ويوماً بعد آخر نجد السيد وقد وجه اهتماماته نحو الأدنى فالأدنى، فنراه يفتي للموظفين بعدم قبول الرشوة!! وكأننا كنا منتظرين لفتوى السيد حتى نعلم أن الرشوة حرام؟!!، ونجده يفتي لرجال المرور وكأن السيد حقق إنجازاً تاريخياً بقوله إن مخالفة أنظمة المرور تؤدي إلى حصول حوادث وإراقة الدماء؟!! ولا ندري فربما بعد أيام يفتي للأطفال وصغار السن (كأن يحذرهم من رؤية أفلام كرتون توم وجيري مثلاً لأنها تحرض على العنف والتآمر وهو أمر لا يخدم العراق في مرحلته الحالية لأنه يؤثر على العلاقة مع القوات المحتلة (عفواً المتعددة الجنسيات والصديقة!!).
والمصيبة أن السيد ربما يوجه الاهتمام نحو الإفتاء بخصوص الطعام والأصناف المستحب تناولها والمباركة من قبل المرجعية، وحينها ماذا سنفعل إن كان السيد لا يحب أكل البيض مثلاً، أو أنه نباتي الطبع فلا يأكل اللحوم أو أنه يحرم وجود المقبلات على المائدة!!!
إن الشعب العراقي اليوم وقد أثخنته جراح المحتلين وأتباعه الطائفيين ـ ممن تسنموا سدة الحكم وأمعنوا قتلاً وتعذيباً بأهلنا ـ بحاجة إلى مرجعية عراقية وطنية أصيلة تقف إلى جانبه وتدافع عنه بصدق، تعمل بكل جهدها على طرد المحتل كما كان الأسلاف، لا أن تتواطأ معه وتسهل له نهب البلاد وقتل العباد وتضرب مقاومة الشعب الوطنية من الخلف غدراً!!
ثم أن تكون المرجعية خير حارس للوطن، لا أن تسهل فتح الحدود مشرعة للغزو الصفوي الفارسي ليهيمن على البلد وينفذ مشروعه الطائفي التفتيتي على مرأى وتشجيع من قبل المراجع الكرام وقد نلتمس لهم العذر، فالأصل غلاب كما يقولون!!
نحن بحاجة لمرجعية تتكلم كل حين بحقوق الوطن، لا تسكت لحظة عن حق مغتصب أو مظلمة نالت الأهل والشعب.. لا أن تصمت دهراً وتنطق كفراً (عفواً) تنطق فتاوى عن أنظمة المرور وحوادث السير في الشوارع.
المُحافظون في? ?إيران? ?يهزون أحد أهم أسس النظام الاسلامي(32/87)
أحمد الكاتب جريدة الوطن البحرينية 18/2/2006
منذ قيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية قبل أكثر من ربع قرن،? ?كان? ?يتجاذبها اتجاهان رئيسيان،? ?أحدهما باتجاه الديمقراطية وحكم الشعب،? ?والآخر باتجاه الثيوقراطية وحكم رجال الدين،? ?وقد استطاع مؤسسو النظام الراهن الجمع بين الاتجاهين بإخراج الدستور الحالي? ?الذي? ?جمع بين ولاية الفقهاء والنظام الديمقراطي? ?نوعاً? ?ما،? ?ولو أنه أعطى رجال الدين هيمنة أكبر على النظام?. ?ومنذ ذلك الحين كان كل اتجاه? ?يحاول جرّ? ?البلاد صوب ما? ?يراه،? ?فكان رجال الدين،? ?أو بالأحرى المتشددون منهم،? ?يحاولون تقليص المساحة الديمقراطية،? ?وتشديد قبضتهم على كل الأمور،? ?بينما كان الاصلاحيون،? ?وعلى رأسهم رجال دين منفتحون،? ?يحاولون توسيع رقعة الديمقراطية وحكم الشعب،? ?وتقليص هيمنة ولاية الفقيه?.?
? ?وقد مثلت حكومة الرئيس السابق محمد خاتمي،? ?الاتجاه الثاني،? ?بينما تمثل الاتجاه الأول،? ?حكومة الرئيس الحالي? ?محمود أحمدي? ?نجاد،? ?الذي? ?يتحالف مع رجل الدين المحافظ البارز مصباح? ?يزدي?.?
وفي? ?الأيام القليلة الماضية قام أحد رجال هذا التيار،? ?هو الشيخ محسن? ?غرويان،? ?أستاذ الحوزة العلمية في? ?قم،? ?وأحد تلامذة زعيم التيار المحافظ الشيخ مصباح? ?يزدي،? ?بتفجير قنبلة فكرية سياسية هزت أساس النظام الجمهوري? ?الإسلامي? ?في? ?إيران،? ?عندما قال?:'' ?إنّ? ?الإمام الخميني? ?لم? ?يكن? ?يؤمن بقيام الحكومة الإسلامية على رأي? ?الشعب?. ?وإنّه لم? ?يكن? ?يؤمن بالجمهورية،? ?وإنما بالحكومة الإسلامية فقط?.''?
? ?وهذا ما أثار ضده عاصفة من النقد والاستنكار من قبل الإصلاحيين وشريحة واسعة من رجال الدين،? ?لم تتوقف عنده،? ?وإنّما تعدته إلى أستاذه مصباح? ?يزدي? ?الذي? ?يحضر لخوض انتخابات مجلس الخبراء الذي? ?يأخذ بعهدته تعيين المرشد ومراقبته ومحاسبته?.?(32/88)
فقال النائب محمد تقي? ?همداني?:'' ?إنّ? ?تصريح? ?غرويان فهم خاطيء لأصول وأفكار الإمام الخميني?. ?إذ أن كل ما نعرفه عن الإمام هو تأييده لدور الأمة،? ?طبعاً? ?في? ?إطار الإسلام?. ?ولا? ?يجوز أن نحذف دور الأمة والصفة الجمهورية من النظام الإسلامي?''.?
? ?وقال الشيخ رسول منتجب نيا،? ?نائب رئيس حزب الاعتماد? (?الثقة?) ?الجديد? (?بزعامة كروبي?):'' ?إن أكبر ظلم? ?يمكن أن نرتبكه بحق الإمام الخميني? ?الذي? ?كان? ?يتحدث عن الأمة منذ بداية حركته،? ?هو تحريف كلامه?''. ?وأضاف?:'' ?إن البعض? ?يحاول إسقاط النظام الجمهوري? ?الإسلامي،? ?وتأسيس نظام جديد?. ?ويحاول من خلال تحريف كلام الإمام الاساءة إلى الدستور وولاية الفقيه،? ?وجميع الأصول والمباديء والمفاهيم،? ?ويريد إسقاط النظام تحت شعار إقامة الحكومة الدينية والعلوية?''. ?وقال?: ?إنّ? ?الذين? ?يقولون اليوم بأن الإمام الخميني? ?لم? ?يكن? ?يؤمن برأي? ?الأمة ودورها في? ?الحكم،? ?لم? ?يكونوا? ?يتبعون الإمام الخميني? ?بل كانوا جزءا من المعارضين له?.
?وأتعجب من الأجهزة الأمنية التي? ?تلاحق السياسيين الذين? ?يعترضون على بعض جوانب الدستور،? ?كيف تسكت عمن? ?يريد إسقاط الدستور والنظام من الأساس?.?
وحذر الشيخ منتجب نيا? ?قائلاً?:'' ?أقول بصراحة إن الذين? ?يتحدثون عن? ''?الحكومة الإسلامية?'' ?في? ?مقابل? ''?الجمهورية الإسلامية?''?،? ?ويريدون إقامة? ''?حكومة علوية?'' ?بدون الجمهورية،? ?أو أي? ?اعتبار لرأي? ?الشعب،? ?يريدون إسقاط النظام الذي? ?بناه الإمام الخميني،? ?وإقامة نظام جديد على أنقاضه?''.?(32/89)
? ?ولفت الشيخ منتجب نيا إلى تصريحات الإمام الخميني? ?في? ?أعقاب مجيئه إلى إيران من فرنسا،? ?في? ?أثناء خطابه في? ?مقبرة جنة الزهراء،? ?حيث قال?: ''?إن الشعب اختارني،? ?ويؤيدني،? ?وبناء على ذلك سوف أشكل الحكومة والدولة?''. ?وأشار إلى قوله?: ''?بعد الاتكال على الله،? ?والاتكال على الشعب سوف نحقق هذا الأمر?''.
?وقال?:'' ?إن الإمام الخميني? ?أكد على الديمقراطية مئات المرات بل آلاف المرات?.'' ?وكان? ?يقول دائماً?:'' ?لا بد من سيادة حكم القانون،? ?وأن الرأي? ?رأي? ?الأمة،? ?ويجب أن نحقق ما تريد?''. ?وكان? ?يقول?:'' ?إذا أراد الشعب أمرا ولم? ?يكن في? ?صلاحه،? ?يجب أن تمتثل الحكومة له،? ?ولا? ?يحق لأي? ?فرد أن? ?يتصرف في? ?مصير الشعب?. ?إن الشعب هو مصدر كل السلطات وولي? ?نعمة المسؤولين?''.?
وتساءل الشيخ منتجب نيا?:'' ?هل? ?يعرف هؤلاء السادة كلام الإمام؟ أم? ?يحاولون التلاعب به عن عمد؟ إنهم? ?يحاولون تحريف كلام الإمام الخميني? ?باسم الإمام الخميني،? ?ويحاولون إسقاط النظام الذي? ?بناه الإمام?''.?
وقال?:'' ?إن الناس? ?يفهمون بأن التيار الرجعي? ?والمعادي? ?للشعب? ?يريد توجيه الحكومة إلى جهة? ?ينعدم فيها تأثير الشعب?. ?ويريد تأسيس حكومة بدون الشعب على أساس مجموعة من الخرافات?. ?وإذا استطاع هذا التيار تهميش الشعب فسترون كل? ?يوم من? ?يأتي? ?ليقول بأن لدي? ?علاقة مع الإمام المهدي? ?أو قد نزل علي? ?جبرائيل?. ?ولا شك أن من? ?يفكر هكذا? ?هو مريض ومتآمر على النظام?''.?(32/90)
? ?ونقلت وكالة أنباء? (?ايلنا?) ?الإيرانية عن الشيخ محمد توسلي،? ?مدير مكتب الإمام الخميني? ?قوله?:'' ?إن من لم? ?يكن? ?يؤمن بالجمهورية الإسلامية،? ?وكان? ?يخالف الإمام والجمهورية الإسلامية،? ?يطرح اليوم أبحاثاً? ?مثل? ''?الحكومة الإسلامية?'' ?بدون الجمهورية?. ?إن الإمام الخميني? ?كان? ?يعتقد منذ البدء بالنظام الجمهوري? ?الإسلامي،? ?وقد قال في? ?أول? ?يوم وطأت قدمه إيران?:''?جمهورية إسلامية،? ?لا كلمة أكثر ولا كلمة أقل?''. ?وأن الذين كانوا? ?يعارضون الإمام الخميني? ?في? ?حياته،? ?يأتون اليوم ليحذفوا? ''?الجمهورية?'' ?ويروجوا للنظام الذين? ?يؤمنون به،? ?باسم الإمام،? ?وكل هذا كذب?. ?فالإمام الخميني? ?كان? ?يؤمن بقوة بالجمهورية الإسلامية?. ?ويعتقد بأن شرعية الحكومة تأتي? ?من رأي? ?الشعب?''.
?وأضاف?:'' ?إنّ? ?آراء الإمام الخميني? ?توجد في? (?صحيفة النور?) ?بصراحة،? ?وهو كان? ?يرى بأن شرعية النظام تقوم على رأي? ?الشعب،? ?ولذا فقد عرض النظام على الاستفتاء?. ?وإن كلمة الإمام? ''?جمهورية إسلامية،? ?لا كلمة أقل ولا كلمة أكثر?'' ?لا تزال ترن في? ?أسماعنا?.''?(32/91)
وقال الشيخ مصطفى درايتي،? ?رجل الدين البارز وعضو جبهة المشاركة الإسلامية،? ?رداً? ?على الشيخ محسن? ?غرويان?:'' ?إن تعليق الذين لا? ?يمتون بصلة للإمام الخميني،? ?حول رأيه بعدم الإيمان بالنظام الجمهوري،? ?يعتبر إهانة كبرى بحق الإمام?''. ?وأضاف?:'' ?صحيح أن ما نشر سابقاً? (?في? ?العراق خلال العام? ?1969?) ?من قبل الإمام تحت عنوان? (?الحكومة الإسلامية وولاية الفقيه?) ?كان ملخصاً? ?لدرس فقهي،? ?ولكن تصور الإمام عن الحكومة الإسلامية كان? ?يتضمن بقوة دور الشعب?. ?وأن التصريح اليوم بأن الإمام الخميني? ?لم? ?يكن? ?يؤمن بالنظام الجمهوري? ?يمكن أن? ?يؤدي? ?إلى تشويه سمعته،? ?وإثارة الشكوك حوله،? ?ويمكن اقتطاف بعض العبارات من أحاديث الإمام والاستفادة منها بصورة معاكسة،? ?والقول مثلاً? ?أنه لم? ?يكن? ?يؤمن بأمور ولكنه طرحها باسم الإسلام وأضفى عليها صبغة شرعية?''.?
وقال الشيخ درايتي?:'' ?إن هذه التصريحات التي? ?تحاول تأويل كلام الإمام،? ?تستلزم أموراً? ?كثيرة،? ?وتدل على عدم معرفة أصحابها بأحاديث الإمام?. ?وفي? ?نظري? ?إن الإمام الخميني? ?كان? ?يولي? ?أهمية كبرى لدور الشعب في? ?بناء النظام الإسلامي? ?وإعطائه الشرعية الدستورية إلى جانب الشرعية الدينية الإلهية?. ?وكان? ?يعتبر إرادة الأمة حلقة أساسية ومكملة لشرعية أية حاكمية?''.?
? ?وأكد قائلاً?:'' ?إن ما شاهدناه منذ بداية الثورة وإلى عشرة أعوام من تاريخها هو التأكيد على الشعب ورأي? ?الشعب،? ?وهو ما? ?يعني? ?النظام الجمهوري?. ?وقد سمعنا مقولة? ''?الميزان هو رأي? ?الشعب?'' ?من الإمام الخميني? ?مراراً? ?وتكراراً?. ?وهو ما? ?يعني? ?قبوله للنظام الجمهوري? ?بوضوح?''.?
? ?وقال?:'' ?إن الذين لا? ?يؤمنون بالنظام الجمهوري? ?يحاولون إسقاط نظرياتهم الخاصة على الإمام الخميني،? ?ليحرفوا مسيرة الثورة وإقناع الناس بأفكارهم?''.?(32/92)
? ?وطالب درايتي? ?الحكومة بتوفير الأجواء الحرة للنقاش حول الموضوع،? ?حتى? ?يرى الجميع بأن هؤلاء الذين? ?ينادون اليوم بإلغاء الجمهورية من النظام الإسلامي? ?لا? ?يمتلكون دليلاً? ?مقنعاً?. ?وإذا لم نكن نطالب الحكومة بمنع هؤلاء من التعبير عن آرائهم فإننا نطالبها بعدم الدفاع عنهم?.?
? ?وقال السيد محمد الموسوي? ?البجنوردي،? ?عضو الشورى المركزية لرابطة? (?رجال الدين المناضلين?):'' ?إنني? ?أتعجب من هؤلاء الذين? ?يظهرون اليوم ليقولوا بأن الإمام الخميني? ?لم? ?يكن? ?يؤمن بالنظام الجمهوري? ?ولا برأي? ?الشعب?. ?فقد كنت مع الإمام طوال ربع قرن،? ?وأعرف جيداً? ?أفكار الإمام العلمية،? ?ولكني? ?لا أجرؤ على نسبة شيء إليه وأقول إن هذا هو رأي? ?الإمام?. ?ولذلك أدعو الجميع إلى توخي? ?الحذر والالتزام بالتقوى?''. ?وأضاف?:'' ?عادة ما? ?يحتفظ الأفراد بنظريات خاصة لهم? ?يعبرون عنها في? ?دروسهم ومجالسهم ومحاضراتهم،? ?وتكون لهم سيرة عملية على ضوء تلك الأفكار والنظريات?. ?وقد كان الإمام من هؤلاء الأشخاص الذين? ?يمكن القول إنهم كانوا? ?يجمعون بين الفكر والعمل?''.?(32/93)
وقال?:'' ?إن من الأفكار المهمة لدى فقهاء الشيعة في? ?العصور الأخيرة هو موضوع نظام الحكم الإسلامي?. ?وقد قام المرحوم الميرزا النائيني? ?بتبني? ?أطروحة الحكومة الإسلامية في? ?ظل الملكية المشروطة? (?في? ?بداية القرن العشرين?)?،? ?وكذلك فعل? (?المرجع الديني? ?السابق?) ?الشيخ الآخوند الخراساني،? ?ولكن الإمام الخميني? ?طرح مسألة الحكومة الإسلامية في? ?إطار الجمهورية?. ?ولم? ?يطرح الجمهورية في? ?مقابل الحكومة الإسلامية?''. ?وقال البجنوردي?:'' ?إن الحكومة الإسلامية تتحقق من خلال القوانين على ضوء الكتاب والسنة،? ?وعدالة الحاكم وسائر المسؤولين?. ?وقد قام الإمام الخميني? ?بتطوير نظرية جديدة تقول بوجود نظام سياسي? ?في? ?الإسلام? ?يقوم على أساس القانون،? ?وأن ما? ?يحكم في? ?المجتمع الإسلامي? ?هو القانون الإسلامي?. ?ذلك القانون المدون على أساس الكتاب والسنة وقيم الإسلام?''.?
وقال?:'' ?إن نظامنا الإسلامي? ?يقوم على أساس توزيع السلطة بين القوى الثلاث? (?التشريعية والقضائية والتنفيذية?) ?ويقف على رأسها الفقيه الولي? ?المجتهد جامع الشرائط،? ?العادل والمدير الشجاع?''. ?وأوضح?:'' ?إن أي? ?مجتهد جامع الشرائط? ?يتمتع بتلك الصفات هو مؤهل لأن? ?يصبح ولياً،? ?ولكن المجتهد الذي? ?يبايعه الناس فقط? ?يصبح حاكماً،? ?وعلى بقية الفقهاء الخضوع له?. ?وهذا ما كان? ?يعتقد به الإمام الخميني? ?الذي? ?كان? ?يبين آراءه بوضوح،? ?ولم? ?يكن? ?يجاري? ?عند تبيانها السياسيين أو? ?يداهن أحداً،? ?أو? ?يغيرها بين? ?يوم وآخر?''.?(32/94)
? ?وقال البجنوردي?:'' ?كنت حاضراً? ?عند الإمام عندما سأله مراسل صحيفة لفيغارو في? ?باريس?: ?إذا وصلتم إلى السلطة،? ?وأردتم تشكيل حكومة،? ?ما هو نظام حكومتكم؟ وكيف? ?يكون؟ فأجاب الإمام فوراً?:'' ?إنها حكومة العدل الإسلامي? ?العلوي،? ?إنها الجمهورية الإسلامية?''. ?فسأل الصحفي? ?الفرنسي?:'' ?الجمهورية بأي? ?معنى؟ وهل? ?ينتخب الناس الرئيس مباشرة؟ أو أنهم? ?ينتخبون البرلمان الذي? ?ينتخب الرئيس؟?'' ?فقال الإمام?:'' ?إنه نفس نظامكم حيث? ?يقوم الشعب بانتخاب الرئيس?''. ?وقال البجنوردي?:'' ?لم? ?يكن الإمام في? ?موقفه هذا? ?يداهن الغرب،? ?أو? ?يجامل مراسل الفيغارو،? ?وإنما كان? ?يوضح ملامح النظام المقبل وهي? ?الجمهورية الإسلامية التي? ?تقوم على انتخاب الشعب?''.?
? ?وأشار الموسوي? ?البجنوردي? ?إلى مقولة الإمام الشهيرة? ''?إن الميزان هو رأي? ?الشعب?'' ?وقال?:'' ?إن الإمام استشار الشعب في? ?إقامة النظام الجمهوري،? ?ولم? ?يفرضه عليه،? ?مع أنه كان مرجع تقليد ويحق له ذلك،? ?ولكنه وضع الحكم الأخير بيد الشعب ليقول نعم أو لا?. ?لقد كان? ?يستطيع في? ?تلك الأيام أن? ?يعلن قيام الحكومة الإسلامية بدون الجمهورية ولكنه فضل أخذ رأي? ?الشعب وتأسيسها على أساس جمهوري?. ?وبعد ذلك دعا الشعب ليختار ممثليه لكتابة الدستور،? ?ثم طرح الدستور على الاستفتاء?. ?وهذا ما? ?يدل على أنه كان? ?يؤمن بقوة برأي? ?الشعب،? ?ويعود إليه في? ?كل أمر?. ?بحيث لا? ?يمكن لأحد أن? ?يجادل في? ?هذا الموضوع?''.?
وقال البجنوردي?:'' ?نحن جميعاً? ?نؤمن بالحكومة الإسلامية،? ?ولكن الإسلام لا? ?يرفض أن? ?يكون نظام الحكم بشكل حديث? ?يحقق العدالة الاجتماعية ويكون على أساس جمهوري?''.?(32/95)
? ?وقال محمد نبي? ?حبيبي،? ?سكرتير حزب المؤتلفة?:'' ?هناك جماعة تحاول أن تلغي? ?دور الشعب في? ?أمور الدولة،? ?باسم الحكومة الإسلامية،? ?وتدعي? ?بأن رأي? ?الشعب لا? ?يحظى بالشرعية،? ?وأن الإمام الخميني? ?كان? ?يقول بذلك أيضاً?. ?وقال?: ?لقد سمعت من لسان الإمام هذه الكلمة? ''?الجمهورية الاسلامية،? ?لا كلمة أقل ولا كلمة أكثر?''. ?وهذا ليس تفسيراً? ?أو تأويلاً? ?مني،? ?وإنما هو كلام الإمام الذي? ?سمعناه?. ?ولم? ?يكن الإمام? ?يجامل أحداً? ?في? ?قوله هذا?. ?وإن رأيه كان مركباً? ?من كلمتين? ''?الجمهورية?'' ?و?''?الإسلامية?'' ?وأنا باعتباري? ?من مقلدي? ?الإمام أؤمن بذلك?. ?وبالطبع فإن الإمام لم? ?يكن? ?يؤمن بالجمهورية بشكل مطلق،? ?بعيداً? ?عن الإسلام،? ?وإنما كان? ?يؤمن برأي? ?الشعب في? ?إطار المباديء الإسلامية?. ?ومن هنا فنحن نؤمن بشرعية رأي? ?الشعب مع الالتزام بالقيم الإسلامية،? ?وحكومة الشعب والجمهورية الإسلامية?''.?
وأضاف سكرتير حزب المؤتلفة?:'' ?إننا لانستطيع أن نعرض أحكام الدين على آراء الشعب،? ?ونقول إذا قبلت أكثرية الشعب بتلك الأحكام? ?يجب تنفيذها،? ?وإذا رفضت الأكثرية أحكام الله فسوف نقبل بقرارها?. ?ولذلك كان الإمام? ?يقول?: ?إذا قال الشعب لشيء إنه حق،? ?وكان الحق? ?يجانبهم فإني? ?آخذ بجانب الحق?. ?ويجب ألا نخلط بين الأمور فإن الإيمان برأي? ?الشعب والقبول بدوره في? ?الأمور السياسية لا? ?يعني? ?أخذ رأيه في? ?الأمور الدينية?''.?(32/96)
? ?وقال وزير الداخلية السابق عبد الواحد موسوي? ?لاري?:'' ?بعد انقضاء عدة شهور على الانتخابات الرئاسية،? ?نرى التيار المحافظ? ?يُعلن بصراحة عن أفكاره الخاصة التي? ?ترفض الإيمان بالجمهورية ودور الشعب?''. ?إنَّ? ?دور الشيخ مصباح? ?يزدي? ?وتلامذته واضح الآن?. ?وإنهم لا? ?يعبرون عن آرائهم المضادة للشعب فقط،? ?وإنما? ?يحاولون تغليفها وتسويقها باسم الإمام الخميني،? ?خلافاً? ?لما كان? ?يعتقد به الإمام،? ?وهذا مؤشر سلبي? ?على اتجاه الأحداث في? ?المستقبل على ضوء أفكارهم?.?
ساعتا إيران .. أيتهما تطلق جرس التنبيه أولا؟
أمير طاهري الشرق الأوسط – 10/2/2006
هناك ساعة أخرى «تتكتك» داخل إيران، فيما يعيش العالم اليوم مركزا على برنامج إيران النووي، ولكن تلك الساعة يتجاهلها معظم المعلقين السياسيين.
ولكلتا الساعتين جرس تنبيه. فبالنسبة للساعة المتعلقة بالبرنامج النووي، فمن المتوقع ان تدق ساعة التنبيه بعد ثلاث إلى خمس سنوات، إلا إذا تم القيام بعمل ما لعرقلة الآفاق العسكرية للبرنامج. أما جرس التنبيه بالنسبة للساعة الخاصة بالسياسة المحلية لإيران، فمن الممكن أن يدق خلال الأشهر القليلة المقبلة مع دخول الصراع على السلطة في طهران مرحلة جديدة ومكثفة.
فهناك مناسبة تستحق المتابعة تتمثل في انتخاب مجلس جديد للخبراء، وهو كيان يقوم باختيار «المرشد الأعلى» الذي يمتلك سلطات غير محدودة تحت دستور الخميني.(32/97)
ومن المفترض ان ينتهي انتخاب أعضاء هذا المجلس في أبريل (نيسان) المقبل، ولن يكون مفتوحا أمام المواطنين كي يشاركوا في انتخابهم. ومثلما هي العادة في انتخابات الجمهورية الإسلامية، فعلى المرشحين أن يحصلوا على موافقة السلطات، وحالما تنتهي النتائج يكون بإمكان مجلس «تشخيص مصلحة النظام» المتكون من 12 رجل دين أن يلغوا أي نتائج من الانتخابات التشريعية. بصيغة أخرى هذه الانتخابات تشبه الانتخابات الأولية التي يقوم بها أي حزب سياسي عند اختيار مرشحيه. وتتشكل المجموعة المهيمنة في «مجلس الخبراء» من رجال الدين الذين يمتلكون مصالح في «البزنزس» مع أواصر قديمة تجمعهم بالـ«المرشد الأعلى» علي خامنئي والرئيسين السابقين هاشمي علي أكبر رفسنجاني ومحمد خاتمي.
وتكمن أهمية الانتخابات المقبلة في احتمال وقوع تغيير في أغلبية أعضاء المجلس. فالتغيير هو استمرار منطقي للانتخابات الرئاسية التي أوصلت جيلا جديدا من الراديكاليين إلى السلطة تحت قيادة محمود أحمدي نجاد. وإذا وقع التغيير، فإنه لن يكون هناك أي ضمان من أن تسعى النخبة الجديدة من أعضاء مجلس الخبراء إلى السعي لإيصال أحدهم كي يكون «المرشد الأعلى».
والافتراض السائد في طهران هو أن خامنئي «المرشد الأعلى» الحالي سيحتفظ بموقعه إلى حين، لكن حينما يكون الأمر متعلقا بالسياسة الإيرانية، فالتوقعات السائدة تكون مغلوطة عادة. ففي الصيف الماضي على سبيل المثال توقع الكثير فوز رفسنجاني بالانتخابات الرئاسية. والأكثر معرفة توقع فوز محسن قليباف وهو رئيس شرطة متقاعد، ومرشح مفضل من قبل خامنئي. لكن اتضح لاحقا أن أحمدي نجاد حقق فوزا ساحقا.(32/98)
وخلال الانتخابات الرئاسية، كان خامنئي بارعا بما فيه الكفاية لتكييف أساليبه، ففيما دعم قاليباف في الدورة الأولى، انتقل الى دعم احمدي نجاد في الدورة الثانية. غير ان احمدي نجاد يشعر بأنه غير مدين بشيء لخامنئي. وبتركيزه على ان «الإمام الغائب» المهدي هو المصدر الوحيد للسلطة في الجمهورية الاسلامية، حاول احمدي نجاد تهميش «المرشد الأعلى». وفي كثير من خطاباته، يضع المهدي قبل كل الأنبياء، ويزعم أنه «رسول شخصي خاص» للوصول الى «الإمام الغائب». ومن الناحية النظرية فان الأكثر معرفة من بين رجال الدين الشيعة فقط هم الذين يفترض اعتبارهم الأكثر تأهيلا لموقع «المرشد الأعلى». غير أنه من الناحية العملية لا يبدي أي من آيات الله العظام أي اهتمام بالمنصب. والحقيقة أن الأغلبية الساحقة من رجال الدين الشيعة في ايران يعتقدون الآن ان مشاركتهم في الحكومة خاطئة، وان الخميني كان سياسيا طموحا أكثر منه زعيما دينيا مناسبا. ويريد بعض كبار رجال الدين الغاء منصب «المرشد الأعلى» ونقل مسؤولياته السياسية الى رئيس الجمهورية. وبالتالي، فان الجوانب الدينية للمنصب يمكن ان تكون بمسؤولية مجلس من خمسة رجال دين.
وقد دعم تلك الصيغة كل من رفسنجاني وخاتمي، وإن بصورة غير مباشرة. ويعتقد بعض المحللين انه لو ان رفسنجاني كان قد فاز، لكان قد سعى الى دمج المنصبين الكبيرين للنظام.
غير ان النخبة الحاكمة الجديدة، التي يرمز اليها أحمدي نجاد، تبدو عازمة على الحفاظ على منصب «المرشد الأعلى» بعد تجريده من بعض سلطاته السياسية والإدارية. وفي ذلك السياق، فان المرشد الآيديولوجي للنخبة الجديدة، آية الله محمد تقي مصباح يزدي، يمكن أن يكون المرشح الرئيسي لمنصب «المرشد الأعلى» اذا ما أرغم خامنئي على التخلي عنه.(32/99)
ويمكن أن لا يكون الفارق بين الرجلين كبيرا. فبينما كان خامنئي عاجزا عن اكمال دراساته في العلوم الدينية قبل الثورة بسبب الفترات المختلفة التي قضاها في سجون الشاه، فان مصباح يزدي اتجه بعيدا عن السياسة وتلقى أفضل تعليم يمكن ان توفره المؤسسة الدينية الشيعية. ويزعم اولئك الذين يعرفونه انه واحد من الخبراء البارزين في الفلسفة الشيعية. ولكنهم يؤكدون أيضا انه متشدد في القضايا الاجتماعية والثقافية، ولديه شعور بالازدراء العميق للحضارة العصرية التي تقودها الديمقراطيات الغربية.
ولانه لم يحصل على فرصة للتأهيل كرجل دين، فقد اصبح خامنئي رجل سياسة. وبعد الثورة عمل مساعدا في مكتب الخميني ومسؤولا عن توزيع النقود على رجال الدين المحتاجين عبر البلاد. ثم اصبح رئيسا لمكتب المشتريات العسكرية ثم فيما بعد نائبا لوزير الدفاع تحت رئاسة المتطرف الايراني اللبناني مصطفى تشامران. وفي عام 1989 تسبب في مفاجأة عندما اعلنت لجنة الخبراء انه اصبح «المرشد الاعلى» المؤقت، بعد ايام من وفاة الخميني. وحوّله المجلس الى «مرشد أعلى» دائم.
وبالرغم من ان مصباح يزدي يتجنب الاضواء، فقد كان طرفا في معظم المناقشات داخل المؤسسة الخمينية للسنوات الست او السبع الماضية، وكان يثير مشاعر عنيفة سواء كان مع او ضد. والسبب في ذلك انه ضد «التقية» و«الكتمان» اللذين حولهما رجال الدين الى فن حقيقي عبر القرون. ولذا فهو يقول علنا ما يفكر فيه معظم الملالي سرا.(32/100)
ومصباح يزدي، وهو من اتباع الفيلسوف الايراني الراحل احمد فرديد، مليء بالتناقضات. فمن ناحية يتحدث عن العلاقة المباشرة بين المؤمنين والإمام الغائب. ومن ناحية اخرى، يدعي ان معظم المؤمنين يفتقدون الى الحكمة للتفريق بين الصواب والخطأ، وبالتالي يحتاجون الى القيادة ومتابعتهم مثل الاطفال، وهو يتحدث عن حلمه بالدولة الاسلامية العالمية التي يمكن ان تقود الطريق للخروج من «المتاهات القاتلة للجشع والفساد الذي خلقه الغرب». وبالرغم من ذلك فهو يصرُّ على ان المسلمين من غير الشيعة هم من المنحرفين، وبالتالي لا يمكنهم المشاركة في غزو العالم من اجل «الاسلام الصادق».
وبغض النظر عن نتائج الانتخابات القادمة، فإنه ستكون ذات تأثير اساسي على مسار السياسة الايرانية في السنوات القليلة القادمة.
وإذا لم تتمكن النخبة الراديكالية الجديدة من الفوز بالأغلبية، فإن الحرس القديم برئاسة رفسنجاني يمكن ان يشكل تحالفا مع خامنئي وتطرد الحرس الجديد الذي يقوده مصباح يزدي واحمدي نجاد في الانتخابات البرلمانية القادمة بعد عامين. أما اذا سيطر الحرس الجديد على مجلس الخبراء، فربما يقود حملة اصلاحية للبنية الاساسية للجمهورية الاسلامية بهدف «التحرك الكامل للصدام القادم للحضارات»، كما يتصوره احمدي نجاد ومصباح يزدي.
وبالنسبة للساعة النووية، فلا الحرس القديم ولا الجديد يرغب في وقفها. ولكن الأمر لا يحتاج الى كثير من الخيال لمعرفة ما إذا كانت القنبلة النووية في يد متشدد مثل أحمدي نجاد ومصباح يزدي، يمكن ان تكون اكثر رعبا مما لو كانت في يد ملال مثل رفسنجاني او خاتمي اللذين لديهما مصالح اقتصادية واتصالات بالغرب.
قائد جماعة سابق في البصرة: شاركنا في فرق موت
وبتوجيهات إيرانية
الملف نت – 19/2/2006(32/101)
ذكر موقع جيران الالكتروني يوم السابع عشر من شباط الجاري نقلا عن وكالة (آكي) الإيطالية للأنباء قوله إن زعيم إحدى الجماعات الإسلامية في البصرة سابقا ويدعى "أبو كاظم"، أكد أن جماعته "شاركت ضمن فرق الموت التي عملت في البصرة".
وقال أبو كاظم، الذي رفض تحديد اسم جماعته، إن "أعضاء" من حركته السياسية كانت "ضمن فرق كلفت باغتيالات في البصرة".
وأوضح أبو كاظم "لقد كنا نجتمع بين حين وآخر في مقر احدى المنظمات مع مسؤولين من المخابرات الإيرانية كانوا يزودوننا بالتعليمات التي تخص الشخصيات التي وقع عليها الاختيار للاغتيال".
وفي شرحه لكيفية التنفيذ ، قال أبو كاظم "لدى جميع الأحزاب والحركات أسلحة من مختلف الأنواع وعادة ما تستخدم لذلك كما أن زي رجال الشرطة متوفر وكذلك سيارات للشرطة زودت بها الأحزاب سابقا في عهد القائد السابق للشرطة".
وأكد أن اختيار الشخصيات التي تستهدفها عمليات الاغتيال يتم "حسب التوجيهات الإيرانية، بدءا من المسؤولين المحليين والأكاديميين والصحفيين وغيرهم".
ونفى "أبو كاظم" مشاركته الشخصية في تلك العمليات، مؤكداً اقتصار دوره على "غرفة العمليات التي تقرر، أما أفراد حركتي السابقة فشاركوا في عشرة اغتيالات على الأقل".
إيران تتوقى الضربة الأميركية بتفجير لبنان أو البحرين
هدي الحسيني – الشرق الأوسط 12/2/2006(32/102)
الرئيس الايراني الجديد، محمود احمدي نجاد، ضالع على ما يبدو في علوم الماورائيات، فهو بعدما رافقته هالة من نور أثناء إلقاء خطابه في الامم المتحدة في شهر ايلول (سبتمبر) الماضي، أبلغ في الخامس من هذا الشهر حشدا من طلاب الدين في مدينة قم، جاءوا من عدة دول اسلامية، ان الاسلام لا يُلزم نفسه ضمن حدود جغرافية، «يجب أن نؤمن بأن الاسلام ليس محصوراً ضمن حدود جغرافية، او مجموعات اثنية محددة، او امم. إنه ايديولوجيا عالمية تقود العالم الى العدالة»، وأضاف احمدي نجاد: «اننا لا نتردد في القول ان الاسلام جاهز لقيادة العالم». ثم ألقى كلمة مطولة حول الفكرة التي يتمسك بها وهي ان عودة الامام المهدي المنتظر صارت قريبة، وان على المسلمين ان يتهيأوا لاستقباله. وقال: «علينا ان نهيئ انفسنا لقيادة العالم»، والطريقة المثلى لذلك تكون في التركيز على مسألة توقعات العودة. فالامام المنتظر ـ برأيه ـ سينقذ العالم الغارق بالفوضى والفساد ويفرض العدالة، «اذا انطلقنا من قاعدة توقعات العودة، فإن كل مسائل الأمة ستنتظم، وادارة البلاد ستسهل».
تجدر الملاحظة، الى ان مهدي كروبي، الرئيس السابق لمجلس الشورى الايراني، قال بعد تصريحات احمدي نجاد، ان بعض المقربين من الرئيس الايراني قالوا إن عودة الامام المهدي ستحدث في السنتين المقبلتين، وبالتالي يجب البدء في بناء الفنادق في كل ايران.(32/103)
يرى كثير من المراقبين ان تصريحات احمدي نجاد، إن كانت تلك المتعلقة بعودة المهدي او بإزالة إسرائيل، ليست أكثر من خطة للهروب الى الامام، بعدما عجز عن تحقيق الوعود التي أغدقها على الطبقات الايرانية الفقيرة اثناء حملته الانتخابية، وقال أحد الايرانيين إن على الرئيس الايراني واصدقائه قبل البدء في التفكير في كيفية حكمهم للعالم، ان يجدوا بعض الحلول الاولية لمشاكل الشعب الايراني. وحسب رئيس الشرطة الايرانية، الجنرال اسماعيل احمدي مقدم، يموت كل سنة 30 الف ايراني في حوادث السيارات، و10 آلاف في حوادث الدراجات النارية، كما ان عشرة ملايين ايراني مدمنون على المخدرات. وتذكر تقارير الانباء انه بعد الفقر، والبطالة، يشكل الادمان على المخدرات خطرا اساسيا في ايران.
إن أكثر المأخوذين بأفكار احمدي نجاد، هم الاحزاب الاسلامية الفلسطينية، وكان نجاد لدى استقباله وفدا من حركة حماس (خالد مشعل وموسى ابو مرزوق)، أكد على البعد الاسلامي للقضية الفلسطينية «غير المحصورة بمنطقة جغرافية، وبالتالي فإنها واحدة من المسائل التي تحدد مستقبل الاسلام (...)، ان القضية الفلسطينية تثبت حتمية ثورة وأفكار الامام الخميني». وبعد لقاء بنجاد، استضاف قادة الحرس الثوري وقوات القدس، خالد مشعل، وبحثوا معه التعاون ما بين «حماس» و«الجهاد» في غزة والضفة، وما بين «حزب الله» وايران في لبنان.(32/104)
وكانت ايران وقّعت في 18 تشرين الثاني (نوفمبر)، اتفاقية استراتيجية مع سوريا ـ كشفت عنها اسبوعية «جينز» الدفاعية ـ تنص على ان تدعم كل منهما الدولة الاخرى في حال تعرضها لعقوبات دولية، وفي حالة تعرض ايران، تتحول سوريا الى مستودع للمواد الايرانية النووية، أما إذا تعرضت سوريا للعقوبات، فإن ايران تظل تمدها بالمساعدات المالية، وكل ذلك مقابل أن تبقي دمشق خط إيصال السلاح والدعم لحزب الله في لبنان مفتوحا. وحسب مصادر مطلعة، فإن طهران تتطلع الى جعل الجنوب اللبناني مسرحا تلتقي فيه كل الاحزاب الفلسطينية الاسلامية ـ حماس والجهاد ـ اضافة الى مقاتلي حزب الله وعناصر مقاتلة من الحرس الثوري الايراني، وذلك من أجل فتح جبهة قتالية مباشرة على الحدود مع اسرائيل.(32/105)
هذا من جهة، ومن جهة أخرى عادت ايران الى تحريك برنامجها النووي، والاسبوع الماضي أبلغت الوكالة الدولية للطاقة النووية انها سوف تستأنف ابحاثها في الطاقة النووية بعد سنتين من تعليقها، من دون ان تعطي تفسيرات لهذا الإجراء، ويوم الاثنين الماضي أكد المرشد الاعلى للجمهورية، آية الله علي خامنئي، ان ايران لن تتخلى عن برنامجها النووي وان فرض عقوبات عليها لن يثنيها عن عزمها. ومساء اليوم نفسه، تحدث الدكتور محمد البرادعي، مدير الوكالة، مشيرا الى حق ايران في التخصيب النووي، ولكن بسبب فقدان الثقة بالدوافع الايرانية المبيّتة، وكون تصريحات احمدي نجاد الأخيرة لا تساعد، ولأن روسيا وافقت على توفير الوقود للمفاعل الايرني، فإن خطوتها الجديدة لا تطمئن المجتمع الدولي. وبدا البرادعي وكأنه يشعر بإحراج من تقصير ايران في توفير المصداقية والشفافية، وقال ان صبر المجتمع الدولي بدأ ينفد، وان مصداقية فريق التفتيش على المحك. وهو سيقدم تقريره في شهر آذار ( مارس) المقبل، إثر تلقيه نتائج الاجتماع المفروض ان ينعقد في 18 من الجاري بين الدول الاوروبية ( فرنسا، والمانيا، وبريطانيا)، وايران.
وكانت الشكوك بدأت تحوم حول النوايا الايرانية عندما كشفت طهران للوكالة الدولية عام 2003، عن انها، ومنذ عشرين عاما، تقوم ببناء اجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم.
في البرنامج التلفزيوني الذي بثته محطة «سكاي» البريطانية، تحدث احد اساتذة جامعة طهران ـ اللافت انه كان يضع ربطة عنق بخلاف ايرانيي الثورة ـ وقال عكس ما أكده خامنئي «ان الحصار الاميركي المفروض على ايران يؤثر على حياة الناس»، واعطى مثلا عن عدد سقوط الطائرات المدنية بسبب النقص في قطع الغيار. ونفى ان يكون احمدي نجاد صاحب القرار في المسألة النووية، وقال: «انه منفّذ».(32/106)
لم يفاجئ انتخاب احمدي نجاد العالم فقط، بل فاجأ العديد من الايرانيين، وفي استفتاء أجري العام الماضي مباشرة بعد انتخابه، عبّر 40? من المستفتين عن اسفهم لأنهم لم يشاركوا في الاقتراع، والمعروف ان مرشد نجاد الروحي، آية الله مصبح يزدي، من أكثر المتطرفين الى درجة ان كثيرين من المتشددين يبدون أمام تطرفه معتدلين، لكن بغض النظر عن رئاسة نجاد، فإن الخطر الايراني يتزايد في وقت تعبر فيه منطقة الشرق الاوسط مرحلة متفجرة. والذي يقلق انه على الرغم من ان الدول الاوروبية نسقّت جهودها الديبلوماسية مع واشنطن، فإن ايران ليست معزولة، لأن روسيا تقف الى جانبها، وقد أكد مراراً وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، على ان الوكالة الدولية للطاقة النووية يجب ان تتعاطى مع الملف النووي الايراني وليس مجلس الامن، وكدعم قوي لطهران وافقت موسكو على ان تبيع ايران نظام دفاع جوي معروف بـ «تورـ ام واحد»، يقال انه الاكثر تقدما في هذا المجال، ويستعمل على رافعات متحركة لاستكشاف وتدمير عدة اهداف، من بينها الصواريخ، والطائرات والهليكوبتر. وقعّت موسكو الصفقة مع طهران في اوائل الشهر الماضي يقيمة مليار دولار، وحسب المصادر الروسية، فإنها الأكبر ما بين طهران وموسكو في السنوات الخمس الماضية، وتنص على ان يبدأ تسليم هذا النظام خلال العام الحالي.
ومن الواضح ايضا، ان الصين حتى هذه اللحظة تدعم ايران، وأبلغ وزير خارجية الصين، لي جاوزنغ، ممثلي الدول الاوروبية الثلاث، ان عرض الملف النووي الايراني على مجلس الامن «سيدفع ايران الى اتخاذ خطوات متطرفة». ويوم الاثنين الماضي، قال نائبه للشؤون الخارجية، إن بلاده تعارض إيصال الملف الايراني الى مجلس الامن.
ونظراً للعطش الصيني المتزايد الى النفط، فمن المستبعد أن تتخلى بكين عن طهران من اجل الولايات المتحدة او اوروبا، إلا اذا توفرت لها عروض نفطية مغرية اخرى!(32/107)
العالم ينتظر تقرير البرادعي الى مجلس الامن، انما بسبب استعمال حق النقض الذي قد تلجأ اليه روسيا والصين، فإن اي محاولة اوروبية او اميركية لفرض عقوبات دولية على ايران آيلة الى الفشل، وهذا ما تدركه اوروبا وواشنطن، واذا كانت الدول الاوروبية المفاوضة الثلاث رفضت التهديد بالخيار العسكري اذا ما وصلت المحاولات الديبلوماسية الى طريق مسدود، إلا ان الولايات المتحدة واسرائيل لم تفعلا ذلك.
ان تورط اميركا في العراق يجعل من اي تدخل عسكري في ايران أمراً غير محتمل، لكن الانسحاب العسكري الجزئي من العراق الذي تستعد له واشنطن، سيمنح المخططين العسكريين في البنتاغون ثقة أكبر بنجاح ضربة ضد إيران، وهذا يعني ان هناك سباقا ما بين هؤلاء والبعض في القيادة الايرانية الذين يسعون الى تفجير ما في منطقة الشرق الاوسط يربكون عبره اي مخطط اميركي، إن كان مقاطعة دولية او ضربة عسكرية. ومن المؤكد ان الساحة الأخصب لأي محاولة تفجير ايرانية هي الاضعف، وهنا يبرز إما لبنان او البحرين وما يجرّه كل منهما، وفي كل الحالات لن تكسب روسيا او الصين، لذلك فإن أفضل الخيارات يكون في إقناعهما بالضغط على ايران كي تجنح الى الاعتدال، وإلا صار من حقهما اللجوء الى التصويت الدولي من أجل إنقاذ منطقة مشتعلة، والحؤول دون أن تتحول الى رماد!
غير مفاجئ.. غير متوقع
سمير عطا الله - الشرق الأوسط 6/2/2006(32/108)
يوم الخميس الماضي تحدث زعيم «حزب الله» السيد حسن نصر الله عن حليف بعيد وغير متوقع. اذ بعدما حيا ايران وسورية، هتف عالياً بتحية الرئيس الفنزويللي، هوغو شافيز. قلت «غير متوقع»، لكنه لم يكن مفاجئاً. فالتحالف الذي يقوم في وجه الولايات المتحدة الآن، لا يكتمل عقده من دون هوغو شافيز، الذي هو، على نحو ما، فيدل كاسترو القرن الحادي والعشرين. وقد حاولت واشنطن، بشتى الضغوط، ان تخلع السنيور شافيز. لكنه لم يصمد فقط في كراكاس، بل يبدو ان نفوذه يمتد الى بقية اميركا اللاتينية. وبمساعدة مالية مباشرة منه، استطاع السنيور موراليس ان يكون اول «هندي» يصل الى رئاسة بوليفيا. واذا كان الرئيس البرازيلي «لولا» قد جاء من تحت حزام الفقر، فان موراليس جاء من قعر العوز التاريخي في القارة الجنوبية، وهو رجل أعزب سوف تكون شقيقته «البوليفية الاولى» في الاحتفالات الرسمية. ولهذا اضطرت الى ترك عملها في بلدة مجاورة من اجل ان تنضم اليه في العاصمة لاباز. لكن ماذا كانت الشقيقة تعمل؟ لقد كانت تملك ملحمة صغيرة في بلدة «اغور» او «جزارة» كما يقال في بلدان المغرب العربي، لكي لا يخلط المرء بين ملحمة «هوميروس» وملحمة أبو رشيد البيروتي.(32/109)
في اليوم الذي كان السيد حسن نصر الله يحيي الرئيس شافيز في بيروت كان وزير التجارة الخارجية الفنزويللي غوستافو ماركيز يوقع في طهران عقداً لإنشاء صندوق ثنائي للمشاريع المشتركة تبدأ مرحلته الاولى بـ 200 مليون دولار. والرقم لا يبدو مهماً في مقاييس العلاقات. لكن المهم في الامر هو تطور العلاقة السياسية بين دولتين نفطيتين كبيرتين، تعلنان العداء الآيديولوجي لاميركا. واحدة من اليمين، وواحدة من اليسار. وبعدها لا يعود من الممكن اغفال التعاون التكنولوجي بين دول العقد المعادي الجديد، خصوصاً اذا لم يغب عنا ما يمكن ان تقدمه كوبا في هذا المجال. وكانت كوبا وفنزويللا قد انضمتا الى سورية في دعم ايران في سعيها الى اقامة المشروع النووي. ومنذ ان خرجت الجزائر وليبيا من محور النفط «اليساري»، يتكون الآن للمرة الاولى، محور نفطي ليس فقط مخاصماً لواشنطن بل معاد لها. وسوف يكون كثيراً على اميركا ان تهدد في الشرق بإغلاق مضيق هرمز، وفي الغرب بإغلاق مصافي ماراكايبو.
قنبلة الأقليات
الانفجارات في الأحواز.. والخطر في أذربيجان
أنقرة ـ محمد عصمت
الوطن العربي ـ العدد 1509ـ 3/2/2006
عادت الأضواء لتسلط من جديد على مشكلة الأقليات في إيران الخاضعة لحكم العنصر الفارسي، بينما لا تتجاوز نسبته سوى ما يتراوح بين 35 و 45 بالمائة من السكان. وإذا كانت تفجيرات الأحواز الواقعة في جنوب غرب إيران على الخليج، قد أثارت مجدداً مطالبة أبناء المنطقة بالحكم الذاتي، حيث يمثل العرب 4 بالمائة تقريباً من سكان الدولة، وكانت لهم إمارة الأحواز التي يحكمها شيوخ آل خزعل قبل أن يحتلها الفرس، غير أن المشكلة الحقيقية للنظام الإيراني الذي يهيمن عليه الفرس، تكمن في الشمال وتحديداً على حدود أذربيجان حيث الأكثرية السكانية هناك من العنصر الأذري التركي الذي يمثل 30 بالمائة من سكان إيران.(32/110)
وحسب قول المراقبين فإن إمارة الأحواز العربية تحوي معظم حقول النفط الإيرانية، بالإضافة إلى معادن أخرى، وفيها أهم الأنهار الإيرانية، وهي الواجهة الرئيسية لإيران على الخليج العربي، لذلك طهران تتعامل بحزم مع مطالبة عرب الأحواز بدولة مستقلة، وفي الوقت نفسه فإن الحركات السياسية لعرب الأحواز وهي "التيار الوطني بالأحواز"، و"الجبهة الديمقراطية لتحرير الأحواز" تعتبر أنه يمكن الاستفادة من الظروف الدولية والإقليمية الراهنة، لتحقيق الحلم التاريخي لهم، وهو التحرر من الاحتلال الفارسي وإقامة دولة عربية مستقلة.
ولكن حسب قول المراقبين فإن المشكلة الحقيقية للنظام الإيراني، ذي الطابع الفارسي، هي مع الأقلية الأذرية المساوية تقريباً للعرق الفارسي. ويعترف المراقبون أن المشكلة الأذرية مؤجلة الآن، بسبب اضطرار جمهورية أذربيجان المستقلة عن الاتحاد السوفيتي السابق تحسين علاقاتها مع نظام طهران لكسب تأييده لحل مشكلة شريط ناغورنو كارا باخ الحدودي المتنازع عليه مع جمهورية أرمينيا، وذلك رغم الخلافات العميقة بين باكو وطهران حول نفط بحر قزوين.
أزمة تحت الرماد
ومع ذلك فإن الأزمة تنفجر بين حين وآخر. وفي أحد فصول هذه الأزمة المستترة، مطالبة المنشق الإيراني الأذري محمود علي جهر كاني الذي يحمل الجنسية الأذربيجانية في باكو إلى قيام "أذربيجان الجنوبية" في الأراضي الإيرانية حيث يعيش السكان من أصل أذري، وقال أستاذ الألسنية السابق في تصريح صحفي "يجب على النظام الإيراني الحالي أن يخلي الساحة لنظام شاب ديمقراطي كما يجب علينا أن نستغل الفرصة التي يقدمها لنا التاريخ لتحويل أذربيجان الجنوبية إلى جمهورية فيدرالية قوية داخل إيران لنقترب بذلك من الاستقلال.(32/111)
ويعيش جهر كاني النائب السابق وزعيم "حركة النهضة الوطنية في أذربيجان الجنوبية" في المنفى منذ أن أمضى ثلاث سنوات في السجن في إيران. وتفيد وسائل الإعلام في العاصمة الأذرية باكو وخصوصاً أسبوعية "صنداي تلغراف" أنه يحظى بدعم بعض الأوساط السياسية الأميركية ويسعى إلى إثارة تظاهرات حاشدة في صفوف الأذريين الذي يقيمون في إيران والبالغ عددهم عدة ملايين. وأضاف جهر كاني "الحمد لله أن أمتنا بدأت تستيقظ وهناك ما بين 65 إلى 75% من سكان أمتنا البالغ عددهم 35 مليوناً في أذربيجان الجنوبية يتألفون من الشباب، وقد استفاق ثلاثة أرباعهم إلى أنهم جيش كبير. وأشار إلى أن المشاكل التي ظهرت مؤخراً بين الولايات المتحدة وإيران، التي تتهمها واشنطن بالسعي للحصول على أسلحة نووية، لا علاقة لها بالمشاكل بين الأذريين والفرس.
اتهامات متبادلة
وفيما تتهم باكو، طهران بدعم منظمات إسلامية راديكالية تقوم بنشاطات سرية في جمهورية أذربيجان، تقول إيران إن أحزاباً قومية متنفذة في جمهورية أذربيجان تساند مجموعات أذرية إيرانية مستقرة في باكو تطالب بتوحيد ما تصفه هذه المجموعات بأذربيجان الشمالية (أي جمهورية أذربيجان) وأذربيجان الجنوبية (ولايات أذربيجان الغربية والشرقية وأردبيل وزنجان التركية الإيرانية).
والأكثر من ذلك احتجت إيران مؤخراً بصورة رسمية وعن طريق سفيرها في باكو على حكومة أذربيجان لنشر خريطة لأذربيجان الكبرى تضم علاوة على جمهورية أذربيجان، الولايات الإيرانية المذكورة وأقساماً أخرى من شمال إيران (جنوب بحر قزوين) يقطنها أتراك إيرانيون. واتهمت إيران الحزب السياسي الذي ينتمي إليه الرئيس حيد علييف بنشر وتوزيع هذه الخريطة غير أن الرئيس الأذربيجاني نفى أي علم له بطبع هذه الخريطة.(32/112)
كما أن هناك تململاً بين النخبة التركية الأذرية في إيران من تعزيز الصداقة الإيرانية ـ الأرمينية والتي تقول هذه النخبة إنها تتم على حساب بني جلدتها في جمهورية أذربيجان. وقد أدت تصريحات جهر كاني الأستاذ الجامعي والناشط السياسي في أذربيجان الإيرانية، والتي انتقد فيها العلاقات الوطيدة بين إيران وأرمينيا أدت ـ وعلاوة على قضايا أخرى ـ إلى اعتقاله لمدة ستة أشهر في سجن مدينة تبريز عاصمة إقليم أذربيجان الإيراني، قبل أن يلجأ إلى باكو حيث يقيم الآن ويواصل مساعيه لاستقلال ولاية أذربيجان الجنوبية عن إيران.
والآن فإن أذربيجان تطالب بافتتاح قنصلية لها في مدينة تبريز الإيرانية ذات الأكثرية الأذرية، والتي تقول باكو إنها كانت جزءاً من أراضي أذربيجان التاريخية. ولكن طهران تخشى أن تتحول هذه القنصلية إلى مركز نفوذ سياسي وثقافي لجمهورية أذربيجان، يشجع على انفصال إقليم أذربيجان عن الأراضي الإيرانية، وبالتالي يحرم إيران من خيرات بحر قزوين.
ولهذا فإن المراقبين الغربيين يجمعون على أن الانفجار الحقيقي في وجه نظام طهران سيكون في ولاية أذربيجان، وهو سيؤدي إلى تفكيك إيران إلى دويلات، وسيدعم هذا الانفجار جهاد عرب الأحواز لإقامة دولة مستقلة تتمتع بخيرات كثيرة.
الزرقاوي و إيران !
جريدة الحقيقة الأردنية عدد 1 - 1/2/2006
تذهب بعض المصادر إلى التأكيد أن طلائع القاعدة وصلت فعلا إلى لبنان وبدأت نشاطها الفعلي على الأرض لجهة التجهيز والتنظيم وترسيخ البنية التحتية لعمل طويل المدى .. وتشير إلى ما أعلنته السلطات السورية قبل عدة أشهر حول اشتباك قواتها مع مقاتلين أجانب مسلحين حاولوا عبور الحدود السورية اللبنانية ومقتل زعيم المجموعة وهو من الجنسية التونسية.(32/113)
كما تشير المصادر إلى حالة الغموض التي ما زالت تلف إعلان الحكومة اللبنانية مؤخرا إلقاء القبض على إحدى شبكات القاعدة العاملة في لبنان والتي ينتمي أعضاؤها إلى عدد من الجنسيات العربية.. إضافة إلى تبني تنظيم أبو مصعب الزرقاوي لعملية إطلاق الصواريخ الأخيرة على إسرائيل وتأكيده أن هذه " الغزوة " جاءت بناء على توجيهات من أسامة بن لادن.
وتعتبر الساحة اللبنانية ساحة مهيأة لعمل القاعدة كون أعداد لا بأس بها من القطاعات اللبنانية والفلسطينية في المخيمات هي من ضحايا إسرائيل وذاقت مرارة غطرستها.. إضافة إلى ضعف السيطرة الأمنية في لبنان ووجود العرب والأجانب أمر ليس بمستغرب فيه كونه بلدا مفتوحا.. فضلا عن توفر السلاح وبأرخص الأثمان مما يجعل فرص النجاح كبيرة في العمل ضد إسرائيل.
ويعلق التنظيم أهمية كبيرة على تطورات الأوضاع السياسية في كل من سوريا ولبنان خلال الأشهر القادمة لجهة حدوث الفوضى في سوريا نتيجة عمل عسكري أمريكي أو حركات داخلية مدعومة من الخارج أو حدوث حالة من الانفلات الأمني في لبنان على خلفية الصراع المحتدم حاليا بين الأطراف المؤيدة لدمشق (حزب الله وحركة أمل وبعض التنظيمات الفلسطينية ) أو الأخرى المعارضة لها ( تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية بزعامة سمير جعجع).. مما يتيح له حركة سهلة من العراق إلى سوريا وصولا إلى لبنان الذي سيكون في هذه الحالة بيئة مناسبة للعمل دون سيطرة أو رقابة من احد .(32/114)
ولا تستبعد بعض المصادر أن يتحالف الزرقاوي في نهاية المطاف مع الشيعة في بيروت ممثلين بحزب الله بعد أن حاربهم في بغداد وذلك إذا ما تطورت الأمور ووجد حزب الله نفسه أمام الإصرار على نزع سلاحه تنفيذا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1559 .. وتشير في هذا السياق إلى أن عملية إطلاق الصواريخ الأخيرة على إسرائيل تمت من الجنوب اللبناني الذي يسيطر عليه حزب الله مما يعني احد أمرين لا ثالث لهما أولهما تغاضي الحزب عن العملية رغم معرفته بها وهذا يعني إما الرضا عنها أو تمكن القاعدة من تجاوز قدرة الحزب في منعها وهذا دليل على مدى القوة التي وصل إليها الزرقاوي في هذه الساحة.
كما يعلق الزرقاوي أهمية على تطورات الأوضاع الإقليمية فيما يخص إيران التي ستجد نفسها مرغمة على التحالف مع القاعدة في حربها المفتوحة ضد الولايات المتحدة في حال تطورت الأمور وشنت عليه ا الحرب على خلفية ملفها النووي مما يعني استفادة القاعدة من " حلف الممانعة " الممتد من طهران إلى بيروت مرورا بسوريا التي تستضيف الفصائل الفلسطينية الرافضة لعملية السلام برمتها.
ومن غير المستبعد بحسب بعض المصادر أن تكون إيران قد رتبت مع ابرز نشطاء القاعدة المعتقلين في طهران منذ وصولهم إليها من أفغانستان تفاصيل صفقة تكون ساحتها الإقليم برمته ولا احد يعرف تفاصيلها وأنها بانتظار الوقت المناسب للتنفيذ.
وفي هذا السياق يمكن النظر بجدية إلى ما نسب إلى قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني العميد قاسم سليماني الذي اقر في ندوة مغلقة أقيمت في مخيم لطلبة الدراسات الإستراتيجية والدفاعية بجامعة الإمام الحسين في طهران .. بتوفير إيران تسهيلات للزرقاوي مبرراً ذلك بأن نشاطات الزرقاوي في العراق تخدم المصالح العليا للجمهورية الإسلامية وبينها منع قيام نظام علماني فيدرالي متعاون مع الولايات المتحدة.(32/115)
وبحسب العميد سليماني " فان الزرقاوي وعناصر قيادية في تنظيم (أنصار الإسلام) لا يحتاجون إلى رخصة مسبقة لدخول إيران إذ أن هناك نقاط حدود معينة تمتد من حلبجة شمالاً إلى عيلام جنوبا يستطيع الزرقاوي وما يزيد على عشرين مقاتلاً من قياديي أنصار الإسلام دخول الأراضي الإيرانية منها متى أرادوا.
وكان العميد سليماني - الذي يشرف على أنشطة وحدات استخبارات الحرس الثوري وفيلق القدس العاملة في العراق - يرد خلال الندوة علي تساؤلات أثارها بعض الطلبة حول أسباب دعم إيران لشخص معاد للشيعة مثل الزرقاوي الذي سبق أن اتهمته أوساط قريبة من مرشد النظام علي خامنئي بالضلوع في قتل آية الله محمد باقر الحكيم رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق.
وأوضح سليماني أن تورط الزرقاوي في مقتل الحكيم ليس أمرا مؤكدا، فضلاً عن أن ما يقوم به الزرقاوي حاليا يخدم مصالح الجمهورية الإسلامية العليا، فقيام عراق علماني فيدرالي متعاون مع الولايات المتحدة اخطر بكثير من النظام البعثي السابق، ذلك أن النظام الجديد سيشكل تهديداً حقيقياً للإسلام الثوري المحمدي الخالص وولاية الفقيه.
وكانت المصادر الصحفية قد أكدت أن الزرقاوي انتقل إلى إيران منذ بضعة أشهر بعد أحداث الفلوجة حيث قضى عدة أسابيع في معسكر تابع للحرس الثوري في منطقة مهران على الحدود مع العراق قبل أن يغادرها إلى مدينة بعقوبة العراقية بمساعدة فيلق القدس.
وبحسب المصادر فان فيلق القدس الذي تم تشكيله أواخر عهد الخميني بهدف مطاردة الشخصيات والقوى المعارضة داخل البلاد وخارجها، تغيرت وظائفه وحدود مسؤولياته خلال السنوات الأخيرة، بحيث أصبح اليوم مسئولا عن شؤون العراق وأفغانستان والبلدان العربية والإسلامية في ما يتعلق بالحرب غير المباشرة مع الولايات المتحدة.(32/116)
وكان مسؤول سابق في الفيلق قد كشف بعد هروبه إلى تركيا العام الماضي عن وجود أبو مصعب الزرقاوي في إيران ودخوله إلى الأراضي العراقية قبل أكثر من سنة.. كما أكد عقد لقاء في شهر حزيران الماضي بين الزرقاوي واللبناني الهارب عماد مغنية في احد مقرات فيلق القدس بمحافظة كرمنشاه غرب إيران.
وأشار المسؤول السابق إلى أن مغنية لعب دوراً مؤثراً في تشكل ميليشيا جيش المهدي التابعة لرجل الدين الشيعي مقتدى الصدر وتدريب عناصره في معسكرات داخل إيران مشيرا إلى دخول مقاتلين شيعة من لبنان إلى العراق بزي طلبة العلوم الدينية وانضمامهم في ما بعد إلى جيش المهدي تم تحت إشراف عماد مغنية الذي خضع مؤخراً لعملية جراحية تجميلية خامسة لتغيير ملامح وجهه في مشفى تابع للحرس الثوري بشمال طهران كونه مطاردا من قبل بعض أجهزة الاستخبارات الغربية والعربية منذ عدة سنوات.
عماد مغنية – وفقا للمصدر - احتفظ بصلاته بأيمن الظواهري الرجل الثاني في تنظيم القاعدة رغم صعوبة الاتصال بالظواهري في الآونة الأخيرة.. كما قدم مغنية تقريرا إلى مسؤول استخبارات الحرس الثوري عقب زيارته العراق تحدث فيه عن أهمية توسيع إطار التعاون بين جيش المهدي وجماعة الزرقاوي، نظرا إلى أن مقتدى الصدر يخسر بسرعة رصيده لدى الشيعة العراقيين لا سيما في مدينة النجف حيث لوحظ أن العوائل الشيعية تمنع أبناءها من الانضمام إلى ميليشياته بينما يتعزز رصيده في منطقة المثلث السني.
"القاعدة" في لبنان
نيقوسيا ـ رياض علم الدين
الوطن العربي ـ العدد 1509ـ 3/2/2006(32/117)
.. يبدو أن مخطط التحالف الإيراني ـ السوري قد اتخذ أبعاداً أخطر مما لحظته التقارير الأولية خصوصاً بالنسبة لاستخدام الساحة اللبنانية في خدمة الدفاع عن البرنامج النووي الإيراني والنظام السوري على خطين: خط اتصال جبهة الجنوب والدفع في اتجاه تعبئة الرأي العام الإسلامي برفع شعار المواجهة مع إسرائيل، والثاني التصدي للمشروع الأميركي المعادي لإيران وسورية عبر إشعال الساحة اللبنانية الداخلية وإفشال مخطط إعادة الأمن والاستقرار إلى لبنان. وفي معلومات "الوطن العربي" أن غالبية التقارير ركزت في شكل خاص على الظهور المفاجئ لتنظيم "القاعدة" في لبنان وتحديداً جماعة الزرقاوي.
وعلى الرغم من حالة العداء والكراهية التي بثها الزرقاوي في العراق ضد الشيعة وعملياته الانتحارية التي تستهدفهم، لوحظ أن التقارير الأمنية التي رصدت ظهور "القاعدة" في لبنان وضعت هذه العملية في إطار محور طهران ـ دمشق والتقت عند اتهام سورية وإيران بأنهما تقفان خلف تهديد الساحة اللبنانية بعمليات "القاعدة".
وتوقفت هذه المصادر عند أول عملية تنفذها "القاعدة" ضد إسرائيل عندما جرى إطلاق صاروخي كاتيوشا انطلاقاً من الحدود اللبنانية في أواخر العام الماضي، وسارع يومها تنظيم الزرقاوي إلى تبني هذه العملية، واعداً بعمليات أخرى ستليها ضد إسرائيل فيما حرص في بيان ثان على التأكيد أنها تمت بتعليمات من أسامة بن لادن.
لكن أكثر ما توقف عنده الخبراء الأمنيون هو الموقف الغامض والهادئ نسبياً الذي اتخذه "حزب الله" ليس فقط من العملية بل من ظهور "قاعدة الزرقاوي" في لبنان.(32/118)
وعلى الرغم من محاولة الحزب تبرير حصول عملية الكاتيوشا بعدم سيطرته الكاملة على جنوب لبنان، إلا أن الخبراء التقوا على استبعاد عدم معرفة قيادة الحزب أو أحد أجنحة مسبقاً بدخول "القاعدة" على خط مقاومة إسرائيل فيما يعرف الجميع حرص الحزب على حصر المقاومة به حتى بالنسبة لتنظيمات وأحزاب لبنانية!
ولم يكن العارفون بخفايا علاقة طهران ودمشق بتنظيم "القاعدة" في حاجة إلى أدلة إضافية للتحذير من أن ظهور "القاعدة" في لبنان يأتي ضمن مخطط المحور الإيراني ـ السوري وضمن صفقة سمحت لهذا التنظيم الذي تحاشى استخدام تسمية "قاعدة الجهاد في بلاد الشام" هذه المرة بالدخول شريكاً في تسخين الجبهة مع إسرائيل.
ولم يكن من قبيل الصدفة أن تكون عملية الصواريخ مقدمة للكشف عن بعض خلايا "القاعدة" في لبنان تبين أنهم في غالبيتهم قادمون من سورية أو من المخيمات الفلسطينية وأن "عملياتهم" معدة ضد إسرائيل كما ظهر عند ضبط قارب ملئ بالمتفجرات وأربعة عناصر من "القاعدة" أثناء محاولتهم التسلل إلى إسرائيل انطلاقاً من مخيم نهر البارد في شمال لبنان.
لكن هذا الغموض حول خفايا وأهداف ظهور "القاعدة" في لبنان لم يمنع بعض أجهزة مكافحة الإرهاب من الشك في أن هذا التطور قد حصل بمعرفة "حزب الله" أو بضغط على قيادته.
وفي معلومات خبير في أحد هذه الأجهزة أن قيادة "حزب الله" قد حصلت على ضمانات بأن نقل "القاعدة" إلى لبنان ستظل عملية مضبوطة عبر أجهزة المخابرات الإيرانية والسورية التي تشرف عليها.
وفي اعتقاد هذا الخبير أن هذه الضمانات تشمل حصر لجوء "القاعدة" في المخيمات الفلسطينية والتعهد بأن الهدف من تحريكها هو خدمة المشروع الإيراني ـ السوري وتحريم التعرض للشيعة أو إهدار دمائهم على طريقة ما يفعل الزرقاوي.
مغنية ـ الزرقاوي وأبو محجن!(32/119)
وتضيف المعلومات أن "حزب الله" أبلغ أن عمليات "القاعدة" اللبنانية ستنحصر في هجمات "مضبوطة" في توقيتها ضد إسرائيل وتنفيذ عمليات ضد مصالح ومؤسسات أجنبية في لبنان من السفارات والقنصليات والمطاعم أو الشركات التابعة لدول مواجهة للمحور السوري ـ الإيراني.
وكذلك تنفيذ عمليات اغتيال لشخصيات موضوعة على لوائح سوداء جديدة جرى إعدادها مؤخراً وتتجاوز هذه المرة الشخصيات اللبنانية المعارضة إلى شخصيات أجنبية تمتد من السفراء وممثلي دول "معادية" إلى مندوبين للأمم المتحدة وبعثاتها وصولاً إلى مسؤولين عن منظمات مشبوهة مثل "الوكالة الأميركية للتنمية" التي سبق للزرقاوي أن اغتال مديرها في الأردن قبل سنوات.
اللافت أن الأجهزة الاستخبارية ذهبت إلى أبعد من هذه التطمينات المزعومة في محاولة قراءاتها لرغبة التعايش والمهادنة المفاجئة التي أبداها "حزب الله" تجاه ظهور "القاعدة" في لبنان.
وفي آخر المعلومات المتداولة في أوساط استخبارية أن المخابرات الأميركية أعدت تقريرا حول ظاهرة ظهور "القاعدة" في لبنان انتهت فيه إلى اعتبار عماد مغنية المعروف بأنه مدير جهاز العمليات الخارجية في "حزب الله" مسؤولاً للتنسيق مع تنظيم "القاعدة" في لبنان.
ويزعم هذا التقرير أن مغنية الذي لعب مع المخابرات السورية والإيرانية دوراً في تنسيق إرسال عناصر "القاعدة" من لبنان إلى العراق قد تولى منذ أشهر مهمة الإشراف على إحياء هذا التنظيم في لبنان عبر استمالة الخلايا القاعدية المنتشرة في المخيمات الفلسطينية، وخصوصاً مخيم عين الحلوة في صيدا.(32/120)
ولدعم نظرية اتهام عماد مغنية، ذكر التقرير بأنه كان أول من التقى مع ابن لادن والظواهري في السودان في العام 1996 وأنه استعاد هذه العلاقات بعد انتقاله إلى إيران، حيث التقى برموز "القاعدة" هناك، ومن ثم تزعم الـ "سي آي إيه" أن مغنية الذي انتقل إلى العراق في أواخر العام 2003 قد عمل في بعض المراحل للتنسيق مع الزرقاوي الذي توجه إلى العراق من إيران، وفي الأشهر الأخيرة ورد اسم مغنية كمنسق لتنظيمات فلسطينية متطرفة تنتمي إلى "القاعدة" تنشط داخل مخيم عين الحلوة، وقيل إن هذا التنسيق قاده للاتصال بعبد الكريم السعدي "أبو محجن" زعيم تنظيم "عصبة الأنصار" الذي هرب إلى العراق وبات مقرباً من الزرقاوي.
وهو ما يفسر الخيار المفاجئ الذي اتخذه الزرقاوي لنقل الجهاد إلى لبنان بالتزامن مع المرحلة الجديدة للمحور السوري ـ الإيراني.
وتصل المخابرات الأميركية في تحليلها لما تصفه بالعلاقة الخفية والمستجدة بين "حزب الله" و " القاعدة" عبر عماد مغنية والمخابرات الإيرانية والسورية إلى حد التأكيد أن هذا "التنظيم المشترك" وغير المعلن قد جرى ضمه إلى التنظيمات التي يراهن عليها محور دمشق ـ طهران في المرحلة المقبلة.
وتقدم دليلاً على ذلك أنها حصلت على معلومات تشير إلى أن عماد مغنية حضر بهذه الصفة الاجتماع السري الذي جرى بين الرئيس الإيراني وزعماء الفصائل الفلسطينية المتشددة في دمشق، كما تزعم أنه حضر جزءاً من اجتماع نجاد ـ نصر الله، وتذهب هذه المصادر إلى حد القول إن مغنية قد حضر إلى دمشق ضمن الوفد الأمني الإيراني قادماً من طهران وليس من بيروت.(32/121)
وتضيف أن التطور يعتبر الأخطر بالنسبة لمستقبل الوضع في لبنان خصوصاً إذا ما نجحت المحاولات الجارية حالياً لطرد "القاعدة" من العراق وتأليب المقاومة العراقية ضدها بحيث تتزايد المخاوف من أن تلجأ دمشق إلى منع طرد مجاهدي "القاعدة" إلى أراضيها فتعمل على إرسالهم إلى لبنان، حيث تستمر الاستعدادات لاستقبالهم عبر السيطرة على المخيمات الفلسطينية، وخصوصاً مخيمي صبرا وشاتيلا في بيروت!
أردنيون يتشيعون
صحيفة الأردن 12/2/2006 العدد 501
ثوابت مسكوت عنها
تحدث عراقيون كثر عن ظواهر مسكوت عنها في المجتمع العراقي داخل الأردن، ويتجنب الجميع التحدث العلني عنها ومنها أن السلطات المحلية تسهل المواكب الحسينية لأغراض السياحة لكن بعض المجموعات تسعى لاستغلال المشهد ولديها خطط في هذا الاتجاه... ومن بين القضايا المسكوت عنها شعور العراقي المقيم في الأردن عموما بأن الحكومة الأردنية لا تتفضل عليه عندما تقدم له أي رعاية أو خدمة بسبب حصول الأردنيين لأكثر من عقدين على نفط عراقي مجانا أو بسعر تفضيلي طوال سنوات حكم صدام حسين، أما العدد الأكبر من المسيحيين العراقيين في عمان فيعملون في الأندية والفنادق والمشارب التي أغلقها صدام حسين إبان حملته الإيمانية التي سبقت سقوط حكمه.
الشيعة احتفلوا بعاشوراء
تحت الأرض وليس فوقها وداخل الغرف المغلقة للعراقيين وتحديداً الفقراء وهم الأكثر في عمان يدير العراقيون بهدوء بالغ وبدون إثارة أضواء (حوزتهم) الخاصة بعيدا عن الارتياب وعن أعين السلطات، فالعراقيون في الأردن، وتحديداً في الأحياء الشعبية التي احتلوها بالكامل تقريبا مثل حي (المحطة) الشهير يقيمون كامل طقوسهم الشيعية وكما اعتادوا عليها في جنوب العراق.(32/122)
حامد البياتي، شاب عراقي يقول: ما يفعله أي شيعي في العالم علناً وفي الساحات العامة وفي المجالس والحسينيات نفعله هنا في أماكن تجمعنا في عمان، ونفهم أننا لا نستطيع نقل طقوسنا الموسمية للشارع إلا في حالات نادرة، لكن والحق يقال فإن أحدا لا يتدخل بنا من هذه الناحية.
وفي الواقع لا يقتصر الأمر على البيوت، فوسط العاصمة الأردنية الآن هناك سلسلة مطاعم شعبية مشهورة يتم تصنيفها في القاموس العراقي المسكوت عنه باعتبارها مطاعم عراقية شيعية منها: مطعم العزائم ومطعم تنور الحبايب ومطعم الباشا ومطعم يدعى "كل يوم".
في هذه المطاعم وفي المناسبات الدينية يتجمع الشيعة فيعقدون حلقات الذكر الخاصة بهم، ويتحلقون حول منشدهم ويستمعون لأشرطة الكاسيت الخاصة بنشيدهم، وأحيانا يتم تنظيم حفلات اللطم الشهيرة. ودائما يأتي محسنون عراقيون فيستأجرون المطعم بكامله في المناسبة الدينية، ويأمرون بتوزيع الطعام مجانا حيث يطبخ الطهاة حصريا طبخة الهريسة التي تعتبر الطعام الدائم لأي يوم فيه مناسبة دينية.
وخلال العام الماضي فقط بدأ بعض الشيعة العراقيين بالتسرب تدريجيا لإقامة نشاطات دينية في الساحات العامة القريبة من المدرج الروماني والساحة الهاشمية لكن مع حذر شديد، لكن ما يحصل في المراقد المقدسة جنوبي العراق يحصل في الساحة الرئيسية لقرية مؤتة في مدينة الكرك جنوبي الأردن حيث يتجمع آلاف الشيعة العراقيين والإيرانيين لممارسة طقوس عاشوراء وغيرها بالقرب من ضريح الشهيد جعفر الطيار في قرية مؤتة، وفي هذه المناسبة العلنية تقوم السلطات الأردنية بحراسة المشهد تحت لافتة السياحة الدينية.
ويبدو أن مجموعات شيعية تحاول التنشط وتنظيم نفسها تحت عنوان السياحة الدينية المحلية، واستنادا إلى معلومات خاصة، فالأردن يشهد تحت الأرض حركة تبشير شيعية تنشر أفكار المذهب الشيعي، وتعيد إنتاج القصص وتخاطب بظروف خاصة، ومع كل مظاهر الحذر، مواطنين أردنيين.(32/123)
والأهم أن أدبيات الشيعة، بدأت تنتشر على نطاق أوسع وسط الأردنيين أنفسهم، وبدون أن تلاحظ السلطات ذلك وهناك معلومات لم يتسنّ التثبت منها تشير إلى أن عددا من الأردنيين تشيعوا فعلا وأعلنوا موالاتهم للمذهب الشيعي، خاصة في السلط وغادروا المساحة السنية الوحيدة المتاحة شرعيا في الأردن.
وقال مثقف شيعي يقيم في عمان عن متطلبات التشيع لأي مواطن أردني: المسألة لا تتعدى بكل الأحوال الموافقة على قبول قراءة الأدبيات الشيعية، وإعلان الإيمان ببعض الأفكار المهمة والمركزية، ومشاركة تجمعات الشيعة في عمان بمناسباتهم.
وقال أن هناك مجموعات نشطة شيعيا تتحدث للأردنيين وتعمل بشكل غير علني. وأعرف عدة أشخاص أهمهم اثنان صحافي وشاعر بالإضافة إلى أطباء درسوا في العراق.
ووفقا للمثقف العراقي نفسه فإن المد الشيعي قادم لا محالة لدول المنطقة والأردن من بينها. والحكومة الأردنية لا تستطيع فعل أي شيء ضد المجتمع العراقي الشيعي في المملكة فلو أبعدتهم أو ضايقتهم لما تحمل الأردن التكلفة ولو سمح لهم بالتوسع لأصبح الوضع أخطر مما يتوقع بالنسبة لدولة سنية ومجتمع سني. والحل فقط بما لا تفعله المؤسسات الأردنية مع العراقيين المتواجدين بينها وهو أن تدرسهم فالحكومة الأردنية لم تقم بعد بأي دراسة حول المجتمع العراقي.
ولا يوجد إحصاءات رقمية بخصوص عدد العراقيين في الأردن، فالرقم الرسمي يتحدث عن 500 ألف عراقي والرسمي غير المعلن يتحدث عن 700 ألف، أما بعض التقارير فتتحدث عن مليون عراقي على الأقل يتحركون إيابا وذهابا بين عمان وبغداد ولأسباب غير مفهومة. وفي واحدة من المفارقات أن العراقيين الشيعة في الأردن أكثر كثيراً من السنة.(32/124)
وهنا يشير حماد علي وهو باحث أردني كلف سابقا بإعداد دراسة حول مشاركة العراقيين في الخارج بالانتخابات الأخيرة، فتبين أن من سجلوا في كشوفات الأردن لا يزيد عددهم عن 68ألف مواطن عراقي يحق لهم الانتخاب لكن 17 % فقط من هؤلاء ذهبوا فعلا لصناديق الاقتراع و57 % منهم حضروا اجتماعات انتخابية تخللها الكثير من الطعام والشراب.
وترفض السلطات الأردنية التحدث عن الأرقام الحقيقية للعراقيين في الأردن ولا يوجد لديها سجلات حول عدد السنة أو الشيعة منهم لأن الاستمارة التي يعبئها العرقي عند دخوله المملكة لا تتضمن أية أسئلة حول المذهب. ولذلك يقدر حماد بأن أغلبية العراقيين في الأردن هم حصريا من الشيعة الذين كانوا يسكنون في المناطق السنية أو يختلطون بالسنة في المدن والمحافظات المحاذية للحدود مع الأردن.
وتجار وسط البلد أو قاع المدينة في العاصمة عمان يعرفون أن جميع العراقيات اللواتي يعملن في بيع السجاير على أرصفة وفي أسواق عمان شيعيات بكل الأحوال بدليل أنهن وبدون استثناء يرتدين زي المرأة الشيعية والغالبية الساحقة من العراقيين في الأردن يعملون في قطاع العمال المهرة أو الفنيين من الشيعة سواء العاملين في ميكانيك السيارات أو في صناعة الأحذية وصباغة الجلود.
اللطميات بالصوت والصورة قادمة
ومن هنا يمكن تفهم الحقيقة فالتجول في حي المحطة الشعبي وسط عمان وفي ضاحية الهاشمي المحاذية وقرب الساحة الهاشمية يعني التجول وسط غابة من الشيعة لأن أشرطة الكاسيت المسموعة في المكان خير دليل على ذلك وهي اللطميات.(32/125)
ولأشرطة اللطميات قصة طريفة فهي رائجة على نطاق لا يستهان به وسط الجمهور الأردني، وبسبب الاحتكاك اليومي بالعراقيين دخلت اللطميات البيوت الأردنية، وأصبحت معروضة في محلات الكاسيت، وهذه الأشرطة أصبحت نظرا لرخص ثمنها الهدية الأكثر ثباتا من أي عراقي لأي أردني كما يقول عبد الله القيسي أحد المسؤولين الأردنيين عن تنظيم الدور في كراجات العراقيين. فخزانة الرجل ممتلئة الآن بأشرطة اللطميات بسبب كثرة الهدايا التي تلقاها من هذا النوع.
ويشهد أردنيون كثر أنهم استمعوا لأشرطة اللطميات في سيارات التاكسي والسرفيس، وثمة مجموعة شيعية في عمان تحاول توفير تقنية إلكترونية لبث إذاعة متخصصة بالحماسيات الشيعية، والأهم أن النغمة الأكثر رواجا في وسط العراقيين في الأردن عبر أجهزة الخلوي هي نغمة لطمية خاصة على وزن... آه يا حسين ومصابا.. دمع العين سجابا.. وهي نغمة يتم إهداؤها أيضا للأردنيين عبر الماسيجات.
لأغراض السياحة الدينية تحاول السلطات الأردنية تسهيل المواكب الحسينية التي تأتي من بغداد إلى مدينة الكرك جنوبي البلاد في المناسبات الدينية السنوية، وتحديدا في العاشر من محرم، وتفيد شخصية عراقية بارزة بأن العلاقات العاطفية التي تأسست بسبب الاختلاط بين أردنيات وعراقيين شيعة نتج عنها تشيع عدد من الفتيات الأردنيات السنّيات، ونتج نفس الشيء في طبقة الشبان جراء الاختلاط بالعمل خصوصا وأن شيعة العراق اقتحموا وسط المجتمع الأردني وبهدوء بالغ بحوزاتهم وحسينياتهم وهي مسألة سياسية وأمنية وهناك محاذير معقدة عند مواجهتها.(32/126)
والأهم أن الأسابيع القليلة الماضية شهدت محاولات محسوسة ومباشرة من قبل بعض النشطاء الشيعة في الأردن لخلق تعبيرات علنية عن الهوية الشيعية فبحجة دعم السياحة الدينية أوقفت وزارة الأوقاف الأردنية وباللحظات الأخيرة أول محاولة للسماح ببناء أول حسينية كانت ستقام في الأردن وتحصل على ترخيص بصفتها جمعية خيرية، لكن مراجع القرار في الحكومة تدخلت وسحبت في وقت متأخر ترخيصا كانت وزارة الأوقاف قد فكرت به في مراسلاتها الداخلية.
وتلك كانت بطبيعة الحال أول إشارة على وجود (نشاط شيعي) مدروس يحاول الإفلات، والتعبير عن نفسه داخل الأردن بدلا من البقاء داخل الغرف المغلقة في أحواش حي المحطة، أو في أروقة المطاعم الشعبية الصغيرة، خصوصا وأن العراقيين يوصون أنفسهم خلال التنقل بين عمان وبغداد بإحضار الزنجيل لاستخدامه في المناسبات الدينية. والزنجيل هو مجموعة السلاسل الحديدية المرتبطة بقبضة يد معدنية والتي تستخدم في ضرب الذات وجلدها لتطهيرها وللتأسف على رحيل الإمام الحسين حيث بدأت هذه الزناجيل تظهر في عمان.
محمد الدريني رئيس المجلس الأعلى لرعاية آل البيت بمصر
قناة العربية برنامج نقطة نظام - تاريخ الحلقة: الجمعة 23/12/2005
حسن معوض: مشاهدينا الكرام سلام من الله عليكم ورحمة منه وبركات، لماذا يحتاج شيعة مصر إلى حزب خاص بهم؟ وهل يبرر عددهم الحاجة لمثل هذا الحزب؟ وهل صحيح أنهم يستقوون بالضغط الخارجي على مصر؟ ويستمدون التشجيع التطور الأحداث في العراق؟ وهل يتواصلون مع الشيعة الآخرين في المنطقة؟ أم ينصب اهتمامهم على مصر فحسب؟ ولماذا يطالبون بإعادة الأزهر إلى الشيعة؟
هذه الأسئلة وغيرها نطرحها على ضيفنا من القاهرة محمد الدريني رئيس المجلس الأعلى لرعاية آل البيت، بداية سيد محمد هل لك أن تؤكد لنا ما تناقلته الأنباء من أنكم كشيعة تنوون تشكيل حزب باسم الغدير؟(32/127)
محمد الدريني: بداية أشكركم وأشكر السادة المشاهدين، وأؤكد على ما ذكرناه مراراً وتكراراً أننا لسنا أصحاب الإعلان الحكومي الذي ذكر أننا سوف نتقدم بحزب أسمته الحكومة حزب شيعة مصر، نفينا هذا الكلام وتكراراً، وأعربنا عن مخاوفنا من أن يكون هذا الإعلان مقدمة لاستهدافنا، لكن فيما بعد أشار إلينا بعض الأخوة أن نتعامل مع الأمر بنية صافية، فأعلنا عن حزب الغدير في مواجهة ما أعلنته الحكومة بأهداف غير التي أعلنتها الحكومة.
حسن معوض: هل تقدمتم بطلب رسمي بهذا الشأن إلى الجهات المعنية؟
محمد الدريني: ذكرنا أيضاً أنه حال تأكدنا من وجود نوايا حكومية صادقة فإننا سوف نتقدم بحزب الغدير.
حسن معوض: مع أنكم قلتم بأن هذا الحزب الغدير سيكون حزباً سياسياً، إلا أنه طبعاً الجميع يعلمون بأنكم في المجلس الأعلى لما تسمى برعاية آل البيت يعني أنتم مجموعة شيعية، فهل تتوقع من الحكومة أن تسمح بحزب مثلاً يعني يؤسسه رفاقك وأنت معهم؟
محمد الدريني: لا أعتقد، ولذلك جاء تأكيدنا في رد فعلنا على الإعلان الحكومي خشيتنا من أن تكون مقدمة لحملة اعتقالات تستهدفنا مرة أخرى، ونثق في أن الحكومة التي تقوم بعملية استتابة واسعة للشيعة لن تسمح بحزب شيعي، وهي لا تسمح في العموم لأحزاب إلا لغرض ما في نفسها.
حسن معوض: هي لا تسمح حتى ندقق سيد محمد لا تسمح لأي حزب ديني، على أية حال يعني هناك من يتساؤلون هل تعتقد بأن عدد الشيعة في مصر يبرر يعني إقدامهم على تشكيل حزب خاص بهم؟
محمد الدريني: أخي أعود فأذكر مرة أخرى أننا لسنا أصحاب الإعلان ولكن..
حسن معوض: نحن نتحدث عن ما قلته الآن سيد محمد بأنكم تنوون تشكيل حزب باسم الغدير ليس ما قالته مجلة روز اليوسف..(32/128)
محمد الدريني: هذا صحيح نعم، نعم، نعم وذكرت لك أسباب إعلاننا لهذا الحزب، المسألة لا تتعلق بتعدادنا سواء الذي ذكرته الخارجية الأمريكية أو الذي يقول به الأمن، وإنما من حق أي جماعة لها مطالب ولها حقوق أن تطالب بها، وليس للشيعة في مصر إطار يستطيعون النضال من أجله لتحقيق ما يصبون إليه..
حسن معوض: وهو؟ إلى ماذا يصبون سيد محمد الشيعة في مصر؟
محمد الدريني: أخي إحنا من حقنا أن تكون لنا أماكن للعبادة، ومن حقنا أن تكون لنا حريتنا في أن نعلن ما نعتقد، ومن حقنا ألا تُداهم بيوتنا مساءً، ومن حقنا أن لا تُصادر كتبنا، ومن حقنا أخي الكريم أن تكون لدينا حسينيات، من حقنا ألا..
حسن معوض: هل تقول سيد محمد حتى نختصر، هل تقول بأنه لا توجد لديكم حسينيات؟ وهل تقول بأنكم لا تتمتعون بالحرية لكي تؤدي العبادات كالشيعة هل تقول هذا؟
محمد الدريني: نعم أية حرية هنا! أية حرية تتحدثون عنها ونحن تُداهم بيوتنا في كل مكان في مصر، ونُعتقل ونُعذب ويطلق علينا كفرة من جانب الحكومة، ويتم توصية المعتقلين السياسيين من أطياف الحركة الإسلامية الأخرى للتحريض ضدنا كوننا شيعة كفار، من أين لنا؟ الحكومة..
حسن معوض: سيد محمد أليس المرجع في هذه القضية مثلاً هو أعلى مثلاً هيئة دينية في البلد، أنت تتذكر بأن شيخ الأزهر في حينه محمود شلتوت قد أفتى بجواز التعبد على مذهب الشيعة أليس كذلك؟ هل هناك يعني هيئة أكبر من هذه الشخصية حتى تؤكد يعني الاعتراف بكم؟
محمد الدريني: هذا الأزهر أيام ما كان الأزهر فاطمي، أما الآن الأزهر بوضعه الحالي الجميع كان يعلم أنه..
حسن معوض: يعني هل كان الأزهر دقيقة هل كان الأزهر فاطمياً أيام محمود شلتوت؟(32/129)
محمد الدريني: بمعنى أدق فاطمياً لم يكن يُدرس في مناقب يزيد على الأقل قاتل الحسين، الأزهر بوضعه الحالي يُكّن العداء للشيعة، ويظهر ذلك من خلال تصريحات كثيرة جداً، وأنا شخصياً.. ذات مرة نشرت مجلة نقابة الأشراف عدد خاص استضافت فيه عدد كبير من أساتذة الأزهر من أصدقاء الدكتور أحمد عمر هاشم نائب نقيب الأشراف ليحكموا علينا بالكفر، ويقومون بحملة تحريض واسعة ضدنا، وهذا الأمر نواجهه كثيراً، سيدي الفاضل الأزهر ليس كما يعتقد البعض الأزهر حتى يدرس المذهب الشيعي من باب الانتقاد..
حسن معوض: سيد محمد يعني إذا لم يكن يكفيك ما قاله محمود شلتوت، هل توافق أيضاً على أن الشيخ علي جمعة وهو مفتي مصر في الواقع في رده على ما أثارته لجنة الحريات الدينية الأميركية قال: بأن مذهب الشيعة معترف به في مصر فأين المشكلة؟
محمد الدريني: المشكلة حين أكد ذلك الدكتور علي جمعة كنا في المعتقل وكنا نعذب، ونحن مطروحين على الوسادات المبللة بالماء والكهرباء، كان يتحدث حينها وإخواننا يتم تعليقهم في السقف في الأسقف ويتم كهربتهم بوحشية، الدكتور علي جمعة الذي صرح مؤخراً بأن عدد الشيعة في مصر 143 لا أدري من أين جاء بهذه الإحصائية..
حسن معوض: وأنت ماذا تقول ما هو الرقم سيد محمد الدريني؟ ما هو رقم الشيعة في مصر حسب معلوماتك أنت؟
محمد الدريني: يا أخي هذا الكلام استمر أكثر من شهرين وأنا معصوب العينين حافي القدمين مكبل اليدين في أمن الدولة وهم يسألون..
حسن معوض: لا لا نحن نسأل سؤالاً محدداً سيد محدد ما هو عدد الشيعة في مصر حسب تقديراتك أنت؟(32/130)
محمد الدريني: يا أخي أنا لا أتحدث من تقديراتي فأنا ليست لدي أدوات لأستطيع أن أحصر بها الناس، والناس على النحو الذي نذكره كثير منهم لا يفصح عن هويته، تقرير الخارجية الأميركية يقول أنهم 1% أي 750 ألف، أمن الدولة كانوا يقولون لي أن من بين عشرة ملايين متصوف في مصر فيه مليون على الأقل، ويقوم باتهامنا بأننا نتواصل مع هؤلاء الناس، ويطلب منا معرفة تجمعاتهم، أخي الكريم نعم..
حسن معوض: أليس المجلس الأعلى لرعاية آل البيت يعني يمثل الشيعة في نهاية المطاف فيجب أن تعرف الرقم، كيف تقول أنك لا تعرف الرقم في هذه الحالة عدد الشيعة في مصر؟
محمد الدريني: سيدي الفاضل المجلس الأعلى لرعاية آل البيت وعاء يضم قوى مختلفة، أولها السادة الأشراف وتعدادهم 6 ملايين وليس كما يقول النقيب الأشراف عشرة ملايين عندما يبايع رئيس الجمهورية هذا شيء، الشيء الثاني هو وعاء أيضاً يضم الشيعة ويضم المحبين لآل البيت من غير السنّة، أيضاً به لجنة أحباء المسيح، فليس هدفنا أن نحصر الناس، ولكن هدفنا أن نقوم بواجباتنا تجاه نصرة هذا الدين من واقع ما نعتقد أنه الصواب.
حسن معوض: سيد محمد أريد أن أواصل معك ما كنت تتحدث عنه بشأن الأزهر، في الواقع أنت قلت بأن الأزهر يديره الآن أو قد أصبح الآن حسب ما قلت يعني عريناً لأكلة الأكباد، ولم يعد أزهراً فاطمياً يؤدي الهدف الذين أنشأ من أجله، بداية من هم أكلة الأكباد يا ترى يا سيد محمد الدريني؟
محمد الدريني: نحن نطلق على كل أعداء آل البيت سلام الله عليهم هو حزب ابن آكلة الأكباد، هند أم معاوية قاتل الإمام الحسن، وجدة يزيد قاتل الحسين، نعتبر كل الذين يوفون لهم هم يغدرون بآل البيت، فالوفاء لأهل الغدر غدر، والغدر بأهل الوفاء غدر..
حسن معوض: يعني هل تقول بأن على الأزهر ألا يدرس أي شيء عن معاوية بالذات مثلاً؟(32/131)
محمد الدريني: ولماذا لا تدرسون عن آل البيت عن الفاطميين الذين أنشأووا هذا الأزهر من باب الحياد حتى، لن نقول من باب..
حسن معوض: هل تقول بأنهم لا يدرسون في الأزهر عن الفاطميين أيضاً؟
محمد الدريني: أي تدريس عن الفاطميين، لم ندرس في الأزهر إلا قتلة آل البيت والأوفياء لهم، ومن لعنوا آل البيت..
حسن معوض: ولكنك لم تجب سيد محمد ألا يدرس أي شيء عن موضوع الفاطميين مثلاً في مصر في الأزهر؟
محمد الدريني: هو يدرس مذهب الإمام جعفر الصادق عليه السلام يدرس من باب الانتقاد، هناك بعض الإخوة الموجودين في جامعة الأزهر كالشعرة البيضاء في رأس سوداء الذين يقومون..
حسن معوض: يعني أنت تعترف في الواقع سيد محمد تعترف بأن الأزهر في نهاية المطاف يدرس يعني الموضوعين موضوع المذهب السني والمذهب الشيعي أليس كذلك؟ بغض النظر عن أسلوب التدريس في النهاية ألا تريد أن تسمع الرأي الآخر؟
محمد الدريني: سيدي الفاضل هو يدرس السنة نعم لكن يدرس الشيعة من باب الانتقاد تمام، وفيه حقائق كثيرة جداً لا أستطيع ذكرها..
حسن معوض: كيف يأتي هذا الانتقاد سيد محمد لو سمحت تشرح لنا في عجالة كيف يأتي هذا الانتقاد؟ يعني كيف يدرس بشكل انتقادي كيف؟
محمد الدريني: ينتقدون المذهب الجعفري في فقهه وفي عباداته، يوجهون إليه انتقادات قد لا يكون لها أساس من الصحة، ثم يا أخي تعالى هنا أليس المذهب الجعفري هو أستاذ المذاهب الأربعة؟ أليس من باب أولى أن يكون المذهب الخامس ويُفتح الأزهر ومن حق أي طالب يدرس في الأزهر أن يختار مذهب الإمام الجعفري؟ الإمام جعفر الصادق بدلاً من أن يكون الاختيار محصور في الأربعة فقط فأين، عندما..
حسن معوض: سيد محمد هل تعني بأنه لذلك أخذتم تطالبون بإعادة الأزهر إلى الشيعة يعني أنتم ستفعلون يعني ستكونون في إدارة أفضل للأزهر لو تسلمتموه أنتم كشيعة؟(32/132)
محمد الدريني: أخي الفاضل أرجو أن لا يكون هناك لبس، نحن طالبنا باستعادة الأزهر لكي يكون منارة، يعود إلى سابق عهده في نشر الإسلام البعيدة عن العنف والتطرف والغلو، الداعي إلى التسامح والتآخي والتضامن..
حسن معوض: يعني هل تقول بأن الأزهر الآن ينشر الإسلام الداعي إلى التطرف والعنف هل هذا ما تقوله؟
محمد الدريني: عندما تكون هناك ينابيع فكرية تحرض على العنف وتأخذ منه سبيلاً بلا شك هو كذلك، ثم يا أخي نحن لسنا كالإسماعيليين الذي نشرت عنهم الصحف الحكومية..
حسن معوض: هل لك أن تعطينا مثالاً على تدريس العنف والتطرف سيد محمد في الأزهر كما تقول؟
محمد الدريني: يا أخي الفاضل الينابيع الفكرية التي يأخذ منها البعض والتي ترجمت من خلال تيارات عنف كثيرة، ترجع أصولها إلى شخصيات معينة هي تدرس في الأزهر، ثم تعالى أرجو أني أعود لنقطة معينة الشيعة الإسماعيليين هم الذين يطالبون باستعادة الأزهر، ليس الشيعة الاثنى عشرية ويمكن الصحف الحكومية..
حسن معوض: يعني أنتم يعني حتى نكون دقيقين أنتم لا تطالبون باستعادة الأزهر حتى نتوصل إلى نقطة نهائية؟
محمد الدريني: لا نحن نطالب بأن يكون الأزهر للجميع منارة نعم.
حسن معوض: طيب، يعني دعني أعود إلى موضوع يعني تشكيل الحزب وما إلى ذلك، هناك من يقولون وفي الواقع عندما أُعلن في مجلة روز اليوسف بأنكم تنوون تشكيل حزب اسمه شيعة مصر الأمر الذي نفيته الآن ونفيته من قبل، فإن المرشد العام للإخوان المسلمين في الواقع رحب يعني بتشكيل مثل هذا الحزب، كيف تفسر ترحيبه هذا؟ أليس هذا لكي يصبح لديه مبرراً أيضاً هو لكي يطالب بحزب من ناحيته؟(32/133)
محمد الدريني: الإخوان المسلمين يناضلون من 1927 بقى لهم 80 سنة يناضلوا، هناك أكثر من اتجاه موجود في الساحة يطالب بأحزاب دينية زي الوسط والشريعة حتى المسيحيين تمام، هناك أكثر من جهة سواء كانت إسلامية أو مسيحية تعد أوراقها وتستعد وتتأهب لوقت يسمح فيه بإنشاء مثل هذه الأحزاب، الإخوان المسلمين من الطبيعي أن تكون تصريحاتهم على هذا النحو، سواء لكسبنا أو من أجل أن يردوا رداً مباشر على الحكومة بأننا لا نخشى من تواجد الشيعة.
حسن معوض: طيب سيد محمد دريني يعني هناك من يقولون ما دمتم يعني تؤكدون بأنكم مسلمون، صحيح أنكم يعني أحد المذاهب ولكنكم في نهاية المطاف مسلمون، يعني لماذا مثلاً هذا ما يتسائله البعض لماذا لا تعتبرون مثلاً تنظيم الإخوان المسلمين بوتقة لجمع المسلمين وأنتم على علاقة طيبة حسب ما نفهم من كلامك معهم أليس كذلك؟
محمد الدريني: سيدي الفاضل نحن ننطلق من نقاط اتفاق، لهم ينابيعهم الفكرية ولنا ينابيعنا الفكرية، نحن فقط لا غير لنا دعوة في المجلس الأعلى لرعاية آل البيت، وهو أن نلتقي من نقاط الاتفاق ولا نناقش القضايا الخلافية التي بيننا، فيما يخص في حالة الإخوان المسلمين وحالتنا في الوقت الراهن في أننا نواجه ظلم شديد واضطهاد شديد وتعذيب، نواجه أهوال هنا هذا من ناحية، أما من ناحية أننا سوف ننضم إلى الإخوان المسلمين في حال السماح لهم بحزب فمن المؤكد أنه حال سماح بأحزاب السماح لأحزاب دينية فسوف يكون لنا نصيب، إلا إذا كان هناك السماح بأحزاب دينية سنية فقط هنا..
حسن معوض: هل تقول بأن الإخوان المسلمين يتصرفون كمسلمين سنّة؟
محمد الدريني: من المؤكد وهذا يترجم في كل تصرفاتهم، ولكن القدر السياسي الذي يتعاطوه مع الآخرين لكسبهم أو تحييدهم، أو ما تتطلبه التحالفات الجبهوية هذا شيء آخر، لكن هم يشعرون ونحن نشعر.(32/134)
حسن معوض: سيد محمد أريد أن أظل في إطار يعني علاقاتكم الداخلية والخارجية، يعني هناك من قال في حينه بأن فكرة تأسيس حزب للشيعة في الواقع طرحها عليكم يعني الدكتور سعد الدين إبراهيم الداعية داعية حقوق الإنسان المصري المعروف، هل لك أن تؤكد هذا مثلاً؟
محمد الدريني: هذا غير صحيح بالمرة وأصدرنا نفي على ذات الصحيفة التي أعلنت عن الحزب، لكن هذا الإعلان جاء عقب أن كتب عنا الدكتور سعد الدين إبراهيم مقال في صحيفة يومية عن الاضطهاد الشيعي، فكان الرد عليه في اليوم الثاني لوصمنا نحن، لكن الدكتور سعد الدين إبراهيم نكن له كل حب وتقدير، ذكروا أنني التقيته وأنني قمت بالتنسيق معه، علماً بأنني لم ألتقي الدكتور سعد إلا لأوجه له الشكر على ما قام به..
حسن معوض: إذن تؤكد سيد محمد دريني بأنك التقيت بُعيد المقالين في الواقع حينما يتحدث عن اضطهاد الشيعة في مصر التقيت بالدكتور إبراهيم، في الواقع فعن ما تحدثتم إذن يعني إذا لم تتحدثوا عن وضع الشيعة مثلاً؟
محمد الدريني: أنا التقيت الدكتور سعد الدين إبراهيم كغيره من الذين قاموا بالدفاع عنا أثناء اعتقالنا وتعذيبنا في معتقلات مبارك، لم نتطرق من قريب أو من بعيد عن حزب للشيعة أو عن المجلس الأعلى لرعاية آل البيت.
حسن معوض: طيب سيد محمد هناك من يقولون في الواقع بأنكم يعني كأقلية إن أحببت أن تسموا أنفسكم، يعني تستقوون بالضغوط الخارجية التي تتعرض لها مصر يعني لسبب أو لآخر تذكر في هذا المجال، مثلاً لجنة الحريات الدينية الأميركية، هل توافق على ذلك أنكم تستمدون العون ربما والتشجيع من هذه المنظمة؟(32/135)
محمد الدريني: يا سيدي الفاضل هذا حديث المفلسين الذين يوصمون الآخرون المختلفين معهم دوماً بهذا الكلام، يا سيدي الفاضل نحن لم نلجأ إلى أميركا ولم نستقوي بها، أمرنا مرتبط بحالة استمرار الفساد والاستبداد، حال انتهاء الفساد والاستبداد من بلادنا سوف يأخذ كل ذي حق حقه، نحن متأكدون من ذلك، نحن حالنا كباقي حال الشعب المصري مسلمين وأقباط، حال زوال هذا القهر والضيم والإذلال الذي نعيشه فمن المؤكد أننا سوف نحصل على حقوقنا..
حسن معوض: سيد محمد ثمة من يقولون أيضاً بأنكم ربما أيضاً تستمدون التشجيع والحافز من يعني صعود نجم الشيعة في العراق نتيجة التطورات الأخيرة أليس كذلك أيضاًَ؟
محمد الدريني: هذا غير صحيح بالمرة أخي لأن إحنا بدأنا نشاطنا من آخر التسعينات، وكانت لنا صحيفة، ولنا أدبيات ولنا مؤتمرات ولنا لقاءات كثيرة جداً قبل أن يصل الشيعة إلى الحكم..
حسن معوض: ولكن هل توافق على أن صوتكم قد ارتفع أكثر من ذي قبل بعد التطورات الأخيرة في العراق؟
محمد الدريني: أين ارتفع أخي وإحنا كلنا في المعتقلات لم نخرج إلا من فترة بسيطة جداً، عندما صعد الشيعة أين كنا نحن، وأين نحن الآن نحن الآن جريدتنا مغلقة..
حسن معوض: طيب سيد محمد هل توافق على أن هناك تنسيقاً بينكم وبين الشيعة في بقية أرجاء المنطقة العربية إن أحببت؟ هل هناك تنسيق؟
محمد الدريني: نحن نتمنى أن يكون هناك تنسيق لا يوجد تنسيق الآن، لكن نحن نتمنى أن يكون هناك تنسيق.
حسن معوض: طيب في المقابل يعني هل مثلاً أنتم كشيعة يعني تهتمون أو تتعاطفون مع القضايا المحلية للشيعة في الدول الأخرى في المنطقة؟ أم أنكم تصبون اهتمامكم في مصر ونقطة على السطر كما يقولون؟(32/136)
محمد الدريني: أولاً نحن فعلاً نهتم بالداخل، لكن يؤلمنا ومن الطبيعي أن نتحرك ويكون لنا موقف عندما نجد من يبتهلنا بقتل الشيعة في العراق أو في أي مكان آخر، لا بد لا نملك إلا أن نتعاطف معهم ونعطي لهم موقفاً، الذي هو في أيدينا، لكن كما ذكرت اهتمامنا بالدرجة الأولى في الساحة الداخلية.
الدريني: إيران تساعد خصوم المجلس الأعلى لرعاية أهل البيت .
حسن معوض: طيب في المقابل في الواقع في يعني في ردكم على القول بأنكم تستمدون أيضاً المساعدة والمساندة من إيران، قلتم أنكم لا تستمدون هذا العون ولا المساعدة، قلت بالذات أنت في الواقع أن إيران تساعد خصوم المجلس الأعلى لرعاية أهل البيت، من هم خصوم المجلس الأعلى لرعاية أهل البيت؟
محمد الدريني: بداية أخي أنوه إلى نقطة هامة جداً عندما أتحدث عن إيران فأنا لا أتحدث عن إيران الرسمية كدولة ونظام، ولكن أتحدث عن مرجعيات موجودة في إيران ليس لها علاقة بالجانب الرسمي، هؤلاء المراجع العظماء يتواصلون مع شخصيات نعتقد أنهم معارين لضرب التشيع في مصر، وهؤلاء هم الذين آذونا وما زالوا يلعبون أدواراًَ سيئة تسيء إلى الشيعة، أخي الفاضل لك أن تعلم أن أي شيعي يتم اعتقاله أو معرفة هويته يتم التشديد عليه بعدم التحدث بالمذهب الشيعي.،
حسن معوض: على ذكر الشيعة وإيران سيد محمد الدريني يعني أريد هذه نقطة هامة وأرجو أن توضحها لنا، هل أنت يعني مع المؤيدين لما يسمى بمبدأ ولاية الفقيه؟
محمد الدريني: أتصور أن هذه نقطة حُسمت عندنا منذ فترة وهي أننا لا نحبذ ولاية الفقيه.
حسن معوض: لا تحبذ ولاية الفقيه لماذا؟
محمد الدريني: لأسباب واعتبارات تتعلق بنا نحن كحركة هنا في مصر.(32/137)
حسن معوض: طيب أخيراً وفي عجالة، أنت قلت في إحدى المراحل في الواقع بأنكم يعني الحملة لنشر المذهب الشيعي وتحويل السنة إلى شيعة، قد يعني أحدثت دوياً كبير إلى حد أن بعض الشيوخ السنة في الواقع يعني أصدروا كاسيتات تحذر السنة منكم، وقلت في الوقت الذي يعني أريد أن أستخدم عبارتك يعني "صوّب الكثيرون وضعهم فالتحقوا بالمذهب الشيعي" هل تقول بأنهم كانوا على خطأ ثم أصبحوا على حق؟
محمد الدريني: هم ارتأ لهم ذلك، وبدليل أنهم صوبوا أخطائهم وهي شخصيات كبيرة، ومنهم قضاة زي الدمرداش، ومنهم أطباء كبار أساتذة في الجامعات زي احمد راسم ومنهم مفكرين وأدباء أسماء كثيرة جداً.
حسن معوض: يعني أنت تؤكد أنهم كانوا على خطأ فصاروا على صواب أليس كذلك سيد محمد حتى ننهي هذه النقطة؟
محمد الدريني: هم الذين يقولون ذلك.
حسن معوض: وأنت قلت ذلك في تصريح للعربية دوت نت، على أية حال إذن في ختام هذه البرنامج أشكر ضيفنا محمد الدريني .
الأسد يزأر في الغابة الأميركية!
محمد المليص
الوطن العربي ـ العدد 1509ـ 3/2/2006
كادت الدمعة أن تذرف وجماهير المحامين العرب يهتفون تأييداً لخطاب التحدي والسيادي العربي من المحيط إلى الخليج للرئيس السوري بشار الأسد.
إن خطاب الأسد جعلنا نتخيل أنه فعلاً أسد يزأر في غابة أميركا والغرب الممتلئة بالوحوش الضخمة مثل فرس النهر والغوريلة ووحيد القرن الهادفين إلى عزل الأسد حتى يجوع ليسهل صيده وليكون عبرة لمن يعتبر. إنه موقف لا يحسد عليه وخاصة أن لكل نظام عربي نصيباً من شراسة أميركا والغرب. ناهيك عن الضعف الداخلي الذي سببته الأنظمة العربية بسبب فسادها وعدم عدالتها مع شعوبها.
لكن كي يكون هذا الزئير فاعلاً ومؤثراً في الجماهير العربية والإسلامية، فلابد من مطالبة الأسد بالنقاط التالية:(32/138)
أولاً: إعادة بناء النظام السوري بحيث تسهم جميع الأطياف السياسية في السلطة بما في ذلك الإخوان المسلمون وغيرهم. إن استبعاد أي طيف سياسي من السلطة لا يخدم إلا أعداء الأمة والوطن. على الأسد ألا ينسى أنه قبل أن يرفع الإخوان المسلمون السلاح في وجه النظام، أرهب النظام كل شاب يصلي أو يذهب إلى المسجد أو يلتحي أو حتى ينتمي إلى عائلة متدينة.
لقد أبعد الشباب المتدين عن الوظائف وجوّعوا وأهينوا وسجنوا. وأعظم من ذلك لقد صدر قرار بعدم السماح للبنات بالحجاب داخل المدارس وذلك في بلد هو معقل الإسلام وعاصمة الدولة الأموية. عند ذلك اضطر الإخوان المسلمون لشهر سيوفهم في وجه نظام يرهب كل متدين حتى الذين لا يعرفون شيئًّا عن الإخوان المسلمين وفقط لأنهم متدينون. لكن النظام كان مجرماً ليس مع الإخوان المسلمين فقط ولكن مع أحياء سكنية كاملة حيث هدمت البيوت والمساجد على رؤوس الأطفال والمسنين. إن ذلك الإجرام لا يختلف شيئا عن إجرام الصهاينة مع الفلسطينيين.
ثانياً: إن استئثار ماهر الأسد وصهر الأسد وأقارب الأسد وأصحاب الأسد بالكثير من المناصب السياسية المهمة الحساسة هي إهانة لكل مواطن سوري. إذا كان بشار الأسد لا يثق إلا بأقربائه فعليه أن يرحل لأنه لا يفخر شعب برئيس لا يثق إلا بأقاربه.
حتى يكون زئير الأسد اليوم فاعلاً ومؤثراً، على الأسد أن يعزل فوراً ماهر الأسد وآصف شوكت وغيرهما من الأقارب ويحاسبهم على أي تجاوزات ويعين مواطنين سوريين آخرين. إن الوطن ليس حكراً على أسرة أو قبيلة أو طائفة. إذا كانت دول الخليج ورثت عبء القبلية غير المنصف وأنتجت أنظمة مريضة، فإنه ليس مبرراً لأي نظام عربي آخر أن يؤسس نظاماً قبلياً أو طائفياً مريضاً.(32/139)
ثالثاً: ماذا ينفع زئير الأسد والرشاوى وسرقة أموال الشعب منتشرة في كل مؤسسات الدولة. يا ترى ماذا يضير النظام لو سجن كل شرطة المرور الذين يرتشون؟ وماذا يضير النظام لو فصل أساتذة الجامعات المرتشين ونشرت صورهم في الصحف الرسمية؟ وماذا يضير النظام لو طبق نظام عدم التدخين في الأماكن العامة وبصرامة؟ وماذا وماذا وماذا.
عذراً سيادة الرئيس بشار الأسد. كمواطن سوري، وأعتقد جازماً أن رأيي هذا يمثل رأي الملايين السوريين والعرب بشكل عام، لكن ماذا تنفع الخطابات الصادقة وهناك أيد داخلية تهدم الوطن والأمة وأنت قادر على لجمها خلال أربع وعشرين ساعة فقط. كم هي نسبة السوريين الذين يعارضون زج المرتشين في السجون ونشر صورهم في الصحف؟ كم هي نسبة السوريين الذين يرفضون استبدال أقاربك من المراكز الحساسة بمواطنين آخرين؟ مَن مِن السوريين يرفض تطبيق قانون منع التدخين في الأماكن العامة؟ مَن مِن السوريين يرفض تطهير الجامعات والقضاء وكل قطاعات الدولة من الخونة الفاسدين المرتشين؟
التحالف الخطأ !
صالح القلاب صحيفة الرأي 21/2/2006
ربما ليست هي مجرد صدفة أن تتزامن زيارة زعيم حركة «حماس» خالد مشعل الى طهران مع أول جلسة يعقدها المجلس التشريعي الفلسطيني الجديد الذي فازت هذه الحركة بغالبية أعضائه ثم وربما أيضا ليست هي صدفة ان يرفض فاروق القدومي ( أبو اللطف ) المقيم في تونس كل مناشدات زملائه في حركة «فتح» له ويصر على الذهاب الى إيران في هذه الفترة ذاتها... وهذا يشير الى ان هناك إتفاقا مسبقا على هاتين الزيارتين.(32/140)
لقد تقصد خالد مشعل ان يذهب الى طهران في يوم إنعقاد المجلس التشريعي الجديد ، الذي شدد الرئيس الفلسطيني محمود عباس ( أبو مازن ) أمام أعضائه على ضرورة التمسك بعملية السلام بكل محطاتها وإتفاقاتها وما ترتب عليها من إلتزامات ، ليقول أي زعيم «حماس» لكل من يهمه الأمر ان عمقه وعمق حركته ، التي إنتقلت من خنادق المعارضة الى مقاعد الحكم ، وصل الى أصفهان ولم يعد يقف عند حدود الضفة الغربية وغزة.. وهذا الكلام كان قاله أبو عمار ، رحمه الله ، عندما زار إيران بعد إنتصار ثورتها في مثل هذه الأيام من العام 1979.
ولقد تقصد أبو اللطف ان يرفض نصائح زملائه له وأن يذهب الى طهران من أجل الغاية ذاتها ومن أجل أن يشعر مناوئيه في حركة «فتح» أولا بأن حلفه أقوى وأهم من حلفهم وأنه متحالف مع حركة «حماس» إذا كان هؤلاء المناوئون يريدون إفشالها وبالطبع فإنه مثل خالد مشعل سيطلب من نظام آيات الله ان يسد ثغرة العقوبات الاقتصادية التي فرضتها إسرائيل والولايات المتحدة على الفلسطينيين بعد فوز حركة المقاومة الإسلامية في الإنتخابات الأخيرة.
والواضح تمام الوضوح ان إيران ، المنخرطة في مواجهة شرسة وعنيفة بالنسبة لموضوع القدرات النووية ، تريد مثل هذه الزيارات وأكثر منها والمعروف أن الإيرانيين بعد توقف حرب الخليج الأولى في العام 1988 بدأوا يتحركون تحركا مدروسا لتوسيع إطار نفوذهم في المنطقة والمعروف أيضا ان سقوط نظام صدام حسين قد فتح لهم الأبواب على مصاريعها في هذا الإتجاه وجعلهم لا يخفون إصرارهم على أنهم لاعب رئيسي في الشرق الأوسط لا يجوز تجاوزه وبخاصة بالنسبة لحل القضية الفلسطينية.(32/141)
إنه لا ضير في كل هذا... فالسياسات بالأساس تقوم على تلاقي المصالح فزعيم «حماس» خالد مشعل له ولحركته مصلحة في ألا يظهر بلا حلفاء في مرحلة الإنعطاف التاريخي هذه وأبو اللطف الذي بقي يشعر أنه خارج دائرة الفعل الفلسطيني ، حتى بعد رحيل ياسر عرفات وبعد ان أصبح رئيسا لحركة «فتح»، يرى أن مسألة التحالف مع حركة المقاومة الإسلامية ومع إيران ومع سوريا وهي مسألة حياة أو موت ولذلك فإنه رفض كل مناشدات ونصائح زملائه له وأصر على زيارة طهران الآن وفي هذه الفترة.
إن كل هذا مفهوم من الناحية التكتيكية أما من الناحية الإستراتيجية فإنه ليس في مصلحة الشعب الفلسطيني ولا في مصلحة قضيته ان يأخذ خالد مشعل حركة «حماس بعد ان إنتقلت من خنادق المعارضة الى مواقع الحكم الى حلف مع إيران فإيران دولة ينظر إليها العالم على أنها دولة مارقة وتعتبرها الدول العربية كلها ، بإستثناء سوريا ، دولة لا يمكن الإطمئنان الى تطلعاتها ولذلك ولأن الفلسطينيين يجب ان يكونوا بعيدين عن إستقطابات هذه المنطقة وتمحوراتها فإنه لا يجب إقحامهم في حلف مع نظام آيات الله وبخاصة في هذه المرحلة الدقيقة والحساسة.
حتى لو أبدت إيران ، التي تعيش بحبوحة الطفرة النفطية الجديدة وتصرف بسخاء لتحقيق تطلعاتها الإقليمية ، إستعدادا لمواجهة العقوبات الإقتصادية التي تفرض الآن على الفلسطينيين وسلطتهم الوطنية فإن المشكلة تبقى هي الكيفية التي ستصل فيها أي مساعدات مالية إيرانية الى الضفة الغربية وغزة في ظل المراقبة الإميركية المحكمة لكل فلس يتحرك من بنك الى بنك آخر في كل الكرة الارضية والمراقبة الاسرائيلية الأكثر إحكاما على كل حركة الأموال في الاراضي الفلسطينية.(32/142)
ليفعل أبو اللطف ما يشاء فمشكلته مشكلة ذاتية وشخصية أما بالنسبة لحركة «حماس» التي لم تعد منظمة معارضة فإنه عليها بعد ان إنتقلت الى مواقع الحكم ان تدرس التاريخ الفلسطيني دراسة جيدة وذلك لتتأكد من أن جزءا من مأساة القضية الفلسطينية سببه إنحياز بعض قادتها التاريخيين وفي مقدمتهم الحاج أمين الحسيني وأحمد الشقيري وياسر عرفات أيضا في بعض الأحيان الى المحور الخطأ وفي الوقت الخطأ!!.
فلسطينيي بغداد
غزة – دنيا الوطن
طالب رجل الأعمال الفلسطيني عبد الكريم درويش قيادة حماس ببحث ملف التنكيل بالفلسطينيين في العراق خلال زيارته لطهران والعمل على وقف الاعتداءات عليهم بالقتل والاعتقال والتشريد من قبل قوات بدر وحزب الدعوة .
وقال درويش في تصريح صحفي لدنيا الوطن :" إن قيادة الشعب الفلسطيني ممثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية كانت أول دولة تبارك نجاح الثورة الإيرانية والسفارة الفلسطينية كانت السفارة الأولى في إيران بعد زوال عهد شاه إيران والشهيد القائد ياسر عرفات كان أول زعيم عربي يجتمع بالمرحوم الخميني . وشاءت الأقدار أن يصبح لإيران نفوذ معروف في العراق بعد سقوط بغداد , وللأسف استهدف الفلسطينيين في العراق بالتنكيل والقتل والتعذيب على يد تنظيمات شيعية موالية لإيران مثل قوات بدر وحزب الدعوة وتنظيمات شيعية أخرى , وتدار هذه التنظيمات من قبل وحدات خاصة إيرانية " .
وتساءل درويش : " كيف تكون ايران الداعم الإستراتيجي لحركتي حماس والجهاد الإسلامي والشعب الفلسطيني حسب التصريحات الإيرانية التي نسمعها يومياً وفى الوقت نفسه تطلق يد فيلق بدر والتنظيمات الشيعية المسلحة في العراق ضد الفلسطينيين , هذا تساؤل نأمل من الأخ خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس أن يطرحه على الرئيس الإيراني خلال مباحثاته مع القيادة الإيرانية فى طهران " .(32/143)
وأضاف درويش : " أين العلاقة الاستراتيجية التي يتحدث عنها الاخوة الإيرانيين مع الشعب الفلسطيني في ظل حرمان اهلنا الفلسطينيين في العراق من كل حقوقهم واضطهادهم و وهل سيبقى مسلسل التنكيل بالفلسطينيين في العراق متواصلاً حتى نطالب بتدويل قضيتهم؟! أليس من العار أن نفكر بالتدويل في ظل الدعم الإيراني المعلن الآن للشعب الفلسطيني بعد فوز حركة حماس ؟ ! إنني آمل مجدداً من الأخ خالد مشعل التوصل لتفاهم مع القيادة الإيرانية حول ملف الفلسطينيين في العراق بأن يصدر بيان ايراني يطالب الميليشيات الشيعية في العراق بوقف مسلسل التنكيل بالفلسطينيين , كما نأمل أن نسمع من الأخ خالد مشعل وعلناً ما يؤكد أن هذه الصفحة قد طويت حتى تستقيم العلاقة الإيرانية مع الشعب الفلسطيني ونثق بكل ما نسمعه من تصريحات ايرانية حول دعم الشعب الفلسطيني " .
الطرق الصوفية في آسيا
د.عاطف عبد الحميد – مجلة المجتمع 4/2/2006
تعتبر منطقة آسيا الوسطى إحدى المراكز الرئيسة لانتشار الصوفية في العالم الإسلامي. ولقد لعبت الصوفية في منطقة آسيا الوسطى دوراً مهماً في مقاومة الاستعمار القيصري والسوفييتي.
أهم الطرق في آسيا الوسطى هي(1):
النقشبندية ومركزها بخارى في أوزبكستان ونشأت في القرن الرابع عشر الميلادي.
الكبراوية ومنتشرة في عدة مناطق في تركمانستان، وقد نشأت في القرن الثاني عشر الميلادي.
الياسوية ومركزها في مدينة ياسي (تركستان حالياً) في جنوب كازخستان، ونشأت في القرن الثاني عشر الميلادي.
القادرية ومركزها وادي فرغانة.
والفروق بين الطرق وبعضها بعضاً قليلة الوضوح، فممارسات الطقوس متداخلة ومتشابهة.
وتعتبر الطريقة النقشبندية أهم الطرق الصوفية في المنطقة، ولقد أسسها محمد بن بهاء الدين نقشبند (1317- 1389م) في بخارى في وسط ثقافي ناطق بالفارسية.
وترجع أسباب انتشارها إلى(2) :(32/144)
1- ا لقدرة على التأقلم والتغير حسبما تقتضي الظروف السياسية والاجتماعية، كما أنها تتأقلم لغوياً حسب الموقع الجغرافي الذي توجد فيه، ففي آسيا الوسطى تتعامل بالفارسية الشائعة خاصة في طاجيكستان، وفي القوقاز تتعامل باللغات الثلاث المعروفة، الفارسية والتركية والعربية.
2 - اللامركزية الواسعة التي تسمح بقيام خلايا حرة الحركة لا ترتبط بمركز وإن اشتركت معه في شعائره وطقوسه. وعادة ما يرسل شيخ الطريقة خلفاء له يقومون بعملية التبليغ في المناطق النائية عن المركز كنواب يحملون صفته ويورثونها لأبنائهم. وهو ما يجعل انتشار الطريقة في هذه المناطق البعيدة عن المركز أشبه بالأغصان المستدقة الطول البالغة البعد عن جذع الشجرة الأصلي، وهكذا من جديد حتى تنتشر الطريقة (3).
3 - تلفظ النقشبندية أصحاب الأفكار الثورية وتمنع اندماجهم معها، في الوقت الذي تمزج داخلها عديداً من الطرق الصوفية الأخرى (كالياسوية والكبراوية). وتتسم النقشبندية بنظام مانع في الانتساب لعضويتها يخضع المريدين الجدد إلى مراجعة، وفي كثير من الأحيان تكون تغذية الانتساب للطريقة على مستوى القبيلة والعشيرة، بما يحقق معرفة جيدة بتوجهات وميول المنتسبين الجدد.
4 - انشغلت النقشبندية في مراحل تاريخية مختلفة بمقاومة الأعداء الخارجيين كالبوذيين والقياصرة والسوفييت، لكنها لم تخض في أي فترة تاريخية حرباً على المستوى المحلي بينها وبين غيرها من الفرق والمذاهب الإسلامية.
5 - تختلف النقشندية عن غيرها من باقي الحركات الصوفية في تحفظها على دور المرأة، إذ لا تسمح بوجود خلايا ومجموعات صوفية نسائية أو وجود حلقات مشتركة للذكر والمناجاة كما تنهج إلى ذلك بعض الطرق الصوفية، كالطريقة الياسوية.(32/145)
6 - تتجاوز النقشبندية البعد العرقي في المرجعيات الدينية، فالمريد الطاجيكي يمكن أن يكون شيخه أوزبكياً، والعكس صحيح بغض النظر عن بعد المسافات الجغرافية التي تحول بينهما، كما تشترك النقشبندية مع غيرها من الطرق في إعلاء قيمة الأضرحة وزيارات الموتى من شيوخ الطريقة.
مركزية شديدة: وللمقارنة مع ثاني أكبر الحركات تأثيراً في تاريخ المنطقة، فإن الطريقة القادرية تتسم بمركزية شديدة وهرمية في قيادة الحركة بطريقة تضمن توريث زعامة الطريقة من عائلة واحدة، وهو ما يحد من انتشارها بين القبائل الأخرى التي قد لا ترضى بزعامة بعيدة عنها جغرافياً وإن اقتربت بالطقوس والممارسات.
وقد تمكنت النقشبندية من عبور مساحات جغرافية واسعة، فوصلت بشيوخ أنديجان ونامانجان في وادي فرغانة إلى تركستان الشرقية في غربي الصين اليوم، فتغلبت على ما قبلها من موروثات صوفية، وصارت الطريقة الأكثر تأثيراً ببين مسلمي الأيجور في الإقليم. وقد لعبت في هذا الإقليم الدور الذي لعبته في القوقاز حينما حملت هم الدفاع عن استقلال الإقليم ضد الطمع الاستعماري، وهو ما جعلها منذ القرن التاسع عشر في نظر السلطات الصينية حركة إسلامية سياسية استوجبت القمع، فتم اعتقال شيوخها وقتل شيخ الطريقة النقشبندية يعقوب بك خواجة في عام 1878م وبدأ دور الصوفية في الوهن منذ ذلك التاريخ، إلى أن عاد إليها شيوخ الصوفية من فرغانة فراراً من البطش السوفييتي بعد انكسار ثورة البسماتشي الشعبية في عشرينيات القرن العشرين، وذلك قبل أن تتحول الصين إلى الشيوعية وتنتهج تجاه الصوفية ذات النهج السوفيتي فتدفعها إلى الهروب تحت الأرض.
وهكذا فإنه على خلاف الاعتقاد بأن الصوفية لا تمارس السياسة، إلا أن هناك مستويين لعبت خلالهما الصوفية دوراً سياسياً:
المستوى الأول: في الصراع مع الاستعمار وهو دور في سياسة المقاومة حققت به دوراً إيجابياً في الحركة التحريرية في المنطقة.(32/146)
المستوى الثاني: المشاركة السياسة الداخلية، وهو دور محدود قام به أفراد متصوفون أكثر مما قامت به جماعات صوفية بأكملها. ولعل أوضح الأمثلة على ذلك التعاون بين حزب النهضة الإسلامي في طاجيكستان ومفتى البلاد القاضي تورجان زاده الصوفي الأصل، الذي كان الرجل الثاني في قيادة الحزب، وذلك قبل أن تحدث بينهما القطيعة في عام 1997 بسبب قناعة تورجان زاده بالمشاركة مع السلطة بدرجة أكبر من قناعة الحزب.[ لاحظ التناقض في الدور للصوفية التي يزعم أنها قاومت الاستعمار مع الدور الذي لعبته في قضية الشيشان والمطلوب القيام به الآن من محاربة الإسلام الأصولي بتعبيرهم ، نحن لا ننكر أدوار مشرفة لبعض المجموعات الصوفية في التاريخ العام لكن هذا ليس بسبب المبادئ الصوفية ، بل بسبب نقصان هذه المبادئ الصوفية عند هذه المجموعات ، ولذلك حين تتعمق هذه المجموعات أكثر في التصوف تتخلى عن مصالح المسلمين وتسير في ركاب الغزاة !! الراصد ]
غير أن أهم الأدوار السياسية للصوفية في آسيا الوسطى هي محل نقاش في العامين الأخيرين، ومن بين هذه النقاشات ما تهتم به بعض مراكز الأبحاث ودعم اتخاذ القرار. وكان أشهر هذه الأبحاث ما قدمه مركز نيكسون في مارس من عام 2004 في ندوة (4) بحثت في كيفية استفادة واشنطن من الحركات الصوفية في المنطقة. وخرجت هذه الندوة بمجموعة مهمة من التوصيات أبرزها :
تدعيم النهوض الثقافي لشعوب آسيا الوسطى حتى تستدعي موروثاتها وتقاليدها ذات التفسيرات المحلية للإسلام (الصوفية) حتى لا تترك الأجواء الثقافية نهباً لانتشار أفكار مستوردة من خارج المنطقة (السلفية الشرق أوسطية).
ليس في مقدور الولايات المتحدة تدريب الأئمة المحليين في المساجد والمراكز الإسلامية لكن بإمكانها تدعيم التعليم العلماني في هذه المنطقة خصماً من حصة التعليم الديني.(32/147)
في مقدور الولايات المتحدة تقديم منح مالية لترميم ورعاية الأضرحة الصوفية، وكذلك العناية بالمخطوطات والتراث الثقافي للصوفية، على أن تقدم الولايات المتحدة الدعم والمنح لمؤسسات محلية في المجتمع المدني.
لابد من نقل تجربة العلمانية التركية إلى المنطقة، لما لهذه التجربة من علاقة وثيقة بكل من الولايات المتحدة والناتو. ولابد في هذا الصدد من الاستفادة من التعاليم الأتاتوركية التي أثبتت نجاحها في مجتمع كان الدين يدير حركته.
الإيمان بأن مصير أيديولوجية التطرف والأصولية الإسلامية حسب مركز نيكسون إلى زوال وهزيمة، فالتجربة أثبتت أن الديمقراطية الغربية هزمت أيديولوجية الماركسية اللينينية رغم شعاراتها بالجنة الموعودة التي لم تتحقق. ولا شك أن الاسلام مختلف تماماً عن الشيوعية وبالتالي فالكلام عن هزيمته يعد من الهراء.
وإذا حاولنا البحث عن الطرق التي يمكن أن تسيس بها الأنشطة الصوفية في المنطقة بتمويل من الحكومات المحلية والولايات المتحدة وروسيا والصين يمكننا تلمس نوعين من الدعم:
الأول: يعتمد إغراق الأسواق بمؤلفات في الصوفية كتلك التي اندهش لها القراء الروس، حينما كانت كتب الصوفية تباع في كل مكان لمواجهة التفسيرات الثورية للإسلام بعيد الحرب الشيشانية الأولى (1994-1996). مع التساهل في تقديم مواد إعلامية متلفزة عن الطرق الصوفية ومشايخها والدور الذي تلعبه في خدمة الرقي الروحي والأخلاقي. فضلاً عن عرض لأضرحة الأولياء (القديسين في المصطلحات الغربية) من مشايخ الطرق وفضائل الزيارة (الحج في المصطلحات الغربية) إلى تلك القبور. وكذلك السماح بإقامة مراكز لممارسة الصوفية بدلاً من الأسلوب الذي يلتقي به أفرادها الآن في شقق ومساكن للمنتسبين.(32/148)
والأهم تعيين أئمة المساجد وخطبائها من الصوفية بحيث يتم إعادة ترتيب الأدمغة التي "أفسدتها" ما يسمونها بالأصولية. وهو وضع يعيد إلى الأذهان الأسلوب السوفييتي القديم الذي اعتمد على احتضان ما اصطلح على تسميته "بإسلام السلطة" مقابل ممارسات إسلامية تخضع للمراقبة والمتابعة الأمنية سميت في ذلك العهد بالإسلام السري أو "الإسلام الموازي".
والثاني : يعتمد على التمويل المالي المباشر للطرق الصوفية، لتغذية نشاطها بل ودعم مالي لعمليات نشر الفكر الصوفي، وإن كان من الصعب تخيل أن يصل الدعم إلى مستوى التسليح، ففي القوقاز وبعد انتهاء الحرب الشيشانية الأولى (1994-1996م) وقعت اشتباكات بين السلفيين والصوفيين أدت إلى سقوط قتلى وجرحى(5) وهو الأمر الذي يتوقع أن تشهده منطقة آسيا الوسطى حين يتم تقوية الصوفية وتهميش الحركات الإسلامية ذات المشروعات السياسية المتهمة بالإرهاب.
ولقد أعرب بعض الكتاب الصوفيين عن خطورة استخدامهم لمواجهة الحركة الاسلامية مشبهين ذلك بأنه "لعب بالنيران"(6) وتبقى مثل هذه المقترحات قيد الدراسة وإن تمت فإنها تتم في تكتم شديد قبل أن تبدو جلية للعيان وقبل أن تتحول إلى ظاهرة!.
المراجع
(1) Haghayeghi.M (1995) Islam and politics in Central Asia.St.Martines press, New York.
(2) Bennigsen.A Wimbbush.E (1985) Mystics and commissars suffism in the Soviet Union ,Berkeley ,Univ. of California.
(3) Roy.O (2000) The Foreign Policy of the Central Asian Islamic Renaissance Party, council on foreign relations. New York.
(4) The Nixon Center (2004) Understanding Sufism and its Potential Role in US Policy. Nixon Center Conference Report, edited by Zeyno Baran. Washington.(32/149)
(5) Akaev.A(2000) Religious - Political conflict in the Chechen republic of Ichkeria. Central Asia and the Caucasus. Journal of Social and Political Studies . electronic edition on website (ww.ca-c.org)
(6) Goble.P(2000) Uzbekistan Analysis From Washington -- Fighting Fundamentalism With Sufism. Radio free Europe.
ضجة في تركيا بسبب صلاة النساء في صفوف مشتركة مع الرجال
صحيفة الرياض - 27/1/2006
اثارت الصورة التي نشرت مؤخرا من أحد مساجد تركيا وظهرت فيها النساء وهن يصلين في صفوف مشتركة مع الرجال ودون وضع أغطية على رؤوسهن ضجة واسعة النطاق.
وكان من أكثر الامور إثارة في هذه الصورة التي انتشرت في الصحف كالنار في الهشيم هو وجود زوجة أحد الشخصيات المقربة من رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان. وبعد نشر هذه الصورة التي أثارت كثيراً من الحنق والغضب بسبب خرقها لأحد المقدسات الاسلامية استجوبت الشرطة إمام مسجد «سوباسي» بمحافظة أوسكودار الذي كان يؤدي فيه السلطان محمد الرابع صلاة الجمعة في القرن السابع عشر.
وأكد أحمد يلماز إمام المسجد أنه لا يعرف «زعيم» هذه الجماعة كما لم يعرف أي من الاشخاص الذين حضروا هذه الصلاة .
أما أحد الذين شاركوا في هذا العمل فهو طبيب أسنان متقاعد يدعى أحمد كور الذي صرح الاربعاء بقوله: «نحن لا ننتمي لجماعة معنية كما أننا لا نتبع قائدا معينا» مؤكدا إن هذه الجماعة تتقابل سويا منذ وقت طويل لمناقشة بعض الامور أو تناول الشاي سويا بالاضافة إلى أداء الصلاة جماعة.
وأضاف كور: «أغلب مجموعتنا من خريجي الجامعات العليا كما أنهم يجيدون على الاقل لغتين أجنبيتين أي أننا أناس متعلمون ونتخذ من (مصطفى كمال) أتاتورك قدوة ومثالا نسير على نهجه ولذلك فإن نساء هذه المجموعة يأتين للصلاة دون ارتداء غطاء الرأس.(32/150)
وكان رد فعل السلطات الدينية التركية هادئا بشكل يسترعي الانتباه حيث قال مصطفي ساجيرسي مفتي اسطنبول إنه لا يأخذ هذه «الجماعة المنحرفة» على محمل الجد وأعلن أنه ضد هذا العمل الذي يتنافى مع تعاليم الاسلام التي تبطل صلاة المرأة دون غطاء الرأس.
أما السلطات الدينية في أنقرة فقد وصفت العمل الذي شارك فيه من 30 إلى 40 شخصاً بأنه «خطأ» مؤكدة أن القواعد الدينية المتبعة لا يجب طرحها للنقاش بهذا الشكل أو البحث عن بدائل لها.(32/151)
مجلة الراصد الإسلامية
العدد الثالث والثلاثون – غرة ربيع الأول 1427 هـ
فاتحة القول: حتى نتجنب الصراع الطائفي في العراق ؟ .....................4
1-…فرق ومذاهب: التنظيم النسائي الصوفي ...............................7
2-…سطور من الذاكرة: البساسيري ومحاولة إلغاء الخلافة العباسية.......19
3-…دراسات مواقف المفكرين والعلماء من الشيعة - 18- ..............24
4-…دراسات : الغزو الشيعي لفلسطين ...................................35
5-…كتاب الشهر: إيران والإخوان المسلمين ............................48
6-…قالوا.................................................................62
7-…جولة الصحافة:
مذبحة سنة العراق
- فِرَق الموت ...............................................68
- العراق: الحقد الطائفي وحرب تصفية السنة ................72
-…طلبوا مني شتم الصحابة .........................................74
- من يقتل السنة والشيعة في العراق ........................75
- من بدأ حرب الطوائف؟ ..........................................77
- إيران تقوم بإذكاء توتر طائفي في العراق......................78
- أمن العراق... وخطر الميليشيات .............................79
- لماذا ينكر الجعفري التدخل الايراني في العراق؟..............81
- شبهات طائفية في اغتيال اللواء مبدر الدليمي ...............82
-… ميليشيات صولاغ تفتك بالفلسطينيين ..............................84
- قبة سامراء .. كي لا تصبح «مسجد بابري» آخر ..................85
إيران
- إفتحو عيونكم جيدا ! .........................................88
- الحوار الأميركي – الإيراني .................................89
- إيران: سيناريو عراقي ... وصيف ساخن!.................92
- عودة المتطرفين في إيران .............................93(33/1)
- مستشار أحمدي نجاد لشئون أهل السنة ..............97
- التفاوض على العراق! ....................................99
- القرن الحادي والعشرون "شيعياً" .....................100
- خوزستان.. المواطنة والاندماج .....................103
- متى تتحرك دول الخليج إزاء النووي? ?الإيراني؟ ..............106
- رسالة إلى القرضاوي ..............................109
- مؤتمر للطريقة العزمية يطالب بحرية العمل الدعوى فى البقاع
المقدسة وتحريرها من الهيمنة المذهبية ................. 114
- جهالات إبراهيم عيسى عن "أبو هريرة" ................... 117
- السنة في لبنان.............................................121
- أوغندي يدعي الألوهية وينكر سائر الأديان .........123
- دعوة إلى الخير ....................................124
- عائد من إيران .....................................126
- لقاء خاص لمركز بيت المقدس مع فضيلة العلامة :
عبد الرحمن عبد الخالق ..............................................128
فاتحة القول
حتى نتجنب الصراع الطائفي في العراق ؟
كل العقلاء اليوم يحذرون من نشوب صراع طائفي في العراق بين السنة والشيعة، وإن كان بعض الساسة يقولون بأنه قد بدأ ، ولن يقف هذا الصراع إن حدث – لا قدر الله - عند حدود العراق، بسبب أن من يريدون له أن يبدأ لا يخططون لوقفه داخل حدود العراق .
والذين يعملون على حدوث هذا الصراع هم ثلاث جهات ، وهي :
1-…اليهود وإسرائيل ، وذلك لأن هذا الصراع يشغل الدول العربية وشعوبها بنفسها عن إسرائيل . كما أن إسرائيل أعلنت منذ القدم سعيها لتحويل المنطقة لدويلات طائفية تتقبل وجود إسرائيل كأقلية يهودية بين أقليات نصرانية، شيعية، علوية ، درزية .(33/2)
2-…إيران وأتباعها ، وذلك أن هذا يسهل لهم السيطرة و البقاء في العراق ، كما أنه يزيد نفوذها ونفوذ أتباعها في الدول المجاورة ، وأيضاً يمنع أمريكا من الهجوم عليها بسبب انشغال أمريكا بحماية حلفائها .
3-…جماعة القاعدة في العراق بزعامة الزرقاوي ، والذين يعتقدون أن الحرب الطائفية ستجعل سنة العراق يدركون الخطر الإيراني والشيعي عليهم ، وهم - علموا أم لم يعلموا - ينفذون رغبات يهودية وشيعية ، وسيكونون أول الضحايا ومن بعدهم سنة العراق، كما حدث لدولة طالبان حديثاً ودولة خوارزم شاه قديماً .
ولنا وقفات مع هذه الحرب المراد وقوعها – لا قدر الله -
الوقفة الأولى : موقع الساعين لها من الشيعة والسنة
لو نظرنا في الطرفين المسلمين وهما إيران والقاعدة في العراق، نجد أن إيران تتبنى هذا الموقف، وهي تمثل الدولة والحكومة وخاصة بعد وصول نجاد للحكم، وأن أعوان إيران في العراق الذين يدفعون باتجاه الحرب الطائفية الأهليه هم قادة الشيعة كالحكيم والجعفري وصولاغ والذين يفعلون ذلك من موقعهم الحكومي في العراق أيضاً .
بينما نجد أن جماعة الزرقاوي لا تمثل سنة العراق، بل وهناك معارضة شديدة جداً لها من قبل كثير من القوى السنية العراقية، وكذلك فإن جماعة الزرقاوي ليست ممثل السنة في حكومة العراق ، ولا تتلقى دعماً من الدول السنية المجاورة بل لعل النظام الذي يدعم بشكل ما جماعة الزرقاوي هو النظام السورى الحليف لإيران .
كما أن القوى السنية خارج العراق ترفض هذا التوجه للقاعدة ، بل لعل بعضها وللأسف يقف في صف إيران بسبب الدعاية الإيرانية .
الوقفة الثانية : مقارنة بين اعتداءات الطرفين(33/3)
يواجه سنة العراق يومياً كافة أشكال الاضطهاد والإقصاء عن مراكز الحكم ، وفوق ذلك الخطف والسجن والتعذيب والقتل والتشريد ، وذلك على يد فيلق بدر وميليشيات وزير الداخلية صولاغ وفرق الموت ، وهذا القتل المنظم يطال قادة السنة وعلماءهم ومفكريهم وليس فيهم واحد من جماعة الزرقاوي !!!
بينما أن عمليات الزرقاوي تجاه الشيعة هي عمليات متباعدة ، تستهدف عامة الشيعة بشكل عشوائي،أو رموز شيعية متورطة في جرائم تجاه السنة .
وللأسف لا توجد إحصاءات لحجم الخسائر في الطرفين لبيان حقيقة خسائر السنة، والتي لا تقارن بخسائر الشيعة .
الوقفة الثالثة : ردود الفعل لدى الشيعة والسنة تجاه الحرب الأهلية
لو أخذنا ما حصل في سامراء مؤخراً والذي كان يراد منه إشعال هذه الحرب كما يصرح قادة الشيعة والسنة،وكيف تصرف كل طرف نجد ما يلي :
الشيعة وأتباع إيران بدأوا حملة واسعة من الاعتداءات على مساجد وأئمة السنة وطالت حتى المصاحف ، سوى من قتل من عامة السنة ، فيما بدا أنه مقدمة الحرب الأهلية ،سوى المسيرات الضخمة والمظاهرات المنددة بالحدث .
بينما كان موقف السنة امتصاص الحدث وتفويت الفرصة ، ومن ذلك عدم الرد على الاعتداء الذي طال منزل الشيخ حارث الضاري فقتل شقيقه ، وعدم الرد على اعتداءات الشيعة على مساجد وقادة السنة .
الوقفة الرابعة : ما العمل لمنع هذه الحرب ؟
يجب القيام ببعض الخطوات المهمة لمنع هذه الحرب وهي :
1-…الحذر من الدسائس اليهودية فعلاً، وعدم الاكتفاء بالتصريحات كما يحدث الآن ، فالشيعة صرحوا أن المحتل فجر سامراء ثم يفجرون مئات مساجد السنة ، وبعد ذلك لا يعتذرون ولا يعاقب المجرمون !! مما يرسخ أن من فعلوا ذلك فعلوه بأمر قادتهم.
2-… على إيران وأتباعها في العراق وغيره تحديد موقفهم من السنة ، هل هم نواصب كفار يجوز قتلهم وسلب أموالهم كما هو وارد في كتبهم ؟(33/4)
ونريد إجابات عملية تترجم على أرض الواقع من معاقبة المجرمين وإعلان كفر من يكفر المسلم السني ، والتبرؤ من الكتب التي تحوي هذه الروايات بما يستلزم تغيير مناهج التعليم في الحوزات فيلغى تدريس أي كتاب يحتوي هذه الروايات أو أي كتاب لمؤلف يتبنى مثل هذه الروايات.
3-… يجب على الشيعة تحديد موقعهم : هل هم مذهب فقهي مثل سائر المذاهب الفقهية ففي هذه الحالة لماذا يطالب الشيعة بقانون خاص بهم دون سائر المذاهب الفقهية في الأوقاف والأحوال الشخصية وغيرها ، ولماذا لا يطالب المالكية بقانون خاص والشافعية وهكذا،أليس في هذا تفتيت للوحدة الوطنية ؟؟
4-…يجب أن تفتح قنوات مع تيارات الاعتدال الشيعي وتساند حتى تصبح هي الناطق باسم الشيعة مما يسهل الوصول لقواسم تعايش مشتركة ، وذلك أن القيادات الحالية لدى الشيعة تقوم بتصفية ومحاربة كل من يطالب بالاعتدال ونبذ التكفير ، فقديماً قتلوا العلامة أحمد كسروي والعلامة البرقعي ، وحاربوا العلامة موسى الموسوي ، و كذلك تجربة الخالصي ، و هم اليوم يكفرون الباحث أحمد الكاتب ، ويحاربون محاولة حسين فضل الله في الاقتراب من السنة ، وقد قتلوا عبد المجيد الخوئي في الصحن الحيدري ، وأقصوا منتظري لما انتقد بعض مظاهر الخلل وهكذا دوماً مع تجارب الاعتدال .
5-…يجب على جماعة الزرقاوي الرجوع لرأي العلماء وعدم الاستقلال بالرأي دونهم ، وكذلك الوعي بما حولهم حتى لا يصبحوا أداة لعدوهم يستخدمهم فيما يريد .
إن العراق وغيره من البلاد شهد سنوات طويلة من التعايش السلمي بين الشيعة والسنة، بفضل البعد عن الغلو الطائفي الذي جاء مع الثورة الإيرانية ، فلنبذه ونعود للتعايش بين أبناء الوطن الواحد ضمن حدود القرآن الكريم والسنة الشريفة .
فرق ومذاهب
القبيسيات
التنظيم النسائي الصوفي(33/5)
القبيسيات جماعة دينية نسائية تنتشر بشكل خاص في سوريا ولبنان والأردن وفلسطين والكويت ودول الخليج، وتنسب إلى منيرة القبيسي، وهي امرأة سورية تعيش حالياً في إحدى الحارات القديمة في العاصمة دمشق، وتبلغ من العمر 75 عاماً.
ولهذه الجماعة، التي تقتصر على النساء، عقائد وأفكار وسلوكيات وتصورات خاصة للإسلام، يمارسنها بشيء من السريّة والانعزالية.وليس معروفاً للآن ما هو سبب الحرص على السرية الشديدة ، بحيث أنهن يرفض حضور أي فتاة لحلقاتهم دون موعد مسبق عن طريق واحدة من عضواتهن الفاعلات ، وهذا يجعل العديد من التساؤلات ما الذي يخفيه هذا التنظيم السري عن المسلمين ؟؟؟
وقد تفرقت تلميذات منيرة القبيسي في بلاد الشام ودول الخليج، واستطعن تأسيس جماعات أطلق عليها: الطبّاعيات في الأردن، والسّحَريات في لبنان...، وبنات البيادر في الكويت. كما استطعن إنشاء الجمعيات الخيرية والمؤسسات التعليمية والتربوية، وتحقيق انتشار لافت بين الأوساط النسائية، خاصة في المدارس والجامعات.
ومع الانتشار الكبير لهذه الجماعة النسائية المنظمة في العديد من البلاد وسيطرتها على الآلاف من النساء، تجد كثيرا من العلماء والناس لا يعرف عنها شيئاً أو لا يستطيع أن يتحدث عنها ومن أمثلة ذلك أن موقع إسلام أون لاين سئل عن هذه الجماعة فكانت الإجابة: "إذا عرفت الحق عرفت أهله"! هكذا دون بيان حقيقة هذه الجماعة أو عقيدتها! وسئل أيضاً الشيخ فيصل مولوي وهو من علماء لبنان ورئيس جماعة الإخوان المسلمين فيها عن هذه الجماعة فكان جوابه: "ليس عندي معلومات خاصة عن هذا التنظيم"!! ( موقعه الشخصي ) .(33/6)
وفعلاً بدأنا رحلة البحث عن هذه الجماعة فلم نجد دراسة وافية عنهم سوى كتابا بعنوان "تقرير عن جمعية بيادر السلام النسائية ـ الكويت" وهو من إعداد لجنة من الباحثين، وشريطا للعلامة الألباني رحمه الله، وكتابا لجماعة الأحباش عن هذه الفرقة! إضافة إلى كتابات قليلة غير عميقة في شبكة الإنترنت.
لذلك دعت الحاجة لبيان حقيقة هذه الجماعة والتنظيم، ونحن ندعو كل القراء للمشاركة في تزويدنا بما لديهم عن هذه الجماعة من حقائق ووثائق.
منيرة قبيسي
ومنيرة قبيسي في الخامسة والسبعين من عمرها ، خريجة كلية العلوم بجامعة دمشق، ثم التحقت بكلية الشريعة، وعيّنت مدرسة لمادة العلوم في إحدى مدارس دمشق، وكان عمها من تلاميذ أحمد كفتارو، مفتي سوريا الذي توفي مؤخراً وشيخ الطريقة الصوفية النقشبندية في سوريا، وهو الذي أشار عليها بالدخول إلى هذه الطريقة الصوفية، وقد بدأت القبيسي نشاطها في سنوات السبعينات من القرن الماضي. وهذا سبب من أسباب العداء الحبشي لها لكون الأحباش من أتباع الطريقة الرفاعية .
العقائد والأفكار
1ـ تحمل هذه الجماعة أفكار الطريقة النقشبندية( ) وهي إحدى طرق الصوفية، كما سيأتي ذلك مفصلاً، ويظهر هذا من خلال الاعتقاد بوحدة الوجود، وتقديس الشيخة والتسابق إلى تقبيل يدها، وقدمها أحياناً على نحو ما يفعله الصوفية تجاه شيوخهم.
2ـ تكرر في أقوالهن وكتب شيخاتهن الاعتقاد بوحدة الوجود، وهي عقيدة صوفية فاسدة، تعني أن اللّه والعالم شيء واحد، وأنه لا فرق بين الخالق والمخلوق.
وقد جاء في كتاب "مزامير داود"، وهو من أقدم وأهم مؤلفات هذه الجماعة، ما يفيد اعتقادهم بوحدة الوجود، فقد وردت فيه عبارات مثل: "كل ما تهواه موجود في ذات الله"، وفيه أيضاً قول الشاعر: قل الله وحدَه في الكثرة ما ترى سواه في كل كائنة
وفيه أيضاً قولهن: "شيختنا معنا، أينما كنّا لا تضيّعنا"( ).(33/7)
وقد ألفت إحدى شيخات هذه الجماعة واسمها نوال أ. كتاباً سمّته "المتاح من الموالد والأناشيد الملاح"، وأعادت فيه ذكر بعض العبارات التي وردت في "مزامير داود"، وأضافت عليه أشياء تؤيد الاعتقاد بوحدة الوجود، من قبيل:
يا جمال الوجود طاب فيك الشهود
ومن قبيل: أنت نسخة الأكوان فيك صورة الرحمن( ).
3ـ تقديس الشيخة، وعدم مناقشتها، واعتبار أن أمرها مطاع. وأنه مقدم على طاعة الأب أو الزوج أو لي الأمر. ويقولون في هذا الصدد: "لا علم ولا وصول إلى الله من دون مربّية". و"من قال لشيخه لم، لم يفلح أبداً". و"كوني كالميتة بين يدي آنستك". وهن يعتبرن منيرة قبيسي إحدى مجددات الدين.
4ـ المواظبة على بعض الأذكار والصلوات المبتدعة، مثل صلاة التسابيح، وصلاة ركعتين قبل المغرب ويسمونها صلاة الأوّابين"، ولديهن ذكر يطلق عليه "الصلاة النارية" ( ) .
وللمنتسبات إلى هذه الطريقة ورد يومي، وهو عادة مرتين بعد صلاة الفجر، ومرة بعد العشاء، وهو بأن تجلس المريدة متوجهة إلى القبلة بعد الانتهاء من الصلاة والدعاء ثم تقول: اللهم يا مفتح الأبواب، ويا مسبب الأسباب، ويا مقلب القلوب والأبصار، ويا دليل الحائرين، ثبت قلبي على الإيمان.
وتتخيل المريدة شيختها، والآنسة الكبرى "منيرة قبيسي" أمامها، فإن فعلت ذلك تخيلاً وأصبحت ترى وجه شيختها، فعليها أن تبدأ بالذكر لأنها هي التي تربط قلبها بالله، لأنه سيمتد قبس من نور من قلب "الشيخة"، أو الآنسة إلى قلب الفتاة ليوصلها إلى الله!
تقول فتاة كانت مع هذه الجماعة في الكويت: "قامت الآنسة أميرة جبريل بتعليمي الذكر بنفسها، وهو أن أطفئ الأنوار وأمسك مسباحي (مسبحتي) ثم أبدأ بقول (الله ـ الله ـ الله) مع تحريك يدي بجانب قلبي وذلك كما يقولون لتنظيف القلب من الآثام"( ).(33/8)
5 ـ استعمال السحر، والاستعانة بالجن ضد من يترك جماعتهن، أو يتكلم عنهن بسوء. وقد حدثت عدة حالات بهذا الصدد، يقول زوج إحدى العضوات السابقات في الكويت بعد أن اكتشف حقيقة الجماعة، وساءت علاقته معها: "وبعدها بدأت محاربتهن لي، وذلك بوضع مواد السحر كالبيض الفاسد على سيارة ولدي البكر، ومرات يضعن الدم على سيارتي، ومرات يسكبن سوائل على مدخل بيتي،... وقد لمسنا تأثير تلك الأعمال الشريرة على ولدي وعلى نفسي وتعالجنا منها، والحمد والفضل لله وحده( ) .
المفاهيم والسلوكيات الخاصة
1ـ العزوف أحياناً عن الزواج، رغبة في التفاني في خدمة الجماعة، وعدم الانشغال بشيء عنها، إضافة إلى ضرورة استئذان الشيخة في أمر الزواج.
2ـ تمييز أنفسهن بلبس الجلباب القصير إلى أنصاف الساقين، والمنديل المعقوف (المربوط داخل الجلباب) ولا يخفى ما في ارتداء هذا الجلباب من مخالفة الشرع، إذ أن الجلباب لا بد أن يكون ساتراً للجسد كله.
ولهن في لبس الجلباب نظام خاص، بحيث أن لون الجلباب يعبر عن مرتبة الانتماء للجماعة.
3ـ انعزال هذه الجماعة على نفسها، وتظهر هذه الانعزالية في عدم قدرتهن على الاندماج الحقيقي مع المجتمع (صداقات ـ علاقات أسرية) مادامت خارج نطاق جماعتهن. ولذلك يستخدمن التقية والكذب مع الأهل والمجتمع.
4ـ الحرص على استقطاب الفتيات الموسرات، لذلك تحتل المكانة الاجتماعية والثراء والذكاء معايير هامة عند انضمام الفتيات إلى هذه الجماعة.
5ـ السرية التامة في جميع الأمور والاجتماعات والبيانات، ويطلقون على ذلك "الحس الأمني".
6ـ اهتمامهن بالرقائق والإيمانيات على حساب طلب العلم الشرعي، إذ يلاحظ الضعف العلمي العام لدى المنتسبات، وعدم وجود منهج محدد ومنظم لدراسة العلوم الشرعية، ومعظم الكتب التي يتم تدرسيها هي لمؤلفات من الجماعة.(33/9)
7 ـ توجيه العضوات إلى العمل في قطاع التعليم، باعتباره عملاً "يخدم الدعوة، ويغذيها بالعناصر الجديدة". كما تتلقى العضوات تعليمات حول كيفية التعامل مع الطالبات، من البشاشة، وحسن المعاملة، وإلقاء السلام، ليسهل التحبب إليهن، وترغيبهن في الانضمام إلى الجماعة.
8 ـ كشف أسرار البيوت للمربية، بحجة أن ذلك يساعدها في أن تأخذ يد الفتاة إلى الله، ويعتبرون المربية كالطبيب الذي يجب أن يتم إخباره بالخصوصيات ليساعد في العلاج، ويقولون "يجب أن يستعلي عندك حب الشفاء على الحرج من كشف العورات"، ويقولون أيضاً "بين إخواني أكسر ميزاني".
9ـ كثيراً ما تتميز علاقاتهن مع أزواجهن وآبائهن بالتوتر، كون الشيخة أو الآنسة تسعى لأن تكون الآمر الناهي حتى في العلاقات الزوجية، وبسبب كثرة الخروج من المنزل، وتقديم أمر الجماعة على أي شيء آخر.
الانضمام إلى الجماعة
1 ـ من أسس الدخول في الجماعة كتابة رسالة توضح فيها الفتاة أسرارها الشخصية الخاصة والذنوب التي ارتكبتها، على طريقة كرسي الاعتراف عند النصارى، ولهن عبارة في ذلك وهي (افتضح واسترح).
2ـ تقسيم الفتيات إلى مجموعات وحلقات، وكل حلقة تحتوي على مجموعة بينها صفات مشتركة كالعمر والفترة الزمنية في الدعوة، وغير مسموح للفتاة بحضور حلقات غير الحلقة التي تخصها.
وعموماً، هناك ثلاث فئات للفتيات كما في نظام جمعية بيادر السلام – الكويت وهي:
أ ـ النوادر: وهن البنات من عمر 14ـ 18 سنة.
ب ـ البشاير: الفتيات من عمر 18 ـ 24 سنة.
ج ـ البيادر: الفتيات من عمر 24 سنة فما فوق.
الانتشار والمؤسسات(33/10)
تفرقت تلميذات منيرة القبيسي في أنحاء مختلفة من بلاد الشام ودول الخليج، واستطعن تأسيس عمل نسائي، وجماعات حملت اسم الشيخة غالباً، في حين تعتبر منيرة قبيسي زعيمة هذه الجماعة، أو "الشيخة الكبرى" أو "الآنسة الكبرى" كما يطلقن عليها، وبسبب وجودها في سوريا، أصبحت زيارة الشام عندهن أشبه بالواجب، أو الحلم، حتى أطلقت بعضهن اسم "رحلة كعبة المعاني" على رحلة الشام، في حين أن التوجه إلى مكة المكرمة لأداء الحج والعمرة هي "رحلة كعبة المباني".
وللقبيسيات دعاء خاص عند مقابلة قبيسي هو: اللهم اجمعنا على ألمها، واجمعنا على أملها.
1ـ سوريا
يطلق عليهن هناك اسم "القبيسيات"، ولهن من المدارس هناك "مدارس النعيم"، ومن المكتبات المهتمة ببيع كتبهن "مكتبة السلام"، بالقرب من دائرة الجوازات والهجرة في دمشق.
وتعتبر سعاد ميبر، أبرز تلميذات القبيسي في سوريا، وهي تدرس في "معهد الفتح" فرع الإناث في دمشق، وكتبها مقررة عند هذه الجماعة، ومن كتبها "عقيدة التوحيد من الكتاب والسنة".
ولهن العديد من المدارس والمعاهد في سوريا.
2ـ لبنان
تزعمت الجماعة هناك في البداية، أميرة جبريل،وهي شقيقة أحمد جبريل الزعيم اليساري الفلسطيني ، ولكن أميرة جبريل أخلت الساحة فيما بعد لسحر حلبي، حيث صرن في لبنان يعرفن بالسّحريات، وبلغ من تعصبهن هناك لسحر حلبي أن بعضهن فسّرن قول الله تعالى "ونجيناهم بسحر"( )، أي أن الله نجّاهن من الضلال بسحر حلبي!
3ـ الأردن
ويعرفن فيها باسم "الطبّاعيات" نسبة إلى شيختهن فادية الطباع، التي تملك وتدير مدرسة بارزة في العاصمة عمّان، هي مدارس الدر المنثور في حي أم السماق، حيث تعتبر تلك المدرسة أهم معاقل هذه الجماعة، إضافة إلى مدرسة أخرى في عمّان، هي مدرسة الخمائل.(33/11)
وكانت فادية الطباع فيما سبق تدرس في مدراس الأقصى التي أسسها شاعر الأقصى يوسف العظم، وكانت على خلاف مع الدكتورة مهدية الزميلي، أبرز الداعيات في جماعة الإخوان ومديرة مدارس الرضوان حاليا بسبب قضية تقصير الجلباب وإظهار الساق، كما يروي العظم ذلك في سيرته.
4ـ الكويت
أسست الجماعة فيها أميرة جبريل، شقيقة أحمد جبريل زعيم إحدى المنظمات اليسارية الفلسطينية. ثم تأسست "جمعية بيادر السلام النسائية".
وجمعية بيادر السلام هي الجمعية الرسمية التي تعمل الآنسات من خلالها، وقد تأسست سنة 1981م، وتشرف على عدد من المؤسسات التربوية منها: مدرسة القطوف الخاصة، وحضانة السلام، وحضانة دار الفرح.
ورأست مجلس إدارة الجمعية دلال عبد الله العثمان. وقد جاء إنشاء الجمعية نتيجة جهود كبيرة بذلها يوسف سيد هاشم الرفاعي رأس الصوفية الكويتية، بعدما فشل في دعوة الرجال على مستوى الساحة الكويتية، ولجأ بذكاء إلى الجنس النسائي مستغلاً عاطفتهن وقلة علمهن، وموجداً بهذا التوجه متنفساً لمشاكلهن الاجتماعية وظروفهن الأسرية( ) .
وللجماعة كذلك انتشار في دول الخليج ومصر وفلسطين، وبعض الدول العربية والأجنبية ولكن لا توجد معلومات كافية عن ذلك.
نماذج من شهادات عضوة سابقة و زوج عضوة في الجماعة :
شهادة زوج عضوة سابقة :
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق والمرسلين، فإن كل بدعه ضلاله، وكل ضلاله في النار، أما بعد.
فإني أشهد الله تعالى على كل ما سأكتبه هنا في حق جماعة بيادر السلام النسائية وأساليبها غير الحميدة فأقول وبالله التوفيق:
فإنه وبعد ما وصل بي الأمر إلى أن أمنع زوجتي العضوة في هذه الجمعية من حضور الدروس كما يسمونها في المنازل المختلفة لعضوات هذه الجمعية، وذلك من بعد ما سمعته وعلمته من بعض الأخوة من أمور عن هذه الجمعية تجعل كل من له دين أن يخاف على أهله.(33/12)
لم أفاجأ برفضها، ولكن فوجئت بتركها للبيت بعد افتعال مكر مكروه في بيت الدعوة الصوفية المعروف، وهنا توقفت متأملاً في هذا الحدث الغريب مذهولا، مما جعل ابنتي الكبيرة والتي هي أيضاً عضوة في هذه الجمعية، تتكلم وبتحفظ عن أسرار هذه الجمعية وشيئاً فشيئاً حتى أفضت بكل ما عندها، وملخصه يتمثل بالآتي: "عقيدة العضوات لهذه الجمعية هي صوفية نقشبندية وطرق التربية الصوفية مطبقة بالكامل في البيادر من تقديس للآنسة الكبيرة، وأساليب الإهانة وعملية الذكر الصوفي، وإخفاء أمور الجمعية عن المجتمع وعن الأهل، والترخص بالكذب عند الضرورة على الجميع في سبيل حماية الجمعية وأمرها... الخ".
بعدها وبعد أن رتبت الأمور مع ابنتي عملنا مناورات على هذه الجماعة، فهددت بأنني سأنشر موضوعي في الجرائد، وإذا بالجماعة تنقلب في الاتجاه 180 درجة، واتصلت بي النائبة الأولى لأميرة الجماعة السيدة /ج. ب هاتفياً بكلام معسول تنصحني بأن أطلق زوجتي إذا كنت أنا غير راض عن سلوكها، فلم استطع أن أجيبها لشدة احتقاري لها ولأسلوبها البعيد جداً عن منهج إصلاح البيوت، وعن منهج الدعوة الدينية الخيرة، وتحققت من ذلك بأن كل ما يهمهن هو أن لا ينال اسم جمعيتهن أذى من وراء هذا الموضوع.
فتداركت الموقف وعرضت خدماتها بأن تفعل كل ما يرضيني لإرجاع زوجتي وفعلاً أعادوا زوجتي، ولكون ما عرفته هذه الجمعية لا يمكن السكوت عنه، وعلمن بأني سوف لن أقبل بوجود هذا المنكر في المجتمع، ومنعت زوجتي من الاتصال بهم رغم ولائها لهم.
وهنا خشين من تأثيري على زوجتي وأن تنقلب عليهن، ومع علمهن بخطورة ما تعرفه زوجتي عن هذه الجمعية بحكم طول الفترة الزمنية لعضويتها والتي زادت عن اثنتي عشرة عاماً، فأمروها بافتعال ما يخرجها من البيت ثانية تاركة أطفالها وجعلوها ترفع قضية طلاق تطالب بالتفريق.(33/13)
وكان قد حدث أني قد اتصلت بالجمعية السابقة الذكر، وذلك في الفترة التي أعقبت رجوع زوجتي إلى البيت وقبل خروجها ثانية، وتكلمت مع اليعسوب (هـ.ق) الإدارية المعروفة لديهن مطالباً بشطب اسم زوجتي من العضوية في جمعيتهن، وإذا بها بكل قوة تريد أن تناقش وتدافع وتنكر، وقلت لها لا أريد أن أناقش وهي مصرة على النقاش، ومن ضمن ما قالت: "كان غيرك أشطر"، ولم أسمع منها كلمة واحدة توحي بأن هذه المتكلمة تخشى الله أو تتقيه، أو أنها صاحبة دعوة لله، وذلك من صلافة وحدة طبعها.
وبعدها بدأت محاربتهن لي، وذلك بوضع مواد السحر كالبيض الفاسد على سيارة ولدي البكر، ومرات يضعن الدم على سيارتي، ومرات يسكبن سوائل على مدخل بيتي، ومن الشهود على ذلك سائق سيارة الكوكاكولا الذي ظل مرابطاً أمام بيتي منتظراً عودتي كي لا يطأ أحد على ما سكبوه على عتبة البيت.
وقد رأى جيراننا ومن خلال نافذتهم المطلة على منزلي نساءً يضعن مواداً على عتبة البيت وينطلقن بسيارتهن، ولقد لمسنا تأثير تلك الأعمال الشريرة على ولدي وعلى نفسي وتعالجنا منها، والحمد والفضل لله وحده، بعدها تحققت بأني أتعامل مع جماعة تعتمد السحر والاستعانة بالجن في محاربتها، فلن يفيدني شكوى مخفر أو غيره، فهذا صعب إثباته، وكان قصدهن إخافتي والسكوت عنهن، وإلا لما قالت لي (هـ.ق): "كان غيرك أشطر"! مما يوحي بأنه كان هنالك حالات مشابهة أمكنهن السيطرة عليها بواسطة سحرهن، لذلك كان هذا الاعتداد بالنفس، فما زادني ذلك إلا عزماً وقوة، وذلك من فضل الله.
فاتجهت إلى دراسة كل ما يتعلق بالسحر والسحرة، وقابلت السحرة المعروفين في الوطن العربي ـ والعياذ بالله منهم ـ ودرست كل ما يتعلق بالصوفية، ومن الجدير بالذكر هنا أن معظم من قابلتهم من السحرة والمشعوذين كان شيخاً لطريقة صوفية في نفس الوقت!!.(33/14)
واتجهت بعد ذلك لمراجعة وعلاج زوجتي بعد ما علمته وعلم غيري من الأقرباء والأصدقاء بأن أمرها ليس بيدها، وأنها مسلوبة الإرادة، فبدأنا معها العلاج، وكانت بداية طيبة واستجابة سريعة بفضل الله، فرجعت إلى بيتها وثابت إلى رشدها، وكأن نفسها قد عادت إليها، والتي افتقدتها منذ سنين، ولمسنا ولأول مرة كأسرة بأن وضع البيت قد أصبح مختلفاً عما سبق، فقد كان ملعباً للشياطين، وهذا برأيي حال بيت كل زوجة من عضوات هذا التنظيم الخطر، تعب مستمر وشقاق وعنت، وهذا والله من فضل ربي وصدق الله العظيم إذ يقول {لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم}.
نعم.. لقد كان ما حدث هو من تقديرات المولى عز وجل ورحمة من عنده، إذ أنقذ ابنتي وزوجتي واستقرار بيتي من هذا المنزلق الخطير، وزادني علماً وفضلاً منه، فله الحمد والشكر والثناء الحسن.
وأخبرتني زوجتي بعد ذلك بأن هؤلاء النسوة وعلى رأسهن أميرة الجماعة أميرة جبريل قد أمرنها بالخروج من بيتها في المرة الأولى، وساعدوها برفع قضية طلاق وساندوها في المرة الثانية ونصحوها بأن ذلك لخير وسلامة دينها ودنياها.
كما أخبرتني بكل تفاصيل دينهم الضال دين الصوفية وعلى الطريقة النقشبندية، وكل ما جاء في هذا التقرير أو الدراسة التي تحتوي شهادتي هذه مطابق لما سمعته من زوجتي وابنتي وذلك خشية الإطالة.(33/15)
ولي كلمة أوجهها إلى أولياء الأمور وأزواج عضوات هذا التنظيم فأقول لهم: حافظوا على بيوتكم وحافظوا على أسرار بيوتكم، فإنه ليس لبيوتكم حرمة في ظل هذا التنظيم، وعوراتكم مكشوفة عند أميرة الجماعة ومنها إلى الأخريات ومنهن إلى الآخرين وأنا منهم، ولا أخال زوجاً شريفاً غيوراً على أهله بعد كل ما نشر وقيل في شأن هذا التنظيم، يرضى ويقر زوجته على الاستمرار مع هذه الجماعة، إلا أن يكون قد فقد السيطرة على نفسه نتيجة أعمال السحر عليه وعلى زوجته فلمثله أو لذويه أن يطلبوا له العلاج والاستشفاء بالرقية القرآنية، وأنا على أتم ثقة بأنه سيجد اختلافاً كبيراً بإذن الله.
وأختم شهادتي بالصلاة والسلام على البشير النذير وعلى آله وصحبه الكرام أجمعين.
شهادة عضوة سابقة :
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ـ وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، اللهم إني أعوذ بك أن أَظلم أو أُظلم أو أعتدي أو يعتدى علي أو أقترف ذنباً أو خطيئة لا تغفرها لي.
سبب دخولي للجمعية وتطوري فيها [لأني لا أستطيع أن أطلق عليها جماعة لأن المرأة لا تكون جماعة ولا إمارة]. كنا طلبة في الجامعة وتعرفت على إحدى الأخوات المعروفات في الجمعية، وهي سبب دخولي أنا وزميلاتي، بدأنا في حفظ القرآن ثم تطور شيئاً فشيئاً، وكان يخصص باص من الجمعية وقت العطلة في الجامعة، وكنا نذهب للقاء أميرة جبريل "المؤسسة"، وكانت تتكلم عن الإيمانيات، وكانت شخصية مرحه، والشيء الذي لفت نظري لها التفاف العضوات حولها والجلوس بقربها، وشرب الماء بعدها، هذا الشيء لفت نظري وكانت هذه السمة الواضحة لعضوات الجمعية.(33/16)
تطور الأمر ومرت سنوات وأصبح لنا جلسة خاصة في بيت في (منطقة) الروضة يجمع وجوها عديدة، ثم تطور إلى إقامة حلقة في (منطقة) الجهراء في بيت (...)، ثم مرت سنوات بعد أن درست في الثانوية، وفتحت حلقة في منزل روادها ما بين 30 إلى 50 طالبة، أصبحت منطقة الجهراء لها اهتمام خاص وعينت لنا مسئولة قوية، ثم مرت سنوات وفتحت دورة تحفيظ قرآن في الصيف في مسجد عبد الرحمن بن عوف، وهنا المحك، فبعد انتهاء الدورة عمل حفل ختامي، وبعد أن ذهب أغلب الحضور أخذوا يرددون أناشيد مع الطار (الدف) داخل المسجد، وكان لا زال في حضور من الأمهات، فنظروا باستغراب نظرات لا أنساها.
أصبح في منزلي حلقة خاصة لطالبات الثانوي حيث كان لي شعبية في المدرسة، وكان الحضور ممتازا، وبعد فترة أخذ الحضور يقل شيئاً فشيئاً، وكنت عندما أسأل يقال لي "لا بد للحلقة أن تتصفى ويبقى الجيد" ويقولون "القافلة تسير والكلاب تنبح" و"أنت ما عليك، شوفي إنجازات الجمعية ولو أنها على خطأ ما بارك الله في أعمالها وإنجازاتها".
ولكن الأمر أصبح خطيراً، فأنا من أسرة معروفة في الجهراء، وأصبح الكلام يردد أنني صوفية. وفي نفس اللحظة لا أجد الرد المقنع من الجمعية، فأصبحت في وجه المدفع، ثم أغلقت الحلقة لأن الحضور قليل جداً.
الأمور التي نفرتني شيئاً فشيئاً من الجمعية:
* كثير من الأحاديث كانت تقال بسند ضعيف أو أصلاً ما هي بأحاديث، أعمال كثيرة كانت تعمل مثل "الصلاة في الظلمة" سواء في الجمعية أو إحدى المنازل لعضوات الجمعية، كان هذا شيء لازم وضروري بناتهم يلبسون تنوره ميدي (ضيقة) وكانت أرجلهن تظهر من وراء العباءة، وكانوا يتفاخرون بأنهن يتشبهون بالآنسات ـ وجوب إطلاق كلمة آنسة على بعض الشخصيات ضروري جداً."
* التردد المستمر على منزل السيد (الشخصية الصوفية المعروفة)، وهو منزل الدعوة كما يدعون، وكان لنا جلسات من الضحى إلى المغرب تقريباً ـ وهذا كان يضايق الأهل ـ.(33/17)
* في إحدى حفلات الجمعية كنت لابسة نقابا، فمسكته إحدى القيادات وقالت ماله لازم، الحجاب يكفي حتى لا تنفري الناس من الدين ـ وكانت هذه أول صدمة (فأنا عندما تدرجت وارتقى إيماني لبست النقاب تقرباً إلى الله، وكنت فرحة به).
* المرة الثانية في حفل ثان للجمعية، وجاء التلفزيون ليصور، فقالوا لي لا تخرجي (كي) لا يظهر النقاب في التصوير.
* تأليف أناشيد على نفس لحن الأغاني، وهذا كان دائماً يثير الناس علينا.
* في المدرسة في دعوتي لا أستطيع أن أظهر هويتي أنني من البيادر، لأنني سأواجه ردا من الطالبات، فكان هذا الشيء يتعبني.
* استخدامهن للمسباح (للمسبحة) بطريقة شبه دائمة من أجل التسبيح.
* خروج إحدى القيادات التي كنت أدرس على يدها بعض العلوم من الجمعية والانفصال عنهن أثر كثيراً في نفسي وبدأت أسأل!!!.
* حلقة الخلوة كانت تقام مرة في العام في منزل (ف.ب) أو في منزل السيد (الصوفي)، وفي المرة التي حضرتها كان بعضهن نائمات في منزل (ف.ب) يوم وليلة مع أميرة جبريل [أنا حضرت من الضحى إلى المغرب]، وهنا السؤال كيف يسمح لهن بالمبيت خارج المنزل؟. ثم بداية الجلسة قرآن وتسبيح وذكر ثم بعدها أناشيد مع الطار ترنما بسيرة المصطفى عليه السلام.
* سفر القيادات للشام دون محارم.
* سفر أميرة جبريل وترددها دون محرم.
* كنا نعطى كتابا في الفقه على مذهب الشافعي كما يقال، وكان يطلب منا أن لا يراه أحد.
* حديث الأهل والأقارب عن الجمعية بأنها صوفية كان يقلقني.
* الدعاء الجماعي كان بالساعات بعد الصلاة "صفة دائمة للجمعية".
الأسباب التي شجعتني للخروج منها:
حدث لي موقف مع طالبة في المدرسة لم أعرفها، كانت تردد بأنني صوفية، ثم واجهت الطالبة وقالت لي "أخي حذرنا منك"، وأخوها إنسان ملتزم معروف وله كتب ومؤلفات. وكانت هذه الصدمة التي أخرجت المختزن في نفسي.
بعد أيام ذهبت للعمرة بنية أن يريني الله الحق، وكان دعائي الوحيد في الطواف.(33/18)
بعد القدوم من العمرة، جاءتني رسالة من (فاعلة خير)، على يد إحدى المدرسات ـ ولي علاقة أخوة ومحبة بها ـ حذرتني بها من الجمعية والكلام الذي يدور، وأرفقتها بأشرطة لمشايخ يتكلمون فيها عن البيادر في الكويت والشام، وتحدثوا عن أميرة (جبريل)، وعن الصوفية.
وبعدها قررت الخروج من هذه الجمعية، وبعد ست سنوات، ولكنني أحتسب الأعمال عند الله لأنها كانت خالصة لوجهه.
انتشر الخبر وأخذوا يباركون لي، وهنا أحسست بمدى فداحة الأمر الذي كنت فيه .
للاستزادة:
1 ـ تقرير عن جمعية بيادر السلام النسائية (عرض وتحليل) ـ لجنة من الباحثين.
2ـ التنظيم النسائي السري الخطير ـ أسامة السيد.
3ـ سماح بيبرس: صحيفة المرآة الأردنية
ـ أسرار وخفايا الطريقة الطبّاعية في عمان ـ 4/12/2002.
ـ آراء ومعلومات جديدة حول الطريقة الطباعية في عمان ـ 25/ 12/2002.
4ـ جماعة القبيسيات الصوفية ـ شبكة الدفاع عن السنة.
5ـ القبيسيات ـ منتدى السقيفة.
سطور من الذاكرة
البساسيري ومحاولة إلغاء الخلافة العباسية
تمرُّ محاولة البساسيري إسقاط الخلافة العباسية في كتب التاريخ مروراً سريعاً، ولا يُشار إليها بكبير اهتمام! مع أنَّ لها دلالتَها الخطيرةَ المؤشِّرةَ إلى تعاظم الخطر الباطني، الذي كاد يصل إلى حدِّ القدرة على إلغاء الدولة العباسيّة تماماً، ونقل السلطة المركزيَّة من بغداد إلى الشيعة العبيديين في مصر، حتَّى سمّى الحافظ الذهبيُّ هذه الواقعة في كتابه سير أعلام النبلاء "الفتنة العظمَى".
في سنة 422 هـ آلت الدولة العباسيَّة إلى عبد الله بن أحمد القادر الملقَّب بـ "القائم بأمر الله"، مستخلَفاً من أبيه، وكان بذلك السادسَ والعشرين من ملوك بني العبّاس عموماً، والرابعَ والأخير من ملوك عصر التحكُّم البويهي في الحكم والدولة.(33/19)
وبنو بويه أسرةٌ فارسيَّة استوطنت الديلم، استخْفَت بنحلتها الباطنيَّة، وأظهرت مقدراتٍ عسكريَّةً، فتمكَّنت في الجيش، وأصبح بعض أفرادها قوّاداً وأمراء، منهم عليّ بن أبي شجاع (بويه) وأخواه أحمد وحسن .
وتغلغل هؤلاء ونسلُهم في الدولة ، وقد بلغ من شأنهم أن قيَّدوا السلطة المركزيَّة، وحدّوا من قبضتها على مقاليد الأمور، بل وصل الأمر إلى ما يشبه إهانةَ الخليفةِ نفسِه، وسَجنِه إن اقتضى الأمر! وكان لهم ملكُهم "الخاص" الذي لا سلطان يُذكر للخليفة عليه.
ثم إنَّهم عملوا بما يمليه عليهم خبث طويَّتهم وغلوُّهم في الرفض فأظهروا صنوف البدع العقديَّة والعمليَّة، ونشروا شعار الروافض(من الإعلان بسبِّ الصحابة وكَتْب ذلك على أبواب المساجد، والزيادة في ألفاظ الأذان، والنياحة واللطم، والاحتفال بعيد غدير خم إلخ...) وأخذوا الناس بذلك قهراً، سيما في العراق في فترة معز الدولة! أحمد بن بويه.
وفي تلك الأثناء كان العبيديُّون قد بسطوا نفوذهم- بعد المغرب- في مصر والحجاز وأجزاء من الشام ،ولم يكونوا يخفون أحقادهم،ولا أطماعَهم في مزيد من المناطق، بل كانوا يمدُّون أيديَهم علناً إلى الصليبيّين، ويتبادلون معهم السِّفارات.
وكان البويهيُّون يمدُّون الجسور إلى العبيديين إخوانِهم في العقيدة، وتجري بينهم المراسلات، بل كانوا يشاورونهم في إمكان إعلان الحاكم العبيدي خليفةً للمسلمين عامةً وخلعِ الخليفة العبّاسي، لكن ذلك لم يكن قد حان أوانه بعد.
وبلغ ذاك التطلُّع مداه ببروز نجم أرسلان البساسيري التركي،وهو أحد قوّاد البويهيِّين ومقدَّميهم، وكان الخليفة القائم بأمر الله قدَّمه على جميع الأتراك وقلَّده الأمور بأسرها!! وكان على سدّة الحكم العبيدي آنذاك المستنصرُ محمَّد بن عليّ.(33/20)
تعاظم شأنُ البساسيريّ وانتشر ذِكره وطار اسمُه وتهيَّبته أمراء العرب والعجم.. وجبى الأموال وخرب الضياع، ولم يكن الخليفة يقطع أمراً دونَه، ولا يحلّ ولا يعقد إلاّ عن رأيه. ثم استمر في انتزاع الصلاحيّات حتى لم يبقَ للملك الرحيم [البويهي] ولا الخليفة [القائم بأمر الله] معه إلاّ الاسم!.
وفي سنة 447 هـ راسل البساسيريُّ المستنصرَ العبيديَّ، وأطلعه على عزمه إلغاء الخلافة العبّاسيَّة، وإرسال شارات الخلافة إليه، تمهيداً لاستقدامه إلى بغداد ومبايعته خليفةً للمسلمين عامَّة، وطلب منه الدعمَ بالمال والسلاح.
وساءت علاقة الخليفة القائم بالبساسيري، وأرسل إلى الملك البويهي يقول له: "إن البساسيري خلع الطاعة، وكاتب الأعداء، وأن الخليفة له على الملك عهوداً، وله على الخليفة مثلها، فإن آثره فقد قطع ما بينهما، وإن أبعده، وأصعد إلى بغداد، وتولى الديوان تدبير أمره".
واستدعى الخليفة طُغرُلبَك القائد السلجوقي إلى بغداد لحماية الخلافة وكسر شوكة البساسيريّ، وكذلك لأن الخليفة فقد ثقته بمن حوله، ورأى أن مصلحته تقضي عليه الاتصال بقوة السلاجقة النامية، خاصة وأنها كانت تدين بالمذهب السني، وتحترم الخلافة.
وقدم طغرلبك من الريّ ودخل بغداد، وخرج البساسيريّ بعسكره إلى مكان بين الرقّة وبغداد يسمَّى الرَّحْبة، وأمدَّه المستنصر بما أراد من مال وسِواه، انطلاقاً من مواقع نفوذه في الشام.
وعندما دخل طغرل بك بغداد، أظهر العامة تذمرهم، وقتلوا عدداً من جنده، فاستاء من ذلك، واتهم الملك (الرحيم) البويهي وأتباعه، فقبض عليهم، وأرسل الملك البويهي إلى قلعة السيروان على مقربة من الري (طهران)، حيث ظل معتقلاً بها ثلاثة أعوام ثم توفي، واستولى على إقطاعات عسكره، مما دفع أكثر هؤلاء إلى الخروج من بغداد، وانضموا إلى البساسيري، فكثر بهم عدد أنصاره.(33/21)
واستعد طغرلبك لقتال البساسيريّ ، لكنَّ البساسيريّ وبعض دعاة الإسماعيلية مثل هبة الله الشيرازي تمكَّنوا من شقِّ صف السلاجقة،والإيقاع بين طغرلبك وأخيه إبراهيم ينال، عن طريق مراسلة الأخير، وإطماعه بإقصاء أخيه، والاستيلاء على منصبه.
