" وخلال انعقاده سأل فلسطيني من الضفة حول مشروعية الجهاد والمقاومة ضد "إسرائيل" من وجهة النظر الأحمدية , وجاء رد رئيس الطائفة الأحمدية في مدينة طولكرم الفلسطينية "هاني طاهر" بأن بدون أدني شك فأن الإسلام يدعو للسلام وليس للحرب وأن الإسلام لم يعترف بالجهاد إلا خلال وقت الحرب للدفاع ولم يشرع من أجل المبادرة وبدء العدوان,على حد وصف الصحيفة وكشفت الصحيفة أن هناك بعض الشخصيات من العالم العربي حضرت المؤتمر الذي عقد في "إسرائيل" مشيرة إلي حضور شخص يدعي الدكتور "مصطفي ثابت" من مصر وقالت عنه أنه خبير في شؤون الطائفة الأحمدية والإسلام وقام بالحديث عن الحرب(36/103)
في الإسلام مؤكداً على أن الإسلام لم يدعوا أبداً لسفك الدماء ولم تكن تلك أبداً وصايا الرسول محمد عليه الصلاة والسلام مشيراً إلي أن الصورة الحقيقة عن الإسلام قد تؤدى إلي دفع الكثيرين حول العالم لإتباع الإسلام الحقيقي, ويؤكد تقرير الصحيفة أن لهذه الجماعة المنحرفة وجود في مصر لكنه ليس وجوداً علانياً وظاهراً ومن خلال موقع الجماعة على شبكة الإنترنت والبحث عن انتشار تلك الجماعة المنحرفة في مصر تبين أن هناك أتباع لها في مصر لكنها تخشي من فضح أمرهم ولهذا فاكتفى الموقع بذكر أسماء الأتباع الذين توفوا وأشهرهم الاستاذ محمد بسيوني رئيس الجماعة في مصر لأكثر من عشرين عاما وكان مراقبا عاما بوزارة المالية و أنهى خدمته قبل بلوغ السن القانونية ليتفرغ لخدمة الجماعة وكان بيته مقر الجماعة ومسجدهم ومكتبهم ويقول الموقع عنه أنه كان على درجة عالية من الثقافة وحب النظام مع التمسك بآداب الإسلام وكان غاية في النشاط والدقة بالرغم من ضعف بنيته وكان دائمَ الاتصال بمركز الجماعة ويبعث إليها بالكتب والمراجع ويقابل كل من يزور مصر أو يمر بها و ترجم إلى العربية أعمالا كثيرة من خطب الخلفاء وتفسير سور القرآن الكريم, منها سورة البقرة وسورة الكهف وكان يعد الخطب والمقالات من تراث الأحمدية ليزود بها شباب الأحمديين المصريين الذين يدينون له بالفضل في رعايتهم وتربيتهم الروحية خلال فترة طويلة تعذر فيها مجيء مبعوث من المركز العام و توفي عام 1986 وكذلك الأستاذ أحمد محمود ذهني وكان ركنا من أركان الأحمدية ونجما من نجومها في مصر وهو من مواليد مصر عام 1907 أتم مرحلة الثانوية وذهب إلى انجلترا لدراسة الطب ولكنه آثر العلوم النظرية قابل الأستاذ الجالندهري أثناء زيارته لمصر عام 1934 ودارت بينهما مساجلات ومناقشات انتهت بما ينتهي إليه كل عاقل ذي فطرة سليمة فقبل الحق و انتخب رئيسا للجماعة عدة مرات, فأدار أمورها بإخلاص وبعد نظر وتوفي(36/104)
في يونيو 1949 , كما ذكر الموقع أن أحد أتباع الجماعة في مصر هو الحاج محيي الدين الحصني وكان تاجرا مشهورا ولا يزال اسمه على محلاته الكبرى في شارع الأزهر بمصر و دخل الأحمدية عام 1933 على يد أبي العطاء الجالندهري واستقام على مبادئها و قابل الخليفة الثالث عند زيارته لمصر مع أخيه مرزا مبارك أحمد عام 1938, وكان رئيسا لجماعة مصر. وصَاحَبَ ظفر الله خان في بعض رحلاته للبلاد العربية و توفي عام 1954 .
ولهذه الجماعة موقع على الإنترنت تستغله في نشر أفكارها المضللة، وهم مستمرون في دعم وتمويل بناء المساجد في الدول الأوروبية كان آخرها مسجد في بريطانيا يعدونه أكبر مسجد في أوروبا وتكلفة بنائه 40 مليون جنيه استرليني، وينشط القاديانيون لترويج أفكارهم المضللة في معظم الدول ولنشر أفكار هذه الطائفة افتتحت منذ أشهر محطة فضائية إسلامية (MTA International) بلندن من قبل الجماعة الإسلامية الأحمدية، وتبث هذه القناة برامجها بمختلف اللغات العالمية كل يوم على مدار الساعة، ويغطي إرسالها كل القارات عبر الأقمار الصناعية، كما تصدر الجماعة آلاف الكتب بلغات عالمية ومحلية، بالإضافة إلى عشرات الجرائد والمجلات التي تصدرها بمختلف اللغات من شتى البلاد، مثل مجلة "التقوى"، و"البشرى" الشهريتين باللغة العربية.
والأحمدية القاديانية ـ كما يقول مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي - "حركة نشأت أواخر القرن الثامن عشر الميلادي بتخطيط من الاستعمار الإنجليزي في القارة الهندية؛ بهدف إبعاد المسلمين عن دينهم وعن فريضة الجهاد بشكل خاص، وأنها "دعوة ضالة، ليست من الإسلام في شيء، وعقيدتها تخالف الإسلام في كل شيء، وينبغي تحذير المسلمين من نشاطهم، بعد أن أفتى علماء الإسلام بكفرهم , كما لخص الشيخ (حسنين محمد مخلوف) - مفتي الديار المصرية السابق - ضلالات الفرقة القاديانية بالنقاط التالية:(36/105)
1- اعتقادهم أن روح المسيح قد حلت في القادياني .
2- أنه يلهم كلام كالقرآن الكريم والتوراة والإنجيل.
3- أن المسيح سينزل آخر الزمان في قاديان.
4- قاديان هي المقصودة بالمسجد الأقصى وهي الثالثة بعد مكة والمدينة.
5- الحج إلى قاديان فريضة.
6- أوحى إليه بآيات تربو على 10 آلاف آية.
7- من يكذبه كافر.
8- شهد له القرآن ومحمد (صلى الله عليه وسلم) وسائر الأنبياء بالنبوة وعينوا زمن بعثته ومكانها.
ويبيحون الخمر والأفيون والمخدرات و كل مسلم عندهم كافر حتى يدخل القاديانية: كما أن من تزوج أو زوَّج لغير القاديانيين فهو كافر و ينادون بإلغاء الجهاد .
فضائيات عربية تروج للجنس والشذوذ!
الحقيقة الدولية 24 أيار 2006
عدة فضائيات عربية بدأت بالاهتمام بملف الشاذين جنسيا في العالم العربي ضمن حملات تبدو متشابكة مع ضغوط غربية على بعض الحكومات العربية لعدم اضطهاد هؤلاء الشواذ أو محاكمتهم بتهم أخلاقية باعتبار أن الشذوذ حرية شخصية.
كما يتقاطع هذا الاهتمام الإعلامي العربي مع حملات إعلامية دولية أخرى ظاهرها التحذير من مرض الإيدز أو الزواج المبكر، وباطنها بدء تنفيذ مقررات مؤتمر "بكين +10" الدولي الذي فرض على دول العالم تدريس الجنس لأبنائها في المدارس، واعتبر الشذوذ والحمل خارج الزواج والانحلال الأخلاقي أمورا غير مجرمة.
وأضافت الصحيفة تقول إنه في الوقت الذي بدأت فيه عدة فضائيات عربية بتناول قضايا الشواذ العرب في بعض البرامج، تدرج بشكل دوري منظمات حقوق الإنسان الأمريكية والأوروبية مسألة محاربة الشذوذ الجنسي ضمن تقاريرها عن "الحريات وحقوق الإنسان" في العالم العربي.
كما بدأت حملة ثالثة إعلامية على الفضائيات العربية للترويج لمشروع "ميثاق عربي للإعلام وحقوق الطفل" يعتمد على مقررات "بكين".
حملات فضائية(36/106)
وفي مصر، سبق بث البرامج الفضائية العربية التي تناقش حرية العلاقات الجنسية ومشاكل النساء في العالم العربي عموما حملة رسائل "دعائية" مجهولة المصدر على الهواتف الخلوية لشبان مصريين تدعوهم إلى مشاهدة برامج "هالة شو" على قناة روتانا وبرنامج "الحياة" أو (لايف) بقناة دريم، وبرنامج "كلام نواعم" و"آدم" و"اليوم السابع" على قناة MBC، وبرنامج "المساواة" على قناة الحرة.
وعلى حين تطرقت غالبية هذه البرامج إلى مسائل جنسية عامة أو مشكلات غريبة تتعلق بالمرأة مثل العلاقات الجنسية، وحق المرأة في التسمي باسم أمها لا أبيها فقط ، ركزت قناة الحرة الأمريكية في برنامج "مساواة" الذي يدور حول "حقوق المرأة في منطقة الخليج العربي" على مناقشة قضايا مثل: حقوق المرأة الجنسية، والعلاقات الجنسية الآمنة للمراهقين والشواذ.
ويقول خبراء تربويون إن بعض هذه الحملات الإعلامية التي ركزت ظاهريا على معان تبدو أخلاقية، مثل تحذير الفتيات من الحمل أو الزواج المبكر، وتحذيرهن من أمراض الإيدز، لها هدف أكبر ربما لا تدركه هذه الفضائيات التي تشارك في الحملة، وهو الترويج لمقررات "بكين" بشأن الجنس الآمن والإجهاض وحرية الشذوذ بدعوى حرية المرأة والمساواة في "الجندر"، بمعنى إلغاء كل الفوارق بين "الرجل والمرأة" أيا كانت.
وكان أخطر ما ورد في وثيقة "بكين+10"، التي جري تدشينها في مؤتمر نيويورك الذي عقد في الفترة من 28 شباط/ فبراير حتى 11 آذار/ مارس 2005، هو تقديم ما يسمى بـ"خدمات الصحة الإنجابية للأطفال والمراهقين".
وتشتمل هذه الخدمات على: التثقيف الجنسي للأطفال والمراهقين من خلال التعليم والإعلام؛ وذلك بتعليم الأطفال ما يسمى بالجنس الآمن؛ أي كيفية ممارسة الجنس مع تجنب حدوث الحمل، أو انتقال مرض الإيدز، وتوفير وسائل منع الحمل للأطفال والمراهقين في المدارس، وإباحة الإجهاض قانونيا.
الصحة الجنسية(36/107)
وبدأ تنفيذ هذه المقررات - التي وافقت عليها الدول العربية والتزمت بها- بصدور ميثاق أعده خبراء التربية والإعلام العرب العاملون بمنظمة اليونيسيف بالمنطقة العربية تحت اسم مشروع "ميثاق عربي للإعلام وحقوق الطفل" في الأسبوع الأول من أيار/ مايو الجاري باعتباره وثيقة مكملة لجملة الوثائق المعتمدة على المستويين الإقليمي والمحلي لتلتزم بها الدول العربية.
ونص مشروع الميثاق على "توفير فرص وصول الأطفال، وبخاصة المراهقين والمراهقات، إلى المعلومات المتصلة بالصحة الجنسية والإنجابية، و"تعليم المراهقين المهارات الحياتية المتعلقة بالنشاط الجنسي، وكيفية الوقاية من مخاطره الصحية".
وتعهد المشاركون في ختام مؤتمر "بكين+ 10" بتفعيل ما توصلوا إليه من قرارات في بلدانهم العربية من خلال وسائل الإعلام المختلفة والمؤسسات التعليمية؛ وهو ما بدأته عدة قنوات فضائية عربية بحملة لتأييد تدريس مناهج الثقافة الجنسية في الوطن العربي.
شواذ على الهواء!
وعلى حين تجنبت غالبية الفضائيات العربية التطرق لقضية الشذوذ الجنسي ضمن المشكلات الجنسية، انتهجت محطة فضائية لبنانية الأسبوع الماضي نهجا أكثر جرأة في التطرق لهذا الأمر عبر برنامج على الهواء مباشرة لمدة ساعة يتلخص في تساؤل غريب طرحته مقدمة البرنامج، وهو: هل تقبلون مثليي الجنس "الشواذ"؟ لتترك الجمهور يرد على السؤال عبر الاتصال الهاتفي والفاكسات والبريد الإلكتروني.
ومع أن رد الفعل الشعبي جاء منتقدا ومهاجما للبرنامج بنسبة 92% لمجرد طرح هذا الموضوع للنقاش، حتى إن مشاهدا اتهم القناة والبرنامج والضيوف بأنهم يحللون حراما، وذهب إلى الدعوة لـ"تكفيرهم"؛ فقد جرى تنفيذ الغرض منه عندما تمت استضافة أحد الشواذ (تيدي) ليتحدث عن تجربته على الهواء، وهو يرتدي ملابس أنثوية لامعة، ويلطخ وجهه بمساحيق التجميل، في إشارة واضحة إلى الرسالة التي يريد توصيلها للجمهور!.(36/108)
وزعم "تيدي" وجود 400 ألف شاذ في لبنان، ونفى أن يكونوا مرضى نفسيين أو أنهم يتسببون في أي مشاكل، بل أكد "إيمانه الشديد بربنا"، وحرصه على ممارسة الطقوس الدينية اليومية .
ضغوط أمريكا وفرنسا
وفي الأعوام القليلة الماضية، تتضمن بشكل دائم تقارير حقوق الإنسان وحرية الأديان الأمريكية دعاوى تطالب بحماية الشواذ في الدول العربية، وعدم تعرض أجهزة الأمن لهم.
وكانت صحيفة "نيويورك تايمز" ذكرت في تشرين الأول/ أكتوبر 2005 أن الولايات المتحدة وفرنسا مارستا ضغوطا مكثفة على القاهرة للتوقف عن ملاحقة الشواذ جنسيا، خاصة من ينشطون منهم على شبكة الإنترنت، بعدما زعمت مواقع أمريكية مختصة بالتعارف الجنسي بين الشواذ وجود أسماء أكثر من 8 آلاف شاب وفتاة مصرية على مواقعها!.
وتقول إحصاءات دولية غير مؤكدة: إن ظاهرة الشواذ أو "المثليين والمثليات" (Homosexuality) تقدر بنسبة 3% من مجمل سكان العالم، وإن الدول الأوروبية بدأت تعترف بـ"حقوق" للشواذ منذ ثمانينيات القرن الماضي، في حين تحارب الدول العربية والإسلامية هذه الظاهرة .
الشواذ العرب
ويشير رصد إحصائي نشره موقع "فرفش دوت كوم" عن الشواذ في عدة دول عربية إلى أن ظاهرة "الشواذ" العرب سجلت في عدد من هذه الدول مؤخرا.
فقد أعلن في الإمارات عن اعتقال 26 رجلاً بتهمة الفسوق وممارسة الجنس الشاذ، وقررت المحكمة سجن كل منهم لمدة 5 سنوات، كما تم اعتقال 24 رجلاً شاركوا في عرس زميلين لهم، وسمت الشرطة هذه الحملة بـ "حملة زواج المثليين".
وفي الكويت تقرر إقامة مراكز دينية خاصة لمساعدة هؤلاء الأشخاص على العودة للفطرة الطبيعية على أساس أن هذا الميل الجنسي الشاذ مجرد اختيار خاطئ يمكن معالجته والتحكم به.(36/109)
وفي لبنان جرت عدة اعتقالات لشواذ، منها اعتقال 11 رجلا وامرأة من المثليين في ناد ليلي، أما في المغرب فقد تم مؤخرا طرح ملف تحت اسم "الشواذ جنسيا" بهدف محاربة هذه الظاهرة بعدما تزايدت في مدن ساحلية.
وفي مصر اعتقلت سلطات الأمن قرابة 50 من الشواذ جنسيا من خلال إعلاناتهم على شبكة الإنترنت، وجرت معاقبة 179 شخصا بتهمة الشذوذ عام 2001.
السينما العربية والشواذ
وتشارك بعض سيناريوهات أفلام السينما المصرية في الترويج للشواذ ضمنا في مشاهد يستهدف بعضها إضحاك المشاهدين، سواء بمشاهد كاملة أو تلميحات أو "أفيهات" أو حوارات هابطة، مثل المشاهد التي ظهرت في دورة المياه في فيلم "الإرهاب والكباب"، و"فول الصين العظيم"، و"عريس من جهة أمنية".
كما لوحظ حرص بعض الأفلام على إبراز شخصية الشاذ في أدوار هامة في العديد من الأفلام كمساعد أو سكرتير لبطل أو بطلة الفيلم، كما حدث في فيلم "الراقصة والسياسي"، و"صايع بحر"، و"قطة فوق صفيح ساخن".
الثَوَران الديني في الولايات المتحدة
د. رضوان السيد ، جريدة الاتحاد الإماراتية 25/6/2006(36/110)
شغلت ظاهرة الصعود الديني الإنجيلي في الولايات المتحدة باحثين أميركيين كثيرين، وعلى مدى العقود الثلاثة الأخيرة. وتختلف أسبابُ الاهتمام والانشغال. هناك الخائفون على الأطروحة العلمانية في فصل الدين عن الدولة، وبالتالي تآكُل الضمانات القانونية والدستورية للمواطنين تحت وطأة هجمات الأصوليين. وهناك المهتمون بالأبعاد السوسيولوجية للظاهرة وأتباعها الكُثُر، وما يعنيه ذلك من تغير في فلسفة الحياة والعيش في أميركا الجديدة. وهناك الخائفون من استغلال اليمين الأميركي (والحزب الجمهوري على الخصوص) لجماهير المتدينين وعواطفهم، من أجل تسويد سياسات معينة بالداخل والخارج. وهناك أخيراً الملحدون، الذين لا يقبلون الميول الدينية الجارفة، وينظرون إلى الأمر باعتباره كارثة، لما يعتبرونه انتصاراً للتيارات غير العقلانية وغير المتبصّرة؛ مما يغيّر من التوجهات التقدمية والحداثية التي هي سرُّ القوة الأميركية في الداخل وفي العالم.(36/111)
والواقعُ أنّ الثوران الديني بالولايات المتحدة ليس ظاهرةً جديدةً؛ بل الأحرى القول إنّ التاريخ الأميركي في المائتي سنة الأخيرة، كان مسرحاً لنهضات دينية إنجيلية متعددة بيد أنّ الجديد في الجاري اليوم؛ أنه شاملٌ، أي أنّ البروتستانتية كلَّها في حالة حِراكٍ شديد واضطراب. والأمر الآخر أنّ الإنجيليين الجُدُد، وللمرة الأولى، يتجهون للتأثير على قضايا الشأن العامّ؛ وهو ما لم يكن يجري سابقاً، أو كان محدودَ الأثر. يبلُغُ عددُ الإنجيليين الجدد حوالي خمسين مليوناً في الولايات المتحدة وحدها. وهم موزَّعون في مئات الكنائس الصغيرة. لكنْ يمكن جمعُهُم في مجموعتين كبيرتين: الألفيون أو البنتاكوستال، وهم يملكون توقعات وانتظارات قائمة على تفسيرٍ معيَّن لبعض نصوص ورؤى العهدين القديم والجديد. وهؤلاء ينتظرون القيامة، ويتلمسون أَماراتِها، ويعتبرون عودةَ المسيح قمةَ حضورِها؛ حيث يُقبلُ الجميع ُ(وعلى الأخصّ اليهود) على المسيحية والاعتراف بألوهية المسيح أو يهلكون. والمجموعة الثانية، هم المولودون الجُدُد، أو المولودون ثانيةً، وعمادُ نظرتهم مسألة التوبة التي تتمُّ في إشاراتٍ وسياقاتٍ معينة؛ بحيث يشعُرُ المرءُ "الضالّ" أنّ الهداية أقبلت عليه بتوفيقٍ من الله، فيقابل ذلك بما يستحقُّه الأَمْرُ من ممارسةٍ للشعائر، واعتناق مذاهب أخلاقية معينة. ويقال إنّ الرئيس بوش الابن هو واحدٌ من المجموعة الثانية؛ مع الاعتراف بأنّ المجموعتين تتشاركان في عقائد كثيرة. لكنّ الملحوظ أنه لا تعليل لانصراف هذه الكنيسة أو تلك إلى التدخل في الشأن العام؛ في حين لا تهتم الكنيسةُ الأخرى إلاّ بالاستعداد ليوم المعاد! بيد أنّ هذا ليس هو رأي بول كروغمان وفريمان دايسون وآخرين؛ إذ يذهبون إلى أن "التائبين" بالذات لديهم ميولٌ لتطهير العالم من الرجْس والمعاصي مثل المثلية الجنسية والإجهاض والشيوعية... والإسلام! ولديهم ميولٌ لنُصرة "الخير والهداية"(36/112)
مثل التبشير بالمسيحية في إفريقيا وأميركا اللاتينية، ومثل نُصرة أهل جنوب السودان، ومساعدة العراقيين على الديمقراطية، وإسرائيل على "التخلُّص من الإرهاب"... الخ.
ويختلف الباحثون الأميركيون في علّة الثَوَران الأصولي الإنجيلي في السنوات الأخيرة. فمنهم من يقول إنّ ديانات التوحيد كلّها تشهدُ ظواهر مشابهة. فالإله المتوحّد بالوجود والخَلْق والقدرة لا يقبل الإشراك كما لا يقبلُ الغفلةَ فضلاً عن المعصية. وفي أزمنة القلق والتغيير، تستيقظ الفكرةُ القائلةُ بأنّ الخطيئة والانحراف عن الدين الصحيح، هما السبب في ما نزل وينزل بالناس إنّ لم تحدُثْ توبةٌ وانعطافةٌ وعودةٌ إلى الله. وقد تقترن بأحاسيس الخطيئة وتأنيباتها نُذُرُ القيامة والدينونة والمصير النهائي للعالم. والدياناتُ التوحيديةُ الثلاث متقاربةٌ في هذه الأمور أو التعاليم الأساسية كلّها؛ بيد أنّ فكرة الخلاص والأمل في المسيحية أوضح منها في اليهودية والإسلام بسبب وجود فكرة الفداء والمُخلِّص بشخص المسيح.
إنّ هذا التفسير لظاهرة الثوران الديني يمكنُ التدليلُ عليه من سائر المصادر الإسلامية واليهودية والمسيحية. لكنْ كيف نعلّلُ الثورانَ نفسَه في البوذية والهندوسية مَثَلاً، بل وفي الديانات الإحيائية؟ صحيحٌ أنّ ظاهرة "الحجاب" يمكن إعادتُها للتوبة؛ لكنّ الارتباط السياسيَّ القويَّ في جانب، والانفكاك التامّ (الإحياء الصوفي) في جانبٍ آخَرَ لا يمكن تعليلُه.(36/113)
ويختلف الباحثون الأميركيون مرةً أخرى في الخصوصية المُدَّعاة بين الولايات المتحدة والدين المسيحي؛ رغم إجماعهم على أهمية الدين في الحياة الخاصة والوطنية في الولايات المتحدة. فَطَوَالَ مائتي عام الأولى من الوجود البريطاني في ما صار يُعرفُ بالولايات المتحدة الأميركية، تدفقت عليها جماعاتٌ مُهاجرةٌ بروتستانتية من ألمانيا ووسط أوروبا، كانت تُعاني من الاضطهاد أو الفقر أو الاضطراب الديني والجيوسياسي خلال حرب المائة عام في أوروبا كما هو معروف. وقد جاء هؤلاء يحملون العزيمة والأمل في حريةٍ دينيةٍ، وفي إنشاء مملكة الله على الأرض في الدنيا الجديدة بعد أن عجزوا عن ذلك في دنياهم القديمة. إلى هنا فالأمر واضحٌ ومفهوم؛ بيد أنّ الدولةَ الأميركية ليست دولةً دينيةً، فلماذا لم يحقّق آباءُ الاستقلال الأوائل أملَ الملايين؟ يقول البعضُ بل إنهم حققوه عن طريق الدولة المدنية التي لا تُعادي الدين ولا تستتبعُهُ، وتترك له إمكانيات الحرية والازدهار. فالعلاقةُ بين الدين والدولة في الولايات المتحدة تتميز عن النموذج الفرنسي القاطع بين الطرفين، وعن النموذج البريطاني الذي يفصلهما في المؤسسات، ويجمعهما في رأس الدولة من خلال الملك. وقد اختار واضعو الدستور، وآباءُ الاستقلال الحلَّ الثالث: حلَّ الحرية من الناحية التنظيمية، وهي حريةٌ مصونةٌ بالدستور للدولة (لتدير شؤون الناس على اختلاف فئاتهم وأديانهم) وللدين (بعدم التبعية لأحدٍ في شؤون العبادة والتعليم وممارسة النشاط الديني أو التبشير). وبسبب هذه التجربة الخاصة، والحلّ المبتكَرَ، ظلَّ الإحساسُ الرساليُّ قوياً لدى سائر الأميركيين المتدينين وغير المتدينين؛ بحيث يتحدث الجميع اليومَ عن "ديانةٍ عامة" أو أعراف دينية، تسودُ 80% من الحياة الأميركية، كما أنّ 70% من الأميركيين يعلنون أنهم متدينون؛ في حين لا يفعلُ ذلك أكثر من 14% في البلدان الأوروبية!(36/114)
ويطرح الملحدون والليبراليون تفسيراً آخر لظهور الدولة المدنية في الولايات المتحدة الأميركية. فآباءُ الاستقلال وروّادُهُ الأوائل وقفوا في وجه الميول الدينية الجارفة، وأبوا الرجوعَ إلى تجربة الكنيسة الكاثوليكية التي دمجت الدولة بالدين في شخص البابا، وتسببت بالانشقاق الكاثوليكي/ البروتستانتي، وبالعلمانية المعادية للدين. ولذلك فقد كانت "الدولةُ المدنية" الدستورية، ضماناً لعدم استيلاء الجماعات الدينية المتشددة على الدولة والشأن العامّ؛ ولو من خلال الانتخابات. وما عاد ذاك الخَطَرُ قائماً منذ القرن التاسع عشر بسبب ظهور جماعات دينية قوية أُخرى غير البروتستانت، هي الجماعاتُ الكاثوليكية. وهم يتخوفون الآن بسبب ثوران الجماعات الإنجيلية الجديدة، أن يحدُثَ صدامٌ بين المتدينين في تنافُسِهِمْ على الدولة والمجال العامّ.
بيد أنّ مخاوفَ الليبراليين خاصةً تمضي في اتجاهٍ آخر. فبسبب إقبال الإنجيليين الجدد على التصويت، تدرك الأحزاب السياسية أنّ هؤلاء صاروا قوةً حقيقيةً يُحسَبُ لها حسابٌ كبير. ولذلك فقد يستغلُّون تلك القوة التصويتية بمجاملتهم في نقاطٍ عقائدِية تتعدى الدستور، وتتخطى الحريات المدنية؛ مثل معارضة الزواج المدني، والإجهاض، وملاحقة مثليي الجنس... مقابل الحصول على تأييدهم في المسائل السياسية الداخلية والخارجية. لقد بدأ ذلك في رئاسة رونالد ريغان، وما سار فيه بوش الأب، ولا كلنتون، لكن رُعاةُ حملة بوش الابن الانتخابية، استخدموه منذ عام 1998 وحتى اليوم. والواقع أنّ "المحافظين الجدد" الذين سيطروا خلال فترة بوش، لا يهتمون بالسياسات الداخلية؛ بل بدور أميركا في العالم. ولذلك ففشَلَهُم وتضاؤل نفوذهم الآن، لن يؤثّر على علاقة بوش بالإنجيليين الذين يهتمون أيضاً بمصائر إسرائيل لكنّ أولوياتهم داخلية، وما يزال الرئيس بوش سائراً فيها.(36/115)
معنى ذلك كله أنّ ظاهرة الثوران الديني أو الإنجيلي الأميركي شديدة الأهمية والخطورة؛ لأنها تؤثر على القرار في أهمّ دول العالم. ولهذا ستظلُّ وقائعها بؤرة اهتمامٍ للباحثين العرب بخاصة؛ ليس لأنّ الولايات المتحدة بالغة التأثير عندنا فقط؛ بل لأنّ عندنا أصولياتٍ مشابهة لا يمكن تجاهُلُ تأثيراتها ووقائعها أيضاً.(36/116)
مجلة الراصد الإسلامية
العدد السابع و الثلاثون – غرة رجب 1427 هـ
* فاتحة القول…هل يكون حزب الله أتاتورك عصرنا 00000000000000000000000000000…3
* فرق ومذاهب…تاريخ العلوية في بلاد الأناضول 000000000000000000000000000000…9
* سطور من الذاكرة…مصرع إباحي سفاح – د. محمد رجب البيومي 00000000000000000000000…23
* دراسات …مواجهات تحدي العراق الممزق 0000000000000000000000000000000…27
* كتاب الشهر …الحرب الأهلية في العراق – دراسة استشرافية 0000000000000000000000…37
* قالوا …0000000000000000000000000000000000000000000000000…47
* جولة الصحافة ……
…- مقابلة مع صبحي الطفيلي- أول أمين عام لحزب الله 000000000000000000…51
…- مقابلة مع الأمين العام لجمعية بني هاشم السيد محمد علي الحسيني 00000000000…52
…- مقالات مهمة عن حزب الله ص59، أكاذيب حكام طهران 00000000000000000…62
…- أميركا وإيران 0000000000000000000000000000000000000000…63
…- خفايا الصفقة الكبرى 0000000000000000000000000000000000000000…64
…- سورية .. جسر إيران إلى المتوسط 0000000000000000000000000000000…71
…- ولاية الفقه أم ولاية الفقيه 0000000000000000000000000000000000000…72
…- ازدواجية التيار الصدري 00000000000000000000000000000000000000…74
…- مؤتمر علماء المسلمين 000000000000000000000000000000000000000…75
…- المرجعيات الشيعية 00000000000000000000000000000000000000000…75
…- دور الميليشيات ومستقبلها في العراق 00000000000000000000000000000…77
…- استراتيجية لنشر التشيع في سورية 0000000000000000000000000000000…85
…- حاخام أمريكي يخطب في (3) آلاف مصل في حلب 000000000000000000000…90
…- علماء سورية يحتجون بوقف القبول بالمعاهد الشرعية 0000000000000000000…90
* متفرقات……
…- اجتماع للشواذ في القدس 000000000000000000000000000000000000…91(37/1)
…- جدل حول بوادر للفتنة الطائفية في البحرين 0000000000000000000000000…94
…- المفتي القباني: دار الفتوى لن تقبل بعد اليوم بفتح ملفات لأهل السنة 0000000000…96
…- جنرال أمريكي ينشر خارطة جديدة بـ (حدود دينية) للشرق الأوسط 00000000000…98
…- صعود الهلال الشيعي 000000000000000000000000000000000000000…100
…- من صور التغلغل الإيراني في تركيا 000000000000000000000000000000…104
…- هجمة المهري على حماس 00000000000000000000000000000000000…106
هل يكون "حزب الله" أتاتورك عصرنا؟
…المتابع لمواقف الناس تجاه (حرب إسرائيل وحزب الله) يجد أنها تنقسم لفئتين، وهذا الانقسام الحاد في الرأي هو من طبيعة الفتن ، ذلك أنها تلتبس فيها الأمور ولا يرى الناس كل جوانبها، كما أن الناس يتعاملون معها بعواطفهم لا بعقولهم، وتزداد الفتنة إذا كان الذين يتصدرون التوجيه والتحليل السياسي هم "الرويبضة" أو "من لا خلاق لهم" كما هو حاصل في وسائل الإعلام اليوم!!
…وهاتان الفئتان هما:
1-…المشككون بجدية هذه الحرب و كذلك بنية ومبدأ حزب الله، وذلك بسبب شيعية حزب الله و تبعيته لإيران وسوريا.
2-…المؤيدون والمناصرون لحزب الله في هذه الحرب، وهم على درجات من الولاء الكامل إلى التعاون في مواجهة عدو مشترك مع علمهم بطائفية حزب الله.
فتنة حزب الله الجديدة:(37/2)
…لقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عن تسارع الفتن في آخر الزمان الذي بتنا نقترب منه فقال: ( بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم) و حذرنا من (السنوات الخداعات)، ومن هذه الفتن المتعلقة بالشيعة في هذا العصر، دعوة التقريب بين السنة والشيعة ، وبعدها الثورة الخمينية وما صاحبها من فتنة قطاعات عريضة من أهل السنة بها، وبعدها فتنة (انتصار) حزب الله في سنة 2000م، والآن هذه الفتنة الجديدة لحزب الله، والتي ستفتن كثيرا من الناس من الذين لا يجعلون للعقائد والمناهج وزنا في الحكم على الأفعال، كما أنهم لا يعتبرون بالتاريخ ولا يهتمون للمواقف والتصرفات التي قام بها حزب الله.
…لن نقف طويلاً عند مدى جدية هذه الحرب، وهل هي حرب "تحريكية" أم حقيقية، وإن كان ما يطرحه المشككون في غاية القوة، لما يرون من تدمير للبنان وليس لحزب الله، وتلميع لسوريا وإيران وحزب الله من قبل إسرائيل، وذلك عبر أسلوب بسيط في الدعاية وهو: شتم أصدقاء إسرائيل فيحبهم الناس ويثنون عليهم، كما صرحت البروتوكولات الصهيونية بذلك، والثناء على أعداء إسرائيل فيكرههم الناس، وذلك إتباعاً لقاعدة عدو عدوي صديقي، فلو عكس عدوك سياسته لغرقت في شباكه كما هو حاصل اليوم!!!!
…لن نقف مع جدية الحرب أو عدمها، ونتجاوز ذلك لبحث ما بعد ذلك وهو ماذا لو كانت تمثيلية أو حقيقية ومُكن أو تمكن بعدها حزب الله في لبنان بشكل أكبر، هل سيكون هذا لمصلحة الإسلام والعروبة والقضية الفلسطينية ؟؟؟؟ نرى أن هذا هو المهم، والذي يجب أن تسلط عليه الأضواء حتى "لا نرى الفتن وهي مدبرة" كحال أهل الجهل وتكون قد عمتنا بفتنتها .(37/3)
…وموقفنا وذلك أن وقوع حرب حقيقية بين اليهود والشيعة ممكن ووارد ، ألم يذكر لنا القرآن الكريم وقوع الصراع بين اليهود أنفسهم! فقال تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ * ثُمَّ أَنتُمْ هَؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ} [البقرة84، 85].
…ولكن هل هذا الصراع الدموي يعطي أي جهة في الدنيا شهادة حسن سلوك دون توفر حسن المعتقد أولاً وحسن السيرة والتاريخ ثانياً؟؟ هو الدعاء بالهزيمة والكسر لإسرائيل وإبعاد وصرف شر حزب الله عنا.
قصة أتاتورك:
…أكثر المسلمين يعرفون أن أتاتورك هو الذي هدم الخلافة العثمانية، وحوّل تركيا إلي العلمانية وحارب الإسلام فيها، ولكن القليل يعرف كيف استطاع أتاتورك ذلك ! وأقل منهم من درس مؤامرة أتاتورك وأخذ العبرة والعظة منها حتى "لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين" وإن كان واقعنا بعكس ذلك!!
…من مِن المسلمين يعرف أن أتاتورك لم يستطع إلغاء الخلافة إلا بعد أن أصبح أول رئيس للجمهورية في تركيا، ولم يصل لرئاسة الجمهورية إلا بعد دعاية إعلامية واسعة أظهرته على أنه مجاهد مغوار قاتل بشرف دفاعاً عن الخلافة والسلطنة الإسلامية.
…ولم تقتصر هذه الدعاية على تركيا، بل وصلت أرجاء الدولة العثمانية، مع ضعف وسائل الإعلام آنذاك، فدبج أمير الشعراء أحمد شوقي في مدحه القصائد والأشعار، فمرة جعل أتاتورك كسيف الله المسلول حين قال في مطلع قصيدة له:
الله أكبر كم في الفتح من عجب يا خالد الترك جدد خالد العرب
…ومرة يجعله قرين صلاح الدين عندما استعاد بيت المقدس:
حذوت حرب الصلاحيين في زمن فيه القتال بلا شرع ولا أدب(37/4)
…بل جعل انتصاراته المزعومة كنصر بدر :
يوم كبدر فخيل الحق راقصة على الصعيد و خيل الله في السحب
… تحية أيها الغازي وتهنئة بآية الفتح تبقى آية الحقب
…ولم تمض إلا بضع سنوات على هذه الانتصارات المزعومة والقصائد المنمقة، حتى تكشفت الحقائق وظهرت المصائب فأعلن أتاتورك إلغاء الخلافة والحرب على الإسلام، وعندها صدم الكثيرون ووجم المصفقون،
…وبدأت تظهر الفضائح (أتاتورك من أصول غير مسلمة وهو ولد زنا على الراجح، ومدمن على الخمر والعربدة من صغره، وعميل للاحتلال من بداية عمله العسكري، وفكره منحرف عن الإسلام من مطلع شبابه إلي غير ذلك من الفضائح التي كشفها كتاب "الرجل الصنم").
…ولكن ما فائدة معرفة ذلك وقد سقطت الخلافة، وضاعت قوة المسلمين، وتشتت كلمة العقلاء والعلماء، نعم كانت هذه المعرفة تنفع أعظم النفع لو كانت قبل صعود هذا المحتال الدعي.
وجه الشبه بين "حزب الله" وأتاتورك:
…هناك عدة أوجه للشبه بين الطرفين بعضها شكلي وبعضها موضوعي، فمن حيث الشكل: إن بداية ظهور الطرفين كان إبان احتلال الكفار لبلاد المسلمين، وصعود الطرفين كان بعد مشاركتهم في معارك مع المحتل، وبداية سلطتهم السياسية كانت بعد انتشار دعاية جهادهم وبذلهم!! والطرفان تمددا في مرحلة ضعف أهل الإسلام وقلة حيلتهم .
…أما عن أوجه الشبه من حيث المضمون فهي: الطرفان لهما فكر خاص مستقل عن عموم المسلمين المخدوعين بهم، وهم في حركتهم وعملهم يسعون لنصرة هذا الفكر، وكلا الطرفين يسعى للسلطة والنفوذ لتطبيق فكرهم، والطرفان على استعداد للتحالف والتعاون مع أعداء الأمة سراً و جهراً لخدمة مصالحهم.
أين تكمن خطورة حزب الله على الأمة:
…حزب الله يشكل خطورة بالغة على الأمة الإسلامية من ناحية فكره ومعتقده، ومن ناحية مواقفه وسياساته، ومن ناحية حلفائه وأعوانه.
1-…فكر حزب الله ومعتقده:(37/5)
حزب الله حزب ينتسب للمذهب الشيعي الإمامي الإثني عشري، ومن المعلوم أن هذا المذهب يقوم على أصل الإمامة بولاية أهل البيت، بمعنى أن هناك (12) رجلا من آل البيت هم حكام المسلمين وخلفائهم، ومن اعتقد بجواز خلافة أو حكم غيرهم كفر!! بالإضافة إلى اعتقادهم بكفر الصحابة سوى نفر يسير، ويرون أن القرآن محرف وناقص. ولا يصح القول أن الحزب لا يتبنى هذه الأفكار والعقائد، ذلك أن الحزب يعلن تبعيته للخميني الذي بث هذه الأفكار في كتبه ورسائله (راجع كتاب "الخمينى الوجه الآخر في ضوء الكتاب والسنة" للدكتور زيد العيص). كما أن الحزب لم يعلن براءته من هذه الأفكار والعقائد الباطلة، فيجب على الحزب إعلان البراءة من هذه العقائد الكفرية و ممن يحملها كائناً من كان.
…بل إن الحزب لم يعلن مساندته للمرجع الشيعي محمد حسين فضل الله، الذي يواجه حربا شيعية طاحنة وصلت حد تكفيره، لنفيه بعض أساطير المذهب الشيعي، رغم أن فضل الله يعد الأب الروحي للحزب!! بل يقول بعض أهل بيروت أن تلفزيون المنار الأرضي التابع لحزب الله يبث مواضيع شيعية طائفية وأن الحزب يوزع أحيانا كتبا شيعية متطرفة. ولم نسمع للحزب إدانة لأي "مجنون" من مجانين الشيعة كياسر حبيب الكويتي الهارب في لندن.
…وتتعامل قناة المنار بذكاء خبيث مع السيرة و التاريخ الإسلامي، فهي تسقط من حسابها كل الصحابة فلا تذكرهم أبداً وكأنهم هباء!! ولماذا لم يكن للحزب موقف معلن من المصائب التي أظهرها ممثلو الشيعة في مناظرات المستقلة، إذا كان الحزب شيعيا معتدلا، لا يقبل هذه الطامات!!
2-…مواقف حزب الله وسياساته :
…المتابع لمواقف الحزب وسياساته يجد أن الكثير منها لا يصب إلا في المصلحة الشيعية البحتة دون المصلحة الإسلامية العامة، فمن ذلك:(37/6)
•…السكوت عن مواقف إيران السيئة والتي بلغت حد العمالة والتواطؤ مع الأمريكان في أفغانستان والعراق، ولا يزال الناس يذكرون التصريح الشهير لرفسنجانى: "لولا إيران ما سقطت طالبان"، طبعاً هذا لكون الحزب يتنصل من التبعية لإيران ويزعم استقلال قراره!!
•…التغاضي عن عمالة إخوانه الشيعة في العراق، وتعاونهم مع عدوه أمريكا!
•…التغاضي عن جرائم أصدقائه الشيعة في العراق تجاه سنة العراق، ولو ببيان استنكار.
•…منعه وإحباطه لكثير من العمليات تجاه إسرائيل، بل قتل من يحاول ذلك أحياناً، حتى اعتبر صبحي الطفيلي وهو أول أمين عام للحزب، بأن حزب الله تحول لحرس حدود لخدمة إسرائيل.
•…لا نجد للحزب وهو يطالب بدور إقليمى في المنطقة، أية مواقف تتبنى المطالب العربية العادلة تجاه احتلال إيران للجزر الإماراتية.
•…أما على الصعيد اللبناني فقد كان للحزب أعلى الأصوات في المطالبة ببقاء (الوجود السوري) مع أن الجميع يدرك كم هو سيء هذا الوجود.
•…ثم لم يخبرنا هذا الحزب عن موقفه من فضيحة "إيران غيت" المتعلقة بشراء الأسلحة بالمليارات من إسرائيل أثناء قتاله لحزب البعث الاشتراكي في العراق.
•…لم نسمع مطالبة لحزب الله بالأسرى والمفقودين اللبنانيين في سجون سوريا (الصمود)؟ فهل يخرج علينا الحزب بمواقف صريحة وواضحة يتراجع فيها عن مواقفه السلبية السابقة ؟؟
3-…حلفاء وأعوان حزب الله:
…من القضايا التي توجب على المسلم الفطن الحذر من حزب الله وقوته هو حلفائه، وقد قيل: "قل لي من تخالل أقل لك من أنت".(37/7)
أ-…إيران: إيران ليست حليفا، بل هي الحاضن والمرضع لحزب الله، والحزب إنما نشأ في إيران بمباركة الخميني. يقول نائب الأمين العام لحزب الله، قاسم نعيم: (كان هناك مجموعة من المؤمنين ... تفتحت أذهانهم على قاعدة عملية تركز على مسألة الولي الفقيه والانقياد له كقائد للأمة الإسلامية جمعاء، لا يفصل بين مجموعاتها وبلدانها أي فاصل، ... وذهبت هذه المجموعة المؤلفة من تسعة أشخاص إلى إيران ولقاء الإمام الخميني (قدس) وعرضت عليه وجهة نظرها في تأسيس و تكوين الحزب اللبناني، فأيد هذا الأمر وبارك هذه الخطوات). كتاب "المقاومة في لبنان"،أمين مصطفي، دار الهادي (ص425). وقد تكشف للناس اليوم حقيقة إيران، وأنها تبحث عن مصالحها الشيعية الذاتية ولو كان على حساب الإسلام، ومن آخر مواقف إيران السيئة تجاه المسلمين، إعلانها التبرع بـ 50 مليون دولار لحركة حماس، وبعد 4 أشهر يعلن وزير خارجيتها أن التبرع لا يزال في مرحلة صنع القرار، فعلى من تضحك إيران سوى على المغفلين. وكيف يمكن الوثوق بنصيحة وتوجيه مثل هذا الحليف لحزب، لما فيه خير المسلمين؟؟
ب-…سوريا : أما سوريا النظام البعثي الاشتراكي النصيري، الذي أذاق المسلمين المر في سوريا ولبنان، وصاحب مجازر حماة وتل الزعتر، والنظام الذي أصم العالم من صراخه وخطاباته ولكن لم يسمح أو يطلق رصاصة واحدة من الجولان المحتل أو الصحيح "المسلّم"، كما يقول مصطفي خليل ضابط الاستخبارات في الجولان في كتابيه "سقوط الجولان" و"من ملفات الجولان". سوريا الصمود التي لم تحرك ساكنا حين اجتاحت إسرائيل بيروت وهي تتفرج!! ماذا نتوقع من نظام لا زال يحكم بالإعدام على من يثبت انتماءه لجماعة الإخوان المسلمين إذا كان سورياً، ومن ثم يحتضن حماس وهي إخوان فلسطين؟؟ نظام بهذا المستوى هل سيشير على حليفه حزب الله بما يكون فيه نفع للإسلام والمسلمين؟؟(37/8)
ج-…حركة أمل: وهي الحركة التي ولد حزب الله في رحمها، حركة أمل صاحبة مجازر المخيمات الفلسطينية في لبنان، بالرغم من أن حركة فتح هي التي رعتها ودربتها عسكرياً، لكن الشكر كان بالقتل! فنعم المستشار أمل إذاً!
كيف سيكون خطر "حزب الله"؟
…الخطورة تنبع من حزب الله إذا خرج قوياً من هذه الفتنة بجهده أو مكره، واستغل اندفاع المغفلين والجاهلين من قيادات الحركات السنية قبل عوام السنة لتنفيذ أجندته الطائفية، فكلنا يعلم أن اجتياح لبنان عام 1982م هو الذي مكن من إنشاء حزب الله!!؟ وهو كذلك الذي وفر الغطاء لدخول إيران للبنان!!؟ والخطورة تنبع أيضا من مطالبة حزب الله لحماس والجهاد بتقليده في المقاومة وذلك بعد خروج إسرائيل من الجنوب ، وبالأمس صرح حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلته مع الجزيرة " أن حزب الله هو القدوة للمقاومة في فلسطين فلو ذهبت مقاومة حزب الله لافتقد أهل فلسطين القدوة " ؟؟؟ والخطورة تنبع من قيام حزب الله باستغلال شعبيته لترويج التشيع كما هو حاصل في فلسطين وسوريا .... وتنبع الخطورة من صفقة تعقد بين محور (حزب الله، إيران، سوريا) مع محور (إسرائيل، أمريكا) على حساب العرب والسنة، سواء الفلسطينيين في لبنان أو الدول السنية المجاورة لإسرائيل أو الخليج والعراق، وذلك عبر تصعيد الوضع إلى أقصى درجة، ليكون النزول لما كان الأمر عليه من قبل ومع تنازلات من (كيس) العرب والسنة في المنطقة!! وفي النهاية إذا كانت هذه الفتنة قد جرت من خلفها الغثاء الكثير من المسلمين بكل بساطة ويسر، فكيف الحال بأمة الإسلام حينما يخرج الدجال الكبير الذي طالما حذر منه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: (يا عباد الله اثبتوا يا عباد الله اثبتوا)؟؟(37/9)
…وسيبقي السؤال قائماً هل يقوم الحزب بالتخلي الواضح والصريح عن هذه الأفكار والمواقف وإدانتها وتبنى مواقف حقيقة تصب في مصلحة المسلمين؟؟ هذا ما نتمناه. أم سيكون حزب الله أتاتوركاً جديدا، يخدع المسلمين بمعاركه لتنفيذ مشاريع طائفية لخدمة إيران وسوريا ؟؟
?
تاريخ العلويين في بلاد الأناضول
(إبراهيم الداقوقي - مجلة "النور" اللندنية)
ربيع أول 1427هـ/ آذارـ نيسان 2006م
(هذا المبحث - باختصار يسير - كاتبه معجب بالعلوية! والمجلة الناشرة شيعية! ولذلك لا يمكن اتهامهم بالوهابية أو السلفية! ولأهمية بعض الحقائق التي أوردها الباحث عن حقيقة العلوية نشرنا هذا البحث ولقلة الكتابات عن العلوية في تركيا، ونحن لا نوافق على كل ما ورد فيها، وقد سبق للراصد التعريف بهم في العدد التاسع عشر. الراصد).
كنت مشاركاً في ندوة (الحياة الفكرية في الولايات العربية في العهد العثماني في تونس العاصمة عام 1986 عندما قام الأستاذ الدكتور عبد الجليل التميمي، عميد معهد الدراسات العثمانية في تونس، بتقديمي إلى البروفيسورة الروسية الدكتورة مليكوف المتخصصة في التركيات:
-…أقدم إليك الدكتور إبراهيم الداقوقي، الذي قدّم رسالة دكتوراه عن أمير الشعر التركي (فضولي البغدادي) إلى كلية اللغات في جامعة أنقرة عام 1972، والحاصل على درجة الدكتوراه عن رسالته حول (حرية الإعلام) من كلية الحقوق بجامعة أنقرة عام 1975 ثم التفت الدكتور التميمي إلي قائلا:
-…البروفيسورة مليكوف، من المعجبات بالجانب الصوفي - البكتاشي في الشعر التركي، وستهتم بالتأكيد بورقتك المعنونة (فضولي البغدادي والحياة الفكرية في العراق في القرن السادس عشر) التي ستقدمها في الندوة.
وبعد الترحيب بها، سألتها مباشرة:إذاً، أنت شيعية من أذربيجان؟
أجابت بابتسامة مشرقة: كلا. إنني مسيحية كاثوليكية.
إذاً، ما هو سر العلاقة بين الكاثوليكية والبكتاشية التي تعد من طرق الشيعة التصوفية؟(37/10)
إن التسامح هو الذي يجمع بينهما، كما إنني لست شيعية وإنما علوية.
أو بمعنى آخر: إنني من محبي الإمام علي بن أبي طالب ومن المعجبين به سيرة وسلوكا وفلسفة وأخلاقاً وإنسانية، ومن هنا تستطيع أن تقارن علاقتي بالعلوية بعلاقة المسيحي اللبناني جورج جرداق مؤلف أعظم كتاب عن الإمام علي، بالعلوية والعلويين. تداعت إلي ذاكرتي نقاشاتي مع المرحوم رشيد علي، مختار قصبة داقوق وقارئ مقتل الطالبيين في ليالي عاشوراء باللغة التركمانية في التكية البكتاشية هناك والشارح الأكبر لديوان فضولي البغدادي (888-963هـ)، وتشجيعه لي لتحقيق ديوانه العربي المفقود الذي أصبح موضوع رسالتي للدكتوراه في كلية آداب أنقرة عام 1972. إضافة إلى الجلسات الفلسفية مع الشيوخ العلويين الأتراك في أنقرة واسطنبول لدى زياراتي لبيوت (الجمع)، وهي المنتديات البديلة عن الجوامع، التي أقامها العلويون في تركيا إثر إلغاء الزوايا والتكايا والمذاهب والطرق الصوفية في تركيا بعد إلغاء الخلافة.
ثم علاقاتي الحميمة مع الشعراء والأدباء والإعلاميين والسياسيين العلويين في تركيا خلال مكوثي لأكثر من اثني عشر عاماً فيها، دبلوماسيا في البداية، ثم طالب دكتوراة، ثم أستاذاً في جامعاتها، وأخيراً باحثاً متخصصاً في الشؤون التركية ومترجما للعديد من المؤلفات التركية إلى اللغة العربية.
العلوية:(37/11)
تعني الفكرة العلوية اصطلاحاً: شيعة الإمام علي بن أبي طالب وسالك نهجه في الحياة بالالتزام بالحق والعدالة ومكارم الأخلاق مع احترام الآخر (الإنسان والحيوان والجماد)، لأن الإنسان خليفة الله على الأرض وصورة من الإمام علي وفاطمة الزهراء - قطبا الإمامة الإثنا عشرية). إضافة إلى ضرورة المحافظة على الحيوان والجماد، باعتبارهما من مخلوقات الله. أما من حيث المضمون، فإن العلوية نظرية فلسفية - أخلاقية قائمة بذاتها، حتى أن الجامعات الألمانية بدأت بتدريسها منذ بداية العام الدراسي 2001- 2002 في كليات الإلهيات جميعها. ومن هنا فإن الأمر الأساس الذي يؤكد عليه المثقفون الأتراك ـ وكان معظمهم من إخواننا الأكراد ـ في النقاشات حول العلوية والعلويين معهم، هو: "أن العلوية ليست ديانة ولا مذهبا دينيا إنما نظرة شمولية إلى الكون والإنسان والإله في إطار من التسامح، وبإيمان مطلق بالعدالة والحق، نظراً لالتزامها بالديموقراطية كمنهج وبحقوق الإنسان كممارسة بعيداً عن الاستبداد والإرهاب والديكتاتورية، ويغلفها التراث الشرقي بأديانه البدائية والسماوية، وطرقها الصوفية والابدالية. ومن هنا فإننا نعد البكتاشية والمولوية وأهل الحق والبابائية - وليست البهائية - كلها اتجاهات متعددة في هذه النظرة الكلية الإنسانية للوجود التي يمتزج في إطارها العرب والأكراد والأتراك والعجم".
ألم يردد الشاعر الشيخ جلال الدين الرومي، مؤسس الطريقة المولوية في مثنويته (ديوان شعره) باللغة الفارسية:
"تعالَ،
تعالَ لتكون معنا،
مَن تكن،
كافراً، وثنيا، أو مجوسيا.
تعالَ، وإن تكن قد تبتَ مائة مرّة، يكفي أن
نكون معاً.
لأن هذا المحفل لا يؤمن باليأس والقنوط".
ونظراً لتعدد الآراء حول العلوية ومذهبها وفلسفتها وأنماطها الصوفية، فإننا سنتناول العلوية بالدراسة ضمن المباحث الثلاثة التالية:
المبحث الأول ـ هوية العلويين:(37/12)
هناك حقيقة ناصعة، هي "أن النبي كان يشعر بنوع من الإخاء لعلي بن أبي طالب، وإن عليا كان ممتلئا بهذا الإخاء.
ثم إن النبي كان يوجه الأنظار إلى العظمة الإنسانية التي تتمثل في شخصية عليّ، وإلى أنه خير من يستطيع أن يتمم شروط الرسالة من بعده". ومن هنا فقد ولدت فكرة التشيع لعليّ، وتوطدت فكرة الشيعة بخلافه مع معاوية بن أبي سفيان وتوسعت وانتشرت بعد قتله على يد عبد الرحمن بن ملجم.
أما الفكرة العلوية، التي اعتمدت على فكرة التصوف بمؤثراتها الأجنبية: فقد ولدت أيام إمامة المهدي صاحب الزمان أواخر القرن الثامن (الرابع عشر الميلادي) نتيجة الخلاف بين طوائف الشيعة حول قضية "الباب" المعروفة في الفقه الشيعي، بعد أن كان الإسماعيليون قد انفصلوا عن الإمامية الإثني عشرية بسبب الاختلاف على الشخص الأجدر بتوليه الإمامة من أولاد الإمام جعفر الصادق. حيث اختارت المجموعة الثانية إسماعيل بن جعفر الصادق للإمامة، فأطلقت عليهم تسمية الإسماعيليين، أو السبعيين في الفقه الإسلامي، كمذهب من مذاهب الشيعة وإحدى طرق التصوف المعروفة في العالم الإسلامي.
غير أن بعض الباحثين الأتراك يعتقدون أن الفكرة العلوية قد وجدت في آسيا الوسطى، لاسيما في أوساط الشعراء المتصوفة الذين تغنوا بالعشق الإلهي وبالحق والعدالة وحب آل البيت، وقد عمل أولئك المتصوفة الأتراك الأوائل على مقاربة الإسلام مع عناصر تقاليدهم الاجتماعية لتسهيل قبوله واعتناقه من جهة ولترسيخ العقائد الإسلامية لدى الأتراك من جهة أخرى.
ولذلك يقول الشاعر المتصوف الشيخ أحمد اليسوي، وهو من شعراء القرن الثاني عشر الميلادي، في ديوان الحكمة:
Seriatin sartlarini bilen Asik
Tarikatin manasini bilir Dostlar
Tarikatin islerini eda edip
Hakikatin Deryasina batar Dostlar(37/13)
"إن العاشق الذي يعرف شروط الشريعة، يعرف - أيضا - أيها الأحبة، معنى الطريقة. وإن من يؤدي شعائر الطريقة، يخوض في بحر الحقيقة، أيها الأحباب". لأن العلوية تؤمن بأن الطريقة قرين الحقيقة والشريعة معاً".
ومن هنا أيضاً يعتقد بعض الفقهاء الإيرانيين والأتراك بأن العلوية قد تطورت وتكاملت منذ القرن الثاني عشر الميلادي في مدينة خراسان الإيرانية على أيدي لقمان بارندة ثم أحمد يسوي ويونس أمره، الذي توفي العام 1321م في آسيا الوسطى، والحاج بكتاش ولي (1210ـ1270م) وهو من تلاميذ الشيخ أحمد اليسوي الذي دفعه للذهاب إلى النجف الأشرف لدراسة الفقه، والشاه إسماعيل الصفوي (1486 ـ 1524م)، وفضولي البغدادي في العراق.
وقد انتقل الحاج بكتاش ولي إلى بلاد الأناضول ليؤسس فيها الطريقة البكتاشية العلوية، التي تناغمت مع الطريقة المولوية الصوفية لمؤسسها جلال الدين الرومي ومع بابا الياس الذي كان قاضيا في مدينة قيصري العثمانية وشعراء الساز (وهي آلة موسيقية وترية يستخدمها الشعراء الشعبيون، الذين يطلق عليهم أيضاً الشعراء العشّاق ومعظمهم من الشعراء العلويين) لتكتمل بذلك مذاهب التصوف الإسلامي في الدولة العثمانية.
ولذلك فإن الفكرة العلوية تضم اليوم معظم الاتجاهات الصوفية في البلاد الإسلامية من أفغانستان شرقاً إلى المغرب الأقصى واتجاهاتها الفكرية المختلفة: اليسوية والبكتاشية والمولوية والقلندرية والقزلباشية والأبدالية العبدالية والصفوية والخلوتية والنصيرية والكاكائية والأخيّة الفتوّة والخشّابية وغيرها من الاتجاهات العلوية التي تؤطرها مبادئ التسامح والعلمانية والتقدمية الإنسانية، لأنها جميعا قالت بالحق والعدل وتخلّقت بأخلاق القرآن "لإيمانها بأن العلم لا يدرك بالعقل فقط وإنما بالعرفان أيضاً".(37/14)
غير أن أكبر وأعظم الفرق العلوية هي البكتاشية التركية، التي تفرعت منها معظم الفرق العلوية الأخرى. وكذلك الصفوية الإيرانية والنصيرية العربية المنتشرة في بلدان الهلال الخصيب.
يقطن العلويون اليوم في منطقة شاسعة من بقاع الشرق الأوسط، تمتد من أفغانستان إلى المغرب الأقصى مرروا بتركيا ومصر، وهي البقعة الجغرافية التي انتشر فيها أولاد وأحفاد الأئمة الحسن والحسين ولدي علي بن أبي طالب بعد القرن الثامن الميلادي، من العراق إلى خراسان والديلم وطبرستان وتركستان في الشرق وإلى سوريا ومصر وأقطار المغرب العربي، وتمركز معظمهم في المنطقة الجنوبية الشرقية من تركيا وفي مدن ارزنجان وموش وبنغول وأراغلي واورفا وقونيا وأرضروم، ثم درسيم (توني إيلي) وأطرافها بشكل كثيف. وإذا كانت العلوية العربية قد ولدت في مدرستي الكوفة والبصرة خلال القرن الثامن الميلادي، وانتشرت من خلال الأئمة العلويين في البلاد العربية وإيران وبلاد تركستان، فإن السلاجقة هم الذين حملوها إلى بلاد الأناضول.(37/15)
وكان للمتصوف الشيخ بكتاش ولي، الذي جاء من خراسان إلى مدرسة الكوفة لدراسة الفقه، حيث مكث في المنطقة سنتين ثم سافر إلى بلاد الأناضول، دور كبير في نشر البكتاشية فيها رغم أن البكتاشية - كطريقة صوفية - قد تكاملت بعد بكتاش ولي بقرن تقريبا. وقد التزم الشيخ بكتاش ولي في آماسيا، التي استقر فيها الشيخ العلوي بابا إسحاق الذي ثار مع أتباعه التركمان ضد السلاجقة العام 1240 الميلادي، غير أن السلاجقة قبضوا عليه وأعدموه فتولى بكتاش ولي رئاسة الجماعة البابائية ـ نسبة إلى بابا إسحاق ـ إلى أن توفى في مدينة صولوجا هويوك، حيث يحتفل بذكرى وفاته هناك خلال أغسطس ـ آب من كل عام. وإذا كانت المصادر العلوية التركية تقدر نفوس العلويين - وحوالي 60 بالمائة منهم من الأكراد -بحوالي عشرين مليون نسمة، فإن المصادر الرسمية التركية تؤكد بأنهم لا يزيدون عن خمسة أو ستة ملايين فقط من مجموع سبعين مليون نسمة، وهم عدد سكان تركيا اليوم. وحوالي مليون نسمة منهم يعملون كعمال في البلدان الأوروبية منذ عام 1962 ويتركز معظمهم في ألمانيا حيث توجد لهم اليوم أربع جمعيات وعشرات رجال الأعمال والمتاجر وثلاثة نواب في البرلمان. ولهم في النمسا جمعيتان وعشرات المتاجر.(37/16)
ويتميز العلويون بثلاث مزايا اتخذوها تقاليد متوارثة لا يحيدون عنها: إجراء ختان الأولاد في ذكرى ميلاد الإمام عليّ من كل عام، وإقامة احتفال كبير عند الزواج ـ عادة ـ في ذكرى ميلاد الإمام الحسين الشهيد، والاجتماع في بيوت (الجمع) لإجراء المقابلات في المناسبات ولقراءة الأنفاس البكتاشية والأشعار المولوية والخاصة بالشعراء العشّاق العلويين ومقتل الطالبيين ـ لاسيما أيام عاشوراء ـ وعقد الندوات الثقافية والتداول في أمور الجماعة بكل ديموقراطية وتسامح وعلمانية ظاهرة. ومن هنا تتردد في الأوساط الاجتماعية التركية ثلاثة اتهامات ضد العلويين: بأنهم ملحدون وكفّار لعدم إيمانهم بشعائر الدين الإسلامي ولتمسكهم بالعلمانية، وبأنهم من غلاة الشيعة لأنهم يمارسون شعائر طريقتهم بصورة سرّية وبنوع من الإباحية، إضافة إلى اجتماع الرجال والنساء واختلاطهم في المناسبات والاحتفالات الخاصة بهم دون مراعاة للتقاليد الاجتماعية المعروفة في المجتمعات التي يعيشون بينها.(37/17)
غير أن العلويين يردّون على هذه الاتهامات الثلاثة، بثلاث حجج دامغة، هي: لا علاقة للعلويين بالمذهب الشيعي ولا بالمذاهب الأخرى، لأنها نظرة جديدة للوجود والإنسان من خلال الالتزام بالعدالة والحق والإنصاف في إطار الإعجاب بالإمام علي بن أبي طالب ومحاولة السير على نهجه في الحياة والأخذ بمثله العليا الأخلاقية في المعاملات والعلاقة مع الآخر لاسيما وأن مؤسس العلوية في آسيا الوسطى، وهو الشيخ المتصوف الزاهد أحمد اليسوي الذي توفي العام 1176 هو فقيه سنّي. إضافة إلى أن الشيخ بابا الياس، الذي يعد من أوائل العلويين في بلاد الأناضول كان قاضيا سنيا في مدينة قيصري. كما أن العثمانيين الذين تبنوا البكتاشية - وهي أصل العلوية التركية، رغم اختلافها عنها من بعض الوجوه ـ كانوا من السنّة الحنفية، في حين أن بين المذاهب العلوية التركية والكردية، العديد من الطرق الصوفية السنّية كالنقشبندية والكاكائية والخشّابية والبابائية وغيرها.
أولاً - باب الشريعة ودرجاتها،هي:
1-…حب الأئمة.
2-…السعي وراء العلم.
3-…العبادة.
4-…الابتعاد عن المحرمات.
5-…أن يكون الفرد نافعا لعائلته.
6-…أن لا يلحق الأذى بالبيئة.
7-…اتباع أوامر النبي.
8-…أن يكون مشفقاً وذا رحمة.
9-…أن يكون نظيفا.
10-…الابتعاد عن الأعمال الضارة وغير المجدية.
ثانياً ـ باب الطريقة ودرجاتها، هي:
1-…التوبة.
2-…اتباع نصائح المريد "شيخ الطريقة".
3-…الهندام النظيف.
4-…الكفاح وخوض الصراع من أجل الخير.
5-…تقديم الخدمات للمحتاجين.
6-…الخوف من ضياع الحقوق.
7-…تجنب اليأس.
8-…أخذ العبرة.
9-…توزيع الخيرات.
10-…أن لا يتجبّر أو يتعالى أو يستكبر على الآخرين.
ثالثاً ـ باب المعرفة:
1-…التحلي بالأدب.
2-…الابتعاد عن الحقد والأنانية وسوء النية.
3-…عدم الإفراط في كل شيء.
4-…بر والقنا.
5-…التحلي بالحياء.
6-…إبداء الكرم.
7-…تعلم العلم.
8-…التسامح واحترام الآخرين على اختلاف مشاربهم.(37/18)
9-…معرفة الآخر.
10-…معرفة الذات.
رابعاً ـ باب الحقيقة:
1-…التواضع.
2-…التغاضي عن عيوب الآخرين.
3-…عدم التردد في تقديم المعونة عند المقدرة.
4-…حب كل مخلوقات الله.
5-…أن يرى الناس متساوين.
6-…التوجه نحو الاتحاد وعدم الفرقة.
7-…عدم إخفاء الحقيقة.
8-…الاهتمام بمعرفة الفراسة.
9-…التوجه لمعرفة السر الإلهي .
10-…الوصول إلى الوجود الإلهي.
ومن هنا يعتقد العلويون، بأن الإسلام يتكون من ثلاثة مذاهب - وليس مذهبين فقط - هي: السنة والشيعة والعلوية الذين - أي العلويين - يعدون أكثر الفرق الإسلامية التصاقا بجوهر الإسلام وقيمه الفاضلة. فإذا كان المسلمون - بعد النبي - ينقسمون إلى 72 فرقة، فإن من يتبع طريق أهل البيت والأئمة الإثنى عشر، هم من (الفرقة الناجية).
والذين يتلخص شعارهم بجملة (تولي وتبري) بمعنى "اتبع أهل البيت والأئمة الإثنى عشر ومن ثم سر في طريقهم واترك من لا يحبهم" فإنهم جميعاً من أهل النار. ولكن ذلك لا يعني رفضهم أو إقصاءهم للآخر أو عدم التعامل معه.
ولذلك فإن أولئك الذين لا يفقهون معنى التصوف الإسلامي، الذي يستهدف تربية النفس البشرية من خلال المعرفة والحب، قربة للحق (الله) وكسبا لرضائه، الذي هو ـ أي الرضا ـ هدف الخلق والوجود، فإنهم يعدّون جميع هذه المذاهب الصوفية كفراً وإلحاداً في حين "أن التصوف يحاول جاهداً تنمية البشر من خلال المعرفة الحقيقية بالله وطاعته من جهة والتعامل مع البشر وصولاً لسرّ فكر الإنسان (خليفة الله على الأرض) أو ليست تلك الفكرة أساس الإسلام أيضاً؟". تجيب الدكتورة آيرين مليكوف، أستاذة كرسي التركيات في جامعة ستراسبورغ الفرنسية، والمتخصصة بالدراسات البكتاشية - العلوية، على هذا السؤال بنعم.(37/19)
وتضيف قائلة": ولذلك فإن الفكرة العلوية التي وجدت منذ القرن الثالث عشر الميلادي وتطورت بالطريقة البكتاشية منذ القرن الخامس عشر في بلاد الأناضول، تستمدان أصولهما من المذهب الشيعي الذي اتجه في إيران بعد أخذه بالحداثة نحو التطرف والأصولية، في حين حافظت العلوية الأناضولية - رغم أخذها أيضاً بالحداثة - على نظرتها الإنسانية وتسامحها وإيمانها بفكرة التصالح الاجتماعي والإخاء الإنساني، لأنها فوق المذاهب والأديان.
ومن هنا، يدافع العلويون عن كل المظلومين والمضطهدين، بغض النظر عن أديانهم وقومياتهم وألوانهم، في جميع أنحاء العالم. فكان هذا هو الاختلاف الأول بين البكتاشية والعلوية.
أما الاختلاف الثاني فإنه ناجم عن تأثر البكتاشية بالتنظيمات السرية من حيث تنظيم المحافل وإقامة الشعارات والسلوك الاجتماعي، بعد القضاء على الانكشارية - التي كانت تربى وفق التعاليم البكتاشية - وغلق (الاوجاغات) المنتديات البكتاشية وتشريدهم ومصادرة ممتلكات محافلهم كافة وتحويلها إلى التكايا النقشبندية. وكانت البكتاشية قد أخذت فكرة الأعداد، على شكل الاقانيم الثلاثة التي سمّاها العلويون الله - محمد - عليّ.
أما الاختلاف الثالث بينهما، فيكمن في ممارسة العلويين لفنون الرقص والغناء الصوفيين - التي يشاركهم المولويون فيها- بينما لا يمارسهما البكتاشيون ولا يعترفون بمرتبة المصاحبة العلوية.
إن ثمة تجديدات عدة لدى العلويين، مقارنة بالإسلام الأرثوذكسي، ولكن العلويين باطنيون رغم وجود العناصر الإيجابية العديدة لديهم والتي يستطيعون تطويرها إلى الأفضل.(37/20)
ومن هنا أعتقد أن العلوية وممارساتها تجري في إطار الإسلام، وبأنها كانت رد فعل لاضطهاد الشيعة الأصولية والسنّة المتزمتة لهم. إضافة إلى أن العلوية توليفة فكرية متكاملة: العادات التركية القديمة والشامانية والإسلام ولهذا فإن هذه التوليفة تضم أفكار التصوف والإمامية الإثنى عشرية والعلي اللّهية والحروفية (لاسيما القبّالة التوراتية) والاخيّة (الفتوّة العربية) والتقديس المسيحي لبعض الرهبان حيث يقدس العلويون بعض الشيوخ من الآباء والددوات في إطار تقديس خضر الياس ومشاركة المرأة العلوية في أداء الشعائر. إضافة إلى ايلائهم الأهمية لطير الكركي crane واتجاههم نحو الشمس عند الشروق لرؤية وجه الإمام عليّ ـ حيث كان الأتراك القدماء يسجدون للشمس عند الشروق ولذلك أطلقوا على الله تسمية Tanri المحرّفة عن Tan Yeri التي تعني مكان شروق الشمس لطلب تحقيق الأمنيات منه.
ورغم أن المولوية ـ أيضاً ـ متأثرة ببعض الشعائر الأرثوذكسية، غير أن للمولوية جوانبها الثقافية والفنية التي تختلف عن البكتاشية، كطريقة صوفية فلسفية."(37/21)
ومهما يكن من أمر، فإن ثمة رأيين - من الناحية الدينية - حول العلويين: يذهب الرأي الأول إلى أنهم فرقة من المتصوفة الدراويش الذين لا يتقيدون بالشعائر الدينية ولا يلتزمون بفرائض الإسلام التي يفسرونها على هواهم، في حين يؤمن أصحاب الرأي الثاني بأن العلويين هم من الفرق الإسلامية الغالية، ولذلك فإنهم أقرب إلى الشيعة الإمامية - كما قال البروفيسور عز الدين دوغان رئيس مؤسسة بيوت الجمع، في تصريحاته إلى صحيفة Star التركية في بقية المذاهب الإسلامية، ولهذا فإن أعظم المنتديات الثقافية ذا الصبغة الصوفية هو المنتدى الثقافي العلوي _ البكتاشي (ABKB) في أنقرة العاصمة. في حين أكد رئيس الوزراء السابق بولند اجاويد "أن العلويين والسنّة في هذه البلاد قد ترعرعوا في أحضان الثقافة نفسها ونالوا الفيض الإلهي من روضة الثقافة التركية في إطار التصوف الإسلامي". غير أن البروفيسور عز الدين، يضيف إلى ذلك قائلاً: "ليست للعلويين أية مشكلة مع الإسلاميين الحقيقيين والصادقين في نظرتهم إلى الإسلام المتسامح، وإنما تكمن مشكلتنا مع أولئك المسلمين الذي يتخذون الدين الإسلامي ـ والفكر العلوي تحديداً ـ وسيلة لتحقيق أهدافهم السياسية، لأن العلوية ـ مثلها مثل الحنفية والشافعية والحنبلية تؤمن بأنها جزء من الإسلام، ويعرفون الإسلام بوجهه العلمي والمعرفي والإنساني المتكامل، خلال حياتهم التي تمتد إلى أكثر من ألف عام. ومن هنا فإننا نعتقد بأن على الجميع أن يعترفوا ويحترموا خيارات الآخرين في إطار حقوق الإنسان وتقديس حرية الآخرين، والسماح لهم بإقامة المؤسسات التي يمارسون فيها شعائرهم ومناسكهم الدينية، بعيدا عن الاستغلال والاستثمار والإقصاء التي تؤدي في كثير من الأحيان بالعلويين للتوجه نحو الإلحاد واللادينية" (جريدة ترجمان التركية ـ في 10/11/2003).(37/22)
ولكن رغم هذا الاختلاف الجذري بين الرأيين، فإنهما يعتقدان بأن العلويين أكثر الفرق الدينية تسامحاً وديموقراطية وإنسانية وتواضعاً، ويتجلى ذلك في احتفالات الزواج التي تقام صباحاً وتستمر حتى الظهر حيث يقدم الغداء فيها ومن الأطعمة المختلفة للجميع: الفقير والغني والشيعي والسني والعلوي والمسيحي والمشهور وابن السبيل، وفي الهواء الطلق اعتباراً من احتفالات النوروز (الربيع) وحتى نهاية الصيف. إضافة إلى إقامتهم لموائد (السبيل) أيام الآحاد من كل أسبوع لإطعام الفقراء وأبناء السبيل والمعوزين. كما أن العلويين يهتمون جداً بالعلاقات العامة مع الآخرين واحترام آرائهم وإجراء الحوار معهم بكل حرية وديموقراطية، إضافة إلى مساندتهم للمظلومين ودفاعهم عنهم في جميع المجالات.
المبحث الثالث ـ العلوية السياسية:
عرف العلويون، منذ ظهورهم على المسرح السياسي، كمدافعين عن حقوق الطبقات المسحوقة وكمناضلين من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية وإنصاف المظلومين، بالروح الإنسانية الوثابة وبالتسامح الفكري ومناهضة الاستبداد والتمسك بالمطالبة بحقوقهم مهما كانت الظروف. ومن هنا فإن تاريخ العلويين في بلاد الأناضول عبارة عن سلسلة من الثورات ضد السلطات الحاكمة الاستبدادية أو دفاعا عن حقوقهم المهضومة. فقد ثار الشيخ بابا إسحاق، أحد مريدي بابا الياس شيخ العلويين التركمان ومؤسس الطريقة البابائية الصوفية، ضد السلاجقة الذين أثقلوا كاهل جماعته بالضرائب العديدة العام 1208 الميلادي والتي استمرت حتى العام 1210 وشملت معظم مناطق بلاد الأناضول. وقد خشي السلاجقة من مغبة هذه الثورة العارمة، فقاموا بتجنيد معظم الشبان التركمان للخدمة العسكرية ما أدى إلى إضعاف قوة بابا إسحاق ومن ثم القضاء عليه وعلى ثورته.(37/23)
كما ثار العلويون البابائيون والعشائر الأوغوزية (التركمان، اوسطاجالي، روملو، تكه لي، ذو القدرية، شاملي آفشار، قاجار) المساندة لهم ضد الدولة العثمانية الفتية. ولكن العثمانيين قمعوا هذه الثورة بقسوة ما اضطر معظم تلك العشائر إلى الهجرة إلى أذربيجان الإيرانية.
ولعل أخطر مشكلة سياسية واجهتها الدولة العثمانية كانت دعوة الإصلاح الاجتماعي ـ الاقتصادي التي أطلقها الشيخ بدر الدين محمود سماونالي (1359 ـ 1420) قاضي عسكر السلطان موسى تشلبي (ابن السلطان ييلدرم بايزيد الأول) الذي أعلن نفسه سلطانا على الدولة العثمانية وبدأ بمحاربة إخوانه الثلاثة الآخرين المطالبين بالسلطة بعد وفاة والدهم السلطان بايزيد الأول. غير أن محمد تشلبي - الابن الأصغر للسلطان بايزيد الأول - استطاع التغلب على أخويه الآخرين وإعلان نفسه سلطانا على الدولة العثمانية باسم السلطان محمد الثاني (1432 ـ 1481) الذي عرف في ما بعد باسم السلطان محمد الفاتح، الذي قام بنفي الشيخ المتصوف بدر الدين سماونالي إلى مدينة أزنيك. ولكن الشيخ بدر الدين استطاع الهروب - بمساعدة مريديه من التركمان العلويين - إلى منطقة صامصون على البحر الأسود حيث أعلن هناك بأنه سيقوم بتأسيس دولة الحق ثم قام بتوزيع الأراضي الزراعية على الفلاحين المعدمين ونشر نوعا من الاشتراكية البدائية من خلال مبدئه القائل "كل شيء مشاع عدا وجه الحبيبة" فكانت تلك الدعوة أول ثورة مادية في الإسلام في بلاد الأناضول.(37/24)
وقد انتشرت هذه الدعوة ـ التي كانت سرّية في البداية ـ بسرعة مذهلة وامتدت إلى المناطق المجاورة، نتيجة انشغال الدولة العثمانية بالغزو المغولي الذي قاده تيمور لنك، لاسيما بعد انتصاره على السلطان بايزيد الأول (1347ـ 1403) في معركة أنقرة العام 1402، وانشغال أبنائه الأربعة في الصراع على السلطة طيلة عشرة أعوام (1403ـ1413) التالية، إلى أن اعتلى عرش السلطنة محمد الفاتح العام 1413 ليتفرغ لمحاربة "العصاة الخارجين عن الدولة العثمانية". فجهز حملة كبيرة لتحرير الأراضي التي استولى عليها أولئك "العصاة" ابتداءً من منطقة قونية، فتم القضاء على بوركلوجة مصطفى أولاً ثم على طورلاك كمال وبعد درزماجة مصطفى. ورغم مقاومة الفلاحين المعدمين لقوات السلطنة دفاعا عن مكتسباتهم بقيادة الشيخ بدر الدين، إلا أن قوات السلطنة تغلبت عليهم وألقي القبض على الشيخ بدر الدين، الذي خلّده الشاعر المبدع ناظم حكمت في ملحمة رائعة ـ وتم إعدامه العام 1420 في القضية المعروفة في التاريخ العثماني باسم "حادثة سَرَز" لأن الشيخ بدر الدين قد اعدم في سوق مدينة سرز المزدحمة آنذاك.(37/25)
ومنذ بدايات القرن الخامس عشر استطاع الشيخ حيدر بن جنيد بن صفي الدين التركماني، جمع عدد غفير من الدراويش التركمان في منطقة بحر قزوين الأذربيجانية الإيرانية حول دعوته الصفوية وخاض صراعاَ مريرا ضد العشائر الفارسية بمساندة الأمير اوزون حسن (1428ـ 1478م) زعيم دولة الآق قويونلية (الخروف الأبيض) التركمانية وحمو الشيخ حيدر بن جنيد الصفوي، فانتصر عليهم بقواته الجرّارة والذين أطلق عليهم تسمية (القزلباشية) ذوي الرؤوس الحمر لأنهم كانوا يعتمرون قطعة حمراء، إشارة إلى انتسابهم للطريقة العلوية، وأعلن ابنه إسماعيل الصفوي (1486ـ 1524) شاها ـ ملكاً ـ على إيران العام 1501 الذي قام بدوره بإعلان المذهب الشيعي، مذهباً رسمياً لبلاده، فأصبح بذلك مؤسس الدولة الصفوية في التاريخ. وهنا يتبادر إلى الأذهان السؤال الوجيه التالي: لماذا لم يعلن إسماعيل الصفوي العلوي التركماني، العلوية مذهبا دينيا بدل المذهب الشيعي في إيران، رغم اشتراكهما في محبة الإمام علي وآل البيت؟(37/26)
إننا نعتقد، أن الشاه إسماعيل الصفوي ـ وهو أحد الشعراء الأتراك الكلاسيكيين الذي نشر له ديوانان بالتركية ـ كان يفكر تفكيراً منطقيا لأنه اعتقد ـ وهو على حق ـ بأن العلوية ليست مذهبا دينيا وإنما هي طريقة صوفية ـ متميزة ومختلفة عن الطرق الصوفية الأخرى ـ لا يمكن إجبار الناس الانتساب إليها بالأوامر والقرارات الرسمية وإنما بالإقناع والحوار والإقتداء. ومن هنا فإن الطريقة الصفوية ـ العلوية ـ الصوفية أكثر الطرق الصوفية انتشاراً في منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى من جهة، ولأنه أراد تعبئة الشعب الإيراني الشيعي ضد الدولة العثمانية السنّية في حربه الدينية ـ السياسية لنشر المذهب الشيعي في المنطقة للهيمنة السياسية على الشرق، من جهة أخرى. ولذلك بقيت الرابطة الروحية بين الإمامية الإثنى عشرية والصفوية قائمة ووثيقة إلى اليوم، كما ظل الشاه إسماعيل الصفوي أحد شيوخ العلويين المرموقين حتى يوم الناس هذا.… وإذا كان السلطان ياووز سلطان سليم (1470ـ1520) قد انتهز الاضطرابات المذهبية التي حدثت بين الشيعة والسنة في منطقة جنوب شرقي بلاد الأناضول لشن حملة قمع واضطهاد ضد العلويين هناك، ما دفع بهم إلى القيام بسلسلة الثورات "الجلالية" ضد السلطنة العثمانية، فانتهزها السلطان ياووز سليم لإعلان الحرب على الصفويين بعد اتهامه للشاه إسماعيل الصفوي بخلق تلك الاضطرابات فكانت معركة تشالديران (23 آب - أغسطس 1514) التي انتصر فيها السلطان العثماني على الشاه إسماعيل الصفوي واحتل عاصمته تبريز حيث استولى على خزائنه ونقل عرشه الذهبي المطعّم بالماس إلى اسطنبول ـ وهو معروض اليوم في متحف طوبقبو ـ فإن السلطان سليم قد أراد بتلك الحملة العسكرية الجرّارة ضد الصفويين، تحقيق هدفين في آن: التوجه بالفتوحات العثمانية شرقاً، وضرب الحركة الصفوية العلوية المتنامية في بلاد الأناضول، بعد أن تبنّى الجند الانكشاريون (الجند الجدد) وهم مشاة القوات(37/27)
المسلحة العثمانية من المرتزقة ومعظمهم من العلويين، التي تأسست العام 1362 الميلادي، في (اوجاقاتهم أي منتدياتهم البالغ عددها 196 اوجاقا) اعتباراً من أواخر القرن السابع عشر، الطريقة البكتاشية أسلوباً في الحياة والمعاملات وبذلك ساهموا في نشرها في أنحاء بلاد الأناضول كافة ما أثار حفيظة السلطان محمود الثاني (1785ـ1839) فأقم وليمة عشاء لزعماء تلك الاوجاقات البكتاشية في قصره العام 1826 فقضى عليهم جميعاً. كما أنه أصدر فرمانا (أمرا سلطانيا) يقضى بإلغاء التشكيلات الإنكشارية وتجريدها من السلاح والامتيازات وملاحقة كل من يشتبه بالانتساب إلى الطريقة البكتاشية حتى تم قتل حوالي أربعين ألف علوي خلال تلك الفترة. ولذلك فقد تبنى العلويون مبدأ التقية لدفع الأذى عن أنفسهم والانعزال عن المجتمع العثماني الذي بدأ يطلق عليهم تسميات: الكفار واللادينيين والأتراك المعتوهين وغيرها من الأوصاف الرديئة والألقاب المشينة. إن محاربة العثمانيين للعلويين في شخص البكتاشيين ومحاولة تهميشهم أدى بمعظمهم إلى الهجرة إلى الأقسام الشرقية والجنوبية الشرقية من بلاد الأناضول ليمارسوا هناك شعائرهم بصورة سرية ردحا من الزمن، إلى أن كانت الثورة الكمالية التي أخذت بأنظمة الحكم الحديثة بإعلان الجمهورية والدستور العلماني العام 1923 إضافة إلى إلغاء الخلافة والأخذ بنظام وحدة التدريسات وإنشاء مؤسسة الشؤون الدينية "التي تنص على وحدة الدين والدولة في نطاق اتخاذ الإسلام كدين والتركية كقومية ضمن حدود الجمهورية التركية في إطار الميثاق الوطني" المعلن عنه العام 1924. وقد هيأ القانون المذكور، الأرضية الملائمة لإصدار قانون إلغاء الزوايا والتكايا العام 1937 الذي كان يعني سحب الاعتراف بالاقليات الدينية والإثنية خارج نطاق الإسلام كدين والتركية كقومية. ورغم أن العلويين كانوا قد استبشروا خيراً بإعلان الجمهورية العلمانية، فإنهم شعروا بالغبن(37/28)
الفاحش نتيجة عدم اعتراف مصطفى كمال اتاتورك وخلفائه من بعده بالعلوية ـ ولو ضمنيا ـ رغم كون العلويين علمانيين مثلهم من جهة ولائهم كانوا يمثلون آنذاك حوالي ربع سكان الجمهورية التركية الفتية.
ولهذا ظلت معاناة العلويين مستمرة في العهد الجمهوري أيضاً، وما زاد في الطين بلّة وضع الضرائب الباهظة على الماشية إضافة إلى ضريبة الطريق التي أرهقت كاهل الفلاحين في المناطق الشرقية والجنوبية الشرقية التي تقطنها الأكثرية العلوية. بل إن الجندرمة والتحصيلدار (مأمور الضرائب) كانا يقومان بضرب وسجن وتعذيب الفلاحين الذين لا يستطيعون دفع تلك الضرائب، ما أدى إلى تذمّر عام في المنطقة وتمرد بعض القبائل التركمانية وامتناعها عن دفع تلك الضرائب العام 1937.… وفي العشرين من أغسطس - آب 1937 عسكر الجنود قرب مجموعة قرى درسيم (تونجلي الحالية) ثم قاموا بتطويق تلك القرى، فساد الخوف بين سكان تلك القرى بعد أن تسربت إليهم الأنباء التي تؤكد بأن الجنود سيعتقلون شيوخ وددوات وباباوات (شيوخ) الطرق الصوفية البكتاشية والعلوية والمولوية والصفوية كافة". ثم يتحدث لاتشين عن التحريض الذي مارسته القوات المسلحة التركية لحمل الفلاحين على التمرد بالقول "قام المقدّم الذي حاصر القرى التابعة لقضاء داريكنت موهوندي بجمع كل من يستطيع حمل السلاح بحجج مختلفة: تارة امتلاك السلاح ـ وإن كان مجازا ـ أو باتهامه بأنه من الأشقياء وقطّاع الطرق أو بأنه شيخ أو دده أو بابا للعلويين، وكان معظمنا يعرف الآخرين لأننا كنا من المنطقة نفسها. ثم ساقهم، وهم مقيدون إلى جهة مجهولة، حيث أن معظمهم أصبحوا ضحايا مجزرة 14 آب ـ أغسطس الرهيبة".(37/29)
وتعتقد المصادر العلوية الموثوقة "أن حوالي 40 ألف علوي قد قتلوا في تلك المجزرة البشعة". غير أن حكومة عصمت اينونو، خليفة اتاتورك ورئيس الجمهورية وكالة آنذاك والعسكري الصارم قرر مواجهة هذه المطالب وثورة الأكراد العارمة التي زلزلت أركان الدولة خلال السنوات الثلاثة من عمرها، بالقوة فجهز جيشا عرمرما للقضاء عليها بتعزيز الفيلق السابع المعسكر في منطقة ديار بكر بفيلقين آخرين مع المدرعات والطائرات الإضافية التي نسفت الجبال ودمرت القرى وأحرقت الزرع والضرع. بعد أن أخذ ابنونو خلال حكمه (1938 ـ 1950) بالفكرة الفاشية "زعيم واحد لشعب واحد ذي إيديولوجية واحدة "المتأثرة بالفكرة النازية وإيديولوجية "هندسة البشر على شكل واحد" الستالينية.
وبعد الحرب العالمية الثانية أسدل ستار كثيف على العلويين بخاصة والحركة الكردية بعامة في تركيا، رغم أنهم استبشروا خيرا بأخذ تركيا بالتعددية السياسية أملاً في إتاحة المجال لهم للمشاركة في الحكم وتحقيق أمانيهم في إقامة المجتمع الديموقراطي الذي يتمتع فيه كل مواطن بالحريات العامة على قدم المساواة مع الآخرين. غير أن الأحزاب السياسية التي تشكلت بعد الخمسينيات لم تطرح في برامجها الانتخابية مطالب الأكراد والعلويين في إتاحة المجال لهم لممارسة ثقافتهم في الإذاعة والنشر وتمثيل العلويين في رئاسة الشؤون الدينية لكسر الطوق السني المفروض على إدارتها وقراراتها.(37/30)
ولذلك فقد كان العلويون والأكراد يناضلون ضمن الأحزاب السياسية القائمة لتحقيق تلك الحقوق، حيث كانوا يؤلفون دائما ما بين 16 ـ 18 في المائة من عدد نواب البرلمانات القائمة خلال 1950 ـ 1980 عندما قام الجنرال كنعان ايفرين بانقلابه العسكري ـ وهو الانقلاب العسكري الثالث بعد انقلابي 1960 و 1971 ـ في 12 أيلول ـ سبتمبر من العام المذكور، ليلغي الأحزاب السياسية والدستور والبرلمان توطئة لوضع دستور جديد للبلاد العام 1982 والذي نص على تدريس مادة الدين في المراحل الدراسية كافة مع التوسع في فتح مدارس الأئمة والخطباء، دون الالتفات إلى مطالب العلويين في الاعتراف ببيوت الجمع الخاصة بهم كمراكز لممارسة الشعائر العلوية ورعايتها مع تحديد نسبة معينة في رئاسة الشؤون الدينية وبنسبة نفوسهم إلى مجموع سكان تركيا.
ومن هنا فقد دخل البروفيسور عز الدين دوغان، رئيس مؤسسة بيوت الجمع العلوية، في مساومات مع جميع الأحزاب السياسية التي تشكلت بعد العام 1983 من أجل تحقيق مطالب العلويين لقاء تأييدهم لمرشحي تلك الأحزاب، غير أنها جميعا لم تلتزم بوعودها. ولكن رغم ذلك فإن العلويين لا ينوون تأسيس منظمة سياسية مستقلة خاصة بهم وإنما سيناضلون ضمن الأحزاب السياسية التي تساند تطلعاتهم في التمتع بهويتهم الثقافية، ولذلك فقد صرح دوغان لصحيفة الزمان: "رغم أننا لا نرغب في تأسيس حزب سياسي خاص بنا إلا أنني أشجع كل العلويين للانخراط في العمل السياسي لأن الظروف السياسية تستدعي ذلك من جهة ولأن الأحزاب القائمة تتطلع لتعاون العلويين معهم من جهة أخرى، رغم أنني سوف لن أرشح نفسي للانتخابات". وكان العلويون قد طرحوا المطالب التالية على الأحزاب السياسية العلمانية ـ عدا حزب العدالة والتنمية ـ لقاء تأييد مرشحيهم أو ترشيح خمسين إلى سبعين علويا وهي:
1) تمثيلهم في الهيئة الإدارية لرئاسة الشؤون الدينية تعادل نسبتهم إلى عدد السكان.(37/31)
2) تخصيص مبالغ محددة من ميزانية الدولة لمساعدة مؤسسة بيوت الجمع، أسوة بمساعدتها لإنشاء الجوامع.
3) اقر الدستور قيام المدارس بتدريس نوعين من الدروس الدينية: درس الدين والأخلاق الإلزامي ودرس الدين الاختياري. غير أن المدارس كافة تقوم حاليا بتدريس الإسلام ـ وفق المذهب الحنفي السنّي ـ فقط في حين يجب تدريس أسس العلوية كمذهب فلسفي أخلاقي ضمن تلك الدروس، وفي الشعائر الدينية.
4) تخصيص وقت محدد ضمن البرامج الدينية المذاعة في هيئة الإذاعة التركية TRT لنشر الفلسفة الأخلاقية العلوية أيضاً.
ويبدو أن حزب الشعب الجمهوري العلماني بزعامة دنيز بايكال قد قبل التعاون مع العلويين في انتخابات 3 تشرين الثاني- نوفمبر 2002 ولذلك فقد فاز فيها بـ 178 مقعداً من مجموع 550 في البرلمان الجديد ليصبح الحزب الثاني فيه بعد حزب العدالة والتنمية ذي الصبغة الإسلامية، بزعامة رجب طيب اردوغان. وكان من ثمار ذلك التعاون قيام محمد نوري ييلماز، رئيس الشؤون الدينية بإصدار أول تعميم يخص العلويين عندما ألزم المساجد التركية كافة ـ داخل البلاد وخارجها ـ بأن تكون خطبة صلاة التراويح ليوم الثلاثاء 26 تشرين الثاني 2002 الموافق 21 رمضان 1423هـ عن حياة الإمام علي بن أبي طالب وذلك بمناسبة ذكرى وفاته.(37/32)
وقد أعرب البروفيسور عز الدين دوغان، رئيس اتحاد بيوت الجمع العلوية "عن امتنانه لهذه الخطوة التي تأخرت كثيرا، والتي رفعت الحواجز بين السنة والعلويين في تركيا، والتي ستكون وسيلة لتحقيق السلام والوئام بين الموطنين في الجمهورية التركية" (صحيفة الصباح التركية الصادرة في 26/11/2002). أما على الصعيد العالمي، فإن للعلويين جمعيات ومنتديات وبيوت الجمع في كل من ألمانيا وهولندا وبلجيكا وفرنسا والدانمارك والنمسا وكندا والولايات المتحدة الأميركية. بل إن فلسفة الأخلاق العلوية تدرّس في الجامعات الألمانية، ويحاول العلويون اليوم إدخالها للجامعات النمساوية، لأن العلويين يعتقدون بأن نظرتهم إلى الله والإنسان والوجود نظرة جديدة تختلف عن النظرتين الرأسمالية والشيوعية. فهل يمكننا اعتبار فلسفة الأخلاق العلوية، هي الطريق الثالث ـ أو رديفة لذلك الطريق ـ التي دعا إليها طوني بلير، رئيس وزراء بريطانيا الحالي؟!
تعيش المجتمعات الغربية التي أخذت العقل منارا للحياة المادية العصرية غير المتوازنة، ضياعا روحيا ونفسيا ملموسا على صعيد العائلة والمجتمع، ولذلك فقد دعا بعض المفكرين والسياسيين الغربيين ـ وعلى رأسهم الأمير تشارلز ولي عهد إنكلترا ـ إلى استلهام قيم التراث الإسلامي "لإعادة التوازن" إلى المجتمعات الغربية المادية المدمرة في نتائجها على المدى البعيد، بدمج روحانية التراث الإسلامي مع التراث المادي العقلاني الغربي" وتعني هذه الفكرة دمج مكونات الذات وسمات الشخصية مع منهج الحياة في بوتقة حضارة القرن الحادي والعشرين، في وئام وسلام بعيداً عن صراع الأفكار المحتدم بضراوة في أيام الناس هذه والمرشح لحرب حضارية مدمرة مستقبلا.(37/33)
لأن الفكرة العلوية المتسامحة والمغلّفة بالروحانية الشفافة وبمظاهر الحياة الإنسانية الدافقة والنظرة العلمية الواقعية بخلق نوع من التوازن بين الجانبين الروحي والمادي في حياة الإنسان واستجابتها لمتطلبات العصر، قد يكون بديلا ـ أو رديفا ـ للطريق الثالث الذي يدعو إليها الغرب. ولكن هذا الأمر يجب أن لا يفسر بأننا نضع العلوية بديلا للإسلام المعتدل، وإنما نقوم بمحاولة التقريب بين الفلسفة العلوية الروحانية التي تستهدي بنور القلب وبين الفلسفة الغربية المادية التي تستهدي بنور العقل في توليفة ثقافية ـ مدنية معاصرة، لصهر قيم التراث الإسلامي والعلمانية المستنيرة ـ غير الملحدة ـ في بوتقة حضارة القرن الحادي والعشرين، نبذا للحروب والصراعات المدمرة التي يروج لها تجار الأسلحة ودعاة إقامة الإمبراطوريات المسيطرة ذات المبادئ الدولية الحاكمة لتحقيق الهيمنة على عالم اليوم.
ومن هنا فقد دعا الدكتور محمد آيدين، عميد كلية الإلهيات (الشريعة سابقاً) ووزير الدولة لشؤون الأديان في وزارة عبد الله غول السابقة، في المقابلة التي جرت معه على صفحات جريدة حرييت التركية (8/12/2002) إلى ضرورة "عقد ندوة فكرية حول العلوية في تركيا لبحث طروحاتهم حول الدين، ولمناقشة تفسيراتهم للدين الإسلامي ـ وأضاف ـ وأتمنى عقد هذه الندوة الفكرية في مدينة ازمير المعروفة بالتسامح وروحها التجديدية وأفكار مثقفيها الحية".
وقد علق الدكتور عز الدين دوغان رئيس اتحاد بيوت الجمع العلوية على دعوة الدكتور محمد آيدين بالقول "رغم اقتناعنا بحسن نية الدكتور آيدين فإننا ندعو أيضاً إلى عقد ندوة حول المذهب السني نظرا لوجود الاختلافات المذهبية بين السنة أيضا. كما أنني اعتقد بأن التقرير المرفوع إلى الاتحاد الأوروبي حول الأوضاع العامة في تركيا العام 2002 لم يتضمن مشاكل العلويين القائمة اليوم".(37/34)
وقد أيد معظم المفكرين الإسلاميين الأتراك عقد مثل هذه الندوات الدينية ليس من أجل الإصلاح الديني، وإنما لتقديم نمط إسلامي ديموقراطي إلى العالم "للرد على الاتهامات الموجهة إلى المسلمين بممارسة الإرهاب والاستبداد الفكري غير الديموقراطي وعدم احترام حقوق المرأة" (حرييت في 9/12/2002). فقد أكد خضر الماس، رئيس مؤسسة غازي الثقافية في اسطنبول ـ وقف آل البيت البكتاشية العلوية سابقا ـ تأييده الكامل ومساندته لفكرة عقد الندوة العلوية في ازمير، في حين أكد الباحث الديني المعروف إسماعيل نجار بأنه "يشكر الوزير آيدين على دعوته، لأن الدين الإسلامي ليس بحاجة فقط إلى الإصلاح وإنما إلى حركة نهضة شاملة تنقذ الإسلام والمسلمين من الاتهامات الموجهة إليهما ـ لاسيما بعد أحداث 11 أيلول ـ سبتمبر الإرهابية ـ بوصفهما بالإرهاب والتخلف الفكري". أما فرماني آلتون، رئيس الاتحاد العالمي لجمعيات آل البيت العلوية، فقد أكد ضرورة "عدم تسييس هذه القضية، إنما بحثها في إطار الواقع ومعطيات الفلسفة العلوية".
المصادر والمراجع:
1.…جورج جرداق: علي وحقوق الإنسان، الجزء الأول ـ دار مكتبة الحياة، بيروت ـ لبنان 1970.
2.…Behcet Necatigil :Edebiyatimizde isimler Sozlugu ,varlik YY .Ankara 1998
3.…Sukru Lacin :Dersim isyanindan Diyarbakira ,Sun YY.istanbul 1992
4.…www alewitten. Com Hasan Bal , Tasavvuf Felsefesi ve Alavilik , Milliyet Gazetesi , 27\5\1998
5.…Ahmat Tashgin , Alevi inanci Bir Alan Arastirmasinin Sonuclari ,Alaviler- alewitten. Com
6.…7 www. Aleviyol. Com
7.…Hurriyet Gazetesi , 30\10\2002
8.… www.Alewitten.com
9.…نقي اوزكان: مقابلة مع آيرين مليكوف حول التصوف والعلويين، صحيفة Milliyet التركية الصادرة في 27/5/1998.
10.…الياس اوزوم: بير الله محمد علي در عليّ،
11.…www. Aleviler- alewitten. Com(37/35)
12.…مقابلة مع البروفيسور الدكتور محمد آيدين، وزير الدولة لشؤون الأديان، حول العلويين. صحيفة Hurriyet التركية الصادرة في 9 كانون الأول/ ديسمبر 2002.
13.…مقابلة مع البروفيسور عز الدين دوغان:المسلمون اخوة جميعاً، صحيفة ترجمان ـ لمحمد علي اليجاق ـ التركية Tercuman Dunden Bugune الصادرة في 10/11/2003.
14.…الشيخ بكتاش ولي، الكلمات (باللغة العربية) مع ترجمتها إلى التركية، تحقيق وتقديم: الدكتور اسعد جوشان ـ 1987.
15.…Bekta- narl- lpG- Abdulbak- n Velayetnames- n- Vel-,, Haci 1958 Ankara
16.…معظم كتب التاريخ المعتمدة حول الدولة العثمانية وتاريخ المذاهب: تاريخ أحمد رفيق وايناجيك ونيازي بيركس وعبد الباقي كولبنارلي وإسماعيل قارا وغيرهم.
مصرع إباحيِّ سفاح
د. محمد رجب البيومي – مجلة الأزهر ـ جمادى الأولى 1427هـ
أرسلت السماء رعد قاصفاً في أذربيجان، وكان الدوي شديداً يخرق الأسماع، فذعر الناس ذعرا شديد، ولكن جاوديان زعيم العصابة الفاجرة التي نادت بالشيوعية الإباحية، وأحلت الأعراض والأموال للناس فاستهوت نفوس الفجار من ذوي الشهوات المنحطة، هذا الزعيم الفاجر رأى أن يتخذ من ظاهرة الرعد معجزة له بين قومه، فنادى تلميذه الداهية يابك الخزمي، وقال له في حذر، سأختفي عن القوم في عار الحيل، وعليك أن تذهب إلى الناس فتقول لهم إن جاويدان صعد إلى السماء ليحاسب الرعد على تهوره الصاعق، ويطلب نزول المطر سريعا لينقذ البلاد من الجدب والبوار.
كان جاويدان يعلم أن الرعد ظاهرة ستنتهي بعد حين قريب، وأن المطر سيعقب الرعد غزيراً كعهده به من قبل، فرأى أن يستغل الظاهرة الطبيعية في تدعيم مركزه، إذ زعم للقوم أنه إله الأرض وأنه إله السماء يستجيب له في كل ما يريد! وخرج يابك يهدئ الناس، ويقول لهم إن جاويدان في السماء السابعة يحاسب الرعد على ضجته التي أصمت الأسماع، وسيطلب من إله السماء إنزال المطر فترقبوا ذلك عن قريب.(37/36)
والرعاع من العامة يصدقون كل شيء، فما كاد يابك يعلن ذلك حتى اطمأنوا إلى ما سمعوه، ثم انقطع صوت الرعد، وأخذ المطر يهمي كالسيل الجارف، فانطلق الناس يشكرون إلههم جاويدان ويقولون أنه صاحب الأمر في السماء والأرض.
لم تحدث دعوة جاويدان إلى الشيوعية الفاجرة من فراغ، إذا كانت هذه الدعوة الفاسقة ثالثة الدعوات الفاحشة في بلاد فارس، وأولى هذه الدعوات ما قام به مزدك في عهد قباذ ملك الفرس حيث دعا إلى المشاركة في كل شيء يحب ويشتهي من مال ونساء وعقار، بحيث لا يتمنع أي إنسان عن تحقيق رغبته وانقاد قباذ إلى الدعوة، ورأى فيها استرضاء للعامة، ولكن الفساد انتشر على نحو أزعج الأمن وحصد الأرواح، فهبّ أنو شروان نجل قياذ لتدارك الأمر، وأعلن فساد كل ما جاء به مزدك وخاض حربا طاحنة أسالت الدماء، وحصدت آلاف الأرواح حتى استقرت الأوضاع على النهج المستقيم.(37/37)
أما الدعوة الثانية فقد كانت أيام الخليفة المهدي حيث ظهر المقنع الخراساني يجدد عهد مزدك، ويدعو إلى الإباحية المطلقة في النساء والأموال بحيث لا يمنع أحد مما يريد وتبعته طوائف الرعاع من العامة واستفحل أمره، حين ادعى الألوهية، وكان أبرص دميم الوجه لا يطيق أحد أن ينظر إلى وجهه المشئوم فلبس قناعا من الذهب لا يبرز غير عينيه، ووالى المخزمة الكاذبة، فداهمته جيوش الدولة العباسية، وقامت الأهوال دامية سفكت فيها آلاف الأرواح، ولما أحس المقنع بقرب مصرعه، جمع أهله وأولاده وسقاهم السم فماتوا جميعا ثم لحق بهم، فانتهت الفتنة الطائشة بمقتله. ولم يمض وقت طويل حتى بدأ جاويدان بدعوته في عهد المأمون، وقد استفحل أمرها فصارت أقوى وأفدح من دعوة المقنع، لأن أعمال الفسوق قد جذبت أرباب الشهوات إلى مستنقعها البغيض على نحو لم يعهد من قبل، ودعوى الألوهية في الأرض التي اخترعها جاويدان قد طمست عقول الناس، فاندفعوا وراءه كالأغنام، وإذا كان لكل شئ نهاية، فقد قرب أجل جاويدان، وأحست زوجته وشك انتهائه.(37/38)
وكان لها هوى جارف نحو يابك، إذ كان شابا فارعا ممتلئ الجسم، قوي العضل يفور الدم من وجهه وأعضائه، فنادته ليلا، وقالت له: ليس في عمر جاويدان إلا يوم أو يومان على الأكثر، فاذهب أنت إلى مكان بعيد بحيث لا يراك أحد، وحين أعلن وفاة جاويدان سأبعث من يبحث عنك، وأقول إن الإله قد أوصى ليابك بزعامة الناس، وأن الألوهية قد انتقلت إليه، وسيصدق الناس ما أقول، إذ أنت غائب عنهم، ولا تدري شيئا! وقد رأى يابك أن المؤامرة محكمة، ولابد من تنفيذها، فاختفى عن الأعين، حتى بحث الناس عنه، فوجدوه يهمهم بكلمات خافتة ويقول لقد حلت فيّ روح الإله، فقالوا وهذا ما تنبأ به جاويدان وأذاعته زوجته وهي تطلب لقاءك لتكون صاحب الأمر في الناس، كما حذرت من يخالف أمر جاويدان، ولم يلبث الشاب الفارع الممتلئ بالشحم واللحم، أن حضر لابسا مسوح الألوهية فخشع القوم لمرآه ، وأطلق الدعاة تسبح بحمده في كل مكان، ثم أعلن أن روح جاويدان قد زارته وأمرته أن يتزوج بزوجته لتكون له كما كانت من قبل في حياته، وبهذا اكتملت فصول المؤامرة، وأصبح يابك الزعيم المطاع، والإله الجبار، وقد أقيمت الولائم الحافلة ابتهاجا بهذا الزفاف، وأعجب ما كان من أمر هذا الاحتفال أن يابك الخزمي قد ذبح عدة أبقار، ووضع دماءها في الأواني الكثيرة، ثم مر بيده على الدماء ليباركها، ودعا الناس جميعا أن يضعوا أيديهم في الدم، ليكتسبوا القوة والعافية إذ صار الدم مقدسا بمباركته، فاندفع القوم إلى الأواني يلوثون الأيدي، ويمسحون الوجوه، وكانت حركة مضحكة لا ندري أهي مأساة أم ملهاة!. وصلت أنباء يابك إلى بغداد، فظن المأمون في بادئ الأمر أن عصابة فاسدة تقوم بهذه الفوضى وقد وجدت من جهل العامة ما ساعدها على الفساد، فأرسل كتيبة لاستئصالها في زعمه، ولكن الجيش العباسي المحدود قد وجد طوفانا من الناس يحملون السلاح حيث لم تقتصر الفوضى على أذربيجان بل انضم إلى يابك خلق كثير من همذان وأصبهان(37/39)
ونيسابور، وساكني الجبال، فتكونت لديه جيوش مدججة بالسلاح والذخيرة لأنه أباح لأتباعه أن ينهبوا القوافل المدججة بالذخيرة، وأن يعمدوا إلى المدن فيجردوها من كل عتاد حربي لتكتمل له قوة ضارية، وطبيعي أن ينهزم جيش المأمون ويرتد خائبا إلى بغداد، ولم يهدأ الخليفة بل أرسل جيشا آخر كثير العدد، فلاقى مصير الجيش الأول وارتد مدحورا، وتكرر الموقف في المرة الثالثة، وكل من يرتد يعلن أن الدولة لا طاقة لها بهذا الوباء الكاسح. وكان المأمون في أيامه الأخيرة فكتب إلى المعتصم خليفته من بعده يقول له "والخزمية ذات خطر فادح، فلابد من قائد شجاع ذى حزم وصرامة فأيده بما تستطيع من الأموال والسلاح والجنود من الفرسان والرجالة وإذا طالت مدتهم فاذهب إليهم بنفسك، وتجرد لهم بمن معك من أنصارك وأوليائك، وأعمل لذلك جاهدا راجيا ثواب الله فيما تعمل". وكان أول عمل باشره المعتصم بعد المأمون أن خلص لحرب يابك، فهيأ موارد الدولة للإنفاق على جيش كثيف مدجج بأقصى ما يتاح من السلاح الماحق، والجنود الباسلين، وقد استشار القوم فيمن يقود الجيش الزاحف فأجمع القوم على اختيار (الأفشين) وهو بطل الأبطال في الدولة، وقد سبقت له وقائع ظافرة في معارك شتى حاز فيها انتصار كبيرا، وقد رحب كل الترحيب بمهمته القاسية، وهو يعرف ما سيقوم عليه لأن اندحار الجيوش الثلاثة من قبل، يؤذن بخطورة الموقف، فجمع جنوده، وأرسل طلائعه مستخفية لتدرس جبهات القتال قبل الالتحام، وقد عرف أن الجبال الشاهقة في هذه البلاد تضم الأبطال والذخيرة وأن التقاء الجيش في معركة فاصلة لا يتيح النصر مادامت هذه الكتائب مجتمعة في الجبال، لتقوم بالهجمات المفاجئة ثم ترتد فكان من رأيه أن يتجه بكتيبة مثقلة بالعتاد إلى مخارم الجبال، لتستأصل من بها من المحاربين فإذا انتهت من موقع ذهبت إلى موقع آخر، حتى تتساقط هذه الجموع واحدة واحدة، وانتظر الذين يتأهبون للقتال من أتباع تيابك في أذربيجان(37/40)
أن يقدم الجيش العباسي للمعركة الفاصلة، فطال الانتظار وفقا للخطة التي رسمها الأفشين، كما علم يابك أن الجنود في الجبال يسحقون سحقا بغزوات الجيش المهاجم، ولا يمر يوم حتى تنجلي عن خسائر أليمة، مع أن اعتماده الأكبر كان مرتكزا على هجمات المختبئين في الكهوف والغيران، لذلك رأى أن يزحف بمن معه لمقابلة الجيش الرابض على ضواحي أذربيجان، وجاءت الأنباء للأفشين بما صمم عليه يابك إذ كانت له عيون يقظة أرسلها إلى يابك مدعية أنها تدين بمذهبه، وتقر بألوهيته، فبادرت بإخباره بالزحف المرتقب بعد حين قريب، وقد أعدّ القائد عدته، وأعد خير جنوده ليكونوا معه في الطليعة، وما بدت طلائع يابك حتى وجدت سيلا من الأبطال يندفع مستميتا حين ظن يابك أنه سيأخذ القوم على غرة فذهل لهول الموقف، وارتد مقهورا، وكان ارتداده باعث حمية في نفس الأفشين وأتباعه، فواصلوا الزحف خلفه في سرعة طائرة كيلا يتمكن من الفرار، وأعملوا السيوف في أدبار المنهزمين دون رحمة، وتأكد يابك أنه خسر المعركة حين لم يجد من كتائب الجبال من يشد أزره إذ أبادهم الأفشين من قبل، ثم اضطر مرغما إلى الفرار من أذربيجان إلى أرمينية ومتى فر القائد فقد هزم الجيش. لم يكتف الأفشين بفرار يابك بل أصر على أن يقع في يده ليصحبه مقهورا إلى سامراء عاصمة الخلافة الجديدة وقد علم برحيله إلى أرمينية فأرسل إلى حاكمها أن يأخذ حذره من غادر هالك لا يرعى الحرمات، وكانت أنباء يابك تصل إلى هذه البلاد فتثير الهلع والرعب، وبخاصة لدى القسس من رعاة المسيحية الذين فزعوا لاستباحة النساء والأموال، فأخذوا يبحثون عن الهارب بعد أن عرفوا أوصافه، وملامحه.(37/41)
وكان أحد الرهبان يطوف متفرسا في الغرباء فعثر على ضالته حين لمح يابك بجسمه الضخم، ومنظره المريع، يتسلل على حذر كمن يبحث عن مكان آمن، فأظهر من الاحتيال الماكر ما جعله يسوق الهارب إلى كنيسته حيث تودد إليه متوسلا في خشوع معلنا أنه من أتباعه، وممن يؤمن بشيوعية النساء والأموال، وواجبه أن يحميه لديه في مقر آمن، وهذا ما كان يرجوه يابك فسار معه مطمئنا، على حين أرسل الراهب على عجل من يخبر الأفشين من خراسان بوقوع الفريسة، كي يهيئ من يحضر لاعتقاله مكبلا بالأغلال، وأظهر من الخضوع الكاذب ليابك ما جعله ينسى موقفه الحرج، فجعل يتعاظم على الراهب، ويأنف أن يأكل معه من إناء واحد، وقد قال هل إني إله فلا يشاركني أحد في إناء! وصبر الكاهن على الفريسة حتى جاءت رسل الأفشين، ومعها القيود الثقيلة، فأمهلها الراهب ليطمئن لحسن العاقبة، ولم يكن قد قدم ليابك طعام الفطور، فوجده يصرخ في وجهه قائلا أين طعام الإله يا وغد! فابتسم الراهب وصفق بيده فحضرت الجنود ومعها الأغلال الثقال، وفوجئ الإله المزعوم بالمكيدة، فاستسلم في ذعر، وحين ذهب إلى الأفشين قال له: مصرعك في سامراء لدى المعتصم، وذهب به إلى مصيره المحتوم!
مواجهة تحدي العراق الممزق
(رؤية سعودية (2/2)
……هذه دراسة للباحث السعودي نواف عبيد ، مستشار الأمن والطاقة الخاص للأمير تركي الفيصل و مدير مشروع تقييم الأمن القومي السعودي ، وقد نشرها مركز الدراسات السياسية والدولية بواشنطن دي سي، وقد ترجمها إلى العربية محمد عباس ناجي ، ونشرتها مجلة مختارات إيرانية العدد 71 ـ يونيو 2006.الراصد لا توافق على كل ما فيها لكن هي تكشف عن مقدار الوعي السياسي لدى الحكومات العربية.
…وفيما يلي نص الجزء الثاني من الدراسة :
أهداف إيران الإستراتيجية في المنطقة(37/42)
تحالفت كل العوامل السابقة لخلق دولة داخل دولة، ففي الوقت الذي يفشل فيه الأمريكيون ينجح الإيرانيون. ومن خلال تحويل جهودها نحو احتواء التمرد السني، فشلت الولايات المتحدة الأمريكية في تطوير برنامج سياسي فعال، يسمح للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق وباقي التنظيمات الأخرى المدفوعة من جانب إيران لملئ الفراغ. وبسبب افتقارهم للسياسيين والاقتصاديين والخبراء الدينيين لعمل ذلك، أصبح الشيعة العلمانيون أمثال إياد علاوي الرافضين للتدخل الإيراني، من الضعف بمكان بحيث عجزوا عن تحدي أو مواجهة تطور وانتشار الميلشيات التابعة للتنظيمات الشيعية المدعومة من جانب إيران.
وطبقاً لقائد كبير في قوات البشمرجة، فإن احتلال إيراني مباشر للعراق لن يحدث، وقد استعاضت إيران عن ذلك من خلال إرسال كل شيء عبر المجلس الأعلى للثورة الإسلامية وإقامة علاقات مع التنظيمات الأخرى ومنحها راية العراق. هؤلاء الزعماء يعتبروا دمى إيرانية، وإيران الآن في طور السيطرة الواقعية على المناطق الشيعية في العراق، هم يقولون: "العراق لنا". وقد أيد هذا القائد تصريحات الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي التي قال فيها: "إن السياسة الأمريكية في العراق تنشر الانقسامات الطائفية إلى حد تسليم البلاد إلى إيران، لقد قاتلنا من أجل إبعاد إيران عن العراق ثم طرد العراق من الكويت واليوم نحن نسلم البلاد كاملة إلى إيران بدون أي منطق". إن التأثير الإيراني في العراق ليس قوياً فقط، بل إنه ينمو بشكل ملحوظ، وتعتبر إيران العراق بمثابة فرصة لتحقيق أحد أكثر الأهداف المهمة للتجربة الثورية الإيرانية، وهو "تصدير الثورة". وبتوضيح أكثر، تريد إيران توسيع رقعة الإسلام الشيعي، وتبدو الحكومة الإسلامية الإيرانية مصممة على زيادة رقعة تأثيرها الجغرافي ونشر نفوذها.(37/43)
وطبقاً لقول قائد قوات القدس قاسم سليماني " فإنه كلما اتجهت الحالة نحو الفوضى كلما ضعف الموقف الأمريكي وتدعم الموقف الإيراني، إن ثورة إيران ستسود العراق ". وتعتبر السعودية التي تقع فيها الأماكن المقدسة الممثل الشرعي للجالية المسلمة السنية بشكل عام، وتدرك القيادة الإيرانية أن المملكة هي الدولة الوحيدة التي يمكن أن تعيق طموحاتها الإقليمية.
وطبقاً لقول مسئول رفيع المستوى في وزارة الاستخبارات الإيرانية، فإن "إيران تعتبر السعودية هي منافسها الرئيسي ليس فقط في المنطقة، ولكن في العالم الإسلامي ككل، ومن ثم فإن عملياتنا في العراق وفي الخليج تمثل وسائلنا الأساسية لموازنة ذلك".
السنة:
سيطر المسلمون السنة، الذين يشكلون ما بين 12-15 بالمائة من السكان العراقيين( )، على البلاد لفترة طويلة، وبعد سيطرة حزب البعث في عام 1968، بقي الإسلام السني هو الدين الرسمي للبلاد على الرغم من العلمانية المفروضة من جانب صدام حسين والأعضاء الآخرين في النخبة الحاكمة السنية. وقد ساعد اندلاع الثورة الشيعية في إيران عام 1979، ونشوب الحرب العراقية – الإيرانية على تحويل الإسلام السني إلى رمز مهم لحكم البعث في العراق.(37/44)
وقد أسقط الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، نظام صدام حسين وأبعد السنة عن السلطة، وفيما أيدت الأغلبية الشيعية العملية السياسية الجديدة التي دشنها الاحتلال رفضها الآخرون وحملوا السلاح وقادوا التمرد الذي يمثل التهديد الحقيقي للسلام الدائم والاستقرار في العراق. وبالرغم من أن أكثر السنة العراقيين عرب، فإنهم يتوزعون إلى تركمان وأكراد، وأقليات أخرى، والكثير منهم يتبنى أهداف سياسية مختلفة، البعض منهم بعثيون سابقون من الذين كانوا يفضلون السيطرة المركزية على الحكومة. والآخرون دينيون مدفوعون بالمخاوف العشائرية، وينقسم السنة بين متعاطف ورافض للتمرد، لكنهم يتفقون على ضرورة وحدة الدولة.يعيش أكثر العرب السنة في وسط العراق بما فيها المنطقة المركزية إلى المنطقة الشمالية الغربية والتي تقع فيها بغداد وتكريت مسقط رأس صدام حسين، والرمادي، وسامراء والفلوجة.
ومنذ وقوع الاحتلال عام 2003، كانت هذه المناطق المركز الرئيس للتمرد ضد قوات الاحتلال، ويمثل السنة قسماً من النخبة المتعلمة، ويميل الحضريون منهم إلى أن يكونوا علمانيين أيضاً، وفي الواقع يؤيد ثلاثة أرباع السنة العراقيين إقامة دولة علمانية ( ).
الجمعيات السياسية السنية:
بينما المؤشرات لا تبدي أية إشارات لهدوء التمرد، انضم العديد من الكوادر السنية إلى العملية السياسية بشكل متأخر، وقد شكلوا عدة كتل وائتلافات منذ انتخابات 15 ديسمبر 2005، وقد انبثق بعض هذه المجموعات لتكوين ائتلافات جديدة، حيث تم تكوين جبهة التوافق العراقية بتحالف عدنان الدليمي وطارق الهاشمي، وتضم مجلس الحوار الوطني العراقي، والحزب الإسلامي العراقي، ومؤتمر الشعب العراقي، وقد حصلت جبهة التوافق على 44 مقعداً في انتخابات 15 ديسمبر 2005.(37/45)
هذه التكتلات التي قاطعت انتخابات يناير 2005، تبنت أهداف مشتركة قبل تعديل الدستور، وتقليص السيطرة الشيعية والكردية على القوات العراقية، وإدراج البعثيين في العملية السياسية ورفضت الفيدرالية بشكل كبير. وقد أدان المؤتمر الشعبي العام الهجمات على المساجد الشيعية ودعا إلى إجراء مصالحة وطنية، وقد دعا الحزب الإسلامي العراقي الذي يرتبط بعلاقات مع جماعة الإخوان المسلمين في مصر أعضاءه للتصويت بنعم على الاستفتاء العام بعد أن وافقت القيادة الشيعية والكردية على تقديم تنازلات في اللحظة الأخيرة لتعديل الدستور.
وقد تحالفت الجبهة العراقية للحوار الوطني تحت قيادة صالح المطلق النائب السني السابق في الجمعية الوطنية العراقية مع أطراف أخرى تضم الحزب الديمقراطي المسيحي، والجبهة العربية الديمقراطية، وجبهة العراق الحر المتحد، وحركة أبناء العراق المتحدين. وبالرغم من أنها حصلت على 11 مقعداً في الانتخابات، إلا أن الجبهة أطلقت اتهامات بحدوث عمليات تزوير واسعة الانتشار في الانتخابات.
وقد تكونت هيئة علماء المسلمين (جمعية رجال الدين الإسلامية سابقاً) بقيادة عصام الراوي، بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، وتضم بعض رجال الدين العرب والأكراد والسنة المهمين والمتشددين، وتبدي سياسة متناقضة نحو التمرد والوجود الأمريكي في العراق، ولها علاقات قوية مع الزعماء الشيعة مثل آية الله علي السيستاني وعبد العزيز الحكيم ومقتدى الصدر(هذا عكس المعروف! الراصد). وقد أعلنت الجمعية أن الدستور قد قسم البلاد إلى فئات متناحرة، مما سيضعف هويتها العربية.(37/46)
وترتبط كتلة التحرير والمصالحة التي فازت بـ 3 مقاعد في انتخابات الجمعية الوطنية، بقبيلة الجبير القوية والمدعومة من البعثيين، وهي حالياً تحت قيادة ميشان الجبير، فيما فازت قائمة الأمة العراقية وحزب ميثال الألوسي الزعيم السابق في المؤتمر الوطني العراقي بمقعد واحد، وقد قام الألوسي بزيارة غير مسبوقة إلى إسرائيل أدت إلى اتهامه من قبل المحكمة العراقية بتهمة زيارة دولة عدو. وبالرغم من أن العديد من السنة قد صوتوا في انتخابات ديسمبر 2005، إلا أن ذلك لا يعني دعم الحكومة أو الدستور في شكله الحالي، وبينما ارتبط بعض الزعماء بالتمرد، دعا البعض الآخر الرافض للفيدرالية والدستور الحالي على المشاركة في العملية الانتخابية لموازنة الشيعة والأكراد.
وقد أظهرت نتائج الانتخابات حصول السنة على خمس المقاعد البرلمانية، وبخيبة أمل، دعت القيادة السنية إلى إجراء انتخابات جديدة، رغم أن كافة البيانات حتى الصادرة عن الأمم المتحدة أكدت عدم حدوث تجاوزات في الانتخابات. وقد دعت بعض القوى إلى منح السنة مقاعد إضافية لتعويض النتائج المخيبة للآمال، فيما شجع جلال طالباني السنة والآخرين إلى قبول النتائج لكي تتحرك البلاد للأمام للقيام بالمهام الرئيسية، ويتوقع السنة، حتمية تعديل الدستور خصوصاً المواد التي تمنح سلطة سياسية كبيرة وسيطرة على الموارد النفطية للطوائف الأخرى.
التمرد:
وبينما انضم العديد من السنة إلى العملية السياسية بعد تردد، قرر عدد هام تقديم دعم مباشر أو غير مباشر للتمرد، وطبقاً لتقديرات الاستخبارات، فإن هناك ما يقرب من 77 ألف مقاتل في التمرد يحظون بدعم كبير خصوصاً من جانب السكان السنة. هذا التمرد يمثل التهديد الأكبر والوحيد للحكومة العراقية الجديدة.(37/47)
ولذا، دعا العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز السنة على نبذ خلافاتهم والمشاركة في العملية السياسية، لكن حتى ذلك لا يضمن القضاء على التمرد. حتى الآن، نفذ التمرد عشرات الآلاف من الهجمات التي أسفرت عن وقوع آلاف الضحايا من قوات التحالف والعراقيين، وخلال عام 2005 والشهور الأولى من عام 2006، تصاعد معدل الهجمات إلى 500 هجمة في الأسبوع. هذا العنف لا يؤشر على إمكانية حدوث هدوء في وقت قريب، وطبقاً للزعماء العشائريين العراقيين الكبار، يتم تنظيم التمرد بشكل رئيسي من جانب عدد من القادة والضباط العسكريين الكبار في نظام حزب البعث الذين انضم إليهم عدد كبير من الضباط متوسطي المستوى إلى جانب أعضاء دينين ومقاتلين أجانب.
تنظيم التمرد
القاعدة العشائرية:
تعتبر الشبكات العشائرية المصدر الأساسي لدعم التمرد، ويتكون الهيكل الاجتماعي العشائري من مجموعات مركزية تتراوح من الأكبر – العشائرية الكونفيدرالية – إلى الأصغر – العائلة الكبيرة. وتشمل القبائل الثانوية بعض الأسر التي تنحدر من مؤسس أبوي واحد. وهناك اتحادات عشائرية سنية مختلفة في العراق الأشهر منها هي شمر، والدليمي، والجبير.
تقليدياً يسيطر قادة العشائر على الأعضاء الأصغر في قبائلهم، لكن على ضوء الاحتلال، يجد هؤلاء صعوبة أكثر في ممارسة التأثير على أولئك السنة الذين يقودون التمرد، خصوصاً أولئك الذين فقدوا أقربائهم في الهجمات الأمريكية.
إن أي شيخ عشائري بارز من شمر يفقد السيطرة على ابنه الذي افتقد زوجته أو ابنه أو اثنتين من بناته الذين قتلوا في الهجمات الأمريكية، وعلى الرغم من اعتراضات الأب، حمل الابن السلاح وجند في النهاية أكثر من 70 من أعضاء القبيلة لتنفيذ هجمات ضد الأمريكيين، وطبقاُ لأبيه فقد أسفرت هذه الهجمات عن مقتل 12 أمريكياً إضافة إلى المصابين، ومنذ ذلك الحين اختار هذا الشيخ منفاً له في السعودية.
هيكل العمل:(37/48)
يتضمن هيكل العمل آليات عمل غير تقليدية تهدف إلى زيادة التأثير ضد قوات الاحتلال والقوات العراقية المتحالفة معها، ويتكون القسم السني من التمرد من شبكة موزعة من الحركات المرتبطة وغير المرتبطة تتكون بدورها من خلايا منظمة بعناية، وبسبب افتقادها للهيكل التراتبي المعروف، فإن من الصعوبة هزيمتها أو القضاء عليها. وتمتلك تلك الحركات الرئيسية هيكل قيادي يقوم بالتخطيط والتمويل والتسليح وهذا يعني أن القضاء على خلية واحدة لن يؤثر على التمرد ككل بالرغم من أنه قد يقلص حدة عملياته، وتتكون نواة القيادة من قادة عمليات عسكرية كبار من جيش صدام حسن وأجهزة الأمن.
ويستخدم التمرد تقنيات بسيطة في أغلب الأحيان تسمى تكتيكات "حشد"، وهي الإستراتيجية التي أثبتت تأثيرها الفعال عن أي تكنولوجيا تستخدمها قوات التحالف أو القوات العراقية، وتعمل هذه التكتيكات البسيطة بالتركيز على الأهداف الضعيفة أو الناعمة، وتعتمد عمليات التمرد على التغطية الإعلامية والأحاديث المتناثرة وتسريب المعلومات الحكومية إلى جانب الإنترنت، وخبرة المقاتلين الأجانب.
ويؤكد التركيز على المواطنين والأهداف العسكرية وعلى ردود الفعل الإعلامية إلى تقليص الحاجة إلى فتح مواجهة عسكرية مباشرة مع قوات التحالف.
وخلال عمليات التمرد ضد قوات الاحتلال أو القوات العراقية، يتجنب المتمردون المقاتلة قدر الإمكان، ويفضلون نصب الكمائن والهجوم بقذائف الآر.بي.جي، وتنفيذ عمليات تفجير، واختطاف، واغتيال، وطرق أخرى من الصعب توقعها أو إحباطها. ويستغل المتمردون الدعم الشعبي الواسع خصوصاً في المنطقة السنية، هذا الدعم يسمح لهم بالانتشار بأمان والتخفي بين عامة السكان، مما يدفع قوات التحالف إلى استخدام وسائل قاسية في بعض الأحيان من أجل القبض على المتمردين، باختصار فإنه بسبب استخدام التمرد لوسائل غير تقليدية، من الصعب هزيمته بوسائل تقليدية.
الاستخدام والانتشار:(37/49)
العناصر العلمانية المتمردة:
يبلغ عدد هذه العناصر نحو 77 ألف عنصر منهم 160 ألفاً (نحو 78%) ( هكذا في الأصل!! الراصد) أعضاء سابقين في الجيش العراقي وحزب البعث والفدائيين، وتنحدر هذه الأغلبية الساحقة من الجيش السابق الذي يضم قادة وجنود الحرس الجمهوري والقوات المسلحة وأجهزة الأمن والاستخبارات.
ويمتلك هؤلاء وسائل القيادة والسيطرة في سوريا فيما تقع القواعد الاستراتيجية في المناطق الحضرية السنية، واليوم من الصعب التمييز بين الضباط والفدائيين فهم أعضاء في جبهة واحدة. ويشمل القسم الآخر من التمرد العلماني مسئولين سابقين في حزب البعث بالرغم من أن عددهم أصغر قليلاً ويفتقر إلى البنية التحتية من هيئة الضباط.
ومؤخراً تقلصت قوتهم على خلفية الانقسامات الداخلية وقلة التمويل الذي تحول إلى هيئة الضباط. ويستاء البعثيون من خسارة مواقعهم في العراق الجديد، إلى جانب افتقادهم للظروف المعيشية المريحة وسيطرة الشيعة على البلاد، وهي كلها عوامل دفعتهم إلى حمل السلاح.
العناصر الدينية المتمردة:
ثمة قسم أصغر يضم عناصر دينية معروفة بـ "المجاهدين"، ورغم افتقارهم للمصادر المالية، إلا أنهم مسئولون عن الجزء الأكبر من الهجمات العنيفة والمفاجئة في العراق. وطبقاً لتقديرات الاستخبارات يبلغ عدد هؤلاء 17 ألف عنصر منهم 5340 عنصراً أجنبياً، وتتضمن هذه المجموعة حركة السلفيين وتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، وجبهة الأنصار، كل هذه التنظيمات تستهدف القوات الأمريكية والشيعة التي تحالفت تحت قيادة شاب أردني يسمى أبو مصعب الزرقاوي، ومن بين المنافسين للزرقاوي، شخص سعودي الجنسية. وقد نفذت هذه المجموعات عمليات تفجيرية وحوادث اختطاف واغتيال.(37/50)
كما أن تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين مسئول عن اغتيال آية الله محمد باقر الحكيم زعيم المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق في الهجوم الانتحاري الذي أسفر عن مقتل 13 عراقياً وجرح 66 آخرين، ورغم تقلص حدة عمليات الأنصار المسلمين، إلا أن المجموعة ما زالت مدعومة مالياً ولوجستياً وإرسال المجاهدين إلى العراق، وفي بداية عام 2006، شكل الجزائريون والأفارقة الشماليون (مغاربة وتونسيون وليبيون) 30% من المقاتلين الأجانب في العراق، أي جزء كبير من بقايا الحرب الأهلية الجزائرية.
وينحدر العديد من هذه العناصر من المجموعة الإسلامية المسلحة والمجموعة السلفية، وبعد نهاية الحرب شارك هؤلاء في حروب يوغوسلافيا السابقة والشيشان وأفغانستان، ومع الاحتلال الأمريكي للعراق انضم هؤلاء إلى التمرد، وقد شقت عناصر أخرى من مصر والسودان واليمن والعربية السعودية طريقها على العراق من أفغانستان بدون امتلاك أوراق رسمية، ويعتبر طريق إيران الأكثر شيوعاً.
النشاط المتزايد:
منذ الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، زاد التمرد في العراق ليس فقط من ناحية كم العمليات المنفذة، لكنه ازداد نمواً وتعقيداً، وقد اشتد أثناء الأحداث الفاصلة مثل نقل السلطة إلى العراقيين، وشهر رمضان، وانتخابات 2005، وقد بلغ عدد الهجمات في يوم الانتخابات 300 عملية، أي ضعف المتوسط اليومي للعمليات الذي بلغ 150 عملية خلال رمضان 2004عموماً، ازداد معدل الأحداث تدريجياً لكنه تراوح بين 8-32 هجوماً يومياً في عام 2003، وازداد إلى 19-77 يومياً في عام 2004، ثم إلى 61-100 يوم في عام 2005، هذه الأرقام تشير بوضوح إلى أنه على الرغم من جهود قوات التحالف والإجراءات المضادة، إلى أن التمرد يواصل عملياته بكثافة.(37/51)
وطبقاً للإحصاءات العسكرية الأمريكية، فقد زاد عدد الهجمات على قوات التحالف، والقوات العراقية، والمدنيين العراقيين، إلى جانب عمليات التخريب بنسبة 29 في عام 2005، وارتفع اجماع عدد العمليات من 36496 في عام 2004 إلى 34131 في عام 2005، وقد حققت هذه العمليات نسبة نجاح بمتوسط ثابت تقريباً بلغ 24%.
وقد هدفت معظم العمليات إلى إشعال حرب طائفية وتقويض العملية السياسية العراقية، ويبدو المتمردون على درجة عالية من المرونة للتعلم من أخطائهم، وهو ما يتضح من زيادة عدد العمليات الناجحة ضد الأهداف الاقتصادية والسياسية المهمة مثل الهجمات على القوات العراقية والمسئولين العراقيين، حيث قتل أكثر من 2700 مسئول وعضو في القوات العراقية في عام 2005 هذا إلى جانب الاغتيالات والاختطافات والابتزاز والطرد في السنوات السابقة.
وقد استمر عدد العمليات الانتحارية التي قتلت وجرحت أعداد كبيرة من العراقيين في الزيادة، فقد زادت نسبة تفجير السيارات من 402 انفجار في عام 2004 إلى 873 انفجار في عام 2005، إضافة إلى حوادث سيارات مفخخة ارتفعت من 123 حادثاً إلى 411 حادثاً، وزاد عدد الهجمات الانتحارية من 7% في عام 2004 إلى 67% في عام 2005.
المساعدة الإيرانية للتمرد السني( ):
تشير المصادر الاستخباراتية إلى أنه تم تخصيص وحدة من قوات القدس الإيرانية لتقديم الدعم اللوجيستي للفدائيين السنة، وبالرغم من أنها أصغر كثيراً من باقي منظمات قوات القدس، إلا أنها ما زالت تقدم دعماً مادياً لوجستياً مماً وعبوراً آمناً للفدائيين عبر الحدود الإيرانية.(37/52)
وقد حددت المصادر الاستخباراتية أماكن عدة تسهل نقل الأسلحة والأموال والمجاهدين من إيران إلى العراق، على أية حال، لا تشارك وحدة القدس مباشرة في العمليات الفدائية السنية، كما أن هناك اتفاق خفي بأن هذه المساعدات توجه إلى العمليات التي تحدث ضد القوات الأمريكية وليس الميليشيات الشيعية مثل منظمة بدر، وبهذه الطريق تقدم قوات القدس المساعدات إلى السنة لخلق حالة من الفوضى داخل العراق.
وتساعد هذه الوحدة الشبكات المنتسبة إلى تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، وقد كشف المعلومات التي أفاد بها الفدائيون الذين تم اعتقالهم أن دخولهم إلى العراق تم عن طريق منظمة بدر التي تزودهم بمنازل آمنة، ويوجد في إيران حالياً أعضاء كبار من تنظيم القاعدة الفار من أفغانستان بعد سقوط طالبان مثل نجل أسامة بن لادن والقائد المصري سيف العدل، وقد كانت منظمة بدر مسئولة أيضاً عن تنسيق الهجمات في السعودية العربية، عل سبيل المثال ترجح المصادر الاستخباراتية وجود علاقة لمنظمة بدر بتفجير الخبر عام 1995. كما يجد أعضاء حزب الله الشيعي السعودي الفارين ملجأ في إيران حتى اليوم، ويقود هذه الوحدة جنرال متهم في تفجير الخبر. ومؤخراً، أصدر مجاهدون في البيوت الآمنة تحت حماية قوات القدس تعليمات مباشرة على زعماء القاعدة السعوديين الكبار لبدء الهجمات الإرهابية داخل المملكة (منذ ذلك الحين قتل عدد من الأفراد فيما تم أسر عدد آخر).
وقد بدأت هذه الهجمات بقصف الرياض في مايو 2003، وقد اعترف قائد تنظيم القاعدة بالسعودية الذي استسلم أنه كان بتدخل من منظمة بدر في تنظيم القاعدة، كما أن الأوامر التي صدرت قبل الهجوم الأول على الرياض عام 2003، صدرت من طهران واستخدمت فيها هواتف نقالة سويسرية، لأن المخابرات الإيرانية اكتشفت أنها الوحيدة التي تعرض بطاقات مقدمة بقدرات عالية في الوقت نفسه.(37/53)
وما زالت قوات القدس تسهل نقل الفدائيين السنة من أفغانستان للانضمام إلى التمرد في العراق، وينحدرون أساساً من السودان، واليمن، ومصر، والسعودية، وإفريقيا الشمالية مع بعض الباكستانيين والأفغان، وطبقاً لتقديرات المخابرات فإن ما لا يقل عن 500 فدائي من تنظيم القاعدة ما زالوا موجودين داخل إيران استعداداً لدخول العراق. علاوة على ذلك، كونت منظمة بدر شبكة عمليات أخرى في العراق تحت قيادة جنرال سابق في جيش صدام يدعى أبو مصطفى الشيباني، وتهدف هذه الشبكة إلى مهاجمة قوات التحالف، وقد كانت مجموعة الشيباني مسئولة عن تفجير الطرقات التي تسير فيها قوات التحالف، وهي نسخة متطورة من حزب الله الإيراني، ويبلغ عدد عناصر مجموعة الشيباني الآن أكثر من 500 عضو، منقسمة على أكثر من 17 وحدة لصناعة القنابل وفرق الموت.
خلاصة القول، من الواضح أن السياسة الإيرانية في العراق مصممة على دعم كل ما يعارض الاحتلال الأمريكي للعراق طبقاً لمقولة "عدو عدوي صديقي"، وهو ما يبدو جلياً في استراتيجية إيران لخلق حالة من الفوضى المسيطرة عليها لتقويض الولايات المتحدة في العراق وزيادة تأثيرها في العراق، ويعتبر دعم إيران للسنة ثانوياً بالمقارنة بالشيعة الذين يحظون بالأولوية في الدعم الإيراني طويل المدى.
دور سوريا:
تعتبر الحدود العراقية السورية التي تمتد مسافة 450ميل مبثابة ملجأ للتمرد منذ استطاعت قواته أن تستخدمها منطلقاً لتنفيذ هجماتها داخل العراق.(37/54)
وتقع أغلب نقاط العبور في المناطق العشائرية البعيدة، وقد اتهمت الولايات المتحدة سوريا بالإخفاق في منع تسلل الفدائيين عبر الحدود السورية – العراقية للانضمام إلى التمرد في العراق حيث رد الرئيس بشار الأسد على الولايات المتحدة بقوله: "لقد اتخذت سوريا كافة الإجراءات للسيطرة على حدودها مع العراق لكنك لو نظرت إلى الجانب الآخر (الحدود مع العراق) سوف تلاحظ أنه ليس هناك إجراء أمريكي أو عراقي في هذا الصدد". ولقد أكدت الاستخبارت عدم وجود دليل على دعم الحكومة السورية للتمرد في العراق، حيث تأتي معظم المساعدات المباشرة وغير المباشرة من قبل قبائل على الحدود أو نتيجة لعلاقات شخصية مباشرة. ويوجد حضور عشائري مكثف على الحدود، يصعب مراقبته، ويحظى العديد من الفدائيين بقواعد آمنة على الجانب السوري في المناطق العشائرية، بشكل لا يمكن كشفه بسهولة.(37/55)
وقد تمثلت إحدى نتائج احتلال العراق في ازدهار بعض الصناعات السورية التي تطورت لتلبية حاجات العراق، لكن إلى جانب ذلك أصبحت هذه الصناعات مصدراً مالياً للتمرد العراقي، وقد تعقد الموقف أكثر بسبب العلاقات العميقة بين البعثيين السوريين والبعثيين العراقيين، هذه الجماعات أبرمت عقود عمل مريحة لسنوات طويلة خصوصاً أثناء المقاطعة العراقية، علاوة على ذلك، وقبل الاحتلال الأمريكي كان سورياً مصدراً رئيساً لأموال البعثيين المحولة إلى الخارج، وما زال معظمها موجوداً هناك. هذه العلاقات طويلة المدى وبقايا أموال البعث تستخدم لمساعدة التمرد العراقي، ومن غير المحتمل القضاء عليها قريباً، وعملياً من الصعب جداً على الحكومة السورية مراقبة الحدود الطويلة والجبلية، لأن ذلك يتطلب استثمار هائل في الموارد المادية والبشرية بما لا تحتمله سوريا (أنفقت السعودية 1.8 مليار دولار لحماية حدودها مع العراق). هكذا وبينما تبذل الحكومة جهوداً من أجل اعتقال المتمردين الأجانب الذين يحاولون العبور إلى العراق، يشق هؤلاء طريقهم إلى العراق من المناطق العشائرية السنية، التي لا تستطيع الحكومة العمل فيها بفعالية. ويجب التأكيد بأن أنشطة التمرد داخل سوريا لم تكتشف رسمياً من جانب الحكومة، وبالأحرى هي نتيجة الظروف التي وجدت قبل فترة طويلة من تولي الرئيس بشار الأسد منصبه، لذلك ورغم أن ثمة خطوات يمكن أن تتخذ لتحسين الموقف إلا أن حل المشكلة في فترة قصيرة غير واقعي.
التوصيات:
على ضوء تردي الأوضاع في العراق وتزايد إمكانية إشعال حرب أهلية، من الأفضل للسعودية انتهاج سياسات ديناميكية متحركة. إن الظروف في العراق مزعجة وهناك القليل الذي يمكن أن يتخذ في هذه المرحلة المتأخرة، وعلى الرغم من ذلك، فإن التوصيات القادمة يمكن أن تعالج الموقف:
1- تطوير إستراتيجية شاملة لسيناريو أسوأ الاحتمالات.(37/56)
بالرغم من أن العراق لم يتورط إلى الآن في حرب أهلية كمرحلة متقدمة، إلا أن الظروف تتجه إلى هذا الاتجاه، وهو ما سوف يفرز تداعيات خطيرة على المنطقة، خصوصاً على الأمن السعودي، وهو ما يفرض على القيادة السعودية أن تستعد بإستراتيجية شاملة ومتماسكة لمواجهة كل النتائج المحتملة للحرب الأهلية في العراق، هذه الإستراتيجية يجب أن تتضمن أبعاداً دينية واقتصادية وسايسية، وخطط محددة لمواجهة كل التحديات التي تحل بالعراق والتي يمكن أن تهدد أمن السعودية. ومن أجل زيادة التأثير، يجب أن تتبنى هذه الإستراتيجية كلاً من الإجراءات العلنية والسرية.
2- إبلاغ الولايات المتحدة عن الحالة في العراق:
رغم وجود تخمينات إستخباراتية أمريكية للحالة في العراق، فإن بيانات المسئولين الأمريكيين تشير إلى أن إدارة بوش ليست لديها قبضة قوية على الموقف الديناميكي أو المعقد. وهو ما يبدو جلياً في ضوء حقيقة أنه بالرغم من اتجاه العراق إلى الحرب الأهلية، يدعي مسئولو الإدارة الأمريكية بأن الدولة تسير نحو التحسن. ومن أجل مواجهة ذلك الغموض، يجب على القيادة السعودية أن تبتكر طريقة أكثر فعالية لتوصيل تقديراتها للوضع في العراق إلى القيادة الأمريكية.
لقد بدأت الأخطاء الأمريكية في العراق بحل الجيش العراقي، ثم الفشل في إقامة علاقات مع الزعماء العشائريين وانتهت بأخطاء في التقدير الإجمالي للتمرد، لسوء الحظ فقد أدت حالات الفشل هذه إلى فرض ضغوط داخلية متزايدة على الإدارة الأمريكية لإنهاء مهمتها، مثل هذا التوجه يمكن أن يعجل بنشوب حرب أهلية وتفكك فوري للعراق، وعلى ضوء ذلك يجب على القيادة السعودية استخدام تأثيرها الكبير لدى واشنطن لضمان عدم انسحاب القوات الأمريكية من العراق قبل الأوان.(37/57)
وبالرغم من أن المملكة عارضت الاحتلال بشدة، إلا أنها تدعم الجهود الأمريكية لإعادة الاستقرار في العراق. وضمن هذا السياق صرح الأمير سعود الفيصل قائلاً: "نحن يجب أن نعمل لخلق عراق مستقر وموحد يعيش في سلام مع نفسه وانسجام مع جيرانه، نحن ندعم العملية الانتخابية، ويجب أن نعمل سوياً لإنجاز ما يستحقه الشعب العراقي".
3- التدخل المضاد من قبل إيران:
حتى الآن، أوفى الملك عبد الله بوعده للرئيس بوش بمنع التدخل المباشر في الشئون العراقية، وقد وصل الأمر إلى درجة فتح حوار مع طهران ومعرفة المملكة بنشاطات طهران السرية. يجب على القيادة السعودية الإقرار بأن هذه الأنشطة غير مراقبة، وتدفع إلى اتخاذ إجراءات مشابهة. إن الحوار مع معظم المسئولين الإيرانيين ليس كافياً، خصوصاً أن الذين يتحدثون نيابة عن إيران لا يمتلكون التأثير على تعديل أو تغيير السياسات الإيرانية، فليس هناك تأثير للرئيس أحمدي نجاد ووزير الخارجية منونشهر متقى طالما أن آية الله علي خامئني يتحكم بمقاليد الأمور الحقيقية في إيران.
إن العلاقات السعودية التاريخية مع العراق قوية، خصوصاً وسط القبائل السنية المختلفة. على أية حال، يجب على استراتيجية المملكة أن توسع علاقاتها داخل المجتمع السني لتضم الشيعة والمجموعات العراقية والعلمانية التي لها مصالح مشتركة في تقييد النفوذ الإيراني في العراق. ومن خلال علاقاتها التاريخية، ومصادرها التمويلية يمكن للسعودية أن تجني ثماراً من مثل هذه الاستراتيجية في الفترة القريبة المقبلة.
4- فتح قنوات اتصال مع السيستاني:(37/58)
من الأهمية بمكان بالنسبة للسعودية فتح قنوات اتصال مع آية الله العظمى علي السيستاني من خلال توجيه الدعوة له لزيارة الأماكن المقدسة في مكة والمدينة. هذا التوجه يمكن أن يوجه رسالة إيجابية – سواء داخل المملكة أو في المنطقة بصفة عامة – بخصوص موقع السعودية بالقياس إلى المجتمع الشيعي. كما سيوضح أن المملكة تعترف بسلطة آية الله السيستاني وتحترم أولئك الذين يعتبرونه المرجع الشيعي الأعلى.
إن آية الله السيستاني ليس الشخصية الدينية الوحيدة الشهيرة داخل الجالية الشيعية، إلا أن تأثيره في المناخ السياسي العراقي مهم جداً، إن زيارة رسمية إلى السعودية سوف تطمئن الجالية الشيعية بأن السعودية تعترف بدورهم النافذ في تحقيق الاستقرار في العراق( ).
5- إسقاط الديون العراقية:
يجب على السعودية أن تبدأ مفاوضات إسقاط الديون العراقية، ومن المعروف أن المملكة تعتبر الدائن الأكبر للعراق (أكثر من 32 مليار دولار)، مثل هذه البادرة يمكن أن تساعد على تخفيف الأعباء المالية على الحكومة العراقية. الأكثر من ذلك، أنها سوف توجه رسالة قوية مفادها أن المملكة لا تعمل لمصلحة طائفة معينة، وإنما لصالح العراق ككل.
6- تعيين سفير في العراق وتنظيم زيارات متبادلة:
من الضروري على السعودية تدعيم علاقاتها الدبلوماسية مع العراق، لذا، وعندما تسمح الظروف المنية يجب على القيادة السعودية تعيين سفير في بغداد، وفي حالة تحقيق الاستقرار، يجب أن تتخذ ترتيبات لقيام الملك عبد الله بزيارة بغداد، فهو الزعيم العربي الوحيد القادر على المجيء بالحكومة العراقية إلى الأسرة العربية، وسوف تكون لهذه الزيارة نتائج مهمة في كافة أنحاء المنطقة.
7- تكوين لجنة لتأمين الحدود:(37/59)
ثمة ضرورة لتكوين لجنة لمعالجة القضايا الحدودية من المملكة والعراق، وتتمثل إحدى أكثر المهام الحرجة التي تواجه عمل هذه اللجنة في إيجاد السبل لتدعيم حالة الاستقرار على الجانب العراقي من الحدود.
وهو ما سوف يؤثر بالإيجاب على مصالح المملكة والعراق خصوصاً أنه سوف يؤدي إلى مواجهة عمليات التهريب وتسلل الإرهابيين، ورغم أن المملكة أنفقت حوالي 1.8 مليار دولار لتأمين حدودها مع العراق، كما سبقت الإشارة إلى أن ثمة حاجة لتقوية التعاون مع العراق لجعل هذه الاستثمارات أكثر فعالية.
8- إعطاء توجيهات للقضاء على الإرهابيين:
يمكن أن تتعلم القيادة العراقية الجديدة كثيراً من خبرة المملكة في القضاء على الخلايا الإرهابية، خصوصاً المنتمين إلى تنظيم القاعدة. وقد قطعت السعودية شوطاً كبيراً في الحيلولة دون انضمام أعضاء جدد إلى الإرهابيين.
علاوة على ذلك، أجرت المملكة حملة نشطة ضد أولئك الذين دعموا النشاط الإرهابي أو المحرضين على العنف، مما أدى في النهاية إلى تقليص حدة العمليات الإرهابية داخل المملكة، إن تقديم هذه الخبرة إلى السلطات العراقية ذات الصلة يمكن أن تكون له نتائج مهمة في معركة العراق من أجر الاستقرار والأمن.
الحرب الأهلية في العراق
واقع وتصورات – دراسة استشرافية
( 1/2)
إعداد المعهد العربي للبحوث والدراسات
الأردن – 2006
…
…أصدر المعهد العربي للبحوث والدراسات الكراس الأول من سلسلة كراساته الإستراتيجية ، وتناولت موضوعين هامين هما : احتمالات الحرب الأهلية في العراق المناطق المتوقعة ، و وجهة نظر عسكرية في هذه الحرب الأهلية .
ولأهمية هذه الدراسة التي تكاد الوقائع أن تجاريها نعرض أهم ما جاء فيها باختصار على حلقتين .
احتمالات الحرب الأهلية في بغداد
المناطق المتوقع أن تشهد أولى عمليات التطهير العرقي (سيناريو)(37/60)
تناولت المقدمة قيام النظام العراقي السابق بالتخطيط " لحماية مدينة بغداد، باعتبارها عاصمة الدولة والنظام، من خطر اندلاع فوضى أو شغب قد تفضي بإقلاق النظام، فجرى وضع خطة أمن بغداد منذ أكثر من عقدين وذلك لتوجس النظام وخوفه من إمكانية تسلل عناصر إيرانية إلى الداخل العراقي، تساندها عناصر موالية لها في الداخل، قد تحدث فوضى وأعمال سلب في العاصمة بغداد. وقد تأكد ذلك عندما اندلعت فوضى عارمة شملت محافظات الجنوب والفرات الأوسط، إثر خروج الجيش العراقي من الكويت. ارتكزت خطة أمن بغداد وقتذاك على اعتبار أن الخطر الأساس قد يأتي من المناطق السكنية الواقعة في:
أ-…شرق قناة الجيش
ب-…مناطق شمال غرب بغداد (مناطق الشعلة والحرية).
ج-…مناطق جنوب بغداد (مناطق البياع والسيدية).
الملاحظ أن غالبية السكان في هذه المناطق المزدحمة هم من المواطنين العرب الشيعة، والقوات التي كانت تستخدم لضبط حالة الأمن داخل العاصمة هي قوات شرطة العاصمة بكل صنوفها، وعناصر قوات الأمن والمخابرات وكانت بأعداد كبيرة، وعناصر تنظيمات حزب البعث المنتشرة في كل زاوية من زوايا العاصمة والأحياء والمناطق التي ذكرت أعلاه. أما الاستعانة بقوات الحرس الجمهوري المسؤولة عن حماية العاصمة فلم يكن معتاداً في غالب الأحيان.
أما اليوم .. وبعد احتلال العراق، فالأمر يختلف تماماً ولأسباب كثيرة معلومة، أهمها ليس هناك تنظيم عسكري أو أمني يمتلك خبرات الأجهزة السابقة إضافة إلى أن قوات الحرس الوطني وقوات الشرطة لم يتم اختبار مدى حرفيتها، والشك في ولاءاتها الوطنية، مرد ذلك أنها تشكيلات غريبة من أحزاب وانتماءات تفضل مصالحها الحزبية والعرقية والمذهبية على مصلحة الوطن العليا. في المقابل يوجد أكثر من تنظيم حزبي، والكل مستعد لطاعة قياداته الحزبية دون غيرها، والخوف كل الخوف أن هذه التنظيمات قد تتصادم فيما بينها الأمر الذي قد يؤدي إلى صراعات طائفية حادة وخطيرة ".(37/61)
ومن هنا ينطلق التقرير " لتحديد احتمالات المستقبل مستعينين بما جرى في الماضي القريب وخصوصاً بعد تموز 2004، وكذلك من تطورات مضافة بعد نهاية الانتخابات العامة في كانون الثاني الماضي إذ برزت للواجهة أزمة مناطق مثل "المدائن" و"اللطيفية"، وما تلاها من عمليات أمنية واسعة النطاق باشرت بتنفيذها حكومة الدكتور إبراهيم الجعفري وتحت مسميات مختلفة مثل عملية البرق التي بوشر فيها مع نهاية شهر نيسان 2005، وأتبعتها عملية الرعد، ولا تزال الأخيرة قائمة حتى الآن وهي عمليات استهدفت المناطق ذات الغالبية من العرب السنة في بغداد ومحيطها، وتحديداً سامراء ".
التطور المعاصر لمدينة بغداد والتوزيع الديني والطائفي للسكان
يعرض التقرير بشكل موسع لطبيعة سكان بغداد " قبل قرنين من الزمان كانت جهة الرصافة (شرق نهر دجلة) من بغداد تعد منطقة سنية مقابل أن منطقة الكرخ (غرب نهر دجلة) منطقة شيعية، وحدود مدينة بغداد القديمة امتدت من منطقة الصالحية (محطة السكك الحديدية) غرباً وباتجاه نهر دجلة شرقاً. والطرف الثاني من العاصمة ونقصد به جانب الرصافة فقد كان ممتداً من نهر دجلة والغاية منطقة حدودها النهائية هي شارع محمد القاسم (الخط السريع) بوصفه السدة الترابية التي تحمي مدينة بغداد من فيضان نهر دجلة وقتذاك. من جهة الجنوب كانت حدود العاصمة تمتد سكنياً لغاية منطقة "الكرادة داخل" ومن جهة الشمال كان الحضور السكاني يتوقف عند حدود الكاظمية. وكل ما هو خلف هذه الحدود الأربعة كان عبارة عن مناطق زراعية مفتوحة تماماً تتناثر عليها قرى صغيرة.(37/62)
مع تأسيس الدولة العراقية المعاصرة عام 1921، بدأ شكل العاصمة يتغير بشدة من زاوية حجم السكان والمساحة، وأهم تغير حصل جاء بعد عام 1940 عندما شهدت العاصمة هجرات واسعة من أرياف الجنوب وعلى وجه الخصوص أرياف العمارة وذلك بسبب اضطهاد الإقطاعيين وشيوخ العشائر للفلاحين الفقراء وهم طبعاً من العشائر العربية ومن الشيعة. أما المهاجرون الجدد للعاصمة فجاءوا بحثاً عن العمل الذي لم يجدوه، وما داموا لم يجدوا المساكن التي يمكن أن تأويهم فقد اضطروا لبناء الأكواخ دون أن يعترضهم أحد لكونهم كانوا يستقرون على أراض تعود ملكيتها للدولة.
تطور آخر أضاف هجرات جديدة وواسعة للعاصمة جاء بعد عام 1958، وهو تطور أسهم به الزعيم عبد الكريم قاسم وذلك عندما قرر إسكان هؤلاء الفقراء بشكل دائم بعد أن ملكهم الأرض التي بوسعهم البناء والسكن فيها. مثل هذه الخطوة نجم عنها ظهور أحياء جديدة داخل العاصمة، أهم هذه الحياء كانت مدينة الثورة (الصدر) التي توسعت فيما بعد لتصبح مدينة تعداد سكانها يصل إلى 2 مليون نسمة، وفق بعض الإحصاءات. وأحياء أخرى مماثلة ظهرت أيضاً وهي اليوم مدينتا الحرية والشعلة (شمال غرب بغداد)، وبعد قليل تكونت أحياء مثل حي العامل والبياع (جنوب غرب بغداد).(37/63)
وخلال العقود الأربعة الأخيرة من القرن الماضي اهتمت الدولة ببناء المساكن وتوزيع الأراضي لموظفيها من المدنيين والعسكريين دون تمييز في الدين والعرق والطائفة، أما أهمية وقيمة وموقع الأراضي التي توزع فتستند إلى طبيعة الفئات المستفيدة من الموظفين. وهكذا حصل موظفو الدولة والعسكريون وآخرون على أهم المناطق القريبة من مركز العاصمة، وبموجب هذا التوزيع حصل العمال على مناطق البياع بينما حصل رجال الجيش على مناطق اليرموك وزيونة والقاهرة والبيجية ومناطق الغزالية. وحصل رجال الشرطة على ما يعرف اليوم بمدينة الشرطة وحي الدورة في المقابل حصل القضاة على حي العدل والربيع، وحصل أساتذة الجامعات على حي الكفاءات ومناطق الجنينة والغزالية، وحصل موظفو قطاع المصارف والمعلمون على حي البنوك وحي المعلمين وغيرها من الأحياء التي تعرف بأسماء من منحوا هذه الأرض وتلك.
والهجرة إلى بغداد خلال العقود الأربعة الماضية كانت تتم في مناطق العراق المختلفة، هذه الهجرة حددتها قوانينها الخاصة، على سبيل المثال كان هناك دوماً ميلاً طبيعياً للقادمين من مناطق شمال وغرب العراق للسكن في جانب الكرخ وفي مناطق الأعظمية، والقادمون من الجنوب كان ميلهم يتجه نحو مناطق الرصافة دون غيرها، والمسيحيون هم أيضاً كانت لهم ميول خاصة في اختيار المناطق السكنية. وأما عناصر وعائلات قوات الليفي الأثورية – بعد أن تم حل هذه القوة عام 1955- فتم إسكانهم في منطقة الدورة، ولهذا نجد حياً فيها يسمى بحي الأثوريين، وهناك مناطق أخرى مثل بغداد الجديدة، وكامب الأرمن عرف عنها تاريخاً أن معظم سكانها الأوائل الذين سكنوها بعد عام 1960هم من المسيحيين الفقراء، والأغنياء من هذه الطائفة والمتعلمين من ذوي الخبرة والكفاءة اتخذوا من حي المسبح ومنطقة 52 أحياء سكنية لهم.(37/64)
أما الأكراد الهاربون من جحيم الحرب الأهلية الطويلة في شمال البلاد فوجدوا طريقهم في الغالب إلى منطقة الرصافة، وأكراد بغداد القدامى ممن يعمل حمالين وحدادين في المنطقة التجارية "الشورجة" والمنطقة الصناعية في شارع الملك غازي (الكفاح) سكنوا في حي باسمهم في مركز العاصمة تماماً، والأغنياء من الأكراد والتركمان توزعوا في مناطق مثل حي فلسطين والأعظمية وحي جميلة وحي عدن.
وآخر تطور مهم حصل هو إصرار الرؤساء العراقيين بعد عام 1963على أن تكون مركز قيادتهم القصر الجمهوري وما حوله مناطق بساتين، لتكون منطقتهم خضراء، ومعظم وزارات الدولة تم تركها في منطقة الرصافة مقابل إحاطة القصر الجمهوري بأسوار وشوارع عريضة كي لا تكون بالقرب منه مواقع سكنية، والأحياء التي تأسست وسبقت وصوله للسلطة تم استملاكها من قبل الدولة وتعويض سكانها بشكل مجز، ومن ثم تم هدم الكثير منها، هذه المنطقة باتت تعرف اليوم باسم المنطقة الخضراء. لقد حاولت العديد من الحكومات وقف الهجرة إلى العاصمة خصوصاً الهجرة من مناطق الجنوب الشيعية لاتساع حجمها، ولم تفلح كل القوانين التي تم إصدارها كما لم تفلح الإجراءات التحفيزية منها والقسرية في إعادة القادمين إلى العاصمة إلى مواطنهم الأصلية ".
المناطق الرخوة والمناطق الحصينة
يقسم التقرير مناطق بغداد ثلاثة دوائر بحسب " طريقة توزيع السكان على وفق انتماءاتهم الدينية والطائفية، كما يلي:
الحلقة الأولى: وهي حلقة مركز العاصمة، تمتد حدود هذه الحلقة شرقاً من الجانب الغربي لقناة الجيش وباتجاه مركز العاصمة لتعبر نهر دجلة ولغاية منطقة أحياء المنصور والداودي والشرطة غرباً. شمالاً يبدأ إطار الحلقة من منطقة الكاظمية وباتجاه جنوب العاصمة لغاية معسكر الرشيد. داخل هذه الحلقة هناك العديد من المناطق والأحياء بعضها تضم غالبية سكانية من دين ومذهب واحد، على سبيل المثال تعد المناطق التالية مناطق ذات غالبية من الشيعة:(37/65)
أ- الكاظمية، ب- الشعلة، ت- الحرية، ث- حي عدن، ج- الكرادة داخل، ح- بغداد الجديدة، خ- البياع، د- العامل.
المناطق ذات الغالبية من السنة هي:
ب- الأعظمية، ب- الصليخ، ت- العدل، ث- الشرطة، ج- الكفاءات، ح- اليرموك.
المناطق ذات الغالبية المسيحية هي:
ج- الكرادة خارج، ب- حي52، ت- الدورة (حي الأثوررين).
داخل حلقة المركز هناك مناطق كثيرة وواسعة تضم النسيج المختلط للقوميات والأديان والمذاهب العراقية ومن دون استثناء وهي على سبيل المثال:
أ- مركز الكرخ، ب- زيونة، ت- الحي التجاري والصناعي في الرصافة، ث- الوزيرية، ج- حي المستنصرية، ح- الدورة، خ- السيدية.
الحلقة الثانية: والتي هي حول الحلقة الأولى وتمتد شرقاً من مدينة الصدر (الثورة) واعتباراً من حي الحسينية شمال بغداد ثم نزولاً باتجاه أحياء عدن والشعب وجميلة، ثم الثورة ويستمر الاتجاه نزولاً نحو الجنوب باتجاه مدينة الصدر ليغطي فيما بعد مناطق أحياء المشتل وأور ويتوقف عند الطريق العام الدولي بين بغداد ومحافظة واسط، وسكان هذه المناطق هم في الغالب من العرب الشيعة مع أعداد مهمة من العرب السنة والكرد والتركمان.
ويستمر خط هذه الحلقة من جهة جنوب بغداد ليتصل بمناطق جسر ديالى والمنطقة المحاذية إلى مناطق مركز الطاقة الذرية ويشمل ذلك منطقة جنوب معسكر الرشيد وهذه المناطق أيضاً من المناطق التي سكانها من العرب الشيعة. ويستمر اتجاه خط هذه الحلقة من جهة جنوب بغداد ليعبر نهر دجلة حيث يدخل مناطق غالبية سكانها من العرب السنة، وهي مناطق البوعيثة وعرب جبور والدورة والسيدية باتجاه الرضوانية ليبدأ اتجاه الحلقة نحو شرق بغداد ليضم مناطق المطار الدولي ثم صعوداً باتجاه مناطق أبو غريب من جهة الغرب، وهذه أيضاً مناطق غالبية سكانها من السنة العرب.(37/66)
وبعد هذا يستمر اتجاه خط الحلقة نحو شمال غرب العاصمة ليغطي مناطق هي غرب مناطق الكاظمية والحرية والشعلة، وهذه أرض زراعية مفتوحة تسكنها عشائر زوبع والدليم العربية السنية وعشائر تميم العربية الشيعية وحي سبع البور وهي مناطق في الغالب ذات طابع سني.
الحلقة الثالثة: هي المنطقة التي تحيط بغداد، ويمكن القول إنه الإطار الخارجي لبغداد وهو كما يلي:
1-…من جهة الشرق كل المناطق التي توصل ما بين مناطق شرق العاصمة والمحافظات من جهة الشرق فهي مناطق شيعية غالبيتها لعشائر تسكن في محافظة ديالى ومناطق أخرى صغيرة تقطنها عشائر عربية سنية. في المقابل هناك أيضاً ومن جهة الجنوب – شرق هناك غالبية سكانية من الشيعة الذين هم من عشائر عربية (على سبيل المثال: عشيرة الزبيد الكبيرة التي كانت وحتى القرن التاسع عشر تعد من العشائر السنية) تسكن حدود محافظة واسط، وهؤلاء يمثلون من جهة الخارج العشائر العربية السنية التي تقطن في منطقة المدائن وما حولها.
2-…وفي منطقة المدائن جرت الأزمة التي حدثت في شهر آذار ونيسان من العام الفائت حيث تمت عمليات تطهير عرقية أولية مارسها العرب الشيعة ضد إخوانهم العرب السنة وليس العكس كما أشيع في حينه، وقد كشف الوضع الأمني عقب أحداث سامراء تركيز بعض الميلشيات الشيعية أعمالها العسكرية للسيطرة على هذه المنطقة بحيث سيطرت قوات جيش المهدي التابع للزعيم الشيعي الشاب "مقتدي الصدر" على مسجد سلمان باك "الفارسي"، بالإضافة على إحكام سيطرتهم على طاق كسرى.
3-…من جهة جنوب العاصمة يمتد قوس الحلقة ليغطي مناطق اليوسفية واللطيفية والمحمودية والمسيب ليتجه فيما بعد إلى مناطق الرضوانية من جهة جنوب غرب العاصمة هذه مناطق غالبية سكانها من العرب السنة.
4-…من جهة الشرق تعد كافة المناطق من أبو غريب وما حولها نحو الجنوب والشمال وباتجاه عمق المنطقة التي تقع غرب العاصمة إنما هي مناطق عربية سنية بالتمام.(37/67)
5-…من جهة الشمال تعد مناطق المشاهدة والطارمية مناطق عربية سنية خالصة ويتجه محور هذا الخط باتجاه الشرق ليدخل مناطق هي في حدود محافظة ديالى حالياً وتعد ذات غالبية سنية وأخرى مناطق ذات غالبية شيعية ".
مواقع مرشحة أكثر من غيرها للانفجارات الأولى
بعد كل هذه التمهيدات المهمة يقدم التقرير تصوراته والسيناريو المتوقع حصوله وللأسف قد بدأت بوادره تخرج للعلن دون جهود حقيقية لوقف هذه الحرب الأهلية " فهناك حركة تنقل لأعداد ذات ثقل من العائلات العراقية من منطقة سكنية إلى أخرى لأسباب دينية وطائفية، مثل هذه الوقائع بالوسع إدراكها بسهولة في بعض مناطق بغداد.
ومنها على سبيل المثال ما تشهده مناطق مثل أحياء الدورة وما حولها والمدائن.
أما مواطنو العاصمة فبوسعهم اليوم تحديد الأحياء التي تعد أحياء تنشط فيها قوى المقاومة وتعمل فيها بحرية، ومثل هذه الأحياء لا يرى فيها البعض سوى كونها معاقل للسنة أو أن قاطنيها من أنصار النظام السابق وغير ذلك من تسميات ..
في المقابل تتسع المسافات تدريجياً بين السكان بسبب انتشار مظاهر الكراهية بين الشيعة والسنة خصوصاً بين الطبقات الدنيا وغير المثقفة. ولقد بات من السهل أن يستمع الفرد إلى مواطن شيعي يتحدث علناً ولا يمانع من أن يقتل الملايين من السنة بسبب ممارسة النظام السابق لأعمال القتل بحق الشيعة.
والمناطق المرشحة لحصول الانفجارات المبكرة هي كما يلي:
المنطقة الأولى:
تمتد مناطق جنوب العاصمة والتي تشمل مناطق البياع والسيدية والدورة ثم نزولاً باتجاه مناطق اليوسفية واللطيفية والمحمودية تعد من أكثر المناطق المحتمل أن تشهد انفجارات طائفية. وهنا لا بد من ملاحظة الآتي:
1-…حجم الانفجار سيكون كبيراً جداً بسبب الحجم الكبير للسكان في هذه المناطق.
2-…عبر هذه المناطق يمر الطريق الدولي ما بين مركز العاصمة ومناطق جنوب العراق باتجاه مناطق الفرات الأوسط حيث محافظات بابل والنجف وكربلاء.(37/68)
3-…التوزيع السكاني طائفياً هو توزيع مختلط في معظم المناطق وبذلك هو مرشح لحصول المصادمات الطائفية بين العرب أنفسهم.
4-…تعد هذه المنطقة من المناطق الصناعية المهمة وفيها أهم المصانع التابعة للقطاع الخاص، إلى جانب هذه المصانع هناك المصانع التابعة للدولة وفيها تقع أهم مصافي النفط وإنتاج الزيوت، ناهيك عن محطة الدورة لإنتاج الطاقة الكهربائية، وتمتاز المنطقة بمنظومة طرق واسعة وحديثة تربط العراق ومن مختلف الاتجاهات.
5-…إذا ما أراد الشيعة الهيمنة على العاصمة عندها لا بد من طرد العرب السنة الساكنين في هذه المناطق وضمان الطريق ما بين مناطق الجنوب ومركز العاصمة.
6-…حتى الآن تشهد هذه المناطق عمليات مسلحة واسعة ضد القوات متعددة الجنسيات يشار إلى أن العرب السنة هم من يقف وراءها. إضافة على ذلك إن هذه المنطقة غالباً ما تعرّض المسافرين على طريقها من الشيعة لعمليات قطع طريق وعمليات اغتيالات لبعض الزعامات السياسية للشيعة.
7-…المناطق السكنية بدأت تشهد ومنذ وقت بعض الدلالات المهمة منها ظاهرة البيع الواسع للدور والأراضي السكنية، وأسعار العقارات تواصل ارتفاعها منذ سقوط النظام السابق، حيث شهدت مؤخراً انخفاض مهم في الأسعار بسبب عزوف السكان عن شراء العقارات في هذه المناطق بسبب أوضاعها الأمنية المتدهورة مقابل زيادة المعروض من الدور والأراضي للبيع، وباختصار هنالك نزوح طائفي وديني من هذه المناطق.
8-…وجود تنظيمات إسلامية متطرفة ناشطة في هذه المناطق كجماعة التوحيد والجهاد وأنصار السنة وهي جماعات من النوع الذي تكفر المخالفين لهم وتجيز قتلهم، وبوجود مثل هذه الجماعات من الممكن أن يتم وبسهولة تأزيم الأوضاع الاجتماعية.(37/69)
9-…في المرحلة القريبة الماضية تعرض العرب السنة إلى عمليات دهم واسعة واعتقالات للكثير من الرجال أسهمت فيها القوات الأمريكية وقوات الشرطة العراقية القادمة من بغداد وأيضاً قوات الحرس الوطني. إضافة إلى ذلك كانت هنالك حملات منظمة نفذتها قوات شرطة وعناصر مسلحة تابعة لبدر وحزب الدعوة قادمة من محافظة بابل وانطوت على أعمال قتل واعتقال وتخريب للمتلكات التابعة للعرب السنة. مثل هذه العمليات تشكل عامل إثارة مستقبلاً.
10-…المرحلة الأولى من القتال ستجبر أطراف النزاع للاستعانة بالآخرين. وهنا سيحاول العرب السنة وهم يواجهون المليشيات الشيعية القادمة من جهة بابل الاستعانة بالعشائر العربية السنة الساكنة في مناطق الدورة والرضوانية ومناطق الفلوجة وأبي غريب. في ذات الوقت يستعرض الشيعة القاطنون في مناطق البياع والسيدية وأبي دشير والدورة لعملية ضغط لمغادرة هذه المناطق مؤقتاً ولحين إتمام دحر المقاومين السنة على يد القادمين من الجنوب. والسكان المدنيون وغير المقاتلين من العرب السنة سوف يتم سحبهم من مناطق المواجهة إلى مناطق السيدية والبياع والدورة وفي مرحلة لاحقة سيتم نقلهم إلى مناطق في الكرخ من جهة غرب العاصمة.
المنطقة الثانية:
تعد منطقة المدائن والمناطق الزراعية المحيطة بجنوب شرق بغداد منطقة أخرى مرشحة لتكون من أوائل المناطق التي قد تشهد انفجارات ذات صبغة طائفية إن لم تكن قد بدأت حقاً. وهي تتصف بما يلي:
1-…المنطقة محتقنة في ضوء أحداث شهري آذار ونيسان 2005 وما جرى من مصادمات طائفية وقعت إثر خلافات على أرض بين المزارعين السنة والقادمين من المزارعين الشيعة.(37/70)
2-…لا تتواجد أعداد كبيرة من السكان في هذه المناطق ذات الطبيعة الزراعية، وهناك وجود أكبر للسنة من الشيعة، ولكن تعد منطقة المدائن ذات قيمة دينية للشيعة بسبب وجود مرقد سلمان الفارسي رضي الله عنه الذي كرمه النبي صلى الله عليه وسلم وألحقه بآل بيته، إشارة للحديث الشريف: (سلمان منا آل البيت).
3-…تعد هذه المنطقة ذات طبيعة إستراتيجية مهمة للشيعة ما دامت تربط مناطق جنوب العراق مع بغداد.
4-…لن يكون بالوسع أمام السنة الدفاع عنها لوقت طويل بسبب كونهم بين فكي القادمين من الشيعة من جهة واسط والأعداد البشرية الكبيرة التي ستتصدى لهم والقادمة إليهم من جهة مناطق أحياء أور وبغداد الجديدة ومدينة الصدر.
5-…لن يكون بوسع سكان هذه المناطق سوى التوجه لاجئين نحو مناطق الدورة والسيدية والكرخ بل ولربما النزوح إلى مناطق أبعد مثل الفلوجة المدمرة، كما لن يكون بوسع السنة العرب في المناطق الأخرى من تقديم العون لهم بسبب اتساع المساحة الجغرافية ووجود الحواجز المائية الكثيرة واستمرار العمليات العسكرية الأمريكية فيها.
6-…تعد هذه المنطقة من المناطق الصناعية المهمة في مقدمتها المنطقة الصناعية في منطقة جسر ديالي وهناك الكثير من المعاهد العلمية ومركز الطاقة الذرية ذي المساحة الجغرافية الكبيرة وسيصلح في حينها للاستخدام ولأغراض عسكرية ودفاعية كثيرة متنوعة بسبب من الاستحاكامات الحصينة التي يتمتع بها البناء. سيضع الشيعة في عين الاعتبار أهمية هذه المنطقة، وقد تكون من أوائل المناطق المرشحة للانفجار الكبير، إنها منطقة يمكن من خلالها السيطرة التامة على منطقة الرصافة في بغداد.
المنطقة الثالثة:(37/71)
تعد منطقة غرب بغداد والممتدة من مناطق جنوب المطار الدولي صعوداً نحو الشمال من جهة الغرب ووصولاً إلى الطارمية شمال بغداد هي مناطق سنية خالصة سيتم الدفاع عنها من قبل سكان مناطق أبي غريب والأنبار خصوصاً وأن أصول الكثير من القاطنين فيها هم من جاء من مناطق غرب العراق وكما يلي:
1-…سيتم تطهير مناطق الشيعة في قرية الذهب الأبيض والحرية والشعلة، وبسبب من حجم الكثافة البشرية في هذه المناطق فانه من المتوقع أن تشهد هذه المناطق معارك شرسة والضحايا من المدنيين سيكون أكثر من المقاتلين أنفسهم.
2-…في المرحلة الأولى سيتم طرد سكان مناطق الحرية والشعلة باتجاه منطقة الكاظمية المقدسة عند الشيعة، وأعداد كبير من الشيعة المتواجدين في مناطق الكرخ سيضطرون للمغادرة باتجاه الرصافة. أما التركمان والكرد وبوصفهم سنة سيتحدد موقفهم والعلاقة فيما يجري حولهم في ضوء ما سيدور في منطقة كركوك وإن كان نظن – وعلى أقل تقدير – أن التركمان سيقدمون المساعدة للسنة في بغداد دون الشيعة.
3-…مستقبل القتال في حدود منطقة الكاظمية سيعتمد على ما سيجري في المقابل في المناطق العربية السنية الخالصة في مركز العاصمة مثل منطقة باب الشيخ والأعظمية. وتعامل الشيعة من سكان هذه المناطق والأماكن المقدسة لدى السنة فيها هو الذي سيحدد مستقبل وحال مدينة الكاظمية. ولن يكون بالوسع إنقاذ الكاظمية بسبب نهر دجلة الذي يفصلها عن المناطق الشيعية في الرصافة. وستتعرض أحياؤها السكنية للدمار عند استخدام القصف المدفعي عليها وسيكون حالها كحال الأعظمية.
4-…سيتمكن العرب السنة من السيطرة وبسهولة على جانب الكرخ مستفيدين من الدعم الذي سيصلهم من مناطق الأنبار وتكريت والطارمية والمشاهدة والفلوجة وأبي غريب.(37/72)
5-…سيعمل السنة وبشكل سريع على السيطرة على كل الجسور التي تربط شطري العاصمة وبخلافه لن يكون بوسعهم الدفاع عن منطقة مركز الكرخ الذي بوسع المقاتلين القادمين وبأعداد هائلة من جهة مدينة الصدر من اكتساح منطقة مركز الكرخ وبسرعة كبيرة وعندها سوف يحتاج السنة لوقت طويل كي يمكنهم إخراجهم منها، هذا إذا ما نجحوا في صد الهجمات القادمة عليهم من المنطقة الولى التي هي المناطق التي تربط مركز العاصمة مع بابل من جهة الكرخ.
المنطقة الرابعة:
تعد منطقة شرق بغداد منطقة شيعية خالصة بسبب الكتلة البشرية الهائلة المتجانسة التي تسكن في مناطق تمتد من حي النواب الضباط جنوب شرق وتضم أحياء مهمة مثل أور والبلديات ومدينة الصدر وجميلة وعدن والقاهرة وصولاً إلى منطقة الحسينية على الطريق العام بين بغداد وديالى.
والمنطقة تتصف بما يلي:
1-…كتلة بشرية هائلة بشكل عام.
2-…غالبية الرجال لديهم خدمات طويلة في الجيش العراقي المنحل وحالياً يشكلون العمود الفقري لقوات الحرس الوطني والشرطة العراقية العاملة في بغداد وأخيراً مليشيات جيش المهدي.
3-…تاريخياً حانقون على سكان بغداد والأحياء الأخرى خارج مناطقهم لأسباب طبقية تتعلق بالفقر وضعف الثقافة.
4-…استعداد نفسي واجتماعي وأخلاقي يسمح بالقتل والسرقة وهناك أعداد كبيرة من المجرمين بينهم.
5-…السكان لا يتمتعون بثقافات عالية وهم من السذج الذين يسهل قيادتهم وهم يعشقون المال.
6-…إذا ما وجدت هذه المناطق نفسها مضطرة للقتال فإنها سوف تهاجم عموم منطقة الرصافة وبشراسة وستعد مناطق أحياء فلسطين والبيجية والصليخ والأعظمية وزيونة أول المناطق التي سيتم اكتساحها لطرد العرب السنة منها.(37/73)
7-…في داخل أحياء هذه المنطقة المترامية الأطراف يوجد أكثر من نصف مليون من الأكراد والتركمان وهم غالباً من السنة، وهناك أيضاً الأثوريون والأرمن والمسيحيون أيضاً, والموقف من هؤلاء سيتحدد بحسب ما ستكون المواقف والأحداث المتصلة ومواقف هذه الجماعات العرقية والدينية.
8-…بسبب عمليات الهجوم التي ستنطلق من هذه المنطقة فإنها لن تتعرض للخراب والدمار كما لن يكون هناك مجال كي يرتحل عنها الكثير من سكانها في المرحلة الأولى من القتال وعلى أقل تقدير، في المقابل ستكون الملاذ الآمن للعائلات التي ستغادر مناطق التماس والقتال المباشر.
9-…ستخضع منطقة الرصافة بالكامل لسيطرة مدينة الصدر وقراراتها، خصوصاً سيكون مركز الرصافة خاضعاً لأعمال القصف المدفعي المتبادل مع جهة الكرخ إذا ما استمر تحت سيطرة الشيعة.
10-…ستشهد منطقة الرصافة هجرة واسعة للسنة منها وباتجاه مناطق الكرخ.
المنطقة الخامسة:
تمتد هذه المنطقة ذات الجبهة الصغيرة ولكنها تعد ذات أهمية كبيرة جداً بسبب معطيات وعوامل كثيرة من جهة منطقة معسكر "حماد شهاب" الواقع على الطريق العام ما بين بغداد وديالى، ويمتد إلى منطقة الجيزاني والخالص شمالاً، تضمن هذه المنطقة معظم مدن الحسينية والراشدية وجديدة الشط والحويش. وتتصف المنطقة بما يلي:
1-…أنها منطقة مفتوحة وزراعية.
2-…المدن صغيرة والقرى متباعدة.
3-…وجود انقسام على الأرض وتوزع هذه المناطق الآهلة بالسكان وعلى أساس طائفي صرف تسكنه عشائر عربية بشكل تام.
4-…سيستهدف العرب السنة هذه المنطقة من خلال طرد العرب الشيعة منها وبوسعهم تحقيق ذلك مستفيدين الدعم الذي سيصلهم من المناطق المقابلة لها عبر نهر دجلة ونقصد بها منطقة الطارمية والمشاهدة وقضاء الفارس إضافة للمساعدة التي ستصلهم من العرب السنة القاطنين في ديالى.(37/74)
5-…ستكون هذه المنطقة منطقة ضغط كبيرة من الخارج على مناطق الشيعة في أحياء عدن والقاهرة والشعب بهدف إخلائها ودفع سكانها للجوء إلى مناطق مدينة الصدر وجنوب بغداد من جهة الرصافة.
6-…ستستضيف المنطقة أعداداً كبيرة من السنة من سكان الرصافة الذين سيستفيدون من سعة المنطقة وإمكاناتها الزراعية والمائية ".
طرق الاستشعار الأولى باحتمالات الخطر القادم
ويختم التقرير الجزء الأول منه بذكر وسائل تساعد المراقبين لبداية هذا الصراع المؤسف وهي:
1-…لجوء المواطنين لتغيير عناوين السكن ومواقع استلام البطاقة التموينية إلى مواقع جديدة لهم.
2-…حجم التبادل والمعروض من العقارات والأراضي السكنية لأغراض التأجير.
3-…أسعار بيع العقارات والأراضي السكنية.
4-…أسعار بيع الأسلحة والعتاد وطبيعة الجهات والأشخاص المشترين لها.
5-…حركة موظفي الدولة من زاوية طلبات النقل الإداري لخدماتهم من منطقة إلى أخرى.
6-…حركة نقل وتسجيل المركبات والعجلات.
7-…اتجاهات العائلات في نقل طلبة المدارس من منطقة إلى أخرى.
8-…حركة بيع وتأجير الأراضي الزراعية في مناطق محيط بغداد.
9-…المؤشرات اليومية لحوادث القتل والاعتداءات والخطف والسرقة والتفجيرات وطبيعة الضحايا والشكاوى المقدمة من المواطنين.
10-…حركة بناء الدور السكنية ومراقبة استيلاء المواطنين على الأراضي التابعة للدولة وتشييد الأكواخ …لأغراض السكن عليها وتحديد هوية وطبيعة الساكنين الجدد.
11-…حجم الدور والممتلكات المتروكة شاغرة من قبل أصحابها.
12-…حجم الاستغلال الزراعي للأراضي الزراعية والبساتين المحيطة في العاصمة وطبيعة المستغلين وهويتهم.
