وهناك أيضا من العراقيين ممن يدافعون عن إيران ويرون أن من حقها أن يكون لها نفوذ أو وجود داخل العراق طالما ظل الوجود العسكري الأميركي من جهة وطالما أن الحركة والتبشير الوهابي الذي تموله السعودية وأطراف خليجية أخرى فعال ونافذ في العراق.
محور الشر
غير أن زيارة الجعفري إلى طهران التي مددت يوما إضافيا، والتي يقال أنها تمت بترتيب مع الأميركيين أو مخالفة لإرادة واشنطن، جعلت من هامش المناورة أمام الولايات المتحدة ضيقا إزاء تقارب إيران التي صنفتها في خانة دول "محور الشر" والحكومة العراقية التي ينتمي معظم أعضائها إلى المذهب الشيعي. واعتبر شاوول بخاش الأخصائي في الشؤون الإيرانية في معهد بروكينغز "من جهة لا يمكن للولايات المتحدة أن تحول دون هذا التقارب، لكنها من جهة أخرى تتمتع بنفوذ كبير يمكنها أن تمارسه على الحكومة العراقية" في الكواليس. وامتنعت الولايات المتحدة رسميا عن التنديد بالزيارة التاريخية التي قام بها رئيس الوزراء العراقي إبراهيم الجعفري إلى إيران. وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية شون مكورمك "لطالما أكدنا أننا نشجع العراق على إقامة علاقات جيدة مع كل الدول المجاورة بما فيها إيران".
لكن واشنطن أكدت على غرار سفيرها الجديد في بغداد زلماي خليل زادة على أن "العلاقات الجيدة تعني عدم التدخل في شؤون الدول المجاورة".
وأعلن ناطق آخر باسم الخارجية الأميركية آدم ايرلي أنه "إذا تصرفت إيران وغيرها من الدول المجاورة للعراق بطريقة تساهم في العملية السياسية الديمقراطية واقتصاد سوق مثمر فإن هذه التطورات إيجابية ونرحب بها".
وفي نفس الوقت توصل وزراء داخلية العراق والبلدان المجاورة (إيران وتركيا وسورية والأردن والسعودية والكويت) المجتمعون في اسطنبول إلى اتفاق أمني لمنع عمليات تسلل المقاتلين إلى العراق.
اتفاقات(26/60)
واعتبر شاوول بخاش أنه "من الواضح أن الولايات المتحدة ليست مسرورة جدا" لإبرام الحكومة العراقية اتفاقات أمنية مع نظام طهران الذي تتهمه بإخفاء برنامج نووي عسكري. وقد تجسد التقارب بين العراق وإيران اللذين خاضا حربا ضارية بين 1980 و 1988 من خلال عدة اتفاقات ثنائية في مجالات الأمن والطاقة والتعاون.
وتعهد العراق بأن لا تستخدم أي دولة أراضيه لشن هجوم على إيران، في حين أعلنت طهران مطلع الشهر الجاري التوصل إلى اتفاق تعاون ثنائي على تدريب العسكريين وهي مهمة تتولاها حاليا واشنطن. لكن وزير الدفاع العراقي سعدون الدليمي نفى ذلك. واعتبر بخاش "أن ذلك حصل بالتأكيد إثر تدخل أميركي". وأضاف "إن الولايات المتحدة تسيطر على الوضع ماليا وعسكريا في العراق الأمر الذي يضمن لها بطبيعة الحال نفوذا كبيرا جدا على الحكومة العراقية" مؤكدا "لكن هناك علاقات طبيعية لا يمكن أن تمنعها".
وقد أمضى العديد من القادة الشيعة في العراق الجديد سنوات طويلة في المنفى في إيران. والجعفري نفسه أمضى عشرة أعوام في إيران. وفي حين كانت الولايات المتحدة ومعظم الدول الغربية تدعم عراق صدام حسين في الحرب على إيران كان النظام الإيراني يدعم المعارضة الشيعية العراقية التي تولت اليوم السلطة. واعتبر روبرت شير محرر افتتاحيات صحيفة "لوس أنجليس تايمز" أنه "بفضل الاجتياح الأميركي نشأ تحالف جديد بين العراق وإيران يهدد بزعزعة الاستقرار أكثر في منطقة الشرق الأوسط". وخلص الصحافي إلى القول "إن البيت الأبيض يجد الآن أنه يرسل يوميا جنودا أميركيين إلى خط الجبهة لدعم حليف بلد نتهمه مع شيء من المصداقية، بتمويل الحركات المناهضة لإسرائيل وغيرها من المنظمات الإرهابية ويستعد لإنتاج القنبلة النووية".
تاريخية(26/61)
والتقى الجعفري بالرئيس الإيراني محمد خاتمي في اليوم الثاني من الزيارة التي لا بد وأن تعتبر بغض النظر عن نتائجها تاريخية لاعتبارات كثيرة ومن شأنها أن تسرع التقارب بين البلدين على الرغم من مشاعر القلق لدى الأميركيين والعرب. ولم تنشر أي معلومات عن مضمون المحادثات التي جرت في قصر سعد أباد شمال طهران بين رئيس الحكومة العراقية الانتقالية وخاتمي الذي يغادر منصبة في آب (أغسطس) المقبل.
والجعفري هو أول رئيس لحكومة عراقية يزور إيران منذ سقوط نظام صدام حسين. وكان العراق وإيران قد تواجها في حرب استمرت ثماني سنوات (1980ـ 1988) أسفرت عن سقوط نحو مليون قتيل، حسب تقديرات يقر بها الجانبان. وعلى الرغم من استمرار خلافات جدية بين الجانبين، بدأ البلدان منذ 2003 مصالحة تثير على ما يبدو قلق الولايات المتحدة والدول العربية. وهو أيضا أول رئيس شيعي لحكومة عراقية يقوم بزيارة رسمية إلى إيران في عهدها الإسلامي منذ سقوط الشاه.
وأكد الجعفري خلال حفل استقبال رسمي أقامه على شرفه نائب الرئيس الإيراني محمد رضا عارف "شئنا أم أبينا نحن دولتان جارتان ويجب أن نحل خلافاتنا بطريقة تفيد الطرفين". وأكد عارف من جهته أن "زيارة الجعفري صفحة جديدة في تحسين علاقاتنا على كل الصعد". وأضاف "أننا على استعداد لمساعدة العراق على كل الصعد السياسية والأمنية والاقتصادية، وسيكون تعاونا تاما".
وعبرت الصحف الإيرانية عن ترحيبها "بفتح فصل جديد في العلاقات بين إيران والعراق". وكتبت صحيفة "إيران" الحكومية "انتهى عصر النزاعات" بينما عنونت صحيفة "اعتماد" في صفحتها الأولى "أصدقاء ولم نعد أعداء". أما صحيفة "سياسةاي روز" فقد كتبت أن "إيران هي أفضل صديق للعراقيين". وعرض عارف على الجعفري "تعاونا كاملا".
بروتكولات(26/62)
وكان رئيس الاستخبارات الإيرانية علي يونسي قد صرح في وقت سابق أن "البلدين سيوقعان العديد من البروتوكولات في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية". وصرح يونسي للصحافيين "سنضع الأرضية للتعاون الأمني بين البلدين. وتعلق الجمهورية الإسلامية أهمية كبرى على أمن العراق وتعتبر أن أمننا يرتبط بأمن العراق". ويتوقع أن يكون الجعفري قد وقع كذلك على عدد من الاتفاقات لمساعدة العراق الذي مزقته الحرب لتلبية حاجاته المتزايدة من الطاقة. ويقضي أحد البروتوكلات بأن يزود العراق جارته إيران بالنفط الخام عبر أنبوب نفط يربط ما بين ميناء البصرة الجنوبي وميناء عبدان. وفي المقابل ستتمكن العراق من تلقي كمية مماثلة من منتجات النفط المكررة عبر الموانئ الإيرانية على بحر قزوين.
وقال وزير النفط العراقي إبراهيم بحر العلوم في اليوم الأول للزيارة أنه "خلال يومين سنوقع على مذكرة تفاهم تقضي بأن يتم شحن 150 ألف برميل من النفط الخام يوميا من العراق إلى إيران وشحن 50 مليون لتر من المنتجات المكررة من إيران إلى العراق.وسيبدأ المشروع في العمل خلال عام. وفي الوقت ذاته قال بحر العلوم أنه من المقرر أن تشارك الشركات الإيرانية في إعادة بناء قطاع الطاقة العراقي.
وتم التوقيع على اتفاق آخر يتعلق بوصل شبكات الكهرباء في البلدين. وكان بين مرافقي رئيس الوزراء العراقي وزير الخارجية هوشيار زيباري ووزير الدفاع سعدون الدليمي الذي زار طهران الأسبوع الماضي.
وخلال الزيارة دعا الدليمي إلى المصالحة بين البلدين وتعهد بأن لا يسمح باستخدام الأراضي العراقية لشن هجمات صاروخية على الجمهورية الإسلامية.
عبدة الشيطان
حافظ البرغوثي الدستور 15/08/2005(26/63)
كان الشاب الفلسطيني يعمل في قسم اللاسلكي في بلد عربي عندما التقى بضابط ذي رتبة فسأله: ما اسمك فقال له عمر فامتقع وجه الضابط وسأله اسمك الكامل فقال عمر خطاب الملقب بأبي يزيد فعلق الضابط بحدة وقال »والظ....« ثم امسكه وهزه وأمر بتوقيفه مع سلسلة من الشتائم.
لم يكن الشاب يعلم سببا لهذا التوقيف الذي استمر عدة ساعات، فهو غير ضالع في شؤون الطوائف وعندما خرج قابله قائد المعسكر فشكا له ما ألم به، فاحتد الضابط واتخذ إجراء بنقل الضابط الآخر الذي كان ينتمي لغلاة أحد المذاهب بسبب اصله الإيراني.
تذكرت هذه الواقعة وأنا أقرأ نبأ مطالبة نائب كردي رئيس الوزراء العراقي أثناء مناقشة بنود الدستور بعدم نطق التعويذة عندما يبدأ حديثه باعتبار أن طائفته اليزيدية المنسوبة إلى يزيد بن معاوية تقدس الشيطان الرجيم، وهو هنا لا يطالب بحق مدني بل بحق مذهبي ينسف الدين الإسلامى من أساسه ويفرض رقابة على ألسنة المسلمين في ديارهم، ومثلما يحظر على بعض القرى والأحياء الفلسطينية رفع الأذان حتى لا ينزعج المستوطنون فان أبناء الطوائف الخارجية سيحاولون النيل من أساس الدين باسم الديمقراطية والحرية والاحتلال الأميركي.
كلنا ضد التعصب مهما كان نوعه وخاصة التعصب المذهبي الذي لا يبقي ولا يذر ولهذا فان من يدعو لحظر التعويذة من الشيطان قد يدعو لاحقا لإلغاء البسملة وفرض العياذ بالشيطان من الإيمان والقرآن أو لتحريف الأذان وحظر أسماء الخلفاء الراشدين. فقد دعا بعض غلاة المحافظين الجدد في الولايات المتحدة ومنهم سناتور إلى تعديل القرآن وتطعيمه بفقرات من الإنجيل والتوراة، وسمح لنساء غير محصنات وغير غافلات بالإمامة ورفع الأذان وقد يطالب بعض كتاب المارينز العرب برفع الأذان على إيقاع أغنية »رجب« بعد التماس رؤية هلال شهر شعبان عبد الرحيم.(26/64)
أليست هذه مقدمة لا تبشر بالخير لا في العراق ولا في غيره لأن فيها تطاولا على أساس الدين ولأن فيها ردة ما بعدها ردة. ولأنها تأتي في وقت يطالب فيه أحد الأحزاب الطائفية في العراق بتحويل وسط وجنوب العراق إلى إقليم شيعي خاص.
لم تنشط الفتن الطائفية فقط إلا عندما غزا المغول والفرنجة المشرق العربي حيث خرج الشعوبيون والطائفيون من جحورهم وانضموا إلى الغزاة، فرفض المغول التحالف معهم إلا مؤقتا بعد أن خانوا الأمة وتحالف بعضهم مع الفرنجة ولقوا مصيرهم. ولأن التاريخ يكرر نفسه، فإن ما يحدث عمليا هو الغزو نفسه والتحالفات نفسها، والفتن تتجدد وتطل برؤوسها من جديد، فالحشاشون يعودون مجددا تحت مسميات جديدة، من عبدة الشيطان إلى عبدة النسوان ومن عبدة الدولار والنار إلى عبدة اليورو والدينار والاستعمار. أليس بعد هذا من استحمار؟
لقاء مع وزير الدفاع العراقي السابق
الشعلان : مجلس الحكم العراقي كان بداية لإطلاق شرارة الطائفية
عمان - الدستور - حمدان الحاج 1/08/2005
قال وزير الدفاع العراقي السابق حازم الشعلان انه سيعمل على تجميع قوى سياسية موجودة على الساحة العراقية يصل عددها إلى 15 حزبا متوسطا وصغيرا لتنضوي جميعها في اتحاد يمكن تسميته باتحاد القوى الديمقراطي وجميعها ليبرالية تؤمن بالمفهوم الديمقراطي والتسامح والشفافية تجمع بين السني والشيعي والمسيحي والكردي والصابئة واليزيدي والتركماني وغيرها من الطوائف.
وأضاف الشعلان في لقاء جمعه مساء أمس الأول السبت مع عدد من الصحفيين في فندق حياة عمان انه سيدخل في اتحاد مع رئيس الوزراء العراقي السابق الدكتور اياد علاوي وستكون له تفاهمات مع الأحزاب والتنظيمات الأخرى بهدف خوض الانتخابات العراقية القادمة .(26/65)
وانتقد الشعلان أهل السنة بسبب عدم مشاركتهم في الانتخابات السابقة قائلا انهم اخطأوا في ذلك وان المفروض كان دخولهم الانتخابات لعمل توازن في العملية السياسية. وبين الشعلان انه لا يؤمن بالمحاصصة ولا بالنمط اللبناني في العراق لان هناك تداخلا وتشابكا في المجتمع العراقي يختلف عن أي مجتمع آخر.
الجيش العراقي
وقال انه ضد فكرة مجلس الحكم مثلما انه ضد إلغاء الجيش العراقي فالشريحة الكبرى من الشعب العراقي لا تؤمن بالمحاصصة ولا بالطائفية فكثير من الحسينيات والمساجد ضربت دون تفريق بينها وان التداخلات العسكرية كان هدفها إشعال الفتنة بين أبناء الشعب العراقي ولم يحدث ذلك مع أن هناك من يدفع بهذا الاتجاه مستبعدا أن يكون هناك اقتتال طائفي عراقي لان مقومات المجتمع العراقي عشائرية نصفها سني والآخر شيعي .
مجلس الحكم
وأضاف الشعلان أن مجلس الحكم العراقي كان بداية لإطلاق شرارة الطائفية في العراق معلنا معارضته لحكومة رئيس الوزراء الدكتور إبراهيم الجعفري مبينا انه لا يؤمن بالوضع الحالي للحكومة وان سبب فشلها هو عدم اعتمادها لبرامج الحكومة السابقة وهذا خطأ تدفع الحكومة الحالية ثمنه اذ ان من الضروري ان يحاور الشيعي السني والعكس هو الصحيح إضافة إلى محاورة المعارضة.
وأعرب الشعلان عن قلقه على حقوق الإنسان في العراق قائلا إن العراقي يقتل على الهوية فالسني يقتل لانه سني والشيعي يقتل لانه شيعي .
ودعا الشعلان الكويت الى الاستفادة من الماضي قائلا على الاخوة الكويتيين ان لا يكونوا ضحية اخطاء سابقة وعدم تجاوز خطوط الحدود السابقة .
الحكومة الحالية
وعاب على الحكومة الحالية عدم انفتاحها على العالم العربي مبينا ان من الضروري مد الجسور العراقية الى العالم العربي كما يتم مدها الى كل من تركيا وايران وان لا تتم الامور بصورة استفزازية .(26/66)
واشار الشعلان الى ان السيد علي السيستاني غاضب على الحكومة العراقية الحالية وان عبارات اطلقها السيستاني ضد هذه الحكومة واصفا اياها بالخونة وانهم تنكروا لمن ادلوا باصواتهم لصالحهم واعدا انه لن يتدخل في الانتخابات القادمة الا انه استدرك قائلا اذا تدخل عندها سيكون لكل حادث حديث.
الزرقاوي
واكد الشعلان ان الزرقاوي حقيقة قائمة وليس شبحا او انه يتم تهويله بل انه مثير دائما ولديه حس امني عال جدا وهو سريع الحركة والانتباه والتصرف الامني مع انه انسان عادي وقد يتعاطى العمل في بغداد بينما لديه عمليات عسكرية في الموصل او في ديالا والعمليات بالفلوجة وهو يتخذ الاحتياطات الامنية وان حالة الفوضى تساعد على هذه الاعمال.
وقال الشعلان ان الزرقاوي يتنكر في زي امرأة او رجل كردي او في زي عامل او عربي او معوق يجره شخص ما على كرسي متحرك ولديه من هو مستعد لتنفيذ العمليات في اي مكان في العراق.
وبين الشعلان انه بعد الانتخابات تم القاء القبض على شخص يدعى عباس الدليمي الذي كان وسيطا بين الزرقاوي وبن لادن وكانت لديه شرائح كمبيوتر يتصل من خلالها مع بن لادن عن طريق ايران حيث يتجاوز الحدود الشمالية بواسطة انصار الاسلام ويذهب الى افغانستان ويتصل بشخص هناك اسمه الغامدي ويحمل رسائل جوابية الى الزرقاوي .
وكان الدليمي قد التقى لحظة اعتقاله بالزرقاوي قبل ثلاث ساعات مبينا انه اوضح ان الزرقاوي كان في مزرعة بالفلوجة وتم التحري عن المكان والطرق المؤدية الى المزرعة وكيفية الوصول اليها بسلام . وتم السؤال عمن معه والقوة المتوفرة لديه وقيل ان الصحفية الايطالية معه بالمزرعة وتم وضع خطة لمهاجمته بشكل سريع ودقيق ووضع الامريكان الخطط لاسوأ الاحتمالات وخاصة امكانية ان تكون لديه اسلحة كيماوية وتم الهجوم بعد 10 - 15 يوما ولم يعثر الا على آثار الزرقاوي وبعض الملابس للصحفية وصور لها .
المقاومة(26/67)
وقال الشعلان انه تم البدء بحوار مع المقاومة العراقية بدون الزرقاوي وعزت الدوري والسبعاوي واخوان صدام حسين قبل الانتخابات بثلاثة اشهر وتم تحقيق نتائج طيبة حيث كانت الانتخابات ناجحة مبينا ان المقاومة التي يعنيها هي المقاومة الوطنية كرؤساء العشائر والتجار والمثقفين وبقايا البعث وكلها لديها قواسم مشتركة تتمثل في محاربة الاحتلال.
مشروع أقاليم العراق يهدد وحدة لبنان؟
حسن صبرا الشراع العدد 1200 ـ 22/8/2005
هكذا يتقدم المشروع الصهيوني ـ الفارسي في العراق بتفتيته أقاليم وكيانات، وكان أفصح المعبرين عنه رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق السيد عبد العزيز الحكيم، الذي سجل "إنجازين عظيمين" سابقين في فترة رئاسته الشهرية لمجلس الحكم الانتقالي الذي ابتدعه المندوب السامي الأميركي بول برايمر وهما:
"الإنجاز" الأول: مطالبة العراق ـ بلده ـ بأن يدفع لإيران ـ سيدته ـ تعويضات تقدر بمليارات الدولارات عن الأضرار التي لحقت بها خلال الحرب العراقية ـ الإيرانية (مع التذكير بأن الكويت التي احتلها الجيش العراقي بأوامر من النظام نفسه الذي خاض الحرب مع إيران، أعفت العراق من كل ديونه وكذلك من كل التعويضات نتيجة الأضرار الحقيقية التي أصابتها جراء احتلال الجيش العراقي لها في 2/8/1990) فضلاُ عن أن هذا الوطني الغيور الحكيم لم يسأل عن الدمار الذي لحق بمدن العراق خاصة الشيعية نتيجة القصف الإيراني لها خلال الحرب نفسها.(26/68)
"الإنجاز" الثاني: إلغاء كل الحقوق التي وردت في القرآن الكريم للمرأة العراقية، وكان معمولاً بها في العراق بعد نضالات طويلة وتطور وتقدم، ليعيد عبد العزيز الحكيم المرأة المسلمة جارية مستعبدة مستبعدة من العلم والاستنارة وحقها كأم وزوج وإنسانة وشريكة حياة (لاحظوا أن الحكيم هنا لم يتمثل تجربة أسياده في إيران بالنسبة إلى حقوق المرأة بما يستدعي البحث هل اعتمدت إيران مقاييس تاريخية فارسية في دور المرأة بدل "إسلامية" الحكيم القبلية العثمانية؟) ( لا نوافق الكاتب فلا البعث السابق ولا الشيعي الحكيم يوافقان القرآن في حقوق المرأة . الراصد )
الآن يضيف عبد العزيز الحكيم "إنجازه" الأعظم ليطال الوطن العراقي كله داعياً إلى تفتيته أقاليم تعتمد المقياس المذهبي البغيض دون حساب للوطن وقيمه الوطنية وروحه الإسلامية ونسيجه العربي،حتى مع وجود 20% من شعبه كردياً و2% بين أشوري وتركماني .. أي أن العرب يمثلون فيه 78 % أي نحو أربعة أخماس العراق عربياً.
ولأن عبد العزيز الحكيم لا يزيد وضعه عن كونه مخبراً لدى الاستخبارات الإيرانية، فهذا يعني أن مشروع الهلال الشيعي سيصبح بدراً كاملاً أمام أعين من لا يريد أن يرى في الليلة الليلاء التي تلف العراق والمشرق العربي كله.
قد يدعي البعض أن الحكيم هذا أطلق مناورة في وجه الأكراد مدغدغاً عواطفهم بالفدرالية التي يتمتعون بها منذ فرض الحصار على العراق الوطن والدولة وأصبح اقليمهم تعبيراً عن فدرالية حقيقية هي دولة كردية كاملة لا ينقصها سوى الإعلان ثم الاعتراف، فإذا تلقى الأكراد هدية الحكيم الفارسية بتفتيت بقية العراق إلى أقاليم كردية ـ عربية شيعية، عربية سنية بالإكراه أو بحكم الأمر الواقع.. قبل الأكراد بإسلامية الجمهورية الاتحادية كما يرنو الحكيم ومعلموه في إيران.(26/69)
وقد يدعي البعض أن الحكيم يزايد الآن شيعياً كي يبرز مرجعاً بين الآخرين ممن سبقوه في العلم كالسيد علي السيستاني، أو الذين يفوقونه وطنياً وشعبياً مثل السيد الصدر وهو يعاني عقدة القادم من خارج العراق الذي يبدو غريباً عليه وفيه بعد أن أمضى نحو نصف عمره في بلاد فارس وما زالت لكنته الأعجمية طاغية على لسانه العربي وهو ابن أهم المراجع الشيعية العربية الراحل السيد محسن الحكيم.
وقد يبدو تعجيز الحكيم بتفتيت العراق إلى دويلات مرتبطاً بالتوقيت بالصراع الأميركي ـ الإيراني حول مسألة امتلاك إيران المشروع النووي، فيجيء إحراج الأميركان المحشورين بتاريخ 15 آب / أغسطس 2005 آخر موعد لإعلان الدستور محاولة منه لمزيد من إضعاف الموقف الأميركي الضعيف أصلاً أمام ضربات المقاومة الوطنية العراقية المختلفة عن إرهاب القاعدة والزرقاوي.
وقد يبدو طرح الحكيم رداً مناسباً على إرهاب الزرقاوي ضد المجتمع العراقي ووحدته الإسلامية والعربية حتى ليبدو إرهاب الحكيم ضد وحدة العراق هو الوجه الآخر لإرهاب الزرقاوي ضد وحدة المسلمين.
أياً يكن الأمر فإن عبد العزيز الحكيم يفتح الباب على جهنم التفتيت والتقسيم لوطن حضنه وحمله ورباه وشكل في ظل وحدته المنطقية أعظم الإنجازات الحضارية وشكل في وجوده الموحد أرضاً عصية على الهضم في مواجهة إمبراطوريات الفرس والعثمانيين وأخيراً إمبراطورية العدو الصهيوني التي ما زال غلاتها يحلمون بشعار "أرضك يا إسرائيل من الفرات (أي العراق) إلى النيل (أي مصر").
ومن أعجب العجائب أن يزعم الحكيم هذا الذي يتربع على السلطة تحت حماية الاستخبارات الإيرانية وقوات الاحتلال الأميركي، أنه يطرح تفتيت العراق إلى أقاليم وأن يكون للشيعة أقاليمهم المستقلة أي دولتهم المستقلة في الوسط والجنوب حتى لا يعود الشيعة للظلم الذي عانوه في عهد الرئيس العراقي الأسير صدام حسين.
عجباً(26/70)
يملك الحكيم ومن معه السلطة في عموم العراق ـ أو عفواً في المنطقة الخضراء من بغداد كما بقية المناطق التي تسيطر عليها الاستخبارات الإيرانية والحرس الثوري الإيراني وقوات الاحتلال البريطاني، كما يملك الأكراد السلطة في شمالي العراق تحت سيطرة البشمركة وقوات الاحتلال الأميركي، بينما يقبع صدام حسين في الأسر ويلاحق أنصاره ويحل حزب البعث وتعمل لجان الاستخبارات المشتركة الإيرانية والأميركية والصهيونية على اجتثاث عروبة العراق من كل إدارة ومرفق وجامعة ووزارة ومدرسة وشارع وثقافة ومسجد.. ثم يدعي أن الشيعة مهددون وبالتالي يبرر لنفسه تقسيم العراق كي يعيش الشيعة مستقلين محصنين من عودة صدام وبطشه.. وهل نحن بحاجة للتذكير أن بطش النظام العراقي البعثي لم يوفر عربياً أو كردياً سنياً أو شيعياً من أهل البيت أو من الجيران، من الأخوة أو من الأقارب. كل تبريرات الحكيم ساقطة وليس أمامه إلا الاعتراف بأن تفتيت العراق هو مشروع إيراني ـ صهيوني مشترك:
ـ إيران تريد التخلص وإلى الأبد من دولة العراق العربية القوية على حدودها منذ إسقاط إمبراطورية كسرى يزدجرد على يد سعد بن أبي وقاص وهي لذلك لا تريد ثبات العراق دولة تحمي الجناح الشرقي للأمة العربية من أطماع شاه إيران ومن أحلام الجمهورية الإسلامية التوسعية.
ـ وإسرائيل تريد التخلص الآن وإلى الأبد من آخر دولة عربية شاركت في كل الحروب ضدها منذ العام 1948 وهي دولة العراق التي لم توقع مع إسرائيل اتفاقية هدنة وقعت عليها حتى الآن دول مثل سوريا ولبنان فضلاً عن معاهدتي سلام بينها وبين دول أخرى مثل مصر والأردن فضلاً عن السلطة الفلسطينية تباعاً.. أي أن حالة الحرب ما زالت قائمة بين إسرائيل ودولة عربية وحيدة.. هي العراق.(26/71)
ـ إيران تريد السيطرة على الجزء الجنوبي من العراق بحكم انتماء معظم أبنائه إلى المذهب الشيعي في تجاهل لواقع أن أهم مدن الجنوب وثاني مدينة في العراق وهي البصرة تضم 35 % من أبنائها من السنة العرب، فضلاً عن أن عشائر البصرة الشيعية تتآخى مع عشائر من نسبها وعائلاتها على المذهب السني في بقية أرجاء العراق.
هذه الوحدة الإسلامية في العراق تقلق السلطة الإيرانية الحالية لذا فهي تعمل وفق جدول زمني على إفراغ الجنوب العراقي من كل عربي سني تحت زعم اجتثاث البعث، وإذا كان حقيقة أن كل عروبي هو بعثي فهذا يعني أن وجود أربعة ملايين بعثي في العراق يريد الفرس والأكراد والأميركان وإسرائيل اجتثاثهم يشير إلى أن أشنع وأبشع عملية تنكيل واضطهاد عنصري يتعرض لها أبناء العراق على أيدي هذا التحالف الذي يقوده في الجنوب استخبارات إيران وتقوده في بغداد الاستخبارات الأميركية وجيش الاحتلال ويقوده في الشمال التحالف الكردي المسيطر.
وفي مراقبة دقيقة أو قراءة لواقع احصاءات الذين اغتيلوا من أبناء العراق ونخبه (أساتذة جامعات، أطباء، مثقفون، ضباط، مهندسون، طيارون حربيون..) خلال الفترة من احتلال الجيش الأميركي لبغداد يوم 9/ 4/2003 حتى اليوم هم من عروبيي العراق شيعة وسنة خاصة في وسط وجنوبي البلاد، وأن هذه الاغتيالات لا يملك أن ينفذها سوى الاستخبارات الإيرانية في عملية "تطهير" شعوبي ضد كل مؤمن بعروبة العراق، وكله تمهيد لما أعلنه عبد العزيز الحكيم مؤخراً.
ـ اسرائيل تريد التخلص من آخر قدرة عربية حقيقية بنت في وطنها مشاريع علمية استندت إلى وجود 20 ألف خبير عراقي في مختلف نواحي الحياة العلمية والتقنية، وسرقت الاستخبارات الأميركية والصهيونية والإيرانية، أهم أبحاثهم ودمرت مختبراتهم ونهبت مكتبات الجامعات العراقية ومراكز البحث العلمي كما نهب اللصوص ثروات العراق الفنية والابداعية في وقت واحد للتغطية على طبيعة تلك السرقات.(26/72)
ـ إسرائيل لا تنسى أن العراق كان يبني مفاعلاً نووياً (تموز) دمرته باكراً في حزيران / يونيو 1981 في عز اشتعال الحرب العراقية ـ الإيرانية (1980 ـ 1988) لتفتح لحسابها معركة على حساب قوة العراق العسكرية والعلمية والمستقبلية.
ـ إسرائيل تريد أن ترى نفسها محاطة بسياج يحميها عماده الدول المذهبية أو الطائفية التي تنشأ تباعاً بعد تفتيت العراق، لأن وحدة العراق هي حماية لوحدة سوريا وحماية لوحدة لبنان تباعاً، فكيف دول الخليج العربي المهددة بالطموحات الإيرانية وصلاتها ببعض القوى الظلامية الصاعدة.
أما إيران فتريد بالمقابل أن يكون لها السيطرة على هذه الدول الطائفية والمذهبية بدءاً من جنوبي العراق إلى بقية الدول وصولاً إلى لبنان.
وفدرالية لبنانية!
ولا بأس إن تكلمنا الآن عن لبنان قبل العودة إلى وضع العراق نفسه على المستوى الشيعي أيضاً.
فلقد أثبتت مداولات وتعقيدات الوضع السياسي الذي نشأ بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان وبقاء استخباراته وسيطرتها على بعض شؤونه ارتباط فعالية الدور السوري بمدى قدرة القوى السياسية الشيعية وتحديداً في حركة أمل وحزب الله على حماية هذا الدور، وهذا الارتباط يمتد حكماً إلى الدور الإيراني الطموح من العراق إلى لبنان.. تحت ذريعة مقاومة إسرائيل!!
ولم يكن من المصادفة أن يتم تركيب السلطات التشريعية والتنفيذية وحتماً بعض الإدارات بناء على معادلة الدور السوري المحفوظ شيعياً في لبنان فضلاً عن التركيبة الوزارية (بالأمس وزارة الخارجية لشيعي حتماً، وغداً مديرية الأمن العام لشيعي آخر حتماً يختاره طرفا المعادلة السورية في لبنان حركة أمل وحزب الله..).(26/73)
لقد وضعت تلك المداولات الاساس غير الشرعي وغير الوطني لفدراليات الطوائف في لبنان على نار غير حامية الآن لكنها ليست مطفأة.. أبداً، وهذا ما تراقبه بقية الطوائف في لبنان.. بل أن هذا ما يفسر لدى البعض أسباب التنازلات التي قدمها هذا الطرف أو ذاك لمنع اشتعال الخصوصيات الطائفية لتحويلها إلى مطالب أقاليمية نسبة إلى أقاليم تدغدغ أحلام البعض.. وهذه المرة لن تكون التهمة جاهزة ضد المسيحيين بالتمهيد لها.. بل لغيرهم حتماً..
وقد كان من المثير جداً أن يعتبر البعض أن التنازل الذي يبديه وليد جنبلاط وسعد الحريري وفؤاد السنيورة وبعض المسيحيين بشأن إبقاء السلاح في يد حزب الله هو الثمن الذي لا بد من دفعه كي لا ترتفع هذه الأيام نغمة الفدرالية أو الأقاليم الشيعية (واحدة في الجنوب على حدود العدو الصهيوني وواحدة في بعلبك ـ الهرمل على حدود الشقيق السوري..) تماماً مثلما رفعها عبد العزيز الحكيم في العراق.. أليس هذا سلاحاً إيرانياً في المعركة المفتوحة؟
أما العراق
فإن اعتقاد الحكيم هذا أنه بطرحه لمسألة الإقليم الشيعي في الوسط والجنوب سيفتح الباب أمام مرجعيته الشيعية دينياً وسياسياً وحده بصفته من آل الحكيم فهذا غرور وتجاهل لحقائق الأمور في الوسط الشيعي نفسه، لأن استناد الحكيم إلى الاستخبارات الإيرانية وحدها كي تحميه أمنياً وتزيل من دربه وتحت عباءته العقبات العروبية أو الإسلامية التوحيدية ليس كافيا في مواجهة المرجعيات الأقوى والأعمق دينياً وسياسياً وشعبياً فالسيد علي السيستاني هو المرجع المعتمد من أغلبية الشيعة العراقيين فضلاً عن وجود مراجع أخرى في النجف إلى جواره وأبرزهم الحكيم الآخر السيد محمد سعيد الذي يبز عبد العزيز علماً ومكانة واحتراماً واستقلالية.(26/74)
أما على المستوى السياسي ـ الميداني والجماهيري فإن السيد مقتدى الصدر هو صاحب الشعبية الكاسحة في العراق خاصة في بغداد ومدنها الأخرى وخاصة الشعلة والصدر، فضلاً عن تأثيره في عدد من محافظات الجنوب نفسه، وسيكون الصدر أقوى العقبات في مواجهة أقاليم العراق أي تفتيته، أما إذا فرض أو تكرس التفتيت كأمر واقع في العراق بقوة الدعم الأميركي والفعل الفارسي والتحريض الصهيوني، فإن قوة مقتدى الصدر الشعبية الكاسحة لن تتيح لعبد العزيز الحكيم أن يحكم أبعد من حدود المنطقة التي جاء منها أخوه محمد باقر عندما عبر الحدود الإيرانية ـ العراقية ولم يجرؤ على دخول النجف ولم يزر المدن الشيعية الكبرى في بغداد وما حولها.
فهل يخوض عبد العزيز الحكيم بعد هذا حرباً شيعية ـ شيعية كي يثبت وجوده في إقليم من الأقاليم مثلاً، وهل هو مستعد لتوريط الشيعة في حروب داخلية، بعد حروبهم المنتظرة ضد سنة العراق الذين يرفضون أي مس بوحدة الوطن وعروبته؟
أياً يكن الأمر فإن استسهال طرح تفتيت العراق على لسان رجل دين شيعي من العراق كارثة بكل المقاييس على وحدة المسلمين في أوطانهم ووحدتهم في دينهم وهي الفرصة التاريخية كي تسود إسرائيل القوية وسط دويلات المذاهب الموعودة.
حمى الله العراق.. حمى الله لبنان.
انتخاب أحمدي نجاد و"القضايا العالقة" في العلاقات العربية ـ الإيرانية
محمد عز العرب مختارات إيرانية العدد 61 ـ أغسطس 2005
في أعقاب فوز محمود أحمدي نجاد برئاسة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، طرحت أسئلة كثيرة وعلامات استفهام عدة بشأن مستقبل علاقات إيران الخارجية ما بعد خاتمي، ذلك الزعيم الإصلاحي الذي حافظ خلال فترة ولايته على سياسة تنحو نحو المرونة والاعتدال وتغليب منطق الحوار مع الآخر.(26/75)
وثمة توجس من إمكانية حدوث تحولات كبرى خلال فترة ولاية أحمدي نجاد، بما ينعكس على علاقات إيران مع الدول العربية، لاسيما وأن الاعتبارات الأيديولوجية مازالت تلعب دوراً في تحديد توجهات السياسة الخارجية الإيرانية بدرجة لا يمكن التقليل منها، خاصة عند التيار المحافظ المتشدد، وإن كانت تطورات الأوضاع الداخلية في إيران تتطلب الأخذ بمنهاج المصلحة الوطنية بما يشير إلى أن إيران انتقلت من منطق الثورة إلى منطق الدولة، وأصبحت طهران بمقتضاه أميل للتصرف كدولة طبيعية وليس كدولة صاحبة رسالة.
وقد أكد الرئيس الإيراني الجديد أحمدي نجاد أنه على أتم استعداد لبداية مرحلة جديدة في العلاقات مع الدول العربية. وأضاف أحمدي نجاد في رسالة "جوابية" إلى عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية أن طهران على استعداد كامل للتعاون مع الدول العربية وعلى مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية. وقال: إن إيران تفخر بأن هناك الكثير من القواسم المشتركة التي تجمعها بالدول العربية.
انتخاب أحمدي نجاد توافق مع التحرك الإيراني لتسويق مشروع "الشرق الأوسط الإسلامي" وتتمحور أهداف إيران من طرح هذا المشروع حول بعدين أساسيين:(26/76)
البعد الأول، عقائدي يتمثل في إيمان طهران بحتمية قيام الحكومة العالمية الإسلامية عاجلا أم آجلاً، أما البعد الثاني، فهو بعد استراتيجي، يتركز جانب منه على الشق الأمني، وينطلق من معارضة إيران لمشروع الشرق الأوسط الكبير الذي طرحته الولايات المتحدة الأمريكية بعد احتلالها العراق تحت زعم الإصلاح السياسي والتغيير الديمقراطي، علاوة على شعور إيران بالقلق تجاه محاصرتها بقوات أجنبية في العراق وأفغانستان وآسيا الوسطى والخليج، وهو الحصار الذي تحاول اختراقه من خلال إبرام اتفاقات أمنية مع دول الجوار. ووفقاً لتصريحات المسئولين الإيرانيين، فإن مشروع "الشرق الأوسط الإسلامي" لو تم تطبيقه فلن يضعف منظمة المؤتمر الإسلامي، ولن يكون بديلاً لمجلس التعاون الخليجي أو محاولة للقضاء عليه، بل إن المشروع الإيراني يستهدف الدول الإسلامية بالمنطقة في الوقت الذي تضم فيه منظمة المؤتمر الإسلامي دولاً إسلامية ليست من داخل المنطقة، وبالتالي فهو يقوي المنظمة ويخلق بداخلها كتلة متجانسة، كما أن إيران طلبت قبولها عضوا مراقباً في مجلس التعاون الخليجي، ما يعني أنها تعترف بهذا المجلس وتتعاون معه.
ومن ثم،من المتوقع أن يعطي أحمدي نجاد الأولوية في التحرك الخارجي للفضاء الإسلامي،من خلال محاولة تطوير علاقات إيران مع دول الجوار العربي، وهو ما أكد عليه أحمدي نجاد عقب إعلان فوزه، وبرغم التوجسات والشكوك المتبادلة بين الجانبين، فإن المتغيرات الجديدة التي تعيشها المنطقة تدفع باتجاه التعاون وليس التباعد أو التصادم بين الجانبين.
أولاً: العلاقات العربية ـ الإيرانية: صراع أم تعاون؟(26/77)
في مرحلة ما بعد 1979، طغى هدف تصدير الثورة على المفردات الخطابية للكثير من وجوه النظام الإيراني الجديد، فحاصر الآمال بتطوير العلاقات. وجاءت الحرب العراقية ـ الإيرانية في العام 1980، والتي بدأها النظام العراقي لتخفق هذه الآمال وتحولها إلى جحيم أودى بحياة مئات الألوف من العرب والإيرانيين في المعارك العسكرية التي استنفدت طاقات البلدين الجارين، بحيث يمكن القول أن عقد الثمانينيات قد ميز العلاقات العربية ـ الإيرانية باعتبارها علاقة "صراعية"، وما زالت آثاره تتطلب بعض الوقت والكثير من العمل لمعالجة ومداواة "الجروح النازفة".
وقد توجهت السياسة الخارجية الإيرانية في الثمانينيات وبسبب الحرب العراقية ـ الإيرانية إلى تمتين التحالف مع سوريا، حتى اختزلت العلاقات السورية ـ الإيرانية مجمل العلاقات العربية ـ الإيرانية. وقدم نظام صدام حسين بغزوه للكويت في 2 أغسطس 1990 فرصة جديدة للنظام الإيراني،لإعادة وصل ما انقطع في الثمانينيات مع دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، وذلك بحكم الثقل السياسي والتاريخي والديني والاقتصادي الذي تمثله الدولتان. وقد توجت العلاقات بتوقيع الاتفاقية الأمنية في أبريل 2001، حيث حولت التطورات الإقليمية إيران من صيغة "العدو" الإقليمي إلى صيغة "الطرف" الإقليمي.(26/78)
وعلى مدار عقد ونصف العقد (1990ـ 2005) لعبت التطورات الداخلية التي شهدتها إيران في عهد الرئيسين هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي، وخاصة بالنسبة لفترة حكم الأخير (1997ـ 2005)، دوراً كبيراً في تغير طبيعة وأداء السياسة الخارجية الإيرانية، مما ساهم في تسريع وتيرة التحسن مع دول الجوار، بالاستناد إلى مفاهيم الحوار، وتحسين الأجواء الإقليمية وتجسيد التعاون الإقليمي، واستبعاد سياسات التدخل في الشئون الداخلية، والتخلي عن مفهوم تشكيل أمة واحدة للدفاع عن المستضعفين في الأرض، وأن تكون إيران مركزاً لهذه الأمة فيما كان يوصف بنظرية "أم القرى"، وهما المفهومان اللذان كانا مصدراً لكل الصدامات التي واجهتها إيران مع بيئتها الخارجية المباشرة والبعيدة على السواء. مثل هذا الخطاب الخارجي الإيراني ساهم في زيادة مساحة الالتقاء بين الدول العربية وإيران.
هذه المتغيرات المتداخلة في مجملها جعلت العلاقات العربية ـ الإيرانية تخضع لحالة من الشد والجذب، حيث استمرت منذ نجاح الثورة الإسلامية في عام 1979 تتراوح بين الصراع والتعاون. ويمكن في هذا السياق تقسيم الدول العربية تبعا لأنماط علاقاتها مع إيران إلى ثلاث مجموعات:
المجموعة الأولى، هي الدول العربية التي كان الطابع التعاوني غالبا على علاقاتها مع إيران. وتنحصر هذه المجموعة في عمان وسوريا، حيث كان يمكن حصر قضايا الصراع بينها وبين إيران وتوقيتات إثارتها.
أما المجموعة الثانية فتضم الدول التي غلب الجانب الصراعي على علاقاتها مع إيران ويأتي على رأسها العراق التي دخلت مع إيران في حرب طويلة، ومصر التي تأجل التطبيع الكامل للعلاقة معها حتى الآن (أغسطس 2005)، وفي الحالتين اقترنت كل محاولة للانفراج برد فعل مضاد أو متبوعة به من هذا الطرف أو ذلك.(26/79)
أما المجموعة الثالثة فتشمل دولا مثل الكويت والبحرين التي خضعت سياستها إزاء إيران لعوامل مثل المكانة الإقليمية المتباينة لدول منطقة الخليج، والحسابات الدقيقة لتوازنات القوة فيما بينها، وهو ما دفعها إلى انتهاج سياسة متوازنة تجاه الدول الإقليمية الأكبر وهي: إيران ـ العراق ـ السعودية.
لكن ثمة نقطة جديرة بالملاحظة في هذا الإطار وهي أن العلاقات العربية ـ الإيرانية تعاني من ضعف الارتباط المؤسسي، الأمر الذي يجعلها أكثر عرضة للتغيير وعدم الاستقرار. وعلى الرغم من أن الدول العربية ـ وكذلك إيران ـ شرعت في تجاوز هذه السلبية بإيجاد الأطر المؤسسية التي تنظم علاقاتها على المستوى الثنائي (الرسمي والشعبي)، إلا أن هذا الاتجاه لا يزال في بداياته الأولى. ومما يذكر في هذا الخصوص أن عددا من اللجان الاقتصادية قد تكونت بين إيران ودول عربية كثيرة، منها سوريا والسودان والمغرب وتونس ولبنان والأردن والسعودية واليمن، نشطت في مجال تشجيع التجارة والاستثمارات المشتركة. كما تكونت جمعيات لرجال الأعمال مع سوريا وتونس وقطر، وللصداقة مع مصر. وهناك على المستوى البرلماني جمعية سورية ـ إيرانية.
ومثل هذا الاتجاه ـ إن استمر وتعزز ـ من شأنه أن يخلق شبكة من المصالح والفئات المستفيدة منها والمدافعة عنها، على كلا الجانبين العربي والإيراني، على نحو يجعل من الصعب على الحكومات تجاهلها أو الإضرار بها. فلا يمكن إحداث نقلة نوعية في مسار العلاقات العربية ـ الإيرانية إلا في إطار مؤسسي. ومن هنا طرحت فكرة استحداث كيان جديد يسمى "جامعة الدول الشرقية" ليضم الدول العربية الراغبة في الانضمام وإيران وربما تركيا في مرحلة لاحقة، وهو ما يتطلب قرارا سياسيا ومجهودات قانونية لإخراج هذه الصيغة إلى حيز التنفيذ، وقبل ذلك، الاتفاق على حدود الإطار الجديد وآلياته.(26/80)
لكن الحديث عن علاقات عربية ـ إيرانية مؤسسية قوية لا يستقيم مع استمرار الخلافات العربية ـ العربية، وإن كانت أقل حدة مقارنة بفترات سابقة، حتى بدت وكأنها نوع من "الطقوس"، علاوة على أن الرابطة المؤسسية للعرب "جامعة الدول العربية" تتسم بالضعف والهشاشة، فكيف ستدخل أطراف أخرى إقليمية لتؤثر فيها وتتأثر بها؟
ثانياً: القضايا العالقة في العلاقات العربية ـ الإيرانية:
رغم تحسن العلاقات بين غالبية الدول العربية وإيران في السنوات الأخيرة إلا أنها اقتصرت على توقيع الاتفاقيات الاقصادية والبروتوكولات الأمنية واللجان الثقافية ولم تتطرق إلى "القضايا العالقة" التي قد تقلص أو تحول دون تنامي العلاقات العربية ـ الإيرانية عموما والخليجية ـ الإيرانية خصوصاً، ولعل أهمها:
1ـ إزالة العراقيل التي تعوق إعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين مصر وإيران، فلا يتصور الحديث عن علاقات عربية ـ إيرانية دون قيام علاقات بين إيران وأكبر دولة عربية، لاسيما وأن مساحة مصر في العقل الإيراني كبيرة للغاية، كما أن مساحة إيران في العقل المصري كبيرة أيضا، ولا يرجع تأخر عودة العلاقات المصرية ـ الإيرانية إلى أن مصر سنية وإيران شيعية، ولا يعود إلى أن هناك خلافات حول هذا أو ذلك، وإنما يعود لاعتبارات سياسية واستراتيجية. وكلما حانت الفرصة لعودة العلاقات تظهر سحابة سوداء في مناخ هذه العلاقة، مثل اتهام الحكومة المصرية في عام 2004 أحد المسئولين في مكتب رعاية المصالح الإيرانية في القاهرة وأصوليين مصريين بالتخطيط للقيام بأعمال تخريبية في مصر.
بالإضافة إلى ذلك، لابد من إنهاء المظاهر التي ساعدت على توتير العلاقات المصرية الإيرانية على مدى أكثر من ربع قرن مثل الجدارية الضخمة التي تحمل صورة قاتل الرئيس المصري الراحل أنور السادات، ووضع اسمه على شارع رئيسي في طهران.(26/81)
2ـ تسمية الخليج، والتي تعتبر إحدى أهم المشكلات التي تعكس عمق الخلافات الموروثة والشك المتبادل، فدول الخليج تفضل تعبير الخليج العربي على أساس أنه عربي الهوية، وتنفي انتساب أي قوة أخرى غير عربية له من الزاوية الحضارية والسياسية. وتعزز هذا التعبير مع استقلال دول الخليج العربية في أوائل السبعينيات.
وعلى العكس من ذلك، أصرت إيران الشاه على تسمية الخليج بالخليج الفارسي، استناداً إلى تسميته القديمة منذ عهود طويلة مضت، وكان إصرارها تعبيراً عن الرغبة في الهيمنة سياسياً وثقافياً على المنطقة، أو الشعور بالعصبية الفارسية، واستمر ذلك النهج بعد قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 وحتى الآن. وقد أبدت إيران اعتراضا شديدا على ما جاء في الطبعة الأخيرة من أطلس العالم الذي تقوم مؤسسة ناشيونال جيوغرافيك المتخصصة في إعداد الخرائط العالمية بإصداره، فقد احتوى الأطلس على خرائط تظهر الخليج باسمه العربي وليس الفارسي. كما منعت إيران دخول سبعة وستين كتاباً عربياً ـ من إصدارات مركز أكاديمي عربي واحد ـ إلى معرض طهران للكتاب لأن عبارة (الخليج العربي) وردت في العنوان أو المتن.(26/82)
3ـ التدخل الإيراني في الشئون الداخلية لدول الخليج: تتواصل إيران قومياً ومذهبياً مع دول الخليج على مستوى العمالة الفارسية والشيعة العرب الذين يمثلون جزءاً تكوينياً أساسياً من النسيج الاجتماعي الخليجي، بحيث يلعب متغيرا القرب الجغرافي والتداخل الديموغرافي دورهما، وهو ما أدى إلى تشكيل لجان مشتركة في المجالات الاقتصادية وتوقيع عدد من الاتفاقات الأمنية،فقد سبق أن وظفت الورقة الشيعية في حرب الخليج الأولى (1980ـ1988) ودفعت ببعض العناصر في الكويت والبحرين للقيام بأعمال شغب واضطراب داخلية للضغط على هذه الدول نتيجة لموقفها المؤيد للعراق. وبعد حرب الخليج الثالثة (2003) ازدادت المخاوف من استغلال إيران لهذه الورقة، خاصة مع تزايد نفوذ شيعة العراق، وهو ما اتضح جلياً في حديث ملك الأردن عبد الله الثاني عن مشروع إيران في تكوين ما يسمى بـ "الهلال الشيعي" في المنطقة.
وقد مثلت قضية "الوجود الشيعي" واحدة من أهم القضايا الخلافية التي أثارت كثيراً من القلق والتوتر في العلاقات الإيرانية ـ الخليجية، حيث كانت بمثابة "قنبلة موقوتة" داخل دول الخليج. فعلى سبيل المثال، سبب وضع الشيعة في منطقة الإحساء السعودية الواقعة في الشمال الشرقي من المملكة مشكلات أمنية حادة للسلطات السعودية، حيث أثار سكان هذا الإقليم عدة اضطرابات على مدى العقود الماضية، وقامت السلطات السعودية بقمعها، خاصة أن المنطقة تمتلك ثروة نفطية مهمة. كما كانت المواجهات الأمنية التي شهدتها البحرين عام 1994 والتي وضعت النظام السياسي على المحك سببا رئيسيا في توتير العلاقات الإيرانية ـ البحرينية بقيام إيران بدعم الاضطرابات الداخلية التي شهدتها في هذه الآونة، علاوة على ذلك كانت البحرين مطمعاً واضحاً لإيران، حيث استندت إيران في دعاوى سعيها للسيطرة على البحرين إلى أن أغلبية سكانها من الشيعة ذوي الأصل الإيراني.(26/83)
بالإضافة إلى ذلك وصل الأمر ببعض نواب مجلس الأمة الكويتي من الشيعة إلى المطالبة بنظام "المحاصصة"، حيث يتساءلون باستمرار عن سبب وجود وزير شيعي في الحكومة، وعن عدم تعيين عضو مجلس بلدي شيعي.
وقد نشرت جريدة "الأيام" البحرينية مؤخراً رسم كاريكاتير للتعليق على نتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية. ولأن الرسم مثل وجه ولحية "المرشد" الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي ، فقد فسره البعض على أنه تعريض برمز ديني، وسرعان ما التبست الأمور واختلطت الأوراق، ونظمت مسيرات يقودها بعض رجال الدين الشيعة نحو مقر الجريدة، وأصدر المجلس العلمائي الإسلامي بياناً يستنكر فيه نشر هذا الكاريكاتير، لدرجة أن أعمال العنف وأحداث الشغب خرجت عن سيطرة قوات الأمن. ورغم ذلك أوضح رسام الكاريكاتير خالد الهاشمي أنه كان يقصد من رسمه ارتفاع أسهم وشعبية التيار المحافظ في إيران بعد فوزه في الانتخابات موضحاً أنه لم يقصد الإساءة إلى أي رمز أو طائفة.
ورغم التوتر المكتوم في العلاقات بين إيران وبعض دول الخليج، فقد رحب الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبد الرحمن العطية بانتخاب أحمدي نجاد معتبراً أن انتخابه "خيار الشعب الإيراني". ودعا العطية الرئيس الإيراني الجديد إلى فتح صفحة جديدة مع دول الجوار، خاصة دول الخليج، ويبدو في لغة التصريح الصحفي ما لم يتم التصريح به علناً، وهو التأكيد على ضرورة احترام إيران للعلاقات بينها وبين دول مجلس التعاون على أساس المصلحة المشتركة، وعدم التدخل في الشئون الداخلية وتسوية النزاعات الإقليمية والثنائية. وهي إشارة واضحة إلى قضية احتلال إيران لجزر الإمارات الثلاث. كما فسرت عبارة البيان التي نصت على "العمل مع دول المنطقة على استتباب الأمن والاستقرار الإقليمي"، بأنها تصب في القضية نفسها، وعدم دعم إيران لبعض مطالبات الشيعة في بعض دول الخليج أو حتى العراق.(26/84)
وفي الواقع، فإن قضية التدخل الإيراني في الشئون الداخلية للدول العربية كان لها تأثير كبير على أنماط العلاقات الإيرانية ـ العربية عموما. فمن جانب، تحتل كل من سوريا والسودان موقعاً محورياً في السياسات الإيرانية تجاه الشرق الأوسط وإفريقيا. فبدون التعاون مع دمشق لما تمكنت إيران من الوصول إلى لبنان وتطوير سياساتها تجاه إسرائيل والأردن. أما السودان، فالوجود الإيراني بها سمح بتوثيق العلاقة المتوقعة بين نظامين إسلاميين، بل والتوغل في إفريقيا.
ومن جانب آخر، اعتبرت بعض الدول العربية وعلى رأسها الأردن ومصر والجزائر إيران بمثابة المساند الرئيسي للجماعات الإسلامية الراديكالية في المنطقة، خاصة ما أعلنته مصر عن وجود أدلة قوية تثبت التورط الإيراني في الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها مصر من عناصر مدربة في السودان، ورغم ذلك فإن هناك نقصاً شديداً في الأدلة التي تدعم من الربط المباشر بين إيران و "المد الإرهابي" في هذه الدول، خاصة إذا ما نظرنا إلى حجج الفريق الذي يركز على أن هذه الحركات ما هي إلا نتاج "لمشكلات البيت الداخلية".
وقد توترت العلاقات الإيرانية ـ الجزائرية في عقد التسعينيات، حيث قطعت العلاقات الدبلوماسية رسمياً في مارس 1993 (استؤنفت مرة أخرى في عام 2000)،في حين استمرت العلاقات الإيرانية ـ التونسية بشكل حذر منذ استؤنفت العلاقات الثنائية عام 1991، ويساعد على ذلك رغبة إيران تعويض الخسارة الاستراتيجية الناجمة عن فقدان الجزائر ولذلك ابتعدت إيران عن دعم حركة النهضة التونسية المعارضة.(26/85)
في المقابل، كانت العلاقات الإيرانية ـ السودانية هي الأكثر تطوراً عما عداها مما أثر على العلاقات الإيرانية ـ المصرية، حيث نظرت مصر إلى ذلك التقارب على أساس أنه محاولة التفاف حولها، خاصة وأن مصر قد ربطت بين الوجود الإيراني في السودان ومساندة الحركات الإسلامية الراديكالية في داخلها مع ملاحظة أن غالباً ما تتحسن العلاقات الإيرانية ـ السودانية في وقت تدهور العلاقات السودانية العربية.
4ـ أمن الخليج: تشير التوترات المستمرة التي تشهدها منطقة الخليج إلى أن "أمن الخليج" لا يزال يمثل مشكلة، وأن تلك المنطقة لم تصل بعد إلى معادلة توازن تكفل تحقيق الاستقرار فيها، سواء بالنسبة لشكل موازين القوة العسكرية، أو نمط العلاقات الثنائية، أو ضبط التفاعلات الداخلية، أو ترتيبات الأمن الإقليمي.
وقد طرحت دول مجلس التعاون الخليجي محاور ثلاثة كأساس للأمن الإقليمي الفرعي، على النحو التالي:
* تحسين القدرات الدفاعية المحلية لكل دولة من دول مجلس التعاون كي تستطيع كل منها على حدة تحمل المسئولية الأساسية للدفاع عن أمنها.
* تشجيع تعزيز الدفاعات الإقليمية الجماعية بين دول مجلس التعاون لتمكين هذه الدول من التعاون معاً خلال فترة التوتر الشديد في المنطقة.
* تعزيز الوجود العسكري الأميركي في الخليج.
وقد تراجعت دول مجلس التعاون بعد حرب الخليج عن دعوة "الأمن الجماعي" وعن إطار "إعلان دمشق" واستبعدت إيران عن إطار الأمن الجديد، واكتفت بتوقيع اتفاقيات أمنية ثنائية مع الولايات المتحدة، مع إعطاء الأولوية للبناء الذاتي للقوة العسكرية لكل دولة اعتماداً على الدعم الأمريكي، وخلق قنوات وآليات للتعاون المشترك فيما بينها باعتبارها خطوة أولى نحو إقامة ما يسمى بـ "حزام أمني دفاعي" يحيط بدول المجلس.(26/86)
ويمكن وصف النظام الإقليمي الخليجي بأنه "نظام مأزوم" ويعيش حالة دائمة من الصراع والتوتر وعدم الاستقرار، حيث تفتقر السياسات الخارجية الخليجية لرؤية مشتركة لمفهوم الأمن الخليجي والتحديات التي تواجهه وآليات التعامل معها، الأمر الذي أفرز بدوره تباينات عدة بين سياسات هذه الدول تجاه قضايا الحدود والمياه والتعاون الاقتصادي والتعامل مع الحركات الإسلامية.
ومن جانبها، تطرح إيران فكرة منظومة "الأمن الجماعي" باعتبارها أكثر الأساليب فعالية بالنسبة للترتيبات الأمنية الإقليمية في المنطقة، والقائمة على أساس الاستقلال والاعتماد على الذات والامتناع عن عقد أي اتفاقات مع القوى خارج المنطقة والتي تهدد بصورة مباشرة أو غير مباشرة أمن سائر البلدان الأعضاء.
بعبارة أخرى، تتبنى إيران مبدأ "أمن الخليج مهمة دول الخليج" وهو ذاته الطرح التي تبنته في مواجهة إعلان دمشق الذي كان يفترض أن يمنح لكل من سوريا ومصر دوراً في الأمن الخليجي.
وفي سياق متصل تحاول الولايات المتحدة إشعار دول الخليج بخطورة البرنامج النووي الإيراني، حيث ذكر السفير الأمريكي في الكويت رتشارد لوبارون في محاضرة ألقاها في كلية مبارك العبد الله للقيادة والأركان المشتركة التابعة لوزارة الدفاع في يونيو الماضي أن "الولايات المتحدة والشرق الأوسط والعالم بأسره يواجهون خطراً مختلفاً فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني"، وان "إيران بعملها وإصرارها على تطوير السلاح النووي تجعل نفسها والدول المجاورة عرضة للأخطار"، وأنه "يجب على دول الخليج التصدي بحزم للبرنامج النووي الإيراني وأن تفتح حواراً جاداً مع طهران لوقف برنامجها لتخصيب اليورانيوم".(26/87)
وقد قوبلت هذه التصريحات برفض كويتي، حيث اعتبر جاسم الخرافي رئيس مجلس الأمة الكويتي هذا الحديث "شكلا من أشكال التدخل في الشئون الداخلية للكويت"، في حين أكد رئيس لجنة الشئون الخارجية في البرلمان الكويتي، النائب محمد الصقر، على أن تصريحات السفير الأمريكي لا تعدو كونها وجهة نظر فردية للإدارة الأمريكية والتي مثلها السفير في كلمته ولا تعتبر تدخلاً في الشأن الداخلي الكويتي، ولاسيما وأن الكلمة التي ألقاها السفير جاءت في مناسبة فنية وليست رسمية، كما أن ثمة اتفاقات أمنية موقعة بين الكويت والولايات المتحدة، ويوجد العديد من الضباط الأميركيين في المؤسسات العسكرية التابعة للكويت بحكم هذه الاتفاقات.
وأكد الصقر وجود مخاوف وهواجس كويتية من النشاط النووي الإيراني تتعلق غالبيتها بالمخاطر البيئية وليست الحربية الناجمة عن وجودها، لاسيما المفاعلات الموجودة على شاطئ الخليج والتي لا تبعد بدورها كثيراً عن الكويت. واللافت للانتباه في حديث السفير الأميركي هو تركيزه فقط على البرنامج النووي الإيراني، حيث صور جميع الأخطار والكوارث التي قد تحدث في المنطقة باعتبارها ناتجة عن وجود برنامج نووي إيراني. ولم يتعرض السفير للبرنامج النووي الإسرائيلي والخطر الحقيقي الذي يشكله ليس على دول الجوار وإنما على منطقة الشرق الأوسط.
5ـ الخلاف بين إيران والإمارات حول ملكية الجزر الثلاث:(26/88)
قامت إيران في نوفمبر 1971 باحتلال جزيرتي طنب الكبرى والصغرى (اللتين كانتا تتبعان إمارة رأس الخيمة) وأنزلت قوات لها في جزيرة أبو موسى (التي كانت تتبع إمارة الشارقة). وعلى مدى ثلاثة عقود احتدم الخلاف بين إيران والإمارات على هذه الجزر واتسع ليصبح قضية خلافية حادة بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي، بل بين إيران والجامعة العربية. وبرغم الاحتلال الإيراني للجزر فإن الإمارات كانت تباشر بشكل أو بآخر حقوقها الوطنية فيها من حيث وضعية السكان والتنقيب عن البترول، إلا أن إقدام إيران أوائل التسعينيات على طرد الخبراء والعاملين التابعين لدولة الإمارات من جزيرة أبو موسى وفرض هوية إيرانية للجزيرة أدى إلى تصعيد حدة التوتر بين الطرفين.
وعندما عادت قضية الجزر لتتجدد وتبلور إزاءها اتجاه يدعو لانفتاح على إيران لتيسير تسوية القضية، واتجاه آخر يرى أن الانفتاح يهمش قضية الجزر، كانت إثارتها مجدداً تنطوي على دلالتين رئيسيتين خاصتين بالدور المنوط به مجلس التعاون الخليجي:
الدلالة الأولى، أن القضية تمس سيادة دولة عضو في مجلس التعاون الخليجي. وللسيادة فوق أهميتها المعلومة كركن من أركان الدولة، حساسيتها الفائقة في ضوء الخصوصية التي تتسم بها دول الخليج (حداثة عمر الدولة ـ الاختلال في توزيع عناصر القوة بينها ـ العمالة الوافدة ـ الخلافات الحدودية)، وهو ما يتطلب أن يكون الموقف الخليجي موحدا في التفاعل مع هذه القضية.
الدلالة الثانية، أن قضية الجزر تضع مصداقية مجلس التعاون على المحك، وتثير الاستفهام عن علة استمراره، بل وتبشر بما يعرف بمرحلة "ما بعد مجلس التعاون"، خاصة في ظل التحسن المستمر في العلاقات بين إيران ودول الخليج، وما طرح من أفكار تدعو إلى صياغة ترتيبات إقليمية مشتركة بين دول الخليج، أو حتى إلى وضع نظام أمني خليجي بمشاركة إيرانية.(26/89)
لذا كان التحفظ الإماراتي لافتا إزاء التحسن المطرد في العلاقات السعودية ـ الإيرانية عام 1999، والذي اعتبر كارثياً "بالنسبة لمجلس التعاون، حيث احتجت الإمارات على اتفاقية التعاون بين السعودية وإيران. وفي المقابل أكدت السعودية أنها "دولة إقليمية كبرى لا تسمح لأحد بأن يملي عليها ما تفعل وما لا تفعل، وأن ما فعلت كان من منطلق تقديرها لمصالحها الوطنية، وكل دولة تتصرف من منطلق مصلحتها الوطنية بما في ذلك الإمارات نفسها التي تتقرب إلى العراق (في عهد صدام حسين) على الرغم من التحفظات السعودية الكويتية".
من جهة أخرى، يقوم الموقف الإيراني على رفض أي مباحثات أو مفاوضات حول قضية الجزر الثلاث، ومن ثم فإن ما رفعته إيران رفسنجاني وإيران خاتمي من شعارات مثل الانفتاح على الدول المحيطة وتحسين العلاقات مع الدول العربية لم تترجم إلى واقع ملموس. فتسوية هذه القضية لا يكون بالشعارات وإنما باللجوء إلى طرق التسوية المعمول بها دولياً وهي المفاوضات المباشرة أو قبول الوساطة أو اللجوء إلى التحكيم والقضاء الدولي، وهو ما تعارضه إيران بشدة بحجة أنه ليس من صالحها الذهاب إلى محكمة العدل الدولية لتسوية هذه القضية لأن المحكمة يغلب عليها الطابع المعادي لإيران.
إلا أن هذا الأمر غير مقبول، بل إن الوقع يثبت عكس ذلك، حيث لجأت إيران من قبل إلى المحكمة مرتين: الأولى في قضية الطائرة الإيرانية المدنية التي أسقطتها الولايات المتحدة، والثانية في قضية تجميد الولايات المتحدة للأموال الإيرانية، في وقت كانت خاضعة فيه لعقوبات دولية، ورغم ذلك كان الحكم في المرتين لصالح إيران. ولذا فما الذي يمنع إيران من الذهاب إلى محكمة العدل الدولية بشأن جزر الإمارات؟
6ـ قضية "الجرف القاري":(26/90)
تقع منطقة الجرف القاري موضع التنازع بين إيران وكل من الكويت والسعودية في المثلث الواقع بين حدود الدول الثلاث شمال الخليج وإلى الشرق من حقل زيت الخفجى البحري، ويقع في نطاق حقل غاز الدرة الذي يقدر احتياطاته بـ 21 مليار متر مكعب مع إنتاج يومي يتراوح ما بين 18 و 45 مليون متر مكعب.
وكانت كل من السعودية والكويت قد توصلتا إلى اتفاق على ترسيم الحدود بينهما في هذه المنطقة مع تحديد الكميات المستخرجة بشكل واضح بعد التوصل لاتفاق مع إيران. لكن الوضع في هذه القضية على عكس الموقف من قضية الجزر، حيث تؤكد إيران على استعدادها للتفاوض المباشر مع الكويت، وليس أدل على ذلك من توقف إيران لعمليات التنقيب عن النفط في هذه المنطقة. وقد صرح وزير البترول الكويتي في مؤتمر صحفي في طهران بأنه سيتم بحث القضية بين الجانبين بعد الانتهاء منها بين الكويت والسعودية، مشيراً إلى أنه تم الاتفاق من ناحية المبدأ على اتباع مبدأ القانون الدولي وترك هذه المسألة للجنة فنية.
وفي هذا السياق أيضا أكد حسن روحاني في جولته الأخيرة قائلا: "اقتربنا من التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن قضية الجرف القاري في القريب العاجل، حيث سيتم حسم هذا الأمر وكذلك قضية ترسيم الحدود خلال العام الحالي".
مجمل ما سبق، يكشف أن السياسة الإيرانية تعمل بمنطق "الملفات" في إدارتها للعلاقات مع دول الخليج، حتى القضايا الخلافية فإنها تنتهج منهجاً مختلفاً بين دولة وأخرى، ويمكن أن نلحظ هذا المسلك في إدارة طهران لقضية الجرف القاري مع الكويت والسعودية من جهة، وقضية الجزر الثلاث المحتلة مع الإمارات من جهة أخرى. ويتوقع أن يتم تسوية قضية الجرف القاري مرحلياً على الأقل مع الكويت.(26/91)
أما قضية الجزر الإماراتية فتشير التوقعات إلى صعوبة التوصل إلى صيغة مناسبة لتسويتها على المدى القصير، وذلك بحكم الطبيعة المعقدة والتاريخية لهذه القضية. كما أن إيران لا تتعامل مع دول الخليج مجتمعة ـ ولو من خلال مجلس التعاون الخليجي ـ وإنما في إطار ثنائي، ودون أن تعطي الفرصة لأي تداخل بين هذه العلاقات.
وعلى أي الأحوال، فإنه لا توجد "وصفات جاهزة" لتطوير العلاقات العربية ـ الإيرانية، فهناك دائماً فرصة لمتغير جديد أو عامل طارئ في التأثير في عملية التطوير بالسلب أو الإيجاب، وانتخاب رئيس جمهورية جديد لإيران، سواء انتمى للتيار المحافظ أو الإصلاحي، لا يعني حدوث "انقلاب" في السياسية الخارجية الإيرانية لأنه ليس صاحب سلطة مطلقة ليقرر وحده تفاعلات إيران الخارجية، إلا أن الوضع الإقليمي يحتاج من إيران بعد فوز أحمدي نجاد في الانتخابات الرئاسية تدشين توجه "للمصارحة والمصالحة" الإيرانية ـ العربية ، تتغلب على الرواسب المتراكمة وتتطرق إلى معالجة مجمل "القضايا العالقة" في العلاقات بين الطرفين، حتى لا تتحول إلى "خلافات مزمنة" و "أمراض مستعصية" وتتغلب على ميراث الشكوك بآفاق بناء الثقة.
ومن هنا فإن إبداء إيران وكذلك الدول العربية رغبة حقيقية في حل هذه القضايا سيكون من شأنه حدوث انفتاح أكبر في العلاقات العربية ـ الإيرانية.
إيران والولايات المتحدة.. مرحلة جديدة من ترتيب الأوراق
محمد أبو الفضل مختارات إيرانية العدد 61 ـ أغسطس 2005(26/92)
ينطوي ظهور الرئيس محمود أحمدي نجاد على مسرح السياسة الإيرانية على مضامين متعددة. ويحمل وصوله إلى سدة السلطة في مناخ إقليمي مضطرب جملة من الدلالات الكبيرة ويفتح الباب لتساؤلات وتكهنات متفرقة. ويشير تكوينه الثقافي وخلفيته الاجتماعية وميوله السياسية إلى بدء صفحة جديدة على صعيد السياسة الخارجية، بعضها مليء بالتوجسات ومعظمها حافل بالتحديات. وحتما سيكون لصعود الرئيس أحمدي نجاد تأثيرات متباينة على الحياة الإيرانية. فهو كأي رئيس في النظام الإيراني يصطحب معه مجموعة من التغيرات في عدد من المحاور والمفاصل. وإذا كان هذا الرئيس له خصوصية خلقتها الأجواء والمصالح الداخلية المتقاطعة وأوجدتها التطورات الإقليمية المتناقضة، فإن حجم التحولات التي يمكن أن تترافق معه قد تكون متزايدة، وبالتالي ستفرض المكونات الخارجية نفسها على جدول أعماله مبكرا بسبب التماس والترابط بين الأبعاد الداخلية والقضايا الحيوية المعروضة على السياسة الخارجية، وفي مقدمته شكل العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية.
والمشاهد أن التقدير المبدئي لانتخاب الرئيس أحمدي نجاد يؤكد أن مرحلة مغايرة من التشدد ستعكس ملامحها على توجهاته وترتيباته وإجراءاته الخارجية في المدى المنظور، وأن التوتر الذي بدت معالمه حاضرة طوال السنوات الماضية بين واشنطن وطهران قابل للاستمرار، حيث يتغذى على حسابات وتخمينات لم تتزحزح كثيرا عن مكانها، بل ربما يجد تربة مناسبة لزيادة جرعات التصعيد.(26/93)
فالولايات المتحدة ضاعفت من وتيرة انتقاداتها للقيادة الإيرانية وكشفت المعلومات التي جرى تسريبها من واشنطن عن حالة قوية من الاستعداء لها. كما أن الرئيس أحمدي نجاد كان المرشح الأساسي للتنظيمات والتيارات المتشددة في إيران والتي ما يزال بعضها يرى في الولايات المتحدة "شيطاناً أكبر"، وتلقى دعما، لم يكن خافيا على كثيرين، من قبل الحرس الثوري (الباسداران) والميلشيات الثورية (الباسيج)، وعلاقته بمرشد الثورة السيد علي خامنئي تمثل دليلا ناصعا على هذا الاتجاه، الأمر الذي يتلافى ما وقع فيه الرئيس محمد خاتمي من اعتراضات، جراء الخلاف الذي ظهرت معالمه في عدة مواقف بين تياره الإصلاحي والتيار المحافظ.
وفي الحصيلة النهائية فشلت محاولاته الدءوبة في فتح قنوات إيجابية مع الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية. وأدت القيود التي وضعت في طريقه من الداخل، والضوابط التي وجدت أمامه في الخارج إلى مضي ولايته الثانية وقد دخلت علاقات طهران مع واشنطن مرحلة حرجة ومليئة بالمطبات.
حسابات وكوابح:
لذلك فاحتمالات حدوث مزيد من التدهور في العلاقات الإيرانية ـ الأمريكية في عهد أحمدي نجاد واردة. وهي لا تتعزز على الجانب الإيراني فقط بالروافد الفكرية والانتماءات الأيديولوجية للرئيس المنتخب، بل تضاف إليها ثلاثة اعتبارات على درجة عالية من الأهمية:
أولها، الرغبة الكامنة في الاستقلالية والتفرد عن ولايتي الرئيس خاتمي،التي وصفتها دوائر سياسية في الداخل بأنها كانت تتسم بالمرونة أحيانا في مواجهة التصرفات الأمريكية، والليونة في مجابهة تحديات وإملاءات تيار المحافظين الجدد الذي يتولى قيادة الدفة في البيت الأبيض حاليا، لاسيما إبان فترة رئاسة خاتمي الأولى، التي شهدت صعود تيار الإصلاحيين مؤقتاً.(26/94)
وثانيها، أهمية المنازلة السياسية والتحدي في الخطاب الإعلامي للولايات المتحدة تبدو مسألة مهمة من زاوية تأكيد عدم الرضوخ لهيمنتها ورفض الاستجابة لأجندتها وعدم التهاون مع إحكامها السيطرة على المحيط الإقليمي لطهران،وهو ما يمثل في جوهره رافعة لإثبات قوة الرئيس الجديد، في ظل انطباعات أولية تشير إلى عدم امتلاكه قيادة كاريزمية، وبالتالي يتمكن عبر الاعتراض أو التحفظ علانية على تصرفات أمريكية من الكشف عن أوجه قوته الشخصية.
وثالثها، امتلاك بعض الأوراق الإقليمية المؤثرة من الراجح أن تدفع الرئيس أحمدي نجاد إلى التشدد كوسيلة للمناورة بها عند بعض المحكات المركزية التي تتطلب المفاضلة بين خيارات صعبة، بهدف ترشيد مواقف الولايات المتحدة، خاصة حيال تصورات إيران في العراق ورؤيتها للملف النووي، وهو ما يؤدي إلى تشدد على الناحيتين.
وبرغم وجاهة المؤشرات والاستنتاجات التي تدعم الاتجاه نحو التشدد، غير أن هناك أربعة كوابح محورية يصعب تغافلها عند تحليل مستقبل العلاقات بين واشنطن وطهران، ويمكن أن ترخي بظلالها المتنوعة، من ناحية قدرتها في منع ـ أو الحد من ـ أي انفلات متوقع.
الأول، محدودية الصلاحيات التي يتمتع بها رئيس الجمهورية في النظام الإيراني، إذ تخضع غالبية قراراته لتقويمات من مؤسسات وهيئات متعددة، معظمها تقع تحت سلطة المرشد، بما يقلل في النهاية من دور الرئيس في رسم السياسة الخارجية للبلاد ومن بينها تحديد أطر العلاقة، من حيث درجة المهادنة وحدود التصعيد مع الولايات المتحدة.(26/95)
الثاني، انتفاء المصلحة الكبيرة لخلق عداوات جديدة أو زيادة خلافات قديمة، في ظروف إقليمية قاتمة واستعداءات دولية غامضة، مما يجعل كل الاحتمالات مفتوحة، منها سيناريوهات تستهدف تطويق إيران، لا تزال قابعة في أدراج بعض القوى الكبرى، ومن الممكن استدعاؤها في أي لحظة، للتهديد بها على الأقل. ومن مصلحة طهران رفض الانسياق لمنع تكرار سيناريو العراق وتوفير المبررات الكافية لحصارها سياسيا.
والثالث, إعطاء أولوية للسياسة الداخلية. فالرئيس أحمدي نجاد فاز على منافسه رفسنجاني لجملة من الأسباب، أبرزها رهان الفقراء والمهمشين عليه. ومن الواجب الوفاء بوعوده، بصورة تستوجب الإبداع في البحث عن حلول اقتصادية ومخارج اجتماعية مواتية لعلاج أزماتهم المتفاقمة، ورفض الانصياع أو الانجرار لمواجهات خارجية تبعده عن هذا الهدف.
والرابع، إصرار تيار المحافظين الجدد في الإدارة الأمريكية على تضيق الخناق على الجمهورية الإيرانية، وتبدو حساباتهم متمسكة بعدم إفلات طهران من مقصلتهم، ومن ثم فالليونة يمكن أن تكون طوق نجاة مناسب لإبعاد شبحهم عن إيران، فالتمسك بالمواجهة وسط سيولة الجبهات المجاورة قد تكون مغامرة غير محمودة العواقب.
زمام المبادرة:
كشف التعامل الأمريكي مع نجاح الرئيس أحمدي نجاد عن رغبة واشنطن في استغلال الفرصة والإمساك بزمام المبادرة مبكرا لوضع العراقيل في طريقه: أولا، حتى تكون سياساته ردود أفعال لتصرفاتها فتأتي لدرء أخطار متوقعة لا لحصد مكاسب أو البحث عن مكاسب منتظرة. وثانيا، التحذير من أن أي تشدد منه سيواجه بتشدد أعمق من قبلها.(26/96)
وعلى هذا الأساس قامت بتصويره في آلتها الإعلامية باعتباره من غلاة المتشددين ولا يهمه سوى التأثير سلبا في المصالح الأمريكية، ووصفته بأنه "صدام حسين إيراني" مما يستلزم نزع كل أسلحته السياسية والتهديد بقبر معداته العسكرية خلال فترة قياسية، واستندت هذه المعطيات إلى دوره المزعوم في قضية احتجاز الرهائن الأمريكيين بطهران عام 1979 .وفي حين نفت طهران هذا الاتهام، واصلت كثير من الصحف الأمريكية عزف هذه السيمفونية، لتوسيع نطاق الاستنفار ضد كل توجهاته القادمة، علاوة على الأهمية التي بالغت فيها بعض الأوساط بشأن ما تردد في النمسا حول دور للرئيس أحمدي نجاد في اغتيال أحد زعماء الأكراد المعارضين الذي لجأ إلى فيينا.
ومن جهة أخرى، مارست واشنطن هوايتها في التلويح بإمكاناتها الكبيرة وحضورها العسكري الطاغي الذي يطوق إيران من الجهات الأربع. ففي الغرب ترابض قواتها في العراق، وفي الشرق سيطرتها ظاهرة على أفغانستان، وفي الشمال تمتلك نفوذا لافتا في أذربيجان،ومن الجنوب هناك قوات قابعة في عدد من دول الخليج العربي، فضلا عن إعادة صياغة الدور الذي يمكن أن تقوم به حركة "مجاهدي خلق" المعارضة، والتنويه إلى إمكانية دعمها وتسليحها لتكون رأس حربة أمريكية في المستقبل.
كما أن تزامن تفجر مشكلة "الأهواز" بشكل كبير مع نجاح الرئيس أحمدي نجاد يرسل إشارة عنوانها العريض ضرورة الرضوخ للمطالب الأمريكية فالأرض يمكن اهتزازها تحت أقدامه من الداخل بطريقة مخيفة. ومن المهم الحذر إذا رغب في الكشف عن وجهه المتشدد مع واشنطن. وتنبع خطورة مشكلة "الأهواز" من كونها المصدر الأول لثروات إيران من النفط والغاز. لذلك فاندلاع هذه المشكلة القومية ومدها وتغذيتها بالمساعدات الخارجية يمثل عقبة كؤود أمام برنامج الرئيس أحمدي نجاد، تجعله يعيد تقويم توجهاته المتشددة سريعا حيال الولايات المتحدة.(26/97)
ومن جهة ثالثة، يظل الملف النووي هو الأكثر خطورة والأقوى تأثيرا على مستقبل العلاقات الإيرانية ـ الأمريكية. فهناك تهديدات واسعة باقتراب تصعيده إلى مجلس الأمن، بعد تعثر المفاوضات الأوروبية مع الجانب الإيراني. وتزايدت النداءات الداعمة للتعجيل بهذه الخطوة من قبل واشنطن وانضمت إليها بعض الأصوات الأوروبية مؤخرا، ما يعني أن عدم الامتثال للتعاون وفقا للتقديرات الغربية سيفضي إلى مشكلات سياسية كبيرة في ظل رئاسة أحمدي نجاد، الذي لم يخف أهمية الطاقة النووية لبلاده. ففي الأيام الأولى لانتخابه ركز على ضرورة متابعة البرنامج النووي. وقال إن "الطاقة النووية هي الإنجاز العلمي للأمة والوطن الإيراني..". وأكد على جدوى وأهمية التنمية والتطوير العلمي والطبي والتقني.
من هذه الزاوية يمكن أن تتنافر بقوة الحسابات الأمريكية مع نظيرتها الإيرانية. فعلى هدى التصميم على تجريد طهران من إمكاناتها النووية ورغبة الأخيرة في الحفاظ عليها قد تقع مواجهات سياسية طويلة، يصعب توقع مداها وما يمكن أن تقود إليه من تداعيات درامية. فواشنطن تسعى إلى تكتيل أكبر عدد ممكن من القوى الدولية لتدشين التعامل السياسي مع طهران، التي تحاول تفكيك تحالفات الأولى، تارة بتفضيلات وحوافز نفطية، وأخرى بوعود وطموحات اقتصادية واستثمارية، وثالثة بتعاون وتنسيق في بعض القضايا الإقليمية.(26/98)
وعلى ضوء هذه المعطيات وخلفياتها يمكن القول إن هناك مرحلة جديدة لإعادة ترتيب الأوراق بين واشنطن وطهران، في حاجة لمزيد من التدقيق والحذر لاستكشاف إتجاهاتها المستقبلية. فالأسابيع المقبلة سوف تشهد علامات فارقة لتحديد شكل العلاقة بينهما. لكن باعتقادي أن كفة التفاؤل راجحة، ومن الممكن رؤية علاقات تتسم بالتعاون والتنسيق لا التنافر والتطويق بين البلدين. ويتأسس هذا الاجتهاد على عمق المأزق الذي تعاني منه الولايات المتحدة في العراق، بما لا يسمح بفتح جبهات توتر جديدة، حيث أدى إلى إفرازات كبيرة تمنع نتائجها الواضحة دون قيام واشنطن باتخاذ إجراءات قاسية ضد طهران، التي أضحت تلعب دورا رئيسيا على الساحة العراقية، وتستفيد من مؤشرات التقارب اللافت بين الإدارة الأمريكية وغالبية الشيعة بالعراق للتخديم على مصالحها وإعاقة أي محاولات تستهدف النيل منها.
وبالتالي فمواصلة المنهج الإقصائي قد لا يحقق أهدافه البعيدة، مما يعطي الفرصة لحدوث تهدئة خلال الفترة القادمة. فالوقت الراهن يشهد تعثراً في عدد من مفاصل المشروع الامبراطوري للولايات المتحدة، وتتزايد على جنباته ظاهرة الإرهاب التي ترجعها بعض الدوائر إلى أسباب تتعلق بتصرفات واشنطن في العراق وازدواجيتها في فلسطين، حتى تكرست الاتجاهات الداعمة لإرجاع الإرهاب إلى أسباب سياسية. وإذا حصل واستهدفت واشنطن ـ عمليا ـ طهران سوف تتزايد فرص تأكيد المنطلقات الدينية لهذه الظاهرة. من هنا يمثل التراجع عن منهج التشدد المتبادل خيارا مواتيا للجميع.
دولة من النمط الإيراني
جهاد الخازن الحياة 13/8/2005
هل حاربت الولايات المتحدة في العراق لإنشاء جمهورية إسلامية على الطريقة الإيرانية مع ولاية الفقيه؟(26/99)
افضل أن انتظر إلى ما بعد غد لأرى نوع الدستور الذي سيعرض على الجمعية الوطنية، تمهيداً لإقراره في استفتاء في تشرين الأول (أكتوبر)، ولتجرى انتخابات برلمانية على أساسه في كانون الأول (ديسمبر).
مع توخي الحذر، أستطيع أن أقول من الآن أن الجدل الذي ثار داخل لجنة صوغ الدستور وخارجها أكد ما نعرف عن تركيبة الحكم الحالي في العراق، فالدستور القادم سيكون اقل حريات من القوانين الانتقالية التي حكمت بموجبها سلطة التحالف، وستخسر النساء والاقليات، وتنتقص حقوق الإنسان.
ليس سراً أن الأحزاب الشيعية التي تسيطر على البرلمان، وتحديداً المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق وحزب الدعوة يريدان دولة دينية ذات صبغة شيعية. لذلك كان الجدل حول هل يكون الإسلام مصدر التشريع أو أحد مصادره. وربما اختار أعضاء اللجنة صيغة غامضة تتحدث عن الشريعة أو التشريع الإسلامي أو أحكام الإسلام، إلا أن النتيجة أن الغالبية تريد دولة من النمط الإيراني، لذلك كان الحديث عن أربعة من قضاة الشرع بين القضاة التسعة في المحكمة الدستورية.
ليس سراً كذلك ان الشيعة الذين يشجعون الأكراد على حكم ذاتي واسع لأنهم يريدون حكماً ذاتياً مماثلاً في الجنوب، وإذا استطاع الحزبان الشيعيان الكبيران فرض إرادتهما على الباقين، فستقوم في العراق فيدرالية رخوة الأطراف، مع حكومة ضعيفة في بغداد والمعارضة السنيّة لمثل هذا المشروع كما عبر عنها صالح المطلق باسم 15 سنيّاً في لجنة صوغ الدستور، لا تبشر بخير لمستقبل العراق.(26/100)
في كردستان العراق يزايد مسعود بارزاني والحزب الديموقراطي الكردستاني على الرئيس جلال طالباني وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني في المطالب الكردية، بما في ذلك كركوك. وعندما اجتمع برلمان كردستان في حزيران (يونيو) في اربيل كانت هناك أعلام الحزبين الصفر والخضر، ولكن لا علم عراقياً واحداً. وانتخب البرلمان مسعود بارزاني رئيساً لكردستان العراق، وقائداً أعلى للقوات الكردية، مع منعه من إرسال قوات كردية خارج كردستان من دون موافقة البرلمان.
الوضع في الجنوب، حيث الغالبية الشيعية، أسوأ كثيراً، فهناك حكم إسلامي متشدد حتى قبل الدستور، وقد منعت جميع المظاهر غير الإسلامية، ولم يعد هناك بيع خمور كما في الماضي، وفرض الحجاب على جميع النساء.
الواقع أن الجنوب مفصول عملياً عن الحكومة المركزية، وقوات الأمن شيعية خالصة، وعندما ينتهي دوام رجال الشرطة يتجول بعضهم بحثاً عن بعثيين سابقين أو سنيين في الشوارع لقتلهم. والقوات البريطانية في المنطقة تعرضت لخسائر قليلة جداً، لأنها تقف جانباً وتتفرج على الفلتان الأمني الجاري.
وتقدر مصادر غربية أن الاغتيالات في الجنوب، وبغداد نفسها، بلغت 700 في الشهر، واكثر الضحايا من السنّة، وقد أصبحت أجهزة الاستخبارات والأمن الإيرانية موجودة في جميع الأجهزة العراقية، بما فيها الجيش، وفي بغداد نفسها لا الجنوب وحده.
والسيد عبد العزيز الحكيم الذي خلفه شقيقه محمد في رئاسة المجلس الأعلى للثورة الإسلامية يطالب بتعويضات لإيران عن الحرب مع العراق التي اعتذرت الحكومة العراقية رسمياً عنها.
أقول للسيد عبد العزيز أن صدام حسين بدأ تلك الحرب فعلاً، إلا أن آية الله الخميني لم يكن بريئاً، فهو مارس سياسة تصدير الثورة واستهدف العراق، وما فعل صدام حسين كان دفاعاً عن النفس في وجه عدوان قادم معلن.(26/101)
أهم من ذلك أن صدام حسين ديكتاتور مجرم لم يصل إلى الحكم بتفويض ديموقراطي من الشعب العراقي، والقانون الدولي في هذا المجال واضح، فهو يقول أن الحكم الديموقراطي الذي يتبع الديكتاتور غير ملزم بتسديد ديونه أو التزاماته التي لم يكن الهدف منها خير الشعب.
المجلس الأعلى الذي أقامت قيادته وجنوده في إيران سنوات مدين للحكم هناك، ويحاول تسديد الفواتير على حساب مستقبل الشعب العراقي. بل انه يفعل فيما الحكومة الأميركية نفسها تحاول إقناع الدول الدائنة للعراق بالتنازل عن ديونها، كلها أو أكثرها.
كتبت في هذه الزاوية أن العراق كما نعرفه انتهى، وجاءت متابعتي الجدل حول الدستور لتعزز هذه القناعة مع أنني أتمنى أن أكون مخطئاً.
مع ذلك أرى شمال العراق وجنوبه مفصولين عملياً، وأرى في بغداد ألف لص، لا لصاً واحداً، قدموا مع قوات الاحتلال، وهم يسرقون البلد جهاراً نهاراً لعلمهم انه سينهار في وقت قريب.
وإذا انهار العراق فمشكلاته ستفيض عن حدوده، وقد عاد الحديث عن الحدود مع الكويت، ما يذكرني بجلسة مع الأمير جابر الاحمد الصباح بعد تحرير الكويت سجلتها في حينها.
وجدت الأمير متضايقاً، وحاولت أن اسري عنه، وهو حكى لي انه قبل دخولي مكتبه كان عنده السيد محمد باقر الحكيم الذي جاء ليطلب مساعدة الكويت ضد صدام حسين، وقال الأمير إن السيد الحكيم رفع صوته وأساء الأدب، ما جعل أمير الكويت يفكر انه إذا كان الزائر يفعل هذا، وهو مشرد قد لا يرى بلده، فماذا سيفعل إذا حكم في بغداد؟
أسوأ من أن يحكم في بغداد أن يحكم في جنوب العراق وحده، وعند ذلك فالمشكلات ستطاول كل بلد في الجوار لا الكويت وحدها.
تجارة المخدرات والإرهاب
الوطن العربي ـ العدد 1482 ـ 29/7/2005(26/102)
قرأت باهتمام بالغ ما نشرته "الوطن العربي" في عددها المؤرخ الثالث من يونيو "حزيران" الفائت عن حزب الله وتجارة المخدرات، وكانت الأنباء قد تناقلت، أخيرا خبر نجاح السلطات في الإكوادور في إلقاء القبض على شبكة دولية لتهريب المخدرات تعمل لتمويل حزب الله. وتزامن هذا مع إعلان ألمانيا والبرازيل إلقاء القبض على أكبر مافيا لتهريب المخدرات في العالم يقودها عشرون لبنانيا، ينحدرون من عائلة واحدة!
واليوم أضحى العراق ممرا لعبور المخدرات ومركزا لترويجها إلى دول الخليج العربي والأردن، بعد أن كان هذا البلد الجريح يعد من الدول النظيفة والخالية من المخدرات. والفضل لهذا "الازدهار الكيفي" يعود للجارة إيران ومن يدور في فلكها كجزء من الصراع الساخن لالتهام العراق سياسياً واقتصادياً بواسطة أذرعها من أمثال حزب الله عبر الحدود المفتوحة والمستباحة بذرائع وحجج واهية أولها زيارة العتبات المقدسة .في مستهل شهر مايو "آيار" الفائت، ألقت الشرطة العراقية القبض على عصابة لتهريب الحشيشة من إيران.
إن جزءا كبيرا من الخراب الذي نعيشه في العراق سببه أطماع الهيمنة الإيرانية ـ الشيعية ومحاولات "التفريس" التي بدأتها طهران بواسطة الأحزاب الدينية التي دخلت بحماية إيرانية للعراق من أتباع حزب الله وغيرها من مسميات.
فحزب الله، وعلى الرغم من نفيه،في مناسبات عديدة، علاقته بزراعة وتجارة المخدرات في لبنان، يبقى هو المستفيد الأساسي من الاتجار بهذا السم القاتل من حيث البحث عن تمويل لعملياته.
ازدهار زراعة المخدرات بأنواعها في لبنان، وتحديدا بمنطقة البقاع، على الرغم من المحاولات البسيطة للحكومة اللبنانية للحد من زراعة هذه النباتات السامة، ومن ثم تهريبها إلى سوريا وبالتالي إلى العراق ودول الخليج العربي صار واضحا جليا لمتابعي هذا الملف الأسود عن الزارع والتاجر وما المردود المادي وإلى أين يذهب؟(26/103)
مصادر اللجنة الوطنية العراقية لمكافحة المخدرات أكدت أن إيران هي المصدر الرئيس لتصدير السموم البيضاء إلى العراق والأردن وسورية..
وأن أكثر مدينتين يجري ترويج المخدرات فيهما هما بغداد وكربلاء التي تستقبل أعدادا كبيرة من الزوار الأجانب خاصة الإيرانيين ...
لقد أصبحت محاولات إيران في التنصل من مسؤولياتها في هذا الصدد مكشوفة، فتصريحات ما يسمى بسكرتير لجنة مكافحة المخدرات الإيرانية علي هاشمي للصحفيين، في الرابع من يوليو "تموز"، أن إيران غير قادرة وحدها على مكافحة تهريب المخدرات عبر أراضيها هو ذر الغبار في العيون وضحك على ذقوننا نحن العرب. فإلى متى سيستغل العراق كممر لترويج آفات إيران وحزب الله السامة؟!
وأختتم بما جاء على لسان الأمين العام لمجلس وزراء الداخلية العرب محمد بن علي كومان، في افتتاح المؤتمر العربي التاسع عشر لرؤساء أجهزة مكافحة المخدرات المنعقد في تونس: "ما يضاعف من خطورة تجارة المخدرات... أن الأموال المتأتية من هذه التجارة تشكل أهم مصدر لتمويل مختلف التنظيمات الإجرامية وفي مقدمتها المنظمات الإرهابية في إطار التحالف الشرير بين هذه المنظمات".
والسؤال إلى متى سيغشى دخان المخدرات عيوننا ونكف عن حبس الأنفاس؟
حرروا لبنان من سموم المخدرات
جميل محمد يوسف ـ جنوب لبنان الوطن العربي ـ العدد 1483 5/8/2005
هبَّ النائبان عن "حزب الله" السيد حسين الحاج حسن والدكتور علي المقداد لمقتل مهدي علي مراد في مواجهة ببلدة حمام مع عناصر قوة من مكتب مكافحة المخدرات الإقليمي أثناء إحباط عملية تسلم وتسليم المخدرات، ويذكر أن ثلاثة عناصر من قوة مكتب مكافحة المخدرات قد أصيبوا في تلك المواجهة. اللافت للنظر هو أن نواباً عن حزب الله في البرلمان انتفضوا لمقتل أحد عناصر الحزب والمتورط بالاتجار بالمخدرات ولم يحرك هؤلاء النواب ساكناً لمقتل العشرات من الشباب بسبب إدمانهم أنواع السموم القاتلة.(26/104)
إن حملات الاعتقالات العالمية في الأميركيتين وأوروبا، لمواطنين من أصل لبناني بتهم الاتجار بالمخدرات وغسل مدخولها من الأموال، والاتهامات، في حالة المواطن اللبناني الذي سلمته كولومبيا لفرنسا، باستغلال إيراداتها لتمويل "حزب الله"، أساءت لكل لبناني شريف أينما حل ترحاله.
أليس زراعة والاتجار بالمخدرات من المحرمات؟ ألم يكن من الأولى بلجان "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، وراعيها "حزب الله"، أن تتبنى قضية المخدرات وتضعها على سلم أولوياتها بدل أن تركز نشاطها بملاحقة تجار الكحول؟
ألم يكن من الأجدر بالنائب غازي زعيتر أن يستثني من قانون العفو المقترح جرائم المخدرات، بدل من أن يختلق الأعذار لابن البقاع في زراعته للمخدرات؟ أو ليس هذا "عذراً أقبح من ذنب"؟
وكان مكتب مكافحة المخدرات قد بدأ، مطلع الشهر الفائت، حملة لإتلاف خمسين ألف دونم من المساحات المزروعة بنبتة حشيشة الكيف في بعلبك والهرمل، وما من شك بأن عموم اللبنانيين يشدون على يد المسؤولين ويدعمون هذه الحملة المباركة لأن المخدرات ـ استهلاكاً ومتاجرة ـ ، سببت الهلاك وفكت الارتباط الأسري للكثير من العوائل اللبنانية.
المطلوب من رئيس الحكومة السنيورة ووزارته الوليدة الإعلان عن منطقة البقاع والهرمل كمنطقة منكوبة، وتشكل وبسرعة، هيئة تنمية حكومية هدفها الأساسي محاورة "لجنة متابعة المزارعين" بدل أن يتوجه هؤلاء للتواصل مع قيادة "حزب الله" (السفير 3 يوليو) كما أن على مؤسسات الحكومة اللبنانية:
أولاً: إيجاد الميزانيات الكافية لدعم الزراعة البديلة في المنطقة.
ثانياً: مطاردة "المافيات" الكبيرة التي تتاجر و "تتمتع" من المتاجرة بهذه السموم وقطع دابرهم إلى الأبد.(26/105)
وكلمة أخيرة أوجهها لسيادة وزير الطاقة الحاج محمد فنيش: مسؤولية الحرب عن المخدرات مسؤولية الجميع وكما حرر "حزب الله" لبنان من الاحتلال الصهيوني المقيت عليكم أن تحرروا أرضنا وسمعتنا وأطفالنا، ومستقبل لبنان الواعد من هذه السموم.
آخر مدّعي النبوة في الكويت داخل "الطب النفسي"!
الهدف الكويتية العدد 1918 23/7/ 2005
تترقب الساحة الإسلامية على مستوى العالم، تطورات ودعوات ما أنزل الله بها من سلطان، لأن هذه الساحة أضحت، بفضل المسيئين الكثر في داخلها ومن حولها، هدفاً لمعظم الاهتمامات الدولية.. فمن جانب هناك المتطرفون الإرهابيون الذين يطلقون دعاوى التكفير يمنة ويسرى من دون وازع أو مستند، وينفذون أبشع الجرائم باسم الإسلام وهو منهم براء.. ومن جانب آخر يتحفز المهرطقون المزيفون لحقيقة الدين لإطلاق بدع ودعوات غريبة عجيبة تنال من كتاب الله عز وجل وتحمل الإسلام ما ليس فيه، وتنكر فرائضه وسننه وحججه المنطقية لحساب تسخيف العقول وتطويع النفوس في عباءات لا صلة لها بالدين الحنيف..
وإذا كان المتطرفون يدفعون العالم إلى عداء الإسلام، فإن المزيفين والكذابين يجعلونه ينظر إلى دين الله باعتباره سخافة وتدجيلا.. مما يعزز الاعتقاد بأن أهل التطرف والتزييف صنيعة واحدة..
مدعو النبوة!
ومن الكذابين أولئك الذين يدعون النبوة، أو أنهم تلقوا تكليفاً إلهياً بحمل الرسالة.(26/106)
وكان آخر مدعي النبوة قد ظهر في الكويت قبل عام ونيف، وهو من فئة غير محددي الجنسية، وكان جندياً في الجيش الكويتي قبل أن يقع الغزو العراقي الغادر، وخلال الغزو تم أسره، ثم استطاع العودة بعد التحرير لكنه وجد متغيرات أدت إلى إعفائه من الخدمة، فيما كان يعيل أسرة كبيرة فيها سبع بنات، وبقي هذا الرجل فترة من الزمن متخبطاً قلقاً وأحواله غير مطمئنة، إلى أن أخذ يروج أنه نبي، وأنه تلقى تكليفاً من السماء بعدما امتلأت الأرض جوراً وفساداً. وبدأ اتصالات ولقاءات لتسويق مزاعمه وقصد الصحف اليومية والديوانيات، لكن الأجهزة الأمنية لاحقته واستطاعت القبض عليه قرب منطقة الشويخ فيما كان يحاول الهرب، وأودعته مستشفى الطب النفسي حيث لا يزال حتى الآن..
وقبله كان رجل من آل المويس قد زعم أنه والد المهدي المنتظر، وأن ابنه البالغ من العمر 4 سنوات سيكون هذا المهدي الذي سيملأ الدنيا قسطاً وعدلاً بعدما ملأها العصاة بالظلم والخبائث، وقد أخضع الرجل لعلاجات نفسية متتابعة، وثمة رجل ثالث تلقى علاجاً روحياً ونفسياً وزار مكة معتمراً بعدما استغفر ربه على ما ادعاه. ولا تزال حتى الآن، تظهر بين الفينة والأخرى ظواهر تتفاوت في ادعاءاتها وأراجيفها.