واضطر طغرل بك إزاء تمرد أخيه إبراهيم ينال إلى أن يغادر بغداد, ويعود إلى الري لمحاربة أخيه والقضاء على ثورته، واستغل البساسيري هذا الوضع، وزحف على بغداد ـ بعد أن كان احتل الأنبار ـ على رأس قوة عسكرية تقدر بأربعمائة شخص، حاملاً الرايات المستنضرية، وقد كتب عليها "الإمام المستنصر بالله أبو تميم معد أمير المؤمنين"، كما سار معه أمير الموصل قريش بن بدران العقيلي، وكان حليفاً للبساسيري، في مائتي فارس، وتمكنا من دخول بغداد في ذي القعدة سنة 450هـ دون مقاومة تذكر.
واضطر الخليفة القائم إلى طلب الأمان من قريش بن بدران، فأجابه إلى طلبه، وأرسله إلى حُديثة عانة تحت الإقامة الجبرية، وكان البساسيري يرغب في إرساله إلى مصر عند المستنصر العبيدي.
وأرغم البغاة الخليفة العباسي قبل مغادرته بغداد على كتابة عهد اعترف فيه بأنه لا حق لبني العباس، ولا له هو ،في الخلافة مع وجود بني فاطمة الزهراء( ) ثم بعثوا بهذا العهد إلى القاهرة. كما أرسلوا ثوب الخليفة وعمامته و "شبّاكه" الذي كان يجلس فيه، مع الهدايا والتحف، وقد أثار وصولها إلى القاهرة موجة عارمة من الفرَح لدى المستنصر العبيدي وأنصاره.
وفي يوم الجمعة الثالث عشر من ذي القعدة سنة 450هـ ، دعا البساسيري للمستنصر العبيدي في جامع المنصور ببغداد، وقطع الخطبة للعباسيين، وزيد في الأذان "حي على خير العمل"، ثم أقيمت الخطبة للعبيديين في جميع مساجد بغداد، وكان أول من أيّده ودعا للمستنصر، أهل الكرخ.
ونُهبت دار الخلافة، وقَتَلَ البساسيريُّ بعضَ رجال الدولة، ومنهم رئيس الرؤساء وقاضي القضاة.(33/22)
واستمرت الخطبة للخليفة العبيدي ،وامتدَّ احتجاز الخليفة في عانة عاماً كاملاً كذلك، وفي الأثناء جرت أمور تجلُّ عن الوصف وتدمي القلب من بلاءٍ وفاقةٍ واضطراب وهلع وإرجافٍ، سيما وقد تناهت الأنباء أن "ينال" حصر أخاه طغرلبك في همذان، فبلغ من سوء الحال وتردّي الأوضاع أنْ سمّى الحافظ الذهبي هذه الواقعة «الفتنة العظمَى»، وبلغ من ذلك أنَّه نُهب الحريم ودار الخلافة. وسُلِّمت زوجةُ الخليفة إلى أحد مُظاهري البساسيريّ من العرب.
وملكَ البساسيريُّ بغداد والبصرة والكوفة وواسطاً والموصل وخوزستان وغيرَها. وشمخت أنوف الرافضة، واستأسدوا به على أهل السنَّة، ورُفعت رايات المستنصرية العبيديين.
وعلى الجانب الآخر، وفيما يتعلق بصراع طغرل بك مع أخيه شرقاً، بدأت الكفة تميل إلى طغرل بك بعد أن جاءته الإمدادات من الشرق بقيادة ابن أخيه ألب أرسلان، فتمكن طغرل بك في العام 451هـ من التغلب على أخيه وقتله، ثم زحف نحو العراق لإعادة الأمور إلى نصابها. فطلب من البساسيري وقريش بن بدران إعادة الخطبة للخليفة القائم، مقابل عدم دخوله بغداد، فرفض البساسيري إجابة طلبه، كما أن قريش بن بدران سعى لدى الأمير محيي الدين مهارش العقيلي، حاكم حديثة عانة ليحول دون عودة الخليفة إلى بغداد.
وبالرغم من النجاحات التي حققها البساسيري، والمناطق التي استولى عليها، إلاّ أنه لم يتمكن من مواجهة الجيش السلجوقي القادم، لذلك خرج البساسيري من بغداد مع جنده، وقصد الكوفة في السادس من ذي القعدة سنة 451هـ.
لكن لماذا لم يقدم المستنصر العبيدي الدعم الكافي للبساسيري رغم إخلاصه له؟
الذي يظهر أنَّ أحد وزراء المستنصر –أبا الفرج محمد بن جعفر المغربي- لم يكن على وفاقٍ تامٍّ مع البساسيريّ، فلذلك كان ينفِّر عنه المستنصرَ ويحذِّره منه.كما أن المستنصر لم يكن يملك القوة الكافية لإمداده.(33/23)
وأيّاً كان الباعثُ فإنَ المستنصر لم يثق تماماً بالبساسيريّ فاكتفى بتقديم الدعم المادّي ، ولعلَّ هذا من حُسن صنيع الله تعالى للمسلمين.
وعلّق ابن تغري بردي في كتابه النجوم الزاهرة "جـ 5 ص 11" على موقف المستنصر العبيدي من البساسيري بعد خروجه من بغداد، بقوله: "ولولا تخوف المستنصر من البساسيري، وترك تحريضه على ما هو بصدده ، لكانت دعوته تتم بالعراق زمناً طويلا".
وكتب القائم من إقامته الجبريَّة في عانة تظلُّماً إلى الله عزَّ وجلَّ في رقعةٍ جاء فيها: «إلى الله العظيم من المسكين عبدِه»..، وبعث بها إلى الكعبة.
وهو أمر لا يخلو من غرابة أن ينفذ الإنسان رسالة إلى رب العالمين! سيما وهو سبحانه قريب يجيب دعوة المضطر إذا دعاه. أما هذه القصاصة فقال الحافظ الذهبي فيها: "نفعت وأخذ الله بيده".
وتفاهم طغرل بك مع الأمير محيي الدين مهارش لإعادة الخليفة العباسي القائم إلى بغداد، واستقبله عند وصوله إلى النهراوان، وبالغ في الاحتفاء به، وأبدى سروره لعودته، واعتذر له عن تأخره في نجدته لانشغاله في إخماد ثورة أخيه، وأبدى نيته في المضي خلف البساسيري الذي التجأ إلى الكوفة، وعزم طغرل بك على المسير إلى الشام، ثم إلى مصر ليعامل المستنصر العبيدي معاملة تتلاءم مع أفعاله، وأعيدت الدعوة للعباسيين في بغداد بعد انقطاع دام سنة.
ولم يكد الخليفة يستقر في بغداد حتى عهد السلطان طغرل بك إلى القائد خمارتكين الطغرائي بالمسير على رأس ألفي فارس إلى الكوفة حيث يقيم البساسيري، وضمّ إليه طائفة من الجند بقيادة ابن منيع الخفاجي، وسار بنفسه في إثرهم.
ودارت بين الطرفين معركة ضارية،عند الكوفة منتصف شهر ذي الحجة سنة 451هـ، أسفرت عن انتصار السلاجقة، ومقتل البساسيري، وهزيمة جيشه،وحمل رأسه إلى بغداد، فطيف به، وعلّق إزاء دار الخلافة.(33/24)
وبذلك تمكن طغرل بك من القضاء على فتنة البساسيري التي أقضّت مضاجع الخلافة العباسية، وطوي فصل من فصول التآمر الباطني.
وقيل إن القائم لم يضع رأسه بعد ذلك على وسادة، ولازم الصيام والقيام وقضاء الحوائج.واستمر في الحكم بعد ذلك قرابة ستَّ عشرة سنة.
للاستزادة :
شذرات الذهب 2/287، تاريخ بغداد 9/400 و11/391، وفيات الأعيان 1/192، بغية الطلب 1347، طبقات الشافعية الكبرى 5/248، العبر 3/214، سير أعلام النبلاء 18/110، 132، 216، 274، 307، 482، مآثر الإنافة 1/339، مقدمة ابن خلدون 21، البداية والنهاية 7/4، 11/269، 12/69.
تاريخ الفاطميين – د. محمد سهيل قطوش.
مواقف المفكرين - 18-
الدكتور عمر عبد الله كامل
هذه سلسلة من البحوث كتبها مجموعة من المفكرين والباحثين عن عقيدة وحقيقة مذهب الشيعة من خلفيات متنوعة ومتعددة ، نهدف منها بيان أن عقائد الشيعة التي تنكرها ثابتة عند كل الباحثين ، ومقصد آخر هو هدم زعم الشيعة أن السلفيين أو الوهابيين هم فقط الذين يزعمون مخالفة الشيعة للإسلام .
وهذه الحلقة هي في الأصل مقالان كتبهما د. عمر عبد الله كامل ، وهو من زعماء الصوفية المعاصرين في العالم ، وهو سعودي الأصل وقد نشر هذين المقالين في مجلة التصوف الإسلامي والتي يصدرها المجلس الصوفي الأعلى في مصر، العدد 303، 304، سنة 2004 م .
الراصد
حوار مع أفكار الشيعة
الدكتور: عمر عبد الله كامل
في هذا المقال.. أحاور أهم أفكار الشيعة معتمداً على القرآن الكريم والأحاديث الواردة في فضل آل البيت على ألسنة الصحابة من كتب السنة، واعتمد على العقل كذلك في الحوار، ويظهر من هذا الحوار تهاوي فكرة البغضاء بين آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أصحابه.. وأنها أكذوبة مدسوسة على المسلمين انتفع بها ذوو النوايا السيئة.
الآيات الواردة في فضل الصحابة من القرآن:(33/25)
في سورة الفتح وردت آية {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجداً يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما} (الفتح: 29).
في هذه الآية مدح الله سبحانه وتعالى محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم والذين معه فمن هم الذين معه؟ أليسوا آل البيت وزوجاته وصحابته؟ وهل يمدح أناساً يعلم أنهم سوف ينقلبون على أعقابهم؟ فالمقصود في هذه الآية هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهنا سؤال نوجهه إلى مبغضي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل يرضى مبغضو الصحابة أن يكونوا في صف واحد مع الكفار؟
والجواب ما قاله الإمام مالك: من أصبح من الناس في قلبه غيظ على أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أصابته هذه الآية: {محمد رسول الله..} إلى قوله {ليغيظ بهم الكفار}.
قد يحتج عليّ ويقال: ما هو تعريف صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم؟ فأقول: لقد اختلف الناس في تعريف من هم الصحابة؟ ولكن المقطوع به بشكل لا يختلف عليه المسلمون أنهم المهاجرون والأنصار، وعلى رأسهم أهل بدر وهذا ما ورد في الآية: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم} (التوبة: 100) وذكر الله سبحانه وتعالى فيها السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار.(33/26)
فمن هم المهاجرون والأنصار، فمن هم المهاجرون السابقون إذا لم يكونوا أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً؟ هذا أمر لا خلاف فيه، فهذه الآية تثبت رضى الله سبحانه وتعالى عنهم أجمعين، وإذا رضي الله عن عبد فلن يغضب عليه أبداً، فما بالك إذا كانت الشيعة تنازعنا فيمن حضروا بدراً والعشرة المبشرين بالجنة ومنهم: أبو بكر وعمر وعثمان.
فأي وهم تقودهم إليه أهواؤهم بعد هذه الآية؟ {لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم} (التوبة: 117).
وفي هذه الآية يبين الله سبحانه وتعالى أنه تاب على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة، ومنطوق هذه الآية والصيغة التي وردت بها "لقد تاب" فأمر التوبة بالنسبة للصغائر وما يحدث للإنسان بحكم بشريته من خوف وجزع وقلق عند تأخير نصر الله وما شابه ذلك من مستلزمات الطبيعة البشرية الضعيفة، كل هذه الأعمال تاب الله على النبي وعلى المهاجرين والأنصار منها بمنطوق هذه الآية.
فإذا استنكرتم على سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعلى أجلاء الصحابة أن ترددهم في صلح الحديبية وهم يرون إصرار قريش على أن يمحو اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتصر على أن تثبت محمد بن عبد الله فقط، وقد استنكر سيدنا علي بن أبي طالب بل كتبها ثم محاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكاد عقل سيدنا عمر رضي الله عنه أن يتزلزل وهو يرى افتراء قريش، وما عمر بعالم للغيب عن طريق الوحي كرسول الله صلى الله عليه وسلم، وما إيمان عمر أو أحد من الخلق كإيمان المصطفى صلى الله عليه وسلم الثابت الذي لا يتزلزل، وهو الذي يناجي ربه فإن وجد شيئاً اتبعه.(33/27)
هذا عن الصحابة الذين تاب الله عليهم فهو موقف اعتزاز بدينهم ، وربهم أعلم بهم فكيف يؤخذ عليهم هذا الأمر؟ ولقد ظل سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يستغفر الله عن هذه الحادثة حتى توفي، أليس هذا من ورعه؟
وبالرغم من أن منطوق هذه الآية يدل على أن الله تاب على المهاجرين والأنصار الذين كادت قلوبهم تزيغ، ليس هذا وحسب، بل اقرأ آخر الآية حيث أردف سبحانه وتعالى بتوبة أخرى لقوله تعالى: {ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم} فالله رؤوف رحيم على الإطلاق، وفي حق الأنصار والمهاجرين بالتخصيص بموجب هذه الآية.
والآية: {ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم} (النور: 22)، وهذه الآية نزلة في قصة أبي بكر الصديق رضي الله عنه ومسطح بن أثاثة، وذلك أنه كان ابن خالته، وكان من المهاجرين البدريين، وكان أبو بكر ينفق عليه لمسكنته وقرابته، فلما وقع أمر الإفك، وقال فيه مسطح ما قال، حلف أبو بكر ألا ينفق عليه، فجاء مسطح فاعتذر، فقال له أبو بكر: لقد شاركت فيما قيل ومر على يمينه فنزلت الآية. فقال أبو بكر: والله لأحب أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه وقال: لا أنزعها أبداً.
فهذه الآية تنص على فضل المهاجرين، وأن هجرتهم في سبيل الله، وتنص على فضل سيد الصحابة الصديق ووصف الله سبحانه له بأنه من أولي الفضل والسعة،وأن الله سبحانه قد غفر له.
ثم الآية: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا، كان ذلك في الكتاب مسطورا} (الأحزاب:6).(33/28)
هذه الآية يذكر الله سبحانه وتعالى فيها أن النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ويصف زوجاته بأنهن أمهات المؤمنين، ومنهن السيدة عائشة الصديقة بنت الصديق، حتى وإن اجتهدت في الخروج في موقعة الجمل فهي أمنا، فقد استبانت الحق وندمت على ما فعلت، وتمنت أن يكون لها عديد من الأبناء استشهدوا في سبيل الله، ولم تطع ابن الزبير في مخرجها ذلك.
وهذا علي رضي الله عنه يقول عن السيدة عائشة: خليلة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويقول أمير المؤمنين ذلك في حق عائشة مع ما وقع بينهما، فرضي الله عنهما، ولا ريب أن عائشة ندمت ندامة كلية على مسيرها إلى البصرة، وحضورها يوم الجمل، وما ظنت أن الأمر يبلغ ما بلغ. فعن عمارة بن عمير، عمن سمع عائشة إذ قالت: (وقرن في بيوتكن) بكت حتى تبلل خمارها.
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم علياً أنه سيكون بينه وبين عائشة أمر، ففي الحديث عن أبي رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي بن أبي طالب: "إنه سيكون بينك وبين عائشة أمر. قال: أنا يا رسول الله؟ قال: نعم. قال: فأنا أشقاهم يا رسول الله. قال: لا، ولكن إذا كان ذلك فارددها إلى مأمنها".
أما الآية: {للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون} (الحشر: 8)، ففي هذه الآية يذكر الله سبحانه وتعالى المهاجرين الذي أخرجوا من ديارهم لنصرة الله ورسوله ويصفهم بأنهم الصادقون. أبعد وصف الله تعالى لهم بالصدق يأتي من يشكك فيهم؟ ألا تقف هذه الآيات (وهي في كتاب الله القرآن الكريم الذي نتعبد به) مانعاً عن الخوض في خير أمة أخرجت للناس؟ فقد مدحهم الله سبحانه وتعالى بأنهم خير أمة لقوله سبحانه: { كنتم خير أمة أخرجت للناس} (آل عمران:110) فلم يشرك معهم أحداً في هذا الفضل والإحسان.(33/29)
ألم يسمع أولئك قول الله تعالى: {إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق والله بما تعملون بصير} (الأنفال: 72)، وكذلك قوله تعالى: {والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين أووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم} (الأنفال: 74)، وفي هذه الآيات يصف الله سبحانه وتعالى المهاجرين والأنصار بأنهم المؤمنون حقاً، أبعد ذلك تشككون فيهم؟ ألم تقرأوا في هذه الآيات أن بعضهم أولياء بعض، فما معنى أولياء بعض؟ أيتولى المسلم المنافق إن كنتم تزعمون فيه نفاقاً أو فسوقاً، فكيف هذا؟ أيستقيم ذلك مع العقل السليم، والنص الثابت الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؟
ألم تسمعوا قول الله سبحانه وتعالى: {إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم} (التوبة: 40)، ألم تنزل هذه الآية في سيدنا محمد وصاحبه أبي بكر، ما رأيك في اثنين الله ثالثهما؟ ألا تكفي هذه الآيات في فضل أبي بكر رضي الله عنه؟
ومن هؤلاء من اتهم كبار الصحابة رضوان الله عليهم بالردة استناداً إلى قوله تعالى: {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم} (آل عمران: 114)، فهذه الآية نزلت بسبب انهزام المسلمين يوم أحد، وظن بعضهم أن رسول الله قد قتل، فقال المنافقون للمسلمين: إن كان محمد قتل فالحقوا بدينكم، فقال بعضهم: إن كان محمد قد أصيب ألا تمضون على ما مضى عليه نبيكم حتى تلحقوا به فأنزل الله هذه الآية.(33/30)
قال القرطبي: "فهذه الآية من تتمة العتاب من المنهزمين، أي لم يكن لهم الانهزام وإن قتل محمد". وقال أيضا: "هذه الآية أدل دليل على شجاعة الصديق وجراءته، فإن الشجاعة والجرأة حدهما: ثبوت القلب عند حلول المصائب، ولا مصيبة أعظم من موت النبي صلى الله عليه وسلم فظهرت عندها شجاعته وعلمه".
فهذه الآية التي يستدل أعداء الصحابة على أنهم ارتدوا وانقلبوا على أعقابهم، تدل على فضلهم، لأنهم ثبتوا معه صلى الله عليه وسلم ودافعوا عنه... حتى ولو قلنا بأنها تتعلق بالمنهزمين والرماة الذين خالفوا أمر الرسول، فإن الله سبحانه قد تاب عليهم وعفا عنهم، فقد نزل بعد هذه الآية قوله سبحانه: {ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين} (آل عمران:152).
نأتي إلى العقل
فبالعقل عرفنا الله سبحانه وتعالى، والقرآن لا يزال يكرر: "لقوم يعقلون" و "لقوم يتفكرون" و "لقوم يفقهون"... الخ وكل هذه العبارات تدل على إعمال العقل، فلنناقش دعاواهم بهدوء مستخدمين الحوار العقلي المجرد.
محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كنتم تؤمنون بعصمة الأئمة الاثنى عشر وأنهم منزهون عن الخطأ، أفلا تؤمنون بأن الرسول صلى الله عليه وسلم معصوم من الخطأ؟!
لقد كان الهدف من العصمة هو إبلاغ الرسالة على أتم وجه. أما آل البيت والصحابة الذين استقاموا بعد وفاته صلى الله عليه وسلم فهذه منقبة تحمد لهم بأن استقاموا وليسوا معصومين، فانتصارهم على النفس جهاد أكبر.(33/31)
فالصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ليسوا معصومين من الآثام، فإن العصمة لا تجب لأحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تجب لأحد عند أهل السنة إلا للأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وإنما هم محفوظون عن أن تجرح الذنوب في عدالتهم الثابتة، فإذا بدرت منهم هفوة بمقتضى البشرية بادروا إلى الإقلاع والتوبة عن تلك الزلة وتلافيها بالانقياد لإقامة الحد عليهم إن كان، وبمحاسبة النفس وتقريعها والاستكثار من الأعمال الصالحة، حتى أن الزلة ربما تكون سبباً لعلو درجاتهم ورفعة مقاماتهم عند الله تعالى.
وإن كان للأمة من فضل فإنما هو بسبب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن لا نشك في أن لهم فضلا، ولكن هذا الفضل بسبب قرابتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فالرسول صلى الله عليه وسلم اختاره الله من الخلق جميعاً، واختار له الأمهات والآباء الذين تسلسل منهم فكان خياراً من خيار، وما افترق الناس فرقتين إلا كان في خيرهما، واختار الله سبحانه وتعالى له أصحابه وآل بيته، فكما أن فضل الأمة مرتبط بفضل أنبيائهم فكذلك آل البيت والصحابة، ومادمنا نؤمن بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم معصوم من الخطأ، فكيف يخطئ في اختيار أصحابه إليه وأدناهم منه أبي بكر وعمر وعثمان وعلي والعشرة المبشرين وأهل بدر. أيجوز أن يخطئ في الاختيار؟ خصوصاً وأن هذا الأمر يترتب عليه أمر ديني فهم الناقلون عنه صلى الله عليه وسلم وهم المعايشون له، أفيخطئ بعد ذلك في انتقائهم ويوهم الأمة بفضلهم، إن لم يكن لهم فضل؟(33/32)
حاشا أن يفعل ذلك، وحاشا أن يوقعه ربه في الخطأ، ليس هذا وحسب بل لقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتخير لنطفتنا، أفنشك في أنه تخير لنطفته صلى الله عليه وسلم في اختياره لزوجاته كلهن رضوان الله عليهن، فيظهر من يشككون في عدالة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم جميعاً ويتزوج بناتهم ويزوج عثمان ذا النورين، ويكرر الخطأ مع نفس الأشخاص الذين تكرهونهم وهو القائل: "إن الأنساب تنقطع يوم القيامة غير نسبي".
ثم ما بالكم ترون في عمر رضي الله عنه ما ترون وقد زوجه علي بن أبي طالب كرم الله وجهة ابنته فإن لم يكن كفأً ما كان علي كرم الله وجهه أن يزوجها له وهو الذي لا يخشى في الله لومة لائم، فأين عقولكم؟؟
ألم تسمعوا قول الله تعالى: {والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله إن الله بكل شيء عليم} (الأنفال: 57)، أليسوا ذوي رحم رسول الله صلى الله عليه وسلم، أتراه قاطعها وهو صلى الله عليه وسلم خيرنا لأهله.
ولتقرأ هذه الآية من سورة الحديد: {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى} (الحديد: 10)، فهذا وعد الله سبحانه للسابقين الأولين وللذين أسلموا بعد الفتح، فقد وعد الله سبحانه الفريقين الحسنى، وهي الجنة؟ فما هو موقف أعداء صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه الآية؟!
يوم الرزية(33/33)
لقد ذكروا يوم الرزية حيث كان الصحابة مجتمعين في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وطلب الرسول أن يكتب لهم كتابا لا يضلوا بعده أبدا، ومنعه عمر بن الخطاب رضي الله عنه. " قال ابن عباس: يوم الخميس وما يوم الخميس، اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه فقال: هلم أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده، فقال عمر: إن النبي قد غلبه الوجع، وعندكم القرآن، حسبنا كلام الله، فاختلف أهل البيت واختصموا منهم من يقول: قربوا يكتب لكم النبي كتابا لا تضلوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر. فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند النبي، قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: قوموا عني".
ونحن نرى أنه شفقة بمرضه صلى الله عليه وسلم منعه رضي الله عنه، وأنتم تقولون أن عمر رضي الله عنه قال: إن النبي كان يهذي، وحاشا لله أن يصدر ذلك من عمر، وهو الذي ظل يتأسف عن يوم الحديبية إلى أن توفي، فكيف تصدر هذه اللفظة من سيدنا عمر بحق الرسول صلى الله عليه وسلم، فالرسول كما قال الله عز وجل عنه: "وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى" (النجم:3ـ4).
وقد تكلم العلماء على الحديث بما يشفي العليل ويروي الغليل، وقد أطال النفس في الكلام عليه محيى الدين النووي في شرح مسلم وأتى فيه بنفائس، فرأيت أن أنقله مع اختصار له.
قال رحمه الله تعالى : "اعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم معصوم من ترك بيان ما أمر ببيانه وتبليغ ما أوجب الله عليه تبليغه، ليس معصوما من الأمراض والأسقام العارضة للأجسام ونحوها مما لا نقص فيه لمنزلته ولا فساد لما تمهد من شرعيته.(33/34)
فإذا علمت ما ذكرناه، فقد اختلف العلماء في الكتاب الذي همَّ النبي صلى الله عليه وسلم فقيل: أراد أن ينص على الخلافة في إنسان معين لئلا يقع فيه نزاع وفتن، وقيل: أراد كتابا يبين فيه مهمات الأحكام ملخصة ليرتفع النزاع فيها ويحصل الاتفاق على المنصوص عليه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم همَّ بالكتاب حين ظهر أن هناك مصلحة أو أوحي إليه بذلك، ثم ظهر أن المصلحة تركه أو أوحي إليه بذلك، ونسخ ذلك الأمر الأول.
وأما كلام عمر ـ رضي الله عنه ـ فقد اتفق العلماء المتكلمون في شرح الحديث على أنه من دلائل فقه عمر وفضائله ودقيق نظره، لأنه خشي أن يكتب صلى الله عليه وسلم أمورا ربما عجزوا عنها، واستحقوا العقوبة عليها لأنها منصوصة لا مجال للاجتهاد فيها، فقال عمر: حسبنا كتاب الله لقوله تعالى: "ما فرطنا في الكتاب من شيء" (الأنعام: 38) وقوله "اليوم أكملت لكم دينكم" (المائدة:3) فعلم أن الله تعالى أكمل دينه فأمن الضلال على الأمة وأراد الترفيه على رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان عمر أفقه من ابن عباس وموافقيه، قال البيهقي: ولو كان مراده صلى الله عليه وسلم أن يكتب ما لا يستغنون عنه لم يتركه لاختلافهم ولا لغيره، لقوله تعالى: "بلغ ما أنُزل إليك".
وفي تركه صلى الله عليه وسلم الإنكار على عمر دليل على استصوابه، وقال البيهقي: وقد حكى سفيان بن عيينة عن أهل العلم قبله أنه صلى الله عليه وسلم أراد أن يكتب استخلاف أبي بكر رضي الله تعالى عنه، ثم ترك ذلك اعتمادا على ما علمه من تقدير الله تعالى ذلك كما همَّ بالكتاب في أول مرضه حين قال: وا رأساه ثم ترك الكتاب وقال: يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر، ثم نبه أمته على استخلاف أبي بكر بتقديمه إياه في الصلاة.(33/35)
ومن المؤسف ما صدر عن أحد دعاتهم المعاصرين حيث رمى سيدنا عمر بن الخطاب بالجهل مستندا في ذلك إلى ما ذكره البخاري (على حد زعمه) أن رجلا لم يجد ماء فقال له عمر: لا تصل، وكأنه لا يعرف شيئا عن التيمم، كما أن امرأة سألته عن الصداق فقال: لا أدري، ويستنتج من ذلك أنه جاهل، فكيف يتجرأ هذا وأمثاله على رجل من أكابر تلاميذ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيتهمه بالجهل! فأين هؤلاء من فقه عمر؟
بل إنه ينكر حديث: (لو كان نبي بعدي لكان عمر)، أما قول عمر رضي الله عنه: (لولا علي لهلك عمر) فهو من تواضعه وعرفانه لأهل الفضل، وأنه كان دائم التقدير لسيدنا علي كرم الله وجهه، مما ينفي بغضه لعلي (الذي يدعيه هؤلاء) بل إنه كان يقدره ويستشيره ويستنير بآرائه.
جيش إسامة
ومن جانب آخر ذكروا أن الصحابة اعترضوا على تعيين أسامة بن زيد أميرا للجيش، فبلغ ذلك الرسول صلى الله عيه وسلم بعد حادثة الرزية المزعومة بيومين، فقام الرسول صلى الله عليه وسلم يتكئ على شخصين حتى صعد المنبر، وقال: "أيها الناس ما مقالة بلغت عن بعضكم في تأمير أسامة، ولئن ضقتم في تأمير أبيه من قبل، وأيم بالله إنه كان خليقا بالإمارة، ,وإن ابنه لخليق بها".
وهذا الحديث رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عبد الله بن عمر: "يبعث رسول الله بعثا، وأمَّر عليهم أسامة بن زيد، فطعن بعض الناس في إمارته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل، وأيم الله، إن كان لخليقا للإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إليًّ، وإن هذا لمن أحب الناس إلىَّ بعده".(33/36)
ففرق بين هذه الرواية الثابتة الصحيحة: أن بعض الناس طعن في إمارته، وبين دعوى السماوي الرافضي أن الصحابة اعترضوا على تعيين أسامة، والذين انتقدوا إمارته هم المنافقون وبعض الصحابة، "وممن تكلم في ذلك عياش بن أبي ربيعة المخزومي، فرد عليه عمر وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فخطب بما ذكر (الحديث) فأين هذا من التهويل الذي يدعيه الرافضي السماوي؟!!.
ولما تمت البيعة لأبي بكر بعد انتقال الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى أمر أبا بكر بإنفاذ بعث أسامة إلى الشام وتحقيق وصية النبي صلى الله عليه وسلم، رغم الحاجة إلى جيش أسامة بوقوع الردة.
روى الترمذي عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عقد لي لواءً في مرضه الذي مات فيه، وبرزت بالناس، فلما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم أتيته يوما، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع يده علىَّ ويرفعها، فعرفت أنه كان يدعو لي، فلما بويع لأبي بكر، كان أول ما صنع، أمر بإنفاذ تلك الراية التي كان عقدها لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أنه كان سألني في عمر: أن أتركه له ففعلت".
وقد قام الصديق بتشييع أسامة ماشيا، وأسامة راكب.. وأوصاه وصيته التاريخية المشهورة بأسمى مبادئ المدنية والحضارة. ونجح أسامة في مهمته، وعاد بجيشه سالما غانما إلى المدينة، ولما سمع المسلمون بقدومهم، خرج أبو بكر مع المهاجرين، وخرج أهل المدينة حتى العواتق وسروا بسلامة أسامة ومن معه.. وفي هذا الاستقبال الحافل ردد الناس قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنه لخليق للإمارة، وإن كان أبوه لخليقا لها".(33/37)
ومرة أخرى نتساءل كيف يتحامل الرسول صلى الله عليه وسلم على نفسه حتى يصل المنبر ويثبت تأمير أسامة؟ فهل تأمير أسامة أهم للمسلمين من أمر الخلافة إن كان سيوصي بها لعلي؟ فلماذا لا يذكر صلى الله عليه وسلم صراحة خلافة علي كرم الله وجهه من على المنبر على رؤوس الأشهاد؟ فلم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم يكتب كل أحاديثه وإنما كان ينطقها شفاهة، ونقلت لنا من الصحابة رضوان الله عليهم هكذا، فإن لم يكتب تلك الوصية وإن كانت كما تزعمون أنها خاصة بخلافة علي والأئمة الإثنى عشر، ما كان ليكتمها صلى الله عليه وسلم وهو الذي نزلت عليه الآية: "يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس" (المائدة:67).
فهل يسع الرسول إلا أن يبلغ هذا الأمر وهو مأمور من ربه وهو الصادق الأمين، والذي نشهد له بأنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده، أيخشى نفرا من الناس ويكتم الحق؟.
حاشاه صلى الله عليه وسلم، فما عمر وما الناس جميعا بمانعيه عن إبلاغ الرسالة، والله سبحانه وتعالى يقول في هذه الآية: "والله يعصمك من الناس" فقد كان الله قادرا على أن يخسف بعمر وغيره إن أراد الوقوف في وجه الرسالة فأين عقولكم؟ ثم إذا حاولتم بجدل أن تثبتوا أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان يترك الأمة بدون أن يحدد لهم طريقة الخلافة، فهل تشهدون عليه بالعجز عن تبليغ الرسالة؟ لا والله لا يكون هذا! وإنما لقد تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، وهذا الدستور الخالد القرآن الكريم ينظم أمر الحكم، فأمرهم شورى بينهم قاطعة النص، فقد تركهم لنظام متكامل لشريعة خالدة بصحابة علماء يهمهم من أمر المسلمين كل شيء.
ونجدهم يزعمون:(33/38)
"أن الله طلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يشاور في الأمر لحكمة من الله سبحانه وتعالى، ولذلك يستشف من أحوال الصحابة الكاذب من الصادق والمنافق من المؤمن".
فهل الرسول صلى الله عليه وسلم يخفى عليه من هذه الأمور شيء، وهو الذي لم ينقطع عنه خبر السماء حتى يحتاج إلى أن يظهرهم بأقوالهم، فهو لم يصرح بكثير مما يعلم من خبايا الناس لأمر التشريع، وإلا لم يكن يخفى عليه حال أحد من الناس صادقهم وكاذبهم، وقد أشارت إحدى الآيات إلى ذلك: قال سبحانه وتعالى: "ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول والله يعلم أعمالكم" (محمد: 30).
ألا تشير هذه الآية إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم الكاذب من الصادق والمؤمن من الكافر بسيماهم؟ أتدعون لأئمتكم علم الغيب والعصمة وتنكرونها على الرسول صلى الله عليه وسلم؟ ماذا دهاكم؟ أنسيتم أن مهمة رسول الله صلى الله عليه وسلم هي التشريع؟ فقد كان ينسيه ربه الصلاة وهو الذي تنام عيناه ولا ينام قلبه فكيف ينسى الصلاة إلا لغرض التشريع؟ كذلك الشورى ألزمه بها ربه حتى يعلمنا التشاور، وأنه أصل من أصول الدين.
التجمعات الشيعية في المنطقة العربية- 7-
الغزو الشيعي لفلسطين
1-…الشيعة في فلسطين قديماً
الإعلان الأخير عن إنشاء مجلس شيعي أعلى في فلسطين، و التراجع عن ذلك بعد أيام، ردود فعل منددة ومستغربة. ومنبع التنديد يعود إلى علم المسلمين في فلسطين وخارجها بأهداف ومرامي هذا المجلس، وعموم المؤسسات والهيئات الشيعية التي يتم إنشاؤها هنا وهناك، من نشر الأفكار الضالة، والإساءة لعقائد المسلمين السنة ورموزهم.(33/39)
أما الاستغراب فيعود إلى علم الجميع بأن فلسطين دولة سنيّة، ولا وجود لأقلية شيعية، فلماذا يقوم تجمع أو مجلس شيعي في دولة أهلها سنّة. لكن المهتمين المتابعين للتمدد الشيعي في الدول الإسلامية، لم يجدوا الإعلان عن إنشاء "المجلس الشيعي الأعلى في فلسطين" أمراً مفاجئاً، ذلك أن إيران وبعض الجهات الحليفة لها تبذل جهوداً كبيرة، ومنذ سنوات طويلة، لنشر المذهب الشيعي في جميع دول العالم، وبخاصة في الدول السنيّة.
وهذا الإعلان عن إنشاء مجلس شيعي، ثم التراجع عنه بعد أيام يحمل أكثر من دلالة في طياته، ومن ذلك وجود مشروع شيعي تبشيري يعمل على الأرض الفلسطينية، ولكن يبدو أن بعض المتشيعين قد استعجل الظهور للعلن قبل تهيئة الأوضاع ، مما دعا حتى قادة الجهاد القريبين من إيران والشيعة للتنصل من هذا المجلس ، كما أن سمعة الشيعة اليوم سيئة على المستوى الإسلامي والعربي بسبب موقفهم المتواطئ و المتعاون مع القوات الأمريكية في العراق أو السكوت والتغاضي كحال حزب الله في لبنان ، كما أن تزايد مطالب التجمعات الشيعية في الدول العربية بسبب صعود شيعة العراق، أثار انتباه الحكومات العربية لمثل هذه التحركات مما يؤكد وجود مخطط لإنشاء الهلال الشيعي .
ويحمل المجلس الشيعي هذا معه بذرة اختراق شيعية جديدة للمجتمع الفلسطيني، فهو يمثل نجاحاً لأناس خططوا ووجدوا من يدعمهم في مقابل فوضى وتقصير أهل السنة. وقد تعودنا من متابعتنا لأسلوب العمل الشيعي أنهم يلجأون إلى إنشاء الهيئات والمؤسسات بكثرة وبأسماء ضخمة مثل (المجلس الأعلى، المجلس العالمي) مع أنهم لا يتجاوزن أحيانا أصابع اليد الواحدة! ويفعلون ذلك لإيهام المسلمين أن عدد الشيعة في هذا البلد أو ذاك كبير، كما أن الشيعة لن يكتفوا بهذا بل سيصعدون مطالبهم كالعادة مع الأيام للحصول على مكاسب لا يستحقونها .(33/40)
نعم، إن عدد الشيعة الحالي في فلسطين صغير جداً، وأعداد المتشيعين الحالية لا تدعو للقلق، لكننا مطالبون بالوقوف تجاهه وقفة جادة ومحذرة، فنشر التشيع في فلسطين علاوة على بعض مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان يهدف إلى إثارة الفتنة بين الفلسطينيين، وصرفهم عن قضيتهم الأساسية في مقاومة الاحتلال.
دخول التشيع إلى فلسطين قديماً
شهدت فلسطين فيما مضى فترات طرأ فيها التشيع وانتشر وذلك في القرن الرابع الهجري، خاصة تلك الفترة التي سيطرت فيها الدولة العبيدية الشيعية الإسماعيلية على بلاد الشام، فقد حاول العبيديون الفاطميون الذين كان مقرهم في القاهرة نشر مذهبهم في الأقاليم المختلفة، ومنها فلسطين. وكان الدعاة في الأقاليم يؤدون المهمة التي كان داعي الدعاة في القاهرة يكلفهم بها من الدعاية للمذهب الشيعي الإسماعيلي.
وأنشأت الدولة العبيدية لذلك في بيت المقدس "دار العلم الفاطمية" وكانت فرعاً لدار العلم الفاطمية بالقاهرة التي أسسها الحاكم بأمر الله، سادس الحكام العبيديين (395هـ/ 1004م)، واتخذوا هذه الدار مركز دعاية للمذهب الشيعي، فكان لها أكبر الأثر في انتشار هذا المذهب في فلسطين، وظل هذا المعهد في القدس حتى سقطت بيد الصليبيين( ).
وقد زار الرحالة الإسماعيلي ناصر خسرو فلسطين سنة 437هـ/ 1045م وقال "إن عدد سكان القدس نحو عشرين ألفاً جلّهم شيعة". ووصف ابن جبير المذاهب المنتشرة في فلسطين في القرن السادس الهجري أثناء زيارته لها، فقال: "وللشيعة في هذه البلاد أمور عجيبة، وهم أكثر من السنيين، وقد عمّوا البلاد بمذاهبهم، وهم فرق شتى، منهم الرافضة والإمامية والإسماعيلية والزيدية والنصيرية".(33/41)
وحين سقطت دولة العبيديين على يد صلاح الدين الأيوبي سنة 567هـ/ 1171م وقامت في مصر والشام الدولة الأيوبية، هدأت حركة التشيع، واختفى أنصارها عن الأنظار، فقد عمل صلاح الدين على نشر السنة ومذهب الإمام الشافعي، وأنشأ لذلك المدارس ودور العلم، وعمل على مقاومة ما غرسه العبيديون في نفوس الناس من عقائد باطلة... وهكذا انقطع الشيعة عن الناس، وأحاطوا أنفسهم بالسرية التامة( ).
ومع عهود الضعف والاضطراب ظهرت من جديد جيوب شيعية في فلسطين ففي عهد أحمد باشا الجزار الوالي العثماني، وقعت بينه وبين الجيوب الشيعية وقائع كثيرة منها ما جرى سنة 1195هـ/1780م في قرية يارون القريبة من صفد. وقد لجأ جماعة منهم إلى عكا، فاستأمن الجزار بعضهم،وسجن آخرين، ثم انشغل عنهم بالحملة الفرنسية على الشام ، فلما انسحب الفرنسيون عاد الجزار من جديد إلى محاربة الشيعة لفترة امتدت زهاء عشر سنوات، وأحرق كتبهم ( ).
ووقف العثمانيون أمام محاولات الشيعة المتكررة لنشر وترسيخ مذهبهم في فلسطين ، وبعد سقوط الدولة العثمانية ووقوع بلاد الشام تحت الاحتلال الفرنسي والبريطاني وتقسيم المنطقة، تم ضم بعض قرى جنوب لبنان الشيعية في حدود فلسطين حين جرى رسم الحدود عام 1927.
كما أن ثمة أسباب أدت إلى تسرب التشيع إلى فلسطين في الوقت المعاصر أبرزها:
1ـ انخداع كثير من الفلسطينيين بالثورة الخمينية بسبب خطابها الثوري الذي رافقه نشر الدعاية للمذهب الشيعي .
2ـ دعم إيران لبعض الأحزاب والفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها "حركة الجهاد الإسلامي"، مما نتج عنه تشيع عدد من قادتها وأفرادها فيما بعد كما سنبين ذلك لاحقاً.
3-انبهار كثير من الفلسطينيين بتجربة حزب الله الشيعي اللبناني، الأمر الذي جعل بعضهم يتبنى أفكار وعقائد هذا الحزب. بالإضافة لنشاط حزب الله في المخيمات الفلسطينية في لبنان.
2-…حركة الجهاد الإسلامي والتشيع(33/42)
يرجع تأثر حركة الجهاد بالشيعة إلى بداية تأسيس الحركة، فقد كان د. فتحي الشقاقي رحمه الله، مؤسس الحركة وأول أمين عام لها، من المتأثرين بالشيعة والثورة الإيرانية.
ويروي الأمين العام الحالي لحركة الجهاد د. رمضان شلح( ) أنه عندما اندلعت الثورة الإيرانية في فبراير/ شباط 1979، طلبوا من الدكتور الشقاقي أن يشرح لهم أبعاد حركة الخميني، وأهدافها، لأن المقربين من الشقاقي وأنصاره لم يكونوا ملمين بحقيقة ما جرى، يقول شلح: "في البداية قرر أن يكتب دراسة في حدود عشر صفحات حتى يقرأها الجميع، لكن الفكرة تطورت إلى كتيب يطبع ويوزع في الأسواق"( ).
وقد وصل حماس د. الشقاقي رحمه الله للثورة الإيرانية إلى الحد الذي جعله يقول: "إنها المرة الأولى منذ أكثر من مئة عام يملك فيها الإسلام أرضاً وحكومة وشعباً بمثل هذه الروح الاستشهادية"( ).
وقد كان أغلب المؤسسين لحركة الجهاد من المتعاطفين مع الثورة الخمينية ، كعبد العزيز عودة وأسعد بيوض التميمي الذي تبرأ آخر حياته من الشيعة كما يؤكد ذلك أبناؤه ، وقد انعكس هذا على إستراتيجية الحركة التي اعتبرت التحالف مع الثورة الإيرانية ركيزة أساسية في إستراتجيتها( ) . ولذلك كان من المنهاج الثقافي للحركة دراسة أدبيات الثورة الإيرانية .(33/43)
وتعتبر الفترة التي قضاها بعض قادة الجهاد، في الداخل، في مخيم مرج الزهور بجنوب لبنان فترة حاسمة، فقد تبين أن جلسات مطولة ومنتظمة كانت تتم بين حزب الله ونشيطين من "الجهاد الإسلامي". ونتج عن هذه اللقاءات تبني بعض قادة الحركة التشيع خلال وجوده في "مرج الزهور"، وبدأ بالعمل الشيعي بعد ذلك بشكل سري ومنظم، وكان يتم تدريس التشيع بين أفراد ينتمون إلى حركة الجهاد الإسلامي بسرية تامة، ولم يظهر أي أثر للتشيع حتى بداية انتفاضة الأقصى سنة 2000م، حيث بدأت تطفو على السطح الحركات المسلحة، ومنها "الجهاد الإسلامي"، فانتهزوا الفرصة، وأظهروا التشيع علناً مستغلين حالة الفوضى، وانشغال المسلمين بمقاومة اليهود، واستغلوا عاطفة المسلمين مع كل من يحمل السلاح.
وقاموا بإنشاء عدة مؤسسات، خاصة في محافظة بيت لحم، مثل اتحاد الشباب الإسلامي، وهو عبارة عن جمعية خيرية دعوية أنشأت فيه ناديا للشباب فيه كثير من المغريات لاستقطاب أكبر عدد، كذلك تم إنشاء مستوصف الإحسان الخيري، ومستوصف السبيل، ومركز نقاء الدوحة الجراحي، ومدرسة النقاء ومركز النقاء النسوي. وإضافة إلى فتح دور للقرآن الكريم في المساجد، وتقديم دعم مالي لطلاب الجامعات، واعتماد راتب شهري للمنتسبين إليهم. ومؤخراً قاموا بشراء مبنى في بيت لحم بقيمة 300 ألف دولار.
وفي 24/3/2000 نشرت مجلة الوطن العربي تقريراً بعنوان "خطة إيرانية لنشر المذهب الشيعي في أوساط الفلسطينيين"، تطرق إلى الجهود الإيرانية التي تبذل من خلال "حركة الجهاد " لنشر التشيع في الأراضي الفلسطينية، ومخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان بمساعدة حزب الله الشيعي اللبناني ، احتوى على المعلومات التالية والتي تحقق قسم منها على أرض الواقع بالفعل :(33/44)
في بداية عام 2000، كشفت بعض التقارير الاستخبارية الفلسطينية دلائل عن تزايد مظاهر "التحول الفكري والديني" الذي استشرى بشكل خاص في صفوف حركة الجهاد الإسلامي الفلسطيني، وذلك من خلال ظاهرة "تشيع" لفتت الأنظار بقيام عدد كبير من أعضاء "الجهاد" باعتناق المذهب الشيعي.
وأشارت التقارير إلى أن عمليات التشيع لم تحظ بإجماع من قادة الحركة، إذ وصف الرافضون هذه الظاهرة بأنها "ظاهرة مصيرية قد تؤدي في النهاية إلى القضاء على القاعدة الفكرية والدينية التي تستند إليها الحركة منذ انطلاقتها، إضافة إلى انعكاساتها المحتملة، على القاعدة الشعبية في مجتمع متدين ومن مذهب آخر".
أما المسؤولون الفلسطينيون وبعض القيادات الإسلامية فقد نبع خوفهم من "مخطط تجذر العلاقة بين (الجهاد) وإيران إلى ارتباطات دينية وفكرية تذهب أبعد من الارتباط المالي أو الدعم السياسي أو العسكري".
واعتبر هؤلاء المسؤولون أن تواجد عناصر شيعية على الساحة الفلسطينية سيخدم إيران في جانبين:
1ـ سيكون للشيعة موطئ قدم في فلسطين.
2ـ أن ولاء هذه العناصر سيكون لإيران أكثر من أي ولاء آخر, مما سيؤدي بهؤلاء لتنفيذ عمليات بأوامر إيرانية ولمصلحتها خلافاً للرغبة والمصالح الفلسطينية.
وقد لعب حزب الله دوراً في إنجاح هذا المخطط، عبر انضواء حركة الجهاد تحت لواء الحزب في إطار الجهاد العملياتي الذي يقوده رئيس جهاز العمليات الخاصة في الحزب عماد مغنية، وتم مناقشة تعيين إيران ممثلاً لها في قيادة الحركة، تماماً كما يوجد هناك ممثلون لإيران في اجتماعات مجلس الشورى التابع لحزب الله.(33/45)
وعلى صعيد نشر التشيع في صفوف أبناء المخيمات الفلسطينية في لبنان، فقد أشارت "الوطن العربي" إلى أن عماد مغنية قام في شهر فبراير/ شباط سنة 2000م بزيارة سريّة إلى طهران اجتمع خلالها مع قاسم سليماني( ) رئيس قوات القدس في الحرس الثوري الإيراني، وأطلعه على نجاح المراحل الأولى في الخطة، والصعوبات التي واجهتها.
كما أطلعه على نجاح حزب الله ـ عبر المتعاونين معه في أجهزة الحكومة اللبنانية ـ في منح الجنسية اللبنانية لعدد من أعضاء حركة الجهاد الذين اعتنقوا المذهب الشيعي.
ومن بين الذين تشيعوا من عناصر الحركة في المخيمات: شريد توهان من مخيم الرشيدية في لبنان، ومحمد قدورة من صور، ومسؤول الحركة في جنوب لبنان محمد المجذوب.
وبحسب المقال فإن إيران كانت قد عزّزت من وجودها في المخيمات في عام 1999 من خلال الحرس الثوري الإيراني، "وتمت الاستعانة برجال دين شيعة من أجل تعميق المذهب الشيعي لدى المتشيعين الجدد. كما سيقوم الإيرانيون بالعمل من أجل منح الجنسية اللبنانية لبعض هؤلاء المتشيعين بمساعدة حزب الله من أجل تخفيف القيود على تحركاتهم في لبنان وخارجها في مهام متعددة، وسيتم العمل من أجل إعادة عدد منهم إلى داخل فلسطين لإنشاء خلايا تعمل حين الطلب منها حسب التوجيهات الإيرانية".
وعُرف من بين الذين تشيعوا من أبناء الحركة في الأراضي الفلسطينية: إبراهيم بارود ويحيى جبر ومحمود زطمة ونسان الطحايلة الذي تحول إلى "شيعي متطرف".
واعتمدت إيران لإنجاح مخطط التشيع في فلسطين بالمخيمات، مبالغ مالية ضخمة تصل عن طريق "مؤسسة الشهيد" الإيرانية، وتم توزيع كميات كبيرة من كتب الشيعة بين أعضاء الحركة، من بينها كتب ألفها علماء شيعة، والبعض الآخر لعناصر من السنة اعتنقوا التشيع ،مثل كتاب (لماذا اخترت مذهب الشيعة) لمحمد مرعي الأنطاكي.(33/46)
وبحسب "الوطن العربي"، فإن اعتناق التشيع لم يبق حكراً على أعضاء الحركة في فلسطين ولبنان، بل تجاوزه إلى القياديين في عدة بلدان أمثال: بشير نافع في لندن، وهو أحد مؤسسي الحركة الذي تربطه علاقات حميمة مع أمين عام الحركة رمضان شلح. وكذلك اعتنق التشيع ممثل الحركة في إيران محمد الطوخي.
وقد أحدثت هذه الظاهرة شرخاً في صفوف الحركة، وبدأت تظهر تساؤلات عن موقف القيادة وتحديداً د. شلح، الذي أكد بعض القياديين معرفته بحجم الظاهرة وأبعادها، لكنه لا يبذل أي جهد للحد من انتشارها، ذلك أن مصير الحركة يتوقف على مدى ارتباطها بإيران.
وكانت أولى انعكاسات ظاهرة التشيع على العلاقة بين الجهاد وحركة حماس، إذ كانت بعض أوساط حركة حماس تبدي قلقها من التشيع، وتشن حملة ضد المتشيعين، وتطور ذلك إلى اشتباك بين أنصار الحركتين في سجن "مجدو" الإسرائيلي في فبراير/ شباط 2000، وقد عبر الإيرانيون وحزب الله عن استيائهم من الهجوم الذي تعرض له أفراد الجهاد على يد أنصار حركة حماس، وطلب المرشد الإيراني علي خامنئي تشكيل لجنة خاصة للحيلولة دون تعرض أفراد "الجهاد" لاعتداءات.
وإضافة إلى ما ورد في مقال "الوطن العربي" فإن الصحف والمواقع والمجلات الشيعية تشير دائماً باعتزاز إلى المتشيعين، وتسرد قصصاً عن حياتهم واعتناقهم للتشيع تحت وصف " المستبصرين " ، ونحن بدورنا نشير إلى بعض هؤلاء من الذين تعدهم الكتب والمجلات والمواقع الشيعية متشيعين، ونقصر الحديث هنا عن أهل فلسطين:(33/47)
1ـ د. فتحي الشقاقي الأمين العام السابق لحركة الجهاد،الذي اغتالته إسرائيل عام 1995. يقول الشيعة إنه كان يردد مراراً: "لقد تربينا على كتب الشهيد محمد باقر الصدر يوم كنا في فلسطين في السبعينات، وفكر الإمام الخميني"( ). وكونه شيعيا، ليس صحيحا لكنه كان متعاطفا مع الفكر الشيعي، وقد ألف في ذلك كتاب "السنة والشيعة ضجة مفتعلة" . وهنا يجب على قيادة الحركة إعلان اعتراضها على ذلك رسمياً .
2ـ نافذ عزام، المتحدث الرسمي باسم حركة الجهاد في قطاع غزة. ويروي د. أحمد راسم النفيس، وهو أحد كبار المتشيعين في مصر، عن لقائه مع نافذ عزام ومعايشته له خلال عشرة أشهر، قضاها في السجن في مصر في عام 1982، ويصفه بقوله: "... ذلك المجاهد الذي رسّخ في قلبي حب القائد العظيم (روح الله الخميني) لقد كان ذلك المجاهد جزءاً من مجموعة الشهيد - بعد ذلك - الدكتور فتحي الشقاقي التي رافقتنا في تلك الرحلة حتى قرب نهايتها ولازلت أذكر كلماته عن ذلك الأمل الذي تمثله الثورة الإسلامية في إيران بالنسبة للشعب الفلسطيني المظلوم، ولقد كان الرجل من الصادقين في توقعاته"( ).
3ـ محمد شحادة، من مواليد بيت لحم سنة 1963، وأحد قادة حركة الجهاد، وأحد مبعدي مرج الزهور،حيث تأثر هناك بمجاهدي الحرس الثوري الإيراني وحزب الله ، وقد تعهد في مقابلة مجلة المنبر الشيعية المتطرفة بنشر المذهب الشيعي في فلسطين.وقد أصبحت مدينة بيت لحم حيث يسكن محمد شحادة مركزاً للشيعة في فلسطين( ). ، وله فيها أتباع يعلنون تشيعهم ويعتدون على من يعترض عليهم ، ولذلك رشح شحادة نفسه للانتخابات التشريعية الفلسطينية الأخيرة سنة 2006 في محافظة بيت لحم، رغم مقاطعة حركة الجهاد الإسلامي للانتخابات.(33/48)
وقد اعتبر شحادة أنه تعرض لمضايقات من الحركة بعد اعتناقه التشيع، إذ يقول: "أخوض الانتخابات مستقلاً، بعد أن رأيت من كنت معهم لا يستطيعون تحمل وجودي باعتباري شيعياً، وبعد أن تشاورت مع من يدعمني ويؤازرني من شباب الجهاد الإسلامي، والفصائل الأخرى"( ).
وعن انتقاله إلى التشيع والمرحلة التي سبقت ذلك يقول:
"كنت أحد مقاتلي حركة فتح الفلسطينية منذ كان عمري 16 عاماً، وقد اعتقلت إثر ذلك في العام 1980، وحكم عليّ بالسجن خمسة وعشرين عاماً، ثم أفرج عني في عملية تبادل الأسرى العام 1985، بعدها تكررت عمليات اعتقالي لعدة أعوام بلا محاكمة بتهمة الانتماء إلى حركة الجهاد الإسلامي التي نشطت فيها بعد خروجي من فتح، ومن ثم أبعدتني قوات الاحتلال إلى مرج الزهور في جنوب لبنان لمدة عام خلال الانتفاضة المجيدة العام 1992...
في تلك الفترة أحسست بمعنى أن تكون مظلوماً، وقد تعمق هذا الشعور عندي والرغبة بالانتصار على الظلمة بعد الثورة الإسلامية في إيران المسلمة، حيث دفعني ذلك إلى القراءة المستفيضة عن الثورة الإسلامية ومرتكزاتها الفكرية التي تنطلق من التشيع لآل البيت النبوي... بقيت القراءات تدور في إطارها النظري إلى أن تم إبعادي إلى مرج الزهور كما أسلفت حيث عايشت الممارسة الحقة للفكر الإسلامي من قبل مجاهدي الحرس الثوري الإيراني وحزب الله الذين كانوا يزوروننا في المخيم"( ). ولعل هذا من أهم النتائج التي حصلت عليها إسرائيل من قضية الإبعاد، وهو نقل التشيع إلى داخل فلسطين مع تسهيل عملية التعارف بين قادة الداخل وقادة حزب الله بطريقة لا تثير الشكوك !!!(33/49)
4ـ محمد عبد الفتاح غوانمة: رئيس "المجلس الشيعي الأعلى في فلسطين"، الذي أعلن عن قيامه وإنهائه مؤخراً!! تأثر بالتشيع من خلال احتكاكه بعناصر من حزب الله اللبناني في المعتقلات الإسرائيلية. وهنا يتبادر إلى الذهن تساؤل: هل أفراجت إسرائيل عن عبد الكريم الديراني ومصطفي عبيد وهما من قادة حزب الله تم بعد نجاحهما في مهمتهما ، حيث لم يمضِ عامان على الإفراج عنهما حتى أعلن عن قيام " المجلس الشيعي الأعلى لفلسطين " ؟؟
وغوانمة أحد العناصر السابقة في حركة الجهاد، وهو يقيم في مخيم الجلزون في رام الله، ويؤكد أن خطته الحالية هي بناء مسجد شيعي في رام الله، ويعترف بوجود علاقات قوية بين المتشيعين في فلسطين، وبين إيران وشيعة لبنان) (.
5ـ محمد أبو سمرة، رئيس ما يسمى "الحركة الإسلامية الوطنية" وهو متزوج من شيعية، وله ارتباط بالسلطة الفلسطينية، ومراجع الشيعة خارج فلسطين، وله مركز القدس للدراسات والبحوث، الذي يقوم بنشر كتب الشيعة على أنها كتب دينية.
6ـ المهندس معتصم زكي، وهو عضو سابق في حزب التحرير. يقول عن التشيع في فلسطين: "خلال السنوات الثلاث الأخيرة، انتشر التشيع في عدد من مدن غزة، وبشكل أقل في مدن بالضفة، هناك العشرات من الشيعة في قلقيلية، والعديد منهم في نابلس وطولكرم وغيرها، وهذا إنجاز رهيب حتى الآن".
ويروي معتصم هذا عن استدعائه من قبل أجهزة السلطة الفلسطينية للتحقيق معه بسبب لعنه لأبي بكر وعمر. ويقول إن أغلب المتشيعين في فلسطين، إنما "يستبصرون" بسبب حسن نصر الله، أمين عام حزب الله.
7ـ د. أسعد وحيد القاسم، من مواليد سنة 1965، وله بعض المؤلفات، وهي: تحليل نظم الإدارة العامة في الإسلام، وحقيقة الإثنى عشرية، وأزمة الخلافة والإمامة وآثارها المعاصرة ، وكان تشيعه في الفلبين أثناء دراسته، نتيجة النشاط الإيراني التبشيري.(33/50)
انتسب في صغره إلى جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين، وتأثر في بداية شبابه بكتاب (المراجعات) لشرف الدين.
من أقواله: "لا أرى التشيع في فلسطين قد أصبح ظاهرة، وقد يكون التشيع في مصر والسودان وبلاد الشام أقوى بكثير مما عليه في بلاد الشام") (.
8ـ أشرف أمونة، ويعيش في فلسطين المحتلة عام 1948، ويشرف على جمعية مرخصة من سلطات الاحتلال في دبورية ـ قضاء الجليل ـ ، وهي "الجمعية الجعفرية" التي ترعى هيئات منها: حسينية الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم، ومكتبة الزهراء عليها السلام، ومجلة السبيل.
9ـ إبراهيم كرام، من بيت لحم، وهو مقيم حاليا في النمسا.
وهكذا يتضح أن عدم الوضوح العقائدي لدى قادة الجهاد نتج عنه انخداع بحقيقة الثورة الإيرانية في البداية ثم تطور لنوع من التعاطف والتأثر ، وتصاعد حتى وصل ببعضهم لإعلان التشيع الصريح .
وهذا يرتب على قيادة الحركة إعادة النظر في هذه القضية الخطيرة ، بحيث لا تغطى الاعتبارات السياسية والحركية على عقيدة الحركة وعقيدة الشعب الفلسطيني من جهة ، كما أن الحركة عليها الإعلان بوضوح عن رفضها لتشييع الشعب الفلسطيني ، ورفضها لأي ضغوط إيرانية أو من حزب الله لدعمها بشرط السير في ركاب التشيع .
والحركة مطالبة أيضاً بتقديم برامج ثقافية لكوادرها وعامة الشعب الفلسطيني ترسخ عقيدة أهل السنة مثل منزلة الصحابة الكرام ، وزوجات النبي صلى الله عليه وسلم ، وقضية الإمامة والخلافة ، ومكانة أهل البيت دون غلو الشيعة ، وغيرها من المسائل التي يراد من خلالها حرف الشعب الفلسطيني عن عقيدته ومنهجه .
3- تصدير التشيع و حماس !
تعتبر حركة حماس امتداداً لجماعة الإخوان المسلمين في فلسطين ، وهي قد ظهرت للعلن بهذا الاسم عام 1987م مع بداية الانتفاضة الأولى ، وقد تشكلت حماس نتيجة جهود متعددة منها جهود الشيخ عبدالله عزام ، وإخوان فلسطين في الكويت ، و الشيخ أحمد ياسين وإخوانه في فلسطين .(33/51)
وبسبب اغتيال عزام عام 1989م ، أصبح الدور الخارجي لحماس مناطاً بالإخوان المسلمين الفلسطينيين في الكويت، و الذين يشكلون غالبية المكتب السياسي لحماس، ولنشاط الدعوة السلفية في الكويت تأثر إخوان الكويت بالسلفية مما أوجد وعياً بأبعاد الخلاف العقدي بين السنة والشيعة ، ولذلك كانت حماس تتصدى لمحاولات تشييع الفلسطينيين ، من قبل حركة الجهاد وإيران ، لكن بعد ما مرت به حماس من ظروف أوهنت علاقتها بالدول السنية المعتدلة كالسعودية ومصر والأردن ، جعلها تعتمد أكثر على إيران وسوريا ، والعجيب أن حماس والدول السنية المعتدلة ، يشوب علاقتهم أحياناً تشدد على قضايا ، يتم التساهل فيها مع الأطراف الأخرى كإيران وسوريا !!
لقد شكل اعتماد حماس على إيران وسوريا ، نقطة ضعف في موقف حماس من نشر التشيع بين الفلسطينيين ، فحماس تعلم بالنشاط الشيعي في أوساط المخيمات الفلسطينية في لبنان وسوريا ، وتعلم حماس بما يلاقيه الفلسطينيون في منطقة البلديات ببغداد على يد قوات جيش المهدي وفيلق بدر الشيعيين ، كما أن حماس لا يخفى عليها حقيقة مواقف حزب الله من إسرائيل ، و ما يقوم به حزب الله من تلاعب بعواطف الفلسطينيين بقصة الأسرى ، وحماس لا تجهل سكوت حسن نصر الله وتواطؤه مع شيعة العراق في التعاون مع الأمريكان .(33/52)
وبسبب الاعتماد على إيران وسوريا ، وبسبب ظروف البعد عن مرجعيات حماس الشرعية ،أيضاً و بسبب كون جماعة الإخوان المسلمين في الأصل تتبنى نوعاً من التساهل تجاه العقيدة الشيعية حيث كان المؤسس الأستاذ حسن البنا من الناشطين في لجنة التقريب بين السنة والشيعة ( ) ، كما أن جماعة الإخوان كانت تعتبر جماعة نواب صفوي " فدائيان إسلام " في إيران بمثابة جماعة الإخوان في إيران ، ونواب صفوي كان شيعياً متطرفاً إلى حد القتل ، حيث تمكن من قتل الشيخ أحمد كسروى بعد عدة محاولات لاغتياله لأنه تحول لمذهب أهل السنة( )، لكل هذه الأسباب حصل نوع من التساهل من قيادات حماس تجاه النشاط الشيعي ، بل لقد وصل إلى حد التأثر أحياناً ، ولعل المواقف التالية تظهر ذلك بشكل أوضح:
1-…مشاركة رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل ، في طقوس عاشوراء التي يقيمها حزب الله في لبنان .
2-…بعض تصريحات قادة حماس ، والتي تصرح بالتحالف الإستراتيجي مع إيران ، مثل تصريح عماد العلمي ممثل حماس السابق في طهران وعضو المكتب السياسي ( ).
3-…الثناء الدائم من قيادات حماس على حزب الله .
4-…تأثر ممثل حماس في لبنان ومن ثم طهران أسامة حمدان ، بالمذهب الشيعي حتى كاد أن يصبح شيعياً معمماً .
5-…التصريح المنسوب لخالد مشعل مؤخراً في طهران :" بأن حركة حماس هي الإبن الروحي للخميني "( ). وهذا التصريح فيه إساءة بالغة لحماس ، يجب على الحركة تصحيحها .
فهذه المواقف لا تبشر بخير للأسف ، ويجب تدارك هذا التقصير والخلل ، بوضع الأمور في نصابها ، من حيث ضبط العلاقة مع إيران وحزب الله وسوريا من جهة ، وبناء موقف سياسي شرعي واضح من جهة أخرى .
كما أن على حركة حماس في الداخل التصدي بقوة لمحاولات تشييع الشعب الفلسطيني ، وخاصة أنهم الآن في موقع المسؤولية التشريعية والتنفيذية ولها نفوذ قوى في الشارع الفلسطيني .(33/53)
ومن الأمور التي نأمل أن تقوم بها حماس ، زيادة الاهتمام بالجانب الشرعي والعقدي خاصة في هذه المرحلة التي يدعم بها اليهود الفرق الضالة لنشر عقائدهم مثل البهائية والقاديانية وغيرها ، من خلال منابر حماس الإعلامية وخاصة القناة الفضائية التي تؤسسها حماس .
كما على حماس منع أي تجاوز على العقائد الإسلامية من قبل المتشيعين في فلسطين كما يحصل من محمد شحادة وأعوانه في بيت لحم .
كتاب الشهر
إيران والإخوان المسلمون
يكاد كتاب "إيران والإخوان المسلمين" للباحث الإيراني عباس خامه يار، أن يكون من الكتب النادرة التي تناولت بالتفصيل العلاقات بين إيران، وجماعة الإخوان المسلمين، قبل انتصار ثورة الخميني سنة 1979، وبعدها.
ولعلّ موضوع الكتاب يكتسب أهميته كون الإخوان المسلمين، من أكبر الجماعات السنيّة، وكانت على صلات طيبة ـ خاصة مركز الجماعة في مصر ـ بمراجع الشيعة، وكان الأستاذ حسن البنا، رحمه الله، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، أحد الناشطين في لجان التقريب بين السنة والشيعة، ذلك "التقريب" الذي استغله الشيعة لنشر عقائدهم في أوساط السنة، دون أن يسعوا هم للسماح بعقائد أهل السنة أن تنفذ إلى المجتمعات الشيعية.
كما أنه من اللافت أن الإخوان المسلمين ـ برغم أنهم كانوا من أول المؤيدين للثورة الإيرانية ـ ضعفت علاقاتهم مع إيران بعد اندلاع الحرب العراقية الإيرانية، ولبعض الأسباب الأخرى.
والكتاب الذي صدرت طبعته العربية الأولى عن مركز الدراسات الاستراتيجية والبحوث والتوثيق في بيروت سنة 1997، يحاول أن يرصد تطور العلاقات بين الطرفين وعوامل الالتقاء والافتراق بينهما، أي الأمور التي أدت لحدوث تقارب بين إيران والإخوان، ثم أسباب النفور أو ضعف الصلات.(33/54)
لكن ثمة ما نود التنبيه إليه في عرض هذا الكتاب الواقع في 286 صفحة من القطع الكبير، وهو أن المؤلف عباس خامه يار ينطلق من مذهبه الشيعي، في الحكم على الأشياء، ولذلك فإنه يكيل المديح للخميني وثورته، ولمراجع الشيعة، في حين أنه يهاجم أهل السنة الذين انبروا لبيان عقائد الشيعة، وفساد ثورة الخميني أمثال الشيخ ابن باز، ومقبل الوادعي، ومحمد إبراهيم شقرة، وأحمد الأفغاني، ووجيه المديني... وغيرهم.
ومع التنبيه للمنطلقات الشيعية الواضحة للمؤلف، فإن الكتاب، وهو رسالة ماجستير من جامعة طهران، أورد المعلومات الغزيرة عن العلاقات القديمة التي جمعت بين إيران والإخوان المسلمين، ولعلّ إعادة هذه العلاقات "الحميمة" يراد لها أن تكون على يد حركة حماس، التي تحاول إيران اليوم أكثر من أي وقت مضى احتواءها، خاصة في ظل الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة على الدول العربية والإسلامية لتجنب التعامل مع حماس.
ويقسم المؤلف الكتاب إلى أربعة فصول: يتناول الأول منها قضية الأصولية والصحوة الإسلامية، في حين يتحدث الفصل الثاني عن تاريخ جماعة الإخوان. أما الفصل الثالث فيتناول عوامل الالتقاء، والافتراق بين الإخوان وإيران. والفصل الرابع يتناول العلاقات بين الإخوان والثورة الإيرانية.
أهمية مصر بالنسبة لإيران
ويحلو للمؤلف في مقدمة الكتاب أن يعقد المقارنات التاريخية والجغرافية والحضارية والثقافية بين إيران من جهة، وبين مصر التي يوجد فيها مقر وثقل جماعة الإخوان، فكما أن إيران هي مركز القوة في العالم الشيعي، تعتبر مصر مركز القوة في العالم السني، لما يشكله كلا البلدين من ثقل سكاني وإرث حضاري وموقع جغرافي متميز، لكن المؤلف لا يفوته وهو يشير إلى أهمية مصر أن يدعو إيران إلى "الاستفادة" من تلك الأهمية مستشهداً بكلام لأحد المتشيعين في مصر (فهمي الشناوي) جاء فيه:(33/55)
"في يوم ما سوف تجد الثورة الإسلامية في إيران السؤال عينه معروضاً عليها للإجابة: هل تفوز برضى مصر، فتكون لها الغلبة وتنطلق عالميّاً كقوة دولية كبرى، أم تفقد مصر فتظل محصورة توصف مرّة بأنها مجرد ثورة داخل الفكر الشيعي، ومرة بأنها ثورة جنس الفرس فقط" ص 23.
والكلام السابق الذي نقله خامه يار عن الشناوي في كتابه/ محاضرته "أهمية مصر للثورة الإيرانية" لا يدع مجالاً للشك في رغبة إيران استغلال موقع مصر وأهميتها وثقلها داخل العالم السني لنشر عقائدها، وتصدير ثورتها، مستفيدة من علاقتها القوية بالإخوان المسلمين، وهم أصحاب الحضور البارز في الشارع المصري، وخارج مصر أيضا.
كما استشهد المؤلف بكلام مهم للشناوي أيضاً، جاء فيه: "إن عملية اختراق الحصار العربي إنما تبدأ من مصر، وعملية السباحة عبر المحيط العربي إنما تبدأ من مصر، لا لأهمية مصر بين العرب وحسب، ولكن للأهمية الاستراتيجية لمصر في اللعبة الدولية، ولأنه إن مالت مصر مال العرب، ولأن اكتساب مصر أسهل من اكتساب الحرب الدائرة الآن (بين العراق وإيران)".
عوامل الالتقاء بين الحركتين
يطلق المؤلف اسم "الحركة الإسلامية الإيرانية" عوضاً عن إيران، ويعني بها الحركة الشيعية النشطة المعارضة لشاه إيران، وحركة التقريب بين السنة والشيعة التي نشط بها عدد من مراجع الشيعة.
ويخصص المؤلف هذا الفصل من الكتاب لبيان العناصر التي ساهمت ـ من وجهة نظره ـ في حدوث تقارب بين الحركتين، ثم العوامل التي أدت إلى ضعف الصلات بينهما:
أولاً: عناصر الالتقاء بين الحركتين
ويجملها في:( الفكر الوحدوي عند الحركتين، وموقفهما المشترك من القومية، وقضية فلسطين).
1ـ الفكر الوحدوي عند الحركتين(33/56)
وما يعنيه المؤلف هنا من فكر وحدوي عند الإخوان المسلمين، هو أن هذه الجماعة عموماً لا تحمل موقفاً سلبياً أو عدائياً تجاه العقائد والأفكار الشيعية، فالجماعة منذ نشأتها عُرف عنها التساهل إزاء العقائد والمخططات الشيعية، وقد أورد المؤلف أقوالاً كثيرة لقادة الإخوان، يهوّنون فيها من الخلافات بين السنة والشيعة، ويعتبرونها خلافات بين الفروع، منها قول البنا "..أما الخلاف فهو في أمور من الممكن التقريب بينهما"، وقول د. عبد الكريم زيدان، وهو من كبار جماعة الإخوان في العراق: "ليس بين الفقه الجعفري والمذاهب الأخرى (أي الأربعة) من الاختلافات أكثر من الاختلاف بين أي مذهب وآخر" ص 106.
أما الفكر الوحدوي عند الشيعة، أو عند الحركة الشيعية الإيرانية، فيعني به المؤلف تلك التصريحات أو الكتابات التي صدرت من الخميني وبعض مراجع الشيعة بضرورة التقارب بين السنة والشيعة، واتحادهما لمواجهة الأخطار الخارجية إضافة إلى بعض الأشياء العملية من قبيل تغيير بعض المناهج الدراسية، الخاصة بأهل السنة، وتقديم المساعدات للكثير من الهيئات السنيّة، والاهتمام بالمناطق السنيّة في إيران... الخ ـ على حد تعبير المؤلف ـ.
لكن المؤلف يتناسى أن تلك التصريحات المعسولة التي أصدرها الخميني وغيره، كانت تكذبها الأفعال، فقد تعرض أهل السنة في إيران لظلم كبير من قبل الخميني يفوق ما كان عليه الحال أيام الشاه، وتعرضت مساجدهم ومدارسهم للهدم والإغلاق، كما تعرض الكثير من علمائهم وشبابهم للقتل والحبس والاضطهاد.
كما أن عداوة مراجع الشيعة ومنهم الخميني، لأهل السنة ومذهبهم ودولهم، كانت تشهد عليها الكتب التي ألفوها ونشروها، وعلى الفور تحولت العداوة على شكل حروب ضد الدول السنيّة كالعراق، وعلى دعم الأقليات الشيعية في الخليج للتخريب والتمرد على دولها.
2ـ موقف الحركتين المشترك إزاء القومية(33/57)
حيث يعتبر المؤلف هذه النقطة العامل الثاني الذي أحدث تقارباً بين الإخوان وإيران، فبحسب المؤلف أن كلا الحركتين اتخذ موقفاً سلبياً من الاتجاهات القومية، فالإخوان اعتبروا أن القومية العربية هي سبب ضياع الخلافة الإسلامية، وضياع فلسطين، في حين أن الحركة الشيعية الإيرانية "ترى نفسها ضحية من نوع آخر للقومية التي تجلت تارة في 2500 عام من النظام الشاهنشاهي، وتارة أخرى في الأحزاب الوطنية المعارضة للثورة والمرتبطة بالقوى الغربية، والتي وقفت موقفاً عدائياً من الثورة الإسلامية بعد انتصارها" ص115.
والمؤلف يعتبر أن منطلقات الإخوان وإيران إسلامية، بعيدة عن اللوثات القومية، لكنه يشير إلى "مآخذ" سجلها كل من الطرفين إزاء الآخر فيما يتعلق بموضوع القومية، فإيران انتقدت الإخوان لأنهم "لم يقفوا موقفاً حاسماً في اعتبار العراق معتدياً في حربه مع إيران لعروبة العراق، وبفعل تأثير إعلام القوميين المكثف في العالم العربي".
أما الإخوان فإنهم "يأخذون على إيران ما ورد في بعض مواد الدستور، ومنها لزوم أن يكون رئيس الجمهورية ووالداه إيرانيين، ويعتبرون ذلك من رواسب الحس القومي الإيراني" ص119.
ولعلّ خامه يار لم يشأ التوقف طويلاً إزاء الرواسب القومية الفارسية التي تحكم سياسات إيران الداخلية والخارجية، فقد اكتفى بمثال واحد مستوحى من الدستور الإيراني، ثم أخذ يعدد بعض ما اعتبره "الخطوات المهمة التي خطتها الحركة الإسلامية الإيرانية بعد الثورة على صعيد نبذ القومية الفارسية والجهود الشاقة التي بذلتها في سبيل تغيير المواد الدراسية، وتنقيح تاريخ البلاد من الشوائب وتنقية ثقافته، وإبراز الصورة الحقيقية للإسلام والعرب بعد سنوات طويلة من الإعلام المغرض للنظام السابق" ص119.(33/58)
وبالرغم من أن المنطلقات القومية الفارسية الاستعلائية في عهد الثورة تبدو أقل حدّة لما كان الوضع عليه أيام الشاه، بسبب أن البعد المذهبي احتل المرتبة الأولى في عهد الثورة، إلاّ أننا نجد أنفسنا، ونحن ندرس سياسات إيران الداخلية والخارجية، أمام منطلقات قومية فارسية واضحة من قبيل تحكم القومية الفارسية التي لا يزيد عدد أفرادها عن 51% من مجموع سكان إيران بمقاليد الحكم والسلطة في البلاد، في حين تعاني القوميات الأخرى مثل الأكراد والبلوش والعرب من تهميش واضح، ومن قبيل إصرار إيران إطلاق اسم الخليج الفارسي على الخليج العربي، ومن قبيل الاهتمام الرسمي والشيعي بعيد النيروز الفارسي مقابل إهمال عيدي الفطر والأضحى اللذين تحتفل بهما الأمة الإسلامية جمعاء.
3ـ قضية فلسطين وتحرير القدس الشريف
وهذه القضية بحسب المؤلف "من أهم النقاط التي تلتقي عندها جماعة الإخوان المسلمين والحركة الإسلامية الإيرانية منذ البداية وحتى الآن" ص120.
ففي بداية هذا المبحث، يؤكد المؤلف أن قضية فلسطين حظيت باهتمام خاص لدى الإخوان "وشكلت منعطفاً في تاريخهم، ونقطة مشرقة في سجلهم"، ويورد عدداً من الأدلة النظرية والعملية لدعم الإخوان لقضية فلسطين، والعمل على تحريرها من الاحتلال، ثم يقارن تلك المواقف، بما أصدره مراجع الشيعة من بيانات وخطابات تجاه قضية فلسطين، ليصل إلى أن مواقف الإخوان والشيعة متطابقة إزاء قضية فلسطين وتحرير القدس، بل ومتطابقة أيضاً في منطلقاتها.(33/59)
لكن الذي يحاول المؤلف أن يتجنبه، وهو يتحدث عن السياسات الإيرانية الشيعية في الداخل والخارج، هو أن يقارن الأقوال بالأفعال، فإيران التي صدر عنها الكثير من التصريحات الداعمة للقضية الفلسطينية، صدر عنها أيضا الكثير مما يؤذي هذه القضية، مثل دعمها لنظام سوريا النصيري الذي ارتكب المذابح ضد الفلسطينيين في لبنان، كما أن الحركات الشيعية المدعومة من إيران وسوريا وخاصة حركة أمل هي الأخرى ارتكبت بحق الفلسطينيين مذابح يندى لها الجبين كما في حرب المخيمات سنة 1985.
وإذا أضفنا إلى ذلك التعاملات السرية بين إيران، والدولة اليهودية، فيما عرف بـ "إيران غيت" خلال فترة الحرب العراقية الإيرانية (1980ـ 1988) علمنا أن الدعم الشيعي للقضية الفلسطينية، لم يتجاوز في كثير من الأحيان الدعم "الشعاراتي" الذي كان يصادمه الفعل، فكم سمعنا عن جيوش المتطوعين التي تسجل أسماءها من الإيرانيين للاستشهاد في فلسطين، دون أن نرى تطبيقاً عملياً لذلك.
وفي خضم حديثه عن دعم الإخوان المسلمين لقضية فلسطين، أورد المؤلف مثالاً يجدر التوقف عنده بعض الشيء، وهو إقامة الإخوان المسلمين في سوريا مظاهرة ضخمة في 30/11/1947، توجهت إلى السفارة الأمريكية وحطمت أبوابها... كما هوجمت في الوقت نفسه المفوضية الفرنسية والبلجيكية، ومكاتب جريدة صوت الشعب، الناطقة بلسان الحزب الشيوعي، لأنها أيّدت قرار تقسيم فلسطين (ص123).
ولعلّ مما يجدر التوقف إزاءه، هو موقف الأحزاب الشيوعية المؤيد لتقسيم فلسطين، وإنشاء دولة لليهود على ثرى فلسطين، تلك المواقف الشيوعية المخزية التي غابت عن أذهان المسلمين في هذه الأيام، بسبب السيطرة اليهودية والشيوعية العالمية على الإعلام، فقد كان الشيوعيون ودولتهم الاتحاد السوفيتي في مقدمة الداعمين للدولة اليهودية، الأمر الذي أدركه الإخوان سنة 1947، في حين أنهم نسوه هذه الأيام، كما حصل في زيارة وفد حركة حماس لموسكو مؤخراً.(33/60)
عناصر الافتراق بين الحركتين
وتحت هذا المبحث، يتحدث المؤلف في عدد كبير من الصفحات عن العناصر التي أضعفت العلاقات الإخوانية ـ الإيرانية، ويقسمها إلى عوامل فكرية، وأخرى سياسية:
أولاً: عوامل الافتراق الفكرية
وهي (الحكومة وشكلها المختلف في رأي الحركتين، واختلاف النظرة إلى معسكري الشرق والغرب، والمسار الإصلاحي والثوري).
1ـ الحكومة وشكلها المختلف
ولعلّ هذا العنصر من عناصر الافتراق يظهر فيه التأثير الشيعي بشكل واضح جلي، فبرغم ما أبداه الإخوان من مودة وحسن نية تجاه الشيعة وإيران وثورتها، إلاّ أن عقيدة الشيعة الخاصة بالإمامة والحكومة، وهي الركن الأساسي، اتخذت فيصلاً وحكماً في علاقة الشيعة بالإخوان، فالفكر الشيعي، وإيران على وجه الخصوص، لا يقبلان أي فكر أو تنظيم يخالفهم في قضية الإمامة، ودولة المهدي المنتظر، مهما حاول هذا التنظيم أو ذاك التقرب من إيران، أو مدح الشيعة.
ففيما يتعلق بموقف الجهتين من قضية الإمامة وشكل الحكومة، يشير المؤلف إلى أن الحركتين "تعتقدان اعتقاداً راسخاً بإقامة الحكومة الإسلامية وارتباط الدين بالسياسة" ص 153. والمؤلف إذ يتحدث عن تطابق بالعموم عن "ضرورة" وليس "شكل" الحكومة الإسلامية، فإنه يؤكد أن التفاصيل مختلف عليها اختلافا كبيراً وعميقاً، كون الإخوان المسلمين جماعة سنيّة، تنظر إلى هذه القضايا من منظورها السني، في حين أن إيران تنطلق من هذه القضايا منطلقاً شيعياً، يختلف عن المفهوم السني جملة وتفصيلاً.
ويتساءل: "هل تتفق هاتان الحركتان في نظرتهما إلى مفهوم الحكومة والحاكم، وإلى طريقة تطبيق الشريعة وأسلوب الوصول إلى الحكم؟
ويجيب على ذلك فيقول: إن الشواهد الموجودة تشير إلى وجود اختلاف عميق في هذا المجال بين الحركتين، ومصدره اختلاف نظرة كل منهما إلى هذا المفاهيم" ص 153.(33/61)
وعندما أراد المؤلف أن يعرض لوجهة النظر السنيّة تجاه الحاكم وشكل الحكم، التي تستند إليها جماعة الإخوان المسلمين، فإنه يقدم تصوراً مغلوطاً في بعض فروعه مستنداً إلى كلام بعض مراجع الشيعة، وبعض العلمانيين من المحسوبين على السنة من قبيل الادّعاء بأن موقف أهل السنة من نظم الحكم القائمة كان أقرب إلى التسليم بالأمر الواقع ص 157، ومن قبيل أنه "إذا زادك السلطان إكراماً فزده إعظاماً، وإذا جعلك عبداً فاجعله ربّا"!! ص158.
أما فيما يتعلق بالإخوان وموقفهم من الحاكم، فالمؤلف يذهب إلى أنهم "لا يهتمون بشخص الحاكم ولا بمواصفاته التي ينبغي أن يتحلى بها ولا بوقت وكيفية تنفيذه للأحكام" ص163. والحكم السابق الذي أصدره خامه يار على الإخوان، ومن خلالهم على أهل السنة، قراءة مغلوطة لقول حسن البنا الذي أورده المؤلف بعد إصداره لحكمه السابق، حيث يقول البنا: "فالإخوان المسلمون لا يطلبون الحكم لأنفسهم، فإن وجدوا من الأمة من يستعد لحمل هذا العبء وأداء الأمانة والحكم بمنهاج إسلامي قرآني فهم جنوده وأنصاره وأعوانه، وإن لم يجدوا الحكم من منهاجهم فسيعملون لاستخلاصه".
وبنفس المعنى يقول المرشد الثالث للإخوان ،عمر التلمساني رحمه الله: "فلا يعنينا شخص من يحكم، ولكن في المقام الأول يهمنا نوع الحكم وشكله ونظامه وبعد ذلك فليحكم من يحكم".
وبالتالي فإن التصريحات السابقة للبنا والتلمساني تعني أن الإخوان لا يشترطون أن يكون الحاكم من جماعتهم، إنما ليحكم من يحكم، شريطة أن يحكم بالشريعة، وإذا فعل الحاكم ذلك، فإن الإخوان سيكونون له عوناً وسنداً.
أما الفهم المغلوط الذي خرج به خامه يار حول الحاكم عند أهل السنة والإخوان، وتصويرهم بأنهم مع جور السلطان وظلمه كما ذكر ذلك في مواضع عديدة من الكتاب، أمر منافٍ للواقع والحقائق، لا سيما وأن بعض الأقوال كانت تفتقد للعزو وذكر المصدر.(33/62)
ثم يبدأ المؤلف بمقارنة ما اعتبره "موقف أهل السنة، وجماعة الإخوان من الحاكم وشكل الحكومة"، مع ما يؤمن به الشيعة تجاه هذه القضية التي تعتبر عندهم ركناً من أركان الدين.
وبحسب المؤلف، واستناداً إلى ما كتبه علماء الشيعة، فإن المعتقد الشيعي الذي تؤمن به "الحركة الإسلامية الإيرانية" يقوم على ما يلي:
ـ أن الحاكم يجب أن يتحلى ـ إضافة إلى القيادة السياسية ـ بالزعامة الفكرية والأخلاقية.
ـ أنه يجب أن يكون معيّناً من الله وأن يكون طاهراً معصوماً، منزهاً عن كل عيب... وهذه الصفات منحصرة في الأئمة الاثنى عشر.
ـ تفويض الأمر في فترة الغيبة إلى "الفقيه الجامع للشرائط" فيما يعرف بولاية الفقيه.
ـ عدم وجوب طاعة الحاكم إذا حكم بالمعصية.
ـ تفضيل غير المسلم إذا كان عادلاً على المسلم إذا كان ظالماً.
ـ تحريم العمل عند الحكام، وعدم جواز الصلاة خلفهم.
وبذلك يتضح أن شكل الحكم عند السنة والشيعة يختلف اختلافاً كبيراً، فالسنة، ومنهم الإخوان، يعتبرون "الخلافة" هي التعبير الصحيح عن شكل الحكم بعد عهد النبي صلى الله عليه وسلم، كما أن الإخوان يعتبرونها "واسطة العقد، ومجمع الشمل ومهوى الأفئدة وظل الله في الأرض"... والخليفة مناط كثير من الأحكام في دين الله، ولهذا قدم الصحابة النظر في شأنها على النظر في تجهيز النبي صلى الله عليه وسلم ودفنه حتى فرغوا من تلك المهمة ص 173.
أما الشيعة، فإنهم "يرفضون فكرة الخلافة من الأساس، بل يرون أن كل ما أتى بعد علي بن أبي طالب غير شرعي وغير معترف به، خاصة إذا ما أتى من أهل السنة" ص174.
2ـ اختلاف النظرة إلى معسكري الشرق والغرب(33/63)
من الأمور التي اختلفت فيها الحركتان، النظرة والموقف من الشيوعية والرأسمالية، فبحسب المؤلف أن جماعة الإخوان المسلمين كانت تعتبر الشيوعية أو الماركسية خطراً يفوق الخطر الغربي أو الرأسمالي، الممثل خاصة بالولايات المتحدة وبريطانيا، في حين أن "الحركة الإسلامية الإيرانية" كانت ترى أن الخطر المحدق قادم من الغرب، وزعيمته الولايات المتحدة.
وأورد المؤلف عدداً من الأسباب التي جعلت الإخوان ـ عموماً ـ يعتبرون الخطر الشيوعي الماركسي أكبر من الخطر الغربي، هي:
1ـ أن الماركسية مذهب فكري وعقائدي وثقافي، وليس خطراً عابراً، وهو مصادم للدين والعقيدة بشعاره: "الدين أفيون الشعوب".
2ـ أن أقسى الضربات التي تلقتها جماعة الإخوان في مصر، كانت على يد نظام جمال عبد الناصر الاشتراكي، الحليف للاتحاد السوفيتي، مركز الشيوعية في العالم (ويجدر أن نلاحظ أيضا أن الإخوان في سوريا تلقوا أقسى الضربات على يد نظام شيوعي طائفي)، وكذلك في العراق.
3ـ القمع الذي كان يقوم به الحكام الشيوعيون في العالم العربي لشعوبهم، والإفساد ومحاربة الدين، والشعارات البراقة التي كان يطلقها الشيوعيون لاستغفال واستقطاب الشباب.
4ـ الارتباط الوثيق بين اليهودية والشيوعية، وكون معظم زعماء الأحزاب الشيوعية في الوطن العربي هم من اليهود، أو المسيحيين المؤيدين لإسرائيل.
5ـ اعتقاد الإخوان بأن هزيمة عام 1967 أمام اليهود كانت نتيجة لخيانة ومؤامرة الشيوعيين في الاتحاد السوفييتي وتعاونهم مع الصهيونية الدولية.
6ـ تأثر الإخوان بموقف السعودية الرافض للتوجهات الاشتراكية لنظام عبد الناصر.
7ـ احتلال السوفييت الشيوعيين لأفغانستان المسلمة.
أما نظرة الإخوان إلى الغرب والرأسمالية، فإن الكتاب يعتبر أنها تستند إلى:
1ـ تركيز الإخوان على الانحطاط الأخلاقي والثقافي للغرب، لذا فإن اختلافهم معه في الجوانب الثقافية والأخلاقية كان أقوى بكثير من الجوانب الأخرى.(33/64)
2ـ اعتبارهم أن الغرب أهل كتاب، يقل خطرهم عن الكفار من غير أهل الكتاب.
3ـ افتقار الإخوان إلى الفهم الدقيق للرأسمالية وأهدافها الاستراتيجية، والنظر إليها بدرجة كبيرة من السطحية.
وقبل الانتقال إلى نظرة الخميني وتياره إلى الشيوعية والرأسمالية، يحسن بنا أن نلاحظ، أن موقف جماعة الإخوان المتشدد والواعي من الشيوعية، في فترات الجماعة الأولى، حصل له تبدل كبير، فلم يعد الخطر الشيوعي، ذا أهمية الآن بالنسبة للإخوان بعد أن احتلت أمريكا واجهة الخطر، وبعد أن اعتقد الإخوان بمقولة موت الشيوعية، ولعلّ العديد من الشواهد تذهب في هذا الاتجاه مثل: التنسيق والتحالف مع الأحزاب اليسارية في العالم العربي، إقامة العلاقات الوثيقة والإشادة الدائمة بعدد من الأنظمة اليسارية في العالم (روسيا ـ سوريا ـ فنزويلا...) رغم أن الأنظمة اليسارية العربية (سوريا، ليبيا)، لا زالت تحارب جماعة الإخوان، وألد أعداء الإخوان فكرياً هم مفكرو اليسار ومجلاتهم كما حدث في مصر مؤخراً بعد الانتخابات المصرية التي شهدت صعود الإخوان، فقد كان كتاب اليسار أشد أعداء الإخوان ولعل صحيفة القاهرة الأسبوعية ومجلة روز اليوسف خير شاهد على ذلك.
أما نظرة الخميني للشيوعية والرأسمالية، فمختلفة عن وجهة نظر الإخوان، وكان الإيرانيون يعتبرون الخطر الغربي أكبر من الخطر الشرقي أو الشيوعي، ويعزو المؤلف ذلك إلى:
1ـ أن إيران كانت واقعة خلال القرنين الماضيين تحت سيطرة الاستعمار الغربي، السياسية والعسكرية والاقتصادية، وكان لبريطانيا وأمريكا على وجه الخصوص الدور الكبير في الدعم اللامحدود لدعم نظام الشاه في قمعه للحركة الشيعية الإيرانية.
2ـ لم يكن الخميني ينظر للأمريكان على أنهم أهل كتاب، بل إنه يعتبر الغرب "كافراً". ( ويجدر أن نلاحظ أنه مع اعتباره أهل الكتاب كفارا، فإنه لم يعتبر الملاحدة الروس مثلهم)!!(33/65)
3ـ اعتبار الخميني أن نشاط ومواقف الشيوعيين في إيران، التي ترتبط "ظاهرياً" بالمعسكر الشرقي، إنما تصب في حسابات ومصالح أمريكا والغرب!
4ـ اعتبار أن أمريكا والغرب هما سبب كل المآسي التي حلت بالإسلام والمسلمين.
وفي هذا كما يلاحظ تزوير واضح للتاريخ فإن جرائم المعسكر الشيوعي تجاه المسلمين ليس لها مثيل في تاريخ الإسلام، كما بين ذلك على سبيل المثال كتاب (قتلوا من المسلمين مئات الملاين) لمحمود عبد الرؤوف القاسم.
3ـ المسار الإصلاحي والثوري
وهذا أحد العناصر التي أدّت إلى ضعف العلاقات بين حركتي الإخوان، والشيعة، فالإخوان ـ بحسب المؤلف ـ "حركة إصلاحية محافظة، وليست حركة انقلابية" ص189 ، وأن سياستها تقوم على التربية والتثقيف والدعوة، وعدم جواز الخروج على الحاكم الظالم، واعتماد أساليب العمل السلمي، ومنه العمل البرلماني... (مع بعض الاستثناءات).
أما "الحركة الإسلامية الإيرانية" فإنها تشكك في هذا المنهج الإخواني، السلمي التربوي، متسائلة: "ما الذي أسفر عنه الأسلوب الإصلاحي التربوي للإخوان بعد خمسين سنة من تجربته؟ وإذا كنّا نتقبل جواب الإخوان على أنه لم يغير الحكومات ولكنه خلق قاعدة عريضة ودائمة، فإن سؤالاً آخر يطرح نفسه، وهو: هل يستحق هذا الأمر كل هذا الثمن الباهظ"؟ ص202.
وتحاول "الحركة الإسلامية الإيرانية" التدليل على صحة نهجها الثوري بانتصار الثورة على نظام الشاه سنة 1979م، وهي "ترتكز على الأصول الشيعية في عملها، وتتأثر بالأحداث التاريخية، وبالمظالم التي تعرض لها الشيعة على امتداد تاريخهم، وبالمعارضة التقليدية التي عرفوا بها حكام الجور والظلم، ويطلقون شعار (كل أرض كربلاء، كل يوم عاشوراء) مقتدين بالمنهج الدموي الذي سلكه الإمام الحسين في كربلاء، ويبقى الخيار مفتوحاً أمام زعماء هذه الحركة لاختيار الظروف الزمانية والمكانية المناسبة واختيار أقصر الطرق لتحقيق هدفهم السامي"ص 203.(33/66)
وقول خامه يار السابق لا يدع مجالا للشك في خطورة الفكر الشيعي وأنه لا يمكن الوثوق به، بل هو طامع للسلطة بأي وسيلة.
ثانيا: عوامل الافتراق السياسية
إضافة إلى العوامل الفكرية الثلاث السابقة، فإن المؤلف يورد أسباباً سياسية أخرى، أدت إلى ضعف الروابط بين حركة الإخوان وحركة الشيعة، وفي مقدمة هذا المبحث من الكتاب يؤكد المؤلف على الهوية المذهبية للثورة، على عكس ما درج علماء الشيعة من ترديده بالهوية الإسلامية فقط للثورة دون أي اعتبار مذهبي.
فالمؤلف أولاً يقرر أن "انتصار الثورة الإسلامية هو انتصار للفكر الشيعي وإحياء له من جديد بين مسلمي العالم، وهو الفكر الذي يعتقد الشيعة أنه حورب منذ وفاة الرسول وانتخاب الخلفاء الراشدين على يد بعض الصحابة في سقيفة بني ساعدة" ص 203.
ثم ينتقد ثانياً أهل السنة الذين كانوا يستاءون من تعصب الثورة للمذهب الشيعي، فيقول: "كانت كل خطوة تخطوها الجمهورية الإسلامية الإيرانية تخضع لتمحيص العالم السني وتثير حساسيته، وأدت الخطوات الوحدوية التي خطاها أصحاب الثورة الإسلامية،... إلى رفع طموحات السنة إلى أكثر مما ينبغي، حتى أضحوا يرون في أي تأكيد للهوية المذهبية للثورة انحرافاً عن الأهداف الأساسية للثورة ويهاجمونها بشدة دون أن يلحظوا دور المذهب في انتصار الثورة والتزام الناس الشديد بمذهبهم، ووضع الحوزة ووجود الكثير من الأشخاص المتعصبين، وما إلى ذلك من الأمور التي لا سبيل إلى تجاهلها" ص204.
أما أبرز العوامل السياسية التي أزّمت علاقة الإخوان بإيران فهي:
1ـ نهضة الشيعة في البلدان الإسلامية، ذلك أن نجاح الثورة أعطى الشيعة خارج إيران دفعة معنوية، وتطلعات تفوق أحجامهم، وعددهم، كما تمثل ذلك من سطوع نجم الشيعة في لبنان، ممثلاً بحزب الله، وثورات الشيعة في الخليج.(33/67)
2ـ نشاط حركة نشر التشيع في أوساط السنة، ولا تخفى الأهداف التي تتستر إيران من ورائها لنشر التشيع، حتى أن أحد كبار الإخوان المسلمين، وهو التونسي راشد الغوشي، المعروف بولائه لإيران والشيعة، انتقد هذا التوجه ، معتبراً أن الأولى بإيران بدلاً من تشييع أهل السنة في شمال أفريقيا، أن تسعى لدعوة غير المسلمين ص 208.
3ـ المواجهات بين السنة والشيعة في أماكن مختلفة من العالم.
4ـ الصراعات الداخلية في إيران. والمؤلف يقصد بذلك الظلم والاضطهاد الذي تعرض له أهل السنة في إيران، خاصة في أقاليم كردستان وأذربيجان الغربية وتركمانستان، لكنه يعزف عن استعمال مصطلحات الظلم والاضطهاد والتهميش، معتبراً أن الاضطهاد الذي تعرض له السنة "مواجهات دامية بين أنصار الثورة الإسلامية ومعارضيها في المناطق السنيّة الإيرانية" ص 210.
5ـ الهجوم الإعلامي الواسع للأنظمة العربية ضد الثورة، وظهور الكتب والفتاوى التي تهاجم الشيعة وإيران وتفتي بتكفيرهم.
ومما يثير الاستغراب في هذا الصدد أن المؤلف رغم اعترافه بأن السياسات الإيرانية السابقة مثل تمرد الشيعة في الخليج على حكوماتهم، ونشر التشيع وظلم السنة في إيران كانت سبباً في نفور السنة من الثورة، إلاّ أنه يحمل الإخوان مسؤولية فتور العلاقات مع إيران، معتبراً أنها انساقت وراء الدعاية "الوهابية" ضد الشيعة وإيران، وكأن إيران لا تتحمل مسؤولية إزاء نفور السنة والإخوان عن مذهبهم وثورتهم.
العلاقات بين الإخوان والثورة
وفي هذا الفصل، وهو آخر فصول الكتاب، يتحدث المؤلف تحديداً عن المرحلة التي سبقت انتصار الثورة، ثم تقويم العلاقات بعد الثورة.
ويؤكد المؤلف أن العلاقات بين جماعة الإخوان، وبين قادة الحركة الشيعية بدأت قبل الثورة بسنوات طويلة، وكانت (دار التقريب بين المذاهب الإسلامية) عنصراً مهماً من عناصر التقارب الفكري بين الجانبين، وكان حسن البنا رحمه الله أحد الناشطين في الدار.(33/68)
ومما يلفت بعلاقة الإخوان المسلمين بالحركة الشيعية الإيرانية المناهضة للشاه في تلك الفترة، تلك الحميمية التي كان يكنها الإخوان لنواب صفوي.
ونواب صفوي ـ لمن لا يعرفه ـ هو أحد القيادات الشيعية الشابة الثورية، وكان يتعصب لآرائه لدرجة القتل، وكان زعيماً لمنظمة ثورية هي فدائيان إسلام (فدائيو الإسلام)، وقام هو وأتباعه بقتل عدد من كبار المسؤولين الإيرانيين في عهد الشاه، وإضافة لذلك قتل عدداً من علماء السنة، منهم الشيخ أحمد كسروي رحمه الله.
وقد كان الإخوان يعتبرون نواب صفوي واحداً منهم، ودعوه لزيارة مصر وسوريا في بداية عام 1954، والتقى قيادة الجماعة، وخطب في مهرجاناتها، وعندما اشتكى له زعيم الإخوان في سوريا د. مصطفى السباعي رحمه الله من انضمام شباب الشيعة إلى الأحزاب العلمانية والقومية، دغدغ صفوي عواطف الإخوان، وقال أمام حشد من السنة والشيعة: "من أراد أن يكون جعفريا حقيقياً فلينضم إلى صفوف الإخوان المسلمين" ص225.
ويعود المؤلف في هذا الفصل إلى تحميل الإخوان مسؤولية أفول علاقاتهم التي كانت حميمة مع الثورة، رغم أنه يعترف بأن الإخوان أخذوا على الثورة مواجهاتها الدموية مع أعدائها، والأحكام التي أصدرتها المحاكم الثورية، وتأكيد الدستور كون رئيس الجمهورية شيعياً وإيرانيا، وتحديد نظام ولاية الفقيه كأسلوب للحكم في إيران وحاكمية فئة رجال الدين... ص 228.
ويذكر المؤلف من الأسباب أيضاً: علاقة إيران الوثيقة بالنظام السوري الذي ارتكب أبشع المجازر بالإخوان في سوريا، وضغط الحكومات العربية على الإخوان لينفضوا عن إيران، والحرب العراقية الإيرانية، التي أصرت إيران على استمرارها 8 سنوات.
وهكذا يتضح للقارئ من خلال عرض الكتاب أن علاقة إيران بالإخوان كانت قائمة على دعامتين هما:(33/69)
1ـ معرفة إيران بمذهبها والانطلاق منه في التعامل مع الإخوان والعبور من خلالهم إلى لعالم السني، مع غياب هذا البعد عند جماعة الإخوان التي لم يدرك كثير من قادتها لليوم مذهبية وطائفية إيران.
2ـ تعمل إيران على الأرض ما يتوافق مع مذهبها ومصلحتها كالتعاون مع أمريكا في إيران غيت وتأييد مذابح الفلسطينيين في لبنان ومذابح الإخوان في سوريا مع دغدغة عواطف الإخوان بالشعارات والكلام، ومن ثم تحميل الإخوان مسؤولية عدم تحقيق الوحدة الإسلامية!!
قالوا
تهجير للسنة في العراق
قالوا: "... وكشف الدليمي عن عمليات تهجير تقوم بها أطراف ضد السنة في العراق مؤخراً".
موقع الحزب الإسلامي العراقي
7/3/2006
قلنا: حديث القيادي في جبهة التوافق السنيّة عدنان الدليمي عن تهجير السنة في العراق من منازلهم ومدنهم، كان جزءاً من الإساءات التي يتعرض لها السنة، مثل استهداف مساجدهم، وإلصاق التهم بهم عند أي حادث، وإقصائهم من العملية السياسية.
تفجير القباب والرسوم الدانمركية
قالوا: "إذا كانت الصور المسيئة لرسول الله تستدعي الإدانة، دفاعاً عن شرف النبي وقدسيته، فإن هذا الاعتداء (سامراء) الذي طال أضرحة أبناء رسول الله ولحمه ودمه، فيه إساءة أعظم للرسول الأكرم، ويستدعي إدانة أكبر ودفاعاً أقوى".
المرجع الشيعي هادي المدرسي
صحيفة القاهرة 28/2/2006
قلنا: يجعل أحد مراجع الشيعة تدمير القباب والأضرحة التي بنيت على قبور أئمة الشيعة أخطر وأشنع من إهانة رسول الله صلى الله عليه وسلم والاستهزاء به ولا حول ولا قوة إلاّ بالله.
الصدر يريد حسينية في الأردن
قالوا: "خلال زيارته الأخيرة إلى الأردن، طلب الزعيم الشيعي العراقي مقتدى الصدر من الحكومة الأردنية السماح بإنشاء حسينية شيعية واحدة على الأقل في العاصمة عمان".
صحيفة الحقيقة الدولية
8/3/2006(33/70)
قلنا: لماذا يطالب شيعة العراق، الأردن بإلحاح بإقامة الحسينيات والمساجد الشيعية في الوقت الذي لا تسمح فيه إيران لمواطنيها السنة ببناء مساجد وهم الذين يزيد عددهم في العاصمة طهران لوحدها عن المليون شخص.
ثم إذا كان الصدر يصرح صباح مساء بضرورة الوحدة بين السنة والشيعة، ويقيم لذلك (صلاة موحدة)!! فلماذا لا يقدم على خطوة عملية، ويطلب من أتباعه الصلاة مع المسلمين السنة في الأردن، فالسنة مساجدهم مفتوحة لكل مسلم.
الشيعة يربحون من تفجيرات سامراء
قالوا: "استنكر رئيس ديوان الوقف السني قرار مجلس الوزراء بربط إدارة الروضة العسكرية في سامراء بالوقف الشيعي، وقال إن هذا القرار يعطي زخماً جديداً للفتنة الطائفية بين أبناء الشعب العراقي".
القدس العربي
2/3/2006
قلنا: بالأمس صادر الشيعة كثيرا من الأوقاف السنيّة واليوم يستولون على أوقاف سامراء، وغداً سيعملون لمصادرة كافة مساجد السنة وأوقافهم ومؤسساتهم.
الشيرازي يطالب بهدم الحرمين الشريفين!
قالوا: "على خلفية الأحداث الدامية التي وقعت في سامراء مؤخراً، دعا تسجيل صوتي منسوب إلى آية الله مجتبى المهدي الحسيني الشيرازي، إلى هدم الحرمين الشريفين في مكة والمدينة، ومسجد الكوفة والبصرة ومساجد السنة، وحرق وتدمير بيوتهم وسلب نسائهم، باعتبار هذه المساجد كلها مساجد ضرار، لمن سمّاهم النواصب الوهابيين الكفار الإرهابيين، على حد زعمه".
الحقيقة الدولية
1/3/2006
قلنا: "أبرهة" جديد يطل علينا هذه الأيام ولكن باسم الإسلام.
أهمل التحذير لقبض الثمن
قالوا: "يتساءل معارضون لماذا فشل الجعفري في التحرك استناداً إلى تحذير من فريقه الأمني بشأن هجمات محتملة على مزارات دينية صدر قبل أسبوعين من الهجوم على المسجد الذهبي في سامراء".
القدس العربي
3/3/2006
قلنا: هل لأنه المحرك أو المستفيد من الأحداث؟!
حتى النفط لم يسلم من جشعهم(33/71)
قالوا: "هدد حزب الفضيلة الشيعي، العضو في الائتلاف، بقطع (خيرات الجنوب عن الشمال) إذا واصلت أطراف كردية وسنيّة عرقلة العملية السياسية في العراق".
وكالة الصحافة الفرنسية
3/3/2006
قلنا: حتى النفط الذي هو من الخيرات التي ساقها الله للعراق، لم يسلم من جشع وظلم حكومة الائتلاف الشيعي، التي يهدد أحد أحزابها والذي يتبع لتيار الصدر من قطع إمدادات النفط عن المحافظات السنيّة والكردية، لأن قيادات السنة والأكراد قالت لا لإبراهيم الجعفري الطائفي البغيض.
الصدر يدعو إلى وقف واحد
قالوا: "دعا الزعيم مقتدى الصدر أمس إلى إلغاء دائرتي الوقف السني والشيعي وتشكيل وزارة أوقاف عراقية مشتركة لكلا الطائفتين".
أ.ف. ب
28/2/2006
قلنا: العجيب أن الشيعة في الكويت يحاربون حتى آخر رمق لإنشاء وقف خاص بهم، وفي البحرين يرفضون أن يكون هناك قانون أحوال شخصية موحد؟!
صولاغ: الميليشيات ليست خطرا!
قالوا: "موضوع الميليشيات المسلحة مسيطر عليه سيطرة كاملة، ولا يوجد أي تخوف منه".
وزير الداخلية العراقي باقر صولاغ
أ.ف.ب 4/3/2006
قلنا: فلماذا إذا لا يحاكم قادة هذه الميليشيات على جرائمهم اليومية ؟
إيران أيضاً!
قالوا: "حذر الدكتور طارق الهاشمي الأمين العام للحزب الإسلامي بالعراق... دول الجوار، وعلى نحو خاص إيران من التدخل في شؤون العراق، معتبراً أن التدخل الإيراني يمثل احتلالاً مستتراً لبلاده وهو يتجاوز في درجة خطورته وأضراره الاحتلال السافر.
الرأي 14/3/2006
قلنا: هل تصل الرسالة لبقية زعماء الإخوان المسلمين في العالم الذين لا يزال كثير منهم يحسن الظن بإيران، وعنده الاستعداد للوقوف معها ومناصرتها مع خطورتها التي تفوق الاحتلال الأمريكي!!
الشيعة عماد حزب البعث(33/72)
قالوا: "الأرقام المؤكدة تشير إلى أن أكثر من خمسة وسبعين في المائة من أعضاء حزب البعث هم من الشيعة، وأن ثمانية وثلاثين مطلوباً من المطلوبين الخمسة والخمسين الذين نشرت صورهم على أوراق اللعب (الشدّة) هم من أبناء هذه الطائفة الكريمة".
صالح القلاب
الرأي 26/2/2006
قلنا: فلماذا طبق قانون اجتثاث البعث على الربع السني فقط؟! ولماذا الثلاثة أرباع لا يزالون يسرحون ويمرحون؟!
مأساة الفلسطينيين في العراق
قالوا: "يبدو أن مآسي الفلسطينيين متواصلة... ويبدو أن وراء هذه الحملة الظالمة، جهة حاقدة أعماها الحقد الفئوي والطائفي المقيت".
الشيخ حارث الضاري
الحقيقة 8/3/2006
قلنا: فصل جديد من فصول جرائم الشيعة بحق الفلسطينيين السنة، بدأ في لبنان ولن يقف عند الفلسطينيين المقيمين في العراق منذ ستين عاماً.
قتلوه ومشوا في جنازته!
قالوا: "إن عناصر مسلحة ترتدي الزي الأسود أطلقت النار بشكل عشوائي على فلسطينيين كانوا متواجدين بجانب الحي المكون من عشرات العمارات السكنية".
صحيفة الدستور
2/3/2006
قلنا: الغريب أن جيش المهدي الذي يرتدي أتباعه الملابس السوداء، والذي ارتكب الجرائم ضد الفلسطينيين في حي البلديات ببغداد يعلن عن تطوعه لحماية الفلسطينيين! وذلك كما يحمي الجزار خرافه في المسلخ.
خطر آخر في العراق
قالوا: "يجب الخروج من وهم الزرقاوي... فالصراع الآن يأخذ منحى آخر جديداً... فعلى الأرض العراقية الآن مليون مسلح إيراني دخلوا مؤخراً، وهم غير الإيرانيين الذين تجنسوا كمدنيين.. إنها ميليشيات برسم التحرك وفيهم ضباط وجنود مدربون".
سلطان الحطاب
صحيفة الرأي 14/3/2006
قلنا: من سيضع حداً للنفوذ والتدخل الإيراني إذا كانت الحكومة وعلى رأسها الجعفري وصولاغ والحكيم ضالعون في العمالة لإيران.
تبرؤ من جانب واحد(33/73)
قالوا: "أطالب إخواني في هيئة علماء المسلمين وغيرهم من الأحزاب السنيّة أن تتبرأ من الزرقاويين والتكفيريين وغيرهم... ولدي القدرة أن أحارب النواصب".
مقتدى الصدر
رويترز 13/3/2006
قلنا: لطالما استنكر أهل السنة أفراداً ومؤسسات أعمال الزرقاوي، الذي لا يمثل أهل السنة، والذي طالت بعض جرائمه السنة أيضاً، لكننا لم نسمع إدانة واحدة من الصدر لما تقوم به الميليشيات الشيعية مثل قوات بدر وجيش المهدي ضد أهل السنة، بل وما تقوم به الأجهزة الرسمية مثل قوات وزارة الداخلية وسجونها البغيضة، وما جرى مؤخراً في العراق من انتهاك واعتداء على السنة رداً على أحداث سامراء.
لا غريب على الصدر أن يفعل ذلك، طالما أنه ينوي محاربة أهل السنة الذين يسميهم "النواصب".
جولة الصحافة : مذبحة سنة العراق
فِرَق الموت
خليل العناني مجلة المجلة ـ العدد 1360 ـ 5/3/2006م
فرق الموت.. هكذا أطلقوا عليها في العراق فهي تمتهن القتل ولا شيء سواه، وتحترف اصطياد أهدافها بطريقة لا تخطئها عين. مدربون على انتقاء الضحايا، وهي في الغالب إما شخصيات سنية، أو قيادات بعثية سابقة أو متمردون منخرطون في العمل العسكري ضد قوات الأمن العراقية، فثمة اختراقات كثيرة لمختلف الأجهزة الأمنية في العراق.
والسؤال هل يمكن أن تلعب "فرق الموت" دوراً في تأجيج الحرب الأهلية في العراق؟ وهو سؤال قفز على الواجهة بعد الأحداث الأخيرة المؤسفة التي وقعت بالعراق عقب التفجيرات التي تعرض لها مرقد الإمامين الشيعيين علي الهادي والحسن العسكري في سامراء قبل نحو أسبوع. وهي الأحداث التي أسفرت عن مقتل ما يزيد على 200 شخص أغلبهم من السنة في أحداث طائفية، كما تم على خلفيتها اختطاف أكثر من 30 شاباً من أهل السنة إلى جهة مجهولة، وتعرض نحو 170 مسجداً سُنيا للحرق والتدمير.(33/74)
هذه العملية ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، وأصابع الاتهام تشير إلى قوات فيلق بدر، وأخرى تتهم قوات جيش المهدي، في حين يتهم البعض قوات الاحتلال الأمريكية بتنفيذها.
من جانب آخر هناك احتمالات كبيرة لوجود علاقة بين الدور الإيراني في العراق وتنامي الأعمال الإجرامية لـ "فرق الموت" التي يتبرأ منها الجميع، ومن ثم يثور التساؤل حول من يقف وراء هذه الهجمات ومن صاحب المصلحة في تلك الفوضى الهدامة، وما حقيقة تلك الفرق، وكيف تعمل، وأين تدربت، وما هي أشهر العمليات التي قامت بها؟
المشهد السياسي في العراق إذن يوشك على الانهيار، وما تنبأ به السياسيون إبان فترة إعداد الدستور من أعمال عنف وفتنة طائفية أصبح واقعا حيا، وليس هناك شك في أن اشتعال الفتنة بين السنة والشيعة في العراق لا يخدم سوى الاحتلال الأمريكي وحده.
وفي ظل هذا الارتباك لا أحد يعرف إلى أين تسير القافلة العراقية، إما مزيد من القتل والتدمير وعمليات الإبادة الجماعية التي لا يعلم أحد هوية القائمين بها، ومن ثم الحرب الأهلية، وإما المصالحة الوطنية وهو الخيار الصعب!
اختراق الأجهزة الأمنية
أواخر يناير الماضي أوقفت القوات الأمريكية بالعراق 22 شخصا كانوا يرتدون زي رجال الشرطة، وكانوا في طريقهم لقتل رجل سني، وفي منتصف فبراير، أكد جوزيف بترسون الجنرال الأمريكي المسؤول عن تدريب قوات الشرطة العراقية عن وجود "فرقة موت" بوزارة الداخلية العراقية تستهدف شخصيات سنية معروفة، وهو ما حدا بوازرة الداخلية العراقية تشكيل لجنة للتحقيق في الموضوع.(33/75)
ومنذ مايو الماضي والأنباء تتردد حول وجود فرق للموت بين صفوف الشرطة العراقية تقوم بتصفية أشخاص يتم اعتقالهم على أيدي أولئك الذين يرتدون زي الشرطة ويحتمون بأدواتها. وقد بدأت عمليات القتل بعد تولي الحكومة العراقية السابقة للسلطة أواخر مارس الماضي، وتعيين وزير للداخلية هو بيان جبر، المسؤول في المجلس الأعلى للثورة الإسلامية. ومنذ تعيينه تقوم القوات التابعة لوزارة الداخلية باعتقال آلاف السنّة ضمن خطط لضرب التمرد العراقي، خصوصاً في العاصمة العراقية بغداد، ومنذئذ تم اعتقال ما يقرب من 1500 شخص، قتل أغلبهم وتم العثور على جثثهم في أماكن متفرقة على مداخل بغداد.
هوية "فرقة الموت" لا تزال مجهولة، على الأقل بالنسبة للغالبية من الشعب العراقي، بيد أنهم معروفون لدى بعض القيادات في وزارة الداخلية العراقية. والأرجح أنهم ينخرطون في قوات الشرطة العراقية من خلال الدخول بين صفوف الراغبين في الانضمام لها، ثم يقومون بأعمالهم تحت غطاء انتمائهم للشرطة العراقية. وهو ما أكدته أغلب التصريحات الصادرة عن مسئولين بوزارة الداخلية العراقية، والتي تفيد بأن هناك بعض الفئات التي تنخرط في قوات الشرطة بغية تنفيذ أجندة طائفية خاصة بها. في حين أشارت وزيرة حقوق الإنسان العراقية نيرمين عثمان إلى أن هناك بعض المسؤولين "الصغار" في وزارة الداخلية "يستخدمون مجرمين لقتل عراقيين".(33/76)
وثمة احتمالان يحددان هوية "فرق الموت" الأول أن يكون أعضاؤها منتظمين في جماعات طائفية داخل الشرطة العراقية، دون علم هذه الأجهزة بوجودهم، وفي هذه الحال يصبح من العسير التوصل إليهم والتعرف على تشكيلاتهم نظراً لانخراطهم مع أكثر من 150 ألف فرد من العاملين بوزارة الداخلية العراقية. وإما أن هؤلاء "المحترفين" جزء من إحدى كتائب الأمن العراقية، ويعملون تحت إشراف قيادات صغيرة في الشرطة العراقية، ويدلل على ذلك سهولة تحركهم واصطياد الأهداف، ومن شأن التنسيق بينهم وبين صغار الضباط، أن يتم الحصول على معلومات حول الأشخاص المستهدفين وأماكن إقامتهم، فضلاً عن مراقبة تحركاتهم. في الوقت الذي أشار فيه البعض إلى أن هذه الفرق تنتمي لقوات جيش بدر التابع للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية.
وتجدر الإشارة إلى أنه إبان شهر أغسطس الماضي تحدثت مجلة التايم البريطانية عن وجود فرق للموت يرأسها عميل إيراني يدعي مصطفى الشيباني، وطبقا لإحدى الوثائق التي حصلت عليها "التايم" فإن شبكة الشيباني تتألف من حوالي 280 شخصا ما بين صانعي قنابل وفرق موت، وتستهدف قتل شخصيات سنية وبعثية عرفت بعدائها للشيعة إبان فترة حكم النظام العراقي السابق.
عمليات منظمة
حسب دراسة للكاتب الأمريكي ماكس فولر مؤلف كتاب "العراق: الخيار السلفادوري يصبح حقيقة" فإن أول ظهور لفرق الموت كان في مارس 2005، حين تم العثور خلال عشرة أيام فقط، على العشرات من الجثث مرمية عرضاً، في نفايات القمامة، والمناطق الخالية حول بعداد، وقد كانوا جميعاً مقيدي الأيدي ومعصوبي الأعين وتم إطلاق النار على مؤخرة رؤوسهم.
وكانت الأدلة دامغة بما يكفي لهيئة العلماء المسلمين، أن تصدر بيانات تتهم قوات الأمن، المرتبطة بوزارة الداخلية، إضافة إلى قوات بدر، الجناح المسلح السابق للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، بأنهم وراء حالات القتل هذه.(33/77)
ومنذ ذلك الحين، يتدفق سيل متواصل من ضحايا تصفيات الموت في بغداد، تم قتلهم بنفس الطريقة، الأيدي مربوطة أو مقيدة وراء ظهورهم، والعيون معصوبة، وفي أكثر الحالات الأجساد مضروبة بالسياط، وهناك آثار لدغات كهربائية، ثم القتل برصاصة في الرأس.
وقد كتب ياسر الصالحي مراسل شبكة النايت رايدر بأن شهود العيان، ادعوا بأن العديد من الضحايا، تم القبض عليهم من قبل رجال يرتدون بزات رجال الشرطة الرسمية، في سيارات تويوتا لاند كروزر بيضاء، تبرز علامات الشرطة.
وتم نشر آخر مقالة لياسر الصالحي في 27 يونيو 2005، وبعدها بثلاثة أيام، قتل الصالحي بيد قناص أمريكي في نقطة تفتيش روتينية. ويستحيل معرفة العدد الدقيق للضحايا المقتولين بهذه الطريقة، ففي حين ذكر ياسر الصالحي أن أكثر من 30 حالة حدثت في أقل من أسبوع، بينما يقول فائق باقر مدير الطب العدلي المركزي في بغداد، إن المشرحة كانت تستلم من 200 إلى 250 حالة وفاة مريبة في الشهر، منها تقريبا 16 يبدو عليها إصابات نارية، وذلك قبل الاحتلال الأمريكي، أما الآن فالرقم هو بين 700 و 800، من ضمنها 500 حالة فيها إصابات نارية.
ويقول روبرت فيسك، في صحيفة الاندبيندنت اللندنية أن هناك العديد من الجثث مكدسة فوق بعضها بعضا، وجثث غير معروفة سرعان ما يتم التخلص منها، وتتركز معظم عمليات، "فرق الموت" في بغداد، حيث وجود مكثف للقوات الشيعية، والتي تنقسم إلى قسمين رئيسيين الأول يختص بفيلق بدر التابع للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية، والثاني يتبع جيش المهدي المنضوي تحت قيادة الزعيم الشاب مقتدى الصدر.(33/78)
في الوقت ذاته تؤكد تقارير بريطانية مختلفة وجود فرق للموت في جنوب العراق وتحديداً في مدينة البصرة، ويشير الميجور البريطاني أليكس ويلسون إلى وجود "فرق موت" في مدينة البصرة تقوم بقتل واستهداف العديد من الشخصيات، وأنه خلال الشهور الثلاثة الماضية تم العثور على 141 جثة في مدينة البصرة في الفترة ما بين شهري نوفمبر ويناير الماضيين، تم اغتيالهم على أيدي أفراد وأجهزة محلية ذات روابط متشابكة. واتهم ويلسون في السابع عشر من فبراير القوات التابعة لفيلق بدر بعمليات القتل التي تجري لشخصيات سنية وشيعية في مدينة البصرة.
ولا يخرج ضحايا فرق الموت عن الشخصيات السنية أو البعثية التي تقود عمليات التمرد في العراق، وفي هذا الصدد يشير بعض زعماء السنة في العراق إلى أن جميع عمليات التصفية الجسدية والقتل التي تعرضت لها شخصيات سنية معروفة كأئمة المساجد وعلماء الدين، تمت على أيدي أفراد يرتدون زي الشرطة العراقية والحرس الوطني ويستخدمون سيارات الأمن.
وتبدو طريقة اختيار الأهداف وكأنها عملية "ممنهجة" ومنظمة بحيث تتم عمليات القتل بنفس الطريقة، فمعظم الجثث التي تم العثور عليها، وجدت موثقة الأيدي، ومكممة الأفواه، ومغمضة العينين وتم إطلاق النار على مؤخرة الرأس ثلاث مرات. وهو ما يدل على أن هناك تعليمات تنفذ وتدريبات تجري من أجل إصابة الأهداف بنفس الطريقة.
وقد تزايد الجدل حول هذه الفرق نتيجة للكم الهائل من الجثث التي يتم العثور عليها يومياً، سواء في المزارع والمصارف الصحية أو في الأنهار والأودية القريبة منها. ومنذ مايو الماضي تزايدت عمليات القتل العشوائي في العراق، وكانت أغلب عمليات القتل لا يتم الكشف عنها إلا بعدها بفترة طويلة بحيث تختفي ملامح الجثث التي يتم العثور عليها.(33/79)
ومما يزيد من وطأة الأمر أنه لا يتم التعرف على هوية فرق الموت أو الأشخاص المنخرطين في صفوفها، وذلك نظراً لحال الفوضى الأمنية التي تسيطر على الأوضاع في العراق، والتي يصعب فيها تتبع أعمال هذه الفرق أو التأكد من هوية مرتكبيها، خصوصاً إذا ما كانت تقف وراءهم شخصيات كبيرة في وزارة الداخلية العراقية.
لجنة استخبارات ( 5 )
منذ الإعلان عن وجود فرقة للموت بين صفوف الشرطة العراقية، حتى أمر نائب رئيس الوزراء العراقي عبد مطلق الجبوري بتشكيل لجنة خاصة للتحقيق في الموضوع، وذلك تحت إشراف وزارة الداخلية العراقية، كما تعهد وزير الداخلية العراقي بيان جبر بالإسراع في إجراء التحقيقات لمعرفة أبعاد القضية، وهو ما تم على إثره تشكيل لجنة تحقيقات أطلق عليها "استخبارات 5"، في الوقت الذي أقر فيه الوزير بتسلل عناصر مجرمة إلى الأجهزة الأمنية تقوم بارتداء زي الشرطة لتنفيذ عمليات قتل واختطاف للمواطنين الأبرياء.
وفي مواجهة حالات القتل الجماعي التي تتم بشكل سري، تدعي وزارة الداخلية، أنه من السهل الحصول على بزات الشرطة الرسمية، وأن القتل هو من عمل المتمردين المتنكرين بزي قوات الأمن، لخلق انقسامات طائفية وقد ألقت وزارة الداخلية العراقية باللائمة على "الصدّاميين والتكفيريين المرتبطين بالزرقاوي" بالوقوف وراء "فرق الموت" في محاولة لزعزعة الاستقرار داخل الوزارة، في حين أوضحت وزارة الداخلية في بيان تشكيل اللجنة أن مهمتها (اللجنة) التعرف على كيفية حصول أفراد فرق الموت على زي وأدوات رجال الشرطة، فضلاً عن تعقب أفرادها في مختلف أنحاء بغداد.
بيد أن ثمة معضلات تواجه لجنة التحقيق :
أولا : قد يكون من الصعب التعرف على هوية المنتمين لهذه الفرقة، خصوصاً إذا ما كانوا يحظون بدعم من بعض المسؤولين العراقيين سواء داخل الوزارة أو خارجها.(33/80)
ثانيا : لا توجد ضمانات كافية بإمكانية سير التحقيقات بطريقة شفافة وصريحة، وذلك في ظل البعد الطائفي في القضية، وما قد ينجم عنه من آثار قد تضر بنتيجة التحقيقات.
ثالثاً : إن التحقيق في الأمر لا يعني اختفاء أو توقف عمليات القتل "المنظم" في العراق، بل من المرجح أن تزداد وتيرة العمليات على خلفية التفجيرات التي وقعت في العراق الأسبوع الماضي، وطالت المقدسات والمزارات الشيعية في مدينة سامراء، ويزيد من وطأة الأمر حجم الاتهامات التي تواجهها وزارة الداخلية العراقية، وذلك على خلفية سوء المعاملة التي يتعرض لها المعتقلون في السجون العراقية، وهي القضية التي تفجرت أواخر العام الماضي، ولم تفعل فيها الوزارة شيئا حتى الآن.
العراق: الحقد الطائفي وحرب تصفية السنة.. مازالت مستمرة
المجتمع العدد ـ 1692 ـ 11 صفر 1427هـ ـ 11/3/2006م
الحقد الطائفي.. وحرب تصفية السنة ما زالت مستمرة على شتى الاتجاهات.. قتل على الهوية.. اعتقالات.. تهديدات بالقتل.. وقد أفردنا في الأعداد الماضية من المجتمع صفحات واسعة عن تفاصيل هذه الحرب.. ونكتفي هذا العدد بإيراد هذه النماذج من تلك الحرب.
قال مسؤول سابق في الأمم المتحدة إن مدير مشرحة بغداد فايق بكر هرب من العراق، وذلك بعد تلقيه تهديدات على خلفية إعلانه أن المشرحة تلقت أكثر من سبعة آلاف شخص قتلوا على يد فرق الموت في الشهور الأخيرة. ونقلت صحيفة "الجارديان" اللندنية عن جون بيس المدير السابق لمكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بالعراق قوله إن غالبية الجثث التي تلقتها مشرحة العاصمة في الشهور الماضية، تظهر عليها علامات تعذيب، وخروق بالمسمار الكهربائي وآثار حروق.
وقال بيس إن غالبية الجثث تظهر تعرض أصحابها للإعدام الفوري حيث بقيت أيدي الضحايا مقيدة بالحبال والأسلاك البلاستيكية.(33/81)
وأضاف بيس الأسترالي من أصل مالطي الذي غادر العراق نهاية الشهر الماضي بعد انتهاء عقده إن معظم عمليات القتل قامت بها مليشيات تابعة لوزارة الداخلية التي يسيطر عليها بيان جبر صولاغ أحد قياديي المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق ومسؤول مليشيات بدر التابعة للحزب سابقاً.
وكانت المشرحة المركزية تتلقى شهرياً 700 جثة، وارتفعت إلى 1100 جثة في تموز/ يوليو الماضي، وقال بيس إن عدداً كبيراً من العراقيين العاملين في مؤسسات الدولة قرروا الخروج من العراق ومنهم بكر، الذي يعيش الآن في الخارج، مشيراً إلى أن الأرقام عن ضحايا فرق الموت المرتبطة بالحكومة لم تأت منه، ولكن من مصادر أخرى. وقال بيس هناك مصادر أخرى لهذه المعلومات، وبعض المليشيات المسلحة دمجت في فرق الشرطة، وترتدي زيها. واتهم بيس قوات بدر تحديداً بالقيام بعمليات التصفية، مؤكداً أنها موجودة في الشرطة وأنها القوات الأكثر شراسة.
من جانبها علقت صحيفة "هيرالد تربيون" الدولية أن أحداث العنف التي اجتاحت العراق منذ الأسبوع الماضي تؤكد مخاوف السنة من أن أية حكومة شيعية لن ترفع إصبعاً واحداً لحماية حياتهم وعائلاتهم وممتلكاتهم ومساجدهم. وقالت الصحيفة إن العنف لا يمكن تحميله إلى مجموعة من المقاتلين السنة أو قياداتهم ولكنه مرتبط بالقيادة الشيعية السياسية، الذين رفضوا الاستماع لمطالب السنة وتعديل الدستور، ومنحوا مليشياتهم المراكز الرئيسة في وزارات الحكومة، ولا يزال الشيعة الطامحون بحسب الصحيفة يرفضون فكرة إنشاء حكومة وحدة وطنية.(33/82)
وتحدثت الصحيفة تحديداً عن إبراهيم الجعفري، رئيس الوزراء العاجز، ومقتدى الصدر المعادي لأمريكا، وعبد العزيز الحكيم ومليشياته، مضيفةً أنه إذا أريد للعراق أن ينجو من دوامة الكراهية هذه، فإن على القيادات السياسية التصدي للحظة الحالية وتغيير الكثير من مواقفهم وقالت إن قادة العراق المنتخبين بيدهم إنقاذ البلاد، ويجب عليهم إثبات ذلك وإلا فالزمن ينفد، مشيرة إلى أن أي حرب أهلية ستؤدي إلى مقتل الأبرياء من كافة أبناء الشعب العراقي وستكون لها آثار سلبية على الدول المحيطة به.
إمام مسجد عراقي: اعتقلوني وطلبوا مني شتم الصحابة عبر مكبرات الصوت
مجلة المجتمع العدد 1692ـ 11 صفر 1427هـ ـ 11/3/2006م
وصف إمام أحد المساجد السنية العراقية جزءاً مما تعرض له على يد مسلحين يرتدون الملابس السوداء في منطقة الحسينية الواقعة شمال شرق العاصمة بغداد.
وقال الشيخ صفاء الحيالي إمام مسجد البديع في منطقة الحسينية لمراسل "قدس برس" في شهادته: "في يوم الأربعاء الأول من مارس الماضي وفي أعقاب التفجير الذي استهدف قبة مرقد الإمام علي الهادي، هاجمت عناصر ترتدي الملابس السوداء وبرفقة قوات من مغاوير الداخلية والشرطة، العديد من المساجد السنية في بغداد، الأمر الذي اضطرني إلى مغادرة المسجد، خاصة أن الشيخ غازي الزوبعي والشيخ خليل النداوي، وهم من الأئمة المعروفين في المنطقة، قُتلوا على يد قوات ترتدي الملابس السوداء، وبينما كنت أهم بالمغادرة اعترضتني مجموعة من أفراد قوات الشرطة العراقية ومسلحين يرتدون الملابس السوداء، سألوني إن كنت أنا إمام مسجد البديع فقلت لهم نعم، فقاموا باقتيادي إلى المسجد وطلبوا مني أن أسب الصحابة عبر مكبرات الصوت إلا أني رفضت في بادئ الأمر".(33/83)
ويتابع: "عندها ضربوني بشدة، وتوالت علي الضربات، وكانت تشتد كلما أصررت على الرفض، وأخيراً لم أجد من بد سوى الانصياع لهم، حيث فتحوا مكبرات الصوت وطلبوا مني أن أسب سيدنا أبا بكر وسيدنا عمر، بعد ذلك أفرجوا عني". ويضيف الحيالي أن تلك المجاميع كانت تقوم بعمليات قتل على الهوية، فأي شخص يعتقد أنه سني يقتل على الفور أو يعتقل!
من يقتل السنة والشيعة في العراق
د. وليد الطبطبائي الوطن الكويتية ـ 28/2/2006م
"إن ثلاثة أرباع جثامين القتلى في مستودع الجثث ببغداد تحمل آثار التعذيب بالمثقاب أو حروق بالسجائر وطلقات نارية في الرأس، ونفذت معظم التصفيات، الجماعات الشيعية التي تعمل لصالح وزارة الداخلية".
"إن الأرقام تبين أن مستودع الجثث في بغداد تلقى 1100 جثة في شهر يوليو الماضي من بينها 900 جثة تحمل آثار التعذيب والإعدامات السريعة"، وإن حصيلة القتلى "استمرت على هذه الوتيرة طوال فترات عام 2005م حتى ديسمبر الماضي حين انخفضت إلى 780 جثة من بينها 400 جثة تحمل آثار جروح الرصاص والتعذيب".
"... ومعظم عمليات التصفية تتم على أيدي عملاء تابعين لوزارة الداخلية العراقية التي تتصرف كأنها عنصر مارق داخل الحكومة وتخضع لهيمنة الحزب الشيعي (المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق)"، ووزير الداخلية بيان جبر "كان زعيماً سابقاً لميليشيات (فيلق بدر) التابعة للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق والتي تعتبر واحدة من الجماعات الرئيسة المتهمة بتنفيذ التصفيات الطائفية إلى جانب (جيش المهدي) التابع للزعيم الشيعي الشاب مقتدى الصدر".
".. إن العنف في العراق صار أسوأ؛ جراء قيام القوات الأمريكية والشرطة العراقية باعتقال الشبان العراقيين أثناء تنفيذها عمليات المداهمة في المدن العراقية مع أن غالبيتهم أبرياء"..، وهذا العنف المستمر وانعدام الأمن "يدفعان المواطنين باتجاه الجماعات الطائفية والمتطرفة لطلب الحماية..".(33/84)
ما سبق ليس بياناً لجماعة أو حزب سني في العراق، بل هو نص التصريحات التي أدلى بها المسؤول السابق عن حقوق الإنسان لدى الأمم المتحدة في العراق جون بايبس لصحيفة "إندبندنت أون صنداي" البريطانية ونشرتها صحيفة السياسة الكويتية (الاثنين 27 فبراير 2006م)، وهي تصريحات تلخص الوضع على حقيقته في العراق وتشرح الوضع المأساوي للعرب السنة، إذ هم الضحية والمتهم في الوقت نفسه!
فالملاحظ في أعمال القتل الطائفي في العراق أنها حين تستهدف الشيعة فإن ضحاياها هم من العامة في الشوارع والمساجد وضد الأماكن ذات الحساسية الدينية كالأضرحة والمزارات، أما القتل الطائفي ضد السنة فهو انتقائي يستهدف نخبة المجتمع من سياسيين وأطباء ومهندسين وضباط سابقين ورجال أعمال وشيوخ عشائر.
وهكذا فإنه بينما تؤدي الهجمات على العامة من الشيعة إلى زيادة التفافهم على الأحزاب والمليشيات الشيعية وقياداتها طلباً للحماية ـ وبالتالي زيادة قوة هذه القيادات ـ فإن القتل الانتقائي ضد السنة يعمل على تآكل الطبقة المثقفة القادرة على قيادة وتحريك عمل سياسي معتدل وناجح وتخويفها من النشاط العام، ويدفع الجموع السنية أكثر وأكثر نحو المجموعات المتطرفة التي تعمل تحت الأرض، ولا يعلم أحدٌ قياداتها الفعلية.
القتل الطائفي ضد الشيعة يتم بتفجيرات تنفذها جماعات غامضة، ويحدث صخباً إعلامياً وسياسياً كبيراً تستثمره الأحزاب الموجودة في الحكومة العراقية أفضل استغلال، بينما قتل السنة تنفذه مليشيات تحتضنها الحكومة وتتغاضى عنها القوات الأمريكية ويتم خفاءً وبصور متفرقة ولا يلتفت إليه أحد. ولو أخذنا الأرقام التي ذكرها جون بايبس في الاعتبار فإن المحصلة هي أن العصابات التي ترتدي ثياب وزارة الداخلية وتعمل بتوجيهات الوزير باقر صولاغ ربما تكون قد اغتالت عشرة آلاف سني عام 2005م وحده.(33/85)
وإنني أعجب من انكشاف هذه الحقائق عن القتل الطائفي المبرمج ضد السنة، بينما قيادات الأحزاب المشاركة في الحكومة ـ وخصوصاً "المجلس الأعلى للثورة الإسلامية" الذي تزور رموز منه الكويت كل حين ـ لا تكل عن إطلاق التصريحات التي تنبذ هذه التصرفات وتتبرأ منها وتنادي بالوحدة الوطنية في العراق بتآخي السنة والشيعة، فهل نصدق الأقوال أم الأفعال؟
أما الأمريكيون فإنهم بعد طول تجاهل وتغافل اعترفوا بما يجري، وأدلى سفيرهم في بغداد زلماي زادة بتصريحاته المعروفة التي دعا فيها إلى نزع الأجهزة الأمنية العراقية من الطائفيين، وهي التصريحات التي ما مر عليها 48 ساعة حتى نسفت قبة الإمام العسكري في سامراء وحُرك شيطان الطائفية في كل العراق، فما الذي يجري فعلاً في هذا البلد؟ ومن المخطِّط الفعلي لأعمال القتل الطائفي ضد الشيعة والسنُّة؟ أنا لا أشك أنه طرف واحد. وانظروا من هو المستفيد في النهاية.
من بدأ حرب الطوائف؟
د . فهد الفانك - الرأي 18/3/2006
بعض ذوي الغرض يصورون الصراع في العراق على انه انقلاب طائفي، قام الأميركيون من خلاله بنقل السلطة من الطائفة السنية إلى الطائفة الشيعية، فهل صحيح أن حكم البعث كان طائفيا، يعطي السنة ويحرم الشيعة؟
جواد مصطفى - قارئ لا اعرفه - زودني بالبريد الإلكتروني بإحصائية ناطقة يقول إن الدكتور أنور المرادي قام بها، وهو شيوعي وكان قد التحق بالمقاومة، وقد درس مكونات القطاع العام تحت حكم البعث.
وجد المرادي أن 50% من أعضاء القيادة القطرية لحزب البعث كانوا من الشيعة، وكذلك 75% من القيادات المتوسطة في الحزب، وما يقارب 80% من عضوية الحزب نفسه.(33/86)
أما في الجيش والأجهزة الأمنية فتبين الإحصائية أن 80% من المراتب و60% من ضباط الجيش كانوا من الشيعة، وان 60% من المراتب و50% من الضباط في الحرس الجمهوري كانوا من الشيعة، وان 30% من الحرس الخاص للرئيس كانوا من الشيعة وبضمنهم 20% من الضباط، وان حصة الشيعة في الأمن العام كانت 75% من المراتب و40% من الضباط، وان الشيعة شكلوا 60% من كوادر المخابرات.
ويقول المصدر نفسه إن الشيعة شكلوا 60% من المدراء العامين في دوائر الحكومة، و80% من إجمالي موظفي الدولة. أما على مستوى القيادات العليا أي مجلس قيادة الثورة والقيادة القطرية فقد كانت حصة الشيعة 55%.
وأخيرا نذكر أن قائمة الخمسة والخمسين عراقيا مطلوبا، التي أعلنتها القوات الأميركية باعتبارهم أهم مسؤولي نظام البعث، تتكون من 35 شيعيا و14 سنيا ومسيحي واحد. وكان معظم حصة السنة من أفراد عائلة الرئيس وأقاربه، أي أن اختيارهم لم يكن لدوافع طائفية.
لم يكن الحكم في العراق طائفيا، ولم يكن يثير انتباه أحد أن يكون المسؤول أو القيادي من هذه الطائفة أو تلك، فهذا التشطير جاء به الاحتلال عندما فك الدولة الوطنية العراقية ذات المنطلقات القومية فتشرذم المجتمع العراقي إلى طوائف وعروق بحجة أن هناك طوائف مظلومة جاء الوقت لإنصافها وتعويضها عن الظلم الذي أحاق بها في عهد سابق.
إيران تقوم بإذكاء توتر طائفي في العراق
موقع الحزب الإسلامي 7/3/2006(33/87)
قال الأستاذ طارق الهاشمي الأمين العام للحزب الإسلامي العراقي أن إيران تقوم بإذكاء التوترات الطائفية ومحاولة إشعال حرب أهلية من شأنها أن تقسم العراق وتسمح لإيران بالسيطرة على جنوب العراق , وقال الاستاذ طارق الهاشمي ان ايران تدير حالة عدم الاستقرار في العراق من خلال قنوات منها الميليشيات الموالية للاحزاب الشيعية في مسعى لتحويل الضغط الامريكي عن برنامج ايران النووي , وان اراء الاستاذ الهاشمي التي تطابق اراء بقية الساسة السنيين تشير لوجود مزيد من التوتر في المستقبل داخل ائتلاف الوحدة الوطنية العراقية وبين بغداد وطهران , وقال الاستاذ الهاشمي لرويترز ان اللاعب الاساسي في العراق هو ايران, واشار الى ان ايران تريد خلق مشاكل للولايات المتحدة في العراق في اطار الخلاف على القضية النووية الايرانية , وتابع ان دفع الولايات المتحدة نحو مستنقع العراق من شأنه ان يخدم المصالح الوطنية الايرانية , وقال انه قلق للغاية من اعمال العنف الطائفية التي اعقبت تدمير قبة المسجد الذهبي في سامراء في 22 شباط , واضاف ان هدف ايران على المدى الاطول هو تقسيم العراق كي تشبع طموحاتها الاقليمية التي تعود لقرون من الصراع العربي الفارسي والسني الشيعي , واشار الى انه اذا سيطرت ايران على الحرب الاهلية ووجهتها نحو انفصال الجنوب فان الجنوب العراقي سيقع تحت الهيمنة الايرانية مشددا على ان تلك ستكون مصلحة كبيرة بالنسبة لايران , وتابع ان جميع العراقيين يدفعون ثمن حرب غير مباشرة بين ايران والولايات المتحدة على الارض العراقية وقال ان الخصمين هما ايران والولايات المتحدة وان الذين يدفعون الثمن على المدى القريب هم الشعب العراقي وان هناك مخططات ايرانية تستهدف الارض العراقية على المدى البعيد , واتهم الاستاذ الهاشمي بعض الميليشيات الشيعية بالولاء للحرس الثوري الايراني وبادارة فرق للاعدام وقال إن الاحتمالات الان صارت اكبر من ذي قبل(33/88)
بان يتدهور الوضع وان تكون هناك مزيد من العواقب .
أمن العراق... وخطر الميليشيات
مات شورمان - الرأي 14/3/2006
إذا كانت حدة أعمال العنف التي أعقبت انفجار سامراء الشهر المنصرم قد خفت نوعاً ما، فإن المشكلة الأكبر التي طرحتها أعمال العنف تلك ما تزال قائمة. فمنذ سقوط نظام صدام، انتشرت الميليشيات المسلحة في البلاد لأخذ العدالة باليد وإنفاذ العقاب في حق المجموعات الدينية والعرقية الأخرى وفق تقديرها. ولعل الحل الأمثل للخروج من هذا الوضع لا يكمن فقط في وقف نشاط هذه المليشيات في توفير الأمن، وإنما أيضا في الاستفادة منها في أداء دور منتج داخل المصالح الأمنية الشرعية التابعة للدولة العراقية.
وبحكم تجربتي السابقة كمستشار لدى وزارة الداخلية العراقية لمدة سنتين، أدرك جيداً قوة هذه الميليشيات وقدرتها على زعزعة استقرار البلاد. ورغم أنه لا يوجد إحصاء رسمي للميليشيات النشطة في العراق، فقد عقدنا في 2004 مفاوضات مع ما كنا نعتبرها المليشيات التسع الكبرى، والتي كانت تضم في صفوفها عشرات الآلاف من الرجال المسلحين.
ولعل أكثر ما يبعث على القلق هو التحاق أعداد كبيرة من أعضاء الميليشيات بالجيش العراقي وقوات الشرطة منذ قدوم الحكومة التي يتزعمها الشيعة إلى السلطة في مايو المنصرم. أما الخطر فيكمن في أن أكثرهم يدينون بالولاء لمليشياتهم وطوائفهم الدينية أكثر من ولائهم للدولة، فـ"فيلق بدر" بزعامة عبد العزيز الحكيم مثلاً، تمكن تدريجياً من بسط سيطرته نظرياً على وزارة الداخلية، في حين اكتسب أتباع رجل الدين المناوئ لأميركا مقتدى الصدر نفوذاً كبيراً على مكاتب مديري الشرطة والحكام جنوب البلاد. والواقع أنه من الممكن جداً أن تصبح هذه المجموعات وميليشيات أخرى أقوى وأكثر نفوذاً من الجيش العراقي وقوات الشرطة.(33/89)
ما العمل إذن؟ للأسف أن الميليشيات هي جزء من النسيج المجتمعي في العراق، ولذلك فلا يمكن القضاء عليها أو نزع سلاحها بسهولة. إلا أنه يمكن بالمقابل التعرف على أعضائها الذين يشغلون وظائف أمنية حكومية ومراقبتهم. وعوض أن يطلب منهم التنازل عن الروابط التي تجمعهم بمذهبهم وعشيرتهم –ولا معنى لذلك بالنظر إلى الثقافة العشائرية السائدة في العراق- علينا أن نجعلهم يكشفون عن الجهة التي يدينون بالولاء لها قبل تسلمهم إحدى الوظائف الحكومية، على أن نمنحهم ضمانات على أن ذلك لن يؤثر في شيء على مستقبلهم المهني.
قد لا يكون هذا الأمر كافياً ولاسيما في حالة "الولاء المختلط"، إلا أنه سيمنح الحكومة العراقية ومستشاري التحالف فكرة عن أعضاء الميليشيات الذين يشغلون مناصب حكومية ويحدد الوزارات التي يعملون بها. أما على المدى البعيد، فيمكن للحكومة أن تتحكم في طريقة التوظيف تحاشياً لتغليب مجموعة عرقية أو مذهبية على حساب أخرى في صفوف قوات الشرطة أو الجيش، وذلك حتى لا تكون هذه القوات خاضعة لسيطرة مليشيا معينة.(33/90)
وثمة أيضاً العديد من الجزرات التي يمكن للحكومة استعمالها لتشجيع القوات غير النظامية على الالتحاق بالمصالح الحكومية. هذا وتقوم طريقة أخرى هدفها احتواء هذه المليشيات على إعادة إحياء قوات الشرطة المكلفة بالأماكن الدينية، والتي كانت تشكل قسما خاصاً بوزارة الداخلية في عهد النظام "البعثي"، حيث أنيطت بها مهمة حماية مئات الأماكن الدينية من مساجد وأضرحة ومزارات عبر أرجاء البلاد. صحيح أن إعادة إحياء هذه القوات ستؤدي إلى تغليب العامل الديني على عمل قوات الأمن، إلا أن الأمر قد لا يكون مكلفا كثيرا مقابل منح الميليشيات الدينية شعورا بالمساهمة في بناء الوطن وتوفير الحماية للمواقع الدينية التي تشكل، كما رأينا في حالة سامراء، أهدافا ثمينة بالنسبة للمتمردين. وبطبيعة الحال فأي فإن أي اتفاق من هذا النوع يجب أن يكون دقيقاً وواضحاً في حصر دور هذه المليشيات في محيط الأماكن الدينية.
والحقيقة أنه في حين يمكن للمسؤولين الأميركيين استخدام المحفزات المالية للدفع في اتجاه إحداث التغيير، إلا أن الحل الأخير هو بيد العراقيين أنفسهم، كما أن مستوى تأثيرنا عليهم آخذ في التقلص بمرور الأيام، وبالتالي فلم يعد بإمكاننا تأجيل موعد التفاوض مع المليشيات. والأكيد أنه ما لم تصبح هذه المليشيات خاضعة للحكومة المنتخبة، فلن ينعم العراق بالاستقرار. نقلا عن نيويورك تايمز
لماذا ينكر الجعفري التدخل الايراني في العراق؟
خالد أبو الخير - الملف نت 15/3/2006
حين تطايرت الانباء عن ازدياد التدخل الايراني في الشؤون العراقية، وتصاعدت صيحات السنة والقوى "الوطنية" ، بل وتصريحات بعض المسؤولين العرب، من هذا التدخل الذي اخذ صورا لا تتسع هذه المقالة لسردها، انبرى رئيس الوزراء ابراهيم الجعفري لتبرئة ايران من التدخل في الشان العراقي، وهو الذي كان منتظرا منه، ان يتخذ موقفا مغايرا بحكم منصبه لا بحكم ارثه الحزبي.(33/91)
وبالامس.. ادلى رئيس الوزراء المنتهية صلاحياته، بتصريحات لشبكة "سي ان ان" نفى فيها الاتهامات الأميركية بوجود عناصر من الحرس الثوري الايراني داخل الأراضي العراقية.
وقال الجعفري في المقابلة "ان السلطات العراقية لم تعثر على أي عناصر من الأمن الايراني".
من الطبيعي ان ينكر الجعفري اي دور لايران الذي فاحت رائحة تدخلها في العراق حتى ازكمت الانوف.. بل اني انتظر منه ان يبرر، في حال اجرى الحرس الثوري الايراني استعراضا، ذات تبجح، في "شارع السعدون" مثلا، بان هؤلاء ليسوا ايرانيين. لماذا؟ لان الجعفري ينتمي الى حزب عرف منذ تاسيسه بصلته بطهران!؟ وهي صلة يبدو انها اقوى من اي صلة اخرى. واتحدى ان ينكر الجعفري او حزبه هذه الصلة!.
ومن الطبيعي ايضا ان لا تعثر اجهزة الامن العراقية على اي من الحرس الثوري الذين تدفقوا بالالاف الى العراق، وبعضهم شارك في "فرق الموت" التي جابت الشوارع وقتلت السنة بعد تفجير مرقد سامراء، وقبله. لسببين وجيهين: الاول ان اجهزة الامن هذه وقياداتها باتت مكونة اصلا من العناصر الموالية لايران.. وثانيا: لان هذه الاجهزة لم تنجح ابدا في القاء القبض على شخص واحد من "فرق الموت" هذه التي تتحرك وفق ما يحلو لها بملابس اجهزة الامن نفسها وسياراتها. علما بأنها اعتقلت وقتلت الالاف بحجة انهم ارهابييون. والسنة يحملون وزير الداخلية صولاغ مسؤولية تحريك وتوجيه فرق الموت هذه التي "يتحدث بعض افرادها الفارسية"، ويقولون ان هناك طابقا في مبنى وزارته يشرف عليه الحرس الثوري الايراني و"اطلاعات".
قلت من الطبيعي ان ينكر الجعفري،لكنه ليس بمستطاعه تغيير القناعات التي ترسخها الحقائق. والشعب العراقي، سنة وشيعة، اوعى من ان يمر عليه هكذا انكار.(33/92)
ويبقى سؤال: لماذا هللت الصحف الايرانية لفوز الائتلاف في الانتخابات وهو الفوز الذي يعرف القاصي والداني كيف تحقق، وبشرت بقيام دولة اسلامية على الطريقة الايرانية في العراق.. اعتقد ان الجواب عند الجعفري نفسه!؟
شبهات طائفية في اغتيال اللواء مبدر الدليمي
اصابع الاتهام تشير الى الحرس الثوري الايراني
الملف – لندن 18/3/2006
قالت مصادر مطلعة في وزارة الدفاع إن التحقيقات الأولية في مقتل قائد حامية بغداد اللواء الركن مبدر حاتم الدليمي الذي اغتيل قنصاً في السادس من آذار الجاري تشير إلى أنه حادث شديد الغرابة ويثير الكثير من التساؤلات، إذ أن تنفيذ العملية يتطلب معلومات داخلية ولا يستبعد أن تكون اعتبارات طائفية وراء مقتله.
واكد مستشار وزير الدفاع محمد العسكري استمرار التحقيقات المتعلقة باغتيال اللواء الدليمي من قبل اللجنة التحقيقية المشكلة من قبل وزارة الدفاع، مضيفاً أن ما نقل عن اغتيال الدليمي من قبل قناص هو خبر عار عن الصحة مؤكداً تعرضه لإطلاق نار كثيف من قبل جماعة مسلحة.
ونقلت صحيفة "الاتجاه الآخر" عن مصادر على صلة بعائلة اللواء مبدر الدليمي قد اعتقل على يد مسلحين مجهولين في منطقة الغزالية غربي بغداد، وهو ما ينفي الرواية التي تناقلتها وسائل الإعلام الحكومية التي أشارت إلى أن قناصاً نفذ عملية الاغتيال، إذ تشير الوقائع بحسب هذه المصادر إلى أن دافعاً طائفياً يقف وراء الاغتيال وهو ما تعمدت الحكومة تجاهله. وما يعزز هذه الرواية شكوك الجنرال الأميركي وليام وبستر في أن يكون اغتيال اللواء الدليمي يأتي ضمن مخطط لفرض سيطرة الميليشيات على بغداد.
والدليمي ضابط عراقي معروف بشجاعته كان برتبة لواء في الجيش السابق، وهو أرفع ضابط يقتل في الفترة الأخيرة.(33/93)
وتقول مصادر متطابقة إن الدليمي ضابط مميز يحظى بثقة قوات التحالف وهيئة الأركان المشتركة الأمر الذي يجعل من الصعب إقصاؤه من الوزارة في حملات التطهير الطائفي التي يتعرض لها الضباط السنة في وزارة الدفاع بعد أن تم إقصاؤهم من وزارة الداخلية ولا تستبعد المصادر ذاتها تورط الحرس الثوري الإيراني بمقتله.
ومعروف أن هذه الحادثة ليست الوحيدة على هذا الصعيد، فهنالك عشرات الحالات المشابهة وهو ما يؤكد أن جهات بعينها تقف وراء هذه الحملة المنظمة.
وتنطلق من منابر سياسية عراقية مختلفة تحذيرات تتعلق بدور إيراني مشبوه في العراق ، ومن بين تلك القيادات طارق الهاشمي الأمين العام للحزب الإسلامي العراقي، الذي اعتبر أن إيران تقوم بإذكاء التوترات الطائفية ومحاولة إشعال حرب أهلية من شأنها أن تقسم العراق وتسمح لإيران بالسيطرة على جنوب العراق.
وبحسب تصريحات الهاشمي فإن إيران تدير حالة عدم الاستقرار في العراق من خلال قنوات من ضمنها الميليشيات، في مسعى لتحويل الضغط الأميركي عن برنامج إيران النووي, وتشير آراء الهاشمي التي تطابق آراء بقية الساسة السنة لوجود مزيد من التوتر في المستقبل على صعيد الوحدة الوطنية العراقية وبين بغداد وطهران.
لكن وزير الدفاع الاميركي دونالد رامسفيلد كان أكثر صراحة في اتهام ايران باذكاء التوتر في العراق عندما قال امام الكونغرس أن إيران تدفع بعملائها وعناصر الحرس الثوري إلى الساحة العراقية لتنفيذ السياسة الإيرانية هناك.
ويروي معتقلون عراقيون سابقون في أقبية تابعة للداخلية وغيرها أن محققين من المخابرات الإيرانية كانوا يستجوبون المعتقلين ويعذبونهم، كما أن عمليات اختطاف وقعت في عدة مناطق كانت مجموعات إيرانية تقف وراءها إضافة للميليشيات المدعومة من إيران.(33/94)
وتذكر صحيفة (ستروبا) النمساوية أنها رصدت أكثر من سبع حالات لمعتقلين أكدوا أنهم استجوبوا من قبل محققين إيرانيين، كما أفاد أهالي بعض المخطوفين أن ميليشيات مدعومة من إيران هي التي اختطفت أبناءهم.
ويرى المحلل البريطاني (مارك بدرت) أن من مصلحة إيران إبقاء العراق ضعيفاً ومتخبطاً بهمومه الطائفية التي تدفع فئة معينة للاستقواء بطهران وتلقي دعمها في مواجهة فئات أخرى، وهو الباب المناسب لتفرض إيران من خلاله نفوذها وتحقق مصالحها التي من بينها محاولة استخدام العراق كرهينة في مواجهة الغرب الذي يتربص بإيران.
ويستذكر (بدرت) أن إيران سعت بشكل حثيث لاستثمار حادثة تفجير المراقد المقدسة في سامراء، إذ أنها ضاعفت دعمها المالي للمجموعات الموالية لها، وبادر مسؤولون أمنيون إيرانيون للاجتماع بقادة المجموعات وبعض التيارات لإعطاء التعليمات ومد يد العون، وهو ما شجع فئات موتورة لمواصلة وتصعيد الاستهداف الطائفي الذي يؤجج المشاعر ويفاقم الأزمة.
ميليشيات صولاغ تفتك بالفلسطينيين وتتركهم جثثاً في شوارع بغداد
الاتجاه الآخر – بغداد
في وقت تعيش الجالية الفلسطينية ظروفاً صعبة في العراق، صعدت ميليشيات تابعة لوزارة الداخلية أعمال القتل والاختطاف والترويع بحق تلك الجالية في تطور يشير إلى مدى الخطورة التي يمثلها عناصر تلك الميليشيات على السلم الأهلي في العراق.
فقد أفاد القائم بأعمال السفارة الفلسطينية في العراق دليل قسوس، أن مجموعة لواء الذئب التابعة لوزارة الداخلية، شنت أكثر من هجوم على أحد أكبر التجمعات الفلسطينية في حي البلديات والزعفرانية شرق العاصمة بغداد، وقد استخدمت قذائف الهاون التي طالت مساجد في الحي، وسط إطلاق نار كثيف للرصاص محاولة اقتحام جامع القدس والذي بني على نفقة رجل أعمال فلسطيني في العراق.(33/95)
وأشار قسوس في حديث للمركز الصحافي الدولي، بأن السكان الفلسطينيين في منطقة البلديات تصدوا لهذا الهجوم، وأسروا أحد المسلحين المنتمين لتلك الجماعة. وتم إجراء الاتصالات مع السفارة الأميركية وقوات حفظ النظام التابعة للداخلية لتوفير الحماية لأبناء الجالية الفلسطينية، وذلك لتلافي حدوث مجازر في صفوفهم.
يذكر أنه قبل عدة أيام اقتحمت قوات مسلحة منزل والد القائم بأعمال السفير الفلسطيني السابق نجاح عبد الرحمن واعتقلت شقيقيه. وفي اليوم التالي وجدت جثثهم في حي الثورة ببغداد. وبعد تلك الحادثة قتلت تلك الجماعة إمام جامع ابن الشيخ نواف أمام مدخل الجامع المذكور.
وقال قسوس إن الفلسطينيين المتواجدين في العراق ليست لديهم أية خلافات مع أي طرف سواء كان عراقياً أو غير ذلك، مطالباً بضرورة حماية فلسطينيي العراق من تلك الهجمات التي تأتي في إطار إثارة النعرات الطائفية، والتي لا تستهدف سوى إشعال الفتنة الداخلية.
وقال القائم بأعمال سفارة فلسطين في العراق، إن الرئيس محمود عباس أجرى اتصالاً هاتفياً مع الرئيس جلال طالباني، ناشده فيه حماية أبناء شعبنا المقيمين في العراق، وبذل كل جهد ممكن لمنع هذه الاعتداءات وتأمين سلامتهم وحمايتهم في هذه الظروف الصعبة.
وكان المركز الصحفي الدولي تلقى مؤخراً شهادات كثيرة من المواطنين الفلسطينيين في العراق تؤكد أنهم يواجهون أزمة ومعاناة حقيقة هناك، مشيرين إلى أنهم يتلقون تهديدات من قبل أشخاص مجهولين بترحيلهم من بيوتهم التي يقطنون فيها.
الجدير بالذكر أن عدد اللاجئين الفلسطينيين المتواجدين في العراق يقارب 88 ألف لاجئ، حيث يعيش هؤلاء في ظروف معيشية صعبة، وذلك بعد أن هجّرتهم قوات الاحتلال الإسرائيلي بعد عامي 48 و67، على إثر احتلال القوات الإسرائيلية للأراضي الفلسطينية.(33/96)
وبدوره أكد عزام الأحمد رئيس كتلة فتح البرلمانية أن اتصالات فلسطينية مكثفة جرت خلال الأيام الماضية بشأن استهداف اللاجئين الفلسطينيين في العراق بالقتل والاختطاف.
وقال الأحمد: جرت عمليات اختطاف لبعض الفلسطينيين قبل أيام، وألقيت جثثهم في الشارع العام، كما قتل نواف موسى إمام وخطيب جامع المهند من قبل مسلحين مجهولين، وتعرض حي البلديات قبل عدة أيام لعدة هجمات، وتعرضت الجاليات الفلسطينية إلى هجوم من بعض ميليشيات تابعة للداخلية، وقد اضطر الفلسطينيون إلى الدفاع عن أنفسهم، حتى تدخلت القوات الأميركية لتمنع حدوث مجزرة.
وعبر الأحمد عن أمله في أن تتم محاصرة المحاولات التي تسعى لجر الفلسطينيين للمشاركة في الصراع.
قبة سامراء .. كي لا تصبح «مسجد بابري» آخر
رشيد الخيون الشرق الأوسط 1/3/2006 ( الكاتب شيعي علماني )
استيقظت حاضنة التاريخ سامراء (فجر الأربعاء 22 شباط الجاري) على دوي انفجار هائل، أحالَ القبة المتلألئة إلى كهف دامس. كانت الكراهية زائدة أن لا تُترك ذات الألف عام، وما يحيطها من قدسية لدى الملايين وما أظلت من أثر نفيس، إلا حطاماً. يعرف ما لقبة سامراء وملويتها، التي قطع رأسها تفجير سابق (أبريل 2005)، من شهادة على تاريخ تعايش المدينة وتسامحها، فهي منذ ارتفاع ملويتها والأديرة المسيحية حولها، وأن والدة المهدي، الغائب من سردابها، هي السيدة نرجس المسيحية. وكانت الدار، التي عاش فيها الإمام الهادي وشُيد عليها المرقد، لدُليل بن يعقوب النصراني (تاريخ بغداد)، كاتب القائد بغا الشرابي، والمشرف على إعمار أبنية سامراء زمن المتوكل (ت247هـ). ولم يهجرها يهودها إلا بضغط من خارجها، وظلت محتفظة لهم بحارة «سوق اليهود». بعدا هذا مَنْ أراد تحويل سامراء إلى إمارة معتمة لمحو ذاكرتها، وتغيير طباع أهليها!(33/97)
ونقرأ في سيرة قبة مرقد الإمامين علي الهادي (ت254هـ)، وولده الحسن العسكري (ت260هـ): شيدها حاكم الموصل ابن أبي الهيجاء الحمداني (944 ميلادية)، ومرت بأدوار توسعة عديدة منذ العهد البويهي، مروراً بما أضافه الخلفاء العباسيون المتأخرون: الناصر، والمستنصر. وخصها آخرهم المستعصم بطيور الحمام العسكريات (نسبة لاسمها)، التي طارت إليها من دار الخلافة ببغداد. واستقرار طرازها المعماري (1785) على يد سلطان منطقة خوي الأذربيجانية. وكسوتها بالذهب من قبل ناصر الدين شاه القاجاري (عام 1868). تعرض مرقدها إلى حريق بسبب استعمال الشموع (سنة 1242) ميلادية، ومثله في سنة 1694، وإلى سرقة كبرى 1937.
ظلت سامراء عاصمةً للشرق (221 ـ 276هـ)، حتى أعاد المعتمد بالله بلاط أجداده إلى بغداد. ولم يجد فيها ابن بطوطة، وهو في الطريق إلى الموصل (728هـ)، سوى خرائب. ثم دبت الحياة فيها بفضل دجلة والمرقد والاهتمام الآثاري بتركتها العباسية، حتى غدت قبلة للزائرين. جعلها مدحت باشا قضاءً (وحدة إدارية) ملحقاً ببغداد، تتبعها تكريت إدارياً. ولما ارتبطت الأخيرة بالعاصمة مباشرة، قال التكارتة: «تكريت صارت قضاء على عناد (رغماً) سامراء». ومن 8 شباط 1976 أصبحت تكريت المحافظة تتبعها سامراء، وسبحان مغير الأحوال.(33/98)
ظهر الوجود الشيعي بسامراء بعد انتقال مرجعية الميرزا محمد حسن الشيرازي، وإقامته بجوار مرقدها (1875 ـ 1895)، وتأسيس المدرسة «الجعفرية» فيها. وأثناء تلك الفترة سُيرت في شوارعها المواكب بمناسبة عاشوراء من قبل زائرين وطلبة المدرسة. وخشية على هويتها المذهبية سعى الشيخ سعيد النقشبندي (ت 1920) إلى السلطان عبد الحميد الثاني، فأمر الأخير بتأسيس مدرسة سُنّية (تاريخ علماء بغداد)، موازية. لكن بعد وفاة الشيرازي انحسر عنها وجود العلماء والطلبة الشيعة. بعدها حاول المرجع أبو الحسن الأصفهاني (ت 1946)، المقيم بالنجف، شراء الأراضي المحيطة بها، ونقل الفلاحين إليها من المناطق الشيعية، مع السماح لأصحابها السامرائيين بفلاحتها إذا أرادوا. ومراعاة للأمر الواقع لم يمض الأصفهاني في مشروعه (شعراء الغري). فسامراء وسدانة مرقدها سُنيَّة منذ مئات السنين.
وجدت التكايا الصوفية حول قبتها، حتى ورد في المديح الصوفي لصاحب المرقد: «هلَ بتاج المشايخ يا علي الهادي.. أبو جعفر علي يا قطب سامراء». إلا أن جعفراً هذا يكذبه الشيعة، بدعوى أنه ادعى الإمامة وهي لأخيه العسكري، ونعتوه بالكذاب (كتاب الغيبة). وأكد المجلسي: «كنيته أبو الحسن لاغيرها» (بحار الأنوار). ولم يمنع هذا التكذيب وجيه سامرائي شافعي، ينتسب إلى آل البيت، من تسمية المهدي المنتظر بالمرتجى: «وإلى الإمام العسكري ونجله.. المرتجى ذاك الإمام المنصف» (عرب، السراء في أحوال سامراء).(33/99)
لقد أحزن الحادث الجميع: خرجت المواكب السُنِّية تهتف وترفع الأيادي، وتضرب على الرق الصوفي. بينما جابت المواكب الشيعية الشوارع لاطمة الصدور. وظهر رئيس الوقف السُنِّي باكياً، وهو يقلب ناظره في سماء سامراء، ولم يرَ بريق قبتها! وحمل سامرائي عمامة علي الهادي الخضراء مصدوماً. وهتف أعظمي سُنِّي: «اعتدوا على إمامنا وسيدنا علي الهادي». واحتج بابا الكلدان، وأمير الأيزيدية، والصابئة المندائيون، والكُرد أكدوا أكثر قرباً من قبل. أما ما حدث لمساجد السُنَّة ببغداد فلا يقل كراهية من تفجير القبة نفسها، ويد الخراب لا مذهب لها.
بعد هذا التعاطف يطالب الوقف الشيعي حالياً بكليدارية أو سدانة مرقد سامراء، وهي وظيفة أنيطت بالسادة السوامرة منذ قرون، بمدينة شافعية. وبعيداً من محاولات متشنجين في هيئة علماء المسلمين لتسميم الأجواء وتقدمهم بالمدافعين عن سامراء، التي لا تقر لهم تشنجهم الديني والطائفي والسياسي، أن تترك سدانة المرقد للسادة السوامرة، مثلما هو من غابر الزمان، ما زال هو في أرض العراق، وأرواح السامرائيين قريبة منه، ناهيك من أهميته في معاشهم. لا لشيء سوى تقدير لهذا التاريخ، وأن لا يتحول المرقد إلى مسجد (بابري) آخر. شيده المسلمون شمال الهند، في القرن السادس عشر الميلادي، ثم ادعى الهندوس أنه مكان معبد قديم، حتى التحمت الجموع في فتنة راح ضحيتها ثلاثة آلاف هندي من الديانتين، وما زال أوَارها. ولا أقصد هنا الإشارة إلى الشيعة أو السُنَّة بالهندوس، كما ليس من حقي التقليل من ديانة اعتقدها مئات الملايين، وعظيم مثل المهاتما غاندي. بل أن الفتنة حُطَمة تلتهم البشر، أياً كانوا: هندوساً ومسلمين، سُنَّة وشيعة، كاثوليكاً وبروتستاناً.. إلخ.(33/100)
أجد لدى صاحب فتوى ثورة العشرين، المرجع محمد تقي الشيرازي (ت 1920)، الأسباب نفسها، عندما اعترض على فكرة استبدال سادن مرقد سامراء السُنِّي بآخر شيعي: «لا فرق عندي بين السُنِّي والشيعي، وأن الكليدار الموجود رجل طيب، ولا أوافق على عزله» (لمحات اجتماعية). أليس من العقل والإيمان أن تؤخذ حصافة مرجع من أكابر المراجع الشيعية بنظر الاعتبار؟ وأن لا تهمل مخاطر أهواء العوام ومآرب مؤججي الفتن، وما سيتولد من تصادم عفوي بين سلطة السدانة الشيعية والمحيط السُنِّي؟ لأن الأمر لن يبقى أداء طقوس فحسب، إنما ستلعب المصالح دورها في تخبيث النفوس. وبهذا لا بد من التذكير بفتنة 1893 بين السامرائيين وبين حاشية صاحب فتوى التنباك الميرزا محمد حسن الشيرازي من طلبة وأتباع، وكان ضحيتها ابن الشيرازي وآخرون، وخلفت جرحاً في الذاكرة.
إفتحو عيونكم جيدا !
صالح القلاب - جريدة الرأي 19/3/2006
مهم جدا ان تأخذ دول هذه المنطقة، وبخاصة المجاورة للعراق، كل ما يقال عن الحوار الذي يجري الحديث عنه بين إيران والولايات المتحدة على محمل الجد فالمسألة، ومهما سيقال من تطمينات، لن تقف عند مجرد التفاهم على حل عقدة تشكيل الحكومة العراقية الجديدة إن بالمضي قدما بترشيح الدكتور إبراهيم الجعفري وإن بالعودة الى أن يكون المرشح الشيعي لهذا المنصب هو الدكتور عادل عبدالمهدي المدعوم من قبل عبدالعزيز الحكيم والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية وقوات بدر.
إن المعروف أن إيران بدأت تعمل ومنذ اليوم الأول لدخول الأميركيين الى العراق، بل وقبل ذلك، على إغراقهم في الأوحال العراقية كما غرقوا في أوحال فيتنام والهدف هو ليس مجرد إكتفاء الشرور الأميركية وإحباط توجهات رامسفيلد وقطع الطريق على تهديداته بل وأيضا إجبار إدارة بوش على الاعتراف بأن الرقم الإيراني هو رقم رئيسي في هذه المنطقة وأن للدولة الإيرانية دورا في الشرق الاوسط وعليها ان تلعبه.(33/101)
وبهذا الصدد فإن ما يمكن الإتفاق عليه بسهولة هو ان إيران إن لم تحقق كل ما خططت له بهذا الخصوص فإنها قد حققت بالفعل معظمه والدليل على هذا أن الأخطاء التي إرتكبها الأميركيون، إن بسبب الجهل أو الغباء، خلال السنوات الثلاث الماضية قد جعلت قواتهم بمثابة رهائن بأيدي الإيرانيين إن من خلال الوجود الكثيف لأجهزتهم الأمنية في العراق وإن من خلال التنظيمات والقوى المذهبية التابعة لهم والمتحالفة معهم.
لم يعد يهم إيران أن يقال عنها أنها متورطة في التدخل في الشؤون الداخلية العراقية فهي وبعد أن وصلت الأمور الى ما وصلت إليه تريد أن يقال عنها هذا الذي يقال بل وتريد أيضا ان تعترف دول هذه المنطقة كلها وفوقها الولايات المتحدة الأميركية والعالم بأسره بأنها هي الرقم الأصعب في معادلة العراق وأنها هي الدولة الوحيدة القادرة على تهدئة الأمور وإستمرار إشتعالها.
يجب ألا تثق دول هذه المنطقة بالأميركيين عندما يقولون ان قضية قدرات إيران النووية يجب ان تكون خارج دائرة المفاوضات المقترحة فمثل هذه الألاعيب معروفة قبل أي مفاوضات بين طرفين يحاول كل منهما إبتزاز الطرف الآخر وفرض إرادته عليه.
... حتى لو إفترضنا أن إيران ستقبل مسبقا بالشرط الأميركي بإستثناء مسألة القدرات النووية من المفاوضات المقترحة، وهذا يبدو أنه غير وارد، فإنها بالتأكيد ستصر على إعطائها مقابل مساعدتها للأميركيين، إن بالنسبة للتهدئة المنشودة في العراق وإن بالنسبة لتشكيل حكومة عراقية جديدة الدور «الذي تستحقه» في التعاطي مع قضايا هذه المنطقة وفي مقدمتها قضايا الشرق الأوسط التي أهمها وأخطرها القضية الفلسطينية.(33/102)
على دول هذه المنطقة ان تفتح عيونها جيدا وعليها ألا تنام على أرائك من حرير فإيران دولة ليست سهلة وهي تسعى لنفوذ إقليمي في هذه المنطقة كلها وليس في العراق وحده والولايات المتحدة دولة لا يؤتمن جانبها ولا يوثق فيها وهي إعتادت ان تبيع حلفاءها وتتخلى عنهم بسهولة كما باع الأسخريوطي المسيح قبل أن يصيح الديك والدليل على هذا ما حصل مع شاه إيران وما حصل مع ماركوس الفلبين وما حصل مع نورييغا بنما وما حصل مع الكثير من قادة الإنقلابات العسكرية الذين دعمهم الأميركيون لتحقيق مأرب من المآرب وغاية من الغايات وعندما إنتهت مهمتهم فعلوا معهم ما يفعل الإنكليز في العادة مع خيولهم عندما تهرم وتتقدم بها السن!!
الحوار الأميركي – الإيراني : خطوة نحو "أرننة" العراق
الملف نت - رجا طلب 19/3/2006
ليس هناك أدنى شك من أن إيران كانت الرابح الكامل من سقوط نظام صدام حسين رغم أن الولايات المتحدة العدو الأول " المفترض " لها قد أصبح على حدودها ، فهي من جهة تخلصت من عدو حقيقي كان يكن لها ولحلفائها من العراقيين كل العداء والبطش ، ومن جهة ثانية كان الإيرانيون لا يشكون للحظة واحدة من أن حلفاءهم العراقيون ( الأحزاب الدينية الشيعية ) هم البديل العملي لنظام صدام حسين من خلال وجود ثلاثة عناصر أساسية متوفرة في هذه المعادلة :
أولا : أن أميركا لن تجرؤ على اعتماد أي معيار آخر في العملية الديمقراطية يتجاوز العنصر الديمغرافي والذي يصب بصورة مباشرة لصالح الشيعة في وسط وجنوبي العراق .
ثانيا : وجود قوى سياسية مرتبطة تاريخيا بالنظام الإيراني مثل حزب الدعوة والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية وهي قوى ازداد لها الدعم المالي والأمني واللوجستي وبخاصة التسليحي بعد سقوط النظام السابق من قبل النظام الايراني .(33/103)
ثالثا: الجوار الإيراني عبر حدود طويلة جدا تبدأ من أقصى الجنوب إلى أقصى شمالي العراق وهو ما يجعل الاختراق الإيراني لأي وضع امني أو سياسي عراقي مسالة سهلة من الصعب التصدي لها وهو أمر سرعان ما اكتشفته القوات البريطانية في مدينة البصرة والقوات الاميركية في مناطق محاذية لإيران في بعقوبة و العمارة وغيرها .
... لقد شجع أمثال احمد الجلبي " الليبرالي المعمم " الذي ارتبط بعلاقات غير مفهومة مع الأجهزة الأمنية الإيرانية البعض في وزارة الدفاع الاميركية على تبنى نظرية " مكافأة الشيعة" مقابل العنف والمقاومة التي أبداها العرب السنة فيما يسمى بمنطقة المثلث السني ،وساهم هذا التشجيع في تبنى هؤلاء لنظرية المكافأة تلك في غض للنظر عن مدى الضرر الذي يمكن أن تلحقه أية عملية سياسية في العراق تعطى للديمغرافيا وحدها السطوة والسلطة بمعزل عن شكل العراق السياسي المطلوب وطبيعة نظامه وطريقة إدارة الدولة فيه ، فكان أن أنتجت نظرية المكافأة للشيعة ( أي الإسلام السياسي الشيعي ) والمناكفة للسنة التي جرعها احمد الجلبي لوزارة الدفاع الاميركية " عراقا على طبق من ذهب إلى نظام الملالي الإيراني "
لم يكن الاميركيون في البداية عابئين بهذه النتيجة ويعتقدون أن المهم هو نجاح العملية السياسية بأي شكل في العراق ، وانه طالما أن الشيعة والأكراد هم مع هذه العملية فان العراق الجديد قادر على التعافي ، غير أنهم سرعان ما اكتشفوا أنهم بهذه النظرية يجعلون من إيران الحاكم الفعلي للعراق عبر الأدوات المشار إليها سابقا ، وان الوجه الديمقراطي والعلماني والوجه المتعدد الأطياف للعراق سوف يذوب إلى الأبد تحت وطأة ديكتاتورية الديمغرافيا المتمثلة بنظرية الحكم للأغلبية السكانية أي العنصر الشيعي .(33/104)
لقد شكلت الاختراقات الأمنية الفظيعة لإيران في الشأن العراقي والتي أشعرت القيادة المركزية للجيش الاميركي أن طهران هي الحاكم الفعلي للعراق وليست القوات الاميركية أو الحكومة العراقية التي تتلقى أوامرها من " اطلاعات " وبخاصة وزارة الداخلية ، فرصة لإعادة النظر في الموقف الاميركي من هذا البلد وحتى من حلفاء طهران فيه كالحكيم والجعفري ، وبخاصة بعد الانتخابات الأخيرة التي اكتشف خلالها الاميركيون أنهم قوة احتلال عسكري بغيض يدفعون بسببه فاتورة ضخمة جدا في حين أن الاحتلال الأمني والسياسي للعراق بيد إيران وبمكاسب صافية خالصة دون أدنى كلف تذكر عبر العوامل التي أشير إليها في بداية المقال .
لقد شكلت الدعوة الاميركية لتشكيل حكومة وحدة وطنية تراعى تمثيل القوى الأساسية في البرلمان الجديد ولا تخضع للنتائج الفنية للانتخابات العامة ، أول مظاهر الرغبة في السيطرة على الدور الإيراني في العراق ، وقد واجه هذا الجهد الاميركي ردود فعل "ايرانوعراقية"
مثل تصريحات الحكيم التي دعت إلى استثناء القائمة العراقية بزعامة الدكتور أياد علاوى الذي يشكل حالة عداء كبرى للسيطرة الإيرانية على العراق من أية مفاوضات لتشكيل حكومة وحدة وطنية ، وتصريحات الحكيم التي اتهم فيها السفير الاميركي زلماي خليل زاد بان تصريحاته حول حكومة وحدة وطنية ساهمت في تشجيع الإرهابيين على القيام بتفجيرات سامراء والتي عاد وتراجع عنها لخطورة ما تعنى من تورطه في إنتاج واستنساخ الموقف الإيراني عراقيا .
... في خضم هذه الوقائع وبدون مقدمات تخرج دعوة للحكيم لإجراء مفاوضات اميركية – إيرانية بشان الوضع العراقي وتحديدا بعد الانتقادات التي أبدتها واشنطن ولأول مرة بصورة واضحة ومباشرة بخصوص التدخل الإيراني في العراق وهو ما جعل دعوة الحكيم " مثيرة للريبة " والاستجابة لها من قبل " الإدارة الاميركية على لسان زلماي " أكثر غرابة .(33/105)
ولربما هذا هو الموقف الذي دفع القوى الوطنية والليبرالية مثل الكتلة العراقية وحركة الوفاق بزعامة الدكتور أياد علاوى إلى الحديث بصراحة عن هواجس ومخاوف من إجراء مثل هذا الحوار بمعزل عن القوى السياسية العراقية الفاعلة وبمعزل آخر عن بقية دول الجوار العراقي كالأردن والكويت والسعودية وحتى سوريا وتركيا .
إن مثل هذه الهواجس مبررة ومشروعة ، لان أي حوار اميركي مع إيران مهما كان مستواه واليته ، فهو بالضرورة يعمل على وضع حقيقتين على الأرض :
الأولى : إعطاء قوة وشرعية لإيران وتدخلها في العراق من قبل أميركا .
الثانية : أن قابلية أن يكون العراق مشروع " صفقة " بين الطرفين في قضايا مثل الملف النووي والصراع العربي _ الإسرائيلي والسياسة النفطية وغيرها يمثل حالة قلق حقيقية للقوى الوطنية العراقية مثل القائمة العراقية بزعامة الدكتور أياد علاوى وخاصة في ظرف سياسي اميركي حرج ، أخذت فيه استطلاعات الرأي الاميركية تشير إلى تراجع شعبية الرئيس بوش عشية بدء التسخين للانتخابات الرئاسية المقبلة وتحديدا بسبب العراق .
... إن شكل الصفقة المرتقبة ليس واضحا بعد ولكن الصفقة قادمة وفي كل الأحوال، فان إيران لن تقبل خسارة العراق إن لم يكن هدفها الاستراتيجي كسب العراق وإنقاذ سوريا مقابل سلام فلسطيني _ إسرائيلي هش تمارس فيه تأثيرا ما على حماس حليفتها الفلسطينية وإغلاق الملف النووي على أرضية التقييد بالمعايير الدولية .
إيران: سيناريو عراقي ... وصيف ساخن!
جميل الذيابي - الحياة 13/3/2006(33/106)
كيف تريد إيران إقامة علاقات استراتيجية مبنية على المصداقية والموثوقية مع دول مجلس التعاون الخليجي، وهي تحتل الجزر الإماراتية الثلاث «طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى»، وترفض مجرد مناقشة إحالة الأمر إلى هيئة تحكيم دولية، على رغم الوساطات واللجان الخليجية لحل هذه القضية ودياً وسلمياً، بتحويلها إلى محكمة العدل الدولية. وما ظهور مؤشرات تزايد الصلف الإيراني وسمات الانفعال والتوتر على رموز الحكم في طهران، في التعامل مع كل من يقترب من الملف النووي الإيراني، ومع اشتداد الضغوط الدولية عليها، سوى نكسة جديدة في العلاقات «الخليجية - الفارسية».
منذ قدوم احمدي نجاد بدأت مرحلة التحفظات في العلاقات الإيرانية - الخليجية، وأخذت في التأزم، بعكس ما كان عليه الموقف أيام سلفه محمد خاتمي، الذي كان يريد بناء علاقات استراتيجية مستقرة مع دول المنطقة، خصوصاً مع دول الخليج، لدعم موقف بلاده أمام أوروبا وأميركا، وحرصه على إبقاء القادة الخليجيين في الصورة حول مستجدات المفاوضات بشأن الملف النووي وتطوراتها، إلا أن إدارة نجاد جاءت لتبدأ مرحلة التصعيد في كل الاتجاهات، رغبة في خلق حال استنفار دولي ضد الملف النووي الإيراني.
وهو ما يطرح تساؤلاً: هل فعلاً باتت منطقة الخليج في انتظار إطلاق الرصاصة الأولى...
ومواجهة «حرب رابعة» تدق طبولها على الأبواب، بعدما بدت إيران عاجزة عن مواجهة الضغوط الدولية، متخذة سياسة «التحدي» احتذاء بمنهج كوريا الشمالية في التعامل مع ملفها النووي؟!
وهل وصلت أزمة إيران إلى «حافة الهاوية»، وأصبح البلد المدرج ثانياً على لائحة «محور الشر» في مواجهة مباشرة مع إدارة الرئيس بوش... ما يعني «اللجوء إلى القوة»؟ خصوصاً أن إيران لم تستجب لقرار وكالة الطاقة الذرية منذ الرابع من شباط (فبراير) الماضي، بشأن عمليات التخصيب والتعاون مع المفتشين الدوليين.(33/107)
منذ ان اعتلى الرئيس الإيراني المتشدد أحمدي نجاد السلطة في بلاده، وكل الأمور تشير إلى مرحلة من الاضطراب واللا استقرار في المنطقة، خصوصاً انه مغرم من رأسه حتى أخمص قدميه بأفكار آية الله الخميني.
بعد انتهاء الاجتماع الوزاري الخليجي الأخير في الرياض، والبيان الختامي الصادر عنه، الذي أكد حق الإمارات العربية المتحدة في الجزر الثلاث «طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى» التي تحتلها إيران، وصف الناطق باسم الخارجية الإيرانية حميد رضا آصفي بيان وزراء خارجية مجلس التعاون لدول الخليج بشأن الجزر الثلاث، بأنه «يفتقد المصداقية والقانونية»، وزعم آصفي أن الجزر الثلاث «جزء لا يتجزأ من الأراضي الإيرانية»، مشيراً إلى «أن تدخل أطراف ثالثة اثبت عدم فاعليته حتى الآن، ولا يساعد على إزالة سوء الفهم».
أتعجب كثيراً من استمرار الموقف الخليجي في تأكيد حق الإمارات في الجزر الثلاث ورفض احتلالها من قبل إيران، لماذا تصمت دول الخليج على الاستفزازات الإيرانية وعلى احتلال جزر دولة ضمن منظومة دول المجلس؟ لماذا لا تتحرك الأمانة العامة لدول المجلس في تسويق هذا الملف دولياً، وفتح أوراقه القانونية بلا خجل لحسم الأمر بدلاً من استمرار إيران في ترديد الاتهامات، والتلويح بأن البيانات الخليجية تفتقد المصداقية والقانونية؟ لماذا إيران هي المتحدث ونحن الصامتون، عدا البيانات المكرورة والمتشابهة من دورة خليجية إلى أخرى؟!(33/108)
هناك بيانات وتحفظات خليجية على المواقف الإيرانية المتصلبة، إلا أنها لم تصل إلى حد الاعتراض المباشر، وإنما تأتي على شكل جمل فضفاضة «خجولة»، وكأنها تحاول التقليل من احتلال الجزر، ومن الطموح النووي للدولة الفارسية. وأخشى مع تزايد الصلف الإيراني أن نشاهد السيناريو الأميركي في العراق يتكرر في إيران، بدءاً بفرض عقوبات اقتصادية وخطة تشبه مشروع «النفط مقابل الغذاء»، وهو ما يعني أننا سنشاهد صيفاً ساخناً، ومخططاً لا تطفئه السياسات المعتدلة والمتشددة في المنطقة وفي العالم.
عودة المتطرفين في إيران
جاك ا. جولدستون - الغد 19/3/2006
بعد مرور ستة وعشرين عاماً منذ قيام الثورة الإسلامية، وبعد أن بدأ الغرب يتوقع لإيران أن تستقر وتصبح أكثر برجماتية واعتدالاً، يبدو أن نظام الرئيس محمود أحمدي نجاد قد ارتد إلى التطرف. ولكن ربما نستطيع أن نفهم ما يجري في إيران الآن إذا ما نظرنا إلى الثورات السابقة، وذلك لأن الأحداث الأخيرة هناك لها سوابق تاريخية واضحة.