13-…تعد عمليات الانتخابات المحلية والعامة والتعداد العام للبسكان مناسبة للتعرف على حجم ونوع المتغيرات السكانية بما في ذلك الهوية والانتماء العرقي والطائفي للمسجلين الجدد.(37/75)
14-…الواجهات الحزبية وطبيعة منظمات المجتمع المدني التي تعلن عن ممارسة أنشطتها وطبيعة هذه الأنشطة ومدى علاقتها مع سكان المنطقة التي تعمل بها.
15-…أسعار صرف العملة العراقية والأجنبية.
16-…أسعار المواد الغذائية ومدى إقبال المواطنين على عملية تخزين هذه المواد" .
سوريا وإيران.. لماذا التحالف؟
…
…قالوا: والحقيقة أن الثابت الوحيد في السياسة السورية هو تحالفها مع إيران، بل لم يعد تحالفاً بقدر ما أصبحت سورية ورقة في يد الإيرانيين".
خالد أبو ظهر ، الوطن العربي 28/6/2006
…قلنا: ما دام النظام الإيراني نظاماً شيعياً، وما دام النظام السوري نظاماً نصيرياً، فلا غرابة أن يجتمع الشيعة والنصيريون على عداوة أهل السنة وبلدانهم.
ماذا حدث للخمسين مليون دولار؟
…قالوا: "إجراءات المساهمة بخمسين مليون دولار لا تزال في مرحلة صنع القرار... لم يتم سداد المبلغ الذي تحدثت عنه".
منو شهر متقي وزير الخارجية الإيراني
رويترز 9/7/2006
…قلنا: في شهر أبريل /نيسان الماضي، أعلنت إيران عن تبرعها بمبلغ 50 مليون دولار دعماً للشعب الفلسطيني، ومنذ ذلك الحين ولا يزال المبلغ "في مرحلة صنع القرار" كما قال الوزير الإيراني، في حين ملأ أنصار إيران ومؤيدوها الدنيا ضجيجاً، بسبب هذا الدعم الكاذب. لماذا تعطي إيران أنصارها الشيعة في العراق ولبنان والخليج المليارات وتبخل على الشعب الفلسطيني السني بخمسين مليون.
إيران لا تتدخل في شؤون العراق!
…قالوا: "كيف لا يبادر من يسمع وزير الخارجية الإيراني يشدد على ضرورة عدم التدخل في شؤون العراق الداخلية إلى الضحك... فإذا كان كل هذا الذي تفعله إيران ليس تدخلاً في شؤون هذه الدولة المسكينة المغلوبة على أمرها، فإذن ما هو التدخل الخارجي في شؤون الدول يا ترى".
صالح القلاب الرأي 9/7/2006
…قلنا: سياسة إيران تتلخص في قول ما تحب أنت وفعل ما تحب هي!! أو إعطاء إشارة انعطاف لليمين والانعطاف لليسار!!!(37/76)
إسرائيل حريصة على النظام السوري
…قالوا: "الموقف الأميركي من سوريا هو العمل لتغيير سلوك النظام، وليس لإسقاطه وعدم إسقاط النظام السوري هو موقف إسرائيلي أيضاً، ربما لأن البديل منه مقلق أو مخيف".
سركيس نعوم، النهار 27/6/2006
…قلنا: لا يخفي اليهود في كل المناسبات رغبتهم في بقاء نظام الأسد النصيري، ذلك النظام الذي يملأ الدنيا ضجيجاً ثم لا يطلق رصاصة واحدة لتحرير الجولان السوري المحتل من أيدي اليهود.
إيران تسرق نفط العراق
…قالوا: "اتهم وزير النفط العراقي حسين الشهرستاني خفر السواحل الإيرانية بحماية المهربين الذين يقومون بتهريب النفط عن طريق سماحهم لزوارق المهربين العراقيين بالوصول إلى الساحل العراقي وحمايتهم حتى يصلوا عرض البحر"ز
مجلة المشاهد السياسي العدد 537
…قلنا: لكن هذه السرقة شرعية لأن الأرض وما عليها هي للمهدي الغائب ، وحيث إيران هي وكيلة المهدي بولاية الفقيه فهذا حقها ، ولذلك الدور قام على بقية حقول النفط المجاورة !!
سماحة العلامة ( أدونيس ) !!
…قالوا: "الإسلام يسكنني في دمي وحياتي وثقافتي لذلك أغضب للإسلام وأنا أتحدى أي شخص يأتيني بكلمة واحدة كتبتها ضد الإسلام
الشاعر الحداثي أدونيس ، الغدد 24/6/2006
…قلنا: أمر غريب بعد كل الزندقة والهرطقات على الإسلام ومقدساته، يتحدى أدونيس الناس أن يأتوا بكلمة كتبها ضد الإسلام. (إذا لم تستح فاصنع ما شئت).
جزاء سنمار
…قالوا: "إن فتنة المواجهة الإيرانية ـ الأميركية كانت قائمة قبل زيارة الأمير (سعود الفيصل)، لكن تلك الزيارة تمكنت من إزالة أعمدة الفتنة من خلال تقديم ضمانات أميركية لإيران نقلها الأمير".
نوري أحمد زادة ،باحث إيراني ، مجلة المجلة 25/6/2006(37/77)
…قلنا: في حين تحاول الدول العربية الإسلامية تجنيب إيران أي مكروه، لا تبادلهم إيران هذا الحرص فهي التي تعمل ليل نهار لتوتير الأوضاع في العراق، وإشعال الحرب الطائفية فيه، وليس أخراً، تحويل لبنان وفلسطين إلى ساحة حرب لتصفية حسابات إيران مع دول العالم.
الشيعة قوام حزب البعث
…قالوا: "محامية صدام حسين السيدة بشرى الخليل تنتمي إلى عائلة شيعية الكثير من أبنائها انتموا إلى حزب البعث في مرحلة معينة والمفارقة هنا أن حزب البعث قبل انشقاقه في شباط (فبراير) 1966، وبعد ذلك كان يعتبر في لبنان حزباً شيعياً قيادة وقاعدة".
صالح القلاب
الرأي 10/7/2006
…قلنا: لا غرابة أن الأحزاب اليسارية في العالم العربي، ومنها البعثية، تشكلت من الشيعة خاصة في العراق ولبنان.. فالمشتركات بين الشيعة واليسار عديدة .
حزب الله من القدس إلى شبعا
…قالوا: "نعم كانت لي مآخذ على حزب الله من زاوية أن لديه ارتباطات خارجية بالأهداف التي يدافع عنها مثل تحرير القدس وفلسطين لكن بعد عقدنا لتفاهم مع حزب الله تغير الموقف تماماً انتهت هذه المطالب الخارجية ورجعنا إلى داخل الحدود اللبنانية".
العماد ميشيل عون ، صحيفة المدينة 11/7/2006
…قلنا: إذا كان حزب الله لم يعد يضع في تفكيره القدس وفلسطين، فما الفرق بينه وبين الآخرين وهل خيانته تختلف عن خيانات وتفريط الآخرين بالقضية الفلسطينية.
السلاح النووي موجه لمن؟
…قالوا: "السؤال المطروح الآن هو: هل نضجت سياسة إيران أم أنها تريد استخدام مفاوضاتها مع الغرب، إذا تمت، لتعزيز موقعها في العالم الإسلامي".
رندة تقي الدين ، الحياة 28/6/2006(37/78)
…قلنا: إذا كانت إيران بسلاحها النووي لا تنوي ولا تستطيع تهديد الغرب ولا إسرائيل، فلمن سيكون موجهاً إذا؟ لا بد أنه موجه إلى دول المنطقة المسلمة، يؤكد ذلك الرسالة التي وجهها الرئيس الإيراني نجاد إلى نظيره الأمريكي بوش يعرض عليه أن تعترف إيران بالولايات المتحدة كقوة عظمى، وتعترف هي بإيران كقوة إقليمية.
وأين حرصهم على العراق
…قالوا: "أعلن أعضاء مجالس عشر محافظات عراقية أنهم قرروا إمهال القوات الأمريكية سبعة أيام لإطلاق سراح رئيس مجلس محافظة كربلاء الشيعية الشيخ عقيل الزبيدي، وإلا فإنهم سيجمدون العلاقات مع قوات الاحتلال".
وكالات الأنباء ، 24/6/2006
…قلنا: الحمد الله لأن الشيعة في العراق تذكروا الآن أن القوات الأمريكية هي قوات احتلال، ولم يذكروا ذلك إلا بعد أن اعتقلت فرداً منهم، أما إذا كان المعتقلون والمعذبون من أهل السنة فهي قوات صديقة ومتعددة الجنسيات، ويطلب منها المسؤولون الشيعة دوماً عدم التخلي عنهم ومغادرة العراق!
إيران والعراق
…قالوا: "أنا واثق تماماً من أن الإيرانيين من خلال قوات العمليات الخاصة السرية يقدمون أسلحة وتكنولوجيا قنابل وتدريب لجماعات شيعية متطرفة في أنحاء جنوب العراق... التدريب يجري في إيران وفي بعض الحالات في لبنان".
الجنرال جورج كايسي ، أكبر قائد عسكري أميركي في العراق/ رويترز 23/6/2006
…قلنا: التخريب الإيراني في العراق لم يعد محل شك من أحد، وقد أشار إليه العراقيون قبل الأميركيين، ودخول حزب الله اللبناني الشيعي على الخط ليصبح مقراً لتدريب الجماعات الشيعية العراقية بدعم إيراني ليعود أتباعها إلى العراق لممارسة القتل، والخطف والتهجير وتهريب النفط، مؤشر على حقيقة حزب الله .
مقابلات مع صبحى الطفيلي أول أمين عام لحزب الله
…
…نهدف من هذه المقابلات بيان الوجه الآخر لحزب الله من الشيعة أنفسهم بل المؤسسين له! الراصد.(37/79)
1- مقابلة مع صحيفة "صدى البلد" 18 أبريل 2006 باختصار :
…قبل تسع سنوات تقريبا كانت حادثة عين بورضاي الشهيرة التي انتهت إلى تصفية "ثورة الجياع" وتحويل الشيخ صبحي الطفيلي الذي طرد من صفوف حزب الله بعد أن كان من مؤسسيه وأول أمين عام على رأسه، إلى متمرد فار من وجه العدالة.
…الشيخ صبحي الطفيلي لا يزال اليوم يحتفظ بعدائه لقسم من زعماء الشيعة هم من قياديي حزب الله ولإيران ويحملهم مسؤولية استمراره في وضعه الراهن، عداوة كانت قاسمه المشترك مع النائب وليد جنبلاط الذي جرى اتصال بينهما للمرة الأولى منذ أحداث عين بورضاي.
* ما الجديد في قضيتك امام القضاء؟
- لم يطرأ أي جديد. اتصل البعض بعد إصدار العفو الأخير واقترحوا أن يشملني العفو ولكني رفضت.
* من تقصد بالبعض؟
- من الزعماء الشيعة.
* من تحديدا؟
- كل الزعماء الشيعة إما بالواسطة أو مباشرة.
* هل كان من بينهم سماحة السيد حسن نصر الله؟
- لن اسمي. قلت كل زعماء الشيعة إما بالواسطة أو مباشرة. وكانت إجابتي إن طرح أسمى للعفو العام في المجلس النيابي هو أسوأ من محاولة قتلي في الحوزة وهذه اهانة لا أقبلها والموت هو أفضل منها. حينما ارتكب الحادث كنت رجلا مقاوما أدافع عن الفقراء والمظلومين في البلد، اعتدي علي وكل ما نقل عن حادثة الحوزة كذب بكذب.
…كان هناك كمين منصوب وأنا ذهبت إلى الحوزة كالمعتاد طوقت وحوصرت إلى أن استدعي الجيش وضربني وعليه فأنا صاحب حق ولست من يطلب العفو وإذا كان لا بد من عفو فيجب على الآخرين أن يطلبوا مني العفو لأنهم هم المذنبون ولست أنا.
- الوضع الذي أنا فيه يتحمل مسؤوليته بشكل أساسي بعض زعماء الشيعة في لبنان والسلطة الإيرانية والآخرون ملحقون بهذا الوضع سواء كانوا في حوادث عين بورضاي أو في ما لحق حتى الآن.
* تغيرت الظروف وشهدت السنة الأخيرة جملة تطورات.(37/80)
- منذ سنة وحتى اليوم أحمّل السلطة النافذة مسؤولية بقاء الملف غير منجز في عهدة القضاء. المفترض انه بمجرد أن زالت السلطة التي كانت تمنع انتهاء التحقيق أن تحل المشكلة بمنطق صحيح وسليم.
* أنت تقصد حزب الله وإيران؟
- ليس حزب الله لجهة شباب الحزب الدراويش وإنما أشخاص في الحزب.
* أما آن لهذه الخلافات معهم أن تنتهي مع تغيير الظروف؟
- بذل الإيرانيون جهدا كي يفصلوا بيني وبين الشباب. سنوات طويلة مارسوا خلالها كل أنواع الأعمال السيئة لتحقيق هذا الفصل الذي اعتبروه إنجازا ولهذا لا اعتقد أنهم سيتراجعون عن هذا الانجاز بسهولة.
* تقصد أن لا مصلحة لهم في المصالحة؟
- ليست لدي مشكلة وكنت أبلغتهم قبل سبع سنوات تقريبا وبواسطة وسائل متعددة أني لست خصما لهم ولا عدوا ولا أريد شراً لأحد لكن من مصلحتهم أن أبقى في المنزل وفي سجني مقيدا لأنهم يعتبرون أن الشيعة في لبنان مزرعة لهم فإذا صرت طليقا يمكن أن يخافوا على هذه المزرعة.
* إلى أي درجة تتوافق مع جنبلاط في مواقفه منذ سنة ولغاية اليوم؟
- من جهتي أرى أن عندنا مشكلة في لبنان، هناك فريق يقول "لبنان أولا" كشعار وفريق آخر يقول "المقاومة أولا" وما بين الاثنين نجد أن لبنان سيتبخر ونصل إلى حرب أهلية وهنا المصيبة. لا استطيع أن أفهم شعار "لبنان أولا" والحرب قائمة بيننا وبين السوريين، إذ لن يبقى شيء من لبنان إذا دخلنا في حرب مع السوريين، المفترض أن لبنان أولا لن يستقيم ونحن في مشكلة مع سورية. لا أريد القول أن لا مشكلة عند السوريين لكن العلاج له طرق ووسائل أخرى.
…أما من جهة المقاومة أولا، فنحن طرحنا تحرير فلسطين، وصلنا إلى الحدود فلتكمل المقاومة إذا كانت مقاومة فعلا، هذه ارض مغتصبة ومحتلة.
* لكنها مقاومة لبنانية أولا؟(37/81)
- عندما أسسناها كنا "مقاومة إسلامية" فلا أعرف إذا كانت أصبحت اليوم "مقاومة لبنانية" وهم لا يزالون يسمون أنفسهم "مقاومة إسلامية" والأرض ما زالت محتلة فإما إن تكمل التحرير أو لا تكمله وتقول انك عاجز وهناك واقع وأفهمك لأني عانيت من هذا الأمر حينما أسست المقاومة وواجهتنا عقبات كبيرة وكثيرة استطعنا تجاوزها لان المقاومة كانت بالنسبة لنا خيارا لا بديل عنه. ربما كانت المقاومة عند الآخرين خياراً لكن لها البديل، أي لا نستطيع أن نكمل المقاومة إذا انسحبوا، وإلا لا تقاوم ولا تنسحب إلى البيت. إذا ماذا تفعل؟ حرس حدود؟ وهل أنت شرطي؟
* قلت في إحدى المقابلات لو كنت رضيت بما عرض على غيرك لكانت إسرائيل انسحبت قبل العام 2000 فما الذي عرض عليك وقبله الآخرون؟
- عرض علي هذا الذي فرحنا به وطربنا وغنينا له وهو التحرير الذي عرض علي ورفضته.
* كيف تم ذلك وعبر من؟
- عرض علي الذي حصل بالضبط.
* هل تقصد أن إسرائيل انسحبت بفعل تفاهم لا بالتحرير؟
- لا، هم عرضوا لأنهم يتعرضون لضغط عسكري وهم يريدون أن يخرجوا من هذه المشكلة فطرحوا هذه الطروحات وحينما لم تنفذ او لم يقبل بها حاولوا تنفيذها بطريقة ثانية، أي حصل تفاهم تموز 1993 والذي كان مقدمة لتفاهم نيسان 1996 ومن حينها يدرك المتتبع ان الإسرائيلي اصبح جاهزا للانسحاب، لأنه إذا وصل إلى الحدود لا يدخل عليه مسلح،.. انسحب الإسرائيلي بعد أن اخذ ضمانات إيرانية.
*أنت تتهم الإيراني بالتواطؤ مع الإسرائيلي للانسحاب من لبنان؟(37/82)
- هذا ليس اتهاما بل حقيقة، نعم تواطأ الإيراني مع الإسرائيلي والسوري في خلق مسألة مزارع شبعا كي يعطي مجالا لبقاء مقاومة أو ما شابه ذلك ليبقى شيء من الضغط على الإسرائيلي. وهذه مسألة واضحة وجلية. للأسف أن تحرير فلسطين هو شعار طرح منذ زمن لكنها كانت شعارات للاستفادة من مشاريع أخرى. أنا مقاومة في لبنان يجب أن أقاوم واستمر في مقاومتي وان أحرر ارضي وكرامتي ولكن لا يجوز أن استغلها في مشاريع أخرى، أو أن تكون مجرد شعار استهلاكي. ومن هنا أدين التوقف عن متابعة المقاومة والاتفاقات مع العدو الإسرائيلي، وإذا فرضنا أن هناك معوقات لمتابعة التحرير أدين حماية الحدود مع العدو الإسرائيلي لأني حينما احمي ارضي فهذا سيكون ذا حدين لان بحمايتي للقرية المحاذية احمي عبرها القرية اليهودية كي لا يضربها احد تجنباً لرد فعلهم على ذلك.
* كيف ترى النقاش الحاصل حول سلاح المقاومة؟
- بتقديري أن اغلب اللبنانيين ليسوا ضد المقاومة وإذا فتحت المقاومة باب الجهاد بشكل منطقي فأغلب المشاركين فيها سوف يكونون من طوائف أخرى وليسوا من الشيعة. وضع السنة وكأنهم ضد المقاومة خطأ، وضع الدروز أو المسيحيين وكأنهم ضد المقاومة خطأ، وليس كل الشيعة مقاومة.
* هل تؤيد سحب سلاح المقاومة أو انضمامها إلى الجيش؟
- إما أنها مقاومة فتكمل أو أن تنسحب وليس عملياً أن أقول ماذا سيفعلون في السلاح، واحزن أننا نعجز عن متابعة التحرير.
* كيف تقرأ الآراء التي تتحدث مرة عن "هلال شيعي" وأخرى عن "ولاء شيعي لإيران"؟(37/83)
- ليس من باب تجميل النفس أنا أخاف على المسلمين قاطبة ولا أخاف على فئة أكثر من أخرى وليس من مصلحتنا هذا. منذ ثلاث سنوات ونيف وبعد الغزو الأميركي للعراق تحدثت يومها عن أن السياسة الإيرانية خطر على الشيعة في العالم العربي والإسلامي باعتبارهم الأفضلية ويتهددهم الخطر لأنهم سيصابون ونتيجة السياسة الإيرانية بأوصاف تسمح بإيذائهم، وقلت إن السياسة الإيرانية تشكل خطراً جدياً وتهدد الشيعة في العالم العربي والإسلامي، يومها استغرب الكثير من الناس كلامي، واليوم وصلنا إلى ما توقعته.
* كيف تقرأ امتلاك إيران للسلاح النووي؟
- لا اعتقد أن هذه المسألة هي مصدر النزاع الجدي، يعرف الأميركيون أن الإيرانيين حققوا تقدماً في مجال الأبحاث النووية وحققوا أكثر ما أعلنوا وهذا الأمر قد لا يكون من الأمور التي تزعج الأميركيين وإنما يكسبهم بتخويف المنطقة من النووي الإيراني.
…لهذا هو يخلق عاصفة إعلامية مما حصل وهذه مسألة معروفة. نحن بحاجة لأن نبعد الشك بين شعوب المنطقة ونصل إلى الطمأنينة كمقدمة للتعاون.
* لماذا هذا العداء لإيران هل لأنهم طردوك من "حزب الله"؟
- استعمال كلمة طرد في غير محلها وليس الأمر كذلك. هم أساءوا إلى شعبنا وبدل أن يقفوا مع أهلنا الفقراء وقفوا مع السلطة الظالمة وهذا لا نصفه إلا بالغدر كما تآمروا على قتلي في الحوزة وما زالوا وراء الملاحقة القضائية السياسية. ادعوهم للتعقل ومخافة الله وأقول أني غفرت لهم فليغفروا لأنفسهم ويتجنبوا الإساءات في ما يفعلوه لأنه لا يجوز شرعاً اهـ.
2- مقابلة مع صحيفة الشرق الأوسط وأعادت نشرها الوكالة الشيعية للانباء بتاريخ 25/9/2006(باختصار):
…سألناه: ما الذي جعلك تختفي عن الساحة ولماذا قرار العودة الآن؟ وما هو وضعك القانوني؟(37/84)
…فأجاب: "إذا كان لا بد من تكريم احد في لبنان، فهو أنا. فقد أسست المقاومة التي أخرجت العدو الإسرائيلي من أرضنا المحتلة، ووقفت إلى جانب قضايا الناس وما زلت". ودعوت الجميع إلى مؤازرتي أو على الأقل الحياد، لكني فوجئت بورثة الخميني (حزب الله) يقفون إلى جانب سارقي المال العام وناهبي ثروات الدولة والمعتدين على الشعب وذلك بذريعة أن دعم المقاومة لا يجعلهم قادرين على الخوض في المواضيع الاقتصادية والحياتية. وهذا منطق سخيف، و الأسخف منه أن لا مقاومة الآن. فأين نصرة الضعيف والمسحوق؟ وللمفارقة أن بعض المسؤولين الإيرانيين - في مواجهة حركتي - وعدوا بأن لديهم مشاريع ستنفذ خلال ستة أشهر وستغير أوضاع المنطقة بشكل كبير، لكن السنوات مرت وهذه المشاريع لم تبصر النور.
* إذاً، تعتبر أن المقاومة انتهت؟
- وهل ذلك موضع نقاش؟ لقد بدأت نهاية هذه المقاومة مذ دخلت قيادتها في صفقات كتفاهم يوليو (تموز) 1994 وتفاهم ابريل (نيسان) 1996الذي أسبغ حماية على المستوطنات الإسرائيلية وذلك بموافقة وزير خارجية إيران.
…لكن هذا التفاهم اعتبر انتصاراً للبنان لأنه حيد المدنيين اللبنانيين أيضاً واعترف بشرعية المقاومة، مع أن عمليات للمقاومة تحصل في مزارع شبعا بين الحين والآخر هذا التفاهم الهدف الأساسي منه تحييد المقاومة وإدخالها في اتفاقات مع الإسرائيليين. كما أن العمليات الفولكلورية التي تحصل بين حين وآخر لا جدوى منها لأن الإسرائيلي مرتاح، وهل هناك فرق بين الإسرائيلي في مزارع شبعا والإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة؟ هذا اعتراف بالاحتلال، أنا أرى أن الخيام (بلدة حدودية لبنانية) هي مثل عكا وحيفا.
…وما يؤلمني أن المقاومة التي عاهدني شبابها على الموت في سبيل تحرير الأراضي العربية المحتلة، تقف الآن حارس حدود للمستوطنات الإسرائيلية، ومن يحاول القيام بأي عمل ضد الإسرائيليين يلقون القبض عليه ويسام أنواع التعذيب في السجون.(37/85)
* أي سجون؟
- لقد حدثت أكثر من حالة، وقد سلم الذين قاموا بمحاولاتهم إلى السلطات اللبنانية التي أخضعتهم للتحقيق والتصنيف.
* متى كانت لحظة التحول في الموقف الإيراني حيالك، وهل كان لإيران دور في إبعادك عن مركز القرار في الحزب؟
- رغم كل ما حصل معي، كنت حريصاً على إبعاد وضعي الشخصي عن الوضع العام، كما لم أتناول إيران وشخصياتها القيادية رغم كل الأحداث الماضية والحالة الشخصية. كنت حريصاً على أن لا ادخل أي قضية عامة في إطار وضعي الشخصي. لكن بعد التحول الذي حصل في الموقف من المقاومة وتحول إيران إلى منسق للشؤون الأميركية في المنطقة رأيت أن اخرج عن صمتي.
* نعود إلى لحظة التحول في ما يتعلق بالمشروع الذي كنتم تمثلونه في "حزب الله" والذي يحمل عناوين عدة منها عدم المهادنة والمواقف الحادة، بالإضافة إلى ارتباط اسم الحزب في تلك الفترة بملفات خطيرة مثل خطف الرهائن وغيرها.
- الحديث عن ملف الرهائن الغربيين له وقته. ونحن نؤكد أن لا علاقة لنا به. أما في شأن التحول الذي تتحدث عنه فهو يتلخص بأمرين: الأول أن هناك سياسة في إيران بدأت تبرز بعد رحيل الإمام الخميني، وكان واضحاً أن هذه السياسة ستصطدم بفهمنا للإسلام. والأمر الثاني أن هناك أشخاصاً بطبيعتهم لا يحبون التزلف.
* تقصد أنت؟
- قلت مراراً للإيرانيين انه عندما تصطدم مصلحتهم مع قناعتي سأغلب الأخيرة، ولن أكون أبداً عميلاً لإيران ولسياستها، أنا أخوكم وشريككم لا أكثر ولا اقل. لكن في كل العالم، الأقوياء لا يرغبون بالشركاء، بل يفضلون الضعفاء الذين يدينون لهم بالولاء الأعمى. أنا لا أحب أن يداس على قدمي لأتحرك في أي اتجاه.
* لكن الحزب تميز بعدك بنغمة لبنانية.
- من يقول في لبنان أن إيران لا تتدخل كاذب. القرار ليس في بيروت وإنما في طهران.
* حتى خلال ولايتك؟(37/86)
- نعم، حتى خلال ولايتي كان لـ(القيادة) المركزية في إيران موقعها في القرار. لكن حينها كان هناك انسجام في المواقف والقرارات. ولم نكن نعتبر أن القرارات تملى علينا، بل هي قناعاتنا. وحين يأتي أمر من الإمام الخميني أو غيره ممن يعينهم يقول لنا قاتلوا إسرائيل، فنحن لا نعتبره أمراً بل هو من قناعاتنا.
* هل كان رحيل الخميني بداية الفراق مع إيران؟
- لنقل: بداية التباين.
* ألا ترى تعارضاً في ما تتحدث به عن التواطؤ الإيراني وبين الضغوط التي تمارس أميركياً وغربيا على إيران؟
- حتى لا نخدع أنفسنا، أقول لا شك في أن هناك حواراً أميركياً ـ إيرانياً بدأ قبل غزو العراق. وان وفداً من المجلس الأعلى للثورة الإسلامية المؤيد لإيران زار واشنطن لهذه الغاية. والتيارات الإيرانية في العراق هي جزء من التركيبة التي تضعها الولايات المتحدة في العراق. حتى إن احد كبار خطباء الجمعة في العاصمة الإيرانية قال في خطبة صلاة الجمعة انه لولا إيران لغرقت أميركا في وحل أفغانستان. فالإيرانيون سهلوا للأميركيين دخول أفغانستان ويسهلون بقاءهم الآن.
…أما القول عن اعتقال سفير سابق هنا أو حديث عن سلاح نووي هناك فهو يدخل من باب السعي الأميركي لتحسين شروط التعاون الإيراني. التشيع يستخدم الآن في إيران لدعم المشروع الأميركي في أفغانستان. ومن هنا أقول لكل الشيعة في العالم إن ما يجري باسمهم لا علاقة له بهم. وهذه أعمال المتضرر الأكبر منها الإسلام والتشيع.
* أتقول أن هناك خطراً على التشيع من إيران؟(37/87)
ـ نعم، لأنه يمكن أن بعض القوى تريد أن تثبت سلطانها. وأنا مطمئن إلى انه سيأتي اليوم الذي يهزم فيه الأميركي، وعندها سيكون هناك غضب على كل من سار في مشروعه. وقد تجري انتقامات وتصفيات يذهب ضحيتها شيعة الأقليات لأن إيران دولة قوية تستطيع أن تحمي نفسها. نحن بما نمثل من تشيع حقيقي نعلن صراحة وبوضوح إننا نرفض أي سياسة من إيران وغيرها بدعم الغزو الكافر لبلادنا. ونعتبر هذا الفعل عملاً عدوانياً على امتنا.
مقابلة مع الأمين العام لـ "جمعية بني هاشم العالمية"
السيد محمد علي الحسيني وهو من القيادات الشيعية اللبنانية
جريدة السياسة – 15/7/2006
* فيما تبحث الإستراتيجية الدفاعية عن لبنان من الحدود الجنوبية, تطرحون الإستراتيجية الدفاعية ضد سورية. علام تقوم هذه الإستراتيجية?
- في البداية نقول بأن عقيدتنا ونظريتنا هي أن المحتل هو واحد سواء كان من أي جهة كانت أو من أي طرف كان, سواء كان من الجهة الأخوية أي سورية أو من غيرها فلذلك نحن كلبنانيين لا نفرق بين محتل وآخر. فإذا تأسست هذه القاعدة نقول بأن هناك خطر واضح وجلي ومصدره الجهة السورية فعلى هذا الأساس نحن نظرنا أنه طالما هناك اعتداءات كانت منذ سنوات وحتى الآن وهي مستمرة وطالما هناك طمع سوري سواء كان بالمياه اللبنانية أو بالأرض اللبنانية فلا بد أن تكون لدينا خطة دفاعية نستطيع من خلالها أن نحمي هذا الوطن وأن ندفع بكل معتد إلى خارجه. ومن هنا كان لا بد من خطة سميناها الخطة الإستراتيجية لأن هناك بعضاً من اللبنانيين يفكرون ويخططون للإستراتيجية الدفاعية من الجنوب فأنا قلت ليس فقط من الجنوب إنما ينبغي أن تكون هناك خطة إستراتيجية أيضا من شرق لبنان لأن المحتل واحد والمعتدي واحد فكما نحن نطالب بتحرير مزارع شبعا كذلك نحن لدينا أكثر من سبع قرى لبنانية لا بد من تحريرها ومن حقنا نحن كلبنانيين العمل على تحرير هذه الأراضي.
* ما الخطوط العريضة لهذه الإستراتيجية?(37/88)
- المطالبة بحقوقنا وهي التالية:
…أولاً: تحرير سائر الأراضي اللبنانية من سورية.
…ثانياً: تحرير الأسرى اللبنانيين في السجون السورية.
…ثالثاً: وضع حد للقرصنة ولسرقة المياه اللبنانية المُسيطر عليها من الحكومة السورية.
…رابعاً: ترسيم الحدود بين لبنان وسورية بإشراف جهة دولية.
…خامساً: إزالة كل ما يسمى بالاستخبارات أو الأتباع أو الحلفاء لسورية من داخل هذا الوطن لأنني أعتبر أن سورية سرطان خبيث داخل الوطن اللبناني, ولبنان إذا أراد أن يُعافى من كل الأمراض والجراثيم لا بد من إزالة رأس الجرثومة ألا وهو سورية.
* وفقاً لهذه الإستراتيجية ألا تضعون سورية في الموقع ذاته مع إسرائيل?
- أنا أقول إن لبنان لا يرى, أن من يدخل عليه ويحتل أرضه ويهتك ستره ويسجن أبناءه ويأخذ ماله, بأنه صديق. بمعنى آخر هل تعني الأخوة الحقيقية أن تأتي الشقية سورية لتغتصب وتظلم وتغتال أبناء لبنان وكذلك أن تأتي لخطف واعتقال شرفاء لبنان هل يُعقَل أن تفعل كل هذا باسم الأخوة. أنا لا أريد أن يكون بيننا قابيل وهابيل فلا بوركت هذه الأخوة السورية إذا كانت على حساب ظلم وقتل واغتصاب حق اللبنانيين وأن يصبح لبنان تابعاً لهذه الدولة أو تلك. ولذلك فإن سورية هي التي تضع نفسها في هذا الموضع, فسورية إذا احترمت نفسها وراعت حدودها ولم تتدخل في شأن غيرها فعندئذ نحترم سورية كبلد وهي عليها أن تحترمنا كبلد. ونحن لا يجوز أن نسكت عن الظالم فالسوري ظلم اللبنانيين, بالله عليك أي طائفة لم ينلها ظلم السوري أو فساد السوري وفي هذا الإطار لدي مقولة وهي أن الإسرائيلي وحد اللبنانيين والسوري فرق اللبنانيين فالإسرائيلي عندما دخل اجتمع اللبنانيون على مقاومته لكن السوري دخل بشكل سرطاني خبيث وبدا بتفريق الناس, بعد القريب وقرب البعيد, جعل الجاهل عالماً وجعل الوضيع رئيساً وجعل الفتنة بين الأخ وأخيه وداخل الحزب الواحد.فهذه هي التضحيات السورية في لبنان.(37/89)
* هذه المواقف تجعلكم تسبحون عكس تيار القوتين الأكبر في الطائفة الشيعية في لبنان, أقصد "حزب الله" و"حركة أمل" ?
- عندما أتكلم لبنانياً فإن اللبنانية فوق الطائفية, أنا أتكلم باسم اللبنانيين ولا أتحدث عن طائفة معينة أو مذهب معين. أنا أسبح مع التيار الوطني المخلص للبنان والموالي للبنان وكذلك فإن الطائفة الشيعية أكبر من أن تحجم وأن تقَوقَع في حزب معين او في فئة معينة إنما الطائفة الشيعية أعم من أن يختصرها حزب معين. فكما هو شيعي لبناني فأنا شيعي لبناني وكما لديه موقف فانا لدي موقف إنما الفرق بين الأمرين فهو أنني ليس لدي مصلحة لا لحزبي ولا لفئتي إلا المصلحة اللبنانية التي اعتبرها فوق الطائفية والمذهبية والعائلية والمناطقية. بينما الآخرين فقد يصرحون بان ولاءهم أو اتجاههم لدولة معينة.
* هل هذا يعني بأن " حزب الله " وحركة " أمل " ينفذان مخططات ومشاريع غير لبنانية?
- يُقال بأن الحقيقة واضحة والشمس طالعة وهي كالنار على المنار, لا داعي لأبين المبين وأوضح الموضح وهنا أريد أن أوجه نصيحة للبنانيين وهي أن ليس لديكم سوى هذا البلد وعلينا أن نتوجه جميعاً لمصلحته لآن لبنان في خطر فلا يتحرك أحد منا من ناحية حزبية أو طائفية.
* الإستراتيجية الدفاعية التي يطرحها " حزب الله" على طاولة الحوار, هل تلبي المطالب اللبنانية وتؤمن مصلحة لبنان?
- كلا لا تلبي, الحقيقة ناقصة فعندما نقول إستراتيجية دفاعية ينبغي أن نرى بأن الدفاع يجب أن يكون في وجه الجهة الهجومية, نحن لا نرى اليوم الجهة الإسرائيلية بالذات تتحرك كما تتحرك الجهة السورية التي نعتبرها الأخطر على لبنان لأن النظام السوري أوجد خلايا سرطانية في لبنان علينا إزالتها.(37/90)
…فإما أن تنظف نفسها من كل علاقة مشبوهة وإما فلترحل عن لبنان لأنها لا تمثل الرؤية اللبنانية الصادقة. ومن هنا عندما يطالب هذا الحزب أو تلك الفئة بتحرير مزارع شبعا أقول لهذا الطرف لماذا لا تريد أن تحرر القرى اللبنانية التي استولت عليها واغتصبتها واحتلتها سورية أهذه الباء تجر وهذه الباء لا تجر أو لأن لديهم مصالح مع سورية يُسكَت عن هذا المطلب.… كما أن مزارع شبعا في قيد الاحتلال كذلك هناك أرض لبنانية وتراب لبناني وشعب لبناني مُحتَل. وأيضا كما يطالب هذا البعض بمياه الوزاني كذلك نحن نطالب بحقنا المغتصب والمُقَرصن عليه في مياه نهر العاصي, وكما نطالب بأسرانا في إسرائيل كذلك نطالب بأسرانا الشرفاء في سورية.
* عندما تقول أن علينا تحرير ما اغتصبته سورية هل هذا يعني أنكم تدعون إلى مقاومة عسكرية?
- كما أن بعض الجهات في الجنوب تقول بأنها لا تريد للجيش أن يتحمل مسؤوليته ولا تريد إحراجه, كذلك نحن نقول بأننا لا نريد إحراج الجيش على الحدود السورية لكي لا يتورط كل لبنان, مع أنني أطالب بأن لا تكون سلطة لا أمنية ولا عسكرية إلا سلطة الجيش, وإذا لم يستطع الجيش اللبناني أن يتحمل مسؤولياته على الحدود السورية فعلى الشرفاء اللبنانيين من كل الطوائف, من كل مَن يحب لبنان ويواليه أن يشكلوا مقاومة لبنانية لتقوم برد الاعتداءات السورية.
… أيضا أريد أن أقول بأن طالما في نية سورية إيذاء لبنان واللبنانيين وهذا أمر مُصَرَّح به فعلى المقاومة اللبنانية أن تردع هذا المد وهذا الخبث السوري الذي يأتي إلى لبنان, فسورية اليوم تدرب أشخاصا في معسكراتها في الزبداني وغيرها وترسلهم إلى لبنان مدججين بالأسلحة والأجهزة والأموال.(37/91)
…وإذا لم نقم بتشكيل هذه المقاومة فأحذر لبنان واللبنانيين بأنهم إذا لم يتعاطوا مع الحكومة السورية ولم يكونوا مرابطين على الحدود السورية فهم يرتكبون خطأً جسيماَ ولن يهدأ لبنان ولن يستقر ولن يكون أحد آمنا من مرمى العبوات والاغتيالات والأعمال الإرهابية السورية في لبنان فسورية سوف تستهدف كل كلمة حرة, كل موقف صريح وكل عمل وطني.
* اليوم هناك حلف إستراتيجي مُعلَن بين سورية وإيران, فمواقفكم هذه هل تقصدون بها إيران أيضاً?
- بالنسبة للموضوع الإيراني فيُرثى له, لأن عندما نقول سورية لا نستبعد إيران فأنا أقول سورية يعني إيران وإيران يعني سورية والكلام يجر نفسه ولكن نحن نتكلم بالأقرب باعتباره المصداق الحقيقي. ولكن هذا لا ينفي بأن التدخلات الإيرانية هي أكبر وأخطر وأكثر من التدخلات السورية.
* ما حدث أخيرا من أحداث أمنية مفتعلة فضلاً عن التصاريح السياسية التي يطلقها حلفاء سورية في أي خانة تضعونه?
- إذا رأينا تحرك الوزير السابق وئام وهاب وتشكيل هذا التيار الوهمي والخيالي في مواجهة الحزب الحقيقي والممثل الحقيقي والحضاري للطائفة الدرزية ألا وهو الأخ والقائد وليد جنبلاط, نحن نرى بأن سورية تتحرك من كل حدب وصوب لضرب التيار الدرزي الأصيل فوئام وهاب يتحرك بأمر قيادي من العمليات السورية وهو يستطيع أن يسفك الدماء بل أقول بأنه لا ينطق بأي كلمة إلا بوحي سوري. فسورية تتحرك اليوم في لبنان لإشعال فتن داخلية داخل الطائفة الواحدة والحزب الواحد والبيت الواحد لتقول للبنانيين بأنها الحل والمُخَلِّص.
* تدعون إلى إزاحة النظام السوري فهل تريدون أن نشهد عراق جديد ومزيدا من أعمال العنف وسفك الدماء?(37/92)
- الوضع مختلف فالشعب السوري يعاني أكثر من الشعب العراقي لأن في سورية لا يستطيعون الكلام, فمَن يقول إن الشعب السوري يرد أن يبقى على حكومته البعثية? الشعب السوري اليوم يطالب بحكومة ديمقراطية, يطالبون بحرية الرأي والتعبير ويطالبون بالتعامل الإنساني معهم.
* إذا هل تتوقعون تغييرا هادئا للنظام في سورية?
- الوضع السوري على نار هادئة وأنا أتوقع التغيير في سورية في أقرب وقت عبر انقلاب, ونحن نراهن على الشعب السوري بأنه قد أخذ الدرس والعبرة من الشعب اللبناني الذي استطاع بأكثريته وبولائه للبنان أن يخرج المحتل السوري وأن يقول كفى للاحتلال, كفى للظلم, كفى للجور وكفى للديكتاتورية. فانا أتوقع أن كل ما يجري اليوم داخل سورية وخارجها وما يدور في الكواليس يؤكد بان التغييرات.
* هل تخشون على حياتكم وهل تلقيتم تهديدات نتيجة لمواقفكم?
- أنا أطلقت هذه المواقف عندما كنت في إيران وأنا سُجنت هناك, وقد صادرت الاستخبارات الإيرانية جواز سفري وهددتني واعتقلتني, وكانت التهديدات تصلني عبر الخارجية السورية التي كانت تتصل بالخارجية الإيرانية التي اعتبرتني مصدر إزعاج لها وللحكومة السورية.
وعندما اغتيل الشهيد رفيق الحريري احتجزت في إيران ومُنِعت من العودة إلى لبنان لكي لا أكون سببا في قيام ثورة اعتبرها شيعية وطنية مخلصة.فلا شك بأنني أحمل دمي على كفي ونحن مشروع شهادة, وإذا كان دمي فداء لحرية واستقلال لبنان فانا مستعد وأبنائي وأهلي لتقديمه. وأخيراً أريد أن أتوجه برسالة إلى الداخل اللبناني لأقول بأنه حان الأوان لنقول لا للتدخلات الأجنبية, حان الأوان لأن نضع حدا للشقية سورية, حان الأوان لأن نفهم ونعرف بأن سورية عدو للبنان وطامعة بأرضه ومائه, حان الأوان لنقدم شيئاً للبنان وأن نقف سنة وشيعة ودروزا ومسيحيين لنحمي لبنان. ولسورية أقول كفاك قتل, اغتيال ,خطف وفساد ألم يحن الوقت لتتقي الله في شعبك وفي جارتك.(37/93)
مقالات مهمة عن حزب الله
أولاً ما نشر في الراصد سابقاً:
1.…حزب الله من الإيديولوجية إلى الواقعية . 1
2.…وقفات مع حقيقة صفقة حزب الله مع يهود ( حتى لا يتكرر انخداع المسلمين بأتاتورك جديد! ). 7
3…-تعاون أمل وحزب الله 9
4…- -حوار مع نائب زعيم حزب الله 11
5- رؤية شيعية لدور حزب الله.
6…صبحى الطفيلي 1 13.
7… رؤية شيعية لدور حزب الله
8…صبحي الطفيلي 2 14
9… احترام قواعد اللعبة اللبنانية 13
10…- وأيضاً عن .. "الحزب" 13
11… -هل تكرار ايران تجربة حزب الله في العراق 15
12… -بري ونصر الله 18
13… -رسالة الى أعيان الشيعة 20
14… -حزب الله و الملف النووي 21
15… -سورية استخدمت أمل وحزب الله 23
16…- قضية حزب الله ليست داخلية لأنه لم يصنع في لبنان! 30
17…- قواعد جديدة للعبة 36
ثانياً مقالات من مواقع صديقة:
18…- حزب الله..والمساحات الخالية في الذاكرة العربية..والتغيير القادم http://www.islammemo.cc/taqrer/one_news.asp?IDnews=923
19…- محاولة لفهم قواعد اللعبة بين إسرائيل وحزب الله http://www.islammemo.cc/taqrer/one_news.asp?IDnews=913
20…- حرب الفرس والروم في لبنان
http://www.almokhtsar.com/html/news/1252/25/57002.php
21…- الدمار للبنان والشهرة لحزب الله http://www.almoslim.net/articles/show_article_main.cfm?id=1614
22…- من مفردات الحرب ومخلفات "الحزب" http://www.almoslim.net/figh_wagi3/show_news_comment_main.cfm?id=524
23…- قراءة في الأهداف الحقيقية، لقيام حزب الله بِخَطف الجنديَّيْن http://www.almoslim.net/figh_wagi3/show_news_comment_main.cfm?id=523
24…- المقاومة مشروعة .. والحرب على حساب مَن؟ http://www.almadinapress.com/index.aspx?Issueid=1585&pubid=5&CatID=267&articleid=166138
أكاذيب حكام طهران بشهادة إيرانية دامغة!!
كريم عبد – موقع إيلاف 30 مايو 2006 (باختصار)(37/94)
…جاء في المقال اليتيم في الصحافة الإيرانية الذي نشرته (طهران تايمز ) في 24/10 /1999 الذي يتحدث عن الظلم والجور الذي عاناه العراقيون في إيران خلال الحقبة الديكتاتورية، حيث يكتسب هذا المقال دلالة مهمة هنا، ومما جاء فيه:
…(.. ولنفكر الآن في وضع العراق جارنا على الحدود الغربية، إننا نجد الجهود منصبة للعمل على إخراج اللاجئين العراقيين من إيران، وقد أُخرج منهم لحد الآن ما يقارب 300,000 لأجيء. إلى أين خرج هؤلاء ؟ هل عادوا إلى العراق ؟!). تتساءل الصحيفة وتضيف ( لقد نجحت السياسة الإيرانية في هذا المجال والذي يصب في مصير مشؤوم لهؤلاء اللاجئين!! هل هذا يدل على المقدرة والنجاح ؟! أين هي الحكمة أو الدين في جعل المسلمين يصلون إلى هذه الدرجة من الإحباط نتيجة لاستنتاجات اقتصادية خاطئة ؟ إن هؤلاء اللاجئين كانوا بجانبنا وقد قدموا تضحيات في الحرب التي فرضها صدام على إيران، ومن مصدر في رئاسة الجمهورية، فإن عدد الضحايا منهم بالنسبة لعدد نفوسهم في إيران يفوق نسبة عدد ضحايا الإيرانيين إلى عدد نفوسهم. وعلى أية حال أنظر إلى التصريح الأخير للسيد حسن حبيبي معاون رئيس الجمهورية حيث يقول : لا مجال لإقامة اللاجئين العراقيين في إيران بعد اليوم )!! وتضيف الجريدة مؤكدة (لقد وضعت السياسة العامة لتتبنى هذا النهج، علماً إن بعض هذه الإجراءات هي عنصرية أو منافية لأصول العقيدة أو إنها مجرد تصورات واهية). ويستطرد مقال "طهران تايمز": (على سبيل المثال، خذ الجدول المعلن من قبل وزارة العمل الإيرانية لسنة ( 1377 ش) إذ يحدد القانون رواتب العاملين الأجانب في إيران واضعاً العراق في حقل يقابله حقل لكل من أوربا الغربية واليابان وأميركا حيث مقدار الراتب الشهري لهؤلاء الأجانب أكبر 700% (سبعمائة بالمائة) من راتب العراقي العامل بنفس الاختصاص !!(37/95)
…وهناك أيضاً تراجيديا مؤلمة أخرى، هي من نصيب أطفال العراقيين الذين يولدون في إيران، فهم لا يُمنحون أية مستمسكات قانونية تضمن حق تسجيلهم في المدارس مستقبلاً !! وعلى مستوى التحصيل الجامعي فالأمر أكثر تعاسة، وإذا وجد عراقي يدرس في إحدى الجامعات الإيرانية فلا بد إنه سلك طريقاً غير مألوف لإكمال دراسته،.. ليست هناك قنوات قانونية طبيعية للذين يولدون في إيران من العراقيين في أي مجال من مجالات الحياة، فأمامهم نفق طويل مظلم لا نهاية له).…
…فمنذ البداية، أي منذ ثلاثين سنة (ولحد يومنا هذا) حيث عاش أكثر من نصف مليون عراقي في إيران محرومين من أبسط حقوقهم المدنية، فهم ممنوعون رسمياً من العمل ومن فتح مدارس عربية لأولادهم، ومن الزواج من إيرانيات، وقد أُحتجز الكثير منهم في معسكرات تنعدم فيها شروط الحياة الطبيعية، ومن يعيش خارج المعسكرات فهو محروم من الحصول على وثائق إقامة رسمية، وعندما تُعطى لبعضهم (البطاقة الخضراء) فهي بلا قيمة قانونية، حيث كُتب على وجهيها عبارة تقول (لا اعتبار قانونياً لهذه البطاقة) وهي لا تحمل تاريخ تجديد أو تاريخ انتهاء لكي لا يطالب حاملها السلطات الإيرانية بأية حقوق مدنية بعد مرور خمس سنوات على وجوده في إيران، وبهذه الطريقة تقوم حكومة(الجمهورية الإسلامية!!) بحرمان اللاجئين المسلمين من حقوقهم حيث تخالف بذلك تعاليم الدين الإسلامي الحنيف، وتخالف أيضاً القانون الإيراني ذاته والذي ينص على حق التجنس لمن يقيم في البلد لمدة خمس سنوات، وواضح إن القوانين الإنسانية من هذا النوع هي في البلدان المتخلفة مجرد حبر على ورق.(37/96)
…وفي الشهور الأخيرة من القرن العشرين توّجت السلطات الإيرانية سلوكها العنصري هذا بمأساة يطول شرحها هنا، إذ سلمت المئات من اللاجئين العراقيين إلى سلطات بغداد !! وذلك بناء على قرار ( مجلس الشورى ) الإيراني السماح للحكومة بطرد نصف مليون لأجيء عراقي، ولم تنفع النداءات الكثيرة التي وجهها علماء ووجهاء المسلمين الشيعة من بلدان عديدة إلى المراجع الدينية والرسمية العليا في إيران، الأمر الذي يعني بان الثقافة الحقوقية في جمهورية إيران الإسلامية وصلت إلى الحضيض بعدما صارت سلطاتها التشريعية والتنفيذية تمارس العنصرية رسمياً وعلى رؤوس الأشهاد.
…والأغرب، فلا المعارضة الإيرانية الإصلاحية ولا آيات الله العظمى والصغرى ولا المثقفون ولا أية جهة أخرى في إيران ساندت ضحايا العنصرية من العراقيين وكذلك الأفغان الذين يعانون من نفس الحيف!! وإذا كانت معاناة اللاجئين العراقيين مستمرة لحد الآن حيث يعيش الآلاف منهم في مخيمات محرومة من غالبية الحقوق المتعارف عليها، فكيف ننسى كل هذه الحقائق ونصدق أكاذيب حكام طهران التي تروجها (فضائية العالم) ويعيد اجترارها بعض العراقيين بنوايا حسنة جداً!!!
أميركا وإيران.. أسلوب واحد
الوطن العربي ـ 5/7/2006
اللبنانيون الذين تمكنوا من السفر خلال الحرب الأهلية كان حظهم كبيراً لسببين، الأول أنهم تجنبوا معاناة فترة بالغة الصعوبة، والثاني أنه بينما كان الانقسام يسود لبنان، كان المغتربون يعيشون كأسرة واحدة بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية أو الدينية. فقد كانوا لبنانيين فقط لا غير. فالوحدة دائما هي سمة الجالية المغتربة، وشخصيا كنت أدرس مع أصدقائي ونراجع الامتحانات ونمضي الوقت معا، وكنا دائما من الأوائل، ولكننا لم نسأل بعضنا يوما عن ديننا أو ميولنا السياسية، ففي الاغتراب مفهوم الوطن كان محترما وصافيا وجميلا.(37/97)
واليوم، نعود في البنان والمنطقة إلى اتجاه صار كل واحد يسأل الآخر عن انتمائه المذهبي. وهذا الوضع، بات يلقي التشجيع من الظروف الإقليمية، وفي كل العواصم صار يطرح سؤال: هل الشيعة مضطهدون في المنطقة؟!. وفي الحقيقة، ليس هناك من مذهب يجوز اتهامه بارتكاب الفظائع كما لا يوجد مذهب لا يستحق إلا الصفات الإيجابية فبالنتيجة كلنا بشر أينما كنا. وبهذا المنطق يجب أن نتحدث؛ وشخصيا، كعربي ومسلم وسني، لا أرى مشكلة في بلد الشيعة هم الأكثرية، أن يتولوا المناصب الرئيسية.. فهذا حق لا يعترض عليه أحد، وحتى في لبنان، إذا كان التمثيل السياسي للشيعة لا يعكس تعدادهم، فلا جدال أنه يجب تعديله ومنحهم التمثيل الذي يعكس عددهم ونسبتهم وفي هذا الإطار على السني أن يتنازل وعلى الماروني أن يتنازل، فهذا أمر طبيعي لا يقبل المناقشة، ولا يضايق أي أحد. وهذه المعادلة يجب أن تسري أيضا في كل الدول التي توجد فيها أكثرية سنية لا تحظى بتمثيل سياسي عادل.
وعندما نرى الحماية التي توفرها الولايات المتحدة للأقليات في العالم، فإننا نتساءل أين هي الحماية للعربي السني في العراق، وأين حقوق الأقليات بمواجهة المذابح التي ترتكبها أجهزة الأمن العراقية بالاشتراك مع القوات الأميركية، وليت أحدا يفسر الفرق بين دارفور والأنبار، فالفرق الوحيد أن الولايات المتحدة في العراق هي الطرف الذي يرتكب المجازر، والذي يضايق العرب السنة.
إن هناك إرادة للتعامل على أنهم أقلية في العالم العربي، والوضع في العراق يكشف الكثير، وأرى فيه شخصياً رسالة قوية للعالم العربي وهي أنكم أيها العرب السنة تظنون أنفسكم عظماء وفخورون بماضيكم وتعتبرون أنفسكم أكثرية، فجعلناكم أقلية في بغداد عاصمة أعظم خلافة إسلامية.. فهناك إذن إرادة لإذلال السنة.(37/98)
ولكن في الحقيقة، هناك وضع للشرف في غير وموضعه، لأن "البعث" أو "القاعدة" لا يمثلان لا الإسلام ولا العروبة، ولكن من الخطأ بعد أن أصبح التمثيل السياسي يعكس الوقع الديمغرافي، وأصبح للشيعة كلمتهم، أن يتورطوا في هذا الإرادة الانتقامية. لأن العربي السني في العراق لا يتحمل ممارسات النظام السابق. والواقع أنه إذا لم نتمتع في المنطقة ببعد النظر فستتوسع الانقسامات داخل الشيعة وداخل السنة، لنصل إلى مرحلة أن يقتل الأخ أخاه. ولذلك يجب أن نبدأ باحترام المبادئ الإنسانية الموجودة في كل الأديان، ولكن الإنسان نسيها.
وكما ذكرنا عدة مرات من قبل، يوجد في الحقيقة صراع على الشارع الشيعي بين إيران والولايات المتحدة. وهاتان الدولتان تريدان من خلال العرب الشيعة، تهميش الدول العربية ومع ذلك المفروض أن تكون هناك علاقة جيدة بين العرب وإيران، ولكن الخطوة الأولى يجب أن تأتي من طهران، بأن تحترم حرمة الأراضي العربية، وفي هذه المعادلة هناك تشابه بين الطريقتين الإيرانية والأميركية، فكلتاهما تحاولان التقليل من قيمة الدول العربية، وما تقوم به واشنطن عن طريق المنظمات غير الحكومية، تقوم به طهران عن طريق الميليشيات المسلحة لهز وحدة الدولة كما أن كلا من العاصمتين تستخدم قانون التقسيم إذا كان يناسبها، أو قانون الأكثرية إذا كان يناسبها.
غير أن كل هذه السيناريوهات وهم، فمهما حاولوا سيظل العرب السنة هم الأكثرية في المنطقة، والمبادئ العربية السُنية ليست مبادئ عداء بل تحمل في طياتها التعاون مع الكل، والتعايش مع الكل.. فليت كل واحد منا يعود إلى فكرة الوطن ويحميها ويقويها، لأن هذه الفكرة هي سبيلنا الوحيد، للتوحيد والبقاء.
خفايا الصفقة الكبرى
قصة المفوضات السرية بين طهران وواشنطن وتل أبيب.. ولائحة كاملة بالشروط المتبادلة
رياض علم الدين/الوطن العربي ـ 9/6/2006(37/99)
هل تمهد مبادرة العصا والجزرة والمفاوضات المباشرة التي قدمتها كوندوليزا رايس لإيران لـ "الصفقة الكبرى" أم للانفجار الكبير أم أن وزيرة الخارجية الأميركية أطلقت مفاجآتها هذه للتمويه على الصفقة الحقيقية والشاملة التي تجري في الخفاء بين واشنطن وطهران؟! المعلومات التي حصلت عليها "الوطن العربي" من مصادر استخبارية وتضيف هذه المعلومات أن عدة قنوات اتصال وتفاوض سرية قد فتحت بين الطرفين في أكثر من عاصمة عربية وشرق أوسطية وأوروبية وصولاً إلى واشنطن بالذات مروراً ببغداد وطهران وأنقرة وجنيف وفيينا.
وأكثر من ذلك تؤكد هذه المصادر أن هذه المفاوضات السرية قد تجاوزت في الأيام الأخيرة محور طهران ـ واشنطن لتنضم إلهيا تل أبيب وتتحول إلى مفاوضات إيرانية ـ أميركية ـ إسرائيلية وكشف تقرير غربي قبل أيام أن الزيارة المفاجئة التي قامت بها وزيرة خارجية إسرائيل إلى تركيا لم تكن تتعلق بوساطة تركية مع حماس أو بإقناع أنقرة بالدخول في مخطط المواجهة مع طهران بقدر ما كانت للاطلاع على ما توصلت إليه المفاوضات السرية الدائرة في أنقرة بين وفود أميركية وإيرانية وإسرائيلية حول "الصفقة الكبرى الحقيقية" التي يجري الإعداد لها ووضعت على نار حامية منذ رسالة أحمدي نجاد إلى جورج بوش.
وفي معلومات معدي هذه التقرير أن سلسلة مبادرات سرية حصلت مؤخراً على خط ضم إسرائيل إلى المفاوضات السرية الأميركية - الإيرانية وهي مبادرات أسهمت فيها المخابرات الألمانية وكان أبرزها عودة طهران إلى تحريك ملف الدبلوماسيين الأربعة الذين اختفوا في بيروت في الثمانينيات ودخول المخابرات الألمانية مجدداً على خط اتصالات سرية لعقد صفقة جديدة بين إسرائيل وحزب الله حول إعادة الأسرى من إسرائيل.(37/100)
وتضيف المصادر أن عملية الصواريخ التي أطلقها حزب الله مؤخراً في اتجاه إسرائيل واستئناف تسخين جبهة الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية كانت في إطار عملية مدروسة لإفساح المجال أمام "شرعية" ضم الطرف الإسرائيلي إلى المفاوضات الدائرة ولوحظ أن عدة مصادر استخبارية تعاملت باهتمام شديد مع الشائعات الكاذبة التي تم تسريبها فجأة حول مشروع قانون إيراني بإرغام يهود إيران على ارتداء علامات صفراء. وفي رأي هذه المصادر أن هذه الشائعات قد تكون محاولة من فريق متشدد في تيار المحافظين الجدد في الإدارة الأميركية تهدف إلى إفشال المفاوضات السرية بين الإيرانيين والإسرائيليين في أنقرة وتعبئة اللوبي اليهودي ـ الأميركي ضد إيران.
لكن المفاجأة كانت في الردود الإسرائيلية الهادئة على هذا القانون الخطير الذي يعد له البرلمان الإيراني "رغم عدم صحته" وكان لافتاً أن النائب اليهودي الإيراني وزعيم الجالية هناك موريس معتمد كان من أول الذين نفوا هذه الشائعة، وتشير معلومات "الوطن العربي" إلى أن معتمد يعتبر من الأطراف الفاعلة مجدداً في المفاوضات الإيرانية ـ الإسرائيلية وأنه سبق أن قام قبل أسابيع بزيارة سرية للولايات المتحدة أجرى فيها اتصالات باللوبي اليهودي، ولعب دوراً في إعادة إحياء اللوبيات المؤيدة للتفاوض مع إيران، وللرهان على عقد "الصفقة الكبرى" بدلاً من "الحرب الكبرى"! وعلى ضوء المعلومات الأولية عن هذه المفاوضات لم يتفاجأ المراقبون بتراجع لهجة التهديدات الإسرائيلية لإيران في الأيام الأخيرة وهدوء حملة اللوبي اليهودي في أميركا الداعية إلى حسم الملف النووي الإيراني عسكرياً.(37/101)
وفي مقابل ذلك بدأت عدة تنظيمات يهودية وجماعات ضغط مؤيدة لإسرائيل تدعو الإدارة الأميركية علنا إلى فتح حوار دبلوماسي مع إيران! وفي موازاة النشاط "الهادئ" للوبي اليهودي بدأت الساحة الأميركية تشهد فجأة عودة بروز "لوبيات" دعم لإيران أو لفتح حوار معها، كان لافتاً عدد الشخصيات الأميركية المهمة التي دخلت هذا الخط التفاوضي من هنري إلى زبغنيو بريجنسكي ومادلين أولبرايت مروراً بعدد كبير من الأكاديميين وخبراء مراكز الدراسات وانضم إلى هؤلاء تنظيمات إيرانية ـ أميركية فاعلة وشخصيات في الكونجرس تعتبر ممثلة للوبي صناعة الأسلحة وشركات النفط الكبرى.(37/102)
وتقول المعلومات: إن هؤلاء نجحوا في إعادة تحريك لوبي الحوار مع إيران في الخارجية وعلى رأسه مساعد رايس للشؤون السياسية نيكولاس بيرنز إلى درجة أن خلافاً حاداً نشب بين تيارين داخل الإدارة الأميركية حول الحوار مع إيران، تيار الخارجية في مواجهة تيار تشيني ـ رامسفيلد. لكن التقارير التي أعدت عن قنوات التفاوض السرية التي فتحت بين طهران وواشنطن راحت تقلل من أهمية هذه الخلافات ووضعها بعضهم في إطار توزيع الأدوار والاستراتيجية التفاوضية. وفي معلومات هذه التقارير أن أسماء الأطراف الأميركية المشاركة في جولات المفاوضات السرية تدحض المزاعم بأن صقور المحافظين الجدد وغالبيتهم من مكتب تشيني هم من معارضي أي حوار أو تفاوض مع طهران ومن أنصار الحرب العسكرية لتغيير نظام الملالي. ويقال إن محمد نهونديان مستشار على لاريجاني الأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني المكلف بالإشراف على المفاوضات مع الأميركيين قد التقى خلال زيارته لواشنطن قبل شهرين مسؤولين أميركيين كان بينهم ستيفن هادلي مستشار بوش للأمن القومي، وهادلي يعتبر من صقور الإدارة مثله مثل السفير الأميركي في العراق خليل زادة الذي يتولى الاتصالات السرية مع الإيرانيين في بغداد. وتضيف التقارير أن أحد أبرز المشاركين في الاتصالات السرية هو ريتشارد أرميتاج، وأرميتاج الذي كان يعمل مساعداً لكولن باول في عهد بوش الأول يعتبر خبيراً في إيران، حيث عمل لعدة أشهر في آخر عهد "الشاه" وهو من دعاة فتح حوار شامل مع طهران والبحث عن صفقة معها تطال كل المسائل والمشاكل دفعة واحدة. وبعد مغادرته الخارجية بات أرميتاج يعتبر من أبرز عناصر اللوبي النفطي، حيث قام الرجل الثاني سابقاً في الخارجية بإنشاء شركة استشارات دولية واختير قبل أسابيع عضواً في مجلس إدارة شركة كونوكو النفطية الضخمة. ويبدو أن موقع أرميتاج هذا لم يكن من باب المصادفة إذ إن شركة كونوكو والشركات النفظية(37/103)
الأميركية الأخرى مثل يونوكال وهاليبرتون تعتبر حالياً من أبرز مجموعات الضغط الساعية إلى عقد صفقة مع إيران، وفيما يرد اسم أرميتاج كأبرز المفاوضين السريين في الصفقة الكبرى مع طهران تشير مصادر أخرى إلى أن أحد كبار المسؤولين في هاليبرتون قد انتقل مؤخراً إلى طهران لفتح قناة سرية أخرى للتفاوض. وتقود هذه المعلومات إلى التأكيد أن نائب الرئيس الأميركي والرئيس السابق لهاليبرتون قد أعطى الضوء الأخضر، وبالتالي فإن الحديث عن معارضة تشيني للتفاوض والصفقة مع إيران مبالغ فيه وغير صحيح، وكذلك معارضة المحافظين الجدد. أكثر من ذلك تؤكد التقارير المخصصة للقنوات السرية التي فتحت منذ أكثر من شهرين بين واشنطن وطهران أن هذه المفاوضات تجري في شكل خاص مع تيار المحافظين الجدد. وتشير إلى أن هذه المجموعة تملك علاقات مميزة بشخصيات مهمة في النظام الإيراني قامت ببنائها منذ المفاوضات التي قادت إلى "إيران غيت" ويقول المطلعون على الصفقة إنها قد أعدت على خلفية عدة عوامل مشتركة بين ملالي طهران وصقور البيت الأبيض. فبالإضافة إلى العلاقة السابقة يدرك قادة إيران أن هؤلاء الصقور ما زالوا يتمتعون بنفوذ واسع داخل الإدارة بما يسمح لهم بتحقيق مشروعهم في تغيير النظام الإيراني وتوجيه ضربة عسكرية مدمرة لإيران. وفي المقابل يدرك الإيرانيون أن هؤلاء الصقور هم الذين كانوا وراء قرار إطاحة صدام حسين وتحطيم قدرات العراق العسكرية باسم خدمة مصالح إسرائيل، وخصوصاً أنهم في الوقت نفسه منظرو مشروع "ضرب الهيمنة السُّنية وإطلاق القوى الشيعية وإعادة رسم موازين القوى بين الطائفتين". وعلى هذه الخلفية لجأت إيران إلى التعامل والتحاور مع هذه الأطراف في أفغانستان، ثم في العراق تمهيداً للتخلص من صدام حسين وهي التي طلبت من جماعاتها العراقية ومن المجلس الأعلى للثورة الإسلامية إلى أحمد الجلبي التعاون معهم في مثل هذه المرحلة. وتشير آخر المعلومات إلى(37/104)
أن أحمد الجلبي قد عاد إلى لعب دور مهم على خطر المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة إلى جانب خليل زادة كما تجاه أصدقائه من المحافظين الجدد في واشنطن وهو يعتبر من ناشطي إحدى القنوات السرية الحالية.
الصفقة الكبرى
أما بالنسبة للصفقة الكبرى التي يجري التفاوض عليها على أكثر من خط فإن التقارير السرية تؤكد أنها معدة لتكون صفقة شاملة ليس فقط على خط العلاقات الأميركية ـ الإيرانية، بل أيضاً بالنسبة لإسرائيل. وتشير التقارير إلى أن إيران تبدو حريصة على شمولية الصفقة وعلى تعزيز فرص نجاحها بحيث سارعت إلى تضمينها عرضاً بالاعراف بإسرائيل.
-…وفي تفاصيل العرض الإيراني السري الشامل أنه يلحظ حل كل النقاط الحساسة والأساسية مثل: الاستعداد للاعتراف بإسرائيل سواء عبر دعم المبادرة العربية ومقولة الدولتين وحدود 1967.
-…وقف دعم حماس والجهاد وتشجيعهما على قبول حل الدولتين.
-…وقف دعم حزب الله ودفعه إلى تسليم سلاحه والقبول بحل عناصره ودمجها بالجيش اللبناني ودخول اللعبة السياسية مقابل تحسين موقع الطائفة الشيعية في المعادلة اللبنانية بما يتناسب مع عددها.
-…تعهد بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.
-…وقف دعم التنظيمات المصنفة إرهابياً والمتطرفة وطرد عناصر "القاعدة" من أراضيها.
-…المساعدة على استقرار العراق ووقف التدخل في شؤونه وتشجيع الأطراف الشيعية فيه على نزع السلاح.
-…التخلي عن البرنامج النووي وتخصيب اليورانيوم والتعهد بفتح المفاعلات والمراكز أمام مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية والتوقيع على البروتوكول الإضافي الذي يسمح بالقيام بعمليات تفتيش مفاجئة في أي مكان من إيران. أما المطالب الإيرانية التي يجري بحثها في هذه المفاوضات فهي تشمل سلسلة طويلة تعكس طموحات إيران وأهدافها من التنازلات التي عرضت تقديمها.
ومن هذه المطالب:(37/105)
-…تعهد أميركي بعدم تغيير النظام وعدم التدخل في شؤون إيران الداخلية وتوقيع اتفاقية عدم اعتداء.
-…تعهد أميركي ودولي بتوفير برنامج نووي سلمي لإيران ومساعدتها على الحصول على التكنولوجيا النووية لأهداف سلمية.
-…الاعتراف بدور إيران المحوري في أمن الخليج ومشاركة طهران في أية نظام إقليمي يجري إقامته والاعتراف بضرورة حصول طهران على قدرات دفاعية توازي دورها وموقعها كشرطي للخليج.
-…اعتذار واشنطن عن تدخلاتها السابقة في إيران وخصوصاً في عملية الانقلاب ضد "مصدق" العام 1953.
-…دفع تعويضات أميركية عن أضرار القصف الأميركي للمنشآت النفطية العام 1988.
-…رفع اسم إيران عن لائحة الإرهاب.
-…رفع أميركي شامل للحصار والعقوبات.
-…تعهد أميركي بالاستثمار في إيران ومساعدتها على تطوير التنقيب عن النفط وإنتاجه وتوفير المعدات المتطورة اللازمة لذلك.
-…تعهد بضم إيران إلى منظمة التجارة الدولية واستفادتها من القروض.
-…إعادة الأموال الإيرانية المجمدة في المصارف الأميركية والتي تقدرها إيران بـ 16 مليار دولار.
-…إعادة العلاقات الدبلوماسية كاملة بين البلدين ووقف الحملات نهائياً، ويقال إن واشنطن تلح في هذا المجال على إعادة فتح سفارة لها في طهران.
-…الاعتراف بحقوق طهران في بحر قزوين والمساعدة على بناء أنبوب نفط يمر بإيران.(37/106)
وتضيف المعلومات أن إيران قدمت سلسلة مطالب تتعلق بالعراق قادت حتى الآن إلى عدم نجاح إي حوار حول هذا البلد رغم المؤشرات الإيجابية الأخيرة التي ظهرت في التوافق على تشكيل حكومة نوري المالكي والأمل بإيجاد حل لتدهور الوضع في البصرة بدفع من إيران وأجهزتها. وتؤكد التقارير أن مطالب إيران في العراق تركز على قيام حكومة مركزية مؤيدة لها ومنح دور رئيسي للشيعة. لكن الأهم هو إصرار طهران على عدم إنشاء جيش قوي في العراق قادر على تهديدها وعدم عودة حزب البعث إلى السلطة و... وإعدام صدام حسين والحصول على تعويضات بأكثر من مائة مليار دولار بسبب مسؤولية العراق عن الحرب. ولم يكن مصادفة أن يقوم وزير الخارجية منوشهر متقى بزيارة بغداد مؤخراً حاملاً لائحة الاتهام الإيرانية لصدام حسين ونظامه وتكشف بعض التقارير عن طلب إيراني آخر يتعلق بمنح طهران حصة مهمة من نفط العراق! إضافة إلى جدولة الانسحاب الأميركي وعدم إقامة قواعد عسكرية قريبة من إيران.
وتضيف التقارير أن بعض المطالب الإيرانية تبدو شبه تعجيزية وصعبة التحقيق من قبل الأميركيين وهي تقف وراء تركيز العرض الإيراني على الاعتراف بإسرائيل. أبرز هذه المطالب تشديد إيران على الحصول على التزام أميركي بعدم تغيير النظام والاعتراف بإيران كالقوة الإقليمية العظمى، والمطلب الأول يعكس حجم تخوف الإيرانيين من الضربة العسكرية ومخطط تغيير النظام رغم التحديات الانتقامية التي يطلقونها. وتؤكد مصادر مطلعة على خلفية العرض الإيراني أن القيادة الإيرانية على عكس صدام حسين تبدو مقتنعة كلياً بأن المشروع الأميركي يهدف إلى ضربها وتغيير النظام فيها، وتعرف مسبقاً عدم قدرتها على المواجهة والانتصار وتفادي تدمير البلد وتبخر الطموح بالهيمنة على المنطقة.(37/107)
وتضيف هذه المصادر أن الصراع الحقيقي بين أميركا وإيران ليس على البرنامج النووي، بل إنه صراع على الهيمنة على المنطقة، وطموحات الهيمنة والدور الأمني الإقليمي هذه تعتبر في نظر القيادة الإيرانية أهم من الأبعاد العقائدية للنظام وهو ما يفسر التنازلات إلى حد الاعتراف بإسرائيل. وتكشف هذه المصادر أن إيران قد سعت في الآونة الأخيرة إلى تعزيز أوراقها التفاوضية لنيل دور شرطي الخليج وأن لجوءها إلى البرنامج النووي وإلى تعزيز علاقاتها مع التنظيمات مثل حماس والجهاد واختراق الساحة اللبنانية عبر حزب الله وحتى التحالف مع سورية. إضافة إلى اختراق الساحة العراقية كان ضمن مخطط يهدف إلى تقوية الأوراق للحصول على الدور الإقليمي الطليعي.
27 سنة في المفاوضات السرية!
وتلفت المصادر إلى أنها ليست المرة الأولى التي تلجأ فيها طهران إلى تقديم عروض تفاوض أو فتح قنوات سرية مع الأميركيين لتحقيق طموحاتها هذه. وعلى عكس المعلومات التي أشارت إلى أن عرض رايس التفاوضي الأخير يمهد لأول مفاوضات أميركية - إيرانية منذ أزمة الرهائن وانقطاع العلاقات في العام 1979.
والواقع أن كل الرؤساء الأميركيين تقريباً دخلوا في مفاوضات سرية أو شبه سرية مع الإيرانيين رغم تحريم الجهات الرسمية في طهران وواشنطن ذلك. ففي عهد جيمي كارتر عقد مستشاره للأمن القومي زبغنيو بريجنسكي لقاءات سرية في الجزائر مع نظيره الإيراني قطب زادة بهدف إطلاق رهائن السفارة الأميركية لكنها انتهت بالفشل واختفاء قطب زادة بسبب خلافات بين أنباء الثورة الإسلامية.(37/108)
ولعل أهم وأخطر المفاوضات السرية يعود إلى عهد ريغان والأشهر "تشرين الأول" وأدت هذه المفاوضات إلى "تسليم" الرهائن إلى ريغان لا إلى كارتر بهدف فتح علاقات إيرانية مع واشنطن. وقادت هذه المرحلة إلى ما عرف بفضيحة إيران ـ غيت التي سجلت دخول إيرائيل على الخط ومشاركة الموساد في هذه الصفقة التي قادت إلى بيع إيران أسلحة إسرائيلية في حربها مع العراق. وشهد عهد ريغان تعاونا سريا ثلاثياً مكثفا وصل إلى حد شراء رهائن حزب الله الأميركيين مقابل أموال وأسلحة إلى إيران.
وبعد سنوات عادت إسرائيل إلى خط المفاوضات السرية بين أميركا وإيران في عهد كلينتون، وتحديداً في أواخر العام 1999 عندما "انفجرت أزمة يهود شيراز" الذين حكموا بالإعدام بتهمة التجسس لإسرائيل. وقبل ذلك كانت أجواء الانفراج قد بدأت تسود العلاقات الأميركية ـ الإيرانية مع وصول محمد خاتمي إلى الرئاسة ودعوته إلى حوار الحضارات.
وتقول التقارير السرية: إن هذا الانفراج لم يشمل فقط تبادل بعض الزيادات والمباريات، بل كاد ينتهي بـ "الصفقة الكبرى" التي يجري الحديث عن مثلها حالياً عبر مفاوضات سرية شاركت وزارة الخارجية بدعم من أولبرايت عبر شروب تالبوث مساعدها ومستشار الأمن القومي أنطوني ليك ولوبيات النفط وجماعات إيرانية ـ أميركية ويهودية ـ أميركية ووسطاء بينهم عدد من الذين ترد أسماؤهم حالياً.(37/109)
وفي تلك الفترة طُرح مشروع الاعتراف الإيراني بإسرائيل وبلغ الأمر حد التفاوض حول كيفية استعادة ديون إيران من إسرائيل، وهذه الديون التي دخلت مجدداً في المفاوضات الحالية هي عبارة عن خمسة مليارات دولار يقال إن الشاه قد أقرضها للحكومة الإسرائيلية مقابل صفقات أسلحة والمساهمة في تطوير أسلحة واستثمارات نفطية مثل بناء خط أنابيب بين إيلات وعسقلان على المتوسط ومساهمة من إيران في إنقاذ إسرائيل من "ضغط" النفط العربي. ويبدو أن النسبة الأكبر من الخلاف حول هذه الديوان تتعلق بمساهمة "الشاه" في إنتاج طائرة "لافي" وصاروخ "أريحا2" وتشاء سخرية القدر إن هذا الصاروخ الذي أسهمت إيران في تمويل صنعه مرشح لأن تستخدم إسرائيل نسخته المتطورة "أريحا5" لتدمير إيران!
وفي تلك الفترة أيضاً شملت المفاوضات السرية الإيرانية مع إدارة كلينتون معظم المواضيع المطروحة حالياً باستثناء الملف النووي وركزت على رفع العقوبات وإعادة الأموال الإيرانية المحتجزة في أميركا. ويقدر الإيرانيون هذه الأموال بحوالي 16 مليار دولار تشمل صفقات أسلحة دفع ثمنها ولم يتم تسليمها واستثمارات وأملاك تعود للشاه وعائلته. لكن يبدو أن الإدارة الأميركية لا تعترف بأكثر من 1.6 مليار دولار تسعى بعض جماعات الضغط الأميركي إلى حجزها لدفعها بدل أحكام حالية صدرت ضد إيران في قضايا احتجاز رهائن.(37/110)
في أية حال فشلت الصفقة الكبرى في آخر عهد كلينتون، لكن المفاوضات والاتصالات السرية بين إيران وأميركا لم تتوقف بما فيها المفاوضات حول صفقة تشمل الاعتراف بإسرائيل. وفي هذا المجال يؤكد الخبراء أن إيران تدرك أهمية الورقة الإسرائيلية في صراعها مع أميركا، وهي تنطلق من مقولة إن الصراع مع إسرائيل لم يكن يوماً قضية استراتيجية إيرانية وأن العلاقات بين الفرس واليهود لا تتميز بالعدائية التي تسعى الجمهورية الإسلامية إلى تسويقها والدليل أن عدة أوجه تعاون بين إسرائيل وإيران لم تتوقف وخصوصاً في مجال التعاون الزراعي، حيث ذكرت الصحف قبل أسابيع أن وفدا من المهندسين الزراعيين الإسرائيليين عاد من طهران!
ومن هذا المنطلق وعلى خلفية العلاقات المتميزة بين إسرائيل وإيران الشاه والاتصالات السرية لم يتعامل بعض الخبراء بجدية فائقة مع تهديد أحمدي نجاد بمحو إسرائيل عن الخريطة، وهؤلاء أنفسهم ينظرون إلى الذريعة التي يقدمها بوش بأن البرنامج النووي الإيراني يهدد إسرائيل على أنه مجرد ربط متعمد لأي حل مع إيران باعترافها بإسرائيل.
وفي معلومات "الوطن العربي" أن تقرير كوفي عنان الأخير حول القرار 1559 والذي تحدث عن دور إيراني في لبنان ولجوء رايس إلى الحديث عن هذه العلاقة ضمن شروطها الجديدة للتفاوض مع إيران تصب في خانة "الصفقة الكبرى" التي يجري التفاوض حولها.
وتؤكد المعلومات أن هذه "الصفقة" سبق أن أثيرت في العام 2003 عبر عرض إيراني مفصل حمله السفير السويسري في طهران إلى واشنطن، كون السفارة السويسرية ترعى المصالح الأميركية في إيران. وقبل هذا العرض كانت قد حصلت عدة جولات من المفاوضات السرية بين إيران والأميركيين منذ أحداث سبتمبر "أيلول" 2001 شملت "القاعدة" والتعاون في أفغانستان والعراق، وشارك في جزء كبير منها خليل زادة.(37/111)
وتشير معلومات المصادر المطلعة إلى أن فشل المحاولات السابقة لعقد "الصفقة الكبرى" بين طهران وواشنطن "وتل أبيب" لم يكن بسبب ما قيل "ويقال حالياً" عن صراعات أجنحة سواء في طهران أم في واشنطن، بل بسبب سوء تقدير وحساب لموازين القوى ومبالغة في الشروط من هذا الجانب أو ذاك. ويقول الخبراء المطلعون: إن صقور البيت الأبيض قد رفضوا بين 2001.2003 كل العروض الإيرانية بما فيها مطلب إيران بعدم تغيير النظام إذ أعطى يومها خليل زادة جوباً غامضاً لمفاوضيه الإيرانيين في جنيف.
لكن المعادلة اختلفت حالياً بسبب ورطة الأميركيين في العراق وظهور خطر البرنامج النووي الإيراني ونجاح إيران في تعزيز أوراقها في العراق وسورية ولبنان وفلسطين وداخل المعادلة وإن أسهمت في تحسين أوراق إيران التفاوضية إلا أنها لا تسمح لها بفرض شروطها على الأميركيين أو الرهان على موازين قوى جديدة لصالحها.
ويضيف هؤلاء أن ملالي طهران يدركون جيداً أن قدراتهم على الأذى مهما بلغت لا توازي قدرة الأميركيين على تدمير بلادهم وطموحاتهم وأن أميركا ومعها أوروبا لن تقبلا حصول طهران على القنبلة النووية. أما صقور البيت الأبيض فإذا كان مشروعهم هو تغيير النظام لخدمة إسرائيل فإنه يشكل سبباً إضافياً لإعادة إحياء "الصفقة الكبرى". هل تنجح الصفقة هذه المرة وتنقذ إيران نظامها مقابل لعب دور "شرطي الخليج"؟ الأمر الأكيد حسب التقارير المتداولة أن العرض الإيراني قائم وأن المفاوضات السرية قد انطلقت قبل عرض رايس الأخير، وفي رأي البعض أن الخطاب الذي ألقاه المرشد خامنئي في الأسبوع الماضي للإشادة برسالة أحمدي نجاد جاء في إطار هذه الاتصالات السرية التي وصلت إلى حد معرفة مدى مباركة المرشد لفتح القنوات مع أميركا. وقبل المرشد كان مستشاره أحمد جنتي قد أعلن أن رسالة نجاد "إلهام رباني" ليؤكد بدوره رغبة الملالي المتشددين في التفاوض.(37/112)
وجاء بعده رئيس المجلس السابق محمدي كروبي أحد أبرز أطراف مفاوضات "إيران ـ غيت" ليدعو إلى الحوار مع أميركا. لكن التجارب السابقة تشير إلى أن بدء الحوار والتفاوض السري لا يعني التوصل إلى نتائج إيجابية، وثمة من يتوقع أن تشهد الأيام والأسابيع المقبلة مؤشرات متزايدة من التصعيد والتهدئة تكون انعكاسا لما يجري في الكواليس ولقراءة كل طرف لمطالبه وشروط الطرف الآخر وهي حتى الآن بعيدة عن الالتقاء عند حل وسط والتوافق في الصراع بين مشروعيين للهيمنة على المنطقة.
سورية 00 جسر إيران إلى المتوسط
مجلة المشاهد عدد (537)
…كان الملك الأردني عبد الله الثاني أول من قرع جرس الإنذار علناً حيال قيام "هلال شيعي" يمتد من مقاطعة خراسان في شرق إيران حتى حوض الأبيض المتوسط، ويحتم عليه الآن أن يكون أكثر قلقاً. فالتأكيد أن اتفاقاً للدفاع وقع في طهران في 15 حزيران (يونيو) بين وزير الدفاع الإيراني محمد مصطفى نجار ونظيره السوري حسن تركماني يشكل حجر الأساس لهذا المشروع.
وقد كان الاتفاق نتيجة شهور من المساومات بين البلدين، وقد سبقه حادث جوي غير واضح حتى الآن وقع في 9 كانون الثاني (يناير) الماضي ذهب ضحيته الجنرال أحمد كاظمي قائد القوات البرية التابعة للحرس الثوري الإيراني (باسدران)، وكان في طريقه إلى سورية لإجراء محادثات هناك، وكذلك كان الدليل على الأهمية التي تعلقها إيران على علاقاتها مع سورية هو تعيين محمد حسن أختري رئيساً للبعثة الديبلوماسية الإيرانية في دمشق. والمعروف أن أختري قريب جداً من مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي، وكان سكرتيراً عاماً للمنظمة الشيعية، كما كان سفيراً لدى سورية بين عامي 1986- 1998.(37/113)
وقد أوكلت إليه مهمة الإشراف على المفاوضات الرسمية حول المعاهدة الجديدة بالتعاون مع رئيس الباسدران يحيى رحيم صفوي. والأخير قام برحلات سرية عدة إلى دمشق هذا العام، وكان في العاصمة أوائل الشهر الماضي، وقد اجتمع بالرئيس بشار الأسد بين 3و4 حزيران (يونيو)، وشقيقه ماهر الأسد آمر الحرس الرئاسي، كما اجتمع بصهره آصف شوكت رئيس الاستخبارات العسكرية، وبوزير الدفاع حسن تركماني، وكذلك برئيس الأركان اللواء علي حبيب، فضلاً عن لقائه بالمستشار الأمني للرئيس الأسد محمد نصيف. وفي 4 حزيران (يونيو) انضم إلى صفوي رئيس الأركان الإيراني اللواء حسن فيروز آبادي ليضعا معاً اللمسات الأخيرة على المعاهدة الدفاعية التي وقعت بعد أيام في طهران. وتقول مصادر دبلوماسية التي كانت تبدي اهتماماً عميقاً بالمحادثات، أن النقطة الأكثر خطورة في المحادثات كانت اهتمام إيران بمرابطة قوات إيرانية في سورية، لكن دمشق عارضت أي خطوة من هذا النوع، وهذا الأمر جعل حدود الاتفاق تقف عند المساعدة التقنية وتجهيزات الأسلحة. في الواقع، فإن لإيران آذاناً تصغي إليها في سورية،وهي في طريها للحلول محل روسيا كمصدر أول للأسلحة إلى سورية،ولا سيما في مجال الرادار وصيانة دبابات "تي72" السورية، وكذلك إنتاج النسخة السورية المعدلة من صواريخ "سكاد سي" ومداها 700 كيلو متر. وقبل كل شيء فإن القوات المسلحة في كلا البلدين تسعيان إلى التعاون العملاني، وهذا سيزيد عدد الخبراء العسكريين والتقنيين فضلاً عن أن وزارة الدفاع الإيرانية ترغب في إقامة شركات مشتركة في سورية لصناعة السلاح، وهذا سيفيد البلدين في حال وقوعهما تحت أي حظر للأسلحة.
ولاية الفقه أم ولاية الفقيه؟
إيران أمروز (إيران اليوم) – مختارات إيرانية عدد 71 – يونيو 206
…(37/114)
…رغم عدول الرئيس احمدي نجاد عن قراره بتخصيص أماكن للنساء في الأندية الرياضية، بعد الرفض الحاسم الذي أبداه بعض مراجع التقليد لهذا القرار، إلا أن بعض المقربين من محمود أحمدي نجاد وعلى رأسهم نائب طهران في مجلس الشورى مهدي كوتشك زاده والمستشار الثقافي لرئيس الجمهورية جواد شمقدري وكلاهما اشتهر بالمواقف المتشددة، لا يعتبرون أن العمل بفتوى المراجع أمر ملزم للحكومة، ويؤكدون أن وجود أو عدم وجود المرأة في الأندية، قضية مرتبطة بالقانون، ومن الضروري ردها لمجلس الشورى كالمعتاد. في المقابل يرى بعض المسئولين الرسميين وعلى رأسهم إمام جمعة طهران المؤقت أحمد خاتمي، أن فتوى المراجع بمثابة قانون يدعو الحكومة إلى إطاعة هذه الفتوى. وقد أثارت هذه الخلافات الجدل حول قضية الولاية هل هي للفقه أم للفقيه؟
ضمان إسلامية النظام، بحث قديم:
يعتبر الجدل المحتدم في الأوساط الدينية والسياسية الإيرانية انعكاس لبحث قديم مفاده في: أي طريق تسير الجمهورية الإسلامية منذ تأسيسها؟
وفي الواقع منذ اقتران اسم الإسلامية بالحكومة الإيرانية، دائماً ما يطرح سؤال آخر مفاده: ما هو الضامن لمكانة الإسلامية في النظام؟ طبقاً للدستور، فإن مجلس صيانة الدستور المكون من اثني عشر فقيهاً يتم تعيين نصفهم من جانب المرشد، مكلف بتطبيق القوانين التي يوافق عليها مجلس الشورى طبقاً لأحكام الشرع، وبناء عليه يضمن أسلمة النظام، قد يكون هذا هو السبيل للحفاظ على إسلامية النظام، لكنه لا يحسم المشكلة لأن فقهاء مجلس صيانة الدستور لا يمثلون بالضرورة وجهة نظر مراجع تقليد الشيعة لأن منزلتهم الدينية لا ترقى لمنزلة هؤلاء المراجع، هذا في حين أن مراجع الشيعة عديدون ولا توجد وجهة نظر موحدة فيما بينهم بشأن جميع القضايا.
وبناء عليه، من الطبيعي ألا يتبع مجلس صيانة الدستور، المخول إليه وضع القانون، وجهات متباينة أو تفضيل فتوى أحد المراجع على فتاوى مراجع آخرين.(37/115)
نقطة أخرى لا تزال غامضة حتى الآن مفادها: إلى أي حد يطبق فقهاء مجلس صيانة الدستور القوانين التي يوافق عليها من مجلس الشورى، طبقاً لتعاليم الشرع، وإلى أي حد يستندون إلى فتاوى مراجع التقليد، ففي عصر آية الله الخميني مؤسس الجمهورية الإسلامية كان من المتعارف عليه أنه في حالة وجود وجهات نظر متفاوتة بين مراجع التقليد حيال قضية، يتم الأخذ بوجهة نظر آية الله الخميني بوصفه الولي الفقيه، ومن ثم تفضيل هذه الرؤية على ما سواها، وقد بدأ الخلاف الفعلي بعد وفاة الخميني وتولي السيد علي خامنئي مؤسسة الإرشاد.
السعي من أجل التحرر من قيود وضع القوانين:
أثناء الحرب العراقية الإيرانية أظهر مجلس صيانة الدستور تشدداً واضحاً إزاء الموافقة على القوانين الأمر الذي دفع الإمام الخميني للتقليل من سلطان هذا المجلس، والتفكير في سبيل مبتكر من أجل تخطي عراقيل وضع القانون.
…فقد أعلن الخميني في البداية أنه في حالة موافقة ثلثي نواب مجلس الشورى على قانون فإن هذا القانون لا يكون بحاجة مرة أخرى لموافقة مجلس صيانة الدستور. بعد هذا الدستور الجديد، اختار الخميني العديد من المسئولين الحكوميين ولم يكن لمعظمهم توجهات في ساحة القضايا الدينية، لعضوية مجمع تشخيص مصلحة النظام، وذلك للنظر في القوانين التي وافق عليها مجلس الشورى ولم يوافق عليها مجلس صيانة الدستور.(37/116)
…الخطوة التالية للخميني كانت طرح نظرية "الولاية المطلقة للفقيه" وهي نظرية تبيح للمرشد إصدار أي نوع من القوانين تحتاجه الدولة بغض النظر عن تعارضه مع الشرع تحت عنوان "حكم الحكومة" وطبقاً لمصلحة الحكومة. وخلال تلك الفترة اعتبر بعض الخبراء نظرية الخميني تلك، تحرك في اتجاه عرفية القوانين وإفراغ للحكم من الشرع، وبناء عليه، اعترض بعض رجال الدين وعلى رأسهم علي خامنئي المرشد الحالي للنظام الإسلامي في إيران. على أية حال،اشتمل الدستور على نظرية الولاية المطلقة للفقيه إلى جانب تشكيل مجمع تشخيص مصلحة النظام وكلاهما كان خطوة أساسية في اتجاه إعادة النظر بشأن دستور الجمهورية الإسلامية بعد وفاة الخميني، وكلاهما ضاعف أيضاً من سهولة وضع القوانين بإيران وقلل في الوقت نفسه من أهمية آراء مراجع التقليد.ومنذ ذلك الوقت أصبحت فتاوى مراجع التقليد حجة على مقلديهم فقط ولا تستوجب إلزام شرعي وقانوني على الحكومة.
ازدواجية التيار الصدري ونفاقه
عريب الرنتاوي – الدستور 13/7/2006(37/117)
…نجح الزعيم الشيعي الشاب مقتدى الصدر في تقديم صورته كزعيم "عروبي" ، مقاوم للاحتلال الأمريكي للعراق، محتفظ بمسافة عن طهران، أبعد من تلك التي تحتفظ بها التيارات الشيعية الأخرى، ومتخط لاتجاهات التقسيم والتفتيت التي تفعل فعلها في بلاد الرافدين. ومن آيات نجاح الرجل ، حصوله على "جوائز تقدير" من عراقيين مقاومين ورجال دين وزعامات سياسية سنية ، إلى جانب الحفاوة التي استقبل بها في جولاته النادرة في العالم العربي ، كما تجلت قصة نجاحه في الإشادات المتكررة التي حظي بها الرجل وتياره في الصحافة ووسائل الإعلام العربية. على أننا ، ونحن نراقب باهتمام ، ازدواجية الخطاب والممارسة وانفصامهما عند التيار الصدري ، لا يسعنا إلا أن "نقدر عاليا" مهارة هذا التيار في قول الشيء وفعل نقيضه.. فالصدر مقاوم للاحتلال الأمريكي ومتصد له بالسلاح ، وهو في الوقت ذاته ، شريك أساسي في العملية السياسية التي جرت واستكملت تحت رعاية الاحتلال من بريمر إلى زاد.
…و"العروبي الأول" في الصف الشيعي العراقي، نجح في كسب تأييد إيران وتسليحها وتدريبها ، حتى أصبحت الميليشيا التابعة له ، بمثابة جيش مواز للجيش العراقي ، وأقوى ميليشيا منفردة في العراق برمته ، فيما ارتباطات "التيار" السياسية والمالية وغيرها مع مرجعياتها الإيرانية لم تعد تخفى على أحد.(37/118)
…و"الوطني الأول" المتخطي لانقسامات العراقيين المذهبية ، والداعية لرص الصفوف ووحدة الشعب والتضامن السني ـ الشيعي ، تتقدم ميليشياته المسلحة الصفوف في حروب التطهير والإبادة التي تمارس ضد العرب السنة ، برموزهم ومساجدهم وسياسييهم ، بمواطنيهم وأبريائهم الآمنين كما تقول كافة المصادر والتقارير.حتى الرمق الأخير ، دعم التيار الصدري حكومة الجعفري التي فعلت ما فعلت في سجون الداخلية ، وأطلقت العنان للميليشيات المذهبية لابتلاع الدولة والأجهزة ، ومارست "بالبزة الرسمية" عمليات قتل واعتقال وتصفيات جسدية ، لم تأت بمثل بشاعتها ، قوى الجريمة المنظمة. واليوم ، تواصل هذه الميليشيات ، وفي مقدمها ميليشيا المهدي ، حملات القتل المتنقل على الهوية ، وتدخل في رهانات مع مليشيات أخرى لتحديد الفائز في مسابقة قتل 250" عراقيا سنيا" في غضون أسبوع واحد. والحقيقة أننا لم نعد نصغ لتصريحات الرجل وأقوال أتباعه من قادة التيار ، فما تفعله ميليشياتهم على الأرض هو أصدق إنباء من الكتب.. وما يفعله ساستهم في المجلس الوطني والحكومة ، ينهض كشاهد على "اللعبة الزدوجة" التي يمارسها هذا التيار ، مثلما تظهر قدرته الفائقة على ممارسة "التقية" وباحتراف مذهبي وسياسي على حد سواء. لسنا هنا بصدد وضع اللائمة كلها على كاهل هذا التيار ، بل ولا نحمل الميليشيات الشيعية المنفلتة من عقالها ، الوزر وحدها ، فثمة قتلة وتكفيريين وإرهابيين في أوساط العرب السنة ، وثمة قتل مقابل على الهوية واستهداف للأبرياء من العرب الشعية وبالجملة في حرب المفخخات والانتحاريين ، بيد أننا في الحقيقة ، لم نعثر على تيار عراقي واحد ، ديني أو علماني ، سني أم شيعي ، قادر على إتقان هذه اللعبة المزدوجة مثلما فعل التيار الصدري. لكن حبال النفاق والازدواج ، قصيرة على ما يبدو ، مهما طالت واستطالت ، فاللعبة باتت مكشوفة تماما والأقنعة سقطت عن الوجوه ، والخطابات الرزينة(37/119)
المطروحة للاستهلاك ، لم تعد تنفع في التغطية على الجرائم التي تمارس يوميا على الأرض.
مؤتمر "علماء المسلمين»
جدل ساخن بين الضاري والتسخيري
الحياة - 12/07/2006
…شهد مؤتمر «الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين» الذي تحتضنه تركيا حالياً ويرأسه المفكر الإسلامي الشيخ يوسف القرضاوي، جدلاً ونقاشاً عراقياً - إيرانياً حاداً بشأن «قضية التدخل الإيراني في الشؤون العراقية» ، فتبلورت رؤية تتمثل في خطة لاتحاد علماء المسلمين لدعوة علماء السنّة والشيعة «لعقد اجتماع بالتعاون مع منظمة المؤتمر الإسلامي على وضع ميثاق شرف لتحقيق الوئام بين العراقيين» وفقاً لاقتراح طرحه الأمين العام لمجمع التقريب بين المذاهب آية الله محمد علي تسخيري (إيران) الذي رد على اتهامات شخصيات عراقية بينها حارث الضاري رئيس «هيئة علماء المسلمين» بشأن استهداف السنّة، ووصف تسخيري لاتهامات بأنها «ظلم فادح».
…الجدل العراقي - الإيراني كان ساخناً، حيث اتهمت شخصيات عراقية إيران بالتدخل في شؤون العراق، وقال الشيخ حارث الضاري إن كثيراً من الممارسات تقوم بها مخابرات دول، لافتاً إلى الموساد والمخابرات الإيرانية والأميركية، إضافة إلى ما تقوم به «جهات سياسية ومرجعية».
ورد الشيخ تسخيري بقوله إن «إيران لا تحمل إلا حباً خالصاً للعراقيين»، ونفى أن تكون طهران تدير العراق بأصبعها، ودافع عن الجعفري ووصف «جيش المهدي» بأنه «مجموعة من الغوغاء لا تنضبط بأمر إيران أو غيرها». لكن الضاري عقب مرة أخرى رداً على دعوة تسخيري له لزيارة إيران، وقال: «في عهد الجعفري قتل 100 ألف عراقي من السنّة، ونريد منكم أن تقولوا للحكيم اترك موضوع الفدرالية وأنك جزء من العراق». أما عن الدعوة لزيارة طهران لمناقشة قضايا العراق، فقال: «نريد حسن عمل يضبط حسن النية وبعد ذلك نزور».
المرجعيات الشيعية المعاصرة في العراق
مقابلة مع المؤرخ د. محمد الحساني
الوطن العربي – 28/6/2007(37/120)
س: ماذا عن واقع المرجعيات اليوم ؟
ج: اليوم يتربع على عرش المرجعية السيد علي السيستاني الذي لعب دوراً مميزاً منذ سقوط النظام ودعمه للفعالية السياسية وأسهمت فتواه بإنجاح الانتخابات والدستور، ولذا يرى فيه البعض الاعتدال وآخرون يعتقدون بأنه أقل ثورية من أركان الحوزة الآخرين من كبار الآيات وهم بشير النجفي، ومحمد إسحاق الفياض، ومحمد سعيد الحكيم، ولهؤلاء ملايين المقلدين داخل العراق وخارجه، لكن بعض الشيعة خاصة الشباب المتحمسين والمعدمين من فقراء الشيعة اتبعوا الحوزة الناطقة التي ورثها السيد مقتدى عن والده ..
…
لكن البعض استمروا بتقليد الصدر الأول أو الصدر الثاني، وهناك من يعتقد أن الصدر أوصى بقيادة الحوزة للسيد علي الحائري الذي هرب إلى إيران وأقام في قم ويصدر من هناك الفتاوى وهو على خلاف مع السيد مقتدى ..
بينما فضل السيد محمود الحسني الصرخي – وهو من تلاميذ الصدر الثاني – أن يعلن نفسه مجتهداً وله مقلدوه وتياره السياسي الخاص المناهض للاحتلال وقد صدرت أوامر بالقبض على الصرخي واتهامه بالإرهاب، وتظاهر أتباعه وهاجموا القنصلية الإيرانية في البصرة في ردة فعل على تصريحات إيرانية لا تعترف بمرجعية الصرخي ..
ويقف السيد محمد تقي المدرسي على رأس حوزة مستقلة باجتهادها ومقلديها لكن نشاطها الفكري أوسع من حضورها السياسي، بالعكس من مرجعية أخرى أثبتت حضوراً سياساً ويقودها السيد محمد اليعقوبي ويطلق على تيارها حزب الفضيلة، ورغم تواضع حجمه لكنه دخل بقوة ضمن الائتلاف الشيعي واستقطب بعض الشخصيات الأكاديمية، وللشيخ جواد الخالصي تيار خاص يوصف بالاعتدال ويقترب من أهل السنة ويرفض الغلو في ممارسة بعض الطقوس الشيعية وله أتباع في الكاظمية ومناطق أخرى.(37/121)
ويبدو أن أغلب المرجعيات تفرعت عنها تيارات سياسية خاصة الحوزة الأم التي أفرزت منتصف الخمسينات من القرن الماضي قيادات حزب الدعوة الإسلامية وهو من أهم الحركات التي واجهت نظام صدام حسين ولجأت قياداتها إلى إيران لكنها عارضت النظام الإيراني وحوزته التي تدعو لولاية الفقيه وهذا المبدأ لا تقره المرجعيات العراقية التي لم تعترف بخميني أو خامئني مرشداً أعلى لشيعة العراق، واستمرت الوكالة لمرجعيات النجف الأشرف .. وخرج منها أيضاً المجلس الأعلى للثورة الإسلامية وهو أكثر قرباً لإيران لكنه أيضاً لا يخضع لمرجعيات إيران.
وخلال السنوات الأخيرة انشطر حزب الدعوة إلى أقسام متعددة أهما التيار الذي يضم الجعفري ونوري المالكي وعلي الأديب، وهذا التيار يشارك بقوة في العملية السياسية ويبدو أنه سيدخل في مواجهة مع التيارات الأخرى خاصة الصدري والمجلس الأعلى لتشديد المالكي على نزع سلاح الميليشيات وفي مقدمتها جيش المهدي ومنظمة بدر، وسيواجه أيضاً أتباع إيران لأنه تعهد للأميركيين وللكتل السنة بإيقاف نفوذ الدولة الفارسية في شؤون العراق وتصفية جيوبها المخابراتية التي اخترقت أجهزة الحكومة والأحزاب العراقية ..…
ويعاني هذا التيار من ظهور عناصر داخل الحزب تطالب بالديمقراطية الحزبية والتحديث والانفتاح على الأفكار المعاصرة تحت شعار دمقرطة الإسلام، وابرز قادة هذا الاتجاه ضياء الشكرجي .. أما فرع الدعوة الثاني فيقوده الحاج العنزي ويسمى تنظيم العراق لحزب الدعوة .. وهناك جناح ثالث كان يتزعمه عز الدين سليم الذي اغتيل حين كان رئيساً لمجلس الحكم وهذه التيارات قليلة الفعالية .. وخرجت أيضاً تنظيمات متعددة من تحت عباءة المرجعيات بينها منظمة العمل الإسلامي والتي انشطرت أيضاً لتيارات عديدة .(37/122)
وهنالك تنظيمات شيعية مهمة بين الكرد الفيلية الذين هجر أغلبهم صدام إلى غيران إضافة لوجود تيارات سياسية بين الشيعة التركمان في كركوك وهؤلاء يتوزعون الولاء بين المرجعيات الأساسية التقليدية والثورية العلمانية.
س: وكيف نفسر اصطفاف الليبرالين مع المرجعيات الدينية ؟
ج: دخل تحت خيمة المرجعيات الدينية الكثير من الشخصيات العلمانية لأسباب الاستمالة العاطفية للشارع العراقي وكسب أصواته في الانتخابات .. وفي المقابل ظهرت عمائم ليبرالية تحاول أن تضفي على الإسلام الروح العصرية على طريقة رواد النهضة العربية الإسلامية أمثال الكواكبي، ومحمد عبده، والطهطاوي، والأفغاني، والخولي، ومحمد أمين .. وتحاول هذه الشخصات العراقية تقليد هؤلاء الرواد وفي مقدمتهم الشيخ إياد جمال الدين والشيخ ضياء الشكرجي وعبد المجيد الخوئي الذي قتل قرب ضريح الإمام علي مع الأيام الأولى لسقوط النظام، وكذلك حسين الصدر والشيخ محمد بحر العلوم. وتجمع المصادر على أن تولي التيارات الشيعية لزمام السلطة في العراق وحالة الانفلات الأمني والفكري وترسيخ الشعور بالإحباط بين ملايين الفقراء من الشيعة الذين يعانون من عقدة الاضطهاد والحرمان الطبقي وفشل الحكومة في توفير الأمن والخدمات وتفاقم المشاكل الاقتصادية سيحفز هذا الوحش المليوني الكاسر للاستجابة لنداء الانتفاضة والثورة والتمرد على كل أشكال السلطة الشيعية المتمثلة في الحكومات وكذلك المرجعيات وبات موعد الثورة في الجنوب والوسط وبغداد قاب قوسين أو أدنى وستكون لهذه الثورة العديد من الحاضنات أولها الاتجاهات المعادية لأميركا وأتباع النظام السابق الذين نجحوا في شن حرب نفسية لإثارة نقمة الشعب وفي مقدمتهم الشيعة ضد الحكومة والاحتلال.
دور الميليشيات ومستقبلها في العراق
الآلية العملية لإشعال نار الفتنة الطائفية
عمر عبد الرحمن الجبوري
حِوار العَرب ـ يونيو (حزيران) 2006(37/123)
تشكلت الميليشيات العراقية، بحسب الكاتب، وفق اعتبارات طائفية وعرقية وإثنية، وبعضها تشكل لحاجة أميركية ضمن الإعداد المسبق لغزو العراق واحتلاله. وإذا كان بعض الميليشيات موجوداً قبل الاحتلال مثل البيشمركة الكردية، وفيلق بدر، فإن بعض الميليشيات أُعد على عجل لحاجة أميركية مثل ميليشيا المؤتمر الوطني الموحد الذي يتزعمه أحمد الجلبي.
وثمة ميليشيات تشكلت خلال الاحتلال مثل جيش المهدي التابع للتيار الصدري وميليشيا حزب الفضيلة الشيعي.. وميليشيا الحزب الإسلامي السني وميليشيا هيئة علماء المسلمين. هذه الميليشيا جميعها ترفض أن تحل نفسها لتدمج في القوات المسلحة العراقية، كما طالب بذلك رئيس الوزراء نوري المالكي. فقد قال مثلاً الرئيس جلال طالباني إن (البيشمركة ليست ميليشيا.. إنها قوات نظامية ولا يجوز حلها". أما مسعود البارزاني فقال: "إن البشيمركة لم تتشكل بأمر من الدولة ولن تحل بأمر منها".
قال صحافي زار بغداد مؤخراً في وصفه للشارع المؤدي من المطار إلى قلب العاصمة: وما أن تنتهي من هذا الشارع وتدلف إلى الشوارع الأخرى المؤدية إلى قلب العاصمة الخربة، حتى تتفاجأ بعشرات من نقاط التفتيش والسيطرة التي لا تعرف تابعيتها بالضبط، وفيما إذا كانت تابعة لواحدة من الميليشيات المسلحة أم لقوات الجيش والشرطة، علق (علي) سائق السيارة حاسماً الموضوع: "كلهم نفس الشيء ولا فرق بينهم وإذا قرر أحدهم إيقافنا الآن واعتقالنا فسوف نذهب في خبر كان ولا أحد يشفع لنا".
وفي أول تصريح له بعد تكليفه بتشكيل الوزارة العراقية قال نوري المالكي: إنه يتعين دمج الميليشيات في القوات المسلحة العراقية، مضيفاً أن الأسلحة يجب أن تكون في أيدي الحكومة وأن هناك قانوناً يدعو إلى دمج الميليشيات في القوات المسلحة.(37/124)
وبعد بضعة أيام وخلال مؤتمر صحافي مشترك بين السفير الأميركي زلماي خليل زادة ورئيس هيئة الرئاسة جلال الطالباني الذي هو في الوقت نفسه رئيس الاتحاد الوطني الكردي، أحد الحزبين الكرديين اللذين تتحكم ميليشياتهما في شمال العراق، رفض الأخير اعتبار المسلحين الأكراد (البيش مركه) ميليشيات، مؤكدا على أنها قوات نظامية ولا يجوز حلها.
وفي أحد المؤتمرات الإعلامية والثقافية التي أقامها الأكراد مؤخراً في شمال العراق من أجل تلميع صورتهم أمام الإعلاميين العرب، قال مسعود البارزاني تعليقاً على موضوع الميليشيات الكردية، إن البيشمركة الكردية ليست ميليشيا، مضيفاَ "أنهم قوة منظمة وأسهموا في تحرير العراق".
وأوضح: لم تتشكل البيشمركة بأمر من الدولة ولن تحل بأمر منها، راداً بذلك على التصريح الذي أدلى به رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي الذي أشرنا إليه في مستهل الكتابة، والذي قال فيه إنه يجب حل جميع الميليشيات بما فيها البيشمركة.
من جهته قال السفير الأميركي الذي زار شمال العراق واجتمع بالبارزاني والطالباني خلال المؤتمر المذكور، إن الولايات المتحدة تعتبر كل الميليشيات تحدياً كبيراً لعمل الحكومة العراقية، وإن القوا ت غير المسموح بها غير قانونية وتشكل خطراً أساسياً على البنية التحتية للدولة. وكان رئيس الوزراء العراقي الأسبق أياد علاوي أعلن في حزيران/ يونيو العام 2004 عن اتفاق لتفكيك الميليشيات، التي كان من المفترض أن يلتحق مائة ألف من أفراده بقوات الأمن أو العودة إلى الحياة المدنية بداية العام 2005.
خلفيات قيام وتشكيل الميليشيات(37/125)
من المفيد أن نذكر من الاستهلال الآنف أن الميليشيات العراقية تشكلت وفق اعتبارات طائفية وعرقية وآنية، وبعضها تشكل لحاجة أميركية ضمن الإعداد المسبق لغزو واحتلال العراق، وإذا كان بعض الميليشيات موجوداً قبل الاحتلال مثل الميليشيات الكردية (البيشمركة) وميليشيات المجلس الأعلى للثورة الإسلامية (فيلق بدر).
فهناك ميليشيات أُعدت على عجل لحاجة أميركية مثلما أسلفنا، مثل ميليشيات المؤتمر الوطني الموحد الذي يتزعمه أحمد الجلبي والتي دخلت بالتزامن مع دخول القوات الأميركية إلى العراق، إلا أن الميليشيات الأخيرة تلاشت مع جراء انحسار دور أحمد الجلبي أميركياً في العراق مما رفع الدعم عن تلك الميليشيات.
وتدخل في إطار هذا الجانب الميليشيات التي تشكلت خلال الاحتلال مثل الميليشيات جيش المهدي التابعة للتيار الصدري، والتي بدأت باكورة نشاطها في التصادم مع القوات الأميركية والتحالفية إلى حين انخراط التيار الصدري الذي يتزعمه مقتدى الصدر في الفعاليات السياسية، ليتحول البعد الطائفي عملاً لتلك الميليشيات التي راحت تتدخل في أصغر تفاصيل النسيج الاجتماعي للشعب العراقي .(37/126)
وفي سياق الميليشيات الشيعية كان لحزب الفضيلة أحد قوى الائتلاف الشيعي أيضاً ميليشياته التي كادت تدخل في احتراب مع ميليشيات فيلق بدر في مدينة الناصرية الجنوبية، بعد تنازع حزب الفضيلة والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية على قطعة أرض كان كل طرف منهما يريد إنشاء مبنى لمستشفى عليها خاص به، وحتى الأحزاب الشيعية الصغيرة قامت بتشكيل ميليشيات لها مثل "حزب الله"، وتأتي في هذا السياق الميليشيات السنية التي تشكلت هي الأخرى إبان الاحتلال مثل ميليشيات الحزب الإسلامي وميليشيات هيئة علماء المسلمين التي تأخذ صفة حماية وحراسة المساجد، على الرغم من أن مخازن العتاد والأسلحة الصاروخية ومدافع الهاون التي اكتشفت في بعض المساجد التابعة للهيئة المذكورة، تعطي مدلولاً على أنها ميليشيات أعدت لحسابات طائفية ولا تقتصر على عناصر للحراسة وحماية المساجد( ). وقد اتضح دور تلك الميليشيات في المصادمات التي وقعت في منطقة الأعظمية في بغداد، وقبل ذلك عندما أطلقت تلك الميليشيات النار على المشيعين لجنازة الصحافية أطوار بهجت السامرائي، خلال مرورهم في منطقة أبو غريب في اعتقاد من عناصر تلك الميليشيات أن أفراد الشرطة والحرس الوطني الذين كانوا يرافقون موكب التشييع، جاؤوا بقصد مهاجمة منزل حارث الضاري رئيس هيئة علماء المسلمين والواقع في المنطقة المذكورة.
إن الجماعات السنية، بما فيها التي تقاوم الاحتلال، أو التي مازالت خارج الفعاليات السياسية، تندرج هي الأخرى في إطار الميليشيات، ومنها على سبيل المثال لا الحصر جيش محمد وكتائب ثورة العشرين، وكان جلال الطالباني قد صرح أخيراً أن الأميركيين يجرون حواراً مع ممثلين من المقاومة بحضوره، وأكد الطالباني قائلاً: أنا شخصياً التقيت بعدد من الذين يقولون إنهم المقاومة الشريفة، وكانت اللقاءات جيدة وإنهم على استعداد للانخراط في العملية السياسية، ولهم مفاوضات مع الحكومة الأميركية.(37/127)
من تعداد الميليشيات الطائفية أعلاه يتضح الغرض الحقيقي للدور المنوط بها ، ومع ذلك فالقوات الأمريكية والتحالفية المحتلة استخدمت بعض الميليشيات في عملياتها وبخاصة الميليشيات الكردية، ولاسيما في معارك الفلوجة، وكذلك في الفترة الأخيرة عندما هاجمت الميليشيات الكردية مليشيات التيار الصدري في حسينية المصطفى في بغداد وبدعم من القوات الأميركية، ولا يستبعد المراقبون أن الهدف من وراء استخدام القوات الأميركية للميليشيات الكردية في مهاجمة ميليشيات شيعية، هو السيناريو الأميركي المكشوف في إثارة الحرب الأهلية بين الطوائف وفئات الشعب العراقي، في وقت تزامن مع انفراط عقد التحالف الشيعي الكردي على أثر "أزمة الجعفري" إذا صح القول.
وللتذكير إن القوات الأميركية والبريطانية كان لها دور في انضمام ميليشيات فيلق بدر إلى أجهزة الحكومة الأمنية، سواء في قوات الشرطة أم الحرس الوطني، وفي هذا الجانب ذكرت صحيفة التايمز البريطانية أن بريطانيا جندت بصورة متعمدة ميليشيات تحظى بدعم إيران للانضمام إلى قوات الأمن العراقية بعد الإطاحة بنظام صدام حسين، ونقلت الصحيفة عن وزير الدفاع البريطاني، جون ريد قوله: إن قوات التحالف أعطت الضوء الأخضر لانضمام أعضاء ميليشيات بدر إلى قوات الأمن العراقية بعد سقوط نظام صدام، وأوضحت الصحيفة أن اعتراف الحكومة البريطانية بهذا التجنيد جاء في إجابة خطية في مجلس العموم عن سؤال النائب آدم برايس، بأنه من السياسة الرسمية للحكومة الترحيب بميليشيات شيعية مسلحة في الأجهزة الأمنية العراقية، وتضم هذه الميليشيات أعضاء لمنظمة بدر الذين تولى الحرس الثوري الإيراني تدريبهم في المنفى.(37/128)
وعلى منوال الموضوع كشفت لجنة "رصد أموال العراق" في المنظمة العراقية للمتابعة والرصد أن 11 شركة تملكها الميليشيات والأحزاب في العراق، تعمل في بعض بلدان المنطقة بعدما استولت أو قدمت لها من قبل حكومة الجعفري أموالاً للعمل لحساب هذه الميليشيات والأحزاب حيث بلغت قيمتها 700 مليون دولار.
وقالت اللجنة في تقرير أعدته عن "أموال العراق والميليشيات" أن هذه الميليشيات تمكنت من زج هذه الأموال في العمل التجاري من خلال هذه الشركات التي لديها مهام استخبارية، إضافة إلى المهام التجارية الأخرى، وبعد نشاطها نوعاً من الاستثمار المزدوج الأهداف.
إن تشجيع قيام الميليشيات وتسهيل مهمتها في اختراق التشكيلات الأمنية لم يكن وليد المصادفة، وإنما هو عمل مدبر من قبل الاحتلال الذي كان يعد تلك الميليشيات لمهمات تتعلق بزجها في عملياته العسكرية ضد الجماعات المقاومة للاحتلال.
وكان القرار (91) الذي أصدره الحاكم الأميركي السفير بريمر في 7/6/2004 والخاص بدمج 9 ميليشيات في التشكيلات الأمنية والعسكرية، علامة واضحة على التوجه الذي تبناه الاحتلال والذي كانت آثاره السلبية تتفاعل إلى أن وصلت إلى المرحلة الراهنة التي كان فيها دور الميليشيات واضحاً في أن تكون الآلية العملية في إشعال نار الفتنة الطائفية بعدما تغذت من التوجيهات والممارسات السياسية في حقيقتها التي اتبعتها المرجعية الاجتماعية والدينية لمريديها وأنصارها، ومن منطلق مذهبي وطائفي أدت بالتالي إلى فرز طائفي وإثارة النوازع الطائفية.
سلاح الفوضى
إن جعل الوضع في العراق في حالة فوضى هو من عمل الاحتلال الذي لم يدخر جهداً وإعلاناً في الإشادة فيتلك الفوضى، حيث اعتبرتها وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس بـ "فوضى بناءة".
وكي نتعرف إلى هذه الفوضى نستعين باستطلاع أُجري في أحد أسواق بغداد وفق التالي: لن يكلفك الأمر كثيراً كي تشكل فرقة إعدام خاصة بك في العراق.(37/129)
فالزي العسكري والأسلحة وحتى سيارات الشرطة متوافرة بسهولة لكل من يجيئون إلى الأسواق في بغداد، وفي مدينة يرتدي فيها رجال العصابات زي الشرطة ويقتلون عشرات الأشخاص ويسرقون عشرات الآلاف من الدولارات، فكل من معه مبلغ متواضع من المال بمقدوره إنشاء فرقته المزيفة الخاصة به.
وفي سوق الباب الشرقي، وهو ملاذ للمجرمين، فإن أي شخص بمقدوره أن يدخل واحداً من نحو 15 متجراً تبيع متعلقات الشرطة والجيش، وأن يشتري زي القوات الخاصة التابعة للشرطة بمبلغ 35 ألف دينار (24دولاراً)، أو أن يشتري زي الشرطة العادي لقاء 15 دولاراً.
ويتم ذلك من دون طرح أي أسئلة أو تحقق من بطاقات الهوية، وبدولارين يمكنك شراء أي شارة رتبة، وقال طارق الذي يدير أحد هذه المتاجر: جاء شخص بالأمس وأخذ 12 زياً كاملاً للقوات الخاصة، وأخذ 15 زياً آخر للجيش وأقنعة بها ثقوب للرؤية، وأضاف لا يمهني من يأتي لشرائها.. ما دام يعطيني المال، فأنا أعطيه المنتجات.(37/130)
وتابع أن أكثر المنتجات رواجاً زي القوات الخاصة التابعة للشرطة، وعلى الرغم من أن بعض الأزياء الرسمية مثل قمصان الشرطة الزرقاء هي أزياء يسهل على أي خياط عملها، فإنه ليس من الواضح من أين يحصل طارق وغيره من التجار على الأزياء فيها نقوش للتمويه، وهناك العديد من السلع الأصغر مثل مؤشرات التصويب الخاصة بالأسلحة والأقنعة التي تخفي الوجوه والقيود. وفي بلد مملوء بالأسلحة، فإن كل أسرة تقريباً لديها على الأقل بندقية كلاشينكوف ، فالأسلحة رخيصة ويسهل الحصول عليها، ويشير ذلك إلى المهمة الضخمة الملقاة على عاتق رئيس الوزراء نوري المالكي الذي يعكف على تشكيل حكومة للتعامل مع العنف وإراقة الدماء والجريمة التي تحيق بالعراق بعد الحرب، ويطالب الكثيرون بحل الميليشيات العراقية وهو ما تعهد المالكي بجعله أولوية من خلال ضمها إلى القوات المسلحة، ولكن السهولة التي يمكن بها الحصول على أسلحة وأزياء رسمية يمكن أن تشير إلى مدى صعوبة القضاء عليها، وفي العام الماضي على سبيل المثال، أعلنت جماعة تطلق على نفسها اسم "جيش الطائفة المنصورة" المسؤولية عن هجوم في بغداد باستخدام العشرات من أزياء الشرطة والسيارات في الهجوم الذي قالت الجماعة، إنه استهدف العشرات من ضباط وزارة الداخلية. واستخدمت العصابات الإجرامية أيضاً زي قوات الأمن العراقية في أعمال قتل أو خطف، وقال اللواء مهدي الغراوي إن المجرمين يستعملون هذه الأزياء لتلطيخ صورة قوات الوزارة، وأضاف أن الملابس التي تباع تجلب على الوزارة تهماً غير حقيقية، وأشار إلى أن الوزارة قررت مداهمة المتاجر التي تبيع ملابس قوات الأمن لأن ذلك يجب أن يتوقف، وتابع أنه في غضون أسبوعين ستغير الشرطة والقوات الخاصة أزياءها إلى شكل يصعب تقليده.(37/131)
وهذا تعهد لم ينفذ في الماضي، وعلى بعد كيلومترات قليلة عن سوق الباب الشرقي وتحديداً في معارض النهضة، فإنه بالإمكان شراء سيارات مماثلة لسيارات الشرطة أو القوات الخاصة التابعة لها مقابل 12 ألف دولار، ومع بعض مئات إضافية من الدولارات يمكن شراء صفارات إنذار وشعارات الشرطة في سوق قريب. وبالإمكان بعدها التوجه إلى سوق مريدي في حي فقير بمدينة الصدر للحصول على بطاقات هوية، وسيبيعك أبو محمد الذي يعمل بالأساس بائعاً للسيارات أي شيء تريده، بما في ذلك سيارات مضادة للرصاص تصل قيمتها إلى 340 ألف دولار. ويقول أبو محمد إن هناك احتمالاً أن يشتري بعض الناس هذه السيارات بغرض شن أعمال عنف ولكن ليس بمقدورنا أن نتحرى وراءهم.. مهنتنا هي بيع السيارات وكسب المال.. يمكنني أن آتي لك بأي شيء تريده.. وحتى سيارة همفي أميركية إذا كان السعر ملائماً.
من الاستطلاع الآنف يتضح أن الساحة العراقية في ظل الاحتلال أصبحت مرتعاً خصباً لتشكيل وقيام الميليشيات والعصابات، من خلال توافر الأسلحة والمعدات والمستلزمات التي تساعدها وتتيح لها القيام بعملياتها المسلحة والإجرامية، إذ إن هذه الأسواق ما كان يتاح لها عرض الأسلحة والمعدات والمستلزمات، والحماية أيضاً، لو لم تكن هناك جهات محلية وإقليمية وأجنبية تقوم بتزويد تلك الأسواق، بما تعرضه وتطرحه للعرض وتأمين الطلب الخاص بهذا الغرض أو تلك المعدات.
وقد يتساءل الناس في العراق عن دور الجهات والتشكيلات الأمنية وكذلك قوات الاحتلال باعتبارها مسؤولية عن ملف الأمن في العراق، في الحد من تلك الظاهرة أو منع تلك الأسواق من بيع تلك الأسلحة والمعدات والتحري عن مصادرها.(37/132)
لكن من الواضح أن الجهات التي تزود الأسواق المذكورة لا تكمن مصلحتها في المال فحسب، وإنما تتعدى ذلك إلى إشاعة الفوضى وتكريسها من أجل تحقيق أجندتها التي تصب في خدمة الاحتلال، ولاسيما في إثارة الاحتراب الداخلي وفق ما يدور حالياً في العراق من استهداف مكشوف لنسيج المجتمع العراقي ووحدته.
دمج أم حل؟
أثارت تصريحات رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي حول دمج الميليشيات المسلحة بالقوات المسلحة العراقية جملة من ردود الأفعال المتباينة، ففي الوقت الذي أيدت فيه بعض الأحزاب السياسية الشيعية هذه الخطوة، عارضتها قوى سياسية سنية، لأنها رأت فيها محاولة لتعزيز نفوذ الميليشيات المسلحة في أجهزة الدولة، على اعتبار أن أكثر الميليشيات عدداً هي تلك التابعة لأحزاب شيعية مثل المجلس الأعلى للثورة الإسلامية (فيلق أو منظمة بدر) وحزب الله وحركة حزب الله والفضيلة والتيار الصدري (جيش المهدي).
وكشفت أوساط رفيعة في هيئة أركان الجيش العراقي أن القوات الأميركية تقوم بمراقبة عناصر جيش المهدي التابعة للزعيم الشيعي مقتدى الصدر، ما اعتبر خطوة وقائية لأن هذا الجيش يرفض إلقاء سلاحه والخضوع لسلطة الدولة، كما برزت هذه المخاوف بسبب إصرار قادته على فكرة أنه يمثل جيشاً عقائدياً لا جيشاً مسلحاً في مؤشر إلى أنه سيعارض أي عملية دمج له بالقوات العراقية الرسمية، وكان تقرير لحزب الوفاق الوطني العراقي (بزعامة أياد علاوي) كشف عن أن جيش المهدي يشكل دولة داخل دولة في مناطق جنوب العراق. وأشار تقرير الوفاق إلى أن أكثر من 80 في المائة من عناصر قوات الشرطة هي من عناصر جيش المهدي أو المؤيدين له وهو أمر يقلق الحكومة العراقية والأميركيين على حد سواء.(37/133)
بينما من جهتها، طالبت جبهة التوافق السنية المالكي بعدم دمج الميليشيات الشيعية المسلحة في المؤسسات العسكرية والأمنية في الدولة، معتبرةً أن الأمر يخفي بداخله تعزيزاً لنفوذ وسيطرة هذه الميليشيات على هذه المؤسسات، ورأت أن أنجع الحلول لوجود الميليشيات الشيعية، هو دمج عناصرها في الوزارات الخدمية للدولة وفي قطاعات زراعية وصناعية. وشددت أوساط عسكرية عراقية أن الأميركيين يعتقدون أن جيش المهدي سيكون اليد الطويلة الإيرانيين، في حال قرروا الرد على أي ضربة جوية أو صاروخية أميركية ضد أهداف نووية داخل الأراضي الإيرانية. وأفادت الأوساط ذاتها أن بعض خلايا جيش المهدي تلقت تدريبات عسكرية خاصة على شن عمليات خاصة من بينها عمليات انتحارية ضد القوات الأميركية.
على صعيد متصل قال مسؤول أميركي كبير إن الولايات المتحدة تعتقد أنه ينبغي السماح لأعضاء الميليشيات العراقية بالانضمام إلى الجيش الذي تدربه الولايات المتحدة، ولكن على أساس فردي فقط وليس كمجموعات. وقال المسؤول الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن اسمه أن أحد الأمثلة على الميليشيات غير المنضبطة، هو جيش المهدي الذي يدين بالولاء لرجل الدين الشيعي مقتدى الصدر ويسيطر بشكل كبير على ضاحية مدينة الصدر في بغداد ومناطق أخرى.
وقالت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس للصحفيين وهي في طريقها إلى اليونان أن التعامل مع الميليشيات أولوية ملحة، مضيفة أن تشكيل حكومة عراقية جديدة ربما يفتح طريقاً جديدة للتعامل مع هذه التحدي.(37/134)
غير أن المحلل السياسي أنتوني كودسمان قال إنه لا فائدة من دمج الميليشيات المستقطبة بشكل كبير في القوات العسكرية التي تدربها الولايات المتحدة. وقال كوردسمان عضو مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وهي مؤسسة بحثية مقرها واشنطن، سيكون أمراً ساذجاً يصل إلى حد الغباء الذي يتسم بالخطورة. إنهم أشخاص يصعب أن ترغب في دمجهم في قوة وطنية، هذا سيتمخض ببساطة عن قوات طائفية أو عرقية أو يثير انقسامات داخل القوات الموجودة بالفعل.
لذلك، تقف بوجه الجهود الرامية إلى معالجة وضع الميليشيات إشكالية أو معضلة حقيقية تتمثل في أن هناك خيارين لا ثالث لهما: هما الدمج أو الحل، وإذا كان رئيس الوزراء نوري المالكي قد أشار في تصريحه إلى عملية دمج لتلك الميليشيات استناداً إلى قرار بريمر الذي سبق الإشارة إليه، وقد أيده في ذلك بيان صادر عن مكتب المرجع الشيعي علي السيستاني بعد زيارة المالكي للأخير، فإن هذه العملية أثبتت عملياً من خلال دمج ميليشيات فيلق بدر في وزارة الداخلية عدم صوابها نظراً لانعكاساتها السلبية، والأمر نفسه ينطبق على وزارة الدفاع التي انخرطت فيها الميليشيات السنية، التي أخذت كل جماعة تمنح اسمها للفوج الذي يتشكل من أغلبية عناصرها،(37/135)
ومن ممارسات هذه الميليشيات وهي تحمل شارة قوات الداخلية والدفاع، طغت في الشارع العراقي حالة غير ودية بين تلك القوات والجمهور العراقي، من منطلق أن تلك القوات حافظت على ولائها الحزبي والطائفي، وأخذت تتصرف على هذا النحو في تعاملها مع العراقيين أثناء وجودها في حواجز ونقاط التفتيش، وخلال عمليات الدهم للبيوت وأماكن العبادة وحتى اعتراض الرحلات المدرسية والجامعية والاعتداء بالضرب على الطلاب والطالبات بحجة الاختلاط الحاصل في تلك الرحلات. ولهذا، فإن عملية الدمج تواجهها تعقيدات وتداعيات عدة قد تلحق ضرراً كبيراً بالنظام العام والأداء المطلوب وخصوصاً في إطاعة الأوامر من القيادات والانضباط العسكري، أظهرت الأحداث التي أعقبت عملية تفجير مرقدي العسكريين في سامراء، أن الكثير من عناصر قوات الداخلية والدفاع رفض الأوامر وانجر مع العنف الطائفي، وهو ما يعني أن ولاء عناصر الحكومية، هذا بالنسبة إلى الميليشيات الشيعية والسنية التي تم دمجها في قوات وزارتي الداخلية والدفاع اللتين عمدتا في عملية الدمج إلى سياقات آنية وغير مدروسة والمتمثلة في الاعتماد، وخصوصاً في المناطق الحدودية على العشائر، وجعل التشكيلات العسكرية الحدودية منوطة بهذه العشيرة أو تلك، وهو ما أدى إلى حدوث فوضى وغياب التنسيق في تلك المناطق الحدودية، حيث أصبح هذا الفوج مقروناً باسم هذه العشيرة وذاك الفوج مقروناً بتلك العشيرة، وعندما يأتي أمر من القيادات العليا بضرورة مساندة الفوج الأول من قبل الفوج الثاني يكون رد الأخير، بأن القاطع الذي بحاجة إلى إسناد هو من مسؤولية العشيرة الفلانية وهم بالتالي لا يتدخلون في شؤونها، أي أن الفوج المقرون بهذه العشيرة رفض الأوامر الخاصة بتقديم الإسناد إلى الفوج الآخر لكونه يمثل عشيرة أخرى، وهذا يعني أيضاً أن الولاء لعناصر لتلك القوات الحدودية بقي للعشيرة. ويدخل في هذا الجانب أن الفساد هو الآخر تغلغل في قوات(37/136)
الشرطة والجيش من ناحية الأجور والرواتب، وقد اتضح أن تعداد القوات وهي في الخدمة الفعلية كثيراً عن عديدها الذي يتقاضى الأجور والرواتب، وهو جانب واحد من جوانب الفساد المستشرية في الأجهزة الحكومية الرسمية التي بات الشارع العراقي يتحدث بصوت عال عن فسادها ويبدي حيالها كرهاً وخشية في آن.
عقيدة الميليشيات الكردية
وأما بالنسبة إلى الميليشيات الكردية (البيشمركة) والتي تتبع الحزبين الكرديين المهيمنين على شمال العراق، الحزب الديمقراطي بقيادة مسعود البارزاني وحزب الاتحاد بقيادة جلال الطالباني، فإن هذه الميليشيات وفق ما صرح به الزعيمان الكرديان تظل خارج نطاق الدمج والحل، وهو أمر سوف يعرل دمج أو حل الميليشيات الفئوية الأخرى، بل والأنكى من ذلك أن ميليشيات الحزبين المذكورين غير موحدتين ولا تسمح ميلشيا كل حزب منهما بدخول ميلشيا الحزب الآخر إلى منطقتها، كما أن الميليشيات الكردية عموماً لا تسمح لعناصر الجيش العراقي دخول منطقة الشمال التي تسيطر عليها، وبالتالي كيف سيتم دمجها مع تشكيلات الجيش العراقي الأخرى على افتراضها أو اعتبارها قوات نظامية على حد زعم المسؤولين الأكراد، لأن الميليشيات الكردية مازالت لديها ترسبات العداء للجيش العراقي حتى لو تغيرت الظروف وتغيّر الجيش الذي كانت تقاتله لعقود خلت؟(37/137)
وضمن تصريحات المسؤولين الأكراد الرافضة لدمج أو حل ميليشياتهم، رفض حميد أفندي (وزير البيشمركة) في أربيل وهو بالأحرى مسؤول ميليشيات حزب البارزاني، اعتبار البيشمركة ميليشيات عسكرية، وعن سبب عدم دمج ميليشيات الحزبين الكرديين في ميليشيا واحدة من منطلق أن الأكراد يدعون أن لديهم حكومة واحدة في شمال العراق منذ سنوات عدة، أجاب المسؤول الكردي مبرراً: أن دمجهما في وزارة واحدة يحتاج إلى المزيد من التنظيم والتخلص من الحساسيات لدى قوات البيشمركة العائدة للحزبين، التي خلفها الاحتراب الداخلي بين الحزبين العام 1994. من الواضح أن عقدة الميليشيات الكردية سوف تعرقل أي جهود لحل هذه المشكلة، فإذا كان الزعماء الأكراد يقولون عن ميليشياتهم أنها قوات مناضلة من جراء قتالها ضد قوات النظام العراقي السابق، فإن بمقدور زعماء الميليشيات الشيعية أن يتشدقوا بمثل هذه الحجة، من بداهة معارضتهم للنظام العراقي السابق، وأن ميليشياتهم قامت بعمليات عسكرية قتالية ضد قوات النظام العراقي في منطقة الأهواز (المسطحات المائية في الجنوب)، وهي أيضاً مشمولة بصفة النضال التي لا تقتصر على الميليشيات الكردية وحدها، ومن المؤكد أن زعماء الميليشيات الشيعية يراهنون على الممانعة الكردية ويعتبرونها حجة ما بعدها حجة، وقد استشرفنا ردود الفعل الأولى لمسؤولي التيار الصدري بخصوص وضع ميليشيات "جيش المهدي" حيث تباروا في أحاديثهم وتصريحاتهم على أن "جيش المهدي" ليس ميليشيا تابعة لحزب، وإنما هو يعود لمؤسسة دينية إرشادية، وينحصر دوره في توفير الأمن غير المستتب في مناطق وجوده التي تخلو من قوات الشرطة. كما رفض حازم الأعرجي أحد مساعدي مقتدى الصدر وصف الحكومة وبعض الجماعات السياسية "جيش المهدي" بأنه ميليشيات، وقال إن الجناح العسكري للتيار" جيش عقائدي غير مسلح". بينما برر الشيخ محمد كاظم الحميداوي ممثل الشيخ اليعقوبي المرجع الروحي لحزب الفضيلة، أحد(37/138)
الأحزاب الشيعية المنضوية في قائمة الائتلاف الشيعي، إلى أن تشكيل الفرق الشعبية والميليشيات المسلحة يعود إلى ضعف الحكومة، معتبراً أن تشكيل هذه الميليشيات المسلحة والفرق الشعبية يصب في خدمة القضاء على العناصر الإرهابية التي عاثت في الأرض فساداً. ومع ذلك، يظل خيار الدمج هو المرغوب به أميركياً، وهو ما صرح به مسؤول أميركي كبير لوكالة رويترز قائلاً: إن الولايات المتحدة تعتقد أنه ينبغي السماح لأعضاء الميليشيات العراقية بالانضمام إلى الجيش الذي تدربه الولايات المتحدة، ولكن على أساس فردي فقط وليس كمجموعات، وكان رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي قال: إنه ينبغي حل الميليشيات الطائفية القوية ودمجها في الجيش العراقي، وستكون خطوة من هذه النوع شديدة الحساسية، حيث إن كلاً من تلك الميليشيات مرتبط بجماعات عرقية وأحزاب سياسية مختلفة، وأضاف المسؤول الأميركي، إنه اقتراح جيد من حيث المبدأ. لكن المشكلة تكمن دائماً في التفاصيل، كيف ستقوم بدمجهم، أمر مهم، يجب أن يكون الدمج مركزاً على أفراد وليس وحدات، وقال المسؤول الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن اسمه، إنه لا يرغب في إثارة جدل أن دمج كل الميليشيات في الجيش يمكن أن يتسبب في مشكلات جديدة. وقال إذا تم بشكل غير سليم فسينتهي الحال باختراق وليس اندماجاً" بعضها (جماعات الميليشيات) منضبط، والبعض الآخر غي منضبط، ومضى المسؤول بالقول: إن أحد الأمثلة على الميليشيات غير المنضبطة، هو جيش المهدي الذي يدين بالولاء لعالم الدين الشيعي مقتدى الصدر، ويسيطر بشكل كبير على ضاحية مدينة الصدر في بغداد ومناطق أخرى، ويعتقد بعض المحللين العسكريين أن الجيش والشرطة العراقيين اللذين تدربهما الولايات المتحدة، يضمان بالفعل نسبة متطوعين كبيرة تدين أولاً بالولاء لجماعاتها العرقية وليس للحكومة الوطنية والدولة. ويبقى الخيار وهو حل الميليشيات الذي تميل إليه القوى والجماعات السنية وفق ما(37/139)
صرح به سليم عبد الله عضو مجلس النواب عن جبهة التوافق السنية والذي قال، نحن نتفق مع حل الميليشيات التي كان لها أثر سلبي في الشارع العراقي، ونتفق على معالجة هذه الظاهرة ولكن لا نتفق على آلية معالجتها. وأضاف، أن القرار 91 شرع لحل هذه الميليشيات وليس لدمجها بالمؤسسات العسكرية، مشيراً إلى أن حفظ الأمن والأمان يبقى مزدهراً بالمؤسسات العسكرية والأمنية.
وحل الميليشيات بالإضافة إلى عدم عمليته في هذه الظروف التي يمر بها العراق، هو في حقيقته مكلف اقتصادياً ليس بوسع الاقتصاد العراقي تحمل أعبائه، لأن الميليشيات هي واقع مفتوح وليس منضبطاً من ناحية التنظيم والتوثيق،ولأن حل الميليشيات يتطلب تخصيص راتب تقاعدي لعناصرها، الأمر الذي يفتح الباب أمام كل القوى والجماعات للادعاء بوجود ميليشيات لديها وتقديم كل ما يمكن تقديمه من أسماء، لغرض الحصول على راتب تقاعدي لأعضائها الحقيقيين أو لغير أعضائها. صحيح أن خيار الحل يستوعب الكثير من التفاصيل والاجتهادات التي تحدد الراتب التقاعدي وفق معايير تصنيفية، وهو ما خاض فيه حسين الشهرستاني من قائمة الائتلاف الشيعية بالقول، إن موضوع حل الميليشيات أمر دستوري يشمل الجميع، ونرى أن عملية حل الميليشيات دستوري يشمل الجميع، ونرى أن عملية حل الميليشيات ودمجها بمؤسسات الدلة يجب أن يتم على شكل أفراد وليس على شكل مجاميع ويوزعون كل على حسب درجته.(37/140)
وأشار الشهرستاني إلى أن ذوي الأعمار الكبيرة تتم إحالتهم على التقاعد. وأوضح أن جميع الميليشيات يجب أن تخضع للدستور وللقانون وأن الجميع متفق على ضرورة بناء قوات مسلحة قوية تابعة للحكومة، وأن قرار حل الميليشيات يشمل الجميع ومن دون تمييز. وعلى كل حال، إن قيام الميليشيات أو استمرارها هو أحد تداعيات الاحتلال الذي يرفض المسؤولون الأميركيون تحديد زمن لإنهائه، بل على العكس إن المعطيات على الأرض وفق ما يجري من إنشاء قواعد عسكرية أميركية لاستخدامات بعيدة المدى، تعطي مدلولاً على أن هذا الاحتلال يعمل على تكريس واقعه إلى أجل مفتوح وبعيد، وبهذا الحال، فإن الميليشيات سوف ترفض وتقاوم أمر حلها، ومن يدري، فلربما تتحول مقاومة الاحتلال حالة ميليشياوية تتعدى حدود وإطار الوطنية، وهي حالة أيضاً تصب في خانة مصلحة الاحتلال، من منطلق أنه منشئ ومغذي هذه الحالة التي تعيد خلط الأوراق بالنسبة إلى صفة مقاومة الاحتلال: هل هي حالة وطنية مجردة أم حالة ميليشياوية وفئوية؟
استراتيجية إيران لنشر التشيع في سورية!
الوطن العربي ـ 12/6/2006
…قبل الإعلان المفاجئ عن توقيع معاهدة دفاع مشترك بين طهران ودمشق في منتصف يونيو "حزيران" الماضي إثر زيارة وفد عسكري سوري رفيع وكبير يتقدمه وزير الدفاع حسن توركماني إلى إيران كانت التقارير الدبلوماسية والأمنية العربية والغربية الصادرة في العاصمة السورية تكاد تنحصر في رصد وتحليل ما يدور من زيارات ونشاطات ومعاهدات مكثفة على خط دمشق ـ طهران في شكل لا سابق له منذ قيام التحالف الاستراتيجي بين البلدين في الثمانينيات عندما اختار الرئيس حافظ الأسد الانحياز إلى إيران في حربها مع عراق عدوه اللدود صدام حسين.(37/141)
وعلى الرغم من تركيز معدي التقارير على تفاصيل المعاهدة الأخيرة ودورها في تفعيل وتوثيق التعاون الاستراتيجي والعسكري في محور طهران ـ دمشق والجبهة المشتركة التي قرر الحليف إقامتها لمواجهة مخططات العزل والحصار الأميركية والدولية، إلا أن الأيام الأخيرة تميزت بصدور تقارير تعالج خفايا وأبعاد التحالف السوري ـ الإيراني الجديد من زوايا مختلفة وتحديداً من زاوية ما بات يعتبر هيمنة إيرانية شبه كاملة على سورية وتحول الدعم الإيراني المتعدد الأوجه لدمشق إلى نوع من الوصاية والنفوذ اللذين يجعلان نظام الرئيس بشار الأسد رهينة في يد نظام الملالي وسورية دولة تابعة لإيران!(37/142)
ويصل أحد التقارير الغربية في قراءته المبالغة لحجم الاختراق الإيراني الأخطبوطي لسورية إلى حد عقد مقارنة بينه وبين مرحلة الهيمنة السورية على لبنان، ويشير إلى أن الوضع الصعب الذي تعيشه سورية منذ خروجها من لبنان لم يقد فقط إلى نجاح إيران في ملء الفراغ السوري في لبنان بل نجحت في ملء "الفراغ" الذي واجهه النظام السوري بفعل الضغوط والتهديدات الدولية والانقسامات الداخلية. ويزعم التقرير أن سورية تجد نفسها اليوم محشورة بين مطرقة الضغوط الدولية وسندان الإنقاذ الإيراني بعدما سلمت كل أوراقها لإيران لهذه الغاية. وفي إطار تشبيهه بين الدور السوري في لبنان "قبل الانسحاب" والدور الإيراني في سورية حالياً وصف التقرير العلاقات الوثيقة بين البلدين بأنها أشبه بمعاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق التي أرغم لبنان على توقيعها مع سورية تكريساً لحالة الهيمنة والوصاية وذلك عبر "اللجنة العليا المشتركة" وأشار إلى مسلسل الزيارات التي لا تنقطع بين البلدين منذ أشهر ولا تشمل فقط كبار المسؤولين السياسيين بل الوزراء والخبراء ورجال الدين وكان آخرهم "حتى كتابة هذه السطور" السيد حسن الخميني حفيد الإمام الراحل الخميني - من ابنه أحمد- والذي يتولى إدارة مركز تراث الإمام. ويبدو أن زيارة السيد حسن الخميني إلى سورية مناسبة لإثارة جوانب أخرى من ملفات التعاون والتنسيق بين البلدين ومدى الاختراق الإيراني لسورية. وهو ملف يزعم معدو التقرير أنه مرشح للتحول إلى صاعق إضافي لانفجار الوضع الداخلي السوري على خلفية ارتفاع حالة التذمر الشعبي من التغلغل الإيراني في سورية. ويبدو أن هذه الحالة لا تعود فقط إلى مجريات التعاون الاستراتيجي والعسكري والسياسي بين بلدي هذا المحور بقدر ما تشكل إفرازا للتواجد الإيراني المفاجئ والمكثف في كل مجالات الحياة السورية، وما عرف حتى الآن من اتفاقيات التعاون بين البلدين هو إلى جانب معاهدة الدفاع وما قيل عن(37/143)
شمولها قوات من الحرس الثوري وخبراء عسكريين إيرانيين في سورية، اتفاقيات التعاون الاقتصادي والمالي والصناعي والسياحي والثقافي وهي اتفاقيات تلحظ مساهمات مالية إيرانية ضخمة في الاقتصاد السوري تشمل بناء مصانع سيارات وأسمنت وخط أنابيب ومشاريع اقتصادية وسياحية أخرى وافتتاح فروع لمصرف صادرات إيران في سورية. لكن يبدو أن الجانب الأكثر حساسية يتعلق بالتسهيلات السورية وفتح البلاد أمام سائر النشاطات الإيرانية ووصولها إلى اتهامات للنظام بتسهيل حركة التشيع في سورية! وفي هذا الإطار يتحدث التقرير عن دخول عشرات ألوف الإيرانيين إلى سورية في شكل دوري "أكثر من مليون سائح سنوياً" حيث يتوزع هؤلاء على المراكز السياحية الدينية الشيعية مثل السيدة زينب والسيدة سكينة وسائر الأضرحة التي تعتبر عتبات مقدسة شيعية يؤمها آلاف الإيرانيين، وإضافة إلى هؤلاء السياح انتعشت حركة الاستثمار الإيرانية في سورية لكنها في المقابل قادت إلى إثارة حفيظة فئات من الشعب السوري راحت تتذمر من الهجوم الإيراني على بلادهم.
وتصل هذه الفئات التي لا تعرف بعدائها للنظام إلى حد اتهام أركانه بأنهم "باعوا البلد لإيران"! ويبدو أن خلفية هذه الحالة هي المعلومات المتداولة والمبالغ فيها أحياناً عن تعرض المجتمع السوري إلى عملية "تشييع" مقصودة ومنظمة خصصت لها ميزانية ضخمة بمئات ملايين الدولارات. وتشير هذه المعلومات إلى أن الأشهر الأخيرة شهدت نشاطات إيرانية مثيرة للشبهات وانتشارا كثيفا للمظاهر الشيعية شمل كل المحافظات في بلد يعتبر ذا أغلبية سنية ساحقة ولا يمثل الشيعة فيه "إذا استثنينا العلويين" سوى واحد في المائة وحوالي 150 ألف نسمة.(37/144)
وتضيف المعلومات أن عدد الحوزات الشيعية قد زاد في سورية في شكل كبير بدعم إيراني واضح. وأن دعاة شيعة يطوفون المدن والقرى السورية، وسط تغاضي الجهات الرسمية؛ لنشر المذهب الشيعي وفتح حسينيات ومراكز دينية وثقافية ومراكز تدريس ومكتبات في غالبية المناطق ووصلت إلى حلب وضواحيها وحمص وحماه والحسكة والقاقشلي والرقة واللاذقية ودير الزور وغيرها، ولم تعد هذه النشاطات محصورة في ضاحية السيدة زينب كما في السابق. وفي موازاة إقامة المناسبات الدينية والموالد والمآتم والمؤتمرات الثقافية التي يحضرها مسؤولين رسميون لوحظ أن إيران تلعب دوراً في تمويل بناء مستشفيات ومستوصفات خيرية ومساجد وحسينيات انضمت إلى مسجدي صفية ودرعا في دمشق ومسجد النقطة في حلب ومشفى الخميني في دمشق والمشفي الخيري في حلب.
ويتردد في سورية أن أنشط الجمعيات الخيرية حالياً وأكثرها فعالية في دعم ومساعدة المحتاجين هي جمعيات ذات تمويل إيراني تتولى توفير مساعدات مالية شهرية للمسنين وتوزيع الأرز والسكر والطحين. وفي الآونة الأخيرة بدأ الإيرانيون بإعداد برامج تعاون ثقافي تشمل زيارات منظمة إلى سورية وتوزيع دعوات على فعاليات من مختلف القطاعات السورية وإلى أساتذة الجمامعات وتخصيص منح دراسية في الجامعات الإيرانية. وقد أدى هذا التعاون الجامعي مؤخراً إلى إدخال تعلم اللغة الفارسية إلى عدد من الجامعات السورية.
تشيع أم تفريس(37/145)
لكن الجانب الأكثر إثارة لحساسية السوريين تجاه هذا الاجتياح الإيراني لبلادهم كان في امتداد عملية نشر "التفريس" والتشيع إلى حد ظاهرة الدعوة إلى التشيع والعمل على إقناع الشباب السوري باعتناق المذهب الشيعي. ويقال إن حالات اعتناق المذهب الشيعي شهدت مؤخراً تزايداً بالآلاف وتقول بعض الشائعات الرائجة في سورية قد تصل إلى حد توفير العمل لهم في المراكز الثقافية وخصوصاً المركز الثقافي الإيراني في دمشق الذي تمت توسعته مؤخراً وبات يعتبر من أكثر المراكز الثقافية نشاطاً في سورية.
ومع انتشار مظاهر التشيع والتغلغل الإيراني في البلاد وخصوصاً في دمشق ومحافظات الشمال وسط صمت رسمي كامل سادت قناعة في أوساط السوريين المطلعين بأن ثمة تشجيعاً رسمياً خفياً ومعلنا لهذه الظاهرة، ووصل البعض إلى حد وصفها بأنها سياسة رسمية للنظام مبنية على حسابات مستقبلية.
وفي رأي بعض الخبراء السوريين أن النظام اختار في المقابل "تشجيع" ظاهرة التدين في شكل عام والتقرب من الإسلاميين على حساب العلمانيين بهدف لجم حالة التذمر التي سادت في الأوساط الدينية والشعبية السنية. ويضيف هؤلاء أن انفتاح نظام البعث على الجماعات والقيادات الإسلامية الرسمية أو شبه الرسمية لم يكن فقط بهدف استقطابها في مواجهة حركة الإخوان المسلمين، بل أيضاً استمالتها لتخفيف حملاتها ضد الهيمنة الإيرانية ومظاهر التشيع في سورية، ويبدو أن هذه الجماعات والحركات الإسلامية غير المعارضة للنظام بدأت تستغل هذه الظاهرة لحسين مواقعها والحصول على "مكتسبات" دينية من النظام البعثي الذي كثف في الآونة الأخيرة من تنازلاته للجماعات الدينية.(37/146)
واللافت أن انتشار هذه الظاهرة قد قاد جهات غير دينية إلى التحذير من انعكاساتها ومخاطرها، إذ إن هيثم المالح رئيس جمعية حقوق الإنسان حذر مؤخراً من نشاط العديد من الشيعة الإيرانيين على الساحة السورية بدءاً من مركز السيدة زينب إلى منطقة الجزيرة مروراً بوسط سورية وخاصة حول حماه. وتساءل عن سر افتتاح العديد من الحوزات الشيعية في سورية وإقامة النشاطات وإجراء الاجتماعات، وعما إذا لم يكن هناك اتفاق ضمني بين الدولة الإيرانية والنظام السوري لتقديم التسهيلات للوافدين من إيران.
أما المحامي عبد الله الخليل الناشط في مجال حقوق الإنسان والذي يقطن في محافظة الرقة السورية فقد كشف عن أن الحكومة السورية قامت بتقديم مقبرة أويس القرني في الرقة حيث دفن الصحابي عمار بن ياسر كهبة للحكومة الإيرانية. وبنى على أطلالها مركز شيعي وجامع كبير اسمه مقام عمار بن ياسر وبات مركزاً للتشيع. وقال الخليل: إن هذا المركز يعتبر أول مركز شيعي في الرقة وإن ثمة مشروعاً لتوسعته بإقامة مساكن وسوق تجارية على غرار جامع السيدة رقية في النجف.
ولا تقتصر عمليات التشيع هذه على نشاطات المدارس الدينية المنتشرة في حي السيدة زينب حيث قامت حوزات متعددة تتوزع مرجعياتها الدينية بين آية الله على خامنئي المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية وآية الله على السيساني المرجع الشيعي العراقي والمرجع اللبناني محمد حسين فضل الله. ويعترف الشيخ محمود الحائري الذي يشرف على حوزة شيرازية بأنه يلتقي على الأقل كل أسبوع بسوري يريد اعتناق المذهب الشيعي وأن هؤلاء السوريين ينتمون إلى كل الطبقات الاجتماعية ومختلف المناطق.(37/147)
ورغم رمزية أعداد السوريين الذين يختارون المذهب الشيعي واستمرار محدودية هذا الرقم قياسا لعدد السكان إلا أن الظاهرة بدأت تشكل هاجساً مقلقاً خصوصاً لدى رجال الدين السنة الذين راح بعضهم يتحدث صراحة عن خطة إيرانية إقليمية لنشر المذهب الشيعي وتفريس سورية. ويلتقي هؤلاء مع الأطراف "العلمانية" التي تحذر من عواقب مساهمة النظام في تأجيج الحساسيات الطائفية والمذهبية وانخراطه في مشروع "الهلال الشيعي" عبر إثارة تناقضات جديدة داخل المجتمع السوري تضاف إلى تناقضاته المعروفة لتشكيل عامل تفجير إضافيا. وحتى الآن يبدو أن هذا الهاجس ما زال ينحصر في إطار إثارة حساسية السوريين تجاه الإيرانيين ومخاوفهم من دفع ثمن التحالف بين طهران ودمشق؛ بفرض وصاية إيرانية كاملة على البلاد. ويصل بعض السوريين إلى حد القول علنا: إن إيران باتت قادرة على أن تفعل ما تشاء في سورية وتمارس أي نشاط تريد بدون أن تستطيع أية سلطة حكومية أو رسمية منعها.
رهينة إيرانية
والواقع أن انتشار هذه الظاهرة وتوسعها يشكل حاليا محوراً أساسياً لانتقاد النظام والسلطة. أما التقارير الأخيرة فإنها بدأت تعتبر هذه الظاهرة بانعكاساتها السلبية على تماسك المجتمع السوري نقطة ضعف و "مقتلا" للنظام ولم تعد تنظر إلى توثيق العلاقات بين طهران ودمشق كمصدر قوة ودعم وصمود لبشار الأسد.
واللافت أن أحد التقارير توسع في قراءته لظاهرة التشيع والتفريس في سورية وحالة السخط الشعبي تجاهها فاعتبرها بوضوح دليلا على ضعف النظام وعلى وقوعه رهينة في أيدي الإيرانيين.
ولفت هذا التقرير إلى النفوذ المتزايد الذي تلعبه إيران داخل سورية على كل المستويات، وليست "ظاهرة التشيع" والتغلغل الإيراني سوى الجزء الظاهر منها. ويعتبر التقرير أن السفير الإيراني في دمشق محمد حسن أختري يلعب حالياً دوراً محورياً داخل سورية.(37/148)
ويلفت أن أختري الذي سبق له أن عمل سفيراً "فوق العادة" في سورية هو في الوقت ذاته رئيس "جمعية أهل البيت" وهو بالتالي يشرف على اختراق إيران للساحة السورية في كل المجالات. ويذهب التقرير - للدلالة على حجم الهيمنة الإيرانية على سورية - إلى حد الإشارة إلى أن الملصق الأكثر مبيعاً في حي السيدة زينب هو الملصق الذي يصور الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد محاطاً من جهة بالرئيس الإيراني أحمدي نجاد ومن جهة أخرى بزعيم حزب الله السيد حسن نصر الله!
ويعكس هذا الملصق ما تتحدث عنه بعض التقارير الاستخبارية من أن مصير النظام السوري بات بعد الخروج من لبنان في أيدي الإيرانيين وأن طهران قد اختارت بدورها حمايته من السقوط بتوفير جميع أوجه الدعم له، وهو دعم يصل حسب بعض المعلومات إلى حد تكليف المخابرات الإيرانية برصد ما يدور داخل القيادة السورية موازين القوى فيها في شكل دقيق والتدخل أكثر من مرة لمنع تصدعه. وهو ما حصل مؤخراً عندما توسط قائد الحرس الثوري الجنرال رحيم صفوي لتسوية خلاف حاد اندلع بين ماهر الأسد وآصف شوكت وقام بزيارة سرية إلى دمشق لهذه الغاية.
ولكن السؤال الذي يطرحه بعض السوريين المطلعين هو: أين سيتوقف الغزو الإيراني لسورية وهل مازالت دمشق قادرة على رفض شروط طهران و "مساعداتها"؟ وأخر هذه الشروط التي تمت تلبيتها كان في شن حملة شعواء ضد عرب الأحواز اللاجئين إلى سورية.(37/149)
أما معدو التقارير فتتمحور تساؤلاتهم الجديدة عن مدى قدرة النظام السوري على حفظ التماسك الداخلي بعدما بدأت أولى ثمار التعاون الوثيق مع طهران تنعكس خللا في التوازن وتهدد بإثارة حساسيات مذهبية. ويبدو أن انتشار ظاهرة التشيع والتفريس بات ينظر إليه لدى غالبية السوريين على أنه "تحالف ديني" وليس سياسيا أو عسكرياً فقط مع إيران. وهي نظرة تنذر في حال تجذرها وانتشارها رغم إصرار النظام على التعتيم الإعلامي الكامل عليها، بإشعال ظاهرة التطرف الديني في سورية وتهديد مستقبل البلاد والنظام.
وثمة من يضيف إلى هذه المخاوف تحذيرات من أن تؤدي مجدداً إلى إعادة صراعات الأجنحة داخل النظام حيث يقال إن ثمة جناحا كان يحذر من مغبة وضع كل بيض سورية في سلة إيران وأن هذا الجناح قد يستغل المخاطر التي تنذر بها هذه المعادلة. وليس مستبعداً أن يكون استمرار رهان البعض على قرب حصول التغيير الداخلي في دمشق مرتبطاً بهذا الوضع الصعب للنظام رغم إشراف ومراقبة وحماية المستشارين الإيرانيين من قلب العاصمة السورية!
حاخام أمريكي يخطب في 3 آلاف مصل بمسجد في حلب
العربية.نت 10/7/2006
…ألقى حاخام يهودي أمريكي خطبة مطولة في مسجد في حلب عقب صلاة يوم الجمعة الماضي، تحدث فيها عن العلاقات السلمية والحوار بين الأديان، وذلك بعد أن قدمه لنحو 3 آلاف مصل مفتي سوريا الشيخ أحمد حسون باعتباره رجل دين من الولايات المتحدة، من دون أن يذكر أنه حاخام.(37/150)
…ويزور الحاخام مارك غوبنز، وهو بروفيسور في جامعة فرجينيا، سوريا بدعوة من المحامية السورية هند كبوات التي تعمل ضمن نشاط مثقفين ودبلوماسيين ورجال دين سوريين وأمريكيين في إطار جهود هادئة من أجل إزالة أسباب التوتر والخلاف بين بلديهم، وتحسين العلاقات بين واشنطن ودمشق التي تردت إلى أدنى مستوياتها. وجاءت خطبة الحاخام في مسجد مدينة حلب، بحسب ما ذكرته صحيفة "الخليج" الإماراتية الاثنين 10-7-2006، بهدف تنقية العلاقات السورية الأمريكية، والتغلب على موضوعات الخلاف، وزيادة التقارب بين البلدين، من خلال الحوار بين الشعبين الأمريكي والسوري، على الرغم من الصعوبات الكبيرة والمعقدة التي تسبب التدهور الحاصل حاليا في العلاقات السياسية بين البلدين.
…وقد حرص الحاخام غوبنز في خطبته أمام المصلين على التوضيح أن الأمريكيين الذين أيدوا الرئيس جورج بوش في غزو العراق لم يعطوه تفويضا بقتل المدنيين أو تعذيبهم في هذا البلد. وأفاد بأنه زار سوريا عدة مرات، وأن جولته في حلب كانت مثيرة وأسهمت في تغيير كثير من جوانب حياته وتفكيره.
علماء سوريا يحتجون إلى الأسد على قرار بوقف القبول بالمعاهد الشرعية
العربية نت - 3/7/2006
…طالب 39 عالم دين بارز في سوريا الرئيس بشار الأسد بالتدخل لإنقاذ التعليم الشرعي في البلاد، مما أسموه بـ"خطة تآمرية" من قبل وزارة التربية التي تهدف للقضاء على هذا النوع من التعليم. وشنوا هجوما عنيفا على المدارس المختلطة بسوريا قائلين إنها بؤر للفساد الأخلاقي وفي حال غياب التعليم الشرعي ستضطر الأسر لوضع أبنائها في هذه المدارس.(37/151)
…ومن بين أبرز الشخصيات الموقعة على هذه الرسالة: الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي والشيخ صلاح كفتارو والشيخ وهبة الزحيلي والشيخ نزار الخطيب ( إمام مسجد الأمويين) والشيخ صادق حبنكة والشيخ عبد الرزاق الحلبي والدكتور محمد محمد الخطيب (وزير الأوقاف الأسبق) ومحمد كريم راجح (شيخ قراء بلاد الشام).
…وجاءت رسالة علماء سوريا بعد إصدار وزارة الأوقاف السورية لتعيمم، وصلت "العربية.نت" نسخة منه، ونصه: "إلى السادة مديري الثانويات والمعاهد الشرعية والحوزات العلمية يوقف تسجيل الطلاب والطالبات في الصف السابع للعام الدراسي 2006 – 2007 حتى صدور تعليمات جديدة في القبول من وزارة الأوقاف".
"تجفيف" التعليم الشرعي
…إلا أن علماء سوريا كانت لهم وجهة نظر مختلفة إذ أشاروا في رسالتهم للرئيس بشار الأسد أنه "من الممكن تنفيذ الهدف الرامي إلى إحداث المرحلة الأساسية مكونة من حلقتين الابتدائي والإعدادي، وتدريس مقرراتها كاملة، دون الحاجة إلى حذف المقررات الشرعية التي يكلف بها طلاب المعاهد والثانويات الشرعية من حلقة الإعدادي فيها..".
…واتهم العلماء وزارة التربية السورية أنها تريد القضاء على التعليم الشرعي في البلاد، وقالوا في رسالتهم: "الخطة المرسومة في وزارة التربية تهدف إلى تجفيف روافد الثانويات والمعاهد الشرعية ثم القضاء عليها، وذلك لأن الطالب إذا تجاوز الحلقة الثانية من المرحلة الأساسية بعيداً عما لا بد منه من المقررات الشرعية الممهدة فإنه لن يجد ما يدعوه تربوياً ولا ثقافياً إلى التحول إلى الدراسة الشرعية ولسوف يختار ما هو أمامه من الفرع العلمي أو الأدبي وبذلك يتم القضاء على المعاهد والثانويات الشرعية من حيث هي".
المدارس المختلطة "بؤر فساد أخلاقي"(37/152)
…من ناحية أخرى، اعتبر العلماء أن غياب التعليم الديني سيضطر الآباء إلى الدفع بأولادهم إلى التعليم المختلط الذي وصفوه بأنه بؤرة للفساد الأخلاقي، وقالوا: "من المعلوم أن معظم المدارس الابتدائية وما كان يسمى بالإعدادي في الأرياف وضواحي المدن مدارس مختلطة، وقد كانت الأسر المحافظة المقيمة في تلك الأماكن تفر بأولادها من آفات الاختلاط وآثاره الشائنة إلى الثانويات أو المعاهد الشرعية بدءاً من المرحلة الإعدادية، ولكن الخطة التآمرية ترمي اليوم إلى سد هذا السبيل في وجوه الأسر، وإنما الأداة إلى ذلك إلغاء المرحلة الإعدادية من المعاهد والثانويات الشرعية (وكم وكم جرى التآمر بهذا الهدف وراء لكواليس)، وهكذا تجبر هذه الأسر على زج أولادها في بؤر الفساد الأخلاقي والجنوح إلى الموبقات ولعل واقع المخدرات من أهونها".
…كما أضاف العلماء في رسالتهم أن "الحوزات الشيعية ماضية في تجاهل هذا التعميم (من وزارة التربية) مصرة على عدم الاستجابة له، ومدارس الشويفات تضيف إلى منهاج المرحلة الأساسية ما تشاؤه من الزيادات في الساعات والمقررات، والمدارس التبشيرية الأجنبية ماضية في مناهجها الخاصة بها وأساليبها التربوية دون أي معارضة ولا إشكال".
التعليم الديني "خطأ أكاديمي"
…من جهته رد د.محمد حبش، النائب الإسلامي في مجلس الشعب السوري، على رسالة العلماء السوريين. وقال لـ"العربية.نت": "هذه رسالة تتضمن تخوينا لمشروع حضاري وتطويري واضح تماماً يعتمد على قانون صدر عام 2002، وهو مد التعليم الأساسي إلى الصف التاسع وحكما تأجيل المواد الاختصاصية إلى ما بعد التعليم الأساسي ومنها المواد الشرعية، وهذا التطوير تم إقراره في البرلمان وبدأت وزارة التربية بالإعداد لتنفيذه".(37/153)
…وأضاف النائب الذي يوصف بأنه مؤيد للنظام السوري: "أؤيد المشروع وأنا شخصيا ابن التعليم الديني الذي حصلت عليه حتى الصف السابع وأعتبر أنه خطأ أكاديميا، لأنه لم تتح لنا فرصة تعلم الفيزياء ولا الكيمياء ولا الرياضيات وفيما بعد استدركنا ذلك عن طريق الدراسة الحرة، الاختصاص بالتعليم الديني والتخلي على العلوم الكونية من الصف السابع خطأ، وأعتبر أن التعليم في المدارس الشرعية يجب أن يبدأ بعد التعليم الأساسي". وتابع "تقول الرسالة إن المدارس الشرعية تقدم التعليم العام والتعليم الديني أي تحمل الطالب منهاجين وأنا أعتبر أن هذا خطأ أيضا، لأنه لا يوجد سبب لتحميل الطفل منهاجين اثنين كاملين مما يؤدي إلى ضعف الأداء والتشتت بين الدراسة العامة والشرعية". وقال إن "عددا من الذي وقعوا على البيان سحبوا توقيعهم ومنهم الشيخ البوطي الذي تراجع عن التوقيع على هذا البيان الذي اتبع أسلوبا ليس أسلوب الخطاب الديني السوري". ولم يتسن لـ"العربية.نت" الاتصال بالدكتور البوطي للحصول على رأيه.
اجتماع للشواذ في القدس!!
إعداد الراصد
…هذا هو جزء من المؤامرة التي تحاك للمسلمين اليوم وخاصة في فلسطين بإغراقهم بطوفان من الأفكار المنحرفة باسم الدين تارة ، كالبهائية والقاديانية والقرآنية وغيرها من الدعوات الضالة والمنحرفة ، أو بالأفكار المنحلة كالإباحية والشيوعية والمثلية والنسوية وغيرها .(37/154)
…فقد أعلن موقع "لشواذ فلسطين" والذين هم نتاج التربية الإسرائيلية عن نجاحهم في استضافة "موكب الفخر" والذي هو تجمع للشواذ من كل أنحاء العالم للعام الخامس في مدينة القدس في شهر 8/2006، والملفت للنظر هو التسمية المغلوطة " الفخر " بالشذوذ والفجور، هذا وقد سبق إقامة هذا الموكب عام 2000م في روما . وفي محاولة لتسويق هذا الفكر الشاذ جعلوا الدافع هو "التفاؤل والإلهام من خلال الإدراك لطابع المدينة المتنوع والمتميز" وهو "احتجاج ضد الكراهية" و "وهو يبعث في المدينة بصيصا من الحب والأمل" ولذلك كان شعارهم "حب بلا حدود" !!!
…أما عن فعاليات هذا التجمع الشاذ والذي هو بمثابة مهرجان لأسبوع واحد. سيشتمل على معارض وعروض مسرحية، حفلات، أفلام يتم عرضها في سينماتيك في القدس، محاضرات وفرص للمشاركة في احتفالات دينية وورش عمل حول مسائل ثقافية واجتماعية تتعلق بمجتمع المثليين والمثليات.
ستصل الأحداث إلى ذروتها في مؤتمر خاص يشارك فيه رجال دين مثليين ومثليات من مختلف أنحاء العالم - وفي الموكب والاحتشاد اللذان سيكونان بمثابة التعبير المرئي والجماهيري لنضالنا وللفخر، المساواة والتسامح في القدس وفي العالم. أما عن سبب إقامة هذا الشذوذ في القدس المدينة المقدسة فيقولون : سيجتمع في أحداث الفخر العالمية في القدس أشخاص من مختلف أنحاء العالم لنقل رسالة مفادها أن الشرق الأوسط والعالم بأسره في أشد الحاجة إلى هذه الرسالة: حقوق الإنسان تخترق الفروق الثقافية والعرقية. يمكن، بل ومن الواجب، احترام المغايرة بهدوء وسكينة، فالحب لا يعترف بالحدود. لا يوجد أي مكان أكثر ملاءمة لإسماع مثل هذه الرسالة أكثر من مدينة القدس، ولا توجد أي مدينة يجدر بها أن تستمع إلى هذه الرسالة أكثر من القدس.(37/155)
…وأخطر ما في الموضوع هو محاولة إضفاء صبغة شرعية على الشذوذ، وذلك من خلال بعض الشواذ الغربيين الذين يدعون الدخول في الإسلام وغالباً ما يكون ذلك تأثراً بأفكار منحرفة عن الإسلام كالصوفية الغالية في وحدة الوجود والإتحاد أو أفكار باطنية ، كما أن بعض القيادات الباطنية غير العربية متوقع أن يكون لها دور في ذلك ، ولذلك يقول الموقع عن موقف الإسماعيلية الآغاخانية : ( الرئيس الروحاني لهذا المذهب، الأمير آغا خان، يُعتبر من نسل النبي محمد، وهو قد ابدى انفتاحا للحوار مع التيارات الاسلامية المعاصرة. رغم انه لم يعلن بشكل رسمي عن اي تصريح يدعم المثلية، فهنالك ثقة بانه سيكون اول من يفعل ذلك قريبا).
…كما أن هناك تيارات في أوساط مسلمي الغرب منها جمعية الفاتحة تروج لهذا الفكر !! ويخشى من تبنى فكرها في المنطقة.
جدل حول «بوادر» للفتنة الطائفية في البحرين
الشرق الأوسط 6/7/2006
…
…لم يكن الأمر يحتاج لأكثر من سبب بسيط ليتحول فجأة لحادثة عراك في أعلى سلطة تشريعية في البحرين. ويكشف هذا السبب البسيط أن هناك جدلا لم ينقطع حول الفتنة الطائفية المستترة بين مجموعة من الطائفتين السنية والشيعية في البحرين، وبالرغم من أن الخلاف الذي حدث بين نواب البرلمان السبت الماضي كان سياسيا بالدرجة الأولى، إلا أنه سرعان ما تحول إلى خلاف ونزاع طائفي، ظهر فجأة بين ممثلي الشعب، فهل بوادر الفتنة الطائفية بين الشيعة والسنة متوافرة في البحرين؟(37/156)
…وإذا كانت البحرين تعتبر البلد الخليجي الأكثر إظهارا لهذا الخلاف بين الطائفتين الرئيسيتين لدى المسلمين، فإن ذلك لا يعكس الترابط الذي خلقه المجتمع البحريني أيضا بين أفراد الطائفتين؛ فالتزاوج بين أفراد المجتمع غدا أمرا طبيعيا وليس مستغربا بين البحرينيين أنفسهم، بل أن هناك من التيار الرافض لوجود هذه الفتنة يدلل بعدم وجودها بهذا الترابط بين الطائفتين. إلا أن هناك آخرين يرون ضرورة معالجة هذه القضية الحساسة حاليا وبأدوات عملية، قبل أن تستفحل ويصعب تداركها.
وهنا نشير إلى إحدى أدوات الطائفية التي تنتشر بين البحرينيين، وهي تداول كل طائفة قائمة بالعاملين بوزارات معينة مصنفين على حسب طائفتهم، ويتبادل البعض منهم نسخا من قوائم تخص وظائف وأسماء موظفين في هذه الوزارة ومقارنتهم بأعداد الطائفة الأخرى، وهي وسيلة بالطبع يقوم بها البعض لتأكيد أن هذه الطائفة مظلومة مقارنة بنظيرتها الأخرى.
…ويعترف الشيخ عبد الله العالي، النائب الشيعي في البرلمان البحريني، بوجود «بوادر» للفتنة الطائفية بين بعض البحرينيين، معتبراً أن هناك من الجانب الشيعي ما زالت لديه آثار لم تزل من فترة ما قبل الإصلاحات السياسية التي شهدتها البحرين مع قدوم الملك حمد بن عيسى ملك البحرين، مؤكدا أن الطائفة الشيعية «ظلمت كثيراً في تلك الفترة وحرمت من كثير من الامتيازات التي حصرت في المواطنين من الطائفة السنية، وأستطيع التأكيد أن الإنصاف لم يشعر به المواطنون الشيعة على الإطلاق في تلك الفترة، ومن الطبيعي أن تبقى آثاره باقية حتى هذه اللحظة»، ويشير الشيخ العالي إلى هذه التراكمات من فترة ما قبل الإصلاحات السياسية والبرنامج الإصلاحي للملك حمد «شكلت ردود فعل وخيبة أمل لدى البعض من الشيعة، بأن الظلم ما يزال مستمرا، وهو الأمر الذي لا يمكن تجاهله بتاتا».(37/157)
…ويضيف الشيخ العالي أنه حتى الآن لا يمكن القول «أو لا يملك أحد القول أن التمييز ضد الشيعة قد انتهى في البحرين، بدليل أن الوظائف محدودة والمناصب القيادية محصورة على أفراد الطائفة السنية، وهو الأمر الذي يبقي الكثير من الترسبات داخل الصدور ولا يمكن بسهولة إزالتها»، إلا أن العالي يستدرك بالقول إنه في كل مجتمع متعدد الطوائف تحدث أحيانا حوادث قد يفهم منها أنها نزاع طائفي «وهذا بسبب الثقافات الطارئة التي تحدث بالمنطقة مثل ما يحدث من نزاع طائفي في العراق أو أفغانستان.
…وبطبيعة الحال هناك من يتعاطف مع هذه الطائفة أو تلك، لكني برغم كل ذلك أستطيع القول إن المجتمع البحريني مجتمع متماسك ولم يؤثر فيه هذا الفكر الطارئ إلا بنسبة قليلة»، وبرغم ما أثاره الشيخ العالي من نقاط حساسة لها دورها في ما سماه بوادر الفتنة الطائفية، ولكنه في الوقت ذاته يوضح أن تناسق المجتمع البحريني بطائفتيه السنية والشيعية «سيتغلب على أي أسباب داخلية كانت أو خارجية، ولا أدل من ذلك أنني وبصفتي رجل دين أقوم بإجراء عقود الزواج، كثيرا ما أقوم بإجراء عقود لرجال شيعه يتزوجون بنساء سنيات ورجال سنه يتزوجون بنساء شيعيات».(37/158)
…ويتفق مع رأي العالي النائب السلفي الشيخ جاسم السعيدي، في وجود بوادر تلك الفتنة الطائفية بين «بعض» المواطنين البحرينيين، لافتا أن هذه القضية الجميع لا يزال يتحدث عنها بصوت منخفض «برغم أن ما يعرض على سبيل المثال في الصحافة يوميا ينبئنا بأن وجود طائفية، هو أمر ظاهر وغير مخفي، والقريب والبعيد يعرف ذلك»، ويحذر الشيخ السعيدي من حدوث ما لا تحمد عقباه في البرلمان المقبل، عندما يشارك المقاطعون «عندها ستتحرك بعوث الطائفية. وسبب ذلك أن المقاطعين سيدخلون المجلس التشريعي وهنا سيبدؤون في إزالة الأقنعة عن تطلعاتهم»، مضيفا «أتمنى أن لا نرى تأجيجا للطائفية في البرلمان المقبل، وعندها ستكون الصورة أسوأ مما هي عليه الآن». ويقول الشيخ جاسم السعيدي إن القيادة البحرينية سعت إلى القضاء على الطائفية «والدليل إعطاء الكفاءات والفرص للجميع. وهذا ما يلاحظه الكثير من الحقوقيين والسياسيين، وأصبح هناك من الإخوة الشيعة من يتقلدون مناصب عالية في الوزارات، بل أصبحوا وزراء في عدد من الوزارات القيادية والمهمة».(37/159)
…من جهته، يبدي نائب رئيس البرلمان البحريني عبد الهادي المرهون، أسفه لوصول الطائفية للمجلس النيابي، بل أنه يعتبرها جزءا من المجتمع البحريني «وما يحدث في المجتمع من الطبيعي أن تكون له انعكاساته على المجلس والعكس صحيح، حيث أن النقاشات الصريحة في المجلس من الطبيعي أن تنعكس هي الأخرى على المجتمع، وهي إحدى السلبيات للأسف الشديد»، وينوه المرهون بأنه من واجبات النواب ـ وأن تكون من مهمات المجلس ـ تعزيز الوحدة الوطنية وتعزيز عوامل التوافق الاجتماعي، «فالاختلاف لا بد أن يقتصر تحت القبة البرلمانية، وبالتالي على النواب التدقيق في ما يصدر عنهم من عبارات حتى لا يؤثر ذلك على عمل المجلس وعلى المواطنين وعلاقاتهم ببعضهم البعض»، مبينا أنه تمت بذلك جهود كبيرة في كتلة الديمقراطيين (التي يرأسها المرهون) بالاشتراك مع الكتل الأخرى لاحتواء تلك الأزمات، «فنجحنا أحيانا، غير أننا أخفقنا في أحيان أخرى، خاصة مع الظاهرة الجديدة التي برزت في المجلس من سؤال وسؤال مضاد. ففي اعتقادي أن من حق النائب التعبير عن رأيه وأن يوجه سؤالا لمن يريد من أجل أن ينتزع معلومة أو يتعرف على خلل خاص بالأداء الإداري أو المالي بأجهزة الدولة، غير أن ما شهدناه في الفترة الأخيرة ـ من قيام بعض النواب بتوجيه أسئلة لها مدلول معين وفي المقابل يحاول النواب الآخرون توجيه السؤال على نفس المدلول وبنفس المنحى ـ هو ما دفعني أن أدعوهم جميعا للتوقف عن مثل هذه الممارسات التي لا تعود بالفائدة على الناس بل إنها تنخر في مجتمعنا وتفرقه». ويضيف عبد الهادي المرهون «للأسف الشديد وقع ما كنت أحذر منه، فقد كنت ألمس من خلال علاقاتنا مع بعض النواب أنهم يسيرون في هذا المنحى الطائفي، حتى حدث الاحتكاك المباشر الفعلي وأفرز نتائج سيئة غير محمودة العواقب، لكن أتصور أن البحرين قطعت شوطا كبيرا في التغلب على القضية الطائفية والمذهبية، وتعيش حاليا فترة تعايش كبير(37/160)
يجب الحفاظ عليه».
المفتي قباني:
دار الفتوى لن تقبل بعد اليوم بفتح ملفات لأهل السنّة في لبنان
مجلة الأمان اللبنانية 30/6/2006
…أطلق مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ الدكتور محمد رشيد قباني نداء شديد اللهجة قال فيه: «إن دار الفتوى في الجمهورية اللبنانية لن تقبل بعد اليوم بالتنكيل بأهل السنة في لبنان»، وأضاف أنه «لن نقبل باستمرار فتح ملفات الموقوفين لأهل السنة في لبنان وباستمرار التأجيل والمماطلة فيها»، وقال إنه «سيأخذ على عاتقه قيادة هذه المسيرة لمواجهة الإرهاب الأمني في لبنان».
…أطلق قباني نداءه بعدما استقبل في دار الفتوى أهالي الموقوفين في القضايا الإسلامية، بحضور النائب عمار الحوري ومفتي جبل لبنان الشيخ محمد علي الجوزو ورئيس هيئة رعاية السجناء وأسرهم في دار الفتوى القاضي الشيخ محمد عساف، ومحامي الدفاع عن الموقوفين. بعد تلاوة من القرآن الكريم للشيخ خالد العارفي، طلب المفتي قباني من أهالي الموقوفين أن يشرحوا المعاناة التي تعرضوا لها والظلم الذي حاق بأبنائهم.
شهادات ذوي الموقوفين
هدى (زوجة الشيخ محمد الأنصاري) تساءلت: «هل يعقل أن تتم إهانة رجل دين (زوجها) يتبع لدار الفتوى بهذا الشكل، فالأجهزة الأمنية اتصلت بزوجها طالبة منه المجيء لسؤاله عن بعض الشباب الذين يعرفهم، فإذا بهم يعتقلونه بتهمة لا نعلم عنها شيئاً.
…وأشارت هدى إلى أن زوجها أقرّ لدى الأجهزة الأمنية بأنه يحوز سلاحاً في منزله، وهو سلاح يخدم العمل المقاوم في الجماعة الإسلامية، وقد أقرّت الجماعة الإسلامية بذلك. وأضافت هدى أن زوجها لم يتعرض لتعذيب جسدي، وإنما تعرض لتعذيب نفسي يفوق التصور، فقد كان يتم تعذيب رفاقه «بالفرّوج» و«البلانكو» سعياً لنزع اعترافات زائفة منه.(37/161)
…عبير (شقيقة الموقوف المقعد خليل السودا) سردت على الحاضرين قصة شقيقها فقالت إن شقيقها انضم إلى صفوف المقاومة الإسلامية في الجماعة الإسلامية خلال فترة تحرير شرق صيدا، وقد أصيب خليل منذ عشرين عاماً بإصابة أقعدته، وقد أمضى سنوات طويلة يعاني من الإصابة، وسافر إلى فرنسا للمعالجة. وتساءلت عبير: هل يعقل لشخص مقعد أن يكون قائداً وأميراً لتنظيم القاعدة، وهل بات قارئ القرآن خبير متفجرات؟
…وأضافت عبير أن المحققين مارسوا ساديّتهم وجرائمهم على خليل، وكانوا يغضبون لأنه لم يكن يشعر في أطرافه السفلية مما فوّت عليهم فرصة التمتع بتعذيبه، وقالت بأن شقيقها تمّ تعذيبه بالكهرباء وتمّ نقله إلى مستشفى الحياة للمعالجة من تسمّم الدم. والدة الموقوف يوسف القبرصلي (المتهم بمحاولة اغتيال السيد حسن نصرالله) قالت إن ابنها مريض نفسياً منذ سنوات، وكان يقضي الأسابيع الطوال وهو نائم نتيجة الأدوية التي وصفها له الأطباء، وأشارت إلى أن ابنها حاول الانتحار أكثر من مرة، وهو الآن موقوف في سجن رومية دون أكل أو نوم، ويسألني في كل زيارة له: «لماذا أنا موقوف هنا؟» فلا أعرف بماذا أجيبه، وأنا أسألك يا سماحة المفتي هل يعقل لمريض نفسياً أن يخطط لاغتيال من عجزت عن اغتياله إسرائيل؟
…أحمد نبعة (شقيق حسن ومالك وخضر نبعة الموقوفون بتهمة تأليف شبكة للقاعدة) أشار إلى أن شقيقه حسن رجل دين تخرج من المدينة المنورة، وهو تعرض لتعذيب شديد كتكبيله من الخلف لمدة أربعة أيام متواصلة، ومازال يعاني من أوجاع يديه حتى الآن.(37/162)
…وقال «نبعة» إن التهمة على أشقائه إن صحت فيجب أن تكون فقط للتواجد في سوريا لمساندة ومساعدة المجاهدين في العراق، وقال نبعة بأن شقيقه الأكبر «خضر» اتصل بإخوته الموقوفين وسألهم إن كانوا بحاجة إلى طعام، فأجابته العناصر الأمنية بالإيجاب، فلما جلب الطعام تمّ توقيفه معهم، وهو لم يغادر لبنان مطلقاً، وهو موقوف ظلماً منذ أكثر من ستة أشهر. ويضيف نبعة فيقول: إن كان لأحد الحق بالمقاومة فهو أنا وإخوتي الموقوفين لأننا من مزارع شبعا.
…والدة الموقوف عامر حلاق (نجل الشيخ عبد الله الحلاق) قالت بأن ابنها تخرج مهندساً من جامعة بيروت العربية، فإذا بالأجهزة الأمنية تعتقله وتقوم بتعذيبه، وهو الآن فاقد للسمع نتيجة التعذيب.