حالات أخرى تم تسجيلها في عدة دول عربية، ففي لبنان، هناك الشيخ عبد الله الحبشي الهرري الذي يتزعم من يسمون بـ "الأحباش"، صحيح أنه لم يدع أنه نبي أو رسول، لكن أنصاره يصفونه بأنه صاحب خطوة، أي بإمكانه إذا خطا خطوة واحدة للأمام على سبيل المثال أن يصبح في قلب الجزيرة العربية، أما إذا خطاها إلى الخلف فإنه يصبح في اسطنبول مثلاً، ويؤكد أنصاره ونحن في القرن الواحد والعشرين أن الأرض ليس كروية بل، مفلطحة"!... وهم يسوقون الحجة وراء الحجة في هذا المضمار...(26/107)
وبمعزل عن هذه الحالة فإن ادعاء النبوة ظهر خلال الفترة الأخيرة، في كل من مصر، اليمن، السودان، وعدة دول عربية أخرى، والقاسم المشترك لمعظم هؤلاء أن لهم صلات أجنبية سواء بالإقامة أو التعليم، وجميعهم يملكون تمويلاً مجهول المصدر لتسويق أفكارهم ودعواتهم الكاذبة، وكل واحد منهم يأتي بتعديلات تواكب الظروف الموجودة فيها وتلائم أهدافه، فبعضهم يعتبر النبي محمداً (صلى الله عليه وسلم) نبياً، بل وخاتم الأنبياء، لكنه حسب زعمه ليس رسولاً، وبالتالي فإن سيل الرسل لم ينقطع! وبعضهم الآخر يحذف آيات من القرآن الكريم. أو يلغي فريضة من الفرائض كالحج أو الزكاة أو الصلاة، أو يجري تعديلاً عليها، لكن الملاحظ أنهم جميعاً وصلوا، ويصلون إلى مصير هو واحد من ثلاثة: السجن، مستشفى الأمراض العقلية أو القتل.
من سجل الكذابين
وطبيعي أن ادعاء النبوة ليس أمراً عارضاً في السنوات الأخيرة، بل يظهر في كل مرة تتعرض فيها الساحة الإسلامية للضعف والوهن والتنابذ والتآكل والابتعاد عن الوسطية والسماحة والاعتدال... فبعد وفاة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) ظهر مسيلمة الكذاب في اليمامة، والأسود العنسي في اليمن، وسجاح التي تزوجت من مسيلمة ثم عادت إلى الإسلام بعد مقتله، وطلحة بن خويلد الأسدي الذي أسلم ثم ارتد وادعى النبوة ثم تاب وعاد إلى الإسلام.
وإلى يومنا هذا، تبرز بين الفينة والأخرى ظواهر لمهووسين وضعاف نفوس يجمعون حولهم بعض المريدين والأتباع ويوردونهم التهلكة. ومن هؤلاء على سبيل المثال:
رشاد خليفة(26/108)
الذي ولد في مصر عام 1935 لأب اشتهر بأنه شيخ طريقة صوفية اسمه عبد الحليم محمد، لكن رشاد تميز بأنه الوحيد بين الكذابين الذي وصل إلى درجة دكتوراه في الكيمياء وأصبح أستاذاً لهذه المادة في جامعات أميركا، وكان أسبق وأمهر من استخدم الكمبيوتر محاولاً إثبات زيفه وزعمه، وهو ترك عمله كمدرس جامعي، وكمهندس في الإصلاح الزراعي، وكرئيس لقسم البحوث البستانية في القاهرة، وكخبير في الأمم المتحدة.. ترك كل هذا وسكن في ولاية أريزونا كإمام لمسجد مدينة توسان ورئيساً للمركز الإسلامي فيها وبقي كذلك، إلى أن زعم في مطلع عام 1980 أن جبريل عليه السلام أتاه بالوحي(...) وأمره بالإعلان عن رسالته عام 1988 انطلاقاً من مسجد توسان.. ومن أبرز هرطقات رشاد خليفة حض المسلمين على رفض السنة النبوية والاكتفاء بما ورد في القرآن، بعد حذف الآيتين الأخيرتين من سورة التوبة (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم" صدق الله العظيم، مدعياً أن وجودهما يخل بالنظام العددي للقرآن القائم على مضاعفات الرقم 19 كما يدعي وزعم أن اسمه "رشاد" ورد في القرآن 19 مرة، وهو يقول إن كل من اتبع البخاري ليس مسلماً، وإن الشيعة المسلمين إخوان من شياطين. وإن ابن باز وابن عثيمين ومتولي الشعراوي وشيوخ الأزهر كلهم يقودون المسلمين إلى بئس المصير وأن من يموت في الدنيا قبل سن الأربعين سوف يذهب إلى الجنة، وأن الحج مدته أربعة أشهر. وبقي رشاد خليفة يطلق أكاذيبه لمدة عامين إلى أن وجدت جثته في مطبخ منزله بعدما قتل ذبحاً وطعناً بالسكاكين على يد بعض أتباعه.
الشيخة منال(26/109)
اسمها الكامل منال وحيد مناع، كانت من التابعين لدجال مصري اسمه عمر حسنين ادعى النبوة لكنه اعتقل ومات في السجن، وزعمت أنه أبلغها بتعاليمه وكلفها بنقلها لأتباعه وبدأت منذ عام 1995 تطلق هرطقاتها وتروج أنها رأت النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) والأئمة علي والحسن والحسين وفاطمة الزهراء والسيدة زينب، واستطاعت الشيخة منال السيطرة على عقول عدد من الرجال والنساء وبينهم عدد من المتمولين ورجال الأعمال، فاشترت شقة فاخرة في منطقة السيدة زينب، في القاهرة بمبلغ مليون جنيه وأثثتها على أحدث مستوى وزودتها بأنظمة إضاءة وسماعات داخلية وأطلقت عليها اسم "دار السلام العمرية".
وفي العام 2000 ادعت أن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) أعلمها أن كل من دخل بيتها فقد دخل مسجده؟!... وأمعنت في أكاذيبها فقالت إن عمر حسنين ظهر لها في المنام، وأخبرها بأنه أدى فريضة الحج عن كل أتباعها، فإذا بهؤلاء المهووسين يتبادلون القبل والتهاني بالحج ووزعت عليهم زجاجات مائية قالت إنها من مياه زمزم لكن أجهزة الأمن المصرية قبضت عليها وعلى أتباعها ولا يزالون في السجن...
الترزي.. مهدي منتظر
محمد عبد الرازق أبو العلا يعمل خياطاً (ترزي) جنوب القاهرة، بقي ثلاثة أشهر ينفث سمومه بأنه المهدي المنتظر والنذير المبين، وأصر على هذه المزاعم والهرطقات أمام المحقق في النيابة العامة قائلاً إنه هدية السماء إلى الأرض، وأن الله تعالى أرسله ليخلصها من الآثام والشرور، وعندما سأله المحقق: طالما أن عندك كل ذلك، فكيف تفسر أن الناس نبذوك وأنت الآن خلف القضبان؟ أجاب: طبعاً لأنه لا كرامة لنبي قي قومه!...
مدع آخر تم القبض عليه وأحيل مع 13 من أتباعه إلى النيابة، وبينهم ثلاث سيدات، زعم أنه يملك الشفاعة لأتباعه يوم القيامة، وهو أسقط فريضة الصلاة وحض جماعته على تحرير إقرارات بالانتحار في سبيله.
ثريا منقوش..(26/110)
الكاتبة اليمنية المعروفة ثريا منقوش، فاجأت قطاع المثقفين أخيراً بإنشاء موقع على شبكة الإنترنت خاص بها، يدعو المواطنين إلى اتباعها باعتبارها "نبية مرسلة لخلاص البشرية!... ومنقوش باحثة متخصصة في كتابة التاريخ وزوجة سابقة للمعارض اليمني الراحل عمر الجاوي، أخذت تزعم أن النبوة ليست مقتصرة فقط على الرجال، وأطلقت سلسلة أكاذيب من بينها "حين تختل الموازين على الأرض ويعبث الإنسان بأخيه الإنسان وإذا الظن هو السيد المسود، وإذا الفساد يطحن العباد، وإذا الظن والبغي سائد في البلاد، وإذا القيم متداخلة لا يعرف الصحيح من الخطأ، ولا الحق من الباطل، ولا الخير من الشر، والظلم من العدل، وبعد أن تصبح الخيانة شطارة والأمانة تضحى غباء وهبلاً ويستحب البغاء ويستهبل الشرف إلخ.. وتصل بكل هذه الأراجيف لتبرر أن السماء "تدخلت" ليأتيها التكليف بإبلاغ الرسالة!... وبلغت خطورة منقوش مستويات عالية لأنها مثقفة وعلى قدر واسع من الاطلاع.. ثم أنها تعلن كذبتها الكبرى بالقول إن الله ختم دعوته بالذكور، بمحمد وبدأها بالإناث "بي"... أعلنت أخيراً أنها تعكف على تأليف "كتاب مقدس" وتنوي ترجمته إلى الإنكليزية والعبرية!
وفي اليمن أيضاً لقي مدعي نبوة في محافظة "إب" يدعى محمد بكاري، مصرعه على يد أحد أتباعه وقد وجد مصلوباً على لوح خشبي فيما استقرت رصاصة في جبهته، وكان من بين مزاعمه أن الصلاة ركعتان في الشمس وركعتان في الظل.
الدجال في السودان(26/111)
وفي السودان ظهر رجل يدعي أنه السيد المسيح (عليه السلام) بدأ بإطلاق مزاعمه وهلوساته منذ عام 1972 وبقي مستمراً إلى ما قبل عامين حين تم نقله إلى مستشفى للأمراض العصبية وجرى احتجازه هناك.. وكان الدجال نشط في مدينة بانبوسة في ولاية الخرطوم داعياً إلى اتباعه، وسارعت قوات شرطة المباحث في الولاية إلى حسم هذه المسألة، وعند التحقيق معه ادعى أن "الرسالة نزلت عليه"، في هذا التوقيت لحل مشكلة دارفور وسائر مشاكل العالم، وكان يقول "إن حل مشكلة السودان لن يتم إلا بتصديق دعوتي".
..وكذاب في السعودية
وفي المملكة العربية السعودية ادعى عامل من جنسية عربية النبوة، وقال إنه تلقى التكليف لإبلاغ الرسالة للخلق، وكان صاحب المزرعة التي يقيم فيها العامل فوجئ ذات يوم بادعائه النبوة وبأنه يتلقى "الوحي من السماء" وذلك حين أقدم صاحب المزرعة على اصطياد أحد الطيور "مالك الحزين" فإذا بالعامل ينتفض متهماً إياه بأن هذا الطائر الذي قتله ليس إلا واحداً من الملائكة، وإنه حين قتله سمح بدخول خمسة شياطين إلى المزرعة.. وجرت مع هذا العامل نقاشات طويلة لتثنيه عن هذا الهوس الذي أصابه، لكنه بقي مصراً على مزاعمه وأكاذيبه فأدخل إلى السجن.
براءة الإسلام
هذه المزاعم والأباطيل، أصبحت مفتوحة على الساحة الإسلامية في كل مكان تقريباً، ففي الوقت الذي تظهر فيه، في أحد مساجد الولايات المتحدة الأميركية وعلى شاشات التلفزة، مشاهد صلاة الجماعة بإمامة امرأة سافرة ونساء غير محجبات ورجال بأحذيتهم داخل المسجد.. في هذا الوقت تبرز دعوات من جهات أخرى تستخدم شعار الحرية وحقوق الإنسان لتبرر الدعوة بالسماح لمثل هذه الظواهر الخطيرة بالانتشار، التي تتخذ من حوادث التطرف والإرهاب مبرراً لتسوغ فيه حقها بالدعوة..(26/112)
وطبيعي أن الإسلام بريء من كل هذه الأراجيف والمزاعم، وفي ذلك يقول الشيخ صالح النهام: "إن بعض من يدعون النبوة يتبعون مبدأ (خالف تعرف) ويبحثون عن اهتمام الناس بهم، وذلك بادعائهم أن لديهم قدرات خارقة أو كرامات وخلافه، والبعض الآخر يكون أدعاؤهم النبوة بسبب خلل عقلي أو نفسي"، ويضيف الشيخ النهام: لقد واجهت بعض هؤلاء الذي ادعوا النبوة ومنهم شخص التقيته في مستشفى الطب النفسي وكان يدعي أنه سيخلص العالم من الشرور وأنه نبي آخر الزمان.
والبعض الآخر من مدعي النبوة يتقمص شخصية الأنبياء ليصرف أنظار الناس إليه حيث يخدع البسطاء من العامة، والبعض الآخر يدعي النبوة وأن لديه قدرات وكرامات وهدفه جمع المال أو حتى يصبح سيد قومه أو محيطه الاجتماعي، والحكم الشرعي في من يدعون النبوة أنه إذا كان مدعي النبوة يطعن في نبوة أحد الأنبياء فإنه يخرج من الملة، أما إذا كان يؤمن بالله وأنبيائه ورسله فإنه يعد في هذه الحالة كاذباً كمسيلمة الكذاب الذي ادعى أنه أوتي النبوة مع محمد "صلى الله عليه وسلم"، وقد شهد التاريخ على امتداده حالات ادعاء نبوة ومن أشهرهم تاريخياً، مسيلمة الكذاب وسجاح والأسود العنسي، وثوابت ديننا الإسلامي تقر أنه لا نبي بعد محمد عليه الصلاة والسلام".
علم الاجتماع(26/113)
أما دكتورة علم الاجتماع في جامعة الكويت سهام القبندي فتقول: "كل إنسان يبحث عن اهتمام الناس به، وأعتقد أن من يدعون النبوة لديهم نقص في شخصياتهم يبحثون عن تعويضه بادعائهم النبوة أو تلقيهم وحياً أو شفائهم المرضى وغيره مما نسمعه من خرافاتهم وخيالاتهم المريضة، ونحن نعيش الآن عصر المنطق، وادعاء النبوة أمر يخلو من كل منطق، لذلك تجد هؤلاء ومن يصدقونهم هم من البسطاء أو أنصاف المتعلمين، معتقدين أن حل مشاكلهم يكون بواسطة خوارق الأمور، ويغيب عن وعيهم أن حل مشاكلهم وإيجادهم دوراً لأنفسهم في الحياة يعتمد على عطائهم، وجودهم وليس على الخرافات والخيالات المريضة.
علم النفس... ماذا يقول؟
الدكتور محمد مصطفى طبيب الأمراض النفسية في مستشفى الطب النفسي يفسر هذه الحالات قائلاً: من وجهة نظر علم النفس، فإن حالات ادعاء النبوة أو ما شابه ذلك مثل ادعاء شخص بأنه نبي أو المهدي المنتظر أو أن تدعي فتاة مثلاً أنها مريم العذراء، هذه الحالات حالات مرضية، تعود لسببين:
الأول: أن يكون الشخص مصاباً بمرض الفصام.
والثاني: أن يكون الشخص مصاباً بمرض الهوس.
وبالنسبة للفصام فإن اعتقاد الشخص مثلاً أنه نبي يسمى في علم النفس بـ "الضلالة" أو الفكرة الضالة وهو أحد أعراض الفصام، وهناك أعراض أخرى للفصام غير الضالة مثل اضطراب السلوك أو الهلاوس، ويكون العلاج بإعطاء المريض "مضادات ذهان" التي تعد فعالة جداً في مثل هذه الحالات.(26/114)
أما في ما يتعلق بمقدرة مدعي النبوة على تكوين أتباع ومعتنقين لأفكاره فيرجع تفسير ذلك إلى ما يسمى في علم النفس "اضطراب ذهاني مشترك" أي أن يعتنق الفكرة الخاطئة الواحدة أو "الضلالة" أكثر من شخص، ويحدث في أغلب الأحوال عندما يكون مدعي النبوة مصاباً فقط بالضلالة دون أي أعراض فصامية أخرى مثل الهلاوس وخلافه، لذلك لا يبدو عليه أنه مصاب نفسياً وتزداد قدرته على الإقناع إذا كان ذا شخصية مؤثرة أو متحدثاً جيداً، وفي هذه الحالة قد يتمكن من إقناع عدد من الأشخاص بأفكاره الخاطئة، وفي الغالب يكون الأتباع من ذوي الشخصيات الضعيفة التي قد تتأثر سريعاً بأفكار الآخرين، ومن ثم قد يؤثر الأتباع على أتباع آخرين، وهكذا يتم تكوين أتباع لبعض مدعي النبوة، لكن في أغلب الأحيان ينجح مدعي النبوة في استمالة شخص واحد أو اثنين، حيث يستطيع مثلاً الأب أن يؤثر على ابنه، أو الأم تؤثر على ابنتها وهكذا، ويكون التابع في هذه الحالات ضعيف الشخصية ويعتمد كلياً أو جزئياً على المتبوع، وتحتاج بعض حالات الفصام إلى علاج قد يستمر طيلة العمر".
يتابع الدكتور محمد مصطفى فيقول: "أما إذا كان السبب هو إصابة الشخص بمرض الهوس، فإن علاجه في هذه الحالة يكون أيسر من علاج الفصام، لأن حالات الهوس هي حالات عرضية تصيب الشخص على فترات متفرقة، وتمتد فترة الإصابة بالهوس ما بين أسبوع وثلاثة شهور، إلا أن المريض يستجيب للعلاج سريعاً، لكنه قد يتعرض للإصابة بالهوس مرة ثانية بعد فترة، لذلك يمكن القول إن الفصام يحتاج علاجه إلى فترات طويلة قد تصل إلى طول العمر ويعتمد هذا على مدى تقدم حالة الفصام لدى المريض، أما الهوس فيأتي في حالات عرضية ويمكن علاجه بسرعة.
وبخلاف إصابة مدعي النبوة بمرض الفصام أو الهوس، فقد يكون عاقلاً جداً لكنه يفعل ذلك بقصد التربح المادي أو الاحتيال على ضعاف النفوس.
التصوف في السودان... مظاهر حياة وتأثير على الشارع السياسي(26/115)
الخرطوم- صباح موسى
تعد الصوفية إحدى الدعائم الأساسية في التركيبة الشخصية للمواطن البسيط في السودان، فكل فرد أو حتى مسئول له شيخ يحترمه ويقدره ويقف عنده ودائما ما يطلب منه أن "يشيل له الفاتحة" أي: يقرأ له الفاتحة ويدعو له بالبركات.
وفي الخرطوم تكتشف أن المدائح الدينية تملأ الشوارع، والإذاعة، والتليفزيون وفي التاكسي وحتى في العربات الخاصة، ومن أشهرها مدائح الشيخ "عبد الرحيم البرعي" المعروف بشيخ السودان كله والذي كان يقف ببابه الجميع بدءا من الرئيس حتى المواطن البسيط.
الصوفية والمجتمع السوداني
الطرق الصوفية لها سلطانها القوي على الشارع السوداني جماهيريا وسياسيا، فتوجد في السودان حوالي 40 طريقة صوفية أشهرها: (القادرية – الختمية – المهدية – التيجانية – السمانية...) وهذه الطرق منتشرة في كل أرجاء السودان، وهي ممتدة إلى دول الجوار في نيجيريا وتشاد ومصر وغيرها.
وتتنافس هذه الطرق فيما بينها على الشارع السوداني ويساعدها في ذلك التنشئة الدينية في المجتمع نفسه، فالمواطن السوداني صوفي بالفطرة؛ ولذلك تجده ينجذب إلى مثل هذه الطرق بل يقدسها أحيانا، ومن جانبها تقوم الطرق بالتواصل الفعلي مع الناس عن طريق خدمات مفيدة تقدمها لهم مثل إنشاء المدارس والمستشفيات والمعاهد الدينية والجامعات وكذلك "الخلاوي" لحفظ القرآن.(26/116)
والخلاوي عبارة عن مدينة صغيرة يجتمع فيها الطلبة في معيشة كاملة، العمل الوحيد بها هو حفظ القرآن، ويأتي إلى هذه الخلاوي طلبة من كل السودان ومن الدول المجاورة يعيشون بها فترات تصل إلى 7 سنوات، ويستطيع مريد الطريقة أن يطلب من شيخها إعانات مادية لحياته، ومن هنا كانت الصلة الوثيقة بين الطرق والمجتمع، وفي داخل الطريقة نفسها تجد مؤسسات داخلية، وكأنها دولة مصغرة فهناك إدارة خاصة بالخلوة والمستشفى والمدرسة والمالية وغيرها ويوميا لهم تقارير إلى شيخ الطريقة وتعرف هذه العملية "بالمسيد" وهو إدارة أعمال مؤسسات الطريقة.
والملاحظ هنا في السودان أن شيوخ الطرق على درجات علمية كبيرة فبعضهم أستاذ الجامعة ومنهم من درس بلندن ويجيد عدة لغات، مثل الشيخ "حسن الفاتح قريب الله" الذي ألف أكثر من 100 كتاب أسهمت كثيرا في المدرسة الصوفية وأدبياتها، وطورت من الفكر الصوفي نفسه، وهناك أيضا من عمل سفيرا ووزيرا، مثل: الشيخ "كمال عمر"، وكان الرجل الثالث في زمن الرئيس الأسبق "جعفر نميري"، وبذلك استطاعت الصوفية أن تكسر الصورة الذهنية التي كانت مأخوذة عنها في أنها مجموعة من الدراويش والمجاذيب وسلكت مسلكا آخر استطاع بدوره أن يؤثر في السياسة السودانية نفسها، فهنا لا تتعجب أن ترى رجال السياسة يجتمعون برجال الصوفية للتباحث معهم في أمر جلل يخص البلاد، ودائما يأخذون بنصائحهم لما لهم من تأثير كبير على الناس، وعلى من يريد التقارب مع السودانيين والتأثير فيهم أن يدخل عبر بوابة الصوفية.
السوداني متصوف(26/117)
يقول د. أحمد عبد العال عميد كلية الفنون الجميلة والتطبيقية بجامعة الخرطوم: تتعدد الطرق الصوفية في السودان ومنها: الطريقة القادرية، والسمانية، والبرهانية، والتيجانية والختمية، والسبعينية"، والمهدية، وتعتبر الطريقة القادرية ومؤسسها الشيخ "تاج الدين البهاري" من كبرى الطرق في السودان لكثرة مريديها، وقد تفرع عنها العديد من الطرق، ومن أكبر فروعها الصادقات، العركين.
ويضيف عبد العال أن "التصوف يتعمق في حياة السودانيين فما من حاكم في السودان إلا ويكن احتراما للتصوف، كما أن هناك بعض السياسيين يسترشدون بنصائح المتصوفة، ولقد سافر العديد من رجال التصوف لمقابلة جارانج قبل توقيع اتفاقية نيفاشا، وأكد لهم احترامه للصوفية في السودان"، ويضيف قائلا: "إن التراث الذي خلفه المتصوفون عظيم، وينبغي النظر إليه بعين التدقيق فكثير من الناس عندما يذكر التصوف يتداعى إلى أذهانهم صور الدراويش والخزعبلات، والتصوف بريء من هذا، فكلنا يعلم أن للحياة الشعبية مبتدعات وممارسات قد تدخل في باب الفلكلور.
وقد لعب المتصوفة دورا بارزا في التأثير على المجتمع السوداني خاصة الشيخ "عبد الرحيم البرعي" الذي كان شاعرا وناظما لمدائح وأشعار لها تأثيرها النفسي والعقلي على مريديه حتى إنها دخلت في تاريخ الأدب السوداني، وقام الرجل بدور إصلاحي من خلالها، ومن قصائده الرائعة قصيدة "مصر المؤمنة بأهلها" التي ذكر فيها كل أهل الصوفية في مصر.
ومن الأسماء الشهيرة في تاريخ التصوف في السودان: "الشيخ حسن الفاتح قريب الله" الذي كان عالما ومن أكابر مثقفي السودان، وكذلك الشيخ "الطيب بن الشيخ علي"، وساهم الشيخ "محمد الفاتح قريب الله" بـ 114 مؤلفا فكريا في مختلف المجالات في اللغة والحديث والفلسفة وله مؤلفات باللغة الإنجليزية.
الخريطة الصوفية(26/118)
يوجد في السودان حوالي 40 طريقة صوفية وتتميز هذه الطرق بأن لها انتشارها الجغرافي فلكل طريقة مركز ثقل في منطقة جغرافية بالسودان، ويؤكد ذلك الدكتور حسن مكي الخبير الإفريقي، فتتمركز الطريقة السمانية في وسط السودان، وهناك مراكز صغيرة للسمانية في غرب أم درمان ومدني، والطريقة التيجانية منتشرة في دارفور وبعض المدن الأخرى مثل: شندي والدامر وبارا والأبيض، إضافة إلى أم درمان والخرطوم.
وتنتشر الطريقة الختمية التي يتزعمها "محمد عثمان الميرغني" في شرق السودان وشماله والخرطوم بحري، وينتشر الأنصار الذين يتزعمهم "الصادق المهدي" في النيل الأبيض، والجزيرة وأم درمان، أما الطريقة القادرية فتوجد في وسط السودان ومنطقة ولاية النيل – الجزيرة، وتتفرع إلى فرع الشيخ "الجيلي" والكاشفية والبدراب والطيب الشيخ عبد الباقي، وهناك أيضا طرق حديثة صغيرة، مثل "البرهانية" و"التسعينية" و"الدندراوية"، "الأداراسة".
الصوفية.. أوراد وشعارات
تستخدم معظم الطرق في السودان أوراد الطريقة الشاذلية، وكل طريقة لها أورادها الخاصة بها التي تميزها عن غيرها، وبعض الطرق لها "راتب" يُقرأ فيه جزء مقدر من هذه الأوراد كل صباح ومساء، مثل "الأنصار"، وتقرأ بعض الطرق الأذكار والاستغفارات، مثل "السمانية" وغيرها... وتعرف بعض الطرق كتابة التعاويذ ومداواة المرضى النفسيين.(26/119)
يقول الشيح "محمد الحسن قريب الله": لكل طريقة شعار خاص بها، ولكن الطريقة السمانية ليس لها زي معين وما يميزها "الكرامة"، وهو حزام يشد به المريد وسطه، وهو مصنوع من الجلد وذلك دلالة على الجد في المسير، ونلتزم بالزي الأبيض وليس هذا فرضا على السالكين. ومنهجنا في الطريقة هو الإيمان بالله وبالرسل والكتب السماوية والملائكة وبما جاء في الأثر وبهذا نسير على السنة المطهرة، ونختلف عن الطرق الأخرى في أننا نبدأ أورادنا في الثلث الثاني من الليل، ويكون هناك ورد في السحر يزيد على ساعة ثم الأوراد التي تستمر لمدة ساعة وبعدها الشروق ثم خواتيم دبر كل صلاة، وهناك ورد المغرب بين غروب الشمس والعشاء، ويضيف: لنا أذكار في يوم الإثنين والجمعة وهذا الذكر لا يصاحبه "دف" ولا طبول ولا موسيقى ويصاحب الذكر تمايل، ليذكر العابد "الله" في كل الجهات.
وعلى بعد 40 كم شرق الخرطوم في ضاحية "أم ضوبان" ذهبنا للشيخ "الطيب الشيخ محمد بدر" شيخ الطريقة القادرية حيث قال: إن الطريقة القادرية أتت إلينا من بغداد في القرن الخامس عشر، وانتشرت في كل مدن وقرى السودان، وهي أساس لطرق صوفية كثيرة هنا ولنا فروع في نيجيريا والسنغال وفي مصر، ويضيف: تختلف الطرق الصوفية في أورادها وأدائها، ولكن النهاية واحدة وهي الوصول إلى الله تعالى، وهناك مدائح خاصة وأذكار لكل طريقة ومنهجنا في الطريقة هو القرآن الكريم فبعد صلاة المغرب يجلس الطلبة والمشايخ في "الراتب"، وفيه نقرأ آية الكرسي وعدة آيات من سورة "يس" وبعد ذلك الفاتحة، ويضيف لدينا مناشط كثيرة فقد أسسنا مستشفى ومدرسة ثانوية للبنات ومدرسة للقرآن ومركزا للشرطة ومحكمة شعبية.
أما الطريقة التيجانية فيقول شيخها "كمال عمر الأمين العمراني": إن أورادها هي الاستغفار والصلاة على الرسول ولا إله إلا الله، وللطريقة حاضرة يوم الجمعة وهي ذكر لله فقط بدون أي دف.(26/120)
ورغم هذه الأوراد والأذكار للطرق الصوفية في السودان فإن لها وجها آخر، حيث تؤثر تلك الطرق بشدة في الشارع السياسي، لاعتبارات متعددة، منها أن العقل السوداني بطبيعته صوفي؛ ولأن كثيرا من الأحزاب تقوم على الطرق الصوفية مثل: الاتحاد والأمة والإخوان المسلمين وبعض أنصار السنة، ومن ثم تهتم الحكومة بالصوفية وطرقها.
ويقول الشيخ "كمال عمر الأمين" الذي كان أمينا عاما للشئون السياسية في الاتحاد الاشتراكي في عهد الرئيس السوداني السابق "جعفر نميري": تؤثر السياسة على الشارع في السودان وكل حاكم له شيخ بجواره.
الوراثة.. في زعامة الطريقة
يقول الشيخ "محمد الحسن" شيخ الطريقة السمانية: الخلافة في الطريقة السمانية بالوراثة، وهذا لا يعني بأنها متاع يورث، ولكن يرجع ذلك لأن ابن الشيخ يكون قد تتلمذ على يد والده، وسلك الطريقة وعرفها والطريقة السمانية في أماكن متفرقة من السودان في شمال أم درمان وفي الوسط، ولها أتباع كثر في الجزيرة، ولا تنحصر في مكان معين ولها مساجد ومشايخ.
لكن الوراثة في رئاسة الطرق الصوفية في السودان ليست ظاهرة عامة، فالطريقة القادرية-مثلا- لا تقوم على الوراثة ويقول "الشيخ بدر" الخليفة: عندنا الخلافة ليست بالميراث، ولكن بالاتفاق على شخص معين.
ومن الأمور التي تفتخر بها القادرية أنها من الطرق العريقة فلها مسجد تأسس منذ 162 عاما وأنها تحتفظ بنار مشتعلة منذ ذلك التاريخ لم تطفأ، حيث كان الطلبة في الخلوة يشعلونها لقراءة القرآن الكريم، ولم تطفأ منذ ذلك التاريخ، وتسمى هذه المنطقة "أم ضوبان" أي المكان المضيء دائما وأصبحت تراث لدينا.
الصوفي.. أدوار متعددة في السودان(26/121)
ويرى "محمد الحسن" أن للشيخ الصوفي دوره المؤثر في المجتمع وفي الدعوة إلى الإصلاح سواء كان اجتماعيا لفك الاشتباكات، أو سياسيا بنصح الحكام للسير عبر المنهج الإسلامي، كما أن له دورا في التعليم ببناء المدارس وتحفيظ القرآن؛ كل ذلك يتم داخل ما يعرف "بالمسيد" الذي يحتوي على مؤسسة تعليمية تربوية للعلوم الدينية والدنيوية وعلى مراكز صحية وخلوة، والمؤسسة الصوفية لها هياكل إدارية منتظمة.
ويرى –أيضا- أن للصوفية دورا جادا في المجتمع فالمتصوفة هم أدرى بمشاكل الناس، وفي السودان كان من الممكن أن تلعب الصوفية دورا كبيرا في مشكلة دارفور، ولكن الحكومة هي التي بدأت بالحل.
وقد لعب الشيخ "حسن الفاتح قريب الله" دورا مؤثرا في إدخال الصوفية في الجامعات وتغيير الصورة الذهنية التي كانت مأخوذة عن المتصوفة بأنهم مجرد دراويش، بالرغم من أن درويش درجة متقدمة في الصوفية.
الخلوة.. وتنشئة المتصوف
الخلوة من الأماكن المهمة في تنشئة المتصوف، وهي مكان ينعزل فيه المتصوف عن الناس ويدخل في جو من العبادة والذكر الطويل حتى تتشبع نفسه بروح التصوف وتصفو من الشوائب، وتلعب الخلوة دورا مهما في تحفيظ القرآن الكريم، والخلوة في السودان أشبه بالجامعة العامة التي يقصدها الكثير من الأفارقة لتلقي العلم والزهد وممارسة العبادة، وفي الخلوة التابعة للطريقة القادرية جلسنا مع طلبة حفظ القرآن لنتعرف على طريقة الحياة في الخلاوي. "عبد العزيز" من كردفان قال لنا: جئت إلى الخلوة منذ 3 سنوات، وحفظت من القرآن إلى سورة التوبة، وزرت أهلي فقط مرتين في هذه المدة، وأقوم من الساعة 3 صباحا إلى الخامسة أقرأ القرآن، وبعد صلاة الفجر نقرأ إلى السابعة ثم إلى الحادية عشرة، وبعدها نأخذ راحة إلى الثانية ظهرا نواصل بعدها القراءة، ونصلي المغرب وننام في تمام الحادية عشرة حتى الثالثة صباحا ونعاود مرة أخرى.(26/122)
وقابلنا الشيخ "عمر بدر" المسئول عن الخلوة وقال: إن هذا "المسيد" تأسس على نظام معهد القاهرة الدولي والذي يأخذ فيه الدارس 6 سنوات لحفظ القرآن وسنتين للتجويد، 4 سنوات قراءات وبعدها يقبل في الجامعة وبنينا معهدا علميا حتى ينتقل إليه الدارس بعد الخلوة وبعدها للجامعة، ونؤسس فيها الآن أيضا، ونقبل الطالب في المسيد من سن 15- إلى 70 سنة، وفي المسيد يكتب للطالب الآيات على لوح خشبي، وعندما يحفظها يغسله، ويعطي له الشيخ آيات أخرى.
ويقول الشيخ "عمر" في الخلوة يعيش الطالب، ويدرس مجانا، ويمكنه أخذ إجازة للعمل في مواسم الزراعة ليساعد نفسه؛ وذلك حتى يخشوشن، والخلوة بها (1500) طالب من كل أنحاء السودان ومن دول مجاورة؛ ولذلك فهي تمازج بين كل الثقافات والأعراف، ويضيف: عندما يرى الخليفة في أحد الطلبة الصلاح والتميز يحفظه أكثر ويُدخله خلوة في السكن، وفي كهف للتعبد لتربيته روحيا، وبعدما يتأكد من أنه على مستوى من خشية الله يسمح له بأن يذهب إلى مكان آخر لينشئ خلوة أخرى، وفي الغالب الخلوة تبدأ تحت شجرة ثم تتطور.
وبعض الطرق الصوفية في السودان تضع شروطا لدخولها قد تصل إلى 29 شرطا، وبعضها لا تقبل الطالب في الخلوة إلا بعد موافقة مكتوبة من أهله، ومن هنا ينشأ المريد داخل هذه البيئة، الأمر الذي يؤثر عليه طوال حياته فتجد الفرد في السودان في طاعة كاملة لشيخه وله انتماء كبير لطريقته
من يهن، يسهل الهوان عليه... أيوب قارة نموذجا
أبو يزن الدستور 15/8/2005
( أيوب قارة أحد النواب الدروز في الكنيست الإسرائيلي ) الراصد(26/123)
انضم المدعو أيوب قارة النائب العربي (أو بالأحرى الليكودي) في الكنيست الإسرائيلي، إلى قائمة "المكفرين" لرئيس الوزراء الإسرائيلي أريئيل شارون الذي خان مبادئ الليكود، وتخلى عن التفويض الممنوح له من قبل قواعد الحزب، وانسحب من غزة من جانب واحد، فكان بذلك - أي هذا القارة - ليكوديا أكثر من نصف الليكود، وإسرائيليا متصهينا أكثر من ستين بالمائة من الإسرائيليين اليهود الصهاينة.
ومن استمع إلى الرجل "يلعلع" عبر بعض الإذاعات، منددا بالتفريطية الشارونية، ممتدحا الموقف المبدئي لبنيامين نتنياهو الذي استقال من الحكومة احتجاجا على خطة الانسحاب من غزة، يصيبه الغثيان إلى درجة التقيؤ والتقزز، فكيف يمكن لامرئ في وجهه قطرة دم واحدة، أو سالت في عروقه قطرة عروبة واحدة، أن يكون تلموديا متباكيا على أرض إسرائيل الكبرى، كيف يمكن له أن يحبس روحه وخياراته بين حدين أحدهما أبشع من الآخر: رئيس الوزراء الحالي ورئيس الوزراء الأسبق لدولة الاحتلال والاستيطان والعنصرية.
من يهن يسهل الهوان عليه، فليس ثمة من قعر للهاوية التي انزلق فيها ولمّا يزل - هذا القارة - بل وليس مستبعدا أن يطلع علينا الرجل غدا أو بعد غد، مطالبا بالترانسفير الجماعي لأهله وأبناء جلدته صونا لنقاء »العرق« اليهودي وحفاظا على يهودية الدولة العبرية... أو أن يجدد مزاعم حزبه وآبائه الروحيين من دهاقنة الليكود وجلاوزته وادعاءاتهم التاريخية الكاذبة في الأردن وصولا إلى النيل والفرات.
بئست السياسة التي تنتهي بنشطائها إلى أسفل درجات السفه والانحطاط، وسخطا للمصالح التي "تسخط" أصحابها فتجعل منهم أبواقا ومهرجين، وتحولهم إلى أقزام ودمى تعبأ وتوقت للنطق بلسان محركيها والرقص على إيقاعهم... وسحقا لكل الحسابات والتحسبات والمرجعيات التي تريد أن تجعل من بروتوكولات حكماء صهيون كتابا مقدسا لضحايا الحكماء وأذنابهم.(26/124)
كيف يمضي هذا القارة نهاراته وأمسياته، كيف ينظر إلى نفسه في المرآة، وماذا يقول وهو يقرأ أنباء محاكمة عزمي بشارة أو توقيف أحمد الطيبي أو اعتراض سبيل طلب الصانع أو المضايقات التي لم تنقطع للدهامشة والدراوشة، بم يعلق هذا القارة وهو يرى أحمد بركة والزحالقة في مقدم صفوف التظاهرات والمظاهرات المنادية بالحرية والمساواة والاستقلال، وأي تصور يحمله هذا البوق عن الشيخ رائد صلاح، خادم الحرم الثالث، الذي عانى ما عانى ذودا عن الأقصى والمقدسات.
أين كان هذا القارة، عندما كان أحد تلاميذ حزبه الأوفياء لشعارات قارة وجناحه الرافض لخطة الانسحاب، يطلق النار في »باص شفا عمرو« ويجندل المدنيين الأبرياء من أبناء شعبه، لماذا خرس وبحت حنجرته في تلك الساعات العصيبة ليعود إلينا مهددا متوعدا بإسقاط شارون الذي أسقط حلم »دولة إسرائيل الكاملة«... وكيف يمكن لرجل وضعته سحنته وجلدته في خانة »الضحايا« أن يكون في خندق واحد مع مجلس يشع وحاخامات الغلو والتطرف وفقهاء الظلام في المدارس الدينية واكبر كذاب في تاريخ السياسة والحكومات الإسرائيلية؟
أسئلة وتساؤلات، تستدر الغثيان وتستثير التقزز، ولكن مرة أخرى: من يهن يسهل الهوان عليه.(26/125)
مجلة الراصد الإسلامية
العدد السابع والعشرون – غرة رمضان 1426 هـ
فاتحة القول: أهل السنة والتضليل السياسي.........................................4
1-…فرق ومذاهب: القرآنيون................................................7
2-…سطور من الذاكرة: بابك الخرمي يشن الحرب على العباسيين..........16
3-…دراسات رسالة في كيفية المناظرة مع الشيعة والرد عليهم.............21
4-…كتاب الشهر: أخبار القرامطة..........................................34
5-…قالوا...................................................................44
6-…جولة الصحافة:
الصوفية
-…المجتمع الصوفي........................................................50
-…أمريكا تدفع بالصوفية لمواجهة الأصولية بآسيا الوسطى................53
-…ضرب المجاهدين الشيشان بسلاح الفرق الصوفية.......................55
-…وزراء وفنانون في حضرة الشيخ أحمد صيام بالجمالية..................58
العراق
-…المفكر العراقي إياد جمال الدين..........................................62
-…تصاعد القتل الطائفي....................................................65
-…مذبحة تلعفر....................................................................67
متفرقات
-…أضواء على طائفة المرشدية............................................69
-…إيران وأمريكا مع العراق................................................72
-…خطة إيرانية – عراقية لزعزعة الكويت.................................75
-…شيعة مصر يطمحون إلى حزب سياسي.................................78
فاتحة القول
أهل السنة و التضليل السياسي
مقتدى الصدر نموذجاً
أهل السنة هم غالب المسلمين وهم التحدي الحقيقي لكل الأفكار الهدامة من الأديان المحرفة أو المخترعة أو الحديثة .(27/1)
و لذلك فإنهم يتعرضون لعمليات ضخمة من التضليل السياسي لتشتيت صفوفهم وحرف بوصلتهم عن هدفهم ومصلحتهم ، وقد نجح الأعداء في ذلك و للأسف ، فالجميع يري ويعلم كم من الجهود و الأموال تصرف على أعمال يقوم بها بعض أبناء السنة ثم تكون العاقبة السيئة على أهل السنة !!
وذلك لأسباب منها :
1.…عدم الأهلية لتقدير نتائج الأعمال لدى القائمين بها .
2.…الجهل الشرعي بالأولويات .
3.…الاختراق المباشر و غير المباشر لمجموعات من أهل السنة .
4.…التحالفات الخاطئة مع المخالفين فيُستغل أهل السنة لمصلحة خصومهم .
5.…تبني مفاهيم سياسية منحرفة روج لها الأعداء .
ومن أهم الوسائل التي تعين أهل السنة على مقاومة التضليل السياسي ما يلي :
•…الرؤية الشرعية الدقيقة للأفكار والمبادئ والأشخاص .
•…رؤية الواقع على ما هو عليه في الحقيقة وليس ما يروج .
•…الحذر من المفاهيم السياسية السائدة و التي لم تنجح مرة في استشراف حدث ، وهذا أ يضاً ينطبق على المحللين الذين ينطلقون من أرضية غير إسلامية ولم يوفقوا مرة للصواب !!
•…القدرة على معرفة الهويات المركبة الحقيقية لصانعي الأحداث .
•…استحضار تاريخ الجماعات و الطوائف والمذاهب ورؤوسها دوماً.
بعد هذا التمهيد نستعرض نموذج مقتدى الصدر :
يعد مقتدى الصدر من الشخصيات التي اضطرب فيها كثير من المحللين السنة وللأسف ، فبعضهم كان يقرنه بحسن نصر الله على أنه بطل ! وهذا النوع عنده عمى مركب ! فهو أصلاً لا يفهم حقيقة نصر الله !!!
وبعضهم كان يعده من المجاهدين للاحتلال الأمريكي لكن تخلي مرجعيات الشيعة عنه أجبره على الهدنة معهم .
و آخرون يرون أنه نموذج التشيع العربي المعتدل !!
وبعضهم يراه ممثل التشيع العلوي ولذلك يرفض الفدرالية الشيعية .
وللأسف فإن كل هذه التحليلات خاطئة لأنها تنطلق من قاعدة عاطفية وجهل بتاريخه وتاريخ والده وجهل بحقيقة الصراع الشيعي الشيعي .(27/2)
فمقتدي الصدر هو الابن السيئ لمحمد صادق الصدر ولم يكن احد يتصور أن يكون لمقتدى دور رئيسي لولا سقوط بغداد و فراغ موقع القيادة باغتيال والده وأخيه على يد بعث صدام ، فكان مقتدى الواجهة التي يحركها أعوان أبيه من خلف الستار .
أما والده فقد تلقي دعماً من قيادة البعث من التسعينات بالتغاضي عن نشاطاته و إصدار الأوامر للقطاعات البعثية لتسيير المواكب الحسينية في عاشوراء والسماح له بصلاة الجمعة التي كانت مظاهرة وليست عبادة في الحقيقة ، وذلك لتفتيت القوى الشيعية العراقية بالصراع الداخلي ( المرجعية القائمة و النائمة ) ومن جهة أخرى لمقاومة المد السلفي الدعوي في أوساط الشيعة و الذي بدأ يقلب الموازين لصالحه في العراق . ولما خرج هذا التيار عن الحجم المطلوب بعثياً تم اغتيال زعيمه و تحجيمه ولذلك لم يثأر الصدريون لزعيمهم في زمن البعث .
ولكون هذا التيار يتواجد في داخل العراق وليس له ممثلين في الخارج لم يتمكن من التنسيق مع أمريكا وفاز بذلك منافسوه : الخوئي ، الحكيم ،الجلبي ،علاوي … فكان هذا سبب المقاومة للأمريكان وقتل عبد المجيد الخوئي وبعد ذلك لما فتحت له قنوات الاتصال هدأت المقاومة ! ولم يتحرك حين كانت الفلوجة تقصف !؟
وأيضاً هل نسي أهل السنة بسرعة الوجه الطائفي البغيض لجماعة مقتدى الذين كانوا أول من نكل بأهل السنة في البصرة والنجف وغيرهما !!؟؟
أما معارضته للفدرالية فليست حباً خالصاً لعروبة العراق ورفضاً للطائفية فكم من مواد الدستور تنضح بالطائفية ولم يعترض عليها وكم من الجرائم الطائفية مازال يرتكبها تجاه أهل السنة ؟
بل هذه المعارضة جاءت خوفاً على نفوذه وأتباعه من تغول حزب الحكيم وإيران عليهم.
فمن يعلق الآمال على مقتدى لمعارضته للفدرالية سوف يندم في مواقف قادمة حين لن يجد سوي طائفي حاقد يبحث عن مصلحته .
والله ولي التوفيق ،،
فرق العدد 27
القرآنيون(27/3)
في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي، بدأت تغزو الهند الدعوة إلى الاعتماد على القرآن ونبذ السنة في التشريع الإسلامي، وعُرف هؤلاء باسم (أهل القرآن أو القرآنيين)، وإن كان منهج إقصاء السنة النبوية قد عرف بعض الشيء في عصور مبكرة، وتحديداً في القرن الثاني الهجري عند المعتزلة والخوارج.
وقد استفحلت أفكار هؤلاء في القارة الهندية، وانتقلت بعد ذلك إلى بعض الدول الإسلامية، ومنها مصر ، التي لا يشكل القرآنيون فيها تنظيماً قوياً كالذي ظهر في الهند. والسودان التي تلبورت هذه الفرقة في قالب جديد هو الحزب الجمهوري والذي سنستعرضه في العدد القادم .
قام فكر القرآنيين أساساً على إنكار السنة ، ونبذها، وعدم اعتبارها مصدراً للتشريع الإسلامي، فتخبطوا وضلوا،وجاءت أحكامهم ناقصة مشوشة، بعيدة عن مرادها،إذ رفعوا شعار (حسبنا كتاب الله) متناسين أن السنة جاءت موضحة لكتاب الله ومفسّرة، ومكملة لأحكامه.
وقد مهد لظهور جماعة القرآنيين، حركة العصرنة والتجديد التي قادها أحمد خان( ) بين مسلمي الهند.
وقد بدأ أحمد خان حياته العمليّة بالاتصال بالإمبراطور بهادر شاه آخر ملوك دهلي المسلمين، فأنعم عليه برتب والده ونعوته، وكان والده قد تقلد عدداً من المناصب. ولمّا تغلّب البريطانيون على الهند، عمل أحمد خان لديهم موظّفا في شركة الهند الشرقية، ثم أصبح أمينا للسجلات في القلم الجنائي بدهلي، وعمل لديهم بإخلاص ونشاط.
وحين ثار الهنود المسلمون في دهلي على الاستعمار البريطاني لبلادهم سنة 1857، وقف أحمد خان ضد هذه الثورة، معتبراً أنها ستلحق الأذى بشعبه، فأخذ يحث على إنهائها، وعرّض حياته للخطر في سبيل ذلك، وكان رأيه أن سبب الثورة أو "التمرد" كما أطلق عليها، أن الشعب الهندي أساء فهم طبيعة الحكم البريطاني، وأن البريطانيين تجاهلوا شروط الحكم.(27/4)
ولمّا انتهت الثورة، وفتك المستعمر بالمسلمين فتكاً ذريعاً، أكرم البريطانيون أحمد خان بلقب "صاحب نجمة الهند"، كما عيّن زميلاً وعضو شرف في الجمعية الملكية الآسيوية في لندن، وعيّنوا له راتباً شهرياً يرثه ابنه البكر من بعده.
وبعد ذلك، أخذ خان على عاتقه نشر الثقافة الغربية بين المسلمين، معتبراً أن ذلك من أهم وسائل إصلاح أحوالهم، وفي سنة 1862م، نشر شرحاً واسعاً للإنجيل، ليكون أول مسلم يقوم بهذا النوع من البحث.
وقام بالتعاون مع أغاخان الثالث، إمام الإسماعيلية الأغاخانية، وبتمويله السخي بافتتاح أول (جامعة إسلامية عصرية) في عليكرة، وقد تسلم إدارتها في بادئ الأمر بريطانيون.
وفيما يتعلق بمنهجه، فإن أحمد خان أخذ يفسر آيات القرآن تفسيراً عقليّا محاولاً توفيقها مع العصر، ويؤول المعجزات المذكورة في القرآن تأويلاً مخالفاً لما عليه عموم المسلمين. ومن آرائه: القول بأنه لا يوجد في القرآن ما يدل صراحة على أن المسيح ولد من غير أب! كما حاول تفسير آيات الجنة والنار تفسيرات روحية رمزية، خلاف مضمونها الظاهري، كما رفض أحاديث علامات الساعة، من طلوع الشمس من مغربها، وخروج دابة الأرض، ونزول المسيح عليه السلام وغير ذلك.
وقد كان أحمد خان بمنهجه هذا "أوّل من اختط طريق التعويل على القرآن فقط، وفهمه فهماً عصرياً، والتشكيك بالأحاديث والأخبار، والدّعوة لغربلة التراث"( ).
أهم أفكارهم:
1ـ اعتبار القرآن الكريم المصدر الوحيد للشريعة الإسلامية دون سواه.
2ـ استبعاد كل المصادر الأخرى المشكلة للشريعة الإسلامية كالسنة، والسيرة والتفسير والقياس والاجتهاد وسير الصحابة والإجماع وفتاوى الأئمة.(27/5)
3ـ وفيما يتعلق بالسنة النبوية على وجه التحديد، فقد وجّه القرآنيون سهامهم نحوها، وأبعدوها من مذهبهم، منكرين أنها المصدر الثاني للتشريع الإسلامي، بل ومنكرين لها جملة وتفصيلاً بزعم أنها غير محفوظة مثل القرآن، وأن نسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم غير يقينية.
4ـ ادعاؤهم بأن الصوم في شهر شعبان، وليس في رمضان.
5ـ اعتبارهم أن الكعبة صنم، وأن الطواف حولها من طقوس الوثنيين في الجاهلية.
6ـ ينكرون وجود النسخ بأقسامه الثلاثة (نسخ الحكم، ونسخ التلاوة، ونسخ الحكم والتلاوة) في القرآن الكريم، معللين ذلك بقولهم (الإقرار بوجود الآيات المنسوخة في القرآن يستلزم مخالفة القرآن نفسه، إذ يقع الجرح في العلم الإلهي بحيث أن بعض أحكام القرآن استلزم النسخ لعدم مسايرتها الظروف الزمنية).
7ـ يرى بعضهم أن لا وجود للمجمل في القرآن الكريم، كما يختلفون في مسألة تخصيص القرآن، وتقييده بغيره، إذ قال بعضهم: "وإن القرآن الكريم برئ من عيب الإجمال، والإطلاق كبراءة الله وطهارته، لأنه لا يتصور تخصيص العام أو تعميم الخاص أو تقييد المطلق أو إطلاق المقيد إلاّ من المتكلم، أو ممن هو أعلى منه، لا ممن يساويه في الرتبة، وكيف من المخلوق في كلام الخالق"( ).
8ـ يعتمدون في فهم القرآن وتفسيره على اللغة العربية فقط، وذلك بسبب استبعادهم للسنة النبوية الموضحة والمفصلة للقرآن، فصرفوا الآيات والأحكام عن مرادها. ومن أمثلة ذلك قول الحافظ محمد أسلم منتقداً المفسرين لعدم سلوكهم هذا المسلك: "المفسرون يبحثون عن غير القرآن أكثر منه في القرآن..، وإن القرآن لو نظرنا إليه بعين بصيرة لوجدناه مفصّلاً، ففيه تفسير حقائقه، وحل مشكلاته، وشرح مصطلحاته...، وكل ذلك يعود فهمه إلى تعلم العربية، فمن عرف العربية فهم القرآن دون معونة أي علم آخر"( ).(27/6)
وقد جاء في تفسيرهم للطواف مثلاً قولهم: "ليس معنى الطواف أن تدور حول البيت، بل معناه أن نتردد إليه بين الحين والآخر.."( )
9ـ تبني نظرية (مركز الملّة) التي تعني أن الآيات التي تأمر بطاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم غير مختصة بهما، إنما تعني طاعة الحاكم أو الإمام الذي يتولى منصب النبي صلى الله عليه وسلم من بعده.
وقد أعطوا لهذا (المركز) صلاحيات تعيين حكم الشرع في الأحكام التي لم يرد ذكرها في القرآن، دون أن يلتزم بما سبقته من الأنظمة، والتمتع بالتحريم والإطلاق والتقييد لما يراه غير موافق لظروفه من الأحكام القرآنية.
10ـ وفي الجانب الاقتصادي، يروجون للنظرية الاشتراكية، التي تبنتها الشيوعية ويطلقون عليها (نظرية نظام القرآن الاقتصادي)، وتعني سيطرة الدولة على الثروات ووسائل الإنتاج، وإلغاء الملكية الفردية. ويقول غلام برويز: "يجب على الدولة الإسلامية أن تلبي جميع حاجيات شعبها (وما من دابة في الأرض إلاّ على الله رزقها)( ) وبنص الآية تضمن الدولة جميع متطلبات شعبها، وهي التي تقول لهم: (نحن نرزقهم وإياكم)( ) .
ويقول أيضا: "في ظل هذا النظام لا يجوز جمع المادة البتة، وقد جاء الوعيد الشديد على من يجمعها. قال تعالى: (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم)( ). وفي النظام القرآني لا يمكن البقاء للأموال النافلة في أيدي أصحابها، ولاسيما أن نتصور الملكية الفردية تحت حكم هذا النظام، بل تعمم الأرض والأموال والمصانع والتجارة للملكية الجماعية، حتى يستطيع هذا النظام القيام بتلبية ما يحتاج إليه أفراده"( ).
11ـ إنكار وقوع خوارق العادات من محمد صلى الله عليه وسلم، وأمته من بعده، ما عدا معجزة القرآن، يقول الحافظ أسلم: "لم يعط النبي صلى الله عليه وسلم معجزة سوى القرآن، بينما الأحاديث ذكرت له معجزات حسّية كثيرة..."( )(27/7)
12ـ ذهب بعضهم إلى القول بأن المسيح عيسى بن مريم ولد من أبوين شرعيين، لا من مريم وحدها. كما صرح بعضهم بعدم عودته إلى الأرض مرة أخرى، وقالوا بأن معتقد العودة دخل إلى الإسلام من المسلمين الذين كانوا نصارى قبل الإسلام.
13ـ ينكر القرآنيون الحياة البرزخية في القبر. أما الجنة والنار، فذهب بعضهم إلى أنهما (أماكن حقيقية ستخلق يوم القيامة، وأنه لا وجود لهما حالياً)، وذهب فريق ثانٍ إلى (أن الجنة والنار وما وصفتا به من نعيم وعذاب صورتان تمثيليتان)، ورأى فريق ثالث أن (الجنة والنار طور من أطوار الحياة البشرية، وإن نمو الحياة وازدهارها يعني حياة الجنة، وتوقفها وعدم الرقي فيها يعني حياة الجحيم والنار).
14ـ لهم آراء في الميراث تخالف ما عليه أهل السنة، مثل اعتقادهم بأن اختلاف الدين بين الوارث والمورث لا يمنع من الميراث، وأن الأنبياء يورثون، وأن الرق لا يمنع من الميراث، وأن أولي الأرحام هم من يرتبط الميت بهم بصلة الرحم والقرابة، فيدخل فيهم الأب والأم والأولاد والاخوة والأخوات والأعمام وأبناء الإخوة...
أبرز شخصياتهم
أولاً: في القارة الهندية
1ـ عبد الله بن عبد الله الجكرالوي مؤسس جماعة أهل الذكر، ولد بمقاطعة البنجاب الباكستانية في نهاية العقد الثالث من القرن التاسع عشر الميلادي. كان بارعاً في المناظرة والجدل، وتأخذه الحدّة والعنف، وكان كثير الإهانة للتراث الإسلامي، لذلك قلّ أتبَاعه، وخمل ذكره بين الناس.
وقد كان له مؤلفات كثيرة، منها:
ـ تفسير القرآن بآيات الفرقان، في مجلد واحد.
ـ ترجمة القرآن بآيات الفرقان، في ثلاثة مجلدات ضخمة.
ـ رد النسخ المشهور في كلام الرب الغفور.
ـ البيان الصريح لإثبات كراهة التراويح.(27/8)
استغل البريطانيون الذين كانوا يحتلون القارة الهندية حركة جكرالوي، وقد كان "المشروع البريطاني" يضم في صفوفه عدداً كبيراً من القساوسة المنصرين، الذي أُعجبوا بنهج جكرالوي في إنكار السنة النبوية، وأخذوا يشجعونه، وأخذت كتب التأييد والرسائل تصل إليه من القساوسة، وتعده بالمساعدات المادية، وتشكره على هذا "المجهود الجبار"، كما كشف ذلك لمجلة الاعتصام الأسبوعية، المترجم الذي كان يقوم بترجمة هذه الرسائل لجكرالوي الذي لم يكن يجيد اللغة الإنجليزية( ) .
وجكرالوي كان أحد المتأثرين بأحمد خان، ومما ابتدعه أنه شرّع لأنصاره طريقة جديدة للصلاة، وقال: إن الأذان والإقامة بالشكل الذي يفعله المسلمون بدعة.
2ـ أحمد الدين الأمرتسري مؤسس فرقة "الأمة الإسلامية"، والمولود سنة 1861م بمدينة آمرتسر بالهند.
ومن مؤلفاته:
معجزة القرآن، وتفسير بيان للناس وهو في 7 مجلدات، ولم يكمله، وغيرهما.
كان ناقداً لاذعاً لنظام الميراث عند المسلمين، وغير ذلك، وقد توفي سنة 1936م.
3ـ حافظ محمد أسلم جراجبوري، ولد سنة 1299هـ (1880م)، وكان من أركان القرآنيين البارزين، وكاتباً لأحد الأعمدة الرئيسية لصحيفة بيسة اليومية التي كانت تصدر في لاهور بباكستان، وعمل محاضراً في جامعتي عليكرة، والمليّة.
من مؤلفاته:
الوراثة في الإسلام، حياة عمرو بن العاص، تاريخ نجد،تاريخ القرآن ،تاريخ الأمة الإسلامية، عقائد الإسلام.
توفي في نهاية عام 1955 في الهند، وكان قبلها، وتحديداً سنة 1947، قد هاجر إلى دولة باكستان عند قيامها، لكنه عاد إلى الهند بعد مدة قصيرة لعدم وجود جو مناسب له.
4ـ غلام أحمد برويز، رئيس جمعية أهل القرآن، ومؤسس حركة طلوع إسلام. ولد سنة 1903م بالبنجاب الشرقية في الهند، ونشأ في بداية حياته متأثراً بالطريقة الصوفية الجشتية النظامية التي كان جدّه على صلة وثيقة بها.(27/9)
أصدر سنة 1938 مجلة "طلوع إسلام" دون تسجيلها باسمه الخاص. وكان يمتاز بالاطلاع الواسع على الأفكار الأوربية، ويرى وجوب صبغ الإسلام بها، وبالإضافة إلى ذلك يعتقد أن النظريات العلمية حقائق لا تقبل الجدل والمناقشة، لذا يجب تفسير القرآن بمقتضاها، مثل القول بالتطور في وجود الخلق، وإنكار خوارق العادات.
ويعتبر برويز أكثر القرآنيين كتابة وتأليفاً، حتى أسماه البعض (مؤلف الحركة القرآنية)، ومن مؤلفاته:
ـ تبويب القرآن في ثلاثة مجلدات، وهو عبارة عن معجم لبعض معاني القرآن.
ومنها: أنا والرب، إبليس وآدم ،المجتمع المسلم،عالم الغد ،الحركة القاديانية وختم النبوة، القرآن والدكتور محمد إقبال.
وقف علماء القارة الهندية له ـ ولغيره ـ بالمرصاد، وفندوا عقائده وأفكاره، وكان للشيخ المودودي دور كبير في تسليط الأضواء على أفكار برويز، وتحذير الناس من اتباعها. وفي سنة 1961م، وضعت أفكار برويز ومعتقداته على طاولة البحث الإسلامي أمام العلماء ليفتوا فيها، وتولى إجراء هذا الاستفتاء المدرسة العربية الإسلامية بكراتشي، فأفتى ما لا يقل عن ألف عالم من علماء الدين من باكستان والهند والشام والحجاز بتكفيره وخروجه عن ربقة الإسلام وقد توفي سنة 1985.
5ـ جعفر شاه بلواري، أحد زعماء جماعة "طلوع إسلام"، وأحد المكثرين في الكتابة عن آراء القرآنيين في الآونة المعاصرة. تقلد عدة مناصب حكومية في باكستان، وفي السبعينيات من القرن العشرين الميلادي، كان أحد أعضاء إدارة الثقافة الإسلامية بلاهور، التي تعمل تحت إشراف الدولة.
وله عدة مؤلفات منها: مقام السنة، رياض السنة، الدين يسر.
6ـ محمد رمضان، أحد تلاميذ عبد الله جكرالوي، من أهم أعماله إصدار مجلة بلاغ القرآن التي لا تزال تحمل آراء بعض القرآنيين إلى الآفاق الباكستانية حتى الآن، وله من المؤلفات (صلاة القرآن كما علّم الرحمن). توفي سنة 1939م.(27/10)
7ـ جراغ علي، تأثر بأفكار أحمد خان عندما شاركه بترجمة بعض الكتب، وكان يطالب بإعادة تدوين الفقه الإسلامي من جديد..
وعن قواعد الجرح والتعديل، والمعايير التي وضعها علماء الحديث لتمييز الحديث الصحيح من غيره، كان يقول: ".. لا حاجة إليها لتمييز صحيح الحديث من سقيمه، لأن الحديث ـ في حد ذاته ـ شيء لا يمكن الاعتماد عليه"( ).
8ـ عناية الله المشرقي: خريج جامعة كامبردج في بريطانيا. أخذ على عاتقه مهاجمة العلماء والسخرية منهم، معتبراً أنهم "تقليديون".
ثانيا: في مصر
1ـ د. أحمد صبحي منصور، كان يعمل أستاذاً بجامعة الأزهر، فتم فصله بسبب انحرافاته. غادر مصر إلى الولايات المتحدة واستقر بها. ويعتبر الأب الروحي للقرآنيين في مصر.
2ـ أمين يوسف علي، الزعيم السابق للقرآنيين بمنطقة المطرية بالقاهرة، وكان يعمل خطيباً بمساجد وزارة الأوقاف. وهو أحد الذين تم حبسهم في قضية هذا التنظيم عام 2002م.
3ـ علي المندوة السيسي، وهو أحد الذين تم حبسهم أيضاً عام 2002، لمدة 3 سنوات.
4ـ إيهاب عبده، صاحب كتاب "استحالة وجود عذاب في القبر".
وينبغي هنا الإشارة إلى أن حركة إنكار السنة كليّاً أو جزئياً في مصر، وبعض البلدان العربية سبقت تنظيم القرآنيين الذين صدرت بحق أفراده أحكام بالسجن سنة 2002.
ويمكن أن نورد عدداً من الأسماء التي عادت السنة النبوية، وادّعت الاكتفاء بالقرآن الكريم، أو من أولئك الذين ادّعوا حملهم للواء التجديد والإصلاح الديني:
1ـ محمد عبده، مفتي الديار المصرية السابق (ت 1905م) من أقواله: "لا يمكن لهذه الأمة أن تقوم مادامت هذه الكتب فيها (أي الكتب التي تدرس في الأزهر وأمثالها)، ولن تقوم إلاّ بالروح التي كانت في القرن الأول، وهو (القرآن). وكل ما عداه فهو حجاب قائم بينه وبين العلم والعمل"( ).(27/11)
2ـ محمود أبو رية، في كتابيه "أضواء على السنة المحمدية" و "شيخ المضيرة أبو هريرة". وقد حاكمه الأزهر على كتابيه، ومنع نشرهما.
3ـ صالح أبو بكر، وهو من مصر أيضاً، وقد ألف كتاباً من مجلدين في نقد صحيح البخاري أسماه "الأضواء القرآنية في اكتساح الأحاديث الإسرائيلية وتطهير البخاري منها"، وقد أمرت لجنة البحوث الأزهرية بمنع هذا الكتاب ومصادرته بسبب تشكيكه بأصح كتب الحديث، ألا وهو صحيح البخاري.
4ـ أحمد زكي أبو شادي (1892ـ 1955)، في كتابه "ثورة الإسلام"، الذي قال فيه (ص44): "هذه سنن ابن ماجة والبخاري، وجميع كتب الحديث والسنة طافحة بأحاديث وأخبار لا يمكن أن يقبل صحتها العقل، ولا نرضى نسبتها إلى الرسول، وأغلبها يدعو إلى السخرية بالإسلام والمسلمين والنبي الأعظم، والعياذ بالله".
5ـ د. حسن الترابي، من السودان، في بعض مؤلفاته مثل: "تاريخ التجديد الإسلامي".
6ـ أحمد أمين (1887ـ 1954)، في فصل الحديث في كل من كتابيه "فجر الإسلام" و "ضحى الإسلام"، فقد هاجم منهج المحدثين وكان من حين لآخر يردد آراء المستشرقين وشبهاتهم حول السنة.
7ـ محمد بخيت: كان من مدرسي الأزهر، وقد أجاز في أحد أبحاثه تولي غير المسلم سدّة الخلافة العظمى، بعد أن أنكر جميع ما ورد في السنة، وأوّل آيات القرآن تأويلاً يوافق مذهبه، تبريراً للحكم الإنجليزي في مصر آنذاك.
للاستزادة:
1ـ القرآنيون وشبهاتهم حول السنة ـ الشيخ خادم حسين إلهي بخش.
2ـ الفرق والمذاهب الإسلامية منذ البدايات ـ سعد رستم.
3ـ مقال "القرآنيون.. والوقوف في مفترق الطرق" ـ صلاح الدين محسن
www.rezgar.com
4ـ مقال:"القرآنيون انحراف فكري أم مدلول سياسي" موقع الإسلام اليوم 8/4/2002.
سطور من الذاكرة
بابك الخرمي يشن الحرب على الدولة العباسية(27/12)
حركة بابك الخرّمي أو "الخرمية" هي إحدى الحركات التي قامت ضد الدولة العباسية، وتحديداً في زمن المأمون، واستمرت مدة 20 عاماً، وظهرت من إيران، وكان لها دور سلبي في إضعاف الدولة، وفتح الباب لتدخل الروم بسبب التعاون الذي قام بين بابك الخرمي والإمبراطور الروماني للقضاء على الدولة العباسية.
وبابك هو ابن بائع دهن من أهل المدائن ،سكن أذربيجان ،وعشق أم بابك ، وفضح معها ثم تزوجها،ثم قتل وبابك ما يزال صغيرا، ونشأ الابن في هذه الأجواء ،وعمل راعياً لمساعدة أمه، وقد أثرت هذه النشأة على نفسية بابك وجعلته يحقد على مجتمعه.
وبعد ذلك عمل خادماً عند أحد زعماء الخرمية ( ) "جاويذان بن سهل أو سهرك" فأخذ عنه بعض الأفكار التي تقوم على الاعتقاد بالتناسخ، والاعتقاد بوجود إلهين أحدهما للنور والآخر للظلمة ( ) ، والقول بإباحة النساء، وغيرها من عقائد وأفكار الخرمية .
ويقول الإمام عبد القاهر البغدادي في بيان ما يؤمن به البابكية: "والبابكية ينسبون أصل دينهم إلى أمير كان لهم في الجاهلية اسمه شروين، ويزعمون أن أباه كان من الزنج، ,وأمه (من) بعض بنات ملوك الفرس، ويزعمون أن شروين كان أفضل من محمد، ومن سائر الأنبياء، وقد بنوا في جبلهم مساجد للمسلمين، يؤذن فيها المسلمون، وهم يعلِّمون أولادهم القرآن، لكنهم لا يصلون في السر، ولا يصومون في شهر رمضان، ولا يرون جهاد الكفرة".
ويضيف: "وللبابكية في جبلهم ليلة عيد لهم، ويجتمعون فيها على الخمر والزمر، وتختلط فيها رجالهم ونساؤهم، فإذا أطفئت سُرُجهم ونيرانهم افتضى فيها الرجال والنساء.."
وحول تلك الليلة يقول الإمام الغزالي: ".. ويطفئون سرجهم وشموعهم، ثم يتناهبون النساء، فيثب كل رجل إلى امرأة فيظفر بها، ويزعمون أن من استولى على امرأة استحلها بالاصطياد، فإن الصيد من أطيب المباحات..".(27/13)
وكانت زوجة جاويذان تعشق بابك ،فلما توفي زوجها موهت على أتباعه بأن روحه استقرت في بابك ، وأن زوجها ترك وصية يقول فيها عنه:" سيبلغ بنفسه وبكم أمرا لم يبلغه أحد ،ولا يبلغه بعده أحد ،وإنه يملك الأرض ويرد المزدكية ويعز ذليلكم ويرفع وضيعكم".
فصدقوها،ورضوا به زعيما .وبعد أن وجد بابك شيئاً من القوة والأتباع، بدأ بثورته سنة 201هـ في جبل البدين في أذربيجان، وقد ظهر في مدينة بفارس اسمها "خرّمة" بالقرب من أردبيل. مستغلاً المشكلات التي سبقت عهد المأمون، وعاصرت أعوامه الأولى، وعلى رأسها صراع المأمون وأخيه الأمين على الخلافة.
أخذ بابك يستولي على بعض القلاع ويحرز بعض النصر، والمأمون يرسل الجيوش لقتاله، ففي سنة 204هـ حدث قتال بين يحيى بن معاذ والي الجزيرة وبين بابك، ولم يظفر أحدهما بالآخر، ومات يحيى في العام التالي، واستمر قتال بابك من قبل والي أذربيجان وأرمينيا عيسى بن محمد بن أبي خالد الذي بعث حملة إلى بابك استمر تجهزها سنة كاملة لكنه هزم.
وولى المأمون على أذربيجان وأرمينيا زريق بن علي فندب أحمد بن الجنيد لقتال الخرمي، وذلك سنة 209هـ، فتمكن من أسر ابن الجنيد.
ثم ولى المأمون إبراهيم بن الفضل التجيبي على أذربيجانن فكان القتال مع بابك ضعيفاً، وفي سنة 212هـ، أرسل المأمون محمد بن حميد الطوسي، فتمكن بابك من قتله سنة 214، وكان لقتله أكبر الأثر في نفس المأمون، بل ونفوس المسلمين جميعاً، وقد رثاه أبو تمام في قصيدة مطلعها:
كذا فليجلّ الخطب وليفدح الأمر فليس لعينٍ لم يفض ماؤها عذر
ومما جاء فيها:
توفيت الآمال بعد محمدٍ وأصبح في شغل عن السفر السفر
فتى مات بين الطعن والضرب ميتة تقوم مقام النصر إن فاته النصر(27/14)
وظل أمر بابك يقوى إلى أن أرسل له المأمون إسحاق بن إبراهيم سنة 218هـ، وهو العام الذي توفي فيه المأمون، فأحرز إسحاق نصراً إلاّ أن أمر الخرمية بقي قويّاً، فجاء المعتصم ليتابع ما بدأه المأمون ، وقد كان اعتنق عدد من سكان الجبال مذهب الخرمية في تلك السنة، وأصبحت همذان وأصبهان تابعتين لبابك.
بدأ المعتصم عهده بإرسال جيش قوي بإمرة إسحاق بن إبراهيم إلى الخرمية، فانتصر عليهم، ثم سيّر إليهم جيشاً آخر سنة 220 ، بإمرة أبي سعيد محمد بن يوسف فأحرز نصراً آخر، وجهز كذلك جيشاً بإمرة القائد التركي حيدر بن كاوس الأشروسني، المعروف باسم (الإفشين)، وقد تعرّف هذا القائد قبل قتال الخرّمية على مناطقهم وطريقتهم في القتال التي غالبا ما كانت ليلاً وعلى شكل غارات سريعة، ونصب كمائن في الفجاج بين المرتفعات.
وبقي الإفشين سنتين كاملتين في قتال بابك، وتمكن من دخول مدينة "البذ" مقر بابك وحصنه المنيع في التاسع من رمضان سنة 222هـ.
وكان أتباع بابك عندما تحلّ بهم الهزيمة يلجؤون إلى بلاد الروم فيقيمون في المرتفعات، ويضمهم الروم إلى جنودهم الذين يرسلونهم لقتال المسلمين. وعندما حوصر بابك في "البذ" أرسل إلى ملك الروم تيوفيل بن ميخائيل يحثه على مهاجمة المسلمين، ويشجعه بأن الخليفة لم يبق لديه من الجند ما يكفي لحراسته ،إذ بعث بكل ما لديه إلى القتال في أذربيجان ضد الخرمية، وقد دفع هذا تيوفيل إلى الاعتداء على المسلمين.
وقبل ذلك كان بابك يراسل امبراطور الروم ميخائيل الثاني (والد تيوفيل) ويتحالف معه ضد المسلمين، ظناً أن ذلك سيضعف الدولة ويفتح الجبهات عليها.(27/15)
كان من نتائج حلف بابك وإمبراطور الروم، أن يسير تيوفيل على رأس مائة ألف من جنده، وسارت معه الخرّمية الذين التجأوا إلى بلاده، واتجه إلى حصن "زبطرة" فخرّب البلد، وسبى النساء، وقتل الذراري، وأخذ الأسرى، ومثّل بكل من وقع في يده. وفي ذلك الحصن أطلقت إحدى المسلمات صرختها الشهيرة "وا معتصاه".
ولما انتهى إمبراطور الروم ومن معه من الخرمية من "زبطرة" سار إلى ملاطية، فأغار على أهلها، وعلى حصون المسلمين. وهكذا هو دائماً نهج الفرق المنحرفة يتحالفون مع أعداء الإسلام، ويوجهون سهامهم ضد المسلمين.
وعودة إلى بابك، وعلى الرغم من فراره من حصان "البذ" إلاّ أن الإفشين تمكن من إلقاء القبض عليه، وعلى أخيه عبد الله، وبعض أسرته، فحمله إلى سامراء مع بعض أتباعه، وكانت حينها مقراً للمعتصم، وقتل بابك فيها سنة 223هـ ، ومن معه من أتباعه، وانتهت فتنة بابك الخرمي بعد أن أقضت مضاجع المسلمين أكثر من عشرين سنة، مخلفة حسب بعض المصادر 200 ألف قتيل من المسلمين، وأكثر من 100 ألف من الخرّمية، إضافة إلى إضعاف الدولة وشغلها عن مواصلة الفتوحات وقتال الروم.
وقد أشار المسعودي في كتابه مروج الذهب 3/473: إلى خطر هذه الحركة فقال: "وحمل رأس بابك إلى خراسان يطاف بها كل مدينة من مدنها وكورها لما كان في نفوس الناس من استفحال أمره وعظم شأنه وكثرة جنوده وإشرافه على إزالة ملك وقلب ملة وتبديلها".
أما الإفشين، فبعد انتصاره على بابك كبر شأنه عند المعتصم الذي ألبسه وشاحين بالجوهر، ووصله بعشرين ألف ألف درهم، وعشرة آلاف ألف يفرقها في عسكره، وعقد له على السند، إلاّ أن ذلك الود لم يدم طويلاً، إذ أن الإفشين لقي مصير بابك بعد حوالي ثلاث سنوات، وعلى يد المعتصم أيضاً.(27/16)
وقد اختلف المؤرخون في السبب الذي جعل المعتصم يقتل الإفشين ويصلبه، فالرأي الأول ينفرد بالقول أن الإفشين تخاذل عن قتال بابك وكان يضمر موافقته على ضلالاته، وهذا ما جعل وطأة بابك وأنصاره تشتد على المسلمين، وهو ما جعل المعتصم يصلبه بإزاء بابك، وهذا ما ذهب إليه البغدادي وأبو حامد الغزالي، لكن عموم المؤرخين على غير ذلك، ويقولون أن الإفشين تفانى في قتال بابك وأنصاره، وأن قتله كان بعد قتل بابك بثلاث سنين، وتعددت تفسيراتهم لذلك.
ـ فمنهم من قال أن المعتصم غضب على الإفشين في سنة 225هـ بسبب تصرفات مالية، وقد ذكر ذلك ابن الأثير، فقد أمر المعتصم بحبسه، ومات في الحبس، ثم أخرج ميتاً فصلب في باب العامة.
ـ ومنهم من ذهب إلى أن الإفشين انقلب على المعتصم وعلى دولة الإسلام، وأخذ يدبر المؤامرات، ويدعوا سراً للانقضاض على الخلافة، وقال هذا الفريق أن المازيار صاحب جبال طبرستان( ) الذي أعلن العصيان وخلع المعتصم، أقَرّ بأن خروجه وعصيانه كان بتحريض من الإفشين، وأنهما على مذهب الثنوية والمجوس كما ذكر ذلك المسعودي في مروج الذهب.
ـ ويذكر بعضهم ومنهم التبريزي شارح ديوان أبي تمام أن الإفشين لم يكن كافراً ولا منافقاً، غير أن الحساد أفسدوا بينه وبين المعتصم،وصوّروه للخليفة بمظهر المعادي له، وقالوا للإفشين أن المعتصم عازم على القبض عليك.
للاستزادة:
1ـ الشعوبية نشأتها وتطورها ـ د.نزار الحديثي وسعيد الحديثي ص 47
2ـ التاريخ الإسلامي (الدولة العباسية) ج 1 ـ محمود شاكر ص 206 ـ 222
3ـ الوجيز في تاريخ الإسلام والمسلمين ـ د. أمير عبد العزيز ص 571 ـ 576
4ـ الفرق بين الفرق ـ الإمام عبد القاهر البغدادي ص 266
5ـ فضائح الباطنية ـ الإمام أبو حامد الغزالي ص 14
6ـ القرامطة ـ الإمام عبد الرحمن بن الجوزي ص 47
7ـ حركات فارسية مدمرة ضد الإسلام والمسلمين ـ د. أحمد شلبي ص 109
مواقف المفكرين - 12 -(27/17)
رسالة في كيفية المناظرة مع الشيعة والرد عليهم
تأليف
العالم الفاضل السيد أحمد بن زيني دحلان
مفتي الشافعية بمكة المحمية
هذه سلسلة من البحوث كتبها مجموعة من المفكرين والباحثين عن عقيدة وحقيقة مذهب الشيعة من خلفيات متنوعة ومتعددة ، نهدف منها بيان أن عقائد الشيعة التي تنكرها ثابتة عند كل الباحثين ، ومقصد آخر هو هدم زعم الشيعة أن السلفيين أو الوهابيين هم فقط الذين يزعمون مخالفة الشيعة للإسلام .
وقد حذفنا ما لا يتعلق بالمناظرة مع الشيعة ، و دحلان مفتي الشافعية بمكة زمن الأشراف 1817 – 1886م ، وهو من أشد المناوئين للدعوة الوهابية . الراصد
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.. أما بعد فهذه كلمات كنت سمعتها من شيخنا رحمه الله تعالى كان يذكرها ويكررها كثيراً في مجالس متفرقة ويقرر كثيراً منها في درسه نصحا للمسلمين وشفقة من أن يدخل عليهم بعض أهل الزيغ والبدع شيئاً من الشبهات المخلة بعقيدة أهل السنة والجماعة لا سيما أنه كان يرى كثيراً من أهل البدع يأتون إلى مكة بقصد الحج ويختلط بهم كثير من أهل السنة فيلقون إليهم بعض الشبهات التي يستندون إليها في زيغهم وضلالهم فكان الشيخ رحمه الله يحذر الناس كثيراً من مخالطة أهل البدع ويقرر لكثير من طلبة العلم كثيراً من الدلائل التي يستدل بها أهل السنة ويعلمهم كيفية البحث والمناظرة مع أهل البدع بالطرق العقلية والنقلية.
ففي مدة إقامته بمكة ما كان أحد من المبتدعة يستطيع أن يظهر نفسه ولا أن يتكلم ظاهراً بشيء مما يضمره في نفسه خوفا من الشيخ رحمه الله تعالى.. وكذلك الذين يخالفون المذاهب الأربعة ويدعون الاجتهاد كانوا يخافون منه غاية الخوف.. وكذلك طائفة الوهابية فكان رحمه الله تعالى حجة على جميع المخالفين. ( حيث كان من أشد أعدائهم . الراصد )(27/18)
فكان رحمه الله تعالى يقول في كيفية مناظرة المخالفين لأهل السنة وإلزامهم الحجج العقلية والنقلية: لا يخفى على كل متناظرين في فن من الفنون أنه لا بد لهما من أصل يرجعان إليه عند الاختلاف يكون متفقا عليه عندهم، فإذا كانت المناظرة مثلا بين حنفي وشافعي في مسألة فقهية فإنهما يرجعان إلى الكتاب أو السنة أو الإجماع أو القياس فمن أقام دليله منهما بواحد من هذه وعجز الآخر كانت الغلبة له، أعني من أقام الدليل وأما إذا لم يكن لهما أصل يرجعان إليه عند الاختلاف يكون متفقا عليه عندهما بأن كان كل منهما يرجع إلى أصل لا يقول به الآخر فلا تمكن المناظرة بينهما.
فإذا كانت المناظرة بين سني وغيره من المبتدعة من أي طائفة كانت فلا بد أن يتفقا قبل المناظرة على أصل يرجعان إليه عند الاختلاف، فإن كان المبتدع لا يقول بالعمل بكتب أهل السنة ولا بقول الأئمة الأربعة وغيرهم من المحدثين وغيرهم من أهل السنة فلا بد من أن السني يجتهد باللطف وحسن السياسة حتى يلزمه أولا بالإلزامات العقلية التي تلجئه إلى الإقرار والاعتراف بأصل يكون مرجعا عند الاختلاف كالقرآن العزيز كأن يقول هل تؤمن بأن ما بين دفتي المصحف كلام الله المنزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم المتعبد بتلاوته المتحدى بأقصر سورة منه؟(27/19)
فإن أنكر ذلك أو شك فيه كفر فلا يحتاج إلى المناظرة معه بل تجري عليه أحكام الكافرين وكذا إن أعتقد في القرآن تغييراً وتبديلا لأنه مكذب لقول الله تعالى (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) وإذا أقر واعترف.. وقال أؤمن بأن ما بين دفتي المصحف كلام الله تعالى المنزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم المتعبد بتلاوته بأقصر سورة منه يتلو عليه أو يكتب له في ورقة بعض الآيات التي أنزلها الله تعالى ثناء على الصحابة رضي الله عنهم كقوله تعالى في سورة الأنفال (يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين) وقوله تعالى في سورة التوبة (لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون أعد الله لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم).(27/20)
وكقوله تعالى في سورة التوبة أيضاً (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم) وكقوله تعالى في سورة الفتح (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً) وكقوله تعالى في سورة الفتح أيضاً (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجراً عظيما) وكقوله تعالى في سورة الحديد (لا يستوي منكم من أنفق قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى) مع قوله تعالى في سورة الأنبياء (إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون) ويتلو عليه أيضاً قوله تعالى في سورة الحشر (للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون).
ثم بعد تلاوة هذه الآيات أو كتابتها في صحيفة يقول له السني: هذه الآيات من القرآن العزيز أنزلها الله تعالى مثنيا بها على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وشاهداً لهم بأنهم صادقون ومخبراً بأن لهم الجنة وقد أقررت بأنها آيات الله فيلزمك ترك الطعن عليهم والقدح فيهم لأنك إن فعلت كنت مكذبا بما تضمنته هذه الآيات وتكذيب آيات الله كفر فما تقوله في ذلك؟(27/21)
فإن قال إن هذه الآيات لا تشملهم.. قلنا يدفع ذلك قوله تعالى (وكلا وعد الله الحسنى) وعلى فرض إرخاء العنان وتسليم أنها لا تشملهم يسئل عمن نزلت فيهم فإن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه الله فدعا الناس إلى الله تعالى ومكث فيهم ثلاثا وعشرين سنة ينزل عليه القرآن ويتلوه عليهم ويعلمهم الأحكام والشرائع فآمن به خلق كثير.. ولما توفاه الله تعالى كان عددهم نحو مائة ألف وأربعة وعشرين ألفا وأنزل فيهم الآيات فيها مدحهم والثناء عليهم وشهد لهم بأنهم صادقون وأن لهم الجنة.
وكذلك جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة تشهد لهم بمثل ذلك، بعض تلك الأحاديث عامة وبعضها خاصة بناس مذكورين فيها أسماؤهم فهل هذه الآيات عامة لهم جميعا أو خاصة ببعضهم؟ فإن قلت إنها خاصة ببعضهم فمن ذلك البعض؟ هل هو معلوم أو مجهول؟ وهل هو كثير أو قليل؟ وهل منهم الخلفاء الأربعة وبقية العشرة والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار كأهل بدر وأحد وبيعة الرضوان أم لا؟
فإن قال إنها عامة للجميع وجب عليه أن يعتقد نزاهتهم عما يعتقده فيهم ويؤول كل ما وقع بينهم من الاختلاف ويحمله على الاجتهاد وطلب الحق وأن المصيب منهم له أجران والمخطئ له أجر واحد كما جاء ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وأن يعتقد أنهم لا يجتمعون على ضلال كما ثبت ذلك أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم فإن لم يفعل ذلك كله كان مكذبا بالآيات والأحاديث التي جاءت في الثناء عليهم والشهادة لهم بالصدق والإخبار بأن لهم الجنة.(27/22)
وإن قال إن تلك الآيات والأحاديث في بعض منهم والسابقون فسقه أو مرتدون.. يسأل عن هذا البعض الذين نزلت فيهم تلك الآيات هل هم معروفون معينون بأسمائهم وألقابهم أم لا.. وهل هم كثيرون أم قليلون.. وهل منهم الخلفاء الأربعة وبقية العشرة وأهل بدر وأحد وبيعة الرضوان أم لا.. فإن قال إنهم كثيرون وأن هؤلاء المذكورين داخلون فيهم لزمه أيضاً أن يعتقد نزاهتهم إلى آخر ما تقدم وإلا كان مكذبا بالآيات والأحاديث التي جاءت في الثناء عليهم.
وإن قال إنهم قليلون خمسة أو ستة كما اشتهر عند الرافضة.. يسأل فيقال له ما فعل الباقون.. فإن قال إنهم ارتدوا أو فسقوا بعد النبي صلى الله عليه وسلم.. فقل له إن الله تعالى قال في حق هذه الأمة (كنتم خير أمة أخرجت للناس) فكيف يقول عاقل بأنهم خير أمة أخرجت للناس وقد مكث فيهم نبيهم ثلاثا وعشرين سنة يتلو عليهم القرآن ويعلمهم الأحكام.. ثم يرتدون بعد وفاته وهم نحو مائة ألف وأربعة وعشرين ألفاً ولم يبق منهم على الإسلام إلا خمسة أو ستة فإن ذلك يقتضي أنهم أخبث أمة أخرجت للناس لا أنهم خير أمة أخرجت للناس وقد أثنى الله عليهم في كتابه وكذا نبيه صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة عموما وخصوصا وسمى كثيراً منهم بأسمائهم وحذر الأمة من سبهم وتنقيصهم وبغضهم فيكون ذلك كله كذباً منه صلى الله عليه وسلم وحاشاه من ذلك فإنه معصوم من الكذب وسائر المحرمات والمكروهات.
فالحكم بارتدادهم أو فسقهم إلا نحو خمسة أو ستة منهم تكذيب لقول الله تعالى (كنتم خير أمة أخرجت للناس) وتكذيب لثناء النبي صلى الله عليه وسلم عليهم مع قوله صلى الله عليه وسلم "خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم".. فإن صمم على اعتقاده ولم ينقد لهذا الإلزام فلا تجري معه مناظرة،بل لا ينبغي أن يخاطب لأنه غير عاقل بل غير مسلم.(27/23)
ويجب على كل حاكم عادل أن ينتقم منه بما يقدر عليه من الإهانة ولو بالقتل فإن الذي يعتقد ارتداد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى نحو خمسة أو ستة يستحق القتل لأن ذلك يستلزم إبطاله للشريعة فإنها إنما نقلها إلينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه وكذلك القرآن إنما وصل إلينا من طريقهم ويلزمه تكذيب الآيات والأحاديث التي جاءت في الثناء عليهم. وإذا لم يستحق مثل هذا القتل فمن الذي يستحقه؟!
وأما إذا اعترف بأن الآيات والأحاديث التي جاءت في الثناء عليهم حق وأنها فيهم جميعاً أو في الأكثر منهم وأن منهم الخلفاء الأربعة وبقية العشرة وأهل بدر وأحد وبيعة الرضوان فيجب عليه حينئذ أن يعتقد نزاهتهم عن كل ما يقدح فيهم.. ثم يصير البحث والمناظرة معه في بيان التفاضل بينهم واستحقاق الخلافة.. ولا بد أيضاً قبل المناظرة أن يمهد بين المتناظرين أصل آخر يكون المرجع إليه عند الاختلاف كالكتاب والسنة الصحيحة والإجماع والقياس.
والمراد بالسنة الصحيحة ما صححه أئمة الحديث الثقات المشهورون بين الأمة في مشارق الأرض ومغاربها المشهود لهم بالعلم والمعرفة والإتقان الذين أفنوا أعمارهم في تحصيل الحديث وتدوينه ورحلوا في تحصيله إلى مشارق الأرض ومغاربها وعرفوا الصحيح من الضعيف والموضوع وعرفوا الرواة وميزوا الثقة الذي تقبل الرواية عنه من غيره وكل ذلك موضح مبسوط في كتب التواريخ والسير وطبقات العلماء، بل ألفوا كتبا خاصة في أسماء الرجال طبقة بعد طبقة، وذكروا فيها صفاتهم وتواريخ ولاداتهم ووفاتهم وتفاوت درجاتهم في العلم ومن يقبل منهم ومن لا يقبل. كل ذلك لله الحمد موضح مبين بغاية التوضيح والبيان.(27/24)
فإذا صارت المناظرة والاستدلال من أحد المتناظرين لا يقبل شئ من الروايات ولا من الرواة إلا من حكم الأئمة العارفون بقوله ولا تقبل رواية المجهول ولا من حكموا عليه بالضعف وعدم القول ولا يقبل في الجرح والتعديل إلا قول الأئمة العارفين. وأما غيرهم ممن لا معرفة له بالحديث أو لم يذكره أحد من أئمة الحديث ولم يترجموا له في رجال الحديث ولم يبينوا أوصافه فإنه لا يقبل قوله ولا روايته ولا تصحيحه ولا تضعيفه ولا جرحه ولا تعديله فإذا حصل الاشتباه في أحد تراجع كتب الأئمة فإن وجد مذكورا فيها بالعدالة والمعرفة والضبط قبلت روايته بعد تصحيح إسنادها إليه وإن وصف بعدم ذلك لم تقبل روايته وكذا لو لم يذكروه أصلا فإنه لا تقبل روايته ولا تصحيحه ولا تضعيفه ولا جرحه ولا تعديله.
فإذا اتفق المتناظران على هذا الأصل أيضاً أمكنت المناظرة بينهما حينئذ بإيراد ما يورده كل منهما وإقامة الدليل عليه من الكتاب أو السنة أو الإجماع أو القياس، وإسناد ذلك إلى الثقات من الأئمة وإلى كتبهم المشهورة.. فإن لم يتفقا على هذا الأصل لا تمكن المناظرة بينهما.
وإذا حصلت المناظرة بينهما فليكن السني حريصا على إقامة البرهان والحجة على خصمه أولا بالآيات القرآنية التي تلزم خصمه الاعتراف بنزاهة الصحابة عما يقدح فيهم وفي عدالتهم.. ثم بالأحاديث النبوية الدالة على ذلك أيضاً ولا يذكر له شيئاً من الأحاديث إلا بعد إلزامه بما تضمنته الآيات القرآنية، فإن البحث مع المبتدعة في الأحاديث قبل إلزامهم بما تضمنته الآيات لا ينتج بفائدة.. وكذلك البحث معهم قبل تقرير المرجع عند الاختلاف على الوجه المذكور آنفا لا ينتج بفائدة لأن أدلتهم التي يستدلون بها على مطالبهم كلها تمويهات لا محصول لها عند التحقيق ولهم أكاذيب واختلاقات ينسبونها إلى سيدنا علي رضي الله عنه وإلى أهل البيت لا يثبت شئ منها عند التحقيق.(27/25)
وأما أهل السنة فعندهم أدلة كثيرة على معتقدهم منسوبة إلى الأئمة الثقات وكثير منها منسوبة بالأسانيد الصحيحة إلى سيدنا علي رضي الله عنه وعلماء أهل البيت لا يمكنهم الطعن في شيء منها.
وأما شبهات المبتدعة واستناداتهم التي يستندون إليها قلا يقبلها منهم إلى جاهل غير مطلع على كتب الأئمة الذين يكون المرجع إليهم عند الاختلاف.. وأما العالم بالمعرفة والإطلاع فإنه يزيف لهم كل دليل يستندون إليه مخالفا لمذهب أهل السنة ويقيم لهم على ذلك الحجج الواضحة والبراهين الفاضحة.
فالعاقل لا يتعب نفسه معهم في المناظرة قبل تمهيد الأمر على الوجه الذي ذكرناه.. ولا بد أن يقرر لخصمه أنه إذا حصل اختلاف في معاني بعض الآيات والأحاديث يكون المرجع في تفسير ذلك وبيانه تفاسير الأئمة المشهورين بالعلم المعرفة والإتقان وشروح الأحاديث المنسوبة أيضاً للأئمة المشهورين بالعلم والمعرفة والإتقان ولا يفسر شيئاً من الآيات والأحاديث بالرأي قبل معرفة كلام الأئمة المذكورين، فإن الأخذ بظواهر الآيات والأحاديث قبل عرضها على كلام الأئمة أصل من أصول الكفر كما صرح بذلك كثير من الأئمة منهم الإمام السنوسي في شرحه على (أم البراهين) فلا يجوز تفسير شئ من الآيات والأحاديث بالرأي ولا حملها على معان لم ينص عليها الأئمة المعتبرون.(27/26)
ولنذكر شيئاً من الأمثلة التي تعارضت فيها الأحاديث وأجاب الأئمة عن تعارضها وحملوا كلا منها على معنى صحيح.. فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم (علي سيد العرب) إن أخذ بظاهره وحمل على عمومه فربما يستدل به المخالف على أفضلية علي على أبي بكر رضي الله عنهما أو على استحقاقه الخلافة قبله مع أن ذلك معارض بالأدلة الكثيرة التي هي أصح وأقوى في الدلالة على أفضلية أبي بكر واستحقاقه التقدم في الخلافة فإنه قد صحت أحاديث كثيرة على أن أبا بكر رضي الله عنه أفضل الخلائق بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأنه أحق بالخلافة وكل ذلك مبسوط في كتب أئمة أهل السنة فحينئذ لا يجوز حمل قوله صلى الله عليه وسلم (علي سيد العرب) على عمومه لكل شئ حتى يعارض ذلك فحمله الأئمة على أن هذه السيادة في شئ مخصوص كالنسب مثلا والاتصال بالنبي صلى الله عليه وسلم فجمعوا بين النصوص بهذا الحمل ليندفع التعارض.
ومن ذلك أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم "سدوا كل خوخة في المسجد إلا خوخة أبي بكر" رضي الله عنه. قال الأئمة من أهل السنة إن في ذلك إشارة إلى أنه الخليفة بعده فأمر صلى الله عليه وسلم بإبقاء خوخة داره غير مسدودة حتى يسهل عليه الدخول للمسجد ليصلي بالناس لأن الخليفة هو الذي يصلي بالناس وكل أمير كان يؤمره صلى الله عليه وسلم على جماعة كان يأمره بالصلاة بهم.(27/27)
قالوا ولا يعارض هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم "سدوا كل باب في المسجد إلا باب علي" رضي الله عنه لأن الحديث الأول أصح إسناداً وشرط التعارض التساوي ولأنه قاله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي توفى فيه حين قال "مروا أبا بكر فليصل بالناس" وأما حديث علي رضي الله عنه فقد قاله النبي صلى الله عليه وسلم قبل ذلك، ولأن بيت علي كان ملاصقا لحجرة النبي صلى الله عليه وسلم وليس له طريق إلى المسجد إلا بفتح باب من بيته إلى المسجد. وأما أبو بكر رضي الله عنه فإنه كان له طريق إلى المسجد من غير احتياج إلى فتح الخوخة وإنما أمر بفتح الخوخة ليسهل تردده إلى المسجد ليصلي بالناس فلا تحصل له مشقة بسلوك طريق آخر.
وهناك أمثلة كثيرة يطول الكلام بذكرها ولو كان الأخذ بظواهر القرآن جائز من غير عرضه على كلام الأئمة لأشكل كثير من الآيات.. من ذلك قوله تعالى (إنك لا تهدي من أحببت) مع قوله تعالى (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم) فبينهما بحسب الظاهر تعارض يندفع بما قرره الأئمة في ذلك.. قالوا إن معنى قوله تعالى (إنك لا تهدي من أحببت) إنك لا تخلق الهداية في قلوبهم لأن الخالق لذلك هو الله تعالى.. وأمثال ذلك في القرآن كثير فليس لنا أن نعدل عن كلام الأئمة ونأخذ ذلك بالرأي فمن فعل ذلك كان من الضالين الهالكين.(27/28)
ولا تجتمع الأمة على ضلال لقوله صلى الله عليه وسلم (لا تجتمع أمتي على ضلال) واستند الإمام الشافعي لكون الإجماع حجة من قوله تعالى (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً) والمراد من الإجماع الذي يكون حجة هو إجماع أهل السنة والجماعة ولا عبرة بغيرهم من المبتدعة والفرق الضالة، فإن أهل السنة والجماعة هي الفرقة الجارية على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقه كلها في النار إلا واحدة وهي التي تكون على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
وإذا نظرت تجد أهل السنة هم الذين قاموا بنصرة الشريعة ودونوها وألفوا الكتب في إيضاحها وبيانها وتحقيقها من كتب التفسير والحديث والفقه والنحو وغير ذلك من العلوم المنقولة والمعقولة أما غيرهم فليس لهم شئ من ذلك وأن وجد لهم شيء من التأليف فعلى سبيل الندرة وملؤوا كتبهم بأكاذيب وقبائح تقتضي إبطال الشريعة ورفضها والطعن على ناقليها من الصحابة وغيرهم وقد قال صلى الله عليه وسلم (عليكم بالسواد الأعظم فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية). والسواد الأعظم هم الجماعة الكثيرة وهم أهل السنة والجماعة فإياك أن تفارقهم فتكون من الهالكين.
وينبغي أن يتنبه المناظر من أهل السنة لغيره من أهل البدعة لأشياء هي أهم من غيرها فستحضرها حال المناظرة ليلزم الخصم بها.. منها أن إنكار صحبة أبي بكر كفر لأنها مذكورة في القرآن في قوله تعالى (إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا) فأجمعت الأمة أن المراد بالصاحب في الآية أبو بكر رضي الله عنه.(27/29)
وكذا إنكار براءة عائشة رضي الله عنها كفر لأن الله أنزل عشر آيات في سورة النور في براءتها فمن أنكر براءتها فهو كافر ولا يجوز التعرض لها بشيء يقتضي النقص بل يجب محبتها والترضي عنها لأن النبي صلى الله عليه وسلم أثنى عليها وقال (خذوا شطر دينكم عنها) وأخبر أن الله زوجه إياها وأنها زوجته في الدنيا والآخرة. كل ذلك ثبت بالأحاديث الصحيحة التي لا يمكن الطعن فيها، فالتعرض لها تكذيب بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن تأمل الآيات التي نزلت في براءتها وعرف معناها علم أنها صديقة بنت صديق وأن لها قدراً عظيما عند الله تعالى. قال الله تعالى في بعض الآيات التي نزلت في براءتها (والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات أولئك مبرؤون مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم) وقال تعالى تهديداً للقاذفين (إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين).
قال كثير من المفسرين منهم الزمخشري: من تصفح القرآن وتتبعه لم يجد فيه آية فيها تهديد مثل هذا التهديد ولا تخويف مثل هذا التخويف وذلك دليل على رفعة قدر عائشة رضي الله عنها عند الله تعالى، وتعظيم شأنها وتعظيمها تعظيما للنبي صلى الله عليه وسلم.
واعلم أن أدلة تفضيل الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم على حسب ترتيبهم في الخلافة الذي هو مذهب أهل السنة كثيرة وهي صحيحة متواترة وثابتة عن علي رضي الله عنه وأكابر علماء أهل البيت ونقل ذلك عن علي رضي الله عنه الجم الغفير من أصحابه وقالوا إنه كان يخطب في زمن خلافته على منبر الكوفة ويقول (إن افضل الخلق بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر) وكل ذلك مبسوط في كتب الأئمة، وإنكاره محض عناد ومكابرة فإذا أراد المناظر المخالف بيان ذلك يوضح السني له ذلك مما هو مذكور في كتب الأئمة.(27/30)
وأما أحقية تقديم أبي بكر رضي الله عنه في الخلافة فكذلك لأهل السنة في ذلك أدلة كثيرة من الكتاب والسنة بعضها صريح وبعضها بالإشارة وقد ثبت عن علي رضي الله عنه الاعتراف بأحقية خلافة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، ونقل ذلك عن الجم الغفير من أصحابه حتى صار ذلك متواتراً فإنكاره محض عناد ومكابرة فإذا أراد المخالف بيان ذلك يوضح له السني ذلك مما هو مذكور في كتب الأئمة.