فإذا ما رجعنا إلى التاريخ سنجد أن العديد من الثورات مرت عبر فترة أولية "هادئة" في أعقاب مرحلة مبكرة اتسمت بالتطرف، ثم شهدت بعثاً جديداً للتطرف بعد خمسة عشر إلى خمسة وعشرين عاماً. والسبب وراء هذا أن الفترة الأولية الهادئة غالباً ما تتسم بالفساد والتراجع عن الأهداف الثورية، الأمر الذي يجعل المثاليين يشعرون بأن الثورة قد ضلت الطريق. وانطلاقاً من إيمانهم بأن السعي الحثيث نحو تحقيق الغايات الثورية هو الطريق الوحيد لتعزيز قوة بلادهم، يحاول هؤلاء المثاليون التحريض على "عودة المتطرفين"، فيشتعل بذلك نزاع حاد بينهم وبين رفاقهم من الثوريين الأكثر اعتدالاً.(33/109)
كانت ثورة المكسيك في عام 1910 قد بدأت بتحدٍ للديكتاتور بورفيريو دياز. وقد أدى ذلك التحدي إلى اندلاع الانتفاضات والثورات بين الفلاحين والعمال. ولقد بدا أن المرحلة المتطرفة من الثورة قد انتهت حين استولى الجنرال ألفارو أوبريجون على السلطة في عام 1920؛ فبادر إلى تقييد الإصلاح الزراعي وسعى إلى الصلح مع الولايات المتحدة. وطيلة الأربعة عشر عاماً التالية، حكم أوبريجون المكسيك هو وحليفه بلوتاركو كاليس.
ثم في عام 1934 أدى الاستياء والامتعاض من الفساد المستشري إلى إجبار كاليس على اختيار "مثالي مخلص" ليتولى رئاسة البلاد، وهو رجل شاب كان قد حارب معه في وقت مبكر من الثورة. ولقد تصور كاليس أن ذلك الشاب يستطيع أن يستعيد السيطرة لكنه في نفس الوقت سيساعد الحكومة على استرداد شعبيتها. طاف "الثوري المخلص" لازارو كارديناس البلاد في جولة اكتسب بها تأييداً شعبياً، ثم انقلب على كاليس وطرده من المكسيك.
وبما عُرِف عنه من تطرف وإخلاص، رفض كارديناس الإقامة في القصر الرئاسي وخفض راتبه إلى النصف. كما تعامل بجدية مع الأهداف المبكرة للثورة، فشرع في عملية إصلاح زراعي واسعة النطاق. وفي عام 1938 - بعد ثمانية وعشرين عاماً على بداية الثورة - حرض كارديناس على الدخول في مواجهة كبرى مع الولايات المتحدة وبريطانيا بمصادرة شركات النفط التابعة للدولتين وتأميم صناعة النفط في المكسيك. ولم تعد المكسيك إلى مسار سياسي أقل تطرفاً إلا في الأربعينيات بعد خروج كارديناس من السلطة.(33/110)
وعلى نحو مماثل، بدأت الثورة الشيوعية في الصين بهجمات متواصلة دامت عقداً من الزمان ضد الطبقتين المتوسطة والمهنية، وبإعادة تشكيل الريف الصيني. ولقد بلغت هذه المرحلة ذروتها بِـ"القفزة التقدمية العظمى" في الفترة ما بين عامي 1958 و1959. لكن تلك الحملة الكوارثية المشؤومة أدت إلى إضعاف نفوذ ماو؛ وفي مطلع الستينيات تدنت به الحال إلى الاضطلاع بأنشطة ثانوية بينما اكتسب البرجماتيون من أمثال ليو شاوكي ودنج زياوبنج المزيد من القوة.
لكن ماو أبدى انزعاجه من ابتعاد ثورته عن المسار الذي رسمه لها، فعمد في منتصف الستينيات إلى شن حملة لاسترداد السيطرة على الحزب من خلال تثقيف جيل جديد من الشباب المتطرفين. وعلى أيدي هؤلاء الشباب الذين أطْلِق عليهم "الحرس الأحمر" انطلقت الثورة الثقافية التي دامت طيلة الفترة من عام 1966 إلى عام 1968. ولقد استهدفت الثورة الثقافية العناصر الأكثر محافظة داخل الحزب الشيوعي، وأدت إلى تمزيق البلاد، لكنها أعادت ماو إلى السلطة المطلقة وسمحت له بتطهير الحزب من البرجماتيين المعتدلين.
ولكن هل انتهت المعركة بين البراجماتيين والمتطرفين عند ذلك الحد؟ في مطلع السبعينيات اكتسب المعتدلون بعض النقاط حين خططوا لإعادة العلاقات الودية مع الولايات المتحدة، وهي المحاولات التي بلغت ذروة نجاحها بزيارة نيكسون الشهيرة إلى الصين في عام 1972. وفي العام التالي تم رد الاعتبار إلى دنج، وفي أواخر السبعينيات بعد وفاة ماو، استولى البرجماتيون من أتباع دنج على زمام السلطة.(33/111)
ولكن تُرى ما الذي توحي به هذه السوابق التاريخية بالنسبة لإيران؟ من المرجح أن تكون فترة الهدوء النسبي التي سادت منذ وفاة الخميني في عام 1989 قد بلغت الآن منتهاها. ويأتي انتخاب أحمدي نجاد كإشارة إلى بداية نشوب صراعات جديدة داخل الحزب الجمهوري الإسلامي الحاكم. وهذه الصراعات من شأنها أن تضع "المتطرفين المخلصين" - بزعامة أحمدي نجاد وبتأييد من الجيل الثاني من الثوريين الأكثر شباباً والمعروفين بِـ "البناءون" والذين اكتسبوا قوة واضحة في البرلمان الإيراني- في مواجهة مباشرة مع الملالي الأكثر فساداً وبرجماتية، والذين يترأسون الحزب، تحت زعامة الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني. أما القائد الأعلى آية الله خامنئي فقد ترك في المنتصف، وربما في عزلة متزايدة وبدون تأييد شعبي قوي.
كيف ينبغي أن تكون استجابة زعماء الولايات المتحدة وأوروبا؟ تاريخياً، تدوم مرحلة عودة التطرف إلى القوة من خمسة إلى عشرة أعوام. وتتسم هذه الفترة بقدر أعظم من العدوانية ضد الأعداء في الداخل والخارج.
هذا لا يبشر بخير فيما يتصل بتحسين العلاقات مع إيران على الأمد القريب، ويجعل لزاماً على القوى الغربية أن تتحد للتأكيد بوضوح لا يداخله شك أن أي استخدام لأسلحة أو مواد نووية من قِبَل إيران أو جماعات إرهابية متحالفة معها سوف يسفر عن ردة فعل فورية ومدمرة. (كانت الصين قد أنتجت أسلحتها النووية قبل ثورتها الثقافية مباشرة، بغرض ردع الاتحاد السوفييتي في الأساس، لكنها لم تستخدمها قط).
ومن البدائل المتاحة أيضاً أن يقدم الغرب حوافز إيجابية - بما في ذلك اعتراف من قِبَل الولايات المتحدة وإنهاء للعقوبات المفروضة على إيران - من شأنها أن تساعد على تمكين البرجماتيين المعتدلين ودعمهم في صراعهم داخل الحزب، تماماً كما كان في المبادرات التي قدمها نيكسون إلى الصين إضعاف للتطرف في الصين ودعم للبرجماتيين في الحزب الشيوعي.(33/112)
لم يطالب نيكسون زعماء الصين بالتخلي عن الشيوعية، أو زعماء المكسيك بالتحول إلى الديمقراطية التنافسية، بل كانت مطالبه تتلخص في التصرف من منطلق الإحساس بالمسؤولية والسعي إلى إقامة علاقات عمل مع الولايات المتحدة. وبعد مرور خمسة عقود منذ قيام ثورتها، ما زالت الصين دولة غير ديمقراطية، والمكسيك بعد تسعة عقود من ثورتها بدأت للتو في التحول إلى الديمقراطية. ومن المعروف أن أياً من الدولتين لم تكن على اتفاق دائم مع الغرب، ولكن كل منهما صارت الآن دولة يستطيع الغرب أن يقيم معها قدراً عظيماً من علاقات العمل، واندمجت كل منهما بصورة متزايدة في الاقتصاد العالمي. وربما تكون هذه هي الغاية الواقعية الوحيدة التي ينبغي علينا أن نسعى إلى تحقيقها في التعامل مع إيران.
جاك ا. جولدستون أستاذ السياسة العامة بجامعة جورج ماسون ومحرر "ثورات نهاية القرن العشرين" و"موسوعة الثورات السياسية".
مستشار أحمدي نجاد لشئون أهل السنة
أ.د. محمد السعيد عبد المؤمن
مختارات إيرانية العدد 67ـ فبراير 2006 باختصار
استحدث الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد منصب مستشار يختص بشئون أهل السنة في إيران، حيث ذكرت وكالة الأنباء الإيرانية يوم الثلاثاء 3/1/2006 أن أحمدي نجاد أصدر مرسوماً رئاسياً يقضي بتعيين عالم الدين السني مولوي محمد إسحاق مدني مستشاراً له لشئون المسلمين من أهل السنة في إيران.(33/113)
يجدر بالذكر أن أتباع المذهب السني، على مستوى التقسيم العرقي، هم من الأكراد والتركمان والعرب والبلوش، ومعلوم أن أهل السنة في إيران ـ الذين تبلغ نسبتهم نحو 20% من سكان إيران ـ كانوا قد أعطوا أصواتهم في الجولة الأولى لانتخابات الرئاسة الإيرانية لمهدي كروبي رئيس البرلمان السابق، من أجل تحقيق عدد من المطالب، منها" الحصول على حقوق متساوية مع باقي المواطنين الإيرانيين، وإقامة مسجد لهم في طهران وغيرها من الحريات، ثم عادوا وأعطوا أصواتهم في الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية التي جرت في 24/6/2005 إلى الرئيس الإيراني السابق المخضرم علي أكبر هاشمي رفسنجاني الذي حل في المرتبة الثانية بعد إعلان فوز أحمدي نجاد.
ولا شك أن هذه الخطوة من جانب الرئيس الإيراني، بمثابة رسالة طمأنة لأهل السنة في إيران، الذين باتوا يتوقعون إهمالا أكبر من الحكومة الإيرانية الجديدة التي لم يصوتوا لصالحها، فإذا كان الدستور الإيراني قد أكد احترامه للمذاهب الإسلامية المختلفة، والتي تضم المذهب الحنفي والشافعي والمالكي والحنبلي، وأعطى لأتباع هذه المذاهب مجموعة من الحقوق، مثل: حرية أداء مراسمهم المذهبية حسب فقههم، والاعتراف الرسمي بهذه المذاهب في مسائل التعليم والتربية الدينية والأحوال الشخصية (الزواج والطلاق والإرث والوصية) وما يتعلق بها من دعاوى في المحاكم، وكل منطقة يتمتع أتباع أحد هذه المذاهب بالأغلبية، فإن الأحكام المحلية لتلك المنطقة ـ في حدود صلاحيات مجالس الشورى المحلية ـ تكون وفق ذلك المذهب (المادة 12 من دستور الجمهورية الإسلامية).(33/114)
فقد تباين الواقع في إيران عما نص عليه الدستور خلال العهود التي سبقت عهد رئاسة أحمدي نجاد، وعلى ضوء هذا الواقع يمكن الوقوف على عدة شواهد تدل على أن تعسفا كانت تمارسه الحكومة الإيرانية في مجال الحرية الدينية، ومن بين هذه الشواهد أن وجود أهل السنة في الحياة السياسية لا يتناسب وحضورهم في مؤسسات الدولة، فلا يوجد محافظ واحد سني المذهب في المحافظات ذات الأغلبية السنية مثل محافظة كردستان. كما أنه لا يمكن لأي من أهل السنة ترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية، لأن الدستور نص صراحة على أن يكون الرئيس من أتباع المذهب الشيعي الاثنى عشري دون غيره.
كذلك لا يوجد مسجد لأهل السنة في العاصمة طهران، رغم المطالب المتكررة لسكان العاصمة من أتباع المذاهب السنية، بدعوى تخوف بعض الأوساط الحكومية من إثارة حساسية مذهبية، كما لا يقتصر الأمر عند منع الدولة بناء المساجد لأهل السنة في طهران ـ التي يوجد بها أكثر من نصف مليون سني ـ أو في المدن الكبرى مثل أصفهان ويزد وغيرها، بل إنه قد تخطى إلى تبنيها مجموعة من الإجراءات التعسفية ضد أهل السنة، مثل هدم عدد كبير من مساجد أهل السنة، حتى في المناطق ذات الأغلبية السنية، مثل: سلماس، شاهين دز، وكنار وشابهار في بلوشستان، وهشت بر في جيلان، فضلا عن هدم مسجد الشيخ "فيض" بشارع خسروي في مدينة مشهد بمحافظة خراسان وتحويله إلى حديقة عامة وساحة خضراء، وإغلاق عدد آخر من مساجد أهل السنة أيضا في كل من مدن: شيراز وأروميه وسنندج وسقز ومياندواب وغيرها.
كما عمد النظام إلى تأسيس مراكز إسلامية شيعية كبيرة وسط المناطق المأهولة بأهل السنة، وعهد بمسئوليتها لفقهاء غير ملمين بظروف هذه المناطق، مما كان يعني حتمية استياء أهل السنة، خاصة أنهم ممنوعون من حرية الدعوة لمذهبهم بالمثل.(33/115)
ومن ثم أدت هذه السياسات الخاطئة إلى ازدياد حالة التنافر الاجتماعي بدلا من الوفاق الوطني في هذه المناطق، ولعل الصدامات التي وقعت في كرمانشاه وباوه وجوانرود عام 1997م، أصدق دليل على ذلك.
ويعاني أهل السنة من كبت سياسي وقمع وتعدد حالات الاعتقال على خلفيات سياسية ودون أسانيد وحجج قوية، خاصة لعلمائهم بتهمة بث الفرقة بين المسلمين، منها اعتقال الشيخ مفتي زاده أحد أشهر علماء السنة بتهمة اعتناق الأفكار الوهابية، كما ظلت الحكومة مصرة على عدم الاعتراف بالمدارس الدينية السنية التي أقيمت قبل الثورة، بالتالي يؤخذ الطلبة بالمدارس السنية إلى التجنيد الإجباري، رغم أن نظراءهم من الطلاب بالمدارس الشيعية معفون منها.
لقد حاول النظام استحداث مناسبات تقرب بين الشيعة والسنة، مثل قيام الزعيم آية الله خامنئي باستحداث أسبوع الوحدة بين السنة والشيعة في الفترة من 12 إلى 17 ربيع الأول من كل عام، كنوع من التقريب بين اتخاذ أهل السنة يوم 12 ربيع الأول احتفالا بمناسبة مولد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، واتخاذ الشيعة يوم 17 ربيع الأول لهذه المناسبة، فأصبح أسبوع الوحدة يضم التاريخين.
التفاوض على العراق!
طارق مصاروة – جريدة الرأي 19/3/2006
توقفنا في اليوم الاخير من شباط عند تصريح للسفير الاميركي زلمان خليل زاد في بغداد اعلن فيه استعداده لفتح باب التفاوض مع ايران بشأن الوضع الامني في العراق. ودعونا وقتها صحفنا والصحف العربية والفضائيات للوقوف عند اهداف هذا التصريح، وتعارضه مع تهديدات الرئيس الاميركي لطهران ومفاعلاتها النووية.. وتمويلها للارهاب حتى ان وزيرة الخارجية رايس سمت ايران بالبنك المركزي للارهاب.(33/116)
مضى اسبوع واحد، وحبكت قصة السفير الاميركي، فالسيد الحكيم زعيم المجلس الاعلى للثورة الاسلامية يدعو طهران الى التفاوض مع الولايات المتحدة «لاخراج العراق من ازمته». فيستجيب له الناطق بلسان حكومة طهران لاريجاني ويستجيب لنداء الزعيم العراقي!!
طبعا لا بد للسيد الاخر مقتدى الصدر من رفض دعوة الحكيم.. تماما كما يحدث في كل مرة ويعود ليتفق معها.. لكن الغريب ان واشنطن وطهران ينفيان ان تكون قصة المفاعل النووي الايراني هي الهدف، وان الثمن هو العراق والا فلماذا تتفاوض دولة الاحتلال مع دولة حاربت العراق ثماني سنوات من اجل عيون الضحية العراقية؟؟
اجهزة الاعلام تتحدث عن اول مرة تقبل فيها الدولتان مبدأ التفاوض. وهذا تضليل.. فهناك تفاوض وبيع وشراء طوال الوقت.. وإلا فكيف اطلق سراح الرهائن بعد اسقاط الرئيس الاميركي كارتر.. ونجاح ريغان؟ وماذا كانت الوفود تفعل قبل كشف رأس الثلج العائم المعروف بايران جيت؟! وكيف قاتل الجيش الايراني طيلة الحرب بسلاح اميركي وقطع غيار اميركية وذخائر اميركية؟؟
مفاوضة طهران وواشنطن هي مخرج الرئيس الاميركي من مأزق الاحتلال.. وهي مخرج نظام الملات من مأزق المفاعل النووي.. وكل ذلك على حساب العراق.. ودم العراقيين.. ورغيف خبزهم. وكل ذلك في هذا الغياب المعيب لارادة العرب القومية، ومصالحهم المنهدمة.
لا نثير اليأس بالتفجع فالبركة بالعراقيين وبشلال الدم الذي يريقونه يوميا من اجل العراق الحر الذي سيخرج من الرماد شابا قويا يعيد لابنائه وللعرب والعالم انتصار العراق عام 1988!!
القرن الحادي والعشرون "شيعياً"
د. طارق سيف الاتحاد 5/3/2006(33/117)
بعضهم يقول إن القرن الحادي والعشرين سيكون قرناً "أميركياً"، نتيجة لانفراد الإمبراطورية الأميركية بقواها العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية بقمة قيادة العالم، بينما يرى بعضهم الآخر أنه سيكون قرناً "صينياً"، حيث ينمو المارد الأصفر اقتصادياً وتقنياً بل وعسكرياً لينافس الإمبراطورية العظمى على المركز الأول، في حين يعتقد آخرون أنه سيكون قرناً "نووياً"، بعد فشل اتفاقيات حظر الانتشار النووي والوكالة الدولية للطاقة الذرية في كبح جماح طموح بعض الدول للدخول في النادي النووي العالمي.
ولكن الوقائع والأحداث التي شهدتها السنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين، تشير بوضوح كافٍ إلى أنه سيكون "قرناً شيعياً" من النواحي السياسية والاجتماعية والعقائدية، سواء تحقق ذلك برغبة المجتمع الدولي أو على حسابه، وسواء اعترض بوش الصغير أم وافق، وسواء تحالف معهم رامسفيلد وزمرته أم وقفوا ضدهم.(33/118)
كانت البداية عندما بدلت واشنطن تحالفها مع شيعة أفغانستان ضد حركة "طالبان" السنية، بتحالف جديد مع شيعة العراق ضد السنة المتمردين، في ظل ثقتها أن بإمكانها توظيف التقارب الإيراني في حربها ضد أفغانستان من أجل حصاد أوفر لتكريس احتلالها للعراق، وغض الطرف عن قيام شيعة العراق بالاستيلاء على مساجد أهل السنة في المناطق ذات الأغلبية الشيعية، وتغييرهم أسماء الأحياء والشوارع، وجعلها من حوزة النجف السلطة العليا المسيطرة على نواحي الحياة كلها داخل مناطق الشيعة، ولم تنتبه إلى التغيرات التي حدثت في المعادلة الإقليمية الجديدة، بعد أن حطمت أعداء الإمبراطورية الفارسية في الشرق والغرب، وشنت هجومها على المثلث السني لصالح تكريس مثلث شيعي جديد في العراق، فانقلب السحر على الساحر، وباتت إيران الزعيمة الشيعية تنظم حركتها وفق مصالحها العقائدية نحو بناء "الإمبراطورية الشيعية العظمى" على حساب حطام العراق والفتنة الطائفية في لبنان والتذكير بحقوق الشيعة في الدول الخليجية، ومساندة تحركاتهم سياسياً وعقائدياً.
وما ساعد الشيعة على ذلك الجهود التي تقوم بها إدارة بوش الصغير ما بين ابتزاز سوريا في لبنان، ومحاولة تجريد "حزب الله" من سلاحه، وابتزاز إيران عن طريق ملفها النووي، وخلط الأوراق من جديد في العراق بحجة رفض إقامة حكومة طائفية، ودفع جامعة الدول العربية لإيجاد دور للسنة في مواجهة الاجتياح الشيعي للعراق.(33/119)
والأحداث جميعها تشير إلى تحرك شيعي مدروس وثابت التوجه، بدأ في لبنان، وانتقل إلى سوريا، ثم أصبح العراق مرتكزاً أساسياً له من خلال دعم تحركات مقتدى الصدر الداخلية والخارجية ودفعه إلى رفضه الدستور العراقي الجديد، ثم الإنذار الإيراني الصريح للقوات البريطانية بمغادرة البصرة، وما يحويه ذلك من مغزى لامتداد النفوذ الشيعي الإيراني، مروراً بما يحدث في البحرين من مظاهرات للشيعة وحمل لافتات ذات معنى، وتوزيع المنشورات المناهضة للحكم وسط دعم كامل من النخبة الدينية الإيرانية.
إن هذه الأحداث تشير إلى نجاح الدور الإيراني في بروز تيارات الإسلام الشيعي السياسي في دول شرق أوسطية كثيرة، خاصة بعد أن تمتعت التيارات الإسلامية الشيعية في العراق بصدقية عالية تحت زعامة "المرشد الديني الشيعي" السيد علي السيستاني، واستطاعت بتحالفها مع واشنطن ضبط إيقاع العملية السياسية لصالح الشيعة بعد انهيار نظام صدام، ولا يخفى على أحد دور المرجعيات الشيعية الإيرانية ونفوذها الذي لا يستهان به على المرجعيات الشيعية في العراق.
الهدف إذاً واضح وإيران لم تخفه طوال 26 عاماً، وهو مساعدة الشيعة في كل مكان على المطالبة بحصتهم في السلطة السياسية، وقد برز ذلك جلياً في قيام الحرس الثوري الإيراني بإيواء وتنظيم وتدريب وتسليح التنظيمات الشيعية العراقية المعارضة لنظام صدام حسين البائد، وفي تدريب ودعم وتسليح حزب الله في لبنان.
جاء هذا النشاط تحت ستار مزاعم وظروف عدة:
- إن الشيعة قد تعرضوا لظلم حكم السنة لفترات طويلة من الزمن وقد آن أوان الصحوة الشيعية لاستعادة حقوقهم، متناسين أن السنة تعرضوا لمصادرة حقوقهم تحت ظل الحكم ذاته أيضاً.
- أن لا مكان في الأرض "للمستضعفين"، ومن يريد أن يحصل على حقوقه عليه التحالف مع "الشيطان الأكبر".
- إن الحكم السني في أفغانستان والعراق هو السبب في تقويض الأمن والاستقرار الإقليميين وتهديد السلام العالمي.(33/120)
- أن لا أمل للشيعة في فرض مصالحهم سوى بالتكاتف والتقارب وبناء القوة الشيعية السياسية والعسكرية.
- إن الإمبراطورية الشيعية العظمى هي الضمان الوحيد للوقوف ضد القوى المستكبرة أمثال الإمبراطورية الأميركية الشريرة والإمبراطورية الصهيونية الاستعمارية، والإمبراطورية "الإسلامية السنية" المستبدة.
- إن الفرصة سانحة الآن، وربما لا تتكرر، في ظل تورط الشيطان الأكبر وانشغاله في حربه ضد الإرهابيين من -العرب المسلمين السنة أصحاب التاريخ الأسود في 11 سبتمبر 2001.
- يستطيع الشيعة إثبات حسن نواياهم والتقارب مع المجتمع الدولي إذا أحسنوا استغلال مضي الإرهابيين من "العرب السنة" الأغبياء في نشاطهم لاستعداء العالم عليهم.
- إن ما يتعرض له الشيعة في العراق من قتل وتدمير لمقدساتهم دليل جلي على ما يتعرضون له من اضطهاد على أيدي السنة، الأمر الذي يفرض ضرورة مساندة المجتمع الدولي لهم وشد أزرهم ليمسكوا بزمام السلطة ليتمكنوا من حماية أمنهم ومصالحهم ومعتقداتهم.
عن طريق هذا الزخم من المزاعم ونتيجة لانبطاح العالم العربي ووسط إرهاب "السوداوي" و"الزفتاوي" وإخوانهما من عتاولة الإرهابيين، استطاع الشيعة استغلال الظروف للحصول على أكبر قدر من المكاسب.
إن الدور الشيعي الذي ترغبه النخبة الدينية الحاكمة في إيران الممتد من إيران إلى لبنان عبر العراق وسوريا ثم يتجه جنوباً إلى منطقة الخليج العربي سوف يفضي إلى نتائج عدة من أهمها:
- ظهور دويلات أو كنتونات شيعية تدين بالولاء إلى المرجعيات العقائدية في "قم" مما يرسخ التوسع الشيعي في منطقة الشرق الأوسط من جانب، ويدعم مصالح إيران من جانب آخر.
- وصول الشيعة إلى الحكم في العراق قد يدفع الشيعة في دول أخرى إلى المطالبة بدور فاعل في حكومات هذه الدول.
- التركيز على المصالح العقائدية الشيعية الضيقة على حساب المصالح العربية المصيرية الأكبر.(33/121)
- المزايدة على مصالح السنة وتكريس المذهبية والطائفية الدينية داخل الدول العربية.
- يصبح الشيعة خط الدفاع الأول عن إيران ومصالحها في الدول التي يقيمون فيها، ومن ثم فهم مستعدون للتضحية بالروح والدم فداء لها وليس من أجل دولهم الأصلية.
- اختراق إيراني للمجتمعات التي يعيش فيها الشيعة، الأمر الذي يقوض أمن واستقرار هذه المجتمعات.
- تعظيم الشعائر الدينية الشيعية على حساب شعائر عامة للمسلمين، ما يؤدي في النهاية إلى التصادم بين المسلمين وبعضهم.
كل ما سبق "غيض من فيض" كما يقولون حول تداعيات قيام الإمبراطورية الشيعية في الشرق الأوسط، أي إن الحديث عن "هلال شيعي" أو "تحالف شيعي" يعتبر من أخبار السلف ومضى زمنه وفات أوانه، فالرؤية اليوم هي امتلاك الزعامة الشيعية للقدرة العسكرية التقليدية والنووية لفرض مصالحها "الإمبراطورية"، فانتبهوا أيها السادة.. الشيعة قادمون في القرن الحادي والعشرين.. ولا عزاء لأحد...!!
خوزستان.. المواطنة والاندماج
علي نوري زادة - الشرق الأوسط 13/3/2006(33/122)
على مدار الشهر الماضي، تكررت الانباء عن اعمال عنف واضطرابات في منطقة خوزستان الايرانية التي تسكنها اغلبية عربية. وبالرغم من ان بعض هذه الاضطرابات يبدو مرتبطا بقرار تنفيذي راهن او حادث أمني عارض، الا ان العلاقة بين السكان العرب في خوزستان والسلطات المركزية في طهران، طالما عانت من حساسية بدأت حتى قبل الثورة الايرانية عام 1979، وقبل الحرب بين ايران والعراق عام 1981 بسبب التهميش السياسي والفقر الاقتصادي الذي يعيش فيه الاقليم وابناؤه. فما هي خصوصية خوزستان، وما هو تاريخ الوجود العربي في الاقليم واسباب الحساسيات بينه وبين النظام الايراني؟ كلمة «خوزستان» هي الاسم التاريخي والقديم لمقاطعة «خوزستان» الحالية وعاصمتها مدينة «الاهواز». وقد اطلقت كلمة «عربستان» على المقاطعة منذ اواخر عهد ملوك زند، وبعدها في عهد اسرة الفاجار حيث كانت ايران تدعى المملكة الايرانية المحروسة، وتتكون من عدة اقاليم، منها عربستان حيث كان مشايخ بن كعب يتولون الامارة ولكنهم كانوا جميعا مطيعين للحكومة المركزية بطهران. وأواخر عهد الفاجار الذي تصادف مع الحرب العالمية الاولى ودخول القوات البريطانية والروسية والعثمانية الاراضي الايرانية لم تكن الحكومة المركزية قادرة على ضبط حدود البلاد، فحاول الشيخ خزعل امير خرمشر (المحمّرة آنذاك) الانفصال عن ايران بدعم من الانجليز، غير ان رضا خان بهلوي الذي كان رئيس الوزراء وقائدا للجيش، توجه على رأس ألفين من جنوده الى خوزستان حيث استسلم الشيخ خزعل وارغمه رضا خان (رضا شاه بهلوي فيما بعد) على مغادرة خرمشهر والذهاب الى طهران ليعيش في المنفى وتحت الاقامة الجبرية حتى وفاته، غير ان ابناءه الذين ابدوا ولاءهم لابن رضا شاه، محمد رضا شاه بهلوي كانوا يحظون بامتيازات هامة، ومنهم من دخلوا البرلمان ومجلس الشيوخ والبلاط الملكي. ويبلغ عدد سكان الاقليم حاليا حوالي 5 ملايين نسمة اغلبيتهم من العرب(33/123)
الشيعة الى جانب البختياريين واللور والفرس الذين يقطنون المناطق الشرقية خاصة الجبلية منها.
اما بالنسبة للعرب فاقدم ذكر للوجود العربي يعود الى قبل الاسلام حيث يؤكد المؤرخ الايراني المعروف احمد كسروي ان هذه المنطقة سكنتها كل من قبائل «بكرين وائل» و«بني حنظلة» و«بني العم». وبالنسبة للقبائل التي تتكون جذور الاهوازيين منها تأتي على رأسها قبيلة «بني كعب»، حيث يبلغ عدد المنتمين اليها حوالي المليون ونصف المليون نسمة، وتتبعها «بني طرف» و«ربيعة» و«كنانة» و«تميم» و«خزرج» و«آل كثير» و«آل خميس»، وهناك «عرب الهولة» الذين يقطنون «برازجان» و«لنجة« و«قشم» و«شيخ شعيب» و«قيس» وبالقرب من مضيق هرمز. كما تسكن قبائل «الصرخة» في الجنوب من اقليم «ايلام» وقبائل «عرب باصري» و«الجبابرة» و«آل شيبان» في اقليم فارس والمهجرين الى خراسان في فترة حكم رضا شاه الذين يسكنون في بلدة «عربخانة» كما توجد قبائل عربية اخرى في مناطق «سمنان» و«كرمان» و«جنوب خراسان». ويؤمن اقليم الاهواز 85% من النفط الايراني، ويضم 8 انهر اهمها «كارون» و«الكرخة» و«الجراحي». وتعد اراضي الاقليم الزراعية من اخصب الاراضي حيث تكونت من تراكم طمي الانهر وتراجع مياه الخليج خلال مراحل جيولوجية ليست ببعيدة، فوقوع الاقليم على رأس الخليج في منطقة قريبة من العراق والكويت والمملكة العربية السعودية يمنحه اهمية استراتيجية لا تقل عن اهميته الاقتصادية القصوى، وهذا يميزه عن الاقاليم الايرانية الاخرى وفي الظروف الطبيعية بامكان الاقليم ان يصبح جسرا يربط ايران بالعالم العربي وبالعكس نظرا للمؤهلات القومية والاقتصادية والجغرافية. وبالرغم من الثروة الطبيعية التي يتمتع بها الاقليم، الا ان سياسات الحكومات الايرانية المتعاقبة حياله تميزت بعدم الكفاءة والعدالة، مما ادى الى تدهور الوضع المعيشي للسكان العرب، وتأخر الاقليم على جميع الاصعدة. وبعد الثورة الايرانية عام(33/124)
1979 لم تتغير سياسات الحكام الجدد تجاه العرب الايرانيين، على الرغم من مساهمة الاهوازيين الفاعلة في تفجير الثورة وانتصارها، وبرغم كل ما كان يرفعه قادة الثورة ورموزها من شعارات ثورية حول الحرية والعدالة الاجتماعية ورفع الظلم والتمييز، والدفاع عن حقوق المحرومين والمستضعفين، وفي صيف عام 1979 وعقب تأسيس المجلس الثقافي للعرب الايرانيين في خرمشر، الذي كان قد رفع بعض الشعارات حول مطالب المواطنين العرب، وقعت مواجهات دامية بين الشبان العرب الايرانيين ورجال الكومية (اللجان الثورية) اسفرت عن قتل وجرح المئات من العرب. وهكذا لم تفشل الثورة الايرانية في ردم الهوة الواسعة التي تفصل الاهوازيين عن الدولة الايرانية فحسب، بل قضت على فرص بناء جسور بين الجانبين، مما دفع الامور نحو مقاطعة تامة بينهم وبين النظام، خصوصا بعد ان باشر هذا الاخير بتنفيذ ما يسمى بمشروع «قصب السكر» الذي جرى استخدامه كغطاء لاغتصاب اراض شاسعة، ضمن مخطط توسعي يقضي باقامة مستوطنات من مواطنين فرس على حساب العرب.(33/125)
كما ان الحرب الايرانية العراقية لعبت بدورها دورا في زيادة الهوة بين الطرفين، اذ ان بعض الاشخاص قد لعبوا على وتر القومية الفارسية، مقابل القومية العربية واستطاعوا ركوب موجة الحرب، فتمكنوا من طرد منافسيهم من دائرة الحكم، والاستئثار بالنفوذ والسلطة في البلاد. وعلى الساحة الاهوازية استخدم النظام الايراني الحرب وما رافقها من ظروف واوضاع استثنائية لفرض اجواء بوليسية، وصعد العمليات التعسفية ضد الاهوازيين، وذلك بالرغم من ان اهل الاهواز لم ينخدعوا بالشعارات التي اطلقها نظام صدام حسين، ورفضوا دعمه كعرب في الحرب على حساب انتمائهم لايران. وفي غمرة هذه الاحداث وبسبب التطورات المتلاحقة بعدها، شهدت الحركة الوطنية في الاهواز انعطافا تاريخيا تمثل في بروز «نهضة قومية عربية» اخذت تزداد اتساعا وشمولا ونفوذا الى درجة صارت معها تفرض بعض مطالبها على النظام، خاصة بعد تسلم فريق الاصلاحيين بقيادة الرئيس السابق محمد خاتمي زمام السلطة التنفيذية في ايران عام 1997، والذي حصل على الاغلبية المطلقة من اصوات الاهوازيين في الانتخابات الرئاسية.(33/126)
ومما ساعد على تعاظم مسألة القومية العربية، الظروف الموضوعية التي جاءت بها التطورات السياسية والاجتماعية بالغة الاهمية والتي طرأت على المساحة الايرانية بصفة عامة، والساحة الاهوازية بوجه خاص خلال السنوات القليلة الماضية. فعلى الصعيد الداخلى، تفاقم الصراع على السلطة في طهران، وفشل نظام ولاية الفقيه في تحقيق معظم شعاراته ومشاريعه الاصلاحية، وتعددت الازمات السياسية والاقتصادية والمعيشية، وتراجعت المناعة الأمنية للنظام وتصاعد المد القومي لدى القوميات غير الفارسية، ومن بينهم العرب. وعلى مستوى الحياة اليومية في الاهواز، تدنى مستوى الخدمات الى حد كبير في الاقليم، وتفشى الفقر وارتفعت البطالة الى ارقام قياسية، وانتشرت ظاهرة ادمان المخدرات وتلوث البيئة ومياه الشرب. وما الاضطرابات التي اندلعت في الاهواز العاصمة وانتشرت بسرعة هائلة الى مختلف مدن خوزستان في ابريل (نيسان) الماضي، الا شرارة فجرت تراكمات هائلة كانت تبحث عن سطح تطفو عليه. وقد ادت هذه الاوضاع الى ظهور احزاب وتنظيمات سياسية عربية في الاهواز تعمل على تحسين اوضاع عرب ايران، وأهم تنظيم على الساحة الاهوازية الان وهو «حزب التضامن الديمقراطي الاهوازي» الذي يعد اول تنظيم في ايران برمتها يتبنى النضال السلمي في بيانه السياسي وينظر له انطلاقا من الايمان بضرورة اختيار الادوات التي توائم خصوصيات الوضع الراهن في ايران بشكل عام وفي اقليم الاهواز بشكل خاص، لاسيما ان هذا التنظيم يعتبر نضال العرب الاهوازي جزءا لا يتجزأ من نضال الشعب الايراني، وهذا ما دفع قادة الحزب الى التحالف مع تنظيمات تمثل القوميات الايرانية الاخرى من خلال مؤتمر «اقوام ايران الفيدرالية»، الى جانب «الحزب الديمقراطي الكردستاني الايراني»، و«حزب كادحي كردستان ايران» و«حزب الشعب البلوشي»، و«الحركة الوطنية لبلوشستان ايران»، و«الجبهة المتحدة لبلوشستان ايران» و«المركز الثقافي(33/127)
الاذربيجاني» و«منظمة الدفاع عن حقوق الشعب التركماني». لكن هناك تنظيمات اهوازية اخرى على الساحة تدعو الى الانفصال عن ايران مثل «الجبهة العربية لتحرير الاحواز»، و«المنظمة العربية لتحرير الاحواز» (ميعاد)، و«حزب النهضة العربي الاحوازي»، لكن هذه المنظمات تعمل في اطار نشاطات محدودة جدا. وهناك تنظيمات اخرى ترفض العنف كـ«الحزب الوطني العربستاني»، و«التجمع الوطني في الاحواز»، الذي يعد قريب من حزب «التضامن الديمقراطي الاهوازي». اما التنظيم الوحيد المثير للجدل على الساحة الاهوازية فهو «مجلس التحرير الوطني الاحوازي» الذي اخذ على عاتقه مسؤولية الانفجارات الاخيرة في الاهواز العاصمة ويقوده شخص يسمى خزعل الهاشمي. ومع ان الحركات السياسية في الاهواز ما زالت تعمل الى حد كبير في اطار المعارضة السياسية السلمية، الهادفة الى تحسين مستويات العرب الاهواز، وتعزيز مشاركتهم السياسية والاقتصادية بما ينسجم مع اوضاع ايران، الا ان تطورات المستقبل تعتمد الى حد كبير على السلطات الايرانية، ففي النهاية لا يمكن للقومية العربية ان تشعر بالمواطنية الايرانية، اذا كانت السلطات المركزية في طهران لا تمنحها اساسيات الاندماج السياسي والاقتصادي وعلى رأسها المشاركة في صنع القرار.
متى تتحرك دول الخليج إزاء النووي? ?الإيراني؟
د. عبدالحميد الأنصاري - الوطن البحرينية 13/3/2006(33/128)
لقد أصبحت قضية الحصول على السلاح النووي? ?ومعرفة التقنية النووية الخاصة بإنتاج القنبلة النووية،? (?عقيدة?) ?وطنية ودينية وقومية لدى الشعب الإيراني? ?وحكومته،? ?ومن? ?يشكك في? ?ذلك أو? ?يجادل فيه أو? ?يساوم عليه فهو معرّض للاتهام بالخيانة والتآمر ضد الوطن?. ?وكل الظواهر والمؤشرات تؤكد سعي? ?إيران الحثيث لتحقيق حلمها الكبير في? ?الحصول على السلاح النووي،? ?وإيران مستعدة لأن تجوّع شعبها وتصرف المليارات في? ?سبيل الحصول على النووي،? ?وهي? ?لن تتوقف في? ?منتصف الطريق،? ?ولن تأبه بقرارات مجلس الأمن ولا الحصار الدولي،? ?ولا فرق في? ?ذلك بين المحافظين والإصلاحيين?.
?
إن الحصول على السلاح النووي? ?الخاص بها،? ?أصبح من الثوابت الاستراتيجية المتعلقة بإرضاء الكبرياء والعزة القومية للشعب الإيراني،? ?وليس تحقيق الهيمنة والنفوذ في? ?منطقة الخليج فقط?. ?ولطالما تساءل الإيرانيون باستنكار،? ?لماذا? ?يسمح المجتمع الدولي? ?للهند وباكستان بامتلاك النووي? ?ولا? ?يسمح لإيران مع أنها الأكثر حضارة وعراقة؟?! ?إنه الكيل بمكيالين،? ?وإنه الاستكبار العالمي،? ?وعلى رأسه الولايات المتحدة،? ?الشيطان الأكبر والعدو الأكبر لإيران?. ?ولايزال بعض الكتّاب الخليجيين ـ عندنا ـ? ?يدافعون عن حق إيران في? ?تملك النووي،? ?لماذا؟ لأن إسرائيل تملك النووي? ?ولا أحد? ?يحاسبها فلماذا تحاسب إيران وهي? ?تريد تحقيق التوازن الذي? ?يخدم مصلحتنا؟? ?(33/129)
هؤلاء? ?يتغافلون عن أمر جوهري،? ?فتملك إسرائيل للنووي? ?لا? ?يهدد أمن الخليج ولا استقراره،? ?ولكن تملك إيران للنووي? ?أمر خطير? ?يهدد أمن الخليج واستقراره،? ?ليس فقط في? ?تملك إيران لهذا السلاح الخطير ولكن الخشية الكبرى حاصلة من كارثة التسرب النووي? ?نتيجة خطأ بشري? ?وهذا وارد بشدة لأن التقنية النووية التي? ?تستوردها إيران مصدرها روسيا والسوق السوداء في? ?الشرق والغرب وهي? ?وسيلة? ?غير مضمونة وغير آمنة وما كارثة? (?تشيرنوبل?) ?عنا ببعيدة?!? [ الكاتب ينطلق من نظرة غير شرعية ، ولذلك فرق بين العدوين ، وهذا خطأ السلاح النووي الإسرائيلي خطر على الخليج وسائر العالم الإسلامي بل والعالمي ، لكن السلاح النووي الإيراني يمثل نفس الخطر ، لكونه ينطلق من نظرة عدائية تجاه كل من لا يؤمن بمذهبهم ، ومن هنا تنبع عقيدتهم في تصدير الثورة . الراصد ]
وهناك من? ?يدافع عن حق إيران في? ?النووي? ?بحجة الاستخدام السلمي? ?للنووي? ?في? ?تسخير الطاقة الكهربائية،? ?وهي? ?حجة مفضوحة بعد أن قالت حليفة إيران القوية? (?روسيا?) ?على لسان وزير خارجيتها? (?إن صبرها بدأ? ?ينفد حيال التعنت الإيراني? ?وإنها لن تستطيع أن تبقي? ?على دعمها لها لفترة طويلة،? ?مؤكدة أن طهران تناقض نفسها حين تؤكد أنها تسعى لتوفير الطاقة عبر البرنامج النووي? ?السلمي،? ?في? ?الوقت الذي? ?لا جدوى اقتصادية في? ?تخصيب اليورانيوم على أراضيها لأنه? ?يكلف أكثر من استيراده فضلاً? ?عن? ?غياب الضرورة العلمية والعملية للبرنامج?) ?إن إيران عندها العديد من مصادر الطاقة الرخيصة فلماذا تهدر المليارات وتجوّع شعبها في? ?سبيل الحصول على الطاقة المكلفة؟ ولماذا لا ترضى بتخصيب اليورانيوم إذا كان الهدف هو الطاقة ـ خارج أرضها ـ وبتكلفة أقل؟?!?(33/130)
مشكلة إيران الأساسية هي? ?مشكلة كل الدول ذات الأنظمة الشمولية مثل كوريا الشمالية والدول ذات الطموحات الثورية وهي? ?اعتقادها بوجود مؤامرات خارجية متربصة بها،? ?ولن? ?ينجيها إلا الإنفاق في? ?سبيل المزيد من القوة العسكرية وبناء ترسانة من الصناعات العسكرية الثقيلة?. ?لقد صرح? (?رفسنجاني?) ?قبل سنة في? ?خطاب ألقاه بأن الجمهورية الإسلامية هي? ?الآن القوة العظمى للصواريخ في? ?المنطقة،? ?ومشكلة الدول الخليجية أنها تدرك مدى خطورة السباق النووي? ?الإيراني? ?على منطقة الخليج،? ?ولكنها تتظاهر ـ التزاماً? ?بسياستها في? ?الأدب الجم كما? ?يقول عبدالله بشارة أول أمين عام لمجلس التعاون ـ بأنها? ?غير معنية بالمشكلة،? ?ارتكاناً? ?إلى الدول الكبرى،? ?واعتقاداً? ?بأن تلك الدول ذات المصالح الاستراتيجية في? ?الخليج هي? ?التي? ?ستتصدى لأطماع إيران النووية،? ?ولذلك فهي? ?ـ أعني? ?الدول الخليجية ـ حريصة على عدم إغضاب إيران سواء في? ?قرارات القمم الخليجية أو على لسان المسؤولين الخليجيين?. ?وأقصى ما? ?يفعلونه هو بيان قلقهم وانزعاجهم من التصرف الإيراني? ?ثم المطالبة بجعل المنطقة خالية من السلاح النووي?. ?
مثل هذا الأسلوب لن? ?ينفع مع إيران الثورة،? ?وعلى الخليجيين أن? ?ينتقلوا من مرحلة إبداء القلق إلى مرحلة اتخاذ سياسات حازمة تشعر الجار المسلم الذي? ?يشاركنا سكنى الخليج على الضفة الأخرى بأن سياسة حافة الهاوية? ?غير مقبولة?.?
على الدول الخليجية الانتقال من الأقوال إلى الأفعال التي? ?تجعل إيران تعيد النظر في? ?سياسة سباق التسلح?. ?وعلينا أن نقول لإيران إن توفير الخبز والدواء لشعبك أجدى من المفاعلات النووية التي? ?يمكن أن تُستهدف في? ?أية لحظة?. ?وعلينا أن نقنع إيران ـ بمختلف الوسائل المتاحة لدينا ـ بأن السلاح النووي? ?ورطة لإيران أكثر من أن? ?يكون حلاً? ?لمشكلاتها المزمنة?.?(33/131)
وعلى الدول الخليجية أيضاً? ?أن تتحرك بقوة،? ?وتمارس ضغوطها على إيران وهي? ?تملك وسائل ضغط كثيرة من أجل أن? ?يبقى? (?خليجنا?) ?آمناً? ?ونظيفاً،? ?لنا ولهم ولأجيالنا القادمة?.?
كما أن على الخليجيين ـ منظمات وأفراداً? ?كتاباً? ?ومثقفين وسياسيين ـ أن? ?يسعوا بكل الجهود المتاحة لإقناع الشعب الإيراني? ?بخطورة توجه حكومتهم نحو تملك السلاح النووي?.?
من حق إيران علينا أن نسمعها صوتنا وبقوة،? ?فنحن نريد الخير لشعبها،? ?ونتمنى أن? ?يعيش في? ?الرخاء الذي? ?يعيشه أهل الخليج،? ?وإيران لا تنقصها الموارد الهائلة التي? ?تضمن لشعبها أعلى مستويات المعيشة،? ?ولكنها السياسات الخاطئة،? ?والأحلام الثورية،? ?وخلق الأعداء الخارجيين هي? ?مشكلة إيران الحقيقية?. ?علينا أن نقنع الإيرانيين بأنه لا مصلحة لهم في? ?سباق التسلح النووي،? ?فلا? ?يوجد خطر? ?يهدد إيران؛ لا في? ?أمنها ولا في? ?أرضها ولا في? ?ثرواتها?.?
رسالة إلى القرضاوي
حسين علي جليح 12/3/2006 موقع التوافق الشيعي
[ الشيخ القرضاوي يعد من علماء السنة المتساهلين مع الشيعة والذين لم يعلنوا حقيقة مذهب الشيعة أملاً في تقريبهم للحق وإبعادهم عن الباطل وحزبه ، ومع ذلك حين استنكر القرضاوي الاعتداء على بيوت الله والمصاحف في مساجد سنة العراق من قبل مجموعات شيعية منظمة ، لم يسكت عنه الشيعة كما في هذا المقال ، وكأن المطلوب من الشيخ القرضاوي مباركة هدم المساجد وقتل الأئمة وحرق و اهانة المصاحف ، ليرضي الشيعة عنه ، ولاحظ أن الكاتب لم يستنكر هذه الأعمال أو يدينها بل تغاضي عنها وكأنها مبررة شيعياً !! فمتى ندرك حقيقة حقدهم ؟؟ الراصد ](33/132)
وما زالت الدعوات الطائفية المستهجنة الممررة عبر طيف القداسة ( منبر الجمعة ) مباركة من أفواه الذين يفترض أنهم عقلاء الأمة وكبارها من نخب ومتخصصين في قضايا الفكر ومسائل العصر وتحدياته ، وروائح النتانة أصبحت مشمئزة ومخطط المؤامرة أضحى كالكتاب المفتوح وانفضاح الحقيقي من النظرة تجاه الشيعة بدأ ينكشف ليبان لكل ذي عينين ومن لم تجرفه أعاصير العصبيات المذهبية ومن لم تغره دوائر التشنج الضيقة التي لا يقف تأثيراتها عليهم بل تتجاوز إلى غيرهم من الرعاع والعوام الذين لاحظ لهم من الفهم أو التعقل ونحن هنا نشير إلى ما سمعناه بتاريخ 24/2 /2006 من الشيخ القرضاوي كردة فعل وكإعطاء موقف تعليقي على تفجيرات سامراء المشرفة بدأ خطبته بخطاب ناكئ للجراح ومؤجج للقوى الاجتماعية السنية وبتوجيه أصابع الاتهام نحو الشيعة وكيل الاتهامات لهم بأنهم اعتدوا على مساجد أهل السنة وأحرقوا الصحف وفعلوا ما فعلوا ويستنتج لذلك فيكمل ليقول بأن السيستاني ومن معه من آيات النجف الكبار دعوا الناس والأتباع إلى التظاهر وكان عليهم أن يكونوا أشد حزما ًوأكثر صرامةً ً فلا يدعوهم إلى التظاهر أو التنديد بنعيق النواصب الذي كان على ربى سامراء وتواطؤ زلماي خليل زاده السفياني وما لحق بتصريحاته من أُثر فجر معه الساحة .
-مأزق القرضاوي وتناقضاته المحيرة :
1- ألم يسمع القرضاوي او يقرأ ويشاهد بيانات المراجع الشيعية في العالم قاطبة ليشهد على أريحية ورحابة صدرهم وسعة أفقهم وتحملهم لمسؤوليتهم بتحريمهم الرد العنفي والصدامي على كل ما يرمز إلى أهل السنة من مساجد وشخصيات وأهالي مدنيين ؟! ثم أليس التظاهر حق طبيعي وبادرة إنسانية لأي شعب حضاري وجماعة مؤمنة تعرض سادتهم وأئمتهم إلى الإهانة والهجوم السمج ؟! أهناك قانون مضاد وتشريع سماوي أو أرضي يتصدى ولا يسمح بذلك ؟!(33/133)
2-أولم تدعو أنت نفسك يا شيخ جمهور المسلمين إلى التظاهر لإبداء غضبتهم للنبي محمد ( صلى الله عليه وآله ) بتاريخ 4محرم الموافق 3فبراير 2006 وقلت بأن هناك دياييث يقبلون أن تهان كرامة نبيهم وأصول دينهم ولا يحركون ساكناً ؟! فكيف تريدنا أن نكون دياييث وأوباش وسلبيين ليس لنا وقفة أو تضامن مع أهل البيت ( عليهم السلام )!!
3- زعمت بأنه كان بين المتظاهرين أناس مأجورين ومندسين قد دفع ( بضم الدال ) لهم الحساب وقبضوا أجورهم وتسلموا مستحقاتهم من الذي وجههم لما فعلوه .
أقول: بشكل مطلق بدون أية معطيات ميدانية على الأرض ما أدراك بأن المندسين شيعة على وجه الخصوص ؟؟ ثم لماذا يتناسى ما جرى في مظاهرة الأشرفية عندما تم الاعتداء على كنائس وإحراق سيارات وتخريب للمنشآت المدنية وهو من دعا لها ؟؟!! هناك يعني في لبنان اتهم مندسين بالإطلاق ولم يسميهم بينما في العراق الجريح رفع عقيرته متباكياً بشكل مسرحي تلفيقي بأن الشيعة ودون أدنى تردد وبغير قرينة مقنعة أو شاهد مؤكد هم كانوا وراء ما جرى !(33/134)
4- لماذا كان صوت إدانته هزيلاً لا يسمع وبيان حنقه وغيرته على مقدسات الأمة خافتاً لا يطرحه بقوة عندما فجرت القبة النوراء واستبيح الحرم المفدى وروع أتباع أهل البيت ( عليهم السلام ) ؟! وأين هو من تهديدات الزرقاوي عندما حدد خصومه : وفي مطلع ديسمبر/كانون الأول 2004، أصدر تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين بياناً أشار إلى السكان الشيعة بأنهم "العقبة الكأداء والأفعى المتربصة والعقرب المكار والمخادع والعدو المتجسس والسم الزعاف ... إنهم العدو. فاحذروهم. وقاتلوهم، والله، إنهم يكذبون ... والحل الوحيد هو أن نضرب كوادرهم الدينية والعسكرية وغيرها من الكوادر في صفوف الشيعة ضربة تلو الأخرى إلى أن ينحنوا أمام السنة..."1 وقال البيان نفسه إن هناك أربع مجموعات من الناس في العراق يشكلون "أعداءً" – وهم الأمريكيون والأكراد والشيعة وقوات الأمن العراقية. وفيما يتعلق بالأكراد قال البيان : "إنهم غصة (في الحلق) وشوكة لم يأت بعد وقت نزعها. فهم الأخيرون على القائمة، رغم أننا نبذل جهوداً لإيذاء بعض رموزهم، بمشيئة الله."2
وفي 18 مايو/أيار 2005 دافع أبو مصعب الزرقاوي عن قتل المسلمين في الهجمات الانتحارية التي تُشن ضد القوات متعددة الجنسية التي تقودها الولايات المتحدة، وفقاً لشريط مسجل نُسب إليه. وقد صرح قائلاً إن : "قتل الكفار بأية وسيلة كانت بما فيها عمليات الشهادة قد حظي بمباركة العديد من العلماء حتى إذا كان يعني قتل مسلمين أبرياء. وقد تم الاتفاق على هذه الشرعية ... حتى لا يتعطل الجهاد ... فحماية الدين أهم من حماية أرواح (المسلمين) أو شرفهم أو ثروتهم ... وسفك دماء المسلمين ... مباح من أجل تجنب الشر الأكبر المتمثل بتعطيل الجهاد".
الشيعة عقبة كأداء وشر مطلق ومكر شرير وخبث لا يتوقف مداه ولا شيء منك يا وحدوي ويا صاحب المبادرات الخلاقة التي هي محصورة باتجاه دون الآخر .(33/135)
4- أليس أنت يا شيخ كما وصفك الأكاديميون المسلمون كما سموا أنفسهم من لاهوتي الحروب في الوثيقة التي رفعوها إلى منظمة الأمم المتحدة في مطلع أكتوبر | تشرين الأول 2004 ؟! وقد كتب عبد الرحمن الراشد مقالأ يطالب فيه القرضاوي بالكف عن استدراج الأطفال لتفخيخ عقولهم وتفجير أنفسهم وتدمير مستقبلهم والسير نحو المجهول الأسود الذي سيجر الوبال عليهم وعلى غيرهم من الأبرياء المستضعفين 3
5- لا نلوم الشيخ في ازدواجيته المفضوحة بشرط مضحك وهو عندما نقلب أوراق كتابه( تاريخنا المفترى عليه ) فقد أشاد بالحجاج وبرأه من تهمه وجعله طاهراً مطهراً كيوم ولدته أمه لإثبات أن الشريعة لم تطبق في عهد الخلفاء الراشدين فقط في صدر الإسلام وإنما امتدت المدينة الفاضلة والمجتمع الإسلامي الأكمل واليوتوبيا العجيبة في الخلافة الأموية العادلة الفتية دوماً والعهد العباسي القوي العتيد ، مادح الحجاج والذي نصب نفسه محكاً برتبة جارد وكاشف التاريخ المفترى عليه وكيل الله في أرضه لا يلام كثيراً لأنه من لم يعتبر جيداً ويتدبر ملياً في الماضي والأيام الخوالي لن يفلح في مساعيه لفهم دواخل ومجريات ومضاعفات الواقع المعاش.
6- الشيخ القرضاوي ومعه الدليمي الذي تفضل هو الأخر بتصريح هو : ( ما تعرضت له مساجدنا أكبر ذنباً من تفجير قبة الإمام الهادي ) 4 لم يعيا حقيقة مهمة هي من هما الإمام العسكريين ( عليهما السلام ) ؟؟
-الإمام علي بن محمد الهادي ( عليهما السلام ) :(33/136)
قال الخطيب: أشخصه جعفر المتوكل من مدينة رسول الله إلى بغداد، ثمّ إلى سرّ من رأى، فقدمها وأقام فيها عشرين سنة وتسعة أشهر، ولذا عرف بالعسكري5 ، وقال الذهبي: كان المتوكل فيه نصب وانحراف6 ، وقد شهد أعلام أهل السنّة بفقه الامام الهادي وعبادته وزهده، قال اليافعي: كان الامام علي الهادي متعبّداً فقيهاً إماماً7 ، وقال ابن كثير: كان عابداً زاهداً8 ، وكان سلام الله عليه أعلم علماء عصره، وقد ظهرت منزلته العلميّة في قضيّة اتّفقت للمتوكل عجز العلماء عن إعطاء الرأي الصحيح فيها، وكان الرأي في تلك القضية للامام (عليه السلام)، ذكر القضيّة الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد9 .
-الإمام الحسن بن علي العسكري ( عليهما السلام ):
كان أكثر عمره تحت النظر، وكان الناس ممنوعين من الالتقاء به، والاستفادة منه، وحال الحكام دون أن تظهر علوم هذا الامام (عليه السلام) للاُمّة، ومع ذلك فقد ظهرت منه فوائد، وظهرت منه كرامات، ونقلت عنه روايات كثيرة، وبإمكانكم المراجعة إلى كتاب حلية الأولياء وإلى لسان الميزان10 ، إلى الفصول المهمّة في معرفة الائمّة11 وإلى الصواعق المحرقة12 وإلى نور الابصار13 والى روض الرياحين لليافعي14 وإلى جامع كرامات الأولياء للنبهاني15 ، وغير هذه الكتب.16
[ لاحظ معرفة أهل السنة لمكانتهما و فضلهما ولكن الشيعة تعظم الحجارة التي هدمت . الراصد ]
وأيضا أين الدليمي عن قانون تبعية المراقد المشرفة والأماكن المقدسة الذي يحدد أي جهة التي تديرها وتشرف عليها وتقف عند احتياجاتها ؟! 17
-ومضة ختامية :(33/137)
عالمنا الإسلامي اليوم أحوج إلى العدل منه إلى صب النار على الزيت ، والرجال الأوفياء مواقف عند الإحن والمحن لا تأخذهم الأهواء ولا ترميهم رياح الانصياع لرغبات شخوص التطرف النشط الذي سيغرس في جنبات العقل فقط إذا أهمل علاجه وتمادى البعض في غيه وتناسيه للجاني وقصده تبديل الخانات ليكون المجني عليه هو الجاني، ولكن سيقبل يوم يكون الفارس فيه هو الراعي للقسط والحاكم به والداعي له والمحافظ عليه هو آية الرحمة وكلمة التقوى وترجمان القرآن الحي إمامنا وسيدنا محمد بن الحسن العسكري ( أرواحنا لتراب مقدمه الفداء ) الذي سنظل ننتظره بعيون مترقبة لنكون معه في سبيل الله لا البعض الذين تزحلقوا فتحالفوا مع شياطين الإنس والجن ولكن كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام ) : ( الحرب جولة ).
________________________________________
هوامش :
1-http://www.cpa-iraq.org/transcrip/20040212_zarqawi_full.html
2-http://www.cpa-iraq.org/transcrip/20040212_zarqawi_full.html
3- عبد الرحمن الراشد، "دعوة للصحوة : جميع الإرهابيين تقريباً هم من المسلمين"، آراب نيوز. http://www.arabnews.com/9-11/?article=32&part=2
4- في تصريح لجريدة الشرق الأوسط
5- تاريخ بغداد الجزء 12 ص56
6- سير أعلام النبلاء الجزء 12ص 35 والكامل في التاريخ الجزء 7 ص 55
7- مرآة الجنان الجزء 2 ص 119 – دار الكتب العلمية – بيروت – 1417
8- البداية والنهاية المجلد 6 الجزء 11ص15-دار الكتب- بيروت
9- تاريخ بغداد الجزء 12 ص 56-57
10- لسان الميزان الجزء 1ص 209
11- الفصول المهمة ص 284-290 منشورات الأعلمي بطهران
12-الصواعق المحرقة ص314
13-نور الأبصار ص183-185 دار الفكر ببيروت
14-روض الرياحين وعنه جواهر العقدين ق2 الجزء 2 ص 431
15- جامع كرامات الأولياء الجزء 2ص 18 دار الكتب العلمية بيروت 1417(33/138)
16-هذه النكات اللطيفة استفدنا من كتاب إمامة بقية الأئمة للسيد علي الحسيني الميلاني ( دام ظله ) والصادر عن مركز الأبحاث العقائدية التابع لمكتب السيد الإمام السيستاني ( دامت بركاته ) في قم المقدسة
17- (( قانون العتبات والمزارات رقم 19 لسنة 2005 أكد على تبعية عتبة سامراء المقدسة إلى ديوان الوقف الشيعي، والعتبات المقدسة شيعية)).
في مؤتمر حاشد عقدته مشيخة الطريقة العزمية العلماء يطالبون
بحرية العمل الدعوى فى البقاع المقدسة وتحريرها من الهيمنة المذهبية
مجلة التصوف الإسلامي صفر 1427هـ
عقدت مشيخة الطريقه العزميه مؤتمرا إسلاميا حاشدا بعنوان : الأسلام وطن والمسلمون جميعا أهله شارك فيه ممثلوا من الأزهر والأوقاف من المملكة العربية السعودية والجماهيريه اليبيه وسوريا . بدأ المؤتمر بجلسة افتتاحية ألقيت خلالها كلمات محمد علاء الدين ماضى أبو العزايم شيخ الطريقه العزميه ورئيس المؤتمر والشيخ عمر البسطاويسى رئيس قطاع مكتب شيخ الأزهر وكلمة مشيخة الطرق الصوفيه وكلمه الوفود ألقاها الشريف أنس الكتبى من السعوديه واعقب الأفتتاح البرنامج العلمى للمؤتمر العلمى للمؤتمر فعقدت جلسة ألقى فيها كل من الشيخ فرحات السعيد المنجى المشرف العام السابق على مدن البعوث الأسلاميه بالأزهر كلمة بعنوان : اختلاف العلماء رحمة والدكتور عبد الحكم الصعيدى الأستاذ بجامعه الأزهر بعنوان : تعدد المذاهب ووحدة المقدسات والدكتور أحمد عبد الرحيم السايح بعنوان : خطورة هيمنة المذهب الواحد على المقدسات وأماكن العبادة والدكتور احسان بعدرانى الأستاذ بجامعة دمشق وعضو المجمع العالمى للتقريب بين المذاهب . كما ألقى عبد الحليم العزمى رئيس تحرير مجلة الأسلام وطن كلمة بعنوان : مستقبل المقدسات الإسلاميه بين التحديات والآمال ولدكتور محمد الشحومى من ليبيا .(33/139)
وألقى السيد الحسين أبو الحسن شيخ الطريقه الجوهرية الأحمديه كلمة المشيخه العامه للطرق الصوفيه وقدم اعتذار سماحة الشيخ حسن الشناوى شيخ مشايخ الطرق الصوفيه عن الحضور كما قدم الشكر للطريقه العزيمه على اختيار لهذا الموضوع مؤكدا أن الأسلام دين عالمى تتسع افاقه للناس جميعا جاءت تعاليمه لتشمل ما فى الناس من قوة وضعف وامكانات ولهذه الغايه نهض رجال التصوف الأسلامى برسالتهم مستهدفين القلب والروح والوجدان والسلوك الأنسانى فى طريقه إلى الحياة من اجل المحافظه على روح العباده وجوهر الأسلام . واشار شيخ الطريقه الجوهريه الأحمديه الى الدور الكبير الذى قام به الصوفيه فى الدعوه إلى الأسلام وسبقهم للتنصير وتضييقهم الخناق عليه فى تسلله إلى افريقيا واندونيسيا وجزر المحيط الهندى والصين والهند مؤكدا على ضرورة استلهام القيم والمبادىء التى يقوم عليها التصوف الأسلامى فى مناهج التربيه والتعليم فى البلاد الأسلاميه حتى تتربى الأجيال الصاعده على قيم الأيمان والصدق وطهارة النفس وتؤسس على الدين القيم المبنى على فطرة الله التى فطر الناس عليها.
المدينه المنورة(33/140)
وألقى كلمه الوفود المشاركه فى المؤتمر أنس الكتبى من المدينه المنوره فقال : جئت من البلاد الحرمين من مدينة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – جئت من جوار حجرات الرسول من سلع وأحد والبقيع والغمامه ، من المدينه الأرض التى مستها قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومشى فى جنباتها مشيرا إلى انه يرى الروضه الشريفه التى هى جزء من الجنه ومحرابه ومنبره الشريف ويرى حجراته التى انتشر منها الأسلام ومنها كانت الوحدانيه لله – سبحانه وتعالى – ومنها أركان الأسلام فمن الحجرات تعلم المسلمون الصلاة والصوم والزكاة والحج . واكد الكتبى أن هذه الدعوات خطر على الأسلام وتسىء إليه اكثر مما حدث فى الدنمارك وبلاد الغرب من اساءات لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأن هذه الأساءات ليست جديده بل هى قديمه لكن ما يحدث فى أرض الحرمين من هدم لآثار رسول الله هو الخطر الذى يهدد الأسلام لأن هناك أمور هامه لا بد أن يهتم بها المسلمون وهى المصحف والعترة والمسجد لأن المسلمين إذا هجروا المسجد وأهانوا المصحف وشردوا وطردوا العترة تشكو هذه الثلاثه إلى الله – سبحانه وتعالى – فيقول المولى – جلا وعلا - :" ذلك إلى وأنا أولى بذلك".(33/141)
وانتقد عبد الحليم العزمى رئيس تحرير مجلة الاسلام وطن المذهب الوهابى الذى يفرض افكارة المتشدده على الحرمين الشريفين رغم أنها مقدسات اسلاميه وليست وهابيه مشيرا الى ان الملك عبد العزيز عندما دخل مكه والمدينه قال انها مقدسات اسلاميه لا يجب ان تكون تحت سيطرة احد لكن الوهابين سيطرت الآن على الحرمين ومنعت غيرها من المساهمه فى ادارة المقدسات والحفاظ عليها . وطالب بان تكفل السعوديه حريه الدعوة لجميع العلماء فى البقاع المقدسه دون تفرقه وابعاد الجهله الذين يستقبلون الحجاج بوجوه عابسه مكفهرة ويرهبون الناس ويخوفونهم . وقال عبد الحليم العزمى ان الوهابيه اعملت معاول الهدم للآثار النبى – صلى اله عليه وسلم – واهل بيته الكرام وصحابته فى المدينه المنورة وفى الحرمين الشريفين رغم أن الأمم تعتز وتحتفظ بآثارها فى حين يحرم هؤلاء المسلمين من مشاهدة معالم واثار معركة احد وبدر والحديبيه وحنين والأحزاب وغيرها كما هدموا بيت السيده خديجه مهبط الوحى واقاموا مكانه دورات مياه وميضات وحولوا البقعه الشريفه الى ولد فيها رسول الله الى سوق للبهائم ثم تحايل بعض الصالحين لتحويلها الى مكتبه مكه المكرمه فى حين تحافظ الوهابيه على حصن كعب بن الأشرف اليهودى مما يؤكد ان ترك الحرمين الشريفين فى هذه الأيدى العابثه يمثل خطرا كبيرا لا يقل خطرا عن الخطر الذى يهدد المسجد الأقصى .
إشراف مشترك(33/142)
وأكد الدكتور إحسان بعدراني الأستاذ بجامعة مشق وعضو المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية أن الإسلام يدعو إلى التيسير لا التعسير ويدعو إلى الرفق واللين والتسامح ويرفض الشده والغلظه والتكفير مشيرا الى ان الأسلام هو دين التعمير للآثار التى تدلنا على حياة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وليس دين التدمير لهذه اللآثار او غيرها . ودعا الى ضرورة اعاده صياغه مجتمعنا الأسلامى واعادة صياغه بنائنا الفكرى والنفسى على الجانب العقلانى والروحانى موضحا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما دخل مكه ابقى على مفاتيح الكعبه فى يد ابن ابى شيبه الذى فض فتحها للنبى ليصلى فيها عندما كان فى مكه يدعوا لى الله قبل الهجرة ليبين لنا ان هذه الكعبه ليست ملكا لأحد ولنما هى ملك للمسلمين جميعا .
وطالب الدكتور بعدرانى بضرورة ان يساهم جميع المسلمين فى الحفاظ على المقدسات الأسلاميه وحنايتها وادارتها ودفع الأخطار التى قد توقعها فيها الرؤيه المذهبيه المتعصبه مشيرا الى ضرورة ان نبسر للمسلمين اداء المناسك فى هذه البقاع المطهرة من خلال المساهمه والأشراف المشترك لجميع المسلمين عليها .
التوصيات
وقد انتهى المشاركون فى المؤتمر إلى التوصيات التاليه :
** التنسيق بين اتباع المذاهب الأسلاميه من اجل القضاء على الغلو والتطرف واعلامه وتراثه واراجيفه التى تصل الى حد التكفير من قبل تيارات منحرفه ومذاهب منغلقه .
** التنسيق بين اتباع المذاهب الأسلاميه من اجل مراجعه التراث التكفيرى وفرض الرأى بالقوة بقصد تقويمه واصلاحه والعمل بالحكمه والتناصح وتعميق المعرفه بما يتفق واسس الدين وثوابت العقيده .(33/143)
** التنسيق من اجل حريه العمل الدعوى الأسلامى بالمقدسات الشريفه لأنها مقدسات لا يجب ان تخضع لمذهب دينى أو تيار دينى او تيار سياسى باعتبارها ملكا للمسلمين جميعا . ** ** يوصى المشاركون بالمؤتمر بالعمل الجاد من اجل عودة ادارة المقدسات الأسلاميه الى السادة الأشراف بمشاركة علماء من مختلف البلدان الأسلاميه ومنظمة المؤتمر الأسلامى وتحريرها من اى هيمنه سياسيه او قبليه او مذهبيه مهما كان مصدرها او ماهيتها واعتبار حمايتها والدفاع عنها فرض على كل مسلم ومسلمه .
** الدعوة الى تجديد نعالم الأثار الأسلاميه التى طمست ومحيت فى السنوات الماضيه بمزاعم باطله وعلى الأخص مواقع مولد الرسول – صلى الله عليه وسلم – واصحابه وآله وجميع اثارهم بما فيها مراقدهم .
** اجبار السلطه المهيمنه على الحرمين الشريفين بالحجاز على الامتناع عن توزيع الكتب والأشرطه التى تدعو الى تكفير وتشريك وتبديع المسلمين من حجاج بيت الله الحرام لأن هذه الكتب والأشرطه هى السبب فى نشر فكر التطرف والأرهاب والقتل والأغتيالات فى مختلف ربوع العالم مع تكثيف الجهود للدعوة الأسلاميه الصحيحه والراشده .
** الدعوه الى عقد مؤتمر تشكل له لجنه تحضيريه تتولى دعوه اكبر عدد ممكن من العلماء والقيادات والأعيان ينبثق عنه لجان عمل تدعو الى مثل هذه الأفكار وتتصل بالهيئات الدوليه والحكزمات لإقناعها بأهميه هذه التوجهات لحمايه الثقافه والدفاع عن الهويه الحضاريه ومقاومة التطرف وتحقيق السلام العالمى المفقود .
جهالات إبراهيم عيسى عن "أبو هريرة"
الشيخ أشرف عبد المقصود - صحيفة المصريون 21 - 3 - 2006(33/144)
الكتابة في الشأن العلمي ، تختلف جوهريا عن الكتابة في الشأن السياسي ، والحديث عن أصحاب لجنة السياسات ، يختلف عن الحديث عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا ما لم يدركه مع الأسف الكاتب الصحفي إبراهيم عيسى ، الذي درج في السنوات الأخيرة على الطعن في أصحاب النبي ، وتشويه سمعتهم ووصفهم بأخس الأوصاف وأكثرها وضاعة ، وأصبح ينقل تراث الفرقة والطائفية إلى الصحافة والإعلام المصري ، من خلال نقله لاتهامات الشيعة ضد بعض الصحابة ، كما أنه زرع نفسه في فترة زمنية من التاريخ الإسلامي قصيرة للغاية ، هي الفترة التي اصطلح أهل الإسلام على تسميتها بالفتنة ، ولم يخرج منها ، مما يكشف عن نية واضحة لكي ينال من أشرف الخلق بعد النبي الأكرم ، ولا ندري لحساب من يفعل ذلك إبراهيم عيسى ، هل كان الصحابة أيضا ممن نهبوا البنوك المصرية ، أم أنهم ممن زوروا الانتخابات ، بحيث يخرج إبراهيم عيسى من الهم المصري الراهن ، لكي يصفي حساباته المريضة مع أصحاب النبي الكريم . وبين الحين والآخر نراه لا هم له إلا نشر المقالات المغرضة عن (( الفتن وما جرى من خلافات بين الصحابة )) وكأنه لم ير في التاريخ إلا هذا الأمر الذي يحاول إبرازه بصورة مظلمة !! والمتابع لصفحة الدِّين في جريدته الدستور التي يرأس تحريرها يرى أنها موجهه لخدمة قضية معينة الغرض منها لا يخفى على العقلاء !! وترتكز على محاور : منها : تشويه صورة الصحابة رضي الله عنهم . خذ مثلا العناوين التالية وراجع ما تحتها : ( إعادة النظر في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ، وأيضا : ( الجواري في التاريخ الإسلامي من سوق النخاسة إلى كرسي الخلافة .. أولاد الصحابة أولاد الجواري ) . ومنها : الدِّفاع المستميت عن شيعة العراق والحطّ على أهل السُّنة هناك خذ مثلا العناوين التالية وراجع ما تحتها : ( السُّنة يدافعون عن عروبة العراق . أكذوبة تستمد أصولها من تراث صدام ) ( أجهزة(33/145)
الإعلام تحاول أن تخدع الشعوب بالربط بين الشيعة والأمريكان ) ، وعلى الرغم من كثرة كتابة إبراهيم عيسى عن الحرية والتدخل الأجنبي ، إلا أننا لم نقرأ له حرفا واحدا في ذم الاحتلال الأمريكي للعراق ، والعملاء الذين باعوا البلاد والعباد ، بل إن بعض كتاباته تبدو وكأنها تبارك الاحتلال وتحتفي به ، مما يكشف عن هوى متماس مع العصابات الشيعية المتطرفة في العراق . وكان غريبا أن نجد في صفحة الدين بالجريدة مقالا احتفاليا بعنوان ( الدستور العراقي يصون الهوية الإسلامية للسنة والشيعة ) الدستور الذي تمت صياغته بليل على يد المندوب السامي للاحتلال في العراق كذلك فله برامج تليفزيونية في بعض القنوات الفضائية موجهة أيضًا لنفس الغرض: ففي رمضان ومنذ عامين تقريبًا قدّم برنامجًا بعنوان ( رجال بعد الرسول ) أظهر فيه الصحابة وكأنهم قطاع طريق وعصابات تتقاتل على الدنيا : يكذبون .. يخدعون .. يتآمرون .. يضمرون الحقد والكراهية لبعضهم .. ولا هم لهم إلا الدنيا . وكذلك برامجه الأخرى لا تخلو من استضافات وحوارات لا حديث لها إلا عن الفتن وما جرى بين الصحابة والطعن فيهم . ولا أنسى الحلقة التي تحدَّث فيها عن أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه مشوهًا صورته ومرددًا أكاذيب المتطرفين من الشيعة ، ولا أنسى طريقته الفجة في وصف مقتله . وكذلك من رأى الحلقة التي تحدَّث فيها عن الصحابي الجليل ، إمام السنة وحافظها ، أبي هريرة ، رضوان الله عليه ، يُدْرك تمامًا الغرض من هذه الحلقات التي تخدم أعداء الصَّحابة فقد صوَّر فيها أبا هريرة بصورة الحافي , المعدم , السَّارق , الخائن لأموال المسلمين وذلك عندما ولاَّه عمر البحرين . ناسيًا هذا المفترى على صحابة رسول الله أن عمر رضي الله عنه طلب منه الولاية مرة ثانية .(الأموال لأبي عبيد ص 269 ). ولو كان عمر جرب منه الخيانة لتركه بتاتًا ولما دَعَاهُ ثانية للولاية . ويتابع إبراهيم حملته على أبي هريرة(33/146)
هذه الأيام . ففي جريدة ( صوت الأمة ) كتب مقالا فاجرا كال فيه الاتهامات جزافا لأبي هريرة ، ولما لم يشبع ما في نفسه من أحقاد على الصحابي الجليل استعان بصديق له فنشر مقالا آخر متزامنًا مع مقاله في نفس الصحيفة ، لكاتب سطحي وشديد الجهل بتراث أهل الإسلام يدعى خالد منتصر تعرض فيه للطعن في أبي هريرة أيضًا - . وقد رأيت من الواجب عليّ أن أرد على هذه الافتراءات التي يروج لها إبراهيم عيسى وأمثاله على وجه الاختصار انتصارًا لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وحتى يدرك الناس حجم الجهالات والأحقاد التي توجه إلى أصحاب النبي الكريم : (1) فيبدأ مقاله باحتقار وتشهير بأبي هريرة زاعما : ( أن أبا هريرة التصق بالنبي والمسجد النبوي من أجل قوت يومه وطعام بطنه مع المعدمين والفقراء والعاطلين ) وهذا أسلوب رخيص في الكتابة ونظرة وقحة وإهانة لا تصدر إلا من حاقد ! (2) ومن افتراءته قوله ( أنه لم يكن في يوم من الأيام أو في كتاب من الكتب من أصفياء النبي أو أحبائه ولا وضعه أحد في أي طبقة من طبقات الصحابة ) !! ، وقائل هذا الكلام بدون أدنى شك لم يقرأ شيئا من كتب أهل الإسلام وخاصة أهل السنة ، لأنه لو قرأ لما أخطأ أبدا مناقب أبي هريرة المتكاثرة ومنها نيله شرف دعوة النبي له كما في صحيح مسلم . وتقريظ النبي له بأنه أحرص الناس على أحاديثه , ودعوة النبي له بالحفظ كما في صحيح البخاري . ويكفيه فخرا شهوده : الفتح الأكبر وحنين والطائف وتبوك ومؤتة . ويكفيه فخرا اشتراكه مع الصحابة في قمع المرتدين وشهود اليرموك وغزوات أرمينية وجهات جرجان . وأما قوله ( ولا وضعه أحدٌ في أي طبقة من طبقات الصحابة ) ، فلعله يقصد كتب المتطرفين من الشيعة ، أما أهل العلم في الإسلام فمكانة الصحابي الجيل أبو هريرة لديهم أشهر من أن نشير إليها ، فهو حافظ الصحابة على الإطلاق في باب السنة . ومن الحفاظ القراء للقرآن كما سيأتي وهو من المفتين على عهد الصحابة(33/147)
( الأحكام لابن حزم 5 / 92 ) . وهذا نصٌّ من كتاب الخراج لأبي يوسف ص 114 يبين أن أبا هريرة كان من أعيان المسلمين وأهل الحل والعقد أيام عمر : وأن عمر بن الخطاب دعا أصحاب رسول الله فقال إذا لم تعينوني فمن يعينني ؟ قالوا نحن نعينك . فقال ياأبا هريرة ائت البحرين وهجر أنت العام . ولكن إبراهيم أبى أن ينظر لأبي هريرة إلا أنه جائع متشرد يريد أن يملأ بطنه على حساب الدين !! (3) ومن أكاذيب إبراهيم عيسى : قوله ( أنه لم يكن من الحفاظ أو القُرَّاء ) وهذا جهل يصعب وصفه كما أنه كذبٌ مفضوح أيضا : ففي باب السنة هو من هو !! وهذا الذي يغيظ أعداءه ، وهو الحافظ الأشهر على الإطلاق لرواية السنة مع عبد الله بن عباس رضي الله عنه ببركة دعوة النبي له .. وفي باب القرآن : يكفيه فخرا أنه أخذ القرآن عرضا على أبي بن كعب الصحابي الشهير وقرأ عليه أبو جعفر أحد القراء العشرة الأئمة ، وقرأ عليه عبد الرحمن بن هرمز الأعرج , وعن الأعرج أخذ القرآن نافع المدني أشهر القراء السبعة . وبهذا نعلم أن القراءة الأكثر شهرة عند المسلمين اليوم ـ قراءة نافع ـ مدارها على أبي هريرة , وظاهر نص ابن الجزري أنه لا يشاركه أحدٌ فيها إذ يقول ( تنتهى إليه قراءة أبي جعفر ونافع ) غاية النهاية 1 / 370 . وقال الذهبي : ( ذكرته في طبقات القراء .. وذكرته في تذكرة الحفاظ فهو رأسٌ في القرآن وفي السنة وفي الفقه ) السير 2 / 249 . فبماذا يرد إبراهيم عيسى المفترى صاحب الأكاذيب والأحقاد ؟! (4) ومن طعونه الوقحه : اتهامه لأبي هريرة بأنه كان مغمورًا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يظهر إلا في عهد بني أمية حيث يقول : ( كان من الثابت أنه لم يكن ملء السمع والبصر إلا بعد صعود الدولة الأموية والحاجة ماسة إلى سند ديني ومساندة شرعية للخلاص من أزمة وسمعة قتل آل البيت والدم المسفوك والعرش المغتصب ) !! ، وهذا كلام أشبه بالحواديت ولغة المقاهي ، لأن قائله لم ينل(33/148)
الحد الأدنى من العلم ، إذ كيف يجهل حتى قارئ مبتدئ للتراث الإسلامي مثل إبراهيم عيسى أن أبا هريرة ( ت 57 أو 58 هـ ) قد ودع الدنيا في خلافة معاوية وقبل فتنة مقتل الحسين ( ت 61هـ ) وما جرى فيها في عهد يزيد ، مع العلم أيضا أن أبا هريرة كان من المعتزلين للقتال الذي جري بين علي ومعاوية . ثم إن هذا كلام خطير ينم عن تشيع واضح في صورته المتطرفة وطعن قبيح في صحابي جليل !! وما الذي يقصده إبراهيم عيسى بقوله : ( عرش مغتصب !! وقتل آل البيت !! ) ، عرش إيه يا إبراهيم ، وضح للناس مذهبك الجديد بدون تقية ؟! الذي تجهله أيضا يا إبراهيم فوق جهلك الذي فضحناه آنفا ، أن أبا هريرة هو أكثر الرواة الذين رووا فضائل عليّ وفاطمة والحسن والحسين ، وحبه الفائق لهم مبسوط في كتب السنة ، ورواية زين العابدين ومحمد الباقر وجعفر الصادق عنه تدفع كذب المفترين عليه . أما علاقته بمروان بن الحكم فقد توطدت وتوثقت بسبب موقفه الصائب الذي وقفه في الفتنة زمن عثمان وأنه كان ممن نصر عثمان يوم الدار . فكان مطيعا لمروان كأمير ومع ذلك كان ينصحه ويأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر . ولولا الإطالة لذكرنا الروايات الكثيرة في هذا الباب والتي انتقد فيها مروان . راجع : المستدرك ( 4 / 91 ، 463 ) . الكتابة يا إبراهيم عن أسيادك الصحابة لا تكون مثل كتابتك للروايات المُسِّفة التي كنت تكتبها فمن يطالع روايتك ( العراة ) التي طبعتها للأسف الهيئة المصرية للكتاب بما فيها من قبائح وألفاظ وضيعة . وكذا وروايتك ( دم على نهد ) وما فيها من فكر ضحل وألفاظ سوقية يعلم حجم المأساة التي نعيشها هذه الأيام من تطاول الأقزام والسوقة على أشرف خلق الله بعد الأنبياء والله المستعان
السنة في لبنان.. تاريخ من الضعف وفقدان الفاعلية!
طارق ديلواني صحيفة الحقيقة العدد السابع 15/3/2006م(33/149)
على مدار تاريخ الطائفة السنية في لبنان لم يعرف لهذه الأغلبية فاعلية تذكر وسط هذا الحراك السياسي والدموي فظل السنة اللبنانيون بتاريخ دون فاعلية.
لبنان بلد تحكمه سياسة التوازن الطائفي بحيث يشعر كل طرف أنه ند للآخر، له نفس الحقوق والواجبات والمكتسبات.
لكن عملياً تم تجريد سنة لبنان على امتداد أعوام الحرب الأهلية (1975 ـ 1991) من دورهم، وحاولت بعض القوى اتهامهم دوما بموالاة الفلسطينيين "السنة" بطبيعة الحال، أما قوى اليسار اللبنانية فاتهمتهم بموالاة الموارنة.
وعملياً، خرجت الطائفة السنية من الحرب الأهلية خالية الوفاض بخسائرها ومكاسبها قبل غيرها من الطوائف، لكن قواها ورموزها ضربت واستهدفت بشدة حتى كادت الساحة السنية تخلو من أي رمز لها باستثناء عائلة سلام التي كانت تشهد أفول نجمها السياسي.
وبمقتل مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ حسن خالد أبرز الزعامات السنية، شعر سنة لبنان باليتم، ولم يتبدد هذا الشعور إلا بصعود نجم الحريري، الذي كان يطمح لزعامة الشعب اللبناني كله وليس السنة فقط.
لكن طبيعة الوضع الذي كان عليه لبنان منذ سنين لا يمكن أن يرى في الحريري إلا زعيما لطائفة واحدة هي الطائفة السنية رغم كل ما قيل ويقال.
ضعف الطائفة السنية في لبنان جاء من عدة نواح: أولها غياب المرجعية والولاء الخارجي خلافا لباقي الطوائف كالشيعة والمرجعية الإيرانية والمسيحيين عموما والمرجعية لفرنسا.
أما الأمر الآخر فهو غياب القيادات السنية الفاعلة والقوية والمؤثرة، فباستثناء الشيخ حسن خالد ورفيق الحريري لم يعرف سنة لبنان زعماء حقيقيين، خلافا مرة أخرى لباقي الطوائف التي يزخر تاريخها الحديث والقديم بقائمة طويلة من الزعامات.(33/150)
الملفت في حكاية الزعامات في لبنان أنها أخذت طابعا "عائليا"، فأصبحت زعامات طوائف لبنان كلها حكرا على عائلات بعينها تمتلك السطوة والقوة والمال والتاريخ والنفوذ السياسي لتكريس زعامتها لأبناء طوائفها باستثناء السنة. فلم يعرف عن أي من الزعماء السنة في لبنان باستثناء "آل كرامي" توريث سلطتهم لأجيال متعاقبة من أبناء العائلة، في حين توارثت أجيال عديدة من مسيحيي وشيعة ودروز لبنان "الحكم" والسلطة عائلياً وإن بدرجات متفاوتة.
ومما ساهم في ضعف الطائفة السنية في لبنان ضعف مرجعيتها الدينية، ففي حين كانت مرجعيات المسيحيين الموارنة والشيعة والدروز تتعاظم شيئا فشيئا وتفرض صوتها ورأيها بقوة في الدولة اللبنانية، ظلت المرجعية السنية تراوح مكانها والسبب انقسامها العميق ما بين تنظيمات "الإخوان المسلمين" و"حزب التحرير" والجماعات الصوفية، وبعض الجماعات السلفية ذات الاتجاهات المتضاربة.
ولاحقا ازداد الانقسام والضعف بظهور جماعات سنية يصنفها الآخرون على أنها من الفرق الباطنية، من قبيل جماعة "الأحباش".
ويمكن تحميل جزء كبير من مسؤولية غياب وعدم فاعلية سنة لبنان لجماعة الإخوان المسلمين في لبنان باعتبارها أكبر الجماعات السنية وأكثرها تنظيما.
لكن تاريخ الإخوان في لبنان يرتبط بالكثير من هشاشة الموقف والضعف والتشتت بسبب ارتباطهم عمليا بإخوان سوريا الذين مروا ويمرون بحالات متعاقبة من الضعف والتلاشي وعدم الحضور على الساحة السياسية في سوريا وخارجها.
وكان ضعف الطائفة السنية يخدم فكرة طالما أقلقت دمشق، ضعف سنة لبنان مؤشر لضعف سنة دمشق، ثمة ارتباط لا فكاك منه بين سنة دمشق وسنة بيروت بصفتهم امتدادا لسنة دمشق.(33/151)
ومشكلة السنة في لبنان أيضا أنهم بحكم لعبة السياسة تحالفوا مع الجميع إلا مع أنفسهم في خضم هذا كله، وثمة أرقام صدرت قبل أشهر قليلة عن وزارة الداخلية اللبنانية إحصائية تثير الدهشة فعلا، فالناخبون المسلمون في لبنان يشكلون 59 %، السنة منهم 26.5% من مجمل الناخبين ولأول مرة في لبنان طغى الثقل السني إلى هذا الحد.
أوغندي يدعي الألوهية وينكر سائر الأديان
مجلة الكوثر ـ العدد 74 ـ شوال ـ ذو القعدة 1426هـ/ ديسمبر 2005م
دجال جديد ظهر في غرب أوغندا وتحديداً في منطقة موهورو التابعة لمحافظة كيبالي يدّعي الألوهية. لم يكتف بذلك، بل أنكر قصة خلق الإنسان، واعتبر آدم عليه السلام أكذوبة لا حقيقة! وكذب بجميع الأنبياء والرسل والديانات (إلا دينه) بل اعتبر الأديان سبب الفرقة والنزاعات بين البشر، وأنكر كذلك حقيقة البعث والحساب. كان هذا الكذاب أحد أكبر رجال الكنيسة في المنطقة هناك: يدعي (ديسيتيور بيساكا).
وقد عمل في الكنيسة الكاثوليكية لمدة عشرين عاما من عام 1960 إلى عام 1980 ثم تطور به الأمر فعمل في الكهانة وادعى معرفة الغيب والقدرة على شفاء الأمراض دون استخدام أية أدوية. فلما كثر أتباعه وزاد عدد المترددين عليه، ادعى الألوهية، وبدأ يدعو إلى الإلحاد والكفر بكل الديانات السماوية إلا دينه الجديد، وهو عدم التدين بأي دين في الوجود، والغريب في الأمر أن هذا الرجل استطاع أن يجمع ثروة طائلة، واستخدمها في دعوته ليوفر لأتباعه الطعام والشراب خلال أيام عبادته التي يدعو إليها. وخلالها يستطيع السيطرة عليهم عن طريق بعض الأباطيل التي يوحي بها الشيطان إليه فيزداد من حوله تصديقا به، وكان قد خصص أيام 7 ، 17 ،27 من كل شهر ميلادي لعبادته التي يستعمل فيها الإنجيل في بعض الأحيان، لكن لما ازداد أتباعه، زاد عليهما أيام 9، 19، 29 من كل شهر.(33/152)
ومن جملة ما يقوم به أنه يأمر أتباعه بالنوم على التراب ليضربهم بعصا غليظة، ثم يلطم وجوههم لطرد الشياطين التي تتلبسهم! ثم تطور الحال بهذا الرجل فجعل أيام 2، 12، 22 لعبادته، ثم بدأ في وضع تقويم خاص به، ووضع أسماء للأشهر مخالفة للأسماء المعروفة، وأقام أماكن لعبادته تزيد عن الخمسمائة مكان، وبدأ الناس يتوافدون عليه ويتزايدون حوله، ومن إجلالهم له، أنهم أقاموا له قصراً كبيراً، واشتروا له عشرات السيارات والدراجات النارية التي يستخدمها أعوانه في الترويج لدعوته، وهم الآن بصدد بناء قصر آخر أكبر من الأول متعدد الطوابق حتى يتسع لأتباعه.
والخطير في أمر هذا الكذاب أنه أصبح يستهدف المسلمين وعقيدتهم بتحريض أتباعه عليهم، ودعوة الآخرين إلى عدم الأكل من الأضاحي أو غيرها من الحيوانات المذبوحة على الطريقة الإسلامية، حتى بدأ يبث الفرقة بين المسلمين أنفسهم.
وهو يدعي أمام أتباعه دائماً أنه سيهزم كل الأديان وسيعلو أمره في الدنيا كلها! لكن قسم الدعوة التابع لقطاع البحيرات والسودان بلجنة مسلمي إفريقيا لم يقف مكتوف الأيدي أمام افتراءات هذا الدجال، بل يحاول التصدي لها، وفضح أكاذيبه بالدعوة والموعظة الحسنة بين بعض أتباعه الذين عاد بعضهم واعتنق الإسلام من خلال الدعاة الذين فرغهم القسم للدعوة بين أنصار هذه الدجال. وبما أن عدد أتباعه كثير، فإن الأمر يتطلب تفريغ عدد أكبر من الدعاة من هذه المحافظة لوقف المد التكفيري لهذا الملحد، وإقامة دورات علمية في مساجد المنطقة، وإنشاء مدارس إسلامية حتى تخمد هذه الدعوة الباطلة لهذا الراعي الكذاب.
ونحن نتساءل عن الجهة التي تقف وراء هذا الدجال وتسانده بهدف التشويش على الدعوة الإسلامية في هذه المنطقة، وإثارة الفتن بين المسلمين من جهة، وبينهم وبين غيرهم من جهة أخرى!
دعوة إلى الخير
عبد الرحمن السميط - نشرة من إصدار لجنة مسلمي أفريقيا بجمعية العون المباشر(33/153)
أخي الفاضل/ أختي الفاضلة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
بعد 26 سنة قضيتها في خدمة الدعوة في أفريقيا قررت الهجرة مع زوجتي إلى منطقة نائية في جنوب شرق مدغشقر حتى أساهم في إعادة قبيلة الأنتيمور إلى الإسلام، وهي قبيلة أصلها من الحجاز هاجرت إلى جزيرة مدغشقر منذ مئات السنين.. ونسيت الإسلام.. وضاعت لغتها العربية.. وتحولت إلى الوثنية والنصرانية.
وقد بدأت قصتي معهم منذ 12 سنة، حينما سمعت بقرية اسمها (مكة) ولما وصلت إليها بعد أربع ساعات من الخوض في مستنقعات مليئة بروث الأبقار، قال لي أهلها أنهم سموها (مكة) على اسم قرية في الشمال جاء منها أجدادهم (لا يعرفون السعودية ولا بلاد العرب) وبالحديث معهم اتضح لي بأنهم لا يعرفون الصلاة ولا الصوم وأن البروتستانت بدأوا يزورونهم وأقنعوهم أن الإسلام والبروتستانتية شيء واحد.. كما اكتشفنا قرى كثيرة بأسماء عربية مثل: إيجاز (حجاز) ومشر (مصر) وغيرها من القرى..
وقد عرفنا أن أفراد القبيلة وعددهم يقارب المليون نسمة كانوا مسلمين إلى وقت قريب، بل إنني التقيت بعدد من كبار السن الذين قالوا لي إنهم مسلمون، ولكنهم لا يعرفون من أحكام الإسلام سوى عدم أكل لحم الخنزير، والذبح الشرعي، واحترام جهة الشمال (جهة الكعبة) وعلى ضوء ذلك قمنا بوضع برنامج دعوي لمدة 25 سنة يهدف إلى نشر الإسلام، وقد مضى على تنفيذ هذا البرنامج 12 سنة، ونتوقع أن يسلم منهم 510 آلاف نسمة في نهاية عام 2009، ولكننا مع الإقبال الكبير على دخول الإسلام من قبل أفراد القبيلة إلا أننا لم نستطع أن نعلمهم أحكام دينهم نظرا لقلة عدد الدعاة من خريجي كليات الشريعة.(33/154)
ونحتاج حسب الخطة إلى 100 داعية خلال الأشهر الستة القادمة وإلى 500 داعية قبل عام 2009، في حين أن من يعمل معنا من الدعاة لا يزيد عددهم على ستة دعاة فقط.. يوزعون جهدهم على الخروج في القوافل الدعوية لنشر الإسلام وعلى التدريس في المعهد الشرعي وعلى عقد دورات للدعاة وأئمة المساجد وغيرها من البرامج الدعوية..
ورغم إسلام 17 قرية في الشهر الماضي إلا أننا لم نستطع عقد دورات للمهتدين الجدد لهم إلا في 4 قرى (كل دورة تستغرق 15 يوماً يحضرها من 20 ـ 30 مهتدياً)، وقد بدأت بعض الجماعات التي تنتسب إلى الإسلام وجماعات من الأديان الأخرى تنشط مؤخرا بعدما لاحظت انتشار الإسلام بينهم.
ونخشى أن نترك المسلمين الجدد دون دورات تعلمهم أحكام دينهم فيرتد بعضهم أو يؤمنوا بإسلام هذه الجماعات المنحرفة.
وهناك العشرات من خريجي كليات الشريعة يتخرجون كل سنة ولكنهم يفضلون فتح دكان أو مطعم في العاصمة أو في مدينة كبيرة بدلا من الرواتب الهزيلة التي نقدمها لهم في هذا المكان النائي الذي لا تتوفر فيه كثير من أساسيات الحياة المرفهة، حيث تعاني قريتنا من انتشار المستنقعات، والأمراض، وانقطاع الكهرباء والماء باستمرار، وعدم وجود طرق بل إن بعضهم بدأ العمل مع جماعات منحرفة كدعاة نظرا لأنهم يعطونهم رواتب أضعاف ما نعطي.
إننا فقط لا نناشدكم التبرع لوقف كفالة داعية في مناطق المسلمين الضائعين فقط (6000دينار كويتي أو 75000 ريال سعودي) بل نناشدكم أن تهبوا معنا لاستعادة هذه القبيلة وذلك بتشجيع كل من حولكم أن يتبرعوا بوقف أو أكثر من وقف لصالح تعيين دعاة هنا.
ونود أن نذكركم أن داعية عربيا واحدا أدخل 17 قرية فيها عدة آلاف من الناس إلى الإسلام خلال فترة بسيطة.. فكم سيكون أجرك إذن مدى الدهر، وكم سيكون أجرك إذا أقنعت من حولك بتبني وقف داعية أو أكثر خاصة وأن المعركة مشتعلة بين الرحمن وجنده وبين الشيطان وأهله.(33/155)
وختاما أذكركم بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم "لئن يهدي الله على يدك رجلا خير لك من الدنيا وما فيها" والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عائد من إيران
د. علي العتوم السبيل 14/3/2006
(هذا المقال نموذج على خطورة غياب البعد العقدي عند قادة العمل الإسلامي ، ففي الوقت الذي يصرخ فيه زملائه في جماعة الإخوان في العراق من ظلم وعدوان إيران ، نجد الكاتب يمجد إيران !!! الراصد )
هذه هي المرة الثانية التي أزور فيها هذا البلد الإسلامي العريق. الأولى بداية التسعينيات من القرن الغارب، في مؤتمر مناصرة القضية الفلسطينية، وهذه المرة بدعوة من لجنة الصداقة (الأخوة) الإيرانية ـ الأردنية، مع مجموعة من الزملاء الكرام، أعضاء اللجنة المماثلة في مجلس النواب الأردني، وذلك ما بين (4ـ 11/3/2006م).
إن هذا البلد الشقيق، هو أحد الأقطار العظمى في العالم الإسلامي الكبير، وهو بلد ذو تاريخ عتيق قبل الإسلام وبعده، ولما أن مَنَّ الله علينا بالإسلام، وانتشر نوره في ربوعنا وربوعه، تخلصنا به جميعاً من وثنياتنا، وكان أن أضحى هذا القطر العزيز أحد الأقطار الفاعلة في الحياة الإسلامية الزاهرة، ويكفيه فخراً أن الصحابي الجليل، سلمان الفارسي منه.
ولقد كان لهذا القطر في العقود الثلاثة المنصرمة خاصة، دور عظيم في التحرر من ربقة الطاغوتية البهلوية، والتبعية الخانعة للغرب، والتوسيد الذليل لبني صهيون، حيث كانت السفارة اليهودية فيه، من أكثر السفارات فاعلية ونشاطاً. فلما أن مَنَّ الله عليه بثورته الإسلامية، تخلص من إسار الانجرار وراء الأجنبي الظالم، والسير في ركب العدو اليهودي الغاصب.(33/156)
إن معاداة إيران لأمريكا ـ بوصفها أكبر دولة متسلطة في هذا العالم، تحمل نحو الإسلام والمسلمين حقد الصليبية المتأصل ـ ، ومعاداتها للصهيونية العالمية التي احتلت درة بلاد الإسلام، فلسطين، أمران واضحان. ومن هنا كذلك كان غضبُ الأمريكان الشديد، وحقد الصهاينة الدفين عليها، واضحين وضوح الشمس.
إننا في الأردن نتعاطف مع إيران، تعاطفاً كبيراً ونقف إلى جانبها في محنتها الحالية التي تشنها عليها أمريكا، سائلين الله أن يرد كيدها إلى نحرها، ويكف عنها شرورها المتطايرة، ويجعل تدميرها في تدبيرها، ويشل قواتها، ويبطل مفعول معداتها في عدوانها عليها وعلى أي قطر مسلم آخر. وإننا ـ في الحركة الإسلامية ـ لنكبر في إيران موقفها من القضية الفلسطينية، تأييداً للحق العربي فيها، ومعاداة لليهود المحتلين، كما نكبر ونشكر موقفها من منظمة حماس ودعمها المادي والمعنوي لها، مؤيدين حقها في استخدام مفاعلها النووي بالطريقة التي تراها مناسبة.
لقد لقينا من الأخوة في إيران ـ لجنة (صداقة)، ومجلس شورى، ومسؤولين كباراً، وناساً عامةًـ ، كل حفاوة وترحيب. فشكراً لهم على ذلك، كما أعجبنا بما عندهم من تقدم تكنولوجي، ظَهَر لنا جلياً في المصانع العظيمة التي زرناها، سواء في (سَمَند) للسيارات الصغيرة أو (خِدرُو ديزل) للباصات الكبيرة في طهران، أو الحديد الصلب في أصفهان، والتي تعد كلها مفخرة من مفاخر هذا القطر الكريم.(33/157)
ولقد أتاحت لنا اللقاءات العديدة مع الأخوة في إيران على مختلف المستويات، أن نتبادل وجهات النظر، ونبدي بعض الاقتراحات والآراء التي فيها الخير، لبلدينا العزيزين، انطلاقاً من قوله تعالى (وتعاونوا على البر والتقوى) وقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (المسلم أخو المسلم)، فكان أن دعونا إلى التعاون على المستوى العلمي، وذلك بإرسال بعثات دراسية من الأردن في تخصصات: الطب والهندسة والتكنولوجيا، واستقبال بعثات طلابية من إيران لدراسة التاريخ والأدب والإدارة مثلاً.
ومن الأمور التي كنت قد تقدمت فيها باقتراحات للأخوة الكرام هناك، أن تعقد في البلدين وعلى مستوى عالٍ ندوات علمية متخصصة، أو دراسات فكرية معمقة، يشارك فيها العلماء من القطرين الشقيقين، علَّ في الانفتاح تقريباً للاختلاف في وجهات النظر، ولا سيما أن بعضها أو أكثرها، قد تجاوزها الزمن، ولم أغفل أن أدعو الأخوة المسؤولين في هذا البلد الشقيق أن يعملوا على تحسين العلاقات بشكل أكثر مع إخوانهم العرب، ولاسيما دول الخليج، وأن يقوموا بدورهم المأمول في الدعوة إلى توحيد صفوف المسلمين من مختلف الطوائف في العراق، مطالبين بكل وضوح برحيل الاحتلال الأمريكي البغيض عنه. كما ركزت في هذه الزيارة، على ضرورة الاهتمام باللغة العربية، لغة القرآن الكريم، وتقديمها على أية لغة أخرى، فاحترامها من احترام الإسلام، والله جل وعلا يقول: (إنا أنزلناه قرآناً عربيا لعلكم تعقلون). كما أشرت إلى ضرورة زيادة الاهتمام بالمظهر الإسلامي، في الزي النسوي خاصةً.(33/158)
وقد كنت بينت في أكثر من مناسبة، أن علاقتنا نحن الحركة الإسلامية في الأردن، علاقة وطيدة مع الحركة الإسلامية وعلمائها في إيران منذ الخمسينيات من القرن الماضي، حيث السيد كاشاني ونواب صفوي، زعيم حركة (فدائيان إسلام)، وأواخر السبعينيات من القرن نفسه في دعم الثورة الإسلامية وتأييدها، وعلاقتي الشخصية الوثيقة رئيساً للجنة فلسطين وعضواً فيها وفي كتلة نواب جبهة العمل الإسلامي بسفير القطر الشقيق السيد (محمد الإيراني) في عمان.
وفي الختام أسأل الله لإيران كل خير وتوفيق، وأن يحميها من كيد أمريكا، وشكراً لكل مسؤول قابلناه هناك، والسلام مني لإخواني رفقاء الرحلة جميعاً.
اللقاء الخاص لمركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية
مع فضيلة الشيخ العلامة: عبد الرحمن عبد الخالق حفظه الله تعالى ورعاه
حول فوز حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بالإنتخابات في فلسطين.
الأحد: 6/محرم/1427هـ الموافق 5/2/2006م
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
…بادئ ذي بدء نتوجه بالشكر الجزيل لشيخنا الفاضل: عبد الرحمن عبد الخالق حفظه الله ورعاه، على تخصيصه لنا مثل هذا اللقاء والذي نسأل الله تعالى أن يجعله في ميزان حسناته وأن يوفقه لكل ما يحب ويرضى، ونحب أن نتقدم بين أيديكم بمجموعة من الأسئلة التي عرضت على مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية بشأن عدد من القضايا المستجدة على الساحة الفلسطينية وحول فوز حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بالإنتخابات التشريعية في فلسطين والتي تتطلب النظر والرأي من أهل العلم، وتبين الموقف المطلوب من المسلمين أن يتخذوه في هذا الوقت، فنسأل الله عز وجل أن يوفق شيخنا ويسدد رأيه ويعينه ويفتح عليه بإذن الله تعالى..(33/159)
السؤال الأول: ما هو طبيعة الموقف من فوز حماس في الانتخابات في ظل الثوابت التى يؤمنون بها، والمتغيرات التي ترافق تطبيقاتهم كمثل التحالف مع غير الإسلاميين أو الدعوة للوحدة الوطنية وغيرها.
الجواب: الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن سار على دربه واستن بسنته إلى يوم الدين، وبعد:
لاشك أن فوز حماس التى ترفع شعار الإسلام وتنادى به وتعمل من أجله، هذا أمر لا شك أنه أفرح المسلمين في كل مكان، ونرى أن القضية الفلسطينية بفوز حماس قد دخلت مرحلة جديدة من المراحل التي كنّا نريدها ونتمناها من قديم.
وهو إن الشعب الفلسطيني كله تكون فيه قيادة العمل والجهاد قيادة إسلامية، بعد أن استغلت القضية الفلسطينية استغلال سيء من كل التيارات المختلفة والمنحرفة والأفكار الشيوعية والقومية واللادينية وناس من أهل المصالح والأهواء، وكان العنصر الإسلامي - ما أقول مغيّب – ولكنه كان يعمل ولكن لم يكن له دور في قيادة العمل والجهاد علماً أنه في جميع مراحل القضية كلها المسلمون والناس الذين لهم توجه إسلامي قدموا تضحيات كثيرة وكثيرة جداً، ولكن لم يكونوا في الأيام السابقة على المستوى القيادي، وكون أن القيادة الآن التى تقود الفلسطينين أو الأمة الفلسطينية ناس تحمل شعار الإسلام فهذه نقلة ونقلة عظيمة جداً، سنرى ثمراتها ومنافعها في هذا المشروع إذا نجح واستمر سيكون له أثر عظيم جداً، ولعل هذا سيكون بداية النهاية لليهود على هذه الأرض وقد يستمر هذا لسنوات طويلة لكن إن شاء الله يكون هذا البداية الصحيحة.(33/160)
قبل أن أجيب على سؤالك أحب أن أبين أولأً أن حماس أتت عن طريق ما يسمى صناديق الاقتراع أو النظام الديمقراطي أو التصويت ونجاحها في انتخابات نزيهة على هذا النحو له دلالات كثيرة وعلى أن هذه المؤسسة كانت منظمة تنظيماً جيداً. لأن عمرها بضع وعشرون سنة، ولعل هذه العشرين سنة التى كانوا يعملون فيها من أسوء مراحل القضية الفلسطينية. حيث كان قبل هذه المرحلة مراحل أحسن بكثير فمثلاً قبل 1967م وبعدها إلى 1970م كان الأمر جداً مهيأ لأكثر الدول العربية لتعمل في القضية الفلسطينية والعالم كله مع الفلسطينيين، ولمن يريد أن يفتح مؤسسة للدفاع عن القضية فالأمر ميسر، وكان الأردن من أقصاها لأقصاها عبارة عن قواعد للفدائيين، وكانت إسرائيل محصورة. أما في الفترة من بعد حرب 1973م ثم مجيء السادات وعمله معاهدة الصلح مع إسرائيل (كامب ديفيد) بدأت القضية الفلسطينية تأخذ أسوء مراحلها، وبدأ دخول أكثر الدول في تأييد هذه المعاهدة.
فكون حماس تعمل وتنظم وتكسب رضى الشعب الفلسطيني وتقوم بهذا وهي محاربة، وخاصة إن هذه الفترة فترة هجوم على الإسلام، وكونها بعد ذلك تصل إلى الانتخابات وعن طريقها تصل إلى القيادة هذا يدل على أسباب عظيمة بذلوها، وشيء فوق الأسباب وأن هذا من أشباه المعجزات، إضافة إلى الأشياء الأخرى من وجود فكر وتخطيط وتنظيم أوصلهم إلى السلطة، لأنك في بيت ومن حولك حقل ألغام من المنظمات المختلفة والأعداء اليهود والأخطار الكبيرة الهائلة، هذا الذي جعلنا نستبشر خيراً إذا تسلموا الأمر، وبالنقلة من كونها تتحول من حزب عامل خارج السلطة ومن جماعة فدائية إلى حزب داخل السلطة فهذه نقله كبيرة.(33/161)
وإذا نظرنا إلى التاريخ الماضي لهم وكيف كانت عندهم عقلانية وسياسة فلعل هذا – إن شاء الله -يمكنهم في المرحلة القادمة - وهي أصعب - أن يقودوا دفة الأمور ويصمدوا في وجه وأمام هذه العداوة المحيطة من كل مكان، عداوة اليهود وعداوة أمريكا وتخوف الدول العربية والتخوف من التوجه الإسلامي، أمور كثيرة ومعقدة.
وخاصة أن الشعب الفلسطيني موضوع في سجون كبيرة ويتصرف فيه اليهود كما يشاؤون، وليس هناك أي عهد يلتزمون به، وأن اليهود قد نقضوا عهودهم السابقة مع السلطة السابقة في عهد عرفات وقالوا: لا يوجد شريك في الجانب الفلسطيني، وبدأ شارون يقنع أمريكا وأنه سيسير في مخططاته من طرف واحد باهمال الشعب الفلسطيني، وهم جاءوا في وقت الشعب الفلسطيني موضوع في سجون كبيرة لا توجد أي معاهدة تربطه ولا يوجد أي اعتراف به حقيقي، ما له هوية وما له شئ، وقوتهم وعملهم بيد عدوهم، هو صحيح على أرضه لكن ليس هناك أي نوع من الارتباط بينه وبين اليهود الذين نقضوا عهودهم، فالوضع لا شك أنه في غاية الصعوبة، وكيف تسير في أمر مثل هذا، أظن هو أمر فوق التصور، ولكن أقول: لعل الله يحدث شيء، وتكون هناك مثل المعجزة ويصمدوا ويبقوا يسيروا في قيادة الشعب الفلسطيني، كما أن كوادر القيادات على نضج فكري وأهل نظر وفكر وما هم ناس يطلقون شعارات أكبر من حجمهم، ولعل هذا من المبشرات للخير.
السؤال الثاني: هناك بعض العبارات التى صرح بها قيادات حماس في الداخل والخارج، من مثل:
- نحن نحترم خيار الشعب أياً كان.
- سنشكل حكومة من كل الأطياف مهما كانت توجهاتها.
- ما أفرزته صناديق الاقتراع هو الشرعية التى سيكون لها القيادة.
- تعاليم الإسلام لا نجبر أحد عليها، والكل حر في لباسه وتصرفاته.
- نحن مع الوحدة الوطنية ونحترم خيار الشعب.
- الديمقراطية هي خيارنا ومطلبنا الذي لا نحيد عنه.
- حماس هي التى اختارت هذا الطريق فلتتحمل تبعاته.(33/162)
نرجو أن نسمع منكم شيخنا الفاضل تعليقكم الكريم حول هذا الأمر، وجزاكم الله خيراً.
الجواب: أما ما ذكرتم من أشياء والتى صرحوا بها، من مثل تحالفهم مع المنظمات العلمانية الموجودة وأنهم سيتركوا الخيار للشعب ولن يفرضوا عليه نوع من الفرض، هذا كله ممكن أن يكون من وجهة الإسلام مبرر فليس هم الآن في مجال الفرض، فهم قد دخلوا بهذا النظام الديمقراطي وأنهم سيحترموا النظام الذي هم فيه، وهذا معناه أن النظام الذي وصلنا به إلى الحكم والقيادة لن نتخلى عنه، ولو قالوا إننا سننفذ ما نراه وأن كل الناس أقل منا عدد وسنطلق عليهم الحكم الذي نراه، وأننا سنطبق شريعة الإسلام على الجميع، ولن يقبلو بالرأي الأخر ولن يفعلوه، معنى ذلك أنه يطعن في أصل وجوده وأنت ما جئت إلا على أمر ديمقراطي، وهذا نظام فلا تلغي فيه الآخرين، فأنا أرى الأمر غير في مثل هذه الظروف، وهذا ما يمنع أن نطبق من أحكام الإسلام ما استطعنا ولا نفرضه على الآخرين، فلسنا في مجال قوة الفرض، فنحن نجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما جاء المدينة لم يفرض الأحكام الشرعية على الجميع وكان فيها يهود ومنافقين ومشركين، ولم يجبرهم على الإسلام، وعلى الرغم أنه كان هناك من يسب الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه، فهذا عبد الله بن أبي بن كعب يقول للرسول صلى الله عليه وسلم يا هذا أذهب إلى مكانك من أتاك فحدثه لا تغشانا في مجالسنا بما نكره. واليهود تعامل معهم صلى الله عليه وسلم بنوع من المعاهدات.(33/163)
كون أن حماس تكون في القيادة في مثل هذا الموقف وعلى هذا النحو وتتعامل مع الأطياف الأخرى ولا تفرض عليهم أحكام الإسلام، أنا أظن أن هذا ما ينافي الإسلام، متى يفرض الحكم الإسلامي؟ يفرض الحكم الإسلامي على من دخل الإسلام ومن انطوى تحت لوائه، أما من لم ينضوي تحت هذا فلا نستطيع أن نفرض عليه حكم الإسلام، كذلك ليس كل أحكام الإسلام للنهاية ستطبقها، مثال ربما أو من الممكن أن يكون بينهم وبين اليهود نوع من العهد أو الهدنة أو المعاملات الأخرى مثل شيء من التبادل التجاري، فهذه ظروف قائمة، فأنا أرى كل هذه التصريحات ليست بالضرورة ضد الإسلام وأنها تنسف الشعار الإسلامي الذي يحملونه، لكن ممكن يكون لها تبرير شرعي للظروف التى يعيشون فيها.
كما أن الشعب الفلسطيني نعرفه وما كان كله من أهل الصلاة أو الصيام أو من أهل الدين، كان فيه منظمات شيوعية ومنظمات قومية وعلمانية، وكانت نسبة المصلين حتى أقل من غير المصلين، فإذا سمحوا لهم أن يبلغوا هذه المنزلة ويقوموا بالتدرج في تطبيق الإسلام فهو المطلوب، وحسبهم أم يكونوا في أنفسهم ملتزمين بالإسلام، أما أن نطالبهم الآن أن يطبقوا الشريعة والإسلام عليهم هذا تكليف ما لا يطاق وهذا غير صحيح.
الخلاصة أن يستبشر كل مسلم بهذا الأمر الذي هو خير ولكل من يحب الإسلام، وأن هذا إسلام في المقدمة، وحسبكم أن كل الأعداء قالوا بأن هذا الأمر كارثة وأن هذا تسونامي جديد جاء للمنطقة، وهذه ستكون بداية النجاح والاكتساح للمسلمين في الانتخابات في كل البلاد، وعلى هذا فلا ينبغي لمسلم عاقل أن يقف في صف العدو!! وهل إذا خيّرنا بين أن يحكم الفلسطينيين أناس من أهل الإسلام وآخرين لم نعرف أفكارهم أو من غير المسلمين فماذا نختار.(33/164)
تعليق: الأمر هنا غير يا شيخ، فأي مكان يتواجد فيه الأخوان فإنهم يؤمنون بهذه التحالفات وهذه الأفكار وينشؤون النشأ عليها وليست هي من باب الضعف، وإنما توجهات مسبقة عندهم واستراتيجيات وضعوها، فليس عندهم أي مشكلة في مثل هذه التحالفات مع التيارات الوطنية والشيوعية وغيرها، سواء داخل فلسطين أو خارج فلسطين. فهي نظرة عامة عند الإخوان عموماً، وكون حماس امتداد لهم.
ما أريد أن أقوله: ليست الظروف هي ما فرضت عليهم أن يقوموا بمثل هذا الأمر، وإنما هي توجهات مسبقة عنهم؟
الجواب: لا تضر هذه أن كان لهم اليد العليا. لكن متى تضر؟ أن تدخل حليف وتساعد ناس على غير دينك أو عقيدتك ومن ثم تعمل للتغير نحو الأسوء. نعم كان للأخوان تجارب وتحالف مع بعض الأحزاب المنحرفة على التغيير وغيروا ولكن للأسوء، مثل ما حدث في العراق فإن الأخوان تحالفوا مع حزب البعث ضد عبد السلام عارف وعبد الرحمن عارف، وكان عبد الرحمن عارف أفضل ألف مرة من البعثيين ووصوهم إلى الحكم ثم بعد ذلك انقض البعثيين على الأخوان وقضوا عليهم وذبحوهم واستفردوا بالحكم وبعض التحالفات الأخرى كانوا هم الوقود. فقد كانوا مثل المطية التي استغلهم غيرهم للوصول للحكم ثم بعد ذلك قضوا عليهم.(33/165)
لكن إذا كان لديك اليد العليا وهؤلاء وافقوك على هذا الأمر مثل تحرير الشعب الفلسطيني من الإحتلال اليهودي الجاثم على صدره وإقامة دولة للفلسطينيين، فإذا كان لحماس اليد العليا وهؤلاء مسايرون معها وليس فيه شر فهذا خير، كما أن العملية الانتخابية قد تفرض عليك تحالفات مثل هذه حتى تصل إلى الأمر الذي تريد أن تصل إليه، مثل إن تكون تحالفاتك الدافع فيها لتحسين الوضع الذي أنت فيه وليس للأسوء، وهنا مثلاً كان الكويتيين في الانتخابات أقصد الإسلاميين يتحالفون مع ناس غيرهم لهم مصالح أخرى حتى يصلوا إلى هدفهم، ورأوا أن هذا أفضل لأنك أنت وحدك ما تقدر أن تصل إلى شئ، فليس التحالف في حد ذاته شر بل ممكن أن نتحالف مع ناس على خلاف الدين لطرد عدو أكبر أو لتأمين شره، مثل ما الرسول صلى الله عليه وسلم حالف اليهود وحالف المشركين، فقد كانت خزاعة دخلت في حلف مع الرسول صلى الله عليه وسلم مؤمنها وكافرها.
فالتحالفات ليست محرمة لذاتها ولكنها تحتاج إلى النظر السياسي الصحيح الذي تجعلك ما تكون مطية للشر، يأتي ويقتلك ويركبك عليك بعد ذلك، ولكن حالف الناس الذين يوصلونك لما تريده، فأنت مثلاً تريد تحرير فلسطين وجاءك أناس - نفرض الاتحاد الأوروبي – دعمك لهذا الأمر وقال لك نقف بجانبك ضد أمريكا واليهود، فأمريكا تقف مع اليهود وتساعدهم ونحن لنا مصالح في الوقوف ضدها، فهذا جيد ولا يمنع وما فيه شيء.
بارك الله فيكم.
تعليق آخر: شيخنا .. في ضوء النظام الديمقراطي الذي أوصل إلى السلطة قد يقال أن الواقع الذي ارتضيتم به يفرض عليكم التزامات معينة مع اليهود وغيرهم، مثل الإعتراف بهم واسقاط العمل الجهادي ..إلخ.(33/166)
الجواب: قد يكون هناك التزامات وعهود قد تحترم وأخرى لا تحترم، فإذا أخذنا تصريح خالد مشعل الذي قال فيه: أننا سنحترم المعاهدات التى تسير في صالحنا ولن نحترم المعاهدات التى تسير في غير صالح الشعب الفلسطيني، طبعاً لا يقال هذا الكلام شرعاً (المسلمين عند شروطهم) هذا لو كان هناك معاهدات وعقود حقيقية بين اليهود وبين المسلمين فيجب أن نحترمها، لكن هناك عقود وعهود وقعت باطلة في أصلها فهذه لا تحترم، مثل معاهدات الصلح التي وقعت فهل يلتزم المسلمين بها، وقد كتبنا كتاباً في هذا وبيّنا هل يجب على المسلمين الإلتزام واحترام معاهدات الصلح التي وقعت في أصلها باطلة، فهذه المعاهدات أخذوها بدون رضا أحد كما فعل السادات مثلاً لم يأخذ مشورة المسلمين في وقف الحرب مع اليهود للأبد والصلح معهم، فهو لم يأخذ فيها رأي أحد، وهذا ضد الدين ولايجوز البته إسقاط الحرب والعداوة بين المسلم والكافر إلى أبد الآبدين.
فوقف الحرب لمدة معينة أو غير محددة المدة جائز. لكن أن يكون السلام أبدياً حتى لو اعتدى كافر يهودي على مسلم لا تنتقد هذه المعاهدة، فهذه معاهدة باطلة، وهناك عهود ممكن أن تحترم، وهذه العبارة التى قالها - ممكن تكون قريبة من الشرع – ولو قال: نحن نظن أننا سننفذ ما نرى أنه الحق وما هو في صالح الشعب الفلسطيني وأن ما عدا ذلك فلا يلزمنا ما دام يتعارض مع ديننا. لكن أظن أنه لا يستطيع أن يقول مثل هذا الكلام مباشرة.
السؤال الثالث: هل يجوز شرعاً وتحت الضغوط الدولية والعربية التنازل عن الخيار العسكري والإعتراف بدولة اليهود؟(33/167)
الجواب: دولة اليهود الآن كيان قائم فالاعتراف به بمعنى وضع الحرب نهائياً معهم، فنحن لا نحاربهم أبداً ويكون سلام نهائي، فهذا لا يحل للفلسطينيين ولا لغير الفلسطينيين، هذا عدو وحربه لا بد أن تكون موجودة، لكن ممكن أوقف الحرب الآن لأن ما عندي طاقة ولا قدرة، وأن أقبل الهدنة إذا قبل الهدنة، وهذا الكلام الذي قالوه في الحقيقة وهو يدل على فقه إسلامي بأننا مستعدين أن نضع هدنة مع اليهود، أما أن نعترف بالكيان اليهودي فلن نعترف به قط، ولن نسقط الحرب بيننا وبينهم، فهذا كلام جميل. ولكن أن هذا كيان قائم وأنه ملك الأرض ونحن لا نحاربه قط، فلا.
فكونه يعتقد أن هذا احتلال وأنه محتل سواء كان في يافا أو في الضفة الغربية أو تل أبيب ونوقف الحرب بينه وبيننا في هدنة معينة فهذا كلام عظيم جداً. وهو من أقوى التصريح في هذا وهو في غاية الوضوح، ويكفيهم شرف أن يقولوا مثل هذا الكلام ويجب أن يأيدوا عليه.
تعليق: شيخنا، ممكن يعطيهم مثل حديث بريرة، يعني يشترط عليهم ولكن هذا الشرط لا يلزم!!
الجواب: لا... لا.... ما ينفع هذا.... لا يصلح في مثل هذه الأمور أن يشترط شروط باطلة ثم ينقضها لا يجوز إبرام شروط نحن نعتقد بطلانها.
السؤال الرابع: لجوء حماس إلى دول عرفت بتاريخها الدامي للعالم الإسلامي أو السني هل هو خيار أو تكتيك مشروع؟ مثلاً: سوريا وإيران تاريخهم واضح ومعروف، والآن حماس تعول على الموقف السوري والدعم الإيراني، وأن إيران وعدت أن العجز الذي سيكون في الموازنة الفلسطينية ستسده، وكما تعلمون أن كل هذا له حسابات عند دولة مثل إيران، ومواقف حزب البعث الحاكم في سوريا معروفة من الإخوان والقضية الفلسطينية والمجازر إلخ ... فما تعليقكم حفظكم الله على مثل هذا.(33/168)
الجواب: هؤلاء إذا أيدوا العمل الإسلامي التى تقوم به حماس أو الجهاد الفلسطيني بدون أن يضعوا شروط معينة فيها تنازل عن دين وعن حق فلا بأس، فهذا ماذا يصنع إن وجد حكومات أهل السنة لا تساعده ولا تنصره وتعاديه، فإذا وجد عند هؤلاء النصرة هذا لا بأس به وهذا ما يضر إذا ما كان فيه شروط، وإذا كان فيها شروط تؤثر على الإسلام كمثل نشر المذهب الرافضي طبعاً هذا لا يحل، كمثل أن يبيع الإنسان الأخرة بالدنيا.
السؤال الخامس: ما هي نصيحتكم لبعض إخواننا السلفيين داخل فلسطين الذي رفضوا الانتخابات جملةً وتفصيلاً. وهل تعتبر أن موقفهم كان صائباً؟!
الجواب: في الانتخابات سواء شاركت أم لم تشارك فأنت تؤثر في النتيجة، يعني أنت فرد محسوب، فإذا أدليت بصوتك أثرت في النتيجة، وإذا ما قدمت صوتك أثرت في النتيجة، فهؤلاء يظنون أنك إذا ما أديت صوتك فأنت خرجت من العملية الانتخابية وهذا خطأ، فأنت دخلت العملية الانتخابية وأثرت .. كيف؟ لأن أصواتك لو كانت مع فلان لكان نجح، ولكنك منعت هذه الأصوات عنه فخسر، فأنت جزء من هذا المجموع، وتؤثر فيه سلباً أو ايجاباً، والعملية الانتخابية حصلت سواء أدليت بصوتك أو حذفت صوتك فأنت أثرت في النتيجة.
مثلاً في الانتخابات الكويتية هناك أناس يعطون المال حتى لا يذهب للتصويت. وأظن أن هذا جهل بالعملية الانتخابية، وهم قد أثروا في النتيجة تأثيراً ما، وما استفادوا شئ، وكذلك العملية الانتخابية طبقت عليهم، فأنت ما خرجت عنها لأن الذي كسبوا في الانتخابات هم الذين سيحكمونك ويتحكموا فيك فأنت واقع تحت هذا الأمر ما أنت خارج منه، وهذا جهل بواقع الأمور.
تعليق: شيخنا ما نصيحتك لمثل هؤلاء؟(33/169)
الجواب: والله لا أدري ماذا أقول، هل هذا البديل الذي كان من غير حماس أولى وأحسن. أظن يجب أن نبتعد عن مثل هذه النظرات الحزبية الضيقة، ويكفيك الدخول على الشبكة العنكبوتية لتشاهد حجم الكارثة، يعني لو نجح هؤلاء اللادنيين أو المنحرفين لكان أحسن!!! نعوذ بالله من الجهل.
تعليق آخر: شيخنا هل تعتبر أنه من الحكمة للسلفيين في الداخل أن يعتبروا أنفسهم فصيل سياسي، ويرشحوا أسماء؟
الجواب: كان مفروض أن يكون هذا.
تعليق استفهامي: بغض النظر عن قوتهم على الساحة؟!!
الجواب: لا، يجب أن يحسبوا قوتهم، على الأقل ممكن ندعم بعض الناس الذي يكونون هم أفضل من غيرهم، ولا شك مهما كان حجمك فأنت ممكن ترجح كفة عن كفة مثل ( بيضة القبّان) تكون شئ صغير وتؤثر في الميزان.
انظر اليهود في أمريكا عندهم أحزاب وعندهم أصوات، أصواتهم هذه يجعلوها أصوات مرجحة لحزب قوي سواء ديمقراطيين أوجمهوريين فهم يدعموا الجهة التى تعطيهم أكثر، فيذهبوا للحزب هذا، ويذهبوا لهذا ماذا تعطينا؟ الذي يعطيهم أكثر يحولوا أصواتهم إليه، وهذه أصوات مرجحة، من الممكن أن تكون عدد قليل ومرجح، ولو لعدد قليل ممكن نركز جهودنا ونطلع واحد اثنان في البداية، وهذا أفضل من أن تكون خارج النتيجة ومؤثر سلباً، فنحن في الخارج ومع ذلك نحن مؤثرون في النتيجة، وما حصلنا شئ!!
سؤال اضافي: هل نستطيع أن نقول أن العملية الانتخابية والواقع الديمقراطي الآن في العالم الإسلامي عامة وفي فلسطين خاصة أصبح واقع يلزم الإسلاميون أن يشاركوا فيه من أجل تحقيق أهدافهم؟(33/170)
الجواب: والله شوف، وسيلة التغيير السلمية المتاحة الآن هذه، كوسيلة تغيير سلمية نحو الإسلام، ولكن وسيلة التغير الأخرى السيف إذا كنت تريد، لكن إذا كنت تريد التغيير بالطريقة السلمية فهذا هو المتاح الآن على الطريق وهو أفضل شيء، وهذا الطريق يحمي الدعوة، فأنت من المكن لا تستطيع أن تدعو بحرية إلا إن كان لك قوة في البرلمان، وإن لم يكن لك قوة فلا تستطيع أن تفعل شيء وحتى لا تستطيع أن تدعو، فإذا كان هذا هو الوسيلة السلمية المتاحة فأعتقد أننا يجب أن نخوضها، ولو وجد الوسيلة الحاسمة الأخرى وهي التغير بالسيف والقوة فهذا خير.
السؤال السادس: ما هو الموقف الشرعي لإعلان حماس هدنة طويلة الأمد مع اليهود بدل من الاعتراف بشرعية اليهود؟
الجواب: هذا جيد، وهذا شرعي، إذا ما أستطيع أن أحارب اليهود، فأنا أقوم بهدنة، لأن الهدنة أنفع لنا لتسليح الشعب الفلسطيني وزيادة قوته إلى أن يشاء الله تعالى بدل أن تكون حرب معلنة عليّ وأنا في حالة ضعف وتحت مطارق العدو وردي على اعتداءاته محدود، إذا كان هذا فهو خير.
تعليق: شيخنا ماذا لو كان هذا الأمر خطة وتكتيك سياسي عند اليهود وغيرهم من أجل دفع حماس للقبول بالسلطة وبالتالي مع الوقت دفعهم إلى مسالك معينة في دهاليز السياسة وفرضها، وبالتالي تفقد مصداقيتها فضلاً على أنهم يستطيعون تحجيمهم من خلال العمل السياسي ومعرفة نفوذهم ويسهل متابعتهم ويصبح كل شيء مكشوف ظاهر.
الجواب: أنا أريد أن أعدّلك السؤال بالطريقة التالية: ما الذي يتوقع أن تصنعه إسرائيل لحماس وما هي خطط العدو التى يمكن تصورها، وخصوصاً أن حماس بالنسبة لهم مشكلة؟ هذا الذي ينبغي أن يسأل ... جيد.
لا شك أن نجاح حماس ووجودها على هذا الشكل، أعني هي موجودة عن طريق المشروع العالمي الذي تنادي به أمريكا وهو مشروع الديمقراطية، هذا الأمر محرج لأمريكا والغرب كله ولإسرائيل.(33/171)
واليهود واجهوا مشاكل كثيرة، ونستطيع أن نقول أنهم تغلبوا عليها كلها، وبعض المشكلات التى واجهوها حتى يقيموا دولتهم وكان بعضها قاب قوسين أو أدني من أن إسرائيل تزال.
منها على سبيل المثال: انتشار العمل الفدائي في فترة ما قبل 1967م وبعده إلى 1970م وأصبح الشعب الفلسطيني الذي في الأردن مسلح للنهاية، من الصغير إلى الكبير، وكنت تدخل عمان هذه وتمشي في السوق فتجد الفدائيين مدججين بالسلاح من أولهم إلى أخرهم أكثر من الماشين، وقد قلت لو أن الوضع استمر هكذا لعشر سنوات تزال إسرائيل، لكن انظر ماذا صنع اليهود بعد ذلك حتى جعلوا هذا أثر بعد عين.(33/172)
كذلك ما كان للفدائيين في لبنان من القوة الهائلة.. الهائلة، ومع وجود الضغط على اليهود، وما كان للشعب الفلسطيني ومنظمة التحرير من الأموال التى هي أكثر من أموال الكل. واليهود كانوا قائمين في وقت من الأوقات وكل المحيط العربي والإسلامي وكان أكثر الدول ضدهم انظر كيف استطاعوا شيئاً فشيئاً أن يغيروا كل هذا. وانظر لما كان الالتزام الأمريكي بأنهم يمشوا في السلام وأنهم يكونوا مع الشعب الفلسطيني، استطاع اليهود أن يحطموا أخر شئ منه، حتى جعل شارون بوش لا يتعامل مع ياسر عرفات ويغلق كل الأبواب حتى قال: أنهينا القضية الفلسطينية. وأنا أرى أن مشكلة حماس بالنسبة لهم مشكلة وهي مشكلة صغيرة أو ليست بالشيء الكبير لهم، وسيعملوا على تفريغ هذا الأمر من محتواه، ومن الأشياء التي يمكن أن يفعلوها الآن أن يصلوا إلى قرار من الدول مثل أمريكا وغيرها أن لا يتعاملوا مع حماس وأنهم منظمة إرهابية، علماً أن الأمريكان قالوا في البداية: نحن مستعدين نتعامل معهم إذا اعترفوا بإسرائيل!! وكذلك من الممكن أن يعملوا فتنة بين الشعب الفلسطيني وبين حماس حتى يكرههم الفلسطينيين ويتمنوا زوالهم وهذا عندما يرى الشعب الفلسطيني أنه حوصر وضيقوا الأمر عليه ولا أحد يساعدهم من الخارج، وكأنهم جلبوا البلاء عليهم فينقلبوا عليهم، فالذي انتخبهم ينقلب عليهم وتصير المسألة أسوء.
المهم أن اليهود سيتحركوا تحركات كثيرة وممكن أن يكون هذا العمل بعض شهور أو سنوات كأن لم يكن، فالظروف صعبة جداً، وإذا لم يكن هناك شئ فوق الأسباب وإعانة من الله تبارك وتعالى، فما أدري.. كأن المستقبل مقفل، فالله المستعان.
تعليق آخر: شيخنا ... ممكن بعض الدول العربية تساند وتساعد بحيث تتبنى بشكل جدي مثلاً رواتب الموظفين للفلسطينيين، وغيره.(33/173)
الجواب: فيه من الدول العربية من يساعد بشكل غير رسمي. لكن الأمور صعبة، والطريق أمامهم صعب.. صعب جداً، ومن الممكن أن يكون العدو الأول لهم هو الشعب الفلسطيني إلا إذا ما الأمر انفرج، لأن الموارد الموجودة داخل فلسطين موارد قليلة جداً فقد جُرّدوا من كل شئ، أو أن يكون الشعب مستعد للتضحية تضحيات طويلة وعمل طويل، أو ينفك الحصار عنه ويصير له منافذ للخروج وتعلن له دولة حتى لو ما يعترف بها اليهود، ولكن تعترف بها دول أخرى.. في هذه الحالة يمكن أن يكون هناك أمل، المسألة ليست بسيطة.
السؤال السابع: هل اعتلاء قيادة حماس سدة الحكم في السلطة الفلسطينية يحول هذه السلطة إلى سلطة شرعية يجب لها الطاعة الشرعية والبيعة وكل ما تقوم به من معاهدات وهدنة يجب الإلتزام بها.
الجواب: انظر... المسألة ليست إقامة خلافة إسلامية، التعامل مع الحكومات القائمة الآن سواء كان المسمى إسلامي أو غير ذلك يكون تحت قاعدة: إنما الطاعة في المعروف، وليس بالضرورة إنها ستشرع وستسير في كل قوانينها حسب الإسلام كما إن التى ستوافق فيه الإسلام شئ قليل مقابل غيره. والمسلم في هذه الظروف الاستثنائية ما يراه طاعة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم يطيع فيه، وما يراه معصية فلا يطيع.
السؤال الثامن: إذا اضطرت حماس للجلوس والتفاوض مع اليهود هل لهم مبرر شرعي في ظل الظروف الحالية الراهنة. وهل هناك حدود وضوابط؟
الجواب: ما في مانع من المفاوضة مع العدو. والحدود والضوابط التي يجب أن تكون ذكرناها سابقاً، مثل أن لا ينقض عهد من عهود الإسلام، كدعوى ما يسمي بالسلام الدائم وأنه لا عداوة، وأنه أصبحنا شعبين صديقين للأبد، ونسلم لكم ما أخذتموه من فلسطين ونرضى بما تركتموه لنا مثل هذا لا يحل أبداً. وإنما معاهدات الهدنة تكون للتهدئة ولوقف القتال أو ما سيتركه اليهود وينسحبوا منه وهكذا، وأنا ظني أن اليهود لن يعترفوا بحماس كممثل للشعب الفلسطيني.(33/174)
السؤال التاسع: شيخنا هل من نصيحة عامة للسلفيين في فلسطين، تنبهم فيها إلى طبيعة الصراع وأوليات العمل وما الذي يجب أن يقوموا به والمفروض عليهم بحكم أن دعوتهم ناشئة داخل فلسطين.
الجواب: أولاً يجب أن يحددوا هدفهم، ما الذي يريدونه من أجل الدخول في القضية الفلسطينية، وماذا يريدونه بالضبط؟ هل عندهم هدف تحرير فلسطين من هذا العدو اليهودي أو إقامة شرع الله تبارك وتعالى في الأرض، أو دعوة المسلمين للرجوع إلى الدين. فما الهدف الذي تريد، ثم العمل على وفق هذا الهدف، لأني أري أن كثيراً من الناس يسمي نفسه بالسلفية!!! ولكنه يعيش وليس له هدف واضح في عملية جهاده ودعوته.
إذا حددوا أهدافهم ممكن يؤخذوا الخطوات الصحيحة. وإذا استمعوا لهذا الكلام السابق في العمل الديمقراطي قد يقتنعوا أن يخوضوا في هذه التجربة وهذا في صالحهم، أو يخوضوا في أعمال الجهاد وهذا كذلك عمل مشروع. لكن بعض السلفية للأسف تري تناقض بين السلفية وبين الجهاد وكأنه أصبح شئ محرم!! فإن كانوا يريدون سبيل الجهاد بالسيف فهذه طريقة للدعوة وقيادة الشعب الفلسطيني والعمل على نشر الإسلام وهذا باب. وإن كانوا يريدون فقط القيام ببعض الأعمال الخيرية يمشي في هذا الباب، لكن يجب عليهم معرفة المحيط الذي يعيشون فيه، وماذا كان يضرهم إذا دخلوا في العملية الانتخابية وساهموا في إنجاح بعض المسلمين، وماذا يضر وأنت كتلة من مثل أن السلفية عندهم عشرة آلاف صوت في فلسطين فهذا له ثقل يجب أن يضعوه في المكان المناسب، أنت عندما حجبتهم بهذا الشكل غيرت النتائج، وإنك لو وضعته ووجهته في المكان المناسب لاستفدت منه، وطلّعت اثنين ثلاثة وكان لك صوت مع الأصوات التي تنادي بالحق وإقامة شرع الله وعدم التنازل لليهود وغير ذلك من إصلاح أحوال الناس ومحاربة الفساد، يعني يكون لك كيان.(33/175)
السؤال العاشر: شيخنا .. كلمة أخيرة هل من نصيحة توجهها إلى حماس في مثل هذه الظروف. لأننا حقيقة حريصين على التواصل معهم، وايصال رسالتنا إليهم.
الجواب: والله نحن ندعو لهم بالثبات، ونصيحتنا لهم بالصبر على المشكلات الكبرى التى يمكن أن تواجههم، وأنهم بدأوا الآن في مرحله صعبة أكبر من المراحل التى مروا بها سابقاً. وأن مددهم وسندهم الحقيقي هم أهل السنة في العالم الإسلامي والواجب عليهم أن يتجهوا نحوهم، والخوف أن الشيعة يركبوا موجتهم، وإذا ركبوا موجتهم قد تكون كارثة ومصيبة على فلسطين وعلى العمل الإسلامي مستقبلاً.
والشيعة في كل تاريخهم لم يكونوا مأمونين أبداً مع المسلمين، قد يكون لهم الآن في الوقت الحاضر لسان قوي وإظهارعداوة لليهود، لكن التاريخ كله يقول بغير هذا، وخالد مشعل لما كان هنا كلمته في هذا الموضوع وقال إنهم على وعي بهذه القضية.
تعليق: في حالة اختيار حماس للهدنة طويلة الأمد مع اليهود، ما هو الواجب على الأخوة الذين يقومون بالمقاومة المسلحة من الفصائل الأخري، هل خير لهم أن يلتزموا بالهدنة التى تقوم بها حماس أم ينفصلوا عن تلك الالتزامات ويستمروا في عملهم.
الجواب: لا، خيرٌ لهم أن يكون القرار واحد أفضل، أما إذا ظل كل واحد يشتغل لوحده سيكون لها أثر سلبي على حماس.
تعليق آخر: فتح ما راح تخليهم ستفسد أي شئ يقومون به.(33/176)
الجواب: والله لو أن الشعب الفلسطيني تخلى عن فتح وخصوصاً بعد أن ظهرت فضائحهم الكثيرة وفسادهم الذي ظهر، فمنظمة التحرير أتلفت أموال طائلة وسُرقت أموال كثيرة، فقد كانت تملك ثروة في يوم من الأيام ما تملكها الكويت أو أي دولة أخرى، أقرضوا سوريا أكثر من مائة وخمسين مليون، وتعطي منح بخمسين مليون دولار لدولة من دول أمريكيا اللاتينية، يعطيهم عرفات منحة هكذا ليست قرض، على الأقل أعطي دولة تساعدك وتقف معك. المشكلة الحين أنهم يقولون أن عليهم ديون بالمليارات ليس فقط أخذوا الميزانية الموجودة، بل هم مقترضين. وهم لم يقيموا الدولة بعد وعليهم هذه الملايين، فالله المستعان.
تعليق إضافي: الزهار قبل أيام أعلن أن هناك 35 ألف وظيفة وهمية في جهاز الأمن و20ألف وظيفة في الدوائر الحكومية الأخرى وأن رواتب الموظفين في السلطة 90 مليون دولار شهرياً شاملة ما سبق، وأن دخل السلطة شهرياً 100 مليون دولار، ومع هذا ستتسلم حماس ميزانية مديونية لا يوجد بها شيء!!!
الجواب: طيب، أين أموال الفلسطينيين التي إكتنزوها طوال هذه السنوات، وكان في ذلك الوقت مفروض يدفع الموظف الفلسطيني 5% من دخله لمنظمة التحرير. أين ذهبت هذه كلها!!! إنا لله وإنا إليه راجعون.
تعليق: المشكلة شيخنا أنه حتى لو كان هناك دعم من هنا وهناك، فإنه لا بد أن يمر أولاً عبر اليهود، ومن ثم يحولوه للسلطة.
الجواب: الله المستعان، مشاكل كبرى... يعني أنا أتصور الآن الفلسطينين في سجن كبير، وهؤلاء موجودين لكي يديروا الناس الذين هم في السجن والتموين والأكل والشرب بيد السجّان، وعندما ما يجدون أكل أو غيره ماذا يفعلون، ممكن يقوموا عليهم.(33/177)
تعليق آخر: أظن شيخنا أنه لا توجد مصلحة لليهود لكي يضيقوا الخناق إلى حد الموت، لأنه ساعتها سيقوم الفلسطينيين مرة ثانية ولا يوجد شيء يخسروه أكثر من هذا، وتنهمر على اليهود الصواريخ. كذلك توجد نقطة عند الفلسطينين ممكن أن يلعبوا فيها، وهو كما صرح "أولمرت" أنه يجب على اليهود تحديد حدود دولة إسرائيل، هذا الإعتراف يأتي الآن وخصوصاً مع هذا الجدار الذي بنوه وحصروا أنفسهم داخله طلباً للأمان. هذا كله دليل على قوة المقاومة وأنهم عجزوا عن قيادة الشعب الفلسطيني.
الجواب: هم اليهود الآن متورطين، ليس الفلسطينيين فقط، كما أن ورطة اليهود أكبر من ورطة الفلسطينيين، أين يذهبوا بالفلسطينيين كما أنهم عملوا معه كل شئ لينفوه ويفنوه ويضيعوه ولكن ما نفع، بل هو في ازدياد يوم عن يوم. حتى الذين هم في مناطق الـ 48 على الرغم من التغريب الذي تعرضوا له، إلا أنه في روح جديدة إسلامية بدأت تسري فيهم، هذا مع زيادة التوالد في الشعب الفلسطيني، وكانوا هم متوقعين أنه لسنة قريبة سيصبح الفلسطينيون أقلية ولكن الأمور تجري على غير ما يشتهون، ولذلك جعلوا هذا الجدار ليحموا أنفسهم، ولمحاولة حصار هذا المد.
تعليق إضافي: شيخنا، نشرت إحدى الإحصاءيات القريبة عندهم أنه إذا استمر معدل التوالد عند الفلسطينيين بهذا النحو، ومع الأخذ بعين الإعتبار الهجرة العكسية عندهم، فإن النسبة ستصبح عام 2025م هي 20:1 لصالح الفلسطينيين.
الجواب: إن شاء الله تكون هذه هي البداية لنهاية دولتهم وزوالها.
المركز: جزاكم الله خيراً شيخنا، ونفع بكم وبعلمكم، ونسأل الله أن يبارك فيكم وفي جهودكم.(33/178)
مجلة الراصد الإسلامية
العدد الرابع و الثلاثون – غرة ربيع الثاني 1427 هـ
فاتحة القول : الترابي بين خلل البداية وزلل النهاية ...........................4
فرق ومذاهب : الزندقة ......................................................8
سطور من الذاكرة: مناظرة ابن تيمية للصوفية ....................................19
دراسات : * مواقف المفكرين (19) رشيد الخيون .....................25
•…حجم شيعة الخليج والعراق ولبنان بين الحقيقة والخيال ..35
•…ولاء الشيعة لمن ؟؟ ....................................39
كتاب الشهر: المهدي المنتظر في روايات أهل السنة والشيعة ..............58
قالوا :.................................................................65
جولة الصحافة:
* إيران
صفقة رأس الزرقاوي ....................................................72
طهران على مفترق طريقين ...........................................80
اليوم طهران وغدا بقية العالم .............................................82
قراءة خليجية للطموح النووي الإيراني ...................................83
العرب والمشروع النووي الإيراني ........................................88
*العراق
عمر أكثر الأسماء المطلوبة للقتل في العراق!!........................... 90
أسرار مهمة عن تفجير المقامات في سامراء ............................92
الجوانب الخفية لزيارة مقتدى الصدر(لإيران) ..............................93
مقتدى الصدر: لم أعد أفهم الشيعة! .....................................95
عقدة الحكومة العراقية! ............................................. 100
الجعفري قطعة صغيرة في لعبة الصراع على الزعامة الشيعية...........101
شيعة العراق ما بين النفوذ الإيراني والتأثير الخليجي....................103
* متفرقات(34/1)
حوار ساخن مع شيعى مصرى...........................................116
الصوفيون في السودان يدخلون دائرة البروتستانتية الإسلامية.......... 120
الاحتفال بالمولد النبوي ..................................................126
فاتحة القول
الترابي بين خلل البداية وزلل النهاية
" من حسنت بدايته كملت نهايته " حكمة سلفية لخصت خبرات تربوية ضخمة مستقاة من مشكاة النبوة ، تصلح أن تكون مفتاح لدراسة كثير من الشخصيات والتجمعات الإسلامية المعاصرة .
و في المقابل فإن المضي قدماً في مسار منحرف عن خط الاستقامة يوصل لنتائج سيئة ولكن قد تكون ضخمة جداً في الحجم بحسب زاوية الميل عن الصراط المستقيم وطول المسار.
وهذا يدق ناقوس الخطر تجاه قضية تصدي بعض الطيبين لقيادة العمل الإسلامي مع وجود خلل في منهج فهم الإسلام وتطبيقه أو ضعف علمهم بالشريعة ،مما ينتج عنه سياسات واختيارات كارثية على الدين وأهله .
ولعل هذا ما حدث مع د. حسن الترابي ، فقد شكلت فتاواه الأخيرة حول جواز زواج المسلمة بالكافر وتحريف مفهوم الحجاب صدمة للكثير من المسلمين، لما فيها من تجاوزات واضحة على محكمات الشريعة ، وإن لم تكن في الحقيقة أكبر انحرافاته ، وذلك أن هذه الفتاوى هي تطبيق عملي لقواعده الشخصية في فهم الدين والتي عبر عنها في كتابه " تجديد أصول الفقه الإسلامي " الذي طبع عام 1981م .
والترابي يصلح أن يكون نموذجاً لنقد وتقويم الكثير من الشخصيات والتجمعات الإسلامية المعاصرة ، بهدف بيان خطر الانحراف في المنهج لفهم الدين وتطبيقه على مسار العمل في المستقبل ، و من هذه التجارب تجربة الجزائر وتركيا ، فهل ما وصلت له هاتان التجربتان هما منشود العاملين لهذا الدين ؟
بالطبع هذا لا ينفي وجود مساحات كبيرة من الخير والصلاح فيها وفي غيرها ، لكن هل هذا هو النموذج الذي نريد الوصول له ؟ ولماذا تنحرف المسيرة ؟ والأدهى لماذا تبرر بأن هذا هو الإسلام الصحيح ؟(34/2)
مسيرة الترابي :
الترابي رجل يشهد له خصومه قبل أنصاره بالعقل والذكاء ، وقوة الشخصية وجاذبيتها ، كما أنه جمع العلم الشرعي والثقافة الغربية ، قائد محنك حركي مميز ، لكنه يسعى لنصرة ذاته مما يفقده دعم أقرانه ، وصفه د. محمد الأحمري بقوله : " ديمقراطي اللسان استبدادي الممارسة ، يولي عنه القريب هارباً ، ويخطف بريقه البعيد معجباً ، ولعله لم ير بين المسلمين السنة مثل نفسه " .
بدأ الترابي مسيرته مع جماعة الإخوان المسلمين في السودان ، حتى تسلم قيادتها عام 1964 م ، ومن ثم سماها الترابي " جبهة الميثاق الإسلامي " ومن ثم تحولت إلى " الجبهة القومية الإسلامية ".
وبعد حصول الطلاق بينه وبين قادة الإنقاذ الذين دبر معهم الاستيلاء على السلطة ، سعي من جديد لتكوين حزب جديد له ، والحقيقة أن كل حزب جديد يؤسسه يكون أفضل تنظيمياً من سابقه !
وقد سعى في التسعينيات إلى مد نفوذه الحركي لخارج السودان عبر " المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي " .
والترابي تميز عبر هذه المسيرة الطويلة (1964- 2006 ) ، بالسعي إلى لسلطة بأي طريق ! ولذلك دخل في تحالفات غير منطقية عبر تاريخه الطويل فقط للوصول للسلطة ، مثل تحالفه مع النميري و قرنق .
كما أنه برر هذه التحالفات " بالضرورة والمصلحة لصالح الدين " ، ولذلك كان حريصاً على كسب أكبر قدر من الجمهور عبر " التماشي مع رغبات الجمهور و الأعداء " ولذلك يصدر الفتاوى العجيبة .
كما أن الترابي كان معارضاً للقيادات الإخوانية التي كانت تنادي بالتربية الإسلامية للكوادر ، وذلك أن " الكسب السياسي " بتعبير الترابي كان أولويته المطلقة .
ولا نغفل هنا دور الترابي في تقوية العمل الإسلامي بالعموم في السودان ودوره في التصدي للفكر الشيوعي ، لكنه بالمقابل كان له دور بارز جداً في نشر ضلالات كثيرة بين المسلمين في السودان وخارجه باسم الدين والاجتهاد !!(34/3)
وأما حصيلة العمل الحركي للترابي فتتمثل في حكومة الإنقاذ، التي يشكر لها اعتزازها بالإسلام واتخاذه المرجعية ، ولكن لم يكن هذا التطبيق للإسلام هو النموذج الذي نفخر به على العالم ، بل لعله شوه جمال الحلم وأعطى خصوم الإسلام سلاحاً لضربه ، وذلك ثمرة طبيعية لانحرافات الفكر المنظر للإنقاذ وهو الترابي ، وإن خرج الترابي على الإنقاذ اليوم فإنهم لا يزالون يطبقون فكره ومنهجه الذي أرضعهم إياه ، وما انقلابهم عليه إلا من صميم منهجه " الكسب السياسي ، والوصول للسلطة بأي ثمن " !!
وتجربة دولة الإنقاذ تستحق دراسة موسعة في نجاحاتها وإخفاقاتها ، وسبب خلل المنهج في ذلك .
لماذا حدثت الضجة الأخيرة :
انحرافات الترابي وفتاواه أمر قديم وليس حادثاً ، ولكن بسبب انبهار المسلمين الخادع بكل شخص يحقق نجاحاً سياسياً باسم الإسلام ، تم تكتم كثير من المسلمين عن أخطائه ، بل كثير من الكتاب الإسلاميين إن لم يتمكن من تأييد فتاوى الترابي الأخيرة فقد تجاهل الضجة التي سببتها !!
وسبب آخر لعدم التعرض لخلل الترابي قديماً أنه كان في القواعد المنهجية ، والتي هي أخطر بكثير لكن لا تحظى باهتمام إعلامي شعبي ، ولذلك تصدى لها العلماء العارفون لأن " أهل العلم يعرفون الفتن وهي مقبلة ، وأهل الجهل يرونها إذا أدبرت " .
كما أن من أسباب الضجة الحالية على فتاوى الترابي ، التغطية الإعلامية الواسعة التي قصدت نشرها و ترويجها ، لحساب " تمييع التدين " عبر تشجيع التصوف و العقلانيين و الانحرافات الفكرية للزعماء الحركيين .
انحرافات الترابي :
شخصية الترابي شخصية سياسية وليست شخصية شرعية ، ولذلك لم يهتم بتقعيد مذهب وفكر محدد ، بقدر ما سعى لضرب بعض القواعد التي تكبل حركته السياسية ، فشنع على الفقهاء والأصولين لإسقاط مرجعيتهم ، وكسر باب الاجتهاد ليسع فتاواه العجيبة ، وحكم عقله الذي يفخر به على الناس في ما يقبله وما يرفضه من الدين .(34/4)
يقول القرضاوي : " في الحقيقة إن فتوى الترابي هذه قديمة متجددة سمعتها منه وهو في الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1975 ، ... وفسرها لي في ذلك الوقت ... يقصد المرأة غير المسلمة التي تعتنق الإسلام وهي متزوجة من رجل كتابي يجوز لها البقاء مع زوجها غير المسلم " الشرق الأوسط 15/4/2006 .
وهذه الفتاوى يعرفها عنه أهل السنة في السودان من سنوات طويلة ، وكانت لهم جهود مشكورة في فضحه وخاصة الدكتور جعفر شيخ إدريس .
نماذج من انحرافات الترابي :
1-…إباحة الترابي للردة .
2-…مساواة الترابي للأديان وعدم التفضيل بينها .
3-…انتقاصه للأنبياء يونس ، وإبراهيم ، وموسي ، ومحمد عليهم الصلاة والسلام .
4-…إنكار الترابي لجهاد الطلب .
5-…زعمه أن حواء أول البشر : استناداً لقوله تعالى : ( وخلق منها زوجها ) فجعل الضمير عائداً على حواء !!
6-…عدم تكفيره لليهود والنصارى : قال الترابي في مؤتمر ( الحوار بين الأديان التحديات والآفاق ) : " وهذه دعوتنا اليوم أن نقيم جبهة أهل الكتاب ، .... وقيام جبهة المؤمنين هو مطلوب الساعة " وقال لمجلة المجتمع :" إننا في الجبهة الإسلامية نتوصل إليها – الوحدة الوطنية – بالإسلام على أصول الملة الإبراهيمية ) .
7-…الطعن في عدالة الصحابة شأنه شأن الشيعة .
8-…إنكار ردة سلمان رشدي .
9-…تغييره لمصادر التشريع عند الترابي ، بزعم تجديده لأصول الفقه و قد اعتبرها: العقل و قرارات الحاكم و الاجتهاد والإجماع الشعبي الديمقراطي و القياس .
ويمكن التوسع في معرفة انحرافات الترابي بالرجوع لكتاب " الرد القويم لما جاء به الترابي والمجادلون عنه من الافتراء والكذب المهين " للشيخ الأمين الحاج محمد أحمد .
الخاتمة :
إن فساد البداية في فهم الدين سينتج عنه فساد كبير في النهاية التي يصل لها الشخص أو الحركة، فهل يراجع الجميع أنفسهم قبل فوات الأوان؟ ونجد أنفسنا أمام ترابي جديد ؟(34/5)
وهل يقوم علماء أهل السنة بواجبهم من التصدي لقيادة العمل الإسلامي لحمايته من تهور الشباب وجهلهم ومن ضلال وانحراف بعض قادته ؟
فرق و مذاهب
الزندقة
الزندقة لفظ فارسي معرّب، وقد كانت تطلق في البداية على من يؤمن بكتاب المجوس المقدس (الزندافست)، ثم ما لبثت الكلمة أن شاعت منذ العصر العباسي الأول، وتوسع في استعمالها على كل إنسان يتشكك في الدين، أو يجحد شيئاً مما ورد فيه، أو يتهاون في أداء عباداته أو يهزأ بها، أو يتجرأ على المعاصي والمنكرات ويعلن بها، أو يقول بمقالة بعض الكفار، ويؤمن ببعض عقائدهم، وعلى كل من يتأثر بالفرس في عاداتهم ويسرف في العبث والمجون( ).
ويعرف د. مصطفى السباعي الزندقة بـ "كراهية الإسلام دينا ودولة"( ).
وبالرغم من أن ظهور الزندقة في المجتمع الإسلامي، كان في بدايات الدولة العباسية، إلاّ أن تناولها حالياً يكتسب أهمية لجملة أسباب منها:
1ـ أن الأفكار التي جاءت بها حركة الزندقة ما يزال لها وجود في الوقت الحاضر، في معظم المجتمعات الإسلامية، فضلاً عن بقية دول العالم، وتتمثل في الأفكار الإلحادية والإباحية التي تروجها الشيوعية، وأدب وأشعار الحداثة.
2ـ أن الزنادقة قاموا عبر العصور الإسلامية بثورات سياسية وأعمال تخريبية، كما أنهم أثروا على معتقدات بعض الفرق، وقد أشار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى أن الرفض ومذهب الشيعة بات مأوى للزندقة والزنادقة الذين لم يستطيعوا الجهر بأفكارهم وإلحادهم( ).
3ـ دفاع بعض الفئات كالمستشرقين والأدباء عن أفكار الزندقة والإلحاد، بحجة حرية الفكر والإبداع. وقد كتب بعض المستشرقين دراسات عن بعض الزنادقة فأثنوا عليهم خيراً، ودافعوا عن انحرافاتهم وباطلهم.
4ـ أن بعض الذين كتبوا عن الزندقة وانتقدوها، انطلقوا منطلقاً قوميّاً، دفاعاً عن القومية العربية، بسبب ارتباط حركة الزندقة بالشعوبية( ) الفارسية المناهضة للقومية العربية( ).
عقائد الزنادقة(34/6)
يقول د. عبد العزيز العبد اللطيف: "إن عقائد الزنادقة قد تضمنت كمّاً هائلاً من صنوف الكفر البواح، والردّة الظاهرة: كقولهم بالحلول، وتأليه البشر، وتشبيه الله ـ تعالى ـ بخلقه، وإنكار النبوة أحياناً، وادّعاء النبوة أحياناً أخرى، والقول بالتناسخ، وإنكار القيامة والجنة والنار، واستحلال المحرمات، وجحد الواجبات"( ).
وقد أطلق العلماء لفظة الزندقة والزنديق على عقائد وأفكار مختلفة:
ـ فقد اعتبر مختار الصحاح للرازي (ص 276)، أن الزنديق من الثَّنَوِيّة( ).
ـ وأطلق الإمام ابن تيمية اسم الزنديق على "الذي تكلم الفقهاء في قبول توبته في الظاهر، فالمراد به عندهم المنافق الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر".
ـ وأطلقه الإمام ابن القيم الجوزية على: من لا يؤمن بالله واليوم الآخر.
ـ ويقول الحافظ ابن حجر العسقلاني: "ثم أطلق الاسم على كل من أسرّ الكفر وأظهر الإسلام، حتى قال مالك: الزندقة ما كان عليه المنافقون، وكذا أطلق جماعة من الفقهاء الشافعية وغيرهم أن الزنديق هو الذي يظهر الإسلام ويخفي الكفر".
ـ وأطلقه الإمام الدارمي وغيره على الجهمية، الذين ينفون صفات الله سبحانه وتعالى.
ـ ووصف الإمام أحمد بن حنبل المعتزلة بالزنادقة.
ـ كما أن صاحب المجون والفحش يُرمى أحياناً بالزندقة( ).
وأيّا كانت العقائد والأفكار والممارسات التي تبناها الزنادقة، فإن من الثابت أن الزندقة أطلقت عند الفرس في بادئ الأمر على المانوية( )، وفي الإسلام ظل استعمالها يطال المانوية، ذلك أن أفكارها وعقائدها عاشت إلى العصر العباسي، وتسربت إلى بعض الفرق الضالة ( ).
"فالزندقة كانت تعني في أول الأمر المانوية، ثم تطورت دلالتها، وأصبحت تستغرق كافة أصحاب الديانات الفارسية، كالديصانية، والمرقونية، والمزدكية، ثم اتسعت دلالتها، وصارت تشمل كل الملحدين والمتشككين في الدين.(34/7)
وهذه المعاني هي التي كان الخاصة يريدونها عندما كانوا يستعملون كلمة زنديق، أما العامة وأشباههم، فكانوا يسمون المستهتر الماجن زنديقاً"( ).
وقد عدّ الإمام عبد القاهر البغدادي (ت سنة 429هـ) عشرين فرقة، من الفرق التي انتسبت للإسلام، وليست منه، ممن ينطبق عليها وصف الزندقة، فقال: "والفرق المنتسبة إلى الإسلام في الظاهر مع خروجها عن جملة الأمة عشرون فرقة هذه ترجمتها: سبئية، وبيانية، وحربية، ومغيرية، ومنصورية، وجناحية، وخطّابية، وغرابية، ومفوضية، وحلولية، وأصحاب التناسخ، وخابطية، وحمارية، ومُقنعيّة، ورزاميّة، ويزيدية، وميمونية، وباطنية، وحلاجية، وعذافرية، وأصحاب إباحة. وربما انشعبت الفرقة الواحدة من هذه الفرق أصنافاً كثيرة"( ).
غاياتهم وأساليبهم
هدف الزنادقة إلى هدم الإسلام، وتدمير دولته، واتبعوا لتحقيق ذلك عدة وسائل:
1ـ بعث الديانات الفارسية القديمة، والسعي إلى نشرها عن طريق ترجمتها إلى اللغة العربية( ) ذلك أن معظم الزنادقة كانوا من الفرس الذين هالهم أن يروا سقوط دولتهم على أيدي المسلمين، إضافة إلى أن الديانات الفارسية احتوت على صنوف الكفر والإلحاد والإباحية.
2ـ تشويه الدين الإسلامي بالطعن فيه، والدسّ عليه، ومكنهم من ذلك أنهم أجادوا العربية، وتفقهوا بعض التفقه في الدين( ).
"لقد كانت قوة الإسلام السياسية والعسكرية غالبة قاضية لم تبقِ لدى أولئك الزعماء والأمراء والقواد (من الشعوب غير المسلمة) أملاً ما في استعادة سلطانهم الزائل ومجدهم المنهار، فلم يجدوا أمامهم مجالاً للانتقام من الإسلام إلاً إفساد عقائده، وتشويه محاسنه، وتفريق صفوف أتباعه وجنوده"( ).(34/8)
وقد كانت السنة النبوية، أكثر المجالات التي امتدت إليها يد الزنادقة بالتحريف والتشويه والدسّ والزيادة "وكان التزيد في السنة أوسع ميادين الدس والإفساد لديهم، فجالوا فيه وصالوا، متسترين بالتشيع أحياناً، وبالزهد والتصوف أحياناً، وبالفلسفة والحكمة أحياناً، وفي كل ذلك إنما يتوخون إدخال الخلل في بناء ذلك الصرح الشامخ الذي أقامه محمد صلى الله عليه وسلم"( ).
"ومن أمثلة ما وضعوه ليفسدوا به الدين: ... (إن الله اشتكت عيناه فعادته الملائكة)...و (النظر في الوجه الجميل عبادة)... و(الباذنجان شفاء من كل داء)... وهكذا دسّ هؤلاء الزنادقة آلافاً من الأحاديث في العقائد والأخلاق والطب والحلال والحرام، وقد أقرّ زنديق أمام الخليفة المهدي بأنه وضع مائة حديث تجول في أيدي الناس، ولما قُدِّم عبد الكريم بن أبي العوجاء للقتل، اعترف بأنه وضع أربعة آلاف حديث يحرم فيها الحلال، ويحلل فيها الحرام"( ).
3ـ إغراء الشباب في المجتمع العربي الإسلامي بالفجور والعهر وإدمان الخمر، وطلب اللهو واللذة، والاستهتار بالتغزل بالمذكر، واللواط بالغلمان، واستباحة الحرمات، وانتهاك الأعراض. وقامت عصابات الزنادقة المجان بذلك كله( ).
ولعلنا نكتفي هنا بذكر بيتين للشاعر أبي نواس، أحد أبرز الزنادقة إذ يقول:
يا أحمدُ( )المرتجى في كل نائبةٍ …قُم سيدي نَعصِ جبّار السماوات
ويقول عن الخمر:
ألا فاسقني خمراً وقل لي هي الخمر ولا تسقني سرّاً إذا أمكن الجهر
الزندقة والفرق المنحرفة
وجد الزنادقة في الفرق المنحرفة أرضاً خصبة لنشر أفكارهم، خاصة عندما كانوا يجدون صعوبة في ذلك "متسترين بالتشيع أحياناً، وبالزهد والتصوف أحياناً، وبالفلسفة والحكمة أحيانا" ( ).(34/9)
وقد أشار الإمام عبد القاهر البغدادي إلى أوجه شبه عديدة بين المجوسية وديانات ما قبل الإسلام من جهة، وبين معتقدات الفرق المنحرفة التي انتسبت للإسلام، ويقول: "وذكر أصحاب التواريخ أن الذين وضعوا أساس دين الباطنية( ) كانوا من أولاد المجوس، وكانوا مائلين إلى دين أسلافهم، ولم يجسروا على إظهاره خوفاً من سيوف المسلمين، فوضع الأغمار* منهم أسُساً مَن قَبِلها منهم صار في الباطن إلى تفضيل أديان المجوس، وتأولوا آيات القرآن وسنن النبي عليه السلام على موافقة أسسهم. وبيان ذلك أن الثنوية( ) زعمت أن النور والظلمة صانعان قديمان، والنور منهما فاعل الخيرات والمنافع، والظلام فاعل الشرور والمضار... وذكر زعماء الباطنية في كتبهم أن الإله خلق النفس، فالإله هو الأول، والنفس هو الثاني، وهما مدبرا هذا العالم، وسموهما الأول والثاني، وربما سموهما العقل والنفس، ثم قالوا: إنهما يدبران هذا العالم بتدبير الكواكب السبعة والطبائع الأول"( ).
والبغدادي يشير في كلامه السابق إلى اتفاق المجوس، والفرق الباطنية في اعتقادهم بالله والخلق، ويقول عن الباطنية: "وقولهم إن الأول والثاني (العقل والنفس) يدبران العالم، هو بعينه قول المجوس بإضافة الحوادث لصانعين، أحدهما قديم والآخر محدث، إلاّ أن الباطنية عبّرت عن الصانعين بالأول والثاني، وعبرّ المجوس عنهما بيَزدان وأهرَمن"( ).
وبعد أن أورد الأمثلة الكثيرة لمشابهة عقائد الباطنية بالمجوس، ودخول عقائد الزندقة المجوسية في أفكار الفرق التي انتسبت إلى الإسلام، يقول البغدادي: "الذي يصح عندي من دين الباطنية أنهم دُهرية( ) زنادقة، يقولون بقدم العالم، وينكرون الرسل والشرائع كلها"( ).(34/10)
والشواهد كلها تدل على تأسيس وانضمام الزنادقة المتأثرين بأفكار وعقائد المجوس، بالفرق الضالة التي انتسبت للإسلام، وعلى رأسها الإسماعيلية والرافضة والقرامطة والصوفية. وفي مقدمة هؤلاء الزنادقة، عبد الله بن سبأ، مؤسس مذهب الرافضة، "الذي غلا في علي رضي الله عنه، وزعم أنه كان نبيّا، ثم غلا فيه حتى زعم أنه إله، ودعا إلى ذلك قوماً من غلاة الكوفة"( ).
ويقول البغدادي بعد أن أورد شيئاً من زندقة ابن سبأ: "وقال المحققون من أهل السنة: إن ابن السوداء كان على هوى دين اليهود، وأراد أن يفسد على المسلمين دينهم بتأويلاته في عليّ وأولاده، لكي يعتقدوا فيه ما اعتقدت النصارى في عيسى عليه السلام، فانتسب إلى الرافضة السبئية حين وجدهم أعرق أهل الأهواء في الكفر، ودلّس ضلالَتََه في تأويلاته"( ).
ويبين شيخ الإسلام ابن تيمية الخطر الذي أحدثه الزنادقة بدخولهم إلى مذهب الشيعة بقوله: "ومنهم من أدخل على الدين من الفساد ما لا يحصيه إلاّ رب العباد، فملاحدة الإسماعيلية والنصيرية، وغيرهم من الباطنية المنافقين من بابهم دخلوا، وأعداء المسلمين من المشركين وأهل الكتاب بطريقهم وصلوا، واستدلوا بهم على بلاد الإسلام، وسبوا الحريم، وأخذوا الأموال، وسفكوا الدم الحرام، وجرى على الأمة بمعاونتهم من فساد الدين والدنيا ما لا يعلمه إلاّ رب العالمين"( ).
ويقول: "وأكثر ما تجد الرافضة، إما في الزنادقة المنافقين الملحدين، وإما في جهّال ليس لهم علم، لا بالمنقولات ولا بالمعقولات"( ).
ويقول أيضاً: "والعلماء دائماً يذكرون أن الذي ابتدع الرفض كان زنديقاً ملحداً، مقصده إفساد دين الإسلام. ولهذا صار الرفض مأوى الزنادقة الملحدين من الغالية والمعطلة، كالنصيرية والإسماعيلية ونحوهم"( ).(34/11)
كما كان للزنادقة المجوس الدور الكبير في تأسيس فرقة الإسماعيلية، التي انفصلت عن الشيعة بعد وفاة إمامهم السادس، جعفر الصادق، يقول البغدادي: "وقد حكى أصحاب المقالات أن الذين أسسوا دعوة الباطنية( ) جماعة: منهم ميمون بن ديصان، المعروف بالقداح، وكان مولىً لجعفر بن محمد الصادق، وكان من الأهواز، ومنهم: محمد بن الحسين الملقب بدندان، اجتمعوا كلهم مع ميمون بن ديصان في سجن والي العراق، فأسسوا في ذلك السجن مذاهب الباطنية، ثم ظهرت دعوتهم بعد خلاصهم من السجن"( ).
واستطاع أحد أحفاد ميمون بن ديصان، وهو عبيد الله المهدي، تأسيس الدولة العبيدية الفاطمية سنة 297هـ التي تعتبر الحركة الإسماعيلية الأصلية، وينقل الشيخ إحسان إلهي ظهير عن المؤرخ المقريزي قوله في هؤلاء: "فعبيد الله ـ الملقب بالمهدي ـ هو سعيد بن الحسين بن أحمد بن عبد الله بن ميمون القداح بن ديصان الثنوي الأهوازي، وأصلهم من المجوس"( ).
ولا يختلف الأمر عند الصوفية، فهذه الفرقة غدت هي الأخرى مرتعاً للزنادقة، الذين تظاهروا بالزهد والتقشف، ونشروا الكفر والإلحاد، ومن هؤلاء الزنادقة الذين بلغوا في التصوف شأناً كبيراً، الحلاّج( ) الذي "كان في بادئ أمره مشغولاً بكلام الصوفية... وكان يدّعي أنواع العلوم، على الخصوص والعموم... وقد اختلف فيه المتكلمون والفقهاء والصوفية، فأما المتكلمون فأكثرهم على تكفيره، وعلى أنه كان على مذهب الحلولية... وقال عمرو بن عثمان: كنت أماشيه يوماً فقرأت شيئاً من القرآن، فقال: يمكنني أن أقول مثل هذا"( ).(34/12)
"والذين نسبوه إلى الكفر وإلى دين الحلولية حكَوا عليه أنه قال: من هذّب نفسه في الطاعة، وصبر على اللذات والشهوات، ارتقى إلى مقام المقربين، ثم لا يزال يصفو ويرتقي في درجات المصافاة حتى يصفو عن البشرية، فإذا لم يبق فيه من البشرية حظ، حلّ فيه روح الإله، الذي حلّ في عيسى بن مريم، ولم يرد حينئذ شيئاً إلاّ كان كما أراد، وكان جميع فعله فعل الله تعالى"( ) .
أهم شخصياتهم
ظهر في بدايات العصر العباسي( ) عدد كبير من الزنادقة، الذين استخدموا الشعر والأدب، لنشر أفكارهم. وبالرغم من أن بعض أفكار الإلحاد والزندقة ظهرت قبل ذلك، إلاّ أن بدايات العصر العباسي شهد الزندقة، كحركة منظمة يدعمها عدد من الوزراء والكتاب والأدباء.
ومن أبرز الزنادقة في تلك الفترة:
1ـ أبو دلامة. ومن أشعاره في ذم شهر رمضان وليلة القدر:
جاء شهر الصوم يمشي مشية ما أشتهيها
قائداً لي ليلة القد رِ كأني أبتغيها
2ـ مطيع بن إياس. الذي يقول فيه الأصفهاني "كان ماجناً متهماً في دينه بالزندقة". ويروى المسعودي المؤرخ أنه كان يصنف الكتب مع رفاقه من الزنادقة في تأييد المذاهب المانية والديصانية والمرقونية.
كما أن ابن إياس "كان ميّالاً إلى غلاة الشيعة، فقد كان يكفر أبا بكر وعمر، ويخفي تكفيره لهما، إبقاءً على حياته"( ). وكان مصاباً بالشذوذ الجنسي، يلاط به، ويلوط بالغلمان، ويدعو إلى ارتكاب الموبقات، ومن أشعاره:
نعم لنا نبيذ وعندنا حماد
وكلنا من طرب يطير أو يكاد
3ـ حمّاد عَجرد. يقول فيه ابن المعتز: "كان بالكوفة ثلاثة نفرٍ يقال لهم الحمادون: حماد عجرد، وحماد الراوية، وحماد الزبرقان، يتنادمون على الشراب، ويتناشدون الأشعار، ويتعاشرون معاشرة جميلة، وكانوا كأنهم نفس واحدة، يرمون بالزندقة جميعاً".
4ـ بشار بن برد. ومن أشعاره التي تظهر تقديسه للنار، وتفضيله إبليس على آدم:
الأرض مظلمة والنار مشرقة والنار معبودة مذ كانتِ النار(34/13)
إبليس خير من أبيكم آدم فتنبهوا يا معشر الفجار
إبليس من نارٍ وآدم طينة والأرض لا تسمو سُمُو النار
5ـ أبو نواس. وقد سبق ذكر شيء من شعره في الثناء على الخمر، والدعوة إلى الفاحشة.
ومن الزنادقة البارزين في تلك الفترة: صالح عبد القدوس، وعلي بن الخليل، وسَلمٌ الخاسر، وأبان بن عبد الحميد، والبَةُ بن الحُباب، وأبو العتاهية، وآدم بن عبد العزيز، ويحيى بن زياد( ).
دور الحكام في محاربة الزندقة
اجتهد حكام المسلمين في محاربة الزنادقة، حفاظاً على الدين وأهله، وللإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه السبق في ذلك عندما أحرق الذين غلوا فيه، وقالوا بألوهيته من دون الله، ونفيه لآخرين، وعلى رأسهم عبد الله بن سبأ( ).
وقد كان للمنصور، ثاني الخلفاء العباسيين الجهد الكبير في محاربتهم، ثم جاء بعده المهدي وجدّ في تعقبهم. ويروي الإمام ابن كثير شيئاً من ذلك فيقول في حوادث سنة 167هـ "وفيها تتبع المهدي جماعة من الزنادقة في سائر الآفاق فاستحضرهم وقتلهم صبراً بين يديه".
ووصّى المهدي ابنه موسى الهادي ـ الخليفة من بعده ـ بذلك، وقد أنفذ الهادي تلك الوصية، إذ يقول ابن كثير في حوادث سنة 169هـ: "وسعى الهادي في تطلب الزنادقة من الآفاق، فقتل منهم طائفة كثيرة واقتدى في ذلك بأبيه".
ومما أورده ابن كثير في أخبار الزنادقة، أنه في سنة 311هـ: "أحرق المقتدر بالنار مائتين وأربعة أعدال من كتب الزنادقة، منها ما كان صنفه الحلاّج وغيره، فسقط منها ذهب كثير كانت محلاّة به"( ).
وبالرغم من جهود الخلفاء من محاربة الزنادقة، إلاّ أن بعضهم كان يغض الطرف عنهم، بل ويقربهم، فقد كان أبو نواس نديماً للخليفة العباسي "الأمين"( ).
والمهدي، وبالرغم من تشدده مع الزنادقة، إلاّ أنه كان متساهلاً مع بعض الوضّاعين في الحديث( ).(34/14)
وكانت مقاومة الحكام للزندقة تأخذ أحياناً الطابع السياسي. يقول د. السباعي: "وإذا كنا نذكر لهم فضل تعقبهم للزنادقة الذين أفسدوا دين الإسلام، فإننا لا ننكر أن من الدوافع التي حملتهم على تعقبهم بالقتل، هو أنهم كانوا خارجين على حكمهم بدليل أننا لم نرهم فعلوا بالكذابين والوضاعين الذين تقربوا إليهم بالكذب على رسول الله إرضاءً لأهوائهم، عُشر ما فعلوه مع الخارجين على حكمهم"( ).
للاستزادة:
1ـ الفرق بين الفرق ـ الإمام عبد القاهر البغدادي.
2ـ منهاج السنة النبوية ـ شيخ الإسلام ابن تيمية.
3ـ السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي ـ د. مصطفى السباعي.
4ـ الزندقة والشعوبية في العصر العباسي الأول ـ د. حسين عطوان.
5ـ مقالات في المذاهب والفرق ـ د. عبد العزيز بن محمد العبد اللطيف.
6ـ موقف العقيدة الإسلامية من الزندقة ـ د. زيد بن محمد الرماني.
7ـ الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة ـ إصدار الندوة العالمية للشباب الإسلامي.
8ـ موسوعة الأديان (الميسرة) ـ إصدار دار النفائس.
9ـ الإسماعيلية تاريخ وعقائد ـ الشيخ إحسان إليه ظهير.
سطور من الذاكرة
مناظرة شيخ الإسلام ابن تيمية للرفاعية
كان لشيخ الإسلام ابن تيمية،رحمه الله، صولات وجولات مع أهل البدع والانحرافات، يناظرهم ويرد على باطلهم، ويتحداهم، وفي المقابل يشرح عقيدة أهل السنة والجماعة التي ابتعد عنها أتباع الفرق والمذاهب المنحرفة.(34/15)
ومن جملة الذين اهتم ابن تيمية ببيان بدعتهم: الصوفية، الذين كان لهم في زمنه الانتشار اللافت، كما هو الحال اليوم، إضافة إلى علاقاتهم الوطيدة ببعض السلاطين والأمراء. وما نشير إليه في هذا العدد، ليس مؤلفاً كتبه ابن تيمية في بيان عقائد الصوفية وانحرافها، إنما "مناظرة" حيّة دعا إليها شيخ الإسلام زعماء الطريقة الرفاعية في زمنه، المعروفين بالبطائحية، ثم دوّن شيخ الإسلام رحمه الله ما جرى بينه وبين الرفاعية، نصحاً للأمة وبياناً لباطل هؤلاء الذين دأبوا على تحدي الناس بالدخول إلى النار، واللعب بالحيّات زعماً أن هذا من كراماتهم.
والمناظرة التي دوّنها شيخ الإسلام رحمه الله في نحو عشرين صفحة، ونشرت بعد ذلك في كتابه "الفتاوى"جرت في التاسع من جمادى الأولى سنة 705هـ، في عهد السلطان المملوكي، الناصر محمد بن قلاوون، ذلك أن الإمام ابن تيمية رأى افتتان الناس ـ فضلاً عن بعض الأمراء ـ بالرفاعية الذين زعموا أن الله ألان لهم الحديد، وأزال لهم فاعلية السموم والنيران، وأخضع لهم طغاة الجن، فتحداهم وبين لهم ما يدعونه كذب ودجل، وليس من الولاية في شيء.
أما الذي دعا ابن تيمية إلى كتابة أمر هذه المناظرة، ، هو ما حظيت به من اهتمام آنذاك، وحرص الذين لم يشهدوها على معرفة تفاصيلها و "لِما حصل بها من عز الدين، وظهور كلمته العليا، وقهر الناس على متابعة الكتاب والسنة، وظهور زيف من خرج عن ذلك من أهل البدع المضلة والأحوال الفاسدة والتلبيس على المسلمين".(34/16)
وقد أشار شيخ الإسلام قبل تلك المناظرة إلى نقاشات كانت تدور بينه وبين أتباع هذه الطريقة، فيقول: "وقد تقدمت لي معهم وقائع متعددة بيّنت فيها لمن خاطبته منهم ومن غيرهم بعض ما فيهم من حق وباطل، وأحوالهم التي يسمونها (الإشارات)، وتاب منهم جماعة، وأدب منهم جماعة من شيوخهم، وبينت صورة ما يظهرونه من المخاريق: مثل ملابسة النار والحيات، وإظهار الدم، واللاذن والزعفران وماء الورد والعسل والسكر وغير ذلك، وإن عامة ذلك عن حيل معروفة وأسباب مصنوعة".
وفي مجلس من المجالس، سأل البطائحيةُ الرفاعيةُ ابنَ تيمية إن كان يريد أن يرى كراماتهم المزعومة، فأجاب على ذلك قائلاً: "إن عملتموها بحضور من ليس من أهل الشأن، من الأعراب والفلاحين، أو الأتراك أو العامة أو جمهور المتفقهة والمتفقرة لم يحسب لكم ذلك.
فمَن معه ذَهَبٌ قليأتِ به إلى سوق الصرف، إلى عند الجهابذة الذين يعرفون الذهب الخالص... لا يذهب إلى عند أهل الجهل بذلك. فقالوا لي: لا نعمل هذا إلاّ أن تكون همتك معنا، فقلت: همتي ليست معكم، بل أنا معارض لكم مانع لكم، لأنكم تقصدون بذلك إبطال شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن كان لكم قدرة على إظهار ذلك فافعلوا. فانقلبوا صاغرين".
وكان لابن تيمية رحمه الله نقاشات عديدة مع هؤلاء، يبين فيها منهج أهل السنة، ويحذرهم من البدع، وخطورة الاستمرار على فعلها، فيعود أقوام منهم إلى الحق، ويصر آخرون على باطلهم. ولما رأى هؤلاء المبتدعة من الرفاعية، ما عليه ابن تيمية من قوة الحجة والمنطق، وثباته على الحق، وتحديهم بأن ما يقومون به من السحر والحِيل أمر باطل، تجمعوا "وخرجوا من المسجد الجامع في جموعهم إلى قصر الإمارة... مظهرين الضجيج والعجيج والإزباد والإرعاد، واضطراب الرؤوس والأعضاء، والتقلب في نهر بردى، ,إظهار التوله الذي يخيلوا به على الردى، وإبراز ما يدعونه من الحال والمحال، الذي يسلمه إليهم من أضلوا من الجهال".(34/17)
ولما وصل هذا الجمع الحاشد إلى قصر الإمارة، ورآه الأمير، هاله ذلك المنظر، وسأل عنهم، فقيل له إنهم جاءوا يشتكون، فأدخل بعضهم عليه، وأخذ شيخهم يشتكي ابن تيمية، ويدّعي أنه اعتدى عليهم، وطلب شيخ الصوفية من الأمير أن يقف في صفهم، فرفض الأمير قائلاً أنه سيشهد من الحق سواء كان معهم أو مع ابن تيمية، وأرسل في طلب ابن تيمية بناءً على طلب شيوخ الصوفية.
يقول ابن تيمية عن الأمير: "فأرسل إلي بعض خوّاصه من أهل الصدق والدين ممن يعرف ضلالهم، وعرفني بصورة الحال، وأنه يريد كشف أمر هؤلاء. فلما علمت ذلك ألقي في قلبي أن ذلك لأمر يريده الله من إظهار الدين، وكشف حال أهل النفاق المبتدعين، لانتشارهم في أقطار الأرضين. وما أحببت البغي عليهم والعدوان".
وقبل الذهاب إلى اللقاء أو الاجتماع الموعود بحضرة الأمير، أخذ ابن تيمية بالتفكير بذلك اللقاء والفائدة المرجوة منه، ويقول: "فاستخرت الله تعالى تلك الليلة واستعنته، واستنصرته واستهديته، وسلكت سبيل عباد الله في مثل هذه المسالك، حتى ألقي في قلبي أن أدخل النار عند الحاجة إلى ذلك، وأنها تكون برداً وسلاماً على من اتبع ملة الخليل، وأنها تحرق أشباه الصابئة أهل الخروج عن هذه السبيل".
أما الرفاعية، فأخذوا يستعدون لتلك المناظرة، واتصلوا بعدد من القادة كي يقفوا في صفهم "وطافوا على عدد من أكابر الأمراء، وقالوا أنواعاً مما جرت به عادتهم من التلبيس والافتراء، الذي استحوذوا به على أكثر أهل الأرض من الأكابر والرؤساء، مثل زعمهم أن لهم أحوالاً لا يقاومهم فيها أحد من الأولياء، وأن لهم طريقاً لا يعرفه أحد من العلماء... وأن المنكر عليهم هو آخذ بالشرع الظاهر، غير واصل إلى الحقائق والأسرار".
وعند وصول ابن تيمية إلى مكان الاجتماع، وجد النفوس"في غاية الشوق من هذا الاجتماع، متطلعين إلى ما سيكون طالبين للاطلاع".(34/18)
وبدأ ابن تيمية حديثه ببيان أن هؤلاء "كذابون مبتدعون قد أفسدوا من أمر دين المسلمين ودنياهم ما الله به عليم". ثم أخذ يذكر تلبيسهم على بعض الأمراء، "وأنهم لبّسوا على الأمير المعروف بالأيدمرى، وعلى قفجق نائب السلطنة، وعلى غيرهما. وقد لبسوا أيضاً على الملك العادل كتبغا في ملكه، وفي حالة ولاية حماة، وعلى أمير السلاح ـ أجل أمير بديار مصر ـ وضاق المجلس عن حكاية جميع تلبيسهم.
فذكرت تلبيسهم على الأيدمري، وأنهم كانوا يرسلون من النساء من يستخبر عن أحوال بيته الباطنة، ثم يخبرونه بها عن طريق المكاشفة، ووعدوه بالملك، وأنهم وعدوه أن يروه رجال الغيب، فصنعوا خشباً طوالاً وجعلوا عليها من يمشي كهيئة الذي يلعب بأكر الزجاج، فجعلوا يمشون على جبل المزة، وذاك يرى من بعيد قوماً يطوفون على الجبل وهم يرتفعون على الأرض، وأخذوا منه مالاً كثيراً، ثم انكشف له أمرهم...
وأما قفجق، فإنهم أدخلوا رجلاً في القبر يتكلم، وأوهموه أن الموتى تتكلم، وأتوا به في مقابر باب الصغير إلى رجل زعموا أنه الرجل الشعراني الذي بجبل لبنان، ولم يقربوه منه، بل من بعيد لتعود عليه بركته وقالوا: إنه طلب منه جملة من المال، فقال قفجق: الشيخ يكاشف وهو يعلم أن خزانتي ليس فيها هذا كله، وتقرب قفجق منه وجذب الشعر فانقلع الجلد الذي ألصقوه على جلده من جلد الماعز".