…أحد الذين تمّ توقيفهم بتهمة الضلوع بأحداث 5 شباط بالأشرفية قال: دهمت الأجهزة الأمنية منزلي بعد منتصف الليل حيث استيقظت على صراخ أبنائي الستة، وحاولت القوى الأمنية تحطيم باب المنزل، طلبوا مني مرافقتهم، استمهلتهم حتى الصباح فرفضوا، نقلوني إلى فرع المخابرات، سألتهم عن التهمة فأجابوا ممنوع، أريد الاتصال بأهلي.. ممنوع، أمضيت إضافة إلى باقي الموقوفين عدة أيام نأكل ونشرب ونقضي حاجتنا أمام بعضنا، بعدها نقلونا إلى وزارة الدفاع، حيث تمّ عصب أعيننا ولم نكن نسمع إلا الشتائم والإهانات والصراخ، وبعد أن أمضينا عدة أيام نقلونا إلى المسلخ البشري في الفياضية، حيث تمّت تعريتنا كما خُلقنا أمام أعين بعضنا البعض، وتمّ وضعنا لساعات عدة تحت المطر... وهنا تساءل المتحدث: هل نحن بهائم حتى نُعامل بهذه الطريقة؟!
نداء مفتي الجمهورية(37/163)
…بعد الشهادات التي أدلى بها الأهالي والموقوفون المخلى سبيلهم طلب مفتي الجمهورية من وسائل الإعلام تسجيل نداء سيوجهه، فقال في ندائه:«هذا نداء موجّه من مفتي الجمهورية اللبنانية ومن دار الفتوى في الجمهورية اللبنانية إلى رئيس الحكومة أولاً فؤاد السنيورة ثم إلى وزير الداخلية (بالوكالة) أحمد فتفت، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، ومخابرات الجيش والمحكمة العسكرية والمديرية العامة لقوى الأمن الداخلي والأمن العام وكل المسؤولين، كلمة موجزة وقصيرة، حازمة وحاسمة، وهي أن دار الفتوى في الجمهورية اللبنانية لن تقبل بعد اليوم باستمرار فتح ملفات الموقوفين (لأهل السنّة) في لبنان، ولن تقبل باستمرار التأجيل والمماطلة فيها. منذ شهور طويلة نتكلم ونتخذ المواقف ونصرّح ولا حياة لمن تنادي.
…آمل من جميع المسؤولين اللبنانيين ألا يتوصّل مفتي الجمهورية إلى اتهام المسؤولين جميعاً بأن هناك إرهاباً أمنياً في لبنان على جميع المستويات. لقد اطلعنا على أساليب التعذيب الإرهابية التي لم نسمع بمثلها في سجن أبو غريب على أيدي الأميركيين المحتلين في العراق.. الكهرباء، الضرب، التصرفات الداعرة اللاأخلاقية، كلها تمارس مع الموقوفين في لبنان.
…أنا أطلب طلباً واحداً من جميع المسؤولين، لا بد من أن يأتي أي مسؤول إلى دار الفتوى ليتكلم مع مفتي الجمهورية حتى نرفع الظلم عن المظلومين، إذ ما زالت بقايا الجهاز الأمني السابق في لبنان تعيث فساداً في أكثر الإدارات».(37/164)
…أضاف أنه «منذ هذه اللحظة سآخذ على عاتقي قيادة هذه المسيرة لمواجهة الإرهاب الأمني في لبنان، وكل من يقف حجر عثرة في التباطؤ أو المماطلة في استمرار فتح ملفات الموقوفين.. لقد أحوجني المسؤولون لأن أقول لأول مرة إننا لن نقبل بعد اليوم بالتنكيل بأهل السنة في لبنان. أقول ذلك وليكن ما يكون، وبعد أيام إن لم يتحقق شيء مما طالبت به فسوف أدعو أهالي الموقوفين إلى اعتصام مستمر في دار الفتوى ليلاً ونهاراً، وفي مرحلة ثانية إن لم يتحقق شيء من ذلك فسوف أدعو جميع المسلمين إلى الاعتصام في دار الفتوى».
جنرال أمريكي ينشر خارطة جديدة بـ"حدود دينية" للشرق الأوسط
العربية نت 25/7/2007
…نشرت المجلة العسكرية الأمريكية المتخصصة "أرمد فورسز جورنال" خارطة جديدة للشرق الأوسط، وضعها الجنرال المتقاعد رالف بيترز، وقسّم فيها المنطقة إلى دول سنية وشيعية وكردية، إضافة إلى دولة اسلامية تضم الأماكن المقدسة مستقلة عن دولة السعودية، ومملكة الأردن الكبرى ودويلات أخرى. وعلى حد زعم الجنرال الأمريكي فإن تقسيم المنطقة على أساس الطوائف والاثنيات بحيث تعيش كل طائفة أو قومية منفصلة عن الطوائف والقوميات الأخرى في دولة سياسية مستقلة، من شأنه أن ينهي العنف في هذه المنطقة. ورأى محلل عسكري عربي أن الخارطة التي نشرها الجنرال الأمريكي المتقاعد "غير رسمية"، وهي "رؤيته الشخصية التي تعكس تصوره إزاء شرق أوسط جديد يمكن أن يكون خاليا من العنف"، قبل أن يصف الخارطة بـ"الغريبة" مؤكدا أن الشارع العربي سيعتبرها "مؤامرة" تهدف إلى تفتيت المنطقة طائفيا.(37/165)
…وقال الجنرال بيترز، في تقريره الذي نشره مع الخارطة في عدد المجلة العسكرية الشهرية " أرمد فورسز جورنال" (armed forces journal ) هذا الشهر، والذي عنونه بـ"حدود الدم"، إن الولايات المتحدة المتحدة الأمريكية "أضاعت فرصة ثمينة لأنها لم تقدم على تقسيم العراق إلى دول بعد سقوط النظام السابق حيث كان من الممكن مثلا إعلان قيام الدولة الكردية وجميع الأكراد يطالبون بذلك وتجميع الأكراد من إيران وسوريا وتركيا في هذه الدولة".
شرق أوسط بحدود دينية
…ويوضح الجنرال الأمريكي رؤيته بأن الدول الأوروبية التي استعمرت المنطقة قسمتها "على أساس جغرافي بحيث لم تكن الحدود التي وضعتها مستقرة على مر الزمن"، وأضاف أن هذه الخارطة "تصحح الوضع القائم من خلال تقسيم الشرق الأوسط على أساس ديموغرافي من حيث الحقائق القومية والمذهبية والطائفية"، زاعما أن "الحل المناسب لوقف إراقة الدم في المنطقة هو ألا تبقى الطوائف المختلفة والمتابينة مع بعضها، وتعيش كل طائفة في كيان سياسي خاص بها".
…ووفق الخارطة التي أعدها الجنرال الأمريكي فإن دولة كردستان تشمل كردستان العراق وأجزاء من تركيا وإيران وسوريا وارمينيا وإذربيجان, ويعتقد أنها ستكون أكثر دولة موالية للغرب ولأمريكا في المنطقة الممتدة بين بلغاريا واليابان. ووفق الخارطة تقوم دولتان شيعيتان عربية وفارسية، وتمتد الدولة الشيعية العربية من جنوب العراق إلى الجزء الشرقي من السعودية والأجزاء الجنوبية الغربية من إيران. كما يقسم الجنرال الأمريكي في خارطته السعودية إلى دولتين : دولة الأماكن المقدسة ودولة أخرى سياسية يقتطع منها أجزاء لصالح دول مجاورة.
خارطة "ليست رسمية"(37/166)
…ويعلق رياض قهوجي، مندوب المجلة في الشرق الأوسط ومدير عام مركز الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري بدبي، على هذه الخارطة قائلا "هذه نظرية ابتدعها جنرال متقاعد في الجيش الأمريكي وهي من بين النظريات التي تطرح من وقت لآخر ولكن الخارطة ليست رسمية".
…ويقول قهوجي للعربية.نت: "لم يسبق أن طرح موضوع تقسيم الشرق الأوسط بهذا الشكل، وما طرح هو إمكانية تقسيم العراق إلى دويلات شيعية وسنية وكردية ولكن الموقف الرسمي الأمريكي لايزال مع وحدة العراق". وتابع " أعتقد أن الهدف من طرح هذه الخارطة الآن هو أن الشرق الأوسط أصبح اليوم أولوية في أمريكا، والحديث جار عن شرق أوسط جديد".
…ويوضح "يقول هذا الجنرال إن طريقة تقسيم الشرق الأوسط منذ سايكس بيكو لم تأخذ بعين الاعتبار العلاقات القبلية أو الاثنية والطائفية... وهو يرى بإعادة تجميع الشعوب بطرق متجانسة، السنة مع بعضهم البعض، والشيعة الفرس في دولة لهم لوحدهم، والشيعة العرب لوحدهم، هذه رؤية شخصية تقول إذا كانت المجتمعات كلها متجانسة لن يكون هناك احتكاك أو صراع وبالتالي تنتهي أزمات الشرق الأوسط".
…وأضاف " لا أتصور أن لدى هذا الجنرال إدراك عميق لوضع المجتمعات العربية اليوم وعلاقات الشعوب مع بعضها ولو أدركها بشكل دقيق لما أبدع هذه الخارطة الغريبة بهذا الشكل". وفيما إذا كان العالم العربي يتقبل هذه الخارطة، يقول الخبير رياض قهوجي أن هذه الخارطة سوف "تثير تساؤلات وضجة وتدفع الكثيرين إلى اعتباره مؤامرة أمريكية، وبنظري الخارطة بعيدة عن الواقع".
صعود الهلال الشيعي!
تمام البرازي الوطن العربي ـ 5/7/2006(37/167)
…(هذا المؤتمر نموذج لصناعة القرار في أمريكا ، وهو يوضح تناقض السياسات الأمريكية، بسبب تعدد مراكز صنع القرار وتباين خلفيات المستشارين ، وهو يوضح أهمية قيام السنة بتوضيح الحقائق للغرب ساسة وشعباً و لا نتركهم للإسرائيليين من جهة أو الموتورين من الطوائف الضالة. الراصد)
عقد في واشنطن مؤتمر عنوانه "صعود الهلال الشيعي وانعكاساته على السياسة الأميركية في الشرق الأوسط".. وفيه طرح ريتشارد هاس رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأميركية العديد من الأسئلة عما إذا كان يمكن النظر للشيعة بمعزل عن إيران وهل هناك شيء اسمه الشيعة الأممية. واشترك في هذا المؤتمر في هذا المؤتمر كل من فالى نصر وفؤاد عجمي وغريغوري غوز، وأدلوا بآراء مهمة في هذا الشأن.
"الوطن العربي" حضرت المؤتمر.. وهذه تفاصيل ما دار فيه:
في البداية تحدث فالى نصر قائلا: إنه من الخطأ التفكير أن هناك وحدة شيعية يمكن السيطرة عليها من مكان واحد. فالشيعة بصفة عامة يشتركون في مشكلة مشتركة. وهي التهميش سواء كانوا أكثرية أم أقلية. وهم متعلقون بإيران ثقافيا وإيمانيا، لكن هذا لا يعني أن إيران تتحكم بهم.
وقطاع كبير من السنة يعرفون الشيعة بأنهم عملاء لإيران. ولذا من الطبيعي للشيعة أن ينظروا لإيران على أنها مصدر الدعم لهم. وأعتقد أن أكبر الأخطاء التي يمكن أن يرتكبها صانعوا السياسة الخارجية الأميركية هو ابتلاع هذا الطعم ودمج احتواء إيران مع احتواء الشيعة.. لأننا لو قمنا بذلك فإننا سنعزز الطائفية كبند من بنود السياسة الخارجية الأميركية وكواقع على الأرض في المنطقة، وعندها علينا احتواء ومعالجة أوضاع العراق.
وهنا تساءل ريتشارد هاس: ما هي التبعات السياسية لهذا التحليل؟(37/168)
- وأجاب نصر: لقد غادر قطار الديمقراطية المحطة، وقد رمت الإدارة الأميركية هذا النرد وارتفعت وتيرة التوقعات لدى الشيعة. وهناك طرق صحيحة لتحقيق ذلك وطرق أخرى تثير المشاكل. وغالبا ما ننسى مثال أفغانستان.
فمثلا بعد سقوط حركة طالبان فإن الولايات المتحدة كانت هي التي طالبت بإدخال الشيعة في المجتمع السياسي الأفغاني لأول مرة في تاريخ هذا البلد. واعترفت بالمذهب الشيعي وقوانينه في الدستور الأفغاني. وهذا مثال جيد.. ومن ثم لدينا مثال العراق الذي تسوده الاضطرابات لعدة أسباب.
وفي النهاية لا اعتقد أن الولايات المتحدة تستطيع أن تتخذ قرار لوقف تحول السلطة إلى الشيعة. والسؤال هو: كيف يمكن إدارة هذا التحول حتى نتمكن من الحصول على المزيد من أمثلة أفغانية عوضا عن المثال العراقي؟.
وللإجابة عن هذا السؤال تحدث فؤاد عجمي: إنني شيعي أو على الأقل ولدت شيعياً في لبنان. وكتبت منذ 20 عاما كتابا عن اختفاء الإمام موسى الصدر وكان كمقدمة لي لمسألة الشيعة...
…وأنقل عن كتابي القادم ما قاله الرئيس جورج بوش لبريمر "الحاكم الأميركي السابق للعراق" في 4 يونيو "حزيران" 2003 عندما التقاه في قاعدة جوية في قطر: هل سيقدر الشيعة في العراق على حكم بلد حر في ظل تشكيك بعض القادة السنة في المنطقة في ذلك بقولهم إن الشيعة كذابون؟.. فأجابه بريمر: "لا أوافق على ذلك لأنني قابلت العديد من الشيعة الشرفاء والمعتدلين وإنني واثق من أننا يمكننا التعامل معهم".(37/169)
وأضاف عجمي: ولو عدنا إلى العام 1921 عندما تأسست الدولة العراقية الحديثة، فقد اجتمعت جرتود بل مع نقيب الأشراف الكيلاني فقال لها النقيب خلف الأبواب المغلقة: إن معظم الذين يتحدثون ضدكم هم أناس بلا اسم أو شرف ولكنني أحذرك من الشيعة الذين لا أعاديهم ولكن إذا قرأت تاريخهم ستجدين أن أهم صفة لهم هي التقلب.. فلا تعتمدي عليهم.. ويقول إيلى خدورى "إن النظام الذي ظهر في العراق آنذاك كان إنكليزيا سنيا".
وحاليا يثار التساؤل عما إذا كان النظام الجديد في العراق هو نظام أميركي شيعي. وأرى أنه ليس نظاما أميركيا شيعيا بل إن الغزو الأميركي للعراق أعطى الفرصة للشيعة لتسلم السلطة في بلدهم، وهم لا يمكنهم احتكار العراق كما أنهم لا يريدون ذلك. ثقوا بي لقد زرت العراق 6 مرات واتقيت الجميع هناك من السيستاني إلى العراقي العادي. وأرى أن الفكرة القائلة إن الوحش الشيعي يخطف العراق هي أسطورة.
علاقة عابرة للحدود
…هاس: إذا كان ما يحرك الشيعة أنهم محرومون في الشرق الأوسط الذي يسيطر عليه السنة والأميركيون. وإذا نحن دخلنا حاليا في حقبة سيحقق الشيعة فيها طموحاتهم. فهل ندخل في مرحلة الخطر؟
وأجاب غريغوري غوز: أعتقد أولا أن الشرق الأوسط لن يسيطر عليه الشيعة. ولكن لا ننسى أن هناك تطلعا للشيعة خارج بلدانهم، فمثلا قطاع من الشيعة في المنطقة ينظرون إلى آية الله السيستاني كمرجعهم وليس للشيعة العراقيين فقط. ولا يمكن إنكار هذه العلاقة العابرة للحدود ودون شك فإن الثورة الإيرانية في بدايتها وحماسها الثوري حاولت تصدير الثورة وإقامة صلات، بعضها تآمري مع الشيعة في المنطقة. إذن هناك صلات مهمة عابرة للحدود بين الشيعة.(37/170)
ثانيا: إننا رهينة لفكرة أن الدولة في هذا الجزء من العالم ضعيفة وهشة ومصطنعة ورسمها المستعمر ولا أحد يؤمن بها. وهذه الفكرة خطأ. فالدولة أهم لاعب سياسي في تلك المنطقة. ولقد تطلب كسر الدولة العراقية قوة أميركية ولقد كسرناها ودمرناها كليا. ونحن لم نقم بغزو العراق فقط بل دمرنا النظام ثم دمرنا الدولة العراقية ودمرنا الجيش العراقي وقلبنا البيروقراطية العراقية رأسا على عقب.
وحتى الثورة الإيرانية التي أحدثت تغييرا كبيرا من أسفل ولكن تم الحفاظ على الدولة الإيرانية. إذن الدولة قوية في الشرق الأوسط وستمنع قيام الهلال الشيعي من التشكل. وأعتقد أنه من وجهة نظر السياسة الأميركية فإننا نقول إنه لا يوجد هلال شيعي أو تهديد شيعي، فنحن نتعامل مع طوائف في بلدان ولدينا سياسات مختلفة.. وهذا ما نعمله.
…هاس: ولكن هل استلام الشيعة للسلطة في الشرق الأوسط أمر جيد أو سيئ للولايات المتحدة؟(37/171)
…- عن هذا التساؤل أجاب فؤاد عجمي: هناك صدمة عربية خلال العقود الثلاثة الماضية. ففي العام 1970 سيطر الجنود بقيادة حافظ الأسد على دمشق المدينة السنية البرجوازية. وفي 1983 ـ 1984 أصبحت بيروت الغربية السنية البرجوازية منطقة شيعية. وفي 2003 أطحنا الدولة السنية من العراق التي كان من الممكن أن تستمر ألف عام. هذه التغييرات الثلاثة هددت المصالح السنية وغيّرت الشيعة في نفس الوقت. ويجب ألا نخاف من الشيعة وعند الحديث عن الروابط بين الشيعة في المنطقة، فسنجد أن الشيعة في لبنان لم يؤيدوا الحرب الأميركية في العراق. وتحدث معي شيعي النجف بمرارة حول شيعة لبنان.. وأرى أن الشيعة سيتغيرون، عندما يمارسون السلطة، ويطالب الشيعة بالسلطة في لبنان وعندما يصلون إليها فإنهم سيتغيرون لقد كان هناك تعبير سني في العراق يقول إن السلطة السياسية للسنة وللشيعة هي جلد للذات.. ولكن الشيعة يقولون الآن لقد جلدنا أنفسنا بما فيه الكفاية ونريد السلطة والجيش والسفارات والمناصب والمال وسلطة الدولة.. ويجب ألا يكون تسلم الشيعة السلطة في بلدهم العراق تهديدا للولايات المتحدة.
هاس: إذن تسلم الشيعة للسلطة في العراق ثم في لبنان يجب ألا نهتم به؟
- عجمي: إنك تسألني يا سيد هاس نفس السؤال الذي طرحه علي الرئيس بوش الأسبوع الماضي في البيت الأبيض. إن سعي الشيعة للسلطة السياسية لن يتم بطريقة سلمية ولكن علينا أن نقبل بذلك.
البرنامج النووي
هاس: هل للتفاوض مع إيران حول البرنامج النووي بعد شيعي في المنطقة؟(37/172)
……- وأجاب فالي نصر عن هذا السؤال بقوله: لقد استفادت إيران استراتيجيا بما حدث في العراق، لأن هذا البلد لم يعد بعثيا.. أو ذو بعد قومي عربي ولم يعد الحكم سنيا.. وأعتقد أن الإيرانيين سينظرون لنفس الشيء في باقي دول المنطقة الأخرى... ويرون أن الشيعة أن الشيعة العرب سيكونون أصدقاء لإيران لأن العداء لهذا البلد كان مزروعا في أيديولوجية القومية العربية... وفي داخل إيران دار نقاش بين الداعين للسيطرة الشيعية العليا والذين يقولون إن هذا هو عصر الشيعة ويجب محاربة السلفيين السنة... وفي النهاية تغلب رأي الفريق الذي يرى أن أفضل طريقة لتحتل إيران موقعا إقليميا كبيرا هي أن تركز على إسرائيل والولايات المتحدة بعيدا عن الطائفية..
……ومن هنا نرى حملة نجاد ضد إسرائيل وأميركا. ولهذا يقومون بالحملة ضد الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم وضد المحرقة اليهودية.. وحتى عندما دعا الزرقاوي لقتل الشيعة في كل مكان أعلن الجنرال ذو القادر نائب رئيس الحرس الثوري الذي يعتبر أقوى رجل في طهران أن الزرقاوي لا وجود له وأن هذا كلام عملاء إسرائيليين أرسلوا لتقسيم المسلمين..
…هاس: هل ستعمل إيران على الإطاحة ببعض الدول السنية القوية في الشرق الأوسط؟
- نصر: بالعكس.. فبعد سقوط العراق مدت إيران يدها لمعظم الأنظمة العربية..(37/173)
…ولكن يجب أن نعترف بأن الاهتمام الإيراني بالوضع في العراق والبحرين أكثر منه من أي بلد آخر. ويجب أن نعترف أيضا أن شيعة العراق لديهم نفوذ كبير في تكوين الموقف الإيراني حول العراق. فآية الله السيستاني لديه نفوذ كبير في العراق حاليا وزوج ابنته يتشاور بانتظام مع آيات الله الكبار في إيران حول كل قرار يتخذه. وأقوى رجل على رأس القضاء الإيراني هو عراقي. ومعظم آيات الله الإيرانيين ولدوا في النجف وطردهم صدام حسين في السبعينيات والثمانينيات. ولا يرى شيعة العراق أن من مصلحتهم تزايد الهوة بين إيران والولايات المتحدة.
…هاس: ما هو تأثير نشوب حرب أهلية بين الشيعية والسنة في العراق على الشيعة الآخرين في الشرق الأوسط؟
- عجمي: إن النزاع السني الشيعي مميت جدا وبدائي ويزيل غلاف الحداثة.. وذلك بعد أن ادعى جيلنا أن الطائفية ستختفي، ولكن ذلك لم يحدث. والسر أن القومية العربية كانت غطاء سريا للإسلام السني. وحتى مراكز الدراسات الشرق أوسطية يسيطر عليها السنة العرب أو المسيحيون العرب ولهذا لا يتعاطفون مع الشيعة. ولا أعتقد أن الحرب الأهلية هي المستقبل للعراق...
وحول هذه النقطة تحدث أيضا غريغورى غوز قائلا: طالما استمر عدم الاستقرار في العراق والحرب الطائفية، فإن الشيعة في هذا البلد سيتجهون للاعتماد على إيران أكثر لأننا لن نبقى في العراق طويلا.. وقد قالت الحكومة الأميركية إنها وضعت الشيعة في السلطة، ولكننا الآن نساعد السنة أيضا للوصول إلى السلطة، ولهذا أطلق الشيعة على السفير الأميركي في بغداد خليل زاد "أبو عمر" وهي تسمية سلبية لأنه أصبح من وجهة نظرهم مع السنة وضد الشيعة...
وهنا علق فؤاد عجمي: لقد حصل الشيعة على السلطة في العراق ولن يهرب ولاؤهم منه إلى بلد آخر..(37/174)
ورد غوز: لم أقل ذلك.. وما قلته إن الشيعة في العراق يحتاجون لحلفاء ولم أقل إن لديهم ولاء لكم وسينفذون كل ما يقوله الإيرانيون. لكن السياسة العراقية ستجبرهم على التحالف مع إيران.
حافز لطهران
هاس: يطرح البعض أن على الولايات المتحدة أن تضع على مائدة المفاوضات مع إيران كحافز لها الدخول في حوار حول الأمن الإقليمي.. فهل أصبح النزاع السني الشيعي أهم من الحديث حتى عن القضية الفلسطينية؟
- يجيب نصر: لقد أصبح النزاع السني ـ الشيعي أهم من قضية فلسطين، لأن مثل هذا النزاع في العراق قد يتكرر في البحرين ولبنان ودول أخرى. ولهذا على الولايات المتحدة أن تدعو إيران والجيران والمهمين للعراق إلى حوار إقليمي كما حدث لدول الجوار أفغانستان. وهذا مهم ليس للشيعة فقط بل للسنة المتمردين الذين يدعمهم حلفاؤنا.. ودعوة إيران لهذا الحوار ستحول دون نزاع بين المصدريين والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق المتمثل بقوات بدر وبين قوات الدعوة الشيعية..
- وقال فؤاد عجمي: ما حاولت فعله هو أن أجعل الأميركيين يرون الأمور في المنطقة عبر عيون عربية . وإذا أخرجت مصر من العالم العربي فإنه لا توجد أغلبية سنية في العالم العربي بل تتحول المنطقة إلى مناطق متعددة الأعراق والطوائف.
ويجب ألا نخاف الراديكالية الشيعية بل يجب فهمها في إطارها الصحيح. ولعلنا نلاحظ أنه لم يكن هناك شيعي واحد من الـ 19 الذين هاجموا أميركا في أحداث 11 سبتمبر "أيلول" بل كان كلهم من السنة.. والراديكاليون السنة خرجوا من تلك الأنظمة السنية..
- وعلق غوز: لا يمكن إخراج مصر من العالم العربي، ولكن يجب أن نوقف النظر للأمور من العدسة الطائفية. والذي سيقرر مصير العراق هم العراقيون وليس جيرانهم.(37/175)
- وقال فالي نصر: سواء أحببنا النظام الإيراني أم لا فإنه يلعب دورا إقليميا ويجب التعامل معه ليس في إطار الملف النووي فقط. ثانيا فإننا إما أن ننكر أن هناك طائفية أو أن نرى كل شيء عبر الطائفية.
ولكن العالم العربي يرى الأمور من وجهة طائفية. ولقد اتهم صدام حسين في آخر تسجيل له في 28 أبريل "نيسان" 2003 الشيعة بأنهم خانوا العراق مثلما خانوا الخلافة العباسية في العام 1258.
ومنذ ذلك الوقت اعتبر العراق مشروعا إيرانيا وأن الشيعة خانوا الأمة العربية.. وتغلغل ذلك في الخطاب السياسي ولا يمكننا إهماله..
- وأضاف عجمي: إن العالم العربي مازال يدهشني بعدم اهتمامه بالحقائق، ويمكن أن ينظر إلى أي اندحار ويحوله إلى انتصار عظيم للشعب. والآن فإن المفكرين والنخبة السياسية العربية في حالة غضب وليسوا قادرين أو مستعدين لقبول العراق الجديد ويأملون أن يفشل. ويعتقدون أنه بعد انسحاب الأميركيين سيعود النظام القديم لبغداد. هذا هو الوهم العربي المستمر. فلقد تحرر الشيعة في العراق وزال خوفهم للأبد هناك..
واختتم فالي نصر المؤتمر بقوله: الحروب الأهلية التي نقيس بها مثل حرب لبنان أو يوغسلافية أو رواندا تختلف عما يجري في العراق.. فما يحدث في هذا البلد قد لا يكون حربا أهلية بل هو نزاع أهلي. وفيه عميا تطهير عرقي فمثلا السفير البريطاني يقول إن الأكراد طهروا الكثير من كركوك لجعلها كردية. ومناطق عديدة في بغداد جرى تطهيرها طائفيا...
من صور التغلغل الإيراني في تركيا
محمد أحمد العباد – الفرقان 17/7/2006
…منذ قيام النظام الإيراني وبداية حركته القوية في تركيا وهو يهدف إلى إقناع مختلف طبقات الشعب التركي بأن النظام الإيراني هو قائد الحركات الإسلامية، والتي تهدف في النهاية إلى تحويل مسلمي تركيا إلى مذهب الشيعة.(37/176)
…وللنظام الإيراني إمكانيات مادية واسعة، إذ أنه ينفق أموالاً باهظة بلا حدود ودون حساب، وإليكم أيها الإخوة الكرام صوراً من جهود النظام الإيراني في نشر دعوته، والتي يمكن تقسيمها إلى جانبين:
- الأول: جانب الدعاية والإعلام:
1-…الاهتمام بنشر الكتب التي تدعو للفكر الإيراني الثوري، ولهم في هذا نشاط كبير، حيث العديد من دور النشر في مختلف المدن التركية، وكلها باللغة التركية، التي يصدرون شهرياً عدداً كبيراً من كتبهم، بالإضافة إلى الكتب التي توزعها السفارة مجاناً، وهي كتب كثيرة لكتابهم المشهورين: علي شريعتي، مطهري، علي خامنئي، وغيرهم.
2-…وأما الكتب والمنشورات العربية فحدث ولا حرج، وهم يعلمون أن في شرقي تركيا علماء ومدارس -شرعية- تدرس باللغة العربية، فيقومون بإرسال كتبهم ومنشوراتهم إلى جميع الجمعيات والهيئات والمساجد، ويأخذون أسماء العلماء والدعاة -وكثير منهم لا علم لهم بالعقيدة- ويرسلون لهم الكميات الكبيرة من الكتب حتى تكون هذه الكتب متوفرة في كل مكان والطاغية على الساحة باللغتين التركية والعربية.
3-…الاهتمام البالغ بإصدار المجلات والجرائد والنشرات بالعربية والتركية، ولهم في هذا خطة عجيبة، بحيث يغيرون كل سنتين على الأقل اسم المجلة وكوادرها، وهناك مجلات وجرائد تصدر باسمهم باللغة التركية، وكانت في البداية - حسب علمي – مجلتان : " الشهيد " و"سروش"، وجريدة: "الهلال الدولي"، ونحن في غنى عن الكلام حول مضمونهم.
4-…يقومون بدعم المجلات التركية بالأموال حتى استطاعوا كسب بعضها لنشر أفكارهم من خلالها، وهذا يعد مكسباً عظيماً لهم.
5-…تفتح سفاراتهم دورات خاصة لتعلم الفارسية خلال 6 أشهر ومن يتقن اللغة في هذه المدة تكون له جوائز قيمة، فقد تُهدى له مكتبة كتب فارسية، أو رحلة إلى الجمهورية الإيرانية، وغير ذلك.(37/177)
6-…ويشير المتابعون إلى أنهم ابتكروا إعلاماً قديماً جديداً، حيث يشكلوا فرقة مسرحية متجولة في مدن تركيا، وخصوصاً المدن الشرقية، ويسمونها المسرحيات الإسلامية.
- الثاني: الجانب التعليمي:
1-…يتم تحت شعارات براقة جذابة تستخدم هناك كذلك، أمثال: - لا سنية ولا شيعية - و- التقريب بين المذاهب الإسلامية - و-أسبوع الوحدة-. قد أخبر إخوة صادقون عاشوا في إيران سنوات أن هذه الشعارات تسمع وتكتب وتوزع في مناطق سنية داخل إيران، بينما تروج في العاصمة " طهران "، ومدينة " قم " – المقدسة عند الشيعة- شعارات أخرى.
2-…يتم استقطاب عناصر من شباب تركيا لإرسالهم إلى الحوزات في " قم " وتسهيل سبل الدراسة وتحمل نفقاتها، ثم يخرجون دعاة للمذهب الشيعي في أوساط المجتمع التركي.
…فاستقطاب الشباب يتم بدراسة الأرضية والساحة أولاً، ثم تشخيص نقاط الضعف فيهم والاتصال بهم بواسطة رجالهم أو وسطائهم، وهم بشكل عام يركزون على الأصناف الآتية:
أ-…عالم له مكانة ذو كلام مسموع.
ب-…وجوه المدن وشيوخ العشائر.
ج-…الأفراد الذين يعيشون في المناطق النائية مثل القرى والمزارع.
د-…من يطمحون إلى المكانة الاجتماعية دون مشقة، فتطير الأفكار بهم نحو الحكم والقيادة.
……المضطهدون سياسياً وعرقياً الذين هم أحوج الناس إلى من يناصرهم ويدافع عنهم، وهم فيها أكثر فاعلية مما سبق حسب الملاحظة أو المتابعة المتواضعة. وفي آخر هذه المقالة اقتراحات:
1-…دعم المعاهد والمدارس الشرعية لدراسة العلوم الإسلامية واللغة العربية، في ضوء المنهج الصحيح في فهم الكتاب والسنة، وهذا يتم عن طريق أهل الخير.
2-…دعم الكُتَّاب القادرين لدراسة ما ينافي الدين من أباطيل وخرافات، العارفين بالمعتقدات الأخرى والنظر ما إذا كانت الدعوات المنادية بالتقريب هي للتقريب، أم هي دعوة لزعزعة العقيدة.
3-…الاهتمام بالمساجد والمدارس وتزويدها بأمهات الكتب التي توضح عقيدة أهل السنة وتكشف الشبهات.(37/178)
- كما لا أنسى أخيراً ومن باب نسبة الفضل لأهله أنني قد استفدت في هذه المقالة من الشيخ أبي محمد الأثري وفقه الله لكل خير، وأسأل الله سبحانه أن يوفق سفاراتنا لكل خير، وأن يعينهم لخدمة هذا الدين العظيم والدفاع عنه، وصلى الله على إمامنا وحبيبنا وقدوتنا وقرة عيننا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
هجمة المهري على حماس
حافظ الشيخ صالح - أخبار الخليج 12/7/2006
(رسالة لحماس ومحبيها بحقيقة الدعم الشيعي لهم، مع عدم صرف إيران ما وعدت به مشعل والزهار. الراصد)(37/179)
…رجل الدين الكويتي المشهور، المنسوب أو المنتسب إلى طائفة الشيعة الاثني عشرية، الشيخ أحمد المهري، منذ ثورة إيران الخمينية في نهاية سبعينيات القرن الميلادي الماضي وحتى الآن، عهدنا فيه دائماً الأفكار والأقوال الناشزة، ولقد طُرِد من لكويت مراراً، ومن إمارة دبيْ مراراً، ولقد عوّدنا وعوّد هذا الإقليم دوماً على حبّ الفتن، وأينما حل وارتحل هو دؤوب على إشاعة الشقاق في المجتمعات، ونشر الفتن على ألوانها المختلفة وفنونها، ودؤوب على المفاجئات غير السعيدة، واليوم آخر هذه المفاجئات هجومه من غير مسوّغ على حركة حماس وفتواه بتحريم التبرّع لها أو مساعدتها، مكرراً بلسانه الفتوى ثلاث مرات : حرام! حرام! حرام!. وفي معيّة الفتوى وفرة من الافتراءات والأكاذيب والتخرصات والحقد الأسود الذي يطمس على العيون. مفاجأة من المهري متوقعة، كما عودنا من قبلُ على الدوام، ولكنها ليست تنبىء إلا بانتقال المهري نهائيا وبشكل كامل إلى الضفة الصهيونية/ الأمريكية، هو وأعداد غفيرة على شاكلته، من العراق إلى إقليم الخليج والجزيرة، فهؤلاء باعوا أنفسهم للغازي الصهيوني/ الأمريكي، وجعلوا من الدين والفتيا ومن عمائمهم السوداء والصفراء مطايا له يمتطيها على هواه. إنّ فتوى المهري بشأن حماس خطيرة، وهي إثم عظيم لا يمكن غفرانه، وانّ أقل ما نتوقعه الآن وأدنى ما نرجوه من رجال دين الإثني عشرية ومن جمعياتهم الدينية، في الكويت والبحرين والسعودية والعراق وفي كامل الإقليم، هو الجهر بالبراءة من هذه الفتوى، ودحضها وتفنيدها، ذلكم حتى لا يُحسَب لغو أحمد المهري عليهم وعلى الطائفة، إذا لم يحرّكوا ساكناً، ولم يستنكروا علانية القول الباطل، وإذا تركوا الرجل في غوايته. وإنّ آخر ما نحتاج إليه الآن قطعاً هو أنْ يأتي الكيد لحماس، والغدر بها، وخيانتها من رجل دين شيعي عديم الإحساس بمسئوليته الشرعية والتاريخية والأخلاقية.(37/180)
مجلة الراصد الإسلامية
العدد الثامن و الثلاثون – غرة شعبان 1427 هـ
* فاتحة القول…من يملك قرار الحرب في حزب الله000000000000000000000 …3
* فرق ومذاهب…سلسلة الطرق الصوفية 000000000000000000000000000
-…مفهوم الطريقة 0000000000000000000000000000
-…أسباب نشأة الطرق الصوفية00000000000000000000
-…أوجه الشبه بين الطرق الصوفية 000000000000000000
-…أبرز الطرق الصوفية المعاصرة 00000000000000000…6
6
8
9
9
* سطور من الذاكرة…النصيريون في مساندة الصليبيين والتتار 000000000000000000…11
* دراسات …إيران .. ثلاثة خيارات مستقبلية بديلة00000000000000000000
مواقف المفكرين والعلماء من الشيعة 00000000000000000000…14
26
* كتاب الشهر …الحرب الأهلية في العراق 2/2–0000000000000000000000…28
* قالوا …0000000000000000000000000000000000000000…47
* جولة الصحافة ……
…- هل جاء دور جيش المهدي 000000000000000000000000…50
…- هل تنجح إيران في تحويل جيش المهدي إلى حزب الله 00000000…51
…- العراق ... الحرب على مساجد أهل السنة: 000000000000000…56
…- فواصل استراتيجية وفكرية: 00000000000000000000000…61
…- الليطاني .. نهراً إقليمياً ودوليا000000000000 0000000000…64
…- جلسة شيعية 00000000000000000000000000000000…66
…- الصراع على الوطن العربي بين إمبرياليتين 000000000000000
- صراخ النصيرية 000000000000000000000000000000…70
71
…- عن اللغة والسياسة 0000000 00000000000000000000…72
…- الرجاء عدم الاتصال .. الوجه الآخر للجزيرة 00000000000000 …74
…- أحمدي نجاد ومجتمع السلطة في إيران 0000000000 0000000…77
من يملك قرار الحرب في حزب الله ؟(38/1)
…نعم من يملك قرار الحرب في حزب الله ؟ هذا سؤال قد يبدو ساذجاً بل غبياً ، لكن لو تريث كثير من الناس وبحثوا عن الإجابة الحقيقية وليس عن الإجابة التي يودون الحصول عليها، لتغير موقفهم بالكلية من هذا السؤال.
…سنبحث عن الإجابة في كلام قادة الحزب نفسه، حتى لا نعتمد على الاستنتاج والتخمين أو قراءة ما بين السطور في علاقات الحزب وسياساته، وسيكون كتاب "حزب الله المنهج .. التجربة .. المستقبل" للشيخ نعيم قاسم وهو نائب الأمين العام للحزب هو المصدر الذي نعتمد عليه، وهذا الكتاب صدر عام 2002م وذلك ليكون رسالة من الحزب للآخرين حول فكره وعلاقاته اللبنانية وما فوق اللبنانية بعد ( انتصار عام 2000م). وبذلك نكون قد وثقنا المصدر وقطعنا الطريق على أصحاب التأويلات البعيدة والاحتمالات الخيالية ، ويبقى استعراض ما كتبه نعيم قاسم .
تحت عنوان "الجهاد العسكري"، كتب نعيم قاسم (ص50):
…"يقسم الفقهاء الجهاد إلى قسمين:
…1- الجهاد الابتدائي: وهو أن يبدأ المسلمون مواجهة الآخرين والدخول في أراضيهم لاعتبارات ليس لها علاقة باسترداد أرض أو التصدى لعدوان، فهذا مرتبط بالنبي صلى الله عليه وسلم أو الإمام المعصوم، ولا يعتبر مطروحاً في زماننا مع غياب الإمام المهدي الغائب والمنتظر (عج)".
…وهنا نتساءل ما حكم الفتوحات الإسلامية التي قام بها الخلفاء الراشدون أبو بكر الصديق وعمر الفاروق وعثمان ذي النورين عند حزب الله؟؟
…ويكمل نعيم قاسم:
…"2- الجهاد الدفاعي: وهو أن يدافع المسلمون عن الأرض والشعب وعن أنفسهم عندما يتعرضون لاعتداء أو احتلال، وهذا أمر مشروع بل واجب. يقول الخميني (قده): "لو غشي بلاد المسلمين أو ثغورها عدو يخشى منه على بيضة الإسلام ومجتمعهم، يجب الدفاع عنها بأي وسيلة ممكنة من بذل الأموال والنفوس".(38/2)
…لكن قرار الجهاد مرتبط بالولي الفقيه، الذي يشخص الحالة التي ينطبق عليها عنوان الجهاد الدفاعي، والذي يحدد قواعد المواجهة وضوابطها، فمسؤولية الدماء عظيمة، و لا يمكن زج المقاتلين في أي معركة دون الاستناد إلى ما ينسجم مع وجوب الجهاد فيها وما يحقق أهدافها.
…وقد يختلف رأي بعض الفقهاء عن رأي الولي الفقيه، لكن رأيه ملزم لهم فهو المتصدي والمبايع من قبل الناس، ويترتب على مثل هذى المنعطفات نتائج خطيرة، فلا يمكن المراهنة على إجماع الآراء، مع احتمال الخلاف دائماً، وبما أنها صلاحيته، فالقرار يعود إليه وهو ملزم للمسلمين.
…وعند سؤال أحدهم للإمام الخامنئي (حفظه الله) بقوله : إذا كنت مقلداً لأحد المراجع، وأعلن ولي أمر المسلمين الحرب ضد الكفرة الظالمين أو الجهاد، ولم يجوز لي المرجع الذي أقلده الدخول في الحرب، فهل ألتزم برأيه أم لا؟
…أجاب: "يجب إطاعة أوامر ولي أمر المسلمين في الأمور العامة التي منها الدفاع عن الإسلام والمسلمين ضد الكفرة والطغاة المهاجمين" وهو رأي الفقهاء الأعلام" اهـ.
…نقلت هذه الفقرات الطويلة حتى تكتمل الفكرة ولا نتهم بالبتر والاجتزاء. ويتضح من ما سبق ما يلي:
1-…السلطة الكاملة للولي الفقيه (الإيراني حالياً) على المسلمين (يقصد الشيعة).
2-…قرار الحرب الدفاعية من اختصاص الولي الفقيه فقط.
3-…كل الشيعة ملزمون في رأي حزب الله بالتبعية لقرار الولي الفقيه (الإيراني) بالحرب ولو تعارض مع مرجعياتهم الفقهية.
…ويؤكد نعيم قاسم على التبعية للقيادة الإيرانية بشكل واضح بقوله (ص57): "وقد حقق وجود وتوجيه الولي الفقيه المتمثل بالإمام الخميني (قده) ومن بعده بالإمام خامنئي (حفظه الله) النموذج التطبيقي لإرادة الجهاد بطريقة واقعية وعملية وفاعلة". ويكرر مرة ثانية نعيم قاسم في مبحث ولاية الفقيه (ص 72): "وهو (الولي الفقيه) الذي يملك صلاحية قرار الحرب أو السلم".(38/3)
…لكن هنا يفصل في آلية تنفيذ هذه الصلاحية فيقول : "ولا يمكن تنفيذ هذه المهام بمباشرته الشخصية للتفاصيل كافة، وهذا ما يستدعى تفويض الصلاحيات لأفراد أو جهات، وتعيين الأفراد ومهماتهم في الدوائر العامة الكبرى والأساسية، وإمضاء الاقتراحات أو النشاطات أو الاختيارات التي تنسجم مع الإسلام وفقاً لتشخيصه (أي الولي الفقيه)".
…وهنا نتساءل من يملك حق تعيين وعزل حسن نصر الله قاعدة حزب الله أم الولي الفقيه ؟؟؟
…ويبدو أن نعيم قاسم يستشعر حساسية وخطورة العلاقة والتبعية للولي الفقيه ، فحاول أن يشرح هذه العلاقة ويوضح أنها لا تتعارض مع لبنانية الحزب واستقلاله، فقال تحت عنوان ارتباط الحزب بالولي الفقيه (ص75): "لا علاقة لموطن الولي الفقيه بسلطته ..." .
…"الإمام الخميني (قده) كولي على المسلمين كان يدير الدولة الإسلامية في إيران كمرشد ....وكان يحدد التكليف السياسي لعامة المسلمين في البلدان المختلفة في معاداة الاستكبار ..".
…"فالارتباط بالولاية تكليف والتزام يشمل جميع المكلفين حتى عندما يعودون إلى مرجع آخر في التقليد، لأن الآمرية في المسيرة الإسلامية العامة للولي الفقيه المتصدي".
…" أن التزام حزب الله بولاية الفقيه حلقة من هذه السلسلة .... وهو سلوك في إطار التوجهات والقواعد التي رسمها الولي الفقيه . ثم تكون الإدارة والمتابعة ومواكبة التفاصيل ...من مسؤولية القيادة المنتخبة من كوادر الحزب.... التي يرأسها الأمين العام والتي تحصل على شرعيتها من الفقيه .... تنعكس هذه الصلاحيات استقلالاً كبيراً في الأداء العملي ... فإذا واجهت قيادة الحزب قضايا كبري تشكل منعطفاً في الأداء أو تؤثر على قاعدة من قواعد العمل ... عندها تبادر إلى السؤال أو أخذ الإذن لإضفاء الشرعية على الفعل أو عدمه".
…وهكذا تعود الأسئلة تظهر من جديد:(38/4)
-…من يملك قرار الحرب في حزب الله ؟؟؟ ومن الذي قرر خوض هذه الحرب حسن نصر الله أم الولي الفقيه الإيراني خامنئي؟؟؟
-…هل للتجمعات الشيعية استقلالية عن إيران؟
-…ولاء الشيعة لمن؟
سلسلة الطرق الصوفية
مقدمة:
تناولنا في العدد العاشر من الراصد، الصوفية، وبيّنا أهم عقائدها، وشخصياتها، وأماكن انتشارها، إضافة إلى أسماء بعض الطرق التي تفرعت عنها في السابق وحتى يومنا هذا.
وحيث أن الصوفية انقسمت إلى طرق كثيرة، فقد آثرنا أن نتناولها - بدءاً من هذا العدد - بشيء من التفصيل، بعد أن كنا تحدثنا عنها في العدد العاشر باختصار شديد، ذلك أن كل واحدة من الطرق أو المشيخات الصوفية صار لها أذكار وأوراد وطريقة في الحضرة مستقلة عن الطرق الأخرى، رغم اتفاقها في أصول التصوف، وإيمانهم جميعاً بعقائد ومبادئ التصوف.
وتتناول هذه السلسلة أهم الطرق التي ما زال لها وجود في الوقت الحاضر، بحيث سيتم تجاهل الطرق الصوفية التي ظهرت في وقت ما ثم اندثرت، وسنتبع في سردنا لهذه الطرق التسلسل التاريخي، حسب مولد ووفاة مؤسس كل طريقة، أو الشخص الذي تنسب إليه.
وفي البدء نعرض توضيحاً موجزاً لما تدل عليه "الطريقة الصوفية":
مفهوم الطريقة:
في اللغة تطلق الطريقة على مذهب الشخص وحاله. و"طريقة الرجل مذهبه. يقال: ما زال فلان على طريقة واحدة أي حالة واحدة"( ).
أما "الطرق الصوفية" - موضوع بحثنا - فقد اعتبرها المتصوفة أنها "الطريق التي توصلهم إلى الله" أو "السيرة المختصة بالسالكين إلى الله"( ). لكن التعريفين السابقين يجانبان الحقيقة، ذلك أن الطرق الصوفية التي تعتبر مرتعاً للبدع لا يمكن أن تكون طريقاً موصلاً إلى الله سبحانه وتعالى. إنما الطريق الموصلة إلى الله سبحانه التي تلتزم بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم على فهم سلف الأمة، وهو ما تفتقده الطرق الصوفية.
وقد ورد بموازاة ذلك عدد من التعريفات للطرق الصوفية نذكر منها:(38/5)
……1- "الطريقة أصلاً مجموعة من الرسوم والقواعد يضعها مشايخ كل طريقة بحيث تختلف عن غيرها من رسوم وقواعد الطرق الأخرى، وبذلك تتمايز فيما بينها بحسب غاياتها ومقاصدها وفلسفاتها"، "وتتفق جميعها في أن هناك فيما بينها أصولاً مرعية، وزياً يأخذون به بحسب الطريقة، وأذكاراً يرددونها، وقد يصاحبونها بالإيقاعات بالصفقة، أو حركات البدن، أو الدق على النحاس، والموسيقى عموماً، وضرورة تلقي المريد من أحد المشايخ"( ).
2- يذهب الأستاذ البحاثة محمود عبد الرؤوف القاسم في كتابه القيم "الكشف عن حقيقة الصوفية لأول مرة في التاريخ" إلى أن الطرق الصوفية لا يصلح أن يطلق عليها اسم طرق "وإنما هي مشيخات أخذت أسماءها من أسماء مشايخها الذين كان وما يزالون حولهم المريدين والسالكين ليحصلوا بذلك على المدد، أي: الأموال التي تنهمر عليهم، إما من المريدين مباشرة، أو بسبب هؤلاء المريدين"( ).
3- ويبين الدكتور عبد الله السهلي أن تعريف الطريقة يختلف بحسب العصر الذي وجدت فيه، ففي القرنين الثالث والرابع الهجريين كان معنى الطريقة: "شيخ له طريقة معينة يلتف حوله المريدون" ... إلاّ أن هذا المعنى للطريقة اختلف عبر القرون لتطور تطبيق الصوفية له، "فقد أصبحت الطريقة بعد القرن السادس لها بيعة معينة وأوراد، وزي خاص، وموالد معينة، وأضرحة تعبد من دون الله، وزوايا يجتمعون فيها، وكل شيخ طريقة له خلفاء، وغالباً ما تكون مشيخة الطريقة وراثية، إلى غير ذلك من البدع المحدثة في الدين"( ).
ولعل التعريفات السابقة تبين أن الطرق الصوفية تشترك في مجموعة عقائد وأصول - سيأتي بيانها - مثل تعظيم القبور والأضرحة، وتقديس الشيخ، ووحدة الوجود، لكن الاختلاف في طريقة الأذكار وعددها والزي الذي يرتديه أتباع كل طريقة، كما يذهب البعض إلى أن أعظم الفوارق بينها قائم في أشخاص شيوخها.(38/6)
وتنتشر في العالم اليوم مئات الطرق، إضافة إلى طرق كثيرة اندثرت، وقد أحصى مؤلف "الموسوعة الصوفية" أسماء 300 طريقة صوفية في عدد بسيط من الدول الإسلامية( )، ناهيك عن الدول الأخرى.
ويذهب مؤلف الموسوعة عبد المنعم الحفني وغيره إلى أن عبد القادر الجيلاني، صاحب الطريقة القادرية، (471ـ 561هـ)، هو أول من نادى بالطرق الصوفية وأسسها( ) وكانت الرفاعية هي ثاني طريقة، وتلت هذه الطريقة، المولوية المنسوبة إلى الشاعر الفارسي جلال الدين الرومي...( ).
"ويمثل القرن السادس الهجري البداية الفعلية للطرق الصوفية وانتشارها، حيث انتقلت من إيران إلى المشرق الإسلامي، فظهرت "الطريقة القادرية"... كما ظهرت "الطريقة الرفاعية" المنسوبة لأبي العباس أحمد بن أبي الحسين الرفاعي (ت540هـ) ... وفي هذا القرن ظهرت شطحات وزندقة السهروردي شهاب الدين أبو الفتوح محيي الدين بن حسن (549 - 587هـ) صاحب مدرسة الإشراف الفلسفية"( ).
وهذا القرن المشار إليه (السادس الهجري) والذي يمثل بداية الطرق الصوفية، يعتبر مرحلة من المراحل التي مرّ بها التصوف، ذلك أن التصوف مرّ بمراحل عديدة، كان من أخطرها: اختلاط التصوف بالفلسفة اليونانية، ونظريات الفيض والإشراف( ). وتعد تلك المرحلة من أخطر المراحل التي مرّ بها التصوف( ).
وفي تلك المرحلة، وفي مراحل أخرى برز عدد كبير من رموز الصوفية من ذوي الأصول الفارسية مثل: الحلاج والبسطامي والسهروردي والغزالي وغيرهم الكثير ممن اعتبروا مرجعاً ورمزاً لجميع المتصوفة حتى يومنا هذا. كما أن كتب وأفكار شيوخ الصوفية القدامى هي التي تسير عليها الطرق الصوفية اليوم.
أسباب نشأة الطرق الصوفية:
لانتشار الفرق عموماً أسباب كثيرة منها: كثرة البدع وانتشارها، والجدال والمراء والخصومة في الدين، ومجالسة أهل الأهواء والبدع ومخالطتهم، والجهل بمذهب السلف ومقاصد الشريعة( ).(38/7)
وفيما يتعلق بالطرق الصوفية، فقد أدت عوامل أخرى لانتشارها أبرزها:
1- حب الشهره والجاه واتباع الهوى، فقد أصبح المريدون أتباعاً أذلة لشيوخ الطرق الصوفية، وأصبح لشيوخ الطرق في معظم البلدان منزلة كبيرة.
2- الطمع المادي، حيث أصبحت رئاسة الطريقة مصدراً للثراء، والحصول على مخصصات النذور والأوقاف، وأصبح لمشايخ الطرق رواتب تصرف لهم من الدول المتعاقبة منذ أيام الدولة العثمانية، وتبقى هذه المخصصات الورثة بعد وفاة شيخ الطريقة( ).
أوجه الشبه بين الطرق الصوفية:
سبق القول أن الطرق الصوفية تتفق في العقائد والأفكار التي أصّلها شيوخ الصوفية القدامى كالحلاج وابن عربي وغيرهما، وتختلف في طريقة الأذكار والزي، وغير ذلك. وإضافة إلى العقائد والأفكار، تتشابه الطرق في بعض الطقوس والمظاهر وغير ذلك.
1- الاحتفال بدخول المريد إلى الطريقة بطقوس دقيقة مرسومة، واجتياز عدد من الرياضات.
2- ارتداء زي خاص، واتخاذ علم خاص كذلك.
3- الإكثار من الذكر مع الاستغاثة بالموسيقى والحركات البدنية المختلفة.
4- تقديس شيخ الطريقة( ).
أبرز الطرق الصوفية المعاصرة:
……تنتشر الطرق الصوفية في أنحاء كثيرة من العالم، منها ما يزال موجوداً، ومنها ما اندثر في فترات سابقة، وقد تفرعت الطرق من بعضها البعض، وأصبح كثير من أتباع الطريقة يستقل بطريقة فرعية داخل الطريقة الأم. وأهم الطرق التي ما يزال لها انتشار قوي وأتباع كثيرون إلى اليوم والتي سنستعرضها هي:
1-…القادرية : في العراق ومصر وشرق أفريقيا وغيرها.
2-…الرفاعية : في العراق ومصر وغرب آسيا وغيرها.
3-…النقشبندية: في آسيا الوسطى وسوريا وغيرها.
4-…التيجانية : في المغرب والسنغال وغرب أفريقيا وغيرها.
5-…البدوي : في مصر خاصة.
6-…الدسوقية: في مصر خاصة.
7-…الشاذلية : في مصر والمغرب العربي واليمن وغيرها.
8-…الخلوتية : في مصر وتركيا وخراسان وغيرها( ).
9-…المولوية : في تركيا وحلب وغيرها.(38/8)
10-…الختمية : في السودان وغيرها.
وقد سبق للراصد أن عرفت بالطرق الصوفية التالية :
1-…فرق صوفية هندية(البريلوية - الديوبندية ) عدد 16.
2-…المهدية ، النورسية عدد 17 .
3-…البكتاشية عدد 18 .
4-…القبيسيات التنظيم النسائي الصوفي عدد 33.
النصيريون في مساندة الصليبيين والتتار
ذكر الإمام ابن كثير رحمه الله إنه في سنة 717هـ "خرجت النصيرية عن الطاعة وكان من بينهم رجل سمّوه محمد بن الحسن المهدي القائم بأمر الله، وتارة يدّعي أنه علي بن أبي طالب فاطر السماوات والأرض، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا وتارة يدعي أنه محمد بن عبد الله صاحب البلاد.
وخرج يكفر المسلمين، وأن النصيرية على حق، واحتوى هذا الرجل على عقول كثير من كبار النصيرية... وحملوا على مدينة جبلة فدخلوها وقتلوا خلقاً من أهلها، وخرجوا منها يقولون: لا إله إلاّ علي، ولا حجاب إلاّ محمد، ولا باب إلاّ سلمان. وسبّوا الشيخين، وأمر أصحابه بخراب المساجد واتخاذها خمارات، وكانوا يقولون لمن أسروه من المسلمين: قل لا إله إلاّعلي، واسجد لإلهك المهدي الذي يحيي ويميت حتى يحقن دمك.. فجردت إليهم العساكر فهزموهم وقتلوا منهم خلقاً كثيراً" ( ).
إن الثابت أن النصيريين كانوا في صدام مع المسلمين، وفي ود مع الصليبين والتتار، الذي كانوا يحتلون ديار المسلمين، ولم يكن ما يجمع النصيريين بالصليبيين والتتار الود فقط، إنما المؤازرة والمساندة، إذ أنهم حرّضوا زعيم التتار تيمور لنك على غزو الشام وبغداد وهم الذين سهّلوا للصليبيين احتلالهم لبعض القلاع والثغور.(38/9)
…وقد بدأت خيانات النصيريين للمسلمين منذ نشأة هذه الفرقة، وفي مراحل مبكرة، فخلال الحملة الصليبية الأولى على بلاد المسلمين أواخر القرن الخامس الهجري، حاصر الصليبيون أنطاكيا في شمال بلاد الشام قرابة سبعة أشهر، حتى أن الجيش الصليبي ضاق ذرعاً بطول الحصار، وأنهكه الجوع، وبدأت تدب فيه الفوضى، وبدأ عدد من جنود الصليبيين بالفرار.
وفي هذا الموقف الحرج، اتصل الزعيم النصيري "فيروز" الذي كان موكلا بحراسة أحد أبراج المدينة، بالقائد الصليبي بوهيموند واتفق معه على تسليمه البرج ليدخل الصليبيون إلى المدينة من خلاله. وعند الفجر، تسلق بوهيموند وأصحابه السلالم، صاعدين إلى البرج، حيث كان ينتظرهم فيروز، وبمساعدته استطاعوا احتلال بقية الأبراج، والسيطرة على المدينة بكاملها، فأعملوا السيف في أهلها، وقتلوا أكثر من عشرة آلاف ونهبوا كل ما وقعت عليه أيديهم، وكان ذلك في سنة 491هـ.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "والإسماعيلية والنصيرية ونحوهم يوالون الكفار من اليهود والنصارى والمشركين والمنافقين، ويعادون المؤمنين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان إلى يوم الدين، وهذا أمر مشهور فيهم"( ).
ويقول الشيخ محمد أبو زهرة ( ):
"وعند الهجوم الصليبي على البلاد الشامية ومن ورائها البلاد الإسلامية والوطن العربي مالئوا الصليبيين ضد، المسلمين، ولما استولى أولئك على بعض البلاد الإسلامية قرّبوهم وأدنوهم، وجعلوا لهم مكاناً مرموقاً. ولما جاء نور الدين زنكي وصلاح الدين من بعده ثم الأيوبيون اختفوا عن الأعين، واقتصر عملهم على تدبير المكائد والفتك بكبراء المسلمين وكبرائهم وقوادهم العظام إن أمكنتهم الفرصة وواتاهم الزمان.
ولما أغار التتار من بعد ذلك على الشام مالأهم أولئك كما مالئوا الصليبيين من قبل، فمكنوا للتتار من الرقاب، حتى إذا انحسرت غارات التتار، قبعوا في جبالهم قبوع القواقع في أصدافها لينتهزوا فرصة أخرى".(38/10)
وقد قام بعض حكام المسلمين بمحاولات كثيرة لإصلاحهم وإرجاعهم إلى جادة الصواب ، وأول من قام بذلك، صلاح الدين الأيوبي رحمه الله بعد دحره للصليبيين، حيث حاول إصلاحهم ببناء المساجد وإقامة الصلاة والصيام وغيرها من الفروض الإسلامية، فأطاعوه ولكنهم بعد وفاته عادوا إلى ما كانوا عليه من معتقدات وخربوا المساجد وجعلوها زرائب للحيوانات.
وكرر المحاولة الظاهر بيبرس بعد هزيمته للتتار، وألزمهم ببناء المساجد بقراهم، فبنوا بكل قرية مسجداً، ولكن ابن بطوطة الرحالة المسلم المشهور مرّ بالساحل السوري بعد هذه الفترة في القرن التاسع الهجري فروى ما رآه بقوله: "وأكثر أهل هذه السواحل هم الطائفة النصيرية، الذين يعتقدون أن علي بن أبي طالب إله، وهم لا يصلون ولا يتطهرون ولا يصومون. وكان الملك الظاهر ألزمهم ببناء المساجد بقراهم، فبنوا بكل قرية مسجداً بعيداً عن العمارة، ولا يدخلونه ولا يعمرونه، وربما أوت إليه مواشيهم ودوابهم، وربما وصل الغريب إليهم فينزل بالمسجد ويؤذن إلى الصلاة فيقولون له: لا تنهق، علفك يأتيك وعددهم كثير!!
ذكر لي أن رجلا مجهولا وقع ببلاد هذه الطائفة فادعى الهداية، وتكاثروا عليه، فوعدهم بتملك البلاد وقسم بينهم بلاد الشام وكان يعين لهم البلاد ويأمرهم بالخروج إليها ويعطيهم من ورق الزيتون ويقول لهم استظهروا بها فإنها كالأوامر لكم فإذا خرج أحدهم إلى بلد أحضره أميرها فيقول له إن الإمام المهدي أعطاني هذا البلد فيقول له أين الأمر فيخرج ورق الزيتون فيضرب ويحبس ثم أنه أمرهم بالتجهيز لقتال المسلمين وأن يبدأوا بمدينة جبلة وأمرهم أن يأخذوا عوض السيوف قضبان آلاس ووعدهم أنها تصير في أيديهم سيوفا عند القتال فغدوا مدينة جبلة وأهلها في صلاة الجمعة فدخلوا الدور وهتكوا الحريم وثار المسلمون من مسجدهم فأخذوا السلاح وقتلوا كيف شاءوا"( ).(38/11)
ولمّا جاء السلطان العثماني سليم إلى بلاد الشام، قاتل النصيرية ودحرهم حتى أوصلهم إلى جبالهم، بعد أن أفتى علماء المسلمين بأنهم كفرة ويجب قتالهم، وقد حاول السلطان العثماني إصلاحهم ببناء المساجد وغيرها ذلك، ولكنهم بعد مدة رجعوا إلى ما كانوا عليه.
وهذا أيضاً ما فعله إبراهيم باشا ابن والي مصر محمد علي باشا عندما سيطر على مناطق النصيريين، فحاول جهده إصلاح المنطقة وتثبيت الأمن فيها وحمل أبنائها على ترك المعتقدات الفاسدة، فاستعمل الشدة في أول الأمر، ثم لان لهم وبنى المدارس والمساجد غير أن النصيرية قاموا بثورة كبيرة عام 1834م، وهاجموا مدينة اللاذقية ونهبوا وفتكوا بأهلها، فجرد لهم إبراهيم باشا حملة كبيرة وعاقبهم بشده وأحرق عدداً من قراهم، فاستسلموا وأظهروا الطاعة التامة، فلما دالت دولته رجعوا إلى ما كانوا عليه.
وفي عهد السلطان العثماني عبد الحميد كرر المحاولة بإرساله رجلاً من خاصته اسمه ضياء باشا جعله متصرفاً على لواء اللاذقية في بداية القرن الميلادي الماضي، فأنشأ لهم المساجد والمدارس، فأخذوا يتعلمون ويصلون ويصومون، وأقنع الدولة بأنهم مسلمون، فلم يعصوا له أمراً. وبعد أن ترك هذا المتصرف منصبه خربت المدارس وحرقت الجوامع أو دنست.
للاستزادة:
1-…"الفرق الإسلامية" ـ الدكتور محمد أحمد الخطيب .
2-…"الحركات الباطنية في العالم الإسلامي" ـ د. محمد الخطيب .
3-…"طائفة النصيرية تاريخها وعقائدها" ـ الدكتور سليمان الحلبي .
4-…"رؤية إسلامية في الصراع العربي الإسرائيلي" ـ محمد عبد الغني النواوي (الجزء الأول ـ مؤامرة الدويلات الطائفية).
5-…"البداية والنهاية" ـ الإمام ابن كثير.
6-…"خيانات الشيعة وأثرها في هزائم الأمة الإسلامية" ـ د. عماد حسين.
إيران.. ثلاثة خيارات مستقبلية بديلة... رؤية أمريكية
سمير زكي البسيوني - مختارات إيرانية ـ العدد 72ـ يوليو 2006(38/12)
برغم تعدد القضايا والمشكلات التي تواجه إيران منذ أن قامت الثورة الإسلامية عام 1979 فإن قضية الملف الإيراني تبقى من أهم القضايا التي تواجه إيران في السنوات العشر الأخيرة، وتكتسب القضية النووية والعلاقات مع الغرب أهميتها من عدة عوامل أهمها أنها تفرز بشكل أو بآخر آثارها على الشان الداخلي الإيراني، حيث ما زالت هذه القضية موضع خلاف بين التيارات السياسية داخل إيران، كما تمثل القضية النووية الإيرانية وما ستئول إليه من نتائج رقماً صعباً في مسألة العلاقات بين إيران والغرب بصفة عامة والولايات المتحدة على وجه الخصوص.
من هنا تكتسب هذه الدراسة أهميتها، والتي أعدها كينيث بولاك مدير البحوث بمركز (سابان) للسياسات الشرق أوسطية التابع لمعهد بروكنجز، ونشرتها دورية (Meria journal) التي يصدرها مشروع: (The Middle East Review Of Intern) (Meria Tional Affairs) وهو مشروع يملكه ويحرره الدكتور باري روبن ويهدف إلى تقديم دراسات وبحوث علمية عن تطورات الشرق الأوسط.
وتتبع أهمية الدراسة من عدة عوامل:
أولها، أنها توضح الخلاف بين التيارات السياسية في إيران حول الملف النووي والعلاقات مع الغرب.
وثانيها، أنها تحاول أن تربط بين تداعيات ونتائج الملف النووي الإيراني وبين مستقبل التيارات السياسة المهمة في الداخل. وثالثها، أنها تحاول إبراز أهمية العامل الاقتصادي ودوره المحدد للعلاقات مع الغرب ومن ثم دوره المهم في تحديد مستقبل نظام الجمهورية الإسلامية في إيران، وفيما يلي نص الدراسة:(38/13)
………تعتبر الأزمة النووية الإيرانية من أكثر القضايا الحاسمة التي تواجه إيران في الفترة الراهنة، خاصة أن هذه القضية تضع إيران في مواجهة مباشرة مع المجتمع الدولي، ولهذا يرى الكثيرون أن تداعيات هذه الأزمة سوف يكون لها آثار كبيرة على مستقبل الجمهورية الإسلامية في إيران، ليس فقط من زاوية السياسة الخارجية لإيران. ولكن أيضاً بالنسبة للسياسة الداخلية، حيث من المفترض أن تترك تداعيات هذه الأزمة آثارها على الأوضاع الاقتصادية في الداخل وعملية الإصلاح الاقتصادي، بالإضافة إلى علاقات إيران مع الغرب، ولهذا من المحتمل أن يكون لهذه الأزمة دور كبير في تشكيل مستقبل إيران في المناطق التي تبعد عن مجال أمنها التقليدي.
أهمية المواجهة النووية في المجال الاقتصادي:
………يحتاج الاقتصاد الإيراني إلى قدر كبير من الإصلاح، فهو اقتصاد مقيد بسبب تفشي ظاهرة الفساد، وهي الظاهرة التي أفرزت آثارا سلبية عديدة على الاقتصاد الإيراني لعل من أهمها انخفاض معدل السيولة، وهروب الاستثمارات خارج البلاد، ورفع مستوى التضخم، وانتشار البطالة بصورة كبيرة، وانخفاض حجم الصادرات الغير نفطية، وتدني وانحسار الطبقة المتوسطة داخل المجتمع الإيراني، واتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء. ……
………ويرى العديد من خبراء الاقتصاد الإيراني أن إيران إما أن تسعى لضخ كميات كبيرة وضخمة من الاستثمارات في الاقتصاد الإيراني، وفي الحقيقة تطالب الخطة الخمسية الأخيرة إيران بضخ 20 بليون دولار كاستثمارات كل عام، بالإضافة إلى 70 بليون دولار لإعادة تمويل وتأهيل صناعة النفط الإيراني التي أصابتها الشيخوخة.(38/14)
…المشكلة الأساسية في طهران هي أنه بينما يرى العديد من الاقتصاديين الإيرانيين أن هناك ثلاث أسواق رأسمالية في العالم قادرة على توليد وضخ المستويات المطلوبة من الاستثمارات في إيران خلال السنوات الخمس أو العشر القادمة، وهي الولايات المتحدة وأوروبا واليابان، يرى المتشددون داخل إيران أن روسيا والصين والهند قد يكونون بديلاً مناسباً للغرب.
وفي الحقيقة هذه القوى البديلة لن تكون قادرة على ذلك. هذا بالإضافة إلى قضية مهمة وهي مسألة التقنية الغربية المتقدمة، فالإيرانيون يفضلون شركات مثل (ايكسون أو شل) لإصلاح صناعة النفط في إيران ولا يفضلون شركات مثل (لوك أويل) أو شركة (سينوبك) الصينية.
…ولم تنجح الزيادات المستمرة في أسعار النفط في تخفيف معاناة الاقتصاد الإيراني وذلك بسبب ارتفاع معدلات الفساد بصورة كبيرة، حيث يمكن القول أن نسبة قليلة جداً من العائدات النفطية تصل إلى الطبقات الفقيرة والمتوسطة الإيرانية، حيث تحول معظم هذه العائدات إلى حساب الحكومة الدينية في إيران، وفي كثير من الحالات تحول نسبة كبيرة من هذه العائدات إلى خارج البلاد.
وكنتيجة لهذا يرى العديد من الزائرين لإيران أن التدهور لم يعد يقتصر على الاقتصاد الإيراني فقط رغم الزيادات المستمرة في أسعار النفط العالمية، ولكن بدأ التدهور يصيب الحالة النفسية والمزاجية للمواطنين الإيرانيين، فالشعب الإيراني يدرك أن حكومته تستأثر بكميات ضخمة من عائدات النفط العالية، ويشتد الغضب الشعبي هنا بسبب عدم الحصول على أي شيء من هذه العائدات.
وفي الحقيقة تبدو هذه الحالة مشابهة للوضع الذي كانت عليه إيران في الفترة التي سبقت الثورة خاصة عام 1978، وهي الفترة التي شهدت ارتفاعاً كبيراً في أسعار النفط العالمية ولكن الفساد منع هذه العائدات أن تتدفق في اتجاه الطبقات الدنيا.(38/15)
وبدون أي مبالغة فإن الموقف الحالي خطير جداً حيث كانت هذه الظاهرة من أكثر العناصر المهمة في اشتعال الثورة ضد الشاة.
………وتبدو الحاجة الإيرانية كبيرة لرأس المال الأجنبي (خاصة الغربي) وذلك على المدى الطويل أو المتوسط في مواجهتها النووية مع الغرب، ولهذا فإن فرض الدول الغربية عقوبات اقتصادية جدية وقاسية على إيران لمعاقبتها أو لإثنائها عن الاستمرار في تخصيب اليورانيوم سوف يترك بلا شك آثاراً سلبية هائلة على الاقتصاد الإيراني، وهذه الحقيقة سوف تكون مؤكدة إذا تمكنت العقوبات الاقتصادية من منع الاستثمارات الغربية في إيران والتي قد تؤدي إلى آثار سلبية خطيرة على ثروات إيران الاقتصادية.
………ومنذ أكثر من خمسة عشر عاماً يعتبر العامل الأهم (ليس الوحيد) كمصدر للعداوة الشعبية نحو النظام هو العامل الاقتصادي وسوء أحوال الاقتصاد الإيراني، فالشعب الإيراني حينما انتخب محمود أحمدي نجاد رائيسا للجمهورية اختاره ليس من أجل متابعة الملف النووي لكن من أجل الإصلاح الاقتصادي والقضاء على الفساد ومحاربته.
………في نوفمبر 2005 أعلن الرئيس أحمدي نجاد أن الحكومة ستبدأ في توزيع أسهم الصناعات العامة الإيرانية على جميع المواطنين، وانتشرت الشائعات بسرعة بأن هذه خطوة تمهيدية لإعادة توزيع عائدات الصناعات الخاصة لرؤوس الأموال الأجنبية نتيجة ذلك هروب مفاجئ لرؤوس الأموال الأجنبية خارج إيران والتي من المحتمل أن تكون وصلت قيمتها إلى 200 بليون دولار.(38/16)
………وقد اقترن هذا بدعوة أحمدي نجاد بمسح إسرائيل ومحوها من على الخريطة السياسية للعالم وذلك أثناء مؤتمر "عالم بدون صهيونية" الذي عقد في طهران وترتب على ذلك انهيار كبير في أسهم البورصة الإيرانية، والذي يزور إيران في الفترة الحالية يدرك حالة الحزن الكبيرة التي أصابت الشعب الإيراني الذي يشعر أن الرئيس أحمدي نجاد قد خانه لأنه لم يعمل أي شيء في مجال الاقتصاد أو محاربة الفساد حتى الآن، وعلى الرغم من تأكيد وسائل الإعلام الغربية بأن الإيرانيين التفوا حول أحمدي نجاد بخصوص الخطوات التي قام بها في الملف النووي الإيراني فإن العديد من الإيرانيين يعتقدون أن الملف النووي يجب ألا يمثل الأولوية الأولى لديهم، حيث يبدون مخاوفهم من أن تؤدي خطوات إيران المستمرة في هذا الملف إلى زيادة عزلتهم الدولية، والتي ستؤثر بشكل كبير على الاقتصاد الإيراني.
أهمية المواجهة النووية في المجال السياسي:
………العلاقات المتشابكة بين المواجهة النووية مع الغرب، والحاجات المتزايدة للاقتصاد الإيراني، ومسألة تحسين الروابط مع الغرب كل هذه العوامل تفرز انشقاقات واضطرابات عميقة داخل المجتمع الإيراني. الغرب كثيراً ما يعتقد بشكل خاطئ أن النظام الإيراني نظام موحد، ولكن العكس هو الصحيح، فإيران تعد من أكثر الحكومات الممزقة في العالم، حيث يميل بعض المحللين إلى وصف سياسة إيران بأنها "متلونة" بمعنى أنها مقسمة إلى آلاف القطع الفردية والتي تتراص كل منها بشكل مختلف حسب تغير القضية.
…بالطبع هناك بعض الأفراد الذين يميلون إلى التجمع أو التوحد حول بعض القضايا ومن الضروري هنا وضعهم في إطار مجموعات وذلك لأغراض وصفية بحتة، ولهذا من الممكن الحديث هنا عن عدة مجموعات أو تيارات أساسية داخل النظام السياسي الإيراني.(38/17)
……المجموعة الأولى، هم الإصلاحيون وتعتبر من أفضل المجموعات ولكنها أقلهم أهمية الآن، وتدار هذه الجماعة الآن عن طريق بعض الأسماء الإصلاحية المعروفة مثل الوزير السابق مصطفى معين وعبد الله نوري الذي كان يعمل كمحرر في إحدى الصحف، والإصلاحيين الآن في فوضى شديدة حيث يسيطر عليهم بعض المؤسسات ومراكز القوة داخل إيران.
………الكثير من الإيرانيين أصيبوا بحالة من اليأس وخيبة الأمل أثناء فترة رئاسة خاتمي، فعلى الرغم من وعوده بإطلاق الحريات عمل النظام الإيراني بشكل واضح على حبس الزعماء الإصلاحيين مثل عبد الله نوري بالإضافة إلى العديد من قادة الطلبة الذين كانوا يخرجون في مظاهرات، وأثناء انتخابات المجلس التشريعي السابع عام 2004 قام مجلس صيانة الدستور برفض صلاحية عدد كبير من الإصلاحيين، الأمر الذي ضمن للنظام عدم سيطرة الإصلاحيين على المجلس.
………وقد نظر الإصلاحيين لمسألة امتلاك إيران للأسلحة النووي كأولوية متأخرة، حيث يؤكدون أولوية الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي وتحسين العلاقات مع الغرب، في الحقيقة أثناء فترة خاتمي طمأن العديد من قادة الإصلاحيين الولايات المتحدة بأن الرئيس خاتمي لديه رغبة في التخلي عن البرنامج النووي كجزء من تقارب عام مع الغرب. وكنتيجة لأفول نجم الإصلاحيين داخل النظام الإيراني ظهر جناح آخر عرف باسم التكنوقراط البراجماتين وعلى رأسهم الرئيس السابق رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني، والمسئول السابق عن الملف النووي الإيراني حسن روحاني، هذا التيار يشكل الآن جناح اليسار داخل التركيبة الحكومية الحالية.
ويرى هذا الجناح أن الأولوية الأهم لابد أن تكون لإعادة بناء الاقتصاد الإيراني على المدى الطويل، ويعترف هذا الجناح باستحالة القيام بذلك بدون تحسين العلاقات مع الغرب وتشجيع التجارة والاستثمارات في إيران.(38/18)
وقد كانت هذه المبادئ هي المشكلة لفكر هذا التيار منذ الأيام الأولى للثورة الإسلامية والحرب العراقية - الإيرانية. برغم أن هذا التيار كان يفضل امتلاك سلاح نووي فإن أنصار هذا التيار كان يلمحون بشكل متكرر إلى أنهم مستعدون للتضحية بالبرنامج النووي الإيراني إذا وقف في طريق تحسين العلاقات مع الغرب الذي يمثل أهمية كبيرة بالنسبة للاقتصاد الإيراني.
………أما التيار الآخر فهم الأصوليون المتشددون ويأتي على رأسهم الرئيس الإيراني الحالي أحمدي نجاد، وقائد الحرس الثوري رحيم صفوي، ورئيس مجلس صيانة الدستور أحمد جنتي، فهذا التيار يؤمن إيمانا شديداً بالثورة الإسلامية ومبادئها، ولا يعيرون أهمية كبيرة لمشكلات إيران الاقتصادية، حيث يعتقدون بأن الشعب الإيراني راغب في تقديم تضحيات جديدة في سبيل الثورة الإسلامية.
………ولهذا فهم يصرون على ضرورة امتلاك إيران لسلاح نووي، لأنهم يعتبرون هذا شيئاً ضرورياً في الكفاح ضد الولايات المتحدة التي يعتبرونها التهديد الرئيسي لإيران والثورة. وقد كان عودة ظهور تيار المتشددين بمثابة حدث محوري في السياسة الإيرانية، حيث أعاد هذا التيار تقديم أكثر الأفكار تشدداً وأكثرها تهوراً داخل الائتلافات السياسية في إيران .
………وقبل ظهور حركة أباد كران (مجموعة من الشباب المتشددين معظمهم كانوا في الحرب العراقية الإيرانية) في عام 2004 كان الاتجاه العام داخل الجمهورية الإسلامية هو تهميش هذه المجموعة. وعلى أية حال القضاء على إنجازات فترة خاتمي، وإصابة معظم الإصلاحيين بالإحباط، وعودة ظهور مثل هؤلاء من المتشددين ساهم بشكل كبير في تحويل الاتجاهات السياسية داخل إيران إلى أقصى اليمين.(38/19)
………بين هاتين المجموعتين هناك تيار المحافظين التقليديين الذي يحاول أن يوازن بينهما ويتزعمه رئيس مجلس الأمن القومي والمسئول عن الملف النووي الإيراني السيد علي لاريجاني بالإضافة إلى الشخص الأهم داخل النظام الإيراني وهو المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية السيد علي خامنئي، حيث يدرك خامنئي أهمية عدم السماح للاقتصاد الإيراني بأن يأخذ طريقه للانهيار من جانب (بسبب إمكانية أن يتسبب ذلك في اضطرابات شعبية واسعة الانتشار)، وفي الوقت نفسه أهمية عدم عزل تيار المتشددين الذين يعتبرون في النهاية المفتاح الرئيسي الذي يضمن به السيطرة على السلطة.
………وكنتيجة لهذا تبنى خامنئي في الفترة من 1990 إلى 2002 سياسة أو طريقا وسطا، فلم يقم خامنئي بكبح الأنشطة النووية والإرهابية لإيران بشكل الذي يرضي الأمريكيين، وفي الوقت نفسه يبقى بعض الأشياء تحت المراقبة بالشكل الذي يسمح للحكومات الأوروبية واليابان (التي كانت في هذه الفترة من أكثر القوى المستعدة للتغاضي عن الأخطاء والتجاوزات الإيرانية) لمواصلة التجارة وضخ الاستثمارات في إيران.
………وفي المواجهة النووية في الفترة الراهنة يسعى خامنئي إلى مواصلة إيران برنامجها النووي في الوقت نفسه تبنى سياسة تضمن لإيران تجنب العصا والجزرة، ولكن لسوء حظ خامنئي، فإن التوجه الأوروبي الجديد الساعي لمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية قد يدفع خامنئي إلى الدخول في سباق مع الزمن وإجباره على قبول خيارات صعبة. ولهذا يمكن فهم الموقف الإيراني الراهن والمتمثل في التهديد باستئناف عمليات تخصيب اليورانيوم بشكل كامل والانسحاب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية باعتباره مساومة بين المتشددين والمحافظين التقليديين، فالمتشددون يفضلون ذلك لأنهم لا يرون أي مصلحة في العلاقات مع الغرب ويريدون ببساطة امتلاك القدرات النووية.(38/20)
أما المحافظون التقليديون فهم يفضلون هذا الموقف الإيراني ولكن لأسباب أخرى من أهمها، أن هذا الموقف من المحتمل أن يمثل "خداعاً للغرب". ويرى معظم صناع السياسة الإيرانيين أن اتخاذ طهران لموقف متشدد مع الغرب قد يضع الدول الأوروبية في موقف صعب، حيث سيجعل هذه الدول تختار ما بين فرض عقوبات اقتصادية على إيران لمعاقبتها على الاستمرار في عمليات تخصيب اليورانيوم، وبين الحفاظ على العلاقات المصالح الاقتصادية الأوروبية مع إيران.
ولهذا ففي حالة نجاح هذه المناورة الإيرانية وامتناع الدول الأوروبية عن فرض عقوبات على إيران، من شأنه أن يفرز تداعيات إيجابية على إيران، فطوال فترة التسعينيات كان الإيرانيون لديهم القدرة على الحفاظ على كعكتهم (البرنامج النووي ودعم الإرهاب)، وأكل هذه الكعكة أيضاً (التجارة والاستثمارات التي يحتاجون إليها من الغرب ودول شرق آسيا).
ومن خلال هذه النظرة السريعة للمشهد السياسي الإيراني يمكن القول أن الرؤى المتباينة داخل إيران بخصوص الملف النووي الإيراني أفرزت تبايناً بين الجماعات والتيارات المختلفة داخل النظام السياسي الإيراني، باختصار، لو استمر الغرب متوحدا وقام بفرض عقوبات قاسية على إيران من أجل إرغامها على التوقف عن السير قدما في برنامجها النووي، فإن هناك احتمالاً أن يقوم البراجماتيون بعمل هدنة مع المتشددين، في هذه الحالة سوف يجد الإصلاحيين التقليديون (خامنئي ولاريجاني) أنفسهم في المنتصف ومجبرين على الاختيار بين الاثنين، كل هذا من الممكن أن يترك آثار بعيدة المدى على مستقبل السياسة الخارجية الإيرانية ومستقبل الجمهورية الإسلامية بصفة عامة.(38/21)
……في الوقت الراهن تبدو سياسة إيران الداخلية مفككة وممزقة، حيث يبدو أن هناك اختلافات عميقة بين المتشددين والإصلاحيين والمحافظين التقليديين بشأن كيفية التعامل مع احتياجات إيران الاقتصادية، علاقاتها مع بقية دول العالم، (خاصة الولايات المتحدة)، حالتها الأمنية، وسياستها الخارجية، فهذه التيارات غير قادرة على الاتفاق على أسلوب موحد للتعامل مع المشكلات الإيرانية. وتبدو أهمية مناقشة الملف النووي الإيراني في عدة أمور منها أن نتائج هذا الملف سوف تترك تداعياتها بشكل أو بآخر على مستقبل نظام الجمهورية الإسلامية، أيضاً سوف يكون لتداعيات هذا الملف آثارها المباشرة على المعارك السياسية الداخلية بين التيارات التي تحمل رؤى متباينة حول الملف النووي الإيراني والعلاقات مع الغرب.
……بمعنى آخر سوف يكون الإيرانيون على استعداد للسير في طريق التخلي عن برنامجهم النووي وتحسين العلاقات مع الغرب في حالة انتهاء المعركة السياسية في الداخل بسيطرة البراجماتيين على مقاليد السياسة الإيرانية في الداخل، والعكس هو الصحيح، أي سيكون الطريق الوحيد أمام الإيرانيين لرفض العلاقات مع الغرب والاستمرار على مبدأ تخصيب اليورانيوم هو استمرار سيطرة المتشددين وإنهاء أي وجود للإصلاحيين داخل دوائر صنع القرار في إيران، ولهذا فإن القضية الإيرانية لديها القدرة على تسليم السيطرة لإحدى هذه الفئات وإقصاء الفئات والتيارات الأخرى. ومن خلال هذه المتغيرات يمكن القول أن ثمة ثلاثة سيناريوهات محتملة في إيران خلال العامين أو الخمسة أعوام القادمة، وسوف تستند هذه السيناريوهات بشكل أساسي على النتائج والتداعيات المحتملة للمواجهة النووية، التي ستبقى المحدد الرئيسي لمستقبل إيران داخلياً وخارجياً واقتصادياً.
السيناريو الأول، صعود المتشددين:(38/22)
…في حالة انتهاء المواجهة النووية الإيرانية بانتصار إيران سريع من المحتمل أن يصب هذا في النهاية في مصلحة التيار المتشدد في إيران، الأمر الذي سيتيح لهم فرض خياراتهم وسياساتهم على الحكومة الإيرانية. في هذه الحالة فإن "النصر" الإيراني سيعني فشل المجموعة الدولية وإثبات أنها لم تكن قادرة على إجبار إيران على التخلي عن برنامجها النووي بالنظر إلى العقوبات التي ستفرضها عليها في حالة الإصرار على مواصلة البرنامج،
في هذه الظروف سوف يكون لدى المتشددين القدرة على الإدعاء بأنهم كانوا على صواب، بأن الغرب في حاجة لإيران أكثر من حاجة إيران للغرب (كما يؤكد دائماً أحمدي نجاد)، وبأن إيران لم تكن في حاجة إلى كل هذا الخوف من مسألة فرض عقوبات اقتصادية وانهيار الروابط الاقتصادية مع الدول الأوروبية واليابان، وبالتالي فتحقيق هذا السيناريو وخوفهم مواقف الإصلاحيين والمحافظين التقليديين وخوفهم المستمر من مسألة فرض العقوبات على إيران وخسارة العلاقات مع الدول الأوروبية.
………من النتائج المحتملة أيضاً لهذا السيناريو هو تمكن المتشددين من السيطرة الكاملة على الجهاز الحكومي للدولة، كما يمكن أن يترك هذا السيناريو آثاره على السياسة الخارجية لإيران، فمن خلال سيطرة المتشددين على السلطة في إيران من المتوقع أن يستمر الدعم الإيراني للإرهاب، ومعارضة أي عملية سلام في الشرق الأوسط.
………ومن المحتمل أيضاً معارضة إيران لأي إصلاح سياسي في دول مثل سوريا ولبنان، وقد يقترن ذلك في الوقت نفسه بمحاولات من جانب إيران لزعزعة وجود بعض حكومات المنطقة (مثلما فعلوا مع المملكة العربية السعودية والكويت والبحرين في الثمانينيات والتسعينيات).(38/23)
………وعلى مستوى السياسات الداخلية فقد يؤدي تحقق هذا السيناريو وتحكم المتشددين داخل إيران في السلطة كل هذا قد يفرض على الإيرانيين أنماطا اجتماعية متشددة في الملابس، والاختلاط بين الجنسين، وأنماطا أخرى من السلوك. وقد يلجأ المتشددون من أجل تحقيق ذلك إلى بعض المؤسسات الموالية لهم مثل مجلس صيانة الدستور لكي يعمل على اتخاذ إجراءات يتم من خلالها إقصاء أكبر عدد من الإصلاحيين والمحافظين التقليديين من المؤسسات المهمة مثل مجلس الشورى.
………كما يمكن أن يعمل المتشددون على إعطاء دور أكبر لبعض الجماعات الراغبة في استعمال العنف لفرض رؤيتها المتشددة في الثورة الإسلامية مثل جماعات حزب الله الإيراني وقوات الباسيج، كما يمكن أن تشمل عمليات القمع بعض جوانب الحياة السياسية الأخرى في إيران مثل وسائل الإعلام المجانية التي يتوقع لها أن تكون أحد أهم الأشياء المستهدفة من جانب المتشددين في حالة نجاح هذا السيناريو بالنسبة للبرنامج النووي.
………ويبقى السؤال الأكثر أهمية متعلق بالجانب الاقتصادي، فالمتشددون في إيران ليس لديهم أي حلول إيجابية لتحسين أداء الاقتصاد، فعندما ندقق في اقتراحات أحمدي نجاد الاقتصادية نجد أنها خليط من اشتراكية السبعينيات التي تجعل حالة إيران الاقتصادية أسوأ مما هي عليه الآن.
………ويقتبس أحمدي نجاد دائماً مقولة الخميني التي تقول "إننا لم نقم بالثورة من أجل تغيير سعر البطيخ". ومن المتوقع أيضا قيام المتشددين بمنع الإصلاحيين من تنمية الروابط والعلاقات الاقتصادية مع الغرب الذي يجدد تشدداً من إيران من خلال دعم الإرهاب والاستمرار في البرنامج النووي. كل هذا قد يؤدي في النهاية إلى تردي الأوضاع الاقتصادية وانتشار الاضطرابات الاجتماعية التي من المحتمل مواجهتها عن طريق العنف.(38/24)
…على أية حال إذا اختار الأوروبيون واليابانيون الاستمرار في التجارة والاستثمار مع إيران بنفس مستوى عام 2002 الذي شهد تراجعاً في حجم الاستثمارات الأوروبية فمن المتوقع أن يشهد الاقتصاد الإيراني تدهوراً وانهياراً الأمر الذي قد يؤدي إلى مزيد من السخط بين أفراد الشعب الإيراني، والذي سيكون وشيكاً إذا تم مواجهته بأساليب عنيفة من جانب المتشددين.
………وهكذا كان لصعود أحمدي نجاد وحلفائه من حركة آباد كران آثار سلبية عديدة على تطورات الملف النووي الإيراني الذي نتصور أن هذا سيعيد إيران مرة أخرى إلى فترة الثمانينيات التي يحاول المتشددون إعادتها مرة أخرى.
………هناك ملاحظة أخرى يمكن أن تنتج من المواجهة النووية الحالية، فلو قامت الولايات المتحدة بتوجيه ضربات عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية فإن هذا من شأنه أن يصب في مصلحة المتشددين في إيران.
………فمن الواضح أن مثل هذا الأمر يؤكد حجج المتشددين، حيث سيكون لديهم القدرة في هذا الوقت على إدعاء أن قيام الولايات المتحدة بمثل هذه الهجمات يعتبر أكبر دليل على رغبتها في تحطيم الجمهورية الإسلامية وإخضاع إيران لمصلحته، كما سيؤكدون أن مثل هذا الهجوم يزيد من أهمية امتلاك إيران لأسلحة نووية لردع العمليات العسكرية المستقبلية، كما أن الكثير من الإيرانيين سيكون لديهم في هذا الوقت الاستعداد لتقديم مزيد من التضحيات لمحاربة الولايات المتحدة، كما أن مثل هذا الأمر من شأنه أن يكذب حجج الإصلاحيين الذين دافعوا عن العلاقات مع الولايات المتحدة، كما قد يقدم مثل هذا الهجوم الأمريكي المبرر للمتشددين في إيران لتصفية حتى خصومهم من المعتدلين في إيران.(38/25)
………ولهذا فإن سخرية القدر يؤكد أن وجود عملية عسكرية أمريكية ضد المنشآت النووية الإيرانية سوف يأخذ نفس تأثير الفشل الغربي في التعامل بحزم مع الملف النووي الإيراني. حيث سيسمح مثل هذا الأمر للمتشددين في إيران بتهميش الإصلاحيين والمحافظين التقليديين، والقيام بخطوات جديدة تكمل لهم السيطرة على مفاصل السياسة الإيرانية.
السيناريو الثاني، الحل الواقعي:
…إذا استطاعت القوى الدولية أن تكون حازمة ومتحدة وراغبة بالفعل في فرض عقوبات اقتصادية صارمة على إيران، فإن ذلك قد يفرز نتائج مختلفة في المستقبل على المدى المتوسط، وهذا هو ما يحاول المرشد الأعلى خامنئي تفاديه، حيث يحاول أن يتفادى معضلة الاختيار بين مصلحة إيران الاقتصادية (التي يفضلها الإصلاحيين) ومواصلة البرنامج النووي (ويتبنى هذا الخيار في الوقت الحالي المتشددون)، وعلى افتراض أن خامنئي ربما يتحه إلى تقديم التنازلات للأوروبيين لمنع العقوبات الاقتصادية الأوروبية فإن نتائج هذا السيناريو سوف تتشابه مع نتائج السيناريو الأول، ليس هذا فحسب ولكن معنى أن يتخلى خامنئي عن البرنامج النووي مقابل رفع العقوبات واستمرار التجارة والاستثمارات إلى إيران فإن ذلك معناه أن خامنئي سوف يقف في جانب البراجماتيين في وجه المتشددين الأمر الذي ينذر بنشوب العديد من المعارك الداخلية في إيران في المستقبل.
………وعلى الرغم من هذا فإن مثل هذا التوجه من جانب خامنئي قد يعرض أسس الثورة الإسلامية للخطر (بالتأكيد يدرك خامنئي حجم المعركة الضخمة التي يتوجب عليه دخولها من أجل تحقيق هذا السيناريو).(38/26)
………إلا أن المثير للانتباه أن مثل هذا السيناريو يعد أفضل سياسة للغرب للتعامل مع إيران ويصف البعض هذه السياسة بسياسة "الحب القاسي"، حيث يتم فرض عقوبات اقتصادية على إيران لإثارة المزيد من الضغوط والاضطرابات الداخلية التي يمكن أن يترتب عليها تحقيق بعض الفوائد التي تصب في مصلحة الإصلاحيين على حساب المتشددين.
………ويرى الغرب أن علاقتهم بإيران ستكون أفضل في حالة وجودها تحت سيطرة الإصلاحيين وهذا بالطبع ما يسعى الغرب لتحقيقه، وبرغم ذلك فإن مثل هذه الأزمة التي يسعى الغرب إلى إثارتها في إيران غير مؤكد حدوثها، فقد يؤدي حدوث مثل هذه الأزمات لبعض المعارك الداخلية ومن المعروف أن الإصلاحيين أقل ميلاً لاستعمال العنف ضد معارضيهم الأمر الذي يعني أن الإصلاحيين في هذه الحالة معرضون أكثر من غيرهم إلى الخروج خاسرين من هذه المعارك مع المتشددين.
السيناريو الثالث، المأزق طويل المدى:
………يبدو على الأغلب أن هذا السيناريو هو الأرجح، فالنتيجة التي تتوقف عليها المواجهة النووية الراهنة بين إيران والمجتمع الدولي سوف تؤثر بالطبع على مستقبل إيران على المدى المتوسط، ونتيجة لهذا الطريق المسدود بين إيران والمجتمع الدولي يبدو أن المأزق سيطول بين التيارات السياسية المتنافسة داخل إيران.
………وقد أظهرت طهران وضوحاً محدوداً تجاه عمليات تخصيب الوقود النووي ودورة الوقود النووي لأغراض سلمية، ونتيجة للتشدد الإيراني مع دول الترويكا الأوروبية (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) بالإضافة إلى روسيا كل هذا يجعل إيران منبوذة دولياً وبالتالي يحرم المتشددين من تحقيق نصر واضح وفقاً للسيناريو الأول.(38/27)
………كما أن الدول الأوروبية لا تبدو راغبة حتى الآن (بدون الحاجة لذكر روسيا والصين) في فرض عقوبات اقتصادية على طهران بشكل يمكن أن يغير من سلوك طهران وبالتالي تحقيق السيناريو الثاني، ولكن يبدو أن إيران ستفضل البقاء في عالم النسيان الدبلوماسي، بمعنى الحفاظ على مستوى من تخصيب اليورانيوم يسمح لإيران بتفادي مسألة فرض عقوبات اقتصادية حادة أو قاسية من جانب المجتمع الدولي. هذه النتيجة من الممكن أن تفرز نوعاً من الضغط المعتدل على طهران ولكن ليس بالشكل الكافي الذي يسمح بصعود أي من المتشددين أو المعتدلين في إيران.
…بمعنى آخر وجود مواجهة نووية طويلة الأمد بين إيران والمجتمع الدولي لن تعني وجود معركة داخلية كبيرة بين التيارات الرئيسية وبالتالي لن يتمكن أي طرف من تحقيق نصر حاسم على الأطراف الأخرى، وفي ظل هذه الظروف ليس من الواضح هل سيتمكن النظام الديني في إيران من ابتكار آليات جديدة فعالة والتكيف مع الظروف الجديدة في الوقت المناسب لتفادي وقوع الكوارث.
…ومن الواضح أن الاقتصاد سيكون هو المحرك الرئيسي فقضايا مثل البطالة، التضخم، واتساع الفجوة في توزيع الثروات والعديد من القضايا الاقتصادية الأخرى سوف تسوء بشكل أكبر، حتى مع ارتفاع أسعار النفط إلى أكثر من 60 دولاراً للبرميل لأن معظم الإيرانيين يدركون أن مثل هذه العوائد لن توجه إليهم ولكن سيقضي عليها الفساد. ليس هذا فحسب بل من المحتمل انفجار أزمات ومشكلات أخرى مثل تعاطي المخدرات والدعارة.(38/28)
كل هذا من شأنه تنمية وزيادة مشاعر السخط لدى الإيرانيين في الطبقة المتوسطة الذين يدركون أن ثروات بلادهم وعلى رأسها النفط لا تعرف طريقها إلى جيوب الطبقة المتوسطة. وبالرغم من أن أحمدي نجاد تم اختياره من جانب الشعب الإيراني من أجل محاربة الفساد يبدو من المستبعد جداً أن يقوم أحمدي نجاد بأي شيء من أجل تخفيف حدة المعاناة لدى الشعب الإيراني أكثر من الذي قام به خاتمي، بل يرى البعض أن أحمدي نجاد سوف يوصلهم إلى ما هو أسوأ من فترة خاتمي، وبرغم أن أحمدي قد تعهد بمحاربة الفساد فإن النظام نفسه لن يسمح بتحقيق ذلك لأنه هو المستفيد الرئيسي من هذا الفساد. صحيح أنه قد يسمح له بتتبع بعض أنماط الفساد الصغيرة، لكن من المحتمل أن لا يكون قادراً على المساس بالفساد الحقيقي داخل النظام.
………وعلى النمط نفسه كانت رؤية أحمدي نجاد لحل المشكلات الاقتصادية نسخة مكررة من اشتراكية السبعينيات، ولسوء الحظ إيران تحتاج إلى تقليل معدل الاشتراكية وليس زيادتها، كما تحتاج إيران إلى تقليل معدل التحكم في الأسعار والمزيد من الخصخصة ومزيد من الاقتصاد الحر، ولهذا من المحتمل أن تضيف أفكار ورؤى أحمدي نجاد الاقصادية المزيد من الشلل للاقتصاد الإيراني.
………وعلى الرغم من أن ارتفاع أسعار النفط في الفترة الراهنة يخدم الاقتصاد الإيراني على المدى القريب فإن الموقف الإيراني المتشدد بخصوص الملف النووي يمنع إيران من جذب الاستثمارات الغربية.
………فحتى لو لم يتم فرض عقوبات رسمية من جانب الأمم المتحدة على إيران فإن هذا سوف يؤدي إلى مزيد من هروب الاستثمارات والشركات الأجنبية خارج إيران والبحث عن مناطق أخرى للاستثمار تكون أكثر أماناً.(38/29)
………كل هذه المؤشرات تنذر بتدهور اقتصادي كبير داخل إيران، أضف إلى هذا بعض العوامل السياسية التقليدية التي قد تزيد من صعوبة المعادلة على النظام الإيراني، بالإضافة إلى هذا إذا حاول المتشددون (كما يفعلون الآن) إعادة فرض بعض المظاهر الاجتماعية فإن هذا من شأنه زيادة موجة العداء ضدهم من جانب الشباب الإيراني، هذا بجانب حالة عدم الاستقرار والحرب الأهلية التي يعاني منها العراق الأمر الذي قد يؤدي لحالة عدم استقرار في غرب إيران بشكل لا يتمكن النظام الإيراني من السيطرة عليه في المستقبل. وبرغم جميع المؤشرات السابقة التي تحيط بالنظام الإيراني فمن السابق لأوانه الحديث عن نهاية للجمهورية الإسلامية، فبرغم أن العديد من المؤشرات تؤكد أن نظام الجمهورية الإسلامية يعاني صعوبات عديدة فإن النقطة المهمة هنا تكمن في عدم القدرة على معرفة طبيعة الرد الإيراني القادم، فخامنئي استطاع قبل ذلك وفي ظل ظروف معقدة أيضاً أن يأخذ بيد إيران ويضمن لها النجاة، وربما يكون قادراً على القيام بهذا الأمر مرة أخرى، وهكذا ربما يبدو السيناريو الأخطر على إيران على المدى الطويل أقل خطراً عليها على المدى القريب وفقاً لعوامل أخرى ربما تكون في إطار المواجهة النووية.
مواقف المفكرين والعلماء من الشيعة
(21)
هذه سلسلة من البحوث كتبها مجموعة من المفكرين والباحثين عن عقيدة وحقيقة مذهب الشيعة من خلفيات متنوعة ومتعددة ، نهدف منها بيان أن عقائد الشيعة التي تنكرها ثابتة عند كل الباحثين ، ومقصد آخر هو هدم زعم الشيعة أن السلفيين أو الوهابيين هم فقط الذين يزعمون مخالفة الشيعة للإسلام.
من كتاب: "المرجع الكامل في الفرق والجماعات والمذاهب الإسلامية" لصلاح أبو السعود (ص44 – 46). الراصد.
الإمامية(38/30)
من فرق الشيعة، وهم القائلون بإمامة علي ـ رضي الله عنه بعد النبي صلى الله عليه وسلم بالنص الظاهر، والتعيين الصادق، ليس تعريضا بالوصف، بل إشارة إليه بالعين.
وقالوا: وما كان في دين الإسلام أمر أهم من تعيين الإمام، وقد بُعث - صلى الله عليه وسلم - لرفع الخلاف، وتقرير الوفاق، فلا يجوز أن يفارق الأمة دون أن يعين شخصاً يرجع إليه، وينص على واحد هو الموثوق به والمعول عليه، فلا يجوز لأحد من المؤمنين أن يختار إماما برأيه، ومعقوله، وكيف يجوز هذا وقد حظره الله عز وجل على رسله، وأنبيائه وجميع خلقه، فقال في كتابه: {وما كَان لمؤمِن ولا مُؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكونَ لهم الخيَرة من أمرِهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبينا} [الأحزاب: 36]، وقال سبحانه تعالى: {وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة} [القصص: 68] ، وإنما اختيار الحجج والأئمة إلى الله عز وجل، وإقامتهم إليه، فهو يقيمهم ويختارهم، ويعلن أمرهم إذا أراد، ويسترهم إذا شاء فلا يبديهم، وقالوا: إن عليا رضي الله عنه قد عين في مواضع تعريضا، وفي مواضع أخرى تصريحا.
أما تعريضاته - صلى الله عليه وسلم - منها أنه بعث أبا بكر ليقرأ سورة براءة (التوبة) على الناس في المشهد، وبعث بعده عليا، ليكون هو القارئ عليهم، والمبلغ عنه إليهم، وقال: "نزل على جبريل، فقال: يبلغه رجل منك" أو قال: "من قومك"، وهو يدل على تقديمه عليا عليه، وكذلك أنه كان يؤمر على أبي بكر وعمر - وغيرهما من الصحابة - وقد أمّر عليهما: عمرو بن العاص في بعث، وأسامة بن زيد في بعث، وما أمّر على عليّ أحدا قط.(38/31)
وأما تصريحاته - صلى لله عليه وسلم - في إمامة عليّ - رضي الله عنه - حين قال: "من الذي يبايعني على ماله؟" فبايعته جماعة، ثم قال: من الذي يبايعني على روحه وهو وصيي وولي هذا الأمر من بعدي؟ "فلم يبايعه أحد، حتى مد أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه - يده إليه فبايعه على روحه ووفى بذلك، حتى كانت قريش تعير أبا طالب: أنه أمّر عليك ابنك.
وكذلك عندما نزل قوله تعالى: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس} [المائدة: 67]، فلما وصل إلى "غدير خم" نادوا الصلاة جامعة، ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: (من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه، ألا هل بلغت: ثلاثا). فادعت الإمامية أن هذا النص صريح. وتقول الإمامية: وقد فهمت الصحابة من التولية ما فهمناه، حتى قال عمر بن الخطاب حين استقبل عليا: طوبى لك يا علي، أصبحت مولى كل مؤمن ومؤمنة.
ومن التصريحات - عندهم - على إمامة علي رضي الله عنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أقضاكم علي)، فالإمامة لا معنى لها إلا أن يكون أقضى القضاة في كل حادثة، والحاكم على المتخاصمين في كل واقعة، وهو معنى قوله تعالى: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} [النساء: 59]، قالوا "فأولو الأمر" من إليه القضاء والحكم، والقضاء يستدعي كل علم، وليس كل علم يستدعي القضاء.(38/32)
ثم إن الإمامية تخطت هذه الدرجة إلى الوقيعة في كبار الصحابة: طعنا وتكفيرا، وأقله ظلما، وعدوانا، وقد شهدت نصوص القرآن على عدالتهم، والرضا عن جملتهم، قال تعالى: {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة} [الفتح: 18]، وكانوا إذ ذاك ألفا وأربعمائة، وقال الله تعالى ثناء على المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه} [التوبة: 100]. وقال: {لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة} [التوبة: 117]، وقال تعالى: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم} [النور: 55]، وفي ذلك دليل على عظم قدرهم عند الله تعالى.
وكذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة من أصحابي في الجنة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو عبيدة الجراح" إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في حق كل واحد منهم على انفراد.
والإمامية لم يثبتوا في تعيين الأئمة بعد الحسن والحسين، وعلي بن الحسين - رضي الله عنهم - على رأي وحد، بل اختلافاتهم أكثر من اختلافات الفرق كلها. وهم متفقون في الإمامة، وسوقها إلى جعفر بن محمد الصادق، ومختلفون في المنصوص عليه بعده من أولاده، إذ كان له خمسة أولاد، وقيل ستة: محمد، وإسحاق، وعبد الهو، وموسى، وإسماعيل، ثم منهم من مات ولم يعقب، ومنهم من مات وأعقب، ومنهم من قال بالتوقف والانتظار، والرجعة، ومنهم من قال بالسوق والتعدية. وكان الإمامية في أول الأمر على مذهب أئمتهم في الأصول، ثم لما اختلفت الروايات عن أئمتهم، وتمادى الزمان، اختارت كل فرقة منهم طريقة، فصارت الإمامية بعضها معتزلة، إما وعيدية، وإما تفضيلية، وبعضها إخبارية، إما مشبهة ا.هـ.
?
الحرب الأهلية في العراق(38/33)
واقع وتصورات – دراسة استشرافية
( 2/2)
إعداد المعهد العربي للبحوث والدراسات
الأردن – 2006
احتمالات الحرب الأهلية في بغداد والمحافظات العراقية
(من وجهة نظر عسكرية)
هذا هو الجزء الثاني من هذه الدراسة القيمة ، والتي طرح التقرير فيها توقعاته للمستقبل القريب، مهد التقرير بالتذكير بأن العراق كما هو معروف بلد متعدد القوميات متعدد الديانات والمذاهب، وبيان طبيعة الصراعات التي تعرض لها العراق عبر التاريخ وخاصة مع دولة فارس ، ومن ثم بين دور الإدارة الأمريكية في الفوضى الحاصلة اليوم في العراق، وتأثيرات دول الجوار وغيرها كان لها أبرز الأثر في فقدان الثقة بالسلطات التي تحكم العراق لأنها وعلى مر التاريخ لم تعمل من أجل العراق، وهكذا تحولت الولاءات من الولاء للعراق إلى الولاءات العنصرية والطائفية والسياسية.
"وفي ظل هذا الوضع الفوضوي طرح الأمريكان أفكاراً جديدة لم يكن الغرض منها صيانة وحدة العراق والحفاظ على أمته ووحدته بل العكس، فالفدرالية والتعددية والديمقراطية وغيرها من الأفكار أدت بمجموعها إلى احتدام الصراعات بين كل هذه القوى، وترافق ذلك مع الادعاء بحقوق مسلوبة منها، وعليه نسبت لنفسها حقوقاً بحيث أضفت على تصرفاتها شريعة مستندة على تلك الحقوق، وانعكس هذا الأمر في مبدأ المحاصصة الذي انسحب تطبيقه على تشكيلات ومؤسسات الدولة المختلفة من مجلس الحكم والوزراء والدوائر والقوات المسلحة وقوى الأمن، وتكرست هذه المفاهيم بمرور الوقت تعززها المصالح الخاصة ومصالح القوى الإقليمية التي وجدت الفرصة مناسبة لتدخلها " .
ويكشف التقرير حقيقة مهمة جداً هي " إن الحرب الطائفية التي كثر الحديث عنها هي ليست قدراً مفروضاً على العراق وبالإمكان تفاديها لو أعطى الجميع ولاءهم للعراق " .(38/34)
وعن غاية التقرير "من هذه الدراسة ليس القصد منه الترويج لهذه الحرب، ولكن الغاية منه التبصير ومخاطبة العقلاء والشعب العراقي بما يحتمل أن يحدث فيما لو وقعت لا سمح الله".
تعرض التقرير لمسألة مدى إمكانية وقوع الحرب الأهلية ، فتوصل إلى وجود " اعتقاد راسخ لدى الكثير من المفكرين والمراقبين ولدى أوساط الشعب العراقي بأن الدستور ما هو إلا قنبلة موقوتة ستؤدي بالعراق كدولة إلى مصير مجهول ".
وينقل التقرير " تصريح للدكتور عدنان الباجه جي لجريدة "الحياة" يوم 15 أيلول يقول:
(إن مسودة الدستور لا تنص بصراحة ووضوح ودقة على اختصاصات الحكومة المركزية الحصرية، بما يفتح المجال في المستقبل القريب لظهور تناحر وتصادم واقتتال بين مكونات الشعب العراقي، بالاستناد إلى تفسيرات كيفية للغة الدستور خصوصاً القضايا التي تخص الجيش والعلاقات الخارجية والبنك المركزي والجمارك والجنسية والإشراف على الثروة الوطنية وتوزيعها واستثمارها) ".
أما المرحلة التي أعقبت الدستور وهي مرحلة الانتخابات فهي الأخرى كانت مرحلة عصيبة، فبعد انتهاء الانتخابات ظهرت العديد من حالات التزوير مما دفع بالعديد من القوى السياسية المشاركة إلى التشكيك في نزاهة الانتخابات.
وهذا ما أدى إلى طلب إجراء تحقيق وتدقيق من لجان دولية محايدة، وبعد مخاض عسير ظهرت النتائج والتي قبلت على مضض.
ثم جاءت مرحلة انعقاد مجلس النواب وتشكيل الحكومة لتدخل العراق في نفق مظلم، فمنذ انتهاء الانتخابات وإلى هذا التاريخ لم تفلح القوى السياسية في التوصل إلى حل لتشكيل الحكومة بالرغم من المحاولات والاجتماعات المستمرة والوعود العديدة والتصريحات التي تظهر بين الفينة والأخرى والتي تبشر بقرب انتهاء الأزمة، ولكن الواقع يظهر عكس ذلك فالاختلافات مستمرة ولا يوجد أمل في الوصول إلى حل بسبب اختلاف النوايا والأهداف والمصالح.(38/35)
وبسبب هذا الوضع تدهور الوضع الأمني بشكل مفزع وتطور إلى مرحلة الاقتتال الطائفي والانفلات الأمني الواسع من أغلب مدن العراق خصوصاً العاصمة، وأصبحت الحرب الأهلية حقيقة ملموسة على الرغم من التفاؤل بعدم حدوثها، ففي كل يوم يقتل ما لا يقل عن مائة شخص في بغداد فقط من الذين يعثر على جثثهم في أماكن متفرقة وهي مشوهة وعليها مظاهر التعذيب، إضافة إلى عمليات الاختطاف التي تزايدت بشكل كبير ومن قبل عناصر ترتدي ملابس قوات وزارة الداخلية وبأعداد كبيرة .
وفي خضم هذه الأحداث تأتي مرحلة جديدة لتصب النار على الزيت بتفجير مرقد الإمامين علي الهادي والحسن العسكري، وما تلى ذلك وبشكل فوري ومدروس من أعمال مهاجمة أكثر من مائتي مسجد وقتل أكثر من أربعمائة شخص شملت أئمة المساجد والعديد من المواطنين الأبرياء لا لذنب إلا لكونهم سنة، وكأن السنة هم الذين فجروا الإمامين كل ذلك جرى وفق خطة مدروسة، وكأن هناك جهة معينة خططت ونفذت هذه العملية من أجل إشعال نار الفتنة والحرب الطائفية ولتدليل على هذا الكلام لا بد من الإشارة إلى بعض ما قيل وكتب من جهات مختلفة.
في رسالة من الرئيس جلال الطالباني إلى إبراهيم الجعفري ووزيري الدفاع والداخلية قال فيها: (وردتنا أخبار بوجود أشخاص يرتدون بزات رسمية ويركبون عجلات مماثلة لسيارات قوات الشرطة والجيش ينفذون أعمال قتل ومداهمات ليلية تستهدف المدنيين في منازلهم)( ).
كما صرح قائد القوات الأمريكية عندما سئل من قبل الصحفيين بعد حادثة تفجير المزارين:
(أن أزمة العنف الطائفي التي ثارت بسبب تفجير مزار شيعي الأسبوع الماضي قد مرت لكنه رفض استبعاد نشوب حرب أهلية وقال: أي شيء يمكن أن يحدث)( ).(38/36)
وفي مقال كتبه ماكس بوت زميل رئيسي في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية لصحيفة "لوس أنجليس تايمز" نشر في صحيفة "الرأي" يوم 29/3/2006، تحت عنوان: "كيف تنتصر القوات الأمريكية في العراق"، جاءت إجابة سؤال: هل يشهد العراق حرباً أهلية؟
(الواقع أن ذلك يتوقف على معنى الحرب الأهلية، فمما لا شك فيه أن ثمة اقتتالاً داخلياً متزايداً، أما في حال لم يكن العراق يعيش حرباً أهلية فالأكيد أنه يسير نحوها.
لقد لقي ما لا يقل عن 30 ألف عراقي مصرعهم على مدى السنوات الثلاث وعدد كبير منهم قتلوا بيد إرهابيين لا يرحمون، وقد تبدو المرحلة الراهنة مواتية في حال اندلاع حرب أهلية شاملة؛ إذ من الممكن أن ينجم عن اقتتال داخلي شامل حمامات دم تشبه تلك التي شهدتها البلقان ورواندا والسودان تزهق فيها أرواح مئات الآلاف إن لم يكن الملايين.
أما في حالة حدوث ذلك لا سمح الله فستكون ثمة دعوة لتدخل دولي في بلاد الرافدين بقيادة الولايات المتحدة).
وبعد فشل القادة السياسيين في اجتماع يوم 31/3/2006 في حل خلافاتهم حول الشخصية التي ترأس اللجنة الوزارية التي ستتكفل بالوضع الأمني، صرح السيد طارق الهاشمي عضو جبهة التوافق:
(أن الوضع الأمني تردى وتجاوز حد اللامعقول، وفي ضوء ذلك ما عاد من الممكن المساومة على بقاء الحال على ما هو عليه، ولا بد أن يضطلع الساسة والحكماء بفقه جديد وبرؤية جديدة وبآلية جديدة لصنع القرارات وبهيكلية حكومية جديدة تضمن المسؤولية المشتركة في السلطة وتتناسب مع الوضع الراهن الذي يفرض على الجميع النظر باتجاه التغير، أما بقاء الأمر على حاله وإدارة الملف الأمني بالمنهجية نفسها التي عرفها العراقيين حتى الآن فان الوضع سيبقى مرشحاً لمزيد من التدهور، أي المزيد من الدماء والمزيد من الأرواح التي تزهق يومياً دون وجه حق، وهذا ما لا نرضاه على الإطلاق).(38/37)
ويتوصل التقرير إلى ضرورة تشكيل حكومة قوية تخرج العراق من هذه الحرب ، ويحذر التقرير من "عدم قدرة الحكومة على تحقيق الأهداف التي يريدها الشعب هو زيادة العنف وزيادة العناصر المسلحة والعصابات والمليشيات، كما أنه سيساعد على توحيد صفوف المقاومة الوطنية وستزداد ضراوتها، ومن المحتمل أن يتحول الكثير من المعتدلين والمؤمنين بالحل السلمي إلى العمل المسلح من أجل إنهاء احتلال البلاد باعتباره هو السبب فيما حصل ".
كما وضح التقرير فإن الأطراف المستفيدة من هذه الأوضاع السيئة "والتي حصلت على مكاسب سياسية واقتصادية مهمة ستتشبث بالمكاسب التي حصلت عليها من خلال استغلال ما ورد في الدستور وبعض القرارات والقوانين والاجتهاد في التفسيرات التي تخدم المصالح الخاصة.
وعندها ستزداد الهوة بين الطرفين، طرف يريد الدستور لما فيه من منافع قومية أو مذهبية أو اقتصادية أو لمصالح دول أخرى مستفيدة والطرف الآخر الذي يعتقد أنه الخاسر الأكبر وأن مصيره ووجوده أصبح في خطر أكيد.
وعند الوصول إلى هذا الموقف سنجد أن الانقسامات بين القوميات والمذاهب ستكون واضحة جداً وستظهر القيادات التي تحاول أن تدير دفة الصراعات المحتملة بين القوتين المتناحرتين، وهكذا يصبح العراق مهيئاً لدخول مرحلة جديدة هي مرحلة الحرب الأهلية ".
كيف يمكن تصور طبيعة أو شكل الحرب الأهلية:
هنا نصل للب الدراسة وأهم ما فيها " قبل الدخول في تفاصيل طبيعة وشكل الحرب الأهلية لا بد من إعطاء تصور للوضع العام في العراق قبل وخلال مرحلة تشكيل الحكومة وما بعدها.
وكما أسلفنا وبسبب ما آل إيه الوضع الحالي بسبب الفشل في تشكيل الحكومة فإن ما يحتمل حدوثه هو:(38/38)
أ- جبهة التوافق والقوى الأخرى المتعاونة معها والمؤيدة لها، والقوى المستقلة والفئات الأخرى التي كانت معارضة للدستور وللقوى التي تسعى إلى فكرة تقسيم العراق، هذه القوى سوف تعمل على توحيد صفوفها من أجل تشكيل كتلة قوية (قومية دينية سياسية)، والتي يمكن إطلاق تسمية "السنة العرب" عليهم مجازاً، ولو أن من ضمنهم عناصر وفئات أخرى ليسوا من السنة. لأجل الحصول على موقف قوي يتمكن من الوقوف بوجه القوى المضادة. وسيعمد مناصرو هذه هذا الاتجاه إلى استغلال العامل الديني من أجل حشد أكبر ما يمكن من المواطنين تحت هذا الشعار.
ب- جماعة قائمة الائتلاف الوطني (الأحزاب الشيعية والمؤيدين لهم) تعمل من أجل تعزيز مواقعها وقوتها خصوصاً العسكرية والتي أساسها المليشيات والقوات المسلحة المرتبطة بها مع السعي لاستغلال العامل الديني إلى أقصى حد ممكن وسيكون للمرجعيات الدينية تأثير كبير على سير الأحداث سلباً أو إيجاباً.
ج- الاتحاد الكردستاني ستحاول قيادته التوفيق بين الأطراف المتصارعة في محاولة للوصول إلى حل مناسب لأن الفشل يعني إجهاض كافة ما خططوا له وما حصلوا عليه.
د- زيادة نشاط العمليات الإرهابية التي تستهدف المدنيين خصوصاً ضد العرب السنة الذين سيتعرضون إلى عمليات اغتيال وقتل وتشريد، وستزداد عمليات المداهمات والاعتقالات والقتل من الأجهزة الأمنية والجيش والقوات الأمريكية بحجة مكافحة الإرهاب وستتعرض الكثير من المدن إلى عمليات عسكرية وسيقع العرب السنة بين خطر الإرهاب والعمليات المضادة للسلطة والأمريكان. كما ستتعرض العديد من الأماكن الشيعية إلى أعمال التخريب وسيقع من جرائها الكثير من الضحايا.
هـ- ستتركز الحوادث والفعاليات في العاصمة والمحافظات الوسطى والموصل وكركوك بشكل رئيسي مع حدوث فعاليات أخرى في باقي المحافظات.(38/39)
و- إن الحالة المشار إليها آنفاً ستؤدي إلى الزيادة في انقسام الشعب وعندها ستظهر بؤر التوتر بشكل واضح، وستظهر بوادر ذلك في العاصمة والمحافظات المختلفة (ديالى، الموصل، صلاح الدين، كركوك). وستزداد تبعاً لذلك أعمال اعنف في هذه المحافظات خصوصاً في بغداد، إضافة إلى الأعمال الإرهابية التي ستتصاعد هي الأخرى خصوصاً إذا ما وقعت أحداث أخرى مهمة في محاولة لتعميق الخلافات بين الشيعة والسنة، وستظهر بوادر انقسام المجتمع طائفياً (شيعة وسنة)، في المحافظات والمدن والأحياء بشكل واضح. وستزداد تبعاً لذلك التجاوزات بين الطائفتين كما سترافق كل ذلك الإشاعات التي تهدف إلى توتير الأجواء وتوسيع شقة الخلافات بين الطائفتين إضافة إلى الأخبار والمعلومات التي تتناقلها وسائل الإعلام المختلفة والتي ستزيد من نار الفتنة خصوصاً وسائل الإعلام التي تسعى إلى تعميق الهوة بين الطائفتين.
ز- ستقوم القوى السياسية التي لديها ميليشيات بزيادة أعدادها وتسليحها وتعمل على إعادة التمركز والتوزيع في الأماكن المهمة والتي تتواجد فيها الأكثرية الشيعية.
وسيدفع هذا الإجراء العرب السنة والفئات الأخرى إلى اتخاذ نفس الإجراء ولو بشكل سري لأن المليشيات التابعة للأحزاب الشيعية لديها غطاء من السلطة الحاكمة.
وستتمكن تحت غطاء مكافحة الإرهاب من الضغط على العوائل السنية المتواجدة ضمن المناطق الشيعية إما على ترك دورهم أو التعرض للقتل أو الاعتقال، كما ستستخدم القوات الأمريكية لإسناد هذه العمليات تحت الحجة نفسها.
ح- ستجري نتيجة لذلك هجرة السنة من المناطق الشيعية إلى مناطق السنة الأكثر أماناً، وبالمقابل سيقوم العرب السنة باتخاذ نفس الإجراء في مناطقهم، وستتفاقم الحالة وسيزداد أعداد القتلى في الكثير من الأماكن وسيحمل كل طرف الطرف الآخر مسؤولية ما يحدث.(38/40)
ط- ستظهر تنظيمات مسلحة في المدن والنواحي والقرى الشيعية والسنية في عموم العراق وخصوصاً في المحافظات (بغداد، الرمادي، ديالى، صلاح الدين، كركوك، الموصل)، أما باقي المحافظات التي تتواجد فيها أكثرية شيعية فمن المحتمل أن تظهر فيها تشكيلات شبه عسكرية خصوصاً في البصرة والنجف وكربلاء وبابل والكوت، وسيكون هناك تنسيق واضح بين قيادات هذه التشكيلات وقوات الأمن العسكرية المتواجدة في مناطقهم.
خلال هذه المرحلة سيكون لإيران حضور واضح على الساحة العراقية بدءاً من السيطرة الفعلية على الحدود ومسك المنافذ الرئيسية مع دفع عناصر من الحرس الثوري تحت أغطية إنسانية ودينية إلى داخل العراق، إضافة إلى تنشيط عمل مراكز المخابرات، مع تقديم الدعم العسكري لهذه التنظيمات والتشكيلات.
ي- ستعمل القوى السياسية المهيمنة على السلطة في الدولة على إقناع الأمريكان بأن كافة المظاهر المسلحة في المناطق الشيعية هي للدفاع عن النفس والحفاظ على الأمر وهذا مما سيوفر عليهم مهام حفظ الأمن، لذا سيعملون على إخلاء هذه المحافظات بشكل تدريجي من قوات التحالف والعمل على تركيز تواجدها في بغداد والمحافظات الأخرى الساخنة وسيكون للمخابرات والعمل الاستخباراتي لهذه القوى ولإيران دور كبير في إقناع الأمريكان ونقل الطلبات إليهم.
ك- خلال هذه المرحلة سيكون هناك نشاط سياسي واضح للتهيؤ للإعلان عن تشكيل إقليم الجنوب في خطوة استباقية لدرء المخاطر المتولدة إزاء تدهور الأوضاع الأمنية والتي ستكون بمثابة الحجة لمثل هذا الإجراء.(38/41)
ل- ستظهر بوادر الاقتتال الطائفي في بغداد أولاً، والموصل و ديالى تليها كركوك وصلاح الدين، أما في الرمادي فلا يحتمل أن يحدث فيها اقتتال طائفي لعدم وجود تجمعات شيعية فيها أو أحياء مختلطة كبيرة، كما هي موجودة في باقي المحافظات، لكن ستستمر الرمادي معرضة للحملات العسكرية الأجنبية وقوى الحكومة المركزية العراقية باعتبارها مركز وموطن تصدير الإرهاب، حتى لا تتمكن من العمل بتوافق مع باقي المحافظات.
م- إن الاقتتال الطائفي في بغداد سيؤدي إلى تقسيم المدينة إلى قواطع وأقسام تبعاً للكثافات السكانية لكل طائفة ولكن من الواضح أن الثقل الرئيسي للشيعة سيكون في جانب الرصافة عدا الأعظمية التي ستواجه ضغوطاً كبيرة، لأن المناطق المحيطة بها تقطنها أغلبية شيعية بدءاًً من الكريعات والفحامة والشعب، والثورة.
أما المناطق الأخرى المختلطة فسيكون العمل فيها تبعاً لحجم التواجد للطائفتين وستبرز فيها مشاكل كثيرة خصوصاً مدينة الضباط التي ستتعرض إلى ضغوط كبيرة وكذلك بغداد الجديدة والمشتل. وفي جانب الكرخ سيعمل السنة من أجل السيطرة على هذا الجانب لوجود أعداد كبيرة منهم ضمن أحيائه ولنزوح أعداد كبيرة من أهالي الرمادي إلى هذا الجانب لذا من المحتمل جداً أن تظهر في هذا الجانب تنظيمات سنية قوية على الرغم مما يبذل من جهود للسيطرة على هذه المناطق " .
الوضع في المحافظات
……"إن الظروف هي التي تملي على الناس ما ينبغي أن يكونوا عليه وليس ما يؤمنوا به.(38/42)
محافظة ديالى: بسبب التركيبة السكانية والعلاقات العشائرية المتداخلة فإن احتمالات حدوث قتال طائفي في المراحل الولية غير محتمل، صحيح أن هناك مناطق يتركز فيها الشيعة مثلاً في قضاء الخالص والقرى المحاذية لنهر دجلة، السعدية والقصرين والجديدة وصولاً على الراشدية، ثم بعض القرى شرق الخالص وأبرزها العنبكية وسراجق والماجدية وعدد من القرى الأخرى الواقعة في الجانب الأيمن من نهر ديالى ولكن بالمقابل فإن هناك أعداد كبيرة من قرى السنة تحيط بها. أما الجانب الأيسر لنهر ديالى فإن القرى المحاذية للنهر من خارج مدينة بعقوبة فهي خليط من الشيعة والسنة وصولاً إلى قرب المقدادية، وهناك عشائر مختلفة موزعة بين السنة والشيعة في منطقة المقدادية وبلد روز، فمثلاً عشيرة بني تميم والصكوك وقسم من الزهيرية وقسم من البيات هم من الشيعة يقابلهم الجبور والعبيد وقسم من الزهيرية والبيات والقرغول فهم من السنة وغيرهم، وهذه العشائر خليط من السنة والشيعة تتواجد في أماكن متقاربة ومتداخلة وبينهم علاقات اجتماعية وتاريخية، لذا فإن احتمال حدوث اقتتال طائفي فيما بينهم يبدو مستبعدا في المراحل الأولى ولكن يحتمل جداً أن ترسل منهم تعزيزات إلى مناطق الصراع داخل أو خارج المحافظة.
أما منطقة بني سعد فهي الأخرى خليط من السنة والشيعة ومن عشائر متعددة، ولكن وقوعها قرب منطقة الحسينية التي تمتاز بكثافة عالية وهي جميعها من الشيعة وتترابط مع مدينة الثورة وباقي المناطق الغربية من بغداد مثل الفيضيلية والعبيدي والكمالية فيحتمل جداً أن يحدث فيها اقتتال طائفي، وعندها ستكون العشائر الأخرى الواقعة بالعمث متأثرة بهذا الصراع.(38/43)
أما مدينة بعقوبة فلها وضع خاص كونها تحتوي على خليط من السنة والشيعة وتحيط بها نواحي وقرى مؤثرة عليها مثل يهرز التي تعتبر أحد معاقل المقاومة السنية وبسبب نشاط المقاومة داخلها فيحتمل جداً أن تسيطر عناصر المقاومة على المدينة خلال المراحل الأولية ولكن ذلك سيؤدي إلى حدوث اقتتال طائفي داخل المدينة وسيكون لأطراف المدينة دور فاعل في تغذية ودعم هذا الاقتتال. أما مناطق خانقين وجلولاء والسعدية فمن المرجح جداً أن يسيطر الأكراد عليها سيطرة كاملة ولا يسمح حتى للعشائر العربية أن تقوم بأي نشاط.
من المحتمل جداً أن يظهر دور واضح للمقاومة في محافظة ديالى بسبب وجود أعداد كبيرة من العسكريين ومن الحزبيين الذين سيعملون على توحيد صفوفهم ويقوموا بتشكيل قيادة ضمن منطقة ديالى ومن المحتمل جداً أن تستقطب هذه القيادة أعداداً كبيرة من المواطنين من أبناء العشائر وغيرهم وسيكون لهذه القوة حضور واضح على الساحة.
إن تطور الوضع في محافظة ديالى سيتاثر كثيراً بالوضع في بغداد فإذا تطورت الأمور في بغداد وتصاعدت فعاليات الاقتتال الطائفي وأعمال الإرهاب والمقاومة فإن قوات التحالف وقوى الأمن والجيش ستضطر إلى تعزيز تواجدها وستعمل من أجل السيطرة على الوضع ومثل هذه الحالة ستؤثر على التواجد العسكري في باقي المحافظات ومنها ديالى وعندها ستتدهور الأوضاع الأمنية في محافظة ديالى وستتسع فعاليات الاقتتال والمقاومة وفي مثل هذه الحالة ستضعف سيطرة الدولة والإدارة الحكومية في المحافظة وسيكون دورها محدوداً في المحافظة على أمنها الشخصي، أما الوقات الأمريكية فستتعرض هي الأخرى إلى ضربات مكثفة وعندها ستتجنب الدخول في المدن ويكون التركيز على الطيران بشكل أساسي.(38/44)
الوضع في محافظة التأميم: ستواجه محافظة التأميم ثلاثة قضايا في وقت واحد، فالأكراد يريدون فرض سيطرتهم على كركوك، والعرب السنة والتركمان يرفضون ذلك، والأكراد التركمان الشيعة الذين يؤيدون الائتلاف الشيعي لهم موقف قد يتعارض مع الطرفين.
فالأكراد إذا ما حاولوا السيطرة على كركوك فسيواجهون معارضة العرب السنة والتركمان ويحتمل كذلك الائتلاف الشيعي في المنطقة.
أما العرب السنة فإنهم وبسبب رفضهم للدستور والفدرالية فإنهم سيجدون أنفسهم بمواجهة مع الأكراد ومع الشيعة الموجودين في المنطقة. وبالنسبة للتركمان فإنهم لا بد وأن يتعاونوا مع العرب السنة، وإذا ما حصل قتال طائفي في بغداد وفي محافظات أخرى فإن الاحتمال الأكثر توقعاً هو أن تبقى الأمور على ما هي عليه في كركوك، فالأكراد في مثل هذا الموقف ليس من مصلحتهم الدخول في نزاع عنصري مع العرب ولا مع التركمان لأن ذلك يمكن أن يؤدي إلى تدخل تركيا وبنفس الوقت فإنه يقوي من موقف الائتلاف الشيعي الذي سيسعى إلى جر الأكراد إلى النزاع، وبنفس الوقت فإن العرب والتركمان ليس من مصلحتهم الاقتتال مع الأكراد في مثل هذه الظروف لأن الصراع في مثل هذه المرحلة سيكون صراعاً طائفياً وسيحتاجون إلى مهادنة الأكراد حتى يتفرغوا للقضية الأكثر خطورة.(38/45)
وإذا ما حصل مثل هذا الموقف فإن قوى الائتلاف الشيعة في المنطقة قد يلجئون إلى خيار التهدئة أيضاً وسيلعب الجانب القومي دوراً في ذلك، فالأكراد الشيعة يلجئون إلى الأكراد، والتركمان الشيعة إلى التركمان لأنهم إذا ما دخلوا في نزاع طائفي فسوف لا تكون الأمور في صالحهم بدون دعم الأكراد. أما قوات التحالف فهي الأخرى بحاجة إلى تهدئة الوضع في كركوك خصوصاً بين الأكراد والعرب حتى تتمكن من مواجهة المواقف الأخرى في بغداد وباقي المحافظات. لذا فإن الأكراد إذا ما تصرفوا بحكمة فإنهم سيختارون التهدئة حتى تنجلي الأمور لأن نتيجة الصراع ستخدمهم على المدى البعيد، وإضافة على العوامل المار ذكرها فإن الأكراد لو أرادوا أن يسيطروا على كركوك بالقوة فإن ذلك سيستنزفهم عسكرياً واقتصادياً وعندما يكون البلد في حالة صراع فإن الدعم المادي سيكون أمراً صعباً، إضافة إلى تعرض مصالحهم في الكثير من المدن للخطر، وحتى لو افترضنا أنهم سيطروا على نفط كركوك فإنه من المتعذر عليهم استغلاله لأن أنابيب التصديق تمر من مناطق عربية.
وفي مثل هذا الوضع سيقوم كل طرف بتعزيز مواقفه في الأماكن المتواجدين فيها إضافة إلى زيادة أعداد المسلحين خصوصاً لدى الجانب العربي، ومن المحتمل جداً أن تظهر قيادة موحدة للمقاومة في كركوك تجمع كل الأطراف لمواجهة احتمالات تطور الموقف مع إدامة تنسيق وتعاون مع المحافظات المجاورة، ولكن ذلك لا يمنع حدوث أعمال تخريبية في كركوك من قبل أطراف أخرى تحاول إثارة النعرات الطائفية والعنصرية إضافة إلى أعمال الاغتيالات وغيرها.(38/46)
الوضع في محافظة نينوى: إن محافظة نينوى تمتاز بكونها تحوي قوميات وديانات ومذاهب متعددة، فهناك الأكراد الذين يتواجدون بكثافة ضمن الساحل الأيسر لمدينة الموصل ولديهم ترابط وامتدادات مع المناطق الكردية، وبالنسبة للأقضية والنواحي فإن قضاء الشيخان يحوي أغلبية كردية ومن اليزيديين الذين يعتبرون من الأكراد أيضاً.
ويتواجد ضمن هذا القضاء بعض العشائر العربية أغلبهم من الحديدين والجبور وبعض العشائر الأخرى ولكن وضعهم قلق جداً كونهم أصبحوا أقلية ضمن المنطقة الكردية.
وهناك المسيحيين الذين يتركزون في قضاء الحمدانية (قرقوش) ونواحيها وهؤلاء ليست لهم القدرة على تجاوز الأكراد، لذا فإنهم سيبقون على الحياد في أي صراع محتمل حفاظاً على أنفسهم.
وهناك عشائر من الشيعة من الشبك الذين ارتبطوا مع الأكراد ولكنهم يؤيدون الائتلاف الشيعي، والبيات وهم من العشائر العربية الشيعية في المنطقة وهم يؤيدون الائتلاف الشيعي أيضاً، وكلما اقتربنا باتجاه مدينة الموصل يزداد التواجد العربي السني، لذا فمن المحتمل جداً أن يحدث قتال طائفي ضمن هذه المنطقة بين العرب السنة والشيعة من البيات والشيك الذين سيطلبون حماية الأكراد لهم.
أما الساحل الأيمن فالأغلبية هي من العرب السنة ما عدا قضاء تلعفر الذي تتواجد في عشائر شيعية، وهؤلاء يعتبرون أنفسهم أتراك على الرغم من أنهم أصبحوا عشائر عربية خلال فترة النظام السابق، ولكنهم عادوا مرة أخرى على أصلهم التركماني وهم أصبحوا من المتعصبين للشيعة ويؤيدون الائتلاف الشيعي الذي يبذل جهوداً كبيرة لاحتوائهم خصوصاً بعد عمليات تلعفر الأخيرة.(38/47)
لذا فإن هذه المنطقة ستشهد قتالاً طائفياً بأسبقية عالية، أما المناطق المحاذية لنهر دجلة حتى الحدود السورية فإن أغلب هذه القرى كانت تسكنها عشائر عربية بعد ترحيل الأكراد منها، ولكن بعد سقوط النظام عاد الكثيرون منهم وحاول الأكراد ولا يزالون السيطرة على هذه المنطقة لكونها تمثل امتداداً لهم مع الطرف الثاني من البحيرة، لذا فإن هناك احتمال أن تشهد هذه المنطقة اقتتالاً بين العرب والأكراد.
أما منطقة سنجار والتي تحتوي على عشائر من اليزيدية ضمن منطقة تواجد كبيرة للعشائر العربية، وفي فترة حكم النظام السابق أصبحت عشائر اليزيدية جزء من العشائر العربية، وأصبح لكل عشيرة منهم امتداد لعشيرة عربية، كما دخلت أعداد كبيرة منهم ضمن منظمات حزب البعث، ولكن يبدوا أنهم تحولوا بولائهم إلى الأكراد بعد سقوط النظام، ولقد عمل الأكراد على استمالتهم حتى يشكلوا قوة مهمة في المنطقة يمكن أن تساعد على تحقيق تواصل مع أكراد سوريا، لذا فمن المحتمل جداً حدوث مشاكل بينهم وبين العشائر العربية، ويسضطر الأكراد إلى مساعدتهم.
أما المناطق الأخرى (قضاء البعاج والحضر) فتسكنه عشائر عربية لها امتدادات مع عشائر سورية ومع الأنبار بشكل خاص وصلاح الدين، لذا سيكون هناك ترابط وثيق بين عشائر سورية ونينوى والأنبار وستصبح الجزيرة مسرحاً للامتدادات والمساعدات بين هذه العشائر.
أما ضمن مدينة الموصل فإن منطقة الساحل الأيمن لا يحتمل أن تشهد اقتتالاً طائفياً ولكن سيكون له دور في مساعدة العرب السنة في الساحل الأيسر وسيكون للساحل الأيمن وامتداداته إلى "حمام العليل" والشورة والقيارة دور بارز في معاونة العرب سواء في الساحل الأيسر أو المناطق الأخرى حتى صلاح الدين، ولوجود أعداد كبيرة من منتسبي القوات المسلحة السابقين ومن تنظيمات حزب البعث، لذا فإن هناك احتمال قوي لأن تظهر مقاومة جديدة تحتوي كافة الفعاليات وسيكون لها حضورها الكبير في المنطقة.(38/48)
لذا فإن محافظة نينوى مرشحة لأن تشهد اقتتالاً طائفياً عنصرياً وأخطر حالة هي الاقتتال بين العرب والأكراد، أما القتال الطائفي فسوف لا يكون واسعاً جداً بسبب محدودية عدد الشيعة في عموم المحافظة ولصعوبة وصول التعزيزات أو المساعدات لهم من المناطق الشيعية الأخرى إلا إذا تبنى الأكراد معاونتهم وهذا الاحتمال ضعيف لأن الأكراد سيحاولون المحافظة على التوازن وعدم الدخول في صراع مسلح مع العرب في مثل هذه الظروف، لذا فإن الاحتمال المرجح هو قبول الشيعة في نينوى بالأمر الواقع. وسيحاول تركمان تلعفر بالعودة إلى الورقة العنصرية وذلك باللجوء إلى تركيا لمعاونتهم بدلاً من اللجوء إلى الائتلاف الشيعي، وهذه اللعبة سبق وأن مورست من قبلهم ولكن من المحتمل أن يكون هذا القرار بعد فوات الأوان بسبب ما حصل مؤخراً في تلعفر.
أما الشبك فإنهم سيكونون مع الأكراد حتى يضمنوا الحماية تاركين الائتلاف الشيعي لمرحلة مقبلة، إن الظروف هي التي تملي على الناس ما ينبغي أن يكونوا عليه وليس ما يؤمنون به. من الطبيعي جداً أن تعمل العشائر العربية في نينوى خصوصاً المتواجدة في منطقة الجزيرة على معاونة العشائر العربية في الأنبار وصلاح الدين وكركوك بسبب الترابط العشائري واللغوي بوجه التهديد الطائفي والعنصري الموجه ضد العرب السنة.(38/49)
أما موقف قوات التحالف فإنها ستسعى مع قوى الأمن والجيش على تثبيت الاستقرار والأمن خصوصاً في مركز المحافظة الموصل، لذا ستركز أغلب قواتها ضمن المركز من أجل المحافظة على مراكز السلطة وستتخلى عن المناطق الأخرى تدريجياً فيما عدا توجيه الضربات بالطائرات أو القيام بضربات محدودة بين فترة وأخرى وهذا ما سيشجع على تقوية المقاومة ومن المحتمل جداً أن تبرز خلال هذه الظروف قيادة جديدة للمقاومة بالاستفادة من كافة القوى الرافضة للوجود الأمريكي والمعارضة للدستور والتوجهات العنصرية والطائفية. ومن الطبيعي أن تشهد نينوى أعمالاً تخريبية عديدة داخل وخارج مركز المحافظة من قبل قوى داخلية وخارجية لها مصالح في زيادة وتعميق الخلافات العنصرية والطائفية، لذا فإن الوضع في المحافظة سيكون معقداً جداً على كافة الأطراف.
محافظة صلاح الدين: تحوي محافظة صلاح الدين أغلبية عربية إذا تركنا قضاء الطوز في الجانب الشرقي الذي هو خليط من أكراد وتركمان أغلبهم محسوبين على الائتلاف الشيعي بالإضافة إلى عرب سنة في عدد من القرى، وكلما اقتربنا من نهر دجلة يكون العرب السنة هم العنصر السائد، اما مركز المحافظة وأقضيتها فأغلبها من العرب السنة فيما عدا منمطقة بلد والدجيل، وفي هذه المناطق تنظيمات قوية للمقاومة، كما أن كافة هذه العشائر لها امتدادات مع العشائر الأخرى الواقعة في الجانب الشرقي في كركوك وديالى.
إن احتمالات حدوث اقتتال طائفي ضمن محافظة صلاح الدين محدود جداً لوجود علاقات وترابط عشائري ولكون العرب السنة يمثلون الأغلبية، ولكن من المتوقع أن تكون المحافظة بعشائرها وتنظيماتها بمثابة حلقة وصل بين نينوى وكركوك وديالى وبغداد والأنبار.(38/50)
الوضع في محافظة الأنبار: تعتبر الأنبار من أهم المحافظات العربية السنية والتي تكاد أن تكون خالية من الشيعة، ولكون المقاومة العراقية انطلقت منها وبسببها تعرضت مدنها وسكانها إلى حملات مستمرة من التهديد والقتل، ولكونها مجاورة لسوريا والأردن والسعودية، فإن العديد من العناصر التي لها مصلحة في قتال الأمريكان من أنصار القاعدة وغيرهم أصبحت بمثابة بيئة حاضنة لهم على الرغم من عدم القناعة بما يقومون به ولكن الظروف وعدم معالجة الأمور بحكمة من قبل الأمريكان والحكومة أدت جميع هذه العوامل إلى دفع أغلبية المواطنين إلى تبني نهج المقاومة، وبسبب عدم وجود احتمال لحدوث قتال طائفي في محافظة الأنبار، لذا فإن القتال الطائفي فيما لو وقع في بعض المحافظات فإن أهل الأنبار سيكون لهم دور بارز في دعم ومساندة العرب السنة والتنظيمات الأخرى.
وسيبرز دورهم بشكل خاص في بغداد وبالتحديد في جانب الكرخ والمدن المحيطة في بغداد مثل أبو غريب، المحمودية، واللطيفية، في محاولة لضرب طوق حول مدينة بغداد ومنع تواصلها مع بابل وكربلاء والنجف، ومن المحتمل أن يبرز نشاط واضح للعشائر العربية وتنظيمات حزب البعث في هذه المناطق وكذلك في منطقة الاسكندرية والمحاويل وبابل لكونها تضمن أعداداً كبيرة من تنظيمات الحزب.
ومن المحتمل جداً أن تحدث معارك قوية في الأحياء الشيعية مثل الشعلة وغيرها وكذلك ضمن الأحياء المختلطة، ومن الطبيعي أن يكون هناك نشاط واسع للعرب السنة وتنظيمات حزب البعث من الأحياء الكبيرة المحيطة ببغداد مثل العامرية والغزالية وسبع البور وغيرها، لذا ستكون لمحافظة الأنبار دور واضح في مساندة هذه الفعاليات.(38/51)
كما من المرجح جداً أن تبرز قيادة للمقاومة في محافظة الأنبار بحيث تضم العسكريين من الجيش العراقي السابق والحرس الجمهوري وقوى الأمن وفدائيي صدام وتنظيمات الحزب، كما يحتمل أن يجري تنسيق كبير بين الأنبار ونينوى وصلاح الدين لتشكيل كتلة قوية من هذه المحافظات الثلاث، ويتوقع جداً أن تتوحد قيادات المقاومة في هذه المحافظات الثلاث لتشكيل قيادة جيدة موحدة تتولى عملية إدارة العمليات.
المحافظات الجنوبية والفرات الأوسط: بسبب طبيعة التكوين الطائفي ولكون أغلب سكان هذه المحافظات من الشيعة (بابل، النجف، كربلاء، الديوانية، واسط، ميسان، الناصرية، البصرة) ولسيطرة الائتلاف الشيعي على هذه المحافظات، لذا فإنه من المتوقع ومع تطور وتصاعد أعمال العنف في بغداد وباقي المحافظات أن تزداد أعداد الميليشيات، وستتوحد هذه المليشيات والقوى (قوات بدر وتنظيمات حزب الدعوة وحزب الله وغيرها)، وبمساعدة من إيران سيعمل على تشكيل قوة أو جيش موحد في المنطقة من أجل السيطرة عليها وبنفس الوقت حمايتها من أي تدخل أو حوادث أمنية من قبل التنظيمات المعادية لهم.(38/52)
وستشهد المنطقة عمليات اعتقال وتطهير وتهجير للعرب السنة المتواجدين ضمن تلك المحافظات، وكذلك تنظيمات حزب البعث، وستشهد مدينة البصرة فعاليات واقتتال طائفي وستحاول العشائر العربية المتواجدة ضمن أو قرب المنطقة الحد من التأثير والاقتتال الطائفي، وستنتهز إيران هذه الفرصة لتحكم سيطرتها على البصرة لكونها الهدف الاستراتيجي لسياستها على المدى القريب والبعيد (لما تمتلكه من ثروات نفطية، وتواصل مع دول الجوار الجغرافي في الكويت والسعودية خصوصاً مع المناطق التي تتفق معها في الانتماء المذهبي، ولوقوعها على منطقة الخليج العربي بحيث توفر لها دعامة أمنية لمنشآتها النفطية والنووية والمناطق الحساسة القريبة من حدودها، والسيطرة على شط العرب، المدخل إلى منطقة الخليج ودولها، وتمتين وضعها الداخلي عبر الحيلولة دون طموحات عرب الأحواز من خلال مطالبتهم بحقوقهم القومية أو إحياء مشروع الاستقلال واتخاذها كمنطقة عازلة مع القوات الأمريكية أو المتحالفة معها لمد مروعها التوسعي إلى الشرق.
كما ستعمل قيادة التحالف الشيعي على تركيز قواتها على المناطق المحاذية لبغداد والأنبار وخصوصاً الطرق الرئيسية وستعطي أهمية خاصة لمحافظة بابل لكونها حلقة الوصل بين بغداد وباقي محافظات الفرات الأوسط وكذلك لمدينة المسيب، وعلى أطراف هذه المحافظة ستقع معارك طائفية خصوصاً في المحاويل، الاسكندرية، واللطيفية، والمحمودية.
أما في واسط فإن قيادة التحالف الشيعي ستعمل أيضاً على تركيز قواتها ضمن منطقة الصويرة والقرى المحيطة بها، وستجري محاولات للسيطرة على المدائن، من أجل إدامة طريق بغداد – الكوت – العمارة، خصوصاً وأن هذه المناطق أو المحافظات الأكثر سخونة.
وفي محافظة واسط والعمارة سيكون لإيران دور واضح جداً من السيطرة على الحدود ودعم التنظيمات المسلحة الشيعية وإسنادهم مادياً وعسكرياً في مراحل الصراع التي يحتمل أن تحدث.(38/53)
وكنتيجة لتطورات الموقف فإن الأكثر احتمالاً هو إعلان تشكيل إقليم الجنوب وكما سبق وأن تم الترويج له، كما أن هذا الإعلان سيكون من خلال مجالس المحافظات التي ستقرر الانضمام إلى هذا الإقليم تحت الضرورات والمبررات المنية والدينية والاجتماعية، ومثل هذا التوجه لا يتعارض مع استراتيجية قوات التحالف لأنه جزء من المخطط المرسوم للعراق، وعند تشكيل هذا الإقليم ستكون له حكومة خاصة به وسيكون له جيش وقوى أمن على غرار إقليم كردستان، ولأن حقول النفط الرئيسية في الجنوب وكذلك أنابيب ومحطات التصدير كلها في الجنوب لذا فإن عملية تصدير النفط ستستمر وسيحصل هذا الإقليم على ما يحتاج إليه من أموال.
إن تشكيل هذا الإقليم سيعود بالنفع على قوات التحالف لأنها ستعمد إلى منح قيادة هذا الإقليم المهمة الأمنية في الجنوب، وبذلك تتمكن من تقليص قواتها وسحب أعداد غير قليلة منهم، وهذا ما سيخفف من الضغط على القيادة الأمريكية والبريطانية ويعطيها المصداقية فيما خططت له، علماً أن مثل هذا الإجراء لا يتم إلا بعد تثبيت مصالحهم على المدى البعيد في المنطقة من خلال الاتفاقيات والمعاهدات التي ستعقد مع المراكز وإقليم الجنوب.
أما بالنسبة لإيران فإنها هي الأخرى تكون قد حققت أهدافها بتشكيل هذا الإقليم الشيعي وسيكون لها حصتها وحضورها في هذا الإقليم، وهذا لا يتعارض مع ما سيجري الاتفاق عليه مع أمريكا وبريطانيا، وهكذا سيحقق هذا الإقليم مصالح كل هذه الأطراف ما عدا مصلحة العراق والدول العربية المجاورة والتي ستشهد تحولات جديدة على الساحة السياسية.
المشهد الأخير (سيناريو الحرب):
بعد استعراض الوضع العام في عموم المحافظات يمكن تصور ما سيكون عليه الوضع في العراق والمنطقة:(38/54)
أ- الوضع في العاصمة قبل وبعد الانتخابات: ستشهد العاصمة اضطرابات واسعة وتفجيرات عشوائية واغتيالات وخطف، تستهدف الشيعة والسنة في مسعى لتصعيد الموقف بين السنة والشيعة، وسيكون الدستور وشكل الحكومة وأسلوب الحكم وتوزيع المناصب والصلاحيات وغيرها هي محور الخلافات الرئيسية ما بين مؤيد ومعارض، بحيث يحمل كل طرف الأطراف الأخرى ما يحصل.
ومن الطبيعي أن وراء كل هذه الفعاليات قوى خفية تعمل من وراء الكواليس، وسيرافق كل ذلك نشاط إعلامي مكثف داخلي وخارجي، كله يتحدث عن الحرب الأهلية، وكأنه قدر محتوم على الطرفين، وستعمل الأحزاب والفئات السياسية العنصرية والطائفية، والتي تعمل من أجل مصالح دول وقوى أخرى على تأجيج الموقف ودفع الحكومة إلى اتخاذ مواقف متطرفة تجاه بعض المناطق بحجة الإرهاب، وسيضطر الأمريكان أما سيل المعلومات التي تقدم لهم إلى اتخاذ إجراءات قوية، مما يزيد من تطور الموقف نحو منزلق الحرب الأهلية. وإزاء هذا الموقف ستضطر القوى المعارضة وغيرها على العمل المضاد وهكذا يتطور الموقف يوماً بعد يوم نحو الأسوأ، وستشهد العاصمة كما بينا اقتتالاً طائفياً بين المناطق والأحياء (بين السنة والشيعة) وستعمد السلطة والأمريكان كذلك إلى تركيز جهودهم للسيطرة على العاصمة وحماية مراكز السلطة والوحدات المهمة، ومع تطور الموقف سيزداد الأمر صعوبة وستزداد الخسائر.(38/55)
ب- في المحافظات الأخرى: ستشهد ديالى ونينوى وكركوك وصلاح الدين اضطرابات واقتتالاً طائفياً، ولكن بنسب متفاوتة وتبعاً لتطور المواقف في العاصمة، وسيكون لموقف الأكراد تأثير كبير على الموقف سلباً أو إيجاباً، أما محافظة الأنبار فلا يحتمل أن تشهد اقتتالاً طائفياً، ولكنها ستكون مؤثرة على بغداد وينوى وصلاح الدين. أما محافظات الفرات الأوسط والجنوب، فستكون تحت سيطرة قوى الائتلاف الشيعي، وستعمل على تعزيز موقعها على الأطراف المؤدية إلى بغداد، مع القيام بعمليات تصفيات وتهجير للسنة المتواجدين ضمنها، وستشهد البصرة اضطرابات كبيرة وعمليات تصفيات وسيكون لإيران دوراً فاعلاً في ذلك.
الموقف السياسي داخل العراق:
……- الائتلاف الوطني الشيعي: لقد سعى الائتلاف الوطني ومنذ بداية دخوله الحكم وسيطرته على الجمعية الوطنية والحكومة الأخيرة، إلى توسيع نفوذه وسيطرته على كافة أجهزة الدولة والقوات المسلحة وقوى الأمن الداخلي وتغليب الجانب الطائفي (الشيعي) على هذا الائتلاف مما جعله تنظيم سياسي طائفي. كما قاموا بفرض وجهة نظرهم حول الدستور، خصوصاً ما يتعلق بالفيدرالية وعروبة العراق، وإعطاء صلاحيات واسعة للأقاليم مع تقليص دور الحكومة المركزية، والقضية الدينية، والمرجعيات الدينية، إضافة إلى عدم الوضوح في العديد من القضايا المركزية، مثل القوات المسلحة والثروات الوطنية والسياسية الخارجية وغيرها، والتي تقبل التفسيرات والاجتهادات، ولقد عملوا وبكل ما لديهم من قوة لأجل تكريس هذه المفاهيم وتسويقها إلى المواطنين الشيعة بشكل خاص، وحتى يضمنوا التصويت لهم مستندين على المرجعية الدينية التي ستعطي الفتوى بذلك، وعندها سيضمنون التصويت لهم بنعم استجابة لمطلب المرجعية، وليس بناء على معرفة وفهم الدستور وما ورد فيه.(38/56)
……وضمن هذا السياق انطلقت فكرة إقليم الجنوب خلال مراحل كتابة الدستور، لاستباق الأمر وتهيئة الأنصار، ومن ثم القبول بالأمر الواقع مستقبلاً، ولقد تطابقت أهدافهم مع أهداف الأكراد الذين يسعون إلى استغلال الظروف للحصول على أكبر ما يمكن من المكاسب.
لذا قاموا ومنذ البداية إلى دفع العرب السنة إلى موقف متطرف، وقدموا للأمريكان معلومات مشوهه عن الكثير من المواطنين والأماكن على أساس أنها تؤوي الإرهابيين، وبسبب ذلك تم قتل واحتجاز آلاف الأشخاص، كما دمرت مدن وقرى على أصحابها وهجرت آلاف العوائل، كل ذلك دفع الكثيرين من العرب السنة على المقاومة، ولقد دعمت إيران هذه الخطة وقدمت المساعدات بشكل غير مباشر لتشجيع هذه الخطة، لأنها هي وسيلة تقسيم العراق وإضعافه، وهذا ما تسعى إليه.
وهكذا ظهر الشيعة على أنهم مهادنين وحلفاء للأمريكان، والعرب السنة هم الوحيدون الذين يقاتلون الأمريكان وهم الذين ينفذون العمليات الإرهابية التي لا يعرف من يقف ورائها، وهكذا اختلطت الأوراق بين المقاومة الحقيقية والإرهاب والجريمة المنظمة، وضاعت الحقيقة وضاعت حقوق العرب عندما لم يتمكنوا من إعطاء أصواتهم في الانتخابات. وتأسيساً على هذا الواقع فإن الائتلاف الشيعي سيستغل تدهور الوضع الأمني، خصوصاً في المحافظات الساخنة، وسيحمل العرب السنة مسؤولية رفضهم العملية السياسية، وعليه ولأجل حماية الشيعة وحفظ حقوقهم لا بد من تشكيل إقليم الجنوب.
وستكون الأوضاع العامة مواتية لهذا المشروع، فالأمريكان يعانون من الاضطرابات والانفلات الأمني في المحافظات الخمس، إضافة على زيادة خسائرهم المادية والبشرية، كل ذلك يدفعهم إلى إيجاد مخرج للوضع في العراق.(38/57)
ولما كان الوضع الأمني مستقراً تقريباً في المحافظات الجنوبية التسع، لذا فإنها مؤيدة لتشكيل هذا الإقليم، حتى ولو تعثر تشكيل الحكومة إذا ما دعت الضرورة باعتباره يلبي مطالب المواطنين، وستضمن أمريكا مصالحها وحقوقها الاقتصادية في نفط الجنوب، كما ستكون إيران من أشد المناصرين لذلك.
وهكذا تتلاقى مصالح الأطراف الثلاث، لتعلن ولادة هذا الإقليم الشيعي، وستكون لهذا الإقليم حكومة وجيش وقوى أمن خاصة به، وستعقد حكومة الإقليم اتفاقات سياسية وعسكرية واقتصادية مع الولايات المتحدة، لضمان مصالحها على المدى البعيد، خصوصاً وأن الثروة النفطية في جنوب العراق هي ثروة العراق الحقيقية، وبالتعاون مع إيران وتحت المظلة الأمريكية ستنشأ قوة إقليمية جديدة سيكون لها تأثير على مستقبل العراق والمنطقة.
- الاتحاد الكردستاني: ما ينطبق على الائتلاف الشيعي ينطبق بشكل أو بآخر على الاتحاد الكردستاني، الذي سعى لنفس الأهداف وتمكن من تحقيق أغلبها، لذا فإن إعلان إقليم الجنوب، سيكون بمثابة عنصر قوة لإقليم كردستان والفيدرالية.
ولكن المشكلة التي ستواجه هذا الإقليم هي عدم وجود رغبة إقليمية في وجوده وتطويره، لأسباب سياسية، فلا إيران ولا تركيا ولا سوريا ترغب في رؤية إقليم كردستان وكأنه شبه مستقل، لأن ذلك سيمهد لقيام دولة كردية كبيرة، كما أن هذا الإقليم لا يمتلك ثروات اقتصادية كبيرة، وما هو موجود من نفط لا يمكن استغلاله بسبب الوضع في كركوك والمنطقة، لذا ستجد قيادة الإقليم نفسها مضطرة عاجلاً أو آجلاً إلى التعاون مع العرب السنة لتشكل قوة جديدة قادرة على الوقوف بوجه الائتلاف الشيعي، لتحقيق التوازن السياسي على الساحة العراقية، وضمان حقوق الجميع بشكل عادل، ولكن ما يخشى منه أن يكون هذا القرار متأخراً وبعد فوات الأوان وستثبت الأيام أن مصلحة الأكراد ليست مع الائتلاف الشيعي.(38/58)
- العرب السنة: يبدو أن العرب السنة هم الخاسر الأكبر في هذه العملية، فلقد تحملوا خلال المرحلة التي أعقبت الاحتلال أعمال القتل والتدمير والتهجير والحجز ودفعوا ثمناً باهظاً لمقاومة الاحتلال، باعتبارها واجباً شرعياً وبسبب ظروف فرضت عليهم.
وبسبب عدم وجود مرجعية أو قيادة سياسية لهم، وبروز شخصيات دينية وسياسية غير واعية للوضع السياسي وتداعياته، إضافة إلى أصحاب المصالح الذين استخدموا هذه الورقة لمآرب شخصية، كل ذلك ضيع جهودهم، وهم على عكس القيادات السياسية والدينية الشيعية التي كانت واعية لما تريده، لذا دفعت السنة العرب إلى التطرف تحت أسباب ومبررات عديدة ثم التطرق إليها، وعرفوا منذ البداية كيف يديرون اللعبة ويستثمروا نتائج ما يقوم به العرب السنة، وهكذا أصبحوا هم حلفاء للأمريكان، والعرب السنة هم الأعداء، وخلال كل هذه الفترة لم نجد من يقف مع العرب السنة من الدول العربية، على عكس الشيعة الذين تقف معهم إيران سياسياً وعسكرياً، وهكذا أصبحوا في موقف لا يحسدون عليه، وقد يدفع هذا الوضع العرب السنة إلى إيجاد قيادات عسكرية سياسية قادرة على توحيد صفوفهم وقيادتهم سياسياً وعسكرياً، ويبعد القيادات المصلحية التي ألحقت ضرراً كبيراً بهم( ).
- الموقف الأمريكي: لقد أصبح الموقف الأمريكي معقداً جداً، وسيزداد تعقيداً مع ازدياد تدهور الوضع الأمني، فلا هم قادرون على الانسحاب من العراق، ولا هم قادرون على ضبط الوضع الأمني، خصوصاً مع تزايد الفعاليات العسكرية وتطور الوضع إلى الاقتتال الطائفي داخل العاصمة وخارجها، لذا فإن أمريكا ستتعرض على ضغوط داخلية على مستوى الولايات المتحدة وعلى المستوى الدولي، وستوجه إليها الانتقادات حتى من أقرب الدول إليها، وسيكون للرأي العام الأمريكي تأثير كبير على موقفها بسبب الوضع المتردي والخسائر المادية والبشرية، بحيث يصعب على الحكومة الأمريكية تدارك نتائجه.(38/59)
لذا فإن المخرج الوحيد أمامهم سيكون محاولة استكمال المرحلة السياسية من خلال تشكيل حكومة وبأي صورة كانت، والقبول بتطبيق الفيدرالية بتشكيل إقليم الجنوب، وعقد اتفاقيات سياسية واقتصادية معه لضمان مصالحهم مع هذا الإقليم ومع إقليم كردستان، والقبول بإدارة لا مركزية في باقي المحافظات إذا لم يتشكل إقليم الوسط، وسيوفر لهم وجود إقليم الجنوب وإقليم كردستان فرصة لتقليص قواتهم، لأن أمن من هذين الإقليمين سيكون من مسؤولية الأقاليم نفسه، وستتفرغ إلى العاصمة وستركز على حماية مراكز الحكومة والمنشآت المهمة مع الاحتفاظ بقوات مناسبة في قواعد محددة، ويترك للمحافظات اللامركزية إدارة شؤونها الداخلية، مع ما سيرافق ذلك من فوضى إدارية ومنية، لأن ترك هذه المحافظات سيؤدي إلى خلق مشاكل إدارية وأمنية فيها، مع تدني الخدمات. وتبعاً لذلك سيزداد الصراع الداخلي فيها ومع مرور الوقت ستضعف روح المقاومة وسيظهر على الساحة أمراء الحرب الذين لا تهمهم سوى مصالحهم الخاصة وسيصبح المشروع العراقي الوطني في خطر أكيد ما لم يتم تدارك الموقف من قبل المخلصين لهذا البلد قبل فوات الأوان والانتباه إلى مصلحة العراق قبل كل شيء والاحتكام إلى الحكمة والعقل وتجنب السير وراء الأماني والأحلام.(38/60)
- الموقف الإيراني: إن إيران هي البلد الوحيد في المنطقة الذي حقق أغلب أهدافه التي كان يسعى إلى تحقيقها منذ عقود طويلة، فتقسيم العراق وإضعافه وتكوين حكومة مركزية موالية لإيران، وإبعاد العراق عن الأمة العربية، ووجود إقليم الجنوب الذي سيتمتع بأكبر ثروة نفطية مجاوراً لإيران وموالياً لها، كلها عوامل سيكون لها تأثيرات سياسية واقتصادية كبيرة على إيران والمنطقة العربية، خصوصاً الخليج. ما عجزت عن تحقيقه إيران بالقوة ستحققه من خلال السياسة، وكما أسلفنا فإن هذا الموقف لا يتعارض مع الاستراتيجية الأمريكية، لأن القيادة الإيرانية عرفت ومنذ حرب الخليج الأولى كيف تحقق أهدافها، وتجيد اللعبة السياسية في المنطقة. لذا استخدمت إيران الورقة العراقية أفضل استغلال، وتمكنت من فرض شروطها على أمريكا من خلال العراق، وهكذا ستضطر أمريكا إلى القبول بالموقف الإيراني والتعامل معه من أجل مصالحها، ومن نتائج هذا الموقف ستظهر إيران كدولة إقليمية يحسب لها ألف حساب. أما الدول العربية فإنها ستكون الخاسر الأكبر في هذه القضية، فلا هي قادرة على أن تؤثر أو تلعب دور مهم على الساحة العراقية، ولا هي قادرة على درء الخطر الذي سيحل بأقطارها.
فسوريا تعاونت مع إيران ونفذت مخطط غيران في دعم المقاومة، وتحملت الكثير من وراء ذلك، لذا ستكون هي كبش الفداء في هذه العملية، وبالنسبة لدول الخليج خاصة السعودية والكويت وباقي الدول الأخرى، فستواجه صعوبات ومشاكل عديدة، فالديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان ستكون عوامل تهدد وحدة هذه الدول، وستتعرض لنفس ما تعرضت له العراق ولو بشكل آخر وستستغل إيران نتائج هذه اللعبة لصالحها كما حصل في العراق.(38/61)
- الموقف التركي: أما تركيا وبسبب عدم مشاركتها بالحرب مع الولايات المتحدة ضد العراق، وبسبب حاجة أمريكا للأكراد فإن دورها أصبح هامشياً على الساحة العراقية وهي تحاول أن تستفيد من الورقة التركمانية وورقة المياه، ولو بتأثير محدود إذا لم تسمح لها أمريكا بذلك ولكونها دولة علمانية، فإن تأثيرها على العرب السنة ضعيف أيضاً. ولكن هذا لا يعني تخلي تركيا كلياً عن الساحة العراقية، لأن لها مصالح اقتصادية مع العراق، كما أن وجود الأكراد وقلقها من الوضع في إقليم كردستان، لا بد وأن يدفعها في مرحلة من المراحل إلى محاولة التأثير والعمل على المسرح العراقي.(38/62)
- الموقف العربي: يبدو أن العرب يصلون متأخرين على الدوام، فعلى الرغم من التحذيرات التي أطلقها الكثير من الدارسين والمفكرين عن خطورة الوضع في العراق وتداعياته، وما سيحصل وتأثير ذلك على الدول العربية، فإن العرب لا يتحركون حتى يصبح الخطر وشيكاً، ويصبح كما يقال حقيقة واقعة. فالعراق على وشك التقسيم، والعراق ليس جزءاً من الأمة العربية، والفيدرالية والديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان هي السلاح الجديد الذي ستواجهه الدول العربية، خصوصاً الخليجية منها، وتحت الشعارات المشار إليها ستتحرك الأقليات تطالب بحقوقها وبدعم من الولايات المتحدة، وستصبح إيران دولة إقليمية مؤثرة في المنطقة. وبالنسبة إلى سوريا فإنها ستصبح كبش الفداء الذي ضحت به حتى تفوز بالعراق، فهي التي عاونت إيران بحيث دفعتها إلى تقديم الدعم للمقاومة والعناصر الأخرى لإدامة الضغط على أمريكا وتوريطها في العراق، حتى لا تحاول أن تلتفت إلى إيران وسوريا، وهكذا أصبحت سوريا في قلب المواجهة، وتحملت الضغوط الأمريكية، والتي من المحتمل أن تزداد عليها في المراحل المقبلة، لأنها الحلقة الأضعف في هذا التحالف، ولعدم وجود ورقة قوية قادرة أن تلعبها كما لإيران. وهكذا ستجد الدول العربية القريبة نفسها بين خيارين لا ثالث لهما، إما السكون وانتظار ما تؤول إليه الأمور، أو محاولة التدخل والتأثير، ولكن هذا الخيار لا يمكن تنفيذه ما لم توافق الولايات المتحدة على طريقة أو شكل العمل، وإذا لم يحقق أهدافها فلا يمكن أن تقبل به. ومع كل ذلك وبسبب طبيعة الظروف وما تواجهه أمريكا، فيمكن أن تتدخل ولو بتأثير محدود في البداية، من خلال حوار عربي أمريكي هدفه مصلحة الطرفين، ومن خلال هذا الحوار، يمكن التوصل إلى قواسم مشتركة للطرفين، والتي يمكن من خلالها الدخول إلى مجال التأثير على الساحة العراقية، كما أن مجالات العمل الإنساني والاجتماعي والصحي في العراق مفتوحة أمام العرب،(38/63)
لمعاونة إخوانهم الذين تضرروا ودمرت بيوتهم من خلال تقديم المساعدات لهم، والمساهمة في إعادة إعمار المدن والقرى التي دمرت، فهذه عوامل قابلة للتنفيذ، ويمكن أن تترك تاثيرات كبيرة على المجتمع العراقي ".
تصريح غبي!
…قالوا : نعرف أن هناك جماعات شيعية متطرفة في العراق تلقت تدريبات وأسلحة من عناصر إيرانية غير مرتبطة بالحكومة الإيرانية".
الناطق باسم الجيش الأمريكي في العراق / الغد 15/8/2006
…قلنا : ما هو الجديد في ذلك؟؟
الموت لا محالة
…قالوا : إن المنافذ الحدودية بين العراق وإيران أصبحت ممرات لتسرب المخدرات بكافة أنواعها إلى العراق من دون إجراءات رادعة من قبل سلطات الحدود الإيرانية.
وزير الدولة لشؤون الأمن الوطني شيروان الوائلي/ الغد 16/8/2006
…قلنا : وذلك لقتل من بقي من العراقيين حياً ولم يقتل بالسلاح الإيراني .
مزايدات
…قالوا: لا يمكن أن نستثني منه رئيس إيران الذي يتحدث عن محو دول من الخارطة تكسباً للشعبية في الوقت الذي يغمض عينيه و عيني مشايعيه عن عدوان الأمريكيين على العراق.
طارق مصاروة / الرأي 12/8/2006
…قلنا : للأسف أن المسلمين اليوم كما قال شوقي عن الحسناوات : يغرهن الثناء!!
صولاغ مرة أخري!!
…قالوا : أكدت مصادر رسمية في وزارة المالية أن بيان جبر صولاغ حول وزارة المالية إلى أوكار لفيلق بدر، وأصدر تعليمات بتعيين عناصر فيلق بدر بغض النظر عن الاختصاص .
مجلة الوطن العربي - 9/8/2006
…قلنا: الرجل مخلص (لقضيته) فمرة بالرجال والعتاد ومرة بالمال ، وكما قال الفاروق : اللهم إنى أعوذ بك من عجز الثقة وجلد الفاجر .
قاتل الله الغياب !!
…قالوا : نعم إيران لها تأثير في الوضع ... إيران موجودة لأنكم غائبون ... إذا أردت أن يكون لك دور لا بد أن يكون لك أناس تعتمد عليهم .
وزير خارجية العراق هوشيار زيباري - مجلة المجلة 19/8/2006(38/64)
…قلنا : هذا الغياب والفراغ للأسف أصبح سمة الحكومات العربية والحركات الإسلامية !!
كرم عجيب !!
…قالوا : لبنان لم يعد مشكلة سوريا، لقد أخرجتمونا من لبنان ونحن أعطيناه لإيران .
رجل أعمال مقرب من بشار الأسد - مجلة نيوزويك 15/8/2006
…قلنا : متى يفهم كثير من قادة العمل الإسلامي هذه البدهية السياسية !!
أسمعت لو ناديت حياً
…قالوا : ناشد رئيس مجلس النقباء المرجعيات الشيعية في العراق وفي إيران بإصدار فتوى للجهاد ومحاربة قوات الاحتلال الأمريكي في العراق .
نقيب الأطباء الأردني - الرأي 7/8/2006
…قلنا : إلى متى سيبقى كثير من قادة العمل الإسلامي أسير جهله بعقيدة الشيعة!!
لم تمت عملية السلام في سوريا للآن !!
…قالوا : نعترف بوجود تصاعد في المطالبة داخل الرأي العام السوري لتشكيل مقاومة وطنية لتحرير الجولان لكننا نشعر بأن المجتمع الدولي مطالب بتنفيذ القرارين 242 و 338 وعندما تستنفذ كل الحلول لإحلال هذا السلام لا بد من الاستماع إلى مطالب الشعب السوري .
وليد المعلم وزير خارجية سوريا - الدستور 16/8/2006
…قلنا : لقد ثبت أن عمرو موسي الذي أعلن موت عملية السلام أكثر ثورية من نظام سوريا .
لماذا؟
…قالوا : أكد وزير خارجية إسرائيل للمرة الثانية أن إسرائيل لا تسعي إلى مواجهة مع سوريا رغم دعمها حزب الله .
الرأي 29/7/2006
…قلنا : لماذا ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
الغزو السياسي القادم
…قالوا : احتمالات التحالف بين الأصوليات الشيعية والسنية في المنطقة ستتزايد إلى حد كبير .
سعد محيو - جريدة الخليج 28/7/2006
…قلنا : هذا من أخطر فتن حزب الله على المسلمين أن يتسلل إلى الحركات السنية من باب السياسة وكما قيل: يدعوننا إلى سب أمريكا وإسرائيل ومن ثم يصلون إلى سب أبي بكر وعمر.
خادم!
…قالوا : إنني أعتقد أن حزب الله قد يكون خادما ً لله لكنه قد يكون أيضاً خادماً لإيران .
روبرت فيسك - الرأي 2/8/2006(38/65)
…قلنا : المشكلة أيهما يخدم حزب الله أكثر الله أم إيران ؟
الركض وراء السراب
…قالوا : هل يوافق حزب الله على إخراج المقاومة من إطارها الشيعي ؟
…سبق طرح هذا الموضوع في كل اللقاءات مع الأخوة في الحزب ، وقد أبدوا تجاوباً ملحوظاً ، دون أن يتحقق شيء من ذلك على أرض الواقع .
إبراهيم المصري نائب الأمين العام للجماعة الإسلامية في لبنان - السبيل 15/8/2006
…قلنا : لن يسمح لكم الحزب بذلك أبداً وقد شكل سرايا المقاومة لذر الرماد في العيون وراجع ما كتبه نعيم قاسم حول هذه المشاركة في كتابه " حزب الله " .
هل جاء دور جيش المهدي ؟
سعد محيو - الخليج الامارارتية 6/8/2006
…
…فيما كل أنظار العالم منصّبة على حرب الدمار الشامل “الإسرائيلية” في لبنان، كانت أمريكا وبريطانيا تشيحان ببصرهما عن هذه الحرب وتحدقان، بدلاً من ذلك، في العراق.
…وهكذا، برز رئيس الوزراء البريطاني بلير فجأة على الساحة ليحذر من خطر “قوس التطرف” المنطلق من العراق. ثم لحق به بعد أيام قليلة الجنرال جون أبو زيد قائد القوات الأمريكية في الشرق الأوسط والجنرال بيتر بايس رئيس هيئة الأركان المشتركة اللذان طلبا من الكونجرس التركيز على العراق وإبقاء القوات الأمريكية فيه “لمنع انزلاقه إلى الحرب الأهلية”.
…بيد أن التطور الأهم والأوضح جاء على لسان الدبلوماسي البريطاني وليام باتي الذي جال الأسبوع الماضي في بلاد الرافدين ثم خرج بتقرير مثير جاء في بعضه: “إذا ما أردنا منع انزلاق العراق إلى الفوضى والحرب الأهلية، فيجب منع “جيش المهدي” التابع لمقتدى الصدر من التحوّل إلى دولة داخل دولة، كما حزب الله في لبنان. هذه يجب أن تكون الأولوية القصوى الآن”.(38/66)
…ما هذا الذي يحدث؟ وكيف يمكن لواشنطن ولندن الغارقتين حتى أذنيهما في أزمة لبنان الدولية والإقليمية الجديدة والطاحنة، أن تجدا الوقت للتفكير، مجرد التفكير، بأزمة العراق القديمة؟ ثم: ما الجديد في أحاديث الحرب الأهلية والتقسيم الفعلي للعراق؟ ألم تكن هذه هي الخبز اليومي لهذا البلد التعس منذ صيف 2003 وحتى صيف 2006؟
…وراء الأكمة حتماً ما وراءها. وهذا الذي وراءها قد لا يقل عن كونه تمديداً لحرب “قوس التطرف” ضد حزب الله في لبنان إلى العراق ضد “جيش المهدي”. والهدف بالطبع تقليم أظفار إيران وامتداداتها في الشرق العربي عبر ضرب حليفيها الرئيسيين في لبنان والعراق، ومن ثم استكمال الهجوم الاستراتيجي العام الذي يشنه المحور الأمريكي - “الإسرائيلي” منذ 12 تموز/يوليو الماضي ضد المحور السوري- الأمريكي.… الضرب العنيف يتركز الآن على حزب الله، درة تاج السياسة الخارجية للثورة الإسلامية الإيرانية ومصدر الكثير من نجاحاتها، منذ خطف الرهائن الأمريكية والغربية في السبعينات إلى النصر على “إسرائيل” في 2000. وفي حال نجحت الجهود العسكرية والدبلوماسية الحالية في زعزعة “الدولة داخل الدولة” التي يقيمها الحزب في لبنان، ستفقد إيران أهم رصيد استراتيجي لها في الشرق الأوسط.
…بيد أن احتمال ضرب “جيش المهدي” لن يقل خطورة بالنسبة لإيران عن ضرب “حزب الله”. إذ إن ذلك سيسفر عن تقوية الأجنحة الشيعية العراقية الأكثر “اعتدالاً” والأقل اعتماداً على طهران في التسليح والتمويل أو في التوجيه الإيديولوجي والسياسي، إضافة إلى أنه سيضاعف الخسائر الإيرانية الصافية وسيجعل سوريا، آخر حليف لطهران في المنطقة، أشبه بقلعة مخلّعة الأبواب.(38/67)
إنها الحرب الإيرانية- الأمريكية التي تشن الآن بالواسطة وقد دخلت طوراً جديداً. وأحاديث بلير والجنرالان الأمريكيان والدبلوماسي البريطاني عن مسؤولية “جيش المهدي” في التسبب بحرب أهلية مذهبية، ثم قيام واشنطن بتعزيز قواتها في بغداد بدل تقليصها، مؤشر على أن هذا الطور الجديد قد يكون أكثر شمولية، وربما عنفاً أيضاً.
هل تنجح إيران في تحويل "جيش المهدي" إلى "حزب الله"؟
عبدالله التميمي - الوطن العربي - العدد 1534 ـ 26/7/2006
ما شهدته أراضي الجنوب اللبناني ومدينة بيروت وبقية المدن اللبنانية والفلسطينية مؤخرا، من هجمات إسرائيلية مدمرة تحت شعار نزع سلاح حزب الله والمقاومة الفلسطينية خاصة حركة حماس نشّط التكهنات والتوقعات باقتراب مواجهات أخرى أكثر عنفا ودموية وخطورة على الشرق الأوسط والمنطقة بكاملها. بل إن هنالك إجماعاً على أن المواجهة الأميركية ـ الإيرانية ـ السورية باتت وشيكة جدا، ورسم لها البعض أكثر من سيناريو في ضوء بعض المعلومات التي تسربت من كلا الطرفين أولها سيناريو المواجهة على الأراضي العراقية، لاسيما أن البعض يعتقد أن هذا السيناريو بدأ فعلا، وأن خطوته الأولى ما جرى من عدوان على جنوب لبنان.
وتعتقد بعض هذه المصادر أن إيران وللخروج من مأزق الضغوط التي تواجهها من الأميركيين والدول الغربية بشأن الملف النووي قررت البدء بالهجوم مستثمرة مشروعية عمل المقاومة في جنوب لبنان وفلسطين ومنطلقة من الأوضاع الخاصة والحصار المفروض على حزب الله وحماس وتخلي محيطهما العربي والدولي عن مساندة مواقفهما، وبحثهما عن سبل للخلاص في مواجهة العنجهية الإسرائيلية.. وتستكمل الحلقات الأساسية لهذا السيناريو في العراق وربما بعد تسخين الساحة السورية.(38/68)
الخبير في الشؤون الإيرانية نوري الخاقاني يقول في حوار مع "الوطن العربي" إن القيادة الإيرانية تتبع الآن سياسة مشابهة للسياسة الأميركية التي تنفذ تحت شعار محاربة الإرهاب الدولي، ولكن على أراضي الغير بعيداً عن المدن الأميركية ومصالح الولايات المتحدة الأميركية.
وتتفق مع هذه الرؤية أغلب الدول الغربية التي ترسخ في ذهنها ما أسماه الأميركيون مثلث الشر: العراق، إيران، كوريا الشمالية، واستبدل العراق بحزب الله وحماس وربما سيصبح محور الشر في العراق الائتلاف الشيعي أو تياراته المتطرفة.
وربما تعتقد الإدارة السورية مثل الإيرانيين بضرورة دفع المواجهة خارج أراضيها وهذا ما يفسر سرعة قبول القيادة السورية لسحب قواتها من لبنان لترك ساحة المواجهة مباشرة مع حزب الله وحماس وتسهيل مهمة المقاومة داخل العراق.
وما هو سيناريو المواجهة المتوقعة؟
ـ علينا أن نتوقع المزيد من المفاجآت من كل الأطراف، لا سيما أن اللعب أصبح على المكشوف وتطلب من كل أطراف اللعبة إبراز قواهم في الصراع قبل هدوء العاصفة والقبول بالأمر الواقع، واتضح ذلك في سياسة الردع الإسرائيلية وعدم الاكتراث الغربي والعربي تقابلها إبراز قدرات حزب الله الذي أكد عمليا قدرات غير طبيعية في ضرب العمق الإسرائيلي مع صمود لحكومة حماس، وكل هذه الحلقات غير غائبة من استراتيجية المواجهة الإيرانية والأميركية عن العراق الذي أصبح ـ على حد تعبير هاشمي رفسنجاني الرئيس الإيراني السابق في تصريح سابق لـ "الوطن العربي" ـ مركزا للصراع العالمي، فحسم المعركة فيه سيحدد من هو الخاسر أو المنتصر للأبد.. وهذا الكلام يفسر حجم الاهتمام الإيراني في نقل المعركة إلى الأراضي العراقية وقبلها إلى فلسطين وجنوب لبنان وسورية وأفغانستان والشيشان.
تجنب ثورة شعبية:
وماذا تريد إيران من ذلك؟(38/69)
ـ كما قلنا دفع الأذى المباشر عن المدن الإيرانية وتجنيب البلاد ثورة شعبية لاسيما أن الشارع الإيراني في حالة إحباط وتذمر ويتوق للتغيير، وإضافة إلى دفع الأميركيين للشعور بالإحباط والخسارة الجسيمة إثر المواجهات الدامية ودفعهم إلى طاولة المفاوضات والتي تلمح لها أطراف إيرانية رغم لهجة التشدد في خطابات قياداتها وشعاراتها الثورية ضد "الشيطان الأكبر وصنيعته إسرائيل"..
وهذا التصعيد يرافقه وسيلة ضغط أخرى هي هيجان الشارع العربي والإسلامي بل حتى الرأي العام الأميركي والغربي الذي سئم المواجهات وتخوف من مواجهات العنف، مع وسيلة ضغط أخرى ذات فعالية كبرى وقد برزت فعلا وهي تضرب الغرب بالصميم و تتمثل بتصاعد أسعار النفط التي وصلت حاليا إلى 78 دولارا للبرميل الواحد ويتوقع في ظل حركة تصعيد أخرى أن تعبر الأسعار سقف المائة دولار وربما تعبر أرقاما غير متوقعة لا يتصورها البعض إذا ما حدثت مواجهات كبرى في فصل الشتاء، حيث يزداد الطلب على النفط، وفي ضوء نجاح إيران في عرقلة تدفقه عبر الخليج العربي أو ضرب مصادر إنتاجه وتسويقه.
وما هي توقعاتكم للمواجهة المقبلة؟(38/70)
ـ في ضوء متابعتنا واستقرائنا لتفاصيل مشهد الصراع الظاهر والخفي بين الطرفين.. نعتقد أن كل الاحتمالات واردة، وما يجري الآن في لبنان وفلسطين والعراق ومناطق أخرى هو صراع مباشر ما بين أميركيا وإيران وهذا الأمر لا يمنع من وجود قنوات للحوار الخفي حتى مع إسرائيل وعبر العديد من الوسطاء..... أما طبيعة المواجهة الإيرانية في العراق فتتخذ العديد من الأشكال الفعالة حيث تستثمر إيران الكثير من الإمكانيات الكبيرة المتاحة لها للتحرك في ضوء المتغيرات التي شهدتها الساحة العراقية بعد سقوط النظام السابق وصعود قوى جديدة لها تفاهمات ومصالح مع إيران وبيئة اجتماعية وسياسية يمكن استثمارها في الحرب ضد الأميركيين في الساحة العراقية، وستكون بل هي قائمة الآن فعلا بدم عراقي وسلاح وخطط وتأهيل وتوجيه إيراني بعضه يمارس دوره داخل العراق بل داخل بعض المؤسسات القيادية المهمة والأحزاب والشارع العراقي أيضاً وستظهر مفاجآت مذهلة في إطار سلسلة المواجهة بين الطرفين.