ولا بد للسني أن يقيم الحجة والبرهان على المخالف في إبطال التقية التي ينسبونها لعلي رضي الله عنه وهو برئ منها لأن نسبة التقية إليه يستلزم الذل والجبن له حاشاه الله من ذلك بل يستلزم نسبة ذلك لجميع بني هاشم حاشاهم من ذلك فإن عليا رضي الله عنه كان في قوة ومنعة بهم لو أراد الخلافة زمن الخلفاء الثلاثة قبله أو كان عنده نص أو رأي أنه أحق منهم بها لنازعهم فيها ولوجد من يقوم معه ونصره في ذلك ولكنه عرف الحق في ذلك وانقاد له كما جاء التصريح عنه بذلك في أحاديث كثيرة بأسانيد صحيحة ولم يترك ذلك تقية كما يقولون، ولو كان عنده نص لأظهره ولم يكتمه ولما انقضت خلافتهم وجاء الحق ونازعه من ليس مثله حاربه وقاتله، ولم يترك ذلك تقية فنسبة التقية إليه فيها تحقير وإذلال له أعاذه الله من ذلك ولو صحت نسبة التقية له لم يوثق بشيء من كلامه فإن كل شيء يقوله أو يفعله يحتمل حينئذ أن يكون تقية حاشاه الله من ذلك.(27/31)
ثم إن الرافضة قبحهم الله تجرؤا على النبي صلى الله عليه وسلم ونسبوا التقية أيضا إليه فإنهم لما أقيمت عليهم الحجج الواضحة في أحقية خلافة أبي بكر رضي الله عنه التي منها حديث (مروا أبا بكر فليصل بالناس) وكان معلوما علما ضروريا عند الصحابة رضي الله عنهم أن الأمير هو الذي يصلي بالناس ففهموا من ذلك أنه الخليفة بعده وكان ذلك الحديث مستفاضاً متواتراً لا يمكن إنكاره ومروي عن كثير من الصحابة منهم علي رضي الله عنه من طرق كثيرة صحيحة.. قالوا إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك تقية. قاتلهم الله أنى يؤفكون مع أن لأهل السنة أدلة كثيرة على تقديم أبي بكر رضي الله عنه في الخلافة ولو فرض أنه لم يوجد دليل إلا حديث الأمر له بالصلاة بالناس لكان كافيا، كيف وقد انضم إلى ذلك إجماع الصحابة على صحة خلافته ولا تجتمع الأمة على ضلال كما جاء ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وصح عن علي رضي الله عنه التصريح بأنهم دخلوا في بيعة أبي بكر رضي الله عنه ولم يتخلف منهم أحد. فالقول بعدم صحة خلافته يستلزم تخطئة جميع الصحابة رضي الله عنهم وإجماع الأمة على ضلال وحاشاهم من ذلك. ويستلزم أيضاً تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة وفي أن أمته لا تجتمع على ضلال، ويستلزم أيضاً تكذيب القرآن في شهادته لهم بالصدق في قوله (أولئك هم الصادقون) وفي إخباره باستحقاقهم الجنة إلى غير ذلك من المحذورات التي لزمت هؤلاء الضالين. ويستلزم أيضاً إبطال الشريعة لأنها إنما وصلت إلى الأمة بطريق الصحابة رضي الله عنهم بل يلزمهم أيضاً التشكك في صحة القرآن لأنه إنما وصل إلينا من طريقهم رضي الله عنهم.
والحاصل أن مذاهب المبتدعة كلها خيالات وضلال.. قال ابن الأثير في تاريخه (الكامل) عند ذكره دولة العبيديين أن المبتدعة إنما قصدوا بالطعن في الصحابة الطعن في الشريعة لأنها وصلت إلينا من طريقهم. انتهى.(27/32)
وأما مذهب أهل السنة والجماعة فهو المذهب الحق الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بلا إفراط فيها ولا تفريط ولا قدح في أحد الصحابة ولا تكذيب لشيء من القرآن والسنة فهو بالنسبة لمذهب المبتدعة خرج من بين فرث ودم لبنا خالصاً سائغاً للشاربين.. ومن كان من أهل العلم والمعرفة ونظر في أدلة أهل السنة وأدلة غيرهم عرف حقيقة ذلك إن نور الله قلبه وأزال انطماس بصيرته.
ومن نظر في كتب الحديث وتأمل في سيرته صلى الله عليه وسلم من حين بعثه الله تعالى إلى أن توفاه علم منزلة الشيخين عنده وإنهما كانا عنده في أعظم المنازل لأنه كان يقربهما ويدنيهما ويستشيرهما وكانا يقضيان ويفتيان بحضرته ويراجعانه في بعض الأمور وربما إنه أراد أن يفعل بعض الأشياء أو يأمر بها فيريان أو أحدهما خلاف ذلك فيراجعان النبي صلى الله عليه وسلم وقد يكرران عليه المراجعة فيرجع إلى قولهما أو قول أحدهما ولو كان ذلك غير حق لما رجع إليه ووافق عليه وإلا كان فاعلا خطأ أو مقراً عليه وهو معصوم من ذلك.(27/33)
والرافضة قبحهم الله إذا أقيمت عليهم الحجة بمثل ذلك يقولون إنما كان يوافقهما أو يوافق أحدهما تقية .قاتلهم الله أنى يؤفكون. فإن القول بالتقية يستلزم أن لا يوثق بشيء من أقواله أو أفعاله صلى الله عليه وسلم إذ أن ذاك كله على قولهم يحتمل التقية فيلزمهم إبطال الشريعة والأحكام ولا يقال إن مراجعة الشيخين أو أحدهما للنبي صلى الله عليه وسلم في بعض الأشياء سوء أدب أو مخالفة لأمره لأنهما علما رضاه بذلك وسروره به ورغبته فيه وما ذلك إلا لعظم منزلتهما عنده. ونزل كثير من آيات القرآن موافقا لرأي عمر رضي الله عنه وعاتب الله نبيه صلى الله عليه وسلم في مخالفته رأي عمر في قصة أسرى بدر كما هو مبسوط في كتب الأئمة.. ولما بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم كان أعظم قائم بنصرته أبو بكر رضي الله عنه فكان يعينه على تبليغ رسالة ربه ويدعو الناس إلى الدخول في دينه ويدفع عنه من يتعرض له. وناله من قريش أذى كثير كما هو مبين في كتب السير.
وكذلك عمر رضي الله عنه كان من أعظم القائمين بنصرته بعد إسلامه في السنة السادسة من البعثة فكان من أعظم الناس شدة على كفار قريش وإن كان قبل إسلامه شديداً على المسلمين لكنه بعد أن أسلم كان من أشد الناس على الكفار حتى أنزل الله عند إسلامه (يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين) أي يكفيك من حصل إسلامهم فلا تبال بتأخر غيرهم. وكون نزولها عند إسلامه دليل على مزيد فضله حتى كأنه هو المقصود من الآية وحده.. وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول مازلنا أعزة منذ أسلم عمر.(27/34)
وكان علي رضي الله عنه عند النبي صلى الله عليه وسلم صغيراً في أول بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان رضي الله عنه بعد أن كبر كانت منه النصرة المأثورة والمواقف المشهورة لكنهما كانا مميزان عنه بالنصرة الحاصلة في بدء الإسلام حين اشتدت وطأة قريش على المسلمين وكذا بقية العشرة السابقين للإسلام ولو كان ملك من ملوك الدين أعانه بعض الناس على تأسيس ملكه ونصرته على أعدائه حتى ظهر أمره وتم مراده لكان يحبه ويفضله على كثير من أقاربه، فما بالك بهؤلاء السابقين بالإسلام الذين قاموا بنصرة النبي صلى الله عليه وسلم حتى أظهر الله دينه على الدين كله.
والرافضة قبحهم الله نظروا إلى القرابة وغفلوا عن هذه الأشياء وأهملوا قول علي رضي الله عنه (لا يجتمع حبي وبغض أبي بكر وعمر في قلب مؤمن) وأهملوا الآيات والأحاديث التي جاءت في فضل الشيخين وغيرهم من الصحابة فأدّاهم الأمر إلى إبطال الشريعة التي وصلت إلينا من طريقهم.
وأما أهل السنة والجماعة فإنهم لم يضيعوا حق القرابة،ويعترفون بفضلها ولا يضيعون حقوق الصحبة والمؤازرة والنصرة للصحابة فيعطون كل ذي حق حقه، ولما ثبتت عندهم الآيات والأحاديث الواردة في الثناء على الصحابة رضي الله عنهم أولوا جميع ما وقع بين الصحابة من الاختلاف وحملوه على الاجتهاد وطلب الحق وحملوه على أحسن المحامل وسلكوا به أحسن المسالك لأنهم لو طعنوا في أحد منهم كان ذلك تكذيباً للآيات والأحاديث الواردة في الثناء عليهم ورفضا للشريعة التي جاءت إلينا من طريقهم فحكموا بعدالتهم كلهم وقبلوا كل ما جاء مرويا عنهم من الآيات والأحاديث.(27/35)
ولا عبرة بما ينقل من الأكاذيب والحكايات التي ينقلها المبتدعة وكذبة المؤرخين فإنها كلها من اختلاقات الفرق الضالة يريدون بها توغير صدور المؤمنين على الصحابة رضي الله عنهم. فلا يلتفت إلى ذلك لأنه يؤدي إلى تكذيب الآيات والأحاديث الواردة في الثناء عليهم، ولا نقبل إلا ما صح بالأسانيد الصحيحة التي رواها ثقات الأئمة ومع ذلك نؤولها ونطلب لها أحسن المحامل ونحملها على الاجتهاد الذي يؤجر المصيب فيه أجران والمخطئ أجر واحد.
ثم يجب عند اعتقاد التفاضل على الوجه الثابت عند أهل السنة أن لا يعتقد نقص في المفضول بالنسبة للفاضل ولا يلاحظ ذلك قط بل يعتقد التفاضل مع اعتقاد أن الكل بلغ غاية الكمال والفضل لأنهم باجتماعهم بالنبي صلى الله عليه وسلم ونصرته أشرقت عليهم أنواره حتى فضلوا على كل من يأتي بعدهم وموقف ساعة لواحد منهم مع النبي صلى الله عليه وسلم خير من الدنيا وما فيها وذلك ثابت حتى لمن اجتمع به لحظة ولو كان طفلا غير مميز.
وليحذر المؤمن من اعتقاد نقص لأحد منهم أو التعرض لشيء من السب الذي ارتكبه كثير من المبتدعة لأن ذلك يوجب لعنة فاعله لقوله صلى الله عليه وسلم فمن سبّهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين مع أن المرتكبين لذلك يعترفون بان السب ليس مأموراً به لا على الوجوب ولا على الندب ولو تركوه لم يسألهم الله عن تركه ولو كان السب طاعة مأموراً بها لأمر الله بسب إبليس الذي هو أشقى الخلق وسب فرعون وهامان وقارون وغيرهم من الكفرة فلو لم يلعن الإنسان في عمره قط أحداً منهم لا يعاقبه الله ولا يسأله عن ترك السب فكيف هؤلاء المبتدعة يرتكبون لعن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين نصروه وبلغوا شريعته لأمته.(27/36)
يروى أن سيدنا عليا رضي الله عنه تناظر مع بعض من ينكر البعث.. فقال له سيدنا علي رضي الله عنه إن صح ما تقول أنت يعني من عدم البعث نجوت أنا وأنت وإن صح ما أقول أنا من البعث نجوت أنا ولم تنج أنت فأنا، ناج على كل حال وأنت على النظر فلم يقدر ذلك الناظر على جوابه.
فلذلك يقال للمبتدع المتعرض لسب الصحابة المجيز له بالنسبة للمانعين وهم أهل السنة إن صح ما يقول المبتدع من الجواز نجونا نحن وهم لأنهم يسلمون أن تارك السب لا يسئل عن ذلك ولا يعاقب وإن صح ما يقول أهل السنة من المنع نجا أهل السنة وهلك أهل البدعة، فأهل السنة ناجون على كل حال وأهل البدعة على خطر.. وهذا كله على سبيل الفرض وإرخاء العنان في الجدل وإلا فهم الهالكون قطعاً لتعرضهم لسب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
ولو سئل اليهود وقيل لهم من خير الناس عندكم.. لقالوا أصحاب موسى عليه الصلاة والسلام.. ولو سئل النصارى وقيل لهم من خير الناس عندكم.. لقالوا أصحاب عيسى عليه الصلاة والسلام.. ولو سئلت الفرقة التي تبغض الصحابة من شر الناس لقالوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.!!
نسأل الله أن يرزقنا محبة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته وأن يحيينا ويميتنا ويبعثنا عليها وأن يحفظنا من بغض أحد منهم أو نقيصته أو التعرض له بسوء. إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
كتاب الشهر العدد 27
أخبار القرامطة
في الإحساء ـ الشام ـ العراق ـ اليمن
تأليف: الدكتور سهيل زكار(27/37)
"لاقى تاريخ القرامطة في العصر الحديث، وما زال يلاقي عناية كبيرة من قبل عدد كبير من الباحثين... وتتفاوت دوافع الباحثين: فبعض المستشرقين قد بحث تفتيشاً عن التناقضات في تاريخ العرب والإسلام، وبعض آخر استهدف التعرف إلى حقائق تاريخية وقعت، أما بالنسبة للعرب فبعضهم بحث انطلاقاً من قاعدة الأوائل في الملل والنحل، ولم يخرج عن نطاق الكفر والإيمان والحلال والحرام إلاّ قليلاً، وبعضهم الآخر آمن بالاشتراكية فأخذ يبحث في التراث عن السوابق".
هكذا يبدأ د. سهيل زكار التقديم لكتابه (أخبار القرامطة في الإحساء ـ الشام ـ العراق ـ اليمن) الصادر عن دار الكوثر في الرياض سنة 1410هـ (1989م) في حين صدرت طبعته الأولى قبل ذلك بأربع سنوات.
وينبه المؤلف في مقدمته إلى أن هذا الاهتمام بالقرامطة يبعث على الارتياح، لكنه في الوقت نفسه يثير شيئاً من القلق والارتياب، وعلى حد تعبير المؤلف، فإن بعض الكتاب العرب أراد "عصرنة حركة القرامطة" بجعلها تشبه بعض ما شهده عصرنا من حركات، ويشير إلى أن جل الباحثين ركز جهوده على قرامطة العراق والإحساء، وأهمل قرامطة اليمن، وقرامطة الشام، فأراد د. زكار أن يجعل كتابه الذي تجاوزت عدد صفحاته الـ 700، موسوعة مختصة بالقرامطة تراعي الحقائق الموضوعية والرؤى التحليلية ـ على حد قوله ـ .
الفصل الأول: الدعوة الإسماعيلية وقيام الدولة الفاطمية
وقبل الشروع بلُبّ الموضوع، وهو "القرامطة"، قدّم المؤلف بتمهيد من عدة مباحث عن تاريخ الخلفاء الراشدين، والأمويين، والعباسيين، ثم تحدث عن الدعوة الإسماعيلية المبكرة، وقيام الدولة العبيدية الفاطيمة، في الشمال الأفريقي في بادئ الأمر، ثم في مصر، وهي الدولة التي خرج القرامطة الإسماعيلية من عباءتها، مخصصاً لذلك الفصل الأول من كتابه.(27/38)
لكن المؤلف لم يكن موفّقاً في بداية تمهيده (ص 13) عند تناوله للفترة التي شهدت مرض النبي صلى الله عليه وسلم، ووفاته، واجتماع الصحابة في سقيفة بني ساعدة لاختيار خليفة المسلمين، إذا ادّعى "أن الأمة الإسلامية واجهت أولى أزماتها السياسية الصعبة داخلياً يوم مرض النبي صلى الله عليه وسلم مرضه الأخير، وساعة وفاته، ونشأت أصول الأزمة حول مسألة زعامة المسلمين بعد النبي"، ولا شك أن ذلك تصور غير صحيح لتلك الفترة، وقد تحدثنا في العدد السادس من الراصد عن حادثة السقيفة/ زاوية سطور من الذاكرة، فيمكن الرجوع إليها.
وتكمن الخطورة فيما تناوله المؤلف في تصوير حادثة السقيفة كأول نشوء للحزبية في الإسلام، الأمر الذي أدّى ـ بحسب المؤلف ـ إلى اختلاف المسلمين حول شخص الإمام أو الخليفة بعد النبي صلى الله عليه وسلم مما سبّب ظهور الفرق والجماعات، ومنها الشيعة الاثنى عشرية، والإسماعيلية التي ينتمي إليها القرامطة.
ويستمر المؤلف في تخبطه عند تناول موضوع الشورى (ص25) التي نتج عنها تولي عثمان بن عفان رضي الله عنه الخلافة بإجماع المسلمين، ثم تناوله لعصر عثمان رضي الله عنه وولاته، وبني أميّة، والفتنة التي أثارها الغوغاء في آخر عصره رضي الله عنه.
وكذلك عند حديثه عن معركتي الجمل وصفين، وعام الجماعة،... إذ أن المؤلف حاول تصوير هذه الأحداث بمثابة العداء لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، واغتصاباً للخلافة منهم، الأمر الذي نتج عنه ظهور الموالين لعلي، ثم تطورهم من حزب سياسي إلى فرقه دينية، وبدا واضحاً أن المؤلف تأثر بما يشيعه الشيعة إزاء تلك الأحداث.
الدعوة الإسماعيلية:
في هذا المبحث يتناول المؤلف الحركات التي قادها أهل البيت وأنصارهم ضد الأمويين حتى عصر الإمام جعفر الصادق (80 ـ 148هـ)، الذي يعتبره الشيعة إمامهم السادس، وبوفاته حدث الانشطار الأكبر في صفوف الشيعة إلى:(27/39)
1ـ الإمامية الإثنى عشرية الذين ساقوا الإمامة بعد جعفر الصادق إلى ابنه موسى الكاظم، انتهاءً بالمهدي المزعوم، وهو إمامهم الثاني عشر.
2ـ الإسماعيلية أو السبعية الذين ساقوا الإمامة بعد جعفر إلى ابنه إسماعيل رغم موته في حياة أبيه، ومن بعده إلى ابنه محمد بن إسماعيل بن جعفر.
وعلى حد تعبير زكار، فقد انشطر الخط الإمامي إلى قسمين: محافظ وراديكالي. والذين تبعوا إسماعيل، شكّلوا بعد عمل سري طويل، فرقة "عرفت بإعدادها المحكم، وتنظميها الدقيق في مجالات الجذب العقلاني والفلسفي والثقافي العالي،مع الإثارة العاطفية، والانفعال ..."
اعتمد الإسماعيليون في بث دعوتهم على الدعاة السريين، ويؤكد المؤلف (ص64) أن الدعوة الإسماعيلية كانت ذات أهداف عالمية، ومقاصد أممية، لذلك أقدمت على تقسيم العالم إلى عدة قطاعات دعوية، دعي كل منها باسم "جزيرة"، وأرسل إلى كل جزيرة أحد الدعاة الكبار، وارتبط دعاة الجزر جميعاً بداعٍ للدعاة يتصل بالإمام مباشرة (على حد زعمهم).
وانتشر دعاة الإسماعيلية في أماكن عديدة، ولم تكد تمر سنوات على بث دعوتهم حتى تمكنوا من إقامة دولة لهم في الشمال الأفريقي هي دولة العبيديين الفاطميين التي سرعان ما احتلت مصر، ونقلت مقرها إليها، وحاولت التوسع شرقاً باتجاه بلاد الشام، والعراق حيث مقر دولة الخلافة العباسية.
قيام الدولة الفاطمية
والدولة العبيدية الفاطمية تمثل الحركة الأصلية للإسماعيلية، وقد تناولها المؤلف بشيء من التفصيل، وقسمها إلى ثلاثة أطوار:
الأول: الطور الأفريقي، ويرجع الاهتمام الإسماعيلي بشمال أفريقيا لبعدها عن بغداد، مقر الخلافة العباسية، وعدم وصول سلطان العباسيين إلى بعض مناطقها.
ويتحدث المؤلف عن الجهود التي بذلها أبو عبد الله الداعي الإسماعيلي لنشر فكرته، واستفادته من جهود من سبقوه في بلاد المغرب العربي، لتوطيد الأمور لأول حكام الفاطميين عبيد الله المهدي، الذي قامت دولته سنة 297هـ.(27/40)
ويخطئ المؤلف في هذا المبحث عندما يجزم بانتساب الحكام العبيديين إلى آل النبي صلى الله عليه وسلم معتبراً أنهم من أبناء إسماعيل بن جعفر الصادق، وأن التشكيك بنسبهم الحقيقي يعود إلى تكتمهم وخوفهم الشديد من السلطات العباسية.
الثاني: الطور المصري الأول، ويبدأ هذا الطور من قيام المعز، رابع الحكام العبيديين، بإرسال حملة بقيادة جوهر الصقلي لاحتلال مصر، مستغلاً تدهور أحوال الدولة الإخشيدية في مصر، وقد استطاع العبيديون احتلال مصر سنة 358هـ، ومنها انطلقوا محاولين احتلال الشام والعراق، وإسقاط دولة الخلافة العباسية.
وظل هذا الطور مستمراً إلى نهاية عهد العزيز بالله، خامس حكام العبيديين سنة 386هـ، وقدوم ابنه الملقب بالحاكم بأمر الله، وكان حينها طفلاً صغيراً لا يعقل.
الثالث: الطور المصري الثاني، الذي بدأ بتولي الحاكم مقاليد الحكم، وقد اتسمت أعمال هذا الحاكم بالتناقض الشديد، الأمر الذي جعل الآراء تختلف حوله اختلافاً كبيراً. ويعزو د. زكار ذلك (ص99) إلى أن "الحاكم اتبع سياسة دينية خاصة، وكان باعثه هو محاولة إنشاء عقيدة جديدة، أو بالأحرى تحقيق ما استهدفته الحركة الإسماعيلية في الوصول إلى إعلان قيامة عظمى تلغي جميع الديانات والشرائع القائمة، وتحرر الإنسان من ربقتها، وتكشف للإنسان صور حقائق العلوم والمعارف، إنما الآن ليس بوساطة "الإمام القائم عليه السلام سابع النطقاء" ذوي العزم، بل بوساطة "الإله الواحد" الذي ينزل من عليائه إلى الأرض فتجلى لبعض الوقت ناسوتياً في شخصية عرفها الناس باسم الإمام الحاكم".(27/41)
ويقدم المؤلف المزيد من المعلومات حول تأليه الحاكم، وهي العقيدة التي تمحورت حولها عقيدة الدروز، التي خرجت هي الأخرى من رحم الإسماعيلية، فيقول: "ومهما يكن الحال يبدو أن الحاكم أراد أن يجمع الناس على عقيدة واحدة طوعاً أو كرهاً، وأنه بالنظر للمعارضة الشديدة التي لقيها، ثم في سبيل نجاح حركته أراد أن يزلزل أركان دولته في مصر ومجتمعه، فكان يصدر الأوامر الغريبة ثم يلغيها ويصدر غيرها وهكذا، فلعله استهدف إقناع الناس أنه وحده فعال لما يريد".
من أجل إعلان ألوهيته ـ عياذاً بالله ـ عمد الحاكم بأمر الله إلى البطش، ذلك أن هذه الفكرة الشيطانية لا يمكن أن تصمد أمام منطق العقل. يقول د. زكار:
"ولم يكتف الحاكم بالأخذ بهذه الوسيلة (التناقض في إصدار الأوامر) بل عمد إلى الإكثار من سفك الدماء، خاصة دماء كبار رجالات الدولة، ولعلّه أراد من وراء ذلك إزالة رجال العقيدة القائمة لإحلال أتباع العقيدة الجديدة محلهم، ثم الإيحاء أنه هو وحده قادر على أخذ الحياة ممن يشاء ساعة يشاء، له الحق في ذلك كاملاً دون اعتراض..".
وعودة إلى الدروز الذين قام مذهبهم أساساً على الاعتقاد بألوهية الحاكم، فإنه لما قتل الحاكم على يد أخته ست الملك بالتعاون مع عدد من قادة الجيش ورجالات الدولة،اعتقد الدروز أن الحاكم لم يمت، إنما "ارتفع من الأرض وعاد إلى طبيعته اللاهوتية في حين توحي بعض الكتابات الدرزية المبكرة أنه تغيب بفعل رغبته ومحض إرادته..".
وفيما يتعلق باختفاء الحاكم أو غيبته التي يؤمن بها الدروز، فإن فكرة "الغيبة" تعد قاسماً مشتركاً عند الشيعة عموماً، وعند الإسماعيلية على وجه الخصوص يقول المؤلف: "هذا ولعقيدة الغيبة ـ على أنواعها ـ مكانة خاصة في الفكر الشيعي عامة والإسماعيلي خاصة".(27/42)
وكان لانحراف الحاكم الذي تجاوز كل الحدود أثر في إضعاف الدولة العبيدية الفاطمية، وانهيار هذا الطور، بل وانهيار الدولة الذي أعلنه السلطان صلاح الدين الأيوبي رحمه الله سنة 567هـ.
الفصل الثاني: القرامطة
بالرغم من أن هذا الفصل لا يتجاوز الـ 50 صفحة من أصل أكثر من 700 صفحة إلاّ أنه يعتبر لب الموضوع، إذ يعرض فيها أخبار القرامطة في مناطق أربع هي: العراق، الشام، اليمن، الإحساء والبحرين.
ويؤكد المؤلف أن موضوع ظهور القرامطة يكتنفه بعض الغموض، إضافة إلى الخلاف حول مدى علاقتهم بالحركات الإسماعيلية، ففي حين يذهب معظم الباحثين والمؤرخين إلى اعتبار القرامطة جزءاً من الإسماعيلية، شذ بعضهم معتبراً القرامطة تنظيماً مستقلاً بذاته، كالمستشرق ايفانوف، الذي ارتبط بجماعة الأغاخانية الإسماعيلية بأمتن الروابط إلى حد يمكن القول فيه بأنه كان يعمل لحسابها، ولعلّ أكبر دليل يثبت انتساب القرامطة إلى الإسماعيلية وحركتها الأصلية الممثلة بالدولة العبيدية، الرسالة التي أرسلها المعز لدين الله العبيدي إلى زعيم القرامطة الحسن الأعصم، لمّا حدث الاحتكاك بين الجماعتين، وجاء فيها: "فأما أنت أيها الغادر الخائن، الناكث المباين عن هدي آبائه وأجداده، المنسلخ عن دين أسلافه وأنداده.. أما كان لك بجدك أبي سعيد (الجنابي) أسوة حسنة، وبعمل أبي طاهر قدوة، أما نظرت في كتبهم وأخبارهم، ولا قرأت وصاياهم وأشعارهم؟ أكنت غائباً عن ديارهم، وما كان من آثارهم، ألم تعلم أنهم كانوا " عباداً لنا أولي بأس شديد" وعزم سديد، وأمر رشيد، وفعل حميد، تفيض إليهم موادنا، وتنشر عليهم بركاتنا، حتى ظهروا على الأعمال، ودان لهم كل أمير ووال، ولقبوا بالسّادة فسادوا منحة منا واسما من أسمائنا".(27/43)
ويستعرض المؤلف، الأقوال الكثيرة في أصل كلمة "قرامطة" والتي يشير أحدها إلى "أن بعض دعاتهم نزل برجل يقال كرميته، فلما رحل تسمى قرمط بن الأشعث، ثم أدخله في مذهب" في حين يقال أنهم، "لقبوا بهذا نسبة إلى رجل من دعاتهم يقال له حمدان بن قرمط. وكان حمدان من أهل الكوفة..".
أما ظهور القرامطة للمرة الأولى، فقد كان في سواد الكوفة في العراق،ويرجع د. زكار تمركز القرامطة في الكوفة واختيارها دون سواها "للتفجير العسكري" فيعود إلى أنها تميزت دوماً بطابعها الشيعي، منذ أن كانت عاصمة لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، كذلك فإن القرامطة استفادوا من الظروف التي خلفتها ثورة الزنج في جنوب العراق، التي كانت نشطة خلال تلك الفترة، وقد أدت ثورة الزنج هذه إلى إضعاف الدولة العباسية واستنزاف جهودها، وتسببت في حالة استياء عام عند الناس.
أقسام القرامطة:
1ـ قرامطة العراق
وهم يشكلون نواة القرامطة، وأول دعاتهم الذين نشطوا في سواد الكوفة هو الحسين الأهوازي، الذي أرسله عبد الله بن ميمون القداح، وسرعان ما استدرج الأهوازي حمدان قرمط، وضمه إلى مذهبه، ليبدأ عملاً دؤوباً لهذه الدعوة الجديدة مستفيدين من انشغال الخلافة بأوضاعها، والثورات التي تحدث ضدها هنا وهناك.
2ـ قرامطة الشام
ويعود وجودهم إلى انتشار دعاة الإسماعيلية بين صفوف قبيلة كلب، التي كانت تسيطر فعلياً على جنوب بلاد الشام زمن الدولة العباسية التي أهملت بلاد الشام.
ويعود نشاطهم الأول في بلاد الشام إلى توجه أبي القاسم محمد بن زكرويه من السلمية نحو كلب في منطقة دمشق ولقائه بزعماء بني العليص وقد اتفق معهم على الثورة، وتفجير الحركة في مزة كلب، وكانت تهدف إلى الاستيلاء على مدينة دمشق التي كانت فعلياً تحت سيطرة الطولونيين، الذين استقلوا بمصر وأجزاء من بلاد الشام عن الدولة العباسية.(27/44)
بدأت ثورة الإسماعيلية وبعض القبائل سنة 298هـ، وأعلن أبو القاسم عن نفسه إماماً إسماعيلياً باسم "محمد بن عبد الله بن يحيى" وادّعى أنه من ولد إسماعيل بن جعفر الصادق.
ثم تابع المهمة من بعده أخوه أحمد الملقب "بصاحب الخال"، الذي سعى للاستيلاء علي المناطق المحيطة بدمشق، ثم توجه نحو وسط بلاد الشام، فأخذ حمص وزحف من هناك إلى السلمية فدمرها وأباد كل من كان فيها.
عندها أرسلت الدولة العباسية حملة لتأديبهم لكن القرامطة اعترضوها قبل وصولها إلى حلب وهزموها، وحاولوا الاستيلاء على حلب لكنهم فشلوا وبعد هذا احتلوا معرة النعمان، وحاول صاحب الخال إقامة دولة قرمطية في وسط الشام، حيث بث ولاته في أعمال حمص، وضرب الدنانير والدراهم وكتب عليها: المهدي. المنصور. أمير المؤمنين (نسبة إلى الحكام العبيديين).
وشعر الخليفة العباسي المكتفي بجسيم ما وقع بالشام، وبعجز السلطات الطولونية، فقرر حشد قوات دولته، والتوجه على رأسها نحو بلاد الشام لتأديب القرامطة، وبحلول سنة 291هـ، التقت جيوش العباسيين بالقرامطة شمال مدينة حماة، وأوقعت بهم ضربة ماحقة "قتل منهم وأسر أكثر من عشرة آلاف رجل، وشرد الباقون في البوادي".
ثم قبض على صاحب الخال عند هربه، وأعدم مع عدد من أصحابه.
ويشير المؤلف في ختام حديثه عن قرامطة الشام، إلى أن نشاطهم في الشام كان هامشياً، كونهم اعتمدوا على القوة المسلحة، وأهملوا أعمال الدعوة السلمية والتبشير بأفكارهم، وأنهم اقتصروا على المناطق المتطرفة والنائية.
3ـ قرامطة اليمن
ويعود وجودهم إلى نشاط اثنين من دعاة الإسماعيلية في اليمن، هما: علي بن الفضل، والحسن بن فرج بن حوشب المعروف باسم (منصور اليمن)، وقد حققا نجاحات كبيرة، واستطاعا الاستيلاء على عدد من الحصون، والانتصار في بعض المعارك، ومنذ عام 270هـ دخل في دعوتهما باليمن خلق كثير، وشجعت هذه النجاحات الإسماعيلية في دول أخرى للهجرة إلى اليمن.(27/45)
وعندما التقى علي بن الفضل بداعي الدعاة الإسماعيليين فيروز، أعلن عن "قيامة كبرى" وقال لأصحابه: "أنا الإمام المهدي الذي كنت دعوتكم إليه، فاحلقوا رؤوسكم" فحلق منهم قدر مائة ألف نفس يظنون أن ذلك شيء من الدين، وأباح لهم ما حرم عليهم، وقال: "إنما الجنة التي ذكرها الله في كتابه هي الدخول في اللذات المكتومات عن هذا الخلق المنكود... وقد أبحت لكم إظهارها" فصدقوه، وانتهكوا المحارم، ونسخ لهم الشرائع وادّعى بعد ذلك أنه نبي نسخ الله تعالى به نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
وقد أمر علي بن الفضل الجواري أن يضربن بالدفوف على المنبر، ويغنين بشعر قاله، منه:
خذي الدف يا هذه واضربي وغني هزاريك ثم اطربي
تولى نبي بني هاشم وهذا نبي بني يعرب
لكن نبي مضى شرعة وهذى شرائع هذا النبي
فقد حط عنا فروض الصلاة وحط الصيام فلم تتعب
إذا الناس صلوا فلا تنهضي وإن صوموا فكلي واشربي
ولا تطلبي السعي عند الصفا ولا زورة القبر في يثرب
ويتساءل المؤلف في نهاية حديثة عن قرامطة اليمن عن السبب الذي يجعل دعاة القرامطة يلقون استجابة عالية من الناس في الوقت الذي لا يقدمون لهم أية برامج اقتصادية أو اجتماعية، ومن وجهة نظر المؤلف فإن الإجابة على هذا التساؤل هي اتقان القرامطة والإسماعيلية "لفن استغلال الصراع الطبقي"، مستشهداً بشعر علي بن الفضل الذي بدت منه ريح العصبية القبلية بشكل واضح.
ويحدثنا د. زكار عن نهاية القرامطة في اليمن، فبعدما أعلن علي بن الفضل ما أعلنه، دخل في صراع مع ابن حوشب، استغله حكام اليمن، واستولوا على حصونهما، ومات ابن الفضل بعد عدة شهور من موت ابن حوشب سنة 303هـ، "وهكذا طويت هذه الصفحة من تاريخ القرامطة دون أن تترك أية آثار لها صفة الديمومة الإيجابية النافعة، أو الملهمة".
4ـ قرامطة الإحساء والبحرين(27/46)
يقرر المؤلف في البداية أن تاريخهم حظي بعناية كبيرة من قبل الباحثين، حتى أن تاريخ القرامطة بات بالنسبة لبعض الباحثين هو تاريخ قرامطة البحرين، ولهذا أهملوا تاريخ قرامطة الشام واليمن، وجاء البحث في قرامطة العراق بمثابة مقدمة لتاريخ طائفة الإحساء والبحرين.
وترتبط بدايات الدعوة القرمطية بالبحرين بالحركة القرمطية في سواد الكوفة أيام حمدان بن الأشعث، فقد جرى إرسال داعية إلى منطقة هجر في البحرين يدعو بين قبائلها سنة 281هـ. هذا الداعية يعتقد أنه أبو زكريا يحيى بن علي الطمامي.
وسرعان ما تم إرسال داعية آخر هو أبو سعيد الحسن بن بهرام الجنابي، ثم مالبث الجنابي أن قام بتصفية الطمامي، وقد اعتبر د. زكار أن هذا القتل يشكل بداية تمرد على دعوة العراق.
بدأ أبو سعيد نشاطه في بلدة هجر قصبة البحرين، ولقي مساعدة إحدى القبائل وسرعان ما استطاع تأسيس دولة هناك، ثم توسع نحو الإحساء، واهتم بتوجيه الأطفال وتعليمهم دعوته، إذ جمع صبيان أتباعه "في دور وأقام عليهم ما يحتاجون إليه، ووسمهم لئلا يختلطون بغيرهم، ونصب لهم عرفاء، وأخذ يعلمهم ركوب الخيل والطعان، فنشأوا لا يعرفون غير الحرب، وقد صارت دعوته طبعاً له". وبوساطة هؤلاء عندما غدوا رجالاً أمّن الجنابي العمود الفقري لدولته.
وفي سنة 301هـ قتل أبو سعيد، وتسلم السيادة بعده ابنه سعيد، وفي عهده ساد الهدوء بين القرامطة والعباسيين، حتى سنة 305هـ، عندما خلع سعيد، وحل محله أخوه أبو طاهر سليمان.
وفي عهد الأخير، نشط القرامطة عسكرياً بشكل كبير، وتركز نشاطهم بصورة خاصة ضد قوافل الحجيج، وجاء هذا متزامناً مع استتاب الأمور للمهدي العبيدي في أفريقيا، وشروعه في إرسال الجيوش إلى مصر لاحتلالها.(27/47)
يقول د. زكار (ص152): "ويبدو أن الاتصالات قد قامت في هذه الآونة بين الخلافة الفاطمية والقرامطة، ووضعت الخطط للتنسيق في الجهود العسكرية بين الطرفين، والذي طلبته الخلافة الفاطمية من القرامطة هو الضغط على العراق، والضغط أيضاً على السلطات الإخشيدية في الشام وهذا ما حصل".
وقد حفلت الكتب بجرائم أبي طاهر بحق المسلمين، وقد وصلت الذروة في عام 317هـ بمهاجمة مكة في موسم الحج، وقتل الحجاج مع أهل مكة واقتلاع الحجر الأسود من الكعبة، ويروى أن أبا طاهر كان قد وقف أثناء الفتك بالحجاج على باب الكعبة يلعب بسيفه وينشد ويقول:
أنا بالله وبالله أنا …… يخلق الخلق وأفنيهم أنا
وأنه أنشد إثر انصرافه من مكة:
ولو كان هذا البيت لله ربنا … لصبّ علينا النار من فوقنا صبّا
لأنا حججنا حجة جاهلية … مجللة لم نبق شرقا ولا غربا
وأنا تركنا بني زمزم والصفا … جنائز لا تبغي سوى ربها ربا
يصف د. زكار ما اقترفه القرامطة في البيت الحرام بـ "حملة بربرية قصدت إلغاء الحج وذلك تمهيداً لإعلان قيامة عظمى". وفي موضع آخر من الكتاب يشرح المؤلف سبب تركيز القرامطة على مهاجمة الحجاج وقوافلهم والإفساد في مكة وذلك يعود إلى ما يؤمن به الفكر الإسماعيلي من أن (الإمام) هو آخر المراحل السبعة، وأنه ناسخ الشرائع، ومعلن الحرب على معارضيه.
وبتفصيل أكثر يقول زكار ص 115: "أراد القرامطة ما أرادته الدعوة الإسماعيلية إيقاف الحج بشكل نهائي بوساطة مهاجمة قوافل الحجيج وقطع طرق الحج... لأن القرامطة اعتقدوا أنه مغناطيس القلوب "يجذب الناس إليه من أطراف العالم".
ويقول: " إن الحج هو شعيرة تميز بها الإسلام، وهي الشعيرة الوحيدة التي تعلن بشكل عالمي ظاهري عن استمرارية الإسلام.. واستمرار الحج معناه إخفاق العمل في سبيل إعلان القيامة، ونجاحها في تعطيل الشريعة، وإحلال دين الكشف الذي سيأتي به القائم محلها".(27/48)
فيما بعد قام صراع قرمطي عبيدي، وكان في زعامة القرامطة الحسن الأعصم، وكان على رأس الدولة العبيدية المعز لدين الله، واستمر الصراع حتى أيام ابنه العزيز، لكن اتفاقاً تم التوصل إليه بين الطرفين لتهدئة الأمور، وأن يدفع العبيديون للقرامطة أتاوة سنوية قدرت بسبعين ألف دينار وبعد وفاة الأعصم، استمرت دولة القرامطة ما يزيد على قرن إلى أن تم القضاء عليها بثورة العيوني بمساعدة السلطان السلجوتي ملكشاه سنة 469هـ.
الفصل الثالث
وهو أطول فصول الكتاب، وفيه يعرض د. زكار للمراجع التي استقى منها معلومات الكتاب، ويعرف بمصنفيها. وقد احتل هذا القسم من الكتاب أكثر من 470 صفحة.
قالوا العدد 27
السنة في العراق لا بواكي لهم
قالوا: "أصدر بيان باقر صولاغ وزير الداخلية العراقي والقيادي في فيلق بدر الشيعي الموالي (لإيران) قراراً بعزل كبار الإداريين وضباط الشرطة السنة من محافظة ديالى.."
الوطن العربي 26/ 8/2005
قلنا: السنة في العراق لا بواكي لهم، وما قام به صولاغ مثال بسيط على ما يتعرضون له.
الشيطان الأكبر
قالوا: "ذكرت مصادر أميركية أن طهران جندت في 2004 ضابطاً سابقاً في جيش الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين لقبه أبو حسن، كلف باختراق مسؤولي وزارة الداخلية العراقية الذين يجرون اتصالات مع الضباط الأميركيين.
... إن الإيرانيين كانوا يريدون معرفة الأشخاص الذين يثق بهم الأميركيون وأماكن وجودهم".
الوطن العربي 26/8/2005
قلنا: وماذا تريد إيران من الشيطان الأكبر الذي تكيل له السباب صباح مساء؟
إسرائيلي يبيع معدات عسكرية لحزب الله
قالوا: "يبحث المحققون الأميركيون عن سر تورط مواطن إسرائيلي، وكندي مسيحي من أصل لبناني في توريد أجهزة للرؤية الليلية إلى "حزب الله" اللبناني الذي يخوض حرباً ضد إسرائيل".
الوطن العربي 26/8/2005(27/49)
قلنا: نعم ما الذي يجعل إسرائيلياً، وآخر لبنانيا مسيحياً يخاطران بحياتهما ومستقبلهما من أجل توريد أسلحة ومعدات إلى حزب الله الشيعي.
لا بد أن أسباباً غير المال دفعتهما لذلك.. والأيام حبلى بكل جديد.
إيران لا تريد غيرها في العراق
قالوا: " إن إيران.. مرتاحة غاية الارتياح لمقاطعة العرب للحكومة العراقية الحالية.. وتريد أن لا يكون أمام هذه الحكومة العراقية إلاّ خيار واحد هو الخيار الإيراني".
صالح القلاب
الرأي 13/9/ 2005
قلنا: إيران تخطط، وتتواصل مع عملائها في العراق مهما كان الثمن، أما الدول السنيّة فلا تتواصل مع السنة في العراق، رغم أنهم يشكلون خط الدفاع الأول عن هذه الدول.
مبالغات إثنية وطائفية
قالوا: "لنقرأ الخارطة الجينية للمنطقة العربية فماذا نرى؟
البحرين: الشيعة (80%) والذين يشكلون أغلبية في البلاد.
الكويت: الشيعة 30% (حسب تقديرات غير رسمية).
سامي الزبيدي
الرأي 13/9/2005
قلنا: هذا مثال للأخطاء التي يقع فيها كثير من السنة، الذين يرددون أغاليط الشيعة.
فمتى كان الشيعة في البحرين يشكلون 80% من السكان، ومتى أصبحت نسبتهم في الكويت 30%.
نخشى أن يأتي اليوم الذي يدعي فيه هؤلاء أن نسبة الشيعة هي على الطريقة العربية 99.99%.…………
شيعة وبعث
قالوا: "الشجاعة تجعلنا نلاحظ أن "البعث القومي" الذي بدأ معتمداً على الأقليات بامتياز فقد ظل حزب الأقليات بامتياز، فهو منتشر في أوساط المسيحيين والشيعة أكثر مما كان منتشراً في أوساط السنة، ففي جناحه العراقي كان أغلب كوادره من الشيعة..".
الصافي سعيد
مجلة المجلة 11/9/2005
قلنا: ليس غريباً أن يكون حزب البعث وسائر الأحزاب الشيوعية واليسارية في المنطقة قد تشكلت من الشيعة، فثمة توافق شيعي شيوعي دائم.
مقتدى قبل الدولة(27/50)
قالوا: "إن أكثر من نصف أفراد الشرطة العراقية في البصرة، والبالغ عددهم سبعة آلاف شخص، لا يدينون بالولاء للدولة بل للمسجد، ولا يتلقون تعليماتهم من الدولة، بل من مقتدى الصدر".
رتشارد نورتنن تايلور وإيان كوبين
الغارديان 21/ 9/ 2005
قلنا: وإذا كان نصف الشرطة يتلقون أوامرهم من مقتدى الصدر، فعلى الشرطة السلام وعلى العراق السلام!
تحالف شيوعي يساند إيران
قالوا: "المسعى الأورو ـ أميركي لنقل الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن لا يصطدم بعقبة كبرى ممثلة في "الفيتو" الروسي أو الصيني، أو الاثنين معاً، بل إن هناك تحالفاً سياسياً ـ استراتيجياً يلتف من حوله ليضم الهند إلى البلدين الآخرين".
مجلة المجلة
11/9/2005
قلنا: التحالفات الإيرانية مع الدول الشيوعية ليست أمراً غريباً فإضافة إلى الصين وروسيا والهند، في ظل الاشتراكيين، تحالفت إيران مع كوريا الشمالية وفنزويلا.
وماذا بعد العفو؟
قالوا: "طلب وفد من مثقفي الطائفة الإسماعيلية من العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز أن يعطي أبناء طائفتهم "دوراً أكبر" في الشؤون العامة للبلاد، والإفراج عن إسماعيليين اعتقلوا إثر اضطرابات منطقة نجران منذ خمس سنوات".
وكالة الصحافة الفرنسية
22/9/2005
قلنا: اليوم يطلبون "دوراً أكبر" وعفوا عاماً، وما خفي كان أعظم.
العلويون في تركيا على الخط!
قالوا: "إنه بسبب عمل أجهزة رئيس الوزراء المخالفة للدستور وللقانون حول حرية المعتقد الديني للمواطنين العلويين، فسوف تقدم دعاوي عليها إلى مجلس الدولة يرفعها ألفا شخص".
عز الدين دوغان
رئيس جمعية جيم العلوية في تركيا
ا.ف.ب 21/9/2005
قلنا: في تركيا يريد العلويون مقاضاة حكومة بلادهم لأنها لا تعطيهم الحريات والميزات التي يريدونها، واستعد ألفا شخص منهم لهذه المهمة.
ترى كم مليوناً من السنة يجب أن يقاضي العلويين في سوريا على ما اقترفوه بحقهم، وعلى ما حرموهم إياه من حقوق؟(27/51)
نعم يحق لهم الخوف!
قالوا: "العرب ودول الجوار على وجه التحديد لا زالوا خائفين من حق الشيعة المدوّن في المسودة بإنشاء إقليم شيعي في جنوب العراق ووسطه".
علي العضاض
القيادي في المجلس الأعلى للثورة الإسلامية
الدستور 25/ 9/ 2003
قلنا: ولماذا يستغرب هذا القيادي الشيعي خوف دول الجوار من مسودة الدستور، فإذا كان الشيعة يضطهدون السنة في ظل المسودة، فكيف يصنعون غداً إذا صارت المسودة الطائفية دستوراً؟
فاسدون× فاسدين
قالوا: "فتح ملفات موضوع التجاوزات المالية وغياب الرقابة على النفقات العامة وتهريب النفط.. يهدف لإبعاد الأنظار عن فشل الحكومة في الإيفاء بوعودها بضبط الوضع الأمني المتردي وكسب شعبية قبيل الانتخابات المقررة في نهاية العام، إلى جانب تسوية حسابات مع رموز سياسية ليبرالية وعلمانية تتصدى لتنامي النفوذ الإيراني".
إبراهيم الجنابي
أمين سر حركة الوفاق الوطني
التي يتزعمها إياد علاوي
رويترز 25/9/2005
قلنا: إذا عرف السبب بطل العجب من رفع إبراهيم الجعفري وأنصاره أصواتهم بمحاربة الفساد، ومحاكمة وزراء علاوي السابقين.
وماذا بعد القلق؟
قالوا: "إيران تسعى لخلق نفوذ لها في العراق والعمل على التغلغل فيه من خلال الطائفة الشيعية".
مسؤول سعودي
ا.ف.ب 25/9/2005
قلنا: لا يكفي أن تعبر السعودية عن قلقها إزاء التغلغل الإيراني في العراق.
ولا يكفي انتقاد "السياسة الأميركية في العراق، التي كرست الانقسامات الطائفية، وتغاضت عن النفوذ الإيراني الحاصل في العراق حاليا" كما جاء في بقية تصريح المسؤول السعودي، فالمطلوب عربياً وسنيّاً أكبر من مجرد القلق.
مؤتمر أهل الأنبار.. هل من مجيب؟(27/52)
قالوا: "ودعا المؤتمرون كل العراقيين للتوحد ورفض التدخلات الأجنبية، وأكدوا على هوية العراق.. ودعت التوصيات إلى إجراء انتخابات نزيهة.. وأقر المؤتمرون تشكيل لجنة حوار مع الحكومة العراقية وقوات الاحتلال لحل الأزمات في جو سلمي بعيد عن العنف،.. وطالب المؤتمرون الحكومة تعويض المتضررين وإطلاق التعويضات المستحقة لأهلها وللمناطق المنكوبة ورفع الحصار عن مدينة الفلوجة، واستبدال القوات المتواجدة بقوات محلية محترفة تراعي حقوق الإنسان".
من توصيات مؤتمر أهل الأنبار
الدستور 25/9/2005
قلنا: هذا غيض مما يطلبه أهل السنة في الأنبار وقد عبروا عنه في مؤتمرهم الذي انعقد مؤخراً في العاصمة الأردنية.
السنة في هذا المؤتمر طالبوا بالحوار والانتخابات النزيهة ورفع الحصار عن مدنهم، ووقف العنف ضدهم.. فهل من مجيب؟
المجتمع الصوفي
برنامج الاحتفال بالمولد الزينبي هذا العام سنة 1426هـ / 2005م
التصوف الإسلامي ـ العدد (320) ـ 9/2005
أولاً: توحيد الجهود بين المجلس الأعلى للطرق الصوفية ووزارة الداخلية وحي السيدة زينب ووزارة الأوقاف في مجال تنسيق إجراءات الاحتفال بالمولد الزينبي، وأن يتم الانضباط والإشراف التام على احتفال أبناء الطرق الصوفية ويحرر بذلك للإدارة العامة للشئون الإدارية وإدارة المساجد بوزارة الأوقاف وحي السيدة زينب.
ثانيا: منع استعمال الهورنات ويكتفى بسماعة داخلية للخدمات ومصادرة كل المكبرات الخارجية، بالإضافة إلى خلو ساحة المولد من البدع والمنكرات والملاهي بجميع أنواعها.(27/53)
ثالثا: السادة مشايخ الطرق الصوفية مكلفون بحكم وظائفهم وبحكم القانون بضرورة إصدار التعليمات لأبنائهم من نواب وخلفاء ومريدين بمراعاة الالتزام بالتعليمات والقواعد الصوفية الصحيحة سواء كان الاحتفال داخل المساجد أو خارجها وفي الخيم والسرادقات مع ضرورة استعمال السادة المشايخ للتصاريح التي تمنح لنوابهم وعدم الإساءة للسلوك الصوفي الصحيح، مع ضرورة إقامة الصلوات في مواعيدها والالتزام بالهدوء والسكينة مع نظافة المساجد وطهارتها.
ونأمل من السادة المشايخ المرور على خدمات رجالهم للتأكد من استعمالهم للتعليمات حيث أن لجان المرور قد ألغيت، وقد آن الأوان لتغيير صورة الموالد السائدة الآن بالتزام السادة المشايخ ورجالهم بنصوص القانون رقم 118 لسنة 1976 الخاص بنظام الطرق الصوفية.
رابعاً: التحرير إلى السيد رئيس حي السيدة زينب بالتنبيه بعدم منح التصاريح للمحتفلين إلا بعد موافقة المشيخة العامة على هذه الطلبات إعمالا لنصوص القانون وللتأكد من صاحب الخدمة أنه سيلتزم بالتعليمات ويطلب من سيادته أيضاً أن تكون الملاهي والألعاب المختلفة والباعة الجائلون بعيدين عن ساحة المولد والمسجد الطاهر.
خامساً: المؤتمر الصوفي العام الذي يقام كل عام بسرادق المشيخة العامة بعد صلاة العشاء من اليوم السابق لليلة الختامية: سيتم إقامته بمشيئة الله وتوفيقه بسرادق السادة البرهامية المقام بشارع العتريس بجوار المسجد الطاهر.
سادساً: الأمور المطلوب منعها وتلافيها:
أ )…عدم استخدام الآلات الموسيقية بمجالس الذكر.
ب )…عدم اختلاط النساء بالرجال وضرورة عمل سواتر داخل الخدم التي يتواجد بها نساء.
ج )…عدم الإساءة لسمعة الصوفية، وإظهار السلوك الصوفي الصحيح في كل النواحي..
د )…تهذيب مجالس الذكر وإقامتها على الصورة الصحيحة من حيث سلامة النطق وطهارة ونظافة القائمين بها.(27/54)
هـ) التواجد في المؤتمر الصوفي العام ودعمه برجال الطرق وأبنائها وليس بحضور السادة المشايخ بأنفسهم .
و )…نظافة المساجد وطهارتها وعدم الطهي بها وعدم تعطيل شعائر الصلاة.
ز )…الحد من مكبرات الصوت ويكتفى بسماعة داخلية.
ح )…تضافر الجهود من السادة المشايخ جميعاً لمحاولة إظهار الاحتفال بصورة لائقة، حتى تكون الصورة العامة معبرة عن التصوف الراشد المستنير وتطوير الاحتفال.
سابعاً: التحرير للجهات المعنية بكل هذه الإجراءات لتقديم المساعدات اللازمة التي تؤدي مهمتها على وجه مثمر وصحيح.
ثامناً: الدعم المالي للمشيخة العامة والسادة المشايخ المحتفلين أصحاب السوالف حسب مذكرة الإدارة المالية..
الأمين العام
(عبد الحميد عبد اللطيف)
الملتقى الصوفي الأول
في دار الضيافة البرهامية بمزرعة الكرام أقيم الملتقى الصوفي الأول برئاسة سماحة الشيخ حسن محمد سعيد الشناوي شيخ مشايخ الطرق الصوفية، في هذا الملتقى الجليل تطرق السادة العلماء والمشايخ إلى قضايا جوهرية، أهمها قضية "التوسل" وهي من قضايا "التصوف" المهمة. فهو كما أجمع العلماء "اتخاذ وسيلة لبلوغ غاية" كأن يطلب المتوسل من الله حصول منفعة أو دفع ضرر بذكر اسم نبي أو ولي طمعا في الاستجابة إكراما للمتوسل به، ويكون الطلب من الله، لأن الأنبياء والأولياء لا يملكون منفعة ولا مضرة، ولكن السؤال يتم بهم رجاء التحقيق إكراما لهم.
فرسول الله صلى الله عليه وسلم، علَّم الرجل الأعمى كيف يدعو الله متوسلا برسوله ليرفع ضره، فعلمه النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول: "اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي لتقضي لي.." قال عثمان بن حنيف ـ راوي الحديث ـ : "فوالله ما تفرقنا ولا طال بنا المجلس حتى دخل علينا الرجل وقد أبصر".(27/55)
ولما كانت قضية "التوسل" قضية خلافية بين مختلف العلماء فإن جمهور المشايخ والعلماء الذين حضروا الملتقى أجمعوا على أن من أفتى بتحريم التوسل تحريما عاما قطعياً يكون قد عطل الفطرة، "فطرة الله التي فطر الناس عليها"، وكذلك من أفتى بتحليل التوسل مطلقا وقطعياً فقد هدم الحدود، وتعدى حدود الله ، "ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه"، وعطل الدين كله، واستقروا على "الوسطية" في التوسل وهي تقييد وإطلاق التوسل تبعا لحرمة وحل الغايات التي خلقت من أجلها.
..في الملتقى الصوفي الأول استقر جمهور العلماء على جواز التوسل بالأنبياء سواء في حياتهم أو بعد وفاتهم فالطلب والسؤال يكون لله وإنما يكون التوسل بهم إلى الله طمعا في الإجابة إكراما للمتوسل به.
أميركا تدفع بالصوفية لمواجهة الأصولية بآسيا الوسطى!
تقرير كتبه: محمود قابل ( باختصار ) الوطن العربي 19/8/2005
...في مارس "آذار" الماضي أخرج مركز نيكسون للدراسات في العاصمة الأميركية نتائج ندوة بحثية ناقش فيها كيفية إسهام الصوفية في تحديث ودمقرطة العالم الإسلامي، وكيف يمكن للولايات المتحدة أن تستفيد من الصوفية في آسيا الوسطى. وتدعو مثل هذه الدراسات إلى إشعال معركة تسمى معركة الأفكار، تحل فيها مقولات مثل "قلبي دير رهبان وبيت أوثان وكعبة طائف وألواح توراة ومصحف قرآن" المنسوبة لكبار فلاسفة الصوفية محل مقولات مثل "دولة الكفر، وحكم الطاغوت، ورشد الخلافة" المنسوبة للحركات الموصوفة بالأصولية.(27/56)
وتوصي الدراسة بألا تقوم الولايات المتحدة بتدريب الأئمة المحليين في المساجد والمراكز الإسلامية لدعم الصوفية بنفسها، بل تمول في ذلك السلطات المحلية، على أن يتم بشكل مواز دعم التعليم العلماني في هذه المنطقة جنبا إلى جنب مع تقديم منح مالية لترميم ورعاية الأضرحة الصوفية والعناية بالمخطوطات والتراث الثقافي الصوفي، والهدف أن تستحضر آسيا الوسطى موروثها الصوفي بتفسيراته المحلية للإسلام، ويقصد بالتفسير المحلي ألا تترك المنطقة حقل تجارب لأفكار مستوردة من الشرق الأوسط، كقضية فلسطين والصراع مع اليهود والصليبيين، وهي لديهم قضايا مفتعلة لم تعرفها المنطقة من قبل.
ومن المتوقع أن تقوم استراتيجية الدعم في البداية على إغراق الأسواق بمؤلفات في الصوفية (كتلك التي شهدتها روسيا في منتصف التسعينيات سعيا إلى مقاومة الفكر الموصوف بالأصولي) والسماح بإقامة مراكز قانونية لممارسة الصوفية بدلا من اجتماع أنصارها في مساكن خاصة للشيوخ والمريدين، والخطوة الأكثر أهمية هي تعيين أئمة المساجد وخطبائها وتخصيص مناصب وزارية للمتعاطفين مع الصوفية بحيث يتم إعادة ترتيب الأدمغة التي "أفسدها" الأصوليون "قليلو البضاعة الفقهية".
ويقول د. عاطف عبد الحميد الباحث المتخصص في الشؤون الآسيوية إننا أمام سيناريو يعيد إلى الأذهان الأسلوب السوفياتي القديم الذي اعتمد على احتضان ما اصطلح على تسميته بإسلام السلطة official islam في مقابل ممارسات إسلامية تخضع للمراقبة والمتابعة الأمنية تعيش تحت الأرض سميت في ذلك العهد بالإسلام السري أو الموازي islam parallel .
وإضافة إلى ما تقوم به مراكز بحثية كمركز نيكسون، فإن بعض البعثات الغربية في آسيا الوسطى تتحدث بإعجاب عما وجدته من تحمل الآخر لدى "الشمانية الإسلامية".(27/57)
والشمانية الإسلامية مصطلح يحاول الإيحاء بأن هناك تزاوجا بين الشمانية ـ وهي ديانة سابقة للإسلام تؤله ظواهر الطبيعة ـ وبعض فرق الصوفية التي تبدي تسامحا تجاه الأعراف والتقاليد الموروثة بين سكان المنطقة، ومثل هذا الخلط المتعمد في المفاهيم والاحتفاء به أو الإعلان عنه قد يقدم المبررات للبعض في المنطقة للسعي إلى "تخليص الدين من الشوائب". ومن ثم فإن فتنة طائفية وحربا أهلية قد لا تكون بعيدة عن المنطقة.
وبعد أن خفت القيود نسبيا عن الصوفية في بعض الدول العربية المتشددة، صارت نقاشات الغرف المغلقة (التي تفضحها الآن الأسماء المستعارة في منتديات الإنترنت) تقارع في سجال مكشوف، وأصبحنا نرى تخوفا من بعض "الأصوليين" تجاه فرق الصوفية التي يعتبرونها "منبع فساد الدين"، ولذلك يبدو أن وضع "البديل الصوفي" في مواجهة "الإسلام المسلح" أو فلنقل (اللعب بالنيران) لن يحل مشكلات آسيا الوسطى، فجمرة الانفجار الداخلي في هذه المنطقة متقدة ولا يعوزها سوى النفخ فيها.
ضرب المجاهدين الشيشان بسلاح الفرق الصوفية!
تقرير كتبه: محمود قابل الوطن العربي ـ العدد 1490 23/9/2005
لم تنجح الإدارة الروسية حتى الآن في إغلاق ملف الشيشان، فما زالت أعمال المقاومة تتصاعد وقدرات القوات العسكرية الروسية في السيطرة على أرض العمليات تتلاشى، المجاهدون الشيشان هددوا، بمناسبة مرور العام الأول على عملية مدرسة بيسلان، بمواصلة عملياتهم في كل اتجاه، بينما تحاول إدارة الرئيس فلاديمير بوتين شق صفوف الإسلاميين عن طريق خطب ود الفرق الصوفية ومحاولة تحييدها على الأقل في الصراع الدائر بينها وبين المقاومة الشيشانية.(27/58)
ويبدو أن روسيا بدأت تحاكي الولايات المتحدة الأميركية في إقامة علاقات ود مع الفرق الإسلامية التي تحظى بشعبية في محيطها الإسلامي، ومثلما فعلت الإدارة الأميركية حين وطدت علاقاتها بأتباع الفرق الصوفية في دول منطقة آسيا الوسطى، تفعل الإدارة الروسية حاليا وتؤسس لعلاقة جديدة مع الفرق الصوفية المنتشرة في الشيشان، وقد أعرب شامل بنو وزير الخارجية الشيشاني السابق الموالي لموسكو، والذي يعمل حاليا كمحلل وناشط سياسي في العاصمة الروسية موسكو،عن قناعته بوجود ثلاث مجموعات إسلامية رئيسة تنشط في الشيشان وتتنافس فيما بينها على كسب ثقة الشعب الشيشاني المسلم.
وذكر بنو أن هذه القوى الإسلامية الثلاث هي: الكيان الإسلامي الرسمي الموالي للحكومة الشيشانية والمختص بالفتوى، والطرق الصوفية وقادتها، إضافة إلى ما وصفه بجماعات الإسلام السلفي الأصولي، وقال المحلل الشيشاني إنه وجه النصيحة للإدارة الروسية بالتعامل مع الفرق الصوفية التي لا تسعى لنشر أفكارها بالسلاح، وأن تتخذ من المساجد معبرا لتجميع الناس حول هذه الفرق، وذلك نظراً لأن المساجد هي المؤسسات الاجتماعية الوحيدة التي لها دور فعلي ملموس في الجمهورية، وهي التي سوف تحسم نتيجة الصراع بين هذه القوى الثلاث مما سيكون له دور رئيس في رسم صورة مستقبل الأوضاع في الشيشان.(27/59)
وأضاف شامل بنو أنه علاوة على ذلك، فإنه ضمن أية منافسة سياسية سواء في الشيشان أو المناطق المحيطة بها عادة ما تستخدم الأطراف شعارات إسلامية للحديث عن نفسها وتقديم أطروحاتها، والأمر الهام في هذا السياق هو معرفة المنابع التي تستقي منها مثل هذه الشعارات التي غالباً ما تكشف عن طريقة تفكير أصحابها وتوجهاتهم، واعترف بنو بأن هيئة الفتوى في جمهورية الشيشان ورغم أنها قد تكون أكثر المؤسسات الداعمة للديمقراطية إلا أنها لا تحظى إلا بأضعف تأثير على الصعيد الشعبي نظراً لأن غالبية السكان الشيشان ينظرون إليها باعتبارها كياناً موالياً للحكومة التي هي بدورها موالية لموسكو.
وشدد المحلل الشيشاني على أن مؤسسة الإفتاء تعتبر بالفعل هي أضعف الحلقات في سلسلة القوى الإسلامية المتنافسة على الساحة الداخلية في الشيشان، وأرجع ذلك لبعض العوامل، منها أن القيادات الدينية في هذه المؤسسة لا يتم اختيارها بالانتخاب وإنما يفرضون من قبل الإدارة الحاكمة، كما أن لهم دوراً في تعميق الهوة بين الشعب الشيشاني من جهة والإدارة الحاكمة من جهة ثانية.
ويتطرق المحلل الشيشاني للقوة الثانية في التأثير على المجتمع الشيشاني، ألا وهي الطرق الصوفية، فيقول إنها تمارس بالفعل تأثيراً لا يمكن تجاهله، وذلك ليس فقط لما يتمتع به قادتها ومشايخها من نفوذ وسلطة في نفوس أبناء الشيشان، ولكن لأن موقفهم من مؤسسة الإفتاء الرسمية دائماً ما يتسم في الظاهر بالرفض الواضح مما جعل مشايخ الطرق الصوفية يحظون بمكانة كبيرة في الشارع الشيشاني وقد شهد العقد الأخير تغلغلاً ملموساً للإسلاميين الذين يتبنون المنهج السلفي الرافض للمؤسسة الدينية الرسمية من جهة وللطرق الصوفية من جهة أخرى.
الصوفية والقومية(27/60)
وقضية الشيشان من أكثر القضايا في العالم زخما وصخبا، وهي شاهد أساسي على فشل وسائل التقدم العسكري في إسكات الصرخة القومية الشيشانية، فتاريخ الصراع ليس وليد ثلاثين سنة إنما منذ عام 1722 ولم يتمخض الصراع إلى حروب مفتوحة إلا في نهايات القرن الثامن عشر وتحديدا بانفلات يد روسيا نحو المناطق الإسلامية القوقازية، وقضية الصراع الشيشاني الروسي تسمى وفق الترتيب الأكاديمي بالصراعات الاجتماعية الممتدة، بمعنى أن لها سمات يدخل فيها الدين والإثنية والقومية، ويصعب فيها التسويات كما في صراعات أخرى لا تحمل هذا الانطباع، وهذا الصراع أخذ شكلا سياسيا منذ 1785 مع ثورة الإمام منصور، الذي قاد أول ثورة في شمال القوقاز وقد مر بثلاث مراحل: القيصرية، والشيوعية والفدرالية.
ووفقا لرؤية الباحث الشيشاني مراد رحمانوف فإن الحرب الأولى والتي انهزمت فيها روسيا شكلت نوعا من الخلخلة في المجتمع، ومن 1995 لنهاية حقبة الحرب الأولى برز تيار من المجاهدين تشكل من هؤلاء القادمين من أفغانستان ويتشكلون من مجاهدي الجيل الأول للمقاتلين العرب في بلاد الأفغان، وهؤلاء حملوا معهم أفكار تيارات السلفية الجهادية والتي بدأت في الانتشار بالشيشان، هذا التيار حين دخل أراضي القوقاز كان لديه تصور بضرورة فتح ملاذ آمن أو جبهة لاستكمال صراعهم التاريخي الممتد والعالمي، وكانت أجندة هذا التيار مختلفة عن أجندة التيار القومي الشيشاني مما أنذر ببروز الحقبة الثالثة التي بدأت منذ دخولهم داغستان في 1999.
وإذا كان التيار الجهادي السلفي هو الأكثر ظهوراً من الناحية الإعلامية في الفترة الحالية، فإن الطرق الصوفية تضرب بفرقها في جذور الأرض الشيشانية، فالشيشان تتميز بطبيعتها المجتمعية، وتاريخيا الشيشان هي صوفية،والصوفيون منقسمون إلى قسين، النقشبندية والقادرية.(27/61)
والنقشبندية هي الطريقة الأقدم في الشيشان، والتي بدأت في آسيا الوسطى، ودخلت إلى الشيشان عن طريق الإمام منصور وعليها جدل، وهي توصف بالطريقة الأرستقراطية،ولكن لأن الشعب الشيشاني لا يعتمد على الطبقية فقد جاءت النقشبندية مع الإشارة إلى أنها تعتمد على التمتمة والسر، في المقابل هناك التيار القادري والذي يعتمد على الجهر في الأذكار والموالد.
وتاريخيا فإنه حتى نهاية حروب الإمام شامل 1859 كانت النقشبندية هي التي تقود المقاومة، وبعد 1866 تولت القادرية قيادة هذه المقاومة عن طريق "النكوحدجي" الذي يعتبر أول من أدخل هذه الطريقة إلى الشيشان، وكان يدعو إلى الحل السلمي، ووقف الحرب في الشيشان، ورغم أنه داعية سلم إلا أنه اعتقل فخرج أتباعه يطالبون بإطلاق سراحه مما أدى لمقتل 4000 شخص منهم على أيدي القوات الروسية، ومن ذلك الوقت تحولت الطريقة القادرية إلى طريقة عدائية ضد روسيا، إلا أنها في الوقت نفسه لا تقف في مربع المجاهدين على اعتبار أن التيار السلفي الجهادي يرفض أفكارهم عن المزارات والأولياء، فالتيار الصوفي رغم عدائه للروس إلا أنه في الأصل عبارة عن تعبير ديني عن حركة قومية.
فالصوفية لعبت دوراً كبيراً في حماية القومية والدين وفقا لما يراه أغلب الشعب الشيشاني، لكنها لا تملك أيدلوجية سياسية وليس لدى المتصوفة تاريخ نضالي في السياسة كما للتيارات السلفية، وهذا ما تدركه الإدارة الروسية جيدا لذلك تسعى لإذابة كل المشاكل التي كانت عالقة بينها وبين تلك الفرق في محاولة منها لاستخدامهم في حربها ضد المجاهدين، فهل تنجح!؟
وزراء وفنانون في حضرة الشيخ أحمد صيام بالجمالية
محمد ناجي راشد(27/62)
ما كنت أصدق.. لولا أن شاهدت،ورأيت، وحضرت بنفسي.. طقوس دينية غريبة..! صراخ، وعويل.. نواح، وبكاء، ونحيب حتى الفجر.. في حي الجمالية بجوار ضريح سيدنا الحسين وفي وسط المباني الأثرية.. حارة ضيقة جدا طويلة تشبه الممر ذو مدخل على هيئة "قبو" مبني بالطوب الحجري القديم، والمبني به معظم المنازل، والحانات الموجودة.. هناك في قاعة كبيرة أسفل دار للأيتام تضم 45 طفلا لقيطا تؤدي هذه الطقوس.
حملنا آلة التصوير وجهاز الكاسيت، ذهبنا إلى هذا المكان. في التاسعة والنصف مساء.. جاء الخادم يحمل مبخرة وطاف داخل القاعة حتى ملأ المكان بدخان البخور، وهو يصلي ويسلم على رسول الله بصوت مرتفع، وتوافد المريدون وهم من مختلف فئات المجتمع كتاب سيناريو، وموظفون، وحرفيون، وكل من يأتي يتجه إلى حيث مقعد الشيخ مكون من سجادة، ومسند كبير ويسجد سجدة واحدة ويأخذ مكانا له في القاعة. كان الضوء في هذه اللحظات خافتا.. ثم أضاءت جميع الأنواع والنجف فأصبحت الإضاءة لا تتحملها العين.
وفي العاشرة.. جاء صوت جلجل أركان المكان قائلا "الله" وصدى الصوت يردد الله..الله..الله فهب الجميع ويصل عددهم حوالي 300 من الرجال والسيدات والأطفال صغار السن ووقفوا صفوفا وجاء الشيخ أحمد صيام يرتدي عمامة محبوكة كعمامة الشيعة في إيران ولكن بيضاء، وجلبابا وعباءة ناصعة البياض، وشرابا وحذاء أبيض ومد يده يصافح الجميع، ويقوم كل فرد بالتقبيل على ظهر يد الشيخ وفي كفه، وكأنه ينهل من يده، وفعلت بالطبع كما فعل الآخرون..
وجلس الشيخ في المكان المخصص له، وأومأ برأسه فجلسنا وأمسك بالميكروفون وخفتت الإضاءة قليلا وبصوت مرتفع رتل الحاضرون سورة الفاتحة ثلاث مرات.. ثم هب الشيخ واقفا وهو ما زال ممسكا بالمايك والجميع حوله على هيئة حلقات متسعة..(27/63)
ثم أطفأ النور تماما وأخذ ينشد ويمدح في رسول الله، وفي آل البيت والجميع يصفقون ويضربون الأرض بأرجلهم ويصدرون أصواتا مرتفعة من عينه هأه..هأه وآه وآه غير ممدودة، وهم يتطوحون إلى الأمام والخلف، وعندما يردد الشيخ يا حبيبي يا للي في العالي أنظر لنا من العالي.. تعالالي.. تعلالي.. دانا.. دانا.. يا حبيبي... يا حبيبي.. أنا.. أنا.. أنا يرتفع الصراخ، والبكاء والعويل من الرجال والسيدات والأطفال، وتضيق الدوائر حتى يحيطون بالشيخ وهم يرددون هأه.. هأه ضاربين الأرض بأرجلهم في عصبية فاتحين أفواههم وكأنهم يريدون التهام هذا الشيخ.
وبعد حوالي ساعة هدأ الجميع وأضيئت الأنوار، وبعدها حضر مجموعة من الأشخاص في عملية محكمة التنظيم وكل فرد يعرف بل تدرب على دوره تماما.. ثم فرشوا مجموعة من المفارش على الأرض.. وبدأوا توزيع الطعام مجموعة للسلطة ومجموعة للخضار، وأخرى للأرز واللحوم ووضعوا أمام الشيخ عددا كبيرا من الأرغفة وعندما انتهى من إعداد وتجهيز الأكل.. أمسك الشيخ بالميكروفون وقرأوا الفاتحة والدعاء لآل البيت..
وقام الشيخ بقذف رغيف لكل من يجلس أمامه، وأومأ برأسه فبدأ الجميع في تناول الطعام، وبعدها جاءت صواني محملة بعدد كبير من أكواب الشاي متناهية الصغر.. وضعت أمام الشيخ.. فينظر إلى الحضور ويومأ برأسه فيحضر فرد فرد ويأخذ مولانا شفطة من الكوب فيقوم الشخص بتقبيل يد الشيخ ويأخذ كوب الشاي، وهكذا..
ثم تبدأ الحضرة وتنطفئ الأنوار والبكاء والصراخ، والعويل، وضرب الأرض بالأرجل، لمدة ساعة أخرى ويأتي شخص يحمل إناء كبيرا من الماء، ويتجمع المريدون مجموعات ويقوم الشيخ بملأ فمه "ويبخ" على الوجوه بما يشبه "بخ" المكوجي للملابس ويفعل ذلك مع السيدات والأطفال..(27/64)
ثم تضاء الأنوار وقبل الانصراف.. يقف الحضور صفين على الجانبين ويمر الشيخ وعلى عتبة القاعة يقف ممسكا الميكروفون ويلتف الجميع حوله وينشد ويمدح في رابعة العدوية وآل البيت والناس تردد وراءه.. ثم ينصرف الجميع واحدا.. تلو الآخر.
أكد أهالي المنطقة أن الشيخ أحمد له شعبية كبيرة، وعدد من المريدين، ويأتي إليه الوزراء، والفنانون، وذوو المناصب المدنية.. وغير مقيم بالمنطقة بل يأتي بسيارة مرسيدس أحدث موديل رغم أنه رجل بسيط يمتلك محلا للفراخ في مدينة الرحاب، وقد قام رجال مباحث أمن الدولة أكثر من مرة بزيارة مكان الحضرة ولم يتخذوا ضده أي إجراء!!
بالدور الثاني في حجرة أنيقة مكسوة بالستائر الحريرية، ومقاعد بلدية تشبه مقاعد الأخوة العرب في المضيفة.. وصور مع الملوك والأمراء العرب التقينا بالشيخ أحمد أبيض الوجه ذو لحية بيضاء قصيرة جدا.. في الخمسينات من العمر.. رحب بنا، ومن ترموس وفي كوب صغير الحجم أمامه صب الشاي، وأخذ شفطة من الكوب وأعطاه لنا.وبدأ الحديث.. قائلا أنا رجل بسيط فقير إلى الله وآل البيت أنشأت دار إكرام الأيتام..لأنني أحبهم جدا، وكانت من قبل حج وعمرة ونحن لم نتلق مليما واحدا تمويلا من الخارح، ولكن بتبرعات أهل الخير.
•…ماذا عن الحضرة التي تقيمها، وما الهدف منها..؟!
** أنا لا أعمل الحضرة.. بل هي التي تعملني، والله يا حبيب قلبي.،. نحن نريد أن نعيش في رحاب الله ونتذكره.. "ألا بذكر الله تطمئن القلوب".. فالله هو الأول، والآخر، وهو الظاهر، والباطن، وهو المخلص وقال تعالى "الإخلاص سر من أسراري وضعته في قلب من أحببت".. ونحن دائما مع "الأنا"، ولا نهتم بالبشر بل بذاتية الله، وبهذه الحضرة تطهر النفس المغرورة من حب الشهوات.
•…لماذا يتم إطفاء النور أثناء الحضرة..؟!(27/65)
** حتى لا يأخذنا نور الدنيا، ونعيش في نور المصطفى.. فقد زهقنا من نور الدنيا ونريد النور الرباني وعندما تسبل عينيك في الظلام وتسرح في ملكوت الله تأتي لك لمحة خشوع ويمسكك نور رباني.
•…وماذا أيضا عن البكاء والصراخ والعويل..!!
** احضار عظمة، وقدرة الله مع ضعف الانسان.. ثم غسل الذنوب، وبقدر البكاء.. بقدر إزالة الآثام.. وكل حسب ذنوبه.
•…وما الحكمة في "بخ وجوه الرجال والسيدات والأطفال بالماء..؟!
** صلى على سيدنا النبي..!! الناس تكون عليها غمامة، ومخنوقة بعد الحضرة نريد أن نخرجهم مما هم فيه نبخهم بالماء لكي ينتعشوا لأنهم في حالة سكر بحب الله ويعودون إلى طبيعتهم، وقال المصطفى صلى الله عليه وسلم "ثقر (ريق) المؤمن شفاء".
•…أي الطرق الدينية تنتمي إليها يا مولانا..!!
** أنا صوفي بذاتي مع نفسي.. لأن الصوفي هو صفي القلب، ونقي السريرة، وأنا خريج المدرسة المحمدية.
•…علاقتك بالوزير محمد إبراهيم سليمان والفنانين..!!
** الوزير كان مرشحا لمجلس الشعب عن الدائرة وزارني ووعدني بتخصيص شقق للأيتام.. أما الفنانون ومنهم محمود الجندي يأتون لعمل حفلات مساعدة لهؤلاء الأيتام.
•…وعلاقتك بالأمراء العرب..!!
** أحد نواب وزير الحج.. لديه أخت مريضة احتار الأطباء في علاجها وعندما ذهبت وطلبت ماء زمزم وبخيت في وجهها شفاها الله في الحال.
•…ما رأيك في الفن.. وهل تستمع إلى الموسيقى؟!
** الفن من أصل الدين.. وأنا من عشاق أم كلثوم فعندما تتغنى وتقول.. زرعت في ظل ودادي.. غصن الأمل وأنت رويته، وكل شيء في الدنيا دي يوافق هواك أنا حبيته.. أليس هذا من مضمون القرآن والسنة.
القاهرة 22/9/2005
المفكر العراقي اياد جمال الدين: احتمالات الحرب الأهلية في العراق متوفرة
لندن: معد فياض الشرق الأوسط 18/9/2005(27/66)
يطرح المفكر العراقي اياد جمال الدين خطابا سياسيا مخالفا لما يطرحه رجال الدين، سواء من السنة او الشيعة. فهو يقود تيارا فكريا يدعو الى نظام حكم علماني يحفظ للدين قدسيته ولا يورطه في السياسة، وينادي بضرورة فصل الدين عن الدولة وعدم استخدام الدين سياسيا.
جمال الدين ينحدر من عائلة عراقية اعمدتها من كبار المثقفين والشعراء والسياسيين غير التقليديين.عائلة قدمت الكثير من التضحيات من اجل وطنها، بل هو كاد ان يكون ضحية عدة محاولات اغتيال هنا وهناك.
في هذا الحوار يتحدث جمال الدين لـ«الشرق الاوسط» عن آرائه الجريئة بكل صراحة، محذرا من مخاطر فيدرالية تقوم بوسط وجنوب العراق قد تنعكس على الدول الاقليمية، واضعا نصب عينه انقاذ العراق من المأزق الذي يعيشه ومحذرا من قيام حرب اهلية.
> ما هي مخاطر قيام فيدرالية وسط وجنوب العراق؟
ـ الفيدرالية اذا كانت مقصودة، وسط وجنوب العراق بالتأكيد هذه المنطقة ذات كثافة شيعية وبالتالي سوف تكون، شئنا ام ابينا، فيدرالية شيعية، والمنطقة العربية والاسلامية والاقليمية لا تتحمل مثل هذه الفيدراليات الطائفية.
> ما هي مخاطر هذه الفيدرالية على الدول الاقليمية؟
ـ مما لا شك فيه ان اول الدول المتضررة من هذه الفيدرالية هي ايران، اذ سينعكس الوضع العراقي سلبا عليها ويفتح امام شعوبها غير الفارسية شهية الاستقلال او تشكيل انظمة فيدرالية لها، وهذه القوميات هم العرب في عربستان والاكراد في كردستان ايران والبلوشستان وتركمان صحراء وكذلك اذربيجان ايران، كل هذه الاقليات او الشعوب تنتمي لقوميات تختلف قوميا وفكريا عن الفرس الذين يحكمون ايران. ومما يساعد على تشكيل هذه الفيدراليات هي سعة مساحة ايران واختلاف تضاريسها وثقافاتها ولغاتها وقومياتها ومذاهبها سيساعد على تشكيل 6 فيدراليات.
> ما هي ملاحظاتك على مسودة الدستور العراقي؟(27/67)
ـ مسودة الدستور تؤسس لنظام ولاية الفقيه من نوع جديد، وذلك اذا قرأنا المادة الثانية من الدستور التي تنص على ان الدين الرسمي الاسلام، والاسلام هو المصدر الرئيسي للتشريع والفقرة الثالثة من هذه المادة هي ان لا يسن أي قانون يخالف ثوابت احكام الاسلام. وفي الفصل الثالث الذي يتعلق بالسلطة القضائية حول المحكمة الاتحادية العليا والمتكونة من خبراء في القانون وخبراء في الفقه الاسلامي، هذه المحكمة سيكون لها حق النقض على قوانين البرلمان العراقي لتمييز ما هو موافق او مخالف لأحكام الاسلام، وهذا بالضبط مستنسخ عما هو موجود في الدستور الايراني بما يعرف بمجلس صيانة الدستور الذي يضم 6 من الفقهاء و6 من القانونيين لتمييز ما هو اسلامي وما هو غير اسلامي في القوانين. وهذا يعني ان هناك اشخاصا غير منتخبين لهم حق النقض(الفيتو) على اشخاص منتخبين. في تصوري ان العراق لا يستوعب نظاما مثل نظام ولاية الفقيه (المتبع في ايران).
الملاحظة الثانية هي ان وزارة المالية وهي من الوزارات السيادية في الحكومة الاتحادية ببغداد ستكون من الوزارات الهامشية مهمتها التنسيق بين وزارات المالية في الاقاليم التي ستقرر ميزانياتها، وهذا سيضر بالوضع الاقتصادي العام.
الملاحظة الثالثة هي اني لست مع فيدرالية لعموم العراق، باستثناء فيدرالية الاكراد، أنا مع اقامة حكومة لا مركزية في بغداد، فالعراق بلد صغير ولا يسمح بتفتيت السلطة بهذه الطريقة.
> هل تتوقعون حدوث حرب اهلية في العراق مثلما تشير بعض التقارير الغربية؟
ـ تاريخ العراق لا يعرف حربا او تأزما اهليا. هناك انسجام اجتماعي في العراق. ولكن عندما تكون في البلد احزاب ولها جيوش وميليشيات وإذاعات وصحف ومصالح ولها دول تمولها ويرافق ذلك انهيار في اجهزة الدولة وغياب المؤسسات الامنية والسلطة القضائية، أي عندما تبلغ الدولة اضعف حالاتها، وللأسف هذه المواصفات تنطبق على العراق اليوم.(27/68)
يضاف الى ذلك تقسيم الحكومة وفق مبدأ المحاصصة فأصبحت هذه الوزارة لهذا الحزب وتلك لحزب آخر وصارت الاحزاب تتصرف بوزاراتها وكأنها مقاطعات خاصة بها لا علاقة لها بالدولة. وهنا تظهر خطورة الدور الاقليمي فهذه الدولة تمول هذه الاحزاب ودولة اخرى تمول احزابا ثانية وهكذا وقد تحدث حرب على ارض العراق بالنيابة للدفاع عن مصالح هذه الدول، ويتكبد اهل العراق الخسائر البشرية بالدرجة الاولى.
الحرب الاهلية لا تعني ان الشيعي يكره السني او العربي ضد الكردي وإنما هي حرب بين القوى المؤثرة محليا وإقليميا للدفاع عن مصالحها وبالنيابة عن مصالح الدول الممولة. من هذا المنطلق اقول نعم هناك احتمال كبير لحدوث حرب اهلية بالرغم من ان الشعب العراقي غير مهيأ لها او لديه الرغبة لخوض هذه الحرب.
> من هي اكثر الدول الاقليمية تورطا في التدخل بالشأن العراقي؟
ـ ايران بلا شك، وهذا أمر لا يمكن انكاره او اخفاؤه، وهناك سورية وتركيا ايضا تتدخل بالشأن العراقي، وربما اسرائيل تتدخل ايضا. ولكن الدولة الاكثر نفوذا داخل العراق بشكل واضح هي ايران.
> هل سترشحون في الانتخابات القادمة؟
ـ أنا سأدعم تحالفا وطنيا ليبراليا واسعا مثل التحالف الذي يترأسه الدكتور اياد علاوي بعيدا عن الطائفية والمذهبية. ومن المبكر الحديث عن ترشيحي للانتخابات.
تصاعد القتل الطائفي "وبدر" تستهدف من شاركوا في الحرب ضد إيران
القدس العربي ـ لندن ـ العدد 5069 12/9/2005
أظهرت إحصائيات عراقية أن عمليات القتل بهدف تصفية الحسابات قد تضاعفت في الستة أشهر الأخيرة، على الرغم من تزايد أعداد رجال الشرطة وقوات الأمن العراقية في شوارع المدن، وفي شهر تموز (يوليو) الماضي استقبلت مشرحة بغداد 1100 قتيل من بينهم 700 قتلوا لقضايا ثأرية.(27/69)
ولا تتوفر معلومات أكيدة عن العدد. وفي الوقت الذي انشغل فيه المسؤولون العراقيون بالدستور والخلافات حول صياغته فإن تصاعد القتل المستهدف، وعمليات تصفية الحسابات تهدد بحرب أهلية. ويلاحظ أن القتل الثأري بدأ يظهر وبقوة في الكثير من شوارع وأحياء العاصمة العراقية بغداد التي يعيش فيها السنة والشيعة.
ونقلت صحيفة "لوس انجليس تايمز" عن مسؤول طبي قوله أن الأعداد التي تستقبلها المستشفيات بسبب إطلاق الرصاص تتزايد بشكل حاد. ويتعقد الأطباء أن معظم القتلى بالرصاص أصيبوا بها بعد استهدافهم بعمليات اغتيال، نظرا لعدد الرصاص الذي يخترق أجسادهم، وخاصة حول الصدر وعند الرأس. ويقول طبيب أن فرق الاغتيال غالبا ما تستهدف الصدر.
وفي بعض الأحيان فإن القتل المستهدف يتحول إلى ما يشبه المذبحة، حيث عثرت الشرطة العراقية في أكثر من مرة على جثث مرمية في النهر أو عند محلات النفايات. وفي بداية شهر أيار (مايو) الماضي تصاعد التوتر الطائفي لدرجة كبيرة وتبودلت اتهامات بين ممثلين للسنة وميليشيات تابعة للأحزاب العراقية القادمة من الخارج التي وجهت إليها أصابع اتهام بالقيام بعمليات ثأرية، خاصة من أعضاء النظام السابق.
وقالت الصحيفة أن عائلات في أحياء مثل الغزالية تقوم ببيع بيوتها والانتقال لمناطق تعيش فيها أقليات اثنية منسجمة. ويقول مراقبون أنه في ظل الفرز الطائفي الذي أبرزته الحياة السياسية العراقية الجديدة بين شيعي وسني وكردي وتركماني، فإن مظاهر الحرب الأهلية بدأت تتوضح بشكل كبير.(27/70)
ويلاحظ مراقبون أن الفرز هذا بدأ يتضح في مؤسسات الدولة الجديدة، فوزارة الداخلية تسيطر عليها جماعة عبد العزيز الحكيم، وميليشيات بدر، فيما يعتقد أن غالبية الجيش ووزارة الدفاع من السنة والأكراد. ولوحظ أنه في عملية اجتياح الجيش الأمريكي لمدينة تلعفر جانب طائفي، حيث رفض السكان إخلاء المدينة خاصة حيها القديم بسبب وجود قوات الأمن العراقية "الشيعية" وانتشرت شائعة أن كل من يخرج من المدينة للجنوب فإن الشيعة سيقومون بقتله. وهناك عمليات قتل تتم بسبب خلافات حول بناء المساجد والحسينيات. وبدأت تظهر في الأحياء المختلطة، خاصة "الغزالية" وشعارات جدارية تهدد بأخذ الثأر من الشيعة أو السنة.
وتقول الصحيفة أن قوات بدر لديها قوائم لتصفية جنرالات في الجيش العراقي السابق، حيث قامت بسلسلة عمليات استهدفت عددا من قادة سلاح الجو السابقين. ويقول أبو عرب أن ميليشيات بدر تستهدف تحديدا الذين شاركوا في الحرب العراقية ـ الإيرانية، فأحد الطيارين الذين شاركوا في طلعات جوية فوق الأراضي الإيرانية تمت تصفيته. وفي حادث آخر، استهدف مسلح مصلين في مسجد أثناء صلاة الظهر، حيث فتح النار عليهم وقتل عددا منهم في بداية شهر آب (اغسطس) الماضي.
ونقلت الصحيفة عن عدد من سكان حي الغزالية الذين قتل أبناؤهم، حيث "لعنوا الحكيم وجماعته بدر"، أي عبد العزيز الحكيم رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق. وتنقل عن أحد المواطنين الشيعة في الغزالية قوله أن "الرئيس جورج بوش، قال بعد أيلول (سبتمبر) من ليس معنا فهو ضدنا، والسنة لا يشجبون العمليات فهم ضدنا".
مذبحة "تلعفر".. مخطط إبادة العرب السنة في العراق يتواصل
مجلة المجتمع ـ العدد (1669) ـ 17ـ 23/ 9/ 2005(27/71)
بعد مذبحة الفلوجة التي لم يمض عليها سوى أشهر قليلة تفجرت مذبحة أخرى للعرب السنة في مدينة تلعفر شمالي العراق على أيدي القوات الأمريكية وقوات عراقية معروفة بتوجهاتها وانتماءاتها.. وتتهدد مدن الرمادي وسامراء والقائم ومدناً أخرى ذات الأغلبية السنية مذابح أخرى وسط صمت العالم ودون أي احتجاج من الحكومات العربية والإسلامية.
وتأتي هذه المذابح ضد المدن السنية العراقية في إطار مخطط واضح للعيان لتدمير الحضور السني في العراق، وتبديد قوتهم وتشتيت تجمعاتهم ووضعهم تحت سيطرة آلة القهر والفقر والتهميش، في محاولة لإقصائهم عن الساحة السياسية في البلاد وإنهاء دورهم المشهود عبر تاريخ العراق.
ومنذ الاحتلال الأجنبي للعراق والعرب السنة مستهدفون.. فعلماؤهم وقادة عشائرهم ووجهاؤههم وشبابهم يتعرضون للقتل والاعتقال بصورة منتظمة، كما تتعرض مساجدهم ومؤسساتهم ومنازلهم للمداهمات والعبث بمحتوياتهم وترويع روادها وسكانها، الأمر الذي وصفته هيئة علماء المسلمين السنة أكثر من مرة بأنه "حملة شعواء لا مثيل لها في تاريخ إرهاب الدول".
ووصفت منظمة "هيومان رايتس ووتش" هذه الحملة بأنها: "انتهاكات متفشية ترتكب بشكل دؤوب على أيدي القوات العراقية"، وقالت عنها تقارير دولية أخرى: إنها عمليات منظمة تقع على أيدي مسلحين يرتدون زي الشرطة أو الجيش أو الوحدات الخاصة ويختفي بعدها المعتقلون ولا يعثر لهم على أثر أو يوجدون مقتولين".(27/72)
واليوم.. تحولت مدينة تلعفر إلى خراب في ظل المجزرة التي تقترفها القوات الأمريكية وقوات البشمركة الكردية وقوات المجلس الأعلى للثورة وفق أقوال النازحين. ويقول الصليب الأحمر الدولي في بيان رسمي: إن نسبة الدمار التي لحقت بالمدينة بلغت مستويات خطيرة وغير متوقعة، وأغلب القتلى من المدنيين لا يزالون تحت أنقاض المنازل التي هدمت على رؤوس ساكنيها. وقال الهلال الأحمر العراقي: إن 80% من السكان البالغ تعدادهم 300ألف نسمة نزحوا عن المدينة ويعيش معظمهم في العراء"... بينما ذكرت مصادر طبية أن المدينة تم قصفها بالأسلحة الكيماوية. وأكد شهود عيان أن عدداً من الجثث ظلت ملقاة على قارعة الطريق، وآثار التشوهات بادية عليها من أثر القصف الكيماوي.
ويؤكد الحزب الإسلامي العراقي أن التركيز في الهجوم ضد السنة على المناطق السنية في المدينة مستهدفاً الأبرياء والمساجد.
وهكذا تجري وقائع المذبحة الإجرامية الجديدة ضد السنة في تلعفر لتكشف ذلك المخطط القبيح الذي يستهدف المناطق السنية.
وبينما تجري مذبحة تلعفر في الشمال تقوم ميليشيات طائفية في البصرة بالجنوب بحملات تطهير، أدواتها الاغتيال والخطف ومصادرة المساجد والأوقاف السنية، وقد شهدت اغتيال العشرات من وجهاء السنة من شيوخ عشائر وأئمة مساجد ومثقفين وتجار وأطباء على يد فرق مدربة لا تترك خلفها أي أثر.
إن هذه المذابح وهذا التطهير العرقي المتواصل بحق العرب السنة في العراق يكشف الكثير من الحقائق ويسقط الكثير من الشعارات الزائفة التي تم الترويج لها بقوة قبل احتلال العراق وبعده، فقد روجت الولايات المتحدة أنها دخلت العراق لتحريره من طغيان صدام ودمويته، فإذا بها أكثر دموية من صدام وحكمه البائد!(27/73)
فما يجري اليوم يمثل جريمة بكل معنى الكلمة ولوناً من ألوان الإبادة الجماعية، فأين حكومات العالم العربي؟ وأين الأمم المتحدة ؟ وأين العالم الغربي المتشدق بحقوق الإنسان؟ وأين المنظمات الحقوقية والإنسانية؟ لماذا يلوذ الجميع بالصمت حيال هذه الإبادة الجماعية للعرب السنة؟!
إن ما يجري في العراق اليوم، إذا لم يتم تطويقه ووقفه، سيكون مقدمة لفتنة كبرى تعصف بالمنطقة بأسرها ـ لا قدر الله ـ وتضعها في دوامة من الحروب الأهلية، كما تضعها تحت مقصلة التقسيم والتفتيت، ولن يكون هناك فائز أو منتصر من أبناء المنطقة وإنما سيكون الجميع خاسرين والكاسب الأكبر هو المشروع الغربي الصهيوني الساعي لالتهام المنطقة بثرواتها وأرضها.
أضواء على طائفة المرشدية
محمد الأرناؤوط الغد 10/9/2005
في ربيع 2004 صدر في بيروت الجزء الرابع من مذكرات العماد مصطفى طلاس، وزير الدفاع المخضرم في سورية، الذي أثار اهتماماً كبيراً لكونه يتعرض لفترة الصراع على السلطة بين الشقيقين حافظ ورفعت الأسد في النصف الأول لعام 1984.
…ويوضح العماد طلاس في هذا الكتاب خفايا هذا الصراع وتطوراته، الذي انتهى في نيسان 1984 بانسحاب رفعت الأسد من سورية وفق اتفاق خاص. وفي هذا السياق ركّز العماد طلاس على موقف الطائفة المرشدية التي كانت تمثل مع الطائفة العلوية العمود الفقري لسرايا الدفاع وعددها 40 ألف جندي، التي كان يعتمد عليها رفعت الأسد، وكيف أن الموقف تحول فجأة بعد أن التقى الرئيس حافظ الأسد بأولاد الإمام سلمان المرشد، مؤسس هذه الطائفة، وأعلنوا الولاء له. ويعترف طلاس في كتابه المذكور أن إعلان ولاء أفراد الطائفة لحافظ الأسد قد شكل ضربة قوية لرفعت الأسد، حتى أنه يقول أن انسحاب أفراد الطائفة المرشدية من سرايا الدفاع "زعزع كيانها وهزّ بنيانها" (ص349).(27/74)
وقد تصادف أنه بعد عدة شهور صدر في مطلع 2005 كتاب جديد في بيروت يميط اللثام أكثر عن هذه الطائفة ألا وهو مذكرات أحمد السياف "شعاع قبل الفجر" التي حققها وقدم لها الباحث محمد جمال باروت. وعلى عكس الكتاب الأول، الذي لم يسمح له بالوصول إلى المكتبات السورية، فإن الكتاب الثاني حظي برواج كبير في الشهور السابقة مما أخرج هذه الطائفة لأول مرة من الظل والتعتيم إلى النور والتقييم.
ونظراً لأن الأمر يتعلق بطائفة كبيرة نسبياً، لا تقل عن الدروز في سورية، وتنتشر من الشمال (شمال اللاذقية) إلى الجنوب (حوارن)، كما تروج حولها الغوامض أكثر من الحقائق، يصبح من الضروري والمفيد التعرف عليها عن قرب.
تعود هذه الطائفة في بداياتها إلى سلمان المرشد (الذي يشتهر أكثر باسم سليمان المرشد) والذي يشاع عنه أنه ادعى الألوهية وأنه اعتقل لأجل ذلك وأعدم في نهاية 1946، وهو ما يأخذ به العماد طلاس نفسه ويكرره عدة مرات (ص347 وغيرها). ولكن جمال باروت في كتابه المذكور يكشف عن خلفيات سياسية لمحاكمة متسرعة للمرشد، الذي كان عضواً في المجلس النيابي عن محافظة اللاذقية، وأن قرار الاتهام والإعدام لم يتطرق أبداً إلى مسألة ادعاء الألوهية كما يشاع بل أنه أعدم بتهمة قتل زوجته والتحريض على قتل آخرين في المواجهة التي حصلت مع الدرك في قريته بنهاية 1946.
والملاحظة الأولى المهمة أن المرشدية كطائفة دينية قد انبثقت اثنياً وليس عقيدياً من الطائفة العلوية، أي أن المرشديين كانوا في بدايتهم من العلويين من ناحية الدم والعادات والتقاليد، ولا يزال هؤلاء يشكلون الأغلبية بعد أن انضم إلى المرشدية أفراد من مناطق وأديان أخرى. ولكن من الناحية العقدية فقد استقلت المرشدية تماماً عن العلوية وأصبحت طائفة دينية مختلفة عنها لها عقيدتها وطقوسها الخاصة.(27/75)
والملاحظة الثانية هي أن سلمان المرشد (1907-1946) كان قد لفت الأنظار إليه في 1923 عندما بشّر بقرب ظهور المهدي لـ"يملأ الأرض عدلاً" ودعا إلى إلغاء الكثير من العادات التي تمس سيطرة مشايخ العلويين على أتباعهم. ومع أن المرشدية يجلونه كزعيم وإمام لهم، إلا أن المؤسس الحقيقي للدعوة المرشدية هو ابنه مجيب المرشد(1930-1952) الذي أطلق الدعوة باعتباره "القائم الموعود" في 22 آب 1951. ولذلك يعتبر يوم 25 آب هو العيد الوحيد عند المرشديين، الذي يستمر ثلاثة أيام (25-26 آب) ويحتفلون به في تجمعاتهم.
وقد أشار مجيب قبل قتله في 27 تشرين الثاني 1952 في عهد أديب الشيشكلي -وبإيعاز منه كما يعتقد- إلى أخيه الأصغر ساجي المرشد باعتباره "الإمام ومعلم الدين". وبسبب هذه الظروف يعتبر ساجي المرشد (1932-1998) هو المؤسس الفعلي للطائفة المرشدية باعتباره بقي حياً حتى 1998، وهو ما أتاح له تأسيس "مدرسة الإمام ساجي" التي تخرج منها الكثير من الشباب الذين أخذوا المعرفة الجديدة منه وساهموا بدورهم في انتشارها.
والملاحظة الثالثة أن الإمام ساجي لم يوص لأحد من بعده، ولذلك يقال عند المرشديين أن الإمام ساجي غاب ولم يمت انطلاقاً من المعتقد المرشدي بأن موت الإمام غيبه. ومع وجود الأخ الأصغر له النور المضيء، الذي لا يتمتع بأية مكانة أو سلطة دينية، لم يعد هناك مرجعية دينية أو "رجال دين" عند المرشدية بل هناك شخص يسمى "الملقن" الذي يتم اختياره من قبل الجماعة المرشدية في المحلة التي يعيشون فيها، والذي يقتصر عمله لمرة واحدة على تلقين طقس الصلاة لكل من يبلغ الرابعة عشرة من عمره ذكرا أو أنثى.(27/76)
والملاحظة الأخيرة تعتمد على أول عملين علنيين عن الطائفة وضعهما النور المضيء نفسه ("محاورات حول الحركة المرشدية" و"لمحة خاطفة عن الحركة المرشدية") حيث يتم التركيز على أن المرشدية "دين وليست حزباً سياسياً ولا برنامجاً اقتصاديا ... فهي تعتني بطهارة السريرة وليس بقوانين الإدارة" وبالاستناد إلى ذلك ينفي النور المضيء أي ادعاء للألوهية عند سليمان المرشد بل انه "بشر بقيام المهدي، ونادى بقرب وفاء الله لوعده، وحضّر أتباعه لهذا الوعد"، وبذلك فهو "الإمام القائم الذي يقمه الله ليمثل رضوانه للناس حياة وعملاً ويتشخص في كل دور بشريا". ويبدو من هذين الكراسين أن المرشدية تنتمي للديانات الغيبية التي تعتبر الموت انتقالاً خلاصياً إلى حياة أخرى أسمى من الحياة على الأرض وخلاصاً من شرورها.
وأخيراً تجدر الإشارة إلى أن أبناء الإمام سلمان المرشد (ساجي ومحمد الفاتح والنور المضيء) بقوا في الإقامة الجبرية حتى 1970، حيث كانت المرشدية ملاحقة وكان كل مرشدي يقر بمرشديته يعتقل ويحاكم بتهمة الانتساب إلى جمعية سرية. ولكن بعد 1970، وبالتحديد بعد تسلم حافظ الأسد للسلطة في سورية، أطلق سراح الإمام ساجي وأخويه محمد الفاتح والنور المضيء من الإقامة الجبرية واكتسبت الطائفة حرية الدعوة والحركة كبقية الطوائف. وربما هذا يفسر موقف أفراد هذه الطائفة مرة أخرى في الصراع على السلطة في سورية خلال 1984، حين أعلنوا ولاءهم لحافظ الأسد.