وبعد أن ذكر ابن تيمية شيئاً من أكاذيبهم وحيلهم التي احتالوا بها على عدد من كبار الأمراء مثل الأيدمري، وقفجق الذي كان حينها نائب السلطنة بحماة، وغيرهما تحداهم بدخول النار معهم، ويوجه كلامه للأمير قائلاً:
"هم يزعمون أن لهم أحوالاً يدخلون بها النار، وأن أهل الشريعة لا يقدرون على ذلك، ويقولون لنا: هذه الأحوال التي يعجز عنها أهل الشرع، ليس لهم أن يعترضوا علينا، بل يسلم إلينا ما نحن عليه، سواء وافق الشرع أو خالفه.(34/19)
وأنا قد استخرت الله سبحانه أنهم إن دخلوا النار أدخل أنا وهم، ومن احترق منا ومنهم فعليه لعنة الله. وكان مغلوباً، وذلك بعد أن نغسل جسومنا بالخل والماء الحار.
فقال الأمير: ولم ذلك. قلت: لأنهم يطلون جسومهم بأدوية يصنعونها من دهن الضفادع وباطن قشر النارنج وحجر الطلق، وغير ذلك من الحيل المعروفة لهم، وأنا لا أطلي جلدي بشيء، فإذا اغتسلت أنا وهم بالخل والماء الحار بطلت الحيلة وظهر الحق.
فاستعظم الأمير هجومي على النار، وقال: أتفعل ذلك؟ فقلت له: نعم، قد استخرت الله في ذلك، وألقي في قلبي أن أفعله. ونحن لا نرى هذا وأمثاله ابتداءً، فإن خوارق العادات إنما تكون لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، المتبعين له باطناً وظاهراً، لحجة أو حاجة، فالحجة لإقامة دين الله، والحاجة لما لا بد منه من النصر والرزق الذي به يقوم دين الله".
ولما رأى بعض الرفاعية قوة حجة ابن تيمية "جعلوا يطلبون من الأمير الإصلاح وإطفاء هذه القضية، ويترفقون. فقال الأمير: إنما يكون الصلح بعد ظهور الحق".
ومع تكرار ابن تيمية تحديه للرفاعية بدخول النار هم وهو، ومن احترق فهو مغلوب، يذكرهم بأن ما يصنعونه من الحيل والأباطيل التي زعموا أنها كرامات، ليست دليلاً على صواب منهجهم ومسلكهم، ويخاطبهم قائلاً:
"ومع هذا فلو دخلتم النار وخرجتم منها سالمين حقيقة، ولو طرتم في الهواء، ومشيتم على الماء، ولو فعلتم ما فعلتم، لم يكن في ذلك ما يدل على صحة ما تدعونه من مخالفة الشرع ولا على إبطال الشرع، فإن الدجال الأكبر يقول للسماء أمطري فتمطر، وللأرض أنبتي فتنبت، وللخربة أخرجي كنوزك فتخرج كنوزها تتبعه، ويقتل رجلاً ثم يمشي بين شقيه، ثم يقول له قم فيقوم، ومع هذا فهو دجال كذاب ملعون، لعنه الله، ورفعت صوتي بذلك، فكان لذلك وقع عظيم في القلوب".(34/20)
وحاول شيوخ الرفاعية التنصل من التحدي الذي أراده ابن تيمية لإثبات باطلهم "ومشايخهم الكبار يتضرعون عند الأمير في طلب الصلح، وجعلت ألح عليه في إظهار ما ادّعوه من النار مرة بعد مرة وهم لا يجيبون".
وقد كان لدعوة شيخ الإسلام رحمه الله ،هؤلاء المبتدعة للمناظرة، وتحديهم الأثر الكبير على الناس وعلى الأمراء وعلية القوم، إذا بادر هؤلاء الرفاعية إلى طلب الصفح، والإقرار بالتزام الكتاب والسنة، وهو ما كان يصر عليه ابن تيمية، ذلك أنه لم يكن يسعى من وراء مناظرتهم إلى مكسب شخصي، أو طموح فردي. يقول رحمه الله: "فلما ظهر للحاضرين عجزهم وكذبهم وتلبيسهم، وتبين للأمراء الذين كانوا يشدون منهم أنهم مبطلون رجعوا.
وتخاطب الحاج بهادر، ونائب السلطان وغيرهما بصورة الحال، وعرفوا حقيقة المحال، وقمنا إلى داخل ودخلنا وقد طلبوا التوبة عمّا مضى.
وسألني الأمير عمّا تطلب منهم، فقلت: متابعة الكتاب والسنة، مثل أن لا يعتقد أنه لا يجب عليه اتباعهما، أو أنه يسوغ لأحد الخروج من حكمهما ونحو ذلك....
قالوا: نحن ملتزمون الكتاب والسنة. أتنكر علينا غير الأطواق؟ نحن نخلعها. فقلت: الأطواق وغير الأطواق، ليس المقصود شيئاً معينا، ,إنما المقصود أن يكون جميع المسلمين تحت طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. فقال الأمير: فأي شيء الذي يلزمهم من الكتاب والسنة؟ فقلت: حكم الكتاب والسنة كثير لا يمكن ذكره في هذا المجلس، لكن المقصود أن يلتزموا هذا التزاماً عاماً، ومن خرج عنه ضربت عنقه...".
ومن جملة ما طلبه ابن تيمية من هؤلاء، إقامة الصلوات الخمس في أوقاتها "فإن من هؤلاء من لا يصلي، ومنهم من يتكلم في صلاته،...".
كما يشير رحمه الله إلى أهمية دور السلطان في محاربة البدع، فعندما سأله هؤلاء المبتدعة عمّا يبطل هذه "الأحوال" وادّعاء الكرامات، قال: "بهذه السياط الشرعية".(34/21)
فأعجب الأمير وضحك وقال: أي والله، بالسياط الشرعية تبطل هذه الأحوال الشيطانية، كما قد جرى مثل ذلك لغير واحد، ومن لم يجب إلى الدين بالسياط الشرعية فبالسيوف المحمدية.
وأمسكت سيف الأمير وقلت: هذا نائب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغلامه، وهذا السيف، سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن خرج عن كتاب الله وسنة رسوله ضربناه بسيف الله".
ومن الذين كان لهم الجهد الكبير في بيان أباطيل الصوفية وغيرها من الفرق، الشيخ إحسان إلهي ظهير رحمه الله.
وفي كتابه "دراسات في التصوف" يخصص فصلاً للرفاعية، ويتحدث عن عقائدهم وخرافاتهم التي أسموها كرامات، ويشير إلى مناظرة ابن تيمية للرفاعية، وإلى أن شيئاً قريباً مما حصل لابن تيمية، حصل له هو، إذ يقول رحمه الله: "وقد حدث لنا شخصياً سنة 1965 في مدينة سامراء المليئة بالرفاعيين، في بيت أحد السادة الأشراف مثل ما حدث لشيخ الإسلام بعدما كان سؤالي على أحد زعمائهم في تلك المدينة: "إن كان السلاح والرماح والسكاكين لا تؤثر فيكم، فلماذا لا تذهبون إلى جبهة القتال؟ والعراق في أشد الحاجة وأمسّها إلى أمثال هؤلاء الذين لا يؤثر فيهم الرصاص وغيرها من الأشياء.
كما نازلته وتحديته بأنه لو أعطاني المسدس، وأطلق الرصاص بنفسي، فأرى بأنه يؤثر أو لا يؤثر، فلم يسعه إلاّ الفرار والإنكار. وذلك القول الذي قالوه أمام شيخ الإسلام بأن هذه الكرامات لا تظهر أمام المنكرين"( ) .
للاستزادة
1ـ مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ، مجلد ( التصوف ) .
2ـ الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة ـ الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق.
3ـ دراسات في التصوف ـ الشيخ إحسان إلهي ظهير.
مواقف المفكرين والعلماء من الشيعة - 19-
رشيد الخيون(34/22)
هذه سلسلة من البحوث كتبها مجموعة من المفكرين والباحثين عن عقيدة وحقيقة مذهب الشيعة من خلفيات متنوعة ومتعددة ، نهدف منها بيان أن عقائد الشيعة التي تنكرها ثابتة عند كل الباحثين ، ومقصد آخر هو هدم زعم الشيعة أن السلفيين أو الوهابيين هم فقط الذين يزعمون مخالفة الشيعة للإسلام . وهذا البحث مستل من كتاب الأديان والمذاهب بالعراق ص 225 – 235، للكاتب الصحفي رشيد الخيون ، وهو شيعي عراقي غير متعصب لمذهبه ، وبحثه هذا سطر فيه تجربته الشخصية في التعرف على مذهبه الشيعي من خلال بيئته المحلية ، ويكشف فيها عن حقيقة المعتقدات السائدة لدى عوام الشيعة بفضل الدعاية الشيعية . الراصد
الشيعة
" العيش بمنطقة مغلقة لملة واحدة، ليس فيها ما يختلف معها في مقالة أو ممارسة، يوحي بالشعور بتفردها، ويعمق فكرة الفرقة الناجية المتداولة في كتب الملل والنحل، لها الجنة وللآخرين الجحيم. هذا ما حصل معي وأنا أدلف، في أول زيارة لبغداد وكنت صبياً، إلى جامع الحيدر خانة على ضفة شارع الرشيد اليسرى، وأنت متجه من الشمال إلى الجنوب، وتضع خلفك ضريحي إمامي المذهبين، الشيعي والسني، وهما موسى الكاظم وأبو حنيفة النعمان، يتوسدان ضفتي دجلة، ويربط بينهما جسر يعرف، نسبة إليهما، بجسر الأئمة، والاثنان قتلتهما السلطة نفسها بفاكهة وشراب مسمومين.
لمحني خادم الجامع أبحث عن شيء ما، فسألني إن كان يستطيع مساعدتي، فقلت له: أبحث عن تربة ، قال لي الرجل بحدة: "ليس في هذا الجامع ترب، ولا يجوز الصلاة على تربة"! حينها فهمت أنني دخلت المكان الخطأ. وما زاد استغرابي رأيت المصلين يضمون اليدين إلى الصدور! فالفارق، حسب المشهد، كبير بين الصلاة في الجامع الشيعي عنها في الجامع السنّي.(34/23)
طرح هذا المشهد أمامي أسئلة عديدة منها أن للصلاة طرقاً أخرى غير الطريقة الشيعية، فعبارتي "أشهد أن علياً ولي الله" و "حي على خير العمل" واستخدام التربة وسبل اليدين هي تعاليم خاصة بنا وليس بالمسلمين عامة، ومذهبنا ليس الوحيد بالكون، وفي هذه الزيارة عرفت أن أمثال طبيب منطقتنا اليهودي (أبو كاتي) ومعلمة مدرستنا، الخاصة بالبنات، انطوانيت وزوجها إسكندر، يملأون بغداد، وهما من أقدم أقوام العراق، ولم يأتوا من أرض أخرى، والكل بشر مثلنا ...، وليس وحدنا سنكون في بطن الجنة، لأن الإمام علي بن أبي طالب يقف على السراط المستقيم، يأخذ بأيدينا.
.....كان البحث عن التربة في جامع سنّي، بعفوية الذي لا يفقه بواطن الأمور وعمق الخلاف بين الطائفتين، بداية مراجعة لأمور وممارسات عديدة، كنت أعيشها تلقائياً دون مناقشة أو سؤال، منها الاختلاف في تعيين يوم العيد ما بيننا وبين الحكومة. كان يشعرنا هذا التفاوت أن إسلامنا غير إسلامها، وكثيراً ما كان تأخير إعلان العيد يسبب إحراجاً للموظفين الغرباء في منطقتنا بسبب تبادل التهاني، فهم على الغالب من أهل السنة والجماعة، وكثيراً ما يتأخر وصول برقية من النجف، معلنة انتهاء شهر الصوم، إلى الظهيرة فيضطر الناس إلى قطع صومهم وتبادل التهاني، وسط اندهاش موظفي الدولة.(34/24)
يسهر الشيخ محمد علي الحموزي، وكيل مرجعية النجف وهو الوحيد يعتمر العمامة بمنطقتنا، طوال الليل بدائرة البريد والبرق والهاتف منتظراً إشارة من النجف، فرؤية الهلال لا تكفي الشيخ لإعلان العيد. أما العائلة الدينية الأخرى وهم آل شيخ لطيف فرغم تاريخهم في إحياء المجالس الحسينية، وقيادة الموكب الحسيني إلى كربلاء، وتغسيل وتكفين الموتى وإبرام عقود الزواج غير الرسمية، وكتابة التعاويذ إلا أنهم لا يتدخلون في تحديد الصيام أو الإفطار ولا يحق لهم البت بأمور شرعية، ولا يحق لهم التعمم فاكتفوا بالعقال والكوفية، ذلك لأن صلتهم بالنجف تكاد تكون معدومة، فهم فقهاء المجلس الحسيني بالوراثة لا بالدراسة.
تستدعي هذه الحال التأمل في صلة منطقتنا ومناطق الشيعة العراقية الأخرى بالدولة، التي أشار الاختلاف في إعلان العيد إلى سنيتّها، وما يترتب على ذلك من موقف منها ومن دوائرها بين ربوعنا الشيعية، منها تحديها بشعور له خلفيته التاريخية.
كانت هذه الممارسة دليلاً صارخاً أمام جيلنا على تعقيد الحالة المذهبية بالعراق، وكشف خصومتنا، الظاهرة المخفية، مع الدولة، يتبع ذلك ممارسات غير مفسرة لطفولتنا، منها: ثأرنا لفاطمة الزهراء بإقامة مشاهد ساخرة من الخليفة عمر بن الخطاب، في يوم معروف عندنا، وربما عند الشيعة كافة، بفرحة الزهراء، أو حسب تسميتنا له "فرحة الزهراء".
كان عبد الأمير جعاز، وهو أكبرنا سناً، يلبس طربوشاً ملوناً وثياباً فضفاضة ومزركشة، تعرف بثياب الشهارة، ويلصق بوجهه قطناً، نسير خلفه ونردد عبارة مهينة وساخرة هي: "يعمير (تصغير عمر) هيته هيته...". كانت هذه الممارسة مقتصرة على الصبيان، بينما يشير سكوت الكبار إلى الموافقة المستترة على التنكيل بشخصية عمر، فلا بد أنهم لعبوا هذا الدور في صباهم.(34/25)
كان لثوب الشهارة صيت سيئ بين أهل المنطقة، فقيل إن الإنكليز ألبسوه للشيخ سالم الخيُّون عندما قبضوا عليه ودكوا مضيفه بالطائرات دكاً (1925) بفتنة طائفية من وزير الداخلية آنذاك عبد المحسن السعدون، يذكرون ذلك بألم وشعور خفي بالإهانة! وتذكر هذه الممارسة بطائفية عتيقة كان يمارسها عبادة المخنث بلبس ثياب مشهورة بفقاعة ألوانها ليسخر من شخصية الإمام علي بن أبي طالب أمام الخليفة جعفر المتوكل، ومباركة شاعره علي بن الجهم.
كان لهذا المشهد صلة بروايات تاريخية مختلفة، اختلقها إخباريون شيعة مثلما اختلق إخباريون سنّة روايات شيعية عن خبر كسر عمر بن الخطاب لضلع فاطمة الزهراء، ابنة الرسول، وإسقاط جنينها المفترض أن يكون ولدها الثالث المحسن بعد الحسن والحسين، وقد تصدى رجال دين شيعة لهذه الرواية التي أفرزت تلك الممارسة، وفي مقدمتهم آية الله اللبناني محمد حسين فضل الله، ولا زال يواجه بقوة من قبل الخصوم، وليس بعيداً أن يكون الإيرانيون مصدراً لمثل هذه الرواية.
فالشعوب الإيرانية، خارج التأثير المذهبي، تنظر إلى عمر بن الخطاب من زاوية أوجاع الفتوحات، وأن اغتياله لم يكن بعيداً عن آلام الأسرى من الشعوب الإيرانية من الذين أوصلتهم فتوحاته إلى يثرب، وأصبحوا ضمن ما فيها من الموالي، فالذي قتله هو أبو لؤلؤة فيروز الفارسي، بخنجر مسموم، وظل عبيد الله بن عمر مطلوباً بقتل أبي لؤلؤة وزوجته وابنتهما وشخصاً آخر يدعى الهرمزان( ).
جاء في المصادر، أن الهرمزان كان قائداً في الجيش الفارسي، وخاض الحرب ضد العرب المسلمين بالعراق، وأُسر مع من أُسر، واستشاره عمر بن الخطاب في غزو بلاد فارس وأصبهان وأذربيجان، ثم كلفه بقيادة الجيش الغازي بصحبة الزبير بن العوام( ). وقبل ذلك، قاد الهرمزان الجيش الفارسي في قتال العرب يوم ذي قار، جنوب العراق، "وكانت هذه الوقعة بين بكر بن وائل والهرمزان صاحب كسرى أبرويز"( ).(34/26)
وقيل الذي دفع خادم المغيرة بن شعبة، أبا لؤلؤة فيروز، لقتل الخليفة هو إذلال أسرى قومه، من نساء وأطفال بالمدينة، جاء في الرواية: "لما قدم سبي نهاوند المدينة جعل أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة لا يلقى منهم صغيراً إلا مسح رأسه وبكى، وقال له: أكل عمر كبدي! وكان من نهاوند، فأسرته الروم، وأسره المسلمون من الروم، فُنسب حيث سُبي، وكان المسلمون يسمون فتح نهاوند فتح الفتوح، لأنه لم يكن للفرس بعده اجتماع، وملك المسلمون بلادهم"( ).
ظل علي بن أبي طالب يلاحق عبيد الله بن عمر بدم الهرمزان، حتى بعد فراره إلى جيش معاوية، وعند المواجهة في معركة صفين، وكان مع جيش معاوية، رد على علي وهو يسأله عن سبب قتاله له "أطلب بدم عثمان" فقال له علي: "أنت تطلب بدم عثمان والله يطلب بدم الهرمزان"( ). ولما قتل عبيد الله بن عمر طلبت نساؤه جثته من معاوية، فتقدم الأخير لشرائها، فقال علي: "إنما جيفته جيفة كلب ولا يحل بيعها"( ). ( وهذا من الكذب الشيعي المجوسي الواضح ، الذي اشتهر به المسعودي . الراصد )
نعرف جيداً أن أهل السنّة لا يستثنون من التكريم صحابياً من صحابة النبي، وإن كان معاوية ووالده أبا سفيان صخر بن حرب، ومع عدم واقعية هذا التشريف إلا أنه قد يستر كثيراً من إيقاظ النعرات بين الأتباع، وإن اكتفى مدرسنا في التربية الدينية والقادم من النجف الشيخ محمد النويني باستثناء الخلفاء الثلاثة وهم: أبو بكر وعمر وعثمان مما جاء في المقرر الدراسي، فمنطقتنا أطلقت اسمي أبي سفيان ومعاوية على الكلاب، وأتذكر أن عراكاً عنيفاً جرى بين كلب أخوالي ويدعى أبا سفيان وبين كلب جيرانهم ويدعى معاوية، ولم يخطر على بالي أن شيعياً سمى ولده بهذه الأسماء.(34/27)
هناك ممارستان ما زالتا حاضرتين في المخيلة الشيعية هما السقيفة التي بسط عمر بن الخطاب فيها يده لأبي بكر، ليكون خليفة رغم عمق المعارضة، كاستلاب لحق آل الرسول بخلافته، والثانية حروب معاوية مع علي بن أبي طالب ثم قتل الحسين بكربلاء، وهي الأعمق، ففي طقوس كربلاء السنوية لا يجد الشيعة حرجاً في ربط الاسم الأموي بالعطش والدم والخداع، لهذا كان أهلنا يجدون في تسمية كلابهم بأبي سفيان أو معاوية نوعاً من الثأر للإمام الحسين، وكل من قُتل من العلويين.
ومن المفارقة، أن ظهرت أسماء في الأسرة العلوية، في جيل قريب من الحدث، مثل معاوية بن عبد الله بن جعفر بن علي بن أبي طالب (والده من الأطفال الذين بقوا على قيد الحياة بعد الطف بكربلاء)( ). وهنا يفترق المذهبان في مفهوم الصحابة وحول مَن عُرف بالمبشرين بالجنة.
إن امتزاج الحدث التاريخي في مخيلتنا الشعبية لا زال يوجه ميولنا المذهبية بعيداً عن وقائع التاريخ، فالوقائع حصلت بأرض قصية عن بيئتا المائية التي لم تعرف صهيل الخيل ولا غبار المعارك، لهاذا أوقف عتبة بن غزوان فتوحاته على مشارفها، بعد أن استكمل اجتياح البصرة، فهي حسب عبارته: ليست من ديار العرب. فنحن نعتبر زواج عثمان بن عفان من ابنتي الرسول لينال لقب ذي النورين، وزواج الرسول من بنات أبي بكر وعمر بن الخطاب وأبي سفيان، عائشة وحفصة وأم حبيبة أكاذيب لا صحة لها، والثلاث الأخيرات كن مذمومات، ولا زلن عند أغلب الشيعة، "وهن قال الله فيهن: عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن، مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكاراً"( ). ونسب للسيد الحميري في عائشة وحفصة القول:
إحداهما نمت عليه حديثها…… وبغت عليه بغية إحداهما
ونسب له القول في عائشة وحالها مع المؤمنين في معركة الجمل:
كأنها في فعلها حيّة …… تريد أن تأكل أولادها( )(34/28)
والفاضلات، حسب مصدر شيعي، من زوجات الرسول هن: خديجة، وأم أيمن (وقيل أنها جارية)، وأم سلمة، وميمونة الهلالية، ومارية القبطية، وصفية وزينب بنت جحش( ) والأخيرة زوجة ربيب النبي زيد بن حارثة، ويكذب أيضاً واقعة تزويج الإمام علي بن أبي طالب ابنته من عمر بن الخطاب، وأن يكون معاوية بن أبي سفيان أحد كتبة الوحي، ووالده أبو سفيان والياً من قبل النبي محمد على نجران، يؤيد ذلك شهادته في العهد الذي كتبه الرسول لأهلها( )، وأن يكتب الوحي أيضاً المختص بعثمان بن عفان ورضيعه وطريد النبي محمد عبد الله بن سرح (ت 37هـ) لأنه ارتد ولحق بالمشركين بعد أن قال: "إن محمداً ليكتب بما شئتُ"( )، وأن يكون الحسن والحسين ولدا علي بن أبي طالب ومعهم عبد الله بن عباس ضمن جيشه وتحت قيادته خلال الزحف نحو أفريقية( ). أبعدنا هذه الأخبار لأنها تفصل التاريخ عن مخيلتنا، وبالتالي تقلل من شأن خلافنا مع الآخر.
كان بين مخيلتنا الموروثة وبين ما تلقيناه في المناهج المدرسية بوناً شاسعاً أيضاً، فقد جرت العادة أن ندرس سيرة الخلفاء الراشدين حسب الأهمية والأسبقية بالخلافة وآخرهم علي بن أبي طالب، بينما ما عندنا هو الأول والموصى في إمامته من الله، ومثلما اعتبر إخباريو السنّة رأي عمر بن الخطاب حافزاً في نزول العديد من الآيات القرآنية، أعتبر إخباريو الشيعة علياً مرموزاً إليه وإلى ولايته بآيات قرآنية. وكان الماء يُسقى في عاشوراء للمعزين بقتل الحسين مع عبارة: "اشرب الماء وألعن يزيد"، ويزيد هذا كان خليفة المسلمين رسمياً! و "لعن الله أمة حرمتك من الماء"، وهذه الأمة كانت أمة مسلمة في انتمائها الديني، بينما نقرأ في درس التاريخ حول إنجازات معاوية وفتوحاته وانتصاراته التي غلبت الروم.(34/29)
مع أن معاوية بن أبي سفيان افتتح عصراً إسلامياً يُشتم فيه الإمام علي بن أبي طالب على المنابر لعشرات السنين، ويطارد شيعته وآل بيته من جيل إلى جيل، وأن يمدح التاريخ الرسمي عائشة والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله، وأن الأخيرين من المبشرين بالجنة، حسب حديث نبوي يؤكده محدثو السنّة بقوة، مع أنهم خرجوا قاصدين قتل علي بن أبي طالب.
خلقت هذه الازدواجية عند الشيعي العراقي، على وجه الخصوص، نوعاً من عدم الجدية في تناول موضوعات التاريخ الرسمي، وعمق ذلك من التمييز بين الطائفة أو المذهب وبين الدولة، يظهر ذلك في ممارسات عديدة منها، كما أسلفنا، الاستقلال بيوم الفرح، وهو تأخير إعلان العيد، فمثلما لا تشاركهم السنّة في حزنهم السنوي لا يود الشيعة المشاركة في الفرح أيضاً.
وحسب ما تقدم، كم تبدو خارطتنا المذهبية معقدة، فالأحداث متداخلة وموزعة بين إسلامين، إسلام سنّي تعددت مذاهبه رغم تقاربها، وإسلام شيعي تعددت مذاهبه أيضاً واختلفت أزمنته، لم يبق منه بالعراق غير المذهب الجعفري أو الإثنى عشري أو الإمامي،
يصعب وضع اليد على بداية تاريخية، سواء كان بالعراق أو في غيره من البلدان. وقد لا يقود البحث في تاريخه إلى مؤسس بعينه، كبقية المذاهب. فمن السهولة بمكان وضع اليد على بدايات المذهب الحنفي، أو المالكي. أو الشافعي، أو الحنبلي لأن هذه المذاهب ارتبطت بشخص معين، وليس لها خلفية سياسية معقدة. أما الشيعة فمن الصعوبة بمكان الإشارة إلى مؤسس، فالأحداث السياسية بداية من السقيفة متداخلة ومعقدة.(34/30)
نسب مؤرخو الشيعة تأسيس مذهبهم إلى النبي، وأنه بذرة الإسلام الأولى، حالهم في ذلك حال المذاهب الأخرى، واجدة أحاديث نبوية مبشرة بأبي حنيفة أو الشافعي أو ابن حنبل. قال محمد حسين كاشف الغطاء: "إن أول من وضع بذرة التشيع في حقل الإسلام هو نفسه صاحب الشريعة الإسلامية، يعني أن بذرة التشيع وصفت مع بذرة الإسلام جنباً إلى جنب، سواء بسواء، ولم يزل غارسها يتعاهدها بالسقي والعناية"( ). وينصح كاشف الغطاء، وهو من المراجع الدينية البارزة بالنجف في النصف الأول من القرن العشرين، بمراجعة الآية "أولئك هم خير البرية"( )، ويفسرها بأنهم علي وشيعته، داعماً تفسيره بآراء فقهاء سنّيين، مثل: ابن عساكر والسيوطي والدارقطني( ).
وعلى المنوال نفسه، يذهب آية الله محمد باقر الصدر إلى القول إنه "نتيجة طبيعية للإسلام، وممثلاً لأطروحة كان من المفروض للدعوة الإسلامية أن تتوصل إليها حفاظاً على نموها السليم، ويمكننا أن نستنتج هذه الأطروحة استنتاجاً منطقياً من الدعوة التي كان الرسول الأعظم يتزعم قيادتها بحكم طبيعة تكوينها، والظروف التي عاشتها"( ).
وبما أن الوصية في الإمامة هي عماد التشيع لذا اعتبر الصدر ترك الأمر بلا وصية "سلبية لا يمكن افتراضها في النبي"( ). ويدلل الصدر منطقياً على إثبات الوصية، أنه كيف يوصي أبو بكر لعمر، وعمر لستة من أهل الحل والعقد "والرسول لم يعهد لأحد"؟ ويترك الصدر الباب مفتوحاً للاختلاف لا في وجود الوصية بل في "لمن كانت الوصية". وهذا صحيح، فالذين يتحدثون عن ترك الرسول الوصية يحاولون التشبث بمبدأ الشورى، الذي منه يحاولون تكريس الديمقراطية تاريخياً، والأمر وفق هذه المحاولة لا يتعدى الدعاية الفكرية والسياسية، أما الواقع فغير ذلك تماماً، فإذا كان أمر المرتد لم يحسم بعد بين المسلمين فيكف التحدث عن الديمقراطية التي لا يمكن أن تستقيم دون حرية فكرية وعقائدية.(34/31)
وهذا الرأي هو رأي الشيعة عامة، ولم يدع إخبارية المذهب وحدهم جذوراً لمذهبهم تتصل بالرسول مباشرة، بل ادعى هذه الصلة، كما قلنا، معظم المذاهب إن لم يكن كافة، وطبقات المذاهب تؤكد ذلك، مع أن بذرة الإسلام الأولى لم تكن شيعية ولا سنّية ولا معتزلية، غير أن الرسول وخميرة الإسلام، كما يُقال، لا زالت حاضرة في المذاهب الإسلامية كافة، وإن كانت بدرجات متفاوتة، لا سيما أن جميع المذاهب تتخذ من الرسول حجة لوجودها وشرعيتها، وتأكيداً لفضل بعضها على بعض، والشيعة ربما الأقرب إلى النسب النبوي، فوصية غدير خم، وهي حجتهم في ولاية علي بن أبي طالب، معترف بها من قبل السنّة أيضاً، لكنهم يختلفون في تفسيرها.
ولنأخذ رأياً سنّياً حول بذرة التشيع الأولى نقتبسه من محمد بن عبد الكريم الشهرستاني الشافعي، قال: "إن الشيعة هم الذين شايعوا علياً، رضي الله عنه، على الخصوص، وقالوا بإمامته وخلافته نصاً ووصية، إما جلياً وإما خفياً، واعتقدوا أن الإمامة لا تخرج من أولاده، وإن خرجت فبظلم يكون من غيره، أو بتقية من عنده، وقالوا: ليست الإمامة قضية مصلحية تُناط باختيار العامة وبتنصيب الإمام بنصبهم، بل هي قضية أصولية، وهي ركن الدين، لا يجوز للرسل عليهم الصلاة والسلام إغفاله وإهماله، ولا تفويضه إلى العامة وإرساله"( ).(34/32)
اعترف الشهرستاني، حسب ما ورد، بمشايعة الشيعة لعلي بن أبي طالب، وبالتالي بنسبة الشيعة إلى العهد النبوي، فالمشايعة تمت على أساس وصية النبي. والسؤال هل الوصية، في وقت إعلانها، أصبحت تاريخاً لقيام المذهب الشيعي؟ وهل تعتبر علي بن أبي طالب مؤسساً للشيعة؟ إن ما يعيق التسليم بهذا الرأي هو أن الإمام علياً كان يمثل الإسلام عموماً، واختلافات تلك المرحلة لم تؤدِ إلى انفلاق مذهبي على أساس سنّي وشيعي، فمن السابق لأوانه أن نتحدث عن افتراق الإسلام إلى طائفتين على أسس مذهبية في الفترة النبوية، أو الفترة الراشدية، بل اختلافات تلك الأيام كانت اختلافات سياسية مباشرة، تداخل فيها العلاقات العشائرية والأسرية.
فنصيحة رجل أموي الهوى، لعب دوراً في شد عضد معاوية بن أبي سفيان، لعلي بن أبي طالب توحي بتداخل الاتجاهات آنذاك، وإشارة إلى التفاف الناس حول خليفة أتته الخلافة بالبيعة البائنة، والاختلاف كان مع أمير شق عصا الطاعة واستقل بالشام، فأراد تحقيق حلم أبيه صخر بن حرب (ت 31هـ)، الذي أفصح عنه وهو يقف شامتاً فوق قبر حمزة بن عبد المطلب، عم الرسول والمقتول في معركة أُحد، والذي أكلت كبده حقداً عليه زوجته هند.
قال أبو سفيان: "رحمك الله يا أبا عمارة، لقد قاتلتنا على أمرٍ صار إلينا"( )، ربما شمت أبو سفيان بقتيل أُحد يوم كان والياً من قبل النبي على نجران، كما سلفت الإشارة. والعبارة قد لا تتعدى قراءة ناقل الخبر أبي حيان التوحيدي الخاصة بتغيرات المشهد السياسي.(34/33)
نأخذ نصيحة المغيرة بن شعبة (ت 50هـ)، الذي أشرنا إليه بأموي الهوى، لعلي بن أبي طالب من مصدر قريب على التشيع، هو أبو الحسن المسعودي (ت 347هـ)، فقد عدَّ من أعلام الشيعة ونُسب له كتاب "الوصية"، مع أنه بعيد عن أجواء أسلوبه في الكتابة. جاء في الرواية: "أتى المغيرة بن شعبة علياً، فقال له: إن لك حق الطاعة والنصيحة، وأن الرأي اليوم تحوز به ما في غد، وأن المضاع اليوم تضيع فيه ما في غد، أقرر معاوية على عمله، وأقرر ابن عامر (والي البصرة) على عمله، وأقرر العمال على أعمالهم، حتى إذا أتتك طاعتهم وطاعة الجنود استبدلت أو تركت، قال: أنظر".
لكن المغيرة، ربما بتأثير أموي، سرعان ما تراجع عن نصيحته لعلي "وعاد إليه من الغد، فقال: إني أشرت عليك بالأمس برأي وتعقبه برأي، وإنما الرأي أن تعاجلهم بالنزع، فتعرف السامع من غيره، وتستقيل أمرك"( ). فقال عبد الله بن عباس لعلي: "أما أمس فقد نصحك، وأما اليوم فقد غشك"( ).
ورغم أن كتباً مثل "الهداية الكبرى" للحسين بن حمدان الخصيبي (ت 334هـ)، و"بحار الأنوار" لمحمد باقر المجلسي (ت 1111هـ) وغيرها من كتب الشيعة العامة مملوءة بالخيالات الجامحة، إلا أنها شاركت بطريقتها في نسبة التشيع للفترة النبوية، ذلك برواية حديث مرفوع إلى الإمام أبي عبد الله جعفر الصادق، ملخصه أن النبي خرج يوماً يطلب طعاماً من بيت علي بن أبي طالب، فاعتذر الأخير عن توفير الطعام، فهو لم يذقه منذ ثلاثة أيام، فأخذه الرسول والمقداد بن الأسود الكندي وأبا ذر الغفاري وعمار بن ياسر، وقال لهم: "أبشروا فإن الله عز وجل أمر الجنة أن تتهيأ بأحسن هيئتها فتهيأت، وقال لها: إني جعلت سكانك محمداً رسولي وأهل بيته، وأنتم أصحابي وشيعتي وشيعة أهل بيتي وعترتي..."( ).(34/34)
إن نسبة بدايات التشيع إلى هؤلاء الأصحاب وسلمان الفارسي أمر شائع في كتب الشيعة، وأخبار صلاتهم بالتشيع مؤكدة في مختلف المصادر التاريخية، فالمقداد رد على معاوية بعد أن سأله ما هو فاعل لو كان محل أبي موسى الأشعري في الحكومة بصفين، قال: "أجمع ألفاً من المهاجرين وأبنائهم، وألفاً من الأنصار وأبنائهم ثم أقول: يا معشر من حضر أرجل من المهاجرين السابقين (ويعني علياً) أحق بالخلافة أم رجل من الطلقاء (يعني معاوية، والطلقاء هم الذين أسلموا يوم فتح مكة)( ).
وأن أبا ذر الغفاري مات منفياً بالربذة (منطقة صحراوية على مسافة من المدينة) بعد أن ضاق عثمان بن عفان ومعاوية بن أبي سفيان من تحريضاته، واعترض علي بن أبي طالب بشدة على نفيه، وعمار بن ياسر قتل وهو أحد قادة جيش علي في معركة صفين ضد الشاميين بقيادة معاوية، وسلمان الفارسي عُرف بباب علي، وكل إمام من أئمة الشيعة له بابه. لكن أي من هؤلاء كان شيعياً بالمعنى المعروف، غير التفافه حول علي بن أبي طالب بداية من أيام عثمان ثم في خروج معاوية عليه؟ ففي تلك الأيام لم يتبلور التشيع في مقالات فقهية وليس هناك إشكاليات مذهبية، غير إشكاليات السياسة وفي مقدمتها الإمامة، والتي هي أول افتراق بين المسلمين.
عموماً، إن الشيعة فرقة نشأت بالتدرج، وأن الإمامية، وهي مذهب أهل العراق الشيعة اليوم، التي نحن بصددها، ظهرت متأخرة على فترة الإسلام الأولى، والبداية كانت بمفهوم الشيعة العام كأصحاب وجماعة التفت حول علي بن أبي طالب، ثم تحولت إلى تجمعات سياسية ظلت تعترض على الحكم الأموي، مرة بالتنظيم السري، كتنظيم أولاد محمد بن الحنفية، ومرة بإعلان الثورة المسلحة كحركة التوابين بقيادة سليمان بن صرد الخزاعي، والمختار بن أبي عبيد الله الثقفي، وزيد بن علي بن الحسين.(34/35)
ولم يحظ التشيع بتمييز مذهبي فقهي وكلامي إلا بجهود الإمام جعفر الصادق الفقهية، لذا جاءت تسمية المذهب الشيعي بالمذهب الجعفري مطابقة للواقع، لاسيما وأن معظم الأحاديث أو السنّة التي يهتدي بها الشيعة قد جاءت مروية على لسان الصادق، هذا ما تشير إليه كتب الحديث الأربعة المعتبرة عند الشيعة، وهي: "الكافي" لمحمد بن يعقوب الكليني (ت 292هـ)، وتضمن (16.199) حديثاً، و "مَن لا يحضره الفقيه" لمحمد بن علي بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق (ت 381هـ) وتضمن (5.964) حديثاً، و "الاستبصار" و "التهذيب" لشيخ الطائفة الطوسي (ت 460هـ) وتضمنا معاً (19.101) حديثاً( ).
تقابل الكتب الأربعة الشيعية كتب الحديث الستة السنّية، أبرز رواتها الصحابي أبا هريرة، الذي تكذبه الشيعة، مثلما كذب كُتاب السنّة الشيخ الصدوق، فدعوه بالكذوب، لذا رد الشيعة عليهم ودعوه بالصدوق، وكذلك كذبوا الإخباري الشيعي عبد الله الجعفي، غير أنهم لا يتعدون أو يجازفون إلى تكذيب جعفر الصادق مع أنه تقريباً مصدر حديث الشيعة الأهم، فاعتبروا أحاديث هذه الكتب أكاذيب على جعفر الصادق من قبل رجال الشيعة.
حجم شيعة الخليج والعراق و لبنان بين الحقيقة والخيال
لقيت التصريحات القوية الأخيرة للرئيس المصري حسنى مبارك حول ولاء الشيعة لإيران وليس لدولهم موجات هائلة من التنديد الشيعي، كما أن كثيراً من الكتاب اليساريين والقوميين رفضوا هذه التصريحات ، ولكن لم يقف أحد من هؤلاء المستنكرين لهذه التصريحات هذا الموقف من نسبة شيعة العراق التي قال الرئيس المصري أنها 65% من الشعب العراقي ، وهذه النسبة غير صحيحة بتاتاً.(34/36)
و الجانب الأكثر خطورة في هذا الموضوع هو الأرقام التي تنشر دون تصحيح وتشكل فيما بعد حقائق على الأرض كما يحدث في العراق حيث عجزنا عن إقناع السنة ودولهم فضلاً عن غيرهم بأكثرية سنة العراق فضاعت حقوق سنة العراق في بلدهم رغم أن وزارة التخطيط و التعاون الإنمائي العراقي أصدرت تقريراً في شهر 7 لعام 2004 ذكرت فيه أن نسبة السنة في العراق تبلغ 52.95 % مقابل 44.04 % للشيعة (جريدة العرب اليوم 28/4/2005 ) ، وقد تم التعتيم إعلامياً بطريقة عجيبة ، والأعجب من ذلك تخاذل السنة في العراق وخارجه عن تناول هذا التقرير إعلامياً ! فهل وصل العجز إلى هذا الحد ؟ أم أن أجهزتنا الإعلامية لا تعمل لصالحنا ؟؟؟؟
وللعلم هناك عدة دراسات تناولت حقيقة حجم شيعة العراق كدراسة الدكتور سليمان الظفيري، ودراسة الدكتور طه الدليمي ، ودراسة لوكالة قدس برس ، نشرت في المجلات وشبكة الإنترنت .
وهذا يكشف بوضوح عن الخلل الكبير في بنية صناعة القرار السياسي العربي ، فمصر أكبر دولة عربية والتي تعد مليئة بالباحثين و الدارسين والمراكز العلمية ، لا تقدم صورة صحيحة عن حجم شيعة العراق للرئيس !!؟
كما أن هذا يكشف عن الدور الخطير الذي يقوم به الإعلام، الذي يروج عمداً لمعلومات مضللة لتكون نقطة انطلاق في المستقبل لمكاسب غير شرعية .
للأسف لم تنتبه الحكومات ومراكز البحث للآن للمعلومات المضللة التي تروج عن أعداد الشيعة في المنطقة مع أن موضوع الشيعة وحقوقهم ودورهم من أهم القضايا على الساحة السياسية منذ سنوات عدة ، ففي غياب الإحصاءات الدقيقة ، و غفلة الأكثرية السنية و جهل الأنظمة العربية تنتشر أرقام خيالية عن حجم هذه الأقليات في المنطقة العربية ، تقوم بنشرها مراكز مشبوهه ، مثل مركز ابن خلدون الذي يرأسه سعد الدين إبراهيم في القاهرة ، أو صحافة يهودية عالمية وأتباعها من اليسار العربي أو كتاب منتمون لهذه الأقليات.(34/37)
كما تشكل الدعاية المكثفة لنشر الديمقراطية في المنطقة العربية تحدياً حقيقياً لكثير من الأنظمة العربية ومن أهم هذه التحديات في نظرنا : التغيير في مفهوم الديمقراطية من مفهوم حرية الانتخاب لكل المواطنين إلى مفهوم إعطاء الأقليات حرياتها ! و تتضح الخطورة إذا تعرفنا على هذه الأقليات التي يراد لها أن تنال مطلق الحرية في المنطقة العربية وهي أقليات دينية ( يهودية ، نصرانية ،صابئة ، هندوسية ...) أو إسلامية ( شيعة ، إسماعيلية ، بهائية ، قاديانية ،...) أو أقليات فكرية ( عبدة الشيطان ، ملحدون ، مثليون جنسيون ، ...) إلى غير ذلك من الأقليات .
وحتى تتضح خطورة الموضوع أكثر نورد جدولاً يحتوى على حجم الشيعة في الخليج والعراق كما تعرضها المراجع المختصة : "المجموعات العرقية والمذهبية في العالم العربي" و "أطلس العالم العربي" و" تقارير مركز ابن خلدون " و" موقعCIA على الانترنت " ، ويكشف لنا هذا الجدول مدى التخبط والتناقض ، مما يزيد من أهمية دراسة الموضوع بشكل صحيح وعادل :
السنة…1990…1990…1993…1999…2000…2003…2005…2005
المصدر
الدولة…المجموعات العرقية والمذهبية في العالم العربي… أطلس العالم العربي – البعثة الفرنسية …تقرير ابن خلدون…تقرير ابن خلدون…تقرير ابن خلدون…المجتمع المدني، اصدار مركز ابن خلدون…تقرير ابن خلدون…موقع CIA
السعودية…5%…2.5%…10%…-…-…14%…10%…-
البحرين…45%…40%…52%…70%…67%…70%…67%…70%
الكويت …25%…21%…20%…-…25%…25%
40%…30%…30%
الإمارات …25%…13%…20%…-…-…16%…-…16%
قطر…-…10%…-…-…-……-…-
العراق…52%…مع يزيديين وغيرهم 51%…48%…52%…50%…60-65%…60%…60-65%
لبنان …عام 1982
20،27%…25%…19،6%…28%…29%…-…29%…-
والمتأمل في هذه الأرقام يجد تناقضات عجيبة وقفزات غريبة خاصة فيما يتعلق بالبحرين والعراق لا تتفق مع المنطق و نسبة النمو السكاني و الهجرات الطارئة !!(34/38)
والسبب الذي برر به مركز ابن خلدون زيادة نسبة شيعة البحرين من 52 % عام 1993 إلى 70 % عام 1999 هو أنهم قرويون يكثر عندهم الإنجاب !!
وهذا غير صحيح فإن الشيعة في البحرين يكثر فيهم المتعلمون بعكس السنة الذين يتوجهون إلى قطاعات الجيش، و لا يهتمون بمواصلة الدراسة التي تؤخر سن الزواج .
كما أن هذا المركز عمد إلى زيادة حجم الشيعة في الكويت والإمارات .
فهذه الأرقام تعطينا دلالة على حقيقة علمية ومهنية تقارير مركز ابن خلدون الذي يرأسه اليساري المصري سعد الدين إبراهيم ، وهو رئيس مجلة اليسار الجديد وتمويله من المؤسسات اليسارية الأمريكية ، وكان الدكتور محمد عمارة قد بين تلاعب سعد الدين بالأرقام حول الأقليات في كتاب عمارة " الأقليات الدينية والقومية تنوع ووحدة ؟ أم تفتيت و اختراق ؟ " فقال ص 68: " قفزت تقديراته لأعداد هذه " الأقليات " قفزات لا يتصورها عقل و لا يقول بها إحصاء " .
والمشكلة الأهم هي غياب الإحصائيات الدقيقة وعدم الاهتمام السني بما يروج في الخفاء من تمكين الأقليات استناداً إلي إحصائيات مغلوطة .
فشيعة البحرين لا يتجاوز حجمهم 45% من السكان لكن من يثبت ذلك ويقنع العالم به؟
كذلك الكويت لمصلحة من يروج أنهم 40% ؟
السعودية لماذا يدعي الشيعة بأنهم 25% من السكان المضطهدين ؟؟
كيف زادت نسبة شيعة لبنان في ستة سنوات لدى مركز ابن خلدون 6% ؟؟
هل يقوم المعنيون بدورهم بكشف الحقائق بشكل عادل ، قبل أن يفرض عليهم ما لا يرغبون بشكل ظالم كالعراق ؟
وهذا ينطبق أيضاً على شيعة لبنان الذين يجرى تضخيم حجمهم للحصول على مكاسب معلومة للجميع ، لا يمكن الوصول لها سوى بزيادة حجمها عن الحقيقة !!
ولاء الشيعة لمن ؟
لا تزال ردود الفعل تتوالى على تصريحات الرئيس المصري حسني مبارك الأخيرة بخصوص " ولاء الشيعة " هل هو لأوطانهم أم لإيران ؟(34/39)
فقد استنكر أغلب قيادات الشيعة الدينية والسياسية في المنطقة هذه التصريحات، كما شنت المنابر الإعلامية الشيعية حملة إعلامية منظمة ضد مبارك، تذكر بالحملات اليهودية التي تشن على كل من يقترب من التابوهات اليهودية "المقدسة" ! وهذا أسلوب سبق للشيعة استخدامه ضد العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني عندما حذر من " الهلال الشيعي " ، وهذه الحملات ضد الزعماء العرب لا تتورع عن سبهم ولعنهم بكل قوة ، وذلك لخلق حالة من الخوف من مجرد التفكير بالاقتراب من الشيعة !!!
وبالفعل فإن هذا هو ما حصل، فقد اضطر الأردن للقيام بسلسلة من الخطوات الدبلوماسية للتخفيف من الغضب الشيعي عليه ، كما أن الرئيس المصري اضطر لتوضيح مراده من التصريحات السابقة بأنه لم يكن يقصد سوى ارتباط الشيعة بالأماكن المقدسة شيعياً في إيران !!!
وبغض النظر عن تصريحات مبارك وتوضيحها يبقى السؤال : " ولاء الشيعة لمن ؟ " قائماً يبحث عن إجابة .
بداية من المقرر أن التعميم في الأحكام خطأ كبير ، و ذلك أن الشيعة مثل غيرهم من الطوائف فيهم المتعصب وفيهم الموالي للطائفة والمرتبط بالمرجعية وفيهم المعتدل وفيهم المنشغل بدنياه وفيهم العلماني ، وهناك صراعات بين هذه التيارات وإن كان المعتدلون والعلمانيون من الشيعة يحاربون بضراوة من قبل قادة الشيعة عموماً بسبب التعصب الطائفي، لذلك ما سنصل إليه من إجابة على هذا السؤال ليس بالضرورة عاماً لكل الشيعة ، وإن كان قد يشمل قطاعاً كبيراً منهم بحسب الحقائق التي سنعتمد عليها للوصول إلى الإجابة الصحيحة بإذن الله .
وستكون الإجابة من ثلاثة محاور :
1-…العقيدة والفكر الشيعي .
2-…السلوك السياسي للشيعة في التاريخ .
3-…الواقع السياسي المعاصر للشيعة .
المحور الأول : العقيدة والفكر الشيعي
•…التقية بوابة الفهم الشيعي :(34/40)
التقية هي أهم المفاتيح لفهم العقلية والسلوك الشيعي بعامة والسياسي بخاصة ، والمراد بالتقية كما يشرحها الشيخ المفيد: ( التقية كتمان الحق وستر الاعتقاد فيه ومكاتمة المخالفين وترك مظاهرتهم بما يعقب ضررا في الدين أو الدنيا ) ،شرح عقائد الصدوق، فصل التقية ص 241 .
ويبين لنا الخمينى ضرورة التقية وأهميتها في السلوك الشيعي فيقول : ( ثم إنه لا يتوقف جواز هذه التقية بل وجوبها على الخوف على نفسه أو غيره، بل الظاهر أن المصالح النوعية صارت سببا لإيجاب التقية من المخالفين فتجب التقية وكتمان السر لو كان مأمونا وغير خائف على نفسه ) كتاب الرسائل 2/201 .
وهذا حسن الصفار أحد زعماء شيعة السعودية يقول في مقابلة صحفية : ( القرآن الكريم فيه آيات عديدة تؤكد أن الإنسان إذا كان في موقع يخاف على نفسه الضرر، أو يكون في موقع يسبب له مشكلة من إظهار رأيه وعقيدته فإن له أن يلجأ إلى التكتم على رأيه وعقيدته حفاظاً على حياته ومصلحته ). في مكاشفة مع عبد العزيز القاسم في ملحق الرسالة التابع لجريدة المدينة الجمعة ( 17 شعبان 1425هـ الموافق1 أكتوبر 2004م ) .
فما هو الفرق بين الكتمان لأجل المصلحة والخيانة ؟؟؟
إذا كانت التقية القائمة على الكتمان لأجل المصلحة هي أسلوب الشيعة في التعامل مع الآخرين فكيف سنعرف الولاء الحقيقي لهم ؟؟ سؤال يبحث عن إجابة .
•…ما هو الموقف الشيعي من الحكومات والدول قديماً وحديثاً ؟
الدول تنقسم بحسب الشيعة لقسمين : قسم يؤمن بالإمامة الشيعية كدولة البويهيين، و دولة الفاطميين، و دولة الحمدانيين، و دولة الصفويين .
وقسم لا يؤمن بالإمامة الشيعية كدولة الخلفاء الراشدين والأمويين والعباسيين والعثمانيين والدول القطرية المعاصرة فضلاً عن الدول غير الإسلامية .
وحين ننظر في التراث الشيعي تجاه الدول والحكومات نجد الروايات التالية :(34/41)
1-…"كل رايةٍ ترفع قبل راية القائم صاحبها طاغوت". و يضيف المازندراني شارحاً : "و إن كان رافعها يدعو إلى الحق"!! (شرح المازندراني 12/371).
2-…" سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى سلطان وإلى القضاة أيحل ذلك ؟ قال : من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلى الطاغوت " ( الكافي للكلينى ) .
وأما عن فهم هذه الروايات سنجد الخميني يقرر: "على الشعب المسلم ألا يرجع في أموره إلى سلاطين و حكام الجور و القضاة العاملين لديهم حتى لو كان حق الشخص المراجع ثابتاً ". ( كتاب الحكومة الإسلامية ص 136) .
أما موقف حسن الصفار من البويهيين، و الفاطميين، و الحمدانيين، و الصفويين فهو عدم الشرعية حيث يقول : "الفكر الشيعي لا يسبغ على هذه الدول الشرعية، لأن للحكم الشرعي مواصفات لم تتحقق عند أغلب هذه الحكومات المنتمية للشيعة" ، بل "و كان الحكم الشاهنشاهي في إيران محسوباً على الشيعة، لكن علماءهم لم يسبغوا عليه الشرعية و أخيراً أسقطوه" !! ( في مكاشفة مع عبد العزيز القاسم ) .
أما حول سبب عدم شرعية هذه الحكومات عموماً والحكومات والدول الشيعية خصوصاً ، فيوضحه الأستاذ بندر الشويقي في رده على مقابلة الصفار هذه بقوله : (معضلة الفقه الشيعي أنه لا يمكن أن يسبغ الشرعية إلا على دولة يقودها الإمام المعصوم!!
أو على الأقل فقيه شيعي إمامي ينوب عن هذا الإمام!!
و هذا القول الأخير يقول به قلة من علماء الشيعة ممن أيدوا زعامة الخميني و ثورته باعتباره فقيهاً ينوب عن المعصوم في الإمامة. و أما الأكثرون فلا يسبغون الشرعية إلا على دولة الإمام المعصوم وحده دون سواه.
و على كلا الحالتين فلا يمكن أن يثبت الفقه الشيعي الولاء لدولة يحكمها غير فقهائهم ) .
و بهذا الموقف الرافض لشرعية جميع الحكومات سوى حكومة الإمام أو من ينوب عنه نتساءل لمن سيكون ولاء الشيعة ؟(34/42)
•…ما هي مهمة كل شيعي في زمن غيبة الإمام ؟
يقول الشيخ الصفار في رسالته " الإمام المهدي أمل الشعوب": "المؤمن الذي يعيش في عصر الغيبة، منتظراً لخروج الإمام القائد وظهوره، لابدّ وأن يهيئ نفسه لاستقبال الإمام، والانضمام إلى جبهته، والعمل تحت لوائه. وهذا لا يتأتى للإنسان إذا لم يرب نفسه ويهيئها من الآن للساعة المنتظرة قبل أن تأتي تلك الساعة وهو يفقد زمام نفسه وتخونه إرادته. ولأن موعد الظهور مجهول لدى الإنسان المؤمن فيجب أن يكون على أُهبة الاستعداد دائماً وأبداً، ويتوقع الأمر في كل لحظة".
لكن إذا تعارضت مواقف الإمام المهدي مع موقف الدولة التي ينتمي لها الشيعي فمع من سيكون ولاؤه ؟
يقول الأستاذ بندر الشويقي : (و قد رأيت الشيخ الصفار في رسالته التبشيرية عن إمام الزمان (المهدي المنتظر) يوصي الشيعة بجملة من الأدعية، و يرغبهم في ملازمتها. و في تلك الأدعية إعلان تجديد البيعة و الولاء للإمام الحق الغائب في سردابه !!
و هذا أحد نصوص تلك الأدعية و التراتيل، أنقلها للقراء الأكارم من كتاب الشيخ الصفار : "اللهم بلّغ مولانا الإمام الهادي المهدي القائم بأمرك (صلوات اللَّه عليه وعلى جميع آبائه الطاهرين) عن جميع المؤمنين والمؤمنات في مشارق الأرض ومغاربها.... اللهم إني أجدد في صبيحة يومي هذا، وما عشت من أيامي عهداً وعقداً وبيعة له في عنقي، لا أحول عنها ولا أزول أبداً".
(بيعة) و (عقد) و (عهد) في صبيحة يومه، وفيما عاش من أيامه!
بيعة في عنق الشيخ لا يحول عنها و لا يزول أبداً!
فماذا بقي من ولاء و انتماء ؟!
و إذا استثنينا الجمهورية الإيرانية، فهل توجد اليوم دولة أو بلد تسير على تعاليم ذاك الإمام المنتظر، بحيث يكون لها نصيب من هذا الولاء، و الانتماء، و البيعة، و العقد، و العهد، الذي لا يزول و لا يحول أبداً؟!(34/43)
نرجع مرةً أخرى لرسالة الشيخ الصفار، فنراه يقول مخاطباً إمامه الحق : "متى ترانا ونراك وقد نشرت لواء النصر؟ أترانا نحف بك وأنت تؤم الملأ، وقد ملأت الأرض عدلاً وأذقت أعداءك هواناً وعقاباً، وأبدت العتاة وجحدة الحق وقطعت دابر المتكبرين واجتثثت أصول الظالمين، ونحن نقول الحمد للّه رب العالمين".
ثم يسرد الشيخ الصفار دعاءً آخر يقترح قراءته كل ليلة من ليالي رمضان المبارك، يقول فيه:
"اللهم إنا نرغب إليك في دولةٍ كريمةٍ تعز بها الإسلام و أهله، و تذل بها النفاق و أهله، و تجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك والقادة في سبيلك و ترزقنا كرامة الدنيا و الآخرة.... اللهم إنا نشكو إليك فقد نبينا، و غيبة ولينا، و كثرة عدونا، و قلة عددنا...".
و يزيد الصفار على هذا، فيدق طبول الحرب، و يتمثل قول الشاعر مخاطباً مهدي سامراء:
فهاك قلِّبها قلوب الورى ... أذابها الوجد من الانتظار.
متى تسل البيض من غمدها... و تشرع السمر و تحمى الذمار.
لن أسأل لأي شيء يستعجل الشيخ الصفار سلَّ السيوف البيض، و إشراع الرماح السُّمر.
و لن أسأل من هم أعداء المهدي المنتظر، و من هم جحدة الحق الذين سوف يسل عليهم صاحب الحق سيوفه البيض ؟ و من هم أهل النفاق الذين سوف يذيقهم الهوان و العذاب؟ ) .أ.هـ كلام الأستاذ بندر الشويقي .
•…إذا خرج المهدي ماذا يصنع ؟
وننبه القارئ الكريم لضرورة معرفة أعمال المهدي الشيعي إذا خرج ، لأن هذه المعرفة قد تعطينا فكرة عن حقيقة " ولاء الشيعة لمن ؟ " ولذلك سأذكر بعض الأعمال التي يقوم بها المهدي إذا خرج :
1- بماذ يحكم المهدي ؟ " إذا قام قائم آل محمد حكم بحكم داود وسليمان ولا يسأل بينة "، ( الكافي 1/462 ) . مع أن شريعة محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ناسخة لما قبلها من الشرائع .(34/44)
2-المهدي عنده القرآن الحقيقي : " إذا قام قائم آل محمد ضرب فساطيط يعلم فيها القرآن على ما أنزل فأصعب ما يكون على من حفظه اليوم لأنه يخالف فيه التأليف " ( كتاب الإرشاد للمفيد ص 365 ) .
3-موقفه من الحرمين الشريفين: " القائم يهدم المسجد الحرام حتى يرده إلى أساسه ، ومسجد الرسول صلى الله عليه وآله إلى أساسه " ( كتاب الغيبة للطوسي ص282) . وذلك أنهم يكفرون سائر المسلمين فلا داعي لمسجد كبير !
4-موقفه من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما : يقوم " بكسر الحائط الذي على القبر .. ثم يخرجهما ( الشيخين ) غضين رطبين فيلعنهما ويتبرأ منهما ويصلبهما ثم ينزلهما ويحرقهما ثم يذريهما في الريح " ( بحار الأنوار للمجلسي 52/386 ) .
5- موقفه من أهل السنة : " فإذا قام القائم عرضوا كل ناصب ( سني ) عليه فإن أقر بالإسلام وهي الولاية وإلا ضربت عنقه أو أقر بالجزية فأداها كما يؤدي أهل الذمة " ( بحار الأنوار 52/373) . وفي رواية أخرى " لو يعلم الناس ( أهل السنة ) ما يصنع القائم إذا خرج لأحب أكثرهم ألا يروه مما يقتل من الناس .. حتى يقول كثير من الناس : ليس هذا من آل محمد ، لو كان من آل محمد لرحم " !! ( بحار الأنوار 52/354 ).
6-جنود المهدي ! : " إذا قام قائم آل محمد استخرج من ظهر الكعبة سبعة وعشرين رجلاً ، خمسة عشر من قوم موسى الذين يقضون بالحق وبه يعدلون ، وسبعة من أصحاب الكهف ، ويوشع وصي موسي ، ومؤمن آل فرعون ، وسلمان الفارسي ، وأبا دجانة الأنصاري ومالك الأشتر " ( بحار الأنوار 52/346 ) .
ويبقي السؤال " لمن ولاء الشيعة ؟ " .
•…المرجعية وقيادة الشيعة :
ويقصد بالمرجعية " الجهة المتولية لشؤون الأمة أو الفرقة أو الطائفة بأجمعها ، وبيدها الإدارة لتدبير أحوالها وأوضاعها الدينية ، ويسمى المتقمص بها بالمرجع " (الحوزة العلمية في النجف للبهادلي ص 182) .(34/45)
وهذه الجهة هي فقهاء الشيعة الجامعون للشرائط ، ويكون الأعلم هو المرجع الأعلى ، و تكمن خطورة هذه المرجعية في طبيعة العلاقة بين المرجع و الفرد الشيعي ، حيث أن الشيعي لابد له من تقليد مرجع في أحكام الدين ، كما أن الشيعي لا بد له من مرجع للقيام ببعض العبادات والشعائر كالخمس .....
وأخطر من هذا كله أن المرجع لا تقتصر مرجعيته على دولته فحسب بل هي عابرة للحدود والقارات !!
ولذلك تم اعتماد وكلاء للمراجع في المحافظات والدول الأخرى ، يقومون بربط الناس بمرجعهم البعيد في الفتيا وقبض الأخماس وقضاء الحوائج .
وهنا نتساءل لو تعارض رأي المرجع مع رأي الدولة التي ينتمي لها الشيعي لمن سيكون ولاء الشيعي ؟
•…ولاية الفقيه :
ولايو الفقيه هي النظرية التي بلورها الخميني بشكلها المعاصر، والتي استقرت على أن الفقيه(المرجع ) كما أنه ينوب عن الإمام الغائب في أمور الفتيا والقضاء، فإنه يمكن أن ينوب عنه في أمور الحكم و إدارة الدولة .
وقد زاد الخميني من صلاحيات الولي الفقيه حتى أوصلها إلى : " أن الحكومة شعبة من ولاية رسول الله – صلى الله عليه وسلم – المطلقة ، وواحدة من الأحكام الأولية للإسلام ، ومقدمة على جميع الأحكام الفرعية حتى الصلاة والصوم و الحج .... إن الحكومة تستطيع أن تمنع مؤقتاً وفي ظروف التناقض مع مصالح البلد الإسلامي إذا رأت ذلك أن تمنع من الحج الذي يعتبر من الفرائض المهمة الإلهية " . ( تطور الفكر السياسي لأحمد الكاتب ص 331 ) .
وهذه الولاية للفقيه على الدولة تعطي للدولة الشرعية عند الشيعة ، وذلك لأنها ترفع رايته نيابة عنه ! وبذلك تحصل الدولة على التأييد الشيعي ، ولكن هل هذا التأييد محصور فقط في داخل الحدود السياسية الحادثة ؟(34/46)
يجيب عن هذا السؤال الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي وهو من كبار مراجع إيران وأحد المرشحين لمنصب المرشد الأعلى حالياً في بحثه " سلطة الولي الفقيه خارج حدود بلده " والمنشور على شبكة الإنترنت ، والذي أورد فيه السؤال التالي:
( س ـ إذا كان هناك بلدان إسلاميان تبنى أحدهما نظام ولاية الفقيه و بايع الفقيه الجامع للشرائط، فيما يدار البلد الثاني بنظام حكومي آخر، هل يجب على شعب البلد الثاني اتباع الولي الفقيه للبلد الأول أم لا؟ )
فكان خلاصة الجواب : (يحق لمثل هذا الشخص الولاية على الناس، و يكون أمره نافذا على كل مسلم و يجب عليه تنفيذه .... سواء بايع أم لم يبايع ...- مع - إمكان افتراض صورة نادرة أخرى و هي أن مسلمي البلد الآخر، إذا كانوا يرون حكومتهم ـ اجتهادا أو تقليدا ـ شرعية و واجبة الطاعة( حتى و إن كانت تدار بنمط آخر يختلف عن ولاية الفقيه)، يكون واجبهم الظاهري هنا طاعة حكومتهم، و ليس طاعة الولي الفقيه الذي يحكم في بلد آخر) .
و كان يزدي قد قرر في بحثه وحدة بلاد المسلمين و لذلك فإن ولاية الفقيه تمتد لتغطيها ، وإن كان الواجب الظاهري طاعة الحكومة المحلية !!
ويبقي السؤال لمن ولاء الشيعة ؟
المحور الثاني : السلوك السياسي للشيعة في التاريخ
حين نعود للتاريخ نطالعه لنستفيد من عبره ودروسه ، تستوقفنا بعض المحطات والتي تستحق وقفة تأمل لفهم مدلولاتها وأبعادها علها تساعدنا في الإجابة عن السؤال " لمن ولاء الشيعة ؟ "
1- أرسل بدر الجمالي وزير المستعلي – الفاطمي الشيعي – سنة 490هـ سفارة من قبله إلى قادة الحملة الصليبية الأولى تحمل عرضًا خلاصته أن يتعاون الطرفان للقضاء على السلاجقة السنة في بلاد الشام، وأن تقسم البلاد بينهما بحيث يكون القسم الشمالي من الشام للصليبيين في حين يحتفظ الفاطميون بفلسطين.
ويبقى السؤال " لمن ولاء الشيعة ؟ "(34/47)
2- وقد كان سقوط بيت المقدس بيد الصليبيين بسبب خيانات الشيعة وما يحدثونه من قلاقل واضطراب تشغل الخليفة والسلطان السلجوقي محمد بن ملكشاه عن التفرغ لحرب الفرنج ؛ اسمع ما يقوله ابن كثير رحمه الله تعالى:
في سنة 494هـ عظم خطب الباطنية – الشيعة – بأصبهان ونواحيها فقتل السلطان منهم خلقًا كثيرًا وأبيحت ديارهم للعامة، ونودي فيهم أن كل من قدرتم عليه فاقتلوه وخذوا ماله، وكانوا قد استحوذوا على قلاع كثيرة، وأول قلعة ملكوها في سنة 483هـ، وكان الذي ملكها الحسن بن صباح أحد دعاتهم.. ، وفي سنة 500هـ حاصر السلطان محمد بن ملكشاه قلاعًا كثيرة من حصون الباطنية فافتتح منها أماكن كثيرة، وقتل منهم خلقًا، واشتد القتال معهم في قلعة حصينة في رأس جبل منيع بأصبهان كان قد بناها السلطان ملكشاه ثم استحوذ عليها رجل من الباطنية يقال له أحمد بن عبد الله بن عطاء، فتعب المسلمون بسبب ذلك، فحاصرها ابنه السلطان محمد سنة حتى افتتحها وسلخ هذا الرجل وحشى جلده تبنًا وقطع رأسه وطاف به في الأقاليم" .
وهكذا كان حصار قلعة من قلاع الباطنية يستهلك من جهد المسلمين سنة كاملة والمسجد الأقصى أسير في أيدي الفرنجة؟ إنهم كالخنجر في الظهر.
ويبقى السؤال " لمن ولاء الشيعة ؟ "(34/48)
3- ذكر ابن كثير في أحداث سنة 564 هـ: طغت الفرنج بالديار المصرية وذلك أنهم جعلوا شاور( الوزير الفاطمي الشيعي ) شحنة لهم بها ( حامية عسكرية ) ، وتحكموا في أموالها ومساكنها أفواجًا أفواجًا، ولم يبق شيء من أن يستحوذوا عليها ويخرجوا منها أهلها من المسلمين وقد سكنها أكثر شجعانهم فلما سمع الفرنج بذلك أتوا من كل فج وناحية في صحبة ملك عسقلان في جحافل هائلة، فأول ما أخذوا مدينة بلبيس وقتلوا من أهلها خلقًا وأسروا آخرين ونزلوا بها وتركوا أثقالهم موئلاً لهم، ثم تحركوا نحو القاهرة.. فأمر الوزير شاور رجاله بإشعال النار فيها على أن يخرج منها أهلها؛ فهلكت للناس أموال كثيرة، وأنفس، وشاعت الفوضى، واستمرت النيران أربعة وخمسين يومًا، عندئذ بعث العاضد الفاطمي إلى نور الدين بشعور نسائه يقول: أدركني واستنقذ نسائي من الفرنج، والتزم له بثلث خراج مصر، فشرع نور الدين في تجهيز الجيوش لتسييرها إلى مصر، فلما أحس شاور بوصول جيوش نور الدين، أرسل إلى ملك الفرنج يقول: قد عرفت محبتي ومودتي لكم، ولكن العاضد لا يوافقني على تسليم البلد، فاعتذر لهم وصالحهم على ألف ألف دينار وعجل لهم من ذلك ثمانمائة ألف ليرجعوا؛ فانتشروا راجعين خوفًا من عساكر نور الدين وطمعًا في العودة إليها مرة أخرى، وشرع شاور في مطالبة الناس بالذهب الذي صالح به الفرنج وتحصيله وضيق على الناس .
ويبقى السؤال " ولاء الشيعة لمن ؟ "
4- ذكر المقريزي في الخطط والآثار ( 2/2 ) أن صلاح الدين الأيوبي لما تولى وزارة العاضد الفاطمي وقوى نفوذه في مصر ، حنق عليه رجال القصر ودبروا له المكائد، وقد اتفق رأيهم على مكاتبة الفرنجة ودعوتهم إلى مصر فإذا ما خرج صلاح الدين إلى لقائهم قبضوا على من بقي من أصحابه بالقاهرة، وانضموا إلى الفرنجة في محاربتهم والقضاء عليه.(34/49)
وفعلاً جاء الفرنجة إلى مصر وحاصروا دمياط في سنة 565هـ، وضيقوا على أهلها وقتلوا أمما كثيرة، وكان من فضل الله أن فشلت هذه الحملة، وانصرف الفرنجة عن دمياط .
ويبقى السؤال " ولاء الشيعة لمن ؟ "
5- ويذكر ابن كثير في أخبار سنة 656هـ ، دور الوزير الشيعي مؤيد الدين أبي طالب محمد بن أحمد العلقمي في استيلاء التتار على بغداد ، فيقول : ( وجيوش بغداد في غاية الضعف ونهاية الذلة، لا يبلغون عشرة آلاف فارس وهم بقية الجيش، فكلهم كانوا قد صرفوا عن إقطاعاتهم حتى استعطى كثير منهم في الأسواق وأبواب المساجد، وأنشد فيهم الشعراء قصائد يرثون لهم ويحزنون على الإسلام وأهله، وذلك كله من آراء الوزير ابن العلقمي الرافضي، وذلك أنه لما كان في السنة الماضية كان بين أهل السنة والرافضة حرب عظيمة نهبت فيها الكرخ ومحلة الرافضة، حتى نهبت دور قرابات الوزير، فاشتد حنقه على ذلك، فكان هذا مما أهاجه على أن دبر على الإسلام وأهله ما وقع من الأمر الفظيع الذي لم يؤرخ أبشع منه منذ بنيت بغداد وإلى هذه الأوقات، ولهذا كان أول من برز إلى التتار – أي ابن العلقمي – فخرج بأهله وأصحابه وخدمه وحشمه، فاجتمع به السلطان هولاكو خان لعنه الله، ثم عاد فأشار على الخليفة بالخروج إليه والمثول بين يديه لتقع المصالحة على أن يكون نصف خراج العراق لهم ونصفه للخليفة،.... ثم عاد إلى بغداد وفي صحبته خوجة نصير الدين الطوسي والوزير ابن العلقمي وغيرهما، والخليفة تحت الحوطة والمصادرة، فأحضر من دار الخلافة شيئًا كثيرًا من الذهب والحلي والمصاغ والجواهر والأشياء النفسية، وقد أشار أولئك الملأ من الرافضة وغيرهم من المنافقين على هولاكو أن لا يصالح الخليفة، وقال الوزير متى وقع الصلح على المناصفة لا يستمر هذا إلا عامًا أو عامين ثم يعود الأمر إلى ما كان عليه قبل ذلك، وحسنوا له قتل الخليفة.(34/50)
فلما عاد الخليفة إلى السلطان هولاكو أمر بقتله، ويقال: إن الذي أشار بقتله هو الوزير ابن العلقمي والمولى نصير الدين الطوسي، وكان النصير عند هولاكو قد استصحبه في خدمته لما فتح قلاع الألموت وانتزعها من أيدي الإسماعيلية، وكان النصير وزيرًا لشمس الشموس ولأبيه قبله علاء الدين بن جلال الدين، وانتخب هولاكو النصير ليكون في خدمته كالوزير المشير، فلما قدم هولاكو وتهيب من قتل الخليفة هون عليه الوزير ذلك، فقتلوه رفسًا وهو في جوالق لئلا يقع على الأرض شيء من دمه.... ومالوا على البلد فقتلوا جميع من قدروا عليه من الرجال والنساء والولدان والمشايخ، والكهول والشبان .... ولم ينج منهم أحد سوى أهل الذمة من اليهود والنصارى ومن التجأ إليهم وإلى دار الوزير ابن العلقمي الرافضي وطائفة من التجار أخذوا لهم أمانًا بذلوا عليه أموالاً جزيلة حتى سلموا وسلمت أموالهم . وكان الوزير ابن العلقمي قبل هذه الحادثة يجتهد في صرف الجيوش، وإسقاط اسمهم من الديوان، فكانت العساكر في آخر أيام المستنصر قريبًا من مائة ألف مقاتل منهم من الأمراء من هو كالملوك الأكابر والأكاسر، فلم يزل يجتهد في تقليلهم إلى أن لم يبق سوى عشرة آلاف، ثم كاتب التتار وطمعهم في البلاد وسهل عليهم ذلك وحكى لهم حقيقة الحال، وكشف لهم ضعف الرجال، وذلك كله طمعًا منه أن يزيل السنة بالكلية، وأن يظهر البدعة الرافضة، وأن يقيم خليفة من الفاطميين، وأن يبيد العلماء والمفتين والله غالب على أمره ) .(34/51)
والعجيب أن شيعة اليوم ينظرون بعين التعظيم والإجلال لهذا الوزير الشيعي الخائن و زميله الطوسي ! يقول الخميني في كتابه ( الحكومة الإسلامية ص 128) : ( ويشعر الناس بالخسارة أيضاً بفقدان الخواجة نصير الدين الطوسي و أمثاله ممن قدموا خدمات جليلة للإسلام ) وهنا نتساءل هل كان الخميني يجهل دوره في تدمير بغداد ؟ ويقول الخميني أيضاً (ص 142) : (وإذا كانت ظروف التقية تلزم أحدًا منا بالدخول في ركب السلاطين فهنا يجب الامتناع عن ذلك حتى لو أدى الامتناع إلى قتله إلا أن يكون في دخوله الشكلي نصر حقيقي للإسلام والمسلمين مثل دخول علي بن يقطين، ونصير الدين الطوسي رحمهما الله) . وهنا نسأل الخميني ما هو النصر الذي حققه الطوسي للمسلمين ؟؟
وإذا تساءلت من هو ابن يقطين ؟
يأتيك الجواب من رواة الشيعة أنفسهم، كالعالم الشيعي الملقب بصدر الحكماء ورئيس العلماء نعمة الله الجزائري في كتابه المعروف (الأنوار النعمانية 2/308 طبعة تبريز بإيران)، ومحسن المعلم في كتابه "النصب والنواصب ص622 ط دار الهادي – بيروت" ونصها:
"وفي الروايات أن علي بن يقطين ، وهو وزير هارون الرشيد قد اجتمع في حبسه جماعة من المخالفين، وكان من خواص الشيعة، فأمر غلمانه وهدموا سقف الحبس على المحبوسين فماتوا كلهم وكانوا خمسمائة رجل تقريبًا، فأرادوا الخلاص من تبعات دمائهم فأرسل إلى الإمام مولانا الكاظم فكتب عليه السلام : بأنك لو كنت تقدمت إلي قبل قتلهم لما كان عليك شيء من دمائهم، وحيث إنك لم تتقدم إليَّ فَكَفِر عن كل رجل قتلته منهم بتيس والتيس خير منه " .
ويبقى السؤال " لمن ولاء الشيعة ؟ "(34/52)
6- وفي الوقت الذي كان فيه العثمانيون يركزون نشاطهم في شرقي أوروبا والبلقان، ويبذل المماليك في السنوات الأخيرة من عمر دولتهم محاولات مستميتة من أجل التصدي للخطر البرتغالي في البحر الأحمر والمحيط الهندي، كان الشاه إسماعيل الصفوي يسعى إلى استغلال الأوضاع القائمة لتحقيق أطماعه متجاهلاً المصالح الإسلامية، فرسم سياسته التوسعية على أساس التحالف مع البرتغاليين في الخليج العربي والتنسيق مع القوى المعادية للدولة العثمانية ودولة المماليك في مصر والشام، وبعث وفوده إلى أوروبا مفاوضاً ملوكها للتحالف ضد سلطان مصر واقتسام ممتلكاته على أن تكون مصر وفلسطين من نصيبهم، بينما يستحوذ هو على بقية بلاد الشام، وقد تزامنت مشاريع الشاه هذه مع سعيه إلى انتزاع الأناضول وإنهاء الدولة العثمانية( ) .
ويبقى السؤال " لمن ولاء الشيعة ؟ "
( تنبيه : النقاط 1-5 مستلة من كتاب " خيانات الشيعة وأثرها في هزائم الأمة الإسلامية " للدكتور عماد علي عبد السميع حسين ، ونقطة 6 من بحث " تاريخ الرافضة " ليونس العلي) .
المحور الثالث : الواقع السياسي المعاصر للشيعة
نستعرض في هذا المحور محطات من السلوك السياسي لدى الشيعة علها تفيدنا للإجابة على السؤال " ولاء الشيعة لمن ؟ " مستعرضين الدول العربية التي يتواجد فيها الشيعة .
ونستذكر هنا وصية الشيخ محمد مهدي شمس الدين، رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان، لكافة أفراد الشيعة بضرورة الاندماج الوطني، وعلى حد عبارته : «أوصي أبنائي وإخواني الشيعة الإمامية في كل وطن من أوطانهم، وفي كل مجتمع من مجتمعاتهم أن يدمجوا أنفسهم في أقوامهم وفي مجتمعاتهم وفي أوطانهم» (الوصايا).
أولاً : العراق :
1-…هرب قسم كبير من الشيعة العراقيين لإيران بعد قيام دولة الخميني و أنشأوا هناك " المجلس الأعلى للثورة الإسلامية " بقيادة محمد باقر الحكيم ، وشاركوا في الحرب ضد بلدهم ، وتعذيب الأسرى العراقيين !!(34/53)
2-…عاش هؤلاء في إيران لمدة ربع قرن تحت رعاية المخابرات الإيرانية ، وقد تزوج الكثير منهم بإيرانيات ، ولما عادوا مؤخراً للعراق لم يعرف بدقة ولاؤهم لمن ؟ فقد طالب زعيم المجلس الحالي عبد العزيز الحكيم ( العراقي ) العراق بدفع تعويضات ضخمة لإيران عن الحرب العراقية الإيرانية ، مع رفضه لدفع تعويضات مماثلة للكويت المعتدى عليها أيضاً من قبل صدام ؟؟؟
3-…دعا عبد العزيز الحكيم إيران للتفاوض مع أمريكا حول العراق ! ولا يعرف بأي صفة يدعو الحكيم إيران لذلك ، فهل هو مزدوج الجنسية ؟ أم هي العمالة فقط ؟ أم البحث عن مكاسب خاصة ؟
4-…ما هي دلالة سكوت مراجع الشيعة وقياداتهم السياسية عن جرائم الاحتلال ضد المواطنين السنة ؟
5-…التغلغل الإيراني في أوساط المنظمات الشيعية العراقية والمؤسسات الرسمية التي تسيطر عليها ، حتى أصبح من الدارج التحدث باللغة الفارسية في الوزارات ؟
6-…على ماذا تدل وصية المرجع محمد صادق الصدر ( والد مقتدى ) لأتباعه باعتماد مرجعية كاظم الحائرى في إيران بعد وفاته ؟
7-…كيف يكون المرجع الكبير السيستانى إيراني الجنسية وهو الذي ينتظر الجميع رأيه في الوضع السياسي في العراق ؟ علماً أنه يرفض الجنسية العراقية للآن !!!
8-…الشيعة ذوو الأصول الإيرانية في العراق مع من سيكون ولاؤهم ؟
9-…رفض الشيعة تدخل الدول العربية في شؤون العراق مع الترحيب بالتدخل الإيراني إلى ماذا يرمي ؟
10-…لقد تم تعديل قانون الجنسية العراقي فحظر على مزدوجي الجنسية شغل مناصب سيادية، وذلك بسبب الحيرة في ولائهم، وأغلبهم يحملون الجنسية الإيرانية !!(34/54)
11-…يقول الكاتب " رشيد الخيون " - وهو صحفي عراقي شيعي- في كتابه " الأديان والمذاهب في العراق " في فصل الشيعة : ( تستدعي هذه الحال التأمل في صلة منطقتنا ومناطق الشيعة العراقية الأخرى بالدولة، التي أشار الاختلاف في إعلان العيد إلى سنيتّها، وما يترتب على ذلك من موقف منها ومن دوائرها بين ربوعنا الشيعية، منها تحديها بشعور له خلفيته التاريخية ) ص 226 . وذلك تعليقاً على اختلاف بداية الصوم والعيد بين الشيعة والسنة في العراق ، لارتباط الشيعة بإعلان النجف لذلك !! ويقول أيضاً ص 230 : (وعمق ذلك من التمييز بين الطائفة أو المذهب وبين الدولة، يظهر ذلك في ممارسات عديدة منها، كما أسلفنا، الاستقلال بيوم الفرح، وهو تأخير إعلان العيد، فمثلما لا تشاركهم السنّة في حزنهم السنوي لا يود الشيعة المشاركة في الفرح أيضاً) .
ويبقي السؤال " لمن ولاء الشيعة ؟ "
ثانياً : لبنان :
1-…نشأ حزب الله في إيران بتأثير ولاية الخمينى على الشيعة كافة ، يقول نائب الأمين العام لحزب الله قاسم نعيم : ( كان هناك مجموعة من المؤمنين ... تفتحت أذهانهم على قاعدة عملية تركز على مسألة الولي الفقيه والانقياد له كقائد للأمة الإسلامية جمعاء ، لا يفصل بين مجموعاتها و بلدانها أي فاصل ، ... وذهبت هذه المجموعة المؤلفة من تسعة أشخاص إلى إيران ولقاء الإمام الخميني (قدس) وعرضت عليه وجهة نظرها في تأسيس و تكوين الحزب اللبناني ، فأيد هذا الأمر وبارك هذه الخطوات ) كتاب المقاومة في لبنان ،أمين مصطفي ، دار الهادي ص 425 .
2-…ذكرت مجلة الشراع بتاريخ 14/8/1995 ( نقلاًْ عن حزب الله ، د. غسان عزي ص 34) وجود عضوين إيرانيين في قيادة حزب الله !(34/55)
3-…كيف يستقيم أن يكون حسن نصر الله ، ( وهو زعيم حزب لبناني وأحد زعماء الطائفة الشيعية في لبنان ) وكيلاً لمرشد إيران الأعلى علي خامنئي ، وقد نشرت له عدة صور يقبل فيها يد خامنئي ، بالرغم من وجود مرجعيات لبنانية مثل محمد حسين فضل الله !!
فلو تنازعت لبنان مع إيران كما يبدو في الأفق الآن فلمن سيكون ولاء نصر الله ومن
ورائه الحزب و الطائفة ؟
4-…لقد سبق في تاريخ أمل وحزب الله التحاكم إلى القيادة الإيرانية عند الاختلاف فيما بينهم ، ( دولة حزب الله ، وضاح شرارة ، ص 119 ) .
5-…أعلنت حركة أمل في المؤتمر الرابع في آذار 1982 أنها جزء لا يتجزأ من الثورة الإسلامية في إيران . ( دولة حزب الله ، وضاح شرارة ، ص 119 ) .
6- وبسبب تبعية حزب الله لولاية الفقيه، يقرر الباحث الإيراني د. مسعود أسد اللهي في كتابه " الإسلاميون في مجتمع تعددي " ص 321 ما يلي : بما أن حاكمية الخميني كولي فقيه لا تنحصر بأرض أو حدود معينة فإن أي حدود مصطنعة وغير طبيعية تمنع عمل هذه الولاية ، تعد غير شرعية . لذا فإن حزب الله في لبنان يعمل كفرع من فروع حزب الله الواسعة الانتشار ...الآراء المذكورة آنفاً توضح أن حزب الله كان مستعداً لإنجاز أي مهمة يأمر بها الولي الفقيه ) .
ويبقى السؤال " لمن ولاء الشيعة ؟ "
ثالثاً : السعودية :
1-…لا يزال الناس يذكرون دعوة الخميني لشيعة المنطقة الشرقية عام 1979 للثورة على النظام السعودي والثورات التي اندلعت إثر هذا التحريض .
2-…نشرت " منظمة الثورة الإسلامية في الجزيرة العربية " ، والتي رأسها حسن الصفار في عام 1986 كتاب"دماء في الكعبة حقائق عن أحداث المسجد الحرام سنة 1979" تمجد فيه جريمة جهيمان في الحرم ، وجاء في الصفحة الأولى منه : ( ست سنوات كافية لدراسة الإنتفاضة العظيمة التي فجرها المؤمنون في مكة ) .(34/56)
3-…جاء في تقرير مجموعة الأزمات الدولية المعنون بـ " المسألة الشيعية في السعودية " ونشره موقع راصد ( الشيعي )عن تكوين القيادات السياسية لشيعة السعودية ما يلي : ( أما القيادة الشيعية السياسية النشطة والتي التي تدير دفة الوسط السياسي الشيعي فقد تبلورت في الخارج بالتزامن مع اتجاهات أكثر انفتاحا في المشهد الشيعي في الستينات والسبعينات. وأبرزها الدعوة إلى قوة سياسية أعظم تحت سلطة ولاية الفقيه الصادرة عن الإيراني آية الله روح الله الخميني، ....وأمضى نشطاء عراقيون شيعة ومناضلون من حزب الدعوة تحديدا بعض الوقت في الكويت ومارسوا تأثيرهم على نظرائهم السعوديين .....فظهرت في 1987 أعداد قليلة من حزب الله في العربية السعودية؛ وبمساعدة إيرانية كما أشيع، سافر مناضلون كما قيل إلى إيران ولبنان، حيث يزعم أنهم تلقوا تدريبات في معسكرات حزب الله.....) وعن تطلعاتهم السياسية قال التقرير : ( وسواء أقنع ذلك بقية السعوديين أم لا، يبقى هنالك وبقوة قناعات ملتبسة في أوساط السنة، من أن الشيعة يصارعون الوقت للحصول على الدعم الخارجي -من الولايات المتحدة أو غيرها - لإقامة دولتهم المستقلة ).
4-… سُئل الصَّفار عن فترة إقامته بإيران، وهل تمكن نظام الخميني من استغلاله ضد وطنه، أجاب قائلاً: "لم يبدِ الإيرانيون اهتماماً بالوضع في المملكة إلا بعد ما حصل في مكة)) للإيرانيين)) في حج عام 1408هـ". في مكاشفته مع عبد العزيز القاسم . ومعلوم أن الإيرانيين هم الذين اعتدوا على حرمة بيت الله الحرام والمحرمين من الحجاج !!
5-… نشر منتدى " واسم " التابع لشيعة السعودية ، كتابات عديدة تعبر عن فرحها بوفاة الملك فهد بن عبد العزيز ، ويظهر منها الشماتة بهذا المصاب و الدعاء على الملك فهد بالعذاب والنار !! ويقال أن حسن الصفار هو مستشار للموقع ، و من كتاب هذا المنتدى الصحفي الشيعي بجريدة الرياض محمد رضا نصر الله .(34/57)
6-…أعلنت مكتبة مسجد الزهراء بقرية الشعبة عن نيتها إقامة حفل تأبين للخمينى في ذكرى وفاته وذلك عام 2005 !!
7-…كما أعلن في جزيرة تاروت - إحدى نواحي القطيف - عن إقامة مهرجان أنوار العروج بمناسبة ذكرى رحيل الخميني ، مع أن الخميني يصرح بلعن وكفر الدولة السعودية !!
8-… نشرت مجلة الجسور (21/05/2004م ) مقابلة مع حسن الصفار جاء فيها قوله عن إيران : (في البداية ليس الشيعة هم الذين يسألون: لماذا لديهم تدفق عاطفي نحو إيران؟ وإنما الأخوة المعترضون يسألون: لماذا هم لا تتدفق عواطفهم نحو إيران؟ ) وعن تصدير الثورة قال : (تصدير الثورة هذا موضوع سياسي وخاطىء، وإيران تراجعت عنه. ثم هو لم يكن سياسة عامة، كان مجرّد تصريحات خاطئة تراجعت عنها إيران، فلا يلام الشيعة على عواطفهم نحو إيران وإنما يلام الذين لا يبدون تعاطفاً مع إيران هم يجب أن يسألوا هل هذا من منطلق طائفي؟ إذن هم طائفيون لأنهم لم يتعاطفوا مع إيران، أما الشيعة عندما تعاطفوا مع إيران فهم منسجمون مع وجدانهم ومع عواطفهم الدينية والإنسانية . هناك أخطاء حصلت عند الإيرانيين نحن لا ننزه الإيرانيين عن الأخطاء، وهم يعترفون بأنهم حينما جاءوا إلى الحكم لم تكن لديهم خبرة سياسية، ولم توجد لديهم كذلك تجربة سابقة ) .
9-… شهدت مدينة العوامية بالقطيف تعليق صور قيادات شيعية إيرانية ولبنانية في الشوارع العامة على اللوحات المرورية بشكل غريب !!
10-… ذكرت مجلة المراقب العربي ( عدد أكتوبر 2005 ) عن نية المعارضة الشيعية السعودية إنشاء قناة فضائية ، وسيكون التمويل من شخصية دينية إيرانية كبيرة !!
11-… نشرت وكالة الأنباء الشيعية تصريحات زعماء الشيعة التي تشير لقرب تحسن أوضاع شيعة السعودية وذلك بعد الصعود السياسي لشيعة العراق !! ( الوكالة الشيعية 25/4 ، 12/5 ، 14/5 /2005 ) .(34/58)
12-…أصدرت رابطة عموم الشيعة في السعودية في عام 1991 كتاب " الشيعة في السعودية الواقع الصعب و التطلعات المشروعة " ، تغافلت فيه عن مواقف الشيعة تجاه اعتداءات إيران على الحجاج والحرم المكي في فصل " المواقف الوطنية للشيعة " فعددت مواقف الشيعة من زمن القرامطة حتى عام 1980 فقط ؟؟؟؟ ومن ثم قفزت لاستنكار غزو العراق للكويت ؟؟؟
ويبقى السؤال " لمن ولاء الشيعة ؟ "
رابعاً : البحرين :
1-…من المقرر لدى كافة الباحثين أن نجاح ثورة الخميني كان سبباً في ظهور حركات سياسية شيعية في البحرين ، تدين بالولاء لإيران وتعمل لنقل الثورة الإيرانية إليها ، ولجأت إلى أساليب العنف والإرهاب المسلح ، و لا زالت هذه الحركات موجودة على الساحة السياسية لكن بواجهات جديدة ، بسبب الإصلاحات السياسية التي أنجزها الملك حمد آل خليفة .
2-… ومن الحركات التي تبنت العنف المسلح " الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين " لإسقاط سلطة آل خليفة ، بدعم من إيران ، وحين أعلن ملك البحرين الجديد الشيخ حمد عن مشروعه الإصلاحي في عام 2000 ، رفضت هذه الجبهة في البداية هذا المشروع وحرضت الشعب على رفضه والاستمرار في نهج المقاومة ، ومن ثم عادت و شكلت جمعية العمل الإسلامي . ( الحركات والجماعات السياسية في البحرين ، د. فلاح المديرس ص 99 ) والغريب أن الاسم الجديد هو نفس اسم التنظيم الذي يتبع للمرجع الشيعي العراقي هادي مدرسي في العراق " منظمة العمل الإسلامي " ، والمدرسي هو من مؤسسي " الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين ".
ويبقى السؤال " لمن ولاء الشيعة ؟ "(34/59)
3-…من الحركات التي ظهرت بعد ثورة الخميني " حركة أحرار البحرين الإسلامية " ، وكان مركزها لندن ، وقد اتخذت موقفاً رافضاً لإصلاحات ملك البحرين و أطلقت عليها تسمية " الميثاق الخليفي " ، ولكنها عادت وأعطت أعضاءها الحرية في التصويت على الميثاق ، وكونت جمعية الوفاق الوطني الإسلامية ( الحركات والجماعات السياسية في البحرين ، د. فلاح المديرس ص 105 ) .
4-…كشفت السلطات البحرينية عام 1996 عن القبض على أعضاء " حزب الله البحريني" و أنهم وراء أعمال العنف أثناء الانتفاضة الدستورية ، و " حزب الله البحريني" أحد فروع حزب الله الإيراني العالمي ( الحركات والجماعات السياسية في البحرين ، د. فلاح المديرس ص 107 ) .
5-… من الشعارات التي رددها الشيعة في تاريخهم السياسي " بالعلم والعدد سنحكم البلد " ، ولذلك شهدت البحرين في الستينات من القرن الماضي حركة هجرة إيرانية للبحرين مع تجنيسهم . ( وجاء دور المجوس ص 316 ، مجلة الوطن العربي عدد 1462 ص 39 ) .
ويبقى السؤال " لمن ولاء الشيعة ؟ "
6-…ما هي الدلالات التي يفهمها الجميع من رفع صور قيادات إيران في مسيرات شيعة البحرين ؟؟
7-…ما هو المقصود من تصريحات الشيخ البحريني " خالد منصور سند" وهو مدرس بالحوزة في مدينة قم والتي أطلقها من إيران بتاريخ 26/12/2005 والتي طالب فيها : الأمم المتحدة إلى إصدار تقرير حول مستقبل البحرين ، وحين أوقفته السلطات في مطار البحرين ، قام أتباعه بأعمال شغب و تكسير لقاعة الاستقبال في المطار ؟؟
ويبقى السؤال " لمن ولاء الشيعة ؟ "
8-…ما هي دلالات المطالبة بأن يضاف للدستور البحريني مادة تنص على الرجوع للمرجعية الشيعية العليا ، وذلك في موضوع قانون الأحوال الشخصية ، كأحد حلين للنزاع ، ولن يتم تحديد اسم المرجعية في الدستور لغرض عدم تقييد الاتفاق بمرجعية زمانية ومكانية محددة في حال تغير المرجعية مستقبلا . وطبعاً لن يكون المرجع بحرينياً !!!!(34/60)
ويبقى السؤال " لمن ولاء الشيعة ؟ "
9-…قال وزير الدفاع البحريني رداً على سؤال حول العلاقات مع إيران : " ... عن أي إيران تتكلم ... إيران التي ترغب في مد يد التعاون ... فإننا نرحب بذلك ، أما إذا كان الحديث عن النظرة الإيرانية القديمة المعروفة فإننا دون شك ضد هذا .... إن أصحاب التوجه الثاني في إيران لديهم برامجهم لمساعدة المجموعات الموجودة في لبنان والبحرين ...." الشرق الأوسط 17/7/2002 .
10-…كيف يسوغ رفض المشاركة في المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية البحريني استناداً إلى فتاوى صادرة من " قم والنجف " تحرم التعامل مع المجلس ؟ ( العربي عدد 1448 ) . وذلك لبقاء مؤسسات الطائفة بمعزل عن سلطة الدولة .
ويبقى السؤال " لمن ولاء الشيعة ؟ "
خامساً : الكويت :
1-…أصدر شيعة الكويت بياناً بسبب منع الكويت دخول الخميني إليها تحت عنوان "حين تكون الكويت محمية إيرانية " مليء بالشتم والتحقير لأمير الكويت ، وجاء دور المجوس ص 340 .
2-…شهدت الكويت العديد من أعمال العنف والإرهاب التي نفذها " حزب الله – الكويت " تحت مسميات عديدة شملت تفجيرات للمنشآت النفطية والحكومية ومحاولة اغتيال للأمير ، وبعد التحرير سمحت الحكومة بعودة بعض رموز هذا الحزب ، وبقي قسم من هذا الحزب على مواقفه من الكويت ونقل مركزه الإعلامي من طهران إلى لندن، والغريب أن القوى السياسية الشيعية لم تشجب أعمال هذا الحزب ومواقفه ! ( الحركة الشيعية في الكويت ، د فلاح المديرس ، ص 29، 64 .
3-…لقد شارك بعض شيعة الكويت في أحداث العنف والإرهاب ضد الحجاج في مكة في الثمانينات والتي نظمتها الاستخبارات الإيرانية ، ولا تزال بعض المجموعات الشيعية تمجد هذه المجموعة وتعتبرها " شهداء " !!(34/61)
4-…استدعت الخارجية الكويتية القائم بالأعمال في السفارة الإيرانية احتجاجاً على عقد اجتماعات سرية بين مسؤلين إيرانيين و مندوبين عن التحالف الوطني الإسلامي ( الذراع السياسي لحزب الله – الكويت ) لبحث نتائج مرشحي الحزب في الانتخابات النيابية وكيفية الوصول للبرلمان ، و تناولت الاجتماعات تحسين العلاقات مع بعض المجموعات الشيعية الكويتية الأخرى . جريدة الوطن ، الوكالة الشيعية للأنباء 13/5/2004 .
ويبقى السؤال " لمن ولاء الشيعة ؟ "
5-…رفض شيعة الكويت رقابة وإشراف الدولة على الأوقاف الشيعية أسوةً بالأوقاف السنية ، بحجة أن الوقف من صلاحية المتولي أو الحاكم الشرعي وهو مرجع التقليد ، حسب فتوى السيستاني .
ويبقى السؤال " لمن ولاء الشيعة ؟ "
وختاماً
من المعلوم للباحثين أن إيران في سياستها الخارجية تنطلق من منطلقات شيعية فارسية ، ويتجلى ذلك بتمسكها بكل المظالم السياسية لنظام الشاه ، كما في موضوع الجزر الإماراتية واضطهاد عرب الأحواز غيرها ، وتذكر الباحثة نيفين مسعد أن اتفاقاً بين مختلف الأجنحة والتيارات في إيران مفاده (ما حصل عليه الشاه لا تتنازل عنه الجمهورية الإسلامية) !!!
ولكن السؤال ما هو مواقف الشيعة العرب تجاه هذه المظالم الشيعية ؟؟ والاحتلال الإيراني الشيعي لأرض عربية ؟؟؟
وبعد كل هذا هل وصلنا لجواب على السؤال " لمن ولاء الشيعة ؟ "
كتاب الشهر
المهدي المنتظر في روايات أهل السنة والشيعة الإمامية
دراسة حديثيه نقدية(34/62)
صدر هذا الكتاب لمؤلفه الدكتور عداب محمود الحمش عن (دار الرازي/ عمان، عام 1422هـ ـ الطبعة الأولى)، وهو يقع في 553 صفحة من القطع الكبير، ويتكون من ستة فصول تناولت استعراضاً عاماً لأغلب ما كتب في موضوع المهدي ـ مفرداً أو ضمن مواضيع أخرى ـ عند السنة والشيعة، وعرض للتصورات المتعددة عند السنة والشيعة للمهدي، ثم مناقشة الروايات الواردة فيها عند الفريقين المثبتة والمنكرة، وبعض المباحث الأخرى المتعلقة بالموضوع ، وأيضاً وجهة نظر المؤلف في القضية المطروحة . والدراسة الحديثية للروايات وقعت في 145 صفحة من الكتاب.
ونقف عدة وقفات مع هذا الكتاب لنعرض ما فيه على وجه الإجمال:
أولاً: الدافع لتأليفه:
من الواضح جداً في ثنايا الكتاب أن الغرض المحرك للمؤلف لطرق هذا الموضوع ـ ألف فيه ما يربو على 744 كتاب (ص12) ـ هو إنكار المؤلف للآثار السلبية لهذه العقيدة على تطورات وسلوك المسلمين (ص532)، سنة أم شيعة، وهو في جانب التشيع أشنع. وذلك أن عدم الاقتصار على النصوص الصحيحة ولد تضخيماً لهذه العقيدة عند السنة بأن المهدي هو المخلص والمنقذ؛ فلا داعي للعمل والجهاد، وأن ثمرة ظهور المهدي هو بضع سنين من السعادة والرخاء ثم الشقاء، مع تصوير المهدي عند الصوفية بإمام العابد الصوفي الذي يهيئ الله له الأشياء ولا شأن له بشيء، والمهدي عند آخرين مجاهد لا يشق له غبار يقاتل الكفار والمنافقين.
والمهدي عند الشيعة جزء من أركان الدين؛ لأنه متصل بالإمامة، لكنه مختلف عن مهدي أهل السنة حيث إن مهدي أهل السنة هو من نسل الحسن بن علي رضي الله عنه، لكنه عند الشيعة من نسل الحسين بن علي رضي الله عنه، ثم مهدي السنة سيأتي في آخر الزمان، لكن مهدي الشيعة ظهر ما بين عام 252ـ 260 هجري، لكنه اختفى من ذلك الزمان في غيبة صغرى ثم كبرى، وسيظهر في آخر الزمان، وطوال هذه المدة هو من الأحياء على الأرض لكنه غائب عن الأنظار!!(34/63)
وبسبب هذه التصورات المتناقضة والآثار السلبية على المعتقدين بها قام المؤلف بتأليف الكتاب لبيان خطأ هذه الفكرة من أصولها ، وأنه لا مهدي منتظر!
ثانياً: وجهة نظر المؤلف:
بناءً على الآثار السلبية لعقيدة المهدي المذكورة آنفاً؛ قام المؤلف بدراسة أسانيد الأحاديث المتعلقة بالمهدي؛ فتوصل إلى أن هذه الأحاديث لا تصح، وما يصح منها ليس صريحاً في موضوع المهدي؛ فلا داعي لربطه بالمهدي لأن المهدي لم يصح أصلاً!
ولذلك هو يرى أن المهدي والمخلص هو رسول الله صلى الله عليه وسلم (ص212، ص525) وأن فهم منهجه صلى الله عليه وسلم في الدعوة لالتزام دين الله تعالى هو السبيل الوحيد لتحقيق السعادة للمسلمين على طول الزمان، وليس فترة محدودة كما هو الشأن في المهدي. وأما الأحاديث الصحيحة التي يوافق عليها المؤلف التي تنص على خليفة عادل ورجل من آل بيت النبي عليه الصلاة والسلام يعيد للدين بشاشته؛ فهذا يجوز الاعتقاد به ولا يجب! وهذا من المبشرات وليس من العقائد.
ثالثاً: النتائج التي توصل إليها المؤلف مقارنة بالمحققين من أهل السنة:
لقد أفرد المؤلف المبحث الرابع من الفصل الثاني لعرض (التصور العام لعقيدة المهدي المنتظر في فكر أهل السنة) وعرض فيه تصور الشيخ محمد الحامد (صوفي فقيه)، والشيخ سعيد حوى (مفكر حركي)، والشيخ الألباني (سلفي)، وكانت تصوراتهم حول المهدي خالية من المبالغات والأساطير، ناهية عن التواكل والعجز، دون أن يضعفوا الأحاديث الواردة في المهدي، ودن أن يقعوا في التضخيم!
فهل يبطل هذا جهد المؤلف؟! بأنه يمكن إثبات الأحاديث الواردة في المهدي دون الوقوع في التواكل والأساطير؟!
الجواب عند المؤلف هو أن الفرق بين الفريقين؛ أن هؤلاء العلماء (الحامد/ حوى/ الألباني) يقولون بوجوب اعتقاد ظهور المهدي، وأن المؤلف يقول: يجوز اعتقاد ذلك فقط!(34/64)
وسوف أنقل لك جزءاً من تصور المؤلف ثم أذكر كلام الألباني الذى ذكره المؤلف بالرغم أنه قد غمز من قناته في أكثر من موضع من كتابه، لكن تكاد تكون النتائج واحدة.
قال المؤلف (ص201): "ولهذا فإنني أفهم المهدي إذا كان سيظهر فعلاً واحداً من الحكام المعاصرين أو الآتين بعد عون ممن ينسب إلى آل البيت الكرام، يهتم بقضية الإسلام أكثر من اهتماماته الدنيوية، ويفرغ من أوقاته ويجند من أعوانه من "يقنن" العقائد الإسلامية...".
ونقل المؤلف عن الألباني (ص236): "اعلم يا أخي المسلم أن كثير من المسلمين اليوم قد انحرفوا عن الصواب في هذا الموضوع؛ فمنهم من استقر في نفسه أن دولة الإسلام لن تقوم إلا بخروج المهدي، وهذه ضلالة ألقاها الشيطان في قلوب كثير من العامة وبخاصة الصوفية منهم، وليس في شيء من أحاديث المهدي ما يشعر بذلك مطلقاً، بل هي كلها لا تخرج عن أن النبي صلى الله عليه وسلم بشر المسلمين برجل من أهل بيته، ووصفه بصفات بارزة؛ أهمها: أنه يحكم بالإسلام، وينشر العدل بين الأنام؛ فهو من المجددين الذين يبعثهم الله في رأس كل مائة سنة كما صح عنه صلى الله عليه وسلم...".
وأقول بعد هذا التوافق دون تضعيف للأحاديث: هل ينطبق على صنيع المؤلف قول الألباني الذي ذكره المؤلف نفسه في الصفحة التالية: "ومنهم ـ فهيم بعض الخاصة ـ من علم أن ما حكيناه عن العامة أنه خرافة، ولكنه توهم أنها لازم لعقيدة خروج المهدي فبادر إلى إنكارها... وما مثل هؤلاء إلا كمثل من ينكر عقيدة نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان التي تواتر ذكرها في الأحاديث الصحيحة؛ لأن بعض الدجاجلة ادعاها "!!
رابعاً: استعراض المؤلف لما كتب في الموضوع:(34/65)
إن الفصل الأول من الكتاب يقرب للقارئ كثيراً من الكتب التي تناولت الموضوع، وقد لا تتيسر أو لا يتوفر الوقت للاطلاع عليها، فقد ذكر أنها 744 كتاباً تناول منها المؤلف بالعرض والتعليق السريع 113 كتاباً سنياً وشيعياً؛ سواء كان كتاباً مفرداً في الموضوع، أو جزءاً من كتاب، وسواء كان مقراً بهذه العقيدة أو منكراً لها.
وكان عرض المؤلف لها جيداً، لكنه وهم في إيراد كتاب "المسيح الدجال... قراءة سياسية في أصول الديانات الكبرى" لسعيد أيوب ضمن الكتب السنية (ص59)، والصحيح أنه من كتب الشيعة. والعجيب أن المؤلف أورد له (سعيد أيوب) كتاباً آخر في قسم الكتب الشيعية (ص157) بعنوان: "الطريق إلى المهدي المنتظر".
ويعد هذا القسم من أمتع فصول الكتاب.
خامساً: دراسة المؤلف للأحاديث الواردة في المهدي عند أهل السنة:
للمؤلف طريقة خاصة في التخريج عرضها (ص 275) وأسماها (العملية الاختزالية)، تقوم على تحديد مدار الحديث، ثم استعراض الرواة عن المدار على تقريب التهذيب، فإن كانوا في حيز المقبول احتجاجاً أو اعتباراً نظر في إسنادين أو أكثر في الرواة النقلة ما بين المضعفين إلى الرواة عن المدار ليسلم له صلاحيتهم للاعتبار بعد انتفاء الوهم والغلط في نقل الرواية.
أما حكمه على الأسانيد؛ فالمؤلف من الذين لا يقبلون التصحيح بالشواهد، ويطلق عليه؛ (الترقيع)، وتبين له ذلك بعد أن اتخذ طريقة النقد التطبيقي! (ص265)، وكان غالب الدراسة الحديثية منصب على كتاب "المهدي المنتظر في فكر أهل السنة" للدكتور عبد العليم البستوي، وذلك أن البستوي من أشد المدافعين عن عقيدة المهدي، وهو قد جمع ما صححه الألباني وشعيب الأرناؤوط. وكثيرٌ ممن كتب في الموضوع أحال على البستوي.
والخلاصة التي خرج بها المؤلف من هذا الفصل:
1ـ الأحاديث الموضوعة التي ذكر فيها المهدي صراحة عشرة أحاديث لم يبلغ درجة
الاحتجاج منها شيء.(34/66)
2ـ الأحاديث المرفوعة غير المصرحة بالمهدي لا يصح حملها على المهدي.
3ـ الآثار الموقوفة على الصحابة المصرحة بالمهدي لم يصح منها شيء.
4ـ ضعف المؤلف حديث المجددين وحكم عليه بضعف الإسناد ونكارة المتن!
سادساً: دراسة المؤلف للأحاديث الواردة في المهدي عند الشيعة:
وهذا الفصل من أهم الفصول في الكتاب لعدة أسباب:
1ـ المؤلف من آل البيت كما بين في (ص408،539).
2ـ المؤلف يروي كتب الشيعة بالسند.
3ـ المؤلف عالج الموضوع على منهج الشيعة في الحديث، ولم يحتج بشيء من كتب
السنة.
4ـ المؤلف من دعاة التقارب والتعاون بين السنة والشيعة مع التبرؤ من الكفريات.
أما عن أهمية موضوع المهدي عند الشيعة فلأنه من أصول الدين، ومن أنكره يعد كافراً عندهم، وهذا فيه تكفير الشيعة لكل المسلمين عداهم!! (ص411، 531).
ولذلك ناقش المؤلف الشيعة فيما يزعمون أنه من أصول الدين؛ فوجد أنهم يحتجون بـ (5303) حديث (ص412)، وهذه الروايات تتعلق بكل شيء عن المهدي.
ولاستحالة مناقشة هذا العدد من الروايات اقتصر المؤلف على مناقشة روايات ولادته بحيث إذا ثبت ضعف وبطلان روايات ولادته ووجوده؛ فما قيمة روايات من رآه، أو كلّمه، أو...؟!(ص412).
وناقش المؤلف الشيعة في كيفية ثبوت الخبر التاريخي عندهم؛ فتبين أنهم لا يقيمون للموضوعية والعلمية وزناً، بل العاطفة هي التي تحكم على الأحداث والتاريخ! ونقل كلام صاحب موسوعة "تاريخ الغيبة الصغرى" التي تقع في عشرة مجلدات للسيد محمد محمد صادق الصدر ( والد مقتدى الصدر ) الذي يقول عن منهج كتابه: "إن المؤرخ مزيج من عواطف وغرائز ومشبعات ذهنية وعادات، ولا يمثل العقل والفكر منه إلا بعض هذا المزيج، وهو لا يكتب تاريخه بعقله وفكره وإنما يكتبه بمجموع عواطفه وسائر مرتكزاته" (ص414). فهذا هو المنهج التاريخ العواطفي!!(34/67)
وبين المؤلف في هذا الفصل موقف الشيعة من الروايات؛ وأنهم على قسمين: إخباري يقبل كل ما نُقل من روايات ولو كانت من الخيال. وأصولي، وهو ينظر في الروايات. وبين أنهم لم يكون لهم وجود قبل ابن طاووس (ت673 هـ)، أو تلميذه الحلي (ت 726هـ).
ولكن عند عرض ونقد الروايات التي صححها الأصوليون في ولادة المهدي ظهر أن الأصوليين أيضاً لا شأن لهم في علم الحديث، ولكنه رماد يذر في العيون، وسيأتي تفصيل ذلك.
وطريقة المؤلف في نقد روايات ولادة المهدي كانت في خمس خطوات:
الخطوة الأولى: نقد روايات إمامة الحسن العسكري؛ لأن الإمام السابق لا بد أن ينص على الإمام من بعده، فإن لم يصح إمامة الحسن العسكري لم تصح إمامة المهدي!!
وهنا ناقش ما أورده الكليني في كتابه "الكافي" أهم كتب الشيعة الذي أورد فيه ثلاث عشرة رواية (853 ـ 865) وتبين أنه لم يصح منها رواية واحدة لا في ميزان الخوئي مرجع الشيعة الراحل وصاحب موسوعة "رجال الحديث" ولا في ميزان الشيخ المظفر الشيعي محقق الكافي!فإذا لم يصح الأصل وهو إمامة الحسن العسكري؛ فكيف تصح إمامة المهدي!!
الخطوة الثانية: مناقشة قصة أم المهدي:
وهذه قضية مضحكة؛ لأن المهدي لا بد له من أم، فمن هي؟
هذا ما بحثه المؤلف في المبحث الثاني من الفصل الخامس، فأظهر كذب قصة نرجس أم المهدي المخالفة للعقل والواقع، والتي تحتوي على فجوات عديدة جداً، والإشكال أن هذه القصة العجيبة والطويلة ليس لها سند تاريخي ثابت؛ فهل يعقل أن أم المهدي أحد أصول الإيمان لا تثبت بسند واضح صحيح!! إلا إذا كان معدوماً؛ فيعقل.
ويعلق المؤلف في ختام المبحث على هذا فيقول: "المؤسف أن يبني عالم مثلك ـ السيد صادق الصدر ـ موسوعة في عشرة مجلدات عن الإمام المهدي من غير أن يكون بين يديه رواية تاريخية صحيحة واحدة تثبت ولادته أو مشاهدة أحد الثقات له" (ص470).
الخطوة الثالثة: هل نص الحسن العسكري على المهدي إماماً بعده؟(34/68)
ذكر المؤلف أن روايات الباب التي أوردها الكليني في "الكافي" ليس فيه تصريح بالنص أو الإشارة إلى إمامة المهدي .
وقد أورد الكليني فيها ستة أحاديث ضعف المحقق الشيعي لـ " الكافي " واحداً منها، وبين أن اثنين منها فيهما مجهولان، وناقش المؤلف الروايات الثلاث المتبقية، وكانت النتيجة أنه لا يصح شيء منها في ميزان كتب رجال الشيعة!
الخطوة الرابعة: هل رأى المهدي إنسانٌ؟
بين المؤلف أن الكليني أورد خمسة عشر حديثاً (872 ـ 886)، ضعف محقق الكافي الشيعي حديثاً واحداً منها، وحكم على آخر بأنه مختلف فيه، وعلى أحد عشر حديثاً بالجهالة، وصحح حديثين فقط! وراجع المؤلف الحديثين المصححين والحديث المختلف فيه، وكانت النتيجة عدم صحة شيء منها.
الخطوة الخامسة: هل ولد المهدي؟
ذكر أن الكليني أخرج تحت هذا الباب 31 حديثاً (1362 ـ 1392) حكم المحقق الشيعي المظفر على عشرين منها بالجهالة، وضعف حديثين، وسكت عن واحد، وقال عن آخر: حسن كالصحيح، وصحح سبعة أحاديث، وعند استعراض هذه الثمانية الباقية لم يسلم شيء منها، وذلك كله بالاعتماد على موسوعة رجال الحديث للخوئي بالرغم من أنه كان ينقد ما هو أقل خطأ منه من كتب الحديث والمصطلح، وبيان أن الأصوليين الشيعة مع اعترافهم بأن كتب الأصول عندهم تحتوي على الضعيف والمكذوب، إلا أنهم أيضاً يصححون هذه الروايات الباطلة دون مستند علمي.
وعلق المؤلف على هذه الروايات في المهدي عند الشيعة فقال: "وكم كنت أتمنى أن تصح رواية واحدة أو عدة روايات من هذه الجمع الهائل الضعيف والمجهول حتى أعذر علماء الإمامية في بناء عقيدة إسلامية على خبر الواحد" (ص496).(34/69)
وبعد بطلان هذه العقيدة الشيعية وهي ولادة المهدي، وأن من لا يؤمن به كافر؛ فالواجب على الشيعة مراجعة أصولهم وكتبهم، وعدم محاولة دعوة السنة للدخول في مذهبهم ونشر الكتب الدعائية بين السنة مثل كتب التيجاني والمومسوي الذي يتقنون الإيهام والخداع للمسلمين (ص535 ـ537).
الخاتمة:
بعد هذه الوقفات مع كتاب "المهدي المنتظر" للدكتور عداب الحمش، ينبغي التأكد على:
ـ أن عقيدة ظهور المهدي عقيدة نص عليها جمع من أهل العلم الكبار، وصرح كثير من العلماء أن الأحاديث الواردة في شأن المهدي متواترة تواتراً معنوياً.
ـ أن تضخيم بعض الناس لجوانب من هذه العقيدة دون سند شرعي لا يجوز، لكنه لا يبطل الاعتقاد بها.
ـ الاعتقاد بالمهدي ليس سبباً للتواكل والقعود عن العمل.
ـ اعتقاد الشيعة بالمهدي باطل لا يصح، وعليهم الرجوع عنه وعن تكفير المسلمين كافة، وعلى أهل السنة معرفة حقيقة نظرة الشيعة لهم في الموضوع.
ـ الشيعة ليس لهم دراية بعلم الحديث، وكتبهم طافحة بالموضوعات والأكاذيب والخرافات، وذلك في أصول الدين وليس في الفروع فقط.
ـ عدم موافقة المؤلف على ما ذهب إليه من تضعيف الأحاديث الواردة في المهدي، وبعض الآراء التي ذكرها في كتابه، وطريقته في نقد الأحاديث.
قالوا
ماذا تريد سوريا من الأحزاب الإسلامية؟
قالوا: "... إن مؤتمرا للأحزاب الإسلامية، يجري الإعداد لاستضافته خلال الفترة المقبلة في دمشق في بادرة غير مسبوقة. يشار إلى أن السياسة السورية تمنع تشكيل أحزاب على أساس ديني أو مذهبي أو عرقي".
السبيل 11/4/2006
قلنا: ما الذي يدفع الأحزاب "الإسلامية" إلى الارتماء في أحضان نظام نصيري بعثي يعادي الإسلام ويحارب أهله، وينشر الإلحاد والفساد والانحلال. أليس هذا دليل آخر على غياب الرؤية الشرعية والسياسية لبعض التيارات السنيّة.
قتلوا القتيل ومشوا في جنازته(34/70)
قالوا: "تظاهر المئات من أتباع الزعيم الشيعي مقتدى الصدر أمس احتجاجاً على مقتل عراقي سني عثر على جثته بعد اختطافه في ضواحي مدينة البصرة".
وكالة الأنباء الألمانية 21/4/2006
قلنا: ليت وكالة الأنباء التي بثت هذا الخبر تتحدث عن عشرات السنة الذين قتلهم جيش المهدي التابع للصدر، إضافة إلى عدد من الفلسطينيين السنة في منطقة البلديات في بغداد.
متى يدعو السيستاني أتباعه لوقف قتل الفلسطينيين؟
قالوا: "ناشدت وزارة شؤون اللاجئين في الحكومة الفلسطينية آية الله علي السيستاني المرجع الديني الأعلى للشيعة في العراق إصدار فتوى أو تصريح يمنع التعرض للفلسطينيين المقيمين في العراق، ويضمن حماية أرواحهم وممتلكاتهم".
وكالة الأنباء الألمانية 21/4/2006
قلنا: متى يتكرم السيستاني، ويفتي لأتباعه وأنصاره من عناصر لواء بدر، وجيش المهدي وحزب الدعوة، بوقف قتل الفلسطينيين، الذين لا ناقة لهم ولا جمل في صراع العراق، وإن كان تجاهله لمذبحة الفلوجة يكشف عن حقيقة موقفه لمن يعقل .
حماس ووعود إيران
قالوا: "كل الوعود التي سمعتها وفود "حماس" في العواصم التي زارتها بحاجة إلى تدقيق،... فالشعب الفلسطيني لا يستطيع انتظار وعد إيران، التي كانت وعدت (أبو عمار) ذات يوم بمثله، وبقي الوعد وعداً بدون تنفيذ، إلى الأبد".
صالح القلاب الرأي 6/4/2006
قلنا: ومع ذلك يكيل بعض قادة حماس الثناء والمديح لإيران التي دأبت على منح الشعوب الإسلامية الخطابات الرنانة والكلام الفارغ.
دروز الجولان ينتخبون الأحزاب الصهيونية اليمينية
قالوا: "دلت نتائج الانتخابات الإسرائيلية أن حَمَلة الهوية الإسرائيلية من سكان هضبة الجولان السورية المحتلة الذين شاركوا في التصويت، انتخبوا الأحزاب الصهيونية اليمينية... بما في ذلك حزب (إسرائيل بيتنا) بزعامة أفيغدور ليبرمان، الذي يدعو إلى تطهير إسرائيل من العرب".
الشرق الأوسط 31/3/2006(34/71)
قلنا: فضيحة جديدة تضاف إلى فضائح الدروز، وسكان الجولان المحتل، الذين ذهبوا بملء إرادتهم لاختيار الأحزاب اليهودية الأكثر تطرفاً وعداءً للعرب والفلسطينيين.
الإخوان المسلمون والسلاح الإيراني
قالوا: "حتى لو أن إيران كان لديها سلاح نووي، فيبقى أن هذا في مواجهة الترسانة النووية التي لدى إسرائيل".
محمد حبيب -نائب المرشد العام للإخوان المسلمين
رويترز 16/4/2006
قلنا: ألم تكفِ كل هذه السنين للتدليل على أن إيران لا يهمها إلاّ مصلحتها، والعراق وأفغانستان خير دليل.
لمصلحة من جعل الجيش العراقي كله شيعة؟
قالوا: "... من دخل في أجنابهم من الشرطة والجيش مقابل دولارات معدودة، يكون بذلك قد حكم على نفسه بالردة عن دين الله وإعلان الحرب على أوليائه... ومالكم عندنا إلا السيوف استجابة لأمر الله"!
المحكمة الشرعية للمجلس الاستشاري للمجاهدين -ا.ف.ب 20/4/2006
قلنا: تفريغ المؤسسات العسكرية من أهل السنة مطلب شيعي ، فلماذا يساعدهم البعض منا على مقصدهم ؟؟؟ هل هو الغباء أم الاختراق ؟
الشعائر الحسينية تمزيق للعراق
قالوا: "هناك من يحاول استغلال عواطف الناس لدوافع سياسية. ونحن منذ وقت بعيد حذّرنا من خطورة التمادي في بعض الممارسات الحسينية المبالغ فيها... ولعلّ الطامة الكبرى أن النخب السياسية، وبينهم من يدّعي العلمانية، هم من يركبون هذه الموجة.. ونحن بحاجة ماسّة لخطاب إسلامي وإعلامي لفضح هذه الممارسات ولتعميق عناصر الوحدة الوطنية".
المرجع الشيعي جواد الخالصي - الوطن العربي 17/3/2006
قلنا: دأب الشيعة منذ قرون طويلة على استغلال حادثة استشهاد الحسين وغيرها للتأليب على أهل السنة، واتهامهم ـ زوراً ـ بقتل الحسين، ونحن كذلك نطالب بفضح هذه الممارسات.
المسلمون في الهند لا بواكي لهم(34/72)
قالوا: "بعد سنوات من المأساة التي وقعت للمسلمين في ولاية قوجارات في الهند، واتهام المسلمين ظلماً بإحراق قطار فيه ركاب هندوس، وإثبات التحقيق الرسمي أن الحريق حادث عادي، ما زالت عشرة آلاف أسرة مسلمة مشردة، ووصلت نسبة ترك الطلاب المسلمين للتعليم إلى 40%، وما زال 300 مسجد بحاجة إلى ترميم بعد تخريبها على أيدي الهندوس".
الوطن العربي 7/4/2006
قلنا: كان الله في عون هؤلاء المسلمين المظلومين الذين لا بواكي لهم.
وماذا عن "العرانيين"
قالوا: حظرت تعديلات مهمة أدخلت على قانون الجنسية العراقي على المتجنسين قبل عشر سنوات من اكتسابهم الجنسية العراقية من شغل المناصب السيادية. ومنع قانون الجنسية العراقي على مزدوجي الجنسية تبوء منصب رئيس الجمهورية أو نائبيه بشكل نهائي".
العدد 18/4/2006
قلنا: وماذا سيفعل الحكيم والجعفري وغيرهما من الغارقين بالعمالة لإيران، حتماً هؤلاء لن يتأثروا ، فهم فوق القانون والدستور.
القذافي يدعو اليهود والنصارى إلى الطواف حول الكعبة
قالوا: دعا الزعيم الليبي معمر القذافي، في مالي، اليهود والنصارى إلى الطواف حول الكعبة ما دام الله بعث بمحمد نبيّاً لكل الناس، والكعبة هي بيت الله".
أ. ف. ب 11/4/2006
قلنا: هذه مصيبة جديدة من مصائب هذا الرئيس المتسلط على ليبيا، الذي يخرج لنا كل يوم بفتوى وقضية جديدة، تخالف ما عليه المسلمون وإجماعهم. آخر فتاواه المصائبية، هي أن تفتح أبواب الحرمين الشريفين، والكعبة لليهود والنصارى، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله.
الاحتلال والهيمنة
قالوا: أثبتت التجربة التاريخية في المنطقة وفقه السياسة العملية البراجماتية أن الاحتلال الأجنبي المؤقت ذا الأغراض المحددة والمفهومة، والذي يمكن إخراجه بالقوة الناعمة أو الصلبة، يقع في مرتبة أفضل من الهيمنة الإقليمية، سواءً كانت مذهبية أو عرقية".
د. سليمان البدور- الرأي 19/4/2006(34/73)
قلنا: لذلك، فإننا مع رفضنا للاحتلال الأمريكي للعراق، نرفض أيضاً التدخل الإيراني في العراق، ودول المنطقة، فالاحتلال الأجنبي، والهيمنة الإقليمية كلاهما دمار في دمار.
السعودية وأنشطة إيران في العراق
قالوا: "حان الوقت الآن... لبدء حوار مع طهران، وتوضيح أن المملكة على وعي بأنشطتهم السرية في العراق".
نواف عبيد -المستشار الأمني للحكومة السعودية
رويترز 10/4/2006
قلنا: لماذا تتحرج الدول السنيّة، ومنها السعودية من أن تقول (لا) للأنشطة الإيرانية المريبة في العراق.
العراق مثلما هو جار لإيران، هو جار لمجموعة كبيرة من الدول السنيّة التي يجب عليها التواصل مع سنة العراق، وإنقاذهم من الهيمنة الإيرانية.
الاعتراف بالبهائية في مصر
قالوا: "رحبت منظمة المبادرة المصرية للحقوق الشخصية بالحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري الذي يقضي بحق المصريين البهائيين في الاعتراف بديانتهم، وإثباتها في أوراقهم الرسمية، وذلك تأكيداً لحكم مماثل صدر منذ ثلاثة وعشرين عاماً".
وكالة الأنباء الألمانية 6/4/2006
قلنا: نصر جديد يحققه دعاة البهائية في أكبر دولة عربية، وبلد الأزهر، فبدلاً من أن يتنبه المسؤولون لمخططات البهائيين وعقائدهم الباطلة، يمنحونهم "الاعتراف" وما خفي كان أعظم!
ائتلاف غير متآلف
قالوا: "إذا دعم المجلس الأعلى عادل عبد المهدي، عارض حزب الدعوة وجماعة الصدر ذلك، وإذا دعمت هذه المجموعات إبراهيم الجعفري، تحركت جماعة المجلس الأعلى لإفشال هذا الترشيح... وعلى بقية القوى السياسية، وعلى العراقيين كلهم أن يدفعوا ثمن هذه الصراعات المدمرة داخل الائتلاف".
أحمد الربعي -الشرق الأوسط 4/4/2006
قلنا: "تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى" والعراق هو الذي يدفع ثمن الصراع الدائر في "الائتلاف الشيعي غير الموحد".
سلاح إيران ضد من؟(34/74)
قالوا: "أعلنت إيران بأنها أتمت بنجاح إنتاج كمية محدودة من اليورانيوم المخصب... فهل يشكل هذا النجاح الإيراني تهديداً لأمريكا أو لإسرائيل؟
الجواب هو أنه ليس هناك خبير حيادي وموضوعي يعتقد ذلك، حتى ولا الوكالة الدولية للطاقة النووية".
باتريك سيل - الحياة 14/4/2006
قلنا: إن استمرار احتلال إيران للجزر الإماراتية، واضطهادها للسنة، ولعرب الأهواز، وتأليب شيعة الخليج على دولهم، والتدخل السافر في العراق، يكشف أن سلاح إيران النووي لن يكون مسخراً لخدمة المسلمين.
قتل للتجار السنة في العراق
قالوا: "يقتل يوميّاً ما لا يقل عن 50 شخصاً في بغداد وحدها، جلّهم من أهل السنة، وفي اليومين الماضيين، تركز الاعتقال والخطف على التجار منهم، في منطقة المنصور والكرادة، حيث تداهم الشركات ويعتقل أصحابها دون مذكرات توقيف".
عدنان الدليمي - رئيس جبهة التوافق السنيّة
أ. ف. ب 30/3/2006
قلنا: بعد أن كان مغاوير وزارة الداخلية وفرق الموت فيها، وعناصر لواء بدر وجيش المهدي، يستهدفون علماء السنة وشيوخ عشائرهم ونخبهم، جاء الدور على تجارهم، لجعل السنة في ذيل العراق علميّاً وماديّاً.
محنة فلسطينيي العراق
قالوا: طالما أن جميع الفصائل والأحزاب العراقية الشيعية تحتفظ بعلاقات أكثر من وثيقة مع إيران، ما مكّنها من أن تكون لها اليد الطولى في شؤون العراق، وهي بالتالي، ومن دون أي مبالغة من يستطيع إيقاف معاناة فلسطينيي العراق، أو أن تتحمل المسؤولية مباشرة عن صمتها باعتباره رضى عما يحدث".
منار الرشواني - الغد 6/4/2006
قلنا: ومسؤولية الاعتداءات التي يتعرض لها فلسطينيو العراق السنة من قبل قوات باقر صولاغ والحكيم والجعفري، ومن قبل قوات لواء بدر التابع لإيران، لا تقع على هؤلاء وحدهم، بل إن التنظيمات الفلسطينية التي يدين بعضها بالولاء لإيران مطالبة أيضاً بأن تقول كلمة حق حتى لو كانت ضد إيران وعملائها.
عراقيون يغيرون أسماءهم(34/75)
قالوا: "قال عمر سامي، وهو طالب جامعي من العرب السنة: غيّرت اسمي إلى عبد الله لأنه اسم محايد. قد يكون لسنّي أو لشيعي. حياتي أغلى من اسمي".
رويترز 13/4/2006
قلنا: إذا كان عشرات العراقيين السنة قد قتلوا في الفترة الماضية بسبب أن اسمهم "عمر" الذي يبغضه الشيعة، ويترحمون على قاتله "أبي لؤلؤة المجوسي"، فلا عجب أن يلجأ طالب جامعي اسمه عمر، إلى تغيير اسمه، هو وآخرون مثله كثير، طالما أن القتل في العراق يتم على الهوية، وعلى الاسم.
أسلحة جديدة لجيش المهدي
قالوا: "شهدت مناطق بغداد، خاصة ذات التواجد الكثيف لعناصر جيش المهدي مثل مدينة الصدر الشيعية والشعلة... عمليات واسعة النطاق لتوزيع أسلحة حديثة غير مستعملة بينها الآلاف من الرشاشات الخفيفة والمتوسطة، ومدافع هاون وأعتدة وأجهزة اتصال وقاذفات صاروخية وصواريخ ضد الطائرات... مما أثار مشاعر الخوف في المدن العراقية عن الخطط الحربية، التي ينوي أن يقوم بها هذا الجيش المخترق من أطراف متعددة، وقيامه بانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، يحث تجري مداهمات ومحاكمات فورية وتنفيذ أحكام إعدام وتعليق جثث الضحايا في أعمدة الكهرباء، وأعمال تشابه ما تقوم به القاعدة والجماعات المسلحة غرب البلاد".
الوطن العربي 24/3/2006
قلنا: على أهل السنة أن يضعوا أيديهم على قلوبهم من هذا السلاح، طالما أن الاحتلال الأمريكي لم يعد يشكل خطراً على الصدر وتياره.
فرحة لم تتم !
قالوا : " مساعدات إيران لحكومة حماس مرتبطة بموافقة مجلس الشورى الإيراني " .
وكالات الأنباء4/4/2006
قلنا : هكذا هو الدعم الإيراني: تصريحات نارية تستقطب عواطف مساكين السنة ، ومن ثم تصبح حبراً على ورق !!
ثواب سماع الأغاني !!
قالوا : " فتاة أردنية جامعية متأثرة جداً بسامي يوسف تقول : كنت أسمع آيات من القرآن الكريم وأنا متوجهة إلى الجامعة كل صباح ، الآن أسمع أغاني سامي يوسف الإسلامية ، ألست أحصل على نفس الثواب ؟؟؟(34/76)
الرأي 26/4/2006
قلنا : هل يعيد التاريخ نفسه باستبدال القرآن الكريم " بالسماع الصوفي " ؟
جولة الصحافة
صفقة رأس الزرقاوي
جهاد سالم الوطن العربي 7/4/2006
لم يكن الإعلان عن موافقة الإيرانيين والأميركيين على فتح مفاوضات مباشرة بينهما في بغداد مفاجأة لأي من الخبراء المطلعين على ألغاز هذه العلاقة الغامضة بين واشنطن وطهران وما تشهده الكواليس الاستخبارية والدبلوماسية، ولم تفاجأ هذه المصادر بالمعلومات عن وصول وفد إيراني رفيع إلى بغداد يترأسه رئيس مجلس الوصاية على النظام أحمد جنتي يرافقه دبلوماسيون وضباط في مخابرات الحرس، ولا بوصول طائرة أميركية خاصة إلى مطار بغداد حاملة وفد مجلس الأمن القومي والـ "سي آي إيه" والخارجية للانضمام إلى السفير خليل زاد والتفاوض مع الإيرانيين.
وفي معلومات "الوطن العربي" أن هذه الأوساط كانت قادرة مسبقاً على تقديم لائحة مفصلة وشبه كاملة "بالأعداء المتفاوضين". فالواقع أن المفاوضات بين واشنطن وطهران لم تتوقف منذ سنوات وتنقلت خلالها بين أكثر من عاصمة أوروبية، لكن الجديد في "مفاوضات بغداد" أنها ليست سرية واللافت أن الطرفين حرصا على إطلاقه علناً، وذلك ليس فقط لإظهار حاجة كل من واشنطن وطهران لمساعدة الآخر للتوصل إلى تسوية عراقية باتت ملحة جداً لدرء خطر الحرب الأهلية المذهبية وانعكاساتها، بل أيضاً لحرص الإدارة الأميركية وحكم الملالي ـ اللذين يعيش كل منهما صراع أجنحة وتيارات ـ على عدم تفجير فضيحة تذكر بفضيحة "إيران ـ غيت" في الثمانينيات!
وتؤكد معلومات "الوطن العربي" أن العاصمة النمساوية كانت تشهد منذ الصيف الماضي سلسلة لقاءات أميركية ـ إيرانية شارك فيها عدد من مسؤولي البلدين الذين انتقلوا إلى بغداد للاستئناف المعلن ـ وليس العلني ـ لمفاوضات فيينا السرية.(34/77)
وثمة تقارير تشير إلى أن روزنامة مفاوضات بغداد قد وضعت على ضوء ما تم التوصل إليه في فيينا، بحيث إن كل أوراق واشنطن وطهران باتت مكشوفة للطرفين، بحيث بات واضحاً أن كل "الأزمة النووية" والتهديدات المتبادلة التي ترافقها تربط مصيرها بمصير الصفقة الأميركية ـ الإيرانية المطلوبة في العراق، وهي ـ كما لخصها خبير استراتيجي أميركي ـ تنطلق أولاً من الصراع الأميركي ـ الإيراني على النفوذ في العراق الذي جرى تصعيده باستخدام "الورقة النووية" رغم معرفة واشنطن بأن طهران قادرة في كل الأحوال على العمل على إنتاج القنبلة النووية سراً وإدراك طهران في المقابل بأن واشنطن لن تقبل بذلك وهي قادرة ساعة تشاء على شن حرب ضد إيران.
وفي معلومات المصادر المطلعة على تاريخ المفاوضات السرية بين واشنطن وطهران أن لعبة الأوراق المكشوفة إضافة إلى الحرب المكشوفة في العراق ـ ولو بالوكالة ـ أسهمت في تسهيل إعداد خريطة التفاوض على دور وموقع كل من إيران وأميركا في العراق، وعلى الحد الأدنى الذي يطالب به كل فريق، وفي هذا الإطار تشير هذه المصادر إلى أن إيران أعدت خطة تفاوض انطلقت تجاربها السابقة ـ وفي شكل خاص ـ من تجربة مفاوضات جنيف التي جرت في صيف العام 2003 وشارك فيها خليل زاد.
وكان قد سبق للسفير الأميركي في العراق أن أجرى مفاوضات مع الإيرانيين حول أفغانستان، كانت إيجابية جداً، وما زالت واشنطن تدعو لتكرارها في العراق بعد فشل مفاوضات جنيف. وفشل مفاوضات جنيف كان بسبب "القاعدة والزرقاوي" أكثر ما كان يتعلق بالتردد الأميركي في الاعتراف بـ "حقوق" إيران في العراق ودورها في أمن الخليج أو تعليق العقوبات الأميركية أو الموافقة على انضمام طهران إلى منظمة التجارة الدولية.(34/78)
وتكشف التقارير أن الإيرانيين فوتوا يومها فرصة فتح صفحة جديدة مع الأميركيين بسبب رفضهم حسم شرط أميركي مسبق انطلق من شعار "الحرب ضد الإرهاب" وهو تسليم رموز "القاعدة" الذين لجأوا إلى إيران. وبرر الإيرانيون معارضتهم هذه بالدعوة إلى مقايضة رموز "القاعدة" بقادة حركة مجاهدي خلق، وفوجئ الإيرانيون بالرفض الأميركي رغم تقديم تنازلات مهمة على هذا الصعيد خصوصا لجهة موافقتهم على الابتعاد عن حماس والجهاد الفلسطينيتين وعلى إقناع حزب الله بالتحول إلى حزب سياسي.
وتؤكد مصادر "الوطن العربي" أن القيادة الإيرانية التي بدأت تشعر بمخاطر وانعكاسات الصراع مع أميركا في العراق أعدت خطة مفاوضاتها الجديدة على ضوء قراءتها لأسباب فشل مفاوضات جنيف وإدراكها لسلم أولويات الأميركيين، واتخذت قرار فتح باب المفاوضات بعرض مفاجئ لقناعتها بحساسية واشنطن تجاه ما تعتبره "الإرهاب في العراق".
رأس الزرقاوي
وتكشف مصادر أميركية مطلعة على الأجواء التحضيرية للمفاوضات العلنية وعلى استعدادات الطرفين للتنازلات المتبادلة حرصاً على كل منهما على حماية مصالحه وتحقيق أهدافه أو بالأحرى بعض أهدافه ـ سواء المعلنة أو غير المعلنة ـ أن "الصاعق" الذي سيفجر الباب المسدود بين واشنطن وطهران هو رأس الزرقاوي.
وفي معلومات هذه المصادر أن الزرقاوي هو الورقة الرئيسية التي تراهن إيران على استخدامها لتقديم خدمة ثمينة لا يحلم بها الأميركيون وتكون في الوقت ذاته ورقة غير قيمة بالنسبة لإيران التي تحتفظ بين أوراقها المصنفة إرهابية بأوراق كثيرة سيسمح التنازل عن ورقة الزرقاوي بالاحتفاظ بها.
ويبني الإيرانيون رهانهم هذا على معرفتهم المسبقة بالهاجس الذي يشكله الزرقاوي بالنسبة للأميركيين في العراق وخصوصاً معرفتهم بحجم الثمن الذي تبدو واشنطن مستعدة لدفعه مقابل رأس الزرقاوي.(34/79)
وهذا الثمن يتجاوز بالطبع مكافأة الخمسة وعشرين مليون دولار التي وضعها الأميركيون ثمناً لرأس "الإرهابي الأول في العراق".
وفي معلومات الإيرانيين أن القوات الأميركية سبق أن صرفت مئات ملايين الدولارات في مطاردتها للزرقاوي، وهي تعتبر أن المليار دولار يومياً التي تصرفها في احتلالها للعراق تذهب هدراً منذ أكثر من ثلاث سنوات بسبب عجزها عن وقف المقاومة ووضع حد للعمليات المسلحة التي بات أبو مصعب الزرقاوي رمزاً لها في العراق.
لكن ما يعرفه الإيرانيون أكثر أن الأميركيين سبق أن عرضوا إغراءات سياسية كبيرة للأطراف السُنية لدفعها ليس فقط للتخلي عن المقاومة المسلحة، بل خصوصاً لإعلان الحرب على "القاعدة" والزرقاوي.
ووصلت المفاوضات الأميركية مع أطراف المقاومة السُنية إلى حد أن بعض هذه الأطراف تجرأت على طلب مقايضة رأس الزرقاوي برأس صدام حسين، وذلك لمعرفتها بمدى استعداد الأميركيين للتنازل مقابل وقف العمليات العسكرية.
وحتى في حال عدم وصول الصفقة الأميركية مع العشائر والمقاومة السُنية إلى حد ربط مصير صدام حسين بمصير الزرقاوي إلا أن الواضح أن الأميركيين قدموا تنازلات للسُنة في هذا المجال شملت إطلاق سراح مجموعات من رموز النظام السابق المعتقلين "وثمة مجموعة جديدة تنتظر إفراجات مقبلة" وتحسين تمثيل السنُة في الحكم العراقي الجديد، ومساعدات مالية واقتصادية ووعوداً بتعديل الدستور.. وكل ذلك لم يكن فقط ـ حسب العارفين ـ مقابل دخول السنة في العملية السياسية، بل كانت خلفيته مساعدة الأميركيين على فرض الأمن والاستقرار في العراق وفي مقدمتها المساعدة على مطاردة جماعة الزرقاوي ووضع حد لعمليات المقاومة وخصوصاً عمليات عناصر "القاعدة".
وتؤكد المصادر الغربية أن إيران لعبت دوراً كبيراً في دعم العمليات العسكرية ضد الأميركيين على أيدي الجماعات المسلحة السنية بالتزامن مع دعوتها لحلفائها الشيعة لمهادنة قوات الاحتلال.(34/80)
وفي البداية كان الهدف الإيراني واضحاً من دعم تسلل "القاعدة" إلى العراق بالتعاون مع الحليف السوري، وهو منع الأميركيين من إنجاز سيطرتهم على العراق وتوريطهم في المستنقع العراقي في شكل يجعلهم عاجزين عسكرياً عن التفكير في إكمال مخطط تغيير الأنظمة بالانطلاق من العراق إلى سورية وإيران، كما يحول دون تكريس خطتهم للبقاء في هذا البلد وإقامة نظام موالٍ لهم وقواعد عسكرية دائمة.
وتشير التقارير إلى أن الحرب الأميركية ـ الإيرانية على النفوذ والسيطرة في العراق قد حولت الأميركيين في مرحلة أولى إلى "رهائن" للنظام الإيراني بسبب رهانهم الكامل على الأكراد والشيعة وتهميشهم للسنة.
وقد قاد هذا الواقع، الأميركيين إلى تغيير المعادلة وموازين القوى من خلال الرهان على استقطاب السنة والابتعاد عن الشيعة، وإلى إثبات قدرتهم على التكيف والمناورة.
وفي رأي العديد من الخبراء أن ملالي طهران قد اكتشفوا أنهم ارتكبوا خطأ تكتيكيا تحول إلى خطأ استراتيجي في مشروعهم العراقي، وذلك بمبالغتهم في رفع مستوى الحرب ضد الأميركيين ومستوى عدم الاستقرار في العراق عبر دعمهم للجماعات المسلحة الشيعية المرتبطة بهم وجماعات "القاعدة" وبعض أطراف المقاومة السنية، وهو دعم فاق "الحد المقبول" أميركياً ودفع بالأميركيين إلى اعتماد "الخيار السني" في انعطافة فاجأت شيعة العراق والإيرانيين و"خربطت" حساباتهم.
ويشير بعض الخبراء إلى أن الوحشية والدموية التي تميزت بها أعمال الزرقاوي وجماعته ضد الشيعة تجاوزت بدورها الخط الأحمر، وهي إذا كانت استهدفت في البداية دفع الشيعة إلى طلب حماية طهران ومساعدتها والرهان عليها إلا أنها انتهت إلى التهديد بحرب سنية ـ شيعية، تبين فجأة لملالي طهران أن نارها تهدد بالانتقال إلى داخل إيران وتهديد تركيبة النظام الإيراني المؤلفة من عدة مذاهب وإثنيات والمرشحة لعدوى الحرب العراقية.(34/81)
هذه المفاجآت غير المحسوبة أقنعت الإيرانيين بأن أفضل وسيلة لقطع الطريق على "خسارة العراق" والأمل مجدداً باستعادة النفوذ والهيمنة وتكريس الحكم للغالبية الشيعية تمر بإفشال الصفقة السنية ـ الأميركية والعودة إلى "الصفقة" غير المعلنة التي تهدف لسيطرة الشيعة وإيران على العراق. وذلك يمر أولاً بنزع الورقة الأخطر للمقاومة من أيدي السُنة عبر تخفيف خطورة هذه المقاومة على المشروع الأميركي وإعادتها إلى الحد الأدنى الذي يسمح بإبعاد الأميركيين عن السُنة.
دعم سوري
وتكشف بعض التقارير أن إيران قامت لهذه الغاية بممارسة سلطتها لدى الحليف السوري بدعوة دمشق إلى ضبط الحدود وتخفيف حركة التسلل وتهريب السلاح.
وفي معلومات هذه الأوساط أن الشهادة التي قدمها مؤخراً قائد الأركان الأميركي جون أبي زيد أمام إحدى لجان الكونغرس حول دور سورية في تخفيف حركة التسلل عبر الحدود لم تكن تعكس في الواقع تجاوباً سوريا مع الضغوط الأميركية بل مع ضغوط الحليف الإيراني في إطار خطته تخفيف الضغط عن الأميركيين لإفشال تعاونهم مع السنُة... أما الورقة الأهم فهي ـ حسب المصادر المطلعة ـ العرض الإيراني بالتخلص من أبو مصعب الزرقاوي وتقديم رأسه على طبق للأميركيين كعربون حُسن نية في المفاوضات الجديدة.
وفي المعلومات أن هذا العرض الإيراني معد ليسحب ورقة مهمة من المفاوضات الأخرى الجارية بين الأميركيين والمقاومة السنية حول رأس الزرقاوي، وليكشف في الوقت ذاته أن قدرة إيران على أذى الأميركيين في العراق تتجاوز علاقاتها مع الشيعة وأن حجم اختراقاتها الأمنية للساحة العراقية يفوق ما هو متداول عن دعم منظمة بدر أو جيش المهدي ليكرّس مصداقية التقارير عن حجم اختراق المخابرات الإيرانية للمقاومة السنية وفي شكل خاص لفصائل "القاعدة في بلاد الرافدين".
الزرقاوي أداة إيرانية!(34/82)
والواقع أن المعلومات عن دور إيران في دعم وتمويل خلايا الزرقاوي، بل في إرساله إلى العراق، كانت تشكل منذ سنوات لغزاً محيراً، لكنها تحولت في التقارير الأخيرة للأجهزة الاستخبارية إلى قناعة تجعل من الزرقاوي صنيعة إيرانية وأداة لتنفيذ سياسة طهران ونموذجاً لاختراق مخابراتها لتنظيم القاعدة...
ومهما تعددت الروايات عن علاقة الزرقاوي بطهران، إلا أن التقارير الاستخبارية تتقاطع عند التأكيد على حجم المعطيات التي تربط بين الزرقاوي وإيران، إلى حد اعتبار وجوده في العراق بمهمة إيرانية ونتيجة لتحالف بين القاعدة وطهران.
وتؤكد التقارير أن أبو مصعب الزرقاوي كان من أبرز رموز "القاعدة" الذين اختاروا اللجوء إلى إيران بعد الضربة الأميركية لأفغانستان في أواخر 2001 بدون أن يتوقف في باكستان. وقيل إن وجود الزرقاوي في مدينة هيرات القريبة من إيران في تلك الفترة كان من الإشارات الأولية لعلاقاته الإيرانية. لكن إقامة الزرقاوي في إيران وتردده على معسكرات تابعة لقوات القدس في الحرس الثوري زادت من هذه الشكوك التي تكرست أكثر بصداقته مع سيف العدل ـ المستقر في إيران حتى الآن ـ حيث قيل إن صديق الظواهرى هذا لعب دوراً في التخطيط لمشاريع الزرقاوي "المقبلة" وخصوصاً في إقامة علاقة وطيدة بينه وبين الجنرال قاسم سليماني قائد "قوات القدس".
وفي العام 2002 انتقل الزرقاوي إلى كردستان العراق للانضمام إلى أنصار الإسلام، في معسكراتهم القريبة من الحدود الإيرانية. وانطلق يومها في مشروع بناء "القاعدة" في العراق والتحضير للجهاد الذي بدأ إثر الغزو الأميركي في 2003.(34/83)
لكن زعيم "التوحيد والجهاد" ظل يتنقل بين المدن العراقية وسورية ولبنان في المرحلة الأولى، حيث يقال إنه استقر لفترة خلال العام 2002 في مخيم عين الحلوة. ومنذ انطلاقته في الجهاد واستيعابه للمجاهدين الأجانب قبل إعلان ولائه للقاعدة وتبني اسم "قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين" كان الزرقاوي يحصل في شكل دائم على دعم مالي ولوجستي وذخائر وأسلحة من المخابرات الإيرانية. بل يقال إن عناصره ينتقلون دورياً إلى إيران للراحة وتلقي العلاج والأوامر، وأنه يزور طهران في شكل دوري خصوصاً في مراحل المعارك العنيفة التي يتعرض لها المجاهدون، ومنها معركة الفلوجة، إذ قيل إنه كان خلالها في طهران.
وتلتقي التقارير على اتهام المخابرات الإيرانية وعملائها في الخارج بدعم الزرقاوي في بناء شبكة أوروبية واسعة وخلايا امتدت من إسبانيا وإيطاليا وفرنسا وألمانيا وبلجيكا وحتى بريطانيا، حيث يقال إن علاقته بالفلسطيني "أبو قتادة" لعبت دوراً في تقريبه من قيادات "القاعدة".
وفي أية حال تولدت قناعة في أوساط الأجهزة الاستخبارية المتخصصة في مكافحة الإرهاب وفي رصد خلايا القاعدة وخصوصاً شبكات تجنيد المجاهدين إلى العراق بأن الرجل الذي تحول إلى أخطر إرهابي في العالم وبات ـ بعد الجهاد في العراق وعملياته الدموية ـ يُعرف باسم خليفة ابن لادن، يملك وجوها عديدة بعدد جوازات السفر التسعة التي تنقل بها ولم يكن بينها اسمه الحقيقي (أحمد فضيل الخلايلة) وتميزت بجوازات إيرانية باسم إبراهيم قاسمي رضا أو عبد الرحمن حسن وفرتها له "قوات القدس" في الحرس الثوري..(34/84)
والواقع أن التقارير الاستخبارية عن علاقة الزرقاوي بإيران سبقت تلك التي ركزت على علاقته بالبعث العراقي ومخابراته لدرجة أن إثارة وزير الخارجية الأميركي السابق كولن باول لاسم الزرقاوي وعلاقته بصدام حسين أمام الأمم المتحدة في إطار التحضير لضرب العراق دفعت ببعض الخبراء الأمنيين إلى التساؤل عن سبب تجاهل علاقة الزرقاوي الإيرانية.
ففي تلك المرحلة كانت المخابرات الألمانية قد أعدت تقريراً مفصلاً عن إقامة الزرقاوي في إيران ونشاطاته بين زاهدان وأصفهان وطهران برعاية الحرس الثوري، كاشفة عناوين إقامته كاملة وأرقام هواتفه وفاكساته التي كانت تتلقى اتصالات شبكاته الأوروبية وخصوصاً شبكته الألمانية. واللافت أن هذه التقارير كانت تجمع على مشاعر العداء التي كان الزرقاوي يصرح بها علنًا تجاه الشيعة وهي اتهامات كان الجنرال سليماني يدافع عنها بقوله: "المهم أن عمليات الزرقاوي تخدم المصالح الإيرانية".
لكن يبدو أن عمليات الزرقاوي لم تعد تخدم المصالح الإيرانية، بل إنها لم تعد تخدم استراتيجية قادة "القاعدة". وفيما وجدت إيران أن الزرقاوي بات يهدد بإشعال حرب مذهبية تخرج عن السيطرة وتهدد الاستقرار في نظام الملالي التقت مع "القاعدة" في أن عمليات الزرقاوي التي باتت تستهدف المسلمين المدنيين تشوه صورة الجهاد و "القاعدة" والمشروع الإسلامي الإيراني الذي يحتاج في مرحلة المواجهة مع الغرب إلى تضامن كل الطوائف والمذاهب الإسلامية.
وهكذا حكم الزرقاوي على نفسه بدون أن يدري، وتحول إلى ورقة محروقة عرضة للمفاوضات، بات رأسه مطلوباً ليس فقط من الأميركيين بل من الأطراف السنية ومن قبل قيادة "القاعدة" وأخيراً من قبل إيران، بحيث اندلع نوع من السباق على "اصطياده" والحصول على "المكافأة الأميركية" ليس المالية بل التي تتعلق "بمن يحكم العراق"!
من يصطاده أولاً؟!(34/85)
هل تنجح إيران في تحقيق إنجاز صفقة مع الأميركيين حول دورها وموقعها ومصالحها وطموحاتها في العراق بتسليم رأس الزرقاوي الذي عجزت المقاومة السنية عن اصطياده!!
التقارير الاستخبارية المتداولة تؤكد أن حظوظ طهران وإمكانياتها في بيع الزرقاوي أوفر بكثير من حظوظ وإمكانيات الأطراف السنية. وعلى الرغم من تركيز الزرقاوي لنشاطه في المثلث السني، فثمة إجماع على أن علاقة طهران به وحجم اختراق المخابرات الإيرانية للساحة العراقية وعلاقاتها مع السوريين تجعل من الأسهل لها نصب الفخ لزعيم القاعدة في العراق. ولعل العامل الأهم هو أن الحسابات والرهانات الإيرانية الجديدة تسمح بالتخلي نهائياً عن ورقة الزرقاوي بدون أية محاذير أو انعكاسات سلبية وهو ما لم تستطع المقاومة السنية بلوغه.
فإيران لم تنظر يوماً إلى الزرقاوي وجماعته كمجموعة مسلحة تستخدمها لتحرير العراق من الاحتلال بل كأداة للضغط على الأميركيين وتسهيل تنفيذ طموحاتها.
وفي المعادلة الحالية تبدو هذه الأداة وقد انتهت صلاحيتها وبات من المطلوب التخلي عنها وبيعها بثمن غال وبدون أية تكلفة. ويشير الخبراء الأمنيون في هذا المجال إلى أن إقدام إيران على تسليم رأس الزرقاوي لا يعني عملياً تخليها عن دعم "القاعدة"، بل يكشف فقط أن طهران لم تعد في وارد لعب ورقة الزرقاوي كخليفة لابن لادن، خصوصاً وأنها تؤوي في أراضيها قيادات بارزة من "القاعدة" تستطيع الرهان عليها، كما أنها ترتبط بعلاقات وثيقة مع حركات مسلحة متشددة ومتعددة على مستوى العالم الإسلامي. أما في العراق فيعرف الإيرانيون أن رهانهم الحقيقي والأخير هو على الجماعات المسلحة الشيعية مثل منظمة بدر وجيش المهدي.(34/86)
المصادر المطلعة على خفايا المفاوضات الأميركية ـ الإيرانية تؤكد أن عرض "تسليم الزرقاوي" قد طُرح في شكل غير مباشر أثناء مفاوضات فيينا قبل أشهر. ولا تستبعد أن يكون قد أسهم في "إغراء" الأميركيين للقبول في الدخول في مفاوضات مباشرة وعلنية مع الإيرانيين.. ويبدو أن الأميركيين تحسبوا لتكرار فشل مفاوضات جنيف بعودة طهران إلى إثارة مسألة "مجاهدي خلق" فقاموا في تلك الفترة بإخراج مسعود رجوي ومجموعة من قياداته من معسكر "أشرف" ومن العراق.
واللافت أن الأسابيع الأخيرة شهدت عملية اختفاء أبو مصعب الزرقاوي عن الساحة العراقية بما فيها ساحة العمليات وساحة مواقع الإنترنت، وبدأت تتسرب معلومات متضاربة عنه بين قائل إن زعيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين قد أُخرج بانقلاب عبر مجلس شورى جديد أشرف عليه أيمن الظواهري وسيف العدل، ومعلومات تشير إلى أن الزرقاوي كُلف من قبل الظواهري بفتح ساحات جهاد أخرى في اتجاه إسرائيل... وآخر هذه التقارير يشير إلى أن المخابرات الإيرانية قد استدعت الزرقاوي للراحة وإعادة تقويم العمل الجهادي وهي مازالت تستضيفه في "إقامة جبرية" في انتظار الصفقة على رأسه.
واللافت أن بعض المواقع الجهادية على الإنترنت بدأت تسوق لنهاية الزرقاوي عبر التأكيد أن أمير القاعدة في العراق بات يعتبر أنه أدى قسطه الجهادي وهو يستعد للخروج من الباب الواسع بعملية جهادية انتحارية ضخمة جداً!!..
في أي حال تبدو ثمة قناعة في أوساط الجهاديين أن مرحلة الزرقاوي قد انتهت، وتقابلها قناعة لدى الخبراء السياسيين الأمنيين بأن رأس الزرقاوي دخل سوق المساومات والمفاوضات.. وفيها يبدو واضحاً أن نهاية الزرقاوي لن تضع حداً للمقاومة والعمليات المسلحة في العراق، ويبقى السؤال عما إذا كان تسليم الزرقاوي يؤدي حكماً إلى فتح صفحة جديدة بين طهران وواشنطن وإلى "الصفقة التاريخية" التي تطمح إليها إيران في العراق.(34/87)
والعارفون بحجم الطموحات الإيرانية ومثلها الأميركية وتضاربها وحجم المسائل العالقة بين البلدين والحسابات السرية لكل منهما يتوقعون مرحلة طويلة من الشد والجذب والمناورات والتصعيد الكلامي والعسكري تبقي العراق والمنطقة والعالم برميل بارود معداً للانفجار بين شهر وآخر!
طهران على مفترق طريقين
نادر كريمي جوني / شرق (الشرق) 19/2/2006
مختارات إيرانية العدد ـ68 ـ 3/2006
بقدر ما كان فوز حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في الانتخابات التشريعية الفلسطينية التي أجريت في 25 يناير الماضي، مدعاة للترحيب من جانب مناصري جماعات المقاومة الفلسطينية، بقدر ما كان ذلك أمراً مقلقاً وغير متوقع بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، وإسرائيل، الدول الأوروبية. وفي إطار عملية مواجهة هذا التطور النوعي لم يشاهد أو يلاحظ أي تحركات أو خطوات فعلية سوى تصريحات لفظية وكلامية صدرت عن بعض المسئولين الأمريكيين والإسرائيليين، ومن هنا كان "الانتظار والترقب" هو الخيار الأساسي خاصة من جانب المعارضين للجماعات الجهادية، وذلك بحجة معرفة ومرافقة سلوك حماس عندما تتولى السلطة، فضلاً عن إقرار التحرك الجاد نحو التصدي لزيادة السلطة السياسية لهذه الجماعة الجهادية المهمة في الأراضي المحتلة.
المؤكد أنه لا يتساوى ولا يستوي أصدقاء "حماس" الإقليميين، والذين هم خارج المنطقة فيما يخص ترحيبهم وسعادتهم بالانتصار بينهم جميعاً يتمحور في أنهم جميعاً أعلنوا ترحيبهم بانتصار حماس من جهة، وإدراك الجماعات الجهادية الفلسطينية للطريق المؤدي للمناصب الخاصة بالسلطة السياسية من جهة أخرى.(34/88)
لو أننا وضعنا في اعتبارنا أن خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس أعلن تقديره لأطراف ثلاثة، هي : إيران، سوريا، وحزب الله اللبناني، يمكننا القول بأن ذلك كان تقديراً لعمليات الدعم المعنوي والسياسي من جانب المسئولين الإيرانيين للانتفاضة، وكذلك للجماعات الجهادية الفلسطينية، وهو ما كان له دور ملموس في انتصار حماس لدرجة أننا وجدنا رئيس المكتب السياسي يتحدث في أول حديث له بعد انتصار حماس، عن التزامه بضرورة تقديم الشكر إلى حكومة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والتعهد بالوقوف إلى جانبها في حالة تعرضها لأي هجوم.
لكن أمام هذا كله يتبقى أمامنا السؤال التالي:
إلى أي مدى أو إلى متى سيستمر هذا التأييد؟، خاصة إيران التي لا ترتبط حتى الآن على أي مستوى بأي قدر من الاتصالات مع المسئولين الإسرائيليين من جهة، واستمرارها في الامتناع عن إقامة علاقات مباشرة مع مسئولي السلطة الفلسطينية من جانب آخر؟
السؤال الآخر والمهم جداً هو كالتالي: ماذا بعد انتصار حماس وتشكيلها الحكومة الجديدة، هل سينتهي الأمر بإيران للاعتراف رسمياً بحكومة السلطة الفلسطينية أم لا؟
من جهة أخرى، أصبحت جماعة جهادية فلسطينية، كثيرة ما كانت تحظى بدفاع من إيران بشأن حقها في تولي السلطة في الأراضي المحتلة، أصبحت بالفعل قابضة على السلطة السياسية ـ العسكرية في الأراضي المحتلة. فهل يمكن أن يصبح هذا التحول ـ الذي يلقي ترحيباً من إيران ـ سبباً لإقامة علاقات رسمية بين حكومة حماس والجمهورية الإسلامية الإيرانية؟(34/89)
في الأيام التي تلت انتصار حماس في الانتخابات البرلمانية تبذل جهود واسعة من جانب زعماء حماس من أجل تشكيل ائتلاف وطني بمشاركة سائر الجماعات الجهادية ـ السياسية الفلسطينية الأخرى، وهو الأمر الذي أكد عليه المسئولون والزعماء السياسيون الإيرانيون، خاصة الذين يرون أن انتصار حماس يصب في صالح استمرار انتصار الرؤى والأفكار التي تطرحها الجمهورية الإسلامية الإيرانية بشأن المنطقة، والتي ساهمت في تشكيل محور استراتيجي حليف للمفكرين الإيرانيين سواء في أفغانستان أو في العراق والآن في فلسطين المحتلة.
في جميع المباحثات وأحياناً كثيرة في معظم الخطب السياسية، يوصى الإيرانيون بضرورة تعميق العلاقات وكل اوجه التعاون بين طهران والحكومة الفلسطينية الجديدة، كذلك لابد للجمهورية الإسلامية من تقييم مثل هذه النتائج بشكل شامل وصحيح.
لكن المؤكد هنا أن عملية الاعتراف الرسمي بالحكومة الفلسطينية ـ بغض النظر عن الجماعة الحاكمة أو الرؤى التي تحكم الجماعة الحاكمة ـ لا يعد أمراً يسيراً أو سهلاً، مرجع ذلك أن إيران لم تعترف رسمياً بالهيكل أو البناء، أي النظام السياسي القائم حالياً في الأراضي المحتلة والذي تأسس وفقاً لاتفاق أوسلو، وواى ريفير، بل إنها تعتبر أن تلك الاتفاقيات ظالمة.
السؤال الأجدر هنا مفاده: في إطار مثل هذه الظروف، كيف يمكن أن نتوقع أن يتم تأييد الحكومة التي تكون قد تأسست في ظل هذا المناخ؟ وكيف يمكن أن يتم تأييد جناح ما يصل إلى السلطة وفقاً لنفس هذا الأساس أيضا؟
المؤكد أن الجماعات التي تبدو ظاهرياً قريبة من إيران أكثر من غيرها من الجماعات الأخرى هي جماعة الجهاد الإسلامي، وهي ترفض، بل رفضت مثل هذه الانتخابات التشريعية التي جرت انطلاقاً من كونها قائمة استناداً إلى اتفاقيات ظالمة ومجحفة.(34/90)
وعلى الرغم من أن جماعة الجهاد الإسلامي لم تصدر أي توصية لأتباعها لمقاطعة التصويت من عدمه إلا أنها ـ أي الجهاد الإسلامي ـ قد أعلنت مراراً وتكراراً أنها لن تعترف رسمياً بالانتخابات البرلمانية التي ستقام في الأراضي المحتلة، وأنها لن تقدم أي مرشح، وبالإضافة إلى هذا، فهي كانت توصي زعماء حماس بأن تصرف النظر عن تقديم أي مرشح يحرَّم تعاون الجهاد الإسلامي مع حكومة الحكم الذاتي. مع هذا كله فإن الشيء الذي يسعد الإيرانيين الآن هو أن حماس قد أعلنت مباشرة بعد حصولها على السلطة أنها لن تعترف رسمياً باتفاق أوسلو وأنها لا تعتبر نفسها ملتزمة به أو ملتزمة بالتمسك به.
اليوم طهران وغدا بقية العالم
شارلز كراوثامر - مجلة التايم
أننا بتنا نقف الآن على أعتاب فجر مرحلة جديدة سِمتها نجوم الايدولوجيات الدينية المتعصبة، والتي لا تلقي بالاً إلى الحسابات العادية من التعقل والحفاظ على الذات. وهي تسيطر على مقاليد الحكم في الدولة وسوف تتمكن عما قريب من امتلاك القدرة النووية.
اننا نجد صعوبة في فهم عقلية حكام إيران الجدد. ومرة اخرى، نجد أنفسنا عاجزين عن فهم عقلية أولئك الرجال الذين ضربوا مركز التجارة العالمي بالطائرات، كما لا نفهم لغة الغوغاء في بعض العواصم ممن يصيحون "الموت لأمريكا و الدنمارك"! ويعتنقون فكرة الشهادة المنطوية على المجد والرومانسية.
إن هذا الحب المتأصل لإراقة الدماء والموت والتضحية بالذات باسم الله ليس بالأمر الجديد، فقد كانت تنتشر في أوروبا في العصور الوسطى أعداد هائلة من الطوائف المسيحية المؤمنة بالألفية السعيدة. ولكنهم لم يمتلكوا أبداً، وحتى هذه اللحظة، تلك الوسيلة الكفيلة بتحقيق غاياتهم الرؤيوية.(34/91)
ولعل هذا ما يجعل من وقوف إيران على أعتاب امتلاك الأسلحة النووية يمثل لحظة تاريخية مشهودة. ولا يتعلق الأمر بحديث الرئيس الإيراني عن الهولوكوست، بل يتعلق أكثر بإيمان الرئيس وحماسه لفكرة عودة ظهور الإمام الثاني عشر التي تطابق فكرة عودة المسيح عند المسيحيين. وقد نقل عن احمدي نجاد قوله في الاجتماعات الرسمية بأن نهاية التاريخ قد باتت على بعد سنتين أو ثلاث فقط. وقد اخبر احد المقربين بأنه شعر بهالة تحيط به بينما كان يتحدث على المنصة أمام الجمعية العمومية في أيلول (سبتمبر) الماضي، وقال "لم يرف جفن في عيون قادة العالم خلال تلك الدقائق السبع والعشرين أو الثماني والعشرين دقيقة كما لو أن يدا كانت تمسكهم وتفتح أعينهم" وهم يتلقون رسالته. انه يؤمن بأن علة وجود الثورة الإسلامية هي تعبيد الطريق الأخيرة للخلاص، والذي يسبقه، حسب منظوره الإيماني باليوم الآخر، حدوث الجيشان والفوضى. فأية طريقة إذن أفضل لإشعال فتيل تلك البركة الخالدة من اللهب النووي؟
اعتماداً على المعتقدات الخاصة، فإن الرئيس احمدي نجاد إما أن يكون شخصا باطنياً أو مشوشاً. ( نقلاً عن جريدة الغد ) .
قراءة خليجية للطموح النووي الإيراني
عبدالله خليفة الشايجي الحياة - 22/04/2006(34/92)
في سبتمبر (أيلول) الماضي سطرت في «الحياة» مقالة حول الطموح والتحدي النووي الإيراني بعنوان «إيران وسياسة حافة الهاوية: بين التهديد الغربي والعجز العربي». مع بداية المواجهة بين إيران والغرب. وعددت الأوراق العشر التي تستقوي بها إيران وأقواها وأهمها العراق الذي تمسك زمام الأمور فيه وانتهاء بانقسام المجتمع الدولي وأمور مرتبطة بالطاقة وأسعار النفط وازدواجية المعايير في التعامل مع الطاقة النووية ودور روسيا والصين وانقسامات في الموقف الأميركي حول كيفية التعامل مع إيران. وخلصت الى أن جميع تلك الأوراق التي تستقوي بها إيران تلعب لمصلحتها في التحكم بسير الأمور. وأنه لا يبدو أن هناك قدرة لدى الغرب الممثل بالترويكا الأوروبية وخلفها واشنطن على ثني حكومة الملالي في طهران عن الاستمرار في السعي لتحقيق الطموح الإيراني لامتلاك الطاقة النووية لأغراض سلمية كما تدعي طهران. وللتسيد والتحكم وفرض أجندتها على المنطقة وتقوية أوراقها التفاوضية في منازلة حافة الهاوية مع أميركا والغرب من ورائها.
اليوم في ربيع 2006، وبعد 7 أشهر من ذلك التقويم الذي أثبتت الأيام صحة استنتاجاته، ما الذي تغير؟ ما هي المتغيرات والثوابت؟(34/93)
الذي تغير هو زيادة العرب عجزاً وتشتتاً، مقابل زيادة الأوراق الإيرانية قوة وتصميم إيران أكثر على المضي قدماً في برنامجها النووي، مع تحكم الجناح المحافظ في مؤسسة الحكم الإيراني وتصعيد للخطاب المتطرف من القيادة الإيرانية واستعداء العالم عبر تصريحات نارية عن «الدولة العظمى» بعد تخصيب غرامات عدة من اليورانيوم، وعن افول أميركا وشطب إسرائيل أو نقلها الى أوروبا. واستعراض عضلات كبير في مياه الخليج عبر مناورات «الرسول الأعظم» في ترهيب واضح لدول الخليج الصغيرة، حيث لم تنجح إيران منذ قيام الثورة قبل أكثر من ربع قرن في خطوات بناء الثقة وطمأنة تلك الدول الى نيات إيران التي تبطن عكس ما تظهر. ولن يفهم أحد أو يستطيع سبر غور مكنونات إيران من دون فهم «التشيع» كمفهوم وتاريخ وتقليد. وتهدد إيران اليوم بعد أن تمكنت من تخصيب بضعة غرامات من اليورانيوم، وبعد تشغيل 164 جهاز طرد مركزي، من أن تدخل النادي النووي بكل فخر وبالتفاف من كل أطياف الشعب الإيراني! ولكن ما هي الأهداف والتداعيات والنتائج؟
الأهداف باتت واضحة، وتسعى إيران لأن تكون الدولة الناطقة والمدافعة والمتحدثة باسم المسلمين قاطبة سنّة وشيعة، وتسعى لتقوية أوراقها التي تحدثنا عنها آنفاً. وتسعى لتحسين موقعها التفاوضي مع أميركا والغرب وتلوح بالعصا قبل الجزرة في عقابها لهم إذا ما قرروا الانتقام من إيران باغلاق مضيق هرمز وشل اقتصاديات الغرب وارتفاع سعر برميل النفط الى مستويات قياسية قد تلامس 100 دولار للبرميل.(34/94)
تريد إيران من أميركا أن تأخذها على محمل الجد. وأن تتفاوض معها على أساس الند للند. تبدو إيران اليوم مثل الجنرال الذي يخوض حرباً ويسعى الى كسب المزيد من الأراضي والغنائم قبل وقف اطلاق النار حتى يقايض ويفاوض عليها في صفقة كبرى «Grand Bargain» تساعده في تقوية موقفه وأوراقه التفاوضية. وأبرزها بقاء نظام الملالي من دون تغيير فيما يعرف بـ «Regime Change» أي بقاء النظام الحاكم. واعطاء إيران يداً في العراق عبر مقايضة كبيرة يتم خلالها تأجيل البرنامج النووي الإيراني لسنوات عدة عبر الدخول مرة أخرى في حال تفاوض مع الترويكا الأوروبية والوكالة الدولية للطاقة الذرية بما يحفظ ماء وجه القيادة الإيرانية أمام شعبها، بأنها حققت المطلوب وخصبت اليورانيوم، وإذا ما قررت إيران وقف الأنشطة النووية، فإن ذلك لن يضرها، بل سيحقق مكاسب لها. وهكذا لا تبدو إيران قد فقدت هيبتها والتقدير من شعبها، بل قايضت العصا بالجزرة لمزيد من المكاسب. إن عقلية البازار و «المكاسر» التي تتقنها إيران تبدو واضحة في التعاطي الإيراني مع الملف النووي.
تحولت إيران منذ الصيف الماضي الى مركز العالم عبر مواقف وتصريحات نارية متشددة حول سياسة المواجهة والتحدي عبر الملف النووي. حول «الهلال الشيعي» الذي تحدث عنه الملك عبدالله الثاني ملك الأردن قبل اكثر من عام؟ ثم زادت الأمور تعقيداً تصريحات الرئيس المصري حسني مبارك مطلع هذا الشهر عن التشكيك بولاء الشيعة العرب لدولهم وولائهم لإيران، مما أحدث زوبعة وعاصفة كبيرة اضطرته للتوضيح لأكثر من مرة. وآخر توضيحاته هو أن ما كان يقصده «كان الولاء الديني وليس السياسي لإيران». وطبعاً تبقى الأصابع والدور الإيراني الأبرز هو في الشأن العراقي الدامي.(34/95)
إن السيناريوهات التي تم وضعها عبر التسريبات والتصريحات سواء في «النيويوركر» عن ضرب 400 هدف داخل إيران، وصولاً الى استخدام قنابل نووية تكتيكية بتدمير التحصينات في مفاعل ناتانز بقنابل «بي61-11»، ورد إيراني انتقامي يستهدف القواعد العسكرية والمنشآت الحيوية الأميركية والخليجية والعراقية يهدد بتحويل المنطقة بأسرها الى منطقة يستخدم بها ليس السلاح التقليدي ولكن حتى النووي، وباشعاعات نووية تدمر البشر والحجر والثروات المائية، وحتى مياه الخليج الذي نعيش جميعاً في المنطقة من تحليته للبقاء والحياة، مما يعني أن سيناريو يوم القيامة هذا يهدد المنطقة بأسرها ولأجيال مقبلة.
القلق الخليجي لدى الدول والشعوب العربية في الطرف العربي من الخليج الملتهب هو قلق حقيقي ومبرر، يتمثل بحال من الوجوم وعدم الثقة وتراجع في التعاملات في أسواق الأسهم وانخفاضات هي الأكثر منذ أشهر، ولا تنفع المطالب الإيرانية بتوقيع اتفاقات أمنية والدخول في ترتيبات مشتركة في طمأنة الشعوب القلقة، بل تنظر الى تلك المطالب على أنها ساذجة ومرفوضة، لأنها تقوم على مفهومين ومبدأين خاطئين: الأول، هو عدم وجود ثقة، وهي المكون الاساسي لأي اتفاق واتحاد مشترك، والثقة معدومة بسبب الإرث التاريخي الإيراني الذي سعى للهيمنة والسيطرة منذ أيام الشاه ودوره كشرطي الخليج، واستمرار النظام الثوري الإسلامي بالتهديد بتصدير الثورة والشغب في مواسم الحج، والاعتداء على ناقلات النفط الكويتية والسعودية، وطبعاً المحك الحقيقي للعلاقة الخليجية - الإيرانية، هو الموقف غير المبرر لثلاثة عقود، وهو رفض إيران التفاوض حول الجزر الإماراتية المحتلة، أو الذهاب لمحكمة العدل الدولية لحل الخلاف المزمن ليس مع الإمارات فحسب، ولكن حتى تبني الثقة المفقودة مع دول مجلس التعاون الخليجي أيضاً.(34/96)
والمفهوم الثاني الذي يعيق أي ترتيبات أمنية مشتركة بين الدول العربية في الخليج وإيران، هو أن الشراكة التي تسعى إليها إيران إنما هي شراكة غير ندية وغير متكافئة، بل هي شراكة مبنية على قوة طاغية لطرف هو إيران على حساب طرف أضعف بكثير هو دول مجلس التعاون الصغيرة الضعيفة، بسبب الإمكانات والحجم والديموغرافية والامتداد والإرث التاريخي والخلافات العميقة منذ حتى قبل حكم الشاه.
فالبيئة الخليجية غير مهيأة في الوقت الراهن لتلك الترتيبات الحالمة، والقلق الخليجي المبرر يكمن في نيات إيران وسعيها نحو الهيمنة كأقوى دولة اقليمية في المنطقة. وأدبيات العلاقات الدولية تخبرنا بأن الدولة الكبرى في أي اقيلم تسعى على الدوام للهيمنة والسيطرة، وإيران لا تشذ عن تلك القاعدة.
عندما ننتقد كمثقفين خليجيين المساعي الإيرانية للهيمنة والبرنامج النووي الإيراني، فإن ذلك ليس تكراراً وصدى للمواقف الأميركية بقدر الخوف والقلق المحق الذي نستشعره كوننا نعيش في اقليم مضطرب، تزيده المواقف والتصريحات والتسريبات المخيفة احتقاناً وسخونة. فعلى الاخوة العرب في بقية الأقاليم أن يتفهموا الشعور بالقلق الحقيقي الذي يعترينا، خصوصاً أن مفاعل بوشهر المطل على الخليج العربي لا يبعد عن عواصم دول مجلس التعاون المطلة على الخليج أكثر من 150 كلم، مما يجعل تلك العواصم العربية أقرب الى خطر التسرب النووي من العاصمة طهران، وأي خلل تقني في المفاعل الإيراني مثلما حدث في تشرنوبيل قبل عشرين عاماً حيث لا يزال حتى اليوم يولد أطفال مشوهون بسبب الاشعاعات أو بسبب زلزال مدمر سيحول المنطقة بأسرها الى الدمار. كل هذا لا يطمئن شعوب وأنظمة المنطقة على رغم التطمينات الإيرانية المكررة بأن القدرات الإيرانية هي للمسلمين، وعن الاستعداد لتوقيع اتفاقات أمنية لا تسمن ولا تغني من جوع.(34/97)
تنزلق المنطقة أكثر وأكثر باتجاه التصعيد وعدم الاستقرار. إيران دولة مهمة وأساسية في المنطقة، ولكن تصرفاتها ومواقف قادتها وتحديها للاصطفاف الدولي بقيادة واشنطن يضعها مع المنطقة على صفيح ساخن.
هناك ثلاثة خيارات تتفاعل وتتداخل في ما بينها، لا يزال الجميع يتحدث عن الخيار الديبلوماسي مع ابقاء كل الخيارات على الطاولة بما فيها الخيار العسكري. وهناك سيناريوهات تعدها واشنطن لما يعرف بـ «What if diplomacy fails» ماذا لو فشلت الديبلوماسية؟ تسعى أميركا وبشكل مغاير لحرب العراق الى انشاء تحالف دولي قوي يضم الدول الرئيسية في أوروبا وتحضر عبر تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي يجب أن يصدر نهاية الشهر الجاري لتشكيل جبهة غربية متراصة ضد إيران. ويجب أن نذكر أن من يقود التفاوض مع إيران كان الترويكا الأوروبية، بريطانيا وفرنسا والمانيا، وهذه الدول مع واشنطن وروسيا والصين انتقدت التخصيب الإيراني ووصفته بسلوك الطريق الخطأ. وستكون تلك الدول النواة لتشكيل جبهة صلبة ضد إيران تدفع باتجاه فرض عقوبات من تجميد ودائع وفرض قيود على الديبلوماسية وصولاً الى اصدار قرار من مجلس الأمن بناءً على الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة والذي يسمح باستخدام كل الوسائل المتاحة، بما فيها تشريع استخدام القوة.(34/98)
هذا يعني أن الدول الرئيسية في النظام العالمي تقف جميعها ضد إيران وبدعم، وحتى، تحريض من إسرائيل. إسرائيل وإيران العدوان اللدودان اللذان يكرهان بعضهما بعضاً لم يجدا حرجاً وبراغماتية واضحة تقدم المصالح على المبادئ، وعندما وجدا مصلحتهما في التعاون لم يمانعا في عقد صفقة سرية بمباركة أميركا ودعمها للحصول على أسلحة أميركية من إسرائيل فيما عرف بـ «إيران كونتراغيت» ابان الحرب العراقية - الإيرانية، فهل ستكرر ذلك حول الملف النووي؟ وضد من سيستخدم ذلك السلاح إذا قضت البراغماتية ثانية عدم استخدامه ضد إسرائيل؟ وصلنا جميعاً الى مفترق الطرق. المطلوب موقف عربي - خليجي موحد، لرفع رؤوسنا المدفونة في الرمل حيث بقي الموقف العربي منقسماً والبعض يتعاطف مع إيران نكاية بأميركا ومع حق إيران في امتلاك سلاح نووي لتعادل إسرائيل. اذكّر هؤلاء بأن السلاح النووي الإيراني لن يكون موجهاً ضد إسرائيل بقدر ما سيكون ورقة قوة هي الأقوى في جولات التفاوض والورقة الأهم للهيمنة والفخر واشباع العقدة الفوقية الفارسية بوجه الضعف والتشرذم والتشتت العربي المؤلم، الذي قد يستفيق يوماً على إيران نووية، فيبدأ سباق تسلح نووي متأخر لأغراض سلمية أيضاً للتوازن والمفاخرة أيضاً.
دول مجلس التعاون الخليجي في القمة التشاورية في السادس من ايار (مايو) المقبل مطالبة بصوغ موقف واضح بعيداً عن الميوعة والعموميات، وأن تسمي الأمور بأسمائها وتتطرق لمخاطر البرنامج النووي الإيراني، وللجلوس مع إيران ومناقشة كل النقاط العالقة ومصادر القلق والتوتر ومناقشتها بروح أخوية ليطمئن كل طرف الطرف الآخر.(34/99)
وأما إذا افلتت الأمور من عقالها بعد الانتخابات الأميركية نهاية العام الجاري، فعلينا جميعاً في دول مجلس التعاون الخليجي أن يكون موقفنا حيادياً وننأى بأنفسنا عن أن نكون طرفاً في صراع الفيلة، وأن نعبر عن ذلك بوضوح لأميركا وإيران معاً، وأن لا تكون دولنا قواعد لانطلاق الحرب على إيران أو أهدافاً للرد والانتقام الإيراني. لا شك أنها سيناريوهات مقلقة للغاية، وعلى الجميع العمل على عدم حدوثها وعلى رأسهم واشنطن وطهران.
استاذ العلوم السياسية - جامعة الكويت.
العرب والمشروع النووي الإيراني
ياسر الزعاترة - السبيل 18/4/2006 باختصار .
من المؤكد أن أحداً في المحيط العربي أو الإقليمي لا يبدو مقتنعاً بحكاية الاستخدام السلمي للطاقة النووية التي يتحدث عنها المسؤولون الإيرانيون؛ أحياناً بصيغة الفتاوى، وأخرى بصيغة التطمينات السياسية، والسبب بسيط بالطبع، خلاصته أن إيران ليست فقيرة في مجال الطاقة حتى تذهب بجهودها وأموالها نحو مصدر ذي كلفة عالية وليس مجدياً من الناحية الاقتصادية.
في المقابل يبدو الخطاب الرسمي العربي حائراً في سياق تحديد موقف من البرنامج النووي الإيراني، ليس فقط لعجزه عن تبني موقف جماعي من أي من القضايا السياسية المطروحة على أجندة المنطقة، بل أيضا لحرجه من استهداف ذلك البرنامج سياسيا في ظل الترسانة النووية الإسرائيلية التي يقول ظاهر الموقف أنها المحرك الأساسي لإنشائه، وبالطبع في ظل تحقيق نوع من التوازن العسكري في المنطقة.(34/100)
لكن الموقف يزداد تعقيدا عندما يتذكر المحيط العربي أن أهداف البرنامج الإيراني تتعدى مواجهة القوة الإسرائيلية نحو توسيع إطار القوة على نحو يجعل من إيران لاعباً إقليميا كبيراً إن لم يكن الأكبر في المنطقة، وهي التي تتناقض مع الوضع العربي، ليس فقط على مسمى الخليج بين فارسي وعربي، بل أيضاً على ملفات داخلية شائكة تتعلق بأقليات شيعية في الخليج ترى طهران أنها مهمشة ومهضومة الحقوق.
في ضوء ذلك تختلف المقاربات العربية حول أفضل السبل في التعامل مع الملف النووي الإيراني، وبالضرورة حول الموقف الأمريكي منه، وبالطبع بين من يؤيد التوجه الأمريكي، أكان ظاهراً أم باطنا، وبين من يميل إلى الاكتفاء بالسكوت والمراقبة، وبين من يرى حق الإيرانيين في تطوير برنامجهم الذي يشكل خطرا على الدولة العبرية وليس على المحيط العربي. وفي العموم فقد وقف الوضع العربي الرسمي عند حدود موقف لا يتعداه يقول بضرورة جعل «منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل»؟
كل ذلك بدا واضحا في القمة الخليجية الأخيرة التي لم تخرج بموقف مناهض للبرنامج النووي الإيراني، واكتفت بالحديث عن المشكلة البيئية التي يطرحها على دول الخليج. ولكن هل ثمة خطورة تذكر بالنسبة لذلك البرنامج على العرب والخليجيين على وجه التحديد؟
ليس ثمة إجابة واضحة ومحسومة على هذا السؤال، لاسيما وهي إجابة تعتمد على الموقف الأساسي من تصاعد القوة الإيرانية في المنطقة، وهي قوة تخيف الخليجيين، وبخاصة الدول التي تشعر بثقل الملف الشيعي الداخلي، كما هو حال البحرين والسعودية والكويت، فضلا عن الإمارات التي لها مشكلتها الحدودية مع إيران.
في أي حال، فإن الموقف مما يجري سيعتمد بالنسبة للجميع على مصير المطاردة الأمريكية الإيرانية بخصوص البرنامج النووي، وهي مطاردة تجري لحساب الأجندة الصهيونية التي حكمت واشنطن على نحو سافر خلال عهد جورج بوش الابن.(34/101)
ربما بدا الوضع العربي مطمئنا إلى أن نتائج المطاردة الأمريكية ستفضي إلى شطب البرنامج النووي الإيراني ولو بالقوة العسكرية، ما يعني أن الموقف العربي لن يكون ذا قيمة في النزاع، والنتيجة هي انتفاء الحاجة إلى تبني موقف عدائي منه ما دام الموقف الأمريكي والدولي على هذه الحال.
والواقع أن هذه الرؤية لها سند كبير من المنطق والحنكة السياسية حتى لو مال التقدير الأصلي إلى القول بخطورة امتلاك إيران للسلاح النووي.
ولكن ماذا لو نجا الإيرانيون بسلاحهم النووي؟
من الواضح أن احتمالاً كهذا لا يبدو كبيرا وإن بقي واردا، وإذا وقع فله حيثياته المختلفة، ذلك أن مسار التراجع الإيراني في اللحظة الأخيرة سيبقى قائما ولا تنفيه التصريحات المتشددة. ما يعزز هذا التقدير هو الدهاء الإيراني التقليدي، وقدرة القيادة على «تجرع السم» في اللحظة المناسبة، إضافة أن الداخل الإيراني ليس منسجماً في تقديره لوسائل التعاطي مع الضغط الدولي.
في حال انتهت المعركة الإقليمية الكبيرة إلى بقاء السلاح النووي في يد إيران، فسيعني ذلك أن فوضى امتلاك هذا النوع من السلاح ستعم المنطقة، ما سيفقده أهميته مع الوقت، لاسيما في ضوء قدرة الدول العربية، لاسيما الخليجية على شرائه، أكان من روسيا مباشرة أم عن طريق الباكستانيين الذين يدركون أن للسعودية دينا عندهم وهي التي دعمت برنامجهم النووي منذ بدايته.
عمر أكثر الأسماء المطلوبة للقتل في العراق!!
مفكرة الإسلام - 19/4/2006
ارتفع عدد العراقيين السنة الذين قتلوا على أيدي المليشيات الشيعية ممن يحملون اسم عمر إلى 122 شخصًا بعد مقتل طالب في كلية الصيدلة اسمه 'عمر عبد العزيز' على أيدي مليشيات شيعية بعد اختطافه من أمام باب كلية الصيدلة والواقعة في حي اليرموك حيث وجد قتيلاً بعد تعذيبه في إحدى مكبات النفايات.(34/102)
ونقل مراسلنا في بغداد عن الطبيب عبد الصمد حميد من دائرة الطب العدلي في بغداد قوله: إن عدد السنة الذين قتلوا منذ أحداث سامراء وحتى الأسبوع الماضي ممن يحملون اسم عمر بلغ حتى الأسبوع الماضي 122 شخصًا.
وأضاف أن ما نشره الإعلام الغربي قبل أيام من أن أربعة عشر شخصًا أسماؤهم عمر قتلوا هو كلام صحيح، لكن الذي لا يعرفه الناس أن الأربعة عشر هؤلاء هم وجبة واحدة فقط تم قتلهم في وقت واحد!!
هذا وتمكن مراسل مفكرة الإسلام في العاصمة بغداد من الحصول على الشهداء السنة الذين قتلوا خلال شهر آذار فقط من هذا العام وفي بغداد لوحدها وممن يحملون اسم عمر،وهم كل من: ( أوردت المفكرة أسمائهم رحمهم الله ، الراصد ) .