وما مؤشرات ذلك؟
ـ هنالك مؤشرات كثيرة وواقعية لا تحتاج إلى دليل.. لقد نجحت القيادة الإيرانية ولأسباب متعددة أن تجد لها أكثر من لوبي فعال داخل العراق وفي المنطقة والساحة الإسلامية توظفه في الصراع أو الحوار مع الأميركان لاسيما أنها وجدت فراغا في العراق تركه العرب الذي أغلقوا أبوابهم بوجه المعارضة الشيعية وحتى السنية الإسلامية والعلمانية أيام صدام حسين فاحتواهم الغرب وإيران...
وتتحرك إيران في الساحة العراقية على مستويات مختلفة في مقدمتها المحور الديني المذهبي واستثمار عواطف الناس وميولهم لخدمة الاستراتيجية الإيرانية، لاسيما أن استقطاب المرجعيات الدينية بكل الطرق يسهل عمليات التعبئة الشعبية داخل العراق تحت شعار محاربة الاحتلال ومن ثم توفير القدرة على تجنيد أعداد كبيرة من العراقيين في جمع المعلومات أو إثارة المشاكل ضد الاحتلال.(38/71)
ويرتبط بهذا الخط عمل المخابرات الإيرانية "اطلاعات" التي أصبح لها في كل مكان في العراق عيون وأتباع وواجهات وصلات تعاون وتنسيق لعل أخطرها المنظمات التابعة للائتلاف الشيعي الموحد، فقد قيل الكثير عن دور منظمة بدر وهي الجناح العسكري للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية الذي يترأسه هادي العامري. ولكن القوة الأكبر التي تعول عليها القيادة الإيرانية في إشغال الأميركيين في العراق هي جيش المهدي الذي يقوده السيد مقتدى الصدر، فقد تمكنت أجهزة الدعاية الإيرانية من دفع الصدر لتقليد دور حسن نصر الله رئيس حزب الله اللبناني واعتبار جيش المهدي مقاومة شبيهة بحزب الله، ويبدو أن السيد مقتدى أعجبه هذا الدور وأرسل من يمثله في لبنان ليكون قريبا من تجربة المقاومة اللبنانية...
وبدأت إيران منذ ثلاث سنوات تجهيز هذا الجيش بأحدث الأسلحة وإعداد كوادره في معسكرات خاصة في إيران، وأثبت جيش المهدي البعض من قدراته خلال المواجهات العنيفة في النجف ومدينة الصدر لكنه أيضا تلقى ضربات قاسية من القوات الأميركية.
ووافق الصدر لبيع أسلحة الجيش للسلطات العراقية مقابل ثمن، لكن العام الحالي شهد تطورات نوعية بعد زيارة السيد مقتدى لإيران بعد لبنان التي اطلع خلالها على تجربة حزب الله مما زاده حماسا لقبول العروض الإيرانية المغرية بإعادة تجهيز وتدريب جيش المهدي الذي استقطب عشرات الآلاف من الشباب الفقراء، وتتوفر له حالياً إمكانيات لتجنيد الملايين من الشيعة الذين يشعرون بالإحباط من التيارات الشيعية الأخرى التي تتولى السلطة لكنها لم تحقق لأتباعها الحد الأدنى من ضرورات الحياة مما أدى إلى هبوط شعبيتها وخلقت فراغا استثمره الصدر لتعزيز وضعه المعارض المنتقد للحكومة والبرلمان رغم دخوله للفعالية السياسية.(38/72)
وتؤكد المصادر أن إيران جهزت هذا الجيش بأحدث الأسلحة المتوسطة والثقيلة وصار بمقدور هذه القوات استخدام مدفعية بعيارات مختلفة إضافة لصواريخ مضادة للطيران الجوي والدروع وكميات كبيرة من الذخائر والآليات وتهيئة عناصر انتحارية وأخرى لحرب المدن، وهي جاهزة لضرب معسكرات الجيش الأميركي والجيوش الأجنبية الأخرى عندما تحدد إيران ساعة الصفر، حيث أعدت معسكرات خاصة في إيران لإعداد جيش المهدي، وبعضهم تلقى تدريبات في لبنان في معسكرات حزب الله ...
ولم تكتف إيران بهذا الجانب بل قامت أيضا بتسهيل مهمة دخول الأفغان العرب للعراق عبر حدودها الطويلة وهي تتعمد أن تجعلها مفتوحة لمن تشاء خاصة الجهات المتورطة في تخريب البنية التحتية للاقتصاد العراقي لإحراج الحكومة العراقية وإضعافه وإحداث فوضى بوجه المشروع الأميركي لأن مصلحة إيران فوق مصالح الحلفاء.
مواجهة:
نعود ونسأل مرة أخرى... ما هو السيناريو المتوقع؟
حرب شاملة يشنها جيش المهدي في أغلب المدن العراقية على الأميركيين، وسيكون رد الفعل عنيفا، وستضرب المدن على طريقة إسرائيل في الرد على حزب الله وهذا الأمر سيحرك كل العراقيين سنة وشيعة ضد الاحتلال وبمشاركة من المقاومة العراقية وكل التيارات التي تحارب الأميركيين....
وما هو السيناريو الأميركي المقابل؟
ـ أميركا لها العديد من الأوراق التي تحركها وأولها السعي لصنع انشقاقات في الائتلاف الشيعي الذي لم يعد مرغوبا به خوفا من أن يكون كماشة إيرانية في العراق ولنفور المحيط العربي من الهيمنة الشيعية واقتناع الأميركيين بأن الأوضاع لا تستقر إلا بإرضاء السنة والتقليل من سطوة الشيعة، وبالتالي تقليص النفوذ الإيراني.
ولهذا أصر الأميركيون على استبعاد إبراهيم الجعفري وإبراز نوري المالكي ودفعه لمواجهة الواجهات الإيرانية من خلال تصديه لمشكلة حل المليشيات ...(38/73)
وسعى الأميركيون أيضا لأسلوب التوازنات فمارسوا الضغوط لإعلان مشروع المصالحة واستقطاب المقاومة، وذهب الأميركيون لأبعد من ذلك بالدفع باتجاه إطلاق سراح أكثر من ثلاثة آلاف معتقل من السنة على ذمة قضايا الإرهاب، ويشكلون قوة سنية مهمة كانت معطلة إضافة للإيعاز لجهات عربية وإقليمية لتسريب كميات ضخمة من الأسلحة وصلت فعلا للمدن السنية:
الرمادي والموصل وتكريت وديالي ودخلت للخدمة في بغداد حيث وصلت للأعظمية ـ وهي معقل سني مهم ـ ومناطق الكرخ أسلحة حديثة تستخدم حالياً لرد بعض هجمات المليشيات الشيعية أو أجهزة الأمن الحكومية...
وتحرك أميركا ورقة الطوائف والقوميات داخل إيران... وفي قبضتها الآن بضعة آلاف من مقاتلي منظمة "مجاهدي خلق" المعارضة يمكن تحريكهم لضرب العمق الإيراني وإثارة الاضطرابات الداخلية.
العراق :الحرب على مساجد أهل السنة
د. على محمود – مجلة المجتمع 22/7/2006
…جرَّبَ العراقيون عبر تاريخهم كل أنواع الحروب من حرب المدن وحرب الشوارع وحرب المناطق وحرب القبائل وحرب الثارات ولم تبق إلا حرب المساجد، حيث بات الناس يصلون في المساجد وأيديهم على قلوبهم خوفاً من لحظة تداهم فيها المساجد أو تقصف أو تفجر فيلفظ المصلون أنفاسهم وهم يتمتمون بدعاء إلى الباري عز وجل أن يبقي المنائر والقباب شامخة. يتساءل مصلٍ بغدادي: ترى هل هي من علامات الساعة؟ أن يقف عند أبواب المساجد مسلحون يوفرون الأمن للمصلين حتي يكملوا صلواتهم؟ وهل من علامات القيامة أن يكون رجال الدين أهدافاً لرصاص الاغتيال وخطط الخطف وعمليات الانتقام، وأن يتجنب المصلون الصلاة في المساجد ويؤثروا السلامة فيصلوا في بيوتهم، حتى إن دائرة الوقف السني في البصرة طلبت من المسلمين السنة (أن يصلوا في بيوتهم!) خوفاً على أرواحهم!!
حملة مسعورة:(38/74)
…لقد استعرت حرب المساجد في العراق فكانت الأولى من نوعها في العالم الإسلامي، وندعو الله أن تكون الأخيرة، فقد كتب الله عليكم أيها العراقيون أن تكونوا الطليعة النموذج في كل شيء بما في ذلك الأساليب المستحدثة للقتل والتقتيل وميادين الانتقام! كنتم في كل ذلك نموذجاً يحكي للعالم تجربة التغيير و(التحرير) وثمارها التي ذقتموها، فكانت مرة كالحنظل، فانصحوا إخوانكم في الدين أن يتغيروا قبل أن يُغيروا ويبدلوا جلودهم قبل أن تنسلخ.
…منذ ثلاثة أعوام ومساجد أهل السنة في مختلف مدن ومحافظات العراق وبالأخص الوسطى والجنوبية تتعرض لأبشع حملة تدميرية منظمة تقوم بها جماعات طائفية مسلحة مختلفة الأسماء، وتستهدف الاستيلاء على المساجد السنية وتحويلها إلى حسينيات ومساجد شيعية، ومنع أهل السنة من ارتيادها، وتقدر مصادر في الوقف السني عدد المساجد السنية المغتصبة بنحو 190 مسجداً في مختلف أنحاء العراق.
…كما تضمنت الحملة الظالمة قتل أئمة المساجد السنية ومؤذنيها وخدامها وروادها، وزاد عدد أئمة المساجد السنية الذين تعرضوا للاغتيال والتصفيات الجسدية، بعد خطفهم وتعذيبهم على أيدي عناصر طائفية ترتدي أزياء الشرطة على 255 إماماً ومؤذناً وخادم مسجد.
وتعرضت مساجد سنية كثيرة إلى التخريب والهدم والتدمير، وتجاوز عدد المساجد التي تعرضت لمختلف درجات التدمير (مابين التدمير الكامل والجزئي) الـ200 مسجد، فضلاً عن قتل الآلاف من المسلمين السنة من رواد المساجد، سواء داخل المساجد أو قربها.
…في الأسبوع قبل الماضي قامت عناصر إرهابية تابعة لإحدى المليشيات الطائفية باعتداء مسلح على جامع أم القرى حيث مقر هيئة علماء المسلمين في بغداد، مستغلة البنايات غير الكاملة والمهجورة (الهياكل) الموجودة خلف الجامع.(38/75)
…وفي الوقت الذي استنكر الحزب الإسلامي والهيئة هذه الجريمة الطائفية الشنعاء، وطالبا الحكومة باتخاذ إجراءات مناسبة وسريعة لمنع تكرار مثل هذه الانتهاكات لحرمة بيوت الله وحرمة هيئة علماء المسلمين ودعوتها إلى السعي الجاد والحثيث للحفاظ على أرواح العراقيين وخاصة العلماء ورموز الشريعة. كما وجها مطالباتهما إلى المرجعيات الشيعية كافة لإصدار فتوى صريحة وواضحة تحرم هذه الأفعال البعيدة عن الإسلام.
وفي هذا الوقت في الأسبوع الماضي عاودت مليشيات إرهابية اعتداءها على مناطق أهل السنة في بغداد، ففي الدورة حاولت مجاميع إرهابية ليلة الأربعاء 5-7-2006م الاعتداء على أهالي المنطقة، وعندما رأوا أن أهالي المنطقة يقظين ولوا على أدبارهم، وذكر شاهد عيان أن جامع العباس في منطقة الدورة تعرض إلى اعتداء من قبل مغاوير الداخلية وقوات الاحتلال الأمريكية التي كانت ترافقها، وأكد أن مغاوير لواء الرافدين قاموا بقتل أحد المدنيين وجرح اثنين وتكسير زجاج النوافذ وتمزيق بعض المصاحف، وكتبوا على جدران المسجد عبارات طائفية.
…كما قامت مجاميع إرهابية تستقل سيارات الداخلية بالاعتداء على جامعي الحديثي والمهيمن، وتصدى لهم حراس المسجد وأهالي المنطقة وقاموا بطرد هؤلاء المجرمين.
…يذكر أن جامع الملوكي في منطقة العامرية قد تعرض أيضاً الأسبوع الماضي إلى اعتداء من قبل المليشيات الطائفية الإرهابية التكفيرية، وقام المصلون بالدفاع عن مسجدهم في وجه الهجمة الغادرة لعصابات المهدي والغدر.
…وتأتي هذه الأحداث في إطار بدء حملة تفجير سيارات مفخخة أمام مساجد أهل السنة في بغداد والمحافظات، ففي بغداد انفجرت 5 سيارات مفخخة أمام مساجد أهل السنة مع صلاة الجمعة، بهدف إيقاع أكبر عدد من الأذى والتخريب والقتل بين المؤمنين، فيما انفجرت سيارة مفخخة أمام مسجد فخري شنشل في حي الجهاد ببغداد وراح ضحية الحادث عدد من المسلمين المصلين.(38/76)
…كما تعرض مسجد النداء في الوزيرية إلى قصف بالهاون أدى إلى أضرار مادية، كما تعرض مسجد الكبيسي في حي القاهرة شرقي بغداد إلى تفجير سيارة ملغومة وأسفر الحادث الإجرامي عن استشهاد 14 شخصاً من المصلين.
…من جهته استنكر الحزب الإسلامي العراقي العمل الطائفي الجبان الذي قامت به مليشيات مدينة الصدر باحتلالها مساجد أهل السنة في المدينة. وقال في تصريح صحفي أصدره أن هذه المليشيات استولت على آخر مسجدين لأهل السنة وهما جامعا حليمة السعدية والأبرار في منطقة الثورة داخل بغداد. وأضاف التصريح أن هذه المليشيات طردت إمامي هذين المسجدين من بيوتهم دون أن يسمح لهما بحمل أي أثاث أو متاع، وأكد البيان أن المليشيات بهذا العمل تكون قد أغلقت آخر مسجدين يصلى فيهما صلاة الجمعة والجماعة.
…وأشار التصريح إلى قيام هذه المليشيات بالاستيلاء على تسعة مساجد في مدينة الصدر بعد اغتيال أئمتها ومصليها وذكر عدداً من هذه المساجد ومنها: الديري، السجاد، الرفاعي، سيد الشهداء، الامام علي بن أبي طالب، الحبيطي، آل يس)... وطالب الحزب الإسلامي الحكومة العراقية بأن تأخذ دورها كاملاً في العمل على إعادة المساجد إلى اهلها وحمايتها من قوى الشر والارهاب الساعية إلى الفتنة الطائفية.(38/77)
…وقال البيان إن أهل السنة يحتفظون بحقهم في استعادة مساجدهم المغتصبة مهما طال الزمن، مضيفاً أن أهل السنة لن يسمحوا باغتصاب حسينية شيعية ولن يتعاملوا بالمعايير المزدوجة. وأشارت الهيئة في بيان لها إلى الهجمات التي تعرض لها جامع "إسماعيل الكبيسي" في حي القاهرة شرق بغداد وجامع "البر الرحيم" أكبر المساجد في منطقة الغزالية غرب بغداد، ما أدى إلى استشهاد وإصابة 34 مصليًا. وأضاف البيان أن العصابات في مدينة الصدر شنّت حملة اغتصاب على ما تبقى من مساجد "للسُنّة في المدينة"، حيث قامت بطرد الأئمة والمؤذنين من مسجديْ حليمة السعدية والأبرار بأسلوب همجي... وبهذا يبلغ عدد المساجد المغتصبة في هذه المدينة وحدها منذ بداية الاحتلال تسعة مساجد. عضو بارز بالحزب الإسلامي العراقي قال في بيان صحفي: إن العصابات الطائفية التكفيرية قد استولت على 9 مساجد لأهل السنة خلال أسبوعين وهي: "مسجد حليمة السعدية، مسجد الأبرار، مسجد الديري، مسجد السجود، مسجد الرفاعي، مسجد آل يس، مسجد علي بن أبي طالب، ومسجد سيد الشهداء".
…وأنه تم الاستيلاء على محتوياتها وتحويلها إلى أوكار ومسالخ لذبح واعتقال أهل السنة فيها.
…وحمّلت هيئة علماء المسلمين "الميليشيات الطائفية والعصابات الإجرامية المسؤولية الكاملة عن الدماء البريئة التي سالت والأنفس المؤمنة التي أزهقت... كما تحمّل قوات الاحتلال والحكومة الجديدة "الموالية للاحتلال" المسؤولية ذاتها عن هذه التجاوزات المخزية التي يندى لها جبين الإنسانية''. وأكدت الهيئة أنها ''تحتفظ بحقها في مطالبة الجهات المستفيدة من ذلك بإعادة المساجد المغتصبة جميعها إلى أهلها إذا كانت تريد الوصول إلى المصالحة الوطنية الصادقة، كما تطالبها بالعمل الجاد على منع تكرار مثل هذه الانتهاكات الفاضحة؛ حفاظًا على وحدة البلاد، ودرءًا للفتنة عن العباد".
دور الحكومة..(38/78)
…وقد طالبت صحيفة "دار السلام" الحكومة بوقف عمليات الاعتقالات والاغتيالات والخطف التي وقعت مؤخراً ضد أئمة المساجد والمصلين، واتهمت الحكومة الحالية بأنها إما متواطئة أو عاجزة عن ضبط الأمن، وفي كلتا الحالتين فإن هذا الوضع لن يترك للجماعات أو الأفراد سوى الاحتكام إلى السلاح للدفاع عن النفس.
…وأشارت الصحيفة إلى قيام الحزب الإسلامي بتسليم مذكرة إلى رئيس الوزراء بهذا المضمون، ووعد باتخاذ إجراءات عاجلة لتطويق الأزمة وملاحقة الإرهابيين أياً كانت انتماءاتهم سواء كانت لأجهزة الدولة أو للمليشيات أو غيرها، واتهم البيان عناصر القوى الأمنية العراقية وتحديداً لواء الذئب التابع للحرس الوطني باحتجاز بضعة عشر رجلاً من أهالي مدينة الشعب بقوة السلاح ومنهم علماء دين وأئمة مساجد تم تعذيبهم بوحشية حتى الموت وسمل عيونهم وتكسير عظام أطرافهم، ويعد هذا تحولاً لا يمكن السكوت عليه بعد الآن.
…وقالت الصحيفة: إن الحكومة الحالية مدعوة إلى أن تدافع عن نفسها وأن تقول كلمتها الفصل في هذه المسألة، وذلك لتثبت للعراقيين حياديتها وقدرتها على حماية العراقيين.. بغض النظر عن انتماءاتهم المذهبية والعرقية والسياسية، مشيرة إلى أن مجمل العملية السياسية مهددة بالانهيار ما لم تتخذ إجراءات سريعة لتطويق الأزمة.
المالكي يتحدث عن خطة لعزل كرخ بغداد!!
…على صعيد آخر أوردت الأخبار كلمات لنوري المالكي رئيس الوزراء أمام مجلس النواب العراقي عما أسماها (خطة لاحتلال الكرخ وعزلها عن بغداد) وقوله: "عازمون على التصدي لخطط تهدف إلى (احتلال) منطقة الكرخ ذات الأغلبية السنية في بغداد"، مؤكداً أن المحاولات التي تقوم بها أطراف لم يسمها (لإسقاط) الكرخ (ستبوء بالفشل).(38/79)
ولعل من الغريب أن يتوافق خطاب السيد المالكي مع ما نشره موقع (براثا) الإلكتروني على الإنترنت الذي يديره ويشرف عليه جلال الدين الصغير خطيب مسجد براثا وعضو المجلس الأعلى للثورة الإسلامية، الذي نشر على الرابط مقالة بعنوان "مؤامرة سنية للانقلاب في العراق واحتلال الكرخ"، قال فيها:
…"كشفت وكالة أنباء براثا عن مخطط للانقلاب على الحكومة العراقية، هذه المؤامرة ليست بالجديدة على خبث الإرهاب وعملياتهم الإجرامية، ولكن الذي لفت انتباهي إلى أن عملية الكشف عن المخطط الذي يحتوي على عشرين صفحة من المؤامرة الدنيئة تم من خلال اختراق القوات الأمنية العراقية لتنظيم حزبي وكشف عن ألاعيبهم ومخططاتهم".
…وأشار الخبر إلى أن "المخطط هدفه الانقلاب العسكري الذي يبدأ بالسيطرة على الكرخ في بغداد وعزلها تماماً عن الرصافة، حتى يتسنى لهم العمل بشكل دؤوب، ومن هذه البداية يتم إحداث تغيير جذري في المعادلة السياسية السائدة في العراق بين القوات الأمريكية والحكومة العراقية المتمثلة بسيطرة الشيعة على مقاليد الحكم، وعندما تتبعثر الأوراق بين الطرفين يكون بوسع الأطراف البعيدة الأخرى الضغط على الإدارة الأمريكية بعودة وإشراك البعثيين في العملية السياسية.(38/80)
…وهذه الفقرة بالذات طبّقت حسب حذافيرها وكما كان مخطط لها حيث دأبت القوى السياسية بالعمل على عودة الإرهاب الفاشي للعملية السياسية بعد أن كان العراق شعباً وحكومةً يرفضه رفضاً قاطعاً". وأضاف أنه "من ضمن المخطط الإرهابي ضد العراق إحداث أفجع الجرائم في داخل المناطق الشيعية في العراق، وزرع الاختلال الفكري بين الشيعة أنفسهم؛ حتى يشق الصف الشيعي، وتحدث بلبلة داخل صفوف الشعب العراقي، بالإضافة إلى ذلك يتم زيادة العمليات الإرهابية من خلال التهجير القسري لأتباع أهل البيت عليهم السلام، وبذلك يتم ضرب عصفورين بحجر واحد: الضغط والمعاناة لشيعة أهل البيت، زيادة حدة التوتر بين المهجرين والحكومة العراقية". ويتطرق الخبر إلى "أن من ضمن المخطط تصفية الشخصيات الشيعية البارزة في العراق، ومن أبرز هذه الشخصيات الشيخ جلال الدين الصغير!! ومقتدى الصدر!! الذي كان مخططاً لاغتياله بعد أن يتم خطف عدد من عناصر منظمة بدر التابعة للمجلس الأعلى، وإرغامهم على الاعتراف أمام كاميرات تسجيل لمخطط قتل السيد مقتدى الصدر، ويتم اغتيال السيد مقتدى الصدر ويتهم به المجلس الأعلى، حيث يتم رمي بعض الجثث التابعة لمنظمة بدر، حتى يصدق ذلك.
…وهذا المخطط بحد ذاته ليس غريباً على الذين ولدوا وتربوا على القتل والاغتيالات منذ 1963م، وحتى يومنا الحاضر، فقد شربوا دماء الكثير من العراقيين"..
…ولعل المثير للاستغراب هنا هو هذا التوافق والتطابق بين خبر موقع براثا الطائفي وتصريح جلال الدين الصغير... وبين الخطاب الأخير للسيد نوري المالكي عن خطة (سنية) عسكرية لعزل الكرخ عن الرصافة... ولاندري من يلقن من؟(38/81)
…ولمصلحة من هذا الخطاب الطائفي التحريضي؟؟ ومن المؤسف تلفيق قصة الانقلاب الكرخي ليكون ذريعة لتصاعد هجمة شرسة على مختلف مناطق بغداد التي أودت بحياة المئات، فضلاً عن تدمير عدد كبير من المساجد وقتل الأبرياء على الهوية لمجرد كونهم من أهل السنة تحت ذريعة وقف خطر الانقلاب الكرخي المزعوم... ومن المؤسف أن نجد قوات الاحتلال (على خلاف ما شهدناه في مناسبة سابقة) تقف موقف المتفرج دون أن تحرك ساكناً لوأد الفتنة الطائفية في العراق الجديد المحرر!!
فواصل استراتيجية وفكرية
محمد أبو رمان - صحيفة الغد 21/8/2006
…تكمن أزمة الخطاب الفكري أو التحليل السياسي العربي، في كثير من الأحيان، في القفز على القراءة الموضوعية والتحليل الواقعي لصالح مواقف فكرية أو سياسية مسبقة، تختزل كل المسافات والتناقضات الواقعية في سياقات أيدولوجية معلّبة وصارمة، لا تسمح بتفكير أو قراءة خارج النص المحكم ظاهرياً المثقل بالثغرات داخلياً. لم يقتصر التحليل الاختزالي العربي، في الحرب الأخيرة التي وقعت على لبنان، على اتجاه دون آخر، فقد شمل قراءات وتحليلات ومدارس سياسية مختلفة، وإن كان الاستقطاب الرئيس تمثّل بين اتجاهين رئيسين؛ الأول يعكس تيار المقاومة والمواجهة مع الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، والثاني يعكس الموقف الرسمي العربي.(38/82)
…تيار المقاومة، يبدو منتصراً وقوياً في المناظرة الفكرية والسياسية العربية، اليوم، لعدة أسباب؛ أولاً لصمود المقاومة اللبنانية في مواجهة الجيش الإسرائيلي وكسر هيبته أمام الرأي العام العربي والعالمي، ما يكشف إمكانية الخروج من الهيمنة الأميركية والأحادية الإسرائيلية بإعادة الاعتبار لخيار الكفاح المسلّح، وصولاً إلى تحسين شروط الحوار والتسويات السياسية مع الغرب مستقبلاً. ثانياً لضعف حجة النظام الرسمي العربي، الذي راهن على هزيمة المقاومة اللبنانية خلال أيامٍ معدودات. وثالثاً للتأكد، للمرة الألف، أنّ الإدارة الأميركية لا تلقي بالاً لدماء الشعوب العربية، وأنه لا مجال للتلاعب بتحالفها الاستراتيجي الوثيق مع إسرائيل، فضلاً عن إحراج أصدقائها وحلفائها العرب، الذين باتت علاقتهم بالإدارة الأميركية مصدر تهديد حقيقي لاستقرارهم السياسي.(38/83)
…لا يعجز المراقب أن يرصد الروح الثائرة التي بثها صمود حزب الله في روع المجتمعات العربية والمسلمة على العموم. وتكاد تشعر أنّ تيار المقاومة يمتلك الشارع بلا منازع، إذ يضغط خطابه على وتر شديد الحساسية يتمثل بقيم الهوية والكرامة، التي يمكن أن تختصر رمزية المواجهة المتصاعدة مع الولايات المتحدة وإسرائيل. المفارقة المدهشة في الآونة الأخيرة أنه في الوقت الذي تسعى فيه الإدارة الأميركية وإسرائيل إلى تحجيم القضية الفلسطينية في بعدها المحلي الداخلي، وعزلها عن المحيط العربي، فإن دائرة الاهتمام والتصدي لها تتسع لتشمل العالم الإسلامي بأسره ما أصبح يطلق عليه في أوساط سياسية وإعلامية بـ"أسلمة القضية الفلسطينية"، وهي الظاهرة التي يمكن التقاطها بسهولة في مؤتمر منظمة المؤتمر الإسلامي الذي عقد في ماليزيا مؤخراً، وفي حدة التصريحات الصادر عن مسؤولين ومثقفين مسلمين من غير العرب تجاه إسرائيل وأميركا، إلى الدرجة التي يدعو فيها مهاتير محمد، رئيس وزراء ماليزيا السابق، إلى مقاطعة الدولار الأميركي.
…خطاب المقاومة يضم، اليوم، عددا كبيراً من المثقفين الإسلاميين والقوميين واليساريين ويعبُرُ حركات إسلامية جماهيرية عريضة كالإخوان المسلمين وحماس والجهاد وحزب الله والتيار السلفي الجهادي أو القاعدة" (مع اختلافها فكرياً وسياسيا عن الآخرين)، ويستند إلى إيران كقوة صاعدة في المنطقة قادرة على الوقوف في وجه الهيمنة الأميركية وكذلك إلى الدور السوري الحالي. الفكرية الجوهرية لخطاب المقاومة أنّ انجاز حزب الله وفشل أميركا في العراق وانتصار الإسلاميين المعارضين للهيمنة الأميركية في مختلف العمليات الانتخابية، بمثابة مقدمات لمستوى رفيع من مستويات المواجهة العسكرية والسياسية لرفع يد الهيمنة والتسلط الخارجي عن المنطقة.(38/84)
…قدرٌ كبير من التفاؤل يتملّك تيار المقاومة يدفعه إلى أخطاء كبيرة في التحليل والاستنتاج؛ أول هذه الأخطاء المبالغة في تقدير الانجاز الذي حققه حزب الله! صحيح أنّ هذا الانجاز يعد بالفعل اختراقا عسكريا ورمزيا حقيقيا، ونقلة نوعية في الصراع العسكري، لكن على الطرف المقابل هنالك ثمن باهض دفعه لبنان من دمائه واقتصاده وأمنه لا يقارن بما تكبدته إسرائيل، وفي سياق معادلة موضوعية، بعيداً عن الأبعاد الرمزية والروحية، وهي مهمة بلا شك، فإنّ معيار الربح والخسارة يميل لصالح الطرف الآخر، على الأقل في مجال الأهداف السياسية؛ إذ قبل حزب الله بما لم يقبل به من قبل.
…ثمة فاصلة دقيقة مهمة بين اعتراف إسرائيل بالإخفاق العسكري وعدم تحقيق أهدافها المعلنة من الحرب وبين المقاييس الواقعية الحقيقية في الأرقام والخسائر والمحصلة السياسية الاستراتيجية، التي في حدها الأدنى كفلت لإسرائيل وأميركا التخلص من ورقة إقليمية مهمة من أوراق المواجهة على خلفية أزمة البرنامج النووي الإيراني.
…وثمة علامة استفهام مقلقة تتعلق بدور إيران الإقليمي، والتحالف الذي تتبناه قوى- أفكار المقاومة العربية معها. ففي الوقت الذي لا يمكن تجاهل البعد الإسلامي في العلاقة مع إيران، وأهمية هذا البعد، فإنّ قراءة السياسة الخارجية الإيرانية في السنوات الأخيرة تستدعي المناقشة الموضوعية. فإيران التي تهاجم أميركا وإسرائيل اليوم وتتحداهما وترفع وتيرة خطابها الثوري هي نفسها التي سهّلت المهمة الأميركية في أفغانستان، وهي التي تتكفل بـ"تسكين" الشيعة في العراق، بما يشكل الضمانة الكبرى للاحتلال الأميركي، ولو مؤقتاً، وهي التي تعاونت تماماً مع الولايات المتحدة في "الحرب على الإرهاب"، على الرغم أنها على قائمة الدول الراعية للإرهاب، وهي التي تحتفظ بعدد من قيادات "القاعدة" في سجونها كورقة للمقايضة مع الإدارة الأميركية وغيرها.(38/85)
…ما يحرّك إيران، كأي دولة في العالم، مصالحها القومية، ولا يعدو تحالفهم مع الشيعة العرب، بمن فيهم حزب الله، سوى كونه ورقة من أوراق النفوذ الإقليمي، سواء وصل ملف المواجهة مع الغرب إلى ساحة الحرب المباشرة، بلا وكالات، أو تم عقد الصفقات، وعندئذٍ يمكن تقديم المقاومة على طبق من ذهب إلى الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل.
…وإلاّ كيف يمكن تفسير أن تدعم إيران حزب الله وتدفعه إلى حرب شرسة مع إسرائيل على أسيرين ومزارع صغيرة محدودة المساحة، وفي المقابل تحتل أميركا العراق بمباركة إيران ورعايتها؟!
…بالطبع موقف إيران مبرّر لأي دولة في العالم تسعى إلى الحفاظ على مصالحها وحمايتها، لكن هذه الفاصلة المهمة في الإدراك والقراءة لا بد أن تكون في وعي تيار المقاومة العربية اليوم حتى لا يكون مجرد أداة في مواجهة على مصالح قومية بشعارات دينية وعاطفية.
…وإذا كان ثمة سؤال يوجه للدول العربية فهو لماذا تركت الفراغ لتملأه إيران دون أن تفكر في عقد "صفقة" معها، على قاعدة المصالح المتبادلة، بدلاً من رهانات خاسرة على الإدارة الأميركية وأوهام السلام مع إسرائيل.
…فاصلة أخرى تتمثل بالفارق الكبير بين التحالف مع سورية المجتمع في مواجهة الضغوط والتهديدات الخارجية وبين التحالف مع النظام السوري. فالنظام البوليسي المهزوز الذي يكتم على حريات الناس ويستبيح كرامتهم وتكتظ معتقلاته بالأحرار والشرفاء من شعبه هو أعجز عن حماية بلاده، ويخشى أنّ أي معركة مع الخارج تؤدي إلى انهياره في الداخل.
…مشكلة خطاب المقاومة العربي أنه يقفز على مشاعر الشعب السوري ومرارة الاستبداد الذي يذوقه، دون أن يرف له جفن، ودون أن يتعلم درساً واحداً من التجربة العراقية المريرة، وهي أن زواج النظام المستبد بدعوى المقاومة والتحرر زواجُ فاسد وباطل.(38/86)
…تجربة حزب الله لا تكفي وحدها لقراءة المشهد العربي اليوم. ما يعني ضرورة وضع مقاربة استراتيجية موضوعية لخطاب المقاومة العربية تدرك الفواصل الواقعية والأبعاد المختلفة المتداخلة معه كالديمقراطية والتنمية، ولا تستسلم للرغبات والعواطف، فيكفي الشعوب العربية ما ذاقته من نكبات وويلات، فلها حقٌ في الحياة الكريمة والطبيعية كباقي شعوب الأرض بعيداً عن أوهام نخبٍ وفساد أنظمة!
الليطاني... نهراً إقليمياً ودولياً
جهاد الزين – النهار 18/8/2006
…لا نستطيع بعد أن نسمي ما وُلد من الحرب الأخيرة في لبنان "نظاماً إقليمياً جديداً". ولكن الذي يتبلور الآن هو أكثر من صراع إقليمي جديد. انه مناخ يقترب من أن يكون نظاماً جديداً للعلاقات والصراعات في المنطقة.
…لم تدخل إيران فقط كلاعب"داخلي" في مشرق العالم العربي بل العامل الجديد – على الأقل منذ العام1970 - هو خروج سوريا من نظام إقليمي سابق كان قائماً على المحور السعودي المصري السوري وحلول الأردن مكانها ودخولها – أي سوريا – في تحالف واضح وحيد مع إيران.
…لكن إيران المؤثرة في جنوب لبنان هي نفسها صاحبة نفوذ رئيسي في العراق "الجديد". إذن للمرة الأولى فعلاً خط متصل من طهران إلى صور.
…كشفت بداية الحرب الأخيرة في لبنان احتدام الصراع بين المحورين الإيراني السوري والسعودي المصري. فالمحور الثاني رفض ما سماه "مغامرة" المحور الأول. لكن "نهاية" الحرب كشفت اندلاع الصراع بشكل لا سابق له.(38/87)
…استند المحور الأول إلى عدم قدرة إسرائيل على القضاء على الوجود العسكري لـ"حزب الله" في جنوب لبنان رغم الضربات الموجعة جداً التي وجهها إلى المدنيين مجازر ودماراً في الضاحية والجنوب والبقاع، ورغم "التنازل" السياسي الأمني الجاد الذي قدمه الحزب إلى الدولة اللبنانية بالقبول بانتشار الجيش اللبناني مع القوات الدولية جنوب الليطاني ولو كانت صيغة الانتشار قائمة على "عدم وجود سلاح ظاهر"حتى الآن فقط ...
…استند إذن المحور الأول على هذه النتيجة ليشن على المحور الثاني هجوماً سياسياً وحتى "شخصياً" غير مألوف. الجديد ليس التهم... بل الصراع نفسه... الذي لن يتحول إلى عنصر أساسي لنظام إقليمي جديد قبل أن تتضح عدة عوامل أهمها ثلاثة:
1-…موقع تركيا. فالصراع "يستدعيها" إلى لعب دور في المنطقة، لكن كيف ستلعب انقره هذا الدور وأي دور. انقره الأوروبية، الأميركية، المسلمة، المشدودة إلى ادوار في مناطق أخرى من آسيا الوسطى إلى البحر الأسود إلى المتوسط، والتي تعتبر الخطر الأول الماثل عليها في شمال العراق، وليس كما كان سابقاً في "بحر إيجه" لجهة "العدو" السابق التقليدي اليونان.(38/88)
2-…الإدارة الأميركية للصراع مع إيران وكيف سينتهي لا سيما في انعكاسه على الدائرة العراقية التي باتت شديدة التعقيد والإثارة من حيث تشابك النفوذين الإيراني والأميركي لا سيما في إطار "الشيعية السياسية" التي تمكنت من الوصول إلى السلطة بعد الانقلاب الذي أحدثه الإسقاط العسكري الأميركي لنظام صدام حسين، وهو تشابك في النفوذ داخل الجهة السياسية الواحدة في العراق بل حتى في الشخص الواحد! (رئيس الوزراء) . هذا التشابك جديد على العراق والمشرق العربي، ولكنه ليس جديدا على الأميركيين. فكما أن إدارة الرئيس جورج بوش تعيش حاليا مفارقة تحالفها، بل رعايتها ودعمها لـ"الشيعية السياسية" في العراق كقوة أكثرية في نظام فدرالي، فهي بالمقابل تصطدم مباشرة مع "الشيعية السياسية" في لبنان التي يسيطر عليها المحور الإيراني – السوري... وهذا شبيه بما حصل في البلقان، عندما خاضت أميركا الحرب لصالح مسلمي كوسوفو ضد صربها وصرب صربيا في الوقت نفسه الذي كانت قد انتقلت فيه لمقاتلة "الطالبان" في أفغانستان.
3-…مجرى الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي والصراع العربي - الإسرائيلي عموما. فإذا بقيت إدارة بوش قابلة بتعطيل المسار الفعلي للحلول في فلسطين، وإذا بقيت مصرة على الربط بين موقفها السلبي من نظام دمشق وبين رفض فتح أي مفاوضات سورية – إسرائيلية حول الجولان المحتل، معنى ذلك أن المناخ العام في المنطقة سيبقى لصالح الطروحات الراديكالية وخصوصا الإسلامية منها. وهذا سيضع أيضا المحور السعودي المصري الأردني في موقع أكثر صعوبة بسبب هذا المناخ العام المتوتر.(38/89)
…في هذا الجو عادت "الأحقاد الصومالية" بين الأطراف اللبنانية. ساهم في ذلك أن إسرائيل شنت حربا "فدرالية" الطابع في لبنان تبعا لأن "الفرز" العسكري الذي نشأ في لبنان، كان في إطار النظام السياسي الطائفي في لبنان الذي تحول إلى فدرالية غير معلنة منذ سنوات... فعلى الرغم من ضربات مؤذية وهائلة امتدت إلى كل المناطق اللبنانية تحت شعار منع الإمدادات العسكرية من سوريا لـ"حزب الله"... كانت الحرب الأكثر دموية وتدميرية على "الإقليم" الشيعي داخل هذه الفدرالية غير المعلنة .
…لكن الاختلافات المزمنة والأساسية بين القوى السياسية لم تمنع نضجا وطنيا فعليا من الظهور من خلال استقبال النازحين بمئات الآلاف في مختلف المناطق اللبنانية. لقد عاش جنوب لبنان وضاحيته شهرا كاملا من الأشهر التي امتدت أكثر من خمس سنوات عاشتها "مدن القنال" عندما أدت حرب الاستنزاف التي خاضتها مصر اعتبارا من عام 1968 بعد هزيمة 1967 إلى تهجير ملايين السكان في مدن بور سعيد وبور فؤاد والإسماعيلية والسويس على طول قنال السويس التي كانت إسرائيل قد أقامت على ضفتها الشرقية خط بارليف... حتى القضاء عليه في عملية عسكرية هائلة قام بها الجيش المصري عام 1973، عاش جنوب لبنان والجزء الأكبر من الضاحية الجنوبية حالة مدينة قنال" لشهر واحد فقط.
…إذن الطوائف – كطوائف – "سلّفت" الشيعة فعلا في الأزمة الأخيرة وبدون مِنّة، لكن في النظام السياسي اللبناني، خصوصا في تبلوره الفدرالي الرباعي منذ سنوات، وخصوصا بعد الانتخابات النيابية الأخيرة، فإن الطوائف تصبح "طائفيات سياسية" عند الشيعة كما عند الدروز والسنة والمسيحيين... وبوضوح الصراع بين المحورين الإقليميين ينعكس مباشرة على المحاور اللبنانية رغم توافق الجميع – طبعا – على العداء لإسرائيل. الأيام القليلة الماضية في السياسة اللبنانية كانت أياما مباشرة من مواجهة المحورين .(38/90)
…المهم ... أن يكون التوافق "التاريخي" الذي حصل على دور الجيش، ولاحقا دور القوات الدولية الموسعة، إذن الفعالة، بداية صيغة تحييد لبنان من "حرب أهلية" واضحة سياسيا، بعيدة شعبيا، هي الأفق الداخلي الإقليمي... ونسبيا الدولي إذا انهار التوافق الجنوبي.... هذا البلد الرائع الملعون! الذي يشبه قَدَرَ "كانديد" فولتير... فلا يكاد الحدث السعيد يحصل... حتى تقع الكارثة... والعكس صحيح... إنما في سلسلة لا تنتهي من كتاب هذا الساخر العظيم.
"جلسة شيعية" تستعيد مقتطفات من فكر الإمامين الصدر وشمس الدين
ومن مواقف المرجع فضل الله لتؤكد "لبنانية" الشيعة
نصير الأسعد - المستقبل 28 /8/ 2006 (باختصار)
…في جلسة ضمت شيعةً مستقلين أي غير متحزّبين قبل يومين، دار "نقاش شيعي" حول الأوضاع التي تشهدها البلاد جراء العدوان الإسرائيلي المتواصل، وجرى تداول في "الأحوال" وفي ما يمتلكه الفكر الشيعي اللبناني من تراث غني يصحّ التأكيد عليه في الظروف التي يجتازها لبنان والطائفة الشيعية راهناً. لم يكن الصديق والزميل جهاد الزين حاضراً في هذه الجلسة، لكن مقالته في "النهار" التي وجه عبرها رسالة مصارحة إلى المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية السيد علي الخامنئي كانت حاضرة وانطلق منها النقاش ليحاول مقاربة عناوين إضافية أخرى.
غياب الدعم السوري... ونظرية "حرب العصابات" في امتحان عسير:(38/91)
…بعد ذلك، مرّ المشاركون في "الجلسة الشيعية" على نقطتين في "الوضع المباشر". لم يستطيعوا إلا أن يسجلوا حقيقة أن "حزب الله" يقاتل منذ نحو أسبوعين وحيداً، وفي غياب أي مشاركة سورية تؤدي إلى تخفيف "الحِمل" عن الحزب، لا سيما أن التقدير السياسي لدى السيد حسن نصر الله كما بدا في كلمته المتلفزة مساء الثلاثاء، يقوم على أن الحرب على لبنان من ضفتها الإسرائيلية هي حربُ "الشرق الأوسط الجديد" أي المشروع الذي يستهدف المقاومتَين اللبنانية والفلسطينية، وكلاً من سوريا وإيران .
…ولم يستطع المشاركون في هذه "الجلسة الشيعية" ثانياً إلا أن يسجلوا حقيقة أن المقاومة التي يسميها الزميل جهاد الزين "حرب عصابات" كانت كذلك بالفعل، وهي كذلك الآن في الجنوب، لكن هذه "الميزة" لن تعود موجودة بعد الآن، أي بعد توقف القتال على أساس "حل سياسي" مقبول.
…ذلك أن المقارنة التي كان يجريها السيد نصر الله لإقناع مؤتمر الحوار الوطني بالإستراتيجية الدفاعية التي يقترح، قامت بشكل رئيسي على المفاضلة بين أسلوب "حرب العصابات" والأسلوب "النظامي" لصالح الأول تحت عنوان أن إسرائيل عاجزة عن قتال المقاومة "التي لا تُرى ولا قواعد ثابتة لها" فيما يسهل عليها قتال الجيش "المرئي".. خاصة إذا كان الثمن تدمير البلد بالكامل حيث لا تعود الميزة ميزةً.
الصدر والسلم الأهلي وشمس الدين و"الوطن النهائي لجميع أبنائه":
…على أي حال، ومع تسجيل هاتين النقطتين، انتقل المشاركون في "الجلسة الشيعية" إلى عناوين أخرى بدت أكثر أهمية من زاوية نظرهم، وهي عناوين تتعلق بمجملها بالشيعة والكيان والشيعة والدولة.(38/92)
…في الفكر الشيعي اللبناني، ثمة ما هو مسلَّم به للإمام المغيَّب السيد موسى الصدر. فهو الذي نبّه مبكراً من خطر الحرب الأهلية في الكيان اللبناني، ومن خطر أن تكون الحرب الأهلية "ملازمة" لهذا الكيان، كانت له مقولة شهيرة جداً: إن السلم اللبناني الداخلي هو أقوى سلاح في وجه إسرائيل.
…والى ذلك، يؤكد الإمام الراحل محمد مهدي شمس الدين في كتابه "الوصايا" أنه اتفق مع الإمام الصدر في العام 1976، أي في "عزّ" الحرب اللبنانيّة على صياغة محددة تقول إن "لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه".
…وهذه الصياغة وردت في وثيقة أصدرها "المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى" في العام 1977، قبل أن تُدرج في "وثيقة الثوابت الإسلامية العشرة" في العام 1983، والتي أعلنها مفتي الجمهورية الراحل الشيخ حسن خالد. ويصف الإمام شمس الدين مقولة "لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه" بأنها من "إنجازات الفكر الشيعي اللبناني".
…كذلك، وفي خضم الحرب اللبنانية، أعلن الإمام شمس الدين رفضه والشيعة إعادة بناء الدولة بعد الحرب على قاعدة الغلَبة. ولم تقف مساهمات شمس الدين عند هذه الحدود. ذلك أنه قام بجهود كبيرة لدى الشيعة في الأقطار العربية الأخرى، فدعاهم الى الاندماج في مجتمعاتهم ودولهم وإلى "ألا يخترعوا لأنفسهم مشاريع خاصة"، منطلقاً في ذلك من إيمان عميق بالمجتمعات المتنوّعة والتعدّديّة.
…طبعاً، كان يمكن لـ"الجلسة الشيعية" أن تتحول إلى محفل أكاديمي أو فقهي بأن تسترسل في العودة إلى فكر الصدر وشمس الدين، لكنها اعتبرت أن في ما تم استذكاره من مقولات تنتسب إلى الفكر الشيعي اللبناني المعاصر ما يكفي للدلالة على الوعي الشيعي لمسألتي الكيان والدولة.
عروبة الشيعة اللبنانيين: النجف وتعدّد مراجع التقليد(38/93)
…وفي سياق متصل، لفتت نقاشات الجلسة إلى أمر في غاية الأهمية أيضاً، يتعلق بـ"عروبة" الشيعة اللبنانيين. فالشيعة اللبنانيون تاريخياً مقيمون على مبدأ تعدّد التقليد وليس "ولاية الفقيه"، وهم تاريخياً أيضاً نجفيّو الهوى. و"النجفية" هنا تعني العروبة والإسلام العربي، أي أن الشيعة اللبنانيين رفضوا في التاريخ "حصرية" التقليد و"ولاية الفقيه". وثمة في "الجلسة الشيعية" من ذكّر المشاركين بأن قُمّ كانت تاريخياً بالمعنى الثقافي تابعة لجبل عامل في الجنوب اللبناني، لا بل إن الشيعة اللبنانيين هم الذين درّسوا الإيرانيين التشيُّع.
فضل الله والتناقض "السياسي" مع إيران:
…وفي هذا المجال، أي مجال الحديث عن "لبنانية" الشيعة وعروبتهم، لا يمكن إغفال حقيقة أن المرجع الشيعي السيد محمد حسين فضل الله، وبالرغم من "مواكبته" للجمهورية الإسلامية الإيرانية، إلا أنه في السياسة وصل مع إيران إلى تناقض حاد عكَس في وجه رئيسي من وجوهه "الحساسية" بين "التشيّع العربي" و"التشيّع الإيراني". إن استعراض "الجلسة الشيعية" لهذه "المقتطفات" من الفكر الشيعي اللبناني ومراجعه الكبيرة، لم يكن بغاية "الترف" الفكري. انه الممر نحو استنتاجات سياسية رئيسية.
التحرير عام 2000 "ولبنانية الإنجاز" ومحطة ثالثة للكيان:
…فالشيعة في لبنان، بالصلة مع ما قاله وكتبه مراجعهم "لبنانيون" و"عرب". وذروة "اللبنانية" في دورهم وأدائهم كانت في 25 أيار 2000، بإنجاز التحرير. واللبنانيون من كل الطوائف والبيئات اعتبروا أن الكيان اللبناني في تشكُّله واستقلاله مر في ثلاث محطات: محطة العام 1920 وإعلان لبنان الكبير ودور الموارنة فيه. محطة العام 1943 وإعلان استقلال لبنان بحدوده القائمة ودور السنة فيه. ومحطة العام2000 والإسهام الشيعي الكبير في استقلال لبنان بتحريره من الاحتلال الإسرائيلي.(38/94)
…وبالإضافة إلى هذا "التأريخ" الذي يجعل من الشيعة في لبنان طرفاً أساسياً في "الشراكة الاستقلالية"، فإن كثيراً من اللبنانيين، مفكّرين وسياسيين، تقديراً منهم لهذا الإنجاز، رفعوه إلى مرتبة "ميثاقية" واقترحوا إدراج الإنجاز في الميثاق الوطني.
…وإذا كان إنجاز العام 2000 يُسجل للشيعة عموماً، فإن الشيعة الذين حقّقوه كانوا من جميع الاتجاهات، إذ بدأت المقاومة مع شيعة "يساريين" وشيعة "وطنيين" وأُتِمّ الإنجاز على يد "شيعة حزب الله". ولم يمانع أحد في تسجيل الإنجاز في خانة "حزب الله" الذي قدم التضحيات الأكبر والأكثر.
…إذاً، حقق "حزب الله" في العام 2000 إنجازاً لبنانياً كبيراً. وفي تقدير المشاركين في "الجلسة الشيعية" أنه كان على "حزب الله" ومنذ ذلك التاريخ أن يحسب أن ما بعد الإنجاز متغيرات، أي أن يثمّر ما تحقق في مشروع الدولة.
المصادرة السورية:
…بيد أن ذلك لم يحصل، واستمر الحزب يُعمِل "الشروط" السابقة على المرحلة الجديدة. ولعله لهذا السبب ارتدت المقاومة بعد العام 2000 بعداً إقليمياً "فوق لبناني"، أي أن إشكالية المقاومة "الإسلامية اللبنانية" بدأت من اللحظة التي باتت فيها "فوق لبنانية".
…حصل ذلك من زاوية نظر "الجلسة الشيعية" في ظرف سياسي لبناني هو ظرف الوصاية المفروضة من النظام السوري على لبنان التي ـ أي الوصاية السورية ـ أخضعت كل الطوائف اللبنانية، وكانت "حصّة" الطائفة الشيعية الأكبر من هذا الإخضاع الذي بلغ حدّ مصادرة "القرار الشيعي".
بمعنى آخر، يعتقد المشاركون في "الجلسة الشيعية" أن "حزب الله" الذي أهدى لبنان إنجازاً استقلالياً في العام 2000، يمكنه بالرغم من تحالفاته السورية والإيرانية أن يعيد الحساب بالاستناد إلى إنجازه السابق، وبالارتكاز إلى ما يحفل به الفكر الشيعي اللبناني من تراث في الكيان والدولة. هذا مع العلم أن المناقشين لم يستسهلوا إمكان تقبُّله ذلك أو قدرته عليه.
المخرج بالدولة:(38/95)
…إن "الفكرة" التي تمحورت حولها استنتاجات النقاش هي أن على الشيعة كل الشيعة ومن ضمنهم "حزب الله" أن "يخرجوا" بعد كل الذي جرى إلى "الدولة"، أي أن يستعيدوا عناوين انتمائهم إلى الكيان "النهائي" وإلى الدولة.
…ذلك أن لا مخرج حقيقياً وفعلياً مما يحصل إلا بتسليم الدولة كل الأوراق وبالتسليم للدولة، وذلك أياً تكن نتائج التطورات الميدانية.. فأي انتصار للحزب يجب أن يسلّم للدولة تعزيزاً لها، وأيّ "عدم هزيمة" أيضاً.
…بكلام آخر، لا يزال في الإمكان القول أنه على الرغم من الحرب الدائرة، ثمة مخرج جدي هو التسليم للسلطة. فـ"الخسارة" التي مني بها لبنان قصفاً وتدميراً وأرواحاً يتحمّلها الوطن كله وليس فئة أو طائفة، والمؤكد أن ليس في الداخل اللبناني منتصر أو مهزوم بالنتيجة. ولا أحد يقبل بوجود منتصر ومهزوم. والفرصة لا تزال سانحة لجعل ما يحصل اليوم خاتمة أحزان الوطن اللبناني "النهائي لكل أبنائه". الشيعة في لبنان، لبنانيون وعروبيون.. ويرون أنفسهم "قوة حداثة" أيضاً. و"تحرير" القرار الشيعي من سوريا ومن إيران لمصلحة الاندماج في المجتمع والدولة، هو مصلحة شيعية "خاصة" ولبنانية "عامة"، عملاً بوصايا الإمام شمس الدين.
الصراع على الوطن العربي بين إمبرياليتَين
حافظ الشيخ صالح - الخليج 21/8/2006(38/96)
…الخطاب الزاعق الذي ألقاه رئيس النظام الدموي النصَيري، بشار ولد حافظ أسد، هكذا فجأة ومن غير مُقدّمات منطقيّة ولا أسباب وجيهة، من شأنه الآن إعادة ترتيب المَحاور في النظام العربي السلطوي الراهن، وهكذا تخرج الآن سورية من المحور الثلاثي ليحل محلّها الأردن في الحلف، أو في صيغة التفاهم، مع مصر والسعودية، إلا أنّ النظام الراهن في دمشق لا يخرج من التحالف الثلاثي لكي يقود حركة تغيير للراهن العربي المُنهزم والمُنخذل، لا بالطبع حركة تحرير للجولان المُحتل من صيف 1967، ولا من باب أَولى لفلسطين المُحتلة من 1948، وإنما فقط من أجل توثيق علائقه وتقوية روابطه مع الإمبريالية الإقليمية الصفوية، المُتجسدة الآن في الدولة الإيرانية، هذه التي احتلت العراق على نحو واسع، في ظلال حِراب الاحتلال الأمريكي، وهي تطمع في المزيد، انحداراً على الضفة الشرقية للجزيرة العربية على الخليج كلّه، من صفوان شمالاً إلى صلالة جنوباً، وتكوين الهلال الصفوي وصولاً من هنا إلى لبنان وسورية. دعك ها هنا من بيانات السفارات وبلاغتها الدبلوماسية المُتوقعة الرديئة التي ليست ألبتة تنبىء عن أجندة الأدراج الخفيّة، وهي أجندة يعود تاريخها في الأقل إلى ثورة 1979، إنْ لم يعُد إلى عصر الشاه محمّد رضا بهلوي في غيبة الأجندة العربية القومية، ومع انقسام النظام الرسمي السلطوي العربي، ومع شَلَل الشعوب العربية على الجُملة.
…دعْك مما تقوله الشعوب في وجع أليم من بعض التلفزيونات والإذاعات، فإنّ المستقبَل (القريب والمُباشر) للحال العربية ستكون، في الدرجة الأولى، ساحة صراع يهدأ ويندلع، يخمد ويفور، تحكمه الخصوصيات الإقليمية والاعتبارات العالمية، بين الإمبريالية العالمية الأمريكية/الصهيونية والإمبريالية الإقليمية الصفوية.(38/97)
…فهنا على تراب الوطن العربي، وبخاصة المشرق العربي، سوف تتقارع هاتان الإمبرياليتان، وسوف تتنافسان جدا على النفوذ وموارد النفوذ الكثيرة والمُتنوعة، وسوف تتنافسان أيضاً على قلوب الشعب العربي وعقوله، ولسوف يكون صراعهما وتنافسهما على حسابنا نحن، ومن جيوبنا، ومن لحومنا، ومن مُستقبلات ذرارينا وعيالنا.
…حرب لبنان الأخيرة، لمنظمة «حزب اللّه«، ليس لها بتاتاً أنْ تصرف الأنظار أو تُذهل الألباب عن حقيقة هذا الصراع الإمبريالي والنزال والتنافس، فنحن إزاء إمبرياليتين اثنتين (العالمية الأمريكية/الصيونية والإقليمية الإيرانية الصفوية)، لا إزاء إمبريالية أمريكة والكيان الصهيوني وحدها، ومن الآن إلى أنْ تتطهّر الأرض العربية من أنظمة الواقع الراهن، الخائنة والخائبة والمُنخذلة، ويظهر في الوطن العربي مشهد جديد، قياداته زاهدة ومُجاهدة، فإننا ليس أمامنا غير مواجهة هاتين الإمبرياليتين في وقت واحد، وفي نَفسٍ واحد، وعدم الانحياز لأي منهما، فكلتاهما تبغضنا تاريخيا وعقديا ، وكلتاهما تتربص بنا الدوائر، وكلتاهما تحت عدسة المجهر من قماشة الأخرى.
صُراخ النصَيرية
حافظ الشيخ صالح - الخليج
…لا يوجد في تاريخ الصراع العربي/الصهيوني، من 1948 وإلى الآن، من نظام عربي ديموقراطي انهزم أمام العدوّ الصهيوني، فكل الأنظمة العربية التي مُنيتْ بالهزيمة كانتْ ديكتاتورية من الطراز الممتاز، وكانتْ دموية مُتطولة ومُفترسة، وكانتْ بينها وبين جمهور الشعب العربي آلام ودماء وانتقامات، وشُعب وأودية وجبال، كانت معزولة عن الشعوب ومكروهة منها، فكيف الحال إذن إنْ كانت هذه الأنظمة لم تخض المعركة نفسها، ولم تقتحم كثافتها، على نحو ما حصل من صوب نظام الأمر الراهن في دمشق تجاه الحرب الأخيرة من صوب العدو الصهيوني على لبنان؟(38/98)
…أسوأ الأنظمة على الإطلاق هي التي تبقى مُتفرجة، تحمي ذيول ثيابها من الأحوال، ويخوض عنها حروبها غيرُها بالنيابة عنها ، أو أملاً في تحقيق، توازنات لها محسوبة، في النطاقين الإقليمي والدولي، وهكذا هي تستثمر الآن حرب لبنان الأخيرة في قعقعة إعلامها، بأبواقه الفارغة المُتنوعة، فيما ينبري رئيس النظام المُتفرج، المُتولّي عن الزحف، صاحب مرسوم إعدام كلّ مَن ينتسب إلى طليعة الأمة وشعب فلسطين، " الإخوان المُسلمين "، بالإعدام، ليلقي خطاباً صارخاً، ولكنه فارغ إلا من المزايدات المبذولة القديمة، مُعلناً من غير مسوّغات مفهومة: «الآن بدأت المعركة " ، فيما الحدود مع الجولان (ومع فلسطين) ساكتة ساكنة، منذ 1967 وفي استمرار مُترَع بالعار.(38/99)
…فالنظام الأقلي النصَيري يرى في مرآة الكيان الصهيوني نفسه وشخصه، وهو يأنس به جدا، وكلاهما يأنس بالآخر، باعتبارهما كليهما دخيلاً وطارئاً، فالنظام الصهيوني نظام أقليّة، أسّسته بريطانية، ثم تبعتها في إرضاعه وتنشئته ودعمه أمريكة، بينما النظام النصَيري هو أيضاً نظام أقلية (10% من الشعب السوري)، قد أرستْ قواعده فرنسة، من الأربعينيات إبّان استعمارها لسورية ولبنان، ثم من طريق الجيش، في النصف الأول من ستينيات القرن الميلادي الماضي، انقضّ جزء من هذه الأقلية، الريفية الجبلية، على البلاد والعباد، ثم مع مرور الوقت صارت عائلة من هذا الجزء هي الحاكمة وذات الشوكة والسلطان في البلاد، مع فساد مُفزع ومُروّع، ناخر وناخب في «الدولة« ومافيات السوق، والسوق الأسود، التي أنتجتها الدولة النصَيرية، مع بطش شديد بالمصب الرئيس، أيْ أهل السنة والجماعة، بخاصة قواها الطليعية الزاهدة والمجاهدة، وهو بطش بلغ الذروة في مجزرة مدينة حماه في سنة 1964، ثم في المجزرة الكُبرى في مَدينتي حماه وحلب في فبراير 1982 التي ذهب ضحية لها مقتولاً تحت الأنقاض ما يزيد على ثلاثين ألف نسمة، في بضعة أيام، هذا بخلاف المجازر المنظّمة في السجون والمُعتقلات. للنظام النصَيري الآن أن يصيح من أعماق حنجرته ويصارخ، وله أنْ يزايد في شدّة على أنظمة الخيانة المفضوحة والمكشوفة، إلا أنّ نظاماً هذا هو سجلّه التاريخي الداخلي، التعيس والبئيس، حتى لا ننسى مشاركته أيضاً في حرب 1991 في الإمبريالية الأمريكية في الحرب على العراق، لهُو نظام عديم الأهلية، في الجوهر ومن الجذور، أنْ يزايد اليوم هكذا في قضية فلسطين، وفي قضية الصراع العربي/الصهيوني، من أجل خروجه من حالة الاختناق، ولحساباته الإقليمية والدولية، وأيضاً من أجل حساباته الداخلية، ففي الغد أو بعد الغد لن يقود المعركة غير طلائع المصبّ الرئيس، وهذه الطلائع، بإذن اللّه، هي التي سوف تحرّر فلسطين، كل(38/100)
فلسطين، بعد أن تحرّر سورية نفسها.
عن اللغة والسياسة: لكنْ أية "أمّة" هي؟
حازم صاغيّة – الحياة 15/8/2006
…ثمة لغة سياسيّة يبدو، للوهلة الأولى، أنها مصنوعة لسوء التفاهم أكثر مما للتفاهم. فـ "حزب الله" اللبنانيّ، مثلاً، يسمّي "مقاومته" "مقاومة إسلاميّة"، وهي التسمية التي يأخذ بها جميع الإسلاميّين وبعض غير الإسلاميّين في العالم العربيّ وفي العالم. لكن الإعلام السوريّ ووزير خارجيّة سورية، وهما يعرفان المعنى المحدّد والمخيف لكلمة "إسلاميّ" في دمشق، يسمّيانها "مقاومة وطنيّة لبنانيّة". وهذا علماً بأن تلك الأخيرة التي أسّسها الشيوعيّون بعد غزو 1982 الاسرائيليّ هي التي تولّت "المقاومة الإسلاميّة" تصفيتها واجتثاثها. مع هذا، يبدي الجميع، "حزب الله" وسورية والشيوعيّون، من الرضا والاتفاق، في الكلام كما في السياسة، ما يُحسدون عليه.
…هذا التبايُن اللغويّ الذي يواكب الاتّفاق السياسيّ أوضح ما يكون حيال كلمة "أمّة"، حيث تم اللجؤ إلى استئصال اللغة من أجل الحفاظ على الاتّفاق: فبعض الإسلاميّين يتحدّثون اليوم عن "الأمّة" من دون أن يقولوا لنا ما هي هذه الأمّة: أعربيّة هي أم إسلاميّة أم ماذا؟، وهذا مع التذكير بأن الفارق بين تسميتي "عربيّة" و"إسلاميّة" يعادل ما لا يقلّ عن نيّف و700 مليون إنسان، فضلاً عن مساحة من الأراضي تُعدّ بملايين الكيلومترات المربعّة، ناهيك عن عدد من اللغات والثقافات والمشاعر والمصائر والتواريخ مما قيل لنا مراراً إن الأمّة تتشكّل منها. لكن سورية والقوميّين العرب الذين يحالفون الإسلاميّين يلاقون في منتصف الطريق الإسلاميّين الذين يحالفون القوميّين، فيقولون، هم أيضاً، "الأمّة" من دون إطلاعنا على هويّتها المحدّدة.(38/101)
…وكانت بدايات هذا الخلط اللغويّ المدهش قد تأسّست لحظة انتقال الحزب السوريّ القوميّ الاجتماعيّ، قبل أكثر من ربع قرن، إلى الحضن السوري. فمن المعروف أن القوميّين السوريّين، على ما تدلّ تسميتُهم نفسها، يقولون بقوميّة سوريّة وأمّة سوريّة، فيما البعث الحاكم في دمشق ومعه جميع القوميّين العرب يقولون بقوميّة عربيّة وأمّة عربيّة. وهو خلاف شهير ترافق مع حرب أهليّة مصغّرة في سورية الخمسينات صاحبها اغتيال القوميّين السوريّين للضابط البعثيّ عدنان المالكيّ، ثم انتقام معسكر القوميّين العرب باغتيال الضابط القوميّ السوريّ الذي فرّ إلى بيروت غسّان جديد. مع هذا، توقّف أتباع "الزعيم" أنطون سعادة (وكان يرى أن العرب هم أبناء "العربة" أي الصحراء) عن تحديد الهويّة الخاصّة بهم منذ شملهم الراحل غازي كنعان بعطفه، فراحوا يقولون "أمّتنا" و"قوميّتنا" و"شعبنا" من غير إيضاح وتحديد.
…وبعد سنوات قليلة، وكانت ثورة آية الله الخمينيّ بدأت تجتذب بعض العرب في موازاة تحالفها مع دمشق، اكتشفنا وجود "هويّة عربيّة إسلاميّة". هكذا نمنا ذات ثلاثاء على أننا ننتمي إلى "أمّة عربيّة" وأفقنا صباح الأربعاء على انتماء جديد إلى "أمّة عربيّة-إسلاميّة". وطبعاً لم يستدع الأمر توضيحاً أو استفساراً أو حتى مقالاً، كي لا نطلب كتاباً أو دراسة.
…والحال أن جميع القوى المعنيّة حين تضحّي بشيء عزيز كالهويّة (وهي في النهاية، أحزاب هويّة)، توصل إلينا من المعاني ما يتعدّى الدلالة اللغويّة. ذاك أن تسييد مفردات غامضة كتلك ينمّ عن ضمور البُعد الايديولوجيّ في حركة القوى المذكورة وفي سلوكها، بقدر ما ينمّ عن طغيان البُعد المسمّى استراتيجياً. فهي مع سورية ومع إيران، وكفى الله المؤمنين القتال. ثم إنها ليست مع سورية وإيران لأن البلدين هذين يصارعان من أجل هويّة معيّنة عزيزة على تلك الحركات، بل لأسباب متعدّدة أخرى:(38/102)
…فبعض هذه الحركات "مع" سورية وإيران لأنهما "ضدّ" الولايات المتحدة الأميركيّة، ما يجعلها حركات سلبيّة محضة.
…وبعضها "مع" سورية وإيران لأن الدولتين هاتين توفّران للحركات تلك عناصر بقائها على قيد الحياة بعدما زالت مبرّرات ذاك البقاء.
…وبعضها الثالث "مع" سورية وإيران تبعاً لعوامل تجمّعيّة مذهبيّة وطائفيّة هي أدنى بكثير من أن تشكّل هويّة لـ "الأمّة" و"الشعب"، كائناً ما كان هذان الأمّة والشعب العتيدان. أما بعضها الرابع فيصدر في موقفه وسلوكه عن جمع الأسباب الآنفة الذكر كلّها.
…وعموماً يمكن القول إن هذا الانتقال من الوضوح الى الغموض، ومن "الايديولوجيّ" إلى "الاستراتيجيّ"، يشبه المسار الذي اتّسم به تاريخ جماعات كـ "الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين - القيادة العامّة"، حيث أن أمينها العام السيّد أحمد جبريل، وهو الضابط السابق في الجيش السوريّ، لا يمانع ما إذا كانت الأمّة هذه عربيّة أو إسلاميّة ما دامت شحنات الأسلحة تحطّ في حارة الناعمة، مقرّ قاعدته العسكريّة. والجبريليّة قد "تتطوّر" في مرحلة لاحقة إلى أبو نضاليّة لا تعوزها اللغة على الإطلاق. يكفيها أن يكون المسدّس ناطقاً وفصيحاً.
الرجاء عدم الاتصال! ( الوجه الآخر للجزيرة )
مأمون فندى – الشرق الأوسط 21/8/2006
(باختصار مع تحفظنا على كثير من مواقف الفندي الأخرى. الراصد)
…«أنا اسمي حازم غراب من قناة الجزيرة» هكذا قال عبر الهاتف، عاوز حضرتك تشارك معنا في برنامج «ما وراء الخبر». قالها بلهجة قاهرية، قلت له «ولكن هل تعرف من أنا، ماذا اكتب؟» قال: بالطبع، وبالتأكيد أنت موش مأمون الفندي بتاع واشنطن اللي بيشتم الجزيرة ليل ونهار؟. حاولت أن أتمالك نفسي من الضحك واستجمع قواي، فالبداية فكاهية في يوم لندني مطير وعابس، قلت «لا أنا اسمي فندي، وليس الفندي»، ورد الأستاذ حازم: يا سبحان الله، تشابه غريب، .....(38/103)
…هذه مجموعة أمثلة من اتصال قناة الجزيرة الطائشة التي تصلني، من المراسلين الجدد أو معدي البرامج الجدد، مرة عرب ومرة انجليز ممن يشترون مشروع الحرية والديمقراطية في قطر ويدافعون عنه بسذاجة، حتى يأتي اتصالهم بي ثم يكتشفوا أنهم في دولة يتم فيها تحديد من يظهر ومن لا يظهر في قناة الجزيرة.
…أولا أرد على الأستاذ حازم غراب، الذي لم يبدُ من كلامه لا هو حازم ولا حاجة، لكنني أرد على سؤال «لماذا احتقر الجزيرة»؟!
…أولا أنا وغيري ليس لنا الحق في احتقار البشر، ولكن يمكنني أن أبدي عدم احترامي لممارسات صحافية معينة لأنها غير مهنية.
…بداية ليس لدي أية مشكلة مع قطر، وليست بيننا مشاكل حدودية أو ما شابه، لكنني اطرح على الجزيرة مجموعة أسئلة مهنية، على الأقل، فيما يخص الأزمة الأخيرة الخاصة بالحرب على لبنان، فمثلا شاهدت الأستاذ كريشان وهو يحاور وزير خارجية قطر، وسأله سؤالا يبدو مهنيا فيما يخص ما نشرته جريدة الشرق الأوسط عن نقل قنابل ثقيلة خارقة Bunker Busters من القاعدة الأميركية في قطر إلى إسرائيل، وأجاب الوزير «بأنه لا يعلم بالموضوع، وقال لو عرفت المصدر لما استعجبت من الخبر».
…الأخ محمد كريشان ساكن جنب القاعدة الأميركية في قطر، أليس من باب المهنية أن يتصل بالأميركيين في الدوحة ويسألهم عن مدى صحة خبر الشرق الأوسط، قبل البرنامج؟! أو يقول لنا بأن الأميركيين رفضوا الحديث أو نفوا أو أكدوا أو أي شيء! إلا تتطلب المهنية ذلك؟! ماشي الحال! الم يكن حريا بالجزيرة أن تقدم لنا تحقيقا عن هذا «الكذب البواح» لتكشف لنا ولجمهورها أكاذيب جريدة الشرق الأوسط، أم أن الجزيرة ممنوع عليها تماما الحديث إلى القاعدة الأميركية وقادتها، فقط هي تتمتع بالحماية الأميركية، موضوع كنقل السلاح من قطر إلى إسرائيل لضرب اللبنانيين هذا ما يدفع إلى عدم الاحترام المهني، هذا هو السلوك المشبوه أو السلوك المشين.(38/104)
…ألا يستحق موضوع القنابل أن تقدم الجزيرة برنامجا واحدا خاصا به، أم أن موضوع القنابل هو شبيه بتلك الطائرات التي تقلع من قطر لضرب العراق، لا تغطى من قطر ولكنها تتابع في العراق.. يا أستاذ حازم هذا أول سبب لعدم احترامي للجزيرة، الجزيرة هي في وسط «المعمعة» ولا تغطي لنا شيئا، هي فقط تقيم لنا «حسينية على الهوا» أو «لطم على الهوا» هذا ما يدعو إلى عدم الاحترام.
…إذا كان هناك مشروع أميركي، يا أستاذ حازم، يريد «تدمير العرب» فهو ينطلق من الدوحة، فقط انظر من شبابيك مبنى قناة الجزيرة، يا أستاذ حازم وأنت تشوف.
…معقول يا أستاذ حازم أن العراق كله يُضرب من الدوحة وانتم تذهبون لتغطية نتائج هذا القصف في بغداد؟ غطوا الدوحة يا حازم؟! الدوحة مكشوفة يا حازم، وبعدين يا حازم جماعتك في لبنان، قالوا لنا ولمدة شهر أن الطائرات الإسرائيلية تقصف المباني وتقتل من هم فوق الستين من المسنين ومن الأطفال، يعني يا حازم أن هناك فئات عمرية محددة تستهدفها إسرائيل من ستين وفوق.. أو من عشرة وتحت، معقول يا حازم؟! وهنا أنا أدين كل الإجرام الإسرائيلي وقتلهم البربري لأهلنا، لكنني هنا أتحدث فقط عن تغطيتكم للأحداث!(38/105)
…يا حازم هذه حرب استمرت 33 يوما، كل ما قدمته الجزيرة فيها يمكن اختصاره في صورتين قصف إسرائيلي وأشلاء للأطفال وكبار السن، «الصورة البربرية« أو دبابة إسرائيلية تحترق «انتصار المقاومة».. أين جنود حزب الله يا حازم، معقول أن مراسلكم لا يلتقي إلا بمقاتل واحد من حزب الله في نهاية الحرب؟! معقول يا حازم أن إسرائيل لم تقتل ولو جنديا واحدا من حزب الله؟! لهذا أهاجم عدم المهنية يا حازم! لبنان يا حازم كان يستقبل مليون سائح، اليوم لديه مليون نازح، لبنان اليوم يستقبل فيها اللاجئون الفلسطينيون لاجئين لبنانيين، فبدلا من تغطية هذا العار الذي أصبح فيه العرب لاجئين على لاجئين، كانت قناتكم تقدم لنا تقريرا عن كرم اللاجئين الفلسطينيين في عين الحلوة!
…إمعانا في كتابة سيناريو Script النصر قدم لنا مراسلوكم في لبنان العائدين من النزوح وهم يرفعون رايات النصر، ونساء تعلن أن «موت أولادهن فدا، صرماية السيد» «لغير اللبنانيين صرماية تعني حذاء». معقول يا حازم أن كل لبنان فدا السيد كما قدمت شاشتكم الغراء؟ لهذا احتقر هذه الممارسة يا حازم، وأنا لا استخدم هذه الكلمة، فقط أرد على سؤالكم انتم!
…يا حازم هو نفس الموضوع، انتم قناة لا تأتي بالخبر وإنما ترسل إليها الأخبار والأشرطة، أشرطة بن لادن وأشرطة السيد حسن.. وأشرطة المقاومة المعدة سلفا!(38/106)
…يا حازم، معقول، أن نشاهد حربا لمدة ثلاثة وثلاثين يوما ولم نر جنديا واحدا من حزب الله.. لماذا لم يقل لنا أي من مراسليكم أن هناك مجموعات أمنية من حزب الله يملئون الساحة على موتوسيكلات، يأخذون الصحافيين إلى حيث أرادوا، ويقدمونهم إلى ذات النساء وذات الأشخاص، وغير ذلك ممنوع، لماذا لم تقل لنا الجزيرة يا حازم أن أشرطة التصوير تصادر من قبل حزب الله أن لم تكن على مزاجهم؟! لماذا لم يحدثونا عن الإدارة الصحافية للحرب من قبل حزب الله..؟! لهذا أرفض ممارساتكم غير المهنية يا أخ حازم! ثم ماذا عن تغطية الجزيرة لخطاب بشار الأسد؟! الم تصبح قناة الجزيرة ـ على طريقة فيصل القاسم ـ بمثابة تلفزيون الجمهورية العربية السورية ـ فرع الدوحة؟!
…يا أخ حازم كل المصائب تأتي من خلف المبنى الذي تعيش فيه أنت ورفاقك من الرجال ومن النساء، خلفكم في قاعدة العديد، القاعدة الأميركية في الدوحة، مصدر عدم الاستقرار في المنطقة، مصدر الضرب، لا تغطوا لنا ضحايا الضرب، غطوا لنا من المصدر.. ساعة أن تتوجه كاميرات الجزيرة إلى القاعدة.. قاعدة العديد لا قاعدة بن لادن علشان متهربش يا حازم.. ساعة أن توجه الكاميرات إلى القاعدة يتوقف رفضي ونقدي لممارسات الجزيرة المفضوحة والكاذبة في معظم الأحيان. وأخيرا أنا هو.. نفس مأمون فندي «بتاع واشنطن» ونفس الشخص الذي لا يحترم ممارسات الجزيرة غير المهنية فقط وحتى تتوجه كاميراتكم إلى مصدر الخراب لا المتاجرة بالصور..
أحمدي نجاد ومجتمع السلطة في إيران
صادق زيبا كلام - مختارات إيرانية - العدد 72/ يوليو 2006
عندما يتحدث أي إيراني مع مراسلين صحفيين سواء كانوا يعيشون خارج إيران أو داخلها عادة ما يواجه سؤالا مفاده: ما هي طبيعة بنية السلطة في إيران؟. يمكن القول أن هذا السؤال يبدو في الظاهر بسيطا جدا ويحتاج إلى إجابة محددة وواضحة ولكنه في الحقيقة ليس كذلك.(38/107)
إضافة إلى ذلك فإنه إذا أجاب أحد بصراحة وسرعة على هذا السؤال بأن السلطة الحقيقية في إيران بيد هذا المسئول أو ذلك، أو هذه المؤسسة أو تلك، فهو إما أنه لم يدرك هذا السؤال على نحو صحيح أو أنه لم يعرف بنية السلطة في إيران على وجه اليقين ولديه تصور بسيط سطحي عنها. لأن بينة السلطة في إيران أشد تعقيداً من أن تلخص في عدة جمل أو فقرات. وبالطبع هذا السؤال نفسه عن الشكل العام لمجتمع السلطة يظل غير ممنطق وبلا إجابة محددة في حين أنه يتطلب إجابة واضحة دقيقة.
على سبيل المثال إذا ما تم التساؤل عن بنية السلطة الرسمية في ألمانيا أو الهند أو اليابان أو الولايات المتحدة نجد إجابة سواء قل أو كثر الوضوح فيها. حتى في النظم غير الديمقراطية أيضاً نجد الأمر أكثر وضوحا، في السعودية، والسودان وسوريا والصين إجابة التساؤل عن السلطة في يد من، ومن يتحكم فيها؟ واضحة بدرجة ما. في المجموعة الأولى من هذه الدول نجد السلطة في يد ملك أو أمير أو سلطان.
وفي مجموعة أخرى في يد زعيم ثوري، وفي ثالثة في يد حزب شيوعي، وفي رابعة في يد رئيس جمهورية لمدى الحياة، وفي خامسة السلطة في يد الجيش والقوات المسلحة، وقس على هذا إذا ما أخذنا مجموعة الدول الأولى الغربية بقدر من التساهل والتسامح لتحديد نمط السلطة فإن المجموعة الثانية الشرقية تحتاج إلى تساهل وتسامح أكبر وبالأخص الهند واليابان. لكن المشكلة في إيران في الحقيقة ليست غربية ولا شرقية، والواقع أن بنية السلطة في إيران لا تتشابه مع مثيلاتها في فرنسا، واليابان والهند من ناحية ولا مع السودان ومصر وزيمبابوي والديمقراطيات التي تؤيدها الولايات المتحدة في أذربيجان وقرغيزستان. إن بنية السلطة في إيران شرقية وغربية أيضاً.(38/108)
فبداخلها درجات من سيادة القانون ومأسسة مستلزمات الديمقراطية وفي المقابل يلحظ بها كثير من مؤشرات النظم الراديكالية والثورية بالعالم الثالث، وفي الوقت نفسه وبدرجة أكثر من كل ما سبق يتمتع مجتمع بنية السلطة في إيران بسماته الخاصة أيضاً التي تستند عليها معايير تحليل بينة هرم السلطة السياسي. إن النظر من قرب إلى توزيع السلطة في إيران على مدى دورات رئاسة الجمهورية الثلاث الأخيرة التي امتدت على مدى السبعة عشر عاما الماضية يظهر قدرا من هذه التشابكات والتباينات.
طبقا للدستور الإيراني، لرئيس الجمهورية المكانة الثانية بالنظام من ناحية السلطة السياسية بعد مقام الزعامة، لكن أسلوب توزيع السلطة في عهد كل واحد من رؤساء الجمهورية أولئك كان على نحو يجعل المراقب يعتقد أن كلا منهم ينتمي إلى نظام سياسي مختلف عن الآخر، فهاشمي رفسنجاني يبدو أنه كان يتمتع بقدر أكبر من السلطة وأنه كان من الناحية العملية رئيسا للجمهورية بلا منازع لكنه لم يكن كذلك في الحقيقة.
فقد تقرر نوع من تقسيم السلطة غير المكتوب بين رئيس الجمهورية القوي ظاهريا من ناحية وبقية مراكز السلطة من ناحية وبقية مراكز السلطة من ناحية أخرى، وقد اعترفت به نطاقات السلطة كبيرة وصغيرة وكانت تحافظ عليه، لم يرد تقسيم السلطة لا في الدستور الإيراني ولا في قرارات مجلس الشورى الإسلامي.(38/109)
ومن الطبيعي أن يكون لمثل هذا التقسيم للسلطة مشكلاته ومعضلاته الخاصة في مواضع كثيرة كان يضع هذا التقسيم النواحي الإدارية والقضايا التنفيذية لإيران على نحو يجعل نطاقات السلطة تدخل في نوع من المواجهة والتعارض فيما بينها أكثر مما يجعلها مترابطة متراصة إلى جوار بعضها ودائما ما كان رئيس الجمهورية هذا ينحاز إلى طرف ضد بقية الأطراف وترتب على ذلك أن توازن السلطة السياسية على مدى السنوات الثماني لرئاسة هاشمي رفسنجاني تغير لمصلحة الجماعة المعارضة له وبعبارة أخرى فإن الرد على تساؤل كيف كانت بنية السلطة في إيران؟ وبيد من كانت فيما بين عامي 89، 90 نجد أنها مختلفة تماما عما كانت عليه في عامي 96، 97.
كانت السنوات الثماني من حكم خاتمي لها سماتها الخاصة أيضا وإذا كان هاشمي رفسنجاني في سنواته الثماني قد تمتع بقدر من اعتلاء الموجة فإن سفينة سلطة خاتمي قد انغرست في الوحل منذ البداية.
وإذا اعتبرنا أن السلطة السياسية لهاشمي رفسنجاني كانت من ناحية القاعدة الاجتماعية منبعثة من البنى والمؤسسات التابعة للنظام فإن قاعدة خاتمي قد استمدت من المحبة والتأييد الشعبي وبالأخص بين أوساط سكان المدن المتعلمين والشباب والنساء والطلاب والمثقفين، وإذا كانت قاعدة السلطة السياسية لهاشمي رفسنجاني تنبع من المؤسسات الرسمية داخل النظام ففي المقابل تمتع خاتمي بدعم مدفعية قوية باسم صحافة الثاني من خرداد وذلك على مدى السنوات الثلاث الأولى من فترة رئاسته.
منذ مايو عام 2000 وما بعده، ورغم إيقاف عدد كبير من صحف الثاني من خرداد بقيت الصحافة المنتمية للإصلاحيين تؤيد وتدعم خاتمي، وقد زاد على تعقد بنية السلطة السياسية في مرحلة خاتمي دعم ذلك القطاع من البيروقراطية التي تكونت في عهد هاشمي رفسنجاني السياسيين والاجتماعيين والدبلوماسيين والتجاريين والصناعيين الذين كانوا مؤيدين لهاشمي رفسنجاني كانوا يساندون خاتمي أيضا.(38/110)
وملخص الأمر أن التفاوت الأهم بين تركيب بنية السلطة بين الاثنين ويعود إلى أسلوب تعاملهما مع السلطة التشريعية، فلم يكن أي من المجالس الثلاثة التي تشكلت إبان رئاسة هاشمي رفسنجاني (الدورات الثالثة والرابعة والخامسة) على توافق معه وبالأخص المجلس الرابع ( 1981، 1985) الذي كان يتمتع فيه تيار اليمين بالنفوذ الأعلى، لكن الأمر لم يكن كذلك فيما يتعلق بخاتمي حيث كان يتمتع بالدعم الكامل من المجلس السادس (1999، 2003) ـ وفي المقابل كان مجلس صيانة الدستور يعوض دعم مجلس الشورى الإسلامي.
وفي النهاية نصل إلى رئيس الجمهورية الثالث محمود أحمدي نجاد، وإذا كانت القاعدة الاجتماعية للسلطة لدى كل من الرئيسين السابقين عليه تنبع من داخل النظام وقطاع من خارج النظام على الترتيب فإن قاعدة السلطة لدى "أحمدي نجاد" تنشأ بالأساس من داخل مؤسسات السلطة داخل النظام.
فقد وقف خلف رئيس الجمهورية طيف كبير من المحافظين بمؤسساتهم القوية الرسمية وغير الرسمية بالإضافة إلى مجموعة من الأصوليين أصحاب السلطة داخل المجلس وخارجه.
إن قاعدة السلطة الرسمية لأحمدي نجاد أقوى بكثير من قاعدة هاشمي رفسنجاني وخاتمي وهو أمر لاشك فيه حيث أن سلطة رئيسي الجمهورية السابقين في أفضل حالاتها كانت شراكة أو ائتلافاً مليئا بالنزاعات والقلاقل، لكن أحمدي نجاد تقف خلفه جميع السلطات الرسمية للنظام:
مجلس صيانة الدستور، أغلبية مجلس الشورى الإسلامي، السلطة القضائية، الإذاعة والتليفزيون، صحافة تيار اليمين، ورحانيت مبارز، أئمة الجمعة والجماعات، اتحاد مدرسي حوزة قم، وغيرها.(38/111)
إنه غير مجبر أن يتحالف مع شخص ما أو مؤسسة ما لكي يقتسم معهم سلطاته وليس مجبرا مثل هاشمي وفسنجاني أن يلجأ إلى التخلي عن الكثير من سياساته وأهدافه أو أن يكون مثل خاتمي تقتصر رئاسته للجمهورية على أخذ ردود أفعال ضعيفة دون القيام بأفعال إستباقية، من حيث الظاهر تتراءى لنا سلطة أحمدي نجاد كسلطة موحدة قد وضعت بأكملها في يد المحافظين الأصوليين.
ربما يمكن الآن الإجابة على تساؤل المحاورين الأجانب بخصوص كيفية توزيع السلطة في إيران ولعلنا نتصور الآن إنه يمكن شرح وتوضيح بنية السلطة في إيران مثل بقية المجتمعات المتقدمة الأخرى من ناحية خريطة الدستور، لكن مازال السراج المرشد الذي باليد لتوضيح تلك البنية يعاني تعرج الطريق والتواءه، أولى علامات ذلك الالتواء والتعرج وأول نغمة نشاز خارجة عن النص هي ما حدث في تعيين وزراء أحمدي نجاد. فخاتمي الذي لم يكن له ثلث أو حتى ربع السلطة الرسمية لأحمدي نجاد كان يستطيع أن يحصل على ثقة المجلس - الذي كانت أغلبيته من معارضيه - في ترشيحاته لوزرائه حتى لعبد الله نوري وعطاء الله مهاجراني؟
لكن رئيس الجمهورية "القوي" كان في تناحر مع المجلس لمدة أشهر من أجل اختيار وزرائه وعلى رأسهم وزير النفط، ووصل الأمر إلى حد أن عددا من النواب الأصوليين قالوا إنه إذا لم يعرف رئيس جمهوريتهم المحبوب كيف يتعامل مع نواب المجلس فإنهم لن يمنحوا الثقة لعدد آخر من الوزراء المرشحين من قبله.
ومازالت حتى الآن حادثة تصلب أحمدي نجاد في المجلس دعما لوزرائه من الذكريات التي لم تمح، وكذلك وقوف الحكومة والمجلس في مواجهة بعضهم البعض في الأشهر الأولى من عام 2005 حول موضوع الموازنة وتراجع أحمدي نجاد بشكل منظم في مواجهة المجلس والمشكلة التالية كانت فيما يتعلق بقرار رئيس الجمهورية بالسماح للنساء للذهاب إلى مباريات كرة القدم.(38/112)
ومن بين جميع الأحداث التي وقعت لأحمدي نجاد على مدى الأشهر التسعة الماضية كانت الأخيرة الأكثر معنى ودلالة.
فرئيس الجمهورية الذي حصل على 17 مليون صوت في الانتخابات وكان منافسه الأقرب يقل عنه بسبعة ملايين صوت، رئيس الجمهورية الملتزم الثوري الأصولي المنتمي إلى عصر الرئيس محمد رجائي، المقلد لرجال الدين والمحبوب من كثير من كبارهم المؤيدين للحكومة، قد أصدر قرارا من تصاريف القدر أجبر مؤيديه على الوقوف في مواجهته، الأمر الذي لم يحدث على الإطلاق لا في مرحلة خاتمي ولا في عهد هاشمي رفسنجاني.
إن الأمر لم يكن مثلما كان الحال في عهد هاشمي رفسنجاني أو خاتمي إزاء ضرورة تحديد أي الأطراف الذي ينبغي أن يلقى درعه ويخلي الميدان.
إن مجرد طالب في الصف الأول الابتدائي يستطيع أن يقول لأي مراسل أجنبي من هو الطرف الذي ينبغي أن يتراجع ويخلي الميدان.(38/113)
مجلة الراصد الإسلامية
العدد التاسع و الثلاثون – غرة رمضان 1427 هـ
* فاتحة القول… وقفة مع تصريحات الدكتور القرضاوي والعوا00000000000000 …3
* فرق ومذاهب… - الطريقة القادرية 000000000000000…9
* سطور من الذاكرة… صلاح الدين يقتل السهرَوردي الزنديق 000000000000000000…16
* دراسات …مواقف المفكرين والعلماء من الشيعة -22- د. مصطفي السباعي0000…20
* كتاب الشهر …أحمدي نجاد والثورة العالمية المقبلة 0000000000…30
* قالوا …0000000000000000000000000000000000000000…35
* جولة الصحافة …* لبنان :…
…- حوار خطير مع مفتي جبل لبنان الشيخ الجوزو0000000 …38
…- هل يكون السنيورة آخر رئيس حكومة سني في لبنان؟00000000…48
…- مقابلة مع د. وجيه كوثراني000000000000000…49
…- لقاء مع مفتي صور وجبل عامل السيد علي الأمين 000000000…54
…- قصيدة لمفتي صور وجبل عامل0000000000 0000000000…57
…- فتياتُ الليل وحرب لبنان00000000000000000000000000…58
…* العراق …
…- عجائب الزمن العراقي الأميركي000000000000000000000…62
…- حكاية الصدر .. 00000000000000 …66
…- الاقتتال العراقي ودعوة الضاري للمصالحة 0000000000000…72
…* إيران …
…- إيران : أحجية النووي والأصلع .. وهدية خامنئي…74
…- التعددية في تنظيمات رجال الدين …77
…* متفرقات …
…- طبيب السادات يتحدث عن صفقة بيع الجولان لإسرائيل…81
…- صالح يتحالف مع الحوثيين لضرب الإخوان!…82
وقفة مع تصريحات الدكتور القرضاوي والعوا
لقيت تصريحات الشيخ القرضاوي حول التبشير الشيعي في مصر والدول العربية ردود فعل عجيبة، وخاصة من أنصار الشيخ وأصدقائه، وكانت ردود الفعل هذه مسيئة للقرضاوى في الحقيقة!(39/1)
وحتى تكتمل الرؤية للموضوع دعونا نحاول رسم صورة شاملة لما حدث، فالشيخ القرضاوي معروف بمنهجه الذي يدعو للتعاون والوحدة بين السنة والشيعة، في مواجهة الإمبريالية و الصهيونية، على اعتبار أن إيران هي العدو الأول لأمريكا، وأن حزب الله هو طليعة المقاومة ضد إسرائيل، وهذا تكرر من الشيخ القرضاوي في كتبه وبرنامجه "الشريعة والحياة". وقد ألف الشيخ محمد مال الله – رحمه الله – كتابه "أيلتقي النقيضان: حوار مع فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي" وخصص للحديث حول رؤيته المتساهلة مع الشيعة.
…وبقي الشيخ القرضاوى على رأيه في التعاون مع الشيعة، ولذلك أفتى بتأييد ونصرة "حزب الله" في الحرب الأخيرة. وخلال زيارة للشيخ القرضاوى لمصر 8/2006 ألقى محاضرة بنقابة الصحفيين، وفي إجابته على بعض الأسئلة بين الشيخ بعض الحقائق عن النشاط الشيعي في مصر ومنها:
1-…استغلال الطرق الصوفية لنشر التشيع .
2-…التحذير من تكرار نموذج العراق في مصر إذا نجح نشاط التشيع في مصر .
3-…أوضح أن حسن نصر شيعي متمسك بشيعيته .(39/2)
…وكانت مفاجئا للجميع - سواء الموافقين والمخالفين للقرضاوي -، هذه التصريحات النادرة، واختلفت التحليلات في دوافعها، من متهم للشيخ بالرضوخ لمطالب الأمن المصري، ومن قائل بأنها "زلة لسان" أو عدم توفيق في التعبير كموقف "الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين" وأمينه العام الدكتور محمد سليم العوا، ونحن لا نوافق كلا التحليلين بل نحسن الظن بالشيخ القرضاوي ونرى أنه مع دعوته للوحدة مع الشيعة لكنه يدرك حجم الخلاف العقدي بينهم وبين السنة، وهو يرى أن المصلحة السياسية للمسلمين هي في التعاون لصد عدوان اليهود، ولكن الشيعة الذين يصفقون لرؤية القرضاوي التوحيدية في المحافل الرسمية، هم الذين يخرقون على الأرض رؤية الشيخ القرضاوى في أفغانستان والعراق، ويعملون بدأب على تشييع أهل السنة في مصر وغيرها، كما أن متشيعة مصر دأبوا على سب القرضاوي في الصحافة المصرية لذكره بعض خلفاء بني أمية بخير!!
…وبسبب ذلك يبدو أن الشيخ القرضاوى شعر بخيانة الشيعة له، كما شعر بأضرار موقفه المؤيد على طول الخط لحرب "حزب الله" على زيادة التشيع في مصر وغيرها، فوجد من الواجب التنبيه والتحذير، وهذا التأييد وصفه حسن صبرا الشيعي اللبناني بقوله: "ومن كان يستمع إلى فتاوى وتصريحات القرضاوي يظنه احد عناصر تجمع علماء جبل عامل التابع لحزب الله .. وكان الأمر جيداً من منطلق تجسيد الوحدة الإسلامية التي لم يستطع تجمع علماء حزب الله تجسيده فأتاه المدد من الدوحة، حتى إن نصر الله نفسه امتدح القرضاوي مسجلاً له موقفاً متميزاً واصفاً إياه بأنه يحظى باحترام كبير في العالمين العربي والإسلامي" (مجلة الشراع) .(39/3)
…وقد نسب للقرضاوى أنه "اطلع على بيان الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين قبل صدوره ووافق عليه بدون تحفظ" ونرى أن الشيخ القرضاوى تصرف هنا بدبلوماسية حيث أن تصريحاته نشرت ووصلت وفهمت ولن يتغير شيء من التوضيح! هذا هو رأينا في موقف القرضاوى الذي نأمل أن يكون هو الحقيقة.
لكن هذه التصريحات لم تعجب كثيرين، كما أن من تعودوا على سياسة مسك العصا من الوسط، يتعبون أنفسهم دوماً بمحاولة إرضاء المتناقضات، فانبرى "الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين" وأمينه العام الدكتور العوا لتوضيح الواضح! من تصريحات القرضاوى الذي يشغل منصب رئيس الإتحاد، فأصدر الإتحاد بياناً جاء فيه: "تلقت الأمانة العامة للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين عددا كبيراً من الأسئلة والاستفسارات من مختلف بلدان العالم، حول التصريحات " و"ولم يكن في كلام فضيلته أي اتهام للسادة الصوفية أو لفكرة التصوف نفسها على النحو الذي فهمه بعض من حضر اللقاء أو قرأ ما نشر عنه" و"وإذا كان لفظ التعصب قد جرى على لسان فضيلته في هذا السياق فإن حقيقة المقصود به هو التمسك بالمذهب وبالآراء التي يعبر عنها أو يتبناها علماء الشيعة الإمامية، وهو أمر محمود لا عيب فيه ولا مأخذ عليه، ولم يكن ذكر التعصب إلا سبق لسان مقصودا به معنى التمسك المحمود بالمبدأ جملة وتفصيلا" و "وما ذكره فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي عن رفضه لمحاولات بعض الشيعة التأثير على أفراد من أهل السنة لتحويلهم إلى المذهب الشيعي كان المقصود به تلك المحاولات الفردية" و"إن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الذي يضم العلماء من المذاهب جميعاً، ولرئيسه نواب ثلاثة من الشيعة والسنة والإباضية، يؤكد على موقفه الثابت من ضرورة وأد أي فتنة بين المسلمين في مهدها، ومن ضرورة التقريب بين أهل المذاهب الإسلامية وعلمائها وأتباعها، ومن ضرورة التعاون بين المسلمين كافة فيما اتفقوا عليه، وأن يعذر بعضهم بعضا فيما اختلفوا فيه".(39/4)
…وبعد هذا البيان ألقى الدكتور العوا محاضرة في نقابة الصحفيين، حول السنة والشيعة، قرر فيها النقاط التالية بحسب ما جاء في موقع "الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين":
1-…إن أكثر أهل السنة لا يعرفون عن الشيعة سوي أنهم طائفة تغالي في التشيع مع أن الشيعة يعرفون عن السنة الكثير.
2-…أنه عندما ينسب إلى الناس أقوالا أو نحاسبهم على أراء فيجب أن نحاسبهم علي ما قالوه فقط، دون التطرق إلى النتائج المترتبة على أقواله، لأن القاعدة المسلمة أن "ناسب المنهج ليس بمنهج" أي أنني لست المسئول عن كلام قلته وفهمه الناس بأسلوب وشكل خاص بهم.
3-…أن الشيعة هو مذهب فقهي.
4-…وبالرغم من أن هناك مقولات تزعم أن الشيعة يؤمنون بتحريف القرآن ونسب إلى أحد كتب الشيعة ذلك إلا أنه يجب أن نعلم أن هذه المقولة حادثة كما أنها منكرة.
5-…منذ 107 أعوام تقريبا، كتب المحدث النوري الطبرسي كتابا بعنوان "فصل الخطاب في تحريف الكتاب" وجمع فيه روايات من كتب الشيعة، وأشار إلى أن تلك الروايات تدل علي تحريف القران. وقبل النوري لم يقل أحد بتحريف القران على الإطلاق.
6-…وقال أن هذا الكتاب قوبل بانتقادات شديدة من قبل الحوزة العلمية وضجرت بآرائه ولم يقبل الشيعة منذ ذلك الوقت بأن يقال أنه تم تحريف القران. وتم التشكيك في كتابه والإشارة إلي أن الروايات التي جمعها مجهولة وضعيفة الرواية وهو ما أكده الخوميني الذي اتهم رواياته بالضعف وأنها محشوة بالكثير من الحكايات الهزلية الضعيفة.
7-…قال إن الاتفاق بين السنة والشيعة يصل إلى نحو 90% والاختلاف في 10% وذلك يعتبر نسبة بسيطة، خاصة وأنها في التفاصيل وليست في الأصول.
8-…نشأت فرقة سياسية أدت إلي توسيع الفجوة بين المسلمين والشيعة بسبب الأحداث السياسية بعد اندلاع الثورة الإيرانية.(39/5)
……أما أوجه الاختلاف بين السنة والشيعة فيوجزها الدكتور العوا في عدة أمور أهمها ما سمي بـ"عصمة الأئمة" وهو الاعتقاد الشائع لدى الشيعة الإمامية ونحن لا نقبل هذا الاعتقاد لأنه لا عصمة بعد رسول الله، ويؤكد الدكتور العوا أنه وبالرغم من هذا الاختلاف إلا أن مسألة الإمامة هي من الفروع، ولا ينبغي أن نقحمها في الأصول " أ هـ. من موقع "الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين".
…ونحن لنا وقفات مع هذه الأفكار المتكررة لدى كثير من المتعاطفين والمؤيدين للشيعة، بحسن نية أو لمقاصد ومصالح شخصية، أو لجهلهم بحقيقة التشيع مع دخولهم في أول طريقه!
…فأما أصحاب المكاسب والمغانم فلا فائدة ترجى من حوارهم ، فالذهب لا يحاجج بالحق!! ولكن الحوار هو مع أصحاب النوايا الحسنة، أو المتعلمين الذين - في المقابل - يجهلون مذهب الشيعة! وإن كانوا أتعبوا مخالفيهم في توضيح الواضحات.
وقبل الوقوف مع نقاط الدكتور العوا، نود لفت النظر لمنهجيته المرتكزة على النزعة العقلانية، فالعوا من رموز "اليسار الإسلامي" جعله الله من أهل اليمين ، ويمكن الرجوع لموقع "الكاشف" لمزيد من التفصيل حول آراء ومواقف الدكتور العوا.
…والآن لنناقش النقاط السالفة الذكر:
1-…نود سؤال الدكتور العوا ما الذي يجهله أهل السنة عن الشيعة؟ وخاصة اليوم في عصر ثورة المعلومات و"الأنفوميديا" – حتى يعرف الدكتور أننا نواكب العصر – فلقد شاهدنا مناظرات شيعة العصر على قناة المستقلة، ودخلنا مواقع مرجعيات الشيعة على شبكة المعلومات، ونتابع فضائح قنوات الشيعة الفضائية من "المنار" و"الأنوار" و"الكوثر" وغيرها . ولكن نود سؤال الدكتور العوا ماذا يعرف هو عن الشيعة؟؟؟؟(39/6)
2-…قاعدة "لازم القول ليست بلازم" صحيحة، لكن موضعها ليس هنا، حيث رموز ومرجعيات الشيعة يقولون ما لا يحتمل فهماً متعدداً ، ومثال ذلك موقف الشيعة من النورى الطبرسي مؤلف كتاب "فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الأرباب"، فمحسن الأمين،الذي يعد من كبار رموز الاعتدال لدى شيعة زماننا!! يقول عن الطبرسي: " كان عالما فاضلا محدثاً متبحراً في علمي الحديث والرجال عارفا بالسير والتاريخ منقباً فاحصاً زاهداً عابداً لم تفته صلاة الليل وكان وحيد عصره في الإحاطة والاطلاع على الأخبار والآثار والكتب"( ). فهل هذا الكلام يمكن أن يفهم على وجه سوى المدح لمن يثبت تحريف القرآن يا دكتور؟؟؟
3-…أما أن الشيعة مذهب فقهي، فهذه نكتة سمجة لأن الخلاف الذي إذا أنكرت فيه رأي خصمك كفرت عنده ، لا يكون أبداً خلافاً مذهبياً فقهياً ، ذلك أن منكر الإمامة كافر عند الشيعة كما هو معلوم، ولذلك ناقض العوا نفسه حين ذكر نقاط الخلاف مع الشيعة فذكر مسائل عقدية وهي الإمامة والعصمة، وهذه ليست من الفقه في شيء!!(39/7)
4-…(5+6): أما ادعاء أن القول بتحريف القرآن محدث عند الشيعة و منكر، فهذا للأسف يا دكتور غير صحيح، ولكنك تكتب ما تتمنى أن يكون ، أو أنك تخدع المسلمين ونعيذك بالله من ذلك، فالقول بالتحريف موجود منذ القرن الرابع الهجري، فقد جاء في تفسير "القمي" في أكثر من موضع، منها على سبيل المثال قوله فض الله فاه: "أما ما هو على خلاف ما أنزل الله فهو قوله : (كنتم خير أمة أخرجت للناس ...)، فقال أبو عبد الله عليه السلام لقارئ هذه الآية: (خير أمة) يقتلون أمير المؤمنين والحسن والحسين بن علي عليهم السلام؟ فقال له: وكيف نزلت يا ابن رسول الله؟ فقال: إنما نزلت (كنتم خير أئمة أخرجت للناس) .." [تفسير القمي (1/36)، طبعة دار السرور]. فهل هذا يا دكتور يفهم على وجه ينزه القرآن؟؟ علماً أن تفسير "القمي" عند الشيعة معظم وهو مشهور ومتداول حتى على شبكة الإنترنت. أما أن الشيعة تنكر هذا القول فهذا غير صحيح، ذلك أن الشيعة لا تكفر من يقول بتحريف القرآن! ومن هؤلاء النوري الطبرسي الذي ذكره العوا فإن أحدا من الشيعة لم يكفره! بل إن الطبرسي هو مؤلف "مستدرك الوسائل" أحد الكتب الثمانية المعتمدة عند الشيعة!! وهذا الخوئي وهو من كبار مراجع العصر الحديث يقول: "إلا أن كثرة الروايات (يقصد روايات تحريف القرآن) تورث القطع بصدور بعضها عن المعصومين" [تفسير البيان (ص225)]. أما الخميني فيقول: "لقد كان سهلاً عليهم (يقصد الصحابة) أن يخرجوا هذه الآيات من القرآن و يتناولوا الكتاب السماوي بالتحريف ويسدلوا الستار على القرآن ويغيبوه عن أعين العالمين. إن تهمة التحريف التي يوجهها المسلمون إلى اليهود والنصارى إنما تثبت على الصحابة" [كتاب الخميني "كشف الأسرار" (ص114) نقلاً عن أبى الحسن الندوي في كتابه "صورتان متضادتان"]. فهل لا يزال الدكتور العوا على رأيه ؟؟(39/8)
7-…أما أن الخلاف بين السنة والشيعة لا يتعدى الـ 10%، فهذه خرافة، فالخلاف يبدأ من أركان الإيمان التي تدخل فيها الإمامة عند الشيعة، ويمر بأركان الإيمان نفسها ، ومن بعدها بأركان الإسلام، فأوقات الصلاة ثلاثة بدلا من خمسة! وتعليق صلاة الجمعة! وصيغة الأذان وصفة الوضوء وهكذا سائر الأركان، وقد فصلها الدكتور علي السالوس في موسوعته "مع الإثنى عشرية في الأصول والفروع"، وهذا سوى ما ابتدعته الشيعة من الشركيات الوثنية كالسجود للقبور والدخول لها زحفاً!! أو الإباحية المزدكية باسم "المتعة"، فإذا كان هذا كله لا يبلغ 10% فالدكتور بحاجة لدراسة الرياضيات من جديد.
8-…أما أن الفجوة اليوم بين السنة والشيعة بسبب الموقف السياسي من ثورة الخمينى والأنظمة العربية هي المسئولة عن هذه الفجوة، فهذا جزء من الحقيقة، فالحقيقة الكاملة هي أن عداء ثورة الخميني للدول العربية ومحاولة تصدير الثورة بالعنف والإرهاب، هما سبب هذا الموقف والفجوة على مستوى الأنظمة، وغلو وتطرف ثورة الخميني الشيعية التي تبنت كل الموروث الشيعي هي سبب الفجوة على المستوى الشعبي، يا دكتور.
…وبعد هذه الوقفات السريعة مع نقاط الدكتور العوا ، نرجو أن يغير الدكتور موقفه هذا، ويبدأ رحلة حقيقية للتعرف على المذهب الشيعي .
…وكلام الدكتور العوا عن أن سب الصحابة ، بدأ بالانحسار ما هو إلا تأثر بالتقية الشيعية، التي تخدع المسلمين، وإلا فأين الفتاوى الحاسمة التي تكفر من يكفر الصحابة، وأين تقديم الدليل العملي من الشيعة على حب الصحابة بإطلاق أسماء الخلفاء وأمهات المؤمنين على أولادهم و مؤسساتهم ومنشآتهم، فضلاً عن بث برامج إذاعية وتلفزيونية عنهم في وسائل الشيعة الإعلامية؟؟(39/9)
…كما ننبه هنا إلى أن الدكتور العوا لم يستطع إنكار الحقائق التي ذكرها الشيخ القرضاوي، عن انتشار التشيع في مصر فقال العوا: "وألا تتخذ الدعوة إلى التشيع المذهبي سلماً للتشيع السياسي، وحذر من" خطورة الأموال التي توجه إلى التشيع" والسبب في ذلك هو أن خمس مال كل شيعي يذهب على سبيل الزكاة لمؤسسات تسعى إلى نشر الدعوة إلى المذهب الشيعي".
…وذلك أن حركة التشيع في مصر قديمة قبل ثورة الخميني بعقود ، وقد بين هذا مرتضى الرضوي في كتابه "مع رجال الفكر في القاهرة" والذي دون فيه تجربته في نشر التشيع في مصر والتي بدأت سنة 1957 م، وذلك باللقاءات مع المفكرين والعلماء وطباعة الكتب، وقد سافر لمصر أكثر من ثلاثين مرة، وطبع فيها (26) كتاباً للدعوة إلى التشيع.
…وقد أثمرت هذه الجهود المنظمة والمدعومة من المرجعيات وإيران، لا الفردية يا دكتور عن عزم الشيعة تأسيس حزب شيعي في مصر باسم "الغدير"، ويمكن مراجعة دراسة "الشيعة في مصر" المنشورة في العدد السادس من الراصد لمعرفة لمزيد.
…وأخيرا ندعو: "اللهم ألهم الدكتور العوا صوابه ووفقه للخير".
…
?
الطرق الصوفية
أولاً: الطريقة القادرية:
نسبتها:
…مؤسس الطريقة القادرية هو عبد القادر بن موسى، المعروف بالشيخ عبد القادر الجيلاني أو الجيلي. ولد سنة (471هـ - 1077م) بجيلان، وهي منطقة في بلاد فارس. ويعتبر الصوفيون أن الجيلاني هو أول من نادى بالطرق الصوفية وأسسها( ). وللجيلاني عدة قصائد في الخمر، منها قصيدة عنوانها "سقاني حبيبي"، يقول فيها:
سقاني حبيبي من شراب ذوي المجد……فأسكرني حقاً فغبت عن وَجدي
حضرت مع الأقطاب في حضرة اللقا……فغبت به عنهم وشاهدته وحدي
فما شرب العشاق إلاّ بقيتي……وفضلة كاساتي بها شربوا بعدي
ولو شربوا ما قد شربت وعاينوا……من الحضرة العلياء صافي موردي
لأمسوا سكارى قبل أن يقربوا المدام……وأمسوا حيارى من مصادمة الوِرد( )(39/10)
وفي سنة 488هـ (1095م)، ارتحل إلى بغداد، ودرس مذهب الإمام أحمد بن حنبل، ثم سلك طريق التصوف على يد حمّاد الدّباس( ).
بعد ذلك، قضى الجيلاني (25) عاماً يسيح في صحاري العراق، كان يأوي خلالها إلى الخرائب معتزلاً الناس، ملازماً لأنواع الرياضات والمجاهدات الصوفية، وقد قال هو عن تلك الرحلة: "قاسيت في بدايتي الأهوال، وكنت أقتات بقمامة البقل من شاطئ النهر، وكانت على رأسي خريقة، وعلى ظهري جبة صوف، وربما حملني الناس إلى البيمارستان (المستشفى)، وقد تكرر ذلك، وكانت تطرقني الأحوال ليلاً وأنا في الصحراء، فأملأ البر صراخاً"( ). ثم عاد عبد القادر إلى بغداد ، واشتغل بالتدريس والوعظ ونشر التصوف، حتى توفي سنة (561 هـ)، ودفن في المدرسة التي أسسها في بغداد، وله مؤلفات أهمها:
1- الغنية لطالبي طريق الحق عز وجل.
2- الفتح الرباني.
3- فتوح الغيب.
4- الفيوضات الربانية.
5- جلاء الخاطر في الباطن والظاهر( ) .
وبعد وفاة عبد القادر، خلفه على الطريقة ابنه عبد الوهاب (522 - 593هـ)، ثم بعد وفاته، رأس الطريقة أخوه أبو بكر عبد الرزاق (528 ـ 603هـ)، الذي يروي عنه الصوفية أنه ظل ثلاثين سنة لا يرفع رأسه إلى السماء، حياءً من الله( ). ويعتقد المتصوفة أن انتشار الطريقة القادرية في مصر يعود إلى أحد أبناء عبد القادر الجيلاني، وهو عيسى بن عبد القادر، صاحب كتاب "جواهر الأسرار ولطائف الأنوار" ويقولون إن عيسى "استحضر الرّمان لامرأة تعالج به، وكان أبوه الإمام قد وصفه لها في غير موسمه، عندئذ قال له أبوه إن بغداد لن تسعهما معاً، وأمره بنزول مصر"( )، وبسبب ذلك فإن العامة تسمي عيسى الجيلاني "أبا رمانة".
أهم عقائدها:(39/11)
…1- يؤمن أتباع الطريقة القادرية بعقيدة وحدة الوجود( ) التي تدين بها الصوفية، وقد ورد ذلك في ثنايا بعض مؤلفات شيخها الجيلاني، منها قوله: "الحمد لله الذي وُجد في كل شيء، وحضر عند كل شيء"( ) وقوله: "ومعنى الوصول إلى الله عز وجل خروجك عن الخلق، فإذا وصلت إلى الحق عز وجل - على ما بيّنا - فكن آمناً أبداً من سواه عز وجل، فلا ترى لغيره وجوداً البتة"( ).
2ـ الاعتقاد بأنه بإمكان الصوفي رؤية الله في الدنيا، وذلك برفع حُجُب الكائنات عن قلبه. يقول عبد القادر: "المؤمن العارف له عينان ظاهرتان، وعينان باطنتان، فيرى بالعينين الظاهرتين ما خلق الله عز وجل في الأرض، ويرى بالعينين الباطنتين ما خلق الله عز وجل في السماوات، ثم يرفع الحجب عن قلبه فيراه، فيصير مقرّباً"( ).
3ـ ذم الآخرة وطلاّبها، بزعم أن مقصود الصوفية هو الوصول إلى الامتزاج بالوجود الإلهي، إذ يقول الجيلاني: "شجاعة الخواص (أي الصوفية) في الزهد في الدنيا والآخرة"( ). ويقول أيضا "اخلع نعليك: دنياك وآخرتك، وتجرد عن الأكوان، وافن عن الكل، وتطيب بالتوحيد"( ).
أذكارهم وعباداتهم:
يتمثل الذكر الأساسي في القادرية بـ (لا إله إلاّ الله)، حيث يجلس الذاكرون على الركبة مثل الصلاة، ويتوجهون نحو القبلة، يغلقون أعينهم خلال الذكر( ).
وقد خصصت القادرية بعض أيام الأسبوع ولياليه بصلوات محددة، وقد أورد الجيلاني في كتابه "الغنية" عدداً من الأحاديث الموضوعة التي تؤيد ذلك منها: "من صلّى يوم الأحد أربع ركعات يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب، و(آمن الرسول) مرّة، كتب الله له بعدد كل نصراني ونصرانية حسنات، وأعطاه ثواب نبي، وكتب له حجة وعمرة، وكتب له بكل ركعة ألف صلاة، ثم أعطاه الله تعالى في الجنة بكل حرف مدينة من مسك أذخر"( )
من كراماتهم المزعومة:(39/12)
نسب أتباع القادرية لشيوخهم، وعلى الأخص للجيلاني، عدداً لا يحصى من الكرامات، كما هي عادة جميع طرق الصوفية: منها، قولهم أنه صلّى الصبح أربعين سنة بوضوء العشاء، وأنه كان يسير في الهواء، وعلى رؤوس الناس، ويخاطب الجن ويهديهم، وأنه صام رمضان وهو في المهد فلم يرتضع من الفجر إلى الغروب طوال الشهر، وأن الناس صاموا لصومه وأفطروا في عيد الفطر لفطره( ).
وروى الصوفية أن عمة الشيخ عبد القادر كانت من كبار الأولياء، وادّعوا أن بلاده جيلان أجدبت مرّة، واستسقى أهلها فلم يسقوا "فأتى المشايخ إلى دار الشيخة أم محمد عمة الشيخ عبد القادر رضي الله عنه، وسألوها الاستسقاء فقامت إلى رحبة بيتها وكنست الأرض وقالت: يا ربَّ! أنا كنست فرشّ أنت ... فلم يلبثوا أن أمطرت السماء كأفواه القرب، ورجعوا إلى بيوتهم يخوضون في الماء"( ).
وقالوا بأن أمه حملت به وهي بنت ستين سنة، كما نسبوا إليه القول بأنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في أحد أيام شهر شوال سنة (521هـ)، وتفل في فمه سبعاً ليصبح فصيحاً، وينهض بالدعوة إلى الله، وعند ذاك حضر مجلسه خلق كثير، ثم رأى عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه قائماً بإزائه في المجلس، وشدّ من أزره، وتفل في فمه ستاً، ولم يكملها سبعاً تأدباً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم...( ).
كيفية الانتساب للطريقة:
1ـ اللقاء الأول بين المنتسب ، وبين الشيخ، ويتضمن ( العهد والاستغفار، والتوبة، والطاعة، والذكر). وقبل البدء، يصلي المنتسب أو المريد ركعتين نفلاً، ويقرأ الفاتحة للنبي صلى الله عليه وسلم ولإخوانه المرسلين والنبيين. وبعد الصلاة وقراءة الفاتحة يجلس المريد بين يدي الشيخ، ملصقاً ركبته اليمنى بيد الشيخ اليمنى، الذي يلقنه الاستغفار، وصيغته:(39/13)
"استغفر الله العظيم الذي لا إله إلاّ هو الحي القيوم وأتوب إليه، وأشهد الله وملائكته ورسله وأنبياءه بأني تائب لله منيب إليه، وأن الطاعة تجمعنا، وأن المعصية تفرقنا، وأن العهد عهد رسوله، وأن اليد يد شيخنا وأستاذنا الشيخ محيي الدين عبد القادر الجيلاني قدس سره، وعلى ذلك أحل الحلال، وأحرم الحرام، وألازم الذكر والطاعة بقدر الاستطاعة، ورضيت بحضرة شيخنا المشار إليه شيخا لي وطريقته لي، والله على ما أقول وكيل". ثم يقرأ الشيخ أية المبايعة (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله)( ).
2ـ يطلب الشيخ من مريده الالتزام ببعض الأخلاق كتحمل الأذى وترك الحقد ... فإذا قبلها ينتقل إلى مرحلة المبايعة والقبول، حيث يقول الشيخ: "وأنا قبلتك ولداً وبايعتك على هذا المنوال"( ).
3ـ تنتهي المراسم بالمبايعة فتنفصل الأيدي المتشابكة، وتبتعد الركب المتلاصقة، ثم تأتي مرحلة الدعاء مختومة بشرب الكأس. والكأس هو إناء يتناوله الشيخ محتوياً على ماء، وقد يكون ممزوجاً بسكر، وقد يقرأ الشيخ على الكأس قوله تعالى: {سَلامٌ قَوْلاً مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ}( )، وقوله تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ}( )، ثم يتلو ذلك قراءة الفاتحة والإخلاص ثلاث مرات، ويتناول مريده الكأس ليشربه. وبهذه الطقوس تنتهي المرحلة الأولى من الانخراط في الطريقة، فيصبح المريد في عداد المريدين، ويلزم شيخه الذي أخذ عنه العهد، ويكون طالباً مرتبطاً بالشيخ( ).
4ـ وإذا تعمق المريد في الطريقة، فإنه ينتقل إلى مرحلة أعلى، وهي أن يستغني عن شيخه بالوصول إلى الله عز وجل، فيتولاه الله تعالى بعد ذلك بتربيته وتهذيبه، فيستغني عن غيره. وعند تحقق الانفصال بين الشيخ والمريد، يمنح المريد إجازة المشيخة، وتكون خطبة تشهد له بلوغ مراده، فيكون شيخاً في عداد الشيوخ( ).
علاقتهم بالرفاعية:(39/14)
ذهب أتباع القادرية إلى أن شيخهم عبد القادر الجيلاني كان شيخاً لأبي العباس الرفاعي شيخ الطريقة الرفاعية، والرفاعي تابعاً، ويذهب الرفاعية إلى عكس ذلك، إذ يقولون أن الجيلاني هو الذي كان تابعاً للرفاعي، "ثم يختلق كل واحد من هذه الطوائف روايات وحكايات مزوّرة مكذوبة لترجيح مرشدهم وتفضيل سيدهم على الآخر"( ) .
انتشارها:
تنتشر القادرية في العراق ومصر وتركيا واليمن والصومال الهند والمغرب وغرب السودان وبعض بلدان أفريقيا، وتفرعت منها طرق صغيرة، منها: اليافعية، والنابلسية، والرومية، والعروسية( )، ومنها كذلك: الصمادية، والرومية، والعزيزية، والهندية، والمقدسية( ).
ومنها أيضاً: الأشرفية في تركيا، نسبة لمؤسسها عبد الله الأشرفي الرومي، وتسمى أيضاً: الواحدية( ).
ومنها في السودان: الطريقة البكائية، ولها فرعان: الفضيلة، والآل سيدية. والطريقة العركية، وتتركز في مدينتي أبو حراز وطيبة الشيخ عبد الباقي في ولاية الجزيرة، وشيخها الحالي هو أحمد عبد الباقي، وقد خلف والده على مشيخة الطريقة سنة 1992م. وتنسب هذه الطريقة إلى الشيخ عبد الله العركي، المتوفى سنة 1019هـ (1611م). وفيما يتعلق بالطريقة القادرية عموماً، فيعتقد أن الذي أدخلها إلى السودان، تاج الدين البهاري، في القرن العاشر الهجري*.
ومنها : البودشيشية، في المغرب، وشيخها الحالي حمزة بن العباس*.
ومنها: اليافعية، والمشارعية، والعرابية في اليمن والصومال.
ومنها: البناوة، والكرزمر في الهند.
ومنها: الخلوصية، والهندية، والنابلسية، والرومية، والوصلنية في تركيا.
الكسنزانية، في العراق، وخاصة في مدينة كركوك، وشيخها الحالي هو محمد الكسنزاني، المولود سنة 1358هـ (1938م)، وتنسب الطريقة إلى عبد الكريم الشاه الكسنزان المولود سنة 1240هـ في شمال العراق، وقد انتسب إليها عدد من المسؤولين العراقيين السابقين.(39/15)
كما أنها تعد أصلاً لكثير من الطرق التي نشأت بعدها، كالعدوية( )، والمدينيّة، والسهروردية، والأكبرية، والمولوية، والرفاعية، والخلوتية( ).
ومن فروعها في مصر:
1ـ الفارضية: وتستمد اسمها من أحد مشايخهم المتأخرين، وهو محمد الفارضي، المتوفى سنة 1285هـ . ومقر هذه الطريقة جامع السادة القادرية بالقرافة الصغرى بالقاهرة، وشيخها الحالي: مسعود عبد السلام حجازي.
2ـ القاسمية: وهي الأخرى اشتقت اسمها من أحد شيوخها المتأخرين، وهو قاسم بن حمد الكبير. ومن أقطاب هذه الطريقة الشيخ أحمد بن عبد الحي الأشهب، صاحب بعض المؤلفات مثل : "هداية المريد"، و"هداية السالكين"، و"النصيحة المرضية". والكتاب الأخير في العقيدة والأوراد القادرية. وشيخ الطريقة الحالي في مصر: حسين أحمد علي القادري.
3ـ الشرعية: واشتق اسمها من استخدام شيخها عبد المنعم القادري، للفظة "الشرعية" في بعض مؤلفاته، مثل: "الركائز الإيمانية في أصول مجلس ذكر طريقة السادة القادرية الشرعية".
4ـ النيازية: واشتقت اسمها من الشيخ عبد الرحمن نيازي، المتوفى سنة 1311هـ، والذي قدم من تركيا إلى مصر واستوطن بها، وأقام في مدينة الإسكندرية، وهي الآن مقر هذه الطريقة( ).
صلاح الدين يقتل السهرَوردي "الزنديق"
لصلاح الدين الأيوبي - رحمه الله - الكثير من الأعمال والفضائل منها ما هو عسكري، ومنها ما هو ديني وثقافي، وغير ذلك. وإذا كانت شخصية صلاح الدين انطبعت في ذهن الناس بمظهر العسكري والمجاهد، الذي يقارع الصليبيين، ويفتح البلدان وخاصة بيت المقدس، ويدافع عن بلاد المسلمين، فإن جوانب أخرى في شخصية صلاح الدين جديرة بالدراسة والتأمل.(39/16)
إحدى تلك الجوانب تتمثل باهتمامه بنشر مذهب أهل السنة، وإقامة المدارس والأوقاف لذلك، خاصة في مصر، التي عانت أكثر من قرنين من الزمان من حكم الدولة العبيدية الفاطمية، وهي دولة شيعية إسماعيلية. ومع حرص صلاح الدين على مذهب أهل السنة، ومحاربة ضلالات العبيديين، اهتم بمحاربة الأفكار المنحرفة المنضوية تحت لواء أهل السنة، كما تمثل ذلك في مصادقته على حكم الإعدام بحق أحد الزنادقة المتصوفة، المعروف "بالسهروردي المقتول" (سنة 587هـ).
والسهروردي هو أبو الفتوح يحيى بن حبش بن أميرك، المعروف بشهاب الدين السهروردي. ولد سنة (549هـ - 1155م)، في سهروَرد، من بلاد فارس. وقد درس العلوم بأذربيجان ثم قدم إلى أصبهان، حيث كانت فلسفة ابن سينا منتشرة، ثم انتقل إلى تركيا، ومنها إلى سوريا، حيث بقي بها إلى أن أعدم سنة (587هـ - 1190م)( ). وشهاب الدين السهروردي هو أحد أعلام الصوفية عبر تاريخها، كما أنه من أبرز الفلاسفة الذين أدخلوا على المسلمين العقائد المنحرفة المستمدة من اليونان والمجوس. كما يعتبر السهروردي أحد أبرز أعلام التصوف الفلسفي، وهو الاتجاه الذي بدأ منذ القرن السادس الهجري، ويمزج النظر العقلي الفلسفي بالذوق العملي الصوفي( ).
وقبل الحديث عن أفكار السهروردي التي حوكم بسبها وأعدم، نعرض شيئاً من صفاته، كما رواها المؤرخ ابن تغري بردي، إذ يقول: "وكان السهروردي رديء الهيئة، زري الخلقة، دنس الثياب، وسخ البدن، لا يغسل له ثوباً ولا جسماً، ولا يقص ظفراً ولا شعراً، فكان القمل يتناثر على وجهه، وكان من رآه يهرب منه لسوء منظره وقبح زيّه"( ).
وحال السهروردي هذا ليس بسبب الفقر أو الظلم، بل هو بسبب عقيدته الصوفية التي تحارب الطهارة والنظافة، وتصادق القاذورات والأوساخ لأنها بزعمهم تكسر النفس فتوصلها إلى الله!
عقائده وأفكاره:(39/17)
تأثر السهروردي بفلاسفة اليونان، وخاصة أفلاطون، ثم بالعقائد الفارسية القديمة، وفلسفة زرادشت، وقد مزج هذا كله بالدين الإسلامي وآراء الصوفية المسلمين( ).
وبالتأثر بما كتبه اليونان القدماء، نقل السهروردي إلى المسلمين مذهب "الإشراق"؛ الذي هو فرع من فروع الفلسفة اليونانية، ويقوم في جملته على القول: بأن مصدر الكون هو النور. فهو يعبر عن الله سبحانه وتعالى بالنور الأعلى، ويصف العوالم بأنها أنوار مستمدة من النور الأول. والمعرفة الإنسانية في مفهوم الإشراقيين "إلهام" من العالم الأعلى، يصل بواسطة عقول الأفلاك، وهو ما يسمى بالكشف أو الإشراق، أي ظهور الأنوار العقلية بعد تجردها( ).
وبهذه الفكرة، حاول السهروردي تفسير الوجود ونشأة الكون والإنسان، كما أنه حاول إبراز الفلسفة الزرادشتية القديمة من خلال فلسفته النورانية، والتعويل على فكرة النور وإشراق الأنوار لتبديد ظلمة الأجسام والمادة( ). والزرادشتية التي كانت سائدة في إيران قبل الإسلام تقول بوجود إلهين: إله الخير، وهو إله النور والسماء، وأن غيره من الآلهة ليست إلاّ مظاهر له، وصفات من صفاته. وعندهم إله آخر، (إله الشر)، وهو إله الظلمة، لكنه ليس بمستوى إله الخير( ).
كما كانت كتابات السهروردي( ) تدل على اعتقاده بوحدة الوجود( ) الفاسدة، إذ كان يشير إلى أن حصوله على حكمة الإشراق لم يحصل له بالفكر، إنما كان حصوله بأمر آخر هو: الاتصال بنور الأنوار، الله وإشراق المعرفة منه على نفسه ( ).
"ويرى السهروردي أن الإنسان يستطيع الوصول إلى الغاية القصوى التي ينشدها الصوفية بعامة، وهي الوصول إلى ما أسماه عالم القدس، أي الحضرة الإلهية، عن طريق الرياضة الروحية ومجاهدة النفس، وأنها عند وصولها إلى هذا المقام الأخير السامي، تتلقى من نور الأنوار "الله" المعارف الشتى. وقد ذكر السهروردي أنه وصل إلى هذه المرحلة عندما فارق جسده، واتصل بالملكوت الأعلى"( ).(39/18)
وإضافة إلى عقيدته المنحرفة في الله تعالى، وفي الخلق والوجود، فقد كان للسهروردي انحرافات أخرى فيما يتعلق بالنبوة، إذ يشير شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - إلى أن طوائف من أهل الفرق انحرفت في موضوع "الإلهية"، مثل الإسماعيلية والنصيرية والاثنى عشرية، فنسبوا لأنفسهم أو لشيوخهم "الإلهية". كما أشار - رحمه الله - إلى مبتدعة انتحلوا دعوى ما هو فوق النبوة، أو وجود نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم، كالسهروردي المقتول في الزندقة، وابن سبعين( ).
كما ذكر الإمام ابن تيمية في كتابه "درء تعارض العقل والنقل" (5/22): "أن الفلاسفة القدماء ومن جاء بعدهم، كانوا يدعون النبوة والرسالة، أو يريد الواحد منهم أن يفصح بذلك لولا السيف، كما فعل السهروردي المقتول، فإنه كان يقول: لا أموت حتى يقال لي: قم فأنذر".
ويلخص ابن تيمية عقيدة وأفكار السهروردي بقوله: "وأما القدماء - أرسطو وأمثاله - فليس لهم في النبوة كلام محصّل. والواحد من هؤلاء يطلب أن يصير نبيّاً، كما كان السهروردي المقتول يطلب أن يصير نبيّاً، وكان قد جمع بين النظر والتألّه، وسلك نحواً من مسلك الباطنية، وجمع بين فلسفة الفرس واليونان، وعظّم أمر الأنوار، وقرّب دين المجوس الأول، وهي نسخة الباطنية الإسماعيلية، وكان له يد في السحر والسيمياء، فقتله المسلمون على الزندقة بحلب في زمن صلاح الدين"( ).
محاكمته
أثارت انحرافات السهروردي العلماء والناس، وخاصة فقهاء حلب، التي انتقل إليها السهروردي بعد أن تنقل في بلاد فارس وتركيا، وساء الأمر بانتشار أفكار السهروردي، ومال إليه ملك حلب، الظاهر ابن صلاح الدين الأيوبي "فاستمال بذلك خلقاً كثيراً وتبعوه، وله تصانيف في هذه العلوم "المنطق والسيمياء..."، واجتمع بالملك الظاهر ابن السلطان صلاح الدين صاحب حلب، فأعجب الظاهر كلامه، ومال إليه"( ).(39/19)
يقول المؤرخ ابن تغري بردي: "فكتب أهل حلب إلى السلطان صلاح الدين: أدرك ولدك وإلاّ تتلف عقيدته. فكتب إليه أبوه صلاح الدين بإبعاده، فلم يبعده، فكتب بمناظرته. فناظره العلماء، فظهر عليهم بعبارته، فقالوا إنك قلت في بعض تصانيفك إن الله قادر على أن يخلق نبيّا وهذا مستحيل. فقال: ما وجه استحالته؟ فإن الله القادر هو الذي لا يمتنع عليه شيء. فتعصبوا عليه فحبسه الظاهر، وجرت بسببه خطوب وشناعات"( ).
وبالرغم من أن الباحث الدكتور عزمي طه، هو من المؤيدين للتصوف، إلاّ أنه يقر بخطورة أفكار السهروردي، وانحرافها، إذ يقول: "والحق أن هناك الكثير من الآراء التي أوردها السهروردي في كتبه المختلفة، بجانب صعوبة فهمها وغموضها، تنطوي على آراء مخالفة للعقيدة الإسلامية، وتقترب في مضمونها من فكرة وحدة الوجود، وتجعل ما أسماه "الحكيم المتألّه" في مرتبة الأنبياء أو أعلى درجة.
وقد عدّ السهروردي نفسه (القطب) الذي تبغي له الرئاسة، وأنه المؤهل ليكون خليفة الله!، الأمر الذي أدّى بعدد من الفقهاء إلى القول بتكفيره"( ).
وفي تفسيره لموافقة صلاح الدين على الحكم الذي أصدره فقهاء حلب بإعدام السهروردي الزنديق، يقول سبط ابن الجوزي: "إن صلاح الدين كان مبغضاً لكتب الفلسفة وأرباب المنطق ومن يعاند الشريعة"( ).
أما المؤرخ بروكلمان، فقد أشار في تاريخه، إلى اعتقاد علماء وفقهاء حلب بارتباط السهروردي بأفكار القرامطة، تلك الجماعة الإسماعيلية المعادية للدولة، والتي شنت الحروب على المسلمين وقادتهم.
للاستزادة:
1.…"منهاج السنة النبوية"، شيخ الإسلام ابن تيمية.
2.…"النجوم الزاهرة"، ابن تغري بردي.
3.…"التصوف الإسلامي"، د. عزمي طه السيد.
4.…"الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة"، إعداد الندوة العالمية للشباب الإسلامي.
5.…"موسوعة الأديان الميسرة"، دار النفائس.
?
مواقف المفكرين من الشيعة
(22)(39/20)
هذه سلسلة من البحوث كتبها مجموعة من المفكرين والباحثين عن عقيدة وحقيقة مذهب الشيعة من خلفيات متنوعة ومتعددة ، نهدف منها بيان أن عقائد الشيعة التي تنكرها ثابتة عند كل الباحثين ، ومقصد آخر هو هدم زعم الشيعة أن السلفيين أو الوهابيين هم فقط الذين يزعمون مخالفة الشيعة للإسلام(الراصد).
الدكتور الشيخ مصطفى السّباعي
من كتاب: "السُّنة ومكانتها في التشريع الإسلامي"
(ص7 – 12) و (ص127 – 133)
نحن نقرأ بالألم الممزوج بالحسرة ما كان من الفتن الدموية بين علي ومعاوية حول الخلافة، ثم ما جرت وراءها من ذيول لا نزال نلمس آثارها حتى اليوم، وأنا لا أشك في أن أعداء الله اليهود، وكثيراً من الأعاجم الذين استولى الإسلام على بلادهم، كان لهم أثر كبير في إيقاد نار تلك الفتن، ثم في توسيع شقة الخلاف بين المسلمين بالكيد والدسائس واختلاق الأكاذيب على رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديث ينسبونها إليه.
وأعتقد أن جمهور المسلمين - وهم أهل السنة - كانوا أكثر إنصافاً وتأدباً مع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم الذين أثنى الله عليهم في كتابه ورضي عنهم ونوَّه بفضلهم في الهجرة والنصر، فليس من الجائز ولا المعقول ولا اللائق بكرامة دين الله ورسوله أن ينقلب هؤلاء الأصحاب بعد وفاة الرسول إلى الحالة التي تصورهم بها مصادر الشيعة، ولو أنك قرأت وسمعت ما يكتبونه ويقولونه في مجالسهم في حق هؤلاء الأصحاب، لقلت: إنهم أشبه ما يكونون بعصابة من اللصوص وقطاع الطرق، لا دين لديهم ولا ضمائر عندهم تردعهم عن الكذب والتآمر والتهالك على الدنيا وحيازة أموالها ولذائذها: "لشدَّ ما تحلَّبا شطريها"( )، مع أن الثابت الصحيح من تاريخهم أنهم كانوا أتقى لله وأكرم في السيرة من كل جيل عرفته الإنسانية في القديم والحديث، ومع أن الإسلام لم ينتشر في العالم إلا على أيديهم وبجهادهم ومفارقتهم الأهل والبلد في سبيل الله والحق الذي آمنوا به.(39/21)
ومن الواضح أن السبب الذي بدأت به الفرقة، وهو النزاع حول الأحق بالخلافة ورئاسة الدولة، لم يعد موجوداً في عصرنا هذا، بل منذ عصور كثيرة، فقد أصبحنا جميعاً تحت سلطة المستعمرين، فلم يبق لنا ملك نتقاتل عليه، ولا خلافة نختلف من أجلها،
وذلك مما يقتضي جمع الشمل وتقريب وجهات النظر، وتوحيد كلمة المسلمين على أمر سواء، وإعادة النظر في كل ما خلفته تلك المعارك من أحاديث مكذوبة على صحابة رسول الله وأصفيائه، وحملة شرعه وحاملي لوائه.
وقد بدأ علماء الفريقين في الحاضر يستجيبون إلى رغبة جماهير المسلمين في التقارب، ودعوة مفكريهم إلى التصافي، وأخذ علماء السنة بالتقارب عملياً، فاتجهوا إلى دراسة فقه الشيعة ومقارنته بالمذاهب المعتبرة عند الجمهور، وقد أدخلت هذه الدراسة المقارنة في مناهج الدراسة في الكليات وفي كتب المؤلفين في الفقه الإسلامي.
وإنني شخصياً - منذ بدأت التدريس في الجامعة - أسير على هذا النهج في دروسي ومؤلفاتي. ولكن الواقع أن أكثر علماء الشيعة لم يفعلوا شيئاً عملياً حتى الآن، وكل ما فعلوه جملة من المجاملة في الندوات والمجالس، مع استمرار كثير منهم في سب الصحابة وإساءة الظن بهم، واعتقاد كل ما يروى في كتب أسلافهم من تلك الروايات والأخبار، بل إن بعضهم يفعل خلاف ما يقول في موضوع التقريب، فبينما هو يتحمس في موضوع التقريب بين السنة والشيعة، إذا هو يصدر الكتب المليئة بالطعن في حق الصحابة أو بعضهم ممن هم موضع الحب والتقدير من جمهور أهل السنة.
في عام 1953 زرت عبد الحسين شرف الدين في بيته بمدينة "صور" في جبل عامل، وكان عنده بعض علماء الشيعة، فتحدثنا عن ضرورة جمع الكلمة وإشاعة الوئام بين فريقي الشيعة وأهل السنة، وأن من أكبر العوامل في ذلك أن يزور علماء الفريقين بعضهم بعضاً، وإصدار الكتب والمؤلفات التي تدعو إلى هذا التقارب. وكان عبد الحسين رحمه الله متحمساً لهذه الفكرة ومؤمناً بها.(39/22)
وتم الاتفاق على عقد مؤتمر لعلماء السنة والشيعة لهذا الغرض، وخرجت من عنده وأنا فرح بما حصلت عليه من نتيجة، ثم زرت في بيروت بعض وجوه الشيعة من سياسيين وتجار وأدباء لهذا الغرض، ولكن الظروف حالت بيني وبين العمل لتحقيق هذه الفكرة، ثم ما هي إلا فترة من الزمن حتى فوجئت بأن عبد الحسين أصدر كتاباً في أبي هريرة مليئاً بالسباب والشتائم!!
ولم يتح لي حتى الآن قراءة هذا الكتاب الذي ما أزال أسعى للحصول على نسخة منه، ولكني علمت بما فيه مما جاء في كتاب أبي رية من نقل بعض محتوياته ومن ثناء الأستاذ عليه، لأنه يتفق مع رأيه في هذا الصحابي الجليل( ).
لقد عجبت من موقف عبد الحسين في كلامه وفي كتابه معاً، ذلك الموقف الذي لا يدل على رغبة صادقة في التقارب ونسيان الماضي، وأرى الآن نفس الموقف من فريق دعاة التقريب من علماء الشيعة، إذ هم بينما يقيمون لهذه الدعوة الدور، وينشئون المجلات في القاهرة، ويستكتبون فريقاً من علماء الأزهر لهذه الغاية، لم نر أثراً لهم في الدعوة لهذا التقارب بين علماء الشيعة في العراق وإيران وغيرهما، فلا يزال القوم مصرين على ما في كتبهم من ذلك الطعن الجارح والتصوير المكذوب لما كان بين الصحابة من خلاف، كأن المقصود من دعوة التقريب هي تقريب أهل السنة إلى مذهب الشيعة، لا تقريب المذهبين كلٍّ منهما إلى الآخر.
ومن الأمور الجديرة بالاعتبار أن كل بحث علمي في تاريخ السنة أو المذاهب الإسلامية مما لا يتفق مع وجهة نظر الشيعة، يقيم بعض علمائهم النكير على من يبحث في ذلك، ويتسترون وراء التقريب، ويتهمون صاحب هذا البحث بأنه متعصب معرقل لجهود المصلحين في التقريب، ولكن كتاباً ككتاب المرحوم الشيخ "عبد الحسين شرف الدين" في الطعن بأكبر صحابي موثوق في روايته للأحاديث في نظر جمهور أهل السنة، لا يراه أولئك العاتبون أو الغاضبون عملاً معرقلاً لجهود الساعين إلى التقريب!..(39/23)
ولست أحصر المثال بكتاب "أبي هريرة" المذكور، فهنالك كتب تطبع في العراق وفي إيران وفيها من التشنيع على عائشة أم المؤمنين وعلى جمهور الصحابة ما لا يحتمل سماعة إنسان ذو وجدان وضمير، مما يذكّر الناس بآثار الماضي، ويؤجج نيران التفرقة من جديد، وكتاب "أبي رية" هو من هذه الكتب التي إن رضي الشيعة عما جاء فيه بحق الصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه، فإنه ـ بلا شك ـ سبب لفتح أبواب العداوة من جديد، أو على الأقل سبب للأخذ والرد، وتذكر موقف الشيعة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فإذا كنا نأخذ عليه اعتماده على مصادر الشيعة في كتابه المذكور، وإذا كنا نتحدث عن موقف الشيعة من الحديث فإنما نبحث ذلك، أولاً: في حدود النطاق العلمي التاريخي، وحقائق التاريخ لا مجاملة في الحديث عنها حين يكون المجال مجال علم ودراسة وتحقيق، وثانياً: لتصحيح الأخطاء التاريخية التي استمدها من كتب الشيعة.
ولقد كنت كتبت بحث (موقف الشيعة من السنة) في هذا الكتاب - وهو أطروحة علمية تقدم إلى علماء في معهد علمي لنيل شهادة علمية - ومع ذلك فلقد كنت أرجئ نشر هذا الكتاب - المقدم للطبع الآن - لأسباب عديدة: منها أنني أريد أن أقدم لبحثي ذاك بتمهيد أوضح فيه رأيي بضرورة التقارب بين السنة والشيعة في هذا العصر الذي نعيش فيه، وأنني لم أقصد ببحثي الإساءة إلى شعور الشيعة أو استثارة عداوتهم، لا لشيء إلا لأني كنت وما أزال من دعاة التقارب الصحيح وتصفية آثار الماضي.(39/24)
ولما أخذت إحدى المجلات العلمية مني النسخة الوحيدة التي عندي من كتابي هذا رغبة في نشر بعض أبحاثه، لفتُّ نظر المسؤول عنها إلى أن فيه بعض الأبحاث التي أريد التمهيد لها ببعض الإيضاح، ولكنني فوجئت وأنا في بيروت للاستشفاء أن هذه المجلة نشرت البحث المتعلق بموقف الشيعة من السنة، وأن ذلك ترك أثراً غير مستحب في الأوساط الشيعية، وعلقت عليه بعض مجلاتهم، أخبرني بذلك الشاعر الكبير الأستاذ "أحمد الصافي النجفي" الذي أقدر فضله وأدبه، فأوضحت له موقفي من هذا الموضوع وأنه نشر بغير علمي. وهكذا أريد أن ألفت النظر الآن مرة أخرى إلى أن كل ما جاء في هذا الكتاب إنما هو عرض تاريخي لا بد منه لكل من يؤرخ للسنة وتحدث عن مراحل جمعها وتدوينها، ولا يستطيع أن يغفل ذلك عالم يحترم نفسه ويريد من العلماء أن يحترموا كتابه، ولم أكتب فيه إلا ما أعتقد أن البحث العلمي يؤيده ويثبته.
ومع هذا فليس فيما كتبته ما يسيء إلى أية شخصية يحترمها الشيعة ويجلونها كما يفعلون هم بالنسبة إلى جمهور الصحابة، ذلك أنا نحب علياً رضي الله عنه ونجله ونعرف مكانته من الإسلام والعلم والفضل، كما نحب أئمة أهل البيت من ذرية علي رضي الله عنه، ونحترم علمهم وفضلهم، وحبذا لو يفعل الشيعة كما نفعل، فنلتقي على كلمة سواء!
وأعود فأكرر دعوتي للمخلصين من علماء الشيعة، وفيهم الواعون الراغبون في جمع كلمة المسلمين، أن نواجه جميعاً المشاكل التي يعانيها العالم الإسلامي اليوم، من انتشار الدعوات الهدامة التي تجتث جذور العقيدة من قلوب شباب السنة ولعل في الحوادث الجارية الآن( ) في بعض بلادنا العربية ما يؤكد ما أقول به، وأكرر دعوتي بوضع أسس التقارب الصحيح العملي لا القولي.
وفي مقدمة ذلك الاتفاق على تقدير صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين على أيديهم انتقل هذا الدين إلينا، وبواسطتهم أخرجنا الله من الظلمات إلى النور. (انتهت المقدمة).
السُنة مع الشيعة والخوارج(39/25)
لم يكن الصحابة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يخالجهم أدنى شك في أن أمر الرسول واجب الاتباع وأنه مرسل إلى الناس كافة، وأن عليهم أن يبلغوا رسالته إلى الناس جميعاً وإلى الأجيال المتلاحقة من بعدهم، ولقد أنبأنا التاريخ الثابت أنهم في حياة الرسول لم يكن بعضهم ينظر إلى بعض نظر الريبة أو العداء، بل كانوا إخوة متحابين، تجمعهم عقيدة واحدة وأهداف واحدة، ويربط بين قلوبهم جميعاً حب نبي واحد وكتاب واحد وشرع واحد.
ولقد أخبر الله عنهم بما يدل على تمكن الأخوة فيما بينهم بقوله: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ} [الفتح:29]،
وقال تعالى في الأنصار خاصة: {يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر:9].
وقد كانوا فيما بينهم مضرب الأمثال في الحب والتعاون والإيثار، لا يختلفون إلا في حق، وإذا اختلفوا فسرعان ما يفيئون إلى الحق حين يتبين لهم، ثم هم في خلافهم أكمل الناس أخلاقاً، وأوفرهم آداباً، وأكثرهم صيانة للحرمات، هكذا كانوا: لا يكذب بعضهم بعضا، ولا يتهم بعضهم بعضا، يعرفون للمتقدم منهم في إسلامه فضله، ويشكرون للمكثر منهم إنفاقه على الدعوة وبذله، ولا يحسد بعضهم بعضاً على ما آتاهم الله من خير وبركة، فحسبهم من الخير المشترك بينهم جميعاً، أنهم أصحاب رسول كريم، ودعاة شرع قويم، أنقذهم الله من الضلالة إلى الهدى فكانوا أسعد الناس وأحسنهم حالا.(39/26)
ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان أول خلاف وقع بين الصحابة اختلافهم فيمن يتولى الخلافة عنه، ومع أنه كان خلافاً في أمر من أشد شؤون الجماعات والأمم خطراً، وهو الرئاسة العليا للدولة، فقد كان حديثهم وتبادلهم للآراء ودفاع كل منهم عن رأيه، وانتهاؤهم إلى الرأي الذي وافقوا عليه جميعاً، لقد كان ذلك عجبا من العجب، في ضبط النفس، وحسن الأداء، وحرمة الصحبة، ونشدان الحق، لا نعرف له مثيلا في تاريخ المجالس النيابية في العصر الحاضر، فكيف بتلك العصور التي لم تعرف فيها الأمم مبدأ الشورى، ولا كان للشعوب حق في اختيار ولاتها وأمرائها.
إنك لتقرأ في مصادر التاريخ الصحيحة أخبار سقيفة بني ساعدة، كيف اجتمع فيها الأنصار عقب وفاة الرسول ليختاروا من بينهم أمير المسلمين وخليفته من بعده، وكيف سارع شيوخ المهاجرين وعلى رأسهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة، إلى إخوانهم الأنصار، وكيف استمعوا إلى حججهم بأدب واحترام، وكيف أدلى أبو بكر برأيه ورأي المهاجرين، فوفّى الأنصار حقهم من فضل النصرة للإسلام والذود عن رسول الله، وإيواء المهاجرين والترحيب بهم، ثم ذكر فضل المهاجرين بلا تبجح ولا غرور.(39/27)
وذكر أن العرب لا يدينون إلا لهذا الحي من قريش، وأنه إن كان الأمير من الأوس نفست عليهم الخزرج، وإن كان من الخزرج نفست عليهم الأوس، ثم كيف عدل الأنصار عن رأيهم في الانفراد بالخلافة إلى أن يكون منهم أمير ومن المهاجرين أمير، وكيف أجابهم المهاجرون بأن هذا أول الوهن والضعف، وكيف اقترح أبو بكر على الحاضرين أن يبايعوا عمر أو أبا عبيدة، فإذا عمر يقول لأبي بكر: أنت أفضل مني، فيقول أبو بكر لعمر: ولكنك أقوى مني، فيقول عمر: إن قوتي مع فضلك، ثم يسرع فيبايع أبا بكر فيبايعه المهاجرون، فيتسابق الأنصار إلى مبايعته حتى إنهم ليكادون يطؤون زعيمهم "سعد بن عبادة"، وهو الذي كان مرشحا منهم للخلافة، فينتهي الأمر بإجماع من في السقيفة على مبايعة أبي بكر فيبايعه الجمهور بعد ذلك، إلا عليَّا ونفرا معه تريثوا قليلا ثم بايعوا.
وبذلك تمت الخلافة له وانتهى هذا المشكل الخطير دون أن تراق قطرة دم أو تشتبك الأحزاب فيما بينها، أو توغر الصدور بالتهم الباطلة والتحامل المثير، إنك لتقرأ هذا وأمثاله، فإذا هو يعطيك صورة واضحة لأدب القوم وسموِّ نفوسهم وتماسك مجتمعهم، وقوة صلات التعاون والإخاء فيما بينهم.(39/28)
واستمر الأمر على ذلك طيلة خلافة أبي بكر وعمر وصدراً من خلافة عثمان، يتعاونون على الخير في أوسع معنى التعاون، ويتناصحون بالمعروف في أروع صور التناصح، ويختلفون في التشريع في أدق معاني الاختلاف، ثم لا يصرفهم عن الجهر بالحق صداقة ولا مجاملة ولا رئاسة ولا فضل، صرحاء صراحة العربي الذي لا يعرف نفاقا ولا خداعاً، أدباء أدب الحضري الذي لا يعرف قسوة ولا فظاظة، متعاونون تعاون الأخوة لا يعرفون علوا ولا استكباراً، مطيعون طاعة الجندي لا يعرفون تمرداً ولا اختلافاً، بنَّاؤون في كيان الدولة الجديدة والشرع الجديد والأمة الجديدة، كأتم ما يكون البناؤون دقة نظر، وسعة علم، وبذل جهد، واستقصاء وسيلة. حتى إذا كانت الفتنة أواخر خلافة عثمان، واندس بينهم أعداء الله من يهود وأعاجم تظاهروا بالإسلام، وكان ما قضى الله به من مقتل الخليفة الثالث ثم الخليفة الرابع، ثم استتب الأمر لمعاوية، هناك رأينا ألسنة السوء تتطاول على هؤلاء الأصحاب، وتتستر بحب علي رضي الله عنه، لتروي غيظها ممن أقاموا قواعد الدين الجديد بسواعدهم ودمائهم وأرواحهم.
وكما تطاول المتظاهرون بالتشيع لعلي تطاول الخوارج أيضاً بعد التحكيم، وكفَّروا جمهور الصحابة الموجودين يومئذ، لأنهم خالفوا أمر الله في زعمهم، ومن خالف أمر الله كفر، بينما وقف الجمهور من اختلافات الصحابة موقف المعتدل، فهم يرون أن الخلفاء الثلاثة أحق من عليّ بالخلافة، ويرونه أحق من معاوية بها، ولكنهم مع تأييدهم للخلفاء قبل علي ثم لعلي مع معاوية، يلتزمون جانب الأدب مع جميع هؤلاء الصحاب، فيعتذرون للمخطئ منهم بأنهم مجتهدون فيما قاموا به، ولا إثم على المجتهد فيما يخطئ ما دام الحق رائده.(39/29)
وهؤلاء الأصحاب لهم من بلائهم في الإسلام، وخدمتهم في نشر لوائه، وتفانيهم دون رسول الله وشريعته، وصحبتهم له وتأدبهم بأدبه، ولهم من تاريخهم الأول قبل الفتنة وأدبهم وأخلاقهم وسُمُوِّ نفسهم، ما يجعلنا نعتقد فيهم الخير جميعاً، ونذهب إلى أنهم كانوا جميعاً مجتهدين يريدون الحق، فللمصيب منهم أجران وللمخطئ أجر، كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث مشهور حول اجتهاد الحاكم( ).
ولو كان الخلاف محصوراً ضمن دائرة هؤلاء الصحابة الكبار ومن شايعهم من جمهور الصحابة والتابعين، لبقي مطبوعاً بطابعهم الذي عرفوا به، من حسن الأدب واحترام الصحبة، مع الجهر بالحق والصراحة به، ولكن دسائس خصوم الإسلام ودخول غمار الشعوب المسلمة في هذه المعارك الخلافية، أضاف إلى تاريخ هؤلاء الصحابة كلاما لم يقله بعضهم في حق بعض، ولم يعرف عنهم قط أنهم ينزلقون إلى منحدره،
ومع الأسف فقد وجدت هذه النقول المكذوبة آذانا صاغية عند جمهور الشيعة بل إن أول من تطاول على الصحابة وملأ المجالس بالأحاديث المكذوبة عليهم وفي حق عليٍّ وفضله، هم الشيعة باعتراف المحققين كما سبق لنا نقله عن ابن أبي الحديد( ).
رأي الخوارج: وأياً ما كان، فقد أدى هذا الخلاف بين الصحابة إلى أن يكون لكل من الخوارج والشيعة رأيٌ في الصحابة غير رأي الجمهور من المسلمين فالخوارج على اختلاف فرقهم يعدلون الصحابة جميعاً قبل الفتنة ثم يكفرون عليَّاً وعثمان وأصحاب الجمل والحكمين ومن رضي بالتحكيم وصوَّب الحكمين أو أحدهما( ).…
وبذلك ردوا أحاديث جمهور الصحابة بعد الفتنة، لرضاهم بالتحكيم وأتباعهم أئمة الجور على زعمهم فلم يكونوا أهلا لثقتهم.(39/30)
رأي الشيعة: وجمهور طوائف الشيعة - ونعني بهم من ظلوا في دائرة الإسلام - يجرحون أبا بكر وعمر وعثمان ومن شايعهم من جمهور الصحابة، ويجرحون عائشة وطلحة والزبير ومعاوية وعمرو بن العاص ومن انغمس معهم في اغتصاب الخلافة من عليّ، وبالأحرى أنهم يجرحون جمهور الصحابة إلا نفراً ممن عرفوا بولائهم لعليٍّ رضي الله عنه، وقد ذكر بعضهم أنهم خمسة عشر صحابياً فقط وأقاموا على ذلك مذاهبهم من رد أحاديث جمهور الصحابة، إلا ما رواه أشياع عليّ منهم، على أن يكون رواية أحاديثهم من طرق أئمتهم لاعتقادهم بعصمتهم، أو ممن هو على نحلتهم.
والقاعدة العامة عندهم أن من لم يوالِ علياً فقد خان وصية الرسول، ونازع أئمة الحق، فليس أهلا للثقة والاعتماد، وقد خالف جمهور الشيعة في هذا الرأي فريق منهم، وهم الزيدية القائلون بتفضيل عليّ على أبي بكر وعمر، مع الاعتقاد بصحة خلافتهما والإشادة بفضلهما، وهؤلاء يعدون أكثر طوائف الشيعة اعتدالا، وفقههم قريب من فقه أهل السنة.
رأي الجمهور: أما جمهور المسلمين فقد حكموا بعدالة الصحابة جميعاً، سواء منهم من كان قبل الفتنة أو بعدها، وسواء منهم من انغمس فيها أو جانبها، ويقبلون رواية العدول الثقات عنهم، إلا ما جاء عن طريق أصحاب عليّ فإنهم لا يقبلون منها إلا ما كان من رواية أصحاب عبد الله بن مسعود، لأنهم ثقات مأمونون لم يستجيزوا الكذب على عليٍّ كما فعل أشياعه من الرافضة.
كان من آثار هذا الاختلاف في النظر إلى الصحابة أن هوجمت السنة التي جمعها الجمهور وحققها أئمتهم ونقادهم، منذ عصر الصحابة حتى عصر الجمع والتدوين، من قبل الشيعة التي وصمت أحاديث الجمهور بالكذب والوضع، وخاصة ما كان منها في فضائل الصحابة الذين يخاصمهم جمهور الشيعة، ولم يقبلوا من أحاديث أهل السنة إلا ما وافق أحاديثهم التي يروونها عن أئمتهم المعصومين في نظرهم، وبذلك حكموا على أحاديث بالوضع هي عند الجمهور من أرقى طبقات الصحيح.(39/31)
وخذ لذلك مثلاً الحديث الذي أخرجه البخاري من أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بسد كل خوخة تُطِلُّ على المسجد من بيوت الأصحاب، إلا خوخة أبي بكر، فهذا الحديث الذي استكمل شرائط الصحة عند الجمهور وارتفع عن مستوى الضعف أو الشك في نظر النقد العلميِّ الصحيح، هو عند الشيعة مكذوب وموضوع لمقابلة حديث زعموا صحته وهو أن النبي أمر أن تسد الأبواب كلها إلا باب علي.
وخذ لذلك مثلا آخر يدلك على العكس، وهو حديث (غدير خم)( )، فهذا الحديث الذي يكاد يكون عمدة المذاهب الشيعية كلها ودعامتها الأولى، والأساس الذي أقاموا عليه نظرتهم إلى الصحابة وخصومتهم للخلفاء الثلاثة وأشياعهم من جمهور الصحابة، هو عند أهل السنة حديث مكذوب لا أساس له، لفقه غلاة الشيعة ليبرروا به هجومهم وتجنيهم على صحابة الرسول، وقد قدمنا لك كيف قضت القواعد التي وضعها أئمة الجمهور لنقد الحديث بكذب هذه الرواية.
واعتقد أنه لا يسع المنصف المحايد من موافقة الجمهور على ذلك، إذ أن العقل يحكم باستحالة كتمان جمهور الصحابة أمر الوصية التي زعم الشيعة أنها كانت علانية على ملأ منهم، كما يحكم باستحالة اتفاقهم جميعاً على غمط عليٍّ، وكتمانهم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم الذين بلغ حرصهم على نشر دين الله وتأدية أحكامه كاملة غير منقوصة، أن يجهروا بالحق مع ولاتهم دون أن يخافوا حساباً أو عقاباً، هذا في أمور بسيطة كمهور النساء أو القعود في خطبة الجمعة، فكيف بوصية أوصى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم صحابته جميعاً وعيّن من يكون الخليفة بعده؟!(39/32)
ومعلوم أن مخالفة الرسول عن عمد عصيان وفسق إلا إذا كان مع استحلال فيكون كفراً، ليت شعري إذا كذب صحابة الرسول جميعا على رسول الله وكتموا أمره بالوصاية لعلي حتى أصبحوا جميعاً فساقاً أو كفاراً، كيف نطمئن إلى هذه الشريعة التي لم تُروَ إلا عن طريقهم؟ وهل يليق برسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون صحابته كذابين مخادعين اجتمعوا كافتهم على كتمان الحق ومناصبة صاحبه العداء؟!
وكما وقف الشيعة من حديث الجمهور ذلك الموقف، كذلك وقف الخوارج موقفا شبيها به، وهم وإن لم ينغمسوا في رذيلة الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما فعل أغمار الشيعة، نظراً لصراحتهم وتقواهم وبداوة طباعهم وبعدهم عن الأخذ بمذهب التقية الذي يؤمن به الشيعة، لكنهم خالفوا الجمهور في مواقف تشريعية كثيرة فرويت عنهم أحكام غريبة، مثل إباحتهم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها، وإنكارهم حكم الرجم الوارد في السنة، ولم يكن سبب ذلك كما زعم بعض الكاتبين جهلهم بالدين وجرأتهم على الله واستحلالهم لما حرم الله ورسوله، بل كان سببه ما ذهبوا إليه من رد الأحاديث التي خرجت بعد الفتنة أو التي اشترك رواتها بالفتنة.
وإنه لبلاء عظيم أن نسقط عدالة جمهور الصحابة الذين اشتركوا في النزاع مع عليّ أو معاوية، أو نسقط أحاديثهم ونحكم بكفرهم أو فسقهم، وهم في هذا الرأي لا يقلون عن الشيعة خطراً وفساد رأي وسوء نتيجة، وإذا كان مدار الاعتماد على الرواية هي صدق الصحابيّ وأمانته، فيما نقل - وقد كان ذلك موفوراً عندهم - وكان الكذب أبعد شيء عن طبيعتهم ودينهم وتربيتهم، فما دخل ذلك بآرائهم السياسية وأخطائهم؟(39/33)
أليس ذلك كمن يسقط زعيما وطنياً أبلى في القضية الوطنية أحسن البلاء وناضل الاستعمار بقلمه وماله ونفسه، من عداد الزعماء ويجرده من صفة الوطنية، وينكر فضائله كلها، ويرد أخباره كلها، لأنه كان زعيم حزب تولى الحكم فأخطأ، أو لأنه حارب زعيما وطنياً آخر وناصبه العداء، إذا كان هذا لا يجوز في حكم التاريخ والإنصاف والحق، فأولى ألا يجوز حكم الشيعة والخوارج على الصحابة الذين لم يوافقوا علياً رضي الله عنه في بعض المواقف السياسية، بإسقاط عدالتهم، وتجريحهم في مروياتهم، ووصمهم بأوصاف لا تليق بعامة الناس، فكيف بأصحاب رسول الله الذين كان لهم في خدمة الإسلام والرسول قدم صدق، لولاها لَكنِّا نتيه في الظلمات ولا نعرف كيف نهتدي سبيلا؟
خلاصة القول: أن السنة الصحيحة لقيت من عنت الشيعة والخوارج عناء كبيرا، وكان لآرائهم الجامحة في الصحابة أثر كبير في اختلاف الآراء والأحكام في الفقه الإسلامي، وفيما أثير حول السنة من شبه، ستطلع عليها عند الكلام عن شبه المستشرقين وأشياعهم.
?
أحمدي نجاد والثورة العالمية المقبلة
تأليف: شادي فقيه
قبل عدة أشهر، شغل الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد العالم بتصريحاته عن قرب عودة المهدي المنتظر، وضرورة الاستعداد لظهوره. ولم تكن تلك التصريحات عابرة أو فردية، ذلك أن نجاد كان يعبر - في الغالب - عن حالة شيعية عامة، تنتظر عودة "مهدي الشيعة" ليواكب أو يتوج الصعود الشيعي الواضح في إيران والعراق ولبنان وغيرها من البلدان.
وكتاب هذا الشهر "أحمدي نجاد والثورة العالمية المقبلة" الصادر سنة 2006 عن دار العلم في بيروت، هو أحدث الكتب الشيعية التي تناولت موضوع قرب ظهور المهدي، وقد ربط مؤلفه شادي فقيه عودة المهدي بالرئيس الإيراني نجاد، وذلك أن المؤلف يبشرنا بأن نجاد سيكون قائد قوات المهدي التي ستحرر القدس!!(39/34)
والكتاب الذي يقع في (216) صفحة، هو أحد الكتب التي يتبناها ويوزعها حزب الله في لبنان، ولذلك تم طبع الفصل الثاني بشكل منفرد وتوزيعه في بيروت مؤخراً وقد نشره في الإنترنت بشكل واسع وفيه علامات ظهور المهدي!! وذلك أن الكتاب يحمل ثناءً منقطع النظير للرئيس نجاد وللجمهورية الإيرانية التي يدين لها حزب الله بالولاء المطلق، كما يحمل ثناءً لحزب الله ورئيسه حسن نصر الله، وقبل ذلك تحتل مسألة المهدي المنتظر، وعودته عند الشيعة أهمية كبرى على اختلاف بلدانهم وتوجهاتهم.
يعترف المؤلف في مقدمته أن نجاد شخصية إشكالية و"أصبح أحد النجوم على الساحة السياسية، حيث تتسابق وسائل الإعلام لخطف أحد تصريحاته، التي يمكن أن تفجر وضعاً ما أو تشكل سبقاً صحفياً". وفي المقدمة أيضاً، يعقد المؤلف مقارنة بين الرئيس الإيراني نجاد وبين نظيره الأميركي جورج بوش، ويسرد عدداً من أوجه الشبه والخلاف بينهما.
وفيما يتعلق بنجاد، فإن المؤلف يذكر من صفاته وأفكاره: أنه متشدد وينتمي إلى اليمين المتطرف، ويعتقد أنه مسدد في أموره من الله مباشرة! كما يعتقد أن جيش تحرير القدس سيمر عبر العراق، سائراً على درب الخميني الذي كان يقول إن "الطريق إلى قدس يمر بكربلاء". والعبارة الأخيرة تحتاج إلى الوقوف عندها بعض الشيء، وربما تفسر شيئاً من التدخل والعنف والتخريب الذي تقوم به إيران في العراق.
الفصل الأول:
ويقسم المؤلف كتابه إلى ثلاثة فصول؛ يتناول في أولها أحمدي نجاد من حيث الشخصية والدين والسياسة، ويتحدث في هذا الفصل عن "تدين" نجاد وذكائه ومحاولات اغتياله ونظرة الغرب إليه وتصريحاته المثيرة التي دعا فيها تارة إلى نقل إسرائيل إلى أوروبا وتارة محوها عن الخارطة.(39/35)
ومما أكد عليه المؤلف في هذا الفصل، شدة تعلق نجاد بالمهدي المنتظر، ويروي حكاية مفادها أنه في اجتماع لمجلس الوزراء الإيراني، وقعوا على اتفاق بينهم وبين المهدي المزعوم! وحمل الرسالة التي تحمل الاتفاق، وزير الثقافة الإسلامية صفارها رندي، وألقاها في بئر جامكاران القريبة من قم حيث يلقي الحجاج الإيرانيون طلباتهم كل يوم أربعاء، لأنهم يعتقدون أن المهدي بارك هذا المكان، ويقضي حاجات الذين يأتون إليه. ويعتبر المؤلف أن التشدد الإيراني فيما يتعلق بالسلاح النووي يرتبط بالمهدي المنتظر ارتباطاً وثيقاً، ذلك أن نجاد والمقربين منه يعتبرون أن مقاومة الضغوط الدولية التي ترغب بمنع إيران من امتلاك التكنولوجيا النووية واحدة من الوسائل التي تهيء لظهور المهدي (ص 47).
الفصل الثاني: إيران والثورة العالمية المقبلة:
الثورة العالمية التي يقصدها المؤلف شادي فقيه هي ظهور مهدي الشيعة الذي "سيظهر في آخر الزمان وسيقيم العدل والسعادة في الكون بأجمعه وليس فقط على الأرض...." (ص58).
والمؤلف؛ وهو يعتقد أن عودة مهدي الشيعة قريبة جداً، ويقرر أننا نعيش الآن فيما أسماه "عصر الظهور" يذكر (17) علامة اعتبرها ممهدة لظهور المهدي، ويتضح مدى التكلف في هذه العلامات وتفصيلها على أشخاص معنينين، حتى أنه استبق سرده لهذه العلامات بالقول أن هذه العلامات تشير إلى أننا نعيش في زمن ظهور المهدي (ع)، وأن أحمدي نجاد هو قائد قواته، وأن مرشد الثورة (علي خامنئي) هو صاحب رايته! وجدير بالذكر أن هذا الفصل من الكتاب الذي يتحدث عن علامات ظهور المهدي طبع في كتاب مستقل - مع بعض الاختلافات - باسم مؤلف آخر هو "فارس فقيه" عن دار النشر ذاتها في (24) صفحة. ووزع بشكل كثيف في لبنان أثناء الصراع الإسرائيلي مع حزب الله الأخير!!(39/36)
ثم يبدأ المؤلف بسرد بعض الأحداث التي اعتبرها ممهّدة لظهور المهدي، مفسّراً إياها تفسيراً حالياً، وكأنه يفصلها على مراجع الشيعة وزعمائها المعاصرين مثل الخميني وخامنئي ونجاد ومحمد باقر الصدر وحسن نصر الله. وأهم هذه العلامات من وجهة نظر المؤلف:
1.…اجتماع اليهود في أرض فلسطين، حيث يقول المؤلف بأن مهدي الشيعة سيقود المعركة الفاصلة التي تقضي على اليهود.
2.…خروج رجل من قم يدعو الناس إلى الحق. واعتبر المؤلف أن هذا الرجل هو الخميني.
3.…قوة عسكرية وإعلامية للإمام قبل الظهور، معتبراً أنها تنطبق على الحرس الثوري في إيران، وجيش المهدي في العراق، وحزب الله في لبنان.
4.…الثورة الإيرانية، حيث اعتبر المؤلف أن الثورة التي قام بها الخميني سنة 1979 و"تأسيس الجمهورية الإسلامية في إيران" أول التمهيد لدولة الإمام.
5.…أصحاب العمائم السود، الذين يقاتلون أعداء الإمام، ويقصد المؤلف بهؤلاء مراجع الشيعة وزعماءهم الكبار المعاصرين، الذين يدّعون (أو يدّعي أكثرهم) انتسابهم إلى آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، ويلبسون العمائم السود تمييزاً لهم عن غيرهم. وعنى المؤلف بهؤلاء (الخميني وخامنئي في إيران، ومحمد باقر الصدر ومحمد صادق الصدر ومحمد باقر الحكيم وشقيقه عبد العزيز الحكيم والسيستاني ومقتدى الصدر في العراق، وموسى الصدر وعباس الموسوي وحسن نصر الله في لبنان).
6.…حزب يقاتل على أبواب بيت المقدس، وعنى به حزب الله الشيعي اللبناني. وليس حماس التي تقاتل من عشرين سنة بشكل متواصل!!
7.…دخول قوات غربية إلى العراق، في أبريل/ نيسان 2003.
8.…استشهاد نفس زكيه في النجف مع (70) من الصالحين، وعنى به محمد باقر الحكيم الذي اغتيل في مدينة النجف، بعد خروجه من مقام الإمام علي.(39/37)
9.…انتقال العلم من النجف إلى قم، وعزا المؤلف ذلك إلى اضطهاد الرئيس العراقي السابق صدام حسين لعلماء الشيعة، وطرد بعضهم من العراق، فلجئوا إلى قم بإيران التي أصبح لها مكانة تفوق النجف، وقد اعتبر المؤلف أن ذلك يمهد لعودة المهدي.
10.…قيام حكم عراقي موالٍ لإيران، وهو ما يعيشه العراق في هذه الأيام، حيث صار لإيران سيطرة واضحة على مناطق عديدة في العراق، وخاصة في الجنوب.
11.…خوف الناس من الأوبئة والزلازل والأعاصير.
12.…انطباق مواصفات الخراساني على مرشد الثورة الإيرانية الحالي علي خامنئي، والخراساني عند الشيعة هو الذي يسلم الراية إلى المهدي عند ظهوره المزعوم، ويكون أعلى منصب عند أهل إيران (خراسان). وذكر الكتاب أن من صفات الخراساني التي تنطبق على خامنئي أنه من آل البيت، ومن خراسان، وصبيح الوجه، وفي خدّه الأيمن خال (شامة)، وفي يده اليمنى ضعف إثر تعرضه لمحاولة اغتيال، إضافة إلى أنه صاحب أعلى منصب في إيران.
13.…دخول مذنب إلى مدار الأرض فيغير كل الطبيعة الفلكية على الأرض.
14.…انطباق مواصفات شعيب بن صالح على أحمدي نجاد. وشعيب بن صالح الملقب بالشعبي الصالح عند الشيعة هو الذي يكون على مقدمة جيش المهدي أي قائد قواته. وهذا الصفات هي: شاب أسمر، نحيل، خفيف اللحية، من أهل الري (طهران)، صاحب عزيمة، ورجل حرب.(39/38)
15.…السفياني وانقلاب دمشق: حيث يدّعي الكتاب أنه قبل ظهور مهدي الشيعة بستة أشهر، يقع انقلاب عسكري في سوريا، يأتي بقائد سوري عميل لأميركا وإسرائيل، لقبه السفياني، يبث نفوذه داخل سوريا والعراق والأردن ولبنان، وتدخل قواته إلى الحجاز لقمع ثورة في المدينة للشيعة، ثم يدخل العراق ليقتل الشيعة، ويدخل لبنان لقتال "المجاهدين" ويحاصرهم في جبل عامل لكنه يجد منهم الشدة والقوة. وهذا كلام خطير قد يكون مخطط لثورة شيعية قادمة في المدينة المنورة !! وفي أثناء حصار السفياني لجبل عامل وقتاله للشيعة في العراق، تبدأ أخبار ظهور الإمام.
16.…الصيحة: حيث يزعم أنه ينادي منادٍ من السماء أن الحق مع آل محمد صلى الله عليه وسلم، وأن الصحية تكون في منتصف شهر رمضان.
17.…النفس الزكية: وبحسب المؤلف فإن المهدي لا يخرج حتى تقتل نفس زكية في الكعبة اسمه محمد ومن نسل الإمام الحسن، وتكون قبل الظهور بسنة أو في نفس سنة الظهور.
يقول المؤلف عن الصيحة والنفس الزكية: "وتعتبر هاتان العلامتان من أواخر العلامات قبل الظهور، فإذا قتلت النفس الزكية غضب عليهم من في السماء ومن في الأرض" (ص79).
وإضافة إلى العلامات السابقة، الواردة في كتاب "أحمدي نجاد والثورة العالمية المقبلة"، فإن كتاب "عصر الظهور" الذي سبق الإشارة إليه، أضاف ثلاث علامات أخرى تمهد لظهور المهدي حسب اعتقاد الشيعة هي:
18.…خروج ناصبي تكفيري يقتل زوار المقامات الشيعية، وقصد به أبا مصعب الزرقاوي الذي قتل مؤخراً.
19.…أخر حكام الحجاز اسمه الملك عبد الله. حيث يقول المؤلف أن الملك عبد الله بن عبد العزيز، ملك السعودية الحالي، سيكون أخر ملوك هذه الدولة، حيث سيؤدي موته إلى انقسام الأسرة الحاكمة على غرار ما حدث بالكويت، وتحويل السعودية إلى إمارات متناحرة.(39/39)
20.…انطباق مواصفات اليماني على حسن نصر الله. واليماني عند المؤلف هو صاحب راية حق ويدعو إلى المهدي واسمه الأول حسن والثاني نصر.
…الظهور: وبعد أن يسرد الكتابان ما اعتبراه العلامات الممهّدة لظهور مهدي الشيعة، يكون الظهور في سنة وتر (أي واحد، ثلاثة، خمسة،...) من السنين الهجرية ويبدأ ليلة التاسع من محرم (ليلة عاشوراء) في مكة التي يبدأ مهمته بالسيطرة عليها هو وأتباعه ومعاونوه وعددهم (313)، ولا تنتهي عملية الظهور "المقدس" حتى تمتلئ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً. يجدر أن نشير إلى أن العلامات المزعومة لظهور المهدي حوت تكلفاً واضحاً وكأنه يفصلها على زعماء الشيعة المعاصرين، الذين لا ندري ماذا سيفعل المؤلف إن مات أحدهم قريباً دون أن يسلم الراية للمهدي، أو يقود جيشه. وقد أورد المؤلف روايات مكذوبة على الأئمة ليدلل على استنتاجاته، كما تحدث عن بعض العلامات بدون أدلة أو حتى روايات. ومما يلفت الانتباه في أمر هذه الروايات أنها تغيب أهل السنة تغييباً تامّاً، فلا صالحين إلاّ زعماء الشيعة، ولا وجود لجيش صالح إلاّ حزب الله والحرس الثوري. ولعلّ الإشارة الوحيدة لأهل السنة وردت في مقام الذم، عندما كان يصفهم ـ تلميحاً ـ بأنهم أعداء المهدي. ولكي يخفف مؤلف كتاب "عصر الظهور" لدى القارئ وطأة ما في كتابه، نبّه إلى أنه وحده يتحمل مسؤولية الأفكار المطروحة فيه، وقد اعتمد على ما أسماه "الروايات المعتمدة وتحليله الخاص".(39/40)
…الجيش العقائدي: يعتبر المؤلف أنه كي يظهر الإمام المهدي لتخليص البشرية من الظلم، يجب أن يكون هناك جيش قوي عقائدي. فهل ينتبه مغفلي أهل السنة من السياسيين والإسلاميين !! وهذا الجيش بحسب المؤلف هو القوات العسكرية الإيرانية، التي تضم الجيش النظامي، وقوات الباسيج والقوات الأمنية (الشرطة، الاستخبارات، مكافحة الشغب...) إضافة إلى قوات الحرس الثوري الذي يشرح المؤلف شيئاً عن تجهيزه ومستواه. وفي هذا الفصل من الكتاب يتناول المؤلف سيناريو الحرب القادمة على إيران والحلف السوري الإيراني، وتبعات الحرب الإقليمية، والقنبلة النووية الإيرانية. وهذا يكشف البعد الشيعي المتطرف في تحركات القوى الشيعية في العراق وإيران والبنان والخليج وأن الموضوع هو عقيدة سياسية توسعيه تحاول السيطرة على المنطقة.
الفصل الثالث: الخلفية الدينية والروحية لنجاد والحرس: وفي هذا الفصل وهو آخر فصول الكتاب، يتحدث المؤلف في مواضيع عدة، فيتناول أولاً ما اعتبره أوجه شبه بين الخميني، وبين النبي صلى الله عليه وسلم، ليكيل بعدها المديح للخميني، وتأييد الأئمة له، وخاصة الإمام المهدي!! ثم يتحدث بالتفصيل عن حياة المرشد الروحي للحرس الثوري آية الله محمد تقي بهجت، ومرشد الثورة الحالي خامنئي، والشيخ مصباح يزدي الذي وصفه بأنه أحد أهم أركان الثورة الإيرانية، ويختم المؤلف هذا الفصل والكتاب بوضع نتائج استفتاء نشر في شبكة الإنترنت لمعرفة رأي الناس في نجاد وآرائه ومواقفه الإشكالية.
محاربة لعبة!
…قالوا: أطلقت السلطات التونسية حملة مداهمات لمحلات تبيع الدمية "فلة" بدعوى أنها يمكن أن تشجع الفتيات الصغيرات على ارتداء الحجاب.
العربية 21/9/2006
…قلنا: متى يدرك المسلمون خطورة هذا النظام الذي يحارب الإسلام جهاراً نهاراً ، حتى وصل به الحال أنه يريد وأد العفة في بنات المسلمين ولو باللعبة !!
إنهم قادمون(39/41)
…قالوا: كشفت الحكومة البحرينية مخططاً? ?إيرانياً? ?لشراء عدد من الأراضي? ?في? ?مختلف مناطق البحرين لأهداف سياسية منها?: ?دعم الجهات والجمعيات الموالية لإيران سراً،? ?ومحاول تغيير التركيبة السكانية،? ?و توزيع حلفائها على جميع المناطق .
جريدة الأيام 4/9/2006
…قلنا: يبدو أننا دخلنا مرحلة تصدير الثورة من جديد ، فهل ينتبه الآخرون ؟؟
مصيبة في الطريق
…قالوا: وزعت قبل أيام المؤسسات الثقافية والإعلامية التابعة لأحد كبار المراجع الشيعة في قم, الملا محمد تقي بهجت, والذي يؤكد ولادة قاتل الإمام الغائب المهدي المنتظر الإمام الثاني عشر عند الشيعة الاثني عشرية, وذلك اعتمادًا على الرؤيا التي رآها المرجع المذكور.
المفكرة 16/9/2006
…قلنا: إلى متى سيبقي الشيعة يعيشون في خرافة المهدي المنتظر ؟ ولماذا كثرت هذه الأيام ادعاءات قرب ظهور المهدي ؟ وكثر المدعون أنهم مساعدوه ؟؟ هل في الطريق مصيبة جديدة للمسلمين باسم المهدي، كما حصل من قبل فظهرت البابية والبهائية !!!
بأي صفة؟
…قالوا: عرض وزير خارجية إيران على الدول العربية التعاون مع نظرائهم في حزب الله ضد إسرائيل .
الوطن العربي 23/8/2006
…قلنا: هل هو زير خارجية إيران أم حزب الله ، أم أنه ولي الأمر لحزب الله .
الضحك على الذقون
…قالوا: حتى الآن لم يقدم حزب الله تعويضات للمخيمات الفلسطينية التي دمرت في عدوان إسرائيل الأخير !!
العميد منير مقدح – الوطن العربي 6/9/2006
…قلنا: وستبقون تنتظرون، كما ينتظر قادة حماس من شهور إقرار إيران دفع ما وعدت به الزهار من دعم ، وذلك أن إيران كسبت الدعاية والثناء وهذا يكفيها!!
توزيع ادوار
…قالوا: هناك حلف استراتيجي بين حزب الله وحركة أمل .
المسؤول السياسي لحزب الله، حسن عز الدين - مجلة المشاهد (545)(39/42)
…قلنا: الطيور على أشكالها تقع، ولكن لماذا الانشقاق عن أمل وتكوين حزب الله إذا كنتم ستتحالفون معها إستراتيجياً؟ أم هو توزيع الأدوار؟؟!
جزية العصر
…قالوا: مصدر أموال التعويض التي يقدمها حزب الله هي المتمولون والخمس .
حسن فضل الله نائب عن حزب الله في البرلمان اللبناني - النهار 28/8/2006
…قلنا: الخمس مرة أخرى جزية العصر ، تقدم على طبق من ذهب للأعداء باسم الإعمار ، وهذا يكشف عن حجم ما يجنيه قادة الشيعة من أتباعهم باسم الخمس .
بطاقة الهوية
…قالوا: لقد تعالت صيحاتهم ( غلاة الأقباط ) من قبل يطالبون بل يصرخون في كل المحافل بضرورة إتاحة مساحات الإعلان عن الهوية الدينية ...فإذا بنا نجد أصحاب نفس الأصوات تتعالي طالبة الستر من فضيحة الإعلان عن أمر الديانة في الهوية .
مدحت بشاي – مجلة آخر ساعة 23/9/2006
…قلنا: هكذا دوماً هم مفتعلو الأزمات في بلاد المسلمين ، تناقض وتخبط ، المهم هو أذية المسلمين وتوهين قواهم .
أكلت يوم أكل الثور الأبيض
…قالوا: والحركة الإسلامية متشبثة بعلاقتها التاريخية مع <حزب الله> وتدافع عنها بشراسة، خاصة وان العدوان الأخير قد كشف بأن الطرفين قد ذهبا بعيداً في علاقتهما، وعلى مستويات مختلفة، الى حد اتخاذ القرار بالدخول في المعركة الميدانية معاً ضد القوات الإسرائيلية في ما لو تجرأت على القيام بغزو بري للجنوب، ما لقي صدى بالغ الإيجابية لدى المقاومة التي ثمنت عالياً موقف <الجماعة>، وهو الأمر الذي عبر عن جزء منه السيد حسن نصر الله عندما طالب بإدخال <الجماعة> في اي حكومة وفاق مقبلة في البلاد.
موقع الجماعة الإسلامية في لبنان
…قلنا: لم يتعلم إخوان لبنان الدرس بعد ، فهل من قتل أهل المخيمات ويسكت عن مذابح السنة في العراق ، ويضيق عليكم الخناق في الجنوب كما يصرح قادتكم يصلح التحالف معه ؟!
الخليج الفارسي(39/43)
…قالوا: أطلق رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية الشيعية وعضو البرلمان العراقي عبد العزيز الحكيم تسمية الخليج الفارسي على الخليج العربي لأكثر من ثلاث مرات خلال حديثه لمجموعه من الصحافيين في بغداد.
المفكرة 26/8/2006
…قلنا: يكشف هذا لأصحاب العقول كيف يفكر قادة الشيعة في العراق ، وهنيئاً لإيران فلم تضع جهودك في تربية هؤلاء الخونة لبلدهم وعروبتهم
هنيئاً لك
…قالوا: "إنني لست ضد اليهود، إنني احترمهم جدا".
احمد نجاد 12/9/2006 بي بي سي
…قلنا: متى ينتهى الكذب الشيعي الإيراني على الشعوب الإسلامية ؟؟
?
حوار خطير يكشف حقائق الأزمة اللبنانية
مع مفتي جبل لبنان سماحة الشيخ محمد علي الجوزو
(مجلة أخر ساعة 30/8/2006)
أخطر ما في تفاصيل الحوار ما كشفه الرجل عن خفايا حزب الله وكيف يرفض الشيعة انضمام أي سني إلي صفوفهم؟! وماذا جري بينه وبين حسن نصر الله؟ وما جري بينه وبين الخوميني في طهران؟ والدور السوري والإيراني في لبنان والمنطقة .. والذي لا يعمل إلا علي خدمة أهداف النظام السوري الشخصية والمد الشيعي في المنطقة..
ولأن السحر ينقلب أخيرا علي الساحر، فقد جاء اعتراف وندم أمين عام حزب الله السيد نصر الله بخطئه عندما أمر بأسر الجنديين، وترتب علي ذلك تدمير لبنان .. ولكنه اعتراف ما بعد الخراب .. وهو الذي كان يعتبر في الأيام الأولي للحرب أن الحكمة خيانة .. وإلي تفاصيل الحوار الخطير والمثير جدا والذي امتد ثلاث ساعات كاملة مع سماحة الشيخ محمد علي الجوزو مفتي جبل لبنان.