إيران وأميركا مع العراق: جدلية النفوذ والتدخل
عطاء الله مهاجراني ( وزير إيراني سابق ) الشرق الأوسط 18/9/2005(27/77)
بعد احتلال الجيش الاميركي وقوات الحلفاء للعراق، كان تغيير النظام يبدو وكأنه نزهة شهر عسل، ولكن سرعان ما ظهرت عقبات وصعاب، ونشهد الان مواجهة العراق لعديد من المشاكل والكوارث. لقد كانت البداية في غاية السهولة، ولكن السيطرة اصبحت صعبة للغاية. وفي مثل هذا الوضع اتهم المسؤولون العراقيون المؤقتون ايران، وفي بعض الاحيان سوريا، بالتدخل في العراق. وقد نشرت مجموعة الازمات الدولية تقريرا حول هذا الموضوع بعنوان ايران والعراق، مدى التأثير؟
وأود مناقشة هذا المفهوم الحساس من وجهة نظر اخرى.
فعندما نحاول تفسير كل المفاهيم من زواية محدودة، اقصد زاوية أمنية او سياسية، نهمل عادة وجهة النظر الاخرى: «علمت شيئا وغابت عنك اشياء».
ويؤمن الامام محمد عبده ان السياسة تؤدي الى اشاعة الفوضى في كل شيء ليقول: «لعن الله السياسة ومن ساس ومن يسوس... وما دخلت السياسة في شيء الا افسدته».
ومن الواضح ان محمد عبده بالغ في دور السياسة، ولكننا نشهد عادة ان السياسة تهدد الفكر والثقافة. وعالمنا الذي نعيشه هو نتاج للسياسيين اكثر من كونه نتاجا للمفكرين والفلاسفة. ويتحدث السياسيون لغة تخلو من المشاعر والأحاسيس وينظرون للامور بطريقة باردة.
كيف يمكن لنا ان نفرق بين السياسة والثقافة؟ الفرق بين النفوذ والتدخل هو بالضبط نفس الفرق بين المفهومين. ومن هنا اود التركيز على المفهومين، النفوذ والتدخل.
خلال وجود الحكومة المؤقتة في الحكم، اتهم رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ووزير الدفاع ايران اكثر من مرة.
فقد قال غازي الياور: «لسوء الحظ، لقد اثبت الزمن والموقف، بلا ادنى شك، ان ايران متورطة في تدخل واضح وتتدخل يوميا في عديد من المحافظات، ولا سيما في جنوب شرق العراق».(27/78)
كما اتهم ياور ايران بإنها توجه المرشحين والأحزاب السياسية المتعاطفة مع طهران وتقدم كميات ضخمة من الاموال في الحملة الانتخابية للتوصل الى حكومة شيعية مشابهة لإيران. كما اتهم حازم شعلان وزير الدفاع العراقي السابق ايران بصراحة، وبكلمات غريبة بأنها العدو الاول لبلاده وتدعم الارهاب وتأتي بالأعداء للعراق، وقال: «لقد شاهدت تدخلا واضحا من اجل القضاء على الديمقراطية. وتحارب ايران العراق لأننا نريد تحقيق الديمقراطية والحرية، ويريدون تأسيس ديكتاتورية اسلامية وحكم رجال الدين المعممين في العراق».
وتحدث الملك عبد الله الثاني عاهل الاردن، وللمرة الاولى عن «الهلال الشيعي» الممتد من العراق الى سوريا ولبنان والخليج، حيث قال: «اذا ما تحول العراق الي جمهورية اسلامية، فقد خلقنا لأنفسنا مجموعة جديدة من المشاكل لن تكون مقصورة على حدود العراق».
كما اتهم محمد شهواني الذي كان رئيسا للاستخبارات العراقية ايران عندما قال: «تدخل الكثير من الاموال البلاد. وينفق المتمردون ملايين الدولارات، لذا لا بد من وجود موارد ضخمة من خلفهم. ولا يتوقف الامر على الاموال. ولكن ايضا على الاسلحة التي تعبر من الحدود الايرانية. وليست لدينا ادلة حتى الان، فلم نعثر على شاحنة بها ملايين الدولارات او كميات من الاسلحة، ولكن من المنطقي ان ايران تقف وراء ذلك».(27/79)
هذا صحيح، لا يوجد دليل، ولكن لدينا تفسيرات سياسية، او احكام مسبقة بخصوص تدخل ايران. وحسب علمي فإن اغلبية شعب العراق من الشيعة، ولذا من المنطقي فوزهم في كل انتخابات، هذه هي الديمقراطية. وقد ذكر اية الله سيستاني انه من الضروري ان يكون الرئيس العراقي من الاكراد، وهذا اكثر من ما تتطلبه الديمقراطية. وفي ايران مثل العراق يمثل الشيعة الاغلبية، وفي العراق يتراوح نسبة الشيعة ما بين 60 الى 65 في المائة من اجمالي السكان وفي ايران يمثلون 90 في المائة، وهم الخلفية الرئيسية للنفوذ، النفوذ القائم على الافكار والمثاليات، والقائم على التاريخ المشترك، والثقافة المشتركة والعلاقات بين الدولتين. وعلى العكس يعتمد التدخل على القوة العسكرية او الاحتلال من قبل دولة اخرى.
وخلال الاف من السنين عاش الايرانيون والعراقيون جنبا الى جنب. لقد كانت تسفون وهي الان المدائن عاصمة الدولة الساسانية وهذه المدينة الشهيرة موجودة في العراق. وفي عهد العباسيين امتزجت الثقافتان معا، ولعبت كل من الدولتين دورا هاما في الحضارة الاسلامية. وكل شخص سمع عن «الف ليلة وليلة»، وراوية الاحداث هي شهرزاد وهي فتاة ايرانية تريد التحرر.
وعندما تتمتع دولتان مثل ايران والعراق بتاريخ مشترك وحدود طويلة تصل الى 1500 كيلومتر، فهذه عناصر مشتركة للنفوذ. وشكرا للتاريخ والجغرافيا اللذين اختارا الدولتين والامتين للتعايش.
وبالإضافة الى ذلك، فإن الايرانيين والعراقيين، كانوا يقفون في نفس الجبهة ضد نضام صدام لأكثر من خمسة عقود. فعلى سبيل المثال فإن اكراد العراق. اقصد حزب طالباني وحزب البرزاني، كانوا على علاقات وثيقة للغاية مع ايران، والحزب الشيعي ايضا، فمعظم النشطاء فيه عاشوا في ايران لأكثر من عقدين.(27/80)
واعتقد ان موقف ايران فيما يتعلق بالعراق متناقض. فإيران تدافع عن استقلال العراق، واستقراره ووحدته. ومن ناحية اخرى لا تريد ايران تحقيق هذا الاستقرار برعاية القوات الاميركية. كما ان ايران قلقة بشأن الاستقرار في العراق، لان الازمة في العراق يمكن ان تؤدي الى تفكك العراق.
فكيف يمكن لإيران ان تحل هذه الصيغة المعقدة؟
يقول سعد الشاعر الايراني الشهير: «اضرب رأس الحية بيد العدو».
الا ان ايران لا تريد عدوا قويا نجح في اسقاط صدام وطالبان، عدوا قويا الى جوارها. واعتقد ان ذلك هو العنصر الرئيسي للسياسة الايرانية في العراق، فإيران تحتفظ بالعديد من الاوراق لتستخدمها في هذا السيناريو، ولكن الولايات المتحدة تجاهلت الامر وتمانع من دور لايران. ما أود قوله هو ان النفوذ هو ثمرة التاريخ وليس ناتجا للعمليات العسكرية.
خطة إيرانية ـ عراقية لزعزعة الكويت
الكويت ـ جاسم الشمالي الوطن العربي ـ العدد 1486 -26/8/2005
يخص مراقبون دبلوماسيون الكويت بتوقعات متشائمة إذا ما توفي أميرها الشيخ جابر الأحمد الصباح فجأة، ويشيرون إلى وجود مخطط إيراني ـ عراقي لزعزعة الاستقرار في الكويت سيكون إعلان وفاة الأمير بمثابة دعوة لانطلاق تحرك واسع يشارك فيه شيعة الكويت وأبناء فئة "البدون" وبعض ضباط الجيش الكويتي، والحرس الوطني لفرض واقع جديد يؤدي إلى تغييرات في الحكم الكويتي ويؤكدون أنه جرت اتصالات مع أحد الأعضاء الشباب من الجيل الثاني من الأسرة الحاكمة، لدعمه في تولي الحكم إذا ما نجح التحرك الذي يهدف في النهاية إلى جعل الكويت وجنوب العراق منطقة نفوذ إيراني متجانسة.(27/81)
ووفق هذه الخطة تقوم قيادات عراقية قريبة من طهران وقيادات إيرانية، من مؤسسة الملالي والحرس الثوري، باتصالات مع شخصيات كويتية من الطائفة الشيعية ووجهاء من فئة البدون، مستغلة شعورهم بعدم الرضا إزاء ما يسمونه بالغبن اللاحق بهم من حكم آل الصباح، لتحريضهم على تنسيق تحرك مشترك لزعزعة الاستقرار وهزّ أركان الحكم في الكويت، عندما تتوفر الظروف الملائمة لذلك.
شيعة و "بدون"
وانسجاماً مع الخطة فإن قيادات شيعية محددة في الكويت تجري التحضيرات اللازمة وتعبئ النفوس لمثل هذه اللحظة عبر الحسينيات. وتعتمد أيضاً على دعم آلاف العمال الإيرانيين الذين يعملون في الكويت، وكثير منهم مهاجرون غير شرعيين أتوا تسللاً عبر البحر، وهم يدينون بالولاء للحرس الثوري الإيراني، ويقول هؤلاء إن شيعة الكويت الذين يمثلون ثلث السكان تقريباً، لا يحصلون على حصص عادلة في مؤسسات الدولة التنفيذية والتشريعية، إضافة إلى استبعادهم من المناصب القيادية في الأجهزة الحساسة مثل الجيش وقوى الأمن الداخلي.
وفي المعلومات أيضاً أن القيادات الشيعية المعنية أجرت اتصالات مع شيوخ من وجهاء البدون الذين ينتمون إلى قبائل عربية وبعضهم من الشيعة ولهم امتدادات قبلية في العراق، لتنسيق المواقف ضد ما يسمونه تعسف آل الصباح، وقطعت هذه القيادات وعوداً بإنصاف البدون ومنحهم الجنسيات إذا نسقوا معهم في أي تحرك مقبل لما يسمى "تعديل ميزان الحكم".(27/82)
ويبلغ عدد "البدون" المقيمين في الكويت نحو 120 ألف شخص، ويقدر عدد المبعدين من هذه الفئة خارج الكويت بنحو 240 ألفاً، ويرغب الكثيرون منهم في العودة إلى البلد ولكن الحكومة لا تسمح لهم بذلك. ويشار بتعبير "البدون" ـ أي من بدون جنسية ـ للأشخاص الذين أقاموا في الكويت فترة طويلة وأصبحوا مؤهلين لاكتساب الجنسية الكويتية بموجب أحكام قانون الجنسية 15/1959، ولكن الحكومة ترفض منحها إياهم، ولذلك فهم يعيشون بلا هوية ولا يملكون حقوقاً في التعليم والعلاج والعمل، وتمارس ضدهم الحكومة سياسة تطفيش. وهكذا حولهم الظلم إلى بؤرة للانفجار.
وتقول المعلومات أيضاً إنه جرت اتصالات مع ضباط في الجيش من اتجاهات معينة لمعرفة مدى استعدادهم للمشاركة في التحرك الذي يتم التحضير له، إذا ما جوبه هذا التحرك بالقوة وتحولت الأمور إلى العنف. ومن هنا تشير المعلومات إلى خطورة التحول في هذا الاتجاه، باعتبار أن بعض العناصر من "البدون" يخفون أسلحة من مخلفات الغزو العراقي في الصحراء الكويتية الشمالية، حيث يتمركزون بصفة خاصة في "الجواخير" المخصصة لماشيتهم، وقد سبق للشرطة الكويتية أن اكتشفت بعض هذه المخازن، ولكن الجزء الأكبر منها مازال بعيداً عن الاكتشاف.
فراغ في هرم الحكم
وتحذر المصادر الدبلوماسية من أن الفراغ في قمة هرم الحكم، يشجع على هذه التحركات السلبية فأمير البلاد مريض وعاجز عن ممارسة مهام الحكم، وتقول المصادر الطبية إن إصابته بجلطة في المخ التي عولج منها في الولايات المتحدة، حدت من قدراته، كما أن ولي العهد الشيخ سعد العبد الله الصباح مريض ومصاب بمرض في ساقيه وبسرطان المعدة، ولذلك فإن رئيس الوزراء الشيخ صباح الأحمد الجابر "74عاماً"هو الذي يتولى الحكم.(27/83)
هذا الموقف أوجد شقاقاً في الأسرة الحاكمة بين آل الجابر وآل السالم. مع العلم بأن فرع آل السالم الذي ينتمي إليه ولي العهد حاول اختراق التغيير الهيكلي في تبادل السلطة بإرسال ولي العهد لفترة زمنية محددة لمواصلة العلاج في لندن، وهذا القرار حسب محللين عالمين بالشأن الكويتي يغلق الباب أمام قرارات كان من المحتمل أن يتخذها مجلس العائلة في غياب أحد رجاله الكبار وهو الشيخ سعد بينما أشارت معلومات أخرى إلى أن تغييرا ما سيتم التفاهم عليه بين مجلس عائلة الحكم، وقد يقود إلى إعلان البيعة للشيخ صباح الأحمد أميراً للبلاد خلفاً لشقيقه المريض الذي قد يعلن تنازله عن الحكم أو المناداة بالشيخ صباح ولياً للعهد خلفاً للشيخ سعد العبد الله.
وكان مجلس الأسرة الحاكمة ينوي في الشهر الماضي إجراء تغييرات في الهرم القيادي الذي قد يأتي بصباح الأحمد أميراً للبلاد أو ولياً للعهد، على أن تناط ولاية العهد للشيخ الدكتور محمد السالم الصباح، الذي هو (حفيد) آخر أمير كويتي من آل السالم قبل تولي فرع آل الجابر مقاليد البلاد، منذ تولي الشيخ جابر الأحمد الصباح مقاليد السلطة في أواخر سبعينيات القرن الماضي.
هذا الوضع المتشابك المرتبط بصحة الأمير وولي عهده، خلق ضعفاً في قمة الهرم، فعملية نقل السلطة لن تكون سهلة إذا ما حل مكروه بأمير البلاد. ولذلك فإن أصحاب المخطط العراقيين والإيرانيين وجدوا أن أفضل وقت لبدء تحرك الشيعة مع "البدون" هو لحظة إعلان وفاة أمير البلاد، للاستفادة من الاضطراب في مركز القرار الذي سيتبع إعلان الوفاة، وخاصة إذا لم تتضح الصورة حول من سيكون الأمير ومن سيكون ولي عهده.(27/84)
وتحسبا لهذه النقطة، فإن المعلومات تكشف عن أن اتصالات جرت بين المخططين وأحد الشيوخ الشباب من الجيل الثاني، وهو ينتمي لآل السالم الذين حل دورهم في تولي الإمارة، لدعمه ليصبح أميراً للبلاد في ظل نظام جديد يمنح البدون حقوقهم كمواطنين وبالتالي يصبحون قوة سياسية مؤثرة، ويمنح الشيعة دوراً أكبر في الحكم، يؤهلهم مع "البدون" لتمهيد الأرض الكويتية للنفوذ الإيراني.
ويعتمد المخططون على أن الولايات المتحدة لا تمانع في أن يأتي نظام كويتي جديد أكثر تمثيلاً لفئات شعبه مثلما فعلت في العراق. وبالنتيجة ـ وحسب رأي المراقبين ـ فإن المشروع كله مرتبط بالقدر، أي بالتطورات الصحية لأمير البلاد وولي عهده، وكذلك بقدرة الأسرة الحاكمة على الوصول إلى تسوية مرضية لطرفيها الرئيسيين آل الجابر وآل السالم.
شيعة مصر يطمحون إلى حزب سياسي لا يستبعد الأقباط والسنة
نفى شيعة مصريون في المجلس الأعلى لرعاية آل البيت ما أثير حول اعتزامهم تشكيل حزب شيعي يسمى حزب شيعة مصر، مؤكدين أن هذا الإعلان لم يصدر عن المجلس الأعلى لرعاية آل البيت، أو أي من المنتمين إليه، وإنما جاء من خلال صحف حكومية مصرية، في إشارة إلى صحيفة روز اليوسف التي نشرت النبأ, وأكدوا أنهم لو اعتزموا إعلان حزب فسيكون حزبا سياسيا عاديا غير شيعي أو ديني، ويضم كافة المذاهب والمسيحيين.
وقال المجلس الأعلى لرعاية آل البيت، وهو هيئة شيعية مصرية أعلنت عن نفسها مؤخرا، في بيان، أن الإعلان عن حزب للشيعة في مصر لم يأت من خلال المجلس الأعلى لرعاية آل البيت أو أي من المنتمين إليه، وإنما جاء من خلال النظام ممثلا في صحيفته روز اليوسف التي اتهمها البيان بأنها هي التي نشرت الخبر ونسبته للمجلس، ووصف هذا بأنه أمر محسوب الأهداف محدد المقاصد.(27/85)
إلا أن المجلس الأعلى شدد على أن المجلس حال توافر معلومات مؤكدة لدية بنوايا حكومية صادقة سوف يعلن عن الحزب الشيعي المصري باسم غير الاسم الذي اختاره النظام للحزب الذي أعلنوا عنه حزب شيعة مصر، كما أن المجلس يدرس عدداً من الأمور في هذا الصدد، وحال الوصول إلى قرار سوف يعلن عنه، حسب ما قال البيان.
وقال إن الحزب حال السماح به، فإنه سيكون حزبا سياسيا وسيقتصر تناول الجانب الديني فيه على لجنة الدعوة الدينية على غرار لجان باقي الأحزاب، وستتميز اللجنة الدينية في الحزب المزمع بتضمنها تكوينات لمذاهب غير شيعية، بالإضافة إلى أشقائنا الأقباط على النحو الذي سيعلن حال تبدد الظلام القائم والسماح بالحريات وإعطاء الحقوق المستحقة لنمضي في مشاركة شعبنا وأمتنا والإنسانية نحو ترسيخ قيم الخير والحرية والعدل والمساواة وحقوق المواطنة المتساوية بعيدا عن الفئوية والعائلية والشللية والمناطقية.
ولحظ حرص البيان الذي أصدره المجلس الأعلى لرعاية آل البيت على تهدئة المخاوف التي ظهرت في صورة تعليقات على شبكة الإنترنت تعليقا على خبر قرب تدشين حزب للشيعة، حيث أكد البيان على أن تخوف البعض من وجود حزب شيعي في مصر تجنبا لما أسموه بالفتنة الطائفية هو ما يروج له النظام الذي دأب على اللعب بهذه الورقة شأن باقي المفلسين الذين ترعبهم الحرية ورياحها التي تقتلع الفساد والبطش والقهر والضاربين في الأرض بغير هدى.
وقال ليس للمجلس ارتباطات بإيران، وإن كانت، فهذا أمر لا يعيب، خاصة أن إيران موقع اقتداء لتجمعات إسلامية غير شيعية تؤمن بأننا جميعا نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأن علم إيران يجسد التوجه الإسلامي أكثر من تجسيده لدولة آل البيت عليهم السلام، ويبرز ذلك في مواقف قوى وحركات إسلامية غير شيعية في المنطقة العربية والعالم الإسلامي.(27/86)
كما أكد بيان المجلس أنه يخطئ من يعتقد أن المذهب الشيعي الجعفري يقوم على سب الصحابة ونشر مظلومية آل البيت عليهم السلام ونأمل من الجميع عدم الاكتفاء بالثقافة السماعية السطحية عن الشيعة الذين واجهوا، ولا يزالون، حروبا نفسية وتحريضية وتلفيقات عقائدية وتاريخية حتى وصل الأمر إلى اتهامهم بإهدار سنة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
وقد رحب المجلس الأعلى لرعاية آل البيت في بيانه بتصريحات محمد مهدي عاكف مرشد الإخوان المسلمين، التي رحب فيها بحزب للشيعة في مصر، قائلا إن المجلس يثمن هذه المواقف عاليا.
وكان محمد الدريني رئيس المجلس الأعلى لآل البيت نفى أيضا أنه تقدم للجنة شؤون الأحزاب بهدف تكوين حزب سياسي بمرجعية دينية تحت اسم شيعة مصر، واعتبر أن الزج باسم الشيعة في موضوع الأحزاب السياسية يمثل رسالة من النظام إلى الخارج مؤداها أن مصر قد تقبل بوجود أحزاب سياسية دينية لإثبات ديمقراطية النظام في التعامل مع قضية الدين، وأن هناك رسالة أخرى إلى الداخل، وخاصة الإخوان المسلمين، بأنه في حال السماح لهم بتكوين حزب سياسي سيسمح للشيعة وطوائف أخرى أيضا بتكوين أحزاب سياسية.
وأكد الدريني أن الشيعة سينضمون إلى حزب الإخوان إذا لم يسمح لغيرهم بتكوين حزب سياسي في مصر، باعتبار أن الشيعة والإخوان تربطهما أرضية دينية واحدة.
وكانت صحيفة روز اليوسف ذكرت في السابع عشر من أيلول 2005 أن محمد الدريني رئيس المجلس الأعلى لآل البيت ووكيل مؤسسي حزب شيعة مصر قال لها إنه سيتقدم بأوراق الحزب إلى لجنة شؤون الأحزاب عقب الانتهاء من صياغة البرنامج وبلورة الأفكار في شكلها النهائي، مؤكدا أن برنامج الحزب الجديد سوف يتميز عن بقية أطروحات الأحزاب الموجودة على الساحة المصرية، وأهم ما فيه هو حرية الاعتقاد وإعادة بناء الاقتصاد وتوازن العلاقات الإقليمية خاصة مع إيران، وأنه يقبل انضمام الأقباط لحزبه.(27/87)
وشدد الدريني على أن الحراك السياسي الذي تشهده مصر دفعه للتفكير في هذا الأمر الذي ظل يراود شيعة مصر ( حوالي 700 ألف وفق إحصاءات أمريكية تؤكد المصادر المصرية أنه أقل من ذلك بكثير) طوال السنوات الماضية لإعلان حزب شرعي يعبر عن شيعة مصر.
قدس برس
25/9/2005(27/88)
مجلة الراصد الإسلامية
العدد الثامن والعشرون – غرة شوّال 1426 هـ
فاتحة القول: رسالة إلى أهل السنة..................................................4
1-…فرق ومذاهب: الجمهوريون في السودان.................................7
2-…سطور من الذاكرة: الشيعة يصرفون الإمامة...........................13
3-…دراسات الأحباش وقتل الحريري.......................................16
4-…دراسات مواقف المفكرين والعلماء من الشيعة 12 الطاهر بن عاشور..21
5-…كتاب الشهر: نشأة الحركة الإباضية....................................25
6-…قالوا...................................................................32
7-…جولة الصحافة:
-…تقويم الكساء............................................................39
-…عاصفة الحوثيين لم تهدأ بعد............................................50
العراق
-…الإمبراطورية الفارسية..................................................59
-…العراق... هل غشمرتنا المرجعية........................................62
-…ثورة في الجنوب........................................................66
-…حقائق العراق الجديد....................................................68
-…مقابلة مع هوشيار زيباري..............................................70
-…هذه حقيقة بيان جبر صولاغ............................................77
-…وانطلقت الأبواق........................................................79
-…الميليشيات تتمتع بسلطات قوية.........................................81
إيران
-…القائد والغليون..........................................................84
-…خامنئي يفوض رفسنجاني جزءا من سلطاته الرقابية....................88
-…دمشق وبغداد وحزب الله ثمناً لشرعنة التصنيع النووي الإيراني.........92
متفرقات(28/1)
-…العلويون الأتراك يعتزمون تقديم ألفي شكوى طلبا للاعتراف بمذهبهم....94
-…العلويون في تركيا يطاليون بإعفائهم من دراسة الدين الإسلامي.........95
-…النفخ في العقائد الباطنية المنحرفة......................................96
-…سورية تحشد...........................................................98
-…طائفة الحفاة في مالي..................................................102
-…لكن أبو عدس لا بواكي له.............................................104
-…ناشطات وداعيات شيعيات..............................................106
فاتحة القول 28
رسالة إلى أهل السنة
من المعلوم أن أهل السنة هم أكثرية المسلمين في مقابل طائفة الشيعة والغلاة الذين انبثقوا عنها من الإسماعيلية والنصيرية والدروز قديماً والبابية والبهائية حديثاً وبعض الطوائف المارقة كالقاديانية وهؤلاء لا تتجاوز نسبتهم في المسلمين 20%.
وأما أهل السنة الذين يشكلون الغالبية العظمى من المسلمين ففيهم :
1.…أصحاب الفهم والالتزام الصحيح بالإسلام ولو بالجملة .
2.…أصحاب الأفهام الخاطئة للإسلام كالصوفية والمتنطعين.
3.…عوام المسلمين المفرطين في إسلامهم .
4.…حكام المسلمين الذين لا يعلنون عقائد منافية للإسلام .
ولكل أهل السنة هؤلاء نوجه هذه الرسالة وذلك لما نراه جميعاً من تفرق كلمتنا وضعف قوتنا وتنازعنا واختلافنا ، وذلك لنخطو خطوة على طريق الإصلاح الحقيقي الذي يكفل لنا العزة و الكرامة .
نخاطب أهل الاستقامة فنقول الواجب عليكم المسارعة لتبصير المسلمين بدينهم و المخاطر التي يواجهونها وعليكم كذلك إذا تباينت آراؤكم في ما ليس فيه نص شرعي عدم الاختلاف مع بيان كل قوم رأيهم ، وإننا لنعجب من قدرة بعض أهل السنة على فتح القنوات والحوار مع بعض المرتدين والكفار الأصليين والوصول لقواسم مشتركة في بعض المواقف ويعجزون عن ذلك مع إخوانهم من أهل السنة !!؟(28/2)
وموقف الحزب الإسلامي في العراق من تعديل مسودة الدستور نموذج ظاهر ألم يكن من الممكن التنسيق مع قوى أهل السنة الأخرى أو إعلامهم بخطوتكم بدلاً من صدمة إخوانكم وردة الفعل تجاهكم .
متى نتعلم التعاون و التنسيق بدل الأنانية و النظرة الشخصية ؟
وكذلك متى نتعلم أن لا نعالج الخطأ بردة الفعل المتهورة ؟ من حرق مكاتب الحزب الإسلامي ؟
فهاهي نتائج الاستفتاء قد أعلنت ويغلب عليها التزوير خاصة في محافظة نينوى فهل نأمل أن يكون لأهل السنة الآن موقف موحد لمعالجة الموقف بدلاً من التعاتب على ما فات والتشتت مرة أخرى وضياع حقنا من جديد ؟
يجب أن ينضج أهل السنة للوصول إلى أساليب تحفظ الجهود من التشتت والضياع أو التنافس المضر بالجميع ولا يزال المرء يحزن للصراع السني الذي استفاد منه شيعة الإحساء في انتخابات البلدية .
أما أهل السنة المنحرفون عن الجادة بإفراط أو تفريط فنقول لهم كفى إضاعة للجهود وبعداً عن المقصود فلا نشك في صدق نواياكم لكن إذا حرمتم الصواب والسنة فلن تستفيدوا شيئاً سوى أن تخدموا للأسف خطة عدوكم كما هو معلن اليوم من استخدام التصوف في حرب أهل السنة أو استدراج " المجاهدين " للصدام مع علمائهم وحكامهم .
أما عوام المسلمين المفرطين فنقول لهم اتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله في الآخرة واتقوا حقد عدوكم الذي لا يفرق بينكم وبين إخوانكم فالتتار قديماً واليهود حديثاً يقتلون كل سني لأنه مشروع مسلم صادق يرفض باطلهم .
أما حكام المسلمين فنقول لهم اتقوا الله في ما ولاكم عليه واعلموا أن قوتكم في دينكم وأن عدوكم يسعي لبث الفرقة بينكم وبين أهل الصلاح من رعيتكم .
وأنكم في عالم قد انحاز فيه كل أهل دين لدينهم فلا تكونوا مضيعين لدينكم ويجب عليكم المبادرة للدفاع عن الإسلام وأهله .(28/3)
و نثمن كل الجهود التي بذلت منكم لنصرة أهل السنة في العراق مع عتبنا عليكم لتأخركم في ذلك مع تأكيدنا على وجوب أن تثمر جهودكم نصرة حقيقية للإسلام وأهله .
وعلى جميع أهل السنة أن يتعاونوا ويتكاتفوا فهناك الكثير الكثير مما يحتاج جهودنا معاً.
فرق العدد 28
فرقة الجمهوريين في السودان
في العدد الماضي من الراصد، تحدثنا عن فرقة القرآنيين التي ظهرت في الهند، في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، ومنها إلى بعض الدول الإسلامية، ويقوم فكرها أساساً على نبذ السنة النبوية، واستبعادها كمصدر من مصادر التشريع، أو اعتبارها المصدر الثاني للشريعة الإسلامية بعد القرآن الكريم قائلين أنه يكفي الاعتماد على القرآن الكريم، ولا حاجة لنا بما سواه.
ونتيجة لذلك المنهج، جاءت أفكار وتصورات القرآنيين مشوشة مضطربة، بعيدة عن مرادها، فأدخلوا في الدين ما ليس منه، وضلوا وأضلوا.
وفي هذا العدد نعرِّف بفرقة أخرى تتقاطع في بعض أفكارها وأسلوب تفكيرها مع القرآنيين ألا وهي فرقة الجمهوريين في السودان التي يمثلها (الحزب الجمهوري) الذي أسسه محمود محمد طه سنة 1945.
تبنى هذا الحزب فهماً خاصاً للقرآن والإسلام، امتزج بالأفكار الاشتراكية، والصوفية الغالية، والفلسفات المختلفة، مع شيء من الغموض، ليخرج بالنتيجة التي خرج بها القرآنيون من قبل، صرف آيات القرآن وأحكام الإسلام عن مرادها، وإنكار كثير مما علم من الدين بالضرورة.
نشأتها وتطورها:
الفرقة الجمهورية في السودان يمثلها الحزب الجمهوري الذي تأسس في 26/ 10/1945م، على يد المهندس محمود محمد طه، المختلف في سنة ولادته( ) وقد اختير طه أول رئيس للحزب الذي نشأ في زمن الاحتلال البريطاني للسودان.(28/4)
وكانت بداية هذه الجماعة مشابهة للظروف التي أسهمت في ظهور الأحزاب السياسية السودانية، لكن هذه الفرقة أو الجماعة كانت علمانية الاتجاه بصورة واضحة. وقد أعلن زعيمها محمود طه في كتاباته الأولى أن الإسلام ليس بمفلت من التشكيك، ويجب أن يوضع على منضدة البحث العلمي لرفض ما لا يتناسب مع العصر، عن طريق تأويل النصوص التي لا تتماشى مع القرن العشرين كنصوص الجهاد والعبادة - حسب اعتقاده-.
ومع أن اتجاه هذه الجماعة كان واضحاً منذ البداية، إلاّ أن زعيمها حاول أن يصبغها بصبغة دينية حتى يجد سنداً شعبياً في بلد يدين معظم أهله بالإسلام، وينتشر فيه التصوف، لذلك كان لافتاً استدلاله بالآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، فيما يدعو إليه، محاولاً تكييفها تكييفا يناسب منهجه وأفكاره.
وظهرت فرقة الجمهوريين باتجاهها الباطني( ) المخالف للإسلام سنة 1965، وهو العام الذي أعلن فيه زعيمهم بأنه استقام له أمر نفسه، وأصبح على مشارف الوصول للمعية بالذات( ).
وعندها خرج من جماعة الجمهوريين عدد من الأشخاص بعد أن أصبحت فرقة باطنية، كما دخل فيها آخرون إعجاباً بتأويله للخطاب الديني. وقد نجح طه في ملء فراغ أتباعه الفكري، بفكره التلفيقي الذي جمعه من أفكار وفلسفات الفرق الباطنية في القديم والحديث، ومن الفلسفات الإلحادية والمذاهب المعاصرة.
وكانت نهاية زعيم الجماعة أن أعدم في 18/1/1958 بتهمة الردّة والزندقة، بعد أن أمهل ثلاثة أيام ليتوب من أفكاره المنحرفة، لكنه لم يتب، وقد انحسر عدد أتباعه بعد إعدامه، إضافة إلى انتشار الصحوة الإسلامية في السودان.
وكان طه قد ألف عدداً من الكتب التي تبين منهج فرقته، ورؤيته للإسلام، منها:
1ـ قل هذه سبيلي، وهو أول مؤلفاته، صدر سنة 1952م.(28/5)
2ـ أسس دستور السودان، صدر سنة 1955، قبيل استقلال البلاد، ونادى فيه بقيام جمهورية رئاسية، فيدرالية، ديمقراطية، اشتراكية. وهو كتاب نادر الوجود إذ يعمل الجمهوريون على إخفائه من الأسواق.
3ـ الإسلام، صدر سنة 1960. ويعتبرونه الكتاب الأم "للدعوة الإسلامية الجديدة" .
4ـ طريق محمد، ورسالة الصلاة، والرسالة الثانية من الإسلام. وقد صدرت هذه الكتب الثلاثة خلال عامي 1966ـ 1967.
5ـ التحدي الذي يواجه العرب، وكتاب "مشكلة الشرق الأوسط"، ويفتخر الجمهوريون بأن زعيمهم محمود في كتابه الأخير كان "أول من دعا العرب للدخول في سلام مع إسرائيل ليوجدوا هدنة يبحثون في أثنائها أسباب مشكلتهم الحقيقية بدلاً من الدخول في عداوات لا طاقة لهم بها مع إسرائيل ومع الغرب مما يدفعهم في أحضان الشيوعية الدولية.."( ).
أهم أفكارها:
تبنت فرقة الجمهوريين التأويل الباطني منهجاً، فصرفت الآيات عن مرادها، وابتدعت فهماً خاصاً للإسلام. وقد أخذت أفكارها من عدد من المذاهب والفلسفات.
1ـ عقيدتهم في الله: يزعم محمود طه أن اسم (الله) تبارك وتعالى يطلق على معنيين:
ـ معنى بعيد: وهو ذات الله الصرفة، وهي فوق الأسماء، ولولا أنها تنزلت في مراتب الوجود المختلفة لما عرفت. فكلمة (الله) عند الجمهوريين في معناها البعيد ليست إلاّ إشارة بسيطة غامضة، لا يمكن أن توصف، ولا تسمى ولا تعرف إلاّ بعد تنزلها.
ـ معنى قريب: هو المحدث الكامل أو الإنسان الكامل، وهي مرتبة البشر الكامل!
وقد أوّل الجمهوريون جميع الأحاديث التي تتحدث عن الرؤية، أو نزول الله إلى السماء الدنيا. فصفات الله عند الجمهوريين إنما هي صفات الإنسان الكامل أو الحقيقة المحمدية أو التعيين الأول للذات الإلهية، أو التجسد الأول.(28/6)
ويعتبر طه أن الشرك هو "الكبت الذي انقسمت به النفس الإنسانية إلى عقل واع وعقل باطن بينهما تضاد وتعارض". أما التوحيد فيقول عنه: "ولا يكون الفكر مسدداً ولا مستقيماً إلاّ إذا أصاب نقطة التقاء الضدين: العقل الواعي والباطن هذا هو التوحيد".
2ـ عقيدتهم في الإسلام: الإسلام عندهم هو مذهبهم الجمهوري. فقد جاء في كتابهم ( الجمهوري والمهاجر الاكتوبري): "إن الإسلام ليس غير الفكرة الجمهورية، ذلك بأن سائر المسلمين بفرقهم المختلفة ليسوا على شيء".
ـ ويقول طه عن الإسلام: "الإسلام في أصول يحوي شريعة الإنسان، لكنه في فروعه لا يزال يحوي بعض السمات الملطفة من قانون الغابة".
ـ ويقول طه بأن مستوى شريعة الأصول هو مستوى الرسالة الثانية من الإسلام وهي الرسالة التي وظف حياته للتبشير بها والدعوة إليها.
ـ ويشير إلى أن الشيوعية تختلف عن الاشتراكية اختلاف مقدار، فكأن الاشتراكية إنما هي طور مرحلي نحو الشيوعية، ولقد عاش الرسول صلى الله عليه وسلم الشيوعية في قمتها، كما يذكر ذلك في كتابه (الرسالة الثانية) ص 147.
وقد جعل طه إحدى الأهداف التي يسعون إليها (المساواة الاقتصادية)، وهي التي تبدأ بالاشتراكية، وتتطور نحو الشيوعية.
3ـ عقيدتهم في القرآن الكريم: يعتقد الجمهوريون بأن لكل كلمة من كلمات القرآن الكريم معنى قريباً، وآخر بعيداً:
ـ المعنى القريب هو الظاهر الذي يمكن معرفته بإجادة اللغة.
ـ المعنى البعيد هو الباطن، وهو عند الرب لا يعلمه إلاّ الرسل والأنبياء، أو الذين يستطيعون أن يتلقوا شريعتهم من الله كفاحاً.(28/7)
ومن أمثلة ذلك تفسير محمود طه لقوله تعالى (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء)( ) إذ يقول: "فالنفس الواحدة في الحقيقة هي نفس الله تعالى، وآدم مشمول بخطاب (يا أيها الناس) فآدم لم يكن بداية الخلق، وإنما هو مرحلة متقدمة منه.. ثم النفس الواحدة هي نفس آدم..)( ).
ويزعم الجمهوريون أن (النبأ العظيم) الوارد في قوله تعالى (عم يتساءلون، عن النبأ العظيم، الذي هم فيه مختلفون) ( )، ليس هو يوم القيامة كما يظن المسلمون، وإنما هو محمود محمد طه، وقد ظلت الأرض ـ في رأي الجمهوريين ـ محتفظة بهذا السر إلى القرن العشرين، وباحت به الآن بعد أن أوقدت شمسها.
ـ يتهم طه الصحابة بأنهم لم يعلموا من معاني القرآن شيئاً، إذ يقول: "الإسلام عائد عمّا قريب بعون الله وتوفيقه، وهو عائد لأن القرآن لا يزال بكراً لم يفض الأوائل منه غير ختم الغلاف".
ـ ويقول عن القرآن الكريم: "القرآن موسيقى علوية، هو يعلمك كل شيء، ولا يعلمك شيئاً بعينه، هو ينبه قوى الإحساس، ويشحذ أدوات الحس ثم يخلي بينك وبين عالم المادة لتدركه على أسلوبك الخاص، هذا هو القرآن".
4ـ عقيدتهم في النبي صلى الله عليه وسلم وفي سنته: أثبت محمود محمد طه لنفسه كثيراً من الآيات التي نزلت صريحة في حق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
ـ أما موقفهم من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، فإنهم يؤولون ظاهرها تأويلات باطلة لا تعقل، وقد ساروا في هذه المسألة على طريق الباطنية الأوائل والثنوية( ) والدهرية والإباحية من المنكرين للنبوة والشرائع والحشر والجنة والنار والملائكة والربوبية.(28/8)
فمثلاً يقول الجمهوريون: "وكل الأحاديث النبوية التي تتحدث عن رؤية الله يوم القيامة، وهي أحاديث كثيرة، إنما تتحدث عن مقام الاسم، وليس عن الذات المطلقة، وذلك لأن القيامة زمان ومكان، والذات المطلقة لا يحويها الزمان والمكان... ولأن الرؤية لا تكون إلاّ للمحدود، والذات تتعالى أن تراها البصائر والأبصار".
وزعم طه أن النبي صلى الله عليه وسلم هو وحده الإنسان في سائر أمته، إذ كانت له شريعة خاصة قامت على أصول الإسلام، وكانت شريعة أمته تقوم على الفروع. وزعموا أن لأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم معنيين: معنى قريباً، وآخر بعيداً، كالآيات القرآنية.
جانب من آرائهم في العبادات:
1ـ الصلاة: يقول طه في كتابه (رسالة الصلاة): "صلوا كما رأيتموني أصلي"! هكذا أمر النبي في تبليغه رسالة ربه، فالصلاة معراج النبي بالأصالة ومعراج الأمة بعده بالتبعية والتقليد.. وكلمة (رأيتموني أصلي) لها معنى قريب ومعنى بعيد، ... فأما المعنى البعيد فهو أن نرى بعين البصيرة حال قلب النبي صلى الله عليه وسلم من صدق التوجه حين يقوم لصلاته، وأما المعنى القريب فهو أن نرى بعين البصر حركات النبي الظاهرة في صلاته فنتقنها أيضاً...
2ـ يرون بأن التكليف في مرحلة من المراحل يسقط عن الإنسان لاكتمال صلاحه، إذ لا داعي للعبادة حينذاك، على نحو ما يقول غلاة الصوفية.
3ـ هناك أشياء لا يعتبرونها من الإسلام مثل الزكاة والحجاب.
4ـ تشجيع الأخوات الجمهوريات على تشييع الجنائز، وإذا اضطروا للصلاة فإن المرأة الجمهورية هي التي تؤذن في حضور الرجال.
5ـ لا يضحون في عيد الأضحى، وقد أصدر الجمهوريون كتاب (الضحية ليست واجبة لا على الأغنياء ولا على الفقراء).
أهم شخصياتهم
ـ المهندس محمود محمد طه، مؤسس الفرقة، وقد سبق التعريف به.(28/9)
ـ تاج الدين عبد الرزاق، خالد بكير حمزة، ومحمد صالح بشير، وعبد اللطيف عمر، وهؤلاء الأربعة كانوا من أنصار طه عند الحكم عليه بالأعدام، وحكم عليهم بالحكم نفسه، إلاّ أنهم أعلنوا جميعاً توبتهم، بعد يومين من المهلة، لينقذوا بذلك رقابهم من حبل المشنقة.
ـ صلاح محمد عثمان.
ـ الشاعر عوض الكريم موسى.
للاستزادة
1ـ الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة ـ المجلد الأول ـ إعداد الندوة العالمية للشباب الإسلامي.
2ـ مقال "سيرة الأستاذ محمود محمد طه" المنشور في موقع الفكرة.
3ـ مقال "التأويل الباطني عند الجمهوريين" ،المنشور في شبكة المشكاة الإسلامية للدكتور شوقي بشير عبد المجيد أستاذ العقيدة الإسلامية بجامعة أم درمان الإسلامية.
سطور من الذاكرة العدد 28
الشيعة يصرفون الإمامة
عن أبناء الحسن
يعتقد الشيعة أن الإمامة أصل من أصول الدين،لا يتم الإيمان إلاّ بالاعتقاد بها، ويكفرون كل من لا يؤمن بها! وهم يحصرونها في علي وأبنائه من ولد فاطمة، وجعلوها في اثني عشر إماماً أولهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وآخرهم "المهدي المنتظر" الذي يعتقدون أنه اختفى منذ 1100 عام، وسيظل حيّاً إلى يوم القيامة.. وبذلك سمي هؤلاء الشيعة بالإمامية أو الاثنى عشرية.
وبالإضافة إلى اعتقادهم بأن الإمامة من أصول الدين، فإنهم يؤمنون بعصمة الأئمة، وبأنهم معينون من الله، وأنهم يعلمون الغيب. ويضفون عليهم صفات الربوبية التي لا تكون إلاّ لله عز وجل، ويعتقدون أن الإمامة كالنبوة، بل أرفع شأناً وأعلى درجة، كما جاء في كتبهم .
وقد انبرى علماء أهل السنة قديماً وحديثاً لرد هذه العقيدة الفاسدة، وحسبنا أن نحيل إلى كتابين تناولا هذه المسألة بالتفصيل:
1ـ أصول مذهب الشيعة للشيخ الدكتور ناصر القفاري.
2ـ مع الاثنى عشرية في الأصول والفروع للشيخ الدكتور علي السالوس.(28/10)
ومن جملة ما اعتقده الشيعة في الإمامة أنها وراثية في أبناء علي رضي الله عنه، وتنتقل من الإمام إلى أكبر أبنائه، وهو الأمر الذي لم يتحقق دائماً، وكان الشيعة يحيدون عن ذلك أحياناً تحقيقاً لأهداف معينة.
ولعلنا نتناول هنا إحدى الحالات التي حاد فيها الشيعة عن نقل الإمامة إلى الابن الأكبر للإمام، وتمثلت في نقلها من الإمام الحسن وهو الثاني في ترتيب الأئمة الاثنى عشر عند الشيعة( ) إلى شقيقه الإمام الحسين، وهو الإمام الثالث، بدلاً من نقلها إلى أكبر أبناء الحسن، ثم حصرها في ذرية الحسين، واختيار أحد أبناء الحسين وهو علي زين العابدين، وجعله الإمام الرابع دون غيره، ولم يكن هو أكبر أبناء الحسين، وكانوا يهدفون من وراء ذلك إلى:
1ـ إن الشيعة كرهوا ميل الإمام الحسن إلى الصلح مع معاوية، وتنازله عن الخلافه من أجل حقن دماء المسلمين، لذلك أطلقوا عليه اسم "مذل المؤمنين" أو "خاذل المؤمنين" . يجب أن تحيل على كتبهم في الحاشية لأن المجلة علمية متخصصة
وحاولوا قتله كما مّر معنا في إحدى مقالات هذه الزاوية في العدد 21، لكن الله نجاه منهم، وفضلوا عليه أخاه الحسين، الذي كان يميل إلى القتال وخرج على يزيد بن معاوية، ثم استشهد رضي الله عنه سنة 61هـ.
2ـ إن الإمام علي بن الحسين المعروف بالسّجاد أو زين العابدين،أمه فارسية، هي شاه زنان أو (شهربانو) ابنة يزدجرد الثالث، آخر ملوك الفرس، الساسانيين وقد بات واضحاً تعظيم الشيعة للعنصر الفارسي، ونقل الإمامة من الحسين إلى زين العابدين لأن أمه كانت فارسية.(28/11)
إن الشيعة يقفون إزاء هذا الحدث موقف المتخبط، ففي حين ينفي أحد مفكريهم المعاصرين وهو د. علي شريعتي في كتابه "التشيع العلوي والتشيع الصفوي" قصة زواج الإمام الحسين رضي الله عنه من ابنة يزدجرد جملة وتفصيلاً، ويعتبرها من خرافات "التشيع الصفوي" أرادوا من خلالها إثبات أفضلية التراب والدم الإيراني، والفارسي منه على وجه الخصوص... نجد أن علماء الشيعة يقدمون تفسيرات مختلفة لانحصار الإمامة في ذرية الحسين، وقد أورد الأستاذ أحمد الكاتب لابد من التعريف بكتاب أحمد الكاتب في أحد الأعداد ونقده بعضاً من هذه التفسيرات في كتابه "تطور الفكر السياسي الشيعي", ومنها:
1ـ ما نقله حمران بن أعين عن الإمام الباقر ـ فيما يزعمون ـ أنه قال: إن الحسن أغمد أربعين ألف سيف حين أصيب أمير المؤمنين، وأسلمها إلى معاوية.. وإن الحسين خرج فعرض نفسه على الله في سبعين رجلاً.. من أحق بدمه منا؟
2ـ ما زعمه أبو عمرو الزبيري من أنه سأل الإمام الصادق عن سر خروج الإمامة من ولد الحسن إلى ولد الحسين، كيف ذلك؟ فقال له: لما حضر الحسين ما حضره من أمر الله لم يجز أن يردها إلى ولد أخيه، ولا يوصي بها فيهم، يقول الله: (أولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) فكان ولده أقرب رحماً من ولد أخيه، وكانوا أولى بالإمامة، وأخرجت هذه الآية ولد الحسن منها، فصارت الإمامة إلى الحسين، وحكمت بها الآية لهم، فهي فيهم إلى يوم القيامة.
3ـ ما رواه الصدوق من أن محمد بن أبي يعقوب البلخي سأل الإمام الرضا عن ذلك فقال له: "لأن الله عز وجل جعلها في ولد الحسين ولم يجعلها في ولد الحسن، والله لا يُسأل عما يفعل"!(28/12)
4ـ نفى بعض علماء الشيعة أن الإمامة في ذرية الحسن والحسين، وقالوا أن ذلك ليس من مذهب الشيعة، إنما الإمامة في ذرية الحسين فقط، ومن ذلك ما يرويه الخزاز القمي عن جابر بن يزيد الجعفي من رفض قسم من الشيعة الأوائل لحصر الإمامة في أبناء الحسين، وأن جابر قال للإمام الباقر: إن قوماً يقولون إن الله تبارك وتعالى جعل الإمامة في عقب الحسن والحسين، فقال: كذبوا والله، أولم يسمعوا الله تعالى يقول: "وجعلها كلمة باقية في عقبه" فهل جعلها إلاّ في عقب الحسين؟
للاستزادة
1ـ الخمينية وريثة الحركات الحاقدة والأفكار الفاسدة ـ وليد الأعظمي ص 100
2ـ تطور الفكر السياسي الشيعي ـ أحمد الكاتب ص 60
3ـ التشيع العلوي والتشيع الصفوي ـ علي شريعتي ص 123ـ ص 136
4ـ أصول مذهب الشيعي (الجزء الثاني - فصل الإمامة) ـ د. ناصر القفاري.
5ـ مع الاثنى عشرية في الأصول والفروع ( ج 1- الإمامة) ـ د. علي السالوس.
دراسات
ملف : الأحباش وقتل الحريري
جاء الكشف عن تورط المسؤول الأمني لجماعة الأحباش في مقتل رئيس الحكومة اللبنانية السابق رفيق الحريري كما بين ذلك تقرير اللجنة الدولية ليسلط الضوء على هذه الجماعة الضالة والمنحرفة عقائدياً وسياسياً . وقد سبق للراصد أن تناولت بالتفصيل عقائد وأفكار ونشأة هذه الفرقة الضالة في العددين 14و 17 وسنتناول في هذا الملف المحاور التالية :
•…الحريري وسوريا .
•…دور الأحباش في اغتيال الحريري .
•…نبذة عن دور سوريا في رعايتهم في لبنان في الوقت الذي لا يتواجدون فيه في سوريا!
•…جرائمهم السابقة .
•…كذبهم في اعتبار أنفسهم الصوت المعتدل مقابل الإسلام السياسي و الوهابي .
الحريري وسوريا :(28/13)
من المعلوم أن رفيق الحريري كان من أقوى القيادات السنية السياسية في لبنان وذلك لاستغنائه عن القيادة السورية بثرائه المالي من جهة و علاقاته الراسخة مع الحكومة السعودية و التي تمثل العمق السني ، وهذا ما جعل من العلاقة بين الحريري من جهة وسوريا وأعوانها في لبنان من الأحباش و الشيعة والنصارى وغيرهم من جهة أخرى علاقة متوترة دوماً مع أنهم يحاولون أن لا يظهر هذا التوتر على السطح .
وبسبب هذا كان الأحباش وغيرهم يجاهرون بالطعن والشتم للحريري كزعيمهم نزار حلبي وغيره من قياداتهم ، مع إعلان الولاء لسوريا في كل مناسبة وذلك في محاولة لجعل سنة لبنان تبعاً لسوريا ومن ذلك ما نشروه في مجلتهم" منار الهدى" : من أن يد حافظ الأسد أنقذت لبنان من الاحتراق ، مع وصفهم له بصاحب اليد البيضاء ! في العدد 40 صفحة 39 .
وأيضاً لا ينسى أهل بيروت " الغضبة المضرية" لسوريا و التي عبر عنها الأحباش بمظاهرة بالسواطير في عام 2001 رداً على المطالبة بخروج الجيش السوري من لبنان !
ولذلك لما فاض الكيل بسوريا من الحريري ومعارضته لها ورفضه لتنفيذ مخططاتها الخاصة في لبنان والتي لم تأت بخير مطلقاً فلا السلم والوئام حل بلبنان ولا هم شاركوا بالدفاع عن لبنان ضد غزو إسرائيل لها ولا رعوا الأمن للناس بل كانوا سبب النهب والفساد ورعاية المخدرات والتهريب !! فكان لابد من " تكسير لبنان على رأس الحريري " كما شهد الشهود على بشار الأسد ( من تقرير ميليس ) .
وتم تدبير عملية قتل الحريري وكان يجب أن تلصق التهمة بالسنة فالمقتول منهم والقاتل كذلك ! ومن أجل هذا فبرك شريط أبو عدس السني الفلسطيني الضحية المسكين وأيضاً أوكل التنفيذ للأحباش السنة مع وجود الكثير من عملاء سوريا النصيرية البعثية في لبنان .
دور الأحباش في قتل الحريري :
والذي أعلن عنه للآن من دور الأحباش في قتل الحريري هو ما يلي :(28/14)
-…تم شراء 10خطوط هاتفية مسبقة الدفع بهويات مزورة من مخزن في مدينة طرابلس يملكه عضو نشيط في جماعة الأحباش على صلة جيدة بأحمد عبد العال ( تقرير ميليس فقرة 146) .
-…أحمد عبد العال مسؤول العلاقات العامة والعسكرية والإستخباراتية للأحباش كان على اتصال مباشر مع عدد من الشخصيات المهمة في اغتيال الحريري في وقت الاغتيال وبعده بقليل مثل :
•…إميل لحود الرئيس اللبناني .
•…ريمون عازار بالجيش اللبناني .
•…مصطفي حمدان رئيس الحرس الجمهوري .
•…العميد رستم غزالة رئيس المخابرات السورية في لبنان .
•…جهاز أمن الدولة اللبناني .
•…وغيرهم من الشخصيات الأمنية .
كما أنه تلقى اتصالات من كبائن الاتصالات التي اتصلت بقناة الجزيرة ووكالة رويترز بخصوص الاغتيال .
كما أن له شقيقاً برتبة عقيد في الحرس الجمهوري .
وكان قد حاول إخفاء معلومات عن لجنة التحقيق بخصوص مصدر هاتفه الخلوي.
وأيضاً حاول تضليل التحقيق من خلال إعطاء معلومات كاذبة عن أبو عدس .
- هناك صلة بين أحمد عبد العال ومخزن أسلحة اكتشف في جنوب بيروت في تموز 2005 . ( تقرير ميليس الفقرات من 192 -201 )
وقد تم القبض على الأخوين عبد العال بعد أن وجه القضاء اللبناني لهم تهمة المشاركة في اغتيال الحريري يوم 26/10/2005 .
نبذة عن علاقة الأحباش بسوريا :
والحديث حول هذه العلاقة يطول و لا يمكن تفصيله هنا لكنا نستعرض أبرز معالمه وهي :
-… في عام 1983م استولى الأحباش على رئاسة جمعية المشاريع التي تأسست عام 1930 م بعد أن تنازل عن رئاستها الشيخ أحمد العجوز للأحباش .
-…وفي هذه الفترة 1983م كانت الكلمة العليا في لبنان لسوريا كما هو معلوم والتي كانت قد قضت على كل المعارضين لها في لبنان أو سوريا،كما أن الحبشي كان يعارض قتال الجيش السوري في شمال لبنان ولذلك لا يمكن أن يبرز هذا التوجه إلا ضمن صفقة مع سوريا في ذلك الوقت .(28/15)
-…وتظهر ملامح هذه الصفقة في تزايد قوة هذا التيار وتصادمه مع المرجعية السنية الحقيقية كدار الإفتاء و تجاوزه بل لقد استولى الأحباش على بعض المساجد التابعة لدار الإفتاء وطردوا الموظفين منها ، وقد طالب مفتي لبنان الشيخ رشيد قباني بعودة هذه المساجد بعد زوال قبضة سوريا وكشف دور الأحباش في قتل الحريري .( جريدة الحياة 26/10/2005 )
-…بل لقد طمع الأحباش في منصب مفتي لبنان ودخلوا في صراع مع المفتي السابق الشيخ حسن خالد رحمه الله انتهى بقتله وذلك بعد أن أذنت سوريا بالطبع ،ويتهم الأحباش بقتله كما يتداول سكان بيروت ، وقد رشحوا لذلك زعيمهم نزار حلبي ولم ينته هذا الترشيح إلا بقتله من قبل عصبة الأنصار .
-…ومن أكبر مظاهر تبعيتهم لسوريا مقالاتهم في مجلتهم "منار الهدى " التي تكيل المدح بلا حساب للأسدين وسوريا و الجيش السوري بل لقد قالوا :" إن ما يريده القائد الكبير حافظ الأسد هو برنامجنا السياسي ...." قاله عدنان طرابلسي من كتاب : الأحزاب والحركات و الجماعات الإسلامية 1/717.
-…وكذلك يقوم الأحباش بالاحتفال بكافة المناسبات الوطنية السورية ويزورون كبار المسؤولين السوريين بشكل دوري .ومجلتهم شاهدة على هذا .
-…عداؤهم لكل التيارات و الجماعات الإسلامية مع حسن علاقاتهم بكل الموالين لسوريا في لبنان من أمل وحزب الله والرئيس اللبناني المسيحي كائناً من كان ورئيس الوزراء إذا كان من الموالين لسوريا ، ولذلك يتواجد دوماً مندوب عن الرؤساء الثلاثة في كافة نشاطاتهم .
-…وهنا قضية غريبة وهي مع كل هذا فالأحباش لا وجود لهم في سوريا !!؟ وهذا يؤكد أن الأحباش لعبة سورية تستخدمها لمصالحها الخاصة .
-…وأخيراً ما كشفته لجنة التحقيق من التبعية لسوريا في تنفيذ اغتيال الحريري والتي لا يمكن أن تصل لقتل رئيس حكومة لولا سلطة الأمر للآمر على المنفذ.
من جرائمهم السابقة :
لم تكن هذه أول جرائمهم بل لهم تاريخ طويل من الجرائم منها :(28/16)
-…قتل مفتي لبنان السابق الشخ حسن خالد بعد صدامه مع سوريا والأحباش.
-…يتهمون بقتل الشيخ د.صبحي الصالح .
-…قتل الشيخ أسامة قصاص .
-…قتل الشيخ زهير جنين.
-…الهجوم على بعض المساجد وقتل المصلين وهم يصلون .
-…الاستيلاء على بعض مساجد الأوقاف في بيروت .
-…الهجوم والطعن والتكفير لشيخ الإسلام ابن تيمية وسيد قطب والقرضاوي وفتحي يكن وسيد سابق وخالد الجندي وعمرو خالد .
كذبهم في ادعائهم الاعتدال :
الأحباش كانوا يدعون أنهم الخط الإسلامي المعتدل في مواجهة الدعوة السلفية والجماعات الإسلامية التي يسمونها الإسلام السياسي ، وقد تحالفوا مع بعض الدول العربية للقيام في وجه هذه الدعوات .
ولكن تاريخهم ومنهجهم قائم على الانتهازية فهم يتلونون مع كل دولة يتواجدون فيها فهم في لبنان ضد السلام مع إسرائيل ومع القيادة السورية ذات الخطاب الثوري التلفزيوني وفي الأردن مع الحكمة الملكية في السلام مع إسرائيل !!!
وعلاقتهم بالأنظمة العربية علاقة مريبة تقوم على خدمة النظام ولو على مصلحة الدين مع بقاء الولاء للمركز في لبنان الذي يسيطر عليه السوريون وهذه نقطة يجدر بالدول العربية الانتباه لها فولاء الأحباش كالشيعة عابر للقطريات ومرتبط مالياً بالنبع و المركز في بيروت .
وكيف يصح لهم دعوى الاعتدال وهم يمارسون العنف بكل مستوياته اللفظية بالتكفير و التخوين للأفراد والعلماء والجماعات والدول ، و الضرب للمخالفين والاستيلاء على المساجد بالقوة والاعتداء على المصلين ، وصولاً لقتل المفتي والدعاة ثم الحكام ورؤساء الدولة !!!
وفي الختام هذه بعض خبايا هذه الفرقة المنحرفة والتي نتوقع أن تسير في أحد طريقين :
الأول : الضعف والتهميش و الزوال بعد رفع الغطاء عنهم ورفض المسلمين لباطلهم .
الثاني : تغيير الولاء من سوريا لغيرها وتأجير نفسها لضرب الدعوة الإسلامية .(28/17)
ولذلك فالواجب على أهل السنة انتهاز الفرصة من ضعف وتخبط هذه الفرقة بتعرية أفكارها وبيان حقيقة عمالتها ودورها المشبوه قبل أن تتحالف مع قوة جديدة تحميها .
من المصادر في إعداد هذه الدراسة :
1.…تقرير ميليس .
2.…كتاب الأحزاب و الحركات والجماعات الإسلامية . إصدار المركز العربي للدراسات الإستراتيجية .
3.…مجلة الشراع عدد 574.
4.…موقع مكافحة الأحباش .
مجموعة من المجلات والجرائد .
دراسات
مواقف المفكرين و العلماء من الشيعة 12
شيخ الإسلام الإمام الأكبر
محمد الطاهر ابن عاشور التونسي
هذه سلسلة من البحوث كتبها مجموعة من المفكرين والباحثين عن عقيدة وحقيقة مذهب الشيعة من خلفيات متنوعة ومتعددة ، نهدف منها بيان أن عقائد الشيعة التي تنكرها ثابتة عند كل الباحثين ، ومقصد آخر هو هدم زعم الشيعة أن السلفيين أو الوهابيين هم فقط الذين يزعمون مخالفة الشيعة للإسلام .
من خلال تفسيره(التحرير والتنوير) و التي جمعها الأستاذ: خالد أحمد الشامي في كتابه " بيان موقف شيخ الإسلام محمد الطاهر ابن عاشور من الشيعة من خلال تفسيره التحرير والتنوير "
والإمام ابن عاشور هو رئيس المفتين بتونس وشيخ جامع الزيتونة وفروعه ولد عام 1879م وتوفي عام 1973م . وكان من كبار العلماء والمصلحين في عصره . الراصد
[الموضع الأول]
قال رحمه الله في المجلد الأول (ص: 61) من تفسيره، عند كلامه على القراءات في المقدمة السادسة:
".. وقرأ بعض الرافضة: {وما كنت متخذ المضلين عضدا} (الكهف: 51) بصيغة التثنية وفسروها بأبي بكر وعمر حاشاهما، وقاتلهم الله".
[الموضع الثاني](28/18)
قال رحمه الله (ص:139) من المجلد الأول، في معرض كلامه عن (البسملة) وخلاف أهل العلم في كونها آية من كل سورة: "... قال الباقلاني: لو كانت التسمية من القرآن لكان طريق إثباتها إما التواتر أو الآحاد، والأول باطل؛ لأنه لو ثبت بالتواتر كونها من القرآن لحصل العلم الضروري بذلك، ولا ممتنع وقوع الخلاف فيه بين الأمة، والثاني أيضا باطل؛ لأن خبر الواحد لا يفيد إلا الظن، فلو جعلناه طريقاً إلى إثبات القرآن لخرج القرآن عن كونه حجة يقينية، ولصار ذلك ظنياً، ولو جاز ذلك لجاز ادعاء الروافض أن القرآن دخله الزيادة والنقصان والتغيير والتحريف.اهـ... إلى أن قال رحمه الله في نقل كلام لعبد الوهاب: .. ولذلك قطعنا بمنع أن يكون شيء من القرآن لم ينقل إلينا، وأبطلنا قول الرافضة إن القرآن حِملُ جَملٍ عند الإمام المعصوم المنتظر، فلو كانت البسملة من الحمد لبينها رسول الله بياناً شافياً.اهـ".
[الموضع الثالث]
قال رحمه الله في (ص: 16) من المجلد الحادي عشر ـ الجزء الثاني والعشرون ـ عند تفسير قوله تعالى: { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً} [الأحزاب: 33]: ".. وقد تلقف الشيعة حديث الكساء، فغصبوا وصف أهل البيت وقصروه على فاطمة وزوجها وابنيهما عليهم الرضوان، وزعموا أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لسن من أهل البيت. وهذه مصادمة للقرآن بجعل هذه الآية حشواً بين ما خوطب به أزواج النبي. وليس في لفظ حديث الكساء ما يقتضي بقصر هذا الوصف على أهل الكساء؛ إذ ليس في قوله: (هؤلاء أهل بيتي) صيغة قصر، وهو كقوله تعالى: {إن هؤلاء ضيفي } [الحجر:68] ليس معناه ليس لي ضيف غيرهم، وهو يقتضي أن تكون هذه الآية مبتورة عما قبلها وما بعدها.(28/19)
ويظهر أن هذا التوهم من زمن عصر التابعين وأن منشأة قراءة هذه الآية على الألسن دون اتصال بينها وبين ما قبلها وما بعدها، ويدل لذلك ما رواه المفسرون عن عكرمة أنه قال: من شاء باهلته أنها نزلت في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه قال أيضا: ليس بالذي تذهبون إليه، إنما هو نساء النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه كان يصرخ بذلك في السوق. وحديث عمر بن أبي سلمة صريح في أن الآية نزلت قبل أن يدعو النبي الدعوة لأهل الكساء، وأنها نزلت في بيت أم سلمة.
وأما ما وقع من قول عمر بن أبي سلمة أن أم سلمة قالت: (وأنا معهم يا رسول الله؟ فقال: أنت على مكانك وأنت على خير)؛ فقد وهم فيه الشيعة فظنوا أنه منعها من أن تكون من أهل بيته، وهذه جهالة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أراد ما سألته من الحاصل؛ لأن الآية نزلت فيها وفي ضرائرها فليست هي بحاجة إلى إلحاقها بهم، فالدعاء لها بأن يذهب الله عنها الرجس ويطهرها دعاء بتحصيل أمر حصل، وهو مناف لآداب الدعاء كما حرره شهاب الدين القرافي في الفرق بين الدعاء المأذون فيه والدعاء الممنوع منه، فكان جواب النبي صلى الله عليه وسلم تعليّما لها. وقد وقع في بعض الروايات أنه قال لأم سلمة: (إنك من أزواج النبي). وهذا أوضح في المراد بقوله: (إنك على خير)".
[الموضع الرابع]
قال رحمه الله في (ص: 45ـ 47) من المجلد الحادي عشر ـ الجزء الثاني والعشرون ـ عند تفسير قوله تعالى: {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النَّبيين وكان الله بكل شيء عليما} [الأحزاب: 40].(28/20)
".. ولذلك لا يتردد مسلم في تكفير من يثبت نبوة لأحد بعد محمد صلى الله عليه وسلم وفي إخراجه من حظيرة الإسلام، ولا تعرف طائفة من المسلمين أقدمت على ذلك إلا البابية والبهائية وهما نحلتان مشتقة ثانيتهما من الأولى. وكان ظهور الفرقة الأولى في بلاد فارس في حدود سنة مائتين وألف وتسربت إلى العراق، وكان القائم بها رجلاً من أهل شيراز يدعوه أتباعه السيد علي محمد، كذا اشتهر اسمه، كان في أول أمره من غلاة الشيعة الإمامية، أخذ عن رجل من المتصوفين اسمه الشيخ أحمد زين الدين الأحسائي الذي كان ينتحل التصوف بالطريقة الباطنية، وهي الطريقة المتلقاة عن الحلاج. وكانت طريقته تعرف بالشيخية، ولما أظهر نحلته علي محمد هذا؛ لقَّب نفسه باب العلم فغلب عليه اسم الباب، وعرفت نحلته بالبابية، وادعى لنفسه النبوة، وزعم أنه أوحي إليه بكتاب اسمه البيان، وأن القرآن أشار إليه بقوله تعالى: {خلق الإنسان، علمه البيان} [سورة الرحمن].
وكتاب البيان مؤلف بالعربية الضعيفة، ومخلوط بالفارسية. وقد حكم عليه بالقتل سنة: (1266هـ) في تبريز.
وأما البهائية فهي من البابية تنسب إلى مؤسسها الملقب ببهاء الله، واسمه: ميرزا حسين علي، من أهل طهران، تتلمذ للباب بالمكاتبة، وأخرجته حكومة شاه العجم إلى بغداد بعد قتل الباب، ثم نقلته الدولة العثمانية من بغداد إلى أدرنة ثم إلى عكَّا، وفيها ظهرت نحلته وهم يعتقدون نبوة الباب، وقد التف حوله أصحاب نحلة البابية وجعلوه ليفة الباب، فقام اسم البهائية مقام اسم البابية، فالبهائية هم البابية.(28/21)
وقد كان البهاء بنى بناء في جبل الكرمل ليجعله مدفنًا لرفات الباب، وآل أمره إلى أن سجنته السلطنة العثمانية في سجن عكا، فلبث في السجن سبع سنوات ولم يطلق من السجن إلا عندما أعلن الدستور التركي، فكان في عداد المساجين السياسيين الذين أطلقوا يومئذ، فرحل منتقلاً في أوربا وأمريكا مدة عامين، ثم عاد إلى حيفا فاستقر بها إلى أن توفي سنة 1340هـ، وبعد موته نشأ شقاق بين أبنائه وإخوته، فتفرقوا في الزعامة وتضاءلت نحلتهم.
فمن كان من المسلمين متبعاً للبهائية أو البابية، فهو خارج عن الإسلام مرتد عن دينه تجري عليه أحكام المرتد. ولا يرث مسلماً ويرثه جماعة المسلمين، ولا ينفعهم قولهم: إنا مسلمون ولا نطقهم بكلمة الشهادة؛ لأنهم يثبتون الرسالة لمحمد صلى الله عليه وسلم، ولكنهم قالوا بمجيء رسول من بعده.
ونحن كفرنا الغرابية من الشيعة لقولهم: بأن جبريل أرسل إلى علي ولكنه شُبِّه له محمد بعلي، إذ كان أحدهما أشبه بالآخر من الغراب بالغراب ـ وكذبوا ـ فبلغ الرسالة إلى محمد صلى الله عليه وسلم، فهم أثبتوا الرسالة لمحمد صلى الله عليه وسلم ولكنهم زعموه غير المعين من عند الله.
وتشبه طقوس البهائية طقوس الماسونية، إلا أن البهائية تنتسب إلى التلقي من الوحي الإلهي، فبذلك فارقت الماسونية وعدت في الأديان والملل ولم تعد من الأحزاب".
كتاب الشهر العدد 28
نشأة الحركة الإباضية
تأليف: د. عوض خليفات
للدكتور عوض خليفات،من الأردن،عدة مؤلفات عن الإباضية، منها:"النظم الاجتماعية والتربوية عند الأباضية في أفريقية في مرحلة الكتمان"، و"نظام الولاية والبراءة والوقوف عند الإباضية".
ومنها كذلك "نشأة الحركة الإباضية" الذي نحن بصدد التعريف به في هذا العدد،وقد صدرت الطبعة الأولى سنة 1978،ثم طبعته بعد ذلك دار مجدلاوي في الأردن،ويقع في 226 صفحة.(28/22)
والكتاب يتتبع نشأة الإباضية التي تنحدر من فرقة الخوارج، أولى الفرق التي ظهرت في التاريخ الإسلامي، ثم يتحدث عن مؤسسها عبد الله بن أباض، وأهم شخصياتها، والدول أو الدويلات التي تمكنت من إقامتها في مناطق مختلفة من العالم الإسلامي، وخاصة في عُمان وشمال أفريقيا.
الباب الأول
يقسم المؤلف كتابه إلى سبعة أبواب، يتحدث في الأول منها عن المراجع التي استقى منها معلومات الكتاب، ويقدم لها رؤية نقدية، ومن هذه المصادر ما هو سني، ومنها ما هو شيعي، وما هو إباضي.
وفي هذا الباب أيضاً يتطرق خليفات إلى الدراسات الحديثة عن الإباضية مشيراً إلى أن المستشرقين هم أول من انبرى لدراسة الإباضية مدفوعين بأسباب عديدة، ولا ننس هنا أن أول معاهد الاستشراق في فرنسا كان تابعاً لوزارة المستعمرات، التي استخدمت الاستشراق لمعرفة المناطق التي ترغب في احتلالها أو التي قامت باحتلالها، ومعرفة السكان وأصولهم وعقائدهم، ليسهل التعامل معهم، خاصة وأن الإباضيين ينتشرون في عدد من البلدان التي احتلتها فرنسا مثل تونس والجزائر. وقد أورد المؤلف عدداً مما ألفه المستشرقون في ذلك.
الباب الثاني
أ ـ تطور الخلافة وأثرها في ظهور الخوارج
يعود ظهور الخوارج كجماعة إلى عهد الخليفة الرابع علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وتحديداً إلى أولئك الذين انشقوا من جيشه عقب حادثة التحكيم سنة 37هـ، وهي الحادثة الشهيرة التي أعتقبت معركة صفين التي دارت رحاها بين الإمام علي ومعاوية. فلقد رأى هؤلاء الخوارج أن التحكيم يعتبر تعدياً على أمر الله مرددين "لا حكم إلاّ لله" فما كان من الإمام علي إلاّ أن قاتلهم في "النهروان" وانتصر عليهم.(28/23)
وللوصول إلى هذه النتيجة عن نشأة فرقة الخوارج، وضع د. خليفات تمهيداً بدأه بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، واختيار أول خليفة للمسلمين، وقد تخبط المؤلف في هذا الباب، واستند إلى بعض الروايات التي لا تصح، واعتمد ـ فيما اعتمد ـ على كتاب الفتنة الكبرى لطه حسين، وهو كتاب مليء بالتلفيق حول تاريخ الخلفاء الراشدين.
ومن جملة ما تخبط به د. خليفات في هذا الفصل اعتباره أن مشكلة الخلافة هي أول مسألة اشتد فيها الخلاف بين المسلمين بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن بعض الصحابة ترددوا في قبول ترشيح أبي بكر لعمر بالخلافة من بعده، لأنهم يفضلون عليّاً، وأن عمر رفض أن يرشح أحداً بعينه للخلافة من بعده، لأنه خشي من عثمان مثلاً "عصبيته وحبه لأهله وقومه، وحملهم على رقاب الناس".
ومن جملة ما أخطأ به المؤلف أيضا اعتباره أن التأييد الواسع الذي حظي به عثمان رضي الله عنه عقب استشهاد عمر ناتج عن "دعاية قام بها الأمويون في المدينة ـ وهم كثر ـ لصالح شيخهم عثمان".. وغير ذلك مما لا يتسع المقام لذكره.
ب ـ تفسير الإباضية لنشأة الخوارج
في هذا الفصل يقوم المؤلف ـ مستنداً إلى مصادر ومؤلفات الإباضية ـ آراء الإباضية في التطورات التي حدثت في صدر الإسلام وأدت إلى نشوء الخوارج ـ الفرقة الأم ـ:
1ـ يزعم الإباضيون أن الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه حاد عن الطريق القويم في الفترة الأخيرة من خلافته، لذا وجبت منه البراءة، وبالتالي أحل سفك دمه.
2ـ يعتبرون أن الغوغاء الذين ثاروا على عثمان كانوا على حق، ويعتبرونهم الرواد الأوائل لفرقتهم، ويدّعون أن المهاجرين والأنصار في المدينة حرّضوا المتمردين على عثمان، ومنهم علي.(28/24)
3ـ ويقولون إن المسلمين تولوا علي بن أبي طالب وساندوه حتى قبوله التحكيم مع معاوية، ويرون أنه أخطأ فيما عمل، وحكم الرجال في أمر من أمور الله، وخلع نفسه من منصبه الشرعي الذي بايعه عليه المسلمون، لذا وجبت البراءة منه ومحاربته، وخاصة بعد رفضه إعلان التوبة! والانضمام للمُحَكّمة الذين انتخبوا عبد الله بن وهب الراسبي إماماً لهم.
4ـ ويرى الإباضية أن عليّاً قد ندم لمحاربته أهل النهروان، واعترف أنهم ليسوا مشركين ولا منافقين. ويقولون أن هذا دليل على صدق نواياهم وصلاح عقيدتهم.
الباب الثالث
ظهور الخوارج المعتدلين ـ القعدة
يشير المؤلف هنا إلى جماعة انشقت بعد معركة النهروان، واتخذت مدينة البصرة مقرا لها، وآثرت السلم وعدم اللجوء للسيف لفرض آرائها. وقد تزعم هذه الجماعة أبو بلال مرداس بن أدية التميمي. وكونت هذه الجماعة البذرة التي أنتجت فيما بعد فرقة الإباضية.
وفي حين آثرت هذه الجماعة التهدئه،كان الخوارج " المتطرفون" يقومون بثوراتهم وحركاتهم ضد الأمويين، ويتعرضون من جراء ذلك للقتل والتشريد.
أما زعيم هذه الجماعة أبو بلال، فقد كان شهد معركة صفين مع الإمام علي، واشترك في معركة النهروان ضده، لكنه آثر فيما بعد أن ينشر أفكاره بالحوار والمناقشة مما جعله يكسب الكثير من الأتباع في البصرة، بل وجعل بعض الفرق كالشيعة والمعتزلة يعتبرونه أحد أتباعهم.
وقد أنكر الخوارج المتطرفون قعود أقرانهم(أتباع أبي بلال)عن الثورة فلقبوهم – احتقارا - بالقعدة ، أي الذين قعدوا عن الجهاد ومحاربة الولاة الظالمين ـ من وجهة نظرهم ـ أما أهل السنة فكانوا يسمونهم " الحرورية".
وقد اتبع والي العراق آنذاك زياد بن أبيه سياسة اللين مع هذا القسم من الخوارج لأنه كان يرى ضرورة التفرغ للخوارج المتطرفين، لكن بعد وفاة زياد، اتبع ابنه عبيد الله بن زياد سياسة مغايرة، إذ عمد إلى القسوة مع جميع الخوارج، مما اضطر القعدة إلى الدعوة والتحرك سرّاً.(28/25)
وفي تلك الفترة أصبح الاغتيال السري وسيلة هامة لدى القعدة، والإباضية فيما بعد للتخلص من كل شخص يحاول إيذاءهم، وكان ذلك بعد أن استطاعوا اغتيال عباد بن علقمة المازني، قائد الجيش الأموي الذي أباد مرداس وأصحابه. كما أن أعداداً منهم انضمت إلى عبد الله بن الزبير في الحجاز لمّا أعلن رفضه توريث الحكم عند الأمويين.
الباب الرابع
عبد الله بن أباض وتطور الحركة الأباضية
تنسب الإباضية إلى عبد الله بن أباض، رغم أن الإباضيين يشيرون إلى انتسابهم إلى شخص آخر، هو جابر بن زيد الأزدي. ولا تذكر المصادر التاريخية إلاّ الشيء اليسير عن حياة ابن أباض، فتاريخ مولده ووفاته غير معروفين، والمصادر الإباضية تجعله من رجال الطبقة الثانية من التابعين، أي الذين ماتوا قبل عام 100هـ.
وعلى حد تعبير د. خليفات، فإن "أول اشتراك لابن أباض في الحياة العامة"، كان اشتراكه إلى جانب ابن الزبير ضد الجيش الأموي بقيادة الحصين بن نمير السكوني الذي خلف القائد الأموي مسلم بن عقبة سنة 63هـ، وكان ابن اباض قد ذهب إلى مكة مع بعض قادة الخوارج مثل نجدة بن عامر الحنفي، ونافع بن الأزرق وغيرهم، مدفوعين برغبتهم وحماسهم في الدفاع عن البيت الحرام.
وقد اندلع خلاف بين ابن الزبير، وهؤلاء الخوارج، جعلهم يتركون مكة، وقد عاد بعضهم، ومنهم ابن اباض، إلى البصرة سنة 64هـ.
وبرز ابن اباض في تلك الفترة عندما اختاره القعدة مجادلاً عنهم، ومتحدثاً باسمهم ضد مناوئيهم ، بعد عودتهم من الحجاز إلى البصرة ، وبخاصة ضد متطرفي الخوارج، وعلى رأسهم نافع بن الأزرق وأتباعه.
لكن المصادر الأباضية تنسب إلى عبد الله بن أباض دوراً ثانوياً بالمقارنة مع جابر بن زيد الذي سيخصص له المؤلف باباً كاملاً في هذا الكتاب، وهو المحسوب عندهم إمام الأباضية، في حين يعتبرون ابن إباض أحد زعمائهم الصالحين.(28/26)
وينقل المؤلف رأياً لأحد المؤرخين الإباضيين المعاصرين مفاده أن الأمويين أطلقوا اسم الإباضيين عليهم، لأنهم لا يريدون نسبة هذه الفرقة إلى جابر بن زيد حتى " لا يجذبوا إليهم الأنظار، ولا يبدون في هالة جابر المشرقة..".
الباب الخامس
جابر بن زيد الأزدي
ويبدأ المؤلف هذا الباب بالتأكيد على أن المؤرخين الإباضيين، القدامى منهم والمحدثين يعتبرون أن جابر بن زيد هو المؤسس الحقيقي لدعوتهم، والمنظم الأول لحركتهم. ويعتقد أن سنة ولادته كانت بين (18ـ 22)هـ.
وقد تتلمذ جابر على يد عدد من الصحابة والتابعين، منهم عبد الله بن عباس، وقد بلغ من العلم مبلغاً يشار إليه بالبنان، ورحل في طلب العلم مراراً.
الباب السادس
أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة التميمي
وهو الذي خلف جابراً في رئاسة الدعوة، وقد عاش في البصرة، وأخذ العلم عن جابر، وغيره من أئمة الإباضية في مرحلة الكتمان، كما أنه أدرك بعض الصحابة مثل أبي هريرة وأنس بن مالك وأبي سعيد الخدري.
وبالإضافة إلى كونه عالماً من علماء الإباضية، فإن أبا عبيدة كان يتمتع بقدرات سياسية كبيرة، وقد تبوأ زعامة هذه الفرقة بعد موت الحجاج سنة 95هـ، وخروجه من السجن، واتفق ذلك مع بداية حكم سليمان بن عبد الملك سنة 96هـ وفي تلك الفترة لم تكن العلاقة بين الخلافة والأباضية عدائية، فقد حظيت الإباضية لفترة من الزمن بحماية زعيم الأزد، يزيد بن المهلب الذي عينه الخليفة والياً على العراق وخراسان حيث كان العديد من الأزديين، والمهالبة قد انضموا إلى هذه الفرقة.
وخلال تلك الفترة، التقط الإباضيون أنفاسهم ونظموا صفوفهم، واستفادوا في نشر دعوتهم من موسم الحج، ورحلات التجار، الأمر الذي مهّد ـ فيما بعد ـ لقيام عدد من الإمارات الإباضية التي تناولها الباب السابع من الكتاب، والذي أطلق عليه المؤلف اسم "انتصار الدعوة".
الباب السابع
انتصار الدعوة(28/27)
حيث أثمر التنظيم الدقيق والعمل الدؤوب من قبل الإباضية تأسيس إمارات خاصة بها في جنوب الجزيرة العربية وشمال أفريقيا.
أـ تأسيس الإمامة في الجزيرة العربية ـ حضرموت واليمن
فقد استطاع أحد زعمائهم وهو عبد الله بن يحيى، المشهور بطالب الحق، الاستيلاء على حضرموت سنة 129هـ، في السنوات الأخيرة لحكم بني أمية، بمساعدة الإباضية في البصرة، ثم استولى على صنعاء، وامتد نفوذهم إلى بعض مناطق الحجاز بعد انتصارات على الجيوش الأموية، تبعها هزائم وانكسارات.
وقد ظل للإباضية نفوذ وانتشار في حضرموت حتى استيلاء الصليحي عليها سنة 455هـ.
ب ـ تأسيس الإمامة في عُمان
أدت بعض العوامل إلى أن يؤسس الإباضيون إمارة لهم في عُمان منها انتماء عدد من أبناء قبيلة الأزد ـ أكبر قبائل عُمان ـ إلى الإباضية، ورغبة العمانيين المستمرة في الاستقلال عن السلطة المركزية المتمثلة بالدولة الأموية ثم العباسية، إضافة إلى طبيعة عمان الجغرافية وموقعها الاستراتيجي مما ساعدها على تنمية مواردها الاقتصادية، وبالتالي الوقوف ضد أي خطر دون خوف من حصار اقتصادي محتمل كما كان يحدث في الحجاز مثلاً.
ومنذ سنة 177هـ استطاع الإباضيون تأسيس الإمامة في عمان، وما زال مذهبهم سائداً هناك إلى اليوم.
جـ ـ تأسيس الإمامة الإباضية في شمال أفريقيا (المغرب العربي)
استفاد الأباضية من بعد بلاد المغرب العربي عن مقر الدولتين الأموية والعباسية، فأسسوا إمارة مستقلة،سرعان ما أرسل العباسيون لها الجيوش لحربها وإعادتها إلى جسم الدولة، وفي سنة 144هـ حقق العباسيون انتصاراً كبيراً على الأباضية.
والدولة الرستمية، المنسوبة إلى عبد الرحمن بن رستم هي إحدى الدول الإباضية التي قامت في المغرب الأوسط، وشكلت ملاذاً للإباضية الذين اضطهدهم العباسيون في أماكن أخرى، واستمرت الدولة الأباضية هناك منذ سنة 162هـ إلى سنة 297هـ، عندما قضى عليها العبيديون الفاطميون.
قالوا العدد 28(28/28)
الأسد جيد لملف الجولان
قالوا: "من المفضل لإسرائيل استمرار الوضع القائم في سورية، بوجود رئيس معزول ومعرض لضغط دولي دائم. أما إذا سقط نظام الأسد، فإن بديله سيطلب من الأميركيين استئناف المفاوضات مع إسرائيل بهدف إعادة الجولان".
المحلل الإسرائيلي ألوف بن
الغد 24/ 10/2005
قلنا: ليس الجولان والتخاذل في استردادها هو فقط ما يجعل الكيان اليهودي مرتاحاً لبقاء بشار الأسد ونظامه النصيري في السلطة، فهناك أيضا هدوء الجبهة اللبنانية، وضبط الفصائل الفلسطينية، والبقية تأتي.
ابتزاز إيراني جديد للعراق
قالوا: "لا مصلحة عراقية على الإطلاق في النظر بدعاوي إيرانية لا من قبل محكمة عراقية ولا محكمة دولية، لأن ذلك معناه إقرار عراقي قضائي بمسؤولية العراق عن شن الحرب ضد إيران في الثمانينيات من القرن الماضي".
مالك دوهان الحسن
وزير العدل العراقي السابق
الدستور 23/10/2005
قلنا: انبرى سابقا عملاء إيران في العراق، وعلى رأسهم عبد العزيز الحكيم ليعلنوا أن إيران تستحق تعويضات قدرها 100 مليار دولار بسبب الحرب العراقية الإيرانية. فإيران تريد ابتزاز العراق ومصادرة أمواله، والطريق إلى ذلك الحكيم وأمثاله.
على ماذا اجتمعوا؟
قالوا: "قال مسؤول في تحالف شيعي كويتي جديد أمس أن خمس مجموعات سياسية شيعية اتفقت فيما بينها على تكوين ائتلاف موحد بهدف تحسين أوضاع الأقلية الشيعية بالإضافة إلى زيادة حظوظ هذه المجموعات في الاستحقاقات الانتخابية".
وكالة الصحافة الفرنسية
20/10/2005
قلنا: نخشى أن الهدف الحقيقي من الائتلاف الشيعي هو الكيد لأهل السنة.
كفانا تصدير ثورة(28/29)
قالوا: "قال الرئيس الإيراني المنتخب محمود أحمدي نجاد (إن موجة الثورة الإسلامية ستشمل قريباً العالم أجمع)! هذا التصريح هل هو إحياء لشعارات تصدير الثورة في الثمانينات، واستخدام السفارات الإيرانية، وتحريك بعض العناصر المتواجدة في الدول لاستخدام القوة في تصدير الثورة ضد من يرونهم خصوماً"؟
د. بسام الشطي
الفرقان الكويتية 4/7/2005
قلنا: نعم نعم نعم .
مدعي نبوة جديد
قالوا: "ألقت شرطة محافظة بيش أمس الأول القبض على شخص مجهول الهوية والإقامة ادّعى النبوة، وقال إنه نبي مرسل لهذه الأمة، وتم إيداعه السجن".
علي عماشي
عكاظ 6/10/2005
قلنا: إنا لله وإنا إليه راجعون، كلما هلك دجّال، جاء آخر.
انفلونزا التصوف تصل إلى بلغاريا
قالوا: "استضافت الجامعة البلغارية الجديدة... ندوة علمية حول التصوف شارك في أعمالها مختصون وعلماء من تركيا وإيران ومن بلدان أوروبية عديدة، ومن الولايات المتحدة أيضاً.
وتخللت المحاضرات والنقاشات الأكاديمية عروض فنية جسدت فيها فرقة دنماركية وأخرى بلغارية ما تسمى بفن التصوف وموسيقى الصوفيين.
الشرق الأوسط
10/ 10/ 2005
قلنا: لا عجب فالتصوف عابر للأديان، فهو يجمع اليهودي والنصراني والبوذي والمسلم على حضرة واحدة تجسيدا لعقيدة وحدة الوجود.
إيران تستغل التفكك العربي
قالوا: "لا أعتقد بأن العرب اكتشفوا النفوذ الإيراني في العراق اليوم، لأن إيران تتمتع بنفوذ في العراق وسوريا ولبنان بسبب غياب الجامعة العربية عن أي دور لها في هذه المنطقة".
برهان غليون
ا.ف.ب 10/10/2005
قلنا: أن تبدأ متأخراً خير من أن لا تبدأ أبداً، لقد تركت الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي العراق فريسة بيد الاحتلال الأمريكي والتدخل الإيراني، فمتى يكون لهاتين المنظمتين دور مهم في العراق الجريح؟
الطائفية = الحرب(28/30)
قالوا: "الأوضاع في العراق ستستمر في التدهور وليس التحسن لأن طريقة الحكومة الحالية تدل على نيتها التزوير، الأمر الذي سيشعل الحرب مع ازدياد نفوذ الجماعات الشيعية، وفي مقابلها جماعات الزرقاوي الأكثر تطرفاً".
وحيد عبد المجيد
نائب مدير مركز الأهرام للدراسات
ا.ف.ب 10/10/2005
قلنا: العقلية الطائفية التي يدار بها عراق الجعفري والحكيم لن ينتج عنها سوى الحرب والخراب والله يستر.
حفلات واسطوانات وعصابات!
قالوا: "الحملة الصارمة ستكون على مراكز الفساد حيث تقام الحفلات من الجنسين، وتوزع العصابات المشروبات الكحولية واسطوانات الموسيقى المدمجة".
إسماعيل أحمدي مقدم
القائد الجديد للشرطة في إيران
وكالة أنباء الطلبة 14/10/2005
قلنا: ولماذا تركت هذه العصابات تسرح وتمرح في الجمهورية الفاضلة، حتى بلغ عدد المدمنين على المخدرات في إيران بحسب إحصائيات موثقة أكثر من مليوني مدمن؟!
ولماذا لا تحارب السلطات الإيرانية زواج المتعة والدعارة أيضا.
"سياح إيرانيون" إلى دولة اليهود
قالوا: "ذكرت دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية، في تقرير لها أمس، أن نحو 400 "سائح" زاروا إسرائيل خلال العام الحالي، في حين كان عدد الإيرانيين الذين زاروا إسرائيل في العام الماضي بلغ حوالي ألف سائح".
برهوم جرايسي
الغد 15/10/2005
قلنا: وأي دور يؤديه هؤلاء "السياح" هل هم الجسر بين إيران ودولة اليهود؟ من يدري!
تفشي البضائع الإسرائيلية في إيران
قالوا: "حذر اثنان من نواب البرلمان الإيراني من ظاهرة تفشي البضائع الإسرائيلية في الأسواق الإيرانية، وطالبوا الحكومة بتشديد الرقابة على البضائع المستوردة... إن أغلب هذه البضائع تأتي عبر الحدود مع العراق، ويقوم باستيرادها متنفذون في الدولة وفي المؤسسات الأمنية ومليشيا الحرس الثوري".
الأيام البحرينية
17/10/2005(28/31)
قلنا: هل هي "إيران غيت" جديدة؟!وإذا كان نجاد يريد إزالة إسرائيل عن الخارطة، فليزل البضائع الإسرائيلية المتفشية في بلاده أولا!
كلهم حرامية!
قالوا: "كشف أعضاء في الجمعية الوطنية العراقية عن قيام وزارة المالية ببيع ممتلكات حزب البعث من العقارات والمنازل في بغداد إلى المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق بزعامة عبد العزيز الحكيم. وبحسب المصادر فإن وزير المالية السابق نائب رئيس الجمهورية الحالي عادل عبد المهدي أصدر أمراً ببيع عدد كبير من العقارات وبقيمة رمزية".
علاء حسن
الوطن السعودية 3/10/2005
قلنا: لا غرابة أن يعبث الحكيم وحزبه في أموال العراق، "فحلال لحزبه الدوح حرام على الطير من كل جنس" !
شيعة البحرين: لا لإشراف الدولة
قالوا: انتقد رئيس المجلس الإسلامي العلمائي الشيخ عيسى أحمد قاسم... بشدة محاولات فرض الوصاية على التدريس الديني بإلزام الجهة القائمة عليه رفع تقرير مفصل ودوري عنه للجهات المعنية، وقال: إننا لن نسمح بذلك أبداً فلتغلق الحسينيات والمساجد لفترة شهر أو أكثر، لكن لا تسليم بالرقابة على هذه المشروعات".
الوسط البحرينية
17/10/2005
قلنا: ولماذا يتحرج شيعة البحرين ويرفضون رقابة الحكومة على مناهجهم ومدارسهم إذا كانوا يعلمون العلوم الصحيحة.
أما أنهم لا يعترفون بدولتهم؟
دولة حزب الله
قالوا: "مشروع الفدراليات جزء من استراتيجية الملالي الجديدة لتصدير الثورة، ومن هنا لم يستبعد هذا التقرير أن يكون جنوب لبنان والبقاع، حيث الغالبية الشيعية، وتحت هيمنة حزب الله هو المرشح للتحول إلى الإقليم الشيعي الثاني المشتعل بعد جنوب العراق".
رياض علم الدين
الوطن العربي 30/9/2005
قلنا: توشك إيران بمساعدة عملائها أن تسلخ جنوب العراق عن الوطن الأم، وقد نرى غداً دولة حزب الله في جنوب لبنان، ودولة للشيعة في السعودية بعد غد. فعند هؤلاء المذهب أهم من الدولة، وكيانات صغيرة خير من دولة قوية.(28/32)
دعارة وصوفية
قالوا: "دفعت أنباء عن أن ألبوم المغنية الأميركية مادونا، سيتضمن أنشودة تسبيح من الطقوس الصوفية اليهودية، الحاخامين، الذين يحرصون على ميراث الصوفية اليهودية، إلى اتهام نجمة البوب بتدنيس المقدسات، ولمحوا إلى عقاب إلهي قد ينزل بها".
الشرق الأوسط
10/10/2005
قلنا: حتى المطربة الفاجرة مادونا بات يستهويها ميراث الصوفية، وحتى الصوفية اليهودية أسهمها في ارتفاع في زمن الصوفية القادم!
النظام النصيري في سوريا يحتضر
قالوا: تفيد المصادر المقربة من النظام السوري أن آصف شوكت رئيس الاستخبارات العسكرية السورية أجرى اتصالاً هاتفيا بوزير الداخلية غازي كنعان قبيل وقت قصير من الإعلان عن موته بالانتحار الذاتي. في هذا الاتصال هدد شوكت كنعان واتهمه بتسريب معلومات مهمة تتعلق باغتيال الحريري.
وقالت المصادر أن اجتماعاً تشاورياً ضم والدة الأسد السيدة أنيسة مخلوف وشقيقته السيدة بشرى وزوجها آصف شوكت... وقد ارتأت الأم والأخت أن يذهب الرئيس الضعيف ولا يجري تسليم رجل النظام القوي آصف شوكت".
السياسة الكويتية
12/10/2005
قلنا: إذا كان هذا مصير أعوانهم الكبار، فما هو حال المساكين والضعفاء من الشعب السوري؟
تيار الصدر ومنظمة بدر أصحاب رسالة واحدة
قالوا: "زار وفد قيادي من التيار الصدري المقر المركزي لمنظمة بدر ردّاً على الزيارة التي دعا إليها الأمين العام لمنظمة بدر.. وتم خلال اللقاء عقد مؤتمر صحفي تحدث فيه هادي العامري الأمين العام لمنظمة بدر.. قائلاً: إن التيار الصدري والبدريين هم تيار واحد ينطلق من أهداف واحدة ومن مصير واحد وهما الفصيلان المدافعان عن الإسلام والمذهب في عراق المقدسات، وأكّد أن "بدر" تشكلت بناء على توجيهات الشهيد الصدر الأول".
موقع البينة نقلاً عن موقع بدر
26/10/2005
قلنا: ولماذا نفرق بين الجماعتين وندّعي أن تيار الصدر مخلص لوطنه مقاوم للاحتلال ما دام التياران يقولان: أهدافنا واحدة.(28/33)
جولة الصحافة
تقويم الكساء
تمهيد
فتنة جديدة فجرها الشيعة في الكويت بإصدارهم تقويما أسموه "تقويم الكساء" احتوى على ما تقشعر منه النفوس بسب ولعن صحابة النبي صلى الله عليه وسلم وزوجاته الطاهرات، وتكفير أهل السنة، وغير ذلك.
وقد نشرت مجلة الفرقان الكويتية في عددها الصادر بتاريخ 27/6/2005 أهم ما احتواه هذا التقويم الصادر عن ( هيئة خدام المهدي ) من أباطيل ، ونشرت في الأعداد التالية عددا من ردود الأفعال الشعبية والرسمية تجاه هذا التقويم الطائفي الخبيث، ومن ذلك تقديم عدد من المحامين الكويتيين دعاوى قضائية ضد الذين ينشرون هذا الفكر المنحرف، ومناقشة مجلس الوزراء الكويتي موضوع هيئة الخدام وإصداره قرارا بإنزال أشد العقوبات عليهم وتقصي آثارهم.
وفي هذا الملف ننشر نص المقال الذي نشرته الفرقان عن "تقويم الكساء" ، ثم بيان بعض ردود الفعل، إضافة إلى نشر مقابلة مع أحد أعضاء مجلس الأمة الكويتي للحديث عن هذه القضية وتداعياتها.
وثمة ما يجب الإشارة إليه وهو أن رصد ما ينشر من أفكار باطلة وعرضها أمام الناس والمسؤولين ، كثيرا ما يأتي ثماره فقد تحرك النواب والمسؤولون لوقف توزيع هذا التقويم ومحاسبة القائمين عليه الأمر الذي يوجب على أهل السنة اليقظة وعدم التقاعس في بيان باطل هؤلاء. الراصد
تقويم الكساء.. مخزون الكراهية والفتنة الطائفية
الفرقان الكويتية العدد رقم: 349 التاريخ: 27/6/2005
بعد تكفير المدعو ياسر الحبيب للصحابة رضي الله عنهم في أحد عشر شريطا وتكفيره لأهل السنة والجماعة ، جاءت مجلة المنبر لتترجم كلامه إلى مقالات !!
وها هي هيئة خدام المهدي تخرج علينا من جديد بما يعرف " تقويم الكساء" لعام 2005 ميلادي، الذي يباع في بعض الجمعيات التعاونية التابعة للمنطقة الأولى-وفق تقسيم الكويت إلى دوائر عشر- لتقوم بذلك بنفس مهمة ياسر الحبيب..(28/34)
وجاء في مقدمة التقويم أن التقويم حاز على ثقة الجمهور وحل بالمركز الأول من حيث الطلب والمبيعات!وأن من أسباب ذلك أنه اعتمد على "فقه الأئمة المعصومين من آل الرسول صلوات الله عليهم أجمعين !!
- ونحن نعتقد أن العصمة لا تكون إلا لمن عصم الله وهي حق لنبيه صلى الله عليه وسلم وليس لآل بيته جميعا..
- وإليكم بعضا من تلك النصوص التي نستنكرها من أناس يعيشون بين أظهرنا ويكفروننا ويكفرون خير القرون ، ويكيلون لأهل السنة اللعائن والشتائم والتجريح ومن ذلك ما يلي:
-ذكر التقويم أن ريع مبيعات التقويم تذهب لصالح -المشاريع الخيرية التي تتبناها هيئة خدام المهدي - من أجل نشر عقيدة آل البيت في العالم !!
إنهم يعنون بذلك كما يبدو تصدير الفكر الطائفي في العالم و ذلك على الرغم من أن تلك الهيئة - هيئة خدام المهدي- جهة مجهولة ولا نعلم ما طبيعة المشاريع الخيرية التي تتبناها.. وها هي تحمل شعارا غريبا نصه:"القوة في زمن الضعف" فما القوة التي يقصدونها ويستخدمونها في إيصال عقيدتهم ومبادئهم؟! وأي ضعف يعيشون؟!
هل هي مشاريع سب الصحابة والتطاول عليهم؟! أم توزيع مثل هذا التقويم المشبوه الذي لا يختلف عن أشرطة المدعو ياسر الحبيب؟!
ثم إن تلك الهيئة المشبوهة لا تفتأ تطالب بالدعم والمساندة .. وتذكي روح "الجهاد" ضد من خالفهم وظلمهم كما يزعمون!!
- وتحت عنوان "لا فائدة من عبادتهم" ينسبون إلى الإمام الصادق قوله: "من خالفكم وإن عبد وإن اجتهد منسوب إلى هذه الآية :" وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة تصلى نارا حامية" !
وهذا تكفير واضح كما ترى لمن يخالف رأيهم!!
- ويذكر التقويم في 4 محرم -13 فبراير : تحرر الخادم الشيخ ياسر الحبيب من السجن في الكويت بكرامة من حامي الحمى مولانا العباس عليه السلام عام 1425للهجرة!!(28/35)
- وفي أكثر من إعلان في ذلك التقويم يدعون إلى المساهمة في تأسيس"القناة الفضائية المهدوية" وأنها ستبث على مدار 24 ساعة ويطالبون بإكمال رأسمال هذه القناة ويذكرون الهاتف (...) في منطقة بنيد القار بالكويت!!
-وفي 6 من ذي الحجة كتبوا العبارة التالية :
ليلة استشهاد إمامنا الباقر عليه السلام ويجب التوجه فيها الى مجالس العزاء واستشهاد ثلة من الحجاج الشيعة المؤمنين على أيدي الوهابيين بمكة عام 1407هـ!!
فأي استشهاد يذكرون ومن يقصدون بالوهابيين هل هم قوات الأمن والشرطة في بلاد الحرمين أم غيرهم !!
- ويكررون في أكثر من صفحة إعلانا يحمل عبارات محرضة : يا زهراء .. قَسَمَا سنثأر!!
فيا ترى ممن سيثأرون؟! وكيف سيكون ذلك ؟!!
- ثم إنهم يدعون من خلال مركز "نور محمد" إلى المساهمة في مشروع يحمل اسم "علي ولي الله" لنشر أفكار مجلة المنبر في العالم !! ويذكرون أن نطاق التحرك في المرحلة الأولى يشمل سورية ولبنان والكويت والسودان ومصر والسويد والنرويج وبريطانيا والولايات المتحدة !!
- ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد عندهم بل يتعداه للإعلان عن مجلة المنبر والتي جعلوها "شمعة الشجاعة"! ويؤكدون أنها تصل إلى باب المنزل شهريا مع الملاحق والهدايا الإضافية الموسمية ..