هذا وقد ذكر المصدر لمراسلنا أن الأسماء أعلاه قتلت بعضها بصورة جماعية والبعض الآخر بصورة انفرادية وذلك بعد اختطافهم من مدارسهم أو كلياتهم أو أماكن عملهم والتلذذ بتعذيبهم قبل قتلهم ورميهم في مناطق تجميع النفايات أو الساحات العامة أو حتى في الشوارع.
وفي سؤال للمتخصص الأردني في الشئون الشيعية الأستاذ أسامة شحادة عن حقيقة مواقف الشيعة الصفويين الحاقدة على عمر بن الخطاب قال: إن ما يشهده العراق هذه الأيام من موجة قتل بشعة طالت المئات ليس على الهوية فقط بل على الاسم 'عمر' لا يمكن للمتابع إدراك حقيقة هذا الجريمة النتنة ولا توقيتها بمعزل عن الفكر والعقيدة الشيعية المحركة لمثل هذه المجموعات الشيعية المتطرفة والوحشية، وذلك أن الفكر الشيعي يحتفل في تاريخ 9 ربيع الأول 'بعيد بابا شجاع' وهو أبو لؤلؤة المجوسي قاتل الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، وهو الشهر الذي تجري فيه حاليًا عمليات القتل الجماعية والوحشية لمن يحملون اسم 'عمر' .(34/103)
فقد روى العالم الشيعي نعمة الله الجزائري في كتابه 'الأنوار النعمانية ' 1/108-111 عن ثواب يوم مقتل عمر بن الخطاب فقال: عن حذيفة قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع ولديه الحسن والحسين [عليهم السلام] يأكلون والرسول صلى الله عليه وآله وسلم يبتسم في وجوههما ويقول: هنيئًا لكما بركة هذا اليوم وسعادته فإنه اليوم الذي يقبض الله فيه عدوه وعدو جدكما ويستجيب دعاء أمكما، كلا فإنه اليوم الذي يفقد فرعون أهل بيتي وهامانهم وظالمهم وغاصب حقهم، كلا فإنه اليوم الذي يفرح الله فيه قلبكما وقلب أمكما.
وقد ذكر الأستاذ فهمي هويدي في كتابه 'إيران من الداخل' ص 313: في شهر يونيو 1985 تلقى أحد رجال الإمام ـ يعنى الخميني ـ مكالمة هاتفية بعد منتصف الليل من مجهول رفض أن يذكر اسمه ولكنه اكتفى بإبلاغه الرسالة التالية: لقد نجحنا في عقد مجلس 'لعن عمر' في مكان ما قرب طهران وفرغنا منه قبل لحظات وسوف ننتظر اليوم الذي يعود فيه احتفالنا 'بقتل عمر' .
وللشيعة أدعية مشهورة تحتوي تكفير ولعن ابن الخطاب كدعاء صنمي قريش الذي وقع عليه الخميني ودعاء زيارة عاشوراء والجامعة.
وفوق هذا أنشأ الشيعة موقعًا على الإنترنت خاصًا بتكفير وسب ولعن عمر بن الخطاب، أما 'بابا شجاع' فقد صنعوا له مقامًا في إيران، يزورونه ويحتفلون به كل عام !!
وقد ألف الشيخ محمد مال الله ـ رحمه الله - كتابًا في الموضوع اسمه 'يوم الغفران احتفال الرافضة بمقتل عمر بن الخطاب'.
وهذا الخبر وغيره كثير أبلغ رد على دعاة التقريب وأنصاره من سذج أهل السنة الذين يظنون أن هذه الطائفية هي ميراث تاريخي قد اندثر ولم يعد له وجود إلا في بطون بعض الكتب الصفراء، ثم هو رسالة إلى علماء السنة في جميع أنحاء المعمورة بخطورة السكوت على تلك الجرائم والمذابح لأهل السنة في العراق.
لمن أراد التوسع http://www.fnoor.com/books/book29.htm .
أسرار مهمة عن تفجير المقامات في سامراء(34/104)
الوطن العربي ـ العدد 1515ـ 17/3/2006
أكدت مصادر إيرانية معارضة أنها تمتلك معلومات وأدلة هامة حول عملية تفجير مرقدي الإمامين علي الهادي والحسن العسكري في مدينة سامراء في 22 فبراير "شباط" الماضي.
وأفادت هذه المصادر أن العملاء الذين نفذوا هذه الجريمة المشينة كانوا قد أجروا عملية استطلاع للمرقدين قبل فترة وجيزة من التنفيذ اعتمادا على أجهزة الاستخبارات الإيرانية القوية وحصلوا على المعلومات المطلوبة للتفخيخ وكمية المواد التفجيرية المطلوبة القادرة على إحداث الدمار نظراً لمقاومة المواد التي استخدمت في بناء القبة والمئذنتين.
وأوضحت المعلومات أن هذه الإمكانية بالحصول على المعلومات عن المبنى تتوافر بشكل خاص لدى قسم في قوات القدس الإيرانية الذي يتواجد وينشط بشكل مباشر في المدن والعتبات المقدسة منذ عامين تحت غطاء ترميم وصيانة الأماكن المقدسة باسم "لجنة الكوثر لإعادة إعمار العتبات العراقية وإسنادها" وبقيادة عميد الحرس "حاج منصور حقيقت بور" وبهذه الطريقة توافرت جميع المعلومات الضرورية للمجرمين. ويشار إلى أن مؤسسة الكوثر تم إنشاؤها غداة سقوط الحكومة العراقية السابقة كمؤسسة غير حكومية (NGO) من قبل قوات القدس لتشكل غطاء لنشاطاتها في العراق.(34/105)
وقد وفر عملاء قوات القدس أفضل غطاء ومناخ لنشاطاتهم الاستخباراتية والإرهابية في العراق وذلك تحت غطاء (حملة إعمار وترميم الأماكن الدينية ونقل الزوار) ونظرا لأهمية دور هذه المؤسسة في العراق بالنسبة لإيران فقد عين قاسم سليماني قائد قوات القدس العميد حقيقت بور القيادي في الحرس لرئاسة هذه المؤسسة حيث كان منصور حقيقت بور يعمل قائدا لفريق إرهابي تابع لقوات القدس قوامه 5000 عنصر ينشط في تركيا وكانت جميع النشاطات الإرهابية لقوات القدس في تركيا تدار تحت إمرته منذ العام 1993 وحتى العام 2001. وظل على ارتباط وصلة مباشرة مع قائد قوات القدس قاسم سليماني ينفذ جميع مهامه تحت إشراف الأخير.
وبينت المعلومات أن عناصر قوات القدس زاروا مرقدي الإمامين علي الهادي والحسن العسكري أكثر من مرة خلال العام 2005 بذريعة تنفيذ مشاريع إنشائية ويتوافر لديهم استطلاع كامل عن هذه الأهداف ويدعي النظام أن تنفيذ هذه المشاريع يشمل بناء الساحة، وسحب المياه السطحية من أطراف المرقدين وترميم كل من دار الضيافة ودار الشفاء وطلاء القبة والمئذنتين ومشروع تطوير السرداب وبناء ضريح له وتحديث رخام أرضية المرقدين.
الجوانب الخفية لزيارة مقتدى الصدر(لإيران)
كريم ارغنده بور
مختارات إيرانية العدد 68 ـ مارس 2006
نقلا عن الشرق الإيرانية 1/2/2006(34/106)
حظيت الزيارة الأخيرة التي قام به الزعيم الشيعي الشاب مقتدى الصدر إلى إيران باهتمام إيراني متباين، ففي حين أبدت الصحف المحسوبة على التيار الإصلاحي اهتماما ملحوظا بالزيارة، فضلت وسائل الإعلام التابعة لتيار اليمين ونواب المجلس، الصمت حيال هذه الزيارة، ويرى المراقبون للشأن العراقي في مقتدى الصدر شابا راديكاليا يمثل أحد أكبر التحديات التي يواجهها المحتلون للعراق. ومع الأخذ في الاعتبار قاعدته العريضة في منطقة النجف، وكذلك العقبات القائمة أمام استقرار النظام وتأسيس حكومة وطنية في العراق، فإن أي نوع من الدعم لمقتدى الصدر يمثل في الواقع نوعا من التأييد للراديكالية التي ستؤدي إلى نتائج ستؤثر على مستقبل العراق.
المنتقدون لدعم مقتدى الصدر يشيرون إلى أزمة الملف النووي الإيراني من طرف خفي. ومن ناحية أخرى، يرون أن هذا الدعم إذا كان يعني الابتعاد عن الجماعات التي يرون أن الأغلبية الحالية في البرلمان العراقي والحكومة العراقية القادمة مثل حزب الدعوة والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية وجماعات الأكراد، فإن هذا التوجه يُعد إجراءً غير مبرر.(34/107)
ومن ناحية أخرى، فإن مقتدى الصدر الذي كانت مواقفه في السنوات التالية لاحتلال العراق يعتريها الكثير من التباين بين التشدد والتهاون، ومعظم مواقفه لم تكن نابعة من عقيدة راسخة، وخاصة فيما يتعلق بموقفه من المرجعية ومن بقية الجماعات الأخرى وعلى رأسها الطوائف الشيعية، وموقفه من النزاعات الإقليمية، وطريقة الخروج منها، وصولاً إلى موقفه من إيران، لم يكن لديه موقف ثابت من شيء سوى مناهضة الاحتلال. لقد كان يتصور في البداية أن وجوده كقوة مسلحة يمكن أن يكون ذا أثر على ميادين القتال في العراق، لكنه أدرك فيما بعد أنه سيقاتل بمفرده، وأنه لن يحصل على أي مساعدة من بقية الجماعات، بل إن تعداد معارضيه صار في تزايد مستمر، فأعلن أن رأي المرجعية أعلى من القانون والاتفاقات السياسية، ولكنه وقبل غيره فعل أشياء تخالف أوامر المرجعية.
إن الأوضاع في العراق تؤكد صحة المقولة القائلة بأن "الوجود في بيئة سياسية مغلقة تحكمها قواعد صارمة يجعل القوى الأحادية التي لا تحظى بقدر كبير من التحالفات مع غيرها من القوى الأخرى، أكثر عزلة وغير قادرة على لعب الدور المناسب في هذه الساحة".
في الوقت نفسه، يجب القول بأن مجريات الأمور في السنة الأخيرة في العراق تشير إلى أن مواقف مقتدى الصدر صارت أكثر مرونة مما كانت عليه في الماضي، وصار هو نفسه أكثر توافقاً مع الواقع في العراق. لقد انتهج مقتدى الصدر في الانتخابات العراقية الأخيرة نهجا أكثر اعتدالاً مما كان في السابق، وهو يسعى حاليا إلى أن يحصل على نصيبه في توازنات الحكومة القادمة.(34/108)
ثمة دلائل عدة تشير إلى أن مقتدى الصدر قد أدرك أن دوره المؤثر في مستقبل العراق يجب أن يكون من خلال الطرق السياسية وليس من خلال المعارك المسلحة، وهو الأمر الذي يجب أن ترحب به إيران. وكاتب هذه السطور لا يسعى إلى نفي مخاوف المنتقدين لزيارة مقتدى الصدر إلى إيران وإنما يطرح بعض النقاط التي تم إغفالها تحت وطأة النقد الذي أُعتيد توجيهه لموقف الحكومة الإيرانية الحالية، ولعل تلك النقاط تساعد على تحليل أكثر عمقاً للتطورات الجارية:
1ـ إن زيارة مقتدى الصدر لم تكن للجمهورية الإسلامية الإيرانية وحدها، فهو قبل مقدمه إلى إيران شارك في مراسم تأبين أمير الكويت، وأجرى مباحثات مع كبار المسئولين الكويتيين على هامش زيارته. والتصريح الذي أدلى به مقتدى الصدر في طهران بأنه في حالة الهجوم الأجنبي على إيران فسوف يدافع عنها، هو التصريح نفسه الذي أدلى به في الكويت، حيث ذكر أنه سيدافع عن أي جار له في حالة تعرضه لهجوم.
وبعد زيارته لإيران التقى بكبار المسئولين السعوديين، كما وردت أخبار أن لديه برامج أخرى لزيارة عدد من الدول الإسلامية بالمنطقة. ولو أن زيارة مقتدى الصدر وجولاته كانت لإيران فقط في هذه المرحلة لكانت المخاوف المطروحة حالياً على قدر كبير من الصحة، ولكن طالما أن هذه الزيارات قد امتدت إلى عدد آخر من الدول، ومن بينها دول حليفة للولايات المتحدة وغير شيعية، فإن الأمر يجب أن يفسر على نحو آخر، حيث يُعبر عن قرار مُتخذ على نطاق أوسع من حدود الدولة الواحدة.
2ـ على عكس الادعاءات التي راجت في الفترة الأخيرة والقائلة بأن زيارة مقتدى الصدر لإيران قد أحدثت ردود فعل دولية متشددة ضد إيران، يجب القول إن الواقع لا يؤيد مثل هذه الادعاءات. وما من شك في أن أخبار هذه الزيارة قد تم تتبعها على نحو موسع بسبب الحساسية العالمية تجاه قضية العراق، ولكن الأمر يختلف عن معنى رد الفعل السلبي الدولي.(34/109)
ولعل هذه النقطة يمكن أن تشير إلى تساؤلات أكثر قيمة، وهي هل كانت زيارة مقتدى الصدر والمباحثات التي عقدها مع كبار مسئولي الجمهورية الإسلامية في إيران محاولة لتهدئة الأوضاع المتوترة في العراق وكبح جماح النزاع فيه، وخطوة نحو خلق الاستقرار وتمكين حكومة عراقية قوية في المستقبل، ما من شك في أنه إذا حدث اتفاق حول هذه الأمور فسوف يكون في صالح الجميع.
3ـ إن المصالح القومية مبدأ أساسي في وضع السياسات الخارجية لجميع الدول، ولا توجد أساليب محددة للحفاظ على هذه المصالح، خاصة في العصر الحالي، حيث تستباح جميع الأساليب والوسائل التي كانت غير معروفة في الماضي شريطة الحفاظ على المصالح القومية.
وإذا كان التباحث مع الأعداء من أجل الوصول إلى حل لإنهاء النزاع أمر مقبول في السياسات الدولية فإن التباحث مع أي فرد أو جماعة تستطيع خلق ثبات في مستقبل العراق لا يُعد أمراً غير منطقي فحسب، وإنما يصب كذلك في صلب المصالح القومية لجميع جيران العراق، وإذا كانت زيارة مقتدى الصدر تمثل خطوة في هذا الإطار فإنها تستحق الدفاع عنها وليس معارضتها.
مقتدى الصدر: لم أعد أفهم الشيعة!
د. هاشم حسن باختصار: الوطن العربي ـ 14/4/2006
مع تصاعد الصراعات السياسية بين الأطراف العراقية الإسلامية والعلمانية، ترددت بعض الاتهامات عن تصرفات جيش المهدي الذي يشرف عليه الزعيم الشيعي الشاب مقتدى الصدر، لاسيما أن أغلب عناصره من الطبقات المسحوقة في المجتمع العراقي وتتخوف العديد من الطبقات الاجتماعية والسياسية من صعودها.
وقد وصلت للصدر ملاحظات كثيرة عن سلوك المحسوبين على مكاتبه وجيشه فاستغل أحد اللقاءات الخاصة في بيته بمدينة النجف الأشرف ليعبر صراحة عن هواجسه وانطباعاته وامتعاضه بشأن ما يجري في الساحة العراقية.(34/110)
ولأهمية هذا الحديث الذي يسلط الضوء على تصرفات المحسوبين على رجال الدين تنشر "الوطن العربي" النص الحرفي لهذا الحديث المهم الذي يطوي بين سطوره إشارات بليغة عن الوضع في العراق.
بداية قال السيد مقتدى الصدر: إن الدور الأساسي للعلماء الناطقين في الحوزة العلمية هو رضا الله سبحانه وتعالى أولا ورسوله وآل بيته ـ رضي الله عنهم أجمعين ـ فإذا كنا سائرين على خطهم ونهجهم يجب أن يكون طريقنا نفس طريقهم وألا نتعدى حدود الله لا من قريب ولا من بعيد وأن تكون نية أعمالنا لله خالصة لا للدنيا ولا لزخرفها وشركها وحبالها، فلعلك تعمل في مكان صالح ونيتك غير صالحة فبئس العمل ولا ثواب عليه، ولعلك تعمل في مكان طالح ونيتك صافية كعلي بن يقطين (ابن يقطين كان وزيرا في بلاط الخليفة العباسي هارون الرشيد لكنه كان في السر يتعاطف مع ذرية الإمام علي بن أبي طالب خاصة موسى بن جعفر الذي تعرض لاضطهاد الرشيد).
علي بن يقطين ( علي هذا وزير شيعي خائن للخليفة السني ، انظر بحث ولاء الشيعة لمن . الراصد )
وأضاف: قد تحصل بعض الثوابات إن صح التعبير وتحتمل فيها أشياء سلبية وإيجابية ولكن هذا ليس معناه أن تكون كعلي بن يقطين وهذا استدراك فليس من المعقول أن يكون كل جيش المهدي شرطة أو جيشا... لا.. هذا ليس شرطا لأن ابن يقطين كان واحدا من بين آلاف الشيعة وهذا لا يعني أن يتحول الآلاف من الشيعة إلى علي بن يقطين.
فالصحيح أن الذي كان فيها يصبح علي بن يقطين ونرجو ألا يفسر الكلام بتفسير غيره، وللأسف هنالك قيادات كبيرة لها حجمها تصغر من نفسها، المهم أن تكون نية العمل في مسيرتنا خالصة لله تعالى، فإذا كانت هكذا فبإمكانك أن تقدم شيئا معينا ذا فائدة للأمة...(34/111)
هناك الكثير من الحوادث تحدث للأسف ويشيب لها شعر الرأس.. فالحوزة عندما لا يكون لديها مال ولا تستطيع أن تسدد لك راتبا فهل تقف معها أو ضدها أو تتعطل عن العمل؟! فبعضهم إذا لم تضعه مديرا لمكتب الشهيد الصدر فإنه يقرر عدم دخول المكتب، وآخر إذا لم تنسبه إماما للجمعة فلن يحضر صلاة الجمعة.. وإذا لم تعطه راتبا فلن يتواصل معك، وكأن عمل الحوزة وظيفة حكومية.
هذا الكلام أقصد به الجميع رغم وجود عمل صالح وجاد... وبينهم من هو محسوب على مكتبي فهنالك بعض عناصر الحماية تأخر صرف رواتبهم، ولكننا للأسف ضبطنا بحوزتهم مجموعة من الأدوية أخذوها من مذاخر جيش المهدي بدون علمنا، وحين واجهناهم بالأمر قالوا إن ذلك بدلا من مرتباتنا التي لم تصرف، إن هذا تصرف خاطئ، فنحن لا نريد أن نشيع أساليب الحواسم! التي جرت بتبرير مجهول المالك (الصدر يشير بذلك إلى عمليات السلب التي أعقبت الحرب الأخيرة على العراق والتي أطلق عليها صدام حسين معركة الحواسم)..
ولعله من الغريب أن تكون مخلصا وتدافع بدمك وأنت لا تلتزم بدينك، عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم منه الله.. لقد جاهدت بالأصغر وعليك أن تجاهد الجهاد الأكبر كلنا ابتدأنا على هذا المنهج، اسع للجهاد الأكبر دون تطرف أو دعوات غير معقولة أو مقبولة تحت تسميات التكاليف وغيرها، وعلينا أن نقتدي برسولنا وآل بيته، ولي بعد ولي، وصالح بعد آخر، ومرجع بعد مرجع، هم رسموا لنا طريقا واضحا، فهل نضرب بكل هؤلاء عرض الحائط ونتأسى بالدنيويين؟!(34/112)
واعلموا أن التيار العلماني قوي جداً وبإمكانه أن يجرفكم دون علمكم فتصبحون علمانيين وأنتم غافلون.. والبعض يدعي أن الظروف المعاشية تحسنت بعد سقوط الهدام (صدام) ويفترض أن تتحسن ظروفنا نحن أيضا، فيطالب بأن يستبدل سيارته القديمة بأخرى حديثة... ـ أنا لا أعرف الماركات الجديدة المستوردة ـ بدعوى التلاؤم مع المجتمع ولكن إذا كنت تتلاءم مع حالة المجتمع في الصعود.. فلماذا لم تتلاءم معه في مرحلة التسافل المادي؟ فالعدالة أن تتكامل مع المجتمع في الحالتين التسافل والتكامل المادي.
وداعاً للزهد
وأضاف: لقد أصبح من العجيب أن ترى أصحاب العمائم يأكلون الخبز اليابس والماء الحار كما كانوا سابقاً زاهدين، هذه الظواهر انعدمت، وأصبحت الحوزة العلمية في النجف الأشرف للأسف خاوية، وأصبح حرم أمير المؤمنين على بن أبي طالب فارغا ومهجورا، وهذا حرام ولا يجوز أن نترك الحوزة ونسعى لأمور دنيوية بتبرير تكاثر الأعداء.. وهذا ليس عذرا لأننا بالإمكان أن نكون أكثر تأثيرا.. ولا نتأخر عن أداء واجب مقدس مثل أعمال الحوزة.
وسأل أحدهم السيد مقتدى.. وماذا نفعل؟.. وأجاب: مرة أخرى نؤكد على مسألة التعمق بالعلوم.. فلا يمكن أن نطالب بالوصول لعضوية مكتب الشهيد الصدر ونحن مازلنا في مراحل الدراسة الأولية لم ننه دروس السطوح، فهذا أمر صعب وغير جائز.. لأن هذه المكانة تجعلك وجها لوجه أمام الجمهور وعليك أن ترد على أسئلتهم في الدين والسياسة والاقتصاد والشؤون الأخرى.. وإذا كنت لا تعلم فهذا إحراج لك وإساءة لسمعة مكاتبنا..
الدخول إلى الحوزة أو المكاتب يتم بالتكامل العلمي، فهذا ضروري، والعلم والتعلم والزهد واجب وفرض، فدينك يقول لك تعمق في الدرس ولا تذهب لتجلس على كرسي دوار في مكتب الشهيد الصدر وتضيع وقتك في مكالمات بموبايل حديث على مدى 24 ساعة.. إنما الواجب أن تهدي مجتمعك وتبدأ بهداية نفسك وتثقيفها.(34/113)
وللأسف انعدمت الثقة بين أفراد المجتمع فلا أحد يثق بالآخر، وليس هنالك من يسمع كلام الآخر فمهما أمرته بالمعروف، فلن يسمعك في هذا الظرف أحد، والسبب لأنك لم تقوم نفسك ويعرف المجتمع هذه الحقيقة.. فصلاح المجتمع يبدأ بصلاح أنفسنا.. نحن بحاجة لنواة صالحة وللأسف لم تتوافر بعد..
إياكم والسياسية
وماذا عن السياسة؟
لا نريد أن نتدخل بالسياسة، ونحول مكاتبنا إلى مكاتب سياسية ومنذ هذه اللحظة نحرم عليكم التعاطي مع السياسة ويترك هذا الأمر لنا وللأسف فإن كثرة التصريحات من هذا الطرف وذاك جعلتنا (ملطشة) أمام الآخرين، وهذا خطأ فادح، فالسياسة محرمة عليكم ولا يجوز التدخل بها ويجب أن تكون مكاتبكم عقائدية وأخلاقية وإصلاحية، وبدون ذلك فإن إغلاقها أفضل لكي نستريح!
الأمر الأكثر أهمية هو نبذ الطائفية بكل أشكالها وعدم الاقتراب منها، بالفعل أو اللسان أو أية حركة ولا بالسلاح ولا بالكتاب أو المقال ولا حتى بكلمة واحدة.. وعلينا في خطابنا أن نميز ونفرق ما بين النواصب وأهل السنة ولا نلصق التهم بالسنة..
وعلينا أن ندرك أن التكفيريين لهم وجود بين الطرفين السنة والشيعة أيضا، وإذا كنت تعتقد أن الشيعة أغلبية والسنة أقلية فإن هذا لا يعطيك الحق شرعا وقانونا وأخلاقا أن تتجاوز عليهم.. فلو هذا يصح لقبلنا تصرفات النظام السابق ولم نعترض عليها..
الأكثرية التي تدعي الحق وتعتقد أنها الفرق الناجية المطلوب منها أن تحترم الأقليات وتهدي الجميع بالطرق الصحيحة.. وليس أن تنفر الناس بسبب اللسان والقلب المليء بـ "الوساخة"! وساخة الدنيا التي انغمسنا بها كلنا بدون استثناء إلا المعصومين..
وأكرر ألف مرة عدم استخدام تسمية (مقتدائي) لأنها خطأ بل كفر.. وعليك أن تبصق بوجه من يرددها والصحيح (صدري) لأنه اسم التيار فلا يجوز ذكر الفرع وترك المؤسس.(34/114)
سبحان الله، لم أعد أفهم الشيعة فإن ديدنهم غريب، اتبعوا محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وسلم) وحين استشهد نسوه فذكروا علي بن أبي طالب وعندما ذهب ذكروا الحسين... وحين استشهد ذكروا الإمام المهدي.. وعندما جاء محمد باقر الصدر المرجع الناطق ذكروه وأحبوه وبعد أن استشهد تمسكوا بمحمد صادق الصدر وعندما راح الصدر تركوه وأمسكوا بمقتدى وهذا غير صحيح، إنما المطلوب أن نمشي على خطا هؤلاء جميعا خطوة خطوة، واحدة تكمل الأخرى، فنحن سقاة لتلك البذرة خاصة آل الصدر، إننا لا نعمر وبمجرد أن تبذر البذرة نذهب، فحين يظهر أي مصلح يتكالبون عليه ويخفونهم بكل الطرق، وإذا كنت غير محب لمقتدى الصدر فلا يجوز لك أن تشوه سمعة محمد الصدر أو الحوزة.
واختتم الصدر كلامه بقوله: متبعو مذهب أهل البيت أصبحوا الآن في الخارج خونة وعملاء، أما النواصب فأصبحوا مجاهدين ـ سبحان الله ـ .. يا أخي أرفض الباطل بكل ما أوتيت من قوة لكن ليس بالسلاح.. لا أريد أن تنصبوا سيطرات، وتحملوا السلاح وتأخذوا رهائن، هذا أسلوب قذر، أسلوب مستهجن، فمن يفعلها من جيش المهدي قبحه الله وهو ليس من جيش المهدي، وإذا كانت الحكومة عاجزة عن ردعه أو الأميركان فنحن لا نخاف ونعرف كيف نردعهم بقوة ولكننا ما زلنا ندعو للعودة إلى أصول الدعوة فالأئمة لم يستطيعوا هداية أحد لولا أسلوبهم الكريم، القرآن يقول (ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك).
لا تضع المجتمع بين المطرقة والسندان، لا تضعه بين خيارين حرجين وتجبره على اتباع منهجك، بل عليك أن تضعه بين خيارين صحيحين فأيهما اختار نجا، ولا تفسد وكن صالحا حتى تصلح، ولا تستنكف عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والذي يستنكف عن سمع المعروف هم كالأنعام بل هم أضل سبيلا.. وهذا الكلام على نفسي أولا ومن ثم لكم، كلنا خطاءون وأحسننا التوابون.. والحمد لله رب العالمين.(34/115)
( نأمل أن يكون مقتدي قد تغير وهذا " التسامح مع السنة حقيقة لا تقية و لغايات النشر الإعلامي . الراصد ) .
عقدة الحكومة العراقية!
صالح القلاب – الرأي 4/4/2006
الجانب الأساسي بالنسبة لعقدة تشكيل الحكومة العراقية التي كان يجب تشكيلها منذ أربعة شهور، أي بعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة مباشرة، سببه المأزق المتفاقم داخل القوى السياسية الشيعية المحسوبة على إيران نفسها وهي: «المجلس الأعلى للثورة الإسلامية» بقيادة عبد العزيز الحكيم و«جيش المهدي» بقيادة مقتدى الصدر وحزب الدعوة برئاسة الدكتور إبراهيم الجعفري الذي يرفض التنحي ويصر على أنه الأحق من غيره في تبوء منصب رئيس الوزراء.
إن هذه القوى الثلاث، وجميعها مقربة من إيران بنفس المسافة، تتصارع ليس على تشكيل الحكومة الجديدة وإنما في حقيقة الأمر على الزعامة المذهبية وأيضا السياسية لشيعة العراق وهذه مسألة وفقا للتقاليد الشيعية في غاية الأهمية ولقد بقيت عامل تقارب وتباعد داخل هذه الطائفة الكريمة على مدى تاريخ طويل يبدأ باستشهاد خليفة المسلمين الرابع الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وبقي مستمرا حتى الآن.
على مدى المسيرة احتدمت صراعات دامية وظهرت فرق كثيرة ادعت كل منها أحقية الإمامة لإمامها من بينها الفرقة الإسماعيلية التي أقام عبد الله المهدي، بعد انتقاله من بلدة السلمية في سوريا إلى تونس دولة لها هي الدولة الفاطمية المعروفة التي انتقل مركزها إلى مصر وأصبحت عاصمتها قاهرة المعز لدين الله الفاطمي.(34/116)
الآن لا يحتدم الصراع على الإمامة، فهذه مسألة غدت محسومة بالنسبة للمذهب الجعفري الإثني عشري، وإنما على المرجعية وهذا يشمل العراق وإيران ولبنان وحيث لهذه الطائفة الكريمة تواجد كبير إن في المنطقة العربية وإن خارجها.. ففي إيران كان هناك صراع على المرجعية، التي هي مركز ثقل ديني واقتصادي وبالتالي سياسي، حتى في حياة الإمام الخميني رضي الله عنه وفي العراق فإن قتل السيد عبد المجيد الخوئي بصورة في غاية البشاعة وداخل الصحن الحيدري في النجف الأشرف في الأيام الأولى من الغزو الأميركي كان تجسيدا دمويا لهذا الصراع.
لقد بقي السيد مقتدى الصدر، قبل الغزو وبعده والى الآن، يعتبر أن عائلته هي الأحق بالمرجعية وبزعامة الطائفة الشيعية في العراق ولذلك وبعد تراجع تأثير عائلة الخوئي بعد مقتل السيد عبد المجيد الخوئي فإن صراع الصدريين بالنسبة لهذا الأمر غدا مع عائلة الحكيم التي انتقلت زعامتها من السيد محمد باقر الحكيم بعد قتله ، بطريقة لا يزال يلفها الغموض، إلى السيد عبد العزيز الحكيم الذي هو الآن رئيس المجلس الأعلى للثورة الإيرانية والقائد الفعلي لقوات بدر التي تعتبر كفة الميزان الأخرى مقابل جيش المهدي.
وهكذا ولأنه شعر بأن ترشيح عادل عبد المهدي، الذي هو عضو قيادي في المجلس الأعلى للثورة الأسلامية، سيخل بموازين قوى زعامة الطائفة الشيعية في العراق فقد ألقى مقتدى الصدر بثقله إلى جانب الدكتور إبراهيم الجعفري وضمن له بفرق صوت واحد أن يكون مرشح «الائتلاف» الشيعي وهذا بالطبع لم يرض عبد العزيز الحكيم فدخلت عملية تشكيل الحكومة الجديدة في هذه الدوامة التي ازدادت تعقيدا بدخول عوامل أخرى كثيرة عليها من بينها العامل الكردي والعامل السني وعامل التيارات العروبية العلمانية الملتفة حول الدكتور إياد علاوي.
الجعفري قطعة صغيرة في لعبة الصراع الكبيرة على الزعامة الشيعية
عدنان حسين - الشرق الأوسط(34/117)
كان وجه إبراهيم الجعفري ضاجّا بعلامات الشعور بالهزيمة، أكثر من وجه عادل عبد المهدي، مع أن الأول هو الذي «فاز» على الثاني في المنافسة الشرسة داخل «الائتلاف العراقي الموحد»، للترشح إلى منصب رئيس الوزراء في الحكومة العراقية الجديدة.
وعندما تقدم عبد المهدي إلى الجعفري لتهنئته بـ«الفوز» ـ وهذا كان يُنقل إلينا على الهواء مباشرة من بغداد ـ قال له الجعفري «يجدر بك أن تعزيني في هذا الموقف وهذا الامتحان». ولما سأله احد الصحافيين عن سبب علامات الحزن البادية على وجهه بدلا من علامات الفرح والسرور، ردّ الجعفري قائلا «ابتسامتي ستكون اعرض لو كنت أعفيت من عظم المسؤولية التي اختارني الشعب أن أتولاها أمام الله».لا أظن أن ذلك كان صحيحا، فالجعفري كان يدرك انه في ذلك اليوم، الثاني عشر من شباط (فبراير) الماضي، بدأت معركته الحقيقية من اجل الاحتفاظ بمنصبه ولم تنته، حيث فاز الجعفري بتأييد 64 عضوا من نواب «الائتلاف» الشيعي، مقابل 63 لعبد المهدي. والجعفري كان يدرك أكثر من غيره أن معارضيه داخل «الائتلاف» ليسوا فقط قوة تصويتية معتبرة (50% تقريبا) ـ ستضاف إليها قوة معارضة الكتل الأخرى ـ وإنما هم أيضا قوة نوعية، تضم «المجلس الأعلى للثورة الإسلامية»، الأكثر نفوذا بين الأحزاب الشيعية التي عارضت نظام صدام حسين، وحزب الفضيلة الصاعد والقسم الأكبر من كتلة المستقلين، فيما اعتمد فوزه على القوة التصويتية لأتباع مقتدى الصدر، وهي قوة غير مضمونة على الدوام، بل هي رجحته لغاية أخرى.أكثر من هذا أن الجعفري كان يعلم علم اليقين أن الانشقاق الكبير داخل «البيت الشيعي»، الذي أحدثه إصراره على ترشيح نفسه سيسعّر الصراع الناشب بين آل الحكيم وآل الصدر على السلطة والنفوذ داخل الطائفة الشيعية في العراق.(34/118)
على مرّ القرون كان الصراع على زعامة الشيعة في العراق قائما وله امتدادات إلى إيران والخليج وجنوب لبنان. وفي القرن الماضي بعدما تمتع الشيعة والمؤسسات الدينية بقدر كبير من الحرية، اثر قيام الدولة العراقية الحديثة (المملكة الهاشمية) ـ بالمقارنة بالقمع والعسف الذي عانوا منه منذ عهد الأمويين حتى انهيار الدولة العثمانية ـ انفتحت آفاق أرحب أمام هذا الصراع في ظل اتساع حجم الموارد المالية للعتبات الشيعية المقدسة وللعائلات التي تديرها وللحوزات الدينية في النجف وكربلاء والكاظمية. وفي كثير من الأحيان انطوى هذا الصراع على إراقة الدماء والغدر والتآمر والخيانة.(34/119)
ظلت الأحزاب والمؤسسات والهيئات الشيعية تنتظر انهيار نظام صدام لتنطلق في سباق محموم نحو تكريس ما كان كل منها يحلم به، وهو زعامة الطائفة بكل ما تعنيه من فرض السلطة السياسية والنفوذ المالي والاجتماعي. وعشية الانهيار، كانت ساحة هذه الزعامة في النجف خالية.. آل الحكيم وآل الخوئي في الخارج، وآل الصدر من دون شخصية كارزمية. وفي لحظة سقوط الصنم في ساحة الفردوس ببغداد اندفع آل الصدر إلى شوارع النجف ليمسكوا بصولجان الزعامة قبل عودة آل الحكيم من إيران، وفي طريق اندفاعهم اكتشفوا إن عبد المجيد الخوئي قد عاد منذ أيام الى المدينة من لندن، فنُحر بالقامات وسُحل في الحال داخل الحضرة الحيدرية وفي شوارع مدينته الأثيرة، مع أن عبد المجيد ـ وهذا ما كنت شخصيا أعرفه عنه ويعرفه كل معارفه ـ لم يكن يرغب في أي دور سياسي أو حتى ديني، وقد اعرض عن كثير من العروض «المغرية» وكان اكثر ما يحلم به ـ قبل ان يجد نفسه مضطرا لخلافة شقيقه المغدور في عهد صدام، محمد تقي، في إدارة مؤسسة الخوئي، أن يصبح رجل أعمال.لم يزل الجعفري يبدو حزين الوجه، مثلما كان يوم فوزه في الترشيح، لأنه يدرك أكثر من غيره انه صار قطعة صغيرة في لعبة كبيرة تتجاوزه وتتجاوز المنصب الطامع فيه.. أنها لعبة الصراع على الزعامة الشيعية، التي لن ينعقد لواؤها عليه، وإنما على آل الحكيم أو على آل الصدر. وهذا سرّ الحكاية.. حكاية الأزمة السياسية الراهنة في العراق.
شيعة العراق ما بين النفوذ الإيراني والتأثير الخليجي
أشرف محمد كشك
مختارات إيرانية باختصار وتصرف يسير (العدد 68) ـ مارس 2006(34/120)
يمتلك الشيعة مجموعة من الآليات التي تمكنهم من التأثير في المعادلة العراقية، وتنبع هذه الآليات من نسبتهم العددية بين السكان العراقيين، ويتمركزون بالأساس في الجنوب، كما يوجدون أيضاً في الوسط، وعقب الغزو الأمريكي للعراق استطاع الشيعة التغلغل في مؤسسات الدولة العراقية مما أثار الدول المجاورة، خاصة الدول الخليجية الست لعدة اعتبارات:
أولها: تحتوي تلك الدول على نسب متفاوتة من الشيعة ، وبالتالي أثيرت المخاوف لدى تلك الدول، انطلاقاً من معاناتها من المد الشيعي في أعقاب الثورة الإيرانية عام 1979، وهو الأمر الذي عبر عنه بوضوح وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل، حيث حذر من تزايد "النفوذ الشيعي الإيراني في العراق".
وثانيها: تعد الدول الخليجية الست أكثر تأثراً بما يحدث في العراق، حيث ظل العراق لعقود أحد مصادر التهديد الرئيسية.
وثالثها: ما يحدث في العراق سيكون له تأثير بالغ على المنطقة ككل التي تعاني من خلل أمني واضح.. وتستهدف تلك الرؤية بحث الصعود الشيعي في العراق من حيث النفوذ الإيراني والأثر الخليجي.
أولاً ـ الواقع الراهن للشيعة في العراق وآليات تأثيرهم:
1ـ الواقع الراهن للشيعة في العراق:
الشيعة يتمركزون بالأساس في جنوب ووسط العراق، وقد كانت تلك القوة العددية سبباً رئيسياً في اعتماد الولايات المتحدة عليهم بعد غزو العراق، وهو ما تلاقى مع الرغبة الشيعية ذاتها، حيث رأى الشيعة أنه ينبغي أن تكون لهم الأولوية في إدارة العراق بعد حرمان وتهميش لعقود طويلة، ومن ثم فقد بدا تأثيرهم ووجودهم واضحاً سواء في مجلس الحكم الانتقالي، حيث حصلوا على 13 مقعداً بنسبة 56 % كما نالوا 13 حقيبة في تركيبة الحكومة العراقية المؤقتة في مقابل 10 حقائب مناصفة بين السنة والأكراد، واثنتين مناصفة بين التركمان والمسيحيين.(34/121)
وقد لوحظ تأثير الشيعة الواضح في العراق من خلال اعتراضهم على كيفية اختيار الحكومة واللجنة الدستورية والمجلس التشريعي الانتقالي، فضلاً عن فوز قائمة الائتلاف العراقي الموحد (الشيعية) بأغلبية مقاعد الجمعية الوطنية المؤقتة خلال الانتخابات التي أجريت في يناير 2005، إضافة إلى ارتفاع نسبة مشاركة الشيعة في الاستفتاء على الدستور، سواء في محافظات الجنوب التي تقطن بها أغلبية شيعية أو في الوسط، حيث تعدت نسبة الموافقة في الكثير من الأحايين نسبة الـ 90%، بالإضافة إلى ترشيح الكتلة الشيعية إبراهيم الجعفري رئيساً للوزراء في تشكيل الحكومة الجديدة خلال شهر فبراير الماضي.
وتتمثل القوى الشيعية الرئيسية في العراق فيما يلي:
1ـ الحوزة العلمية: وقد تأسست في النجف الأشرف وكربلاء وسامراء في القرن الخامس الهجري، ويقودها حالياً آية الله على السيستاني ويستمد مكانته من أمور ثلاثة، أولها: مكانة مدينة النجف الأشرف، وثانيها: تعداد شيعة العراق ، ثالثها: أموال الخمس التي تعطي للمراجع الدينية استقلالاً اقتصادياً عن الدولة.
2ـ المجلس الأعلى للثورة الإسلامية: وقد تأسس في إيران في عام 1980 وترأسه محمد باقر الحكيم قبل اغتياله في 29 أغسطس 2003، وهو ليس حركة سياسية بقدر ما هو تجمع نخبوي دون برنامج سياسي واضح.
3ـ الأحزاب والحركات المنظمة: ويأتي في مقدمتها حزب الدعوة الإسلامية ومنظمة العمل الإسلامية وهي جماعات ليس لها جماهيرية وبها انشقاقات داخلية عدة.
4ـ تيار الصدر: ويقوده مقتدى الصدر بعد مقتل الصدر الأب عام 1999، وقد نجح هذا التيار في إنشاء ميليشيات خاصة به، وله خلافات عدة مع تيار السيستاني وتيار الحكيم، ويلاحظ أن تلك التيارات ليست جبهة واحدة.
2ـ آليات تأثير شيعية العراق:(34/122)
تعد دول مجلس التعاون الخليجي أكثر الدول تأثراً بالعامل الشيعي في العراق، خاصة أن تلك الدول تضم مجموعات شيعية مختلفة، وقد بدأ التشيع في الظهور في تلك الدول في ظل سياسة شاه إيران رضا بهلوي المركزية التي تسببت في تهجير عرب إيران إلى مناطق واسعة بالبصرة والكويت والسعودية والبحرين.
ولعل مصدر تأثير شيعة العراق في نظرائهم بدول الخليج هو أن الأخيرة خالية من أي مرجع شيعي. ورجال الدين الكبار من الشيعة هم في الأصل "وكلاء" للمراجع المقيمين في النجف أو قم أو بيروت، وبالتالي فإن وجود دولة يهيمن عليها الشيعة أو دولة شيعية في جنوب العراق قد يجعل الشيعة في الدول الخليجية الست منجذبين إليها، ومن ثم فإن أي فتوى تصدرها الحوزة العلمية المقبلة ستكون دستوراً وقانوناً على سائر شيعة المنظمة، وسوف تستطيع تحريك الملايين من الشيعة بكل سهولة، لاسيما وأن الحوزة في هذه الحالة سوف تعتبر مرجعاً دينياً وربما سياسياً لشيعة الخليج.
ويتطلب هذا الأمر التعرف على التنافس التقليدي بين مدينتي "النجف العراقية" و "قم الإيرانية"، حيث ظل هذا التنافس لعقود طويلة في دائرة التنافس على المرجعية الشيعية، فقبل عام 1979 كانت مدينة النجف التي تبعد عن بغداد نحو مائة وستين كيلو متراً تمثل المرجعية الشيعية، إلا أنه بعد انتصار الثورة الإسلامية في طهران عام 1979 تزامنت معها إجراءات تعسفية مارستها الحكومة العراقية في بغداد ضد النجف وعلمائها بلغت ذروتها باغتيال محمد باقر الصدر، وبالتالي بدأت مدينة قم الإيرانية تأخذ الدور الريادي للمرجعية، وذلك حتى سقوط النظام في العراق عقب الغزو الأمريكي في مارس 2003، مما أدى إلى إثارة قضية إمكانية انتقال المرجعية لمدينة النجف الأشرف مرة أخرى.. ويرتبط شيعة الخليج بالمراجع الشيعية من خلال تقديم أموال الخمس وهي "واجبات مالية دينية" وتقدر بمئات الملايين من الجنيهات.(34/123)
وهنا تجدر الإشارة إلى الدور الإيراني المهم في صعود الشيعة في العراق، حيث يشير أحد استطلاعات الرأي التي أجريت في العراق في شهر مايو عام 2005 حول دور إيران في نشوب حرب أهلية في العراق. فقد رأى 50.9% من المستطلعة آراؤهم أن إيران هي الدولة المجاورة التي يمكن أن تؤجج حرباً أهلية في العراق، تليها سوريا بنسبة 17% وتركيا بنسبة 13.2%، بالإضافة إلى ما كشفته تقارير استخباراتية بريطانية من تدفق أطنان الأسلحة إلى سكان المنطقة الشيعية الأوسع في جنوب العراق في سعيها لقيام إقليم شيعي شبه مستقل يمتد من الحدود الجنوبية الأقصى مع الكويت حتى مناطق الكثافة الشيعية داخل العاصمة بغداد، ويدعم ما سبق تأكيد الشيخ ضياء الشكرجي العضو القيادي البارز في حزب الدعوة الإسلامية بالعراق بالقول أن "إيران هي الخطر الأول علينا".
ثانياً ـ واقع الشيعة في دول مجلس التعاون الخليجي:
لا توجد إحصائيات رسمية خليجية حول عدد الشيعة في دول مجلس التعاون الخليجي، وتشير التقديرات عموماً إلى أن الشيعة يمثلون أغلبية السكان في مملكة البحرين، حيث تتراوح نسبتهم ما بين 65 ـ 70% ( هذه مبالغة كبيرة ، راجع مقال حجم شيعة العراق والخليج ولبنان في هذا العدد ، الراصد ) ، وفي المملكة السعودية يمثلون ما بين 15ـ 25%، ويمثل الشيعة ما بين 15ـ 20% من السكان في الكويت، وفي الإمارات يمثلون ما بين 5ـ 10%، بينما يأتي أقل الشيعة عدداً في سلطنة عمان فيتراوحون بين 3ـ 7%، وفي دولة قطر لا توجد أرقام محددة لعدد الشيعة.(34/124)
ومما لا شك فيه أن التركيبة السياسية الجديدة في حكومة العراق عكست صعود التيار الشيعي، في مقابل تهميش وإقصاء السنة، وقد تعزز دور الشيعة مع تزايد النفوذ الإيراني داخل العراق، وما تردد بشأن انفصال الشيعة في جنوب العراق وتكوين دولة سيكون ولاؤها الأول لإيران، الأمر الذي أدى إلى تزايد المطالب الشيعية في دول الخليج، خاصة في دولتي الكويت والسعودية.
1ـ مطالب الشيعة في الكويت:
على الرغم من أن الكويت تشهد حالة من الانفتاح السياسي، إلا أن أحداث غزو العراق كان لها تأثير على تزايد المطالب الشيعية، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر:
ـ تأكيد بعض الناشطين على أن تغير الظروف الإقليمية ينبغي أن يصاحبه التفات أكثر لحقوق الشيعة، ومن ذلك ما صرح به الناشط السياسي الشيعي علي المتروك بالقول: "لقد حصلت تغييرات إقليمية ودولية يجب أخذها في الحسبان والأمر أصبح مستحقاً (...) أرجو أن يكون هناك التفات أكثر للحقوق السياسية للشيعة في الكويت"، وأضاف: "هذه ليست مطالب طائفية، بل وطنية ومن خلال الدستور"، وتعكس تلك التصريحات مدى شعور هذه الطائفة بالتمييز وتتنوع مطالب هؤلاء ويمكن حصرها فيما يلي:
أ ـ المطالب السياسية: يطالب الشيعة في الكويت بزيادة عدد الوزراء الشيعة في مجلس الوزراء، وفي هذا الصدد قال السيد محمد باقر المهري أمين عام تجمع علماء الشيعة في الكويت "الحكومة لا تفرق بين السنة والشيعة لكننا نريد أن يزيد عدد الشيعة في المناصب السياسية بما فيها الوزراء، وأن يكون ذلك مبنياً على الكفاءة لا الطائفية"، وبلغ الأمر إلى إصدار مكتب السيد المهري بياناً "يحذر فيه الحكومة من تجاهل وإبعاد الشيعة عن المناصب السياسية والمؤسسات الدستورية، وتضمن البيان الحديث عن شرخ في الوحدة الوطنية إذا لم تعين الحكومة وزيراً شيعياً أو تستخدم صلاحيتها في تعيين نائب بالمجلس البلدي من الشيعة".(34/125)
ب ـ المطالب الدينية: لم تقتصر المطالب الشيعية في الكويت على المطالب السياسية، بل ظهرت مطالبات أخرى مثل إقامة أمانة جعفرية وتوظيف الشيعة في بعض المؤسسات مثل بيت الزكاة والأمانة العامة للأوقاف وبعض المؤسسات المالية، وهو ما أشار إليه النواب الشيعة الخمسة في مجلس الأمة، كما طالبوا بإعطائهم حق ترميم مساجدهم، وإنشاء حوزة علمية تدرس الفقه الجعفري، وبناء المساجد والجامعات والمدارس، وتعيين قضاه شرعيين شيعة، فضلاً عن تعيين الشيعة في النيابة.
وعلى الرغم من أن المطالب السابقة هي مطالب مشروعة وتأتي في إطار تزايد المطالب بالإصلاح عقب الغزو الأمريكي للعراق، فإن هناك مأخذين على تلك المطالب:
أولهما: تجاوز المطالب الشيعية إلى حد الهجوم على الطائفة السنية، وهو ما يكرس "للطائفية" في الدول الخليجية، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر، في الكويت تم توزيع منشورات وشرائط كاسيت معادية للسنة، حيث قامت مكتبة شيعية خلال الثلث الأخير من عام 2003 بتوزيع شرائط كاسيت تحتوي على ترويج لأفكار شيعية متطرفة تتضمن الإساءة إلى بعض الصحف، وهو ما أثار احتجاج السنة في الكويت، فضلا عن تهديد عدد من علماء الشيعة بتحريك دعاوى قضائية ضد خطباء ودعاة السنة لقيامهم بالتعرض لآل البيت والسيدة فاطمة الزهراء، واعتبر بعض هؤلاء أن هناك من يكفر الشيعة، وأن هناك بعض الأشرطة التي تكفر عقائدهم وأفكارهم.(34/126)
وثانيهما: أنه بالرغم من تأكيد الشيعة على أن مطالبهم ليس لها بعد طائفي وأنها تندرج ضمن الإطار الدستوري والقانوني، إلا أن الواقع عكس ذلك، حيث قام عدد من الشيعة الذين ينتمون إلى التحالف الإسلامي الوطني (الشيعي) بالاجتماع مع ممثل عن خامنئي ،المرشد الأعلى لإيران، في مقر السفارة الإيرانية بالكويت ثلاث مرات، وذلك لتجاوز الخسارة التي مُني بها التحالف في الانتخابات البرلمانية الكويتية والتي أسفرت عن سقوط جميع مرشحي التحالف، فضلاً عن تنسيق المواقف من أحداث العراق.
وقد اعتبرت الحكومة هذا اللقاء تدخلا في شئونها الداخلية، ومن ثم استدعت القائم بالأعمال الإيراني وأبلغته احتجاجها الرسمي على ذلك، حيث اعتبرت الخارجية الكويتية أن هذا الأمر يعد "تجاوزاً للخطوط الحمراء".
حدود استجابة الحكومة الكويتية للمطالب الشيعية:
في ظل تجربة الكويت الديمقراطية استطاع الشيعة أن يكون لهم دور في الحياة السياسية، وفي هذا الصدد يمكن الإشارة إلى ما يلي:
1ـ الشيعة ممثلون في مجلس الأمة بخمسة نواب، فضلاً عن إعلان الائتلاف الشيعي أنه سوف يخوض انتخابات عام 2007 بسبعة مرشحين بينهم سيدة.
2ـ استجابة الحكومة لطلبات الشيعة، حيث أشار وزير العدل السابق أحمد باقر في 25/10/2003 إلى موافقة الحكومة على طلب النواب الشيعة "بتشكيل محكمة تمييز لقضايا الأحوال الشخصية الجعفرية.(34/127)
3ـ يستفيد الشيعة من حرية إقامة التجمعات السياسية، ومن ذلك ما حدث خلال شهر ديسمبر عام 2004، حيث تم تشكيل جبهة شيعية (سياسة اجتماعية دينية) في مواجهة التحالف الإسلامي الوطني (شيعي)، وقد ضمت الجبهة في صفوفها تجمعاً جديداً هو "تجمع العدل والسلام" يضم في غالبيته أتباع الشيرازي، إضافة إلى تجمع علماء المسلمين الشيعة الذي يتزعمه السيد محمد باقر المهدي وجماعة الحساوية والجماعة المنتمية إلى العلامة اللبناني محمد حسين فضل الله، وبعض التجمعات والجماعات الصغيرة مثل حركة الوفاق الوطني، إضافة إلى شخصيات شيعية مستقلة.
ويلاحظ مما سبق أن الحكومة الكويتية حاولت إدماج الشيعة في نسيح المجتمع الكويتي، وتحرص دائماً على الالتقاء بقادتهم بغرض ترسيخ مبادئ الوحدة الوطنية، وهنا ينبغي التأكيد على أمر مهم، وهو أن الحكومة الكويتية في ظل تميز تجربتها السياسية لا تواجه الظواهر الطائفية بإجراءات قد تكرس لتلك الطائفية، وإنما تؤكد دائماً على أهمية المجتمع المدني ودولة القانون، بحيث تتاح الفرص للجميع وفق مبدأ تكافؤ الفرص.
وليس أدل على هذا من عدم استجابة الشيخ صباح الأحمد الصباح رئيس مجلس الوزراء الكويتي للمطالب التي نادت بتعيين وزير شيعي بدلاً من د. محمد أبو الحسن زير الإعلام الكويتي (شيعي) الذي قدم استقالته عقب تقديم استجواب له في مجلس الأمة الكويتي في عام 2004، ورأى الوزير أن التجاذب اتخذ منحنى طائفياً، وهنا يلاحظ أن العديد من الاستجوابات التي قدمت في الكويت قد اتخذت شكلا طائفياً، ومن ذلك استقالة وزير الصحة الكويتي على خلفية طلب بطرح الثقة فيه تقدم به نواب شيعة من قبيلة العوازم.(34/128)
وقد كان للحكومة الكويتية موقف واضح من ظاهرة الطائفية يمكن تباينه من خلال تصريح الشيخ صباح الأحمد رئيس مجلس الوزراء ـ آنذاك ـ بالقول "الفتنة إذا ظهرت واشتعلت سوف تحرقنا كلنا وتحرق البلد"، وأضاف "لا تهاون تجاه أي محاولة للمساس بالوحدة الوطنية وزرع بذور الفتنة بين أبناء المجتمع الكويتي"، مشيراً إلى أن الحكومة "سوف تطبق القانون بشدة على كل مسيء للوحدة الوطنية".
2ـ مطالب الشيعة في المملكة العربية السعودية
بعد الغزو الأمريكي للعراق أضحت تلك القضية إحدى أهم القضايا التي تستحوذ على اهتمامات الكتاب السعوديين، ومن ذلك ما كتبه كاتب سعودي بالقول "الشيعة في معظم الأوطان يعيشون كمواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة"، وأضاف "أن هذا فضلاً عن كونه يتناقض مع فكر الدول فإنه يهيئ الأرضيات لوجود الثغرات التي يلج منها أعداء الأمة".
وواقع الأمر أن تلك الآراء وغيرها لم تكن سوى جزءًا من مطالبات للشيعة في المملكة العربية السعودية كنتيجة طبيعية لتداعيات احتلال العراق، ومن ذلك:
ـ عقب الإطاحة بالنظام العراقي السابق، وفي 18 إبريل عام 2003 أصدرت 13 شخصية سعودية شيعية بيانا رحبوا فيه بسقوط "الدكتاتور العراقي" وقد أعرب الشيخ حسن الصفار أحد كبار علماء الشيعة في المملكة عن أمله في أن تؤدي التغييرات في العراق إلى تحسن أوضاع الشيعة السعوديين.
ـ وفي خطوة أخرى ذات دلالة قام وفد مكون من 18 شيخاً يمثلون الشيعة في المملكة في 30 إبريل 2003 بتقديم مذكرة موقعة من نحو 450 شيعياً إلى الملك عبد الله بن عبد العزيز (ولي العهد آنذاك) بعنوان "شركاء في الوطن" يطالبون فيها بتحسين أوضاعهم، وأن تتاح لهم الفرص لتقلد مناصب عليا في مجلس الوزراء والسلك الدبلوماسي والأجهزة العسكرية والأمنية ورفع نسبتهم في مجلس الشورى، وتعد هذه الوثيقة تحولا نوعياً في مطالب الشيعة بالمملكة لعدة اعتبارات:(34/129)
أولها: لم تقتصر على المطالب بحقوق معينة وإنما عكست التمييز ضد الشيعة، حيث طالب موقعو هذه الوثيقة "بالتوقف عن وصف مذهبهم بالكفر والشرك والضلال، والسماح بإدخال الكتب والمطبوعات الشيعية إلى البلاد.
وثانيها: عبرت هذه الوثيقة عن مختلف الأطياف الشيعية، إذ أنها لم تقتصر على رجال الدين، فقد وقع عليها علمانيون وشيعيون وشخصيات عادية، وشهدت للمرة الأولى مشاركة شيعة المدينة المنورة في العرائض.
وثالثها: عكست وجود مساندة خارجية لتلك المطالب، وفي هذا الصدد قال عدنان الشخص أحد أعضاء الوفد الذي التقى مع ولي العهد السعودي "إن الإخفاق في تلبية المطالب الشيعية سوف يعرض المملكة لضغوط خارجية بحجة الدفاع عن حقوق الأقليات".
ـ ومن ناحية ثالثة: وفي تعبير عن التمييز ضد الشيعة قدم أحد الأشخاص ورقة بحثية خلال اللقاء الوطني الثاني (الحوار الوطني) في المملكة الذي ناقش قضية الغلو وأسبابه بعنوان "مناهج التعليم الديني في السعودية: المسألة الشيعية"، وقد تضمنت هذه الورقة توصيفاً لعناصر العملية التعليمية في المناهج والسياسات التعليمية والمعلمين وموقفهم من الطائفة الشيعية، حيث تشير الورقة إلى أن أحد أبعاد مشكلة الشيعة في المملكة هي أنهم موصومون بالكفر وأن عليهم أن يقبلوا مناهج تعليم دينية أحادية النظرة.
وهنا يلاحظ أن المطالب الشيعية في المملكة وإن كانت أكثر حدة من مثيلتها في الكويت بيد أنها لم تتعد حدود الوطن ـ على الرغم من تصريحات البعض إمكانية المساندة الخارجية ـ فيؤكد المطالبون أن مطالبهم هي جزء من مطلب عام يهم الوطن ككل، وتندرج ضمن المطالبة بالإصلاح وليست ذات طابع فئوي أو مذهبي وهو ما عبر عنه الشيخ حسن الصفار قائلاً كل المواطنين في المملكة وفي البلاد العربية يشعرون بالحاجة إلى الإصلاحات السياسية"، مؤكداً أن المسألة لا ترتبط بالشيعة فقط.(34/130)
انتهجت المملكة العربية السعودية آلية الإصلاح للاستجابة لمطالب الشيعة. ومن بين جوانب هذا الإصلاح تفعيل المشاركة الشيعية في الحياة العامة، وتدعيم مبادئ حقوق الإنسان وما يرتبط بها من حريات عامة وممارسات دينية مذهبية، وفي هذا الإطار يمكن الإشارة إلى ما يلي:
ـ في شهر يونيو عام 2003 عقدت الدورة الأولى للحوار الوطني بعنوان "الطائفية في المملكة" وشارك فيها ممثلون عن الشيعة والسنة، وقد أكد الملك عبد الله ـ ولي العهد آنذاك ـ في كلمته آنذاك على أن "اختلاف الآراء وتنوع الاتجاهات وتعدد المذاهب أمر واقعي وطبيعي من طبائع البشر"، وتعكس كلمة الملك عبد الله إدراكا لطبيعة التنوع والاختلاف وضرورة احترام هذا الاختلاف.
وعلى الرغم من أن انعقاد مثل هذا اللقاء يأتي في سياق الإصلاحات السياسية التي تزايدت وتيرتها في المملكة بعد احتلال العراق، والتي من المفترض أن تكون حوارات بين الحكومة والمجتمع السعودي، إلا أنه لوحظ أنه حوار سني ـ شيعي، مما يعكس حالة الاحتقان التي سادت عقب صعود الشيعة في العراق ورغبة الحكومة في تجاوز تلك الحالة.
ـ ومن ناحية ثانية، شارك الشيعة في الانتخابات البلدية التي أجريت من المملكة خلال عام 2005، فمن بين 12 مقعداً كانت متاحة في الإحساء والقطيف حصلوا على 11 مقعداً، وهنا يشار إلى أن السلطات السعودية كانت قد وافقت على مطالب الشيعة بإقامة مجلس بلدي منفصل لبلدية القطيف والقرى المجاورة وهو ما يعد تحولاً مهماً بالنسبة للشيعة.(34/131)
ـ ومن ناحية ثالثة، تؤكد التصريحات الرسمية على المساواة بين المواطنين دون تفرقة مذهبية أو طائفية، ومن ذلك تصريحات الأمير بندر بن سلمان آل سعود مستشار العاهل السعودي الذي أكد على أن "مطالبات الشيعة هي كباقي مطالبات المواطنين السعوديين مشدداً على أنهم لن يصلوا إلى ما سماه بـ "التفرقة" أو حتى القول بأن هناك مطالبات شيعية ببقاء الشيعي مواطناً سعودياً وهذا وطنه"، وأضاف "لكل مطالبه لكن في النهاية نبقى جميعاً في دائرة الإسلام وهي الدائرة الكبيرة التي تضمنا دينياً وتحت سيادة دولة واحدة هي المملكة العربية السعودية".
ثالثاً ـ أثر الصعود الشيعي في العراق على الدول الخليجية:
على الرغم من تباين مطالب الشيعة في دول الخليج ابتداءً بالمطالب السياسة ومروراً بالمطالب الدينية وانتهاءً بالمطالب الاجتماعية، فإن هناك عاملاً مشتركاً يجمع بين تلك المطالب وهو التحرك للاستفادة من الأوضاع الجديدة التي رتبها الاحتلال الأمريكي للعراق في عام 2003 وعلى الرغم من مرور ثلاثة أعوام على هذا الاحتلال لا يزال هناك جدل حول الآثار التي يمكن أن تترتب على الصعود الشيعي في العراق على دول الخليج الست.
وفي هذا الصدد يبرز اتجاهان:
الأول: يرى أن تحركات الشيعة لن تقف عند حد المطالب، إذ أنها سوف تستمر لتهدد الوحدة الوطنية لتلك الدول حتى لو استجابت حكوماتها لمطالبهم.
أما الاتجاه الثاني: فيرى أن تواصل شيعة الخليج مع مناطق الوجود الشيعي لن يتعدى رابطة دينية تجمعهم مع نظرائهم في تلك المناطق بما لا يهدد الوحدة الوطنية لتلك الدول، وفيما يلي عرض للاتجاهين وتقييم كل منهما:
الاتجاه الأول ـ المطالب الشيعية تهدد الوحدة الوطنية للدول الخليجية:
يرى أنصار هذا الاتجاه أن المطالب الشيعية تهدد الوحدة الوطنية للدول الخليجية، وذلك من خلال عدة مؤشرات هي:
1ـ سعي الشيعة للاستقلال:(34/132)
على الرغم من سعي شيعة الخليج لتقديم كافة أشكال الولاء والطاعة لحكام الدول التي يقطنونها، إلا أن هذا لا ينفي تطلعهم لإقامة حكم ذاتي شيعي في مناطق وجودهم كأغلبية أو قيام حكومة منفصلة شيعية على أبعد تقدير، وذلك انطلاقاً من ارتكاز توجهاتهم الدينية على مبدأ (التقية) ويعني أن اتقاء القوي ومجاراته يعد مطلباً دينياً ومبدأً أساسياً لهم، وهذا ما يؤكده رئيس تحرير إحدى الصحف الخليجية بالقول "إنه مهما تواضعت مطالب الشيعة اليوم واندمجت في إطار المطالب الوطنية العامة فلابد من الإقرار بأن شيئاً ما قد تغير بالفعل بعد كل الهزات السياسية والأمنية والثقافية التي عاشتها منطقة الخليج، وليس أقل التغييرات أن يأخذ الشيعة ثقلاً سياسياً جديداً بعد أن كانت إيران تحتضنهم عن بعد".
ومن ناحية أخرى، تزداد مخاوف الدول الخليجية بشأن ما يتردد عن تقسيم العراق في ظل وجود العديد من المؤشرات الدالة على ذلك، حيث إن الدويلات التي سوف تنشأ على أنقاض الدولة العراقية هي دولة كردية في الشمال، وسنية في الوسط، وثالثة شيعية في الجنوب، ستكون جميعها ضعيفة للغاية، وهنا تجدر الإشارة إلى أن الجنوب الشيعي يمثل مركز ثقل استراتيجياً بالنسبة لإنتاج النفط العراقي، حيث ينتج الجنوب وحقول الرميلة نصف إنتاج العراق من النفط، كما أن نمط العلاقات فيما ( بين) تلك الدويلات سيكون سمته الصراع وليس التعاون، وقد تتجه إحدى هذه الدويلات إلى الاستعانة بطرف خارجي، الأمر الذي من شأنه أن يكون مقدمة لأتون حرب أهلية من شأنها أن تؤثر سلباً على مجمل النظام الإقليمي في الخليج.
وفي هذا الإطار جاءت تصريحات وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل في 6/1/ 2004، حيث قال "إن تقسيم العراق هو تهديد مباشر لأمننا وأمن دول الجوار" معتبراً أن أي نظام عرقي مبنى على أسس عرقية أو مذهبية لا يساعد على استقرار البلاد ووحدتها".(34/133)
كما أن قيام دولة شيعية في الجنوب سوف يؤدي لتمدد النفوذ الإيراني في منطقة الخليج العربي بما يعنيه ذلك من تداعيات خاصة في ضوء استمرار بعض المشكلات بين إيران ودول المجلس والسعي الإيراني للهيمنة على المنطقة باعتبارها قوة إقليمية مستندة إلى برنامجها التسليحي الكبير، وسوف تنجذب الأقليات الشيعية في الخليج لهذه الدولة الجديدة التي سوف تضم مقدسات شيعية مهمة.
وبعيداً عن هذا وذاك، يلاحظ أن ورقة الشيعة كأداة ضغط من جانب الولايات المتحدة تأتي دائماً من جانب جماعات الضغط الصهيونية التي تقدم أنصارها بمشروع قانون للكونجرس أطلق عليه "قانون محاسبة السعودية"، فضلاً عما رددته تلك الجماعات من أن المملكة تسعى لامتلاك أسلحة دمار شامل، بالإضافة إلى دأب تقارير حقوق الإنسان السنوية التي تصدرها وزارة الخارجية الأمريكية على انتقاد المملكة لممارستها التمييز، واتهامها "بالاتجار بالبشر" في إطار تعاملها مع العمالة الوافدة على أراضيها، فضلاً عما أورده تقرير وزارة الخارجية الأمريكية بشأن حقوق الإنسان في العالم لعام 2003، حيث قال "تقوم المملكة باعتقال وسجن وتعذيب علماء شيعة وعلماء دين بسبب آرائهم الدينية التي تخالف آراء الحكومة".
2ـ مطالب الشيعة تتيح التدخل في الشئون الداخلية لدول الخليج:
وهنا يكون التفرقة بين الشيعة المعتدلين والشيعة المتشددين، حيث إن وصول شيعة العراق المعتدلين الذين يؤمنون بالديمقراطية والتعددية إلى الحكم سوف يؤدي إلى تعزيز العلاقات بين الشيعة والسنة في الكويت والسعودية، أما في حالة سيطرة شيعة العراق المتشددين على السلطة فإن ذلك سوف يؤدي إلى خلق حالة من التوتر وعدم الثقة الناتجة عن التدخل في الشئون الداخلية.(34/134)
ومما يؤكد صحة هذا الطرح التصريحات التي أطلقها مقتدى الصدر ضد الكويت وطالب فيها برحيل القوات الأمريكية عن أراضيها، مشيراً إلى أن "الخطر الذي يخشاه قد زال بعد سقوط صدام حسين"، وقد كان لهذه التصريحات ردود فعل كويتية رسمية حادة، والتي اعتبرت أن تصريحات الصدر تعد تدخلاً في الشئون الداخلية لدولة حرة مستقلة، وذلك من خلال تصريح وزير الخارجية الكويتي د. محمد الصباح السالم بالقول "إن بقاء أو رحيل القوات الحليفة الموجودة على أرض البلاد هو من صميم السيادة الكويتية التي لا يسمح لأحد بالتدخل فيها أو المساس بها"، وأضاف "أن الكويت دولة حرة وذات سيادة ونحن الذين نحدد من نستضيف ومن نطرد ولا أحد يعلمنا من نستضيف ومن لا نستضيف".
3ـ ظهور الطائفية في الدول الخليجية:
كان للصعود الشيعي في العراق آثار واضحة على بداية ظهور مؤشرات للطائفية في بعض الدول الخليجية ومنها دولة الكويت.. حيث ظهرت بعض الكتابات التي تناولت الوضع العراقي بالتركيز على ما يتعرض له السنة هناك على يد الشيعة، وفي هذا الصدد أشارت إحدى الصحف الإلكترونية التي تنطق بلسان إحدى الحركات الإسلامية السنية قائلة "يذبح إخواننا أهل السنة في العراق بخنجر الأحزاب الشيعة المتطرفة ويتعرضون في الجنوب لأبشع المجازر بغية إجلائهم عن أراضيهم ليتسنى للدولة الساسانية في إيران مد نفوذها، فضلاً عن قيام أحد المواطنين بطباعة مطوية والاتفاق مع بعض الصحف على توزيعها كإعلان مدفوع الأجر خلال شهر فبراير 2005، وقد تضمنت هذه المطوية مواعظ دينية تحذر من لطم الخدود وشق الجيوب في إشارة إلى ما يقوم به الشيعة في يوم عاشوراء.(34/135)
ولاشك أن ظهور الطائفية في دولة الكويت يعد تهديداً لأمنها القومي بالنظر لصغر حجم الدولة ووجود خلل في تركيبتها السكانية، نتيجة ارتفاع حجم العمالة الآسيوية وانقسام البلاد بين تيارين (إسلامي وليبرالي)، ووجود طائفتين إحداهما سنية والأخرى شيعية، ومما يؤكد هذا الأثر المباشر للطائفية أمران، أولهما: استقالة وزير الإعلام د.محمد أبو الحسن (شيعي) بسبب شعوره أن الاستجواب الذي كان مقدماً ضده سوف ينحرف إلى مستوى طائفي. وثانيهما: تحذير رئيس مجلس الوزراء الكويتي الشيخ صباح الأحمد من "مؤشرات سلبية تمس الوحدة الوطنية".
وفي المملكة العربية السعودية، وعلى الرغم من محاولات الشيعة تحقيق مكاسب في ظل التغيرات الجديدة، إلا أن الطائفية لم تتضح حتى الآن.. فقد ناقش الحوار الوطني الأول الذي انعقد في الرياض خلال شهر يوليو 2003 "قضية الغلو والتشدد"، وتم اللقاء بين رجال دين سنة وشيعة.
وتعكس التجارب التاريخية مدى تأثر شيعة الخليج بالخارج، ومن ذلك شيعة المملكة العربية السعودية في المنطقة الشرقية الذين تبرعوا بالملايين للجمهورية الإسلامية في إيران بعد انتصار الثورة عام 1979 من خلال الأخماس، وتوجد مواقف لا تحصى، حتى أن النساء قمن ببيع حليهن للتبرع للثورة وقام البعض بالاقتطاع من مصروف أطفاله اليومي لهذا الغرض.
الاتجاه الثاني ـ تواصل شيعة الخليج مع الخارج لن يتعدى الرابطة الدينية:
ويؤكد أصحاب هذا الاتجاه على أن تواصل شيعة دول مجلس التعاون الخليجي مع مناطق الوجود الشيعي، لاسيما تلك التي توجد بها العتبات المقدسة لا يعني تبعيتهم السياسية لمركز أو دولة معينة، حيث إن الأمر لا يتعدى رابطة دينية عامة تجمع الشيعة الذين قد يرغبون في زيارة عتباتهم المقدسة في العراق على سبيل المثال، وهذه مسألة شبيهة تماماً بما يحدث لدى السنة من زيارتهم للأماكن المقدسة في المملكة العربية السعودية، ويؤكدون على ذلك بعدة حجج وهي:(34/136)
أولاً: التزام شيعة الخليج بانتماءاتهم الوطنية مؤكدين أنهم جزء من النسيج الوطني الخليجي، كما أنهم لا يشكلون تحدياً سياسياً، وهذا ما أشار إليه الدكتور منصور الجمري رئيس تحرير صحيفة الوسط البحرينية الذي أشار إلى أن "المستقبل الشيعي في المنطقة مستقبل اندماج وليس انفصال"، مؤكداً على أن "الشيعة في الخليج يحملون انتماءً قوياً لوطنهم وليست لديهم أي انتماءات سياسية خارجية أو حتى طموحات داخلية من شأنها أن تؤثر على وحدة واستقرار النظم الخليجية".
وهو المعني ذاته الذي أكده الشيخ حسن الصفار بالمملكة بالقول "المواطنون السعوديون الشيعة يصرون على أنهم جزء لا يتجزأ من هذا الوطن ويدافعون عن وحدته"، مؤكداً على أن "الشيعة لا يسعون إلى إقامة دولة خاصة بهم"، وقد ترجم الشيعة السعوديون هذا التوجه ضمن وثيقة قدموها للملك عبد الله بن عبد العزيز، حيث أكدت على أن "المواطنين الشيعة في المملكة هم جزء أصيل لا يتجزأ من كيان هذا الوطن الغالي، وهو وطنهم النهائي ولا بديل لهم عنه ولا ولاء لهم لغيره"، وهو الأمر ذاته الذي أكد عليه شيعة الكويت، حيث شدد النواب الشيعة في مجلس الأمة وعدد من الشخصيات الشيعية في لقاء مع رئيس مجلس الوزراء الكويتي الشيخ صباح الأحمد الصباح في شهر أبريل 2004 على أنهم مواطنون كويتيون قبل أن يكونوا من الطائفة الشيعية.
وفي هذا الصدد استهجن النائب الشيعي حسين القلاف مقولات مفادها "أن الشيعة سيأخذون حقوقهم من خلال ضغوط داخلية أو خارجية" مؤكداً "أن الشيعة مواطنون بالأصالة ولهم من الحقوق ما لهم وعليهم من الواجبات ما عليهم"، وهذا ما أكده أيضاً علي المتروك وهو سياسي ورجل أعمال شيعي كويتي، حيث قال "إن شيعة الخليج هم جزء أصيل من أي مجتمع خليجي وأنهم لا يستمدون العون من أي طرف خارجي سواء إيران أو غيرها للمطالبة بحقوقهم"، وأوضح "نحن ننطلق في الحصول على حقوقنا من الدستور الذي لا يميز بين المواطنين".(34/137)
ثانياً: تؤكد السوابق التاريخية أن الشيعة في الخليج لم يكونوا يوماً ما ضد الوحدة الوطنية.. فمن ناحية الأصول التاريخية ينحدر شيعة الخليج عموماً من قبائل عربية أصيلة مثل قبائل ربيعة وقبائل حرب وجهينة وبني يام، بالإضافة إلى قبائل عامر وتميم، وبالتالي فإن جذورهم تضرب في الأعماق العربية وظلوا باقين من الخليج دون محاولة التوجه للخارج، فضلاً عن الدور الذي لعبه شيعة المملكة العربية السعودية في فتح منطقة الإحساء عام 1913، حيث أيد الشيعة الملك عبد العزيز آل سعود ومكنوه من دخول المنطقة دون حرب، وقام الملك المؤسس بترك الشيعة أهل المنطقة لإدارة شئونهم عبر مؤسساتهم الدينية ومحاكمهم الشرعية، بالإضافة إلى أن شيعة المملكة لم يتأثروا بدعوات الثورة الإيرانية، وبالتالي فقد أخفقت كل محاولات اختراق دول الخليج العربية الست وزعزعت وحدتها الوطنية.
ومن ناحية أخرى عندما غزا العراق دولة الكويت شارك الشيعة في مقاومتها ، وهذا ما أوضحه السيد محمد باقر المهري في بيان أصدره في شهر ديسمبر عام 2003، حيث قال "العدو البعثي حينما هاجم بلدنا لم نسمع بأن هناك فرقاً بين السنة والشيعة، بل كان المقياس هو الروح الوطنية، فمن كان مدافعاً عن الكويت ومقاوماً للاحتلال العراقي البغيض كان مصيره القتل أو الأسر شيعياً كان أم سنياً".
ثالثا: لا يعدو الشيعة سوى تعبير كمي حيث إنهم ـ شأنهم شأن الطوائف الموجودة في العالم العربي غير موحدين سياسياً وفكرياً فهم منتمون لمدارس فقهية وسياسية وانتماءات متباينة، وبالتالي يصعب التقاؤهم على برنامج أو هدف سياسي معين، وقد أشار أحد المؤلفات إلى أن فرق الشيعة ثلاثون والبعض الآخر يرى أنهم يزيدون عن هذا العدد قليلاً، أبرزهم الكيسانية والناووسية والإسماعيلية والقطيمية والواقفية والزيدية والإثنا عشرية.(34/138)
رابعاً: الفتاوى التي صدرت وتؤكد على الوحدة الوطنية وما لها من تأثير على الشيعة في الخليج، ومن ذلك فتوى المرجع الشيعي العلامة السيد محمد حسين فضل الله "بتحريم إثارة أي حديث مذهبي لاسيما بين السنة والشيعة في الكويت"، قائلاً "إننا نقول لكل إخواننا في الكويت لا تطالبوا بحقوق الشيعة"، ولابد "من أن تكون هناك أسرة كويتية واحدة".
حوار ساخن مع شيعى مصرى
د خالد منتصر - موقع ايلاف 15/4/2006
بعد تصريحات الرئيس مبارك لقناة العربية عن عمالة الشيعة العراقيين لإيران والضجة التي أحدثتها تلك التصريحات كان لابد أن أتعرف على موقف الشيعة المصريين من هذه التصريحات، وأحاول فك شفرة هذا الفكر لأننا مازلنا نتعامل معه بطريقة التجاهل التي تنتفى مع أبسط المبادئ الإنسانية التي تؤكد على أنك لابد أن تعرف وتستمع قبل أن تناقش وتدين، ولذلك قررت أن أتنحى جانباً وأطرق باب شيعي مصري مثقف أعتبره المتحدث الإعلامي الرسمي النشط للشيعة في مصر، وهو د.أحمد راسم النفيس المفكر الشيعي والأستاذ بطب المنصورة والذي مهما اختلفت معه لابد أن تعجب بصلابته في الدفاع عن موقفه في مجتمع ومناخ يقترب من تكفيرهم .
وبدأت بالسؤال الملح وهو ما موقف الشيعة المصريين من السلطة التي تتعامل بأنهم معهم كملف أمنى ويتهمون على الدوام بأنهم ذيل إيراني وبوق فارسي؟
ج:لنبدأ أولا بتصريحات مبارك عن الشيعة وهي تصريحات تأتي في نفس السياق القديم للحرب العراقية الإيرانية والدور الذي لعبه العرب في وأد انتفاضة الشعب العراقي عام 1991 وإبادة مئات الألوف من الشيعة ممن يرقدون الآن في المقابر الجماعية الصدامية.(34/139)
(النظام العربي) يراهن على جر العراق لحرب أهلية تنتهي بطائفة عراقية وترويكا ثلاثية سنية شيعية كردية تحكم العراق كما هو الحال في لبنان وهو هدف (الحرب الأهلية) يبدو بعيد المنال بسبب ما أبداه الشيعة العراقيون من ضبط هائل للنفس في مواجهة جرائم الإبادة الجماعية التي يتعرضون لها وتدمير أقدس مقدساتهم وهي مراقد أئمة أهل البيت عليهم السلام وقتل قادتهم السياسيين مثل السيد محمد باقر الحكيم وعز الدين ياسين وهو الموقف الذي كان يتعين مقابلته بالتقدير والعرفان بدلا من السب والشتم واتهامات التخوين والعمالة.
ودعني أقول لك في النهاية أن (النظام العربي) سيخسر كل رهاناته!!، والاعتراف بالشيعة أمر واقع وحقيقة قائمة ودعك من تلك الشتائم الزعبوطية التي يطلقها البعض بين الفينة والأخرى وسأخبرك بحقيقة يعرفها الكثيرون وهي أن دار الإفتاء المصرية ترجع إلى مذهب أهل البيت في الكثير من الفتاوى بل إن ابن تيميه نفسه رجع إليه في فتاواه المتعلقة بالطلاق.
س: صرح د.زغلول النجار بأن الإعتراف بالشيعة والبهائية هو بذرة فتنة طائفية فى مصر؟ مارأيك؟
ج:أما عن زغلول النجار فهو مجرد معلق على تلك الشرائح الملونة وليس له لا في العير ولا في النفير ولا في الفقه ولا غيره وهو كالنائحة المستأجرة ذات الدموع البلاستيكية إياها ومن حقه أن يغضب لغضب من يدفع له وجعل منه نجماً من نجوم الفراغ العربي المظلم.
أما عن البهائية فلا علاقة لنا بها من قريب ولا من بعيد ولا داعي لخلط الملفين.
س: مالذى أدى بك إلى هجر الجماعة الإسلامية والإخوان إلى الشيعة بعد تخرجك فى كلية طب المنصورة؟(34/140)
ج: الجماعة الإسلامية لم أكن يوماً ما فيها، أما جماعة الإخوان فهي تدعي مجموعة من الادعاءات لا يمكنها إقامة أي دليل على صحتها سواء في قراءة التاريخ أو الفهم الشامل للإسلام أو أنها نواة أمة لا إله إلا الله أو وجوب السمع والطاعة لقائد الجماعة (إمام الأمة المزعوم) وكلها ادعاءات لا تقوم على دليل ولا برهان ومن ثم فقد فارقتهم عام 1985 بعد تخرجي بثمان سنوات وقبل أن أقتنع بصحة منهج أهل البيت بفترة.
س:الشيعة فى فكر العامة هم زواج المتعة وتفضيل الإمام علي على سيدنا محمد، وميراث البنت المساوي للولد والتطبير وضرب الصدور والجرح العمدي حتى النزف فى احتفالاتهم ....الخ هل هذه المظاهر هو ما يجعل الفكر الشيعي مطارد في مصر بحجة أنه إنكار للسنة؟(34/141)
ج:دعني أقول لك أنني لم ألتحق يوما ما بحوزة دينية شيعية وإنما كونت ثقافتي من القراءة الحرة التي بدأت أولا بحفظ القرآن ثم القراءة والاطلاع في الكتب التقليدية مثل زاد المعاد لابن القيم وفقه السنة وغيرها وعندما تعرفت على مذهب أهل البيت لم يكن هذا خارج مصر ولا من خلال مقابلة أحد من الشيعة من أي بلد كان بل من خلال بعض الكتب التي تصادرها الرقابة المصرية واكتشفت أن الشيعة يبنون مذهبهم على تفاسير القرآن السنية وأحاديث كثيرة موجودة في كتب أهل السنة ولا زالت هذه الكتب تشكل مكوناً رئيساً من مكونات مكتبتي قابل للإضافة لا للنقصان، ومن هنا فقد كونت تصوري عن التشيع بصورة حرة ثم تبين بعد هذا أن ما أكتبه وما أطرحه مطابق لما هو موجود في هذه المعاهد العلمية وبالتالي فالتصور الشيعي موجود في قلب هذه الكتب التي يقال أننا نكرهها ولا نعترف بها بالكلية, والتشيع لأهل البيت ليس كهنوتا ولا أسراراً لا يعرفها أو ينالها إلا كهنة المعبد!!، وليس في التشيع كهنوت ولا أسرار ولا ماء مقدس هناك كتاب الله العزيز وسنة رسول الله ومدرسة أهل البيت التي تدعو للاجتهاد وإعمال العقل وكل ما ذكرته من مسائل فقهية خلافية بين الشيعة وغيرهم دليلها عند الشيعة هو الأقوى وهو مأخوذ من كتاب الله ومن سنة نبيه، والتشيع يقوم على منهجية فهم القرآن والسنة النبوية من خلال أئمة أهل البيت وهم أبناء الرسول وأئمة الأمة الذين شهد لهم المخالفون قبل شيعتهم وهو منهج قائم على التواصل الرأسي المباشر مع رسول الله ومن ثم مع الله بدلا من ذلك التواصل الأفقي والانتقاء العشوائي للفقهاء والمحدثين الذي اعتمده الآخرون، أما عن أكذوبة تفضيل علي على رسول الله فهي كغيرها من الأكاذيب التي اعتاد البعض على ترويجها طلبا للرزق وقد انتهيت أخيرا من كتاب (النبوة في نهج البلاغة- محمد كما رآه علي) وهو كتاب يثبت أن التصور الأمثل للنبوة لا يمكن أخذه من غير الإمام علي.(34/142)
أما عن كلمة الرافضة فهي سب وشتم وسوء أدب قائم على أكذوبة تاريخية والقوم لا يقرءون من التاريخ إلا ما يوافق أهواءهم (راجع كتابنا الشيعة والثورة) فذرهم وما يفترون!!.
س: هل هناك مستقبل للشيعة فى مصر؟ وهل التجربة الفاطمية كانت ناجحة؟ وما سر هجومك على صلاح الدين الأيوبي و القرضاوي في كتابين منفصلين؟
ج:عن التجربة الفاطمية فيمكنك أن تقرأ تاريخهم لتعرف أي جرم ارتكبه يوسف بن أيوب عندما قام بتدمير كل منجزاتهم مثل دار الحكمة ومكتبة القصر ودار العلم والصناعات التي أسسها الفاطميون ثم تتساءل: هل كانت هذه المنجزات ملكا للفاطميين وحدهم أم ملكا لكل المسلمين؟؟ وإذا كان صلاح الدين أو غيره مخالفا للفاطميين فلماذا قام بتدمير أعظم مكتبات العالم التي احتوت على مليوني كتاب؟؟!!، أما عن صلاح الدين والكتابة عنه فهي ضرورة لكي يعرف الناس سبب تخلفنا الحضاري بدلا من الصراخ الغوغائي والادعاء بأن الغرب وحده هو المسئول عن كل مصائبنا، أريد أن أعرف رأيك في رجل قام بتدمير أهرامات الجيزة 18 هرما باستثناء الأهرامات الثلاث التي عجز هو وابنه المختل عن هدمها؟!، وبالمناسبة لم يجرؤ أحد على الرد على هذه الواقعة، أما عن القرضاوي فقد قمت بالرد على كتابه (تاريخنا المفترى عليه) الذي يدافع فيه عن معاوية بن أبي سفيان ويزعم أنه كان من أعظم حكام العالم وأقربهم للعدل والحكمة وهو المنهج التلفيقي الذي دمر عقل الأمة ولا بد من محاولة وقفه حتى ولو كان بأيدينا العارية.
س: أحترم فيك إصرارك على معتقداتك برغم أنك تسبح ضد التيار ولكن هل لم تتردد بعد اعتناقك للفكر الشيعي وفضلت العودة إلى المذهب السني الذي يوصف بأن أصحابه ومعتنقيه هم الفرقة الناجية؟
ج: أود أن أقول لك أنني أراجع نفسي يوميا لأحافظ على لياقتي الفكرية وفي كل يوم أكتشف المزيد من المعلومات التي تؤكد صحة قراري ولي سؤالان:(34/143)
الأول: لو كان منهج أهل البيت ضعيفا أو متهافتا فكيف استطعنا إثباته من كتب القوم ولماذا لجئوا إلى تحريف وحذف ما لا يخدم قضيتهم والدليل على ذلك أن أحد المواقع الوهابية الرسمية أزال صفحات كاملة من تفسير ابن كثير لأنها لا تخدم قضيتهم.
الثاني: أن واقع المسلمين الذي اكتوى الجميع بناره شاهد على هذا التخبط والانهيار الأخلاقي ودعني أسألك سؤالا, ماذا لو قررت العودة لما تسميه مذهب أهل السنة هل أعود للاعتقاد الأشعري أم الاعتقاد الوهابي وكلاهما ينكر على الآخر أنه من أهل السنة وكلاهما يرمي الآخر بأبشع الاتهامات!!!، هل هناك عاقل يترك اليقين ليسبح في بحار التيه حتى ولو كان مملوءا بالسباحين الماهرين؟!، أما حكاية الفرقة الوحيدة الناجية فهي أسطورة قائمة على رواية موضوعة وأنا أعتقد بقوله تعالى (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره).
س:ما الذي يقدمه الشيعة وفكرهم للمواطن العادي بمعنى كيف سيحول الفكر الشيعي من وجهة نظرك حياة المواطن البسيط المصري الغلبان؟
ج:يكفي أن يقدم التشيع للمسلمين مدرسة أهل البيت في الأخلاق والعبادة ولا أدري كيف يمكن لمسلم يدعي العلم والفقه أن يعرض عن دراسة نهج البلاغة فهو معين الحكمة والأخلاق ومدرسة السياسة وعلم الاجتماع التي سطا عليها ابن خلدون ونسبها لنفسه، يكفيك فخرا حب أهل البيت وأن من أحب قوما حشر معهم، ويكفي الإنسان الغلبان أن لن يبقى ضحية لتجار الدين الذين أفتوا له أخير بجواز أكل الجبن الدانماركي في حين أن أقصى ما يحلم به أن يأكل المش بدوده.
الصوفيون في السودان يدخلون دائرة البروتستانتية الإسلامية
حسام تمام صحيفة القاهرة العدد 310 ـ 21/3/2006(34/144)
لم يعد التخفف من الدنيا والاستعداد ـ فقط ـ للآخرة هدف الزاوية الصوفية، كما لم يعد الزهد في متاعها والرضا بالقليل منه طريق النجاة، ولم يعد مطلوبا من المريد أن يخلع الدنيا مع حذائه عند باب الزاوية ويقبل مشاركة الفقراء شظف العيش في أرض الخمول بعيدا عن الأضواء والشهرة، بل صارت الزاوية تدعو مريديها إلى الدخول في سباق الحياة ومنافسة أهلها في اقتسام حظوظ الدنيا!
لم تعد زوايا الصوفية هي المكان النائي البعيد الذي يشبه كثيرا أديرة الرهبان، أو قبلة المنصرفين عن الحياة الهاربين منها بحثا عن النجاة، بل أصبحت كما في زاوية الشيخ الأمين جزءا من الأحياء الراقية، ما تكاد تقترب حتى تفاجئك طوابير لأفخم السيارات تشغل الشارع المؤدي إليها والشوارع الجانبية منه، بل وستجد صعوبة في الوصول إليها بالسيارة بسبب الزحام الشديد الذي يؤدي إلى أزمة مرورية في كل درس أو حضرة.
هناك تحول كبير في المنظومة الصوفية فلم تعد تقوم على الزهد في الدنيا والإعراض عنها والتخفف من أثقاله، والاقتصار من حلالها على ما لا بد منه، بل صارت تدعو صراحة إلى الأخذ بأسباب الدنيا والإقبال عليها والتحقق فيها بشرط اجتناب الحرام فقط!.. إنها نقلة كبيرة تشابه ما جرى من تحولات في ظاهرة التدين الجديد، حيث الرغبة في التصالح مع الغنى والثروة والتحقق في الحياة فيما سميته بالبروتستانتية الإسلامية.
أكبر قلاع التصوف(34/145)
شهدت السنوات الماضية بزوغ وانتشار ظاهرة الدعاة الجدد، بدأت في مصر ومنها انتشرت في بلاد عربية وإسلامية أخرى، وجذبت اهتمام الكثير من الباحثين والمهتمين، وقد كانت وجهة نظر البعض أن القول بتعميم الظاهرة وقابليتها للانتشار في كل مكان ربما يكون تعميما يفتقد الدقة، وكان من الصعب ـ مثلا ـ الحديث عن إمكانية أن يظهر تيار الدعاة الجدد ويعرف طريقه في بلد كالسودان، فهي تخضع لحكم جبهة الإنقاذ الإسلامية التي كانت أول حركة إسلامية تصل للسلطة في العالم العربي تعلن إقامة الدولة الإسلامية لتطبيق ما أسمته بـ "المشروع الحضاري الإسلامي"، كما أنها أكبر قلاع التصوف في العالم العربي التي تسيطر عليها الطرقية بما لا يدع لداعية مستقل عنها سبيلا إلى الناس.
وأذكر أنني في زيارة للشيخ حسن الترابي في منزله وجدت وفودا من الطرق الصوفية تزوره والرجل يجلس معها ويحدثها بنفس طريقتها وحين انصرفت ردد معها الأذكار الصوفية وحياها بطريقتهم.. ساعتها سألته مستغربا موقفه المتشبه بالطريقة وهو أشهر زعماء الإسلام السياسي فقال: من يتجاوز الصوفية في السودان فليبحث عن بلد آخر إذ لن يكون له مستقبل فيها!
وكان رأيي أن ظاهرة التدين الجديد التي انتشرت في كثير من البلاد العربية ربما لن تشهد امتدادا لها في السودان، غير أنني حين زرتها وبحثت عن ظاهرة الدعاة الجدد وجدتها ولكن متدثرة بالعباءة الصوفية في أبهى صورها.
شيخ مودرن
أول ما نزلت السودان سألت عن الشيوخ الشباب ممن لهم حضور في أوساط الشباب وتأثير، فأجمع الأصدقاء على أنه الشيخ الأمين عمر الأمين شيخ الزاوية المكاشفية القادرية في أم درمان.. لخص لي البعض ظاهرة الشيخ الأمين بقوله "شيخ مودرن.. كلامه جيكسي (أي مثل كلام الشباب الخنافس الروش) ومحايته بيبسي (والمحايا هي الماء المبارك الذي يوزعه الشيخ الصوفي على مريديه)!!(34/146)
وفي يوم جمعة ذهبنا ـ ومجموعة من الأصدقاء السودانيين ـ إلى زاوية الشيخ في أم درمان لحضور حضرته ودرسه الأسبوعي الذي يجمع مريديه وجمهوره... فكانت أغرب حضرة لشيخ صوفي يمكن أن تراها، فهي الصوفية الجديدة في أحدث وأغرب طبعاتها.
حين تزور هذه الزاوية لا بد وأن تراجع الصورة التقليدية عن زوايا الصوفية فهي ليست ـ كما استقر في وعينا ـ المكان النائي البعيد الذي يشبه كثيرا أديرة الرهبان، أو المكان الذي يأوي إليه الفقراء المعوزون أو قبلة المنصرفين عن الحياة الهاربين منها بحث عن النجاة، بل هناك صورة مختلفة تماما إلى النقيض.
فهي في حي من الأحياء الراقية، ملحقة بفيلا واسعة لشيخها الأمين، وتطل على ساحة كبيرة، وما تكاد تقترب حتى تفاجئك طوابير كبيرة لأفخم السيارات تشغل الشارع المؤدي إليها والشوارع الجانبية منه، بل وستجد صعوبة في الوصول إليها بالسيارة بسبب الزحام الشديد الذي يؤدي ـ كما قيل لي ـ إلى أزمة مرورية في كل درس أو حضرة.
وتزداد الدهشة مع تصفح جمهور الحضور فالغالبية العظمى من الشباب الذين تطل من وجوههم إمارات اليسر والنعيم والانتماء لعائلات وطبقات اجتماعية جد ميسورة ومميزة... تعرفت على بعضهم: مهندسون وأطباء ومحامون ورجال أعمال، أحدهم يعمل مهندسا في الحاسب الآلي، وهو الذي تولى تعريفي بالزاوية والحضور الذين كانوا قد انتهوا لتوهم من حضرة في الساحة وافترشوا الحصير ـ حصير مميز غير الذي عرفت به زوايا الصوفية ـ انتظارا لصلاة المغرب.
الجميع يرتدون الزي الأخضر، وهو زي اقترحه الشيخ الأمين لأتباعه، لكنه ليس الأخضر الباهت الذي عرفت به الصوفية.. بل هو أخضر فخم وبراق وموشى بلون أحمر.(34/147)
من بعيد كنت قد لمحت الشيخ الأمين يحدث مريديه ويقوي همتهم ويدعوهم إلى عدم الاهتمام بالنقد الذي يوجه لهم وله، فقد كان هناك الكثير من الشيوخ التقليديين من يكثرون من نقده، كما علمت، ويؤكد لهم أن نقده وسبابه دليل على أنهم على الصواب وأنهم يسيرون في الطريق الصحيح!
بيزنس مان
الشيخ الأمين هو نموذج جديد تماما على الطرق الصوفية، فهو شاب لم يكن قد جاوز الثامنة والعشرين حين تم تشييخه عام 1992 في الطريقة المكاشفية على يد الشيخ عبد الله بن الشيخ يوسف قرشي المكاشفي المعروف بـ (ود العجوز)، وكان غريبا وقتها أن يخصه الشيخ بهذه المكانة في طرق عرفت باحترام وتقديم الكبار والأخذ عنهم، وقد بدأ دعوته معتمدا على أصدقائه الذين اختار منهم خليفته (الأول: مرتضى البنا، والثاني أيمن عمر).
الشيخ الأمين لم يتحصل على دراسة دينية منظمة بل هو من خريجي التعليم المدني، فقد جاز المرحلتين؛ المتوسطة والثانوية من مدرسة أم درمان الأهلية، ثم سافر للدراسة بالسعودية فالتحق بجامعة الملك عبد العزيز ولم يدرس العلوم الشرعية وإنما درس إدارة الأعمال وحصل فيها على شهادة البكالوريوس!
عمل الشيخ الأمين في البيزنس، وهو يدير استثمارات خاصة في مدينة دبي، وهو إضافة إلى ذلك صاحب ومدير توكيل إحدى شركات التكييف العالمية بالخرطوم، فهو ـ بلغة العصر ـ بيزنس مان.
اصطحبني بعض مريديه إلى بيته للقائه بعد الدرس فإذا به فيلا واسعة كبيرة أشبه بقصر، جلست في صالة استقبال الضيوف فرأيت على إحدى الحوائط صورة كبيرة له بحجمه الشخصي يرتدي فيها العباءة الخضراء وخلفيته السماء يبدو فيها وكأنه أشبه بملاك يحلق في السماء..
والشيخ الأمين بالمواصفات السودانية والأفريقية رجل وسيم فهو طويل وعريض قوي البنية في وجهة قوة وجرأة تشبه ملامحه ـ إلى حد كبير ـ الزعيم الأميركي الأسود مالكوم إكس أو الحاج مالك شباز بعد إسلامه!
فرح أسطوري(34/148)
بعد الحضرة الصوفية التي تبدأ العصر وتنتهي مع أذان المغرب، وهي أشبه بالذكر المعروف عند الطرق، يجلس الحضور في مربع يكمل ضلعه الرابع الشيخ الأمين ومن يستضيفهم من شيوخ الزاوية الكبار، وفي خلف الشيخ تجلس غير بعيد عنه النساء والفتيات في صحبة زوجته على الكراسي ـ وليس الأرض كالرجال والشباب، وكل الجمهور أو جلهم من الشباب تقريبا، وزوجته سيدة في منتصف العمر، حسنة المظهر أنيقة الملبس تحيط بها مريدات الشيخ كما الأميرة أو الملكة غير المتوجة، ويحرصن على التبرك بها.
حكى لي صديق عن الفرح الأسطوري الذي أقامه الشيخ الأمين لعرسه، ونوعية الحضور والتساهل في الأزياء وأجواء الرفاهية والبذخ التي صاحبته على غير المعتاد عند المتصوفة... وهو في دروسه ـ وفي الدرس الذي حضرته ـ يؤكد على ذلك، ويتساءل مستنكرا اتهامات معارضيه: وما المانع؟ ولماذا لابد أن يكون المسلم هو يتحدث دائما عن أعدائه وخصومه الذين يغارون منه ويحسدونه.. ويقول متهكما: إن أفضل الدعاء "اللهم زد حسادي"!.. لأن كثرة الحاسدين دليل النجاح!..
هو نفسه يمتلك أكثر من سيارة على أحدث موديل وربما لا توجد منها إلا عدد قليل في السودان كله.. وحين يتحرك ففي موكب تسبقه وتليه سيارات مرافقيه في طقوس تشبه مواكب الأمراء والملوك!
التباسط والشبابية(34/149)
للشيخ الأمين طريقة جديدة في الدرس الصوفي وفي العلاقة بين الشيخ والمريد التي يخلق فيها حالة من التواصل بينه وبين جمهوره وليست بطريقة التوجيه المباشر من الشيخ إلى المريد، فهو يدير الدرس بطريقة تقوم على المشيخية التي تغلفها وتكسوها روح الأخوة والتباسط والشبابية التي تفرضها شخصية الشيخ وأعمار المريدين... يتحدث الشيخ الأمين باللغة السودانية الدارجة التي تمتلئ بالأمثال العامية والقصص المحلية، وهو ما يقربه كثيرا من أوساط الشباب ولكنه يعوق انتشاره خارج السودان حيث تبدو اللغة والاقتباسات غريبة على غير السودانيين خاصة وأن الفضاء الإعلامي العربي لم يعتد اللهجة السودانية ولم يألفها من قبل سواء في الدراما أو الدروس الدينية، وإن كان لا يمنع ذلك من انتشارها في أوساط الجاليات السودانية ـ وهي كثيرة ـ بالمهجر، وقد أعطى الكلمة لأحد مريديه الذي افتتح زاوية للطريقة المكاشفية القادرية بالولايات المتحدة، كما نوه إلى زاوية أخرى بأمستردام.
وبسهولة يمكن ملاحظة مساحة التجديد التي يقوم بها الشيخ الأمين في العلاقة مع شيوخ الطرق من ناحية ومع المريدين من ناحية، فهو يتقرب من مريديه ويخالطهم كأنه واحد منهم ولكنه يحتفظ في الوقت نفسه بمسافة معهم تفرض عليهم كل طقوس الاحترام والتبجيل المعروفة عند المتصوفة مثل تقبيل اليد والمبالغة في الإجلال والتوقير.. وهي العلاقة نفسها التي يقيمها مع شيوخ الطرق: الوقوف في منزلة بين المنزلتين؛ بين تأكيد الارتباط بهم والاستقلال عنهم في الوقت نفسه!(34/150)
فهو الذي يدعو شيوخ الطرق للحضرة والدرس، وهو الذي يقدمهم في درسه.. يجلسون معا على الأرض لكنه يتقدمهم بدون أن تكون التقدمة ظاهرة، ثم هو الذي يتفاعل مع الجمهور يوجههم ويختار منهم من يتحدث ويسأل، وهو الذي يوزع على المشايخ تساؤلاتهم ليجيبوا عنها، ورغم هالة التقدير التي يحيطهم بها والثناء الذي لا يكف عن توجيهه لهم والإجلال من شأنهم وتوقيرهم إلا أن الحاضر لن يتعب كثيرا في تتبع كيف يرسخ لسلطته الروحية هو.. فهو ـ في النهاية ـ الممسك بزمام الحضرة والمسير لها.
كان الدرس في أوجه حين قدم وفد من كبار شيوخ الزاوية المكاشفية القادرية يمرون لتفقد الزاوية ومتابعتها فأوقف الأمين الدرس وقام ومعه الحضور تقديرا مذكرا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "قوموا لسيدكم".. ثم قام بتقديم طقوس الاحترام والتبجيل للمشايخ وأشاد بهم وأكد على ربط نفسه بهم.. وربما نجح في تأكيد تبعيته لمشايخ الطريقة غير أن الواقع يؤكد أن كل هؤلاء الشباب إنما جاءوا له وليس لهؤلاء المشايخ وأن ارتباطهم الحقيقي به هو وليس بمؤسسة الطريقة التي يجتهد في أن يؤكد انتسابه لها وارتباط أسبابه بشيوخها، رغم أنه تجاوزها بالفعل!
الشيخ الأمين صار مركز الزاوية ليس في الخطاب وإدارة العلاقات فقط بل وفي القيام على أمور الزاوية وهو أمر يتجاوز مجرد الوعظ والإرشاد فالزاوية ـ بتعبير أهلها ـ "مكان لا تطفأ له نارٌ، ولا يتكأ له قدر"، فهو الذي يدر أمر النفقة على الزاوية، ومن أهم نفقات الزاوية نفقة الطعام والشراب الذي لا يتوقف طوال اليوم يقوم عليها مقدم يعينه الشيخ الأمين.
زاوية على الإنترنت(34/151)
للشيخ الأمين موقع على الإنترنت يحمل اسمه وعليه بيانات عنه وعن الزاوية ومنتدى لمريديه، لكنه قليل الظهور في التلفزيون والفضائيات رغم صلاته الوثيقة بالشيخ صالح كامل صاحب قناة "اقرأ" الذي كثيرا ما يجمعه ونظراءه من الدعاة الجدد ـ ومعظمهم أصدقاؤه ـ مثل الحبيب الجفري وعمرو خالد... وهم جميعا من نفس العمر تقريبا.
الشيخ الأمين يقدر "الدعاة الشباب" ويرى أنه يسير في الطريق نفسه وهو ـ مثلا ـ يبدى إعجابه بعمرو خالد كثيرا ولكن يراه يقف عند حد إعلان الدعوة والتبشير بها واستنفار الناس لها أما هو ـ الأمين ـ فيجمع الناس ويربيهم ليخوض بهم المعركة.. فعمرو يحشد بينما هو يجند ويتابع ويربي.
قد يبدو ظاهريا أن المضمون الذي يقدمه الشيخ الأمين في دروسه هو مجرد دعوة الناس إلى التعلق بأهداب الدين والتزام التصوف طريقا إلى الله، وربما لا يثير أي خلاف، على الأقل مع شيوخ الطريقة، لكنه ـ في بنيته العميقة ـ يجسد تحولا كبيرا في المنظومة الصوفية، إذ لم تعد ـ لدى هذا النموذج ـ تقوم على الزهد في الدنيا والإعراض عنها والتخفف من أثقالها، والاقتصار من حلالها على ما لابد منه، بل صارت تدعو صراحة إلى الأخذ بأسباب الدنيا والإقبال عليها والتحقق فيها بشرط اجتناب الحرام فقط!..
إنها نقلة كبيرة في الخطاب الدعوي تشابه ما جرى من تحولات في ظاهرة التدين الجديد، حيث الرغبة في التصالح مع الغنى والثروة والتحقق في الحياة فيما سميته بالبروتستانتية الإسلامية!(34/152)
لم يعد التخفف من الدنيا والاستعداد ـ فقط ـ للآخرة هدف الزاوية، كما لم يعد الزهد في متاعها والرضا بالقليل منه طريق النجاة، ولم يعد مطلوبا من المريد أن يخلع الدنيا مع حذائه عند باب الزاوية ويقبل مشاركة الفقراء وأتباع أهل الصفة أو التصوف شظف العيش في أرض الخمول بعيدا عن الأضواء والشهرة بل صارت الزاوية تدعو مريديها إلى الدخول في سباق الحياة ومنافسة أهلها في اقتسام حظوظ الدنيا، فيما مضى كانت تحفظ مريديها: "من نازعك في دينك فنازعه، ومن نازعك في دنياك فألقها إليه في نحره"، أما الآن فتقول له نازعه في كليهما وخذ حظك وافرا من الدنيا ولكن بشرط المنافسة الشريفة الملتزمة بأحكام الدين وأخلاقه.
كانت الزاوية آخر ملاذ الذين أتعبتهم الدنيا وطحن عظامهم منافساتها التي لا تهدأ فجاء الشيخ الأمين ودعاة التصوف الجديد ليعيدوا أبناء الزوايا إلى الدنيا ثانية ويعقدوا معها المصالحة.. وقد يجمع الله الشتيتين بعدما يظنان كل الظن ألا تلاقيا!
الاحتفال بالمولد النبوي
محمد الأرناؤوط - الغد – 8/4/2006
صدر مؤخراً في دمشق التاريخ المفقود لابن أحمد الدمشقي البصروي، الذي هو ما بين اليوميات والحوليات والذي يغطي السنوات الأخيرة للحكم المملوكي في بلاد الشام(871-904هـ/ 1466-1499م)، وعرف هذا المؤلف للبصروي(842-905هـ/1438 -1500م) وأُشير إليه في التواريخ المعاصرة واللاحقة، نظراً لأهميته ومكانة صاحبه الذي كان من علماء دمشق في ذلك الوقت. وفي الواقع أن "تاريخ البصروي" - كما سماه المحقق أكرم العلبي- يمثل مصدراً مهماً للتعرف على الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية لبلاد الشام في السنوات الأخيرة للدولة المملوكية، أو عشية الفتح العثماني لبلاد الشام. ومن هنا تكمن أهميته في اطلاعنا على ما كان موجوداً واستمر بعد ذلك خلال الحكم العثماني أو ما كان قائماً وانتهى.(34/153)
ومن الأمور التي كانت موجودة واستمرت بل تطورت أكثر خلال الحكم العثماني الاحتفال بالمولد النبوي سواء على المستوى الرسمي مولد السلطان أو على المستوى الشعبي.
ومع ذلك يلاحظ إذا قارنا "تاريخ البصروي" بمصدر مماثل لتلك الفترة ألا وهو"التعليق" لأحمد بن أبي طوق(834-915 هج/ 1430-1502م) الذي صدر مؤخراً أيضاً، أن البصروي لم يهتم كثيراً بتسجيل الاحتفال بالمولد النبوي في بلاد الشام. وربما يكون للموقع الذي شغله البصروي -نائب القاضي الشافعي بدمشق والمدرس بالجامع الأموي- دور في ذلك، إذ ربما كان للبصروي رأي في ذلك لم يعبر عنه بشكل مباشر وإنما بشكل غير مباشر من خلال تجاهله للاحتفال بالمولد النبوي في بلاد الشام.
ولكن إذا عدنا إلى كتاب"التعليق" لابن طوق، الذي هو أقرب إلى اليوميات التي تغطي الفترة ذاتها تقريباً (885-908 هـ / 1480-1502م)، نجد ذكراً واضحاً في عدة سنوات لهذا الاحتفال وماذا كان يقدم فيه. ومع ذلك يبقى الفارق واضحا ما بين بلاد الشام ومصر في الاهتمام بهذا الاحتفال، حيث كانت مصر تتميز باهتمام رسمي وشعبي أكبر بكثير، مع انهما ضمن دولة واحدة هي دولة المماليك.
ومع ذلك لدينا في"تاريخ البصروي" معلومة مهمة عن الاحتفال بالمولد النبوي في مصر. وفي الواقع أن ما دفع البصروي لتسجيل هذه المعلومة هو ما حدث حول الاحتفال بالمولد النبوي في القاهرة خلال ربيع الأول 902هـ/تشرين الثاني 1496م فقد ذكر البصروي أن السلطان قد احتفل بالمولد النبوي في 8 ربيع الأول، ثم"عمل في الثاني عشر مرة أخرى، ولم يحضر من جرت العادة بحضوره إلا الفقهاء والقضاة".
وأهمية هذه المعلومة تكمن في أن الاحتفال بالمولد النبوي حتى نهاية الدولة المملوكية كان يتم في يومين مختلفين -في الثامن والثاني عشر من ربيع الأول- بغض النظر عن بقية المعلومة التي تفيد بعدم حضور
"من جرت العادة بحضوره" في الاحتفال بالمولد الذي كان يقيمه السلطان المملوكي.(34/154)
وفي الواقع أن هذا الاختلاف حول يوم المولد النبوي قد شغل العلماء المسلمين قبل ذلك بقرون وبعده بقرون أيضاً. فالمؤرخ ابن كثير(توفي 774هـ/1372م) في"البداية والنهاية" يستعرض الروايات العديدة عن ولادة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وينتهي إلى أن"لا خلاف في أنه ولد في يوم الاثنين"في شهر ربيع الأول. أما عن اليوم فهناك عدة روايات استعرضها ابن كثير وهي تتراوح ما بين 3 و 8 و 12 و 17 و 18 ربيع الأول.
ومن بين هذه الروايات يركز ابن كثير على اليومين الشائعين أكثر من غيرهما، ألا وهما 8 و12 ربيع الأول. وفيما يتعلق بالأول فقد رواه الحميدي عن ابن حزم ورواه مالك وعقيل ويونس بن زيد وغيرهم عن الزهري عن ابن مطعم، ونقل ابن عبد البر عن أصحاب التاريخ أنهم صححوه أو حققوه، وقطع به الحافظ الكبير محمد بن موسى الخوارزمي ورجحه الحافظ ابن دحيه في كتابه"التنوير في مولد البشير النذير" الذي يعتبره البعض أول"مولد" بعدها أصبح يقرأ لاحقاً في الاحتفال بالمولد النبوي.
أما اليوم الآخر( 12ربيع الاول ) فقد نص عليه ابن اسحق في سيرته ورواه ابن ابي شبيبة في مصنفه عن جابر وابن عباس بقوله:" ولد رسول الله يوم الاثنين الثاني عشر من شهر ربيع الاول وفيه بعث وفيه عرج الى السماء وفيه هاجر وفيه مات".
وعلق المِرخ ابن كثير في كتابه البداية والنهاية، ج 2 ص 265 على الرأي الثاني بالقول انه:" المشهور عند الجمهور"، بينما قال عن الرأي الاول ما يلي:" والصحيح عند ابن حزم الاول انه لثمان مضين منه كما نقله عن الحميدي وهو أثبت".(34/155)
وفي الواقع ان هذا الامر، كما ورد سابقا، قد شغل علماء المسلمين قبل ابن كثير وبعده بعدة قرون. وهكذا فيما يتعلق بمصر، التي كانت معنية أكثر بالاحتفال بالمولد النبوي ولا تزال الى اليوم، نجد في النصف الاول للقرن العشرين ان المؤرخ الشيخ محمد الخضري قد توقف عند هذا الامر في كتابه" نور اليقين في سيرة سيد المرسلين"( القاهرة 1920). والمهم هنا ان الخضرى يورد ان العالم المعروف محمود باشا الفلكي قد حقق ولادة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بأنها صبيحة يوم الاثنين 9 ربيع الاول الموافق 20 نيسان 571 م.
وبالعودة الى دولة المماليك تجدر الاشارة الى ان الاحتفال بالمولد النبوي كان يتعاظم في الدولة المجاورة لها –العثمانية- خلال تلك الفترة. ففي سنة 1401م كان سليمان شلبي قد أنجز عمله الشعري"وسيلة النجاة" والذي تناول فيه سيرة النبي، واشتهر لاحقا بـ" المولد " لانه أصبح ينشد في الموالد النبوية. ومع هذا" المولد " سيظهر "أدب" جديد حيث ان الكثير من الشعراء أصبحوا يتنافسون على تقليد"مولد " شلبي أو ابداع ما هو أفضل منه كي يكون هو المرغوب في الانشاد في هذه المناسبة.
ومن ناحية أخرى فقد أصبح الاجتماع لسماع" المولد" يتم في المساجد وفي البيوت على مدار العام، أي أنه لم يعد يقتصر على يوم معين، حيث يرتبط ذلك بأكثر من مناسبة كبناء بيت، أو ولادة طفل عزيز، أو خطوبة وزواج أو شفاء من مرض.(34/156)
مجلة الراصد الإسلامية
العدد الخامس و الثلاثون – غرة جمادى الأولى 1427 هـ
فاتحة القول : رسالة لك أيها القارئ الكريم ................................4
فرق ومذاهب : الحداثة ...................................................6
سطور من الذاكرة: قراقوش ..............................................17
دراسات : * مواقف المفكرين(20) محمد عبد الله عنان .............20
* بين شيخ الإسلام ابن تيمية وابن عربي ............... 26
كتاب الشهر: تركيب المجتمع السوري ................................ 40
قالوا :............................................................ 45
جولة الصحافة:
* إيران
إعلام لا سلاح .......................................................... 50
الحوار الإيراني ـ الأمريكي................................................ 52
الخصمان واشنطن وطهران.. والملعب عراقي! .......................... 54
المهدي المنتظر.. وحلم النووي المرتقب! ............................... 57
تفجر الحرب بين الملالي! ................................................. 59
حتمية الحرب على إيران؟!.................................................. 66
حقيقة الرسالة الإيرانية!! ................................................. 69
«قيامتان» إيرانيتان تحسمان خيار الحرب والسلام في طهران ............ 70
لا جدوى اقتصادية من البرنامج الإيراني ...................................73
نجاد فاجأ الثوريين العرب ................................................ 75
نظرة تاريخية على تأسيس " المؤتلفة الإسلامي" وحزب الله اللبناني ........76
هل يندم خامنئي لاختياره أحمدي نجاد ؟ ...............................78
*العراق
الشيخ اليعقوبي ساخط على تصريحات محافظ البصرة................ 81(35/1)
دور رجال الدين الشيعة في العراق ...................................82
لقاء صريح من الناطق الرسمي باسم هيئة علماء المسلمين.............84
*البحرين
إرهاب المجلس? ?العلمائي? ?في? ?البحرين..................................88
انتفاضة الملثمين ...................................................89
النجاتي?.. ?والقرآن المحرف ( ملف ) ................................93
* متفرقات
البهائية .. أنبياء كاذبون .. وجواسيس !! .............................97
أزمة بين شيعة مصر حول الزعامة والمرجعية( ملف ) .............108
الأحمدية القاديانية ..................................................123
أول نشاط من نوعه للمثليين في لبنان ( ملف ) ......................126
جنبلاط وأرسلان يمنعان قتالاً درزياً ـ درزياً .......................130
سورية.. تصحو على صوت الأذان .................................133
شيعة القطيف والاحساء في النفق المظلم ..............................139
فاتحة القول
رسالة لك أيها القارئ الكريم
أيها القارئ الكريم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تحية طيبة نبعثها إليك ونحن نقترب من بداية عامنا الرابع – بفضل الله وكرمه – وأنت أيها القارئ الكريم بعد الله عز وجل صاحب فضل على مجلتك الراصد ، وذلك بدعائك لها ومتابعتك ، وإن كان لنا عتب عليك !!
نعم نعتب عليك أنك لا تتواصل مع مجلتك التي تحب ، فلا تصلنا منك النصيحة والمشاركة والاقتراح المبدع الذي يفتح لنا أفاقاً جديدة .(35/2)
هل فعلاً نحن المسلمين نمارس الرضى السلبي ، بدلاً من سنة النبي صلي الله عليه وسلم " وعن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن رجلاً كان عند النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فمر رجل فقال: يا رَسُول اللَّهِ إني لأحب هذا. فقال له النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: " أأعلمته؟ " قال: لا . قال : " أعلمه " فلحقه فقال: إني أحبك في اللَّه. فقال: أحبك الذي أحببتني له. رواه أبو داود بإسناد صحيح.
هل فعلاً لم يكن عندك خبر أو مقال مهم تود لو أننا نشرناه في الراصد ، ولكن أنت لم تلفت نظرنا له ؟
هل تعجز أن تنشر خبراً أو إعلاناً عن صدور الراصد أو بحثاً أعجبك في المنتديات التي تشارك بها ؟ أو تضيف بحثاً من الراصد فيها ، مع العزو إلى الراصد كما تقتضى الأمانة العلمية والخلق الرفيع ، والذي يغيب للأسف عن بعض المواقع والكتاب هداهم الله مع موقع الراصد !!!
وهنا نوجه تحية للشيخ عبد الله زقيل الذي له سبق في الإعلام بصدور أعداد مجلة الراصد في موقع " الساحة السياسية " دوماً .
هل يصعب عليك أن تسجل في قائمة بريد الراصد عنوانك وعنوان إخوانك ممن يهمهم الاطلاع على الراصد ؟
هل طلب تعليق أو نصيحة من بعض العلماء والدعاة حول الراصد وإرساله لنا موضوع شاق ؟
هل تكون من المبادرين لدعم الراصد كما فعل بعض الأوفياء عندما طبع مجلة الراصد كاملة بغلاف ملون ووزعها على المعنيين ، أو كما صنع بعض المحبين من توزيع كرت يحتوي عنوان المجلة كنوع من الدعاية لها ، فجزاهم الله خيراً .
وهناك آخرون لهم جهود مشكورة لا نعلمها نحن لكن الله يعلمها ولا يضيعها .
نقول هذا لك أيها القارئ الكريم ونحن على أعتاب مرحلة جديدة ، ننهي فيها ثلاث سنوات من عمر الراصد ، نسأل الله عز وجل أن تكون قد وفقنا فيها لتقديم النصيحة الصادقة والتحليل الدقيق والمعلومة الموثقة .(35/3)
وفي هذه المرحلة الجديدة سيكون هناك تجديد في الشكل ، وتطوير في الخدمات أبرزها توفير كافة الأبحاث السابقة مباشرة على الموقع من خلال قاعدة بيانات ،وكذلك إضافة بعض الأبواب الجديدة .
ولكن هذا يحتاج بعد عون المولى، إلى دعمكم ومشاركتكم وتفاعلكم ، وهذا ما نحس به منكم ، ولكن نريد الآن أن نسمع به ونراه ، ونحن واثقون من أنكم أيها القراء الأعزاء لن تخذلونا .
والله ولي التوفيق ،،،
فرق
الحداثة
تحدثنا في العدد الماضي من الراصد، عن الزندقة، التي هي مجموعة من الأفكار والعقائد التي تشكك في الدين، وتهزأ بالعبادات، وتنشر الإلحاد والمجون، وكانت قد ظهرت كحركة منظمة في بدايات العصر العباسي، واستخدمت حركةُ الزندقة الشعرَ والأدبَ وسيلة لنشر أفكارها، كما تمثل ذلك في أشعار أبي نواس وبشار بن برد، وأبي العتاهية، وغيرهم، كما أن عدداً كبيراً من الزنادقة اندسّوا في صفوف الفرق المنحرفة كالصوفية والشيعة لمّا عجز بعضهم عن المجاهرة بزندقته وإلحاده.
وقد لبست حركة الزندقة لكل عصر لباسه، واستخدمت أدواته، مع احتفاظها بهدفها المتمثل بمحاربة الدين وإضعاف المسلمين ونشر الفاحشة والرذيلة، وقد تمثلت في العصر الحديث بصور عديدة، أهمها "الحداثة" التي نتناولها في هذا العدد، فإن الحداثة التي استندت أساساً إلى الشعر والأدب، ليست إلاّ واحدة من صور الزندقة الحديثة، وواحدة من المذاهب المنحرفة التي ناصبت الإسلام العداء، وتطاولت على المقدسات. كما أنها شنت هجمة مقصودة على اللغة العربية وحطّت من شأنها بحجة التجديد ومحاكاة الحضارات والثقافات الأخرى.
تعريف
الحداثة مذهب فكري أدبي علماني، ولد ونشأ في أوربا، وقام على الأفكار اليهودية الإلحادية مثل الماركسية والوجودية والفرويدية والدراوينية، ووصلت إلى شكلها النهائي على يد اليهودي (عزرا باوند) وقام الشيوعيون بنقلها إلى المسلمين غالباً.
الحداثة عند الغربيين(35/4)
يذهب معظم الذين أرّخوا للحداثة الغربية أو الأوروبية، إلى أن تاريخها يبدأ منذ أواخر القرن التاسع عشر، على يد الشاعر الفرنسي شارل بودلير( ) ، صاحب ديوان أزهار الشر، الذي يعتبره الحداثيون "نبي الحداثة".
ولمعرفة شخصية هذا الشاعر، نورد ما ذكره عنه مصطفى السحرتي، في مقدمة ترجمة ديوانه "أزهار الشر"، إذا يقول عن بودلير: "لقد كانت مراحل حياته منذ الطفولة نموذجاً للضياع والشذوذ، ثم بعد نيل الثانوية قضى فترة في الحي اللاتيني، حيث عاش عيشة فسوق وانحلال، وهناك أصيب بداء الزهري، وعاش في شبابه عيشة تبذل وعلاقات شاذة مع مومسات باريس، ولاذ في المرحلة الأخيرة من حياته بالمخدرات والشراب"( ).
ومن رواد الحداثة الغربيين بعد بودلير، الشاعر الفرنسي آرتور رامبو، وعلى آثاره كان مالارميه وبول فاليري، ووصلت الحداثة في الغرب إلى شكلها النهائي على يد الأمريكي اليهودي عزرا باوند، والإنجليزي توماس إليوت،... ثم واصلت الحداثة رحلتها حين قادها مجموعة من الشيوعيين، مثل: نيرودا، ولوركا، وأراجون، وناظم حكمت، ويفتشنكو، أو من الوجوديين مثل: بول سارتر، وعشيقته سيمون دو بوفوار، وألبير كامو( ).
وبالرغم من أن الحداثة في الغرب بدأت منذ أواخر القرن التاسع عشر، إلاّ أن هذا لا يعني أنها ظهرت من فراغ( )، بل إنها تظل إفرازاً طبيعياً من إفرازات الفكر الإلحادي المتمرد على الدين، والذي نشأ بعد ظهور الرأسمالية والعلمانية، في بداية ما يسمى عصر النهضة في القرن الخامس عشر الميلادي، حين انفصلت المجتمعات الأوروبية عن الكنيسة، وثارت على سلطتها الروحية، ونشأت النزعات التحريرية والقومية بدون أي ضابط، إلاّ العمل على الكسب المادي المبني على الفكر المادي الإلحادي( ).(35/5)
ويجب الانتباه إلى أن الحداثة هي شكل من أشكال الإلحاد، والذي شجع عليه وهيأ المناخ له هو انتشار الفكر الماركسي، وضعف التمسك بالدين المسيحي بين سكان أوروبا بسبب نشاط التنظيمات اليسارية الأوروبية.
لذلك فمن الخطأ الكبير اعتبار الحداثة امتدادا للتيارات المسيحية الأصولية كالمحافظين الجدد بل هم على عداء كبير في قضايا الإلحاد والإباحية مع الاتفاق على مسائل مثل الحرية السياسية والثقافية، ولذلك فإن جميع منظري الحداثة في العالم هم من الماركسيين والشيوعيين.
الحداثة العربية
ارتبطت حركة التحول الحديثة في فن الشعر عند العرب، ببواكير النهضة العربية الحديثة( ) والذي تولى جلبها لنا هم الشيوعيون العرب.
ويصف الأستاذ جمال سلطان هذه النهضة بـ "الطرق المروع على أذني نائم، مهدود البنية، مكدود الخاطر، مخدر النفس، فكانت نتيجتها الطبيعية، الفزعة القوية الحادة"( ).
وبسبب القوة العسكرية والسياسية والاقتصادية والفكرية التي كان يتمتع بها الشرق والغرب آنذاك، انجذبت جموع من هذه الأمة إلى ما عند الغرب، وتشبثوا في تبعيته له أكثر من أهله أنفسهم( ).
وأخيراً، "انتقل وباء الحداثة إلى ديار العرب على أيدي المنهزمين فكرياً"( ). وقد حاول هؤلاء "المنهزمين" أن ينقلوا إلى المجتمعات الإسلامية، والعربية على وجه الخصوص، كلّ ما احتوته الحداثة الشرقية والغربية من إباحية ومجون، مع فارق واحد هو كتابتها بأحرف عربية.
وقد أكد كتاب وشعراء الحداثة العرب كثيراً على الارتباط الوثيق بين حداثتهم، وبين الحداثة الشرقية والغربية، وعلى الانسلاخ من الأدب العربي القديم، إذ يقول أحد رموزهم (غالي شكري): "إن المفاضلة بين الشعر التقليدي والشعر الحديث، تصبح غير ذات موضوع، لأنهما لا يملكان في حقيقة الأمر من عناصر الأرض المشتركة سوى اللغة"( ).(35/6)
ويقول غالي شكري أيضاً: "وعندما أقول الشعراء الجدد، وأذكر كبار شعراء الحركة الحديثة من أمثال: أدونيس، وبدر شاكر السياب، وصلاح عبد الصبور، وعبد الوهاب البياتي، وخليل حاوي... عند هؤلاء سوف نعثر على إليوت، وإزرا باوند، وربما على رواسب من رامبو، وفاليري، وربما على ملامح من أحدث شعراء العصر في أوروبا وأمريكا، ولكنا لن نعثر على التراث العربي"( ).
ويؤكد أدونيس، وهو من أكبر رموزهم المعاصرين، على الارتباط بين الحداثة العربية والغربية بقوله: "قد تكون علاقتي بسوفو كليس، أو شكسبير، أو رامبو، أو مايا كوفسكي، أو لوركا، أعمق من علاقتي بأي شاعر عربي، دون أن يعني ذلك أنني خارج على التراث الشعري العربي"( ).
إذاً، حاول مجموعة من الأدباء والشعراء العرب المتأثرين بالإباحية الأوروبية والمجون والانحلال نقل هذه الأفكار إلى الأمة بحذافيرها، إلاّ أن ذلك جوبه برفض المسلمين، الذين يغارون على دينهم، ويعترضون على الإساءة إليه، خاصة أن الحداثة، مبدأ غربي وافد على الأمة، ولا يعقل على الحداثيين أن يواجهوا جماهير المثقفين المسلمين في البداية بفكرة غربية ولباسها غربي، فبحثوا عن ثوب عربي يلبسونه الفكرة الغربية، حتى يمكنها أن تتسلل إلى العقول في غيبة يقظة الإيمان والأصالة"( ).
وهذا الثوب "العربي" الذي حاول الحداثيون إلباسه لمذهبهم الجديد، لم يكن سوى "الزندقة" التي شاعت في بدايات الدولة العباسية، وفي فترات أخرى، وأخذوا ينقبون للحداثة عن أي أصول لها في التاريخ العربي، "لعلها تكتسب بذلك الشرعية، وتحصل على جواز مرور إلى عقول أبناء المسلمين"( ).
وهكذا بدأ الحداثيون ينبشون كتب التراث، ويستخرجون كلّ شاذ ومنحرف من الشعراء والأدباء والمفكرين، مثل بشار بن برد، وأبي نواس، لأن في شعرهم الكثير من المروق على الإسلام، والتشكيك في العقائد، والسخرية منها، والدعوة للانحلال الجنسي( ).(35/7)
وقد اعتبر الشاعر أدونيس أن ما يجذبه ويجذب الحداثيين إلى شعر الزنادقة كأبي نواس وعمر بن أبي ربيعة، هو تدنيس المقدسات الذي يسميه الانتهاك، فيقول: "إن الانتهاك هو ما يجذبنا في شعرهما، والعلة في هذا الجذب، أننا لا شعوريّاً نحارب كل ما يحول دون تفتح الإنسان، فالإنسان من هذه الزاوية ثوري بالفطرة، الإنسان حيوان ثوري"( ).
وإضافة إلى الزنادقة من شعراء العصر العباسي، فقد اتجه الحداثيون إلى مؤلفات أتباع الفرق المنحرفة كالصوفية، وأثنوا عليهم خيراً وألفوا في مدحهم القصائد والمسرحيات، وعلى رأسهم الحلاّج والبسطامي وابن عربي( ).
أبرز ما نادى به الحداثيون
يعد أدب الحداثة امتداداً لفكر الزندقة، ولقد "ساهم الشعر الحديث في إشاعة الإلحاد، والتطاول على المقدسات الإسلامية، ونشر أدب الفجور والانحلال بشكل ليس له نظير، محتمين بالقوانين العلمانية، ومحاربة الإسلام في دياره، ومَن أمن العقاب أساء الأدب"( ).
كما أن اللافت للنظر، أن غالبية رموز الحداثة العربية هم من أصحاب الفكر الشيوعي، ومن أصحاب التوجه اليساري الملحد( ) إضافة إلى أن كثيراً منهم بالأصل ينتمون إلى النصرانية، وإلى بعض الفرق المنحرفة كالنصيرية. ولكن شيوعيتهم هي الدافعة لهم على نشر الحداثة.
وإذا كان زعماء الحداثة من الشيوعيين، فلا عجب أن يحمل هذا المذهب الأدبي أفكار الإلحاد والمجون والفحش. وفيما يلي بيان لأهم ملامح هذا المذهب، وأهم ما نادى به وتناوله:(35/8)
1ـ استبعاد الدين تماماً من معاييرهم وموازينهم، بل ومصادرهم، إلاّ أن يكون ضمن ما يسمونه بالخرافة والأسطورة( ). وقد نقل الشيخ عوض القرني عن إحدى الحداثيات قولها: "إن التوجهات الأساسية لمفكري العشرينات، تقدم خطوطاً عريضة تسمح بالقول إن البداية الحقيقية للحداثة من حيث هي حركة فكرية شاملة، فقد انطلقت يومذاك، فقد مثل فكر الرواد الأوائل قطيعة مع المرجعية الدينية والتراثية كمعيار ومصدر وحيد للحقيقة، وأقام مرجعين بديلين: العقل والواقع التاريخي"( ).
وينقل عن الكاتبة نفسها (خالدة سعيد) قولها أيضاً: "عندما كان طه حسين وعلي عبد الرزاق يخوضان معركة النموذج (الإسلام)، بإسقاط صفة الأصلية فيه، ورده إلى حدود الموروث التاريخي، فيؤكدان أن الإنسان يملك موروثه ولا يملكه هذا الموروث، ويملك أن يحيله إلى موضوع للبحث العلمي والنظر، كما يملك حق إعادة النظر في ما اكتسب صفة القداسة، وحق نزع الأسطورة عن المقدس، وحق طرح الأسئلة والبحث عن الأجوبة"( ).
2ـ الاستهزاء بالمقدسات الإسلامية، والتطاول على الله تعالى وعلى أنبيائه وكتبه وشريعته، ومن ذلك قول نزار قباني، وهو من أبرز شعراء الحداثة: "من بعد موت الله مشنوقا... على باب المدينة لم تبق للصلوات قيمة... لم يبق للإيمان أو للكفر قيمة"( ).
وقول الشاعر عبد الوهاب البياتي، والعياذ بالله:
الله في مدينتي يبيعه اليهود
الله في مدينتي مشرد طريد
أراد الغزاة أن يكون
لهم أجيراً شاعراً قواد
يخدع في قيثاره المذهّب العباد
لكنه أصيب بالجنون( ).
3ـ شن الحرب على اللغة العربية، كونها لغة القرآن الكريم، والتقليل من شأنها، وربطها بالتخلف والجمود. وفي المقابل تعظيم شأن الثقافات والديانات واللغات الأخرى، وكذلك اللهجات العاميّة. ولقد دعا ميخائيل نعيمة إلى هجر اللغة العربية، والبحث عما أسماه "لغة عالمية موحدة، تتجمع حولها الشعوب كلها"( ).(35/9)
وفي لبنان، تبنى الشاعر سعيد عقل الدعوة إلى العاميّة، التي يسميها اللغة اللبنانية، ووصل به التطرف إلى كتابة هذه اللغة بحروف لاتينية، وله صحيفة أسبوعية محدودة الانتشار، تطبع بالحروف اللاتينية( ).
وقد صرح أحد مؤسسي الرابطة القلمية (عبد المسيح حداد) بأن أعضاء الرابطة من أدباء الحداثة كانوا يعتبرون الأدب العربي، الوجه الآخر للعقيدة الإسلامية( ).
4ـ الدعوة إلى الانحلال الجنسي، والفحش والمجون، ويقف على رأس الحداثيين في ذلك، الشاعر السوري نزار قباني، الذي كرّس حياته وشعره لهدم كيان الأسرة، وكانت معظم دواوينه في وصف جسد المرأة، والدوران حول قضايا الجنس، وقد قال: لو كنت حاكماً لألغيت مؤسسة الزواج، وختمت أبوابها بالشمع الأحمر"، وقال : "العري أكثر حشمة من التستر"( ).
5ـ الغموض، فإن من يقرأ أدب الحداثة يقع في حيرة من أمره، بحيث يجزم بأن هذه الأشعار ليست من لغة العرب، سواءً في مفرداتها أو تراكيبها، وقد طغى الغموض حتى على عناوين قصائدهم وكتاباتهم( ).
والغموض في شعر الحداثة أمر متفق عليه بينهم، لغايات سيأتي بيانها، وينقل الشيخ عوض القرني عن أحمد كمال زكي في كتابه "شعراء السعودية المعاصرون" ص 18 قوله: "ولو أننا وقفنا عند ظاهرة واحدة من ظواهر الشعر الجديد، وهي الغموض، وقد أصّله سعيد عقل، وأدونيس، أحد شيوخ المجددين، لرأينا العجب العجاب"( ).
وينقل عن سعيد السريحي في كتابه "الكتابة خارج الأقواس" ص 17، قوله: "إن ظاهرة الغموض التي من شأنها أن تعد السمة الأولى للقصيدة الجديدة، نتيجة حتمية أفضت إليها سلسلة من التطورات التي طرأت على العلاقة المتوترة بين الشاعر المبدع والقارئ المتلقي"( ).
ويعتبر الأستاذ جمال سلطان أن إغراق عامة النتاج الشعري الحديث في متاهات الرمز والغموض يعتبر من أهم الأسباب التي عمّقت الانقطاع بين الشعر الحديث ووجدان الأمة( ).(35/10)
ويعدد الشيخ القرني بعض الأسباب التي تدفع شعراء الحداثة للغموض، منها:
ـ رغبتهم بالانطلاق بلا ضوابط وبلا معايير في كل شيء.
ـ كسر الإطار العام للغة العربية، وتحويلها مع مرور الزمن والأيام، ومن خلال استبدال مفرداتها وتراكيبها ومعانيها إلى لغة جديدة، لا صلة لها باللغة العربية الفصحى.
ـ إيجاد واقع فكري جديد، منفصل عن واقع الأمة الفكري، وماضيها العلمي والعقلي والأدبي، في الشكل والمضمون، إذ لجأ الحداثيون إلى الرموز الوثنية والإشارات الإلحادية، وضمنوها في أشعارهم.
مراحل الحداثة
مرت حركة الحداثة بعدة مراحل، كان لكل مرحلة أفرادها، وسماتها المميزة، وقد لجأ الحداثيون إلى إنشاء الروابط والنوادي الأدبية، وإصدار الصحف والمجلات.
والحداثة في الثقافة العربية تدرجت وتنوعت في المقاصد بين مجموعات انتسبت للماسونية أو مجموعات تأثرت بالشكل الخارجي للأدب مثل "جماعة الديوان" وشخصيات انتهى تأثيرها على مسار الحداثة العربية وبين التيار الرئيسي في الحداثة اليوم، وهو التيار الشيوعي الماركسي الذي يسيطر على أغلب منابر الأدب والثقافة العامة.
المرحلة الأولى: البداية التي يرجح أنها كانت على يد خليل مطران (1872 ـ 1949م)، حيث بدأ مطران في نشر مفاهيم جديدة، ورؤية محدثة للأدب عامة، وللشعر بوجه الخصوص، عبر صفحات مجلته "المجلة العصرية" التي أصدرها عام 1900م، وفيها يقول: "للعرب عصرهم، ولنا عصرنا، ولهم آدابهم وأخلاقهم وعلومهم وحاجاتهم.... ولهذا وجب أن يكون شعرنا ممثلاً لتصورنا وشعورنا".
وقد حاول مطران محاكاة الأدب والشعر الفرنسي، ورغم أنه يعتبر رائد الحداثة الأول، إلاّ أن محاولاته كانت محدودة وحذرة، ولم تشكل ظاهر عامة في شعره.
المرحلة الثانية: في مطلع العقد الثاني من القرن العشرين، حيث ظهر في مصر في تلك الفترة جماعة أطلق عليها جماعة "الديوان" وتشكلت من عبد الرحمن شكري، وعباس العقاد، وإبراهيم المازني.(35/11)
وقد كانت هذه الجماعة وزعيمها شكري متأثرة إلى حد كبير بالمدرسة الإنجليزية في الشعر، وسرعان ما دبت الخلافات بين أفرادها، ولم تستطع أن تخلف تياراً ثابتاً وواعياً لمنهجها في الشعر العربي، أو أن تكون مدرسة لها تمتد بعد زعمائها الأوائل.
المرحلة الثالثة: وقد جاءت متزامنة ومواكبة لجماعة الديوان في مصر، لكن هذه المرحلة نشأت في المهجر، وتحديداً في أمريكا، وقادها أمين الريحاني (1876ـ 1940)، وجبران خليل جبران، (1883ـ 1931) وميخائيل نعيمة (1889ـ ) مؤسسين لـ "الرابطة القلمية" في نيويورك سنة 1920، وقد اشترك في تأسيسها عدد من مسيحيي لبنان في المهجر مثل : إيليا أبي ماضي ونسيب عريضة وإلياس عطا الله وعبد المسيح حداد.
وكان على رأس هذه المرحلة جبران، الذي كان منذ نعومة أظفاره يكره العرب، وكل ما يتصل بالعربية، حيث كان نزّاعاً إلى الغرب الأوروبي.
"وفي الإجمال، فقد صرح بعض الباحثين، بأن المصدرين الرئيسيين، اللذين أثرا على التكوين الفكري والأدبي لشعراء الرابطة القلمية، هما: الثقافة المسيحية وما انتهى إليها من فلسفات الشرق وأديانه، والثقافات الأجنبية وما اطلعوا عليه من آداب الغرب وفلسفاته"( ).
المرحلة الرابعة: ممثلة بجماعة "أبوللو" التي نشأت في مصر في أوائل العقد الرابع من القرن الماضي، على يد د. أحمد زكي أبو شادي (1892ـ ) كحركة أدبية اجتماعية.
وقد ضمت "أبوللو" عدداً من الشباب الموهوبين، أمثال إبراهيم ناجي، وعلي محمود طه، وأبي القاسم الشابي، وصالح جودت، وحسن الصيرفي، وغيرهم، وقد كان مؤسس هذه المدرسة "د. أبو شادي" وصاحب مجلتها "أبوللو"، غربي النشأة والتكوين النفسي والمزاج.
وعلى الرغم من أن عمر جماعة أبوللو لم يتجاوز السنتين، إلاّ أنها استطاعت أن تخلف على الساحة الأدبية جيلاً، تعدت آثاره إلى البلاد العربية الأخرى، ولعدة عقود تالية.(35/12)
المرحلة الخامسة: وهي التي برز فيها العراقيون، مع نهايات العقد الخامس، وعلى رأسهم "نازك الملائكة" التي دعت إلى نوع جديد من النظام الشعري، أطلقت عليه اسم "الشعر الحر" لا يلتزم بالقافية، ولا بأوزان العرب المعروفة، وقد كان ديوانها الثاني "شظايا ورماد" الصادر عام 1949، أول ديوان شعري يحمل لواء هذه الدعوة.
وقد حملت نازك بقسوة على الشعر العربي، ومن أقوالها:
ما لطريقة الخليل؟ وما اللغة التي استعملها آباؤنا منذ عشرات القرون؟ ألم تصدأ لطول ملامستها الأقلام والشفاه، منذ سنين وسنين؟ ألم تألفها أسماعنا، وترددها شفاهنا، وتعلكها أقلامنا حتى مجتها وتقيأتها؟!( ).
وكان من رواد هذه المرحلة: بدر شاكر السياب (1926ـ 1964)، و عبد الوهاب البياتي من العراق، وصلاح عبد الصبور وأحمد عبد المعطي حجازي من مصر.
المرحلة السادسة: وفيها انتقلت حيوية الحركة الشعرية إلى لبنان خلال العقدين السادس والسابع، بفعل ثلاث بؤر أدبية ناشطة، تحلقت حول ثلاث مجلات وهي على التوالي: الآداب، وشعر، وحوار.
وكان الخط الفكري والنفسي متقارباً إلى حد بعيد بين البؤر الثلاث، مجملاً في الدعوة إلى "أيديولوجية وجودية، مبدؤها العدم، والغثيان والكينونة، وحرية الوجود الفردي"( ).
ومن الحداثيين البارزين في تلك المرحلة: يوسف الخال، وشوقي أبو شقرا، وعلي أحمد سعيد "أدونيس"، ونذير العظمة.
وقد كانت هذه المجلات الثلاث تتبنى بوضوح عملية تغريب الشعر العربي، تغريباً تاماً، حتى اعتبر النقاد أن شعرهم كأنه مترجم عن الشعر الأجنبي.( )
الأدب الشيوعي
ويلفت بعض الباحثين النظر إلى أن الاشتراكية أو الشيوعية شكلت تياراً بارزاً في الشعر العربي منذ نهاية العقد الخامس وبدايات السادس، وطرحت مفاهيم جديدة، ومعاني محدثة.(35/13)
وقد ولد هذا التيار في أحضان الحركة الشيوعية المصرية، وعبر نفر من شبابها، أمثال: كمال عبد الحليم، وكيلاني سند، وعبد الرحمن الخميس، وعبد الرحمن الشرقاوي، وأحمد عبد المعطي حجازي.
ويؤكد أ.جمال سلطان: أن ميلاد هذا التيار الجديد في مصر، كان غريباً ومهملاً، ولا يكاد يلتفت إليه أحد، على مستوى الحركة الأدبية العامة حتى وقع له التحول الكبير وواسع النطاق مع نجاح ثورة يوليو سنة 1952، وظهور تحولاتها الاشتراكية في الحكم والفكر والأدب، وسرعان ما امتدت هذه الروح الجديدة، لتعم معظم بلدان العرب الأخرى( ).
وهذه المرحلة "كان من رموزها: سلامة موسى ولويس عوض وأنور المعداوي ومحمود أمين العالم وحسين مروة وغائب طعمة وبدر شاكر السياب وعبد الوهاب البياتي وبلند الحيدري وجبرا إبراهيم جبرا ومحمود درويش ومعين بسيسو وسميح القاسم وتوفيق زياد وأدونيس وغيرهم"( ).
ورافق هذا التيار الاشتراكي، بل كان رديفاً له، تيار يأخذ بالفكر الوجودي، يمثله يوسف الخال، وخليل حاوي وأمثالهم( ).
للاستزادة
1ـ الحداثة في ميزان الإسلام ـ عوض بن محمد القرني.
2ـ أدب الردة ـ جمال سلطان.
3ـ التيارات الفكرية والعقدية في النصف الثاني من القرن العشرين ـ محمد فاروق الخالدي.
4ـ المذاهب والتيارات المعاصرة ـ د. محمود إبراهيم الخطيب.
سطور من الذاكرة
قراقوش
بهاء الدين قراقوش هو أحد القادة البارزين زمن صلاح الدين الأيوبي، وأحد مساعديه، وأحد الذين خاضوا الحروب ضد الصليبيين الغزاة، كما أنه قدم خدمات جليلة لمدينة القاهرة عمرانياً من خلال إقامة الأسوار والقلاع والقناطر وكان له الجهود الكبيرة في القضاء على الدولة الفاطمية الشيعية، وإعادة مصر إلى مذهب أهل السنة... ومع ذلك يرتبط اسمه ـ زوراً ـ بالظلم والقسوة والأحكام الغريبة، وتحيط به الافتراءات، وتنسج حوله النوادر والحكايات.(35/14)
وفي هذه السطور نعرض شيئاً من حياة هذا الأمير القائد، وأعماله جهاده، وحملة الافتراء والتشويه التي تعرض لها، كمثال على ما تتعرض له الشخصيات السنيّة من ظلم وتشويه.
وبهاء الدين قراقوش( ) تركي، كان في بادئ أمره، خادماً عند أسد الدين شيركوه ـ عم صلاح الدين ـ ثم اتصل بخدمة صلاح الدين بعد موت عمه، فأعتقه، وقربه إليه، وبدأ يوكل إليه المهمات.
ومن أولى المهمات الجسيمة التي أوكلها صلاح الدين إلى قراقوش، تعيينه متوليّاً على القصر الفاطمي، عندما قام صلاح الدين بإنهاء الدولة العبيدية الفاطمية، سنة 567هـ (1171م)، وأعاد مصر إلى مذهب أهل السنة، وإلى دولة الخلافة العباسية، كما كانت عليه قبل قدوم العبيديين إلى مصر.
واستطاع قراقوش التعامل بحكمة وحزم مع المؤامرات التي كان يحيكها بقايا الفاطميين في مصر، بعد سقوط دولتهم، وموت آخر خلفائهم "العاضد" فازدادت ثقة صلاح الدين بقراقوش، ومن المهمات الكبرى التي أوكلها إليه، أن ولاّه مدينة عكا لمّا فتحها صلاح الدين ، وطلب منه تحصينها بأسوار تمنع عودة الصليبيين إليها، لكنّ عكا سقطت بعد حصار دام سنتين، ووقع قراقوش في الأسر، ففداه صلاح الدين من الأسر بعشرة آلاف دينار، وفرح بعودته فرحاً شديداً، مقدراً الخدمات التي قدّمها للسلطان والإسلام والمسلمين.
وقد شارك قراقوش صلاح الدين في حروبه ضد الصليبيين، كما شارك في الفتوحات التي انطلقت تجاه المغرب العربي، وحقق فيها المسلمون انتصارات مهمة، وغنموا أموالاً كثيرة.
وقد أجمع المؤرخون على شجاعة قراقوش، وبسالته وهمته، إذ يقول ابن خلكان: "... ولما استقل صلاح الدين بالديار المصرية، جعله زمام القصر، ثم ناب عنه مدة بالديار المصرية، وفوّض أمورها إليه، واعتمد في تدبير أحوالها عليه، وكان رجلاً مسعوداً وصاحب همة عالية"( ).(35/15)
ويقول الإمام ابن كثير: "الأمير بهاء الدين قراقوش، الفحل الخصي أحد كبار كتاب أمراء الدولة الصلاحية، كان شهماً شجاعاً فاتكاً، تسلم القصر لما مات العاضد، وعمّر سور القاهرة"( ).
وإضافة إلى قدراته العسكرية والسياسية، فقد كان لقراقوش منجزات معمارية هامّة، ما يزال بعضها حاضراً إلى اليوم في مصر، إذ أمر صلاح الدين وهو في غمرة قتاله مع الصليبيين بتحصين مصر، والقاهرة على وجه الخصوص بالقلاع والأسوار، وولّى على هذه المهمة، قراقوش، الذي أبدع في بناء سور القاهرة، وقلعة المقطم، كما أنشأ الجسور والقناطر والترع، مستفيداً من أساليب الفرنج في هندستها، ويروي الإمام ابن كثير في حوادث سنة 573هـ أن فيها، "أمر الملك الناصر (صلاح الدين) ببناء قلعة الجبل، وإحاطة السور على القاهرة ومصر فعمر قلعة للملك لم يكن في الديار المصرية مثلها ولا على شكلها، وولّى عمارة ذلك الأمير بهاء الدين قراقوش"( ).
وبعد وفاة صلاح الدين سنة 589هـ، حمل قراقوش جزءاً من العبء والمسؤولية، وعني بأبنائه وإصلاح ذات بينهم، وظل على ذلك إلى أن توفي سنة 597هـ "وكانت وفاته في مستهل رجب سنة سبع وتسعين وخمسمائة بالقاهرة، ودفن في تربته المعروفة به بسفح المقطم بقرب البئر والحوض اللذين أنشأهما على شفير الخندق رحمه الله تعالى"( ).
وبالرغم مما قدمه قراقوش من خدمات للإسلام والمسلمين، إلاّ أن سيرته تعرضت للتشويه والافتراء، من قبل الشيعة أولاً، الذين ساءهم أن يساعد قراقوش صلاح الدين في القضاء على الدولة العبيدية، ثم من قبل الحاسدين الذين رأوا صلاح الدين يقرب قراقوش، ويوكل إليه المهمات، فألّف الوزير الأسعد بن مماتي (ت سنة 606هـ ـ 1209م) كتاباً أسماه "الغاشوش في أحكام قراقوش"، نسب فيه إلى قراقوش أحكاماً قضائية عجيبة "أقرب إلى الجور والظلم والتعجل في إصدار الحكم، منها إلى المنطق والعدل والتأني في البحث عن الحق"( ).(35/16)
وقد شكك العلماء والمؤرخون بالأحكام التي نسبها ابن مماتي لقراقوش، فقد قال ابن العماد الحنبلي: "الأمير الكبير الخادم بهاء الدين الأبيض فتى الملك أسد الدين شيركوه، وقد وضعوا عليه خرافات لا تصح، ولولا وثوق صلاح الدين بعقله لمّا سلّم إليه عكا وغيرها، وكانت له رغبة في الخير وآثار حسنة"( ).
ويقول ابن خلكان عن كتاب الغاشوش: "وفيه أشياء يبعد وقوع مثلها منه، والظاهر أنها موضوعة، فإن صلاح الدين كان معتمداً في أحوال المملكة عليه، ولولا وثوقه بمعرفته وكفايته، ما فوضها إليه"( ).
"ويبدو أن سياسته في القاهرة كانت حكيمة وحازمة في إزالة آثار الفاطميين وتضييق الخناق على بقاياهم، لذلك لم يجدوا سبيلاً لمحاربته إلاّ بالإشاعات وتشويه السمعة، حيث وضعوا عنه كتاباً أسموه (الفاشوش)... وهي الإشاعات التي يرددها معاصرونا بغباء"( ).
للاستزادة: 1ـ وفيات الأعيان ـ الإمام ابن خلكان.
2ـ البداية والنهاية ـ الإمام ابن كثير.
3ـ هكذا ظهر جيل صلاح الدين ـ الدكتور ماجد الكيلاني.
4ـ قراقوش ـ الدكتور عبد اللطيف حمزة.
5ـ الموسوعة الفلسطينية.
مواقف المفكرين - 20-
الأستاذ محمد عبد الله عنان
هذه سلسلة من البحوث كتبها مجموعة من المفكرين والباحثين عن عقيدة وحقيقة مذهب الشيعة من خلفيات متنوعة ومتعددة ، نهدف منها بيان أن عقائد الشيعة التي تنكرها ثابتة عند كل الباحثين ، ومقصد آخر هو هدم زعم الشيعة أن السلفيين أو الوهابيين هم فقط الذين يزعمون مخالفة الشيعة للإسلام .
والأستاذ محمد عبد الله عنان ، هم من الباحثين المرموقين وله العديد من الكتب القيمة ، مثل كتابه " الحاكم بأمر الله " ، و كتابه " تاريخ الجمعيات السرية والحركات الهدامة " الذي نقتبس منه هذا المبحث من ص 23 – 27 .
الراصد
ثورة الشيعة
محمد عبد الله عنان
أصل الشيعة(35/17)
لما توفي النبي العربي ثار الخلاف واختلفت كلمة القبائل على مسألة الحكم، وهدأت ثورة هذا الخلاف حيناً في عهد أبي بكر أول الخلفاء وعهد خلفه عمر، ولكنها تفاقمت في عهد عثمان ثالث الخلفاء وانتهت بمقتله. وتولى علي بن أبي طالب الخلافة من بعده. وكان لعلي حزب ينادي بخلافته عقب النبي مباشرة، ويرى أنه هو وبنوه أحق الناس بها، بيد أن هذا الحزب لم يكن في البداية من القوة بحيث يستطيع أن يحول دون خلافة أبي بكر وعمر وعثمان، فلما اشتد ساعده تحققت غايته بتولية علي، ثم نهض معاوية يسعى إلى نيل الخلافة مستتراً بالثأر لعثمان، فاجتمع حول علي كل أنصار الشورى ليقاوموا أطماع معاوية، وأخذوا يتلمسون من النصوص والوثائق الدينية ما يؤيدون به حق علي وأسرته.
معنى الاصطلاح
هذا الحزب الذي التف حول علي منذ وفاة النبي وساعده على نيل الخلافة، وأيده ضد معاوية إلى النهاية، ثم التف حول بنيه من بعد مقتله، هو حزب الشيعة أي الأتباع والصحب. والشيعة في عرف علماء الكلام هم أتباع علي وبنيه. ويقال لهم شيعة آل البيت.
ومن الخطأ أن يقال إن الشيعة إنما ظهروا لأول مرة عند انشقاق الخوارج وأنهم سموا كذلك لبقائهم إلى جانب علي، فشيعة علي ظهروا منذ وفاة النبي، كما قدمنا، ولبثوا يرقبون الحوادث والفرص حتى ولي الخلافة علي.
مذهب الشيعة في الإمامة
ومذهبهم جميعاً هو أن الإمامة ليست من المصالح العامة التي تفوض إلى نظر الأمة ويختار القائم بها بتعيينهم، بل هي ركن من أركان الدين لا يجوز لنبي إغفاله ولا تفويضه إلى الأمة، بل يجب عليه تعيين الإمام لهم، وأن يكون هذا الإمام معصوما من الكبائر والصغائر، وأن علياً هو الذي عينه النبي للخلافة من بعده. وهم يؤيدون ذلك بآيات من القرآن يفسرونها طبقاً لرأيهم، وأحاديث ينسبونها إلى النبي، ليس من موضوعنا أن نتعرض لبحثها ومناقشتها.
فرقهم(35/18)
والشيعة فرق عدة أهمها الإمامية، وهم الذين يتبرأون من أبي بكر وعمر ويطعنون في إمامتهما، لأنهما لم يقدما علياً ويبايعاه طبقاً للنصوص التي يقولون بها. ويسمون كذلك لقولهم باشتراط معرفة الإمام وتعيينه في الإيمان. والزيدية وهم لا يتبرأون من أبي بكر وعمر ولا يطعنون في حقهما مع قولهم بأن علياً أفضل منهما، لكنهم يجيزون إمامة المفضول مع وجود الأفضل وهم أتباع زيد بن علي بن الحسين.
ومن الشيعة طوائف يسمون الغلاة قالوا بألوهية هؤلاء الأئمة، إما على أنهم بشر اتصفوا بصفات الألوهية، أو أن الإله حل في ذواتهم البشرية، وهو قول بالحلول يوافق مذهب النصارى. ومنهم من قال إن كمال الإمام لا يكون لغيره، فإذا مات انتقلت روحه إلى إمام آخر ليكون فيه ذلك الكمال، وهو قول بالتناسخ، ومن هؤلاء من يقف عند واحد من الأئمة لا يتجاوزه إلى غيره، ويقول إنه حي لم يمت إلا أنه غائب عن الأعين، ومن ذلك قول الاثنى عشرية ـ نسبة إلى الثاني عشر من أئمة الإمامية وهو محمد بن الحسن العسكري ـ أنه لم يمت بل اختفى وأنه يخرج آخر الزمان فيملأ الأرض عدلا كما ملئت جوراً ويلقبونه بالمهدي المنتظر، إلى غير ذلك من النظريات والمزاعم.
اختلافهم في مساق الخلافة
وقد اختلف الشيعة فيما بينهم في مساق الخلافة بعد علي، فمنهم من ساقها في ولد فاطمة (ابنة النبي وزوج علي) بالنص عليهم واحداً بعد واحد وهم الإمامية. ومنهم من ساقها في ولد فاطمة بالاختيار واشترطوا أن يكون الإمام منهم عالماً زاهداً جواداً شجاعاً، وأن يخرج داعياً إلى إمامته وهم الزيدية، ومنهم من ساقها بعد علي وابنيه الحسن والحسين (ابنا فاطمة) إلى أخيهما محمد بن الحنفية، وهم الكيسانية نسبة إلى مولاه كيسان.(35/19)
وأما الكيسانية فساقوا الإمامة من بعد محمد بن الحنفية إلى ابنه ثم افترقوا فساقها بعضهم إلى أخيه علي ثم إلى ابنه الحسن، وزعم آخرون أن أبا هاشم أوصى بالإمامة إلى محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، وأوصى محمد بها إلى ابنه إبراهيم المعروف بالإمام، وأوصى إبراهيم إلى أخيه عبد الله الملقب بالسفاح، وهو أول خلفاء بني العباس، وأوصى السفاح إلى أخيه أبي جعفر المنصور، ثم انتقلت في ولده بالنص والعهد.
الزيدية
وأما الزيدية فساقوا الإمامة على مذهبهم فيها باعتبار أنها تقوم باختيار الأمة لا بالنص، فقالوا بإمامة علي فابنه الحسن فأخيه الحسين فابنه علي زين العابدين فابنه زيد وهو إمام المذهب.
وقد خرج زيد بالكوفة داعياً إلى الإمامة فقتل، فقال الزيدية بإمامة ابنه يحيى، وسار يحيى إلى خراسان داعياً فقتل أيضاً بعد أن أوصى بالإمامة إلى محمد بن عبد الله من ولد الحسن، وهو المعروف بالنفس الزكية، وقد خرج بالحجاز وتلقب بالمهدي وحاربته عساكر المنصور فقتل، فقال بعض الزيدية إن الإمام من بعده أخوه إدريس الذي فر إلى المغرب الأقصى، واختط مدينة فاس، وأسس دولة الأدارسة. وخالفهم آخرون منهم، وتشعبت آراؤهم في ذلك.
الاثنا عشرية
وأما الإمامية فقالوا علي ثم ابنه الحسن بالوصية ثم أخيه الحسين فابنه زين العابدين فابنه محمد الباقر فابنه جعفر الصادق، ومن هنا اختلفوا إلى فرقتين: قالت الأولى بإمامة ابنه إسماعيل وهم الإسماعيلية ولقبوه بالإمام.
وقالت الأخرى بإمامة ابنه موسى الكاظم فابنه علي الرضا فابنه أبو جعفر محمد فابنه علي فابنه محمد الحسن العسكري فابنه محمد المهدي وهو الثاني عشر من هؤلاء الأئمة. ولذا سميت هذه الفرقة بالاثنى عشرية. وإلى هنا تقف بأئمتها وتقول إن خاتمهم وهو المهدي لم يمت وإنما اختفى وتغيب حين اعتقل مع أمه، ولا يزال مختفياً إلى آخر الزمان ثم يخرج فيملأ الأرض عدلا كما ملئت جوراً ويسمونه بالمهدي المنتظر.
الإسماعيلية(35/20)
وأما الإسماعيلية فقالوا بإمامة إسماعيل الإمام، ثم ابنه محمد المكتوم وهو أول الأئمة المستورين لأنه الإمام عندهم قد لا يكون ذا شوكة فيستتر، فإذا كانت له شوكة ظهر وأظهر دعوته، ثم من بعده إلى ابنه جعفر الصادق ثم ابنه محمد الحبيب وهو آخر المستورين، ثم ابنه عبيد الله المهدي الذي فر إلى إفريقية وقام بدعوته هنالك وملك القيروان وأسس دولة العبيديين، وأسس بنوه دولة الفاطميين في مصر، ويسمى هؤلاء الإسماعيلية أيضاً بالباطنية نسبة إلى قولهم بالإمام المستور أي الباطن.
وقد عنينا بذكر ما تقدم من فرق الشيعة، وترتيب أئمتهم وأنسابهم، تمهيداً لما سنذكره من تاريخ هذه الفرق، بيد أنا لن نعني كما قدمنا بهذا التاريخ إلا من حيث أن الفرق ثورية أو سرية.
تنازل الحسن ومقتل الحسين
لما قتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بايع الشيعة ابنه الحسن بوصية منه، غير أن بيعة الحسن لم تكن إلا صورة، وكان مقتل عليّ نذير الانحلال في صفوف العراقيين فانقض الجند عن الحسن، واضطر أن ينزل عن الخلافة لمعاوية كما رأينا، فنقم الشيعة منه ذلك والتفوا حول أخيه الحسين، ولحق الحسين أولا بمكة، ثم عاد فاعتزم السير إلى الكوفة حينما استدعاه بعض أشرافها، وأخذوا له البيعة، وسار الحسين إلى الكوفة في نفر قليل من شيعته بعد أن انصرف عنه معظم أصحابه.(35/21)
ولقيه جند عامل الكوفة الأموي عبيد الله بن زياد على مقربة منها، وكانت بقيادة عمر بن سعد بن أبي وقاص، وحاول القوم إرغامه على الذهاب معهم إلى الكوفة ثم أنزلوه في مكان قفر لا ماء فيه في ظاهر كربلاء. ولكن الحسين أبى وآثر القتال في صحبه القلائل؛ وكانوا اثنين وثلاثين فارسا وأربعين راجلا بينما بلغ جند ابن زياد أربعة آلاف مقاتل، وكان ذلك في العاشر من المحرم سنة 61هـ ( 10 أكتوبر سنة 680م) وقتل الحسين بعد صلاة الظهر من سهم أصابه، ثم تعاقبت عليه الطعان ومثل بجثته واجتز رأسه، وقتل معه عدة من أولاده وأخوته، وأرسلت رؤوسهم جميعاً إلى يزيد ابن معاوية.
وكان لمقتل الحسين على هذا النحو المؤسف وقع عميق في العالم الإسلامي،وكان من أعظم العوامل التي صدعت من هيبة الخلافة الأموية، ثم أدت في النهاية إلى سقوطها.
خروج المختار بن أبي عبيد
ومن ذلك الحين ألفى الطامعون من الزعماء في ثورة الشيعة سلاحاً يشهرونه وقت الحاجة، وفي نظرياتهم وتعاليمهم وسيلة لاستهواء الناقمين والبسطاء، وكان أول من اشتهر بالدعوة الشيعية المختار بن أبي عبيد الثقفي كان خارجياً ثم صار شيعياً، وقد خرج بالكوفة سنة 66هـ مطالباً بثأر الحسين وقتال الظلمة واستولى عليها، وطارد قتلة الحسين وقتلهم، ونادى بإمامة محمد بن الحنفية، وجرف تعاليم الشيعة إلى ما يوافق خططه ومشاريعه، وزعم أنه يعرف الخفي من العلوم والأسرار.
وكان يحمل في حروبه كرسياً قديماً غشاه بالديباج وزينه بأنواع الزينة ويزعم أنه من ذخائر علي بن أبي طالب وأنه كالتابوت عند بني إسرائيل. وقويت شوكته بالكوفة حتى سار إليه مصعب بن الزبير سنة 67 هـ (686م) فقتله ومزق جموعه.
خروج بعض أئمة الشيعة ومقتلهم(35/22)
ثم تشعبت مبادئ الشيعة، واختلفت طوائفهم فيمن هو أحق بالأمر من آل البيت وبايعت كل طائفة لصاحبها سراً، واجتاح سلطان بني أمية كل الأقطار بالسيف، فلما أن اعتور الوهن سلطان بني أمية وبدت عليه علائم الانحلال، وضعف أمر الولاة في الأقطار البعيدة عن الحكومة المركزية، عاد الشيعة إلى التحرك فخرج زيد بن علي بن الحسين في الكوفة سنة 121هـ وهو إمام فرقة الزيدية كما قدمنا والتف حوله الشيعة، فقاتله والي العراق وقتله، وفر ابنه يحيى إلى خراسان فرفع بها لواء الثورة سنة 125هـ فبعث إليه حاكم الولاية بالجند فقتلوه أيضاً وانقرض شأن الزيدية.
وكانت شيعة محمد بن الحنفية أكثر شيعة أهل البيت وكانوا يرون كما قدمنا أن الإمامة من بعده لابنه أبى هشام عبد الله، وأن أبا هشام أوصى بها إلى محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، وكان من أكبر علماء الشيعة بالعراق وخراسان ثم من بعده إلى ابنه إبراهيم الملقب بالإمام الذي ظهر في خراسان، فقبض عليه مروان الثاني وسجنه حتى مات.
ظهور دعوة بني العباس
في ذلك الحين أي حوالي سنة 129هـ ظهرت دعوة بني العباس بخراسان. وبنو العباس هم أبناء عمومة النبي وقد لبثوا زمناً يتطلعون إلى الملك، ولما لم تكن لهم عصبية كافية اندمجوا في الحركة الشيعية ووجدوا في التذرع بها وسيلة ناجعة لاستهواء الجموع، وكانت أول بادرة خطيرة لحركتهم قيام أبي مسلم الخراساني في خراسان بالدعوة إلى إبراهيم الإمام.(35/23)
فلما توفي إبراهيم زعم بنو العباس أنه أوصى بالإمامة إلى أخيه عبد الله أبى العباس المعروف بالسفاح. واشتدت دعوة أبي مسلم في خراسان وقوي أمره وحارب عمال بني أمية في تلك الأنحاء واستولى عليها، وفي نفس الوقت سار أبو العباس السفاح إلى الكوفة داعيا إلى نفسه بعهد من أخيه إبراهيم، ودخلها وبايعه أنصاره بالخلافة، ثم انبث بنو العباس في نواحي العراق ونزعوها من أيدي عمال بني أمية، ثم كانت واقعة الزاب المشهورة التي هَزمت فيها جيوش السفاح، مروان الثاني آخر خلفاء بني أمية في سنة 132هـ وكانت قبراً لملك بني أمية في المشرق.
وهكذا استعمل بنو العباس حركة الشيعة في شق طريقهم إلى الملك، وقامت الدولة العباسية أزهر دول الإسلام في المشرق.
غدر بني العباس بالشيعة
والواقع أن الدعوة الشيعية لم تكن في نظر بني العباس إلا وسيلة، فلما ظفروا بغايتهم قلبوا للشيعة ظهر المجن، وأخذوا في مطاردتهم فزج المنصور إلى السجن جماعة من أسرة الحسن بن علي. وفي سنة 145هـ خرج محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسين المعروف بالنفس الزكية في المدينة واستولى عليها فأرسل إليه المنصور جنده فقتلوه وشتتوا أنصاره؛ وخرج إبراهيم أخو النفس الزكية في البصرة واستولى عليها ودعا بالبيعة إلى أخيه قبل أن يصل إليه خبر مقتله، وبث أنصاره في تلك النواحي، فلما قتل أخوه بالمدينة سار إلى الكوفة وسير المنصور جيوشه إليه فهزم أصحابه وقتل. وفي عهد موسى الهادي ظهر في المدينة الحسين بن علي من ولد علي بن أبي طالب، ودعا بالإمامة لنفسه، فقاتله جند الهادي وقتلوه أيضا.
وفي عهد الرشيد خرج يحيى بن عبد الله من ولد علي كذلك، فسير إليه الرشيد جيشاً كثيفاً ثم قبض عليه وسجنه حتى مات.(35/24)
ونحن نقف عند هذا الحد من ذكر أخبار الخارجين من آل البيت أبناء علي بن أبي طالب على دولة بني العباس، وإن استمر دعاتهم من بعد ذلك في الخروج من وقت لآخر، ومقاتلة عمال بني العباس بالنواحي، وقد أوردنا هذه الأمثلة لنرى كيف أن بني العباس لم يروا في الدعوة الشيعية إلا سلماً لارتقاء الملك، وكذلك سوف نوضح كيف أسفر نضال الشيعية الخفي لقلب الدولة العباسية عن انفجار ثوري هائل هز تعاليم الإسلام إلى الأعماق، ودفع إلى قبضة الشيعة بمعظم أقطار الدولة العباسية. أ. هـ
بين شيخ الإسلام ابن تيمية وابن عربي
العلامة عبدالرحمن عبدالخالق
القبس - 19 /05/2006
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وبعد،،
مدخل: عمد د.محمد الغفار في مقالة في 'القبس' عدد 11831 المؤرخ في 12/5/2006 الى عقد مقارنة جائرة بين شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وبين ابن عربي قائلا: 'كنا سابقا يخوفوننا من اسم ابن عربي كثيرا، وكنت أتحاشى كتبه، حتى ملكت بعض كتبه فوجدت نفسي أقف أمام طود عظيم، عقلا وثقافة شرعية'، وقال عن ابن تيمية انه عالم من العلماء، وان الخلاف حوله أعظم من الخلاف حول ابن عربي.
ولما كان تقديم ابن عربي، وهو أكبر زنديق عرفه تاريخ الإسلام بل تاريخ الإنسانية في كل عصورها، على هذا النحو من رجل يحمل درجة في الشريعة، ومن قبل دعا الناس إلى التصوف المعتدل - في زعمه -، وافتخر بأنه يدرس كتاب شرح الحكم العطائية لابن الرندي، ومعلوم أن مؤلف العطائية على خطى ابن عربي.
من اجل ذلك كان لا بد لمن حمله الله أمانة العلم والكتاب أن يذبوا عن الدين وان يبينوا الحق للناس، وإلا كانوا مسؤولين أمام الله عن السكوت والكتمان، ومن اجل ذلك أقول:
كيف يجمع بين ابن تيمية وابن عربي؟!(35/25)
هل يصح أن يجمع بين شيخ الإسلام ابن تيمية وبين ابن عربي، فتجعل هذا عالما وهذا عالما، وكلاهما قد اختلف الناس فيه، وخلاف الناس حول ابن تيمية اشد كما يقول د. عبدالغفار؟!
كيف يقرن بين إمام من أئمة الهدى وعلم من أعلامهم الذي لم يترك بدعة في الدين منذ ظهور البدع وإلى زمانه إلا وبينها، ودحضها ومن ذلك بدع الخوارج، والمرجئة، والقدرية، والزنادقة، والجهمية بكل تفريعاتهم وخلوفهم، والمتصوفة، والمشركين من عبدة القبور والأولياء والاتحادية، وأهل الوجود، وكل ذلك في مجلدات ضخمة، حيث لم يجعل لهم حجة إلا ودحضها، ولا شاردة ولا واردة إلا وبينها، ولا شبهة إلا أجاب عنها، وظل يدافع عمره عن دين الإسلام بالقلم واللسان، والسيف والسنان، ولم يترك دينا من أديان الباطل إلا ورد على الصحابة فرد على النصارى، ورد على الفلاسفة والدهرية ومنكرة الصانع، وأفتى المسلمين في كل مشارق الأرض ومغاربها في نوازلهم وأحداثهم وخلافاتهم وأقضياتهم أعظم فتاوى وجدت في الإسلام إلى يومنا هذا.
وغاية ما نقمه عليه مخالفوه من الفتيا قوله بإيقاع طلاق الثلاث واحدة إن كانت في مجلس واحد، وقوله بمنع شد الرحال إلى قبور الأنبياء والصالحين، وعند التحقيق يتبين أن الحق والصواب معه.
فكيف يقرن من عاش عمره يدافع عن دين الإسلام ويذب عنه كل عقائد الباطل، وبين كافر زنديق لم يترك عقيدة من عقائد الكفر إلا وأدخلها إلى الإسلام، وألبسها من الآيات والأحاديث ما يروجها على عقول أمثاله من أهل الزندقة والنفاق.
فابن عربي جمع كل عقائد المشركين والوثنيين واليهود والنصارى والزنادقة الذين سبقوه، استطاع هذا الخبيث أن يجمع هذا كله ويؤلف بينه، ويلبسه لباس الإسلام فيحمل آيات القرآن، وأقوال الرسول صلى الله عليه وسلم في ثعلبية ماكرة، وعبارات ملتوية خبيثة، يعجز عنها كل شياطين الإنس والجن!!
فهل يسوي بين ابن تيمية وابن عربي إلا جاهل بحاله، أو من هو على شاكلة ابن عربي.(35/26)
ابن عربي أكبر زنديق عرفه تاريخ الإسلام بل تاريخ الإنسانية كلها
قد كان في تاريخ الإسلام كفار حاربوه كأبي جهل وأبي لهب وكفار الفرس والروم، واليهود، والنصارى، ومن قبلهم قوم نوح، وعاد، وثمود، وفرعون، وقد كان في تاريخ الإسلام زنادقة أظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر، ونقلوا عقائد الكفار وألبسوها لباس الإسلام كالحلاج، وابن الراوندي، وعبدالكريم الجيلي، وابن الفارض، والتلمساني، وابن سبعين، وعبد العزيز الدباغ، وابن المبارك السلجماسي وغيرهم وغيرهم، ولكن أحدا من هؤلاء لم يكن كابن عربي قط، ولم يبلغ شأوه ودرجته في الكفر والزندقة والمروق من الدين، فإن الكفار الأصليين وأعظمهم فرعون الذي قال 'أنا ربكم الأعلى' لم يجعل ربا للناس جميعهم إلا نفسه، وقال لموسى عليه السلام: 'لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين'، وأما ابن عربي فقد جعل كل موجود في الوجود هو الله، يجمع درجات الوجود وحتى الشياطين والنجاسات - تعالى الله سبحانه وتعالى عما يقول هذا الأفاك - ونستغفر الله من حكاية قول هذا المجرم الخبيث، فأين كفر فرعون من كفر هذا الخبيث، وكل الذين أشركوا بالله عبدوا معه إلها او الهين أو ثلاثة أو مائة من الأصنام والأوثان والكواكب، وأما هذا المجرم فقد جعل كل معبود عبد هو الله لا غير، وان كل من عبد شيئا فلم يعبد إلا الله، فأين كفر المشركين من كفر هذا المجرم الخبيث.
وكل الزنادقة الذين كانوا في تاريخ الإسلام أولوا بالتأويل الباطني نصا أو أكثر من القرآن، وهذا الخبيث لم يترك آية في كتاب الله ولا حديثا من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا حملها على عقائد الكفار جميعا وعقيدة وحدة الوجود على الخصوص (انظر أمثلة ذلك في ثنايا المقال).
إن كل الزنادقة الذين كذبوا على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم لم يكذبوا كما كذب هذا الأفاك الذي ادعى انه يتلقى عن الله من اللوح المحفوظ بغير واسطة.(35/27)
وأما النبي محمد صلى الله عليه وسلم يتلى عن الله بواسطة وهو جبريل، وانه لذلك أفضل من الرسول صلى الله عليه وسلم، وان محمد خاتم الأنبياء صلوات الله وسلامه عليه، وأما هو فخاتم الأولياء، وجعل خاتم الأولياء يعني نفسه أفضل من خاتم الأنبياء.
والزنادقة الذين كذبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد افتروا عليه في وضع بعض الأحاديث أو تأويل بعض منها، وأما هذا المجرم الخبيث فقد ادعى بأن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي سلمه كتاب فصوص الحكم يدا بيد - وهو أعظم كتاب في الكفر والزندقة ظهر في الأرض إلى يومنا هذا.
وعامة الزنادقة الذين مروا في تاريخ الإسلام لاحقتهم اللعنة، وذاقوا حد السيف، ولكن هذا الخبيث بثعلبية ماكرة والتفاف خبيث ومظاهرة مريديه استطاع أن يفلت من القتل على الزندقة، ووجد من المجرمين من يطبل له ويزمر، ويرفعه فوق مصاف الأنبياء والمرسلين، فضلا عن جميع علماء المسلمين، ولقد وجدت فيه دوائر الكفر ضالتها المنشودة لهدم الإسلام بل لهدم جميع الأديان، فنشروا تراثه لهدم تراث الإسلام، واعتنوا بكتاباته، ومن اجل ذلك كانت فتنة ابن عربي من أعظم الفتن التي مرت بالمسلمين.
ولذلك كانت المقارنة بين شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله، وابن عربي هي مقارنة بين الصديق والزنديق، بين إمام من أئمة الهدى والصدق والإيمان، وإمام من أئمة الضلال والكذب والكفر.
أقوال أهل العلم في ابن عربي :(35/28)
1- قال العز بن عبد السلام: 'هو شيخ سوء كذاب، يقول بقدم العالم ولا يحرم فرجا' (سير أعلام النبلاء 23/48) وقال أيضا: هو شيخ سوء كذاب، فقال له ابن دقيق العيد: وكذاب أيضا؟ قال: نعم. تذاكرنا بدمشق التزويج بالجن، فقال: هذا محال، لأن الإنس جسم كثيف والجن روح لطيف، ولن يعلق الجسم الكثيف الروح اللطيف. ثم بعد قليل رأيته وبه شجة، فقال: تزوجت جنية فرزقت منها ثلاثة أولاد، فاتفق يوما إني أغضبتها فضربتني بعظم حصلت منه هذه الشجة وانصرفت فلم أرها بعد هذا'. اهـ. (ميزان الاعتدال 5/105).
2- قال الحافظ ابن حجر: وقد كنت سألت شيخنا سراج الدين البلقيني عن ابن عربي؟ فبادر بالجواب: هو كافر. اهـ. (لسان الميزان 4/318).
3- أما الإمام الذهبي فقد قال عن كتاب 'فصوص الحكم': 'ومن أردأ تواليفه كتاب الفصوص فإن كان لا كفر فيه فما في الدنيا كفر'. اه. (سير أعلام النبلاء 23/48).
4- قال تقي الدين السبكي كما في 'مغني المحتاج' للشربيني 3/:61 'ومن كان من هؤلاء الصوفية المتأخرين كابن عربي وغيره فهم ضلال جهال خارجون عن طريقة الإسلام فضلا عن العلماء'. وقال ابن المقري في روضه أن الشك في كفر طائفة ابن عربي كفر'.(35/29)
5- قال القاضي بدر الدين بن جماعة: 'حاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم، يأذن في المنام بما يخالف ويعاند الإسلام - يشير إلى زعم ابن عربي انه تلقى كتاب الفصوص من الرسول مكتوبا -، بل ذلك من وسواس الشيطان ومحنته وتلاعبه برأيه وفتنته.. وقوله في آدم: انه إنسان العين، تشبيه لله تعالى بخلقه، وكذلك قوله: الحق المنزه، هو الخلق المشبه إن أراد بالحق رب العالمين، فقد صرح بالتشبيه وتغالى فيه.. وأما إنكاره ما ورد في الكتاب والسنة من الوعيد: فهو كافر به عند علماء أهل التوحيد. وكذلك قوله في قوم نوح وهود: قول لغو باطل مردود واعدام ذلك، وما شابه هذه الأبواب من نسخ هذا الكتاب، من أوضح طرق الصواب، فإنها ألفاظ مزوقة، وعبارات عن معان غير محققة، وإحداث في الدين ما ليس منه، فحكمه: رده، والإعراض عنه. 'عقيدة ابن عربي وحياته لتقي الدين الفاسي' (ص29-30).
6- قال نور الدين البكري الشافعي: 'وأما تصنيف تذكر فيه هذه الأقوال ويكون المراد بها ظاهرها فصاحبها ألعن وأقبح من أن يتأول له ذلك بل هو كاذب، فاجر كافر في القول والاعتقاد ظاهرا وباطنا وان كان قائلها لم يرد ظاهرها فهو كافر بقوله ضال بجهله، ولا يعذر بتأويله لتكل الألفاظ إلا أن يكون جاهلا للأحكام جهلا تاما عاما ولا يعذر بجهله لمعصيته لعدم مراجعة العلماء و التصانيف على الوجه الواجب من المعرفة في حق من يخوض في امر الرسل، ومتبعيهم أعني معرفة الأدب في التعبيرات على أن في هذه الألفاظ ما يتعذر أو يتعسر تأويله، بل كلها كذلك، وبتقدير التأويل على وجه يصح في المراد فهو كافر بإطلاق اللفظ على الوجه الذي شرحناه'. (مصرع التصوف ص /144)(35/30)
7 ـ قال ابن خلدون : 'ومن هؤلاء المتصوفة : ابن عربي، وانب سبعين، وابن برجان، وأتباعهم، ممن سلك سبيلهم ودان بنحلتهم، ولهم تواليف كثيرة يتداولونها، مشحونة من صريح الكفر، ومستهجن البدع، وتأويل الظواهر لذلك على ابعد الوجوه وأقبحها، مما يستغرب الناظر فيها من نسبتها إلى الملة أوعدها في الشريعة، وليس ثناء احد على هؤلاء حجة ولو بلغ المثني عسى ما يبلغ من الفضل لان الكتاب والسنة ابلغ فضلا أو شهادة من كل احد، وإما حكم هذه الكتب المتضمنة لتلك العقائد المضلة وما يوجد من نسخها في أيدي الناس مثل الفصوص والفتوحات المكية لابن عربي.. فالحكم في هذه الكتب وأمثالها إذهاب أعيانها إذا جدت بالتحريق بالنار والغسل بالماء حتى ينمحي اثر الكتاب'. (مصرع التصوف ص/150).
8 ـ قال نجم الدين البالسي الشافعي: 'من صدق هذه المقالة الباطلة أو رضيها كان كافرا بالله تعالى يراق دمه ولا تنفعه التوبة عند مالك وبعض أصحاب الشافعي، ومن سمع هذه المقالة القبيحة تعين عليه إنكارها': (مصرع التصوف ص/146) .
9 ـ قال المفسر أبو حيان الأندلسي عند تفسيره لقول الله 'لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح': ومن بعض اعتقاد النصارى استنبط من اقر بالإسلام ظاهرا، وانتمى إلى الصوفية حلول الله في الصور الجميلة، ومن ذهب من ملاحدتهم إلى القول بالاتحاد والوحدة: كالحلاج والشعوذي وابن الحلى وابن عربي المقيم في دمشق.اهـ.(35/31)
10 ـ قال الشيخ شمس الدين محمد بن يوسف الجزري الشافعي: 'الحمد لله، قوله: فإن آدم عليه السلام، إنما سمي إنسانا: تشبيه وكذب باطل، وحكمه بصحة عبادة قوم نوح للأصنام كفر، لا يقر قائله عليه، وقوله: إن الحق المنزه: هو الخلق المشبه، كلام باطل متناقض وهو كفر، وقوله في قوم هود: أنهم حصلوا في عين القرب، افتراء على الله ورد لقوله فيهم، وقوله: زال البعد، وصيرورية جهنم في حقهم نعيما: كذب وتكذيب للشرائع، بل الحق ما اخبر الله به من بقائهم في العذاب.. وأما من يصدقه فيما قاله، لعلمه بما قال: فحكمه كحكمه من التضليل والتكفير أن كان عالما، فان كان ممن لا علم له: فان قال ذلك جهلا: عرف بحقيقة ذلك، ويجب تعليمه وردعه مهما أمكن.. وإنكاره الوعيد في حق سائر العبيد: كذب ورد لإجماع المسلمين، وانجاز من الله عز وجل للعقوبة، فقد دلت الشريعة دلالة ناطقة، أن لابد من عذاب طائفة من عصاة المؤمنين، ومنكر ذلك يكفر، عصمنا الله من سوء الاعتقاد، وإنكار المعاد'. (عقيدة ابن عربي وحياته لتقي الدين الفاسي ص: 32،31).
11 ـ قال الحافظ العراقي: 'وأما قوله فهو عين ما ظهر وعين ما بطن، فهو كلام مسموم ظاهره القول بالوحدة المطلقة، وقائل ذلك والمعتقد له كافر بإجماع العلماء'. (مصرع التصوف ص: 64).
12 ـ قال أبو زرعة بن الحافظ العراقي: 'لا شك في اشتمال 'الفصوص' المشهورة على الكفر الصريح الذي لا شك فيه، وكذلك فتوحاته المكية، فان صح صدور ذلك عنه، واستمر عليه إلى وفاته: فهو كافر مخلف في النار بلا شك'. (عقيدة ابن عربي وحياته لتقي الدين الفاسي ص60:).
وممن أفتى بكفره من علماء الإسلام أيضا: شهاب الدين التلمساني الحنفي، وابن بلبان السعودي، وابن دقيق العيد، وقطب الدين القسطلاني، وعماد الدين الواسطي، وبرهان الدين الجعبري، والقاضي شرف الدين الزواوي المالكي، والمفسر الشافعي ابن النقاش، وابن هشام النحوي وقد كتب على أحدى نسخ الفصوص:(35/32)
هذا الذي بضلاله ضلت أوائل مع أواخر
من ظن فيه غير ذا فلينأ عني فهو كافر
واياض الشمس العيزري، وابن الخطيب الاندلسي، وشمس الدين الموصلي البساطي المالكي، وبرهان الدين السفاقيني، وابن تيمية، وابن خياط الشافعي، والمقري الشافعي، وعلاء الدين البخاري الحنفي.
الإمام ابن حجر يباهل على ضلال ابن عربي فيهلك مباهله :
قال السخاوي في ترجمة شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر العسقلاني : ومع وفور علمه (يعني شيخه الحافظ ابن حجر العسقلاني) وعدم سرعة غضبه، فكان سريع الغضب في الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.. إلى أن قال: واتفق كما سمعته منه مرارا انه جرى بينه وبين بعض المحبين لابن عربي منازعة كثيرة في أمر ابن عربي، أدت إلى أن نال شيخنا من ابن عربي لسوء مقالته. فمل يسهل بالرجل المنازع له في أمره، وهدده بأن يغري به الشيخ صفاء الذي كان الظاهر برقوق يعتقده، ليذكر للسلطان أن جماعة في مصر منهم فلان يذكرون الصالحين بالسوء ونحو ذلك. فقال له شيخنا: ما للسلطان في هذا مدخل، لكن تعال نتباهل، فقلما تباهل اثنان، فكان احدهما كاذبا إلا وأصيب. فأجاب لذلك، وعلمه شيخنا أن يقول: اللهم إن كان ابن عربي على ضلال، فالعني بلعنتك، فقال ذلك. وقال شيخنا: اللهم إن كان ابن عربي على هدى فالعني بلعنتك. وافترقا. قال: وكان المعاند يسكن الروضة (وسط القاهرة)، فاستضافه شخص من أبناء الجند جميل الصورة، ثم بدا له أن يتركهم، وخرج في أول الليل مصمما على عدم المبيت، فخرجوا يشيعونه إلى الشختور (قارب)، فلما رجع أحس بشيء مر على رجله، فقال لأصحابه: مر على رجلي شيء ناعم فانظروا، فنظروا فلم يروا شيئا. وما رجع إلى منزله إلا وقد عمي، وما أصبح إلا ميتا، وكان ذلك في ذي القعدة سنة سبع وتسعين وسبعمائة، وكانت المباهلة في رمضان منها. وكان شيخنا عند وقوع المباهلة عرف من حضر إن من كان مبطلا في المباهلة لا تمضي عليه سنة (الجاهر والدرر 3/1001 - 1002) وكذلك نقل قصة(35/33)
المباهلة صاحب 'العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين' (2 - 198).