* سماحة الشيخ محمد علي الجوزو: هل تعطينا رؤية عن الموقف في لبنان بعد قرار (1701)؟…(39/44)
….... المعركة في لبنان لم تكن معركة حزب الله فقط، هذه المعركة أصبح لها زمن طويل، عدة مرات هاجمت إسرائيل لبنان وانتصرت لبنان بإذن الله، دخلت إسرائيل عام 82 إلي قلب بيروت وحاصرتها 70 يوماً ثم انتصرت لبنان، ولم يكن حزب الله علي الساحة. لبنان بأكمله يستطيع أن يقول كل فرد إنه وقف إلي جانب القضية الفلسطينية وقدم الكثير من أجل هذه القضية وواجه إسرائيل بجبروتها وجرائمها واعتداءاتها ودفع الثمن غاليا في كل مرة.
……هنا، بعد أن خرج لبنان من حربه الطويلة حرب الـ (17) عاماً، والتي كانت من أصعب الحروب الأهلية علي لبنان؛ كان ذلك بفضل اتفاق الطائف الذي أعاد لبنان إلي أهله وبدأ السلام علي أرض لبنان وبدأ الإعمار وكانت الشقيقة سوريا هي التي تقوم بدور الوصاية علي الشعب اللبناني لفترة (30)، سنة لعبت فيها دوراً سيئاً جداً للأسف الشديد، كانت تستفيد من الخلافات المذهبية والطائفية، وتثير هذا الجانب علي ذاك لتضمن السيطرة علي أرض لبنان وشعب لبنان.
ولقد سألوني عدة مرات لماذا كان حزب الله الذي يحمل هوية شيعية وحده يقاتل علي الساحة ولم يكن لأهل السنة دور إلا المساندة والاحتضان كما تعرف.
وكنت أجيب الكثير من الإخوة الذين لا يعرفون حقيقة ما يدور علي الساحة اللبنانية بأن الشقيقة سوريا تحالفت مع الجانب الشيعي وأسست له جيشاً أو أكثر من جيش ومكنتهم من التسلح بالاتفاق مع إيران، بينما حرمت البقية من أبناء الشعب اللبناني من هذا الشرف، يعني منعتنا من أن نتسلح، بل وألقت الكثير من أبنائنا في السجون واضطهدتهم وعاملتهم أسوأ معاملة.(39/45)
ونحن نعرف كيف أن حافظ الأسد عندما دخل لبنان عام 1976 دخل من أجل ضرب الحركة الوطنية والثورة الفلسطينية علي أرض لبنان، وكان هذا بالاتفاق مع أمريكا وإسرائيل، وقد واجه مقاومة شديدة من قبل جميع الأطراف الموجودة علي الساحة اللبنانية، وكانت مقاومة شديدة لدخوله في هذا الوقت مما جعله أي حافظ الأسد خصماً للأطراف التي قاومته، وعلي رأسها أهل السنة والفلسطينيون، من هنا كان لابد له بعد ذلك أن يتحالف مع من؟ مع الشيعة، وهذا أخل بالتوازن علي الساحة اللبنانية وجعل المقاومة مقصورة علي إخواننا الشيعة.…
…ويضيف مفتي جبل لبنان: نحن الآن بعد أن حدث ما حدث علي أرض لبنان نود أن نبين للناس جميعاً أن اللبنانيين جميعاً وقفوا في معركة حزب الله ضد إسرائيل دون استثناء؛ مسيحيين ومسلمين، وتغاضوا عن محاسبة من كان السبب في هذه الحرب، لأن إسرائيل في طبيعتها دولة إجرامية بربرية، دولة عصابات قامت علي العصابات، وبقيت تتصرف بعقلية عصابات فعملت علي تدمير لبنان تدميراً وحشياً قضي علي كثير من القرى اللبنانية، وأيضا لم يبق من البنية التحتية إلا شيء قليل .. يعني كل ما قام به السيد رفيق الحريري من إعمار وبناء في لبنان دمرته يد الإجرام الصهيونية.
وهذا طبعا نشأ بسبب خطف الأسيرين الصهيونيين! الآن نحن نعيش مرحلة جديدة في لبنان، كنا نسعى بعد خروج سوريا من لبنان لبناء دولة محتضنة الجميع وتكون المواطنة فيها هي الأساس، وقد استجابت أكثر الطوائف في لبنان لهذا المشروع.. وكان هناك خلاف حول من هو صاحب القرار في الحرب والسلام علي أرض لبنان .. الدولة أم حزب الله؟ وللأسف الشديد قام حزب الله بما قام به ليقول إنه صاحب القرار في هذه المسألة، فترتب علي هذا الموقف ما ترتب عليه من دمار شامل يحتاج لسنوات من أجل معالجته.(39/46)
ويؤكد الشيخ الجوزو: نحن كلبنانيين نفتخر بما قام به حزب الله في مواجهته لإسرائيل، وفي صموده أمام الجبروت الإسرائيلي والجيش الذي لا يقهر، كما يقولون، وتأديب إسرائيل إلي حد ما، ولكننا نريد من الآن فصاعدا أن نتحرر نهائياً من التأثيرات الخارجية علي شعب لبنان وعلي حكومة لبنان، فالذي أوصلنا لما وصلنا إليه هو هذه التدخلات الخارجية .. سوريا لم تكن مرتاحة لخروجها بهذا الأسلوب، وهددت عدة مرات الشعب اللبناني. وكان آخر تهديد هو الخطاب الذي سمعناه ..
كذلك هناك الامتداد الإيراني الذي تبني حزب الله مادياً وعسكرياً، والذي كما قلنا أخل بالتوازن الطائفي والمذهبي علي أرض لبنان، كل هذه الأمور تجعلنا نقول إن انتصار لبنان الحقيقي ليس فيما حدث من تهديد لأمن إسرائيل في الداخل، ولكن الانتصار الحقيقي في أن يتحرر من التأثيرات المذهبية والعرقية التي تحاول أن تدمر الصيغة اللبنانية .. لا نريد تدخلاً سورياً أو تدخلاً إيرانياً .. نحن دولة عربية ولا نرغب أبدا في أن يتدخل أحد من العرب في شئوننا الداخلية ولا من العجم، وهذا شيء طبيعي .. لا توجد دولة تحترم نفسها تسمح بتدخل الآخرين في شئونها الداخلية. يعني لو أن العرب حاولوا أن ينشئوا حزبا لهم في داخل إيران، وهناك عربستان وهؤلاء عرب في قلب إيران ويمكن أن نستغل هذا.. لو أن الدول العربية حاولت إنشاء حزب تموله وتعطيه السلاح في إيران هل توافق إيران علي ذلك؟
* هل يعني ذلك أن هناك محاولة لتهميش السنة في المنطقة؟(39/47)
هناك محاولة للإبادة وطمس الهوية السنية نهائيا في العراق وعدم إشراكهم داخل الجيش ولا في الشرطة، فلماذا تحاول إيران أن تتدخل في الشأن العراقي والشأن اللبناني والشأن السوري، تحاول أن تمد يدها لكثير من الدول العربية عن طريق التشيع حتي وصل الأمر للأسف الشديد إلي مصر وعندي كتب الآن تصدر في مصر لكتاب أو باحثين مصريين تشيعوا بالمال يقومون بإصدار كتب تهاجم أهل السنة وتهاجم الصحابة وتتطاول علي عقيدة أهل السنة في عاصمة الأزهر الشريف في مصر.
ويضيف مفتي الجبل في لبنان: هذه طبعاً سياسة تخيفنا جميعاً لأنها تنذر بأخطار لا حدود لها .. صفق لنا الجميع وطربنا لهذا التصفيق وأثني علينا الناس جميعاً عندما حقق حزب الله ما حققه، ولكننا في نفس الوقت نقول إن هذا النصر يجب أن يكون نصراً لبنانياً محضا لا يتبناه بشار الأسد ولا يتبناه أحمدي نجاد. ثم تنصب الاتهامات علي الدول العربية الأخرى وتكون النتيجة أن نتحول إلي مطبلين ومزمرين لإيران، ونعطي شهادة النصر لها بينما تتهم الدول العربية بأبشع الاتهامات. لم يقل أحد بأن معركة حزب الله مع إسرائيل تعني أن تعلن الدول العربية الحرب وتجهز الجيوش لتقوم بدور عسكري إلي جانب حزب الله، هذا شيء غير معقول، حزب الله لم يشاور الحكومة اللبنانية ولم يشاور شركاءه في الوطن عندما بدأ هذه الحرب، وبالتالي لم يشاور أحداً من الحكام العرب حتى نلزم حكام العرب بالوقوف إلي جانب حزب الله عسكرياً. ولست مع الذين يحاولون التشهير بالعرب وبالحكام العرب في ظل هذه الحرب التي لم يكن أحد يحسب لها حساباً من قبل، حتى أن حزب الله نفسه فوجىء بردة الفعل الإسرائيلية كما اعترف قادته، أي أنه أيضاً لم يكن يتوقع أن يحدث ما حدث .. من هنا فإن الأمور تسير في طريق غير صحيح.
* ما هو الموقف في رأي سماحتك الآن؟(39/48)
أنا الآن أتوجه إلي حزب الله والسيد حسن نصر الله بأن يعيد النظر في كل ما حدث، فإنه رغم نشوة الانتصار لا شك أنه يتألم كثيراً للدمار والخراب الذي عم لبنان وأصاب قري بكاملها أكثرها من الشيعة وكثير من السنة.
أعتقد أن من واجبات حزب الله الآن أن يصحح المعادلة، ليس في لبنان فقط بل في المنطقة العربية ككل، لأن كل العرب صفقوا له. وعندما أقول العرب أعني السنة بشكل خاص صفقوا لحزب الله، ورفعوا صورة حسن نصر الله، هذا دليل حسن النية وعدم التعصب أو التملق عند أهل السنة، من هنا فإننا نطالب السيد حسن نصر الله أن يصحح المعادلة في لبنان، وأن يكون جزءاً من الدولة وليس دولة في داخل الدولة.
* وماذا بالنسبة للموقف الإيراني؟
أما إيران فهي دولة إسلامية وكنا نتمنى أن تكون قوة للمسلمين لا سبباً في تفريق صفوفهم وفي تمزيق ديارهم، يعني العمل علي تشيع المسلمين السنة في سوريا، في لبنان، في مصر، هذا تدخل في العقيدة واعتداء مباشر علي أهل السنة، نحن لا نحاول أبدا أن نؤثر علي أحد من الشيعة لكي يغير مذهبه، لذلك ليس من مصلحة إيران أن تقوم بهذا الدور حتي تظل علي صلة طيبة مع جيرانها العرب.
* والمشكلة الإيرانية مع الغرب وأمريكا؟
الكل يريد الوقوف إلي جانب إيران في محنتها الآن في مواجهتها للغرب وأمريكا وهي تضغط عليها من أجل أن تتخلي عن مشروعها الذي تقوم به، وكان بإمكان إيران أن تجد من العرب تأييدا كبيرا لولا أنها تشعر بأنها بقنبلتها الذرية ممكن أن تهدد العرب أنفسهم.
وهناك هدف من أهداف إسرائيل، أن تفرق بين السنة والشيعة، وهو هدف من أهداف أمريكا، وللأسف الشديد أريد أن أقول إن أمريكا تلعب دوراً خطيراً جداً في إذكاء هذه الصراعات خدمة لإسرائيل وخدمة لأهدافها بعيدة المدي .. من هنا نطالب حكامنا وقادتنا في الدول العربية أن يكون لهم موقف حاسم وحازم بالنسبة لأمريكا وبالنسبة لإيران، لأن الخطر يتهددنا جميعا دون استثناء.(39/49)
ثم بادرني سماحة الشيخ محمد علي الجوزو مفتي جبل لبنان بسؤال: قد تسألني الآن هل أنت مع المقاومة أم ضد المقاومة؟
أقول لك: أنا مع المقاومة ومع تسليح المقاومة وليس مع سحب السلاح من المقاومة، بشرط أن أشعر بأن هذا السلاح عربي المنطلق، وعربي الهدف، وعربي الهوية، ولا ينتمي إلي أية جهة أخري .. وأنا أدعو الدول العربية أن تتبني المقاومة علي أرض فلسطين بالذات لأن إسرائيل لا تحترم اتفاقية السلام ولا تؤمن بالسلام، وتعمل علي ذبح الشعب العربي كل يوم، وما نراه علي أرض فلسطين كل يوم خير دليل علي ذلك.
نحن مع المقاومة، مع تقوية المقاومة، بشرط أن تظل هذه المقاومة محافظة علي هويتنا، وألا تكون أداة في يد أي جانب يريد أو يحلم أو يطمح إلي تحصيل مكاسب كبيرة علي ساحتنا العربية من منطلق مذهبي أو غير مذهبي .. أنا أحمل العرب مسئولية تخليهم عن المقاومة الفلسطينية، لأننا بذلك أتحنا الفرصة للتيارات الدينية التي تدين بالولاء لإيران لتسيطر علي الساحة العربية والفلسطينية، بينما أصبحت الدول العربية لا تأثير لها في ساحة المقاومة .. وأنا لست مضطرا لأن أخضع للتوجهات الأمريكية التي تمنعني من أن أقدم المال لهذه المقاومة حتي تخرج من يدي وتقع في يد الآخرين.
ما الذي يجعل بعض الفلسطينيين يرتمون في أحضان إيران؟ سمعنا كلام أمريكا بأن المادة) المال) سيذهب إلي الإرهاب، ووقفنا نحن وبدأنا نحارب جماعات المقاومة لصالح إسرائيل وإيران في نفس الوقت، لماذا لا توجد في لبنان مقاومة سنية، لأن الدول العربية السنية تخلت عن السنة في لبنان بينما ظلت إيران متمسكة بالمقاومة الشيعية ومولتها ودربتها وسلحتها، فكان ما كان.(39/50)
ومع ذلك فإننا نشد علي يد السيد حسن نصر الله ونقول له: مبروك النصر، شرط أن تحول هذا النصر إلي نصر للشعب اللبناني ووحدة الشعب اللبناني وكرامة الشعب اللبناني والحفاظ علي الهوية العربية واللبنانية بعد هذا النصر. نحن لسنا ضد المقاومة ومع حسن نصر الله، لكن أعمل لي كعرب .. لا تكن إيرانيا وفارسيا.
دور الأزهر:
* في رأي سماحتك: ألا بد أن يكون هناك قيادة دينية في مصر ترد علي التشكيك في العقيدة وتحميها من التدخل؟
لدينا آلاف يتخرجون من الأزهر سنوياً ماذا يفعل هؤلاء؟! فقط يكتفون بالصعود علي المنابر والحديث، لابد أن يكون لديهم هدف، الفاتيكان يملك كل الساحة المسيحية ويعطي أوامر، ولكن أين هذا الدور بالنسبة للأزهر؟ حين كنت طالباً صغيرا سافرت إلي باكستان، كنت سكرتير اتحاد الطلبة المسلمين هناك أيام عبد الناصر، ذهبت للمشاركة هناك في مؤتمر وكنت لا أزال طالباً في الثانوية وعندما خطبت في الناس أخذوا يصفقون ويهتفون، هذا فقط لأنني أنتسب للأزهر. مكانة كبيرة نضيعها ..
هناك كثير من المؤسسات الدينية في العالم العربي، لكن هناك أزهر واحد يجب أن يقوم بدوره ويجب أن نختار له قيادة، ومع كل الاحترام لأستاذنا شيخ الأزهر، نريد قيادة تشبه قيادة رجال الأزهر الكبار الذين كان لهم دور في الماضي، الشيخ شلتوت والشيخ عبد الحليم محمود والشيخ محمد صبري حسين التونسي .. أين هؤلاء؟
* هل غياب دور الأزهر أدي لعدم فهم الدور المصري ؟
لمت الاخوة الذين هاجموا النظام والحكومة في مصر بعد عملية حسن نصرالله وقلت : هل ستضيعون أنفسكم، هل تريدون القول أنه لا يوجد نصر سوي ما حققه حسن نصر الله، لا .. غير صحيح.
لقد عشت في مصر منذ عام 1948 ورأيت كيف أن الشباب يتوجه لقناة السويس ويحارب، يطلعون من الأزهر وهم يحملون المصاحف ويذهبون لمحاربة المستعمر البريطاني، ورأيت كيف أنهم ذهبوا إلي فلسطين وحاربوا هناك، والبطل أحمد عبد العزيز ومجموعته.(39/51)
كما أن مصر حاربت سنة 1948 وفي 1956 انضممت مع المتطوعين اللبنانيين للمقاومة واعتبرت أن مصر هي بلدي، ولا أنسي أن مصر انتصرت أكبر انتصار سنة 1973، جيش لجيش وعبرت أهم حاجز مائي في قناة السويس ودمرت خط بارليف، ولو تركت مصر لوصلت إلي قلب إسرائيل، لولا التدخل الأمريكي أقصد.…
* ماذا تري الموقف علي الجانب الإسرائيلي بعد توقف الحرب؟…
…ما أريد قوله إن الهزال الذي ظهر به الجيش الإسرائيلي في النهاية (نهاية حربه مع حزب الله) وأنه لا يستطيع مواجهة حزب، ونرى الآن الشعب الصهيوني يهاجم حكومته لأنها فشلت في الحرب، هذا دليل علي أننا قادرون علي القضاء علي إسرائيل لو أردنا ذلك، ولكننا نريد مزيدا من الصدق مع الله وإخلاصاً.
إن مصر بلد زعيمة لا يجب أن نضيعها، لقد حاربت مصر الصليبيين مع صلاح الدين وحررت القدس، وصلاح الدين حرر مصر وحرر الأزهر، وهذا أكبر عملية فكرية وعقيدية في تاريخ المسلمين، ولو لم تكن مصر محررة من قبل صلاح الدين كيف كان سيصبح مصيرنا.
كذلك حررت مصر البلاد العربية من التتار بقيادة قطز وبيبرس، الأزهر واجه نابليون، مصر شعب أصيل لا يجب أن نضيع دوره، إنني أشعر بالألم. حين يتحدث الناس بأن هذا أول انتصار حدث في الأمة العربية، هذا غير صحيح، الشعب الفلسطيني يقدم كل يوم ضحايا، الشيخ أحمد ياسين الذي استشهد علي الكرسي، والرنتيسي، أليس هؤلاء أبطالاً، لذلك لمت بعض الإسلاميين لأنهم لم يحملوا صور أحمد ياسين إلي جانب صور حسن نصر الله، أم لأنه مات ونحن ننسي الأبطال بعد رحيلهم.…
* ما تأثير الهجوم المستمر علي مصر والسعودية؟
هذا يحرك العصبية المذهبية، الكثيرون ممن هاجموا السعودية ومصر أخطأوا، وهي محاولة لإظهار السنة وكأنهم خونة وهذا هو هدف الهجوم، وهذا غير صحيح لأن السنة علموا الناس حمل السلاح حتي في لبنان.(39/52)
لولا الثورة الفلسطينية في لبنان لما حمل أحد من اللبنانيين السلاح وما عرف أحد المقاومة، وأول حزب شيعي أنشيء في لبنان وهو حركة أمل أنشأه للأسف الشديد أبو عمار (ياسر عرفات)، أبو عمار هو من منحها السلاح ودربها ثم تمت محاربته بنفس السلاح.
هل سنتخلي عن كل أمجادنا من أجل حسن نصر الله، هذا أمر غريب، إن الناس تجلد ذاتها، ليس ملك أحد من الحكام بل هو ملك الشعوب، وشعب مصر من أعظم الشعوب التي حاربت وقاتلت دفاعا عن الإسلام والمسلمين وعن الأمة العربية ..
... ويؤكد سماحة مفتي جبل لبنان بغضب شديد علي أن إسرائيل تعاملنا الآن في لبنان وكأننا في غزة، أليس كذلك، إنها لا تمكنا من فتح المطار ولا الميناء، هل هذا انتصار إذا أصبحنا مثل غزة، لقد تحولت دولة لبنان إلي غزة جديدة.. إننا لا نود قول هذا لأن الناس سيتهموننا بأننا ضد النصر والمقاومة، الناس تفسر الأمور تفسيراً خاطئاً، فالحقيقة أنني أري لبنان الآن وقد تحولت لغزة وبعد ذلك نطالب الأمم المتحدة بفك الحصار عنا.…
* هل تري سماحتك أن عودة القوات الدولية بهذا العدد الضخم وخاصة القوات الفرنسية التابعة لها هو نوع من أنواع عودة الانتداب علي لبنان ؟
الحقيقة لا أريد أن أشعر الناس بأننا هزمنا ولم ننتصر، دخول القوات الدولية بهذا الحجم كان نتيجة، وكان المفروض أن يكون الجيش اللبناني بمفرده علي الحدود ولكن الغرب الاستعماري وعلي رأسه أمريكا ينحاز إلي إسرائيل دائما ويريد أن يحمي إسرائيل، وهذا الحشد الكبير من القوي الدولية هو لحماية إسرائيل للأسف الشديد، ربما كنا لسنا في حاجة لمثل هذه الحشود الدولية علي حدود لبنان لو أن حزب الله التزم بالقاعدة الإسلامية وهي الشورى، لأننا جميعاً نركب سفينة واحدة، وأي طرف يحاول خرق السفينة يغرق جميع من فيها، فالشورى أو الديمقراطية بالمفهوم الحديث هي الأساس لحماية لبنان من جميع الأخطار التي تهدده.…(39/53)
* سماحتك أخبرتني أن المقاومة في الجنوب اللبناني كانت تضم جزءاً من أهل السنة.. ماذا عن ذلك ؟
كان هناك قرى سنية فقط، لأن المقاومة لم تكن لتسمح بذلك، لقد ذهبت يوماً لحسن نصر الله وكان هناك خلاف حول مسجد في جبل لبنان حاول الشيعة السيطرة عليه، وكنت قد كتبت عن هذا مقالاً نشرته في مجلتي "فتح الإسلام"، فأرسل إليٌ حسن نصر الله وذهبت إليه، وقد قلت له: لماذا تنغلقون علي التشيع، السنة يصفقون لكم في كل أنحاء العالم العربي، لماذا لا يكون ضمن عناصر حزب الله سنة .. طبعاً لم يقبل لأنه يريد الحزب شيعياً وبعد ذلك نجدهم يتساءلون : لماذا لم يقاتل معنا السنة؟..
فسوريا علوية وإيران شيعية والتحالف سائر وما أطلق عليه الملك عبد الله الهلال الشيعي كنت قد حذرت منه من قبل .. ماذا سنفعل لو سقط الخليج والعراق وتمت محاصرته من إيران وسوريا ولبنان، فأين سيكون الخليج ساعتها، هل سيقاوم الخليج ويحارب عن نفسه وهل ستذهب مصر للدفاع عن الخليج. إذا سقط الخليج سقطت الثورة البترولية كلها في يد إيران والشيعة.…
…اليوم يطالبون بتقسيم العراق فسيكون البترول كله في الجنوب وفي يد الشيعة وكركوك تطالب اليوم أن تكون عاصمة للأكراد والأكراد لا شيعة ولا سنة رغم أنهم سنة في الأساس لكنهم باعوا الاثنين وقالوا إننا أكراد. ثروة العراق كلها ستكون في يد الأكراد والشيعة .. والسنة يشربون من البحر.
ما أود قوله: إن هناك خطراً، وقد ذكرت هذا من قبل حيث قلت: ماذا لو تحالفوا: إيران وشيعة العراق وعلويو سوريا وحزب الله، وقد حدث.
* هل وجهت اتهامات للسنة في لبنان لإختفاءهم من ساحة المقاومة؟(39/54)
إنهم يتهموننا بالخيانة، عدد كبير من الشيعة بعد انتهاء الحرب يرددون أن السنة خونة، لماذا، لأنهم يرون أن إسرائيل ضربت الجنوب ولم تضرب بيروت مثلا، ولكن الكل يعلم أن الضاحية الجنوبية لبيروت والتي تعرضت للقصف الإسرائيلي هي خليط بين السنة والشيعة رغم وجود المركز الاستراتيجي لحزب الله في بيروت بها. ويقولون أيضاً: إن هناك اتفاقا بين السنة وإسرائيل وأمريكا حتى لا يتعرضوا للضرب.
أنت من حملت الراية وأعلنت الحرب وأخذت قرارك بنفسك، لذا فإن إسرائيل قررت ضرب القاعدة الشيعية التي يعتمد عليها، حتى يكرهوا أنفسهم ويكرهوا اليوم الذي ظهر فيه حسن نصر الله وهو ما يحدث الآن، طوابير التعويضات التي تقف في الجنوب للحصول علي المال ويتساءلون: لماذا فعل بنا هذا؟.
كذلك توقيت قرار الحرب كان في بداية الصيف، فضاع موسم الاصطياف كله.
وقناة الجزيرة لعبت دوراً سيئاً، وكان هدفها مهاجمة الدول العربية والإشادة بحزب الله، تهاجم السعودية لأن السياسة القطرية تكره السعوديين ويخرج وزير الخارجية القطري ويدعي أن الدول العربية تتآمر علي لبنان. كيف هذا وأنت لديك قاعدة أمريكية علي أراضيك.
أصبحنا نحن السنة أمام الناس خونة والشيعة هم الوطنيون الذين حاربوا، فهل طلبنا نحن منه أن يحارب عنا، أو كلفناه بمهاجمة بهذا الشكل، ما فعلته تشكر عليه، ولكن لابد أن تأخذ رأيي، لأنني لست في حاجة لنصر جديد، لقد حررت بلدي واليهود خرجوا، لكنك عدت بهم ثانية وعدت كمان بقوات الأمم المتحدة.
أنا أفهم النصر وهو تحرير الأرض من عدو، ولكننا بدلاً من التحرير عدنا بالعدو وإما تأخذ أرضا من عدوك هذا هو النصر ونحن لم نحرر أرضنا ولم نأخذ أرضا من العدو، ولم نحافظ على انتصار الماضي.. العملية الآن عائمة بين رئيس الجمهورية وحزب الله وسوريا.(39/55)
لو أنني أدافع عن حكومة مصر أو حكومة السعودية يتهمونني بأنني أمريكاني وإسرائيلي، أنت تصادر رأيي لمجرد أنني أخالفك في الرأي وهذا إرهاب فكري. لصالح من هذا، لصالح الدفاع عن حسن نصر الله، فهل حسن نصر الله يدافع عنك مثلما تدافع عنه! هل هو يدافع عن السنة مثلما تدافع عنه! مرة واحدة فقط ذكر أنه يدافع عن الأمة العربية والصحابة وآل البيت وللأسف فالعاطفة الجياشة لدي المسلمين الذين يتعطشون لانتصار علي إسرائيل تحولت لمبايعة لحسن نصر الله وأطلقوا عليه صلاح الدين وهو لا صلاح الدين.
صلاح الدين الأيوبي قامة كبري، لأن الحملات الصليبية كانت تضم كل جيوش الغرب دون استثناء، تجيش الجيوش لتحتل الدول العربية وبقوا (250) عاماً في بلاد الشام، واحتلوا القدس (87) عاماً حتي حررها صلاح الدين وحرر معها المنطقة العربية. أما أنت فماذا حررت؟ شريط حدودي .. ذات يوم كنت أحضر مؤتمرا إسلامياً في ساحل العاج تنظمه رابطة العالم الإسلامي وكان بصحبتي في الطائرة رجلان، أحدهما شيعي ينتمي لحزب الله وآخر شيخ سني لكنه متشيع، وقد عرفت أن الشيعة في لبنان حين علموا أنني متجه للمؤتمر قرروا حضوره خشية التأثير علي نحو (75) ألف شيعي لبناني يعملون ويقيمون في ساحل العاج، وهناك الجالية الشيعية أقامت حفلاً للاحتفاء بالوفد اللبناني ودعوني لأنني الشخصية اللبنانية الرسمية المدعوة للمؤتمر، فإذا بالشيخ الشيعي يخطب في الحضور بأن الشيعة حرروا الشريط الحدودي. وطردوا اليهود وأن شباب الشيعة أبطال، فقمت وأوضحت لهم أن هذا الشيخ يزيف الحقائق نسي الصحابة الذين فتحوا العالم كله ونشروا الإسلام وتهتفون وتمجدون من حرر شريطاً حدودياً وتسبون الصحابة الذين فتحو العالم، فإذا بالحضور يهتف إسلامية .. إسلامية، لا شيعية.. لا سنية.(39/56)
وعندما ذهبت إلي إيران في أوائل أيام الثورة الإسلامية وقابلت الخوميني كنت أشعر أنهم يريدونني صوتاً سنياً يمتدح إيران ويؤيد ثورتها لكني كنت أفطن لذلك، وفي جميع اللقاءات التي شاركت فيها كنت أسألهم وسألت الخوميني لماذا تزايدون علينا نحن السنة في حب آل البيت، أنا اسمي محمد علي، والدي اسمه علي وابني الأكبر اسمه علي، إذا فأنا أبو علي وأردد اللهم صلي علي سيدنا محمد وآل سيدنا محمد وهم يرددون خلفي. ثم قلت: لهم لابد أن نترك أية خلافات بيننا ولابد أن نبدأ بداية جديدة، ونواجه التحدي ونعمل علي وحدة الصف.
وفي النهاية وبعد الحرب الأخيرة هم من يحكمون علي الحكام العرب والطبالين والزمارين الذين يقبضون من هنا أو من هناك يكتبون في الصحف كلاماً غريباً أنهم يستغلون الحرب من أجل الحسابات الداخلية وخلط الأوراق بشكل غير منطقي، حين ننتقد الرئيس مبارك ومصر فإننا ننتقدهم لصالح مصر لا لحساب حسن نصر الله، وهنا يبدو المنتقدون تخلوا عن كرامتهم ووطنهم لصالح تمجيد حسن نصر الله.(39/57)
لذا نجد من يزايد علي شاشات التليفزيون فيقول مثلا: كنت في حفلة خيرية وجمعنا تبرعات علي صورة حسن نصر الله، هذه وثنية، هل أنت أفلست سنياً حتي تحضر صورة حسن نصر الله وتجمع عليها أموال. أنا لست عدواً لهؤلاء الناس إنهم أعداء أنفسهم. إننا في عالم كله من السنة. مرة جمعنا بشار الأسد دعا المسلمين كلهم في لبنان لزيارته، وأخذ يمدح أهل السنة ويقول إن تاريخ العرب والمسلمين كله للسنة، قلت له إنني شهدت الاحتلال الفرنسي للشام ولم يكن هناك حدود بين سوريا ولبنان، ولكن هؤلاء السنة الذين تتحدث عنهم حولهم ألغام كثيرة وأخبرته لو أردت التعاون معنا عليك أن تنزع تلك الألغام، وكان رفيق الحريري لا يزال علي قيد الحياة، فأخبرت الرئيس بشار أنهم يعاملون الحريري معاملة سيئة وتعاملون رئيس الجمهورية معاملة حسنة، وهذا مسيحي وهذا مسلم سني فعلى الأقل أن تمتدح السنة، أن تعاملوا رئيس الوزراء السني بشكل طيب ولكنهم قتلوه، قتلوا رئيس الوزراء وقتلوا مفتي الجمهورية حسن خالد، والدكتور صبحي الصالح أهم علماء لبنان قتلوهم.
* هل انتهي دور حسن نصر الله؟(39/58)
هم الآن يستغلون هذا الانتصار ويقولون إننا نحن الذين انتصرنا وذهب بعضهم أنه يحق للمنتصر أن يفرض علي الدولة شروطه لكن ما حدث هو تقليم أظافر لحزب الله، ولن تكون له حرية حمل السلاح مثلما كان في الماضي، فالجيش بسط سلطته في الجنوب والقوات الدولية صنعت حاجزاً، واعتقد أن حسن نصر الله عليه أن يشتغل سياسة فقط وسيقل ظهوره حتماً في الساحة اللبنانية. إننا نريد وحدة الصف الإسلامي وننسي خلافات الماضي وننظر إلي المستقبل نريد بناء المستقبل .. وإيران في حاجة إلينا أكثر من حاجة العرب إليها.. فعلي إيران أن تصحح أسلوبها في التعامل معنا لا نحن نريد تسنن الشيعة ولا نسمح بتشيع السنة، هذا مرفوض لأنه يعد تدخلاً في شئون الدول العربية وتهديداً لمصالح الأمة العربية .. وعلي حزب الله تصحيح المسيرة، مبروك انتصارك ولكن عليك أن تنتصر ثانية بتصحيح المسيرة، السنة صفقوا لك كثيراً وقالوا لا يوجد أحسن منك.. أنت القائد وأنت الإمام.. لكن أظهر لنا بقيادتك وإمامتك تصحيح الوضع في العراق وفي إيران وعدم التدخل بأي شكل من الأشكال وعدم تشيع السنة لها في القرى اللبنانية ولا في مصر أو أي دولة أخرى.
هل يكون السنيورة آخر رئيس حكومة سني في لبنان؟
خالد أبو ظهر
(الوطن العربي - العدد 1540- 6/9/2006)(39/59)
الأصوات المتصاعدة من خلفيات "حزب الله" تشير إلى حالة من عدم الرضا عن الوضع السياسي في لبنان، وتوشك على قول إنه "بعدما خضنا معركة قوية وشريفة ضد العدوان الإسرائيلي، صرنا غير قادرين على ترجمة الانتصار سياسياً، ومنها من يقول صراحة "إن حقنا أكبر بكثير"، هذه اللهجة التي تستخدم حالياً وبكثرة، تكشف عن أن إرادة التغيير لدى "حزب الله" تكاد تتجاوز اللعبة الدستورية، إلى حركة تغيير كل القواعد. فإذا كانت المعادلة النيابية الحالية لا تسمح بتمرير مشروع "حزب الله" لا لإقامة دولة شيعة، بل لتنفيذ مشروع حزبي، فإن الحزب قد لا يجد أمامه سوى القوة والاحتكام إلى السلاح. فالحملة التي شنها "حزب الله" على القيادات السنية البيروتية قبل أن تصمت المدافع، ثم انتقاله الآن إلى المطالبة باستقالة حكومة فؤاد السنيورة رغم أدائه غير العادي في أحلك الظروف وتحت ضغوط لا تحتمل، يدفع البعض إلى التساؤل عما سيفعله "حزب الله" بانتصاره على إسرائيل، في الداخل اللبناني، ويفسره البعض الآخر بأنه تمهيد لانقلاب داخلي.
والأجوبة المتداولة تصب في خانة واحدة، وهي أن دعوة "حزب الله" إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، ثم تكرار هذه الدعوة على لسان العماد ميشال عون حليف الحزب، تكشف عن مخطط بدأ منذ قيام هذا الحلف الذي لم يكن تكتيكياً لأغراض انتخابية، بل يعكس قناعة يشترك فيها "حزب الله" مع بقية اللبنانيين بأن لبنان بدون المسيحيين لن يعود لبنان، ويعكس قناعة عون بالقواعد الديموغرافية اللبنانية، مما يفسر بأن التحرك سيكون باتجاه رئاسة الحكومة لا رئاسة الجمهورية، وأن التحالف يتجاوز عملية إسقاط الحكومة إلى إسقاط الحكم وتغيير النظام وإسقاط "الطائف"، وبشكل خاص لجهة إعادة النظر في معادلة المحاصصة وتوزيع السلطات بين الطوائف والمذاهب وتحديداً منح رئاسة الحكومة للشيعة.(39/60)
أما رئاسة الجمهورية فيبدو أن مواقف عون الأخيرة تضمن له بقائها للموارنة وتجعلها موعودة له بضمانات من "حزب الله". لكن أسئلة كثيرة تبقى حول صلاحيات الرئيس الماروني المقبل بالتحالف مع "حزب الله" وهي حسب معلومات بعض المطلعين لن تشكل عملية إعادة اعتبار للموارنة والمسيحيين واستعادة الصلاحيات التي فقدتها الرئاسة الأولى في تسوية الطائف، بل ستكون في أحسن الحالات نسخة طبق الأصل من الرئاسة العراقية الآن كل شيء يشير حتى الآن إلى أن ما ينتظر لبنان هو عملية "عرقنة" وتكرار للتجربة العراقية سواء كانت هذه التطورات المنتظرة سياسية أم عسكرية، سلمية أو دموية.
والتساؤلات التي تطرح الآن في أوساط الطائفة الشيعية التي تشكل القاعدة الشعبية لـ "حزب الله" حول الثمن الباهظ للانتصار، قد تشكل دافعاً، لا عائقاً، للحزب للمضي في تحركه، رغم أن البعض يثير شكوكاً حول موقف نبيه بري شريك "حزب الله" في قاعدته، وما إذا كان سيسير في المخطط أم سيكون له موقف مغاير، وفي كل الأحوال فإن الكلام الذي نسمعه اليوم من عون و"حزب الله" خطير جداً، وقد يشعل الموقف، إذ إن الأطراف الأخرى غي غائبة عن الصورة. فلبنان لم يخرج بعد من الأزمات، والكل يلعب أوراقه بشراسة، ولذلك ليس أمام اللبنانيين سوى الحوار والاعتماد على القاعدة الشعبية، وليس على الدعم الخارجي، لإيجاد المعادلة التي تعطي كل طائفة حقها، على أمل الوصول في المستقبل، وبعد أجيال، إلى قناعة بألا يكون الدين أو المذهب هو الأساس لتحديد المنصب السياسي، بل الكفاءة فقط.
مقابلة مع د. وجيه كوثراني
السياسة 6/9/2006 باختصار
-…أكد وجود فرق كبير بين ما أتى به موسى الصدر وطروحات "حزب الله".
-…ما حصل في الجنوب ليس انتصاراً وإنما بطولات فردية ... وخطأ قاتل.(39/61)
-…العرب بقياداتهم وأحزابهم لا يتعلمون من دروس الماضي وأن تجاربنا تكرر أخطاءها منذ حرب النكسة في العام 1967 وحتى حرب يوليو 2006 متنأولاً ما قاله عبد الناصر آنذاك: "انتظرناهم من الشرق فأتونا من الغرب", وما قاله نصر الله اليوم: "لو كان يعلم رد الفعل لما أقدم على خطف الجنديين", مشدداً على إستراتيجية القائد ووعيه التاريخي.
-…مشكلة العقل العربي المراهنة على البطولة الفردية.
-…ما جرى في الجنوب هو انتصار بل بطولات على مستوى الأفراد.
-…طالب بالتمييز بين الطائفية السياسية والعقائدية الشيعية الجديدة التي تبناها "حزب الله" من خلال تبنيه نظرية ولاية الفقيه التي ولدت وأنتجت في إيران.
-…هناك فرقاً كبيراً بين ما أتى به موسى الصدر وما أتى به "حزب الله".
-…"حزب الله" يناور ويحاول إرضاء عون وإن حركة "أمل" عازمة على استعادة المبادرة من "حزب الله".
…"السياسة" التقت الدكتور وجيه كوثراني وأجرت معه الحوار التالي:
* ما قراءتك لما حصل في لبنان منذ 12 يوليو حتى 14 أغسطس؟
- هناك تصوران يغمران شخص مثلي: الأول كإنسان مواطن شعوري بما جرى شعور كارثي, وكان كل واحد منا يشعر بعجز هائل. لكننا في جانب آخر نعود ونتذكر بشيء من البرودة في أوقات معينة ليكتب شيئاً: أنا لست محللاً سياسياً أكتب الحدث السياسي وإنما أكتب في خلفيات الحدث لناحية تداعيات ما حصل على النواحي الاجتماعية والإنسانية, ومن هذه الزاوية أنظر لأهمية الحدث على قاعدة ما أنتجه من أبحاث في قراءاتي السياسية الحديثة والمعاصرة في العالم العربي وفي العالم الإسلامي، طبعت فهمي للحدث في عدد من المفاهيم التي تساعدني على فهم ما يجري.(39/62)
…المفهوم الأول: لقد كتبت مجموعة من الدراسات هو أن العرب بقياداتهم وبأحزابهم لا يتعلمون من التاريخ. لا يذاكرون التاريخ كتجارب نستخلص منها دروساً وأعني بذلك أن كل حزب, كل فئة, كل نخبة تستلم السلطة أو مشروع السلطة تعتقد أنها ستغير العالم بنفسها, وأنها ستبدأ من الصفر وإن ما جرى في الماضي لا قيمة له لأنه كله أخطاء بأخطاء فكل نخبة جديدة تعتقد أنها تؤسس تاريخاً جديداً لا يستفيد من التاريخ الماضي. إن تجاربنا تكرر أخطاءها منذ حرب 1967 وحتى حرب تموز 2006.
…أذكر أن الرئيس عبد الناصر فسر هزيمة 1967 بمعادلة فهمت آنذاك بأنها معادلة تفسر ما قاله: إننا انتظرناهم من الشرق فجاؤونا من الغرب, هذا هو تفصيل أسباب الهزيمة آنذاك. كلام السيد نصر الله في آخر حديث له أنه: لو كنا نعلم رد الفعل الإسرائيلي بهذه القساوة لما أقدمنا على خطف الجنديين.
…أيضاً هو تفسير مختصر ومبسط لما حدث, بمعنى أن القائد يجب أن يكون استراتيجياً لناحية وعيه التاريخي ووعيه السياسي. أقصد بوعيه السياسي ليس وعياً آنياً للأحداث وإنما هو وعي تاريخ للمسارات وللمصالح. يعني غير مقبول للقيادات كلها ويمكن بين عبد الناصر وبين السيد حسن, أن نضع تجارب كثيرة, تجربة أبو عمار, كل هزيمة وكل انكسار ينتهي بانتصار لفظي وشكلي من خلال رفع الإصبعين يمكن وضع تجربة صدام حسين الذي أصبح من خلال الخطاب ومن خلال المزايدة ومن خلال المغامرات غير المحسوبة, أصبح في وعيه العربي غير التاريخي بطل الأمة العربية.
…أشعر أن هناك إحباطاً على مستوى النخب العربية والجماهير العربية, هذا الإحباط يؤدي بها أو يدفع بها إلى رهانات غير واقعية وغير إستراتيجية وكلما شعرت جماهير الأمة ببارقة أمل في نصرٍ ما, بإنجازٍ ما, تعول عليه كثيراً وتبني عليه كثيراً بمعزل عن السياقات التاريخية التي هي مجمل الظروف ومجمل الأسباب, ومجمل المسارات, أو لا يمكن المراهنة على الحدث الواحد العابر.(39/63)
…مطلوب وضع الحدث في سياقات كبيرة هل هذا الحدث يؤدي فعلاً إلى الانتصار? وهل تتحقق من هذا الحدث الشروط المتكاملة للانتصار أم لا?
…مشكلة العقل العربي أنه يراهن على البطولة الفردية, يراهن على البطولات, وهذه مغروسة في ثقافتنا التراثية منذ زمن كانت المعارك تقوم فيه على البطولات الفردية, على التضحية, على الفداء. الفداء والتضحية, أشياء مهمة جداً التي تندرج في نطاق النضال والفداء.
…لكن هذا وحده لا يكفي, اليوم في عصر الاقتصاد المعولم والتكنولوجيا الدائمة في سياقات أخرى وشروط أخرى للبطولة, إنها التكامل ولا يمكن أن أعد ما جرى في الجنوب انتصاراً, هو بطولات, هو مقدرة على التصدي على مستوى الأفراد والأبطال, لا شك في ذلك وهذا ما يدعو للإعجاب, لكن التضحيات الفردية لها أيضاً سياقات تاريخية أن نحمي الاقتصاد, المعارك في العصور الحديثة لم تعد تضحيات فردية وإن لعبت دوراً في مرحلة معينة.
… يجب أن نفكر كيف نحمي الاقتصاد, كيف نحمي الجسور, كيف نحمي الجو, كيف نحمي الإنسان, كوننا في المقدمات بعد الألفين قامت مقدمات "حزب الله" على نظرية توازن الردع أو توازن الرعب, يعني أن إسرائيل لم تجرؤ على الاحتلال المباشر ربما هذا صحيح, لأن البطولات الفردية يمكن أن تصدها, لكن هناك تكنولوجيا وطيراناً وقدرة على التدمير.
…وفي الحروب عودتنا إسرائيل بأنها لا تقيم أي وزن لحقوق الإنسان ولحقوق المواطن ولا تقيم أي اعتبار لقواعد الحرب الكلاسيكية. تجويع الناس, الحصار, ضرب المدنيين, كلها أمور ممنوعة في الحرب, ويجب أن نحسب لها ألف حساب, نحن أمام عدو لا يلتزم بقواعد الحرب, فهذه جملة عناوين لم يستطع "حزب الله" مع الأسف الانتباه إليها وجلبت على الوطن هذه الويلات.
* ما هي الدروس التي يمكن للطائفة الشيعية الاستفادة منها بعد حرب تموز 2006? وهل يمكن أن يتلبنن الشيعة؟(39/64)
الشيعة لبنانيون أقحاح. الشيعة تبلننوا منذ زمن وهم جزء أساسي من الكيان اللبناني. يمكننا أن نتحدث عن اتجاهات سياسية في الطائفة الشيعية ولا يمكن اعتبار أن الطائفة الشيعية تتماهى مع "حزب الله", الجماهير الشيعية والجماهير غير الشيعية العربية تتماهى مع "حزب الله" كإنجاز بطولي, وهذا يثير إعجاب كثير من الفئات العربية. وهنا أريد أن أميز بين الطائفية السياسية التي هي جزء من المشكلة اللبنانية.
…عند الشيعة يجب التمييز بين الطائفية السياسية وبين العقائدية الشيعية الجديدة التي تبناها "حزب الله" من خلال تبنيه نظرية لا تحوز الإجماع الشيعي العام هي نظرية ولاية الفقيه التي ولدت وأنتجت في إيران, نظرية ولاية الفقيه بصيغتها الخمسينية, يعني ولاية الفقيه المطلقة غير ولاية الفقيه الإسمية, ولاية الفقيه تعني دور الفقيه.
…في المذاهب الإسلامية كلها دور للفقيه, هناك ولاية فقيه في التقليد الشيعي العام, ولاية الفقيه تنحصر فقط في المعاملات والعبادة, أما ولاية الفقيه المطلقة فتشمل أيضاً السياسة, السلم والحرب هذه النظرية الجديدة التي يعتمدها "حزب الله" تشكل إيديولوجيا جديدة انخرط فيها بعض الشيعة اللبنانيين نتيجة عدة عوامل سياسية مالية, خدماتية اجتماعية, وهناك عامل أساسي ناتج عن غياب الدولة التاريخي عن الاهتمام بالشيعة بشكل عام"، حزب الله" حل محل الدولة وتحمل مسؤولية الدولة التي أهملت الجنوب وتركته لقمة سائغة لإسرائيل وللحرمان وللفراغ.. كان هناك فراغ وعبء هذا الفراغ.(39/65)
…الفرق بين ما أتى به "حزب الله" وما أتى به السيد موسى الصدر, هناك فرق كبير يجب أن ننتبه له, قرأت خطاب الرئيس بري الأخير في مدينة صور فكان يشير بالشكل الضمني إلى هذا بصراحة مشروع موسى الصدر مشروع لبناني وطني يندرج في إطار الميثاق الوطني اللبناني, ما هو موقع الشيعة في الميثاق? كان هذا هو سؤال موسى الصدر الأساسي يجب أن نفهم حركة موسى الصدر على مستوى مشاركة شيعية لبنانية في دولة كيف ينال الشيعي حقوق مواطنة كاملة, وبعد غياب الإمام الصدر أكمل الشيخ محمد مهدي شمس الدين بنشاطاته وبمواقفه وبوصاياه الأخيرة, بأنه ليس هناك مشروع شيعي خاص, المشروع الشيعي هو جزء من المشروع الوطني.
…برأيي ظاهرة "حزب الله" ظاهرة تاريخية. والظاهرة التاريخية لا تدوم كثيراً, يعني أمام "حزب الله" خيار أن يكون حزباً لبنانياً أو أن يكون حزباً إيرانياً وهذا أمر مستبعد لوجود قاعدة شعبية لبنانية, وبالتالي عليه أن يتخلى عن نظرية ولاية الفقيه ليندرج في المعتقد الشيعي السائد الذي هو معتقد شيعي إصلاحي وليس راديكالياً, الآن. هناك تياران شيعيان, تيار أصولية شيعية شبيهة بأصولية سنية تتمثل بها ولكنها أكثر عقلانية منها, وراديكالية شيعية تتمثل بـ "حزب الله"، وهناك شيعية إصلاحية تتمثل بخط قوي ومتين وعميق في الثقافة الشيعية اللبنانية خاصة ونسميها الشيعية العاملية, بدءاً من السيد محمد حسن الأمين والسيد علي حسين شرف الدين إلى السيد موسى الصدر إلى الشيخ محمد جواد مغنية. فهم من كبار علماء الإسلام والعلماء العرب في الفكر والثقة, ثم الشيخ محمد مهدي شمس الدين. هذا التيار من التيار الإصلاحية الشيعية.
* ما الانطباع الذي خرجت به بعد خطاب الرئيس بري ودعوته للاعتصام حتى فك الحصار عن لبنان, وهل وجدت في خطابه تبايناً مع "حزب الله" في حين كان يدعم المقاومة خلال فترة الحرب؟(39/66)
الخطاب إيجابي جداً على عدة مستويات. المستوى الأول الذي لفت نظري شكل غطاء سياسياً للحكومة, وهذه نقطة تمايز كبيرة, في وقت كان "حزب الله" يبعث بين الحين والآخر رسائل تهديد للحكومة من خلال التعاون مع عون.
…ولو كان "حزب الله" يريد أن يترك البلاد في أزمة حكومة لماذا لم يستقل وزراؤه? وهم ليسوا بوارد الاستقالة. "حزب الله" برأيي يناور بالنسبة للحكومة ويحاول إرضاء عون بالمطالبة باستقالة الحكومة. "حزب الله" مستفيد من عون بالدعم الماروني وعون يستفيد من "حزب الله" من كل الجوانب, يوجد شراكة بين الاثنين.
…النقطة الثانية لا بد من الإشارة إلى أن الرئيس السنيورة كان يدير الأزمة بحكمة ودراية, وهو يتقدم بإيجابية نحو ترسيخ فكرة الدولة إلى دور وظيفي منوط بالحكومة, والرئيس بري يتميز معها بعمق الالتقاء ويسجل فيها نقطة إيجابية تندرج في الحصاد السياسي لحركة "أمل".
…النقطة الثانية تندرج في النقطة الأولى بأن هناك عزماً على استعادة المبادرة من "حزب الله" على أن تستعيد حركة "أمل" قدرتها التي فقدتها بدءاً من العام 1984 نتيجة الضغط السوري والضغط الإيراني وضغط "حزب الله" عليها.
…لقد تقلص دور حركة "أمل" في المقاومة وتقلص دورها في القضايا الأساسية وحصر دورها في الوظائف، وهذا ما سبب أذية لحركة "أمل" ولرئيسها نبيه بري وما يشاع عن فساد الموظفين وتحميله مسؤولية تعيينهم في الإدارات. هذا الواقع أساء فعلاً لحركة "أمل" وأساء لنبيه بري شخصياً. فعساه أن يستفيد من هذه المراجعة ويطل علينا بحركة "أمل" جديدة..
…الذي يؤكد هذا التوجه عودته إلى نصوص السيد موسى الصدر, النصوص اللبنانية التأسيسية كيف فهم موسى الصدر المشروع اللبناني ..(39/67)
…لبنان وطن نهائي, طبعاً الاقتراحات التي قدمها في البرلمانات العالمية كانت اقتراحات ذكية تندرج في ما يمكن أن تسميه استراتيجية الديبلوماسية. وتكلم مع العالم وخاطب العالم بشكل جيد, كون لبنان منبر ديمقراطي متعدد الثقافات, ولاحظنا أن الديبلوماسية اللبنانية تحركت وقامت بنشاط مميزة من خلال ما قام به الرئيس السنيورة والوزير طارق متري وغيرت في القرار الفرنسي الأميركي الذي لو أقر لكان كارثة على لبنان.
العلامة علي الأمين حمّل "حزب الله" مسؤولية اندلاع الحرب الأخيرة
"السياسة" 4/9/2006 (باختصار)
…حمّل العلامة علي الأمين مفتي صور وجبل عامل "حزب الله" مسؤولية اندلاع حرب 12 يوليو, ورأى انه كان يمكن تحريك قضية الأسرى من خلال المفاوضات والضغوط الدولية متسائلا: هل أن من كان يعلم بانفجار بركان بعد شهرين يحاول تقديم موعد انفجاره بدون إعداد وتحذير السكان?". وشكك في عزم أمين عام "حزب الله " حسن نصر الله على تسليم السلاح للدولة, معتبراً أن القرار وغيره يتأثر بالعلاقة مع إيران مستبعدا أي دور لسورية بقرار الحرب وتسليم السلاح.
…وتناول الأمين في حديث لـ "السياسة" نتائج حرب 12 يوليو وتنفيذ القرار "1701"، وموضوع الحوار اللبناني وغيرها من المواضيع وفي ما يلي نص الحوار:
* اعتبرت في حديثك أخيرا أن قوة لبنان تكمن في انضمام العرب إليه, وأن مواجهة العدوان هي وظيفة الأنظمة العربية مجتمعة, فماذا برأيك كان ينتظر العرب للقيام بهذه المواجهة وهل كانت بحاجة تلك المجازر للوقوف جانب لبنان?(39/68)
…- إن المقصود من أن قوة لبنان تكمن في انضمام العرب إليه رفض المقولة المشهورة (قوة لبنان في ضعفه)، فضعف لبنان لن يمنع من العدوان عليه ولبنان يصبح ضعيفاً عندما يكون منفرداً في مواجهة العدوان؛ لأنه ليس قادراً بمفرده أن يتحمل أعباء الصراع العربي الإسرائيلي الواجب على الكل. وعندما لا يرى الجميع الظرف مناسباً للمواجهة لاختلال التوازن فكيف يكون الظرف مناسبا لقيام الجزء لتلك المهمة?! ولا يجوز لفئة وحدها أو جماعة أن تفرض على لبنان الدخول في حرب ليس لها إعداد ولا استعداد ولا يمكن أن نطلب من العرب أن يكونوا مع لبنان في حربٍ هو لم يكن معها ولم يكن على علم بها كما صرحت الحكومة اللبنانية بذلك في أيام الحرب.
* هل تحمل "حزب الله" مباشرة مسؤولية اندلاع الحرب الأخيرة ونتائجها, وما الثمن الذي يجب أن يدفعه الحزب غير تسليم السلاح?
…- لا شك بان تحمل النتائج وضمان الخسائر يقع على المباشر للتدمير والقتل أقوى من السبب وهو أي المباشر هو الذي ينسب الفعل إليه، ولذا يقول الفقهاء بان الضمان على المباشر (الفاعل) وليس على السبب في أمثال هذه المجالات التي يمتلك فيها الفاعل الإرادة والاختيار، والسبب يتحمل المسؤولية عن عدم الإعداد والاستعداد لمواجهة عدو كان هو السبب في جره للحرب أو كان متوقعا لصدور العدوان منه.
…وأما السؤال عن الثمن الذي يجب أن يدفعه "حزب الله" بعد هذه الحرب فاعتقد انه لا يدفع شيئا عندما يدخل في مشروع الدولة بالكامل لأنه بذلك سيأخذ المزيد من المكاسب والمواقع داخل الدولة اللبنانية وهو عندما يعطي السلاح دولة هو جزء فاعل فيها فهو لا يعطيه من موقع المهزوم ولا يخسر بذلك شيئا لان الدولة التي تقوى بانضمام الجميع إليها يقوى الجميع بها.
* هل تشك بنية قيادة "حزب الله" بتنفيذ القرار "1701" وأنها كانت تبغي بموافقتها عليه وقف النار فقط دون وجود نية حقيقية لتسليم السلاح?(39/69)
…- لقد التزمت الحكومة اللبنانية بتنفيذ القرار "1701" وفي الحكومة وزيران لـ" حزب الله " كانا حاضرين بالاجتماع لا يعفي الحكومة اللبنانية بكل أطرافها من الالتزام بتنفيذ القرار ولذلك مهما كانت النوايا عند المطالبة بوقف إطلاق النار وعند الموافقة على القرار الدولي فلن يكون لها تأثير من الناحية العملية وتبقى العبرة بالتنفيذ الذي يسير بنحو معقول حتى الآن.…
* تعترف بعض أطراف (14 آذار) بالنصر الذي حققه "حزب الله", فكيف تقيم من جهتك نتائج الحرب?
…- من يدعي الانتصار فهذا شأنه ونحن لم نكن نتمنى مثل هذا النصر لأنفسنا ولا نتمناه بالشكل الذي حصل لغيرنا, ولست أدري هل كنا خاسرين قبل (12) يوليو عندما لم يكن لدينا ألف شهيد وخمسة آلاف جريح، وعندما لم يكن هذا الدمار الهائل موجوداً وأصبحنا منتصرين بعد (12) يوليو بهذه الأثمان الباهظة?! إني أرى أن يقال عنا أننا خاسرون قبل (12) يوليو ألف مرة من القول بأننا منتصرون. وتذكرني بعض المواقف والكلمات بالشاعر المتنبي حينما قال:
أعيذها نظرات منك خاطئة……أن تحسب الشحم فيمن لحمه ورمُ
وما انتفاع أخي الدنيا بناظره……إذا استوت عنده الأنوار والظلم
* هل تؤمن بان الضغوط والعلاقات الدولية كانت لتؤثر في عدم حدوث هذه الحرب أو على الأقل وقفها فوراً, سيما وأن حسن نصر الله وآخرين غيره أكدوا أن إسرائيل كانت تنوي شن العدوان بعد شهرين?
…- لا اعتقد بان هذه الحرب كانت ضرورية وكان بالإمكان تحريك قضية الأسرى من خلال المفاوضات والضغوط الدولية، وإذا صحت المعلومات أن إسرائيل كانت تنوي شن العدوان بعد شهرين فما هو المبرر لجعلها تشن الحرب قبل ذلك?! وهل من يعلم بانفجار بركان بعد شهرين يحاول تقديم موعد انفجاره بدون إعداد وتحذير للسكان?!
* هل يبدو لك من الحديث الأخير لنصر الله بأنه على استعداد لتسليم السلاح, ومن برأيك الجهة المحركة لهذا القرار?(39/70)
…- لم يظهر من حديث نصر الله أنه عازم على تسليم السلاح للدولة اللبنانية وإن أظهر الاستعداد للتعاون مع الجيش اللبناني في الجنوب وقوات الطوارئ الدولية، وكان في حديثه غموض من هذه الناحية (تسليم السلاح) وهذا القرار وغيره من القرارات المهمة تتأثر غالبا بالعلاقة مع إيران التي يوجد لها تأثير قوي داخل »حزب الله« وقيادته.
* ألا تعتبر أن الحديث عن استحواذ "حزب الله" على القرار في الجنوب وتأثيره على نتائج الانتخابات وحرية الرأي هناك تحريضاً مباشرا ضد الحزب, ولماذا الآن? وما هو دور حركة "أمل" في هذا الإطار?
- نحن لسنا في مقام التحريض على "حزب الله" وغيره ولكننا نريد أن نقول لهم ولغيرهم في العلن بعدما قلناه لهم سراً بأنه لا يجوز الانفراد في الرأي والتمثيل وعدم الإصغاء لنصائح الآخرين ولا يجوز جعل اللبنانيين الشيعة في سلة واحدة وتحت عنوان التشدد والتطرف مع أن الطائفة الشيعية ليست كذلك لأنها كانت ولا زالت مؤمنة بخط الاعتدال مع سائر الشركاء في الوطن وقد تخلت حركة "أمل" من خلال قيادتها عن ثقافة الاعتدال وسياستها ضمن الطائفة الشيعية وتركت الساحة لـ»حزب الله« في الثقافة والسياسة.
* ما دور حركة "أمل" في تحقيق الاعتدال الشيعي في لبنان وفي صهر الطائفة الشيعية داخل مشروع الدولة?
…- في قاعدة حركة "أمل" وفي جمهورها يوجد خط الاعتدال الذي أسسه الإمام موسى الصدر وكان يؤكد على انصهار الطائفة الشيعية في مشروع الدولة، وهذا هو رأي عموم أبناء الطائفة الشيعية في لبنان وكما قلت في السؤال السابق أن تحالف القيادة في حركة "أمل" مع »حزب الله« سياسياً وبالتالي مع إيران ألغى دور حركة "أمل" في تثبيت خط الاعتدال.…
* ما الدور الإيراني في التوجه الثقافي الشيعي في لبنان, وكيف ترى مستقبل هذه الروابط بين شيعة لبنان وإيران?(39/71)
…- لا شك بأن إيران تعتمد على "حزب الله" في لبنان في الثقافة وغيرها، ونحن لا نرى بأسا في وجود روابط ثقافية بين إيران والشيعة وغيرهم في لبنان ولكن العلاقات يجب أن تكون بين إيران واللبنانيين من خلال الدولة اللبنانية ومؤسساتها المسؤولة عن كل الطوائف اللبنانية وفي كل الأحوال فان روابط المذاهب والأديان لا يجوز أن تكون على حساب الأوطان.…
* ما كان دور سورية في الحرب الأخيرة وهل كان بمقدورها التأثير على قرارات »حزب الله«, وهل تحيدها عن نتائج الحرب?
…- لا اعتقد أن لسورية تأثيراً كبيراً على قرارات "حزب الله" خصوصا بعد الانسحاب السوري من لبنان, نعم قد يكون هناك التقاء في المصالح والرؤى السياسية في لبنان والمنطقة على كثير من القضايا المشتركة ولذلك لا أرى علاقة لسورية بنتائج الحرب التي حصلت. …
* أكد حسن نصر الله انه مع تنفيذ اتفاق "الطائف", فهل ترى توازناً بين القول والفعل في هذا الإطار?
…- نأمل أن يأخذ هذا القول طريقه العمل والتنفيذ من خلال اعتماد الدولة اللبنانية المرجع الوحيد في مختلف القضايا التي تهم الشعب اللبناني والوطن.
قصيدة لمفتي صور وجبل عامل
صحيفة "الرأي العام" الكويتية 7/9/2006
…
…في مقابلة مع الزميلة مي شدياق في "إل بي سي" مساء الثلاثاء ألقى مفتي صور وجبل عامل العلامة السيد علي الأمين قصيدة جريئة عكست موقفه السياسي والإنساني مما جرى في الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، وهذا الموقف الذي عبر عنه مراراً بالنثر والتصريح لجهة انتقاده "حزب الله" ورفض منطق الاستفراد بقراري الحرب والسلم .…
…"الرأي العام" تنشر القصيدة :
حصدنا من سياستكم دمارا……وتهجيراً وترويعاً ونارا
من المسؤول عن آلام شعبٍ……تسلّمتم ولايته مرارا
وأودعكم أمانته فضاعت……وخيّبتم أمانيه الكبارا
دخلنا في حروب لا تُجارى……فمن أعطى الأوامر والقرارا
نزحنا في بلاد الله نسعى……وقد جبنا البراري والقفارا(39/72)
وفُرّق شملنا بعد اجتماع……وأخلينا المرابع والدّيارا
خرجنا نرفع الرّايات بيضاً……وعدنا نرفع الأيدي انتصارا
فتياتُ الليل وحرب لبنان
بين من صمدن في مرابعهن ومن غادرنها هاربات
"موقع إيلاف" 31 /8/2006 (باختصار)
…(هذا من واقع أمتنا للأسف، والمقال يدل على توجهات "إيلاف" حيث المقال في أصله متعاطف مع بنات الليل!!!) الراصد.
…لم يكن سهلاً على مايا، الصبية التي لم تتجاوز الخامسة والعشرين من عمرها أن تظل في بيروت، في الوقت الذي كانت فيه دائرة الحرب الإسرائيلية تتسع يوما بعد آخر. مع كل ما يخلقه صوت القذائف والتدمير من رعب في قلبها، إلا أنها قررت البقاء، فالخيار كان واضحاً بالنسبة لها، "أن أموت في بلدي، أشرف لي ألف مرة من أن أهرب، وأموت في بلدٍ ثانٍ".
…مايا، فتاة ليل، بالنسبة لها تعتبر نفسها فتاة لبنانية كباقي الصبايا الأخريات. تشعر بما يصيب وطنها من ألم، وتعبر عن هذا الشعور بالبكاء ساعة، والغضب تارة أخرى. لا ينقصُ ما تقدمه من خدمات جنسية من تمام لبنانيتها، رافضةً وبشدة الطعن من قناتها، أو اللمز ولو خلسة "أرفض أن يشطبني أحدهم، أو أن يسلبنني لبنانيتي أو أن يتعامل معي كآلة وكأنني لا إحساس لي ولا شعور، وكأن الشهداء الذين يسقطون من كوكب ثانٍ بعيد عني كل البعد".…
…ذات وجهة النظر هذه، تسمعها أيضاً من رندا، السيدة التي كانت في صباها فتاة ليل، ومنذ 7 أعوام أصبحت صاحبة محل، بعد أن استلمت إدارة ملهى ببيروت، بعد خبرة (15) عاماً في العمل الليلي. ممسكة بسيجارتها، وجالسة بوثوق على الرصيف المجاور لمحلها!!(39/73)
…تقول وبثقة: "لم نغلق باب المحل ليلة واحدة طيلة الحرب. بقينا هنا صامدين، ولم نهرب. ومنذ أول يوم أخبرت الصبايا العاملات في المحل، أنهن حرات، من تريد البقاء تبقى، ومن تريد الفرار، فلن أمنعها"، مضيفة: "بقيت صبية واحدة معي، فيما 3 أخريات هربن إلى سورية. ومع أن صبية واحدة لا يمكنها تغطية حاجة جميع الزبائن، إلا أنها بقيت تعمل طيلة الوقت، ولم تتخلف يوماً واحداً. الآن باقي الصبايا عدن من سورية. بعضهن عملن هنالك طوال الفترة السابقة، والبعض جلسن دون عمل".
…الزبائن بدورهم، كيف كانت أحوالهم، وهل كان بالأصل ثمة زبائن تجيء للمحل؟
…تجيبك رندا "في أول أسبوع كان القلق يسود الجميع، ولذا كانت الزبائن قليلة جداً.
…لكن وبعد الأسبوع الأول، والعشرة الأيام الأولى، بدأت الحركة تعود تدريجياً، وكنا في أسوأ الأحوال نستقبل 5 زبائن يومياً، وأحيانا يصلون إلى 10، وهو رقم مقبول في مثل هذا الوضع". …
…كان السهارى، يجيئون إلى المكان لينسوا جو الحرب ويخرجوا منه، وكان يُلحظ على بعضهم أنه كان يحتسي من الكحول، ضعف الكمية التي كان يحتسيها سابقا. فمن كان يشرب 3 كاسات من الوسكي، صار يحتسي 5 أو 6 كاسات، لأن الألم كان لدى بعضهم لا صبر عليه.
…تروي رندا عن أحد الزبائن "أتانا في إحدى الليالي رجلُ (ختيار)، وحاله النفسية صعبة، علمنا منه أنه فقد (3) من أقاربه في القصف الإسرائيلي الأخير، وكان يبكي. صرنا نواسيه ونصبره، ونقول له أنهم ذهبوا للجنة، وأنهم شهداء عند ربهم. إلى أن هدأ قليلا، وبدأ يتمالك نفسه".…
…كثير من الزبائن –على قلتهم- كانوا يقضون الوقت في النقاش السياسي حول الأوضاع الراهنة، بين مؤيد ومعترض، وحانق، وشاتم.(39/74)
…الموقف السياسي لرندا، ومعها الصبية مايا، كان داعما للمقاومة، ومؤازرا لها "نحنا مع المقاومة، واللي قامت بيه شي منيح، وبيرفع الرأس"، معللة موقفها هذا، بقولها "ليش بيكون من حق إسرائيل أن تقصف، وتهدم البيوت، وتقتل النساء والأطفال، ونحنا ما بيكون من حقنا أن ندافع عن أنفسنا. المقاومة وقفت لإسرائيل بالمرصاد". خطابات السيد حسن نصر الله، كانت تتابعها رندا على التلفزيون، وفي حال انقطاع الكهرباء، كانت تستمع لها عبر الراديو، شاعرة بـ"مسئولية تجاه ما يقوله السيد، وكنت أبكي أحيانا واني بسمعه، ويوقف شعر بدني".
…مايا هي الأخرى، كانت على درب "معلمتها"، فعندما سألناها عن السيد نصر الله أجابت، "السيد تاج راسنا وأكثر، ونحنا فدا السيد".
…عبارة تسمعها من كثير من جمهور "المقاومة"، على اختلاف طبقاته وتوجهاته المذهبية والمناطقية، لكن، هذه المرة لها وقعها الخاص، كونها صادرة من فتاة ليل، ولذا سيكون لها أكثر من تفسير. البعضُ سيرى فيها إهانة للسيد نصر الله، وكأنك تدنسه بذكر اسمه على لسان "عاهرة". وآخرين سيستخدمونها للغمز والسخرية، شامتين من نصر الله لامتداح "داعرة" له، وكل هذه التفسيرات لا تعني شيئاً لمايا، لأنها "لي مطلق الحرية أن أقول رأيي وبكل صراحة. فنحن في بلد ديموقراطي، وليس من حق أحد أن يصادر رأيي"، متسائلة في ذات الوقت "من يستهجنون أن يكون لي رأي سياسي، أليسوا بشرا مثلي مثلهم. هل يجوز لهم أن يسهروا، ويسكروا، ويعربدوا، ويناموا مع الصبايا، ويخرجون من عندنا ليكون لهم الحق وحدهم في الكلام، فيما نحن ممنوع علينا! مهنتي شي، والسيد شيء ثاني. وما بيعني إني عملت خطأ إني ما بكون لي رأي وموقف".(39/75)
…إجابة الصبية، ترجع بذاكرتك إلى الوراء، لتستحضر يسوع ومريم المجدلية، عندما قال المسيح "من كان منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر"، ساعتها لم يتقدم أحد. مريمُ المجدلية التي ازدراها قومها، هي ذاتها التي لم تخن يسوع، ولم تسلمه لصليبه، ووقفت معه حتى آخر صرخت وجع، فيما مدعو القداسة هربوا، وأسلموه لأعدائه وحيداً. البعض من الزبائن، يحبُ أن يتلهى بجسد فتاة، فيما هو يشرب كأسه.
…كانت مايا هي من تقدم لهم هذه الخدمة الكريمة. رغم أن "النفسية كانت تعبانة بسبب القصف، ومشاهد الأطفال، كنت أجلس مع الزبائن ولا أرفض لهم طلباً. ولكني في ذات الوقت كنت أشرب قنينة البيرة، دون أن أشعر بطعمها. جسدي كان مع الزبون، فيما تفكيري وروحي في مكان آخر".…
…التعب النفسي الذي كان لدى الطرفين، الزبائن، والفتيات، كانت رندا تحاول الترويح عنه عبر الحديث المباشر مع رواد مربعها. تستفسر عن أحوالهم، تسليهم، تضحكهم، تتناقش معهم في كل شي، من السياسة إلى الجنس، وفي بعض المرات، كانت تعفي بعضهم من دفع المبلغ المتبقي عليه، لعدم توفره لديه في هذه الظروف، فـ"نحن في حرب، ويجب أن نراعي ظروف بعض الزبائن، خصوصا القديمين منهم، لنحافظ عليهم أيضا من جهة أخرى".هذا الموقف الداعم للمقاومة ألا يبدو غريباً!
…سألنا رندا، خصوصا أنها تعمل في مهنة يراها حزب الله من "الكبائر"، و"المحرمات"، ومن المؤكد أنه لو سيطر على لبنان، سيمنع هكذا محلات، أجابت "نحن واثقون من حزب الله، ومش خايفين. ولبنان بلد ديموقراطي، ومستحيل يتحول لإيران ثانية. وأريد أن أخبرك خبرية مهمة. في هالحرب ما في أحد تعدى على المحل، ولا أطلق رصاصة وحدة، أو استغل الظرف وتعرض للبنت اللي معي. في حين كنا في الحرب الأهلية، نتعرض لزعرنة وتحرشات وسرقات، وضرب بالسكاكين".…(39/76)
…تلك كانت تجربة ملهى لها خصوصيتها، مهنيا، وسياسيا أيضاً، فماذا عن باقي الأماكن؟. على بعد أمتار قليلة جداً، كان ملهى آخر. لكن صاحبته فضلت إغلاقه، وعادت لتفتحه من جديد بعد أن توقفت الأعمال الحربية، "الحركة في المنطقة قليلة جداً. ولم يكن هنالك من مردود مادي يستاهل أن نفتح من أجله. لذا فضلت إغلاق المكان طيلة الحرب".
في النوادي الليلة الأخرى ، -وخصوصا تلك التي تعتمد في شغلها على الفتيات الروس، والأكرانيات، والرومانيات- شلت الحركة تقريباً، لأن فتيات جمهوريات روسيا المستقلة، هربن من فندق ... حيث كانت إقامتهن، وحزمن حقائبهن، وعدن أدراجهن إلى بلدانهم، بعد أن استدعتهم السفارات، وأمرتهن بالرحيل، خصوصاً أنهن هنا جئن بحثاً عن عمل، لا عن "الشهادة".
…رحيلٌ كان في صالح فتيات الهوى اللبنانيات، بحسب رندا، والتي استبشرت بسفرهن، لأن منافساً أساسياً خرج من السوق، ما يعني أن عدد الزبائن سيزداد، فـ"مصائب قومٍ عند قومٍ فوائد"!.
…في جونية، والمعاملتين، كانت السوق "مضروبة" من الأساس، بسبب غياب السياح، وخصوصاً الخليجيين منهم، والذين كانوا يسهرون لساعات متقدمة من الفجر في نواديها الليلية، ويدفعون مبالغ مجزية بالدولار الأمريكي، نظير كل فتاة يصطحبونها معهم. إلا أن فقدان السياح، وسفر كثير من العاملات هناك، وانحسار عدد كبير من اللبنانيين عن النزول للسهر، أضر بالسوق كثيراً. وجعل كساداً يسود، حتى لدى اللبنانيات المتواجدات. فترى عدد منهم متناثرات، يشترين "المناقيش" الصباحية، عند الخامسة فجرا، وهن بثمن أقل من ثمنهن في الأيام العادية. البعض من الصبايا ممن تقطعت بهن السبل، لك أن تراهن واقفات على طريق جونية السريع.(39/77)
…فتيات الليل الـ"كلاس"، من فئة خمسة نجوم. هن الأخريات هبطت أسهمهن. فالسولدير، وسط بيروت التجاري، حيث اعتدن النزول إليه، بلباسهن المثير، كان مغلقا طيلة الحرب. والمطاعم الفخمة، والمقاهي التي يرتادها الخليجيون والأثرياء من لبنانيين، كانت بين مغلقة وخالية. ومن كانت من الفتيات تسترزق من وراء سياسي أو إعلامي أو حزبي تصاحبه، فقدت هذه الصحبة، لأن عشيقها المتيم، سرقته الحرب منها.
عجائب الزمن العراقي الأميركي
عمان ـ عبد الله التميمي
الوطن العربي ـ العدد 1538ـ 23/8/2006
أفرز المسرح السياسي العراقي المضطرب تحت ظلال الاحتلال الأميركي ظواهر غريبة لم تكن مألوفة من قبل، خاصة في ظل النظام السابق الذي اعتاد الناس فيه على رؤية الحزب الواحد والقائد الأوحد والمحتوى المتشابه في وسائل الإعلام وإدراك مدى الخطوط الحمر المحرمة بالتفكير والتعبير.
ورغم قساوتها وانتهاكها للحريات الأساسية للإنسان والمجتمع فهي تبدو أكثر رحمة من الفوضى التي تجتاح العراق حالياً في المجالات كافة، ووصل الأمر إلى حد البدع المضللة أو الحقائق الربانية الساطعة كما يحب أن يسميها مروجوها، لكن الأكثر غرابة أن وراء كل هذه البدع عشرات الآلاف من المريدين المتطوعين للدفاع عنها بالسلاح حتى الموت. وهنا سنتوقف عند ظاهرة "آية الله محمود الحسني الصرخي" الذي يدور حوله جدل صاخب وعنيف بعد أن نزل أتباعه المسلحون للشارع أكثر من مرة .. فمن هو الصرخي وماذا يريد؟(39/78)
أتباع الصرخي هاجموا مؤخرا الشرطة العراقية في كربلاء واستولوا على مركز شرطة منطقة الحر وصادروا أسلحته ومقتنياته واشتبكوا مع القوات العراقية ووقعت خسائر بين الطرفين واعتقل أكثر من مائتي مسلح من جماعة الصرخي .. وقبل هذه الحادثة تظاهرت جماعة الصرخي في النجف وداخل ضريح الإمام علي بن أبي طالب احتجاجاً على نقص الخدمات، وفوجئ الناس بحجم أتباع الصرخي غير المتوقع وصدرت تفسيرات كثيرة عن تمويل هذه الحشود،
وفي وقت سابق أضرم أتباع الصرخي جنوب العراق النار في مكتب استعلامات القنصلية الإيرانية في منطقة البراضعية في البصرة، وأضرموا النيران كذلك في العشرات من إطارات السيارات حولها وقذفوا القنصلية بكتل من اللهب تسبب في أضرار كبيرة في مبنى القنصلية ومقتنياتها..
وتبين بعد التحري أن السبب الرئيسي لهذه المظاهرات الاحتجاجية العنيفة التي نظمتها جماعات من مقلدي الصرخي كانت احتجاجاً على تصريحات أطلقها رجل الدين الإيراني "علي الكوراني" عبر إحدى الفضائيات الإيرانية اختلف فيها مع اجتهادات الصرخي بشأن ظهور المهدي المنتظر.(39/79)
يقول أتباع الصرخي إن السيد محمود الحسني الصرخي هو أحد المراجع الموجودين في العراق، وكان أحد طلاب السيد محمد الصدر (والد مقتدى الصدر) وقد ظهر بعد استشهاد السيد الصدر، وأقام صلاة جمعة في عهد النظام البائد وقد تم اعتقاله في زمن صدام حسين وحكم عليه بالإعدام، إلا أن تداعيات المواجهة مع الأميركيين حالت دون تنفيذ حكم الإعدام وخرج بعد سقوط بغداد بثلاثة أيام من سجون بغداد، وطلب من المراجع الموجودين في داخل العراق وخارجه المناظرة أو الرد على بحوثه الموجودة في الساحة العلمية، وأبطل آراءهم جميعها وفند أرائهم كلها، ولم يرد عليه أحد، ولا أحد دافع عن بحوثه التي أبطلها السيد الحسني الصرخي، وبعد ذلك أثبت علميته عليهم وجابهوه بالرفض والسب واللعن، وحاربوا طلابه واعتقلوا أنصاره وداهموا منزله وقتل من أنصاره ثمانية في تلك الليلة.
وأسس الصرخي مثل سلفه الصدر حوزة مستقلة عن حوزة النجف التقليدية وحوزة قم في إيران فبعد أن أطلق الصدر على حوزته تسمية الحوزة الناطقة أطلق الصرخي تسمية جديدة هي الحوزة العلمية الصادقة الناطقة (حوزة الإمام الصادق) وجعلها بزعامة آية الله الشيخ حازم السعدي.
وأصبح لهذه الحوزة مقلدون كثيرون الآن في العراق وإيران وبين الجالية العراقية في أوروبا، وتقام له صلاة جمعة في معظم أنحاء العراق، وقد تم اعتقال أنصاره في إيران بعد خروجهم في مظاهرة تأييد لاجتهاداته، وكانت أحد مطالب المظاهرة هي نقل الولاية من علي خامنئي إلى سماحة السيد الحسني الصرخي لأنه أحق بها منه...(39/80)
ويعتقد أتباع هذه الحوزة بأفكار هي مثار خلاف كبير وتقاطع مع التيارات الشيعية الأخرى، خاصة فيما يتعلق في فلسفة غيبة وظهور المهدي المنتظر الإمام الأثنى عشر عند الشيعة، حيث تنقل عن الصرخي تصريحات مثيرة جدا عن ظهور المهدي ولقائه المستمر معه في قصص يتداولها البسطاء ويعدونها من معجزات القرن الواحد والعشرين ويعدون من لا يصدقهم من الزنادقة الذين يحق قتلهم وحرقهم!!.
أفكار عقلانية:
يلمس المتابعون لتصريحات وفتاوى الصرخي السياسية بأنها تتسم بالعقلانية والوطنية خاصة ما يتعلق بالاحتلال والمحتلين وما صدر عنهم من أعمال ومواقف ودعاوي كالحرية والديمقراطية والانتخابات، فهو يقول إن هذه الأفعال والممارسات تجري ضمن مخطط خطير ولئيم يهدف إلى تحطيم وتضييع الأرض والمبدأ والدين والهوية، ويرى أنه مخطط صليبي صهيوني يستهدف العراق والعروبة والإسلام والمسلمين. وأن الكثير من الشخصيات المشاركة في الفعاليات السياسية الراهنة بالعراق ما هي إلا أدوات مبرمجة بواسطة الاحتلال.
ويقول الصرخي أيضا إن رئيس الكفر والاحتلال والمخطط له اعترف وأقر بحق المقاومة العراقية، وأشار إلى أن بلده (أي أميركا) كانت محتلة، بينما نجد العديد من الشخصيات الإسلامية والواجهات الاجتماعية أفنت وطلبت من المحتل بتجريد السلاح من المؤمنين الصادقين الأخيار!!!.
معارضو الصرخي:
إن السيد الحسني غير ثابت الاجتهاد وليس لديه بحوث استدلالية أبداً والكتب التي يتحدث عنها أتباعه أكثرها كتيبات وكراسات صغيرة، وهي عبارة عن ردود وتعليقات على كتب ومحاضرات. والصرخي كما يعتقد خصومه ادعى النسب الحسني وزعم أنه أعلم العلماء!! وهو أيضاً ذو تاريخ مجهول ومشبوه وأيضاً فهو فجائي الظهور على مسرح الأحداث!!(39/81)
وفد تخرج في كلية الهندسة جامعة بغداد من قسم الهندسة المدنية سنة 1987م، وهي نفس الكلية والجامعة والقسم الذي تخرج فيه عدي صدام حسين عام 1986، وقد تعرف عليه ولازمه لمدة ثلاث سنوات في نفس القسم والكلية والجامعة، وبعد ذلك تسلل الصرخي إلى الحوزة العلمية في النجف الأشرف في أواسط التسعينيات من القرن الماضي، وبدأ منذ ذلك الحين بمهاجمة الحوزة والتشكيك في أصول وفتاوي المراجع الكبار في محاولة لإسقاط هيبتهم وزرع بذور الانشقاق داخل الحوزة المذهب الشيعي بكاملة وإظهاره بالمظاهر التي لا تنسجم مع جوهر العقيدة الإسلامية الصحيحة.
عجائب!
يقول أحد الباحثين إن أتباع للصرخي من أبناء مدينة الناصرية جنوب العراق خرجوا يغمرهم فرح باذخ، وسرور عظيم، بعد أن منا إلى أسماعهم، وبتبليغ من الصرخي نفسه، أن الإمام المهدي المنتظر قد تقدم الصرخي، ليطلب منه يد أخته، ولهذا السبب هبت تلك الجموع مهللة، مباركة هذا الشرف العظيم الذي خُص به زعيمهم، وقائدهم، المطارد من قبل وزير الداخلية، وشرطته، وبوش وجنوده في العراق، والذين خصصوا جائزة مقدارها 50 ألف دولار لمن يدلي بمعلومات عن أماكن تواجده، فقد توارى هو عن الأنظار منذ أكثر من عامين، وذلك حين شنت قوات أميركية وبولندية غارة على مكتبه وسط مدينة كربلاء جنوب العراق، وهو ما أدى إلى مقتل جنرال كبير وجنديين أميركيين وجنديين بولنديين و13 من طلاب الحوزة العلمية، وخرج أتباع الصرخي في أكثر من مظاهرة لهم، طالبوا فيها بإغلاق ملف القضية المقامة ضد زعيمهم المريب الذي كان هو من ضمن مجموعة في تيار الصدر تدعو إلى ولاية "الولي الحي"، تلك المجموعة التي انقسمت بدورها إلى تشكيلين، يدعو الأول إلى ولاية السيد محمود الصرخي (الحسني)، بينما يقر الآخر بولاية علي خامنئي، مرشد الجمهورية الإيرانية.(39/82)
وقد اختلف الناس في العراق وخارج العراق في أمر الصرخي، وراح البعض منهم ينسج حوله القصص والأساطير، فهو حاضر مرة، وغائب مرة أخرى، وقد يكون في مرة إنسانا من عامة الناس، وفي أخرى رجلا تكشف أمامه الغيوب، ويطلع على ما في العقول والقلوب، يقابل إمام هذا الزمان، وينقل عن آخر مات قبل ألوف السنين، فهو قد توزع بين الناس بصور عديدة، وأحيط بضباب من الغموض ويروج البعض أن ظهور "الصرخي" ما هو إلا تمهيد لظهور الإمام المهدي المنتظر.
وأما لقبه الصرخي فلا يعدو كونه نسبة إلى مدينة إيرانية تقع على مقربة من خراسان، وتدعي سُرخ "بضم السين"، وعند العرب كثيراً ما تبدل السين صادا، فنقول: سراط المستقيم، مثلما نقول: صراط المستقيم، وعلى هذا أبدل حرف السين المضمومة في كلمة: سُرخ إلى صاد، ثم نسب السيد محمود إليها بياء النسب المشددة، فصار الصرخي، وسُرخ في الفارسية تعني اللون الأحمر، وهو في هذا الإبدال لا يختلف عن الإبدال الذي لحق لقب وزير داخلية حكومة إبراهيم الجعفري، بيان جبر صولاغ، فأصل كلمة صولاغ في اللغة الفارسية هو سُولاغ بضم السين كذلك، ومعناها: الثقب في الفصيح، والزرف في لغة العامة من أهل العراق، وحين انتقلت تلك الكلمة إلى اللسان العربي صارات: صولاغ وعلى أساس من هذا فقد يكون السيد محمود الصرخي إيراني الأصل ووجد له مكانا يصول فيه ويجول في عراق العهد الأميركي.
وتنقل عن تصرفات الصرخي حكايات غريبة عن ظهور الإمام المنتظر ومرافقة الصرخي له يوميا والتعايش معه وينقل عنه أقوالا وأفعالا تجد من يصدقها من البسطاء، رغم عدم عقلانيتها وعدم اتفاقها مع كل ما تذكره كتب الشيعة عن ظهور الإمام المنتظر لقيادة الأمة الإسلامية في أخر الزمان... وحسب الصرخي فإن المهدي في ضيافته لا يتناول طعامه إلا بعد إحضار طعام الإمام ولا يحتسي قدح الشاي إلا بعد أن يقدم القدح الأول للإمام الذي تصدر مجلسه ولا يراه إلى الصرخي..(39/83)
وتطول الحكايات والغريب أن هنالك من يصدقها من عامة الناس التي سئمت الحياة وهي بانتظار المعجزة التي قرّب موعدها الصرخي ولا تذعن للمراجع الكبار الذين يعتقدون أن ما جاء به الصرخي ما هو إلا بدعة لتشويه سمعة المذهب الشيعي.. ويبقى الشارع العراقي مصدرا لكل ما هو غريب يصدقه الجهلة القادرون على سحق مفكري وعلماء البلاد بالإقدام في لحظة واحدة في غياب القانون واستمالة رجال الأمن المنتمين لعالم الغيبيات والانحيازات المذهبية التي لا تعترف بالقانون والدستور!.
حكاية الصدر ..
كيف تحولت التيارات الأصولية في العراق إلى ظاهرة حكم طائفي لن يتزحزح؟
عادل بن زيد الطريفي
(جريدة الرياض 6/9/2006)
…فوجئ المصلّون في بغداد أثناء استماعهم لأول خطبة جمعة بعد سقوط نظام صدام حسين بالخطيب يلقي على مسامعهم فتوى غريبة تقول لهم: بأن بمقدورهم الاحتفاظ بأي شيء سرقوه أو نهبوه من مقرات حزب البعث، أو الوزارات الحكومية لأن المال هو مال الشعب وليس للحكومة فيه شيء ..
…هذه الفتوى التي باتت تعرف اليوم بفتوى "الحواسم" أصدرها السيد مقتدى الصدر، وقد صدمت بعض المصلين فغادروا المسجد مذعورين من هذه الفتوى التي تجوّز السرقة، أما البعض الآخر من الجهلة واللصوص وقطاع الطريق فخرجوا سريعاً من المسجد أيضاً ليلحقوا بما تبقى من أملاك الدولة بغية سرقته قبل الآخرين .. تلك الحادثة قدمت مقتدى الصدر لكثير من جمهور الطائفة الشيعية في العراق، وكانت فتواه تلك من أولى وسائل الاتصال التي اختارها ليخطب بها ودّ أبناء الطائفة.(39/84)
…مقتدى الصدر الزعيم الشيعي الشاب أثار ولا يزال جدلاً كبيراً بين خبراء السياسة، فالبعض رأى فيه متطرفاً لديه القدرة على تسيير مئات من الشباب العراقي إلى المواجهة المسلحة العنيفة، والبعض الآخر رأى فيه امتداداً لمدرسة أبيه محمد صادق الصدر، وزعيماً دينياً لا يقل عن الزعامات الدينية الشابة مثل حسن نصر الله وخالد مشعل، وغيرهم من القادة الأصوليين الذين يمسكون بأطراف السلطة في أكثر من بلد عربي.…ومنذ بداية حركته المسلحة مطلع العام 2004 أثبت مقتدى الصدر أهمية شعبية وعسكرية تجاوزت المحاولات الأولى لتهميشه، أو تصفيته. وتمثل حركته ظاهرة خطيرة فهو يدعوا إلى قتال الأمريكيين المحتلين، ويقوم مرة بمساندة العناصر المسلحة السنّية، ومرة أخرى يرسل فرق الموت لتصفية السنّة في قراهم، وهو في ذات الوقت الذي يشارك فيه بالحكومة (3وزراء)، والبرلمان (30 نائبا) يفتعل المواجهات مع قوات الجيش والأمن العراقي، أما أسوأ مظاهره فإنه يحكم عبر تنظيمه المسلح "جيش المهدي" مناطق ومحافظات عراقية بأكملها، وتفرض محاكمه الشرعية سلطتها، بينما يُجبر التجّار والمواطنون على دفع الخُمس لمؤسسة والده الصدر التي يديرها.
…وبلغت أهمية مقتدى الصدر درجة كبيرة حين استطاع أول هذا العام القيام بجولة رسمية لدول المنطقة، واستقبل فيها مرة بشكل رمزي، وأخرى بحفاوة بالغة منحها إياه الرئيس السوري بشار الأسد.
…في أبريل الماضي احتلت صورة مقتدى غلاف الطبعة الدولية لمجلة "النيوزويك"، ووصفه تقرير لمركز الدراسات الإستراتيجية والدولية (CSIS) كأهم لاعب سياسي داخل الطائفة الشيعية، وقال التقرير بأن عناصره المسلحة من جيش المهدي باتت تشكل 30? من عناصر الشرطة والجيش في بغداد.(39/85)
…أما تقرير مركز الأزمات الدولية الأخير (يوليو 2006) فحمل عنوان "مقتدى الصدر: عنصر تخريب أم استقرار؟"، ويكشف التقرير عن أهمية كبيرة تمثلها ظاهرة الصدر، فقد أصبح بوسعه أن يمنح الحكومة بركته، أو يعمل على تقويضها وتعطليها، وقد أدى تعنته في ترشيح الجعفري إلى تأخير الإعلان عن الحكومة لفترة خمسة أشهر، بينما واجه مساعي المالكي لعزل أعضاء الوزارة الصدريين إلى مواجهة مسلحة بالديوانية.
إن لظاهرة مقتدى الصدر ثلاثة ملامح مهمة:
…- فهي تمثل ثورة أصولية شيعية متطرفة في مقابل الحوزة التقليدية النجفية التي كانت تاريخياً بعيدة بشكل نسبي عن التدخل في الشؤون السياسية للعراق.
…-وتعكس المواجهات المسلحة نزاعا حول زعامة البيت الشيعي الداخلي، وهو نزاع ذو طابع جهوي بين العائلات الدينية الشهيرة في النجف.
…-وأخيراً، تمثل ظاهرة مقتدى صراعا شيعيا طبقيا بين طائفة المهمشين والفقراء والقبائل المعدمة، وطبقة العائلات الشيعية المتعلمة والغنية والقبائل النافذة، وطبقة رجال البازار الذين يمولون الحوزة التقليدية.
وحتى يمكن فهم ظاهرة مقتدى الصدر لا بد من فهم دور الحوزة الدينية، والمرجعية الطائفية في الفكر السياسي الشيعي ليس في العراق وحده، بل وفي إيران وبقية بلدان العالم الإسلامي. يضاف إلى هذا، فهم الدور المحوري والرئيسي الذي تلعبه العائلات الدينية الشهيرة في توجيه الطائفة اجتماعياً وسياسياً.(39/86)
…فعلى الرغم من اختلاف مدارس الشيعة "الاثنى – عشرية" في الفروع الفقهية إلا أن هناك تقارباً في مجمل مظاهر الفتوى الدينية داخل المذهب، حيث يشكل المرجع الديني الأعلى مصدر الاجتهاد والفتوى، ويتفرع عنه شيوخ مقلدون ووكلاء يمثلونه في البلدان وينوبون في نقل الأسئلة إلى المرجع، وتفسير فتاواه ودروسه الدينية، ويكونون وكلاء في جمع الخُمس - وهو العائد المادي المفروض على أتباع المذهب والذي يصرف في وجوه الإنفاق الخيري ولاسيما على المدارس الدينية ومؤسساتها - .
…أما الحوزة الدينية فهي الوصف الذي يطلق على مكان اجتماع المدارس الدينية المذهبية، وحيث يتواجد الشيوخ والمراجع للانقطاع للدراسة والبحث في الشؤون الدينية قريباً من المراقد المقدسة.
…هناك خلاف قديم حول الحوزة الدينية الأكثر أهمية لأتباع المذهب في العالم الإسلامي، فإيران بدأت عهد الحوزات الدينية بأصفهان ثم انتقلت إلى مدينة قم، أما في العراق فتمثل الحوزة الدينية في النجف أقدم المدارس والمرجعيات الدينية، ومنذ عدة عقود تنافست الحوزتان الدينيتان للاستئثار بمرجعية الشيعة في العالم. وقد لعب السياسيون في كل من طهران وبغداد دوراً كبيراً في استخدام هذا التنافس بغية النفاذ إلى جمهور الطائفة والتحكم فيه عن طريق احتواء المراجع التقليديين، وهذا التدخل السياسي قاد إلى تنافس بين مرجعية فارسية، ومرجعية عربية.
…صحيح، أن كثيراً من المراجع كان بإمكانهم تمثيل الشيعة أياً كانت بلدانهم، إلا أن هنالك فترات كانت فيها المنافسة قائمة على التنافس العرقي والعائلي، ويعود السبب الرئيسي في ذلك للدور السلبي الذي لعبته الثورة الإيرانية ومبدؤها الداعي إلى "ولاية الفقيه" في تقويض الطبيعة السلمية الانعزالية للحوزة الدينية.(39/87)
…في منتصف القرن الماضي، كان السيد محسن الحكيم بمثابة المرجع الأعلى للشيعة في حوزة النجف، بينما كان السيد البروجردي المرجع الأعلى في قم، وبعد وفاة الأخير قام شاه إيران في محاولة منه لإضعاف المعارضة الدينية بدعم مرجعية محسن الحكيم النجفية ضد مرجعية الحوزة الدينية في قم، وعندما مات محسن الحكيم انتقلت المرجعية لخليفته أبو القاسم الخوئي في النجف (1971)، وواصل الشاه دعم مرجعية الخوئي لبعض الوقت حتى تلاشت تلك المرجعية مع قيام الثورة الإيرانية واحتل الإمام روح الله الخميني صدارة المرجعية في كل مكان، ولكن رغم ذلك كان هنالك ممانعة للخميني في حوزة النجف التي أحست بتهديد الخميني لمرجعيتها، ورفض أبرز علمائها مفهوم "ولاية الفقيه" الذي نادى به الخميني.
…ما علاقة مقتدى الصدر بكل هذا؟
…في الحقيقة جوهر ما نشاهده من صراع دموي في العراق، أو تعطل في مسار العملية السياسية تعود جذوره للمنافسة الحادة التي وقعت بين العائلات الدينية الشيعية الشهيرة، ففي النجف مثلت كل من عائلة الحكيم والخوئي والصدر أبرز العائلات الدينية، وهناك عائلات دينية أخرى مهمة مثل آل الشيرازي الكربلائيين، ولكن العائلات الثلاث الأخيرة بالتحديد كان لها دور سياسي واضح في العقود الثلاثة الأخيرة.…ومع قيام ثورة الخميني الأصولية تطلعت كل عائلة إلى أخذ نصيبها من المبادئ الثورية الجديدة، والتي تهبهم بوصفهم عائلات فقهية متصدرة حق الولاية السياسية. لقد تسبب حزب البعث في تصفية وجوه عديدة وطنية داخل الطائفة الشيعية، واستطاع حزب البعث قتل وطرد العائلات الشيعية المتعلمة والتي تمثل قيادات علمانية ليبرالية تؤمن بالوطنية وديمقراطية العراق، وبحلول نهاية السبعينيات اختفى الثقل السياسي الشيعي الليبرالي ليحل مكانه المراجع الدينيون، ومؤسساتهم الدينية.(39/88)
…عائلة الصدر كانت من أوائل العائلات التي اتجهت للاهتمام بهذا الفراغ السياسي داخل الطائفة الشيعية، ومثّل محمد باقر الصدر - الشهير بالشهيد الأول - أبرز هؤلاء العلماء، وقد أبدى اهتماماً مبكراً بالحركات الإسلامية السنّية، وفكرة الدولة الإسلامية التي تبشر بها التيارات الأصولية، ولهذا عمل على تقديم فكر الحركة الإسلامية إلى داخل الحوزة التقليدية، وقد واجه محمد باقر الصدر معارضة من المراجع، ولكن رغم ذلك استطاع التأثير على قطاع واسع من أبناء الطائفة وطلبة الحوزة الدينية، ولكن حين توفي المرجع الأعلى محسن الحكيم كان محمد باقر الصدر يأمل في أن يخلف الأخير.
…بيد أن الحوزة حسمت المرجعية في السيد أبو القاسم الخوئي الذي كان يمثل خط المدرسة التقليدية، ولم يتوان محمد باقر الصدر عن انتقاد المرجعية التقليدية بسبب من أفكاره، وبسبب من تجاوز أحقيته كمرجع، وصعّد محمد باقر الصدر من خطابه وصدامه بعد قيام الثورة الإيرانية وأعلن ولاءه لها وعمل على إنشاء "حزب الدعوة" الإسلامي - وهو حزب تورط في أعمال مسلحة وتعاون مع الثورة الإيرانية الصاعدة -، ولهذا تولى حزب البعث تصفيته في أبريل 1980.
…محمد صادق الصدر - وهو ابن عم باقر ويسمى الشهيد الثاني - كان أبرز تلاميذ محمد باقر الصدر بيد أنه كان أكثر تطرفاً، وأقل درجة علمية، وإذا كان محمد باقر الصدر يمثل تيار الإسلام السياسي الشيعي في صيغة شبيهة بجماعة الإخوان المسلمين المصرية، فإن محمد صادق الصدر هو أقرب إلى الصورة الراديكالية التي تمثلها جماعة «الجهاد» المصرية.(39/89)
…حين قتل محمد باقر الصدر كان ابن عمه رهن الإقامة الجبرية، ولم يطلق سراحه حتى وفاة المرجع أبو القاسم الخوئي (1992)، هنا قاد التدخل السياسي إلى أسوأ ما نشهده في العراق اليوم، فقد عمد صدام حسين إلى إطلاق سراح الزعيم الديني المتطرف محمد صادق الصدر لاعتقاده بأن الأخير سيكون بوسعه مواجهة الحوزة الدينية في النجف والتي بدأت تتعاطف مع شبابها الذين قادوا محاولة الانقلاب الشيعية على نظام صدام حسين بعد حرب الخليج (1991). لم يكن أحد بالكاد يعرف محمد صادق الصدر لا في الحوزة ولا في خارجها، وإذا كانت أفكاره راديكالية ومعارضة للحوزة، فإن نظام صدام كان يأمل في أن يتسبب دعمه غير المباشر في تقويض قوة الحوزة الدينية، والاعتراض على أحقية آية الله علي السيستاني - وهو إيراني - بالمرجعية بوصفه فارسياً محتمل الولاء لثورة الخميني، ولهذا انطلق محمد صادق الصدر في مشروع معارضة للحوزة التقليدية، والتي بات يسميها «الحوزة الصامتة »، وأعلن من جانبه تأسيس «الحوزة الناطقة» والتي تعني الحوزة التي لا تقتصر على فتاوى العبادات فقط بل تتدخل في السياسة والشؤون الاجتماعية ويكون لها دور أكبر في قيادة الطائفة.(39/90)
…مع مرور الوقت بدأ محمد صادق الصدر في مهاجمة المراجع التقليديين مثل آية الله علي السيستاني. لم يكن صادق الصدر ليستطيع التأثير على الحوزة العلمية في النجف، ولا أتباع المراجع التقليديين، ولهذا توجه بخطابه نحو الفقراء والمهمشين في الجنوب العراقي، وبات يوثق علاقاته بالقبائل المعدمة، بل ومد يده نحو العراقيين من أصول غير عربية ممن يحسّون بالتمّييز، وعبر استخدام خطاب طبقي وثوري ضد أمريكا والغرب، وضد نظام البعث، بل وضد الحوزة النجفية والعائلات المتعلمة الغنية استطاع محمد صادق الصدر صناعة جمهور جديد من المهمشين والفقراء، وأصبحت خطبه النارية وانتقاداته اللاذعة، وفتاواه المتطرفة منفرة للجميع، ولكنه في ظرف ست سنوات بات الزعيم الشيعي بلا منازع، وأصبح لوحده المرجعية العراقية.…
…ولشرح الوضع الذي أحدثه صعود محمد صادق الصدر نسوق طرفة وقصة كانتا رائجتين في العراق وقتها، أما القصة فتقول أن رجلاً ذهب ليستفتي من السيد محمد صادق الصدر فسأله عن سعر الطماطم؟ فأجابه صادق الصدر بتفصيل يكشف عن متابعته الدقيقة لهموم الناس المعيشية، وهذها لقصة كانت تروى لدلالة على الارتباط الشعبي بالطبقة الشيعية الكادحة الذي أحدثته حركة الصدر. أما الطرفة فكانت تقول إن شخصاً أهدى لآية الله السيستاني وسادة نوم كتب عليها "تصبح على خير" للدلالة على بعده عن حياة أبناء الطائفة واعتزاله عنها.
…استيقظ نظام صدام حسين في وقت متأخر، صحيح أن محمد صادق الصدر قد قضى على قوة الحوزة النجفية، ولكنه بات يشكل تهديداً أكبر مما كان الوضع عليه عام 1991.(39/91)
…أحد الأمثلة التي تشرح التطرف الذي لجأ إليه والد مقتدى الصدر هو دعوته إلى اعتبار نفسه "ولي أمر المسلمين" وهو إعلان فتح عليه ثلاث جبهات معارضة وهي: حزب البعث، والمرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي الذي اعتبر ذلك خروجاً على سلطته السياسية والدينية، وكذلك مراجع الحوزة الذين اعتبروه اغتصاباً للولاية من دونهم. قرر صدام اغتيال صادق الصدر وولديه (1999)، وعلى إثر ذلك قامت ثورة شعبية حقيقية أوقفها النظام لبعض الوقت بالقمع العسكري وإغلاق مكاتب الصدر.
…بسقوط نظام صدام حسين عبرت عناصر "فيلق بدر" - 2000 مقاتل - من إيران إلى العراق وأعاد آل الحكيم فتح مكاتبهم في المدينة المقدسة، وشهدت الحوزة العلمية بالنجف حيث مرقد الإمام علي صراعاً حول الزعامة، فقد عاد إليها عبد المجيد الخوئي ابن المرجع السابق - وهو شيخ ديني موال للغرب - وأعاد مقتدى الصدر فتح مكاتب والده هناك، وفي ظرف أسابيع بدأت العائلات الثلاث تصفية الحسابات فيما بينها واتهام بعضها بالخيانة والعمالة إما لإيران، أو للنظام السابق.(39/92)
…أوعز مقتدى الصدر لأتباعه فاقتحموا مرقد الإمام علي واغتالوا عبد المجيد الخوئي العائد لتوه من لندن، وأخرج المظاهرات التي وصفت محمد سعيد الحكيم بأنه موال لطهران وعميل جديد للأمريكيين، وعند احتدام الجدل بين أنصار التيار الصدري وأنصار تيار الحكيم - المجلس الأعلى للثورة - خطب محمد سعيد الحكيم خطبة وصف فيها مقتدى الصدر بأنه "زعطوط" - وهي كلمة تحقير شعبية. وأمام كل هذا كان آية الله السيستاني (إيراني)، ومعه مراجع وفقهاء كبار من أمثال بشير النجفي (باكستاني) والشيخ إسحاق الفياض (أفغاني) قلقين من زوال سلطتهم الدينية لصالح هذه العائلات التي لا يتوفر فيها حالياً مراجع معتمدون. السيستاني أدرك فداحة ما يجري حوله من محاولة للسيطرة على المدينة دينياً وسياسياً، ولهذا بادر بالتدخل بشكل سلمي وتوفيقي وانحاز إليه ممثلو حزب الدعوة، وبقية المنفيين السياسيين العراقيين، وبعد اغتيال محمد باقر الحكيم اضطر أخوه عبد العزيز الحكيم إلى الانحياز كذلك للسيستاني،…
…وكان مقتدى الصدر قد أصدر قائمة ضمت (124) عراقياً هم أعداء وخونة، وفي الحقيقة كانت قائمة أعدها أنصاره الذين كانوا يشكلون أنصار أبيه للتخلص من منافسيهم. أخطأت كل من أمريكا وإيران في تقدير أهمية التيار الصدري الذي أنشأه والد مقتدى، وغاب عن تقديرهم أن ذلك التيار هو الأقوى، والأكثر تنظيما داخل العراق خلال العقد الماضي فيما كانت بقية الوجوه السياسية الشيعية هائمة في المنفى.(39/93)
…في أبريل 2004 لم يتبق على الساحة إلا ثلاث جهات شيعية قادرة على قيادة الطائفة، كان هناك السيستاني، ومقتدى الصدر، وعبد العزيز الحكيم .. ولهذا شهد النجف مواجهات دامية بين قوات مقتدى «جيش المهدي» وقوات الحكيم "جيش العراق" - حيث يشكل عناصر فيلق بدر عصبه الأساسي - ، وحسمت القضية لصالح مقتدى الذي تم الاعتراف به رسمياً كطرف أساسي في الحكم، وفي الإتلاف الشيعي. وقد كشف بول بريمر - رئيس سلطة الائتلاف السابق - في مذكراته التي نشرت مطلع هذا العام بعنوان "عامي في العراق" تفاصيل تلك الأحداث، حيث يقول بريمر بأن السيستاني والحكيم والجعفري طالبوا بول بريمر بالقبض على مقتدى الصدر، ونبّه بريمر إلى أن السيستاني صرح بشكل غير مباشر في أنه لا يمانع في تصفية (قتل) مقتدى الصدر. إيران انتبهت لأهمية الصدر ولذلك بدأت في استمالته، ودعته إلى طهران حيث رحب به على أعلى مستوى كفاتح ومنتصر، وواصل الإيرانيون دعمه مادياً، وقام الحرس الثوري الإيراني بتدريب 2000 من عناصر جيش المهدي. اليوم يوجد في العراق ما يقارب 80 - 120 ألف مسلح يتبعون للمليشيات الدينية الشيعية، «جيش المهدي» لوحده لديه ما يقارب من 35 ألف مسلح، هذه الأعداد الكبيرة مسؤولة عن توتر الأوضاع في العراق، وإذا ما استثنينا عمليات القاعدة الإرهابية، ونشاطات الجماعات السنية المسلحة، فإن بوادر الحرب الأهلية قد تنشأ بين الجماعات الشيعية فيما بينها.(39/94)
…واليوم هناك جدل حول زعامة البيت الشيعي، فزعيم متطرف مثل مقتدى الصدر لم يكن بوسعه الوصول إلى تسوية سياسية لأنه تياره الشعبي المتعصب يدفعه دوماً إلى المزيد من العنف، وهذا ما حدث في الديوانية مؤخراً حيث اضطر مقتدى الصدر إلى التصعيد لأنه كان يخشى أن يفقد أتباعه إن هو لجأ إلى التسوية السياسية، حتى الآن انشقت عنه أربع مجموعات في مدينة الصدر لوحدها، أما تلميذ أبيه البار محمود عبد الرضا الحسني فانشق هو الآخر وأسس تنظيم "الولاء الإسلامي" وهو تنظيم مسلح يسيطر على كربلاء، وهناك تنظيم آخر باسم «الفضيلة» يسيطر على البصرة. وكلا التنظيمين يزعمان تمثيل الشيعة العرب في العراق بمقابل تنظيمات مثل المجلس الأعلى وحزب الدعوة الموالية لإيران . لا شك، أن مستقبل العراق سيكون مرتهنا بنتيجة الصراع بين التنظيمات الأصولية الشيعية، الأكراد يتحينون الفرصة للاستقلال ولكنهم ينتظرون نقطة الصفر التي سيسمح لهم الأمريكيون حينها بالتقسيم، وهو حل قد تلجأ له أميركا تحت طائلة حرب أهلية مفتوحة بين السنة والشيعة والأكراد.
الاقتتال العراقي ودعوة الضاري للمصالحة
ياسر الزعاترة - الدستور 3/9/2006
…رغم أن الاقتتال الأهلي قد غدا جزءا لا يتجزأ من المشهد العراقي منذ العام الماضي، إلا أن وتيرته شهدت صعوداً ملحوظاً خلال الأسابيع الأخيرة. وفي حين كانت عمليات استهداف بعض المناطق الشيعية عبر السيارات المفخخة هي اللون الأبرز خلال العام الماضي ، فقد باتت عمليات القتل في صفوف العرب السنة هي اللون اليومي خلال الشهور والأسابيع الأخيرة ، بل إن هيئة علماء المسلمين لا تتوقف عن إصدار البيانات التي توثق عمليات القتل والتفجير والتدمير اليومية في مناطق العرب السنة ، ويحدث غالباً أن تصدر العديد من البيانات في اليوم الواحد.(39/95)
…في قراءة ما يجري يمكن القول إن مليشيات التيار الصدري، وبتعبير أدق ، المحسوبة على التيار الصدري، هي من يتكفل بجزء كبير من العمليات البشعة التي تستهدف مناطق العرب السنة ومساجدهم، وقد باتت تعرف في الأوساط السنية بالعصابات السوداء، أو التكفيريين السود. وفي حين يصعب القول إن تلك المجموعات تتحرك بأوامر مباشرة من السيد مقتدى الصدر، فإن الثابت أن لا يفعل الكثير من أجل منعها، مع العلم أن بعضها ينفذ على عين القوات الحكومية وبرعايتها، وأحياناً بتواطؤ من القوات الأمريكية، بدليل أن الخطة العظيمة التي تحدث عنها الأمريكيون لحفظ الأمن في بغداد لم تفض إلى تخفيف وتيرة القتل في تلك المناطق، على الرغم من حرصهم على إقناع العرب السنة بأن من الأفضل لهم التحالف معها إذا أرادوا النجاة بأرواحهم من عسف الأجهزة الحكومية ومن جرائم المليشيات السوداء.…
…لقد قلنا غير مرة إن من العبث المساواة بين جرائم تنسب إلى العرب السنة فيما يدينونها جميعاً ويتمنون الخلاص منها، تبعاً لما ترتبه عليهم من ردود رعناء من الأطراف الأخرى، والأهم، لما تشكله من تشويه لمقاومتهم المشروعة، وبين جرائم يرتكبها الآخرون فيما لا تجد أدنى استنكار من القوى السياسية والمراجع الدينية. وفي هذا السياق على وجه التحديد جاءت دعوة أمين عام هيئة علماء المسلمين ، الشيخ حارث الضاري التي وجهها إلى المراجع الكبار للقاء والتشاور على أمل خروج من المأزق الراهن ، الأمر الذي لن يتم من دون تحرر العراقيين من وصاية الاحتلال.
…ما ينبغي أن يتذكره الجميع هو أن الاحتلال هو سبب الكارثة ، وهو بحسب القوانين الدولية مسؤول عن حياة السكان بشتى فئاتهم، لكنه في واقع الحال لا يفعل شيئاً على هذا الصعيد ، بقدر ما يساهم في تعزيز الاحتراب الأهلي كي يدفع جميع الأطراف إلى الاحتماء به والمطالبة ببقائه.(39/96)
…من المستغرب ألا تجد دعوة الشيخ الضاري أدنى استجابة من مراجع النجف، لكأنها لا تعنيهم في شيء، أو لكأنهم راضون عن عمليات القتل القائمة، والتي قد تبشر عملياً بوصول البلد إلى شكل من أشكال النقاء الطائفي لمناطقه تمهيداً للتقسيم كما يريد عبد العزيز الحكيم.…
…إذا اعتقد بعض من جاءوا على ظهر دبابات الاحتلال أن الحرب الأهلية ستمنحهم فرصة حكم العراق وأخذ الثارات التاريخية المزعومة فهم واهمون، ومنطق الحروب الأهلية لا يسير على هذا النحو، وهي تفضي في الغالب إلى خسارة الجميع، فيما لا تتوقف قبل أن يصاب الجميع بالإنهاك التام ويستسلمون لخيارات سياسية وسطية يمكن للعقلاء أن يصلوا إليها من دون دماء.
…بعد ما جرى في لبنان نتمنى أن يكون للسيد حسن نصر الله وبدعم إيراني دوره في إحداث اختراق في المشهد العراقي ، وإذا أراد (السيد) أن يرد على وقفة السنة إلى جانب الحزب في معركته الأخيرة ، فليس أمامه سوى الدخول على خط العراق من أجل تجاوز هذا النزيف في العلاقة بين السنة والشيعة ، لا سيما أن الاستهداف الأمريكي لا يوفر أحداً من الطرفين: لا في العراق ولا في سواه. ( للأسف أن هذه الأمنيات هي أحلام يقظة ، إن لم نقل أضغاث أحلام . الراصد )
إيران : أحجية النووي والأصلع .. وهدية خامنئي
أمير طاهري – الشرق الأوسط 25/9/2006
…
…لماذا يقاتل إنسان أصلع بضراوة من أجل الحصول على مشط؟ هذا السؤال يناسب الوضع الذي تجد إيران نفسها اليوم فيه بما يخص برنامجها النووي المثير للجدل. فعلى الرغم من المناورات الدبلوماسية الأخيرة أصبح واضحاً أن طهران مصممة على تجاهل مطالب مجلس الأمن الدولي بإيقاف الأنشطة المتعلقة بتخصيب اليورانيوم والبلوتونيوم.(39/97)
…ومن أول نظرة يبدو الوضع أقرب للأحجية. فإيران لا تمتلك أي محطة كهرباء نووية عاملة، ولذلك فهي لا تحتاج إلى تخصيب اليورانيوم حتى كوقود. والمحطة الوحيدة في طور البناء تقع في مدينة هليَه على خليج بوشهر، ولن يبدأ تشغيلها قبل الربيع المقبل. وعندما يتم ذلك فإن إيران ستمتلك وقودا كافياً لتشغيلها لمدة عشرة أعوام. وعرضت روسيا التي تقوم ببناء هذه المحطة كل ما تحتاج إليه هذه المحطة من وقود طوال عمرها والذي يمتد إلى (37) سنة.
…وباختصار: إيران ليست بحاجة إلى اليورانيوم حتى مارس المقبل. وبعد ذلك ستظل في غير حاجة لتخصيب اليورانيوم حتى عام 2017. بل حتى بعد ذلك التاريخ لن تحتاج إيران إلى أي تخصيب محلي لليورانيوم لمحطة هليه حتى عام 2044،
…أضف إلى أن مشروع إيران لتخصيب البلاتونيوم أكثر طرافة، إذ ليس فقط أن البلد لا يمتلك أي محطات لإنتاج الماء الثقيل الذي قد يتطلب بلوتونيوم بل هي لا تمتلك أي خطط لبنائها. بصيغة أخرى تنفق إيران كميات هائلة من الأموال على مشروع لا هدف واضح من تحقيقه. إلا إذا كان إنتاج البلوتونيوم واليورانيوم هو من أجل غرض آخر لا علاقة له بإنتاج الكهرباء.
…ليس من الممكن المجادلة لصالح بناء محطات نووية لإنتاج الكهرباء. فإيران هي البلد الثاني أو الثالث في العالم من حيث حجم احتياطيات النفط والغاز الطبيعي فيها. بل إنه وحتى مع استهلاك الطاقة الإيراني الذي سيبلغ مستويات الاستهلاك الغربية فإن إيران تظل مالكة لمصادر طاقة ستستمر إلى 400 سنة. ومثلما أظهرت بعض الدراسات لأكاديميين إيرانيين فإن الطاقة النووية ستكون أكثر تكلفة بـ 27% من إنتاج وتوزيع الطاقة الكهربائية المتولدة من النفط أو الغاز أو محطات الطاقة المائية.(39/98)
…وما زال هناك جدل ضد محطات الطاقة النووية في إيران. فكل البلد موجود في منطقة تعتبر من أكثر المناطق تعرضاً للزلازل، وهليه كان المكان الأول الذي بنيت فيه أول محطة كهربائية تعمل على الطاقة النووية وسبق له أن دمر ثلاث مرات خلال القرن الماضي بسبب الزلازل. وصب المياه القادمة من المحطة إلى الخليج قابل على إلحاق ضرر كبير للبيئة في المنطقة بينما تظل مشكلة ما يمكن القيام به للتخلص من الفضلات النووية المستخدمة غير محلولة. ويعتبر الكثير من الخبراء الإيرانيين أن فكرة دفنه تحت مياه الخليج أو في صحراء لوت الإيرانية "جنون محض".
…لذلك فليس من الغريب ألا تكون المسألة النووية قد تمت مناقشتها في «المجلس الإسلامي» أو تم شرحها للجمهور الإيراني. إنه قرار خطير تم اتخاذه على يد حفنة من الرجال ضد نصيحة الكثير من العلماء والأكاديميين الإيرانيين. إذن لماذا تقوم إيران بمخاطرة كبيرة عن طريق عدم تعليق تخصيب اليورانيوم لعدة شهور قبل أن تكون محطة هليه جاهزة؟
…الجواب الواضح هو أن إيران تريد أن تضع نفسها في وضع يسمح لها ببناء أسلحة نووية. ولا شيء هناك غير شرعي في مشروع كهذا، فإيران وكل الدول الأخرى لها الحق في بناء أسلحة نووية إن كانت ترغب في ذلك. والمشكلة هي أن إيران باعتبارها موقعة على «معاهدة حظر الانتشار النووي» مفروض عليها ألا تنتج أسلحة نووية.(39/99)
ولهذا فان الخطوة المنطقية للجمهورية الإسلامية يمكن أن تكون تعليق عضويتها في معاهدة حظر الانتشار النووي، كما فعلت كوريا الشمالية في عام 2000، أو حتى الانسحاب منها والقيام بما يرضيها. غير أن المشكلة هي أن الخمينية، الآيديولوجيا الحاكمة في إيران اليوم، لديها منطقها الخاص الذي لا يمكن فهمه بسهولة في إطار السلوك الدولي السائد. وفي ذلك المنطق لا تتقيد الجمهورية الإسلامية، باعتبارها تجسيد الحقيقة الواحدة، بالقوانين والضوابط والمعايير في ذلك السلوك التي طورها "الكفار" وأصبحت الأمور أكثر تعقيدا لأن الرئيس محمود أحمدي نجاد حول قضية تخصيب اليورانيوم إلى الخط الأحمر النهائي لإدارته. وباتهامه أسلافه بارتكابهم فعلا يقرب من الخيانة عندما وافقوا على تعليق مبكر لتخصيب اليورانيوم، فان احمدي نجاد ليس في مزاج الآن يوفر له القيام بذلك على وجه التحديد.
…وبإصرارهم على التعليق كشرط مسبق للمحادثات فان الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن إضافة إلى ألمانيا، يطلبون من احمدي نجاد أن يدمر صورته القوية وبالتالي يقوض إستراتيجيته الرامية إلى تحويل الثورة الإسلامية إلى ما يعتبره مرحلتها الثانية والأكثر حسما.
…ويجب على الدول الست أن تفهم انه وفي إيران اليوم تتجاوز قضية تخصيب اليورانيوم نواحيها الدبلوماسية والعسكرية والأمنية ، فباتت هذه القضية ترمز إلى رؤيتين للثورة الخمينية. الأولى لأشخاص مثل الرئيسين السابقين هاشمي رافسنجاني ومحمد خاتمي اللذين يعتقدان أن المهمة المركزية للثورة هي تعزيز قبضتها في إيران تاركة فكرة تصدير الثورة إلى بقية أنحاء العالم للأجيال المقبلة. وبذلك المعنى فان أشخاصا مثل رافسنجاني وخاتمي يشبهون مؤيدي "الاشتراكية في بلد واحد" في الاتحاد السوفييتي في عشرينات القرن الماضي. غير أن احمدي نجاد يشبه مؤيدي «الثورة الدائمة» في الفترة ذاتها.(39/100)
…وقد عززت نتيجة الحرب المحدودة في لبنان إلى حد كبير موقف معسكر "الثورة الدائمة". واحمدي نجاد مقتنع بأن إستراتيجية "الخطوة الوقائية" التي يتبعها نجحت وانه بدخول الولايات المتحدة فترة ارتباك بينما تتجه رئاسة بوش إلى نهايتها، فإن الجمهورية الإسلامية يمكن ويجب أن تؤسس نفسها باعتبارها القوة العظمى الإقليمية. وهناك دلالات على أن طهران، بعد سنوات من العزلة النسبية، تستعد لإنعاش برنامجها في تصدير الثورة الخمينية. وفي خطاب له الثلاثاء الماضي زعم «المرشد الأعلى» علي خامنئي أن «النصر الإلهي الاستراتيجي» الذي تحقق في لبنان كان دليلا على أن الشعوب الإسلامية في كل مكان ستحشد طاقاتها في إطار المعيار الإيراني لمجابهة الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين. وقال خامنئي «نحن لا نصدر ثورتنا بالقوة. نحن نعرضها كهدية».
…إن ما يواجهه العالم الخارجي هو نظام ثوري متمرد عازم على فرض أجندته على المنطقة بالأسلحة النووية أو بدونها. وأصبحت قضية تخصيب اليورانيوم قضية سياسية داخلية في إيران والخط الفاصل بين رؤيتين لمستقبل إيران والمنطقة. وبقبول التعليق بأية صيغة فإن احمدي نجاد ومعسكره سيقرون بالهزيمة. وذلك شيء هم غير مستعدين لفعله، خصوصا في مستهل "نصرهم" في لبنان. الرجل الأصلع قد لا يحتاج إلى مشط للعناية بشعره غير الموجود، ولكنه قد يحتاج إليه للبرهنة على أنه يمكن أن يفعل ما يرضيه، وانه ما من احد مسموح له بفرض إرادته عليه.
التعددية في تنظيمات رجال الدين
حوار مع محمد علي أبطحي
شرق (شرق) 21/6/ 2006
مختارات إيرانية ـ العدد 73ـ أغسطس 2006(39/101)
يعتبر محمد على أبطحي من الوجوه المعروفة في إيران، إذ كان يشاهد دائماً إلى جوار الرئيس محمد خاتمي، وعلى الرغم من أسلوبه السياسي الهادئ، لكن نشاطاته في مجال الكتابة بالمواقع الإلكترونية أظهرت وجهاً مختلفاً لذلك الشيخ التقدمي، وعلى حد قوله فإنه كان يواصل كتاباته هذه على الرغم من جميع مشاغله وكان يطالعها أكثر من 25 ألف فرد يومياً.
يدير أبطحي حالياً منظمة غير حكومية تعمل في مجال حوار الأديان، وقد أصدرت عدداً من المطبوعات القيمة. وفيما يلي نص الحوار الذي أجرته جريدة شرق معه.
× السيد محمد أبطحي، ما هو الاختلاف والسمات الفارقة بين مجمع روحانيون مبارز وجمعية روحانيت مبارز؟ ولماذا ظهر روحانيون كتنظيم جديد لرجال الدين؟(39/102)
ـ بعد قيام الثورة وفي السنوات الأولى من عمر الجمهورية الإسلامية وجدت اختلافات تنظيرية في الساحة السياسية وسرعان ما كرست تلك الاختلافات وأصبحت أكثر تحديداً ووضوحاً، هذه الاختلافات التي ظهرت بين التيارات السياسية كانت جوهرية ذات جذور، ولم تستثنى تيارات رجال الدين من ذلك بل كانت فيما بينها القدر الأكبر من تلك الاختلافات فقد كان هناك نوعان من القراءات الدينية حافظ على وجودهما على الدوام وعلى الرغم من مرورهما بفترات متباينة من القوة والضعف لكنهما كان موجودين على الدوام، ويمكن القول أن تيارات رجال الدين كانت تنقسم إلى وجهتي نظر متباينتين منذ البداية، الأولى لها وجه ثابت في كال زمان وتحت أي ظروف ويمكن تسميتها بالفرقة المتحجرة أما الثانية فلها ملامح مختلفة إذ تؤمن بأطروحة أن الإسلام يتوافق من التغيرات الحديثة، وكتعريف موسع لها يمكن تسميتها بوجهة النظر التقدمية، وأصحابها يؤمنون بضرورة رؤية مختلفة للمصادر المعرفية الأساسية للدين وأصحابها على خلاف المجموعة الأولى يؤمنون أن آليات العمل الموجودة الرائجة حالياً هي الأفضل حتى ولو لم تؤدي إلى نتيجة، لقد طرح هذا الموضوع أثناء فترة تولي مير موسوي رئاسة الوزراء، فعلى سبيل المثال أحضر عدد من السياسيين كتابي توضيح المسائل وتحرير الوسيلة للإمام الخميني وكانوا يقولون أنه ينبغي أن نعمل وفق الآراء الواردة فيهما، لأن سعادتنا كامنة بين دفتيهما.
كانوا يريدون أن يضعوا قانون العمل وجميع ما تحتاجه الدولة من قوانين وفق أحكام هذين الكتابين.(39/103)
هناك نقطة على جانب كبير من الأهمية وينبغي أن نتناولها هنا وهي أن فكر الإمام الخميني لم يكن الفكر الغالب في الحوزات الدينية، وإنما كان فكر الإمام فكراً استثنائياً غريباً على الحوزة، كما أن الثورة لم يكن نتاج فكر رائج آنذاك، ولقد أكدت هذه المسألة مراراً، إن الثورة لم تخرج من قلب الفكر الديني الرائج آنذاك، وإنما هذه الشخصية الاستثنائية وفي نفس الوقت الغريبة على الحوزة والمقصود بها الإمام هي التي تزعمت الثورة وأرشدتها، لقد قال الإمام عدة مرات أنه عندما كان ولدي يشرب من الماء في مدرسة الفيضية بقم، كانوا يقولون أن كوبه نجس ولا يجوز الشرب فيه، لأن ابن فلان قد استعمله وشرب منه، إن هذا القول في أوساط الحوزة يعني ارتكاب أغلظ الآثام فهو يعني أن أحداً كفر ذلك الشخص واعتبره نجساً بمعنى كفره المطلق.
بناء على هذا فإن فكر الإمام لم يكن سائداً بالحوزة بحيث يتزعم الثورة، لكن عندما نجحت الثورة دخل الفكر المسيطر على الحوزة آنذاك وهو الفكر التقليدي التيار الثوري، لقد التقى هذان التيارات في نقطة واحدة، أن الفكر التقدمي الذي كان الإمام زعيماً له والفكر التقليدي الذي كان مسيطراً على الحوزة، وقفاً إلى جوار بعضهما البعض بعد الثورة.
× هل يمكن القول أن كل واحد منهما كان في نفس المسار؟
ـ لا، لم يكونا يخطوان في نفس المسار، وإنما التقيا في نقطة واحدة، فلأن زعامة الثورة كانت بيد الإمام وكان رجل دين صارت الثورة باسم جميع رجال الدين، حتى التيار الذي لم يكن يؤمن بفكر الإمام ولم يقبله. من الناحية الأخرى هناك الجماعة التي اعتقدت بالإمام وكونت التيار الثوري التقدمي، كانوا يريدون في هذه الظروف أن يكونون دعماً لبعضهما البعض، ثم ظهرت التصادمات بسبب وجود أزمات إدارة الدولة فذهبت مجموعة صوب التقليدية، ومجموعة أخرى صوب التقدمية.(39/104)
كان آية الله بهشتي نموذج التيار الثاني بعد الإمام، وداخل صفوف هذين التيارين وجد أفراد لم يؤمنوا بالثورة ووقفوا في مواجهتها فتم استبعادهم، ووجود هذه الأفكار المتضاربة كان يؤدي إلى ظهور صدامات، وشيئاً فشيئاً انتقلت تلك الصدامات إلى الأوساط التنفيذية في الدولة وعبر أصحابها عن أنفسهم في القضايا السياسية والاقتصادية بل والاجتماعية أيضاً، استمرت هذه الصدامات حتى انتخابات المجلس الثالث، في هذه المرحلة كان زمام التيار التقدمي بيد السيد أحمد الخميني وكان يحافظ على ربط التقدميين بالإمام ويدير تلك العلاقة.
وفي الدورة الانتخابية الثالثة لمجلس الشورى الإسلامي ظهر الخلاف جليا واضحاً، وكان السبب وراء ذلك أن روحانيت مبارز قدمت قائمة انتخابية لم تضع فيها أي فرد من التيار التقدمي لرجال الدين، ولو كانت هذه المسألة قد استمرت لاستولى التقليديون بشكل فعلي على السلطة والنفوذ والإدارة.
× هل هذا يعني أن سلطة ونفوذ التقليديين كانت تتوحد داخل إطار النظام؟
ـ لم تكن تتوحد وإنما كانت تقوى وتتدعم، وكان الإمام وأفراد آخرون يقفون في مواجهة هذا الأمر، على الرغم من وجود خلافات داخل الحكومة نفسها، لكن المهم في تلك المرحلة أن التيار المتحجر لم يحصل على إدارة كل مؤسسات الثورة، ولو أن هذا الأمر حدث لدفعت الثورة ثمن باهظاً. في ذلك الوقت كانت روحانيت مبارز أقوى التنظيمات السياسية، لذلك السبب شكل مجموعة من أصدقاء، الإمام الذين لهم تاريخ نضالي طويل وكان لهم دور رئيسي في الثورة بالوقوف أمام الفكر التقليدي، وكانوا حلقة أولية للدفاع عن الفكر التقدمي، وكان رمانة الميزان في تلك الحلقة السيد أحمد الخميني.(39/105)
وكان معظم رجال الدين الأعضاء بإدارة مكتب الإمام من أنصار الفكر التقدمي وتقريبا همه جميع من كان في مكتب الإمام مثل السيد توسلي ومحمد على أنصاري والسيد سراج والحاج حسن صانعي والسيد خاتمي والسيد كروبي والسيد موسوي خوئيني ها وبين هؤلاء الأفراد من ينبغي أن نفصلهم نهائياً عن التيار التقليدي مثل هادي غفاري وكروبي وموسوي خوئينى ها وجلالي خميني، هؤلاء الأفراد طالبوا بتشكيل تنظيم جديد وأمنوا بضرورة إنقاذ فكر الإمام والثورة والتصدي لتصاعد موجات الفكر المتحجر، وبالطبع عندما أرادت هذه المجموعة أن تنفصل كانت قلقة من رأي الإمام ثم حصلت بشكل ضمني على موافقة الإمام.
× ما هو دور السيد أحمد الخميني؟
ـ لم يكن لأحمد الخميني وجوداً مباشراً لكن كان الجميع أصدقاء للإمام يمكن القول أنه كان هناك تنسيق مع الإمام وهو الذي كان يقول بهذا الدور. ذات يوم تجمع كل الأصدقاء بالقرب من حسينية جماران في منزل السيد صدوقي، وتبادلوا وجهات النظر حول كيفية الانفصال عن المجموعة التقليدية الفكر، حيث كانوا في ذلك الوقت ما زالوا يمارسون نشاطاتهم تحت اسم روحانيت مبارز.
× ماذا حدث لكي تأخذوا اسم روحانيون مبارز لتنظيمكم؟
ـ لم يكن هذا الاسم مطروحاً في الجلسة الأولى، لكن قبل أن تبدأ انتخابات الدورة الثالثة للمجلس، قرر عدد من الأصدقاء أن يختاروا اسماً لأنفسهم، واختار كبار هذه المجموعة اسم (روحانيون مبارز) ثم ذهبوا إلى الإمام لكي يحصلوا على الموافقة على هذا المسمى، فشجعهم الإمام وقال هذا يعني أنه ليس هناك اختلاف.
كانت هذه النقطة مهمة جداً لأن الإمام كان قلقاً جداً من أن تلتصق الأفكار المتحجرة باسم رجال الدين بمعنى أن يترادف اسم رجال الدين في التاريخ مع الأفكار المتحجرة، فكان يرى أنه من الضروري جداً وجود مجموعة أخرى من رجال الدين داخل التيارات السياسية.(39/106)
× ما هي القضايا التي حدث اختلاف حولها بين روحانيات مبارز وروحانيون مبارز كتيار ذي توجه يساري؟
ـ كان الاختلاف حول قضايا مثل الضرائب، تقسيم الأرض، حدود الملكية، قانون العمل وتدخل الدولة في النشاط الاقتصادي وحدث كل ذلك في العقد الأول من عمر الثورة، كانت وجهات نظر الطرفين مختلفة، وكانت آراء روحانيون مبارز أقرب إلى الدفاع عن المستضعفين المحرومين.
× في التجمع التقليدي قبل الثورة كان يتم السعي إلى توحيد صفوف رجال الدين، كضرورة لازمة للنضال بعكس نظام الحكم الذي يسعى إلى إحداث الفرقة بين رجال الدين وكذلك المناضلون، فكيف بعد الثورة يتجه هذا التيار الموحد إلى التعددية؟
ـ قبل نجاح الثورة أيضاً لم يكن رجال الدين موحدين، فقد كانت هناك اختلافات على سبيل المثال كانت هناك وحدة بين رجال الدين في عهد السيد بروجردي في ذلك الوقت لم تكن هذه المسألة مطلقة فكان هناك آية الله الكاشاني أيضاً، والإمام الخميني أيضاً وعلى الرغم من أنه لم يكن له ظهور كبير آنذاك ولكن ميوله كانت مختلفة عن الجميع، لم يكن لرجال الدين تيار موحد في أي وقت، دوماً كانت بينهم أفكار وتيارات مختلفة، ونرى ذلك إبان الثورة الدستورية 1906م حيث كانت هناك تيارات كثيرة مختلفة بين رجال الدين وكانت اختلافاتهم جوهرية.
× ألم تؤد هذه التعددية بين رجال الدين إلى توزيع الناس؟
ـ لا، الناس إنما يواجهون هذه التعددية ومعتادون عليها، فبعد وفاة آية الله بروجردي في عقد الأربعينيات، كان هناك عدد من مراجع التقليد بتوجهات مختلفة، وتوجه كل فرد من الشعب صوب مرجع منهم، لكن الأغلبية في النهاية اختارت الإمام وسارت على نهجه في حين أن فكره ونهجه كان في موضع الأقلية داخل الحوزات الدينية.
الطبيب الشخصي للسادات يتحدث عن صفقة بيع الجولان لإسرائيل
(العربية نت - 16/8/2006م - باختصار)(39/107)
…في كتابه الذائع الصيت الذي صدر قبل سنوات "عرفت السادات" ترك د.محمود جامع الطبيب الشخصي للرئيس المصري الراحل أنور السادات والصديق المقرب منه جداً، جملة ناقصة لم يكملها ولم يكشف عنها إلا قبل أيام قليلة. في جملته الناقصة قال "السادات أفشى لي بسر خطير يتعلق بالجولان" ثم سكت بعد ذلك ورفض تكملة هذه الجملة إطلاقا رغم محاولات بعض الصحفيين". أخيراً تخلى عن ذلك الرفض وباح بالسر لصحيفة الوفد المصرية، حين قال إن الجولان بيعت بملايين الدولارات لإسرائيل في صفقة بينها وبين النظام السوري في ذلك الوقت.
…العربية.نت اتصلت بالدكتور محمود جامع الذي يقيم حاليا في مدينة طنطا (حوالي 90 كم شمال القاهرة) لتسأله عن حقيقة هذه القصة التي دارت عام 1969 – حسب تصريحاته الصحفية أثناء مرافقته لوفد ترأسه السادات زار دمشق بتكليف من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.
…قال الدكتور محمود جامع لـ(العربية.نت): ما قلته كلام مؤكد وصريح. "لقد وضع السادات يده على كتفي وحكي لي عن تلك الصفقة التي أخبره بها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وتخلى بموجبها الجيش السوري عن هضبة الجولان في حرب الأيام الستة في يونيه حزيران "1967.
أشهد الله على هذا السر:(39/108)
…كان د.محمود جامع قد قال في حواره مع جريدة (الوفد) الذي أجراه الزميل أمير سالم ونشره على حلقتين: يشهد الله أنني أذيع هذا السر لأول مرة، كنت في صحبة السادات خلال زيارته لسوريا بتكليف من عبد الناصر في 1969 بهدف إجراء مباحثات مع الحكومة السورية برئاسة نورالدين الأتاسي واصطحبني السادات إلي هضبة الجولان ووقفنا على حافة مرتفع كبير بالهضبة ونظر إلي بحزن كبير وقال: "يا محمود سأذيع لك سراً قاله لي عبد الناصر.. الجولان راحت ضحية صفقة تمت بين النظام السوري وإسرائيل في يونيو1967. الجولان اتباعت بملايين الدولارات التي دخلت حساب رفعت الأسد الذي كان وسيطاً بين إسرائيل وشقيقه حافظ الأسد واقتسم رفعت قيمة الصفقة التي أودعت في حساب خاص ببنوك سويسرا، وقد صدرت أوامر بالانسحاب للقوات السورية ولم يطلق رصاصة واحدة وتم إرهاب الجنود المرابطين بالهضبة بأنهم سيتعرضون للحصار والإبادة من الجيش الإسرائيلي.
…وأضاف جامع: "وقتها نظر إلي السادات وقال متسائلاً: يا محمود إن إسرائيل مهما بلغت قوتها لا تستطيع السيطرة علي متر واحد في الجولان لو دخلت حرباً حقيقية، وقال: يا محمود البعثيون خونة، واليهود أكثر وفاء منهم، وأنا متخوف منهم قد يخبرون إسرائيل بموعد إقلاع الطائرة التي ستعود بنا إلي القاهرة، مثلما أخبروها بخط سير طائرة عبد الحكيم عامر التي تم تفجيرها في الجو بصاروخ إسرائيلي بعد "وشاية" سورية وتدخلت الأقدار لإنقاذ عبد الحكيم الذي لم يكن موجودا بالطائرة، وكانت الطائرة التي توجهت بنا إلي سوريا قد سلكت مساراً غريباً، حيث انطلقت من القاهرة إلي أسوان ومنها للسعودية ثم اتجهت شمالاً إلي تبوك ثم عمان ومنها إلي دمشق واستغرقت 8 ساعات كاملة دون توقف، ولما حكي لي السادات قصة "الوشاية" أدركت أن مسار الرحلة الغريب كان للمناورة و"التمويه.
صالح يتحالف مع الحوثيين لضرب الإخوان!
صنعاء ـ محمود صادق(39/109)
الوطن العربي ـ العدد 1540ـ 6/9/2006
فعلها ميكيافيلي ورحل، غرس مبدأ "الغاية تبرر الوسيلة" وعلى دربه سار الكثيرون، وأحدث من استخدم ذلك المبدأ هو الرئيس اليمني علي عبد الله صالح الذي فاجأ الجميع بتحالفه مع الحوثيين الذين سعوا منذ قرابة العامين إلى الإمام إلى قصر الحكم، ومع أنهم ما زالوا في السجون وبعضهم لا يعترف بمقتل زعيمهم حسين الحوثي، إلا أن الرئيس اليمني تغاضى مؤقتا عن كل ذلك في سبيل القضاء على منافسيه من تجمع الإصلاح وضرب الإخوان المسلمين الذين توقع المراقبون أن يحصدوا غالبية مقاعد المجالس المحلية وأيضاً الفوز بحكم الجمهورية اليمنية!.
صفقة الحوثي:
وعلى صعيد الصفقات السياسية التي تمهد ليوم الاقتراع في سباق الرئاسة، ذكرت مصادر رسمية في العاصمة اليمنية أن الرئيس علي عبد الله صالح أمر السلطات الأمنية بإطلاق سراح أحد أنجال الداعية الشيعي، بدر الدين الحوثي على خلفية الخطوات التي اتخذها الرئيس اليمني بغلق ملف التمرد الذي وقع في محافظة صعدة قبل نحو عامين، وقضى الأمر الرئاسي بإطلاق محمد بدر الدين الحوي، المعتقل بسبب الأحداث الدامية التي وقعت بمنطقة مران في تمرد قاده حسين بدر الدين الحوثي الابن في 18 يونيو "حزيران" عام 2004 وانتهى بمقتله في 10 سبتمبر "أيلول" من نفس العام،
كما تضمنت التعليمات الرئاسية إعادة المنازل الخاصة بحسين بدر الدين الحوثي الكائنة بمنطقة مران والتي كانت منطقة التمرد الأول التي كان الحوثي الابن يتخذها مركزا لتنظيم الشباب المؤمن المحظور الذي أسسه الحوثي الابن بداية العقد التاسع من القرن الماضي. وأشارت المصادر إلى أن الرئيس أمر بصرف مرتباته السابقة إلى أسرته وتقديم مرتب شهري لأولاده!(39/110)
ويعتقد المراقبون السياسيون أن خطوة الرئيس صالح بإطلاق نجل الحوثي محمد بدر الدين جاءت نتيجة لضغوط أمريكية بعدما تدخل عدد من قادة الحوثيين وفي مقدمتهم الابن يحيى الحوثي المقيم حالياً خارج اليمن والذين مارسوا ضغوطا مكثفة لدى الإدارة الأميركية التي أقنعت الرئيس اليمني بالتالي باتخاذ هذا الموقف الجديد من أتباع الحوثي في محاولة للحد من نفوذ تجمع الإصلاح اليمني "الإخوان المسلمون" خاصة وأن استطلاعات الرأي الأخيرة التي أجريت عن طريق مكاتب محلية أشارت إلى حصدهم لغالبية مقاعد المجالس المحلية والتي تؤثر بالتالي في نتائج الانتخابات البرلمانية كما أنهم أصبحوا منافساً قويا على مقعد الرئاسة.
وهناك توقعات بأن يحصل مرشحهم بن شعلان على أكثر من 70% من أصوات الناخبين، وقد دفع كل ذلك الرئيس اليمني إلى إعادة حساباته في الداخل والتخلي عن معظم خصوماته السياسية في سبيل ضرب الصعود الإخواني والحد من نفوذهم المتزايد، وتردد بالعاصمة اليمنية صنعاء أنباء مفادها أن يحيى الحوثي بعث برسالة إلى الرئيس اليمني تفيد بأنه إذا رغب الرئيس في أن نعطيه صكاً بترك ممارسة أي دور سياسي، فنحن مستعدون، لكن عليه أن يعاملنا باحترام!
ويذكر أن يحيى الحوثي كان أعلن أوائل هذا العام أنه سيرشح نفسه للانتخابات الرئاسية وتزامن ذلك مع إعلانه الانسحاب من عضوية الكتلة البرلمانية للمؤتمر الشعبي العام؛ الحزب الحاكم؛ ثم ومع الرسالة التي بعث بها إلى الرئيس صالح منذ حوالي الثلاثة اشهر قرر ممارسة أي دور سياسي مضاد للحكومة خلال الفترة المقبلة.(39/111)
ورغم هذه الرسالة والعفو الرئاسي علمت "الوطن العربي" من مصادر خاصة أن المعتقلين من شباب الحوثيين كلما طلب منهم التراجع أو التوبة قالوا لمحاوريهم ائتوا لنا بإذن من "سيدي حسين" وهم يعنون السيد حسين الحوثي حيث ما زالوا يعتقدون بأن فرار زعيمهم هي الرواية المقبولة، أما رواية مصرعه في سبتمبر "أيلول" 2004 فمن دعايات الحكومة وأكاذيبها! ولعل هذا يفسر جانبا من صمودهم القتالي الأسطوري الذي يشهد به خصومهم.
ويذكر أن جماعة الشباب المؤمن على خصومة مباشرة بفكر الثورة والجمهورية، وهي متهمة بالدعوة إلى الانقلاب على النظام الجمهوري الحالي وإعادة النظام الإمامي المندثر في العام 1382هـ ـ 1962م، ويقال إن سبب خروجهم على نظام الحكم أن هناك عناصر متنفذة في السلطة ذات ارتباط عضوي بجماعة الحوثيين من جهة، وبأن ثمة اعتقادا سائدا لدى الحزب الحاكم بأن دعم تلك الجماعة المحدودة في أتباعها؛ سيفوت الفرصة على أكبر الأحزاب السياسية ذي المرجعية الدينية وعلى الجماعات السلفية الأخرى، حيث سيشغلها بالنزاع مع الظاهرة "الحوثية" الجديدة، كما سيؤكد للآخرين أن الحزب الحاكم ليس ضد الجماعات الدينية بدليل أنه غير مختلف مع واحدة منها هي "الشباب المؤمن" بل خلافه يكمن مع جماعات العنف والتطرف والإسلام السياسي التي يقودها "تجمع الإصلاح"، غير أن الأمر المؤكد لكل من يعرف حقيقة الأيديولوجيا وآثارها، أنها ستظل مؤرقة للنظام السياسي والاجتماعي لأمد طويل لسبيين جوهريين أحدهما سوء الوضع بصورة عامة أو ما يطلق عليه "الفساد"، والآخر عمق الأيديولوجيا التي زرعها حسين بدر الدين الحوثي في جماعته، وهو ما يدعو إلى دراسة حيثيات التربية الأيديولوجية لها!.(39/112)
مجلة الراصد الإسلامية
العدد الأربعون – غرة شوال 1427 هـ
* فاتحة القول… فتنة حزب الله 0000000000000000000000000000000000000000 …3
* فرق ومذاهب… - الطريقة الرفاعية00000000000000000000000 000000000000000…10
* سطور من الذاكرة…العبيديون الفاطميون يعلون من شأن اليهود والنصارى000000000000000000…15
* دراسات …التشيع في الأردن000000000000000000000000000000000000000…20
* كتاب الشهر …وصايا الإمام الشيخ محمد مهدي شمس الدين00000000000000000000000…38
* قالوا …000000000000000000000000000000000000000000000000…57
* جولة الصحافة ……
لبنان…- أمة .. لا طائفة 00000000000000000000000000000000000000 …59
…- العلامة علي الأمين: الواجهة الشيعية لا تعبر عن الطائفة00000000000000…60
…- إبراهيم شمس الدين: حزب الله لا يمثل الشيعة وإيران ليست المرجعية00000000…62
…- مقارنة نصر أكتوبر بصواريخ نصر الله .. تهريج00000000000000000000…68
البحرين…- مخطط لإثارة القلاقل في البحرين000000000000000000 0000000000…69
…- حزب الله يدعم انتفاضة شيعية في البحرين00000000000000000000000…73
* متفرقات ……
…- إمام مسجد في الجليل يعتنق المذهب الشيعي00000000000000000000000…79
…- موجة تحول من المذهب السني إلى الشيعي في سورية00000000000000000 …84
…- غليان إسلامي سوري في مواجهة غزو إيراني يحميه الأسد00000000000000…87
…- الإخوان يقاتلون تحت راية حزب الله 000000000000000000000000000…97
…- سيناريوهات الحرب الأهلية في فلسطين0000000000000000000000000…106
…- عندما يصعد الشيعة .. رؤية أمريكية00000000000000000000000000 …108
…- السفير حسن كاظمي: نتحدى الاتهامات بالتدخل في العراق00000000000000 …121
…- إيرانيو إسرائيل يصنعون سياسة الدولة العبرية000000000000000000000…125
…- تونس .. خيام راقصة في رمضان ومقاهي المفطرين000000000000000000…128(40/1)
…- الطائفة الدرزية .. عودة إلى نظام الشيخين00000000000000000000000…130
…- أول امرأة تبنت الدعوة للاختلاط مع الرجال بالصلاة .. أنجبت بلا زواج!!000000…138
…- مسلمات على الطريقة الأمريكية0000000000000000000000000000
- المسؤولون الأميركيون لا يعرفون الفرق بين السنة والشيعة 00000000
- خطر التشيع في مصر وبلاد السنة 000000000000000000000000…124
148
152
فتنة حزب الله
…أخبر النبي ? بتسارع الفتن في آخر الزمان، وهذا ما نعيش طرفاً منه هذه الأيام، ومن فتن العصر الحديث فتنة "حزب الله" وفتنة "المذاهب والأفكار الباطنية القادمة" وفتنة "التصريحات الإعلامية الخادعة"، فما أحوج الحديث عنها كشفاً لها وتحذيراً منها، نصيحةً لله ورسوله وكتابه والمؤمنين، وحديثنا في هذا العدد عن فتنة "حزب الله ".
حجم الفتنة:
…شكل "حزب الله" على مدار تاريخه فتنة للبسطاء والطيبين من المسلمين، ذلك أنه يرفع اسم الله! ويقاوم "إسرائيل"، وتفاقمت هذه الفتنة بعد الحرب الأخيرة في لبنان، فأعلن الشيخ نور اليقين بدران إمام مسجد النور في قرية البعنة في فلسطين المحتلة عام (48) تشيعه، الذي يعتقده من (3) سنوات!! وفي سوريا والأردن هناك تأثر واضح بالتشيع تأثرا "بحزب الله" (في باب دراسات وجولة الصحافة في هذا العدد تفاصيل هذه الفتنة).
أهم سبب للفتنة:
…من أهم أسباب افتتان بسطاء المسلمين "بحزب الله" الفتاوى الصادرة عن علماء لهم كلمة مسموعة، كفضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي الذي استند عليه الشيخ نور اليقين في فلسطين، وكذلك فضيلة الشيخ سلمان العودة في ما نسب له من تفريق بين شيعة العراق ولبنان، واعتبار أن شيعة لبنان معتدلون. وكذلك موقف الجماعة الإسلامية في لبنان (الإخوان المسلمون في لبنان).
مبررات الفتوى:(40/2)
…لقد استند هؤلاء العلماء في فتاواهم هذه على اجتهاد سياسي وليس على رؤية شرعية. وتصريحات الدكتور القرضاوى الأخيرة توضح ذلك، وكذلك الشيخ العودة فله كتابات ومقولات واضحة حول جذرية الخلاف مع الشيعة. وهذا الاجتهاد السياسي يقوم على الفرضيات التالية:
1-…"حزب الله" صديق لإيران وليس تابعا لها.
2-…"حزب الله" حزب شيعي معتدل، ولا يوجد لديه بعد شيعي دعوى.
3-…"حزب الله" حزب معاد لإسرائيل من ناحية إسلامية وليس شيعية، و من المصلحة الآن توحيد الجهود ضد العدو اليهودي.
مناقشة هذه الفرضيات:
أولاً: فرضية (الحزب صديق وليس تابعا لها):
كيف ولد "حزب الله"؟
……هناك روايتان في كيفية نشوء الحزب:
……الأولى تعود إلى الستينيات في النجف بالعراق، حين اجتمع موسى الصدر مع ثلاثة من مشايخ لبنان كانوا طلاباً بحوزة النجف هم: صبحي الطفيلي وحسن الكوراني وحسن ملك، وذلك في منزل محمد باقر الصدر مؤسس حزب الدعوة بالعراق، وتوصل هذا الاجتماع إلى اتفاق على عودة موسى الصدر إلى لبنان مع اللبنانيين الثلاثة لتأسيس حلقات سياسية فكرية شيعية. وقد عاد من النجف شخصيتان أخريان هما السيد محمد حسين فضل الله، والشيخ محمد مهدي شمس الدين، بتأثير من محمد باقر الصدر( ).
……وهكذا تربط هذه الرواية "حزب الله" اللبناني بـ"حزب الدعوة" العراقي، وذلك قبل ظهور واندلاع ثورة الخميني، ولكن بعد نجاح ثورة الخميني تم التخلص من "الصدرين" محمد وموسى، لأنهم منافسون حقيقيون للخميني، وقد فصلنا هذا في دراسة قديمة تجدها على هذا الرابط:… http://www.ansar.org/arabic/marksi.htm .
……وهنا تبدأ الرواية الثانية: وهي ما حدث بعد أن تم التخلص من الصدرين في العراق ولبنان، حيث تنحى فضل الله ومهدي شمس الدين جانباً، وتم حل حزب الدعوة في لبنان بأمر من الخميني!(40/3)
……وهذا هو سبب ضبابية العلاقة بين فضل الله وحزب الله ، ففضل الله هو المربي الفكري لأغلب قيادات الحزب اليوم لكن على فكر محمد باقر الصدر، وحين استولى الخميني على الساحة الشيعية وسحب بساط "حزب الله" من تحت يد فضل الله ومهدي شمس الدين وموسى الصدر، أصبح دور فضل الله ومهدي شمس الدين في الحزب هامشياً.
……وبدأ النشاط الإيراني في لبنان يظهر، فبدأت إعادة تشكيل للشباب الشيعي الذين رباهم هؤلاء المؤسسون، فظهرت "أمل الإسلامية" وبعدها تم إعلان ظهور "حزب الله" من طهران!!
……ويوضح توفيق المديني في كتابه "أمل وحزب الله " (ص140) دور الخميني في إنشاء حزب الله فيقول: "وبعد أمر الإمام الخميني بحل حزب الدعوة في البلاد العربية، والانفصال العملي في العمل عن حركة "أمل"، طلب الإمام الخميني من المسؤولين الإيرانيين أن يطلعوه شخصياً على تحركات العمل الإسلامي في لبنان لبعض التوجيهات بشأنه، وكلف مجلس الدفاع الأعلى بنقل أوامره وتوجيهاته إلى "حزب الله".
…وينقل المديني عن مجلة الشراع اللبنانية والتي يرأسها حسن صبرا وهو من شيعة لبنان، قولها: إن قادة حزب الله في لبنان معينون من قبل الخميني. [الشراع 17/3/1986].(40/4)
…ويؤكد نعيم قاسم نائب الأمين العام لحزب الله في كتابه "حزب الله " (ص21 – 25)،على دور الخميني في نشأة "حزب الله"، واعترف بذلك حين قال بلغة دبلوماسية: " ... نجحت الثورة الإسلامية المباركة في إيران بقيادة الإمام الخميني (قده) سنة 1979 فاستقطبت المؤمنين ... لم يكن الارتباط بالثورة موجوداً قبل ذلك ... ناقش الإسلاميون داخل أطرهم ومع بعضهم البعض كيفية النهوض ومواكبة متطلبات المرحلة في لبنان والاستفادة من التجربة والاشعاع الإيراني .... فقوي الاهتمام بضرورة تشكيل إسلامي موحد ... من أجل تحقيق هذه الأهداف تابع ممثلون عن المجموعات الإسلامية الرئيسة مناقشة أفكار عديدة حول رؤيتهم للعمل الإسلامي في لبنان، تمت صياغتها في ورقة نهائية ثم انتدبوا تسعة أفراد كممثلين عنهم ... ثم رفعوا هذه الوثيقة للإمام الخميني (قده) فوافق عليها فاكتسبت شرعية تبني الولي الفقيه لها، عندها قررت المجموعات الإسلامية الموافقة على الوثيقة وحل تشكيلاتها التنظيمية القائمة وأنشئ تشكيل واحد جديد سمي لاحقاً باسم "حزب الله "ا.هـ .
……وهكذا يثبت بشكل قاطع أن "حزب الله" منتج إيراني، وهو لا يزال على ولائه لمن أنتجه، ويؤيد هذا أن زعيم "حزب الله" حسن نصر الله يتولى منصب الوكيل الشرعي لمرشد الثورة الإيرانية على خامنئي في لبنان!!
……واللافت للنظر أن الرموز التاريخية لشيعة لبنان لا تعترف بولاية الفقيه كجواد مغنية وفضل الله ومهدي شمس الدين بخلاف "حزب الله" الذي يؤمن بولاية الفقيه، مما يقطع بتبعية "حزب الله" لإيران.(40/5)
……وقد صرح بهذا قادة "حزب الله" حين لم يكن هناك حاجة للدبلوماسية ومراعاة الخواطر في عنفوان الثورة الإيرانية، كما جاء في رسالة الحزب المفتوحة عام 1985 والتي تعد بيان ومانفستو الحزب : "إننا أبناء أمة حزب الله التي نصر الله طليعتها في إيران ... نلتزم بأوامر قيادة واحدة حكيمة وعادلة تتمثل بالولي الفقيه الجامع للشرائط وتتجسد حاضراً بالإمام المسدد آية الله العظمى روح الله الموسوي الخميني".
……وقد ذكّرت صحيفة "كيهان" الإيرانية (اليومية الرسمية) العالم بهذه الحقيقة حين تحدثت عن حقيقة الحرب الأخيرة بين إسرائيل وحزب الله في مقال لرئيس تحريرها حسين شريعتمداري في أحد أيام شهر أغسطس 2006م يحمل عنوان (هذه حربنا) يقول فيه: "إن حزب الله لا يقاتل من أجل السجناء، ولا من أجل مزارع شبعا، أو حتى القضايا العربية أياً كانت في أي وقت؛ وإنما من أجل إيران في صراعها الحدودي لمنع الولايات المتحدة من إقامة شرق أوسط أمريكي"!!
……ولا نريد الإطالة بذكر الدعم المالي والعسكري الإيراني للحزب، فهذا أمر معروف ومشهور، وكذلك مفهوم "ولاية الفقيه" ولوازمه الشرعية والسياسية فصلنا الحديث فيها في بحث "ولاء الشيعة لمن" ؟ في العدد (34) من الراصد.
ثانياً: فرضية اعتدال "حزب الله " وخلوه من البعد الدعوى الشيعي:
…وهذه فرضية غير صحيحة ذلك أن الحزب يتبع لإيران وخاصة في العقيدة، ومعلوم للجميع مدى انحراف عقيدة النظام الإيراني وزعيمه الخميني، والتي قد ألفت فيها كتب مثل: "الخمينية شذوذ في العقائد وشذوذ في المواقف" للأستاذ سعيد حوي، "الخميني والوجه الآخر" للدكتور زيد العيص، "الخمينية وريثة الحركات الحاقدة والأفكار الفاسدة" للأستاذ وليد الأعظمي، وقريباً تنشر الراصد بحثا بعنوان عقيدة الخميني.(40/6)
…وتمجيد "حزب الله" للخميني ينفي أي ذرة للاعتدال والوسطية، بل يثبت الإدانة والتهمة على الحزب، فالواجب الشرعي على "حزب الله " أن يتبرأ من الكفريات التي نشرها وأصَّل لها الخميني قدوته وقائده.
…والناظر في ما ينشره "حزب الله" من كتب وأشرطة وبرامج تلفزيونية وغيرها، يلاحظ بكل وضوح البعد الشيعي الدعوي ونشر التشيع بين المسلمين، وإن كان الحزب يمارس هذا التشييع عبر سياسية عدم الهجوم والتصريح بمواضع الافتراق مع المسلمين.
…فهو يسقط التاريخ الإسلامي بكامله (العهد الراشد والأموي والعباسي)، فلا ذكر له في قنواته وصحفه إلا بالغمز واللمز، وتتسع قناة المنار للمسلسلات الدرامية والبدوية ولا تتسع لذكر أمهات المؤمنين والخلفاء الراشدين وبقية العشرة المبشرين، أرأيتم الاعتدال؟!
…أما نشاط الحزب في الدعوة للتشيع فهو كبير، وقد حصل تشيع لبعض أهل السنة في لبنان من لبنانيين وفلسطينيين، كما صرح بذلك الشيخ محمد الجوزو مفتى جبل لبنان؛ بل صرح بأن هناك محاولات استيلاء على مساجد للسنة من قبل "حزب الله"، في مقابلته مع مجلة آخر ساعة ونشرناها في "الراصد" عدد (39).
…ونختم الحديث حول شيعية "حزب الله" بكلام نعيم قاسم نائب الأمين العام "لحزب الله : "فإذا قال قائل: لماذا لا تجعلوا اختياركم من مجموع المذاهب لإيجاد توليفة فقهية بينها فتكونوا بذلك قد تصديتم لمنهج عملي في الوحدة بين المسلمين؟
…نقول: أمنيتنا الكبرى أن نكون في هذا الموقع الذي يوحد بين المسلمين لكنه أمر معقد لم يتمكن الفقهاء من حله خلال مئات السنين ويتطلب لجاناً علمائية متخصصة تجرى ابحاثاً موضوعية وجريئة لمناقشة القضايا كافة وليس معلوماً إذا كان بإمكانها الوصول إلى نتيجة " (ص40) من كتابه "حزب الله".
…نعم الوصول لعصمة القرآن من التحريف وإسلام الصحابة وأمهات المؤمنين يحتاج لسنوات ضوئية من البحث الجاد!!! ويقولون "حزب الله " معتدل؟؟(40/7)
…ونتساءل هل يستطيع أحد أن يقدم موقفاً واحداً "لحزب الله" قدم فيه الإسلام على شيعيته مثل:
-…أن يستنكر الحزب مواقف إيران وأتباعها في أفغانستان أو العراق ؟
-…أن يستنكر جرائم المتشيعين مثل حسن شحاته المصرى أو التيجاني التونسي الذين يتطاولون على الصحابة والخلفاء وأمهات المؤمنين؟
-…أن يدين احتلال إيران لجزر الإمارات الثلاث؟
-…أن يصرح ببراءته من الناعقين بالكفر باسم التشيع في القنوات الفضائية أو المجالس الحسينية كياسر الحبيب؟
…أحضروا لنا موقفا واحدا، وبعدها حدثونا عن اعتدال " حزب الله " .
ثالثاً: فرضية الاعتقاد بأن صراع حزب الله مع إسرائيل هو صراع إسلامي وليس شيعيا:
……وهذه الفرضية غير صحيحة إلا أن عواطف المسلمين الراغبة بهزيمة "إسرائيل" تعميها عن رؤية الحقائق. وسنأتي بالحقائق بداية من إجابة إبراهيم المصري نائب الأمين العام للجماعة الإسلامية في لبنان، المدافعة عن "حزب الله"، على سؤال لصحيفة "السبيل" الأردنية 15/8/2006: "هل يوافق حزب الله على إخراج المقاومة من إطارها الشيعي" ؟
……الإجابة: سبق طرح هذا الموضوع في كل اللقاءات مع الأخوة في الحزب، وقد أبدوا تجاوباً ملحوظاً، دون أن يتحقق شيء من ذلك على أرض الواقع ".
……وهذا ما يؤكده الشيخ الجوزو مفتى جبل لبنان حين قال: "هناك – في الجنوب - قرى سنية فقط، لأن المقاومة لم تكن لتسمح بذلك، لقد ذهبت يوماً لحسن نصر الله وكان هناك خلاف حول مسجد في جبل لبنان حاول الشيعة السيطرة عليه.
……"وكنت قد كتبت عن هذا مقالاً نشرته في مجلتي "فتح الإسلام" فأرسل إليٌ حسن نصر الله وذهبت إليه، وقد قلت له: لماذا تنغلقون على التشيع، السنة يصفقون لكم في كل أنحاء العالم العربي، لماذا لا يكون ضمن عناصر حزب الله سنة .. طبعاً لم يقبل لأنه يريد الحزب شيعياً وبعد ذلك نجدهم يتساءلون: لماذا لم يقاتل معنا السنة ..".(40/8)
……"ولقد سألوني عدة مرات لماذا كان حزب الله الذي يحمل هوية شيعية وحده يقاتل علي الساحة ولم يكن لأهل السنة دور إلا المساندة والاحتضان كما تعرف؟
……"وكنت أجيب الكثير من الإخوة الذين لا يعرفون حقيقة ما يدور علي الساحة اللبنانية بأن الشقيقة سوريا تحالفت مع الجانب الشيعي وأسست له جيشاً أو أكثر من جيش ومكنتهم من التسلح بالاتفاق مع إيران، بينما حرمت البقية من أبناء الشعب اللبناني من هذا الشرف، يعني منعتنا من أن نتسلح بل وألقت الكثير من أبنائنا في السجون واضطهدتهم وعاملتهم أسوأ معاملة.
……"ونحن نعرف كيف أن حافظ الأسد عندما دخل لبنان عام 1976 دخل من أجل ضرب الحركة الوطنية والثورة الفلسطينية علي أرض لبنان، وكان هذا بالاتفاق مع أمريكا وإسرائيل، وقد واجه مقاومة شديدة من قبل جميع الأطراف الموجودة على الساحة اللبنانية، وكانت مقاومة شديدة لدخوله في هذا الوقت مما جعله - أي حافظ الأسد - خصما للأطراف التي قاومته، وعلي رأسها أهل السنة والفلسطينيون، من هنا كان لا بد له بعد ذلك أن يتحالف مع من؟ مع الشيعة، وهذا أخل بالتوازن على الساحة اللبنانية وجعل المقاومة مقصورة علي إخواننا الشيعة".
……وهذا الاقتصار على الشيعة مقصود، ولذلك حين تعالت الأصوات بضرورة مشاركة الجميع في المقاومة أسس حزب الله سرايا المقاومة، لكن هل سمع بها أحد بعد ما أسست؟ وأين كانت في الحرب الأخيرة؟؟؟
……كما أن الحزب يمنع الجماعة الإسلامية في قرى الجنوب السنية من امتلاك الصواريخ أو الأسلحة الثقيلة، أو القيام بنشاطات جهادية دون علمه.(40/9)
……والتقارير الميدانية( ) بعد الحرب الأخيرة كشفت البعد الشيعي لدى الحزب، من منع التعويضات عن القرى السنية وعدم وصول المساعدات للسنة في الجنوب، والتي أرسلتها دول الخليج لأن إيران أرسلت السلاح والدولارات "السوبر تزوير"، كما أن المخيمات الفلسطينية لم تشملها تعويضات حزب الله كما صرح العقيد منير مقدح، وهو من أبرز القادة الفلسطينيين في لبنان.
……أما المصيبة الكبرى فهي قتل واعتقال من يحاول المقاومة دون إذن من الحزب، كما صرح بذلك الأمين العام السابق لحزب الله صبحي الطفيلي، ومنير مقدح وغيرهما. فهل بعد هذا يقال أن الحزب يقاوم من منطلق إسلامي لا شيعي؟؟؟
…كلمة أخيرة ...
……كلمة ونداء للشيخين الدكتور القرضاوي والدكتور العودة، أن يعقدا مؤتمراً أو يوجها بياناً لحزب الله يطالبانه فيه بالأصول العامة للإسلام وهي:
1-…توضيح موقفه من الشيعة والمتشيعين المعاصرين الذين يتجرأون على سلامة القرآن وإيمان الخلفاء والصحابة وأمهات المؤمنين.
2-…أن يقدم "حزب الله" أمثلة عملية في قناته الفضائية "المنار" على الاعتدال فيستضيف الشيخين القرضاوى والعودة للحديث عن فضائل الصحابة ومودتهم لآل البيت وعلاقاتهم الطيبة ومصاهراتهم الكريمة .
3-…مطالبة "حزب الله" بفتح الباب للمسلمين للمشاركة في الجهاد دون عوائق أو قيود.
……نرجو بهذا أن نكون قد كشفنا فتنة "حزب الله" التي خدعت بسطاء المسلمين وللأسف!
…
?
الطريقة الرفاعية (البطائحية)
نسبتها:
مؤسس هذه الطريقة أبو العباس أحمد بن أبي الحسين الرفاعي، المولود سنة (512هـ - 1118م)، قرب واصل في محافظة البصرة التي قدم إليها والده من المغرب. وهي ثاني الطرق الصوفية ظهوراً بعد الطريقة القادرية المنسوبة لعبد القادر الجيلاني( ).(40/10)
وقد أحاط الرفاعية مولد شيخهم بجملة من الأكاذيب والخرافات، فادّعوا أن الله سبحانه وتعالى خلقه من نوره، فقد نسب الصيادي، وهو أحد شيوخهم، إلى الرفاعي قوله: "قبض العزيز جلّ جلاله من نور وجهه قبضة فخلق منها سيدنا محمد المصطفى محمداً، فرشحت فخلقني منها( ).
كما ادّعوا أن منصور البطايحي، خال الرفاعي، رأى الرسول ? في المنام، وبشره بأن أخته ستنجب ولداً بعد (40) يوماً سيكون رأس الأولياء مثلما أن النبي ? رأس الأنبياء، يكون اسمه أحمد الرفاعي( ).
وقد توفي الرفاعي سنة (572هـ)، وقيل (587هـ)، ودفن في قرية أم عبيدة، قرب مدينة واسط بالعراق، ومقامه هناك. وقد ترك عدداً من المؤلفات منها: "البرهان المؤيد"، "معاني بسم الله الرحمن الرحيم"، "تفسير سورة القدر"، "الطريق إلى الله"، "حالة أهل الحقيقة مع الله"، "شرح التنبيه في فروع الفقه الشافعي"، و"النظام الخاص لأهل الاختصاص"( ).
ويذهب د. عبد المنعم الحفني إلى أن الرفاعي "لم يخلف كتباً، إلاّ أن تلاميذه جمعوا ما قال في ثلاثة أسفار:" جمع أسرار الشريعة والحقيقة والطريقة" والمشهور باسم "البرهان"، و"النظام الخاص لأهل الاختصاص"، و"رحيق الكوثر"( ).
أهم عقائدها:(40/11)
1-…أعطوا لشيخهم الرفاعي، ولشيوخ طريقتهم من الصفات والقدرات مالا يجوز إلاّ لله، فادّعوا قدرة شيخهم على علم الغيب والرزق والموت والحياة، ونقلوا عنه قوله: "صحبت ثلاثمائة ألف أمّة ممن يأكل ويشرب ويروث وينكح، ولا يكمل الرجل عندنا حتى يصحب هذا العدد ويعرف كلامهم وصفاتهم وأسماءهم وأرزاقهم وآجالهم. قال يعقوب الخادم: يا سيدي إن المفسرين ذكروا إن عدد الأمم ثمانون ألف أمة فقط. فقال: ذلك مبلغهم من العلم. فقلت له هذا عجب. فقال: وأزيدك، أنه لا تستقر نطفة في فرج أنثى إلاّ ينظر ذلك الرجل إليها، ويعلم بها. فقال يعقوب الخادم: فقلت يا سيدي هذه صفات الرب جلّ وعلا، فقال يا يعقوب: استغفر الله تعالى، فإن الله تعالى إذا أحب عبداً صرفه في جميع مملكته، وأطلعه على ما شاء من علوم الغيب"( ).
2-…كما انتشر عندهم الشرك الأكبر، وهو صرف العبادة لغير الله، إذ قال الصيادي: "بيتان حجّ العارفون إليهما: بيت الرسول، وشبله ببطاح. أعني به المولى الرفاعي الذي خلقت أنامله من الأرباح"( ). وللصيادي كتاب اسمه "بوارق الحقائق" مليء بالاستعانة بغير الله، والاستغاثة بالقبور.
3-…يشابهون متأخرة الأشعرية من حيث تعريف التوحيد، ونفي العلو، والقول بأن القرآن قديم، وغير ذلك( ).
أذكارهم وأورادهم وبعض طقوسهم:
من قواعد الرفاعية "الخلوة" مرة كل سنة، لمدة سبعة أيام، تبدأ باليوم الثاني من عاشوراء (أي في الحادي عشر من محرم) إلى مساء اليوم السابع عشر، فيكون للمختلي فراشه، الذي لا تشاركه فيه زوجته ولا غيرها، ويكون على وضوئه باستمرار، ويخلو طعامه من كل ذي روح، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه (100) مرة،، وأن يكون ذكره بعد الراتب بالعدد الذي يسمح به استعداده، في اليوم الأول: لا إله إلاّ الله، وفي الثاني: يا الله، وفي الثالث: يا وهّاب، وفي الرابع: يا حي، وفي الخامس: يا مجيد، وفي السادس: يا معطي، وفي السابع: يا قدوس.(40/12)
وغالباً ما يجعل للورد العام ليلتي الجمعة والاثنين، وللورد الخاص كل يوم بعد العشاء، وطريقته التحلق، وكل فرد جاثٍ على ركبتيه، ويقرأون الفاتحة، ويستأذنون على الرسول صلى الله عليه وسلم وآل البيت والصحابة والأولياء و(سيد الأولياء) الرفاعي، بقولهم دستور، ثم يختمون ذلك بطلب المدد، ثم يقرأون الورد وبعض سور القرآن، وبعض الأشعار.
ومن مراسمهم "عدة النوبة"، وهي عبارة عن الدفوف والطبول الأحمدية الكبيرة، يضربونها في ليالي الجمع، ويجتمعون عليها، زعماً أنها تنشط المريدين، وللترويح عن القلوب( ).
من كراماتهم المزعومة:
زعم الرفاعية، كما جرت العادة عند الصوفية، نسبة الكرامات والخوارق إلى شيوخهم، فقد زعموا أن الرسول ? أخرج يده من القبر ليصافح الرفاعي ويرد عليه السلام. وزعموا أن الرفاعي كان إذا ألقى درساً أو خطاباً يسمعه من هو خارج المدينة، وإذا حضره الأصم يسمع!( ).
وعندما تحدث الرفاعية عن مولد شيخهم، قالوا بأنه ولد في شهر رجب، وكان يشرب اللبن إلى أن قدم رمضان، فامتنع عن شرب اللبن نهاراً إلى أن جاء العيد فشربه. كما زعموا بأنه تكلم يوم ولادته( ).
ومن خرافاتهم اعتبار أن قرية أم عبيدة (مسقط رأس الرفاعي)، بقعة مباركة وبلد حرام، فقد ذكر أبو الهدى الصيادي أن أحمد الرفاعي قال:
(إن الله أعطى هذه البقعة خاصية تقرب الخلائق إلى الله، ووعدني أنه يجيب إلى هذه البقعة للزيارة زبدة الخلق لاغتنام بركتها، وأن يجعل خواص خلقه من مشارق الأرض ومغاربها في هذه البُقعة)( ).
وقد اشتهر عن الرفاعية لعبهم بالحيّات، وأكلهم لها، ودخولهم إلى النار وهي مشتعلة، إذ قال ابن خلكان: "ولأتباعه أحوال عجيبة من أكل الحيات وهي حيّة، والنزول إلى التنانير وهي تضطرم من النار فيطفئونها ويقال: إنهم في بلادهم يركبون الأسود"( ).
وقد ثبت بطلان هذه الكرامات المزعومة، وأنها حيل بيّن شيخ الإسلام ابن تيمية بطلانها في مناظرته لهم( ).(40/13)
قواعدها والدخول فيها:
تبدأ طقوس الانضمام إلى الرفاعية، بالبيعة التي يؤديها المريد للشيخ على السجادة، لاصقاً ركبتيه ويقرأ الفاتحة، كما يقرأ عليه الشيخ البيعة، ويطلب منه الاستغفار والتوبة، ويردد خلفه الرضى بمشيخته وإرشاده بطريقة الرفاعي، ويقيمه المرشد مريداً على هذا العهد.
ثم يجلسه ويوصيه بتقوى الله، ويلقنه كلمة التوحيد، ويعلمه الذكر بلا إله إلاّ الله، ثم يضع جبهته على جبهته، ويده على صدره، ويدعو له بالتوفيق والإخلاص والبركة، ويختم دعاءه بالفاتحة، ويقوم مع المريد إلى القبلة ويصليا على النبي (أول الخلق)! وخاتم الرسل والأنبياء أجمعين، ثم يثنيان بالفاتحة( ).
"وينبغي أن يكون المريد صاحب أدب وخشوع وخضوع، وعارفاً بمقدار شيخه، منقاداً له، لا يعترض عليه ... ولا يصاحب له عدواً، ولا يباعد له صديقاً، ولا يزور أحداً من صالحي الوقت بغير أمره وإذنه، ويكون بين يديّ شيخه كالميت بين يدي الغاسل"( ).
انتشارها:
انتشرت الرفاعية بشكل أساسي في مصر وسوريا وتركيا، ولها فروع كثيرة: كالواسطية المتفرع عنها فروع، والطريقة البدوية التي أسسها أحمد البدوي، وتفرع عنها الطريقة العلوانية.
وللرفاعية فروع أخرى مثل: الأعزبية والحريرية والشمسية والكيالية والسبسبية والعزيزية والعجلانية والقطنانية والجبرتية، ومنها فروع العيدروسية والزينية.
وللطريقة الأم كذلك فرع الصيادية، والمتفرع عنها البازية والشباكية، ولكثير من هذه الفروع، فروع( ).
أما في مصر، فلم يتفرع من الرفاعية فروع. ويرأسها حاليا أحمد كامل ياسين الرفاعي، الذي ينسب نفسه إلى آل البيت، ويرأس نقابة الأشراف في مصر. والذي أدخل الرفاعية إليها: أبو الفتح الواسطي، تلميذ الرفاعي، الذي أقام بالإسكندرية، وتوفي ودفن بها سنة (580هـ)( ).(40/14)
ومن الشخصيات المهمة في التاريخ المعاصر للرفاعية: أبو الهدى الصيادي، الذي اعتلى أعلى المناصب في عهد السلطان العثماني عبد الحميد الثاني، فتولى منصب شيخ الإسلام، ومسؤول القضاء، وشيخ الطريقة الرفاعية، ونقيب الأشراف، وأغدق عليه السلطان الأموال والأوسمة والمناصب، ودعمه بالنفوذ المطلق، وقد ازدهرت الطريقة الرفاعية بعهده، وشيد السلطان السلطان ضريح الرفاعي على نفقته الخاصة.
وقد ألف الصيادي (1849-1909) عدداً كبيراً من الكتب (أو نسب إليه) في الدعوة إلى الرفاعية والثناء عليها وشرح مبادئها وطقوسها، منهاك
1.…"قلائد الزبرجد في حكم الغوث الشريف الرفاعي أحمد".
2.…"قلادة الجواهر في ذكر الغوث الرفاعي وأتباعه الأكابر".
3.…"تنوير الأبصار في طبقات السادة الرفاعية الأخيار".
4.…هداية الساعي في سلوك طريقة الغوث الرفاعي".
5.…الفجر المنير فيما ورد عن لسان الغوث الرفاعي الكبير".
…والرفاعية على علاقة وطيدة بالتشيع وقد وضح ذلك الأستاذ محمد فهد الشقفة صاحب كتاب "التصوف بين الحق والخلق"، فمن المسائل التي تشترك الرفاعية فيها مع التشيع:
1-…جعل أحمد الرفاعي في المنزلة بعد الأئمة الاثني عشرة مباشرة .
2-…إسناد الطريقة الرفاعية عن الإمام الغائب مهدي الشيعة المنتظر .
3-…لبس السواد صفة مشتركة بين قادة الرفاعية والشيعة .
4-…تبدأ الخلوة الرفاعية السنوية في اليوم لثاني من عاشوراء يعني الحادي عشر من محرم، وهي ضرورية لكل من دخل في الرفاعية .
……وبعد موت الصيادي، والانقلاب الذي قاده حزب الاتحاد والترقي على السلطان عبد الحميد، ضعفت الطريقة الرفاعية، وضعف شأن أصحاب( ).
العبيديون الفاطميون يعلون من شأن اليهود والنصارى(40/15)
تبوأ اليهود والنصارى مركزاً مرموقاً في مصر خلال حكم الدولة العبيدية الفاطمية الشيعية الإسماعيلية واعتلى بعضهم أعلى المناصب، وقد كان لهذا النفوذ اليهودي والنصراني الأثر البالغ على أهل مصر خلال تلك الفترة، وعلى أهل السنة بشكل خاص، وهم الذين يشكلون أغلبية أهل مصر، وهم أصل المسلمين قبل أن يفد إليها العبيديون.
وعند الحديث عن اليهود الذين كان لهم شأن كبير في الدولة العبيدية، فإنه يقفز إلى الذهن فوراً اسم الوزير "يعقوب بن كلِّس"، وهو يهودي عراقي، تولى الوزارة في عهد العزيز بالله الفاطمي، ويعتبر ابن كلس من مؤسسي الدولة الفاطمية بمصر، وكان صاحب أثر بارز فيها، وقد وضع لها كثيراً من الأسس التي سارت عليها في سياستها الداخلية خصوصاً في النواحي الاقتصادية والسياسية، والتي كان خبيراً بها منذ أن دخل في خدمة كافور الإخشيدي.
وقبل ذلك كان المعز العبيدي( ) قد عهد لابن كلس بالخراج، وجميع وجوه الأموال والحسبة والسواحل والأعشار والأحباس والمواريث وجميع ما يضاف إلى ذلك، وما يطرأ في مصر من أعمال.
وبالرغم من تعرض ابن كلس لبعض الصعوبات في عهد العزيز بالله، والقبض عليه، إلاّ أن العزيز العبيدي سرعان ما أطلقه وأعاده لمركزه مكرّماً، وزاد نفوذه حتى استولى على حكومة وشؤون العزيز، وعظمت منزلته عنده.
ويصف الإمام ابن عساكر رحمه الله في "تاريخ دمشق" ابن كلس بقوله: "كان يهودياً من أهل بغداد، خبيثاً ذا مكر، وله حيل ودهاء، وفيه فطنة وذكاء"، إلى أن ذكر كيف أسلم طمعاً في الوزارة.
لقد أدت هذه السياسة إلى أن يعتبر اليهود في مصر عصر العبيديين عصرهم الذهبي، بل وتوافد إلى مصر مهاجرون يهود جدد. ولم يكن أهل السنة في مصر آنذاك ينعمون بما ينعم به أولئك اليهود. وحتى منتصف القرن الخامس الهجري كان يقوم بخدمة حكام بني عبيد سلسلة من الأطباء اليهود بدأت بطبيب المعز موسى بن العازار.(40/16)
وكان طبيب العزيز بالله وطبيب ولده الحاكم من بعده، نصراني يدعى أبو الفتح منصور بن مقشر المصري، وكانت له منزلة سامية في الدولة.
وكانت السياسة الفاطمية تذهب إلى أبعد حد من الموالاة لليهود والنصارى، وفي بعض الروايات أن الخلفاء الفاطميين كانوا يشجعون إقامة الكنائس والبيع والأديار، بل ربما تولوا إقامتها بأنفسهم أحياناً( ).
وإضافة إلى ابن كلس، فإن يهودياً آخر تولى الوزارة بالشام، وهو إبراهيم القزاز (منشا).
أما النصارى، فكان لهم نفوذ أيضاً في ظل الدولة العبيدية، وخاصة في عهد العزيز الذي غص بلاطه بهم، وبالغ في إكرامهم لما كان بينه وبينهم من صلة النسب، إذ تزوج العزيز بالله من مسيحية، وكان لها ولابنتها "سيدة الملك" نفوذ واسع في شؤون الدولة .. وكان لها أخوان رفعهما العزيز إلى أرقى المناصب في الكنيسة، فعين أحدهما بطريركاً للملكانيين( ) ببيت المقدس سنة (375هـ)، وعين الآخر مطراناً للقاهرة، ثم رقي في عهد الحاكم بأمر الله بطريركاً للملكانيين بالإسكندرية سنة (390هـ).
لقد كانت سياسة إعلاء شأن النصارى واضحة قبل عهد العزيز، فبعد وصول المعز إلى مصر قادماً من إفريقية طلب إليه البطريرك أفرهام السرياني أن يمكنه من بناء كنيسة أبي مرقورة بالفسطاط، وكذلك الكنيسة المعلّقة بقصر الشمع، فكتب له سجلا يمكنه من ذلك، وأطلق له من بيت المال ما يصرفه على هذا البناء، فتصدى الناس للأقباط الذين يريدون بناء الكنائس، ومنعوهم من البدء في عملية البناء، فجاء المعز وأشرف بنفسه على بناء أساس الكنيستين، ثم أمر ببناء كل الكنائس التي تحتاج إلى عمارة.
كما أنه عيّن النصراني عيسى بن نسطورس وزيراً بعد وفاة ابن كلس، فضبط الأمور، وجمع الأموال وأثقل أهل مصر بالضرائب، وتفشى الغلاء في عهده، واضطرب الأمن حتى أن المؤرخين يذكرون أنه لم يحج أحد في هذه الحقبة من مصر، وبلغ بالناس الجوع مبلغه حتى بلغ عدد الموتى مائة وسبعين ألفاً.(40/17)
لقد أدت سياسة العبيديين في إعلاء شأن اليهود والنصارى، وإكرامهم وتوليهم الوزارة إلى آثار سلبية على المسلمين، فقد عمّت مظالمهم جماهير المسلمين، وظهر تحيزهم لأبناء دينهما، ويكفي للتدليل على ذلك ذكر قصة العابد المشهور أبي بكر النابلسي رحمه الله المتوفى سنة (363هـ)، حيث سلمه المعز ليهودي ليسلخه فسلخه، وهو يتلو القرآن، كما في "تاريخ ابن كثير". وجاء في "العِبَر" للذهبي أن النابلسي كان قد قال: "لو كان معي عشرة أسهم لرميت الروم سهماً ورميت بني عبيد تسعة"، فبلغت هذه العبارة جوهر الصقلى، فلما قرّره اعترف وأغلظ لهم، فقتلوه.
وكان المسلمون في مصر يمقتون ما يقوم به الوزراء اليهود والنصارى، ويحاولون ما استطاعوا مقاومة هذا النفوذ، وتنبيه حكام بني عبيد إلى ذلك، وقد ذكر المؤرخ المقريزي شيئاً من ذلك فيقول عن الوزيرين: النصراني عيسى بن نسطورس، واليهودي منشا: "فاعتز بهما النصارى واليهود، وآذوا المسلمين. فعمد أهل مصر وكتبوا قصة جعلوها في يد صورة (تمثال)، عملوها من قراطيس (ورق) فيها:
بالذي أعز اليهود بمنشا، والنصارى بعيسى بن نسطورس، وأذل المسلين بك (العزيز بالله) ألا كشفت ظلامتي؟! وأقعدوا تلك الصورة على طريق العزيز...