أليست المنبر هي تلك المجلة الشاذة التي تطاولت وتجرأت على صحابة النبي صلى الله عليه وسلم ونشرت كل فرقة وفتنة في المجتمع الكويتي.. الأمر الذي حدا بالسلطات الرسمية إلى إغلاقها ومصادرة أعدادها ؟! فكيف يتم الإعلان عنها في تقويم 2005 ويدعون إلى الاشتراك فيها ؟!!
سؤال نوجهه إلى المسؤولين وإلى وزارة الإعلام حتى تقطع دابر الفتنة..
- وفي يوم 18 ذو الحجة: نجد في التقويم قدحا في في الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه ووصفه بالصنم العابس!!
جاء ذلك في عبارة نصها: -هلاك الصنم الثالث العابس سنة 43 للهجرة.(28/36)
- وفي 1 صفر:تجد في التقويم لعن الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، ومن معه!! وذلك في عبارة نصها: " بدء واقعة صفين، حيث قاتل أمير المؤمنين عليه السلام معاوية وأتباعه البغاة عليهم لعائن الله"!!
- وفي 27 صفر: قدح ولعن لأبي بكرالصديق وعمر الفاروق وعائشة وحفصة رضي الله عنهم جميعاً!!
ونص الاتهام :"ليلة استشهاد سيد الخلائق أجمعين رسول رب العالمين محمد بن عبدالله المصطفى صلى الله عليه وسلم وآله وسلم مسموماً من صنمي قريش وابنتيهما عليهم اللعنة" !!
- وفي 2 ربيع الأول: قدح في الصحابة وتسميتهم بالعصابة في عبارة نصها: "هجوم عصابة السقيفة على دار الزهراء عليها السلام وقتل جنينها المحسن عليه السلام"!!
- وفي 9 ربيع الأول: شتم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه وذلك تحت عنوان:الحقود الكذاب!!! ونص الشتم : عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام قال: كانت امرأة من الأنصار تودنا أهل البيت وتكثر التعاهد لنا، وأن عمر بن الخطاب لقيها ذات يوم وهي تريدنا، فقال لها: أين تذهبين يا عجوز الأنصار؟ فقالت: أذهب إلى آل محمد أسلم عليهم وأجدد بهم عهداً وأقضي حقهم، فقال لها عمر: ويلك ليس لهم اليوم حق عليك ولا علينا، إنما كان لهم حق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأما اليوم فليس لهم حق فانصرفي! فانصرفت حتى أتت أم سلمة، فقالت لها أم سلمة: ماذا أبطأ بك عنا؟ فقالت: إني لقيت عمر بن الخطاب، وأخبرتها بما قالت لعمر وما قال لها عمر، فقالت لها أم سلمة: كذب! لا يزال حق آل محمد صلى الله عليه وسلم واجباً على المسلمين إلى يوم القيامة-.(28/37)
- وفي26 ربيع الأول: قدح ولعن لمعاوية - رضي الله عنه ونصّ عبارتهم : "قال معاوية -لعنه الله- للإمام الحسن عليه السلام: ما يجب لنا في سلطاننا؟ فقال عليه السلام: ما قال سليمان بن داود. فقال معاوية: وما قال سليمان؟ قال عليه السلام: إنه قال لبعض أصحابه: أتدري ما يجب على الملك في ملكه وما لا يضره إذا أدى الذي عليه منه: إذا خاف الله في السر والعلانية، وعدل في الغضب والرضا، وقصد في الفقر والغنى ولم يأخذ الأموال غصباً ولم يأكلها إسرافا وتبذيرا ولم يضره ما تمتع به من دنياه إذا كان في خلته.
وذلك كله تحت عنوان: "فهل فيك يا معاوية هذه الصفات؟!!".
- وفي 2 ربيع الآخر: قدح في أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - ووصفهما بالصنمين وأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا عليهما !!! وذلك كله تحت عنوان: "لا تاب الله عليكما.. هكذا قال رسول الله"
-اتهم الصنمان الأول والثاني مارية - عليها السلام - زوج الرسول صلى الله عليه وسلم بالخيانة، فلما أظهر الله تعالى الحقيقة وأبان افتراءهما سقطا بين يدي رسول الله، وقالا: يارسول الله التوبة استغفر لنا، فلن نعود! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تاب الله عليكما! فما ينفعكما استغفاري ومعكما هذه الجرأة على الله وعلى رسوله؟! قالا: يارسول الله فإن استغفرت لنا رجونا أن يغفر لنا ربنا، فأنزل الله الآية "إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم".
- وفي 25 جمادى الأولى-: لعن لمعاوية ويزيد وجده رضي الله عنهم ونص ذلك:
- وفاة معاوية بن يزيد بن معاوية - رحمة الله عليه ولعنة الله على أبيه وجده - بعد تخليه عن السلطة إيماناً منه بأحقية الخليفة الشرعي الإمام السجاد عليه السلام فيها-.
- وفي 29 جمادى الأولى: لعن الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ووصفهما بالجبت والطاغوت!!! وذلك تحت عنوان:- أربع كلمات ترفعك سبعين ألف درجة يومياً-:(28/38)
-عن الإمام علي بن الحسين زين العابدين - عليه السلام - أنه قال: من قال: اللهم العن الجبت والطاغوت كل غداة -أي صباح- مرة واحدة كتب الله له سبعين ألف حسنة، ومحا عنه سبعين ألف سيئة ورفع له سبعين ألف درجة.
- وفي 8 جمادى الآخرة: شتم وسب لعمر بن الخطاب رضي الله عنه وذلك تحت عنوان:- أعرابي غليظ.. ويعترض أيضاً-: ونص البهتان قولهم :
- قام عمر بن الخطاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنك لا تزال تقول لعلي: أنت مني بمنزلة هارون من موسى، وقد ذكر الله هارون في القرآن ولم يذكر عليا! فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ياغليظ يا أعرابي! أما تسمع قول الله تعالى: "هذا صراط علي مستقيم" ؟!، وما هذا إلا تحريف واضح للقرآن الكريم.
- وفي 11 جمادى الآخرة: قدح في الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ووصفهما بالجبت والطاغوت: حيث يزعمون زورا وبهتانا:
- قال محمد بن علي بن عيسى كتبت إلى الإمام علي الهادي - عليه السلام - أسأله عن الناصب، هل احتاج في امتحانه إلى أكثر من تقديمه الجبت والطاغوت واعتقاد إمامتهما؟ فرجع الجواب: من كان على هذا فهو ناصب-!!!!
- وفي 22 جمادى الآخرة: اللعن لأبي بكر الصديق- رضي الله عنه - ووصفه بصنم قريش الأول وبالهلاك!!! ونص ذلك قولهم :
- هلاك صنم قريش الأول عليه لعائن الله سنة 31 للهجرة، ويستحب إدخال السرور على الأهل والأولاد وإقامة الأفراح في هذا اليوم المبارك!!
- وفي 2 رجب: انتقاص وقدح في عمر بن الخطاب رضي الله عنه ووصفه بالجهل والتقليل من شأنه وذلك تحت عنوان: مادمت جاهلاً فلماذا تنصب نفسك خليفة؟:(28/39)
- سأل رجل عمر بن الخطاب فقال: ما تفسير -سبحان الله-؟ فلم يحر جوابا وقال: إن في هذا الحائط رجلا كان إذا سئل أنبأ وإذا سكت ابتدأ، فدخل الرجل فإذا هو علي بن أبي طالب - عليه السلام - فقال: يا أبا الحسن ما تفسير -سبحان الله-؟ قال: هو تعظيم جلال الله عز وجل وتنزيهه عما قال فيه كل مشرك، فإذا قالها العبد صلى عليه كل ملك!!
- وفي 8 شعبان: قدح في الشيخين أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - ووصفهما بالجبت والطاغوت والبراءة منهما:
- عن الصادق عليه السلام من أقر بسبعة أشياء فهو مؤمن: البراءة من الجبت والطاغوت، والإقرار بالولاية، والإيمان بالرجعة، والاستحلال للمتعة، وتحريم الجري والمسح على الخفين.
- وبعد هذا كله وتلك الأباطيل والمزاعم والاتهامات والتعديات على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن شهد لهم بالفضل والإحسان..وبعد هذه النبرة الطائفية والفتنة الكارثية ماذا بقي أن نقول؟ حسبنا الله ونعم الوكيل.. إنه جرح في صحابة رسول الله والتابعين وفي خير القرون ..
رسالة نوجهها إلى كل غيور على دين الله - لاسيما الحكومة، ونواب الأمة - أن يُوقف هؤلاء عند حدهم وتصادر تلك الترهات وتلك المنشورات الباطلة وأن تقوم الجهات المعنية بدورها في حفظ أبنائنا ومجتمعنا من تلك السهام الحارقة، والمزاعم الباطلة حفاظا على عقيدة الأمة وتراثها ..
وحفاظا على وحدة المجتمع من التمزق والانفلات لا بد من إغلاق تلك المبرات والقنوات والمجلات التي لا همّ لها إلا تصدير الشتائم واللعائن وتكفير المجتمعات لتعكير الجو وإثارة النعرات والفتن..
ما بعد تقويم الكساء
الفرقان العدد 352 التاريخ: 18/7/2005(28/40)
ما إن نشرت مجلة -الفرقان- مقتطفات مما يسمى -بتقويم الكساء- الذي تصدره من تسمي نفسها -هيئة خدام المهدي- والذي تضمن سيلاً من الشتائم وأقذع الألفاظ ضد كبار الصحابة رضوان الله عليهم وعلى رأسهم الشيخان أبا بكر الصديق وعمر الفاروق رضي الله عنهما، حتى توالت ردود الفعل على المستوى المحلي من استنكار وغضب إلى تهديد برفع قضايا في المحاكم على أولئك المجرمين الذين يهدفون إلى إثارة العداوة والبغضاء، ويسعون إلى تفجير المجتمع الكويتي من خلال ضرب الناس بعضهم ببعض، كما تحركت وزارة الإعلام ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل لتتبع الأشخاص والجمعيات التعاونية التي سمحت ببيع وترويج ذلك التقويم الحاقد.
وللأسف فإن ردود الفعل الرسمية كالعادة بطيئة ومحدودة وكأن أمر الصحابة رضوان الله عليهم لا يمثل أهمية بالغة! في السابق تكلم الناس عن مجلة -المنبر- الحاقدة التي تصدر في الكويت وتوزع في عدة أماكن وتتفنن في شتم الصحابة رضوان الله عليهم ولكن ذلك التحرك لم يكن على مستوى الحدث إلى أن تطوع بعض المحامين الكويتيين برفع قضية على المجلة وكسبوها، ثم جاء دور الحاقد -ياسر حبيب- ليبث سمومه من جديد في أشرطة وزعها يقشعر لها بدن كل من له كرامة ودين، وطالب الناس بالقبض عليه ومعاقبته، وفعلاً حكم عليه القضاء بالسجن عاماً واحداً وهي أقصى عقوبة يستطيعها القضاء في مثل تلك الحالات، لكنه خرج من سجنه بعد شهر أو شهرين بعفو لم نعلم من كان وراءه وما زال هارباً! ونكتشف اليوم أن جميع خيوط المؤامرة على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم تجتمع في تلك المنظمة الحاقدة والتي أرسلت ردها من لندن على متهميها وكالتهم الصاع صاعين وبررت إجرامها بتبريرات لا يقبلها مسلم بل وتفاخرت بمستشارها -ياسر حبيب- الذي نال كرامة أبي الفضل وأطلق من سجنه كما يزعمون.(28/41)
لكن الأدهى والأمر هو أن تلك المجلة الحاقدة التي تقف وراءها تلك الهيئة المزعومة تجد الرعاية الكاملة من أشخاص ذوي نفوذ في الكويت يعرفهم الجميع، وتوزع اشتراكاتها على عناوين ثابتة وتتم طباعتها في الكويت، كما أن تقويم الكساء تقوم بعض جمعيات النفع العام بتوزيعه على الرغم من إدراكها بأن تلك جريمة يعاقب عليها القانون، فإلى متى هذا التساهل مع من يسعون لتقويض أركان المجتمع واستفزاز مشاعر المسلمين؟! وإلى متى تغض الحكومة الطرف عن هؤلاء المجرمين الذين يستنكر أفعالهم كل من له عقل ودين حتى من أبناء الطائفة الشيعية التي يدَّعون بأنهم يتكلمون باسمها؟!
نعم لقد آن الأوان لإيقاف هؤلاء الحاقدين عند حدهم وإيقاع أقصى العقوبات بالقائمين على تلك الجهات وكل من يساندهم، وآن الأوان لحل مجالس إدارات الجمعيات التعاونية التي سمحت ببيع تلك المجلة وذلك التقويم حتى يكونوا عبرة لغيرهم.
"إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون".
النائب محمد المطيري:هيئة خدام المهدي تتصدر الفتنة في الكويت
الفرقان العدد 352 التاريخ: 18/7/2005
أكد الأمين العام لتجمع ثوابت الأمة النائب محمد هايف المطيري أن أبناء هذا البلد فجعوا بتقويم أصدرته هيئة خدام المهدي يسمى بتقويم الكساء، ويتضمن الخروج على الأخلاق والقيم وسب الصحابة دون مراعاة لمشاعر أهل هذا البلد.
وأوضح في لقاء مع الصحفيين وأهل الكويت في ديوانه بمنطقة الفردوس أننا نعيش وسط العديد من الديانات ومنها النصرانية التي تنشر كنائسهم في البلاد ومع ذلك لم نسمع منهم أنهم أساؤوا الأدب في حق المسلمين.(28/42)
وقال إن هذه الهيئة المشبوهة والتي يترأسها ياسر حبيب الذي سب الشيخين أبا بكر وعمر رضي الله عنهما فلقبوه بسماحة الشيخ وادعوا أن العباس –أبا الفضل- قد أخرجه من السجن بعد أن حكم عليه بسبب تكفير أهل السنة والجماعة - تتصدر الفتنة في الكويت.
وكشف أن هناك مسائل خطيرة لا ينبغي التعتيم عليها من قبل الإعلام؛ فهناك إرهاب وهناك تطرف وهناك استباحة دماء وهناك فتاوى بتكفير أهل السنة والجماعة واستباحة دمائهم وسب الصحابة ووصفهم بالكذب، مشدداً على ضرورة أن يكون الإعلام عادلاً وهادفاً للقضاء على الفتن.
- وأشار إلى أن حادثة الإرهاب الأخيرة التي حدثت في الكويت والتي راح ضحيتها بعض الضباط من أمن الدولة، وتحدثت عنها الصحف جميعها، تسمى تطرفاً وإرهاباً، وإن ما قامت به هيئة خدام المهدي من تصريح بتكفير أهل السنة والجماعة واستباحة دمائهم يُعد تطرفاً، ويجب فتح ملف لدراسة هذا الفكر المنحرف الخطير الذي حمل معتنقوه السلاح وأطلقوا على من قام بتفجيرات مكة شهداء أيام الحج في سنوات ماضية.
- وبين أن السكوت على هذا الأمر يعد خطيراً ولابد أن يعرف الجميع من هؤلاء حتى يعرفهم أهل الكويت.
وذكر أن هذه الهيئة تكذب على الناس وتدعي أن لها مكاتب في بيروت والبحرين ويعتزمون فتح مكتب لهم في لندن، وهم في الأصل ينطلقون من الكويت دون ترخيص ضاربين عرض الحائط بالقوانين الموجودة في هذه البلد.
- وكشف الأمين العام لثوابت الأمة أن النائب صالح عاشور يحضر اجتماعاتهم ولقاءاتهم فلماذا لا يبرئ نفسه من هذه الهيئة المشبوهة؟ وأين تجمع علماء الشيعة؟ ولماذا لا يصدرون بياناً يجرم هذا الأمر، لا سيما وأن هذا البلد على أبواب فتنة، ولا يرضى أحد أن يشتم قبيلته أو بلده ولكن ماذا لو شتم أحد الصحابة رضوان الله عليهم؟
إن هذه القضية إن لم تخمد في مهدها فسوف يستفحل الأمر وقد يمتد إلى ما لا يحمد عقباه.(28/43)
- وفي شكوى قدمها المحامي خالد العبدالجليل للنائب العام قال فيها: إن ما أقدم عليه هؤلاء.. قد طال أهل الكويت في دينهم وإيمانهم واستقرار نظام حكمهم.. وذلك حين نعتوا أهل الكويت.. حكاماً ومحكومين بالكفر أو الضلال.
فقد جاء في التقويم -في يوم 7 ربيع الآخر- تكفير أهل السنة.. وذلك تحت عنوان -كافر كافر كافر.. من أنكر الأئمة-:
عن أبي سلمة عن أبي عبدالله الصادق - عليه السلام.. قال -من عرفنا كان مؤمناً، ومن أنكرنا كان كافراً ومن لم يعرفنا ولم ينكرنا كان ضالاً-.
وهكذا فإن ما اقترفه هؤلاء المجرمون يندرج تحت جرائم أمن الدولة المنصوص عليها في قانون الجزاء الكويتي..
ونحن هنا لم نسرد عليكم - ياسيادة المستشار - مواد القانون المنطبقة على الواقعة.. فأنتم أعلم منا بها..
وأضاف ولكننا عبر هذه الشكوى نستصرخ فيكم ما نعرفه عنكم من دين ومروءه ورجولة لتهبوا مدافعين عن ثوابت دين الأمة وما عرف منه بالضرورة ولتدرؤوا عن عرض أمكم عائشة -أم المؤمنين- رضي الله عنها وعن أبيها وعن شرف أصحاب نبيكم صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم.
فرحم الله رجل قانون جعل من أمر ردع هؤلاء الفجرة عبادة يتعبد الله بها.. وقربى يتقرب بها إليه سبحانه.
- من جانبه، قال المحامي محمد مناور، إن المطلوب من كل إنسان أن يقدم ما يستطيع تقديمه في مجال الدفاع عن الدين وعن الرسول صلى الله عليه وسلم ، وإنه لشرف لي بوصفي محامياً أن أدافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وبين أن هذه الجرائم تعد من الجرائم الماسة بأمن الدولة، وهناك حملة كبيرة ضد كل من يعتقد هذا الفكر التكفيري، ونطالب كل من يقول ويؤمن بالله والملائكة أن يتحرك بكل ما يملك من جهد للدفاع عن هذا الأمر وإخماد هذه الفتنة.(28/44)
- وإذا كان وزير الشؤون الاجتماعية والعمل طالب بالدليل -بأن بعض الجمعيات التعاونية التي قامت بتوزيع التقويم- فإن لدى الوزارة بلاشك أكثر من طريقة للتحقق من ذلك حيث لا تدخل سلعة الجمعية التعاونية إلا عن طريق لجنة المشتريات ، وإذا ما نظر في محاضر تلك اللجان أصبح بالإمكان إيجاد الدليل المناسب كما أن مراقبة مبيعات السلع في الجمعية والوارد والصادر والمخازن وما إلى ذلك من شأنه أن يحقق المطلوب ..
- كما أننا نوجه إلى وزارة العدل أن تقوم بدورها في ضبط وإحضار المدعو ياسر حبيب الذي مازال في لندن ينشر أباطيله ويبرر تهجمه على الصحابة الكرام ، وتجفيف منابع هيئة خدام المهدي ومصادرة مجلاتهم وإغلاق مبراتهم وفضائياتهم التي لا تفتأ تثير الفتنة وتنشر العداء وتشق الصفوف.
- ونطالب مجلس الأمة كذلك أن يشرع من القوانين ما يكفل عدم التعدي والتهجم على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
عاصفة الحوثيين لم تهدأ بعد
الوطن العربي ـ العدد 1491 ـ 30/9/2005
صنعاء ـ هبة المنسي
رغم أن ظاهر الأمور في اليمن يشير إلى هدوء العاصفة وإغلاق ملف صعدة وتمرد الحوثي على الحكومة في صنعاء.. إلا أن خلفيات الأحداث ما تزال حاضرة على الشارع اليمني، الذي انقسم إلى فريقين.. أحدهما يرى أن (حسين الحوثي) قائد التمرد والذي لقي مصرعه على أيدي القوات الحكومية ضحية.. والفريق الآخر يراه جانياً.
القضية اتخذت بعداً مذهبياً ودينياً، فأتباع الحوثي يرون أن الحكومة تضطهد المذهب الزيدي وآل البيت خوفاً من قوتهم، وإرضاء للولايات المتحدة، والدولة تؤكد حدوث التمرد ورغبة الحوثي وأعوانه في الانفصال.
"الوطن العربي" قابلت طرفي القضية: الرسمي ممثلاً في الحكومة حيث التقينا وزير الأوقاف محمود عباد، ورئيس لجنة الحوار مع الحوثيين القاضي حمود الهتار.(28/45)
..ثم الطرف الآخر وهم قادة الحوثيين أنفسهم: الشيخ بدر الدين الحوثي الذي يرى نفسه مرجعاً دينياً وليس زعيماً، ونجله عبد الملك القائد العسكري للحركة وذلك بعد مقتل قائد التمرد حسين الحوثي "الابن".
فإلى التفاصيل:
1ـ القاضي حمود الهتار رئيس لجنة الحوار مع "الحوثيين" وعضو لجنة الوساطة:
كنت رئيساً للجنة الحوار مع الحوثي، كيف كان الحوار؟
ـ أنا كنت رئيساً للجنة الحوار الفكري والتي بدأت عملها منذ سبتمبر "أيلول" 2002، واستطاعت تحقيق نتائج طيبة على المستويين الداخلي والخارجي. وبالنسبة للمستوى الداخلي فقد تم تصحيح بعض المفاهيم الخاطئة عن الإسلام ونزع فتيل الأزمة وترسيخ الأمن والاستقرار، أما على المستوى الخارجي فقد تحسنت صورة اليمن في الخارج، فاليمن بلد الحضارة والاستقرار وباستخدامنا للوسائل السلمية استطعنا تدعيم هذه الصورة وتحقيق الأثر الطيب المرجو من الحوار، فقد بدأ الناس يشعرون أن الإسلام ليس ما يتحدث عنه أسامة بن لادن والظواهري، ومن هذا المنطلق بدأ الحوار مع المتأثرين بأفكار الحوثي فإذا كان فكر "القاعدة" يقوم على ركيزة أساسية وهي قتال غير المسلمين فإن فكر الحوثي يقوم على أساس الحق الإلهي في الحكم والعلم، حيث يرى أن الله اختص أناساً بالعلم دون أن يعلمهم أحد حتى وإن كان طفلاً، فهو مختص بالعلم، والحوار تم على أربع جولات اشترك فيها 350 شخصاً من المتأثرين بفكر الحوثي واستطعنا أن نقنع 140 منهم بالعدول عن أفكارهم.
وهل واجهتكم مشكلات في الحوار مع أتباع الحوثي؟(28/46)
ـ بالتأكيد، ولكن نسبة المشكلات التي واجهناها مع أتباع الحوثي مقارنة بمن سبقهم من المنتمين لتنظيم "القاعدة" تبدو متدنية، وهذا له أسبابه، أما المشكلة الأولى التي قابلتنا فهي الجهل، فبمراجعة البيانات تبين أن قلة منهم هم المتعلمون والبقية أميون لا يحفظون السنة، وإن حفظوا شيئاً منها واعترفوا به فهو الأحاديث المتصلة بأهل البيت فقط، وبالتالي فإن جو الحوار لم يكن مناسباً.
وماذا عن لجنة الوساطة التي كنت أحد أعضائها ومن وجهة نظرك لماذا لم يقم حسين بدر الدين الحوثي بتسليم نفسه؟
ـ لجنة الوساطة أنشئت بناءً على قرار من رئيس الجمهورية في محاولة لتهدئة الأوضاع ولكن للأسف رفض الحوثي تسليم نفسه، فقد كان يريد أن ينتهج سياسية الإمام الخميني دون مراعاة للظروف، فشخصية الخميني مرجعية ولها تاريخ أما الحوثي فشاب صغير، وهو لم يسلم نفسه بناء على حسابات خاطئة منه ومن المحيطين به، الذين أقنعوه بألا يقدم على خطوة تسليم نفسه على اعتبار أنه حتى لو مات فهو شهيد.
وما الذي أدى إلى تفجير الوضع في هذا الوقت بالذات؟
ـ أولاً لابد من إشارة وهي أن الحوثي بدأ العمل بهدوء منذ عام 1991، واستمر لأكثر من تسع سنوات، بعدها بدأت مرحلة أخرى كان أهم ما فيها هو الشعار الذي رفعه وخرج من صعدة إلى كل أنحاء اليمن وهو "الموت لأميركا واللعنة على إسرائيل.. والنصر للإسلام" وهو ما أحرج الحكومة اليمنية في ظل الظروف العالمية والتوتر الذي تعيشه المنطقة.
وماذا في هذا الشعار ليؤدي إلى تفجير الوضع.. فالعلم الأميركي مثلاً يحرق في أماكن كثيرة من العالم؟(28/47)
ـ المشكلة لم تكن في الشعار فقط، ولكن في أفكاره أيضاً والتي تطورت إلى حد عدم إقامة صلاة الجمعة لمدة 5 سنوات وعندما تسأل لماذا، تأتيك الإجابة بأنه لا يوجد إمام عادل!! وكذلك رؤيته أن الحكم أو الحاكم لابد أن يكون من (البطنين) وهم (أولاد علي وفاطمة رضي الله عنهما) مما يعني تمرداً ظاهراً على الدستور، فالرئيس علي عبد الله صالح منتخب من الشعب.
وباختصار لو نظرنا للشعار أيضاً فسنجد فيه بعض التجاوزات، مثلاً الموت لأميركا كيف وبها مسلمون.. سيقولون نقصد الإدارة الأميركية، إذن لابد من التخصيص، وكذلك اللعنة على إسرائيل وإسرائيل نبي من أنبياء الله، إذاً لابد من التخصيص أيضاَ.
يبدو الكلام غير منطقي بالمرة.. المهم النية؟
ـ بالعكس هذا هو المنطق، والدعاء على الإطلاق غير جائز شرعاً.
وماذا عن بدر الدين الحوثي (الأب)؟
ـ لا أعلم عنه شيئاً، ولكنه على حد علمي موجود في إحدى المناطق الحدودية، والمحللون السياسيون يقولون إن حسين بدر الدين (الابن) لم يكن سوى رئيس الجناح العسكري، وأن والده هو الذي كان يراد له أن يكون الإمام، وهذا قد يكون مقبولاً لأنه رفض أي وساطات لإقناع ابنه بتسليم نفسه، وأرسل إليه رسالة ينصحه بعدم الاستسلام وأن الشهادة أمانة.
وماذا عن قائمة الاغتيالات؟
ـ قائمة الاغتيالات خرجت من بعض أتباع الحوثي، وبها أسماء بعض الشخصيات اليمنية المراد تصفيتهم جسدياً وأنا من ضمن هذه القائمة، وحقيقة لا أشعر بأي خوف فواجبي تجاه وطني يفوق أية رغبة في الحياة وأي قلق على النفس.
2ـ وزير الأوقاف محمود عباد:
من المعروف أن اليمن ينقسم إلى سنة وزيديين (الشيعة الزيدية) فهل صحيح أن الدولة تضطهد حالياً أتباع المذهب الزيدي؟(28/48)
ـ الحرب التي تمت في صعدة لا تعني اضطهاداً للمذهب الزيدي أو أتباعه، فهي ليست حرباً بين حكومة ومذهب، وإنما بين الحكومة والتمرد دون أن يكون هناك أي ارتباطات أو أسباب فكرية ومذهبية، ومن حق أية دولة إعلان الحرب على المتمردين عليها، فالمتمرد هو خارج على الشرعية والدستور وعلى المجتمع.
إذا كان هذا صحيحاً فلماذا إذاً توقفت البعثات العلمية من اليمن إلى إيران..؟ ولماذا اعتقل يحيى الديلمي (إمام وخطيب مسجد قبة المهدي) بتهمة التخابر مع طهران؟
ـ ليس لدي علم بموضوع البعثات.. ومسألة الذهاب للدراسة تكون بمبادرات فردية من أصحابها، ومن لديه الرغبة في الذهاب فليذهب.
وأما سبب اعتقال يحيى الديلمي فمعروف للجميع علاقته بالسفارة الإيرانية وهذا مثبت بالأوراق الرسمية، كذلك علاقته مع حسين بدر الدين الحوثي وانضمامه لحركة "الشباب المؤمن" واعتصامه هو وبعض مجموعته داخل المسجد ثم خروجهم بعد علمهم أن الاعتصام داخل المساجد ممنوع، وزيارته لإيران لطلب العون والمساعدة والتدريب لإخوانهم في اليمن الذين يرون في الثورة الإيرانية الحل السلمي، وفي العودة لمذهب أهل البيت وحقهم في الخلافة السبيل الوحيد للنهوض بالدولة الإسلامية.
في الفترة الأخيرة علت في اليمن نبرة زيدي وسني.. كيف يتم القضاء على هذه النبرة؟
ـ أول شيء يجب إدراكه أن ما يزيد من هذه النعرات أو حتى ينشئها هو التطرف، فوفقاً للبعد التاريخي لن نجد في تاريخ اليمن مثل هذه الأصوات المغرضة التي تحاول أن تنال من وحدة اليمن فليس هناك مسجد مخصص للسنة وآخر للشيعة، كما أن الزيديين يمكن أن يصلوا خلف إمام سني.. وهذا القدر من السماحة هو أساس في نسيج الشعب اليمني، أما المشكلة فتكمن في الصراع.. والصراع لا وطن له، ويولد في نسيج الفتنة والتمرد وهو الذي نحاول الحد منه ومن قدرته على التأثير.
كنتم ضمن لجنة الوساطة والحوار مع الحوثي فماذا تم من خلال اللجنة؟(28/49)
ـ لجنة الوساطة كانت بمثابة الوسيط، كما كانت جسراً للتواصل ما بين المتمردين والدولة، فقد كنا نريد منحهم فرصة أخيرة للعودة إلى رشدهم، ونمتلك رغبة أساسية في إقناعهم أو إقناع حسين بدر الدين الحوثي بالتحديد ليسلم نفسه، وأعتقد أن لجنة الوساطة كانت أسمى وأرفع تجسيد للديمقراطية، فالحوثي متمرد والدولة تشكل لجنة لمحاولة إنقاذه، فأنا إذا قتلت الرأي أو صادرته تكون له ردود أفعال سياسية سيئة.
وقد ذهبت مع مجموعة من العلماء والقضاة برسالة طلبنا فيها أن يسلم نفسه على أن نضمن له أمنه وأمن من معه من الناس، ولكنه فوّت هذه الفرصة واشترط ألا يسلم نفسه، وفي الوقت الذي كنا ندير فيه عملية الوساطة كان أتباع الحوثي يقتلون الجنود الحكوميين.
البعض يردد أن لجنة الوساطة لم تكن سوى فخ لاصطياد الحوثي وأن الحكومة هي التي بدأت بالقتال.. فما مدى صحة هذا الكلام؟
ـ هذا الكلام غير صحيح بالمرة، فالدولة لم تكن بحاجة إلى هذه التمثيلية، كنا نريد فعلاَ حقن الدماء ولكنهم رفضوا التسليم، وهذا ليس اعترافاً مني بأن الحكومة هي التي بدأت إطلاق النار.. بل هم من بدأوا، ثم إذا كانوا بهذه البراءة وأنهم فعلاً ضحية فكيف استطاعوا مقاومة الجيش ردحاً من الزمن؟ ولماذا جمعوا المتاريس الحربية، ولماذا أنشأوا الأنفاق..؟ ألا يعطي كل هذا انطباعاً معيناً، فهذا المسلك يؤكد أن الرجل كان لديه استعداد ولديه لوثات فكرية.
وما أفكار الحوثي أو بمعنى آخر لوثاته الفكرية التي أدت إلى انفجار الوضع بهذا الشكل؟!(28/50)
ـ أساس حركة الحوثي هو تنظيم "الشباب المؤمن" والذي استغل من خلاله الحوثي بعض العقليات المتخلفة وبعض الأميين وملأ عقولهم بأفكاره ولوثاته الفكرية، فقد كان فكره يقوم على أساس هدم مبادئ الديمقراطية فالقاعدة الإسلامية في الحكم تستند إلى أساس "وشاورهم في الأمر" وهو يريد أن يلغي كل هذا، ففكره عنصري يقوم على أساس الفكر الاصطفائي، وقد طعن بأفكاره في المذهب الزيدي ذاته وفي أئمة الزيديين وأخرج كتاب (الزيدية ضلال)، كما رأى أن السنة ضلال، واختزل التاريخ الإسلامي ورأى ضرورة الاكتفاء بالقرآن، إن لديه فكر ومنهجية فرقة "الحشاشين" في التعبئة والبرمجة وبالذات مع حديثي السن من الشباب، فعندما كنا نحاول التحاور معهم لم نكن نستطيع ويكفي أنك لا تسمعينهم وهم يتحدثون عنه إلا وقد سبق اسمه كلمة (سيدي)، وملازم حسين الحوثي وكتبه شاهدة على انحرافه الفكري، وأدعو كل مهتم بالأمر أن يقرأها بنفسه ليحكم بموضوعية على ما فيها من أفكار.
3ـ الحوثي الأب:
المصادفة وحدها التي جعلتنى أجري هذا الحوار مع الشيخ بدر الدين الحوثي الذي يتردد أنه القائد الفعلي لحركة الحوثيين بعد مصرع نجله حسين.
فقد كان شبه مستحيل الوصول إليهم، فهم يعيشون في مناطق حدودية وجبلية وعرة، هذا إلى جانب أنهم مطاردون من الحكومة اليمنية، وجاءني عرض هذه المقابلة عن طريق زائر لي بالفندق، وسألني هل تريدين إجراء حوار مع بدر الدين الحوثي وابنه عبد الملك؟!
الإجابة لا تحتاج بالطبع لأدنى تفكير، وتركني الزائر ليرتب الموعد في سرية تامة. وأخيراً وجدتني أمام الحوثي الأب.. المكان جبلي بعيد عن العاصمة صنعاء.. وتحت حراسة أمنية مشددة من أتباعه لكنها غير ظاهرة للعيان.
أولاً أريد أن أعرف ما هي حركة "الشباب المؤمن"؟(28/51)
ـ حركة "الشباب المؤمن" هي حركة تدعو إلى الثبات على الإسلام وتحذر من الانحراف إلى الكفار وموالاتهم، وتدعو إلى إعلان معاداتهم كما أوجبها الله، أما قضية الشباب المؤمن اليوم فهي قضية معارضة أميركا لأنها تحاول النيل من الإسلام، وواجبنا نحن المسلمين الدفاع عن ديننا وليس واجب الشباب المؤمن فقط.
البعض يردد أنك من كان يراد له الإمامة.. فهل هذا صحيح؟
ـ هذا كذب.. فلم أكن أريد الإمامة ولا حسين كان يريدها. أنا مرجعية دين للشباب المؤمن فقط، وقد رد حسين على هذا الافتراء بأنه يريد فقط النصح لحماية الإسلام.
ولكن وجدت رسالة منك تدعو فيها ابنك حسين إلى الصمود وعدم التراجع وأن الشهادة أمانة؟
ـ ليس معنى الرسالة أنني كنت أريد الإمامة، وأثناء الأحداث كنت بعيداً في "نشور" و حسين كان هو الأصل ولم أنصحه بالتراجع لأنه المصيب من وجهة نظري، فكونه يدعو إلى حماية الإسلام والوقوف في وجه أميركا وإسرائيل فهو إذا على حق وصواب ويجب أن أقف إلى جواره.
من المسؤول من وجهة نظركم، عن انفجار الوضع في صعدة؟
ـ الرئيس علي عبدالله صالح، وكان من الواجب احترام دم المسلم لأن حسين وقف موقف الحق، ولم يخرج ولم يقاتل أحداً.. لقد بدأوا هم القتال وجاءوا إلينا.
يقال إنكم تلقيتم دعماً مادياً من إيران؟
ليس صحيحاً، وكل علاقتنا بإيران هي أنني فررت إليها وقت الحملات العسكرية على صعدة.
نعود إلى الفكرة الأساسية لتنظيمكم وهي الاصطفاء، يقال إن حسين كان يرى أنه مصطفى؟
ـ هذا كذب وافتراء أيضاً، وإذا كان السبب في ذلك كلمة سيدي التي تسبق ذكر اسمه فهي نوع من التمييز للنسب.
وهل الاصطفاء يعطي الحق في الإمامة؟
ـ نعم فالإمامة هي في البطنين "علي وفاطمة" إذا كانوا مع كتاب الله وكانوا مع صلاح الأمة وهم أقوى من غيرهم وأحق أيضاً؟
هل معنى ذلك أنه لا يجوز أن يكون الحاكم من خارج آل البيت؟(28/52)
ـ هناك نوعان من الحكم.. نوع يسمى بالإمامة، والإمام لا يكون إلا من آل البيت، ونوع يسمى الاحتساب لله ويحكم بالعدل، ولا يجوز الاحتساب إلا إذا انعدم الإمام.
البعض يردد خروج حسين عن المذهب الزيدي؟
ـ غير صحيح فأفكار حسين موجودة في ملازمه وشرائطه وكتبه، أما فتوى العلماء فربما يكون خوفهم من الحكومة هو السبب وربما تم تحريف الكتب والملازم.
ألست حزيناً على وفاة حسين؟
ـ لا.. فالشهادة سعادة للمؤمن، وإن كنت لم أستلم جثمانه لا هو ولا غيره.. فقد رفض الرئيس.
ماذا عن دعوة الرئيس علي عبدالله صالح؟
ـ الرئيس طلب مني الخروج حتى لا يجتمع الناس حولي وتركت صعدة إلى صنعاء بشرط أن يتم الإفراج عن المعتقلين وتنفيذ مطالبي ومنها التوقف عن الاعتقال، ومطاردة أصحاب حسين، فعددهم يتجاوز الألف معتقل وقد نفذت ما وعدت به، ولكنهم لم ينفذوا ما عليهم.
4ـ عبد الملك بدر الدين الحوثي القائد العسكري لـ "الحوثيين":
في نفس المنزل الذي قابلت فيه الحوثي الأب، كان هذا الحوار مع نجله عبدالملك القائد العسكري للحركة، والذي يتحرك بحرية نوعاً ما نظراً لأن شكله غير معروف تماماً للجهات الأمنية.
نريد أن نسمع القصة منك، ماذا حدث في صعدة؟
ـ الذي حدث أن الحكومة اليمنية في يونيو "حزيران" 2004 دفعت قواتها لمحاصرة قرى يعيش بها حوالي 18 ألفاً من الزيديين منهم النساء والأطفال، وضرب قائد الجيش علي محسن الأحمر حصاراً كاملاً على المنطقة، وأمام سلسلة من الاعتقالات الواسعة في صفوف المواطنين بخاصة في المناطق التي يتمتع فيها الحوثي بشعبية كبيرة، قامت مظاهرات أسبوعية تهتف ضد أميركا وإسرائيل، الأمر الذي أدى إلى تفجير الوضع ووصل إلى حد النزاع المسلح، فاضطررنا لمقاومة القصف الجوي والصواريخ.
ألم يكن من الممكن التخلي عن الشعار الذي رفعتموه لتهدئة الوضع؟!(28/53)
ـ هذا ما فعلناه ولكن السيف قد سبق العذل، ثم أي إحراج يمكن أن يسببه هذا الشعار للحكومة اليمنية... وهل يستحق الشعار أن تراق كل هذه الدماء من أجله، لقد أرادوا كبش فداء لترضى أميركا عنهم، وكنا نحن.
من أين جاءت الأسلحة إليكم ولماذا أقيمت الأنفاق إذا لم يكن في نيتكم الانفصال بالمنطقة؟ وكيف استطعتم الصمود أمام الجيش لمدة 3 أشهر؟
ـ الباري يسر له (قليل القليل)، فالأسلحة موجودة بشكل طبيعي لأن الشعب كله مسلح، ولم يتم الضرب سوى ببنادق عادية بدائية، فليس لدينا متاريس، أما الأنفاق فهي موجودة منذ أيام حكم الإمام، والكل يعرف أن صعدة كانت مركز الإمام، ولك أن تتخيلي كم من الوقت يستغرق حفر نفق واحد داخل الجبل؟ إنه يحتاج إلى سنوات، وبالنسبة لكيفية صمودنا فالله هو الذي أعاننا على هذا الصمود.
وماذا عن لجنة الوساطة ولماذا لم يستجب حسين لها؟
ـ لجنة الوساطة كانت فخاً نصبته الحكومة لحسين ويكفي القول إن المنزل الذي كان من المقرر أن يلتقي فيه حسين بأعضاء اللجنة قد قذف بالصواريخ وهم يعتقدون أن حسين كان بداخله وتوفى اثنان من أعوانه، وخابت آمالهم فلم يحضر حسين بنفسه وأرسلهما نيابة عنه، ثم خرجوا بعد ذلك ليعلنوا فشل لجنة الوساطة، ولتكون الحكومة اليمنية إحدى الحكومات التي تحارب الإرهاب.
البعض يردد أن والدك (بدر الدين الحوثي ) هو من كان يدعي له بالإمامة وأنك وحسين كنتما تقودان الجناح العسكري للحركة؟
ـ هذا الكلام غير صحيح، فوالدنا رجل طاعن في السن تجاوز الثمانين ومريض، ولم يتول القيادة.
ومن بدأ القتال.. أنتم أم الحكومة؟
ـ نحن لم نبدأ. لقد وقفنا وقفة المدافع فقط، ولم نبدأ بل على العكس كان حسين أخي يخاطب قوات الحكومة ويطالبهم بعدم الضرب لأن القتلى من الفريقين مسلمون.
وماذا عن ادعائه الإمامة ورفعه علما خاصاً به؟(28/54)
ـ حسين لم يدع الإمامة. هذا كذب وافتراء ولم يرفع أي أعلام خاصة ولم يكن يريد الانفصال، كما لم يأخذ أي رهائن في أي مدرسة كما ادعوا.
يردد البعض أن لديكم قائمة اغتيالات تضم شخصيات عامة؟ ما مدى صحة ذلك؟
ـ هذه القائمة ليس لدي علم بها، أي ليس لها وجود على الإطلاق، وخير دليل على صحة كلامي أن أية شخصية من هذه الشخصيات لم تتعرض للاغتيال أو لأي أذى حتى الآن.
وهل لكم علاقة بإيران؟
ـ لا.. ليس لنا أية علاقة بإيران، ولم نتلق أي معونات منها.
وما علاقتكم بيحيى الديلمي (إمام وخطيب مسجد قبة المهدي) الذي اتهم بالتخابر لصالح طهران؟
ـ لم ألتق به وسمعت عن موقفه من خلال الصحف، كذلك علمت أنه قد حكم عليه بالإعدام وليس صحيحاً ما يتردد من أنه كان يمثل الجناح السياسي لحسين بدر الدين.
الإمبراطورية الفارسية.. تقوم على أنقاض الجمهورية العراقية!
تقرير كتبه: محمود قابل
الوطن العربي ـ العدد 1493ـ 14/10/2005
15 أكتوبر "تشرين الأول" 2005، يوم لن ينساه العراقيون لأنه في هذا التاريخ سيتحدد مستقبل بلادهم؛ إما عراق واحد أو دولة مجزأة تحكمها فيدرالية مفككة! نحن لا نريد أن ننفخ في النار ليشتعل الحريق،بل نكتب لنكشف حقائق الأرض ومن يقف وراء مخطط التفكيك الذي سيأكل الأخضر واليابس وبعدها لن تنفع صيحة التحذير.
سؤال يتكرر على ألسنة العراقيين: هل الأفضل للسُنة الأخذ بمسودة الدستور المقترحة عبر إجراء استفتاء وطني أم الأفضل أن يجري التصويت ضد تلك المسودة؟ الخيار ليس مريحا على الإطلاق فهناك فئات عراقية كثيرة لا تخفي عدم ارتياحها تجاه هذه المسودة، البعض يقول إن إقرارها سيساعد في منع تفكك العراق والبعض الآخر يقول إن رفضها يعطي فرصة لكتابة مسودة جديدة تكون مناسبة لقطاعات أكبر في المجتمع العراقي.(28/55)
والشيء المحزن في هذا الدستور الجديد هو توجه الشيعة للعمل على تقويض سلطة بغداد والتصميم على مطالبهم التي تركز على إنهاء سيطرة الحكومة المركزية، واللافت للانتباه ذلك الهوس المفاجئ الذي سيطر عليهم بإقامة وطن خاص بهم في الجنوب بشكل دولة ولكن دون إشهار الاسم! والأسوأ في السيناريو الحالي هو أن يمضي الشيعة والأكراد في دستورهم دون تقديم تنازلات على الرغم من المعارضة السنية التي تسعى حاليا إلى إقناع الناخبين بالعمل على إلحاق الهزيمة بمسودة الدستور من خلال التصويت، وهذا يعني أن تجري انتخابات جديدة مع نهاية هذا العام لاختيار جمعية وطنية جديدة لكتابة دستور جديد.
وقراءة في حقائق الأرض تؤكد أن المعركة ليست سهلة لأن الغنيمة ليست يسيرة، وهذا ما يؤكده أحمد عبد الغفور السامرائي رئيس ديوان الوقف السني، الذي علق على دعوة السيستاني والحكيم الشيعة العراقيين إلى التصويت على الدستور، بقوله: إن ذلك ما هو إلا خطوة جديدة في اتجاه تفتيت العراق من أجل تسليمه بالكامل إلى إيران! كما يشير إلى الاتفاقية الجعفرية ـ الإيرانية الرامية لتوطين مليونين من الإيرانيين العراقيين في جنوب العراق، مؤكدا أنها خطوة أخرى في اتجاه هذا المشروع الشيعي الفارسي، والذي يبدو أن الدول العربية لم تنتبه له إلا وهو على وشك تدشينه وخصوصا بعد فتوى المرجع الشيعي علي السيستاني التي طالب فيها الحكومة العراقية والتجار العراقيين بمقاطعة دول الجوار العراقية اقتصادياً! وهو ما تأتي نتائجه لصالح الاقتصاد الإيراني وتدعم نفوذه في العراق.(28/56)
والتوغل الإيراني في العراق بدأ بعد سقوط نظام صدام حسين في أبريل "نيسان" العام 2003 حيث تتخذ إيران من هذا البلد ورقة سياسية في سوق المساومات على الساحة الدولية، ويقول مصدر عراقي في ديوان الوقف السني إن إيران لها مشروعها النووي الطموح، ولها كذلك مشروعها الإمبراطوري، ولن تتخلى عنهما بسهولة؛ ولذلك تسعى بكل قوة لامتلاك أوراق على الساحة الدولية تقايض بها استمرارها في هذين المشروعين، ومنذ الاحتلال الأميركي للعراق سعت إلى اعتبار دعمها للإدارة الأميركية ودورها في العراق ورقة للمساومة مع الأميركيين.
الأحلام الفارسية
والنفوذ الإيراني في العراق لم يكن ليزداد لولا الدعم الأميركي، ووفقا للتصور الأميركي فإن دور إيران هو ضبط الطائفة الشيعية وجعلها تدور في الحظيرة الأميركية لا تبتعد عنها بحيث لا يقتصر دورها فقط على خدمة المصالح الإيرانية بل يجب أن تخدم أيضا الأجندة الأميركية، ويمثل العراق بالنسبة للشيعة بصفة عامة ولإيران بصفة خاصة أهمية كبيرة وذلك للأسباب الآتية:
ـ المزارات والأماكن الشيعية المقدسة لديهم في جنوب ووسط العراق حيث يعتقد معظمهم أن الحج إليها لا يقل عن الحج إلى مكة المكرمة، ولن يقر لهم قرار ما دامت هذه الأماكن لا تخضع لسلطانهم، بل إن بعض أئمتهم طالب بعد سقوط نظام صدام حسين بنقل رفات الخميني إلى مدينة النجف ودفنه هناك وذلك لما لهذه المدينة من قدسية وأهمية لدى الشيعة.
ـ السيطرة على العراق هو مفتاحهم للسيطرة على بقية دول الخليج ومن ثم بقية العالم العربي، كما أن خروج العراق عن سيطرتهم يجعل منه عازلا يعزل أهل إيران عن النصيريين في سورية، وعن الشيعة في جنوب لبنان.(28/57)
ـ تاريخ العراق متداخل مع تاريخ الفرس لأن الأكاسرة "أكاسرة الفرس الذين ينحدر منهم الإيرانيون" كانوا يعتقدون بأن العراق امتداد طبيعي لبلادهم، ويرون أن العرب ضعاف أذلة لم يخلقهم الله إلا لخدمة الفرس، لذلك فإن إيران ترى أن العراق يجب أن يكون إقليماً من أقاليمها.
أما بالنسبة للخطط الأميركية فإن تقسيم دول العالم الإسلامي ومن بينه العراق ليس وليد الوقت الحاضر، بل هي مشاريع حاضرة في مراكز الأبحاث الأميركية وأذهان السياسيين الأميركيين منذ القديم، حتى أن هنري كيسنجر كتب في مذاكرته أن من يريد السيطرة على الأمة العربية والإسلامية عليه أن يدمر إرادة الأمة العراقية، وفي الثامن من مارس "آذار" العام 2004 أعلن عبر برنامج حوار(Hart Toke) في هيئة الإذاعة البريطانية BBC أن العراق يسير باتجاه مصير يوغسلافيا السابقة، ودعا إلى تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات: كردية في الشمال،وسنية في الوسط وشيعية في الجنوب، أما من الناحية الرسمية للإدارة الأميركية الحالية فقد أكد بول بريمر إبان توليه الحكم الأميركي للعراق أن مشروع الفيدرالية هو من الأولويات التي تسعى واشنطن لتحقيقها في العراق، وبالتأكيد فإن هذه الفيدرالية لا يقصد منها في حقيقة الأمر إلا تقسيم العراق.
الزعامة الإسلامية(28/58)
والدور الذي تلعبه إيران في العراق حاليا يرتبط ارتباطا وثيقا بالحلم الفارسي لتأسيس الإمبراطورية الشيعية وزعامة العالم الإسلامي، وقد عبرت عن ذلك صحيفة كيهان(الدنيا) الناطقة بلسان مرشد الثورة ومجموعة المحافظين، وذكرت الصحيفة أن العالم الإسلامي يعيش حالة من الاضطراب ويبحث المسلمون والأمة الإسلامية (وليس الحكام أو الحكومات التي تسيطر عليهم) عن زعامة سياسية ومعنوية ذات بصيرة وذات فكر ثاقب، ومن الممكن أن تتبوأ إيران منصب الزعامة في العالم الإسلامي، ويجب أن يتم هذا الأمر من خلال تبني سياسة خارجية وعالمية مبتكرة، ولو أهدرت هذه الفرصة والمهمة التاريخية التي لا يخفى الاحتياج إليها على أحد فإن نظام الجمهورية الإسلامية سيتعرض والثورة الإيرانية لأخطار بالغة بعدما أصبح على مدى ربع قرن سبباً في صحوة ويقظة مسلمي العالم(!)
وإيران بهذا التوجه الإقليمي وسعيها الدؤوب نحو تشكيل إمبراطورية فارسية سيجعل منها قوة ضاربة لها قاعدتها الاقتصادية تسعى للبحث عن أسواق جديدة لتصدير أفكارها ومنتجاتها بحيث تكون لها الزعامة على العالم الإسلامي وهو ما تخطط له منذ عقود وتدعمها في ذلك الاستراتيجية الأميركية الجديدة!
العراق... هل «غشمرتنا» المرجعية؟
مشاري الذايدي
الشرق الأوسط 4/10/2005
بيان جبر صولاغ، وزير الداخلية العراقي في حكومة الجعفري، أدى هذا الاسبوع وصلة ردح ضد السعودية ووزير خارجيتها سعود الفيصل.
ردح وصل الى مستوى غير مسبوق، كما هو عنوان «الشرق الأوسط»، انحدر فيه الوزير الاصولي الى حد تعيير السعوديين بركوب الجمال، وانه هو ابن حضارة حمورابي!(28/59)
بينما يعرف الجميع ان «باقر صولاغ»، كما هو اسمه الحقيقي، وليس اللقب الحركي «بيان» هو ربيب ثقافة المجلس الاعلى التابع للحكيم، المجلس الذي يدير ميليشيات بدر الشيعية، ويدير الجميع جهاز «اطلاعات» التابع لحرس الثورة الايراني، ويتربع فوق هذا الهرم كله من مقره في طهران آية الله خامنئي. ان هذا الشخص الذي تلقى مثل هذه الثقافة هو آخر من يعظ في الديموقراطية ويتحدث عن حمورابي.
سعود الفيصل لم يعظ عن الديموقراطية او المجتمع المدني في العراق، كان يحذر من خطر اندلاع حرب طائفية، مستحضرا درجة التسخين الطائفي الذي يقف على طرفيه، الزرقاوي من جهة، وميليشيات بدر من جهة اخرى، اللذين يذبحان على الهوية الطائفية.
هناك معلومات مرعبة عن مدى التغلغل الايراني داخل العراق. وقد حدثني شخص عراقي، يعيش في الداخل، ويمثل قيمة دينية شيعية، استحلفني بالله ألا أبوح باسمه، عن أشياء مثيرة عن هذا التغلغل.
ولكن لا بأس فلم يعد الامر سرا، والجميع يتحدث به، وحتى ولو كابر ابن مجلس الحكيم بيان جبر صولاغ، الذي ثارت ثائرته، في الماضي، حينما كان مسؤول الحزب في سوريا، على أحد زملائنا الكتاب، لما كتب مقالا تحليليا عن المرجع الشيعي الشهير محسن الحكيم، والد عبد العزيز وباقر. يقول لي صديقي الكاتب: «لقد غضب علي اكثر من ابناء محسن الحكيم نفسه، مع انني شخصيا من اسرة شيعية عراقية عريقة، ولم اجرح او اتهجم على شخصية السيد محسن».(28/60)
نعود الى حديث السيد المععم العراقي من بغداد الذي بدأه بالشكوى المريرة من خذلان الدول العربية ومن تخبط الادارة الامريكية المحلية في العراق، وعدم اخذهم لتحذيراته من الخطر الايراني على الهوية العراقية العربية المحلية، وقال: «أنا رجل دين شيعي عراقي، ومن أسرة معروفة في السلك الديني والادبي، ولكنني عدو للتدخل الايراني، وقد تلقيت تحذيرات واضحة بأنني مهدد بالاغتيال». سألته: ما هو مصدر هذه التهديدات؟ ومن الذي ابلغك بها؟ فقال: «عملاء ايران، ومن يدور في فلكها هم الادوات التي كانت ستنفذ ذلك، لكن الغريب ان الذي ابلغني بالتحذير هو شخص مرسل من بيان جبر صولاغ وزير الداخلية، وقال لي ان الوزير يقول لك: دير بالك على حالك!».
ويضحك السيد العراقي المعمم بألم: «لا أدري كيف يطلب مني الوزير ان: ادير بالي على حالي! ماذا املك انا امام العناصر المدربة على الرصد والاغتيال سنين وسنين في محاضن حرس الثورة او في معسكرات بدر؟».
يقول رجل الدين الشيعي العراقي: «ليس صحيحا ان كل شيعة العراق مع ايران، فقط ثلة من بعض الاحزاب السياسية التي تتلقى دعمها المالي والسياسي واللوجيستي من ايران، وعلى رأس هذه الاحزاب المجلس الاعلى التابع للحكيم، ثم حزب الدعوة، وهو الذي ينتمي اليه ابراهيم الجعفري، اضافة لتيار الصدر، وبعض القوى الفرعية الاخرى».
وحسب معلومات متداولة عراقيا، فإن «سليماني» رئيس استخبارات حرس الثورة هو الممسك شخصيا بملف العراق، وان شخصا معروفا باسم «أبو مهدي المهندس» قائد فيلق بدر السابق، هو الممثل العراقي لهذا النفوذ: تمويلا وتنفيذا... الخ. وهناك معلومات تتحدث عن ان ستة آلاف معمم عراقي يقبضون رواتبهم من ايران.(28/61)
سألت المفكر والسياسي العراقي اياد جمال الدين عن حقيقة أن كل شيعة العراق هم عمليا تابعون او متماهون مع ايران؟ فقال: «ليس صحيحا ذلك، العكس هو الصحيح، يجب ألا تنسى ان هناك حربا عراقية ايرانية طويلة، وقد قتل وجرح وفقد في هذه الحرب الملايين، نسبة عظمى منهم من المواطنين العراقيين الشيعة، فهل ينسون دماءهم التي أراقتها حرب ايران؟ ثانيا الشخصية العراقية تختلف تماما عن الشخصية الايرانية، فالشخصية العراقية، حتى وان عظمت السيد او المرجع، الا انها يمكن ان تنقلب عليه، بل وتشتمه اذا اختلفت معه مصلحيا، لكن الشخصية الايرانية تقوم على التعظيم و(الايمان) التام بعصمة المرجع والسيد.
وتأييدا لكلام جمال الدين، فقد انتشرت لدى العراقيين في الداخل في الفترة القريبة الماضية (هوسة عراقية) انتشرت بواسطة (البلوتوث) بعد وصول مرشحي قائمة الاتئلاف الشيعي الكاسح الى مقاعد الجمعية الوطنية بدعم مباشر وتزكية واضحة من المرجع آية الله السيستاني، تقول الهوسة، أو الأهزوجة الشعبية:
غشمرتنا المرجعية... وانتخبنا السرسرية!
والمعنى: لقد أوصلنا أشخاصا غير جديرين بالوصول، لمجرد اننا وثقنا بتزكية المرجعية الدينية.
وأيضا: اكثر محافظة عراقية اعطت اصواتها لقائمة الائتلاف الشيعي (قائمة السيستاني) هي محافظة الناصرية او (ذي قار)، ولكن في نفس الوقت هذه المحافظة، حسب كلام مراقب عراقي، هي اكثر المحافظات العراقية استهلاكا للكحول والمشروبات الروحية!.
والمعنى مرة أخرى: الشخصية العراقية حتى وإن ساندت المرجعية سياسيا، فهي محصنة من مساندة (جمهورية اسلامية) اخرى، تقوم على الخاصرة العراقية الجنوبية.
على كل حال، يظل المكون الشيعي، رئيسا في مكونات الشعب العراقي، لكن، هو قبل ان يكون شيعيا، فهو عراقي، ونفس الشيء نقوله عن المكون السني العربي او الكردي...(28/62)
ليس الغرض انتقاد شيعة العراق، فهم ركن ركين في البناء العراقي، وقد خرجت من صفوفهم قيادات عراقية اصيلة، وما زال، وخرج منهم مثقفون عراقيون اصلاء، وما زالوا... نحن هنا نحذر فقط من تجيير اللحظة السياسية الاستثنائية في العراق، هذه اللحظة التي صعدت فيها القوى التي كانت مستبعدة، نخشى من تجيير كل ذلك الى خزينة المعمم القابع على حصيرته في ايران، وهنا سيكون الشيعة في العراق قد ارتكبوا غلطة العمر، أو لنكن أكثر دقة وموضوعية، فنقول: هذه الغلطة سترتكبها القوى الشيعية السياسية المرتبطة بايران، وهي لا تمثل إلا نسبة محددة من الجسد الشيعي العراقي.
أقول ذلك، وانا سبق ان كتبت مقالا بعنوان «الجمهورية الاسلامية العراقية»، أحذر فيه من ذلك مستندا الى ظاهرة فيلق بدر الذي تغذيه وترعاه ايران، والى تصريحات الحكيم التي داعب فيها الحلم الشيعي الاصولي السياسي.
ولكن في نفس الوقت، كتبت مرارا وتكرارا مقالات انتقدت فيها ارتهان سنة العراق العرب الى الارهابي القاتل الزرقاوي، او الى بقايا حزب البعث.
لا نتحدث لغة طائفية، فهي أقبح اللغات وأكثرها ضررا، ولكن كما نحذر من الاصولية السنية، التي يمثلها بكل بشاعة وإجرام خطاب الزرقاوي، وندعو السنة في العراق الى محاربة (لورد الدم) الزرقاوي، لأن أي تقارب معه او سكوت عنه، او تبرير لعمله، قبل ان يكون انتحارا سياسيا، هو جريمة أخلاقية وإنسانية.
نعم قلنا ذلك عن السنة، وسنظل نقوله ما دام الزرقاوي منسوبا اليهم، ولكن في نفس الوقت، لن نهرب من اصولية الزرقاوي لنقع في اصولية الخميني! ماذا استفدنا اذن؟!(28/63)
ولن ندين جرائم الزرقاوي الطائفية، لنفاجأ بجرائم ميليشيا بدر الشيعية ضد الرموز السنية، وهو الأمر الذي يهمس به الكثير، الى درجة تقارب الجهر، كما في إشارات غازي الياور الواضحة عن أن الميليشيات المفلوتة هي حليفة التكفيريين في إشعال نار الفتنة، او تلميحات جلال طالباني الموحية! عن القتل الغامض في العراق، بعد انقضاء شهر العسل بين الكرد وجماعة الجعفري والحكيم.
السنة العرب في العراق، قصروا وارتكبوا أخطاء واضحة في التلكؤ عن الانخراط في العملية السياسية الجديدة في العراق، هذا صحيح، وللأسف أساء لهم من أراد تمثيلهم، خصوصا هيئة علماء المسلمين، ولكن يجب عليهم ان يتداركوا ما يمكن، وان يكونوا شركاء في هذه العملية، لأنه لا يوجد خيار آخر الا الدخول في عباءة الزرقاوي... او المتبقي من عباءة صدام المهللهة.
وفي الختام، وكما نعتقد ان الدخول السعودي على المشهد العراقي هو دخول مهم وحيوي، خصوصا أنه دخول غير طائفي، كما قال سعود الفيصل، بل هو من اجل العراق، كل العراق، لأن استقراره استقرار للسعودية ايضا. كما هو دخول مؤيد، إلا أن المراقب لا يمكن الا أن يسأل: لماذا تأخرتم كل هذا الوقت؟! ويظل يكرر السؤال، الى ان تستقر موجة السؤال على شاطئ السلوى: أن تصل متأخرأ خير من أن لا تصل أبدا...
ثورة في الجنوب
الوطن العربي ـ العدد 1491ـ 30/9/2005
بغداد ـ د. هاشم حسن(28/64)
... الجنوب العراقي ومعه المدن الشعبية المليونية في بغداد مثل مدينة الصدر والحرية والشعلة، والفرات الأوسط خاصة النجف مرشحة لحرب طاحنة شيعية ـ شيعية بعد أن استكمل جيش المهدي الذي يقوده مقتدى الصدر استعداداته لشن حرب سياسية ضد الدستور متضامنا مع هيئة علماء المسلمين "السنة" وهذا يعني مواجهة المرجعيات في النجف والتصادم مع حزب الدعوة وقوات بدر التابعة للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية لعل الموقف من الدستور هو الذي سيفرز المواقف والولاءات ويعد الوسيلة ليس لإسقاط الآخر بل لكسر ظهره وإبعاده من الساحة السياسية..
وتشهد بغداد ومدن الجنوب حالياً تحركات مكثفة لجيش المهدي بعضها أدى إلى تصادم مع القوات البريطانية في البصرة ومع قوات بدر.. ويحاول جيش المهدي أن يحل محل الأجهزة الأمنية في إقامة سيطرات وملاحقة الإرهاب، والحجة فشل الجهات الأمنية في أداء واجبها، وتأتي هذه التطورات وتتزامن مع تحركات أخرى لإضعاف جبهة الائتلاف الشيعي التي اهتزت شعبيتها لتدهور قطاعي الأمن والخدمات وانتشار الفساد وتذمر الشارع العراقي من بعض مواد مسودة الدستور..
واستثمر هذه التداعيات الأطراف المعادية والمنافسة للائتلاف خاصة محور إياد علاوي الذي يلقى دعما أميركيا سخيا لإسقاط الجبهة الشيعية وإيجاد بديل علماني مدعوم أميركيا.. وركز إياد علاوي دعايته على تدهور الأمن خاصة بعد الحوادث الكارثية في جسر الأئمة بالكاظمية الذي تجاوزت خسائره أكبر حصيلة دموية منذ بدء الغزو قاربت 2000 قتيل وجريح حيث أصبحت هذه الكارثة وسيلة للمزايدات والتعبئة السياسية مع وضد الحكومة..(28/65)
ويتزامن مع هذه الأحداث حملات إسقاط وتسميم سياسي بين الطرفين الأساسيين.. فحكومة الجعفري بدأت تسرب معلومات عن طريق مفوضية النزاهة عن اختلاسات وصفقات وعقود مشبوهة بمليارات الدولارات تقول إن وزراء حكومة علاوي تورطوا فيها، وفي مقدمتهم حازم الشعلان وزير الدفاع السابق،وأيهم السامرائي وزير الكهرباء.
وتواصل جماعة علاوي من جانبها تسريب معلومات عن تواطؤ الحكومة وأحزابها مع التدخل الإيراني السافر في الشأن العراقي وقيام الأحزاب بتوفير الغطاء لعمليات المخابرات الإيرانية داخل العراق، وترددت معلومات عن العثور على مخابئ سرية تابعة لأحزاب شيعية في الجنوب وهي تحوي أسلحة نوعية بينها محركات لطائرات ميغ 29 ومعدات خاصة بتخصيب اليورانيوم سرقت من المفاعل النووي العراقي وهي معدة للتهريب إلى إيران.
وتتهم الحكومة بتحويل ميليشياتها إلى داخل أجهزة الشرطة لممارسة إرهاب الدولة والقيام بعمليات السلب والنهب وهذا ما اعترف به موفق الربيعي مستشار الأمن القومي العراقي واصفا اختراق الأحزاب والميليشيات لهذه الأجهزة، وهذا ما تأكد مؤخرا حين قامت شرطة البصرة بتسليم الجنود البريطانيين المعتقلين إلى جيش المهدي.. والملاحظ أن الألوية النوعية في الداخلية انشطرت على نفسها فبعضها محسوب على التيار الصدري والآخر "البدري" وهذا ما يفسر عدم امتثال هذه القوات لأوامر الحكومة وانخراطهم مع جيش المهدي عند حدوث الاضطرابات ويفعل مثل ذلك بعض الوزراء وكبار المسؤولين.
حقائق العراق الجديد
أيمن الصفدي الغد 26/10/2005(28/66)
حدث ما كان متوقعاً. فشل العرب السنة في إسقاط الدستور العراقي. والحسم كان في محافظة نينوى التي تتداخل فيها الأثنيات والمواقف والنفوذ. وبغض النظر عن اسباب عدم تمكن العرب السنة من تحقيق أكثرية الثلثين من الناخبين المطلوبة لاسقاط الدستور في نينوى (موقف الحزب الاسلامي أو سلطة الأكراد أو حقيقة الديموغرافيا) فالنتيجة أن الدستور الجديد بات واقعاً محورياً في تحديد مستقبل العراق.
لكن الحقيقة الأخرى المحورية التي أكدها التصويت على الدستور هو أن اكثرية السنة يرفضونه. وحتى في نينوى صوت أكثر من 55% من الناخبين ضد الدستور. والنتيجة أن العراق ما زال يواجه أزمة الانقسام بين أكثرية تؤيد العملية السياسية وأقلية ترفضها على انها وسيلة لتهميشهم.
وتلك معضلة. فمن ناحية، حظي الدستور بتأييد ما يزيد عن 70% من سكان العراق. وفي هذه النتيجة تكريس لشرعية النظام السياسي الذي سيتصدى الآن لمسؤولية الخطوات الرئيسة القادمة التي نص عليها قانون ادارة الدولة المؤقت، وعلى رأس ذلك اجراء انتخابات جديدة في أواخر العام الحالي. ومن ناحية اخرى، بدا واضحاً أن العرب السنة لا يؤيدون الدستور، ما يعني أن التقدم في عملية بناء النظام السياسي الجديد سيواجه عائق ذلك الموقف ان لم يتم التوصل الى تسوية مقبولة نتيجتها دعم العرب السنة لها.
بيد أن مسؤولية القوى السياسية العراقية كافة تتجاوز الخطوات التنفيذية اللاحقة لاقرار الدستور. التحدي الأكبر هو العمل على إنهاء حالة الاستقطاب وعملية التمترس المذهبي والعرقي من خلال السعي نحو اعادة صياغة المواقف بما يضمن تلاقيا على حد أدنى هدفه وقف حالة الفوضى والعبثية والارهاب التي حالت حتى الآن دون العراق وحقه في الأمن والاستقرار.
ثمة حاجة ماسة لأن تبادر القوى الحاكمة في العراق الآن باتجاه تلك التي ما زالت تتهجس من مآلات العملية السياسية في العراق الجديد.(28/67)
فلا بد لأكراد العراق وعربه الشيعة أن يجهدوا أكثر مما سبق لاقناع العرب السنة بأن حقوقهم في العراق الذي يبنى على أسس الديمقراطية محفوظة. في المقابل، يجب أن ينخرط العرب السنة في العملية السياسية على أساس برنامج سياسي يقر بحقائق الوضع الجديد في ذات الوقت الذي يطالبون فيه بحقوقهم المشروعة في المشاركة في ادارة بلدهم.
لا حاجة للتأكيد على عدمية مقاطعة العملية السياسية وسيلة لتحقيق الأهداف. فقد خسر العرب السنة جراء قرارهم مقاطعة الانتخابات الانتقالية. وسيخسرون. أكثر ان لم يتفاعلوا معها بكل ثقلهم الآن. فعلى رغم فشلهم في اسقاط الدستور، فقد نجح العرب السنة جراء المشاركة في الاستفتاء على الدستور بإثبات ثقلهم في الشارع العراقي. من يقاطع يخسر، ومن يتفاعل ايجابياً مع واقع لا راد له يقلل، على الأقل، هذه الخسائر.
بإمكان العرب السنة البناء على الحصاد الايجابي للموقف الموحد الذي أثبتوه من خلال عملية التصويت على الدستور. وطاولة المفاوضات هي الطريق الوحيدة لخدمة مصالحهم ومصالح بلدهم.
المطلوب من العرب السنة هو الانخراط في العملية السياسية، على اساس برنامج واضحة أهدافه. اما المطلوب من العرب الشيعة والأكراد، فهو تفهم مخاوف العرب السنة والتعامل معها بايجابية وبراغماتية ضمن توجه يهدف الى حلّ لا تربح فيه فئة وتخسر أخرى، بل يربح فيه كل العراقيين من خلال بناء وطن آمن موحد لا إرهاب فيه ولا ظلم ولا ترويع. وبات، في ضوء ذلك، مؤتمر المصالحة الوطنية المطروح اولوية لا مجال للتلكؤ في انجازها.
مقابلة مع هوشيار زيباري وزير الخارجية العراقي:
نيويورك ـ تمام البرازي
الوطن العربي ـ العدد 1491ـ 7/10/2005(28/68)
الحوار الذي جرى في نيويورك خلال مشاركة زيباري في فعاليات القمة العالمية كان أقرب إلى المواجهة مع الوزير العراقي وامتد ليشمل كثيراً من النقاط الساخنة في المشهد العراقي بداية من النفوذ الإيراني وانتهاء بموعد انتهاء الاحتلال الأميركي، ومروراً بموضوع الفيدرالية وإمكانية قيام الأكراد بعمليات تطهير عرقي ضد العرب والتركمان في شمال البلاد.. وقبل هذا وبعده شمل عدة اتهامات لـ "الوطن العربي" من جانب زيباري.. فإلى التفاصيل:
نفوذ طهران
س - لننتقل إلى ... إيران أكثر من مسؤول أميركي أشار إلى أن هناك نفوذا إيرانيا طاغيا في العراق وخاصة في الجنوب. فما رأيك في هذا الطرح؟
ـ هناك تأثير ونفوذ إيراني في العراق وفي المنطقة، فإيران دولة إقليمية كبيرة وعلاقاتها مع العراق مشوبة بالكثير من المنعطفات.. ولكن إيران لا تدفع مع انتخاب الحكومة العراقية الجديدة، باتجاه المواجهة أو المصادمة أو تقويض الحكومة العراقية أو إسقاطها أو صنع المشاكل لهذه الحكومة.. وتمارس إيران نفوذها في العراق عبر دعم حلفائها للعمل بفعالية ضمن العملية السياسية الجارية في العراق.
إذن ترحبون بهذا النفوذ الإيراني في العراق؟
ـ لا.. لا، هي ليست مسألة ترحيب بل نحن ضد أي تدخل في شؤوننا من أية جهة كانت سواء إيرانية أو سورية أو تركية أو كويتية أو أميركية.. إلخ، نحن الذين نقرر مستقبلنا ومصيرنا ولكن هناك فرق بين من يريد هدم هذا البلد على رؤوس أبنائه أو البيت على رؤوس ساكنيه، وبين من يحاول المساعدة بطريقته الخاصة.
هل من المساعدة أن يقوم لواء بدر الشيعي باغتيال زعماء السنة وأتباعهم؟
ـ لا..لا..لا.. إن عندك مواقف مسبقة.
حسنا أزلها برد واقعي؟
ـ .. مشكلتك، ومجلتك، بدون أن تزعل أنك موتور!
لكن الشكوى الكبيرة من تصرفات لواء بدر الشيعي مستمرة خاصة من جهة تغلغله في القوات الأمنية العراقية وقتله السنة؟ ويؤكد ذلك هيئة علماء المسلمين بالوثائق والثوابت؟(28/69)
ـ منظمة بدر منظمة عراقية.
أليست إيرانية المولد والولاء؟
ـ هي منظمة مناضلة قاومت النظام السابق بطريقتها أيضا وصحيح أنها ولدت في إيران ولكن من فيها عراقيون ينتسبون إلى المجلس الأعلى للثورة الإسلامية الذي كان مقره في إيران. ونحن نستطيع أن نورد لك عشرات الاتهامات على هيئة علماء المسلمين.
ما هي؟
ـ كثيرة.. من التحريض إلى القتل والفتاوى وإلى اللامبالاة والسلبية.. والمسألة ليست مسألة اتهامات وهناك حالات تحدث لا ننكرها ويمكن إجراء التحقيق فيها. وحتى الآن كل ما سمعناه مجرد اتهامات، وهناك قضاء وهناك توتر لكن يمكن متابعة هذه الأمور. نعم هناك توتر لكن يمكن أن تسجل لي أنكم أنتم الذين تراهنون على الحرب الطائفية لتمزيق العراق.. و"راح تظلوا تنامون في هذا الحلم"(!!)
لم يجر إحصاء للقول إن الطائفة الشيعية هي الأكبر في العراق، فخلال الفترة من 1983 وحتى الـ 1990 كانت وثائق الخارجية الأميركية تقول إنه على صدام حسين إعطاء الأقلية الشيعية حقوقها.. فما تعليقكم؟
ـ سيحصل إحصاء قريبا.
كيف يمكن إجراء انتخابات حقيقية بدون إحصاء رسمي ومحايد؟
ـ هناك معلومات من برنامج النفط مقابل الغذاء.
هذا البرنامج تقول وثائقه إن 60% من العراقيين سنة و40% شيعة؟
ـ لا..لا أنت مخطئ ولم يوزع الغذاء على أساس طائفي.
إذن الاستفتاء على الدستور العراقي سيجري بدون إحصاء للسكان؟
ـ هناك تسجيل للسكان الذين يحق لهم التصويت وهذا يكفي.
تحدثت عن تعديل الدستور بعد الموافقة عليه وليس التعديل قبل طرحه للتصويت؟
ـ قلت إنه مفتوح النقاش حول الدستور وأي تعديل على دستور يتم بعد الموافقة عليه، ولا يمكن رهن الدستور بجماعة ترفض كل شيء. إذا كانت هذه المجموعة أيا كانت تمثل الشارع العراقي ولديها القدرة التعبوية فأمامها 15 أكتوبر "تشرين الأول" لتعبئ الناس وتصوت ضد هذا الدستور.
وإذا أسقط الدستور فماذا سيحدث؟
أنا أعدك أن الدستور لن يسقط.(28/70)
وأضاف ضاحكاً: اكتبها على لساني.
قومجية!
لكن ألا يسيطر السنة على 3 محافظات عراقية ويستطيعون رفض الدستور وإسقاطه؟
ـ السنة يسيطرون على أكثر من 3 محافظات وللأسف الشديد رغم أنكم "قومجية" في "الوطن العربي" فإنكم لا تعرفون أوضاع العراق، ولم تدرسوها عن كثب وتعمق. إجلب لي دراسة واحدة عربية عن العراق؟
كتاب البروفسور المرحوم حنا بطاطو عن العراق الجمهوري؟
ـ هذا كان شيوعياً وكتابه قديم.. وهو قائم على دراسة أميركية فعلا..
لكن الرئيس العراقي الأسبق عبد الرحمن عارف زوده بوثائق سرية عراقية كثيرة كانت الأساس لكتابه.. وهناك دراسات البروفسور خضوري العراقي؟
ـ لم يعلق الوزير العراقي، وعاد للحديث حول الدستور:
ـ حسب قانون إدارة الدولة فإن 3 محافظات تستطيع أن تعطل الدستور إذا صوتت ضده بنسبة الثلثين.. إذا استطاعت أية مجموعة أن تؤمن هذه النسبة فالدستور يسقط.
ألا توجد 3 محافظات سنية فيما أسماه الأميركيون المثلث السني قادرة على إسقاط الدستور؟
ـ هذه المحافظات ليست كلها سنية ولا توجد محافظة عراقية سنية مائة بالمائة وهناك نقص في فهم التركيبه السكانية والديموغرافية والقومية الطائفية بالعراق..
هذا يدعو إلى القول إن الشمال العراقي ليس كله كرديا؟ وكركوك ليست كلها كردية؟
ـ كركوك كمحافظة هي كردية وهذه النقطة سجلها علي. وهذا الأمر "كردية كركوك" من قبل أن يأتي "صاحبكم" صدام حسين..
أنتم ـ الأكراد ـ تحالفتم مع صدام حسين ومن عقد معه اتفاقية الحكم الذاتي؟
ـ صدام حينما مزق المحافظات الكردية وقطع أوصالها الإدارية تصور أنه سيحافظ فيها على حكمه، وأعطى الأقضية الكردية لفلان والأقضية التركمانية لعلان وقام بتغيير ديموغرافي وجلب أناساً ليستوطنوا في هذه المنطقة وهذه المعادلة تغيرت..(28/71)
الأكراد أصروا على الحفاظ على سيطرتهم على الشمال رغم الصراع بين الطالباني والبرزاني وقتل الآلاف جراء ذلك وعندما تريدون الشمال مستقلا عاصمته كركوك فماذا سيحل بالعرب والتركمان؟ وهل ستقومون بحملات تطهير عرقي ضدهم؟
هذه هي المشكلة. أنتم لديكم مواقف مسبقة!
بددها يا سيدي؟
ـ الدستور قال إن العراق الجديد سيكون عراقاً برلمانيا ديموقراطياً فدراليا موحداً والفدرالية مطروحة على الدستور.
لكن الشيعة ردوا عليكم بإقامة جنوب شيعي فدرالي؟
ـ أسئلتك كلها ملغومة. الفدرالية توحد كل العالم وانظر إلى أميركا وألمانيا.
أميركا دخلت في حرب أهلية لتحقيق الفدرالية قتل فيها 600 ألف شخص.. فهل تعترف أن العراق دخل في حرب أهلية؟
ـ لكن باكستان دولة فيدرالية وكذلك نيجيريا.
وباكستان ايضاً دخلت حرباً وانقسمت، ونيجيريا خاضت حربا أهلية ضد إقليم بيافرا؟ فهل ستقبلون بفدرالية شيعة الجنوب العراقي؟
ـ المبدأ أن أي ثلاث محافظات يمكن أن تشكل إقليماً فدراليا في العراق، فإذا شكل الشيعة أقاليم فدرالية على هذا الأساس فلم لا؟
ألا يعني هذا تقسيم العراق على أساس طائفي في الجنوب وعرقي في الشمال؟
ـ أبدا.. وهذا ما لا تفهمونه للأسف الشديد وتحتاجون لمراجعة فكركم السياسي.
لم تجبنا على كركوك.. فهل ستقومون بحملة تطهير عرقي ضد الشيعة والسنة والعرب والتركمان؟
ـ التطهير العرقي حدث سابقا من قبل صدام حسين.
لكن هل يمكن تكرار الأمر عبر تطهير عرقي مضاد؟
ـ في قضية كركوك هناك آلية دستورية مثبتة في الدستور أنه يجب تطبيع الأوضاع وهناك لجنة قانونية تبحث مستقبل ومصير الأملاك والممتلكات والمحجوزات وهذه كلها تعود لأصحابها الأصليين.
إذن تؤكد عزمكم طرد العرب والتركمان من كركوك بطرق غطاؤها الدستور الذي فرضه الأميركيون على العراق وكتبه أمثال نوح فيلدمان اليهودي؟(28/72)
ـ سكان كركوك الأصليون سيبقون فيها أيا كانوا أما الوافدون الذين جاؤوا خلال سياسة عنصرية شوفينية لتغيير الواقع القومي. فهؤلاء سيتم تعويضهم وإعادتهم إلى أماكنهم.
ألا يسمى هذا تطهيراً عرقياً مضاداً؟
ـ أبدا.. أبدا.
الأموال المسروقة
ماذا عن قضية السرقات المالية وقد قرأنا مؤخرا حول اتهام وزير الدفاع السابق حازم الشعلان بسرقة مليار دولار وقبلها قالت صحيفة "الواشنطن بوست الأميركية" إن الحاكم الأميركي السابق للعراق بول بريمر أنفق مئات الملايين من الدولارات بدون أي حسابات وسجلات يمكن الرجوع إليها.. فماذا يحدث؟ بعد أن كنتم تتهمون صدام بنهب العراق نرى الآن أميركا وحلفاءها يقومون بهذا الأمر؟
ـ نحن نتحدث عن هذه الأمور على الأقل.. وهي مكشوفة وهناك إجراءات تتخذ وهل هناك في أي بلد آخر مثل هذه الشفافية.
من يعيد الأموال العراقية المسروقة في ظل الاحتلال الأميركي؟ أنت قرأت تقرير فولكنر واجتمعت به فما الجديد في هذا الموضوع؟
ـ نحن نتابع هذه الأموال واتفقنا مع فولكنر على آليات لاسترداد الأموال المسروقة والمنهوبة.
بما فيها المليارات التي قيل إن النظام السوري حصل عليها؟
أن لا أعرف هذا ولكن أية جهة حكومية أو اقتصادية أو إنسانية سرقت أموال العراق سنتابعها. وبالنسبة للأموال العراقية الموجودة في دمشق فإن سورية أمام التزام قانوني دولي لإعادة هذه الأموال العراقية المحجوزة إلى صندوق التنمية العراقية.
لماذا أبعدك رئيس الوزراء إبراهيم الجعفري قبل ربع ساعة من انتهاء اجتماعه مع وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس؟
ـ كانت خمس دقائق.
لا...بل كانت 16 دقيقة بالضبط؟ هل يعني هذا عدم ثقة الشيعة بالأكراد؟
ـ هذه ورطة..
هل تريد أن تعترف بأن حكام العراق الجدد من شيعة وأكراد لديهم أسرار وعلاقات مع الأميركيين لا يريد كل طرف أن يعرف الآخر بها؟(28/73)
ـ لدينا ثقة مطلقة ومعلوماتك خطأ.. وكل الحديث الذي أشرت إليه مع رايس كان مشتركاً ومن حق رئيس الوزراء الجعفري أن يبقى بمفرده مع وزيرة الخارجية الأميركية..
متى سينتهي الاحتلال الأميركي للعراق؟
ـ أنت جاوب عليه!
لماذا تثورون من قول الحقيقة بأن هناك احتلالا أميركيا للعراق ولا تريدون إنهاءه؟
ـ لا بالعكس. أنا بالنسبة لي لا يوجد احتلال أميركي للعراق!!!
هذه حقيقة بيان جبر صولاغ
الوطن العربي ـ العدد 1493 ـ 14/10/2005
من هو بيان جبر صولاغ وزير الداخلية العراقي الذي خرج مؤخراً حاملاً سيف البطولة الوهمية وبتصريحات ضد الدور العربي في العراق؟
إن معرفة حقيقة هذا الرجل لن تجعل تصريحاته تقابل باستهجان أو اندهاش، وهذه المعرفة ستجعل الجميع يدرك أن مهاتراته خير تعبير عن الدور الذي يقوم به لحساب جهات خارجية لا يهمها استقرار العراق، وتعمل على نزع صفة العروبة عنه.
تصريحات بيان جبر صولاغ "وهذا هو الاسم الحركي" وربما اسمه الحقيقي باقر جبر الزبيدي أثارت ردود فعل عنيفة في الشارع العراقي بما فيهم أطياف من الشيعة المعتدلين واعتبروها دليلاً يشير إلى أصول صولاغ، حيث يعده خصومه من التابعين لإيران ومرتبطا منذ ربع قرن بجهاز المخابرات الإيرانية "إطلاعات" ويشترك معهم حالياً بتنفيذ استراتيجية إيرانية في العراق تثير مخاوف الأميركيين والغرب.
وتتحدث أوساط مقربة من مكتب وزير الداخلية عن اتصالات يومية مع ضباط ارتباط في المخابرات الإيرانية توزعوا في مختلف المدن العراقية خاصة الجنوب والعاصمة بغداد وفي المكاتب الخاصة لمنظمة بدر والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية ولا يبالغ من يدعي وجودهم الدائم مع رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية عبد العزيز الحكيم نفسه حيث لا يفارقون مكتبه في منطقة الجادرية وأنه لا يتخذ قراراً إلا بعد مشورتهم لاسيما أن أجهزة الاتصال المشفرة مفتوحة مع إيران ليلا ونهارا.(28/74)
وبدأت ارتباطات بيان جبر مع الإيرانيين خلال عمله في المجلس الأعلى للثورة الإسلامية الذي احتضنت إيران مقراته الرئيسية في طهران وقم وفروعه في كردستان العراق وسورية وكان صولاغ متفرغا لإعداد البيانات الخاصة بالمجلس والإشراف على بعض نشاطاته الإعلامية وبينها نشرات وصحف تعبوية بالتعاون مع حامد البياتي وكيل وزارة الخارجية العراقية الحالي.
مهد صولاغ من خلال موقعه القيادي في المجلس الأعلى ومنصبه وزيرا للداخلية دورا خطيرا في اختراق فيلق بدر المخترق أصلا من المخابرات الإيرانية لكيان وزارة الداخلية من خلال الانتشار في المواقع الإدارية القيادية في أغلب مدن الجنوب والوسط والمناطق الشيعية في بغداد وتشكيلات الشرطة العراقية وأفواجها وألويتها الخاصة والتي لا تتردد في تنفيذ أية مهمة تخطط لها إيران بواجهات الحكومة العراقية، بل يصل التنسيق المباشر مع عناصر إيرانية إلى درجة تسريب معلومات يومية دقيقة عن تحرك القوات الأميركية والبريطانية وتفاصيل ما يجري في أروقة الحكومة العراقية وعلى أعلى المستويات ورصد كل ما يحدث في الشارع العراقي وأصبح النفوذ الإيراني حالة طبيعية أشاعها الوزير الذي سلم المناصب المهمة للعناصر ذات الأصل الفارسي أو الذين أمضوا سنوات طويلة في إيران وهم يتحدثون الفارسية بطلاقة أثناء تأدية أعمالهم في الإدارات العراقية وبعضهم يجاهر بتعليق صور القادة الإيرانيين في مكتبه الرسمي كما كان يفعل محافظ البصرة السابق الذي علق فوق رأسه صورتي آية الله الخميني وآية الله خامنئي وهؤلاء يبدون تسهيلات غريبة مع الإيرانيين المتهمين بجرائم إرهابية أو الذين أغرقوا المدن العراقية ... خاصة كربلاء والنجف الأشرف بأطنان من الحشيشة والمواد المخدرة والسعي لتهريب منظم للمواد الغذائية المدعومة وتجهيزات عسكرية في غاية الحساسية، بل تشير مصادر من داخل مكتب الوزير إلى إصداره تعليمات صريحة لمنح الجنسية العراقية لآلاف(28/75)
الإيرانيين بحجة أن النظام السابق هجرهم وسحب جنسيتهم لأسباب سياسية ومنح الآلاف من جوازات السفر من السفارة العراقية في دمشق وثبت اشتراك معظمهم في أعمال إرهابية.
والأكثر إثارة في ملف بيان جبر تعاونه مع المخابرات السورية قبل سقوط صدام وبعد صعوده لأعلى المناصب واجتماعاته المتكررة مع القيادات البعثية العراقية التابعة للقيادة القومية البعثية السورية وفي مقدمتهم فوزي الراوي وآخرون متهمون الآن بتصدير الإرهابيين إلى العراق... وهناك من يتهم صولاغ بتحريض من الإيرانيين سعيه لإثارة الفتنة الطائفية من خلال التواطؤ وتسخير أجهزة الداخلية لتنفيذ التصفيات الجسدية لشخصيات معروفة من أهل السنة وحتى الشيعة الرافضين للتدخل الإيراني والسعي للقضاء على التيار الصدري المنافس لمنظمة بدر وتحريض الأميركيين على تصفيته وهنالك خطة منظمة لتصفية ومعاقبة أبرز الشخصيات التي أسهمت بطريقة أو أخرى بالحرب ضد إيران منذ 1980 وحتى نهاية الحرب العام 1988 وبحجة اجتثاث البعث، بل إن العشرات من الطيارين وكبار القادة والضباط تمت تصفيتهم في وضح النهار على يد مفارز خاصة تحت نظر وزير الداخلية وأجهزته.
هذا الدور الذي يلعبه حالياً بيان جبر صولاغ على الساحة العراقية، وبالتالي فإن محاربته لأي دور عربي في العراق هو من صميم عمله المكلف به من رؤسائه في جهاز "إطلاعات"!!
وانطلقت الأبواق
طارق الحميد الشرق الأوسط 3/10/2005
مرة أخرى، ترد إيران على تصريحات وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل، ولكن هذه المرة على لسان وزير الداخلية العراقي. فما تفوه به الوزير العراقي أشبه في لغته بمفردات طه ياسين رمضان ومحمد سعيد الصحاف، وأعاد إلى ذاكرتنا مفردات الإذاعة العراقية إبان احتلال صدام حسين للكويت.(28/76)
وبالطبع فإن ما قاله الوزير العراقي هو لسان حال طهران. فما قاله وزير الخارجية السعودي عن التدخل الإيراني في العراق لم يكن سرا، لم يعلم به احد من قبل، فالأمير سعود الفيصل سمى الأشياء بأسمائها. والوزير العراقي تحدث بمنطق طائفي، وهذا ما رفضه الفيصل في مؤتمره الصحافي بنيويورك عندما سئل عن عدم تدخل السعودية في مناصرة السنة، فقال: إن نحن تدخلنا فسوف ندعم الاستقرار العراقي لا طائفة على حساب اخرى.
بيان جبر صولاغ، وزير الداخلية العراقي، في رده على سعود الفيصل يفخر بحقوق الإنسان التي اقرها حمورابي، ويهاجم ثقافة البدو راكبي الجمل، حسب وصفه، في الوقت الذي نعرف فيه ان ايديولوجية حزب الوزير التي تتبع شريعة الخميني لا تفخر بحمورابي، وهذه انتهازية أقل ما يمكن وصفها بالساذجة.
لكن ما تعليق وزير الداخلية العراقي على العراقيين الذين اشتكوا لطوب الأرض من التدخلات الإيرانية، فهل غازي الياور أو اياد علاوي، أو حازم الشعلان، أو السيد العراقي المعمم أياد جمال الدين، وغيرهم من العراقيين الذين انتقدوا التدخل الإيراني، ليسوا أبناء العراق؟ وماذا عن من يعيشون في بغداد ويرون الميليشيات التابعة لطهران تجوب الأحياء والأزقة والمنازل. وماذا عن السياسيين العراقيين الذين يقولون لك خلف الأبواب المغلقة ما يشيب الرأس عن تدخلات طهران، وعندما تطلب منهم التصريح يردون بانفعال: لا، ففرقهم تجوب الشوارع؟ كل ذلك يلخص حديث الياور عندما قال «أعمال الميليشيات حليفة التكفيريين في إشعال الطائفية». واليوم يسير الوزير العراقي على نفس منطق الميليشيات والتكفيريين!(28/77)
التحذير من التدخل الإيراني في العراق وشؤونه، أهم أسبابه ألا يكون في منطقتنا من هم على شاكلة وزير الداخلية العراقي، أو من هم بمنطقه. لا نريد لهذه المنطقة أن تعيش عشرين عاما أخرى من الحروب، والاغتيالات. نريد ساسة لا أدوات، نريد رجال دولة، لا قطاع طرق. نريد عقلاء، لا أبواقا. فنحن نريد مستقبلا أفضل، ومثلنا أبناء العراق، مستقبلا لا يعتلي فيه سدة الحكم مجرم، أو يتسنم فيه منصب من يغترف لغته من وحل التاريخ الأسود لمنطقتنا.
اكتب هذا الكلام وأنا من أشد من لاموا السعوديين على تأخرهم في التدخل في الوضع العراقي، لا التدخل في الشأن العراقي، وشتان بين الاثنين. فالعراق ليس دولة معلقة في السماء، بل امنه امن للمنطقة، واضطرابه يعني فتح أبواب الجحيم. ومصلحة العراق والمنطقة أن يكون العراق مستقرا موحدا، لا يتدخل أحد في شؤونه.
اليوم وكل يوم نبتهل إلى الله أن يخلص العراق من الزرقاوي وأشكاله، وأن يرزق العراق رجال دولة، ويجنبه وزراء على شاكلة الوزير الذي تحول بوقا لطهران.
وزير الداخلية العراقي السابق:
الميليشيات تتمتع بسلطات قوية وإمكاناتها الكبيرة توفرها إيران
بغداد: معد فياض الشرق الأوسط 12/10/2005
أعطى فلاح النقيب، وزير الداخلية العراقي السابق، صورة مزعجة عن الوضع الامني والسياسي في البلاد، محملا الحكومة الحالية المسؤولية عن ذلك بسبب ما وصفه بـ«اضطراب التوجه السياسي» لهذه الحكومة وتزايد دور الميليشيات المسلحة التي لم تتورع حتى عن اقامة معتقلات والقيام بعمليات خطف وتعذيب وقتل.
وأكد النقيب في حديث لـ«الشرق الاوسط» في منزله ببغداد، تفاقم النفوذ الايراني في العراق، واعتبر ان طهران تقدم «امكانات كبيرة» للميليشيات، وأفاد بان الاصولي الاردني المتشدد ابو مصعب الزرقاوي ينفذ عمليات ضد الشيعة والسنة على السواء، وأكد انه يتلقى اسلحة وذخائر من «دولة مجاورة».(28/78)
وقال النقيب ان «الوضع الأمني الآن، حسب ما اراه واسمع واطلع عليه بنفسي، وأنا لم اغادر العراق، من أسوأ ما يكون. وهذا يعود الى غياب الرسالة السياسية للحكومة الحالية التي ليس لها توجه واضح، مما ادى الى حالة من الانفلات الأمني وبالتالي الى مقتل المئات من ابناء شعبنا شهريا. اضطراب التوجه السياسي للحكومة ادى ايضا الى تنامي القوى الارهابية والعصابات الاجرامية، وعلينا ألا نلوم الشرطة والجيش فهما أداة تنفيذ»، مشيرا الى ان «عمليات التفجير بواسطة السيارات المفخخة ازدادت كثيرا عما كانت عليه في العام الماضي، كما انتشرت عمليات الخطف المنظمة والمساومة على الاشخاص بمبالغ كبيرة». وأكد النقيب وجود «ميليشيات ومعتقلات تابعة لها يجري فيها تعذيب وقتل المواطنين. هذه حقائق وهناك ادلة تؤكدها.
بعض هذه الميليشيات تابعة لأحزاب كبيرة مشاركة في الحكومة الحالية وأخرى تدعي انها ضد الحكومة، وعلينا ان نستثني قوات البيشمركة الكردية، فهذه لم تعد ميليشيات وانما قوات منضبطة ولها قياداتها السياسية، ولم يصدر عنها اي اعمال تسيء الى العراقيين، وليس لها اي دور في العمليات الارهابية التي تحدث في الشارع العراقي».
واعتبر النقيب ان «المستهدف من الاعمال الارهابية هم عرب العراق، سواء كانوا من السنة او الشيعة، وهذه العمليات تستهدف تفتيت عرب العراق وتقسيمهم كونهم الاغلبية، وهم العمود الفقري للوحدة الوطنية الى جانب الاكراد والتركمان وغيرهم. لذا أجد ان العمليات الارهابية سواء كانت ضد السنة او الشيعة مصدرها واحد يريد ادخال البلد في دوامة الحرب الاهلية وتفتيت كيانه، وتقف وراء هذا كله دولة وربما اكثر وليست مجموعات وأحزاب فقط».(28/79)
وقال النقيب «لا شك ان دور ايران في هذه العمليات كبير ونفوذها يتصاعد ويتضخم، وهو ما ينعكس من خلال الإمكانات الكبيرة لبعض الميليشيات، فلا بد ان تكون خلفها دولة تدعمها ماديا واستخباراتيا وإعلاميا. التدخل الايراني في الشأن الداخلي العراقي واضح جدا ولا جدوى من إنكاره، وإذا سألت اي مواطن عراقي عن النفوذ الايراني في البلد سوف يتحدث لك عن حقائق وليس اعتقادات، وأكثر العراقيين الذين يعانون من التدخل الايراني هم عرب الجنوب».
وأشار النقيب الى تصريحات وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل حول هذا النفوذ، وقال «الامير الفيصل محق جدا في تصريحاته التي جاءت من باب حرص الاشقاء في السعودية على مصلحة الشعب العراقي ووحدة العراق ومستقبله. السعودية لم تتدخل في الشأن العراقي الداخلي طيلة الفترات الماضية، وتصريحات وزير الخارجية السعودي لم تأت من باب التدخل في الشأن العراقي الداخلي، وانما بدافع الاخوة العربية. العرب يجب ان يقفوا مع العراق والشعب العراقي الذي رحبت غالبيته بتصريحات الامير الفيصل».
وحول عمليات اختطاف العراقيين ليلا من قبل مجاميع مسلحة والعثور على هؤلاء مقتولين في اليوم التالي او بعد ايام، علق وزير الداخلية السابق قائلا «لا اتهم الدولة بتنظيم هذه العمليات، لكن هناك بعض الامور بحاجة الى تفسير. هذه العمليات تتم خلال فترة منع التجول. كيف تحركت مجموعات الخاطفين بالسيارات ليلا وكيف نفذت عملياتها؟ هناك عراقيون يختطفون ويعثر عليهم مثقوبي الرؤوس بواسطة الثاقب الكهربائي (الدريل) او متروكة جثثهم في حاويات «الزبالة». وما من عراقي اليوم إلا ويتحدث عن ضحايا الدريل، وهناك عشرات الشهود على هذه العمليات. من يغطي على هذه المجاميع وتلك الجرائم؟ ولمصلحة من التستر عليها اعلاميا ونكران هذا الامر تماما من قبل المسؤولين؟».(28/80)
وتساءل النقيب قائلا «كيف تحرك ما يقرب من 40 سيارة تابعة للشرطة العامة وشرطة النجدة عند الفجر لاختطاف 22 مواطنا عثر عليهم قتلى قرب الحدود العراقية ـ الايرانية؟ وكيف تفسر الحكومة العراقية مثل هذه الاحداث؟ هل يمكن ان يتحرك كل هذا العدد من السيارات التابعة للدولة في ساعات منع التجول وتقوم بهذه العمليات من دون علم احد؟ على الحكومة العراقية ان تفسر وتجيب عن هذه الاسئلة. وعدم الجواب يجعلنا نقول انه اما ان تكون الحكومة مشتركة في التخطيط والتنفيذ لهذه العمليات أو ان هناك مجاميع ادخلت سيارات نجدة وأخرى شبيهة لتلك التي تستخدمها الحكومة من الخارج.
ولكن كيف دخلت هذه السيارات وكيف تحركت تحت غطاء رسمي وبغداد مطوقة أمنيا من قبل قوات عراقية واميركية؟ على الحكومة، وتحديدا وزارتي الداخلية والدفاع، ان تعطي التفسير المناسب. أنا اسأل الحكومة كواحد من آلاف العراقيين الذين يطرحون ذات الاسئلة».
وتحدث النقيب عن عمليات فصل الضباط من وزارتي الدفاع والداخلية فقال «من الواضح ان توجهات الحكومة الحالية تقوم على احداث تغيير شامل في كيان الدولة العراقية. المفصولون هم عراقيون واغلبهم كانوا من المعارضين للنظام السابق ولا تنطبق عليهم قرارات هيئة اجتثاث البعث، ولكن يبدو ان هناك محاولة لتغيير نظام الدولة العراقية.الكثير من الضباط الذين أبعدوا ذوو خبرات علمية وعملية ونحن بحاجة لهم اليوم، حيث يتعرض العراق لأكبر موجة ارهاب في العالم ويواجه تفتتا اجتماعيا. فصل هذه الكفاءات يؤدي الى ضعف الدولة. والضباط المفصولون استبدلوا بأشخاص لا يتمتعون بأية كفاءة.(28/81)
هناك تدخلات حزبية وأسباب غير معروفة، وهذا ليس لصالح الحكومة التي تريد نوعا معينا من العاملين معها». وأكد النقيب ان هناك «دولة تدعم بأموالها واستخباراتها ابو مصعب الزرقاوي الذي قتل الكثير من العرب السنة والشيعة، وانه يستهدف كيان الدولة من الشرطة والجيش والمسؤولين، اضافة الى المواطنين الابرياء لإرهاب العراقيين من غير تمييز بين الشيعة او السنة، فهو قتل مواطنين في الموصل والانبار والكاظمية والحلة لإثارة فتنة طائفية، مستخدما في كل مدينة المجرمين من اصحاب السوابق سواء كانوا قتلة او لصوصا، وهذه المعلومات أعرفها من خلال عملي سابقا وزير داخلية»، وأكد وجود «ادلة موجودة لدينا تثبت استخدام الزرقاوي مواد متفجرة وفتائل تفجير مصنوعة في دولة جارة للعراق، وهذه المواد تستخدم من قبل القوات المسلحة لهذه الدولة، ولا يمكن ان تباع في الاسواق».
ويرى النقيب ان إنقاذ العراق «يتم من خلال حكومة وحدة وطنية تحافظ على وحدة الشعب العراقي وكيان العراق يقودها سياسي ورجل دولة لا يميز بين طائفة وأخرى وينظر الى كل العراقيين باعتبارهم ابناء البلد بغض النظر عن قومياتهم مثل الدكتور اياد علاوي الرئيس السابق للحكومة».