محمد الغزالي: الفتوحات المكية ينبغي أن تسمي الفتوحات الرومية
قال الشيخ محمد الغزالي رحمه الله: 'إنني ألفت النظر إلى أن المواريث الشائعة بيننا تتضمن أمورا هي الكفر بعينه. لقد اطلعت على مقتطفات من الفتوحات المكية لابن عربي فقلت: كان ينبغي أن نسمي الفتوحات الرومية! فإن الفاتيكان لا يطمح أن يدس بيننا أكثر شرا من هذا اللغو'. يقول ابن عربي في الباب 333 بعد تمهيد طويل: 'إن الأصل الساري في بروز أعيان الممكنات هو التثليث! والأحد لا يكون عنه شيء البتة! وأول الأعداد الاثنان، ولا يكون عن الاثنين شيء أصلا، ما لم يكن ثالث يربط بعضها ببعض فحينئذ يتكون عنها ما يتكون، فالإيجاد عن الثلاثة والثلاثة أول الأفراد'.. لم اقرأ في حياتي أقبح من هذا السخف، ولا ريب إن الكلام تسويغ ممجوج لفكرة الثالوث المسيحي، وابن عربي مع عصابات الباطنية والحشاشين الذين بذرتهم أوروبا في دار الإسلام أيام الحروب الصليبية الأولى كانوا طلائع هذا الغزو الخسيس، ولكن ابن عربي يمضي في سخافاته فيقول - عن عقيدة التثليث -: من العابدين من يجمع هذا كله في صورة عبادته وصور عمله، فيسري التثليث في جميع الأمور لوجود في الأصل! ويبلغ ابن عربي قمة التغفيل عندما يقول: أن الله سمى القائل بالتثليث كافرا أي ساتر بيان حقيقة الأمر فقال: 'لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة' فالقائل بالتثليث ستر ما ينبغي أن يكشف صورته، ولو بين لقال هذا الذي قلناه! واكتفى الأحمق بذكر الجملة الأولى من الآية، ولم يردفها بالجملة الثانية: 'وما من إله إلا اله واحد' وذلك للتلبيس المقصود! هذا الكلام المقبوح موجود فيما يسمى بالتصوف الإسلامي! وعوام المسلمين وخواصهم يشعرون بالمصدر النصراني الواضح لهذا الكلام. (تراثنا الفكري في ميزان الشرع والعقل ص: 60 - 61).(35/34)
والعجب بعد ذلك أن د. محمد عبد الغفار لما سئل عمن يكفرون ابن عربي قال 'هذا هو التطرف وبذور الإرهاب' الأنباء 18/3/2006.
نماذج من كفر ابن عربي :
وحدة الوجود أعظم عقيدة في الكفر وهذه العقيدة التي لم تعرف الأرض أكفر ولا أفجر منها والتي فصلها هذا الخبيث في كتابه 'الفصوص'، قد نثرها وفرقها في موسوعته الكبيرة 'الفتوحات المكية' والتي تقع في أربع مجلدات كبار.
* بدأها في مقدمته بقوله 'ولما حيرتني هذه الحقيقة أنشدت على حكم الطريقة للحقيقة:
الرب حق والعبد حق ياليت شعري من المكلف
إن قلت عبد فذاك ميت وإن قلت رب أني يكلف
فهو يطيع نفسه إذا شاء بخلقه...'الخ.
* ثم فرق هذه العقيدة الكفرية في كتابه هذا قائلا: 'وأما عقيدة خاصة الخاصة في الله تعالى... جعلناه مبددا في هذا الكتاب لكون أكثر العقول المحجوبة تقصر...' (الفتوحات/47).
* وقال هذا الأفاك فيما قال: إن الله لا ينزه عن شيء، لان كل شيء هو عينه وذاته، وأن من نزهه عن الموجودات قد جهل الله ولم يعرفه، أي جهل ذاته ونفسه.. قال: 'إعلم أن التنزيه عن أهل الحقائق في الجانب الإلهي عين التحديد والتقييد، فالمنزه إما جاهل وإما صاحب سوء أدب' (الفصوص: 86).
* وقال في وصف نوح عليه السلام: 'ومكروا مكرا كبارا'، لان الدعوة إلى الله مكر بالمدعو، فأجابوه مكرا كما دعاهم فقالوا في مكرهم: لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سوعا ولا يغوث ويعوق ونسر،ا فإنهم لو تركوهم جهلوا من الحق على قدر ما تركوا من هؤلاء. فإن للحق في كل معبود وجها يعرفه من يعرفه ويجهله من يجهله، 'وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه'، أي حكم فالعالم يعمل من عبد وفي أي صورة ظهر حتى عبد، وان التفريق والكثرة كالأعضاء في الصورة المحسوسة والقوى المعنوية في الصورة الروحانية، فما عبد غير الله في كل معبود. (الفصوص: 72).(35/35)
* ولما جعل هذا الخبيث قوم نوح الذين عبدوا الأصنام لم يعبدوا إلا الله وأنهم بذلك موحدون حقا، فلذلك كافأهم الله الذي هم نفسه وذاته بأن أغرقهم في بحار العلم في الله. قال: 'مما خطيئاتهم " فهي التي خطت بهم فغرقوا في بحار العلم بالله ، 'فأدخلوا نارا' في عين الماء 'وإذا البحار سجرت'، 'فلم يجدوا من دون الله أنصارا'، فكان الله عين أنصارهم فهلكوا فيه إلى الأبد' (الفصوص: 73).
* وقال أيضا: 'ومن أسمائه العلي: على من، وما ثم إلا هو، فهو العلي لذاته أو عن ماذا؟ وما هو إلا هو، فعلوه لنفسه، ومن حيث فهو عين الموجودات فالمسمى محدثات هي العلية لذاتها وليس إلا هو' (الفصوص: 76).
•…وقال: ومن عرف ما قررناه في الاعداد، وان نفيها عين إثباتها، علم أن الحق المنزه هو الخلق المشبه، وان كان قد تميز الخلق من الخالق، فالأمر الخالق المخلوق، والأمر المخلوق الخالق، كل ذلك من عين واحدة، لا، بل هو العين الواحدة وهو العيون الكثيرة. فانظر ماذا ترى 'قال يا أبت افعل ما تؤمر'، والولد عين أبيه، فما رأى يذبح سوى نفسه، وفداه بذبح عظيم، فظهر بصورة كبش من ظهر بصورة إنسان، وظهر بصورة ولد: لا، بل بحكم ولد من هو عين الوالد 'وخلق منها زوجها': فما نكح سوى نفسه، ا هـ (الفصوص: 78).
•…وقال أيضا: 'فالعلي لنفسه هو الذي يكون له الكمال الذي يستغرق به جميع الأمور الوجودية والنسب العدمية بحيث لا يمكن أن يفوته نعت منها، وسواء كانت محمودة عرفا وعقلا وشرعا أو مذمومة عرفا وعقلا وشرعا، وليس ذلك إلا لمسمى الله تعالى خاصة' (الفصوص: 79).
•…وهذا الخبيث لا يكذب الرسل فقط في إخبارهم عن الله والغيب، بل يكذب ويكابر في المحسوس فإنه بما زعم في وحدة الوجود وانه ليس أ هل الجنة، قال:
وان دخلوا دار الشقاء فإنهم على لذة فيها نعيم مباين
نعيم جنان الخلد، فالأمر واحد وبينهما عند التجلي تباين
يسمى عذبا من عذوبة طعمه وذاك له كالقشر والقشر صاين(35/36)
ولا يخجل هذا الأفاك من وصف الرب الإله سبحانه وتعالى بكل صفات الذم تصريحا لا إجمال وتلميحا وفحوى، فهو يصف الجماع بل الوقاع نفسه انه دليل هذه الوحدة، فالله عنده هو الطيب والخبيث - تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، فيقول والعالم على صورة الحق والإنسان على الصورتين.
وقال: 'ولما أحب الرجال المرأة طلب الوصلة أي غاية الوصلة التي تكون في المحبة، فلم يكن في صورة النشأة العنصرية أعظم وصلة من النكاح، ولهذا تعم الشهوة أجزاءه كلها، ولذلك أمر بالاغتسال منه، فعمت الطهارة كما عم الفناء فيها عند حصول الشهوة. فان الحق غيور على عبده أن يعتقد انه يلتذ بغيره، فطهره بالغسل ليرجع بالنظر إليه فيمن فني فيه، إذ لا يكون إلا ذلك. فإذا شاهد الرجل الحق في المرأة كان شهودا في منفعل، وإذا شاهده في نفسه ـ من حيث ظهور المرأة عنه ـ شاهده في فاعل، وإذا شاهده في نفسه من غير استحضار صورة ما تكون عنه كان شهوده في منفعل عن الحق بلا واسطة، فشهوده للحق في المرأة أتم وأكمل، لأنه يشاهد الحق من حيث هو فاعل منفعل، ومن نفسه من حيث هو منفعل خاصة. فلهذا أحب صلى الله عليه وسلم النساء لكمال شهود الحق فيهن، إذ لا يشاهد الحق مجردا عن المواد أبدا، فان الله بالذات غني عن العالمين، وإذا كان الأمر من هذا الوجه ممتنعا، ولم تكن الشهادة إلا في مادة، فشهود الحق في النساء أعظم الشهود وأكمله' (الفصوص: 217).
ابن تيمية يرد على إفك ابن عربي وعقيدته وحدة الوجود :
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ فيهم: 'حتى يبلغ الأمر بأحدهم إلى أن يهوى المردان، ويزعم أن الرب تعالى تجلى في احدهم، ويقولون: هو الراهب في الصومعة، وهذه مظاهر الجمال، ويقبل احدهم الأمرد، ويقول: أنت الله. ويذكر عن بعضهم انه كان يأتي ابنه، ويدعي انه الله رب العالمين، أو انه خلق السماوات والأرض، ويقول احدهم لجليسه: أنت خلقت هذا، وأنت هو، وأمثال ذلك.(35/37)
فقبح الله طائفة يكون إلهها الذي تعبده هو موطؤها الذي تفترشه، وعليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منهم صرفا ولا عدلا.
ومن قال: أن لقول هؤلاء سرا خفيا وباطن حق، وانه من الحقائق التي لا يطلع عليها إلا خواص الخلق: فهو احد رجلين ـ إما أن يكون من كبار الزنادقة أهل الإلحاد والمحال، وإما أن يكون من كبار أهل الجهل والضلال. فالزنديق يجب قتله، والجاهل يعرف حقيقة الأمر، فإن أصر على هذا الاعتقاد الباطل بعد قيام الحجة عليه وجب قتله.
ولكن لقولهم سر خفي وحقيقة باطنة لا يعرفها إلا خواص الخلق. وهذا السر هو اشد كفرا وإلحادا من ظاهره، فان مذهبهم فيه دقة وغموض وخفاء قد لا يفهمه كثير من الناس' (الفتاوى 2/378379).
ويقول أيضا شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله: 'وأقوال هؤلاء شر من أقوال اليهود والنصارى، فيها من التناقض من جنس ما في أقوال النصارى ولهذا يقولون بالحلول تارة، وبالاتحاد أخرى، وبالوحدة تارة، فهو مذهب متناقض في نفسه، ولهذا يلبسون على من لم يفهمه. فهذا كله كفر باطنا وظاهرا بإجماع كل مسلم، ومن شك في كفر هؤلاء بعد معرفة قولهم ومعرفة دين الإسلام فهو كافر كمن يشك في كفر اليهود والنصارى' (الفتاوى 2/368).
وقال أيضا: 'ولا يتصور أن يثني على هؤلاء إلا كافر ملحد، أو جاهل ضال' (الفتاوى 2/367).(35/38)
ولما سئل شيخ الإسلام عن كتاب فصوص الحكم قال: 'ما تضمنه كتاب (فصوص الحكم) وما شاكله من الكلام: فإنه كفر باطنا وظاهرا، وباطنه أقبح من ظاهره. وهذا يسمى مذهب أهل الوحدة، وأهل الحلول، وأهل الاتحاد. وهم يسمون أنفسهم المحققين. وهؤلاء نوعان: نوع يقول بذلك مطلقا، كما هو مذهب صاحب الفصوص ابن عربي وأمثاله: مثل ابن سبعين، وابن الفارض، والقونوي والششتري والتلمساني وأمثالهم ممن يقول: أن الوجود واحد، ويقولون: أن وجود المخلوق هو وجود الخالق، لا يثبتون موجودين خلق أحداهما الأخر، بل يقولون: الخالق هو المخلوق، والمخلوق هو الخالق. ويقولون: أن وجود الأصنام هو وجود الله، وان عباد الأصنام ما عبدوا شيئا إلا الله. ويقولون: أن الحق يوصف بجميع ما يوصف به المخلوق من صفات النقص والذم.
ويقولون: ان عباد العجل ما عبدوا إلا الله، وان موسى أنكر على هارون لكون هارون أنكر عليهم عبادة العجل، وان موسى كان بزعمهم من العارفين الذين يرون الحق في كل شيء، بل يرونه عين كل شيء، وان فرعون كان صادقا في قوله: أنا (ربكم الأعلى) بل هو عين الحق، ونحو ذلك مما يقوله صاحب الفصوص. ويقول أعظم محققيهم: إن القرآن كله شرك، لأنه فرق بين الرب والعبد، وليس التوحيد إلا في كلامنا.
فقيل له: فإذا كان الوجود واحدا، فلم كانت الزوجة حلالا والأم حراما؟ فقال: الكل عندنا واحد، ولكن هؤلاء المحجوبين قالوا: حرام. فقلنا: حرام عليكم' (الفتاوى 2/364 ـ 365).
وقال ابن تيمية أيضا: 'وقد صرح ابن عربي وغيره من شيوخهم بأنه هو الذي يجوع ويعطش، ويمرض ويبول وينكح وينكح، وانه موصوف بكل عيب ونقص لان ذلك هو الكمال عندهم، كما قال في الفصوص، فالعلي بنفسه هو الذي يكون له الكمال الذي يستقصى به جميع الأمور الوجودية، والنسب العدمية: سواء كانت ممدوحة عرفا وعقلا وشرعا، أو مذمومة عرفا وعقلا وشرعا وليس ذلك إلا لمسمى الله خاصة' (الفتاوى 2/265).(35/39)
ويعتذر شيخ الإسلام عن الإفاضة في بيان عقيدة هؤلاء القوم والتحذير منهم قائلا: 'ولولا إن أصحاب هذا القول كثروا وظهروا وانتشروا، وهم عند كثير من الناس سادات الأنام، ومشايخ الإسلام، وأهل التوحيد والتحقيق. وأفضل أهل الطريق، حتى فضلوهم على الأنبياء والمرسلين، وأكابر مشايخ الدين: لم يكن بنا حاجة إلى بيان فساد هذه الأقوال، وإيضاح هذا الضلال.
ولكن يعلم أن الضلال لا حد له، وان العقول إذا فسدت: لم يبق لضلالها حد معقول، فسبحان من فرق بين نوع الإنسان، فجعل منه من هو أفضل العالمين، وجعل منه من هو شر من الشياطين، ولكن تشبيه هؤلاء بالأنبياء والأولياء، كتشبيه مسيلمة الكذاب بسيد أولي الألباب، وهو الذي يوجب جهاد هؤلاء الملحدين، الذين يفسدون الدنيا والدين' (الفتاوى 2/357 ـ 358)،
وقال في وجوب إنكار هذه المقالات الكفرية، وفضح أهلها: 'فهذه المقالات وأمثالها من أعظم الباطل، وقد نبهنا على بعض ما به يعرف معناها وانه باطل، والواجب إنكارها، فإن إنكار هذا المنكر الساري في كثير من المسلمين أولى من إنكار دين اليهود والنصارى، الذي لا يضل به المسلمون، لاسيما وأقوال هؤلاء شر من أقوال اليهود والنصارى وفرعون، ومن عرف معناها واعتقدها كان من المنافقين، الذين أمر الله بجهادهم بقوله تعالى: 'جاهد الكفار والمنافقين وأغلظ عليهم' والنفاق إذا عظم كان صاحبه شرا من كفار أهل الكتاب، وكان في الدرك الأسفل من النار. وليس لهذه المقالات وجه سائغ، ولو قدر أن بعضها يحتمل في اللغة معنى صحيحا فإنما يحمل عليها إذا لم يعرف مقصود صاحبها، وهؤلاء قد عرف مقصودهم، كما عرف دين اليهود والنصارى، ولهم في ذلك كتب مصنفة، وأشعار مؤلفة، وكلام يفسر بعضه بعضا.(35/40)
وقد علم مقصودهم بالضرورة، فلا ينازع في ذلك إلا جاهل لا يلتفت إليه، ويجب بيان معناها وكشف مغزاها لمن أحسن الظن بها، وخيف عليه أن يحسن الظن بها أو إن يضل، فإن ضررها على المسلمين أعظم من ضرر السموم التي يأكلونها ولا يعرفون أنها سموم، وأعظم من ضرر السراق والخونة، الذين لا يعرفون أنهم سراق وخونة.
فإن هؤلاء: غاية ضررهم موت الإنسان أو ذهاب ماله، وهذه مصيبة في دنياه قد تكون سببا لرحمته في الآخرة، وأما هؤلاء: فيسقون الناس شراب الكفر والإلحاد في آنية أنبياء الله وأوليائه، ويلبسون ثياب المجاهدين في سبيل الله، وهم في الباطن من المحاربين لله ورسوله، ويظهرون كلام الكفار والمنافقين، في قوالب ألفاظ أولياء الله المحققين، فيدخل الرجل معهم على أن يصير مؤمنا وليا لله، فيصير منافقا عدوا لله' (الفتاوى 2/359).
وفي الختام نسأل الله أن يرينا الحق حقا ويرزقنا إتباعه، ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه، اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، إهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك، انك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.
ما وراء إحياء أفكار ابن عربي :
قال الشيخ محمد الغزالي، رحمه الله 'وفي هذه الأيام يوجد تعاون بين قسم الدراسات الإسلامية في السوريون وبين المسؤولين عن العلوم والآداب والفنون عندنا على إخراج كتاب 'الفتوحات المكية' في بضعة وثلاثين سفرا، في نسخ أنيقة فاخرة لتيسير تداولها بين الناس ولنشر فكر ابن عربي الذي تحتاج إليه أوروبا في هذه الأيام.(35/41)
والسعي لإحياء أفكار ابن عربي جزء من تضليل امتنا وتعتيم الرؤية أمامها، أو هو عرض لدين مائع يسوي بين المتناقضات إذ قلب ابن عربي ـ كما وصف نفسه ـ ديرا لرهبان وبيتا لنيران وكعبة أوثان، إنه تثليث وتوحيد ونفي واثبات، هذا الكلام الغث هو قرة عين الصليبيين وأمثالهم وهو ما يراد الآن نشره على أوسع نطاق.
إن علماء الأزهر في العصر الأيوبي أنكروا تفكير هذا الرجل وحكموا بكفره وأودع السجن ليلقي جزاءه لكن أصدقاءه نجحوا في تهريبه'. (تراثنا الفكري ص: 72/74).
وقال الدكتور عبد الوهاب المسيري: 'العالم الغربي الذي يحارب الإسلام، يشجع الحركات الصوفية ومن أكثر الكتب انتشارا الآن في الغرب مؤلفات محيي الدين بن عربي وأشعار جلال الدين الرومي وقد أوصت لجنة الكونغرس الخاصة بالحريات الدينية بأن تقوم الدول العربية بتشجيع الحركات الصوفية'.
شبهات المدافعين عنه:
والمدافعون عن ابن عربي إما أن يكونوا جاهلين بحاله، أو هم على شاكلته. ومما دافعوا به عن قولهم إن كلماته وعباراته جاءت على وجه الشطح والسكر وغلبة الوجد، أو أنها عبارات دقيقة ومعان عميقة لا يعلمها إلا المتخصصون الراسخون في العلم أو أنها مدسوسة عليه وكل هذه الأقوال من الكذب والتلبيس، إما أنها شطح وغلبة سكر، وكتبها في غير صحو ووعي فكذب فإنها كتب مدونة، مقسمة الأبواب منسقة الفصول، مسبوكة العبارة، ومن طالعها لم يشك في مكر وخبث مصنفها وقد ملأ كل صفحة فيها بكفره.
وأما قولهم كتب بلغة لا يفهمها إلا أهلها، فكذب مبين، فإنها مكتوبة شعرا ونثرا بعربية فصيحة بمعاني محددة ومفصلة ظاهرها وباطنها الكفر والزندقة، ولا يخفى معناها إلا على جاهل لا علم له بلغة العرب، وقد علم ما فيها علماء الإسلام ممن قرأوها، وخبروها، وعلموا مراد صاحبها على الحقيقة.(35/42)
ورحم الله نور الدين البكري الشافعي إذ يجيب على هذه الشبهة بقوله: 'وإن كان قائلها لم يرد ظاهرها فهو كافر بقوله ضال بجهله، ولا يعذر بتأويله لتلك الألفاظ إلا أن يكون جاهلا للأحكام جهلا تاما عاما ولا يعذر بجهله لمعصيته لعدم مراجعة العلماء والتصانيف على الوجه الواجب من المعرفة في حق من يخوض في أمر الرسل ومتبعيهم، أعني معرفة الأدب في التعبيرات على أن في هذه الألفاظ ما يتعذر أو يتعسر تأويله، بل كلها كذلك، وبتقدير التأويل على وجه يصح في المراد فهو كافر بإطلاق اللفظ على الوجه الذي شرحناه' (مصرع التصوف ص: 144). وقال أبو حامد الغزالي: 'فإن الألفاظ إذا صرفت عن مقتضى ظواهرها بغير اعتصام فيه بنقل عن صاحب الشرع ومن غير ضرورة تدعو إليه من دليل العقل اقتضى ذلك بطلان الثقة بالألفاظ وسقط به منفعة كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم'. (إحياء علوم الدين ج1 - ص: 37).
وأما إنها مدسوسة عليه فكذب، وقد شهد معاصروه عليه بها، ومازال المدافعون عنه يفخرون بنسبة الفتوحات والفصوص إليه ويمتدحونه بها.
وقد ذكر الشيخ الأديب علي الطنطاوي - رحمه الله - حادثة طريفة في معرض رده على من أنكروا عليه بأنه يقول بكفر الكلام الموجود في كتب ابن عربي ما نصه: 'أما قوله في أنني لا اعرف شيئا عن ابن عربي وعن عقيدة وحدة الوجود فأخبره ولا فخر في ذلك أن الذي جلب كتاب الفتوحات من قونيا ونقله من النسخة المكتوبة بخط ابن عربي نفسه والمخطوطة الآن في قونيا هو: جدنا الذي قدم من طنطا إلى دمشق سنة 1250 هـ فإن كان أخطأ فإني اسأل له المغفرة وأنني قابلت مع عمي الشيخ عبد القادر الطنطاوي نسخة الفتوحات المطبوعة على هذا الأصل المنقول صفحة صفحة، وأنا استغفر الله على ما أنفقت من عمري في قراءة مثل هذه الضلالات'. منقول من كتاب فتاوى علي الطنطاوي.
أسلوب ابن عربي في كتاباته :(35/43)
وبنى ابن عربي كتاباته كلها على الثعلبية والمكر والخداع وذلك بتحريف الكلم عن مواضعه تحريفا معنويا للقرآن الكريم والحديث الشريف، والكذب وادعاء العلم الإلهي، والرؤى، والاطلاع على مال لم يطلع عليه احد من الخلق سواه، مع ادعائه بالعلم والدين والتقوى والصدق، وقد لا يوجد على البسيطة كلها من هو اكذب منه. ووالله إني عندما اقرأ كتابه وأقارن بين ما قاله إبليس في أول مرة عندما امتنع عن السجود لآدم، واستكبر وأبى فلعنه الله إلى يوم القيامة 'وأن عليك لعنتي إلى يوم يبعثون' وبين هذا الكذاب الافاك الذي قال عن الله وفي الله ما لم تقله اليهود والنصارى ولا مشركوا العرب والعجم، فأرى أن إبليس في وقت لعن الله له، كان اخف ذنبا وجرما، وان كان قد أصبح بعد ذلك هو محرك الشرك كله وباعثه، وابن عربي وأمثاله وان كانوا غرسا من غراس إبليس اللعين فانهم قد فاقوا بكفرهم وعنادهم وعتوهم وقولهم العظيم على الله ما لم يقله إبليس، فإن إبليس كان يفرق بين الخالق والمخلوق، وبين الرب الإله القوي القاهر، وبين المخلوق الضعيف الفقير المحتاج إلى إلهه ومولاه، وأما ابن عربي هذا ومن على شاكلته فقد جعلوا إبليس وجبريل والأنبياء والكفار والأشقياء، وكل هذه المخلوقات هي عين الخالق وانه ليس في الوجود غيره، يخلق بنفسه لنفسه، وانه ليس معه غيره، وان الكفر والإيمان والحلال والحرام، والأخت والأجنبية، وإتيان النساء، وإتيان الذكور شيء واحد، وكل هذا عين الرب وحقيقته وأفعاله ـ فتعالى الله عما يقولون علوا كبيرا ـ ونستغفره سبحانه وتعالى من ذكر أقوالهم ونقل كفرهم، ولكننا نفعل ذلك لان هؤلاء المجرمين هم عند كثير من الحمقى المغفلين، والزنادقة المخادعين هم عندهم أولياء الله الصالحين.
وقد قام علماء المسلمين الصادقين في كل وقت يردون إفك هؤلاء المجرمين.
كتاب الشهر
تركيب المجتمع السوري(35/44)
" رؤية إسلامية مبكرة لحل الإشكال ، العرقي ، الطائفي ، الحزبي في سوريا "
تأليف الدكتور محمد المبارك
هذا الكتاب في الأصل دراسة أنجزها المؤلف سنة 1958م ، وقدمها للقيادة السياسية لدولة الوحدة السورية – المصرية ، ولم ينشرها المؤلف في حياته وأذن بذلك الورثة مؤخراً .
وقد اعتنى بها ونشرها باسل الرفاعي ، والذي قدم لها بمقدمة تحليلية جيدة ، ونبذة عن المؤلف جاء فيها : أن الدكتور محمد المبارك هو من مؤسسي جماعة الإخوان في سوريا ، وهو قد جمع بين الدراسة النظامية والشرعية ، فتخرج من كلية الحقوق ومن مدرسة الآداب العليا عام 1935م ومن ثم ابتعث لجامعة السوربون في فرنسا ، وفي نفس الوقت تلقي العلم عن كبار علماء سوريا .
وكان نائباً في أول مجلس للبرلمان السوري ، وتجدد انتخابه مرتين ، ومن ثم عين وزيراً أربع مرات ، وله العديد من المؤلفات القيمة .
والكتاب صدر عام 2003م عن دار عمار – الأردن و يقع في 116 صفحة من القطع المتوسط .
ينطلق المؤلف في كتابه هذا من قناعته أن الوصول لفهم صحيح لأي مجتمع يبدأ من معرفة العناصر التي يتكون منها ، ولذلك درس تركيبة المجتمع السوري وقسمها إلى :
1-…العناصر القومية . 2- الأديان والطوائف . 3- العقائد والتيارات الفكرية والحزبية .
أولاً : القوميات :
1-…العرب : وهم الأكثرية الساحقة في سوريا ، وأكثرهم متحضرون وقليل منهم بدو رحل ، يرى المؤلف أنه يمكن توجيههم للتوطن في المناطق ذات الوجود العربي الضعيف ، حتى نفشل خطط المستعمرين في جلب لاجئين غير عرب لهذه المناطق .
2-…الأكراد : وهم أهم العناصر غير العربية شأناً لكثرتهم ، وهم يتمركزون في منطقة الحدود العراقية التركية ، وهم قابلون لأي أفكار منحرفة في حال شعورهم بتميز العرب عليهم أو ضعف الرابطة الدينية ، وعددهم يبلغ 350 ألفاً ، وكلهم مسلمون سنيون ، وانتشرت بينهم الحركة القومية الكردية بدعم من فرنسا ، وكذلك الحزب الشيوعي .(35/45)
3-…الجركس والداغستان والشاشان : وهم المهاجرون من أواسط آسيا بعد الثورة الشيوعية ، وهم مسلمون سنيون .
4-…التركمان : ويتمركزون في اللاذقية وتواجدهم هو بسبب ترسيم الحدود مع تركيا ، وهناك مجموعات مبعثرة في أماكن أخري ، وهم مسلمون سنيون .
5-…الأرمن : وهم أبرز القوميات غير المسلمة عددا ً، هاجروا لسوريا خلال الحرب العالمية الأولي ، بسبب تهجير الأتراك لهم ، وشعورهم القومي قوي وهم نشيطون في الصناعة والمهن الحرة ، ولهم مؤسساتهم الفاعلة في أوساطهم ، وينقسمون إلى كاثوليك وهم الأكثرية و أرثوذكس ، وسياسياً يتوزعون بين : يمينيين معادين للشيوعية الطاشناق ، و ديمقراطيين يساريين ، وشيوعيين ، وهم من أقدم من تقبل الشيوعية .
6-…السريان : وهم الذين هاجروا من تركيا في عهد الانتداب الفرنسي ، ويسكنون في الجزيرة وعددهم 30 ألفاً ، وأكثريتهم من الأرثوذكس أما الكاثوليك فأقلية ، ويمكن أن يلحق بهم طائفتي الكلدانيون والآشوريون ، الذين هاجروا من العراق إثر الحرب العالمية الأولي .
وينبه الدكتور المبارك إلى أنه يمكن إزالة المشكلات الناشئة عن عدم انصهار الأقليات القومية القاطنة في سوريا بالخطوات التالية :
1-…نشر التعليم باللغة العربية بينهم .
2-…منع ما يغذي العصبيات القومية الخاصة ، من منشورات ومؤسسات .
3-…تجزئة المشكلة لجزئين : الأقليات المسلمة حيث يتم هنا التركيز على المشتركات الدينية والتاريخية ، أما الأقليات غير المسلمة فيركز على الوطنية المشتركة .
ثانياً : الأديان والمذاهب :
يتواجد في سوريا الأديان السماوية الثلاث ، الإسلام والمسيحية واليهودية .
-…المسلمون بمختلف طوائفهم يشكلون حسب إحصاء 1956م 5,86 % .
1- وأغلبهم من السنيين 71% ، وأغلبهم من العرب وبقيتهم من الأكراد والجركس والتركمان.
2- الفرق الإسلامية : ويقسمها المؤلف إلى :(35/46)
* فرق شيعية معتدلة كالإمامية وقسم من الإسماعيلية لا يتبعون للآغاخان . وهنا لابد من التعليق على صفة الاعتدال ، فإما أن يكون المؤلف غير بصير بحقيقة معتقد هذه الفرق ، أو أن هذه الفرق كانت تمارس التقية بدرجة كبيرة جداً حتى خدعت مثل المؤلف وهو العالم المتبحر ، أو أن هذه الفرق كانت تعاني من جهل كبير بمذهبها بسبب الضعف الدينى العام مما جعلها تقترب كثيراً من الإسلام وأصبح الاسم شيئاً من التاريخ ، وهذا ما نرجحه ، لكن للأسف لا يوجد من المسلمين من يدرك حقيقة هذا التقارب ويرعاه فجاء الاستعمار فنشر الطائفية من جديد ، وتولاها بعده بعض المتعصبين من هذه الطوائف حتى عادت هذه المذاهب فتية من جديد .
*– شيعة غلاة .
* – فرق ابتعدت عن الإسلام جداً كالآغاخانية و الدروز .
ثم فصلها :
أ – العلويون : يقول المؤلف إن العقيدة العلوية تطورت بشدة نحو الاقتراب من الإسلام في السنين العشرة الأخيرة ( يقصد الأربعينيات من القرن الماضي ) ( ) ، وذلك بسبب تدريس المنهج الموحد في مناطقهم ، وتحاكمهم إلى محاكم المسلمين ، وأصبح المتدينيين منهم يصلون مع المسلمين ، ويؤكد المؤلف أنه لا توجد صلة بين العلوية وبين الشيعة الإمامية . وحول سبب تسميتهم بالجعفريين يقول المؤلف إن بعض المتعلمين منهم رأوا أن يتخلصوا من العقائد الخرافية والباطنية بالأخذ بمذهب شيعي ، وهناك رأي آخر يورده المؤلف وهو أن الفرنسيين رأوا إلحاقهم بالجعفرية لقطع الطريق على عودتهم للإسلام وذلك بمشورة المستشرقين الفرنسيين .
وهم يتركزون في حمص وحماة ( 60ألفاً في كل منهما ) وفي دمشق 6 آلاف وفي حلب 4 آلاف .(35/47)
وبسبب بعد المجتمع العلوي عبر التاريخ عن المسلمين ، و ضعف انتمائهم للطائفة بحثوا عن انتماء جديد فكان الانتماء إلى الأحزاب المنحرفة كالحزب القومي السوري ، وهنا ينبه المؤلف لخطورة هذا التوجه بين العلويين مما قد يؤدى " لاتخاذ هذه الأحزاب أو التيارات الفكرية ملجأ والسعي للانحراف بها وإحلال عصبيتها محل العصبية القديمة الموروثة ، وتشويه فكرتها وصياغة الفكرة القومية صياغة يتعمد فيها إقصاء الحضارة الإسلامية والمبادئ التي آمن بها العرب " وهذا ما حصل !!
ب- الإسماعيليون : وهم فئتان في سوريا ، فئة معتدلة تسكن في حماة و حمص واللاذقية ، وفئة من الغلاة ، على اتصال بإخوانهم في باكستان الآغاخانية ، وقد منع الفرنسيون بعض العلماء الذين توجهوا لهذه الفئة بالدعوة و الهداية من دخول مناطق الإسماعيلية ، ويبلغ مجموع الفئتين 40 ألفاً .
ج – الجعفرية : وهم الشيعة الإمامية ، ويبلغ عددهم 15 ألفاً .
د – الدروز : وهم من ناحية العدد يأتون في المرتبة الثانية بعد العلويين ، حيث يبلغ عدد الدروز 125 ألفاً ، ويتركزون في مناطق الحدود بين لبنان والأردن وفلسطين المحتلة ، وهم منفصلون عن المسلمين من القديم ، ويذكر المؤلف أن محاولات الأمير شكيب أرسلان وعارف النكدي لإعادة الدروز للإسلام لم يكتب لها النجاح .
-…فرقة اليزيدية عبدة الشيطان ليس لهم شأن يذكر .
-…المسيحيون ويشكلون 5,12% من سكان سوريا ، وهم فئات ثلاث :
1-…الأرثوذكس وهم غالب المسيحيين ( 70 % منهم ) وهي غير مرتبطة بمركز دينى خارج سوريا . وقد كان لهم مشاركة مع الحركات الوطنية السورية ، وتنتشر الشيوعية في صفوفهم وهم من أبرز الداعين للقومية العربية ولذلك أزاحوا الصبغة الإسلامية عن القومية العربية .
2-…الكاثوليك وهم روم وسريان وأرمن ومارونيون ، وفي الغالب ضد الشيوعية .
3-…البروتستانتية وهم أقلها عدداً ، ويميلون لبريطانيا وأمريكا .(35/48)
وينبه الدكتور المبارك إلى أنه مع ضعف التدين في وسط المسيحيين ، إلا أن الشعور الطائفي موجود ولعل التصرفات الخاطئة في أواخر العهد العثماني سبب لهذا الشعور . وجمهور المسيحيين يهتم بمصالحه الاقتصادية مع المسلمين مما يفسح المجال للتعايش بسلام .
وهنا يعرض المؤلف لرؤيته في الجمع بين القومية العربية والإسلام من خلال إبعاد التأثير الأجنبي وتحديد القيم الروحية و الأخلاقية المشتركة بين الإسلام والمسيحية لتكون نقطة التقاء بين الطرفين ، وهذه مسألة لا تزال لليوم تحتاج لحلول عملية مثمرة لا تخالف الشرع .
ثالثاً : العقائد الفكرية والتيارات الحزبية : و يبين فيها المؤلف أن تيار القومية السورية نشأ حوالي سنة 1932م على يد أرثوذكسي هو أنطوان سعادة ، أما الشيوعية فقد بدأت في الأوساط غير العربية من المسلمين كالأكراد أو غير المسلمين كالأرمن .
وختم المؤلف دراسته بالدعوة لتكون القاعدة الشعبية التي يعتمد عليها هي العربية الإسلامية ، وتقريب كل الفئات من المواطنين غير العرب و الطوائف الإسلامية و المسيحيين لهذه القاعدة من خلال الخطوات التالية :
1-…تعريب العناصر غير العربية وهي يسيرة على المسلمين منهم ، عبر طريق التثقيف الإسلامي لا عن طريق الاستعلاء العنصري . أما تعريب غير المسلمين فهو يقف عند حدود اللغة و لا يتجاوزها إلى المفاهيم .
2-…صهر الطوائف الإسلامية في بوتقة الإسلام العام ، دون صبغها بالتسنن .
3-…التركيز على إيجاد مشتركات بين المسيحية والإسلام .
وهكذا يكون المؤلف قد قدم لنا مشروعاً للتعايش بين مكونات الدولة السورية من وجهة نظر إسلامية ، تستحق الدراسة والتقويم لما تواجهه سوريا وغيرها اليوم من مشكلات طائفية وعرقية .
قالوا
نصر الله بين إسرائيل وإيران(35/49)
قالوا: "وليس أدل على أزمة نصر الله أن الرجل الذي يحارب أميركا وإسرائيل في لبنان، يجد نفسه أسير مرجعيته الإيرانية التي تلتقي مع إسرائيل في تفتيت العراق، وتعقد صفقة مع أميركا يلزم بها حلفاء وزملاء السيد نصر الله في العراق، مثل عبد العزيز الحكيم، وفرقة بدر المقاتلة، وإبراهيم الجعفري وحزب الدعوة الذي يرأسه".
حسن صبرا الشراع 24/4/2006
قلنا: هل بقي بعد هذا الكلام شيء لتتضح صورة المشهد الشيعي في المنطقة.
حدود ولاية الفقيه !
قالوا: "الولي الفقيه يعطي القواعد العامة، ولا يتدخل في التفاصيل المختلفة، فهو يحدد الأعداء من الأصدقاء، ويقول مثلاً، إسرائيل محتلة، وواجبكم أن تواجهوا الاحتلال ويكتفي بهذا المقدار".
نعيم قاسم - نائب الأمين العام لحزب الله
مجلة المجلة 29 /4/2006
قلنا: هل سيكون العدو هو بمعيار من هو عدو إيران ؟؟؟
اسم "عمر" مطلوب للقتل
قالوا: "لكن العراقيين... يصطفون أمام مكاتب السجلات الحكومية لأجل تغير الأسماء لأن ذلك خير وسيلة لتفادي الذبح على الهوية.
أحد الأذكياء غيّر اسمه من عمر (سني بالضرورة) إلى عبد الله، وهو اسم محايد يقبل أن يكون المرء من هان أو هناك، وبرر تصرفه بقوله: حياتي أغلى من اسمي".
مجلة المجلة 29/4/2006
قلنا: ويقولون ليس في العراق حرب طائفية !!
الحداثة أم الزندقة؟
قالوا: "القصائد النثرية تتعرض للتجريح والإقصاء دون محاولة للتحليل وفهم الدلالات... وخضعت لتقييم أخلاقي وانتقادات لا علاقة لها بالنقد الأدبي".
الرأي 1/5/2006
قلنا: لا يمل شعراء الحداثة من الحديث عن المعايير الأدبية لا الأخلاقية في الحكم على الشعر أو القصيدة النثرية، وليتهم سكتوا، لأنهم افتقدوا الأدب قبل الأخلاق.
إذا مدح الشيعي عمر!
قالوا: "سأنشر الكتاب مهما كلّف الأمر، ولو تقتلت، فلم يبق في العمر كثير".
حسن العلوي الشرق الأوسط 2/5/2006(35/50)
قلنا: حسن العلوي كاتب وسياسي عراقي شيعي يرفض أن يسير وراء قومه في سب وشتم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويؤلف كتاباً إيجابياً عن الفاروق عمر بن الخطاب، لكن هذا الكتاب سيضعه حتماً في دائرة استهداف قومه، وبات كمن ينتظر القتل، لأنه لم يشتم عمر.
صفقة جديدة بين حزب الله وإسرائيل
قالوا: "وذهبت المصادر إلى أبعد من تأكيد وصول الوسيط الألماني عند أشارت إلى أنه يحمل مسودة صفقة تبادل جديدة بين حزب الله وإسرائيل، ومن بين بنودها إطلاق سراح معتقلين فلسطينيين ولبنانيين".
عماد الديك - السبيل 9/5/2006
قلنا: مرة أخرى تحرص إسرائيل على تحسين صورة حزب الله بعد انكشاف إنتهازيته وطائفيته في لبنان والعراق ، وظهور حقيقة صفقته القديمة مع إسرائيل ، فلماذا ؟؟ وما هي مهمة حزب الله الجديدة لمصلحة إسرائيل ؟؟
يد إيران في العراق
قالوا: "يبدو أن إيران لا تبحث عن المفاوضات بقدر بحثها عن صفقة كبيرة، تتيح لملالي الثورة فرصة أكبر لإطلاق اليد في العراق، مما قد يعيد إلى الذهن سيناريو سورية ـ لبنان".
سعود البلوي - الوطن السعودية 28/4/2006
قلنا: لقد كانت نتائج وصاية سوريا على لبنان كارثة ، وبالتأكيد ستكون نتائج صفقة إيران – العراق أكثر من كارثية .
إسلام منزوع الدسم !!
قالوا: "كان لحضور السفير الأمريكي لدى المغرب وزوجته (السهرة الصوفية) التي أقامها في الرباط شيخ الطريقة البوتشيشية، وقع خاص لدى دبلوماسيين غربيين في المملكة، إذ يرى بعض هؤلاء أن إدارة الرئيس بوش باتت تنتهج أسلوباً جديداً في محاربة الإرهاب، يقوم على تشجيع واحتضان الإسلام المعتدل الذي تطلق عليه وزيرة الخارجية الأمريكية تعبيراً بالإنجليزية (إسلام لايت)".
الوطن العربي 5/5/2006
قلنا: مبروك على الصوفية والطريقة البوتشيشية تشريف السفير الأمريكي والسيدة حرمه لسهرتهم، ومبروك عليهم "اللايت" الذي منحتهم إياه السيدة المحترمة كونداليزا رايس.(35/51)
40 ألف سني قتلوا في عهد الجعفري
قالوا: "اتهم الشيخ حارث الضاري، الأمين العام لهيئة علماء المسلمين في العراق، حكومة إبراهيم الجعفري بالمسؤولية عن مقتل أكثر من 40 ألف سني".
مجلة المجتمع 15/4/2006
قلنا: الله يستر كم يكون عدد الضحايا من السنة في عهد نوري المالكي، صديق الجعفري ونائبه وخليفته؟
اهتمام فرنسي بريطاني بالصوفية
قالوا: "تم افتتاح معرض صور للمصورة الفوتغرافية الفرنسية فردريك سيفونيتس، عن الطرق الصوفية في السودان في قاعة بروناي بلندن، واستمر حوالي شهرين...".
التصوف الإسلامي مايو 2006
قلنا: وماذا يبغي الفرنسيون والبريطانيون من الدعوة إلى التصوف وتعريفه للأوروبيين؟
المرجعيات تفسد مؤتمر القيادات الدينية
قالوا : " إننا سنقف بقوة بوجه الأحزاب التي كانت سبباً في إفشال مؤتمر عمان للقيادات الدينية الذي كان مقرراً عقده بمبادرة من العاهل الأردني " .
جواد الخوئي – الأمين المساعد لمؤسسة الخوئي
الوطن الكويتية 23/4/2006
قلنا : طبعاً سيتم إفشال أي مبادرة لطرف سني ،لتبقي الأمور في يد إيران وأعوانها ومن ثم التظاهر بالحرص على الوحدة الوطنية .
عجز التقي وجلد المبتدع !!
قالوا : احمد عبد الله محمد سامبي الذي فاز في الانتخابات كرئيس جديد لجزر القمر ، درس سامبي اللغة العربية في المملكة السعودية، لمدة ثلاث سنوات ثم النظرية السياسية الإسلامية في إيران على مدى أربع سنوات. وأدار مدارس لتعليم القران في انجوان لمدة 20 عاما .
شبكة نسيج الإخبارية 22/5/2006
قلنا : إلى متى يظل أهل السنة تضيع جهودهم بسبب عجزهم و قلة تخطيطهم ، وللأسف أمثال هذا كثير ممن درس ويدرس عن أهل السنة ومن ثم يعود لقيادة تجمعات بدعية في بلادهم ، وذلك لعدم وجود رعاية خاصة لمثل هؤلاء أو متابعة لهم بعد عودتهم لبلادهم .
دعاة على أبواب جهنم(35/52)
قالوا : تزوجت فتاة سودانية مسلمة من رجل مسيحي، وتمت مراسم الزواج آخر الأسبوع الماضي بين الكنيسة وديار أهل العروس، وذلك في أول رد فعل لفتوى الدكتور حسن عبد الله الترابي، الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي السوداني المعارض، بجواز زواج المرأة المسلمة من رجل مسيحي.
العربية 22/5/2006
قلنا : متى نتعلم أن لا نسير خلف المبتدع في القضايا الكبرى ولو خلت الساحة من بديل ، لأن ذلك أقل ضرراً على الإسلام في المدى البعيد .
هل من صفقة ؟
قلوا : الرئيس اليمني يفرج عن قياديين من تنظيم «الشباب المؤمن» المحظور سبقت إدانتهما بالتخابر مع إيران .
الشرق الأوسط 21/5/2006
قلنا : هل من صفقة بين إيران واليمن ؟ أم هو الخوف من العصا الإيرانية في ظل التهديد بتفجير المنطقة ؟ أم أن الجزرة الإيرانية مغرية ؟
التأيد لفلسطين بالطرد!
قالوا : في مستهل هذه المقابلة عبر الزهار بحسب مصادر إعلامية ليبية عن اعتزاز الشعب الفلسطيني وتقديره العالي لمواقف العقيد القذافى المبدئية في الدفاع عن الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة وللدعم الذي قدمه ويقدمه الشعب الليبي لأشقائه الفلسطينيين.
الملف نت 30/4/2006
قلنا : عجيب هذا التصرف من حماس والذي لا يبشر بخير ، إن تكرر التحالف مع الأعداء للإسلام ولو بحجة التوحد مقابل إسرائيل . وقد كان القذافي جرد فلسطينيي ليبيا من ممتلكاتهم والقي بهم على الحدود في العام 1995 بدعوى أن فلسطين قد تحررت.
رسالة
قالوا : رجحت مصادر أمنية مسؤولية التيار الصدري في العراق عن حادثة الاعتداء على دورية كويتية على الحدود الكويتية العراقية ،قبل يومين وذلك بسبب اعتقادهم بمساعدة قوات التحالف بإدخال الأسلحة والمؤن .
الوطن الكويتية – 24/5/2006
قلنا : هل كل قوات التحالف لم تعجب تيار الصدر ؟ أم هذه رسالة من إيران لدول الجوار وأمريكا ؟؟
إعلام لا سلاح
الوطن العربي ، باختصار ـ 31/3/2006(35/53)
... إيران ستقوم بمشروع إعلامي عملاق ( في لبنان ) ، حيث ستخصص ميزانية تبلغ حوالي 200 مليون دولار لإقامة مؤسسات إعلامية متكاملة في لبنان، تشمل محطات فضائية إخبارية وعامة وترفيهية ودينية وصحيفة يومية ومع استمرار الدعم الإيراني للمؤسسات الاجتماعية والصحية والتعليمية لـ "حزب الله" ولن تكون هذه المؤسسات الإعلامية العملاقة ذات طابع طائفي واضح، بل سيتم الاستعانة في بعض البرامج الدينية برجال دين غير معروفي المذهب، ولكنهم يتحدثون وفق توجيهات المرشد خامنئي.
ولكن الطروحات الإعلامية العامة ستكون أقرب إلى الموضوعية وتجنب الخطاب الديني المباشر، وصولاً إلى اكبر عدد ممكن من الجمهور، خاصة بعد أن فشلت محطة "العالم" في أداء رسالتها الإيرانية. وتقول المصادر إنه لإقامة هذه الإمبراطورية فإن إيران تخطط ـ بتنفيذ صيني ـ لإطلاق قمر صناعي إيراني بمسمى إسلامي، لبث القنوات الفضائية خاصة بعد أن منعت أوروبا بث قناة "المنار" الفضائية. وليصبح المشهد الإعلامي الإيراني كاملاً، ولكن بدون وجه صريح.
وكشفت المعلومات المتوافرة عن أن إدارة هذا البرنامج الإعلامي السياسي الطموح أنيطت بحسن كاظمي قمي، وكان يقوم بدور منسق العلاقات بين "حزب الله" والحرس الثوري الإيراني ويحتفظ بعلاقات ممتازة مع السردار قاسم سليماني قائد الحرس الثوري وسبق له أن شغل منصب قنصل عام إيران في مدينة هيرات الأفغانية، كما كان منسقاً لاستراتيجية إيران في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين وخطوته الجديدة هي تأسيس مكتب إعلامي خاص سيتولى كل هذه الأمور إضافة إلى العلاقات مع الصحافيين والكتاب العرب.
وقد خول كاظمي صلاحيات كاملة في التخطيط والتنفيذ وإنفاق الميزانية الضخمة على هذا البرنامج، وكذلك في إدارة المشروع الإعلامي وتوجيهه بعد استكمال الخطوات التنفيذية والتأسيسية.(35/54)
وسيكون هذا المشروع مكملا للمؤسسة الإعلامية لـ "حزب الله" ومن ضمنها محطة "المنار"، التي وصل عدد مشاهديها إلى عشرة ملايين، إضافة إلى إذاعة النور ومجلة "قبضة الله" الشهرية. والمشروع الجديد سيكون أكثر شمولية ويستهدف الوصول إلى الجماهير في الدول العربية والإسلامية، دون أن يظهر الوجه الإيراني الصريح فيه.
الحوار الإيراني ـ الأمريكي وأربعة معارضين متناقضين
سعيد بورسينا /بازتاب (الصدى) 26/3/2006
عن مختارات إيرانية السنة السادسة العدد 69ـ أبريل 2006
بدون شك يبدو عالم السياسة معقداً لدرجة أن المتناقضات الواضحة من الممكن أن تحدث تقارباً بين الأقطاب المتعارضة، ويبدو أن العلاقات الإيرانية الأمريكية تندرج في هذا الإطار، فهناك حالة من المواجهة بين البلدين، وهناك طيف من المعارضين الذين يغلب عليهم التناقض.
فإيران دولة كبيرة، تملك قدرة اقتصادية قوية إلى حد ما ومصادر نفطية هائلة، وتعداد سكانها كبير و....، وقد حصلت على مكانة متميزة في لعبة القوة في العالم المعاصر، خاصة وأنها أصبحت منشأ تطورات مهمة في منطقة الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، بل وأحياناً في القارات الأخرى.
من ناحية أخرى، الولايات المتحدة أيضاً دولة كبيرة تعداد سكانها هائل وتملك أكبر إنتاج قومي، ومع انهيار القطب الشرقي تعتبر نفسها قوة بلا منافس في التطورات العالمية، وتعمل على إقحام نفسها في أي تحد يواجه أي دولة في العالم، لتغير الأحداث لصالحها، حتى ولو كان ثمن ذلك شن الحرب وإرسال قواتها العسكرية إلى سائر أنحاء العالم، وقد حققت حتى الآن انتصارات هائلة في هذا الصدد.(35/55)
ومن المؤكد أن تاريخ علاقات هاتين الدولتين يرجع إلى أكثر من خمسين عاماً حينما تدخلت بانقلاب عسكري في إيران، وأبقت على الشاه الذي كان الشعب الإيراني قد غضب عليه مدة خمسة وعشرين عاماً أخرى، وقام الساسة الأمريكيون بعد ثورة 1979، حيث هب الشعب الإيراني لتغيير النظام بتجميد الكثير من أمواله وممتلكاته. وبعد فترة قامت جماعة من الطلبة ـ كرد فعل على ما قامت به الولايات المتحدة ـ بالاستيلاء على سفارتها واحتجزوا العاملين بها كرهائن، فأعلن الرئيس الأمريكي في ذلك قطع علاقات بلاده مع الجمهورية الإسلامية، ومنذ ذلك الوقت حتى الآن لا يتوانى زعماء البيت الأبيض عن إظهار عداوتهم للجمهورية الإسلامية.
والشعب الإيراني بمختلف السبل وعلى مدى هذه السنوات وقعت أحداث وقضايا في العالم تتعلق بمصالح إيران والولايات المتحدة باعتبارهما دولتين قوتين، تلعب كلا منهما دوراً فيها، ومن المؤكد أن غلق باب الحوار بين إيران والولايات المتحدة سيعود بفوائد كبيرة على لاعبين آخرين في الساحات الدولية. ولهذا، أحيانا تتبلور مجالات يبذلون قصارى جهدهم لإفشال هذا الحوار وعدم حدوث اتصال بين الطرفين، ولهذا لم تثمر أي من الحالات في هذا الصدد. ومع دراسة اللاعبين الدوليين، وأيضاً قراءة الأحداث الماضية يمكن حصر الفواعل المتعارضة في الأتي:
1ـ إسرائيل.
2ـ القوى الغربية بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية.
3ـ الدول العربية.
4ـ القوى الثورية وحزب الله المؤيد للجمهورية الإسلامية.
ومع أن هذا الحصر ليس دقيقاً وكاملاً، لكنه يساعدنا إلى حد ما في الوصول إلى نتائج مهمة.(35/56)
تأتي إسرائيل على رأس المعارضين لتغيير العلاقات بين الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية وحدوث أي أمر إيجابي فيها، وهذا اللوبي يتمتع بنفوذ وقوة في العالم خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، وقد اتضح هذا الأمر جيداً على مدى العام أو العامين الأخيرين في المواقف التي تم اتخاذها ضد البرنامج النووي الإيراني وهددوا إيران أكثر من مرة.
والسبب أيضاً واضح، فالجمهورية الإسلامية هي المشكك الأساسي في وجود إسرائيل، وهي أهم منتقد لعملية سلام الشرق الأوسط، مع أن توجه الجمهورية الإسلامية هذا لم يكن مصحوباً مطلقاً بأي تدخل عسكري، أو تقديم سلاح للمناضلين الفلسطينيين، إلا أنها اتبعت مسيرة اتخاذ المواقف الدبلوماسية والدعم المعنوي والتخطيط الفكري الذي أدى إلى الفوز الديمقراطي للجماعة التي كانت قد تبلورت على أساس رؤية الثورة الإسلامية ـ أي النضال على محورية الإسلام ـ فالصهاينة هم دائماً أول المعارضين للحوار المباشر بين إيران والولايات المتحدة، ومع أنها ليست قاعدة عامة بين الدول الأوروبية، لكن يبدو أن هناك قوة أساسية أوروبية، خاصة بريطانيا يمكن اعتبارها من المعارضين الأساسيين لكافة أشكال التعاطي المباشر بين إيران والولايات المتحدة.
جزء مهم من هذه المعارضة ناجم عن المصالح الاقتصادية الهائلة التي حصدها الأوروبيون على مدى الـ 27 عاماً الماضية. فالمقاطعات التي فرضتها الولايات المتحدة على إيران، استفاد منها كثير من الشركات الأوروبية، واستطاعوا أن يحصدوا مكاسب هائلة عن طريق التعاون مع إيران سواء بطرق قانونية أو بطرق التهريب.(35/57)
منذ أسبوعين، في بريطانيا تم إفشاء أخبار تفيد أن زوجة وزير الثقافة البريطاني كانت ضالعة في إرسال قطع غيار طائرات لشركة إيرانية، وتحاول حكومة بلير التستر على هذا الموضوع، وأعلنت الحكومة أنه إذا كانت زوجة الوزير تعاملت مع "عضو محور الشر" في عملية تبادل قطع غيار الطائرات، فإنها من الآن فصاعداً ليس لها حق المشاركة في الجلسات التي يتم فيها مناقشة موضوع إيران.
كما أن عدم الاتصال المباشر بين إيران والولايات المتحدة مفيدة لأوروبا من عدة جوانب، منها خلق المجال لقيامها بدور الوسيط ولعب دور دبلوماسي، وبلغ هذا الدور قمته على مدى عامين من قيام الدول الأوروبية الثلاث بالتحادث مع إيران بخصوص ملفها النووي، ومع أن آثاره كانت جيدة بالنسبة للأوروبيين، فإنه لم يكن له نتيجة بالنسبة لإيران سوى ضياع الوقت وإفشاء معلومات سرية، ومع ذلك ليس معلوماً هل نقل الأوروبيون رؤى إيران نقلاً صادقاً للأمريكيين، أم أنهم أحدثوا فيها تحريفا يتفق ومصالحهم؟(35/58)
في هذا الحصر، يتم تقديم العرب باعتبارهم الجبهة الثالثة المعارضة للتعاطي المباشر بين إيران والولايات المتحدة، ومن المؤكد أن المقصود بالعرب ليس كل الدول العربية والإسلامية، بل إنه طيف جدير بالاهتمام من دول المنطقة التي تدخل في منافسة مع إيران، وصفة العروبة طاغية على مواقفه، ولهم علاقات وطيدة جداً مع الولايات المتحدة الأمريكية. ولهذا، فإن تحسناً في التعاطي بين إيران والولايات المتحدة من الممكن أن يعود بالضرر عليهم، كما أنهم يشعرون مع وجود إيران ـ بالنظر إلى مستواها التقني ومكانتها ـ باحتمال خروجهم من دائرة اهتمام الولايات المتحدة، وهذا الأمر ستكون له نتائجه المضرة بهم، من بين هذه النتائج قد يكون فقدان الهيمنة على ثروات نفط وغاز الخليج الهائلة، وما حدث في الأيام الأخيرة تحت عنوان معارضة الجبهة العربية السنية العراقية وأيضاً معارضة عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية للحوار الإيراني الأميركي بخصوص العراق، يأتي في هذا الإطار.
وهناك دول عربية قوية، لها دور خلاق في العالم الإسلامي تعتبر منافساً مهماً لإيران، ومن المؤكد أنها في نفس الساحة لها مصالح مشتركة كثيرة مع إيران.
لكن الجماعة الرابعة القلقة من حدوث تعاطي أكبر وأكثر مباشرة بين إيران والولايات المتحدة، هي جزء من القوى الثورية وحزب الله المؤيد للجمهورية الإسلامية، وهذه الجماعة تختلف وتتناقض مع الجماعات السابقة، من حيث الهوية فكل حكومة لها أرصدة وطنية تحافظ عليها، وهناك جماعات شهيرة تدخل في عداد هذا الرصيد الوطني للجمهورية الإسلامية الإيرانية، تضحي بحياتها عندما تتعرض الثورة لأي خطر.(35/59)
إن سابقة العداء بين إيران والولايات المتحدة والهوية الاستكبارية للأخيرة والتي تذكر في ثقافة الثورة الإسلامية باسم "الشيطان الأكبر" تجعل هذه الجماعة قلقة من أن أي تعاطي بين الجمهورية الإسلامية والولايات المتحدة سيشكك في مصداقية الشعارات التي تم تبينها على مدى أعوام، وأنه سينتهك تدريجياً الهوية الثورية والاستقلال وعزة الجمهورية الإسلامية، إنهم الآن يتساءلون: هل تغيرت ماهية الولايات المتحدة أم أن الحوار بين هاتين الدولتين سيحمل رسالة للشعب الإيراني ومسلمي العالم؟
ومن المؤكد أن أي محاولة من جانب المسئولين الإيرانيين في إطار الحوار أو التعاطي مع الولايات المتحدة لا يمكن أن تحدث متغاضية عن حركات المقاومة، ليس فقط لأن هذه الحركات لها دور أساسي في استمرارية وبقاء وصمود الجمهورية الإسلامية، بل لأن لهم حججهم القوية والأكيدة التي ارتبطت بالهوية الاستقلالية للجمهورية الإسلامية.
هذا التقسيم الرباعي يبين اكثر من أي شيء أن ثمة تناقضاً مهماً يواجه مسئولي الجمهورية الإسلامية، وأي تجاوب مع الولايات المتحدة يتطلب حل هذا التناقض حتى يكون هناك توجهاً محدداً ودقيقاً يقطع الطريق على الجماعات الثلاث الأولى "أعداء ومنافسي الجمهورية الإسلامية" ويضع حداً لمخاوف الجماعة الرابعة، الطريق الذي يحفظ عزة واستقلال وهوية الجمهورية الإسلامية من جانب، ويضمن المزيد من المصالح الاقتصادية والسياسية والأمنية لإيران من جانب آخر.
الخصمان واشنطن وطهران.. والملعب عراقي!
عبد الله التميمي الوطن العربي ـ باختصار 5/5/2006
يحاول خبراء الاستراتيجية والتحليل السياسي والعسكري التكهن بطبيعة السيناريوهات المحتمل حدوثها في العراق كرد فعل في حالة توجيه ضربة أميركية أو إسرائيلية خاطفة لإيران لتدمير مفاعلاتها النووية.
يقول المعارض الإيراني حسن أصفهاني إن النظام في طهران لا يتوقع حدوث اجتياح أميركي لأراضيه.(35/60)
وماذا عن ردود الفعل في حالة حدوث هذه الضربة الخاطفة؟
ـ ستحاول إيران كما صرح قادتها استخدام سلاح النفط وإحداث فوضى في أسواقه العالمية وتسويقه عبر الخليج العربي من خلال ضرب الناقلات التي تحمل النفط من دول الخليج كافة وربما ستهاجم القطع البحرية المرابطة في المنطقة.. وتكمن خطورة تلك بالتقاء هذا الهدف مع أهداف الجماعات السلفية التي أعلنت الحرب الاقتصادية على حلفاء أميركا في المنطقة. أما رد الفعل الأكثر أهمية والذي أعدت له إيران بجدية منذ وقت مبكر فهو ضرب الجيشين الأميركي والبريطاني والجيوش الحليفة لهما والتي تمسى متعددة الجنسيات بقوة وبأيد عراقية أصبحت جاهزة التدريب وكاملة التسليح وهي منتشرة في بغداد، ويصل تعدادها في حالة التعبئة القصوى إلى عشرات الآلاف من المقاتلين أغلبهم من الشيعة من المنضوين تحت لواء جيش المهدي ومنظمة بدر وحزب الله ومنظمات صغيرة أخرى، وقد وصلتهم مؤخراً شحنات من الأسلحة المتطورة والصواريخ المضادة للدروع والطائرات ومدافع ورشاشات بمختلف العيارات.. وقد أعدت قيادة ميدانية عسكرية من أفواج حرس الثورة ستكون لها أماكن معلومة في بغداد في المناطق الشيعية خاصة مدينة الصدر التي يصل تعدادها لأكثر من مليوني مواطن من الشيعة وبينهم عشرات الآلاف من أنصار السيد مقتدى الصدر الذي يعارض الاحتلال الأميركي رغم مشاركتهم في الفعالية السياسية وهنالك بضعة آلاف من أعضاء منظمة بدر لها علاقات قديمة مع الأجهزة الإيرانية الخاصة. ويتسع نطاق هذه الميليشيات الشيعية في العديد من مدن وأحياء الجنوب مثل البصرة والعمارة والناصرية والمناطق الوسطى مثل النجف وكربلاء والحلة والكوت ليصل الرقم لأكثر من مليوني مسلح.
وهل يمكن تحريك هذه التيارات ؟ ومتى؟(35/61)
ـ إن هذه الورقة قابلة للتحريك في أي وقت وقد بدأت ملامح إمكانية تحرك التيار الصدري وتيارات شيعية أخرى نتيجة للضغوط بل التحول الأميركي ضد الائتلاف الشيعي، وقد تحولت المخاوف والقلق إلى خطط لتحجيم دور الميليشيات والأحزاب الشيعية لاتهامها بتنفيذ المخططات الإيرانية في العراق ولغرض استمالة الجماعات المسلحة التي تشترط للتفكير في الدخول في العملية السياسية وإيقاف هجماتهما ضد الأميركيين، الحد من دور الأحزاب الموالية لإيران، وقد حاول الرئيس جلال الطالباني تقريب وجهات النظر مع هذه الجماعات وفتح معها حوارات بمشورة من مستشاره الأمني اللواء الركن وفيق السامرائي معاون مدير الاستخبارات العسكرية في زمن صدام حسين الذي التحق بالمعارضة قبل سقوط النظام وله صلات وتفاهمات مع القيادات الكردية.. وتستطيع هذه الميليشيات الشيعية إثارة فوضى كبيرة في العديد من المدن العراقية لاسيما أن المعلومات تشير إلى أنه في حالة اندلاع المواجهة الأميركية الإيرانية فإن المئات من الانتحاريين الذي تم إعدادهم في إيران سيخترقون الحدود ويصلون بسهولة إلى أهدافهم المرسومة.. وستكون بغداد والمنطقة الخضراء مهددتين بالسقوط مع انهيار الحكومة العراقية الهشة الجذور، وربما ستكون ردود الفعل الأميركية الطائشة تدمير مدن بكاملها، مما سيزيد النار اشتعالا لتبدأ ثورة عارمة في كل المدن لاسيما أن إيران نجحت في استقطاب الطرف الثاني من اللعبة، وهو الطرف السني، ولها علاقات وتنسيقات مع الكثير من الجماعات التي تختلف مع إيران مذهبياً، وتلتقي معها في استراتيجية محاربة الأميركان، وسيؤمن دخول هذه الجماعات من خلال مئات الثغرات عبر الحدود المشتركة مع العراق التي تمتد لأكثر من 1200كم، وقد دخل العديد منهم فعلا، وهم يرابطون في المناطق الغربية والوسطى والساخنة الأخرى.. أما توقيت هذا التحرك أو ما يسمى نقطة الصفر فهذه الأمور الدقيقة لا يمكن تحديدها إلا من(35/62)
قبل الجهات المنفذة واجتهاداتها في هذا الشأن، لكن بوادر الأزمة الجديدة مع الأميركان بدأت تظهر بصورة واضحة منذ اليوم الأول لاختيار نوري المالكي "جواد المالكي" رئيسا للوزراء بدلا من إبراهيم الجعفري، وقد أشار في أول خطاب له إلى دمج الميليشيات في الجيش مما أثار ارتياح الأميركيين وغضب التيار الصدري الذي يرفض هذا الأمر جملة وتفصيلا، وكذلك يتكرر ذات الموقف الرافض من قرابة 20 ميليشيا مسلحة فاعلة في الساحة العراقية.. بينما يعتقد الأكراد أن البيشمركة ليسوا ميليشيات في الجيش .. وتتوقع المصادر أن الضغط الأميركي سيتواصل على المالكي لتطبيق هذا القرار الذي سيؤدي الإصرار عليه إلى انقسام وانفراط عقد الائتلاف الشيعي وحدوث مصادمات دامية مع الجيش الأميركي الذي بدأ خطة لرصد تحركات الجيش المهدي ومقرات ومراكز نشاطات مكاتب الشهيد الصدر، وحدثت مؤخرا مداهمات للعديد منها والاستيلاء على مقتنياتها.
ويضيف حسن أصفهاني: ولا تستبعد المناطق الكردية من اضطرابات تثيرها إيران عند شعورها بالخطر، فهي تحتفظ بعلاقات مؤثرة مع الجماعات الإسلامية المرابطة في بيارة وطويلة المحاذيتين للحدود الإيرانية في إقليم السليمانية خاصة جماعة جند الإسلام التابعة للملا كريكار، التي ضرب الأميركيون وجماعة الطالباني، مع اندلاع الحرب، مقراتها ومعسكراتها الرئيسية، حيث كان يمتد نفوذ الجماعة إلى جبل شنورى، وتقع العديد من المدن تحت سيطرتهم ومنها حلبجة وغيرها، والدليل على وجود التأثير الإسلامي ما حدث مؤخراً من مظاهرات ومواجهات دامية مع البيشمركة قبل أسابيع قليلة تعبيرا عن تذمر وغضب الأكراد على نقص الخدمات وفساد الأجهزة الإدارية واجتثاث التيارات الإسلامية.
المهدي المنتظر.. وحلم النووي المرتقب!
محمود صادق الوطن العربي ـ باختصار 5/5/2006(35/63)
استطلعت "الوطن العربي" آراء عدد من المثقفين والخبراء الإيرانيين المتابعين لتطورات الملف النووي وسألتهم عن تصوراتهم لمستقبل الجمهورية الإسلامية في ظل التصعيد الحاد مع المجتمع الدولي الرافض امتلاكها التكنولوجيا النووية وكيف تستعد إيران حكومة وشعباً لاحتمالات التصعيد في المواجهة مع الولايات المتحدة ومجموعة الدول الأوروبية، وفيما يلي تفاصيل الرسائل الست التي جاءتنا ردا على الأسئلة.
قال الرئيس الإيراني أحمدي نجاد في خطاب بثه التلفزيون من مدينة مشهد بشمال شرق إيران: إن دخول إيران إلى مجموعة البلدان التي تمتلك التكنولوجيا النووية جاء نتيجة مقاومة الأمة الإيرانية وكخطوة تمهيدية لظهور المهدي المنتظر، وهذا التحدي الإيراني لا نستطيع فصمه حقيقة عن أفكار وعقائد الرئيس الإيراني، لاسيما ما يتصل منها بقرب ظهور المهدي المنتظر، الذي يبدو بشكل كبير أنه يقود تصورات نجاد لمفهوم "الأمة الإيرانية" التي لابد أن تتشكل وتتهيأ لاستقباله. هذا ما ذكرته رسالة الدكتور سيد هادي محمودي بكلية العلوم والقانون في جامعة طهران حين سألته "الوطن العربي" عن الخلفية التي ينطلق منها الرئيس الإيراني في تصعيده للمواجهة مع الولايات المتحدة، وفي رسالة الدكتور محمودي فإن ظهور المهدي الذي قرب أوانه بحسب المعتقد النجادي يرتبط بوجود دولة قوية متقدمة تحظى بالمعارف والعلوم الحديثة وعلى رأسها بطبيعة الحال التكنولوجيا النووية، ومن ثم فإن كل التضحيات والعقبات والعقوبات يمكن تحملها لحين ظهور "المخلص"، وهذا يفسر إلى حد كبير التركيز الذي يوليه الرئيس الإيراني منذ انتخابه على "المهدي المنتظر"، ففي الخامس من يناير "كانون الثاني" الماضي أكد الرئيس الإيراني أمام حشد من طلاب الدين في مدينة قم أن عودة الإمام المهدي المنتظر صارت قريبة، وأن على المسلمين أن يستعدوا لاستقباله، وقد أكد مهدي كروبي الرئيس السابق لمجلس الشورى الإيراني بعد(35/64)
تصريحات نجاد، أن بعض المقربين من الرئيس الإيراني قالوا إن عودة الإمام المهدي ستحدث في السنتين المقبلتين.
وفي كلمة له أمام حشد من الخطباء الإيرانيين، قال نجاد إن المهمة الرئيسية لحكومته تتلخص في تمهيد الطريق للعودة المجيدة للإمام المهدي، وفي خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 15 سبتمبر "أيلول" 2005 تعرض بالحديث عن المهدي المنتظر مشيراً إلى أن هالة من النور كانت تحيطه أثناء إلقاء خطابه!، وقد نشرت صحيفة انتخاب المحسوبة على التيار الإصلاحي أن نجاد وطاقم حكمه وقعوا ميثاقاً مع المهدي المنتظر في أول جلسة لمجلس الوزراء، وكلفوا وزير الثقافة صفار هرندي بإلقائه في بئر جمكران في مدينة قم، حيث تلقى الأموال والنذور والرسائل المراد أن يطلع عليها المهدي، كما رفض نجاد تخصيص جزء من أموال النذور لإنشاء طريق طهران ـ جمكران بدعوى أن حكومته لم تأت من أجل قيادة الشعب، بل من أجل التمهيد لظهور المهدي المنتظر.
وقد يفسر هذا المعتقد كذلك التصريحات الملتهبة التي يطلقها نجاد حول ضرورة عدم الاعتراف بإسرائيل ومحوها من خريطة العالم الإسلامي. ويضيف الدكتور محمودي في رسالته أن هذا الخطاب الثوري، هو في حقيقته مكمل للتصور النجادي عن المهدي المنتظر الذي يتوقف ظهوره على محو إسرائيل من خريطة العالم الإسلامي، ونقلها إلى أوروبا أو أي مكان خارج المحيط الإسلامي الذي يتهيأ لاستقبال المهدي.
خطة الدفاع الإيراني(35/65)
وحول قدرة إيران في حال تم استهدافها، وما هي القدرات غير التقليدية، والتي لا تشمل استخدام أسلحة دمار شامل أو صواريخ مباشرة أو هجمات جوية، وهل هي قادرة على هذا الرد أم لا؟ وما هي الأدوات والوسائل التي سترد بها وكيف، كانت الرسالة الثانية التي جاءتنا من الدكتور كد خداي أستاذ القانون بجامعة طهران وعضو مجلس صيانة الدستور وفيها يقول إن إيران تتميز بكونها ذات قدرات ضخمة من الناحية الاقتصادية، العسكرية، الديموغرافية وحتى الجغرافية، وهذا يوفر لها ما يمكن تسميته بالعمق الدفاعي الإستراتيجي ويمنحها وسائل مناورة أكبر في أية حروب برية تقليدية، ومما يزيد من قدرتها على الصمود ويعزز ذلك، إمكانية لجوئها للحرب الشعبية استنادا إلى مقوماتها الديموغرافية والجغرافية بالإضافة للوضع الإقليمي.
من هذا المنطلق، فإن إمكانية نشوب حرب تقليدية بين إيران وأي من الدول الكبرى منفردة، أمر ضعيف الاحتمال، ومن الصعب تصور حدوثه ضمن المعطيات الحالية، وعلى هذا، فإن معظم المخططات التي تم الإخبار عنها إلى الآن لا تتحدث عن غزو، وإنما عن ضربات جوية وصاروخية مكثفة، وعلى أهداف محددة، وذلك لتلافي المواجهة مع نقاط القوة الإيرانية، وفي حال تلقي إيران لهذه الضربات، فإنه لا بد أن تلجأ إلى أوراقها المتاحة، ومنها:
أولا: استخدام وتجييش الحرس الثوري الإيراني، لاسيما الوحدات البحرية واستخدامها في عرقلة مرور ناقلات النفط في مضيق هرمز.
ثانيا: استخدام عمليات الاغتيال والاختطاف على صعيد عالمي، خاصة أن طريقة عمل الاستخبارات الإيرانية معقدة ومتطورة.
ثالثا: استخدام "حزب الله" في لبنان ضد إسرائيل كورقة للضغط في مثل هذه الظروف.
رابعاً: تخريب الوضع العراقي، وهو الأمر الذي يعتبر إحدى أنجح الأوراق المتوافرة وأقلها كلفة وأكثرها تأثيرا، وهو ما سيؤدي إلى إعاقة عمل أميركا وخططها.(35/66)
خامساً: افتعال مشاكل إقليمية عبر توابع إيران وتجمعاتها في الدول المجاورة، والتي لإيران نفوذ بها، إضافة إلى افتعال العديد من المشاكل في عدد من الدول خارج الإطار الإقليمي، وذلك لإشغال الولايات المتحدة بالحرائق المشتعلة في كل مكان، وتخفيف الضغط على إيران.
سادسا: إيران قد تلجأ إلى الاستعانة بتنظيم القاعدة في هذه الحالة أيضا، وكل شي قابل للنقاش في هذا الإطار، ما دام المستهدف هو أميركا.
تفجر الحرب بين الملالي!
جهاد سالم الوطن العربي ـ العدد 1522 ـ 5/5/2006
يؤكد خبير أوروبي شارك في المفاوضات السابقة بين الثلاثي الأوروبي "ألمانيا وفرنسا وبريطانيا" وإيران واطلع على جميع المعروض والاقتراحات التي تم تبادلها للتوصل إلى تسوية أن أي مخرج سلمي للأزمة الراهنة لم يعد وارداً وأن الصراع الأميركي "والدولي" حول البرنامج النووي الإيراني قد دخل الطريق المسدود.
ويستدرك قائلاً: وإذا أردنا التفاؤل الحذر فأقصر ما يمكن توقعه هو مخرج مؤلم أو أقل أذى وكارثية من الحرب التي تبدو في ظل التصعيد المتبادل وعلى ضوء التقارير السرية المتداولة الخيار الأكثر احتمالاً، ويلتقي هذا الخبير في تصوره "للمخرج المؤلم" مع آراء عدد كبير من المراقبين باتوا يجمعون على أن الكرة باتت في يد إيران كلياً وأن أية محاولة لنزع فتيل الحرب يجب أن تأتي من طهران وعبر تنازلات أساسية تقدمها الجهورية الإسلامية وفق معادلة جديدة قوامها أن البرنامج النووي الإيراني خط أحمر وممنوع على النظام الإيراني الحالي امتلاكه.(35/67)
ويضيف الخبير الأوروبي أن جميع المناورات الإيرانية لتمرير البرنامج النووي قد فشلت وأن أية عودة للمفاوضات حتى ولو كانت أميركية ـ إيرانية مباشرة لن تقود إلى تنازل عن هذا المبدأ، وهنا يكشف الخبير أن إيران سبق أن فشلت في الحصول على أية موافقة على برنامجها النووي حتى عندما اقترحت مشاركة خبراء غربيين فيه أو إقامة مفاعل للتخصيب تشترك فيه مع دول من المنطقة ودول كبرى في جزيرة كبيش، وكذلك اصطدمت إيران بالرفض الأميركي لنقل أية تكنولوجيا غربية إليها ولو بإشراف أوروبي.
أما بالنسبة للتسوية الأخيرة التي اقترحتها موسكو بتسليم طهران اليورانيوم المخصب في روسيا فقد جرى رفضها إيرانياً في وقت بدأ فيه أن انعدام الثقة الدولية بنوايا إيران النووية السلمية قد بلغ حده الأقصى بالتزامن مع تقارير تحذر من وجود برنامج سري عسكري إيراني.
وجاء إعلان طهران عن نجاحها في تخصيب كميات من اليورانيوم بنسبة 3.5% ليزيد من هذه المخاوف تجاه حصول إيران على التكنولوجيا النووية سراً، وهي مخاوف تفاقمت مع الإعلان عن حصول إيران على أجهزة طرد من طراز "ب2" عبر شبكة الباكستاني عبد القدير خان وهو ما زاد من الشكوك في رغبة إيران بالتخصيب لأهداف عسكرية.
انطلاقاً من هذه الخلفية تؤكد المصادر المطلعة أن إيران قد تبلغت فحوى الموقف الدولي وهو أن التخصيب ممنوع وأنه لم يعد أمامها سوى التراجع أو الحرب.. أو محاولة التفاوض مع الأميركيين على ملفات أخرى إقليمية ليس من بينها النووي الذي تجد نفسها مضطرة للتخلي عنه وفق الخيار الليبي أو خيار جنوب أفريقيا إذا ما أرادت تفادي خيار صدام حسين.(35/68)
وتؤكد مصادر "الوطن العربي" أن هذا الموضوع بات يحتل مركز الصدارة في نقاشات القيادات الإيرانية وخصوصاً اجتماعات مجلس الأمن القومي، وعلى الرغم من واجهة "التضامن" والمواقف الموحدة التي يظهرها المسؤولون الإيرانيون منذ أيام إلا أن التقارير تشير إلى أن نظام الملالي يعيش حرباً شعواء وخلافات حادة وانقسامات تجاه الاستراتيجية التي يجب اعتمادها بعيداً عن الحرب الكلامية العلنية.
وتتحدث الملعومات عن أن المخرج الإيراني المنتظر سيكون حرباً داخلية عبر انفجار الصراع على السلطة بحيث تكون نتيجته إخراج طريق الحرب من الحكم والحكومة لإفساح المجال أمام تسوية مقبولة ووقف السياسة الانتحارية.
هذا الصراع ظهر بوضوح بين الرئيس أحمدي نجاد ورئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني، وعلى الرغم من التوافق الظاهر بين هذين الخصمين في الموقف تجاه العالم إلا أن كلاً منهما يعمل وفق أجندة وحسابات خاصة به عبر استخدام "المأزق النووي" لمصلحته ولتحسين وضعه الداخلي وتعزيز أوراقه على حساب الطرف الآخر.
وكان لافتاً أن رفسنجاني سجل نقطة مهمة ضد نجاد منذ أثار غضب الرئيس بإعلانه أولاً عن نجاح إيران في تخصيب اليورانيوم ناسفاً بذلك المهرجان الضخم الذي أعد له نجاد في مشهد لإعلان هذه المفاجأة الوطنية السارة.
ويقول العارفون: إن رفسنجاني فجر بذلك الحرب الداخلية الصامتة بين أجنحة الجمهورية الإسلامية والمرشحة للانفجار على ضوء اقتراب الضربة العسكرية التي يسعى إليها فريق الرئيس ويرى فيها الفريق الآخر توجها انتحارياً أيديولوجيا لا يأخذ المصالح القومية بالاعتبار.
وهذا الفريق الأول الذي يضم نجاد وجماعة الحرس الثوري التي سيطرت عبره على السلطة ومجموعة "الحجتية" و "حزب الله" وبعض الملالي المتشددين بدأ مؤخراً يواجه معارضة شديدة من عدة أجنحة يقال إن عددها ثلاثة على الأقل يسعى كل منها إلى جذب المرشد آية الله على خامنئي إلى جانبه.(35/69)
ويعتبر صراع نجاد ـ رفسنجاني الواجهة الأبرز لحرب الأجنحة والملالي، والأمر المؤكد أن الرئيس المتشدد يرى في الرئيس السابق الذي يوصف داخلياً بأنه "ثعلب" السياسة الإيرانية وما زال يعرف خارجياً ببراغماتيته، العدو اللدود لمشروعه الداخلي والخارجي، وازدادت مخاوف نجاد من رفسنجاني في الآونة الأخيرة عندما نجح "زعيم التيار البراغماتي" في إقناع المرشد بتسليمه مهمة "الإشراف" على الحكومة وتقرب منه إلى حد أن خامنئي اختار رفسنجاني وليس نجاد لإيفاده إلى عدة دول عربية وخليجية، مما أعطى الانطباع بأن رفسنجاني سجل نقاطاً جديدة في صراعه مع نجاد على الهيمنة على السياسة الإيرانية وخصوصاً على القضايا الاستراتيجية.
ويبدو أن تكليف المرشد لرفسنجاني جاء يعكس بروز تيارات داخلية واسعة في قلب النظام تخشى جدياً من أن سياسة الرئيس المتشدد باتت تشكل خطراً على مستقبل الثورة الإسلامية وعلى مصير إيران ومصالحها الحيوية.
وعلى الرغم من قناعة هؤلاء بأن السلطة الحقيقية هي في يد المرشد ومجلس الأمن القومي، وما يفعله نجاد لا يحصل إلا بمباركة هذين الطرفين إلا أن العديد من المسؤولين يحذرون من قلة خبرة نجاد وأعوانه المتطرفين الذين يشاركون في مجلس الأمن القومي ويسيطرون على غالبية مقاعده.
وعلى الرغم من ذلك سعى رفسنجاني والأجنحة المعارضة لسياسة نجاد إلى بناء معارضة للمواجهة العسكرية مع الولايات المتحدة والأمم المتحدة.
وتشير بعض التقارير إلى مسارعة رفسنجاني إلى الكشف عن وجود "مفاوض إيراني" في واشنطن في الوقت الذي كان نجاد يهدد ويتوعد، قد عكست محدداً توجهات الرئيس السابق البراغماتي وكشفت مساعي طهران إلى فتح مفاوضات مباشرة مع الأميركيين وذكرت في الوقت ذاته بفضيحة "إيران غيت" التي كان رفسنجاني أحد أبطالها.
ملالي وأجنحة!(35/70)
لكن التسريبات عن مساعي المفاوضات التي وصلت إلى حد الحديث عن وجود ثلاث موفدين سريين إيرانيين في واشنطن وتزامنت مع تصعيد لهجة التهديدات الإيرانية وتكثيف "رسائل" التهديد إلى عدة دول عربية وآسيوية وغربية لم تمنع الخبراء من الاستمرار في رصد تطورات ما بات يعتبر "حرب الملالي" داخل السلطة الإيرانية والدسائس والمؤامرات الدائرة بعيداً عن الأنظار وسط لغة تصعيدية شبه موحدة تجاه العالم الخارجي بهدف التمويه.
وتكشف آخر التقارير أن أحمدي نجاد الذي حرم كلاً من رفسنجاني وباقر قاليباف رئيس الشرطة السابق الفوز في الانتخابات الرئاسية بدعم من المرشد والباسدران والباسيج لم يعد يتمتع بما كان يتمتع من ثقة خامنئي، والرهان عليه، ويبدو أن كبار الملالي والممسكين بالسلطة الخفية في طهران قد توصلوا أخيراً إلى قناعة بأن مرحلة الرهان على نجاد وشعبويته وتشدده يجب أن يوضع حد لها، ويقال إن المعارضين لخط نجاد باتوا ينتشرون في عدة مواقع وجهات فاعلة من بينها ملالي البازار والمشرفون على المؤسسات الدينية التي تعتبر إمبراطوريات مالية واقتصادية ودولاً داخل الدولة رغم دعم أبرز مؤسستين "الإمام الرضا والمستضعفون" لخط نجاد.
وتكشف هذه المصادر أن ثمة نوعاً من الإجماع بدأ يتولد لدى كبار الملالي النافذين بضرورة انتهاج خط براغماتي لحماية الثورة وإيران ويدعو إلى التخلي عن نجاد ومجموعته، ويضم هذا الإجماع مقربين من المرشد من أمثال حسن روحاني الأمين العام السابق لمجلس الأمن القومي والمفاوض السابق في المسألة النووية الذي نجح طوال ثلاث سنوات في تفادي وصول القضية إلى مجلس الأمن والدخول في مواجهة مباشرة مع أميركا.(35/71)
ويشمل أيضاً مجموعة من الملالي الذين ينتمون إلى خط الإمام وكانوا يعرفون بأنهم من أنصار نجل الإمام الخميني "أحمد" ويصنف بعضهم في خانة "اليسار" وينضم إلى هؤلاء مجموعة الإصلاحيين التي وقفت إلى جانب الرئيس السابق محمد خاتمي، أمام "لولب" حركة "التمرد" هذه فهو هاشمي رفسنجاني الذي يقال إن مجموعته هي عبارة عن أخطبوط تمتد أصابعه إلى عدد كبير من الأجنحة والتيارات من خامنئي إلى خاتمي وصولاً إلى شبكات سرية تخترق البازار والمؤسسات الدينية وحتى المؤسسة العسكرية والحرس الثوري، وتجعل منه قادراً على لعب دور المنقذ وقلب المعادلة الداخلية.
وفي آخر المعلومات أن رفسنجاني يسعى إلى إقناع المرشد بأن الثورة الإسلامية وإيران هما في خطر ويطلب منه تكليفه إنقاذهما بإبعاد خطر نجاد وتياره المتشدد.
والجدير بالذكر أنها ليست المرة الأولى التي يسعى فيها رفسنجاني لدى المرشد إلى "تحييد" رئيس الجمهورية ولجم طموحاته التي تهدد ـ في حال إكمال هذه المجموعة المتشددة سيطرتها ـ مصير المرشد نفسه، فخامنئي يبدي قلقاً شديداً من التحالف بين القيادات المتشددة في الحرس الثوري والباسيج وبين بعض الجماعات الدينية المتشددة وفي شكل خاص مجموعة آية الله محمد تقي مصباح اليزدي الذي يلعب دور المرشد الروحي للرئيس نجاد والذي يسعى إلى السيطرة على مجلس الخبراء وهو أعلى سلطة في إيران والمؤسسة الوحيدة التي تملك حق إطاحة المرشد. وفي معلومات "الوطن العربي" أن المخاوف من طموحات نجاد ومصباح اليزدي قد ازدادت مؤخراً مع صدور تقارير سرية تتحدث عن مرض شخصيتين كبيرتين في النظام، الأول هو خامنئي نفسه الذي يقال إنه يعاني من مرض عضال تتفاوت المعلومات حول مدى خطورته.(35/72)
والثاني هو آية الله علي مشكيني رئيس مجلس الخبراء، وتشير آخر المعلومات إلى أن مشكيني المريض قد دخل مؤخراً في حالة غياب عن الوعي، وأن وضعه الصحي يتدهور في شكل مقلق، وهذا يعني أن ثمة أزمة كبيرة مرشحة للانفجار على مستوى أعلى سلطة في الدولة تتحكم بمصير المرشد، وكان مشكيني قد استقال قبل أشهر من موقعه كخطيب الجمعة في قم وعين خامنئي مكانه آية الله رضا أستاذي من هيئة علماء قم، وتشكل وفاة مشكيني أو استقالته بسبب المرض مسألة حساسة جداً بالنسبة للنظام وتسرع في تفجير حرب الملالي خصوصاً وأن هاشمي رفسنجاني الرجل الثاني في مجلس الخبراء يطمح لهذا المنصب وسط معارة غالبية أعضاء المجلس وخصوصاً معارضة آية الله اليزدي الطامح بدوره للسيطرة على هذا المجلس.
ويقال إن الرئيس السابق محمد خاتمي قد وجه مؤخراً تحذيراً لخامنئي من مغبة وصول اليزدي إلى رئاسة مجلس الخبراء وانعكاسات ذلك على مصير الجمهورية الإسلامية في هذه المرحلة لحرجة ودعاه إلى وضع حد لسياسة نجاد المتهورة.
وعلى ضوء إدراك ملالي طهران خطورة هذه المرحلة والحاجة إلى خيارات أليمة لتفادي الضربة العسكرية التي يتوقع كثيرون في إيران أن تكون قاضية على النظام رغم العنتريات المعلنة، تبدو حرب الملالي مرشحة للحسم سريعاً لكونها تجاوزت صراع النفوذ السياسي ولعبة التوازنات التي يلعبها خامنئي بين نجاد ـ اليزدي من جهة ورفسنجاني من جهة ثانية.(35/73)
وتؤكد مصادر إيرانية مطلعة أن خامنئي بدأ يواجه جدياً أحد خيارين أحلاهما مر: إما مواجهة احتمال تجرع السم والاستسلام بعد الضربة الأميركية على طريقة تجرع الخميني "السم" لإنهاء الحرب مع العراق، وإما إطاحة حكم نجاد وحكومته بتحميلهما مسوؤلية جر إيران إلى معركة لا تستطيع الانتصار فيها رغم كل المزاعم والادعاءات والتهديدات ومحاولة فتح الطريق أمام مفاوضات جديدة بشروط جديدة وبمسؤولين جدد قادرين على إقناع العالم وخصوصاً الأميركيين بجدية نياتهم الانفتاحية.
وفي معلومات "الوطن العربي" أن هذا الخيار الذي يجري بحثه في أعلى مواقع السلطة في إيران هو في الواقع خيار الحد الأدنى وخيار إخراج الوضع من عنق الزجاجة ونزع فتيل الحرب القادمة بسرعة لم يكن يتوقعها الملالي. ويبدو أن الهدف من هذا المخرج هو فقط كسب الوقت وإعادة المفاوضات حول البرنامج النووي إلى مربعها الأول وإفساح المجال أمام تسويق مخرج تعليق التخصيب لفترة زمنية محددة قد تمتد إلى ما بعد خروج بوش من البيت الأبيض ولا تستبعد المصادر المطلعة أن تتم عملية إطاحة نجاد على طريقة إطاحة أول رئيس للجمهورية الإسلامية أبو الحسن بني صدر في العام 1981 عندما جرت إقالته وإخراجه من إيران باسم "حماية الثورة".
اغتيال أم انقلاب؟!
لكن المطلعين على خفايا حروب وصراعات الملالي وموازين القوى في طهران، وحقيقة المخطط الأميركي للتعامل مع إيران يتعاملون بتحفظ شديد مع هذا المخرج الإيراني، وفي رأي هؤلاء أن واشنطن التي وصلت استعداداتها العسكرية إلى مرحلة متطورة جداً وجددت رهاناتها على تغيير النظام وإطاحة نظام الملالي بكامله قد لا تقتنع بسيناريو إطاحة نجاد في ظل استمرار على خامنئي في موقعه خصوصاً على ضوء ترسخ قناعة دولية بأ، طهران مصممة على امتلاك السلاح النووي.(35/74)
ولعل أبرز التحفظات تظل مرتبطة بقدرة التيار الإصلاحي أو البراغماتي على مواجهة نجاد وجماعته بدون نسف أسس الثورة الإسلامية وإطاحتها.
وفي رأي هؤلاء أن الصراع المحتدم بين الملالي في طهران سيقود إلى واحد من مخرجين كل منهما دموي، الأول هو حرب داخلية دموية بين الملالي تذكر بالأيام الأولى لثورة الخميني وتقود إلى اغتيال نجاد وعدد كبير من الملالي المتشددين.
ويتوقع المطلعون على هذا السيناريو أن يكون بدوره تكراراً لما حصل مع رئيس إيراني أسبق هو محمد على رجائي الذي انتخب خلفاً لبني صدر في أغسطس "آب" 1981،وجرى اغتياله في الثلاثين من الشهر ذاته عبر عملية تفجير لكل حكومته، حيث اغتيل أيضاً رئيس الوزراء محمد جواد باهونار ومجموعة من الوزراء لقوا حتفهم في تفجير المقر الرئاسي.
ويلفت المراقبون إلى أوجه شبه عديدة تجمع بين رجائي ونجاد فكلاهما من خارج المؤسسة الدينية ويتمتع بشعبية كبيرة ويعتبر من أعتى أنصار الثورة الخمينية إذ إن رجائي كان شخصية مهمة ويعتبر من عتاة الثورة الإسلامية والثورة الثقافية وزعيم حركة تطهير الجامعات من النفوذ الأميركي والأوروبي.
وعلى الرغم من إعلان جماعة مجاهدي خلق مسؤوليتها عن اغتيال رجائي وحكومته. إلا أن بعض التقارير مازالت تضع تلك العملية في إطار تصفية الحسابات والطموحات الدموية بين أبناء الثورة، وضمن مخطط المؤسسة الدينية استعادة السلطة وتلفت إلى أن الرئيس الذي خلف رجائي يومها لولايتين علي خامنئي الذي أصبح فيما بعد المرشد ليحل محله حليفه رفسنجاني في الرئاسة.
أما الخيار الثاني الذي يجري تداوله فهو الانقلاب العسكري المرشح للحصول بالتعاون مع مجموعات من كبار ضباط الجيش وضباط الحرس الثوري الذي يعارضون مشروع نجاد ومجموعته لفتح مواجهة مسلحة مع الأميركيين.(35/75)
وعلى الرغم من أن التجارب السابقة وتركيبة القوات المسلحة الإيرانية لا تشجع الخبراء على التفاؤل بخيار الانقلاب العسكري إلا أن هؤلاء يعتبرون أن ثمة معطيات ومستجدات دخلت مؤخراً على موازين القوى وصراعات الأجنحة في طهران تجعل من هذا الاحتمال أكثر من وارد هذه المرة وأبرزها سلسلة الاغتيالات والعمليات المثيرة للشبهات التي حصلت مؤخراً في أوساط الحرس الثوري وتحديداً تحطم الطائرة العسكرية في 9 يناير "كانون الثاني" الماضي ومقتل 11 ضابطاً كبيراً في الحرس.
وعلى الرغم من إصرار طهران على تحميل سوء الأحوال الجوية مسؤولية سقوط الطائرة، إلا أن التقارير مازالت تضعها في خانة تصفيات واغتيالات تعكس ما وصلت إليه الحرب بين الأجنحة والملالي، وحسب آخر التقارير الاستخبارية يبدو أن هذه الحرب مرشحة للاستئناف بين يوم وآخر على ضوء ارتفاع وتيرة التصعيد بين واشنطن وطهران، وتأكد كبار المسوؤلين الإيرانيين بأن التهديدات العسكرية الأميركية ليست مجرد لعبة بوكر أو حرب نفسية وبالتالي فإن قرار الحسم المطلوب أولاً هو داخلي ومصيري.
حتمية الحرب على إيران؟!
مأمون فندي الشرق الأوسط 8/5/ 2006
هذا المقال ليس دعوة للمواجهة مع إيران، وإنما يدعى بأن هذه المواجهة حتمية وذلك لمجموعة ظروف موضوعية داخل إيران تحكم السلوك الإيراني، وكذلك ظروف إقليمية تحكم سلوك دول الجوار وظروف عالمية تحكم سلوك واشنطن، فمهما قال أحمدي نجاد أو حتى رفسنجاني، فان وضع إيران بعد إعلان التخصيب يختلف عن وضعها قبل التخصيب، وان هناك محركات داخل النظام السياسي الإيراني تدفع الدولة في اتجاهات ربما لم تفكر فيها او في تبعاتها من قبل، كذلك مهما ادعى الأمريكيون والأوروبيون بأنهم يفضلون حلا دبلوماسيا، إلا ان نتيجة التفاعلات الدولية بين بعضهم البعض وبينهم وبين واشنطن قد تحرك عجلات الحرب (الضربات الجوية على الأقل) وتخرس الدبلوماسية.(35/76)
ودعني أفسر أكثر فيما يخص كل من إيران ودول الجوار والاتحاد الأوروبي (أو الثلاثية) والولايات المتحدة. ماذا يعني التخصيب بالنسبة لإيران وكيف يفهمه الأمريكيون ودول الجوار وكيف تفهمه أوروبا؟!
أولا ماذا يعني التخصيب بالنسبة لإيران؟!
حدثني عائد من إيران قائلا انه وبعد زيارته لها يجد نفسه مقتنعا بان «إيران لن تتراجع في مسألة تخصيب اليورانيوم ولن توافق على التخلي التام عن برنامجها النووي» وأسباب إيران كثيرة في ذلك، جزء منها يخص أي دولة تحس بالتهديد فتبحث عن الخيار النووي وجزء منها سياسي يخص الوطنية الإيرانية، ووضعية الثورة الإسلامية في السياق الإسلامي، وكذلك موقع إيران في العالم.
لقد أحس الإيرانيون بعد التخصيب بالفخر الوطني وبالاعتزاز بانجازات علماء الثورة وقدرتهم على تركيب نظام تخصيب ناجح، هذا الفخر والاعتزاز تفتح في الوطنية الإيرانية ذات اللون الإسلامي، ويجعل حراس الثورة يحسون بالنشوة والزهو، فمن الآن فصاعدا سيأخذهم العالم مأخذ الجد، وان موقعهم كقوة إسلامية إقليمية لن يكون محل جدال وان دبلوماسيي العالم سيتجهون إلى طهران من اجل التفاوض، هذا الإحساس يجعل مسألة تراجع إيران مسألة صعبة للغاية، لان أي تراجع عن التخصيب قد يؤدي إلى علاقات أفضل مع الخارج، ربما وهذا أمر غير مضمون، ولكن المؤكد انه سيؤدي إلى حالة إحباط داخلية وحالة انفصام بين النظام ومؤيديه في الداخل وحتى في المنطقة.
إذا ما عرفنا بان سياسة احمدي نجاد الذي كان يزور كل قرية في إيران تقريبا هي النفخ في الوطنية الإيرانية وفي خيال الفخر الإسلامي حتى يبني لنفسه شعبية لم تكن موجودة، فان مسألة الوطنية الإيرانية ستعلو أكثر مع التخصيب ويبقى سؤال التراجع عن هذا المشروع غير مطروح على الإطلاق.(35/77)
حسب كلام الصديق العائد من إيران «حتى الذين يحتقرون احمدي نجاد من الصفوة السياسية الإيرانية يرون في موضوع التخصيب نصرا إيرانيا، ولا يقبلون بمسألة التخلي عن مشروعهم النووي».
إذن المحركات الداخلية الإيرانية تدفع إلى مزيد من التصعيد مع الجيران بهدف الهيمنة على الخليج، وتدفع إلى التصعيد مع أمريكا بهدف الندية، فعلى أمريكا أن تحاور إيران حول العراق، وحول التخصيب ومياه الخليج، إيران ببساطة تصبح القطب الرئيسي في الإقليم الذي تتحدث معه أوروبا أو أمريكا فيما يخص أي ترتيبات سياسية أو أمنية في المنطقة. هذه هي الرؤية الإيرانية، فهل تقبل واشنطن بهذا الوضع؟!
بشكل نظري هناك ثلاث مدارس تتصارع في واشنطن حول كيفية التعامل مع إيران ما بعد التخصيب. المدرسة الأولى هي مدرسة قانونية بحتة، تتعامل مع إيران من خلال مدى التزامها باتفاقيات عدم انتشار الأسلحة (NPT)، وهذه المدرسة تنقسم إلى رأيين يتمحوران حول تفسير مسألة التخصيب، فهناك من يرى أن من حق إيران أن تخصب طالما لم يصل الامر إلى التسلح (Weaponization) وهناك من يرى في التخصيب إخلالا بالتزامات إيران بالمعاهدة ولذا يجب على المجتمع الدولي ان يتحرك، وهذه المدرسة ربما كانت اكثر سيطرة في الايام الاولى، وخصوصا الجناح الذي يرى في التخصيب خرقا للاتفاقات والتعهدات الإيرانية الدولية.(35/78)
اما المدرسة الثانية في التفكير الامريكي فهي المدرسة الواقعية التي ترى ان التخصيب في حد ذاته هو امر طبيعي، وان معظم الدول ستسعى إلى ذلك طالما ان لديها احساسا بالتهديد من دول الجوار، وان إيران ترى انها ليست اقل من جارتها في الهند وباكستان. هذا الاحساس بالتهديد يجعل كل الدول تقريبا تسعى إلى السلاح النووي كخيار، واذا ما نظرنا إلى حالتي الهند وباكستان سنجد ان باكستان قامت باختبارها النووي فقط بعد شهر من الاختبار الهندي، فاذا ما قالت باكستان إن قنبلتها هي رد على قنبلة الهند فهذا ليس صحيحا، لانه ليس من الممكن لباكستان ان تنتج قنبلة في شهر، المؤكد هو ان كلا من إيران وباكستان كانتا تسعيان للتسلح النووي منذ زمن وذلك نتيجة لاحساسهما بالتهديد. هذا الوضع مفهوم بالنسبة للمدرسة الواقعية، التي تضع مخاوف إيران موضع الاعتبار، وتؤمن هذه المدرسة بالردع كسياسية للتعامل مع إيران او مع غيرها.
المدرسة الثالثة وهي المسيطرة وكذلك هي الاهم، هي المدرسة التعليمية التي تنظر إلى موضع السلاح النووي من منظور قيمي، بمعنى ان السلاح النووي مع اسرائيل او مع الهند هو امر مقبول لانها دول ديمقراطية ولن تستخدم هذا السلاح بشكل عشوائي غير مسؤول، لكن ذات السلاح مع باكستان او إيران يكون امرا مقلقا، لانهما دولتان غير ديمقراطيتين، وربما لانهما ايضا، وهذا لا يقال صراحة، دولتان اسلاميتان.(35/79)
مهم ان نعرف ان المنظور القيمي للتعامل مع الاشياء بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر هو المنظور الحاكم لسياسة الرئيس بوش وادارته، فهناك مشروع نشر الديمقراطية وهو منظور قيمي، وهناك موضوع محور الشر وهو تصميم قيمي، وهناك مبدأ «من ليس معنا فهو مع الارهاب» وهو منظور قيمي ايضا، فان كان هذا هو المنظور السائد فلماذا لا يسود ايضا في النظر إلى الموضوع النووي الإيراني، السياسة الناتجة عن هذا المنظور هي تبني خيار ضرب المفاعلات النووية الإيرانية على الاقل من الجو، ان لم تكن هناك قوات كافية للمواجهة مع إيران. على المستوى الاقليمي هناك قلق كبير من إيران النووية، قلق على المستوى الآيديولوجي وكذلك قلق على مستوى التهديد الجيوسياسي المباشر.
فالتخصيب خلق نوعا من الرمادية او الهزة في ذلك الخط الفاصل ما بين الاسلام الاصولي الشيعي والاسلام الاصولي السني، فبعض السنة اليوم منتشون للتخصيب ويهللون له وكأنه نصر لهم، اذ أن مسألة الشيعة والسنة بدأت تتداخل بعد التخصيب، وهذا ما يقلق بعض الانظمة التي لديها شيعة حركيين ولديها اسلام سني ناشط او مخصب ايضا.
كذلك الدول الصغيرة في الخليج تحس بالتهديد الإيراني، وفي احسن الاحوال ترى ان هذا التصعيد الإيراني يدفعها للدخول تحت حماية مظلة امنية ذات فاتورة عالية سياسيا وماليا. بعض هذه الدول ترى ان موضوع تخلي إيران عن مشروعها النووي اساس لأمن الخليج.
وكما ذكرت في مقال سابق، فان احمدي نجاد هو اقرب ما يكون إلى ناصر 56، عندما أمم القناة، ودفع اسرائيل وبريطانيا وفرنسا لاتخاذ اجراء عسكري. أحمدي نجاد قادر على القيام بحركة اشبه بتأميم القناة، مما ستراه اوروبا وأمريكا على انه تهديد مباشر، ويدفعها إلى رد فعل عسكري.(35/80)
في الصراع الداخلي الإيراني، والذي يبدو فيه احمدي نجاد وكأنه لعبة تحركها قوى خفية لا بد له ان يؤكد انه رئيس حقيقي. وفي محاولة تأكيده هذه سيرتكب كثيرا من الحماقات، تجر الدول العظمى لمواجهة مع إيران. من هنا يكون واضحا ان الوضع في الخليج وواشنطن وكذلك في إيران يجعل المواجهة امرا حتميا لا محالة، مهما انكرت الاطراف. ومهما قال المحللون عن تكلفة هذا الخيار.
حقيقة الرسالة الإيرانية!!
صالح القلاب – الرأي 10/5/2006
من لم يقتنع بعد ان مشروع إيران الإقليمي ليس «جهاديا» ولا هو موجه ضد «العدو الصهيوني» بل أنه إحياء للتطلعات الفارسية القديمة ومحاولة لتحويل هذه المنطقة الى مجرد مجال حيوي قوي لهذه الدولة وإن تحت الراية الإسلامية، فعليه أن يدقق جيدا في ما تسرب من رسالة محمود أحمدي نجاد الى رئيس الولايات المتحدة والتي هي أول رسالة يوجهها رئيس إيراني الى رئيس أميركي منذ ثورة آية الله الخميني في العام 1979 .
في هذه الرسالة يقول محمود أحمدي نجاد للرئيس الأميركي : «عليك ان تعترف بإيران دولة نووية مقابل اعتراف إيران بأميركا زعيمة للعالم كله» .. وهذا معناه ان طهران تعرض على الاميركيين تقاسما وظيفيا في هذه المنطقة يستند الى الاعتراف بأنها القوة الإقليمية الوحيدة مقابل اعترافها بالولايات المتحدة بأنها القوة الدولية التي لا غيرها قوة .
وبالطبع ، وهذا هو أصول اللعبة ، فإن الرئيس الإيراني ، حسب ما تسرب، قد ضمن رسالته كلاما جميلا عن فلسطين وعن العراق ومثل هذا الكلام كما هو معروف كان باستمرار يستخدم كـ «مكياج» ديكوري لكل الانقلابات العسكرية التي عرفتها هذه المنطقة ، ولكل «القادة الملهمين» الذين ذبحوا القضية الفلسطينية من الوريد الى الوريد وهم يتغنون بهذه القضية .. وحروب المخيمات في لبنان لاتزال شاهدا حيا على ذلك .(35/81)
إن كل ما تريده إيران من خلال هذه الرسالة ، هو ان تعتمد شرطيا في المنطقة وهو ان تساعد بوش على الخروج من «المغطس » العراقي مقابل إطلاق يدها في هذه المنطقة التي تريدها مجالا حيويا يعيد أمجاد الفرس القدماء الذين وصلت رقعة إمبراطوريتهم الى مصر واليمن وحتى الى اليونان .
إنه مخطط قيد التناغم لرسم خريطة سياسية جديدة لهذه المنطقة وعلى من لايزال لم يدرك بعد مغزى وصول الأصابع الإيرانية الى فلسطين وإنشاء خلايا لـ «القاعدة» في الضفة الغربية وغزة أن يدرك هذا المغزى الآن بعد رسالة محمود أحمدي نجاد الى بوش وعليه ان يدرك أيضا مغزى تلاقي ما يعتبر أضدادا على شطب الطرف الفلسطيني المفاوض المتمثل بالسلطة الوطنية ولحساب الانسحاب الأحادي الجانب الذي هو نسخة جديدة لمؤامرة قديمة .
على أصحاب النوايا الطيبة ، الذين يعتقدون ان كل هذا الذي يجري جهاد في سبيل الله ، أن يدركوا ان صياغة خريطة سياسية جديدة لهذه المنطقة ومن ضمنها الوطن البديل تتطلب شطب الطرف الفلسطيني المفاوض وشطب الطرف الفلسطيني المفاوض يعني شطب مشروع الدولة الفلسطينية وشطب مشروع الدولة الفلسطينية المستقلة يعني إنعاش المخططات القديمة باستبدال الوطن التاريخي للشعب الفلسطيني بوطن بديل!!
إن إيران تعتقد بعد ان وصل نفوذها الى الضفة الغربية وقطاع غزة وقبل ذلك الى لبنان والعراق ودول عربية أخرى خليجية وغير خليجية أنها مؤهلة للجلوس أمام أميركا وجها لوجه وعلى طاولة واحدة لتقاسم الأدوار في هذه المنطقة ولشطب كل المعادلات الصغيرة لحساب المعادلة الثنائية الأكبر .. فهل سيستيقظ الذين يركضون وراء السراب والذين يصدقون كل ما يسمعونه ويرونه .. والذين يغرقون في أحلام وردية؟!!
«قيامتان» ايرانيتان تحسمان خيار الحرب والسلام في طهران
محمد صادق الحسيني الحياة - 14/05/2006(35/82)
«نخطط للحوار واستمرار المفاوضات مع المجتمع الدولي كأنه قائم أبداً، ونستعد للحرب مع أميركا كأنها واقعة غداً».
هذا هو لسان حال الايرانيين اليوم وهم يواجهون حال التصعيد المتنامية التي تفرضها الإدارة الأميركية ضد ملفهم النووي.
نعم ثمة سباق محموم بين «الوساطات» وحركة مكوكية مكثفة من قبل «ناقلي الرسائل» المتبادلة بين واشنطن وطهران جوهرها البحث عن «تسوية» مشرفة ترضي الطرفين، وتحفظ ماء الوجه لكليهما بعد أن تم رفع السقف الى نهاياته الممكنة ديبلوماسياً وإعلامياً ونفسياً.
لكن طهران كانت واضحة مع الجميع عندما أبلغتهم بصريح العبارة انها ليست بصدد التفاوض حول ما تعتبره ركناً أساسياً من أركان استقلالها وخطاً أحمر من خطوط أمنها القومي ألا وهو الاعتراف بحقها في التخصيب وصناعة الوقود والدورة النووية الكاملة للأغراض السلمية، مقابل التفاوض المفتوح حول كل أشكال الآليات والأدوات والأطراف المشاركة الآن أو في المستقبل من أجل تقديم الضمانات العينية اللازمة لعدم «الانحراف» نحو التسلح النووي.
وحدها الولايات المتحدة الأميركية متسلحة بتحريض اسرائيلي مستمر ترفض فكرة التفاوض مع طهران على القواعد الشرعية المعروفة وفي اطار مرجعية الوكالة الدولية للطاقة الذرية. أما ما عداها من الوفود والأطراف والدول فهي على العكس تماماً أياً كان اعتراضها على طهران أو تقاربها مع واشنطن.
الصين وروسيا أبلغتا طهران بوضوح أنهما ضد فرض أي شكل من أشكال العقوبات ضدها ناهيك عن اللجوء الى خيار الحرب الخطير والخطير جداً والذي سيكون خطيئة استراتيجية سترتكبها واشنطن فيما لو أقدمت على ارتكاب مثل تلك «الحماقة» كما يقولون.(35/83)
الصينيون يذهبون ابعد من ذلك عندما يقولون ان ليس من شأن مجلس الأمن في هذه المرحلة أن يبحث اتخاذ اجراءات ضد طهران، اذ لم يكلفه أحد بذلك. المطلوب منه «المساعدة» في ايجاد الحلول والآليات المناسبة لحل الملفات العالقة بين طهران والوكالة الدولية لا غير!
الترويكا الأوروبية بدورها أيضاً ليست راضية عن أي خيار حربي في هذه المرحلة بقدر ما هي بصدد استخدام «العصا» الأميركية و «شرعية» مجلس الأمن للضغط على ايران من أجل اجبارها على العودة الى النقطة التي توقفت عندها المفاوضات في نهاية عهد الرئيس خاتمي.
يبقى أن «حاملي الرسائل» من العرب هذه الأيام وهم كثر وآخرهم الأمير القطري قد سمعوا كما أسلفنا كلاماً واضحاً وصريحاً من طهران خلاصته ما بدأنا به مقالتنا هذه مع التأكيد بأن لا أحد في طهران يسعى الى المغامرة، ناهيك عن المقامرة بأمن واستقرار المنطقة.
لكن الأمر المهم الذي تتوقعه طهران من العرب مجتمعين لاسيما من دول مجلس التعاون هو أن يرتقي قلقهم المشروع من احتمال نشوب نزاع دموي جديد أو حرب مجنونة جديدة الى مستوى الموقف الصريح والحازم والقاطع بأن سماءهم وأرضهم ومياههم لن تكون ممراً لقارعي طبول الحرب هذه المرة كما حصل مع العراق، فايران ليست العراق ولا بأي شكل من الاشكال أياً كانت «شرعية» أو «مشروعية» الموقف من غزو العراق!
نعم العرب قادرون تماماً على منع قيام مغامرة أو مقامرة جديدة، هذا مع العلم بأن طهران كما تقول قادرة على «رد الصاع صاعين» ونقل المعركة الى «مدى العالم كله» وتغيير خريطة المصالح الاقليمية والدولية، ناهيك عن وضع حد وإلى الأبد للعنجهية الاسرائيلية! كما يتحدث الايرانيون في أروقتهم الخلفية!
لكن ثمة هدوء لافت في طهران على رغم كل مواقف التصلب المعروفة، وكأن شيئاً لم يكن حتى الآن! وليس هناك ملف نووي يبحث في مجلس الأمن الدولي ولا في غير مجلس الأمن الدولي!(35/84)
لكن بالمقابل ثمة «قيامتان» تعيشهما ايران يقف وراء كلتيهما ذلك الرئيس الشاب والثوري المتحمس القادم من بين صفوف العامة من الشعب والذي كان شعاره الانتخابي المركزي: إني آتيكم «من جنس الناس».
القيامة الأولى هي «قيامة» التمهيد أو التوطئة لظهور المهدي المنتظر وهو الإمام الثاني عشر من ائمة الشيعة الغائب منذ مئات السنين والمفترض ظهوره كمخلص لإعادة إحياء العدالة ودفع الظلم عن العالمين.
وفي هذا السياق يتصرف أحمدي نجاد وفريقه الحاكم من «المحافظين الجدد» - الايرانيين طبعاً - وكأنهم يمتلكون أو يعدون لامتلاك «خريطة طريق» لهذا الأمر، ولما كانت هذه العقيدة «المهدوية» من أركان الفكر الشيعي فإنهم استطاعوا عملياً «استمالة» أكثرية وافرة من جمهور الناس لصالحهم أو كحد أدنى «تحييدهم» في أي نزاع داخلي حول السلطة وتالياً ضم المسلمين التقليديين البعيدين عن ميادين السياسة المباشرة الى «قيامة» دينية مشروعة عملياً للدفاع عن النظام في أي معركة خارجية محتملة وهذا أمر ليس بالقليل.
القيامة الثانية، هي «قيامة» اطلاق الحس القومي الايراني الى أبعد الحدود الممكنة وإلى كل مستويات الشعب بتضاريسه الطبقية المختلفة.
وفي هذا الصدد يتصرف أحمدي نجاد وفريقه الحاكم وكأنه يمتلك أو يعد لامتلاك «خريطة طريق» لنهضة اجتماعية ايرانية بعيداً عن «الانواء الجوية» للسياسيين والطبقة السياسية المؤدلجة الحاكمة! وفي هذا السياق يمكن فهم سياسة اطلاق الحريات الاجتماعية على حالها وفي سياقاتها الداخلية من دون تدخل الحكومة، تاركين مهمة الكوابح أو اللجام الديني أو العرفي للمؤسسات غير الحكومية، وهنا بالذات تأتي تصريحات أحمدي نجاد حول رفضه لفرض مقررات للحجاب بالقوة أو اطلاق حرية حضور النساء والعوائل في الملاعب الرياضية في سياقها الآنف الذكر.(35/85)
وفي هذه الحال يكون أحمدي نجاد وفريقه قد استمال أو «حيّد» على الأقل ما تبقى من الأكثرية الوافرة من جمهور الناس عن معركة النزاع السياسي الداخلي على السلطة وتالياً «حاشراً» الطبقة السياسية المخالفة أو المختلفة معه في الزاوية تماماً.
هاتان «القيامتان» كفيلتان برأي القارئين بعناية لما يجري في الداخل الايراني بإنجاح أي الخيارين اللذين ستلجأ اليهما الحكومة مدعومة بكلية النظام في التعامل مع واشنطن سلماً أو حرباً.
وقد يكون هذا هو تفسير الهدوء اللافت، وقد يكون شيئاً آخر لا يفهمه الا «الراسخون» في علم الكتاب الايراني المفتوح المليء بالألغاز!
لا جدوى اقتصادية من البرنامج الإيراني
الوطن العربي ـ العدد 1522ـ 5/5/2006
أكد تقرير حديث أعده باحثون في اثنين من أكبر مختبرات البحث التابعة لوزارة الطاقة الأميركية إلى أن البرنامج النووي لإيران لا يتفق مع ما أعلنته الحكومة الإيرانية عن أن هدف البرنامج هو تطوير طاقة نووية للاستخدام في الأغراض المدنية من أجل تحقيق استقلاليتها في مجال الطاقة".
وكان الباحثون بمختبري باسفيك نورث القومي، ولوس آلاموس القومي، قد أصدروا تقريرهم بعنوان "اقتصاديات استقلالية الطاقة في إيران.".
وتوصل الباحثون إلى أن الاستثمارات الضخمة الضرورية لكي تتمكن إيران من إنتاج الدورة الكاملة للوقود النووي ابتداء من التعدين أو الاستخراج إلى إنتاج الوقود. لا تبررها الاحتياطات الهزيلة المتوافرة لديها من اليورانيوم ولن تسفر عن إنتاج الوقود النووي بأسعار على مستوى المنافسة العالمية.(35/86)
وأشار التقرير إلى أن الأساس لأي برنامج نووي يستهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي هو وجود خام اليورانيوم الطبيعي الذي يمكن استخراجه وتحويله إلى وقود. غير أن ما تمتلكه إيران من احتياطيات اليورانيوم، المعروفة بأنها لا تتجاوز 1.427طن متري، ستكون كافية لإمداد برنامج تطوير مفاعلها النووي المقترح حتى العام 2010 فحسب. وحتى إذا أخذت في الاعتبار الاحتياطيات التي لم تستخرج بعد والتي تقدر بـ 13.850طن متري، فإن وقود البرنامج سينفد بحلول العام 2023، أي بعد وقت قصير من استكمال مشروع إنتاج الطاقة السابع المقترح.
وتقول التقديرات الواردة في التقرير إن تكلفة تطوير مرافق تصنيع الوقود النووي بالنسبة لإيران ستتراوح بين 600 مليون إلى مليار دولار، كما يشير إلى أنه حتى مع وجود تلك المرافق فإن إيران لن تكون لديها قدرة الإنتاج التي تتناسب مع إمداد مفاعل واحد بالوقود. وذكر التقرير أنه سيكون على إيران أن توفر استثمارات تساوي 10 إلى 20 ضعفا مما استثمرته بالفعل في مرافق الاستخراج والتصنيع لدعم مشروعات الطاقة النووية المقترحة التي يتراوح عددها بين 7 إلى 20 مشروعاً.
وذكر التقرير أنه على النقيض من ذلك، فإن بمقدور إيران أن تستثمر استثمارات مربحة تستهدف استخدام مصادرها المهجورة من الطاقة الأحفورية. فإيران لديها احتياطيات من البترول والغاز الطبيعي تعتبر من أكبر الاحتياطيات في العالم. وبمعدل الإنتاج الحالي فإن لديها ما يساوي إنتاج 90 عاما من البترول و220 عاما من الغاز الطبيعي.(35/87)
ويشير الباحثون إلى أن إيران تضيّع حوالي 7% من إجمالي إنتاجها من الغاز الطبيعي مما لا تتحصل عليه كمنتج فرعي عند القيام بعمليات التنقيب عن البترول. وهذه النسبة هي أعلى نسبة لما يُفقد من الغاز الطبيعي في كبرى الدول المنتجة للبترول. ويقول التقرير إن إيران لو استخدمت التكنولوجيا الحديثة لتقليل نسبة ما تفقده من الغاز الطبيعي بحيث تصل إلى المعدلات المعروفة للمفقود من الغاز الطبيعي في العالم، فإنه سيكون بإمكانها استخدام الغاز في توليد طاقة كهربية تساوي ما ستنتجه ثلاثة من مشروعات الطاقة النووية.
ويؤكد الباحثون أن استثمار إيران في برنامجها النووي يحرم المشروعات الأخرى لأكثر ربحية في مجال الوقود الأحفوري من مصادر رأس المال. وهم يرون أيضاً أن سعي إيران للتوصل إلى الدورة الكاملة للوقود النووي من المحتمل أن يخفض الاستثمارات الأجنبية في كل قطاع الطاقة لديها، ويودي بفرص التبادل التجاري لإيران على المستوى الدولي.
ونص التقرير على أنه "رغم الضرورات الواضحة والحلول البسيطة التي قد تشجع على، وربما تؤدي إلى تحقيق الاستقلالية في مجال الطاقة، فإن استثمارات الطاقة في إيران ما زالت تميل إلى جانب البرنامج النووي الذي لا يتفق مع ما لديها من مصادر، ولا مع الاحتياجات الملحة لقطاع الطاقة لديها، وباختصار، فإن المنطق الاقتصادي للبرنامج النووي لا يتمشى مع الحقائق المتعلقة بالبرنامج ولا مع ما تنتهجه إيران في المجال الأوسع للاستثمارات في مجال الطاقة".
نجاد فاجأ الثوريين العرب
عبدالرحمن الراشد – الشرق الأوسط 11/5/2006(35/88)
صعق كثيرون من رسالة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد للرئيس الأميركي، ليس لأنه بادر بمراسلة بوش فقط، بل أهم من ذلك، المفاجأة كانت في المحتوى. فقد قرأها العرب على أنها دليل على ما كان يشاع في المنطقة أن إيران مستعدة للتفاهم مع الأميركيين، وأن كل ما صدر عنهم من عداء فكري واستراتيجي، والسير بالأحذية القذرة على العلم الأميركي، والاستعداد للحرب، مجرد واجهة دعائية لتضليل الحانقين العرب.
والحانقون العرب دائما يلتقطون فقط الإشارات التي تلائم تفكيرهم ويهملون كل القصة، ويقسمون العالم حولهم إلى مع وضد الولايات المتحدة دون التدقيق في التفاصيل، ودون فهم مطاطية السياسة. الإيرانيون لم يكونوا أبدا أعداء لواشنطن بنفس المستوى الذي يزعمونه. خلال السنوات الأربع الماضية تعاونوا ميدانيا بشكل لم تجاره أي دولة عربية في نوعه وأهميته. فالولايات المتحدة يوم غزت أفغانستان رفضت معظم الدول العربية تقديم أي نوع من المساعدة، ورفضت دول صديقة مثل السعودية السماح لأسراب الطائرات الأميركية الغازية المرور عبر أجوائها. إيران لم توافق فقط على فتح الأجواء للقوة الجوية، بل أيضا وقعت اتفاقا يسمح للقوات الأميركية بالهبوط وتقديم العون في حال سقوط طائراتها. كما قدمت في حرب العراق الكثير من التنازلات، وأهم من ذلك تعهدت بإلزام القوى العراقية المحسوبة عليها بالتعاون مع القوات المحتلة، ولا تزال القوات الإيرانية تقف محايدة في الحرب. المحصلة إن الولايات المتحدة أسقطت أسوأ نظامين يعاديان إيران.
اليوم الجانبان على مفترق طرق، فإيران تشعر بالثقة بعد إزاحة أميركا نظامي طالبان وصدام، وتحالف سوريا و«حزب الله» و«حماس» مع طهران، وتشعر أنها تأخذ مائة وعشرين ألف جندي أميركي في العراق رهينة. ومن هنا نفهم استعجال إيران على التخصيب، والمساومة الصريحة من الرئيس نجاد للرئيس بوش بأن تكون إيران القوة الإقليمية بما تعنيه من نفوذ وهيمنة سياسية.(35/89)
لكن لنتذكر أن صدام حاول الشيء نفسه، عندما ساعده الأميركيون على الانتصار ضد إيران. فأعلن أنه أصبح الوكيل الإقليمي في الخليج، ووفقا لرؤيته الحمقاء تلك، احتل الكويت ورفض الخروج، معتقدا أن واشنطن ستساومه.
السؤال هل نجاد اليوم هو صدام الأمس؟ والسؤال الملحق به هل بوش الابن هو بوش الأب؟
يصعب علي أن أتصور أن الولايات المتحدة سترضى بتقديم تنازلات ضخمة لإيران، سواء نوويا أو كقوة إقليمية النافذة. ومهما قدم نجاد من تنازلات خاصة للأميركيين وتعهدات، فإن واشنطن لا تستطيع أن تثق بالنظام وهي تعرف سلوكه ونواياه. طبعا الرفض لن يكون رخيص الثمن على الأميركيين خاصة أن طهران قادرة على إيذاء مصالح واشنطن في المنطقة، لكن أيضا يجب أن يتذكر الإيرانيون أنهم في أي حرب سيخسرون كل ما بنوه إن دخلوا في معركة كبيرة، كما خسرت طالبان وخسر صدام. وستخسر أميركا في المنطقة، إنما هي كدولة كبيرة بعيدة وقادرة على تعويض خسائرها كما تفعل اليوم في العراق. إيران لن تستطيع.
نظرة تاريخية على تأسيس " المؤتلفة الإسلامي" وحزب الله اللبناني
سيد حامد حسيني شما (أنتم) العدد 452، مارس 2006
عن مختارات إيرانية السنة السادسة العدد 69ـ أبريل 2006
( هذا المقال يصلح مثال لطبيعة العلاقة بين الشيعة العرب وإيران !! الراصد )(35/90)
نشرت صحيفة جمهوري إسلامي في 20 فبراير 2006، خبراً عن توقيع اتفاق بين حزبين: حزب الله اللبناني وحزب المؤتلفة الإسلامي، وقد أشارت ضمنيا إلى الإدعاء القائل بأن الإمام الخميني هو الذي قد قام بتأسيس كلا الحزبين. وكانت صحيفة "شما" الناطقة باسم حزب المؤتلفة الإسلامي قد نشرت في صدر عددها "451"، خبراً عن الموضوع نفسه، وادعت أن الإمام هو مؤسس الحزبين، لكن صحيفة جمهوري إسلامي يبدو أنها كانت لها رأي آخر، حيث تعتبر أن الإمام معروف عنه أنه لم يقم بتأسيس أي حزب سواء داخل إيران أو خارجها، ومن ثم انتظرت هذه الصحيفة الرد على مثل هذا الموضوع من قبل إعلام المؤتلفة، وفيما يلي الرد حول حقيقة وطبيعة علاقة الخميني بحزب المؤتلفة الإيراني وحزب الله اللبناني.
فيما يتعلق بكيفية تأسيس المؤتلفة الإسلامية تحدث حبيب الله عسكر اولادى عضو حزب المؤتلفة عن هذا الموضوع قبل فترة أثناء مقابلته مع حفيد الخميني حجة الإسلام سيد حسن الخميني، حيث قال: "مع أوائل عام 1963، كان عدد من الأصدقاء النشطين مع نهضة الإمام، الذين عرفوا فيما بعد بالمؤتلفة، يريد العمل بشكل منفصل عن فعاليات الثورة، وكان الخميني آنذاك في منزله بمدينة قم، فقال متسائلا: لماذا يرغب كل من العمل بعيدا عن الآخر، إن العمل هنا من أجل الله، فلما لا نأتلف، ومن هنا جاءت فكرة المؤتلفة الإسلامية، علما بأن بعض العناصر قد فضلت البقاء آنذاك لاسيما الشهداء صادق أماني، والحاج مهدي عراقي، وصادق إسلامي، وسيد أسد الله لاجوردي، والمرحوم شفيق، وأبو الفضل توكلي وغيرهم..
فمن منطلق أمر الإمام الخميني قام الأخوة بتشكيل المؤتلفة الإسلامية، لكنها ظلت تعمل في الخفاء تحت مسمى هيئة المؤتلفة في تلك الفترة؛ نظرا لسياسات نظام الشاه.(35/91)
وإضافة إلى ذلك، فإن كثيراً من أصحاب الإمام والقائمين على نشر تراثه قد أكدوا على هذه الحقيقة، بدليل علاقة المؤتلفة بالإمام، إذ إنه في فترة نفى الخميني خارج البلاد ذهب رموز هذا الحزب إلى الإمام ودعوه إلى ضرورة تعيين أشخاص يضمنوا عدم انحراف الحزب في تلك الفترة عن خط الإمام، فقرر الخميني تعيين رموز مثل الشهيد بهشتي والشهيد مطهري وحجة الإسلام مولائي باعتبارهم الهيئة الدينية العليا للمؤتلفة الإسلامية، وقد كانت تلك الهيئة همزة الوصل بين جماعة الحزب والإمام في فترة المنفى.
ومن ناحية أخرى، فقد استمرت فعاليات حزب المؤتلفة الإسلامية بعد نجاح الثورة حتى أنها وافقت رأي الإمام على الانضمام إلى الحزب الجمهوري، وكذا بعد توقف هذا الحزب أخذت المؤتلفة الإذن من الخميني بالاستمرارية في عملها، وقد ظلت كذلك بعد رحيل الإمام، خاصة بعد أن بارك فعاليتها مرشد الثورة خامنئي.
أما عن حزب الله اللبناني، فكما قد أشرنا في العدد السابق من الصحيفة، فإن هذا الحزب كانت له نقاط مشتركة كثيرة مع حزب المؤتلفة الإيراني والتي من جملتها اتفاقهما على إقامة منظمة الأحزاب الإسلامية، فضلا عن تأسيسهما من قبل الخميني، هذا ويذهب معظم المحللين السياسيين إلى أن أبرز سمات حزب الله والتي تميزه عن غيره من الجماعات ذات الميول الإسلامية الأخرى في العالم الإسلامي أنه الحزب الوحيد الذي يقبل نظرية ولاية الفقيه المطلقة للإمام الخميني، وكذا اتباعه اليوم أيضاً لمرشد الثورة الإيرانية".(35/92)
وحول اتباع حزب الله اللبناني يقول أمينة العام سيد "حسن نصر الله": إن الإمام الخميني من وجهة نظرنا، هو المرجع الديني والإمام والمرشد بكل ما تحمله هذه الكلمة من معاني، ورغم ذلك فالإمام يعد بالنسبة لنا أعلى وأرفع من هذا، فهو بمثابة رمز الثورة ضد طواغيتنا، والمستكبرين في الأرض، وهو أيضا مبعث أملنا والمستضعفين في كل مكان على هذه الأرض، إذ أنه هو الذي ساعد على إحياء الإرادة ضد قوى الاستكبار، ومن ثم فهو يعد بالنسبة لنا أكثر من مجرد نموذج ومثل ديني، وليس فقط بالنسبة لنا وإنما بالنسبة لكل المستضعفين في الأرض، علما بأن هذه العلاقة بيننا وبين والإمام ترجع حتى قبل الاحتلال الإسرائيلي للبنان عام 1982.
ومن ناحية أخرى، فقد صرح حسن نصر الله ردا على تساؤل: لماذا لبنان تعتبر إيران شريكة لها في النصر، قائلا: "إننا لا نعتبر إيران شريكة حقيقية لنا في هذا النصر بسبب نموذج الإمام الذي قاد بفكره المقاومة في لبنان، ليس بسبب دعمها المستمر، وإنما بسبب فكرها الديني والعقلي الذي قاد كل لبناني إلى اتخاذ الموقف الصحيح وفي الاتجاه الصحيح.
ومما سبق يتضح أن الإمام الخميني كان مصدر السيادة القانونية في حزب الله اللبناني، وفيما يتعلق بهذا الموضوع يقول أيضاً "حسين الموسوي" : إننا نتبع الإمام الخميني على مستوى الفكر السياسي والعقائدي والديني.
وفي هذا الصدد، يذكر أحد عناصر حزب الله اللبناني: إننا نعتمد في نهجنا السياسي على مبدأ ولاية الفقيه، والفقيه هنا لا يعرف حدوداً جغرافية، فالفقه الإسلامي قد تطرق لهذا، وتباعا فلا يوجد فرق بين مسلمي لبنان ومسلمي إيران، كما أننا في لبنان لا نعتبر أنفسنا منفصلين عن الثورة الإسلامية في إيران، إضافة إلى أن هدفنا واحد إزاء تحرير القدس، ولولا الدعم الإيراني ما استطاع هذا الحزب تحقيق هذه الإنجازات.
هل يندم خامنئي لاختياره أحمدي نجاد ؟
سركيس نعوم - النهار 9/5/ 2006(35/93)
عن ايران وطموحاتها النووية ومشكلاتها مع الولايات المتحدة قال مسؤول اميركي رفيع سابق: "ايران ستصبح دولة نووية. لن يستطيع احد منعها من ذلك بما فيهم اميركا واسرائيل. يستطيع رافضو تحولها دولة كهذه تأخير حصولها على القدرة النووية لكل مشروعاتها وطموحاتها. وقد يكون التأخر لمدة خمس سنوات او حتى عشر سنين. لكنها ستصل في النهاية". بأي وسيلة يمكن تأخير البرنامج النووي الايراني؟ سألت. فأجاب: "بوسيلة من ثلاث. الاولى، ضربة عسكرية قوية للمنشآت النووية الايرانية. والثانية، العمل في الداخل الايراني بغية تحريك الشعب والرأي العام ضد النظام الاسلامي الحاكم. اما الثالثة، فهي ممارسة المجتمع الدولي او على الاقل عدد كبير من الدول الكبرى والمهمة ضغوطاً قاسية على ايران. وفرض عقوبات هو احد اوجه هذه الضغوط. الا انني لا اعتقد ان الضربة العسكرية قريبة الحصول لان البحث فيها لم ينته الى قرار نهائي رغم استمرارها خيارا داخل الادارة الاميركية وتحديدا على طاولة الرئيس جورج بوش. وذلك رغم سعي اسرائيل لاقناع حليفها الاميركي بضرورة الضربة واهميتها في المحافظة على المصالح المشتركة والمصالح الاقليمية والدولية. اما التحرك الدولي لمحاولة ايجاد حلول وان مركبة للمشكلة النووية الايرانية فيبقى ممكنا. والصين احدى الدول الخمس ذات العضوية الدائمة في مجلس الامن قد تتغاضى عن الضغوط التي يمكن ان تمارس على ايران. اما روسيا الاتحادية فلن تجاريها في هذا التغاضي علما انها ستستمر في محاولة اقناع ايران من جهة والمجتمع الدولي اي اميركا والاتحاد الاوروبي من جهة اخرى بالتجاوب مع فكرة التوصل الى حلول مقبولة من الطرفين".(35/94)
عن ايران ايضا تحدث مسؤول اميركي سابق لا يزال يتعاطى قضايا المنطقة بعربها ومسلميها، قال: "في ايران اليوم كلام كثير وتهديدات كثيرة ومتنوعة تنطلق كلها من الخلاف النووي اذا جاز التعبير بينها وبين اميركا والمجتمع الدولي. هذا الامر يجعل من الصعب على الشخصيات "الهادئة" داخل النظام الايراني العمل لتهدئة التوتر الراهن وتاليا ازالة اسبابه. هناك مشكلة نووية عالقة مع ايران. وداخل ايران هناك فريقان. فريق يقول ان اميركا تريد اسقاط النظام الاسلامي الحاكم فيها لذلك يجب ان تحصل هي او بالاحرى النظام على سلاح نووي كي لا يعود في امكان الاميركيين او غيرهم ضربه واسقاطه. وهو يعزز موقفه بتجربة كوريا الشمالية التي دخلت النادي النووي بطريقة الامر الواقع الامر الذي حمى نظامها من الاستهداف العسكري وربما غير العسكري. اما الفريق الاخر فيقول اركان فيه: يا اخوان اذا حصلنا على السلاح النووي سنخيف محيطنا كله. وستحاول كل من تركيا والمملكة العربية السعودية ومصر وغيرها من الدول الحصول على سلاح نووي او على وضع نفسها تدريجا في تصرف اميركا القوة العسكرية التكنولوجية الاعظم في عالم اليوم بقصد الحصول على حمايتها. وبذلك تصبح الدول المذكورة دمى لاميركا. وتصبح ايران منعزلة ومعزولة ومحاطة بالاعداء من عرب ويهود واتراك وباكستانيين وهنود وغيرهم. لا بد من وقف التهديد لايران والبحث الديبلوماسي الهادىء معها في كل المشكلات القائمة بينها وبين المجتمع الدولي وفي مقدمها اميركا ولاسيما المشكلة النووية. والبحث يمكن ان يكون او يجب ان يكون تحديدا مع لاريجاني الذي يبدو انه من الفريق الثاني. يجب عدم الكلام او الحوار مع الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد لانه متهور وربما لان ليس في يديه اي شيء فعلي من السلطة. ويجب الافساح في المجال امام لاريجاني وسائر "الهادئين" داخل النظام الايراني كي يحصلوا على موافقة المرشد الاعلى آية الله علي خامنئي(35/95)
على البحث او الحوار مع اميركا". واضاف: "ان الحوار بين اميركا وايران حول العراق الذي قرره الرئيس بوش والذي لم تبته ايران بعد رغم قبولها اياه في البداية يمكن ان يتوسع ليشمل كل القضايا المختلف عليها بما في ذلك الموضوع النووي رغم تأكيد الادارة انه سيقتصر على العراق فقط. قد يقول البعض في واشنطن وخارجها لماذا لا يبدأ البحث مع ايران في الموضوع النووي باعتبار ان نجاحه يسهل ترتيب الاوضاع في العراق. وقد يقول البعض الاخر ان نجاح البحث في الموضوع العراقي يفتح باب الحوار المجدي حول الملف النووي الايراني. والحقيقة ان ذلك يشبه القول: من قبل الدجاجة ام البيضة؟.
هناك الآن مشكلة كبيرة في العراق. وهناك مشكلة مع ايران. ايران فاعلة في العراق بسبب نفوذها الواسع فيه. لماذا لا نبدأ بالحوار مع ايران حول المشكلات المتعلقة بها؟ طبعا قد يكون هناك في الادارة الاميركية مسؤولون غير متحمسين للحوار الذي اقترحه مع ايران. ومعظم هؤلاء من "المحافظين الجدد" لكن مع بقاء وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس في موقعها، وهي باقية، يبقى الامل في حوار جدي وعميق ومتشعب مع ايران موجودا. فهي صادقة وواضحة وعميقة وتحظى بثقة رئيسها جورج بوش".(35/96)
عن ايران ثالثا تحدث مسؤول مهم في مركز ابحاث اميركي معروف بـ"موضوعيته" الشرق الاوسطية قال: "هناك مواجهة قاسية بين ايران واميركا وبينها وبين المجتمع الدولي. اصبحت ايران اليوم هي الموضوع او المشكلة. اميركا لا تعرف كيف تتصرف حيال هذه المشكلة. ان تخصيص اميركا مبالغ بملايين الدولارات لمساعدة الناشطين من اجل الديموقراطية وحقوق الانسان في ايران اثار النقمة والسخط ليس فقط في دوائر النظام الايراني والاوساط الشعبية المؤيدة له بل ايضا في اوساط هؤلاء الناشطين لانه عرّضهم لمزيد من القمع وجعلهم عرضة للتخوين. ان المعارضة الايرانية تذكرني اليوم بالمعارضة السورية اذ هي معرضة لفقدان الاحترام. الرئيس الايراني احمدي نجاد لا يستطيع ان يكمل او يجب الا يكمل. الرئيس السابق محمد خاتمي لم يعمل شيئا او لم ينتج شيئا. لكنه كان داعية حوار. احمدي نجاد داعية مواجهة وعنف. لا اعتقد ان المرجع او المرشد خامنئي الذي اختاره للرئاسة قد يبقيه فيها. ربما يأتي وقت يندم فيه خامنئي على اختيار احمدي نجاد لهذا الموقع وفي ذلك اليوم ربما يتمنى العودة الى رفسنجاني رئيسا". واضاف: "في الموضوع النووي الايراني هناك احتمالات عدة. منها الضربة العسكرية والتحضير لها اميركيا يتم رغم استبعادها على الاقل حتى الآن. لا تستطيع اميركا ان تقبل إقدام اسرائيل منفردة على توجيه ضربة عسكرية الى ايران لان القيامة عليها ستقوم داخل العالم العربي والعالم الاسلامي. ولانها ستعتبر شريكة في هذه الضربة، لذلك اذا حصلت ضربة عسكرية فستكون اميركية او ربما اميركية اسرائيلية مشتركة.
في العالم العربي سيعم العنف. هناك ثلاث قوى اقليمية ربما "ترعى" مستقبلا شؤون المنطقة الاسلامية العربية وهي غير عربية: اسرائيل وتركيا السنية العلمانية وايران الشيعية. لكن هذا مشروع طويل الامد. وقد تفرضه وان بعد وقت طويل مصالح حيوية اميركية ايرانية".(35/97)
الشيخ اليعقوبي ساخط على تصريحات محافظ البصرة واتهاماته لوكلاء المرجع السيستاني
وكالة الأنباء الشيعية – 17/5/2006
( " وشهد شاهد من أهلها " " يخرج الحي من الميت " . الراصد )
أكد مقربون من حزب الفضيلة لموقع " نهرين نت " أن تصريحات محافظ البصرة محمد مصبح الوائلي تمثل وجهة نظره الشخصية ، ولا تمثل رأي الحزب وقيادته ، وكان المحافظ الوائلي قد اتهم وكلاء المرجع الديني آية الله العظمى السيد علي السيستاني ، وجهات أخرى لم يسمها، بتسببهم بالفوضى ، وتحدي القانون ودعمهم للأحزاب الدموية ولفرق القتل والاغتيال بمساندة من قوى أجنبية . وقد أثار تصريح المحافظ واتهاماته جوا حادا من التوتر في محافظة البصرة وجوبهت تصريحاته بانتقادات واسعة وخاصة من وكلاء السيد السيستاني ، حيث أكد الشيخ محمد فلك وكبل المرجع السيستاني الذي ذكره المحافظ والسيد علي البطاط بالاسم صراحة في اتهاماته ، على انه سيقاضي المحافظ على تصريحاته واتهاماته هذه في المحاكم .
وأضاف هؤلاء المقربون من قادة في حزب الفضيلة : أن موقف الزعيم الروحي لحزب الفضيلة أية الله الشيخ محمد اليعقوبي ، مخالف تماما للأسلوب الذي اعتمده المحافظ محمد مصبح الوائلي في تصريحه الأخير وسعيه لفتح جبهة من كيل الاتهامات وبهذه الطريقة لأطراف مختلفة في محافظة البصرة ، خاصة وان هذه المحافظة تشهد أجواء توتر وعمليات إرهابية ترتكبها أطراف عديدة ، ووجود قوات الاحتلال البريطاني في هذه المدينة وتصديها للمواطنين واستفزازاتها المتكررة لهم .(35/98)
. وحسب هذه المصادر المقربة من حزب الفضيلة ، فان آية الله اليعقوبي يرى بان أجواء التوتر والمخططات التي تريد الشر بالعراق وبأبناء هذه المحافظة تشكل ضرورة للتعاطي مع هذه الأحداث بحكمة وصبر وأناة وعدم كيل الاتهامات وخاصة ضد رجال الدين ووكلاء المراجع . وأكدت هذه المصادر أن الشيخ اليعقوبي أبدى إستياءا كبيرا من تصريحات المحافظ الوائلي وطالب قادة حزب الفضيلة بمتابعة هذا الموضوع بشكل حكيم وحازم .
وكان سياسيون عراقيون ومراقبون قد أكدوا ، بان تصريحات محافظ البصرة واتهاماته لوكلاء السيد السيستاني بعلاقاتهم بفرق الموت ودعمهم للعمليات الإرهابية ، شكلت مادة دسمة لوسائل الإعلام العربية والعالمية ، ووجدت بعض الفضائيات العراقية والعربية ، فيها فرصة لإرجاع أسباب التدهور الأمني في البصرة وبقية المدن العراقية إلى هذه الجهات التي اتهمها المحافظ الوائلي ، وكان في مقدمة هذه القنوات الجزيرة القطرية وبغداد والبغدادية والزوراء .
وغيرها من القنوات العراقية التي تقف موقفا طائفيا ضد الشيعة في العراق وضد المرجعية الدينية من جانب أخر ، اعتبر أعضاء في مجلس النواب تصريحات المحافظ الوائلي " نسخة من الاتهامات البريطانية التي يوزعها الناطق الرسمي للقوات البريطانية في البصرة بين حين وأخر، للتغطية على جرائمها وخاصة بعد قتل أربعة فتيان في السادس من الشهر الحالي أثناء تجمع عدد من المواطنين في مكان سقوط المروحية البريطانية في البصرة وهي لا تختلف عن التقارير البريطانية التي تكتب عن البصرة والتي تتناقلها وسائل الاعلام البريطانية ووزارة الخارجية البريطانية ، ويرى هؤلاء النواب أن المحافظ سقط ضحية هذه المعلومات البريطانية وان كانت هناك تجاوزات وانتهاكات قانونية وأمنية لبعض الأطراف السياسية شكلت جزءا من خارطة الوضع المتردي والمتدهور في البصرة.
دور رجال الدين الشيعة في العراق
همبستكي (التضامن) 27/2/2006(35/99)
عن مختارات إيرانية السنة السادسة العدد 69ـ أبريل 2006
منذ أن قامت الولايات المتحدة بشن حربها على العراق وإسقاط نظام صدام حسين، يحظى رجال الدين الشيعة بدور كبير داخل العراق، فقد نشرت وكالة أبناء أسوشيتدبرس تقريراً بأن العراق إذا نجح في تجاوز أزمة نشوب حرب أهلية فإن دور رجال الدين الشيعة يتزايد بشكل كبير متخطياً أي دور آخر في العراق. وأكد التقرير أيضاً أن رجال الدين الشيعة لديهم القدرة على إقرار الأمن والنظام والاستقرار، حيث تمكنوا من وقف هجمات شرسة عقب عملمة تدمير حرم الإمامين الهادي والعسكري، فقد أثبت هذه التجربة والأزمة القومية، بشكل عملي، مدى السلطة التي تمثلها القيادة الدينية في العراق والتي نزعت فتيل الأزمة، في حين اقترح أعضاء جيش المهدي التابعين لمقتدى الصدر، تقديم دعم لحماية مساجد أهل السنة في العراق.
وبعيداً عما ورد في الدستور العراقي حول الحرية الدينية وحقوق المرأة والديمقراطية، يمكن إدراك أن رجال الدين الشيعة لديهم من السلطة ما يمكنهم من الحصول على دور بارز داخل السلطة العراقية.
فمع تصاعد الهجمات على المساجد ورجال الدين السنة، وبالرغم من نداءات القيادة السياسية العراقية وبرامج التلفزيون الحكومي التي ناشدت الحفاظ على الأمن والاستقرار إلا إنها في النهاية لم تثمر على نتيجة ملموسة، لهذا فإن السياسيين المدانين بالفضل في حصولهم على مناصب سياسية لرجال الدين الشيعة نتيجة تأييد رجال الدين الشيعة لهم في الانتخابات وجدوا أنفسهم مضطرين للجوء إلى رجال الدين الشيعة من أجل ممارسة تأثير قوى خلال الأزمة. وفي هذا الإطار نقل التلفزيون الرسمي العراقي سلسلة من المشاورات بين أربعة من كبار رجال الدين الشيعة في النجف مركز الشيعة العراقيين، تناولت سبل الخروج من الأزمة الأخيرة.(35/100)
وكان هدف التلفزيون العراقي من نقل هذه المشاورات التأكيد على التزام أربعة من كبار رجال الدين الشيعة وعلى رأسهم آية الله علي السيستاني، بالحفاظ على الشهادات واللقاءات واقعاً مفاده أن رجال الدين الشيعة يهيمنون على مقاليد مستقبل هذه الدولة، وقد طالب آيات الله الأربعة بضرورة الحفاظ على الاستقرار، وأيد الصدر الذي كان خارج الدولة، ذلك من أجل الحفاظ على مقدسات أئمة الشيعة في العراق.
وكان الاتفاق بين كبار أئمة الشيعة يتلخص في تنظيم مسيرة للحيلولة دون تصاعد موجة العنف بين أنصار الصدر والجماعات السنية المسلحة في مدينة سامراء، وفي هذا الإطار تحدث رضا جواد تقي أحد أعضاء المجلس الأعلى للثورة الإسلامية العراقية قائلاً: إذا فشل سعي كبار رجال الدين الشيعة في احتواء الأزمة فإن الجراح لن تلتئم في العراق مطلقاً، حتى إن زلماي خليل زاد سفير الولايات المتحدة الأميريكية أقر بمدى أهمية دور رجال الدين الشيعة في العراق".
بناءً على ما تقدم فقد سعت قوات الاحتلال الأمريكي منذ احتلالها للعراق من أجل استمالة الشيعة، لأنها عندما حاولت دعم السياسيين دون رجال الدين فشلت في ذلك تماماً، حيث كان أحمد الجلبي أول سياسي شيعي وعلماني وقع عليه الاختيار لكنه فشل في النهاية.
وإذا كان إياد علاوي هو خيار الولايات المتحدة لشغل منصب رئيس الوزراء عام 2004، وقد أدى دوره على أكمل وجه إلا أن حزبه العلماني حصل فقط على 25 مقعداً في البرلمان من إجمالي 275 مقعداً، في حين حصلت الأحزاب الشيعية على 130 مقعداً.
لقاء صريح من الناطق الرسمي باسم هيئة علماء المسلمين في العراق
الدكتور محمد بشار الفيضي
البيان - ربيع الآخر 1427هـ مايو 2006 م ( باختصار )
البيان: ثمة كلام من بعضهم بالقول بأنَّ هناك فروقاً بين شيعة العراق العرب، وشيعة إيران! ما مدى صحَّة ذلك؟ وهل صحيح أنَّ التشدد الشيعي في العراق هو من صنع إيران؟(35/101)
من دون شك نحن أولاً نفرق بين أمرين: بين الأحزاب، وبين القاعدة الشعبية.
فالأحزاب السياسية الموجودة في العراق، من الخطأ أن نقيس حالة الشعب العراقي بها؛ فهذه الأحزاب لها أجندة خاصة، فلا يمكن أن نكتشف من خلالها حالة الشعب العراقي، وهذا أيضاً ينطبق على الشيعة؛ فمن الشيعة طبقة عامة بسيطة، وهناك أحزاب. فالأحزاب واضحة في برنامجها وفي ميلها لدولة أخرى فولاؤها ليس للعراق، ولكن لا يمكن أن نقول إن الشيعة في العراق هم كلهم كذلك جميعاً؛ فالشيعة في العراق ـ حسب معلوماتنا ـ بشكل عام ولاؤهم للبلد، وهم يبثُّوننا شكواهم من التدخل الإيراني، ومن ظلم هذه الأحزاب لهم، وليس من الحكمة أن نخسرهم؛ فهم جزء من النسيج الاجتماعي، وهم مهمَّشون، مثلما نحن مهمشون، بل يصيبهم الأذى أيضاً، لذلك نحن نقول دائماً: لا بد أن نفرِّق بين الشيعة الذين ولاؤهم للعراق وبين الشيعة الذين ولاؤهم لغير العراق.
البيان: وعلى هذا: هل التشدد الشيعي في العراق هو من صنع إيران؟
موضوع التدخل الإيراني بالنسبة لنا أمر بيِّن وبدهي؛ فنحن إذا نظرنا لتصريحات الإيرانيين أنفسهم، فإنَّهم يعترفون بهذا؛ فالأبطحي ـ المسؤول الإيراني ـ قال مرَّة: إنَّه لولا إيران لما كان للأمريكيين وجود في العراق وفي أفغانستان، ومرة صرَّح أحد مسؤوليهم أن فيلق بدر ما يزال يستلم مرتَّباته من إيران.(35/102)
وفيلق بدر ـ كما تعلمون ـ نشأ بعد بداية الحرب العراقية الإيرانية واحتضنته إيران وموَّلته وهو طفلها المدلل، وكان النظام العراقي لا يسمح للعلماء بتوضيح أي حديث في هذا الاتجاه؛ فلم يكن يحب ترويج شيء من ذلك، ولكننا نحن كنا في النطاق الداخلي نسمع بذلك، وإن كان ذلك الوجود لم يكن بهذا الحجم، ولكن بعد الاحتلال الوضع مختلف؛ لأن فيلق بدر دخل بمجموعاته كلها المقدَّرين بـ 17 ألف رجل، وهم عراقيون وإن كان ولاؤهم المطلق لإيران؛ فهي الدولة التي غذَّتهم ومنحتهم الإيواء وزوَّدتهم بكل متطلبات الحياة، والمشكلة الآن أنَّ من هذا الفيلق ـ حسب ما لدينا من معلومات ـ أكثر من عشرة آلاف دخلوا في وزارة الداخلية وفي أجندتها، وهذا في الحقيقة مشكلة، فقد صرَّح (جون باتشي) وهو مسؤول برنامج يوناني لحقوق الإنسان في العراق، صرَّح لصحيفة الغارديان البريطانية قبل شهر، والإعلام تكتَّم على هذا الخبر، لأنَّه بصراحة مفاجأة وفجيعة في الوقت نفسه، وقال إنَّ ما يُسمى فرق الموت تابعة لوزارة الداخلية، وأن أهل السنة يُعَذَّبون على يديها حتى الموت، وهي مسؤولة عن تعذيب سبعة آلاف سني خلال الأشهر التسعة الماضية، وقال إن القوات الأمريكية على علم بها، ولم يبرئ وزير الداخلية (بيان جبر صولاغ) أيضاً، بل قال إنه مسؤول عنها؛ فرجل مثل (جون باتشي) مطلع على الملف العراقي وحينما يتكلم فإنه لا يتكلم من فراغ، لكن الإعلام تكتَّم على الموضوع وكأن شيئاً لم يكن.(35/103)
والأمريكيون يعلمون أن الإيرانيين يتدخلون حتى العظم، ولكنهم لم يكونوا يصرحون بهذا من قبل، ونحن نعزو ذلك لاتفاقات بينهما وتواطؤ، ولكن الآن بعد سخونة الملف النووي، بدؤوا يكشفون هذه الأوراق، فـ (رامسفيلد) قال قبل فترة: إن إيران تتدخل في العراق وأنها تستعمل أسلحتها، و (كوندليزا رايس) أيضأً قالت قبل شهرين أمام الكونغرس في جلسة الاجتماع: إن النفوذ الإيراني في العراق أكثر تعقيداً من النفوذ السوري، وهكذا بدأت تنكشف الأوراق، وأخيراً ردد الرئيس بوش الكلام نفسه، وكلما زاد الضغط في موضوع الملف النووي سترى أن الأمريكيين سيكشفون المزيد من الأوراق، التي تؤكد أن الإيرانيين متورطون في الملف العراقي، كما يقول المثل: من الباب حتى المحراب.
البيان: ولكن ألا يرى فضيلتكم أنَّ هذا ديدن القوم وتوجههم حيال أهل السنَّة؛ فهل كنَّا نتوقع من إيران عدا ذلك؟
صحيح. ولكن هم يجب أن يعلموا أنَّهم دولة جارة، وأن يفهموا أنه ليس من مصلحتهم استغلال ظروف العراق والطعن من الخلف؛ فقد يحققون مكاسب آنية، ولكن على المدى البعيد فهم الخاسرون؛ لأن الشعب العراقي الآن عند مجرد ذكره لإيران يثور غضباً.
البيان: ما وسائل أهل السنة وخططهم في الحد من الدور الإيراني في العراق على المستوى القريب والبعيد؟
لا أعتقد أن لدى أهل السنة الآن أي خطط محدَّدة؛ بسبب أنه لا حول لهم ولا قوة حينما يكون هناك تعاون عالي المستوى بين القوات المحتلة وبين إيران في دولة مثل العراق، وبالذات فيما يخص أهل السنة.
وبما أنَّك سألتني عنهم فلا أعتقد أن بإمكانهم أن يفعلوا شيئاً في هذا المجال، والسنَّة الآن يُذبَحون ويتم اغتيال ضباطهم على أيدي هذه الميليشيات وبخاصة الطيارين، وهذا يؤكد أن مَنْ وراء ذلك مدعوم من دولة إيران؛ فمن الصعب القول إن بإمكان أهل السنة أن يفعلوا شيئاً ـ إلاَّ أن يشاء الله ـ.(35/104)
ولهذا نحن في هيئة علماء المسلمين، أصدرنا قبل فترة بياناً قلنا فيه إن القوات الأمريكية متورطة في عمليات تطهير طائفي، وهذه فضيحة تزيد على فضيحة أبو غريب، وأنَّ هناك مسؤولين من حقهم أن يقفوا مع (سلوبيدان ميلوسيفيتش) الذي قضى نحبه، فيقفوا في محاكمات دولية؛ لأنهم فعلوا الفعل نفسه، وأعطيك مثلاً بسيطاً:
لدينا وثائق تثبت أن هناك معتقلات يعذَّب فيها أهل السنة على أيدي هذه الميليشيات يتولى حراستها الأمريكيون، والأمريكيون راضون بهذا ومبتهجون؛ لأن هناك من يقوم بالنيابة عنهم بتصفية رموز أهل السنة، ولا أنسى ما سأحدِّثك عنه الآن؛ لأنه يكشف عن بشاعة هذا الرضى: حدثني أحد رموز جبهة التوافق العراقي قائلاً: لقد سلمت للسفير الأمريكي (زلماي خليل زاد) قائمة بثلاثة عشر موقعاً لسجون سرية يعذَّب فيها أهل السنة تابعة لوزارة الداخلية، وحدَّد فيها المباني التي تحتوي على هذه المعتقلات، قال: فكان جوابه لي بعد أيام: يا دكتور! نحن نريد أن تدلونا على الأبواب والمنافذ التي ندخل منها إلى هذه المعتقلات!
هكذا بكل استخفاف... أقول له: في هذا المبنى يوجد معتقل، فيقول لي: دلَّني على الباب أنا لا أعلم!
وستكشف الأيام عما يندى له جبين الإنسانية؛ فالأمريكيون ليسوا بأقل من الصربيين في عمليات التطهير الطائفي التي تنال أهل السنة في العراق.
البيان: طالبت إيران مؤخراً الولايات المتحدة بأن تتفاوض معها بشأن العراق؛ فهل يعد هذا اعترافاً مشتركاً بأنها تملك الكثير من مفاتيح الوضع العراقي، وماذا تتوقعون من انعكاسات المجابهة الأمريكية الإيرانية على الوضع في العراق؟(35/105)
الإيرانيون يملكون قدراً كبيراً من الذكاء بالمناورات السياسية، ولكنهم بهذه التصريحات أعتقد أنهم وقعوا في الفخ ـ ربما المنتظر ـ لأنهم أدانوا أنفسهم بأنفسهم، وحينما يوافق الأمريكيون الإيرانيين على مفاوضات بشأن العراق، فهم يقولون للعالم كله: نحن متدخلون في الشأن العراقي، ونحن نملك مفاتيح اللعبة في العراق، ولهذا فإنَّ هذه الممارسات استفزت العراقيين جميعاً بكل أحزابهم السياسية، والجميع قالوا: بأي حق يتم تجاهل العراق وكأنه جزء متنازع عليه بين أمريكا وإيران؟ فهذه بين قوسين: (غلطة الشاطر) وهي إدانة صريحة لهذه الدولة أنها تتدخل بشكل كبير في العراق.
البيان: بخصوص المحاكمة القائمة لرموز النظام السابق، هل ترون أنَّها تخدم أهل السنة أم تضرُّ بهم، وهل هناك بالفعل بقايا وجود مؤثِّر لحزب البعث العراقي؟
بالنسبة للمحاكمة أنا لا أعتقد أن لها علاقة بأهل السنة؛ لأن الرئيس السابق لم يكن سنياً في فكره؛ فالمعروف أنه كان علماني الفكر، والعلماني ليست تلك المعايير لديه، ولهذا تجد أنَّ الرئيس السابق كانت أكثر عناصر حزبه من الشيعة؛ فالشيعة كانوا يشكلون 65% من عناصر حزب البعث، وتجد أن حكومته كثير من عناصرها من الشيعة.
وإليك معلومة بأن قائمة الخمسة والخمسين المطلوبة أمريكياً، 36 منهم شيعة، ولكن الإعلام من أجل أن يستبيح أهل السنة ويستحل دماءهم أخذ يروِّج أن السنة كان أكثرهم من النظام السابق، ولدينا من الشواهد ما لا تعد ولا تحصى في هذا المجال وسأذكر لك شيئاً منها:
ففي زمن الرئيس السابق هناك شخصان فقط احتلاَّ في عهده منصب رئيس الوزراء كلاهما من الشيعة: سعدون حمَّادي، ومحمد حمزة الزبيدي، ومرافق صدام الشخصي الذي يمشي خلفه وهذا يعني أنه موطن ثقة عالية لسنوات طويلة (صباح مرزا) هو كردي شيعي، ومرافق صدام الشخصي الذي كانوا يقولون إنه يدخل معه إلى غرفه الخاصة هو عبد العليم الشيعي من الحلَّة.(35/106)
البيان: ولكن يُتداول في بعض وسائل الإعلام بأن صدام حسين ظلم الشيعة وأنَّه كان بينه وبينهم ثأر، وأنَّه سلب ما لديهم من عز؛ فهل هذا الكلام صحيح؟
سأحدثك عن هذا، فصدام حسين كان لا يهمُّه هذا الموضوع: شيعي أو سني؛ فكان يبحث عن الولاء، فيمنحه لأي جهة تمجِّده، والسياسيون الشيعة لديهم مظلة في فِقْهِهِم وهي موضوع (التقيَّة) ولذلك هم يستجيبون للانتماء للحزب والتقرب من السلطان، على أن يضمروا بغضه، وأهل السنة ليس لديهم هذا المخرج؛ فهم حدِّيُّون: إما أن يكون المنتسب بعثياً وبهذا يستحق اللوم، وإما أن يكون واضحاً، ولهذا فإن نسبة أهل السنة في حزب البعث معروفة لدينا كعراقيين أنها نسبة قليلة.
وأما قصة العداء الذي بين صدام وبين الشيعة فهذا يرجع إلى حرب إيران؛ فقبل الثمانينيات من القرن الماضي، بإمكانك أن ترجع إلى التاريخ العراقي فإن90% من الذين أعدمهم صدَّام حسين كانوا من السنة، سواء من القادة العسكريين أو من علماء الشريعة، وهذا معروف.
ولكن بعد حرب إيران ظهر نشاط حزب الدعوة، وهو ذو نشاط مسلح كما حدث في عملية الجامعة المستنصرية في بغداد وغيرها، فكحاكم يخشى على نفسه، فقد تحوَّل باتجاه حزب الدعوة، وحزب الدعوة لديه نفوذ كبير، وبما أنَّه حزب قديم وله صلة بالمراجع الدينية، فإنَّ هذه القوى استطاعت في أكثر من مرَّة تحريك الشارع الشيعي ضد النظام، فقسا في التعامل مع هذه التظاهرات كما يفعل أي حاكم يُعارَضُ حكمه، وقتل منهم من قتل؛ ومن هنا كان ذلك التسلط.
ونحن أحياناً نجلس مع بعضهم ويقولون لنا: نحن دفعنا ثمناً وصدام حسين استهدفنا بالقتل والمجازر. فنحن نسألهم سؤالاً:
هل استهدفكم، لأنكم شيعة، أم لأنكم خرجتم ضده؟
فيُحرَجون، ثم نسألهم سؤالاً آخر: ماذا لو كانت هذه المظاهرات من أهل السنة في الموصل، فهل كان سيتعامل صدام معهم بغير هذا التعامل؟ فالمنصف فيهم يقول الحق.(35/107)
ثم نقول لهم: لماذا كانت هناك أكثر من عشر محاولات انقلابية وكانت من السنة فقط؟
ولو كان صدام حسين يتعامل على أساس أنه سني فلا حاجة لمثل هذه الانقلابات؛ فقد أعدم النظام السابق خيرة رجال أهل السنة من علماء وجامعيين وقادة وسياسيين وضباط؛ فهذه الدعوى التظلمية ليست صحيحة.
نعم! أصابهم ظلم كما أصاب الآخرين وليس على أساس طائفي، وإنما على أساس عدم الولاء للحاكم.
إرهاب المجلس? ?العلمائي? ?في? ?البحرين
علي الشرقاوي الوطن البحرينية - 14/5/2006
الدين? ?يسر النهر المتحوّل إلى جداول تروي? ?الجفاف والدين معاملة الشمس بنورها الدائم للأرض والدين محبة النحلة للزهرة التي? ?تخلق لنا العسل المصفى والدين عطاء لا حدود له و لا سدود? . ?ولكن بعض العلماء لا? ?يريدون أن? ?يتحوّل دين الله المفتوح إلى الإنسانية جمعاء? ?،إلى محبة? ?يومية تسير على قدمين،? ?بين الشوارع و المساجد و المأتم و تروي? ?العطاشى للسلام الداخلي? ?والأمان في? ?ظل اللقمة الكريمة و في? ?إطار المجتمع المفتح على نور السماء قبل نور الأرض? .?
هذا الكلام هو في? ?الواقع مقدمة لجلسة قصيرة ضمتني? ?مع مجموعة شيوخ الدين الشيعة و الذين طرحوا معاناتهم اليومية مع المجلس العلمائي? ?بعد صدور كادر الأئمة و الذي? ?يعني? أن? ?يحصل إمام المسجد على مبلغ? ?زهيد من المال? ?،? ?كراتب? ?يساعده في? ?شراء لقمة العيش? ?،? ?و لكن كما عرفت من كلامهم أنهم? ?يعانون الأمرين من المجلس العلمائي? ?الذي? ?تحوّل إلى بعبع? ?ينشر إرهابه على هؤلاء الشيوخ الباحثين كغيرهم من أبناء المجتمع على الأمان في? ?لقمة العيشة ـ تحت إطار انه ليس من حق شيخ الدين أن? ?يحصل على راتب من الحكومة لإمامته لمسجد ما.?
وإلا تحوّل إلى مرتشي? ?،? أو سوف? ?يقوم بتنفيذ ما تريده الحكومة منه? / ?كأنما الحكومة عدوة للدين? ?،? ?وكأنما الذين? ?يعارضون الحكومة في? ?مواقفها السياسية? ?(35/108)
ليسوا? ?،? ?في? ?الأغلب? ?،? ?موظفين في? ?وزراتها أو مؤسساتها التابعة لها? .
إذن من أين? ?يحصل شيخ الدين هذا على لقمة عيشه و لقمة عياله ؟?. ?هل المجلس العلمائي? ?سيقوم بدفع الرواتب لهؤلاء الذين لا? ?يملكون أية وظيفة أخرى? ?،? ?وبالأحرى لا? ?يعرفون من العمل? ?غير النصح و الإرشاد لأبناء المجتمع الذي? ?له? ?ينتمون و على ترابه? ?يعيشون? . ?
إن الإنسان الذي? ?لا? ?يملك وظيفة? ?،? ?من الطبيعي? ?لن? ?يحصل على راتب? ?،? ?و من لا? ?يحصل على ما? ?يقيم حاجاته الضرورية اليومية? ?،? ?سوف? ?يموت جوعا? ?،? ?هل المجلس العلمائي? ?يرغب في? ?قتل شيوخ الدين لا نهم لا? ?يسيرون حسب توجهاته و حسب التصورات السياسية التي? ?تحركه لاتخاذ هذا الموقف أو ذاك ؟
هل المجلس العلمائي? ?يريد إقصاء وإبعاد أي? ?فكر? ?يختلف معه و لا? ?يسير في? ?ركابه وأطروحاته? ?إلى عالم الدمار ؟?? ?من خلال الحديث عرفت كم حجم المعاناة التي? ?يعانيها هؤلاء? ?،? ?شيوخ الدين الذين قبلوا باستلام الراتب الأقل من القليل? ?،? ?ليس هو معاناتهم فحسب? ?،? ?بقدر ما هو الإرهاب المدروس? ?يقوم به نفر? ?يتبع المجلس العلمائي،? ?لإبعادهم عن التأثير على الآخرين وتخويفهم من العمل الفاحش الذي? ?قاموا به? (?استلام راتب إمامة المسجد?)?،? ?وطرحوا مجموعة من القصص التي? ?عاشها بعض رجال الدين الشيعة? ?،? ?من? ?ضرب بعضهم? ?،? ?وطرد البعض الثاني? ?من المسجد? ?،? ?عبر تحريض المصلين ضد الإمام و المضايقة? ?بأشكال عديدة للبعض الثالث? .
?
السؤال الذي? ?يطرح نفسه على المجلس العلمائي? ?هو?: أاين الدين من هذه التصرفات الإرهابية? . ?أين المحبة التي? ?يجب أن تربط بين أبناء الطائفة الواحدة ومن ثم أبناء الطوائف الأخرى? .?
على المجلس العلمائي? أن? ?يعيد النظر في? ?مواقفه التي? ?لا تبني? أرضا ولا تزرع نخلا ولا تساهم في? ?تطوير الحياة و المجتمع?.?
انتفاضة الملثمين(35/109)
محمود صادق - الوطن العربي 12/5/2006
رغم أن جمعية الوفاق ـ أكبر تجمع شيعي في البحرين ـ أعلنت عن نيتها المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة، إلا أن حوادث العنف أو ما أطلق عليها "انتفاضة الملثمين" تثير شكوكا حول "عسكرة" شيعة البحرين واستنساخهم نموذجاً جديداً من انتفاضة التسعينيات في إطار مشاغباتهم للحصول على حقوق دستورية أكبر.
مازالت قضية الشبان الملثمين الذين يقومون بالاعتداء على الممتلكات العامة وإثارة الرعب في الشارع البحريني تسبب هاجساً لدى الكثيرين بالرغم من كشف الداخلية البحرينية عن هوية بعضهم، الملثمون ما زالوا يتحدون الأمن بل تطور الأمر إلى الاعتداء على سيارات الشرطة بمن فيها وحرقها بالكامل، وكانت بداية هذه الأحداث من شارع البديع غرب البحرين حيث اعتادت مجموعة من الشباب الملثم إشعال الإطارات وجاويات القمامة في بعض الطرق العامة ثم تطور الأمر بالهجوم على دوريات الشرطة وبعدها يلوذون بالفرار إلى إحدى القرى الشيعية المجاورة بالمنطقة.
وزارة الداخلية أعلنت استنفارها بعد الاعتداء على رجالها وصدرت تعليمات لرجال الأمن بإطلاق النار دفاعا عن أنفسهم فور تعرضهم لمحاولات اعتداء من قبل مجهولين، كما أخضعت السلطات البحرينية مقار البعثات الدبلوماسية والمباني الحكومية لإجراءات أمنية مشددة، وأكد وزير الداخلية الفريق الركن الشيخ راشد بن خليفة آل خليفة أن رجال الأمن سيؤدون واجبهم ولن يقفوا كتوفي الأيدي في ظل التهديدات الخطيرة التي يتعرضون لها أثناء قيامهم بالحفاظ على أمن الوطن والمواطنين، وذكر أن البحرين أبوابها مشرعة للحوار الهادف البناء، وما يحدث من أساليب الإرهاب والعنف والتحريض عليه هي أعمال شائنة تخل بالأمن والاستقرار وتهدف إلى ترويع الآمنين وتسيئ إلى سمعة الوطن وإنجازاته وتعتبر خروجا عن الإجماع الوطني.(35/110)
ومن المنتظر أن تناقش لجنة الشؤون الخارجية والدفاع والأمن بالشورى تلك الأعمال التخريبية في اجتماعها القادم، لبحث سبل مواجهتها، وأكد الدكتور الشيخ خالد بن خليفة آل خليفة، رئيس لجنة الشؤون الخارجية والدفاع والأمن الوطني بمجلس الشورى أن الحل الأمني وحده لا يكفي والمطلوب هو تكاتف جميع فئات المجتمع، لمواجهة هذه الأعمال، وفي رأيه أن ارتداء اللثام عمل غير قانوني، وعندما تلجأ إليه فئة فهذا يعني أن هناك أهدافاً غير معلنة لها، وأنها تستهدف العودة إلى العمل السري، وليس العمل السياسي، وهذه الأعمال السرية ليس لها مكان في مجتمع البحرين المنفتح وفي ظل التجربة الإصلاحية الحالية، وهذه الفئة ترغب في الإضرار بالاقتصاد البحريني ليكون هناك مجال للادعاء بفشل الحكومة، وأستطيع أن أجزم بأن هناك من غير البحرينيين من يشارك في مثل هذه الأعمال التخريبية، وهو ما يؤكد أن هناك أهدافاً غير معلنة لهذه الفئة، وعلينا أن نوعى المجتمع بأخطارها.
مطالب وهمية
وما تحدث به رئيس لجنة الشؤون الخارجية والدفاع والأمن الوطني خطير، ويردده كثير من المسؤولين المعنيين بمتابعة تلك القضية وهذا يعني أن ما يحدث في البحرين حاليا يندرج ضمن الأعمال المخطط لها والتي تلقي دعما خارجيا يهدف إلى إحداث التوتر بالبحرين وربما إشعال المنطقة بالكامل وسقوطها في دوامة العنف والتطرف، وقد تمكنت أجهزة الأمن من ضبط ثمانية ملثمين وتبين أن أعمارهم بين 15و25 عاماً، وهم من طلاب المدارس، الإعدادية والثانوية، وقلة من العاطلين وقليل من الموظفين، لكنهم جميعاً من المقيمين ومن غير أبناء المملكة الأصليين.(35/111)
وقد أثبتت التحقيقات معهم أن مطالبهم "وهمية" إذ لا تخرج عن مثيلها من المطالب التي ينادي بها كثير من المتظاهرين، ويأتي على رأسها إيجاد الوظائف المناسبة وتحسين مستوى المعيشة وإدخال التعديلات الدستورية والقضاء على التمييز والمحسوبية، ومحاسبة المسؤولين الذين يتورطون في العنف ويتسببون في استخدام أشد أنواع العنف مع المعتصمين لتفريق الاعتصامات والمظاهرات السلمية.
رصد الحالة إذن تم ولكن معرفة الدوافع الحقيقية التي تقف وراء هذه الأعمال التخريبية ربما يستغرق وقتا، معظم هؤلاء الملثمين من الشباب الطائش المتعطش للتصادم والحرق، ولكن من بينهم صنفاً آخر من المدفوعين سياسياً ويتحركون بناءً على خطة مدروسة ويختارون مكان جريمتهم بعناية وغايتهم إشاعة الذعر بين الناس وإظهار السلطة الحكومية كالعاجز الذي لا يستطيع أمامهم حراكاً.
وما يدور في منتديات البحرين يعكس حالة القلق التي باتت تعيشها المملكة، هناك شكوك بأن إيران هي مبعث القلق وأن الملالي وضعوا خطة لإثارة الفتن في المنطقة تتصاعد مع تزايد الضغوط الدولية عليها، والهدف واضح ويتلخص في إشعار الولايات المتحدة والعالم بأن إيران يمكنها إشعال المنطقة إذا ما أقدموا على ضربة عسكرية تستهدف منشأتها النووية، ووفقا لمعلومات "الوطن العربي" فإن التحقيقات المبدئية التي ألقى القبض عليها حتى الآن كشفت عن وجود خلية أخرى تقوم بالتخطيط لهذه العمليات التخريبية وبمتابعة التحقيقات من المنتظر الوصول إلى معلومات تفصيلية عنهم تساعد في القبض عليهم وهم في غالبيتهم من المقيمين الشيعة الذين وفدوا خلال العامين الأخيرين إلى المملكة.
دائرة العنف(35/112)
ونحن لا نريد أن ندفن رؤوسنا في الرمال، فما يحدث في البحرين هذه الأيام ليس احتقانا داخليا ولا تعبيراً عن سخط من أعمال حكومية، ما يحدث خطة مديرة ومبرمجة ومحددة أهدافها وتوقيتها بكل دقة وتتصاعد وفقا للضغوط التي تتعرض لها جارة إقليمية، هذا ما تؤكده مصادر في مجلس النواب فهناك طائفة من شيعة البحرين يعتقدون أنه قد سنحت لهم الفرصة لإصلاح ما يرونه خللا في أوضاعهم ويحاولون عن طريق القلاقل تسوية الحسابات القديمة، ويحثون بقية الشيعة في كل أنحاء الخليج على انتهاج أسلوب أكثر حزماً، لقد خرجوا من زاوية المطالب السياسية السلمية إلى دائرة العنف والقوة، وكل الخوف من تهديد النزعة العسكرية لدى الشيعة، كما انتبه الشيعة إلى الصدفة الجغرافية التي وضعت أكبر احتياطي نفطي على مستوى العالم تحت أرض تشكل تجمعاتهم فوقها أغلبية سكانية سواء في إيران أو منطقة الخليج وجنوب العراق.
والمؤكد أن هناك حالة من الغضب في نفوس أولئك الشبيبة الذين لا يدرك البعض منهم مخاطر الممارسة التي يقوم بها، يقول أحدهم لواحدة من الصحف اليومية المحسوبة على التيار الشيعي: "هذه أسلوبنا، أسلوب الذي يعيش الحرمان والضيق والجوع، والتضييق على الناس والرواتب، أين الحكومة من النواب الطائفيين! هل نوالي حكومة تضيق علينا؟".(35/113)
ويقر عضو مجلس الشورى ورئيس الجمعية البحرينية لمراقبة حقوق الإنسان فيصل فولاذ بأن ملف هذه الأعمال يجب أن يحظى بالمعالجة الهادئة، فالكل، وهذا واضح للجميع، يعلم أن شباب البلد هم "عيال البلد"، وإن كانت هناك بضعة تجاوزات أو ممارسات خارجة عن القانون فهناك مبادرات ومساهمات يجب أن تحظى بالدعم من جانب الدولة ومؤسسات المجتمع المدني، ولكن من المؤكد أن هناك من يتصيد ويحاول إرجاع الوضع إلى منطقة لا يؤيدها أحد، ولذلك فقد قدمت مقترحاً بقانون مع 5 من أعضاء مجلس الشورى لإضافة تعديل على قانون المسيرات والتجمعات وذلك لتأكيد ثوابت المسيرات والاعتصامات السلمية المرخصة وتخصيص حديقة كبيرة خارج المدن السكانية والتجارية لاستخدامها في التجمعات الكبرى والاعتصامات.
أما النائب جاسم السعيدي فقد أصدر بياناً تساءل فيه عن موقف هؤلاء الملثمين من الشعارات الفضفاضة التي يرفعونها: ألا يدركون أنهم بأفعالهم هذه يعرضون سمعة البلاد إلى التشويه ويخربون ما يبنيه بقية أبناء هذه البلاد؟ وقال إنه يجب على النواب جميعا الوقوف في خندق واحد من أجل المواجهة مع هذه الزمرة من المخربين ومحاسبتهم ومحاسبة المحرضين على هذه الأعمال التي حذرنا منها مراراً وتكراراً، وعدم الالتفات إلى المصالح الشخصية والمهاترات الجانبية والتطاول على الحكومة، كما يجب عليهم أن يتعاونوا مع لحكومة لإيقاف هؤلاء المجرمين عند حدهم. فسكوت النواب عن هذه الأمور يعد وصمة عار في حقهم فيجب التحرك من أجل هذه القضية التي تهم الوطن وسمعته في المحافل الدولية والعالمية وخصوصاً مع وجود عدد كبير من الإعلاميين الذين توافدوا على المملكة مع انطلاقة الفورمولا1، فهؤلاء المجرمون يريدون أن تصبح المملكة وأجهزتها الأمنية أضحوكة في العالم بأسره.(35/114)
ومع استمرار أعمال العنف غير المبررة في البحرين، من حقنا أن نتساءل: لماذا يحدث ما يحدث بالتواتر والتزامن في أكثر من بلد عربي! وهل هي مصادفة حقا! وهل التنوع العرقي والديني والطائفي في البلدان العربية بات كالقنبلة الموقوتة التي تشتعل فتائلها دفعة واحدة، وإلى أي شئ تهدف تلك الأصابع الخفيةّ! وما علاقة تصعيد التوتر الأمني بتزايد الضغوط الدولية على الجمهورية الإيرانية؟ أم أن ما يحدث مجرد انعكاس حقيقي لنظرية الفوضى الخلاقة التي تتبناها الإدارة الأميركية وما يحدث حاليا مجر خطوة في اتجاه وضعها موضع التطبيق؟! وبالتالي فإن هناك شكوكا عدة في أهداف هؤلاء المندسين الذين تحركهم أياد خفية قد تتلاقى مصالحها وقتا لكنها تتقاطع دوما.
.. النجاتي?.. ?والقرآن المحرف
هشام عبد الوهاب الزياني الوطن البحرينية 14/5/2006
أطلق الشيخ النجاتي? ?الذي? ?نكن له الاحترام والتقدير ولمكانته الدينية باعتباره نال لقب? ''?آية الله?''?،? ?أي? ?أنه أعلى من بعض المرجعيات في? ?البحرين التي? ?لم تنل هذه الدرجة،? ?في? ?مجلس الجزاف ليلة أول من أمس تصريحات جانبها الصواب،? ?حين تحدث باسم أمة أهل السنة والجماعة،? ?إذ قال?: ?إن بعض السنة والشيعة? ?يرون أن القرآن محرف ـ معاذ الله ـ? ?ولا أعرف من أين أتى الشيخ النجاتي? ?بهذا الكلام?.?
إن كان? ?يتحدث بلسان طائفته،? ?فإن له الحق في? ?ذلك،? ?أما أن? ?يُقحم أمة أهل السنة والجماعة ويتحدث بلسانهم ليقول?: ?إن بعض السنة? ?يرون أن كتاب الله عز وجل محرف،? ?فإننا نقول للشيخ?: ?قد أقحمت نفسك فيما لا? ?يعنيك،? ?وتحدثت خطأً? ?بلسان الذي? ?لا? ?يفقه في? ?عقيدة أهل السنة والجماعة?.?
نحن نقول للشيخ النجاتي?: ?من الذي? ?قال?: ?إن كتاب الله محرف؟ هل لنا بالأسماء؟(35/115)
إن رب العباد قد أنزل هذا القرآن وتكفل بحفظه إلى? ?يوم الدين،? ?فلا أنت ولا أحد سواك? ?يتكلم عن كتاب الله بأنه محرف،? ?أو? ?يتحدث باسم السنة والجماعة نيابةً? ?عنهم?.?
أما تصريحه بأن أهل السنة مضطهدون في? ?إيران،? ?فإننا لأول مرة نرى من? ?يتكلم بلسان الحقيقة،? ?وربما أجبره السائلون على أن? ?ينطق بهذا،? ?بما أنه في? ?مجلس أهل السنة?.?
نريد كلمة الحق ولا شيء سواها،? ?لا? ?يوجد حتى مسجد واحد لأمة أهل السنة والجماعة في? ?طهران،? ?فأين من? ?يتحدثون عن الحرية الدينية هنا وعن المساجد والمآتم،? ?لماذا لا? ?يشكرون الله على النعم التي? ?حبانا الله في? ?هذا الوطن،? ?ولماذا? ?يصمتون عن اضطهاد أهل السنة والجماعة في? ?إيران؟
قبل مدة،? ?صرّح رجل دين شيعي? ?كبير لا? ?يحضرني? ?اسمه،? ?أن البحرين فيها أكبر عدد من المساجد والمآتم الشيعية في? ?العالم قياساً? ?بالمساحة?.?
يبقى أن نقول?: ?إنه لا? ?يحق لأحد أن? ?يتكلم باسم أمة أهل السنة والجماعة،? ?وإننا نحمد الله ألا أحداً? ?يختلف على كتاب الله،? ?وعلى تلك الطوائف أن تبحث عن تحريف كتاب الله وليس أمة أهل السنة والجماعة? ؟؟
--------------------------------------------------------
رداً? ?على النجاتي
النائب محمد خالد?: ?لا? ?يوجد من أهل السنة من? ?يرى أن القرآن محرف
?»?الوطن?«-?محرر الشؤون السياسية?:? 14/5/2006(35/116)
انتقد عضو مجلس النواب النائب محمد خالد بشدة قول الشيخ حسين النجاتي?: ?إن بعض السنة? ?يرون أن القرآن محرّف?. ?وقال النائب خالد?: ?إنه من المستهجن أن? ?يطرح النجاتي? ?مثل هذه الأطروحات في? ?وقت? ?يدعو فيه إلى جمعية أهلية تجمع الطائفتين السنية والشيعية،? ?وأكد أن? ''?هناك تناقضاً? ?صارخاً? ?بين قوله?: ?إن الجمع بين الطائفتين لا? ?يأتي? ?إلا أن نعترف بأن إلهنا واحد ونبينا واحد وكتابنا واحد وقبلتنا واحدة،? ?حينها ستكون هناك أرضية مشتركة لتلك الجمعية،? ?أما أن نقول في? ?المجالس?: ?إن بعض السنة والشيعة? ?يرون أن القرآن محرّف،? ?فهذا كفر بواح لا? ?ينبغي? ?التفرج عليه والإنصات اليه،? ?وإذا كان لدى النجاتي? ?أدلة بأن بعض الشيعة في? ?البحرين لا? ?يعترفون بأن هذا القرآن هو المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم،? ?فعليه أن? ?يقدم الدليل وأن? ?يدلنا عليهم بالأسماء والمناطق?''. ?وأكد النائب محمد خالد أن جميع أهل السنة قديماً? ?وحديثاً? ?يتفقون بأن قرآننا المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم هو نفسه لم? ?يتغير منه حرف واحد بدليل قوله تعالى?: ''?إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون?''?،? ?أما من لم? ?يعترف بالكتاب الذي? ?أنزل على محمد،? ?فليبحث له عن دين? ?غير دين محمد?. ?ومن جانب آخر،? ?أكد ما جاء في? ?تصريحات النجاتي? ?أنه لا? ?يوجد مسجد واحد لأهل السنة في? ?طهران?. ?و?''?هذا القول صحيح،? ?حيث إن أهل السنة أصابهم اليأس في? ?عدم الاستجابة لمطالبهم،? ?كما إنهم فئة مضطهدة في? ?كثير من مناطق الإيرانية،? ?عكس الحريات التي? ?يتمتع بها? ?غالبية الشيعة في? ?البحرين وغيرها من الدول الخليجية والعربية?''.?
--------------------------------------------------------
النجاتي? ?يصرّ? ?على أن بعض علماء السنة? ?يقولون بتحريف القرآن
الوطن 14/5/2006(35/117)
تمسك الشيخ حسين النجاتي? ?بموقفه حيال مسألة? ''?حرمة رواتب أئمة المساجد?''?،? ?وقال?: ''?قلنا بوضوح بأن استلام هذه الرواتب حرام شرعاً،? ?ونوضح الآن مرة أخرى أن هذا المشروع? ?يشكل خطراً? ?كبيراً? ?على الدين واستقلالية الكيان والمؤسسة الدينية التي? ?كانت رمز البقاء للدين والمذهب طيلة تاريخه،? ?وهي? ?رمز حيويته وعدم? ?غياب علمائه عن موقع الأمر بالمعروف والنهي? ?عن المنكر?''. ?
ولفت النجاتي? ?في? ?خطبة الجمعة أمس الأول إلى أنه قد? ''?نُشر في? ?الأيام الأخيرة خبر عن سماحة السيد السيستاني? ?بحلّية أخذ تلك الرواتب،? ?وإنني? ?عن علم وبصيرة أنفي? ?صحة هذا الخبر?''. ?مؤكداً? ?أن المؤهل لتحديد موقف الشرع في? ?هذا الموضوع? '' ?هم فقهاء الدين وليس الجرائد ومن تحدثوا فيها ممن ليسوا من أهل التخصص?''.?
وقال النجاتي? ?بخصوص حقائق? ''?ندوة التوافق?'': ''?إن الهدف من المشاركة كان التواصل مع إخواننا السنة من خلال المشاركة في? ?مجالسهم وندواتهم المباركة والكريمة تدعيماً? ?منا للوحدة الإسلامية والوطنية التي? ?نؤمن بها أشد الإيمان?''. ?وأضاف? ''?إن حديثنا عن تحريف القرآن في? ?تلك الندوة لم? ?يتجاوز حد ذكره كمثال للعقائد الفرعية،? ?لكن بعد انتهاء تلك الندوة ومن صباح اليوم التالي? ?بدأت بعض الجرائد المحلية بنقل بعض ما قلناه في? ?تلك الندوة بشكل? ?غير صحيح?''. ?وتابع? ''?مرة أخرى أؤكد أن? ?غالبية علماء الشيعة? ?يقولون بعدم تحريف الكتاب،? ?ورأيي? ?الشخصي? ?أيضاً? ?عدم تحريف الكتاب،? ?ولا? ?يوجد في? ?العلماء المعاصرين من الشيعة من? ?يقول بتحريف الكتاب،? ?والأغلبية الساحقة والقاطعة من علماء الشيعة? ?يقولون بعدم تحريف الكتاب،? ?ولكن هناك أقلية من العلماء? ?غير المعاصرين قالوا بذلك،? ?كما أن هذه الأقلية في? ?إخواننا السنة أيضاً? ?موجودة?''.?