وقد اضطر العزيز أمام تذمّر أهل مصر من هذا الوضع إلى القبض عليهما، وأخذ من ابن نسطورس ثلاثمائة ألف دينار. ولكنه عاد فأفرج عنه بتأثير من ابنته سيدة الملك.(40/18)
أما الظاهر بن الحاكم، الذي يضرب فيه المثل في المجون وشرب الخمر، فلم يكن بعيداً عن سيرة أبيه وأجداده، إذ يروي المقريزي المؤرخ، ـ رغم أنه من المتعاطفين مع العبيديين ـ بعضاً من مجون الظاهر، ومودته للنصارى فيقول: "ولخمس بقين من محرم، وكان ثالث فصح النصارى، فاجتمع بقنطرة المقس من النصارى والمسلمين في الخيام المنصوبة وغيرها خلق كثير طول نهارهم في لهو وتهتك قبيح، واختلط الرجال بالنساء وهم يعاقرون الخمر، حتى حملت النساء في قفاف الحمالين من شدة السكر، فكان المنكر شديداً في هذا اليوم. وركب الظاهر في موكب إلى المقس بعمامة شرب مفوطة بسواد، وثوب دبيقي مدير بسواد، فدار هناك طويلاً وعاد"( ).
وقد كان الشعراء يدلون بدلوهم لما وصلت إليه الأمور من تسلط اليهود والنصارى في عهد العبيديين على المسلمين، فيصورون الدولة وكأنها تحكم بـ "الثالوث": ابن كلس، والعزيز بالله، والوزير الفضل، ويصوغ الشاعر الدمشقي الحسن بن بشر ذلك شعراً، فيقول ساخراً:
تنصّر، فالتنصر دين حق……عليه زماننا هذا يدل
وقل بثلاثة عزّوا وجلّوا……وعطِّل ما سواهم فهو عطل
أما نقد سيطرة اليهود، فيعبر عنها الشاعر المصري الحسن بن خاقان، فيقول:
يهود هذا الزمان قد بلغوا……غاية آمالهم وقد ملكوا
العز فيهم والمال عندهمو……ومنهم المستشار والملك
يا أهل مصر إني نصحت لكم……تهوّدوا فقد تهوّد الفلك
وفي نقد الترف والاستبداد، اللذين تمتع بهما هؤلاء النفر من النصارى واليهود، يقول الشاعر ابن الخلال:
إذا حكم النصارى في الفروج……وغالوا في البغال وفي السروج
وذلت دولة الإسلام طرا……وصار الأمر في أ يدي العلوج
فقل للأعور الدجال هذا……زمانك إن عزمت على الخروج(40/19)
وفي عهد الآمر بأحكام الله (ت 524هـ)، اتخذ راهباً يعرف بأبي نجاح بن قنا، ووكّله شيئاً من الأمور المالية، فأخذ يصادر من أموال المسلمين الشيء الكثير ... فزاد قربه من الأمر حتى لقبّه بـ "الأب القديس الرّوحاني النفيس، أبي الآباء سيد الرؤساء، مُقَدّم دين النصرانية وسيد البطريركية، ثالث عشر الحواريين"، الأمر الذي جعله يتمادى في سطوته، فكثرت إساءته للمسلمين ومصادرته للناس( ).
واستمر هذا الحال في تقريب اليهود والنصارى وإعلاء شأنهم حتى آخر عمر هذه الدولة، فقد كان الأفضل بن بدر الجمالي، وزير الآمر، يستخدم الموظفين النصارى بكثرة، فعيّن أبا البركات يوحنا بن أبي الليث النصراني في ديوان التحقيق، وبقي فيه حتى عام (528هـ -1134م)، كما كان أبو الفضل المعروف بابن الأسقف، كاتب الأفضل الجمالي، والموقّع عنه في الأموال والرجال ومتولي ديوان المجلس، والنظر في جميع دواوين الاستيفاء على جميع أعمال المملكة. وتولى أبو اليمن وزير عبد المسيح، الديوان بأسفل الأرض. وأحاط الأفضل نفسه بجنود من الأرمن، وشجع على هجرتهم التي بدأت منذ مقدم والده في أيام المستنصر( ).
وعندما تولى الحافظ لدين الله الحكم بعد الآمر، استمر في هذا النهج، وولّى الوزارة في سنة (529هـ- 1135م) بهرام الأرمني ، ونعته بـ "السيد الأجلّ، أمير الجيوش سيف الإسلام، تاج الخلافة، ناصر الإمام، غيّاث الأنام". وبعد أن استقر بهرام في السلطة لم يتردد في تبني سياسة شخصية أرمنية مسيحية... فقد سأل الخليفة الحافظ في السماح له بإحضار أخوته وأهله من بلاد الأرمن، فأذن له في ذلك، حتى صار منهم بالديار المصرية نحو ثلاثين ألف إنسان استطالوا على المسلمين، وأصابهم منهم جور عظيم. كذلك بُني في أيامه العديد من الكنائس والأديرة حتى صار كل رئيس من الأرمن يبني له كنيسة... وخاف أهل مصر منهم أن يغيروا ملة الإسلام( ).(40/20)
وفي إطار هذه السياسة، أضحى معظم ولاة الدواوين من النصارى. وولّى بهرام أخاه "فاساك" ولاية قوص في الصعيد، فاستقوى بأخيه، وتمادى في ظلم المسلمين ومصادرة أموالهم( ).
لقد نبه بعض الغيورين إلى مسألة إعلاء شأن الأقليات، ومنها اليهود والنصارى، محذرين من آثارها السلبية، وفي ذلك يقول الشيخ محمد رشيد رضا في "تفسير المنار" (10/98): "ومن المثلات والعبر في هذا أن المسلمين أباحوا في حال عزتهم وسلطانهم لأهل الملل الأخرى حرية واسعة في دينهم ومعاملاتهم في بلاد المسلمين، عادت على المسلمين ودولهم بأشد المضار والمصائب في طور ضعفهم، كامتيازات الكنائس ورؤساء الأديان، التي جعلت كل طائفة منهم ذات حكومة مستقلة في داخل الحكومة الإسلامية، ومن ذلك ما يسمونه في هذا العصر بالامتيازات الأجنبية التي كانت فضلاً وإحساناً من ملوك المسلمين فصارت امتيازات عليهم، مذلة لهم، مفضلة للأجنبي عليهم في عقر دارهم، حتى أن الصعلوك من أولئك الأجانب صار اعز من أكابر أمرائهم وعلمائهم".
للاستزادة:
1-…"الأقليات الدينية والقومية" د. محمد عمارة.
2-…"الدولة الفاطمية في مصر: تفسير جديد" د. أيمن فؤاد سيد.
3-…"تاريخ الفاطميين في شمال إفريقية ومصر وبلاد الشام" د. محمد سهيل طقوش.
4-…"الإسماعيلية تاريخ وعقائد" الشيخ إحسان إلهي ظهير.
5-…"الحاكم بأمر الله وأسرار الدعوة الفاطمية" محمد عبد الله عنان.
6-…"أثر جهود صلاح الدين التربوية في تغير واقع المجتمع المصري" محمد القيسي.
التشيع في الأردن
محمد أبو رمان
الغد 4-5/10/2006(40/21)
…السؤال الشيعي يطرح لأول مرة في الأردن، فثمة تقارير وتصريحات رسمية ومعلومات متعددة تؤكد وجود ظاهرة "محدودة" من "التشيع الديني" في السنوات الأخيرة في مناطق مختلفة، بالإضافة إلى التخوف الرسمي من حالة "التشيع السياسي" من خلال قنوات واسعة كعلاقة قيادة حماس الخارج بإخوان الأردن، ووجود عشرات الآلاف من الشيعة العراقيين المقيمين في الأردن، إلى مرحلة بات يتحدث فيها بعض المسؤولين عن "خلايا شيعية نائمة" في عمان، يتوازى ذلك مع إعجاب شرائح اجتماعية واسعة بأداء حزب الله في الحرب الأخيرة، وكفاءة حسن نصر الله أمينه العام، الذي أصبح بمثابة بطل شعبي في الشارع العربي، والأردني بالتحديد.
…يأتي الجدل الأردني حول التشيع والنفوذ السياسي الإيراني في المنطقة في سياق حالة الاستقطاب السياسي الإقليمي الواضح اليوم بين المحور الإيراني- السوري المعزز بتأييد حركات إسلامية والمحور الذي يطلق على نفسه "معسكر الاعتدال العربي" وعماده الرئيس (مصر، السعودية، الأردن). فالتخوف العربي، من النفوذ الإيراني، يبرز بوضوح في تصريحات لكبار المسؤولين تحذر من نفوذ إيران، وتشكك في "ولاء الشيعة العرب"، وفي مقالات تتحدث عن إعادة تصدير الثورة من جديد على يد نجاد ومجموعته الحاكمة اليوم.
…الصراع على البرنامج النووي الإيراني يمثل مفتاحاً رئيساً لقراءة المرحلة القادمة. فالنظام الرسمي العربي بات يدرك تماماً أنه أصبح لاعبا ثانوياً في أوراق النفوذ والتأثير وصناعة الأحداث بين إيران والولايات المتحدة، وأنّ إيران ستسعى في مواجهة الولايات المتحدة لاستخدام نفوذها الإقليمي.(40/22)
…مصادر التخوف العربي لا تقف عند حدود "الأقليات الشيعية" العربية، أو ظاهرة التشيع (التحول من الطائفة السنية إلى الشيعية) وهي لا تزال ظاهرة محدودة، بل من "التشيع السياسي" والنفوذ الإقليمي الإيراني المتزايد في المنطقة، الذي يحسن تماماً توظيف الأقليات الشيعية في الدول العربية، كما يحسن بناء التحالفات السياسية ونشر شبكة تأثيره على كثير من المساحات العربية.
…النفوذ الإيراني الأبرز يبدأ من شيعة العراق. حيث يتواجد أكثر من مائة وأربعين الف جندي أميركي هناك، سيتعرضون لمشكلات أمنية كبيرة في حال تعززت فرص المواجهة بين طهران وواشنطن، ويؤدي إصرار شيعة العراق بإقامة إقليم شيعي فدرالي بالجنوب إلى منح إيران دورا إقليميا كبيراً. وثمة علاقة وطيدة بين إيران وحزب الله، بل إن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله يعد وكيل آية الله خامنئي في لبنان.…
…كما ترتبط حركة الجهاد الإسلامي بفلسطين بإيران من خلال الدعم المالي واللقاءات والحوارات، وتأثر قادة الحركة ومؤسسيها بالثورة الإيرانية، وهنالك علاقة روحية وسياسية وتاريخية تربط بين إيران وبين الأقليات الشيعية في دول الخليج العربي وبالتحديد في الكويت والبحرين. الجديد في النفوذ الإقليمي الإيراني يتمثل في توطيد العلاقة مع النظام السوري، إلى درجة يرى فيها عدد من المحللين السياسيين العرب والسوريين أن هذه العلاقة أصابها خلل كبير بعد وفاة الرئيس حافظ الأسد، وتحولت من علاقة تحالف وندية إلى علاقة تبعية دمشق لطهران. وفق المنظور نفسه يقرأ كثير من الرسميين العرب تقارب المكتب السياسي لحركة حماس مع طهران.(40/23)
…في هذا التحقيق سنقترب من السؤال الشيعي في الأردن، والجدل المثار حوله، والتداخل بين المجالين الديني والسياسي- الأمني، من خلال محاور رئيسة لكن لا بد ابتداء من الوقوف على الواقع الجديد للشيعة بعد احتلال العراق وأثر ذلك على حركة التشيع الديني والسياسي في المنطقة، ثم التعريف بالعشائر الأردنية الشيعية من الأصل، وعلى ظاهرة التشيع الجديدة وقراءتها في سياق الأسباب التي تقف وراءها والمنظور الأمني لها وصولاً إلى قصص بعض المتشيعين والآفاق المستقبلية للتشيع في الأردن.
المارد الشيعي يعود من جديد:
على الرغم من وجود الشيعة في المنطقة العربية منذ قرون، إلاّ أن السؤال الشيعي لم يطرح في العالم العربي، وبالتحديد في المشرق بقوة كما هو الحال اليوم. بالطبع فإن احتلال العراق وخروج المارد الشيعي من قمقم النظام البعثي السابق، في ظل جغرافية سياسية جعلت من إيران داعماً لوجستياً لهم، وفي ظل وجود أقليات شيعية معتبرة في الخليج العربي وفي لبنان. كل هذا جعل من الوجود الشيعي بمثابة الظاهرة السياسية الجديدة والخطيرة التي تجتاح المنطقة.(40/24)
…النفوذ الإيراني تراجع كثيرا في تسعينيات القرن المنصرم، مع محاولة الإصلاحيين بقيادة الزعيم السابق خاتمي، تحسين العلاقات مع المحيط العربي، وتأكيد الإصلاحيين، في أكثر من مناسبة، أن مشروع تصدير الثورة قد توقف. إلا أن "البروستريكا الخاتمية" لم تدم طويلاً فعاد الملالي للسيطرة بقوة على مراكز صنع القرار وأعادوا توجيه السياسة الخارجية الإيرانية، وقد ساعد تقدم برنامجها النووي، إيران على التقاط كثير من الأوراق واكتساب مناطق نفوذ إضافية، مع تدهور المشروع الأميركي في العراق. ربما ساهم دور إيران في العراق، واستياء شرائح واسعة من المجتمعات العربية من مواقف "قوى سياسية شيعية" عراقية، محسوبة على إيران، في إضعاف الدعاية الإيرانية والحد من خطورة التغلغل الإيراني في المجتمعات العربية في السنوات التي تلت الاحتلال.
…إلا أن العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان والأداء المتميز لمقاتلي حزب الله والخطاب السياسي لأمينه العام، أعاد مرة أخرى مخاوف الدول العربية من نفوذ إيران وقدرتها على تحريك الشارع العربي، بعد أن أصبحت صور حسن نصر الله ترفع في المظاهرات العربية، في اللحظة نفسها التي يتبدى فيها النظام العربي في حالة من العجز الشديد وعدم القدرة على التأثير في الأحداث.
…وتشير تقارير إعلامية متعددة إلى استعادة حزب الله شعبيته في المجتمعات العربية، ما أدى إلى تحسين صورة "الشيعة" مرة أخرى. ويذكر تقرير لشبكة نداء القدس الدولية أن الفلسطينيين باتوا يتغنون باسم حسن نصر الله في أعراسهم ويهتفون بحياته. بينما تذكر تقارير أخرى أن عددا من العائلات العربية السنية قد سمت مواليدها الجدد باسمه.
التشيع في المنطقة؛ إطلالة عامة:(40/25)
…تختلف البيانات والإحصائيات حول أعداد الشيعة العرب، بالتحديد في الدول التي توجد فيها نسبة معتبرة من الشيعة، إذ تشير معلومات وتقارير دولية، محل خلاف، إلى نسبة 10% في السعودية (المنطقة الشرقية)، وقرابة 50% في البحرين و30% في كل من الكويت ولبنان، و10% في قطر ونسبة تصل إلى 16% في الإمارات العربية المتحدة و60% في العراق.
…أما المتشيعون العرب، المتحولون إلى المذهب الشيعي، فلا يوجد إحصائيات أو أية بيانات حولهم. المعلومات والأرقام تؤكد أن حجم الظاهرة لا يزال محدوداً، وإن كانت قد شهدت طفرة ملحوظة في السنوات الأخيرة. سورية من الدول العربية التي بدأ الجدل فيها حول ظاهرة التشيع، ويعيد عدد من الباحثين السوريين هذا التأثير إلى عوامل رئيسة في مقدمتها تحالف النظام السوري مع طهران والمرونة التي يبديها مع الحجاج والزوار الإيرانيين الذين يتوافدون بالآلاف إلى دمشق لزيارة المسجد الأموي ولزيارة مقام السيدة زينب، الذي تحول إلى مقصد ديني وثقافي مهم، أيضا، للشيعة العرب القادمين من دول الخليج، حيث يقيمون هناك ويحضرون دروسا في الحوزة الزينبية.
…كما أن وجود عشرات الآلاف من الشيعة العراقيين يساهم في تعزيز الوجود الشيعي في سورية، بالإضافة إلى جوار لبنان والتحالف مع حزب الله، حيث يلقي المرجع الديني السيد محمد حسين فضل الله دروسا دينية بانتظام في "الحوزة الزينبية".
وتشير معلومات إلى أنّ النشاط الشيعي قد أعاد تأهيل ضريح رقية في وسط دمشق، وأن أعداداً كبيرة من الزوار الإيرانيين تؤمه يومياً، وكذلك الحال مع ضريح سكينة بنت الحسين في منطقة دارية، الذي أصبح مقصداً للزوار الشيعة في حي سني متشدد.(40/26)
…في هذا السياق أرسلت نخبة علماء الشام (منهم محمد سعيد رمضان البوطي، وهبة الزحيلي، محي الدين الكردي، محمد محمد الخطيب) رسالة إلى الرئيس السوري بشار الأسد تنتقد فيها قانوناً جديداً يمنع المناهج الشرعية الإضافية في الصفوف الأولى والإعدادية، وفي المدارس الشرعية، وتصف الرسالة القانون بالمؤامرة. إلا أن الملفت في الرسالة أنها تشير ولأول مرة، حسب باحثين سوريين، إلى الحوزات الموجودة في سورية، التي وفقاً للرسالة تتجاهل قرار المنع، وتمضي في تدريس مناهجها، ولعل في الرسالة تلميحاً، لا يكاد يخفى، على تواطؤ الحكومة السورية مع النشاط الشيعي.
…ووفقاً لباحث سوري، فضّل عدم ذكر اسمه، فإنّ المرجع الشيعي السابق محمد مهدي شمس الدين كان قد نال قراراً من الرئيس الراحل حافظ الأسد يسمح بإقامة بعض الحوزات والسماح ببعض مظاهر التشيع، كما يشير دانييل لوغاك، مؤلف كتاب "سورية في عهدة الجنرال الأسد"، وفي أثناء لقاء الأعيان العائلة العلوية في القرداحة، في صيف عام 1980 اُتخِذ قرارٌ بإرسال قرابة خمسمائة شاب من "العلويين" للدراسة في المعاهد الدينية في قم، ليتخصصوا في المذهب الجعفري، وكان يخطط منذ تلك الفترة إلى تشكيل تحالف شيعي إقليمي. ويعتقد عدد من الباحثين السوريين أن إرسال العلويين إلى قم ما يزال دارجاً إلى اليوم.
…الفترة الأخيرة تجاوزت النخبة العلوية وشهدت نشاطا شيعيا واسعاً، ولا يعجز الزائر للمسجد الأموي أن يلحظ مظاهر وجود الشيعة والطقوس والأدعية الشيعية والوفود الإيرانية، التي يكاد يعتقد من يراها أن المسجد الأموي هو حسينية، وليس مسجدا سنياً. في لبنان، على الرغم من وجود قوي للشيعة في الجنوب إلاّ أنّ ظاهرة "التشيع" لا تزال محدودة، نظراً لوجود طوائف وأديان متعددة لكل منها مؤسساتها ومراكزها ومصالحها.(40/27)
…الحلقة الرئيسة التي توجد فيها حالات قليلة من التشيع هي المخيمات الفلسطينية، وفقاُ لمصادر شيعية. الجدل حول التشيع يطغى اليوم في أوساط إعلامية وسياسية فلسطينية، ويبدو السبب الرئيس في ذلك توطد التحالف بين حركة حماس (المكتب السياسي في دمشق) وبين طهران، بالإضافة إلى العلاقة التاريخية التي تربط حركة الجهاد بطهران. بعض التقارير الإعلامية تصل إلى وصف الظاهرة بـ"الغزو الشيعي لفلسطين". بالتأكيد ثمة قراءة مبالغ فيها لبعض تصرفات وتصريحات قادة حماس والجهاد من قبل الجهات المعادية للتشيع.
…لكن في المقابل هنالك معلومات وإشارات لا يمكن تجاهلها، فإحدى القيادات البارزة المحسوبة سابقاُ على حركة الجهاد، محمد شحادة، أعلن تشيعه في عدة مقابلات صحافية.
…إذ يذكر أن تحوله الأكبر نحو التشيع كان في سنة 1992 عندما نفت إسرائيل عدداً كبيراً من قيادات الجهاد وحماس، وكان هو أحدهم إلى مرج الزهور، في المنطقة الحدودية لجنوب لبنان، والتقى هناك بعدد من أعضاء الحرس الثوري الإيراني وحزب الله وأعجب بروحهم الفدائية وبإخلاصهم، ومن ثم بقي يقرأ الكتب والأدبيات حتى توصل إلى أن العقيدة الشيعية المتمثلة بـ"موالاة آل البيت" هي العقيدة الصحيحة.
…يعود تأثر حركة الجهاد بإيران إلى لحظات التأسيس الأولى، حيث تأثر أحد مؤسسي الحركة، وقائدها اللاحق فتحي الشقاقي (قتل في مالطا 1995) بمشروع الثورة الإيرانية والّف كتاباً بعنوان "الخميني؛ الحل الإسلامي والبديل" (1979).
…وفي أدبيات الحركة الرئيسة وعلاقاتها ومصادر تمويلها واستراتيجيتها السياسية ملامح واضحة بتأثرها بالثورة الإيرانية، وقد كان أبرز قياداتها أسعد بيوض التميمي على علاقة وطيدة بقادة الثورة قبل أن يختلف معهم، و"يكتشف حقيقة الثورة"، كما يذكر ذلك ابنه محمد بيوض التميمي في مقال نشر على أكثر من موقع الكتروني بعنوان: "الثورة الإيرانية إسلامية أم قومية مذهبية؟".(40/28)
…على الرغم من نفي مصادر في حركة الجهاد بشدة تشيع عدد من اعضائها، إلا أن تقارير إعلامية أخرى تؤكد تشيع افراد من الحركة وقيامهم ببناء مؤسسات ثقافية وصحية في مدينة بيت لحم، وبنشر فكر الشيعة في أوساط سنية. في السياق نفسه تراجع محمد غوانمة، إحدى القيادات السابقة في المقاومة الفلسطينية، بعد أسابيع من إعلانه تأسيس "المجلس الشيعي الأعلى" في فلسطين، إلاّ أن كثيرين ينظرون إلى خطورة الخطوة أنها بمثابة بالون اختبار، ومحاولة أولية للإعلان الرسمي مستقبلا عن التواجد الشيعي في فلسطين.
…صحيح أن إيران غير معنية ابتداءً بالتشيع الديني، ولا تريد فتح جبهات في هذا المجال إلاّ أنّ التشيع السياسي مقدمة للتشيع الديني، ورديف له، فطبيعة العلاقات لا تقف عند حدود السياسة إنما تتعداها إلى الثقافة، بخاصة إذا كان المثقفون والسياسيون الإيرانيون، والشيعة عموماً أكثر قدرةً وثقافة من السنة، فالتعليم الشيعي بطبيعته جدلي ومحاجج على نقيض التعليم السني وحتى الثقافة السنية التي لا تحفل كثيراً بالرد على الشيعة ومناقشتهم.
العشائر الأردنية الشيعية:
قبل الولوج إلى استنطاق ظاهرة "التشيع" في الأردن، يجدر الوقوف عند وجود عشائر أردنية شيعية، في الأصل منذ بدايات تأسيس المملكة، بل تعود جذور بعضها إلى عام 1890، وأصل هذه العشائر من جنوب لبنان، وتحمل الجنسية الأردنية أباً عن جد، مثلها مثل باقي العشائر الأخرى.(40/29)
…ووفقاً لمصدر موثوق، من الشيعة الأردنيين، فإن تعدداهم يبلغ قرابة ثلاثة آلاف شخص، وهو الرقم الذي لا توجد إحصائية دقيقة تنفيه أو تثبته. وتقطن العشائر الشيعية الأردنية في عدة مناطق رئيسة: الرمثا، دير أبو سعيد، اربد وعمان، وأبرزها: بيضون، سعد، ديباجة، فردوس، جمعة، الشرارة، حرب، برجاوي، البزة. لا تحتفظ هذه العشائر بأية عادات أو تقاليد خاصة، مخالفة للتقاليد الأردنية، وتندمج في المجتمع الأردني بشكل كامل، وتشاركه في مختلف المناسبات، وإن كان بعضها يحتفل رمزياً بالمناسبات الدينية الشيعية.
…في منتصف التسعينيات برزت علاقة بين شخصيات من هذه العشائر وبين مؤسسة الخوئي في لندن، بمباركة من سمو الأمير الحسن، وقد كان حريصاً على حوار المذاهب والطوائف المختلفة، وكان ثمة تفكير بتأسيس مؤسسة خاصة بهم تحت اسم "أبو ذر الغفاري" إلاّ أن الدولة عادت وتراجعت عن دعم الفكرة فيما بعد.
…يؤكد أحد وجوه الشيعة الأردنيين، عقيل بيضون، أن ولاءهم السياسي للحكم الهاشمي في الأردن، وأنه من "صميم حبهم وولائهم لآل البيت الأطهار"، وفي حال تجذرت سياسة المحاور في المنطقة وبرزت التناقضات بين الأردن وإيران يؤكد الوجه الشيعي أن انحيازهم للأردن وللهاشميين، مع أنه يقر أن ثمة ازدواجية بين عقيدتهم الدينية التي تجعل ارتباطهم السياسي بالإمام الغائب أو من ينوب عنه "الفقيه الولي" وبين انتمائهم الوطني. وربما يذكرنا هذا الموقف بموقف شيعة العراق، في بداية الحرب العراقية- الإيرانية عندما انحازوا بوضوح للبعد الوطني- القومي على حساب البعد المذهبي.
مصادر رسمية تقر بوجود عشائر أردنية شيعية، وتؤكد على حقوق أفرادها في المواطنة الكاملة، وعلاقتها الجيدة بالدولة، ومع ذلك لا تخفي وجود علامة استفهام حول ولاء بعض الشيعة الأردنيين وارتباطهم بالمؤسسات الدينية الشيعية، خارج الأردن، وعلاقة بعض الأفراد بحزب الله حيث يوجد الشيعة في جنوب لبنان.(40/30)
التشيع في الأردن:
…لا يمكن الجزم بأعداد المتشيعين الأردنيين، وإن كان هنالك اتفاق بين مختلف الأطراف الرسمية والقريبة من الشيعة على أنّ الظاهرة محدودة، لكنّها فاعلة في السنوات الأخيرة، وتصل وفق أغلب التقديرات الرسمية وغير الرسمية، ومنها مصادر من القريبين والراصدين لظاهرة التشيع، إلى مئات الأشخاص، سواء من رجال ونساء وعائلات.
…معلومات رسمية، يؤكدها بعض المتشيعين، أنّ هنالك قرابة الثلاثين عائلة في مخيم البقعة تشيّعت في الآونة الأخيرة، كما أن هنالك ظاهرة محدودة للتشيع في مدينة السلط، بالإضافة إلى عائلة أو أكثر في مخيم ماديا وحالات في إربد والزرقاء وجرش والكرك، والانتشار الأبرز للظاهرة في عمان في ضواحي مختلفة منها. هنالك اتفاق على أنّ المتشيعين يمتازون بمستوى ثقافي جيد، وأكثرهم من المتعلمين والدارسين. ويلفت أحد المسؤولين الانتباه إلى أنّ ذلك مدعاة للقلق، مقارنة بجماعات التكفير والقاعدة التي يتسم أفرادها بضعف التحصيل العلمي والمعرفي، ويتسمون في الأغلب الأعم بقلة الاطلاع والدراسة وضحالة الجدل والمحاججة.(40/31)
ازدهرت ظاهرة التشيع في السنوات الأخيرة، بعد احتلال بغداد، ووفود مئات الآلاف من العراقيين إلى الأردن، وفق تقديرات غير رسمية هنالك عشرات الآلاف من الشيعة، شريحة واسعة منهم من الأثرياء والمثقفين. ينشط الشيعة العراقيون بإقامة احتفالاتهم الدينية وإحياء المناسبات الشيعية، وقد حوّل عدد منهم منازلهم إلى حسينيات، يجتمعون فيها ويحضرها متشيعون أردنيون ويقرأون فيها سيرة الحسين وينشدون الأناشيد الدينية، إحدى هذه الحسينيات المعروفة كانت في جبل الجوفة، قبل أن تعتقل الأجهزة الرسمية إمام هذه الحسينية السيد علي السغبري، وتقوم باستجوابه ثم بترحيله. وتؤكد مصادر متعددة أن عائلة شيعية- عراقية ثرية حاولت في أواخر العام المنصرم الحصول على ترخيص في بناء مسجد ملحق به حسينية، في ضاحية عبدون، المعروفة بأنها أرقى وأغنى أحياء عمان، وتأسيس جمعية تحمل اسم الإمام الحسين. ورغم أن مصادر في وزارة الأوقاف تنفي أن هذا الطلب قد قدم بالفعل، تذكر مصادر رسمية ومقربون من الشيعة أن المؤسسة الرسمية استشيرت في الطلب وتم رفضه.
…كما تذكر تقارير أخرى وجود مكتبة في وسط البلد، تبيع كتب الشيعة، ككتاب "المراجعات"، وهو من أكثر الكتب، التي تدعو إلى التشيع، رواجاً. في حين تذكر تقارير إعلامية أن عراقيين شيعة يسكنون الأحياء الفقيرة في عمان (المحطة، الهاشمي الشمالي) يحيون المناسبات الدينية الشيعية في منازلهم، ويتأثر بهم أصدقاؤهم من الأردنيين. كما تحولت بعض المطاعم الشعبية العراقية في وسط البلد إلى ملتقيات للشيعة العراقيين، وأصبحت تحفل، بصيغة غير مباشرة، بكثير من مظاهر التشيع.
قصة تشيع السقّاف:(40/32)
ارتفعت وتيرة الجدل حول تشيع السيد حسن السقاف، وهو أحد أبرز شيوخ "الأشاعرة"، وأصبح يشغل موقعاً أكاديمياً مرموقاً، وكررت مصادر متعددة دعوى تأثره بالمذهب الجعفري الشيعي، وتبنيه شيئاً من عقيدة الشيعة، بخاصة الموقف من آل البيت ومن الصحابة الكرام، وتبني أقوال في قضية جدلية خلافية بين الفرق الإسلامية متعلقة بـ"تنزيه الله عز وجل"، ومسألة النظر إليه يوم القيامة، مخالفا للأشاعرة.
…ولم يمض تحول السقاف، ودعوته وتصوراته دون جدل عنيف في أوساط الأشاعرة، وقد تولى الرد عليه أبرز الناشطين الأشاعرة معروف وله مريدون وأتباع، وهو سعيد فودة، في عدة كتب ومساجلات فكرية ومعرفية على موقع كل منهما على شبكة الانترنت.
…في لقاء خاص مع السقاف يرد بالنفي القاطع على مزاعم تشيعه، رغم أنه يؤكد أنه يعطي نفسه حق الاجتهاد والنظر في قضايا العقيدة والفقه، قائلاً: "أنا عالم حرّ لست مقلّداً متمسكا بالمذهب الشافعي، وأعتقد أنني وصلت إلى مرحلة يحق لي فيها الاجتهاد بالنظر في أدلة الكتاب والسنة".
…وعن السبب في ازدياد الحديث عن تشيعه واعتناقه العقيدة الإمامية الجعفرية يُرجِع ذلك إلى دعاية السلفيين الذين دخل معهم في عراك فكري ومعرفي كبير، وقام بنقد ابن تيمية والألباني، فهم يحاولون إلصاق هذه التهمة به سعياً لتوريطه في العديد من المشكلات والأزمات الأمنية والفكرية، ولا يتوانى السلفيون، كما يذكر السقاف، في تأليب المؤسسة الرسمية عليه والحشد ضده. وبخصوص تصدي عدد من الأشاعرة له وردهم عليه، فإنّه يُرجع ذلك إلى الحسد والتنافس والانجازات المعرفية والعلمية التي حققها خلال الفترة الماضية.(40/33)
…بخصوص الموقف من الشيعة يقول السقاف: إذا كان التشيع هو حب آل البيت وموالاتهم وتوقيرهم ومعاداة من وقف ضدهم فأنا شيعي، أما إذا كان المقصود هو التشيع الإمامي فأنا أختلف مع الشيعة في مسائل جوهرية في العقيدة والفقه، وأهمها أنني لا أقول أصلاً بوجود مهدي منتظر لا على رأي الشيعة ولا السنة، ولا أقول بعصمة الأئمة ومصادر التلقي والتحقق الشرعي عندي مستمدة من علماء ومصادر السنة بالدرجة الرئيسة وأحترم سيدنا أبا بكر الصديق وسيدنا عمر بن الخطاب ولهما في قلبي المنزلة العظيمة، وإن كنت أفضل علي بن أبي طالب عليهما، ولا أقول بزواج المتعة ولا المسح على القدمين، وأرفض "التقية" في العقيدة وفي غيرها وإن كان للآسف يعمل بها مجموعة من علماء السنة.
…يبدو أنّ معركة السقاف مع السلفيين تدفعه إلى البحث عن شركاء في الوسط الإسلامي، وهو لا يعارض إن كان هؤلاء الشركاء هم الشيعة أو الإباضية أو الزيدية، ما جلب له الأقاويل عن علاقاته بالشيعة، بالإضافة إلى علاقاته الجيدة مع عدد من علماء الشيعة والزيدية ومشاركته في مؤتمرات التقريب وخروجه على الخط الأشعري في عدة قضايا كانت من أسباب الجدل الكبير حوله. يذكر أنّ السقاف يتعرّض لهجوم حاد من الوسط السلفي على خلفية بعض مواقفه المحسوبة على التشيع، وقد خصص عدد من السلفيين كتباً في الرد عليه، من أبرز هؤلاء الكُتّاب، الذين توزع كتبهم مجّانا غالب الساقي الذي ألّف كتابين هما "الإسعاف في الكشف عن حقيقة حسن السقاف" و"كشف الغمة في التحذير من تعدي السقاف على علماء الأمة".
…في المقابل للسقاف عدة كتب في الرد على السلفيين أبرزها كتابه عن السلفية الوهابية، الذي ترجم إلى اللغة الانجليزية.
التشيع في المنظور الأمني(40/34)
…في الشهور الأخيرة نشطت الأجهزة الرسمية في متابعة الشيعة العراقيين ورصد ظاهرة التشيع وقامت بعدة مداهمات واعتقالات واستجوابات في صفوف الشيعة العراقيين والمتشيعين الأردنيين، ووضعت الظاهرة تحت المجهر، ما دفع بالشيعة والمتشيعين إلى حالة من الحذر الشديد في نشاطاتهم، والاعتماد على مبدأ "التقية" (عدم الإعلان عن عقيدتهم والتنكر لتشيعهم) في كثير من الأحيان، ما صعّب من مهمة هذا التحقيق، إذ رفض أكثر من التقيت بهم ذكر اسمه خوفا من المساءلة الأمنية.
…أحد الأسئلة الرئيسة المطروحة: ما هو مصدر القلق الأمني من ظاهرة التشيع؟ ولماذا نشطت الأجهزة الأمنية في الآونة الأخيرة في تعقب المتشيعين؟ ثمة عدة مستويات أمنية في النظر إلى هذه الظاهرة. المستوى الأول الذي يتحدث عنه بعض المسؤولين الأمنيين يرتبط بالظاهرة في سياقها الأمني المحض، بعيداً عن المنطور السياسي الكلي، والإقليمي.
…فوفقاً لبعض المسؤولين إن ظاهرة التشيع، وإن كانت محدودة، فهي مقلقة بحد ذاتها، فمن المعروف أن الأردن دولة سنية، لا يوجد فيها مشكلة طائفية أو مذهبية في الأصل، والتشيع الحالي وافد وجديد، ويدفع إلى التساؤلات عن أهدافه وأبعاده ومراميه، فمن واجب المؤسسة الأمنية أن تقلق، وأن تدرس الظاهرة، بخاصة أنها في انتشار، ربما تشكل حالياً بضع مئات، لكن إذا أصبحت مستقبلاً بالآلاف سيصعب التعامل معها، والحد منها، فالأولى متابعتها ومحاصرتها منذ الآن.
…كما أنّ واقع الخلافات الطائفية والمذهبية في العالم العربي والإسلامي مقلق، فهي في الأغلب الأعم مدعاة للتوترات الأمنية والمشكلات والمواجهات بين أتباع الطوائف والمذاهب، والأردن، وفقاً للرؤية الأمنية، في غنى عن الدخول في هذا المجال القلق والمضطرب، وخير مثال على ذلك ما يحدث في العراق وباكستان وأفغانستان ودول أخرى تشهد على ما بين السنة والشيعة من مشكلات ومواجهات وصراعات.(40/35)
…إلاّ أنّ الجانب الأمني الأبرز في ظاهرة التشيع يرتبط بالنفوذ الإيراني في المنطقة، وفي حالة الاصطفاف الواضحة بين معسكرين إقليميين؛ الأول يجمع كلاً من إيران وسورية وحركات إسلامية (حزب الله، حماس، الجهاد) والثاني ما يسمى بمعسكر الاعتدال العربي (الأردن، السعودية، مصر). وفقاً لمسؤولين وسياسيين فإن خطورة النفوذ الإيراني لا تقف عند حدود التشيع الديني، بل السياسي.
…التخوف الأمني أن أداء حزب الله وتحالفه مع حماس، وتأييد الإخوان لهم، وانضمام هذا التحالف إلى المعسكر الإيراني، سيضعف من وجود أي فيتو من جماعة الإخوان ضد ظاهرة التشيع، وربما يؤدي إلى تشيع أفراد من جماعة الإخوان نفسها، التي تنتشر في الأوساط الأردنية- الفلسطينية بقوة. إلاّ أن عدداً من قيادات الإخوان يستغرب من هذا المنظور؛ إذ يرى النائب الإخواني، محمد عقل، أنه يجب التمييز بين مجالين رئيسين في هذا الموضوع:
…الأول يرتبط بالموقف من المشروع "الأميركي- الصهيوني" في المنطقة، وموقف الإخوان منه واضح وصارم؛ فالإخوان، والحركات الإسلامية، ينحازون تلقائياً إلى المعسكر المضاد للمعسكر الأميركي، وهم إذا ما تعرضت إيران لضغوط وعدوان أميركي سيبذلون ما بوسعهم لمساعدتها وتأييدها.
…أما المستوى الثاني فهو الموقف من التشيع فجماعة الإخوان كانت على مدار العقود السابقة إحدى أبرز الجماعات والقوى "السنية" الرئيسة في العالم العربي والإسلامي، وهي تنظر لنفسها، تقليدياُ، من هذا المنظور، وهي المكافئ أو الموازي السني للحركة الإسلامية الشيعية التي تجسدت في الدولة الإيرانية – بعد الثورة- وفي الحركات الشيعية الأخرى كحزب الله.(40/36)
…ومن المعروف أن هنالك خلافات عقدية وفقهية وفكرية واسعة بين السنة والشيعة منذ فجر الخبرة الإسلامية، والإخوان يدرِّسون مذهب أهل السنة في مناهجهم ودروسهم، ما يجعل التكوين المعرفي والنفسي لعضو جماعة الإخوان محصّناً من التشيع. ويرى النائب عقل أن من يُخشى عليهم التشيع هم الشباب المسلم العاطفي، الذي لم يتلقوا تعليماً وتدريساً منهجياً سنياً كافياً.
…إلاّ أنّ الهاجس الأمني الرئيس يأخذ بعداً استراتيجياً أخطر في قراءة ظاهرة التشيع والنفوذ الإيراني، فإذا تدهورت الأوضاع الأمنية والسياسية في المنطقة على خلفية أزمة البرنامج النووي الإيراني، وفي ظل تحالف قوى إسلامية رئيسة مع إيران فإنّ هذا المعسكر سيرفع راية العداء لأميركا وإسرائيل، وهي الراية التي يمكن بسهولة أن تجمع وراءها شرائح واسعة من المجتمعات العربية، بخاصة المجتمع الفلسطيني، في سياق فراغ استراتيجي في المنطقة ناجم عن فشل المشروع الأميركي في العراق، وعجز النظام الرسمي العربي عن مواجهة التحديات الرئيسة في مقدمتها القضية الفلسطينية.
…ظروف مثل هذه كفيلة بتجذير الفجوة بين النظم العربية "المعتدلة" وبين القاعدة الشعبية الواسعة من جهة وتقديم دعم شعبي كبير لإيران وحلفائها من جهة أخرى، ولعل المثال الأبرز على هذا الهاجس الأمني يتمثل بتجربة "القاعدة"، إذ لا يؤيد، بالضرورة، كثير من الناس آراءها ومواقفها المختلفة، لكن وقوفها عسكرياً ضد السياسة الأميركية تكفل لها بشعبية كبيرة وبقدرة هائلة على التجنيد السياسي والحركي.(40/37)
…إذا ما قارنّا أداء حزب الله وخطاب أمينه العام حسن نصر الله المدروس والمخطط له بعناية مع "القاعدة"، وكذلك الخطاب الثوري ضد إسرائيل وأميركا الذي يقدمه الرئيس الإيراني محمود نجاد بقصد، وبرسالة واضحة، للرأي العام العربي والإسلامي فإنّ النتيجة المتوقعة أن يكون هنالك تعاطف وتأييد وموقف شعبي كبير مع المعسكر الإيراني- الشيعي، وسيؤدي، كما كان الحال مع القاعدة، إلى انضمام والتحاق عدد كبير من الشباب بهذا المعسكر، في حال تدهورت الحالة الأمنية والسياسية في المنطقة.
…في المقابل ثمة حرج شديد وكبير لدى المسؤولين العرب في "معسكر الاعتدال" من الموقف من التسوية والعلاقة مع الولايات المتحدة، في ظل حالة السخط والغضب الشعبي، والانحياز الأميركي الصارم باتجاه إسرائيل. ففي سياق تدهور العملية السلمية، والمؤشرات غير المشجعة على ما وصلت إليه مبادرة العرب الثانية في مجلس الأمن، وعدم قدرة الفلسطينيين على تجاوز خلافاتهم، وعدم بروز توجه إسرائيلي واضح لاستعادة العملية السلمية فإن المؤشرات المختلفة على الحالة الشعبية تظهر مستوى عاليا من السخط والغضب والإحباط، والشعور بالإذلال مما آلت إليه الأمور، لا يقف هذا الشعور عند الموقف من الولايات المتحدة وإسرائيل بل يتعداهما إلى الحلفاء العرب.
…عدد من المسؤولين العرب الكبار حذّروا الإدارة الأميركية بأنّ تجاهل حل القضية الفلسطينية سيزيد من حالة الحرج التي يعاني منها أصدقاء أميركا، وسيؤدي إلى انتشار التطرف والراديكالية في المنطقة، وفي حال تطورت حالة الاستقطاب سيكون محور إيران قادرا على استثمار هذه الحالة وتوظيفها لمصلحته أمنياً وسياسياً.
استراتيجية مواجهة التشيع:(40/38)
…لا تزال الاستراتيجية الأمنية في التعامل مع الشيعة والمتشيعين تنطلق من المنظور الأمني المحض، بعيداً عن الأضواء، وإن كانت الجهود الأمنية شهدت طفرة حقيقية في الشهور الأخيرة. وينفي بعض المسؤولين الأمنيين أن تفكر المؤسسة الرسمية باللجوء إلى الحركة السلفية لمواجهة التشيع والحد منه، على الرغم أن عدة جماعات وحركات دينية عرضت القيام بهذا الدور، إلا أن المؤسسة الرسمية تفضل التعامل مع الظاهرة من خلال بناء قاعدة معلومات صلبة حول الشيعة العراقيين الناشطين في عمان، بخاصة أن هنالك تقارير أمنية مؤكدة تشير إلى انتماءات خطيرة لعدد منهم وارتباط وثيق بإيران، وأجهزتها الأمنية والعسكرية.…وتؤكد مصادر أمنية أن من تثبت له علاقة بنشاط تبشيري شيعي يرحّل على الفور، وهو ما حدث بالفعل مع عدد من العراقيين، أما المتشيعون الأردنيون فيخضعون للتحقيق وتتم مراقبتهم للتأكد من عدم قيامهم بنشاطات تبشيرية.
…كما ذكر بعض أصحاب المكتبات في وسط البلد أنّ الأجهزة الأمنية قامت بتفتيش المكتبات في الآونة الأخيرة بحثاً عن الكتب التي تناصر التشيع أو تدعو له.
…النخبة السياسية تختلف في تقييم الأبعاد الأمنية والسياسية لظاهرة التشيع وخطر النفوذ الإيراني على الأردن. فالمحلل السياسي، جميل النمري، يوافق على أن ظاهرة التشيع، وإن كانت محدودة إلى الآن، فإنها تمثل أداة ورأس حربة إيرانياً في حال تجذرت حالة الاستقطاب ودخلت إيران والولايات المتحدة في مواجهات إقليمية.
…كما يميز النمري بين التشيع الديني والسياسي ويرى أنّ الحالة الأمنية ستكون مهددة بالفعل، إذا ما صحّت معلومات "أمنية" عن وجود خلايا تابعة لإيران في الأردن، ستكون فاعلة إذا ازداد التوتر في المنطقة وتعززت حالة الاستقطاب الإقليمي.(40/39)
…على الجهة المقابلة يقف المحلل السياسي، ومدير مركز القدس للدراسات، عريب الرنتاوي، فهو لا يرى أسباباً مقنعة في التخوف الرسمي الأردني من النفوذ الإيراني، ويرى أن ذلك يأتي مساوقةً واضحة للمشروع الأميركي في المنطقة، من خلال خلق ما يسمى بـ"إيران فوبيا"، والترويج أن الخطر الحقيقي هو إيران وليست إسرائيل. مع أن الحقيقة أن الخطر الذي يتهدد الدول العربية، في مقدمتها الأردن، هو من إسرائيل "فمشكلتنا مع ديمونا وليس مع بوشهر".
…ويرى الرنتاوي أن الأردن غير معني بخطر التشيع والنفوذ الإيراني، فدون ذلك حواجز جغرافية وديمغرافية، وعلى دول عربية أخرى أن تقلق من هذه الظاهرة وتفكر فيها وليس الأردن، بل على النقيض من ذلك يرى الرنتاوي أن من الخطورة بمكان خلق مشكلة أمنية وسياسية مع إيران والقوى الشيعية في المنطقة، ووضع الأردن في مقدمة حالة الاصطفاف الإقليمي وفي المعسكر المقابل.
…ويتساءل الرنتاوي ماذا سيحدث لو تم الوصول إلى "صفقة" بين إيران والولايات المتحدة، ماذا سنجني من تبني سياسات معادية لإيران.
الطريق إلى التشيع: "المستبصرون":
…ثمة مشكلة كبيرة في رصد ظاهرة التشيع، إذ أنه يمر بمراحل ودرجات مختلفة، وليس بالضرورة حداً صارماً واحداً.
…فمن المتشيعين من يمشي خطوة ومنهم من يمشي أكثر وآخرين يكملون الطريق إلى نهاياته. أحد المقربين من المتشيعين يوضح أن الخطوة الأولى في التشيع تتمثّل بالانحياز لفكرة الإمامة (إمامة أهل البيت) مقابل فكرة الخلافة عند السنة.
…فالتشيع يعني ابتداءً إعلان الحب والولاء لذرية علي بن أبي طالب والإيمان بأنهم تعرّضوا لاضطهاد وظلم تاريخي كبير، من الصحابة والدول الإسلامية اللاحقة (الأمويين والعباسيين) وأن علي هو الأحق بوراثة الرسول من أبي بكر وعمر وباقي الخلفاء، وأن ذرية علي بن أبي طالب هم قادة الأمة الذين سُلب منهم الحُكم والسلطة، وأن الأئمة الشرعيين هم من ذرية علي بن أبي طالب.(40/40)
…ثم يبدأ من يقتنع بأحقية علي والظلم الذي تعرّضت له ذريته، وابنه الإمام الحسين، بدراسة العقيدة الشيعية والأحكام الفقهية. ويسمى المتشيعيون بالمستبصرين؛ اي الذين اهتدوا إلى الطريق الصحيح، وتبينت لهم مكانة آل البيت واستقر حبهم في قلوبهم. ويدرس المستبصر كتباً في العقيدة، وكتباً في الفقه الشيعي.
…الشيعة كل واحد منهم يقلد مرجعاً معيناً، وفي بلاد الشام ثمة مرجعان رئيسان: الإمام السيستاني، ويقلده الوافدون العراقيون، والسيد محمد حسين فضل الله ويقلده الشيعة والمستبصرون في بلاد الشام وفي بعض دول الخليج العربي. وللسيستاني رسالة توضح المنهج الفقهي الذي يسير عليه أتباعه، من ثلاثة مجلدات، عنوانها "منهاج الصالحين" وللسيد حسين فضل الله رسالة "الأحكام الفقهية". وهنالك رسالة "الأحكام الفقهية: العبادات والمعاملات" للسيد محمد سعيد الطباطبائي يسترشد بها "مستبصرون" أردنيون وآخرون.
…لا ينكر المقربون من "المستبصرين" أن هنالك علاقة روحية وثيقة بين "قُم" (في إيران) والمستبصرين في الدول العربية، بل أن هنالك أقراصاً ممغنطة توزع في "قُم" تتضمن قصص "المستبصرين العرب". وتشكل الحوزة الزينبية في دمشق اليوم المركز الرئيس للمستبصرين الذين يذهبون إليها ويحضرون ويتعلمون المذهب الشيعي، ويتجذر ارتباطهم بالشيعة الآخرين، بينما توزع عليهم كتب لأئمة الشيعة ومراجعهم، ومن الكتب التي توزع كتب السيد محمد حسين فضل الله، الصادرة عن دار الملاك في لبنان، المتخصصة بنشر كتبه. المستبصرون، على خلاف الشيعة، لا يلزمون بدفع الخمس ولا باتباع مرجع معين، وهو ما يوفر لهم غطاءً أمنياً عند التحقيق معهم، بالإضافة إلى اعتماد مبدأ "التقية" على نطاق واسع، بما يتيح لهم إنكار تشيعهم، وتجنب المشكلات المختلفة.
من يقف وراء التشيع؟(40/41)
…تقف أسباب متعددة وراء ازدياد ظاهرة التشيع في مقدمتها وجود عشرات الآلاف من الشيعة العراقيين الوافدين إلى الأردن، عدد كبير منهم حاصلون على تعليم جيد وملمّون بالمذاهب والجدل بينها، ويؤدي اختلاطهم بالمجتمع الأردني إلى تأثر أشخاص بهم، بخاصة أنّ شرائح واسعة من الأردنيين ليس لديها إلمام بالشيعة وبحججهم وبالتاريخ الإسلامي.
…أحد الأسئلة المطروحة في هذا السياق: فيما إذا كان التبشير الشيعي منظماً ومدروساً أم أنه عفوي ويعتمد على جهود فردية؟ بعض المراقبين والمتابعين لظاهرة التشيع يؤكدون أنّ هنالك استراتيجية خمسينية إيرانية أعدت عام 2000 لنشر التشيع في المنطقة، وقد نشرتها مجلة الوطن العربي في أحد أعدادها. في حين تصر مصادر مقربة من المتشيعين أن الظاهرة طبيعية وتلقائية ولا تحمل أية دلالات تنظيمية.
…يؤكد ماهر اسماعيل أن عدداً من قريباته ذكرن له وجود نساء عراقيات- من الشيعة، من العائلات الثرية يزرن أردنيات، يبدأن بصداقة معهن ثم تتطور العلاقة ويتخللها فيما بعد دعوة إلى التشيع. من جهته يذكر عمر شاهين، من سكان الزرقاء، ومهتم بالحركات الإسلامية والظواهر المرتبطة بها، أنّ عدداً من أصدقائه تأثر بشيعة عراقيين وافدين، وتشيعوا، وسافروا إلى الحوزة الزينبية لتلقي الدروس المطلوبة في التشيع.
…كما تذكر معلومات أمنية أن عدداً من العلماء والمراجع الشيعة موجودون في الأردن، وأن لهم دوراً في التأثير على الشيعة العراقيين وفي نمو حركة التشيع في أوساط أردنية، أحد هؤلاء يقطن في حي الهاشمي الشمالي، وكان يقيم الدروس في بيته. يذكر مسؤول أن أحد الشيعة العراقيين قادم من دمشق، يدعى محمود خزاعي، حاول أن يؤسس قاعدة له من الشيعة، كانت هنالك معلومات مؤكدة حوله وعلى الفور تمّ إبعاده.(40/42)
…أحد مصادر التشيع هي القنوات الفضائية الشيعية، التي انطلقت بعد احتلال العراق، وقاربت العشرين فضائية، تبث المواعظ والروايات الشيعية، وتؤثر في الرأي العام.
…ومن أبرز هذه الفضائيات الفيحاء والأنوار، وهنالك وعاظ معروفون كمحمد الوائلي وعبد الحميد المهاجر. ومن القنوات التي أثرت في الرأي العام، في السنوات الأخيرة، قناة المنار التابعة لحزب الله، وعلى الرغم أن كثيراً من الناس يتابعونها حرصاً على التواصل مع رواية حزب الله للمواجهات العسكرية التي كانت تدور في الحرب الأخيرة والصراع مع إسرائيل، إلا أن القناة لا تخلو من توجهات مبنية على الرؤى الشيعية.
…إذ يذكر أحد المواطنين أن زوجته كانت تتابع قناة المنار لإعجابها بحزب الله، وفي ساعات الليل الأخيرة كانت القناة تبث الأدعية والأناشيد المشبعة بالرؤى والروايات الشيعية المناقضة لمواقف السنة، ما جعله يحذرها من الاستمرار في مشاهدة القناة.
ومن مصادر التشيع في الأردن الطلاب الشيعة الوافدون من الخليج العربي، من السعودية والبحرين والإمارات وعُمان، وعلى الرغم أن علماءهم يحذرونهم من الجهر بعقائدهم، كما يذكر أحد المقربين، إلا أنهم في كثير من الأحيان يمارسون أسلوب الدعوة الفردية، ويؤثرون على أصدقائهم والمقربين منهم.
…كثير من الناس تأثروا إيجاباً بأداء حزب الله ودوره، ما ساهم في تشيعهم السياسي ومن ثم الديني فيما بعد، وأكثرية هؤلاء المتشيعين من أبناء المخيمات الفلسطينية، كما هو حال محمد شحادة وبعض قادة الجهاد في فلسطين وبعض الشباب الأردنيين من أصل فلسطيني. ومن المتوقع أن تتعزز هذه الطريق في التشيع في حال اشتدت المواجهة بين إيران والولايات المتحدة.(40/43)
…في المقابل يرى أحد المقربين الأردنيين من المتشيعين أنهم لا يشعرون بالحرج من موقف الشيعة العراقيين من السنة والاحتلال الأميركي، إذ أن "العقلاء من المستبصرين"، على حد تعبيره، يدركون أن المساجد التي يستولي عليها الشيعة من السنة في العراق، كانت في الأصل شيعية، فهم يستعيدون حقهم فيها، بعد أن ظلمهم النظام البعثي السابق، وأن ما يقوم به الشيعة اليوم هو رد على "الوهابيين السنة" الذين يستحلون دماءهم ويكفرونهم.
من قصص المتشيعين
…من يرصد بعض مواقع الانترنت يكاد يشعر أننا أمام حرب الكترونية حقيقية بين مجموعات سنية وشيعية، مشابهة للحروب الالكترونية بين "القاعدة" و"الولايات المتحدة"، وقد لوحظ في حرب لبنان الأخيرة بروز جدلية كبيرة ونقاش حاد في الأوساط الإسلامية السنية، بالتحديد السلفية، حول الموقف من حزب الله، بين من يرى أنهم "روافض" وأن ما يجري كله يقع في سياق المؤامرة على السنة (!) وبين من يرى أن على المسلمين تجاوز خلافاتهم والوقوف صفّاً واحداً ضد العدوان الخارجي.
…أحد المجالات الرئيسة في الحرب الالكترونية، بين السنة والشيعة، يتمثّل بوجود مواقع على شبكة الانترنت متخصصة في التبشير بالمذهب.
…من هذه المواقع "المستبصرون" و"المتحولون"، يتضمنان قائمة بمئات أسماء السنة المتحولين إلى التشيع، والذين ألفوا كتباً توضح سبب وطريقة تشيعهم، في المقابل هنالك مواقع سنية للرد على الشيعة وبيان قصص الشيعة الذين تحولوا إلى السنة، ومن أبرز هذه المواقع "البيّنة" وموقع "الراصد".
…ثمة عشرات الأسماء من المتشيعين الأردنيين، لكن ثمة أسماء معروفة ومتداولة، ولها كتب تتحدث عن قصصها في التشيع "الاستبصار".(40/44)
…من أبرز الأسماء الأردنية على هذا الصعيد المحامي أحمد حسين يعقوب، من جرش، ولد عام 1939، من أسرة شافعية وأتم دراسته الثانوية وأكمل الحقوق في جامعة دمشق. كان يعمل محامياً، وشغل منصب رئيس بلدية، وخطيباً، وكتب في صحيفة اللواء الأسبوعية.
…يذكر يعقوب قصة تشيعه:
…"سافرت إلى بيروت لمناقشة بحث قدمته للجامعة اللبنانية عن رئاسة دولة الخلافة في الشريعة والتاريخ .. وأثناء وجودي في بيروت قرأت بالصدفة كتاب أبناء الرسول في كربلاء لخالد محمد خالد، ومع أن المؤلف يتعاطف مع القتلة ويلتمس لهم الأعذار، إلا أنني فجعت إلى أقصى الحدود بما أصاب الإمام الحسين (عيله السلام) وأهل بيت النبوة وأصحابهم، وكان جرحي النازف بمقتل الحسين هو نقطة التحول في حياتي كلها.
…"وأثناء وجودي في بيروت قرأت كتاب "الشيعة بين الحقائق والأوهام" لمحسن الأمين، وكتاب "المراجعات" للإمام العاملي، وتابعت بشغف بالغ المطالعة في فكر أهل بيت النبوة وأوليائهم، لقد تغيرت فكرتي عن التاريخ كله، وانهارت تباعاً كل القناعات الخاطئة التي كانت مستقرة في ذهني، وتساءلت إن كانت هذه أفعال الظالمين بابن النبي وأهل بيته، فكيف تكون أفعالهم بالناس العاديين؟!..
…"وقد تبين لي أن اهل بيت النبوة ومن والاهم موالاة حقيقية هم المؤمنون حقاً وهم الفئة الناجية، وهم شهود الحق طوال التاريخ، وان الإسلام النقي لا يفهم إلا من خلالهم".
…وليعقوب قرابة ستة عشر كتاباً في التشيع ونقد مذهب أهل السنة، ويعيش حالياً في الولايات المتحدة الأميركية.(40/45)
…من الأسماء الأردنية المتشيعة اللامعة التي تحظى بأهمية ومكانة خاصة في مواقع الشيعة مروان خليفات، وهو شاب من مواليد كفر جايز في مدينة إربد، تخرج من جامعة اليرموك من كلية الشريعة عام 1995، وقد تشيع في سنوات الجامعة، ثم غادر ودرس في قم بإيران وفي الحوزة الزينبية في سورية، يقيم حالياً في السويد، ألف مروان كتاباً اشتهر وذاع صيته، عنوانه "وركبت السفينة" (نشره مركز الغدير للدراسات 1997)، يقدم فيه الجدل والحوار الذي صاحب تحوله إلى المذهب الشيعي، ودور صديق شيعي له وتأثيره عليه، بالإضافة للكتب الشيعية التي أخذ يقرأها وتفند مذهب أهل السنة.
…ومن الأسماء المتشيعة المعروفة أستاذ جامعي من مدينة السلط، يدرس في كلية التربية في جامعة اليرموك. ويذكر عدد من المراقبين والمتابعين لظاهرة التشيع أنّ أحد أسبابها العاطفة الدينية القوية عند كثير من الناس، وحب الرسول عليه الصلاة والسلام وآل بيته، وهو مدخل رئيس من مداخل التشيع، إذ يبدأ الدعاة الشيعة بصدمة المستمع بأن آل البيت تعرّضوا لمؤامرة تاريخية وأنهم ضحية مواقف الصحابة، فيتأثر المستمعون، بخاصة أنّ أدبيات وتراث الشيعة يحفل بالحديث عن آل البيت وحبهم والأناشيد الصوفية في مديحهم والبكائيات، وقصص تثير عواطف ومشاعر الناس.
المجتمع الأردني ليس محصّناً:
…يتفق، مع بعض المسؤولين، كل من رئيس قسم الفقه في الجامعة الأردنية، د. هايل عبد الحفيظ، والمتخصص بالفرق والمذاهب الإسلامية، د. رحيل غرايبة، على أنّ المجتمع الأردني غير محصن من خطر التشيع، إذ يرى عبد الحفيظ أنّنا يجب أن نفرق بين التشيع السياسي والديني، وإن كانت الظروف السياسية الحالية في المنطقة من أداء متميز لحزب الله والموقف الإيراني الصارم في البرنامج النووي يستقطب اهتماماً وإعجاباً من المجتمعات العربية، وبالتحديد الأردن، في سياق الضعف الواضح والمشهود لمواقف النظم العربية.(40/46)
…بينما يحيل غرايبة خطورة وإمكانية التشيع إلى أن المجتمع الأردني لم يكن على اطلاع وتحصين ضد عقائد الشيعة ورواياتهم، إذ لم تكن لديه في الأصل أقلية أو احتكاك مباشر معهم. فهذا الضعف في المعرفة يمنح فرصة جيدة للتشيع في اختراق المجتمع والتأثير عليه.
…ويجيب عبد الحفيظ على الموقف الشرعي والفقهي من التشيع بالقول: "إن الشيعة هم من أهل القبلة مسلمون، لا نكفرهم، لكننا نختلف معهم في قضايا جوهرية في العقيدة والفقه الإسلامي، ونعتقد أنهم انحرفوا فيها عن منهج الإسلام الصحيح، بعضها على درجة كبيرة من الخطورة، كسب الصحابة والقول بأن الأئمة معصومون، وأنّه منصوص عليهم وأنّ مسألة "الإمامة" ركن من أركان العقيدة، فنحن نرى بخلاف ذلك تماماً، ونرى أن الإمامة هي مسألة سياسية محضة وليست عقدية، ولا نجيز سب الصحابة، ونعتبر ذلك إثماً مبيناً. كما أن هنالك اختلافات فقهية بين السنة والشيعة منها الموقف من زواج المتعة، الذي يجيزه الشيعة، ويرفضه جمهور السنة. على هذا الأساس يحرص السنة على ألا يتحول أي سني إلى المذهب الشيعي، وعلى حماية المجتمع السني من التشيع، لاعتقادنا أن التشيع يخالف المنهج الإسلامي الصحيح".
…ما هو الموقف الصحيح من ظاهرة التشيع وانتشارها، يجيب كل من غرايبة وعبد الحفيظ أن المطلوب جهد في الوعي الديني والفكري، يتسم بالموضوعية والعلمية، بالفروق والاختلافات الكبيرة بين السنة والشيعة، وتجاوز الشيعة – كما يعتقد السنة- عن المنهج الإسلامي الصحيح. فالمجتمع الأردني لم ينل قسطاً وافراً من هذه المعرفة، ما يسهل اختراقه من ظاهرة التشيع.
…يرى المتخصص بالفرق والتيارات الإسلامية، حسن أبو هنية، أن مدخل مواجهة التشيع أردنياً يتمثل بإعادة النظر في المواقف السياسية الاستراتيجية، والاصطفافات الإقليمية، بحيث تأخذ الحكومة مسافة واضحة عن السياسية الأميركية.(40/47)
…إذ يرى أبو هنية أن التشيع الذي ينتشر اليوم في العالم العربي، وفي الأردن، على وجه التحديد هو تشيع سياسي- ثقافي أكثر منه تشيعاً عقديا أو مثولوجياً، فكثير من الناس يتأثرون بالظروف السياسية ومواقف الأطراف المختلفة أكثر من تأثرهم بالعقائد والخلافات المذهبية، وتكون المواقف السياسية بمثابة المدخل للولاءات السياسية والمواقف الدينية، ومن المعروف تاريخياً أنّ الشيعة كانت فرقة سياسية قبل أن تتحول إلى مذهب عقائدي.
?
وصايا الإمام الشيخ محمد مهدي شمس الدين
… [ هذا الكتاب هو من أواخر ما تحدث به الشيخ مهدي شمس الدين ، الرئيس الأسبق للمجلس الشيعي الأعلى في لبنان، وهو يوصي فيه أتباعه و شيعة لبنان عامة بالسير على نهجه ونهج موسي الصدر من قبله والمخالف لنهج " حزب الله " الذي يسير في الفلك الإيراني ، أحببنا نشر الكتاب بكامله بدلاً من عرضه لصغر حجمه وأهميته في هذه المرحلة].
أصل الكتاب أحاديث شفوية لشمس الدين وهو على سرير المستشفي في باريس، سجلها له ابنه إبراهيم ومن ثم قام بتفريغها ونشرها ونص إبراهيم شمس الدين علي أن : "بعض المواضع من التسجيل، هناك انقطاع كامل أو شبه كامل لصوت الإمام، إما بدخول صوت أقوى من صوته التقطه الجهاز، وإما نتيجة اضطراب في تشغيل مفاتيح الآلة. وقد أشرنا بوضوح إلى مواضع الفراغ في النص، إذ وضعنا الكلمات أو العبارات القليلة المضافة بين معقوفين هكذا: [ ]؛ وهي إضافات يقتضيها اتصال السياق". ونشرنا لها لا يقتضي الموافقة على كل ما جاء فيها . الراصد ]
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين.(40/48)
نبدأ في هذه الليلة، في الساعة الرابعة وعشر دقائق من سحر ليلة الاثنين، الخامس والعشرين من شهر كانون الأول لسنة 2000 ميلادية، وهو سحر ليلة الاثنين في التاسع والعشرين من شهر رمضان المبارك لسنة 1421 هجرية، وأنا في باريس، في منزل الأخ المحسن النبيل محمد مهدي التاجر، أتلقى العلاج من داء السّرطان وأسأل الله أن يجعله ناجعاً وشافياً ...
أبدأ بإملاء هذه الوصايا السياسية والاجتماعية والثقافية والعلمية، لعل الله يجعل فيها نفعاً للناس عامة، وللمسلمين خاصة، ولخصوص أتباع خط "أهل البيت" بوجه خاص.
إلى عموم الشيعة في مختلف الأوطان:
وأبدأ هذه الوصايا بوصيتي إلى عموم الشيعة:
أوصي أبنائي إخواني الشيعة الإمامية في كل وطن من أوطانهم، وفي كل مجتمع من مجتمعاتهم، أن يدمجوا أنفسهم في أقوامهم وفي مجتمعاتهم وفي أوطانهم، وأن لا يميزوا أنفسهم بأي تميز خاص، وان لا يخترعوا لأنفسهم مشروعاً خاصاً يميزهم عن غيرهم، لأن المبدأ الأساس في الإسلام ـ وهو المبدأ الذي أقره أهل البيت المعصومون عليهم السلام ـ هو وحدة الأمة، التي تلازم وحدة المصلحة، ووحدة الأمة تقتضي الاندماج وعدم التمايز.
وأوصيهم بألاً ينجروا وألاً يندفعوا وراء كل دعوةٍ تريد أن تميزهم تحت أي ستار من العناوين، من قبيل إنصافهم ورفع الظلامة عنهم، ومن قبيل كونهم أقلية من الأقليات لها حقوق غير تلك الحقوق التي تتمتع بها سائر الأقليات.
إن هذه الدعوات كانت ولا تزال شراً مطلقاً، عادت على الشيعة بأسوأ الظروف الشيعة يحسنون ظروف حياتهم ومشاركتهم في مجتمعهم عن طريق اندماجهم في الاجتماع الوطني العام، والاجتماع الإسلامي العام، والاجتماع القومي العام، ولا يجوز ولا يصح أن يحاولوا ـ حتى أمام ظلم الأنظمة ـ أن يقوموا بأنفسهم وحدهم بمعزل عن قوى أقوامهم بمشاريع خاصة للتصحيح والتقويم، لأن هذا يعود عليهم بالضرر ولا يعود على المجتمع بأي نفع.(40/49)
وقد جرت سيرة وسنة أهل البيت (عليهم السلام) على هذا النهج، ووصايا الإمام الباقر والإمام الصادق وغيرهما من الأئمة (عليهم السلام) هي على هذا النهج.
فقد ظهرت في العقدين أو العقود الأخيرة من السنين ظاهرة في دائرة الشيعة العرب بشكل خاص، وبدائرة الشيعة بوجه عام، وهي إنشاء تكتلات حزبية سياسية بوجه خاص لغرض المطالبة بحقوق الشيعة، أو إظهار شخصية الشيعة، أو الدفاع عن حقوق الشيعة.
وهذه التكوينات ـ بحسب رصدنا لما آلت إليه ـ لم تؤد إلى أية نتيجة تذكر، بل أدت إلى كثير من الأزمات، وعمّقت الخوف والحذر وسوء الظن والتربص في أنفس بقية المسلمين في المجتمع من خصوص طائفة الشيعة، وسعت نحو عزلهم بشكل أو بآخر عن الحياة العامة وعن التفاعل مع نظام المصالح العامة.
هذه التكوينات ـ تارة يراد لها أن تكون تكوينات ثقافية محضة، وهنا يجب ألاّ يغلب عليها طابع المذهبية التمايزية، وإنما يجب أن تنطلق من رؤية وحدوية إلى الأمة، تعتمد على الجوامع المشترك، وما أكثرها التي تجمع المسلمين فيما بينهم ولا تركز على خصوصيات التمايز وعلى خصوصيات التباين... وإما أن تكون تجمعات سياسية أو اقتصادية وهذا أمر لا يجوز في نظرنا أن يتم بوجه من الوجوه على الإطلاق.
وقد ثبت بالتجربة أن التجمعات الشيعية المعاصرة، من قبيل "حزب الدعوة" وغير "حزب الدعوة"، لم تستطع أن تحقق لنفسها بعداً إسلامياً داخل الطوائف والمذاهب الأخرى، وإنما حققت في أحسن الأحوال تعايشاً هشاً مشوباً بالشك والحذر. وهنا قد تثار في هذه الحالة التجربة اللبنانية التي تميزت منذ نهضة الإمام السيد موسى الصدر، وهذا ما سنعرض له فيما يلي:
تجربة الشيعة اللبنانيين:
بسم الله الرحمن الرحيم
نتابع تسجيل هذه الوصايا في باريس ليلة عيد الفطر المبارك.
سنعرض لتجربة الشيعة اللبنانيين باعتبارهم نموذجاً للنجاح الوحيد الذي تحقق في العصر الحديث لتصحيح وضع الشيعة في مجتمع متنوع.(40/50)
كان الشيعة اللبنانيون طوال العهد العثماني فئة مهمَشة عن المجتمع بالكامل، ليست لها أية مشاركة في أي قرار من قرارات الاجتماع، كانت معزولة في مناطقها، خاصة في منطقة جبل عامل واستمرت على هذه الحالة إلى أن جاء الانتداب الفرنسي وأعيد تكوين دولة لبنان في سنة 1921.
في هذه المرحلة بدأت تتكون للشيعة شخصية معنوية في الاجتماع اللبناني، ولكنها كانت شخصية شبحية لا دور لها يذكر في القرار العام، سواء كان سياسياً أو تنظيمياً أو إدارياً أو تنموياً، على الإطلاق على الظاهر، كما لم يكن لها تمثيل يذكر في تشكيلات الدولة اللبنانية في ذلك الحين. ولكن الأمر تغير نوعاً ما بعد إعلان الاستقلال، حيث حصل الشيعة على مزيد من المكاسب في تنظيم الدولة، وفي تشكيل الإدارة، وفي الميزانية العامة، وفي المجلس النيابي، فأصبحت لهم شخصية سياسية ومعنوية قائمة على نظام الطوائف المعمول به في لبنان.
إلا أن هذا الحضور المميز، والذي مثّل نقلة نوعية كبيرة في حضور الشيعة في الحياة العامة في لبنان وفي تشكيل الاجتماع اللبناني، كان لا يزال ناقصاً نقصاً فادحاً. لقد كان هناك حضور نيابي في مستوى أقل من المستوى المطلوب، وكان هناك حضور في الإدارة أيضاً، ولكن لم يكن هناك أي حضور يذكر في القرار السياسي.
كان القرار السياسي والقرار التنموي يتخذان بمعزل عن الشيعة وعن ممثليهم، ولذلك ولدت حالتان من الحرمان: الحرمان التنموي، حيث بقيت مناطق الشيعة مهملة من دون تنمية، وتعيش حياة بدائية وشظفة محرومة من جميع وسائل الحياة الحديثة.(40/51)
وكان هناك أيضاً حرمان في الحضور الإداري، فلم يكن للشيعة أي موقع يذكر في إدارة شؤون الدولة على الإطلاق، سوى رئاسة مجلس النواب التي لم يكن لها دور يذكر في اتخاذ القرارت، إذ أن القرارات التي تتخذ في مجلس النواب كانت تتبلور بين القوتين المهيمنتين على النظام السياسي، وهما بالدرجة الأولى قوة رئيس الجمهورية، وبالدرجة الثانية قوة رئيس الوزراء، وقد جرت الحال على هذا المنوال.
وحصلت في هذه الأثناء نهضة جانبية في مجال التعليم، فانخرط الشيعة إلى حد كبير في المدارس، وتكونت منهم شيئاً فشيئاً نخبة متعلمة ومتطلعة.
ونتيجة لجميع هذه التطورات أيضاً، حصلت هجرة شيعية من الأرياف إلى المدن، وخاصة في بيروت، وبدأت تتكون نواة صغيرة لما يمكن تسميته بورجوازية شيعية، وطبقة مكتفية من الشيعة، إلى جانب الفئة المتعلمة التي تخرجت من الكليات وبعض الجامعات.
هذه الفئة بدأت تتحسس أحوالها، وتتلمس الدنيا من حولها، وترى ما هي فيه من حرمان وما عليه الشيعة عموماً من حرمان. هذه الفئة (رأت أنه يمكن أن تحقق لنفسها مواقع) ليس في التكتل الداخلي، وليس في التماس السبل لتكوين القوة الذاتية المجتمعية التي تندمج وتتفاعل مع قوى المجتمع، وإنما وجدت أو رأت أنه يمكن أن تحقق لنفسها مواقع من خلال الخروج عن دائرة المذهبية، والانخراط في التيارات الحزبية العلمانية الجديدة.
لم تكن بدايات التحسس الشيعي إذاً شيعية، وإنما كانت علمانية ومتأثرة باليسار. فانخرط الشيعة المتعلمون في الأحزاب العلمانية (غالباً في الحزب الشيوعي، والاشتراكي، والقومي السوري الاجتماعي) حتى أن قسماً منهم انخرط في الأحزاب المسيحية الطائفية، من قبيل "حزب الأحرار" و "حزب الكتائب"، وانخرطت نخبة منهم في الأحزاب القومية الكبرى.(40/52)
إذن، خروج الشيعة في نخبتهم إلى الفكر الحديث وإلى الحياة الحديثة، وإلى محاولة الخروج من دائرة الحرمان، لم يكن على قاعدة التشيّع وإنما كان على قاعدة الحداثة. ولم يفكر أحد، إلا قليلاً في ما أعلم أن يعيد تكوين الشيعة، ويعيد دمجهم إلى شيعيتهم من جهة، وتصحيح انتماء هذه الشيعة إلى الوطن، والمجتمع الوطني من جهة أخرى.
وبدأت ترتفع شيئاً فشيئاً نظرة تطلقها تارة شخصيات شيعية مرموقة، وتارة تطلقها جماعات أو جمعيات تشكلت على هامش التكوينات السياسية القومية واليسارية من جهة أخرى، تطرح شعار حقوق الطائفة الشيعية: حقوقها في المجال السياسي، وحقوقها في المجال التنموي. وبدأت تنشأ حركة مطلبية في هذا المجال، فانخرط فيها كثيرون.
في هذا الجو، جاء الإمام السيد موسى الصدر، وولدت بالتدريج فكرة "المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى". هذا المجلس ولدت فكرته انطلاقاً من جملة من المعطيات القائمة في الاجتماع اللبناني. أولاً كونه يمثل صيغة من الصيغ الشائعة بين الطوائف اللبنانية، حيث أن لكل طائفة هيئة تنظيمية تهتم بشؤونها الداخلية. هذه هي الفكرة التلقائية.(40/53)
الفكرة الثانية، المعطى الثاني، هو هذا التحسس الذي كان يعمر قلوب النخبة الشيعية والشباب الشيعي في لبنان، وشعورهم بالهامشية، وشعورهم بالدونية، وشعورهم بالحرمان، وعدم ثقتهم بأن الأحزاب العلمانية قادرة على أن تغير شيئاً من واقعهم. فولدت فكرة إعادة الاعتبار إلى الشيعة اللبنانيين سياسياً وتنموياً واجتماعياً، عن طريق التأكيد على هويتهم الخاصة المنفتحة على الهويات الأخرى المكونة للاجتماع اللبناني وليس المنعزلة والمتباينة عن الاجتماع اللبناني. فكان هناك واقع تنظيمي يقتضي بروز هذا المجلس لإظهار شخصية الشيعة ونيل حقوقهم في النظام السياسي. وهذه التجربة في لبنان (تجربة المجالس الملِّية) لعلها تجربة فريدة من نوعها في العالم الإسلامي، إذ إن طبيعة تكوين الاجتماع اللبناني، من مجموعات من الطوائف والمذاهب الدينية، هي التي اقتضت ذلك نتيجة لتنظيمات العهد العثماني التي شكلت الاجتماع العثماني غير السني، الاجتماع العثماني الذي ينضوي فيه غير المسلمين ـ شكّلتهم في مجموعات طائفية.
ردود الفعل:
أمام فكرة المجلس، حصلت ردود فعل من نوعين:
ردود فعل سلبية، وهذه مثلتها النخبة الشيعية التي كانت مهيمنة في ذلك الحين وفقاً لصيغة 1943، والتي رأت في هذا المجلس منافساً لها على تولي شؤون الشيعة، وعلى النظر في أمورهم، وعلى التحكم في المناصب والمواقع التي يستحقها الشيعة في النظام اللبناني. كانت ردود فعل سلبية حادة، وقادتها النخبة السياسية التي كانت على رأس السلطة، وفي مقدمتها رئاسة المجلس النيابي.(40/54)
وكان هناك (ردود فعل إيجابية) من نُخب دافعت عن إنصاف الشيعة وعن إعادة الاعتبار إليهم، وهذه النُخب التقت حول فكرة "المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى" وحول الإمام السيد موسى الصدر ومن كان يتعاون معه ـ التفَت حولهم في سبيل دعم هذا التوجه. وهذه الفئة (مثلت قطاعا) كبيراً من القاعدة الشعبية التي كانت تحس بالحرمان، ولكنها لا تملك الوسيلة المناسبة لمقاومته.
وكانت هناك ردود فعلٍ سلبية من نوع آخر، من قبل القوى السياسية العلمانية، من قبل اليسار، ومن قبل الخط القومي الذي كان يرى في هذه الحركة طائفية يراد منها ترسيخ الكيان الطائفي والمفهوم الطائفي في النظام اللبناني، مقابل عملهم ـ فيما يزعمون ـ على إخراج لبنان من الحالة الطائفية.
كانت هناك ردود فعل متحفظة على الظاهر، من الطائفة السنية وغيرها من الطوائف الأخرى، باعتبار أن تكوين هذا المجلس ـ على القاعدة التي أريد له أن يتكون عليها ـ يخلق منافساً على مضان النظام، وعلى فوائد النظام، وعلى مواقع النظام.
وكانت هناك فئة ـ قليلة لعله أو كثيرة ـ في الوسط المسيحي تدرك ضرورة انطلاق هذه القوة لتحقق مبدأ التوازن. كان يلاحظ أنه لابد أن يكون هناك مبدأ توازن، وكان هناك حلم لعلًه إنشاء تحالف شيعي ماروني، ولعلَ هذا كان من السياسات الخفية للانتداب الفرنسي ... فشجعت هذه الفئة على نمو هذه الفكرة وعلى مأسستها وعلى إعطائها الدعم الكافي.
هذه هي ردود الفعل التي صاحبت ورافقت انطلاق فكرة "المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى" والتي بلورت أخيراً في الشكل التنظيمي الذي أقر من قبل الدولة بموجب القانون في أيام الرئيس شارل الحلو.(40/55)
لقد أنشئ "المجلس" ليكون إطاراً تنظيمياً جامعاً يجمع كل القوى الحية المتحركة المكونة للجماعة الشيعية، وقد أنشئ وأعلن وسط فرحة شعبية عارمة، وخلق آمالاً كبيرة جعلت الشيعة يشعرون بأن أداتهم السياسية في الاجتماع اللبناني قد اكتملت، وأنها ستخلق حالة التغيير على جميع المستويات. ولكن الواقع كان على خلاف ذلك.
أولاً: حصل خطأ، في نظرنا (وهذه نقطة مطروحة في وصاياي لأجل إعادة النظر فيها)، وهو إدخال الجسم النيابي الشيعي للمجلس النيابي، إدخال أعضائه أعضاءً حكميين ومن غير انتخاب في جسم "المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى" إلى جانب هيئتيه الشرعية والتنفيذية المنتخبتين من الهيئة العامة. إن إدخال النواب الشيعة أعضاء حُكميين أدخل جميع انقسامات الشيعة الداخلية، بسبب تحالفات فئاتهم مع الأحزاب والطوائف الأخرى، في صميم المجلس. ومن هنا فقد ولد المجلس من أول الأمر إما أن يكون مشلولاً في اتخاذ القرارات، وإما أن يأخذ قرارات هامشية لا تقدم ولا تؤخر، وأما أن يعتمد على مبدأ الإجماع.
قلّما اتخذت قرارات جذرية في "المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى" وبعدما اتخذت فقلما كانت لها فاعلية تذكر على مستوى التنفيذ. هذه الأمور كلها بينت أن الآمال ليست بمحلها. هذا إلى جانب أمر آخر، وهو أنه على مستوى الهيئة التنفيذية لم يعتبر المجلس أداة إدارية وتنظيمية بقدر ما اعتبر منصة سياسية لكثير من الطامحين الذين يأملون بالحصول على مناصب سياسية، وهذا طبعاً أدى إلى شلل إضافي في قدرة المجلس على التعامل مع الدولة ومع النظام السياسي، ومع القوى السياسية، إذ أن أي قرار يتخذه المجلس وتحاول الجهات (التي هي من داخل المجلس، سواء من الجسم النيابي أو من الجسم المنتخب) تحول دون ذلك نتيجة للطموحات الخاصة التي يسعى البعض للحصول عليها من خلال انتمائه إلى المجلس.(40/56)
تبين أن الآمال ليست في محلها، وأن المجلس يواجه صعوبات وبقيت المعادلة زمناً طويلاً كما هي إلى أن أضطر المجلس إلى أن يخوض صراعاً مفتوحاً مع القوة السياسية المهيمنة وأن يحشد الطبقات الشعبية. وحصلت المواجهة الكبرى بين الجسم السياسي الرسمي الموجود في النظام، وبين الجمهور السياسي الذي يمثله "المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى"، وتزامن ذلك مع بدء المشاكل السياسية التي نشأت بين لبنان وبين الفلسطينيين والقوى اليسارية التي تحالفت مع الفلسطينيين.
هذه التناقضات وهذه التجاذبات الداخلية التي أحاطت بالمجلس شلته عن العمل شللاً نهائياً. فلم تعد هناك قوة سياسية للمجلس تستطيع أن تمارس أي شكل من أشكال الضغط، لأن القوى السياسية النيابية في المجلس تهمشت وتوزعت على ولاءاتها الخاصة، والقوة المنتخبة من المدنيين لم يكن لها حول يذكر ولا تأثير يذكر على القاعدة الشعبية بحكم عدم انتماء بعضها إلى القوى السياسية، وانتماء بعضها الآخر إلى القوى السياسية.
وهذه نقطة فاتني أن أذكرها، وهي أن الهيئة المنتخبة المدنية كانت تتمثل فيها القوى الحزبية اليسارية السائدة. فالأحزاب السياسية العلمانية تسللت إلى الهيئة المنتخبة، وكان لها ممثلون، وكانت تساهم أيضاً في شرذمة الموقف وفي بلبلة الآراء، لأن لكل حزب رؤية معينة كان ممثلوه يحاولون أن يعبروا عنها في المجلس.
فكانت في داخل المجلس قوتان مفرِّقتان: إحداهما قوة النواب، والأخرى قوة الأحزاب. وفي ما عدا ذلك لم يكن للهيئة الشرعية دور يذكر في القرارات التنفيذية الخارجة عن دائرة الشؤون الشرعية الخاصة التي تتعلق بشؤون القضاء والإفتاء وما إلى ذلك. فكانت هذه الترتيبات وهذه التركيبات سبباً في شلل المجلس في هذا الظرف الحرج والخطر الذي بدأ يدخل فيه لبنان منذ أوائل السبعينيات، منذ سنة 1973، في بداية الصدامات بين الفلسطينيين وبين الدولة اللبنانية ممثلة بالجيش وبالإدارة.(40/57)
إن التطورات التي نشأت نتيجة للفتنة في لبنان، وتكوين التنظيمات والميليشيات المسلحة والحرب الأهلية، أخرجت المجلس من الحياة الفاعلة اليومية في المجال السياسي. لم يعد هناك للمؤسسة دور سياسي. انحصر الدور السياسي برئاسة المجلس وتحديداً بالإمام السيد موسى الصدر. وأعتقد أنه أدرك، كما أدركتُ، أن هذه المؤسسة الأهلية المدنية للمسلمين الشيعة، في الظروف التي نشأت، لم تعد ذات فاعلية تذكر في تكييف الرأي العام، وفي التأثير على القرارات وعلى الاتجاهات العامة. نعم، بقي شعار حقوق الطائفة سائداً، ولكن دون جدوى تذكر.
وفي هذه المرحلة اتجه الإمام موسى الصدر، واتجه العمل العام، نحو القضايا اللبنانية والعربية العامة: القضية الفلسطينية والمقاومة من جهة، وإصلاح النظام السياسي برمته من جهة أخرى. وانخرط المجلس، إلى جانب الحركة المطلبية الشيعية، في الحركة المطلبية اللبنانية العامة: إصلاح النظام السياسي كما قلنا، قضية عروبة لبنان، وعلاقات لبنان العربية، ومسؤولية لبنان عن تحرير فلسطين، وما إلى ذلك، وقضايا الحريات والديموقراطية والتمثيل وصحة التمثيل، وكل الشعارات التي كانت تتداول، ومن أهمها شأنا كان (شعار) إلغاء نظام الطائفية السياسية. وانشغل، الإمام موسى وأنا وبعض الأخوة الخواص في مكتب المجلس، بوضع صيغ إصلاحية للنظام السياسي، ووضعت عدة صيغ كان أبرزها وأنضجها صيغة ما نسميه "صيغة 1977" التي أرسينا فيها المبدأ الأساس والأهم ـ فيما أعتقد ـ في تاريخ لبنان السياسي، وهو أن "لبنان وطن نهائي لجميع بنيه" لقطع دابر أية مخاوف مسيحية من قضايا الذوبان والاندماج.(40/58)
هذا المبدأ هو من المبادئ التي يدين بها لبنان وشعب لبنان للفكر اللبناني الشيعي ولمؤسسة "المجلس الإسلامي الأعلى". والحقيقة أن هذا المبدأ وضع ليس فقط استجابة وترضية للمسيحيين، بل كان ضرورة فيما نعي ـ ولا أزال أعتقد بذلك إلى الآن ـ ضرورة للاجتماع اللبناني ولبقاء كيان لبنان، ليس لمصلحة لبنان وشعبه فقط، وإنما لمصلحة العالم العربي في كثير من الأبعاد، حتى لمصلحة جوانب كثيرة من العالم الإسلامي، ونحن نمر في حقبة تاريخية مفصلية تتعلق بقضايا التنوع والتعددية السياسية وما إلى ذلك، بالإضافة إلى النظر إلى ضرورة وجود وفاعلية المسيحيين في لبنان.
الفاعلية المسيحية في لبنان والشرق:
من الوصايا الأساسية التي أركز عليها بالنسبة إلى المسلمين اللبنانيين، بالنسبة إلى العرب جميعاً، هي الحرص الكامل التام على ضرورة وجود وفاعلية المسيحيين في لبنان، وعلى تكاملهم وعلى شعورهم بالانتماء الكامل والرضى الكامل، وعلى عدم أي شعور بالإحباط، أو بالحرمان، أو بالنقص، أو بالانتقاص، أو بالخوف على المستقبل، وما إلى ذلك. وهذه الرؤية ليست قائمة على المجاملة وعلى الحس الإنساني فقط، وإنما هي قائمة على حقائق موضوعية أساسية لا بد من مراعاتها.
وينسحب على هذه القضية التي بدأت تثير قلقاً متزايداً في الأوساط المسيحية العربية والأجنبية، وهي وجود المسيحية في الشرق، وحضور المسيحية في الشرق. وأنا أرى أن من مسؤولية العرب والمسلمين أن يشجعوا كل الوسائل التي تجعل المسيحية في الشرق تستعيد كامل حضورها وفاعليتها ودورها في صنع القرارات، وفي تسيير حركة التاريخ، وأن تكون هناك شراكة كاملة في هذا الشأن بين المسلمين والمسيحيين في كل أوطانهم وفي كل مجتمعاتهم.(40/59)
ومن هنا فإني أشعر بأن المراجع الدينية الإسلامية الكبرى مسؤولة عن هذا الأمر، وأن المراجع الفكرية والتوجيهية في الإعلام وفي الثقافة وغيرهما يجب أن تركز على هذه النقطة بكل ما يمكن من قوة وفاعلية.
موضوع إلغاء الطائفية السياسية في لبنان:
هذه وصية بالنسبة إلى موضوع إلغاء الطائفية السياسية
وهذا شعار من الشعارات الثابتة في السياسات اللبنانية، وقد تبنيناه، تبناه المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى"، وتبنيناه شخصياً على مدى سنوات طويلة، وعملنا بصيغ متنوعة، بالتعاون مع كثيرين، على بلورة هذا الشعار بمشروع للنظام السياسي في لبنان لا يقوم على مبدأ الطائفية السياسية. وقد وضعت مشروعي الخاص في هذا الشأن، "مشروع الديموقراطية العددية القائمة على مبدأ الشورى".
ولكني تبصرت عميقاً في طبيعة الاجتماع اللبناني، وفي المجموعات المكونة للمجتمع اللبناني، وفي طبيعة النظام البرلماني، النظام الديموقراطي البرلماني، الذي يتميز بخصوصيات معينة نتيجة للتنوع الطائفي... وتبصرت عميقاً في تفاعلات الفتنة اللبنانية، وفي خفايا ما تحمله في ثناياها أفكار القيادات في هذه الطوائف، سواء أكانت قيادات سياسية أو قيادات دينية أو قيادات ثقافية، على تفاوت ما بين هنا وهناك ...
تبين لي أن إلغاء الطائفية السياسية في لبنان، يحمل مغامرة كبرى قد تهدد مصير لبنان، أو على الأقل ستهدد استقرار لبنان، وقد تخلق ظروفاً للاستقواء بالخارج من هنا ومن هناك، ولتدخل القوى الأجنبية من هنا ومن هناك.
ولذلك فإني أوصي الشيعة اللبنانيين بوجه خاص، وأتمنى وأوصى جميع اللبنانيين مسلمين ومسيحيين، أن يرفعوا من العمل السياسي، من الفكر السياسي، مشروع إلغاء الطائفية السياسية، لا بمعنى أنه يحرم البحث فيه والسعي إليه، ولكن هو من المهمات المستقبلية البعيدة، وقد يحتاج إلى عشرات السنين لينضج بحسب نضج تطور الاجتماع اللبناني وتطورات المحيط العربي بلبنان.(40/60)
أوصي بالثبات والالتزام بنظام الطائفية السياسية، مع إصلاحه. وأعتقد أن صيغة "الطائف" هي صيغة نموذجية في هذا الشأن، والنظام السياسي اللبناني الذي بني عليها هو نظام سليم، لولا ما شابه من بعض الأخطاء سواء في صياغة "وثيقة الطائف"، في صياغة "اتفاق الطائف" وما تفرع عنه، أو في مجال التطبيق.
نحتاج إلى جهد وطني مخلص للنظر في العيوب والثغرات الموجودة في نظامنا الطائفي القائم على "اتفاق الطائف"، والذي تقوم الدولة القائمة الآن عليه. نحتاج إلى تبصر عميق في اكتشاف هذه الأخطاء، وإصلاحها، وإبقاء الباب مفتوحاً لتدارك كل خطأ.
أعتقد أننا بهذا سنحقق للبنان استقراراً وإمكانات كبرى للاندماج الاجتماعي، وللثقة المتبادلة بين مجموعاته، ولتسريع حركة النمو والتقدم. وأعتقد أن لبنان بهذا سيبقى منارة ونموذجاً لكل المجتمعات الأخرى التي تتميز بالتنوع الشديد، إذا وجد مجتمع من هذا القبيل في لبنان.
عودة إلى توصية الشيعة في جميع أوطانهم:
في هذا الصدد، وإذ أوصي الشيعة اللبنانيين بالخصوص في لبنان، وأوصي المسلمين جميعاً شيعة وسنة بهذا الخصوص في لبنان، فإن وصيتي الثابتة للشيعة العرب في كل وطن من أوطانهم، وللشيعة غير العرب خارج إيران (إيران هي دولة قائمة بنفسها)... أوصي الشيعة في كل مجتمع من مجتمعاتهم، وفي كل قوم من أقوامهم، وفي كل دولة من دولهم، ألا يفكروا بالحس السياسي المذهبي أبداً، وألا يبنوا علاقاتهم مع أقوامهم ومع مجتمعاتهم على أساس التمايز الطائفي وعلى أساس الحقوق السياسية والمذهبية. المطلوب من الأنظمة التي تضم مجموعات متنوعة أن تعترف بالهوية الدينية والمذهبية لكل مجموعة من المجموعات.(40/61)
وأما بالنسبة إلى الموضوع السياسي، فأكرر وصيتي الملحة بأن يتجنب الشيعة في كل وطن من أوطانهم شعار حقوق الطائفة والمطالبة بحصص في النظام. وأوصيهم وصية مؤكدة بألا يسعى أي منهم إلى أن ينشئ مشروعاً خاصاً للشيعة في وطنه ضمن المشروع العام، لا في المجال السياسي أو الاقتصادي أو التنموي. أوصيهم بأن يندمجوا في نظام المصالح العام، وفي النظام الوطني العام، وأن يكونوا متساوين في ولائهم للنظام، والقانون، وللاستقرار، وللسطات العامة المحترمة.
تُرتكب مظالم بطبيعة الحال من بعض الأنظمة في حق فئات الشيعة. هذه المظالم يجب أن تدار وتساس بحكمة. لا أوافق ولا أرجح أن تقوم حركات احتجاجية شيعية محضة. كل حركة سياسية احتجاجية أو مطلبية للشيعة تكون محقة، يجب أن يبحثوا بكل السبل عن أن يكون لهم شركاء فيها من أقوامهم وشعوبهم والجماعات السياسية التي ينتمون إليها. وأكرر وصيتي لهم ألا ينشئوا أية مواجهة أمنية أو سياسية مع أي نظام من الأنظمة. طبعاً هناك بعض الاستثناءات الشاذة، والتي أبرزها الآن أمام أعيننا استثناء العراق. العراق يعتبر حالة شاذة، والحركة السياسية المطالبية الموجودة فيه ليست في الحقيقة حركة الشيعة، إنما هي حركة الشعب العراقي. ولذلك فإن وصيتي بالنسبة إلى هذا الموضوع لا تشمل العراق.
نعم، أقول للقوى الشيعية العراقية المعارضة التي تبحث عن مخرج، أنه لا يجوز أن تجد مخرجاً شيعياً، أن تبحث عن مخرج شيعي، لأن هذا يضر أكثر مما ينفع. ولا يجوز أن تبحث عن مخرج لا ينسجم مع توجهات المحيط العربي حول العراق، ولا يجوز أن تبحث عن مخرج يتهم الشيعة العراقيين بأنهم ملحقون بدولة أخرى.(40/62)
لا بد لكل مخرج من المخارج لإصلاح النظام السياسي في العراق، ولإعادة استقرار العراق ولاستعادة دوره، لا بد من أن يتم باتفاق بين الجميع... ويا حبذا، ويا حبذا، ويا حبذا، لو أن الدول العربية الفاعلة تمكنت من أن تكون رؤية بما يشبه "مؤتمر الطائف" الذي عقد من أجل لبنان، ولعل الله إذا مد في الأجل أن يرشدني إلى خير السبل في هذا الشأن للتداول مع بعض القادة الكبار والمسؤولين الكبار من إخواننا الحكام العرب في هذه الفكرة، لعل الله يجعل لنا فرجاً ومخرجاً مما نعانيه، ويفرج عن العراق وشعبه ويحرر العراق من هذه الوصاية ومن هذه الهيمنة الأجنبية الأمريكية التي دمرته، والتي تمتص حياته تحت شعار حصار النظام، بينما الحصار هو للشعب.
عودة إلى موضوع إلغاء الطائفية السياسية في لبنان:
هذه الوصايا أرجو أن تكون موضع عناية. وأعود فأقول: إني الآن في الوضع الحاضر، وقد أعلنت هذا عدة مرات في الإعلام العام، إنني لا أوافق على طرح مشروع إلغاء الطائفية السياسية بأي وجه من الوجوه، وأدعو إلى سحب هذا المشروع من التداول، وتركيز الجهود للنظر في العيوب والنواقص التي نعاني منها في نظامنا الطائفي لنصلحها.
فالمطلوب هو إصلاح نظام الطائفية السياسية، وليس إلغاء نظام الطائفية السياسية. والصيغة التي تطور إليها نظام الطائفية السياسية نتيجة لاتفاق الطائف، هي صيغة نموذجية في رأيي، ينبغي التركيز على إصلاحها، وعلى تنفيذها تنفيذاً أميناً، لتحقق غاياتها المرجوة منها.
ولا ننسى أن هذه الصيغة التي اعتبرها البعض مؤقتة، ونحن اعتبرناها مؤقتة ـ أعتقد ـ في حينه، حينما أعلن الاتفاق وووجه بمعارضة كبيرة داخل الطائفة الشيعية... أنا رفعت شعار أنه اتفاق الضرورة... والآن أقول: هو ليس اتفاق الضرورة، هو اتفاق الاختيار، وهو اتفاق مناسب لطبيعة لبنان، لأنه يوافق ويحقق جميع الوسائل الممكنة للاستقرار والتقدم والازدهار... والحمد لله رب العالمين.(40/63)
الأمانة العامة للقمة الروحية اللبنانية:
من الوصايا المهمة في نظري هي إنجاز "الأمانة العامة للقمة الروحية اللبنانية". وقد سبق في اجتماع "بكركي" الشهير أن اقترحت هذا الاقتراح وقُبلَ بنسبة عالية من إخواننا رؤساء الطوائف في ذلك الاجتماع، لأننا في لبنان ـ على مستوى الطوائف وعلى مستوى المجتمع ـ نواجه نوعين من المشاكل ونوعين من القضايا:
قضايا طائفية داخلية تتصل بالتنظيم الداخلي وبالشؤون الدينية وما إلى ذلك، وهذه من شؤون المؤسسات ولا دخل لمؤسسة في شؤون مؤسسة أخرى.
وهناك القضايا الوطنية العامة، التي لا تختص بطائفة، ولا تختص بمرحلة، وبعضها يتجاوز لبنان هذه القضايا تمس كيان الشعب اللبناني، وتمس مصالح الشعب اللبناني، وتمس كيان الدولة اللبنانية.
وفي هذه الحالة، الذي يجري هو أن بعض القيادات الطائفية تتصدى لهذه القضايا بصورة منفردة وبدون مشورة، أو بمستوى من المشورة لا قيمة له.
وفي نظرنا أن هذه القضايا الوطنية العامة، حينما يراد لها أن تبحث وتكون مجالاً للحوار على مستوى المجتمع، خارج مؤسسات الدولة، فلا بد من أن تخضع للمشورة بين قيادات المجتمع اللبناني، وفي مقدمتها بطبيعة الحال مؤسسات الطوائف.(40/64)
من هنا نحن نصر على تشكيل هيئة قانونية معترف بها من قبل المرجعيات الطائفية في لبنان، تكون بمثابة "الأمانة العامة" التي ترصد وتراقب وتواكب التقلبات السياسية العامة ذات الشأن الوطني العام، وتتلقى من مرجعياتها التوجيهات في هذا الشأن، لتكون مجالاً للمراجعة وللمشاورة فيما بينها، وتكون هي وسيلة المشاورة في ما بين القيادات، لأجل تكوين رؤية مشتركة يمكن أن يوجه من خلالها خطاب وطني واحد جامع، أو إذا لم يتسنَّ ذلك يتم الامتناع من اتخاذ مواقف تسبب الانقسام الوطني وتخلق توترات طائفية داخل المجتمع، من دون أن يكون لذلك أية فائدة، كما لاحظنا حصول ذلك في الفترة الأخيرة، حينما أثيرت عدة قضايا، في مقدمتها قضية الوجود السوري في لبنان وما يتعلق به، ومن جملتها قضايا أخرى أيضاً، ما يسمى قضايا حريات، وما إلى ذلك.
هذه الأمور نعتقد أنه لا يصلح أن تنفرد أية قيادة طائفية باتخاذ موقف منها منفرد، أو اتخاذ موقف تفرضه على الرأي العام... والحمد الله رب العالمين.
الأمانة العامة للقمة الروحية الإسلامية:
ومما يتصل بهذا الموضوع، "الأمانة العامة" التي شكلناها، "الأمانة العامة للقمة الروحية الإسلامية". لقد تشكلت هذه الأمانة العامة من أشخاص نثق بهم ونعتمد عليهم، ولكن للأسف حتى الآن لم تأخذ دورها اللازم، وأنا أصر في وصيتي على تفعيل دورها وعلى إعطائها شخصية متميزة وفاعلة لتنسيق الأنشطة بين المسلمين...
هذا هو الشريط الأول من الأشرطة التي أسجل عليها وصاياي السياسية العامة، وسأبدأ بالشريط الثاني لتتمة الحديث عن الأمانة العامة والقمة الروحية الإسلامية...
بسم الله الرحمن الرحيم(40/65)
هذا هو الشريط الثاني من الأشرطة التي نسجل عليها وصايانا العامة السياسية والاجتماعية وغيرها للشيعة اللبنانيين والعرب ولسائر اللبنانيين، وقد بدأنا بتسجيله في مساء يوم الخميس، الثاني من شهر شوال من سنة 1421هـ اليوم الثامن والعشرين من شهر كانون الأول لسنة 2000م.
ونتابع حديثنا في هذه الوصية عما ختمنا به الشريط الأول، وهو الإلحاح على تفعيل دور ومؤسسة "الأمانة العامة للقمة الروحية الإسلامية في لبنان"، لأنها ضرورة من الضرورات التنظيمية للمسلمين في الشأن الإسلامي الخاص، وفي الشأن الوطني العام.
وأكرر ـ للمرة الثالثة على ما أظن في هذه الوصايا ـ على الشيعة اللبنانيين أن يندمجوا في محيطهم الإسلامي اللبناني اندماجاً كاملاً، وألا يقوموا بأية خطوة تمايزهم عن غيرهم من إخوانهم المسلمين اللبنانيين، وفي نفس الوقت، هذا الاندماج لا يكون على قاعدة طائفية مذهبية، وإنما يكون منسجماً مع الاندماج العام في الوطن، مع الشعب اللبناني كله وعلى قواعد الثوابت الميثاقية اللبناني، التي تؤكد بالدرجة الأولى على أن المسيحية في لبنان جزء مقوم للبنان، كالإسلامية في لبنان، وأن لبنان لا يقوم إلا بالتكامل، وإلا بالعيش الواحد، وليس العيش المشترك فقط... والحمد لله رب العالمين.
الجامعة الإسلامية في لبنان:
أسجل هذه الوصية المتعلقة بالجامعة الإسلامية في لبنان، في ليلة السبت، ليلة الثلاثين من كانون الأول سنة 2000 ميلادية، في "باريس"، ونحن في منزل الأخ النبيل الشيخ محمد مهدي التاجر.
كان تأسيس جامعة أهلية من أحلام الشيعة، وقد سعوا إلى تأسيسها منذ أيام الاستعمار البريطاني في الهند، كتعبير عن الذات، وتعبير عن الخصوصية، وفشلت بطبيعة الحال.(40/66)
المحاولة فشلت، وأعيد أحياؤها مرات عدة كان أبرزها أيام المرحوم السيد محسن الحكيم، المرجع الديني الشهير، حيث تأسست لها هيئات، وجمعت لها أموال، واشتريت أرض كبيرة بين الكوفة والنجف، ووضعت نظمها وأنشئت بعنوان "جامعة الكوفة"، وذلك لتكون رافعة للحضور الشيعي الإسلامي العربي في العراق، ولتكون نافذة على تحديث وتطوير وضع الشيعة العراقيين وغيرهم.
ولكن، وبكل أسف، الأحداث التي عصفت بالعراق، والروح الطائفية التي غلبت على النظام العراقي، أفشلت هذا المشروع في أيام الرئيس عبد السلام عارف، حيث سحبت الإجازة، وصودرت الأموال، وصودرت الأراضي، وماتت الفكرة.
وحينما أسس "المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان"، كان من مقاصده إنشاء هذه الجامعة. ولكن الظروف السياسية الأمنية التي مرت بلبنان، والتي أشرنا إلى بعضها فيما مضى، وأدت إلى تهميش "المجلس"، أدت في الوقت نفسه بصورة أكبر إلى تهميش مشروع الجامعة.
وفي حينه، أعتقد أن الإمام السيد موسى الصدر قد صرف النظر عن السعي لهذا المشروع، لأنه في نظرة لا يتمتع بالأولوية التي يتمتع بها العمل السياسي والشأن السياسي العام.
وماتت الفكرة، ولكنها بقيت حية في ضميري وفي قلبي، وقد أخذت منى أوقاتاً كثيرة في التفكير، وفي وضع الأطر، أو تصور الأطر، إلى أن حقق الله عز وجل العزيمة واتخذت قراراً بإنشائها. وبدأنا بالمعاملات اللازمة لذلك مع النظام، مع السلطات اللبنانية.(40/67)
ومما فاجأني وآلمني أني خُذلت في هذا المشروع خذلاناً كبيراً من القوى الفاعلة في الطائفة الشيعية بالدرجة الأولى، ووجهت بلا مبالاة أليمة من جهات أخرى. ولكني صممت على المشروع، واستمررت فيه، وعملت له، إلى أن قيض الله سبحانه وتعالى إنجازه، بعد أن وضعت فيه كل ثقلي السياسي والمعنوي وكل علاقاتي. ولا أنسى هنا أن أشكر الدور الرائد الذي قام به في إنجاز هذا المشروع فخامة الرئيس إلياس الهراوي ودولة الرئيس رفيق الحريري، وأشخاص آخرون آمل أن استحضر أسماءهم... جزاهم الله خير الجزاء.
وقد كانت فكرة "الجامعة" حينما أنشئت ترتكز على أنها إحدى مكونات الطائفة الشيعية في لبنان على الصعيد المذهبي. ولكني كنت أفهم من هذا المشروع أكثر بكثير، فيمكن لشخص أو جهة شيعية أن تنشئ جامعة، ولكن لا يجوز أن تكون جامعة مذهبية أو طائفية أو دينية خاصة، بل يجب أن تكون جامعة لتندمج في تكوين الاجتماع اللبناني العام، وتقوم بدورها في البناء الإسلامي العام، ودورها الوطني اللبناني العام.
وهكذا صممت على أن تكون الجامعة قوة تغيير في المجتمع، وليست مجرد معهد لتخريج حملة الشهادات الذين تُقيض لهم شهاداتهم فرصة العمل والكسب. ويجب أن تكون جامعة لبنانية وطنية إسلامية عامة، في مستوى قياداتها الإدارية والعلمية والتنظيمية، وفي مستوى جسمها الطالبي، ووضعنا هذا منهاجها.
من جهة ثانية صممت، ولا أزال، على ألا تكون مجرد جامعة عادية تعطي شهادات تمثل الحد الأدنى من الخبرة العلمية والاختصاصية، بل أن تبني شيئاً فشيئا سمعتها العلمية الراسخة وجديتها ورصانتها، على مستوى أرقى جامعات العالم. ولذلك كنت أقول للهيئات الاستشارية التي أتعاون معها: "التمسوا وابحثوا عن أعلى المقاييس، وأصعب المقاييس الأكاديمية، وطبقوها في هذه الجامعة"، وهكذا كان.(40/68)
كما أننا في هذا السبيل لم نحاول أن نكتفي أو أن نقتصر على الحقول العلمية المألوفة في الجامعات اللبنانية، في الهندسة، وفي الطب، وفي غيرها، بل التمسنا الحقول العلمية والخبروية التي ليس لها مثيل في لبنان، فأنشأنا كليات وأقساماً في هذه الكليات تعنى بجوانب من الخبرة والمعرفة التي يفتقر إليها لبنان والعالم العربي وسوق العمل فيهما، لكي ترتقي هذه الكليات إلى مدارج القرن القادم في الأقل، وأن تكون هذه الكليات وهذه الأقسام ـ كما قلت ـ قوة تغيير وتحديث وتكوين للمجتمع في مجال التنمية وفي مجال الأبحاث العلمية، هذا فيما يتعلق بالجوانب العلمية. أما فيما يتعلق بالجانب الديني، وبالجانب الديني العام، وبالجانب الإنساني، فقد كانت لنا نظرة نحاول أن نطبقها، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لها.
في الجانب الديني، أنشأنا "كلية الاجتهاد والعلوم الإسلامية" لتكون معنية بالفقه المقارن وقضايا الوحدة الإسلامية، حيث أننا لاحظنا أن العالم المسلم الديني، وخاصة الشيعي، هو جاهل جهلاً تاماً بمذاهب الإسلام غير مذهبه الخاص، وهو لا يعقل شيئاً يذكر فيما يتعلق بالأصول العامة والخاصة للفقه المقارن.
فقررنا أن يكون مجال الدراسة هو مجال الفقه المقارن بين المذاهب، لتخريج علماء ـ إلى جانب تخصصهم العالي في مذاهبهم الخاصة ـ يكون لهم تخصص عالٍ أيضاً في مجال الفقه المقارن، تمهيداً لنشوء جيل من المجتهدين العاملين في الحق الإسلامي العام، لا على الصعيد المذهبي وإنما على صعيد الشريعة الإسلامية العامة، مقارنة بالقوانين الوضعية، ولجعل الشريعة جزءاً من الهيكلية القانونية الحقوقية في الفكر القانوني العالمي.(40/69)
إلى جانب ذلك، تهتم الكلية بقضايا الوحدة الإسلامية على قاعدة المشروع الذي ذكرناه في عدة من أبحاثنا، وهو إعادة توحيد "السنة النبوية" ما ورد من طريق أئمة أهل البيت (ع) أو ما ورد منها من طريق الصحابة. وهذه "السنة" التي تنقسم الآن إلى قسمين، يأخذ الشيعة بجانب منها هو سُنة أهل البيت، ويأخذ السنة بجانب منها وهو سنة الصحابة ( أهل السنة يأخذون بما صح عن آل البيت، الراصد)، وقلما يلتقيان. وقد وضعنا الأساس النظري الصحيح إن شاء الله لتوفير هذه السنة. هذا فيما يتعلق بالجانب الإسلامي.
أما فيما يتعلق بالجانب الديني العام، فتعنى هذه الجامعة بعلم الأديان المقارن وبالحوار الإسلامي ـ المسيحي: الحوار الإسلامي المسيحي على مستوى لبنان والعالم العربي في الأقل. وهناك طموح لأن تكون هناك مشاركة لهذه الجامعة في الحوار الإسلامي ـ المسيحي على مستوى العالم لأننا نعتبر أن هذا الحوار الجاد والبناء ضرورة من ضرورات المرحلة الحضارية العالمية.
بالنسبة إلى لبنان، هو ضرورة حيوية يومية، والعالم الديني المسلم يجب أن يكون ملماً بأصول هذا الحوار وبقواعده، هذا إلى جانب علم الأديان المقارن الذي لا بد أن يلم به العالم المسلم.
ومن مقاصد هذه الكلية في "الجامعة الإسلامية" تحديث علم الكلام الإسلامي الذي مضى عليه قرابة أو أكثر من ألف عام وهو لا يزال يدور حول قضايا ومواضيع لم يعد لها أية علاقة بالحياة اليومية والعامة للإنسان في عصرنا، ولم يعد لها أي علاقة بالمشكلات الحضارية والحياتية التي تواجه هذا الإنسان، ولم يعد لها أية علاقة بالشبهات والأفكار التي أثارها تقدم العلم وتطور فلسفة العلم في عصرنا.(40/70)
هذه الأهداف، باختصار، تقتضي أن تكون الجامعة محصنة من تأثير وأهواء وهيمنة السلطة السياسية، وألا تكون مجالاً للتعيينات النفعية، وألا يؤدي بها ذلك إلى انحطاط مستواها العلمي إلى مستوى هزيل. وصيتي المؤكدة لمن يوفقه الله ليتولى زمام هذه المؤسسة أن يكون حريصاً على هذه الأهداف، وعلى تحصينها من هذا الخطر... والحمد الله رب العالمين.
الشيعة ومقولة الأقليات في الشرق:
نسجل هذه الوصية في منتصف ليل الاثنين ـ الثلاثاء، السابع من شهر شوال من سنة 1421 للهجرة النبوية الشريفة، الثاني من الشهر الأول من سنة 2001م، في منزلنا في "شاتيلا".
وهذه الوصية تتعلق بمقولة الأقليات التي لها تاريخ قديم، منذ بدأ الغرب يتعامل مع الشرق على قاعدة الاستيلاء والاستحواذ والتفتيت الداخلي للجماعات، على أسس عرقية ودينية ومذهبية. وقد تفاقم هذا التوجه في السنوات الأخيرة نتيجة لجملة من العوامل أبطأت من عملية التطور أو التغير الطبيعي.
ولكن في الحقيقة، العوامل الأساسية هي عوامل سياسية مصطنعة، تحركها القوى الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، تحت ستار العولمة وما أشبه ذلك.
وهذه الدعوة تهدف إلى إثارة الفوارق الثانوية أو الأساسية داخل كل جماعة سياسية في دولة أو في مجتمع، وتدفع بها نحو المطالبة بتمايزات خاصة بها، تجعلها ثغرة هشة أو نقطة هشة في البناء الوطني العام لتلك الدولة وذلك المجتمع.(40/71)
إن القوى العظمى، سواء في العالم الغربي أو في أماكن أخرى من آسيا، تركز على التنوعات الموجودة داخل المجموعات الوطنية والقومية الأخرى، وتركز على حقوق هذه الأقليات. وهذه القوى حينما تنشئ الهيئات وتعقد المؤتمرات والندوات، فإن حافزها الحقيقي ليس إطلاقاً تحري العدالة في إنصاف هذه الأقليات مما يصيبها من الأكثرية التي تعيش بينها، وإنما هدفها هو إعادة تقسيم المجتمعات الوطنية في العالم الثالث تمهيداً لبث الفتن بينها، والسيطرة عليها، واقتطاع أجزاء منها تتعامل معها ضد أوطانها وضد مصالحها العامة.
من الأخطار التي تحيق بوجود المسلمين الشيعة على مستوى الأمة الإسلامية أو على مستوى كل دائرة إقليمية ـ ونتحدث خاصة على مستوى العالم العربي ـ هو إيقاع الشيعة في هذا الفخ، هو إشعارهم بأنهم يمثلون أقلية في المسلمين، وأنهم مضطهدون هنا وهناك، لأنهم أقلية، وأن عليهم أن يجتمعوا وينظموا صفوفهم ويبلوروا مصالحهم على أساس أنهم أقلية، وأن يستعينوا بالأجانب في الدول الأجنبية، أو بالمؤسسات التي أنشأتها القوى العظمى في نطاق الأمم المتحدة أو غيرها لأجل رعاية ما يسمى حقوق الأقليات. ونعلم أنه منذ سنتين أو ثلاث سنوات، بدأت الولايات المتحدة تسن قوانين خاصة بها، تعطيها السلطة والصلاحية للتدخل بصورة منفردة في هذه الحالات، ومنها "قانون حرية الأديان" وما إلى ذلك.
ومن هنا، نحن وضعنا قاعدة نتمسك بها، وهي أن الشيعة ليسوا أقلية في العالم الإسلامي، وليسوا أقلية في الوطن العربي، وكذلك هو شأن المسيحيين أيضاً في العالم العربي. لذلك فإن أية دعوة لحماية الأقليات، وإنصاف الأقليات، هي مخاطرة كبرى لا يجوز السير فيها، وينبغي التوقف عندها.(40/72)
وهناك قد تثار قضايا الاضطهاد والحرمان التي يتعرض لها الشيعة في كثير من أوطانهم في العالم العربي وغيره. ونقول: نعم، إن هذه المظالم موجودة، وإن هذا الحرمان موجود، ولكن التغلب عليه لا يكون بالاستجابة لدعوات حقوق الأقليات، وإنما يكون بالعمل السياسي الإنساني الدائم لتوثيق عرى الاندماج، بجميع سبل الاندماج، في الحياة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية في أوطانهم، وفي توثيق نظام المصالح العام، وفي زيجات مختلطة، وفي كل شئ يمكن أن ينشئ شبكة مصالح عامة للمجتمع، يكون الشيعة جزءاً من نسيجها لا ينفصم. وها نحن أمام تجربة شيطانية نحاربها وتحاربنا، فنرى كيف تعمل إسرائيل لتندمج مع محيطها ولتكون جزءاً منه، ولئلا تكون شاذة عنه. فهي بعد جميع حروبها لجأت أخيراً إلى الطريق الذي لا طريق غيره، وهو الاندماج في نظام المصالح العام لكل وطن عربي، ولمجموع الأوطان العربية، لتكون جزءاً لا يستغنى عنه في عملية سيرورة الحياة والتنمية.
وصيتي إلى أبنائي الشيعة في لبنان وفي سائر العالم العربي، وصيتي لهم ألا يقعوا في هذا الفخ أبداً، وأن يرفضوا أية دعوة لاعتبار أنفسهم أقلية، تحت أي إغراء من الإغراءات أو سمة من السمات، لأنهم لن ينتفعوا إطلاقاً بهذه الدعوة، بل سيكونون سبباً لإضعاف البنية الوطنية لكل مجتمع يجتمعون إليه، وفي إضعاف وحدة الأمة الإسلامية على المستوى العربي العام، وعلى المستوى الإسلامي العام. وبدل أن يحصلوا على اعتراف منصف لوضعهم المذهبي، أو على إنصاف سياسي في وضعهم السياسي، فإنهم في الأقل لن يربحوا شيئاً، وربما سيزداد وضعهم تأزماً لأنهم بعملهم هذا سيخلقون مخاوف وهواجس عند المسلمين الآخرين وسينظر إليهم وكأنهم فئة موالية للأجنبي.(40/73)
هذه النقطة أرجو أن تكون موضع عناية واعتبار من كل ذوي الرأي الشيعة في العالم العربي والإسلامي. وأنا أعلم وأعرف أن هناك شخصيات ـ قسم منها نحسن الظن به ونحترمه ـ قد اندفعت في هذا التيار إما بداعي الغيرة على مصلحة الشيعة، أو بدواع أخرى لا يخلو منها الدافع الشخصي، دافع إيجاد منصة ووسيلة للدخول في العمل العام عن طريق هذا المشروع. هذا الأمر آمل أن يعاد النظر به بصورة جذرية، ولو بالدعوة إلى مؤتمر مصغر لأجل أن تبحث فيه طريقة الخروج من هذا الفخ الذي بدأ البعض يقع فيه.
ومن هنا فأنا لا أميل إطلاقاً، بل أرفض إنشاء جمعيات تحت شعار حقوق الإنسان الشيعي، أو حقوق الشيعة، أو ما شابه ذلك، وتسجيلها في مؤسسات منتمية ومتفرعة من الأمم المتحدة، وإعطائها دوراً في ما يسمى الهيئات غير الحكومية، وجعلها أداةً في إثارة المطالب هنا أو هناك عند كل حادث من الحوادث. هذه وصية أساسية أرجو أن تؤخذ بنظر الاعتبار.
وأما المظالم التي يتعرض لها الشيعة بين حين وآخر، سواء كانت على المستوى المذهبي أو على المستوى السياسي، مستوى الحرمان السياسي، فقد بينت في بعض الوصايا السابقة، وأكرر البيان الآن، أن العمل لها يكون بالمزيد من كسب ثقة الآخرين، ومن تأكيد إسلامية الانتماء، ومن تأكيد عدم وجود أي مشروع منفصل عن المشروع الوطني العام لكل مجتمع، وعدم وجود نظام مصالح منفصل عن نظام المصالح العام لكل مجتمع.
هناك مشكلة لا تزال حية في بعض الأوساط المتعصبة في التيارات الوهابية، وهي تعمق الموقف السلبي المذهبي. هذا الأمر يجب أن يواجه من جهة بالصبر، ومن جهة بالاستعانة بالتيارات الإسلامية السنية المستنيرة، والتي قطعت شوطاً كبيراً في رؤيتها الإسلامية الصافية. وأعتقد أن هذا الأمر ـ بعد زمان قد يطول، ولا أقول قصير، ولكني لا أراه طويلاً جداً ـ هذا إلى زوال .(40/74)
وحينما نلاحظ ونقارن بين ما كانت عليه الحال قبل عقدين من السنين مثلاً وما عليه الحال الآن في جميع أنحاء العالم الإسلامي بالنسبة إلى نظرتهم إلى الشيعة وإلى وضعهم المذهبي، فسنجد فرقاً واضحاً بين الحالين، وهو يشكل دليلاً واضحاً على أن الأمور تسير باتجاه سليم وباتجاه الاعتراف بالوضع المذهبي للمسلمين الشيعة من جهة، وبحقهم في الإنصاف والعدالة في المجال السياسي وفي المجال التنموي من جهة أخرى. ومن هنا فإننا نشجع بقوة على دعم أي بادرة يقوم بها أي نظام حكم في العالم العربي نحو الديمقراطية، ونحو إقامة أي شكل من أشكال الشورى، وألا يطالب بالديموقراطية في صيغها العليا بل أن يسير الأمر رويداً رويداً، وأن يحقق هذا النمو السياسي وهذا التكامل السياسي رويداً رويداً.
ومن هنا اتخذنا قرارنا بدعم التوجه الذي أقدم عليه سمو أمير البحرين بتحديث النظام السياسي، وتحويله إلى ملكية دستورية تقوم على أساس مجلس منتخب، ومجلس أعيان معين، وقوانين تحدد الصلاحيات وتحدد الحدود. وهذا الأمر نأمل أن ينال عناية الجميع، في مقابل بعض الاعتراضات، إما سيئة النية أو قصيرة النظر، التي لا تقبل بهذا المقدار من التطور، وتريد وضعاً انقلابياً كاملاً. وهذه التيارات الحزبية خبرناها على مدى العشرين سنة الماضية، فلم نجد منها تأثيراً يذكر في تحسين أوضاع الشيعة، بل زادت الأمر سوءاً في كثير من الحالات... والحمد لله رب العالمين.(40/75)
وتتمة لما قلنا، نكرر مقولتنا الشهيرة على المستوى العربي وعلى المستوى الإسلامي، وهي أنه ـ في منطقتنا العربية الإسلامية ـ لا توجد أقليات مسلمة ولا توجد مسيحية. توجد أكثريتان كبيرتان: إحداهما أكثرية كبيرة هي الأكثرية العربية التي تضم مسلمين وغير مسلمين، والأخرى هي الأكثرية الأكبر، وهي الأكثرية المسلمة التي تضم عرباً وغير عرب. والشيعة مندمجون في هاتين الأكثريتين، وهم تارة من الأكثرية العربية، وهم تارة جزء من الأكثرية الإسلامية، وكل شيء دون هذا فهو مشروع فتنة، وفخ لاستخدام الشيعة في مصالح غربية أجنبية مخالفة لمصالحهم هم كشيعة، ومخالفة لمصالحهم عرباً ومسلمين... والحمد لله رب العالمين.
نختم هذا الوجه الأول من الشريط الثاني (من الأشرطة) التي نسجل عليها هذه الوصايا.
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا هو الوجه الثاني من الشريط الثاني من الأشرطة التي بدأنا نسجل عليها هذه الوصايا، وسنتحدث أولاً عن "الحزبية في العمل الديني" وعن الضرورة الأساسية التي دعتنا إلى تأسيس وتشكيل "مؤسسة التبليغ الديني" في نطاق المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى....( ).
السلاح الثاني!
…قالوا: فرقة "الولاية" للأناشيد التابعة لحزب الله تعد سلاحه الثاني!! وكانت قد قامت بجولتين في الكويت والبحرين بعد الحرب الأخيرة .
الغد 19/10/2006
…قلنا: هل سيدخل "سلاح" النشيد أيضاً في خدمة نشر التشيع بعد نجاحه مع الصوفية كسامي يوسف!!
سقط سهواً
…قالوا: إن المقاومة اللبنانية أعطت درساً للجيوش العربية بإثبات أن الحل العسكري ما زال ممكناً لتحرير الضفة الغربية والقدس.
حسن نصر الله في خطاب النصر الإلهي
…قلنا: لماذا نسي الجيش السورى وتحرير الجولان!!
مؤتمر
…قالوا: أعلنت الحملة العالمية لمقاومة العدوان عن عقد مؤتمر لنصرة أهل السنة في العراق في مدينة استنبول التركية في منتصف تشرين المقبل.
الرأي 14/9/2006
…قلنا: خطوة في الاتجاه الصحيح رغم تأخرها.(40/76)
لا توصي حريص!
…قالوا: التقى مستشار الأمن القومي العراقي موفق الربيعي وزير الاستخبارات الإيراني وبحث معه تبادل المعلومات الاستخباراتية .
الرأي 14/9/2006
…قلنا: وهل لهم عمل سوى هذا أصلاً.
لا نزال نلدغ من نفس الجحر
…قالوا: لدى الشيعة السياسية قيادة ذكية تخطط لما يحقق مصلحتها ويؤمن سيطرتها على عراق ما بعد أمريكا ولدى السنة السياسية قيادة قصيرة النظر تعتقد أن المسألة مسألة مبدأ وتركز اهتمامها على مقاومة الاحتلال الأمريكي دون أن تدرك تداعيات ما بعده مما قد يكون أسوأ .
فهد الفانك - الرأي 8/9/2006
…قلنا: للأسف لم يتعلم المسلمون من تجاربهم في التحرير من الجزائر ومصر والعراق قديماً وغيرها، فعلى أكتاف المجاهدين رحل الغزاة وبعدها أصبحوا ضيوف السجون والمقابر!!
حين نصبح غثاء
…قالوا: أول قرار أصدره مدير شرطة النجدة بالعراق وهو من قادة فيلق بدر، تغيير رقم هاتف النجدة من ( 111) إلى (940984356743653429860)!!
الاتحاد 28/9/2006
…قلنا: هكذا تكون المسؤولية الوطنية.
دعم الشيعة لفلسطين
…قالوا: أكدت المنظمة الدولية لحقوق الإنسان أن جماعات شيعية مسلحة هددت بقتل لاجئين فلسطينيين في بغداد إذا لم يغادروا العراق خلال 72 ساعة . وجاء في المنشور "لا مكان للفلسطينيين في عراق علي والحسن والحسين".
الغد 12/10/2006
…قلنا: هكذا يكون الدعم على طريقة القذافي برمي الفلسطينيين على الحدود!! وعاش حسن نصر الله نصير الفلسطينيين!!!!
الزعيم الخبيث أم الغبي!!
…قالوا: هدد الصدر أنصاره بأنه سيتبرأ منهم إذا كانوا من المعتدين على الشعب العراقي بغير حق.
الغد 14/10/2006
…قلنا: على من يضحك الصدر؟ جرائمك لم يعد يتحملها حتى شركاؤك الشيعة، والمصيبة في أغبياء السنة الذين يصدقون هذه التصريحات.
هل بدأت سرقة الجهاد؟
…قالوا: طالب قيادي بارز في الجيش الإسلامي يدعى عبد الرحمن أبو خولة يبايع نائب صدام الرفيق المناضل عزة الدوري.(40/77)
الغد 17/10/2006
…قلنا: ألم نتعلم من دروس التاريخ!! إلى متى سيسرق جهاد المسلمين، من الدورى وصدام؟؟ أم صدق المغفلون حمل صدام للمصحف في زنزانة المحكمة، لا يزال موقع البعث العراقي على الانترنت يدعو للإلحاد والعلمانية ويحارب الدين.
?
لبنان
أمة .. لا طائفة
الوطن العربي ـ 11/10/2006
قبل أسبوعين، ظهر رئيس الوزراء اللبناني السابق نجيب ميقاتي في مقابلة تلفزيونية على محطة "الجزيرة" الفضائية، وميقاتي، الذي عرف خلال توليه المنصب كيف يحقق توازنا لإجراء انتخابات عادلة كانت تلك المرحلة بأمس الحاجة إليها، تحدث خلال المقابلة عن سنة لبنان بينما المخاوف من حرب أهلية مازالت موضوع الساعة بين اللبنانيين، مستخدماً كلمة طائفة عدة مرات في حديثه عن السنة.
وهنا أريد أن أوضح لدولة الرئيس أن السنة ليسوا طائفة، فنحن أمة ... نحن الأمة الإسلامية، ولسنا طائفة. فهذا خطأ كبير بحق سُنّة لبنان أن يأتي رئيس وزراء، وهو منصب للسنة، ليصف السنّة بأنهم طائفة ولكن هذا يدل على عدم قدرة زعماء السنة اللبنانيين على مواجهة التحديات الحالية.
إن التحدي الكبير هو منع قلة من المتطرفين من أن يستولوا على الصوت الإسلامي، بالإدعاء أنهم يمثلونه، بينما الزعامات السنية في لبنان، أو من تدعي أنها زعامات، لا تدري أن صفوفها مخترقة من أعداء الإسلام ومن يقف وراءهم، ولا تسيطر حقيقة على قواعدها، بينما الأصوات المتطرفة تستغليها لتحقيق غاياتها.
وهذا الوضع نجم عن عدم معرفة الزعامات ماذا تريده قواعدها، خاصة الشباب، ولا تعرف ماذا يجب أن تفعل لتثبّت مواقعها وتقويها، وأتحدى أن يستطيع أي زعيم سني في لبنان أن ينظم أي تجمع سلمي، وأن تحترم الجموع كلمته. بينما لو نظمت أي جهة أخرى سواء كانت شيعية أو مسيحية تجمعاً مشابها فسيكون هناك التزام تام بأوامر القيادة التي لو طلبت من المتظاهرين ضبط النفس أو استخدام العنف فسيلبي طلبها فوراً.(40/78)
وبدلاً من الجلوس مع المسؤولين الأجانب والتحدث إليهم، لينزل زعماء السنة إلى الشارع ويتحدثوا إلى الشباب، و "ليسافروا" إلى طرابلس والضنية وعكار، ليعرفوا إلى أين تتجه القواعد السنية، وأي مسار تتخذ بسبب ضعف هذه الزعامات.
العلامة علي الأمين:
الواجهة الشيعية لا تعبر عن الطائفة
الوطن العربي ـ 27/9/2006 (باختصار)
خيار الدولة الواحدة:
……* مواقفكم من العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان باتت معروفة، ولكن كيف تفسرون الالتفاف الشعبي الكبير حول "حزب الله"، وبرأيكم ما هي خيارات الحزب في المستقبل؟
- لا شك أن "حزب الله"، حركة موجودة في لبنان وفي الطائفة الشيعية ولها أنصارها الكثيرون، ولكن هذا الالتفاف أو التأييد من الناس في كثير من الأحيان، إنما هو تأييد في مقابل أنه حركة جهادية تستهدف مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية، وليس تأييداً له في أي مشروع سياسي أو عسكري يعوق مشروع الدولة اللبنانية، ولذلك نحن نرى أن الخيار الذي يجب أن يعتمد من قبل "حزب الله" وسائر الأطراف هو خيار الدولة اللبنانية الواحدة التي تكون هي المسؤولة في كل المجالات عن الشعب اللبناني: العسكرية والسياسية والاقتصادية والثقافية.
……* برأيكم هل الشيعة خسروا في لبنان بعد الحرب؟
- الذي خسر هو اللبنانيون عموماً وليس الشيعة، فالشيعة ليسوا أناسا يعيشون في جزيرة وليسوا جزءاً وحدهم، وإنما هم جزء من الشعب، والخسارة التي وقعت على لبنان كله وليس على طائفة أو جماعة وحدها.
……* كيف تفسرون زيارة ممثل عن غبطة البطريرك نصر الله بطرس صفير وإشادة الوزير وليد جنبلاط بسماحتكم، وانتقاداتكم لبعض القوى داخل الطائفة الشيعية، فهل هناك مشروع لتشكيل قوة ما داخل الطائفة الشيعية غير "حزب الله" وحركة "أمل"؟(40/79)
- هذه العلاقة مع سيادة البطريرك ومع بكركي ليست علاقة جديدة، لأن هذا الموقع الذي يمثله سيادة البطريرك هو موقع وطني كبير يتجاوز حدود الطوائف والمذاهب، ولهذا كانت هناك وجهتا نظر متطابقة في لبنان عموماً، وكان أيضاً هناك تواصل في الماضي فشاء غبطته أن يرسل مشكوراً وفداً من أجل تعميق هذا التواصل، وليس هناك من شيء آخر.
وفيما يعود إلى الزعيم الوطني وليد جنبلاط، كان هناك لقاء أثناء الحرب بشأن المهجرين آنذاك والنازحين في الجبل، وقد ذهبت من أجل شكره على احتضانه للنازحين وما قام به من عمل يكشف عن أصالة عربية وقيم، رغم أن هناك اختلافات سياسية بينه وبين الواجهة السياسية في الطائفة الشيعية مع ذلك تجاوز مع قواعده الحزبية أيضاً هذه الاختلافات السياسية، وأثبتوا أن العيش المشترك بين الطوائف هو من الثوابت في هذا الوطن لا تتأثر باختلافات الآراء السياسية وأفكارها.
وأنا لست بصدد إيجاد حالة ثانية أو ثالثة في الطائفة الشيعية، وإنما أردت من خلال حركة النقد التي قمت بها، أن أنبه على وجود أخطاء وقعت منعاً لتكرارها، وأن هناك مسارات تغيبت أو أخفيت عن هذه الطائفة الشيعية التي دائماً كان خيارها، وقناعتها قبل أن يكون خيارها أنها جزء لا يتجزأ من هذا الشعب اللبناني الذي تمثله دولة واحدة، وكان يقال إن الطائفة الشيعية ليست مع مشروع دولة أو التشكيك في انتمائها، لكنه يبين أن ما تُعبر عنه الواجهة السياسية من رؤى سياسية لا تمثل رؤية الطائفة الشيعية في لبنان في عالم انتمائها الوطني الذي لا شبهة فيه، وفي عالم إيمانها واختيارها لمشروع الدولة منذ قيام لبنان... ويبقى التغيير داخل الطائفة الشيعية منوطاً بإرادة الناس وباختيارها وهي التي تختار من يعبر عن آرائها وهي التي يُترك إليها الأمر في هذا الشأن.
……* كيف تنظرون إلى انتشار الجيش اللبناني في الجنوب؟ وهل سيكون قوة لنزع سلاح "حزب الله"، أم أن انتشاره هو لتعزيز الأمن؟.(40/80)
- لا شك أن هذه الخطوة التي قام بها الجيش اللبناني من خلال قيادته السياسية المتمثلة بالحكومة، هي خطوة طال انتظارها، وأهلنا في الجنوب انتظروها طويلاً ومنذ عقود من الزمن، وهي خطوة انتظرها الإمام الصدر والناس جميعاً كانوا يريدون الجيش اللبناني باعتبار أنه يشكل أساساً في المحافظة على الانتماء، وهو السياج الذي يحمي الناس جميعاً ويحمي الوطن، لذلك نرى أن هذا الانتشار سيؤدي إلى أن تبسط الدولة اللبنانية سلطتها الكاملة، بحيث تصبح هي المسؤولة وحدها عن الأمن والدفاع وسائر الأمور التي تتولاها الدول عادة في شعوبها وأوطانها.
أما عملية النزع فلا يمكن أن يوجد في أي مكان سلطتان، فالسلطة الوحيدة هي الدولة اللبنانية، نحن مع نظرية اندماج سلاح "حزب الله" في الجيش اللبناني ومختلف العناصر في مؤسسات الدولة اللبنانية، وهذا في اعتقادي يعزز قوة الدولة اللبنانية ويحفظ الجميع أيضاً، ويحقق الأهداف المعلنة لـ "حزب الله" الذي يقول أن من أهدافه حماية الجنوب ولبنان من الاعتداءات، فهو عندما ينضم إلى الجيش اللبناني الذي جاء لحماية الجنوب والمواطنين من الاعتداءات تتحقق أهدافه التي يُعلن عنها.
السجالات الداخلية:
……* كيف ترون حدة السجالات الداخلية، وما رأيكم بمستوى الخطاب السياسي حالياً في لبنان؟
- أنا لست مع الحدة في هذه السجالات، وقد قلنا إنه يجب أن تنخفض حدة هذه السجالات لنوجد حالة من الحوار الداخلي من خلال مؤسسات الدولة اللبنانية، لأنه أي رفع لحدة السجالات ثم نطالب بالإعمار، وإزالة آثار الحرب والدمار.
فعندما ترتفع حدة السجالات سوف يؤثر ذلك على مسيرة الإعمار. لذلك نحن مع العودة إلى الحوار الداخلي وإلى الخطاب الهادئ وتثبيت مؤسسات الدولة من أجل أن تكون هذه انطلاقة حقيقية في مشروع إعادة الإعمار وإزالة آثار الحرب.
……* هل تعتقدون أن المطالبة بتغيير الحكومة وتأليف حكومة وحدة وطنية هي مطالبة محقة؟(40/81)
- أعتقد أنها ليست مطلباً حقيقياً عند من يُطالب بها، وإنما هي عملية لفت أنظار المواطنين إلى مشاكل أخرى، ولا أعتقد أنه مطلب... "طبعاً" في الإطار السياسي والنظام الديمقراطي من حق أي فريق أن يُطالب بالتغيير والتمديد، ولكن سؤالنا هل هذا ينفع ويفيد في هذه المرحلة التي تتطلب حالة من التضامن الوطني من أجل النهوض بالأعباء المطلوبة منها، "ما الذي عدا مما بدا"؟ بالأمس كانت هذه الحكومة، حكومة وطنية مقاومة أيضاً والكل أشاد بأدائها لأزمة من أصعب الأزمات مرت على الوطن، أشاد بأدائها الداخلي والخارجي، فما الذي "عدا مما بدا" ثم إن كانت هي عندما شكلت هذه الحكومة في الماضي ليست حكومة اتحاد وطني، فلماذا دخل المطالبون اليوم بالتغيير بها، ,إذا كانت هي حكومة اتحاد وطني فهي لا تزال على ما كانت عليه.
إبراهيم شمس الدين:
حزب الله لا يمثل الشيعة وإيران ليست المرجعية
"المجلة" 1/10/ 2006
شمس الدين الذي يأبى الدخول في تفاصيل الحرب الأخيرة في المرحلة الراهنة، يشدد على حقيقة عدم اختصار حزب الله للطائفة الشيعية في لبنان وعلى استحالة الانقلاب على اتفاق الطائف "فذلك حدوده حرب أهلية". وإذ يعبر عن قناعته بأن المشكلة ليست في سلاح الحزب بذاته بل في دوره وتوظيفه، يرفض منطق الاستئثار بالتمثيل داخل الطائفة والانفراد بالقرار المنطلق من الاستقواء بالقوة والمال داعيا إلى الانخراط التام لكل الجماعات في مشروع الدولة العادلة الحرة، "فالذي لا يقبل بصيغة الدولة فليبق خارجها والذي لا يقبل بصيغة الطائف فليبق خارجه. وألا يصبح الأمر سرقة ونفاقا".
إلى الحوار..
•… هل استند بعض اللبنانيين الشيعة إلى واقع الحرمان لخلق واقع متمايز ضمن المجتمع السياسي اللبناني؟
- لم يكن للبنانيين الشيعة في النظام السياسي الحديث دور بالأهمية التي ينبغي عليه أن يكون وفقا لانتشارهم في لبنان ولكونهم طائفة كبرى.(40/82)
كذلك، لم يكونوا شركاء في القرار السياسي وفي القرارات المصيرية الوطنية. بداية التطلع الشيعي المنطلق من واقع الحرمان أخذ حيزه في العملية السياسية من خلال الأحزاب ذات الطابع العلماني ولم يأخذ مدخلا طائفيا شيعيا خاصا. إلا أن عمل هذه الأحزاب لم يكن دائماً مستقيماً. ولم يمكن الشيعة من المشاركة الحقيقية. وهذا ما شكل نوعا من الخيبة والفشل.
في الستينيات من القرن المنصرم، أعطت حركة السيد موسى الصدر دفعاً للهوية الشيعية في لبنان أكثر من السابق، وأهداف حركة المحرومين التي أطلقها السيد الصدر لم تكن عملاً طائفياً بل هي سعي لتحسين الأوضاع الاجتماعية للبنانيين عامة. ومن الطبيعي أن تنشط هذه الحركة في المناطق الأكثر حرماناً. …المحطة التالية تجسدت في تأسيس مجلس ملّي على غرار البطريركية المارونية ودار الفتوى. وقد أنشئ المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى بموافقة مجلس النواب اللبناني، وتركزت أهدافه في تطوير النظام السياسي ليصبح أكثر عدالة. ولم يكن هذا النشاط في أي وقت يسعى للخروج على مفهوم الدولة والوطنية اللبنانية. وأثناء الحرب الأهلية، جهد المجلس لإنهاء الصراعات الداخلية وإيجاد صيغة تنهي النزاع يتفق عليها الجميع. فكان الشعار الذي أقره الوالد والسيد موسى في أواخر السبعينيات والذي أقرته وثيقة الوفاق الوطني فيما بعد وأصبح جزءا منها، وهو أن لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه.
•… هل أطرت نشأة المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى علاقة الشيعة بالدولة؟(40/83)
- كان مشروع المواطن اللبناني المسلم الشيعي مرتبطاً دوماً بمشروع الدولة. وبقي الحضور السياسي الشيعي متمثلا في السياق العام مع المجلس بالرغم من وجود سياسيين ناوئوا هذا المجلس على مدار السنوات الماضية. لطالما كرست فكرة الوصايات الغربية، حيث كانت كل طائفة تجد لها حاضناً خارجياً. وأجد أن هذا الارتباط كان سياسيا أكثر منه طائفيا، حيث لا توجد دول ذات هوية دينية مجردة في المنطقة.
كانت دائما هناك حاجة لمرجعية داخلية وخارجية. فيما كان يشهد مفهوم المواطنة وهنا مستمراً. حين طرح الشيخ، في أواسط الثمانينيات، مبدأ الديمقراطية العددية انطلق من اعتبار أن لبنان مكون الآن من 17 طائفة بينما المطلوب أن يكون مكونا من أربعة ملايين مواطن، بمعنى أن وحدة التكوين في الوطن يجب أن تكون المواطن وليس الطائفة. وفيما بعد، وفي وصاياه، تراجع عن مبدأ الديمقراطية العددية كونه غير مناسب مع التكوين اللبناني.
لا أعتقد أن الشيخ أخطأ حين طرح مشروع الديمقراطية العددية القائمة على مبدأ الشورى، لكنه اعتبره غير مناسب للاجتماع السياسي للشيعة في لبنان رسم خلال الثلاثين سنة الماضية، عبر المجلس الشيعي مع الإمامين الصدر وشمس الدين ومع أطروحة "دولة عادلة لمواطنين أحرار".
•… هل وحّد اتفاق الطائف الرؤى بشكل نهائي حول مفهوم الدولة؟(40/84)
- بقي الشيعة متمسكين بمشروع الدولة حتى أسوأ الظروف التي مرّ بها الوطن. لقد تمّ رفض الدخول في نظام الإدارة المدنية. وأعتقد شخصيا أن السيد موسى الصدر غيّب بسبب أطروحتيه الكبيرتين: إن لبنان هو دولة مقاومة ويشارك في النضال من أجل القضية المركزية للعرب ضمن عمل عربي أو إسلامي مشترك على أن لا ينفرد لبنان مكانا مستقرا حتى تتم تنميته وتطوير نظامه السياسي لأن الحرية تمكن الناس من الانخراط والمشاركة وأن يعطوا أفضل ما عندهم. والصيغة الثانية تكمن في عدم الدخول في أي مشروع تقسيمي. وهنا أستطرد لأقول إنه صحيح أن النظام الليبي مسؤول عن تغييب الإمام موسى الصدر لكن ليبيا ساحة الجريمة وليست كل الجريمة. قطعا هناك امتدادات أخرى؛ في كل جريمة، يوجد قاتل ومقتول وإدارة ودافع للجريمة. إن هدف الجريمة هو تغييبه كونه صاحب مشروع غير مقبول من عدة أطراف.
أنا أعتقد أن هناك عدة أطراف لها علاقة أو تعرف شيئاً عن جريمة تغييب الإمام. الشيخ الراحل حمل مشروع الدولة ودافع عنها عبر تطوير طرح الدولة العادلة لمواطنين أحرار. وصحيح أن الجفاء بين الشيعي ودولته كان موجودا. وقد تغيّر الوضع بعد اتفاق الطائف الذي أرسي واقعا جديدا وعدّل النظام السياسي بحيث أصبح أكثر عدالة. انتقلت السلطة الإجرائية من رئيس الجمهورية الماروني إلى مجلس الوزراء مجتمعاً. ودخل الشيعة كشريك علني في بنية الحكم. وأصبح من المستحيل أن تنفرد أي جماعة أو طائفة بالقرارات لوحدها.
وأقولها بصراحة أن الخروج على الطائف حدوده حرب أهلية. فالاتفاق له حرمة كونه حصل نتيجة إجماع لبناني. وهو بالتالي لا يعدّل ولا يغيّر إلا بالإجماع. اتفاق الطائف ليس اتفاق الضرورة بل اتفاق الاختيار. وحين أقرت صيغة الطائف في الوصايا، رأى الشيخ استبعاد فكرة الديموقراطية العددية والإبقاء على النظام الطائفي مفتوح يطوّر مع الوقت باتفاق الجميع، لكنه لم يطبق أبدأ حتى الآن كنظام كامل.(40/85)
•… هل صحيح أن ثمة أطرافا شيعية تريد الانقلاب على الطائف؟
-…الطائف أقرب إلى العدالة من الصيغة السابقة وأعتقد أنه أنصف الطائفة الشيعية من حيث دورها في الحكم. وبأية حال، هو لم يطبق لنرصد مكامن الخلل أو عدم الإنصاف فيه. بكل أسف، في المرحلة السابقة أثناء الوجود السوري في لبنان، بُنيت السلطة وصيغة الحكم بمعزل عن اتفاق الطائف. تم الاتفاق بين المتنفذين والسوريين على تجميد الطائف. وبهذا المعنى، دولة الطائف لم توضع موضع التنفيذ، وحُكم لبنان من خارج هذا الإطار الدستوري. ليس هناك خلل بالعدالة في الطائف وإذا كان كذلك علينا أن نجرب تطبيق الاتفاق أولاً.
•… يعني هناك من رأى وبينهم وليد جنبلاط أن حزب الله سعى بعد نهاية الحرب للانقلاب على …الطائف.
- حزب الله لا يختصر الطائفة الشيعية في لبنان ولا نقبل أن يختصرها ولا يمكن أن يختصرها إطلاقا. ليس ممثل الطائفة ولا يتكلم باسمها. ويستحيل أن تتحول طائفة إلى حزب. هناك غلبات، أكثريات، محاولات للاستيلاء على حصرية التمثيل. لكني أجزم أن الشيعة ليس لهم لون سياسي واحد. في الانتخابات النيابية الأخيرة، أفرز النظام الانتخابي الموجود مشهدية سياسية معينة توحي باقتصار تمثيل الطوائف على أحزاب معينة. إلا أن سوء استخدام السلطة والمال السياسي قطعا سيؤسسان لنتيجة غير صحيحة، الأكيد أنه في كل الطوائف توجد آراء متنوعة. ولا يجب استثمار عمل المقاومة في السياسية ويستحيل على أي فئة أو حزب أن تنقلب على الطائف الذي يجب أن يطبق في هذه المرحلة.
•… لكن الواضح أن هناك أحادية في الرأي السياسي عموما، بحيث أن الأمر يصل إلى تخوين من لا …يؤيد حزب الله ويتم اعتباره خارجا على الإجماع الشيعي. فما رأيك؟(40/86)
- أصبح هناك تماه عبر الإعلان والخطاب وطريقة التعامل مع الرأي الآخر يوحي بأن الشيعة هم حزب واحد. في أي عمل عام أو خاص يتناول المسلمين الشيعة اللبنانيين كطائفة، يجب أن يكون هناك شورى، حزب الله متفرد في هذه المسألة كونه الجهة المسيطرة. أنا وغيري من المواطنين المسلمين الشيعة يجب أن يكون لنا رأي. لكن لماذا لا يسأل رأينا؟.
لا أقبل القول أن هناك أقلية داخل الطائفة لا تقبل سلوك حزب الله . هناك أكثر من أقلية، ولا توجد وسائل لقياس الأمور حتى بمقياس نتائج الانتخابات غير العادلة. فلا قيمة للشورى داخل اللون السياسي الواحد. لماذا هذا التوجه لدى حزب الله؟ هل لأنهم أقوياء؟ هذا مبدأ مردود، فنحن ننتقد أمريكا لأنها تحكم وفق مبدأ القوة. إذا كانت المسألة أكثرية عددية، فأقول لهم: أنتم والآخرون أكثر منكم لوحدكم. الأقلية لا تقبل أو لا ترضى برأي الأكثرية عن طريق الإرغام، هذا إذا أردنا استعمال منطقهم الذي يواجهون به الآخرين. هذه السطوة الموجودة المبنية على شعار ديني ووجود سلاح ومال كثير تخلق هذا الانطباع والجو. أنا أرفض التلازم بين عنوان مقاومة إسرائيل وبين توظيفه واستثماره في العمل السياسي الداخلي لتحقيق مكاسب.
يقول حزب الله إن المقاومة هي تكليف شرعي نقوم به دون طلب شكر أو مكافأة. فهل يطبق هذا الأمر حقيقة؟ يجب التفريق بين مقاومة إسرائيل والعمل السياسي الداخلي الذي يتعلق بالشراكة السياسية والتعاطي مع الآخرين والحفاظ على المجتمع المتنوع.
يقول الشيخ: أن لبنان هو وطن نصنعه كل يوم ونحميه كل يوم وندافع عنه كل يوم. وهذا واقع وليس شعراً. أحد أبرز وأبلغ صيغ مقاومة إسرائيل هو وجود لبنان واحد متماسك موحد ومستقر وأهله متآلفون، لأنه صيغة مناقضة لصيغة إسرائيل اتنية.
•… هل ترى أن سلاح حزب الله أصبح عبئا على الطائفة الشيعية وعلاقتها بالجماعات الأخرى؟(40/87)
- ليس السلاح هو المشكلة. السلاح حديد يدفن ويمكن استيراد غيره. المشكلة الحقيقية تكمن في طريقة استخدام هذه السلاح ودوره وتوظيفه. السلاح ليس مشكلة للشيعة بل لكل لبنان، وفق المنطق الوطني.
•… إلى أين يقود حزب الله شيعة لبنان؟
- حزب الله ليس مكلفا بقيادة الطائفة الشيعية. نرفض صيغة الزعيم الذي يقود طائفة، والحزب الذي يقود أمة. أنا ضد لغة القداسة، السلاح ليس مقدسا. الأمة مقدسة وليس الشخص أو التنظيم. يجب ألا يضع أي حزب أو جهة سياسية نفسه في موقع المقدس. فإذا كان السلاح مقدسا فلا ينبغي أن يفاوض حوله في غرف مغلقة. الشيعة اللبنانيون قوم مندمجون في اجتماعهم الوطني ولا يشكلون مشروعا مستقلاً. الإسلام بخير والشيعة والتشيع بخير. ولا أرى مبررا للخوف على المصير. وهم ليسوا بأقلية. ولا يوجد في عالمنا العربي مفهوم الأقليات. هناك أكثريتان ينتمي إليهما كل الناس: الأكثرية العربية التي ينتمي إليها المسيحيون العرب مثلا، والأكثرية الإسلامية التي ينتمي إليها الأكراد مثلاً. ومن يحاول تفتيت مجتمعاتنا يجب أن يُصدَّ ويُمنع.
•… ألا تتغلب المذهبية أحياناً على القومية؟
- هذا يحدث لكنه عمل سياسي عصبوي خاطئ يوصل إلى آثار غير سليمة ويفتت الوحدة الوطنية ويعود بالويل على الجهة التي يراد لها أن تكون أقلية. فيصور لها أنها بحاجة إلى حماية ويأتي من ينصب نفسه حامياً لها. الشيعة ليسوا قوماً عابرين للقارات أو للأوطان. ليسوا فئة أو حزباً يتصلون فيما بينهم ويصنعون الحزب الشيعي العالمي. كل الشيعة هم جزء من أوطانهم، ومشاريعهم جزء من مشاريع أوطانهم. إذا حصل إصرار على مشروع متمايز سيفشل ويرتد على أصحابه ويسبب انتكاسة وعودة إلى الخلف ويستثير خوف الجماعات الأخرى من الشيعة وبالتالي يؤدي إلى إحباط كل الجهود والإنجازات. وأكرر أن الطائفة لا تكون حزبا إطلاقا.(40/88)
•… والحلف الاستراتيجي مع إيران، ألا يجسد ولاء مطلقا للجهة التي تمد بالمال والسلاح؟
- تعبير أن حزب الله ذراع إيرانية هو تعبير فيه تجاوز، إيران هي عالم قائم بذاته كما كان يعبر الشيخ رحمه الله.
ولا يجب أن تكون هناك إمرة بين الشيعة والعرب وأي مرجعية خارج العالم العربي. قيادتهم السياسية هي قيادة وطنهم. إيران قوية وموجودة في النظام الإقليمي ولا أحد ينكر ذلك. وتوجد علاقة روحية بين الشيعة وإيران بما هي موئل لمقدسات معينة. لكن القرار السياسي الإيراني حدوده إيران وليس عليه إعطاء أوامر تنفيذية خارج حدوده ولا أن يكون لآخرين خارج إيران تكليف شرعي بالتنفيذ. نحن كمواطنين لبنانيين، اخترنا النظام البرلماني الديمقراطي وفي إيران اختاروا نظاما آخر. ونحن كشيعة لا نتصل بصيغة النظام الإيراني ولا ندين لها بالإمرة. حتى لو وجد أناس يعبرون عن هذا الخيار باعتقادهم بأطروحة ولاية الفقيه العامة، وهي أطروحة علمية فقهية صحيحة موجودة في الفقه الجعفري. إلا أنها ليست الحقيقة الوحيدة والحصرية، وهي قطعاً غير صالحة وغير مقبولة في لبنان وللبنان. وهناك الأطروحة الفقهية التي وضعها الإمام شمس الدين والتي تقول بولاية الأمة على نفسها، وهي أن الناس في زمن الغيبة يختارون حكامهم ويقررون ويحددون مسار صلاحياتهم. الأمة ولية أمر نفسها في شأن صيغة الدولة، ولا ولاية حد عليها. وهذه هي صيغة الديمقراطية، وهذا ما نحتاجه في عالمنا العربي والإسلامي ولا نحتاج إلى شرق أوسط جديد. ومن يرد جديداً خارج هذا المفهوم، فليشتر قطعة أرض وينشئ عليها شرق أوسطه الخاص.
•… كيف تنظر إلى مسألة استخدام التكليف الشرعي في السياسة؟(40/89)
- ولاية الفقيه العامة هي مساحة وحجم وليست نقطة، بمعنى أنها مؤسسة ونظام له حدود وليست شخصا فقط يمثل ولاية الفقيه. حدود التكليف في مقبولية نظام الولاية كصيغة حكم هي حدود إيران. والدولة الإيرانية ينبغي أن تتعامل مع الدولة اللبنانية حصراً. هناك سفارة إيرانية تمثل الجمهورية الإسلامية في لبنان. …وفي الإطار الفقهي العادي، يحق وجود وكلاء عن المراجع الدينية كوكلاء للسيد السيستاني وللسيد الحكيم دون أن تكون لهم إمرة على المواطنين اللبنانيين بأن ينتخبوا فلانا أو فلانا، على سبيل المثال. فتلقي الأوامر بانتخاب شخص معين يصبح تعيينا. أنا عندي سلطة كمواطن ولي حق الاختيار وسأحاسب على اختياري. لذلك يجب أن أكون حرا عند الاختيار. حين تأتي الحساب أنا من سيحاسب. الله بعزته وجبروته يرسل أنبياء للبشر ويقول لهم بلغوا البشر رسالتي ويترك لهم حرية الاعتقاد والإيمان والاختيار حتى يحاسبهم. فإذا كان النبي يقول إن الناس مخيرون، فكيف أرضى مع بشر غير معصوم ومخلوق وضعيف مثلي أن يجبرني على رأي سياسي. الله يحاسبنا على حريتنا. الحزب لا تحق له الإمرة. على قاعدة لماذا يكون هو محق وأنا مخطئ. أعوذ إلى السؤال عن مبدأ القوة والكثرة وأكرر قاعدة "أنا وأنتم أكثر منكم لوحدكم". الذي يدخل إلى الدولة في لبنان يجب أن يقبل قوانينها وأنظمتها والذي لا يقبل بصيغة الدولة فيبق خارجها والذي لا يقبل بصيغة الطائف فليبق خارجه. وألا يصبح الأمر سرقة ونفاقا وهذا ينطبق على الجميع.
مقارنة نصر أكتوبر بصواريخ نصر الله .. "تهريج"
الفريق حسن أبو سعدة
روز اليوسف - (7ـ13)/ 10/2006(40/90)
أمور كثيرة كانت تدعو للاستفزاز أثناء العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان، ولكن أكثرها استفزازا بالنسبة لي كان في أعقاب الحرب، وتمثل في المقارنات التي عقدها البعض بين ما اعتقدوه انتصارا لحزب الله على إسرائيل، بين انتصار أكتوبر، وهي مقارنة أرى أن الوصف الوحيد المناسب لها هو التهريج!
ذلك أن المقارنة من أساسها لا تصح ولا تجوز، يقولون لك إن رجال حزب الله استطاعوا أن يقصفوا المدن الإسرائيلية بوابل من الصواريخ، وهو أمر في رأيهم عظيم، لكونها المرة الأولى التي تصل فيها صواريخ عربية إلى مدن إسرائيلية، وهو ما لم يحدث في رأيهم في كل الحروب السابقة بين العرب وإسرائيل، بما فيها حرب أكتوبر، وأقول لهم أن قصف الصواريخ لا يحتاج إلى جيش نظامي مدرب، بل إلى بضعة أفراد لديهم عشرات من الصواريخ وقاذفات تحملها إلى أهدافها، هذه ليست حربا بالمعنى العلمي مثلما تحققت في أكتوبر، حيث كانت هناك معركة بين جيشين ودولتين، استخدمت فيها جميع أنواع الأسلحة من طائرات ودبابات وصواريخ والتحام مباشر، وخطط عسكرية على أعلى مستوى.(40/91)
النجاح الوحيد المحسوب لحزب الله أنه استطاع أن يصمد أمام القوات الإسرائيلية أطول فترة ممكنة، ذلك لأن إمكانيات الحزب أغلبها دفاعية وليست هجومية، ثم إنه في العلوم العسكرية، فإن الدفاع أسهل كثيرا من الهجوم، ذلك أن الهجوم يحتاج إلى دبابات ومدرعات وطائرات، وهو ما قام به الجيش الإسرائيلي، وأسفر عن تدمير هائل في البنية التحتية اللبنانية، يحتاج إلى سنوات طويلة، وأموال طائلة لإعادة الوضع كما كان عليه. ما قام به حزب الله هو إلى حرب العصابات أقرب، ساعد على نجاحها قلة عدة القوات الإسرائيلية المستخدمة في الهجوم، وأستطيع أن أؤكد أن الجيش الإسرائيلي كان قادراً في هذه الحرب على دخول بيروت مثلما دخلها عام 1982، ولكن الظروف الدولية تغيرت هذه المرة، وما كان في إمكان إسرائيل أن تغامر بجيشها كله لاحتلال لبنان، وهناك دول محيطة متنمرة، من الممكن أن تستغل الفرصة، وتهاجم إسرائيل، فكل شيء وارد في مثل تلك الظروف.
إنني أسأل: ماذا فعل حزب الله غير القصف، وهو عمل ليس خارقاً؟ هل غزا برجاله شمال إسرائيل؟ هل منع الدمار الساحق عن المدن اللبنانية؟ إنها مقارنة سخيفة في رأيي، ولا يصح أن يعتقدها مصريون، لأن حرب أكتوبر أكبر وأهم وأخطر.
مخطط لإثارة القلاقل في البحرين
الوطن العربي ـ 18/10/ 2006
فعلتها إيران في العراق، ولما نجح المخطط سعت لاستنساخه في الخليج والبداية ستكون من مملكة البحرين. حيث يجري التنفيذ حالياً استعداداً للانتخابات النيابية المقرر إجراؤها قبل نهاية العام، "الوطن العربي" حصلت على معلومات مهمة بخصوص هذا المخطط تنشرها في التقرير التالي:(40/92)
خلال ندوة أقيمت في البحرين تناقش أوضاع الداخل في ضوء التطورات الإقليمية قال أحد المتحدثين: "كنت أتمنى أن تكون الرسائل الإيرانية شعراً شيرازياً وزهوراً جميلة لكن الإيرانيين اختاروا أن يرسلوا لنا صواريخ". وهذا بالضبط حال الشارع البحريني إن لم يكن الخليجي والعربي، حيث يدور الحديث في الفترة الأخيرة عن "المد الإيراني"، أو "التغلغل الإيراني" في المنطقة العربية، ويقصدون بذلك، أن هنالك نوعا من النفوذ السياسي والطائفي، غير المباشر، لجمهورية إيران، في كل من العراق، وسورية، ولبنان، وفلسطين، وفي أجزاء أخرى من بعض البلدان العربية، حيث توجد أقلية من المنتمين إلى المذهب الشيعي، ويذهب البعض إلى أن هذا التغلغل الإيراني يأخذ أحيانا شكل الإمداد العسكري، لقد باتت إيران الزعيمة الشيعية تنظم حركتها وفق مصالحها العقائدية نحو بناء "الإمبراطورية الشيعية العظمى" على حساب حطام العراق والفتنة الطائفية في لبنان والتذكير بحقوق الشيعة في الدول الخليجية، ومساندة تحركاتهم سياسياً وعقائدياً.
والأحداث جميعها تشير إلى تحرك شيعي مدروس وثابت التوجه، بدأ في لبنان، وانتقل إلى سورية، ثم أصبح العراق مرتكزاً أساسياً له، مروراً بما يحدث في البحرين من مظاهرات للشيعة وحمل لافتات ذات معنى وتوزيع المنشورات المناهضة للحكم وسط دعم كامل من النخبة الدينية الإيرانية، وكل هذه الأحداث تشير إلى نجاح الدور الإيراني في بروز تيارات الإسلام الشيعي السياسي وفي دول شرق أوسطية كثيرة، والهدف واضح وإيران لم تخفه، وهو مساعدة الشيعة في كل مكان على المطالبة بحصتهم في السلطة السياسية.(40/93)
دبلوماسي عربي التقيته في المنامة أكد أن إيران صارت اليوم هي الأم الراعية لكل الشيعة وخصوصاً الإثنى عشرية في كل مكان وحكومات طهران ترى في دول الخليج العربي امتداداً لأرض الإمبراطورية الفارسية القديمة، ولها فيها أطماع تزايدت بعد ظهور النفط في دول الخليج العربي، فكان لزاماً اتخاذ بعض شيعية البلاد العربية وليس كلها معول هدم ومثار قلاقل.
ولنا في ثورة الخميني التي لاقت تأييداً حافلاً من الشيعة في كافة الأنحاء خير دليل، ففي البحرين مثلا ساند بعض الشيعة هناك نوايا إيران التي طالبت آنذاك بضم البحرين إلى إيران بدعوى أن نحو 85% من سكان البحرين هم من الشيعة، وهم مضطهدون وعلى رأسهم رجال الدين الشيعة.
وقد تفجرت الثورات الشيعية الصغيرة في كل من البحرين والكويت بقيادة رجال دين شيعة إيرانيي الأصل من أمثال آية الله المدرسي في البحرين وأحمد عباس المهري في الكويت، وكل من يقرأ الواقع الإيراني الخطير الذي تماسه طهران في هذه المنطقة، وبصورة خاصة في الكويت والبحرين. والإيرانيون أصحاب تاريخ طويل في إثارة الفتن داخل الوطن العربي.
تغلغل مزعج:
لقد كانت إيران دائماً من أهم دول الجوار الجغرافي، لكن إيران هي أيضاً من أكثر دول الجوار رغبة وقدرة على التمدد والتغلغل في الجسم العربي الراهن والقابل للاختراق، وتمدد إيران في الشأن العربي ليس بالأمر الجديد لكنه أصبح الآن أكثر وضوحاً وضخامة وحضوراً في أكثر من موقع حساس وقد تحول إلى مصدر إزعاج شديد، ومن المحتمل أن يزيد من توتر العلاقات بين طهران والكثير من العواصم العربية ومثل هذا التمدد الزائد والفاعل في أكثر من مفصل من مفاصل الجسم العربي يحول إيران من رصيد إلى تهديد سياسي وإستراتيجي يضاف إلى قائمة التهديدات الخارجية التي تستهدف النظام السياسي العربي.(40/94)
ووفقا لدراسة أعدها مركز دراسات البحرين فإن الأجندة الإيرانية لا تتطابق بالضرورة مع الأجندة العربية ومصالح طهران تختلف اختلافا بينا مع المصالح العربية، فإيران لا تتصدى للاحتلال الأميركي في العراق حباً في العراق بقدر ما هو رغبة منها في تحويل الاهتمام الأميركي بعيداً عن إيران.
لقد حققت إيران هدفها الاستراتيجي في إنهاك الولايات المتحدة في المستنقع العراقي، لكن جاء ذلك على حساب العراق وأهل العراق والتدخل الإيراني في الشأن الداخلي العراقي كالاحتلال الأميركي للعراق سبب مهم من أسباب تدهور الأوضاع الأمنية والمعيشية هناك وإيران اليوم طرف نشط في تمزيق العراق ولا يوجد ما هو أسوأ من الاحتلال الأميركي سوى التدخل الإيراني فكلاهما يتحملان المسؤولية السياسية والأخلاقية لمعاناة الشعب العربي في العراق بالتساوي.
والعراق ولبنان وسورية وفلسطين والمنطقة العربية عموماً في نظر القيادة السياسية والعسكرية الإيرانية مجرد ساحة صراع وهدف إيران الاستراتيجي نشر مشروعها النووي وتعميم برنامجها العقائدي عالميا والأرض العربية هي المحطة الأولى والأقرب والأسهل. وليس سراً أن إيران ترغب في البروز كلاعب إقليمي والقيام بدور عالمي .
ولا توجد منطقة أفضل من الأرض العربية لممارسة هذه الطموح الإقليمي والعالمي تعزه كثيراً بعد النصر الإلهي الذي تحدث عنه زعيم حزب الله وسوف يتعزز إذا نجح البرنامج النووي الإيراني.(40/95)
طموح إيران يغذي التمدد الإيراني في الشأن العربي لكن إيران أيضا في حالة مواجهة مع الولايات المتحدة الأميركية، وهي تتعامل مع المنطقة العربية كساحة لتصفية حساباتها مع واشنطن، وحولت المنطقة العربية إلى ساحة صراع ومنافسة ولا توجد مصلحة عربية في أن تصبح ساحة صراع لخدمة الأجندة الإيرانية، لذلك إذ كانت إحدى النتائج المهمة لانتصار حزب الله في معركته الأخيرة تمدد إيران في الشأن العربي فلا مصلحة للعرب في هذا التمدد الذي تضخم كثير وأخذ يغذي بدوره الاحتقان الطائفي والمذهبي في النظام السياسي العربي الحساس جدا تجاه ما أخذ يعرف بصحوة الشيعة في المنطقة العربية، وإيران تلعب بدهاء ما بعده دهاء على وتر الطائفية ولا تمل من التأكيد على أنها المتحدث الرسمي باسم الشيعة في كافة أنحاء العالم، ومن هنا تأتي خطورة التمدد الإيراني المسؤول عن تأجيج الاحتقان المذهبي في منطقة هشة في بنيتها السكانية وتركيبتها المذهبية والطائفية.
خطة إيرانية:
والتغلغل الإيراني في النظام السياسي العربي بلغ مستويات جديدة وغير مسبوقة ومزعجة ويعود الفضل في ذلك إلى انتصار حزب الله في معركة الـ 32 يوما مع العدو الإسرائيلي، ووفقا للمخطط الإيراني الذي بدأ عملاؤها تنفيذه في مملكة البحرين فإن الفرصة سانحة الآن، وربما لا تتكرر، في ظل تورط "الشيطان الأكبر" وانشغاله في حربه ضد "الإرهابيين" من العرب المسلمين السنة، وقد حوت الخطة على تحليل لعناصر القوة في المملكة سواء كانت قوة السلطة أم قوة الاقتصاد، كما حوت كذلك على تحليل لدول الجوار وعناصر التشكيل السكاني فيها.(40/96)
وأول خطوة في هذا المخطط تستلزم إشارة الشعور المحلي والدولي بأن الشيعة قد تعرضوا لظلم حكم السنة لفترات طويلة من الزمن وقد أن أوان الصحوة الشيعية لاستعادة حقوقهم، وأنه لا أمل للشيعة في فرض مصالحهم سوى بالتكاتف والتقارب وبناء القوة الشيعية السياسية والعسكرية فالإمبراطورية الشيعية والعظمى هي الضمان الوحيد للوقوف ضد القوى المستكبر أمثال الإمبراطورية الأميركية الشريرة والإمبراطورية الصهيونية الاستعمارية، والإمبراطورية "الإسلامية السنية" المستبدة.
وعلمت "الوطن العربي" أن الخطوة الثانية في الخطة الإيرانية تعتمد على تحسين العلاقات مع الآخرين من غير الشيعة، بالإضافة إلى تهجير عدد من العملاء إلى البحرين للاستيطان وتنفيذ باقي المخطط عندما يحين الوقت.
أما الخطوة الثالثة فهي السيطرة على الاقتصاد سواء عن طريق الشراكة مع النظام الحاكم أو من خلال احتكار بعض الأعمال لبعض المواد الأساسية ثم استخدام ذلك كورقة ضغط للحصول على تنازلات جديدة من أجهزة الحكم. أما الخطوة الرابعة فتتمثل في ضرورة المشاركة الإيجابية في الانتخابات النيابية المقبلة وحشد التأييد الشعبي للازم لحصد غالبية مقاعد المجلس المقبل في محاولة لفرض تشريعات جديدة على المملكة تكون في صالح الطائفة الشيعية، ويأتي التنظيم والترتيب من خلال إيجاد مراكز شيعية "حسينيات، مناطق سكنية" كخطوة خامسة لجمع القوى والاستعداد لعمل عسكري بعد إتمام عمليات تهريب السلاح اللازم للسيطرة.(40/97)
ومن دلائل النجاح الجزئي للمخطط الإيراني أنه بعد أن كانت الشيعة تتزعم المعارضة البحرانية وهي منفية في الخارج ومطاردة في الداخل أصبحت تتواجد في البحرين على شكل جمعيات سياسية ويؤخذ رأيها في الميثاق الوطني وتعديل الدستور، وقد أصبح لهم خمس جمعيات هي: العمل الوطني الديمقراطي، الوسط العربي الإسلامي الديمقراطي، المنبر الديمقراطي التقدمي، المنبر الوطني الإسلامي، الوفاق الوطني الإسلامي، ومن النجاحات في هذا الأسلوب عزم وزير التربية على تدريس المذاهب والفقه المقارن في المعهد الديني وتخصيص مدرسين من كل مذهب لتدريس مذهبه مع تعديل المناهج لتناسب ذلك وقد بدأت البحرين منذ العام 2002 في نقل مراسم عاشوراء على أجهزة إعلام الدولة بأمر ملكي.
نتائج النفوذ:
والدور الشيعي الذي ترغبه النخبة الدينية الحاكمة في إيران الممتد من إيران إلى لبنان عبر العراق وسورية ثم يتجه جنوباً إلى منطقة الخليج العربي سوف يفضي إلى نتائج عدة من أهمها:
•…ظهور دويلات أو كنتونات شيعية تدين بالولاء إلى المرجعيات العقائدية في "قم" مما يرسخ التوسع الشيعي في منطقة الشرق الأوسط من جانب، ويدعم مصالح إيران من جانب آخر.
•…وصول الشيعة إلى الحكم في العراق دفع الشيعة في دول أخرى إلى المطالبة بدور فاعل في حكومات هذه الدول.
•…التركيز على المصالح العقائدية الشيعية الضيقة على حساب المصالح العربية المصيرية الأكبر.
•…المزايدة على مصالح السنة وتكريس المذهبية والطائفية الدينية داخل الدول العربية.
•…أصبح الشيعة خط الدفاع الأول عن إيران ومصالحها في الدول التي يقيمون فيها، ومن ثم فهم مستعدون للتضحية بالروح والدم فداء لها وليس من أجل دولهم الأصلية.
•…اختراق إيراني للمجتمعات التي يعيش فيها الشيعة، الأمر الذي يقوض أمن واستقرار هذه المجتمعات.(40/98)
•…تعظيم الشعائر الدينية الشيعية على حساب شعائر عامة للمسلمين، ما يؤدي في النهاية إلى التصادم بين المسلمين وبعضهم.
"حزب الله" يدعم انتفاضة شيعية في البحرين
الوطن العربي ـ 27/9/2006
منذ الاشتباك الذي جرى بين حزب الله وإسرائيل بين 12 يوليو "تموز" و 14 أغسطس "آب" 2006 والحديث لا ينقطع عن الصعود الشيعي، واحتمالات الفتنة بين السنة والشيعة في المنطقة بتحريض من الجمهورية الإسلامية الإيرانية بهدف السيطرة بعد التمكن!، وفي البحرين على سبيل المثال لم يتوقف أمر الشيعة فيها على تأييد حزب الله أو الدعوة لمقاتلة إسرائيل، بل تجاوز الأمر ذلك إلى مظاهر استعراض القوة وتحسين نتائج الدخول في مواجهة مع السلطة السُنية الحاكمة، والمثير في الأمر أن حزب الله اللبناني أراد أن يرد جميل شيعة البحرين نظير مساندتهم له فأرسل يشد أزرهم ويدعم انتفاضتهم في وجهة النظام محدداً لهم المنهج الذي ينبغي أن يسيروا عليه تحقيقاً لهدف الاستقواء واستحواذ مواقع قيادية ومؤثرة في المجتمع.(40/99)
من المؤكد أن النجاح في نقطة يغري بالانتقال إلى أخرى لتحقيق المزيد، هذه قاعدة عامة تصدق على الشأن الشخصي كما تطبق في المنحى السياسي العام، وهذا ما فعلته إيران ومن يوالونها في المنطقة، فمنذ العام 2001 واللعبة ناجحة تغري بمزيد من التكرار لحصد الكثير من المغانم، فقد تدخلت إيران في أفغانستان ثم العراق وتعاونت مع الولايات المتحدة في حربها ضد هذين البلدين مستعملة الشيعة الأفغان والشيعة العراقيين، وكسب الملالي من ذلك التعاون وتخلصوا من نظامي طالبان وصدام المعاديين لهم وللشيعة، وحاليا فإن الشيعة بأفغانستان يقيمون دويلة شبه مستقلة في الوسط، وكذلك شيعة العراق الذين تسلموا السلطة في البلاد!، والآن تحاول إيران عن طريق شيعة لبنان تكرار النموذج ليصبح الثالث للتدخل الإيراني من خلال المجموعات الشيعية في المنطقة لتحقيق مشروعها الاستراتيجي الذي هو حتى الآن مشروع سياسي تستخدم في سبيل تحقيقه كل الأوراق المتاحة حتى ولو كانوا من السنة أيضا مثل حركة حماس الفلسطينية.
البحرين .. الرابعة
وفي إطار السعي الإيراني الدؤوب لتطبيق نموذجها يتوقع المراقبون أن تكون البحرين الدولة التالية لتزكية التحرك الشيعي داخلها فهي دولة خليجية صغيرة في مساحتها، كبيرة في أحداثها ويلعب الوجود الشيعي فيها دوراً خطيراً في رسم الأحداث التي تدور في هذه الجزيرة، فقد لعبت قضية "الأكثرية" الشيعية دوراً في أعمال العنف التي بلغت حد المطالبة بإلغاء النظام الملكي واقتفاء النموذج الإيراني، كل ذلك تم بفعل انتشار مقولة "الأكثرية" وتروجيها لأغراض سياسية واضحة، حيث دأب الشيعة على رفع نسبتهم في جميع البلدان التي يقيمون فيها لأسباب سياسية لا تخفى على أحد، ومن تلك الدول البحرين التي بالغ البعض بالقول بأن الشيعة العرب منهم ذوو الأصول الإيرانية يشكلون 60 إلى 65% من إجمالي عدد السكان!.(40/100)
وقد جاء في تقرير مركز ابن خلدون المصري حول الأقليات لسنة 1993 أن سكان البحرين ينقسمون إلى ثلاث مجموعات، العرب الشيعة ونسبتهم 45% من مجموع السكان، والعرب السنة ونسبتهم كذلك 45% أما الإيرانيون فنسبتهم 8%، وثلثهم من السنة والثلثان من الشيعة، وبذلك يصل الشيعة العرب والإيرانيون إلى حوالي 52%، أما السنة العرب والإيرانيون البلوش فنسبتهم 48%.
إلا أن تقرير ابن خلدون ذاته الصادر سنة 1999 قد رفع نسبة الشيعة في البحرين إلى حوالي 70% وهي نسبة غير واقعية ومنافية للواقع السكاني في البحرين، ولم يذكر التقرير الأسس التي استند عليها لرفع نسبة الشيعة من 52% إلى 70% خلال 6 سنوات، على الرغم من أنه لم يحصل ما يدعو إلى ارتفاع النسبة بهذا الشكل.
وخلال هذه الفترة القصيرة، سوى ما عزاه التقرير إلى أن الشيعة معظمهم ريفيون يكثر عندهم الإنجاب وتعدد الزوجات، وبالرغم من صحة هذا الأمر الذي يتم بدعم وتشجيع القيادات الطائفية مع التكفل بالمصاريف اللازمة وذلك من أموال الخمس!
وقد نقل د. خالد العزى في كتابه: "الخليج العربي في ماضيه وحاضره" نداءً إلى شعوب وحكومات الدول العربية بغرض اتخاذ كافة السبل لردع خطر التسلل الإيراني في الأرض العربية حتى لا يشكلوا طابوراً خامساً ووصف خطر التسلل الإيراني بأنه لا يقل خطورة عن التسلل الصهيوني الذي يعتبر أحد أسباب ضياع فلسطين واغتصابها.
إذ لا يخفى أن زيادة عدد الشيعة في الخليج عامة والبحرين خاصة كان بسبب الهجرة الإيرانية المتزايدة إلى بلدان الخليج أثناء الحكم البريطاني، في ظل غفلة أهلها وتساهل شيوخ الخليج، بل إن بعض الذين زاروا البحرين أو كتبوا عنها في بدايات هذا القرن يذكرون صراحة أن الوجود الشيعي هو وجود أجنبي حيث يقول أمين الريحاني في كتابه "ملوك العرب": إن الجعفريين مثل الهنود يعدون من الأجانب لأنهم إيرانيون أو إيرانيو التبعية.(40/101)
وقد جاءت نتائج الانتخابات البلدية والنيابية سنة 2002، وحصول الشيعة في الأولى على 23 مقعداً من 50 وعلى 13 مقعداً من أصل 40 مقعداً في الثانية، لتعطي صورة تقريبية عن حجم الشيعة في البحرين، فإذا كان حصولهم على أقل من ثلث مقاعد المجلس النيابي بسبب مقاطعة بعض تنظيماتهم للانتخابات يبدو مفهوماً بعض الشيء، فإن حصولهم على أقل من نصف مقاعد البلديات في الانتخابات التي شارك فيها جميع قطاعاتهم تبطل نظرية الأغلبية الكاسحة أو المطلقة، وعند الحديث عن علاقات البحرين بإيران وأثرها على شيعة البحرين نقف عند حقيقتين هامتين هما:
أن إيران بعد ثورة الخميني سنة 1979 أصبحت قبلة الشيعة في العالم، ووضعت نفسها وصية على الطوائف الشيعية في كل مكان، وكذلك الطوائف الشيعية جعلت من إيران نموذجها وقدوتها، وهذا لا يمنع وجود تيارات وهيئات شيعية تعادي إيران أو لا تعترف بولايتها لأسباب ترجع للتنافس على الزعامة مع الخميني بالدرجة الأولى، وهذا هو أيضا سبب انشقاق مجاهدي خلق على الثورة الخمينية وغيرها من التيارات والشخصيات الشيعية، ولم تكن المشاعر الشيعية تجاه إيران محصورة بدولة الخميني، إنما كانت الدولة الصفوية التي حكمت إيران بدءاً من سنة 906هـ (1500م) تمارس الدور ذاته.
أطماع إيرانية
ولقد كانت العلاقات الإيرانية ـ البحرينية مثالاً للتوتر والشكوك في معظم فتراتها، بسبب أطماع إيران في هذه الجزيرة واعتبارها جزءاً من أراضيها، وعدم الاعتراف بجوازات السفر التي كانت تصدرها البحرين، واعتبارها إحدى المحافظات الإيرانية بل واحتسابها من إرث مملكة فارس التي ورثتها إيران اليوم.(40/102)
ومع قدوم الخميني سنة 1979، تبنت إيران مبدأ تصدير الثورة، وهو أن تنشر مذهبها وفكرها بالقوة، واصطدمت بالعراق ودخلت معه في حرب مدمرة استمرت 8 سنوات، وأما دول الخليج العربية فقد نالها من الأذى والتخريب الإيراني الشيء الكثير، وكان الخميني يقول: إن العرب حكموا المسلمين وكذلك الأتراك وحتى الأكراد، فلماذا لا يحكم الفرس وهم أعمق تاريخاً وحضارة من كل هؤلاء؟!
وقد حاول الخميني؛ خلافاً لجهود الشاه في ضم البحرين؛ أن ينتفض الشيعة للقضاء على آل خليفة، وكانت الأداة الرئيسة "الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين"، وكان من قادتها هادي المدرسي الذي أبعدته السلطات البحرينية، وبعد إبعاده اشتغل ببث التطرف وسط شيعة البحرين وكان له دور في محاولة انقلاب سنة 1981 والذي حدث بعدما أثارت الثورة الإيرانية الشجون في نفوس شيعة البحرين على وجه الخصوص وأثارت فيهم الرغبة بالتبعية للوطن الذي صار قبلة لشيعة العالم، وتجسد ذلك في أعمال العنف والتخريب التي مارسها شيعة الخليج طيلة سنوات الثمانينيات وجزءاً من عقد التسعينيات، حيث باتت أعلام إيران وصور الخميني وخامنئي وأعلام حزب الله اللبناني التابع لإيران مشهداً مألوفاً في أنشطة وتظاهرات شيعة البحرين
وتشكلت أولى حركات المعارضة الشيعية في البحرين "الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين" في سبتمبر (أيلول) من العام نفسه، ثم تشكلت بعدها كل من "حركة أحرار البحرين الإسلامية" التي تتخذ من لندن مقراً لها، و "حزب الله - البحرين" الذي كانت السلطات البحرينية تنظر إليه بوصفه تنظيماً سياسياً شيعياً تابعاً لسلسلة تنظيمات أنصار الثورة الإيرانية في الخارج.(40/103)
وبعد الأحداث الدامية التي اندلعت في سنوات التسعينيات، وكان أشدها سنة 1994 بين الشيعة والسلطات البحرينية، هدأت الأمور سنة 1999 مع استلام الشيخ حمد بن عيسى مقاليد السلطة، ودخلت البحرين مرحلة جديدة فتم تحسين الأوضاع الداخلية والعفو عن المعتقلين السياسيين وإطلاق الحريات، وأخذ الشيعة يستفيدون من الوضع الجديد، ومن ذلك تأسيسهم للجمعيات التي تمارس العمل السياسي، حيث لا يسمح في البحرين بتشكيل الأحزاب وتلعب من خلال هذا الدور ما يسمح بتعظيم وجودها في المجتمع تحينا لساعة الوثوب على السلطة بعد تعبيد الطريق إليها.
دعم حزب الله:
ويعتقد المراقبون السياسيون أن شيعة البحرين قد استغلوا الانتصارات التي حققها حزب الله اللبناني في مواجهته الأخيرة مع إسرائيل، ثم اصطفاف غالبية البحرينيين وراء تأييده، وحاولوا تجييش الشار لتأييد مشروعهم الاستراتيجي في التمدد والتوسع، وفي المقابل أعطى حزب الله نصائحه إلى قادة الأحزاب الشيعية وبين لهم خريطة الطريق للتحرك وسط الجماهير وكسب تأييدها وضرورة أن يكون خطابها ناعما يجذب إليه حتى هؤلاء المخالفين عقائديا.
وفي اجتماع عقد في العاصمة السورية دمشق على مستوى قيادي بين ممثلي حزب الله ومن بينهم الشيخ عكرم بركات وسبع جمعيات بحرينية هي: الوفاق، ووعد، وأمل، والوسط العربي الإسلامي، والتجمع القومي، والمنبر التقدمي، وجمعية مقاومة التطبيع مع الكيان الصهيوني، تمت مناقشة خطة التحرك المقبل وأسلوب التصعيد السياسي وأدواته وكيفية استغلال الموقف الوطني والعربي لأهل البحرين وتفاعلهم مع الشعب اللبناني ومقاومته الوطنية بهدف دعم استراتيجية التمدد الشيعية.(40/104)
وخلال الاجتماع نقل الشيخ بركات إلى ممثلي الجمعيات البحرينية السبع رسالة من السيد حسن نصر الله أعرب فيها عن دعم الحزب لمسيرات القوى الشيعية في البحرين وتمنى استمرار تنظيمها بمستوى مكثف جدا وأكد وقوف الحزب مع الشعب البحريني في نضاله المشروع للحصول على حقوق المواطنة مشيرا إلى أن هذا يقع ضمن الواجب الذي تمليه علينا ضمائرنا والتزاماتنا الإسلامية!، وبعد هذا الاجتماع واصل وفد الجمعيات البحرينية السبع رحلته إلى العاصمة بيروت حيث عقد لقاءات واجتماعات مع بعض قيادات حزب الله واستمع خلالها لمزيد من النصائح والتوجيهات بشأن ما يجب فعله خلال المرحلة المقبلة.