القائد والغليون
لندن: علي نوري زادة الشرق الأوسط 14/10/2005
ألقى المرشد الأعلى لايران آية الله على خامنئى بغليونه، التي لم تكن تنفصل عنه، في المزبلة، واستبدل ساعته الـ«رولكس» بساعة جيب متصلة بسلسلة من الفضة، كما بدل أصدقاء السهر والأغاني وعزف الموسيقى، بأصدقاء جدد من السياسيين المحافظين ورجال الدين التقليدين. كل هذا حدث لدى اختياره مرشدا أعلى 1989 خلفا للخميني مؤسس الجمهورية الايرانية فى ايران. ومنذ ذلك الوقت وحتى اليوم، أظهر الرجل «الفنان» ذو الصوت الحلو، انه الأقوى في ايران.(28/82)
ولم تكن التعديلات التي اجراها قبل ايام بمنح رفيق دربه رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني صلاحيات رقابية على حكومة محمود احمدي نجاد والبرلمان، الا تأكيدا على القوة الاستثنائية التي يتمتع بها في النظام الايراني. خامنئي الذي يعد اليوم رأس المحافظين في ايران، لم يكن محافظا في شبابه الأول أو حتى نشأته، فهو أحد أبناء الميرزا جواد التبريزي، وكان له ولشقيقته بدري مكانة خاصة لدى الميرزا وزوجته الفاضلة، التي كانت هي نفسها رائدة بين النساء المتزوجات من رجال الدين في ميدان التعليم والتعلم والأدب، كونها شاعرة تنشد قصائد عن أهل البيت ومعاناة النساء وهي سليلة أسرة «خياباني» المعروفة. وعقب ولادة علي خامنئى في عام 1939، وبمساعدة المرجع الأعلى آنذاك آية الله الحاج حسين آغا الطباطباي القمي (والد المرجع البارز آية الله الحاج حسن آغا الطباطبائي القمي، البالغ عمره تسعين عاماً، والذي يقيم بمدينة مشهد في شبه حصار كامل بسبب معارضته القوية لولاية الفقيه ومواقفه الوطنية، ورفضه لتدخل رجال الدين في السياسة)، اشترى الميرزا جواد بيتاً صغيراً في أحد الأزقة القديمة المجاورة لضريح الامام الرضا ثامن أئمة الشيعة. وفي هذا البيت الصغير المتواضع، علم الميرزا جواد أبناءه الكتابة والقراءة.(28/83)
وقد ذهب خامنئي إلى المدارس الحديثة خلافاً للتقليد المتبع في الأسر الدينية بحيث كان يتعين على الأولاد فور بلوغهم السابعة من العمر الالتحاق بالمدارس الدينية، غير ان خامنئي التحق بإحدى مدارس مدينة مشهد الحديثة وقضى ست سنوات في المدرسة، وبعد ان نال الشهادة الاعدادية انضم الى مدرسة «سليمان خان» لتلقي الدروس الدينية في الصباح، ومتابعة دراسته المتوسطة في المدارس الحديثة مساء ومن ثم دخل في مدرسة «نواب» إحدى المدارس المعروفة للعلوم الدينية والفقه والشريعة والمنطق والفلسفة واللغة العربية وببلوغه سن الـ16، وبعد انهائه مرحلة الدروس المقدماتية المعروفة بدروس السطح، انضم الى حلقة دروس المرجع البارز آنذاك آية الله المرحوم ميلاني. وبعد عامين توجه خامنئي إلى الاعتاب المقدسة في كربلاء والنجف، حيث حضر دروس بعض كبار المراجع، مثل الحكيم والخوئي والشاهرودي، غير ان والده عارض بقاءه في العراق، مما تسبب في عودته الى مشهد ومن ثم الى قم، حيث التحق بحلقة تلامذة الامام الخميني وآية الله منتظري وآية الله مرتضى حائري يزدي، وكان ذلك في عام 1958.(28/84)
وسرعان ما شعر خامنئي بأن أجواء قم الخاضعة لسلطة المراجع والمدرسين التقليديين والمتعصبين لا تناسبه، خاصة بعد أن تعرف على الإمام موسى الصدر وشقيقه العلامة السيد رضا الصدر والعلامة السيد هادي خسر وشاهي وغيرهم من تلامذة وحاشية آية الله كاظم شريعتمداري زعيم العلماء المجددين في قم. ومن الصفات المعروفة عن خامنئي، انه كان يُحب الشعر والفلسفة والفن والثقافة، والموسيقى والى جانب صوته العذب، كان يلعب في خلوته بأوتار «سه تار» وهي آلة موسيقية يعزفها عادة الصوفية والدراويش. وخلافاً لأقرانه وزملائه في الحوزة، الذين كانوا يطمحون إلى التقرب من كبار العلماء، فإن خامنئي كان مشتاقاً لحضور مجالس الأنس والشعر والموسيقى عند كبار الفنانين مثل عازف «سه تار» الأول المرحوم عبادي وعازف الكمانجة علي اصغر بهاري والشاعر الكبير اميري فيروزكوهي والفنان والأديب البارز أديب خونساري. كما كان خامنئي يحب الدردشة مع المثقفين العلمانيين ورجال الفكر والطلبة الجامعيين وليس مع طلاب الحوزة.
ولما عاد خامنئي الى مشهد تعرف على الدكتور علي شريعتي المفكر الاسلامي الاصلاحي رائد مدرسة «الاسلام بلا رجال الدين» الفكرية وسرعان ما تأثر بآراء ومواقف شريعتي ما سبب له مشاكل كبيرة مع والده وأصدقائه، ممن تصدوا للدكتور شريعتي قولاً وفعلاً وذهب بعضا منهم إلى حد تكفير شريعتي، مما أدى الى خروج شريعتي من مشهد والذهاب الى طهران، حيث كان بإمكانه إلقاء الخطب الدينية والسياسية في حسينية «ارشاد» التي أنشأها جمع من التجار الوطنيين من انصار المهندس مهدي بازركان زعيم حركة الحرية ورئيس وزراء إيران بعد الثورة.(28/85)
وحاول خامنئي إنشاء حلقات الدرس والبحث الفلسفي والأدبي والتاريخي، استدراج الطلبة الجامعيين الى البحث الديني والفلسفي على نهج علي شريعتي بمشهد، ولكنه اضطر بعد فترة اعتقل خلالها مرتين، الى مغادرة مشهد مثل شريعتي نحو طهران. والسبب وراء اعتقاله كان دعمه وتعاطفه مع المنظمات الثورية اليسارية المعارضة للشاه، التي خاضت منذ أواسط الستينات في القرن الماضي نضالاً مسلحاً ضد الشاه.
ومنذ 1967 وحتى قيام الثورة في فبراير (شباط) 1979، قضى خامنئي حوالي سنة ونصف السنة في السجن، وأكثر من خمس سنوات منفياً بقرار المحكمة العسكرية عن مسقط رأسه مشهد، في مدن مقاطعة بلوشستان مثل «ايرانشهر»، حيث يشكل أهل السنة الأغلبية، وخامنئي المنفتح لم يواجه صعوبة في العيش بين أهل السنة، الذين اكتشفوا فيه شخصية مثقفة مناهضة لرجال الدين الشيعة المتعصبين.(28/86)
ورغم ان خامنئي لم يكن من أعضاء مجلس قيادة الثورة الاوائل، غير انه سرعان ما أبرز وجوده بتأسيس الحزب الجمهوري الاسلامي باتفاق آية الله محمد بهشتي، وعلي أكبر هاشمي رفسنجاني وآية الله موسوي أردبيلي، ومن ثم عُين ممثلاً للخميني ونائباً لوزير الدفاع ونائباً في البرلمان، ومسؤولاً عن قوات الحرس الثوري، وحينما اعتذر آية الله منتظري عن حضور مراسم صلاة الجمعة بطهران، باعتباره إمام الصلاة المعين من قبل الإمام الخميني، تسلم خامنئي المهام بتكليف من الخميني، وهو لا يزال شاباً آنذاك، مما أثار حسد واعتراض بعض تلامذة الخميني وحاشيته، وفي مقدمتهم الشيخ علي طهراني زوج شقيقة خامنئي السيدة بدري، الذي وجه رسالة غاضبة الى استاذة الخميني سائلا إياه: «بأي منطق ومبرر قد عهدتم إمامة صلاة طهران الى رجل يفتقر الى العلم والعدالة والتقوى»؟، وفعلاً لم يكن خامنئي من حيث مرتبته الدينية ومستوى تعليمه الحوزوي، بدرجة تؤهله ليؤم الصلاة في طهران، غير ان المثقفين والطلبة الجامعيين رحبوا بقرار الخميني كون خامنئي رجل الدين الأقرب إليهم.
وبإشارة من الخميني ايضا، ترشح خامنئي في الانتخابات الرئاسية1981 وفاز فيها بحصوله على 16 مليون صوت، وقد أعيد انتخابه ثانية 1985، حيث استمرت رئاسته حتى وفاة الإمام الخميني. غير ان رئاسة خامنئي كانت رمزية بالمعنى الحقيقي للكلمة، اولا بسبب حضور الخميني بثقله ومكانته فوق حضور الجميع، وثانيا بسبب وجود رجل الدين القوى آية الله منتظري حتى تم عزله قبل وفاة الخميني ببضعة اشهر، وثالثا: بسبب كون رئيس الوزراء مير حسين موسوي الرئيس الحقيقي للسلطة التنفيذية.(28/87)
وكلما اراد خامنئي ان يظهر سلطته ويمارس حقه الدستوري، كلما تصدى له الخميني الذي ظل منحازا الى جانب رئيس الوزراء مير حسين موسوي، وربما بسبب هذا الصراع المكتوم عمل خامنئي على الغاء منصب رئيس الوزراء في الدستور أواخر حياة الخميني. ومن تلك اللحظة تبلورت الميول التسلطية لدى خامنئي. غير انها اخذت منحى آخر مع وفاة الخميني، فلم يكن خامنئي قط من ضمن قائمة المرشحين لخلافته، أولا لأنه لم يكن مرجعا دينيا، وثانيا بسبب رفض مجلس الخبراء تسليم منصب المرشد الى رجل فى عمره ومكانته الدينية المتدنية (كان ساعتها حجة الاسلام).
غير ان هاشمي رفسنجاني، الذي كان ساعتها من المقربين من خامنئي، جعل ما بدا مستحيلا، ممكنا ومحققا، وذلك بإقصاء منتظري المنافس اللدود لخامنئي. ويوم وفاة الخميني، عقد مجلس الخبراء اجتماعا طارئا تم خلاله التصويت مرتين لاختيار ثلاثة، وبعد ذلك خمسة من الفقهاء بدلا من مرشد واحد، لخلافة الخميني، غير ان المجلس فشل في التوصل الى صيغة تحظى بتأييد أغلبية أعضائه. عندئذ وقف رفسنجاني ليقول ان الامام الخميني قد أوصى قبل وفاته بأيام، بتسليم مسؤولية قيادة البلاد الى خامنئي، وقد ايده في ذلك أحمد الخميني. ورغم ان 54 عضوا من اعضاء المجلس البالغ عددهم 84 نائبا، صوتوا لخامنئي، الا ان رفسنجاني اعتبر ذلك كافيا لاعطاء الصفة الشرعية لانتخاب خامنئي، علما بأن رفسنجاني كان قد انتخب قبل ذلك بشهر واحد رئيسا للجمهورية.
ومنذ ذلك الحين ولمدة خمس سنوات اي الى السنة الاولى للدورة الثانية لرئاسة رفسنجاني، ظلت شراكة خامنئي ورفسنجاني في ادارة البلاد، فوق اي شبهة، وصمدت امام تحديات كبيرة. وهي عادت هذا الاسبوع الى سابق عهدها، فيما لا يزال خامنئي ينشد القصائد بمضامين عن الحب والغرام وفقا للمعايير الصوفية.
خامنئي يفوض رفسنجاني جزءا من سلطاته الرقابية على حكومة أحمدي نجاد والبرلمان
لندن: علي نوري زاده اسطنبول: كارل فيك(28/88)
الشرق الأوسط 9/10/2005
في خطوة تشي ببداية تصدع في العلاقة بين المرشد الاعلى للجمهورية في ايران آية الله على خامنئي والرئيس المنتخب محمود احمدي نجادي، منح خامنئي الذي له الكلمة الاولى في ايران، مجلس تشخيص مصلحة النظام الذي يرأسه هاشمي رفسنجاني سلطات رقابية على حكومة نجاد وعلى مجلس الشورى (البرلمان) الذي يسيطر عليه المحافظون. وقال مسؤولون ايرانيون ان الاجراء والذي يعني عمليا تنازل خامنئي عن جزء من صلاحياته الرقابية على الحكومة والبرلمان الى رفسنجانى، هدفه احتواء خطر سيطرة المحافظين منفردين على البلاد، وتسهيل تسوية الخلافات بين طهران والغرب بشان البرنامج النووي الايراني.
وتضمن قرار خامنئي توسيع سلطات مجلس تشخيص مصلحة النظام، وهو هيئة يجري اختيار اعضائها بالتعيين ويرأسها رفسنجاني الرئيس الايراني السابق وأحد أبرز وجوه السياسة الايرانية. وكان رفسنجاني قد خسر انتخابات الرئاسة الماضية أمام الرئيس الحالي محمود أحمدي نجاد، إلا ان المرسوم الجديد الذي اصدره خامنئي وأعلن بصورة رسمية مطلع الشهر الجاري، منح رفسنجاني إشرافا على حكومة الرئيس المنتخب احمدي نجاد.
كما منح خامنئي رفسنجاني ايضا سلطة الإشراف على اداء البرلمان، على الرغم من الضجة التي اثارها نواب اتهموا مجلس تشخيص مصلحة النظام بالسيطرة على السلطة. وتعد هذه السلطات الموسعة التي منحت لرفسنجاني ومجلس مصلحة النظام، نقلة كبيرة اذ ان المجلس كان في السابق مخولا فقط تسوية الخلافات بين البرلمان ومجلس حماية الدستور وتقديم المشورة لخامنئي.(28/89)
وكان سكرتير مجلس تشخيص مصلحة النظام، محسن رضاي، قد قال لصحافيين في طهران ان قرار مجلس تشخيص مصلحة النظام هو القرار النهائي، وأضاف «انه حتى في حالة عدم اتفاق بعض قطاعات الدولة معه فإن قراره يعتبر قرارا نهائيا وملزما». ويرى مراقبون ان الأثر الفعلي للتغيير لم يظهر بعد، إلا ان محللين يرون ان ثمة اهمية للتوقيت الذي اعلن فيه هذا التغيير. ويعتقد هؤلاء ان الغرض من الإعلان عن هذا التغيير في الوقت الراهن يهدف الى إعادة بعض الهيبة الى رفسنجاني، الذي لعب دورا رئيسيا في وصول خامنئي الى موقع المرشد الأعلى عقب وفاة آية الله روح الله الخميني عام 1989.
ويرى آخرون ان هذه الخطوة تهدف الى موازنة صعود المحافظين الذين يسيطرون على الهيئات المنتخبة في البلاد مثل الحكومة والبرلمان، فضلا عن القضاء ومجلس حماة الدستور. غير ان كريم ساجدبور، المتابع للشؤون الايرانية بمجموعة «مراقبة الأزمات» الدولية في بروكسل، قال ان قرار خامنئي لا يعد ان يكون إجراء رمزيا فقط، وذلك في اشارة الى ان الحكومة الايرانية تتخذ موقفا موحدا في ما يتعلق ببرنامجها النووي، الذي تصر على انه يهدف فقط الى توليد الطاقة الكهربائية. إلا ان دبلوماسيين اجانب قالوا ان وجهة النظر الايرانية تعرضت لأضرار بسبب اللهجة الحادة لخطاب احمدي نجاد، وهو قليل الخبرة في الشؤون الخارجية، الذي ألقاه في الامم المتحدة في الشهر الماضي. فقد استخدمه الدبلوماسيون الاميركيون للضغط على مجلس وكالة الطاقة الذرية، لتحويل ملف طهران الى مجلس الأمن.
ويبدو ان رفسنجاني، البالغ من العمر 71 سنة، قد شارك في الانتقادات الموجهة الي احمدي نجاد في صلاة الجمعة قبل اسبوع في طهران. فقد قال رفسنجاني، «تحتاجون الى دبلوماسية وليس الى شعارات. هذا هو مكان الحكمة، مكان من اجل العثور علي مخارج تقودك الي الهدف».(28/90)
كما ذكر محلل سياسي في طهران، طلب عدم الاشارة الى هويته «لقد أظهر احمدي نجاد انه في حاجة لكثير من الاشراف. فقد أرسلت حكومته مشروعي قرار عاجلين للبرلمان في اسبوع واحد. هو متحمس للغاية». وقد اقر البرلمان اختياره لمنصب وزير الداخلية مصطفى بورمو حمادي، وذلك بعد مواجهته بخصوص الفترة التي قضاها في منصب كبير في وزارة الاستخبارات في منتصف التسعينات، عندما كان عملاء الجهاز يعدمون معارضي الحكومة في منازلهم.
ويوجد وزيران آخران قدموا من اجهزة أمنية، و5 من الحرس الثوري، الذين تزايد نفوذهم في السنوات الاخيرة. وكان مجمع تشخيص مصلحة النظام المكلف دستوريا بتسوية الخلاف (البرلمان) ولجنة مراقبة الدستور وتنظيم وتخطيط السياسات العامة للنظام وفقا لرغبات المرشد، قد وجه قبل اجراء الانتخابات بثلاثة اشهر رسالة الى خامنئي طالب خلالها، بتفويضه صلاحيات الرقابة على اداء السلطات التنفيذية والقضائية والتقنينية ـ البرلمانية ـ وفي تلك الفترة لم يكن رئيس المجمع هاشمي رفسنجاني قد قرر بعد الترشح في الانتخابات الرئاسية. ومخاوفه من ان الانتخابات قد تعيد السلطة الى المحافظين والراديكاليين كانت دافعا وراء توجيه الرسالة الى خامنئي.
غير ان المرشد الذي كان واثقا من ان مخططه القاضي باقصاء الاصلاحيين والبراغماتيين من الحكم وانتخاب رئيس يعمل سكرتيرا له بدلا من ان يكون رئيسا للسلطة التنفيذية، سيتم تطبيقه بنجاح كامل، وانه لم يعد بحاجة الى مستشاره الاول رفسنجاني وغيره من الشركاء القدامى في السلطة، فلهذا لم يرد على الرسالة التي سرعان ما دخلت ارشيف مكتب المرشد.(28/91)
ويذكر ان استياء رفسنجاني من المرشد والطاقم الجديد للحكم، لم يعد سرا، بعد ان واصل رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام مقاطعته للاجتماعات المعقودة عند المرشد ورفضه لاستقبال الرئيس الجديد احمدي نجاد. كما ان تلميحات صادرة عن مصادر مقربة من رفسنجاني بأن الرجل الثاني في الحكم حتى الانتخابات الاخيرة صار يفكر بصورة جدية بالانتقال الى الحوزة الدينية بقم بغية التدريس والتحقيق، كانت تحمل في طياتها تهديدا ضمنيا بانضمام رفسنجاني الى آية الله حسين علي منتظري خليفة الخميني المعزول في قم ليشكلا حلفا مناهضا للمرشد وطاقم حكمه الجديد.
ومما سبب انقلاب المواقف كان سفر الرئيس محمود احمدي نجاد الى نيويورك وما جرى بعد ذلك من التصعيد الاوروبي ضد ايران وتعثر المفاوضات بين المفاوضين الايرانيين الجدد من التيار الراديكالي مع ممثلي الدول الاوروبية الثلاثة المعنية بالملف النووي الايراني، ومن ثم مصادقة مجلس الحكام بوكالة الطاقة العالمية على المشروع الاوروبي بنقل ملف ايران الى مجلس الامن، فضلا عن توتر العلاقات بين ايران والولايات المتحدة والغرب والدول المجاورة لإيران نتيجة لتوسع اطار التدخل الايراني في العراق على صعيد العلاقات الدبلوماسية الايرانية مع العالم، وتهرب الرساميل والعملات الصعبة من البلاد وارتفاع حاد للتضخم، وفقد اسهم البورصة في طهران ثلاثين في المائة من قيمتها، ومن ثم انتشار حالة البؤس والاحباط في المجتمع نتيجة لسيطرة ضباط الحرس والامن بلا خبرة وتجربة سياسية واقتصادية على اهم مراكز القرار، قد تجعل كل ذلك المرشد يعيد النظر في سياساته وتوجهاته، حسب قول مسؤول كبير في النظام لصحيفة «روز» الالكترونية.(28/92)
وفجأة اكتشف المرشد انه قد خسر حلفاء بمكانة ووزن رفسنجاني وكروبي وخاتمي وكاد يخسر رئيس سلطته القضائية ومعلمه محمود هاشمي شاهرودي الذي قدم استقالته ثلاث مرات في الاسابيع الاخيرة، دون ان يكسب ما سيعوضه عمن ابعدوا.
وبعد تشديد لهجة التهديدات الاميركية وقرب الاجتماع المصيري لمجلس الحكام في الوكالة العالمية للطاقة في شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، حيث سيقرر المجلس متى سيطرح ملف ايران في مجلس الامن، وتحول بريطانيا الصديقة المتسامحة الى نصف عدو مستاء ومنتقد، شعر خامنئي ان المعركة اكبر بكثير من احمدي نجاد والعميد مصطفى محمد نجار وزير دفاعه ومهدي تشمران عراب المحافظين الجدد والاب الروحي لاحمدي نجاد آية الله مصباح يزدي، بحيث تتطلبه ادارتها رجلا من الوزن الثقيل سياسيا، فلهذا مرة اخرى استنجد برفسنجاني، وفيما اعاد الرسالة السابق ذكرها الى رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام موقعا تحتها بنعم لاقتراح تفويض جزء من صلاحياته الى مجمع تشخيص النظام، امر رئيس الجمهورية احمدي نجاد بالذهاب الى رفسنجاني خاضعا ومعلنا له ولاءه وتبعيته له.
دمشق وبغداد وحزب الله ثمناً لشرعنة التصنيع النووي الإيراني!
عهد فاضل ( باختصار ) مجلة المجلة 15/10/2005
عندما زار الرئيس السوري طهران مهنئاً الرئيس الإيراني أحمدي نجاد على ولايته الجديدة، ظن البعض أن "الرسالة" من هذا اللقاء خصوصاً في دلالته، هو مسعى سوري لترسيخ تحالف تاريخي تأسس منذ الثمانينيات. لم ينتبه المحللون السياسيون إلى أن إيران استطاعت تحويل حتى الموقف السوري إلى ورقة تطيرها بوجه الأميركيين، والأمر كله تبدّى مع عنترية الموقف الإيراني من الملف النووي. ففي الوقت الذي يهجم به حلفاء إيران على سوريا، طرحت إيران مسألة الملف النووي، وبهذه الجرأة والعلنية. وبقي طي الكتمان كل ما يجري في العمق، فماذا يعني أن يهاجم حلفاءُ إيران سوريا؟!.(28/93)
تصاعد هجوم حلفاء إيران على سوريا، في السلطة العراقية، مع استلام نجَاد للسلطة في إيران، في الوقت الذي كانت تتحضر فيه القيادة الإيرانية، بصمت وتقية، لإعلان تمردها على الترويكا الأوروبية بشان مسألة التصنيع النووي. وبدا واضحاً أن الأوراق التي في يد الإيرانيين تتزايد يوما بعد الآخر، وآخر الأوراق، تلك، هي سوريا نفسها، والدليل تنمّر واستئساد حلفائها على حليفها هي: الجمهورية العربية السورية!.
وكأن القسمة بين الأميركيين والإيرانيين في موضوع الجنوب العراقي تحوّل اقتساماً للموقف من الموضوع السوري، لكن الأخير لم يُحسم بعد على ما يبدو، فاضطرت إيران إلى استعادة الورقة الجنوبية العراقية، وتحديداً بوجه البريطانيين المعارضين للمشروع النووي الإيراني، فهبَت "مقاومة" مباغتة في الجنوب،مترافقة مع تهديد الترويكا لإيران، بوجه الأوروبيين، فدمرت دبابتان بريطانيتان وأسرَ جنديان بريطانيان تم تحريرهما فيما بعد عبر هجوم بريطاني.
لم يعد من شك في أن إيران تقول للأميركيين: أستطيع إضعاف سوريا وإنهاكها وتحويل الأنظار إليها، عبر هجوم حلفائي العراقيين عليها. وهو سرّ الاستدارة الإيرانية للورقة الجنوبية بعدما بدا أن " ذبح" الحليف السوري لن يكون كافيا لسكوت أميركا. ومعها الأوروبيون، على الطموح النووي الإيراني!
هنا، وفي هذه النقطة بالتحديد، صار المكان ملائما ليرتكب السوريون أكثر من خطأ. والخطأ الأول في "اليقين" السوري من أن إيران الألفية الثالثة، هي ذاتها إيران في ثمانينيات القرن الماضي، وهذا الخطأ يستجر استدلالا فرعيا خاطئا يتجلى باعتبار إيران "الصديق المطلق" للسوريين، سواء بوجه الأميركيين أو بوجه الأوروبيين أو حتى بوجه الإسرائيليين.
الخطأ الثاني، عبر فهم التنمّر العراقي الرسمي على سوريا على أنه مجرد تكتيك ضروري من حلفاء إيران لكسب ثقة الأميركيين وأن حلفاء إيران لا يعنون بالضرورة أنهم حلفاء سوريا.(28/94)
الخطأ الثالث، انتظار السوريين لفرصة ملائمة للكشف عن "الطلاق" (الذي لن يكون هنا أبغض الحلال أبداً) بينهم وبين الإيرانيين قد يكون بعد فوات الأوان، أي بعد استحلاب الإيرانيين للحليب السوري كله ورميه بعدما تبين أنه صار يشكل خطراً على الإمبراطورية الفارسية.
الخطأ الرابع، الظن السوري أن "حزب الله" اللبناني، يمثل نقطة التقاء مع إيران في لبنان، في الوقت الذي يتهيأ فيه "حزب الله" لحراسة التفاوض الإيراني مع أوروبا، والذي استبقته أوروبا ذات الحدُس العالي بتحريم بث قناة "المنار" واعتبار بعض الدول الغربية "حزب الله" منظمة إرهابية. هنا ظن السوريون، وخطأ أيضاً، أن المستهدف هو المقاومة و"حق مقاومة المحتل" أو أنه استهداف لسوريا، بينما كانت الرسالة الأوروبية أعمق من ذلك بكثير.
لقد استبقوا إيران ومنعوها من استثمار "حزب الله" كأداة ضاغطة، وهي في مسعاها لشرعنة طموحها النووي. كان الأوروبيون يعرفون أن سوريا في طريقها للخروج بالمطلق من لبنان، فتهيّأوا لمنع إيران من تسليح مفاوضيها النوويين بورقة مؤرقة للغاية هي ورقة "حزب الله" بعدما تسرّبت وتطايرت من "يد" السوريين، فكيف إذا أضيف للمفاوض الإيراني "الشرس" ورقة هي سوريا؟
الرسالة واضحة ولا تحتاج سوى لإنصات: هجوم السلطة العراقية العنيف على سوريا لم يترك أي مبرر للسوريين بعد الآن لـ "الرأفة" بصديق الثمانينيات الذي رماهم كمنديل، وبالمعنى نفسه سخّر هدوء الجنوب العراقي، ليتحصل على مكسب شرعنة تصنيعه النووي كيلا نقول سلاحه النووي، والدليل الأدل: تحرك مقاومة جنوبية ضد البريطانيين مترافقة مع طرح ملف إيران النووي إلى مجلس الأمن(!)، والغريب أن السلطة العراقية توقفت عن الهجوم على السوريين، وكلّه: بالوقت نفسه!(28/95)
لن نطارد ذلك اللبيب الذي يفهم من إشارة، لكن آن الأوان للعودة إلى العرب بأي ثمن. وإن كان هناك من مبرر في الثمانينيات لعلاقة سورية إيرانية، وطلاق سوري عربي، فقد تأكدت كل الإشارات الآن إلى طلاق حلال بين سوريا وإيران. والخطأ السوري الممكن هو أن يراهنوا على فشل إيران بالمبادلة. وفي حال نجحت المبادلة أو فشلت، سيكون السوريون، وقتذاك، قد خسروا كلّ شيء، فقط.
العلويون الأتراك يعتزمون تقديم ألفي شكوى طلبا للاعتراف بمذهبهم
وكالة الصحافة الفرنسية 21/9/2005
أعلن أحد قادة العلويين الأتراك أن هذه الطائفة ستقدم يوم غد الجمعة ألفي شكوى إلى القضاء التركي ضد الإدارة التركية التي ترفض الاعتراف رسميا بالمذهب العلوي.
وقال رئيس جمعية "جيم" عز الدين دوغان خلال مؤتمر صحافي أنه بسبب عمل أجهزة رئيس الوزراء المخالفة للدستور وللقانون حول حرية المعتقد الديني للمواطنين العلويين، فسوف تقدم الجمعة دعاوى عليها إلى مجلس الدولة يرفعها ألفا شخص.
ورفضت أجهزة رئيس الوزراء الشهر الماضي طلبا تقدمت به الجمعية طالبة اعتبار أماكن الصلاة العلوية بمثابة مؤسسات دينية ما سيكون بمثابة اعتراف بوجود هذه الطائفة.
وكتبت الإدارة في رسالة أن الخدمات التي تؤمنها إدارة الشؤون الدينية تتوجه إلى جميع اتباع الديانة الإسلامية بمعزل عن الاختلافات في المذاهب.
وعلق دوغان معتبرا أن هذا يعني أنه إن كان العلويون مسلمين فليس عليهم إلا أن يذهبوا إلى المسجد، مشيراً إلى أنه تم تخصيص موازنة الشؤون الدينية حصراً للإسلام السني حتى الآن بالرغم من مبدأ المساواة بين المواطنين الذي ينص عليه الدستور بمعزل عن مذهبهم.
وتحدث دوغان عن احتمال التقدم بمسعى أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في حال فشل الإجراءات لدى القضاء التركي.(28/96)
ويمثل العلويون 20% من الأتراك البالغ عددهم الإجمالي نحو 71 مليون نسمة وبالرغم من أن شعائرهم الدينية تختلف إلى حد بعيد عن السنة إلا أنهم لا يحظون بأي وضع خاص ولا يفيدون من المساعدات التي تمنح إلى الجمعيات الثقافية السنية. وتعرض العلويون في فترات من التاريخ للاضطهاد من جانب السنة الذين كانوا يعتبرونهم مرتدين.
العلويون في تركيا يطالبون بإعفائهم من دراسة الدين الإسلامي!
المجتمع العدد 1672 ـ 8/10/2005
أنقرة: طه عودة
أكد الأمين العام للمؤسسة "البكتاشية والدراويش" العلوية في تركيا "إتيلا إردان" بأنهم جمعوا مليون توقيع حتى الآن للمطالبة بإعفاء الطلاب العلويين من تلقي الدروس الإسلامية في المدارس التركية. ونقلت صحيفة "حرييت" التركية عن إردان قوله إنه سيتم رفع هذه التوقيعات إلى كل من رئيس الجمهورية أحمد نجدت سيزار ورئيس البرلمان بولنت ارينج ورئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، مؤكداً أن هدفهم الأساسي هو أن تتمكن تركيا من النظر إلى الفروق الدينية على أنها جزء من الديمقراطية التي تتمتع بها للحفاظ على وحدة البلاد، وأضاف: "نحن هنا نمثل ثقافة الإنسان الدينية في تركيا التي تجمع أكثر من 72 مذهبا وعرقا ولغة".
وأكد أن فرض تعليم الدين الإسلامي الواحد في المدارس على كل شرائح المجتمع التركي هو أمر مغاير للديمقراطية والعلمانية، مدعياً أن الدولة العلمانية ليس من مسؤوليتها تعليم الأفراد دينهم بقوله: "الدولة العلمانية ليس لها دين واحد بل هي مجبرة على التعامل مع كل الأديان والملحدين بعين المساواة! ومن هذا المنطلق فإننا نطالب بوضع حد فوري للتعليم الديني الإجباري في المدارس.
النفخ في العقائد الباطنية المنحرفة
الفرقان 27/6/2005(28/97)
من الوسائل الكثيرة التي يبذلها أعداء الدين في هذا العصر- لهدم عقيدة الإسلام وتشويه صورته - النفخ في العقائد الباطنية المنحرفة التي أحرقها نور التوحيد وطمسها انبعاث الحق حيناً من الدهر، فعادت تلك العقائد المنحرفة لتنظيم شتاتها من جديد مستغلة مساحة الحريات التي أصبح العالم ينادي بها اليوم، ومعزوفة حقوق الإنسان التي يعزف عليها الغرب اليوم في ديارنا من أجل -تثوير- الشعوب على حكامهم، ومن أجل تمزيق وحدة المسلمين.
فالصوفية على سبيل المثال التي هجرها معظم شباب المسلمين وأدركوا بأنها مجموعة من الخرافات والشركيات والتعلق بالأشخاص وبخوارق العادات، عادت اليوم بشكل جمعيات ومدارس وشخصيات مؤثرة وكتب منتشرة، وأصبحت الجامعات الغربية تدرسها على أنها الإسلام وأنها الاعتدال!! وتجد التقارير الغربية التي توجه السياسة الخارجية لدولها تركز على ضرورة تشجيع دراسة ونشر ما يسمونه بالإسلام المعتدل ومن ضمنه الصوفية.
واستغلت بعض الأنظمة القمعية في الدول الإسلامية جهل المسلمين بتلك الطرق الصوفية الخبيثة لتعيد النفخ فيها، ولترفع من شأن منتسبيها وتجعلهم في الصدارة وذلك من أجل قمع الحركات الإسلامية القائمة على دعوة التوحيد ومن أجل تخدير شعوبها، وراحت تلك الأنظمة ترفع القباب وتعيد تشييد قبور الأولياء وتشجع الناس للحج إليها من أجل إحياء الشرك القديم.
ولم يقتصر ذلك على الصوفية بل شجعوا دعوات لا تمت للإسلام بصلة مثل النصيرية والدرزية واليزيدية -عبدة الشيطان- والقاديانية والبهرة والإسماعيلية وغيرها والتي أعادت تنظيم صفوفها ، وتجميع أتباعها ، وأصبح لقادتها شأن في بلادنا ويُستقبل قادتها استقبال رؤساء الدول.(28/98)
أما الدعوة السلفية، دعوة التوحيد فقد تم تهميشها وتشويه صورتها أمام الناس وربطها بالحركات المنحرفة وبخوارج هذا العصر الذين يقتلون الناس ويخرجون على الحكام ويعيثون في الأرض فسادا؛ وذلك من أجل تشويه صورة الإسلام الحقيقي، وأحلال الدعوات المنحرفة مكانها.
إن الواجب على الدعاة إلى الله تعالى اليوم كبير من أجل إبراز صورة الإسلام الحقيقية والذب عن دعوته الصحيحة، ومن أجل بيان انحراف الدعوات الباطنية والمنحرفة وبعدها عن المنهج الصحيح، والسكوت عن ذلك الواجب -بحجة جمع كلمة المسلمين وبحجة التوجه نحو العدو الخارجي بدلاً من تفريق الصف الداخلي- هذا السكوت يعني تدمير الإسلام من الداخل وزرع الشرك والخرافة في صفوف المسلمين وزعزعة التماسك والوحدة بين أبناء المجتمع المسلم -ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا، ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفى صدورهم أكبر، قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون-.
سورية تحشد "جند الشام" وجماعة جبريل لتفجير لبنان
بيروت ـ "الوطن العربي" ـ العدد1492 ـ 7/10/2005
الغيمة السوداء بدأت تقترب من سماء لبنان. وهي تشتد اسودادا كلما شارف تقرير رئيس لجنة التحقيق الدولية ديتليف ميليس في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري على نهايته. وهذا ما بدأ يظهر في الأجواء اللبنانية من تسارع مسلسل الاغتيالات والتفجيرات التي تهدف في الدرجة الأولى إلى استباق مفاعيل هذه العاصفة والتخفيف من نتائجها، وبالتالي تحديد خسائرها. وكل ذلك لا يخرج عن إطار الاستعداد لمواجهة أحكام المفوض الألماني ديتليف ميليس في النصف الثاني من شهر أكتوبر "تشرين الأول" الحالي، مع توقعات دولية بأن هذه الأحكام لن تكون أقل من إدانة عدد من كبار المسؤولين السياسيين والأمنيين في لبنان وسورية.(28/99)
لذلك فإن الأجواء السائدة في بيروت ودمشق قبل عشرين يوما من صدور تقرير ميليس النهائي تنذر بالعاصفة الأمنية الخطيرة، لأنه وبحسب التقارير الدبلوماسية البريطانية، هناك معادلة تعتمدها سورية تقضي بتمهيد سياسي لأي انفجار أمني، بحيث إن الطريقة السورية تتبع الأمن الوقائي والاستباقي لنتائج التحقيقات الدولية في جريمة اغتيال الرئيس الحريري، أي أنها تلهب الساحة اللبنانية بالتفجيرات والاغتيالات على اختلاف أنواعها، فإذا جاءت هذه التحقيقات ضد مصلحتها، أو إذا وجدت فيها ما يدين ضباط الاستخبارات السورية، فإن مسلسل التفجيرات قد يتواصل ويستمر في محاولة لتغطية هذه الإدانة أو على الأقل رفضها.
من هنا، فإن الخطة التفجيرية في لبنان تهدف إلى تحقيق الأمور الآتية:
1ـ تهديد الولايات المتحدة ومجلس الأمن الدولي من تداعيات أية إدانة لسورية في تقرير ميليس النهائي، وقدرتها على تفجير الوضع في لبنان بشكل خطير جدا، يضع البلاد ودول المنطقة أمام نفق مظلم وقاتم، وبالتالي نسف كل المشاريع الأميركية ـ الفرنسية المشتركة بشأن لبنان والشرق الأوسط.
2ـ رفض أية محاولة دولية لإحالة المتهمين من لبنانيين وسوريين في اغتيال الرئيس رفيق الحريري إلى محكمة جنائية دولية. وإذا كان لا بد من محاكمات، فإن القضاء اللبناني يبقى الجهة الصالحة للنظر في هذه الجريمة.
مع العلم أن الإدارة الدولية تفضل محاكمة لبنانية خارج الأراضي اللبنانية على غرار محكمة لوكيربي.
3ـ إطلاق يد المنظمات الأصولية المتشددة داخل الأراضي اللبنانية وإعطاؤها الضوء الأخضر لضرب المصالح الأميركية والفرنسية والبريطانية في لبنان، وبالتالي استكمال مسلسل التفجيرات والاغتيال وتهديد وحدة البلاد من خلال ممارسة أقصى الضغوط الأمنية على المسيحيين ودفعهم إلى إقفال مناطقهم سعيا لإقامة الأمن الذاتي.
عودة عمر بكري(28/100)
وفي هذا النطاق ترى مصادر أمنية أن عبور مئات العناصر من تنظيم "جند الشام" السوري إلى الأراضي اللبنانية وتمركزهم في بعض المناطق وإقامة معسكرات فيها، يأتي في سياق هذا المخطط، لأن تنظيم "جند الشام" حسب رأي هذه المصادر لا يخرج عن كونه تنظيما مفبركا من صنع المخابرات السورية، وأن إذاعة الإعلام الرسمي السوري لبيانات عن اشتباكات بين قوى أمنية سورية وعناصر من هذا التنظيم، ليس إلا محاولة تغطية ساذجة لحقيقة هذا التنظيم.
ومن نفس المنظور، تعتبر المصادر الأمنية أن عودة الأصولي عمر بكري إلى لبنان من لندن وإعلانه رغبته في استدعاء أعضاء "منظمة غرباء" من لندن إلى لبنان، يأتي أيضاً في سياق المخطط السوري لزيادة عوامل التفجير في لبنان.
كما أنه في رأي هذه المصادر أن إقدام القيادة العامة على تعزيز معسكراتها القائمة داخل الأراضي اللبنانية على الحدود السورية بالرجال والأسلحة الثقيلة، وإعلان زعيم هذا التنظيم أحمد جبريل عن تشكيلات عسكرية داخل الأراضي اللبنانية وتعيينه قادة لمناطق عسكرية في بيروت والشمال والجنوب، يأتي أيضاً في سياق المخطط السوري لتأجيج التوتر في لبنان، باعتبار أن القيادة العامة تأخذ أوامرها من شعبة فلسطين في المخابرات السورية.
4ـ تحريك جبهة الجنوب بشكل تصعيدي يهدد بحرب مفتوحة في شمال إسرائيل، بحيث تدخل الفصائل الفلسطينية طرفا أساسيا في هذه الحرب بحجة التخفيف عن غزة، أو إشغال إسرائيل بالجبهة الجنوبية التي قد تشهد تصعيدا عسكريا خطيرا يستهدف المستوطنات والمنتجعات السياحية في الشمال.
5ـ تشجيع حلفاء سورية في لبنان على افتعال مشاكل داخلية تكون في غاية الأهمية والخطورة وتضع المناطق اللبنانية كافة على فوهة بركان متفجر.(28/101)
وفي موازاة ذلك، فإن سورية تراهن في هذه المرحلة على المحور الإيراني ـ الصيني ـ الروسي. وفي هذه الحال، تكون دمشق قد أدخلت لبنان مرة ثانية في سياسة المحاور الدولية وأعادت البلاد إلى أجواء 1993، حيث كانت تتجاذب الأوضاع الأمنية والسياسية تناقضات دولية دفع ثمنها لبنان غاليا. وبذلك يكون الرئيس بشار الأسد قد أفاد من عامل الوقت واستبق فعليا انعكاسات تقرير ميليس واحتمال اتهام مسؤولين سوريين أمنيين بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
ومن هذا المنطلق تحاول سورية، قدر الإمكان توسيع بيكار النزاعات في الشرق الأوسط من خلال إدخال عناصر دولية جديدة على الأزمة التي يمكن أن تنشأ في بيروت ودمشق نتيجة تحقيقات ديتليف ميليس. لذلك فإن الرئيس بشار الأسد، بحسب التقارير الدبلوماسية البريطانية، يلعب بآخر أوراقه، ويسعى إلى إبعاد الخطر عن نظامه عن طريق الشراكة السياسية مع طهران وبكين وموسكو، لأنه يعتقد بأن مثل هذه الشراكة قد تدفع هذه العواصم الثلاث إلى مواجهة مع المعسكر الآخر، بحيث تتسع حلقات جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وتتعدى خطوط لبنان وسورية. ولكن المصادر الدبلوماسية الغربية تؤكد أن هذا الخيار غير عملي، لأن إيران كما هو واضح "باعت" سورية باعتبارها نقطة ضعف ستعوق قدرات طهران في التعامل مع أميركا حول الملف النووي، وصارت تركز على الساحة العراقية الأهم والأكثر تأثيرا.
قنبلة المر
ولكن وزير الدفاع، نائب رئيس مجلس الوزراء إلياس المر، الذي سكت طويلا، لم يشأ الاستمرار في موقف المتفرج بعد نجاته بأعجوبة من محاولة الاغتيال، بل بق البحصة ووضع الجميع أمام أوضاع حرجة، وخصوصا الرئيس إميل لحود حتى والده النائب ميشال، عندما كشف أسرار محاولة اغتياله محملا العميد رستم غزالة المسؤولية. وكلام الوزير إلياس المر هذا، يقود إلى أمور خطيرة جداً، أي إلى دور الاستخبارات السورية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري.(28/102)
وفي معلومات سفيري أميركا وفرنسا في بيروت جيفري فيلتمان، وبرنار إيمييه أن كشف دور هذه الاستخبارات وتحديدا العميد رستم غزالة قد يفتح مسالك المساءلة حول دور الرئيس بشار الأسد، لأنه لا يمكن للعميد غزالة أن يتصرف في قضايا لبنانية بهذا الحجم بدون أوامر عليا، وإلا فإنه كان دفع الثمن بالإقالة والإبعاد أو ربما بطريقة أخرى. لذلك فإن رئيس لجنة التحقيق الدولية اعتبر كلام الوزير إلياس المر بمثابة إفادة مهمة جدا أو على الأقل شهادة من أحد أصدقاء وحلفاء سورية السابقين.
وتقول هذه المعلومات إن مسؤولية العميد رستم غزالة ترتب أيضا مسؤولية على قادة الأجهزة الأمنية اللبنانية، لأنهم، وبحسب وضعية الوصاية الأمنية على لبنان، فإن هؤلاء القادة كانوا ينسقون ويتعاونون مباشرة مع عنجر، لذلك أوصى ديتليف ميليس في تقريره غير النهائي بتوقيف الضباط الأربعة بصورة دائمة، وهذا يعني أن رئيس لجنة التحقيق الدولية اشتبه بهم من خلال أدلة غير قابلة للنقض.
والأخطر من كل ذلك في موضوع قنبلة الوزير إلياس المر، أنه في حال تمت إدانة الضباط الأربعة الموقوفين، فإن شظايا هذه القنبلة قد تصيب الرئيس إميل لحود، كون هؤلاء الضباط يشكلون فريق عمله، ولا يمكن أن يتحركوا بدون أوامره. لذلك فإن كل الدلائل تشير إلى أن الرئيس لحود سيجد نفسه في المرحلة المقبلة، أي مرحلة ما بعد تقرير ميليس النهائي مضطرا لاتخاذ القرارات الصعبة، لأنه قد يصل إلى حافة الاستقالة وربما إلى التنحي تحت وطأة هذا التقرير بعدما شهد شاهد من أهله. وهذا ما دفع الرئيس لحود إلى القول: من بيت أهلي ضربت.(28/103)
ولكن المصادر القريبة من قصر بعبدا تستبعد وصول الرئيس لحود إلى هذا "المهوار" الخطير، لأنه يعتبر نفسه غير معني بقنبلة الوزير إلياس المر، كما أنه غير معني بتصرفات قادة الأجهزة الأمنية الخاصة وعلاقاتهم مع العميد رستم غزالة. لذلك فإنه لا يزال بعيداً عن الاستقالة ومستمراً في تحمل مسؤولياته الدستورية.
وفي رأي هذه المصادر أن بقاء الرئيس لحود في سدة الرئاسة الأولى يبعد عنه شبح الضغوط السياسية، وأن استقالته قد تعرضه للمحاسبة والمساءلة وربما إلى أبعد من ذلك.
وفي أية حال، فإن الوضع لا يزال في دائرة الخطر سياسيا وأمنيا، خصوصا أن وزير الداخلية حسن سبع ينذر باستمرار مسلسل التفجيرات والاغتيالات إضافة إلى اعترافه بعجز الأجهزة الأمنية عن مواجهة هذا المسلسل الذي يتم التخطيط له في أقبية المخابرات السورية ـ اللبنانية.
طائفة "الحفاة" في مالي.. ترفض كل تحديث
وكالة الصحافة الفرنسية 2/10/2005
ألقى مقتل أربعة من "الحفاة" في كاديولو على بعد حوالي 500 كلم جنوب باماكو برصاص قوات الأمن في مالي في الآونة الأخيرة، الضوء على وجود هذه الطائفة التي يعارض أفرادها أي شكل من أشكال التحديث.
وكان عدد أفراد طائفة الحفاة التي ظهرت في الثمانينات قليلاً جدا.وقد اعتقد المراقبون أولاً أنها "تقليعة"، خصوصا بسبب تسريحة أتباعها التي تشبه تسريحة المغني الجامايكي بوب مارلي.
وقال مفوض متقاعد في الشرطة "بصراحة عندما رأينا هؤلاء (الحفاة) للمرة الأولى اعتقدنا أنهم ظاهرة طارئة". وأوضح زاو حامد بامبا، الصحافي المستقل المقيم في جنوب مالي، أن "معارضتهم للحداثة" لفتت انتباه السلطات إلى تطرف هذه المجموعة التي تبين أنها طائفة.(28/104)
وقالت مصادر عدة أن زعيمها طالب يدعي الإسلام أصله من نيجيريا. وقد استقر مع اثنين أو ثلاثة من أصدقائه في منطقة بوغوني (150 كلم جنوب باماكو)، حيث بدأ يبشر بدعوته. ويبدو أن عدد أتباع هذه الطائفة يبلغ حوالي الألف في مالي.
ويؤمن هؤلاء بأن كل حداثة ممنوعة بما في ذلك ارتداء الحذاء أو ساعة المعصم أو العلاج في المستشفى،وهم يلجأون إلى العلاج بالأعشاب.وقال بامبا أن "الحفاة رهيبون.إذا كان عليهم قطع طريق اسفلتي فإنهم يضعون أقمشة تحت أقدامهم حتى لا تلامس أي شيء له علاقة بالحداثة" . وهم يرفضون شرب المياه في زجاجات، ويفضلون الأواني الفخارية المصنوعة من الطين لأكلهم وشربهم.
وقالت مصادر، أن أفراد الطائفة لا يحملون أسماء عائلات لأنهم مقتنعون بأنهم أبناء الله. وهم ينكرون آباءهم وأمهاتهم وأسرهم وينقطعون عنهم "ليبدأوا وجوداً جديداً".
وليؤمنوا بقاءهم، يعملون في الحقول مقابل بعض الغذاء، حسبما ذكر شهود محليون، بينما تعيش زوجاتهم في أماكن مغلقة بعيدا عن أعين الآخرين.
وقال مستشار بلدي في كاريولا، البلدة الواقعة في جنوب مالي حيث يعيش عدد منهم، إن "المراة لا وجود لها لديهم. عليها أن تكتفي بالإنجاب وتصمت. وهي تلد داخل الكوخ حتى لا تقع عليها عين أي رجل آخر غير زوجها". وتابع: "إنهم يدعون أنهم مسلمون، لكن، هذا خطأ. إنهم مجموعة من الهامشيين".
وأعضاء هذه الطائفة معروفون أيضاً بعنفهم. فقد اغتالوا في 1998 قاضي الصلح في ديوالا (150كلم شرق باماكو) بينما كان يستعد لمحاكمة أفراد منهم لجنح مختلفة.
وأدت تلك القضية والجدل الذي أثارته إلى اعتقال عدد كبير منهم وإصدار أحكام قاسية بالسجن عليهم في عام 2000.(28/105)
وبعد أن أصبحوا لا يتمتعون بأية شعبية في هذه المنطقة، انتقلوا إلى الجنوب حيث منطقة سيكاسو على الحدود مع بوركينا فاسو وساحل العاج وغينيا. وفي يوروسو (جنوب) رفضوا أن يتلقى أبناؤهم أي لقاحات، وأدان القاضي عددا منهم خصوصا بتهمة "التمرد على السلطة".
وقد قتل أربعة منهم وجرح آخرون في الآونة الأخيرة عند معارضتهم حملة للتلقيح ضد شلل الأطفال في كاديولو.
وقال مسؤول محلي في الشرطة، طلب عدم كشف هويته، إن كل "الحفاة" تقريبا فروا من البلدة منذ ذلك الحين وأضاف "إنهم عنيدون جدا. لقد ذهبوا إلى بوركينا فاسو، لكنهم سيعودون في مجموعات صغيرة إلى ماديولو".
لكن "أبو عدس" لا بواكي له
ياسر أبو هلالة الغد 23/10/2005
لو أن ميليس نفسه استدعاه الجهاز الأمني العامل في لبنان وطلب منه تسجيلا متلفزا يعلن فيه مسؤوليته عن اغتيال الحريري لفعل بلا تردد, وهو ما قام به أحمد أبو عدس, الذي كان أي مخلوق بمكانه سيعلن مسؤوليته عن اغتيال عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب, وعثمان بن عفان رضي الله عنهم.
لا أحد يهتم بمصير أبو عدس الشاب الفلسطيني الذي ساقه حظه العاثر ليكون إحدى وسائل إخفاء جريمة اغتيال رفيق الحريري, ولا أحد يعوض أهله عما لحق بهم من أذى وضرر معنوي ومادي, إنه لعنة الفقر والعروبة والإسلام, لو كان أبو عدس عاملا آسيويا لرد له الاعتبار ولأقامت سفارة بلاده الدنيا وما أقعدتها.
لا تتوقف قضية أبو عدس هنا, بل هي أعمق من ذلك, فالاتهام شمل تيارا كاملا, فالسيناريو المختلق تحدث عن شاب تدين وغدا سلفيا, وقادته سلفيته إلى أحضان القاعدة لينفذ عملية الاغتيال انتقاما من السعودية التي تحارب إخوانه في العقيدة. وليتبين بعد تقرير ميليس أنه لا السلفيين ولا القاعدة على علاقة بكل ما جرى.(28/106)
قد تكون القاعدة على علاقة من زاوية أن أحد أنصارها ضُلِّل بأن المقصود في الاغتيال رئيس الوزراء العراقي السابق إياد علاوي, وهو هدف ظلت القاعدة تطارده في العراق وخارجه, أما الحريري فدونه كثير من الأهداف في بيروت تشكل صلب اهتمام القاعدة.
المثير للاهتمام أكثر من القاعدة المطاردة منذ العام 96 هي جماعة "الأحباش" التي يتهمها التقرير صراحة وبأدلة واضحة في الضلوع بعملية الاغتيال, سواء من حيث شراء بطاقات الهاتف التي استخدمت في الرصد والمتابعة أم من حيث الاتصالات التي أجراها مسؤولها مع المراجع الأمنية والسياسية قبيل وأثناء وبعد الاغتيال.
جماعة الأحباش ظلت مدللة الأجهزة الأمنية العربية, وخصوصا السورية, وتخصصت كما يظهر التقرير, أقله في لبنان, بكتابة التقارير الأمنية للأجهزة الأمنية اللبنانية – السورية والتعاون معها, هذا دورها الباطن الذي كشفه ميليس. أما دورها الظاهر فكان التصدي بسلاح التكفير للتيارين الإخواني والسلفي, فالأحباش يكفرون سيد قطب وابن تيمية, ولا يتوقفون عند ذلك بل يكفرون من لا يكفرهما.
كان يعتقد أن المخابرات السورية هي من أسس الجماعة التي تلتف حول شيخ تقليدي قدم من الحبشة, وذلك للتصدي للتيار الإخواني الذي دخل في صدام مسلح مع النظام السوري, إضافة إلى اختراق الأوساط السنية اللبنانية. ومن يتعرف على أتباع الشيخ عبدالله الهرري وعلى كتاباته لا يفاجأ بفكر جديد, فهم مذهبيون يدرسون متون المذهب الشافعي في الفقه والمذهب الأشعري في العقيدة. وأكثر الإخوان السوريين وخصوصا في حلب وحماة على هذه الشاكلة باستثناء إخوان دمشق الذين يغلب عليهم السلفية. المفاجأة تكمن في تبني الآراء الشاذة والمتطرفة في الفقه والعقائد والجرأة غير العادية في التكفير.(28/107)
الأجهزة الأمنية استفادت من استعدادات أتباع هذه الجماعة وتطرفهم في محاربة التيار الإسلامي العريض إخوانيا كان أم سلفيا, لكن عليها أن تراجع استفادتها عقب تقرير ميليس, فمن يشارك في اغتيال رئيس مثل الحريري عمالة لجهاز أمني من الممكن أن يشارك باغتيال أي كان لصالح أي جهاز.
عملية اغتيال الحريري كشفت عن قذارة لا يتداخل فيها الأمني بالسياسي فحسب بل تمتد للفكر والفقه. ولا يزال كثير من القذرات مدفوناعميقا لم يكشف بعد, لكن رأس جبل الجليد يكشف إلى أي درك انحطت المنطقة. اغتيال أبو عدس أكثر انحطاطا من اغتيال الحريري, فهو نكرة من عامة الناس لا ينافس أحدا على سلطة ولا ثروة قاده تدينه إلى شباك أجهزة لا ترحم, قتل بلا نعي ولا عزاء ولم يحصل على لقب شهيد. فعلاً أبو عدس لا بواكي له رحمه الله وألهم ذويه الصبر والسلوان.
ناشطات وداعيات شيعيات
مجلة المجلة ـ العدد 1339ـ 9/10/2005
بدأ النشاط الدعوي الشيعي النسائي في المملكة العربية السعودية في النصف الثاني من السبعينيات وتحديدا بعد الثورة الإيرانية وتولي الخميني سدة الحكم، مما أذكى مشاعر الصحوة وأشعل فتيل الحماس الديني في المجتمع الشيعي. وانطلقت الدعوة النسائية من داخل أروقة المجالس الحسينية أو الحسينيات والتي تقام عادة على مدار السنة في المناسبات الدينية وعلى رأسها ذكرى مواليد ووفيات آل البيت. بدأ النشاط الدعوي يعلن عن ولادته من تلك الحلقات الدينية الاجتماعية ولم يكن له الفعالية التي يحظى بها الآن، ويعتبر النشاط الدعوي النسائي حاليا إحدى أبرز الدعائم التي تقوم عليها حياة المرأة الشيعية الاجتماعية والثقافية.(28/108)
وتحاول بعض الداعيات والقائمات على هذه المجالس تحويلها إلى منتديات ثقافية تقوم بتوعية المرأة بالكثير من الأمور الحيوية في حياتها، ويوجد الآن في القطيف فقط ما يربو على الثلاثمائة مجلس تقام فيها الحسينيات بصفة دورية. تنشط عادة هذه المجالس في المواسم الدينية كشهر محرم وفي المناسبات الخاصة بإحياء ذكرى مواليد ووفيات آل البيت وتنشط أيضا في رجب وشعبان وصفر وربيع الأول، وتصل إلى أوج فعالياتها في شهر رمضان المبارك حيث يقام مجلس كل ليلة، وتركد بعض الشيء في شهور السنة الأخرى.
الأستاذة عالية آل فريد
كانت إحدى اولئك الفتيات اللواتي تلقين تعليمهن في إيران وسوريا وهي منتسبة حاليا إلى الجامعة العالمية للعلوم الإنسانية بلندن، عملت على تأسيس وإدارة "مركز إيلاف لذوي الإحتياجات الخاصة" تحت إشراف وزارة العمل والشؤون الاجتماعية. وشاركت أيضا في ملتقى المثقفين السعوديين الأول، وفي الحوار الوطني الرابع "الشباب آمال وتطلعات" وحضرت كثيرا من المؤتمرات الثقافية والفكرية. وهي كاتبة ولها عدد من المؤلفات وناشطة حقوقية ومهتمة بقضايا المرأة والتنمية ولها حضور في المؤتمرات الخاصة بهذا الشأن ولها حضور واسع في نطاق تثقيف وتوعية المرأة الشيعية، ولها العديد من المقالات التي تناقش فيها مشاكل المرأة الاجتماعية وتدني أوضاعها وتقترح الكثير من الاقتراحات البناءة كسن قانون للأحوال الشخصية مستمد من الشريعة يحمي المرأة من التجاوزات التي تلبس لباس الدين، كما تطالب بإنشاء جمعيات نسائية مستقلة وتدعو الجمعيات الخيرية والجمعيات النسائية والمؤسسات الثقافية أن تدمج المرأة في حركة التنمية الاجتماعية وأن تفتح الأبواب لاستقبال وتنمية طاقاتها.(28/109)
كما ترى أن خريجي الجامعات لدينا بحاجة إلى توسيع مداركهم وعلومهم الثقافية بالقراءة، وبالاطلاع والإلمام بثقافة الحياة العامة.. في الدين، في التربية، في الاجتماع، في السياسة، وفي الأخلاق، وهم بحاجة إلى تفعيل دورهم وحركتهم في المجتمع وذلك عبر المشاركة في المنتديات الفكرية، والحوارات الثقافية والنشاطات الاجتماعية والأدبية،وأن يتصدروا مواقعهم في المؤسسات الأهلية والجمعيات الخيرية وفي النوادي الرياضية وغيرها.
ترى الأستاذة عالية أيضا أن المجالس الحسينية لا تزال تحتاج إلى التطوير والتفعيل والاهتمام بمشاكل المرأة الحقيقية: ولأننا نملك المنبر الحسيني الذي يعتبر مصدراً هاما للثقافة الحية، وإلى إحياء قيم الدين وتبيين مقاصده وإيضاح معالمه، ويهدف إلى إصلاح المجتمع عن طريق ذكرى أهل البيت، إلا أننا بعد لم نستفد الاستفادة الكاملة من عطاءات هذا المنبر. لما هو ملاحظ في مجالسنا الحسينية النسائية في غياب التوجيه والابتعاد عن مشاكل المجتمع وهمومه المعاصرة حيث إن مجتمعاتنا تعاني أشد المعاناة من العقد والأمراض النفسية والسلوكية والأخلاقية، والجهل بالأحكام الشرعية وقضايا التربية الأسرية المتفشية بين النساء خاصة..
الداعية أم الحسنين(28/110)
كما تكنى في المجتمع الشيعي في سيهات، كانت أيضا إحدى السيدات اللواتي تعلمن في إيران وسوريا ومارست نشاطها في مجال الدعوة النسائية منذ قرابة الخمس وعشرين سنة، ولا تزال مستمرة في المشاركة الفعالة في الحسينيات هناك، وهي قاصة وأديبة ولها ثلاث روايات ومجموعتان قصصيتان. تقول السيدة أم الحسنين أن الحسينيات في طريقها إلى التحول إلى مجالس ثقافية تتفرع مواضيعها وتتشعب لتناقش الكثير من الإشكاليات التي تعصف بحياة المرأة في وقتنا الحالي وتستأجر أحيانا قاعات الأفراح حتى تستوعب أعداداً أكبر من المتلقيات، وهناك عدد من الشخصيات الدعوية في المنطقة الشرقية وتكنى كل منهن بأسماء أبنائهن فهناك الداعية أم ياسر والداعية أم مهدي والداعية أم صادق وغيرهن، ولكل داعية جمهور من المتلقيات يفضل الطرح الذي تقدمه..
وتحاول بعض الداعيات جعل مواضيع الندوات شاملة للكثير من الجوانب المهمة والمتعلقة بحياة المرأة والحرص على أن لا تقتصر على الجانب الإيماني والعقائدي والفقهي فقط بل تتجاوز ذلك لتشمل الجانب الاجتماعي والتثقيفي والطبي والاقتصادي أيضا. فهناك أكثر من ندوة طبية تقام خلال شهر رمضان المبارك، وتقام ندوات لسيدات الأعمال وكيف يطورن من أدائهن ويحسن من قدراتهن في مجابهة المشاكل التي تواجههن في محيطهن الاجتماعي والاقتصادي.
وتقام أيضا ندوات اجتماعية وندوات يتقاطع فيها الديني مع الاجتماعي في محاولة لفك الالتباس بين الديني والعرفي كندوة عن "موقف الدين من العرف" وندوة عن "عدة المطلقة والأرملة بين العرف والشرع".(28/111)
والسيدة أم الحسنين تؤمن أن المرحلة القادمة تحمل في جعبتها الكثير من المتغيرات التي يجب أن تعد لها الفتاة إعدادا سليما حتى تتمكن من خوضها بشخصية واثقة ونفس معتدة بإيمانها ومعتزة بمبادئها ولذلك تعد الآن ندوة بعنوان (فتياتنا ما بين الثابت والمتغير) لمناقشتها في شهر رمضان المبارك. وتقام أيضا ندوات للتدبرات القرآنية وللتفكر في المعاني القرآنية، وللتعريف بسيدات آل البيت مثل السيدة خديجة وفاطمة الزهراء والسيدة زينب رضي الله عنهن أجمعين، وببعض الشخصيات التاريخية الإسلامية الأخرى.
وهناك نشاط دعوي ووعظي يمارس أيضا في مناسبات العزاء والممتدة على خمسة أيام والتي تسمى الفواتح أو الفاتحة حيث تقرأ فيها الفاتحة للميت وتتبع بموعظة تذكر بالموت وتبدأ الموعظة برثاء الإمام الحسين، ثم تتبع بما تراه الداعية ملائما لتلك المناسبة من وعظ وتذكير.(28/112)
مجلة الراصد الإسلامية
العدد التاسع والعشرون – غرة ذو القعدة 1426 هـ
فاتحة القول: أهل السنة بين جهل وعجز الأبناء وكيد الأعداء......................4
1-…فرق ومذاهب: الباطنية.................................................7
2-…سطور من الذاكرة: ثورة الزنج.......................................13
3-…دراسات مواقف المفكرين والعلماء من الشيعة.........................21
4-…كتاب الشهر: الحرب في صعدة.........................................25
5-…قالوا...................................................................32
6-…جولة الصحافة:
-…مسجد ضخم وحسينية في عمان........................................39
-…الثورة الإيرانية الثانية..................................................50
العراق
-…التيار الصدري..........................................................59
-…مقابلة مع الصدر.......................................................62
-…التحقيقات في سجن الجاذرية...........................................66
-…مخطط إيراني للقضاء على المعتدلين العراقيين.........................68
-…أسرار التدخل الإيراني في العراق......................................70
-…الخريطة السياسية لشيعة العراق........................................77
-…أبناء المراجع...........................................................79
البحرين
-…نار الطائفية.............................................................84
-…سب الصحابة في البحرين...............................................88
السعودية
-…ابقاء الرقابة المشددة على الشيعة والنفط...............................94
-…فضائية للمعارضة الشيعية السعودية....................................95
أمريكا(29/1)
-…الشيعة في أمريكا اليوم................................................96
-…ذيول الهلال الشيعي على أمريكا.......................................98
سوريا
-…تفاصيل الخطة السورية الإيرانية.....................................102
-…حزب عائلة الأسد....................................................104
الصوفية
-…أصوات ومرشحو الصوفية في الانتخابات.............................106
-…الحركات الصوفية....................................................106
فاتحة القول
أهل السنة بين جهل وعجز الأبناء وكيد الأعداء
لا تزال الأحداث التي تمر بالمسلمين تكشف عمق الأزمة التي يعيشها أبناؤها من جهل بما يدور أو بمن يدير الأمور، أو جهل مركب في كيفية معالجة الأمور ، من جهة ومن جهة أخرى عجز أو تعاجز كثير مِمن يعول عليهم في الأزمات .
وللأسف أن هذه الأزمة تعيشها الأمة منذ عقود ولم تتعلم بعد منها الدروس والعبر ، فأين هي الدراسات والأبحاث التي تناولت قضية فلسطين المعاصرة بالدرس والتحليل لتكشف مواطن الضعف والخطأ في التعامل معها فلا نكرر نفس الأخطاء في قضية أخرى مشابة لها ؟؟
أين الدراسات التي تحلل لنا ما قام به عظماؤنا في السياسة و الحرب في حال الضعف والقوة أمثال نور الدين وصلاح الدين ؟؟
وحتى نقدم نموذجاً عملياً على أخطاء نستمر في ارتكابها في تعاملنا مع الأمور، نستذكر موقف قادة فلسطين عام 1947م من رفض التعامل مع بعض اللجان الدولية آنذاك مما ترتب عليه أن ينفرد اليهود باللجان الدولية .
ففي عام 1947م أعلنت بريطانيا فشل انتدابها في فلسطين ، بعد أن تصادمت مع اليهود، وبدأ اليهود في شن حملة تفجيرات واغتيالات للقادة البريطانيين في فلسطين للضغط عليها بفتح باب الهجرة على مصراعيه لليهود .(29/2)
وطلبت بريطانيا إدراج المسألة الفلسطينية على جدول أعمال الأمم المتحدة ، فطالبت الدول العربية باستقلال فلسطين ، وأعلنت روسيا رفضها لهذا الطلب بل طالبت بأن تشارك الوكالة اليهودية في المناقشات حول مستقبل فلسطين ، ثم وسعت روسيا مطالبها بمشاركة هيئات يهودية أخرى منها الحزب الشيوعي الإسرائيلي . وتم لروسيا ما أرادت من مشاركة اليهود .
وحين طرح اقتراح الاستماع لممثلي الشعب الفلسطيني عارضت روسيا ذلك بقوة .
ومن ثم عرضت روسيا فكرة تقسيم فلسطين إلى دولتين عربية و يهودية . وشكلت لجنة من الأمم المتحدة لدراسة الموضوع ومقابلة أطراف النزاع فتطوع لمقابلة اللجنة خمس هيئات يهودية في فلسطين و عدد من المنظمات اليهودية في الدول الاشتراكية ، أما اللجنة العربية العليا فقد قاطعت اللجنة الدولية منذ البداية .
و كانت النتيجة الموافقة على قرار التقسيم مع أرباح خيالية أخرى كان يمكن إعاقتها لو تفاعلت اللجنة العربية مع لجنة الأمم المتحدة . ( للمزيد يمكن مراجعة كتاب التاريخ السري للعلاقات الشيوعية الصهيونية ، لنهاد الغادري ) .
وهذا ما نراه اليوم برفض كثير من الهيئات المشاركة في ما يخصنا نحن ونترك ذلك لأعدائنا يقررون ما يريدون ثم نرضخ لهم بعد فترة ولكن تكون موافقتنا هنا بشروط أكثر إجحافاً من السابق .
ومن ذلك مشاركة حركة حماس الآن في الانتخابات التشريعية و القبول بالعمل السياسي ، وقبول السنة المشاركة بانتخابات العراق ، وموافقة الحزب الإسلامي على دستور العراق .
نحن لا نؤيد كل ما يعرض، لكن هذه الأشياء تخصنا نحن ويجب أن نشارك فيها مع إدراك موازين القوة والضعف ومراعاة المصالح والمفاسد و الاستفادة من دروس التاريخ المعاصر والذي للأسف أغلبه هزيمة أو جهل سياسي !!
ومن أمثلة الجهل السياسي المعاصر :
1.…موافقة مرشد الإخوان في مصر على إنشاء حزب شيعي في مصر !!
2.…تفجيرات فنادق عمان التي تبناها أبو مصعب .(29/3)
3.…التحالف بين الإسلاميين واليساريين و البعثيين وهم أشد أعداء الحركة الإسلامية .
4.…التأييد الأعمى للنظام السوري من الحركة الإسلامية .
5.…التعويل على حزب الله .
6.…الانخداع بقناة الجزيرة .
أما عن كيد الأعداء فهو كيد ( لتزول منه الجبال ) :
من ذلك جريمة التعذيب والإرهاب المنظم الذي تقوم به وزارة الداخلية العراقية ، ولاحظ كيف قتل هذا الموضوع حتى بين أبناء الحركة الإسلامية !! ولم تعطه " الصحافة الإسلامية " حقه ؟؟ ولم نجد مطالبات بتكفير وإدانة من لم يدنه وهذا كله من كيد أعدائنا و عجز أبنائنا .
وفي البحرين يهدد نواب الشيعة بسب الصحابة ثم لا تحمر أنوف كثير من قادة العمل الإسلامي لذلك !! و يتعرض له جزء كبير من " الصحافة الإسلامية " !!؟
وفي اليمن يتواصل تمرد الحوثي ولا يضعه أحد في سياقه الحقيقي، و هو العبث بأمن المسلمين ونشر الطائفية المسلحة ؟؟
وفي الأردن تعلن القاديانية فيه عن فضائيتها وموقعها في صحيفة يومية عبر وكيلها في " إسرائيل " ولا يتحرك أحد ؟؟ ثم يعلن شيعة العراق المقيمون في عمان عن نيتهم إنشاء جمعية شيعية ومسجد وحسينية مقابل السفارة الأمريكية ، وإذا لم تمنع السلطات ذلك لدواع سياسية وأمنية ، فقد لا يمانع قادة العمل الإسلامي من ذلك !!
هذا هو حالنا دون مجاملة : جهل وعجز وكيد ، مع وجود الكثير من الجهود المباركة والصحيحة لكنها لم تصل بعد للانتصار على ما تراكم عبر العقود من جهل وعجز وكيد بفضل الفرق المنحرفة والأهواء المنتشرة وتقصير المعول عليهم من العلماء و الدعاة و طلبة العلم ( قل هو من عند أنفسكم ) .
يا ملح الأرض يا علماء البلد من يصلح الملح إذا الملح فسد ؟
فرق العدد 29
الباطنية
1ـ تعريف(29/4)
الباطنية مصطلح عام، نسبة إلى "الباطن"، المقابل "للظاهر"، يطلق على بعض الفرق ـ الإسلامية وغير الإسلامية ـ التي لم تقف في قضية "التأويل" عند حدود وإنما ذهبت فيها مذاهب الغلو والتعميم والإطلاق( ).
والتأويل كما يدل عليه المعنى اللغوي المتأخر هو: "صرف اللفظ عن معناه الظاهر إلى معنى آخر يحتمله اللفظ " ( ).
ويعرف الإمام أبو حامد الغزالي الباطنية بقوله:" أما الباطنية فإنما لقبوا بها لدعواهم أن لظواهر القرآن والأخبار بواطن تجري في الظواهر مجرى اللب من القشر، وأنها بصورها توهم عند الجهال الأغبياء صوراً جليّة، وهي عند العقلاء والأذكياء رموز وإشارات إلى حقائق معينة" ( ).
وبشيء من التفصيل يقول د. عبد الرحمن بدوي:
"الباطنية لقب عام مشترك تندرج تحته مذاهب وطوائف عديدة، الصفة المشتركة بينها هي تأويل النص الظاهر بالمعنى الباطن تأويلاً يذهب مذاهب شتى، وقد يصل التباين بينها حد التناقض الخالص.فهو يعني أن النصوص الدينية المقدسة رموز وإشارات إلى حقائق خفية وأسرار مكتوبة، وأن الطقوس والشعائر، بل والأحكام العملية هي الأخرى رموز وأسرار، وأن عامة الناس هم الذين يقنعون بالظواهر والقشور، ولا ينفذون إلى المعاني الخفية المستورة التي هي من شأن أهل العلم الحق، علم الباطن"( ).
ومما سبق يتضح أن "الباطنية" لقب أطلق على مجموعة من الفرق التي ادّعت أن للإسلام ظاهراً وباطناً وأن لكل تنزيل تأويلاً، وبالغت في "التأويل" حتى جعلته هو الأصل والقاعدة.
2ـ النهج القرآني تجاه التأويل(29/5)
وقد جاء القرآن الكريم يبين مخاطر اعتماد التأويل، ويوجه إلى ضرورة تسليم العلماء، دون أن يذهبوا بعيداً في تأويلاتهم مخافة الفتنة( ). يقول الله سبحانه وتعالى: {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلاّ الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلاّ أولو الألباب"( ).
3ـ فرق الباطنية
والفرق التي تدخل تحت مسمى الباطنية، يقول فيها الغزالي:"في ألقابهم التي تداولتها الألسنة على اختلاف الأمصار والأزمنة وهي عشرة ألقاب: الباطنية، والقرامطة، والقرمطية، الخرّمية، والخرّمدِينية، والإسماعيلية، والسبعية، والبابكية، والمحمِّرة، والتعليمية"( ).
ويعتبر د. محمد الخطيب أن الفرق الباطنية هي: الإسماعيلية، القرامطة، إخوان الصفا، الدروز، والنصيرية( ).
أما د. عمارة فيقول "إن الفرق والجماعات الباطنية في الإسلام هي: الإسماعيلية، القرامطة، الدروز، النصيرية، البابية والبهائية، البابكية( ) .
4ـ دواعي التأويل
أما الأسباب الباعثة إلى اعتماد التأويل الباطني فمنها:
1ـ التحرر من قيد النص المقدس، ابتغاء التوفيق بينه وبين الرأي الذي يذهب إليه صاحب التأويل( ) .
2ـ مؤامرات أعداء الإسلام الذين لجأوا إلى الحيلة وابتدعوا منهجاً باطنياً في تأويل الشريعة على نحو يفضي إلى نسخها والاستعاضة عنها بخليط يجمع بين خرافات الفرس ووثنية الإغريق، وعقائد اليهود الذين حرفوا دينهم من قبل( ). وقد كانت الفرق المنحرفة هي الأداة التي استخدمها أعداء الإسلام لتشويهه، وصرف الناس عن المنهج النقي.
5ـ نشأة الفكر الباطني(29/6)
عُرف التأويل الباطني قبل الإسلام بزمن طويل، "ولم يقتصر الأمر على الكتب المقدسة، بل امتد إلى النصوص القانونية، وإلى الآثار الأدبية حين تصبح ذات سلطة. فحينما صار شعر هوميروس نصّاً ذا سلطة، أخذ المفكرون اليونانيون والأدباء في القرّن الخامس قبل الميلاد في تأويله.."( ).
ثم انتقل التأويل الرمزي إلى اليهودية على يد فيلون اليهودي في القرن الأول الميلادي، الذي يعد من أكبر ممثلي النزعة إلى التأويل في العصر القديم، وإن كان قد سبقه في اليهودية كثيرون، فسّروا إبراهيم بالنور أو العقل، وسارة بالفضيلة، لكن فيلون تميز عليهم بأن جعل من التأويل مذهباً قائماً برأسه ومنهجاً في الفهم( ).
والذي دفع فيلون إلى اتخاذ مذهب التأويل الباطني، تلك الحملة التي قام بها المفكرون اليونانيون على ما في التوراة (المحرفة) من قصص وأساطير ساذجة أو غير معقولة... فاضطر فيلون إلى الدفاع عن التوراة بتأويل المواضيع غير المعقولة تأويلاً بالباطن، ورأى أن التأويل الباطني هو روح النص المقدس، وأن التفسير بالمعنى الحرفي هو مجرد جسم هذا النص، وأنه يؤدي إلى الكفر... وفي التوراة، أوّل فيلون الجنة بأنها ملكوت الروح، وشجرة الحياة بأنها خوف الله، والأنهار الأربعة في الجنة هي الفضائل الأربعة الأصيلة، وهابيل بأنه التقوى الخالصة من الثقافة العقلية، وقابيل بأنه الأناني...( ).
ثم انتقلت فكرة التأويل من اليهودية إلى النصرانية على يد أوريجانس الذي تأثر بفيلون، وقال إن الكتاب المقدس يفسر على ثلاثة أوجه:
1ـ فالرجل البسيط يكفيه "جسد" الكتاب المقدس.
2ـ والمتقدم في الفهم يدرك "روح" هذا الكتاب.
3ـ والكامل من الرجال هو الذي يفهمه بالناموس النفساني الذي يطلع على الغيب( ).(29/7)
وكان أوريجانس يقف موقف الدفاع إزاء ما يثيره اليونانيون عن بعض ما حواه الإنجيل (المحرّف)، وقد أقر أوريجانس بأن كثيراً من القصص الوارد في التوراة لو أخذ بحروفه لكان محالاً غير معقول، وكذلك في الإنجيل.
لكن النهج الذي نهجه أوريجانس في التأويل لاقى معارضة شديدة بين النصارى، تولاها خصوصاً أتباع ما يعرف باسم "مدرسة إنطاكية"، ورغم ذلك استمر أنصار التأويل في نمو وازدهار( ).
6ـ كيف وصل التأويل الباطني إلى المسلمين؟
يقول د. الخطيب: "والجواب على هذا السؤال يرجعنا إلى ابن سبأ اليهودي( )، الذي تكاد معظم المصادر التاريخية تجمع على أنه كان من الأشخاص الرئيسيين الذين أوصلوا هذه المؤثرات إلى العالم الإسلامي، وخاصة أنه من اليهود المقيمين في اليمن الذين امتزجت ديانتهم فيها بالنصرانية"( ).
ويضع د. بدوي السؤال السابق في صيغة أكثر وضوحاً، فيقول: "كيف وصل التأثير اليهودي والمسيحي إلى الإسلام؟" لكنه قبل الإجابة عليه يتساءل: "هل تأثر أصحاب مذهب التأويل بالباطن من المسلمين، بأصحاب التأويل في اليهودية والمسيحية؟( )".
ولعل من المناسب ـ قبل بيان تأثير اليهود والنصارى فيما يتعلق بالتأويل ـ أن نورد شيئاً من أفكار وعقائد ابن سبأ اليهودي، التي أدخلها إلى المسلمين.
يروي الطبري في تاريخه عن يزيد الفقعسي قال: كان عبد الله بن سبأ يهودياً من أهل صنعاء، أمه سوداء. فأسلم زمان عثمان، ثم تنقل في بلدان المسلمين يحاول ضلالتهم.
فبدأ بالحجاز، ثم البصرة، ثم الكوفة، ثم الشام، فلم يقدر على ما يريد عند أحد من أهل الشام، فأخرجوه حتى أتى مصر، فاعتمر فيهم، فقال لهم فيما يقول " لعجبٌ ممن يزعم أن عيسى يرجع، ويكذب بأن محمداً يرجع! وقد قال الله عز وجل (إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد)( ) محمد أحق بالرجوع من عيسى".(29/8)
قال: فقبل ذلك عنه. ووضع لهم الرجعة فتكلموا فيها. ثم قال لهم بعد ذلك إنه كان ألف نبي، ولكن نبي وصي، وكان عليٌ وصي محمد. ثم قال: محمد خاتم الأنبياء، وعلي خاتم الأوصياء. ثم قال بعد ذلك: من أظلم ممن لم يُجِز وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم وتناول أمر الأمة! ثم قال لهم بعد ذلك إن عثمان أخذها بغير حق. وهذا وصي رسول الله صلى الله علية وسلم فانهضوا في هذا الأمر، فحرّكوه، وابدأوا الطعن على أمرائكم، وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تستميلوا الناس، وادعوهم إلى هذا الأمر"( ).
يقول د. الخطيب: "وكان تأويل ابن سبأ لقوله تعالى (إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد) وقوله: "إني لأعجب ممن يقول برجعة عيسى ولا يقول برجعة محمد" أول تأويل لمعاني القرآن الكريم"( ). ويعتبر الإمام الشهرستاني( ) أنه بظهور الخوارج في زمن علي، وظهور الغلاة في حقه مثل عبد الله بن سبأ وجماعة معه، ابتدأت البدعة والضلالة، وصدق في هذين الفريقين قول النبي صلى الله عليه وسلم " يهلك فيه اثنان: محب غالٍ ومبغض قالٍ"( ).
وبهذا التأويل للآية الكريمة السابقة، وضع ابن سبأ المذهب الباطني "بما فيه من قول بالرجعة، والذي نشأ عليه مذهب التناسخ، وقالت به باقي حركات الغلو الأخرى. وهذا يعني أن عبد الله بن سبأ حاول أن يوجد نفس العوامل الشبيهة التي أدت إلى تحريف وتأويل التوراة والإنجيل من قبل على غرار ما فعل فيلون وطائفة القبالية.
فكان نشره لمبدأ الوصاية ـ بمعنى أن عليّا وصي محمد صلى الله عليه وسلم ـ من جملة هذه العوامل التي أراد أن تتحقق، لذا نجده ينادي بعد ذلك بحلول جزء إلهي في علي وذريته وهو المذهب الذي يرجع إلى المؤثرات اليهودية والمسيحية المأخوذة عن الفلسفة الأفلاطونية"( ).(29/9)
هكذا استغل ابن سبأ التأويل الباطني ليدخل إلى الإسلام عقائد باطلة مثل الرجعة، والوصية، وألوهية علي، وإنكار موته، وهي العقائد التي تبنتها بعض فرق الشيعة، أما عن تأثر ابن سبأ بالعقائد اليهودية والمسيحية، ومحاولة إدخالها إلى الإسلام فينقل د. بدوي عن المستشرق فريد ليندر أن إنكار ابن سبأ لموت علي( )، وقوله أن ذلك شبه للناس، وأنه سيرجع من السحاب فكرة أصلها يرجع إلى يهود اليمن، وما يقوله الفلاشا في الحبشة من اليهود الذين تصوروا المسيح المنتظر هكذا( ).
كما يشير إلى أن عقيدة المهدية أو نظرية المهدي المنتظر التي اخترعها ابن سبأ وصارت من أهم عقائد الشيعة، تشابه ما جاء في كتب النصارى من أن المسيح يأتي من قبة السماء ويحمل في يده عصا، وأنه لا حاجة به إلى أسلحة أرضية للانتقام من أعدائه، لأنه يملك وسائل خارقة للانتصار بها عليهم. "إنه يقضي على مناقضيه بكلمة من فيه"( ).
وبعد هلاك ابن سبأ، استمر تلامذته في نفث سمومهم، فادّعى المختار بن أبي عبيد الثقفي أن محمد بن الحنفية ـ ابن الإمام علي ـ هو الإمام بعد أبيه لأن ابن الحنفية حمل راية أبيه يوم البصرة (معركة الجمل) دون أخوية فسموا الكيسانية.
وبدأ من خلال هذا الادعاء ببث أفكاره الضالة، فقال بـ (البداء)، وهو الظهور بعد الخفاء، أي أن تكون الحكمة قد ظهرت ولم تكن ظاهرة من قبل، وهذا يستلزم البداء، وسبق الجهل على الله سبحانه وتعالى ـ تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ـ وزعم بعد ذلك أن جبرائيل يأتيه بالوحي من عند الله عز وجل، وقال بتناسخ الأرواح وبالرجعة، وبأن الدين طاعة رجل، حتى حملهم هذا الاعتقاد على تأويل الشريعة، فاعتبروا أن طاعتهم لذلك الرجل تبطل الصوم والحج والصلاة وغيرها من الفرائض( ).(29/10)
وقد ذكر الإمام الشهرستاني أن " السيد محمد بن الحنفية تبرأ من (المختار) حين وصل إليه أنه قد لبّس على الناس أنه من دعاته، ورجاله، وتبرأ من الضلالات التي ابتدعها المختار، من التأويلات الفاسدة، والمخاريق المموهة"( ) .
وبعد موت محمد بن الحنفية ظهر ابنه أبو هاشم، وقال أتباعه بانتقال الإمامة إليه ولقبوا بـ "الهاشمية"، وقالوا: فإنه أفضى إليه أسرار العلوم، وأطلعه على مناهج تطبيق الآفاق على الأنفس، وتقدير التنزيل على التأويل، وتصوير الظاهر على الباطن.
وقالوا: إن لكل ظاهر باطناً، ولكل شخص روحاً، ولكل تنزيل تأويلاً( ) وهكذا ظل نهج التأويل الباطني يتسع ويزداد إلى يومنا هذا.
7ـ نماذج من التأويل الباطني
1ـ تفسيرهم لقول الله تعالى: "فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً، يرسل السماء عليكم مدراراً، ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا"( ).
فزعم الباطنيون أن قوله تعالى "استغفروا ربكم" أي اسألوه أن يطلعكم على أسرار المذهب الباطني، وقوله "يرسل السماء عليكم مدراراً" بأن السماء هي الإمام، والماء المدرار هو العلم ينصب من الإمام إليهم، ومعنى "يمددكم بأموال وبنين" أن الأموال هي العلم، والبنين هم المستجيبون، وفسروا الجنات بالآية السابقة بأنها الدعوة السرية أو الباطنية، والأنهار بالعلم الباطني( ).
2ـ تفسيرهم لقوله تعالى: "كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين"( )، فقالوا إن الشيطان هو (عمر بن الخطاب)، والإنسان هو (أبو بكر الصديق) ومعنى: اكفر، أي لا تؤمن بإمامة علي بن أبي طالب( ).
3ـ فسروا قوله تعالى: "الشمس والقمر بحسبان"( ) بقولهم أن الشمس والقمر هما الحسن والحسين، وأن إبليس وآدم المشهوران في القرآن هما أبو بكر وعلي، إذ أُمِر أبو بكر بالسجود لعلي فأبى واستكبر( ) .(29/11)
يقول الغزالي: "ونحن نحكي من تأويلاتهم نبذة لنستدل بها على مخازيهم فقد قالوا: ... الاحتلام هو أن يسبق لسانه إلى إفشاء السر في غير محله، فعليه الغسل أي تجديد المعاهدة.
الطهور هو التبري والتنظف من اعتقاد كل مذهب سوى مبايعة الإمام.
الصيام هو الإمساك عن كشف السر.
الكعبة هي النبي، والباب علي، الصفا هو النبي، والمروة، علي، والميقات هو الأساس، والتلبية إجابة الداعي، والطواف بالبيت سبعاً هو الطواف بمحمد إلى تمام الأئمة السبعة.
والصلوات الخمس أدلة على الأصول الأربعة وعلى الإمام...
فأما المعاد فزعم بعضهم أن النار والأغلال عبارة عن الأوامر التي هي التكاليف، فإنها موظفة على الجهال بعلم الباطن، فما داموا مستمرين عليها فهم معذّبون، فإذا نالوا علم الباطن وضعت عنهم أغلال التكاليف وسعدوا بالخلاص عنها.."( ).
ومن أمثلة التأويل عند الدروز: اعتبارهم"أن يوم الحساب نهاية مراحل الأرواح وتطويرها، إذ يبلغ التوحيد غايته من الانتصار من العقائد الشركية، وينتهي الانتقال والمرور في الأقمصة المختلفة"( ).
وعن قوم يأجوج ومأجوج، قولهم: "حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج، وهم من كل حدب ينسلون، واقترب الوعد الحق، فإذا هي شاخصة أبصارهم، أبصار الذين كفروا... .. أو لم ير هؤلاء كيف مدّ لهم مولانا الحكام الحياة أمداً، الآن حصحص الحق"( ) .
وعند الإسماعيلية: يؤولون الشرك في قوله تعالى "إن الله لا يغفر أن يشرك به.." السناء/ 48 ،بقولهم: "إنما الإشراك في هذا الموضع أن يشرك بولاية (أمير المؤمنين) ومن نصبه الله وليا وإماماً، فيجعل معه غيره، ويجحد بولايته فقد ضلّ ضلالاً بعيداً"( ).
ويؤولون الصيام بـ(ستر مرتبة القائم)،ويعتبرون الصلاة(أمير المؤمنين)،والزكاة معرفته( ).
8ـ خطرها على المسلمين(29/12)
سعت الفرق الباطنية على اختلافها إلى صرف المسلمين عن منهج الإسلام، وقدّمت لهم منهجاً محرّفاً يقوم على البدع والخرافات والأباطيل، وليس هذا فحسب، بل إن هذه الفرق حاربت بكل ما أوتيت من قوة جماعة المسلمين، وتمردت على خلافتهم، وتحالفت مع عدوهم، ومازالت منذ نشأتها وإلى يومنا هذا تكيد للإسلام والمسلمين، وفيما يلي موجز لبعض الأخطار التي عاناها المسلمون بسببها:
أـ فكرياً
ـ هدفت الحركات الباطنية إلى إسقاط الخلافة الإسلامية، وإعلان الإمامة الشيعية، لكنها ـ في الغالب ـ عجزت عن تحقيق ذلك بالقوة، فلجأت إلى الفكر والدين، وأخذت تختلق الأحاديث وتؤول الآيات لتقدس آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وترفعهم إلى مرتبة الألوهية، وأدخلت على المسلمين العقائد الغريبة لتدلل على مذهبها( ).
"فالضلال لم يتفش في العالم الإسلامي بقدر ومثل ما تفشى بسبب الفرق الشيعية، وما غيرّ السنن إلاّ المتشيعون الذين دخلوا الإسلام لهدمه وتقويض أركانه"( ).
ـ بعد فترة من ظهور الحركات الباطنية، مهدت الطريق للفلاسفة من أمثال الفارابي وابن سينا والكندي والمعري وغيرهم ليتجرأوا بكفرهم وفلسفتهم الأفلاطونية الوثنية( ).
ـ أثرت الباطنية على الفكر الصوفي، بسبب عمليات المطاردة لأتباع الفرق الباطنية، مما جعلهم يختفون في حلقات الصوفيين، فظهر منهم الغلاة المتأثرون بأفكار الإسماعيلية وفلسفتها، الذين زعموا وحدة الوجود والاتحاد بالمعبود، أمثال الحلاج وابن عربي والبسطامي( ).
ـ استقطبت هذه الفرق والحركات بعض الأفراد والجماعات التي تبغض الإسلام والمسلمين، بسبب دعوى وحدة الأديان التي دعت إليها.
ـ إن هذه الفرق حظيت باهتمام الباحثين والمستشرقين، ورافق ذلك نشر مبادئهم وعقائدهم وكتبهم، بحجة أنها كتب التراث الذي يجب أن يحفظ، أو التاريخ الذي يجب ألاّ يضيع، وضللوا بذلك الكثير من العقول( ).(29/13)
يقول د. بدوي: "والباحثون ـ بنوع من حب الاستطلاع المرضي ـ أكثر احتفالاً بالأفكار الغريبة والمذاهب الشاذة. ومن هنا كان الاهتمام بالمذاهب الباطنية في الإسلام أقوى بكثير من الاهتمام بمذاهب المعتزلة وأهل السنة والجماعة.
وآية ذلك الحشد الهائل من الدراسات والأبحاث المفردة الخاصة بالمذاهب الباطنية، مما قام به المستشرقون الأوروبيون والأمريكيون منذ بداية القرن التاسع عشر حتى اليوم، فقد كرسوا لها من الأبحاث أضعاف أضعاف ما خصصوه لسائر الفرق الإسلامية. وكلما فتر الاهتمام بها ما يلبث أن يتجدد بقوة أكبر، حتى جاءت فترات في تاريخ البحث في المذاهب الإسلامية كان البدع السائد فيها هو دراسة الإسماعيلية أو القرامطة أو النصيرية أو الدروز.
وواكب ذلك نمو متواصل فيما ينشر محققاً من كتبهم هم أنفسهم، بعد أن ظل الاعتماد طويلاً على ما كتبه عنهم خصومهم"( ) .
ب ـ اجتماعيا
ـ الفوضى الاجتماعية في جسم المجتمع الإسلامي جراء الثورات المتلاحقة على الخلافة العباسية.
ـ انعدام الثقة بين أفراد المجتمع، بل وبين أفراد الأسرة الواحدة، بسبب الغزو الفكري الباطني لعقول الناس، وخاصة الشباب منهم. وقد أورد ابن الاثير في كتابه "الكامل في التاريخ" قصة معبرة لأحد الشباب الذين انخرطوا في صفوف حركة القرامطة، وكيف تحول إلى جاحد عاق بأمه، وكيف هتك القرامطة أعراض المسلمين، حتى قالت إحدى النساء المسلمات وهي تشير إلى ابنها بعد أن اعتدى مجموعة من القرامطة عليها.. "فوالله ما أدري ممن هذا الولد منهم".
والقصة معبرة فيها الكثير من الفوائد فيمكن الرجوع إليها (ابن الأثير 7/524 ـ 526).(29/14)
ـ عملت الباطنية على قتل عدد من خيرة العلماء والقادة والأمراء، لإبعاد المسلمين عن طريقهم، ولخلخلة المجتمع وإضعافه، فقد تمكنوا من قتل الوزير نظام الملك، مما أضعف دولة السلاجقة، وقتلوا الأمير مودود الذي تصدى للصليبيين في الشام، وحاولوا قتل السلطان صلاح الدين، لكن الله نجاه منهم، واستمر في طريق الجهاد والفتوحات( ).
جـ ـ سياسياً
ـ أوجد الباطنيون انقساماً خطيراً هو الأول من نوعه، عندما ادّعى العبيديون انتسابهم لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وتسموا بالفاطميين، وتمكنوا من تأسيس دولة في مصر والمغرب العربي والشام والحجاز ، وحاولوا الاستيلاء على الخلافة العباسية وإسقاطها، وادّعوا أنهم أحق بأن يكونوا أئمة المسلمين من العباسيين.
ـ كان الباطنيون يتحالفون دوماً مع أعداء المسلمين من الصليبيين وغيرهم وينفذون مخططاتهم للقضاء على الخلافة السنية، وإقامة الإمامة الشيعية محلها.
ففي سنة 507 هـ / 1113م، زحف المسلمون على الصليبيين حتى بلغوا طبرية في فلسطين بقيادة الأمير مودود ، فغضب الباطنية من انتصار المسلمين، فقتلوا مودود بينما كان يدخل المسجد الكبير في دمشق لأداء صلاة الجمعة، فطعنه أحد الباطنيين بخنجر فمات على الفور،( ) والأمثلة في ذلك كثيرة.
يقول د. بدوي عن الحركات الباطنية: "أما خطورتها فترجع إلى كونها تمثل انصرافاً عن المجرى التقليدي للأمور، وظهورها في شكل انقلابات محورية، وافتقارها إلى ضوابط راسخة أو معايير يمكن التفاهم عليها. أما عنفها فلأنها لا تستطيع أن تحقق أهدافها بالوسائل الشرعية المقررة، ولهذا تلجأ إلى البطش إن تمكنت،والاستتار المتآمر في دور التمهيد، والتقية الغادرة في ظل سلطان الخصوم"( ).
للاستزادة
1ـ الحركات الباطنية في العالم الإسلامي ـ د. محمد أحمد الخطيب.
2ـ مذاهب الإسلاميين ـ الجزء الثاني ـ د. عبد الرحمن بدوي.
3ـ فضائح الباطنية ـ الإمام أبو حامد العزالي.(29/15)
4ـ الملل والنحل ـ الجزء الأول ـ الإمام أبو الفتح الشهرستاني.
5ـ الوسيط في المذاهب والمصطلحات الإسلامية ـ د. محمد عمارة.
6ـ موسوعة الأديان (الميسرة) ـ إصدار دار النفائس.
سطور من الذاكرة
ثورة الزنج (255ـ 270هـ)
بالرغم من أن الدولة العباسية تعرضت للكثير من الفتن والثورات خلال حكمها الذي استمر خمسة قرون، إلاّ أن فتنة الزنج أو ثورة الزنج التي بدأت سنة 255هـ تكاد تكون الأقسى في هذه الثورات نظراً لعدد القتلى،واستمرارها 15 سنة، وما خلفته من آثار وأضرار، حتى أنها اعتبرت إحدى أسباب زوال دولة الخلافة العباسية.
تعود الأحداث إلى خلافة المهتدي بالله العباسي، وتحديداً إلى العام 255هـ، وكانت منطقة البصرة و واسط تعج بآلاف الزنوج الأفريقيين الذين كانوا أرقاء أو أجراء لدى كبار الملاّك في هذه المنطقة، وكانوا لا يتقاضون من الأجر شيئاً، إنما القليل من الطعام، ولم يكن أسيادهم يعاملونهم المعاملة التي أمر بها الإسلام.
وإزاء الأوضاع السيئة التي كان يعيشها هؤلاء الزنوج اقتصادياً واجتماعياً، رأى البعض أن بإمكانه استغلالهم، واستغلال ظروفهم لمهاجمة الدولة العباسية، ومحاربة المسلمين من أهل تلك المناطق، وتحقيق أهداف مشبوهة، وهذا ما حدث على يد (صاحب الزنج) الذي كان يعرف بالبرقعي،وهو مجهول النسب، قيل أن اسمه علي بن محمد بن عبد الرحيم من بني عبد القيس، وقيل أنه فارسي.وقد ولد في إحدى قرى الري (طهران) يقال لها ورزنين.(29/16)
وادّعى صاحب الزنج انتسابه إلى آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا هو شأن أصحاب المذاهب المنحرفة الذين يدّعون انتسابهم إلى أهل البيت للتقرب من المسلمين، ففي بغداد زعم أنه من ولد زين العابدين وأن اسمه هو "علي بن محمد بن أحمد بن علي بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب". وزعم عندما كان في البحرين أن اسمه "علي بن محمد بن الفضل بن الحسين بن عبد الله بن عباس بن علي بن أبي طالب". وبعد تخريبه البصرة انتسب إلى يحيى بن زيد بن علي. وقد طعن المؤرخون بانتسابه إلى آل البيت ومنهم العلامة ابن خلدون، ورجح بعضهم أن يكون فارسيا.
وكان علي هذا أجيراً من الأجراء وفقيراً، وعرف عنه الفصاحة والذكاء، وبعد أن كانت ولادته ونشأته في الري، انتقل إلى البحرين (الساحل الغربي للخليج العربي)، فظهر فيها عام 249هـ، ثم توجه إلى "هجر" ودعا الناس إلى طاعته، فأيدته جماعة، وخالفته أخرى، وحدث قتال بين الطرفين، ومن الأفكار والعقائد التي دعا إليها زعيم الزنج ما يلي :
•…أن العناية الإلهية أرسلته لإنقاذ الناس، مما يعانون من بؤس .
•…ادّعى أيضاً العلم بالغيب .
•…وانتحل النبوة ،وزعم أنه يخاطب من السماء ،وأن الملائكة تقاتل معه.
كما أنه قد سبي المسلمات وأشاع المنكرات وخرج على الخليفة و أعمل السيف في المسلمين .(29/17)
وبعد خروجه من "هجر" توجه إلى الإحساء ثم إلى البادية، وفي كل مرة كان يحدث قتال بين أنصاره وخصومه،إلى أن سار إلى البصرة سنة 254هـ، وأراد أن ينضم إلى بعض فئاتها المتصارعة فلم يقدر ( )، فرحل إلى بغداد، وأقام بها ما يقرب من سنة، ثم عاد في رمضان من سنة 255هـ إلى البصرة، وكانت دعوته قد لقيت قبولاً بين أهالي هجر والبحرين والعراق، ووصل تعداد أتباعه 15 ألف غلام، وقد ساعده في ذلك اتصاله بعبد توسم فيه الذكاء اسمه ريحان بن صالح، وعده أن يكون قائداً، وأمره أن يجذب من العبيد من يتوسم فيه القوة والاستجابة للدعوة الجديدة. وبالفعل تجمع حول صاحب الزنج الكثير من العبيد والأجراء، فعظم شأنه وقويت شوكته.
وصبيحة يوم العيد، اندلعت شرارة "فتنة الزنج" إذ قام علي بن محمد فصلى بأتباعه وكانوا قرابة 12 ألفاً ثم خطب فيهم، فحرّضهم ومنّاهم الأماني، وقال لهم: آن الأوان لتتحرروا من الفاقة والظلم، وإن اجتماعكم سيضمن لكم خيرات الأرض التي تعيشون فيها، وسادة هؤلاء الجبابرة الذين يستغلونكم ويستعبدونكم... فالتف حوله العبيد،وتركوا أعمالهم ،وأقسموا له على الطاعة المطلقة، وسار بهم ينهب ويبطش ويدمر.
وكانت ثورة الزنج مدمرة تحرق المدن، وتبيد الزرع، وقد استولى الزنوج على مدينة (الأبُلّة) سنة 256هـ، وعبادان والأهواز، وفي العام التالي دخلوا البصرة، وفي سنة 264هـ دخلوا واسط.. وكانوا يحرقون بعض هذه المدن، ويذبحون أكثر سكانها، وينهبون ما يجدون فيها من مال وعتاد، حتى عمّ الرعب تلك البقاع، وهددت عاصمة الخلافة.(29/18)
لقد أدت عوامل عديدة لنجاح الزنج في البداية، فقد أقام صاحب الزنج مدينة عظيمة بنيت لتكون عاصمة عسكرية، واختار لها موقعاً تحميه القنوات والمستنقعات التي تحيط بها، وأسمى تلك المدينة "المختارة" وكانت من أسباب صمودهم، ومن الأسباب كذلك إخلاصهم لزعيمهم واختيارهم المستنقعات والأدغال في جنوب العراق مكانا لحربهم وقد كان لهم خبرة بالحياة في هذه المناطق أكثر من غيرهم. يضاف إلى ذلك انضمام بعض البدو إلى الزنج لينالوا بعض ما يستولي عليه الزنج من غنائم.