--------------------------------------------------------(35/118)
أنباء عن دخول السفارة الإيرانية على الخط
تصريحات النجاتي? ?تثير التداعيات
الوطن 14/5/2006
تضاربت الأنباء مساء أمس حول قيام السفارة الإيرانية? ?في? ?المنامة بالاتصال بمكتب الشيخ حسين نجاتي،? ?وذكرت الأنباء بأن طبيعة الاتصالات? ?غير معروفة،? ?ولكن مصادر أخرى بينت بأن الهدف من الاتصالات هو محاولة السفارة التعرف على حقيقة التصريحات التي? ?أدلى بها الشيخ النجاتي? ?في? ?الندوة الحوارية التي? ?أقيمت بمجلس الجزاف مساء أمس الأول،? ?والتي? ?انتقد فيها موقف الحكومة الإيرانية من الحريات الدينية للسنة في? ?إيران?. ?وقد حاولت? "?الوطن? " ?الاتصال بالسفير الإيراني? ?للتعرف على ردود أفعال وموقف السفارة من تصريحات النجاتي،? ?إلا أن المسؤولين في? ?السفارة رفضوا التصريح?.?
من ناحية أخرى أصدر مكتب الشيخ حسين النجاتي? ?بياناً? ?أوضح فيه بأن الكلام المنقول حول ندوة الجزاف? ?غير دقيق وهو مقتطع عن سياق كلام سماحة الشيخ بشكل? ?يخرجه عن مفاد الكلام الصحيح الذي? ?طرحه سماحته?. ?هذا وسيقوم مكتب سماحة الشيخ بنقل نص الكلمة والمداخلات وتعاليق سماحة الشيخ عليها بشكل تفصيلي? ?ودقيق في? ?وقت لاحق?.?
كما أشار إلى أنه لم? ?يجتمع مع الشيخ عيسى قاسم والسيد عبدالله الغريفي? ?في? ?خصوص موضوع المعتقلين في? ?أحداث المطار وغيرها،? ?ولم تحصل أية مفاوضات ثلاثية?.?
--------------------------------------------------------
لمن كان له قلب .. تعقيباً? ?على تصريحات الشيخ حسين نجاتي
إبراهيم بوصندل - الوطن 14/5/2006
يقول الله عز وجل?: ''?يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا? ?يجرمنكم شنآن قوم على ألاّ? ?تعدلوا? '' ?حسناً? ?فعل الشيخ حسين نجاتي? ?حينما أقرّ? ?بخطأ حكومة إيران تجاه أهل السنة والجماعة هناك،? ?وهي? ?أمور تشيب لها الولدان،? ?فشكراً? ?له على جرأته في? ?قول كلمة الحق?.?(35/119)
أحوال السنة في? ?إيران هي? ?النذير العريان لما? ?يمكن أن? ?يحدث في? ?حال اختلال التوازن الطائفي،? ?ويؤكد ذلك ما جرى سابقاً? ?في? ?لبنان،? ?ويجري? ?حالياً? ?في? ?العراق على أيدي? ?الميلشيات التابعة لحكومة الجعفري? ?الذي? ?أقسم أيماناً? ?مغلظة ليخرجنّ? ?السنة من بغداد،? ?وبحسب الشيخ حارث الضاري? ?فقد قتل من أهل السنة خلال حكومة الجعفري? ?حوالي? ?أربعون ألفاً،? ?وهو أمر بات? ?يناقش على صفحات الجرائد البريطانية والغربية،? ?ومن هذا الباب فإننا نتوجس شراً? ?من أي? ?اختلال في? ?موازين القوى محلياً? ?أو إقليميا?.?ولكن الشيخ نجاتي? ?لم? ?يصب عندما تطرق إلى موضوع تحريف القرآن وهو بعيد جداً? ?عن روح الندوة كما نفهمها من عنوانها? ''?نحو آفاق أرحب للتلاقي? ?والتواصل الوطني?.?
أما نسبة القول إلى أهل السنة والجماعة؛ فنطالب الشيخ نجاتي? ?بأن? ?يأتي? ?بالدليل على قوله في? ?جلسات علمية هادفة وهادئة تقتصر على طلاب العلم والمختصين،? ?ونقول له مسبقاً? ?بأنه لا? ?يوجد عالم? ?يُعتد به من أهل السنة? ?يقول بالتحريف،? ?ومن قال من علماء أهل السنة والجماعة بأن القرآن محرف فهو كافر كما هو مقرر عند جميع علماء أهل السنة،? ?ونترك للشيخ النجاتي? ?الحكم على علماء طائفته ممن تبنوا هذا القول?. ?
ومن أجل الفائدة العلمية فإن البعض? ?يخلط بين التحريف وبين النسخ،? ?مع أن النسخ حكم قرآني? ?في? ?كتاب الله تعالى?: ''?ما ننسخ من آية أو ننسها نأتِ? ?بخير منها أو مثلها?'' ?فهناك بون شاسع بين النسخ الذي? ?يكون بأمر الله وبين التحريف?.?
وكم كنا نتمنى أن لا? ?يتطرق المحاضر إلى هذا في? ?جمع? ?يضم? ?غير المتخصصين،? ?ونشكر الكاتب الزميل عبد الله العباسي? ?الذي? ?كان أول من تصدى لهذا القول الباهت،? ?وعلى أثره توالت ردود الحضور?. ?(35/120)
على السريع?:? نتمنى أن نعرف رد السفارة الإيرانية على ما ذكره الزميل محمد سعد المران وغيره بخصوص وضع أهل السنة في? ?إيران? ؟
البهائية .. أنبياء كاذبون .. وجواسيس !!
الأهرام العربي - 20 / 5 / 2006
اعتناق الدين البهائي وادعاء النبوة وممارسة الشذوذ الجنسي مسألة حريات دينية .. وهو منطق يثير الدهشة والتقزز , لكن الأعجب : أن يشاركها في هذا المنطق وبحماس بالغ العديد من أصحاب منظمات المجتمع المدني في مصر , الأكثر إثارة .. أن يتم طرح هذه القضايا في سياق أجندة الخارجية الأمريكية للإصلاح السياسي في العالم العربي ونشر الديمقراطية , وأن تعتبرها المنظمات الحقوقية ( الخاصة ) في مصر .. من حقوق المواطنة !!(35/121)
هذا الارتباط المثير ظهر للمرة الأولي عندما خرج للعلن تقرير صدر عن إدارة شئون الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل بالخارجية الأمريكية في 18 ديسمبر 2003 بعنوان تقرير الحريات الدينية الدولية , وفي القسم الخاص بمصر , أدان التقرير موقف الحكومة المصرية المتشدد من الذين يخرجون علي الدين الإسلامي أو يقومون بازدراء الأديان السماوية أو يدعون النبوة أو يمارسون الشذوذ الجنسي , وبرغم تأكيد التقرير أن الدستور المصري يكرس حرية العقيدة والاعتقاد .. إلا أن الشكوى الأبرز في مقدمة هذا التقرير كانت عن عدم تدخل الحكومة بالقوة للقضاء علي مناخ معاداة سياسات يهود إسرائيل .. المنطق الواضح هنا : أن ازدراء الأديان وادعاء النبوة والتحول عن الإسلام والمسيحية والكفر بهما أو اهانتهما وممارسة اللواط والسحاق ليست جرائم في حق الإنسانية .. بقدر ما يعد انتقاد إسرائيل جريمة انتهاك للحقوق الدينية في مصر !!.. وفي هذا التقرير أيضا .. أدانت الخارجية الأمريكية حكم المحاكم المصرية في 28 سبتمبر 2002 علي سيد طلبة وجمالات سليمان و 19 آخرين في قضية ادعاء نبوة , وأدانت الحكم علي 8 مصريين بالسجن لمدة 3 سنوات لنفس الجريمة في مارس من العام ذاته , ومثول 21 مدعي نبوة غيرهم في مايو من نفس العام أمام محكمة أمن الدولة .. لكن الأهم هو أن تقرير الخارجية الأمريكية الرسمي أدان الحكومة المصرية لأنها مازالت تعمل بالقانون 263 والذي أصدره الرئيس عبد الناصر في 1960 والذي يحظر البهائية ويغلق محفلهم البهائي ويمنعهم من ممارسة طقوسهم , كما أدانها للسماح لمحام مصري مسلم برفع دعوي تفريق نوال السعداوي عن زوجها علي خلفية ازدرائها للدين الإسلامي ومطالبتها بتساوي حصص النساء مع الرجال في التركات وهو الأمر الذي حبذه التقرير الأمريكي .. وأشاد التقرير من جانب آخر بالمحامي القبطي ممدوح نخلة الذي رفع منذ 1997 دعوي قضائية لإلغاء خانة الديانة من البطاقات(35/122)
الشخصية التي تصدرها الدولة المصرية لمواطنيها .. وفي السياق ذاته أدان التقرير بشدة الحكم بالسجن الصادر في فبراير 2002 علي 52 شاذا جنسيا متهمين بممارسة الفسق والفاحشة بشكل علني ومنظم !!
بهائيون وجواسيس
في العام التالي وفي 15 سبتمبر 2004, صدر عن الخارجية الأمريكية تقرير مماثل يحمل العنوان نفسه يكرر نفس الوقائع والشكاوي والانتقادات وإن زادت عليه الإشارة للمرة الأولي إلي مسألة امتناع الحكومة عن إصدار شهادات ميلاد أو وفاة أو زواج أو بطاقات شخصية تعترف بادعاء الديانة البهائية التي قدر التقرير عدد أتباعها بما يتراوح بين بضعة مئات وألفي بهائي ( منتهي الدقة ).. وأسهب التقرير في التطرق لموضوع البهائية وما يلاقيه البهائيون من صعاب بوصف ذلك انتهاكا للحريات الدينية في مصر .. مما زاد من طول التقرير , ومن ذلك ادعاء التقرير أن برامج الكمبيوتر التي تنتج البطاقات الشخصية ذات الرقم القومي مبرمجة علي ألا تقبل في خانة الديانة سوي من كان مسلما أو مسيحيا أو يهوديا وهو الأمر الذي يعتبر انتهاكا لحقوق البهائيين في الحصول علي الرقم القومي أو جوازات سفر مما دفع أغلبهم لقبول تسجيلهم تحت أي ديانة سماوية ليتمكنوا من السفر !!.. ومع ذلك أدان التقرير مصادرة البطاقة الشخصية للبهائي حسام عزت موسي والبهائية رانيا رشدي لأنهما أرادا استخراج جوازات سفر بصفتهما الدينية كبهائيين .. والأهم إشارة التقرير لوجود قوانين متعددة تحكم النزاعات في الأحوال الشخصية بين المسلمين والمسيحيين واليهود - كل علي حدة - بينما لا يوجد مثل هذه القوانين لغير أتباع الديانات السماوية الثلاث .. لكن العجيب هو أن التقرير الذي أفاض في عرض مشكلة البهائيين لم يكرر أي كلام سابق عن قضية نوال السعداوي والشواذ جنسيا !!(35/123)
في التقرير التالي , الذي صدر بنفس الاسم والوصف في 8 نوفمبر 2005.. اعتلت قضية الاعتراف بالبهائيين مكانة متقدمة في التقرير ليزداد طولا .. وهذه المرة استقر رأي الخارجية الأمريكية علي أن عددهم يقدر بنحو ألفي مصري وزادت أن قرارا جمهوريا صدر في 1961 يحرم البهائيين من أي اعتراف قانوني بهم وأن نظام عبد الناصر صادر أملاك البهائيين ( المحفل البهائي والمكتبة ).. وهذه المرة كتب التقرير بالنص : أن ( عجز ) الحكومة المصرية عن إصدار بطاقات شخصية للبهائيين تعترف بهم وغيرها من الوثائق قد جعل من العسير للغاية علي البهائيين إلحاق أبنائهم بالمدارس أو فتح حسابات بنكية أو تسجيل شركاتهم التجارية وأن البهائيين الذين لا يحصلون علي بطاقات شخصية تعترف بادعاء دينهم يفضلون المكوث في بيوتهم حتى لا يتعرضون للقبض عليهم للتحري عنهم لسيرهم بالشوارع دون بطاقة إثبات شخصية !!.. لكن العجيب .. أن التقرير أشار إلي أن الحكومة المصرية سهلت للبهائيين بالفعل الحصول علي جوازات سفر وأن عددا من قيادات البهائيين قال للجنة إعداد التقرير إنه بالرغم من أن هذه التسهيلات تمكنهم من السفر خارج مصر إلا أنها لا تيسر لهم مواصلة الحياة داخل البلاد .. وكعادته أدان التقرير الحكم الصادر علي إبراهيم أحمد أبو شوشة الذي ادعي النبوة وزعم حلول الله في جسده ( علي طريقة البهائيين ) و 11 آخرين من أتباعه بينهم 3 نساء منهن زوجتاه بالحبس لمدة سنة بتهمة ازدراء الدين الإسلامي .. كما عاود اسم الدكتورة نوال السعداوي الظهور مرة أخري .. إذ ندد التقرير برأي الأزهر في كتابها ' سقوط الإمام ' رغم ترجمته لأربع عشرة لغة , وكذا سفه التقرير رأي الأزهر في كتاب يروج فيه المؤلف إسكندر شاهين للماسونية كديانة عالمية .. لكن المثير أن التقرير في نهايته أكد أن السفير الأمريكي في القاهرة قد أعرب عن قلقه علي وجه الخصوص من التمييز الرسمي الذي تمارسه الحكومة المصرية ضد(35/124)
البهائيين .. وأن السفارة تحقق في أية شكاوي تصل إليها في كل ما يتعلق بالتمييز الرسمي ضد المصريين علي أساس ديني !!
التقرير الخاص بعام 2006 يصدر في سبتمبر المقبل , ومسودته التي تم تسريبها للإعلام - ونشرت مقتطفات منه صحيفة الأسبوع المصرية ونقلت عنها بعض المواقع الإخبارية علي الإنترنت - تطالب بإلغاء منصب مفتي الديار المصرية والعمل علي إنهاء هيمنة الإسلام السني علي المؤمنين في مصر ودعم دعوة نوال السعداوي لأن يتسمي المصريون بأسماء أمهاتهم للقضاء علي التمييز ضد أولاد الزنا ودعم المطالبة بإلغاء خانة الديانة من هويات المواطنين .. مع التشديد علي حق البهائيين في الاعتراف بديانتهم وممارسة شعائرهم في المحفل البهائي الذي أغلقه عبد الناصر علي خلفية تورطهم في قضايا تجسس لصالح إسرائيل عام 1960.
في حوض اللبن(35/125)
حرية ممارسة الشذوذ الجنسي والاعتراف بادعاء الديانة البهائية هما أهم ما يشغل جماعة تستوطن 2 شارع حوض اللبن في حي جاردن سيتي .. علي مقربة من هيئة فولبرايت والسفارة الأمريكية , تطلق علي نفسها : المبادرة المصرية للحقوق الشخصية .. يتزعمها شاب وسيم يدعي حسام بهجت وهو واحد من الأولياء الجدد الذين يعتنقون الفوضي الخلاقة علي مذهب كوندوليزا رايس .. ويبدو أن حدود ولايته أبعد بكثير من مجرد تبني حرية ممارسة الشذوذ الجنسي في مصر وحشد الدعم لتمكين البهائيين من ممارسة عقائدهم والتنديد باحتكار المذهب السني للساحة الإسلامية وأحقية الشيعة في انتزاع حصة من الطائفية الدينية في البلاد .. وإلا فكيف يمكن أن نفهم ما ورد في بيان صحفي أصدره المذكور في 27 أكتوبر 2005 يطالب فيه الحكومة المصرية بالاستجابة الفورية لطلب الزيارة الذي تسلمته ( جماعته ) من مقررة الأمم المتحدة لحرية الدين والمعتقد للقيام بزيارة ( رسمية ) تهدف إلي دراسة أوضاع الحريات الدينية في البلاد وتقديم توصيات بشأنها إلي الحكومة المصرية .. وهي المحامية الباكستانية أسماء جهانجير التي كان مقررا أن ترفع تقريرا سنويا للأمم المتحدة في الشهر نفسه بشأن مسألة تغيير الديانة .. بحسب ما أشار البيان !!(35/126)
جماعة المبادرة تكونت عام 2002 واتخذت لنفسها في البداية مقرا في أبراج المعادي , وقد بدأ ظهورها الإعلامي والعملي بعد عام من الإعلان عن قضية تورط 52 شابا من الشواذ جنسيا في القضية التي اشتهرت إعلاميا باسم ( عبدة الشيطان ), كان الشواذ قد اعتقلوا بعد أن داهمت الشرطة أحد المراقص الليلية العائمة ( كوين بوت ), وتم تعقب تنظيمهم عبر ملاحقة إعلاناتهم علي الإنترنت التي يعرضون فيها رغبتهم في ( رفيق ) وكان أبرز المعتقلين شاب لبناني يبلغ من العمر 28 سنة ويدعي وسام أبيض كان الإفراج عنه موضع اهتمام تقرير الحريات الدينية الأمريكي , وآخر مصري يدعي زكي سيد عبد الملك حكم عليه بالسجن في مايو 2001 لثلاث سنوات ومثلها مراقبة سير وسلوك .. وهنا نترك المجال لما يؤرخه الإسرائيليون علي موقع قوس الباب المفتوح الذي أنشأته مؤسسة فورد فاونديشن الأمريكية ويتم الإنفاق عليه من صندوق المنح الإسرائيلي ومؤسسة آلان سليفكا الإسرائيلية , وبالنص : قام شاب مصري يدعي حسام بهجت بإقامة مركز مصري جديد لحقوق الإنسان أسماه ' المبادرة المصرية للحقوق الشخصية ' وتبني المركز قضية محاربة المثليين في مصر .. وقد اعتبر كثير من المصريين أن ولادة هذا المركز تهدد بتخريب المجتمع المصري سياسيا واجتماعيا ودينيا , وأن المركز هو مؤامرة مشبوهة ترعاها واشنطن هدفها الدعوة إلي انحلال القيم والأخلاق في مصر , وذلك عن طريق تقليد الرؤية والثقافة الأمريكية التي تعتمد علي الحرية الفردية في كل شيء .. وقد استطاع حسام رغم كل التهديدات من أن يلتقط الخيط ليدخل بالقضية إلي حلبة السباق في سوق منظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني .. وأعيدت بعد ذلك محاكمة تنظيم المثليين في مصر بسبب الضغوط المحلية والعالمية علي القضاء المصري , ولكن محكمة الاستئناف أكدت القرارات السابقة بإدانة جميع المتهمين بتهمة الفجور والفسوق .. وقد تابع حسام والمركز نشاطهما محاولين إقناع(35/127)
الدولة والمجتمع أن الإباحية الجنسية هي من الحقوق الشخصية التي يجب الدفاع عنها حتي لو كانت شذوذا جنسيا يرفضه الشعب المصري , وأن من حق كل شخص اختيار دينه أو معتقده دون تدخل من الدولة أو المجتمع , ما دامت حرية الفرد لا تضر بالآخرين ..!!
اهتمام الإسرائيليين بالتأريخ لحركة المبادرة المصرية للحقوق الشخصية والإشارة الواضحة لارتباط الإباحية الجنسية بحرية اختيار الدين في برنامج أهداف هذه الحركة , لم يكن موضع امتنان حسام بهجت .. الذي أصدر بيانا في 19 يوليو 2004 يعلن فيه أن جماعته : قررت إلغاء اجتماعا مع عضو باللجنة الأمريكية للحريات الدينية .(35/128)
بسبب المواقف العنصرية للعضو فيليس جاير , نائبة رئيس اللجنة الأمريكية للحريات الدينية في العالم , بعد أن تكشف لنشطاء المبادرة أن للعضو المذكور سجلا حافلا بالمواقف العنصرية المؤيدة للتمييز الديني .. حيث اكتشف نشطاء المبادرة أن السيدة جاير , والتي تشغل منصبا تنفيذيا باللجنة الأمريكية اليهودية في واشنطن , كان لها عبر سنوات عدد من المواقف والتصريحات التي لا تتسق مع مناصبها في مجال حقوق الإنسان .. وأنها أثناء مؤتمر الأمم المتحدة لمناهضة العنصرية والذي عقد في ديربان بجنوب أفريقيا عام 2001 كانت السيدة جاير جزءا من تيار من المنظمات الصهيونية التي حاولت إفساد المؤتمر اعتراضا علي إجماع غالبية المنظمات غير الحكومية علي اعتبار الصهيونية إحدي صور العنصرية , وهي الحقيقة القانونية الواضحة بشأن أيديولوجية تقوم علي منح امتيازات معينة لمجموعة لا يجمع بينها سوي انتمائها لما يسمي ' القومية اليهودية ', وهو ما ينتج عنه بالضرورة التمييز المؤسسي ضد غير اليهود في الحصول علي هذه الخدمات والامتيازات .. وقال حسام بهجت ' ليس من حق فيليس جاير أن تتباحث معنا حول حرية المعتقد الديني في مصر بينما هي تدعم بشكل علني سياسات التمييز الديني المؤسسي ضد غير اليهود في إسرائيل والأراضي الفلسطينية , وترأس منظمة تدافع عن هذه السياسات وتروج لها , ومضي البيان للقول : يذكر أن المرة الأولي التي قامت فيها اللجنة الأمريكية للحريات الدينية في العالم بزيارة مصر عام 2001 كان يرأس وفدها إليوت أبرامز , والذي كان له هو الآخر سجل حافل بدعم انتهاكات حقوق الإنسان بأمريكا اللاتينية , وكان قد سبق إقالته من منصبه كمساعد لوزير الخارجية بسبب ضلوعه في فضيحة إيران - كونترا عام ..1991 وتساءل بهجت :' ألا تستطيع لجنة مشكلة لدعم الحريات الدينية أن تختار أعضاء لا تتعارض مواقفهم السياسية بشكل فاضح مع مبادئ حقوق الإنسان المعترف بها دوليا؟ ..(35/129)
انتهي البيان ولكن مفاجآته كشفت الكثير .. وأهمها أن هناك أجندة لا علاقة لها بحقوق الإنسان تحرك أصحاب التقرير الأمريكي للحريات الدينية .. وأن الحركة المصرية تعرف ذلك , ومع ذلك تتبني الأجندة ذاتها كون أن المصالح قد التقت علي الجانبين .. وقد تعاونت الحركة مع هذه اللجنة ومع السفير الأمريكي وتلقت تمويلات عبر سويسرا .. كما هو ثابت - من ناحية الاتصالات - في التقارير الأمريكية المشار إليها .. وثابت - من حيث التمويل - عبر المنشور في صحيفة دنيا الوطن الصادرة في الناصرة بالضفة الغربية في تقرير لمراسلها في غزة نشر في 9 أغسطس 2004 بعنوان : فضيحة بالأسماء والعناوين .. إقامة أول مركز للشواذ في مصر !!
تحالف أم تواطؤ ؟
عندما أصدرت محكمة القضاء الإداري برئاسة المستشار فاروق عبد القادر نائب رئيس مجلس الدولة في 4 إبريل الماضي حكما لصالح زوجين بهائيين في أحقيتهما بإثبات اعتناقهما البهائية في المحررات الرسمية , اعتبرت كل من المبادرة المصرية للحقوق الشخصية ومركز الكلمة ( وهو مركز حقوقي خاص متخصص في شئون الأقباط ) والشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان .. إن هذا الإنجاز الكبير هو ثمرة جهود تحالف مكثفة بين جماعات حقوق الإنسان في مصر .. وفي تقرير صحفي بعنوان : نشطاء حقوقيون يرحبون بحكم يعترف بحقوق البهائيين .. نقلت وكالة رويترز في 6 إبريل الماضي عن جمال عيد مدير الشبكة قوله : إنها قضية فارقة .. إننا نشعر بأن مجهوداتنا قد بدأت تثمر .. إن ما لاقاه البهائيون كان نتيجة مناخ انعدام التسامح في مصر حيث يتم تصويرهم علي أنهم كفرة .. والواقع أن بعض الصحف المستقلة ومنها صحيفة الكرامة وجريدة الدستور قد قامتا أخيرا بزيادة الوعي الجماهيري بحقوق البهائيين .. وبالرغم من أن الحكم القضائي في ذاته لن يغير من مجري حياة البهائيين في مصر إلا أنه يعد خطوة مهمة في طريق خلق مجتمع أكثر تسامحا دينيا .(35/130)
في التقرير ذاته صرح حسام بهجت بأن الحكم القضائي يعد رسالة قوية مفادها أنه من حق كل مصري أن يعتنق ما يشاء من أديان .. وفي بيان صحفي أصدره المذكور في نفس اليوم 6 إبريل قال : ليس من الإنسانية ولا من المنطق ولا من الجائز قانونا أو دينيا أن يجبر مواطن مصري كامل المواطنة علي الاختيار بين فقدان جميع حقوقه المدنية مقابل الاعتراف بديانته وبين التظاهر باعتناق ديانة لا يرغب بها ولا يعلم عنها شيئا لمجرد ميلاده لأبوين بهائيين . وعلي الحكومة أن تنفذ حكم المحكمة بشكل فوري وأن تتخذ إجراءات حاسمة لإيقاف هذه الممارسات التعسفية ..!!
كان ذلك قبل أن يتم الطعن علي قرار المحكمة , ويبدو أن حالة التسرع في الاحتفاء بهذا الانتصار الكبير للأجندة المرسومة سلفا في تقارير الحريات الدينية الصادرة عن الخارجية الأمريكية كانت خطأ تكتيكيا فادحا .. ولكن الصحافة الخاصة واصلت المشوار .. فقد نشرت صحيفة الفجر بعض نصوص الكتاب الأقدس للتعريف بهذه الديانة , كما خرجت صحيفة الدستور بمانشيت علي صدر صفحتها الأولي يحذر : بهائيون يكتبون في بطاقاتهم الشخصية إنهم مسلمون .. وبالداخل نصحت الصحيفة السلطات الرسمية بألا تتعامل مع الديانة البهائية بوصفها مشكلة وهمية وأن تعتبرها مشكلة أقليات جديدة تضاف لقائمة مشكلات الوطن .. ولم يفتها التعريف بالأصول التاريخية ضاربة القدم لهذه الديانة .. وللحقيقة نشرت الكاتبة سحر الجعارة مقالا رائعا في صحيفة الفجر اعتبرت فيه أن مصالح الأغلبية من مواطني مصر باتت ضحية لانشغال النخب الممثلة في الجماعات الحقوقية بمثل هذه القضايا وفي مقدمتها قضية اتباع الديانة البهائية !!(35/131)
يتبقي أن نقيم طبيعة الانتصار الذي لم يدم طويلا للمناضلين في سبيل فرض أجندة الشذوذ الجنسي والعقائد الشاذة وعلي رأسها ما يسمي بالدين البهائي , من خلال رصد تاريخ البهائية في مصر وشهادات لبهائيين سابقين أمريكيين ودراسات إيرانية تتسم بمصداقية عالية كون أن البهائية انطلقت بالأساس من إيران .. والذي يكشف أن جهود التحالف المكثفة بين منظمات حقوق الإنسان في مصر والتي بدأت تثمر علي حد وصف جمال عيد .. كانت محض تواطؤ لحساب الأجندة الأمريكية التي تحركها تحالفات اللوبي الاسرائيلي في واشنطن .. يتم من خلاله فرض حركة تتستر بالدين تعمل لحساب اختراق المجتمع المصري وتفكيك قيمه الدينية والأخلاقية .
صهاينة وماسونيون
في دراسة للباحث اليهودي ايزاك همار الأستاذ بقسم التاريخ بجامعة ماساشوستس الأمريكية صدرت في 26 يونيو 2005 عنوانها : الديانة البهائية .. قال بعد أن استعرض تاريخ نشأتها بالحرف : من الأمور المثيرة للدهشة أن البهائية انخرطت في الصهيونية منذ البداية لإيمان البهائيين في النبوءات الواردة في النصوص المقدسة لبهاء الله وعبد البهاء وهي النبوءات الخاصة بعودة اليهود إلي الأرض الموعودة .. وفي 30 يونيو 1948 كتب شوقي أفندي ( عبد البهاء ) إلي بن جوريون رئيس الوزراء الإسرائيلي معربا عن : ولائه وأطيب تمنياته بالرخاء لدولة إسرائيل المعلنة حديثا , معترفا بأهمية إعادة تجمع اليهود في ظل أرض إيمانهم !!(35/132)
و قبل هذه الدراسة بسنوات طوال , وفي عدد نوفمبر 1927( نعم سبعة وعشرين ) من مجلة البناء وهي أهم مجلة للماسونية العالمية ظهرت في هذه الحقبة , وفي مقال عنوانه : الماسونية وأزمة الحضارات .. كتب الماسوني برتبة ( شقيق ) بي إل فرانك من العاصمة النمساوية فيينا .. أن العالم إلوود الأمريكي قد كاتبه بشأن ما يسمي الديانة البهائية كبديل لصراع الكنائس المسيحية حيث تشكل دينا عالميا يقضي علي كل أشكال التعصب للدين .. مشيرا لواقعة تحاور مسيحي غربي مع باحث هندي انتهت بأن قال الأخير : إن المسيحية هي اليهودية الخالصة بعد أن تم تقليصها لجانبها الروحاني .. وللخلاص من هذه الدوجما .. نجد أن البهائية التي يتبعها في عالم اليوم مليون شخص ( لاحظ التاريخ ) هي البديل الأمثل لحل مشكلة الديانات السماوية في العالم , فلا تتصارع الحضارات .. إنها تقر السلام العالمي وتحث علي عدم الصراع .. وهي تدعي نفسها دين اجتماعي عظيم كما يري العالم الأمريكي إلوود يساوي بين الرجال والنساء ويعتبر بحق هو الدين العالمي الأوحد .. ويتوجب علي كل ماسوني أن يعتنقه , فهذا الدين يساير كل ما يعتقده ويؤمن به الماسونيون في العالم !!(35/133)
وإذا عدنا للماضي القريب جدا , سنجد أن الصحافة الإيرانية منذ سبتمبر 2005 وإلي نهاية يناير 2006 قد قامت بحملات مكثفة تكشف الوجه الحقيقي للبهائية وأهدافها ومرامي الولايات المتحدة من إعادة إحيائها في إيران لزعزعة النظام السياسي بها واستخدام البهائيين كطابور خامس من العملاء لأمريكا وإسرائيل .. ولأن إيران هي الأرض التي انطلقت منها هذه الديانة المزعومة .. تكتسب المعلومات المنشورة في صحافتها مصداقية خاصة فيما يتعلق بالجوانب التاريخية لهذه الديانة .. إذ نشرت صحيفة ( كيهان ) الإيرانية واسعة الانتشار في عددها الصادر في 27 سبتمبر 2005 مقالا عنوانه : فهم جذور البهائية .. أكدت فيه الصحيفة أن البابية والبهائية ( وهما لصيقان ) كانتا صنيعة القوي الإمبريالية , ذلك أن مؤسسيهما تعلما علي أيدي اليهود وحظيا برعاية خاصة من قبل روسيا القيصرية واتصلا بجواسيسها في إيران الصفوية .. وهي ديانة تم اختراعها لتدمير القيم النبيلة للدين الإسلامي وللمؤسسات الدينية الإسلامية التي ترفض عادة تدخل الأجانب في شئون المسلمين .. وفي 29 أكتوبر 2005 نشرت الصحيفة بعنوان : الباب الأعظم تحت عباءة اليهود .. وأسهبت في تاريخ علاقة مؤسس البابية بالجالية اليهودية الإيرانية .. مشيرة لمذكرات سفير روسيا القيصرية في زمن الباب الأمير دولجوروكي التي أكدت ولاء صاحب البابية لليهود وهو الولاء الذي ورثه بهاء الله عند إعلانه حلول الله في جسده وقيام الديانة البهائية .. وفي 2 نوفمبر 2005 نشرت الصحيفة مقالا عنوانه : الصلة بين البهائية والصهيونية .. ذكرت أن بهاء الله ( ميرزا حسين علي النوري ) ورفاقه عندما تم ترحيلهم إلي عكا في 1868 من قبل السلطات العثمانية تحالفوا مع بريطانيا الاستعمارية وسعوا لمساعدة اليهود علي نهب العرب .. وأنهم قبل ترحيلهم لفلسطين حصلوا علي المال والدعم الروسي ليعلن ميرزا حسين أنه نبي الله ليشهر البهائية من فلسطين ..(35/134)
وفي 13 نوفمبر كشفت الصحيفة عن وجود تعاليم خاصة بمناهضة الإسلام في البهائية , منها إذكاء الفرقة الدينية بين المسلمين ونشر القمار والخيانة الزوجية .. وعلي مدار الأيام التالية نشرت الصحيفة مذكرات جاسوس بريطاني زمن وزارة المستعمرات البريطانية يتحدث فيها عن البهائيين كأداة استخباراتية .. وفي 22 نوفمبر نشرت كيهان مقالا عنوانه : أعوان الصهيونية قالت فيه إن البهائيين اكتسبوا حريات ضخمة في ظل بزوغ دولة الشاه محمد رضا بهلوي استخدموها في تقويض الإسلام .. وإنهم في ذات الوقت عملوا كجواسيس لجهاز المخابرات السوفياتي السابق كي جي بي .. وإن إسرائيل قد اعترفت بالديانة البهائية وسمحت بأن يكون فيها المحفل العالمي الرئيسي لهذه الديانة لما قام به البهائيون من دور كبير في خدمة الحركة الصهيونية العالمية والإسهام في تأمين دولة إسرائيل من خلال العمل مع المخابرات الإسرائيلية في أطوارها الأولي .. وإن دهاء البهائيين في التخفي بين العرب بوصفهم مسلمين مع إخفاء هوياتهم قد مكنهم من خدمة الموساد لمدة طويلة .. وفي 30 نوفمبر كشفت الصحيفة عن تجنيد البهائية للعاهرات من أجل جذب المسلمين للديانة البهائية ..!!(35/135)
الواقع أن الشهادات الواردة من مسيحيين أمريكيين تحولوا أخيرا عن اعتناق البهائية وعادوا لديانتهم الاصلية تؤيد إلي حد كبير هذه الحقائق الإيرانية , وعلي موقع الإيمان البهائي دوت كوم علي الإنترنت توجد حكايات وقصص واقعية بالعشرات جمعها باحث أمريكي يدعي إريك ستيتسون أسس بنفسه هذا الموقع في نوفمبر 2002 ليحذر المؤمنين المسيحيين في الولايات المتحدة ذاتها من صهيونية هذا الدين وانتمائه التام لإسرائيل وهيمنة المحفل البهائي الرئيسي في إسرائيل علي حياة نحو 6 ملايين بهائي يعيشون في أكثر من 200 دولة , هذا المحفل الذي يحوي ضريح الباب أول من ادعي النبوة والألوهية , انفقت عليه إسرائيل 250 مليون دولار وتم افتتاح حدائقه المتدرجة التسع عشرة في 22 مايو 2001 بحضور 4500 شخص يمثلون قيادات البهائية في العالم !!
الخارجية الأمريكية ومن ورائها المنظمات الحقوقية الخاصة الممولة تزعم أن عدد البهائيين في مصر نحو 2000 شخص من دون أي سند إحصائي , وهو أمر يفرض واقعا مزيفا يمكن للجهد العلمي والإحصاء الرسمي أن يكشف حقيقته , لكن أن يزعم الجانبان أن البهائية عقيدة كونية وديانة , لا حركة تآمر دولي وخيانة .. فهذا أمر يثير العجب بنفس القدر الذي نتعجب فيه من ذلك الارتباط الذي يقيمه الطرفان بين البهائية والشذوذ الجنسي .. وأهمية أن تتسامح مصر بشأن هذه الرابطة - التي يزعمون صلتها بالحريات الدينية - ليتحسن سجلها في حماية حقوق الإنسان .. أهم خطوات الإصلاح الأمريكي الذي تريد واشنطن فرضه علي مصر والعالم العربي !!
الجواسيس أخرجوا 14 عالما أزهريا من دين الإسلام !!(35/136)
من وثائق المكتبة البهائية بالمحفل البهائي الإسرائيلي والشهير باسم مجلس العدل العالمي بجبل الكرمل في حيفا والمنشورة علي الإنترنت .. دراسة بعنوان : مصر .. تاريخ البهائيين .. للباحث جراهام هازال .. تقول الوثيقة : بدأ البهائيون في تكريس وجودهم في مصر منذ عام 1860 عندما استقر التاجران البهائيان الإيرانيان الحاج بكير الكاشاني وسيد حسين في فترة وجود بهاء الله في أدرينابوليس منفيا من قبل العثمانيين .. وقد أرسل بهاء الله كلا من الحاج ملا علي تبريزي وميرزا حيدر علي أصفهاني إلي مصر للبدء في نشر الدعوة البهائية حيث أقاما في منطقة المنصورية وتمكنا من تحويل عدد كبير من المسلمين للبهائية .. مما دفع بالخديوي إسماعيل لنفي أصفهاني للسودان عام ..1888 بعد ذلك بعامين وصل القاهرة ميرزا عبد الفضل جلبايجاني ليدرس في الأزهر منتصف 1890 وقد تمكن من جذب أكثر من 14 عالما أزهريا ودارسا للإيمان بالعقيدة البهائية .. بعدها بدأ الاتصال المباشر بين القاهرة وعكا .. حيث تمركز بهاء الله إلي جوار ضريح الباب بعد عودته من النفي .. وبناء علي تقدير الموقف استدعي البهاء رجلا يدعي زين العابدين إسماعيل الملقب بزين المخلصين للسفر من همدان الإيرانية إلي القاهرة والزواج من حمدية هانم أغا والاستيطان في مصر .. وفي 1946 تزوج فوز زيان من بهية علي سعد الدين وهي أول مصرية تولد من أبوين بهائيين !!(35/137)
وصل عبد البهاء ( عباس أفندي ) لأول مرة إلي مصر في سبتمبر عام 1910.. حينها كانت القاهرة تعج بالمثقفين والشخصيات البارزة .. وقد عرض كثير منهم ضيافته .. لكن هناك إشارة غامضة في الوثيقة إلي جاسوس يدعي تيودور بول التقاه خارج الاسكندرية في نوفمبر من العام ذاته .. وكذا لقاءه بهندي يدعي خاجا حسن نظامي .. كان المسئول بعد ذلك عن ترجمة تعاليم البهائية في كتاب اسمه الأودية السبعة إلي الأوردية .. كما قام رجل يدعي الشيخ فرج وهو كردي كان يقيم بالقاهرة بترجمة كتاب الإشراقات البهائية للغة العربية .. وقد زار عبد البهاء مصر مرة أخري عام 1913 في 17 يونيو .. حيث وصل بورسعيد علي متن الباخرة هيمالايا .. ومن بورسعيد أبرق لآلاف الحجاج البهائيين بالتوجه إلي بورسعيد .. وقد غادر مصر من ميناء الإسكندرية في 2 ديسمبر عائدا إلي عكا .. وفي 1915 شارك البهائيون من القاهرة وبورسعيد والاسكندرية في صندوق اتحاد المحفل البهائي وتحدثت الوثيقة عن مضايقة الحكومة المصرية للبهائيين ومنهم ناظر محطة من شبين الكوم يدعي ميخائيل يوسف تم نقله للصعيد لأسباب أمنية عام ..1921 وفي الفترة من 24 حتي 1934 وهي ما تسمي في الأدبيات البهائية حقبة الحملة الصليبية البهائية .. تمكن البهائيون من إقامة محفلهم وجذب عدد كبير من المصريين في مختلف المديريات المصرية لاعتناق البهائية .. وأصبحت بورسعيد نقطة تمركز للحجاج البهائيين من مختلف بقاع العالم .. لتبدأ بعد ذلك مواجهات البهائية مع فتاوي الأزهر بتكفيرهم وينتهي تأريخ الوثيقة بعام 1952 حيث صرح شوقي أفندي زعيم الطائقة البهائية بأن بهائيي مصر هم ثاني أكبر طائفة مضطهدة في البلاد بعد اليهود .. وبالذات بعد أن أفتي الشيخ عبد الحميد كشك بكفرهم وتبعيتهم لإسرائيل !!
السفير الإسرائيلي للبهائيين المصريين : حان الوقت لتعلنوا عن أنفسكم !!(35/138)
في 30 إبريل الماضي نشرت صحيفة الوطن القطرية تقريرا مطولا استطلعت فيه آراء عدد من الباحثين في الحكم الإداري الذي صدر لصالح البهائي حسام عزت وزوجته رانيا عنايت وبناتهما بإثبات ديانتهم جميعهم في الأوراق الرسمية .. وفي سياق هذا التقرير , نقلت الصحيفة عن الأمين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية العالم الإيراني محمد علي التسخيري دهشته لهذا الحكم وقال إن البهائية مسلك سياسي عميل للصهيونية والبهائيين يتآمرون علي كل العالم الإسلامي لذلك لا تشملهم حرية الأديان وقالت الوطن : خلال الأشهر القليلة الماضية بدأت علامات الاستفهام تثير الشكوك حول وضع البهائيين في مصر بعد مشاركة السفير الإسرائيلي الحالي في مصر في احتفالاتهم , وهو ما أكده للصحيفة أستاذ التاريخ الإيراني بجامعة المنوفية الدكتور مصطفي شرف حيث أشار لوجود علاقة بين البهائية وإسرائيل .. وقال للوطن : إن البهائيين يطيعون أوامر حكومات الدول التي يعيشون فيها حتي ولو كانت إسرائيل وأكد قيام السفير الإسرائيلي في القاهرة ' شلومو كوهين ' بزيارة إلي المحلة الكبري منذ شهور حرص خلالها علي زيارة معقل البهائيين بها , والتقي ببعض عناصرهم ومن بينهم ' نصيف بباوي ' الملقب بزعيم البهائيين في مصر واستمر اللقاء ساعة ونصف الساعة وطالب فيه كوهين بضرورة المشاركة في النشاط السياسي بالبلاد عن طريق إنشاء جمعية أو حزب أو الترشيح للبرلمان وغيرها من الأنشطة الفعالة للتأثير بقوة لصالح إسرائيل وسياستها مؤكدا لنصيف أنه قد حان الوقت للإعلان عن أنفسهم في ظل وعد بحمايتهم من أي اعتراض قد يصدر من الحكومة المصرية ضدهم ..!!
حركات للخداع الجماهيري وليست ديانات(35/139)
و فقا لما أجمعت عليه المصادر التاريخية الموثقة علميا , ظهرت البابية في إيران علي يد علي محمد رضا الشيرازي في سنة 1844 عندما أعلن أنه الباب , وأنه رسول كموسي وعيسي ومحمد - عليهم الصلاة والسلام - فانخدع به العامة واختار ثمانية عشر مبشرا لدعوته , إلا أنه في عام 1845 قبض عليه , فأعلن توبته علي منبر مسجد ولكنه في 1850 ادعي حلول الإله في شخصه حلولا ماديا وجسمانيا , وبعد أن ناقشه العلماء حاول التظاهر بالتوبة والرجوع مرة أخري ولكنه فشل , فحكم عليه بالإعدام , ونفذ الحكم في 8 يوليو من نفس العام , ثم ظهرت البهائية التي تمثل الطور الثاني لتلك الحركة ويعتقد البهائيون أن المدعو البهاء حسين علي المازندراني هو ربهم , وأساس عقيدتهم وأن الله ليس له وجود الآن إلا بظهوره في مظهر البهاء , وكان يظهر من قبل بمظاهر تافهة في الديانات السابقة , لكنه بظهوره في البهاء الأبهي بلغ الكمال الأعلي , والبهائيون منطلقون من هذه العقيدة يضعون في بيوتهم قطعة مكتوب عليها ( بهاء الله ) وهم يقولون بالحلول والاتحاد , والتناسخ , وخلود الكائنات , وأن الثواب والعقاب إنما يكونان للأرواح فقط علي وجه يشبه الخيال .
يقدسون العدد 19, ويجعلون عدد الشهور 19 شهرا , وعدد أيام الشهر 19 يوما , وقد تابعهم في هذا البهائي محمد رشاد خليفة حين ادعي قدسية خاصة للرقم 19, وحاول إثبات أن القرآن الكريم قائم في نظمه من حيث عدد الكلمات والحروف علي 19, ويقولون بنبوة بوذا وكنفوشيوس وبراهما وزرادشت وأمثالهم من حكماء الهند والصين والفرس .. و ينكرون معجزات الأنبياء , وحقيقة الملائكة والجن , كما ينكرون الجنة والنار . ويحرمون الحجاب علي المرأة , ويحللون المتعة وشيوعية النساء والأموال , ويؤولون القيامة بظهور البهاء , أما قبلتهم فهي إلي البهجة بعكا بفلسطين بدلا من المسجد الحرام .(35/140)
الصلاة في البهائية تؤدي في تسع ركعات , ثلاث مرات , والوضوء بماء الورد وإن لم يوجد فالبسملة بسم الله الأطهر الأطهر خمس مرات , وليس عندهم صلاة جماعة إلا في الصلاة علي الميت يقولون في كل تكبيرة ' الله أبهي '. والصيام عندهم في الشهر التاسع عشر , شهر العلا , فيجب فيه الامتناع عن تناول الطعام من الشروق إلي الغروب مدة تسعة عشر يوما ' مدة الشهر البهائي ' ويكون آخرها عيد النيروز 21 مارس , والصيام يكون لمن بين 11 إلي 42 سنة فقط , بعدها يعفي البهائيون من الصيام .. وهم يبطلون الحج إلي مكة وحجهم حيث دفن بهاء الله في البهجة بعكا بفلسطين .. ويحرمون الجهاد وحمل السلاح وإشهاره ولو كان ضد الغزاة أو الأعداء .
الدستور .. يسدد صفعة قوية لمن يحاولون ابتزاز مصر !!
الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساس للتشريع في مصر , وهنا يكمن مبدأ الاعتراف بالأديان السماوية دون سواها , وقد فات علي أصحاب البهائية وبطانتهم من أولياء الفوضي الخلاقة الانتباه لحقيقة أن القانون المصري محصن ضد الاحتيال عليه .. ومحاولة انتزاع اعتراف رسمي بالبهائية علي أنها ديانة .. كان جوهر الاحتيال الذي قام به أصحاب الدعوي القضائية وجنرالات الشذوذ , و هو ما تم اجهاضه يوم الاثنين الماضي بقرار المحكمة الادارية العليا بمجلس الدولة ايقاف تنفيذ حكم القضاء الإداري ـ بإجماع الآراء ـ بالسماح للبهائيين بإثبات اعتقاداتهم في الأوراق الرسمية كونه مخالفا للدستور المصري , ولأنه يعمل علي الإخلال بالنظام العام للدولة كون البهائية ليست دينا كالإسلام و المسيحية و اليهودية .
أزمة بين شيعة مصر حول الزعامة والمرجعية واجتذاب تدخلات خارجية
الثلاثاء 9 مايو 2006م، 13 ربيع الثاني 1427 هـ(35/141)
تفجرت أزمة حادة بين الشيعة في مصر بسبب الزعامة والمرجعية والتحالف مع الإخوان المسلمين، أدت إلى انقسام رموزهم لعدة جبهات، واتهامات متبادلة فيما بينهم بتلقي مساندات من جهات خارجية.
وقد وصلت الأمور ذروتها عبر تصريحات صحفية من د.أحمد راسم النفيس أحد الرموز الشيعية المصرية المعروفة يتهم فيه رمزا آخر هو محمد الدريني الأمين العام للمجلس الأعلى لرعاية آل البيت "بالهبوط بالباراشوت" وتنصيب نفسه زعيما للشيعة والإعلان عن نيته تأسيس حزب للشيعة دون استشارتهم.
وجاء رد الدريني قويا إذ صدر بيان من المجلس الأعلى لرعاية آل البيت ينتقد بشدة راسم وصالح الورداني الذي ورد اسمه في تحقيق نشرته مجلة آخر ساعة المصرية عن الشيعة المصريين، وقالت إنه يعد المرجعية الدينية والثقافية لهم.
وكان لافتا أن هذه المجلة "الحكومية" تحدثت عن الشيعة في مصر كأمر واقع لم يعد مرفوضا من الدولة، مقرة بوجود تشيع من داخل بعض الحركات الإسلامية خصوصا من جماعة الإخوان المسلمين وأسمتهم "الإخوان المتشيعون".
الانتقادات الموجهة لمحمد الدريني بأنه نصب نفسه زعيما للشيعة ازدادت اشتعالا بعد أن استضافته قناة "دبي" الفضائية في البرنامج الذي يقدمه الصحفي السعودي المعروف داود الشريان وتحدث فيه عن مشاكل الشيعة في مصر.
"العربية.نت" استمعت من د.أحمد راسم النفيس ومحمد الدريني إلى جذور الأزمة التي بدأت باتهام الأول للثاني في مجلة "آخر ساعة" بأنه هبط على الشيعة بالباراشوت.
في البداية تساءل د.احمد راسم النفيس عن المجلس الأعلى لآل البيت المقصود، مشيرا إلى أن "هناك مجلسين الآن بهذا الاسم، أحدهما لمحمد المرسي باسم المجلس الأعلى لآل البيت، والثاني لمحمد الدريني باسم المجلس الأعلى لرعاية آل البيت، وقد كانا يعملان معا ثم انشق المرسي بذاته بعد خلاف بينهما".
عضويتي للإخوان ليست وصمة(35/142)
عندما وجه د. راسم اتهاما للدريني بأنه هبط على الشيعة المصريين بالباراشوت، قال المجلس الأعلى لرعاية آل البيت في بيانه إن راسم نفسه تشيع بعد أن كان عضوا في الإخوان المسلمون. سألت د. راسم عن ذلك فقال: بالفعل كنت عضوا في الإخوان المسلمين حتى عام 1985 وهذه في حد ذاتها ليست وصمة.
يضيف: أما الهبوط بالباراشوت فلها معنى معين، فانا اعرف الدريني عندما كان يأتيني في أوائل القرن الواحد والعشرين، وكان قد أسس صحيفة اسمها "صوت يوليو" واستمرت حتى عام 2002 أو 2003 لا أتذكر بالضبط، وزينها بصور صدام حسين، وعندنا نسخ منها حاليا. وكان أيضا قد أسس صحيفة باسم "صوت الأشراف". أولاً أريد أن أقول أن قصة أشراف مصر قصة تاريخية، ولم نر شيئا من نقابتهم سواء من أحمد عز "رجل الأعمال وعضو لجنة السياسات" أو نقيبها أحمد كامل ياسين، ما يجعلنا ندخل معركة مع عز أو مع النقابة، ولم نجد ما يثبت كلام الدريني عن مئات المليارات التي استولوا عليها والأرقام التاريخية التي يقولها.
من نصبه زعيما للشيعة؟
يمضي د. أحمد راسم النفيس في تفسير أكثر وضوحا لمقولة الباراشوت: "إلى عهد قريب.. يعني حتى قبل سنتين أو ثلاثة، لم يدع الدريني التشيع. وعلى ما أذكر أنا فإنه حتى أيام سقوط صدام حسين لم يدع التشيع، ثم قال أخيرا: أنا شيعي.
يستطرد: من حقه طبعا أن يقول إنه شيعي أو سني أو أي شئ فهذا يخصه. إنما فجأة بين عشية وضحاها يصبح زعيما للشيعة في مصر، علما بأن الشيعة في العراق أو إيران ليس لهم زعيم. هناك مثلا ولي فقيه اسمه السيد على الخامنئي وهناك مراجع آخرين. الحديث عن زعيم للشيعة في مصر مسألة توحي كأن الشيعة قطيع، فهذه الصيغة الجماعية غريبة جدا، فبأي منطق يقول إنه زعيم للشيعة رغم أن ذلك لم يقله أي أحد غيره، فإذا كان له في هذه المسألة غرض معين فلابد لنا من وقفة.(35/143)
د.راسم النفيس الذي كان قد انضم للإخوان المسلمين عام 1976 ثم تركهم وتشيع عام 1985 إختار المذهب الإثنا عشري.. سألته: لماذا أطلقت هذا التصريح فجأة فأجاب:
لم تكن عندي رغبة شديدة في أن انشره، لكننا سمعنا منه فجأة أن الشيعة يفكرون في إنشاء حزب في مصر، وصرح هو بذلك دون أن يأخذ رأينا حتى نقول له رأينا على سبيل النصيحة، فهذا أمر ضار جدا بوضع الشيعة المصريين لأسباب كثيرة، أهمها أنه يمكن معالجة الوضع في مصر بعيدا عن إثارة النزعة الطائفية ونحن نرى ذلك، فكيف نتحفظ على حزب للإخوان المسلمين ثم نعلن إننا في سبيلنا لإنشاء حزب شيعي.
بعد حوار الدريني مع داود الشريان
ويضيف: ثم فوجئنا بالكلام عن تحالف بين الشيعة والإخوان، فالدريني رجل يقول إنه يحب آل البيت ومذهبهم، هذا جميل جدا. أما حكاية التحالفات فلم يأخذ أحد رأينا فيها. أنا ازعم أنني أحد ما يسمى برموز الشيعة إذا جاز التعبير، لكن الدريني لم يأخذ رأيي، وفوجئنا بتصريحات تطلق هنا وهناك، ووصلت المسائل إلى خبر نشر في أحد المواقع الالكترونية بعنوان "اكبر مرجع شيعي يخرج عن صمته" بعد حواره مع الصحفي داود الشريان في قناة دبي الفضائية.. فكيف ذلك؟.. نريد أن نفهم.
وقال راسم: له إن يسمي نفسه شخصية شيعية فلا اعتراض على ذلك ولا حق لنا أن نطلب منه ألا يفكر بهذه الطريقة أو أن يعبر عن رأيه حتى لو افترضنا إن هذا الملف سيضر بالآخرين، إنما القول بأنه "زعيم الشيعة" فلابد من وقفة لأن الشيعة في مصر يعرفون أنه ليس لهم زعيم، وهذا أمر منطقي لأنه لا كيانا يجمعهم.
وأوضح أن الدريني حول "المجلس الأعلى لرعاية آل البيت الى مؤسسة شيعية، وكلما سألته عنه يرد بانه مجلس عائلي، يعني يراوغ في الإجابة، أخيرا على إثر الصراع الدائر بين المرسي والدريني قال له المحامي إن هذا المجلس لا وجودا له ولا كيانا أو توصيفا قانونيا أو رسميا".(35/144)
وأضاف: ما أتمناه من الأخ محمد الدريني، ونحن لسنا ضده على الإطلاق، ألا يتجاوز على حقوق الآخرين، فلا يوجد شيعة لا نعرفهم في مصر، أصبح فجأة زعيما لهم..
قلت له: لماذا تنكر كيان المجلس والدريني يقول إنك كنت تشارك في مؤتمراته وتكتب في صحيفة صوت آل البيت التي يرأس مجلس إدارتها، وتضامنت معهم ضد نقابة الأشراف وكتبت عن ممارساتها في صحفهم، فرد راسم النفيس: أنا أتضامن مع أي أحد في نشاطه فهذا لا إشكال فيه، وليست وصمة ضدي. نحن هنا نناقش قضية محددة.. هل من الذوق والدين والأخلاق ما يؤهله لأن يقول إنه زعيم للشيعة. كل هذا الكلام الذي يقوله هو حجة لي وليست علي باستثناء قصة نقابة الأشراف، فانا لم اشتم في حياتي نقيب الأشراف. لقد وجه الدريني اتهامات مالية لنقيب الأشراف، وأنه كان يزور انساب الأشراف. أتحدى أن يأتي بحرف واحد بأنني طرف في هذه القصة.
يواصل حديثه قائلا: كل ما في الأمر أن بعض الصحفيين هاجموا فكرة أن يكون هناك أشراف، وقالوا إن ذلك معناه أن غيرهم ليسوا أشرافا، فقمت بالرد عليهم بأن هناك أشرافا، وكان ذلك دفاعا عن مبدأ وجود نقابة لهم. بالعكس هذا الكلام معناه أنني عندما أتعامل مع أي أحد فليس معناه أنني مقر بكل تصرفاته.
سر الانقلاب والتحالف مع الإخوان(35/145)
يضيف النفيس: نحن نريد أن ننقل للدريني رسالة هادئة، وأنا سألته عندما زعل مني بسبب تحفظي على قصة الحزب الشيعي.. إنك قبل عدة سنوات تحدثت عن الملتحفين بالإسلام والإخوان المسلمين وهاجمتهم، فكيف تأتي فجأة اليوم لتقول: هلم نتحالف مع الإخوان في وجه الخطر. كيف ذلك وما هو سر هذا الانقلاب؟.. نريد أن نفهم. نحن والدريني اشتغلنا مع بعض وتعاونا وما زلنا، فانا رجل ليس عندي مؤسسة أو أي شيء، أنا رجل اعمل من بيتي، فكوني أساند الدريني في موقف فهذه شهادة لي بأنني لست ضده أصلا ولا بيني وبينه عداء. فقط كل ما نرجوه أن يتحفظ في تصريحاته لأنها قد تكلفنا كلنا ثمنا نحن في غنى عنه.
وينفي راسم النفيس أنه طلب من الدريني أن ينصبه المجلس الأعلى لرعاية آل البيت مرجعا له، ويعلق على ذلك متسائلا: أنا طلبت ذلك؟.. هذا كلام دجل رخيص تماما، إذا كانت عنده وثيقة فليخرجها. نعم أنا زرته قبل اعتقاله، وحتى الآن لم أتخاصم معه ولم أنل منه شخصيا عندما قلت إنه هبط بالباراشوت.
يضيف: في هذه الزيارة قال لي إننا نريد أن نعلن أن هناك موجها دينيا وانه يقترح أن أكون أنا، فقلت له: إذا كانت تريد موجها دينيا فهذه مشكلتك، لكني لست موجها دينيا ولا مرجعا ولا أي شيء آخر. أنا رجل مسلم وأستاذ جامعي مثقف لي كتاباتي ولست مرجعا. أنا اعرف الدريني ولا زلت اعرفه ومن فترة ليست بعيدة كنت اكلمه، وأنا طول عمري اسأله أين ذلك المجلس يا محمد.
الهابطون بالباراشوت أثروا سلبيا(35/146)
وعن الكيان الذي يجمع الشيعة في مصر إذا لم يكن هذا المجلس حقيقيا أجاب د.راسم النفيس: واقع الشيعة الآن في مصر من الناحية المادية والأمنية ليس على ما يرام. مدى الإدراك والوعي السياسي لبعض العقليات الموجودة داخل الساحة من إخواننا، ليس على الوجه الأكمل، وهذا أدى إلى تأخير التواجد أو التمثيل الشيعي المجتمعي خطوات عما ينبغي أن يكون عليه. ومن ضمن الأسباب هؤلاء الذين يهبطون علينا كل فترة بالباراشوت، واحد يقول انه زعيم شيعي وآخر نصب نفسه أيضا زعيما يقول إن حسني مبارك وجمال مبارك اختيار الشعب، فمن الذي ولى هذا أو ذاك زعيما للشيعة في مصر؟.. أنا لا افهم.
ويمضي قائلا: نحن ليس لنا تنظيم سياسي أو اجتماعي ولا يستطيع أحد أن يدعي ذلك، على عكس الاخوان المسلمين الذين لهم تنظيم ومرشد. إننا موجودون على شكل مجموعات في المجتمع وأسر ونمارس دورنا ثقافيا.
إعلانات تهييجية لجذب التدخلات الخارجية
ويكرر ما قاله بأن "وضع الشيعة في مصر ليس على ما يرام وليس جيدا، وهناك أشياء لا أجد داعيا للكلام عنها لأننا لا نملك دلائل عليها، ولكن نملك قرائن بأن هناك تدخلات خارجية أساءت لنا، وفي تقديري أن هذه الإعلانات التهييجية المرفوعة حول زعيم الشيعة والمجلس الأعلي لرعاية آل البيت وغير ذلك مما نسمعه كل فترة، تهدف إلى جذب هذه التدخلات الخارجية لتصب بقناة أو بشيء من ذلك في الساحة المصرية. بمعنى أن الشيعة في مصر أصبح لهم زعيم فهلم ساعدونا، بينما الأمر الواقع يختلف تماما عن كل هذه العشوائيات الإعلامية والسياسية التي تنطلق بين الفينة والأخرى.
ثم أردف د. راسم النفيس: أنا أؤدي دوري الثفافي والفكري من كافة القنوات المتاحة لي، فحتى لو التليفزيون الحكومي المصري أتاح لي الفرصة فسوف اعمل معه.(35/147)
وحول عدد الشيعة في مصر قال: تزويد الرؤوس من البعض يهدف إلى جلب الاهتمام والدعم، وتنقيص الرؤوس من قبل الأجهزة الأمنية أو ممن يكرهون الشيعة يهدف إلى نتيجة مقابلة. الوضع في مصر ليس مثل أي مكان آخر. لا توجد من الأساس وحدة طائفية ويصعب أن توجد، فمن هم الشيعة.. نحن نعرف أناسا كثيرين يتصلون بنا بين الفينة والأخرى، بالرسائل أو بأي وسيلة أخرى. الحمد لله لنا تواجد مع الكثيرين ممن يعملون في أجهزة الإعلام، ولنا علاقات بأناس في الأزهر يعدون رسائل دكتوراه، عندي اثنان احدهما يعد رسالة عن الدعوة الإسلامية في العراق، والثاني عن لغة الإمام علي في نهج البلاغة. هؤلاء رسميون، تريد أن تعتبرهم شيعة أو سنة فلك ذلك وهذا لا تجده بسهولة في غير مصر.
التواجد الشيعي الثقافي جزء من المؤسسة الرسمية
ويستطرد: الشيء المؤكد أن التشيع في مصر موجود ككيان ثقافي، وأنا على يقين منه وهذه ليست مسألة خلاف. عندما نحضر أكثر من مرة لقاءات التقريب بين المذاهب، فمعنى ذلك أن الأزهر نفسه يمتلك معلومات وثقافة شيعية أو يفتي من خلال مصادر شيعية. التواجد الشيعي الثقافي جزء من التكوين الرسمي ومن المؤسسة الدينية الرسمية المصرية، موجود في كتب الفقه وغيرها، فلا تشغل نفسك بقصة الرقم.
هنا قلت له: لماذا رفضت وجود مساجد للشيعة؟.. أجاب : أنا لم أقل ذلك، لكن القصة غير مطروحة الآن، وأنا متأكد أنه بقوة الشرع والدين، فان للشيعة العديد من المساجد الموجودة والأوقاف، فمثلا الأزهر وقف شيعي لا يستطيع أي وزير أوقاف أو أي سلطة في العالم أن تغير شروط الوقف، إذن هذه مساجد شيعية. لكننا كمسلمين نعرف انه ليس من حقنا أن نقول هذا مسلم شيعي وهذا مسلم سني.. كلنا مسلمون وأن المساجد لله. لكن ما المنطق أن تمنع العلم الشيعي.. وأن يجري التعامل مع الشيعة في مصر كملف امني.. هذا هو السؤال.
لا يوجد عندنا مفت للشيعة(35/148)
سألته بشأن ما نشر في مجلة "آخر ساعة" بأن صالح الورداني هو مفت للشيعة المصريين وأنه المرجعية الدينية والثقافية لهم. والمعروف عنه أنه كان منتميا لتنظيم الجهاد حوالي 15 عاما واعتقل فترة لانتمائه للتنظيم، ثم تركهم وتشيع واعتقل في أول تنظيم للشيعة عرف باسم (تنظيم الخوميني) عام 1988 وله كتاب "الشيعة في مصر من الأمام علي حتى الأمام الخميني".
أجاب النفيس: من الناحية الفقهية أنا مقلد. لو أردت أن أعرف حكم أي مسألة فقهية. أنا ممن يبعضون المسائل، يعني يمكن أن أخذ مسألة من السيد الخوميني وممكن أخذ مسألة من السيد السيستاني أو الخوئي. أن يقول شخص إنه مرجع، فإننا نرد بأنه لا يوجد أصلا في مصر مراجع شيعية وحتى لو كان يوجد، ففي العراق وإيران مئات الشيوخ وصلوا إلى مرحلة الاجتهاد، فما عدد الذين يفتون؟.. إنه محدود.. هذه القصة لا اعتقد أنها صحيحة، هو حر إذا كان يفتي لكن جائز أنه يقصد أنه ينقل فتاوى فهذه قصة مختلفة.
لماذا تنتقد وجود تحالف شيعي إخواني؟.. رد النفيس: أنا انتقدت حكاية التحالف مع الإخوان، فما الأوراق التي تمتلكها في هذا التحالف، إضافة إلى أن الإخوان يلعبون سياسة وليس دينا، 99% من عملهم سياسة، فليس من المفروض الإدلاء بتصريحات غير مدروسة. العلاقة مع الإخوان أكيد ليست علاقة حرب، لكني لا اعتقد أنها يمكن أن تصبح تحالفا. الإخوان طول عمرهم يتحالفون مع قوى وتيارات سياسية، وأول ما يستغنون عنهم يضربوهم "بالجزمة". من أول النقراشي باشا إلى جمال عبد الناصر ثم السادات، فهل أكون الفراشة رقم 10 آلاف التي لم تتعلم الدرس من الفراشة رقم 1 .. فما منطق التحالف وماذا سيقدمون لنا.. عليهم أن يقدموا لأنفسهم أولا.(35/149)
رددت على د.راسم ما يقوله الدريني حول مده بأسماء من المجلس الأعلى لرعاية آل البيت عندما تقدم بطلب الاعتراف بالطائفة الشيعية وتنكرت الأسماء التي وضعها في طلبه.. فقال: نعم لقد تنكرت الأسماء التي تقدمت بها. وللأمانة والتاريخ قلت للدريني حينئذ: بعد شهرين المفروض أننا سنرفع قضية فهل أنت جاهز بأسماء، فقال نعم لكنه اعتقل قبلها بيومين، وقد وقعت بمفردي على طلب الاعتراف بالطائفة الشيعية.
هل يحتاج الشيعة في مصر إلى الاعتراف بهم كطائفة.. هل هذه دعوى إلى الطائفية؟.. يرد راسم النفيس: طلب الاعتراف قدمته دفعا للأذى لأن هذه ورقة كانت تحت (الطرابيزة( لا يراها أحد، فبسبب ذلك كانت تعمل قضية ويدفع البعض إلى النيابة بتهمة الترويج لمذهب غير معترف به الذي هو مذهب آل البيت، اعتمادا على أنه لا يوجد من انتبه إلى هذه النقطة.
يضيف: "لما طلبت ذلك توقفوا عن استخدام هذه الورقة ولم تتحرك في المحكمة أية قضايا أثيرت من قبل من هذا النوع. نحن لسنا دعاة طائفية ولا نرغب أن يكون للشيعة أي وضع متميز، وإنما نرغب أن يرفع الأمن يده عن هذا الملف.
الدريني قال إنه وجهت له دعوة لزيارة إيران لم يلبها بسبب بعض ظروفه، وان راسم النفيس شاهد في مطار طهران وفداً على المستوى العالي الذي كان منتظرا وصول الدريني.. يرد راسم: لم أر منه دعوى وجهت من إيران ولم اسمع منه ذلك. لا اعرف ما أين أتى بهذا الكلام.
الدريني: لم أقل اني زعيم للشيعة(35/150)
"العربية.نت" سألت محمد الدريني عن نقاط الاختلاف التي أثارت أزمة بين الشيعة في مصر، فبدأ من النقطة الأهم قائلا: لم أطلق على نفسي في يوم من الأيام أنني زعيم للشيعة، وأتحدى كائنا من كان أن يأتي بتصريح أقول فيه أنني زعيم للشيعة أو أن أحدا من مجلس رعاية آل البيت قال أنني زعيمهم. وإنما الذي أطلق علينا هذا الوصف وسائل الإعلام المختلفة نتيجة لأنشطتنا المتزايدة التي تطرح على الساحة وتجد قبولا إعلاميا وسياسيا واجتماعيا ودينيا لأكثر من 5 سنوات وحتى وقتنا الراهن.
يضيف: كان يتم التحقيق معي في الجهات الأمنية بأني جعلت مصطلح الشيعة دارجا في مصر وتردد هذا المسمى في الصحف وفي وكالات الأنباء، فمن هنا التقطت ذلك وسائل الإعلام ووصفتنا بذلك الوصف ولم يحصل أننا نحن الذي قلنا ذلك عن أنفسنا.
عن المجلس الذي قال الراسم انه انشق عنه ويترأسه محمد المرسي، يرد الدريني: لا علاقة لمجلس المرسي من قريب أو بعيد بالأشراف أو الشيعة وهذا الكلام يعرفه احمد راسم وكتب عنه أكثر من مرة. فهذا الرجل من المجموعة التي سماها راسم مجموعة الانتظار والمتهمة منه ومنا وكل الشرفاء بأنها ميعت التشيع وضيعت قضيته في مصر. هؤلاء الناس الذين كنا قد عرضنا عليهم أن يشاركونا في المجلس بدلا من أن يجلسوا ويبقوا على آثار الماضي ولكنهم لم يفعلوا، ثم انتهزوها فرصة عقب اعتقالنا واستخدموا محررات مزورة ليشكلوا كيانا في مواجهة كياننا، وقد أيدوا من خلاله إعادة انتخاب رئيس الجمهورية وتوريث جمال مبارك مما ادخل الأشراف عموما وأتباع نهج آل البيت في مواجهة حقيقية مع الساحة المصرية. ومن هنا كان علينا أن نتصدى لهؤلاء، وهم حتى وقتنا الراهن لا يستطيعون الكتابة بأسمائهم.(35/151)
عن احمد راسم يقول: اعتبره واحدا من أنشط الشيعة الذين يستفيدون من وصول المجلس الأعلى لرعاية آل البيت إلى نقاط متقدمة وتحقيق مكاسب كبيرة، يطرح ويطور من خلالها أفكاره وأداءه، وإذا كان يقول بعدم وجود تنظيم أو كيان، فهو سبق أن تقدم بطلب لتأسيس طائفة شيعية، وكل الأسماء التي ذكرها من مجموعة الانتظار نفت في اليوم التالي خشية اعتقالها، فاستعان بنا ووفرنا له عددا من الناس، فمن أين مثلا نستطيع ذلك لو لم يكن لهذا المجلس وجود؟.. انه الذي وقف معه في هذه القضية ووفر له مستشارا قانونيا لكي يتقدم بهذا الطلب بعد أن تخلى عنه الجميع. كيف ينفي وجود المجلس بينما هو كيان منظم له تمثيل على الساحة الوطنية في منظمات المجتمع المدني التي تعمل في الساحة.
مجلس "مرسي" يواجه 4 اتهامات
ويمضي الدريني قائلا: المحامي لم يخبرني إطلاقا بان المجلس الأعلى لرعاية آل البيت ليس له كيان قانوني، وعندنا ملفات تنظر أمام المحاكم والمسألة على بعضها بالنسبة للمجلس الآخر الخاص بمرسي هي مسألة تزوير حيث يواجهون أربع اتهامات، انتحال صفة، ثم التزوير، وسب وقذف، والتهمة الأخيرة التحدث من غير ذي صفة.
وحول حقيقة أنه كان يضع صور صدام حسين في جريدة (صوت يوليو) يرد: هذه الجريدة كانت لسان حركة (حشود) وهي حركة شباب يوليو الوحدوي ولم تكن حركة شيعية، لكن عليه – النفيس - أن يتذكر أن هذه الجريدة هي التي كانت تنشر أخبار آل البيت، وتنشر موضوعات عنهم حتى قيل إنها صحيفة شيعية، وهي التي اتهمت من الجميع، فهذا اعتبرها ناصرية، وهذا اعتبرها بعثية، وذاك شيعية وهكذا. لم يكن صناعة القرار فيها لي بمفردي. كانت تأتينا دعوات من العراق ونسافر، وكان د.أحمد راسم يأتينا ويكتب معنا.. لماذا لم يحدد موقفه منذ تلك اللحظة.(35/152)
ونفى نفيا قاطعا أن الجريدة كانت مؤيدة لصدام حسين "في آخر زيارة للعراق دعينا لها، واجهنا النظام هناك وذلك في المؤتمر الإسلامي العالمي الذي عقد في بغداد، ورفضنا مقررات المؤتمر واصطدمنا بهم. وعندما تلقيت بعد ذلك دعوة ثانية لزيارة بغداد جاءني تحذير من إخوة شيعة كانوا يقيمون في سوريا بأن لا اذهب".
هل لم يدع الدريني التشيع إلا قبل سنتين أو ثلاث على حد قول د.راسم النفيس؟.. يجيب: قبل 3 سنوات كان يحضر د.راسم مؤتمرات في مقر المجلس في الزيتون تتحدث عن الشيعة والتقريب بين المذاهب، ومنها ندوة شارك فيها المستشار محمد عيسى داود( ( وآخرون. وكان راسم يكتب معنا قبل أربع أو خمس سنوات في صحيفة تتحدث عن الشيعة وطرحت أطروحاتها التي هاجمها الجميع، وأصدروا هجوما شديدا في شرائط كاسيت أو غيرها، ومنذ هذه السنوات أيضا كان يأتي عقب زيارته لإيران ويترك عندنا سيارته محملة بالكتب المقدسة لكي نقوم بتوزيعها في كفور ونجوع الصعيد. أتصور أن هذه وحده كاف إن لم يكن لنا أراء أو طرح معلن عن الشيعة، ونظرة بسيطة لصحيفة صوت آل البيت ومنذ أن صدرت قبل أكثر من خمس سنوات وحتى وقتنا الراهن ستجد فيها ما أقول.
وحول قول راسم انه لم يجد من نقابة الأشراف ما يبرر الدخول في معركة معها ولا توجد دلائل على مئات المليارات التي قيل أنها استولت عليها.. يعلق الدريني: أولا أنا لم اقل إن هناك مئات المليارات، ولكن ذلك ورد في تقارير صحفية ذكرت أن المبلع 70 مليار جنيه، ولم يأت تصريح على لساني بذلك.
ثم يواصل: لقد سبق أن اتخذت يا د.راسم قبل ذلك موقفا ضد نقابة الأشراف وسجلته في صحيفة آل البيت يوم أن تحدت النقابة مشاعر الأشراف وباعت أنسابهم، ولم تعمل الديمقراطية في صناعة القرار. لقد قمت وساندت الأشراف عندما علمت أن هناك 116 قضية مقامة ضد نقيب الأشراف، فأردت أن تنحاز إلى هذا المجموع الكبير على أساس أن تستفيد، وأن يتحول إلى جناح يحمل لك فكرك.(35/153)
ويستطرد موجها كلامه لراسم النفيس: أنت تعلم مأساة الأشراف من خلال ما نشرته الصحف الحزبية والمستقلة والرسمية، فكيف تنكر أن هناك مشاكل بين نقيب الأشراف و6 ملايين من الأشراف. ألا يعلم احمد راسم أن نقابة الأشراف أصدرت عددا خاصا تهاجم فيه الشيعة، وحدث أن قام سفير إيران حينذاك بزيارة إلى مقر النقابة ليحتج على ما نشرته، بل إن مجلة (آخر ساعة) تحدثت قبل 3 سنوات عن المخالفات في النقابة رغم أنها صحيفة حكومية.
لم أتكلم عن حزب شيعي
وحول التصريح المأخوذ عليه بأنه في سبيله لإنشاء حزب للشيعة دون أن يتخذ رأي راسم النفيس أو رأي رموز الشيعة الآخرين.. أجاب: لقد سألتني أنت من قبل عن ذلك وأنكرته، وقلت إن هذا الكلام كتبته مجلة (روز اليوسف) لتهييج المجتمع ضدنا. المضحك أنهم يهاجمونني ثم انفي، وأخيرا جاء سواء هذا الطرف أو ذاك وقرروا إنشاء حزب، فأحمد راسم نفسه يتكلم حاليا عن حزب وصالح الورداني كذلك. كيف يتحدث أحمد راسم في هذا الأمر وهو يعرف حقيقة ما يحاك، وأي أمور أستشيرهم فيها، رغم أنه لا يرى واحدا فيهم يصلح بل ينتقدهم ويتهمهم.. فمن أستشير إذن؟.. لم يحدث إنني قلت أننا سنؤسس حزبا وكررنا النفي مرارا ، وكلمته هاتفيا وقلت له من العيب أن تكون لك تصريحات على هذا النحو.
وحول انتقادات النفيس لتحالف الدريني مع الإخوان المسلمين رد بقوله: بخصوص الإخوان ليس هناك ما هو مطلق في العمل العام، كأن أكون اليوم صاحب موقف فيما يخص التيارات التي تتحالف معها جبهويا، ثم تغيره بعد ذلك، فنحن نواجه فسادا واستبدادا يتطلب من كافة القوى الوطنية أن تتضامن وتتآزر في مواجهة هذا الفساد، ولن نخرج عن هذا الجمع.
بين راسم والاخوان مشكلة شخصية وعقائدية(35/154)
ويتحدث عن راسم في هذه الزاوية: هو بينه وبين الإخوان المسلمين مشكلة شخصية وعقائدية وتزيد المشكلة الشخصية نوعا ما. ونحن لا مشاكل بيننا وبين أحد طالما هناك نقاط نتفق حولها. ليس عيبا أن نضع أيدينا في أيدي القوى الوطنية سواء كانت ترفع شعار (لا اله إلا الله محمد رسول الله) أو كانت تناضل بعقائدها الدنيوية لمقاومة الفساد والاستبداد.
وواصل حديثه بقوله: "التحالف السني الشيعي المسيحي هو ذاته يعلم أنه يخفف حدة التوتر والاحتقان الموجودة تجاه الشيعة، فعندما تتحالف مع الإخوان ويخرج قادتهم في الفضائيات ويقولون أن الشيعة مسلمون، فهذا من شأنه أن يخفف من حدة نظرة الآخرين لنا. وعندما نتبنى قضية عبود الزمر زعيم تنظيم الجهاد وغيره من المعتقلين فهي بالتأكيد تعطي انطباعا لدى الراديكاليين الإسلاميين بان الشيعة مسلمون، والدليل أن الإخوان متحالفون معهم وهكذا.. احمد راسم لا يرى من الصورة سوى جزءا بسيطا جدا لا يود أن يرى سواه.
عن كينونة المجلس الأعلى لرعاية آل البيت والقول بان الدريني حوله لمؤسسة شيعية يعلق: منذ تأسس المجلس وهو إطار للأشراف في مواجهة نقابتهم، وإطار لأتباع نهج آل البيت عموما وهم الشيعة. فيما بعد وجدنا الجميع ينظر إلى المجلس على أساس انه المتحدث باسم الشيعة فقط، وبالتالي لم يكن أمامه سوى أن يؤسس داخله مجموعات كل منها يعبر عن التيار الممثل في المجلس، ولا تعارض إطلاقا بين كتلة الأشراف وأتباع نهج آل البيت، وسار الأمر على هذا النحو، فلماذا الطعن والتشكيك في هذا المجلس بأنه يمثل أو لا يمثل رغم أنه قائم بطروحاته وتعريفه لنفسه.. هل يريد احمد راسم أن يستدرجنا في اعترافات معينة لتقديمها على طبق من فضة للآخرين.(35/155)
وكرر الدريني ما جاء في بيان المجلس الأعلى لرعاية آل البيت بأن راسم طلب أن يكون مرجعا له نافيا رواية راسم حول هذه القصة.. "لم أقدم اقتراحا بهذا الأمر في يوم ما، وإنما هو الذي طلب أن نكتب ونعلن أن الموجه الديني هو الدكتور احمد راسم. وإذا كان له موقف منا فلماذا كان يحضر ويشارك ويكتب ويتواصل معنا، ولماذا كان يترك سيارته بالكتب عندما يسافر إيران ويرجع؟.. لنفترض أننا نحن الذين عرضنا عليه وهو رفض، وهذا غير صحيح بالمرة، فلماذا رفض؟.. هذه حجة عليه وتحسب لنا فهي نوع من المشاركة وصنع القرار. حقيقة الامر أنه الذي عرض ذلك، ونحن وافقناه أملا في أن تكون هناك جبهة واحدة لنهج آل البيت..
لم نسع للإتيان بتمثيل للصدر أو السيستاني
وحول إشارة د. راسم النفيس عن وجود قرائن لتدخلات خارجية أو أسباب إليها تسييء للشيعة في مصر علق الدريني: هذا الكلام غير صحيح، فنحن للتو خرجنا من المعتقلات. إنه يركز على هذه النقطة ونحن نعرف أين مصدرها وكيف يصوبها، ونفس الطريقة أيضا الجناح الآخر الذي أعلن في نفس العدد من الصحيفة أنهم يرفضون الشيوخ الذين يقبضون من الخارج، كما لو كنا نحن الذين نسعى لنأتي بتمثيل للصدر هنا أو تمثيل للسيستاني الخ.. الأموال والمساعدات هم الذين يبحثون عنها، واقرأ تصريح احمد راسم في ذات الصحيفة حيث يقول انه لو توافر له المال سيعمل ما يريد، أي أنه أصبح من حزب الانتظار، فإذا شاء الله ويسر له مالا من أموال (الخمس) تحرك وجاهد وناضل. احمد راسم وخطاباتهم جميعا تتوجه إلى الخارج وليس إلى الداخل، عكسنا نحن المتهمون في ساحتنا الوطنية الموجهين خطاباتنا لأهلنا وذوينا ولشعبنا.
شخصيات من دول كثافة شيعية عرضت خدماتها علينا(35/156)
ومضى الدريني مؤكدا: "لم نسع مطلقا لأن نتحرك في الدوائر التي يدخلونها ولم نتواصل معهم، ودعني اكشف لك حقيقة هامة أن هناك الكثير من الشخصيات الرسمية وغير الرسمية في دول عديدة جدا من دول الكثافة السكانية للشيعة يتصلون بنا ويعرضون علينا خدمات كبيرة، ولكن نظرا لحساسية موقفنا وهم يعلمون ذلك تماما، لا نستطيع أن نتلقى مساعدات أو حتى أن نسعى لإبرام عقود اشتراكات في الجريدة لكي تستمر في الصدور. هذا الأمر الذي يقول بوجود قرائن عنه، هم أنفسهم يعترفون به من خلال كتاباتهم وتصريحاتهم. أما نحن فنتحداهم أن يقولوا إننا أخذنا شيئا أو نسعى لنأخذ، بينما اسأل كل طرف منهم عن الآخر، وسوف تجد حديثهم منذ سنوات عديدة عن هذا الأمر ولا شيء يناقشونه يوميا سواه.
عن موضوع زيارة إيران يقول: الذي حدث أنه وجهت لي دعوة من إيران ولم أسافر لظرف ما وسافر د.راسم النفيس فوجد الشيخ محمد سعيد النعماني في المطار وسأله عني وهذا هو الكلام الذي سمعته من راسم. أيضا الشيخ التسخيري عندما جاء مصر رغم انه كان يعاني من المرض الشديد استقبلني أنا وحدي وطلبني. نحن لم نطرق باب احد أو وصلنا إلى باب احد، وقال لي تسخيري بالحرف: إننا في إيران نعتقد أنكم مجاهدون وأنهم سيوجهون لي دعوة وهي التي جاءت فيما بعد. أنا لم أسافر معهم إلى إيران ولم أسافر حتى اليوم. الذين يذهبون إلى إيران هم من هذا الطرف أو ذاك. فإذا كان يتحدث بقرائن عن أموال تأتينا فمن أين تأتينا؟.. هل من أحد غير الشيعة يمكن أن يعطي هذه الأموال؟.. فليحترم هذه الجهات الشيعية إذا افترضنا أنها بعثت لنا شيئا، أم انه يريد أن يدخلنا في متاهة.(35/157)
وتساءل الدريني: ثم هل نحن الذين نذهب أم هم.. ألم تقوم مجموعة الانتظار في الأسبوع الماضي بجلسة تخيلوا أو مثلوا فيها دور الذين يحيون شعائر أربعينية الحسين وصوروها فيديو وانطلقوا بها إلى عباد الله في الخليج لكي يأتوا بما يساعدهم على قضاء حوائج الناس كما يدعون.
وأضاف: أما مجموعة راسم فهم آخر من يتكلمون عن هذه الأمور، لم يدعوا موقعا إلا وراسلوه. نحن لا نسعى لأن نأخذ مساعدة من احد لأن السلطات ستأخذها قرينة تعيدنا إلى المعتقلات.
وعن موقفه من المتشيعين من التيارات والحركات الإسلامية أجاب: "نحن الذين نأخذهم بالأحضان وليس مثل غيرنا الذين خرجوا من التيارات الدينية بمركبات نقص وطردوا منها مثل احمد راسم الذي قال إن الإخوان طردوه لأنهم قالوا عنه انه مخبر. كل هذه الحركات موجودة معنا من خلال مكتب الإمام علي لحقوق الإنسان المنصهر مع كل التيارات ونلتقي مع أهلهم وذويهم ونرحب بكل من يصوب مساره".
-------------------------------------------------------
بعد المواجهة التي نشرتها "العربية.نت"
تجميد نشاط شيعة مصر والدريني يتحدث عن تعرضه لتحقيقات أمنية
قناة العربية - الأحد 14 مايو 2006م، 17 ربيع الثاني 1427 هـ
قرر المجلس الأعلى لرعاية آل البيت في مصر تجميد نشاط الملف الشيعي لأجل غير مسمى، وبرر ذلك بأنه لتجنب "هجمة غير محسوبة بعد تصريحات أدلت بها" رموز شيعية مصرية لـ(العربية نت) اشتملت على اتهامات متبادلة في عدة اتجاهات ومنها السعي لتدخلات خارجية.
وأضاف المجلس في بيان تلقينا نسخة منه أن التجميد يهدف أيضا إلى " إعطاء فرصة لزعماء شيعة مصر – الرموز الشيعية الأخرى المناوئة للمجلس – لإثبات زعامتهم".(35/158)
واستطرد البيان بأن الأمن سأل عن حقيقة اتهامات رموز شيعية للمجلس باستقدام فقهاء من إيران والعراق والسعي للتدخلات الأجنبية، مشيرا إلى أن المجلس "يناشد كل من آية الله السيد على السيستانى الحسينى و السيد مقتدى الصدر إصدار بيان من جانب كل منهم يؤكد عدم صحة هذا الأمر".
وجاء في نص البيان " قرر المجلس الأعلى لرعاية آل البيت تجميد الملف الشيعي بالمجلس تجنبا لضربة تم الإعداد لها أمنيا بحجة قيام المجلس بأنشطة تهدد السلام والأمن الاجتماعيين عقب قيام زعامات محسوبة على التشيع باتهام الدرينى باستقدام فقهاء إلى مصر والعمل على التدخلات الأجنبية، وإعطاء الفرصة لتلك الزعامات للعمل ومن ثم تغطية أنشطتها إعلاميا وبما يحقق لهم الزعامة".
وأشار البيان إلى التصريحات التي نشرتهما "العربية.نت" للرمز الشيعي د. احمد راسم النفيس، ومحمد الدريني الأمين العام للمجلس الأعلى لرعاية آل البيت قائلا إنها "فجرت بدورها قضايا خطيرة سعى الإعلام المرئي والمسموع والمقروء لتغطيتها وبما يضر قضية شيعة مصر، ورفض المجلس إجراء عدة لقاءات مع قنوات فضائية".
وأضاف أن "جهاز امن الدولة استدعت محمد الدرينى وسأله عن حقيقة الاتهامات الموجهة إليه والخاصة باستقدام شيوخ من العراق وإيران واستعداء القوى الأجنبية ضد مصر، وأنكر ما هو منسوب إليه".
وأوضح محمد الدريني لـ"العربية.نت" إن تجميد نشاط الملف الشيعي في المجلس الأعلى لرعاية آل البيت هو تجميد نهائي لأجل غير مسمى تجنبا للمشاكل الأمنية قائلا "تجربتنا تؤكد لنا أن هناك قضية تحاك ضدنا، ونهدف بهذا التجميد إلى تفويت تلك الفرصة التي تم بها حشد بعض الزعامات المحسوبة على التشيع في مصر، ليتكلموا بهذا الشكل، خاصة أنه تم استدعائي إلى جهاز امن الدولة ثلاثة أيام متتالية بعد الحوارين اللذين نشرتهما (العربية.نت) مع د.احمد راسم النفيس ومعي، كما استدعيت للمرة الرابعة اليوم الأحد 14/5/2006".(35/159)
وأضاف "الأمر لن يتوقف عند حدود التجميد فبعد 48 ساعة سنجتمع في المجلس الأعلى لرعاية آل البيت لنتخذ قرارا بسحب التمثيل الشيعي في كل منظمات ومكونات المجتمع المدني وسحب كل الشكاوى التي قدمناها بخصوص الشيعة".
وكشف الدريني لـ"العربية.نت" أن الجهاز الأمني راجع حساباته في البنوك فلم يجد سوى 37 جنيها مصريا، وتبين أنه لم يدفع إيجار 4 شهور لشقته التي يقيم فيها.
وقال محمد الدريني إنه تلقى اتصالا من التيار الصدري بأن "السيد مقتدى الصدر متأثر جدا، وان التيار قدم مذكرة للأمم المتحدة والمؤتمر الإسلامي وجامعة الدول العربية خاصة بشيعة مصر والدريني تحديدا، وطالبهم بالتدخل لوقف الانتهاكات التي يتعرض لها المجلس الأعلى لرعاية آل البيت".
--------------------------------------------------------
الدولة عندما تتآكل !
جمال سلطان – صحيفة المصريون : بتاريخ 9 - 5 - 2006(35/160)
المواجهة التي أجراها الصحفي اللامع الأستاذ فراج إسماعيل عبر موقع قناة العربية بين اثنين من الشخصيات المتشيعة حديثا في مصر ، وهما الأكثر صخبا في الإعلام المصري ، أحمد راسم النفيس ومحمد الدريني ، كشفت الكثير من الحقائق التي ارتبطت بهذا الملف المشبوه من أوله لآخره ، لم يكن جديدا لي الاتهامات المتبادلة بين الطرفين ، والتي وصلت إلى حد الاتهام الصريح بتلقي الدريني للدعم من صدام حسين قبل سقوطه مقابل زيارات إلى بغداد مصحوبة بالدعم السخي وقيام الدريني بنشر موضوعات فخمة ضخمة عن المهيب الركن صدام حسين مصحوبة بصوره الكبيرة تزين المجلة التي كان يصدرها ، إضافة إلى الاتهام بأن الكثير من النشاطات التي يتحدث عنها الدريني عبر الفاكس والبريد الإلكتروني تمثل نوعا من الدجل الإعلامي لا وجود له في الواقع ، بالمقابل اتهم الدريني صاحبه بأنه كان شريكا له في كل ذلك إضافة إلى أنه يتلقى الدعم من إيران ويمارس ما يشبه النصب والاحتيال على رجال أعمال في الخليج من خلال تصوير احتفالات تمثيلية ، يعني بالإيجار ، على شرائط فيديو ثم يقوم بإرسالها إلى الخليج للحصول على الأموال تحت ستار دعم الدعوة الشيعية في مصر ، هذه القصص ليس فيها جديد بالنسبة لمعلوماتي الشخصية ، وإنما الجديد هو وصول الأمر إلى هذا الحد المؤسف من البجاحة والجرأة ، وإمكانية أن يقدم مصريون على بيع الولاء لدول أجنبية بكل هذه السهولة والفجاجة أيضا ، وأن تتحول النشاطات الدينية المزعومة إلى "بيزنس" طائفي ، والمؤسف أكثر أن هذا البيزنس أصبح يتمدد عبر شبكة من العلاقات النفعية ، منها علاقات مع مؤسسات صحفية ، وكنت قد نشرت سابقا في هذه الزاوية أتساءل عن علاقة صحيفة القاهرة التي تصدرها وزارة الثقافة المصرية بالسفارة الإيرانية ، وقد شككت قيادات صحفية هناك فيما قلته وطالبوني بأن أظهر " الفواتير" إذا كان الكلام صحيحا ، وبدون شك هم يعلمون أن مثل هذه الأمور لا(35/161)
فواتير فيها ولا وصولات ، ولكني أظن أن من يقرأ الحوار المنشور للنفيس والدريني في العربية والإشارات الواضحة للعلاقة مع جهات صحفية سيعرف جيدا أين هي الحقيقة فيما حدث ويحدث ، وهناك صحف أخرى تعز علينا كثيرا ، تتورط في التسويق والترويج لبعض هذا "البيزنس الطائفي" نرجو أن تكون قد أخذت الدرس مما حدث ، قبل أن تفيح الروائح العفنة ، والحقيقة أن مصر اليوم بفعل هشاشة بنية الدولة ، وتصادم الإرادات والنفوذ بين مؤسساتها وأجهزتها وقياداتها ، أصبحت عرضة لأي ابتزاز طائفي أو سياسي أو حتى أخلاقي ، ولدرجة أن بعض الشواذ جنسيا يمكن لهم اليوم أن يثيروا ارتباكا وتوترا في أجهزة ضخمة في الدولة إذا مستهم بسوء أو اعترضت سبيلهم ، لم تكن مصر ـ الدولة ، في أي وقت من الأوقات بمثل هذا الهزال والهشاشة ، ولكن عندما يختزل الوطن في أجهزة أمنية ، وتختزل الدولة في شخص ، فإن المآلات تكون على هذا النحو الذي نراه ، حيث تضطرب الدولة أمام عشرة من الشواذ جنسيا أو البهائيين أو المتشيعة أو أقباط المهجر .
----------------------------------------------------
الشيعة يعتبرون موافقة مصر على مساجد لهم فخا لاصيادهم
صحيفة الراية القطرية 29/3/2006(35/162)
برغم موافقة الحكومة المصرية ممثلة في شخص وزير الأوقاف ، السماح ببناء مساجد للشيعة في مصر ، فان الهيئة الاستشارية التابعة لمجلس آل البيت ، رفضت التقدم بطلب للأوقاف ، لأخذ تصريح ببناء مسجد للشيعة ، وقال رئيس المجلس محمد الدرينى ، أن موافقة وزير الأوقاف الدكتور محمد حمدى زقزوق ، لا تقدم جديدا ، وأعتير الدرينى أن كلام زقزوق الذي أطلقه مؤخرا ، ليس جادا ، وأنها مجرد تصريحات ، تستهدف الخارج فقط ، ولفت الدرينى أن أكثر ما جعل أعضاء المجلس يرفضون الاطمئنان لتصريحات الوزير ، هو استهدافه بهذه التصريحات للخارج ، وانه ما إن نتقدم بطلب لبناء مسجد ، فسوف يكون مثل مصيدة ، لأصياد الشيعة من جانب الأمن ! وأشار إلى أن هذه الهيئة "لا ترى في كلام الوزير موقفا جديدا للدولة واعترافا
وكان الوزير أعلن في مؤتمر صحفي عقده السبت الماضي حول المؤتمر الإسلامي العالمي أن المصريين من أشد الناس حباً ل«آل البيت»، رغم أنهم سُنة، وأن التفرقة بين مساجد السُنة والشيعة نغمة جديدة لا أساس لها في الدين. وأضاف إن الاهتمام بالمساجد التي تحمل أسماء شخصيات من «آل البيت» يجد صدى طيباً لدي الشيعة، معلنا الموافقة علي إنشاء المساجد في مصر بغض النظر عن انتمائها للسُنة أو الشيعة، مضيفا: "إنني علي أتم الاستعداد للصلاة في مساجد الشيعة، ولا حرج في ذلك" . ورغم أنه أول إعلان رسمي بقبول إنشاء مساجد للشيعة، من الوزارة التي تهيمن على الدعوة الإسلامية في مصر، وتشرف على إنشاء المساجد وتعيين أئمتها ، قال الدرينى أن الهيئة تتخوف من أن يكون فخا للإيقاع بهم على أساس أن أي طلب بإنشاء مسجد للشيعة، سيعتبر إقرارا رسميا منهم باعتناقهم المذهب الشيعي، مما يجعلهم عرضة للتعقب الأمني .
الأحمدية القاديانية
صالح صلاح شبانة الحقيقة الدولية – عمان 3/5/2006(35/163)
لن أضيف كثيراً على ما نشرته "الحقيقة الدولية" في عددها رقم 13، ولن أستعين بكتب ومراجع تفصيلية لبيان حقيقة هذه الجماعة (كما تحب أن تطلق على نفسها)، وأن ما أذكره في هذا السياق هو نضح من الذاكرة من لقاء مطول لي مع دعاة هذه الجماعة، ومن عقر بيتهم ومقر إقامتهم في حيفا، ومن على جبل الكرمل حيث هناك مركزهم الرئيسي.
كانت بداية معرفتي بهذه الجماعة لأول مرة من خلال كتاب صادر عن رابطة العالم الإسلامي اسمه "القاديانية.. الأفعى في بلاد (أو ديار) الإسلام" ومن خلاله أطلعت على فكر وزعيم هذه الجماعة لأول مرة، وبعدها قرأت ما كتب "أبو الأعلى المودودي" و "أبو الحسن الندوي" وهما من علماء الهند الأفاضل، وكلامهما ثقة كونهما هنديان ومرزا أحمد غلام هندي.. وكما قيل "أهل مكة أدرى بشعابها"، وبعدها قرأت عدة كتب لم تزد على ما في كتاب "الأفعى في ديار الإسلام" إلا القليل.
كنت في رام الله، أثناء عملي في "إذاعة صوت الحب والسلام" وصباح ذات يوم وأنا أقلب جريدة القدس المقدسية عثرت على إعلان للجماعة، وعجبت كيف نشر هذا الإعلان، فأنا أسمع وأعرف أن الجماعة في حيفا ولكن ليس لدي عنوان لهم. وفي الإعلان رقم هاتفهم وعنوانهم رقم الفاكس، فأرسلت فاكساً قلت لهم بصراحة إني قرأت كثيراً عما قيل عنكم وأني أود أن أسمع منكم حتى تكتمل الدائرة لدي وتتوضح الصورة وأترك الباقي لعقلي.. فوجئت بترحيبهم الشديد، حيث تم الاتصال بي وطلبوا مني أن أختار الوقت المناسب والتاريخ المناسب واتصل بهم وأتجه إلى مدينة طولكرم حيث سأجد سيارة ومرافقا ينتظرني، وفعلاً ذهبت، ووجدت في طولكرم أحد أتباعهم وسيارة أجرة صفراء بانتظاري، وتوجهنا إلى حيفا، وكانت أول مرة أزور فيها حيفا وأرى البحر الأبيض المتوسط وأرى جبل الكرمل، حيث على قمته هناك مسجد بمئذنتين هو مقر الجماعة.(35/164)
دلفنا إلى الداخل فاستقبلني بقاعة تعلو جدرانها صور لنبيهم المزعوم وخلفاؤه وآخر خليفة يقوم على أمرهم ومقره لندن. واستقبلني بترحاب شديد أمير الجماعة في المنطقة الذي كان دمثاً وحلو الحديث بحفاوة لا أنساها.
جلسنا نتجاذب أطراف الحديث، قلت له إنني قرأت الكتب المذكورة أعلاه للمؤلفين الهنود والعرب، فضرب لي مثلا بأبي لهب ومواقفه المعادية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقريش عموماً ثم سألني: هل تعتقد أن أبا الحسن الندوي وأبا العلاء المودودي هما العالمان الوحيدان في الهند، دولة يبلغ تعداد المسلمين فيها عشرات الملايين؟
فقلت: لا شك أنه يوجد غيرهم كثيرون، فقال لي: ولماذا لم يهاجم أحمد غلام غيرهما؟ قلت له: أولاً أنا لست مؤهلاً لنقاشك وجدالك كوني مسلما عاديا، وحتى أن اختصاصي بالفلكلور والتراث الشعبي، ولكن من حب المعرفة أتيت لأسمع، وثانياً: إن كل المعلومات التي أريدها منك هي لثقافتي الشخصية، وقد يأتي يوم وأكتب عن هذا اللقاء، وقد لا يأتي اليوم، فلا تعلق عليّ آمالاً إعلامية.. وكان ذلك عام 1999م، قال: إن ميرزا يعني بالعربية السيد، وميرزا أحمد غلام تعني "السيد أحمد غلام"، فالنبي اسمه أحمد غلام. قلت له: على أي قاعدة ارتكزت نبوته؟ قال: إنه نبي متبع وليس نبياً مشرعا، أي أن التشريع الإسلامي انتهى مع سيدنا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، وأن أي نبي بعده هو نبع تابع له ولا يجوز أن يأتي بتشريع جديد، فهو مجدد لشريعة سيدنا محمد.
سألته: وهل كان يوحى إليه؟ قال: بلى... قلت: ومن الملاك الذي أوحى إليه؟.. قال: جبريل!!.. قلت: وهل يجوز أن تقرأ ما أنزله جبريل عليه في الصلاة؟.. قال: لا، الصلاة لا تكون ولا تجوز إلا بالقرآن الكريم.(35/165)
قلت على أي أساس زعم النبوة وسيدنا محمد خاتم النبيين؟.. فقال: خاتمهم أفضلهم وليس آخرهم، وهاهي معاجم اللغة العربية بين يديك، أثبت لي أن خاتمهم آخرهم وأنا أتراجع عن عقيدتي. ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بين أصحابه وبينهم سلمان الفارسي، فقال لأصحابة: لو كان الأمر أو (الإيمان) في الثريا لناله رجل من قوم هذا، ووضع يده على كتف سلمان الفارسي فكانت تنبؤه لنبي فارسي هو ميرزا أحمد غلام. (الحديث سمعته أكثر من مرة شفوياً في عدة مناسبات ولكني لا أعرف صحته ولا أعرف من رواه ولا من خرّجه، ولو كان هذا الموضع دراسة أو تثقيفاً لما أوردته ولكن أروي على لسان الرجل).. ويعتبر هذا الحديث الركن الثاني الذي يرتكز فكر الجماعة عليه بعد (خاتمهم ـ أفضلهم وليس آخرهم). ثم قال إن النبوة لا تكون إلا بعد إثبات أن المسيح عيسى بن مريم عليه السلام قد مات، ولا عودة له إلى الحياة، وأن المسيح المنتظر هو غير عيسى بن مريم، وقد أثبت حضرته (هكذا) أن المسيح قد مات وقام بالاهتداء إلى قبره وهو في الهند!!.. ثم قال وبما أن المهدي لا يموت في قتال فقد كانت مقولة المهدي السوداني ومن زعم المهدية غير صحيحة لأنهم قتلوا قتلاً ولم يموتوا حتف أنوفهم كما حدث مع حضرته. لذلك هو يزعم أنه المسيح والمهدي والنبي ميرزا أحمد غلام.(35/166)
قلت له: إنه نبي من صناعة إنجليزية وهو قام بإلغاء الجهاد وهذا ما اعتبرته بريطانيا من صالحها فقامت بتأييده ودعمه وفتح كل قنوات الإعلام والتسهيلات الوظيفية له ولأتباعه.. فقال: هذا غير صحيح.. نعم، نحن ضد الحرب والقتال، ولكن سبب شكر حضرته للإنجليز أنه كان هناك اضطهاد شديد للمسلمين في الهند، حتى إذا كان أحدهم يطبخ وسمع صوت الآذان يدلق الوعاء لأنه يعتبره نجساً. فقام الإنجليز بإعطاء الحرية للمسلمين وغيرهم بقيام شعائرهم الدينية بحرية، فقال حضرته "من لا يشكر الناس لا يشكر الله".. فشكر الإنجليز على موقفهم، وبعد ذلك ذهب إلى لندن ليدعو الملكة فكتوريا إلى الإسلام، وهذا ما لم يفعله مسلم غيره!!.
قلت له: أنت قلت إن جبريل أوحى لأحمد غلام، فهلا أهديتني نسخة من هذا الكتاب؟.. فقال: إنهم بصدد طباعة هذه الكتب، فعجبت لنبي عمر رسالته أكثر من 120 سنة، وله أتباع قال لي إنهم أكثر من (30) مليوناً وإن لهم خليفة ومحطة فضائية ودعاة في كل بقاع الأرض وحتى الآن لا أجد نسخة من كتابه المقدس؟ وسألته لماذا يحجون إلى قاديان بدل مكة، فأنكر ذلك إنكاراً شديداً وقال إن قاديان قرية صغيرة في الهند وزيارتها زيارة لضريح النبي ولا تسقط الحج لأننا مسلمون موحدون لله ولا نشرك به أحداً.(35/167)
كان حديثاً طويلاً وسجلت لقاءا تلفزيونياً أحاور أحد الجماعة وأحد علمائها وكان الحديث ساخناً وكنت أود إذاعته ليتعرف الناس إلى فكر تلك الجماعة، فهو يقول لك: أنا أوحد الله وأؤمن برسالة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وأصوم رمضان وأصلي الفروض الخمسة وأؤدي الزكاة وأحج إلى البيت الحرام... ولما سألته عن شروط الانتساب إلى الجماعة قال لي أن تكون مؤمناً بالله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم وتقيم الصلاة وتؤدي كل فرض تستطيع القيام به حسب الشريعة الإسلامية وأن تكون على خلق.. وأمور أخرى.. حتى أنه لم يشترط الانتساب إلى الجماعة بالإيمان بميرزا محمد غلام، فقلت له ممازحاً: على هذا نحن جميعاً (أحمديون) أو (قاديانيون) ونحن لا نعرف!!
كان الحوار طويلاً، وهذا ما أفرزته الذاكرة، ولكن هناك أمور لا بد منها: وهي أنهم محاورون من طراز رفيع، لا يغضبون من الاستفزاز، يستشهد لك بكل ما يقول بآية وحديث وبيت شعر وأمامك المعاجم وانظر.. حتى أن المؤذن رفع الأذان، وحرصت على سماع كاملاً فوجدته أذان المسلمين في كل بقاع الأرض، وأقاموا الصلاة وقد رفضت أداء الصلاة جماعة معهم، لأنه لا يجوز لي الصلاة وراء إمام هو في حكم شريعتنا مرتد. ولم يغضبوا مني، وهيأوا لي مناماً في دار الضيافة، وفي اليوم التالي طلبوا من سائق السيارة وهو من جماعتهم أن يريني حيفا، فأخذني بجولة شاهدت حدائق البهائية، وللبهائية قصة مستقلة أخرى، قد نقولها في مناسبة أخرى..
وأوصلوني إلى طولكرم ثم عدت إلى سنجل.. ولكن بقيت هذه الزيارة في ذاكرتي، فالمسألة خطيرة جداً وتتعلق بالعقيدة، وتحتاج إلى وعي كبير وإلى أسلحة دفاعية شديدة وإلى تعريف كامل بالجماعة، حتى لو تطلب ذلك استدعاء علمائهم وهم لا يمانعون بالمناسبة، ويحاورهم علماء أكفاء ويظهرون ثغراتهم الخفية حتى لا يقع السذج من الناس في الخطأ، وهم ضليعون بالإعلام ولهم مجلة شهرية اسمها البشرى.(35/168)
القاديانية أو الأحمدية ليست حركة سهلة، بل لها جذور ولها من يدعمها ويفتح أمامها كل الأبواب المغلقة ويذلل المصاعب من أمامها.. وشمال فلسطين يقع في دائرة تأثيرها، ومئات من الناس اعتنقوا المذهب وآمنوا بنبوة أحمد غلام، وفي الأردن لها جماعة ولها أمير أعرف اسمه وحدثوني عنه.
أول نشاط من نوعه للمثليين في لبنان
اذاعة بي بي سي 19/5/2006
( نعتذر عن هذا الخبر لكن لا بد لكم أن تعرفوا ما نحن مقبلون عليه !! الراصد )
شهدت العاصمة اللبنانية بيروت نشاطا هو الأول من حيث الحجم للمثليين والمثليات إحياء لليوم العالمي لرهاب المثلية، وقام بتنظيم التجمع جمعية حلم "حماية لبنانية للمثليين والمثليات".
والجمعية تعمل بشكل علني ولها مركز في بيروت وقد تعرض عدد من مؤسسيها قبل أشهر قليلة للتحقيق من قبل شرطة الآداب من دون أن يصل الأمر بالأجهزة الأمنية اللبنانية إلى منع نشاطها.
ومكان النشاط كان في فندق مونرو في العاصمة اللبنانية بيروت.
وعند مدخل القاعة وقف شابان لتوزيع منشورات الجمعية على القادمين وطلب تدوين الأسماء للصحافيين مع الحرص على شكرهم لإبداء الدعم لنشاطهم من خلال الاهتمام بتغطيته. وفي وكان عشرات احتلوا المقاعد داخل القاعة.
وبداية طلب من المصورين عدم تصوير الوجوه إلا بعد اخذ أذن الشخص المعني لان الأمر محرج بالنسبة للبعض.
ولم يلتزم المصورون بهذا الطلب فعمد الحاضرون إلى إخفاء وجوههم والابتعاد عن عدسة التصوير. وارتسمت على وجوه البعض ابتسامة الخوف من أن تكون العدسة قد كشفت الهوية الكاملة.
كان سهلا تسجيل حديث صوتي مع المشاركين وان فضل كثيرون عدم الكلام وتجنب تسجيل صوتهم إلا أن الكلام على الكاميرا كان أكثر تعقيدا إلا من قبل الناشطين البارزين في جمعية حلم. مخاوف(35/169)
و"جو" وهو صحافي في وكالة أجنبية كان يسعى لصورة تجمع شابين أو فتاتين وكان يريد للصورة أن تلتقط قبلة لكنه لم يوفق فالتحفظ سمة غالبية المشاركين والخوف الأساسي ليس من الملاحقة القضائية إنما من ردة فعل الأهل.
والصحافة التي حضرت للتغطية في معظمها أجنبية، ولم يكن هناك حضور للصحافة العربية، كما كان حضور الصحافة المحلية ضعيفا.
وسحر وهي صحافية لبنانية جاءت لإبداء الدعم للنشاط وقالت أنها كانت تتوقع حضورا اكبر للإعلام. وتحدثت عن اهتمام إعلامي متزايد حاليا بنشاط جمعية حلم وواقع المثليين في لبنان على الرغم من وجود إعلام مضاد تحدث بعضه مرة عن "خروج بني لوط من مخابئهم".
وغسان احد مؤسسي جمعية حلم قال إن اكبر مشكلة هي مع الأهل وهذا ما يجعل التغيير على مستوى تقبل المثلية بطيء ، فعدم تقبل الأهل للفكرة يمكن أن يعرض المثليين إلى نبذهم داخل العائلة والمجتمع الذي يعيشون فيه.
وأشار إلى أن وضع المثليين في لبنان أفضل بكثير من الدول المحيطة وفي السنين العشرة الأخيرة أصبحت الملاحقة القانونية قليلة جدا.
وكثيرون من المشاركين قالوا أنهم اخبروا أهلهم بهويتهم الجنسية والكثيرون أيضا قالوا أنهم لا يستطيعون فعل ذلك ولا يريدون.
وغيث احد الموجودين في النشاط قال انه طرد من منزله عندما اخبر والدته، وأخر قال انه طرد من عمله عندما علم رب عمله بأنه مثلي، أما ماهر الذي بدا شديد الارتياح فقال انه اخبر والديه ولا يهمه ما هي ردة فعلهم وطلب تصويره مع شريكه إلا أن الأخير رفض ذلك.
والقانون اللبناني يجرم ممارسة الجنس المثلي، ولا يمكن تطبيقه لملاحقة المثليين كما يقول أعضاء في جمعية حلم الذين يطالبون بإلغاء المادة المتعلقة بهم.
وباتت أماكن عدة معروفة في بيروت على أنها أماكن يرتادها المثليون وعلى صفحة حلم الالكترونية هنالك عناوين مع إرشادات في بعض الأحيان.(35/170)
وعلى الرغم من النشاطات العلنية التي يقوم بها المثليون والمثليات في لبنان إلا أن تقبل المجتمع لهم لم يواكب تطور نشاطهم العلني.
--------------------------------------------------------
شواذ لبنان يجهرون بنشاطهم ويعرضون أفلاما جنسية في فندق ببيروت
العربية - 20 مايو 2006م
في سابقة هي الأولى من نوعها في العالم العربي, نظمت جمعية "الحماية اللبنانية للمثليين" (حلم) التي تدافع عن الشواذ جنسيا حفل استقبال في حديقة أحد منازل بيروت التقليدية, أطلقت خلاله كتاباً حمل عنوان "رهاب المثلية". والحفل الذي أقيم الجمعة 19-5-2006 حمل مغزىًً تعدى مسألة إطلاق الكتاب, إلى الجهر أكثر بنشاط الجمعية على نطاق أوسع, في ظل حضور عدد من وسائل الإعلام المحلية والأجنبية التي دعيت خصيصاً لتغطية الحفل.
وجاء الحفل, الذي حضره أعضاء من الجمعية ومؤيدون ومدافعون عن الشواذ, على هامش اليوم العالمي ضد رهاب المثلية الجنسية, الذي صادف الأربعاء الماضي, وترافق مع نشاطات أخرى مثل المحاضرات وإصدار عدد خاص من مجلة الجمعية التي تحمل عنوان "برا", خصصت مواضيعها للحديث عن الشواذ والقضايا التي تهمهم, فضلاً عن عرض أفلام عن المثلية الجنسية في فندق مونرو.
وغصت الحديقة بالمدعوين, وسط جوٍ حميمي, وكثير من الانطلاق, وإقبال على شراء الكتاب الذي تضمن مشاركات من 15 كاتباً وفناناً معروفين من لبنان, ومن غير الشواذ أيضاً . وقال جورج قزي منسق جمعية "حلم " إن مشاركة هؤلاء الكتاب والفنانين هي للإشارة إلى أن المعنيين برهاب المثلية ليس المثليون وحدهم. وتحدث المشاركون في الكتاب عن المشكلات التي تتأتى عن رهاب المثلية, فضلاً عن تضمينه قسماً عن حالات تعرض لها أناس مثليون, مثل الضرب والإهانة والابتزاز.(35/171)
وقال قزي إن "الرهاب هو الخوف المرضي الذي يبديه المجتمع من الأشخاص الذين لديهم ميول جنسية أخرى, ورغبنا في إطلاق نقاش عن رهاب المثلية, وما إذا كانت أمراً خاطئاً أم أن الخطأ في قيام بعض الأشخاص بضرب المثليين وإهانتهم , ما إذا كان من الطبيعي أن يتعرض شخص يقدّم خدمات للمجتمع ويدفع الضرائب كالآخرين لهذه التعديات من دون أن يحظى بحماية الشرطة لمجرد أنه يعتبر أنه مجرم في المجتمع اللبناني". وأضاف "ما حاولنا قوله أن الشذوذ الحقيقي هو كره الاختلاف وليس الاختلاف بحد ذاته", واضعاً العنصرية والطائفية ورهاب المثلية في خانة واحدة هي "كره الاختلاف" , وربطه بغياب الحريات الخاصة في البلدان العربية.
واعتبر قزي أن سبب كره العرب للشواذ أكثر من السحاقيات هو أحساس الرجال أن المثليين يضربون صورة الرجل المسيطر ومفهوم الذكورة, في حين أن المرأة السحاقية تزيد من شهوتهم الجنسية, لذلك ليس ثمة هجوماً قاسياً عليها, إلا في حال اختارت العيش وحيدة من دون الاعتماد على الرجل "الأمر الذي يثير حفيظة الأخير". ونأى قزي بالدين عن النفور من هذه الشريحة التي تمثلها جمعيتهم, أو بالتعصب الديني, موضحاً أنه لو كانت المشكلة كذلك لكان أقفلت كل الملاهي الليلية في لبنان, مشدداً على أن المسألة مسألة ذكورية بحت.(35/172)
وعن الجمعية, قال إنهم لم يواجهوا مشكلات عندما رخصت لهم وزارة الداخلية, على أساس أنها جمعية تدافع عن حقوق الشواذ جنسيا,عازياً ذلك إلى سماح الدستور اللبناني بحرية إطلاق الجمعيات, فضلاً عن أن الجمعية لا تحرض على ممارسة اللواط , لذلك فهي تحت سقف القانون. وعن سبب أعطاء الأولوية لمشكلات المثليين في ظل وجود مشكلات أخرى أكثر إلحاحاً في العالم العربي, أكد أن حقوق الإنسان لا تتجزأ, وتترابط مع ما في المجتمع من مشكلات يعاني منها الجميع. ولفت إلى أن أعضاء الجمعية ليسوا جميعاً من المثليين,وقدر عددهم بحوالي 300 شخص, مشيراً إلى النشاطات التي يقومون بها في مجال التوعية في المدارس والجامعات وعبر الإعلام والصحف التي تفسح لهم المجال في هذا الإطار, إلى جانب سعيهم لخلق مجموعات صديقة للمثليين من أجل تقوية حضورهم.
وكشف قزي, الذي تجنب الإجابة عما إذا كان مثلياً جنسياً أم لا, عن مشروع سيتم إطلاقه بالتعاون مع البرنامج الوطني لمكافحة مرض نقص المناعة المكتسبة "الإيدز" التابع لوزارة الصحة في يونيو/حزيران المقبل, من أجل نشر التوعية بين المثليين من أخطار هذا المرض, إضافة إلى توزيع منشورات عن المثلية وكيفية تعاطي الأهالي مع أبنائهم الذين يدخلون ضمن هذا التصنيف.
واعتبر الكاتب لقمان سليم, الذي كان له إسهام في الكتاب, أن "نظرة الناس إلى المثلية تضعها في إطار غير طبيعي ويجب تصحيحها , وهذا شكل من أشكال التمييز, وشاركت في هذا الكتاب بصفتي كائن بشري يريد لهذه المدينة أن تتسع... ". وأضاف سليم "أنا سعيد جداً بهذا الكتاب, ولعله الأول, الذي يتناول هذا الموضوع ويصدر في بيروت, ولا مشكلة لدي لو ماتت المدن الأخرى غيرة بأننا هنا نتحدث عن الجماعة المثلية القاطنة بين ظهرانينا, مثل أي جماعة أخرى لها الحق في التعبير عن نفسها, وأن تمارس حياتها الجنسية كما تشاء".(35/173)
ريما, 31 عاماً, كانت أول فتاة مثلية انضمت إلى الجمعية , قبل أن تنضم فتيات أخريات إليها, تقول ان جمعية حلم أعطتها "وأعطت رفاقها إحساساً بالتضامن وبأنهم ليسوا وحيدين".
وأضافت أنها تنزعج كثيراً عندما يقول لها أحدهم بأنها "سحاقية" , موضحة أن العيب ليس في الكلمة, إنما في ما تخفيها من نفور وإهانة لدى من يقولها. واكتشفت ريما, التي تعمل في القطاع المالي, أنها سحاقية وهي صغيرة, عندما كان يشدها النظر إلى صور النساء العاريات.
وقال شاب ,فضل عدم الكشف عن اسمه, أنه اكتشف مثليته الجنسية عندما كان في عمر الـ 13 سنة . وأبدى الشاب (يعمل مهندساً خارج لبنان) انزعاجاً من كلمات مثل "لوطي أو
شاذ", لأنها تشبه السباب أكثر من كونها وصفاً , فضلاً عن أوصاف أخرى يمكن أن يشار إليه بها, مثل "مهندس, أو لبناني أو غيرهما". وأشار إلى أنه تعرض للضرب عندما كان مع "صديقه" في السيارة, بعدما هاجمته مجموعة من الشباب, لكنه اعترف أنهما كانا يتبادلان القبل.
وقالت مايا, 24 عاماً, إنها مثلية منذ نحو ست سنوات, واكتشفت أنها مثلية عندما كانت في مدرسة للفتيات. وأضافت, وإلى جانبها "صديقتها", التي تصغرها بثلاثة أعوام, أن عائلتها لا تعرف بالأمر, لكنها أكدت أنها لا تعاني من مشكلات مع أصدقائها وصديقاتها بسبب ميولها. وأشارت إلى أن علاقة المرأة بالمرأة تختلف عن علاقتها بالرجل, الذي أكدت أنه لا يمنحها الإحساس نفسه بالرقة والنعومة " فضلاً عن ذكوريتهم المفرطة وعنجيهيتهم.
جنبلاط وأرسلان يمنعان قتالاً درزياً ـ درزياً
الوطن العربي ـ العدد 1522ـ 5/5/2006(35/174)
بعد أحداث خلوات الكفير في منطقة حاصبيا، حيث قتل الشيخ أبو إبراهيم الموالي للنائب والوزير السابق طلال أرسلان، تمكن رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط من تطويق ردات الفعل قدر الإمكان من خلال الاتصال بالأمير طلال أرسلان والتفاهم معه على ضرورة منع الاقتتال الدرزي ـ الدرزي وإعادة التاريخ إلى الوراء عندما كانت تشتعل الحرب بين اليزبكيين والجنبلاطيين. ويذكر أن حادث خلوات الكفير وقع عندما دخل الوزير السابق وئام وهاب البلدة على رأس موكب من 12 سيارة رانج روفر تضم عدداً كبيراً من المسلحين بطريقة استفزازية بقصد افتعال مشكلة مع أنصار وليد جنبلاط والنائب وائل أبو ناعور "الجنلاطي"، ولكن طريقة مرافقي وئام وهاب الاستفزازية أثارت الغريزة الدرزية مما أدى إلى تبادل إطلاق النار بين الفريقين سقط على إثرها 12 جريحاً من الفريقين، ولكن سرعان ما توفى الشيخ أبو إبراهيم المحسوب على طلال أرسلان. وتكهرب الجو، وتحولت خلوات الكفير إلى ساحة قتال حقيقية كادت تنذر بمواجهات درزية ـ درزية مسلحة. ولكن وليد جنبلاط استعجل الاتصال بالأميرة خولة أرسلان "الجنبلاطية الأصل" والدة طلال أرسلان، طالباً منها التدخل لدى نجلها الأمير طلال لتهدئة الوضع منعاً لاتساع رقعة الاقتتال وانتقالها إلى مناطق أخرى. فسارعت الأميرة خولة أرسلان. مع ما لها من نفوذ على نجلها طلال وأنصاره وحاولت تبريد الأجواء. كما اتصل وليد جنبلاط بالأمير طلال أيضاً في محاولة سريعة للتهدئة منعاً لامتداد القتال إلى المناطق الدرزية الأخرى في الشوف وعاليه وسائر قرى وبلدات حاصبيا.
وقد تبين أن مطلق النار على الشيخ أبو إبراهيم كان شقيق النائب وائل أبو ناعور، وسام أبو ناعور الذي تم توقيفه وتسليمه إلى الشرطة العسكرية ولا يزال موقوفاً.(35/175)
وبالفعل لقد اتفق وليد جنبلاط وطلال أرسلان على تطويق ذيول هذه الحادثة وسحب المسلحين ومنع الاقتتال الدرزي ـ الدرزي الذي قد يشكل كارثة على الطائفة الدرزية.
ولكن لهذه الحادثة التي بدأت بدخول الوزير السابق وئام وهاب مع مرافقيه بلدة خلوات الكفير للتعزية بأحد أبناء البلدة، جانباً سياسياً خطيراً، لأن المعلومات التي توافرت أن دخول وئام وهاب على رأس هذا الموكب الكبير كان يهدف افتعال مشكلة مع أنصار وليد جنبلاط ووائل أبو ناعور بناء على طلب الاستخبارات السورية، من أجل تصفية حسابات مع جنبلاط. وما كان دخول وئام وهاب إلى هذه البلدة وبهذه الطريقة إلا نوعاً من "الفخ" السوري لجر جنبلاط وأنصاره إلى معركة خاسرة إلا أن وائل أبو ناعور وعائلته وقعا في هذا الفخ، مع العلم أن وليد جنبلاط كان قد أبلغ أنصاره في خلوات الكفير عدم التعاطي مع وئام وهاب وتركه لتقديم واجب التعزية، لأنه جاء يفتعل مشكلة بناء على رغبة السوريين وخلق حرب درزية ـ درزية. ولكن سبق السيف العذل ووقعت الكارثة التي كانت سبباً لانزعاج وليد جنبلاط في تصرفات حليفه وائل أبو ناعور، خصوصاً بعد تحذيره من وجود فخ سوري لافتعال مشكلة درزية ـ درزية في كل المناطق الجبلية.
ومن أجل معالجة ذيول هذه الحادثة طلب جنبلاط من أبو ناعور وعائلته مغادرة بلدة خلوات الكفير والانتقال إلى المختارة في الشوف خوفاً من أية عمليات ثأر قد تعيد المشكلة إلى نقطة الصفر. وإفساحاً في المجال لمعالجة آثار هذه الحادثة دفع ما يترتب على القاتل من فدية لأهالي القتيل المعروف بحكمته وبحياده السياسي.
ويجري جنبلاط وأرسلان اتصالات مع عائلة القتيل لتسوية الأمور وإنهاء رواسب هذا الحادث بأقل خسائر بشرية ممكنة، تفادياً لأي صراع دموي قد يضع الجنبلاطيين والأرسلانيين أمام تجربة قاسية ومأساوية.(35/176)
سورية.. تصحو على صوت الأذان... زاد الحجاب وعدد المدارس الدينية والجمعيات الخيرية الإسلامية وخطاب الدولة المتدين.. لكن الأسباب متعددة
الشرق الأوسط 19 /5/ 2006
(هذا التقرير يوضح جانب من توظيف ظاهرة التدين وتوجيهها في مسارات تخدم النظام وبقائه ، وهو ما سيتكرر في الدول اليسارية قريباً !! الراصد )
فيما كانت مكبرات الصوت تصدح بأغنية «حبيبي يا محمد يا رسول الله» ذات اللحن الغربي، في أحد أكبر أسواق دمشق التجارية، كان التلفزيون السوري ينقل على الهواء مباشرة وقائع حفل موسيقى في قصر المؤتمرات، يظهر في الصف الأول من الحضور عدد من الوزراء والسياسيين وزوجاتهم، وبينهم على الأقل سيدتان محجبتان، وذلك في مشهد خارج عن المألوف في المشاهد الرسمية. فقد درجت العادة أن يكون المسؤول السياسي من المنتمين لحزب البعث، شخصا ذا توجه علماني، ومن النادر جدا ظهور سيدة محجبة إلى جانب زوجها المسؤول في الاحتفالات العامة. وفي حفل عشاء ضم مجموعة من البعثيين وعائلاتهم، طلب مسؤول بعثي مخضرم رفع المشروبات الكحولية من على الموائد، بسبب وجود «متدينين» في الحفل، وقد امتثل جميع الحاضرين لهذا الطلب، وحين سُئل إذا ما كان البعث «تخلى عن علمانيته»، ضحك ممازحاً «لا أعتقد، لكننا نريد حفظ خط الرجعة». ويبدو أن موجة المد الديني في سورية تسير حثيثا، وهي تعكس نفسها في زيادة المحجبات في الشارع السوري، وزيادة المعاهد التعليمية الدينية، والجمعيات الخيرية الإسلامية، كما تعكس نفسها في زيادة جرعة الخطاب الدينى في الخطاب الرسمي للدولة، وهو شيء جديد. فلماذا تزايد المد الديني في الشارع السوري، ولدى المؤسسات الحكومية؟ وهل لهذا تجليات سياسية، أم أن تجلياته تقتصر على النواحي الاجتماعية والثقافية؟ وموجة المد الديني في سورية تعود إلى أعوام قليلة مضت، فقبل الغزو الأميركي للعراق في مارس (آذار) 2003، لم يكن ملحوظاً انتشار بث الأغاني الدينية بصوت(35/177)
مرتفع خارج زمان ومكان مناسبة الصلاة، ولم تكن صلوات التراويح خلال شهر رمضان تسمع سوى في محيط «الجامع الأموي» والجوامع الكبرى في المدينة، ومثلها أيضاً التراتيل الكنسية في منطقة «باب توما» و«القصاع» خلال شهر الصوم الكبير وعيدي الميلاد ورأس السنة. لكن في السنوات الثلاث الأخيرة بدأت مظاهر الاحتفالات الدينية تتجاوز أحياء بعينها، لتعم كافة مناطق مدينة دمشق، في استعراض ديني ينطوي على كثير من المبالغة، فهو وإن بدا كأحد مظاهر الاحتفالات والفرح بالعيد، ينطوي أيضا على إعلان الانتماء لهذا الدين أو ذاك. ولوحظ في السنة الأخيرة أنه بدأ يحظى بما يشبه الرعاية الرسمية، ففي عيد الميلاد الماضي زُينت شجرة ضخمة اعتبرت الأكبر في الشرق الأوسط، أقيمت في ساحة جورج خوري، وجرى الاحتفال بإشعال أنوارها برعاية رسمية من الدولة، ووفد إلى الساحة أعداد كبيرة من المواطنين من مختلف الانتماءات الدينية والمذهبية، كما أن موكب عاشوراء الذي لم يكن ليتخطى يوماً محيط مقام السيدة زينب، عَبَر خلال العامين الماضيين شوارع دمشق القديمة بالقرب من مقام السيدة رقية خلف الجامع الأموي. بل إن شهر رمضان الماضي، شهد نقلا حيا ومباشرا عبر التلفزيون السوري لموائد الرحمن في حرم الجامع الأموي. وتنافست الجمعيات الخيرية الإسلامية على تقديم المعونات بتوزيع حقائب الأغذية والملابس على الأهالي في الأحياء الفقيرة، وتحدثت الصحافة الرسمية بإسهاب حول هذه الظاهرة، التي كانت تتم سابقا بصمت. أما مظاهر تدين الشارع والتي كان الناس قبل سنوات يتحاشون إظهارها، فقد تمثلت بوضوح في أشكال الرد على الرسوم الدنماركية حول النبي صلى الله عليه وسلم، فبالإضافة إلى إحراق السفارات، انتشرت في كافة أنحاء سورية ملصقات جدارية تدعو لمقاطعة البضائع الدنماركية، وملصقات أخرى تستنكر الاستفزاز الديني تحت شعار «إلا رسول الله»، بالإضافة إلى نشر قصائد على أبواب المحال التجارية(35/178)
تنتصر للإسلام وللرسول، وتصب جام غضبها على الغرب المسيء للدين. كما أقامت مديرية الأوقاف بمحافظة «دير الزور» مسابقة شعرية تحت عنوان «نحري دون نحرك يا رسول الله»، والمفارقة أن الفائز الأول في المسابقة، كان شاعراً مسيحياً من من سورية، وهو جاك صبري الشماس. كما صارت صور رجال الدين المسيحي والإسلامي تظهر في الصحف الرسمية ضمن مقالات فكرية دينية، بالإضافة إلى استضافتهم في البرامج التلفزيونية لمناقشة قضايا وطنية عامة، خارج موضوع الدين. وهم أمر لم يكن ظاهراً حتى نهاية عقد التسعينيات. كل هذه تطورات لافتة، تشير إلى أن المد الديني «تجاوز الشارع» ليصل إلى «المواقع الرسمية»، حتى المتمثلة بالإعلام كواجهة للدولة، وبات واضحاً أن السلطة تسعى إلى إخراج التدين من «الحيز الخاص« لـ«الحيز العام»، للتمكن من تحديد وجهته، والسيطرة عليه والاستفادة منه. لكن ما هو سبب هذا المد الديني الشعبي والرسمي، من وجهة نظر مصعب الجندي وهو بعثي ذو اتجاه ديمقراطي، فإن ظاهرة التدين جاءت نتيجة فشل أصحاب الأفكار العلمانية في زرع تلك الأفكار في الأذهان، وهو فشل في الأداء وليس الفكر، ويقول الجندي «ما زلت مؤمناً بالأفكار العلمانية لكننا فشلنا في التعامل مع مجتمعاتنا، من حيث الأداء السياسي والاقتصادي والثقافي، الأمر الذي نجم عنه فراغ جعل المجتمعات تتجه بشكل طبيعي نحو ملئه من المخزون الحضاري؛ والمخزون الحضاري يرتكز بشكل أساسي على الفكر الديني. وهو أمر لا يدعو للتخوف، وإنما قد يثير الريبة على المدى القريب فقط». وبالملاحظة الاجتماعية يمكن القول إن ميل الشارع السوري للتدين، بدأ ربما منذ نحو 10 أعوام، لكنه لم يكن على هذا النحو من الإشهار والعلانية ولا حتى الأريحية، ولأن غالبية السوريين من المسلمين اتخذ التوجه الديني طابعاً إسلامياً، تجلى بالإقبال على ارتداء الحجاب الذي ارتفعت نسبته في الشارع على نحو غير مسبوق، وليبدو من جرائه أن(35/179)
المد الديني يشمل المسلمين فقط، لكن هذا ليس صحيحا، ففي إحدى بلدات ريف «حمص» طالب كاهن الرعية النساء المسيحيات بتغطية شعورهن داخل الكنيسة، وعندما جوبه بالرفض الشديد، طلب أن يتم تغطية الرأس أثناء تناول القربان المقدس، في عودة الغرض منها التأكيد على تعاليم بولس في احتشام النساء، ولدى مناقشة الكاهن في فرض أمر نسيته التقاليد الكنسية في مجتمعنا الشرقي، قال «إن المسلمات يغطين رؤوسهن والمسيحيات يجب ألا يكن أقل احتراماً للكنيسة، وأن يفعلن الأمر ذاته على الأقل أثناء الصلاة». وفي دمشق لم يكن الأمر مختلفاً كثيراً، وتبدى برد فعل قوي من جانب رجال الدين المسيحي حيال ملابس الفتيات القصيرة أو الكشف عن أعلى الصدر أو الظهر، ومنهم من رفض إتمام عقد الزواج إذا كانت العروس أو وكيلتها ترتدي فستاناً مكشوف الكتفين وأعلى الصدر والظهر، وأحياناً إذا كان بين المدعوات من ترتدي فستاناً قصيراً بشكل لافت. وهو ما جعل العروس وغالبية الفتيات يتزودن بشال يتلفعن به داخل الكنيسة، أو يجلسن في زاوية متواريات عن أنظار الكاهن حتى يتم إتمام الزواج. ويعتقد الصحافي والكاتب نبيل صالح رئيس تحرير جريدة «الجمل» الالكترونية (خصص في جريدته صفحة للعقائد والاديان وهي الاولى من نوعها فى سورية)، انه لا شيء تغير بخصوص ارتداء الحجاب «ففي الأربعينات والخمسينات كانت نساء دمشق وريفها يرتدين الملاءة، والآن يرتدين المنديل». ولا يعتقد صالح أن هناك «مدا دينيا»، وإنما هناك «تسييس ديني»، كما يؤكد على أن سورية على مر التاريخ لم تشهد تطرفا دينيا «وهذا له علاقة بالجغرافيا والتبادل الثقافي مع أوروبا، الذي جعل المسلمين في سورية يختلفون عن المسلمين في مناطق أخرى، الإسلام في سورية محافظ وغير متشدد، لذا لا خوف من المتدينين». واذا كان صالح يرى انه لا شيء تغير بخصوص الحجاب، فإن الشيخ الدكتور محمد حبش العضو في البرلمان السوري يرى في ظاهرة التدين(35/180)
«تطوراً طبيعياً، وهي مريحة ولا شيء غير عادي فيها». وعما إذا كان هناك ما يثير المخاوف من «تسييس الدين»، قال حبش إنه في السابق «كان هناك مشكلة بين النظام مع بعض الإسلاميين، وانتهت بخروج الإخوان من سورية»، وذلك في اشارة الى صعوبة ركوب اي تيار سياسي موجة المد الديني فى سورية. وربما يتفق آخرون مع رأي حبش حول ان تدين الشارع السوري ليس رسالة سياسية بالضرورة، على أساس ان التدين «ليس أحد أشكال المقاومة بالمعنى السياسي»، بل هو «درع وقائي» يعزز القدرة على مواجهة صعوبات الحياة، خاصة البطالة أو الفقر. وتستطيع على سبيل المثال، عُلا ابنة العشرين عاماً، أن تنأى بنفسها عن التسييس، تقول: «صحيح أني محجبة وأثابر على أداء الفروض الدينية، وأتردد إلى الجامع بين يوم وآخر، لكني لا اقبل الفكر الأصولي التكفيري، ولا استسيغ فكرة العيش في ظل دولة دينية، ثمة نماذج قائمة لهذه الدولة لا تعجبني». ومثل عُلا كثر من شباب وشابات، وجدوا في الدين الإطار الأنسب لوضعهم على قيد المشاركة والفعل في مجتمعات تضعهم على الهامش.(35/181)
وإذا عدنا للحجاب من زاوية مختلفة، سنجد أن الحجاب في سورية كان أحد وسائل تحرر المرأة عمليا، من حيث تسهيل حركتها في الحيز العام. فالمرأة المحجبة تحظى باحترام كبير في مجتمع محافظ، دون أي يعني هذا أن المرأة السافرة لا تنال الاحترام، لكن احتكاك المرأة بالرجال في مجتمع ذكوري يعرضها للكثير من المضايقات، تصبح اقل بكثير عندما تضع حجاباً. السيدة «و.ج»، 30 عاما، تفرض عليها طبيعة عملها في العلاقات العامة دخول مكاتب رجال أعمال وموظفين كبار، ولأن العلاقات العامة تعني المزيد من الدبلوماسية واللباقة، فقد يعرضها هذا لمضايقات، دون تمييز بين طبيعة عملها وشخصها. وتقول «و.ج» لـ«الشرق الأوسط» إن الحجاب الذي ارتدته جنبها مواقف محرجة كثيرة، وباتت أكثر حرية في التحدث والحركة، كونها وضعت نفسها داخل إطار محدد. ويعنى هذا ان الحجاب لا يمكن اعتباره مظهرا للتدين فقط، فهو مظهر اجتماعي ايضا، وهو مظهر اجتماعي «عابر للطبقات»، الثريات يتحجبن والفقيرات يتحجبن. وفقد أسرّ تاجر دمشقي لصديقه بأن زملاءه من التجار يقومون برشوة زوجاتهم بتسجيل بيت أو سيارة لإقناعهن بارتداء الحجاب، والسبب ليس تديناً بل لحماية نسائهم من تحرش محتمل ممن يخالطونهم في الحفلات والمناسبات الخاصة والعامة. وفي نفس الفلك تقريباً، تدور ظاهرة تحجب الأجنبيات المتزوجات من سوريين، وبالأخص منهن بنات أوروبا الشرقية. فماريانا وهي زوجة طبيب سوري تقول لـ«الشرق الأوسط» إنها اضطرت لارتداء الحجاب كي يميزها الرجال في الشارع عن بنات الفرق الاستعراضية اللواتي يأتين من دول أوروبا الشرقية للعمل في الملاهي الليلية. وتضيف ماريانا «رجل الشارع لا يميز بين طبيبة وراقصة، الاثنتان بنظره امرأة روسية شقراء». وتقول ماريانا انها لمست أن السوريين يظهرون مودة كبيرة للأجنبية المحجبة. ايضا مما يسترعي النظر ظاهرة حجاب الأجنبيات المنتشر لدى البائعات الآسيويات اللواتي تفترش(35/182)
بضائعهن أرصفة الأسواق التجارية في دمشق، فهن أيضاً يتشبهن بالمسلمات الدمشقيات فيرتدين المانطو الطويل مع الحجاب الشامي.
ومع ان المساجد ضيق عليها بعد مواجهات الثمانينات بين السلطة والاخوان المسلمين، الا انه في الاعوام الأخيرة تزايدت اعداد المساجد لتتجاوز اليوم تسعة آلاف مسجد، وهي برغم التضييقات على نشاطها، الا ان زيادتها مظهر من مظاهر المد الديني «الرسمي» و«الشعبي». والى جانب المساجد، هناك المعاهد والمدارس الدينية التي انتشرت ايضا في سورية، ففي عام 1982 تم الترخيص لـ«معاهد الأسد لتحفيظ القرآن»، ويتجاوز عددها اليوم 1000 فرع في مختلف أنحاء البلاد. ويقول الشيخ الدكتور محمد حبش عنها إنها ««مشروع يهدف إلى ربط الأمة بتاريخها وتراثها وحضارتها من خلال تحفيظ القرآن الكريم ونشر علومه وهي معاهد غير خاضعة للتنظيم معين، وإنما هي مبادرة من وزارة الأوقاف لتوفير خدمة تحفيظ القرآن في المساجد، وهي عملية طوعية وليس لها موازنة مالية».(35/183)
وبموازاة «كلية الشريعة» في جامعة دمشق، التي تخرج سنويا نحو 650 طالبا، هناك عدة مراكز أساسية لتدريس علوم الدين، وهي مدارس تتخذ من التنوير شعاراً لها كـ«مركز الدراسات الإسلامية» الذي يهدف إلى «تقديم خطاب جديد عن الإسلام وبناء جسور للحوار بين المسلمين والحضارات الأخرى». وقد بدأ المركز نشاطه منذ عشرين عاما بعقد الندوات والمؤتمرات وإصدار الأبحاث بشكل شهري، ويشرف عليه الشيخ محمد حبش، ويقول عنه إنه «هيئة مستقلة لا تتبع لأي جهة»، هناك ايضا «مدرسة الخزنوي» في منطقة الجزيرة السورية شمال شرقي البلاد. وفي حلب، هناك مدارس الشيخ احمد حسون مفتي الجمهورية. وفي دمشق «مجمع أبي النور»، الذي أسسه المفتي العام الراحل الشيخ احمد كفتارو، يضم معاهد عالية لتدريس علوم الدين يتجاوز عددها 22 معهد يدرس فيها طلاب الدراسات العليا من سورية، ومن حوالي ستين دولة عربية وأجنبية، وهناك حلقات الشيخ الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي الذي يعطي دروساً أسبوعية في جامع «دينكز»، بالإضافة إلى تقديمه برنامج تلفزيوني. جميع تلك المدارس لها أتباع ومريدون بالمئات، ومؤخراً أعلن عن قيام «رابطة علماء بلاد الشام»، تضم أكثر من 400 عالم من علماء الشام يمثلون اتجاهات فكرية مختلفة، وتهدف إلى «ترشيد الصحوة الإسلامية، والتعاون والتنسيق مع المنظمات والمؤسسات الدينية في العالم، والدفاع عن الإسلام بالوسائل الحضارية». ولا ينحصر المد الديني على التدريس وتأسيس المعاهد التعليمية، بل يمتد إلى نشاط اجتماعي خيري، فهناك حوالي 300 جمعية خيرية ذات توجه إسلامي، من أصل 600 جمعية بينها جمعيات ذات توجه ديني غير إسلامي، وهى تقدم مساعدات مالية وغذائية وطبية للفقراء، كما تقدم خدمات تعليمية واجتماعية سواء عبر الدروس اليومية أو النشاطات الترفيهية، مثل جمعيتي «المحسنية« و «اليوسفية« اللتان تضمان أعرق مدرستين خاصتين إسلاميتين في دمشق، وهناك ايضا الجمعية(35/184)
«الخيرية لإغاثة الفقراء«، و«الرحمة والإحسان« و«المبرات الإسلامية« التي تقدم رعاية للتلاميذ، وجمعية «التمدن الإسلامي« التي توفر رعاية صحية وتعليمية خيرية، وجمعية «الفرقان للعلوم الشرعية« وهي تعليمية، وكذلك «جمعية المحدث الأكبر الشيخ بدر الدين الحسني« للتعليم الشرعي. وبينما تحتل الواجهة الجمعيات والمدارس الخاصة بالمسلمين، تكاد لا تذكر نظيرتها لدى أبناء الأديان الأخرى رغم كثرتها فى سورية، ما يؤكد محاولة السلطة خلق إسلام رسمي غير مسيس.(35/185)
الشيخ والباحث حسين شحادة يرى أن الدين لم يتأثر سوى في مرحلتين: مرحلة «تسيس الدين« ومرحلة «التوظيف السياسي للدين«، وكلاهما يشكلان خطورة باستمرار من جانب توتير الواقع الديني«. ولعل هذا ما يجعل اهتمام الدولة بالتدين الشعبي يترافق مع رفض لمبدأ الأحزاب الدينية، بتأكيد من المؤتمر القُطري العاشر الذي عقد يونيو (حزيران) 2005 بعدم السماح بقيام أحزاب على أساس ديني أو عرقي. ويقول الدكتور محمد حبش الذي أشيع عنه العام الماضي القيام بتأسيس حزب إسلامي، أنه حالياً لا يرى مبررا لقيام حزب دينى لسببين «أولا انه لا يوجد لدينا أحزاب تعادي الإسلام، حتى ننشأ حزباً للدفاع عنه. ثانيا: لا يوجد لدينا حزب يتبنى تفسيراً راديكالياً للإسلام، حتى ننهض لمقاومة هذا التشويه«. ويرى حبش أن المطلوب الآن وضع قانون للأحزاب يؤسس لتعددية سياسية. أما الشارع الذي يرغب برؤية أحزاب إسلامية في سورية، فيفضل حبش ان يكون على «الطريقة التركية في حزب العدالة والتنمية بحيث تقوم أحزاب مماثلة تحترم القيم الإسلامية وتدعو إليها ولكنها في الوقت نفسه لا تقوم بإدخال التصنيفات الدينية في الحياة السياسية«. لكن هل خلق اطر للإسلام الرسمي، ومحاولة قولبة المجتمع داخلها، تتمتع بدرجة من الأمان تجعل السلطة مطمئنة إلى احتوائه لاسيما عناصر الشباب؟ قد تكون الثقة التي يتمتع بها رجال الدين المتحالفون مع السلطة، عنصر الأمان الوحيد، لكن دونما ضمانات حقيقية، إذ في حال نجحت جهة أو عامل سياسي في إشعال المشاعر الدينية، فمن الصعب السيطرة عليها. وتكشف حادثة إحراق السفارات في دمشق احتجاجاً على الرسوم المسيئة للرسول، عن حد السيف الجارح لظاهرة التدين، إن هي خرجت عن نطاق السيطرة، وهو ما يجعل التخوف من المد الديني، ليس مجرد مخاوف لا أساس لها. فالشاب الذي تُرك لفترة طويلة أمام خيارات محدودة هى: الدين أو الحزب أو لا شيء؛ وصل اليوم إلى مرحلة بات فيها جاهزاً(35/186)
للفرز وفق تلك الخيارات المسبقة، وأكثر ما يثير التوجس أن يتم فرز المتدينين تبعاً لدعوة سياسية من خارج الحدود، في ظرف سياسي دولي يجير أية تحولات نحو مصالحه. وبالتالي لم يعد ممكنا الثقة العمياء، بأن التدين الشعبي في سوريا بعيد عن السياسة، وحتى لو كان بعيداً عنها فهو جاهز للالتحاق بها.
إلا أن الشيخ حسين شحادة يرى أنه الآن «تجري عملية مراجعة حقيقية لبعض الشعارات الدينية التي طرحت في الثمانينات حول الصحوة الدينية، حيث تبين أنه لم يكن هناك صحوة حقيقية، إنما كان هناك «احتماء في الخندق الديني«، أمام اجتياحات الخارج. واليوم إذا كان هناك مؤشر إلى العودة إلى الدين، فإن هذه العودة ناتجة عن تداعيات الانهيار العام فى المنطقة«.(35/187)
* الآنسة منيرة.. والمنديل الأزرق > الى جانب معاهد تحفيظ القرآن فى سورية هناك حوالي 40 مدرسة ذات طابع ديني تدور في فلك الشيخة منيرة القبيسي، وهي مدارس تدرس المناهج التربوية المعتمدة رسمياً في عموم المدارس السورية، يضاف اليها خدمات تدريس دينية. ويقول الشيخ محمد حبش عضو البرلمان السوري إنه «خلال أربعة عقود عملت الآنسة الفاضلة منيرة القبيسي على إعداد الجيل عبر التربية الدينية والإيمانية في المجتمع، وخلال هذه الفترة حققت نجاحاً واضحاً نظراً لاهتمامها بالأساليب التربوية، ولانضمام سيدات خبيرات بالتربية إليها، وظهر تأثيرها بعد أن بدأت تؤسس المدارس الخاصة، ابتدائية وثانوية، حيث كان لهذه المدارس تأثير خاص في الشارع السوري، نظراً لنجاحها، وبات معظم أبناء المجتمع السوري يحرصون على تسجيل ابنائهم فيها، الأمر الذي وفر لهذه الآنسة ومجموعتها مزيداً من النجاح والمحبين من النساء اللواتي انخرطن معها في العملية التربوية». ويقدر عدد أتباع الآنسة منيرة القبيسي من النساء بـ75 ألف امرأة، منهن مربيات ومدرسات يعقدن حلقات تدريس ديني في المنازل. ومؤخراً نقلت الصحف خبر سماح السلطات بممارسة نشاطهن علناً، علماً أن هذه الحركة التي باتت تعرف شعبيا بـ«القبيسيات» ليست حركة سرية، وانطلقت من دمشق باتجاه العديد من الدول العربية والأجنبية. ويقول الشيح محمد حبش «إنه من الناحية التنظيمية لا يوجد شيء اسمه القبيسيات، ولا توجد جمعية خاصة تنتمي إليها المدارس، وإن الأمر هو تقديم خبرات الآنسة منيرة وخبرات الفريق المحيط بها في مجال التعليم الديني لتلك المدارس، كما أن هذا النشاط لم يذهب باتجاه السياسة». ويضيف حبش «وقوف الآنسة منيرة على مسافة واحدة مع رجال الدين أكسبها احترامهم، وبالتالي أصبحت مدارسها بشكل طبيعي رافداً للجيل الذي ينشأ على التربية الدينية». والمنضويات فى مدارس الآنسة منيرة معروفات للجميع من طريقة ملابسهن(35/188)
التي تشير إليهن حيث يرتدين المانطو الكحلي والمنديل الأزرق الداكن مع جوارب نسائية سميكة، وهذا لا يختلف عن الزي المعاصر للمتدينات السوريات، إلا من جانب الالتزام بلون معين، أما حراكهن داخل المجتمع الدمشقي، فلم يكن خفية كما يتم الترويج له من قبل البعض. وأياً كانت أهداف هذه الحركة فإن الظاهر للعيان منها، السعي لتحويل «التدين الشعبي» الفطرى الى «تدين ثقافي» عبر تدريس علوم الدين وتأصيلها بالأخص لدى النساء.
أم عمار (60 عاما) وهي معلمة ثانوي، ربت بناتها الأربع بطريقة حديثة، وهي شخصيا ليبرالية الأفكار ومتزوجة من شيوعي سابق، لكنها وجدت نفسها أمام امتحان صعب لدى التحاق أكبر بناتها بحلقة تدريس ديني، فوقعت في الحيرة، بين أن تنهى ابنتها عن تلك اللقاءات وبين إحساسها الداخلي بعدم جواز نهيها، كفعل أخلاقي يهذب النفس، وامتثلت الى إرادة ابنتها عندما قررت الأخيرة ارتداء الحجاب رغم ممانعة الأب الشديدة، كما وقفت مندهشة أمام التزام ابنتها بممارسة الواجبات الدينية كافة. ويوماً بعد آخر وجدت نفسها تلتحق بابنتها الى تلك الحلقات، والتي تصفها بأنها لتعليم الفتيات حفظ القرآن الكريم، والتشجيع على العمل الخيري والتعاون في مواجهة الانحلال الأخلاقي. وبسبب ممانعة الزوج انكفأت «أم عمار» عن الجماعة وكذلك ابنتها بعدما تزوجت، لكنهما لم تغيرا سلوكهما «المتدين».
شيعة القطيف والاحساء في النفق المظلم
13 /5/2006 - من موقع مركز الدراسات والابحاث العلمانية في العالم العربياحمد العلي
( صوت شيعي يتحسر على واقع شيعة السعودية ويطالب بالثورة ، ويبقي السؤال هل يتحدث الكاتب من فراغ ؟؟؟ الراصد )(35/189)
قبل أيام قررت زيارة جبانة منطقتنا ، لا يفوتني أبدا زيارة قبر احد شهداء 1400هـ لاستلهم منه معاني الكرامة والعزة والموت في سبيل المبدأ ولأتمعن في العبارات المكتوبة على القبر والتي تمجد في معنى أن يموت الإنسان شهيدا، ولكني فوجئت بما رايته فقد أزيلت اللوحة السابقة والتي تشير إلى كون صاحب القبر من شهداء 1400هـ واستعيض عنها بلوحة عادية جدا تشير إلى تاريخ الوفاة فقط لا غير !! ألهذا المستوى من إنكار الذات انحدر هذا المجتمع الخانع والذي يستعبد ذاته حتى النخاع؟؟؟ إن الشعب الذي يتناسى ويتجاهل شهداءه الذين ضحوا بأرواحهم في سبيل العزة والكرامة هو شعبا لا يستحق الحياة ، لا أريد أن الصق التهم جزافا لعل أجهزة قمع أل سعود وصلت حتى المقابر وأخذت تنبش عن الروح الثورية المناضلة الرافضة لحكهم الاستبدادي القمعي فأمهلت أهل الشهيد فترة لتسوية وضع قبر ابنهم!!! عل ذلك قد حدث فعلا!!!(35/190)
قبل عدة أيام وقعت حادثة رهيبة فقد تشاحن أنصار فريقين رياضيين على صالة القطيف الرياضية ،عفوا مدينة الأمير نايف الرياضية بالقطيف مما أذى إلى وفاة شاب لم يتجاوز العشرين من عمره!! من اجل ماذا دفع الشاب حياته ؟ من اجل عصبية عمياء طاغوتية مشبعة بالتخلف والانحطاط الإنساني إلى ما دون مستوى المخلوقات الغير عاقلة من الدواب ! عصبية همجاء وإرهاب ديني وثقافي وأنساني ورياضي يسبح فيه هذا الشعب للأسف الشديد، فمن تعصب ديني مقيت حول شيعة المملكة إلى أحزاب وجماعات وفرق متنابذة رغم كون الشيعة يعيشون في دائرة ديمغرافية لا تتجاوز الثلاثين كيلو متر طولا إلا أنهم بشقاقهم وتناقض مصالح قواهم المسيطرة يشكلون نسيجا دينيا غير متوافق دخل إطار الطائفة الواحدة مما مكن حكومة أل سعود منهم وحولهم إلى شعب طائع خاضع يقل نظيره في مستوى الخضوع قياسا بالمجتمعات المجاورة وأقربها شيعة البحرين الذين يشكلون الأغلبية الساحقة من الشعب البحريني ، فبرغم من مبادرات آل خليفة الإصلاحية منذ تولي الملك الشاب حمد بن عيسى الحكم عام 1996م إلا أن شعب البحرين ما يزال يطالب بحقوقه المشروعة عبر المظاهرات والنضال الإعلامي والسياسي والثقافي ، لماذا شيعة القطيف والاحساء أصبح شعارهم المبايعة وتقبيل الأكتاف ؟ فبعد استسلام الحركة الإصلاحية عام1993 م وعودتها الطوعي إلى المملكة ماتت الروح المناضلة في الذات الشيعية خاصة في حاضرة القطيف ووئدت الكرامة والعزة في الإنسان الشيعي ، وغدا إنسان مستعبد تماما، في الستينات والخمسينيات الميلادية ساهم الشيعة في النضال ضد الطاغوت السعودي عبر التحاقهم بحركات المعارضة والتحرر من الرجعية السعودية الحاكمة وقدموا عشرات الشهداء وبعد أحداث 1979م خرجت حركات دينية الطابع تناضل من اجل حرية الشعب وكرامته إلا أن الفكر الديني المركزي في تكوينه والذي يعاني من خلل مركزي وضعف منهجي وافتقاده لمشروع حضاري سياسيا واجتماعيا(35/191)
وقانونيا ، تزعمه رجال الدين باستبداد تام فخضعت الجماهير لهالتهم واستحكم رجال الدين بساحة النضال إلى أن وصل الأمر إلى استبداد ديني سياسي واجتماعي وقانوني شبه تام ، عندما ينادي رجل الدين بالنضال تهب الجماهير ملبية وعندما يعلن استسلامه فانه يقلده مفاتيح الخنوع الجماعي، حدث ذلك منذ زمن بعيد عندما حيد الأهالي ولم يسمع رأيهم واعتبروا عوام لا قيمة لصوتهم وتحكم رجال الدين والوجهاء بمصير الحاضرة وسلموها إلى ابن سعود دون مقابل سوى الحفاظ على وجودهم ، رفض علماء الدين قبل ذلك عرضا بريطانيا بالحماية مقابل تأسيس دولة في المنطقة الشرقية تحت زعامة الشيعة بحجة كونها دولة كافرة!! وقد تولاهم بعد ذلك الحاكم المسلم الوهابي عبد العزيز بن سعود وحول نهارهم إلى ليل مظلم وليلهم إلى نهار داكن !! ..(35/192)
لم يتوقف مسلسل خضوع المجتمع إلى رجال الدين عند حدود فبعد استسلام 1994م خلد التيار الديني بقيادة المعممين إلى الراحة والدعة والخنوع والانطباع لأل سعود فتبعهم العامة خاضعين مستسلمين ، وأصبح الشيعة منهوبين في ثرواتهم وكرامتهم فغذا أل سعود يسرقونهم في نفطهم وغازهم وينتهكون كرامتهم وأصحاب العمائم يسرقونهم في خمسهم وأموالهم أصبح المواطن الشيعي يقبل أيدي رجل الدين وأمراء أل سعود على حد سواء ، واليوم عندما تسلم مقاليد السلطة الملك عبد الله بن عبد العزيز خرجت الجماهير المغلوبة على أمرها لبيعته،يتبعون خطى علمائهم ووجهائهم دون وازع من ضمير أو عقل أو منطق وبدأت في الضواحي الشيعية تعليق صور الملك الجديد على واجهات المحلات التجارية والسيارات، أين الشهداء ؟ أين الحقوق المسلوبة؟ هل منح آل سعود الشيعة حقوقهم يا ترى؟ أين الثروات الضخمة التي نهبها آل سعود؟ أين حرية الشعب وكرامته وقبل ذلك إنسانيته؟ مجتمع أفراده ليس سوى عبيد ، متعصبين حتى النخاع، ارهابين في الأعماق، نسائهم ليسوا سوى كائنات مهمشة تهميشا رهيبا، عندما تمشي في المناطق الشيعة ترى النساء يرتدين عباءة سوداء بطبيعة الحال ، ألا يتساءل الإنسان هل هؤلاء النسوة بشر أم أنهن مخلوقات أخرى منبوذة لذلك وجب أن يتحجبن بهذه الخلقة البالية!!! عبيد لرجال الدين الذين يسرقون أموالهم بحج الخمس وألان عبيد لأل سعود فقد استلم هذا الشعب لسلطتهم المطلقة ، أخيرا روض هذا الشعب ، أخيرا يا أل سعود خضعت لكم الشيعة ، لا يمكن بعد اليوم أن يخرج عالم دين شيعي ليقول لجماهيره ثوروا على الظلم ، لان الجماهير ببساطة ربيت على الانبطاح والخضوع لسلطة الأسياد التي يمثلها رجال الدين من جانب وال سعود من جانب خر ، ما الذي تبقى لنا ، أي جحيم نعيشه بين حنايا هذا الواقع المظلم ؟ مجتمع تعيث فيه القوى الدينية نهبا وتمزيقا في الصفوف! مجتمع تقمع فيه المرأة قمعا لا نظير له! مجتمع تنخر(35/193)
فيه العصبية الهوجاء وليس أذل من ذلك ما حدث في الصالة الرياضية ! مجتمع محطم يحيا حياة ميتة طوال العام فلا نشاط ثقافي أو سياسي أو اجتماعي، أفراد خانعين لنظمهم الاجتماعية من العادات والتقاليد والقيم الحاكمة والذهنية السائدة والتي نشئت منذ عشرات السنين، مما أذى إلى انتشار الفساد الأخلاقي على نطاق واسع ، حيث افترق نظام الزواج مثلا عن الوضع الاقتصادي فغدا الزواج من الضروب الصعبة في ظل انحسار التوظيف وغلاء المعيشة ، فماذا قدم المجتمع الشيعي لنفسه من حلول ؟ هل تقلصت نفقات الزواج وبروتوكولاته بما يتناسب والتراجع الاقتصادي والانفتاح الواسع على العالم ؟ كلا ، فالناس ليسوا سوا عبيد لنظمهم الاجتماعية الخرقاء، فنشت مهرجانات الزواج الجماعي وقامت الجمعيات الخيرية بإنشاء لجان لتيسر الزواج واستغل رجال الدين التخلف الاجتماعي المريع والفصل العنصري بين الجنسين والهوى النفسية والإنسانية والثقافية السحيقة بين الرجل والمرأة بافتتاح مكاتب تجارية للزواج يقوم عليها رجال الدين طبعا، أصبح في المجتمع المحافظ مكاتب للمتاجرة بالحرمان الجنسي واستغلال التخلف الاجتماعي من اجل جني المزيد من الإرباح ، لقد دخل الشيعة في السعودية نفق الجحيم فهل يستطيعوا الخروج منه، هل من المكن أن تنبثق من ظلام الاستبداد أنوار الحرية لتنير للشعب المستعبد طريق الخلاص ؟(35/194)
مجلة الراصد الإسلامية
العدد السادس و الثلاثون – غرة جمادى الثانية 1427 هـ
فاتحة القول : تعالوا إلى كلمة سواء ........................ ..............3
فرق ومذاهب : العصرانيون ................................................5
سطور من الذاكرة: أبو يزيد الخارجي .........................................12
دراسات : * جهود صلاح الدين في إحياء السنة ......................15
* مواجهة تحدى العراق الممزق .........................30
كتاب الشهر: قواعد جديدة للعبة ......................................... 42
قالوا :.............................................................. 45
جولة الصحافة:
* إيران
الأزمة العراقية وعمليات الاغتيال في خوزستان ............................... 50
إيران تهرب الأسلحة لدول خليجية.............................................. 52
إيران: إدارة الأزمة العراقية لا حلها ............................................52
* متفرقات
الإسلام النسوي ................................................................ 53
من نشاط الآغاخانية في سوريا ................................................ 55
هي دي مصر ................................................................ 57
«السحريات»................................................................. 62
صالونات «المسلمات الجديدات» في القاهرة ................................. 64
تصريحات عبداللّه النفيسي: العراق وإيران والسعودية ....................... 66
العمائم الشابة في? ?البحرين?... ?إلى أين؟ .........................................67
ظهور إسلام جديد فى إسرائيل ............................................. 70
فضائيات عربية تروج للجنس والشذوذ! ........................................73(36/1)
الثَوَران الديني في الولايات المتحدة ..........................................76
فاتحة القول
" تعالوا إلى كلمة سواء .."
كثرت في بلاد المسلمين عامة في هذه الفترة الفعاليات التي تقصد إزالة الحواجز بين المسلمين وغيرهم من جهة ، أو بين الفرق والطوائف المنتسبة إلى الإسلام ، و يلاحظ على أغلب هذه الفعاليات ما يلي :
1-…أن الدافع خلف هذه الفعاليات ( ندوات ، مؤتمرات ، ورش عمل ، ....) غالبا هو دافع سياسي بحت ، وهو تحسين صورة المنظم للحوار و المشارك فيه لدي الدوائر الغربية .
2-…يتم استثناء علماء ومفكري المنهج السلفي من هذه الفعاليات إلا ما ندر ، بالرغم من أن المنهج السلفي هو أهم المناهج المحركة للدعوة الإسلامية في العالم اليوم وهو ينتشر في كل بلاد الأرض بحمد الله ، لكن تجد أن هناك تغييباً لرموزهم من كل الدول ! كما وأن أهم دولة إسلامية تتبني المنهج السلفي وهي السعودية ، و لكن حين تنظر في أسماء المشاركين تجد أنهم غالباً من الرسميين وليسوا من علماء وقادة المنهج السلفي ! أو من الطوائف الأخرى كالشيعة والصوفية والإسماعيلية ، أو من الناكصين على أعقابهم من الصحفيين والكتاب !!
3-…نجد أحياناً أن المنظم لهذه الفعاليات هم من غير المسلمين ، أو من العلمانيين واليساريين من أبناء المسلمين ، وذلك لأهداف متعددة منها زيادة المعرفة بهذه الجهات المشاركة ، ومنها تقوية طوائف منحرفة ميتة ، ومنها ترويج أفكار مسمومة عبر التغطية الإعلامية للفعاليات ، ومنها بناء شراكات و تحالفات بين المنظمين وبعض الجهات ....
4-…في أكثر الفعاليات تكون التوصيات والنتائج عمومية وإنشائية ، ولا تقدم حلولاً بقدر ما تسعي للتوافق في وسط الطريق ، بسبب عدم القبول للخضوع للحق والتنازل عن الباطل ،ولهذا كانت نتائج مسيرة التقريب بين المذاهب لا تذكر رغم السنين الطويلة!(36/2)
5-…غالباً لا تجد توصيات هذه الفعاليات صدى مباشر لها في الشارع الإسلامي ، لأن الشارع المسلم لا يلتفت لهذه الفعاليات لانشغاله إما بقوته أو بشهواته !! لكن خطورة هذه الفعاليات تكمن أنها تشكل ورقة ضغط على صانع السياسة في بلاد المسلمين ، عبر مؤسسات المجتمع المدني المحلية والعالمية ، كما أنها تكون موجهة لفئات من المشتغلين بالإعلام بأشكاله المتنوعة ،مما تجد له أثراً سيئاً في واقع المسلمين بعد مدة.
ولما كانت هذه الفعاليات ستستمر في هذه المرحلة ، لغايات سياسية وفكرية ، مما يعرض بعض أهل السنة وعوامهم للضلال ، وجب على أهل العلم من أهل السنة التصدي لهذا الخطر بأخذ زمام المبادرة والدعوة إلى الاجتماع على " كلمة سواء " ، ولتكن البداية مع الطوائف المنتسبة إلى الإسلام ، والتي تحرص إعلامياً على الانتساب إلى الإسلام و تنكر أي انحراف عن الصراط المستقيم ، لنبدأ مع هؤلاء بتقديم مشروع فكري يروج له بشكل واسع إعلامياً للاجتماع على ثوابت الإسلام والبراءة من كل ما يخالف هذه الثوابت في الماضي والحاضر من أي طرف كان . و ذلك لكشف الغطاء عن المخادعين وبيان دجل المزورين وحماية البسطاء من المسلمين ، كما فيه كسب لكثير من بسطاء المسلمين من الفرق الضالة وهذا تكرر عبر التاريخ كثيراً ، حيث أن عوام المسلمين حتى لو كانوا من الفرق الضالة إذا وجدوا دعوة صادقة للإسلام سرعان ما ينضموا إليها ، وإلا فكيف انتشرت الدعوة السلفية في ربوع أفريقيا والهند و ما حولها ، بل حتى في كثير من جهات الجزيرة العربية ، هل انتشرت بالسيف ؟؟؟
وركيزة هذا المشروع هو قوله تعالي : " قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ "(36/3)
ومن أهم محاور المشروع المقترح هو :
1-…توحيد المسلمين جمعياً بصرف العبادة لله وحده .
2-…توحيد المسلمين جمعياً بإتباع النبي صلى الله عليه وسلم .
3-…توحيد المسلمين جمعياً على قدسية القرآن الكريم وسلامته من النقص والزيادة والتحريف .
4-…توحيد المسلمين جميعاً على محبة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .
5-…توحيد المسلمين جميعاً على نبذ الشرك و الوثنية والخرافة والسحر والشعوذة .
6-…توحيد المسلمين جميعاً على نبذ كل من طعن في أي أصل من هذه الأصول كائناً ما كان ، فرداً أو جماعة .
وآلية المشروع المقترحة أن يقوم نفر من أهل العلم بالمبادرة لعقد لقاء مصغر لوضع بيان مفصل للمشروع ، ومن ثم يعرض على رموز أهل السنة في العالم – وقد تيسرت بحمد الله وسائل ذلك – للمشاورة والتعديل ، للوصول لبيان نهائي .
ومن ثم يعلن عن المشروع بأي وسيلة ، الإعلام ، مؤتمر ... ويرسل لرموز الطوائف و الفرق ويطالبون بالرد عليه ، ويتم متابعة ذلك عبر الإنترنت وبعض الفضائيات . وذلك لإبقاء المشروع حاضر لمدة سنة ، وبعدها يتم إعلان نهائي عن موقف الأطراف التي ردت أو أهملت الرد وينشر هذا في الصحف والإنترنت وغيرها .
ونحن واثقون بإذن الله أن دعوتنا هذه ستجد القبول والمبادرة من أهل العلم والفضل ، لتكون فتحاً في توحيد المسلمين ، وكشفاً للمبطلين .
فرق ومذاهب
العصرانيون
في أواخر العصر الأموي، نشأت فرقة المعتزلة، التي اعتمدت على العقل المجرد في فهم العقيدة الإسلامية لتأثرها ببعض الفلسفات، فانحرفت عن عقيدة أهل السنة والجماعة.
وقد عاشت المعتزلة وشيوخها فترات ذهبية فيما بعد، خاصة في عهد الخليفة العباسي المأمون، الذي تبنى عقائدهم، وفي عهد الدولة البويهية الشيعية التي سيطرت على دولة الخلافة العباسية ما بين عامي 333ـ 447هـ (945ـ 1055م).(36/4)
وقد جاءت المعتزلة بأفكار عديدة خالفت فيها أهل السنة ومنها: الاعتماد على العقل كليّا في الاستدلال لعقائدهم مقدمين العقل على النقل، المتمثل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وبعد أن ارتفع شأن الاعتزال في عهد بعض الخلفاء العباسيين، وفي عهد بني بويه، كاد فكر المعتزلة أن ينتهي كفكر مستقل وكفرقة، إلاّ ما تبنته منه بعض الفرق كالشيعة وغيرهم( ).
الفكر الاعتزالي الحديث: العصرانيون
لقد قدر لفكر المعتزلة أن يبعث من جديد، في العصر الحاضر، على أيدي بعض العلماء والمشايخ الذين ساروا على نهج المعتزلة، وأعلوا من شأنهم وشأن مذهبهم( )، و"ألبسوه ثوباً جديداً وأطلقوا عليه أسماء جديدة مثل: العقلانية أو التنوير أو التجديد أو التحرر الفكري أو التطور أو المعاصرة أو التيار الديني المستنير أو اليسار الإسلامي"( ).
ويؤكد د. محمد عمارة، وهو أحد العقلانيين الذين يتناولهم هذا البحث، على انبعاث فكر المعتزلة حديثاً، فيقول: "لقد انقضت المعتزلة، كفرقة، ولكنها استمرت نزعة عقلية، وفكراً قوميّاً، وأصولاً فكرية، من خلال فرق أخرى تأثرت بها، ومن خلال البصمات التي طبعتها على المجرى العام، الخالد والمتدفق والمتطور، لفكر العرب المسلمين"( ).
نقاط الاشتراك مع المعتزلة
1ـ جعل العقل ندّاً للوحي، وتقديمه على النص الصحيح.
2ـ التبعية للمذاهب والفلسفات الأجنبية.
3ـ استباحة الخوض في الأمور الغيبية.
4ـ الاستهانة بأحكام الله وشرعه.
5ـ الجرأة على إثارة الشبهات والآراء الشاذة باسم التسامح الديني وحرية الفكر.
6ـ مقت أهل السنة، والتهوين من شأنهم. فالمعتزلة الأوائل كانوا يرمون السلف الصالح بأنهم حشوية ومجسمة ونحو ذلك، والمعاصرون يلقبون أهل السنة بالأصوليين، أو المتشددين المتزمتين( ).
بذور الدعوة العقلانية(36/5)
إذا كان المعتزلة في القديم، والعصرانيون العقلانيون في الحديث، قد اعتمدوا على العقل في تعاملهم مع نصوص الوحي، وصار ذلك أبرز المآخذ عليهم، فإن هذا لا يعني أن الإسلام ضد العقل ويسعى للحجر عليه، ذلك أن الإسلام يدعو دائماً للتفكر في خلق السماوات والأرض، والتركيز على استعمال العقل في اكتشاف الخير والشر وغير ذلك.
أما انحراف المعتزلة، والعصرانيين فنتج عن استعمال العقل في غير مجاله: في أمور غيبية تقع خارج الحس، ولا يمكن محاكمتها محاكمة عقلية صحيحة، كما أنهم بنوا عدداً من القضايا على مقدمات معينة، فكانت النتائج ليست صحيحة على إطلاقها( ).
والدور الذي أعطاه العصرانيون للعقل، يلخصه الأستاذ عبد السلام البسيوني بأن "يحل العقل محل النص، وأن يقوم هوى الإنسان مقام هدى الرحمن جلّ في علاه، وأن تكون النظريات البشرية حاكمة على القطعيات الربانية، وهذا ما لا يقبل به عاقل ولا مسلم"( ).
وينقل البسيوني عن معجم المصطلحات العلمية ليوسف خياط تعريفه للعقلانية، التي يراد بها عموماً: "المذهب الفلسفي الذي يرى أن كل ما هو موجود مردود إلى مبادئ عقلية، ويراد بها خصوصاً الاعتداد بالعقل ضد الدين، بمعنى عدم تقبل المعاني الدينية إلاّ إذا كانت مطابقة للمبادئ المنطقية والنور الفطري"( ).
إن التعريفات السابقة لا تدع مجالاً للشك في أن تيار العصرانية أو العقلانية، يدعو لأن يكون العقل ضد الدين، وحَكَماً على نصوص الكتاب والسنة، لا كما يتوهم من أن هذا التيار يدعو للتفكر وإعمال العقل.(36/6)
ومما يزيد الأمر وضوحاً، أن بذور الدعوة العقلانية في العصر الحديث بذور يهودية إلحادية، فقد برر الفيلسوف اليهودي( ) الوجودي الفرنسي بول سارتر (1905 ـ 1980) نشرها بما يحقق مصالح اليهود، وبما يساهم في نشر الأفكار الإلحادية والمصادمة للدين، إذ يقول بأن "البشر ما داموا يؤمنون بالدين، فسيظل يقع على اليهود تمييز مجحف على اعتبار أنهم يهود، أما إذا زال الدين من الأرض، وتعامل الناس بعقولهم، فعقل اليهودي كعقل غير اليهودي، ولن يقع عليهم التمييز المجحف"( ).
ويقول سارتر أيضاً: "إن اليهود متهمون بتهم ثلاث كبرى هي: عبادة الذهب، وتعرية الجسم البشري، ونشر العقلانية المضادة للإلهام الديني"( ).
أهم أفكارهم وعقائدهم
1ـ إنكار حق الردّة بدعوى حرية الفكر والرأي والانفتاح الفكري( ) بل ويتجاوز بعضهم الحد، عندما يطالب باحترام حقوق الملحدين، وضرورة السماح لهم بنشر آرائهم بين المسلمين، يقول جودت سعيد، وهو من رموز هذا التيار: "الكفر ليس ذنباً دنيوياً، والكفر ذنب أخروي، فالله يحاسب الكافر عليه، والكافر له حق أن يعيش، والملحد له حق أن يعيش محترماً، وإن استطاع الملحد أن يقنع الناس بإلحاده فلا حرج عليه، لكنه لا يفرض رأيه بالقوة، ويجب أن نزيل التنابز بالكفر"( ).
كما يبدي د. خالص جلبي وهو من رموز هذا التيار أيضا اعتراضه على حكم الله وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم بقتل المرتد( ) ويقول: "في المجتمع الإسلامي، مجتمع اللا إكراه، لا يقتل الإنسان من أجل آرائه، أيّا كانت الأفكار، سواءً تركاً أو اعتناقاً"( ).
2ـ التشكيك في مفهوم الجهاد في الإسلام وأهدافه( )، بل وتعطيله، وتضييق دائرته، وقصره على ما يسمى "الدفاع" فقط، كما حرفوا ما يتبع الجهاد من أحكام شرعية، كالجزية والرق وتقسيم الدور إلى دار إسلام ودار كفر( ).(36/7)
ويعرف جودت سعيد الجهادَ بقوله: "الجهاد هو استخدام القوة بعد الوصول إلى الحكم برضا الناس، لمنع الإكراه في الدين"( ).
والملاحظ أن جودت ربط مفهوم الجهاد بقضية الإكراه في الدين فقط، أي أنه لا جهاد إلاّ إذا حدث للمسلم فتنة عن دينه بالإكراه( ).
3ـ أفتى بعضهم، وعلى رأسهم الدكتور حسن الترابي، بإباحة زواج المرأة المسلمة من اليهودي والنصراني قائلاً في محاضرة في مدينة أم درمان السودانية (أبريل 2006): "إن تحريم زواج المسلمة من الرجل الكتابي مسيحياً كان أم يهودياً هو مجرد أقاويل وتخرصات وأوهام وتضليل، الهدف منها جرّ المرأة إلى الوراء".
4ـ نفي بعضهم أن تعدل شهادة الرجل شهادة امرأتين، كما دلت الآية الكريمة (واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء)( ). وقد اعتبر الترابي في المحاضرة ذاتها "أن هذا ليس من الدين أو الإسلام، بل هو مجرد أوهام وأباطيل وتدليس، أريد بها تغييب وسجن العقول في الأفكار الظلامية التي لا تمت للإسلام بشيء".
5ـ تهوين أمر الحجاب الشرعي، والتساهل في شأنه، واستباحة الاختلاط بين الرجال والنساء( ) ويعتبر الترابيُ الحجابَ الشرعيَ "فهماً خاطئاً لمقاصد الدين والآيات التي نزلت بخصوص الحجاب والخمار"( ).
أهم ملامح هذا التيار
1ـ الدفاع عن المعتزلة والثناء عليهم، كما يظهر ذلك من كتابات د. محمد عمارة. ويقول د. خالص جلبي: "وعندما استقر الأمر للعقل الكسيح، وطحن التيار العقلاني من المعتزلة وسواهم، أصبح التشكيك في عقيدة أي إنسان حتى اليوم، يكفيها أن تنسب لهذا الخط الفكري، ورسي مصير المعتزلة والاتجاه العقلاني في خانات الهرطقة... وبقيت الساحة عقلاً من دون مراجعة، ونقلاً من دون عقل"( ).
كما اعتبر أحمد أمين، صاحب المؤلفات التاريخية والأدبية، "أن من أكبر مصائب المسلمين موت المعتزلة"( ).(36/8)
2ـ تمجيد الزنادقة والشخصيات المنحرفة، والدعوة إلى نشر تراثهم، يقول د. جلبي منتقداً إعدام الحلاج الزنديق في العهد العباسي: "كل المظالم وقعت باسم الشعب، وباسم الأمن، أنشئت أجهزة الرعب، وأنه تحت بعض الشعارات تغتال الحقائق، فباسم الشعب في بغداد حكم على الحلاج بضرب ألف سوط، ثم قطع لسانه وأطرافه"( ).
ويشيد جودت سعيد عادة بالجاحظ وابن المقفع، وهما من أئمة الزندقة والبدع كما حكى العلماء، فيقول: "ويزداد الإنسان إعجاباً بأقوال ابن المقفع حول الملك (السياسة)... ويقول: "والجاحظ له مقام في الحضارة الإسلامية، يتألق نجمه على مرّ الزمن.. كان يتذوق مع آيات الكتاب: آيات الآفاق والأنفس... وهو وإن كان إماماً في الأدب، إلاّ أنه صاحب مذهب في العقيدة أيضاً"( ).
3ـ الانتقاص من السلف الصالح ومن أهل السنة وعلمائهم ومذهبهم، يقول الأستاذ البسيوني في بيان حال هؤلاء العصرانيين: ""وكلما كنت مستمسكاً ومنافحاً عن التراث، منادياً، بشمولية الإسلام، كنت (سلفيّاً)، وإن أعدى أعدائهم، وعمى عيونهم في المناهج السلفية الاتباعية... وهي عندهم قرينة لخراب الدنيا، ونذير بيوم تحل فيه الغمّة"( ).
وينتقص محمد عمارة من إمام أهل السنة أحمد بن حنبل رحمه الله ومن منهجه وأتباعه للسنة فيقول : " ... ولقد بلغ من اتباع ابن حنبل للنصوص والمأثورات , ولها وحدها , الحد الذي جعله لا يرجح , بالرأي أو العقل أو القياس , مأثورة على أخرى عندما تتعدد وتتضارب وتتعارض المأثورات في الأمر الواحد والقضية الواحدة , فكان يفتي بالحكمين المختلفين لأن لديه مأثورتان مختلفتان في الموضوع ! ( ).(36/9)
ويطالب جودت سعيد بعدم اتباع السلف الصالح في منهجهم وتفكيرهم , قائلا : " على المسلم أن لا يضع الآباء المسلمين ، المتقدمين منهم والمتأخرين مكان القواعد والسنن ، مهما أحسنّا الظن فيهم " ويقول : " وربما كان ما أصيب به المسلمون من الجمود على رأي الآباء ، أقوى من جمود غيرهم من الأقوام ، لأن الآباء حلّوا محل الآيات ، سواء آيات الكتاب ،أو آيات الآفاق والأنفس " ( ).
4ـ تشويه تاريخ المسلمين وجهادهم وفتوحاتهم، والإساءة إلى كل الدول التي قامت بعد عصر الخلفاء الراشدين وفتوحاتها، بل وطالت إساءاتهم حتى عصر الراشدين رضي الله عنهم.
فيعتبر د. عمارة أن حروب الردة لم تكن دينية، وإنما كانت في سبيل الأمر والسلطان والتوسع. ويدّعي أيضاً أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان رائد التمييز بين السياسة والدين! مع معارضة جمهور الصحابة له، وأنه بنى الدولة الإسلامية على هذا التمييز( ).
ويقول خالص جلبي: "إن السيف الأموي في الأندلس، والمدفع العثماني في البلقان يصلح تفسيراً لانحسار الإسلام عن أوروبا، لأنه لم يكن انتشاراً على منهج النبوة، بل اجتياحاً عسكرياً، ونسميه إسلاميّاً"( ).
5ـ الثناء على بعض المذاهب المنحرفة وإبراز الحركات الثورية والمتمردة، التي تمردت على دول الخلافة الإسلامية وإظهار هذه الحركات "في قوالب تميل إلى إظهار أصحاب هذه الحركات في ثياب الإبداع الحضاري والعطاء الإنساني، بينما وضع (أي الدكتور عمارة) مخالفيهم في قائمة السلطوية أو الرجعية أو النصوصية"( ).(36/10)
ويرى د. عمارة أن حركة الخوارج كانت التجسيد الحي لحرارة القيم الثورية التي جاء بها الإسلام. كما يرى أن حركة القرامطة كانت نزوعاً عربيّاً نحو إقامة كيان عربي يكتسب ملامحه القومية بمرور الأيام، وأن جماعة إخوان الصفا الإسماعيلية، كانت حركتهم ثورية أنبتتها التربة العربية كرد فعل للظلم الاجتماعي والسياسي، وللإرهاب الذي شنته السلطات الإقطاعية ضد كل ما هو متقدم في الحياة"( ).
كما اعتبر د.عمارة أن الاشتراكية هي التطبيق الأمثل للإسلام، ويقول: "إننا إذا شئنا أن نقوّم هذه التجربة، فلن نجد أكثر دقة ومطابقة للواقع من أن نقول عنها إنها محاولة جادة ومخلصة وعملاقة لتطبيق أفكار الاشتراكية"( ).
6ـ إنكار بعض المعجزات النبوية وكرامات الصالحين وبعض الغيبيات، أو تأويلها تأويلاً يأباه النص كموقفهم من نزول المسيح عيسى ـ عليه السلام ـ والملائكة والجن، والطير الأبابيل، وظهور الدجال في آخر الزمان( ).
"وما تفسير الشيخ محمد عبده لإهلاك أصحاب الفيل بوباء الحصبة أو الجدري الذي حملته الطير الأبابيل، إلاّ من هذا القبيل"( ).
7ـ تمجيد الحضارة الغربية ومفكريها، وبعض النظريات الوضعية. يقول د. خالص جلبي: "حضارة الغرب اليوم ليست مادية فقط كما ندّعي... ونحن لسنا في حضارة روحية تحلق في السماء... فكل حضارة تقوم على مجموعة من القيم، والحضارة الغربية (اليوم) لا تخرج أو تشذ عن هذا القانون"( ).
وينقل جودت سعيد عن المؤرخ توينبي (في كتاب تاريخ البشرية) قوله: "في فترة لا تتجاوز خمسة أجيال فقط، ظهر خمسة من كبار الحكماء في العالم القديم (زرادشت، بوذا، كونفوشيوس، فيثاغورس، وإشعيا الثاني أحد أنبياء بني إسرائيل).
ويعلق جودت سعيد على كلام توينبي السابق، ويقول: "ولا يزالون حتى اليوم يؤثرون في الإنسانية مباشرة، أكثر من أي كائن بشري حي"( ).(36/11)
8ـ تبني مذهب "اللا عنف" الذي يعني ضمناً إلغاء الجهاد، والاقتصار على الوسائل "السلمية" في مواجهة الظلم، ويعتبر جودت سعيد، أبرز الدعاة لهذا المبدأ، وكذلك تلميذه خالص جلبي، وهما دائما الإشادة بالزعيم الهندي غاندي، ولمنهجه في تجنب محاربة الاستعمار البريطاني للقارة الهندية.
يقول خالص جلبي: "لقد أدرك غاندي بالتجلي العبقري، والروح السلمية أنه لن يقود شعبه لمواجهة خصمه قبل أن يحرره من المرض النفسي الداخلي. وعندما غادر البريطانيون شبه القارة الهندية، ودّعوها أصدقاء بدون كراهية!
وكان استقلال الهند نموذجاً عجيباً من الوداع الحبي أو على حد تعبير غاندي يومها: أيها السادة حان وقت رحيلكم! وما زالت الهند تنعم بشيء من روح الديمقراطية، وكله من بقايا روح المهاتما غاندي العظيمة"( ).
للاستزادة:
1ـ المدرسة العصرانية في نزعتها المادية ـ محمد بن حامد الناصر.
2ـ العقلانيون ومشكلتهم من أحاديث الفتن ـ مبارك البراك.
3ـ العقلانية: هداية أم غواية ـ عبد السلام البسيوني.
4ـ مقالات في المذاهب والفرق ـ د. عبد العزيز العبد اللطيف.
5ـ الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة ـ إصدار الندوة العالمية للشباب الإسلامي.
6ـ الفرق والمذاهب الإسلامية منذ البدايات ـ سعد رستم.
7ـ تيارات الفكر الإسلامي ـ د. محمد عمارة.
سطور من الذاكرة
أبو يزيد الخارجي
اجتهد علماء أهل السنة وقادتهم، إضافة إلى عوامهم، بمقاومة الدولة العبيدية الفاطمية، التي نشأت في أواخر القرن الثالث الهجري، وسيطرت على المغرب العربي في أول أمرها ومن ثم مصر والحجاز وبلاد الشام واليمن.
وقد كانت تلك الدولة الشيعية الإسماعيلية مثالاً على فساد المعتقد والمسلك، ونشر الشرك والبدع، ومحاربة الحق وأهله، حتى هيّأ الله لهذه الأمة، القائد صلاح الدين الأيوبي الذي تمكن من القضاء على دولتهم سنة 567 هـ (1171م).(36/12)
وقد تعددت الثورات التي اندلعت ضدها، كما تعددت دوافعها ومنطلقاتها. وفي هذه السطور، نشير إلى واحدة من الثورات التي قامت على الدولة العبيدية في المغرب العربي في القرن الرابع الهجري، وهي ثورة أبي يزيد، الذي كان ينتمي إلى الإباضية الخوارج، وبمقدار ما عانى العبيديون من ثورته عانى أهل السنة أيضاً برغم الدعم الذي قدّموه لثورته.
وأبو يزيد هو: مخلِّد بن كيداد اليفرني، وهو بربري من قبائل بني يفرن الزناتية، وقد عاش فقيراً، وكان في أول أمره معلماً للقرآن، وعرف عنه الزهد والتقشف، واشتهر بأنه كان يتنقل بين القبائل بالحمار، فسمي بـ "صاحب الحمار".
وكان عام 323هـ (935م) عاماً بارزاً في تاريخ أبي يزيد، ففي هذا العام بدأ أبو يزيد ثورته على دولة بني عبيد التي لم يكن قد مضى على تأسيسها سوى عقدين ونصف،وكان يحكمها آنذاك القائم بأمر الله، وهو ثاني الأئمة الإسماعيليين في عهد الظهور، بعد أبيه عبيد الله المهدي.
وكغيره من أئمة الدولة العبيدية، عُرف القائم بفساد العقيدة، وتعصبه لمذهبه حتى قال فيه القاضي عبد الجبار الهمذاني: "وزاد شرّه على شرّ أبيه أضعافاً مضاعفة، وجاهر بشتم الأنبياء، فكان (منادي) ينادي في أسواق إفريقية والمهدية... العنوا عائشة وبعلها، العنوا الغار ومن حوى، وقتل الفقهاء والعلماء القتل الذريع، واستولى من بلدان المغرب على أكثر ما استولى أبوه.."( )
وإذا كان هذا هو حال العبيديين، فإنه من الطبيعي أن يجتهد المسلمون في مقاومتهم، ومن هؤلاء أبو يزيد اليفرني، مستفيداً من عدة عوامل منها:
1ـ أن القائم العبيدي، كان قد استلم الحكم حديثاً، ولم يكن بحزم أبيه وقوته.
2ـ عداء قبيلة زناتة التي ينحدر منها أبو يزيد للعبيديين، وقبيلة صنهاجة التي ساندتهم( ).(36/13)
3ـ وقوف أهل السنة في صف أبي يزيد ضد العبيديين، رغم علمهم بانتمائه إلى الخوارج، وتحديداً إلى الإباضية النكّارية( )، الذين دأبوا على توجيه سهامهم إلى المسلمين.
وكان بعض علماء أهل السنة يرون أن خطر الخوارج أقل من خطر العبيديين الإسماعيليين، وقال أحدهم، وهو أبو بكر المالكي: "إن الخروج مع أبي يزيد الخارجي، وقطع دولة بني عبيد فرض، لأن الخوارج من أهل القبلة، لا يزول عنهم الإسلام ويرثون ويورثون. وبنو عبيد ليسوا كذلك لأنهم مجوس زال عنهم اسم المسلمين، فلا يتوارثون معهم، ولا ينتسبون إليهم"( ). وقال آخر، وهو أبو إسحاق الفقيه:هم أهل القبلة (أي الأباضيين) وأولئك (العبيديون) ليسوا أهل القبلة، وهم بنو عدو الله، فإن ظفرنا بهم لم ندخل تحت طاعة أبي يزيد لأنه خارجي"( ).