وعلمت "الوطن العربي" أن من بين التوجيهات التي أطلقها قادة حزب الله لممثلي الجمعيات البحرينية بعض النصائح بخصوص تعميق المشاركة في العملية السياسية وذلك عن طريق:
•…التعاون مع أعضاء البرلمان الذين يسعون لحل المأزق الدستوري والسياسي الحالي.
•…توسيع العلاقة مع مسئولي النظام كديوان ولي العهد الذي يبدون التزاما بتخفيف وطأة الضغوط الاجتماعية والاقتصادية الواقعة على الشيعة.
•…تشجيع الشيعة العاطلين عن العمل للانخراط في برامج التدريب الحكومية.
•…القبول بالمشاركة في انتخابات عام 2006 شريطة أن تعيد الحكومة رسم المناطق الانتخابية.
الفتنة قادمة:
وفي ظل هذا التصعيد من جانب الشيعة يتخوف البعض من البحرينيين من اشتعال فتنة طائفية بسبب الاحتقان الحاصل بين الطرفين في بعض المواقف ومن هؤلاء شيخ السلفيين عادل المعاودة نائب رئيس البرلمان البحريني الذي يؤكد أن الفتنة موجودة في كل مكان ولكن كلما زاد تحقيق العدل بين المواطنين قلت هذه النعرات الطائفية.(40/105)
وقد سئل العالم الشيعي البحريني السيد ضياء موسوي عما إذا كان قد أصاب البحرين شيء من الطائفية الموجودة في العراق حالياً فقال: إن شيعة البحرين ليسوا بمعزولين عن العالم وهم يتأثرون بكل المؤثرات الإقليمية أو العالمية خصوصاً في العولمة الموجودة وما يحصل في العراق طبعاً له مرشحات هنا وهناك وإن كانت البحرين أقل مكان تأثراً بالوضع الإقليمي لأن لهم تاريخاً طويلاً من التواصل الوطني المندمج ما بين السنة والشيعة كما أن في البحرين مجلساً أعلى موجود فيه كبار علماء السنة والشيعة وهؤلاء لهم شرعيتهم التاريخية ومصداقيتهم في المجتمع.
لكن رأي موسوي الدبلوماسي لا ينفي حقيقة الوضع القائم وهذا ما دفع بالمفكر البحريني عبد الرحمن النعيمي إلى إطلاق دعوته بضرورة الحوار بين الطائفتين ويقول إنه بالرغم من الدعوات المتكررة من قبل رجال الدين من الطائفتين بضرورة الحوار والتقارب بين المذاهب، إلا أن الحياة تؤكد عجز الطرفين عن الوصول إلى تفاهم، بل إلى البعض يتوهم أن الحلول الأميركية في العراق حيث أقامت الولايات المتحدة ديمقراطية الطوائف قد تكون مفيدة في بلادنا العربية.
ومن هنا تبرز أهمية الدور الذي يمكن للتيارات الديمقراطية القومية واليسارية والليبرالية أن تقوم به، ليس رداً على مشاريع الضحك على الذقون التي تروجها السلطة في منطقتنا العربية تحت شعار الإصلاح من الداخل، وإنما عبر استلهام الواقع الشعبي والمطالب السياسية والاقتصادية وتبني هذه المطالب بالتأكيد على أن الإصلاح السياسي الدستوري هو حجر الزاوية في الإصلاح السياسي المطلوب في الوقت الحاضر.(40/106)
والتحدي الكبير الذي يراه البعض يكمن في قدرة القوى السياسية الديمقراطية على تجاوز صراعاتها الصغيرة وأن تقدم المثل للآخرين بأنها قادرة على توحيد صفوفها والتفتيش عن القواسم المشتركة بينها من أجل الوطن والشعب والتأكيد على قدرتها على الحوار والتقارب أكثر بكثير من الحوار بين المعارضة والسلطة، وتفوقها على التيارات الإسلامية المتناحرة في التاريخ والتي لا يمكن تقريبها طالما بقيت أسيرة صراعات التاريخ وتمرست وراء عقلية التكفير السائدة في صفوف غلاة دعاتها.
وما يدلل على أن النار باتت تحت الرماد أن البحرين بصدد تطوير مناهج التربية الإسلامية في مدارسها بغرض استبعاد أي قضايا خلافية بين الطائفتين السنية والجعفرية، كما ستتم إضافة إشارات ومواضيع تتعلق بأداء الطائفة الجعفرية لبعض العبادات، وهي المرة الأولى التي يذكر فيها المذهب الجعفري صراحة في المناهج التربية البحرينية، وقد انتهت وزارة التربية والتعليم من إعداد مسودة تطوير مناهج التربية الإسلامية ويقوم المجلس الإسلامي الأعلى بالبحرين (أعلى سلطة دينية تجمع الطائفتين السنية والجعفرية)، بدراسة التعديلات الجديدة بالتنسيق مع وزارة الشؤون الإسلامية، ويتوقع أن يبت المجلس الإسلامي الأعلى قريبا في هذه التعديلات، ولكن هل معنى ذلك أن الحكومة باتت تستجيب للضغوط الشيعية أم تلك محاولة رسمية لإغلاق باب الفتنة التي باتت تهدد استقرار الوضع في البحرين؟، هذا ما نجيب عنه في الحلقة المقبلة.
متفرقات
"صوت البلد" يكشف:
إمام مسجد في الجليل يعتنق المذهب الشيعي
(موقع صحيفة صوت البلد)
…تنفرد صحيفة "صوت البلد" في هذا اللقاء الحصرى الذي أجرته مع الشيخ نور اليقين يونس بدران (37 عاماً) وهو إمام مسجد النور في قرية البعنة الجليلية، بالكشف عن اعتناقه المذهب الشيعي بعد تركه للمذهب السني الذي يتبعه المسلمون في البلاد، وبذلك يكون الشيخ أول إمام شيعي في إسرائيل .(40/107)
…في هذا الحوار الذي أجريناه في مكاتب "صوت البلد" يجيب الشيخ، والذي يثير إعلان تشيعه تساؤلات عدة خاصة في هذا الوقت بالذات، على أسئلتنا بجرأة متناهية، مدافعا عن تشيعه، مواقف الشيعة المختلفة، عصمة أئمة الشيعة الاثني عشر، قراره غير القابل للتراجع وقضايا وأمور كثيرة هي مدار جدل ونقاش بين الشيعة وأهل السنة. وفيما يلي الحوار كما سجلناه حرفياً:
…* دون أدنى شك قرارك اعتناق المذهب الشيعي كان مفاجئاً وصعباً خاصة لأنك أمام مسجد وقد ولدت لعائلة سنية وليس في قريتك أو المنطقة شيعة؟
…القرار اتخذ صراحة منذ ثلاث سنوات، التفكير كان في هذا الاتجاه منذ دراستي في كلية الشريعة والعلوم الإسلامية في أم الفحم منذ أوائل التسعينيات والقرار طبعاً كان صعباً خاصة وأنني اعرف الظروف التي نعيشها والحالة الدينية التي عليها أهلنا، ولكن الأهم أنني اقتنعت بهذا تماماً والظروف الأخيرة كان فيها نوع من الفرصة بما أن أهلنا في العالم اطلعوا على حقيقة الشيعة بعد الحرب الأخيرة على أنهم (أي الشيعة) مسلمون مثلنا مثلهم وبما أن هذا الأمر أصبح جلياً عند الناس شعرت أن الوقت مواتياً ومناسباً لأعلن قضية تشيعي بمعنى انتمائي للشيعة. أنا كأمام مسجد أقدم رسالة ويجب أن أكون صادقاً فيها وهذا يأتي ضمن رسالتي التي احملها.
… *لماذا جاء هذا القرار في هذا الوقت بالذات.. ألاّ تخشى ردة فعل غاضبة من المصلين الذين تؤمهم؟
ردة الفعل كانت محسوبة بشكل قوي لو لم يصرح كبار مشايخ السنة وعلى رأسهم د.يوسف القرضاوي بأن الشيعة مسلمون وهم منا ولهم ما لنا وعليهم ما علينا.
…وبالتالي وبما أن القرضاوي يمثل مرجعية عليا بالنسبة للمسلمين السنة فردة الفعل حتماً ستكون خفيفة ومنضبتة ومتفهمة ولذلك لم أخش ردة الفعل وإلا لبقي أمر تشيعي في سري ولأحتفظ به لنفسي. المذهب الشيعي أصبح لي كغيره من المذاهب كالشافعية والحنفية وغيرها.
…* كيف تقبل من حولك هذا الأمر؟(40/108)
…أقرب الناس لي وخاصة الوالدين والإخوة كانوا يعرفون مني العقلية المنفتحة ودائماً كنت أناقش أي قضية كطرف محايد حتى لو كنت منتمياً إلى طرف دون الأخر، ولذلك كان موقفي صحيحاً أو شبه صحيح ولا أزكي نفسي وبالتالي قبل الأهل هذا الأمر بتفهم.…
…* وهل تشيعوا هم أيضا؟
…لا يرون بأساً بأن يتشيعوا طالما أن التشيع لا يتنافى مع القواعد الأساسية التي جاء بها كتاب الله والرسول صلى الله عليه وسلم وهو كذلك.
…* هل نستطيع القول أن الشيخ نور يحاول البحث عن الحقيقة .. وهل تعتقد أن الشيعة هي الفئة الناجية وغيرها فئات ضالة بمن فيهم أهل السنة؟
…كنت سنياً أدافع عن الشيعة واليوم أنا شيعي وما زلت أدافع عن خط الشيعة وبنفس الأسلوب ولكن المصيبة الكبرى هي تصنيف من هم من أهل لا اله إلا الله محمد رسول الله لأي رأي يرونه أو فكر يصورونه أو اتجاه يستحسنونه على أنهم إما فرقة ضالة أو فرقة ناجية، وهذا مخالف للذي جاء به الإسلام. أقول بصراحة إن كل من قال لا اله إلا الله محمد رسول الله فهو ناج وهو على دين الإسلام وبهذا نحاسب وليس على انتمائنا لهذا المذهب أو ذاك.
…* ونحن نحاول التحقيق في مسألة انضمامك للشيعة وأنت الأمام المسلم الشيعي الأول في البلاد، لمسنا أن بعض إخوانك من الأئمة يعارضون موقفك، وعلمنا كذلك أن الضغوطات تمارس عليك لردك عن الشيعة وإعادتك إلى أهل السنة؟(40/109)
…نعم هذا صحيح ولكن يبقى هذا ضمن حالة أعتبرها مرضية لطالما عانينا منها ليس فقط على صعيد سني أصبح شيعياً، ولكن كانت سابقاً وما زالت حالات مرضية مشابهة كحركي يخرج من الحركة الإسلامية ويصبح عندها في نظرهم انه خرج عن الإسلام وأصبح لا يصلى خلفه ويهدر دمه وتكثر الفتاوى ضده من كل حدب وصوب، أو وهابي أصبح صوفياً أو صوفي أصبح وهابياً يعامل، وكأنه خرج عن الملة والدين للأسف وكأن إسلامه يقف عند خروجه من حركة أو مذهب أو فكر. يعتبرون ذلك خروج عن الإسلام ومحاولة البعض ردي إلى السنة أيضا يندرج ضمن هذه الحالة المرضية التي يعاني منها المسلمون.
…* هل صحيح أن بعض المسلمين المصلين يرفض إمامتك بعد أن أصبحت شيعياً؟
…لم أسمع هذا الأمر ولو حدث أن رفض أحد المصلين إمامتي فأنا أؤدي رسالتي به كما أؤدي رسالتي كالعادة كما لو رفض أي منتم للحركة الإسلامية أن يصلي خلفي.
…* قل لي بصراحة.. كيف استطعت تغيير عقيدتك؟
…لم أغير ولن أغير عقيدتي التوحيدية ومعنى ذلك حقيقة لا اله إلا الله. انتمائي للشيعة هو انتماء فكري وليس انتماء عقائدي بمعنى أنني لن أقول أن من لم يكن شيعياً فهو كافر كما أنني لم اقل في الوقت الذي كنت فيه سنياً أن من لم يكن سنياً فهو كافر.
…* ماذا تود أن تقول لمعارضيك ولمن لا يتقبلون الشيعة أو لنقل ماذا تقول لمن يعارض تعدد المذاهب والآراء والمواقف؟
…أقول لهم كما قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بما معناه "إياك أن تحجر واسعاً" فهناك متسع للعقل البشري أن يخوض بفكره مع الإسلام ويخلص بالتالي إلى نتائج تتفاوت وتختلف من زمان إلى زمان ومن مكان إلى مكان وأحذر من مقولة "ليس بالإمكان أفضل مما كان" وأؤيد مقولة "لا تحملوا أبناءكم على زمانكم فقد ولدوا لزمان غير زمانكم".
…* هل ما حدث في المنطقة في أعقاب الحرب المجنونة كان له تأثير على الصعيد الشخصي بانضمامك للشيعة؟(40/110)
…أبداً .. وقد قال البعض لي: يا أخي قد يتعاطف البعض منا لموقف هنا أوهناك وتحديداً قالوا قد تكون للمرء منا "هوشرة وشو شرة" ولكن تبقى هذه آنية تنقشع بعد انتهائها، ولكني أقول أنا لست ممن "يهوشر ويشوشر" إن صح التعبير وأثناء ذلك تتغير العقيدة ويتغير السلوك ويتبدل المنهج فأصل عقيدتي ثابت ويدور دائما حيث دار الحق.
…* هل صحيح بأنك تحاول إنشاء طائفة شيعية في القرية والمنطقة؟
…لا أؤمن بقضية التنظيمات والجماعات خاصة في الوقت الراهن وذلك بعد عدة تجارب، ذلك لأن غالبية المجتمع ولا أعمم ممن ينتمي إلى مجموعات أو فئات أو مذاهب أو أفكار ليس عندهم بعد القدرة لتفهم الرأي والرأي الآخر وتقبله بل هو التعصب الأعمى إن لم يكن باللسان صراحة فهو بالقلب وحقيقة بعيدين عن تلك المقولة "قولي صواب ويحتمل الخطأ وقول غيري خطأ يحتمل الصواب".
…* ما هو ردك على رأي كبار علماء أهل السنة بأن الشيعة هم الرافضة وأنهم (أي الشيعة) يقولون بأن القرآن محرف وناقص وأن صحابة الرسول باستثناء البعض ارتدوا بعد وفاة الرسول وأن أئمة الشيعة الاثني عشر معصومون ويعلمون الغيب وجميع العلوم التي خرجت على الملائكة والأنبياء والرسل .. وأنهم ليسوا كسائر البشر- كما جاء في كتاب "الشيعة والمتعة" لمؤلفه نظام الدين محمد الأعظمي؟
…أما قولهم بأن الشيعة يؤمنون بتحريف القرآن فهذا هو الباطل بعينه وأنا احتفظ اسم سني وهو عالم حينما قال "أنا أتحدى أن يقال بأن الشيعة يؤمنون بتحريف القرآن" ولكن أقول أن هناك معاني نزلت لآيات من القرآن هذه التي لم يتم تبليغها أو إيضاحها ولكن الشيعة تؤمن بأن القرآن الذي بين أيدينا وما بين دفتيه هو الذي نزل على الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.
…أما ادعاءهم بأن الشيعة يقولون بردة بعض الصحابة فأقول لما لا؟! وقد كانت حروب الردة في زمن أبي بكر الصديق لأناس من الصحابة ارتدوا عن دين الإسلام.(40/111)
… أما بالنسبة للائمة الاثني عشرية فقضية العصمة هي جائزة عند أي واحد من الناس ولكن هي حتمية عند أنبياء الله ورسله. ألا ترى أن الصبي بفطرته معصوم عن كثير من الأخطاء والزلات ولا يفكر ولو بمجردهم في خديعة أو مؤامرة أو معصية بل هي البراءة والعفة والطهر. فإذا كان هذا لغير كامل العقل ويؤتى العصمة إلا يحتمل إن من أوتي عقلا أن يؤتى عصمة وإذا كان هذا المقصود به الأئمة الاثني عشرية وهم من آل البيت فلماذا نستبعد عنهم مثل ذلك ونحن قد يبرئ البعض منا أخاه من كثير من المعاصي ويعصمه عنها وقد كان هذا حتى مع صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من غير بيته.
…أما بالنسبة للغيب فهناك غيب لا يطلع عليه إلا اله ولكن هناك بعض الغيب يطلع عليه من شاء الله له ذلك. أما القول بأنهم ليسوا كسائر البشر فأقول كما أن الرسول هو بشر وليس كسائر البشر فهؤلاء هم بضعة رسول الله.…
…* ألا ترى أن التمسك باعتناق المذهب الشيعي قد يحدث فتنة نحن بالغنى عنها خاصة وأنه لا ينقص المجتمع فتن ومشاكل وإشكاليات في هذا الزمان؟
…أقول بصراحة متناهية هكذا هم وبينما هم لا يستطيعون أن يعالجوا الأمراض والأوبئة التي تخر فيهم والتي أسسوها هم أو أسسها لهم من سبقهم بمجرد أن يأتي فكر آخر يتناسوا حالات التمزق والتفرق والتشتت ويأتي كل واحد وكل مذهب وكل فئة وكل حركة وكل جماعة وعدد من هذا كثيرا ولا حرج، يأتون ليقولوا لك أنت الفتنة ونسوا أن حركتهم أصبحت حركتين أو أكثر وفكرهم أصبح فكرين أو أكثر وجماعتهم أصبحت جماعتين أو أكثر ومذهبهم أصبح مذهبين أو أكثر وحزبهم وفئتهم وعائلتهم.
الإمام من البعنة الذي غير مذهبه لشيعي تراجع
(موقع بانيت وصحيفة بانوراما)…
…
…ننفرد بنشر هذه المقابلة بالكامل حول ثبات الشيخ نور اليقين بدران على سنيته وانه لم يغير يوماً من الأيام المذهب الذي ولد عليه ويرفض كل اتهام وجه له ويعتبره سوء فهم .
…قال الإمام نور اليقين بدران:(40/112)
…كل من سمع عن العمليه برمتها من فكر طرحته وهو غريب على عامة الناس، الذين رأوا بطرح الفكر محاولة لتغيير الدين الذي نحن عليه، وكأنني اعتنق ديناً غير الدين الذي أنا عليه. هذا من باب الجهل. وقد تسبب ببلبلة. ولكنني طرحت هذا الفكر لاتساع آفاق العقل، حتى إذا طرح فكر كهذا لا يلقى مواجهة واستهجان خاصة وأن في الحرب الأخيرة تساءل الناس هل الشيعة إسلام أم لا؟
…وكلنا سمعنا الشيخ يوسف القرضاوي الذي قال لا يضير المقاومة الإسلامية في لبنان أنهم من الشيعة إذ أن الشيعة هم من أهل لا اله إلا الله وهم جزء لا يتجزأ من الأمة الإسلامية يتفقون معنا في كثير من الأصول ويخالفوننا في بعض الفروع.
…وأضاف نور اليقين بدران: أنني اعتبر أن ما أدلى به الشيخ القرضاوي مشروعاً غريباً على فكر عامة الناس بأن الشيعة مسلمون وأنا أردت أن أتقدم للأمام وقلت ولم لا يكون لدينا فكر من الشيعة أو حتى ممن يتشيعون خاصة وان الفكرة لم تطرح على خلفية الحرب ولكنها من أجل الاهتمام بآل رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم.
…وقال: انه لا يوجد أي نوع من التركيز أو الاهتمام من أهل السنة لآل بيت رسول الله . ولكن أعتقد أنه بعدم الاهتمام وكأن من لا يهتم بآل النبي كافر.
…وهو أمر مرفوض بتكفير أي إنسان. فقد قال الرسول محمد صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا الله إلا الله محمد رسول الله فان قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله).
…وتابع الإمام نور اليقين قوله: ومن هذا المنطلق أردت للناس ألا يتقوقعوا في مذهبية هنا وهناك وعلمت أن الأزهر الشريف يقوم بتدريس مذهب الشيعة فلا مانع من طرح هذا الأمر على الناس. وبما أن الناس ليس لديهم القدرة من هذا الطرح.(40/113)
…وأقول: إنه وبما أن الناس امتنعوا عن التراجع عن قولهم بأنني تركت أهل السنة والجماعة واعتنقت المذهب الشيعي، وأصبحت الهوة بيني وبين الناس كبيرة جداً، وتكاد تصل للتكفير. فأردت أن ارجع، لا على أني انكرت سنة رسول الله ولا عن أني أنكرت شيئاً من كتاب الله ولا عن تعظيم لصحابة رسول الله ولكن فهم الناس هكذا، وهكذا هم استوعبوا القضية وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أمرت بمداراة الناس". وأنا قلت وما زلت على السنية، إن الأمر إذا كان كذلك فانا أرجع للسنية وان كنت في طرحي للفكر لم أكن منكرا لأهل السنة والجماعة بل كنت على الحقيقة من أهل السنة والجماعة وكما قال قاضي سوريا وهو من أهل السنة والجماعة باني شيعي الولاء سني الاقتداء.
…وأكد الإمام نور اليقين بدران: أن كلمة الشيعة تشكل نوعاً من الحرج عند الناس ونظراً لهذا المفهوم أؤكد بأني لم أغير سنتي ومن أهل السنة والجماعة وإن شئتم أن أقول أنني متراجع فإني متراجع وأنا من أهل السنة ولا غرابة في ذلك.
…وعن لقائه بالمسؤولين في وزارة الداخلية قال الإمام نور اليقين بدران: قسم الأديان في وزارة الداخلية استدعاني والتقيت بعدد منهم وقالوا أنهم قرأوا ما صدر على لساني في الصحف وسألوني ما توجههي وفيما إذا كنت شيعي التوجه فأكدت أنني ما زلت معتنقاً المذهب السني ولم أتراجع عنه يوماً من الأيام. وبالتالي فاني طرحت القضية كفكر، وإذا الناس اعتقدوا أمراً آخر فأني اسحب الاعتقاد الذي ظن به الناس, ومن ثم أكدوا لي انه بما أنك ما زلت على ما كنت فانك تستمر بعملك إماماً سني للمسجد.
موجة تحول من المذهب السني إلى الشيعي في سورية
بسبب الإعجاب بنصر الله
الشرق الأوسط 7/10/2006
…يوم السبت الماضي، قام منير السيد وهو سني عربي في منتصف العمر من مدينة حلب السورية، بشيء فعله مرة واحدة من قبل في حياته كلها، من دون إبلاغ زوجته أو أصدقائه.(40/114)
…فقد دخل ضريحا شيعيا خلال رحلة عمل إلى دمشق، وخلع حذاءه احتراما، وسار عبر الضريح مخفضا رأسه احتراما ـ ليس كسني، ولكن كشيعي. وصلى السيد المحامي البالغ من العمر 43 سنة وسط الشيعة، واضعا يديه إلى جانبه مثلما يفعل الشيعة، بدلا من وضع يده مربعة كما تفعل أسرته السنية وغيرها من السنة لأجيال.
…وخطوة سيد الجديد عبرت الخط الفاصل بين الطائفتين الإسلاميتين الرئيسيتين، ليس لديها علاقة بالدين أو أي شيء يتعلق بحالة الاستقطاب للشؤون السياسية في الشرق الأوسط والعالم كما أوضح: فقد سيطرت على المحامي القادم من مدينة حلب، الرغبة في التعبير عن تقديره لزعيم حزب الله حسن نصر الله، الذي يعتبر العديد من المسلمين حول العالم ميليشياته الشيعية، بأنها أذلت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية وحليفتها الولايات المتحدة في لبنان، في فصل الصيف الماضي.
…وقال السيد وهو يبتسم ابتسامة "أنا سني، ولكني انتمي لحسن نصر الله،"، وكان منير يجلس تلك الليلة مع مجموعة من السنة والشيعة في قاعة اجتماعات في دمشق. ودمشق مثل باقي العالم الإسلامي، في الأسبوع الثاني من شهر رمضان. ويسيطر على الحياة تلك الأيام إيقاع الصيام خلال اليوم والاجتماعات خلال الليل لقضاء ساعات، يتناولون فيها الطعام ويدخنون الشيشة ويتبادلون الأحاديث. وأوضح السيد "لقد اعتنقت من الناحية السياسية". وأوضح انه صلى كشيعي خلال المعارك بين حزب الله والجيش الإسرائيلي، "أنا مؤيد لسياسات حسن نصر".
…وتجدر الإشارة إلى أن السيد ليس وحيدا، طبقا لما ذكره عدد من رجال الدين الشيعة. فالمشاعر في الشرق الأوسط بعد الحرب في لبنان والفظائع في الحرب التي تقودها الولايات المتحدة في العراق، تشرح العديد من الاتجاهات العامة في العالم الإسلامي.(40/115)
…وتجدر الإشارة إلى أن 70 في المائة من سكان سورية من السنة. وتزايد شعبية الشيعة يثير قلق بعض السنة. فقد قلق سياسيون وقادة عرب من النفوذ المتزايد لـ«لهلال الشيعي»، وهو الهلال الممتد من أفغانستان عبر إيران الشيعية للعراق، حيث تمكنت الأغلبية الشيعية من السيطرة على مقاليد السلطة، عبر سورية إلى لبنان، حيث يقيم حزب الله قاعدته، وحيث يعتبر شيعة لبنان اكبر طائفة دينية.
…من ناحية أخرى يقول بعض الشيعة والسنة أن الحرب بين حزب الله وإسرائيل قربت ما بين الطائفتين. فالعديد من الشيعة والسنة خارج لبنان، يشعرون بالفخر بنصر الله حتى وهم يشعرون بالقلق من سفك الدماء الطائفي في العراق، طبقا لما ذكره رجال الدين والمحللون السياسيون في دمشق.
…وقال مصطفى السادة وهو رجل دين شيعي شاب يعمل مع العديد من السنة الذين يأتون إلى المؤسسات الدينية الشيعية يطرحون تساؤلات حول اعتناق المذهب الشيعي، "لقد قدم إلينا جورج بوش خدمة. فقد وحد العرب". وقال السادة انه يعرف أن 75 سنياً من دمشق اعتنقوا المذهب الشيعي منذ بداية المعارك في لبنان في منتصف شهر يوليو (حزيران).
…وقد صعدت الحرب ما وصفه بأنه اتجاه متزايد نحو اعتناق المذهب الشيعي في السنوات الأخيرة. وقال: "يمكننا الإحساس به. لدينا اتصالات من دول أخرى، يطلبون منا فتح المجالس وإرسال رجال دين".
…وأبدى محلل علماني قريب من عديد من المسؤولين في الحكومة السورية إعجابه بالتحالفات عبر المذهبين، الناجمة عن الحرب. وتبارت "القاعدة" وحماس والإخوان المسلمون بإصدار بيانات ذات درجات مختلفة من التأييد لمعركة حزب الله، الذي يعتبر في العادة هدفا، وليس حليفا للسنة. وعودة العلاقات بين السنة والشيعة ليست لها علاقة بالتقارب من الأيديولوجيا أو حل العداوات القديمة، فالسبب الرئيسي يرجع إلى الاختيار من أي صف ستجلس كلا المجموعتين من الصراع العالمي بين الشرق والغرب.(40/116)
…ويقول وائل خليل، 21 سنة، الذي يدرس القانون الدولي بجامعة دمشق، والذي شاهد على قنوات التلفزيون مسلحي حزب الله وهم يهزمون القوات الإسرائيلية بسهولة "لأول مرة في حياتي أرى حرباً ينتصر فيها العرب". وقد بدأ خليل السني بعد ذلك من إتباع العادات الطقوس الشيعية، ويخطط للتحول بشكل كامل من المذهب السني إلى الشيعي بينما انتمى أصدقاؤه إلى المذهب السني لكنهم في الوقت نفسه طبعوا ملصقات للشيخ نصر الله ووضعوها على جوانب سياراتهم وعلى حوائط غرفهم. واختلطت الأعلام الصفراء مع الأعلام الخضراء لحزب الله في ساحة مسجد السيدة زينب بينما ازدحمت الشعارات على صناديق النذور داخل المقامات بعبارات تشجع الشيعة من إيران والعراق والبحرين وسورية وتثني على بطولة اللبنانيين في مقاومتهم لإسرائيل.
…ويحتفظ آية الله خامئني الزعيم الروحي الأعلى الإيراني وآية الله علي السيستاني الزعيم الديني الشيعي للعراق ومقتدى الصدر الزعيم السياسي والعسكري الشيعي في العراق بمكاتب حول هذا المسجد في دمشق. والحكومة أيضا دعمت شعبية نصر الله لتدعيم شعبية بشار الأسد وانتشرت الملصقات لبشار الأسد مع زعيم حزب الله، كما ظهرت صور للرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد، ويرى بعض السوريين أن الحكومة ليست مرتاحة لازدياد نفوذ الشيعة في سورية ويرون أنها علامة على النفوذ الإقليمي لإيران. وقال احد العاملين في مجال صناعة السينما أن الحكومة قلقة للغاية، فهناك موجات كبيرة من الإيرانيين تشجع على التحول من المذهب السني إلى الشيعي. بينما نفى السادة أن تكون طهران هي السبب في هذا التحول وقال بنبرة كبرياء عربية إن إيران ليست نقطة تمركز الشيعة.
…وفي مزرعة بمدينة هاتلا التي تبعد خمس ساعات بالسيارة عن دمشق تجمعت جماعات الضواحي السورية التي تحولت بصفة كلية من المذهب السني إلى الشيعي، وهم على مقربة أقل من 100 ميل من منطقة الأنبار العراقية السنية.(40/117)
…ويقول احد الشيوخ في القرية: أن التحول إلى المذهب الشيعي ليس سهلا، فمنذ خمس سنوات كنا نخشى مجرد الإعلان عن اعتناقنا لهذا المذهب. والآن بعد تقدم القنوات الفضائية وبعد أحداث حرب العراق، أجبرت الأحداث السنة السوريين والأغلبية الشيعية في العراق على التعاون في مواجهة القوات الأميركية.
غليان إسلامي سوري
في مواجهة غزو إيراني يحميه الأسد
بقلم أحمد الأيوبي
[رئيس المركز اللبناني للإعلام، كاتب مخصص في الشؤون الإسلامية]
الشراع 23/10/2006
…[عثر في مدينة طرابلس بشمالي لبنان على صندوق كرتون فيه قنبلتان يدويتان قرب باب مكتب رئيس "المركز اللبناني للإعلام" صاحب جريدة "التحرير" الطرابلسية سابقاً احمد الأيوبي، ومع القنبلتين رسالة تهديد جاء فيها "الموت لأصحاب الأقلام المأجورة .. في المرة الثانية لن يكون هناك إنذار، لان الموت سيكون في الانتظار .. ما ينفع غير لغة القنابل مع الأقلام المسمومة ولبنان ما راح يكون إلا للعروبة". وذلك بعد نشره هذا التحقيق. الدستور 21/10/2006] (الراصد).
…تتكاثر في سماء سوريا، ولا سيما دمشق الشام غيوم القلق والتوتر الشعبي، على خلفية تراكمات شديدة التعقيد والخطورة، وهي تحمل ملامح صراع سياسي بلباس مذهبي، نتيجة سياسة معتمدة يقوم النظام السوري بتنفيذها، وهي تهدف إلى إحداث خلل في التوازنات المذهبية والسياسية القائمة، رغم الخلل القائم أصلاً، بسبب ميراث القمع الذي تركته السنوات الثلاثون الغابرة من حكم عائلة الأسد باسم البعث وباسم الطائفة العلوية وباسم القومية والعروبة..
فشل التغلغل الإيراني خلال حكم حافظ الأسد:(40/118)
…خلال حكم الرئيس الراحل حافظ الأسد، ورغم احتفاظه بتحالف استراتيجي مع إيران، إلا انه لم يسمح لأساليب نشر الثورة الإيرانية بالتسلل إلى سوريا، وكان بانتظام وإصرار يلجم التواجد الإيراني، بل انه عمد في مراحل مختلفة إلى إغلاق المعاهد والمؤسسات وحتى المستوصفات، الممولة إيرانياً، وكان حجم الأسد الأب وسطوته وقدرته على إدارة العلاقة مع إيران .. يحول دون فتح أي باب لمناقشة إجراءاته في مواجهة تغلغل المؤسسات الإيرانية في سوريا. وكان الإيرانيون قد حاولوا الدخول إلى المناطق التي تتواجد فيها الطائفة العلوية، مستغلين ما يعتبرونه تقارباً مذهبياً مع أبنائها. إلا أن الرئيس الأسد الأب، اتخذ سلسلة إجراءات داخل الطائفة العلوية وخارجها لضمان عدم التسلل الإيراني إلى الداخل السوري.
…ومن الإجراءات التي قام بها الرئيس الراحل أيضاً انه كلف مفتي سوريا السابق المرحوم الشيخ أحمد كفتارو بإنشاء معاهد لتدريس وتحفيظ القرآن الكريم، في كل أرجاء سوريا بما فيها المناطق ذات الكثافة السكانية العلوية، وقد عرفت هذه المعاهد باسم "معاهد الأسد لتحفيظ القرآن الكريم" بالإضافة إلى منع البعثات التعليمية الدينية إلى إيران.
متغيرات واختراقات:
…مع وفاة حافظ الأسد وتولي نجله بشار رئاسة الجمهورية، بدأت هذه التوازنات تتزعزع والتحفظات تتراجع. فالتغلغل الإيراني في سوريا، واشتداد حملات التشييع في صفوف الشعب السوري، وتجنيس الإيرانيين والعراقيين (الشيعة) ذوي التوجهات الإيرانية، بمنحهم الجنسية السورية من قبل النظام .. وقد تجاوزت أعدادهم المليون حتى الآن، ويقيم معظمهم في منطقة (السيدة زينب) وما حولها من دمشق ..!(40/119)
…كما برزت عمليات التزوير الفاضحة للتركيبة الديموغرافية للشعب السوري، ولعل أشدها وضوحاً، تلك الدراسات الوهمية التي نشرتها المخابرات الطائفية السورية، عن ان المجتمع السوري هو مجتمع أقليات، وان أهل السنة العرب لا تتجاوز نسبتهم 45% من مجموع الشعب السوري، وان هؤلاء منقسمون على أنفسهم! في محاولات لتزوير التاريخ والجغرافيا والديموغرافيا السورية، كما عمد النظام السوري إلى إحضار ميليشيا خاصة مهمتها الدفاع عن هذا النظام، تضم حوالي ثلاثة آلاف من القوات الإيرانية، بالإضافة إلى بعض التشكيلات من الحرس الثوري الإيراني، المختصين بحرب المدن، وهي تعمل إلى جانب قوات الحرس الجمهوري بقيادة ماهر الأسد. كذلك تعمل الجهات والمؤسسات الإيرانية على تخريج مجموعات متطرفة من السوريين، عبر استيراد أصحاب هذا الفكر من إيران والعراق ولبنان، لفتح "الحسينيات" في جميع أنحاء سوريا لنشر هذه الأفكار، وقد لوحظ أن النظام يقدم تسهيلات هائلة لمجموعات تعمل على إقامة حزام حول مدينة دمشق، فيما يبدو بوضوح أن هناك موجة متواصلة لشراء المنازل والأراضي في دمشق وأطرافها.(40/120)
…أما الحوزات الإيرانية فعاودت نشاطها بقوة غير مسبوقة، ناشرة فروعها في مختلف المناطق، وهي تقوم بأعمال التدريس من غير حسيب ولا رقيب، لا على المناهج ولا على الأداء .. وقد دخلت في سباق محموم مع المعاهد الشرعية الإسلامية "السنية" لاستقطاب الطلاب الوافدين إلى سوريا، والذين طالما اعتادوا ارتياد هذه المعاهد منذ عقود طويلة .. حيث يقوم الإيرانيون بتقديم مغريات متواصلة لهؤلاء الطلاب، بدءاً من الدراسة المجانية مروراً بالرواتب الشهرية وليس انتهاء بالزواج والدعم في مرحلة ما بعد الدراسة حيث تعمل إدارات الحوزات على تحويل هؤلاء عبر البعثات الدبلوماسية والدينية الإيرانية في دولهم، إلى أدوات تحريك فاعلة في بلدان، مثل ماليزيا وإندونيسيا والهند وباكستان وأفغانستان والبوسنة وغيرها.
اختراق الحدود:
…منذ تولي بشار الأسد الرئاسة في سوريا، بدأت متغيرات إعلامية ذات دلالة بالظهور عبر شاشات التلفزيون السوري المحلية والفضائية. فقد استحضر النظام مشايخ من اللون الإيراني لتظهيرهم على حساب الوجوه الإسلامية التي طالما شكلت الوجه "التقليدي" طيلة الفترات السابقة.
…وقد تطوّر هذا الوضع ليلقي هؤلاء "القادمون الجدد" عبر وسائل الإعلام الرسمية دروساً ذات توجهات خلافية، كما حدث قبل حوالي الشهر، عندما أطلّ أحدهم فاتحاً الباب أمام أكثر القضايا إثارة للخلاف السني – الشيعي (مثل الموقف من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم)، ليتبنى موقفاً محدداً ومنحازاً، أدى إلى ردات فعل إسلامية شديدة الخطورة في دمشق خصوصاً، وفي مناطق أخرى تشهد احتكاكات مماثلة مثل حلب وجوارها.(40/121)
…ومن مؤشرات التوسع الإيراني في سوريا، وجود إذاعة تبثّ على الموجة القصيرة جداً "أف. أم" تتولى بث المفاهيم العقائدية والسياسية، على غرار الإذاعات التابعة لـ "حزب الله" في لبنان ولـ "المجلس الأعلى للثورة الإيرانية في العراق". ومما يفاقم هذا الاحتقان، إخضاع دوائر الأوقاف الإسلامية، وخصوصاً في دمشق وحلب لمنظومة فساد تكاد تأتي على هذه المؤسسات العريقة، دون أن يستطيع العلماء التصدي لهذا الواقع المتدهور المرتبط بالإدارة الرسمية المهيمنة.
تجدد الاعتقالات:
…تكررت في الأخبار منذ بضعة شهور عناوين اعتقالات في محافظة الرقة وتذكر الأسماء دون ذكر الأسباب حتى وضحت القضية اليوم. فقد ذكر القادمون من داخل سوريا أن كل من يعارض موجة التشييع المذهبي – السياسي التي تقوم بها المؤسسات الإيرانية، والمتواصلة على قدم وساق اليوم في سوريا عامة، وفي محافظة الرقة خاصة .. وكل من ينتقد أو يعارض أو يعبّر عن عدم سروره ورضاه لتشيع بعض المواطنين السوريين الفقراء من القبائل العربية في الرقة، يكون مصيره الاعتقال من قبل وحدات الأمن السورية، ويتهم بأكبر تهمة توجه في سوريا اليوم وهي أنه "وهابي" أو "تكفيري".
…وفي موقع سوريا الحرة ليوم الأحد 10/9/2006 أعلن عمار قربي أن السلطات السورية اعتقلت في 23/8/2006 خمسة عشر مواطناً في الرقة على خلفية دينية محظورة، بعضهم من الطلاب والموظفين وذوي الأعمال الحرة.
الرقة: كلية إيرانية:
…وفي الرقة تركيز على دعوة القبائل العربية إلى التشيع ومعاداة أهل السنة، وإثارة أحقاد تاريخية زرعها أعداء الإسلام بين أبنائه.(40/122)
وفي الرقة أنشأ الإيرانيون ما يشبه كلية الشريعة يدرس فيها الطلاب الأسس والمبادىء، ثم يرسل النابغون منهم إلى مدينة قُم ليتخرجوا منها دعاة للسياسة الإيرانية. يشار هنا إلى أنه منذ عقدين يعمل حزب "جمعية المرتضى" على نشر التشيع بين القبائل العربية البدوية مستغلاً انتشار الجهل عند الكثيرين، وعدم اهتمامهم بتعلم دينهم، مما جعلهم فريسة سهلة لهذا الاختراق.
بعد "الإخوان" .. الوهابية:
…الاتهام بالانتماء إلى جماعة دينية محظورة أو تكفيرية أو وهابية، بات موضة جديدة تختلقها وحدات الأمن السورية وتلصقها بكل من يعبّر عن عدم ارتياحه في انتشار وفرض التغيير الديني والفكري والسياسي على المواطنين، تدل على الإصرار لدى الوحدات الأمنية على محاولة السيطرة والتدخل في عقول المواطنين، وحجر التفكير عليهم. وتركز الوحدات الأمنية على المواطن السوري العائد من العمرة في الديار المقدسة، وتصادر ما يحمل من كتب دينية أحضرها معه من مكة والمدينة، وكثير من المواطنين يحضرها للذكرى أو التبرك بها حسب فهمه، ولا علاقة لهذه الكتب أو لمن يحملها بمقاومة تيار التشيع في سوريا.
…وفي الواقع، فإن النشاط الإيراني في أي بقعة انتشر بات يولد ردات فعل مضادة، تتسم في الكثير من الأحيان بالتشدد، نظراً لما تفرضه هذه الممارسات من استعادة للكثير من الهواجس، ونظراً للواقع والصورة المخيفة التي خلفتها السياسة الإيرانية في العراق.(40/123)
…أما إعلان عدم السرور من التشيع، فهذا ليس وهابية ولا صوفية، ومن حق المواطن أن يتكلم ويعبر عن رأيه، ومن حق المجتمع المدني أن يتحرك لسد الثغرات التي تسبب المتاعب في المستقبل، ومن حق المواطن السوي أن يقول: لا داعي ولا حاجة لنشر المذهب الشيعي في سوريا بين أهل السنة.. انشروا هذا المذهب بين غير أهل السنة لعل ذلك يكون مفيداً.. أما أن تبنوا مذهباً شيعياً مواجهاً للمذهب السني ((مذهب الأكثرية المسلمة في سوريا) فهذا يتوقع أن يسبب المزيد من الصراع والعنف الطائفي كما يحدث في العراق اليوم.
اجتياح ايراني لسوريا:
…أكثر من خمسمائة حسينية تبنى في سوريا، وقيل في دمشق فقط، وصار تحول المسلمين السنة في محافظات الرقة وحلب على قدم وساق، ومنح النظام السوري الجنسية السورية لعشرات الألوف من الإيرانيين، في حين يحجبها عن المواطنين الأكراد السوريين منذ أربعين عاماً. ويتضامن النظام السوري مع إيران ضد عرب الأهواز (مع أنهم شيعة) ولكن الإيرانيين يضطهدونهم، وقد نشرت الصحف خلال الشهر الماضي أن النظام السوري سلم حكومة طهران عدداً من الأهوازيين المعارضين للنظام الإيراني.
أزمة استهداف المعاهد الشرعية:(40/124)
…كل هذه التطورات تأتي في ظل إطلاق حملة على التعليم الشرعي الإسلامي في سوريا بدأت منذ قرابة العامين ولا تزال مستمرة، عندما أقدمت وزارة التربية على اتخاذ جملة إجراءات أبرزها قضم إحدى مراحل التعليم من المناهج المعتمدة في الثانويات والمعاهد الشرعية "المرحلة الإعدادية" مقابل إطلاق يد كامل للحوزات والمؤسسات الإيرانية في سوريا، الأمر الذي خلق حالة توتر واسعة النطاق، بلغت ذروة التعبير عنها في البيان الذي أصدرته "رابطة علماء سوريا"، والذي رغم احتفاظه بالأدبيات السياسية التي تحكم الواقع السوري، مثل التوجه للرئيس السوري من أجل التدخل لوقف قرار وزير التربية إلغاء المرحلة الإعدادية من التدريس في المعاهد الشرعية، إلا انه لم يخف خطورة وتداعيات هذا الأجراء غير المفهوم والذي ليس له ما يبرره إلا البحث عن أسباب الفتنة وإخراجها للعلن وطرحها في الشارع كأزمة ساخنة ..
رابطة علماء سوريا:
…وقبل الدخول في تفاصيل البيان، لا بد من التعريف بهذه الرابطة وأهدافها وأهميتها، تعتبر "رابطة علماء سوريا" الامتداد الديني لرابطة علماء الشام التي تأسست سنة 1938 في مؤتمر جامع انعقد في دمشق وحضره ما يزيد عن المائة من علماء بلاد الشام (سوريا، فلسطين، لبنان والأردن) وكان لها دور في مواجهة المشروع الصهيوني، وفي إرساء الوحدة الوطنية وأسس المواطنية في سوريا ومجمل بلاد الشام.
…وقد انعقد الاجتماع التأسيسي للرابطة بحضور وزير الأوقاف السوري الدكتور زياد الدين الأيوبي ومفتي سوريا العام احمد بدر الدين حسون، وشهد حضوراً لافتاً من العلماء حيث تم الاتفاق على برنامج عمل الرابطة، وكان اللقاء التمهيدي الأول قد انعقد في قاعة القدس في مجمع الشيخ احمد كفتارو في 19/4/2006م.(40/125)
…أما أبرز أعضاء رابطة علماء سوريا هم: السيد محمد الفاتح الكتاني، الحافظ الشيخ محيي الدين الكردي، الشيخ محمد كريم راجح (شيخ قراء بلاد الشام)، الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، الدكتور وهبة الزحيلي، الشيخ عبد الرزاق الحلبي، الدكتور محمد محمد الخطيب (وزير الأوقاف الأسبق)، السيد غسان النحاس (عضو مجلس الشعب) والدكتور محمد عبد اللطيف فرفور وغيرهم من علماء سوريا البارزين.
…وقد وضعت الرابطة جملة أهداف تسعى لتحقيقها، وهي تبدأ بالمجال الدعوي وصولاً إلى السعي لأخذ دورها على المستوى الوطني، في إشارة واضحة إلى مخاطر الفراغ السياسي الحاصل وضرورة ملئه على مستوى الحالة الإسلامية في سوريا.
الأهداف والغايات:
•…نشر الدعوة الإسلامية وإبلاغها في كل مكان من خلال وسائل الاتصال المتنوعة المرئية والمسموعة والمقروءة.
•…تعليم الناس أحكام دينهم ودنياهم من خلال الفتوى المسؤولة المبنية على فقه الإسلام وفقه الواقع.
•…التواصل مع الجهات العلمية الإسلامية القائمة من مفكرين ودعاة وعاملين للإسلام وفقهاء، لتوحيد الجهود في كل مجالات العمل الإسلامي.
•…تقديم الإسلام بصورته الحقيقية المشرقة البعيدة عن الجمود والتطرف.
•…تقوية اللحمة الأخوية بين المسلمين على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم.
•…تنمية العلاقات بين الجماعات الإسلامية على الساحة السورية في الداخل والخارج.
•…تأسيس مدارس جديدة للدعاة والأئمة والخطباء وتأمين الدعم المالي لها، وتدريب الخريجين الجدد على الخطابة والدعوة.
•…تشكيل لجان لفض النزاعات وإصلاح ذات البين، وتنشيط الزواج القويم في صفوف الشباب والفتيات وتذليل مصاعبه.
•…التفاعل مع الأحداث الجارية على الساحة السورية والتأثير فيها ما أمكن.(40/126)
•…التواصل مع كل قيادات الشعب السوري بكل أطيافه واتجاهاته والعمل معاً على خدمة هذا الشعب، وقد قامت لجنة مؤقتة تدعو إلى هذه الأهداف، واختارت أن يكون الموقع الالكتروني أداة الاتصال بداخل سوريا وخارجها، ويعلن الانضمام للرابطة من خلاله، لتشكل بعدها الهيئة التأسيسية لرابطة علماء سورية على أوسع نطاق، وتختار الهيئة بملء إرادتها قيادتها التنفيذية خلال عام على الأقل، والمائة الأوائل الذين قامت على أكتافهم نواة هذه الرابطة جميعهم جنود لتحقيق هدف الرابطة الأشمل والأوسع من كل علماء الأمة.
بداية القصة – الأزمة:
…قبل عامين أقدم وزير الأوقاف السوري على إصدار قرار يقضي بإلغاء المرحلة الإعدادية "الابتدائية" من الدراسة في المعاهد الشرعية، مما أحدث خللاً في الانتظام التعليمي العام للمعاهد الشرعية، الأمر الذي اعتبره العلماء إشارة انطلاق فعلية للتضييق على المعاهد وبداية قضم العملية التربوية فيها، ويبدو أن العلماء حاولوا في البداية التصدي لهذا الإجراء عبر وسائل تصاعدية، لم تستطع أن تعطي أي نتيجة تذكر.
…ورغم محاولاتهم إيجاد مسافة بين وزير التربية وبين الرئيس الأسد لإيجاد مخرج لهذه الأزمة، إلا أن العلماء يعرفون تمام المعرفة من يتخذ القرارات التي يشكون منها، وان مثل هذا التوجه في سوريا لا يمكن أن يأخذ طريقه للتنفيذ دون علم مواقع القرار الأولى في النظام السوري، ذي الطابع المركزي، والمتحكم بسائر التفاصيل في الحياة السورية.(40/127)
…بدأ العلماء بيانهم بتوجيه الخطاب إلى الرئيس السوري وتذكيره بضرورة تحمل مسؤولياته في تأمين "الضمانات اللازمة لتربية النشء في الأمة العربية تربية أخلاقية سليمة تسمو به فوق كيد الكائدين وتعينه على النهوض برسالته في الحياة"، ولفت العلماء إلى أن "هنالك من يحاول إبراز التآمر على أخلاق هذه الناشئة ودينها، في مظهر التدبير لشأنها والاهتمام بمصالحها، وهي في الحقيقة مؤامرة تحاك خيوطها منذ قرابة عامين". وتقدم العلماء الموقعون بجملة نقاط أبرزها:
رفض تجفيف روافد المعاهد الشرعية؟!
…أولاً: إن من الممكن تنفيذ الهدف الرامي إلى إحداث المرحلة الأساسية بحيث تصبح مكونة من حلقتين الابتدائي والإعدادي، وتدريس مقرراتها كاملة، دون الحاجة إلى حذف المقررات الشرعية التي يكلف بها طلاب المعاهد والثانويات الشرعية من حلقة الإعدادي فيها، وتلك هي الحال في مدارس الشويفات، حيث تدرس فيها مقررات المرحلة الأساسية مضافاً إليها زيادات غير موجودة في مدارس الدولة، ولم يعترض احد على تلك الزيادات ولم تطالب إدارة تلك المدارس بحذفها .. ولكن الخطة المرسومة في وزارة التربية تهدف إلى تجفيف روافد الثانويات والمعاهد الشرعية، ثم القضاء عليها، ولأن الطالب إذا تجاوز الحلقة الثانية من المرحلة الأساسية بعيداً عما لا بد منه من المقررات الشرعية الممهدة، فإنه لن يجد ما يدعوه تربوياً ولا ثقافياً إلى التحول إلى الدراسة الشرعية، ولسوف يختار ما هو أمامه من الفرع العلمي أو الأدبي وبذلك يتم القضاء على المعاهد والثانويات الشرعية من حيث هي..(40/128)
…ثانياً: أن تسكين الهياج القائم اليوم في صدور الآباء والأمهات لهذا البلاء الذي فوجئوا به عن طريق الوعد بإحداث معاهد شرعية متوسطة، ألعوبة لا تنطلي على أحد ولا يمكن لها أن تخدر المشاعر أو أن تبرد لظى هذا الهياج، إن المقصد الذي لا بديل عنه ولا تعوض عنه كنوز الدنيا، أن تتوافر لأولاد هذه الأسر في مرحلة المراهقة ضمانات التربية الدينية والسلوك الأخلاقي الأمثل، وإنما ميقات ذلك الحلقة الأولى في منهاج المعاهد والثانويات الشرعية يليها ما يستكملها من الدراسات الشرعية اللازمة في الحلقة الثانية، وإذا زج بالتلامذة في مرحلة المراهقة داخل تيار الضياع الأخلاقي وبين أمواج النزوات النفسية، فهيهات للمعاهد المتوسطة أن تصلح فساداً أو أن تقوم أي اعوجاج لا سيما إن أخذنا بعين الاعتبار ما يلي:
الموقف من تغلغل النفوذ الايراني:
…أضاف بيان "رابطة علماء سوريا" محذراً من مخاطر التغلغل السياسي الإيراني: "إن الحوزات الشيعية ماضية في تجاهل هذا التعميم (الصادر عن وزارة التربية) مصرة على عدم الاستجابة لها ومدارس الشويفات تضيف إلى منهاج المرحلة الأساسية ما تشاءه من الزيادات في الساعات والمقررات والمدارس التبشيرية الأجنبية ماضية في مناهجها الخاصة بها وأساليبها التربوية دون أي معارضة ولا إشكال".
…وختم البيان بتساؤل تحذيري: ترى ما هي الحكمة من أن ينزل هذا البلاء برأس المعاهد والثانويات الشرعية وحدها؟ وان تمضي هذه الخطة في التطبيق على التربية الدينية عموماً ومناهج التعليم الشرعي خصوصاً حتى الاختناق؟ وماذا لو فضحنا الخفايا واستشهدنا بما يعرفه بعض موظفي وزارة التربية من رسم خطة تآمرية مقصودة للإطاحة بدين هذه الأمة وثقافتها الإسلامية وتراثها الشرعي؟
ابرز الموقعين على البيان:(40/129)
…السيد محمد الفاتح الكتاني، الحافظ الشيخ محيي الدين الكردي، الشيخ محمد كريم راجح "شيخ قراء بلاد الشامط، الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، الدكتور وهبة الزحيلي، الشيخ عبد الرزاق الحلبي، الدكتور محمد محمد الخطيب"وزير الأوقاف الأسبق"، السيد غسان النحاس "عضو مجلس الشعب"، الدكتور محمد عجاج الخطيب، الدكتور مازن المبارك، الشيخ صادق حبنكة، الشيخ محمد ديب الكلاس "الشهير بالشيخ أديب"، الشيخ أسامة عبد الكريم الرفاعي، الشيخ سارية عبد الكريم الرفاعي، الشيخ محمد علي الشقيري، الشيخ صلاح الدين أحمد كفتارو، الشيخ محمد زياد الحسني الجزائري، الدكتور محمد راتب النابلسي، الحافظ الشيخ محمد سكر، الحافظ الشيخ شكري اللحفي، الحافظ الشيخ بكري الطرابيشي، الحافظ الشيخ محمد نعيم عرقسوسي، الشيخ أسامة الخاني، الدكتور توفيق محمد سعيد رمضان البوطي، الدكتور عبد العزيز الخطيب الحسني الجزائري، الداعية الأستاذ احمد معاذ الخطيب الحسني الجزائري، الأستاذ عبد الهادي الطباع، الشيخ حسن وحود، الدكتور محمد عبد اللطيف فرفور، الشيخ هاشم العقاد، الأستاذ سعيد الحافظ، الدكتور محمد سامر النص، الأستاذ ضياء الدين خطاب، الشيخ محمد هشام سعيد البرهاني، الشيخ نزار الخطيب، الشيخ الدكتور مصطفى الخن، الدكتور عماد الدين الرشيد، الأستاذ بديع السيد اللحام، الدكتور بشير العمر.
الأبعاد السياسية لبيان رابطة علماء سوريا:
-…توجه العلماء لبشار الأسد في بيانهم رسالة مباشرة للرئيس السوري بأن الجميع يدرك أن مقبض القرار في يديه أولاً وأخيراً، وأن المسؤولية تقع عليه في السماح بالتمادي في الانتهاكات التي أشار إليها علماء الشام، وأيضاً في التراخي عن معالجتها، وهي التي باتت مصدر توتر متصاعد منذ قرابة العامين حتى اليوم.(40/130)
-…وحدة كلمة العلماء التي برزت من خلال تنوع الموقعين على البيان، إذ نرى في أسماء الموقعين الأربعين كل الاتجاهات الإسلامية من علماء وفقهاء وقراء وأساتذة شريعة ومفكرين إسلاميين. تصاعد الوعي إزاء الخطوات التي يقوم بها النظام لتغيير صورة سوريا ووجهها الإسلامي تحت ستار التطوير والتوحيد.
-…توقفت أوساط إسلامية متابعة عند"أسلوب الصدع بالحق في سلوك الطريق الأمثل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذلك بمطالبة الحاكم الذي يمثل السلطة التنفيذية في البلد أن يوقف هذا المنكر".
-…أسس البيان لتوازنات جديدة على الساحة الداخلية في سوريا، رغم أن الموقعين لم يهدفوا إلى الانخراط في أي صراع سياسي، لكن أداء النظام بات يحول كل الملفات والقضايا إلى ملفات مصيرية، ويضاعف خصومه يوماً بعد آخر .. وكان لافتاً في هذا المجال أن الموقعين على البيان هم كبار علماء الشام، ومنهم من لا يمكن تصنيفه في أي إطار من اطر المعارضة، ومن المؤكد أن وصول الوضع إلى خطوط الخطر دفع بهؤلاء العلماء إلى رفع الصوت والتحذير من مخاطر هذه التوجهات..
-…من خلال هذه الممارسات لا يستهدف النظام فقد ضرب التعليم الإسلامي بل يهدف إلى إحداث شرخ بين الاتجاهات التي يفسح لها المجال للعمل دون ضوابط "الحوزات خصوصاً" وبين المرجعيات الدينية الإسلامية في سوريا، في إطار إستراتيجية تغذية التناقضات داخل المجتمع السوري، للإبقاء على سيطرته.
الأسد رفض التجاوب:
…ورغم كل هذه التوترات التي أثارها قرار وزير التربية في حكومة الرئيس بشار الأسد، إلا أن هذا الواقع الخطر لم يحرك مواقع المسؤولية في النظام لمعالجة المخاطر الناجمة عن استمراره، وقد بلغت تحركات "رابطة علماء سوريا" ذروتها في اجتماع عقدته مع الرئيس الأسد وعرضهم المسألة عليه، لكن رده كان سلبياً ولم يتحرك لوقف قرارات وزيره، بل ترك الأمر ليزداد تأزماً وتعقيداً في أوساط العلماء وطلاب العلم الشرعي وأهاليهم.(40/131)
…وحتى ندرك خطورة الموقف لا بد من الإشارة إلى أن شرائح واسعة من أبناء الشعب السوري تستفيد من نظام المعاهد الشرعية الذي يقوم بتدريس المواد العلمية والدينية بشكل متكامل، بحيث يتخرج الطلاب حاملين شهادتين دينية وعلمية في الوقت نفسه، وهذا الإقبال ناجم عن الطبيعة المتدينة للشعب السوري، التي لا ترتبط بالضرورة بأي توجه سياسي، خاصة وان النظام يمنع منذ عقود أي نشاط سياسي إسلامي في الداخل.
…هذا المنحى من الأحداث وضعه الكثيرون من المعنيين بالشأن الإسلامي في إطار تصعيد بارد واستدراج للفتن واستقطاب لعوامل التوتر وإطاحة بكل عوامل التهدئة الداخلية، في خطوات تشكل انقلاباً حقيقياً على الواقع العام في سوريا، الذي كان الرئيس الأسد الأب يدرك مخاطر الانقلاب التام عليه، ولذلك فان المتحكمين بمسار القرار والمنحازين لصالح توسيع نفوذ الحوزات الإيرانية، يريدون الانتقام من المعاهد الشرعية، مستندين إلى توجهات هذا النظام الذي يبدو انه دخل مرحلة اللعب على كل الأوتار الحامية داخل سوريا وخارجها.
"ثورة" العلماء ترجع التعليم الشرعي في سوريا:(40/132)
…إلا أن ارتفاع سخونة الوضع في الداخل السوري، وارتفاع وتيرة الاعتقالات، وتفاقم حدة الصراع بين المواقع الإسلامية السورية وبين المؤسسات الإيرانية، واتساع دائرة الاعتراض على استهداف التعليم الشرعي، دفع بالنظام السوري إلى التراجع عن قرار إلغاء المرحلة الإعدادية من المعاهد الإسلامية، حيث أصدرت السلطات السورية تعليماتها بإعادة السماح بالتسجيل في المدارس والمعاهد الشرعية، في خطوة تلبي الاحتجاجات والمطالب المنادية بالحفاظ على التعليم الشرعي في سوريا والاستمرار فيه حسبما أفادت حركة العدالة والبناء، السورية المعارضة في بيان بثته على موقعها في الشبكة العنكبوتية، مضيفة أن هذا القرار بالسماح بإعادة التسجيل في المعاهد الشرعية يأتي بعد أن كانت وزارة الأوقاف قد أصدرت تعميماً في بداية العطلة الصيفية المنصرمة يقضي بإيقاف التسجيل في المعاهد والمدارس الشرعية في سوريا، وحظي هذا التعميم بردود فعل وتفاعلات كبيرة كان أبرزها توقيع أكثر من 200 عالم سوري على عريضة احتجاج على القرار.
…وما يمكن قوله في خلاصة لهذا الملف أن تراجع السلطة السورية يأتي في إطار عجز هذا النظام عن خوض مواجهة بهذه الشمولية مع العلماء ومع الشرائح الأساسية من الشعب السوري، والتجاء هذا النظام إلى اعتماد سياسة الاعتقال المحدود والاستهداف الانتقائي لشخصيات ومجموعات محدودة للتهرب وتجنب ردات الفعل التي قد تنجم عن مواجهة مفتوحة، بوجود وسائل الاتصال وإمكانية تسريب المعلومات والوقائع عبر مختلف وسائل الإعلام.. والتفاعل الإسلامي والحقوقي مع أي حملة لانتهاكات حقوق الإنسان.
مهدي عاكف:
"الإخوان" يقاتلون تحت راية حزب الله
الوطن العربي ـ 23/8/2006
[ننشر هذه المقابلة في سياق بيان تخبط الرؤية السياسية الشرعية لكثير من قادة العمل الإسلامي، مما ينعكس على ضعف وهزال حصيلة النتائج التي تحصدها الحركات الإسلامية في الجانب السياسي وللأسف] (الراصد).(40/133)
أصبحنا في زمن العجائب، زمن الفسطاطين، إما أن تكون في معسكر الخير أو مع دول محور الشر كما في تعبير الرئيس الأميركي جورج بوش، وأيضا إما أن تكون مؤمنا أو كافراً كما في أدبيات أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة، والآن إما أن تكون مع حزب الله أو أنك تؤيد الصهاينة! ألا يوجد خيار ثالث!
ومن القوى التي حسمت مواقفها جماعة الإخوان المسلمين فقد أعلنت على لسان مرشدها العام التحالف مع حزب الله فهو من وجهة نظرها يدافع عن الأمة وشرف الأمة وإسلام الأمة!، ولإستجلاء موقف كبرى الحركات الإسلامية في العالم التقت "الوطن العربي" بمقر الجماعة الرئيس في مصر مع السيد محمد مهدي عاكف المرشد السابع للإخوان وكان هذا الحوار:
……* أود التعرف على قراءتكم لخريطة الأحداث في المنطقة؟
- خريطة الأحداث امتداد لخريطة سابقة لم يحصل فيها أي تغيير، هناك عصابات صهيونية وطأت أقدامها أرض فلسطين بقوة عالمية، ومن وجهة نظري أنهم حريصون على غرسها في هذه المنطقة حتى يكملوا مخططهم في تفريغ المنطقة من كل ما هو إسلامي أو أخلاقي والتخلص من القيم العربية الإسلامية وإبقاء العالم العربي الإسلامي في تخلف دائم، إذن من وجهة نظري فالأحداث ممتدة منذ أن جاء الصهاينة عام 1948، والوضع مستمر من سيئ إلى أسوأ نتيجة غفلتنا عن هذا المخطط الواضح أمام كل صاحب عينين شريف يحب وطنه ويحب بلده، ووصلت إلى هذه المرحلة التي انكشفت عوراتهم فيها لأنه لا يمكن بأي حال أن يكون نتيجة أسر جندي واحد تحطيم بلدة بكاملها وتحطيم دولة بأسر جنديين!
إسرائيل خرقت كل المبادئ العالمية والإنسانية والدينية وأصبح واضحا لكل ذي عينين أن هناك مخططا لهدم الإسلام والقيم الإسلامية والإنسان المسلم.
……* هل أعطيناهم فرصة لتنفيذ هذا المخطط؟(40/134)
- نعم، باستبدادنا أعطيناهم الفرصة، لأن الشعوب صارت لا قيمة لها ولا موقع فلا تستطيع أن تعبر عن نفسها ولا تستطيع القيام بالواجب المناط بها لنهضة بلدها، الاستبداد في المنطقة العربية أعان هؤلاء الظالمين أصحاب هذا المخطط ضد أمتهم، ولكن لو كانت هناك حريات وشعوب واعية ما كان العدو يستطيع أن يمرح ويعبث في بلادنا بهذه الصورة.
……* وأين هيئات المجتمع المدني ودورها في تصحيح الوضع؟
- نحن كإخوان مسلمين نتحرك وموجودون بين الشعب وجذورنا عميقة ولم نعبأ بهذه القيود، بدليل وجودنا لكن باقي قوى المجتمع المدني انتهت، لم يعد هناك أحزاب في المنطقة! ولا توجد هيئات ومؤسسات للمجتمع المدني.
…* ما هي خطتكم تجاه هذه الأحداث؟ وهل أدخلت عليها أي تعديلات مع تطور الحدث وتصاعده؟
- خطتنا هي إعداد أبنائنا إعدادا جيدا؛ إيمانيا وخلقيا وتربويا وثقافيا حتى لا يذوبوا في المجتمع وحتى يتصدوا لهذه الهجمة الشرسة، وكلما نضج أبناؤنا وكان لهم تواجد في الشارع صعب على هؤلاء المجرمين الأعداء من صهاينة وأميركيين أن يعبثوا في بلادنا.
……* هذه خطة الإخوان منذ نشأتها عام 1928، ومع ذلك ذاب المسلمون في المجتمع؟
- لا لم يذب الإخوان في المجتمع..
……* أنت تفرق بين أعضاء الجماعة وعموم المسلمين؟
- مفروض أن البنيان الإسلامي قائم على دين وعلى قيم وأمور يتمسك بها كل مسلم، ومن هذا المنطلق تأتي دعوة الإخوان لكل المسلمين حتى يتمسكوا بدينهم، فمنهم من يقبل ومنهم من يستجيب ومنهم من هو سائر في غيه مع شيطانه ومع هذه التوجهات الغربية.
……* في اعتقادك إذن أن خطة الإخوان نجحت على مدار هذه السنوات؟
- ما من شك في ذلك، بدليل أنهم موجودون، مع كل هذه الحرب الشرسة وما تعرضوا له منذ عام 1928 ما زالوا موجودين بمنهجهم الذي لم يتغير وبخطتهم الثابتة وثباتهم على أمر هذا الدين وبالتصور الذي وضعوه لأنفسهم.(40/135)
…* الأمر يصدق بذاته، بمعنى أن عدد المسلمين في تزايد بصفة عامة فهل تواكبها زيادة أعضاء الإخوان بذات النسبة؟
…- بل وبنسبة أكبر من هذا التزايد، لدينا خطة نعرف من خلالها إذا كانت أعدادنا تتزايد أم لا، وبمتابعتها نجد أن الخط البياني في تصاعد مستمر ولا يهبط أبدا.
…* عموما وحتى لا نخرج من سياق الحدث الذي نناقشه، ما هي خطتكم العملية لمجابهة العدو الصهيوني؟
…- نحن لا نملك إلا إعداد الرجال إيمانيا وثقافيا وتكنولوجيا وعلميا حتى يكونوا على المستوى المطلوب منهم كرجال في هذا العصر.
…* ومتى؛ في رأيكم؛ تحين ساعة المواجهة والنزال الحقيقي؟
…- الله أكبر ولله الحمد، عندما تأتي المواجهة الفعلية مع العدو سيكون كل شيء مباحا، أما طالما بقينا في مواجهة مع الظالمين فنحن مقيدون بمبادئ وأخلاق وقيم.
مجاهدون مجهزون:
…* هل يدخل في هذا الإطار ما صرحتم به عن استعدادكم تجهيز عشرة آلاف مقاتل مدربين ومجهزين تجهيزا عصريا؟
…- نسأل الله ذلك لأن هذا لا يتم إلا بالتعاون مع الحكومات، لا نستطيع إعداد المجاهدين إلا إذا تعاونا مع الحكومة وإلا أصبحنا خارجين عليها.
…* تقصد إعدادهم بالمفهوم العسكري الحربي، لكنكم تعدونهم حاليا كمقاتلين صالحين؟
…- نعم فهذه هي الخطوة الأولى الأساسية وبعدها يأتي الإعداد لحمل السلاح وذلك أسهل بكثير من إعداد المقاتل إيمانيا وأخلاقيا، التدريب على حمل السلاح أمر سهل إنما تدريبه ليكون إنسانا مؤمنا فهذا هو الأصعب.
…* وهل تدريبه على حمل السلاح مهمة الإخوان؟
…- بل مهمة الحكومات، وهذا ما ذكرته في رسائلي حين طلبت منهم أن يعينوا شعوبهم على ذلك بعدما رأوا ما تمر به المنطقة وما يحيط بها من أعداء.
…* هل تفعل ذلك إبراء للذمة؟
…- نعم.. فنحن لا نملك إلا المال والدعم المعنوي لأننا نعيش تحت مظلة رسمية ولا نستطيع الخروج على الشرعية.
…* هل هذا يأتي تراجعا عن تصريحك السابق؟(40/136)
…- كلا، فموقفنا لم يتغير وتصريحي السابق جاء في ذات الإطار وبنفس المعنى.
…* إذن أُسئ نشرة؟
…- بل أسئ فهمه لمن أراد ذلك ورغب في التلاعب بمعناه لإثارة الناس، لكن ما قصدته كان واضحا منذ البداية وهو أن الشعب المصري على استعداد لتهيئة مائة ألف مجاهد وليس عشرة آلاف فقط، وضربت لذلك مثلا بما حدث عامي 1948 و 1951.
…ففي المرة الأولى تم ذلك بمعرفة الجامعة العربية والحكومة المصرية وأمين الحسيني حيث تعاون الجميع في إعداد وإرسال المجاهدين إلى فلسطين، وفي المرة الثانية كان الإعداد يتم بمعرفة الحكومة والداخلية المصرية وكنا نذهب للقتال في مدن القناة، وهذا ما قصدته، فالشعب لا يستطيع أن يفعل هذا إلا برضاء الحكومة ومعرفتها.. والمصريون شعب مجاهد وشعب معطاء.
…* بالطبع لن يكون كل المتطوعين من الإخوان؟
…- نعم، بل سيكون فيهم المسلم والمسيحي فنحن نتحدث عن الشعب في عمومه.
…* بماذا تفسر شدة الحملات الإعلامية ضدكم وتركيزها على بعض الكلمات التي تقولها؟
…- كل له غرض وكل فعل بتحريض، وكل من يكتب ضد الإخوان ستجد من يدفعه إلى ذلك، نحن نرحب بالنقد الموضوعي حتى ولو كان مخالفا لفكرنا ومنهجنا، أما هؤلاء الشتامون فأهدافهم مفضوحة.
…* ولكن هذا مبدأ خطير، اقتناعك بأن كل من ينتقدك ويكتب ضدك يكون محرضا أو مدفوعاً من آخرين؟
…- ليس كل المعارضين شتامين، بل لقد انتقدني بعضهم وشكرته على نقده، لكنه نقد موضوعي وأخلاقي، أما الذين يشتمون فهؤلاء يكتبون بأقلام أسيادهم.
…* يقول البعض إن الإخوة في مكتب الإرشاد يراجعون ما تقول من تصريحات؛ خصوصا تلك التي تحدث ردود فعل سلبية؛ وهذا يفسر كثرة النفي لما تقول؟(40/137)
…- لم يحدث ذلك إطلاقا، كل ما يحدث بعض الملاحظات البسيطة، فمثلا في تصريحي الأخير قالوا لو أنني تحدثت عن ضرورة معرفة الحكومات بأمر المتطوعين للجهاد قبل أن أعلن استعدادنا لتجهيز المجاهدين لكان ذلك أفضل حتى لا أعطي فرصة لأحد بأن يعبث بالكلام، فالناس حاليا يعيشون على العناوين!.
شرف الأمة:
…* في واحد من تصريحاتكم ذكرت أن حزب الله هو الوحيد الذي يدافع عن شرف الأمة حالياً؟ ... كيف؟.. وأين ذهبت المقاومة الفلسطينية!
…- نعم أسأل عن هذا.
…* هل اختزلتم المقاومة في حزب الله فقط مع أن المقاومة السنية موجودة في جنوب لبنان وحاضرة في المعركة الأخيرة، والإخوان المسلمون موجودون في لبنان ويشاركون أيضا؟
…- كل هؤلاء يقاومون، بل الشعب اللبناني ذاته بموقفه البطولي الرائع يعتبر من المقاومة، وكذلك المقاومة الفلسطينية بكل فصائلها وبلا استثناء، نحن نقف بجانب الجميع ونشجع ونؤيد كل أشكال المقاومة ضد العدو الصهيوني، ولذلك عندما نجحت حركة حماس في الانتخابات الأخيرة هنأت الشعب الفلسطيني كله وليس حماس فقط..
…* بالمناسبة، كيف ساعدتموهم في الأزمة الحالية؟
…- لا نملك لهم إلا الدعاء والمال.
…* لديكم المقدرة على جمع ما تريدون من أموال؟
…- سأضرب لك مثالا، منذ أيام حضرت في نقابة المهن التعليمية بمدينة نصر حملة تبرع لصالح الشعب اللبناني، وخلال نصف ساعة استطعنا جمع نصف مليون جنية بخلاف تبرعات الحلي الذهبية، المصريون شعب معطاء وهو على فقره أغنى شعب في العالم.
…* أعود إلى أحداث لبنان، لماذا إذن تركزون على حزب الله باعتباره المقاومة الوحيدة مع اعترافكم بوجود آخرين؟
…- لأنهم الأكثر تسليحا وعتادا، والإخوان المسلمون يقاتلون في صفوفهم ليس من اليوم فقط وإنما من قبل العام 1982 ذلك أن حزب الله هو الأقوى وهو القائد باعتراف الإخوان، والسنة في لبنان ذوو إمكانيات قليلة.(40/138)
…* وهذا ما أسأل عنه، لماذا لا يتم إعداد الإخوان، في لبنان بشكل جيد؟
…ـ هذا أمر يطول شرحه، ولكن باختصار شديد الأوضاع الإقليمية هي التي أدت إلى ذلك، هناك دول تدعم حزب الله، فمن سيدعم مقاومة الإخوان السُنية، ما دام لا يجوز لنا التحدث في هذا الأمر حاليا فلندع حزب الله يقود المقاومة والله يؤيدها ويدعمها من أي مكان سواء كانت حكومات أو شعوباً.
…أما "اللف والدوران" في حديثك حتى تدخل إيران فيما يحدث فلا جدوى منه، فلندع المقاومة تعمل وبعدها ليكن ما يكون.
…* هذا أيضا خطاب تنظيم القاعدة الذي تجاوز عن خلافات الفرقاء وتحالف مع حزب الله في مواجهة إسرائيل، هل المطلوب في الفترة الحالية تجاوز كل الخلافات البينية والاصطفاف لملاقاة العدو الصهيوني؟
…- طبعا، لا يجوز مهاجمة المقاومة حالياً لكونها شيعية، جاءني اليوم خطاب من الشيخ فيصل مولوي الأمين العام للجماعة الإسلامية في لبنان يقول فيه إن المسلمين يخوضون اليوم معركة شرسة ضد الصهيونية العالمية هي في حقيقتها امتداد للحرب التي أعلنها اليهود منذ بعثة محمد عليه الصلاة والسلام، مع فارق مهم وهو أنهم في هذه المرحلة من مراحل الصراع يفوزون بتعاطف العالم كله وبدعم كامل من الولايات المتحدة، ولأن السنة في جنوبي لبنان ومعهم أبناء الطوائف الأخرى يخوضون معركة واحدة ضد العدو الصهيوني وهم لا يستطيعون ذلك إلا تحت قيادة مقاومة حزب الله، وأظن بجواز ذلك كما صرح به الفقهاء وقام به المسلمون فعلا، لذلك فإنهم يستنصرونكم ضد العدو الصهيوني ويأملون ألا تخذلوهم، ولستم معذورين إن تخليتم عنهم، فهل من المعقول أن يدرك جمهور المسلمين من كل المذاهب فيما مضى أهمية الوحدة أمام العدو فيتجاوزون خلافاتهم ويقاتلون معا دون النظر إلى من يكون القائد ويحققون النصر، بينما نقف اليوم ممزقين أمام العدو المحتل تنخر فينا الفتن المذهبية والطائفية و تؤدي إلى هزيمتنا نفسيا قبل أن نهزم عسكريا.(40/139)
…* يبدو أن هناك لبسا في هذا الأمر، وذلك ما نبه إليه بعض العلماء بقولهم إن التداخل ما بين العمل السياسي والدعوى يفسد العقيدة؟
…- عموم المثقفين والمفكرين لا يعرفون طبيعة الإخوان المسلمين ولا عقيدتهم وأفكارهم، الإخوان هيئة إسلامية جامعة والسياسة جزء منها ولا تداخل بينها وبين العمل الدعوي، لذلك لا فساد ولا إفساد.
…* ولكن أناقش حاليا ما يحدث على أرض الواقع هل تجاوز الخلافات بين مختلف الفرق الإسلامية وفي القلب منهم الشيعة والسنة يتم لمواجهة العدو المشترك لكنه لا يعني التغاضي عن هذه الخلافات؟
…-عندما ننتهي من المعركة مع العدو الصهيوني ونسترد كامل حقوقنا وقتها نستطيع التحدث فيما تقوله، ( لكن هل الشيعة ينتظرون معك كامل حقوقنا ؟ أم أنهم حتى في المعركة ينشرون مذهبهم وانحرافاتهم ؟؟ الراصد ) مواجهة العدو المشترك مقدمة على غير ذلك من الأمور، تحالف اليوم ليس معناه التغاضي عن مشكلات الأمس، والأمر لا يعدو كونه ترتيب أولويات والاستفادة من الوسائل والقدرات المتاحة في الوصول إلى الغاية.
أجندة إيرانية:
…* تحالفتم اليوم مع حزب الله، مع أنكم لم تنجحوا في التحالف مع القوى السياسية المناوئة لكم في الداخل، البعض يقول إن الإخوان لا يتنازلون أبدا لأي شخص، فكيف تمت التنازلات الحالية؟
…- هذا غير صحيح، نحن نتحالف مع كل القوى الشريفة من أبناء هذه الأمة ومساحة التعاون بيننا كبيرة بينما مساحة الخلاف الأيديولوجي ضئيلة، ونحن متفقون مع جميع القوى على المبادئ العامة ونتعاون فيما بيننا لما فيه المصلحة العامة.
…* ما هو شكل التحالف بينكم وحزب الله في المرحلة الحالية؟
…- هو تضامن وتحالف وتأييد وكل شيء، حزب الله يقاوم العدو ونجح في ذلك، ومن وجهة نظري أنه انتصر على إسرائيل وأمريكا وكل القوى المتخاذلة والمتعاونة معهم.(40/140)
…* هو إذن تضامن معنوي، ما رأيك فيمن يقول بأن حزب الله ما خرج لملاقاة العدو الصهيوني بل هو ينفذ حاليا أجندة إيرانية؟
…- بل هو يضرب إسرائيل التي تحميها القوى المغتصبة، تماما مثلما تفعل المقاومة الفلسطينية في الأراضي المحتلة.
…* مع الفارق في التقريب والمقارنة، كل القوى (المتخاذلة) التي ذكرت أيدت حماس عندما أتت إلى الحكم بطريق ديموقراطي لكن معظمها لم يؤيد حزب الله في أجندته الإيرانية؟
…- لكنهم لم يفعلوا شيئا بعد ذلك!.
…* عفوا، ألم تلاحظ مدى تعرض جماعة الإخوان لهجوم شديد في منتديات الشبكة العنكبوتية بعد إعلان تحالفكم مع حزب الله؟
…- كثيرون يهاجمون، بل لقد جاءني عالم كبير من لبنان (ذو عمة كبيرة جدا) وجلس أمامي يهاجم حزب الله، أنا لا يهمني كل ذلك، بل لي خريطة على الواقع وأخرى أحاسب بها أمام الله عز وجل، هل هؤلاء الصهاينة والأميركيون يبغون خيرا لأمتنا! هل من يحاربهم يكون سيئاً! هل من يقف أمامهم ويثبت وجوده سيئ!.
…* هل تعتقد أن حزب الله حقق ما كان يريد؟
…- بل أكثر، هل كان أحد يتصور أن يصمد حزب الله أمام الهجمة الصهيونية الأميركية لمدة شهر وأكثر!، كم عدد الدبابات التي أصابها وأفسدها للعدو الصهيوني!
…لم يحدث في تاريخ النزاع أن ضربت الجيوش العربية العمق الإسرائيلي (مغالطة مكشوفة للأسف، عن كانت تقاس الأمور هكذا فالمنظمات الفلسطينية والجيش الأردنى هزموا إسرائيل في معركة الكرامة، والجيش المصري انتصر في حرب عام 73، والمقاومة الفلسطينية صمدت في بيروت ، وصمود مخيم جنين في وجه الجيش الإسرائيلى ، كل هذه الأمور أعظم من ما صنعه حزب الله. الراصد )، ولكن حزب الله فعل ذلك وواجب الأمة كلها أن تحارب معه في هذه المعركة.
…* البعض يقول إن المعركة الحالية ليست لاستعادة الأرض المحتلة والحفاظ على الكرامة العربية وإنما لتحقيق أجندة إيرانية؟(40/141)
…- فلنترك هذا الكلام جانبا، ما يقال عن أجندة إيرانية يقوله أعداء الأمة..
…* كيف، الإيرانيون أنفسهم يقولون به، أحد كتابهم قال لي إن من حق إيران فرض سيطرتها على 140 مليون شيعي يعيشون في المنطقة! ولا أدري من أين أتي بهذا الرقم، وآخر قال إن من حقها تطبيق نموذج الإسلام العالمي بقيادة خامنئي على اعتبار أن إيران من أقوى دول المنطقة حاليا!.
…- دعهم يقولون ما يريدون، بل أسمع من العراقيين في مكتبي هنا كلاما ما أنزل الله به من سلطان عن شيعة بلدهم، (عناد عجيب، الراصد) فلنترك كل ذلك لأننا نتحدث عن معركة قائمة بين صهاينة وأميركيين وبين حزب يدافع عن الأمة وشرف الأمة وإسلام الأمة، مع من أقف إذن؟
…من الطبيعي أن أقف ضد الصهاينة وأعداء الأمة، أما الحرب بين الشيعة والسنة فهي مسألة ليست بجديدة، إذ سبق وتقاتل العراقيون السنة في مواجهة الإيرانيين الشيعة، لكن السنة فشلوا وبقيت إيران، والإيرانيون عندما تتحدث معهم تجد كلامهم موزونا فيه المنطق والحجة ولا يتحدثون إطلاقا عن رغبتهم في السيطرة وإنشاء دولة عالمية.
طوائف عراقية:
…* إذن بماذا تفسر ما يحدث في العراق؟
…- ما يحدث في العراق نتيجة طبيعية من فعل أبناء العراق الذين تعاونوا مع الأميركيين.
…* وتعاونوا أيضا مع إيران التي دعمت القوات الأميركية في احتلالها للعراق ومن قبل ذلك أفغانستان؟
…- لا هذا غير صحيح، وإلا لماذا تحارب أمريكا إيران!
…* العداء المتبادل لا يعني عدم التقاء المصالح!
…- إذن هم التقت مصالحهم، ونحن كرجال مسلمين في بلاد أهل السنة ماذا فعلنا؟، تقاتلنا واعتقلنا شعوبنا، بينما الشيعة في إيران أنشأوا دولة ووقفوا في وجه العالم كله متمسكين بمشروعهم النووي ووقفوا ضد العالم كله وحاربوا إسرائيل، وكل هذه أفعال يجب أن يشكروا عليها.(40/142)
…(ودعم أمريكا في أفغانستان والعراق واحتلال جزر الإمارات واضطهاد سنة إيران والتفجيرات في مكة وغيرها هل يشكروا عليه، سوى فضائحهم وأذنابهم في العراق؟؟ الراصد).
…* وإذا قتلوا أهلنا من السنة في الأهواز والعراق وأفغانستان وغيرها من الدول؟
…- لا شأن لي بكلمة (إذا) فالواقع يصل عندي بصور مختلفة، حارث الضاري قال لي إن الشيعة قتلوا 140 ألف سني أو أكثر في العراق، والسنة هناك ليسوا قلة بل أعدادهم كثيرة ومنهم نائب رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الشعب ولكن لسوء تعاونهم أصبحوا متفرقين فاستباحهم الآخرون وذبحوا أبناءهم، والخلل الرئيسي في المعادلة العراقية يجئ من تعاون الجميع مع المحتل، (من الذي تعاون مع المحتل من سنة العراق سوى الإخوان المسلمون ؟؟؟؟؟؟؟؟؟ الراصد)، ولكن هذا الأمر يجب ألا نناقشه الآن حتى أعطيك رأيا جيدا يجب أن أذهب إليهم وأجلس بينهم وأرى ماذا يحدث في الواقع.
…* ليس شرطا الذهاب، ألا تصلك تقارير بما يحدث على أرض الواقع؟
…- نعم وبناء على هذه التقارير كل ما استطعت عمله أن بعثت خطابا لآية الله السيستاني وآخر لطارق الهاشمي وثالثا لحارث الضاري وقلت للجميع "اتقوا الله" لأنه ليس بيدي شيء أفعله الآن، وعندما التقيت برئيس الوزراء المعين إبراهيم الجعفري هنا في مكتبي حدثته بوضوح ووضعت النقاط على الحروف لكنه أنكر كل التهم التي ذكرتها بخصوص قتل الشيعة لأبناء الطائفة السنية، فماذا أفعل إذن غير النصيحة التي أوجهها لهم بشأن ما ينبغي أن يفعلوا، مبدأ الإخوان المسلمين الحفاظ على وحدة المسلمين وحرمة دمهم جميعاً.
…* حتى وإن بغت طائفة على أخرى؟
…- نعم نحن أمة واحدة ولا يجوز لنا الاقتتال ونفعل ما يأمرنا به الله تعالى "وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله".
* هل بدأتم إذن في مرحلة الإصلاح الأولى؟(40/143)
…- كلا لم نبدأ بعد، لكن في خطتنا قيادة سباق ماراثون للمصالحة بين طوائف الأمة الإسلامية.
…* تعارضون مسألة اغتصاب الأرض واحتلالها، ما الفرق من وجهة نظركم بين الاحتلال، الصهيوني للأراضي الفلسطينية والاحتلال الإيراني للجزر الإماراتية؟
…- الفرق كبير جداً، فالجميع مسلمون، هل هذا مثل احتلال الصهاينة والأميركيين لأرضي! بالطبع لا، هل ستقارن بين الاحتلال الأميركي للعراق والاحتلال الإيراني لها! المقارنة مرفوضة شكلا وموضوعا. والآن كُف عن هذا الحوار، لقد تعبت.. شكراً.
… (إذن لماذا تعارض تسلط الحكام على شعوبهم فهم مسلمون؟؟؟ الراصد).
سيناريوهات الحرب الأهلية في فلسطين
"الوطن العربي" ـ 11/10/2006
[هذه الأخبار إذا صدقت ستكون مصيبة على أهل فلسطين ، وستكشف عن مدى تغلغل النفوذ الإيراني في حماس. الراصد].
حقيقة ما جرى:
للوقف على حقيقة ما جرى وأدى إلى سفك الدماء الفلسطينية الذكية اطلعت "الوطن العربي" على تقرير أعده جهاز مخابراتي أوربي وجمعه من عدة عواصم شرق أوسطية ويكشف عن تورط عدة جهات خارجية في سيناريوهات لإحداث حرب أهلية فلسطينية بهدف إشغال الرأي العام العالمي والقوى الكبرى خاصة الولايات المتحدة عنها.
ويشير التقرير إلى نقطة اعتبرها مثيرة للتعجب، وهي اجتماع إرادة كل من سورية وإيران وإسرائيل لأول مرة على هدف واحد وهو إحداث هذه الفتنة على اعتبار أن لكل منها مصلحة في تلك الفتنة التي سيدفع ثمنها الشعب الفلسطيني أولاً والأمة العربية ثانياً.
ويوضح التقرير أن معلومات موثقة وصلت لمصادره عن تورط سوري إيراني مباشر في تلك الفتنة من خلال ممارسة ضغوط على قادة حماس المتواجدين في دمشق لإفشال مشروع إقامة حكومة الوحدة الوطنية بين فتح، والذي كان قد أوشك على الظهور إلى النور وكذلك إفشال صفقة إطلاق الجندي الإسرائيلي لدى حماس جلعاد شاليط ومبادلته بأسرى فلسطينيين والتي كانت على وشك التنفيذ بوساطة مصرية.(40/144)
ويؤكد التقرير أن إيران وسورية ذهبتا إلى أكثر من الضغط على "حماس" لرفض حكومة الوحدة الوطنية وإفشال صفقة شاليط إلى مطالبة قادة الحركة بإعطاء تعليمات واضحة لقمع تمرد جنود الأمن المطالبين بصرف رواتبهم، وهو ما كان قد بدأ فعلاً بإنزال القوات التي شكلتها "حماس" لدعم وزير الداخلية سعيد صيام إلى الشوارع وتسبب نزولها في اندلاع الاشتباكات العنيفة التي أدت إلى سقوط القتلى والجرحى.
كما عرضت إيران على قادة حماس الخارج دعم الحركة بالمال والسلاح للمضي قدماً في خطتها لقمع المتظاهرين المطالبين بصرف رواتبهم خاصة من أنصار حركة فتح، قوبل برفض شديد من قبل قادة الداخل وعلى رأسهم رئيس الوزراء إسماعيل هنيه على الرغم من تحرك بعض قادة الجناح العسكري الموالين لقادة الخارج بعض قادة الجناح العسكري الموالين لقادة الخارج لتنفيذ المهمة وهو ما تداركه هنيه بعد ساعات وقرر بناء عليه سحب قوات وزارة الداخلية.
ويؤكد التقرير أن إيران عرضت على قادة حماس الخارج استعدادها لتقديم مئات من قطع الأسلحة الرشاشة ومسدسات حديثة وأنواع جديدة من المتفجرات إلى الحركة فضلا عن إمكانية إرسال خبراء لتدريب عناصرها في معسكرات خاصة بسورية.
وتقول المعلومات إن إيران أرسلت على الفور مسؤولا كبيراً بالحرس الثوري، وهو شخصية غامضة ومؤثرة لعبت أدوارا مشابهة من قبل - حيث التقى خالد مشعل رئيس المكتب السياسي للحركة في دمشق وتباحثا في خطة تسليح حماس وذلك بحضور مسؤول مخابراتي سوري كبير.(40/145)
وبحسب التقرير فإن تصرف طهران لإشعال حرب أهلية فلسطينية يعود إلى أنها ترى في تشكيل حكومة الوحدة الوطنية واستقرار الأوضاع الفلسطينية تأثيراً ضاراً على مصالحها الاستراتيجية في المنطقة والتي تقوم على إشعال بؤر توتر تستفيد منها في تخفيف الضغوط الأميركية عليها خاصة بشأن الملف النووي وكذلك الحال بالنسبة لسورية التي ترى في استقرار المنطقة منفذا لزيارة الضغوط عليها والتي لم تعد تتحملها نظرا لتردي الوضع الداخلي.
عندما يصعد الشيعة ... رؤية أمريكية
مختارات إيرانية ـ العدد 74 ـ 9/2006
[هذا البحث مثال لكيفية تضليل القيادات الأمريكية عبر باحثين من أصول عربية وقد يكون شيعي! يلاحظ على البحث المبالغة في أعداد الشيعة في الخليج، التهوين من الخلاف بين أمريكا وإيران، التقليل من حجم النفوذ الإيراني في العراق حالياً ، والتوجيه لعقد صفقة بين أمريكا وإيران] (الراصد).
منذ أن قامت الولايات المتحدة الأمريكية بغزو العراق واحتلاله عام 2003 شهدت الساحة العراقية تحولات مهمة بالنسبة لأوضاع القوى السياسية في الداخل، حيث شهدت العراق صعوداً قوياً للشيعة وبعض القوى الأخرى مثل الأكراد، وفي نفس الوقت بدأ الدور السني داخل العراق في الانحسار خاصة في إطار العملية السياسية التي تبنتها الولايات المتحدة بالتعاون مع الشيعة والأكراد. وقد أفرز هذا الصعود الشيعي داخل العراق تساؤلات عدة حول نتائج هذا الصعود وتداعياته على المستقبل السياسي للعراق من ناحية، وتأثير هذا كله على الجمهورية الإسلامية ومدى قدرتها على الاستفادة من كل هذه التطورات التي تمت بالأساس بأيد أمريكية وكان أخرها الحرب بين حزب الله اللبناني وإسرائيل والتي خرج منها حزب الله منتصراً عسكرياً الأمر الذي يصب في النهاية لمصلحة إيران ويقوى من فكرة الصعود الشيعي ليس داخل العراق فحسب وإنما في بعض الدول العربية الأخرى.(40/146)
من هنا تكتسب هذه الدراسة - بعنوان (عندما يصعد الشيعة) التي أعدها الدكتور فالي نصر الأستاذ بالمدرسة العليا البحرية، والزميل في مجلس العلاقات الخارجية بالولايات المتحدة، والتي نشرتها مجلة فورين أفيرز - أهميتها، حيث تركز الدراسة على تأثير حرب العراق على تغير أوضاع الشيعة في المنطقة، وتركز أيضاً على الدور والنفوذ القوي لإيران داخل العراق والمخاوف السنية والأمريكية تجاه هذا الدور، بالإضافة إلى الحديث عن فرص قيام تنسيق أمريكي - إيراني بخصوص العراق قد يمتد لباقي ملفات الخلاف بينهما.
وفيما يلي نص الدراسة:
مع انهيار نظام صدام حسين في العراق شجعت إدارة بوش وساعدت على انطلاق وتقوية الأغلبية الشيعية في العراق بشكل واسع قد يخل بالتوازن الطائفي في العراق وفي منطقة الشرق الأوسط لسنوات طويلة قادمة، هذا التطور أثار قلق بعض الحكومات العربية السنية، ولكن هذا التطور قد يمثل فرصة لواشنطن لبناء جسور وعلاقات قوية مع الشيعة في المنطقة خاصة في إيران.
- النموذج العراقي:
ساهمت حرب العراق في إحداث تغييرات كبيرة في الشرق الأوسط، رغم أن هذه التغيرات لم تكن بالشكل الذي توقعته الولايات المتحدة. فعندما أسقطت الحكومة الأمريكية نظام صدام حسين عام 2003 اعتقدت أن تغيير النظام سوف يساهم في جلب الديمقراطية للعراق وبالتالي لباقي دول المنطقة.(40/147)
ونظرت إدارة بوش إلى السياسة على أساس العلاقات بين الأفراد والدولة، ولكنها فشلت في إدراك أن الشعوب في منطقة الشرق الأوسط تنظر للسياسة أيضاً كميزان للقوى بين الجماعات المختلفة داخل الدول. ولهذا بدلاً من أن يكون سقوط نظام صدام حسين فرصة لبناء ديمقراطية تحررية في العراق، وجد العديد من العراقيين في سقوط النظام البعثي فرصة للقضاء على الظلم في توزيع القوى بين الجماعات المختلفة داخل العراق. وبتحرير وتشجيع الأغلبية الشيعية في العراق ساعدت إدارة بوش على انطلاق وإحياء شيعي واسع سيخل بالتوازن الطائفي في العراق وفي منطقة الشرق الأوسط لسنوات قادمة.
ثمة حقيقة لابد من وضعها في الاعتبار وهي أنه لا توجد قيادة موحدة للشيعة في المنطقة ولكن يمكن القول أن الشيعة يشتركون في وجهة نظر دينية متماسكة. ومنذ انشقاق الشيعة في القرن السابع وذلك بعد خلافهم مع السنة حول الخليفة الشرعي للرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) قاموا بتطوير وتأسيس مفاهيم متميزة من القوانين والممارسات الإسلامية. والحجم الحالي للشيعة في دول المنطقة يجعلهم اليوم رقماً انتخابياً قوياً، والدليل على هذا أن الشيعة يمثلون 90% من الإيرانيين، حوالي 70% من الذين يعيشون في منطقة الخليج (الفارسي)، وتقريباً 50% من الذي يعيشون بصفة إجمالية حوالي 140 مليون شخص.
وقد ظل الكثير منهم مهمشاً لفترة طويلة، ولهذا فهم يطالبون بحقوق أكثر ووضع سياسي أفضل. وقد ساهمت التطورات الأخيرة في العراق في تعبئة شيعة المملكة العربية السعودية (حوالي 10%م السكان)، ففي الانتخابات البلدية في السعودية عام 2005 شهدت المناطق ذات الأغلبية الشيعية إقبالاً ملحوظاً، وقام حسن الصفار زعيم الشيعة في السعودية بتشجيع الشيعة على التوجه لصناديق التصويت وذلك مثلما حدث في العراق والعمل على الاستفادة قدر الإمكان من قاعدة المشاركة في الانتخابات.(40/148)
وساعدت القاعدة السحرية التي تنص على "رجل واحد، صوت واحد" على نقل تأثير ما حدث في العراق إلى مناطق أخرى.
فالشيعة في لبنان (الذين يبلغون حوالي 45% من السكان) استفادوا من هذه القاعدة، ونفس الأمر قد يحدث مع الشيعة في البحرين (الذين يمثلون 75% من السكان) الذين سيدلون بأصواتهم في الانتخابات البرلمانية في الخريف.
وقد أفرزت عملية تحرير العراق روابط سياسية واقتصادية وثقافية جديدة بين الجاليات الشيعية في الشرق الأوسط. منذ عام 2003 نشطت حركة الحجاج الشيعة إلى النجف والمدن الشيعية المقدسة الأخرى في العراق. كما زادت وظهرت العديد من مظاهر الشيعة في الدول الخليجية، فصور علي خامنئي المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، ورجل الدين اللبناني والزعيم الروحي لحزب الله اللبناني السيد حسين فضل الله موجودة في كل مكان في البحرين. أيضاً رجال الدين الشيعة في هذه الدول أصبحوا أكثر حرية وجرأة في الوقت الحاضر في ممارسة شعائرهم الدينية.
ولهذا فالشرق الأوسط الذي سيظهر من بوتقة الحرب في العراق قد لا يكون أكثر ديمقراطية لكنه بالتأكيد سيكون أكثر تشيعاً. وربما يكفي القول هنا أن صعود الشيعة العراقيين إلى السلطة قد أعاد وأحيا الأمل لدى الشيعة في كافة أنحاء المنطقة الأمر الذي أثار قلق السنة في المنطقة.
الأمر الذي قد ينذر بصراع من أجل السلطة بين المجموعتين قد يهدد استقرار المنطقة. فقد حذر الملك عبد الله ملك الأردن من تكوين "هلال شيعي جديد" يمتد من بيروت إلى طهران قد ينهي سيطرة الغالبية السنية المسيطرة في المنطقة.(40/149)
استئصال السياسات الطائفية المعادية قد يساهم في ترضية الشيعة بشكل كبير ولكنه سيزيد من قلق السنة في كافة أنحاء المنطقة. هذا التوازن الحساس سيلعب دوراً مركزياً في السياسة الشرق أوسطية في العقد التالي، كما سيعيد تعريف علاقات المنطقة أيضاً بالولايات المتحدة والدول الأخرى مثل البحرين، لبنان، المملكة العربية السعودية، ومناطق أخرى في الخليج (الفارسي).
رغم هذا الصعود الشيعي فليس من الضروري أن يمثل أو يكون مصدر قلق للولايات المتحدة وذلك رغم أن هذا الصعود قد أثر على مكانة بعض الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. فهذا التطور الجديد يمثل فرصة أمام واشنطن لزيادة اهتمامها بمصالحها في المنطقة وإعادة بناء جسور العلاقات مع شيعة المنطقة الأمر الذي قد يمثل الإنجاز الحقيقي لتدخل الولايات المتحدة في العراق.
والنجاح في هذه المهمة يعني إمكانية قيام الولايات المتحدة ببناء علاقات مع شيعة إيران وهي الدولة التي تضم أكبر نسبة للشيعة في العالم والتي أصبحت قوة إقليمية هامة. ولديها قدرة على تأثير على شيعة المنطقة خاصة في العرق.
وتنحصر العلاقات الأمريكية - الإيرانية في التمركز حول بعض القضايا مثل المسألة النووية، والخطابات الدعائية الصادرة من إيران، ولكن على خلفية حرب العراق ونتائجها قد تظهر قضايا أخرى مثل المستقبل السياسي للشيعة في المنطقة.
- الاتصال الإيراني:(40/150)
منذ عام 2003 لعبت إيران دوراً بناءً في العراق، فقد كانت إيران الدولة الأولى في المنطقة التي تقوم بإرسال وفد رسمي إلى بغداد لإجراء محادثات مع مجلس الحكم العراقي وذلك للتعرف على السلطة الجديدة التي وضعتها الولايات المتحدة في العراق. وقد عرضت إيران الدعم المالي على العراق، كما عرضت المساعدة لإعادة بناء البنية والطاقة والكهرباء في العراق. وبعد أن قام رئيس الوزراء العراقي السابق إبراهيم الجعفري بتشكيل حكومة انتقالية في بغداد في إبريل 2005 زارت وفود عراقية رفيعة المستوى طهران، وتم التوصل لبعض الاتفاقيات مع إيران، وتم التفاوض على تقديم بليون دولار كمساعدات إيرانية للعراق وبعض الصفقات التجارية مثل تصدير الكهرباء وتبادل النفط العراقي الخام.
ويبدو تأثير إيران الغير رسمي أكثر وضوحاً في العراق خلال السنوات الثلاث الماضية، حيث قامت إيران ببناء شبكة رائعة من الحلفاء والعملاء، وتراوحت هذه الشبكة بين موظفي استخبارات، وجيوش شعبية مسلحة، ويظهر التأثير الإيراني الواضح في العلاقات القوية التي تربط الأطراف الشيعية المختلفة بطهران وعلى سبيل المثال: معظم كوادر المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق وحزب الدعوة (بما في ذلك رئيس الوزراء السابق إبراهيم الجعفري، ورئيس الوزراء الحالي نوري المالكي).(40/151)
معظم هذه الكوادر أمضت وقتاً طويلاً في المنفى في إيران قبل العودة للعراق عام 2003، أيضاً تلقت العديد من المنظمات الشيعية العراقية تدريبها على يد الحرس الثوري الإيراني مثل المجلس الأعلى للثورة الإسلامية العراق، وألوية الزعيم الشيعي مقتدى الصدر الذي ألهب العواطف قبل ذلك بالخطابات المعادية لإيران. وقامت إيران وخاصة قوات الحرس الثوري بتقديم الدعم لجيش المهدي في مواجهته مع القوات الأمريكية في النجف عام 2004. وقامت إيران بتمويل بعض الأطراف الشيعية في العراق أثناء الانتخابات، وساعدت إيران على التوسط بين الشيعة والأكراد.
وقد أغضبت هذه الروابط والعلاقات بين إيران والعراق الولايات المتحدة، حيث توجه واشنطن اتهامات لطهران بدعم المتمردين، والعصابات الإجرامية والميليشيات الشعبية في العراق، كما تتهم واشنطن طهران بتسميم الرأي العام العراقي وتشجيعه على معاداة الولايات المتحدة.
ويبدو أن واشنطن قد أخفقت في توقع تأثير إيران في العراق، حيث أساءت فهم تعقيد العلاقات لمدة طويلة بين البلدين. فرغم أن العلاقات بين البلدين كانت معقدة ومتوترة بسبب الحرب في فترة الثمانينيات، حيث كان هناك عدد كبير من الشيعة العراقيين في الجيش العراقي الذي تصدى للهجمات الإيرانية على الأراضي العراقية.
ورغم كل هذا لم يقسم تراث الحرب الشيعة الإيرانيين والعراقيين كما اعتقدت الولايات المتحدة. فمن الواضح أن الشيعة العراقيين يبدون قلقاً متزايداً تجاه هيمنة السنة أكثر من تأثير طهران في بغداد. فبالإضافة إلى الروابط العسكرية والسياسية، هناك العديد من الروابط الأخرى بين العراق وإيران والتي جاءت كنتيجة لموجات الهجرة الشيعية المتعددة.(40/152)
ففي أوائل السبعينيات وفي محاولة منه لتعريب العراق قام صدام حسين بطرد عشرات الآلاف من الشيعة العراقيين ذوي الأصل الإيراني والذين استقروا في دبي، الكويت، لبنان، سوريا، والجزء الأكبر منهم في إيران. وبعض اللاجئين العراقيين أصبحوا فيما بعد رجال دين كبار وقادة في الحرس الثوري، وأبرز مثال على ذلك هو آية الله محمد علي تسخيري الذي يعمل مستشاراً لخامنئي، وعميد كلية حقاني في قم، وقد عاد تسخيري سريعاً إلى النجف في عام 2004 للإشراف على عمل مؤسسة آل البيت والتي تستثمر عشرات الملايين من الدولارات في مشاريع البناء في جنوب العراق وتروج لروابط ثقافية بين العراق وإيران. ويمارس تسخيري تأثيراً كبيراً على سياسة الحكومة نحو العراق وإيران.
على مدار الثمانينيات وبعد المذابح المعادية للشيعة عام 1991، لجأ حوالي مائة ألف شيعي عراقي إلي إيران. وفي السنوات المظلمة من التسعينيات مثلت إيران مأوى مهماً لشيعة العراق. وبعد الحرب على العراق عاد معظم هؤلاء إلى العراق ويمكن أن يكونوا الآن قد وجدوا أعمالا في المدارس، مراكز الشرطة المساجد، الأسواق، المحاكم، الجيوش الشعبية، والمجالس العشائرية من بغداد إلى البصرة، وكذلك في الحكومة. وقد أدى التنقل المتكرر للشيعة بين إيران والعراق على مر السنين إلى خلق ارتباطات وثيقة بين البلدين.(40/153)
وتمتاز الروابط الدينية بين البلدين بأنها قوية، فالمنفيون العراقيون في إيران انجذبوا بشكل كبير تجاه آيات الله العراقيين مثل محمود شاهرودي (رئيس السلطة القضائية)، كاظم الحائري، ومحمد باقر الحكيم (زعيم المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق الذي قتل عام 2003) وهو الذي أشرف على تأسيس المنظمات الدينية العراقية في طهران وقم وأحدثت تلك المنظمات تأثيراً كبيراً في إيران منذ الثمانينيات. العديد من رجال الدين الكبار وخريجي الكليات الشيعية العراقية في إيران انضموا إلى مؤسسات إيران السياسية وأصبح عدد كبير منهم قريب الصلة بخامنئي. وهؤلاء الرجال العراقيون عادوا لبلادهم عام 2003 للسيطرة على المساجد والكليات المختلفة وبالتالي ساهموا في خلق محور مهم للتعاون بين قم والنجف.
تصور الكثيرون خاصة في واشنطن قبل الحرب أن العراق عندما يتم تحريره فإن مدينة النجف سوف تنافس قم وتتحدى آيات الله الإيرانيين، ولكن منذ عام 2003 والمدينتان تتعاونان وليس هناك شقة مذهبية واضحة بينهم أو أي نزوح جماعي لمنشقين من مدينة لأخرى.
ولهذا نجد أن الموقع الإلكتروني لأية الله على السيستاني (www.sistani.org) مقره قم، وأغلب الضرائب الدينية التي تجمع بواسطة مندوبية مازالوا في إيران.
وقد امتدت هذه الروابط بشكل كبير إلى ما بعد النخب، فافتتاح المزارات الشيعية في العراق كان له تأثير عاطفي كبير على الإيرانيين خصوصاً بالنسبة للطبقات الاجتماعية الأكثر تديناً والتي تدعم النظام. ومنذ عام 2003 قامت مئات الآلاف من الإيرانيين بزيارة المدن المقدسة مثل النجف وكربلاء.
وقد عزر هذا الاتجاه زيادة اتجاه الشباب نحو العبادة في إيران، خلال العقد الماضي ظهر بشكل كبير أن الشباب الإيراني بدأ يتجه نحو العبادة والتدين وتقليد كبار الشيعة خاصة الإمام الثاني عشر (المهدي المنتظر لدى الشيعة).(40/154)
ويعرف العديد من الإيرانيين أية الله السيستاني باعتباره زعيمهم الديني الآن أكثر من الفترة التي سبقت عام 2003 والكثير منهم يوجهون الأموال إليه. ورغم أنه يتهكم بشكل كبير على زعمائهم الدينيين إلا أن عدداً كبيراً من الإيرانيين يحاول حالياً إحياء الهوية والثقافة الشيعية في العراق.
ويأتي العامل الاقتصادي تالياً للعامل الديني، فالحجاج الإيرانيون الذين يتوجهون للفنادق والأسواق في النجف وكربلاء يجلبون معهم استثمارات للعراق، حيث يمكن رؤية السلع والمنتجات الإيرانية الآن في كل مكان عبر وجنوب العراق، وبلدة ميهران الحدودية تعتبر من أكبر نقاط دخول السلع للعراق.
والدليل على أن حجم التجارة بين البلدين وصل إلى بليون دولار، وتخلق هذه الروابط التجارية بين الإيرانيين خصوصاً التجار (البازار) مصلحة شخصية في ضرورة استقرار جنوب العراق.
هذه الروابط بين الشيعة في العراق وإيران قد تزيد من فهم الجاليتين بأنهم يواجهون تهديداً مشتركاً من السنة. ويبدو أنه لا يوجد شئ ساهم في زيادة التقارب بين شيعة العراق مع إيران سوى الشراسة التي كان عليها التمرد السني، بالإضافة إلى اهتزاز ثقة الشيعة في العراق بالولايات المتحدة خاصة عندما دعت إلى حل الميليشيات الشعبية، وتقديم مزيد من التنازلات للسنة للدخول في إطار العملية السياسية.
جدول بأعداد الشيعة
الدولة…نسبة الشيعة
من إجمالي عدد السكان…إجمالي عدد السكان…عدد الشيعة
إيران…90%…67.7 مليون نسمة…61.8 مليون
باكستان…20%…165.8 مليون نسمة…33.2 مليون
العراق…65%… 26.8 مليون نسمة…17.4 مليون
الهند…1%…مليار ومائة مليون نسمة…11.00مليوناً
أذربيجان…75%…8 ملايين نسمة…6 ملايين
أفغانستان…19%…31.1 مليون نسمة…5.9 مليون
السعودية…10%…27.0 مليون نسمة…2.7 مليون
لبنان…45%…3.9 مليون نسمة…1.7 مليون
الكويت…30%…2.4 مليون نسمة…730 ألف نسمة
البحرين…75%…700 ألف نسمة…520 ألف نسمة(40/155)
سوريا…1%…18.9 مليون نسمة…190 ألف نسمة
الإمارات…6%…2.6 مليون نسمة…160 ألف نسمة
قطر…16%…890 ألف نسمة…140 ألف نسمة
…ملاحظات: يدخل ضمن أعداد الشيعية الموجودة في الجدول الشيعة الإثنى عشرية، ويستثنى من هذا الإسماعيليون والعلويون والزيديون.
…المصدر: البيانات تم الاستناد إليها من خلال العديد من الإشارات العلمية، ومن بعض الحكومات والمنظمات غير الحكومية في الشرق الأوسط والغرب.
- المخاوف السنية:
قبل خمس سنوات كانت إيران محاطة ومحاصرة. بحائط من الأنظمة السنية العدائية، العراق والمملكة العربية السعودية في الغرب، باكستان وأفغانستان تحت حكم طالبان في الشرق. وأبدى الإيرانيون ترحيبهم بانهيار الحائط السني، ويرى الإيرانيون في صعود الشيعة في المنطقة وقاية ضد عودة السنة للهيمنة على المنطقة. ويبدي الإيرانيون ارتياحهم الشديد لسقوط نظام صدام حسين في العراق لأن العراق كان الشغل الشاغل للسياسة الخارجية الإيرانية طوال الخمسة عقود الماضية منذ أن سقط النظام الملكي في العراق وسيطرت عليه نزعة القومية العربية عام 1985.
وقامت العراق في عهد صدام حسين بتهديد الجمهورية الإسلامية، واستمرت الحرب العراقية ـ الإيرانية خلال العقد الأول من ثورة آية الله الخميني، حيث دمرت هذه الحرب اقتصاد إيران وتركت أثاراً سلبية هائلة على الأوضاع الإيرانية الاجتماعية في إيران.
وتقوم الإستراتيجية الإيرانية في العراق اليوم على هدف أساسيا وهو ضمان عدم عودة العراق كمهدد لإيران، ويأتي هذا الهدف على رأس أولويات الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد ومعظم قيادات الحرس الثوري، حيث يرون أن هدوء العراق يعد هدفاً استراتيجياً مهما لإيران، ويرون بأن العراق تحت القيادة الشيعية سيكون أكثر أماناً لهم وذلك على اعتبار أن الدول الشيعية لا تحارب بعضها البعض.(40/156)
كل هذا يمثل جزءاً صغيراً من مخاوف السنة التي تتركز نتائج تطلعات إيران الإيديولوجية في الثمانينيات والمخاوف الحالية من الطموحات الإقليمية الجديدة لإيران.
وخلال الربع قرن الماضي قدمت إيران الدعم للعديد من القوى الشيعية والميليشيات الشيعية، وأعمال التمرد في البحرين، العراق، الكويت، لبنان، باكستان، والمملكة العربية السعودية. وقد عملت الثورة الإيرانية على التأسيس لهوية شيعية معادية للغرب الأمر الذي انعكس في أزمة الرهائن عام 1979، وقصف الثكنات البحرية الأمريكية في بيروت عام 1983، ودعم طهران المستمر للإرهاب الدولي. وفي النهاية أخفقت الثورة الإيرانية في الوصول لأهدافها، وما عدا لبنان كان الصعود الشيعي في هذه الدول تافها.
يرى البعض أن الجمهورية الإسلامية الآن أصبحت ديكتاتورية، بينما يبدي آخرون قلقهم من تنامي وتوسيع طموحات إيران الإقليمية. وترى طهران نفسها قوة إقليمية ومركزاً للحضارة الفارسية إلى آسيا الوسطى، فقد تخلصت إيران من خطر طالبان في أفغانستان وصدام حسين في العراق، وهي تعتلي الآن قمة موجة الإحياء الشيعي، وتواصل السعي في سبيل تحقيق طموحاتها النووية وتطالب بشدة باعتراف دولي بمصالحها في المنطقة.
يسعى زعماء وقادة طهران إلى خلق وإيجاد منطقة أكبر للتأثير والنفوذ الإيراني ربما تكون مشابهة أو قريبة من المفهوم الروسي "المجال القريب" وتقوم وجهة نظر طهران على أن جنوب العراق ربما يكون مجالاً مناسباً لإظهار قوة ومكانة إيران في المنطقة.
ورغم ذلك لا يوجد أحد يتمسك بحلم الخميني بهيمنة وسيادة الشيعة على العراق، بمعنى آخر ينحصر هدف طهران في جنوب العراق في ممارسة نوع من التأثير السياسي والثقافي والاقتصادي الذي قامت به إيران في غرب أفغانستان منذ التسعينيات. وبالرغم من أن إيران تسعى للقيام بدور هام وحيوي في العراق إلا أنها قد لا تهدف أو لا تكون قادرة على تحويل العراق إلى جمهورية إسلامية أخرى.(40/157)
وبشكل متوقع أدت أهمية إيران المتزايدة إلى تعقد علاقاتها مع الجماعات الطائفية في المنطقة. وقد استغلت الحكومات السنية في المنطقة وطموحات طهران كعذر لمقاومة مطالب مواطنيها من الشيعة، وتجاهل نداءات واشنطن للإصلاح السياسي. ومنذ عام 2002 وجه الزعماء السنة في مصر، الأردن، والمملكة العربية السعودية اللوم المتكرر لإيران على الفوضى في العراق، وحذرت بأن إيران قد تمارس تأثيراً كبيراً في المنطقة إذا ما وصل الشيعة العراقيون للسلطة في بغداد.
الرئيس مبارك قام بدق جرس الإنذار في أبريل الماضي حينما صرح قائلاً "أن الشيعة موالون دائماً لإيران وليس للدول التي يعيشون فيها" مثل هذه التصريحات قد تسمح لبعض القادة في المنطقة في تحويل الانتباه بعيداً عن مسئولياتهم الخاصة بالمشكلات التي تعاني منها دولهم، كما تعطي هذه الأمور أيضاً ذريعة أمام هذه الدول لمقاومة دعوة الولايات المتحدة للإصلاح السياسي في الداخل. حيث أرادت هذه الدول أن توجه رسالة للولايات المتحدة بأن جلب الديمقراطية للمنطقة سيشجع على زيادة نفوذ وقوة إيران والشيعة، ولهذا فمن الأفضل لواشنطن أن تتمسك بالدكتاتوريات السنية.
ورغم نفوذ إيران المتزايد فإنها لا تزال تحتاج إلى دعم جيرانها وإظهار "نية حسنة" لدى الشارع العربي لمقاومة الضغط الدولي على برنامجها النووي وحتى الآن تعمل إيران على تهدئة النزاعات الطائفية و عدم إثارة عداء السنة بشكل كبير، وبدلاً من هذا تعمل على تصعيد التوترات بالنسبة للولايات المتحدة وإسرائيل. ولهذا يوجه القادة الإيرانيون اللوم للعنف الطائفي الدائم في العراق.
والدليل على هذا أن طهران ألقت بمسئولية الهجوم على ضريح الإمام (العسكري) في سامراء في فبراير الماضي على "وكلاء الصهيونية" وذلك بهدف تقسيم المسلمين وفي نفس الوقت تواصل إيران جهودها في برنامجها النووي لتأكيد مكانتها وقوتها الإقليمية.
لقاء العقول:(40/158)
تركت الطموحات الإيرانية واشنطن وطهران في وضع معقد، وفي مواجهة حادة بالطبع، فقد استفادت إيران بالفعل من الخطوات التي قامت بها الولايات المتحدة لتغيير الأنظمة في كابول وبغداد، لكن واشنطن يمكن أن تعيق أو تمنع إيران من الاستفادة بشكل كامل من الأوضاع الجديدة في أفغانستان والعراق، فالوجود العسكري الأمريكي المكثف في المنطقة يهدد الجمهورية الإسلامية.
وتبدو الأهداف الأمريكية والإيرانية متناقضة أو مختلفة على المدى القصير خاصة في العراق فإذا كانت واشنطن تسعى إلى الخروج من حالة الفوضى التي تعيشها داخل العراق فإن طهران سعيدة بهذا الوضع الحرج الذي عليه الولايات المتحدة في العراق. حتى الآن تفضل طهران سياسة الفوضى المسيطرة على العراق، وذلك كوسيلة هامة لإبقاء تعثر الحكومة الأمريكية وتقليل حماسها بخصوص مسألة تغيير النظام في إيران.
الاستراتيجية الإيرانية الحالية في العراق تبدو مختلفة عما كانت عليه في أفغانستان، فبعد سقوط طالبان تعاونت طهران مع واشنطن بشكل كبير لعودة الاستقرار لكابول وتنصيب حكومة حامد قرضاي والسبب في هذا أن استقرار الأوضاع كان لمصلحة إيران التي كانت تحتاج في هذا الوقت بشكل كبير إلى وجود عملاء لها في أفغانستان من الفرس والشيعة لحماية مصالح إيران داخل أفغانستان. ولكن حسابات طهران اختلفت في الحالة العراقية، فطهران لم تسع مثلما كان الوضع في أفغانستان إلى وجود عملاء لها لحماية مصالحها وذلك لأن لطهران وجوداً في العراق أقوى من الوجود الأمريكي نفسه وذلك بفضل الأغلبية الشيعية العراقية.
وبهذا فقد ثبت أن رؤية الرئيس بوش لحرب العراق كانت خاطئة، حيث تصور أنها ستكون طريقاً غير مباشراً لتغيير الزعماء ورجال الدين في إيران وأنها ستكون عاملاً مؤثراً في زيادة الضغط على إيران بخصوص برنامجها النووي، فمن الواضح الآن أن إيران أصبحت أقوى نسبة إلى الولايات المتحدة عما كانت عليه عشية حرب العراق.(40/159)
ورغم كل هذا، فعلى المدى الطويل ربما تتلاقى المصالح الأمريكية والإيرانية في العراق. فكلتا الدولتان تريدان استقراراً في العراق على المدى الطويل، بالنسبة لواشنطن فهي تريد خروجاً مشرفاً لها من العراق، أما طهران فالاستقرار في العراق على المدى الطويل يضمن لها موقعاً مميزاً في كافة أنحاء المنطقة. وإيران بالطبع لديها مخاوف عديدة من نشوب حرب أهلية في العراق، لأن القتال في العراق قد يستقطب كافة دول المنطقة بما فيها إيران.
بالإضافة إلى إمكانية انسحاب القتال إلى الأقليات والعرقيات داخل إيران مثل العرب البلوش، والمناطق الكردية الإيرانية، وكما حذر بهذا نائب وزير الخارجية الإيراني السابق عباس مالكي في تعليقه على أعمال العنف والفوضى في العراق بقوله: "الفوضى في العراق ليست في صالح إيران، إذا كان بيت جارك يحترق فهذا يعني أن بيتك في خطر". وحذر أيضاً من أن إيران قد وضعت نفسها في العديد من المشكلات لأنها تقوم بتعيين غالبية حكام الأقاليم من رجال الحرس الثوري. هناك مجموعتان داخل إيران يمكن أن يقوما بدور مهم في إقناع القيادة الإيرانية بضرورة التعاون مع واشنطن بخصوص العراق.
المجموعة الأولى: هم اللاجئون العراقيون الذين يشكلون لوبي للدفاع عن المصالح الشيعية العراقية في طهران. وقد شجعوا الحكومة الإيرانية على السير في طريق المحادثات مع الولايات المتحدة. ويرى هذا اللوبي أن تصعيد التوترات والمشكلات بين الحكومتين لا يخدم مصالح شيعة العراق، اللوبي لا يريد أن يرى العراق رهينة للمواجهة الدولية على البرنامج النووي الإيراني.(40/160)
أما المجموعة الثانية: فتتكون من العديد من الإيرانيين الذي يبدون قلقهم بخصوص الأماكن الشيعية والمدن المقدسة بالعراق، ويرون أن في وجود تنسيق بين القيادتين الأمريكية والإيرانية من شأنه أن يوفر الأمن لهذه المدن المقدسة. ورغم كل هذا فإن إيران سوف تسعى بشكل نشيط إلى تحقيق الاستقرار في العراق عندما يكون هذا الاستقرار لصالحها، ولن تقوم إيران بهذا إلا عندما تشعر أن الولايات المتحدة لم تعد تشكل تهديداً بالنسبة لها.
تدشين المرحلة:
ثمة قضايا هامة سوف تواجه العراق خلال الشهور القادمة، ومن المتوقع أن تكون المفاوضات الدستورية على رأسها خاصة التساؤلات الاتحادية، ومسألة توزيع إيرادات النفط، ويبدو أن بوادر ذلك قد ظهرت فقط بعد أن قام السفير الأمريكي في العراق زلماي خليل زاد بمحاولات لإقناع الشيعة للموافقة على تغيير الدستور. حيث تحاول الولايات المتحدة التوصل لاتفاق يساعد على انخراط السنة في إطار العملية السياسية وذلك بهدف إضعاف التمرد السني، لكن فرص هذه الصفقة مازالت مجهولة، فالشيعة والسنة والأكراد لا يتصور أن يقوموا أية تنازلات بدون ممارسة ضغوط عليهم من جانب الولايات المتحدة، كما أن الولايات المتحدة لا يمكنها إجبار أحد الأطراف على تقديم تنازلات وإرضاء أطراف أخرى دون مخاطرة عزل بعض الأطراف.
وفي حالة فشل المفاوضات بخصوص الدستور، فمن الممكن أن يقوم السنة بترك العملية السياسية، وحتى في حالة مشاركة السنة. فمن المتوقع أن يكون حجم أو مستوى المساومة مع الشيعة أكثر تعقيداً من خلال زيادة حجم الاضطرابات في جنوب العراق.(40/161)
خلال السنوات الثلاث الماضية، كان عند الشيعة استعداداً كبيراً للمشاركة في العملية السياسية ومقاومة استفزازات السنة وتمردهم، وذلك لأن الشيعة اعتقدوا بأن تأييد السياسة الأمريكية سوف يخدم مصالحهم. لكن إذا وجد الشيعة أن واشنطن أصبحت أكثر تلهفاً لشراء تعاون السنة على حسابهم فإن الشيعة سيكونون على استعداد لإعطاء ظهورهم للعملية السياسية، ومثل هذا التطور قد يفرز انتفاضة شيعية وفي هذا الإطار فإن الشيعة ليسوا بحاجة إلى السلاح للضغط على الولايات المتحدة، وذلك استناداً إلى أعدادهم الكبيرة، فالشيعة قادرون من خلال استغلال تفوقهم العددي على تغيير التوازن السياسي في داخل العراق.
ففي يناير 2004 قام آية الله السيد علي السيستاني بحشد مئات الآلاف من الشيعة في مظاهرات ضخمة استمرت خمسة أيام وذلك احتجاجاً على الخطط الأمريكية الرامية إلى إسناد الانتخابات ما بعد صدام إلى نظام مؤتمر تحضيري. وقبل هذه الظاهرات دعا السيستاني حشود الشيعة إلى الاحتجاج على قصف ضريح الإمام العسكري. وكان هدف السيستاني من هذا كله هو أن تعي الحكومة الأمريكية القوة التي عليها التيار الشيعي في العراق، ومن خلال ممارسة نفوذها بين الشيعة في جنوب العراق يمكن لطهران أن تساعد على المحافظة على النظام الراهن بينما تظل المفاوضات الدستورية مستمرة، ويمكن أيضاً لإيران أن تضمن استمرار التنافس بين الأطراف الشيعية المختلفة مثل المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، وقوات الصدر وذلك دون خروج هذا التنافس عن السيطرة الإيرانية.
كما يمكن لإيران أيضاً أن تعمل على الإبقاء على الهدوء في جنوب العراق بين الشيعة بشرط أن يكون لها دور حاسم في تحقيق هذا الهدف، لأن هذا الدور سوف يساعدها على مخاطبة الحاجات العراقية وإعادة بناء العراق بالإضافة إلى دعم الحكومة المركزية في بغداد.(40/162)
ولكي تضمن إيران هذا التعاون فإنها بالطبع سوف تسعى لمخاطبة قضايا أوسع في علاقاتها مع الولايات المتحدة، فطهران يمكن أن تنهي مسألة الدعم المالي والعسكري للميليشيات الشيعية المسلحة وباقي العصابات الإجرامية الأخرى في جنوب العراق في حالة تقديم الولايات المتحدة ضمانات أمنية أوسع لإيران. إن الحالة العراقية تبدو مشابهة للحالة الأفغانية في 2001 حيث ظهر أن هناك إمكانية لتلاقي وتشابك المصالح الأمريكي والإيرانية ولكن الاختلاف أنه في الحالة العراقية تبدو المساومة أعلى وأكثر تعقيداً.
فبعد سقوط نظام طالبان في أفغانستان عملت كل من الولايات المتحدة وإيران على دخول العملية السياسية في أفغانستان وتم عقد الصفقات اللازمة في إطار مؤتمر بون حول مستقبل أفغانستان بين إيران والولايات المتحدة وذلك لضمان النجاح المبكر لحامد قرضاي ونظامه في أفغانستان.
وأظهر مؤتمر بون أن هناك بوادر لفتح فصل جديد في تاريخ العلاقات الإيرانية ـ الأمريكية، لكن في هذا الوقت كانت واشنطن تبدي اهتماماً أقل بمسألة العلاقات مع إيران، حيث كانت واشنطن تنظر لنظام طهران بأنه نظام ضعيف سوف يسقط قريباً، وبالتالي ضيعت واشنطن فرصة كبيرة كانت أمامها. والآن تقدم مشكلات العراق الراهنة الفرصة لواشنطن وطهران مرة أخرى ليس فقط لتطبيع العلاقات بينهما ولكن أيضاً للعمل على وضع حد للتوترات المستقبلية بين الشيعة والسنة في العراق التي من المتوقع أن تنتقل للدول المجاورة، وبالرغم من أنه من غير المحتمل أن تقدم واشنطن وطهران بحل خلافاتهم في القضايا الرئيسية وعلى رأسها قضية الملف النووي الإيراني في وقت قريب.(40/163)
إلا أنه من الممكن أن تساهم في تهدئة الأوضاع هناك، مثل تحسين الأمن في جنوب العراق، وحل الميليشيات الشيعية، وإقناع الأطراف الشيعية بتقديم بعض التنازلات. لكن الخطورة هنا تكمن في حالة عدم قدرة واشنطن وطهران على إيجاد أرضية مشتركة وفي حالة فشل المفاوضات بخصوص الدستور فإن النتائج المحتملة ستكون مروعة ففي أحسن الأحوال سيدخل العراق في دائرة عنف أوسع بجانب تطور إلى حرب أهلية كاملة، وعندما ينهار العراق سوف يتحول بعد ذلك إلى ساحة لحرب إقليمية بين إيران، تركيا، وباقي جيران العراق من الدول العربية، حيث سيدخل الجميع في تنافس من أجل حماية مصالحهم في العراق المدمر. ومن المتوقع أن تكون الجبهة الرئيسية أو التحالفات في هذه الحرب مشابهة لتلك التي جاءت أثناء الحرب العراقية ـ الإيرانية، حيث من المتوقع أن يدعم الشيعة في العراق إيران والدول التي ساندتها في الحرب، أما الدول التي كانت قد وقفت بجانب العراق فإنها سوف تقدم الدعم للسنة.
في بعض الأوقات يتم مقارنة العراق بفيتنام في بداية السبعينيات أو يوجوسلافيا في نهاية الثمانينيات، ولكن يمكن هنا أن نقارنها بنموذج أوضح وهو الهند البريطانية في عام 1947، فلم يكن بالهند حرب أهلية، ولا جيوش شعبية مسلحة، ولا نظام مركزي للتطهير العراقي، ولا نزاع على الأرض، ورغم ذلك مات الملايين وتحول الكثير منهم إلى لاجئين، نجد أن جيش الهند البريطانية قد قسم البلاد إلى أغلبية هندوسية، ومناطق للأغلبية الإسلامية. ولم يتمكن هذه الجيش من تجسير الهوة الواسعة بين هذه المجموعات أو السيطرة على العنف، ولهذا أجبرت بريطانيا على الخروج بسرعة.(40/164)
نفس الأمر ينطبق على العراق اليوم، ففي الهند توقفت أو انتهت المشكلة عندما رأت الأقلية أن قدرها أن تحكم ومقابل ذلك قدمت بعض التنازلات للأغلبية للدخول في العملية السياسية. إن العنف الطائفي الواسع الانتشار الآن في العراق يقدم رسائل تذكير مشئومة عن الذي حدث في الهند قبل حوالي 60 عاماً، وربما يكون أسوأ في العراق فالحالة العراقية تتدهور بشكل كبير الأمر الذي قد يترك تداعياته على الشرق الأوسط بالكامل وانتقال هذا النزاع الطائفي إلى الشيعة والسنة في باقي الدول.
السفير حسن كاظمي قمي:
نتحدى الاتهامات بالتدخل في العراق
الوطن العربي ـ 13/9/2006
[السفير الإيراني يمارس التقية مخلوطة بالدبلوماسية والنتيجة ستكون بالطبع مصنع للكذب والخداع!! ] (الراصد).
ما زالت أصابع الاتهام تشير إلى إيران في كل صغيرة وكبيرة تحدث في العراق .. وأغلب الذين يوجهون الاتهامات لا يستمعون لوجهة نظر طهران وردها على ما يثار ضدها في هذا الشأن.
"الوطن العربي" حملت هذه الاتهامات ووضعتها أمام السيد حسن كاظمي قمي السفير الإيراني في بغداد، فكان هذا الحوار الصريح معه.
* ما هي مبادئ السياسة الإيرانية إزاء العراق؟
- بعد سقوط حكومة البعث العراق أصبحت سياسة إيران واضحة إزاء هذا البلد، وبذلنا مجهودات كبيرة في دعم استقلاله وسيادته والمساعدة على استقراره رغم ظروف الاحتلال، وتنطلق هذه السياسة على أسس واقعية، فنحن نعلم أن أمن العراق هو جزء حيوي من أمن المنطقة، وأن أي عمليات تخريب وإرهاب تجتاح العراق إنما ستنتقل إلى الإقليم كله ويزعزع أمن المنطقة بكاملها، ونحن نحرص جدا على استقرار المنطقة خاصة دول الجوار وفي مقدمتها البلدان العربية والإسلامية لعمق الروابط والمصالح التي تجمعنا ولا نسمح للقوى الخارجية أن تفرق وحدتنا وتفاهمنا المصيري.
* لكن هنالك من يتهم إيران بالتدخل في الشأن العراقي؟(40/165)
- نحن لم نتدخل في شؤون العراق مطلقاً، بل عملنا على دعم سياسة الحكومات العراقية التي تعاقبت بعد سقوط النظام وشجعنا كافة مكونات الشعب العراقي على المشاركة في الفعالية السياسية وفي إعادة بناء بلدهم واعماره.
وكذلك دعونا دول المنطقة للمشاركة في إعمار العراق وكنا ومازلنا نحث دول الجوار على التعاون الجاد في ضبط الأمن وخاصة الحدود وفعلا قدمت العديد من هذه الدول التسهيلات والمساعدة الممكنة في المجالات كافة، وتحملت تضحيات غير قليلة بسبب تدهور الأوضاع الأمنية في العراق وتعرض كل الجهات لمخاطر متعددة.
هاتوا برهانكم!
* لكن أطراف في الحكومة العراقية إضافة إلى الأميركيين والبريطانيين يتحدثون عن قيام إيران بتدريب وتجهيز ميليشيات مسلحة وخروقات للحكومة والأحزاب العراقية؟
- هذا كلام غير صحيح ونحن نرفض هذه الاتهامات جملة وتفصيلا ما تدعيه بعض الأطراف في الحكومة العراقية أو البرلمان أو أية جهة أخرى بحاجة لتقديم الدليل، ونحن نتحداهم ونعبر عن استعدادنا الكامل لإجراء تحقيقات معمقة لهذه الأدلة المزعومة إن نجح وصدق من يدعيها .. ويفترض بمن تعرض عليه مثل هذه الاتهامات أن يدقق ويبحث عن مصادرها الأصلية ومقدار صحتها ودوافعها الحقيقية، ونحن نعتقد أن إطلاق مثل هذه الاتهامات يهدف بالدرجة الأساس للعمل على استمرار الأزمات في العراق وتفاقمها.. وأن المحتل يسلط الضوء على هذه الأمور المختلفة في محاولة لإطالة عمر احتلاله للعراق وتحويل هذه البلاد لقاعدة أساسية لتنفيذ مشروعه الاستعماري الذي أطلق عليه الشرق الأوسط الجديد ..
أما مسألة الميليشيات فهذا شأن عراقي خالص تتعامل معه الحكومة العراقية وللعراقيين وحدهم حل هذه المشكلة ولا علاقة لإيران بهذه المسألة من قريب أو بعيد وكل ما يثار من اتهامات باطلة تهدف لإثارة الفتنة والمخاوف بين مكونات الشعب العراقي ودفعهم للصراعات الدموية والفوضى لتحقيق مصالح المحتل الأميركي.(40/166)
وللتأكيد على ما نقول فإن إيران أعلنت مساندتها لخطة رئيس الوزراء نوري المالكي للمصالحة الوطني، وأكدت دعمها لحكومة الوحدة الوطنية وبرنامجها في تعزيز وحدة البلاد واستقرارها ولم تتأخر إيران في مديد العون والمساعدة لعراقيين في المجالات والأوقات كافة والحكومة العراقية تعرف ذلك، وأيضا الآخرون الذين يمثلون أركان العملية السياسية.
* يقال إن إيران تسعي لتحويل جيش المهدي إلى ما يشبه حزب الله؟
- إن حزب الله هو حزب مقاومة يحاول الدفاع عن أراضي لبنان، ونحن نؤيد هذا الحزب وندعمه ماليا ومعنويا، ومن واجبنا الإسلامي أن ندعم هذا الحزب عن طريق الزكاة المشروعة ونقدمها له وليس في ذلك آية إشكالية.. أما ميليشيات جيش المهدي فنحن ليس لدينا أية تعامل معها ولا نعرف ما هي طبيعة هذه الميليشيات، ونحن فقط نعرف السيد مقتدى الصدر ولا تربطنا به سوى علاقة الأخوة والمحبة وما تتناقله بعض الأوساط عبر وسائل الإعلام نفاجأ به وهو لا يستحق الرد.
العلاقة مع السنة:
…* ما هي طبيعة علاقتكم مع الأحزاب السنية في العراق؟
- حقيقة لدينا علاقات طيبة جدا مع معظم الأحزاب والتيارات السنية العراقية، وأنا شخصيا كانت لدي زيارات متبادلة مع قادة هذه الأحزاب خاصة الحزب الإسلامي وجبهة التوافق، وكانت لنا لقاءات متبادلة مع الدكتور عدنان الدليمي وهناك زيارات سوف يقوم بها وفد من جبهة التوافق إلى طهران وسبق للدكتور محمود المشهداني رئيس البرلمان العراقي أن زار إيران مؤخرا، وعقد اجتماعات ودية وطيبة مع القيادات الإيرانية، كان الهدف منها تحقيق المصلحة العراقية العليا... وأنا أؤكد لكم أن علاقتنا بالأحزاب السنية علاقة متينة ونحن نقدم لهم كافة أنواع الدعم ونتفهم الكثير من أفكارهم وطروحاتهم.
…* وهل لكم علاقات مع التيارات السنية الأخرى مثل تنظيم "القاعدة" في العراق؟(40/167)
- كلا لأن هذا التنظيم نعده إرهابياً وأعلنا عليه الحرب منذ وقت مبكر لأفكاره وأعماله المتطرفة.
……* ولكن يقال إن إيران تغض النظر عن تسلل عناصر "القاعدة" عبر أراضيها إلى العراق؟
- هذا الكلام غير صحيح وهو من باب الاتهامات المشبوهة، وحقيقة الأمر أن الحدود التي تفصل بين العراق وإيران هي الأطول وتزيد على 1200كم ورغم ذلك فإننا نتحدى من يثبت أن سيارة مفخخة واحدة أو إرهابي خطر دخل إلى العراق عبر هذه الحدود التي بذلنا جهوداً كبيرة لنجعلها تحت السيطرة.
…* كيف تنظرون لمستقبل العراق؟
- نعتقد أن العراق سيتجاوز المحنة والظروف الصعبة، وسيكون بلدا مستقرا ومزدهرا إذا خرج المحتل منه واستعاد سيادته، ولكن إذا ما بقي الاحتلال فإننا نتوقع استمرار المشاكل والأزمات المتراكمة إلى وقت طويل ولهذا فإن على العراقيين أن يجدوا بأنفسهم حلا لبقاء المحتل، فتقدم العراق وحل مشاكله ومستقبله مرهون بهذه القضية.
…* ما تعليقكم بشأن ما يجري الآن في العراق وهل يصح على ذلك وصف حرب أهلية؟
- لا أظن أن العراق يعيش في حرب أهلية. الذي يحصل اليوم هو أن الجهات التابعة للكيان الصهيوني تعمل على إثارة الفتنة الطائفية من أجل زعزعة أمن المنطقة وإشعال فتيل الحرب بين المسلمين، لذلك نحن نعلم أن الكيان الصهيوني يخطط ويحاول إثارة هذه الفتنة منذ عقود طويلة وقد استخدم من قبل صدام لتنفيذ هذه الخطة ويعول اليوم على الإرهابيين في تنفيذ الصفحات التالية.
…* ما السبيل لإنهاء الاحتلال في العراق؟(40/168)
- إن مشاركة العراقيين شيء مهم في بناء العراق وطرد المحتل وأن عليهم أن يقفوا جميعاً متحدين إزاء ذلك ... ونعتقد أن الإمكانيات لمثل هكذا موقف متوفرة، ففي العراق اليوم حكومة منتخبة ودستور ومستلزمات أخرى تتيح الفرصة للتخلص من الاحتلال قريبا وليس بعيداً .. لكن الحكومة بمفردها لا تستطيع أن تفعل ذلك بل تحتاج إلى دعم داخلي ومشاركة فعالة من القوى السياسية والأحزاب ودعم الجماهير والمجتمع الدولي ودول الجوار وهذه تتم عبر خطوات مدروسة تعالجها الحكومة والبرلمان.
……* لماذا لم تساهم إيران في وضع حلول جذرية لبعض المشاكل العراقية مثل الحاجة لمشتقات النفط والطاقة الكهربائية؟
- مرة أخرى هذا الاتهام غير صحيح لأن إيران وعبر كل السنوات الماضية كانت تلبي العديد من الطلبات العراقية في هذا المجال، وتم خلال هذه الفترة توقيع اتفاقيات بين البلدين لتطوير التعاون النفطي من خلال وضع دراسة كاملة لمعالجة هذه الأزمة في العراق وتجهيزه ببعض المنتجات ونقل المستلزمات الأخرى إلى دول آسيا عبر إيران وفتحنا منافذ حدودية أخرى لتأمين البنزين وغيره من المنتجات ونقل الغاز السائل عبر إيران. أما مشكلة الطاقة الكهربائية فهناك أيضا دراسة ونحن متقدمون في هذا المجال ونحتاج للمزيد من الوقت لكي يرى العراقيون النور.
مواجهة المشروع الأميركي:
…* ما هي خطط إيران لمواجهة المشروع الأميركي المسمى الشرق الأوسط الجديد؟(40/169)
- إن سياستنا في هذا المجال واضحة وهي العمل على ضمان المصالح الوطنية لشعوب المنطقة كافة وتعاونها فيما بينها لحل مشاكلها بالحوار والطرق السلمية، إسرائيل وأميركا يشكلان التهديد لأمن وسلامة المنطقة، والحل كما قال الرئيس نجاد يكمن في أن تغير إسيرائيل خطابها وسياستها في المنطقة خاصة مع الفلسطينيين والأقطار العربية والعراق، نحن نريد من المجتمع الدولي أن يغير نظرته حول الهلال الشيعي في لبنان وفلسطين والعراق، فهذه ذريعة لتنفيذ مخططات في المنطقة وعلى الشعوب الغربية أن تغير سياستها في المنطقة ولا تنجر مع الأميركيين لأنها سوف تتكبد خسائر كبيرة في هذه المنطقة وأن تقتنع أن دفاعها عن إسرائيل هو أكبر تهديد.
نحن نعتقد أنه لا يمكن تغيير خارطة المنطقة مهما فعلت أميركا في الشرق الأوسط لأن شعوب هذه المنطقة تعرف كيف تدافع عن نفسها وتفشل كل المخططات وما حدث مؤخرا في لبنان خير دليل على ما نقول.
……* كيف تنظرون لوجود منظمة "مجاهدي خلق المعارضة في العراق وما تأثيرها في إيران؟
……- إن هذه المنظمة هي منظمة إرهابية حسب التصنيف الدولي لها والحكومة العراقية قد أصدرت بيانها بهذا الشأن منذ زمن مجلس الحكم، ونحن لن نسمح لهذه المنظمة الإرهابية أن تقوم بأي عمل يسيء للوضع الأمني في طهران وبقية المدن في إيران وقد أصدرت الحكومة الإيرانية عفوا عن الأشخاص المغرر بهم وسمحت لهم بالعودة من تبقى منهم ستطالب الحكومة العراقية بتسليمهم لأنهم مطلوبون للسلطات الإيرانية لتورطهم بأعمال إرهابية.
……* المشاريع النووية الإيرانية ألا تشكل خطراً على المنطقة؟(40/170)
……- كلا.. إن الخطر الحقيقي تمثله إسرائيل بترسانتها النووية المحمية من أميركا والغرب والمساعي الإيرانية تجري في إطارها الصحيح فمن حق كل الشعوب امتلاك الطاقة النووية لخدمة تطورها الحضاري. فهذا المصدر من الطاقة متاح في أغلب بلدان العالم وله تماس مباشر بحياة المجتمع ونشاطاته السلمية.. فلماذا هذا الإصرار على عرقلة حصولنا على حق مشروع وتحت أنظار العالم والمنظمات المتخصصة، إن هذه الضجة لإرضاء الكيان الصهيوني ليبقى متحكما في أمن المنطقة ومهددا لكل شعوبها.
تقرير غربي:
"إيرانيو اسرائيل" يصنعون سياسة الدولة العبرية
العربية نت 9/10/2006
…ذكرت مجلة "جينز" العسكرية البريطانية المتخصصة أن يهود إيران الذين قدموا إلى إسرائيل يصنعون حالياً السياسة الإسرائيلية، مشيرة إلى أن ابرز الشخصيات اليهودية الإيرانية التي تصنع القرار الإسرائيلي: الرئيس موشيه كاتساف، ووزير الدفاع السابق ، نائب رئيس الحكومة حاليا شاؤول موفاز، ورئيس أركان الجيش دان حالوتس.
…فيما قال د. أحمد الطيبي، رئيس الحركة العربية للتغيير في اسرائيل، إن هنالك شخصيات اسرائيلية أخرى من أصول إيرانية تلعب دوراً كبيرا في الحياة الاسرائيلية على صعيد الثقافة والفن، مشيرا إلى الأستاذ الجامعي ديفيد مانشيري والمطربة "ريتاً.
…وأوردت المجلة على موقعها الإلكتروني (3) أسماء رئيسية لشخصيات إسرائيلية من يهود إيران ووصفتهم إنهم يساهمون في صناعة السياسة الإسرائيلية. وأول هذه الشخصيات شاؤول موفاز الذي ولد بطهران عام 1948، وهاجرت أسرته إلى فلسطين عام 1957 ، وشارك في حربي 1967و1973.(40/171)
…كما شارك في عملية عنتيبي بأوغندا عام 1976 لإنقاذ الرهائن الإسرائيليين. وترقى إلى رئاسة الاستخبارات العسكرية ثم نائب قائد الأركان عام 1997، وعينه بنيامين نتنياهو قائداً عاماً للأركان العسكرية عام 1998 حتى يوليو/ تموز2002 ووزير دفاع سابق، وحاليا هو نائب رئيس الحكومة الاسرائيلية.
…الشخصية الثانية بحسب المجلة هي موشيه كاتساف الذي ولد عام 1945، هو الرئيس الحالي لإسرائيل، وتسلم الحكم عام 2000. وولد كاتساف في "يزد" بإيران، ثم رحلت عائلته إلى طهران، وفي عام 1951هاجرت العائلة إلى إسرائيل، ويجيد اللغة الفارسية.
…دان حالوتس هو الشخصية الثالثة المؤثرة، وولد في تل أبيب عام 1948 لعائلة يهودية مهاجرة من "هاجور" الإيرانية. ودرس الاقتصاد، وكان الرئيس السابق للقوات الجوية الاسرائيلية وكانت المرة الثانية في التاريخ الاسرائيلي التي يصبح فيها قائد القوى الجوية رئيسا لأركان الجيش وكان الأول "حاييم لاسكوف.
خلافات يهود إيران في اسرائيل:
…ورغم إشارتها إلى هذه الشخصيات كصانعة للقرار الإسرائيلي إلا أن المجلة البريطانية تتحدث عن خلافات في الآراء السياسية بين هؤلاء الثلاثة. وتقول: إن الرئيس كاتساف مثلاً يحاول أن يقيم روابط مع العالم الإسلامي وهذا يعكس عقيدة براغماتية لديه موجودة أصلا لدى يهود الشتات، بينما يتمسك كل من موفاز وحالوتس بمواقف عنيدة ذات صبغة إسرائيلية فقط دون محاولة لمد جسور مع أحد. وتابع أيضاً "بينما يسعى كاتساف لإحياء عملية السلام فإن موفاز وحالوتس يسيران في اتجاه أمريكي".
…وتكشف المجلة عن علاقة قوية تربط كلا من حالوتس وموفاز، قائلة إنه في عام 2005 أصدرا معا تحذيراً من قدرة إيران على الوصول بسرعة إلى صنع سلاح نووي ودعم كل منهما فرض عقوبات على إيران قبل شن ضربة استباقيه اسرائيلية ضدها.(40/172)
… وأوردت المجلة أن عدد اليهود الإيرانيين في اسرائيل وصل إلى 75 شخصا،فيما يبلغ عدد اليهود المقيمين في إيران 25 الفا ، وبالتالي هو أكبر تجمع لليهود في الشرق الأوسط بعد اسرائيل.
المطربة الاسرائيلية- الايرانية "ريتا":
…ويعلّق د. أحمد الطيبي، رئيس الحركة العربية للتغيير باسرائيل،قائلا إن "هناك شخصيات اسرائيلية من اصول إيرانية تلعب دورا كبيرا في الحياة الاسرائيلية على الصعيد الثقافي والفني مثل مانشيري مدير مركز الدراسات الايرانية في جامعة تل أبيب، والمطربة الاسرائيلية "ريتا".
…ويضيف، في حديثه لـ "العربية.نت"، قائلا: ريتا من أبرز المطربين في إسرائيل وتعتبر من مطربات الصف الأول وتقول أنها تفتخر بأصولها الفارسية، ونمط حياة أهلها قريب من الإيرانيين. وهي شخصية مشهورة جداً ومؤثرة، ولدت في إيران وجاءت مع عائلتها المهاجرة. تغني باللغة العبرية وهي أغان إسرائيلية وليست ذات طابع إيراني.
…وجدير بالذكر أن الرئيس الاسرائيلي موشيه كاتساف كان قد كشف عن ولعه بالغناء الشرقي وخاصة الفارسي أكثر من ولعه بالغناء العبري. كما عرضت القناة الثانية الاسرائيلية ذات يوم مشهدا لوزير الخارجية الاسبق ديفيد ليفي وهو يغني أغنية لفريد الأطرش بينما كان يراقص ابنته.
…ويصف د. الطيبي الإسرائيليين من أصول إيرانية بأنهم " لا يحتلون المرتبة الأولى من حيث العنصرية إلا أنه لا يمكن القول إنهم معتدلون"، لافتاً إلى أن "خير دليل على ذلك موفاز وحالوتس اللذين قتلا فلسطينيين أكثر مما ارتكب أي شخص آخر". ويتابع "اليهود الروس هم الأكثر تطرفاً ثم اليهود المغاربة وهم جمهور حزب الليكود والشرقيون هم جمهور حزب شاس".
الحفاظ على التقاليد الإيرانية :(40/173)
…ويقول الطيبي إن الطوائف المهاجرة إلى إسرائيل حافظت على تقاليدها وفق البلدان التي جاءت منها، ويضيف: كل طائفة وكل فصيل مثل اليهود المغاربة لهم طريقة أكلهم وأفراحهم التي بقيت مغربية، وكذلك حصل مع الإيرانيين والتوانسة.
…سألت: هل نجحت إسرائيل بصهر الثقافات المتباينة للمهاجرين؟
…يجيب د. الطيبي: نعم ، وهذا هدف جهاز التعليم، وهو صهر الثقافة وجعلها إسرائيلية وليس إبقاءها مغربية أو تونسية أو مصرية وخاصة فيما يتعلق باليهود الشرقيين، وبالرغم من ذلك يبقى هناك هامش لا تستطيع الدولة أن تتدخل به وهو هامش التصرف الشخصي والحرية الشخصية فيما يتعلق بالتقاليد.
…وتحدث الطيبي عن زيارة قام بها يهود ايران الاسرائيليون من مدينة حولون الاسرائيلية إلى طهران كسواح والتقوا اقرباءهم هناك وعادوا وتحدثوا عن الاستقبال الإيجابي الذي لقوه في إيران.
…وفيما إذا كان لهم ممثل محدد، يقول د. أحمد الطيبي:
… يتفاخرون بأي شخص منهم يصل إلى منصب رفيع ولكن هذا الشخص لا يعتبر نفسه زعيم طائفة اليهود الإيرانيين، وإنما يحاول الانصهار في البوتقة الإسرائيلية ويتحدثون عن أنفسهم كقادة إسرائيليين وليس كقادة ليهود إيران.
تونس ..
خيام راقصة في رمضان ومقاهي المفطرين
دنيا الوطن 10/10/2006
…[لا يزال مسلسل اعتداء نظام تونس الذي يقوده غلاة الشيوعيين يتصاعد ، فبعد محاربة الحجاب ، ها هم يعتدون على حرمة رمضان ، قاتلهم الله] (الراصد).
…"الكافيشنطا" تبدو للناظر من بعيد خياماً مخصصة لعقد الندوات الدينية في ليالي شهر رمضان الكريم .. ولكن عند الاقتراب منها تصل إلى مسامعك أصوات متداخلة وترى ما لم يكن ليخطر على بالك .. الموسيقى الصاخبة وراقصات يتمايلن ورائحة مدخنين تعبئ الجو الذي يبعد كل البعد عن الأجواء الإيمانية لشهر الصوم.(40/174)
…فبعد غياب دام (20) عاماً عادت الخيام الرمضانية الكبيرة التي تضم العديد من "الكافيشنطا" (مقاهي الغناء بالفرنسية) في منطقة تعرف بـ"باب سويقة" بوسط العاصمة التونسية وفي مناطق أخرى مختلفة من العاصمة. عودة مقاهي الغناء التي تشمل أيضا فقرات راقصة وألعابًا سحرية لقيت انتقادات واسعة من قبل كثير من التونسيين.
…وفي تصريح لـ"إسلام أون لاين.نت"، يفسر د. مهدي مبروك أستاذ علم الاجتماع تغاضي السلطات عن أنشطة هذه المقاهي في رمضان قائلا: "هناك إرادة لتدنيس المقدس وتفعيل الغرائز الحيوانية لدى الإنسان من خلال نشر مظاهر الفجور خاصة في شهر رمضان الفضيل".
…واعتبر أن عودة هذه الخيام الراقصة تمثل "الموجة الثانية لتجفيف منابع التدين". ويوضح مبروك قائلا: "عاشت بلادنا موجة أولى لتجفيف منابع التدين خلال تسعينيات القرن الماضي اعتمدت السلطة خلالها على قوة القانون لخدمة هذا الهدف وضرب ظاهرة التدين التي كانت مرتبطة بشكل كبير بالتيار الإسلامي حينها".
…وأضاف: "اليوم ومع انتشار حالة من التدين الشعبي عاد الأسلوب السابق الذي يعتمد على خطف عقول الناس وتحويلهم عن الانشغال بالعبادة والتفكر في هذا الشهر الكريم".…
تفريغ رمضان من مضمونه!
…وتساءل مبروك: "كيف تسمح السلطات بهذه الخيام وبأن يتم إفراغ شهر رمضان من كل شحناته الإيمانية وتحويله من شهر عبادة وتقرب إلى الله إلى شهر تمارس فيه أبغض المنكرات".
…وبعد نحو ساعة من هدوء تام يسود شوارع العاصمة التونسية وهي فترة الإفطار تنشط الحركة مرة أخرى بالتونسيين الذين يتجهون لأداء صلاة التراويح، بينما يفضل آخرون أماكن اللهو المختلفة وعلى رأسها "مقاهي الغناء" التي تثير استياء قسم غير قليل من التونسيين.(40/175)
الإمام محمد بالحاج يعبر عن هذا الاستياء بالقول: "نأسف لعودة مقاهي الرقص والغناء بعد أن ظننا أنها اختفت .. هذه الأجواء تعطي انطباعاً بأن شهر رمضان هو شهر اللعب واللهو والمجون، في حين أنه شهر الطاعة والعبادة". ووجّه بالحاج لومًا شديدًا لرواد هذه المقاهي متسائلا: "كيف يسمح فرد صام نهاره أن يقضي ليله يشاهد راقصة شبه عارية بدل أن يكون راكعا ساجدا بين يدي الله؟".
…واستنكر التسهيلات التي تقدمها السلطات للجهات التي تعمل على تفشي المعاصي خلال الشهر الكريم والتضييق الشديد في المقابل على الملتزمين دينيا وعلى المحجبات. واستشهد بتصاعد وتيرة الحملة التي تشنها السلطات التونسية وحزب "التجمع الدستوري الديمقراطي" الحاكم ضد المحجبات خلال شهر رمضان وخاصة من الطالبات.
خيام تضم العديد من مقاهي الغناء
…وإلى جانب عودة ظاهرة مقاهي الغناء إلى الساحة التونسية لاحظ المجتمع التونسي هذا العام الارتفاع الكبير في عدد المقاهي التي تفتح أبوابها لتقدم خدماتها للمفطرين خلال أيام شهر الصوم.
ويقول مراسل "إسلام أون لاين.ت": إنه في السابق كان عدد المقاهي التي تفتح أبوابها في نهار رمضان لا يتجاوز الخمسة في العاصمة كلها وأغلبها كانت مقاهي تابعة للفنادق، أما في رمضان هذا العام فلا يكاد يخلو طريق من مقهى للمفطرين.
…وتنقسم مقاهي المفطرين إلى ثلاثة أنواع: فمنها مقاهي الفنادق السياحية المنتشرة في العاصمة، والحانات التي تحوّل نشاطها من بيع الخمور في الأيام العادية إلى مقاهي في رمضان، وأخيرا المقاهي العادية التي تواصل تقديم خدماتها خلال نهار الشهر الكريم.
…وبرّر أحد أصحاب المقاهي فتح محله خلال أيام الصيام بالقول: "يوجد عدد من المرضى الذين لا يستطيعون الصيام، ومن حق هؤلاء أن يجدوا مكانا يشربون ويأكلون فيه دون أن يضايقوا الآخرين".(40/176)
…وكشف عن السبب الحقيقي وراء إتاحة مكان للمفطرين قائلاً: لـ"إسلام أون لاين.نت": "نريد تحقيق دخل جيد خلال الشهر يعيننا على تغطية عجزنا خلال بقية أيام السنة بسبب الارتفاع الكبير في عدد المقاهي والذي أدى إلى تراجع دخلنا".
…وعن شعوره بأنه يغضب رب العالمين بأن يعين مفطراً على معصية الله قال صاحب المقهى الذي رفض ذكر اسمه: "من جهتي أؤكد لك أني صائم، أما الزبائن فأنا لم أكره أحدًا على الإفطار".
…وعن سبب سماح السلطات بفتح هذه المقاهي في نهار شهر الصيام قال م.الحداد (49 سنة) يعمل بالشرطة البلدية: "لا وجود لقانون يمنع المواطنين من فتح محلاتهم وتقديم خدمات للمفطرين، فلم يصلنا أي قرار في هذا الخصوص". وألقى بالذنب على أصحاب المقاهي قائلا: "المسألة تخضع للقناعات الشخصية لأصحاب المقاهي؛ فمنهم من يرى ضرورة مراعاة حرمة الشهر الكريم ومنهم عكس ذلك".
يذكر أن الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة قد دعا إلى الإفطار جهرة وشرب الماء في أحد أيام رمضان خلال كلمة كان يلقيها في تجمع عمالي أقيم بالعاصمة سنة 1960. وبرر بورقيبة دعوته تلك بأن تونس بحاجة إلى جهد كل أبنائها وهي التي خرجت للتو من الاستعمار ودخلت في مرحلة البناء والتشييد، واعتبر بورقيبة أنه إذا كان الصيام مدعاة للتقاعس كما قال فالواجب أن يفطر التونسيون حتى يتم إعادة بناء البلاد، وقد أثارت تصريحات بورقيبة في ذلك الحين حفيظة المؤسسات الدينية في العالم الإسلامي.
الطائفة الدرزية عودة الى نظام الشيخين"!
مجلة "المسيرة" 23/10/2006
…إلى أين يمكن أن يصل الكباش الدرزي - الدرزي في موضوع مشيخة العقل وهو الموضوع الذي تجاوز مسألة الصراع الزعاماتي بين الجنبلاطية واليزبكية إلى مسألة الصراع بين خطين سياسيين واحد تدعمه سوريا ومعها حزب الله وآخر تدعمه موجة استقلالية لبنانية تحظى بمظلة دولية - عربية واسعة؟(40/177)
…بلغت الطائفة الدرزية أوج توحدها في فترة حرب الجبل في العام 1982 ضد "أخطار داهمة" وأعطت وليد جنبلاط منذ ذلك الوقت هذا البعد "الزعاماتي" والدور المحوري في المعادلة اللبنانية ... الدروز تاريخيًا معروف عنهم أمران:
…الأول أنهم يربحون في الحرب ولا يربحون في السياسة بعد الحرب. وهذا ما حصل معهم عندما انتهت الحرب إلى اتفاق الطائف الذي لم يعطهم شيئًا أو على الأقل لم يعطهم بمقدار ما أعطوا...
…والثاني أنهم يتوحدون في الحرب وينقسمون بعدها، ويظل هذا الانقسام تحت رايتي "الجنبلاطية واليزبكية أو الأرسلانية حديثًا. وهذا ما حصل معهم في السنوات الأخيرة وتدرج صعودًا وبطيئًا حتى تكرّس الانقسام أمس في 24 أيلول وحدث الافتراق الذي سيكون من الصعب التخلص من آثاره في مستقبل قريب.
…الطائفة الدرزية عرفت أمس مشهدين: المشهد الانتخابي للمجلس المذهبي في أول تجربة ديمقراطية من نوعها في آليتها ومظاهرها ومستندة إلى قانون جديد ولكنه غير معترف به من تيار آخر داخل الطائفة... ومشهد المبايعة لشيخ عقل جديد في عودة إلى أوضاع سابقة وأعراف ظن كثيرون أنها أصبحت من الماضي.
…أسفرت الانتخابات عن اكتمال عقد المجلس المذهبي الموزع في تركيبته على تمثيل ديني (المشايخ) ومناطقي وقطاعي (المهن الحرة والنخب الفكرية والمثقفة). وهذا المجلس يعود له انتخاب شيخ عقل جديد في غضون شهر. وأسفر اجتماع خلده الاعتراضي عن تسمية شيخ عقل للتيار الأرسلاني هو الشيخ أبو فيصل ناصر الدين الغريب، خلعت عليه العباءة ووضع علم الموحدين الدروز على سيارته.(40/178)
…وبغض النظر عن "قانونية أو عدم قانونية" هذا التعيين وكيف سيكون الحال في ممارسة الدور والصلاحيات، ثمة واقع جديد على أرض الطائفة الدرزية ستكون الدولة محرجة في التعاطي معه، لأن الأمر يتعلق بشؤون داخلية وتقاليد وأعراف تكتسب أحياناً قوة القانون. وكان يمكن لهذا "الانقسام الديني" أن يقف عند حدود معيّنة وأن يتم احتواء آثاره، ولكنه يكتسب أهمية وخطورة كونه يستند إلى خلفية وأبعاد سياسية.
…ففي الوقت الذي كانت تجري انتخابات المجلس المذهبي كان النائب وليد جنبلاط يفتح ناره السياسية على حزب الله والسيد حسن نصر الله . وقبل يومين من اجتماع خلده، كان أقطاب هذا الاجتماع حاضرين في مهرجان حزب الله وفي الصف الأمامي.
…وهنا لا بد من عرض موجز تاريخي لمشيخة العقل وتطورات الأزمة هذا العام:
-… في العام 1962 تم الاتفاق بين المرحومين كمال جنبلاط ومجيد إرسلان على تشكيل مجلس موحد للمجلس المذهبي للطائفة الدرزية. كان ذلك مقدمة للاتفاق على وحدة ومشيخة العقل بشخص الشيخ محمد أبو شقرا على أن يكون شيخ العقل الجديد، وبعد وفاة أبو شقرا، من اليزبكيين.
-…بعد وفاة الشيخ أبو شقرا، عيّن رئيس "اللقاء الديمقراطي" النائب وليد جنبلاط الشيخ بهجت غيث شيخًا للعقل، وقد أثار هذا التعيين حفيظة الإرسلانيين. وتجمّد القانون فأعطي الشيخ غيث لقب "قائمقام شيخ العقل" ومارس مهامه على هذا الأساس.
-…استمر الغزل بين جنبلاط وغيث حتى العام 1995، حين أعلن الشيخ غيث في مهرجان تغييب الإمام الصدر في النبطية رفضه للتمديد للرئيس الراحل الياس الهراوي وترشيحه العماد إميل لحود لرئاسة الجمهورية مخالفًا توجيهات جنبلاط السياسية. ودبّ الخلاف، واتخذ أشكالاً مختلفة من النزاع حتى العام 2006 حيث استطاع جنبلاط وبعد خروج إرسلان من الندوة النيابية تمرير قانون تنظيم شؤون الطائفة الدرزية بتسهيل من الرئيس بري.(40/179)
-…القانون الجديد أقر في مجلس النواب لمرتين، بعد رده في المرة الأولى من قبل الرئيس لحود. وبعد مضي شهر على إعادة إقراره، لم يوقّع خلاله الرئيس لحود عليه، نشر في الجريدة الرسمية بتاريخ 12/6/2006.
-…القانون يلزم الشيخ غيث بالدعوة إلى انتخاب مجلس مذهبي خلال شهر. تقدم الأخير بالتنسيق مع إرسلان بطعن لإبطاله في المجلس الدستوري، ولأن المجلس الدستوري معطّل، فقد جمّد الطعن في الأدراج.
الموحّدون الدروز أمام تكريس الانقسام الديني بعد السياسي
صوت البلد الأثنين, 09 أكتوبر, 2006
…تمر طائفة الموحدين الدروز في لبنان هذه الأيام بمرحلة دقيقة من تاريخها حيث يسودها الانقسام السياسي والديني شأنها شأن ما يشهده البلد عموماً. ومن المفيد القول إن الطائفة الدرزية كما الطائفة المارونية هي من أساس الكيان اللبناني , وإذا تعرّضت لاهتزاز تعرّض الوطن كذلك. والدروز عُرف عنهم شجاعتهم وبأسهم وسبق أن مُنحوا حق الاستقلال في إدارة شؤونهم أيام الفتح العثماني بحيث لم يعودوا مرتبطين بوالي الشام أو بوالي طرابلس. وقد شكّلت منطقتا الشوف وعاليه انطلاقاً من نهاية القرن السادس عشر مدىً حيوياً للعيش المشترك الدرزي الماروني وشعرت كل طائفة بأن وجودها ضروري لبقاء الآخر, ولذلك كان كل من يتربّص شراً بلبنان يعمل على إثارة النعرات في جبل لبنان لاْن وحدة الجبل كانت على الدوام ركيزة أساسية لوحدة لبنان, وإذا تصدّعت هذه الوحدة في الجبل يتصدّع الكيان اللبناني.
شرخ كبير:(40/180)
وفي هذه المرحلة تشهد طائفة الموحدين الدروز شرخاً كبيراً لعلّه انعكاس للصراع السياسي المحتدم, وبدأ هذا الشرخ انطلاقاً من الخلاف على قانون تنظيم شؤون الطائفة , ولم تنفع كل الدعوات والنداءات للتوافق, بل سارت الأمور بشكل تصعيدي, وانعكست على وضع مشيخة العقل بحيث باتت الطائفة أمام ظاهرة شيخي عقل تماماً كما كان الحال قبل أكثر من ثلاثين سنة , واحد اختاره الأمير طلال أرسلان أمام أنصاره ومؤيديه في خلده وثان سينتخبه المجلس المذهبي برعاية النائب وليد جنبلاط. وفيما عيّن الأمير طلال موعداً اليوم لتقبّل التهاني بتنصيب الشيخ ناصر الدين الغريب تتجه الأنظار لمعرفة موقف شيخ عقل الموحدين الدروز الشيخ بهجت غيث, وما هو سرّ صمته؟ وماذا يعني بيانه الذي سبق بيوم واحد انتخابات المجلس المذهبي وتعيين الشيخ الغريب والذي أعلن فيه قراره بتعليق جميع مهام مشيخة العقل وعدم تلقي المراجعات وتوقيع المعاملات حتى إشعار آخر ؟.
أبلغ من الكلام:
…يبدو أن الشيخ غيث الذي أمضى في موقع مشيخة العقل 15 سنة يعتبر أن "الصمت أبلغ من الكلام في هذه الأيام, وهو أراد الانسحاب من هذه المعمعة وهذا الوحل الذي غطّسوا به الطائفة" حسبما تنقل مصادر مقربة منه, وإذا كان البيان الذي أصدره أثار إشكالية في تفسير أبعاده ومغزاه فإنه يعني "تجميد كل مهامه في المشيخة وأكثر من اعتكاف بل انسحاب بعدما شرّف بوجوده الموقع على مدى الأعوام التي تسلّم فيها المسؤولية". أما عدم الحديث عن استقالة واضحة فمردّه إلى سؤال ساور شيخ العقل ومفاده " لمن سأستقيل؟ وهل عيّنني أحد كي أتقدّم باستقالتي منه؟ على العكس فكلهم عاكسوني, وأنا كنت بحكم الواقع لعدم وجود فراغ وجئت بناء لإلحاح الزعماء السياسيين في انتظار وضع قانون وعدم جواز حصول فراغ في هذه المؤسسة ".(40/181)
…وقد لاحظ الشيخ غيث بعد مراجعة للمواقف "أن الحاقدين لا يزالون يتهيأون للانقضاض على مشيخة العقل ومعاندة المتخاصمين على استنساخ مشيخة عقل لكل منهما فارغة من أي معنوية سواء بالانتخاب الصوَري بموجب القانون المزعوم أو بالتعيين القبائلي المزري", ولذلك اتخذ الموقف بعدم المشاركة في " هذه المأساة".
…وفي المعلومات أن اتصالات تمّت بالشيخ غيث بعد إصداره بيانه "ولكن سبق السيف العزل , وكان جواب شيخ العقل: لدي مبدأ وليست عندي مصلحة لا بل مصلحتي هي مبدئي. وعندما يُراد وضع الطائفة في البازار السياسي وإعادتها إلى عصر الجاهلية, فهذا الأمر لا يلائمني وأخرج منه, وفي الأساس أنا لا أعترف بكلمة درزي, فأنا موحّد ولغتي هي لغة العقل أي لغة الهدوء والحوار والنظام".
…ويبدي الشيخ غيث بحسب المصادر" قلقاً من تجزئة الطوائف وشحنها بالعصبيات", ويرى "أن طائفة الموحدين ميزان للبلد وعندما يحدث شيء داخل الطائفة سينعكس على لبنان , فلبنان مختبر كوني لهذه الطوائف والحضارات والأديان, وعندما يفسد شيء في جسم الوطن سيتأثر الرأس, وما حدث هو موضوع تقسيمي ويُخشى أن يمتّد إلى الجميع ويحدث فتنة في البلد".
…وعندما يُسأل الشيخ غيث لماذا لا يجري اعتبار وجود شيخين للعقل ظاهرة ديموقراطية وعودة إلى الأصول والتقاليد الدرزية بين يزبكي وجنبلاطي يجيب "قد يجوز الأمر, وقد يكون وجودي على مدى 15 سنة هزّ عرشهم وضايقهم توحيد المشيخة ومن حريتها في التعبير, فالمطلوب ربما أن تتكلم مشيخة العقل مع هذا الطرف أو ذاك, أو تساير وتنافق على الاثنين وليس لديّ شيء من ذلك".
…من تُراه شيخ العقل الذي سيتخذ مقراً له في فردان الشيخ المعيّن من أرسلان أم الشيخ المنتخب من جنبلاط؟(40/182)
…لا شك أن تعليق الشيخ غيث مهامه في مشيخة العقل أراح النائب جنبلاط أكثر مما أراح الأمير طلال, فلو بقي غيث في دار الطائفة في فردان لكان من الصعب كي لا نقول من المستحيل إخراجه منها خصوصاً إذا بقي يتمتّع بدعم اليزبكيين.
…وقد حصلت سابقة في الماضي عندما كلّف الرئيس الشهيد رفيق الحريري سلمان عبد الخالق إدارة شؤون الأوقاف ولم يتمكّن من مزاولة مهامه تماماً، ولو بقي الشيخ غيث في موقعه لكانت معركة جنبلاط أقسى, أما انسحابه فقد أفسح في المجال للتيار الجنبلاطي بعقد اجتماع في هذه الدار للبحث في نتائج انتخابات المجلس المذهبي وتحديد موعد لانتخاب شيخ العقل الجديد, وقد تنظر الدولة بعين الرضى لشيخ عقل منتخب وفق القانون مهما كان منحرفاً وتعترف به وتؤمن له التسهيلات أكثر مما قد تعترف بشيخ آخر حتى لو كان معترفاً به من قبل فريق لا يُستهان به من الدروز والمشايخ ويكتسب شرعيته من الناس وليس من السلطة لا سيما أن أرسلان بحسب أوساطه أكد" أن ما يقرّره المشايخ الأجلاء أمشي به وبالتالي لم يكن اختياره الشيخ الغريب اختياراً إفرادياً".(40/183)
…في اعتقاد الشيخ غيث "أن الوجوه التي أتت نتيجة انتخابات المجلس المذهبي هي لفئة واحدة, وكانت الناس متعطشة لقانون ولكن الوضع بات أشبه بشخص صائم وفَطَر على بصلة", وتستبعد مصادره حصول أي تسليم وتسلّم بينه وبين سواه وتنقل عنه أنه " لا يرى موجباً لاْي تسليم وتسلّم, فليس هناك شيء كثير للتسليم والتسلّم ,والأوقاف خلال 15 سنة بقيت مقسّمة في أيدي الزعماء وجزء بسيط منها كان تحت إدارته, وهناك دعاوى كثيرة في هذا المجال, إذن الأمانة التي يفترض أن يسلمها هي روح وجسد وهذا الجسد أساساً هو مع الزعماء".ولكن غيث رغم ذلك يعتبر "أن شيخ العقل الذي يأتي نتيجة قانون تكون له صفة أكثر من الشيخ المعيّن حتى لو كان تطبيقاً لعرف". هل نصل إلى مرحلة أو ظاهرة وجود شيخي عقل للطائفة الدرزية واحد تعترف به قوى 14 آذار وآخر تعترف به قوى 8 آذار؟
الخريطة الجغرافية:
…إن لبنان المقسوم اليوم إلى معسكرين عكَس نفسه على طائفة الموحدين الدروز, وهذا ما يراه كذلك الشيخ غيث الذي "لا يفصل الأمر عن الصراع السني الشيعي الموجود في المنطقة والذي يحاول الدخول إلى لبنان. وإنما يحاول البعض إلباسه لبوساً آخر ويزيّنه بالماكياج".
…وفي اعتباره "أن البلد صار دويلات صغيرة ومعسكرات وكل معسكر منقسم على ذاته, وهذا يهزّ صورة لبنان على الخريطة الجغرافية, وكذلك مشيخة العقل باتت اليوم منحازة سياسياً إلى مرجعيات، وهناك زعيم يأمر على هذه المرجعية".
…في العام 2000 اتفق النائبان جنبلاط وأرسلان على مشروع قانون ينظّم شؤون الطائفة, غير أن الشيخ غيث تقدّم بطعن أمام المجلس الدستوري وبقي في موقعه,وفي العام 2006 اختلف النائب جنبلاط مع النائبين السابقين ارسلان وفيصل الداوود واتفق مع النائب أنور الخليل وتمكّن بدعم من رئيس المجلس النيابي نبيه بري من إقرار القانون في المجلس.(40/184)
…وفي غياب المجلس الدستوري المعطّل لم تسنح الفرصة للشيخ غيث ولكل من أرسلان والداوود بالطعن بالقانون الجديد, ولم ينفع ردّ رئيس الجمهورية اميل لحود لهذا القانون لأْنه عاد وأقّر بالغالبية. وها نحن اليوم نشهد ترجمة الانقسام الدرزي حول تنظيم شؤون الطائفة وحول مشيخة العقل. ولكن في ضوء التغيّرات السياسية بين مرحلة وأخرى هل يمكن أن نشهد مجدداً تقارباً بين النائب جنبلاط والشيخ غيث؟ عن هذا السؤال يجيب غيث أمام زواره: "ليس هناك تقارب أو تباعد بيني وبين أي شخصية سياسية إلا بمقدار ما تكون لديها مصداقية, وبالنسبة إليّ فقد دخلت قليلاً في السياسة كي أحيّد مشيخة العقل وأبقيها مرجعية إرشاد ومراقبة وضبط للأوقاف وكرامة الطائفة وسمعتها,ولكنهم لا يريدون ذلك , وأنا أعتبرهم وجوهاً سياسية إنما لعملة واحدة, ومع الأسف هذه هي السياسة اللبنانية".
…في ضوء كل ذلك, هل سنترحّم على زمن مشايخ العقل الكبار لدى الموحدين الدروز؟ أم أن الأيام الفاصلة عن انتخاب شيخ العقل الثاني ستشهد تسوية ما بين المختارة وخلدة بحيث يكون هناك شيخ عقل ونائب شيخ عقل تترافق مع تفاهم على موضوع الأوقاف ؟ وما سيكون عليه دور المشايخ الكبار ومن بينهم عضو الهيئة الروحية العليا الشيخ أبو جواد ولي الدين في التوصل إلى هذه التسوية؟.
نعيم حسن شيخاً للعقل بالتزكية…
موقع درزي 15/10/2006(40/185)
…أُعلن منتصف ليل السبت – الأحد فوز قاضي المذهب الدرزي الشيخ نعيم حسن بالتزكية بمنصب شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز، وفقا لقانون تنظيم شؤون الطائفة الذي اقره مجلس النواب وصدر في الجريدة الرسمية وانتخب بموجبه مجلس مذهبي في 24 أيلول الماضي. وجاء هذا الإعلان اثر اجتماع اللجنة المشرفة على الانتخابات والمؤلفة من أكبر الأعضاء سناً فؤاد الريس واصغر الأعضاء (أمين السر) قاضي المذهب الدرزي الشيخ غاندي مكارم، والمقرر منير حمزة. وبحسب محضر جلسة الاجتماع فان باب الترشيح اقفل على مرشح وحيد هو الشيخ حسن من دون أي مرشح آخر، وبالتالي جرى إعلان فوزه بالتزكية على أن يجتمع المجلس المذهبي في الخامس من تشرين الثاني المقبل لإعلان النتيجة رسمياً وذلك بعدما فتح باب الترشيح عشرة أيام ابتداء من الخامس من تشرين الأول الجاري.…
…وقد أرفق الشيخ حسن طلب ترشيحه الذي تقدم به في 13 تشرين الأول 2006 بتوقيع ستة أعضاء من المجلس المذهبي وأربعة أعضاء من الهيئة الدينية وهو شرط القبول بأي طلب ترشيح.
…وبذلك يكون قاضي محكمة عاليه الشيخ نعيم سعيد حسن قد أصبح شيخا للعقل لطائفة الموحدين الدروز، (وهو من مواليد 3 أيار 1949 من بلدة البنيه الشحار الغربي) يحمل إجازة بالحقوق من الجامعة اللبنانية، وعيّن قاضيا لمحكمة عاليه في 26 تشرين الثاني 1984 متأهل وله ثلاثة أولاد.
…ويعتبر الشيخ حسن من أصحاب الكفاية الكبيرة التي تؤهله لشغل المركز الأول دينيا على مستوى الطائفة، وقد جاء اختياره على هذا النحو لكونه يتمتع بصفات تؤهله لقيادة السفينة، أكان من النواحي الدينية بحيث ينتمي إلى أسرة "دينية تقية، ورعة، زاهدة" وهو حفيد المرحوم الشيخ أبو سعيد حمود حسن الذي اعتمر "اللفة المدورية" بدافع من كبار الهيئة الروحية آنذاك، كما انه صاحب المسلك الديني المعروف والمركز المرموق.(40/186)
…أما على المستوى القضائي فتميز بنزاهته في مجالات عمله بشهادة مختلف فئات المجتمع الدرزي، وجاء تعيينه في منصب قاضي المحكمة الدرزية في عاليه برعاية المرحوم الشيخ أبو حسن عارف حلاوي ومباركته.…
…أما من الناحية السياسية، فيشكل اختياره لهذا المنصب عاملاً مهماً جداً على صعد مختلفة وخصوصاً انه لا يشكّل تحدياً أو استفزازاً لأحد، انطلاقاً من مواقفه الجامعة والموحّدة للطائفة والتي تميز بها، البعيدة كل البُعد عن السياسات الضيقة أو المنحازة. وفي مراحل معينة، كان صلة الوصل بين عدد من الأفرقاء السياسيين.
…وبحسب التقليد القديم فإنه ينتمي عائلياً إلى اليزبكية التي غابت والجنبلاطية من قاموس الدروز، كما يعتبر من القريبين من النائب السابق طلال ارسلان الذي اختاره سابقاً ليكتب له عقد زواجه. وسيعوّل على الشيخ حسن، كما على المجلس المذهبي، في تنظيم شؤون الطائفة وإرساء قواعد العمل الصحيح وخصوصاً بالنسبة إلى الأوقاف والرعايات الدينية والتربوية المختلفة.
وأشارت أوساط متابعة إلى جهود ومساع حثيثة تبذل على أكثر من صعيد، من أجل أن يقوم شيخ العقل الشيخ بهجت غيث بتسليم الشيخ حسن أمانة مشيخة العقل في صورة شرعية، من ضمن إخراج لائق يجري العمل عليه وخصوصاً بعد رفض الشيخ غيث المشاركة في الاحتفال الذي أقامه ارسلان في خلدة لتسليم الشيخ نصر الدين الغريب العباءة، بعدما اعتبره طعناً في ظهره من ارسلان والنائب السابق فيصل الداود. وأفادت معلومات أن الشيخ غيث يتعرض لضغوط خارجية وداخلية من اجل منعه من تسليم الأمانة إلى الشيخ حسن.
انقسام دروز لبنان حول "مشيخة العقل" إثر انتخاب مجلس مذهبي
العربية نت 9/10/2006(40/187)
…تشهد طائفة الموحدين الدروز في لبنان شقاقاً دينياً على خلفية خلاف نشب بين فريقي النائب وليد جنبلاط والنائب السابق طلال أرسلان، إثر انتخابات مجلس مذهبي للمرة الأولى منذ 40 عاماً بموجب قانون جديد لتنظيم المشيخة والأوقاف الدرزية .
…وفيما كان الناخبون الدروز يتوجهون إلى الاقتراع لانتخاب أعضاء المجلس المذهبي، الذي سينتخب بدوره شيخ عقل خلال شهر، أعلن ارسلان في إطار مهرجان أقامه في دارته، أبو فيصل نصر الدين الغريب شيخ عقل ثان، الأمر الذي يهدد الدروز بانقسام بين مشيختي العقل، بينما أعلن قائمقام الطائفة الدرزية الشيخ بهجت غيث تعليق مهامه. ونشب الخلاف بين زعيم "اللقاء النيابي الديموقراطي" وليد جنبلاط الذي دعم انتخاب مجلس المذهبي بناء على قانون لتنظيم الطائفة كان أقره المجلس النيابي اللبناني قبل أشهر عدة، وبين رئيس "الحزب الديموقراطي" طلال ارسلان.
…وكان النائب السابق أرسلان والشيخ غيث حذرا من الازدواجية في منصب شيخ العقل مع وضع مشروع قانون المجلس المذهبي. إلا أن اعتراضات هذا الفريق لم تثن القيمين على المشروع من تمريره ليصبح قانوناً نافذاً.
…وكان الناخبون الدروز من فئات حملة الشهادات والإجازات الجامعية والاختصاصات وأصحاب المهن الحرة ورؤساء البلديات والمخاتير ورجال الدين، والفئات المصنفة في الهيئة الناخبة (9121 ناخباً بحسب لوائح الشطب) اقترعوا في بيروت ومناطق الجبل والبقاع وحاصبيا من اجل انتخاب مجلس مذهبي كان في السابق يعيّن سياسياً، بمرسوم من مجلس الوزراء. وحصلت المنافسة بين 168 مرشحاً على 67 مقعداً من أصل 91 عضواً للمجلس المذهبي باعتبار أن هناك أعضاء حكميين هم رجال دين وكبار القضاة الدروز في وزارة العدل والنواب الحاليون.
…وذكرت مصادر مطلعة لعدد من الصحف العربية أن اتصالات تدور منذ أيام بهدف التوصل إلي تسوية ما بين جنبلاط وأرسلان لم تنضج بعد وتقوم علي انتخاب شيخ عقل ونائب شيخ عقل.(40/188)
وتعد تسمية شيخي عقل للطائفة الدرزية بمثابة عودة إلى الوراء، وتحديداً خلال الستينيات، إذ صدر قرار بتوحيد مشيخة العقل في العام 1970 بناء على اتفاق بين الراحلين كمال جنبلاط والأمير مجيد ارسلان، على أن يتناوب على المنصب شيخ جنبلاطي وآخر يزبكي. ومع عودة الصيغة القديمة، تطرح أسئلة كثيرة حول مصير هذه الطائفة وأوضاعها وأوقافها ومن سيدير المجلس المذهبي؟ أي من القرارات الصادرة عن شيخي العقل ستكون نافذة؟ وتنقسم طبقة العقل التي يمثلها رجال الدين الدارسين له والمحافظين عليه لدى الدروز إلى ثلاثة أقسام هي: رؤساء أو عقلاء أو أجاويد ، ويسمى رئيسهم شيخ العقل.
أول امرأة تبنت الدعوة للاختلاط مع الرجال بالصلاة:
أنجبت بلا زواج وللمسلمة حق التمتع الجنسي
موقع دنيا الوطن 10/7/2006
[نماذج من الفتن القادمة على المسلمين ، مما يجب الوقاية منها مبكراً. الراصد]
…
…قالت الناشطة الأمريكية المسلمة إسراء نعماني - التي أثارت أفكارها الكثير من الجدل - إن رؤيتها لحقوق المرأة تتلخص في الكفاح من أجل إقامة المساواة بين الرجل والمرأة في العالم الإسلامي، قبل أن تشير إلى أن المرأة كانت أفضل حالاً أيام الرسول، وتقول إن بعض علماء الدين أخضعوا المرأة وسجنوها في عالم صنعوه.
…وفي حوار مع العربية .نت ، دافعت نعماني عن إنجابها بلا زواج شرعي، قائلة: إنها لا تؤمن بكلام من يتحدثون عن معاقبة المرأة التي تنجب خارج الزواج، منتقدة بشدة النظرة إلى المرأة "كإمتاع للرجل فقط " مشيرة إلى أن الرسول دعا إلى التعامل الجنسي المخلص والمحترم مع المرأة وليس إغصابها على الممارسة الجنسية. كما تحدثت عن تحول مساجد عديدة في أمريكا إلى ما اسمته "اندية ذكورية" يتجمع فيها الرجال للدردشة والتسلية والتخطيط أحياناً ضد الزوجات.(40/189)
…وكانت إسراء نعماني، المسلمة الأمريكية من أصل هندي والصحفية السابقة في جريدة "وول ستريت جورنال" (Wall Street Journal)، أول امرأة تبنت الدعوة لاختلاط الرجال والنساء في الصلاة في الولايات المتحدة الأمريكية. كما اقتحمت ذات يوم حشود المصلين في قاعة الصلاة المخصصة للرجال في مسجد مزدحم بلوس أنجلوس ، وأصرت على الصلاة بينهم ، رافضة في الوقت نفسه الصلاة في المكان المخصص للنساء.