ومن ناحية أخرى، كانت الدولة العباسية تعاني حالة ضعف بعد وفاة المتوكل، وضعف أمر الخلفاء، الذين صار يتحكم بهم الجند، كما أن الدولة أضعفتها الحروب الطويلة ضد الروم، وضد الدويلات الشيعية التي انفصلت عن جسم الدولة.
ومع ما اعترى الدولة العباسية من ضعف، إلاّ أنها حاولت القضاء على فتنة الزنج في بداياتها، فقد كلف الخليفة المعتمد على الله الذي بويع بالخلافة سنة 256هـ، سعيد بن الحاجب بقتالهم، فسار إليهم في رجب من عام 257هـ، فهزمهم في البداية، لكنه هزم في المعارك التي تلتها، وفقد قسماً كبيراً من جيشه، وقتل هو.
واستمرت المعارك بين جيوش الخلافة وجيش الزنج لسنوات عديدة، والحرب سجال بين الطرفين، إلى أن لجأ الخليفة المعتمد إلى أخيه الموفق، ووضع في يده مقاليد الأمور، فسار الموفق سنة 267هـ إلى واسط وتمكن من استردادها، ثم سار إلى صاحب الزنج وهو بمدينة "المنيعة" التي أسسها، فدخلها عنوة، وأنقذ خمسة آلاف امرأة كانت بيد الزنج، ثم سار إلى بلدة الزنج الثانية واسمها "المنصورة" وبها سليمان بن جامع قائد الزنج، وتمكن الموفق من دخولها بعد أن قاتل الزنج دونها قتالاً عنيفاً، وكان لها خمسة أسوار، وأنقذ منها عشرة آلاف امرأة مسلمة جُلهم من أهل البصرة.(29/19)
وكان الموفق يدعو الزنج إلى الرجوع إلى الحق، ويبذل الأمان لمن عاده واستنكر ما يقوم به الدّعي صاحب الزنج، كما حرص على إزالة الأسباب التي دعت هؤلاء العبيد إلى الثورة، فعاد كثير منهم، وانضم إلى جيش الخلافة.
ثم وجه الموفق كتاباً إلى صاحب الزنج يدعوه فيه إلى التوبة، والرجوع عما ارتكبه من منكرات ودعوى النبوة، وبذل له الأمان، إلاّ أن صاحب الزنج لم يستجب، ودارت المعارك العنيفة طيلة سنة 267هـ والسنوات التي بعدها، حتى استطاع الموفق في العام 270هـ من قتل صاحب الزنج، وإنهاء هذه الفتنة التي استمرت 15 عاماً أكلت الأخضر واليابس، وأنهكت دولة الخلافة، وتسببت في وقف النشاط التجاري بسبب تدمير طرق التجارة، والخوف الذي كان يعم تلك المناطق.
وأدت هذه الفتنة كذلك إلى نشر الأمراض والأوبئة بسبب ما عاناه الناس من فقر وجوع، حتى أكلوا الجيف، وأدت إلى أن يأسر الزنوج آلاف الحرائر. وقتل من المسلمين عدد كبير، أقل تقدير له هو مليون ونصف المليون مسلم، خلال 15 سنة، كما اعتبرت هذه الحركة الفاسدة من الأسباب التي ساعدت على تفكك الدولة الإسلامية خلال العصر العباسي الثاني.
لقد كانت هذه الحركة محط أنظار الفرق المنحرفة، فعندما كان الزنج يحققون الانتصارات أراد الإسماعيليون المشاركة في هذه الحركة ما دام الهدف واحدا، وبالفعل التقى حسين الأهوازي وهو أحد الدعاة الإسماعيليين بصاحب الزنج سنة 264هـ، وعرض عليه المساعدة، فقد أراد الأهوازي المشاركة في هذه الحركة كمرحلة من مراحل عمله إذ أنه لا يستطيع أن يقوم بمفرده بعمل مثمر، والحركات الانتهازية يستغل بعضها بعضاً، ولم تكن الحركة الإسماعيلية قد قوي عودها، إلاّ أن صاحب الزنج عرف رغبة الأهوازي في استغلال "الثورة"، فرفض التعاون معه، لأن الزنج كانوا حينها في أوج قوتهم.
للاستزادة:
1ـ موسوعة الأديان (الميسرة) ـ دار النفائس بيروت ص 282(29/20)
2ـ التاريخ الإسلامي (الدولة العباسية) ج 2ـ محمود شاكر ص 69 ـ 80
3ـ القرامطة ـ محمود شاكر ص 57
4ـ حركات فارسية مدمرة ـ د. أحمد شلبي ص 127
5ـ الوجيز في تاريخ الإسلام والمسلمين ـ د. أمير عبد العزيز ص 593
6ـ الشعوبية نشأتها وتطورهاـ د.نزار الحديثي وسعيد الحديثي ص 76
مواقف المفكرين العدد 29
محمد الخضر حسين
رئيس تحرير مجلة الهداية الإسلامية
هذه سلسلة من البحوث كتبها مجموعة من المفكرين والباحثين عن عقيدة وحقيقة مذهب الشيعة من خلفيات متنوعة ومتعددة ، نهدف منها بيان أن عقائد الشيعة التي تنكرها ثابتة عند كل الباحثين ، ومقصد آخر هو هدم زعم الشيعة أن السلفيين (أو الوهابيين على حد وصفهم ) هم فقط الذين يزعمون مخالفة الشيعة للإسلام .
والشيخ محمد الخضر حسين هو أحد العلماء الأفذاذ وهو من تونس وقد تولي مشيخة الجامع الأزهر .
وسوف نقتصر على كلامه في الشيعة ،وقد نشر هذا البحث في مجلة الهداية الإسلامية في الجزء الرابع والذي صدر في شوال 1356هـ - ديسمبر 1937م . الراصد
بحث موجز في أشهر الفرق الإسلامية
وحدة العقيدة في الصدر الأول
قام النبي صلى الله عليه وسلم يدعو إلى العقائد الصحيحة، وما زال الوحي ينزل حتى أتى على أصول ما يحتاج إليه في سلامة العقيدة، وطهارة النفس من الشرك، وكان المسلمون في عهد الوحي على طريقة واحدة في عقائدهم، وليس من المحتمل أن يجري بينهم خلاف في شيء من ذلك ورسول الله صلوات الله عليه بين ظهرانيهم؛ وهو الذي يسأل فيرشد، أو يقول فيكون قوله الفصل.
واستمر المسلمون على هذه الطريقة المثلى في عهد أبي بكر وعمر وعثمان؛ وما جرى بينهم من الاختلاف في ذلك العهد لم يتجاوز الاختلاف في أحكام عملية كاختلافهم في محل دفنه عليه الصلاة والسلام، وثبوت الإرث منه، وقتال مانعي الزكاة، وأكثر هذا النحو من الاختلاف لا يلبث أن يتبين فيه وجه الحق فيصير إلى وفاق.
انقسام المسلمين إلى فرق مختلفة(29/21)
أخبر النبي صلوات الله عليه أن أمته ستفترق على بضع وسبعين فرقة، وأن فرقة من تلك الفرق ناجية، ووصف الفرقة الناجية بأنها الفرقة التي تتمسك بما كان عليه هو وأصحابه، ففي سنن أبي داود من رواية أبي هريرة "افترقت اليهود على إحدى أو اثنتين وسبعين فرقة، وتفرقت النصارى على إحدى أو اثنتين وسبعين فرقة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، وفيها من رواية معاوية " ألا إن رسول الله قام فينا فقال: إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على اثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة: اثنتان وسبعون في النار، وواحدة في الجنة، وهي الجماعة".
وروى الترمذي من حديث عبد الله بن عمرو "وإن بني إسرائيل تفرقت على اثنتين وسبعين ملة، وتفترق أمتي ثلاثا وسبعين ملة كلهم في النار إلا واحدة" قالوا من هي يا رسول الله؟ قال " من كان على ما أنا عليه وأصحابي" ورواه ابن ماجة من طريق حذيفة بن اليمان، ومن طريق أنس بن مالك.
والمراد من الأمة من يصدق عليهم اسم الإسلام، بدليل الإضافة في قوله " أمتي" فإن إضافة الأمة إلى الرسول ظاهرة فيمن كان لهم اتصال به في الواقع، وهم الذين يتبعونه ولو في أصل الإيمان، والفرقة الخارجة من الدين ليست من هذا القبيل، فتكون الفرق المشار إليها في الحديث من انحرفوا عن السبيل، ولم ينكثوا أيديهم من أصل الدين.
وحمل بعضهم الأمة على ما يشمل الفرق التي خرجت ببدعتها عن حوزة الدين، والتحقت بفرق الكافرين، والوعيد بالنار في الحديث مطلق، فيكون للفرق المنفصلة عن الدين عذابا خالداً، وللفرق التي انحرفت ببدعتها انحرافا لا يقطعها عن أصل الدين، عقابا يتفاوتون فيه درجات، ثم يصيرون إلى دار السلام.(29/22)
والافتراق المشار إليه في الحديث يجري في العقائد، والأمر فيه واضح، أما الافتراق في أعمال تفعل على أنه شرع: فإن كان عن اجتهاد معتدّ به فليس بموضع للذم والوعيد، لأن هذا الاجتهاد مأذون فيه شرعا، وإن كانت المخالفة عن رأي فاسد أو هوى غالب، وبلغت هذه الأعمال المبتدعة أن صارت شعار فرقة من الأمة، فالحديث يتناولها بوعيده كما تناولها قوله صلى الله عليه وسلم "كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار".
عوامل هذا الانقسام:
نبحث عن عوامل انقسام المسلمين إلى فرق، فتبدو لنا وجوه كثيرة:
(أحدها) الخطأ في فهم بعض الآيات أو الأحاديث، ويرجع إلى هذا القبيل التمسك ببعض المتشابه من النصوص، وردّ المحكم إليه بطريق التأويل( ) .
(ثانيها) اعتداد الشخص برأي يسبق إلى ذهنه، أو يتلقاه من غيره، فيعتقد أنه أصل صحيح، حتى إذا وجده مخالفاً لنصوص القرآن أو السنة أخذ في تأويلها بما يوافق رأيه، ولو على وجوه بعيدة.
(ثالثها) تشبث الشخص بحديث ينقل إليه، فيحسن الظن بروايته، ويكون الحديث مصنوعا.
(رابعها) أن يقع في نفس الرجل خواطر، فيظنها إلهاما خصه الله به، وإنما هو الحديث الذي يجري في النفوس من طرق مقطوعة عن منابع الشريعة.
(خامسها) الأهواء تأخذ بقلب صاحبها، إلى أن يبتغي الوصول إليها من طريق الدين، فيقرر رأياً على أنه من الدين، وهو يعلم أنه مخالف لما جاء في الكتاب والسنة.
ولا نجهل أن زعماء بعض الفرق قد يقصدون إفساد عقائد المسلمين بإدخال آراء تفسد أصلا من أصول الدين أو تبطل حكما من أحكامه، ومن درس آراء الفرق لم يتردد في أن كثيراً منها قد وضعه أشخاص يريدون الكيد للإسلام. وأشد ما يظهر هذا الغرض في آراء تراها معارضة لنصوص الدين الصريحة دون أن يستند صاحبها إلى نقل أو شيء من العقل.
وقد يكون للسياسة يد في إثارة الأهواء الحاملة على مخالفة الجماعة، وإحداث رأي في الدين؛ والدعوة إليه إلى أن يصير مذهب فرقة من المسلمين.
الفرق الإسلامية(29/23)
من ينظر في حال الفرق التي لها صلة بالإسلام يجدها على قسمين:
فرق داخلة في حدود الدين، ومن شأنها أن تتلاقى في جانب من الائتلاف والتناصر على إعلاء شأن الإسلام.
وفرق خرجت بهم بدعتهم عن حدود الدين، والتحقوا بطوائف المخالفين، ذلك أنهم اعتقدوا ما لا يلتقي بأصل الإيمان في نفس واحدة كالبهائية واليزيدية والقاديانية، وعلى ما نبينه بعد إن شاء الله.
وأصول الفرق التي سنحدثك عنها في المقال سبعة:
الشيعة، والباطنية، والمشبهة، والمحكّمة، والجهمية، والمعتزلة، وأهل السنة. وقد نعرض عليك في بحث كل فرقة بعض آراء امتاز بها مذهبها، وإذا لم نتعرض فيما نكتب لنقد بعض هذه الآراء فلوضوح أمرها، أو لأننا سنحدثك في بحث أهل السنة بما هو الحق فيما نرى.
الشيعة
ظهر مذهب التشيع في عهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، بل ظهر في أقصى درجات الغلو. وكان الشيعة يومئذ ثلاث طوائف:
- أولهما طائفة كانت تفضل علياً على أبي بكر وعمر، مع الاعتراف بفضلهما، وصحة إمامتهما.وروى البخاري في صحيحه عن محمد بن الحنفية أنه سأل أباه: من خير الناس؟ فقال أبو بكر. قال ثم من؟ قال عمر.
- (ثانيتهما) كانت تسب أبا بكر وعمر. يروى أن عبد الله بن السوداء( ) كان يسب أبا بكر وعمر، فطلبه علي فهرب، وقيل نفاه إلى المدائن.
- (ثالثتهما) كانت تقول: إن علياً إله، وهم عبد الله بن سبأ( ) وأتباعه. زعم ابن سبأ ذلك، ودعا إليه قوماً من غواة الكوفة، وبلغ علياً أمرهم، فأحرق فرقاً منهم( ) بعد أن دعاهم إلى التوبة وأجّلهم ثلاثا، ولم يقتل بقيتهم كابن سبأ بل نفاه إلى المدائن حذراً من اختلاف أصحابه عليه.
ولما قتل علي، زعم ابن سبأ أن المقتول شيطان تمثل بعلي، وأن علياً صعد إلى السماء، وأنه سينزل إلى الدنيا وينتقم من أعدائه.
وأتباع ابن سبأ يزعمون أن المهدي المنتظر هو علي، ويزعم بعضهم أنه في السحاب.(29/24)
وشاع بعد هذا في بعض الفرق القول بالرجعة، قال سفيان: كان الناس يحملون عن جابر( ) قبل أن يظهر ما أظهر، فلما أظهر ما أظهر اتهمه الناس في حديثه، وتركه بعض الناس، فقيل له: ما أظهر؟ قال: الإيمان بالرجعة، ثم روى مسلم في صحيحه عن سفيان أنه سمع رجلا يسأل جابراً عن قوله عز وجل (فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين) فقال جابر: لم يحن تأويل هذه. قال سفيان: وكذب، قلنا لسفيان: وما أراد بهذا؟ فقال: إن الرافضة تقول إن علياً في السحاب فلا نخرج مع من خرج من ولده حتى ينادي مناد من السماء ـ يريد علياً ـ أنه ينادي: اخرجوا مع فلان. يقول جابر: فذا تأويل هذه الآية وكذب، كانت في أخوة يوسف صلى الله عليه وسلم.
وانقسمت الشيعة بعد هذا إلى أربع فرق: زيدية؛ وإمامية، وكيسانية، وغلاة.
الزيدية
هم أتباع زيد بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، يفضلون الإمام علي بن أبي طالب على غيره من الصحابة، ويوالون الشيخين أبا بكر وعمر.
خرج الإمام زيد بن علي على هشام بن عبد الملك، وسأله جماعة ممن بايعوه عن أبي بكر وعمر فقال: رحمهما الله وغفر لهما، ما سمعت أحداً من أهل بيتي يتبرأ منهما، ففارقوه ونكثوا بيعته فسموا الرافضة.
والزيدية يقصرون الإمامة في أولاد الزهراء رضي الله عنها، فلا حق فيها لمحمد بن الحنفية وذريته، ولا يقولون بعصمة الأئمة ولا باختفائهم.
الإمامية:
هم فرق: منها المحمدية، وهؤلاء يعتقدون أن محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب لم يقتل( ) ويزعمون أنه في جبل جابر من ناحية نجد،وهو المهدي المنتظر( ).
ومثلها الباقرية، وهؤلاء يقولون: الإمامة انتقلت من علي بن أبي طالب وأولاده إلى محمد بن علي المعروف بالباقر، وزعموا أن الباقر هو المهدي المنتظر.(29/25)
ومنها الموسوية، هؤلاء ساقوا الإمامة إلى جعفر الصادق، وزعموا أن الإمام بعد جعفر ابنه موسى الكاظم، وأن موسى حي لم يمت، وأنه هو المهدي المنتظر.
ومنها الاثنى عشرية: وهي الفرقة التي تحصر الإمامة في إثنى عشر إماماً، هم علي بن أبي طالب، وابنه الحسن، ثم الحسين؛ ثم علي زين العابدين، ثم محمد الباقر، ثم جعفر الصادق، ثم موسى الكاظم، ثم علي الرضا، ثم محمد الجواد، ثم علي الهادي، ثم الحسن العسكري، ثم محمد بن الحسن العسكري،ويرون أن محمدا هذا هو المهدي المنتظر،وأنه حي مستور عن الناس إلى أن يأذن الله له بالظهور فيظهر ويملأ الأرض عدلا، ويذكرون في وجه هذا الترتيب أن كل سابق من الأئمة نص على لاحقه، وأن هؤلاء الأئمة معصومون عن جميع الذنوب والسهو والنسيان، وسائر النقائص، ويوافقون المعتزلة في أن الحُسن والقبح بمعنى ترتب استحقاق المدح والذم عقليان.
الكيسانية( )
هم الذين يقولون بإمامة محمد بن الحنفية، ومن هؤلاء من ذهب إلى أنه لم يمت، وأنه في جبل رضوي، وعنده عين من ماء وعين من عسل يأخذ منهما رزقه، وهو المهدي المنتظر. ومنهم من اعترف بموته، وقال: إن الإمامة من بعده انتقلت إلى ابنه أبي هاشم عبد الله. وقال آخرون انتقلت إلى ابن أخيه علي زين العابدين بن الحسين، وقالوا يجوز البدء على الله تعالى، وهو أن يريد شيئا ثم يبدو أي يظهر له غير ما كان ظاهراً له( ) ومن لوازم هذا المذهب أن لا يكون الله جل شأنه عالما بعواقب الأمور.
الغلاة(29/26)
هم فرقة خرجوا بالتشيع من الدين الحنيف كالفرقة التي تعتقد في علي بن أبي طالب رضي الله عنه أو أحد من آل البيت أو زعيم مذهبهم: الإلهية أو النبوة، مثل البيانية أتباع بيان بن سمعان التميمي( ) الذين يقولون إن روح الله تناسخت في الأنبياء إلى أن حلّت في علي ثم في ابنه محمد بن الحنفية ثم في ابنه أبي هاشم ثم في بيان نفسه. ومثل الخطابية أتباع أبي الخطاب الأسدي الذين يقولون إن روح الله حلت في جعفر الصادق ثم في زعيمهم أبي الخطاب، ومثل الغرابية الذين يقولون: محمد "صلى الله عليه وسلم" أشبه بعلي من الغراب بالغراب، فبعث الله جبريل إلى علي فغلط في تبليغها لمحمد. ومثل الأمرية الذين قالوا: إن علياً شريك محمد في أمره( ) .
كتاب الشهر العدد 29
الحرب في صعدة من أول صيحة إلى آخر طلقة
في منتصف عام 2004، وتحديداً في 18 يونيو/ حزيران، اندلعت في اليمن "فتنة الحوثي" مكبدة اليمنيين الكثير من الخسائر في الأرواح والممتلكات، وما إن تم القضاء على هذه الفتنة أو هذا التمرد الشيعي بعد ثلاثة أشهر من اندلاعه، حتى اندلع تمرد جديد بقيادة حوثي جديد، في بداية شهر مايو/ أيار من عام 2005، لتعود دوامة الصراع إلى البلاد، ويعود هدر الأرواح والأموال، ونشر الذعر والقلق في بلد أحوج ما يكون إلى الأمن والاستقرار.
وكتاب (الحرب في صعدة من أول صيحة إلى آخر طلقة) علاوة على أنه يقدم رصداً لمجريات الحرب التي شنتها القوات الحكومية على أنصار الحوثي الأب، والحوثي الابن في محافظة صعدة بشمال البلاد، يتحدث عن العقائد والأفكار الشيعية الاثنى عشرية التي يتبناها حسين الحوثي ووالده بدر الدين، وهما اللذان قادا التمردين، مخالفين أسس المذهب الزيدي الذي ينتميان إليه بالأصل، والذي يتبعه ثلث سكان اليمن تقريباً.(29/27)
يرى المؤلف في مقدمة الكتاب أن الكثير من المشاكل السياسية والحركات التصادمية التي تظهر في عالمنا العربي والإسلامي "تظهر سريعاً لتختفي سريعاً. وسر ذلك يعود أساساً إلى تحاشي النظر للواقع وعدم الجرأة على كشف الأغطية عن خمائر متعفنة... لتمضي الحكومات إلى إغلاق باب المشكلة، وإنهائها سريعاً، .. ظنّا منها أن ذلك أدعى إلى نسيان ما حدث..".
لكن المؤلف يرى أن "الأنجع من ذلك هو ترك الملف مفتوحاً، وتصديره للمجتمع كقضية هو مدعو للاشتراك في حلها، ودعوة المفكرين وأصحاب الرأي لدراسة الظاهرة وخلفياتها وأسبابها، وذلك بهدف التقليل من الأخطاء وتعزيز الاحتياطات وتبصير الناس"، وهو ما يحاول أن يقوم به المؤلف من خلال تناوله لـ " خلفيات وتداعيات الحرب ضد الحركة الحوثية"، وهو هنا يحبذ استخدام لفظ ظاهرة أو حركة الحوثي دون استخدام عبارة (فتنة عابرة)، لأن ذلك ـ بحسب المؤلف ـ أدعى إلى وضع الأمور في نصابها، وتحمل المسؤولية كما هي على الواقع، لا كما نحب أن تكون.
ويقسم المؤلف كتابه بعد ذلك إلى أربعة فصول، يتناول في الأول منها نشأة تنظيم الشباب المؤمن بقيادة حسين بدر الدين الحوثي، الذي كان يحظى بدعم والده، وفي الثاني يرصد وقائع الحرب الأولى التي نشبت بين القوات الحكومية وقوات حسين الحوثي وانتهت بمقتله.
وفي الفصل الثالث يرصد وقائع الحرب الثانية التي قادها الحوثي الأب، بعد مقتل ابنه بعدة أشهر، وانتهت بهزيمته وفراره. وفي الفصل الرابع والأخير يتحدث عن الأفكار الشيعية الاثنى عشرية التي تبناها حسين الحوثي وسطرها في محاضراته وخطاباته وكتاباته، وهي الأفكار التي قام بنشرها في أوساط الزيدية، وتعامل مع الآخرين بموجبها، وقاتل من أجلها.
الفصل الأول: الحوثي والحوثية.. البداية والتكوين(29/28)
يذكر المؤلف في بداية هذا الفصل نبذة عن نشأة حسين الحوثي، ومشاركته أولا بتأسيس حزب الحق سنة 1990م، ثم انتخابه سنة 1993 عضواً في مجلس النواب اليمني كممثل للحزب، هو وصديقه عبد الله عيظة الرزامي، الذي أصبح فيما بعد عضواً في تنظيم (الشباب المؤمن)، وأبرز قادته في المواجهات مع الحكومة.
وحزب الحق حزب طائفي، أسسه عدد من المنتسبين إلى المذهب الزيدي، وبعضهم من المتأثرين بالمذهب الشيعي الاثنى عشري. وخلال حرب الانفصال التي اندلعت في اليمن سنة 1994، وقف حزب الحق إلى جانب الحزب الاشتراكي اليمني ضد حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يتزعمه الرئيس علي عبد الله صالح، مما أدى إلى أن تتخذ الحكومة اليمنية موقفاً سلبياً من حزب الحق وقادته، الأمر الذي جعل حسين الحوثي يفر إلى سوريا، ومنها إلى إيران، ومكث هناك مع أبيه عدة أشهر في مدينة قم، كما قام بزيارة لحزب الله في لبنان.
ولم يطل بقاء حسين الحوثي ووالده في حزب الحق، إذ أن ميل الحوثي الابن إلى الحزب الاشتراكي في الحرب المشار إليها آنفاً، جعلت الخلافات تدب في هذا الحزب الذي دفع ثمن موقف الحوثي، كما أن أوضاع الحزب الداخلية لم ترق لمجموعة من القيادات الشابة، ومنهم حسين، فقد اعتبروا أن "إصلاح الحزب من الداخل لم يعد مجدياً بعد أن نفد صبرهم، وأغلق الباب في وجوههم واصفين حزب الحق بأنه في قبضة قيادات متحكمة، كبيرة في السن، لا تدرك الواقع، ولم يعد عندها روح العمل والنشاط، وتعمل بصورة بدائية لا تجيد أسلوب التنظيم والتأطير".
ثمة أسباب أخرى يذكرها المؤلف للخلافات التي اندلعت في حزب الحق، وتحديداً في مدينة صعدة الشمالية، وهي معقل الشيعة الزيدية في اليمن، وأهم مركز لحزب الحق ، ومعقل آل الحوثي. وقد أشار المؤلف إلى أن الشيعة الزيدية، في منطقة صعدة، تكاد تكون متمثلة في قطبين مرجعيين:(29/29)
الأول: مجد الدين المؤيدي، وهو من كبار علمائهم، وقد تجاوز العقد الثامن من عمره. وهو من كبار قادة حزب الحق.
الآخر: بدر الدين الحوثي.
ويرصد الكتاب عدة أسباب للخلافات بين تياري المؤيدي والحوثي، الأمر الذي ألقى بظلاله على مستقبل حزب الحق، ومستقبل الطائفة الزيدية في اليمن، ومن هذه الأسباب:
1ـ التنافس العرقي والعائلي، إذ تعود أصول المؤيدي إلى الإمام الحسن رضي الله عنه، بينما تعود أصول الحوثي إلى الإمام الحسين رضي الله عنه.
2ـ إصدار عدد من علماء المذهب الزيدي وعلى رأسهم المؤيدي بياناً في 28/11/1990، يتعلق بموضوع "الإمامة"، إذ أعلن الموقعون أن حصر الإمامة في قريش، أوفي البطنين (الحسن والحسين) لم يعد لها مبرراتها في هذا الزمان، الأمر الذي يتعارض بشدة مع أطروحات الحوثي ـ كما سيأتي بيانه ـ .
3ـ اشتهار محافظة صعدة بالزراعة، الأمر الذي يجعل أهلها من جيدي الدخل، وكون معظم أهل هذه المحافظة من الزيدية الذين لا يطمئنون إلى إعطاء الحكومة زكواتهم، لأنها غير شرعية في نظرهم، فيقومون بإعطائها إلى علمائهم، وبذا يكون الدخل مجزياً لأصحاب النفوذ منهم، مما أدخل العلماء في تنافس. وكان حسين الحوثي قد سنّ العمل بالخمس لصالحه، على نحو ما يقوم به الشيعة الاثنى عشرية.
4ـ عمل الحكومة على تفتيت أحزاب المعارضة، وقيامها بدور لخروج الحوثي من الحزب بهدف إنهاك حلفاء الحزب الاشتراكي، والحد من نفوذهم.
تأسيس تنظيم الشباب المؤمن(29/30)
بعد استقالة حسين الحوثي وعدد من أقاربه وأنصاره من حزب الحق، توجه لإنشاء تنظيم جديد أطلق عليه (الشباب المؤمن)، وإن كانت بدايات التنظيم تعود إلى الفترة التي كان الحوثي منضماً فيها إلى حزب الحق، لكن نشاط التنظيم البارز، وإعادة انبعاثه يعود إلى عام 1997م، وهو العام الذي شهد خروج الحوثي من حزب الحق، وقد أحرز التنظيم نشاطاً ملحوظاً في إقامة المعسكرات الصيفية، والندوات والمحاضرات، ونشر الكتب والنشرات التي تروج لفكر الحوثي، "وتحرض أتباع المذهب الزيدي على اقتناء الأسلحة والذخيرة تحسباً لمواجهة الأعداء الأمريكيين واليهود، واقتطاع نسبة من الزكاة لصالح المدافعين عن شرف الإسلام والمذهب".
وفي فترة ما، قدر عدد أعضاء التنظيم بثلاثين ألفاً، وتشكل أساساً من حسين الحوثي، وعدد من المنسحبين من حزب الحق، أبرزهم: عبد الكريم جدبان، ومحمد عزان، وعبد الله الرزامي، وعلي الرازحي، ومحسن الحمزي.
وقد كان لبراعة الحوثي في الإلقاء الدور الكبير في تثبيت قواعد هذا التنظيم، إذ يشير المؤلف إلى أن حسين الحوثي "كان يتمتع بأسلوب جذاب في الطرح، وتوصيل الأفكار، واللعب بالعواطف، وتأسيس القناعات، وبطريقة لم يعهدها شباب المذهب الزيدي من مشايخه الكبار، ولذلك سحر أتباعه وفتنهم، واعتبروه هدية تنزلت من السماء، ومعبر الوصول إلى طموحاتهم في تعزيز مكانة الشيعة وسط الجماعات الإسلامية الأخرى ذات التنظيم والخبرة والتجربة الطويلة".
وتعليقاً على المحتوى الذي كان يبثه الحوثي بين أتباعه، يقول المؤلف: "غير أن المتأمل في مجموع محاضراته، ومجمل أفكاره، يجد أنه لم يكن يمثل إضافة للمذهب الزيدي بأي شكل، بل ظاهرة جديدة عليه، اتسم بالجرأة في هدم المسلمات! الأمر الذي دعا بعض علماء المذهب الزيدي إلى اعتبار ما يروج له هو والشباب الملتفون حوله ظاهرة قد تقود إلى الانحراف عن الخط الذي عرف به المذهب".(29/31)
ويضيف: "لقد بدا حسين بدر الدين الحوثي في أطروحاته اثنى عشرياً أكثر منه زيدياً، وهذا يأتي في الوقت الذي يمر فيه المذهب الزيدي بمفرق طرق حقيقية، نظراً لموجة التأثر بالخمينية والفكر الجعفري بين أوساط شباب الزيدية في اليمن، مع ضخ الإمكانيات التي تعززها فكرة تصدير الثورة على مستوى الفكر والسياسة في اليمن".
ويشير المؤلف في معرض حديثه عن فكر الحوثي إلى شهادة أحد المواقع الشيعية الاثنى عشرية على شبكة الانترنت، إذ جاء في موقع النجف بتاريخ 29/3/2005، عن الحوثي ما نصّه:
"حسب علمنا الحسي، وقراءتنا لكتبه، وتتبعنا لحركته، أنه متأثر حتى النخاع بثورة الخميني في إيران، حيث أنه خضع لدورات أمنية وسياسية وغيرها في لبنان عند حزب الله، ولديه ارتباط قوي بالحرس الثوري الإيراني".
الفصل الثاني: شرعية الحرب.. وحرب الشرعية
وفي هذا الفصل يرصد المؤلف وقائع الحرب الأولى التي قادها حسين بدر الدين الحوثي ضد الحكومة اليمنية، ويشير إلى أنها جاءت بعد عشر سنوات تقريباً من حرب الانفصال عام 1994، وعند المقارنة بين الحربين يذهب المؤلف إلى أن الرأي العام في اليمن يجمع على أن فتنة الحوثي كانت أكثر خطراً، لأنها كانت تمتلك قدرة تفتيتية أكثر على تمزيق النسيج الوطني من حرب الانفصال، ذلك أن الحركة الانفصالية عبّرت عن فكر القوة، أكثر من تعبيرها عن قوة الفكر، فلم يكن الفكر الانفصالي ظاهرة مجتمعية يخاف منه.
وكانت مؤشرات كثيرة تدل على أن اليمن على موعد مع مواجهة مع الحوثي وأتباعه طال الزمان أم قصر، فقد كان اتجاهه التعبوي يخطط لمثل هذا، والكثير من تصرفاته وتصرفات "الشباب المؤمن" استفزازية تصادمية، حتى في احتفالاتهم الدينية.
لذا اندلعت شرارة هذه الحرب في 18/6/2004، بعد أن رفض الحوثي الانصياع لقرار السلطات الحكومية بالقبض عليه بسبب ما يلي:
1ـ الاعتداء على المؤسسات الحكومية في مديرية حيدان ومنع الموظفين من أداء واجباتهم.(29/32)
2ـ تحريض المواطنين على عدم دفع الزكاة الواجبة للسلطة المحلية.
3ـ اقتحام المساجد بقوة السلاح، والاعتداء على خطباء المساجد وأئمتها، والإساءة إلى دور العبادة، وإثارة الفتن المذهبية والطائفية.
4ـ الترويج لأفكار مضللة، والدفع ببعض الشباب إلى دخول المساجد أثناء صلاة الجمعة، وترديد شعارات تتنافى مع رسالة المسجد.
5ـ دفع مبالغ مالية للشباب الذين يتم التغرير بهم للقيام بتلك الأدوار وبتمويل خارجي.
واستمرت الحرب قرابة ثلاثة أشهر، قتل حسين الحوثي فيها، وتم ملاحقة أنصاره, وسقط فيها، آلاف القتلى والجرحى، والكثير من المنازل المهدمة...
الفصل الثالث: تجدد الحرب في فصلها الثاني
"والحرب في فصلها الثاني" إشارة من المؤلف إلى تجدد المواجهات بين أنصار الحوثي والقوات الحكومية، بعد خمسة أشهر على انتهاء الحرب الأولى، وقد قاد المواجهات في هذه الحرب بدر الدين الحوثي، والد حسين، وعبد الله الرزامي، صديقه.
واللافت هنا التدخل الواضح من الهيئات الشيعية الاثنى عشرية، فقد شنت الصحف الإيرانية حملة اتهامات ضد الحكومة اليمنية متهمة إياها بمحاولة القضاء على الاثنى عشرية في اليمن، وقد ذكرت بعض الأنباء أن إيران دعت سوريا للتدخل لدى السلطات اليمنية للكف عن الاثنى عشرية.
كما شنت المرجعيات الشيعية في النجف وقم حرب بيانات ضد الحكومة اليمنية، متهمة إياها "بتصفية الشيعة بشكل جماعي لا سابق له في تاريخ اليمن". ولعل الموقف المتشدد الذي اتخذته تلك المرجعيات يعود إلى الرسالة التي وجهها الحوثي الأب إليها، مستخدماً الخطاب الطائفي، داعياً إياها إلى العمل على رفض ما أسماه "الانتهاكات وسياسة التمييز العنصري التي تمارسها السلطات اليمنية ضد الطائفة الشيعية".(29/33)
وقد تصدت جمعية علماء اليمن، المكونة من علماء السنة والزيدية، إلى بيانات الحوزات الشيعية في النجف وقم، في بيان صدر في 7/5/2005 معتبرة أن ما ادعته الحوزتان من وجود اضطهاد لأنصار الزيدية و الاثنى عشرية ينافي الواقع، وأن ما حصل من تمرد عناصر محدودة في بعض مناطق صعدة لا يعبر عن المذهب الزيدي الذي أصدر علماؤه في بداية الفتنة بياناً فندوا فيه مزاعم الحوثي، وأنه لا يمثل إلاّ نفسه ومن اتبعه.
الفصل الرابع: جوارف الفكر الباطني على لسان الحوثي
وهذا الفصل وهو الأخير من الكتاب، يبين أفكار الحوثي المتطرفة، التي أخذها من الشيعة الاثنى عشرية، ويصفها المؤلف بأنها "جوارف باطنية"، ويقول: " سميتها كذلك لأنها ترمي إلى اقتلاع أسس عقدية، مثل نسف سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وإلغاء صحابة النبي من حلقات التبليغ، والتشكيك في عدالتهم غير نفر منهم، ونصب العداء لنساء النبي صلى الله عليه وسلم غير خديجة، والتشكيك ببنات النبي صلى الله عليه وسلم غير فاطمة..".
وإضافة إلى ما ذكره المؤلف من عقائد الحوثي في هذا الفصل، فإنه أورد شيئاً منها في الفصل الأول عند حديثه عن "الشباب المؤمن"، وفيما يلي أهم ما تبناه الحوثي من أفكار، سعى لنشرها، وعامل الآخرين بموجبها وقاتل من أجلها:
1ـ الدعوة إلى الإمامة، أي إحياء فكرة الوصية للإمام علي رضي الله عنه، وأن الحكم لا يصح إلاّ في البطنين أحفاد الحسن والحسين رضي الله عنهما.
2ـ الترويج لفكرة الخروج وجهاد الباطل، أي الإعداد لمواجهة النظام الفاسد الذي استنفذ أغراضه.
3ـ التحريض على لجم أهل السنة في اليمن، الذين يسميهم الحوثي "السنيّة".(29/34)
4ـ التبرؤ من الخلفاء الراشدين الثلاثة أبي بكر وعمر وعثمان، والصحابة عموماً إذ يقول الحوثي في كتابه دروس من هدي القرآن الكريم/ الدرس الثاني ص 23: "تنطلق أيضاً هتافات واحدة أن ننطلق على نهج السلف الصالح، السلف الصالح. الذين سموهم السلف الصالح هم من لعب بالأمة هذه، هم من أسس ظلم الأمة، وفرق الأمة، لأن أبرز شخصية تلوح في ذهن من يقول السلف الصالح: أبو بكر وعمر وعثمان ومعاوية وعائشة وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة، وهذه النوعية هم السلف الصالح، هذه أيضاً فاشلة!".
5ـ اعتباره أن أهل السنة فئة ضالة أضلت الزيدية بسبب العلوم الشرعية إذ يقول: "أنا شخصياً أعتقد أن من أسوأ ما ضر بنا وأبعدنا عن كتاب الله، وأبعدنا عن دين الله، وعن النظرة الصحيحة للحياة والدين، وأبعدنا عن الله سبحانه وتعالى هو علم أصول الفقه". مسؤولية طلاب العلوم الدينية ص 16.
وفي موضع آخر يقول: "ثم وجدنا أنفسنا في الأخير وإذا بنا كنا نقطع أيامنا مع كتب وإذا هي ضلال من أولها إلى آخرها، ككتب أصول الفقه بقواعده، وإذا هي وراء كل ضلال نحن عليه، وراء قعود الزيدية..".
6ـ اعتبار أن المذهب الزيدي ما هو إلا نقولات من (السنيّة) وأن الزيدية ليست مخلصة في ولائها لأهل البيت، وأن الإسماعيلية والجعفرية أفضل في هذا الجانب.
7ـ التقليل من دور ومكانة علماء الزيدية الكبار واعتبارهم مثبطين.
8ـ تمجيد ثورة الخميني، وحزب الله اللبناني، واعتبارهما المثل الذي يجب أن يحتذى به.
ويشير المؤلف إلى أن تحولاً فكرياً كبيراً طرأ على الحوثي إذ أنه لم يظهر التعصب المذهبي إلى أن ذهب مع والده إلى إيران وأقاما هناك عدة أشهر، ثم قيامه بزيارة حزب الله في لبنان، ثم قدوم مجموعة من الشيعة العراقيين إلى مراكزه التي أقامها، للتدريس فيها، وقد أدّى ذلك إلى التأثير عليه وعلى أتباعه.
قالوا
مفتي مصر: الغرب يدعم الصوفية(29/35)
قالوا: "للأسف الشديد تتلقى مثل هذه الطرق (الصوفية) وأتباعها دعماً أو تبرعات أو غيرها، ودائماً من يقدمون هذه المساعدات (وهم من غير المسلمين) إنما يريدون مصالحهم فقط، لأن مثل هذه الطرق الصوفية التي نراها اليوم على الصورة التي لا تليق أبداً بالإسلام ومبادئه، حيث إقامة الموالد وغيرها والانعزال عن العمل والعبادة وترك الدنيا والاستفادة والاستمتاع بالمحرمات وترك السنن والعبادات..".
د.نصر فريد واصل مفتي الديار المصرية السابق
الفرقان الكويتية 5/9/2005
قلنا: أي خير يرتجى عندما يقدم الغرب دعماً للطرق الصوفية، وللعلم فإن الميزانيات التي رصدتها الولايات المتحدة والغرب لنشر الصوفية أصبحت تقارب ميزانيات التنصير!!
المخالب الإيرانية في الجنوب العراقي
قالوا: " قامت المخابرات الإيرانية بزج عملائها في دوائر الشرطة المهمة، ومنها مديرية الشؤون الداخلية، وشرطة استخبارات البصرة، وهاتان الدائرتان هما من أكثر الدوائر الأمنية وطأة على الناس، حيث قامت بسلسلة من العمليات الإجرامية التي استهدفت شرائح مختلفة في المجتمع البصري" .
الوطن العربي 14/10/2005
قلنا: هذا فيض من غيض مما تقوم به إيران في العراق، أضف إلى ذلك إدخالها لأعداد كبيرة من عملائها إلى العراق على أنهم مواطنون عراقيون، وتشجيع تجارة المخدرات في الجنوب، والبقية تأتي.
تصدير الثورة إلى أمريكا
قالوا: "يجب تدريب خمسة آلاف داعية، وإرسالهم إلى أمريكا لخدمة الإيرانيين الذين يعيشون في ذلك البلد".
محمد تقي مصباح يزدي ، رئيس مؤسسة الإمام الخميني
وكالة الأنباء الطلابية الإيرانية
21/11/2005
قلنا: كم من جهود يبذلها الشيعة لنشر مذهبهم، حتى في أمريكا التي تناصبهم العداء، فهم مصممون على اختراقها وتشييع الناس هناك، فهل ننتبه؟
تبرئة يهودية لضابط درزي والضحية طفلة مسلمة!(29/36)
قالوا: "برأت محكمة عسكرية مؤخراً، الضابط الإسرائيلي الذي أفرغ طلقات بندقيته الأتوماتيكية في جسد فتاة فلسطينية تبلغ من العمر 13 عاماً، ثم قال أنه كان سيفعل الأمر ذاته حتى ولو كانت تبلغ من العمر ثلاث سنوات، من جميع التهم الموجهة إليه".
الغد 20/11/2005 نقلاً عن الغارديان
قلنا: ليس غريباً أن تبرئ المحكمة الإسرائيلية ضابطاً درزياً من تهمة قتل الطفلة الفلسطينية إيمان الهمص، وتلقيها 17 طلقة في أجزاء عديدة من جسدها، فهؤلاء اليهود، وهؤلاء الدروز يجمعهم الحقد على المسلمين.
الرزقاوي وإيران.. أية علاقة؟
قالوا: يمكن أن نفترض أن وجود الزرقاوي يخدم استراتيجية إيران في إغراق أميركا في المستنقع الدموي العراقي، في نفس الوقت الذي تربح فيه دعم الولايات المتحدة للقوى الشيعية الحليفة لها، وأيضاً من استعداء الشيعة، وزيادة الأحقاد بينهم وبين السنة بفعل التفجيرات الانتحارية في مناطقهم".
جميل النمري الغد 21/11/2005
قلنا: ليست هذه المرة الأولى في التاريخ التي يكون فيها بعض أهل السنة ورقه يلعب بها الأعداء!
الصدر يلتف على السنة في الأنبار
قالوا: "ستتحالف قائمة الكتلة الصدرية في الأنبار مع ثمانية من الإخوان السنة في المحافظة لخوض الانتخابات المقبلة".
فتاح الشيخ
وكالة الصحافة الفرنسية 26/10/2005
قلنا: خدعة جديدة لأنصار الصدر، لاختراق الصف السني فإن محافظة الأنبار نسبة السنة فيها 99% والشيعة 1%!! فلماذا لا يكون التحالف في محافظة ذات كثافة شيعية أو متعادلة.
وليقدم الصدر بادرة حسن نيه بإرجاع مساجد السنة التي استولى عليها.
إسرائيل: لا خيار أفضل من نظام الأسد(29/37)
قالوا: "ادعت دائرة التخطيط السياسي في وزارة الخارجية الإسرائيلية في تقرير سري أن الإدارة الأميركية وصلت إلى نتيجة أنها لن تجد أي بديل أفضل من النظام الحالي لسورية... ويحذر التقرير من خطر تغيير النظام على إسرائيل، ويقول إن أي تغيير سيؤدي إلى إحداث فوضى تساعد على تغلغل التنظيمات الإرهابية التي سيكون وصولها إلى إسرائيل من سورية أسرع وأسهل".
الرأي 11/11/2005
قلنا: بالتأكيد لن تجد إسرائيل أفضل من نظام الأسد الطائفي لحكم سوريا، هذا النظام الذي لم يطلق رصاصة واحدة لتحرير الجولان، فضلاً عما بذله ويبذله لضبط الفصائل الفلسطينية في سوريا ولبنان، علاوة على حزب الله، وضمان أن لا يشكل أحد منهم خطراً على دولة اليهود.
متى نشاهد محاكمة صولاغ زميل صدام في التعذيب والقتل؟
قالوا: "هناك سلطة سرية بوزارة الداخلية لها من الصلاحيات والمعدات ما تداهم به فوجاً من الجيش.. تطلع وتجيب ناس وأشخاص من أماكن معينة مختارة.. ويتفاجأ ذووهم بعد فترة بالعثور عليهم مقتولين في الشارع.. جهاز الأمن الخاص يحقق مع الأشخاص دون الرجوع إلى قاضٍ، ويأخذ أوامره من وزير الداخلية مباشرة.. المسؤول عن التحقيق اسمه أحمد سلمان وهو عقيد بالمخابرات الإيرانية" .
منتظر السامرائي
المشرف السابق على القوات الخاصة في وزارة الداخلية العراقية
الرأي 20/11/2005
قلنا: وقد كشفت القوات الأمريكية! معتقلاً واحداً فقط من هذه المعتقلات والبقية تأتي.
إيران جاءت إلى العراق لتبقى
قالوا: "العملية السياسية الراهنة، التي يمثلها الدستور، من شأنها أن تضع العراق تحت السيطرة الإيرانية، فإيران هي المستفيد الوحيد من الحرب الأميركية على العراق، وإذا كان الأميركيون سوف ينسحبون من العراق عاجلاً أم آجلاً، فإن الإيرانيين جاءوا ليبقوا وليحكموا".
د. فهد الفانك
الرأي 31/10/2005(29/38)
قلنا: هذه الحقيقة لا تدرك بوضوح إلا من خلال معرفة عقائد الشيعة ومعرفة سياستهم المتلبسة بالتقية.
إيران من الداخل
قالوا: "تبدوا إيران من الخارج مجتمعاً متماسكاً وقوياً، غير أن نظرة متفحصة عن قرب تكشف الهشاشة التي تسري في مفاصلها. هذا مجتمع تنتشر فيه الأوبئة والفساد والاحتيال والرشوة والمخدرات والبطالة والقمع وغياب الحريات وقسر الناس على تبني آراء وأذواق وأزياء من دون إرادتهم. مجتمع تديره عصا السلطة التي تلتحف بالايديولوجيا، وتتحدث عن الأخطار الخارجية وتلح على الشجاعة وتلوح بالقوة".
نزار آغري النهار 20/10/2005
قلنا: توصل هذا الكاتب القادم من السويد إلى ذلك الواقع بعدما رأى إيران من الداخل، ورأى المدمنين والمرتشين ومظاهر الفساد في بلد يجلس على بحيرة من النفط.
بركات شيخ الزقازيق
قالوا: "في أوساط الفنانين والسياسيين وبعض كبار المسؤولين في مصر اسم بات معروفاً بشدة، وله قيمة نفسية وروحية كبيرة لدى الكثيرين من أفراد النخبة المصرية في كل فروعها.. الاسم هو اسم الشيخ (صالح أبو خليل) شيخ الطريقة الخليلية .
وائل لطفي روز اليوسف 29/10/2005
قلنا: فيما سبق تغلغلت الصوفية بين العامة والبسطاء، والآن بدأت تروج بين المسؤولين والسياسيين، لذلك أوضاع البلاد "خربانة"، فالمسؤولون والسياسيون الذين يرسمون سياسات البلد "مدروشون"، ومنتشون، وغارقون في بركات شيخ الزقازيق، وعلى البلد السلام.
لعبة حزب الله
قالوا: "يبدو أن دمشق تشن هجوماً معاكسا بدأه الرئيس الأسد بخطابه الساخن، وأكمله انسحاب وزراء حزب الله وأمل من جلسة مجلس الوزراء، وإعلان الطائفة الشيعية بأن التحقيق الدولي بشأن اغتيال الحريري، ورفع الوصاية السورية، لا يمكن أن يكونا مبرراً للاصطفاف ضد نظام دمشق".
طارق مصاروة الرأي 16/11/2005(29/39)
قلنا: لا غرابة أن يثير حزب الله الشيعي المشاكل لحكومة بلاده الحالية، لأنها عارضت النفوذ السوري، فحزب الله لا يتخيل نفسه بدون نظام الأسد.
مراجع صامتون
قالوا: "حين يسكت السادة المراجع على ما يجري لأن العرب السنة قد أصبحوا مستودعاً للإرهاب، فليس غريباً أن يكتشف العالم مسالخ يديرها عساكر بيان جبر وإبراهيم الجعفري" .
ياسر الزعاترة الدستور 20/11/2005
قلنا: متى يفهم الأستاذ ياسر الزعاترة حقيقة دين الشيعة، فيكف عن حسن الظن بهم!!
دروشة "روك"!
قالوا: "أنا أقدم أغنياتي في ثوب غربي، وهي الأكثر انتشاراً لدى المستمع العربي، وأيضاً الأوروبي".
المطرب الصوفي سامي يوسف
القدس العربي 11/11/2005
قلنا: ما يفتأ الصوفيون يقدمون لنا كل يوم صرعة جديدة. طبول ورقصات وإيقاعات وألحان وأغاني واختلاط وخرافة وشعوذة وسحر، مصطلحات لا تنفصل عن التصوف، ويظنون أنهم بذلك يخدمون الدين!
نجاد ينتظر المهدي المنتظر
قالوا: "بعد ثلاثة أشهر من تسلم أحمدي نجاد الرئاسة، بات الهمس يتصاعد من وجهة نظره فيما يتعلق بالأئمة الاثنى عشر. وطبقاً لإحدى الشائعات فإنه كان قد وضع حين كان رئيساً لبلدية طهران خطة جديدة للمدينة في حال عودة الإمام".
الغد 20/11/2005 نقلاً عن الفايننشال تايمز
قلنا: وسيبقى نجاد والشيعة ينتظرون المهدي المزعوم، ما دامت عقيدة المهدي المنتظر قامت على خرافة في خرافة.
الصدر وقبور السعودية
قالوا: "كل الشيعة في العراق وإيران ولبنان وباكستان وغيرها من الدول مستعدون لإعادة بناء قبور الأئمة الشيعة المهدمة في البقيع، وهذه أمنية كانت ولا تزال وستبقى في قلوبنا. إننا سنطلق حملة لجمع ثمانية ملايين توقيع وإرفاقها برسالة سبق أن كتبها السيد محمد صادق الصدر قبل ست سنوات، وطالب فيها الحكومة السعودية ببناء قبور أهل البيت في منطقة البقيع".
حازم الأعرجي أحد قياديي التيار الصدري
وكالة الصحافة الفرنسية 11/11/2005(29/40)
قلنا: الأولى أن يجمع الأعرجي والتيار الصدري 8 ملايين توقيع تطالب بإنهاء الاحتلال الأمريكي للعراق، وإنهاء الظلم الذي يتعرض له السنة في بلادهم.
و سؤال : لماذا يحق للشيعة التدخل في شؤون الآخرين؟
قانون بائس لمكافحة الإرهاب
قالوا: "القانون سيقوي عمليات تصفيات الحسابات ضد رموز القوى السنية، ... وسيقوي شوكة الميليشيات التابعة لأحزاب شيعية، والتي انخرطت في إطار قوات وزارة الداخلية، وهو يشكل تهديداً جدياً لمشروع الوفاق والمصالحة الذي تدعمه هيئة العلماء.
إرهاب الدولة المنظم سيتضاعف بعد دخول قانون مكافحة الإرهاب حيز التنفيذ".
عبد السلام الكبيسي عضو هيئة علماء المسلمين
الدستور 20/11/2005
قلنا: يتفنن الشيعة الحاكمون في العراق اليوم بإيذاء أهل السنة وقد سنوا لذلك القوانين، وأحدها قانون مكافحة الإرهاب والذي قال عنه وكيل وزارة الداخلية العرقية علي غالب "القوات العرقية تستعد لشن مزيد من العمليات العسكرية، وعمليات الدهم والاعتقالات، لأن القانون وفر غطاءً قانونياً لعمل هذه القوات" فإلى الله المشتكي .
الزرقاوي والحجتية
قالوا: "السؤال الذي يجب أن يطرح هو: هل هناك علاقة بين تنظيم القاعدة ومنظمة "الحجتية "، وهل أن استهداف (أبو مصعب الزرقاوي) لا قدس الله سره، لشيعة العراق، واستهدافه للأمن والاستقرار في الأردن هو من قبيل تنفيذ دعوات هذه المنظمة القائلة بضرورة ملء الأرض بالفوضى والظلم والجور، وإغراقها بالدماء، ليسارع المهدي إلى العودة المنتظرة ليملأها بالعدل والسلام" .
صالح القلاب الرأي 21/11/2005
قلنا: من يعرف "الخطة السرية لنشر التشيع" ير تطبيقها على أرض الواقع، فهل أعداؤنا شديدي الذكاء أم أن بعضنا شديد الغباء!
عراق صدام = عراق الجعفري والحكيم
قالوا: "تحصل الأمور نفسها التي كانت تحصل في عهد صدام حسين وربما أسوأ. هذا هو السبب الذي حاربنا صدام حسين من أجله واليوم نرى الأمور تتكرر" .(29/41)
إياد علاوي ذي أوبزرفر البريطانية
27/11/2005
قلنا: حلم العراقيون طويلاً بانتهاء حكم صدام وظلمه، فإذا بهم يأتيهم صدام جديد بجبة إيرانية وبأسماء عديدة: الجعفري، الحكيم، صولاغ،...
التحريض يصل إلى التلفزيون
قالوا: "القناة العراقية متحللة من أدنى مراتب الحياء بإطلاقها صفة الفسق على من هم أشهر من نار على علم في محاولة لتلويث سمعتهم. القناة عمدت إلى اتهام مجموعة فاضلة من أئمة المساجد السنيّة بتهم باطلة عارية عن الصحة بالتخطيط والتحريض على القتل".
هيئة علماء المسلمين -وكالة الصحافة الفرنسية
9/11/2005
قلنا: حتى أجهزة الإعلام التي يفترض أن تكون ممثلة لكافة الشعب العراقي، تستخدمها ميليشيات بدر وشبيهاتها للتحريض ضد أهل السنة وعلمائهم، والله المستعان.
شعر الخميني صوفية وخمر وقدح وحانة!
قالوا: "شعر الخميني كان مجرد أداة لإجلاء أفكاره الصوفية والعرفانية بعد خلوته وذكره والتفكر في أسرار الكون، وكان تأثير الفارسي شمس الدين حافظ الشيرازي فيه أوضح. وأورد تفسيراً لبعض مصطلحاتهم ومنها "الخمر" التي يراد بها "غلبات الشوق"... وأن ألفاظا مثل الكأس والقدح والحانة والخمارة تشير إلى ابتغاء المحبوب مشاهدة الأنوار الغيبية حيث يكون التجلي الذي يبدو من الأنوار الغيبية في قلب السالك".
د. محمد علاء الدين منصور
أستاذ اللغات الشرقية بجامعة القاهرة ومترجم ديوان الخميني
رويترز 19/10/2005
قلنا : جمع الخمينى التشيع و التصوف فكلاهما وجهان لعملة واحدة ، وهما في الضلال مشتركان .
جولة الصحافة
مسجد ضخم وحسينية تابعة له " لشيعة الأردن " في عبدون
قدس برس – عمان 29/11/2005(29/42)
لن يبقى مبنى السفارة الأمريكية المتمركز في ضاحية عبدون الراقية جنوب غرب العاصمة الأردنية عمّان، الأكثر فخامة وضخامة في تلك الضاحية الهادئة من العاصمة، فالأنباء تشير إلى أن رجال أعمال عراقيين، ممن جعلوا من الأردن مركزا لأعمالهم بعد انهيار الوضع الأمني في بلادهم، يسعون لدى السلطات الأردنية لتشييد جامع كبير للشيعة ملحق به "حسينية" على مساحة كبيرة من الأرض تقدر قيمتها لوحدها بأكثر من ثلاثة ملايين دولار.
ولم يعرف الأردنيون طوال السنوات التي تلت تأسيس دولتهم مطلع القرن الماضي شيئا عما بات يعرف باسم "التركيبة الطائفية"، فنحو 97 في المائة من سكان الأردن، هم من السنة بما فيهم الأقلية الشركسية والقوقازية التي نزحت إلى البلاد مطلع القرن الماضي، ولم تؤثر الهجرات التي شهدها الأردن قادمة من الغرب، بسبب الأحداث الإقليمية خلال العقود الماضية على "التركيبة الطائفية" في البلاد، إلا أن آخر عمليات النزوح، التي أتت هذه المرة من الشرق، ربما سيكون لها تأثيرا آخر.
وينظر مراقبون إلى تدفق عشرات الألوف من العراقيين إلى الأردن خلال السنوات الثلاث الماضية، بقلق، بالنظر إلى ما جلبه هذا "النزوح" من متغيرات اجتماعية كبيرة على الأردنيين. في الوقت الذي استطاع فيه العراقيون من تحقيق "خروقات" اجتماعية كبيرة، بالنظر إلى مئات الملايين من الدولارات التي أنفقوها في البلاد بسخاء مثير للجدل.
وبحسب رجال أعمال عراقيين، تحدثوا لمراسل "قدس برس"، فإن عددا من العراقيين الشيعة، الذين وصلوا إلى عمّان خلال الفترة الماضية، محمّلين بملايين الدولارات، التي حصلوا عليها من خلال "مشاريع إعادة الأعمار"، تقدموا بطلب لدى وزارة الأوقاف الأردنية، للموافقة على تشييد مسجد للشيعة في ضاحية "عبدون" الراقية، وملحق مع المسجد "حسينية"، وهي أحد أماكن التي يقيم فيها الشيعة شعائرهم الدينية.(29/43)
وأشار المصدر إلى أن رجال الأعمال العراقيين رصدوا مبلغا كبيرا لهذا المشروع، حيث قرروا إقامته على قطعة أرض تملّكوها مؤخرا تتجاوز قيمتها ثلاثة ملايين دولار أمريكي. وبالرغم من أنه لم يتسنى التأكد من وزارة الأوقاف حول صحة هذا الخبر، إلا أن مؤشرات عديدة في البلاد تجعل منه خبرا "مقبولا".
ورفض مراقب تحدثت معه "قدس برس" فكرة خلو المجتمع الأردني من الشيعة بصورة تامة، مشيرا إلى أن شمال الأردن شهد تواجدا مبكرا لأتباع هذا المذهب الإسلامي، أتى مع بعض المهاجرين الشيعة من الجنوب اللبناني، حيث عرف عن عدد من العوائل التي تسكن محافظة أربد (80 كيلومترا شمال العاصمة) بأنها تنتمي إلى هذا المذهب.
إلا أن مصادر رسمية أشارت إلى أن العدد الأكبر من المستثمرين العراقيين الذين حصلوا على الجنسية الأردنية خلال الفترة الماضية، هم من العراقيين الشيعة.
وبحسب اعتقاد المراقب، فإن اتصالا سريعا تم بين عوائل شمال الأردن مع القادمين من العراق، أسفر عن تنشيط "شيعة الأردن". وكانت محاولات سابقة قام بها أكاديميون أردنيون مطلع التسعينيات من القرن الماضي للفت النظر إلى التواجد الشيعي، باءت بالفشل لأسباب تتعلق برفض المجتمع الأردني للفكرة من جهة، واعتقاد الجهات الأمنية الأردنية أن هذه المحاولات مدفوعة من الخارج من جهة أخرى.
وعلى الصعيد ذاته، أكدت مصادر إعلامية في الأردن، على أن عدداً من أتباع المذهب الشيعي يبذلون مجهودات من أجل تأسيس جمعية تمثل أنشطتهم تحت اسم "جمعية الإمام الحسين".(29/44)
يشار إلى أن الحكومة الأردنية، قامت خلال السنوات الماضية، بتشييد مسجد كبير عند مرقد الصحابي جعفر بن أبى طالب، الذي استشهد في معركة مؤتة، التي تعتبر من أهم معارك بداية العهد النبوي. وتم تشييد المسجد بتمويل من الحكومة الإيرانية، في فترة شهدت فيها السياحة الدينية الشيعية إلى الأردن ازدهارا، حيث لم يكن بمقدور الزوّار الإيرانيين زيارة المراقد المقدسة في النجف وكربلاء خلال العقد الأخير من فترة حكم النظام العراقي السابق.
كما ساهم انفتاح العائلة الهاشمية في الأردن، بحكم نسبهم الطاهر بالعودة الى بيت النبوة بالانفتاح على الشيعة احتضان عدد من المؤسسات التي أسهمت في إبراز مفكرين شيعة وأكاديميين إيرانيين وعراقيين ، حيث تمكن هؤلاء الأكاديميون أواسط التسعينيات من القرن الماضي، لأول مرة من التدريس في جامعة "آل البيت" الحكومية في الأردن، وهي الأكاديمية التي تقربت من الفكر الشيعي بصورة كبيرة.
الثورة الإيرانية الثانية
أبو يزن الدستور 14/11/2005
لم تكن إيران يوما في وضع استراتيجي مواتٍ مثلما هي عليه اليوم منذ أن أفل عصر ''الدولة الصفوية'' قبل عدة قرون، فهي إذ تبوأت منذ انتصار ثورتها الخمينية الأولى عام ،1979 موقع ''المركز'' للشيعة و''الشيعية السياسية'' على اختلاف تلاوينها و تدرجاتها في العالم، فإنها بعد 26 عاما من ذلك الحدث التاريخي، تمتلك اليوم، أدوات قوة واقتدار تتخطى حدودها إلى الإقليم الشرق أوسطي الكبير برمته.
إيران تتوفر على قدرة بشرية واقتدار اقتصادي هائلين، عززتهما طاقات عسكرية بنيت بصمت وإحكام على مستوى برامج التسلح التقليدي ونظم الصواريخ بمدياتها الثلاثة القصيرة والمتوسطة والبعيدة المدى، وهي بالنسبة لكثير من دوائر الاستراتيجيا والاستخبارات الدولية، تقف على مرمى حجر من استيفاء شروط العضوية في ''نادي الدول النووية''.(29/45)
وإيران توفرت على موقع نفوذ وحدائق خلفية لدورها الإقليمي من دون أن تبذل أي جهد أو قطرة دم واحدة، فواشنطن خاضت نيابة عنها، حربين كونيتين، جاءت نتائجهما لتصب القمح صافيا في طاحونة المشروع الإيراني لبناء القوة الإقليمية العظمى، وها نحن نشهد حركة انتعاش غير مسبوقة للنفوذ الإيراني بدءا من حدودها الشرقية مرورا بالعراق المتحول من خصم تاريخي تقليدي إلى جرم تابع يدور في فلك طهران وتطلعاتها الإقليمية العابرة للحدود، وانتهاء بـ''جيوب'' و''مواقع أمامية'' لا يستهان بها على امتداد الخليج وبلاد الشام وصولا لأرض الكنانة التي لم تغادر ''فاطميتها'' بعد.
وثمة ما دعا كثيرا من المراقبين بالأمس، ويدعوهم للاعتقاد اليوم، بأن نتائج الانتخابات الإيرانية وما أعقبها ولحق بها، من تغييرات في بنية الدولة وتوزانات القوى، وما ترتب عليها من مواقف وسياسات بما فيها تلك المتصلة بشطب إسرائيل من أطلس العام، ليست سوى محاولة لإطلاق ''ثورة إيرانية ثانية'' أو وفقا لتعبيرات ريجيس دوبريه ''ثورة في الثورة''، بيد أن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل يمكن إطلاق ثورة إيرانية ثانية في زمن غابت في الثورات عن مسرح السياسة الدولية المحكومة بنظام القطب الواحد والدولة العظمى الوحيدة؟.(29/46)
عند هذه النقطة بالذات، يدور التساؤل حول ما الذي تريده إيران حقا؟...ما الأهداف الحقيقية التي تتوخى تحقيقها تحت ستار كثيف من الشعارات البراقة والجذابة، ومن النوع المألوف كتدمير إسرائيل؟ .. هل نحن بصدد انتصار الإيديولوجيا وتصدير الثورة و''الثورة الدائمة'' على حد تعبير المفكر الماركسي ليون تروتسكي؟...أم أننا امام محاولة جديدة أو متجددة لإنجاز ما عجزت ''الثورة الأولى'' عن إنجازه: بناء ''الامبراطورية'' الإيرانية بكل ما لها من امتداد ونفوذ إقليميين، مسيجين بالدرع الصاروخي والنووي إن صحت التكهنات والمخاوف؟...وأخيرا هل للثورة الإيرانية الثانية فرص وحظوظ للنجاح في بناء مشروع الدولة / الإمبراطورية أفضل من تلك التي حظيت بها الثورة الأولى بعد أن تكسرت أمواجها الواحدة تلو الأخرى على صخرة حرب الثماني سنوات مع نظام صدام حسين البعثي؟ إن المتتبع للسلوك الفعلي لإيران منذ اندلاع ثورتها الأولى، لن يصعب عليه اشتقاق الإجابة عن سؤال: ماذا تريد إيران؟...فما تريده طهران هو ذاته ما تريده الدولة، أي دولة بالتعريف، بناء الاقتدار وجمع أوراق القوة والذود عن المصالح القومية وتعظيمها، وهذا ما تكشفت عنه وبرهنت عليه، السياسة الإيرانية في السنوات الأخيرة على وجه التحديد.(29/47)
الفرصة متاحة اليوم أمام الثورة الإيرانية الثانية لتحقيق أهداف الثورة الأولى، والشروط الجيو استراتيجية والاقتصادية متوفرة كما لم تتوفر من قبل، بيد ان الطريق إلى هذا الهدف ما زال محفوفا بالمصاعب والمفاجآت الكامنة، فثمة خصوم إقليميين لطهران يتابعون عن كثب ''انفجار القوة والنفوذ الإيرانيين'' من تل أبيب الهجوسة بأسئلة البقاء والوجود، إلى أنقرة المتطلعة لدور يمتد بامتداد قوس الأزمات وانتشار الناطقين بالتركية، من القوقاز وآسيا الوسطى حتى البلقان مرورا بالشرق الأوسط والخليج وامتدادا إلى الفضائين الأوروبي والأطلسي، وثمة معادلات دولية لن تسمح لإيران، ما لم تظهر الكثير من التحول في مبنى ومعنى سياساتها ونظامها، ان تظفر بالنجاح وتبلغ نقطة اللاعودة، ما يعني أن اغتنام مثل هذه الفرصة الممكنة، وتذليل العقبات الصعبة التي تعترضها، ما زال بحاجة لكثير من الحكمة والحنكة، وهاتان ميزتان برهنت طهران أيضا على امتلاكهما في مواقع ومواقف شتى، وتلك خلاصة أخرى لا يصعب على المراقب اشتقاقها وهو يقرأ تجربة إيران الحديثة بثورتيها الأولى والثانية.
التيار الصدري وجيش المهدي الخديعة الكبرى؟
همام عارف ـ بغداد - مجلة العصر
يبدو أن أولئك الذين صوروا التيار الصدري وجيش المهدي على أنهم الطليعة المناهضة للاحتلال من الشيعة، أخطأوا التقدير. والعبرة في الغالب بالإنجازات لا بكثرة الشعارات، والمواقف في طبيعتها أفعال وليست أقوال، والسؤال الذي يطرح نفسه: ماذا فعل مقتدى الصدر.. الباحث لنفسه عن مكانة بين المرجعيات التي تريد أن تلتهم الساحة الشيعية؟؟ المراقب والمتتبع للوضع يجد أن هذا الشاب لم يقدم سوى الكلام، وهذه بعض الحقائق:
1ـ جيش المهدي لم يتعرض للقوات الأميركية أبداً في أي مكان ولم يحمل السلاح لمواجهتهم، إلا في مرات معدودة عندما احتك بهم الأميركان وعندما أحس الصدر وأتباعه بأن مصالحهم الخاصة مهددة.(29/48)
2ـ ما حدث في النجف كان إثر قرار إلقاء القبض على مقتدى بعد اتهامه بالضلوع بمقتل عبد المجيد الخوئي، والاتهامات الأخرى بسرقة أموال ضريح علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، ولم يكن خروجه لجهاد أو لمقاومة بل دفاعاً عن مصالحه وخوفاً على نفسه من الاعتقال، ولم يخرج أتباعه إلا عندما تعرض قائدهم لخطر الاعتقال، والوضع أشبه بعصابة وقائدها.
3ـ إن المتتبع لأحداث النجف والثورة من اليسير عليه أن يُحصي الخسائر الأميركية والتي لا تتجاوز أصابع اليدين، وهذا الرقم أقل مما يخلفه أصغر فصيل من فصائل المقاومة العراقية الكثيرة يومياً.
4ـ لو تم رصد نشاطات جيش المهدي، فإنه سيتبين نشاطه العسكري لم يكن تجاه قوات الاحتلال، بل كان ضد أهل السنة باسم محاربة البعثيين والوهابية، ولم ننس بعد شعاراته الأولى التي خطت على الجدران وعلى صفحات جرائده الرسمية وغير الرسمية (جيش المهدي يواصل مسيرته في قطع أعناق البعثيين).
5ـ لم ننس بعد كيف باع جيش المهدي سلاحه للأميركان، ولم ننس طوابير الواقفين لبيع الأسلحة مقابل حفنة دولارات ومجلات خليعة!! إن هذا الفعل القبيح يتنافى مع أبسط القيم الوطنية والإسلامية، فعلى مر التاريخ لم نسمع أن شخصاً أو تياراً وطنياً باع سلاحه لعدوه، بل من شعارات الجيوش المشهورة (سلاحك شرفك)، فعجباً.. كيف يبيع مخلص وطني شرفه للمحتل؟
6ـ لنسأل: من هم أعضاء جيش المهدي؟ الجواب يسير: هم أنفسهم الذين سلبوا ونهبوا بغداد ومحافظاتهم وأحرقوا دوائر الدولة والمتاجر والأماكن العامة، ثم لما فضح مقتدى بأتباعه وبانت خزاياهم بدأ يفتي بأن أموال (الحواسم) حرام ويجب أن ترجع للمرجعية.. والعمود الفقري لجيش المهدي هم غالبية سكان مدينة الثورة.(29/49)
7ـ جيش المهدي هو الذي أحرق شركة نفط الجنوب بالبصرة واستهدف أنابيب النفط أيام أزمة النجف، هذا ما صرّح به أسامة الأعرجي ممثل مكتب الصدر في الناصرية يومها، وما هدد به من نسف أنابيب النفط والآبار في الجنوب، وهو -أي جيش المهدي- من سرق أيامها دوائر الدولة عندما سيطر على بعض المناطق وقتها.
8ـ التيار الصدري هو الذي أقام المحاكم التي تُحاكم الشيعي الذي أصبح سنياً، وتقيم عليه حد الردة!! وهذا ما كان يعانيه أهل السُنة في الجنوب أوائل أيام الاحتلال، وكشفت جرائمهم أيام حكومة علاوي عندما عُثر على مخابئ هذه المحاكم والجثث التي كانت فيها.
9ـ أتباع مقتدى هم أنفسهم من اغتصب أكثر من ثلاثين مسجداً من مساجد أهل السُنة في بداية الاحتلال، وعندما ذهب وفد من علماء السنة إلى مقتدى استفسر منهم عن عدد المساجد التي استولى عليها أتباعه، وعندما قيل له إنها ثلاثون مسجداً رد ساخراً: (ثلاثين فقط، يجب أن نتقاسم المساجد مناصفة).
10ـ جيش المهدي هو الذي يمارس الطائفية في المناطق التي ينتشر فيها كمناطق جنوب بغداد مثلاً (المحمودية واللطيفية وغيرها)، ودليل ذلك الاستعراضات الراجلة والآلية والشعارات الاستفزازية التي يرددونها، منها: (لو فك حلكه السيد نمسح اللطيفية وما بيها)، و(يلاكونا لو بيهم زود).
11ـ جيش المهدي لبنة من لبنات ما يسمى الآن بالجيش العراقي وقوات مغاوير الشرطة وبقية الأجهزة الأمنية، ولواء الذئب كثير من أفراده صدريون، يشهد على ذلك أفراد هذه القوات ورفعهم صور مقتدى واستفزازاتهم في المناطق السُنية بفتح مكبرات الصوت على (لطميات) و(مجلس حسينية) صدرية، ويشهد على ذلك أيضاً التسجيل بالصوت والصورة لمقتدى الصدر عند لقائه بأتباعه من تلعفر، وهو يعدهم بالتنسيق مع الجعفري وإرسال سرايا من جيش المهدي للقضاء على (الوهابية) هناك!! والتسجيل مشهور ومنتشر.(29/50)
12ـ جيش المهدي تصادم بقوة مع المقاومة العراقية واشتبك معها في مناطق عدة، كما حصل في النهروان واللطيفية واليوسفية والمحمودية، إضافة إلى حملات المداهمات التي ينفذها أفراد جيش المهدي بصورة رسمية -بواسطة الجيش والشرطة- أو غير رسمية وهدفها القضاء على المقاومة.
13ـ. عندما قامت قوات الاحتلال الأميركي بمهاجمة مدينة الثورة في تشرين الأول عام 2005م لاعتقال بعض الأشخاص، أمر مقتدى أتباعه بالهدوء والامتناع عن مهاجمة قوات(الائتلاف)على حد قوله، وزعم أن هناك من حاول أن يدق إسفيناً بين تياره وقوات الائتلاف من خلال استهداف دورية أميركية على مشارف مدينة الثورة لتأجيج الصراع بين الأميركان وتيار الصدر، واتهم (الإرهابيين التكفيريين) بذلك.
14ـ عند حصول حادثة جسر الأئمة، خرج المتحدثون باسم الصدر ليوسعوا الشق ويوجهوا أصابع الاتهام إلى المقاومة العراقية أو ما يسمونه هم بالإرهاب، حيث حرض حازم الأعرجي خطيب الصدر في الكاظمية على ملاحقة (الإرهابيين الكفرة) وقتلهم والانتقام لدماء الكاظمية!! وخرج حسن الزرقاني ممثل العلاقات الخارجية للصدر من لبنان متهما أهل السُنة علانية على شاشة الجزيرة بإيواء (القتلة الإرهابيين) وتحريضهم على قتل الشيعة الأبرياء!
* التيار الصدري... والعملية السياسية:(29/51)
عودنا التيار الصدري من يوم خروجه للساحة بالتلون حسب الظروف والمصلحة، ومن ذلك دخوله للعملية السياسية مع تظاهره بمقاطعتها لاستمالة بعض الأطراف الساذجة من أهل السُنة وبعض العلمانيين الفارغين إليه وخديعتهم لمقاطعة العملية السياسية في ظل الاحتلال -حسب زعمه-ومقاطعة الانتخابات التي جرت في كانون الثاني2005، واستطاع التيار الصدري وبمكر من خداع هؤلاء الذين يظنون به خيراً وذهب للانتخابات بكل قوة، والأدهى أن التيار الصدري كان -ولا زال- جزءاً من الائتلاف (العراقي) الموحد، بل الكتلة الأكبر فيه حيث حصل على مقعداً وثلاث وزراء في حكومة الجعفري، وهم أنفسهم الذين علقوا عضويتهم في الجمعية الوطنية وفي الحكومة أيام الأزمة بين تيار مقتدى وفيلق بدر والاشتباكات التي جرت بينهم في بغداد ومناطق نفوذ الصدر في الجنوب في آب 2005.
ظل هذا التيار يماطل ويُخادع ويرفع الشعارات وهو داخل الجمعية الوطنية التي كتبت دستور التقسيم وداخل حكومة الجعفري التي طلبت تمديد بقاء قوات الاحتلال في العراق لمرتين، ونتساءل: أين إذن شعارات الصدر وجيشه من كل هذا. وهل نسينا أن مقرر لجنة صياغة الدستور هو بهاء الأعرجي أحد رموز التيار الصدري، وأن اللجنة والجمعية الوطنية وافقوا بالإجماع على دستور التقسيم الأسود!(29/52)
ومما يحز في النفس الموقف المتلون لبعض رموز هيئة علماء المسلمين الذين لا يدخرون جهدا في تمجيد مقتدى الصدر وأتباعه، كما حصل مؤخراً من زيارة عبد السلام الكبيسي الأخيرة لمقتدى في مقره بالنجف، وما تفوه به عبد السلام من تمجيد لهذا الشاب، في حين يتكلم مقتدى بكل وقاحة على أهل السُنة ويصفهم بـ(الوهابية) و(التكفيرية).. وعبد السلام ساكتٌ لا يدافع عنهم! وليس ببعيد عنه ما صرح به محمد عياش الكبيسي في أحيان كثيرة إلى درجة أنه في إحدى اللقاءات التلفازية كان معه حسين الشهرستاني في شهر آب 2005 ، وعندما بدأ عياش يستشهد في أن السُنة ليسوا وحدهم من قاطع العملية الانتخابية، بل إن التيار الصدري هو الآخر قاطع العملية السياسية.. رد عليه الشهرستاني رداً قوياً أسكت به عياش عندما قال له: "إن هذا الكلام غير صحيح، وأريد أن أبين هذه الحقيقة كي لا تبقوا ترددونها في هذه الفضائية وتلك وتستشهدون بهذا الأمر غير الحقيقي: إن التيار الصدري هو أكبر كتلة في قائمة الائتلاف، وهو يملك مقعداً في الجمعية الوطنية".
مقتدى الصدر: الحرب الطائفية موجودة والمحتل يؤججها
الوطن العربي ( باختصار ) ـ العدد 1495ـ 28/10/2005
يعد تيار السيد مقتدى الصدر وميليشياته المسلحة المنتشرة في أغلب المدن العراقية وخاصة المناطق الشيعية والتي يطلق عليها (جيش المهدي)، من أهم التيارات التي ستكون لها بصماتها في السياسة العراقية في مرحلة ما بعد الاستفتاء على الدستور والانتخابات المقبلة، ولهذا فإن طروحات السيد مقتدى وتفسيراته ومواقفه الأخيرة من الاحتلال والتي حصلت "الوطن العربي" على إجابات عنها ـ خلال هذا الحوار معه ـ تعد من المسائل المهمة للذين يتابعون الشأن العراقي ـ وفيما يلي نص الحوار:
ـ سماحة السيد مقتدى الصدر.. هنالك من يقول إنه في حالة انسحاب قوات الاحتلال الأميركي فإن العراق سيدخل في دوامة الحرب الأهلية بين السنة والشيعة.. ما هو ردكم؟(29/53)
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.. الحقيقة أن الغرب يحاول بشتى الوسائل تقسيم العراق والبقاء أطول فترة ممكنة ليأخذ ما يريد ويترك الباقي للشعب، وهو يسعى لأن يجد الحجج الكثيرة لبقائه.. ويسعى سرا وعلنا في ذلك.. ومن تلك الأمثلة أنه أصدر قراراً سرياً بمنع الأسلحة عن الجيش العراقي والشرطة، وفي الوقت نفسه يصرح بأنه لن يرحل ما دام الجيش والشرطة ضعيفين، وهو يبقى مضعفا لهما ليبقى أطول.. ويمنعهما من دفع الإرهاب عن الشعب العراقي، ومنها أيضاً ترويجه بأنه في حالة خروجه ستحدث حرب أهلية..
الآن الحرب الطائفية موجودة شئنا أم أبينا، بوجود الاحتلال هناك حرب طائفية موجودة ومن دونه موجودة أيضا، فهل الأفضل وجود المحتل مع الحرب الأهلية.. أم الحرب الأهلية بدون المحتل؟! قطعا بدون المحتل أولى.. واحد أفضل من اثنين.. دائماً نرى تصادمات سياسية أو دينية أو عشائرية بين طرفين.. متى رأيت المحتل يتدخل لحل هذه الصدامات؟! أعطني مثالاً واحداً إذا كنت تقول إن المحتل درأ الفتنة؟ بل بالعكس هو يزيد الطين بلة ويشعل النار في الحطب... أنا أقول إن بعض الأطراف التي تستفيد من بقاء المحتل تستعمل هذه العبارة كورقة ضغط على الشعب العراقي لكي لا يطالب بخروج المحتل.
[ لاحظ أنه لا يستنكر الحرب الطائفية ! ؟ المؤيد لوجود المحتل هم الشيعة وليس السنة المضطهدين من الصدر وإخوانه الشيعة والمحتل ؟؟ الراصد ]
العبارة كورقة ضغط على الشعب العراقي بأنه إذا خرج المحتل فإن مقتدى الصدر سيشعل فتيل الحرب الطائفية.. ويشهد الله أنا ـ والكلام للسيد الصدر ـ في وجود المحتل وعدم وجوده لا أمد يدي على عراقي مهما فعل.. [ راجع مقال التيار الصدري لتعرف الحقيقة . الراصد ] أما غيري إذا أراد أن يمد يده فهذه المسألة خاصة به.. فهذا الذي لا يخاف الله ويخاف المحتل ماذا ترتجي منه؟! وهو في قعر جهنم وساءت مصيراً..(29/54)
.....وأنا أقول إن خروج المحتل هو نصر للشعب العراقي لأن العراقيين لم يصوتوا في الانتخابات ولم ينتخبوا إلا لكون المرجعية قد قالت إن الانتخابات هي مقدمة لخروج المحتل.. والله لو كانوا يعلمون أن الانتخابات ليست مقدمة لخروج المحتل لما تدخلوا في الانتخابات.. وقبل المحتل أيضا كانت هناك حرب أهلية في العراق.. كان صدام يقتل العراقيين بصورة سرية والآن القتل بصورة علنية. [ لاحظ التزوير إجرام صدام نال السنة أكثر من الشيعة ولم يكن إجرامه من منطلق طائفي بل من منطلق بعثي شيوعي . الراصد ]
نظرة للفيدرالية
ـ في هذه الفترة تتعالى الأصوات للدعوة إلى فيدرالية.. ما منظور السيد مقتدى الصدر لهذه الدعوة؟
يا أخي الديمقراطية تعني حكم الأغلبية مع ضمان حقوق الأقلية ـ وأعني بالأغلبية المسلمين ـ والمسلمون هم الأغلبية في العراق، والذي فرق بين السنة والشيعة هم المحتل والنواصب.. فلماذا يطالبون بالفيدرالية؟ [ لايكف عن التلاعب بالحقائق أين هم النواصب ؟ أنه لا يعنى سوى السنة كلهم !! والذي يطالب بالفديرالية هم الشيعة وليس النواصب السنة !! الراصد ] لا أعلم.. والعصي إذا افترقت، تكسيرها أسهل من أن تكون مجتمعة.. هم شغلونا بهذه الأمور الفرعية لنترك المسألة الرئيسية وهي خروج المحتل. وإني قد دعوت قيادات الأحزاب والحركات لأن تتوحد ولم يردوا علي.. ثم ما هو رأي المرجعية بالفدرالية؟! كما أن الحكومة قد اتخذت قرارات مصيرية وأعلنت عن أشياء لم تأخذ فيها حتى رأي الجمعية الوطنية المنبثقة من الانتخابات.
ـ هنالك الكثير من السياسيين يحملون راية (نحن صدريون) ويدعون بأنهم يمثلون التيار الصدري، ولكن حينما يحتدم الأمر يقولون نحن صدريون ولسنا (مقتديين) وبعضهم استثمر ذلك للدخول للبرلمان والمجالس البلدية.. فما تعليقك على هؤلاء؟(29/55)
المجالس البلدية موضوعة الآن في زاوية التهم والشبهات لأنها وجدت كي تضرب ولكي تسقط في نظر الناس من الذين انتخبوها، فمنذ انتخابها وهي للأسف موضوعة في زاوية يحاصرها المحتل من كل جهة وبكل الوسائل مادياً وإعلامياً، فأعضاء المجالس البلدية الآن تجدهم مكتوفي الأيدي، وعليه فإن صعود العملاء إلى المجالس البلدية ومجالس المحافظات هو أحسن من استيلاء المحتل على آراء المؤمنين وخاصة إذا كانوا لا يستطيعون التغيير.. وكل من لا يستطيع فعليه أن ينسحب أفضل من البقاء لعبة بيد الأميركيين. [ من هم العملاء ولمن ؟ للصدر والشيعة أم للاحتلال ؟ وما الفرق بين المحتل و العميل ؟؟ الراصد ]
تحسين العلاقة بين القوى الرسمية والحوزة مطلوب، ومهما حاول العدو زرع الفتنة فسوف نبقى إن شاء الله بقدر المسؤولية وتبقى الحوزة هي الأول والآخر.. ويبقى الشرع مقدماً على السياسة.. ما خالف الشرع ينبذ وما وافق الشرع يطبق، يجب ألا ينسى السياسيون الدين.. وهذا ما يريده العلمانيون ونحن بعيدون عن العلمانية.. وأنصح جميع العراقيين بنبذ الطائفية والفرقة والسعي إلى ما فيه الوحدة لكي نكون يداً واحدة في اعمار العراق وتثبيت الأمن فيه.. وليتذكر السياسيون أن الذي أوصلهم إلى مواقعهم هو الشعب العراقي فيجب أن يخدموا هذا الشعب.
وعلى السياسي أن يخدم المجتمع ككل، فالشيعي يخدم الجميع والسني يخدم الجميع، ويحب ألا تميل من طرف إلى طرف آخر فتكون ظالما لنفسك وللآخرين، وأنا أعتبر أن هذه الفترة للحكومة هي فترة تسقيط، فيجب على السياسي أن يدق وتداً للخير فيها.
الدنيا حرمت علي!
ـ لماذا لا تترشح في الانتخابات المقبلة؟(29/56)
أنا كشخص إن لم أحرم الدنيا على نفسي فإن الدنيا قد حرمت علي [ حتى الخمس والمتعة ؟ أم هذه من الطاعات و القربات ؟ الراصد ]، هذه مناصب دنيوية ولا أتدخل بها لا من قريب ولا من بعيد، وأي مؤمن يجد في نفسه الكفاءة وأنه قادر على الإصلاح فليتقدم، فالعراق عراقكم والمناصب مناصبكم ولكن لا يستغلها في أمور دنيوية..
هذا من جانب، ومن جانب آخر وجود المحتل، إذا أنا وصلت إلى منصب وطالبت بخروجه، فمن الذي سيسمعني؟! وسأطالب بقانون معين، فأنا مسلم لا أقبل بالقانون الوضعي، فالقوانين الوضعية سيفتتحون من خلالها بارات خمر وبها فساد للشباب، وحقوق المرأة الزانية وثقافة غربية، فهل أنا أستطيع أن أمنع هذا؟! هم يصرفون المليارات على هذه الأمور، ولا يصرفون على المؤسسات الخدمية والصحية أي شيء.. [ هذا في الخيال طبعاً . الراصد ]
....
ـ ما هو واجب المواطن في التصدي للجماعات الإرهابية والتكفيرية التي تقتل الناس على الهوية؟
على الجيش والشرطة التصدي لهم.
ـ وماذا عن الإبلاغ عنهم للجهات المسؤولة؟
إذا كان الإبلاغ ضد المقاومة فإني لا أقبل.. وإذا كان ضد الإرهابيين فأنا أقبل.
التحقيقات في فضيحة سجن الجادرية بدات والعراقيون
بانتظار معرفة الجناة
موقع الملف نت – بغداد 23/11/2005
كشف تقرير أميركي بشأن التحقيق بملابسات معتقل الجادرية السري، تم تسليمه أمس إلى وزير الداخلية باقر جبر صولاغ، أن عدد المعتقلين الذين عثر عليهم في المعتقل 168 شخصاً فقط وليس 173 كما أعلن من قبل.
وطبقاً للتقرير الذي تسنى لـ ( الملف نت) الاطلاع عليه فان المعتقلين هم: 66% من العرب السنة و33% من الشيعة ومسيحي واحد، وواحد من منتسبي منظمة بدر، بينما كان هناك سجين واحد في المستشفى.
ويأتي تقديم التقرير الأميركي إلى وزير الداخلية صولاغ في وقت تواصل فيه لجنة التحقيق المشكلة برئاسة نائب رئيس الوزراء روز نوري شاويس عملها بالتحقيق في قضية مديرية تحقيقات الجادرية.(29/57)
وقال وكيل وزارة الداخلية اللواء حسين علي كمال في تصريحات صحفية إن نتائج التحقيق في هذا الملف ستعلن خلال الأسبوعين المقبلين وسيتم اتخاذ الإجراءات القانونية ضد من يثبت تورطه بأي خرق للقوانين الإنسانية وقوانين حقوق الإنسان مشيرا إلى أن هذه القضية على قدر كبير من الأهمية سواء على المستوى المحلي أو الخارجي لأنها تعكس صورة الواقع السياسي في العراق.
ونفى أن تكون أية جهة سياسية عراقية قد أثارت هذا الموضوع لتحقيق هدف سياسي بل انه تزامن عن طريق الصدفة مع انعقاد مؤتمر الوفاق العراقي في القاهرة وكذلك قرب موعد الانتخابات المقبلة.
ومعتقل ملجأ الجادرية يعد واحدا من بين 4 معتقلات تشرف عليها وزارة الداخلية في بغداد، بينما تتبع الثلاثة الأخرى بحسب اللواء حسين علي كمال إلى دوائر الأمن والاستخبارات والمغاوير.
لكن مصادر مقربة من د. احمد الجلبي نائب رئيس الوزراء قالت إن معتقل الجادرية السري ليس الوحيد في العراق، إذ أن هناك معتقلات وسجون أخرى، مثلا هناك سجن في الكوت يجب أن يجري التحقيق في وضعه، ومعتقلات في المدائن يجب إجراء التحقيق في وضعها، ومناطق أخرى من العراق، وجميع هذه السجون كما تقول هذه المصادر هي خارج سلطة وزير الداخلية. دون أن تشير إلى الجهة التي تمتلك السلطة على تلك السجون؟!.
وكان "الملف نت" كشف في وقت سابق عن وجود سجون سرية أخرى، يتعرض فيها المعتقلون لشتى أنواع التعذيب، منها ما ذكرته مصادر المؤتمر.
وتتنافى ما تقوله مصادر المؤتمر الوطني العراقي مع تأكيد وزير الداخلية بان المعتقل خاضع لسيطرته، فضلا عن اعترافه بارتكاب التعذيب بحق سبعة من المعتقلين.
وتقول المصادر إن الجلبي سبق أن حذر من وجود مثل هذه المعتقلات، وأنه " الجلبي" لم يكتف بالكلام فقط بل اتخذ إجراءات، وأرسل لجنة للتحقيق في سجن الكوت، وللأسف بعد أن قامت بعمل جيد تم تعطيل عملها، على حد قوله.(29/58)
وأشارت إلى انه وبعدما حدث في هذا المعتقل، يتوجب على الحكومة الانتباه لمثل هذه الظواهر ومعالجة أية انتهاكات لحقوق الإنسان.
يشار إلى أن القوات الأميركية اكتشفت معتقل الجادرية مطلع الأسبوع الماضي عندما كانت تبحث عن صبي مفقود أصرت والدته التي كانت ترافقهم انه محتجز في إحدى البنايات في منطقة الجادرية. وقد تزامنت فضيحة معتقل الجادرية مع مرور عام على فضيحة تعذيب العراقيين في سجن أبو غريب على أيدي الأميركيين.
ويوم الجمعة الماضي هاجمت سيارتان مفخختان المنطقة التي يقع فيها المعتقل وفندق الحمراء، وبينما لم تعلن أية جهة مسؤوليتها عن الهجوم سارع الناطق الرسمي للحزب الإسلامي باتهام الحكومة بتدبير الانفجار " لطمس معالم الجريمة وإعاقة التحقيق" على حد قوله.
وينتظر العراقيون بفارغ الصبر النتائج التي ستفضي إليها التحقيقات ويشددون على إن لا تنتهي إلى النهاية التي انتهت إليها التحقيقات في مأساة جسر الأئمة ، وإذا ما سارت التحقيقات سيرا حسنا ستترتب عليها مسؤولية سياسية، يتساءل المراقبون من سيدفع ثمنها؟ هل ستدفع حكومة الجعفري كلها الثمن؟ أم وزير الداخلية؟ أم احد المسؤولين الكبار في الوزارة ؟ أم هل سيدفع الثمن الفصيل المتهم بارتكاب تلك الانتهاكات؟ وماذا سيجري بخصوص الوزير نفسه الذي اعترف بان الانتهاكات لحقوق الإنسان مع سبعة من المعتقلين تمت بأوامره؟
يشار إلى أن رئيس لجنة التحقيق روز نوري شاويس كان سلم الجعفري قبيل مغادرته إلى القاهرة للمشاركة في الاجتماع التحضيري لمؤتمر الوفاق الوطني العراقي ملفات تحقيقية أولية، من المحققين الذين كلفهم في وقت سابق بكشف الحقائق في فضيحة تعذيب معتقلين في سجن “ملجأ الجادرية” التابع لوزارة الداخلية.
مخطط ايراني للقضاء على المعتدلين العراقيين
موقع الملف نت - عمان 16/10/2005(29/59)
تستعد إيران لإطلاق عملية إستخبارية ضخمة في العراق تستهدف القضاء على نشطاء السنة والعلمانيين، في المرحلة التي تسبق موعد الانتخابات العراقية المقبلة.
وفيما تتواصل الانتقادات التي تكيلها شخصيات عراقية وعربية للتدخل الإيراني في الشأن العراقي الذي يتخذ شكلا مبرمجا ومدروسا ، تضرب طهران بهذه الانتقادات عرض الحائط، وتستعد لنقل تدخلها إلى مرحلة أعلى تستهدف القضاء على خصومها في العراق الجديد.
وفي هذا الصدد تكشف تقارير عراقية النقاب عن توجه إيراني لضبط حركة النشطاء العرب السنة في العراق .
وتشير التقارير التي تلقت "الملف نت" نسخة منها أن احد قادة المجموعات العراقية القريبة من طهران زار العاصمة الإيرانية في تموز الماضي واجري مع المسؤولين الأمنيين والسياسيين الإيرانيين محادثات بهذا الخصوص .
ابرز ما تسرب عن تلك الاجتماعات وفق مصادر داخل القوى صاحبة "الهوى الإيراني" أن المشاركين
اعتبروا المجموعات السنية والشخصيات العلمانية والوطنية العراقية خطرا في هذه المرحلة وأن هذا الخطر سيستمر حتى مرحلة ما بعد الانتخابات النيابية المقبلة .
وأفادت بأنه تم الإيعاز للمجموعات المسلحة القريبة من إيران باغتيال نشطاء العرب السنة الأكثر تأثيرا وحضورا في المشهد العراقي .
ولففت المصادر إلى مسؤولية طهران عن بيان وزع في العراق يحذر من العرب السنة الذين يعيدون إنتاج حضورهم و يسعون للتفاوض مع واشنطن بشكل مباشر .
وتحمل التقارير " الجهاز المركزي " في وزارة الداخلية العراقية القدر الأكبر من مسؤولية الاغتيالات التي تحدث في العراق .(29/60)
وتفيد بأن الجهاز، وهو إحدى واجهات منظمة بدر الذراع العسكرية للمجلس الأعلي للثورة الإسلامية في العراق ،يدار من قبل لجنة مكونة من قادة منظمة بدر القريبة من طهران وهم هادي العامري ، وأبو منتظر الحسيني ، وأبو ذو الفقار حسن ، وأبو هشام احمدي ، والحاج أبو نور ، واحمد الجابري بالإضافة إلي احد عناصر جيش القدس التابع لقوات الحرس الثوري الإيراني .
وجاء في التقارير أن ممثل الحرس الثوري يقوم بدور توجيهي ويرفع تقاريره عن الاجتماعات التي تعقدها اللجنة إلي طهران مباشرة .
وتركز علي الدور الذي يمارسه أبو مصعب الشيبانى احد قادة الشبكات التي شكلها جيش القدس من العناصر العربية للعمل في العراق .
وتشير إلي أن الشيباني الذي يحمل هوية إيرانية باسم مصطفي عتابي من أهالي الناصرية وينشط في بغداد ومدن أخري .
كما تؤكد أن الشيباني الذي يتولي إدارة الاستخبارات التابعة لفيلق بدر عمل في وقت سابق في مقر رمضان التابع للحرس الثوري الإيراني .
وأفادت التقارير أن الشبكات العاملة تحت إمرة الشيباني تستخدم إمكانيات وزارة الداخلية في عمليات الاعتقال والتعذيب .
وفي سياق توضيحاتها لعمله أشارت التقارير إلي أن الأسلحة تصل إلي أبو مصطفي الشيباني عبر نقطة دهلران الحدودية المحاذية لمحافظة ميسان العراقية .
وكانت "الملف نت" عددت في تقارير سابقة عشرات الموانيء والمعابر الحدودية التي تستخدمها المخابرات الإيرانية في عمليات تهريب الأسلحة للمليشيات العراقية الموالية لطهران.
وذكرت أن هذه الأسلحة تدخل من خلال عناصر شرطة ميسان التي تنتمي غالبيتها لمنظمة بدر أو موالين للنظام الإيراني .(29/61)
وكشفت التقارير أنه بعد قرار المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني وموافقة المرشد الأعلي للجمهورية الإسلامية علي التدخل في العراق تم تكليف هيئة التصنيع العسكري التابعة للحرس " مجموعة الحديد لإنتاج الأسلحة والمعدات " بتصنيع صواريخ كاتيوشا أحادية الأنبوب وصواريخ 107 ملم وعبوات ناسفة بمواصفات معينة .
وحسب التطوير الذي ادخل علي العبوات الناسفة ـ علاوة علي قدرتها التدميرية عن بعد وتعزيزها بقوة تدمير إضافية ـ تم تحوير آلية فيها بحيث لا يحتاج فريق العمل إلي الاقتراب من الهدف ومراقبته بشكل مباشر .
وتفيد التقارير بان الأشعة تحت الحمراء غير النشطة في العبوة تبدأ نشاطها لإحداث الانفجار لدي اقتراب الهدف منها.
وتؤكد علي أن استخدام هذه التقنية يقلل من الحاجة لاستخدام القنابل البشرية في العراق .
وتشكك التقارير في قيام انتحاريين بتنفيذ عدد من العمليات التي يشهدها العراق ويتم تصويرها بأنها عمليات انتحارية
أسرار التدخل الإيراني في العراق
المجلة ـ العدد 1344 - 13/11/2005
مع انتخاب الرئيس الإيراني الجديد محمود أحمدي نجاد، عادت إلى الواجهة مجددا المخاوف الدولية التي واكبت الثورة الخمينية في إيران، بخصوص الخطط الاستراتيجية الهادفة لتقوية مكانة إيران الإقليمية وتأثيرها الدولي من خلال تصدير العنف إلى دول الجوار العربية، ودعم الإرهاب الدولي عبر العالم.
تلك الاستراتيجية الإيرانية التي كانت قائمة على "دبلوماسية العنف والقنابل" كانت قد تراجعت مع وصول الإصلاحيين إلى الحكم، حيث تخلى الرئيس خاتمي عن نظرية "تصدير الثورة" وانتهج توجها جديداً من التقارب مع دول الجوار العربية.(29/62)
لكن التجربة الإصلاحية الإيرانية انتهت إلى فشل ذريع، وسقطت ضحية تفاقم المشاكل الداخلية على الجبهتين الاقتصادية والاجتماعية، حتى أن الصراع في الانتخابات الرئاسية الأخيرة كان واضحا منذ البداية بأنه محسوم سلفا لحساب خصوم الإصلاحيين من الحرس الخميني القديم، ممثلا في الرئيس الأسبق علي أكبر هاشمي رفسنجاني.
كانت كل التحليلات السياسية والتقارير الدبلوماسية قد رجحت، إلى غاية الساعات القليلة السابقة لموعد الاقتراع الرئاسي، عودة رفسنجاني إلى الحكم، آملة أن تكون سنوات التقاعد التي أتبعت مغادرته الحكم قد أكسبته قدرا كافيا من البراغماتية والاعتدال ليكون رجل المرحلة ما بعد الإصلاحية في إيران.
لكن عمدة طهران شبه المغمور، محمود أحمدي نجاد، تمكن من إحداث المفاجأة بفضل حملته الانتخابية التي تمركزت على "يمين اليمين" التقليدي بحيث كان أكثر تشددا في مواقفه وتصريحاته من الحرس الخميني القديم ذاته، مما جعل أغلب المحللين يرون في وصوله إلى الحكم عودة إلى الأرثوذكسية المتشددة التي طبعت بدايات الثورة الإيرانية.
وبالتالي عادت التساؤلات والمخاوف مجددا بخصوص استراتيجية إيران الجديدة على الصعيد الإقليمي والدولي في عهد الرئيس الجديد، وكيف سيتعامل بالأخص مع الملفين بالغي الحساسية المتمثلين في البرنامج النووي الإيراني وقضية "تصدير الثورة" أو العنف إلى دول الجوار. فالملف النووي موضوع تجاذب واحتقان في علاقات إيران مع أمريكا ودول الاتحاد الأوروبي، ومع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. أما قضية تصدير العنف فقد عادت بحدة إلى الواجهة، في ظل الفلتان الأمني الذي يشهده العراق منذ بداية الاحتلال الأميركي، حيث تم رصد بوادر ومؤشرات مقلقة بخصوص تدخل إيراني مبرمج وواسع النطاق لتغذية العنف في العراق.
نجاد ليس الخميني!(29/63)
المستشرق الفرنسي أوليفييه روا، الذي أصدر قبل سنوات كتابا مشتركا مع عالم الاجتماع الإيراني فرهاد خسرو خوفار، بعنوان "إيران: كيف يمكن الخروج من ثورة دينية؟"، يقول: إن التحاليل الغربية التي تصف الرئيس أحمد نجاد بأنه "خميني جديد" تفتقد للدقة، وتميل كعادتها إلى التعميم والتبسيط. فمن الخطأ الاعتقاد بأن انتخاب أحمدي نجاد يمثل عودة إلى الأرثوذكسية التقليدية للثورة الإيرانية، فهو لم يكن مرشح تيار الحرس الخميني القديم في انتخابات الرئاسة الأخيرة، بل كان مرشح هذا التيار هو الرئيس السابق رفسنجاني.
أما أحمدي نجاد فقد كان مرشح جيل سياسي جديد في إيران لا يستند إلى المرجعية الدينية فحسب، بل عماد شعبيته أساسا هو الشعوبية أو القومية الفارسية، فهذا الجيل اكتسب شرعيته من خلال صموده وبلائه في الحرب العراقية- الإيرانية، وبفضل هذه الشرعية الجديدة استطاع أن يسحب البساط من الشرعية التاريخية لرجال الدين المخضرمين الذين قامت على أيديهم الثورة والذين تراجعت شعبيتهم كثيرا، على مدى ربع القرن الماضي، بفعل سوء الأداء السياسي وتفشي الفساد.