وهكذا تهيّأت الظروف لأبي يزيد لقتال العبيديين، وكان عمره قد جاوز الستين، وسارع أهل السنة لمساعدته ودعمه "وتسارع الفقهاء والعبّاد في أهبة كاملة بالطبول والبنود، وخطبهم في الجمعة أحمد بن أبي الوليد، وحرضهم، وقال: جاهدوا من كفر بالله، وزعم أنه رب من دون الله، وغيّر أحكام الله، وسبّ نبيه. فبكى الناس بكاءً شديداً، وقال: اللهم إن هذا القرمطي الكافر المعروف بابن عبيد الله المدعي الربوبية جاحد لنعمتك، كافر بربوبيتك، طاعن على رسلك، مكذب بمحمد نبيك، سافك للدماء، فالعنه لعناً وبيلا، واخزه خزياً طويلاً، واغضب عليه بكرة وأصيلاً، ثم نزل، فصلى بهم الجمعة"( ) .
وحقق أبو يزيد في بادئ الأمر انتصارات كبيرة على العبيديين وجيوشهم في المغرب العربي، وكاد يقضي على دولتهم، حتى أنه لم يبق للعبيديين سوى مدينة المهدية. ومات القائم سنة 334 هـ (946 م)، وأخفى العبيديون خبر موته لئلا يشد ذلك من عزم أبي يزيد، وتولى ابنه إسماعيل الحكم مكانه، وتلقب فيما بعد بلقب "المنصور بنصر الله".(36/14)
وكان للمنصور العبيدي معارك وحروب عديدة مع أبي يزيد وأنصاره، انتهت بمقتل أبي يزيد سنة 336هـ، بعد أن تخلى عنه كثير من الناس.
وقد ذكر الباحثون أسباباً عديدة لتخلي الناس عن ثورة أبي يزيد الخارجي، الأمر الذي أدّى إلى انتصار العبيديين وبقاء دولتهم، التي كانت على وشك الانهيار منها:
1ـ قوة المنصور وتخطيطه العسكري، خلافاً لوالده القائم.
2ـ ضجر سكان بعض المناطق بممارسات أتباع أبي يزيد، من حيث القتل والسلب.
3ـ انضمام بعض القبائل إلى العبيديين، خاصة وأنهم كانوا يعلنون منحهم الأمان.
4ـ عقيدة الخوارج التي كانت متأصلة في نفس أبي يزيد، وكان يعامل أهل السنة بموجبها.
5ـ أنه لم تكن لثورته أهداف وخطة واضحة، ولم تسعَ إلى تكوين دولة.
وبالرغم من وجاهة الأسباب السابقة، إلاّ أن "النزعة الخارجية" لأبي يزيد، جعلت أهل السنة يضيقون به ذرعاً، وينكشفون عنه، فقد كان أبو يزيد يضمر لأهل السنة أشد العداوة، ويستحل أموالهم ونساءهم، وأخفى عليهم عقيدته، وأظهر لهم صداقته، ولمّا رأى القدرة من نفسه، غدر بأهل السنة وخلّى بينهم وبين العبيديين، يقتلونهم ويستبيحون نساءهم"( ) .
يقول الشيخ طاهر الزاوي عن أبي يزيد "دخل القيروان بعد أن خرب البلاد، وقتل الرجال، وسبى النساء، وشق فروجهنّ، وبقر بطون الحوامل، والتجأ الناس إلى القيروان حُفاة عراة، ومات كثير منهم عطشاً وجوعاً"( ) .
وفي هذا درس لمن يعقل من أهل السنة أن أهل البدع درجات في العداء فالعبيديون كانوا أضل وأعدى من الخوارج ولكن الانضمام تحت قيادة فريق من أهل البدع خطأ سرعان ما ظهرت آثاره حين انتصر الخوارج في بعض المعارك. فعلى أهل السنة التعاون مع أهل البدع الصغرى ضد أهل البدع لكبرى دون الدخول في جماعتهم، بل يكونون قوة مستقلة تحمي نفسها وحقها.
للاستزادة:
1ـ تاريخ الفاطميين في شمالي إفريقية ومصر وبلاد الشام ـ د. محمد سهيل طقّوش.(36/15)
2ـ الإسماعيلية تاريخ وعقائد ـ الشيخ إحسان إلهي ظهير.
3ـ الدولة العبيدية الفاطيمة ـ د. علي محمد الصّلابي.
4ـ الخوارج قديماً وحديثاً ـ الشيخ سلميان المنيعي.
5ـ أخبار ملوك بني عبيد وسيرتهم ـ أبو عبد الله محمد بن علي بن حماد.
6ـ سير أعلام النبلاء ـ الإمام شمس الدين الذهبي.
7ـ دراسات عن الإباضية ـ د. عمرو النامي.
دراسات
جهود صلاح الدين الأيوبي في إحياء المذهب السنّي
في مصر والشام (564هـ ـ 589هـ/1169م ـ 1172م)
محمد الرحيّل غرايبة - قسم الشريعة. كلية الآداب، جامعة مؤتة، الأردن
مجلة مؤتة للبحوث والدراسات (السلسلة أ: العلوم الإنسانية والاجتماعية) مجلد 10 ، عدد 3 ، 1995م .
ملخص
تكشف هذه الدراسة عن جهود صلاح الدين الأيوبي في إضعاف المذهب الشيعي، وإحياء المذهب السنّي فقهاً وعقيدة في مصر وبلاد الشام، عن طريق إنشاء المدارس التي درّست المذهب السنّي، وجعل القضاء بموجب المذهب الشافعي وعن طريق تقريب الفقهاء والاهتمام بهم، وعن طريق محاربة الفلاسفة والمبتدعين في أمور الدين.
----------------
مقدمة
لما كانت الأبحاث والدراسات حول صلاح الدين الأيوبي (ت: 589هـ/1193م) كثيرة ومتنوعة رأيت أن أبحث عن موضوع، لم يتناوله الباحثون، أو لم يوفوه حقه من البحث والتمحيص.
وبما أن الجانب العسكري لديه، قد أُشبع بحثاً باعتباره صانع مجد هذه الأمة خلال فترة الحروب الصليبية. رأيت أن أتجه إلى أحد الجوانب الأخرى المهمة في حياته.
ولما كان هو الذي أزال الخلافة الفاطيمة الشيعية من الوجود نهائياً، وأن المذهب الشيعي في عهده قد وهن وهناً شديداً، بسرعة لافتة للنظر، مما يستدعي الوقوف على السر الذي يكمن وراء هذا الضعف.
لذلك عمدت إلى الكتابة حول هذا الموضوع محاولاً سدّ فجوة في الدراسات التي تناولت سيرة صلاح الدين.(36/16)
وفي هذا البحث، أشرت بإيجاز إلى الأسباب التي حدت بصلاح الدين إلى أن يشنّ حملته على الفاطميين، وألقيت بعض الضوء على جهوده السياسية (السلمية) في نشر المذهب السنّي، والتي تمثلت في إكثاره من إنشاء المدارس التي تُدرس فقه مذاهب أهل السنة. وعزله القضاة الشيعيين، واستبدالهم بقضاة سنّيين، واهتمامه بالعلماء والفقهاء وتقريبهم إليه. وقمت بتفنيد التهمة التي نسبت إليه، بأنه كان سبباً في جمود الفكر الإسلامي بقتله الفيلسوف يحيى السُهرَوَردي (ت 587هـ/1191م)، وأومأت بإيجاز إلى أثره في تنشيط المذهب السنّي في حاضرة الخلافة العبّاسية.
وجاءت الدراسة موزعة في مجموعة مباحث هي:
1ـ أسباب محاربة المذهب الشيعي.
2ـ المدارس التي أُنشئت في عهد صلاح الدين.
3ـ القضاء.
4ـ الاهتمام بالفقهاء.
5ـ بغض صلاح الدين للفلسفة.
6ـ دول صلاح الدين في تنشيط المذهب السنّي في بغداد.
بالإضافة إلى خاتمة ذكرت فيها أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة.
ولا أزعم أن هذا المبحث جاء كاملاً خالياً من الهفوات والنقص، فالكمال لله وحده ، وأسال الله سبحانه أن يجعل عملي هذا خالصاً لوجهه الكريم.
أسباب محاربة المذهب الشيعي:
عمل الخلفاء الفاطميون ودعاتهم في مصر والبلاد التي حكموها، بشكل نشيط على نشر المذهب الشيعي، عن طريق بذل الأموال، وجعل القضاء على مذهبهم الذي يدينون به. لذلك نهض المذهب الشيعي نهضة كبيرة. وبالمقابل فقد ضعف نفوذ المذهب السني، الذي كان سائداً في مصر وغيرها من البلاد التي خضعت للفاطمين.
ولما اعتلى صلاح الدين كرسيّ الحكم في مصر، سرعان ما عمل على إنهاء الخلافة الفاطمية، "وبذلك عادت إلى مصر السلطة الروحية للخليفة العباسي"( )، كما عمل على تقوية المذهب السني ومحاربة المذهب الشيعي. المذهب الرسمي للفاطميين. مستعملاً في ذلك أساليب متنوعة. منها ما هو عسكري، ومنها ما هو سياسي.(36/17)
أما أسلوبه العسكري فتمثل في قمعه للحركات وللمؤامرات التي استهدفت القضاء عليه وعلى أنصاره وإعادة الخلافة الفاطمية. مثل حركة مؤتمن الخلافة( ). ومؤامرة عمارة اليمني( ). وثورة الكنز( ).
وأمّا أساليب صلاح الدين السياسية (السلمية) في محاربة التشيع. فتمثلت في أنه أتجه إلى عقول الناس، فعمل على إنشاء المدارس الفقهية التي تدرّس مذاهب أهل السنّة، ولاسيما المذهب الشافعي، وجعل القضاء على المذهب السني واهتم اهتماماً كبيراً بالفقهاء.
لماذا قام صلاح الدين بمحاربة المذهب الشيعي؟
يمكننا إرجاع صلاح الدين على محاربة المذهب الشيعي إلى الأسباب التالية:
ـ أنه وجد في الشيعية منافساً قوياً له، حيث أعلنوا مراراً مطالبتهم وأحقيتهم بالحكم من صلاح الدين لكونه كّرديّاً من ناحية. وأنه ليس عربياً مصرياً من ناحية أخرى، ومن ناحية ثالثة فهو لا يدين بمذهبهم. وسبق أن أشرنا إلى أهم الحركات التي قاموا بها ضده.
ـ إن صلاح الدين عدّ نفسه حامي الخلافة العباسية والمدافع عنها، لذلك أعطى نفسه الحق في قمع حركات الشيعة بشدة، حيث عدّهم خارجين وبعيدين عن مذهب الخلافة العباسية عقيدة وفقهاً، فقد أرسل الخليفة العبّاسي المستنجد (ت: 566هـ/1170م)، إلى نور الدين زنكي (ت:569هـ/1174م) ـ سيد صلاح الدين ـ أن يُسقط الخلافة الفاطمية، الذي قام بدوره بالكتابة إلى صلاح الدين يأمره أن ينهي الخلافة الفاطمية( )، ويُرجع مصر إلى حضيرة الخلافة العباسية، فقام صلاح الدين بالقضاء على الخلافة الفاطمية ومذهبها.
ـ ثبت وبشكل قاطع تحالف بعض الخلفاء الفاطميين ووزرائهم مع الصليبيين( )، ضد صلاح الدين. ومن قبله ضد نور الدين محمود، لذلك وجد فيهم عقبة كأداء في سبيل تحرير الأراضي الإسلامية التي اغتصبها الصليبيون.
وفيما يلي نعرض بإيجاز لأساليب صلاح الدين السلمية التي اتبعها في سبيل محاربة المذهب الشيعي:
المدارس:(36/18)
لم يعرف العالم الإسلامي المدرسة قبل القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي، وكانت أول مدرسة بنيت في ديار الإسلام هي المدرسة البيهقية في نيسابور، ثم المدرسة النظامية في بغداد. ثم أخذت المدارس تنتشر في العراق وخراسان وغيرها من البلدان الإسلامية( ).
وعندما ملك صلاح الدين مصر، "لم يكن بها شيء من المدارس"( )، فقام ببناء عدة مدارس للشافعية والمالكية. مقتدياً بالملك العادل نور الدين محمود زنكي. الذي بنى عدة مدارس في بلاد الشام للحنفية والشافعية( )، وقد تأسّى بصلاح الدين في إقامة المدارس في مصر والشام أقرباؤه وأمراؤه والأغنياء من الفقهاء وغيرهم.
وقد مهدت هذه المدارس الطريق أمام طلاب العلم لينهلوا من معين العلوم الشرعية والعربية وغيرها بأيسر جهد، وأقصر وقت. وأقل التكاليف. وأصبح طالب العلم غير محتاج إلى أن ينتقل من بلد إلى آخر يبحث عن المدرسين بل صار المدرسون هم الذين يأتون إليه في المدرسة.
وقد جعلت هذه المدارس من عهد صلاح الدين عهداً مشرقاً سواء في مصر أو بلاد الشام، إذ أصبحا محور استقطاب العلماء من جميع البلدان الإسلامية، لما كان يلاقيه الفقهاء من كريم العناية والرعاية، ولما كان يغدقه صلاح الدين عليهم من أُعطيات ومنح كثيرة، فقد بلغت المرتبات للفقهاء والمدرسين بدمشق في عهده حوالي ثلاثمائة ألف دينار، وكان عددهم حوالي ستمائة مدرس وفقيه( ).
ولكي يضمن صلاح الدين دخلاً ثابتاً للمدارس التي يُنشئها، كان يوقف عليها أوقافاً تكفي للإنفاق على الفقهاء (المدرسين) والدارسين( ). كما هُيئت لهذه المدارس كل أسباب الراحة ووسائل العيش، ليتفرغ الدارسون والمدرسون تفرغاً كاملاً للعلم.(36/19)
وقد هدف صلاح الدين من إنشاء المدارس التي شيّدها إلى مقاومة المذهب الشيعي، عن طريق تعليم فقه أهل السنة. ولاسيما مذهبه الذي كان يعتقده وهو المذهب الشافعي، بالإضافة إلى أنها كانت مراكز لتثقيف الناس وتعليمهم لغتهم وأمور دينهم، وتبصيرهم بما يُحيق بهم من مخاطر تهدد وجودهم، فعملت على إثارة روح الجهاد في الناس، مما جعلهم يلتفّون حول زعيمهم، مما مكنه من تحقيق انتصارات باهرة على الصليبيين، حيث تمكّن من فتح أغلب معاقل الصليبيين التي كانت منغرسة في بلاد الشام.
والمدارس التي بناها صلاح الدين في مصر هي:
المدرسة الناصرية: بناها صلاح الدين في مصر (الفسطاط) سنة 566هـ/ 1170م مكان سجن المعونة، وكان في ذلك الوقت وزيراً، وجعل التدريس فيها على المذهب الشافعي( ).
المدرسة القمحية: بناها صلاح الدين في أثناء وزارته، وجعل الدراسة فيها على المذهب المالكي( ).
المدرسة الصلاحية: أنشأها صلاح الدين بعد أن انفرد بحكم مصر، بجوار قبر الشافعي بالقرافة، وجعل التدريس فيها على المذهب الشافعي، وأول من درس بها الفقيه الزاهد نجم الدين الخبوشاني (ت:587هـ/ 1191م)( ). وجعل له في كل شهر أربعين ديناراً عن التدريس. وعشرة دنانير عن النظر في أوقاف المدرسة، ورتّب له من الخبز في كل يوم ووقف ستين رطلاً، ورواتين من ماء النيل. ووقف عليها حمّاما بجوارها. وحوانيت بظاهرها وجعل فيها معيدين( ).
المدرسة السيفية: أسسها صلاح الدين بعد أن أصبح ملكاً لمصر، جعل التدريس فيها على المذهب الحنفي، وعيّن للتدريس فيها الشيخ مجد الدين محمد بن محمد الجيني. ورتّب له في كل شهر أحد عشر ديناراً. وباقي ريع وقفها. يصرفه على ما يراه لطلبة الحنفية المقررين عنده. على قدر طبقاتهم( ).
أما المدارس التي بناها في بلاد الشام أو أمر بتجديد عمارتها فهي:
المدرسة الصلاحية: بناها صلاح الدين في دمشق، وجعل التدريس فيها على المذهب الشافعي( ]).(36/20)
المدرسة الكلاّسة: بُنيت في زمن نور الدين محمود زنكي. وأمر صلاح الدين بتحديد عمارتها سنة 575هـ/1179م( ).
المدرسة الغزالية: أسست في عهد نور الدين محمود زنكي، وأهتم صلاح الدين بإصلاحها. وجعل قرية (حزم) من أعمال حوران وقفاً عليها. وعلى المشتغلين بها من العلوم الشرعية وجعل النظر والتدريس فيها لقطب الدين مسعود النيسابوري الشافعي (ت:578هـ/1182م)( ).
وفي سنة 576هـ/ 1180م أمر ببناء مدرسة في الإسكندرية خلال زيارته لها( ). كما أمر ببناء مدرسة كبيرة في الموصل( ]).
المدرسة الصلاحية: أنشأها صلاح الدين في مدينة القدس سنة 588هـ/1192م. وجعل التدريس فيها على المذهب الشافعي، وجعلها وقفاً على أهل العلم( )، ولحد الآن يوجد كتاب وقفها منقوشاً على حجر كبير وُضع على باب المدرسة، ونصها كالآتي: "بسم الله الرحمن الرحيم، وما بكم من نعمة فمن الله، هذه المدرسة المباركة وقفها مولانا الملك الناصر صلاح الدنيا والدين سلطان الإسلام والمسلمين، أبو المظفّر يوسف بن أيوب بن شاذي محيي دولة أمير المؤمنين، أعزّ الله أنصاره، وجمع له بين خير الدنيا والآخرة، على الفقهاء من أصحاب أبي عبد الله محمد بن ادريس الشافعي رضي الله عنه، سنة ثمان وثمانين وخمسمائة"( ).
وهذه المدارس التي شيّد صرحها صلاح الدين، لا نجد شيئاً منها منسوباً إليه في الظاهر، وإنما تُنسب لجهات أخرى: كأن تنسب إلى الفقيه الذي درّس بها، أو إلى المكان الذي توجد فيه، أو غير ذلك، وهذا كما يقول ابن تغري بردي "صدقة السر على الحقيقة"( ).
مدرسة دار الغزل: جعلها صلاح الدين للمالكية، وأوقف عليها أوقافاً كثيرة( ).
وإلى جانب المدارس، شيّد صلاح الدين أيضاً الجوامع الكثيرة والخانقات الصوفية، ولا يخفى أن هذه الأمكنة كان يُعقد فيها حلقات دروس في الفقه ومختلف العلوم الشرعية.
ومن المدارس التي أُسست في عهده والتي بناها غيره من أفراد الشعب نذكر:(36/21)
المدرسة الإقبالية: أنشأها خادم صلاح الدين جمال الدين بن جمال الدولة وقسمها إلى قسمين أحدهما للشافعية والآخر للحنفية( ).
مدرسة منازل العز: كانت في الأصل داراً تابعة للقصر الفاطمي في القاهرة، اشتراها الأمير تقي الدين بن عمر شاهنشاه بن أيوب، ابن أخي صلاح الدين، وجعلها مدرسة للشافعية سنة 574هـ/1178م( ). كما بنى هذا الأمير في دمشق المدرسة التقوية( [28]). وأنشأ مدرستين بالفيوم للشافعية والمالكية كما بنى مدرسة فخمة في حماة( ).
المدرسة العادلية: عمّرها أخو صلاح الدين العادل أبو بكر أيوب، في القاهرة( )، وكان بناؤها متقناً محكماً لا نظير له في بنيان المدارس( ).
المدرسة الشامية: بنتها أخت صلاح الدين ست الشام في دمشق، وهي من مدارس الشافعية( ).
مدرسة الصاحبة: بنتها ربيعة خاتون في دمشق للحنابلة( ).
المدرسة الأزكشية: بناها الأمير سيف الدين أيازكوج الأسدي. أحد أمراء صلاح الدين، وجعلها وقفاً على الفقهاء من الحنفية( ).
المدرسة العاشورية: كانت داراً لليهودي ابن جّميع الطبيب كاتب الأمير بهاء الدين قراقوش، فاشترتها منه الست عاشوراء بنت ساروح الأسدي زوجة الأمير ايازكوج الأسدي، ووقفتها على الحنفية، وكانت من الدور الحسنة( ).
المدرسة الفاضلية: بناها القاضي الفاضل عبد الرحيم بن علي البيساني (ت: 596هـ/1200م) سنة 580هـ/1184م. ووقفها على الشافعية والمالكية، ووقف بها ما يقارب مائة ألف كتاب( ).
المدرسة العصرونية: أنشأها قاضي القضاة الفقيه شرف الدين أبو سعيد عبد الله بن محمد بن أبي عصرون (ت: 585هـ/1189م)( ).
المدرسة القُطبية: بناها قطب الدين خسرو بن بلبل بن شجاع الهدباني في سنة 570هـ/1174. وجعلها وقفاً على الفقهاء الشافعية( ).
المدرسة الارسوقية: بناها التاجر عفيف الدين عبد الله بن محمد الارسوقي (ت: 593هـ/1197م) في سنة 570هـ/1174م( ).(36/22)
والملاحظ في عهد صلاح الدين الأيوبي. أن الجامع الأزهر الذي بناه الفاطميون ليكون مركزاً لنشر عقائد الشيعة. لم يعد يحتل المرتبة الأولى بين مراكز العلم. بل أصبح في المرتبة الثانية من الأهمية( )، ويرجع ذلك إلى المدارس الكثيرة التي أحدثها صلاح الدين، ثم إلى نقله خطبة الجمعة من الأزهر إلى الجامع الحاكمي. وبقيت الخطبة معطلة بالجامع الأزهر إلى عهد السلطان المملوكي الظاهر بيبرس (ت: 676هـ/1277م)( ).
ولا شك في أن هذا العدد الهائل من الدارس، خلال المدة البسيطة التي حكم بها صلاح الدين والتي تقارب العشرين عاما، إن دل على شيء فإنما يدل على اهتمامه الكبير بالعلم والعلماء، وليس غريباً عليه أن يصدر عنه هذا الاهتمام إذا عرفنا أنه كان فقيهاً في المذهب الشافعي "فكان يحفظ القرآن، وكتاب التنبيه في الفقه الشافعي"( )، وكان يكثر من مجالسة العلماء والاستماع إليهم، ومناقشتهم. كما سيتضح لنا فيما بعد.
وتجدر الإشارة إلى أن اهتمام صلاح الدين بإنشاء الخانقات الصوفية بكثرة، يؤكد لنا ما ذكرته بعض المصادر التاريخية أن صلاح الدين كان عنده نزعة صوفية، يقول السيوطي: "ذكر اليافعي في روض الرياحين، أن السلطان صلاح الدين كان من الأولياء الثلاثمائة"( ). كما أن المصادر التاريخية تُجمع على أنه كان زاهداً.
وصلاح الدين بتشييده صروح العلم، أضاف إلى سجله الحافل بالانتصارات العسكرية على أعداء الإسلام، سجلاً أخر لا يقل أهمية عن السجل الأول، خلّد ذكراه وهو بعث المذهب السنّي من جديد في مصر والشام والحجاز. بل وفي العراق، بعد أن كان من المحتمل أن يتلاشى، لو قدر للدولة الفاطمية أن يُمد في عمرها.(36/23)
إن صلاح الدين في إنشائه المدارس، لم يفرق بين مذهب وآخر، ولا بين الفقهاء. بل أنشأ مدارس لجميع المذاهب السنّية. وبذلك عمل على استبعاد العصبيات المذهبية وأشاد سياسة تقوم على استقطاب جميع أهل السنة من أجل صُنع جبهة موحّدة، ليقوى بها من محاربة أعدائه.
القضاء:
منذ اللحظة الأولى لتسلم صلاح الدين الوزارة في مصر، كان في نيته القضاء على الخلافة الفاطمية، وإحلال مذهب أهل السنة مكان المذهب الشيعي فكان أول عمل قام به هو "تحسين موقع الإسلام السنّي"( ). وذلك بعزل جميع القضاة الشيعيين من مناصبهم واستبدلهم بقضاة سنّيين. من أتباع المذهب الشافعي( ).
فقام سنة 566هـ/ 1171م، بإسناد قضاء مصر إلى الفقيه الشافعي صدر الدين عبد الملك ابن درباس الكردي (ت: 605هـ/ 1209م)( ). وعهد إليه باستنابة قضاة عنه في البلدان المصرية. يدل ذلك على أنه كان بمنزلة قاضي قضاة. ولا شك أن تنصيب قاضي قضاة سُني، مع وجود الخليفة الفاطمي "إجراء له دلالته السياسية الواضحة"( ).
وقد قام ابن درباس بتنفيذ ما أسند إليه من مهام وأثبت جدارة في عمله. فقام بنقل خطبة الجمعة من الأزهر إلى المسجد الحاكمي كما قام بإسناد مناصب القضاة في المدن المصرية إلى فقهاء من الشافعية أسهموا بدورهم في نشر المذهب الشافعي، وبذلك استعاد المذهب السني قوته. وأدى ذلك إلى ضعف المذهب الشيعي، واخذ نجمه بالأفول عن سماء مصر حتى وقتنا الحاضر.
وعندما دخل صلاح الدين دمشق سنة 570هـ/ 1173م. بعد وفاة نور الدين زنكي، أبقى على قضائها كمال الدين محمد بن عبد الله الشهرزوري (ت: 572هـ/ 1176م). رغم ما كان بينهما من عداوة. عندما كان صلاح الدين في دمشق، قبل قدومه إلى مصر. وبعد وفاة الشهرزوري. أسند صلاح الدين قضاء دمشق إلى الفقيه شرف الدين عبد الله بن أبي عصرون (ت: 585هـ/1189م)( ).(36/24)
وكان صلاح الدين كلما فتح بلداً فتح يولّي عليه قاضياً من أتباع المذهب الشافعي، وآخر من عيّن من القضاة قبل موته، هو القاضي بهاء الدين يوسف بن رافع بن تميم الشافعي. الذي عيّنه قاضياً على مدينة القدس وكان ذلك في سنة (588هـ/ 1192م)( ).
وتجدر الإشارة إلى أن صلاح الدين، قد جعل قضاة مهمتهم، النظر في المنازعات والخصومات التي تقع بين أفراد الجيش. وأطلق عليهم قضاة الجند أو قضاة العسكر. ومن أشهر هؤلاء القضاة، القاضي بهاء الدين بن شدّاد، والقاضي شمس الدين محمد بن موسى، المعروف بابن الفرّاش( ).
ولاهتمامه بمذاهب أهل السنة. ولاسيما المذهب الشافعي، جعل القضاة والمدرسين في المدارس ممن يتبعونه، فلا غرابة إذن. أن يشيع المذهب الشافعي، وتصبح له الصدارة بين بقية مذاهب أهل السنة، وأدى ذلك إلى انحطاط منزلة المذهب الشيعي واندراسه. وانمحاء أثره، ولم يجرؤ أحد من أهل البلاد على إعلان تشيّعه( ).
وصلاح الدين بجعله القضاء على المذهب الشافعي بدل المذهب الشيعي يعتبر عمله هذا "كمن قام بانقلاب سريع لإجراء تغيير مذهبي، ولكنه لم يكن عنيفاً أو دموياً"( )
الاهتمام بالفقهاء:
القائد الناجح لا يقتصر نجاحه فقط على الوصول إلى كرسي الحكم، وإنما يتمثل نجاحه الحقيقي في قدرته على اختيار رجاله ومعاونيه. الذين يعتمد عليهم، في تسييره لأمور الدولة في مختلف المجالات من عسكرية. وسياسية. وإدارية. وغيرها. ومن هؤلاء الرجال الذي اعتمد عليهم صلاح الدين. الفقهاء الذين شغلوا أعلى المناصب في الدولة. فكان منهم الأمير في الجيش. وكاتب الديوان. والقاضي، والمحتسب، والمدرس، والخطيب.(36/25)
وإذا كان صلاح الدين، قد حارب خصومه في الداخل والخارج بالسيف وغيره من أدوات القتال. فإن الفقهاء حاربوا الأعداء بأقلامهم وألسنتهم، عن طريق عملهم في القضاء. وتدريسهم في المدارس ووعظهم الناس في المساجد والخانقات فأدّوا دوراً هاماً في كشف زيف وبطلان مذهب الفاطميين. وفي إذكاء روح الجهاد في نفوس الجماهير. مما جعلهم يداً واحدة حول صلاح الدين. فمكّنه ذلك من تحقيق انتصاراته الخالدة على الصليبين.
وفي بداية تسلم صلاح الدين للوزارة من قبل الخليفة الفاطمي العاضد (ت: 567هـ/1171م)، أدّى الفقهاء وعلى رأسهم الفقيه عيسى الهكّاري (ت: 589هـ/1193م) دوراً كبيراً في إقناع كبار الأمراء المعارضين لتولية صلاح الدين، أن يدخلوا في طاعته( ). وكان لهذا الدور الأثر الكبير في تثبيت قدم صلاح الدين في الحكم.
كما كان للفقيه زين الدين بن النجا (ت: 600هـ/ 1204م) أيضاً، دوراً مهماً في ترسيخ ملك صلاح الدين في مصر. حيث يعود الفضل إليه في كشف المؤامرة الكبيرة التي تزعّمها عمارة اليمني (ت:569هـ/ 117م)، والتي استهدفت قتل صلاح الدين وأنصاره. وإعادة الدولة الفاطمية بالتعاون مع الصليبيين الحشيشية الإسماعيلية في الشام( ).
فلا غرابة إذن، أن يولي صلاح الدين الفقهاء اهتماماً كبيراً، وأن يجعلهم موضع رعايته وعنايته. فحفظ لهم جميلهم، ووثق بهم، وقرّبهم إليه.
ولكن ليس هذا هو السبب المباشر لذلك الاهتمام، وإنما يرجع السبب إلى أن صلاح الدين نفسه كان لديه إطلاع واسع على الفقه الشافعي، حيث كان يحفظ كتاب التنبيه. بالإضافة إلى أنه كان متديناً ورعاً، تقياً، زاهداً، محافظاً على تأدية صلاة الجماعة في وقتها( )، إلى غير ذلك من الصفات الحسنة التي رُبّي عليها، ويجب أن لا ننس، أنه أدرك الدور الخطير الذي يمكن أن يقوم به الفقهاء من حيث قدرتهم على كسب الرأي العام وتحريكه نحو الجهة التي يريدها.(36/26)
وإدراكاً منه لدور الفقهاء الهام في المجتمع، اهتمّ بهم اهتماماً كبيراً، وأفاض عليهم من نعمه وإحسانه، وأغدق الهبات والأُعطيات، يدل على ذلك أن العلماء في دولته، كان لهم إقطاعات، وراتب يقارب الثلاثمائة ألف دينار( ).
كما قام بتقريب الفقهاء إليه فأحضرهم مجالسه، وكان يحسن الاستماع إليهم ويناقشهم في كثير من المسائل( ). وليس هذا بالآمر المستغرب إذا عرفنا أنه كان ذا ثقافة دينية واسعة. حيث حفظ القرآن الكريم وكثيراً من الأحاديث النبوية. بالإضافة إلى معرفته الواسعة بالمذهب الشافعي.
ومن مظاهر اهتمام صلاح الدين بالفقهاء أيضاً، أنه كان كثير الاستشارة لكبارهم، فكان لا يقطع أمراً إلا بعد أخذ رأيهم فيه ويأتي في طليعة كبار العلماء الذين كان يستشيرهم: كاتب ديوانه القاضي الفاضل عبد الرحيم بن علي البيساني (ت:596هـ/1200م). يقول فيه صلاح الدين: "لم أفتح البلاد بسيفي وإنما برأي القاضي الفاضل( )، ويقول أبو شامة في استشارة صلاح الدين الدائمة للقاضي الفاضل"... وكان لا يأتي أمرا إلا من بابه( ).
وبلغ من اعتماد صلاح الدين على رأي القاضي الفاضل أنه في سنة 588هـ/1192م، عندما نوى تأدية فريضة الحج، استشار القاضي الفاضل، فأشار عليه بعدم الخروج للحج خوفاً من رجوع الصليبيين إلى القدس. وكان صلاح الدين قد حررها من أيديهم( ). وبالفعل، فقد أخذ برأي القاضي الفاضل ولم يحج.(36/27)
ومن بين العلماء الذين أكثر صلاح الدين من استشارتهم: الفقيه زين الدين علي بن إبراهيم بن نجا، الذي كان له الفضل ـ كما أشرنا ـ في كشف مؤامرة عمارة اليمني، فقد جعله صلاح الدين من كبار مستشاريه، وكان يُسميه: عمرو بن العاص. بسبب دهائه وحسن حيلته. وكان كثيراً ما يأخذ برأيه لسداده( ). ويقول فيه أبو شامة (ت: 565هـ/1166م): "كان للفقيه زين الدين بن نجا. منزلة عالية عند صلاح الدين. أحسن السلطان إليه بالأعطيات والإقطاعات، وكان السلطان يستشيره، ويروقه تدبيره، ويميل إليه لقديم معرفته، وكريم سجيّته"( ).
ومنهم أيضاً: الفقيه أبو محمد عيسى بن محمد الهكّاري، الذي كان له الفضل ـ كما أشرنا ـ في إقناع كبار الأمراء المعارضين لتولية صلاح الدين الوزارة. في الدخول في طاعته. وكان لهذا الدور الأثر الكبير في تثبيت مركز صلاح الدين. حيث جاء في الساعات الأولى لتولي صلاح الدين الوزارة. ويبدو أن صلاح الدين لم ينس له هذا الجميل، لذلك قرّبه إليه، وأكرمه إكراماً وكان كثير الاستشارة له( ).
وبلغ من اهتمام صلاح الدين بالفقهاء أنه كان شديد الحرص على حضور دروس الفقهاء الوعظية، وكان في كثير من الأحيان يصحب أبناءه معه لسماعها، ولاسيما دروس الفقيه الزاهد زين الدين بن نجا( )، ودروس الشيخ أبو الفتوح عبد السلام بن يوسف التنوخي( )، كما حرص صلاح الدين على حضور مجالس المحدّثين، يقول أبو شامة: "وكان يسمع الحديث بقراءة الإمام تاج الدين البندهي المسعودي"( )، وفي أثناء زيارته للإسكندرية سمع (الموطأ) على العالم أبي طاهر أحمد بن محمد السَّلفي (ت: 597هـ/1201م)( ).(36/28)
ومما يدل على اهتمام صلاح الدين بالفقهاء، أنه كان يقوم بزيارتهم في بيوتهم، والأمثلة على ذلك كثيرة، نذكر منها: أنه عندما قدم إلى دمشق سنة (571هـ/1175م). قام بزيارة القاضي كمال الدين محمد بن عبد الله الشهرزوري (ت:573هـ/1177م) في منزله. وأزال ما كان بينهما من سوء تفاهم قديم يرجع إلى أثناء إقامة صلاح الدين في دمشق قبل رحيله إلى مصر، وقام بتثبيته قاضياً لدمشق ونواحيها( )، ومن جملة الحديث الذي دار بينهما خلال تلك الزيارة قول صلاح الدين للقاضي الشهرزوري: "... ما مشيت إلا لأزيل ما في خاطرك من الوهم، وأعرّفك أن ما في قلبي لك نكرة. فطب نفساً. وقرًّ عيناً. فالأمر أمرك. والبلد بلدك( ).
ولعمري هذه هي أخلاق العظماء من بني البشر. يحلمون عند المقدرة، بل ويتبعون الحلم الإحسان، وبذلك يجعلون من ألدّ الأعداء أصدقاء مخلصين. وهذه الحادثة إن دلت على شيء. فإنما تدل على أن صلاح الدين كان ذا نفسية صافية لا تعرف الحقد ولا البغض ولا الكراهية. وأن قلبه كان عامراً بالإيمان والتقوى وخشية الله سبحانه.
وفي سنة 584هـ/1188ن. عندما ترك صلاح الدين (حلب)، سار إلى المعرّة، وهناك قام بزيارة للفقيه الزاهد أبي زكريا المغربي في بيته( ).
ولشدة ثقة صلاح الدين بالفقهاء، كان يتخير رسله ومبعوثيه إلى الخلفاء العباسيين والملوك والأمراء ومن الفقهاء، ممن اشتهر بسعة العلم، وحصافة الرأي، فقد قام صلاح الدين بإرسال وفد برئاسة الفقيه شمس الدين بن أبي المضاء إلى الخليفة العباسي المستضيء بنور الله (ت:575هـ/1180م)، وحمّله رسالة تتضمن إعلام الخليفة العبّاسي بعودة الخطبة باسمه في مصر، وفيها أيضاً يلتمس من الخليفة أن يُقلده البلاد التي يحكمها وكل ما يفتحه من بلاد( )، وقد نجح ابن أبي المضاء في مهمته. وترتب على هذه المهمة أن قام الخليفة بإرسال الخلع العباسية إلى صلاح الدين، وكتاب تقليد له بالبلاد التي يحكمها.(36/29)
كما أرسل الفقيه عيسى الهكّاري إلى الملك العادل نور الدين محمود زنكي، وحمّله رسالة، يتعذر فيها لنور الدين من تركه لمحاصرة قلعة الكرك( ) . وقد نجح الهكّاري في مهمته، حيث أن نور الدين زال ما في نفسه، من شكوك وظنون ساورته حول إخلاص صلاح الدين له.
ومما يدلنا أيضاً، على تقدير صلاح الدين للفقهاء وحبّه لهم، أنه كان عندما يدخل الفقيه إلى مجلسه يستقبله أجمل استقبال، ويجلسه إلى جانبه، كأنه أعزّ الناس إليه( ).
وصلاح الدين، في الهبات والأعطيات الكثيرة كان يمنحها الفقهاء، كان يرى أن ذلك حق لهم في بيت المال، وليس منة منه، يقول: "إن هؤلاء ـ الفقهاء ـ لهم في بيت المال حق، فإذا قنعوا منّا ببعض، فلهم المنّة علينا"( ).
وأخيراً، فالفقهاء أحبّوه كما أحبّهم، ووقفوا إلى جانبه، ونصروه لم يخذلوه، وبلغ من درجة حبهم له، أنه عندما مات، أرادوا أن يحملوه على أعناقهم( ).
والتقى صلاح السلطان مع صلاح العلماء، فكان صلاح المجتمع، وكانت الانتصارات الخالدة، التي تزهو بها أجيال المسلمين على مرّ العصور، فهل نعتبر؟
بغضه للفلسفة:
ومع كل هذا الاهتمام والتقدير للفقهاء، إلا أنه كان لا يُمكّن أحداً منهم من إظهار ما يخالف مذهب أهل السنّة ولاسيما في أمور العقيدة ويصفه أبو شامة بأنه كان مبغضاً للفلاسفة والمعطلة والدهرية ومن يعاند الشريعة( [76]).
وخير دليل على بغضه وكراهيته للفلسفة والمنتسبين إليها، وأنه كان يؤدّب أصحاب البدع وأهل الزندقة، أنه في عام 587هـ/1191م أوعز إلى ابنه الملك الظاهر غازي (ت:613هـ/1207م) حاكم حلب، يقتل العالم والفيلسوف أبي الفتح يحيى بن حبش السُهرَوَدي (ت:587هـ/1191م)* ، وذلك بعد أن أقنعه الفقهاء بضرورة التخلص منه، وإفتائهم بإباحة دمه، خوفاً على المسلمين من أن يُفسد عليهم عقيدتهم بآرائه الفلسفية التي تمس الذات الألهية، ومنعاً لحصول الفتن( ).(36/30)
ويحلو لبعض المفكرين المعاصرين( )، أن يُصور مقتل السهروردي، أنه أحد أخطاء صلاح الدين الفادحة التي لا تغتفر، والتي جنت على الفكر الإسلامي جناية كبيرة، فأماتت فيه روح التفكير، فضعف مستوى العقل واعتراه الجمود، سيطرت عليه الأوهام.
إن هذا الزعم فيه تجنًّ واضح على صلاح الدين، الذي لم يُقدم على الأمر بقتل السهروردي، إلا بعد أن أفتى جميع فقهاء حلب بوجوب قتله، وذلك لأنه في فلسفته مزج بين الحكمة اليونانية وديانات الفرس من مزدكية ومانوية ومذاهب الصابئة في الكواكب والنجوم، كما كان يعتقد بأن النبوة لا تنتهي، وأنها ضرورية من وقت لآخر، فهو ينكر أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين( )، كما يرى أن الولي المتأله (الإمام) الذي اجتمعت له الحكمة البحثية والتجربة الصوفية يكون خير وأفضل من النبي( )، بالإضافة إلى ذلك، كان يقول: إن الله يملك إن شاء أن يخلق نبياً، وسمّى نفسه المؤيد بالملكوت( ).
لذلك رماه فقهاء حلب بالزندقة والإلحاد، وكتبوا إلى صلاح الدين، وحذروه من فساد عقائد الناس إذا أبقى عليه، فما كان من صلاح الدين، بعد أن ثبت لديه كفر السهروردي، إلا أن كتب كتاباً إلى ابنه الظاهر يأمره فيه بقتل السهروردي.
ثم إنه لو لم يقتله لحدثت فتنة كبيرة، بين أنصار السهروردي وخصومه ممن يعتنقون مذهب أهل السنة عقيدة وفقهاً، تؤدي إلى إزهاق أرواح كثيرة، فينعكس أثر هذه الفتنة على تماسك الجبهة الداخلية، التي كان صلاح الدين حريصاً أشد الحرص، على أن تبقى قوية ومتماسكة، وموحّدة، لتحقيق أسمى أمنياته، وأمنيات المسلمين، بطرد الصليبيين من بلاد الشام، الذين شكّلوا أكبر خطر هدد الإسلام والمسلمين في ذلك الوقت.
ولا مجال في مثل هذه الظروف الصعبة والقاسية، لإفساح المجال أمام المناقشات الفلسفية التي تؤدي إلى تشويش الأفكار وتشتتها( ).(36/31)
ولا شك في أن صلاح الدين قد رأي في التخلص من السهروردي، تقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، وهذا أمر يتحتم العمل به فلأن تزهق روح واحدة أول من أن تزهق أرواح كثيرة، وأولى من أن يُمس الدين بسوء، وتتعطل أحكامه، وأي حاكم كان مكانه لابد من أن يفعل مثله.
وربما كان وراء الدافع لقتل السهروردي، هو أن صلاح الدين خشي على ولده غازي، أن يُفتن بأفكار وآراء السهروردي، وهذا لو تم، فإنه لاشك. سيؤدي إلى حدوث انقسام في البيت الأيوبي، وهذا مما لا يسمح به صلاح الدين، لما يترتب عليه من أخطار، تؤدي إلى ضياع الجهود التي بذلها من أجل بناء مملكة موحدة وقوية.
يضاف إلى ذلك أن السهروردي في فلسفته كان متأثراً بالمذهب الإسماعيلي الذي يقول أن أولاد علي بن أبي طالب هم صور للتجلّي الإلهي، لذلك اعتبره صلاح الدين ثائراً سياسياً يسعى للقضاء على حكمه( )، لذلك أوعز بقتله.
وإنه لأمر في منتهى الغرابة، بعد العدد الكبير من المدارس والمساجد والخانقات التي بناه صلاح الدين، واهتمامه بالعلم والعلماء بعثه نهضة علمية وثقافية واسعة في كل من مصر والشام، أن يُنسب إليه أنه قتل الفكر، وكان سبباً في جموده!
أثر صلاح الدين في تنشيط المذهب السنّي في بغداد:
وتجدر الإشارة هنا إلى أن تأثير صلاح الدين في بعث المذهب السنّي، لم يقتصر على مصر وبلاد الشام، بل امتد إلى الحجاز واليمن اللذين فُتحا في السنوات الأولى من حكمه، بقيادة أخيه شمس الدولة تورنشاه (ت:576هـ/1181م)( ) ، الذي أعاد هذه البلاد إلى سلطة الخلافة العبّاسية الروحية، حيث أمر بأن يخطب في أيام الجمُع للخليفة العباسي، واقتفى نهج أخيه في محاربة المذهب الشيعي.(36/32)
كما أن تأثير صلاح الدين في إحياء مذهب أهل السنة، وصل إلى بغداد نفسها عاصمة الخلافة العباسية، فنجد خلال الفترة التي حكم بها أن الخلافة العباسية بفضله، قد نُفخت فيها روح جديدة، فأكسبتها نشاطاً وقوة لم تألفها منذ فترة طويلة ترجع إلى وفاة الخليفة المعتصم (ت: 227هـ/ 842م)، حيث أصبح وجود الخلافة وجوداً حقيقياً، بعد أن كان صورياً، وصار للخليفة هيبة، ومارس صلاحياته الدستورية بشكل فعّال.
وأصبح بمقدور الخليفة أن يعزل أكبر المتنفذين في القصر من وزراء وكتاب ديوان وغيرهم، يدل على ذلك أن الخليفة المستضيء بنور الله، استطاع أن يتخلص من قطب الدين قايماز (ت: 570هـ/1174م)( )، وفي العام الذي يليه تمكن من عزل عماد الدين صندل المقتفوي عن الإستادارية، وولى مكانه ابن الصاحب هبة الله بن علي( ).
وأخر خليفة عاصره صلاح الدين، هو الناصر لدين الله (ت:622هـ/1225م) الذي خلف المستضيء، كان أيضاً يتمتع بشخصية قوية. كانت هل هيبة وكانت سيطرته على الأمور أكثر من سابقه يقول فيه السيوطي: كان الناصر قد ملأ القلوب هيبة وخيفة، فكان يرهبه أهل الأقطار، فأحيا بهيبته الخلافة...( )، وبلغ من تمكنه من السلطة، أن أمر بقتل مجد الدين أبو الفضل بن الصاحب (ت: 583هـ/ 1187م)، وهو أستاذ دار الخلافة الذي كان متحكماً في أمور الدول( ).
وكان أمراً طبيعياً، أن يرافق ازدياد قوة الخلافة، ازدياد قوة المذهب الذي تعتقده وتتبناه وهو المذهب السني، وأن يضعف المذهب المنافس لمذهبها، هو المذهب الشيعي.
ففي عهد الخليفتين السابقين اللذين عاصرهما صلاح الدين، نجد انحساراً ملحوظاً للمد الشيعي، يدل على ذلك قول الذهبي (ت: 784هـ/1347م) "وفي أيامه ـ المستضيء بنور الله ـ اختفى الرفض ببغداد ووهى، وأما بمصر والشام فتلاشى"( )، كما أنه في عهد الناصر لدين الله، تعرّض الشيعة لمضايقات كثيرة، فضعفت شوكتهم، وقوي نفوذ المذهب السني( ).(36/33)
وخلاصة القول، أن صلاح الدين، كان له الفضل الكبير في بعث ونشر مذهب أهل السنة فقها وعقيدة في أغلب البلاد العربية، لاهتمامه الزائد بالفقهاء والإكثار من إنشاء المدارس. ورسم الطريق لمن بعده في كيفية المحافظة على أن تبقى راية الإسلام مرفوعة، وفي كيفية المحافظة على أن يظل الدين الإسلامي نقياً خالياً من الشوائب والبدع والهرطقة.
الخاتمة:
ظهر صلاح الدين الأيوبي، في عصر كانت فيه الأمة العربية في وضع لا تُحسد عليه، من تمزق وضعف، يتهددها الخطر الصليبي، الذي كاد أن يأتي عليها، واستطاع بما تمتع به من عبقرية فذّة، وميزات قيادية هائلة، أن يجمع شتات هذه الأمة، ويكوّن قوة كبيرة، استطاع بفضلها أن يحقق انتصاراته على الصليبيين، تلك الانتصارات التي جعلته من الخالدين في التاريخ الإسلامي، وقلّ من كان يضاهيه من حيث التنزه عن الأهواء والمطامع الشخصية، ومن حيث العمل على تقديم الخدمات التي من شأنها أن تُسعد الأمة وتنهض بها.
لم يكن صلاح الدين قائداً عسكرياً بارعاً في فنون القتال فحسب، وإنما كان أيضاً سياسياً ماهراً، استطاع أن يحظى بثقة الخليفة الفاطمي( )، رغم العداء المذهبي بينهما، وظل على وفاق مع سيّده نور الدين زنكي، مطيعاً له، رغم استفزازات نور الدين له( )، كما حصل على ثقة الخليفة العباسي، وبقي محافظا عليها حتى أخر لحظة من عمره، تلك الثقة التي أضفت على حكمه صبغة شرعية، مما جعل الجميع يُقر له بالسيادة، والولاء والتبجيل، والاحترام.
ويمكننا إجمال ما كشفت عن الدراسة من نتائج فيما يلي:(36/34)
ـ أن صلاح الدن كان باعث نهضة فكرية وعلمية كبيرة، انبثقت عن دُور العلم الكثيرة التي شيدها، مما كان له أثر في استقطاب كثير من العلماء من مختلف البلدان الإسلامية، كما أن هذه المدارس عملت على تثقيف الناس وتقوية العقيدة في نفوسهم، فأسهمت في تحقيق شيء من الوحدة الفكرية، مما كان له أثر كبير في بناء مجتمع قويّ ومتماسك، استطاع أن يتغلب على ما كان يتهدده من أخطار داخلية وخارجية على السواء، فأي انتصار عسكري أو تفوق حربي، لابد أن يصحبه تقدم علمي، وعقيدة نقيّة راسخة في نفوس أبنائها.
ـ المدارس التي شُيدت في عهده، كانت في أغلبها ضخمة وواسعة، تتوفر فيه جميع وسائل الراحة، كما أنّ المدرسين فيها كانوا يتقاضون رواتب عالية، وأن التدريس فيها كان على مذاهب أهل السنة.
ـ بسقوط الدولة الفاطمية، خسر المذهب الشيعي سنده الكبير، فأُبعد من مركز الصدارة ليأخذ مرتبة دنيا، فأخذت الصدارة مذاهب أهل السنة, ولاسيما المذهب الشافعي، ولذلك يمكننا أن نطلق على صلاح الدين لقب ناصر المذهب السنّي، كما ترتب على زوال الخلافة الفاطمية، أن فقد الجامع الأزهر درجته الأولى بين جوامع القاهرة.
ـ أن صلاح الدين كان صاحب ثقافة دينية واسعة، اهتم بالعلماء وقربّهم إليه، وكان لا يقطع أمراً إلا بمشورتهم.
ـ لم يكن صلاح الدين يتساهل في أيّ مسألة لها مساس بجوهر عقيدة أهل السنة، لذلك حارب الفلاسفة والمبتدعة، ولم يتهاون معهم.
ـ تأثير صلاح الدين في بعث المذهب السنّي لم يقتصر على مصر وبلاد الشام، بل شمل الحجاز واليمن والعراق.
وأخيراً فسيرة صلاح الدين الأيوبي، ستظلّ معيناً لا ينضب لأقلام الباحثين والدارسين تمدهم بأمثلة حيّة، من آيات البطولة، والمجد، والفخار.(36/35)
وحري بنا أن نستطلع تاريخ العظماء من أمتنا لنأخذ منه الدروس والعبر، في كيفية مواجهة التحديات الخطيرة التي تواجه أمتنا، فنعمل على توحيد كلمتنا، من أجل مقاومة الأخطار المتزايدة، التي تستهدف وجودنا وكياننا.
وأضرع إلى العلي القدير، أن يُهيئ لهذه الأمة صلاحاً أخر، يعمل على توحيد صفوفها وينقذها من هذه المصائب المتوالية عليها.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
دراسات
مواجهة تحدي العراق الممزق:رؤية سعودية (1/2)
هذه دراسة للباحث السعودي نواف عبيد ، مستشار الأمن والطاقة الخاص للأمير تركي الفيصل و مدير مشروع تقييم الأمن القومي السعودي ، وقد نشرها مركز الدراسات السياسية والدولية بواشنطن دي سي، وقد ترجمها إلى العربية محمد عباس ناجي ، ونشرتها مجلة مختارات إيرانية العدد 70 ـ مايو 2006 .
وفيما يلي نص الجزء الأول من الدراسة :
خلال زيارة رسمية إلى واشنطن دي سي في 20 سبتمبر 2005، صرح وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل قائلاً: "إن السياسة الأمريكية في العراق تعمل من أجل تغذية الصراعات العرقية للدرجة التي تمنح الهيمنة لإيران. لقد حاربنا معاً من أجل إخراج إيران من العراق، والآن نمنح السيطرة لإيران بدون أسباب.. إن العراق، يتفكك". وتحاول الدراسة شرح الرؤية السعودية للتطورات السياسية التي تطرأ على الساحة العراقية، وتداعياتها على الأمن القومي السعودي، كما تحاول رسم صورة اعتماداً على آراء المسئولين في العراق ودول الجوار التي تمارس دوراً في تطورات العراق.(36/36)
وتعتمد هذه الدراسة في الأساس على آراء ومقابلات مع مسئولي المخابرات والمسئولين العسكريين في المنطقة، إلى جانب التحاور مع المسئولين الإيرانيين... ولأسباب أمنية وسياسية فضل هؤلاء المسئولون والضباط عدم ذكر أسمائهم، من الأهمية بمكان، ذكر أن هدف الدراسة ليس نقد السياسة الأمريكية في العراق. ونأمل أن تقدم خدمة للحكومة السعودية، كتحليل مستقل للموقف الحالي في العراق، واحتمال نشوب حرب أهلية، الذي يتزايد يومياً، وينبغي على السعودية أن تستعد لمثل هذا الاحتمال.
إن العراق على مفترق طرق، حيث يواجه العديد من التحديات، منها الاقتصادية والاجتماعية والأمنية. فقد أخرج الاحتلال الأمريكي للعراق في عام 2003 الصراعات العرقية المتجذرة المتشابكة المصالح من مكمنها. كما هيأ المناخ لنشر العنف الذي أصبح عصياً على الاحتواء أو حتى تقليص حدة تأثيره.
أيضاً، لا تبدو الدولة على شفا التخلص من العنف، الذي يستهدف القوات الأمريكية والعراقية والمواطنين بعمليات يومية واغتيالات واختطافات وقنص. وربما تصبح الحرب الأهلية حتمية في هذه الحالة، هذه التطورّات سوف يكون لها انعكاسات إقليمية على دول الجوار خاصة السعودية، التي تمتلك أطوال حدود مع العراق.
إن أهمية استقرار وتكامل العراق بالنسبة للسعودية أمر غير قابل للإنكار. فالسعودية لها مصلحة حيوية في وحدة العراق، وحماية حقوق السنة في دولة يسيطر عليها الشيعة. وبالرغم من أن انتخابات 15 ديسمبر 2005، مثلت دفعة نحو الديمقراطية، إلا أنها لم تستطع تأجيل الإحساس بالوحدة بين الأكراد، والسنة والشيعة وهم القوميات الرئيسية في العراق.(36/37)
على العكس من ذلك، عكست الانتخابات التشريعية التباينات العرقية، وقد بدت الحكومة العراقية الجديدة غير قادرة أو غير مهتمة بحل هذه التباينات، لكن هذه الموقف يجب تغييره إذا قدر للعملية السياسية أن تتحرك باتجاه الشرعية، حتى لو استطاعت الحكومة الجديدة مواجهة هذه الاختيار أولا.
إن الأكراد الذي يتمتعون بالحكم الذاتي، لا يبدو أنهم يرغبون في المشاركة في الحكومة التي، حين تشكيلها، يمكن أن تقلص من الامتيازات التي حصلوا عليها. فمنذ الاحتلال الأمريكي للعراق، أصبح لدى الأكراد الرغبة في استغلال سيطرتهم على المنطقة الكردية من أجل تحقيق تميز طائفي عن أية جماعة عرقية أخرى في المنطقة. ويمثل التطهير العرقي الجاري الآن في كركوك نموذجاً واضحاً في هذا الصدد. إلى جانب ذلك، يضيف تدخل إيران تعقيدات جديدة للموقف. إن التأثير الإيراني على القوى السياسية العراقية ليس خفياً على أحد كما أن معظم القوي الشيعية الرئيسية في العراق حظيت بدعم جاد من جانب إيران. إن التأثير الإيراني يتضمن شبكة قوية من الدعم العسكري واللوجستي للقوى العسكرية ومؤسسات الرفاهية الاجتماعية.
الأهم من ذلك، أن إيران تحاول التأثير في العملية السياسية العراقية من خلال دعم الائتلافات الجديدة خاصة الائتلاف العراقي الموحد.
وفي هذا السياق، فإن السنة، الذين سيطروا على الحكم في عهد البعث، ربما يجدوا أنه من الصعوبة، إن لم يكن من المستحيل، التوافق مع وضعهم الثانوي في العراق الجديد.
إن القضايا الأساسية في الحكم، مثل طبيعة الدولة المركزية ودور الإسلام، سوف تصبح أهم نقاط الخلاف لعدة سنوات قادمة. وأخيراً، فإن بالرغم من أن السنة كونوا جزءاً من التمرد، إلا أن المقاتلين الأجانب سوف يستمروا في تكوين قوة مستقرة في العراق.(36/38)
ثمة بعض المؤشرات التي ربما تساعد على تحليل الوضع الجديد الذي بدأ يتخلق في العراق. هذه المؤشرات تتضمن تطور الاستراتيجية الشاملة للأمن التي سوف تأخذ في الاعتبار احتمال نشوب حرب أهلية، وتحسين العلاقات مع السعودية والعالم العربي والولايات المتحدة الأمريكية، بالنظر إلى اتساع وقوة التمرد، ثم تحليل التدخل الإيراني في العراق، وعندما يسمح الموقف الأمني، فإنه يجب على القيادة السعودية العمل على تقوية علاقاتها الدبلوماسية مع العراق، وإقامة علاقات مع القادة السياسيين والدينيين.
الأكراد:
تتمثل المشكلة الأهم التي تواجه مرحلة ما بعد صدام حسين في مسألة الوحدة الوطنية، بمعنى آخر، كيف يمكن للجماعات العرقية العمل سوياً من أجل إيجاد قاعدة مشتركة لتكوين دولة وطنية موحدة. إن أهم تحديات هذه المرحلة تتمثل في تردد الأكراد (الذين يشكلون ما بين 18 ـ 20% من السكان) في الموافقة على تغيير حكمهم الذاتي. إن عقد ونصف العقد من الحكم الذاتي، ومصادر تمويل من تهريب البضائع، وبرنامج النفط مقابل الغذاء، كلها عوامل منحت الأكراد الإحساس بالهوية الإثنية والاستقلال، ومن المؤكد أنهم سيحتفظون بقوة الجيش من أجل توفيق أوضاعهم داخل الدولة في ظل مستقبل غير مستقر وغير واضح. ولكل هذه الأهداف تعمل منطقة كردستان كدولة حكم ذاتي. وربما تتقدم حدودها، من خلال قوات البشمرجة. وربما يتبنى الأكراد فكرة الأمة العراقية، لكن هذه الوحدة في الاسم فقط، ورغم الجهود الأمريكية، ربما يثبت الدستور العراقي أنه ليس أكثر من كونه ورقاً.
نظرة تاريخية:(36/39)
في 10 أغسطس 1920، وقع الحلفاء والحكومة التركية على معاهدة سيفرس، هذه المعاهدة، التي كرست حق الأكراد في الاستقلال السياسي، سمحت أيضاً بإمكانية إقامة دولة مستقلة في الجزء الغربي من تركيا وإقليم الموصل العراقي. وجاءت اتفاقية لوسانه الموقعة في عام 1923، لتلغي معاهدة سيفرس، ومن ثم ألغت عملياً الامتيازات التي حصل عليها الأكراد. ونتيجة لذلك لم تبرز المسألة الكردية على الساحة الدولية لمدة سبعين عاماً أخرى.
ورغم أن نظام البعث منح منطقة حكم ذاتي وحقوق للأكراد، إلا أنه جعلهم هدفاً للانتهاك. وخلال حملة الأنفال عام 1988، ارتكب النظام العراقي انتهاكات حقوق الإنسان ضد السكان الأكراد بسبب دعمهم لإيران في حرب الخليج الأولى (الحرب العراقية ـ الإيرانية). وقد تضمن ذلك النفي، والاعتقالات، والاختطافات، وهجمات بالأسلحة الكيماوية ضد القرى الكردية، خاصة في حلبجة. ومع قرب نهاية حرب الخليج الثانية في مارس 1991، اقتحم الحرس الجمهوري العراقي شمال العراق (كردستان)، وقد وضع تدفق اللاجئين من الإقليم المسألة الكردية على الواجهة مرة أخرى.
واستجابة للنداء الدولي، أصدر مجلس الأمن الدولي القرار 688 في إبريل 1991، دعا إلى إنهاء قمع الأكراد على يد نظام صدام حسين. كما نادى بإنشاء منطقة حظر جوي على مساحة 36 كيلو، وهي المنطقة التي تغطي نصف مساحة المنطقة الكردية في شمال العراق. ورغم أن هذا العمل سهل الانكسار، إلا أنه مهد السبيل لاستقرار الأكراد العراقيين.
وفي 9 مايو 1992، نظمت الجبهة الكردستانية أول انتخابات حرة لاختيار 105 أعضاء في المجلس الوطني في منطقة الحكم الذاتي بكردستان العراق. وقد تكونت الجبهة التي تضم ائتلاف من 8 أحزاب سياسية، في عام 1988، وعملت باعتبارها السلطة الرسمية منذ انسحاب الجيش العراقي في عام 1991 ولم تؤد انتخاب 1992 إلى تشكيل حكومة مستقرة، بل أدت إلى تشكيل حكومتين إقليميتين متصارعتين.(36/40)
وقد سيطر الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود برزاني على المنطقة الشمالية المتاخمة للحدود التركية، فيما سيطر حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال طالباني على المنطقة الجنوبية المتاخمة للحدود الإيرانية.
وفي عام 1994، تم وقف الصدمات العسكرية بين الحزبين الرئيسيين للسيطرة على الإقليم. وقد كان التدخل الدولي ضرورياً لسنوات عدة من أجل منع الصدمات العسكرية.
وفي عام 1998، وتحت ضغط من الولايات المتحدة الأمريكية، انتهت أربع سنوات من الحرب الأهلية، وتم الاتفاق على تأسيس إدارة مستقلة للمنطقة و قسمت كردستان إلى منطقتين شرقية وغربية، وسيطر مسعود برزاني على المنطقة الغربية وكانت أربيل عاصمة لها، بينما سيطر طالباني على المنطقة الشرقية وكانت السليمانية عاصمة لها. وكل من المنطقتين له حكومة ورئيس وزراء وبرلمان منتخب.
في عام 2002، وقبيل الاحتلال الأمريكي للعراق، عقد الحزبان الرئيسيان اجتماعاً لأول مرة في إشارة إلى التضامن السياسي، وقد أكد القادة على أن الاجتماع لم يكن خطوة للاستقلال، بل خطوة نحو تكوين منطقة حكم ذاتي. الهدف الأساسي للاجتماع حسب قول برزاني "ليس من أجل كردستان حرة، بل من أجل عراق حر".(36/41)
وفي انتخابات الجمعية الوطنية العراقية التي أجريت في 30 يناير 2005، شارك الحزبان الكرديان بقائمة واحدة وحصلا على أكثر من 25% من التصويت، مكنتهم من تبوءأ 75 مقعداً من مقاعد الجمعية الوطنية البالغة 275، وهو ما يعني أن الأكراد أصبحوا ثاني أكبر قوة في الجمعية الوطنية، وقد احتل الائتلاف العراقي الموحد المرتبة الأولى بحصوله على 140 مقعداً. خلال انتخابات يناير 2005، تم إجراء استفتاء غير رسمي في كردستان حول هل تصبح كردستان دولة مستقلة أم جزاء من العراق. وقد أبدى المشاركون تأييداً للاستقلال. وفي حين يعتبر الاستفتاء مبادرة شخصية، فإن العديد من المسئولين الحكوميين الشباب يعتقدون أن الجيل القديم من القادة الأكراد يقدم تنازلات كثيرة من أجل توحيد العراق. وفي الاستفتاء الأخير الذي أجرته الحكومة الكردستانية فإن أكثر من 90% من الشباب الأكراد يأملون في استقلال كردستان، وهو ما يعني أن هذا الجيل الجدير لا يريد أن يكون جزءاً من العراق.
التطورات الجديدة في كردستان العراق:
خلال التصديق على دستور العراق في 25 أكتوبر 2005، تمت الدعوة إلى انتخابات عامة في 15 ديسمبر لانتخاب 275 عضواً في الجمعية الوطنية. وعموماً فقد صوت العراقيون للمرشحين الممثلين لطوائفهم. وقد حصل التحالف الكردي المكون من الحزبين الرئيسيين بقيادة طالباني وبرزاني، على 53 مقعداً، فيما حصل الحزب الإسلامي الكردي على 5 مقاعد أخرى.(36/42)
في 7يناير 2006، اتفق الحزبان الرئيسيان على تكوين إدارة مشتركة لحكومة كردستان. ورغم أن الحزبين لازالا يحتفظان بنفس الإدارات منذ عام 1988، فإن أعضاء الحزب الدميقراطي الكردستاني سوف يرأسون وزارات الزراعة، والكهرباء، والموارد المائية، والشئون الخارجية، والتعليم العالي، والطيران والمجالس البلدية. بينما يرأس أعضاء الاتحاد الوطني الكردستاني وزارات التعليم، والداخلية، وحقوق الإنسان، والعدل، والتخطيط، والإسكان، والشئون الاجتماعية، والنقل، وقد احتفظ برزاني بمنصبه كرئيس مؤقت للعامين القادمين، بينما سيرأس طالباني البرلمان. وبعد انتهاء العامين، سوف يتم الاحتكام إلى القانون.
وقد اتفق الحزبان على أن يرأس طالباني الدولة، ولم يتخذ قرار بشأن أي حزب سوف يسيطر على وزارة شئون الخارجية، التي تضم أكثر من 160 ألف مقاتل.
الأكراد والدستور العراقي:
قاتل القادة الأكراد من أجل الحصول على امتيازات في دستور العراق، لكن في مواجهة الضغوط المكثفة التي فرضتها الولايات المتحدة، بدأ هؤلاء القادة في تعديل مطالبهم التي تضمنت: إضافة مادة تسمح بالتصويت على الاستقلال خلال ثماني سنوات، توسيع حدود الإقليم لتشمل مناطق النفط في كركوك، تضمين قوات البشمرجة في الجيش العراقي، والأهم، إن أي نظام فيدرالي سوف يتم العمل به يجب أن يضمن السيادة الكردية في كل المجالات.
وبينما وافقت كل القوى السياسية على أن الشكل الفيدرالي للحكومة يجب أن يتم دستورياً، فإن الأغلبية العراقية غير الكردية تعتبر الطابع الوحدوي للفيدرالية يمكن أن يفيد استقلال المناطق العراقية الـ 18، مع صلاحيات مركزية أكبر للحكومة المركزية.
ومنذ أن أصبحت معظم المناطق، خصوصاً في الشمال، تضم خليط من المجموعات العرقية، فإن ذلك قيد من سيطرة الأكراد على منطقة الحكم الذاتي في السليمانية، وأربيل، ودهوك.(36/43)
وقد أراد الأكراد، من ناحية أخرى، إقامة فيدرالية إقليمية أو إثنية تستطيع استيعاب السكان الأكراد في منطقة واحدة تحت هيكل سياسي واحد، هذه المنطقة تشمل مدينة كركرك. وطبقاً لطالباني، فإن فيدرالية المقاطعات غير مقبولة لأنه "عبر التاريخ" قاتل الأكراد من أجل إثبات تميز المقاطعات الكردية عن أي مقاطعة أخرى، ومن أجل حماية الحدود الكردية التاريخية".
وفي أغسطس 2005، وافق البرلمان الكردستاني على الدستور. لكن السؤال الذي مازال مثاراً يتعلق مدى قدرة الدستور على تصنيف السكان الذين لا يمتلكون تمايزاً عرقياً أو لغة مشتركة (يتحدث عدد قليل من الشباب الأكراد العربية، فيما تأتي الإنجليزية في المرتبة الثانية في كردستان)، وهي مسألة تحظى بأهمية لدى العديد من الأفراد المنتمين إلى قوات البشمرجة. بالطبع فإن الكردية هي اللغة الرسمية في التجارة والحكومة الإقليمية رغم وجود صحافة باللغة الإنجليزية في الشمال الكردي، وتعتبر العربية لغة ميتة، حيث رفضها السكان الأكراد الذين لا يزالوا يتذكرون قمع الدولة العربية العراقية.
الأكثر من ذلك، أن معظم الأكراد لديهم تحفظات على الدستور مثل مكانة الدين في الحياة السياسية، ونتيجة لذلك يركز الأكراد على استقلال الدولة والدين.
تناقض المصالح الوطنية: كردستان× العراق:
على المعبر الرئيسي للحدود بين العراق وإيران وضعت صورة للإمام الخميني والعلم الإيراني، وعلى الجانب الكردي وضعت صورة لبرزاني والعلم الكردي، فيما لا توجد صورة للعلم العراقي، وهو ما يؤشر إلى رؤية بعض الأكراد لمسألة وحدة العراق.
وعلى عكس حدود السنة غير المدافع عنها، وحدود الشيعة المفتوحة بالكامل، فإن الحدود بين كردستان وإيران تتم حمايتها بواسطة قوات البشمرجة.(36/44)
إن النقطة التي تمثل أكثر من كونها مصلحة تتمثل في أنه في الدولة الواحدة فإن الحدود الثلاثة يجب أن تدار بثلاث طرق مختلفة. إن الولايات المتحدة عاجزة عن معالجة هذا الوضع منذ أن أصبحت هذه الحدود طويلة جداً، ومنذ أن أصبحت التداعيات السياسية للوجود الأمريكي مكلفة جداً أيضاً.
وتتركز كثير من الصراعات الداخلية حول النفط، ولذا، يمكن القول إن العامل الأكثر أهمية في تحديد قدرة العراق على تحقيق وحدة وطنية ربما يتصل بالجانب الاقتصادي أكثر منه أيديولوجي أو ديني.
وتوجد ثروة العراق البالغة 115 مليار برميل نفط في مناطق الشيعة والأكراد. وإذا تبنى الشيعة النموذج الكردي وكونوا حكومتهم الإقليمية، فإن العرب السنة ربما يتجهوا أيضاً إلى تأسيس حكومة إقليمية في مناطق الأغلبية السنية في ديالي، وصلاح الدين، والأنبار.
وقد بدأت الحكومة الكردية في التنقيب عن النفط بالقرب من مدينة دهوك في شمال كردستان. هذا التطور يوجه تحدياً مباشراً لسيطرة الحكومة المركزية على كل مصادر الطاقة. ورغم أنها أكدت أن حقول النفط في كردستان أكثر أهمية من نظيرتها في جنوب العراق وكركوك تؤكد الحكومة الإقليمية أن مصادر النفط بها تقدر بنحو 45 مليون برميل.
وبالرغم من أن عقود التنقيب عن النفط وإنتاجه بدون موافقة الحكومة المؤقتة تعتبر لاغية، إلا أن المسئولين الأكراد يؤكدون أن الدستور الجديد يضمن للإقليم الكردي التنقيب عن النفط وإنتاجه.(36/45)
ولذا يعتبر صراع النفط عاملاً آخر في الحملة طويلة المدى التي تقودها الحكومة الإقليمية لدعم الاستقلال. وطبقا لقول لعدنان مفتي المتحدث باسم المجلس الإقليمي الكردستاني: "إن هذا يجب أن ينظم بالقانون... قانون تسوية هذا النزاع مطروح حالياً للنقاش في الجمعية الوطنية. وتبعاً لمسئول رفيع المستوى، فإن حقائق العراق الجديد جعل حلم كردستان الكبرى" أثر من الماضي الرومانسي. وكما أكد هذا المسئول نفسه فإن الطموح إلى "كردستان الكبرى" ليس فقط غير عملي وإنما خطير ايضاً.
إن دول الجوار مثل تركيا وإيران وسوريا بما لها من مصالح قومية وعلاقة حساسة مع السكان الأكراد لن ترحب بهذه الخطة وسوف تعمل ضدها. الأكثر من ذلك أن الولايات المتحدة لن تقدم أي دعم لمثل تلك التوجهات.
ويعتقد مسئول رفيع في كردستان أن كركوك جزء من كردستان ولن يتنازلوا أبداً عما اعتبروه حقوقاً تاريخية في هذه المنطقة، وهو ما بدا جلياً في رفض برزاني، في عام 1974، لعرض إقامة حكم ذاتي في كردستان لا يتضمن مدينة كركوك، إن مسألة استبعاد مدينة كركوك يعني إلغاء 30 عاماً من السياسة والصراع الكردي، وهو ما لن يفعله القادة الأكراد. ومع الوضع في الاعتبار تناقض المصالح، فإن مستقبل إدارة المدينة مرشح لكي يصبح محور أزمة. وبالطبع فقد بدأت خطة "تكريد" كركوك. فالعرب الذين قدموا إلى كركوك عن طريق نظام صدام حسين، بدأوا في العودة إلى بغداد. كما أن ثمة سياسة نشطة لإعادة الأكراد الذين غادروا كركوك عن طريق نظام صدام حسين.(36/46)
وطبقاً لوزير سابق في الحكومة الانتقالية العراقية، ويعمل حالياً مستشاراً لطالباني، فإنه ليس هناك أية مفاوضات حول مستقبل المدينة. كما صرح مسئول في قوات البشمرجة بأه تم وضع خطط للسيطرة العسكرية على المدينة في أسرع وقت. إن كركوك، التي تخضع حالياً لسيطرة الحكومة المركزية العراقية، مرشحة لكي تكون محدداً اقتصادياً مهماً لمستقبل الدولة الكردية. ويأتي العراق في المرتبة الثانية من حيث مصادر البترول بعد السعودية عن طريق كركوك التي تنتج مليون برميل يومياً تقريباً.
إن كركوك لن تكون مغلقة على باقي أنحاء العراق أكثر مما هي الآن، وأصبحت لعبة النهاية هي الاستقلال الذي سوف يتحقق عبر مزيج من النشاط السياسي والصبر. وبعد القوات الأمريكية، تأتي قوات البشمرجة في المرتبة الثانية في العراق. وطبقاً لقائد الجيش الكردي، فإن القوات الأمريكية هي القوة الوحيدة التي تسيطر على الدولة، وهناك اعتقاد بأنه كلما أصبح الوجود الأمريكي ضعيفاً كلما أصبحوا هم في مركز قوة.
وخلال المؤتمر الصحفي الذي عقد أثناء انتخابات 2005، صرح برزاني قائلا إنه متأكد من أنه سوف يشاهد كردستان المستقلة" خلال حياته. وفي لقاء مع التليفزيون التركي، أكد أيضاً أن الأكراد العراقيين ليس لديهم خيار، لكنهم سوف يستعملوا حقهم في الاستقلال في حالة نشوب حرب أهلية. ورغم أن استقلال كردستان ليس سياسة رسمية حكومية، إلا أن مثل هذه التصريحات تؤشر إلى عدم بقاء العراق موحداً.
إن العلاقات بين الحكومة في بغداد والأكراد محدودة. والأهم أن الحكومة المركزية تفتقد السيطرة، حيث يتم تجاهل التعليمات الصادرة من بغداد. إن العراق يصبح رويداً رويداً مثل نموذج يوغسلافيا قبيل التفكيك عندما كانت الحكومة المركزية تصدر تعليماتها التي سرعان ما تذهب طي النسيان.(36/47)
وعموماً، فإن ثمة إمكانية لوضع استراتيجية فعالة لمكافحة الإرهاب، والأكثر من هذا أنه بدا واضحاً أن الأكراد لديهم رؤية واضحة إزاء ما هي كردستان وما هو العراق.
إن لدى الأكراد ارتياباً قوياً من الشيعة بصفة عامة والشيعة العراقيين على سبيل الخصوص، وهذه حقيقية يؤكدها القادة الأكراد وقادة البشمرجة، حيث يعتقدون أن التمايز الشيعي في الحكومة سوف يجعل الدولة نموذجاً جديداً من طهران. وهذا هو أحد أسباب اهتمامهم بحماية حدودهم مع إيران.
ويبدو اتساع الارتياب الكردي من الشيعة جلياً على ضوء حقيقة أنهم يستقبلون مستشارين أجانب، ويقيمون مراكز تدريب لقوات البشمرجة للتعامل مع تكتيكات مكافحة الإرهاب ووسائل المخابرات. ويتم النظر إلى المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق على أنه عدو، ولا يخفى الأكراد سراً أنهم يعتقدون في ذلك. ويعتقد قادة البشمرجة أن القوات الأمريكية هي الوحيدة التي يمكن العمل معها للسيطرة على الدولة. كما يعبر مسئولون في الحكومة الكردية، ومن بينهم قادة بشمرجة،عن فقدانهم الثقة في قدرة الولايات المتحدة على احتواء التمرد.
الشيعة:
ربما لا تكون التحركات الكردية نحو الاستقلال هي العائق الوحيد أمام وحدة العراق. فبعد عقد من التهميش السياسي، يمتلك الشيعة، المجموعة العرقية الأكبر في العراق حيث تمثل حوالي 65% ( هذا الرقم غير صحيح لكن من كثرة ترداده في وسائل الإعلام أصبح دارج ، راجع الراصد عدد 34 ، الراصد ) من السكان، رؤية لإقامة دولة فيدرالية موحدة، تتضمن إقليما كاملاً في الجنوب لأن ذلك سيمكنهم من امتلاك حقول النفط الغنية، فضلاً عن منفذ إلى البحر، وفرصة لتثبيت مركزهم وتطبيق سياستهم في منطقة يسيطرون عليها. هذا التهديد، بجانب الفوز في الانتخابات والتمدد الإيراني، يضفي مزيداً من الغموض على مستقبل الوحدة والديمقراطية في العراق.
الأحزاب والسياسات الشيعية الرئيسية:(36/48)
تسيطر على السياسات الشيعية ثلاثة أحزاب شكلت الائتلاف العراقي الموحد في انتخابات 15 ديسمبر 2005 ويرأسه عبد العزيز الحكيم زعيم المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق.
الأحزاب الثلاثة الرئيسية هي: المجلس الأعلى للثورة الإسلامية، ورساليون (حزب مقتدى الصدر)، وحزب الدعوة. ويعتبر حزب المجلس الأعلى للثورة الإسلامية الأكبر، والأكثر تنظيماً، والأكثر تمويلاً، كما يمتلك ميليشيا خاصة، منظمة بدر للتعمير والتنمية، ويلقي دعماً من إيران. ويتراوح عدد مؤيديه ما بين 2.5ـ 3 ملايين نسمة. فيما يتراوح عدد مؤيدي حزب مقتدى الصدر المناهض للأمريكيين ما بين 1ـ 1.5 مليون نسمة في كافة أنحاء الدولة خصوصاً في مدينة الصدر في بغداد، إلى جانب النجف. ويسيطر الصدر على جيش المهدي، الذي دخل في مواجهة مع قوات الحلفاء والقوات العراقية في بداية الاحتلال. ورغم عدم وجود معلومات بشأنه، إلا أن عدد قوات جيش المهدي لا يقل عن 10 آلاف جندي.
ويفيد حزب المجلس الأعلى للثورة الإسلامية وجيش المهدي القوتين الشيعيتين الوحيدتين اللتين تمتلكان ميليشيا. ويأتي حزب الدعوة بزعامة إبراهيم الجعفري في المرتبة الثانية بعد حزب المجلس الأعلى للثورة الإسلامية. وقد كونت الأحزاب الثلاثة الائتلاف العراقي الموحد الذي دعا إلى تطبيق الدستور العراقي و دعم الوحدة الوطنية. كما يدعو إلى إعادة تأسيس المؤسسات الحكومية وإنشاء حكومات إقليمية والتحقيق في جرائم البعث، وتطوير الاقتصاد عن طريق الاستثمار وخلق فرص عمل، وتحسين مستوى المعيشة، وضمان حرية التعبير، وتبني نظام ضمان اجتماعي وتعليم مجاني. كما يعتبر الائتلاف أن الإسلام دين الدولة.(36/49)
وقد فاز الائتلاف العراقي الموحد بـ 128 مقعداً في انتخابات ديسمبر2005 كما حصل رساليون على مقعدين إضافيين. ورغم أن هذه النتيجة مؤثرة، إلا أنها حققت أغلبية بسيطة مما دفع الشيعة إلى البحث عن شركاء لتشكيل الحكومة. وطبقاً للدستور العراقي، فإن التحالف الذي حصل على أكبر عدد من مقاعد الجمعية الوطنية له الحق في تسمية رئيس الحكومة الذي يكلف بتشكيل حكومة أغلبية. وبعد الحصول على دعم مقتدى الصدر تمت إعادة انتخاب إبراهيم الجعفري لرئاسة حكومة جديدة في 12 فبراير 2006، لكن مع تزايد حدة الانتقادات السنية والكردية لسياسة إبراهيم الجعفري والتي تسببت في إعاقة تشكيل الحكومة الجديدة، تخلى الجعفري عن منصبه لصالح نوري المالكي المسئول في حزب الدعوة الإسلامي.(36/50)
وقد أكد عبد العزيز الحكيم زعيم المجلس الأعلى للثورة الإسلامية على أن الشيعة ليس لديهم النية في التفاوض حول ما يعتبرونه "مبادئ رئيسية" تضمنها الدستور العراقي الجديد. وفي خطاب حديث لأتباعه، أكد الحكيم أن أية جماعة سياسية تأمل في المشاركة في حكومة الوحدة الوطينة يجب أن تبدى تأييدها لبعض الشروط وهي: اجتثاث البعث، ورفض الأنشطة الإرهابية، والموافقة على الدستور. وقد أبدى السنة، خصوصاً الحزب الإسلامي العراقي، بعض التحفظات على الدستور في شكله الجديد. وقد تمثلت القضيتان محور الارتكاز في اجتثاث البعث، والفيدرالية. ولم تتغير المطالب التي وضعها الحكيم في أغسطس 2005 قبل وضع الدستور، حيث قال في هذا الصدد: "بالنسبة للفيدرالية، نحن نعتقد أنه من الضروري إقامة إقليم في الجنوب". كما قال هادي العامر الضابط في منظمة بدر: "يجب تطبيق الفيدرالية في كل أنحاء العراق، فهم يحاولون منع الشيعة من التمتع بفيدراليتهم". لكن ثمة بعض القوى الشيعية، مثل مقتدى الصدر، يبدون قلقهم من الفيدرالية ويعتبرونها السبيل لتفكيك العراق. وخلال زيارته الأخيرة للسعودية العربية صرح الصدر قائلاً: "إن لدىَّ شعور قلق تجاه مستقبل العراق ولا أعتقد أنه سوف يبقى موحداً".
وفي التحليل الأخير، فإن كل هذه القوى الشيعية لها علاقات أمنية واستخباراتية مع إيران.
التدخل الإيراني في العراق:(36/51)
بعد سقوط النظام البعثي، اتجهت الأنظار إلى الشيعة: هل يحاولون تطبيق النموذج الثيوقراطي الإيراني في العراق، أم سيدخلون في شراكة مع عرقيات أخرى في العراق، وطبقاً للتحليلات الاستخباراتية، فإن ثمة مؤشرات قوية على أن إيران تتدخل من أجل المشاركة في تقرير مستقبل العراق، وتكريس التوجه الإسلامي الإيراني، والعداء للعلمانية، وتوسيع قاعدة التأثير الإسلام الشيعي، كل هذه التطورات سوف تفرز تداعيات مباشرة على استقرار ووحدة العراق. وفي حين يواجه الأمريكيون التمرد في العراق، يعمل الملالي في طهران على تحقيق مصالحهم في العراق من خلال النفاذ داخل الحكومة العراقية، وتقديم الدعم المادي واللوجستي للميليشيات وتكوين شبكة مخابرات.
وسيبقى الوجود الإيراني مصدراً للقلق من جانب السعودية، التي لديها مصلحة حيوية في تأسيس عراق مستقر وموحد. إن الملالي لديهم القدرة على ضرب العملية السياسية، وخلق التناقض، وتهديد ظهور الدولة العراقية. وطبقاً لاستطلاعات الرأي، فإن لدى العراقيين قابلية أقل لتطبيق النموذج الإسلامي الإيراني في العراق، فقد استنتج استطلاع أجراه مركز بحوث اكسفورد Abc Time، أنه لا يوجد تأييد قوي بين العراقيين للحكومة الإسلامية فقد أيد 75% من العينة التي شملها الاستطلاع إقامة حكومة ديمقراطية، بينما أيد 14% فكرة إقامة حكومة دينية.
تسرب الميليشيات الشيعية:(36/52)
استخدمت إيران آليتين لنفاذ إلى العراق. الآلية الأولى، نشاط قوات القدس وهو القسم الخاص للحرس الثوري الإيراني. الآلية الثانية، تمويل وتسليح الميليشيات الشيعية خاصة الجناح العسكري لحزب المجلس الأعلى للثورة الإسلامية وهي منظمة بدر للتعمير والتنمية التي يبلغ عدد أفرادها 25 آلفاً، وتضم كوادر منظمتي القدس وبدر علاقات تنسيقية قوية. وقد أشارت تقارير الاستخبارات إلى أن الضباط الإيرانيين يوجهون عمليات سرية تحت غطاء منظمة بدر، ويستقبل جيش المهدي مساعدات إيرانية أيضاً، لكن أقل نسبياً من بدر والقدس.
الجدير بالذكر أن قائد الحرس الثوري هو الجنرال يحيى رحيم صفوي، فيما يتولى الجنرال محمد باقر ذو الجار منصب نائب القائد. أما الجنرال قاسم سليمان فهو قائد قوات القدس، والجنرال باقر ذو الجار والجنرال سليمان مسئولان عن برنامج إيران السري في العراق، ولهما اتصال مباشر بمكتب المرشد الأعلى.
إضافة إلى ذلك، حددت التقارير الاستخبارية أربعة جنرالات في الحرس الثوري، وتسعة عقداء في الحرس الثوري مسئولين مباشرة عن العمليات العسكرية السرية في العراق.
وتجري قوات القدس بشكل رئيسي عمليات استخباراتية ماهرة في فن الحرب غير المألوفة. وتقدر الاستخبارات قوتها الحالية بـ 5000 فرد، أكثرهم ضباط مدربون. وضمن قوات القدس هناك وحدة صغيرة يطلق عليها "قوات القدس الخاصة" التي تضم ضباطاً محترفين. وتعمل هذه القوات بشكل رئيسي خارج الأراضي الإيرانية، لكن تبقى معظم قواعد التدريب داخل إيران.
وتنقسم العمليات الخارجية لقوات القدس حسب منطقة التأثير. وتعتبر المنطقة الأكثر أهمية العراق والسعودية (شبة الجزيرة العربية) وسوريا ولبنان. أما الأقل أهمية فهي أفغانستان، وباكستان، والهند، وتركيا، والجمهوريات الإسلامية في الاتحاد السوفيتي السابق، وأوروبا، وأمريكا الشمالية، وشمال أفريقيا (مصر، تونس، الجزائر، السودان، والمغرب).(36/53)
إن هدف إيران هو اختراق كل الميليشيات العراقية من خلال دعم وتدريب أعضائها. جيش المهدي، على سبيل المثال، يقدر عدد أعضائه بـ 10.000 فرد ويتلقي دعماً مادياً ولوجيستيا من إيران، كما يتلقى أعضاؤه تدريباً في معسكرات الحرس الثوري الإيراني. كما دربت معظم قوات منظمة بدر في المعسكرات نفسها، واكتسب كبار الضباط خبرة ومهارة في المعسكرات المتخصصة الخاضعة لقوات القدس.
وتفيد التقارير الاستخبارايتة أن قوات القدس تستخدم ستة معسكرات تدريب في إيران أهمها موجود في جامعة الإمام على في شمال طهران. كما توجد المعسكرات الرئيسية الأخرى في قم، وتبريز ومشهد، كما يوجد معسكران على الحدود السورية ـ اللبنانية.
وطبقاً لقول ضابط كبير في وزارة الدفاع العراقية ومعارض لإيران، فإن الإيرانيين بدأوا في تأسيس شبكة لجمع المعلومات أكثر تطوراً، إلى حد أنهم اخترقوا كل الوزارات السيادية العراقية وأجهزة الأمن.
هناك أيضاً إدارة مخابرات تابعة للحرس الثوري، وتحت قيادة قوات القدس مهمتها رصد التحركات الأمريكية والحلفاء في العراق. وينتمي عدد كبير من المنضمين حديثاً لقوات الشرطة العراقية الخاضعة للضباط الشيعة، بشكل أو بآخر، إلى المجلس الأعلى للثورة الإسلامية والمنظمات الأخرى التي تقيم علاقات قوية مع إيران.(36/54)
وتشير التقارير الاستخبارايتة إلى أن ضباط الحرس الثوري الإيراني يعملون حالياً في العراق داخل الميليشيا والجيش النظامي ووحدات الشرطة. إن درجة اختراق هذه المنظمات من الصعب تقييمها، ومن المستحيل عملياً التمييز بين الميليشيا الشيعية العراقية، ووحدات البوليس، فكلاهما متأثرين بإيران، وفي بعض الحالات يخضعان للسيطرة الإيرانية، الاختراق الإيراني امتد إلى مستوى الشارع أيضاً. فمعظم ضباط القوات والجيش لديهم ولاء أكبر لمنظمة بدر وجيش المهدي منه إلى وحداتهم الخاصة. وبالطبع، فإن هذه المنظمات تقيم اتصالات واسعة مع إيران. وطبقاً لرئيس استخبارات إحدى دول الجوار للعراق فإن الإيرانيين لم يحققوا اختراقاً فقط في بعض الأماكن، مثل بغداد والبصرة، بل إن السيطرة كاملة.
وطبقاً لمستشار وزير الدفاع العراقي، ليس هناك استقلال لمنظمة بدر عن الحرس الثوري الإيراني. هذا التحليل تدعمه تقارير استخبارات بعض دول الجوار.
إن منظمة بدر تعتبر عربة إيران الرئيسية التي تستخدم لتحقيق أهدافها الأمنية والاستخباراتية. الأكثر من ذلك، أن جيش المهدي رغم أنه أصغر نسبياً، وأقل تهديداً، وأقل تنظيماً مقارنة بمنظمة بدر، إلا أنه مخترق من جانب إيران أيضاً، وهي تطورات لا يمكن إغفالها.
أخيراً، من المهم ملاحظة أن الحدود المخترقة بين إيران والعراق سهلت كثيراً على الحرس الثوري ووزارة الاستخبارات والأمن، تنظيم نقل الأسلحة والأجهزة والمال إلى العراق. وتعمل في كثير من الأحيان بمعرفة أعضاء القوات العراقية، وقد تم أسر الجنود البريطانيين الذين اكتشفوا هذه العمليات، بواسطة القوات العراقية، ثم تم تحريرهم بعد ذلك.(36/55)
المنظمات الخيرية الإيرانية وأنماط أخرى من التدخل: تعتبر الحكومة الدينية الإيرانية المصدر المالي الأكبر للأماكن الشيعية في النجف وكربلاء، مثل نظيرتها في قم ومشهد. وقد تعلم في هذه المؤسسات عشرات الآلاف من العراقيين والعرب في علم الشريعة والفقه الشيعي، وهو ما يعد مصدراً آخر للقوة والتأثير.
وتمارس المنظمات الخيرية الإيرانية دوراً ملحوظاً في تمويل المستشفيات والمؤسسات الاجتماعية، والمساجد ملاجئ الأيتام، وخدمات اجتماعية أخرى، ومن خلال تكوين شبكة رفاهية اجتماعية في العراق ـ عبر استخدام الوكلاء أو بأسمائهم الخاصة ـ تمارس منظمات مثل مؤسسة المستضعفين، ومؤسسة الإمام الرضا، ومؤسسات الشهداء، تأثيراً هائلاً، حيث يبلغ تمويلها حوالي مليون دولار. وثمة منظمات أخرى مثل مؤسسة الرفاهية الاجتماعية، والمؤسسة الاقتصادية الإسلامية، ومؤسسة التعمير والإسكان.
وحتى الهلال الأحمر الإيراني استخدم كواجهة استخدمتها منظمة القدس لتأسيس خلايا مسلحة تحت الأرض في جنوب العراق. كل هذه المنظمات هيأت المجال لزيادة التأثير الإيراني في العراق مستقبلاً.
إن الدعم المقدم إلى المدارس، والمساجد، ومراكز توزيع الطعام والمؤسسات الصحية، وبناء المساكن للفقراء، جذب قطاعاً من المواطنين لهذه المنظمات، وهو ما عاد بالفائدة في النهاية إلى طهران.
واخيراً، فإن الحرس الثوري الإيراني، بمساعدة المنظمات الإيرانية، استطاع أن يجد مكاناً في المؤسسات الاستراتيجية في الإدارة العراقية الجديدة. التي تشمل مكتب رئيس الوزراء، والوزارات، والحكومات المحلية التي تضم الأغلبية الشيعية.
ولذلك، فإن المؤسسة الإدارية الدينية يقطنها المتعاطفون مع إيران، والموالون للجماعات التي تقيم علاقات قوية مع الحرس الثوري الإيراني والوزارات الحكومية في طهران.(36/56)
على سبيل المثال، فإن وزير الداخلية السابق بيان جبر، كان قائد منظمة بدر، وقد قضى سنوات تأسيسه في معسكرات الحرس الثوري الإيراني في طهران التي كانت تعمل على إسقاط نظام صدام حسين. بالإضافة إلى ذلك، هناك ضابط كبير في وزارة الداخلية العراقية كان يعمل منسقاً لعمليات التهريب السرية بين البلدين. هذه العمليات كانت تزود منظمة بدر، وجيش المهدي، والميليشيات الموالية لإيران بالمال والسلاح.
وطبقاً للتقديرات الاستخابراتية، فإن هذا الضابط نفسه مسئول عن تأسيس "فرق الموت" سيئة السمعة.
جدول ( 1 ) المنظمات الخيرية الإيرانية العاملة في العراق
المنظمة…الأصول بالمليون دولار
مؤسسة الإمام الرضا…12-14
مؤسسة المستضعفين…10-12
مؤسسة الشهداء…5-7
مؤسسة إنشاء المساكن…4
مؤسسة الإنشاء الإسلامية…2-3
منظمة الرفاهية…غ. م
المنظمة الاقتصادية الإسلامية…غ .م
ملحوظة : 70-80 % من قيمة هذه الأصول تتمثل في عقارات منحت من جانب الحومة الإيرانية .
فرق الموت:
تتم إدارة فرق الموت من جانب الجنرال، الذي سبقت الإشارة إليه، الذي يقوم بالتنسيق مع عقيد إيراني من قوات القدس (وهو المسئول عن وحدة في قوات القدس مسئولة عن الاغتيالات والهجمات الانتحارية) هذه الوحدة، بالتعاون مع فرق الموت، يعتقد في مسئوليتها عن ارتكاب عمليات اغتيال ضد زعماء وأكاديميين وضباط سنة. وكان أحد أهم أهدافهم هو الجنرال رعد الحمداني، أحد القادة الكبار في الحرس الجمهوري العراقي السابق. وبعد عدة محاولات لاغتياله هو وعائلته من قبل فرق الموت المختلفة (وكذلك من قبل منظمة بدر) اضطر إلى اللجوء إلى بلد مجاور للعراق.(36/57)
وبينما فشلت محاولاتهم لاغتيال الجنرال الحمداني، فقد نجحت محاولات ضد أهداف أخرى، حيث قتل عدد من مساعدي الجنرال الحمداني، كما تم استهداف المنشقين السياسيين، خاصة الذين لهم علاقات مع هيئة علماء المسلمين. وفي الشهور الأخيرة، تم توسيع عمليات الاغتيال لتشمل المهندسين والمحامين والأكاديميين. وقد تم اغتيال أكثر من 1000 من المهنيين والمثقفين العراقيين منذ أبريل 2005، مثل الدكتور محمد الراوي رئيس جامعة بغداد.
كتاب الشهر
قواعد جديدة للعبة
إسرائيل وحزب الله بعد الانسحاب من لبنان
تأليف دانييل سوبلمان ، ترجمة عماد الشعيبي
هذا الكتاب يهدف لدراسة سلوك حزب الله تجاه إسرائيل بعد انسحابها من لبنان والذي جاء مخالفاً للتوقعات الإسرائيلية ! كما يقول المؤلف ( ص 11 ) وهو باحث في مركز جافي للدراسات الإستراتيجية الإسرائيلي .
يكشف المؤلف عن حقيقة غائبة حول حزب الله وهي أن العامل الأكبر في تعاظم قوة الحزب كانت الانتفاضة الفلسطينية عام 2000م ، وبذلك يكون حزب الله طفيلياً تسلق على جهود الفلسطينيين للحصول على مكاسب طائفية ، و هذا سيساعده على التحول لكيان سياسي فيما بعد ، كما هو الحال اليوم بعد 6 سنوات من الانسحاب فماذا صنع حزب الله لإسرائيل ؟؟
جعل المؤلف الفصل الأول لنشأة الحزب ، وتغيير مساره من " الثورة الإسلامية في لبنان " إلى " المقاومة الإسلامية " وذلك بعد التخلي عن حلم " الجمهورية الإسلامية في لبنان " ، ثم تعرض لانشقاق صبحي الطفيلي الأمين العام الأسبق للحزب الذي رفض تغيير مسار الحزب نحو السياسة ، واستنجد بإيران لوقف الانحراف ، لكن إيران وقفت مع الانحراف والمهادنة السياسية !!
و خصص المؤلف الفصل الثاني للتوقعات المسبقة حول الانسحاب مقابل التطورات الفعلية :(36/58)
و بين المؤلف أن التشاؤم كان سيد الموقف لدى الجهات المعنية بالانسحاب خاصة من الموقف السوري وحزب الله ، وكانت التوقعات تشير لخلخلة أمن الحدود عبر قوات حزب الله والمنظمات الفلسطينية الموالية لسوريا ، ولكن ما حدث بعد ذلك هو العكس ! حيث كان سلوك حزب الله معتدلاً وحريصاً على التهدئة والحفاظ على المكاسب الإعلامية ، و زيادة نفوذه السياسي في لبنان ، وكأن الدور الجديد لحزب الله هو تمرير السياسات تحت صخب الشعارات الثورية !!!
ويكشف المؤلف عن سلوك حزب الله تجاه سكان الجنوب والذين كان قسم كبير منهم متعاوناً مع الاحتلال إلى حد العمالة الكاملة ، ورغم تصريح حسن نصر الله : " سوف تدخل المقاومة إلى منزل كل عميل وتذبحه على سريره " قبل الانسحاب ، إلا أنه عدل تصريحه هذا بعد الانسحاب إلى : " لقد جزع إخواننا مما كنت قلته وخشوا أن يلطخ هذا صورة الحزب ، ولكن هدفي مما قلت كان نشر الهلع " ، بل زاد بقوله : " إننا لا نفكر حتى بمجرد الانتقام " ، وذلك أن سكان الجنوب وأغلب كوادر قوات لحد كانت من الشيعة !وهذا بعكس ما قامت به الميلشيات الشيعية في العراق من الانتقام من السنة باسم اجتثاث البعث !!! بينما بعض كوادر جيش لحد حكمت عليهم المحكمة بالسجن لمدد بسيطة .
ومن السلوك غير المتوقع للحزب بعد الانسحاب ، إدانة محاولات التسلل عبر الحدود التي يقوم بها كوادر التنظيمات الفلسطينية ، بل إحباط بعض هذه المحاولات .(36/59)
أما الفصل الثالث فعالج فيه الكاتب دوافع ومطالب الحزب ، حيث يرى أن الحزب يناور بين المصالح المتنوعة للبنان وسوريا وإيران ومصالح الحزب نفسه ، ويركز على أن العامل اللبناني الداخلى لم يسلط عليه الضوء بشكل جيد في الدراسات التي تعرضت للحزب ، وذلك أن الحزب وهو يعيد تشكيل هويته ودوره اللبناني بعد الانسحاب أصبح أكثر اهتماماً بالرأي العام اللبناني ، الذي يعارض أن يتعرض للقصف الإسرائيلي دون مصلحة حقيقية ، لقد كان هناك تخوف من دعم حزب الله للمنظمات الفلسطينية بعد الانسحاب لكن تبين أن هذا غير صحيح ولا يستحق الاهتمام !!!
و يكشف المؤلف عن أن النظام السوري يلجأ للغة الخطابية والمؤيدة لحزب الله لمسايرة الشارع العربي ، ولكن في الحقيقة أن النظام السوري وحزب الله حريصان على هدوء الجبهة !
أما إيران فهي حريصة على عدم نشوب حرب مع إسرائيل ولذلك في عام 2002 وصل كمال خرازي وزير خارجية إيران لبيروت على ضوء تصعيد حزب الله للأوضاع ، وصرح بأنه ينبغي عدم إعطاء إسرائيل ذرائع لمهاجمة سورية أو لبنان .
و في الفصل الرابع تعرض المؤلف لأربع مراحل حاسمة مرت بالحزب بعد الانسحاب : المرحلة الأولي وفاة حافظ الأسد ، وصعود بشار للحكم ، لقد كان الحزب من مؤيدي الوجود السوري في لبنان ، وذلك للدعم السوري للحزب سياسياً كما في حادثة اعتقال الأردن خلية لحزب الله تحمل صواريخ كاتيوشا ، وتسهيل وصول السلاح الإيراني للحزب ، كما أن الوجود السوري ضمانة لعدم انتشار الجيش اللبناني في الجنوب وانتهاك قوة الحزب الوحيدة !
المرحلة الثانية هي استلام الحريري الحكومة عام 2000 ، والذي كانت أجندته السياسية لا تتوافق مع الطموحات الأيديولوجية للحزب الشيعي ، والذي كان يعارض النشاط العسكري للحزب بعيداً عن الدولة مما يسبب لها المشاكل ، والذي كان الحزب يراعيه بالنسبة لسوريا أكثر من لبنان !!(36/60)
المرحلة الثالثة هي انتفاضة الأقصى ، والتي كان موقف الحزب فيها الدعم الإعلامي عبر قناة المنار ! وبعض العمليات المتفرقة على الجبهة لإشغال الجيش الإسرائيلي !!
المرحلة الرابعة هي أحداث 11 أيلول والتي لم تؤثر كثيراً على الحزب .
أما الفصل الخامس فجعله سوبلمان لقواعد اللعبة بين الحزب وإسرائيل ، وهي ثلاث :
1-…الاعتراف بالخط الأزرق وعدم القيام بأي نشاط على طول الخط .
2-…منطقة شبعا غير مقيدة بمنع إطلاق النار .
3-…الرد بالمثل على أفعال إسرائيل .
وهذا الوضع من المحافظة على صورة عسكرية شكلية ، في مزارع شبعا وإطلاق المضادات الأرضية على الطيران الإسرائيلي ، هدفه المحافظة على صورته بين الجماهير المحلية والعربية وكسب الأنصار وعدم تخلى أتباعه عنه .
لكن هل شكل إطلاق المضاد الجوي ضغط على إسرائيل ؟ الجواب لا . وذلك أن عدد الانتهاكات الإسرائيلية في الفترة من 16/4/2002 إلى 26/2/2003 هو 993 انتهاكاً رد عليها الحزب بـ 50 رداً !!!!!!!!!
أما الفصل السادس فركز فيه المؤلف على محاولات حزب الله اختراق إسرائيل والتواصل مع حماس والجهاد في فلسطين ، وإمدادهم بالخبرة العسكرية مما يساهم في تنفيذ الأجندة الإيرانية السورية في المنطقة ، القائمة على توريط الفلسطينيين و لبنان والأردن في مواجهات مع إسرائيل ، مع بقاء الساحة الإيرانية والسورية خارج رد الفعل !!!
الفصل السابع جاء لبيان دور الحزب في المجتمع اللبناني من خلال مؤسسات الحزب الخدمية ، وتأثيراتها على الشارع اللبناني ، كما بين مراعاة الحزب للجانب الاقتصادي للبنان ، فقد حرص الحزب على تقليل نشاطه في الصيف للحفاظ على حركة السياحة !!
و حوت خاتمة الكتاب الخلاصات التالية :
-…طالما أن سورية ولبنان ينظران إلى المواجهة العسكرية المباشرة مع إسرائيل على أنها خطر من الأفضل تجنبه فسوف يأخذ حزب الله هذا الأمر بعين الاعتبار .(36/61)
-…شكلت تصريحات كمال خرازى ومحمد خاتمى الداعية لضبط النفس لدي حزب الله سياسة جديدة لإيران .
-…سبب قوة حزب الله العسكرية وبقاؤه من دون كافة الميلشيات العسكرية اللبنانية الأخرى هو الاحتلال الإسرائيلي ، فهل كان هذا هو المقصود من البقاء قديماً والانسحاب عام 2000؟
-…الانسحاب الإسرائيلي مهد لسهولة انخراط الحزب في الحياة السياسية اللبنانية ، فهل كان هذا من مقاصد الانسحاب وهو تمكين الحزب سياسياً؟؟
قالوا
فيدرالية حزب الله !!
قالوا: "علمت الوطن العربي أن حزب الله أنجز شبكة الاتصالات الهاتفية الخاصة التي جرى تمديدها في كل أحياء الضاحية الجنوبية. وذكرت مصادر في وزارة الاتصالات أن مثل هذه الخطوة المفاجئة تندرج تحت إطار استقلالية الضاحية الجنوبية في مجال الخدمات".
مجلة الوطن العربي - 2/6/2006
قلنا: بالأمس طالب عبد العزيز الحكيم بفصل محافظات جنوب العراق عن الوطن الأم، وتكوين دولة شيعية مستقلة، متصلة بإيران، واليوم يسير حزب الله في لبنان على خطى الحكيم ويبدأ مشواره في الانفصال، وربما تكوين دولة شيعية، من يدري!؟
بقاء الاحتلال أم جرائم الشيعة
قالوا: "البعث في أدبياته الأولى يملك رؤية جيدة في العلاقة مع الدين. ولكن هذه الرؤية غيبت لفترة بعد الأحداث وخلالها وأثناء الصراع مع الإخوان المسلمين".
النائب السوري محمد حبش ، مجلة المراقب العربي - عدد يونيو 2006
قلنا: هل يتجاهل أم هو جاهل هذا النائب المحسوب أنه إسلامي أن أدبيات البعث منذ نشأته تقول: "سلام على كفر يوحد بيننا"، وتعتبر أن البعث وانحلاله واشتراكيته "رسالة خالدة".
مكرمة صولاغية لأتباعه(36/62)
قالوا: "أكدت مصادر في وزارة الداخلية العراقية أن وزير الداخلية العراقي بيان جبر صولاغ وفي خطوة استباقية غير مسبوقة وقبل عزله من الوزارة قام بمنح مكرمات سخية لضمان الولاء له وللمجلس الأعلى الذي ينتمي إليه... وأغرب هذه المكرمات إصدار أوامر بمنح المئات من منتسبى أجهزة وألوية الشرطة والمغاوير وهم من ذوي الرتب الصغيرة، رتبة ضباط وبأثر رجعي".
مجلة الوطن العربي - 26/5/2006
قلنا: في دولة صولاغ والحكيم والمالكي كل شيء جائز... وعلى العراق السلام.
ميليشيات شيعية جديدة.. الله يستر
قالوا: "كشف تقرير غربي عن ظهور ميليشيات شيعية جديدة في العراق تحمل أسماء دينية مثل كتائب الإمام الحسين وكتائب الإمام علي وكتائب الإمام الهادي ووصف التقرير هذه الميليشيات بأنها ذات تمويل وإشراف إيرانيين مباشرين يفوقان ما يحصل مع فيلق بدر وجيش المهدي".
الوطن العربي - 26/5/2006
قلنا: إذا كان العراق الجريح لم يحتمل جرائم فيلق بدر وجيش المهدي، فكيف سيحتمل ميليشيات شيعية جديدة تقتل وتهجر وتدمر.
اليهود يفضلون الأسد
قالوا: "الإسرائيليون وحدهم يضغطون لإبقاء النظام السوري"
السياسي السوري رياض الترك ، مجلة المراقب العربي - عدد يونيو 2006
قلنا: حتماً لن يجد الإسرائيليون خيراً من نظام الأسد بجوارهم، ذلك النظام الذي أهداهم الجولان دون مقاومة تذكر، ثم يقف بوجه أي محاولة لاستردادها، والذي يقوم أيضاً بضبط حلفائه في لبنان وعلى رأسهم حزب الله، لمنع مقاومة إسرائيل وإزعاجها.
؟؟؟
قالوا : قال انه إذا تولت الجماعة السلطة في دمشق فستكون مستعدة لإجراء محادثات سلام مع إسرائيل.
علي صدر الدين البيانوني المراقب العام المنفي لجماعة الاخوان المسلمين في سورية
رويترز 25/6/2006(36/63)
قلنا : متى سيصدر المسلمون عن رؤية واحدة ؟؟ إذا كانت جماعة الإخوان المسلمون متعددة الرؤى والمواقف ؟؟؟ ومن ثم هل هذا هو الحق الذي تراه الجماعة السورية أم حتى لا يفوت قطار أمريكا القادم ؟؟؟
أمر من العلقم !!
قالوا: "الكل يرفض تواجد الاحتلال، لكن نحن اليوم بحاجة للقوات المتعددة بسبب تدهور الوضع الأمني، فإذا خرج الاحتلال من العراق في هذه اللحظة فجأة فسوف تحصل كوارث".
د. محمود المشهداني ، رئيس البرلمان العراقي - الوطن العربي 2/6/2006
قلنا: أجبرت ممارسات الشيعة العنصرية في العراق أهل السنة هناك أو بعضهم أن يتمنوا بقاء الاحتلال خشية من استفراد الشيعة الذين يتغولون الآن على أهل السنة.
دفاع عن لبنان أم إيران؟
قالوا: "تكشف مصادر مطلعة أن الخطة التي قدمها حزب الله كإستراتيجية دفاعية لحماية لبنان هي في الواقع جزء من إستراتيجية الدفاع عن إيران. وهي إستراتيجية أعدت في بعض أجزائها بالتعاون مع سورية، وبمشاركة الأمين العام لحزب الله أثناء لقائه مع الرئيس الإيراني أحمدي نجاد في دمشق قبل أشهر".
رياض علم الدين ، الوطن العربي 2/6/2006
قلنا: إذا كانت إيران هي التي قامت بتأسيس حزب الله في لبنان، فلا عجب أن يكون هدف الحزب الأول مصلحة إيران لا لبنان.
حتى نفط العراق ليس للعراق !!
قالوا: "تقوم العصابات المنظمة بالاستيلاء على النفط من خلال إحداث ثقوب في الأنابيب الناقلة وشفطها بأدوات ومعدات خاصة... وتمارس هذه التجارة الأحزاب المهيمنة بالجنوب، خاصة حزب الفضيلة الذي أصر على استلام حقيبة النفط..".
عبد الله التميمي ، الوطن العربي 26/5/2006
قلنا: حتى النفط الذي من المفروض أن يكون للعراق كله يستولي عليه الأحزاب الشيعية، وتهريبه للخارج والعراق ما يزال يعيش في الديون وأزمة المحروقات!
معسكرات لتدريب الإرهابيين في إيران(36/64)
قالوا: "ذكرت منظمة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة أن النظام الإيرانية أقام 20 معسكراً لتدريب الإرهابيين في عموم إيران".
الوطن العربي 2/6/2006
قلنا: لا عجب، فالاغتيالات والتخريب الذي تمارسه إيران في العراق وخاصة ضد أهل السنة يؤكدان أن سياسة معسكرات الإرهاب بدأت تؤتي ثمارها ولا حول ولا قوة إلاّ بالله.
الكلام لا جمارك عليه !!
قالوا: قُبيل الغزو الأمريكي للعراق قال حسن نصراللّه : «أهلاً وسهلاً بالأمريكان، سوف نستقبلهم في العراق أحسن استقبال، الاستقبال الذي يليق بهم، سوف نستقبلهم بالكلاشينكوف والبازوكة والكاتيوشا وأنواع الصواريخ، وسوف نستقبلهم بالسيارات المفخخة والقنابل وأفواج الاستشهاديين وقوافل المقاتلين ".
حافظ الشيخ صالح ، أخبار الخليج – 6 يونيو 2006
قلنا : هذا من التقية السياسية ، ولكنكم لا تفقهون !!!
باب جديد للدعوة !!
قالوا : ومن أكثر المسرحيات الدينية عبثاً وسفاهة، ما جرى في ألمانيا في الأيام الماضية حيث تم الإعداد لمباراة رياضية دينية على أحد ملاعب مدينة برلين.
كانت المباراة بين أئمة مسلمين وقساوسة نصارى، وكان حكم المباراة حاخاماً يهودياً. ونظمت المباراة الكنيسة البروتستانتية في برلين، بهدف استمرار اللقاء والتعاون اليهودي المسيحي الإسلامي.
د. صلاح الخالدي السبيل 23/05/2006
قلنا : أين ستكون المؤتمرات القادمة للحوار بين الأديان في المسبح أم مضمار جري ؟
كتيبة إيرانية جديدة !!
قالوا : أعلنت مجموعة إيرانية متشددة أمس أنها أنشأت كتيبة جديدة من «المتطوعين الانتحاريين» للقيام بعمليات انتحارية ضد إسرائيل ودفاعاً عن إيران في مواجهة المعتدين، بالإضافة إلى استهداف الكاتب البريطاني سلمان رشدي.
طهران ـ أ.ف.ب26 مايو 2006
قلنا : أبشر بطول سلامة يا مربع ، ماذا لو كان سلمان رشدي عراقي سني ؟؟
مؤتمر للجاهلية العصرية(36/65)
قالوا : تستضيف بيروت تحت عنوان "حظك". اكبر مهرجان لقراءة الطالع في الشرق الأوسط
يضم 22 شخصا من قارئي الطالع من أوروبا ودول عربية ولبنان .
العربية – 3 / 6 /2006
قلنا : لماذا يروج الدجل والشعوذة في زمن العولمة والتكنولوجيا ؟ هل بلغت الأمية بالمتعلمين أن يؤمنوا بالغيب الكاذب و هو السحر والشعوذة ، ويعرضوا عن عالم الغيب الحقيقي !!
من فمك أدينك
قالوا : اتهم قيادي شيعي في مدينة البصرة عمار الحكيم، نجل رئيس "المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق" عبد العزيز الحكيم، بـ "الإشراف المباشر على تهجير السنة من المدينة". بهدف خطة ترمى إلى "إنشاء إقليم شيعى جنوبى العراق".
العرب أون لاين - 06/06/2006 م
قلنا : متى سيضاف عمار الحكيم و أمثاله لقائمة الإرهابيين في العراق ؟؟
الحور بعد الكور
قالوا : "إذا كان هناك مرشح مسيحي نزيه وقادر على مقاومة التأثير الفاسد للمنصب الحكومي، وكان نزيها ولن يستخدم نفوذه ضد الآخرين، سأنتخبه. الله لم يرسل الأنبياء ليفرضوا علينا أي شيء، نحن أحرار في أن نكون مسلمين أو نصبح غير مسلمين ونعود مسلمين".
الترابي 7/6/2006م، العربية
قلنا : كلما تقدم العمر بالترابي زادت زاوية الانحراف ، نسأل الله أن يرده للصواب والحق .
الجهر بالفاحشة
قالوا : يتخوف سكان مدينة تطوان من الانباء التي تتحدث عن نية "الشواذ جنسيا" المغاربة عقد تجمع لهم في مدينتهم في أغسطس/ آب المقبل .
العربية 20/6/2006
قلنا : سبق في شهر يونيو/حزيران 2004 ، عقد مؤتمر مماثل في قاعة احتفالات واعتقلت السلطات آنذاك 43 من الشواذ ، 33 من الرجال، و10 من النساء، قبل أن تعمد السلطات إلى إطلاق سراحهم بعد تدخلات وضغط من جمعيات وطنية ودولية.
بشرى للسكاري !!
قالوا : "ولهذا فإنني في تناولي لهذا الموضوع لم أهدف إلى الخروج باستنتاج يبرهن على تحليل الخمر والنبيذ أو تحريمهما من قبل المرجعية النصية الإسلامية في مستوياتها المتعددة .(36/66)
الشاعر والباحث اليمني علي المقري الصادر حديثا "الخمر والنبيذ في الاسلام"
العربية 16/6/2006
قلنا : هل يمكن أن يقدم لنا هؤلاء اليساريون والعلمانيون ما هو المحرم في الإسلام ؟
القفز عن المشكلة !
قالوا : نفى وزير الداخلية احمد فتفت ان يكون رخص لإنشاء جمعية لبنانية تدافع عن حقوق مثليي الجنس ولمسابح عراة في مناطق سياحية ذات غالبية مسيحية .
العربية 17/6/2006
قلنا : وماذا سيصنع لمن قاموا بالتجمع وإقامة تجمهر غير مرخص لعرض أفلام إباحية ؟؟
جولة الصحافة
الأزمة العراقية وعمليات الاغتيال في خوزستان
صحيفة الثورة الإيرانية ، نقلاً عن مختارات إيرانية
عدد 70 ـ مايو 2006
على الرغم من أن معظم المتابعين للشئون الإيرانية يتجهون إلى التركيز على السياسة الخارجية لإيران خصوصاً فيما يتعلق بالملف النووي وغيرها من القضايا الخارجية، إلا أن ثمة قضايا داخلية ربما تكون أكثر خطورة على مستقبل الجمهورية الإسلامية، من أهم هذه القضايا أو الملفات ملف الأقليات داخل إيران وعلى رأسها إقليم خوزستان الذي شهد خلال الفترة الماضية العديد من مظاهر التوتر التي يرى الكثيرون أنها تشكل خطراً كبيراً على نظام الجمهورية الإسلامية الذي يتحمل الكثير من المسئولية عن أوضاع الأقليات في الداخل.
الوضع في خوزستان(36/67)
مثل بقية سكان المحافظات، لم يكن لسكان محافظة خوزستان من تحد سوى التصدي للحكومة المستبدة والدموية، فقد ظل شعب خوزستان على مدى مئات الأعوام مرتبط بعلاقات جيدة مع سائر القوميات الأخرى، لكن ما ظهر مؤخراً من صدمات نتج عن طرح سياسات من جانب الاستراتيجيين بالنظام إزاء خوزستان. وبالرغم من ذلك فهو الإقليم الوحيد في إيران الذي لم يذعن لخداع السياسيين، فقد شارك سكانه بفعالية في انتخابات مجالس المدن على عكس قوميات إيرانية أخرى قاطعت هذه الانتخابات، لنجد أن جميع نواب خوزستان هم من العرب سكان هذا الإقليم الأصليين. ولا يوجد في مجلس مدينة هذا الإقليم شخص واحد ينتمي إلى قوى النظام.
أما في انتخابات الدورة السابعة لمجلس الشورى، فقد حرص النظام على الإطاحة بالمرشحين القادمين من الخارج، أي خارج قوى النظام. كما ساهم مجلس صيانة الدستور بدور كبير في نجاح العناصر الموالية للنظام. وبناءً عليه، فقد قاطع شعب خوزستان انتخابات مجلس الشورى وكذلك الانتخابات الرئاسية التاسعة.
النظام يرى في خوزستان ساحة صدامات
كافح شعب خوزستان قبيل الثورة الإسلامية، من أجل الإطاحة بالنظام الملكي، كمعظم القوميات الإيرانية الأخرى، وبناءً عليه، التحمت القوميات المكونة لإقليم خوزستان (العرب والفرس وطائفة اللور) مع بعضها بعضا دون وجود أي خلاف يذكر من أجل إنجاح الثورة الإسلامية.
وفي بدايات الثورة، حدث صدام مصطنع من جانب بعض مثيري الفتنة بهدف تفريق وتشتيت شعب خوزستان الذي أدرك سريعاً هذا العمل وبادر بالتوحد للإطاحة بالقائمين على هذا العمل.وأثناء تلك الأحداث، سعى الأعداء لعمل بعض التفجيرات مدعين أنها من تدبير العرب لإثارة التوتر بين العرب والفرس في الإقليم، لكن شعب خوزستان تصدى لهذا العمل بحكمة عكست مدى الوحدة بين العرب والفرس.(36/68)
وخلال الأيام الأخيرة من تولي خاتمي للرئاسة تم نشر وثيقة تفيد بوجود برنامج حكومي يرمي إلى التضييق على عرب خوزستان، وورد في الوثيقة أيضاً أن "أبطحي" قدم خطة بوصفة مستشار رئيس الجمهورية من أجل إيجاد خلاف وانفصال بين العرب، مما أثار فجوة بين شعب خوزستان، فاشتعلت المظاهرات والصدمات في الإقليم.
وكان السؤال المطروح في ذلك الوقت مفاده: هل هذه الوثيقة صحيحة أم لا؟
بالتأكيد الوثيقة غير صحيحة ويبدو أن إثارة هذه الأزمة كان بهدف الإطاحة بوحدة خوزستان قبيل إجراء الانتخابات الرئاسية، وما من شك في أن نشرها جاء على يد الأصوليين، من أجل شغل الشعب الخوزستاني بقضاياه وكذلك سائر القوميات الإيرانية الأخرى في إطار التلاعب بمصير إيران وإظهار عدم فعالية الإصلاحيين بقيادة خاتمي.
لقد أدى نشر هذه الوثيقة على يد مثيرى الفتنة إلى زرع فتيل أزمة سرعان ما تطورت وتفاقمت، وإن كان مشعل الفتنة من خارج منطقة خوزستان وليس بعربي أو فارسي أو من طائفة اللور، وبناء عليه، اندلعت المظاهرات وقتل العديد من الشباب واعتقل المئات، وتطور الأمر بعد تدخل وزير الدفاع الإيراني إلى نزاع بين شيوخ القبائل.
لقد قام الأصوليون بزراعة القنابل في توقيت إجراء الانتخابات من أجل تمكين الجيش من تولي عملية إدخال صناديق الاقتراع إلى خوزستان وطهران وقم وسيستان وبلوشستان، وفي تلك الأثناء تم اعتقال أفراد من خوزستان وحدها مما أكد على نية الأصوليين في سلب السلطة من يد وزارة الداخلية التابعة لحكومة خاتمي.
وعندما أعلن عن زيارة أحمدي نجاد للإقليم تم تفجير عدة منشآت بالإقليم، حيث قتل الكثيرون، وفي النهاية يدرك شعب خوزستان من عرب وفرس و... أن سياسة النظام هي السبب في هذا التوتر والصدام حتى يتمكن النظام من القمع والسيطرة على جميع الأقاليم الإيرانية.
الشيخ المؤيد: إيران تهرب الأسلحة لدول خليجية وتؤسس خلايا نائمة
الملف – عمان 8/6/2006(36/69)
حذر المرجع الديني العراقي سماحة الشيخ آية الله الإمام حسين المؤيد من تفاقم الوضع الدامي في العراق, واصفا إياه بأنه "تجاوز حدود المعقول".
وقال إن تعبير "المأساة" لم يعد كافيا في الإعراب عن حقيقة ما يجري في العراق, مشيرا إلى وجود بوادر لاستمرار هذا الوضع الأغراض سياسية, وأضاف أن هناك عمل يجري للدفع باتجاه التقسيم شكلا أو مضمون, معتبرا أن أحداث البصرة لها أكثر من دلالة ومؤشر على هذا الأمر.
وحذر المؤيد من أن التدخل الإيراني لم يقف عند حدود الساحة العراقية, ويتخذ هذه الساحة منطلقا للتدخل في المنطقة, وذلك في إشارة منه إلى ضلوع إيران في أعمال العنف داخل العراق, وفي البصرة تحديدا.
وكشف الشيخ المؤيد عن معلومات "عاجلة" وردته من مصادر يثق بها في العراق أكدت وجود موقع سري في البصرة يعمل من خلاله الإيرانيون على تهريب السلاح وتشكيل خلايا نائمة في دول خليجية.
وحذر الشيخ من أن التمدد الإيراني في المنطقة بات يشكل ظاهرة خطيرة لابد من أن تتعامل معها الدول العربية بشجاعة سياسية.
وأشار الشيخ المؤيد إلى وجود مفاوضات غربية – إيرانية حول سلاح إيران النووي, معلقا على ذلك بقوله "سواء فشل الغرب في عقد صفقة مع إيران بشأن الملف النووي أو نجح, فإن مفاعيل ذلك ستترك أثرا سلبيا على العرب, لاسيما في المنطقة, لإن أي صفقة من هذا الطراز ستمنح إيران دورا سياسيا في المنطقة, ومن شأن ذلك إضعاف الموقف العربي في الأبعاد السياسية وغيرها".
وأضاف بأنه "قد لا يستطيع العرب اتخاذ موقف مباشر في مواجهة هذه الظاهرة, لكن دعمهم للمشروع الوطني في العراق سيمكن العراقيين الوطنيين من المواجهة لمصلحة العراق والأمة العربية".
إيران: إدارة الأزمة العراقية لا حلها
عريب الرنتاوي - الدستور 16/6/2006(36/70)
لأكثر من ثلاثة عقود ، نجحت سوريا في إدارة الأزمة اللبنانية دون حلها ، وأمكن لها أن ترسي قاعدة نفوذ سياسي ، أمني وعسكري في هذا البلد ، مكنتها من استخدامه كورقة تفاوض إقليمية بالغة الأهمية. ولأكثر من ثلاثة أعوام ، نجحت إيران في إدارة الأزمة العراقية ، دون وعد بحلها ، بل ودون قدرة على حلها حتى وإن توفرت الرغبة ، علما بأن المراقب للأداء الإيراني في العراق ، لن يجد صعوبة في إدراك حقيقة أن ليس لإيران مصلحة في حل هذه الأزمة ، فمصلحتها تكمن في وضع هذا الملف في آخر قائمة المفاوضات والصفقات مع الولايات المتحدة والمجتمع الدولي ، لا لشيء إلا لأن العراق تحول إلى خاصرة الولايات المتحدة الضعيفة ، ويدها المكسورة.
احتاج لبنان ثلاثين عاما لكي يتحول من ورقة سوريا القوية إلى خاصرتها الضعيفة ، ونقطة التحول الأساسية بدأت في الخامس والعشرين من أيار ـ مايو عام 2000 ، عندما قرر إيهود باراك ، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق ، الانسحاب من جانب واحد من جنوب لبنان ، وقد يحتاج العراق لسنوات عدة ، لا نعلم عددها ، لكي يتحول بدوره من ورقة قوة أساسية في يد طهران ، إلى خاصرة ضعيفة أو شوكة في حلق دورها الإقليمي المحوري.
ما جرى في البصرة يؤذن بأن احتمالا كهذا ليس مستحيلا ، وإن كان ينقصه الوقت والقوى المحركة ، فالانشقاق في التيار الشيعي بين عروبيين وإيرانيين لم يظهر على هذا النحو الواضح إلا بعد أن نزل تيار آية الله البغدادي إلى الشارع ، مستنكرا الهيمنة الإيرانية على البصرة والجنوب ، منددا بتدخل طهران في شؤون العراق الداخلية ، وعلى خط مماثل ، وإن بدرجة أقل من الحدة والوضوح ، يندرج تحرك التيار الصدري ، الذي ينتمي في مجمله إلى عروبة العراق ، وهو التيار الأكثر نفوذا وتمثيلا من بين مختلف المكونات والكيانات العراقية الشيعية.(36/71)
وقد لا يكون بعيدا ، الوقت الذي يندلع فيه الخلاف بين آيات الله العظمى حول ترتيب سلم الأولوية والولاية لحواضر من نوع مشهد وقم والنجف وكربلاء وغيرها ، وعندها سيدخل على خط الخلاف ، خلاف آخر حول ولاية الفقيه والفقيه الولي.
نحن إذن ، أمام حراك مرشح للتطور والتفاقم ، سيما أن هدأت زوبعة الخلاف الأمريكي - الإيراني من جهة ، أو قدر للأزمة العراقية أن يخبو أوارها بعض الشيء، إدارة أو احتواء.
أيا يكن من أمر، فإن رحلة العراق إلى ضفاف الحرية والاستقلال ، السيادة والوحدة الترابية ، ما زالت طويلة وشاقة ، والأرجح أن إيران ليست مهتمة بتسريع وصول القوارب العراقية إلى مرافئها ، فالأولوية في إيران للصفقة مع واشنطن ، على أن تتضمن ما يكفي من الضمانات والتطمينات الأمنية ، وأن تكفل لإيران دورها الاقليمي المفقود منذ سقوط الشاة ، أو ربما منذ انهيار الدولة الصفوية.
الإسلام النسوي... و إشكاليات الجنوسة والأيدولوجيا!
حسين أبو السباع - العربية 18/6/2006
ظهر مع مطلع تسعينيات القرن الفائت مصطلح (الإسلام النسوي) في مقابل الخطاب القرآني باعتباره خطاباً ذكورياً كما يدَّعي أصحاب هذا الاتجاه، فلا بد للمرآة أن تحدِّث هذا الخطاب الذي لا يحترم المرأة باعتبارها تساوي نصف قيمة الرجل في الشهادة والميراث، لتكون كائناً مساوياً له في كل الأمور، والخروج من كل قيد عليها تجاه الرجل.(36/72)
ظهر مصطلح (الإسلام النسوي) ليحدث ثورة مرأوية تهدف إلى تحرير المرأة والخروج بها من أية سيطرة ذكورية على الإطلاق، وتم بث مواقع كثيرة على الانترنت أهمها موقع يسمى (قنطرة) يكتبون في الافتتاحية (تستعين نساء مسلمات في كفاحهن من أجل التحرر والمساواة، ومن أجل التخلص من النظرة النمطية بالقرآن وبالتاريخ الإسلامي، ويعارضن جزئيا التفسير المتوارث للقرآن). والعلماء المسلمون لا يحسنون الرد على مثل هذه الدعاوى التغريبية الدخيلة على إسلامنا بالتجاهل تارة، وبآراء قد تؤيد على استحياء، أو تعارض على مستوى تغيير المنكر بالقلب وهذا أضعف الإيمان، وتتستر صاحبات هذه الدعوى تحت شعار ضرورة عصرنة الدعوة الدينية برمتها لتتناسب وطبيعة العصر، ويرون أن خلع المرأة للحجاب مثلاً هو غاية (الموديرنيزم) أو التحديث، ونسوا أن العصر صناعة بشرية يمكن أدلجتها تبعاً للدين وليس العكس.
فنجد أن الفقيهة الألمانية حليمة كراوزن ترى أن مصطلح (الإمام) لا يصف رتبة وظيفية محددة ولكنه يستعمل لمعانٍ كثيرة. فالمصطلح مشتق من فعل (أمَّ) ويعني يتقدم أو يقود، كلمة إمام متجانسة مع لفظ (أم) أي الوالدة وهو يغض النظر عن المفهوم البيولوجي يعني المصدر أو الأساس أو الجوهر. وترى أن تغير مفهوم الإمامة يجعل مفاهيم جميع الأمور قابلة للتفسير والتغيير. وتنادي أسماء بارلاس الأستاذة في جامعة أثيكا في نيويورك بعدم التشكيك في القرآن ولكننا نطالب بتفسير متحرر. كما يرون أن الخطاب الديني الذكوري قلل من شأن المرأة باعتبارها كائناً ناقصاً في العقل والدين، فكيف تبقى على هذه الحال، وقد تغيرت الأوضاع والمفاهيم وخرجت المرأة لتتقلد أرفع المناصب، إلى أن أصبحت قاضية فكيف يكون القاضي ناقص العقل والدين.(36/73)
يرون أن الوحي لا يخاطب إلا ذا عقل، فيكون اكتمال الرسالة بالوحي والعقل معاً، وإذا كان هذا هو أساس الدين الإسلامي، فلماذا نتقيد بآراء سلفية، كان لها ضرورتها في وقتها، واليوم بعد أن حكمنا عقولنا في كل الأمور، جاء الوقت لكي نعدل بها كلام الله سبحانه وتعالى، وكأن القران يتناسب مع فترة زمنية من دون الأخرى، وتناسى صاحبات هذا الاتجاه أن الله جعل العقل للإنسان ليستطيع التمييز بين المتناقضات، لا لكي يجادل خالقه، ويتطاول على أمور ظاهرة واضحة لا تأويل فيها، (للذكر مثل حظ الانثيين) مثلاً هذه الآية لا يصح فيها إلا أن تكون كما أنزلها الله سبحانه وتعالى، فليس اليوم نستطيع أن نقول: إن للذكر مثل حظ الأنثى، فالله عليم بعباده ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم ولو كان الله يريد أن يتم عصرنة هذه الآية تبعاً لمتغيرات العصر لكانت صياغتها مختلفة عما وردت بحيث يجري وراءها العلماء ليتبينوا مقاصدها المتعددة، لكنها جاءت صريحة من دون لبس في الفهم.
كما تسعى صاحبات هذا الاتجاه إلى الحرية في كل الأمور وينادون بوجوب المساواة في الزواج والطلاق والمواريث وما إلى ذلك من قضايا نزلت في كتاب الله، ويرون أن حدود الله التي أنزلت بها كثير من العسف بالمرأة، كما أن بها وحشية لا تتناسب أيضا مع ما نحياه اليوم من تحديث، وينادون أيضا بخلع المرأة للحجاب باعتباره تميزاً للمرآة المسلمة أدى إلى إقصائها عن المجتمع الإنساني، وبدلاً من أن تجاهد المرأة بدينها ولأجل دينها، يطالبونها بالتحرر من هذه القيود المزعومة التغريبية التي مالت بنا نحو تيار بعيد جداً عن إسلامنا الذي احترم المرأة وقدَّم لها حرياتها المصانة، وأقر لها ذمتها المالية الخاصة، وحررها من العبودية التي كانت تمارس عليها في الجاهلية.(36/74)
التحديث لا يتعارض مع الدين بضوابط، وإنما من يرون بفصل الدين عن الدولة جعلوا الدين حاجزاً بينهم وبين التقدم، وكأن التقدم مقرون حدوثه بالمخالفة الصريحة للدين الإسلامي، وإذا افترضنا أن الدين الإسلامي هو العائق الذي يقف بيننا كمسلمين وبين التقدم فالسؤال المطروح الآن: كيف إذن تقدم المسلمون الأوائل وصاروا أصحاب حضارة إسلامية كبيرة نفخر بها إلى اليوم، وما فرطنا فيه من تراث حضاري هو خطأنا نحن، وليس لنقص في الدين. إذا كان الإسلام يحارب ممن لا يدن به، فهذه قضية معروفة، لكن الذين يدعون الليبرالية في الفكر يميلون إلى زاوية بعيدة جداً عن مقاصد الدين الإسلامي الصريحة التي وردت في الكتاب والسنة، وهؤلاء المسلمون الذين يعملون على تقسيم الخطاب الديني إلى ذكوري وأنثوي هؤلاء أخطر بكثير من الحرب المعلنة من خارج المسلمين. الله سبحانه وتعالى، كرَّم المرأة، وأعطى لها حقوقها كاملة من دون نقصان، لكن أولات النساء المدعيات ليبرالية الفكر نسين أو تناسين قول الله سبحانه وتعالى: «إنا نحن نزَّلنا الذكر وإنا له لحافظون».
الجنوسة الدينية لا مجال لها ولا مكان في أصل الدين الإسلامي، فالإسلام نبذ العنف والتمييز والإقصاء، فالداعيات المسلمات المقيمات في بلاد الغرب لا بد أن يعوا خطورة هذه الممارسات، وعلى رجال الدين أن يعملوا جاهدين على التفتيش وراء هذه الأفكار ودحضها بالحجة والبرهان كي نبعد عن الإسلام هذه الشبهات المصطنعة.
من نشاط الآغاخانية في سوريا
هذه بعض نشاطات معهد الدراسات الإسماعيلية والذي مقره في لندن ، بحسب موقع المعهد على شبكة الإنترنت ، والمعهد يتبع الفرع الآغاخاني من الإسماعيلية . الراصد
1 - منشوران جديدان لمعهد الدراسات الإسماعيلية ، شباط 2006(36/75)
طُرح للتداول في كانون الأول عام 2005 منشوران جديدان للمعهد ، أولهما هو " مقاربات للقرآن في إندونيسيا المعاصرة " ويقدّم العملَ البحثيَ لمجموعة واسعة من المفكرين المسلمين الإندونيسيين ومقارباتهم المختلفة للقرآن. الكتاب الثاني هو " عش النسر : القلاع الإسماعيلية في إيران وسوريا "، ويحتوي على نتيجة أربعين عاماً من البحث في التاريخ الإسماعيلي والقلاع الإسماعيلية في القرون الوسطى.
وقد استمع الباحثون والزوار الذين حضروا حفل طرح الكتابين الذي نظمه معهد الدراسات الإسماعيلية في المركز الإسماعيلي في لندن إلى مؤلفي الكتابين يتحدثان حول الأبحاث التي تدعم هذين العملين.
ولفت البروفيسور عبد الله سعيد ، مُعد كتاب " مقاربات للقرآن في إندونيسيا المعاصرة "( منشورات جامعة أوكسفورد ، 2005 ) إلى أنه، رغم أن إندونيسيا هي أكبر بلد مسلم في العالم من حيث عدد السكان، إلا أن أغلب أعمال باحثيها حول الإسلام لم يكن مقروءاً على مجال واسع. ويَجمع هذا العمل مساهمات مجموعة واسعة من المفكرين المسلمين الإندونيسيين، تقليديين ومعتدلين، جاعلاً مقارباتهم المختلفة للقرآن متاحة للمرة الأولى لقارئ الإنكليزية. وتتنوع المواضيع التي تناولها هذا الكتاب بين التفسير النصّي والتعددية الدينية إلى النقاشات حول تعدد الزوجات داخل الحركة النسائية المسلمة في إندونيسيا واستخدام الآيات القرآنية في السياسات الإندونيسية المعاصرة. هذا الكتاب هو مرجع هام للمهتمين في الدراسات القرآنية والإسلام في إندونيسيا من باحثين وسواهم.
عبدالله سعيد هو بروفيسور سلطان عُمان لدراسات اللغة العربية والإسلام ومدير مركز دراسات الإسلام المعاصر في جامعة ميلبورن في أستراليا. وقد سافر كثيراً ونَشَرَ أعماله في العديد من الدول، ويُحاضر حالياً في العلاقات بين الأديان.(36/76)
خلال تقديمه كتابه، أعطى الرائد بيتر ولي وصفاً مبنياً على مشاهداته المباشَرة للقلاع التي اكتشفها خلال أكثر من عشرين بعثة إلى إيران وسوريا. وقد استوطن الإسماعيليون النزاريون هذه القلاع منذ 1090م وحتى الغزو المغولي عام 1256م حيث دُمِّر أغلبها. كتاب عش النسر كتاب مزود بشكل جيد بالعديد من الصور والخرائط والأشكال. و يشكل هذا العمل إسهاماً هاماً وبتوقيت مناسب للدراسات والتاريخ الإسماعيليين عبر مناقشة وتصحيح الأساطير القروسطية المضللة التي لا زالت متغلغلة في الأعمال المتعلقة بإسماعيليي ذاك العصر، وهي ما يُسمَّى خرافات الحشاشين.
يعد بيتر ولي مرجعاً في القلاع الإسماعيلية في إيران وسوريا، ممضياً معظم حياته في اكتشافها واستكشافها. ويحتوي كتابه هذا على وفرة من المعلومات والمصادر، وهو أساسي للباحثين والطلاب وكل مهتم بالتاريخ الإسماعيلي أو القرون الوسطى.
2- معهد الدراسات الإسماعيلية يُطلِق البرنامج التحضيري لسوريا في دمشق
أيار 2006
في التاسع من شهر أيار، بدأ عشرون طالباً من سوريا برنامجاً مكثفاً في دمشق يستمر تسعة أشهر، نُظّم بمسعى مشترك بين معهد الدراسات الإسماعيلية ومؤسسات الجماعة الإسماعيلية في سوريا. وقد أسِّسَ البرنامج التحضيري لسوريا بهدف تنمية القدرات البشرية في سوريا. ويُديره المركز الثقافي البريطاني الذي سيقوم بتطبيق منهاج دراسي وضعه قسم الدراسات العليا في المعهد.
يهدف البرنامج إلى تزويد المشاركين فيه بقدرات أفضل باللغة الإنكليزية ولأن يُنمّي معارفهم النظرية ومدركاتهم النقدية، مستقطباً الأفراد الذين يرغبون بمتابعة تحصيلهم العلمي العالي أو شغل مناصب إدارية أو قيادية. ذلك من خلال تدريبهم على تقدير المشاكل ومعالجة القضايا المعقدة وإيجاد حلول عملية وفكرية ضمن مجتمعاتهم المحلية.(36/77)
وللبرنامج شقين؛ الشق الأكاديمي لتحضير الطلاب لمتابعة الدراسات العليا في مؤسسة علمية ناطقة بالإنكليزية، والشق الإداري الذي سيعزز مهارات الطلاب باللغة الإنكليزية وقدراتهم على إدارة من يؤدون عملاً حالياً أو في المستقبل في مؤسسات تابعة للجماعة الإسماعيلية السورية، سواء أكانوا متطوعين أم مأجورين.
وقد أختير طلاب من أنحاء مختلفة من سوريا، ومنها دمشق وسلمية ونهر الخوابي وتل الدرة وحلب، وهم مقسمون بالتساوي بين الشقين الأكاديمي والإداري .
3- معهد الدراسات الإسماعيلية يؤسس فرع مجموعة آسيا من جمعية قدامى خريجيه
أيار 2006
التقى قدامي طلاب معهد الدراسات الإسماعيلية من شرق أفريقيا وهونغ كونغ والهند وإيران وباكستان وسوريا والسودان، ليعقدوا الاجتماع الأول للفرع الآسيوي من جمعية خريجي معهد الدراسات الإسماعيلية. عُقد الاجتماع في مدينة دبي الإماراتية في الثاني والعشرين من نيسان، وكان بين الحضور عدد من كبار أعضاء إدارة المعهد
خلال العقدين الماضيين، تخرج أكثر من مائتي فرد من المعهد في مجموعة من المجالات المتعلقة بتنمية الموارد البشرية. وهؤلاء الخريجون نشطون الآن في مجموعة من المبادرات المثيرة حول العالم. ورغم أن كثيراً منهم لا زال على تواصل مع شؤون دراستهم، فقد بادر المعهد الآن إلى إيجاد الأسس الرسمية لبناء علاقة ذات فائدة متبادلة بين المعهد وخريجيه. ومن هنا فإن تأسيس فرع المجموعة الآسيوية من خريجي المعهد يأتي بعد إيجاد فروع مماثلة في أميركا الشمالية وأوروبا.
تضمن برنامج اليوم أيضاً مراجعة وتصديق النظام الداخلي لجمعية الخريجين، والذي حاز على توصيات مفيدة. كما شارك الحاضرون في مناقشة قواعد المرجعية للمسؤولين داخل الجمعية قبيل البدء بالترشّح لتلك المناصب. وسوف تتم عملية الترشح الشهر المقبل ليتبعها انتخاب مسؤولي الجمعية من بين الخريجين أنفسهم.(36/78)
خلال العشاء التوديعي، قام السيد نزار شريف، مدير التخطيط والبناء في المركز الإسماعيلي في دبي، بإلقاء كلمة المتحدث الرئيسي مشاركاً مع طلاب المعهد القدامى تفاصيل المركز الإسماعيلي المقبل. في مساء اليوم التالي، نُظّمت للمشاركين جولة في المركز الإسماعيلي في دبي والذي لا يزال قيد البناء.
هي دي مصر
آخر ساعة 31/مايو/ 2006 باختصار
( هذا المقال نموذج لصور الجهل بالدين والعقيدة لدي المسلمين في حواضر العالم الإسلامي فما هو الحال في أطراف العالم الإسلامي ؟؟؟؟ الراصد )
يدور الزمان وتتعاقب التواريخ وتبقى روح مصر العامرة بإيمان فطري ويظل نهر محبتهم يفيض بالعطاء والنماء على كل أبنائها. وهم يبتهلون ويرنمون في مساجد وكنائس وحدتهم تعزف أرواحهم صلاة مشتركة لإله واحد غايته الحب وطريقه العطاء.
وكما يمتزج كل شيء على أرضنا في خلطة سحرية مبهرة شهدت الأيام الماضية مولد الحسين بالقاهرة والذي احتضن أكثر من مليونين ونصف من المحبين وعلى أرض المنيا مهد التوحيد أقيم مولد السيدة العذراء وحضره عدد مقارب بجبل الطير.
"آخر ساعة" حرصت على أن تعيش الأجواء هنا وهناك ولم يكن من الصعب العثور على الجذور الواحدة، لكن المدهش حقاً كان تلك اللوحة الفسيفسائية الرائعة التي تمتزج فيها الأديان والثقافات والتواريخ في توليفة خاصة ليس لها سوى اسم واحد ورائحة واحدة ومعنى واحد هو مصر. وهي صورة لا تكذب، اجتمع لرسم ملامحها في تلقائية الملايين من المصريين مسلمين ومسيحيين....
2 مليون مصري يحتفلون بمولد السيدة العذراء..
المحجبات يتبركن بالدير ويقدمن النذور
هنا توحد المسلمون والأقباط، وأصبحوا نسيجاً واحداً.. ونموذجاً للأخوة الصادقة الصافية.. أكثر من مليونين من المصريين، لا تستطيع أن تميز بين مسلميهم وأقباطهم.. تجمعوا في مولد السيدة العذراء فوق جبل الطير في دير السيدة العذراء بمحافظة المنيا..(36/79)
لقد رأينا بعيوننا كيف حضرت المحجبات إلى الدير طلباً للبركة.
وسمعنا حكاية الريس محمد الذي أهدى المهندس حنا صورة لرحلة العائلة المقدسة في احتفال العام الماضي.. وشهدنا اللقاء بينهما في مولد هذا العام.. لقد أمضى المهندس المسيحي ثلاثة شهور في إعداد لوحة بأسماء الله الحسنى ليقدمها هدية إلى الريس محمد...
ما رأيناه ننقله لكم بلا رتوش أو تزويق.
شارك في هذا الاحتفال المليوني وزراء ومحافظون ورجال فكر ومثقفون ومواطنون بسطاء من كل محافظات مصر وقراها واستمر 7 أيام وكان الجميع يتبادلون التهنئة وعبارات المحبة، في عيد لكل المصريين.
قبل عامين صدر قرار غريب يمنع المسلمين من مشاركة الأقباط احتفالهم بمولد العذراء والذي يقام في نهاية مايو من كل عام خوفاً من حدوث احتكاكات وذلك بناء على توجيهات المسئولين.
غضب الأقباط بشدة، وأصدر القس متى كامل حنا كاهن دير العذراء ووكيل مطرانية سمالوط أوامره بإلغاء الاحتفال ومنع الصلاة في الدير وعدم القيام بأية زيارة إلى المغارة التي شرفتها العذراء لثلاث ليال. حتى يسمح للمسلمين بالمشاركة في الاحتفال، وقد انطلقت ساعتها مسيرة حاشدة ضمت آلافا من المسيحيين صوب جنوب مدينة المنيا تضامناً مع المسلمين. وفي النهاية تم السماح للمسلمين بالاحتفال مع أشقائهم وعادت البهجة للدير وأضيئت الشموع ودقت الأجراس.
وداخل أرض المولد تقابلنا مع شاب يدعى مصطفى رزق الله كان يبيع ايقونات تجسد صورة السيدة العذراء ولوحات لأهم الشخصيات الدينية المسيحية مثل البابا شنودة إضافة إلى بعض الشرائط الدينية.
يقول مصطفى: ليس للتجارة علاقة بالدين فالمسلمون في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا يقومون بالبيع والشراء مع غيرهم من المسيحيين واليهود فليس هناك أي مانع أن أبيع بوسترات وشرائط مسيحية فحتى الآن مكسبي الصافي من هذه التجارة ولمدة خمسة أيام خمسة آلاف جنيه.(36/80)
أبعتيهم يا عدرا... ويا رب اللي ما يشتري مني ما تستجيب لصلواته.. نداء ردده بعض البائعين في مولد العذراء أملا في إقبال الزائرين عليهم، والمثير أن هذا النداء الجديد قد لاقى استحسانا كبيرا من الناس.
مسلمون في الدير
بداخل دير العذراء التقيت عددا من المسلمين والأقباط الذين جاءوا لزيارة المغارة التي مكثت فيها السيدة مريم لمدة ثلاثة أيام ومن أجل قيام الأقباط بأداء الصلوات وأخذ البركات من الكهنة وتعميد الأطفال.
يؤكد جمال حسين موظف بإحدى اللوكاندات من مركز بني مزار بمحافظة المنيا أنه اعتاد القدوم كل عام بصحبة أم علاء "زوجته" وأولاده لشراء بعض المقتنيات من المولد وللترفيه عن الأطفال من خلال الملاهي والمراجيح الموجودة إضافة إلى زيادة الدير التي مكثت فيه السيدة مريم ومشاركة "إخوته" المسيحيين فرحتهم في الاحتفال.
أما السيدة سامية والتي تبلغ من العمر 60 عاما فقد جاءت من الفيوم لتوفي نذرا عليها للعذراء فقامت بإلقاء خاتم ذهب داخل مغارة العذراء مريم كما جاء عدد كبير من الأقباط من محافظات سوهاج وأسيوط والفيوم وبني سويف والأقصر أملا في ظهور العذراء.
ويشير ميخائيل مرقص إلى أن أصدقاءه أخبروه أنهم شاهدوا السيدة العذراء في دير المحرق بأسيوط وساعتها شفي أحدهم وكان يدعى عادل وكان يشكو من وجود حصوة على الكلى غير أنه بعد عودته من الدير قام بعمل أشعة على الكلى ففوجئ هو والطبيب بعدم وجود الحصوة، ميخائيل مريض بالسرطان وجاء إلى سمالوط متمنيا ظهور العذراء وأملا في الشفاء.
أنفلونزا الطيور
حنا عزيز يبلغ من العمر خمسين عاما جاء إلى الدير ليصلي ويأخذ البركات أملا في أن تسدد ديونه، حيث كان يمتلك مزرعة للدواجن تضم ما يقرب من 300 ألف فرخة غير أنه أعدمها كلها بسبب أنفلونزا الطيور فتكبد خسائر وديونا فادحة بلغت نحو ربع مليون جنيه.
فيما أخذت سيدة أخرى تصلي وتدعو ربها لعله يشفي أبنها من المس!(36/81)
ليلتان بين العارفين والحرافيش والمجاذيب
المولد احتفالية صاخبة ما أن تدخلها حتى تتورط في الزحام فأنت دافع أو مدفوع، مانح أو ممنوح ستمتزج رغم أنفك في الخليط العجيب وستصبح متجانسا بصورة تدهشك وسط الدراويش والحرافيش والعارفين واللصوص والباحثين عن دور. نفوس عارية في احتياجاتها، صريحة في إفشاء أسرار ضعفها وعوزها، تشكو وتبكي وتذكر وتتمايل حتى السكر تصرخ وتمارس عزة المنح وتهافت الأخذ بفطرية وتنام في العراء رجالا ونساء في أمان إنساني دون شوائب وكأنه مجتمع آخر غير الذي يعاني هواجس الفصل والمنع.
الأصابع تشير إلى أعلى في لحظات الوحيد متوازية مع مئذنة الجامع التي تشير إلى أعلى ككل الأبراج والمسلات والأعمدة والصروح التي مارست طقس مقاومة جاذبية التراب لتشير إلى الحقيقة المرتجاة. وآلاف من الرجال والنساء والشباب والأطفال من ريف مصر نازحون من أعماق التاريخ يحيطون مقابرهم المحفورة في الصحراء وأديرة القديسين والأضرحة المقامة على التلال يقيمون طقوس احتفالهم بعظمائهم الذي يطلون عليهم من العالم الآخر محصنين بالمتون والأوراد....
على الرصيف
تستمع إلى مشاعر الناس وحكاياتهم فتغمرك محبتهم وتجعلك بساطتهم تشعر وكأنك واحد منهم ورويدا ستدخل إلى أساطيرهم الخاصة وحكاياتهم مع الأولياء الذين يطلبونهم بالاسم ويكلفونهم بمهام، وقصص المرض والشفاء والضيق والفرج، فكلها أشياء لا تحدث اعتباطا كما نتصور نحن المتعالين على الحياة ولكن ضمن دراما محكمة أبطالها الأولياء ومسرحها الأضرحة والموالد.....(36/82)
داخل المسجد أيضاً ينتشر السقاؤون. وقفت مع أحدهم اسمه حسين عبد الوهاب من المنصورة قال لي إنه يذهب إلى كل الموالد من عشرين سنة أي منذ كان عمره ثلاثين عاما وأن حمله للمياه في الموالد شال عنه المرض الذي أصابه لمدة سبع سنوات وبعد أن خضع لأكثر من عشر عمليات جراحية وكانوا يحملونه دون رجاء لكن الشفاء جاء على يد الأولياء لذلك فهو الآن قنطارا من المياه على ظهره طوال اليوم ولمدة أسبوع في كل مولد.. ولا ينام إلا بعد صلاة الفجر.
دين المصريين
الصورة التي تشاهدها في المولد تكشف لك المجتمع المصري الحقيقي بعاداته وتقاليده الأصيلة دون مزايدات أو محاولات لإعادة التشكيل. فالنساء والرجال معا في كل مكان. على الأرصفة داخل الخيام وفي حلقات الذكر. أسر متجاورة معظمهم يرتدون الملابس التقليدية النابعة من المجتمع دون تزيد مما حدث في العقود الأخيرة ويدهشك أن هؤلاء مازالوا الأغلبية لتشعر بأننا في حياتنا اليومية لا نحس المشاهدة أو لعل ما نراه صورة مصنعة فالملايين التي تذهب إلى الموالد في قرى مصر ومدنها هم محبون للدين بمعناه السمح ودون تأثر بالتيارات الدخيلة وهم إما مريدون خضعوا لشيء من التعاليم الصوفية أو بسطاء يتدينون بفطرية ولا يعنيهم ما تقوله الجماعات السلفية، لذلك فأنت عندما تذهب إلى المولد تفاجأ بأن المصريين لم ينقرضوا فمازالت روحهم العامرة بالإيمان الفطري والتدين السمح القائم على المحبة للجميع ولكل شيء.(36/83)
أما الوجد الذي يشعر به الذاكرون في السرادقات المقامة حول المسجد وهم يهيمون يتمايلون على إيقاعات الإنشاد فلن تشعر به ما لم تجربه إنها حالة مدهشة وأنت تشاهد الجموع رجالا ونساء يتمايلون مع الموسيقى وغناء عن العشق يعبر من لذة الحواس إلى تسامي الأرواح. وليس كل من يحاول ينجح فهناك من يظلون يتمايلون في آلية وهناك من يندمجون وهناك من يغيبون عن المكان والزمان بعد أن تصفو نفوسهم وترق أرواحهم وهناك من يصلون إلى حالات هيستيرية من الوجد. شيء لا يصدق فكأنما تدخل الموسيقى في المسام لتحيل كثافة الأجساد إلى خفة ولذة على إيقاع نشوة جماعية وفرحة تغسل الآلام وتذيب الهموم. رغم التالي الذي ينظر به البعض إلى هذا الطقس الإنساني....
جلسة مع الصوفية
داخل حجرة مفتوحة أعلى المحلات والمقاهي التي تطل على الجامع التقيت بالشيخ محمود أبو حسين كان حوله مجموعة من الصوفية عرفت أن معظمهم متعلمون ومثقفون ويشغلون مراكز مرموقة. أجلسوني إلى جوار الشيخ وسرعان ما تحول حواري معه إلى ما يشبه الدرس وتداخل بعضهم بالأسئلة في حوار مفتوح حول التصوف. قال لي الشيخ: من زمان نأتي إلى مولد الحسين أكثر من 30 سنة فهو يعني لنا الكثير لأنه أحد أفراد أسرة النبي وهو أصغر من الحسن والمأساة التي حدثت له نسجت أساطير حول قدوم رأسه لكن الحكاية المشهورة أنها جاءت من دمشق محمولة إلى مصر. في البداية جئت بالعاطفة دون فكر ثم التقيت بالإخوة وعرفت طريق الصوفية.. الإمام الغزالي جلس مع كل الفرق وحاور الفلاسفة وقال لهم: ما عرفتموه فبالحواس والحواس تخطئ ثم قال جلست مع الصوفية ولم أفهم كلامهم وبعد حالة أشبه بالاكتئاب ألمت به وبعد اعتكاف وصل إلى علم المكاشفة وقال أن لكل شيء آلة فلا فكر بدون حواس ولكن الحواس لا تدرك الله وإنما العقل والروح والوصول إليه بالرياضة الروحية.. ويكمل:(36/84)
"المولد موائد وعوائد وفوائد".. مقولة لأحد أساتذة دار العلوم كان يجلس معنا وفي التاريخ الموالد كانت موجودة قبل الإسلام. والصوفية لا تحظر أي معرفة نحن نقرأ الأناجيل وقرأ الشيخ ابن عربي ونستشهد بنصر حامد أبو زيد الذي يحاربونه فهم يضعون خطوطا حمراء للفكر ونحن نحب المعرفة لأنها تؤدي إلى الله. ولذلك تجد الصوفي الحق ضد التطرف فلا توجد كراهية مقدسة. يروى عن داود عليه السلام أنه كان يبني بيتا وكلما أتمه وقع فقال له الله: أريد أن يبنيه شخص لم يقتل إنسانا. فقال له داود لقد قتلوا في سبيلك. فقال له أريد من لم يقتل إنسانا لأي سبب كان. فلا كراهية باسم الله ولا فرق فالمفروض أننا جميعا جماعة واحدة ربما يرى كل منا جانبا لكننا نعلم أنها جوانب لحقيقة واحدة. ومن يريد معرفة الله فليس هذا بالبحث عن الكرامات بل بالعلم. ونقول لمن يريد الكرامات: ألا يكفيك الخلق ومعجزة الحياة والوجود. لذلك فشعار الصوفية الحقة: العلم أشرف المقامات والحب أشرف الأحوال. وهذا الحب يتسع للجميع حتى من يختلفون في العقيدة لأن الله لو لم يحب ظهور العالم على ما هو عليه وبكل من فيه لما ظهر هكذا وليس أجمل مما كتبه الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي. قد كنت قبل اليوم أنكر صاحبي
إن لم يكن دين إلى دينه دانِ
فأصبح قلبي قابلا إلى كل صورة
فمرعى لغزلان ودير لرهبان
وبيت لأوثان وكعبة طائف
وألواح توراة ومصحف قرآن
أدين بدين الحب أني توجهت
ركائبه فالحب ديني وإيماني.....
الشيخ ياسين
آه يا أنا.. أنا من أنا؟.. فناء ساخر.. خيال سائر.. وهم يجل عن الحقيقة وصفه.. وسراب ظمآن يراه الحائر.
بهذه الكلمات أحيا الشيخ ياسين التهامي الليلة اليتيمة لمولد الحسين وهي الليلة التي تعقب الليلة الكبيرة وهلل الذاكرون بالآلاف في الساحة أمام الجامع من بعد منتصف الليل وحتى الساعات الأولى من صباح الأربعاء الماضي.(36/85)
ومما يستحوذ على انتباهك خلال الزحام ورغم الصخب في تلك الليلة أن الحاضرين كانوا يحفظون ويرددون أشعار ابن الفارض ومعظمهم من البسطاء القادمين من أقاصي الصعيد وأنحاء الريف المصري وقد أصابهم الوجد وراحوا يرددون:
ما نحن إلا كالكتابة في الهواء.. سطور خيال والحروف ضمائر.. شتان بين حقيقة هي مظهري.. تمحو سواها ومالها ما يناظر.
أو وهم يهيمون مع الإيقاع والموسيقى الصوفية والشيخ ياسين يعيد مرات:
ذاب الفؤاد بحب من أتصور.. والوجد حرقني ولم استنصر.. شمس الحقيقة أشرقت في هيكلي. وبها سجودي مهلل ومكبر.. دكت جبالي بشعاع سطوعها.. فتناثر البنيان تيها ومظهر.
«السحريات» في بيروت مؤمنات ناشطات وفي مدارسهن منحازات ضد الصبيان
بيروت - بيسان الشيخ الحياة - 08/06/2006
لم تغير منال نمط حياتها الباذخ عندما قررت ارتداء الحجاب، لكن الفارق حصل في «النيات»، كما تقول. فهي مثلاً كانت تقضي معظم أوقاتها في التسوق أو النادي الرياضي أو نشاطات الجمعيات النسائية التي تتوزع بين حفلات الشاي الخيرية واللقاءات الاجتماعية. ولما قررت إضافة غطاء الرأس إلى لباسها، أدخلت تعديلات طفيفة على خزانتها بما يتناسب مع المظهر الجديد، فيما أبقت على نشاطاتها الاجتماعية مضفية عليها طابعاً دينيا،ً فصارت تقوم بها «كواجب أخلاقي فيه الكثير من التقوى وإرضاء الله».
وتحول النادي الرياضي نفسه من مكان للاهتمام في الشكل من تنحيف وتجميل، إلى ضرورة صحية لحماية الشرايين والوقاية من آلام الظهر والمفاصل. ولم يتبدل كثيراً النمط الاستهلاكي السابق، إذ صار التسوق ضرورة لإعطاء صورة حديثة وأنيقة عن المرأة المسلمة. أما اللقاءات الاجتماعية التي كانت محطة نسائية بامتياز للثرثرة والنميمة وبيع تذاكر الحفلات، فباتت لحظة إنسانية لخدمة بعض «العائلات المستورة»، تتم من دون تبجح أو تسابق في حب الظهور.(36/86)
ومنال مثال على نساء لبنانيات كثيرات ينتمين الى الطبقة المتوسطة والعليا، تخرجن من أعرق جامعات بيروت، وعرفن حياة مترفة لكنها لم تكن يوماً غير ملتزمة. فالانتقال الى الحجاب والعمل الدعوي ليس سوى خطوة إضافية على سجل كثيرات، اعتدن القيام بالواجبات الدينية.
وفتحت منال منزلها لحلقات التلاوة والوعظ: «بدلاً من أن نلتقي في أحد المقاهي الأنيقة التي كنا نرتادها صرنا نخصص يوماً في الأسبوع نتوجه فيه الى منزل إحدانا ونتباحث في أمور الدين والدنيا». السياسة بعيدة كل البعد عن تلك الحلقات. «لا دخل لنا في السياسة وناسها»، تقول منال، وتضيف: «نحن بالكاد نجد الوقت للصلاة وتعويض ما فاتنا من ديننا».
وتستغرب منال صبر زوجها على نشاطاتها المكثفة ومواظبتها على الدروس الدينية التي تضطر معها إلى التغيب فترات طويلة عن المنزل. «لكنها فترات غياب مبررة»، تقول سهى التي ترتدي الحجاب أيضاً منذ فترة وجيزة، وتواظب على حلقات الآنسات، لكنها لم تنضم إليهن بعد: «ما زلت مترددة في ارتداء الثوب الكحلي. لا أمانع الحجاب الأبيض والعقدة الكبيرة في الوسط، لكنني لا زلت أجد نفسي ميالة إلى الثياب الملونة». وتضيف سهى «في هذا الرداء ترفّع عن شؤون الدنيا والمظاهر الخارجية. أحياناً عندما أقف أمام المرآة لساعات أقول لو أنني ألقي الثوب على كتفي وأمشي غير مكترثة بشكلي».
والآنسات هن الفتيات التابعات لـ «الآنسة» سحر الحلبي التي تعتمد أسلوب منيرة القبيسي في الدعوة، ويرتدين ثوباً كحلياً أو بنياً بحسب رتبهن داخل المجموعة، وحجاباً أبيض.
معرفة الآنسات من داخلهن مهمة مستحيلة. فلا هن يفتحن بابهن لغير المريدات الجديدات، ولا دار الإفتاء مستعدة للإجابة عن أي سؤال يتعلق بهن. والمحاولات الكثيرة لاستنباط رأي أو موقف أو معلومة رسمية باءت بالفشل. وبقيت المصادر المتاحة ممن تعرفن إليهن ولم يدخلن حلقاتهن بعد، أو ممن دخلنها وغادرنها خائبات.(36/87)
كثيرة هي الإشاعات التي تحاك حول الآنسات وتزيدهن غموضاً. فمن قائل إنهن يقدمن الطاعة للآنسة وليس لولي الأمر، إلى آخر يتهمهن بالجنوح لاعتمادهن على كتب صوفية، إلى من يكفرهن لأنهن يرفضن إكمال نصف دينهن بالزواج. في مطلق الأحوال، تقتصر «الأخوية» إن جاز التعبير، على النساء وغالبيتهن من العازبات. «لا لنذر سري»، تقول سهى، «بل لأن العمل الدعوي يتطلب وقتاً وجهداً، وهو عمل بدوام كامل لا مكان للمتفرغة فيه لرعاية زوج وأبناء». وتروي منال أن غالبية صديقاتها ممن انتمين إلى الآنسات «طلقهن أزواجهن لأنهن انشغلن عنهم، وهي تفضل ممارسة واجبات دينها من دون الانتماء إلى أي كان». ثم تضيف: «لكن، والحق يقال، هنّ أخوات ديّنات وصالحات، ويدبرن زيجات أحياناً إلى الخارج وخصوصاً هولندا وأميركا فتنتشر الدعوة هناك أيضاً».
وتذكّر الآنسات بالحركات النسوية التي بدأت معالمها تتضح أواخر الستينات من القرن الماضي، وإن، هذه المرة، بجرعة دينية واضحة. ذلك أن «الآنسات» مثقفات عاملات، ينتمين إلى عائلات مدينية عريقة، عرفن معنى التحرر الاجتماعي والاستقلالية الاقتصادية، لكنهن في الوقت ذاته غير منشقات عن تقاليدهن الاجتماعية والدينية. وينقل عن «الآنسة سحر» أنها تصر دائماً في حلقاتها على تأكيد «قدرة المرأة الهائلة، وإمكان استغنائها عن الرجل في مهماتها اليومية. لا بل إنها تضاهيه في إنجاز الأمور وإكمالها على أفضل وجه».
وتروي هدى، وهي إحدى الأمهات اللواتي أدخلن أولادهن الى مدرسة تابعة للسحريات، أن «الآنسة سحر» طلبت اجتماعاً للأهل لاطلاعهم على خرائط المبنى الجديد للمدرسة في الشويفات. وراحت الآنسة تشير إلى الخرائط وتقول «هذا كله قمنا به وحدنا، من دون رجل واحد!»، فما كان من سيدة كانت حاضرة إلا أن سألتها هل البناؤون أيضاً سيكونون من النساء حصراً؟».(36/88)
وأنشأت الآنسات مؤسسات تجعلهن مستقلات مادياً، وأنشأن جوامع ومدارس ومراكز لتحفيظ القرآن. حتى أنهن تغلغلن إلى الجسم الطلابي الذي أتين منه، وشكلن جمعيات طلابية غير سياسية. ودخلت الآنسات إلى المجتمع النسائي أيضاً من هذه المؤسسات ذاتها، فمدرستهن تلبي حاجات الطبقة الوسطى في تعليم متنوع ومتوازن. أقساطها متهاودة، ومناهجها حديثة، ومعلماتها خريجات أفضل الجامعات الخاصة. ولا تعطي المدرسة دروساً دينية مكثفة ضمن المنهاج، بل تقتصر الحصص تلك على ما أقرته وزارة التعليم. لكن المدرّسات يحرصن على بث الورع الديني كل ضمن اختصاصها. ويترجم السعي الدؤوب الى الطهارة باهتمام خاص جداً بنظافة التلامذة، إذ تشرف متخصصات على غسلهم وتنظيفهم مراراً خصوصاً في صفوف الروضة الأولى. وعلى رغم كل هذه الحسنات، سحبت هدى أبناءها من المدرسة بسبب ما اعتبرته «عنصرية ضد الصبيان، وسلوكيات تشوش الأولاد وتقوم على الندم والخوف الدائم». وتضيف هدى: «الأولاد يعاقبون بإرغام الفتاة على الجلوس قرب الصبي أو العكس، ليشعر الآخر بأنه مذنب. ابني لم يحتمل ذلك. فصار انطوائياً وعدائياً تجاه أخته».
تختلط الوقائع بالإشاعات أحياناً، لكن الأكيد أن «الآنسات» سواء «سحريات» أم لا، ظاهرة تستحق التوقف عندها، لأنها تفتح على احتمالات جديدة من الحركات النسائية مع كل الطاعة والورع اللذين تفرضهما التقاليد الاجتماعية والأعراف الدينية.
صالونات «المسلمات الجديدات» في القاهرة تستعيض عن «الجهاد»... بـ «الندم»
الحياة - 08/06/ 2006
اقتفت «مدام» رباب خطوات الموضة حين استطاعت ان تواظب على إقامة صالونها لمدة شهر. في كل أربعاء وبعد الصلاة تدعو بعض زميلاتها وصديقاتها لتلقي الدروس. ذهبت هبة وصديقاتها للمرة الثانية الى الصالون بدافع الفضول وأيضاً بفعل رغبة مستترة بإضفاء مسحة إسلامية ما على حياتهن.(36/89)
هذه الصالونات لا تشكل إلا نشاطاً هامشياً بالنسبة الى هؤلاء القادمات الجديدات اللواتي يمارسن حياة اجتماعية نشطة مضبوطة بإيقاع الأغاني الشبابية، في المقاهي الشيك وبميول استهلاكية قوية. ولكن بالنسبة الى سيدات الأحياء الراقية فإن هذه الصالونات تفرض نفسها باعتبارها الطريق الأساسي لممارسة هذه الثقافة البورجوازية المتدينة في القاهرة.
إنها آمال التي تتحمل مسؤولية الدعوة في صالون مدام رباب. فآمال صديقة لابنتها التي تخرجت حديثاً في جامعة الأزهر والتي تركت عملها كمقدمة برامج في التلفزيون بعد ان تأثرت بشدة بعمرو خالد الذي انتظمت في دروسه قبل ان تلتحق بالصالونات الإسلامية، فتوصلت الى خلاصة ان عملها في التلفزيون حرام وبدأت تلقي دروساً لحفظ القرآن على يد احد شيوخ الأزهر، وفي الوقت نفسه تعلمت الدعوة لدى الأم الروحية للصالونات الإسلامية: الحاجة ياسمين، وهي خريجة أزهر وتسكن في حي المهندسين الراقي.
وفي الوقت الذي تحاول البورجوازية التوفيق بين التزامها بالتعاليم الدينية المحافظة وحياة المتعة، حسمت آمال امرها. فخلال مدة قصيرة تركت الحجاب وارتدت النقاب الذي تعتبره اللباس الإسلامي الحقيقي والوحيد. اما بنت مالكة الشقة، تيتي كما تسميها المقربات منها، فتتولى مهمة حفظ النظام وإسكات النساء المتهورات. وتيتي ترتدي ايضاً النقاب في الوقت الذي تغطي وجهها بالمساحيق، وهي تعد نفسها لإلقاء الدروس.
لم يمر عام تقريباً على تأسيس صالون مدام رباب حتى امتلأ عن آخره الى الحد الذي سيدفع الى تأسيس صالون جديد لاستيعاب الفائض. وقبل فترة، بدأت تيتي التدريب من طريق اعطاء دروس دينية للأطفال.
وجارتها التي اتبعت خطاها اسست هي الأخرى الصالون الخاص بها. وتقول اسماء: «نحن مثل المسدس، فما ان تطلق رصاصة حتى تأتي رصاصة محلها لتنطلق هى الأخرى».(36/90)
وأسماء لديها ايضاً صالون في حي المهندسين الراقي، ذلك الصالون الذي تحول الى حلقة دينية يشارك فيها زوجها، وكلاهما قريب من تيار التبليغ والدعوة.
والحقيقة ان الصالون وسيلة شديدة الفاعلية في مجال الدعوة: فهو لا يكلف شيئاً، كما انه يتيح الاتصال في شكل مباشر بالنساء وفي التأثير في تعليم الأطفال. كما انه مطمئن للسلطات في الأجل القصير باعتباره في الأصل غير معني بالسياسة. والحقيقة ان الأسلمة الصاعدة للبورجوازية مهادنة وغير مناهضة للسلطة. وما هو مذهل في الأمر هو الزيادة السريعة في الطلب على الصالونات، هي تنشأ في كل مكان. وربما ان الواعظات الرسميات لا يمكنهن السيطرة على كل شيء، فإن الأمر يخرج في شكل متزايد من يد الدولة. والواعظات هن غالباً من الخريجات الجديدات من القسم النسائي للدعوة في جامعة الأزهر أو ممن علمن أنفسهن بأنفسهن. وهذا يعني ان المشكلة الأساسية لا تتعلق بمدى راديكالية هؤلاء ولكن بمدى معرفتهن بالدين.
وفي صالون مدام رباب يتسم وعظ آمال بفقر المحتوى. فهو يبدأ باستطراد طويل في موضوع الندم، الموضوع الأثير عند عمرو خالد، ثم يعرج بعد ذلك على توعد الراقصات بجهنم. تدعو أمال الى احترام الوالدين، والى الخضوع للزوج والى طلب العون من الله. تستمع السيدات المسنات في حال من الشرود الى الخطبة التي يقطعها رنين التليفونات المحمولة. وحين تنتقد أمال اللاتي يقمن علاقة صداقة مع الشباب قبل الزواج تقابل باعتراضات السيدات. ولكن أمال ترد بأن الذي يشد على يد امرأة للتحية ستشج رأسه بسهم يوم القيامة.
غالباً ما تختتم جلسة الصالون بشرب الشاي وتناول حلويات مصحوبة بأحاديث عامة: فمن طرح نساء للزواج، أو امرأة تبحث عن عريس، الخ. ولكن المادة الأساسية تكون الشكوى من إهمال الرجال أو سوء معاملتهم لهن إن لم يكن اللجوء الى العنف ضد هؤلاء النسوة. الأمر الذي يقابل من جانب الداعيات بالحديث عن الصبر وعن الابتلاء.(36/91)
وفي الوقت الذي كان الدين بالنسبة الى الإسلاميين نظاماً يهدف الى إعادة تأسيس حياة الفرد في كليتها، فهو بالنسبة الى هؤلاء النسوة نظام من الممنوعات يمكن الابتعاد عنها بالأذكار التي تصل الى مستوى السحر في مفعولها المفترض. وكما تقول سوزان، الواعظة في «المهندسين»، إن ترديد الأذكار خير من الجهاد. والهدف هنا ليس التسامي عن العالم كما هي الحال في الصوفية، ولكن نقل المقدس الى المحسوس بالحسابات النفعية للربح والخسارة. فشرين التي تعد أكثر هؤلاء الداعيات شهرة مثلاً تقدم أذكاراً مناسبة لكل مشكلة.
واحدة من أجل طرد القلق، وأخرى لطرد الحزن وثالثة كي تمنع الخلاف أو لاتقاء شر الحاسدين. وحين تقابل شيرين إحدى المتشككات في تأثير الأذكار تقول لها: «جربي اذا كنت غير مصدقة».
نحن أمام نسخة من الاسلام مصحوبة بطريقة الاستخدام. فالإيمان بقدرة بعض المعادلات أو الأذكار على حل المشاكل أخذ مكان مناهضة السلطة أو الاهتمام بالشأن العام. وهكذا لا تبقى إلا الخضوع وقبول الأمر الواقع. «حماتك تعاملك بشكل سيئ، «اصبري» أطفالك لا يستمعون إليك، اصبري. زوجك يخونك مع السكرتيرة، اصبري.
فالإسلامي ناشط سياسي، وبفعل بعض الضغوط يمكن ان يتحول الى ديموقراطي. ورأينا ذلك في تركيا أو في مصر لدى بعض عناصر الجيل الشاب من الأخوان المسلمين، ونراه أيضاً في أوروبا. ولكن في الصالونات الإسلامية ليس هناك مجال للسياسة وليس هناك شيء يمكن المفاوضة عليه، ليس هناك إلا الدوغما الدينية التي تدور حول نفسها. ربما يحمل تسييس الاسلام معه بعض الانفتاح اكثر من نزع السياسة منه. فعالم الصالونات الإسلامية يكشف عن ذلك في شكل مذهل.(36/92)
الصالونات هي نسخة معدلة من الصالونات الأدبية التي شهدتها مصر الليبرالية في ما بين الحربين. فالحلقة الدينية ظهرت في النصف الثاني من التسعينات بفعل عوامل عدة: ديناميكيات الاسلمة، وتواجد تلك الديناميكيات خارج السياسة وتأكيد المرأة لذاتها في المجتمع المصري. تعتمد هذه الصالونات في شكل كبير على التعاليم غير المسيسة لعمرو خالد، التي تتماشى تماماً مع نمط الحياة البورجوازية. ومن جهة أخرى وبفعل تأثير الشيخ الشعراوي في اوائل التسعينات وعمرو خالد في السنتين الماضيتين فإن مقدمات برامج في التلفزيون ورياضيات بدأن يتركن مجالهن على نحو فيه كثير من التظاهر من أجل الدعوة. ذلك ما يعرف باسم الفنانات المعتزلات. والموضوع الأساسي لم يعد الجهاد، ولكن الندم وهو موضوع يستخدم من قوة اجتماعية منخرطة في إعادة تشكيل النخبة المصرية. والنساء هن الهدف الأساسي من ذلك المشروع.
تصريحات عبداللّه النفيسي: العراق وإيران والسعودية
حافظ الشيخ صالح أخبار الخليج 29/5/2006
يجب التوقف طويلاً أمام تصريحات الدكتور عبداللّه بن فهد النفيسي، ( لقناة الجزيرة 26/5/2006 ، الراصد ) فهي علامة إقلاع تاريخي وتخل راديكالي عن مواقفه القديمة المناصرة مِثلنا جميعاً تقريباً للخميني والثورة الإيرانية ، بعد أنْ سقط الحجاب عن وجه وجوهر تلكم الثورة الحقيقيين، كثورة متوسعة وتدخلية ومندفعة، وكثورة دموية وتصفوية واستئصالية، وكثورة معادية إلى نخاع العظم للعروبة والعرب، تضرب بجذورها الأيديولوجية في صفوية القرن الميلادي السادس عشر، من لدُن الجزار الصفوي الشاه إسماعيل من سنة 1501 ومن تبعه مقتفياً أثره من شاهات وملوك وسلاطين.(36/93)
بعد أنْ أبصر النفيسي النصل الايراني والصفوي يقطر من دم العراقيين، ويشق اللحمة والصفوف، وتتعاون الاستخبارات الإيرانية مع قوى الاحتلال الأمريكي والبريطاني، ويفتك هؤلاء على سواء بالعراق، مهددين بالفتك، بعد استقرار الأحوال في العراق، بكامل إقليم الخليج العربي والجزيرة العربية، متدحرجةً عجلات الصفوية الدموية على رقاب ورؤوس أهل هذا الإقليم، فإنّ النفيسي في تصريحاته الطازجة الجديدة يوجّه الاستغاثة المبكّرة، ويوجّه الدعوة تحديداً للمملكة العربية السعودية إلى أنْ تتدخل بمختلف الوسائل، العلنية وغالباً السّرية، في العراق، من أجل تحصيل حال من التوازن مع إيران، ومن أجل عدم ترك الساحة العراقية مفتوحة ومُباحة هكذا ومُستباحة للدولة الايرانية الصفوية، تنفرد بحُكم العراق، وتسيطر على القرار السياسي فيه، الآن ولكنْ بخاصة بعد انسحاب الأمريكان والانكليز في مدة على الأرجح لن تتجاوز السنوات العشر، بعد ترتيب علائقهم مع إيران ومع الوجود الإيراني القوي والواسع في العراق. إنّ السعودية، كما قال النفيسي، هي أقوى المرشحين، وأكثرهم تأهيلاً لعدّة من الاعتبارات، للضخ باستخباراتها اليوم، ومن اليوم، في العراق، ولدعم المقاومة (غير التكفيرية وغير الارهابية) وتوثيق العلائق معها، فهذا رصيد تاريخي ومستقبلي لعرب الخليج والجزيرة العربية يجب عدم التفريط فيه ألبتة وعدم اضاعته، فلهذه المقاومة سيكون شأن كبير وذو قرار في مستقبل العراق بعد انسحاب المحتلين الأمريكان، مثلما يجب على السعودية، هي بالذات، مدّ الجسور السرية وتوثيق العلاقات من كل نوع مع القبائل والعشائر العربية من أهل السنة والجماعة، فإنما على هذه القبائل والعشائر يعتمد مُستقبل العراق، ومُستقبل توزيع مواد القوّة في عراق المُستقبل، أيْ بعد جلاء الأمريكان، فهذا هو الرصيد الديمغرافي لعرب الخليج والجزيرة العربية في العراق، على الأقل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من بين(36/94)
براثن الصفوية الجائحة، ولردعها من الانقضاض بدورهم على عرب الخليج والجزيرة العربية.
العمائم الشابة في? ?البحرين?... ?إلى أين؟
?محمد احمد البنكي - الوطن البحرينية – 14/5/2006
لقد شهدت فترة الثمانينات والتسعينات الميلادية الجديدة بروز صف جديد من طلبة العلم الديني? ?الشيعة في? ?البحرين?. ?صف انخرط في? ?الدروس الحوزوية بالمواكبة مع حالة جديدة من الوعي? ?الشيعي? ?فجرتها الثورة الإيرانية وتداعياتها في? ?1979? . ?وبذلك انضوت طبقة جديدة إلى طبقات المعممين الشيعة مختلفة في? ?ظروف النشأة والتكوين عن الطبقتين السابقتين لها?. ?فبينما كانت الأسر العلمية تتوارث الاشتغال بالشأن الديني? ?في? ?ظروف تكاد تكون حصرية خلال عقود سابقة?. ?أصبح الالتحاق بسلك رجال الدين أكثر إغراء لشباب لم? ?ينشأ في? ?أسر? ''?علمائية?'' ?بالضرورة?. ?بل،? ?وجوبهت تقاليد هذه الأسر وإيقاع عطائها الديني? ?بشيء من الاستخفاف الراديكالي? ?لصالح صيغة جديدة? ''?ثورية?'' ?الطابع في? ?التوجهات والمقاصد?. ?وهكذا لم? ?يعد طلب العلم حكراً? ?على عائلات معينة،? ?بل وجد شباب كثيرون بغيتهم للتغيير وتحقيق الذات،? ?من خلال إعادة توجيه مسار دراستهم وانشغالاتهم المهنية باتجاه طلب علم حوزوي? ?في? ?حوزة تختلف عن الحوزة الأولى?. ?فقد أصبحت قم بعد إسقاط الشاه هي? ?الوجهة بدلاً? ?من النجف التي? ?كانت تشهد تضييقاً? ?على الدروس والمراجع?. ?وتبعاً? ?للحالة الثورية فإن كثير من الطاقات الشبابية التي? ?توجهت إلى هناك? ?غلبت اهتماماتها الحركية وانخراطاتها التنظيمية،? ?التي? ?استجدت،? ?على المزاحمة بالركب في? ?حوزات الفقه والدراسات التقليدية المقطوعة عن نبض? ''?الحالة الثورية?''.(36/95)
من هنا،? ?كانت السنين حبلى بتكوين طراز جديد من رجال الدين الشباب بأمزجة ومشارب مختلفة عن سابقيهم من المشايخ النجفيين أو خريجي? ?الحوزات المحلية،? ?القليلة? ?يومها،? ?كحوزة الستري? ?وحوزة عبدالحسن وحوزة الوداعي?.?
ربما? ?يمثل السيد أحمد الغريفي? ?وجمال العصفور جيلاً? ?في? ?المنزلة بين المنزلتين لجهة العلاقة بالعلماء الأكبر سناً? ?والأسر العلمية التي? ?ينحدر كل منهما من أحدها?. ?ولكن من جاءوا في? ?الإثر كانوا نماذج مثالية لهذا التكوين الجديد الذي? ?ينبض برؤى مغايرة?. ?فقد هجر محمد سند دراسته للهندسة،? ?وحزم حقائب لندن ليستقر في? ?إيران،? ?وشمّر عن ساعد الجد في? ?صفوف عجم المحرق حسين النجاتي? ?والمهتدي? ?البحراني? (?لينتهي? ?كل منهما إلى تجربة متقاطعة مع الآخر في? ?إيران?). ?واستقطبت حوزة قم عمائم شابة أخرى،? ?ربما كانت أصغر سناً،? ?كضياء الموسوي? ?وكامل الهاشمي? ?والمشعل ومحسن العصفور?. ?وذهبت عناصر أخرى للحوزة الزينبية في? ?سوريا،? ?إما بوصفها محطة عبور أو للبقاء تحت رعاية السيد عبدالله الغريفي? ?الذي? ?كان? ?يدير مكتب السيد محمد حسين فضل الله وينشط في? ?أوساط طلبة العلم ووفود الزيارة من البحرينيين?.?
وعلى الرغم من أن الذاكرة تحتفظ في? ?سجلاتها بعديد من توقيعات الشجب والتنديد التي? ?تحمل أسماء بعض هذه العمائم الشابة على هذه الخطوة أو تلك خلال التسعينات،? ?إلا أن تجربة الإصلاح السياسي? ?وعودة الممنوعين من دخول البحرين،? ?وفتح مجالات التنشيط الحركي? ?في? ?أوساط الجماهير،? ?قد أذن لهذه العمائم بتسطير تجارب متمايزة في? ?العمل العام ومسارات التأتي? ?لمعالجة القضايا وتحريك الشؤون العامة في? ?الميدان الواقعي? ?داخل البلاد?.(36/96)
وبالوسع،? ?بعد مرور ما? ?يناهز الخمس سنوات على مشروع الإصلاح اليوم،? ?أن نقول،? ?إن? ?غنى الواقع السياسي? ?في? ?البحرين راهناً? ?قد قاد شريحة العلماء الشباب إلى اختطاطات متفارقة وأشكال من الأداء السياسي? ?متباينة،? ?وهي? ?مرشحة للتعدد والتحولات بشكل أكبر مستقبلاً?. ?تغيرات تنتهي،? ?في? ?المجمل،? ?إلى التدامج ضمن مجال وقواعد اللعبة السياسية القائمة بعيداً? ?عن المعارضات الجذرية التي? ?تتخشب على خيارات حديّة الطابع إزاء النظام ومعطياته?.?
ولعل من الحالات الأبرز لتحولات العمائم الشابة حالة الشيخ علي? ?سلمان?. ?ذلك العالم الشاب الذي? ?طارت شهرته بعد أن اعترض على سباق لاختراق الضاحية في? ?أواسط التسعينات،? ?قيل بأن بعض الجاليات الأجنبية قد اخترقت عبره القرى بملابس رياضية عُدّت? ?غير محتشمة،? ?ثم قاد مظاهرة ضد وزارة العمل لتنتهي? ?الأحداث إلى تسفيره مع الشيخ حمزة الديري? ?وحيدر الستري? ?لينتهي? ?به المقام إلى لندن،? ?ومن هناك? ?ينخرط في? ?صياغة بيانات? ''?أحرار البحرين?'' ?مع بعض النصراء الحركيين?.?(36/97)
عاد الشيخ سلمان ليتزعم تيار الوفاق الأعرض،? ?بعد مرحلة تأسيس برزت فيها أسماء بعض الحركيين من الداخل كعبد الوهاب حسين وبعض جماعة المبادرة?. ?وسارت مركبة الوفاق وسط أعاصير متعددة كانت تعجم عود الشيخ الشاب وتبرز برغماتيّته وحسه المعتدل،? ?وبراعته في? ?إدارة التوازنات?. ?لكن تجربة الوفاق بعد أربع سنوات من قيادة حركة تنسيقية لمقاطعة الانتخابات انتهت إلى تبلورات داخلية نمت معها براعم المعارضة لأداء وسياسة الشيخ علي? ?سلمان،? ?ولم? ?يعد تيار عبد الوهاب حسين هو جهة المناؤاة الوحيدة لهذه السياسة?. ?إذ كانت? ''?حركة حق?'' ?هي? ?شكل من أشكال الإعراب عن نفاذ صبر بعض أعضاء هذا التيار من سياسة شيخ علي،? ?ونهجه الذي? ?يتجه إلى إنهاء المقاطعة والاندماج في? ?الحياة السياسية القائمة على أرض الواقع?. ?ورغم أن جهات عديدة،? ?قريبة الصلة من الوفاق،? ?تشير إلى أن علي? ?سلمان لم? ?يكن مرتاحاً? ?في? ?قرارة نفسه لقرار المقاطعة منذ البداية? (?والإشارات نفسها تتردد حول موقف الشيخ عيسى قاسم?) ?إلا أن المحطة الأبرز هي? ?الليلة التي? ?بكى فيها الشيخ علي? ?سلمان أمام الجماهير في? ?فعالية عامة نادباً? ?خروج حسن مشيمع وسنكيس وآخرين من جمعية الوفاق?. ?ومع ذلك،? ?فقد استمرت الوفاق في? ?إبراز بصمات التحول التي? ?أسفر عنها علي? ?سلمان وكأنما آن الأوان لإعلان ما كان مخفياً? ?من نهج? ?يتلاءم مع أفكار الاعتدال ويحول دونه جموح الشارع والقواعد الشعبية في? ?لحظات سابقة?.?
أداء علي? ?سلمان السياسي? ?لا? ?يبرز صاحبه من أصحاب العمائم التسعينية فقط،? ?بل هو? ?يتناغم مع قناعات الشيخ حسين الديهي? ?والشيخ حسن سلطان اللذين? ?يتصديان لتسيير أمور الوفاق والشارع الشيعي? ?الأعرض مع علي? ?سلمان وتحت إمرته?.?(36/98)