…ونعماني نشرت كتاب "الوقوف وحيدة في مكة" ، ويحكي عن صراعها الداخلي كمسلمة بعد وقوع الهجمات على نيويورك وواشنطن، ثم رحلتها إلى مكة لأداء مناسك الحج في 2003، وعودتها إلى أمريكا مجدداً لمهاجمة ما أسمته "التسلط الذكوري" في مسجد المنطقة التي تعيش بها، وقد قامت بإمامة عدد محدود من النساء والرجال في صلاة، بعد أيام من خطوة مماثلة قامت بها الدكتورة أمينة ودود أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة فرجينيا كومنولث الأمريكية التي أمت رجالاً ونساء في صلاة جمعة في نيويورك.
…وفيما يلي نص الحوار الذي أجرته العربية.نت مع الناشطة الأمريكية إسراء نعماني:
"الأنثوية الاسلامية"
…العربية.نت: برز اسمك في الحركة المطالبة بحقوق النساء المسلمات، وفي الولايات المتحدة أطلق عليك لقب رائدة الحركة الأنثوية Feminism، أين أنت فيها ... متطرفة أم محافظة أم حداثية؟
…نعماني: أنا أطالب بمساواة المرأة بالرجل. لست متطرفة في آرائي، ولكن العالم الإسلامي ينظر إلي أفكاري أنها متطرفة، وهي آراء بنظري عادية بأن أطالب أن تقف المرأة في صفوف متساوية مع الرجال في المسجد ، وتقف على المنبر، وتحقق المساواة في الشهادة مع الرجل، وأن تكون رئيسة للوزراء ، وإماما في ذات الوقت، وهذه ليست آراء متطرفة. …
…العربية.نت: لكن ماذا عن الحركة النسائية الاسلامية أو ( الإنثوية الاسلامية) Islamic Feminism المصطلح الناشئ حديثا، وما موقعك فيها؟(40/190)
…نعماني: أعتقد أن الرسول كان مؤيداً للأنثوية من حيث تأييد حقوق المرأة وهي تعني تحقيق العدالة الاجتماعية للمرأة. في القرن السابع لم يحقق الإسلام كل حقوق المرأة، ولكن طور وضع المرأة بشكل تدريجي. ومن المفترض الآن في القرن الحادي والعشرين أن يكون وضع المرأة أكثر تطورا ، ولكن يوجد رجال يريدون العودة بالمرأة إلى الوراء عندما ينظر لها أنها من الدرجة الثانية. لم يكن لها تلك الحقوق المساوية للرجل في عهد الرسول من حيث الشهادة والميراث ولكن وضعها كان أفضل من اليوم ولو كنا أكملنا ما تحقق في حقبة الرسول ، لكنا وصلنا اليوم إلى مساواة كاملة. منذ سنوات صدرت فتاوى تقول بحق النساء في رفض الرجال عندما يتقدمون للزواج، وهذا مضحك لأن المرأة كان لها حق الرفض في القرن السابع أيام الرسول.
…العربية.نت: ومصطلح Gender Jihad الذي تحدثت عنه مطولا؟
…نعماني: معناه الكفاح من أجل استعادة مكانة المرأة في الإسلام ودورها، وتخليص الإسلام من الأئمة ورجال الدين الذي قرروا إخضاع المرأة وسجنها في عالمهم الذي صنعوه.…
العربية.نت: الحركة الأنثوية ولدت في الولايات المتحدة ، ولكن لماذا لم نجدها عربيا وسط النساء العربيات رغم واقعهن؟.
…نعماني: لم تنشأ الحركة في أمريكا، أنا ولدت في الهند بعد استقلالها، وأتيت لأمريكا وليس لدي خوف من القوة أو الأفكار الغربية لأني عرفت أن العديد من هذه الأفكار متجذر في الحضارات القديمة بما فيها الإسلام. لقد ولدت في التاريخ الإسلامي أيضًا.
…العربية.نت: ولكن لماذا صمتت النساء العربيات برأيك؟(40/191)
…نعماني: ليس فقط في العالم العربي وحتى في أمريكا هناك صمت وكأن بالعالم الإسلامي انتقل من الشرق الأوسط إلى وسط أمريكا، وهذا الصمت بسبب الخوف ، ولأن الرجال يريدون السيطرة. عندما تكون الفتاة خانعة يتم قبولها، وعندما تعلن عن رأيها تدفع الثمن غاليا مع عائلتها وتصبح هدفا للأذى ، ومحاولة إسكاتها. هناك نساء يخاطرن للتعبير عن آرائهم وتحدي سلطة الرجل.
"أصلي بلا حجاب"!!
…العربية.نت: هل تؤدي إسراء نعماني الفروض الاسلامية؟
…نعماني: دائماً يطرح علي هذا السؤال وكأن هناك من يطرح هذا السؤال لإضفاء صفة الشرعية على الشخص الذي يٌطرح السؤال عليه. لا أصلي كامل الفروض الخمسة في اليوم ولا أشعر في الخجل بذلك. عندما كنت طفلة كنت أصلي كل يوم كما كنت أصوم ولكن المجتمع هو الذي أبعدني عن الإسلام عندما أخبروني أني لا يمكن أن أصلي معهم ولا يمكن أن أفطر معهم لأنه إفطار مخصص للرجال فقط. واكتشفت فيما بعد أن الشعائر تستخدم كمبرر لإبعاد جوهر ديننا الإسلامي عن حياتنا.
…العربية.نت: رغم أنك تؤدين بعض الفروض ..خلعت الحجاب؟
نعماني: من الناحية الدينية لا أؤمن أنه مطلوب من المرأة أن ترتدي الحجاب. وأيضا الحجاب تحول من تقليد إلى شعيرة تختبر فيها المرأة إذا كانت مسلمة أم لا . أنا لا أضع الحجاب ، ولكن في الماضي كنت أضعه عندما أصلي. وعندما نظمت صلاة أمينة ودود الشهيرة التي أمت فيها المصلين صليت معها ولأول مرة صليت دون حجاب لأني كنت أشعر أنني في مكان آمن ولأول مرة أشعر أني في مجتمع مسلم ليس رهينة لهذه الشعائر والتقاليد. وقد اعتبروني كافرة لأني صليت بلا حجاب بعد نشر هذه الصورة على مواقع الانترنت.…
"أنجبت بلا زواج"(40/192)
…العربية.نت: يقال أنك أنجبت ولدا عبر علاقة غير شرعية، ووفق من انتقدوك هذا "عقابه الرجم حتى الموت" ، ويقولون أنك فعلت ذلك في الوقت الذي تطالبين فيه بإصلاح الإسلام والعودة إلى الإسلام الحقيقي ، ولكنك نفسك خالفت الشريعة؟.
…نعماني: لا أقبل بعقوبة رجم امرأة لأنها أنجبت طفلا خارج الزواج، أفكار الرجم هي أفكار الرجال ولا يوجد ذكر في القرآن للرجم حتى الموت، هناك كلام عن العبودية ، وعن ضرب الزوجة والجلد، وروح الإسلام هي الرحمة وليس إنزال العقوبة بالآخرين بقتل امرأة لديها طفلا.
…والرسول لم يقل بقتل امرأة أنجبت طفلا ولم تكن متزوجة، ولم يكن الرسول في نهاية اليوم يبحث عن كل امرأة إذا كانت ترتدي الحجاب أو أقامت زفافا يؤكد زواجها. لم تكن قيمة المرأة بهذه الأمور.
المسلمة لها حق المتعة الجنسية:
…العربية.نت: لقد أصدرت كتابا مخصصا للحديث عن أفكارك حول حقوق المرأة المسلمة في الممارسة الجنسية والمتعة، والإسلام يمنحها ذلك أصلا كما يقول منتقدوك؟…
…نعماني: هناك في المجتمع الإسلامي من ينظر للمرأة كإمتاع للرجال، وهناك من ينظر للمرأة أن عليها أن تفتح رجليها وتمتع زوجها .. هذه هي النظرة للمرأة، فيما كان الرسول يتحدث الممارسة الجنسية المخلصة والمتسمة بالاحترام. والمتعة ليست معناها ببساطة ممارسة الجنس، ولا يعني أنه عندما تمارس المرأة الجنس أنها حصلت على المتعة منه، ولذلك تحدثت عن حق المرأة في الإسلام أن تقرر مصير جسدها ولها الحق بقول لا للجنس. وفيما يقال الآن أن المرأة التي ترفض زوجها في الفراش يجب معاقبتها ، فهذا يعني إجبار على الجنس ويحول الزواج إلى اغتصاب. وهنا يستخدم الإسلام كمبرر لاستخدام المرأة من أجل الجنس، بينما المرأة لديها الحق أن تقول إن كانت تريد الجنس أم لا، والزوجة كذلك.
الجوامع أندية للرجال:
…العربية.نت: هل صحيح أنك تحدثت عن تحول الجوامع إلى أندية للرجال؟(40/193)
…نعماني: نعم. الرجل في المسجد يستمتع بالدردشة وقص الحكايات والهروب من بقية العالم.. في أمريكا رأيت بعض الجوامع التي تحولت إلى جمعية للرجال.. بعد انتهاء صلاة الجمعة يتحول المكان إلى تجمع يقضون وقتا ممتعا فيه ويضحكون وهذا خطأ وسمعت عن شخص يتحدث عن تخطيطه للزواج بامرأة ثانية بشكل سري.. وهو جالس في المسجد.
…العربية.نت: إذا احتلت النساء مكان الرجال هل ينتهي الإرهاب؟
…نعماني: لا أعتقد أننا نحتاج أن نكون مكان الرجال، ولكن إذا احترمنا النساء وحصلن على حقوقهن ينتهي الإرهاب. الإيديولوجيا التي تدعم الإرهاب هي التي تحط من قدر النساء، واحترام النساء هو الذي يحطم الإيديولوجيا التي تعلمنا كراهية الآخر المختلف عنا.
مسلمات على الطريقة الأميركية
الشرق الأوسط 4/10/2006
…اقتحمت الأكاديميات المسلمات في أميركا، جبهة النقاش الحامية الوطيس حول الإسلام التى تثار حالياً في الولايات المتحدة. وإذا كان اختيار انغريد ماتسون، استاذة الدراسات الاسلامية في «كلية هارتفورد» رئيسة لـ«الجمعية الاسلامية لشمال اميركا» (اسنا)، للمرة الأولى في تاريخ البلاد قد سلط الضوء على دور المثقفة المسلمة وما يمكن أن تقدمه أو تثيره من أسئلة، فإن عديدات بتن معروفات وشهيرات إعلامياً، ويخضن معارك فكرية ـ دينية، يصعب التغاضي عنها. ففي هذا الظرف الحساس من تاريخ أميركا والعالم، حيث يتصاعد الكلام على قدرة الإسلام على معايشة الحداثة، يبدو «الإسلام ـ الأميركي» وكأنه يشق طريقه إلى الرأي العام، تماماً كما شهدت أوروبا حوارات حامية في العقد الأخير، حول ما سمي «الإسلام ـ الأوروبي». لكن للنساء هذه المرة، والأكاديميات المسلمات في أميركا، على وجه الخصوص حصة الأسد.(40/194)
…اختارت، قبيل بداية شهر رمضان «الجمعية الاسلامية لشمال اميركا» (اسنا)، اكبر جمعية إسلامية في الولايات المتحدة وكندا، أول امرأة رئيسة لها، وهي انغريد ماتسون، استاذة الدراسات الاسلامية في «كلية هارتفورد» (في ولاية كونيتيكت). ولدت انغريد، وتربت وتعلمت، في كندا، ثم اعتنقت الإسلام، وعملت في مجالات اجتماعية في أفغانستان، وتزوجت مصريا، ونالت دكتوراه من «جامعة شيكاغو» عن أطروحة حول المساواة في الإسلام.
…أثار اختيارها نقاشا كبيرا لسببين رئيسيين: أولا، لأنها بيضاء، وواحدة من بيضاوات قليلات في الجمعية التي تضم أكثر من عشرين ألف عضو، هاجرت أغلبيتهم من دول العالم الثالث. وثانيا، لأن اختيارها جاء في وقت ظهرت فيه مثقفات مسلمات يتحدثن عن الإسلام في الصحف والتلفزيونات الأميركية، ويتفقن على أشياء ويختلفن حول أشياء أخرى. ومن الأسئلة المطروحة في أميركا، هذه الأيام، هل تقدر المسلمة على الظهور في التلفزيونات الأميركية مع مسيحيين ويهود وتناقشهم في الدين؟ هل عندما تفعل ذلك، يجب أن تلبس حجابا، أو تغطي، على الأقل، شعر رأسها؟ وماذا إذا لم تفعل ذلك؟ ثم ماذا لو قالت عن الإسلام أشياء لا يؤيدها فيها مسلمون، ناهيك من مسيحيين أو يهود؟
إنغريد تشتكي جهل الجاهلين:
…قالت انغريد ماتسون لـ«الشرق الأوسط» أنها لا تجد حرجا في الاشتراك مع قادة مسيحيين ويهود في مناقشات دينية أو سياسية.(40/195)
…ولاحظت أن «كثيرا من المسلمين خارج أميركا لا يعرفون كمية الحرية المتوفرة في أميركا. وان أي إنسان يمكن أن يتناقش مع أي إنسان، في الصحف والتلفزيونات والمؤتمرات، رغم اختلاف الآراء». وأضافت أن هؤلاء «لا يعرفون أيضا أن نسبة كبيرة جدا من الأميركيين تعارض الأعمال العسكرية الأميركية في الخارج، وتعارض التعذيب، وقتل المدنيين. هؤلاء هم أساس المجتمع الأميركي: أساتذة جامعات، محامون، قادة دينيون، من مسيحيين ويهود». وقالت إنغريد أنها ولدت وتربت في مجتمع منفتح في كندا، وجاءت إلى أميركا لتدرس وتدرّس في مجتمع منفتح أيضا، ولهذا فهي لا تتردد، ولو لدقيقة واحدة، في مناقشة مسيحي أو يهودي أو بوذي، ناهيك من الحديث معه. وضحكت عندما سئلت إذا كانت تتردد في مناقشة رجال، في مواضيع دينية.
بيضاء كاثوليكية صارت مسلمة!
…واشتكت انغريد من «نقد غير مباشر» من جانب صحافيين أميركيين وكنديين، كتبوا عنها بعد أن فازت بمنصب رئيسة «الجمعية الإسلامية لأميركا الشمالية»، وأشاروا إلى أنها امرأة بيضاء، و«مع ذلك» ترأس جمعية إسلامية «فيها كثير من مهاجري باكستان ومصر ودول موجودة على قائمة الإرهاب».
…وقالت عنها جريدة «نيويورك تايمز» إنها «امرأة وكندية وغير مهاجرة». وقالت جريدة «لوس انجليس تايمز»: «هذا شيء غير عادي لامرأة بيضاء، كانت كاثوليكية». وقالت جريدة «سان فرانسيسكو كرونيكل» إنها «بيضاء، وتلبس ملابس حديثة، وتغطي شعر رأسها، وتجلس وسط مسلمين يلبسون جلاليب وعمائم». لكن إنغريد ردت على هذا كله، قائلة لجريدة «نيويورك تايمز»: «يعتقد بعض الناس أنني أكثر شجاعة واقل خوفا لأنني بيضاء، لكن لوني ليس له صلة بعقيدتي»، وقالت لجريدة «لوس انجليس تايمز»: «لم ينزل الإسلام للسود والسمر فقط. غريبة، عندما يصير أميركي اسود مسلما، يقولون أن هذا مفهوم، لكن، عندما أصير أنا البيضاء مسلمة، يقولون إنني كفرت، وكأن علي أن اختار بين لوني والإسلام».(40/196)
أصحاب نظرية المؤامرة من الأميركيين:
…وقالت إنغريد لـ«الشرق الأوسط»: «كان الشيخ محمد نور عبد الله (سوداني) رئيسا للجمعية قبل أن أصبح أنا رئيسة لها. توجد، طبعا، اختلافات كثيرة بين شكله وشكلي، لكنه أستاذي وأخي. وهو، في الحقيقة، أكثر وقارا ولطفا مني. أحس لهذا، بالإساءة عندما اعرف أن شخصا يمكن أن ينظر إليه، ويحتقره أو يخاف منه بسبب لونه وملابسه». وقالت أيضا أن بعض أصحاب «نظريات المؤامرة» قالوا أن المسلمين في أميركا تعمدوا اختيار امرأة بيضاء رئيسة لهم حتى لا يخاف الأميركيون من المسلمين. و«يعتقد الذين يقولون هذا الكلام أن الأميركيين على حق إذا خافوا من مسلمين سود أو سمر».
…واتهمت انغريد (كندية الأصل) الأميركيين بالعنصرية في نظرتهم هذه للمسلمين، وكأنها تقول إن كندا أكثر انفتاحا وتطورا من الولايات المتحدة. وربما لهذا الاختلاف بين الدولتين الجارتين صلة بنقطتين: أولاً، تدين المسيحيين الأميركيين أكثر منه في كندا (والتطرف المسيحي أكثر). ثانيا، لا يحس الكنديون ببقايا تجارة الرقيق وامتلاك السود التي لا تزال تؤثر على المجتمع الأميركي بطريقة أو أخرى.
رئيسة تواجه نقداً من كل جانب:
…واجهت إنغريد نقدا، ليس فقط من مسيحيين ويهود، ولكن أيضا من مسلمين، يمينيين ويساريين: في جانب، اعتمد أميركيون مسلمون يمينيون على أحاديث منسوبة إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، مثل: «نظرت في الجنة، ورأيت أكثر أهلها فقراء، ونظرت في النار، ورأيت أكثر أهلها نساء»، و«ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء». واحتج، في الشهر الماضي، بعض هؤلاء في مؤتمر شيكاغو الذي انتخبت فيه انغريد رئيسة. لكن عددهم كان قليلا، أو، على الأقل، عدد الذين وجدوا الشجاعة ليقولوا مثل هذا الرأي.(40/197)
…في الجانب الآخر، اعتمد أميركيون مسلمون يساريون على ملابسها وتصرفاتها. وسأل واحد منهم في موقع على الانترنت: «كيف تكون امرأة متحررة بغطاء رأس من قماش ثقيل، وبلوزة فضفاضة، وفستان يصل إلى أسفل رجليها؟». وقال ثان: «رأيتها تمتنع، في مؤتمر شيكاغو، عن مصافحة رجال». وقال ثالث: «لم يبق لها سوى أن تضع برقعا أفغانيا (حجاب الوجه)».
الإمامة مسألة خلافية بينهن:
…قالت إنغريد لـ«لشرق الأوسط» أنها تؤيد إمامة المرأة لنساء. «فقد أمت أمنا عائشة، رضي الله عنها، نساء، وأمت زوجات صحابة رسول الله نساء أيضا». لكن انغريد اعتبرت أن المشكلة هي في إمامة خليط من الرجال والنساء. وقالت أنها تدرّس مقررا عن حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم في «كلية هارتفورد» للدراسات المسيحية، وانه وقف أماما في خليط من الرجال والنساء.
…وقالت إن مواضيع مثل: إمامة المرأة، ووضع المرأة في الاسلام، ودورها في المجتمع، يجب أن تناقش اعتمادا على السنة، «شرط عدم ترك سنة، والتركيز على سنة أخرى. فحين نفعل ذلك، نناقض أنفسنا، ونأخذ من ديننا ما يناسبنا، ونترك ما لا يناسبنا».
…وطبقت انغريد الشيء نفسه على موضوع الحجاب، معتبرة أن هناك آراء مختلفة في الموضوع. هل تكشف المرأة شعر رأسها، أو وجهها، أو كتفيها، أو ذراعيها، أو قدميها؟ وشرحت: «يعني الحجاب الغطاء. وتقول السنة أن على المرأة المسلمة أن تغطي جسدها خارج البيت. هل تغطي شعر رأسها؟ يؤيد ذلك معظم العلماء».
إرشاد وجدار الفصل:
…لكن ارشاد مانجي، وهي أستاذة في «جامعة ييل»، من أصل كندي ـ باكستاني، تعارض انغريد، في هذا الموضوع، وكتبت كتابا بعنوان «مشكلة الإسلام: دعوة مسلمة للإصلاح في الدين». وقالت ارشاد: «عقدنا، قبل أربع سنوات، حلقة نقاش في تورنتو (كندا) لمناقشة كتاب سلمان رشدي «آيات شيطانية».(40/198)
… كنا كلنا مسلمات بدون حجاب. بل كان لبس بعضنا ابعد ما يكون عن الحجاب، رغم وجود رجال وسطنا. لكننا، رغم ذلك، ناقشنا أمور ديننا في حرية في صباح يوم سبت جميل».
…وعارضت ارشاد انغريد، أيضا، في موضوع امامة المرأة للصلاة. فهي لا تفرق، مثلما تفعل انغريد، بين إمامة رجال أو نساء أو خليط من الاثنين، وترى أن المرأة يمكن أن تؤم الرجال أيضا. وأضافت: «نفس الذين يقولون أن الرجل يقدر على ضرب زوجته، يقولون أن المرأة لا تقدر على أن تؤم الرجال في الصلاة».
…تتفق ارشاد وانغريد على عدم ضرورة وجود حائط يفصل بين الرجال والنساء داخل المسجد، وروت ارشاد أنها زارت، قبل سنوات، المسجد الأقصى في القدس، و«وجدت الرجال والنساء يصلون في مكان واحد، ولم يكن من حائط يفصل بينهم».
…وسألت: «ما دام لا يوجد حائط في المسجد الأقصى، لماذا يبني المسلمون الحيطان والحواجز ليفصلوا إخوانهم عن أخواتهم؟»، ورفضت انغريد التعليق على آراء ارشاد. لكن حسب رأي العديدين من الكتاب المسلمين في أميركا فان ارشاد، تخطت الحدود.
…قال واحد منهم: «شككت ارشاد في الإسلام نفسه». وقال ثان: «يجب أن يكون اسم كتاب ارشاد «مشكلة ارشاد» لا «مشكلة الإسلام». وقال ثالث: «يستغل الصهاينة بنتا كافرة ملعونة».
إسراء وحيدة في مكة:
…إسراء نعماني تجاوزت انغريد وارشاد معاً، في موضوع فصل النساء عن الرجال داخل المسجد، وألفت كتابا حول الموضوع. وإسراء كاتبة وصحافية، هاجرت أسرتها المسلمة من الهند إلى أميركا، ونال والدها الدكتوراه، ثم أصبح أستاذا جامعيا في جامعة «ويست فرجينيا». وعملت هي، لسنوات كثيرة، مراسلة لجريدة «وول ستريت جورنال» في الشرق الأوسط.(40/199)
…كتبت إسراء كتابا بعنوان «وحيدة في مكة» (بعد أن أدت فريضة الحج) لتبرهن لمسلمي مسجد صغير يصلي فيه مسلمون من الهند وباكستان، وغيرهما، في مدينة مورغانتاون (في ولاية ويست فرجينيا) أنهم أخطأوا عندما بنوا فاصلا بين الرجال والنساء داخل المسجد. وقالت: «وقفت أمام الكعبة المشرفة، ولم أشاهد حائطا يفصل الرجال عن النساء».
…تخصصت إسراء، في البداية، في شؤون الشرق الأوسط. وربما ما كانت ستتخصص في الإسلام لولا أنها، قبل ثلاث سنوات، دخلت مسجد مورغانتاون من الباب الجانبي، وقال لها مسلم (مهاجر من باكستان) أنها يجب أن تدخل من باب النساء الخلفي، ويجب أن تجلس وراء الحائط الذي يفصل الرجال عن النساء.
…كتبت أسراء، بالإضافة إلى كتاب «وحيدة في مكة»، كتبا أخرى: «على طريق الحب الإلهي» (ركزت على الإسلام كدين يدعو للحب)، و«حقوق المسلمات في غرفة النوم» (انتقدت الذين يفسرون القرآن الكريم بأنه يسمح للزوج، بدون أي شرط، أن يضرب زوجته، ويهجرها في الفراش)، و«حقوق المسلمة داخل المسجد» (عن دروس من حادث مسجد مورغانتاون).
أمينة التي فاجأت العالم:
…تختلف أمينة ودود عن انغريد وارشاد واسراء بأنها برهنت على القول بالعمل، ولم تكتف بتأييد إمامة المرأة للرجال، ولكن نفذتها. تعمل أمينة أستاذة دراسات إسلامية في «جامعة فرجينيا كومونولث» في رتشموند (ولاية فرجينيا)، ودرست الإسلام واللغة العربية في «جامعة الأزهر» و«الجامعة الأميركية» في القاهرة، ودرست في ماليزيا وجنوب أفريقيا واندونيسيا ودول إسلامية أخرى.
…فاجأت أمينة العالم يوم الجمعة 19/3/2005، عندما أمت، أمام كاميرات التلفزيون، صلاة الجمعة في كنيسة في نيويورك (لم يسمح لها المركز الإسلامي في نيويورك بذلك)، وحضر الصلاة أكثر من مائة رجل وامرأة، وأذنت إمرأة (بدون حجاب) أذان الجمعة، وألقت أمينة (بفستان طويل وغطاء رأس) خطبة الجمعة، وأمت المصلين.(40/200)
…وربما ما كان لعدد كبير من الناس، أن ينتقد ما فعلته أمينة، لو أنها أمت نساء بدون رجال، ولو أنها أمت من أمت في مكان خاص، بدون ضجة تلفزيونية وصحافية.
…يومها، قال الشيخ سيد الطنطاوي، إمام الازهر: «يسمح الإسلام بإمامة المرأة للنساء، لا للرجال»، لكن الشيخ علي جمعة، مفتي مصر، حسبما نقلت قناة «العربية»، حلل إمامة المرأة لرجال ونساء «ما داموا اتفقوا على ذلك»، وقال إن الطبري وابن العربي سمحا بذلك.
ايان تجاوزت كل حد
…انضمت، قبل أسبوعين، ايان هيرسي علي، إلى قائمة المسلمات اللائي يشتركن في أميركا في هذا النقاش الساخن عن الإسلام.
…ايان هاجرت من الصومال إلى هولندا، وتعلمت اللغة الهولندية والفلسفة، وتخصصت في الدراسات الدينية، ثم أصبحت سياسية، وفازت بعضوية البرلمان الهولندي. لكنها أثارت ضجة كبيرة عندما انتقدت الإسلام والمسلمين، بداية بمسلمي هولندا الذين وصفتهم بالرجعيين والإرهاب، ونهاية بنقد الإسلام كدين (وأعلنت أنها ملحدة).
…وزادت ايان هجوم مسلمين ومسلمات عليها عندما اشتركت، مع المخرج الهولندي ثيو فان غوخ، في إخراج فيلم قصير سمياه «اضطهاد»، عن وضع المرأة في الدول الإسلامية. وظهرت في الفيلم امرأة عارية على جسدها آيات قرآنية.
…قتل، قبل سنتين، مهاجر مغربي، المخرج الهولندي، وهدد بقتل ايان (وافتخر، بعد اعتقاله، بما فعل، وبما كان ينوي أن يفعل). وزادت الحراسة على ايان، ثم نشرت صحف هولندية أنها زورت وثائق حصولها على الجنسية الهولندية، واضطرت لأن تستقيل من البرلمان الهولندي، وجاءت إلى واشنطن خبيرة في معهد «أميركان انتربرايز» المحافظ.
…وأجرى معها، في الأسبوع الماضي، جورج ويل، كاتب عمود محافظ في جريدة «واشنطن بوست» مقابلة، قالت فيها أنها «منشقة عن الإسلام»، وأضافت: «أنا لست ملحدة متطرفة. أنا ملحدة». وقال ويل: «جاءت منذ أسبوعين، لكنها تتعلم سريعا. جاءت إلى المكان المناسب في الوقت المناسب».(40/201)
…ولا بد أنها ستضيف عنصرا جديدا إلى نقاش المثقفات الأميركيات المسلمات هذا. ولا بد أنها ستثير أسئلة كثيرة، مثل: هل هي مسلمة؟ هل يحق لغير المسلم أو المسلمة نقد الإسلام؟ هل يحتاج الإسلام إلى ملحد أو ملحدة ليفسره؟
المسؤولون الأميركيون لا يعرفون الفرق بين السنة والشيعة
الغد 24/10/2006
جيف ستين - النيويورك تايمز
طوال الأشهر الأخيرة، عكفت على إنهاء مقابلات مطولة كنت أجريتها مع مسؤولي مكافحة الإرهاب في واشنطن بسؤال جوهري: "هل تعرف الفرق بين السني والشيعي؟"
هل هو سؤال من نوع "لقد كشفتك؟" ربما يكون كذالك. ولكن معرفة عدوك إذا ما كانت أكثر قواعد الحرب أساسية، فإنني لا أظن هذا السؤال خارج السياق. وكما اعتدت على أن أفسر بسرعة لضيوفي، فإنني لم أكن أبحث عن تفسيرات دينية، وإنما عن الأساسيات وحسب، بمعنى: من يصطف إلى جانب من في هذه الآونة، وما الذي يريده كل طرف؟
وبعد كل شيء، ألم يمكن مسؤولو مكافحة الإرهاب البريطانيون المسؤولون عن إيرلندا الشمالية يعرفون الفرق بين الكاثوليك والبروتستانت؟ ولكن، هناك، في منطقة نائية مشابهة، ولكنها قاتلة بما لا يقاس، يتجلى الخلاف السني الشيعي الذي يزيد عمره عن 1400 عام ويتحرك في شوارع بغداد، رافعاً من احتمال انقسام العراق إلى دويلات متصارعة، إحداها تدعمها إيران الشيعية، والأخرى تدعمها العربية السعودية والدول السنية الأخرى.
إن من شأن انهيار كامل في العراق أن يفضي إلى تزويد القاعدة بملجأ آمن ضمن مسافة خطرة من إسرائيل، بل وحتى أوروبا. كما أن طبيعة التهديد القادم من إيران، تلك القوة النووية المحتملة التي تمتلك موالين في دول الخليج، في شمالي السعودية وفي لبنان والمناطق الفلسطينية، إنما يختلف كلية عن ذلك التهديد الذي تشكله القاعدة. ويبدو من السخف ضرورة القول بأن على المسؤولين عن مكافحة الإرهاب أن يكونوا قادرين على إدراك فرص ضرب هذه الأطراف المتنافسة بعضها ببعض.(40/202)
ولكن، وإلى الآن، لا يمتلك معظم المسؤولين الأميركيين الذين قابلتهم أي دليل. ويتضمن هؤلاء، ليس مسؤولي المخابرات وفرض القانون وحسب، وإنما أيضاً أعضاء من الكونغرس ممن يضطلعون بأدوار هامة في الإشراف على وكالات التجسس لدينا. فكيف يمكن لهؤلاء أن ينجزوا عملهم بدون معرفة الأساسيات؟
لقد استثير فضولي إزاء فهم صناع السياسة لدينا لهذين الفرعين الرئيسيين من الإسلام عام 2005، عندما قام جون ستيوارت وآخرون من كوميديانات التلفاز بتقديم خليط من التصورات المأخوذة من قضية صحافي فضائح، والذي ترك فيها مسؤول في الإف بي آي فراغات عندما سئل أسئلة أساسية عن الإسلام. وكان أحد المسؤولين المرتبكين هو غاري بولد الذي كان حينذاك رئيس مكتب مكافحة الإرهاب. وقد أصر السيد بولد على أن تلك الخبرة لم تكن بمثل أهمية أن يكون المرء مديراً جيداً.
وبعد بضعة شهور من ذلك، سألت جون ميلر، المتحدث باسم الإف بي آي عن تعليقات السيد بولد، فقال لي السيد ميلر "يحتاج القائد إلى أن يدفع بمنظمته أماماً. وإذا ما كان الشخص المعني مديراً تنفيذياً لعملية مكافحة الإرهاب في عالم ما بعد 11/ أيلول، فإنه لا يحتاج إلى أن يحفظ عن ظهر قلب مجموعة تصريحات أسامة بن لادن، أو أن يتمكن من قراءة لغة الأوردو حتى يكون فعالاً... إن استغلال فكرة "التعقب الساذج لفهم لإسلام" كان سلوكاً رخيصاً من المحامين، ورخيصاً أكثر للصحافيين. إنه مجرد وسيلة للنصب والتحايل".
ولم أكن بالطبع أسأل آنذاك عن قراءة الأوردو أو كتابات السيد بن لادن.
بعد بضعة أسابيع، قمت بقياس حرارة الإف بي آي ثانية. وفي نهاية مقابلة طويلة، سألت ويلي هالتون، رئيس مكتب الشعبة الجديدة لشؤون الأمن القومي، عما إذا كان يعتقد بأن من المهم لرجل في مثل منصبه أن يعرف الفارق بين السنة والشيعة. فقال "نعم، بالتأكيد، إن من الصواب أن يعرف المرء الفرق، ومن المهم أن تعرف من هم الذين تستهدفهم".(40/203)
لقد كان ذلك تقدماً كبيراً في عام 2005. وهكذا، طلبت إليه تالياً أن يحدثني عن الفرق، فعراه الذهول. وقال "إن الأساسيات تعود وراء إلى معتقداتهم ولمن كانوا يتبعون. والصراعات بين السنة والشيعة والفروقات بين من كانوا يتبعون".
حسنا.. سألت محاولاً المساعدة: "ماذا عن الوقت الراهن؟ أيهما هو إيران، أهم السنة أم الشيعة؟ ففكر الرجل لوهلة، فقلت مذكراً "إيران وحزب الله، ما هما؟"
فقرر الرجل القيام بمحاولة: "سنة"
خطأ!
وماذا عن القاعدة؟: "سنة"
صواب.
ولكي أفي الرجل حقه، فإن السيد هولتون، وهو عميل مميز يقضي الليالي ساهراً جراء القلق من القاعدة بينما ننام نحن بأمان، فقد عرف على الأقل أن الصراع الشرس بين قابيل الإسلام وهابيله كان يقود العراق نحو أتون حرب أهلية. لكننا ندفع له إذن لمعرفة أشياء من ذلك القبيل، كما نفعل إزاء بعض أعضاء الكونغرس.
خذ النائب "تيري إفيريت"، وهو نائب عن ألاباما لدورة سابعة، ونائب رئيس لجنة المخابرات في المجلس لشؤون الاستخبارات التقنية والتكتيكية.
سألته قبل بضعة أسابيع: "هل تعرف الفارق بين السنة والشيعة"؟
فرد السد إفيريت بضحكة مكبوتة، وفكر لوهلة وأجاب: "أحدهما في أحد المواضع والآخر في موضع آخر.. كلا. لكي أكون صادقاً معك، لا أعرف. كنت أظن أن هناك فرقاً في ديانتيهما، أو أنهما من عائلتين مختلفتين أو شيئاً من هذا القبيل".
ولعل مما يسجل له أنه طلب إلي توضيح الفوارق، فحدثته باختصار عن الانقسام التي حدث بعد وفاة الرسول محمد، وكيف أن العراق وإيران هما بلدان ذوا أغلبية شيعية، بينما بقية العالم الإسلامي أغلبيته من السنة. فأجاب: "الآن وقد فسرت الأمر لي، فإن ما يخطر لي هو التفكير بأن ما نفعله هناك هو أمر شديد الصعوبة، ليس في العراق فحسب، وإنما في كامل المنطقة".(40/204)
أما النائبة جو آن ديفيس، وهي جمهورية من فرجينيا ترأس لجنة الاستخبارات في الكونغرس المسؤولة عن شؤون أداء السي آي إيه فيما وراء لبحار فيما يتعلق بتجنيد جواسيس مسلمين وتحليل المعلومات، فقد أصيبت بحالة مماثلة من الارتباك عندما سألتها عما إذا كانت تعرف الفرق بين السنة والشيعة.
سألتني: "هل أعرف؟"، وعلت قسماتها ملامح القلق والاهتمام، وأضافت: "أتعرف؟ ينبغي أن أعرف"، وفكرت قليلاً ثم استطردت "إنه اختلاف في معتقداتهم الدينية الأساسية، فالسنة أكثر راديكالية من الشيعة، أو العكس. لكنني أظن أن السنة هم الأكثر راديكالية من الشيعة".
ولكن، هل كانت تعرف إلى أي من الفرعين ينتمي قادة القاعدة؟"
أجابت: "إن القاعدة هي الطرف الأكثر تطرفاً، وهكذا، فإنني أعتقد أنهم من السنة. ربما أكون مخطئة،
ولكني أظن أن ذلك هو الصواب".
سألتها إن كانت تعتقد بأن من المهم بالنسبة لأعضاء الكونغرس المسؤولين عن الإشراف على الوكالات الاستخبارية أن يعرفوا إجابات مثل هذه الأسئلة، وبحيث يستطيعون الحد من مدائح المسؤولين عندما يأتون إلى المبنى على قمة التل. فقالت الآنسة ديفيس "أوه، أعتقد أن الأمر جد مهم، لأن كامل مبرر بقاء القاعدة قائم على معتقداتها، وعليك أن تفهم عدوك".
لكن الأمر ليس كله مثيراً لهذه السخرية السوداء، ذلك أن بعضاً من مسؤولي الوكالة وأعضاء الكونغرس قد تعاملوا بسهولة مع سؤالي من نوع "لقد أوقعت بك". ولكنني بينما أستمر في طرحة حول الكابيتول هيل والوكالات الأمنية، فإنني أواجه بالمزيد من النظرات التي تنم عن الفراغ. ذلك أن هناك الكثيرين جداً من المسؤولين في الحرب على الإرهاب لا يعرفون كيف يهتمون بمعرفة الكثير، إن لم يكن حتى القليل، عن العدو الذي نقاتله. وفي هذا ما يكفي ليجعل أي شخص يظل مستيقظاً طوال الليل.
خطر التشيع في مصر وبلاد السنة
روز اليوسف 14/10/2006(40/205)
كان يمكن أن يكتفي مجمع البحوث الإسلامية بإرسال بلاغه ضد صحيفة «أيمن نور» الصادرة عن «حزب الغد» إلى النائب العام مع محام يحمل توكيلا، أو مع أمين عام المجمع، لكن الحدث الفريد الذي شهدته الساحة القانونية والساحة الدينية في يوم الخميس الماضي هو أن فضيلة الإمام الأكبر رئيس المجمع وشيخ الأزهر الدكتور سيد طنطاوى ذهب بنفسه مصطحبا الأمين العام للمجمع الشيخ إبراهيم الفيومي إلى مكتب النائب حيث قدما البلاغ الذي يتهم الصحيفة بازدراء الأديان.. بعد أن نشرت ملفا غريبا وفريدا ومفاجئا.. ومثيرا للريبة.. يهين الصحابة.. رضوان الله عليهم.. ويوجه انتقادات وقحة ولا تأتى على لسان أحد من السنة ضد السيدة عائشة.
وبغض النظر عن ملاحظاتنا على بطء إيقاع الإمام الأكبر فى التعامل مع إساءة بابا الفاتيكان للإسلام، وتأخر صدور بيان الأزهر كما قلنا وقتها فإن سلوك فضيلة شيخ الأزهر فيما تلا ذلك صوب عديدا من الأمور لاسيما من خلال بيان المجمع ضد البابا، ثم عبر سلسلة من المقالات ينشرها ردا على ما قال بنديكت السادس عشر.. وأخيرا، وليس آخرا، من خلال موقفه الحاسم فى قضية إهانة الصحابة التي ارتكبتها بتعمد واضح جريدة الغد التي يصدرها حزب أيمن نور. لسنا بصدد أمر يتعلق بحرية الرأي، وإنما بصدد موقف خطير.. له علاقة بالتوقيت والأسلوب.. وبما ينعكس سلبا على مكانة الأديان.. وحماية الكيان الوطني.. في ضوء أن ما جاء في الصحيفة ليس سوى مما تردده منابر الشيعة.. وهى مسألة لها انعكاسات طائفية وأمنية وإستراتيجية.. أيا ما كانت نوايا الصحيفة.. تدرى أو لا تدرى ماذا تفعل.(40/206)
والواقع أن المسألة لها أبعاد إقليمية خطيرة، تحدثت عنها من قبل في عمودي: اليومي: «.. ولكن» في جريدة روزاليوسف، حين أشرت إلى المتابعات الأمنية التي تقوم بها السلطات الأردنية لظاهرة التشيع والتحول المذهبي إلى الشيعة، وهو ما سوف نواصل تناوله فى هذا المقال.. بصورة أخرى لكن الأخطر فيما يخص مصر.. يتعلق بأن ما نشرته «الغد» لم يكن هو الوحيد في الصحافة المصرية خلال الفترة الأخيرة الذي يصب في اتجاه «التشيع».. أو دعم أفكار الشيعة. قبيل وقت وجيز، نحو أربعة أسابيع، قابلت شيعيا مصريا، ودار الحوار حول أمور مختلفة.. ثم فاجأني بمقولة عجيبة حين ذكر ما يلى: «إذا كان التعاطف قد زاد مع مذهب الشيعة بعد أن ضرب حزب الله حيفا بصواريخ كاتيوشا.. فإن مصر كلها سوف تكون شيعية حين تضرب صواريخ شهاب الإيرانية إسرائيل ». وهذه العبارة، التي تجاوزت حدود الواقع الإقليمي الحالي، وتخطت كل الأمور إلى حد تصور أن الصراع مع إيران سوف يمتد عسكريا إلى إسرائيل، وبحيث تقوم إيران بضرب إسرائيل بالصواريخ بعيدة المدى، تعبر عن قناعة خطيرة لدى صاحبها.. وهو أحد المؤمنين العلنيين بمذهب الشيعة في مصر.. وتؤكد أن لدى البعض خطة لنشر المذهب بصورة أو أخرى.. ولعله ينتظر الحافز.. ولعله ينتظر التوقيت .
مظاهر الخطورة(40/207)
ليس من السهل أن تتحول دولة من مذهب إلى مذهب، هذه عملية تحتاج عقودا، بافتراض أن أصحاب المذهب السني سوف يصمتون، ولا يفعلون شيئا دفاعا عن مذهبهم وعقيدتهم، ولكن الخطورة في الأمر أن هذا يمثل استهدافا لخصائص الدولة وتركيبتها الاجتماعية ويفرض تأليبا طائفيا، ويضع بذورا للفتنة، فضلا عن البعد الاستراتيجي للمسألة التي يختلط فيها السياسي بالديني.. الأمني بالمذهبي.. الإقليمي بالمحلى. وإذا كان هناك من تحدث عن سيناريوهات لاختلاق نوع من الحزام الشيعي يمتد من إيران إلى لبنان.. مرورا بالعراق وسوريا.. وإذا كان هذا الكلام، حين طرح، كان ينظر إليه بعين الاندهاش..«راجع مقالات نشرها الأستاذ محمد عبد المنعم في روز اليوسف قبل ثلاثة أعوام».. فإن القضية الآن صارت أقرب إلى الواقع.. مع حصول المذهب الشيعي على نوع من الدفعة السياسية.. حين تم تسويق ما قام به حزب الله في حربه مع إسرائيل على أنه انتصار عسكري غير مسبوق في تاريخ العرب.
على سبيل المثال، فإن الوجه الآخر لهذا الترويج كان يعنى أن الانتصار العربي الحقيقي الوحيد على إسرائيل في أكتوبر 1973، والذي حققته مصر كدولة سنية.. بمسلميها وأقباطها.. عليه أن يذهب في غياهب النسيان.. لأن إيران ومريديها في المنطقة.. وأتباع مذهبها الديني.. وخطها السياسي.. قرروا أن يختلقوا أكذوبة أن كارثة حزب الله ومغامرته كانت نصرا.. وأن يمزجوا في تفسير ذلك ما بين مبررات سياسية.. وأسباب عسكرية.. وعلات دينية.. بحيث صار المعنى المقصود تسويقه أن هذا النصر كان شيعيا.
أنا لا أفتعل تحليلا، وإنما أرصد وقائع تؤدى إلى هذه النتيجة.. وعلى سبيل المثال أذكر واقعتين:(40/208)
1- حين قام وزير الخارجية الإيراني «متقى» بزيارة إلى سوريا ولبنان، أثناء الحرب.. ثم عاد إلى طهران.. كان أن قال في المطار متجاهلا نصر أكتوبر: حتى الآن فإن حزب الله هو القوة الوحيدة التي صمدت ضد إسرائيل كل هذا الوقت.. أي 21 يوما «حينئذ».. في حين أن القوات المصرية لم تصمد في 1967 أكثر من ستة أيام.. وهزمت.. في هذا السياق أشير إلى أن قنوات الاتصال الدبلوماسي الإيرانية مع لبنان كانت تطلب بوضوح من فؤاد السنيورة أن يواصل الصمود ثلاثة أسابيع إضافية.. مدعية أن هذا سوف يغير الموازين العسكرية.. فيما لبنان يصرخ من الجوع والدمار.. ولم يزل.. حتى بعد أن انتهت الحرب وتحقق ما أسموه انتصارا.
2- نفسه وزير الخارجية الإيراني «متقى».. كان يستطلع أجواء اجتماع وزيرة الخارجية الأمريكية مع وزراء خارجية مصر والأردن ودول الخليج.. في اتصال تليفوني مع وزير خارجية عربي.. وكانت أهم الأسئلة التي طرحها هي: هل سيحضر الاجتماع «فوزي صلوخ»؟ أي وزير خارجية لبنان.. الشيعي. هذا يذكرنا بما قيل، وأثار جدلا كبيرا، حول أن انتماء الشيعة لا يكون لدولهم.. وإنما للفقيه.. والمذهب.. وهو ما يخلق علامات استفهام عديدة حول التقاطعات بين «الوطني» و«الديني».. ومن ثم الولاء للدولة التي يعيش فيها الفرد.. أم إلى من يوجه إليه أمرا دينيا.. بحكم الولاية. هذا أمر يقض الأمن القومي للدول.. ويهز بنيانها.. كمثال فإنه لا يمكن الوثوق على الإطلاق بأن السلوك العسكري والسياسي لحزب الله نابع من إرادته الوطنية.. بقدر خضوع هذا السلوك للتوجيه الإيراني.. حيث طهران تمثل العاصمة الممولة للحزب بالدرجة الأولى.. والتي ترسم خططه وعملياته.. وحيث «قم» هي التي تملك عليه الولاية الدينية ولا يمكن له أن يخالفها.. حتى وإن ناقشها.(40/209)
دعك من الجدل المثار حول حرب حزب الله ومبرراتها، رغم أن حقائقها ظاهرة للعيان، ولكن ما هو الرأي في أن حزب الله بدأ عملية يحاول من خلالها إسقاط الحكومة اللبنانية الحالية.. خضوعا لتوجيهات المحور الذي تحركه إيران إقليميا.. وبما يمثل تحديا من الحزب لسلطة الدولة.. التي تسعى مصر والدول العربية إلى دعمها وتقوية بنيانها.. من أجل شعب لبنان. المسألة في هذا السياق لا تجعل من المؤمنين بمذهب الشيعة مؤمنين أحرارا.. يعبدون بالطريقة التي يريدونها.. وإنما «ورق» لعب في يد الولاية الدينية.. التي تخلط المذهبي بالسياسي.. وفى إطار حالة العناق الواضحة بين المؤسسات الدينية والسياسية والعسكرية في إيران.. وهو ما يعنى أن الدين نفسه ليس سوى ورقة
لتحقيق أهداف إستراتيجية.
التحدي والمغامرة:
إن ما جعل المذهب الشيعي وأتباعه يشعرون بدفعة معنوية هائلة في الإقليم خلال العام الماضي أمران :
1-…هذا التحدي الذي تمثله إيران للنظام الدولي من خلال ملفها النووي .
2-…المغامرة التي قام بها حزب الله مع إسرائيل وأدت إلى تشريد نحو مليون لبناني وتدمير عشرات الآلاف من البيوت .
وفرت المناخ لكي تحاول إيران تصدير سياستها ونيل التأييد الشعبي لها من خلال الرافد الثالث وهو نشر التشيع .
وفي ذلك نقول إن تصدير «الثورة».. وفقا للمنهج الذي اتبعه الملالى في إيران مع بدء الثورة الإيرانية عام 1979.. لا يختلف كثيرا عن «تصدير السياسة» وفقا للمنهج الحالي.. بل على العكس يبدو تصدير «السياسة» الآن أخطر.. لأنها علنية.. وتحظى بمساندة إعلامية غشيمة أو مدبرة.. في حين كان تصدير الثورة يتم في الخفاء وسرا.. ويتم إجهاضه من حين لآخر عبر الجهود الأمنية.
خطة هويدي :(40/210)
ومن الخطورة أن نتجاهل جوانب هذه الظاهرة، برمتها، فهي تمثل تهديدا استراتيجيا.. ولا يمكن التعامل مع عديد من الظواهر البسيطة والعابرة على أنها أمر عادى في حين أنها تمثل عوامل تقليب وتأليب.. وتعبر عن خطط قد تكون منظمة، أو تسير بالدفع الذاتي وتؤدى إلى نتائج كارثية على المدى القصير والمتوسط. في هذا السياق سوف أرصد فيما يلي عددا من الظواهر والوقائع والاقتباسات التي تحدد حجم الخطر في هذا المناخ سواء في مصر.. أو غيرها من الدول والأقاليم حولها .. وهى:
1- في الوقت الذي يشن فيه الكاتب فهمي هويدي، من خلال صحيفة الأهرام بصورة ما، ومن خلال جريدة «المصري اليوم» عبر سلسلة من الحوارات المتكررة والمتوالية بصورة لافتة.. في الوقت الذي يشن حملة شعواء ضد التوجهات الإستراتيجية المصرية.. بنية النظام ومصداقيته في الداخل. فإنه يشن حملة مناصرة منظمة للخط الاستراتيجي الإيراني، والمحور الذي تقوده.. إنني لا ألمح إلى أمر خفي، ولكن المنهج المتبع من هويدى يجب أن يخضع هذه الأيام لحسابات أكثر دقة.. وفى رأيي الخاص فإن «التشيع السياسي» قد يكون أخطر من التشيع الديني.
2- ليس بعيدا عن نفس المنهج قيام كل من صحيفتي «الدستور» و«الغد» بإتباع نفس الأسلوب: أي الانتقاد الحاد الذي يصل مستوى الشتائم للنظام المصري.. ومناصرة التوجهات الإيرانية بأساليب موازية.. ولعل الكثيرين سوف يلاحظون تحولات في خط الجريدتين من التوجهات الأمريكية إلى الإيرانية خلال الفترة الأخيرة.. وبصورة أوضح في «الدستور».. وهو ما أراه مرتبطا بتحولات نوعية في توجهات سعد الدين إبراهيم الذي يرتبط بالصحيفتين.(40/211)
الدستور من جانبها، وبخلاف فيض من الموضوعات المروجة للشيعة، وزعت مع أحد أعدادها «بوستر» لحسن نصر الله باعتباره بطلا، و«الغد» نشرت إهانة الصحابة.. وفى نفس الوقت الذي تمتلئ فيه المواقع السلفية بانتقادات صارخة لرئيس تحرير الدستور.. ومثلا يقول أشرف عبد المقصود في مقال نشره موقع المصريون عن عيسى «كانت افتتاحية صحيفته مخصصة لأحوال مصر السياسية وأصبحت مخصصة لأحوال دولة الخلافة الإسلامية وما دار فيها لكي ينفث من خلال ذلك أحقاد نفسه ضد أصحاب النبي الكريم «صلى الله عليه وسلم» وينشر على القراء ترهات متطرفي الشيعة وأكاذيبهم وبذاءاتهم عن الصحابة رضوان الله عليهم».
3- وليس بعيدا عن ذلك حالة التحالف بين جريدة «الدستور» وجماعة الإخوان المحظورة، وهو تحالف له أبعاد متنوعة، وفى ذلك يشار إلى أن الإخوان التزموا نوعا من الصمت ضد ما فعلته جريدة «الغد».. وفى الوقت الذي أصدروا عدة بيانات للتنديد بمنع المرشد مهدى عاكف من السفر هو ووفده المرافق.. فإن الجماعة لم تظهر أي موقف ملموس تجاه فعلة جريدة «الغد».. وحين انتقدت «روزاليوسف اليومية» ذلك، اضطر محمد حبيب نائب المرشد لإصدار تصريح ينتقد فيه كلاً من صحف «الغد» و.«الدستور» و«الفجر» التي دأبت على إهانة الصحابة.
4- في أثناء حرب لبنان، نشأ نوع من التشاحن بين بعض المساجد فى مصر، نتيجة لأن هناك من وقف فوق المنبر لكي يمتدح ما سمى بنصر حزب الله ومقاومته، في حين رأت مساجد عديدة.. خاصة التي يخطب فيها سلفيون أن هذا «المسمى نصر» لا يجب الافتخار به.. لأن من قام به شيعي.. ووصل الأمر حد التكفير.. واتهام من يؤيد حزب الله بذلك.. وهى ظاهرة تعكس ما نتحدث عنه بشأن خطورة التأليب المذهبي.(40/212)
5- تجاوز الكثيرون التحليل المعلوماتي لواقعة اغتيال الصحفي السوداني محمد طه قبل نحو شهرين، واعتبرها البعض نموذجا للعنف ضد حرية الرأي.. وتخيل من لا يعلمون أن طه كان علمانيا يواجه التيارات المتطرفة.. فى حين أن الوقائع المؤكدة تشير إلى أن القتل كان لأسباب لها علاقة بمواقف شيعية للصحفي المغدور.. وترديدات مذهبية أثارت حفيظة السلفيين.. وهو ما أدى لقتله. وبغض النظر عن موقفنا الثابت الرافض للعنف بأية صورة ولأي سبب فإن هذا يعطينا فكرة حول نوع النتائج الطائفية التي يمكن أن يثيرها خطر التشيع.
6- في يوم الثلاثاء الماضي اتهمت اللجنة السورية لحقوق الإنسان سلطات دمشق بتشجيع التشيع واعتقال ومحاكمة وتجريم المواطنين السوريين لمجرد تبنى منهج فقهي أو عقيدي معين. وقالت اللجنة التي تتخذ من العاصمة البريطانية مقرا لها إن عددا من المواطنين السوريين يحاكمون أمام محكمة أمن الدولة حاليا لمجرد تبنيهم الفكر السلفي، وأضافت: «إن السلطات السورية دأبت في الفترة الأخيرة على ممارسة التشويه ضد النهج السلفي السني، في الوقت الذي تشجع فيه على التشيع وتتيح المجال للأجانب بالقدوم إلى سوريا ونشر التشيع عبر كل الوسائل المتاحة.
وقالت صحيفة السياسة الكويتية في سياق آخر " إن حملة تشيع إيرانية منظمة تشن حالياً على أبناء الطبقات الفقيرة في شتى المدن السورية هدفها إدخالهم في المذهب الشيعي مقابل تلقيهم أموال تبدأ بعشرة آلاف دولار أمريكي "(40/213)
7- لا أستطيع أن أنحى النقطة السابقة بعيدا عما جاء في مسلسل درامي سوري مهم من إنتاج أردني، يذاع على قناة «إم. بى. سى»، وهو بعنوان «أبناء الرشيد».. ويحكى قصة الدراما التاريخية المؤلمة بين الشقيقين.. وبغض النظر عن المستوى الفني شديد الرقى لهذا العمل.. فإن المسلسل شهد ترويجا كثيفا فى بعض حلقاته للمذهب الشيعي.. من خلال شخصية الابن المبعد عن العرش «الأمين».. الذى كان يقضى وقت فراغه فى «خراسان» قارئا لكتب الشيعة.. ومرددا فقرات كاملة على مسامع المشاهدين.. ولمدة دقائق مطولة.. داعيا إلى ترجمة تلك الكتب من الفارسية إلى العربية.
8- فى مقابل كل هذا، وعلى صعيد آخر، فإن جريدة الديلى تلجراف البريطانية نشرت قبل أيام تقريرا بعنوان «السنة يتعلمون المذهب الشيعي لتجنب فرق الإعدام».. ويقول التقرير ضمن ما يقول:
إن العراقيين السنة يعكفون على دراسة وتعلم الشعائر والتاريخ الديني للشيعة حتى يتمكنوا من تجاوز حواجز التفتيش غير القانونية التي تقيمها فرق الإعدام الشيعية. انتهى الاقتباس من تقرير الصحيفة البريطانية، وأخطر ما في دلالاته ليس الإشارة إلى الواقع الطائفي المر في العراق، وإنما إنه يقول إن «التشيع» ولو كان ظاهرا صار مرادفا للنجاة من الموت.. في حين أن «التشيع» في مناطق عربية أخرى صار مرادفا للإحساس بالفخار والنصر!(40/214)
فى حوار أخير لوزير الأوقاف الدكتور حمدى زقزوق، سئل: عن أن البعض يتحسب من أن هناك مدا شيعيا فى مصر؟ فأجاب: هذه القضية ليست مطروحة داخل وزارة الأوقاف على الإطلاق، وكون أن هناك مدا شيعيا من عدمه فهذا أمر مبالغ فيه تماما، ونحن ليست لدينا حساسية ضد الشيعة كشيعة وسبب الخلاف بين السنة والشيعة هو سياسيا وليس دينيا، وبالتالي نحن ضد الاستخدام السياسي للمذهب الشيعي. لعل وزير الأوقاف لم يكن يتوقع أن تصل الأمور إلى حد إهانة الصحابة والسيدة عائشة.. كما حدث منذ أيام.. ولكنه كان واضحا في موقفه الرافض للاستخدام السياسي للمذهب الشيعي.. وهو ما نؤكد عليه ونعضده.. ونراه المشكلة الحقيقية. لكن المشكلة الحقيقية هي أن المناخ الإقليمي يوفر عوامل عديدة تؤدى إلى خطر التشيع السياسي.. ومشكلة التشيع الديني.. وهو ما تستثمره إيران من خلال الحشد الإعلامي والسياسي الذي يساند توجهاتها في المنطقة.. وبالتالي فإن القضية التي يمكن أن تقوض كل هذا هي أن تجد حلا.. وأن تقوم بتحريك مؤشر في عملية السلام.. يؤدى إلى سحب البساط من تحت أقدام هذه الألعاب الإيرانية.
إنها مرة أخرى، وربما المرة الألف، قضية فلسطين.. وحتى يحين الحل فإن الانتباه الاستراتيجي على المستويات السياسية والدينية والإعلامية يجب أن يكون في أقصى نقطة.(40/215)
مجلة الراصد الإسلامية
العدد الحادي والأربعون – غرة ذي القعدة 1427 هـ
* فاتحة القول:… سنة لبنان بين سندان السذاجة ومطرقة المكر 0000000000000000000 …3
* فرق ومذاهب:…الطريقة البدوية 0000000000000000000000000000000000000 …7
* سطور من الذاكرة:…ابن تومرت 0000000000000000000000000000000000000000…12
* دراسات: …حقيقة الزحف الشيعي 0000000000000000000000000000000000…17
* كتاب الشهر: …المهدي المنتظر عند الشيعة الثني عشرية 00000000000000000000000…23
* قالوا: …00000000000000000000000000000000000000000000000…27
* جولة الصحافة : ……
…- باحث خليجي يحذر من ولاء شيعة الخليج لمرجعيات دينية 000000000000 …29
…- تحويل أمتنا إلى مجموعة من الدراويش الصوفية 0000000000000000…31
…- مولد السيد البدوي 00000000000000000000000000000000000…34
…- إيران الداخل والثالثوث القاتل 0000000000000000000000000000…37
…- إيران .. هل تصلح الشعارات ما أفسدته السياسات 0000000000000000…39
…- إيران متورطة بإشعال الحرب الأهلية في العراق 00000000000000000…42
…- حفايا حرب التمساح والثعلب 00000000000000000000000000000…43
…- دور يهود إيران في التهدئة بين طهران وأمريكا وإسرائيل 000000000000 …48
…- إسلام أوروبي جديد 000000000000000000000000000000000…53
…- الحسينيات تنتشر في الأردن 00000000000000000000000000000…56
…- صالح الورداني: لن أسلم نفسي لأصحاب العمائم 000000000000000000…58
…- غضب في المغرب لزيادة عدد المسلمين الذين اعتنقوا المسيحية 000000000 …63
…- مجلة ألمانية تبشر بثورة جنسية بالعالم العربي 0000000000000000000 …64
…- شيعي مصري: لا يوجد صحابة مبشرون بالجنة 000000000000000000…66
…- ناشطات مسلمات يرفضن استفراد الرجال بتأويل القرآن 00000000000000…69
…- البهائية ليست ديانة سماوية 00000000000000000000000000000…70(41/1)
سُنّة لبنان بين سندان السذاجة ومطرقة المكر
سُنة لبنان نموذج مثالي لضياع المسلمين في هذا الزمان، هذا الضياع الناتج عن بعدنا عن ديننا، ذلك أن المسلمين وخاصة العرب لا يجمع شتاتهم ويوحد قوتهم إلا الإسلام، وهذا التاريخ يخبرنا بذلك، فمتى كان لنا دولة وقوة سوى بالإسلام؟
وحتى قبل البعثة النبوية يخبرنا القرآن عن مملكة سبأ العربية المسلمة: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ} [سبأ 15-16].
ولذلك أعلنها الفاروق: "نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العز بغيره أذلنا الله "، وهذا حال المسلمين اليوم في الغالب حيث لم يعد الإسلام هو قائدنا شعوباً وحكومات.
ومن هذا الضعف تشتت الكلمة وتفرق الصف وضاعت الهيبة، لأن الالتزام بالإسلام على المنهج الرباني يحقق لأصحابه موعود الله: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى} [البقرة-123]، والإسلام يهدى أتباعه لما فيه مصلحتهم الدنيوية والأخروية، وهذا ما تحقق لهذه الأمة الأمية حين تمسكت بهدي ربها وسنة نبيها، فبرعت في شؤون العلم والقوة والإدارة والحضارة .
وسنة لبنان نموذج مصغر لحال أمة الإسلام اليوم، حيث هم قصعة تكالبت عليها الأمم، لبعدها عن مصدر قوتها المتمثل بالهدي الرباني، فهم بين:
- محب للخير متمسك بالإسلام لكن مع خلل في منهج فهم الإسلام، على تفاوت في ذلك .
- وسياسيين يجهلون كثيراً من مفاهيم الإسلام الأساسية.
وينتج عن هذا تفرق كلمتهم أولاً ، وعدم كمال إصابتهم للنجاح ثانياً لغياب أسس مهمة عنهم .
ولمزيد من البيان نفصل في قوى سنة لبنان :(41/2)
1- جماعة الإخوان المسلمون (الجماعة الإسلامية): والتي لها وجود متوسط بين السنة في لبنان، لكنها كغالب جماعة الإخوان تعانى من غياب المنهج الشرعي الصحيح في فهم الدين والدنيا، ولذلك تتعارض وتتضارب اجتهاداتهم الشرعية والسياسية من بلد لبلد؛ بل وأحياناً في نفس البلد وهذا بحث يحتاج إلى تفصيل طويل ليس هذا مكانه.
فالجماعة الإسلامية في لبنان "تتحالف إستراتيجياًً مع حزب الله"!! وذلك بناء على موقف الجماعة من الحزب الذي يعتبر : "الشيعة الجعفرية فرقة من فرق المسلمين، فهم متفقون معنا فى أصول العقيدة والعبادة والأخلاق، وإذا كان هناك قدر من الخلاف في بعض فروع العقيدة أو بعض فروع الفقه، فهي لا تخرجهم مما اتفق عليه المسلمون" [بيان للجماعة بتاريخ 31 تموز 2006م]. وكذلك فللجماعة علاقة قوية بسوريا للآن، لأنها تراها بوابة لبنان على العرب، بعكس موقف جماعة الإخوان السورية في المنافي والتي تستعد للتحالف مع أمريكا لتغيير نظام بشار!!! وعلاقة الجماعة الإسلامية مع القوى السنية السياسية تشهد حالات من الشد بين فينة وأخرى .
2- الشخصيات الإسلامية الرسمية وتمثلها دار الإفتاء: وهي على وعي و فهم أكبر بمصالح المسلمين، لكنها تفتقد الشعبية والدعم من سياسيي لبنان السنة مما يضعف موقفهم وتأثيرهم.
3- جماعة الأحباش: والذين هم بحق طابور خامس في وسط السنة، ينفذون المصالح السورية في لبنان، ويعرقلون جهود تقوية المسلمين بفتح صراعات ومعارك جانبية وصرف طاقات السنة في مجالات مدمرة عليهم، والأحباش سيكونون أصحاب النفوذ والحظوة إذا عاد النفوذ السوري إلى لبنان وسيكونون ممثلي السنة العملاء لسوريا لتكميل المشهد بالحضور السني!!(41/3)
4- التيارات الجهادية: وهذه في الغالب أتت من خلفيات غير إسلامية، ومن ثم تبنت الفكر القتالي والصدامي، وتحظى بدعم خفي من سوريا و حزب الله، بحجة المقاومة والصمود، وهي في الحقيقة مستغلة من قبلهم لتحقيق مخططاتهم لكن بيد سنية!!
5- العائلات السياسية: وهي لا تزال تعيش بعقلية الزعامة الإقطاعية، وتتحالف مع من يساعدها في الوصول للزعامة ولو على حساب مصلحة المسلمين، ولذلك يتحالف خصومها مع أعدائهم!!
فحقيقة الأزمة هي بين جهل بالشرع أو جهل بالواقع، والمخرج من هذا هو التمسك بالشرع الصحيح الذي يكشف عن حقيقة الواجب حيال الواقع.
فمن فقه حقيقة الشرع يعرف خطورة التحالف مع "حزب الله"، الأمر الذي يدركه قادة الجماعة الإسلامية كما قالوا هم: "إن حزب الله عمد ومن خلال وسائل إعلامه إلى تبني بعض الشخصيات التي تركت الجماعة وتقوم بتحركات مستقلة، كما أن بعض هذه الجماعات تتلقى رعاية مميزة من الحزب على الصعيد العملي، وكل ذلك يترك بعض التساؤلات والإشكالات حول الأهداف الكامنة وراء هذه الرعاية، خصوصاً أن الأوساط الشعبية في الساحة الإسلامية بدأت تتحدث عن محاولات لاختراق الساحة السنية من "حزب الله" وهذا ليس لمصلحة الحزب والمقاومة".
وقالت الجماعة أيضا: "كما أننا نلفت حزب الله إلى ضرورة الانتباه والحذر على صعيد المعركة السياسية والشعبية والإعلامية التي يخوضها ضد الحكومة ورئيسها فؤاد السنيورة. فهذه المعركة تترك انعكاسات سلبية في الساحة الإسلامية وتؤدي إلى زيادة الاحتقان الشعبي وتعطي الآخرين المبرر والحجج لتوتير الأجواء السياسية والأمنية وهذا ما يريده الأميركيون أيضاً، ولذا المطلوب الانتباه والحذر على صعيد الأداء السياسي والإعلامي وعدم الدخول في معارك داخلية تسيء إلى الحزب والمقاومة".[صحيفة المستقبل - 31 /10/2006 نقلاً عن موقع الجماعة].(41/4)
كما أن قادة الجماعة يشكون في مجالسهم من ضياع جهودهم في المقاومة بسبب دعايتهم ودعاية أصدقائهم من المشايخ لمقاومة حزب الله.
راجع: http://www.alasr.ws/index.cfm?method=home.con&contentid=8082
وهذا يدل على خطأ سياستهم المنبثقة من خطأ المنهج في تقييم الفرق والأحزاب. ويقابل الإخوان المسلمين تيارات العنف من عصبة الأنصار والقاعدة وغيرهما، والتي لا ترى العالم إلا من منظار تصويب بندقية، ولكنها تغفل عن من يوجه بندقيتها!!
ولذلك لا نستبعد و لا نستغرب قيام بعضهم بحسن نية - وإن كان فيهم قطعاً من هو خبيث النية كابن سبأ – بالهجوم على القوات الدولية في جنوب لبنان، أو اغتيال بعض الشخصيات اللبنانية بل السنية من أعداء سوريا وحزب الله ، باسم الجهاد ونصرة الدين ولكنه في الحقيقة يقدم الخدمات الجليلة لعدوه بسبب غبائه!!
وحتى لا يستغرب البعض صعوبة أن يقع "التيار الجهادي" في خدمة عدوه، نقول له: هل سمعت أن هذه التيارات انتصرت للمجاهدين أو الضعفاء أو بلاد المسلمين من النظام السوري أو الإيراني أو حزب الله اللبناني!!؟؟ مع أن مواقع ومنتديات هؤلاء الجهاديين تصرخ بجرائم هذه الأنظمة في العراق وسوريا ولبنان؟؟ وهل أدركنا كيف يُسخر الغباء السني المدعوم بالحماسة العاطفية لتنفيذ المخططات الشيعية والنصيرية!! ولذلك نرى ضرورة حفظ ودراسة الخطة السرية الإيرانية
http://www.alburhan.com/selected_article.aspx?id=344%20&pre=343%20&
ويبدو أن اللعبة قد بدأت فقد ظهرت بعض البيانات المنسوبة للقاعدة والتيارات الجهادية، والتي هددت في البيان الأول حكومة السنيورة العميلة المجرمة!! وفي البيان الثاني هددت حزب الله و الروافض، ويبدو أن هذه البيانات بعضها مفبرك والهدف منها تشتيت الانتباه، وترسيخ الخطر السني الأصولي وليس "البندقية الشيعية الملتزمة بالمقاومة"!!(41/5)
أما الطرف الثاني من معادلة أهل السنة وهم السياسيون فعليهم أن يدركوا أهمية البعد الديني لنجاحهم في الآخرة قبل الدنيا، فلن يكون لهم عز وكرامة بغير الإسلام .
وحتى تكتمل الدائرة فإنه يجب تصحيح منهج الفهم الشرعي والاستفادة من السياسيين المخلصين مع التزامهم بالشرع الصحيح، فيتحقق ركنا النجاح: فهم الشرع والواقع.
ونحن نوصي إخواننا في لبنان ـ إزاء الفتن التي توشك أن تقع وقاكم الله شرها ـ بالوحدة والتجمع على رأي واحد إن أمكن و إلا فلا تنجروا خلف أصحاب الحناجر أو الخناجر، فلقد رأينا شرورهم أكثر من خيرهم، مع عدم الاستسلام والركون إلى الوعود بالحماية والأمن ، فإنهم (لا يرقبون في مؤمن إلا و لا ذمة)، وعلى السياسيين أن يتقوا الله في رعيتهم ولا يضيعوا الأمانة التي في أعناقهم بخلافاتهم ومطامعهم، ولعل الفرصة سانحة لدار الإفتاء أن تعود لدورها المتمثل بقيادة الناس بالعلم والحكمة فتجمع السياسيين والجماعات على ميثاق واحد وتنبذ أهل الفرقة والشقاق .
…
…
?
الطريقة البدوية
نسبتها:
تنسب الطريقة البدوية إلى الشيخ أحمد بن علي البدوي، المولود في مدينة فاس بالمغرب سنة (596هـ-1199م)، وهي من أكبر الطرق الصوفية في مصر، ولها فروع كثيرة.
وفي سنة 603هـ، هاجرت أسرته إلى مكة مروراً بمصر، وكان أحمد البدوي حينها طفلاً صغيراً، وسبب انتقال الأسرة إلى مكة يحيطه الصوفيون بالخرافات كما هي عادتهم، إذ يقولون أن علياً، والد البدوي، أتاه هاتف في المنام، وقال له: يا عليّ، ارحل من هذه البلاد إلى مكة المشرفة، فإن لنا في ذلك شأناً( ).(41/6)
أما حسن شقيق البدوي، فيروي قصة انتقال الأسرة إلى مكة، وفيها من الخرافة والمبالغة الشيء الكثير، إذ يقول: " ... فلما وصلنا إلى مكة، وعلم الناس بقدومنا إليها، هرع الناس علينا! وسلّموا علينا، واعتقدوا فينا الخير، وأتى إلينا سلطان مكة وأشرافها، ... وسمع بقدومنا أهل مدنية النبي صلى الله عليه وسلم وأشرافها، فجاءوا إلينا وتعرفوا بنا، أما سلطانها فإنه لما جاء إلينا سلّم علينا وقال لنا: أين الشريف أحمد الملثم؟ اجمعوا بيني وبينه، فإن جدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصفه لي، وأراني صفته وحليته في المنام، وقال لي: يخرج من المغرب وهو ابن سبع سنين، ويدخل مكة وهو ابن إحدى عشرة سنة، وأشار لي - أي النبي صلى الله عليه وسلم - أن أسير إليكم واجتمع بكم، وأسلم عليكم، وعلى الشريف أحمد الملثم، وأتبرك به، وقال لي، إنه سيظهر له حال، وأي حال، ويربي المريدين، يجيء منهم، رجال وأي رجال.
فقال له والدي: إن هذا الولد - أي أحمد - حديث السن، ومن أين يقدر على هذا الحال هو أو غيره؟ فقال - أي السلطان -: أعد أن جدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أراني صفته وحليته، ففي أنفه شامة سوداء من كل ناحية، أصغر من العدسة، وهو أقنى الأنف، صبيح الوجه، فلما حضر سيدي أحمد البدوي ورآه السلطان، عرفه بالصفات فقام إليه واعتنقه وأجلسه إلى جانبه( ).
ويلقب أحمد البدوي بالملثم، لأنه كان يلبس اللثام، وذلك أنهم زعموا أن من ينظر له يموت!!( ). كما يسميها أتباعها بـ "الأحمدية"، ويطلق عليها أيضاً "السطوحية" نسبة إلى السطح، لأن البدوي كان يعلم مريديه على سطح البيت، ولأنه كان يقيم على السطح بصورة دائمة( ).(41/7)
وقد توفي أحمد البدوي في مدينة طنطا بمصر سنة (675هـ -1276م)، وهو عند الصوفية يعتبر أحد الأقطاب الأربعة (إضافة إلى الجيلاني، والرفاعي، والدسوقي)، وشارة أتباعه العمامة الحمراء، والعلم الأحمر، ويحتفل بمولده في ثلاثة مواسم، الكبير منها في شهر آب/أغسطس، حيث تقام الحضرات، ويطوف خليفته بطنطا مع أتباعه( ).
من كراماتهم المزعومة:
يقول أتباعه أنه كانت تأتي عليه الأربعون يوماً لا يأكل فيها، ولا يشرب ولا ينام، وهو شاخص ببصره إلى السماء( ). وقالوا أنه كان يحدق ببصره نحو السماء لا لينظر في النجوم، ولكن ليطالع تجليات الحق، ويتابع أنوار اللذات، ومن كثرة هذه المطالعة انطبعت على محيّاه هذه الأنوار، وتركت أثراً ظاهراً يقرؤه كل واحد، فكان يستر وجهه باللثام ليحجب عن الأعين آثار تلك الأنوار( ). وذكروا له من الكرامات أيضاً: أن من ينظر إلى وجهه يموت، لذلك لم يكشف عنه اللثام. كما زعم شيخ الصوفية الشعراني في "طبقاته"، أنه رأى أسيراً على منارة عبد العال مغلولاً مقيداً، فسأله عن سر ذلك، فقال الأسير: كنتُ في بلاد الإفرنج، وتوجهت إلى سيدي أحمد (البدوي)، فأخذني وطار بي في الهواء فوضعني هنا، وكانت رأسه دائرة عليه من شدة الخطفة. وزعموا كذلك أن امرأة أسر الإفرنج ابنها، فلاذت بالبدوي، فأحضره إليها، في قيوده( ).
واحتلت قضية "إنقاذ الأسرى" مساحة كبيرة من الكرامات التي نسبها البدويون لشيخهم، إذ يذكر د.عامر النجار أن هذه الفكرة عاشت فترة طويلة بين عامة الشعب. ثم ينقل عن كتاب "دولة الدراويش" لعبد اللطيف فهمي قوله: "والاعتقاد الشائع بين العامة أن السيد (البدوي) ظل ينقذ الأسرى بعد مماته إلى عصر متأخر، وأنه لم يكف عن ذلك إلاّ بطلب من المرحوم محمد سعد الدين باشا الذي كان مديراً للغربية"( ).
انحلال البدوي وطريقته:(41/8)
الانحلال والفجور صفة هذه الطريقة، وذلك أن البدوي كان رجلاً فاسداً، ولذلك كان مولد البدوي نموذجاً للفساد والفجور، فتجد الاختلاط بين الرجال والنساء، والزنا واللواط، وشرب الحشيش. ولخداع البسطاء الذين قد يستنكرون مثل هذه الفواحش، روّج البدوي بين أتباعه أكاذيب عن قدراته الهائلة ومن ذلك قوله: "وعزة ربي ما عصي أحدٌ في مولدي إلا وتاب وحسنت توبته، وإذا كنت أرعى الوحوش والسمك في البحار واحميهم من بعضهم بعضا، أفيعجزنى الله عز وجل عن حماية من يحضر مولدي"!!! وقال شاعرهم:
وأعجب شيء أن من كان عاصياً……بمولده يعنى به ويرفق( )
وهكذا أصبح مولده مرتع لهذه الفواحش والمنكرات، ويحذر الشعراني الصوفي وهو يشعر بالمنافسة الحامية من أتباع البدوي فيقول: "إياك أن تمكن جارتك أن يأخذ أحد من الفقراء الأحمدية أو البرهامية عليها العهد إلا على المحافظة على آداب الشريعة، فإن كثيراً من الفقراء يعتقد أنه صار والدها يجوز له النظر إليها، وترى هي كذلك أنها صارت ابنته ولها أن تظهر وجهها له، ... وقد حدث مثل ذلك لبعض إخواننا ورأى صاحبه يفعل الفاحشة في زوجته"( ). وراج بين أهل مصر القول "بساط أحمدي" بمعنى اخذ الأمور ببساطة، وذلك بسبب ترك الاحتشام بين الرجال والنساء في الطريقة الأحمدية البدوية!!!
وقد شهدت القاهرة في هذا الشهر احتفالات مولد البدوي بمشاركة السفير الأمريكي، وتجد تفاصيل حول ذلك في باب جولة الصحافة من هذا العدد.
انتشارها وفروعها:
تنتشر الطريقة البدوية بشكل خاص في مصر، حيث يوجد في مدينة طنطا (شمال القاهرة) ضريح البدوي، وقد تفرعت منها طرق كثيرة في مصر، ما تزال موجودة إلى اليوم، أهمها:
1-…"الشناوية" وشيخها حسن محمد الشناوي، وهو شيخ مشايخ الطرق الصوفية في مصر، ورئيس المجلس الصوفي الأعلى.
2-…"المرازقة" وشيخها عصام الدين أحمد شمس الدين.
3-…"الشعيبية" وشيخها محمد محمد الشعيبي.(41/9)
4-…"الزاهدية" وشيخها حسن السيد حسن يوسف.
5-…"الجوهرية" وشيخها الحسين أبو الحسن الجوهري.
6-…"الفرغلية" وشيخها أحمد صبري الفرغلي.
7-…"الإمبابية" وشيخها هاني محمد علي سلمان.
8-…"البيومية" وشيخها أحمد حامد فضل.
9-…"السطوحية" وشيخها علي زين العابدين السطوحي.
10-…"الحمودية" وشيخها إبراهيم محمد المغربي.
11-…"التسقيانية" وشيخها أحمد إبراهيم التسقياني.
12-…"الكناسية" وشيخها محمد سلامة نويتو.
13-…"المنايفة" وشيخها علي الدين عبد الله المنوفي.
14-…"الجعفرية" وشيخها عبد الغني صالح الجعفري.
15-…"الجريرية" وشيخها عبد الله خويطر جرير.
16-…"الحلبية".
17-…"السلامية".
18-…"الكتانية" ( ).
السودان:
دخلت هذه الطريقة إلى السودان في العهد التركي مع بعض الجنود الوافدين في الجيش التركي. ومن أشهر شيوخها الشيخ الدبه والشيخ أبو شبكة. وانتشرت في الخرطوم وأشهر شيوخها هناك: الشيخ يوسف المسلمى الأحمدي ولها فروع بالدويم وكوستي وبالنيل الأبيض في شمال كردفان [موقع الشيخ الصادق ديمة].
ليبيا:
والزاوية البدوية أو الأحمدية في العاصمة طرابلس عرفت قديمًا باسم "المدرسة الماردانية"، وتقع في منطقة الميناء، سوق الإسلام. ومشايخها من آل الغندور، وقائمون على إدارتها منذ عقود. وبعد صلاة العشاء من كل سبت يجتمع المريدون للذكر والدروشة، ويقيم هذه الحلقات الشيخ محمد صبري الغندور وأخوه الشيخ عبد الناصر اللذان انتقلت إليهما مشيخة الزاوية من أبيهما الشيخ سعيد، وهو عن أبيه الشيخ صبري الذي أجاز حفيدَيه بالطريقتين البدوية والرفاعية. وهو أجيز بالطريقة البدوية من الشيخ حسن القَدّوسي من مشايخه محدث الشام أبو المحاسن القاوقجي، كما أجيز بالطريقة الرفاعية من الشيخ محمد جندل الرفاعي. [موقع سفينة النجاة].
مؤلفاتهم:(41/10)
خلّف البدوي مجموعة من الأذكار والصلوات، نشرت بواسطة تلاميذه تحت عنوان: "فتح الرحمن" ، وله كتاب اسمه "الأخبار في حل الألفاظ في غاية الاختصار" ويحتوي على شروح طويلة في الفقه والمعاملات والأحوال الشخصية، على مذهب الشافعي. وللبدوي كذلك مجموعة من الوصايا إلى تلاميذه( ).
?
ابن تومرت
في تاريخ المغرب العربي، كثير من الصفحات المجهولة والمغيبة، قياساً بالمشرق الذي كان يحتضن دول الخلافة الإسلامية، وكان مسرحاً للأحداث الجسام، ومع ذلك، ففي المغرب أحداث كبيرة يجدر التوقف عندها، ودراستها وأخذ العبر منها، حيث نتوقف في هذه السطور عند القرن السادس الهجري، وهو الذي شهد سقوط دولة "المرابطين"، وقيام دولة "الموحدين" على أنقاضها، وقد برز في تلك الفترة اسم ابن تومرت، مؤسس دولة الموحدين.
ودولة المرابطين هي إحدى الدول السنيّة القوية التي قامت في القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي) في شمال أفريقيا، في دول المغرب العربي، وإن كانت ولادتها قد تمت خارج المغرب العربي حيث نشأت دولة المرابطين في بادئ الأمر في حوض السنغال على يد يحيى بن عمر الجدالي (ت سنة 447هـ)، وبعد موته، خلفه أخوه أبو بكر بن عمر (ت سنة 480هـ)، مواصلاً مسيرة الجهاد، وتوسعت دولته شيئاً فشيئاً. وبسبب ظروف معينة، انتقلت رئاسة هذه الدولة الناشئة إلى ابن عمه يوسف بن تاشفين، وكان أبو بكر بن عمر ما يزال حيّاً، وبعد موته، أصبح يوسف بن تاشفين زعيم المرابطين بدون منازع، وكان قد بنى مدينة مراكش في المغرب سنة 454هـ، واتخذها عاصمة له، واعترف المرابطون بالخلافة العباسية، واتبعوا المذهب المالكي المسيطر في الشمال الأفريقي( ).(41/11)
ويذكر في ترجمة ابن تاشفين، أنه كان "زعيماً نشيطاً قادراً ذكياً عميق الإيمان"( )، و "لم يتأثر طوال حياته بأية نزعة من ترف القصور، ولا عيشها الناعم، ولا مغرياتها المفسدة، وقد كان يتمتع بكثير من الذكاء والفطنة، والعزم والشجاعة ..."( ).
وإضافة إلى جهاد ابن تاشفين في بلاد المغرب العربي، وتمكنه من توحيد جزء كبير منه، إلاّ أن الإنجاز الكبير الذي يحسب للمرابطين بقيادته هو انتقاله من أفريقيا إلى الأندلس سنة 478هـ (1086م) لنجدته، وإنقاذ الإمارات الأندلسية الصغيرة أو ما يعرف بدول الطوائف، واستطاع في العام التالي، في رجب سنة 479هـ (1086م) أن يهزم ألفونسو السادس ملك قشتالة في موقعة "الزلاّقة"، وهي إحدى معارك المسلمين الخالدة.
وبعد وفاة القائد يوسف بن تاشفين سنة 500هـ، تسلم قيادة الدولة ابنه علي، وفي عهده بدأ يلمع نجم محمد بن عبد الله بن تومرت الصنهاجي، الذي توجه إلى المشرق، وتنقل بين المدن والعواصم كالقاهرة ومكة وبغداد، وظهر منه خلال تجواله الزهد والاشتغال بالعلم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فذاع صيته، وتجمع حوله خلق كبير، وكان وضع معظم بلدان العالم الإسلامي في مطلع القرن السادس الهجري مضطرباً، فالخلافة العباسية بالمشرق دبّ فيها الضعف، ودولة العبيديين الفاطميين بمصر كرهها الناس بسبب غلو حكامها المنتمين للإسماعيلية، وأعمالها العدائية ضد الإسلام والمسلمين( ).
فكر ابن تومرت:(41/12)
أما دعوة ابن تومرت، فقد كان يشوبها اتجاهات فكرية منحرفة، مخالفة لمنهج أهل السنة والجماعة، فقد وافق الروافض في مسألة الإمامة، إذ قال في كتابه "أعز ما يطلب" أنه لا يصح قيام الحق في الدنيا إلاّ بوجوب الإمامة في كل زمان إلى أن تقوم الساعة، وأنه ما من زمان إلاّ وفيه إمام لله قائم بالحق. كما وافق الروافض في القول بعصمة الإمام( ). وكذلك تأثر ابن تومرت بمذهب المعتزلة، في نفي الصفات عن الله سبحانه وتعالى، ولهذا سمّى أصحابه بالموحدين، لأنهم في رأيه هم الذي يوحدون الله حقاً لنفيهم الصفات، كما نهج ابن تومرت نهج الأشاعرة في تأويل بعض صفات الله سبحانه وتعالى( ) وفي دعوته السرية بين الناس كما عدّه شيخ الإسلام ابن تيمية من "أتباع الجهمية"( ). أضاف ابن تومرت إلى تلك الانحرافات، فكرتين فاسدتين، هما:
1-…ادّعاؤه العصمة، حتى كان أصحابه يلقبونه بـ "المعصوم"، ولكي يؤصّل هذا الادّعاء في نفوس أصحابه، ألف لهم كتابه "أعز ما يطلب".
2-…ادّعاؤه أنه المهدي المنتظر الذي وعد الرسول صلى الله عليه وسلم بخروجه ليملأ الدنيا عدلاً، وقد قال في خطبته حينما بايعه أصحابه إماماً للموحدين سنة 515هـ: "الحمد الله الفعّال لما يريد، القاضي بما يشاء، لا رادّ لأمره، ولا معقب لحكمه، وصلى الله على سيدنا محمد المبشر بالمهدى الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً، يبعثه الله إذا نسخ الحق بالباطل، وأزيل العدل بالجوار، مكانه بالمغرب الأقصى، واسمه اسم النبي، ونسبه نسب النبي...".(41/13)
وقد كذب ابن تومرت على النبي صلى الله عليه وسلم عندما ادّعى أن النبي حدّد مكان خروج المهدي، كما كذب ابن تومرت عندما ادّعى النسب القرشي، وأنه من سلالة النبي صلى الله عليه وسلم، فهو من قبيلة هرغة، إحدى قبائل المصامدة أو المصمودية البربرية، وكان يعرف بمحمد بن تومرت الهرغي، وكان المؤرخ محمد عبد الله عنان يرى أن هذا الادعاء ما هو إلاّ نحلة باطلة، وثوب مستعار، قصد من ورائها ابن تومرت أن يدعم بها صفة المهدي التي انتحلها أيضاً شعاراً لإمامته ورياسته( ).
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "وممن ادّعى أنه المهدي: ابن التومرت ... وكان يقال له في خطبهم "الإمام المعصوم" و"المهدي المعلوم" ... وهذا ادّعى أنه من ولد الحسن دون الحسين، فإنه لم يكن رافضياً، وكان له من الخبرة بالحديث ما ادّعى به دعوى تطابق الحديث. وقد علم بالاضطرار أنه ليس هو الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم"( ) .
وأخذ ابن تومرت يجوب البلاد، ويكسب المزيد من الأنصار، وفي سنة 505هـ، عاد إلى المغرب، وظل يتنقل لمدة عشر سنوات بين مدن وأقاليم المغرب الأقصى، لعرض دعوته على الناس، ولم يكن في بادئ الأمر يظهرها للناس صراحة بسبب ما يشوبها من انحراف، لهذا انتحل صفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويذكر أحد تلاميذه، وهو أبو بكر البيذق، أن شيخه نهج هذا الأسلوب في بادئ الأمر، وأنه كان إذا خشي بطش الناس خلط في كلامه، حتى يظن الناس أنه مجنون( ).(41/14)
وبهذه الأفكار، وهذه الأساليب الملتوية، غدا ابن تومرت خطراً يهدد دولة المرابطين، فاستدعاه السلطان علي بن يوسف بن تاشفين ليتبين حقيقة دعوته، فادّعى ابن تومرت أنه يريد الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعقد السلطان بينه وبين الفقهاء مناظرة ليتبين حقيقة الأمر، فأخذ ابن تومرت بالوعظ والإنكار، فتأكد الفقهاء والعلماء، وعلى رأسهم الشيخ مالك بن وهيب، من مراد ابن تومرت، وأنه يخطط لأمر ما، وأنه يريد الرئاسة، فاقترحوا على السلطان بأن يسجنه ومن معه، خوفاً من إثارة الفتن.
وكان مما قيل للسلطان يومها أن يسجن هؤلاء النفر، وينفق عليهم كل يوم ديناراً وإلاّ سوف ينفق عليهم جميع بيت المال( )، إن هو تركهم على حالهم، لكن وزير السلطان شفع في ابن تومرت، وهوّن عليه الأمر، فاكتفى السلطان علي بن يوسف بإخراج ابن تومرت من مراكش ولم يسجنه. وهكذا تتكرر الشفقة على المفسدين باسم الورع فتكون العاقبة وخيمة على الإسلام وأهله!
يقول د. مؤنس في وصفه لترحال ابن تومرت: "بعد ذلك نجد محمد بن تومرت يخترق المغرب الأقصى من شماله لجنوبه يحيط به أتباعه، وعلى رأسهم عبد المؤمن بن علي، زاعماً أنه آمر بالمعروف وناهٍ عن المنكر، مهاجماً ما ادّعى أنه مخالفات المرابطين للدين، رغم ما نعرف من أن أمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين، ثاني أمراء المرابطين، كان من أصلح الحكام وأشدهم تمسكاً بالدين، ولكن محمد بن تومرت كان في الحقيقة داعية سياسياً مصمودياً (نسبة إلى قبيلته)، يسعى إلى توحيد صفوف قبائل مصمودة وحفزها على التخلص من سلطان صنهاجة (قبيلة المرابطين)، والتغلب عليها، وإقامة دولة مصمودية مكانها"( ).(41/15)
ثم تتوالى الأحداث، وكان ابن تومرت قد تعرّف على عبد المؤمن بن علي الكرمي، الذي سيصبح أميراً للموحدين بعد وفاة ابن تومرت. فبدآ بالتحشيد ضد المرابطين وبدعوة الناس إلى قتالهم، واعتبارهم كفّاراً، وبعد خروج ابن تومرت طريداً من مراكش، أدرك الخطر الذي قد يصاب به من المرابطين، خاصة أن دعوته خرجت من إطار السريّة والمراوغة، ووصلت إلى مرحلة الظهور والجهر بالأهداف، وبدأ يشن ابن تومرت الهجوم تلو الهجوم على دولة المرابطين، حتى موته سنة 522هـ، ليكمل خليفته عبد المؤمن المهمة، ويتمكن بعد سنوات قليلة من القضاء على المرابطين وقتل آخر سلاطينهم، إسحاق بن علي بن يوسف، وغدت دولة الموحدين شرّاً مستطيراً بعد أن كان لجمها في متناول يد السلطان علي بن يوسف، لكن ليقضي الله أمراً كان مفعولاً.
وهكذا تتكرر هذه المأساة دوماً حين لا يتعظ اللاحق بالسابق ، فليس كل من أظهر الأمر بالمعروف صادق ، والعاقل من يستشرف الأمور ويربط القرائن ، فلقد حذر العلماء من ابن تومرت وخطره على الدين والدنيا ، لكن الوزير بجهله هون أمر ابن تومرت ، فضاع الدين والدنيا . ونحن في زمان كثر فيه أمثال ابن تومرت أشخاصاً أو جماعات وأحزاب ، فهل يقوم أهل العلم بواجب كشفهم ، وهل يقوم أهل الحكم بواجب ردعهم قبل فوات الأوان ؟؟
للاستزادة:
1-…"منهاج السنة النبوية"، شيخ الإسلام ابن تيمية.
2-…"البداية والنهاية"، ابن كثير.
3-…"تاريخ ابن خلدون"، ابن خلدون.
4-…"حقيقة دعوة ابن تومرت"، مجلة البيان، حمد صالح السحيباني العدد (17).
5-…"الخوارج قديماً وحديثاً"، الشيخ سليمان المنيعي.
6-…"أطلس تاريخ الإسلام"، د. حسين مؤنس.
7-…"موسوعة الأديان الميسرة"، إصدار دار النفائس.
8-…"الأندلس التاريخ المصور"، د.طارق السويدان.
9-…"صفحات مشرقة من التاريخ الإسلامي" (الجزء الثاني)، د. علي الصلابي.
?
حقيقة الزحف الشيعي
أ.د. محمد السعيد عبد المؤمن(41/16)
أستاذ الدراسات الإيرانية بجامعة عين شمس
مختارات إيرانية - العدد 75 - 10/2006
[هذه الدراسة نموذج تطبيقي لخلل الفهم عند الباحثين والسياسيين السنة في موضوع الشيعة بسبب الجهل بالعقيدة والفكر الشيعي ، ولذلك سنعلق على بعض الفقرات في داخل المقال بخط أصغر . الراصد ].
…
الزحف الشيعي الآن مثل الماء يملأ الفراغ على الأرض، والفكر والحركة، وليس كالنار يأكل الأخضر واليابس، ولذلك قبل أن نناقش حقيقة الزحف الشيعي في العالم العربي، ينبغي أن ندرك أولا حقيقة الشيعة، وطبيعة حركتهم وأهدافهم، وعلينا أن نتفق أولا أنهم بدأوا كحزب سياسي، وأن الخلاف بينهم وبين أهل السنة لم يتعد وجهة النظر في مسألة سياسية هي الخلافة.
[رغم أن الباحث أكد على أهمية إدراك حقيقة الشيعة، إلا أنه لم يتمكن من ذلك ، رغم توفر الدراسات والمراجع التي بينت حقيقة الشيعة ، سواء كانت أبحاث شيعية أو سنية، عبر الإنترنت أو الكتب المطبوعة. وهذا واضح في حصره الخلاف والنزاع فقط في الجانب السياسي، وهذا خطاء حيث تطورت هذه الفكرة عند الشيعة لتصبح محور ومركز دينهم ، فمن أنكرها كفر!!
وعلى هذا المحور بنيت العقيدة الشيعة الحالية، فأصبح الولاء والبراء والسلم والحرب والعلاقة مع الآخرين وخاصة أهل السنة ينطلق من الإيمان بالإمامة، ولذلك يتم شحن عواطف عوام الشيعة بالكره لكل المسلمين بحجة الكفر و قتل الإمام الحسين رضي الله عنه، ولذلك سيأتي المهدي الشيعي الغائب لينتقم من أهل السنة. ولهذا سمي مقتدى الصدر جيشه بجيش المهدي، ونجاد وحزب الله يروجان لنفسيهما بين الشيعة بأنهم من مقدمات المهدي. لمزيد من التوسع:
1- كتاب تطور الفكر السياسي الشيعي:… …http://www.albainah.net/index.aspx?function=Item&id=11180&lang=
2- الملامح العامة للسياسة الخارجية الإيرانية:… …http://alrased.net/show_topic.php?topic_id=427 الراصد ](41/17)
وقد بدأ الشيعة نشاطهم كحزب سياسي معارض لحكومة أهل السنة والجماعة التي كونت الخلافة الأموية، وقد اجتهدوا في وضع منظور خاص للحكم والسياسة، وتوصلوا إلى مفهوم الإمامة الذي جعلوه في مقابل الخلافة، وانتهى الأمر بأرجحية سلسلة الولاية الإثنى عشرية، التي هي أشهر فرق الشيعة، وأكثرها انتشاراً في العالم، ولهم نشاط ملموس في كثير من البلدان في الآونة الأخيرة، وقد تحقق لهم الكثير مما أرادوه في العالم الإسلامي، وقد قطع الشيعة خلال تاريخهم الطويل شوطا بعيداً في العمل السياسي، وكان العمل الشيعي في مجمله سياسياً أكثر منه دينيا، ولم يكن غريبا خلط نظرية ولاية الفقيه بين العبادة والسياسة، إلى الدرجة التي صار معها للفرائض الإسلامية وجهان أحدهما عبادي والآخر سياسي. [هذا تناقض مع ما سبق وعدم إدراك لحجم الدور الديني عند شيعة اليوم. الراصد ].
ورغم ما أشيع عنهم من اتجاه للعنف، واتخاذهم من الجهاد والمقاومة فريضة خامسة، فقد كان لهذا تبريره في أن الشيعة كانوا حزب الأقلية المعارضة وسط أغلبية سنية تملك وسائل القوة والحكم والسيادة، وقد مكنت الشيعة خبرتهم السياسية من دعم مؤسساتهم العاملة وتفعيلها، ومن ثم فقد اكتسبوا كثيرا من عاصر القوة في مواجهة غيرهم من أعدائهم أو منافسيهم، بل صارت عناصر القوة الشيعية عناصر تدخل في باب الفرض والواجب، وليس من باب التطوع أو النافلة.(41/18)
[ ليس الأمر معارضة، بل عداء كامل لدرجة هدم الخلافة والتعاون مع الأعداء عبر التاريخ، وكل فئة مارقة تعمل بالخفاء للهجوم على السلطة الحاكمة تحسن أعمال الجاسوسية والخيانة، ولتبريرها للبسطاء أعطوها الطابع الديني فأصبح دينهم الجاسوسية والإفساد، وسموها التقية وجعلوها ثلاث أرباع الدين. راجع كتاب خيانات الشيعة:… http://www.albainah.net/index.aspx?function=Item&id=4049&lang ، أما اتخاذ المقاومة والجهاد فريضة، فهذه فضيحة حيث أن الشيعة يحرمون الجهاد قبل خروج المهدي ، ولذلك لم يمارس الشيعة عبر التاريخ الجهاد ونشر الإسلام ، ولكن مارسوا خيانة المسلمين وإعانة المحتلين على بلاد الإسلام كما في العراق حالياً. الراصد]
لا شك أن انتشار التشيع في إيران والعراق ومنطقة الخليج العربي جعل العلاقات الإيرانية - العربية شديدة التعقيد، وتسعى إيران لإيجاد الفرص في المنطقة، وتنشط لكي تطرح نفسها كواحدة من الدول المؤثرة في مستقبلها، رغبة في الاحتفاظ بمصالحها، مستعينة بما لديها من مرتكزات عقائدية وفكرية وسياسية مع ما تيسر من الحركة الاقتصادية، إضافة إلى ركائزها الشيعية ومن استقطبته من الدول الصديقة في المنطقة، باعتبار أن من حق إيران بما لديها من مبررات تاريخية وجغرافية وبشرية وسياسية وعقائدية أن تضع نظرية إقليمية تحقق مصالحها وطموحاتها، وتكون قابلة للتطبيق من خلال اتخاذ الأساليب المناسبة وفق المتغيرات الدولية.
ولاشك أن متغيرات القوة الخليجية بعد حرب الخليج الثانية قد أتاحت الفرصة لإيران كي تمد جسور العلاقات إلى الدول الخليجية، وأن تطرح مشروعات لحل المشاكل المعلقة مع كل منها، وفيما يتعلق بأمن الخليج أيضاً.(41/19)
واكتسبت العراق أهمية دينية خاصة لدى الإيرانيين حيث توجد بها العتبات المقدسة لدى الإيرانيين، مما جعل لإيران استراتيجية خاصة تجاه العراق منذ قيام ثورتها الإسلامية، حيث تقر إيران لنفسها حق التدخل في شئون العراق من خلال تلك الإستراتيجية المعقدة التي تتخذها إزاء هذه البلاد، ولكنها من ناحية أخرى لا تقر أبد بل تناهض أي تدخل أجنبي فيها، وتعتبره من وجهة النظر الأمنية مساسا بأمنها القومي، ومن وجهة النظر الدينية مساسا بمقدساتها مهما كانت العلاقة بينها وبين الحكومة العراقية. [لاحظ أن المستند هو ديني ، والكاتب يركز أن هذه الأطماع سياسية فقط ؟؟ الراصد]
ولاشك أنه قد أصبحت لدى إيران سيناريوهات جاهزة للأوضاع المحتملة، وخطط عمل لها، من أجل دعم الإسلام الشيعي، وتقوية قراءة الأصول الشيعية، ورسم حزام أمني مع الدول الشيعية أو التي بها أغلبية شيعية، وإحباط الحركة الصهيونية في المنطقة، وتقديم بديل قوي للإسلاميين السنة، ولكن مع دعوة المنظمات والحكومات الشيعية بالتدبير والحكمة في المقاومة ومواجهة الضغوط الأجنبية.
[وهذا من صلب عقيدتهم القائمة على التقية، فهم يحرضون الجماعات السنية على الصدام مع حكوماتهم، ومقارعة الاحتلال ويمدونهم بالمال والسلاح، ومن ثم يفتحون قنوات تفاوضية مع المحتلين للوصول لصفقات سياسية!! وهذا هو الفرق بين إيران والقاعدة. الراصد].(41/20)
وتعول إيران على الاتفاقيات الأمنية التي تعقدها مع دول المنطقة في مبادرة جديدة من نوعها، في إطار سياسة رسم خريطة للمنطقة، وإن نظرة سريعة إلى التقارير الإخبارية التي وردت عن التحركات الإيرانية الحالية تبين أن الدول التي تم التوجه إليها تشترك في شيء يهم إيران أيديولوجيا، وهو وجود قاعدة جماهيرية شيعية مثل اليمن والبحرين، أو مراكز ضغط شيعية مثل حزب الله في لبنان، أو عناصر عاطفي تجاه آل بيت النبوة مثل مصر، فضلا عن حزب الوحدة الشيعي والجالية الشيعية الكبيرة في أفغانستان. [نسبة شيعة أفغانستان لا تزيد عن 15%!!. الراصد].
ويمكننا أن ندرك أن السياسة الخارجية الإيرانية تعمل على إقامة حزام أمني شيعي حول إيران في مواجهة التهديدات، وفي ضوء فكرة الحزام الشيعي يعمل قادة الشيعة في إيران، فإيران تزرع لها جذورا في كل أرض تنبت فيها بذور التشيع، وهي تتعهدها على الدوام وفي كل الظروف وتحت أي مسمى ولدى أي نوع من الحكومات، منتظرة يوم يأتي الحصاد.
لكنها ربما ترى أن الشيعة كقوة إقليمية يمكن أن تمثل قطاعا واضح المعالم في الخريطة الجديدة للمنطقة، أمام العالم العربي يسهم في القضاء نهائيا على ما يسمى بالقومية العربية، والاستعاضة بالتوجه المذهبي عن التوجه القومي لأن التقسيم العرقي والمذهبي أقل خطرا على النظام العالمي الجديد من التقسيم القومي المتعارض مع نظام العولمة، ولأنه يحقق مصالح بعيدة المدى.[وهذا يتوافق مع الخطط اليهودية العالمية بإحياء الطائفيات والمذهبيات لمقاومة الصحوة الدينية العالمية . الراصد].(41/21)
ويمد من عمقها العقائدي ويوسع حدودها الجغرافية، بل يؤدي إلى نوع من الاتحاد والأخوة، ويجعل من نظرية الهلال الشيعي أمرا قابلا للتصديق والتطبيق، ليس فقط في إطاره السياسي بل والاجتماعي والثقافي، فالعلاقات القوية لا ينبغي أن تقوم على محور المنفعة فقط، بل على محور المذهب، ومن ثم فإن المضي في تحقيق الهلال الشيعي يتطلب خطة تبدأ بإثبات عجز الولايات المتحدة في إدارة شئون المنطقة. كما أكد لاريجاني أن إيران قوة إقليمية، ولكنها تعتبر نفسها قوة نجيبة، وسياستها تجاه استقرار العراق وأمنه إيجابية، بدليل أنها في الوقت الذي كانت أمريكا تدعم فيه صدام حسين، كانت إيران تستضيف القادة العراقيين الحاليين، ومنهم الطالباني والبارزاني والجعفري والحكيم وآخرون، مشيرا إلى أن إيران سوف تتحرك بما يوازي الحركة الأمريكية، وأنها لن تخطو الخطوة الأولى في هذا الصدد، وسف تقبل أي اقتراح من أمريكا لا يحرمها من حقوقها، كما أنها ليست في عجلة من أمرها، ولديها سيناريوهات جاهزة لكل المواقف.
إن طبيعة الشيعة سمحت لهم باكتساب القدرة على حسن التعامل مع الحركات المقاومة، وإمكانية التواصل الخلاق معها، كما تسمح لهم التعامل بمصداقية معها. [أي مصداقية يتحدث عنها الكاتب ؟ خيانة إيران للإخوان المسلمين في حماة مشهورة، سكوت إيران عن مجازر أمل للفلسطينيين معلومة ، اعتداء إيران على الحرم المكي، خيانة إيران لأفغانستان قديماً وطالبان حديثاً، لكنه خلل فهم العقيدة الشيعية التي تدعم أعدائها إذا كانوا ينفذون أهدافها. انظر: http://www.alburhan.com/selected_article.aspx?id=344%20&pre=343%20& . الراصد].(41/22)
وتوفير آليات التعاون، وتبادل المصالح، وحزب الله اللبناني خير مثال على ذلك. فمن الواضح أن إيران تتخذ موقف يبدو فيه التوازن المطلوب بين نصرة المقاومة، والقدرة على تقديم الحلول، وهو الموقف الذي يرتضيه الشارع السياسي العربي، كما يتناغم مع موقف الجامعة العربية، لأن هذه الأزمة سوف تستوجب بدء مرحلة جديدة من المفاوضات، ستعطي حزب الله مكانة خاصة في الساحة السياسية اللبنانية، فقد برهن بقبوله نشر الجيش اللبناني في الجنوب على أنه لا يمكن التنبؤ بحركته، كما استطاع أن يثبت مدى مصداقيته في حركته النضالية، وأن الولايات المتحدة ومعها إسرائيل يخطئان إذا حاولا إبعاده لأنه خصم شريف.
[لا نعرف مفهوم الشرف عند الكاتب، فحزب الله خان لبنان وخدم إسرائيل وعقد صفقات سياسية مع إسرائيل كتفاهمات نيسان وغيرها، ويحاول تعويض خسارته في حربه الأخيرة بتغيير تركيبة لبنان السياسية، ولكن إن قصد الكاتب أن الحزب يجيد اللعبة السياسية العلمانية القائمة على المصلحة المجردة عن القيم والمبادئ الشرعية فالحزب والشيعة هم السباقون لهذا بدعم عقيدتهم القائمة على التقية وبغض المسلمين. الراصد](41/23)
إن فكرة المصلحة مبدأ ديني عند الشيعة يستفيدون منه استفادة كبيرة، لأنه يتفق مع مبدأ التولي والتبري الإسلاميين مبدأ اللا شرقية واللا غربية اللذين تقوم عليهما السياسة الخارجية الإيرانية، ويرضى فكرة إنشاء الحكومة العالمية للإسلام التي يؤمن بها علماء الشيعة، ويسهل عملية تصدير الثورة الإسلامية، ويؤدي إلى تمدد في حجم العلاقات بين إيران والدول، بل إنه يجعل العلاقات مع الدول غير الصديقة في منزلة بين المنزلتين - حسب تعبير فرق المعتزلة التي يتجاوب العلماء الإيرانيون مع فكرها - حيث تتسع وتتكمش حسبما تحدده المصالح المشتركة، وفي هذه الحالة يمكن للتقية السياسية أن تقوم بدور فعال في حل المشاكل التي قد تطرأ بين الطرفين أصحاب المصلحة، والتقارب مع الآخرين لن يكون على حساب مكاسب حققتها إيران في المنطقة أو في غيرها أو حتى داخل إيران، قبل الثورة أو بعد انتصارها، وتعي إيران أن مستقبل التعاون الإيراني - العربي رهن بالتحركات الإيرانية، ومن ثم فهي لا تقف عند محاولات تحسين العلاقات التقليدية، وإنما تبادر لتعميق وتطوير سبل التقارب لتشمل كافة المجالات من سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية رغم الاختلافات الجوهرية في هذا المجال، وتسعى لابتكار وسائل وأساليب جديدة في هذا الصدد، وما جمعيات الصداقة التي تنشئها إلا حلقة من سلسلة محاولاتها المستمرة في ذلك.(41/24)
إن مشكلتنا مع إيران، ومن ثم مع الشيعة، أنهم استفادوا مما تركناه، ويحاولون ملء الفراغ بدلا منا في المنطقة والعالم الإسلامي. [الحقيقة مشكلتنا عدم فهم السياسيين لحقيقة الأطماع الشيعية المنبثقة عن عقيدتهم ، ليس لهم عدو إلا المسلمين وهذا ما سينفذه مهديهم إذا خرج ، فمتى يفهم سياسيينا هذا؟؟؟ انظر:… http://www.alrased.net/show_topic.php?topic_id=421&query= الراصد]. وما تركناه ليس شيئاً قليلاً أو أمراً بسيطا، بل عناصر قوة، وقدرة على الحركة والتكيف، وقيم أثبتت قدرتها على الصمود في وجه العواصف والأنواء، لقد تركنا الاجتهاد الفقهي، وهو صمام أمان الاعتدال وعدم التطرف والمحافظة على الوسطية ووحدة أهل السنة، [وهذه مصيبة أخرى أن الدكتور لا يعف مذهبه السني الذي دعم الاجتهاد بعكس الشيعة الذين لا مكان للاجتهاد عندهم بسبب وجود المعصوم!!! الراصد] .
لقد اتجهنا إلى التقريب بين المذاهب دون أن ندرك أن المذهب الشيعي سياسي أكثر منه اعتقادي. [هذا ما يريده الشيعة أن تتقارب معهم سياسياً لا دينياً ، لأنهم يجيدون سحب البساط من تحتك ، أما دينياً فإنهم يخسرون لانكشاف زيفهم. الراصد] أو على الأقل ديني سياسي - كما يقرره الشيعة أنفسهم - فاهتممنا بمناقشة العقائد دون السياسة، في حين أن السياسة سبب تطرف الشيعة وابتعادهم عن السنة. [سياسة الشيعة منبثقة من عقيدتهم. الراصد].(41/25)
لم ندرك أن الشيعة محسوبون على العالم الإسلامي والحضارة والثقافة الإسلامية، باعتبارهم الجناح اليساري للمسلمين، ولم نقم خطابنا الديني أو السياسي على هذا الأساس، فتركنا لهم الفرص وجلبنا لأنفسنا التهديدات، إن من الضروري أن يجري طرح احتمالات عقلانية لطبيعة الدور الشيعي في المنطقة على أساس الواقع الجاري، وإن أحد أهم عوائق تقبل هذا الدور هو فقدان الثقة والتشكك في حقيقة النوايا الشيعية ومدى علاقتهم بالمنظمات والجماعات المعادية للحكومات العربية! وإن كثيرا من الحكومات العربية تتأثر برأي إسرائيل في إيران بأنها تحرض على إشعال الحرب في المنطقة، تحقيقا لأهدافها، إن علينا أن ندرس حقيقة التوجه الإيراني وعلاقته بالأحداث الراهنة، وكيف يمكن التعامل معها، إذ لا مفر من هذا التعامل.
…
المهدي المنتظر عند الشيعة الاثني عشرية
تأليف: جواد علي
احتلت قضية "المهدي المنتظر" مساحة كبيرة في الفكر الشيعي، نظراً لارتباطها بفكرة "الإمامية" المقدسة لدى الشيعة، أو بالأحرى يشكل "المهدي المنتظر" عند الشيعة منعطفاً هاماً وتحولاً فيما يتعلق بالإمامة، بالمهدي عند الشيعة الاثنى عشرية هو الإمام الثاني عشر والأخير، والمختفي منذ 1200 سنة تقريباً، وحسب المعتقد الشيعي فإن عودة المهدي ترافقها جملة من الأحداث والتطورات على مستوى الكون، وليس على مستوى المذهب فقط.(41/26)
وكتاب "المهدي المنتظر عند الشيعية الاثنى عشرية" للدكتور جواد علي يقدم شخصية "المهدي" كجزء ومرحلة من مراحل الإمامة، التي تعتبر إحدى عقائد الشيعة الرئيسية، والكتاب عبارة عن رسالة دكتوراه تقدم بها المؤلف إلى جامعة ألمانية سنة 1939، وقد صدرت الطبعة الأولى باللغة العربية سنة 2005 عن دار الجمل بألمانيا، بعد وفاة المؤلف بـ 18 عاماً. وهنا تظهر قيمة الكتاب؛ فهو لباحث شيعي كتب بحثه بطريقة أكاديمية، وفي وقت كانت فيه المراجع الشيعية غير متوفرة بسهولة، كما أن اليقظة الشيعية كانت محصورة في الحوزات، ومع هذا لم يكن يثق بقدرته على نشر كتابه! وبالرغم من أن المؤلف شيعي المذهب، إلاّ أنه كشف كثيراً من الأساطير والخرافات الشيعية التي أحاطت بموضوع المهدي والإمامة، الأمر الذي جعل المؤلف يحجم عن نشر هذا الكتاب في حياته خوفاً من رد الفعل الشيعي.
وقد قسم المؤلف الكتاب إلى عشرة فصول تناول فيها فكرة الإمامة عند الشيعة الاثنى عشرية، والعلماء القدامى والمعاصرين الذين تحدثوا عنها في مؤلفاتهم، كما أسهب الكتاب في الحديث عن السفراء الذين كانوا نواباً للمهدي في غيبته الصغرى، ثم يختتم الكتاب بتناول أمر الغيبة الكبرى للمهدي، ثم عودته والدولة التي يقيمها حسب المعتقد الشيعي.
فكرة الإمامة عند الاثنى عشرية:(41/27)
يقدم المؤلف في هذا الفصل ملخصاً عن فكرة "الإمامة" عند الشيعة الاثنى عشرية حيث يعتبر الشيعة أن الإمام قد نصبه الله وحده عن طريق نبية، وسلطته تشمل الأرض كلها، وكل ما يوجد فيها وفوقها، سواءً أكان معدناً أم غابة أم حيواناً، براً أم بحراً، فالأشياء كلها للإمام، وله الخمس مما يكسبه الناس من أعمالهم (ص13). كما تنص فكرة الإمامة على أن هذا النظام سيبقى قائماً إلى أن يأتي زمان الإمام المختفي ... ثم إن الحق لا يكون إلاّ مع الإمام أو وكلائه، لذلك فقد اعتبر الشيعة أن التحاكم لغير شيعتهم "أمر سيء للغاية" وبمثابة من توجه إلى الشيطان أو الطاغوت ليتحاكم إليه. وتحصر الشيعة "الإمامة" في علي بن أبي طالب رضي الله عنه وبنيه، وتحديداً في 12 إماماً أولهم علي، وآخرهم المهدي المنتظر، الملقب عندهم أيضاً بصاحب الزمان. إن نظرة سريعة المعتقد الشيعي من قضية الإمامة لا تدع مجالاً لشك في اعتقاد الشيعة ببطلان كل حكم سوى حكم الأئمة، وبخاصة فترة الخلفاء الراشدين، وبطلان التحاكم إلى حكام أهل السنة وقضاتهم، وذلك أن الشيعة تعتبر أن الدول السنية دول باطلة لم تقم على مبدأ الإمامة، إلى غير ذلك مما يمكن فهمه واستنتاجه م مفهوم الإمامة التي أشار إليها د. جواد علي. ويخصص المؤلف أكثر من 40 صفحة لتناول الكتب الشيعية القديمة والمعاصرة التي ألفت عن موضوع الإمام المختفي، وبالرغم من أن هذا الكم الكبير من المؤلفات يدل على أهمية فكرة المهدي وكونه من صلب عقيدة الشيعة، إلاّ أن المؤلف يحاول بين الحين والآخر اعتبارها قضية تاريخية وعقائدية وليست دينية!؟
الخلفاء الحقيقيون للنبي صلى الله عليه وسلم:(41/28)
يعيد المؤلف في هذا الفصل التأكيد على أن الشيعة تعتبر علي بن أبي طالب رضي الله عنه هو الخليفة "الحقيقي" بعد النبي صلى الله عليه وسلم، الأمر الذي يعني عدم الاعتراف بخلافة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، وسائر حكام المسلمين من غير الشيعة. ويشير المؤلف هنا إلى جملة من السياسات التي اتخذها الأئمة تؤثر بشكل كبير على عقيدة الشيعة في الإمامة، منها:
1-…مبايعة الأئمة بعد الحسين بن علي (الإمام الثالث) للخليفة، واعتزالهم للعمل السياسي. وفي هذا بطلان كبير لفكرة الأئمة، إذ لو كان هؤلاء الأشخاص يعتبرون أنفسهم أئمة معينين من الله، لما قاموا بمبايعة الخلفاء.
2-…تولي الإمام الرضا (الإمام الثامن) ولاية العهد، زمن الخليفة العباسي المأمون، يدل على بطلان نظرية الإمامة، إذ لو كان الرضا إماماً معيناً من الله، لما جاز - حسب المعتقد الشيعي - أن يكون ولي عهد في نظام باطل ومغتصب للإمامة.
يشير المؤلف في هذا الفصل أيضاً إلى الخلافات الشيعية الكبيرة التي أحاطت حياة وموت الإمام الحادي عشر (العسكري)، والتي تصل إلى حد الأساطير، فينقل د. جواد علي عن المؤرخ المعروف، المسعودي أن الناس لم يكونوا يرون إمامهم إلاّ نادراً، وكان منعزلاً عنهم، ولا يقيم معهم، مفسّراً ذلك كي يتعود الشيعة على اختفائهم وعدم رؤيتهم (ص65).(41/29)
وقد مهد الشيعة بمثل هذه الأخبار عن الإمام الحادي عشر وعزلته المفترضة، الطريق لإطلاق نظرية اختفاء المهدي المنتظر. لكن المؤلف وهو يوافق قومه في قضية عزلة الأئمة، وخاصة الأخيرين منهم، يذهب إلى أن غموضاً يكتنف "تواريخ محياهم وحماتهم، حتى إننا نعتمد في معظم الأحوال على الافتراضات المحضة، وما بقي من تاريخ الأئمة إنما هو بشكل رئيس حكايات عجيبة ينبغي أخذها بحذر شديد" (ص65). من الطبيعي أن يلجأ الشيعة إلى "الافتراضات المحضة والحكايات العجيبة" كمخرج للمأزق الذي وجدوا أنفسهم فيه عقب وفاة الإمام العسكري دون أن يكون له ولد، يكون إماماً من بعده، كما ينص مبدأ الإمامية.(41/30)
يقول المؤلف مبيناً حجم التناقض الذي وقع فيه الشيعة: "وحدثت أزمة كبيرة في صفوف الشيعة بسبب موت الإمام الأخير (الحادي عشر) سنة 260هـ وعقبه: هل ترك الإمام الحادي عشر ولداً؟ وما هو مستقبل الشيعة من الآن فصاعداً؟ وتساءل الناس: إذا كان الإمام قد ترك ولداً، فلماذا لم نر هذا الولد، وأين هو؟ ولما صح أن الإمام لم يكن له عقب، فقد أخذ الناس يشكون في شرعية الإمام الحادي عشر، ويحاولون أن يتخذوا أخاه جعفر بمثابة الإمام الحق، فالإمام في رأيهم لا يموت دون أن يترك ولداً بوصفه خليفة له. لقد أثارت هذه التأملات وجدان الشيعة وأدت إلى انقسام حركتهم - التي كانت قبل ذلك تعاني من الضعف - إلى أربع عشرة فرقة" (ص 65 – 66). وبعد أن يورد المؤلف جانباً من التخبط في تحديد سنة ولادة الإمام الثاني عشر، (على فرض صحة وجوده أصلاً)، يقول بشيء من التهكم: "ويبدو أن الأخبار المتصلة بميلاد المهدي تريد أن تؤكد وجوده الواقعي، ولذلك فهي أقوال وشهادات ذات درجات متفاوتة من الصحة، تظهر لنا عقيدة الاثنى عشرية. وبعض هذه الأخبار يتحدث عن حضور أصحابها عند الولادة، وبعضها الأخر يتحدث عن القيام بدور القابلة، وعن روية الطفل مرة واحدة..." (ص69). وقد أشار المؤلف إلى أن الاختلاق الشيعي فيما يتعلق بالمهدي المنتظر، لم يقتصر على سنة ولادته، بل امتد ليشمل كل ما يتعلق به من اسم أمه، وجنسيتها.
الرجعة والغيبة:
يتشوق الشيعة دائماً لعودة إمامهم المختفي أو المزعوم، ويفرق المؤلفِّ هنا بين مصطلحين هامين هما: الغيبة التي تعني "غيبة الإمام الذي لم يمت ورجوعه إلى الأرض والرجعة التي يفسرها المؤلف بـ "بعث كل الأئمة وبعض أصحابهم من القبور جسدياً، وكذلك بعض أعدائهم ليفرح أولئك بانتصارهم ويعاقبون أعداءهم القدامى بإراقة دمائهم" (ص92).(41/31)
وأياً كان مفهوم الغيبة أو الرجعة عند الشيعة، فإن الثابت أنهما تحملان حقداً شديداً على أهل السنة، كما يوضح المؤلف ذلك في آخر فصول الكتاب حين يتحدث عن "عودة المهدي ودولته (ص 295 - 302"، إذ تقول الروايات الشيعية أنه "بعد خسائر كبيرة في أرواح البشر، وانتشار الكفر، واضطهاد الإيمان وعلامات أخرى كثيرة، يتلقى الإمام المختفي الأمر من الله بالعودة إلى الأرض وإعادة الشريعة والحقيقة" (ص296).
أما أعمال مهدي الشيعة عند عودته، فيندى لها الجبين، وتنم عن حق وكراهية للمسلمين ورموزهم ومقدساتهم، إذ يأمر المهدي بهدم المسجد الحرام في مكة، بحجة بناء المسجد حسب الخطة القديمة التي أمر الله بها.
ويعترف المؤلف بأن مهدي الشيعة يأمر باستخراج جثتي أبي بكر وعمر رضي الله عنه ويعلقهما في شجرة يابسة ثم تصعد نار من الأرض وتأكل الخليفتين، وليس هذا فحسب إنما يدّعي الشيعة أن جميع الأئمة سيأتون إلى أبي بكر وعمر ليأخذوا ثأرهم منهم! وسيبعث أبو بكر وعمر ألف مرة كل ليلة ويعاقبان عقاب ميتة مريعة!! ولا يقتصر انتقام مهدي الشيعة على أبي بكر وعمر، إنما يمتد إلى كل من اعتقد بصلاحهما رضي الله عنهما إذ "يأمر المهدي عاصفة سوداء تقتلع كل الذين آمنوا بمعجزتي أبي بكر وعمر كما تقتلع الأشجار فينقلبون ويموتون" ص 300.
سفراء الإمام الغائب:
يحتل الحديث عن سفراء الإمام الغائب ووكلائه خلال الغيبة الصغرى (260ـ 329هـ) مساحة كبيرة في الكتاب، ويخصص لها عدة فصول. ويعتقد الشيعة أنه الفترة السابقة، كان الإمام المختفي يتواصل مع الناس عبر سفراء أربعة، إلى أن جاء موعد الغيبة الكبرى سنة 329هـ، والممتدة إلى زماننا هذا، والمستمرة إلى آخر الزمان حسب المعتقد الشيعي.(41/32)
ويحيط الغموض حياة هؤلاء السفراء، وحقيقة ما نقلوه عن المهدي المزعوم، وتعتبر هذه المرحلة (حوالي 70سنة) من الفترات التي كثر فيها الدس والأخبار المكذوبة، واضطربت فيها روايات الشيعة وأحاديثهم اضطراباً كبيراً، نتج عن رغبة الشيعة في إيجاد مخرج من المأزق المتمثل بوفاة الإمام الحادي عشر دون أن ينجب.
قالوا
قالوا: تؤكد المصادر المطلعة على كواليس وخفايا الأحزاب الشيعية أن جهاز المخابرات الإيرانية أصدر أوامره إلى ميليشيات فرق الموت بقتل الجنود العراقيين السابقين من صنف الصواريخ بعد الانتهاء من عمليات قتل الضباط الطيارين والعلماء التي نفذتها فرق الموت التابعة للأحزاب الشيعية.
… سلام فاضل علي 27/10/2006
قلنا: المكر والخبث الصفوي لن يقف أمامه العجز والسذاجة العربية والإسلامية للأسف ، والأدهى من ذلك أن هذا المكر يوشك أن يتكرر في لبنان !!
قالوا: نحن شعب تعب من كثرة الحروب المذهبية والطائفية ولم يعد بإمكاننا أن نتقبل هذه الصراعات التي هي لحساب غيرنا. إيران تريد أن تسيطر على الساحة العربية بأيد عربية، فحزب الله امتداد لكل الأحزاب التي أنشأتها واحتضنتها إيران ودعمتها ماديا وبالسلاح، وللأسف الشديد كنا نتمنى أن يظل ولاء حزب الله لهذا الشعب ولهذا الوطن، ولكننا نكاد نقول أن ولاء حزب الله ليس للبنان بقدر ما هو لهذه الخطة التي تريد أن تنفذها إيران في المنطقة.
مفتى جبل لبنان الشيخ محمد الجوزو/ السفير 11/11/2006
قلنا: صراحة متأخرة كثيراً، ولقد فرط علماء وسياسي السنة في لبنان كثيراً تجاه أهلهم، وحان الآن وقت العمل الصادق لتعويض ما فات .
قالوا: إن دستور 2002، هو «دستور باطل»، مؤكدا على أن القسم على هذا الدستور لا يقيد النائب في المطالبة بتغييره.
الشيخ قاسم رئيس المجلس العلمائي الأعلى بالبحرين الشرق الأوسط 4/11/2006(41/33)
قلنا: هذا هو حقيقة مشاركة الشيعة السياسية في كل البلاد العربية ، يريدونها تفصيل على مقاسهم، فلا "دستور" أو تقسيم للمناصب يعجبهم ، ومتى ما زادت قوتهم قليلاً لا يترددون في المطالبة بزيادة حصتهم من السلطة، فمتى يفهم قومنا اللعبة !!
قالوا : إن "الحكم على حارث الضاري بالاعتقال يمثل سقوطا لشخص أراد أن يفرض نفسه على الشارع السني وهذا الشخص هو رمز الفتنة". هو شيخ اللصوص.
القبانجي وكيل مقتدى الصدر العربية 17/11/2006
قلنا : ليس يصدق في هذا الدعي ومرجعه الغبي الطائفي سوي قول الشاعر:
ولو أني بليت بهاشم……خؤلته بنو عبد المدان
لهان علي ما ألقى ولكن……تعالوا فانظروا بمن ابتلاني
قالوا : تبلغ نسبة المسيحيين 35.33 % ، فيما يتوزع المسلمون بين السُنّة (29.6%)، والشيعة (29.5%)، والدروز (5.38%).
دراسة حديثة لخبير الإحصائيات يوسف الدويهي ، النهار 12/11/2006
قلنا : متى ينتبه السنة لأهمية الإحصائيات الدقيقة ، وإشاعتها إعلامياً حتى لا تتكرر لعبة تضخيم إحصائيات الأقليات لمصالح خبيثة!!…
قالوا : اعتقلت الشرطة الإسرائيلية في عكا شخصاً عربياً يقول أنه ممثل حزب الله اللبناني في عكا.
الغد 29/11/2006
قلنا: مجنون أو بداية شر مستطير ، كم جاءنا الشر على يد المجانيين !!!
قالوا : عاد ليث كبة إلى منصبه كمدير للشرق الأوسط في الصندوق القومي الأمريكي في واشنطن، بعد أن عمل لعام كامل في وضيفة الناطق الرسمي باسم إبراهيم الجعفري زعيم حزب الدعوة الشيعي.
الوطن العربي 25/10/2006
قلنا: هؤلاء قوم يعرفون من أين تأكل الكتف ! فهم يتبجحون بالديمقراطية والليبرالية للوصول لمناصب غربية في مؤسسات ديمقراطية، ومن ثم يسخرونها لمصالحهم الفئوية والطائفية والأقلية، على حساب المصالح الكبرى، و عاشت الديمقراطيات الغبية!!(41/34)
قالوا : بعد أن شهدت مدينة بغداد تحسناً في الأمن ... بفضل الإجراءات الأمنية .. فوجئنا بقرار منفرد للمالكي بتبديل خطة أمن بغداد من بينها رفع الحواجز عن مداخل مدينة الصدر معقل جيش المهدي .
طارق الهاشمي نائب رئيس الجمهورية الغد 2/11/2006
قلنا: مخطئ من ظن يوماً أن للثعلب ديناً !!
قالوا: لا أفهم كيف يريد الشيعة العراقيون وهم الأكثرية (كما قال عبد العزيز الحكيم وخصمه مقتدى الصدر) تقسيم الدولة التي يمكنهم ديمقراطياً السيطرة عليها كلها؟
رضوان السيد الاتحاد الإماراتية 22/10/2006
قلنا: لأنها كذب ببساطة!!
?
باحث خليجي يحذر من ولاء شيعة الخليج
لمرجعيات دينية خارجية
العربية نت 29/10/2006
قال تقرير صادر عن هيئة البحوث التابعة للكونغرس الأمريكي إن أبرز الأخطار الأمنية التي تحدد المعالم الأساسية للتعاون الخليجي-الأمريكي هي ارتفاع نفوذ إيران الإقليمي بعد سقوط صدام، إضافة إلى رفع المجتمع الشيعي الخليجي لمطالب جديدة متأثرا بوصول الشيعة إلى سدة الحكم بالعراق. كما تحدث عن التقرير عن أبرز جوانب العلاقات الأمريكية- الخليجية من الناحية العسكرية.
وعلّق باحث خليجي على التقرير قائلا إن "غالبية الشيعة في الخليج يرون في آية الله علي السيستاني مرجعا لهم، مما قد يدعو للتساؤل فيما إذا كان الولاء للوطن أم للعقيدة والمرجعية التي هي خارج حدوده"، مشيرا بذلك إلى قضية ثار حولها الكثير من الجدل في الأوساط السياسية والاجتماعية في دول الخليج.
وكانت هيئة "خدمات بحوث الكونغرس"، وهي أحد هيئات دعم القرار بالكونغرس الأمريكي، أصدرت تقريرا حديثا يقيم العلاقات الأمريكية مع دول مجلس التعاون الخليجي، وترجم التقرير إلى العربية "مركز تقرير واشنطن" المعني بالشؤون العربية والأمريكية.(41/35)
وجاء في التقرير أن العديد من الخبراء الأمريكيين يتوقعون مساعدة دول الخليج لدعم أية هجوم أمريكي محتمل ضد إيران رغم المخاوف من ردود الفعل الإيرانية ضد الحكومات الخليجية في تلك الحالة.
وأشار إلى أن العديد من دول الخليج تخشى تأثير صعود الأحزاب الشيعية للحكم بالعراق على الاستقرار الداخلي ببلادهم، حيث إن الأنظمة بدول الخليج العربية تشعر بأن نجاح الأحزاب الشيعية بالعراق مثل المجلس الأعلى للثورة الإسلامية وحزب الدعوة الإسلامية، شجع المجتمع الشيعي بالبحرين والسعودية على فرض مطالب جديدة على حكوماتهم سعيا لتوسيع حقوقهم السياسية ودورهم في الحياة الاقتصادية.
مرجعية شيعة الخليج
وعلّق عبد العزيز بن عثمان بن صقر، رئيس مركز الخليج للأبحاث، على هذا التقرير قائلا: بالتأكيد حصل تشجع ونشاط لدى شيعة الخليج، حيث أن الغالبية منهم ترى أن السيستاني هو المرجع لها، وعندما تكون المرجعية الدينية خارج حدود الدولة تصبح قضية الولاء هل هي للوطن أم للعقيدة والمرجعية محط تساؤل ودراسة.
وأضاف، في حديث لـ"العربية.نت"، "بعد سقوط النظام ووصول المجلس الأعلى للثورة الإسلامية للحكم وتمثيل غالبية الشيعة في مقاعد البرلمان أيضا، هذا أعطى تشجيعا لأقليات شيعية في الخليج وخاصة السعودية، والغالبية الشيعية في البحرين لتقديم مطالبهم بشكل علني على شكل عرائض، وأنا لا اشكك في وطنيتهم، ولكن فعلا الوضع العراقي كان عاملا محفزا لهم".
ورأى بن صقر أن النشاط الشيعي في الخليج "شكل نوعا من التنبيه للحكومات الخليجية وطرح قضية مفهوم الوطنية، والتساؤل هل يمكن فصل الهوية الوطنية عن الانتماء الطائفي أم أن ذلك غير ممكن".(41/36)
وكان تقرير هيئة الكونغرس الأمريكي قال إن العديد من الخبراء الأمريكيين يتوقعون مساعدة دول الخليج لدعم أية هجوم أمريكي محتمل ضد إيران رغم المخاوف من ردود الفعل الإيرانية ضد الحكومات الخليجية في تلك الحالة. ويرى الباحث الخليجي بن صقر أن "دول الخليج سوف تلتزم بقرارات مجلس الأمن سواء أكانت فرض حصار اقتصادي أو سياسي، أو عسكري تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة".
الخليج والأمن الأمريكي المستورد
وفي جانب آخر، يقول التقرير الأمريكي إن حجر الأساس في التعاون العسكري بين بعض دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة هي مجموعة اتفاقيات تعاون دفاعي تسمح للولايات المتحدة بالاحتفاظ بقواعد عسكرية داخل هذه البلاد، وفي المقابل تقدم واشنطن لحلفائها مساعدات عسكرية في شكل تدريبات واستشارات عسكرية وتدريبات مشتركة ومبيعات كبيرة من الأسلحة.
سألت "العربية.نت" رئيس مركز الخليج للأبحاث عن طبيعة العلاقات الأمريكية الخليجية في الوقت الراهن، فأجاب: الجانب الأمريكي يوفر الأمن في الخليج من خلال وجود قواته نظرا لفقدان توازن القوى المركزية بحكم أن العراق مدمر عسكرياً، وقوات درع الجزيرة لن تستطيع أن توفر الآلية الأمنية العسكرية والحماية المطلوبة والخيار الوحيد كان الأمن المستورد من خلال التواجد الأمريكي في مواجهة الخطر الإيراني والاستمرار في البرنامج النووي الذي يمثل نوعا من التهديد.
ولكن ماذا تقدم دول الخليج للولايات المتحدة بالمقابل، يقول بن صقر "من الناحية الاقتصادية النفط مربوط بالدولار الأمريكي، وأمريكا يهمها أمن إمدادات النفط، كما أن المهم لأمريكا هو الدول الحليفة لها مثل اليابان التي تستورد نفطاً بقيمة 51 بليون دولار وكوريا الجنوبية تستورد بقيمة 36 بليون، وأمن هذه الدول بالنسبة للطاقة يعتمد على دول الخليج ، والولايات المتحدة تساهم في حماية أمن تلك الدول من خلال أمن تدفق النفط.(41/37)
ويشير مدير مركز الخليج للأبحاث إلى أن أوروبا تفوقت مؤخرا على الولايات المتحدة في مسألة تصدير الأسلحة لدول الخليج، قائلا إن أوروبا الآن حسب الاتفاقيات الجديدة هي المورّد الأكبر للخليج ، خاصة بريطانيا وفرنسا، وذلك بسبب تعقيدات الإجراءات الأمريكية التي فرضها الكونغرس الأمريكي بعد 11 سبتمبر، فاتجهت دول الخليج إلى الصين حيث اشترت السعودية صواريخ منها، ثم اتجهت إلى أوروبا من أجل نظم الدفاع الجوي والطائرات والدبابات.
تحويل أمتنا إلى مجموعة من الدراويش الصوفية من أتباع السيد البدوي
ابراهيم علاء الدين - الحوار المتمدن 3 / 11 /2006
(الكاتب والموقع المنقول عنه ماركسيان فلزم التنبيه. الراصد)
يحتفل ما يزيد على مليوني زائر لمدينة طنطا المصرية يوم الجمعة الموافق 3 نوفمبر الجاري بمولد السيد احمد البدوي، و سيكون من ابرز المشاركين بالاحتفال السفير الأمريكي ريتشار دوني.
ولماذا يشارك السفير الأمريكي في حفل ميلاد رجل أشاع الدروشة والخبل في بلادنا، هل أصبح السفير الأمريكي صوفياً، وهل قادته أفكاره الخاصة للذهاب إلى طنطا، وهل يمكن أن يذهب سعادة السفير من دون دعوة من كبار رجال الصوفية بمصر، وهل تلبيته الدعوة هي من باب المجاملة، أم أن هناك علاقات سرية بين شيوخ هذه الطائفة وبين الإدارة الأمريكية، وكيف تقيم الإدارة الأمريكية علاقات مع جماعة ما، إلا إذا رأت فيها حليفاً صالحاً لتنفيذ أهدافها، فما هي حقيقة هذه العلاقة، هل سنجد جماعة دينية أخرى ستبرز إلى السطح السياسي؟؟ أم أن أمريكا اكتشفت أخيرا أن أفضل طريقة لتحقيق أهدافها أن تحول هذه الأمة إلى مجموعة من الدراويش؟؟ أسئلة كثيرة وكبيرة تفرضها مشاركة السفير الأمريكي في هذا الحفل المليء بالدروشه.(41/38)
وللوقوف على حقيقة السيد البدوي الذي لا يعرف الكثير من الناس انه كان زعيماً سياسياً، ولكنه تغطى بطقوس دينية ويعرف السيد البدوي بأنه احد ابرز شيوخ الطريقة الصوفية، وهي من الطرق الأكثر "رجعية" من بين الطرق الإسلامية العديدة. وتقوم فلسفتها على البعد قدر الإمكان عن المشاركة الفاعلة في الحياة العامة، واللجوء إلى الانفراد والدروشه والتوهان، وأدخلت العديد من الخزعبلات على طرق العبادة وأساليبها المتمثلة في تقديس القبور والمزارات والأولياء، ودعوى علم الغيب وختم الولاية … إلي آخر أفكار الصوفية التي وصفها عدد من كبار علماء المسلمين مثل شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلاميذه: ابن القيم، وابن كثير، والحافظ الذهبي، والحافظ المزي، وغيرهم من العلماء بأنها تمثل انحرافاً عن الحق، وتخدر أفكار المسلمين، وتؤدي إلى إذلال مشائخ الصوفية للمسلمين لهم إلي حد العبودية.…
ووسط الخرافات السائدة في أوساط ملايين المسلمين فإنهم ينظرون إلى من أطلقوا على أنفسهم بأنهم أولياء الله الصالحين، باعتبارهم أشخاص لهم قدسية معينة فتجد الكثيرين يؤدون النذور إلى هؤلاء المدعين، باعتبارهم وسطاء بين البشر وبين الله، ويبتهلون لهم ويصلون على أرواحهم، ويعاملون مراقد دفنهم بجلال وقدسية واحترام. وتصل بعض الطقوس الصوفية إلى حد الهلوسة والتوهان لدرجة غياب العقل تماما.
لكن هؤلاء الملايين من بسطاء المسلمين، ومن الذين تسيطر عليهم الأمية الفكرية والجهل بدين الله حتى لو كانوا حملة شهادات جامعية عليا، لا يدركون أن السيد البدوي وكثير ممن ابتدعوا طرقا للعبادة تتميز بطقوس مميزة، كانوا في حقيقة الأمر يعبرون ويعملون لتحقيق أهداف سياسية، تكاد تشبه ما يدور الآن من محاولات لهيمنة الأحزاب والقوى الدينية على الحياة السياسية للمجتمعات الإسلامية، بل إن بعض هذه الجماعات تجاوز الحدود ليطالب بتحقيق الهيمنة الدينية على جميع دول العالم.(41/39)
وللتعرف على السيد البدوي عن كثب وعلى الجهة السياسية التي كان يمثلها يمكن أن نعود إلى بعض المراجع التاريخية لرجال دين وفقهاء الذين ذكروا بعض التفاصيل المتعلقة بالسيد البدوي ،حيث أن البعض ارجع نسبه إلى الحسن بن علي، فيما البعض الآخر قال انه أعرابي من أعراب الشام. علماً بأن قصة النسب إلى البيت العلوي لا تزال حتى اللحظة تأخذ أبعاداً سياسية وتصل إلى حد الخطورة في بعض الأحيان كما يجري في العراق. ومن ابرز المراجع التي تحدثت عن السيد البدوي كتاب "صراع بين الحق والباطل" للشيخ سعد صادق صفحة (26) وما بعدها، وتحت عنوان "ولي ضال عن سبيل الرسول" يقول في حاشيته على "الخريدة البهية"، وهي من كتب العقائد المشهورة التي تدرس في المعاهد الدينية.
قال في ترجمة أحمد البدوي وهو يتكلم عن "التصوف والأقطاب الأربعة" قال المناوي: أن السيد البدوي أصله من بني بري وهي قبيلة من عربان الشام، وعرف بالبدوي للزومه اللثام ولم يتزوج، واشتهر بالعطاب لكثرة عطبه من يؤذيه. ثم لزم الصمت فكان لا يتكلم إلا بالإشارة. وكان يمكث أربعين يوماً لا يأكل ولا يشرب ولا ينام. وأكثر أوقاته شاخصاً بصره نحو السماء، وعيناه كالجمرتين. إلى أن يقول: "وكان رضي الله عنه إذا لبس ثوباً أو عمامة لا يخلعها لا لغسل ولا لغيره حتى تبلى"
ويمضي الشيخ صاوي في ترجمته عن البدوي فيقول: تقول كتب التاريخ: أن العلويين عندما أرادوا أن ينتزعوا الحكم ليعيدوا مجدهم الذاهب، وتستمر الخلافة علوية قرشية اعتمدوا على دعوة التصوف ليصلوا لهدفهم المنشود، إذ كان الفاطميون قد حكموا البلاد وبفعلهم وضح نفوذ التصوف في ذلك الوقت، وفي المجتمع الإسلامي كظاهرة اجتماعية. وأصبح لشيوخ الصوفية قوة في الهيمنة على النفوس والتأثير فيها لتسير في اتجاهاتها ..(41/40)
استغل العلويين دعوة التصوف فكونوا العصبيات من الدراويش والمجاذيب والأسرات العلوية، وخرج هؤلاء وأولئك يجوبون الأقطار العربية رسلاً للعلويين.
وممن اعتمد عليهم العلويين في دعوتهم: أبو الفتوح الواسطي الذي كان من تلاميذ أحمد الرفاعي صاحب الطريقة الرفاعية في العراق، فتوسم فيه العلويون ذكاء وخبرة لحمل راية الطريق. فندبوه للسفر إلى مصر لينهض بأعباء تلك الدعوة تحت ستار التصوف والدروشة. فنزح الواسطي من واسط عام 620 هـ إلى مصر، لكنه آثر البقاء بالإسكندرية ليكون بعيداً عن عيون الحاكمين.
ثم توفي وفجع العلويين بخادمهم الأمين، ومن ثم كان عليهم أن يبحثوا عن داعية آخر غير الواسطي ليتسلم راية الطريق. فكلفوا أحمد البدوي للسفر إلى مصر، إذ توسموا فيه البراعة والقدرة كسابقه الواسطي وخاصة أن له خبرة سابقة في مصر.
كان أحمد البدوي ذكياً لماحاً، فبعد أن هاجر إلى مصر، عرف أن الأيوبيين الذين يحكمون البلاد يترصدون لكل حركة مضادة لهم، كما أن الإسكندرية – كغيرها من الثغور- كانت موضع مراقبتهم الشديدة احتياطاً لما قد يقع من الصليبيين عليها من غارات. لهذا كله كان البدوي حذراً بعيد النظر، فآثر أن يتخذ طنطا داراً لمقامه الدائم بعيداً عن عيون السلطان وليكون في مكان وسط البلاد (ويقال أن طنطا قد عينت له من قبل العلويين ليتخذها مقراً لنشر دعوته) [راجع كتاب السيد البدوي أو دولة الدراويش في مصر للأستاذ محمد فهمي عبد اللطيف].
وفي طنطا أقام البدوي في سطح ما يسمى بأبي شحيط، وفي هذه الدار كان البدوي يمارس أعمال التصوف من قراءة أوراد ورياضيات وشطحات، ويجتمع بمريديه وأتباعه ويزودهم بتعاليمه ودعوته، ثم يتفرقون في أنحاء البلاد، يحدثون الناس بمناقب السيد وينشرون تعاليمه ويرددون كراماته.(41/41)
وعلى مر الأيام صار البدوي ملء السمع والأفواه، وبهذا تمكن البدوي من أن يصرف أنظار الحاكم عن مركزه كداعية للعلويين. لأنه في الحقيقة لم يكن دجالاً ولا مشعوذاً ولم يكن شخصية خرافية أسطورية. كما صوره أتباعه الدراويش من أنه كان يشرب ماء البحر كله ، ويمد يده فيأتي بالأسرى من وراء البحر.
وغير ذلك من الخرافات والأساطير التي هوّل بها الدراويش للتضليل والتمويه.. ولم يكن البدوي كذلك ملازماً للخلوة بالسطح للاستغراق في الوجد والوجود والحياة والزهد والتعبد والماكشفة - كما تحكي عن ذلك كتب المناقب - لم يكن البدوي حقيقة كذلك. بل كان رجلاً حاذقاً ماهراً لاعباً لأدوار سياسية كبيرة. لهذا كان مكلفاً بوضع نظام دقيق محكم تتمثل في التصوف ليغلف بها نطاق دعوته في كل أنحاء البلاد والأقطار العربية لصالح العلويين.
لكن البدوي وافته منيته قبل أن يستكمل دوره السياسي في عودة العلويين إلى الحكم.
وتعرف الموسوعة العربية الحرة (ويكيبيديا) السيد البدوي بقولها: السيد البدوي هو الشيخ العلوي أحمد أبو العباس بن علي بن إبراهيم بن محمد بن أبي بكر. يرجع نسبه إلى الحسين, ونسبه مثبت على المقصورة النحاسية التي تحيط بضريحه, وتم عملها سنة 1186هـ. (أي ثبتها أتباعه قبل فترة وجيزة من الزمن نسبياً) – الكاتب. وتضيف الموسوعة قائلة: عرف بالبدوي والملثم لملازمته اللثام. ولد في زقاق الحجر بمدينة فاس المغربية سنة 596هـ, من أسرة علوية, في عهد الخليفة الموحدي الناصر محمد (610هـ) . نشأ في بيئة علمية, ثم هاجر مع أبيه إلى مكة سنة 603هـ, وهو ابن سبع سنوات, واستغرقت الرحلة إلى مكة أربع سنوات, واستقر فيها من 607هـ حتى وفاة والده سنة 627هـ.(41/42)
عاد البدوي إلى مصر سنة 637هـ , وقيل 635هـ, بعد رحلة إلى العراق قابل فيها سيدي عبد القادر الجيلاني, وسيد أحمد الرفاعي (وهو من اكبر شيوخ الصوفية في العراق). نزل البدوي بـ "طنطا". ضيفاً على أحد تجارها المياسير وهو الشيخ ركن الدين, تاجر الزيت والعسل والعلف, وذلك في 14 ربيع الأول 637هـ, في عهد السلطان العادل الأيوبي بن الكامل محمد. آثر البدوي الإقامة على سطح منزل ركن الدين ما يقرب من 12 سنة لم يفارقه, لذاك عرف بـ "السطوحي". بعد موت ركن الدين, انتقل البدوي إلى دار ابن شحيط شيخ البلدة, وقضى فيها بقية عمره وهي 26سنة, حيث توفي في 12 ربيع الأول 675هـ .
وتفيد كل كتب التاريخ انه لم توجد طريقة دينية إسلامية أو مسيحية أو يهودية إلا وكانت في الواقع تغطية لمشروع سياسي، وأن بروز الطريقة أو الجماعة ما كان إلا للقيام بتكتيل الناس البسطاء وقيادتهم لتحقيق أهداف مؤسسي الطريقة ، أو الجماعة.
مولد السيد البدوي
بقلم :السفير/ فرانسيس ريتشاردوني ... سفير الولايات المتحدة الأمريكية بالقاهرة
صحيفة السفير العربي 28يوليو 2006
…احتشد أهل القرية في الساحة وتزاحموا لمشاهد الساحر وهو يقوم بألعابه السحرية فيرفع السيدات السمينات في الهواء، ولمتابعة مروضي الأسود ولاعبي الأكروبات، وللنظر إلى البقرة ذات الخمسة أرجل ضمن غابة من المصابيح المضيئة، بينما ارتدى الصبية القرويين "قبعات" ورقية عليها صور لأشهر "المطربين" وراحوا يحدقون في حلوى "غزل البنات" و"عرائس المولد" المعلقة في كل مكان.(41/43)
أما المتدينين فقد تجمعوا في الخيام ليؤدوا الصلاة. وفي النهاية عاد الجميع إلى بيوتهم حاملين ذكريات جميلة عن إحدى عجائب الدنيا المبهرة وجرعة جيدة من الإيمان وحقيبة من الحلوى والمكسرات. هذا المشهد لم يحدث في مدينة "بايبل بيلت" الأمريكية بل في عاصمة محافظة الغربية في وسط الدلتا على بعد مسيرة ساعة بالسيارة من القاهرة. فعلى مدار أكثر من سبعمائة عام، استضافت مدينة طنطا أشهر "موالد" مصر، علماً بأن "الموالد" هي احتفالات بأعياد ميلاد الصالحين. ومعظم هؤلاء الصالحين من المسلمين ولكن بعضهم أيضاً من المسيحيين، وقلة من هؤلاء الصالحين يحظون باحترام وتقدير الجميع.
وفي المسجد الذي تم تشييده بالقرن التاسع عشر في طنطا يقبع مقام من البرونز اللامع تحيطه هالة من الورع وهو مدفن "أحمد البدوي"، الصوفي المغربي الذي جاء إلى هنا بعد ستة قرون من وفاة الرسول محمد. ومع ذلك يعتقد بعض العلماء أن مولد السيد البدوي يرمز إلى تقليد شعبي يرجع إلى عصر الفراعنة كما أن كثير من المسلمين يشككون في القيمة الروحية لهذه "الموالد". ومع ذلك فبالنظر إلى تهافت الكثيرين على التمسك بهذه الاحتفالات الشعبية المصرية، نجد أن رجال الدين والدولة يتقبلونها بل ويشاركون في الابتهاج بها. وسواء كان مولد السيد البدوي يلقى قبولاً أو رفضاً دينياً، فهو بالتأكيد موسم ترفيهي مربح. فهؤلاء الذين ينظرون له كبدعة دينية يصدقها بعض القرويين السذج يشيرون إلى أن المولد يقام وفقاً للتقويم الشمسي القديم وليس وفقاً للتقويم القمري الإسلامي.(41/44)
أما ما يسعد تجار طنطا ولاعبي الأكروبات والحواة فهو أن المولد يأتي كل عام في موسم حصاد القطن، أي عندما تكون جيوب الفلاحين ممتلئة. ويبدأا لناس في التوافد مبكراً، أي قبل ستة أيام من يوم الجمعة الذي هو يوم المولد وفقاً لما تحدده السلطات الدينية والحكومية. ويقول أهل طنطا أن نحو مليوني شخص يتوافدون على مدينتهم وأن نحو أربعمائة ألف من هؤلاء يتوافدون من جميع أنحاء مصر ومن خارجها وينصبون الخيام في الأزقة أو يعسكرون في مسجد السيد البدوي.
وفي ساحة المهرجان في الجهة المقابلة للمدينة ينصب أتباع نحو 30 طريقة صوفية خيامهم. وتحيط الخيام "بالعامود" المزين بالمصابيح حيث يعسكر رواد المولد أو يتبعوا المسيرات طالبين "البركة". وفي الليلة الأولى يرحب شيخ الدائرة المحلية بالزوار ويدعو لهم بدوام الخير طوال العام ويصر على تشريف الأخوة باحتساء الشاي معهم. والزوار في العادة كثيرون لأن هذه ليالي مصالحة حيث يجلس الشيخ ليفصل في النزاعات العائلية والتجارية مشجعاً الجميع على التحلي بروح الكرم اقتداءً بتعليمات الله والرسول. وفي وقت لاحق يقود الشيخ إخوانه في تلاوة القرآن ونظم المديح في مؤسس الطريقة، ويتحلق الرجال في دائرة ويبدأون في التمايل بالنصف العلوي من أجسادهم وهم ينشدون ويدورون بينما تتابع النساء والأطفال المشهد.(41/45)
وخلال الأسبوع، وحتى يوم الخميس "الليلة الكبيرة" يتوافد كبار المشايخ الصوفيين من كل صوب وحدب، ويترقب الأخوة بشوق زيارة الشيخ الأكبر للطرق الصوفية في مصر. أما ذروة المولد فهي عقب صلاة الجمعة حينما يمتطي سليل "السيد" أو "الخليفة" الحصان ليقود الموكب الذي ينطلق من أحد المساجد القديمة المجاورة ماراً بالمدينة حتى يصل إلى المسجد الذي يضم ضريح "السيد" ووورثته الأوائل، وقد يحضر هذه المراسم بعض الشخصيات الرسمية الهامة كوزير الأوقاف والمحافظ نفسه. ويتضمن الموكب خيول وجمال وعازفي الموسيقى من كل نوع وقارعي الدفوف الكبيرة التي صنعها – خصيصاً للمولد - عجوز شهير بمحافظة المنوفية القريبة وهي مصنوعة من جلد الحمير المشدود على اسطوانات خشبية. ثم يأتي الصبية الصغار الذين تمت طهارتهم في أسبوع المولد وهم يرتدون الملابس البيضاء الزاهية. وفي ختام الاحتفال، يدخل "الخليفة" مسجد "السيد" وتغلق الأبواب الضخمة خلفه. ولا يمكن أن يفكر أي مصري في مغادرة المولد بدون "حمّص" بل إن هناك مثلاً شعبياً يستخدم هذا التعبير كناية عمن يفشل في الحصول على أدنى قدر من الاستفادة من مشروع ما.
ويقول أهل طنطا أن نصف الحمص الذي يتم استهلاكه في الجمهورية يباع هنا أثناء المولد. كذلك يشهد هذا الموسم بيع أطنان من الحلوى و"السمسمية" التي تباع أشهر أنواعها لدى محل "مرزوق" بالقرب من وسط ميدان "الساعة"، كذلك يشتهر المولد بالفطير البلدي الذي يُقدّم مع الزبدة والعسل. لا يحظى مولد السيد البدوي بدعاية لجذب السائحين الغربيين الذين نادراً ما يتواجدون في هذا الحدث.(41/46)
قد يكون مشهد التزاحم الشديد مهيباً لكن الحقيقة أن هذه الاحتفالية التي تسودها روح العائلة تحمل في جوهرها روح الترفيه النقي لا التعصب، فهؤلاء المشاركون في الاحتفال ليسوا متعصبين بل مصريين لا يرون ضرراً في السعي لبركة الله. وأحياناً تشاهد سيدات غربيات يرتدين ملابس ملائمة وفي صحبة بعض الرجال بدون أن يواجهن أي مشاكل، ولكن الأطفال الصغار قد يتعرضون لبعض المخاطر نظراً لتزاحم البشر، أما السيارات فهي تصلح فقط للوصول إلى وسط طنطا ولا يمكنها الوصول بسهولة إلى منطقة الاحتفال بالمولد أو المسجد خاصةً في الليالي المزدحمة. ولحسن الحظ، فإن موقع محطة القطار على خط القاهرة-الإسكندرية مناسب للوصول إلى كلا الموقعين. وما لم يكن الزائر ضيفاً على أحد أهالي طنطا فمن الأفضل أن يذهب إلى طنطا – من القاهرة أو الإسكندرية – في وقت الغروب خلال نصف الأسبوع حيث لا يكون الزحام شديداً وأن يبقى هناك طوال الليل كيفما شاء، وأن يعود مرة أخرى؛ بعد قسط من الراحة؛ للمشاركة في موكب يوم الجمعة.
إيران الداخل والثالوث القاتل
الوطن العربي – 1/11/2006
على الرغم من أن إيران تعتبر من ضمن الدول المنتعشة اقتصاديا نظرا للثروة النفطية الضخمة التي تدر على خزانتها حوالي مائة مليون دولار يومياً بجانب التطور الكبير في الزراعة والصناعات التقليدية. إلا أن هناك العديد من الظواهر السيئة غير المفهومة مازالت تسيطر على البلاد بدءاً من الفقر والبطالة، مروراً بانتشار الإدمان والدعارة والإصابة بمرض الإيدز، وانتهاء بانتشار حالات الانتحار.
ويرى بعض المراقبين أن الحروب التي مرت على الشعب الإيراني كان لها عميق الأثر بوجود مثل هذه الظواهر. وفي هذا التقرير نقترب أكثر من الوجه الآخر لإيران من الداخل:
انتشار المخدرات:(41/47)
حسب ما ورد في تقرير المخدرات الدولي للأمم المتحدة الخاص بالدول الأكثر استهلاكاً للمخدرات لعام 2005 أن إيران الدولة الأولى عالميا إدمانا للمخدرات، بعد أن وصلت نسبة الإدمان في البلاد إلى 2.8% من سكانها البالغين الذين يزيد أعمارهم على 15 سنة. وعلى الرغم من أن الأفيون يعتبر من أهم المواد المخدرة التي تلقي رواجاً كبيراً داخل إيران لدرجة أن المحللين الحكوميين النافذين يشيرون إلى أنه يجب على الدولة دراسة زراعة الأفيون، إلا أن الهيروين أيضا يحتل مكانة كبيرة وسط هذه المواد وذلك نظراً لرخص الثمن (55%). وإذا كان البعض يرى أن السبب في ذلك هو قرب إيران من مراكز زراعة الأفيون في أفغانستان، إلا أن هناك تساؤلات حول سبب هذا الانتشار الرهيب لهذه الظاهرة التي تعتبر سلوكا متأصلا في الحضارة الإيرانية القديمة.
ويرجع البعض السبب الأساسي في انتشارها إلى البطالة. وقد أظهر استطلاع للرأي العام أجرته الحكومة أن 80% من الإيرانيين يربطون ربطاً مباشراً ما بين البطالة وإدمان المخدرات بعد فشل الحكومة الإيرانية دائما في خلق مليون وظيفة جديدة لاستيعاب القوى العاملة الجديدة. والجدير بالذكر أنه بعد الثورة الإيرانية العام 1979 تعاملت الحكومة بصرامة مع قضية المخدرات، وامتلأت السجون بالمدمنين.
وعلى الرغم من ذلك فإن الحكومة الإيرانية اتبعت سياسة متحررة في علاج الإدمان، حيث تدعم الإبر ومراكز الميثادون. كما أنها تمول جهودا ناشطة لوقف الأفيون عن طريق التهريب للبلاد. ففي العقد الماضي قتل آلاف من الجنود الإيرانيين ورجال الشرطة في معارك مع المهربين، معظمهم على الحدود أفغانستان وباكستان.
وبالرغم من كل ذلك فإن المخدرات تبقى منتشرة حيث يصف العديد من الإيرانيين مدى توافرها بأنها "مؤامرة حكومية". ولهذه الأسباب يرى بعض الشباب الإيرانيين أن المخدرات هي المخرج الوحيد حالياً للهروب من الملل والكآبة الناجمين عن البطالة.(41/48)
ويُعتبر الملل بالنسبة للكثيرين في إيران من واقع الحياة اليومية على الرغم من تخفيف حدة القيود المفروضة على الزي الإسلامي خلال السنوات الثلاث الأخيرة، فلا يوجد الكثير مما يمكن أن يساعد على كسر الملل والرتابة، حتى في مدينة يبلغ تعداد سكانها 10 ملايين نسمة مثل طهران التي يخيم على شوارعها صمت صارخ خلال عطلة نهاية الأسبوع. كما يرى مراقبون أن انتشار هذه الحالة من الاكتئاب إنما يرجع إلى زيادة عدد الوفيات في مطلع الثورة الإيرانية.
هذه الحقبة الزمنية التي شهدت العدد من الحروب الداخلية والخارجية التي راح ضحيتها الكثير. كما أن هناك دوراً في هذه الظاهرة يعود إلى نسبة الفقر المرتفعة السائدة في البلاد فبعض الإحصاءات تشير إلى أن هناك أكثر من عشرة ملايين مواطن إيراني يعيشون تحت خط الفقر، وأن هناك ستمائة ألف مواطن يدخلون السجن سنويا لنفس السبب.
انتحار الشباب:
أما بشأن أرقام حالات الانتحار فقد أظهرت إحصائية أعدتها منظمة الإدارة والتخطيط الإيرانية أن عدد المنتحرين بلغ في العام الماضي 5300 شخص منهم 1841 رجلاً 3459 امرأة، وقد أكدت إحصائية لوزارة الصحة أن معدل عدد المنتحرين يوميا بلغ أربعة عشر شخصا وأن أعمار أغلب المنتحرين لا تتجاوز سن التاسعة والعشرين عاما.
وما يزيد من ألم هذه المأساة أنه وفي اليوم الثاني عشر من أبريل "نيسان" الماضي. وهو ذات اليوم الذي أعلن فيه الرئيس أحمدي نجاد انضمام بلاده إلى النادي النووي، كانت وسائل الإعلام الإيرانية قد نشرت خبرا مؤلما للغاية وهو انتحار عائلة بأكملها في مدينة تبريز عاصمة محافظة أذربيجان. وقد بين التقرير الذي أعدته الشرطة القضائية أن الفقر المدقع كان السبب وراء إقدام رب العائلة على قتل زوجته وأبنائه الستة قبل أن ينتحر.
انتشار الدعارة:(41/49)
وجع آخر في قلب العاصمة طهران يتمثل في انتشار الدعارة بشكل خطير يدعو إلى وقفة، فقد أوردت بعض التقارير أيضا أن إحدى المدن الإيرانية على سبيل المثال يصل عدد بائعات الهوى فيها إلى عشرين ألفا. وهناك المئات من السماسرة يزاولون عملهم بالهواتف الجوالة في المدينة.
والعاصمة طهران نفسها أصبحت تحوي بين أحيائها العريقة المئات من بيوت المتعة السرية مما استهوى أحد التيارات اليسارية بإعادة عرض فكرة إنشاء "بيوت العفة" بالنظر لأنه السبيل لإغلاق البيوت السرية، والقضاء على ظاهرة الدعارة بشكل نهائي، وقد أرجع البعض هذه الظاهرة إلى القيود الاجتماعية والاقتصادية التي فرضتها الثورة الإيرانية على المرأة. أما الكارثة التي ألقت بظلالها كنتيجة لانتشار هذه العادات السيئة فهي انتشار معدل الإصابة بمرض الإيدز، وعلى الرغم من أن النظام الإيراني يحاول تحسين مستوى المعيشة للحد من هذه الخطورة، إلا أن الوضع الحالي يؤكد أن السياسة الخارجية لطهران مازالت تؤثر بالسلب على الحياة الاقتصادية والاجتماعية داخل البلاد.
إيران .. هل تصلح الشعارات ما أفسدته السياسات
صباح الموسوي – مجلة المجلة 29/10/2006
المأساة التي يحاول قادة نظام الجمهورية - الإسلامية - التغطية عليها بشعارات الموت لأمريكا والموت لإسرائيل وغيرها من الشعارات التي لا هدف لا سوى التغطية على عمق الأزمة التي تمر بها الشعوب الإيرانية. ولكن هل تصلح هذه الشعارات ما أفسده الدهر؟(41/50)
في جمهورية إيران – الإسلامية - الحياة قائمة فيها على الشعارات، ومن يصح أكثر يعيش أفضل، هذا هو المبدأ. فتحت ظل هذا الصياح استطاعت طهران أن تبقى الاعتقاد سائد لدى الكثير أن إيران هي أم القرى كما سماها الخميني يوماً (مقارنة بمكة المكرمة) والسبب في ذلك اعتقاد هؤلاء أن الأوضاع والشعارات التي رافقت بداية انتصار الثورة وقيام نظام الحكم الحالي لا تزال كما هي، غير مدركين حجم المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي مرت بها خلال السبعة والعشرين عاما الماضية والتي جعلتها تحتل المرتبة الأولى من حيث عدد المدمنين على المخدرات. فحسب التقرير الأخير للأمم المتحدة. فإن من بين 220 مليون مدمن في العالم بينهم تسعة إلى اثني عشر مليون مدمن على الأفيون والهروين، أكثر من مليوني شخص منهم في إيران وحدها. كما أن إيران هي الأولى من بين الدول التي تمتلك العديد من الأجهزة المخابراتية والشرطة السرية والمليشيات القمعية التي لا تخضع لقانون المحاسبة والرقابة الحكومية.
ويجهل المدافعون عن إيران أن عدد الأطفال المشردين الذين يعيشون بدون مأوى في شوارع طهران وحدها يعادل عدد أطفال الشوارع في دول أمريكا اللاتينية الأشد فقراً، كما يجهل هؤلاء المؤيدون أيضا أن أكبر عدد من الصحافيين السجناء في العالم هم في إيران. هذا ناهيك عن سياسات الاضطهاد القومي والمذهبي التي تمارس ضد أبناء القوميات والشعوب غير الفارسية والتي من الممكن أن تجعل هؤلاء المضطهدين قنبلة موقوتة لا يعلم أحد متى تنفجر بوجه النظام الإيراني محولة إيران إلى إيرانستان.(41/51)
هذا فضلا عن العديد من الحقائق الأخرى التي تغيب عن أذهان أنصار النظام الإيراني بسبب الشعارات الصياحية التي يرددها قادة النظام. الكثير من هؤلاء المدافعين عن إيران بدعوى أنها جمهورية إسلامية، لا علم لهم بوقائع الحياة السياسة والاجتماعية في هذا البلد. تلك الوقائع المخزية التي تحدثت عنها شخصيات دينية ووثقتها مراكز دراسات إيرانية عديدة خلال السنوات العشرة الأخيرة ومن بينها أوضاع المساجد التي أصبحت مهجورة في ظل نظام الجمهورية الإسلامية بعد ما كانت إبان الثورة عبارة عن مراكز ومنتديات تدور فيها حلقات النقاش وتوضع فيها الخطط لرسم سياسات الثوار ومنها تنطلق المظاهرات، حيث كان المسجد أشبه بخلية نحل وكانت أبوابها مفتوحة على مدار الساعة لا تخلو من الرواد والعباد أبدا.
وهذه الصورة لا تزال محفورة بذاكرة الجيل الذي عاش تلك المرحلة غير أنه وبعد سبعة وعشرين عام من قيام الجمهورية - الإسلامية - فإن 70 في المائة من المساجد في إيران لا تقام فيها صلاة الصبح.
وهذا ما أكده الشيخ محسن كديور، أحد أبرز رجال الدين المثقفين في إيران، خلال خطبة صلاة عيد الفطر العام الماضي التي ألقاها في إحدى الثانويات الصناعية في طهران بعد أن عجز هو وأنصاره من تيار الوطني - الإسلامي في الحصول على مسجد واحد تفتح أبوابه لإقامة صلاة العيد، الأمر الذي جعل كديور يكرس خطبة العيد عن أوضاع المساجد في إيران وموضوع الشعارات السياسة التي مازال قادة النظام يطلقونها ومنها تلك الداعية إلى (محو إسرائيل) وغيرها من الشعارات الاستهلاكية الأخرى، متسائلا في ذات الوقت عما إذا كان الفلسطينيون موافقين على هذا الشعارات الإيرانية أم لا؟.(41/52)
وقد تحدث الشيخ محسن كديور وهو المجتهد والمثقف الإصلاحي البارز، بحرقة عن هذه الحالة حيث أكد أن الأرقام الرسمية أظهرت أن 70 في المائة من المساجد لا تفتح أبوابها لصلاة الصبح، وأن الكثير من المساجد أيضاً لا قام فيها الصلوات الأخرى بشكل منتظم، مضيفاً أن المساجد تخضع لسلطة مكتب مرشد الثورة علي خامنئي بحيث أصبح من العسير على من هو ليس في الخط الرسمي لتوجهات هذا المكتب أن يحصل على مسجد لإقامة صلاة الجماعة أو العيد. مذكراً بعهد ما قبل الثورة حيث إنه وعلى الرغم من الاضطهاد والاختناق الديني والسياسي الذي كان سائداً آنذاك فقد كان من السهل الحصول على جامع مستقل عن سياسة وهيمنة الحكومة، أم اليوم فإن ذلك من المستحيل حيث لا يمكن العثور على مسجد واحد يقع خارج هيمنة السلطات الحكومية. ومضى كديور متسائلاً: هل زادت الحرية الدينية في عهد الجمهورية الإسلامية أم نقصت عما كانت عليه؟ ويخاطب قادة النظام قائلا: لكوننا لا نفكر مثلكم فهل هذا يحرمنا من حقنا القول إننا إيرانيون ومسلمون شيعة وواحدة من حقوقنا الدينية أن يكون لنا مسجد بعيد عن هيمنة الحكومة؟.
أليس من شريعة حقوق الإنسان حرية العبادة التي تستلزم حرية المعبد، بمعنى أن يكون المسجد خارجا عن سلطة مكتب مرشد الثورة، فهل الصلاة توجب الإخلال في نظام الدولة حتى تغلق الجوامع في وجه المصلين ولا يتم فتحها إلا بأمر من مكتب المرشد؟.(41/53)
وتعليقاً على شعارات (محو إسرائيل) التي أطلقها الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد قال الشيخ كديور: إننا بالإضافة إلى إدانة الإرهاب وعلى رأسه إرهاب الدولة الذي تماسه إسرائيل، فإننا من جانب آخر نتساءل، هل باستطاعتنا من خلال الشعارات الراديكالية والتصريحات المتطرفة وحدها الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني؟. إن هذا الأمر يحتاج إلى الحنكة الدبلوماسية والعمل الثقافي فلو كانت صحافتنا حرة وإمكانية النقد للمواقف الراديكالية متوافرة لتبين لنا إن كانت هذه الشعارات في صالح الشعب الفلسطيني أم بضرره؟. كما أنه علينا عندما نقول كلاما أن يكون متوافقا مع مطالب الشعب الفلسطيني والمنظمات الفلسطينية.
طبيعي أن كلام الشيخ كديور لا يشكل كامل حقيقة الحالة في إيران اليوم، على الأقل من الناحية الاجتماعية والدينية، حيث إن هذه الأمور بلغت في عهد الجمهورية - الإسلامية - مرحلة من الانحطاط لدرجة باتت أغلب مراكز الدراسات مهتمة بالحالة الاجتماعية واضعة جملة من الحقائق بين يدي القراء والمشاهدين من خلال الأفلام والدراسات الوثائقية التي تقدمها.
وكان آخر ما قدم من هذه الدراسات فيلمين وثائقيين أحدهما بعنوان (كركدن) المتعة أم اللواط أيهما يسبق الأخر في إيران؟. هذا الفيلم مدته 107 دقائق وهو من إخراج (هوتن شيرازي) ويتحدث عن حالة الأطفال المشردين في إيران وكيف يتم استغلالهم بصورة بشعة من قبل عصابات المافيا التي يديرها مسؤولين كبار في نظام طهران. وقد عرض هذا الفيلم مؤخرا في مهرجان أقيم في مدينة غوتنبرغ السويدية، أما الفيلم الأخر والذي عرض على شاشة أحد التلفزيونات السويدية في الشهر المنصرم وكانت مدته 57 دقيقة يسلط الضوء على عمليات بيع (الكلى) التي قوم بها الفقراء الإيرانيون.(41/54)
وهذا هو واحد من عشرات أو ربما مئات الدراسات الوثائقية التي تصدر سنويا والتي تتحدث عن عمق المأساة الاجتماعية في إيران. هذه المأساة التي يحاول قادة نظام الجمهورية ـ الإسلامية ـ التغطية عليها بشعارات الموت لأمريكا والموت لإسرائيل وغيرها من الشعارات التي لا هدف لها سوى التغطية على عمق الأزمة التي تمر بها الشعوب الإيرانية. ولكن هل تصلح هذه الشعارات ما أفسده الدهر؟.
الأمين العام للشيعة الجعفرية:
إن إيران متورطة بإشعال الحرب الأهلية في العراق
الشرق الأوسط 28/10/2006
حذر رضا الرضا الأمين العام للهيئة العراقية للشيعة الجعفرية، من أن «إيران جندت قدراتها البشرية والعسكرية من اجل إشعال نار الفتنة الداخلية في العراق، كي تغرق أميركا في مشاكل ومضاعفات حرب أهلية متواصلة لاستنزاف جهودها وتعجيزها وإبعادها عن المنطقة لتحقق أهدافها بسهولة في بلدنا وفي المنطقة». وأضاف الرضا «بالنتيجة أخذنا نرى اليوم أن القيادة الإيرانية أخذت مع المتعاونين معهم في جنوب العراق لتهيئة شعبنا نفسياً، ليفرضوا عليهم كارثة إشعال الحرب الأهلية تمهيداً لانسلاخ جنوبه، وذلك بجعل الأمور تتحرك على أرض الواقع العراقي بشكل هلامي وغامض ومخيف من خلال (عملائها) في العراق وتسعير نار الطائفية الكريهة والتعصب العرقي وانتهاج نظام التقسيم الطائفي والعرقي وانتهاك أماكن العبادة، وحرقها وتدميرها، وتصعيد حدة عمليات الثأر والانتقام والقتل على الهوية من قبل ميليشياتها الإرهابية والفجائع اليومية التي قامت بطحن مناطق الوسط والجنوب، وحولت العاصمة بغداد إلى مسرح حقيقي لحرب قذرة في الآونة الأخيرة بشكل لم يسبق له مثيل».(41/55)
وقدم الأمين العام للهيئة العراقية للشيعة الجعفرية مقترحات لحل الأزمة العراقية، ومنها «التنسيق بين القوى العراقية الوطنية والمقاومة الوطنية المسلحة لتنظيف البلاد من شرور الإرهابيين و(الصفويين) والقيام بعزل حقيقي لمن هو إرهابي أو صفوي قد تسلل لخراب البلاد، وقف كافة العمليات التي تستهدف قوات الاحتلال والدخول في مرحلة جديدة تبدأ صفحاتها بفتح باب الحوار والتفاوض مع المحتل بروح إيجابية لعودة السيادة للعراقيين ثم الانسحاب الكامل من المدن العراقية لاسيما العاصمة بغداد، والعمل على إلغاء مجلس النواب الصوري وحكومة المالكي وتشكيل حكومة إنقاذ وطني، وحل الميليشيات وتدمير جحور الإرهاب، ووضع ملف التغلغل الإيراني في العراق في مقدمة أجندته، واعتراف حزب الدعوة بعروبة الوسط والجنوب وعدم تبعيته لإيران، يمكن أن يعطي الاطمئنان للأوساط الوطنية العراقية وتحيّد السنة وشعبنا الكردي في كردستان العراق والطائفة الجعفرية وبقية مكونات العراق في صراع أميركا مع إيران كما كانت أميركا تسعى إليه». وعرف الرضا الهيئة العراقية للشيعة الجعفرية، قائلا إنها «تُجَسِّد إطاراً سياسياً، اجتماعياً، ثقافياً. وهي هيئة عراقية وطنية تعمل على بلورة تيار يمثل الطائفة الجعفرية من العراقيين. هدفها الأساس هو العمل على كل ما يحفظ حقوق أبناء هذه الطائفة في العراق، وبكل ما يتعلق بمستقبلها بوصفها المكون الرئيس من بين مكونات المجتمع العراقي.(41/56)
وهي تهدف إلى تشكيل تيار سياسي جعفري وطني قوي يساهم في بناء الدولة العراقية، وينهل من تعاليم وقيم وأحكام الدين الإسلامي الحنيف وأئمة أهل البيت بوصفها مرجعاً دينياً وتاريخياً يدعم قيام فكر سياسي شيعي جعفري معاصر مخالف لكل توجه طائفي». وأكد أن «الطائفة الجعفرية في العراق هي عراقية وطنية الانتماء عربية الثقافة ولا ترتبط مع أي طوائف جعفرية خارج العراق بأي ارتباط سياسي أو تنظيمي، ويجب أن لا يستغل المذهب الجعفري كوسيلة للتدخل في الشؤون الداخلية للدول التي ينتمون إليها كمواطنين». [لكن الواقع على الأرض كما يقر بذلك الرضا عكس ذلك وهو تبعية كاملة من غالبية الشيعة الجعفرية لإيران!! الراصد].
خفايا حرب "التمساح والثعلب" على رئاسة مجلس الخبراء
الوطن العربي - 25/10/2006
هل هناك استراتيجية أميركية جديدة في العراق والمنطقة؟ مع دخول جيمس بيكر "وفريق دراسة العراق" المؤلف من الحزبين الديمقراطي والجمهوري على خط تقديم النصائح للبيت الأبيض حول الطريقة الفضلى للخروج من المستنقع العراقي تعززت قناعة المراقبين بأن نتائج الانتخابات النصفية الأميركية في السابع من نوفمبر "تشرين الثاني" ستظهر في العراق والشرق الأوسط قبل ظهورها في الداخل، والواقع أن هذه الانتخابات حملت قبل أسابيع من حصولها عنواناً واحداً هو العراق ومستقبل الاحتلال الأميركي لهذا البلد وبالتالي مستقبل مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يحرص بوش على التغني به منذ أكثر من ثلاث سنوات متفاديا الإشارة إلى حجم وفداحة المشكلة التي تورط بها أو بالأحرى ورط بلاده وجيشه فيها، وراحت تنعكس سلبا على مجمل السياسة الخارجية الأميركية وتحديدا كيفية مواجهة أزمة البرنامج النووي الإيراني وقدرات الدولة الكبرى الوحيدة في العالم على مواجهة التحدي الإيراني لها الذي ظهر حتى الآن في العراق وفلسطين ولبنان ومرشح للامتداد في الفترة المقبلة إلى أكثر من دولة خليجية!(41/57)
منذ ما قبل انفجار حرب يوليو "تموز" في لبنان كانت التقارير الاستخبارية تشير إلى إعداد مخطط إيراني للتدخل في انتخابات الكونغرس واستغلال المناسبة لرفع حجم ومستوى المواجهة المعلنة بين البلدين لتحسين أوراق طهران في معادلة المفاوضات حول النووي وشروطها لاحتلال دور إقليمي مميز، وتكشف آخر المعلومات أن إيران نجحت بعد حرب لبنان في فرض موقعها الإقليمي كأمر واقع واستأنفت تنفيذ خطتها في العراق.
واستنادا إلى غالبية التقارير يبدو أن واشنطن تحمل طهران وعملاءها في العراق مسؤولية الحصيلة الدموية جدا لشهر أكتوبر "تشرين الأول" وتعتبر أن مقتل سبعين جندياً أميركيا خلال ثلاثة أسابيع لا يعود إلى المقاومة العراقية "السنية" بقدر ما يعود إلى الميليشيات الشيعية العاملة بتمويل وتسليح إيراني وتحديداً قوات جيش المهدي. واللافت أن التقارير تتوقع استمرار التصعيد في العمليات ضد الأميركيين في العراق وتحذر من توسع المواجهة غير المباشرة إلى ما بعد العراق وما بعد انتخابات الكونغرس.
ويبدو أن ثمة موعد انتخابات أخرى مرشحا ليكون مناسبة أخرى لـ "الحرب الأميركية - الإيرانية" وهو موعد انتخابات مجلس الخبراء في إيران المقررة في الخامس عشر من ديسمبر "كانون الأول". فكما تراهن إيران وتخطط لهزيمة بوش في انتخابات الكونغرس، هناك في المقابل من يراهن ويخطط في كواليس الإدارة الأميركية وتيار المحافظين الجدد لاستغلال مناسبة انتخابات مجلس الخبراء لتمهيد الطريق لخطة تغيير النظام من الداخل والسعي لتفجير صراع الأجنحة بين الملالي واستهداف المرشد علي خامنئي إذا أمكن.(41/58)
وفي معلومات "الوطن العربي" أن واشنطن تتعامل مع انتخابات مجلس الخبراء على أنها مؤهلة لتكون انتخابات مصيرية من شأن نتائجها أن تلعب دورا حاسما في الصراع على البرنامج النووي الإيراني وعلى النفوذ والهيمنة بين البلدين ويمكنها أن "تنقذ" البيت الأبيض من الخيار الصعب الذي قد لا يجد مفرا منه في النهاية وهو شن الحرب العسكرية ضد إيران واللجوء إلى الخيار النووي لحسمها.
وأهمية الانتخابات المنتظرة في طهران بموازاة انتخابات بلدية في منتصف ديسمبر "كانون الأول" هي في كون مجلس الخبراء هو المؤسسة أو السلطة الإيرانية الوحيدة القادرة شرعاً على إطاحة مرشد الجمهورية الولي الفقيه عبر إقالته لأسباب مختلفة صحية أو أخلاقية أو سياسية وإعلان عدم كفاءته للاستمرار في قيادة الجمهورية الإسلامية، والمجلس الحالي الذي يرأسه آية الله مشكيني "ويقال إنه يعاني من مرض عضال" يسيطر عليه تيار المتشددين المؤيد لخامنئي وللرئيس أحمدي نجاد.
ويبدو حسب التجارب الانتخابية الإيرانية السابقة أن قلب المعادلة وموازين القوى في مجلس الخبراء للإتيان بمجلس يسمح لنفسه بإقالة المرشد عملية صعبة جداً لسب بسيط وهو أن قبول المرشحين يتطلب موافقة مسبقة على ترشيحهم من مجلس الحرس الثوري الذي يهيمن عليه المتشددون والمرشد، إضافة إلى اشتراط أن يكون المرشح من الفقهاء وأن ينجح في الاختبار الفقهي، وعلى الرغم من ذلك تحولت انتخابات مجلس الخبراء فجأة إلى أهم حدث إيراني بحيث غطت على كل أخبار المفاوضات والعقوبات المتعلقة بالبرنامج النووي.(41/59)
وفي آخر المعلومات أن عدد المرشحين وكلهم من رجال الدين وصل إلى أكثر من 500 شخص مما ينذر بمعركة لا سابق لها في انتخابات هذا المجلس الذي يضم 86 عضواً ولا يثير عادة انتخابهم أو اجتماعاتهم أي اهتمام شعبي، وفي قناعة المراقبين أن هذه الانتخابات ستشهد أكثر من حرب إذ ستكون فرصة لحرب انتقام يشنها الإصلاحيون والمعتدلون ضد المتشددين وهؤلاء سيستغلون المناسبة لفرض التيار الأكثر تشددا بين المحافظين.
التمساح والثعلب:
أما العنوان الأبرز لهذه الحرب الانتخابية فقد بدأ يحمل منذ الآن شعار "الحرب بين التمساح والثعلب" وهو شعار طغى على الشعارات الأخرى التي تجعل من انتخابات مجلس الخبراء انتخابات شبه حاسمة بين الإصلاحيين البراجماتيين والتيار المتشدد عبر هذا الصراع بين "التمساح والثعلب". والطرف الأول هو آية الله محمد تقي مصباح اليزدي الذي يعتبر زعيم التيار المتشدد وهو الأب الروحي والمرجع للرئيس أحمدي نجاد. وثمة من يطلق على اليزدي لقب "مرشد المرشد" نظرا لما يعرف عنه نفوذ لدى آية الله علي خامنئي.
ويرأس مصباح اليزدي معهد الإمام الخميني للبحوث والتربية في مدينة قم، كما يشرف على حوزة تحولت إلى مدرسة لتخريج أكثر رجال الدين وغير رجال الدين تشدداً في إيران ويعتبر الزعيم الروحي لمجموعة "الحجتية". وقد لعب اليزدي الملقب لدى مناوئيه بـ "التمساح يزدي" دوراُ مهما في وصول أحمدي نجاد إلى الرئاسة نظراً لتأثيره على المرشد إلى حد إقناعه برفع الدعم عن هاشمي رافسنجاني منافس نجاد في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، ويقال إن حكومة نجاد تضم العديد من جماعة اليزدي والحجتية، إضافة إلى مجموعة الحرس الثوري.(41/60)
وفي الجانب الآخر كان رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام الحالي والرئيس السابق أكبر هاشمي رافسنجاني أول من أعلن ترشيحه لانتخابات المجلس في مواجهة اليزدي منافسه وعدوه اللدود. ويختلف خصوم رافسنجاني على وصفه بين "الثعلب" و"الموت" نظر لدهائه الساسي وإقباله على الأعمال والصفقات التجارية الواسعة، واللافت أن رفسنجاني المعروف ببراجماتيته يعتبر أيضا الشخص الثاني في النظام بعد خامنئي وهذا ما يضفي على المنافسة بينه وبين اليزدي المقرب جدا بدوره من المرشد طابع المعركة، والواقع أن ثمة حربا تنافسية مفتوحة بين الرجلين بحيث يحرص دائما أنصار اليزدي على اتهام رافسنجاني وجماعته بالخروج عن القيم الحقيقية للإسلام والابتعاد عن خط الإمام وبأنهم من الملالي ذوي الثروات الفادحة وأبطال الفساد ولا علاقة لهم بالشعب الذي يمثله الرئيس نجاد خير تمثيل.
أما رافسنجاني الذي يعرف أن اليزدي غريمه الأكبر في الانتخابات وفي مكتب المرشد فقد بدأ مؤخرا بتصعيد حملته ضد زعيم التيار المتشدد والمجموعة الحاكمة أو المسيطرة على السلطة من الرئيس نجاد إلى الحرس الثوري. ورد الرئيس السابق على اتهامه بالخروج عن خط الإمام الخميني والثورة بنفي أن يكون اليزدي من ملالي الثورة والقول إنه لا يذكر أبداً أن الرجل كان مع الثورة في بدايتها أو في دائرة الإمام الخميني الذي كان رافسنجاني مقرباً منه. وأضاف: بل أذكر أن مصباح اليزدي كان ضد الثورة ... ملمحاً إلى أن الخميني قد منع الحجتية وأن اليزدي كان في وقت من الأوقات يدعو إلى فصل الدين عن السياسة وإلى معارضة إقامة جمهورية إسلامية قبل عودة الإمام الغائب.(41/61)