من هذا المنظور، يمكن القول إن انتخاب احمدي نجاد كان بمثابة زلزال في صميم النظام الإيراني القائم منذ الثورة الخمينية، وذلك وفق سيناريو يشبه إلى حد كبير ما حدث في الجزائر، أواخر الثمانينات، حين أزاحت الشرعية الشعبية للإسلاميين الشرعية التاريخية لجبهة التحرير الوطني!(29/64)
ويضيف أوليفييه روا بأنه لا يمكن فهم واستيعاب الاستراتيجية الإيرانية الجديدة على الصعيد الإقليمي أو الدولي، دون الأخذ في الاعتبار هذا المعطى المتعلق بكون أحمدي نجاد لا يمثل الأرثوذكسية الخمينية التقليدية، وليس آتيا من قلب الحرس القديم الذي كان حتى الآن يمسك بزمام مؤسسة الملالي الحاكمة. إنه رجل قادم من الاستخبارات، وبالذات من "الحرس الثوري" وشرعيته ذات طابع سياسي وقومي قبل أن تكون دينية، لأنها مكتسبة أساسا من تجربة خوض الحرب العراقية الإيرانية. وبالتالي فإن تشدده ليس تشددا دينيا أو تعصبا مذهبيا، كما كان عليه الحال في بدايات الثورة الخمينية، بل هو قبل كل شيء تشدد قومي وجيوسياسي.
القومية الفارسية
كعادته، لا يتردد أوليفييه روا، بهذا التحليل الذي قدمه بخصوص الإستراتيجية الإيرانية الجديدة، في السباحة ضد التيار ومخالفة السائد والغالب في تحليلات زملائه من الخبراء والاختصاصيين الغربيين. وهو بحديثه عن تغليب الاعتبارات الجيوسياسية الهادفة إلى تقوية المكانة الإقليمية والدولية لإيران من منطلق الشعوبية المستندة إلى القومية الفارسية، على المرجعية المذهبية الشيعية التي كانت تعد أولوية الأولويات في منظور الحرس الخميني القديم، يقدم مفتاحا هاما لفهم ما ستكون عليه الاستراتيجية الإيرانية الجديدة في عهد أحمدي نجاد.
هذا التحليل يتوافق تماما مع ما تنفرد "المجلة" بنشره في هذا الملف بخصوص أسرار التدخل الإيراني في ساحة العنف العراقية، حيث تكشف الوثائق التي تنشرها أن هذا التدخل يندرج ضمن اعتبارات جيوسياسية لا مذهبية. والدليل أنه لا يصب فقط في تأييد الجماعات الشيعية، بل يشمل أيضا دعم وتسليح جماعات عنف عراقية سنية.
البرنامج النووي الإيراني(29/65)
أما البرنامج النووي الإيراني فإنه يندرج أيضا ضمن هذه الاستراتيجية الهادفة لتقوية المكانة الإقليمية والدولية لإيران، لأن هذه الاستراتيجية، كما يقول الخبير الإيراني المعارض مهدي أبريشمسي ، لا يمكن لها أن تطير سوى بجناحين، وهما: التوسع والتسلط!
فإذا كانت الأدوات التقليدية المستعملة ضمن خطط التوسع والاستقواء الإقليمي الإيراني هي تصدير العنف ودعم الإرهاب، فإن السعي لامتلاك أسلحة الدمار الشامل يمثل وسيلة "الردع" المثلى لمواجهة أية ضغوط أو تهديدات دولية لإرغام إيران على التخلي عن نظرية تصدير العنف، والكف عن دعم أو ممارسة الإرهاب الدولي.
تقرير سري موثق بالأدلة والتفاصيل والقرائن الملموسة والدقيقة، تم رفعه مؤخرا إلى أعلى مراكز القرار السياسي في فرنسا، وحصلت "المجلة" على نسخة منه. ويتضح من هذه الوثيقة أن الاعتبارات المذهبية ليست سوى ستارة أو سحابة من دخان تتستر إيران وراءها لإخفاء مقاصدها حساباتها ذا الطابع السياسي الحض من أجل تغذية العنف في العراق وتوسيع رقعته، بغرض تقوية مكانتها وفرض نفسها كقوة إقليمية. الشيء الذي يقودها. كما تكشفه هذه الوثيقة بالتفصيل. إلى دعم وتسليح مختلف جماعات العنف العراقية، بمن فيها الجماعات ذات الخلفية السنية.
أبرز المقتطفات من هذا التقرير
* إن الدعم اللوجيستي والمالي الذي يقدمه النظام الإيراني لنشاطات الإرهاب الدولي، عبر تنظيمات مثل "القاعدة" و "حزب الله"، يندرج أساسا تحت مقاصد جيوسياسية وليست دينية أو مذهبية. وكما كان عليه الحال في سنوات الثمانينات والتسعينات، حين كانت الجماعات التي تتحكم فيها طهران تقوم بتفجير قنابل في بيروت أو باريس، فإن هدف إيران هذه المرة أيضا هو أن تنال الاعتراف بها كقوة إقليمية من قبل الدول الغربية الكبرى ومن قبل جيرانها العرب. لكن الولايات المتحدة الأميركية لا تزال حتى الآن ترفض لها مثل هذه المكانة.(29/66)
وذلك ما يفسر عودة إيران مجددا إلى سياسة التفجيرات الإرهابية، بغرض زعزعة وإضعاف الخصم، وكذا تشددها فيما يتعلق بتطوير برنامجها النووي، لأنه يعد الوسيلة الوحيدة التي من شأنها أن تتيح لها أن ترقى بشكل أكيد إلى مصاف القوة الإقليمية الذي تطمح إليه.
* في هذا الإطار، سيلعب "حزب الله" اللبناني خلال الأشهر المقبلة دورا مركزيا. ذلك أن الزيارات التي كان يقوم بها الأمين العام لهذه الحركة حسن نصر الله إلى طهران، كانت في العادة نادرة ومحاطة بالسرية التامة. لكن زيارته الأخيرة إلى إيران، التي امتدت من الأول إلى الثامن من أغسطس الماضي، جرت في إطار من البروتوكول الرسمي العلني، في مناسبة انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد.
* وإن الشيخ نصر الله محق بأن يفرح وأن يهنئ نفسه بوصول أحمدي نجاد إلى السلطة. فالرجلان يعرفان بعضهما جيدا، وذلك منذ العام 1987. فقد التقيا لأول مرة في كوريا الشمالية، حيث شاركا في دورة تدريبية على يد أجهزة استخبارات كيم إيل سونغ.
وبعد ذلك التاريخ بعشر سنوات (أي في العام 1997)، وبعد أن كان نصر الله قد أصبح، منذ العام 1992، الرجل الأول في "حزب الله". تم تعيين أحمدي نجاد ممثلا في لبنان لـ "مؤسسة الشهيد" التي تعد إحدى القنوات الإيرانية الرئيسية لتمويل "حزب الله".
* إن هذه الصلات الوثيقة التي تجمعه بأحمدي نجاد تقوي المكانة القيادية للشيخ نصر الله على رأس حزب الله، على حساب معارضيه، وفي مقدمتهم الأمين العام السابق للحركة صبحي الطفيلي، كما أن نصر الله ضمن الآن زيادة حجم التمويلات التي يحصل عليها "حزب الله" من إيران، والمقدرة حاليا بـ 250 مليون دولار سنويا، في حين أن فريق الرئيس السابق محمد خاتمي كان قد رفض أية زيادة في هذا التمويل. وبهذه الزيادة التمويلية، فإن نصر الله سيتدارك الضعف الذي كان متوقعا أن يلحق بحركته من جراء تراجع الدعم السوري بفعل الانسحاب من لبنان.(29/67)
الخريطة السياسية لشيعة العراق عشية الانتخابات
إبراهيم بيرم الأسبوع العربي 21/11/2005
كان لافتاً أن يبادر ممثل المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني في النجف الأشرف في خطبة الجمعة الماضي، إلى توجيه انتقاد يقرب من الحدة للحكومة العراقية الحالية برئاسة إبراهيم الجعفري، ويلفت إلى عجزها عن تأمين الخدمات العامة للمواطنين، ويشير إلى قصورها عن توفير الأمن.
هذا الموقف مستجد نسبياً على مسار المرجعية الشيعية، التي محضت من الأساس دعمها لكل العملية السياسية في العراق، وخصوصاً في الانتخابات العامة، وتظللت القوى السياسية الشيعية الأساسية دوماً بعباءة المرجعية والموقف عينه، يصبح ذا رمزية أكبر، ودلالة أعمق، إذا ما تم ربطه بالموقف المعلن الصادر، قبل أقل من ثلاثة أسابيع عن المرجعية نفسها، والذي ينفي دعم المرجعية لأي "كيان سياسي" عراقي، ويدحض في الوقت عينه، مقولة أن للمرجعية مرشحين للانتخابات العامة المقبلة، المزمع إجراؤها في 15 كانون الأول (ديسمبر) المقبل، والتي ستكون المحطة الأكبر في مسار العملية السياسية التي سُرع العمل فيها في العراق، بعد سقوط نظام صدام حسين وتشكيل مجلس الحكم الانتقالي، حين كان الشيعة ومعهم الأكراد أكثر المتحمسين لهذه العملية وأكثر الساعين لنجاحها وبلوغها المراحل القصوى كونها تفتح أمامهم الأبواب للقبض على زمام المعادلة السياسية التي أخرجوا أنفسهم منها في بدايات تأسيس الدولة العراقية في العقد الثاني من القرن الماضي، ثم أخرجوا منها قسراً وقهراً بعد سقوط الملكية الدستورية وتولي العسكر الحكم أولاً بعد عام 1958 ثم وصول حزب البعث إلى رأس السلطة في عام 1968.
نهج مستجد(29/68)
ومهما يكن من أمر، فموقف المرجعية الشيعية الذي يتسم بالسلبية، يعكس إلى حد بعيد نهجاً مستجداً لها حيال دورها، في الحاضر والمستقبل، في دفع العملية السياسية قدماً ويطرح في الوقت نفسه تساؤلات عدة حول الخريطة السياسية والدينية لشيعة العراق الذين يقيمون على اعتقاد راسخ مفاده أن فرصتهم حانت للتعويض عما فاتهم في حكم العراق، وللرد على ما عانوه أبان عهود تهميشهم وإقصائهم عن السلطة.
فالمعلوم أن دور هذه المرجعية، برز منذ الأيام الأولى لسقوط بغداد، لأسباب ومعطيات عدة أبرزها أولاً، بطبيعة الحال، الموقع البالغ الأهمية الذي تحتله المرجعية الدينية في وجدان الشيعة وفي فكرهم وتراثهم الديني السياسي والذي يصل إلى حد ولاية هذه المرجعية على الشيعي ولاية كاملة، وهي على نحو أو آخر امتداد للعلاقة التي ربطت هذا الإنسان الشيعي بأئمته وثانياً، أنه لم يكن للشيعة خصوصاً في داخل العراق، كيانات وأحزاب سياسية في مقدورها أن تقدم نفسها بمظهر المتصدي لقيادة العملية السياسية.
يومها توجهت أنظار غالبية الشيعة العراقيين، إلى النجف منتظرة من المرجعية العليا المتمثلة بالسيستاني تعبئة الفراغ السياسي الناجم عن ممارسات النظام الساقط وتهجيره غالبية القوى والشخصيات. وقد ظهر حينذاك أن الأمر ليس يسيراً على هذه المرجعية التي كانت محاصرة أبان نظام صدام وقاصرة عن فعل الكثير إلا تأمين الحضور التاريخي لهذه المرجعية في موقعها الأصلي (ضرب مقام الإمام علي في النجف والمسمى بالصحن الحيدري). ويضاف إلى ذلك انفجار التناقضات الشيعية الداخلية والتي كانت ذروتها حادثة اغتيال عالم الدين الشاب عبد المجيد الخوئي نجل المرجع السابق أبو القاسم الخوئي في داخل الصحن الحيدري، وبطريقة وحشية، بعثت الخشية من اندلاع أعمال عنف واسعة وأعمال تصفية حسابات في لحظة انهيار السلطة وحصول فراغ أمن وسياسي مدوٍ.
احتجاج(29/69)
وكان الاحتجاج الأولي لهذه المرجعية على ما حصل، هو "الاعتصام" والغياب عن الواجهة، خصوصاً بعدما حوصرت هذه المرجعية باتهامات شتى، ولم تعد إلى موقعها إلا بعد أن تقاطرت العشائر الشيعية العراقية إلى النجف، معلنة ولاءها المطلق للمرجعية، ومؤمنة لها حصانة شعبية كبرى، أعادت الاعتبار إليها وبوأتها سدة الزعامة الدينية والسياسية الأمر الذي دفع المرجعيات الأخرى المستوطنة في النجف وهي مرجعية محمد سعيد الحكيم ومرجعية الشيخ فياض الأفغاني (أفغاني الأصل)، إلى القبول بأدوار توحي بأن الزعامة الأولى هي لمرجعية السيستاني (الإيراني الأصل).
وقد مارس هذا المرجع أولاً دور المرشد السياسي اليومي من خلال تصريحات عدة كان يطلقها أو تنسب إليه بين فينة وأخرى. ثم بدأ يضطلع بدور الوسيط السياسي عبر استقباله وفوداً وشخصيات عربية وأجنبية (رفض الاجتماع بممثلي الاحتلال الأميركي) أمت دارته العتيقة في أحياء النجف الداخلية.
والملاحظ أن دور مرجعية السيستاني السياسية، بقي بارزاً وطاغياً طوال نحو سنتين، وقد برز أكثر ما يكون عندما اعترض على تلكؤ الأميركيين، في إجراء أول انتخابات عامة، إذ هدد يومها عبر وكلائه في المناطق العراقية بدعوة الناس إلى النزول إلى الشارع، وبالفعل بدأت نتائج تهديداته بالظهور ميدانياً عبر تظاهرات مليونية، مما أجبر الاحتلال الأميركي على الإسراع في تحقيق المحطات الأساسية للعملية السياسية.
تطورات
ومهما يكن من أمر فخلال تلك الفترة، التي استدعت خروج المرجعية عن دورها المألوف، وهو عدم التدخل المباشر في اللعبة السياسية اليومية والاكتفاء بإعطاء التعليمات العامة، وإبراز الخطوط العريضة، برزت تطورات مهمة واستحدثت عناصر جديدة على الخريطة السياسية الشيعية التي أخذت تبلور نفسها، وتعيد ترتيب قواها بعدما كانت مبهمة وغامضة لفترة طويلة.(29/70)
فقد عادت إلى العراق القوتان الأساسيتان للشيعة السياسية، وهما المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، وحزب الدعوة الإسلامية، فقيادة هذين التنظيمين العريقين (يعود تأسيس حزب الدعوة إلى مطلع الخمسينات على يد مفكر مرجعي كبير هو محمد باقر الصدر، فيما يعود تأسيس المجلس الأعلى إلى عام 1980 على يد المرجع محمد باقر الحكيم) كانت تقيم في طهران برعاية القيادة الإيرانية، لذا كانت هناك تساؤلات عن مد حضورهما،داخل النسيج الشيعي العراقي بعد غياب فعلي بدأ منذ عام 1980 نجم عن عملية إبادة مارسها ضدهما نظام صدام حسين أدت من جملة ما أدت إليه إلى قتل محمد باقر الصدر، وإلى تصفية الآلاف من أعضاء حزب الدعوة.
وبالفعل وجد هذان التنظيمان عقبات في العودة إلى داخل المجتمع الشيعي، الذي كان طالعاً من حقبات اضطهاد وقمع شعر فيها بالغربة وأحس أنه متروك لقدره.
وفجأة ومن خارج كل التوقعات والحسابات تبرز قوة "التيار الصدري" الحاضرة والمنتشرة بعفوية، بقيادة الشاب مقتدى الصدر، وريث الزعامة الدينية والسياسية لوالده محمد صادق الصدر، الذي قضى مع ولديه برصاص نظام حزب البعث في عام 1999.
انقسام
وهكذا وبعد أشهر من انهيار أركان النظام الصدامي، بدأ المشهد السياسي الشيعي مقسوماً إلى قسمين: الأول (المجلس الأعلى وحزب الدعوة وشخصيات أخرى) عائدة وراء الدبابة الأميركية وفي رأس أهدافه استعادة ما فقده طوال سنوات الجمر والرماد وهو مزود بخبرات سياسية أصيلة وبأموال وقدرات مجربة.
والثاني، أكثر تماهياً مع العقلية الشيعية العراقية، مفتقداً إلى خبرات وقدرات ولكنه يعد نفسه الأحق والأجدر، بقيادة العملية السياسية كونه صمد وقدم تضحيات.(29/71)
وطوال الأعوام التي تلت سقوط بغداد وبدء العملية السياسية في العراق، اندلع الصراع والتجاذب معلناً تارة ومضمراً تارة أخرى بين هذين الطرفين. وفيما بادر الطرف الآتي خلف الدبابة الغازية، إلى مد اليد جهاراً للاحتلال الأميركي والانخراط معه في كل الخطوات السياسية التي بدأها وأولها مجلس الحكم الانتقالي مما أمن له في مراحل لاحقة الإمساك بالسلطة ومغانمها المختلفة، عاش الفريق الثاني ولا سيما التيار الصدري نوعاً من التذبذب والمراوحة والرهانات المختلفة.
ففي البداية حاول هذا التيار أن يعطي لنفسه مكانة مميزة في داخل المشهد الشيعي، فهو معارض كلياً للاحتلال الأميركي ومتماه مع النظرة السنية العربية القائلة بعدم التجاوب مع أي خطوات سياسية، قبل جلاء الأميركي المحتل، الأمر الذي أعطاه حضوراً مميزاً لدى أوساط السنة العرب. وهو في سبيل هذا التمايز الذي شاءه لنفسه، بدا وكأنه يغرد وحده خارج السرب الشيعي بل وفي مراحل لاحقة خاض معارك مكلفة مع قوات الاحتلال الأميركي في المدن الشيعية الأساسية (النجف، كربلاء، البصرة، الحلة وبابل..).
واللافت أن الشيعية السياسية والمرجعية الدينية تركتا الرجل بلا غطاء سياسي وعسكري أمام الهجوم الأميركي الكاسح عليه، والذي وجدها فرصة مناسبة ليدحض مقولة أنه يحابي الشيعة، ويقمع السنة العرب. وعقب معارك استمرت نحو شهر عاد مقتدى الصدر تدريجياً إلى "البيت الشيعي"، وبعدما دخل إلى منزل السيستاني ليقدم فروض الطاعة والولاء، عاد فدخل إلى اللعبة السياسية، من باب القبول بالمشاركة في الانتخابات العامة التي أفضت عبر تسمية مرشحين إلى تشكيل الجمعية الوطنية المؤقتة، ثم قبل بتسمية شخصيات محسوبة عليه في الحكومة الحالية التي يرأسها إبراهيم الجعفري.(29/72)
وعلى رغم أن الصدر يحاول دوماً أن يكون مميزاً، في داخل البيت الشيعي من خلال حركات سياسية، من قبيل الاعتراض على بعض مبادئ الدستور الدائم الذي جرى الاستفتاء عليه أخيراً إلا إنه فقد في الآونة الأخيرة الكثير من هالته السياسية ومن جسور العلاقة التي استطاع مدها مع السنة العرب غير الراضين عن العملية السياسية والمنخرطين في أنشطة سياسية لتقويضها والاعتراض عليها، وهو ما كان سبباً من أسباب استثناء أبو مصعب الزرقاوي من دائرة القوى الشيعية.
وهكذا يكون الفريق الشيعي الوافد من الخارج هو الذي قيض له حتى الآن، أن يكون الممثل الأساسي للشيعة في نظام الحكم الذي تبنى مداميكه على مراحل منذ فترة في العراق وقد بدأ الفريق بتكريس نفسه في هذه المنزلة عندما نجح في جمع قواه في الانتخابات الماضية تحت لواء ما صار يعرف بـ "لائحة الائتلاف الشيعي" والتي كان عمادها الأساسي حزب الدعوة بشقيه والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق والمجلس الإسلامي لتركمان العراق (يمثل التركمان الشيعة الذين هم نحو نصف تركمان العراق). وبالطبع فإن هذا الائتلاف هو عملياً يمثل عماد ائتلاف الأحزاب الشيعية الدينية خصوصاً، بعدما أقصي عنه قبل فترة قصيرة، وعن سابق تصور وتصميم، تيار أحمد الجلبي، وضم إليه ممثلين من تيار مقتدى الصدر. وعليه فإن هذا الائتلاف بات يضم الآن القوى والأحزاب الآتية:
قوى وأحزاب
*حزب الدعوة بشقية، أي حزب الدعوة بزعامة إبراهيم الجعفري وجواد المالكي وحيدر عبادي وحزب الدعوة تنظيم العراق.(29/73)
*المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق بزعامة عبد العزيز الحكيم الذي يتولى عملياً رئاسة لائحة الائتلاف، وهناك مساع لإبراز شخص آخر في الحزب وهو عادل عبد المهدي المرشح ليكون الرئيس المقبل للحكومة. ومما يجدر ذكره في هذا المجال، إن المؤسس الأبرز للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية محمد باقر الحكيم الذي اغتيل في النجف، هو بالأصل من المشاركين بتأسيس حزب الدعوة وأحد قيادييه البارزين حتى منتصف الستينات. وهذا يعني أن ثمة جذراً سياسياً واحداً يجمع التنظيمين، ويقلل الفوارق والتناقضات بينهما.
*حزب الفضيلة (الفضلاء) وهو حزب ديني شيعي يقوده رجال دين. وبرز بعد الاجتياح الأميركي للعراق وعرف بعض الانتشار، في الأوساط الطالبية ويعتبر نفسه الأقرب إلى المرجعية الشيعية ولكنه لم يستطع أن يطور نفسه وخطابه السياسي، على نحو يظهر تميزاً عن باقي الأحزاب والتيارات الشيعية.
شيعة العراق: أبناء المراجع.. أبواب الآباء ولسان حالهم
رشيد الخيون الشرق الأوسط 28 سبتمبر 2005
من تقاليد المرجعية الدينية الشيعية بالنجف، وغيرها من نواحي العالم، أنها لا تورث. وليس لها نظام انتخابي، أو تعيين بعد وفاة المرجع الأكبر. فلا دخان أبيض يخرج من مداخن النجف، ولا مؤتمر يعقده كرادلة المذهب. بل تتحقق الخلافة، مثلما هو معلوم، بانسيابية مثلى. يبرز المرجع الخلف في حياة المرجع السلف بأعلميته، وتلقائياً تجده البارز بعد وفاته. ومعلوم أن وراثة المنصب من حق الأئمة فقط. لكن هناك شواذا عن القاعدة. ففي المرجعيات المعاصرة خلف الشيخ موسى كاشف الغطاء (ت 1827) والده الشيخ جعفر الأكبر (ت 1813)، وخلفَ الشيخان علي (ت1837) وحسن (ت 1846) أخاهما موسى.(29/74)
غير أن هذا لم يأت من باب الوراثة بل من باب العلم والاجتهاد، فآنذاك ليس هناك أعلم وأنسب من هؤلاء الثلاثة لخلافة والدهم. كذلك خلف الشيخ محمد مهدي الخالصي الابن (ت 1963) مرجعية والده الشيخ محمد مهدي الخالصي (ت 1925). ويبدو أن أسرة الخالصي، المحصورة مرجعيتها بمنطقة الكاظمية، حاولت أن تجعل الأمر وراثياً. وللخالصي الابن رأي مغاير في ثوابت التشيع أغضبت علماء آخرين، قلصت من مرجعيته، تجد منها في كتابه «علماء الشيعة والصراع مع البدع والخرافات الدخيلة في الدين».
بطبيعة الحال، أقرب الأتباع للمرجع هم الأبناء، ويبرز عادة الأكبر سناً، أو الأكثر قرباً من الأب. يصاحبه في حله وترحاله، وهو سفيره إلى أعيان الدولة، وكاتب فتاويه، ولسان حاله. ولا يشمل التقليد الأبناء الأفندية، من المتمردين على الدراسة في الحوزة، واعتمار العمائم. كان الخالصي الابن ظل الأب أثناء ثورة العشرين، ولسان حاله ببغداد. ومستشاره وهو بالمنفى أيضاً.
كذلك برز السيد مهدي الحكيم (قتل 1988) ناطقاً بلسان والده آية الله محسن الحكيم، وسفيراً بينه وبين الدولة. وتولى تلك المهام أيضاً أخوه السيد محمد رضا الحكيم، الذي يتداول النجفيون الحديث عن انتمائه البعثي في فترة من الفترات، ويظهر في إحدى الصور مستقبلاً رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم، وهو يقف إلى جانب سرير والده المريض. وقد قُتل بالتصفيات البعثية التي طالت آل الحكيم في ما بعد. وينقل الدكتور محمد مكية: أن السيد مهدي الحكيم كان متنوراً، وينظر إلى المجتمع نظرة بشفافية ومعاصرة. ويرى أن العراق افتقد شخصاً قريباً إلى الجميع، وكان همه مواجهة الفقر والجهل. وهو أبرز المفتقدين في الأداء الشيعي المتعثر اليوم.(29/75)
وكان باب آية الله الخوئي ولسان حاله ابنه، الذي توفى في حياته، السيد جمال الدين الخوئي. ثم حل محلة ابنه السيد محمد تقي الخوئي. وقد صحب والده عند اختطافه من قبل قوات الأمن في العهد السابق لمقابلة صدام حسين. وهي حالة شاذة في تقاليد المرجعية، فقد جرت العادة أن المراجع يُزارون ولايزورون. ثم قتل الابن بحادث سير مدبر (1994). وكان يحمل بذرة الاجتهاد، وله من الكتب والمدونات المنشورة. وبجهوده تم تأسيس «مؤسسة الإمام الخوئي الخيرية»، مركزها بلندن، ولها فروع في أنحاء العالم. لكنها نكبت بقتل الابن الأصغر، أمينها العام السيد عبد المجيد الخوئي بعد عودته إلى النجف (ابريل 2003) بأسلوب شنيع، وما زالت القضية تنتظر ظرفاً سياسياً مناسباً لتنفيذ حكم القضاء في الجناة.
وأخيرا برز السيد محمد رضا السيستاني، كباب ولسان حال لأبيه آية الله علي السيستاني. حيث عاش العراقيون في التيه، بلا دولة ولا جيش ولا شرطة ولا شخصية يلتفون حولها كافة، وسط غياهب من الأزمات والأحزان. لذا توجهت الأنظار صوب المرجعية الدينية. برز السيستاني الابن بروزاً مكثفاً عبر أخبار العراق: استقبال وتوديع الوفود، والتصريحات، والرسائل، والفتاوى الصادرة من مكتب الأب، وفي المداولات التي قادت إلى تشكيل قوى قائمة الائتلاف الشيعي، ثم الاختلاف والاتفاق على تسمية رئيس الوزراء.. الخ.(29/76)
وأشهر الفتاوى التي نقلها محمد رضا عن والده فتوى الانتخابات، وتأكيد المرجعية عليها، بل اعتبارها أمراً مصيرياً، إلى درجة أنها أحرجت الأميركان، فذهبوا إلى تكريس جهودهم من أجل إنجاحها، في الوقت الذي شددت من موقف هيئة علماء المسلمين ووجهاء أهل السُنَّة، بعد الشعور باندفاع المرجعية الشيعية علناً نحوها. أما الفتوى التي جاءت على لسان السيستاني الابن باسم الأب، وأحدثت لغطاً بين القوى السياسية المشاركة في الانتخابات، فهي فتوى تأييد قائمة الائتلاف رقم 169، والتي اعتبر فيها غير المنتخب لهذه القائمة أنه سيواجه حكم الله في الآخرة! وبجهود السيستاني الابن، ولا ندري ما هو قدر التنسيق مع الأب، رفعت صورة آية الله السيستاني كدعاية انتخابية، مما أغضب العديد من علماء الدين من غير قائمة الائتلاف، وفي مقدمتهم السيد حسين الصدر، والذي أصر أن لا صلة للسيستاني بالأمر.
أشار العارفون بالأمور من أن السيستاني الابن لعب دوراً خطيراً في العملية السياسية باسم الأب: تقريب هذا وأبعاد ذاك من التحالفات الانتخابية. والعمل مع ورشة تخطيط لتحقيق ولاية فقيه غير معلنة، عبر بعض مواد الدستور. بل أشاروا إلى تجوال عدد من المبلغين باسم المرجعية بين نواح العراق الشيعية يبلغون برسالة المرجع، ولعله ابن المرجع، في شأن التأكيد على انتخاب القائمة المصطفاة، بدلاً من النشر في وسائل الإعلام.(29/77)
عموماً لعب وسيلعب السيستاني الابن باسم الأب دوراً في حياة العراقيين السياسية، فلا يصل وفد إلى حضرة المرجع دون المرور على الابن. ولا فتوى ورسالة تصدر دون استشارة وموافقة الابن. ومن هنا تقاس مسؤوليته تجاه منزلة المرجعية الروحية، وتجاه العراقيين كافة. إن قوة المرجع من قوة ظله الروحاني، فإذا تعدى ذلك إلى شكل من أشكال الولاية الفقهية، والتدخل في الدولة فإن الصغيرة والكبيرة ستحسب عليه، وربما تقلص الظل الوارف إلى عتبة الدار. وآية الله السيستاني كما وصفه بطريرك الكلدان الأب عمانوئيل دلي: أنه يعمل من أجل الله وخير العراق.
والسؤال، هل وضع الابن أمام الأب، وهو بابه الموصود وثقته، دقائق الأمور، أم له تنسيق آخر، خصوصاً والعراقيون قادمون على استفتاء الدستور، وانتخابات ثانية ستسفر عن حكومة دائمية؟
البحرين: نار الطائفية تأكل رماد المشروع الإصلاحي!
الوطن العربي ـ العدد 1498 ـ 18/11/2005
في تقرير هام أصدرته المنظمة الدولية للأزمات تحت عنوان "التحدي الطائفي في البحرين" ذكر أن البلد يواجه مرحلة خطيرة من عدم الاستقرار إن لم يتم وبشكل عاجل اتخاذ خطوات لمعالجة الاحتقان الطائفي الذي بدأت ناره تسري في الشارع البحريني، وقد اعتمد التقرير على البحث والمقابلات الميدانية والدراسات الحكومية وغير الحكومية، وانتهى إلى توجيه توصيات إلى كل من حكومة البحرين والطائفة الشيعية وقيادات المعارضة والإدارة الأميركية.
هذه الأيام أيضا، يترقب الشارع البحريني تداعيات التهديد القوي الذي أطلقه النائب السلفي الشيخ جاسم السعيدي بملاحقة "كل بحريني يثبت ولاؤه لغير وطنه". في إشارة إلى رفع عدد من المواطنين الشيعة لأعلام حزب الله اللبناني، خلال مسيرة يوم القدس العالمي، التي جرت في العاصمة البحرينية المنامة، كما أقسم النائب السعيدي بطرح الثقة ببعض الوزراء وجعلهم "عبرة لمن لا يعتبر".(29/78)
وقال النائب السعيدي إنه لن يسمح بالتعدي على الوطن والمواطنين من خلال إظهار الولاء المطلق لأحزاب أو منظمات خارجية أو حتى دول، معتبرا أن في هذه التصرفات ما يذهب إلى تصنيفها ضمن الخيانة العظمى، التي لن يقبل أي بحريني أن تتم على أراضي دولته، وحمل الشيخ جاسم السعيدي، وزير الداخلية البحريني الشيخ راشد بن عبد الله آل خليفة مسؤولية المخالفات المتكررة من قبل فئة آثرت استفزاز المواطنين البحرينيين، مشيرا إلى أنها ليست جديدة على الإطلاق حيث يتم القيام بها بين الحين والآخر لكن وزارة الداخلية ما زالت تقف موقف المتفرج من دون التدخل لمنع ما يعكر صفو الوطن والمواطنين!
وتأتي هذه الاتهامات رغم أن المشاركين في المسيرة حرصوا من خلال هتافاتهم على التأكيد بأنها ليست طائفية وإنما هي لجميع الطوائف بالبحرين فكل يسعى إلى تحرير المسجد الأقصى وفلسطين، وردد المشاركون في نهاية المسيرة بيان اللجنة المنظمة الذي دعا إلى اعتناق مبدأ الوحدة الإسلامية كعقيدة راسخة توحد المواقف في وجه الجبروت الأمريكي الإسرائيلي المعتدي، وكرروا أن أميركا هي الشيطان الأكبر بحمايتها للغدة السرطانية الجاثمة فوق صدر الأمة الإسلامية، وقصفها وقتلها لأبناء العراق في الفلوجة والنجف ومدينة الصدر والرمادي مما يضعها في طليعة الدول الإرهابية والمحور الأساس لشر العالم كله.
المرجعية الأجنبية
وتعليقا على موقف النائب السلفي وتهديداته لشيعة البحرين، يقول الكاتب عارف صالح جمشير: إن النائب السعيدي محق تماما في استنكاره هذا السلوك الذي يمثل نوعا من التحدي والاستفزاز للمشاعر الوطنية، وإبداءه، رأيه الشخصي في هذه القضية هو أيضا نوع من حرية التعبير التي يجب ألا تكون مقصورة على طرف من دون آخر، ويجب احترام وتقدير وجهة نظره من دون التعامل مع مثل هذه القضايا والآراء من منظور طائفي بحت.(29/79)
ونحن نعتقد أن القضية لا تتعلق بوجود قانون من عدمه لتجريم مثل هذه التجاوزات التي تحدث أثناء المسيرات، فهناك ما هو أقوى من القانون وهو العرف والحس والوطني اللذان يعلوان فوق مواد القانون واللذان يمثلان روح المجتمع وصمام الأمن فيه إذ ليس مقبولا في أعراف أي دولة أن يخرج أبناؤها في مظاهرات أو مسيرات وطنية وهم يرفعون أعلاما أو صوراً لقيادات دولة أخرى ويرددون في هذه المسيرات شعارات قد لا تتفق وتتسق مع المجتمع الذي يعبرون عنه في مظاهراتهم ومسيراتهم، لأن من يفعل ذلك إنما يرسل إشارات يمكن تأويلها والتعامل معها على أنها تعبير عن رفضه المرجعية الوطنية وتفضيله المرجعية الأجنبية في تحركاته وأهدافه، وهو ما يمثل خروجا على الإجماع واستفزاز للمشاعر الوطنية المحلية.
ويضيف جشمير: إلا أننا نرفض تماما التشكيك في وطنية وولاء أي مواطن أو مقيم على هذه الأرض الطيبة وسوف ننظر إلى ما حدث من تجاوزات يوم القدس بأنه نوع من الانفعال والحماسة الزائدة لما يصدر عن قيادات دول أخرى من تصريحات حماسية عاطفية تتعلق بالقدس، وتتعلق أيضا بإزالة إسرائيل من الوجود إن أمكن، فالواقع أن هناك الكثيرين ما زالت تجتذبهم مثل هذه الشعارات والتصريحات النارية التي لم يعد يمكننا في واقع الأمر تطبيقها في الوقت الحالي.
ونحن لا ننكر على أحد في الخروج في مسيرات أو مظاهرات من أجل التضامن مع أهلنا في فلسطين ولتذكير العالم بأن القضية حية في أذهاننا، ولكننا ضد أن نحول هذا الشعور الوطني الذي يجمعنا على المحبة والإسلام والعروبة إلى شعور بالأسى والأسف لما يفرزه من بذور الشك ومخاوف الفتن.
ترضية الشيعة(29/80)
ويرى الدكتور منصور الجمري رئيس تحرير صحيفة الوسط البحرينية، أنه من الناحية التاريخية فإن البحرين متنوعة مذهبيا وإثنيا وقبليا، ورغم أننا نعيش في مجتمع صغير إلا أنه يحتوي على كل مكونات المجتمع الكبير، أي كأننا نتكلم عن العراق أو مصر وليس عن بلد صغير مثل البحرين، وذلك يعود إلى احتوائه العديد من الطوائف والتنوع الإثني والديني، وهذا التعدد جعله عرضة للكثير من الضغوط الخارجية، ولذلك فإنني اعتقد بنجاحنا في تحقيق أشياء لم نكن نأمل فيها بينما أخفقنا في أشياء كنا نتمنى أن نحققها، ومن الأشياء التي حققناها مزيد من حرية التعبير إلا أنها تأتي منقوصة لعدم قدرة النظام السياسي على تطبيق قانون الصحافة وبالتالي تظل حرية التعبير منقوصة فالقانون الحالي للصحافة يجعل الوضع العام أسوأ ممن يحكم في ظل قانون الطوارئ، والقدر المتاح من حرية التعبير لا يواكب التطور الحادث في مؤسسات المجتمع المدني حيث لدينا حاليا 16 جمعية سياسية و400 جمعية أهلية، وكل هذه الفعاليات جعلت الناس تتحرك وتعبر عما تريد طالما أنه لا يتجاوز الخط الأحمر المسموح به ولا يصل بنقده إلى رأس السلطة.
لكن منصور، نجل الشيخ عبد الأمير الجمري أبرز زعماء الشيعة من المعارضة سابقا، يرى أن الملك لديه مشروع إصلاحي أعلن عنه قبل ثلاث سنوات تقريبا، إلا أنه يواجه في سبيل تنفيذه ضغوطات كثيرة وحسابات وتوازنات، سواء كانت هذه التوازنات من داخل العائلة الحاكمة أو داخل منظومة مجلس التعاون الخليجي، أو داخل المجتمع البحريني المكون من طائفتين أساسيتين وطبقات متباينة، هناك إذن توازنات كثيرة وبلا شك أن اللاعب الرئيسي في كل ذلك هو الملك الذي يود بلا شك نجاح مشروعه السياسي، وأن الإصلاحات على الجانب الديني بالنسبة للشيعة سوف ترضيهم وسينعكس ذلك إيجابا على النواحي السياسية.(29/81)
ويؤكد الجمري على أن الطائفية ما زالت قوية في البحرين، بل وأقوى من مؤسسات المجتمع المدني الحديثة فمثلا في التجربة الانتخابية الديمقراطية الأخيرة كان الاختيار على أساس طائفي فالناخب الذي يذهب للإدلاء برأيه في الانتخابات يصوت أولا للطائفة، ثم للقبيلة ثانيا والحزب ثالثا، بمعنى أنه يعطي صوته للشيعي أو السني أولا ثم يبحث عن أبناء قبيلته الذين يدخلون الانتخابات من طائفته، ثم يأتي دور الانتماء السياسي أو التقسيم الديني، ومعنى ذلك أنه ما زالت الطائفية هي العامل الأقوى في تحديد ولاءات الشارع البحريني، وفي رأيي أن القوى السياسية يجب أن تعمل على أساس غير طائفي، وربما يحدث هذا في يوم من الأيام لكن علينا حاليا أن نكون واقعيين ونتعامل مع القضايا المحلية وفقا لرؤية الشارع لها ثم نحاول تغييرها أو تعديلها إذا كانت هناك ثمة اعتراضات أو ملاحظات فالطائفية أقوى من القبلية والمواقف تقاس وفقا لهذه الانتماءات.
ويرفض الجمري وضع شيعة البحرين كلهم في سلة واحدة في مواجهة النظام، وفي رأيه فإن الشيعة في البحرين ينقسمون إلى عدة اتجاهات لكن الاتجاه الغالب هو الذي ينتمي لجمعية الوفاق حاليا، ربما هناك حديث عن انشقاقات، والحديث إذن عن الشيعة يكون إما المنتمي لجمعية الوفاق وهو ذلك الجمهور الذي انتفض في التسعينيات ويسمى جمهور الانتفاضة، وهذا الشارع له رموز معينين وتوجهات تمثله هذه الجمعية الآن والتي تعبر عن رأي الشارع الشيعي في البحرين، وهذه الجمعية تعمل بحرية تامة والمملكة الآن لديها مختلف التوجهات السياسية وتترك لها مطلق الحرية في العمل والحركة، صحيح أن هناك جمعيات سياسية أنشئت بدعم حكومي وهدفها العمل على سحب البساط من تحت أقدام هذه الجمعية بدليل أن معظم الشخصيات المعينة في مجلس النواب جاءت من جمعية ميثاق العمل الوطني المقربة جدا من الحكومة.
وحدة المجتمع(29/82)
وعن رأيه في الشكل الأمثل للحفاظ على وحدة المجتمع في ظل التنافر الطائفي والتدخل الإقليمي من بعض دول الجوار، يقول رئيس تحرير جريدة الوسط (الشيعية) إن الشكل الذي نطمح إليه في الحكم هو الملكية الدستورية، وهو حلم الملك الحالي الذي يناسب البحرين، لكن تحقيق ذلك بحاجة إلى إيمان من قبل عدة أطراف وإخلاص لهذه الفكرة ثم توضيح حدود السلطات عموما، سواء كانت سلطة الملك أو التشريعية والقضائية والتنفيذية، ثم تحديد سقف الحريات العامة المسموح به للناس ويجب أن يكون هناك نوع من التقاليد التي تنشأ في هذه المرحلة لترسي تقليدا جديدا في البحرين،ففي الماضي مثلا كنا متعودين على تقديس المسؤول، بينما يجب أن ينتهي ذلك حاليا فأي مسؤول بشر، له صلاحيات إذا تجاوزها فيجب أن يحاسب من جهة البرلمان والمجتمع.
ولا يعتقد الجمري أن التنوع الطائفي يعتبر عيبا أو عائقا بالنسبة للتطور السياسي في المملكة، فهذا التنوع موجود في أكثر من مكان، ولكن يجب أن تتحمل العملية الديمقراطية هذا التنوع حتى لو كان من خلال استخدام نظام "الكوتا" لحفظ التوازن المطلوب في المجتمع، والحكومة حاليا تعمل بنظام الكوتا ولكن بشكل غير رسمي ولا تقول إنها "كوتا" لكن الواقع العملي يؤكد وجودها، وربما نحن بحاجة إلى توازن ما في المجتمع ولو تم استخدام الكوتا بشكل واضح وصريح لربما كان ذلك أفضل للجميع لأنه يعطي الراحة النفسية لجميع الأطراف، هناك تركيبة معينة في ذهنية من بيده مقاليد الأمور وذلك لا بأس به حتى لا تكون هناك فئة محرومة أو تشعر بهذا على الأقل.(29/83)
وينفي الجمري مطالب بعض الشيعة بمقعد رئيس الحكومة، اعتقادا أنهم الأغلبية، ويقول إن الكثيرين يطالبون بأن نحاكي تجربة الأردن أو المغرب، بمعنى أن يكون مقعد رئيس الحكومة لواحد من عامة الناس، هذا هو المطلب الحقيقي وليس شرطا أن يكون من الطائفة الشيعية فالهدف هو التمكن من محاسبة المسؤولين دون أن أتهم بالتهجم على شخص من العائلة المالكة.
تقرير دولي
وفي إطار سعيها لوأد الفتنة الطائفية أوصت المنظمة الدولية حكومة البحرين بإقرار قانون يعرف ويجرم التمييز القائم على أساس ديني أو إثني، مع ضرورة إجراء إحصاء للسكان يعكس التنوع السكاني بما يتضمن معلومات عن الدين والأعراق والأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، وإيجاد حوار وطني تتمكن فيه الجمعيات السياسية والمسؤولين الحكوميين من مناقشة التحديات التي تواجهها البحرين وأفضل السبل للتحرك نحو الأمام مع تعميق عملية الإصلاح السياسي وذلك عبر إعادة رسم الدوائر الانتخابية بما يعكس الواقع السكاني والإثني بشكل أكثر دقة وتعزيز سلطة مجلس النواب المنتخب وإما بتقليص عدد مجلس الشورى المعين إلى النصف، أو بأن يقتصر دور هذا المجلس على الصفة الاستشارية وضرورة منح المجلس المنتخب القدرة على اقتراح وصياغة القوانين.(29/84)
ويعاني شيعة البحرين ويثور غضبهم من الشك الواسع الانتشار بين المسؤولين والسنة فيما يتعلق بولائهم القومي وروابطهم مع نظرائهم في الدين في كل من العراق وإيران، وقراءة الواقع الداخلي والإقليمي تبين أنه قد تفقد القيادة الشيعية المعتدلة سيطرتها على العناصر الأكثر تحدياً ومواجهة داخل مجتمعها، إذ بالفعل بدأت تظهر علامات التآكل والإنهاك، وفي حين يدعو بعض أعضاء المعارضة إلى التوفيق والمهادنة، فإن الآخرين يدفعون تجاه المواجهة، وفي الوقت الذي تترسخ فيه هذه الديناميكية الخطرة، فقد يفقد المعتدلون من رجال الحكومة والمعارضة قبضتهم الضعيفة على الوضع، لهذا يتعين على الجانبين العمل بسرعة للحد من الاحتقان الطائفي ومنع المواجهة الدموية من الحدوث.
سب الصحابة في البحرين !!
أشعل نائبين شيعيين في البرلمان البحريني أزمة كبيرة بقلة أدبهما ودينهما ، وذلك بتهديدهما بسب الصحابة الكرام في البرلمان إذا أقر البرلمان قانون بتجريم سب الصحابة وآل البيت !!!
ونقدم للقارئ الكريم ملخص لأهم ما نشر حول الموضوع في الصحافة البحرينية ، مع التعليق على تحقيق صحيفة الأيام الشيعية :
1- أكد النائب السلفي المستقل الشيخ جاسم السعيدي ما ذكرته إحدى الصحف المحلية من تقدمه باقتراح بقانون إلى مجلس النواب بخصوص تجريم سب الصحابة والتعدي على آل البيت بالقول أو الهمز أو اللمز، وقال السعيدي: إن هذا المقترح جاء برغبة من المواطنين الذين تأذوا مما يسمعونه من شتم وسب لآل البيت وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم عبر عدة وسائل.(29/85)
وقال السعيدي: إن قضية الشتم والسب موجودة أصلا في قانون العقوبات ولكننا أضفنا مادة أخرى وهي تجريم من أهان بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام وسبهم بالقول أو اللمز، وقال السعيدي: إن موضوع شتم وسب آل بيت رسول الله صلوات الله عليهم والصحابة الكرام كان من أهم أسباب الشقاق والنزاعات الطائفية بين أبناء الوطن الواحد. وقال: في هذا المقترح شددنا على العقوبة بحيث تكون الحبس مدة لا تزيد على سنة ولا تقل عن ستة أشهر أو بالغرامة التي لا تقل عن خمسمائة دينار.
أخبار الخليج 10/11/2005
2- هدد نائبان ( شيعيان ) بسب بعض الصحابة في جلسة مجلس النواب في حالة موافقة اللجنة التشريعية للمجلس على اقتراح بقانون تقدم به النائب جاسم السعيدي إلى المجلس يجرم سب الصحابة والتعدي على آل البيت بالقول أو الهمز أو اللمز.
أخبار الخليج 16/11/2005
3- صرح النائب حمد المهندي عضو اللجنة التشريعية بمجلس النواب حول الاقتراح بقانون الذي يحرّم سب الصحابة والتعدي على آل البيت بالقول أو الهمز أو اللمز بما يلي:(29/86)
أولا: أن لجنة الشئون التشريعية والقانونية قد أخطأت في حكمها بعدم دستورية المقترح، حيث أن المقترح دستوري ولا توجد به شائبة دستورية وهذا أيضا ما أكده المستشار القانوني للمجلس، وأن أي تبرير للتصويت بعدم دستورية المقترح غير مقبول لأن هذا يخالف القسم الذي أداه النواب في بداية الفصل التشريعي الأول. ثانيا: ثم إن سب الصحابة أو شتم أمهات المؤمنين أو آل البيت في المجلس ذنب عظيم وإثم كبير لا يجرؤ أحد أن يقوم به داخل مجلس النواب أو خارجه، ولو تجرأ أحد على سبهم فسوف يناله من النواب الجواب العاجل والرد الرادع الذي قد يقعده عن الحركة! والأحرى أن تستند لجنة الشئون التشريعية والقانونية في رفضها للمقترح إلى أن المادة المقترحة فحواها متحقق في باب الجرائم التي تمس الدين والمنصوص عليها بقانون العقوبات بالمادة 310/بند2) حيث فرضت هذه المادة عقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنة والغرامة التي لا تتجاوز مائة دينار لكل (من أهان علناً رمزاً أو شخصا يكون موضع تمجيد أو تقديس لدى أهل ملة). فالصحابة وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم وجميع آل بيته يشملهم هذا النص حيث أنهم جميعا أهل تمجيد ورموز لأهل السنة، فلو تجرأ أحد على سبهم للقي جزاءه في الحال من أصحاب هذه الطائفة، لقيامه باستفزازهم وتجرئه على سب من هم أحب إليهم من أنفسهم وأهليهم، ومن ثم يقدم إلى النيابة العامة لتقدمه إلى العدالة لمحاكمته طبقا لنص المادة المشار إليها في قانون العقوبات. ثالثا: تجب المحافظة من جميع الطوائف والمذاهب على احترام الرموز الدينية وعدم المساس بها حفاظا على السلم الأهلي وتجنيب البلاد شرور الفتن والعمل على الحوار البناء وإشاعة ثقافة التسامح وأدب الحوار.
4- أصدر عن فضيلة الشيخ عادل المعاودة نائب رئيس مجلس النواب بيان حول القضية :(29/87)
إن ما تناقله الناس من استياء لمشاعر أهل هذا البلد عطفا على ما نشر في إحدى الجرائد من توعد بعض النواب بالتعرض لمقام الصحابة الكرام في مجلس النواب، وعلى الرغم من كوني خارج البلاد ولكن الاستياء العظيم وصلني في الخارج مما حداني إلى تبيان بعض الأمور والتي أولها بيان المنزلة العظيمة التي للصحابة الكرام في قلوب المسلمين في العالم أجمع وعلى مر العصور وفي شتى البقاع وذلك لأنهم مذكورون في كتاب الله عز وجل وفي سنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وبإجماع الأمة أي بأعلى درجات التشريع عند المسلمين والذي لا يجوز مخالفته. وأقول بكل صراحة أنه لو سولت لشخص أن يمس مقام الصحابة الكرام في مجلس النواب لكان ذلك كفيل بإسقاط كل الحصانات عنه ولعرض نفسه لجميع أنواع الإهانات ولتسبب بسحب الثقة منه من المجلس ولذلك نحن نربأ بجميع النواب أن ينزلوا إلى هذا المستوى من الخلق الدنيء، والسلوك المعوج. وهذا ما أكده لي النواب الذي دار عليهم الاتهام حيث قمت بالاتصال بهما للتثبت وأكدا لي أنهما لم يقولا هذا الكلام ولا ما يعنيه. وهذا كان الظن فيهما. وأحب أن أؤكد أن الصحابة عند عموم المسلمين أحب إليهم من أنفسهم ومن ذراريهم وأن أي طعن فيهم يعتبر طعنا وهدما للدين لأن الدين لم يعرفه المسلمون إلا عن طريق الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين. ولذا نجد أن مؤتمر التقريب الذي عقد في البحرين مؤخرا وكان فيه ممثلون لسبعة مذاهب اسلامية قد اتفقوا فيما اتفقوا عليه من أجل التقريب بين المسلمين على عدم التعرض للصحابة الكرام رضي الله عنهم بأي تجريح. هذا يستوجب على كل من يريد الوحدة والتقارب أن يلتزم بهذا البند الذي لا يقبل الأخذ أو العطاء أو التنازل عنه عند المسلمين. ولذلك فمادام تأكد أن النائبين لم يقولا ذلك في اللجنة فإني أدعو الإخوة النواب والجميع إلى احترام مكانة الصحابة وقفل هذا الباب الخطير والى التعاون بشأن قضايا مصيرية أخرى(29/88)
تهم المواطنين.
5- حقيقة شرارة الفتنة التي? ?تدعي? ?تهديد نائبين بسب الصحابة? .. ?المعنيين? :?
افتراء وكذب? .. ?وأجندات مخفية خلقت القضية من العدم
? ? 18/11 جريدة الأيام [ صحيفة شيعية ، اللون الأزرق سيكون تعليق من الراصد ]
تحقيق?: ?لميس ضيف
? ?هنالك من النواب من امتهنوا اللعب بالنار?.. ?عبر إطلاق التصريحات وتقديم المقترحات التي? ?تفوح منها رائحة الطائفية والفتنة?.. ?والناس على شفى حفرة من الوقوع في? ?بئر الغضب?.. ?وهذا بالتحديد ما جرى? أمس الأول عندما شُغل الناس ببيان قيل فيه إن هنالك نائبين قد هددا بسب الصحابة في? ?المجلس?.. ?وقد كانت تلك الكلمات كافية لتهييج الشارع المحافظ الذي? ?هب لصياغة البيانات وجمع العرائض وتداول« ?المسجات??» الغاضبة?. ?ومرد هذا الأمر برمته اقتراح تقدم به النائب المثير للجدل جاسم السعيدي? ?والذي? ?دعا فيه لإضافة تخصيص على المادة رقم ?013 ?من القانون الجنائي? ?والتي? ?تحظر المساس بأحد الرموز الدينية وذلك بإضافة? " آل البيت والصحابة? " ?أيضا إلى القانون?.. ?وهو الاقتراح الذي? ?أجهضه التصويت عليه في? ?اللجنة التشريعية?.. ?وقد أدى تسريبه للصحافة إلى خلق حنق سرعان ما تطور لغضب عارم بعد نشر إحدى الصحف لمانشيت قيل فيه على لسان النائب المحامي? ?فريد? ?غازي? ?أن? " ?نائبين? ?يهددان بسب بعض الصحابة إذا تم? ?تمرير قانون? ?يجرم سبهم? " ..?
فما هي? ?حقيقة هذه الفتنة التي? أشعلتها الاتهامات المتبادلة?.. ?وماذا قيل بالتحديد في? ?ذلك الاجتماع? .. ?أمور استوضحناها من أطراف القضية الثلاثة?: ?النائب جاسم السعيدي? ?مقدم الاقتراح،? ?والنائب فريد? ?غازي? ?الذي? ?اصدر البيان الذي? ?أثار الضجة،? ?والنائبان عبد الله العالي? ?وعلي? ?السماهيجي? ?وهما اللذان اتهما جزافاً? ?بسب الصحابة?..?
بدايتنا كانت مع النائب جاسم السعيدي? ?الذي? ?طلبنا منه مبرراً? ?لاقتراحه هذا،? ?فقال?:?(29/89)
هنالك من? ?يسب الصحابة على المنابر وهنالك كلام خبيث? ?يقال والكل على علم بذلك?.. ?وما اقترحت هذا القانون لتأجيج فتنة أو لأي? ?من هذا القبيل بل للذود عن بعض الصحابة الذين? ?يذكرون بسوء على المنابر?.. ?وهذا الاقتراح هو مجرد اقتراح وأنا مجرد بشر? ?يقبل اقتراحي? ?الخطأ كما? ?يقبل الصواب،? ?وقد عرض هذا الاقتراح أمام المستشار القانوني? ?بالمجلس وأكد قانونيته وقد عرضته على اللجنة التي? ?كان من المفترض ان تصوت عليه?" ?بنعم" أو? " ?لا" ?ولم أكن أتوقع كم المهاترات التي? ?سيثيرها هذا المقترح فقد تطاول علي? ?بعض النواب في? ?الجلسة وكان حرياً? ?بالرئيس ضبطها ولكنه ترك الحبل لهم على الغارب فتمادوا في? ?سبي? ?شخصياً? ?وهذا التصرف? ?غير ملائم في? ?جلسة رسمية وكان عليهم أن? ?يعتبوا علي? ?أو? ?يلوموني? ?خارج الجلسة لا فيها? .. ?حتى إن النائب عبد اللطيف الشيخ تحفظ على ما قاله السماهيجي? ?في? ?حينها عندما قال? " ?اللي? ?تعتبرهم صحابة?.. ?إحنا ما نعتبرهم صحابة واقتراحك شر وفتنة " .?
ووصفني? ?عبد الله العالي? ?بأنني? ?صاحب فتنة وأنني? أريد التأليب على? »?طائفة?«.. ?أما فريد? ?غازي? ?فأكد أن اقتراحي? ?خالٍ? ?من أي? ?مخالفة دستورية?.. ?وقد قيل الكثير في? ?تلك الجلسة وتمت مطالبة المقرر بحذف بعض ما قيل وهي? ?مخالفة صريحة فالأصل أن? ?يسجل كل ما قيل بكل شفافية?..?
ويواصل حديثه قائلا?:
عندما جاء وقت التصويت صوت? ?يوسف زينل وفريد? ?غازي? ?وعبد الله العالي? ?وعلي? ?السماهيجي? ?بطبيعة الحال ضد مقترحي?.. ?وقد استأت حينها من الزميل فريد? ?غازي? ?بالذات وقلت له بأن الناس قد انتخبوك لتمثلهم وقد دعمناك لتتبنى مواقف جريئة،? ?فأكد بدوره إن رفضه للاقتراح جاء خشية من أن? ?يثير فتنة وبلبلة نحن في? ?غنى عنها?.?
يسبون معاوية وهو? ? صحابي? .. ?ولن ألجأ للتصعيد(29/90)
?* ?هل سمعت بشكل واضح أن احد النواب سب الصحابة?.. ?سألناه فأجاب?.. ?السماهيجي? ?سب معاوية بن سفيان أمامي? أكثر من مرة وقد نصحته بأخوية أن لا? ?يفعل ذلك بل انه قال ذات مرة لي? ?بأننا نعلم أبناءنا أن? ?يسبوا? ?يزيد ومعاوية?.. ?وان كنت لا استنكر عليهم سب? ?يزيد لأنه ليس بصحابي? ?إلا أنني لا اقبل سب معاوية لأنه كذلك?.. ?وأنا هنا أقول أن السب? ?يتعدى هؤلاء وأنتم على علم بذلك?..?
لست طائفياً?.. ? ولكنهم? ?يكرهون صراحتي? ..?
سألناه إذا كان? ?يرى مسوغا لتصعيد للموقف بهذا الشكل عبر البيانات والعرائض فأجاب?:?
الماء راكد حتى? ?يخوض احد فيه?.. ?والناس لا تقبل بالإساءة والخطأ خاصة إذا ما صدر عن هيئة منتخبة?.?
وعن إذا ما كان? ?ينوي? ?هو شخصيا تصعيد هذه القضية،? ?قال?:?
سيمشي? ?اقتراحي? ?في? ?القنوات الرسمية فسيرفع للحكومة?.. ?وكل ما أتمناه هو أن? ?يقول النواب كلمتهم بجرأة?.. ?ولست انوي? ?التصعيد ولا وقت لدي? ?له فهنالك ما هو أهم من هذه الاتهامات المتبادلة التي? ?لا تنفع?..
وأخيرا سألناه عن تفسيره لمقترحاته وتصريحاته التي? ?توصف على الدوام بالطائفية فقال?:?
فليقرأ الناس الصحف ليعرفوا من هو الطائفي؟?! ?إنني? ?نائب صريح وجريء ويحلو للبعض اللمز لي? ?بما ليس في? ?لإحجامي? ?عن قول الحق وهذا ما لن? ?يحصل أبداً?.?
لكل الصحابة? ? منا الاحترام والتبجيل?..
أما علي? ?السماهيجي? ?والذي? ?كان خارج البحرين? ?يوم أمس فقد قال في? ?اتصال هاتفي? ?معه? :?(29/91)
نحن لم نتطرق لصحابة الرسول بالسب?.. ?ولا? ?يمكن أن نفعل أصلاً? .. ?ورفضنا للمقترح وليد خوفنا من مقترحات تغرقنا في? ?مستنقع المنازعات الطائفيه? ..?فوحدة الشعب البحريني? ?هي? ?الهدف والأساس?.. ?ثم أننا نبجل ونحترم كل الصحابة ولم نتكلم سوى عن? ?يزيد بن معاوية [ أذا كنت تبجل الصحابة ولا تسبهم و الشيعة يسبون الصحابة فما هي المشكلة من تجريم سبهم ؟ ] وسألنا إذا ما كان? ?يعتبر من الصحابة أم لا?. ?وهناك إجماع على أنه ليس كذلك وجميع الأخوة في? ?اللجنة? ?يشهدون على ما أقول ونحن نؤكد مجددا بأننا سنقف ضد أي? ?مقترح? ?يؤدي? ?لبلبلة نحن في? ?غني? ?عنها?.. ?كما وندعو لمؤتمر للتقريب بين المذاهب لأن هذا هو الهدف الأسمى الذي? ?نأمل الوصول إليه?.
المشادة الكلامية? ? أخرجت الأمور عن نصابها وعن حقيقة ما جرى تحدثنا مع النائب فريد? ?غازي? ?الذي? ?قال?:?بدأ كل شيء في? ?اجتماع اللجنة التشريعية المكونة من ?8 أعضاء والذي? ?تقع عليه مهمة تصفية الاقتراحات التي? ?تقدم للمجلس?.. ?وقد اقترح الأخ النائب جاسم السعيدي? ?تجريم? ?سب أو اللمز على الصحابة وآل الرسول?.. ?وقد ساد التوتر آنذاك الاجتماع وهذا أمر طبيعي? ?لان لكل منا? ?غيرته على مذهبه?.. ?وتطور الأمر لمشادة جاءت في? ?السياق الطبيعي? ?للأمور واحتج النائبان العالي? ?والسماهيجي? ?على القانون ولم? ?ينجح المقترح في? ?الحصول على الأغلبية القانونية مما أدى لانسحاب السعيدي? ?من الاجتماع ومقاطعته لجلسة الثلاثاء?.?(29/92)
وقد كنت احد من صوت ضد الاقتراح لإيماني? ?الذي? ?يشاطرني? ?فيه جميع الأعضاء بان الوحدة الوطنية فوق كل شيء وأن تعزيزها مقدم على? ?غيره?.. [ هذا خلل عند نواب السنة الذين يتنازلون مع أن الحق معهم بعكس نواب الشيعة الين يتمسكون بباطلهم ] ?ونحن نحرص على عدم إثارة الفتن التي? ?تعرض هذه الوحدة للخطر?.. ?ولست هنا ألمح بأن السعيدي? ?يتبنى موقفا مغايرا فطرحه للمقترح? ?كان بحسن نية ولكن النائب السعيدي? ?هو احد من تفسر أفعالهم على? ?غير مقاصدها رغم صدق نواياه?..?
دُفعت لهذا البيان دفعاً? ويواصل? : ?وما حدث بعد ذلك أن إحدى الصحف نشرت ما جاء في? ?الاجتماع ولأن للنائب السعيدي? ?ثقله في? ?منطقته بل في? ?البحرين فقد تطاير الخبر واستلمت عندها مكالمات ومسجات تعترض على موقفي? ?وتلومني? ?بل وتصفني? أنني? ?خرجت عن الدين برفضي? ?الاقتراح فأصدرت بياناً? ?لأوضح الموقف?..?سألناه?.. ?هل قلت ما قلت في? ?البيان لتتنصل من هذه الاتهامات وتهدئ النفوس التي? ?ثارت ضدك عندئذ؟?!?
وعلى هذا السؤال? ?يجيب بقوله?: ?لم أتنصل ولكنني? ?دفعت لإصدار هذا البيان دفعا وذلك لبيان موقعي? ?الشخصي? ?والقانوني? ?الذي? ?شابه اللبس?.?
هل فعلا سمعت من? ?يهدد بسب الصحابة؟?! ?سألناه فقرأ علينا نص ما قيل حيث قال?: " ?ما قاله احد النواب نصا هو? : ?راح نسب ونشتم في? ?الجلسة ومن? ?يستحق السب راح نسبه? "..?[ لاحظ الجرأة على الباطل ]
يجب أن? ?يوقف هذا الرجل عند حده? ..?
أما الشيخ عبد الله العالي? ?المستاء مما جرى من تشويه للمسألة فأوضح الأمر بقوله?:?(29/93)
هنالك اختلاف على تعريف الصحابي? ?بين المذهبين [ الرجل يتكلم عن معتقد ] وهنالك اختلاف أيضا على تعريف آل البيت?.. ?إذ? ?يرى إخواننا السنة إن كل من رأى الرسول وسمع منه صحابي? ?ولدينا تفسيرنا المختلف?.. ?وآل البيت بالنسبة للجعفرية هم أهل نبينا محمد? صلى الله عليه وسلم ?من نسل فاطمة والإمام علي? ?عليه السلام بينما هم زوجات النبي? ?عند إخواننا السنة?.. ?ولا معنى لتخصيص القانون الذي? ?ورد لأنه شامل?.. ?فالقانون الموجود حالياً? ?يجرم كل من? ?يتناول أيا من الرموز الدينية سواء أكانت إسلامية أو حتى مسيحية ويهودية?..?
ثم?.. ?ما هو الغرض من هذا التخصيص؟?! [ ما هو الضرر من تخصيصه مع وجود من يتطاول سوى حمايتهم ؟؟]
إن الزج بخلافات الموروث التاريخي? ?في? ?مناقشات المجلس تؤدي? ?حتما لشرخ وحدة الأمة?.. ?وقد قلتها للنائب السعيدي? ?وبصريح العبارة?: »?ألا تستحي? ?من طرح مثل هذه القضايا؟?! ?إلى متى سنصبر على مثل هذه المقترحات التي? ?تثير النعرات الطائفية?.. ?لقد أثبتت الأيام أن الشغل الشاغل لهذا النائب هو التربص بقضايا الطوائف الأخرى?.. ?وذلك في? ?مقترحاته وخطبه في? ?صلاة الجمعة?.. ?وقد آن الأوان ليوقف هذا الرجل عند حده قبل أن? ?يجر البلاد لفتنة?. ?علما بأنه هو ذاته صاحب المقترح الشهير الذي? ?كاد أن? ?يودي? ?بنا والذي? ?كان? ?يريد به منع? ?المواكب الحسينية?..
وعن رأي? ?النائب? ?غازي? ?في? ?هذا المقترح قال?: ?المادة موجودة أصلا في? ?قانون العقوبات وتجرم المساس بالرموز?.. ?وليس هنالك من داع لتعديل بنود هذا القانون لأنها تكفي?..?
وقد تجرنا لتوتر في? ?الجلسات نحن في? ?غنى عنه?.
أحترم كل الطوائف وأنا ? ?من اقترحت تجريم التحريض(29/94)
هل هددت بسب الصحابة؟سألنا الشيخ العالي? ?هذا السؤال فقال?: ?أؤكد هنا بأنني? ?لست المعني? ?بهذه المسألة وهنالك من الشهود من? ?يؤكدون ذلك?.. ?وليس لأحد أن? ?ينكر أنني? ?احترم كل الطوائف والأديان ولم? ?يسمع عني? ?يوما بأنني? ?تناولت أي? ?رمز من الرموز بتجريح أو تسقيط،? ?ثم إن منهج الطائفية لدي? ?مرفوض وقد كنت من قدم مقترحا بتجريم التحريض على الطائفية،? ?ولو كانت الطائفية منهجي? ?لما تقدمت بمقترحات أخرى تتعلق بالتمييز?.. ?وأنا في? ?ذلك اقتدي? ?بأمير المؤمنين عندما قال?: ?إنني? ?اكره أن تكونوا سبابين?.. ?فالسب ليس بوسيلة ولا أتخذه طريقا لي? ?على الإطلاق لاسيما إذا ما تعلق بالرموز?.. ?ثم إنني? ?احد الداعمين والمؤيدين للمؤتمرات التي? ?تقوم للتقريب بين المذاهب وأؤكد على احترامي? ?للصحابة وآل البيت وأتحدى أن? ?يأتي? ?احد بما? ?يثبت خلاف ذلك?..وما نسب لي? ?ولزميلي? ?علي? ?السماهيجي? ?محض افتراء?.. ?وما قاله? ?السماهيجي? ?في? ?ذلك الاجتماع إنما? ?يقصد به? ?يزيد بن معاوية وهو ليس بصحابي? ?وتجمع على لعنه الطوائف كلها? .. ?وما قاله النائب فريد? ?غازي? ?كانت منطلقاته سليمة ولكنه كما? ?يقال? (?أراد أن? ?يكحلها فعماها?) ?فقد أراد أن? ?يبرئ نفسه فنسب الأمر الآخرين?.. ?وأعضاء اللجنة مساءلون أمام الله بأن? ?يوضحوا ويكشفوا ملابسات هذه الحادثة?.. ?
وعلى ذلك? ?يعلق فريد? ?غازي? ?قائلاً?.. ?لقد أصدرت بياناً? ?لأوضح فيه ما حدث وهو حدث كبير جداً? ?وأثار توتراً? ?أكبر?.. ?ومنطلقاتي? ?كانت درأ الفتنة لا أكثر?.. ?وقد كنت أخشى من انتقال هذا التوتر للجلسة العامة?.. ?ولو قدر لهذا المقترح أن? ?يمر لن? ?يسكتوا? (?وكررها لأكثر من مرة?)
[ انظر الخوف من القوم وجرأتهم على باطلهم ]? ولا? ?يمكنني? أن اسمح بتمرير مقترح? ?يضرب الوحدة الوطنية ولو شاء القدر ان نقف في? ?هذا الموقف ثانية سأتخذ الموقف عينه?..(29/95)
أردنا درء الفتنة ولكن? ...
وعلى ذلك? ?يعلق العالي? ?قائلاً? : ?مخاوف أبو محمد أكبر دليل على معرفته بالأهداف والأغراض? ?غير النبيلة التي? ?تقف وراء مقترحات السعيدي? ?بشكل عام?.. ?فلا? ?يمر? ?يوم إلا ونرى له تصريحا أو بيانا أو خطبة وكلها تستهدف جماعة من أبناء هذا الوطن?.. ?فلماذا وإلى متى؟?! إلى متى سيجير المجلس لخدمة أهداف? ?يراد بها التفريق؟?! ?أين دعاة الخير ليتدخلوا؟?! ?إن ما جرى بيننا وبينه من مشادات كلامية مردها أننا نرى أن وحدة الأمة في? ?خطر من جراء اقتراحاته?. ?وقد وقفنا أنا وزميلي? ?السماهيجي? ?مع وحدة الشعب وضد الفتن?. ?ولا? ?يعقل أن نتناول صحابة الرسول بالسب واللعن?.. ?وما أعجب له حقا هو استعجال البعض بالتصعيد دون التحقق من حقيقة ما جرى?.. ?وأنا أدعو العلماء لتحري? ?الدقة والتأكد مما? ?ينشر قبل أن? ?يتبنوا مواقف ضده?.. ?كما أستغرب من موقف بعض الصحف التي? ?تصعد لخلق الفتنة لا أكثر ولا أقل?.?
إبقاء الرقابة المتشدّدة على الشيعة والنفط
المشاهد 30/10/2005
تسلم أخيراً الملك عبد الله بن عبد العزيز بصورة سرية (نقلاً عن انتلليجانس أون لاين)، تقريراً مفصّلاً طلب إعداده حول وظائف شركة أرامكو في مهمة إدارة الموارد النفطية في المملكة.
على أثر تظاهرات عدة أخمدت بعنف، جرت خلال هذا الصيف في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية، فوجئ الملك عبد الله عندما اكتشف أن مئات من الموظفين الشيعة في شركة أرامكو السعودية، مسؤولين فنيين وعمالاً،جرى الاستغناء عن خدماتهم خلال تموز (يوليو) وآب (أغسطس) واستبدلوا بموظفين أميركيين وآسيويين.. أكد تحقيق تم حول هذا الموضوع، أن الأمر بتنفيذ هذه الموجة من الإعفاءات صدر عن مسؤولين كبار في المديرية العامة للاستخبارات ، أو بكلمات أخرى عن الرئيس السابق لمديرية الاستخبارات في السعودية الأمير سعود بن فهد.
أسباب أمنية(29/96)
ظاهرياً، اتخذ الأمير سعود بن فهد القرار لأسباب أمنية بالاتفاق مع شقيقه الأمير محمد بن فهد، أمير المنطقة الشرقية، حيث يوجد المركز الرئيسي لشركة أرامكو ومرافقها الرئيسية.
تحدث تقرير ورد من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية،مدعوم بتحذيرات وردت من مصر والأردن، عن تهديدات بالقيام بأعمال إرهابية ضد المنشآت النفطية المهمة في رأس تنورة، التي تستطيع أن تخزّن حتى 21 مليون برميل من النفط. علاوة على ذلك، خشيت مديرية الاستخبارات السعودية من انبعاث النشاط السري للمنظمات الشيعية في الظهران والقطيف، مثل جمعية علماء الحجاز ومنظمة الثورة الإسلامية في شبه الجزيرة العربية. وقد جرى تفكيك هذه الحركات الشيعية وسجن بعض زعمائها، مثل علي بن علي الغانم، ولكن من المحتمل جداً أن تحفزها إيران للعمل من جديد.
فمنذ أن اعتلى الملك عبد الله العرش في العربية السعودية في شهر آب (أغسطس) الماضي، عقد اجتماعين مع وفدين من الشيعة البارزين، ضم أحدهما جعفر الشايب الذي طالب بإعادة الموظفين الشيعة المطرودين بصورة اعتباطية من شركة أرامكو إلى وظائفهم. في الوقت الحاضر، وافق الملك عبد الله على المبادرات التي عرضها الأمير وليد بن طلال والأمير بندر بن سلمان أحد أبناء أمير الرياض، تجاه الطائفة الشيعية في البلاد.
وبغية عدم حصول مواجهة مباشرة مع الأمراء الذين يعارضونه ويرفضون قبول أي تنازل للشيعة، يحاول الملك عبد الله أن يخطو بحذر، فتخلّى بصورة مؤقتة عن أي فكرة تنص على إدخال تغييرات كاسحة في أرامكو بعد أن استلم تقريراً مفصّلا عن إدارة شركة النفط وأسلوب عملها وأموالها.
السيطرة على النفط
لكنه يسعى في الوقت ذاته، إلى كسب الجولة مع المجلس الأعلى لشؤون البترول والمعادن، الذي يضم 25 عضواً، ويسيطر على صناعة النفط في البلاد، ويرأس الملك هذا المجلس استناداً إلى حقه الشرعي، ويمثل وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل حليفه الرئيسي فيه.(29/97)
ويمثل خصمه الرئيسي بين أعضاء المجلس الأمير عبد العزيز بن سلمان (47سنة) وكيل وزارة النفط، المرشح في أحد الأيام لتولّي مهام وزارة النفط من علي بن إبراهيم النعيمي ( 70سنة ) الذي شغل هذا المنصب منذ عام 1995.
فضائية للمعارضة الشيعية السعودية
مجلة المراقب العربي – العدد الخامس أكتوبر 2005
أكدت مصادر (المراقب العربي) أن قناة تلفزيونية فضائية للمعارضة الشيعية السعودية ستبدأ إرسالها قريبا.
واعتمدت القناة على تعاون بينها وبين قنوات شيعية أخرى في لبنان وإيران والعراق وتمركزت عملياتها في بيروت حيث يقيم بعض المعارضين الشيعة في ظل حماية حركات شيعية سياسية لبنانية.
مصادر (المراقب العربي) أكدت على أن تمويل القناة تم عبر شخصية دينية إيرانية كبيرة تبرعت بجزء من التكلفة وتعهدت بتوفير الجزء المتبقي من جهات سياسية رسمية.
يأتي هذا التطور الإعلامي في ظل مواجهة سعودية إيرانية بعد تحذير وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل من ازدياد التأثير الإيراني الرسمي في العراق.
وكانت أطراف خليجية قد نبهت إلى أن العمليات الإيرانية لدعم تحركات معارضة في الخليج قد ازدادت بعد الاحتلال الأمريكي للعراق مستفيدة من تمكن زعماء شيعة بارزين من السيطرة على الأمور في العراق وتوفر إمكانيات تمويلية لهم.
وتشير المصادر إلى أن الحكومة الإماراتية قد أرسلت تنبيها رسميا إلى الحكومة الإيرانية حول استعمال إيران للأراضي الإماراتية حيث رصدت سلطات دبي لقاء بين شيعة عمانيين ومسؤولين إيرانيين في أحد الفنادق وقد أبدت الإمارات انزعاجها من أن هذه اللقاء تم فيه تداول خطط لتكوين جبهة ضغط تمثل الشيعة العمانيين.(29/98)
المراقبون في الخليج العربي يتحدثون عن حالة من العصبية تمر بها علاقات بعض هذه الدول وإيران، ويبدو أن زيارة وزير الخارجية الإيراني لمسقط وتأكيده على أن ما تردد عن اجتماعات دبي لن يؤثر على العلاقات بين بلاده والدول الخليجية لم تنجح في تخفيف حالة الضغط القوية وهو ما دعاه إلى تأجيل زيارته المقررة إلى السعودية.
الشيعة في أميركا اليوم
د. محمد لغنهاوزن( ) ترجمة: منال عيسى باقر
المنهاج العدد 39 – خريف 1426 - 2005
ينقسم المجتمع الشيعي الأميركي ـ بنظرة أوّلية ـ إلى مجموعتين كبيرتين: المجموعة الأولى: وتمثّل المهاجرين الذين هاجروا من بلاد المسلمين إلى أميركا منذ حوالي مائة وثمانين عاماً.
المجموعة الثانية: وتشكّل الأميركيين الذين أسلموا نتيجة عوامل مختلفة من جملتها الجهود الدعويّة الصوفيّة. إن أغلب مسلمي هذه المجموعة هم من العرق الأفريقي الذين أسلموا أولاً إسلاماً سنياً، ثم تشيّعوا جراء تأثرهم بشخصية الإمام الخميني قدسَ سره وروحيته، ونتيجة انتصار الثورة الإسلامية في إيران.
المجموعة الأولى: الشيعة المهاجرون
هاجرت هذه المجموعة من الشيعة منذ حوالي مائة وثمانين عاماً إلى أميركا قادمةً من لبنان وسوريا، حيث سكنت مدن ديترويت وميشيغان وراس وداكوتا الشماليّة وقعت هذه الهجرة بين سنة 1824م إلى 1878م.
ففي عام 1924م أصدرت الدولة الأميركية قانون “Asian Exclusion Act” الذي يقضي بمنع الآسيويّين من دخول أميركا، ويعبّر عن نزعة عرقيّة حادة. تمسّكت الدولة الأميركيّة بهذا القانون لتمنع من دخول الآسيويّين الذين تعدهم ملوّني البشرة، لا يقفون في مستوى واحد من الناحية الثقافية والسلوكية مع الأميركي الأبيض ذي الأصول الأوروبية.
وقد عُدّل هذا القانون بعد الحرب العالميّة الثانية، حيث استطاع الآسيويّون ـ من جملتهم المسلمون والشيعة ـ الهجرة مجدداً إلى أميركا.(29/99)
وتسكن أكثرية شيعة أميركا في مدينة ديترويت وميشيغان، إضافة إلى ثلاثمائة ألف أمريكي عربي الأصل، حيث يوجد واحد من أكبر المساجد الأميركية في جنوب شرق هذه المدينة، وهو المركز الإسلامي في ديترويت الذي بُني عام 1920م. ويقع هذا المركز بالقرب من مصنع سيارات فورد الأميركية، ذلك أن المهاجرين العرب كانوا في البداية عاملين في هذه المصانع.
أما زعيم هذه الفئة فهو الإمام حسن القزويني المولود في مدينة كربلاء العراقية، وقد تلقى علومه في الحوزة العلمية في قم المقدسة لحوالي عشر سنوات، ثم هاجر سنة 1922م إلى أميركا. وتطالعك أعلى الباب الرئيسي للمسجد صورة كبيرة للإمام القزويني إلى جانبها صورة لجورج بوش.
والجدير ذكره أن هذه الفئة من الشيعة ليسوا كلهم من الأصل العربي، بل فيهم الإيرانيون والباكستانيون وشعوب أخرى من غير العرب. واللافت أيضاً أن هؤلاء المهاجرين لا دور سياسي لهم، فهم يطبقون القوانين الأميركية ويميلون إلى ثقافتها، لأنهم يريدون العيش كالأميركيين، فقد اتخذوا أميركا موطناً للعيش بغية تأمين أمورهم المعيشية لا من أجل الدعوة الدينية، وعندما يتعلق الأمر بحاجاتهم الدينية كإقامة مراسم الزواج والطلاق والدفن، يذهبون إلى المراكز الدينية، ويجتمعون فيها أيضاً ـ كلّ في ولايته ـ لدراسة اللغة الأم.
وثمة مراكز إسلامية أخرى يتجمع فيها كافة المسلمين دون نظر إلى قوميتهم وبلادهم، كالمركز الإسلامي للإمام الخوئي في نيويورك، الذي يشارك الإيرانيون والعراقيون واللبنانيون في مراسمه، إضافة إلى مراكز الإمام علي عليه السلام في نيويورك التي يتردّد إليها الإيرانيون أكثر من غيرهم.(29/100)
أما على صعيد الأنشطة السياسية للمهاجرين الشيعة، فلا بد أن نضيف أمراً، وهو أن بعض الجماعات والفئات السياسية ما زال لها نشاط سياسيّ فعّال حتى في أميركا، كالساعين إلى عودة النظام الملكي في إيران، والمتعاونين مع رضا بهلوي في كاليفورنيا، كذلك أنصار حركة الحرية، وأنصار خط الإمام الخميني قدس سره، وكذلك المنافقين( ).
وتوجد مراكز أخرى لا يديرها رجال الدين، بل أناسٌ لا علاقة لهم بالتشيع ولا حتى بالإسلام، يمكن القول: إنهم ضد علماء الدين وضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية من الناحية السياسية. ويرأس مثل هذه المراكز أطباء أو مهندسون، يلقون خطبة تسبق خطبة الجمعة من غير أن تكون لديهم معرفة بالإسلام وفقهه، وتنسب هذه المراكز ـ سياسياً ـ إلى التيار الليبرالي.
أما فيما يختص بالحجاب، فتراعي النساء حجابها في محيط المراكز المذكورة بل إنهن يتكفلن أحياناً بالمراسم التي تسبق الصلاة.
إلى جانب الفئات المشار إليها ثمة مئات من الجماعات الشيعية الأخرى في أميركا،من بينهم جماعة (أنصار الله)، وهم فريق مكوّن من أعضاء ذوي بشرة سوداء من المهاجرين السودانيين والأميركيين، لديهم اعتقادات غريبة وعجيبة.
ويعتقد زعيم هذه المجموعة ـ وهو سوداني الأصل ـ أن الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم والأئمة الأطهار عليهم السلام كانوا ذوي بشرة سوداء، إضافةً إلى اعتقاده أن العرب ذوي النزعة القوميّة رجحوا أبا بكر على الإمام علي عليه السلام لحمرة لونه.
المجموعة الثانية: الشيعة الأميركيون
تضم المجموعة الثانية ذوي البشرة السوداء والبيضاء الذين تشيعوا عبر طرق مختلفة من جملتها الجهود الدعوية الصوفيّة، ويجري التبليغ للحركة الصوفية على يد جماعة (نعمة اللهية)، وزعيمها الدكتور نور بخش، وجماعة الشيخ فضل الله الحائري العراقي.(29/101)
أوجد أتباع الدكتور نور بخش ومريدوه خانقات متعددة في مدن أميركا وأوروبا، فهم على العكس من أتباع الشيخ فضل الله كليّاً لا يتقيدون بالأحكام الظاهرية للدين.
ولزعيم الحركة الصوفية الثانية قصة مثيرة، فقد كان والده من علماء الدين في النجف الأشرف، وكان مهندس نفط، بدأ نشاطه الدعوي في كاليفورنيا، وقد حاول أن يقدّم نفسه أمام الآخرين أحد رجالات التصوف، وقد اشترى أرضاً جميلة واسعة في مدينة آستين في تكساس، حيث بنى فيها مجمّعاً يضمّ مسجداً ومدرسةً وغرفاً سمّاها (بيت الدين).
حدثت هذه القصة في السبعينات عندما قرر الشيخ فضل الله ترك التقيّة ووضعها جانباً، فكان في ذلك الوقت في أوج نشاطه حيث يعمل في مركزه حوالي مائة وخمسين شخصاً، وفي يوم من الأيام أمر فضل الله مؤذن المسجد أن يقول: "أشهد أن علياً ولي الله، وأشهد أن علياً حجة الله" بعد قوله: "أشهد أن محمداً رسول الله".
أعلن فضل الله بعد العشاءين أنه شيعي أمام المجتمعين الذين حيّرهم موقفه، وأضاف أنه قد أخفى تشيّعه وكان في حالة تقيّة، أما الآن فلا حاجة للتقية؛ إذ لا يمكن أن يلاحقهم أحد، فهذا المركز لهم.
بعد هذه الحادثة، تركه قسم من أنصاره حيث رفضوا ما أعلنه، أما البقية فقد تشيّعوا وأكملوا نشاطاتهم، فأسّسوا دار "الزهراء" للنشر، ومجلة نور الدين الفكرية.
وإثر الضغوطات والمعاناة التي تعرض لها الشيخ فضل الله من جانب الدولة الأميركية قرّر الذهاب إلى إنجلترا، ولم يتوان عن العمل حتى في جنوب أفريقيا أيضاً. وظل أنصاره في أميركا يحسبون عليه، حيث اشتهروا بترجمتهم لكتب قيّمة مثل ترجمة كلشن راز لشبستري، وبعضاً من مؤلفات حيدر العاملي.(29/102)
والصوفيون في أميركا فرق وجماعات متعدّدة، وعادة ما لا يشاركون في الحياة السياسية، فهم أصحاب مكاشفات معنوية يهتمون بالسير والسلوك، معظمهم من الفنانين والشعراء والكتّاب، وليسوا تجاراً أو أصحاب مصانع، لم تحب الجماعة الصوفية الثقافة السائدة المهيمنة في أميركا، إنهم جماعة لا تتبع ثقافة العرف ولا تتأثر بها.
يخاف شيعة أميركا ـ ذوو البشرة السوداء ـ سياسة أميركا أكثر من أي فئة أخرى حيث يعتبرونها وثقافتها ظالمة، فيسعون إلى محاربتها بأي وسيلة ممكنة حتى بتلك غير المألوفة أو المتعارفة، كما أنهم على علاقة خاصة بالجانب العرفاني في شخصية الإمام الخميني قُدس سره، على الأخص ذوو الأصل الأفريقي منهم.
والجدير ذكره في هذا الموضوع أن المهاجرين الشيعة يتشبهون بالأميركيين (assimi lation) وثقافتهم على عكس الفئة الثانية ـ أي الأميركيين المتشيعين ـ التي تعارض سياسة أميركا وثقافتها، ممّا يؤدي إلى تضارب وجهات النظر فيما بينهم.
كما تنشط جماعات شيعية أخرى في أميركا، من جملتها جماعة الخوجه (khoja) في كونيز نيويورك، والتي اشتهرت بمؤلفاتها المطبوعة مثل كتاب "Tachrike Tarasile Quran".
ويعتبر عون علي خلفان العضو الفعّال في هذه المجموعة، وقد طبع لأول مرة عام 1988م ترجمة شاكر الإنجليزية للقرآن، وترجمة مير أحمد علي.
وثمة مؤسسة شيعية أخرى ـ إضافة إلى هذه المراكز الإسلامية ـ أسست حوزة علمية صغيرة في محافظة نيويورك بالقرب من كندا، كما ويوجد مؤسسة أخرى تأسست عام 1986م، وهي "المؤسسة الشاملة للمسلمين الإثنا عشريين في أميركا الشمالية"
(North America Shia lthna Asheri Muslim Zomunicathion Nasimco Organization)(29/103)
وتسعى هذه المؤسسة إلى بث روح الوحدة داخل الشيعة في أميركا الشمالية، وأعضاؤها ليسوا أفراداً بل مؤسسات ومراكز شيعية، فقد هيّأت أرضية التعاون بين المؤسسات في المجال الديني والثقافي والاجتماعي والاقتصادي. وهناك مؤسسة "الاتحاد العالمي للمسلمين الشيعة الخوجة" (The World Fedration Khoja shia Commnities)، وهي مهمة ومشهورة يديرها الحاج حسين الولجي.
إضافة على تلك التي سلف الكلام عنها، هناك الكثير غيرها من المراكز والمؤسسات التي تنشط في المجال الإسلامي، إلا أن ما يتوجب ذكره ـ من وجهة نظرنا ـ هو سير شيعة أميركا السير التاريخي ليهود أميركا الذين انقسموا إلى تيار تقليدي وإصلاحي ومعتدل.
من هنا انقسم المسلمون أيضاً إلى تيارات ثلاثة:
التيار الأول: وهو التيار التقليدي المتقيد بجميع الأحكام الإسلامية، حيث يسعى أصحابه للحفاظ على دينهم في الوقت الذي يعانون فيه من الثقافة الأميركية المهيمنة. وتضمّ هذه الفئة المهاجرين والأميركيين والمسلمين.
التيار الثاني: وهو التيار الذي يريد العيش مثل الأميركيين، فيحاول أصحابه التشبه بثقافتهم. إنهم يعتبرون أن القيم المهيمنة على الثقافة الأميركية هي القيم الحقيقية. ويشمل هذا التيار بعضاً من المهاجرين وبعضاً من مسلمي أميركا الذي تلقّوا هذه الأفكار، لأن الإسلام العملي ـ من وجهة نظرهم ـ أيسر من الثقافة الغربية.
التيار الثالث: وهو التيار المعتدل الذي يرفض تشدد التيار التقليدي وتمادي التيار الآخر. وقد برز هذا التيار بشدة أكبر بعد هجمات الحادي عشر من أيلول.(29/104)
وثمة فريق من الشيعة أصابه اليأس والإحباط على إثر ضغوطات الدولة الأميركية مما دفعه إلى التخلي عن الإنخراط في المشروع الثقافي والسياسي الأميركيين، حتى أن جماعة من هذا الفريق كانت مستعدة للعودة إلى بلادها نتيجة ذلك، فيما يسعى فريق آخر إلى الالتفاف حول بعضهم أكثر، وليس واضحاً ما ستؤول إليه الأمور والأوضاع من الناحية السيسولوجية.
وقد أعلن فريق آخر التعاون مع أميركا لمواجهة الإرهاب، مما استدعى بعضاً من المجموعات الشيعية إلى نسبة الإرهاب إلى السنة والسلفيين، حيث اعتقدوا أن هؤلاء الإرهابيين ـ بالأخص الأصوليين ـ غير مستعدين للتعاون مع أميركا ومصالحها.
إن الشعب الأميركي لا يدرك الفرق بين السني والشيعي، حتى أنه لا يعرف أن طائفة السيخ ليسوا بمسلمين، لهذا فهم يضربون ويشتمون كثيراً من أصحاب العمائم، مما أجبر جماعة السيخ على وضع علامة خاصة على ملابسهم حتى يقولوا: إنهم ليسوا بمسلمين.
وقد أصدر في هذا الصدد الحاج حسين ولجي ـ الذي سبق الكلام عنه ـ بياناً بعد الحادي عشر من أيلول أدان فيه الإرهاب، حيث أعلن في سياق دعمه للحرب ضد الإرهاب تعاطفه مع جورج بوش، وذكر بكلام كان قاله بوش من قبل: "المسلمون ليسوا سيئين جميعاً"، وتابع ولجي: إننا نحن ـ مثل سبعة ملايين مسلم ـ نعتبر أميركا وطننا، فنحن أكثر المسلمين نشاطاً وفعالية من بين جميع المسلمين، من هنا لا بد أن نساعد المسلمين الآخرين لأجل معرفة القيم الأميركية وإدراكها حتى تنخفض نسبة العداء لأميركا والتنفّر منها.
كما أدان الإمام حسن القزويني ـ إمام الجماعة في أكبر مسجد في ديترويت بعد هجمات أيلول ـ هذه الهجمات في الراديو والتلفزيون والكنائس، ووصف حياة المسلمين في أميركا بالجيدة، وانطلاقاً من هذه لا بدّ للمسلمين من حبّ وطنهم الجديد حبّاً شديداً.(29/105)
وكأن هدفهم من هذه الأقوال والأفعال طمأنة أميركا بعدم الخوف منهم، يريدون القول: إنهم أناس جيدون يعملون كالشعب الأميركي، إلا أنهم يذهبون إلى المساجد بدلاً من الكنائس، يطلبون بذلك عدم الأذية من الشعب الأميركي.
لقد أدت هجمات الحادي عشر من أيلول إلى فتح علاقة المسلم بغيره، لا لأن غير المسلم قد أسلم أو دخل في الدين الإسلامي، بل لأن المسلمين أرادوا تعريف غيرهم بمعتقداتهم ومراكزهم الإسلامية. وأعتقد أن هذا العمل قد تأخر إلى حد معين، إلا أنه لا زال مهماً ومفيداً. ففي هذا المجال أعدّت جميع المساجد والمراكز الإسلامية ـ تقريباً ـ برامج مختلفة لتعريف المسيحيين وزعماء المذاهب الأخرى بالمعتقدات الإسلامية.
وتختلف وجهات النظر في أميركا حول المجتمع الإسلامي وحول عدد مذاهبه اختلافاً كبيراً، فقد أعلنت مجموعة أن عدد مسلمي أميركا لا يتجاوز المليونين. وإذا أردت أن تراجع المرجع التلفوني تجد أنهم أكثر من ذلك. وقد اعتمدت هذه المجموعة في حسابها على عدد أعضاء المساجد والمراكز الرسميين مضيفةً عليهم عدد أولادهم، متوصلة إلى هذا العدد، فيما اعتبرت فئة أخرى أن مجموع مسلمي أميركا يتراوح بين ثماني وعشرة ملايين، ويتراوح عددهم بين ستة إلى سبعة ملايين شخص حسب تخمين فئات منصفة، وضمن هذا الوضع هناك الكثير من الشيعة لا إحصاءات محددة لهم.
ذيول الهلال الشيعي على أميركا
"الوطن العربي" ـ العدد 1496 ـ 4/11/2005
أقام مجلس سياسة الشرق الأوسط بالولايات المتحدة مؤتمره الـ 41 في مبنى الكونغرس الأميركي تحت عنوان: "الهلال الشيعي: ما هي ذيوله على الولايات المتحدة؟" وذلك بمشاركة خمسة خبراء.(29/106)
"الوطن العربي" تابعت المؤتمر.. وتنقل أهم ما دار فيه.. بداية تحدث رئيس المجلس السفير تشاز فريمان وقال: إن السيطرة الإيرانية على العراق الشيعي الضعيف والمقسم تثير قلق دول الخليج التي زرتها مؤخرا.. ففي هذه الدول يرون أن الولايات المتحدة بطريقة الصدفة وبالتدخل في العراق خلقت هلالا شيعيا في العالم العربي. وهذا يعطي إيران فرصة فريدة لم تتح لها لسنوات وستستغل ذلك لنشر عدم الاستقرار في الدول الأخرى بالمنطقة، مثل البحرين حيث غالبية الشعب شيعة.. والكويت لديها أقلية شيعية كبرى.
وقال البروفيسور خوان كول "أستاذ دراسات الشرق الأوسط في جامعة ميتشيغان": عندما غزت الولايات المتحدة العراق فإنها رفعت غطاء القدر الذي كان يغلي في الأوساط الشيعية نتيجة تنافس زعاماتها فقد كان هناك السيستاني ومحمد صادق الصدر والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق الذي تم تأسيسه في طهران في 1982 تحت وصاية الخميني، وجمع فيه مجموعات شيعية متطرفة هربت من العراق في 1980.
وعندما سقط صدام سنحت الفرصة لكل هذه المجموعات للتنظيم بحرية.. وفاز مرشحو المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق بـ 9 محافظات من أصل 18 محافظة بما فيها بغداد وكان هذا حلماً للخميني في الثمانينيات. ولم يحقق حزب الدعوة نتائج مثل المجلس ومع ذلك فازوا بمقاعد عديدة، وأصبح إبراهيم الجعفري رئيسا للوزراء. وحزب الدعوة منظم كخلايا ووفقا للتنظيمات الستالينية ولديها مستشفياتها وقواتها الشبه العسكرية ولكنها هادئة جدا وسرية. والصدريون هم أكثرهم صخبا لأنهم تنظيم خرج من الأكواخ الفقيرة المعزولة وجيش المهدي عبارة عن شباب شيعة يحملون رشاشات.(29/107)
وأضاف: هناك توتر شديد بين منظمة الصدر والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق. هذه التوترات هي توترات طبقية لأن أتباع الصدر ـ كما ذكرت ـ من البروليتاريا أي الفقراء من سكان الأكواخ. بينما عضوية المجلس للبورجوازيين الشيعة ولأصحاب المحلات ورجال الأعمال. والقتال بينهما كان للسيطرة على تجارة الحجاج في النجف التي تدر أموالا كبيرة. وسينفصل حزب الدعوة عن التحالف مع المجلس في الانتخابات القادمة في ديسمبر "كانون الأول" التي ستكون على القضاء وليس المحافظة. وأتوقع أن يحصل الصدريون على نسبة كبيرة في المجلس وكذلك المجلس الأعلى. ولهذا فإن الحياة السياسية العراقية ستسيطر عليها لسنوات قادمة المنظمات الشيعية.
التهديد الإيراني
من جانبه أشار كينيث كاتزمان "من مركز أبحاث الكونغرس" إلى أن العلاقة الأميركية مع الإسلام الشيعي قد دارت دورة كاملة. موضحاً أنه في العام 1979 وقت قيام الثورة الإسلامية في إيران لم يكن هناك الكثير من التفكير بالإسلام الراديكالي أو الإسلام السياسي. وكان التهديد الإستراتيجي الرئيسي للولايات المتحدة هو الاتحاد السوفيتي، والدكتاتورية الشيوعية المتعاملة مع الاتحاد السوفيتي.وفي الثمانينيات كانت المجموعات الشيعية هي التهديد الرئيسي للولايات المتحدة.
وإدارتا ريغان وبوش الأب آنذاك رأتا التهديد الإيراني والمنظمات الشيعية التي تدعمها إيران ولذلك وضعت الإدارتان جانبا كرههما لنظام صدام حسين ودعمتاه في الحرب العراقية الإيرانية، وكان الأمل أن ينتصر صدام في الحرب ويجبر طهران والأصولية الشيعية على التراجع.(29/108)
وأضاف كاتزمان: وهذا ينقلنا إلى عراق ما بعد صدام. فمن الواضح أن الولايات المتحدة حددت المتمردين السنة العراقيين والقادمين من الخارج كالعدو. ونفس الأحزاب الشيعية التي دفعت بالولايات المتحدة للميل نحو صدام حسين في الحرب العراقية الإيرانية هم الآن أوثق الحلفاء للأميركيين في العراق. وأصبحت الولايات المتحدة أساسا الحامية للأحزاب الشيعية. وأصبحت الكويت الحليف الثابت والبعيد المدى للولايات المتحدة تعيش إلى جانب حكومة عراقية رئيسها إبراهيم الجعفري وهو من نفس الحزب الذي حاول اغتيال أمير الكويت في العام 1985 ومن الأمور المهمة جداً أن الولايات المتحدة ينظر إليها على أنها تختار من يفوز بين السنة والشيعة. وفي نظر السنة في العراق فإن الولايات المتحدة اختارت الشيعة وفضلتهم على السنة.
والمشكلة أن الأحزاب الشيعية بالتحالف مع الأكراد حصدوا كل شيء عبر مسودة الدستور التي تعطي المنتصر كل شيء. وهذا ما زاد من الإحساس بالمرارة بين السنة. وحلت الميليشيات الشيعية التابعة للأحزاب محل الشرطة الوطنية وخاصة في البصرة.
واعتقد واضعو السياسة الأميركية أنه بعد الإطاحة بصدام ستزدهر الأحزاب الليبرالية المثقفة الموالية للغرب ولكن خابت هذه الآمال فورا فما نتج عوضا عن ذلك أحزاب شيعية موالية لإيران ما عدا مقتدى الصدر. وأما الأحزاب الباقية فتتعاون مع الولايات المتحدة لأن ذلك من مصلحتها. ولكن صبر هذه الأحزاب الشيعية بدأ ينفد من تنفيذ الأوامر الأميركية لأنهم يريدون عراق ما بعد صدام مبنياً على أيديولوجيتهم.
سياسة الفوضى(29/109)
أما كريم سادجادبور وهو محلل مع مجموعة الأزمات الدولية فقال: لقد عشت لأكثر من عامين ونصف العام في لبنان وإيران، وأعتقد أن إيران مهتمة بخلق ثيوقراطية في العراق على غرار إيران وولاية الفقيه. ولقد تحدثت مع العديد من المسؤولين الإيرانيين وقالوا لي إن العراق مجتمع غير متجانس عرقيا ودينياً.. ولن ينجح نفس النظام الإيراني في العراق.. ولقد كانت سياسة إيران نحو العراق هي الفوضى التي يمكن إدارتها. فطهران من جانب لا تريد أن ينجح الأميركيون في العراق لأن ذلك سيشجع الأميركيين لنقل سياسة تغيير النظام إلى إيران. وتتمنى من العراقيين تلقين الأميركيين درسا باهظا.
وفي نفس الوقت فطهران قلقة حول الانهيار الكبير التام في العراق بشكل ينذر بحرب أهلية.. كما أنها قلقت من قيام كردستان المستقلة في العراق.. لاعتقادها أن ذلك سينتقل إلى أكراد إيران الذي يشكلون 10% من السكان.. وأولوية الإيرانيين وصول الشيعة من أصدقائهم للسلطة في العراق لأنه كما قال لي مسؤول إيراني إن الشيعة لن يقاتلوا الشيعة.
والتقط طرف الحديث راي تاكيه من مجلس العلاقات الخارجية وأوضح أن هناك خوفاً في الأوساط الأميركية من أن قيام حكومة رجعية في إيران سيؤدي إلى إحياء الثورة كأساس للسياسة الإيرانية إقليميا.
وأضاف: ولكنني أرى السياسة الإيرانية الحالية استمراراً للسياسة السابقة.. ولم يعد الحديث عن العودة إلى مبادئ الثورة لحل كل المشاكل كافيا،ً وقد يكون هناك هلال شيعي في الخليج.. فقد مرت عدة مراحل للخليج ففي السبعينيات كانت إيران "البهلوية" حامية الخليج للأميركيين ثم في الثمانينيات انحازت الولايات المتحدة للعراق ضد إيران. وفي التسعينيات كانت سياسة الاحتواء الثنائي ووجود أميركي مكثف في الخليج.. ونرى الآن بروز العمودين الثنائيين أي العمودين الشيعيين في إيران والعراق وتعاونهما الإستراتيجي وجرى تهميش دول الخليج..
نصائح لواشنطن(29/110)
وبشأن توصيات الخبراء للإدارة الأميركية.. قال خوان كول: بعد أن شكل مقتدى الصدر ميليشياه في صيف 2003 وتنازع مع المارينز في 2004 وصار في موقف صعب توجه لزيارة آية الله السيستاني وقال له: لو أمرتني بحل الميليشيا فسأحلها. فنظر له السيستاني الذي وعى أنه يجر إلى أمر لا يريده وأجابه: لم تسألني قبل أن تشكل الميليشيا فلماذا تسألني الآن؟
ولهذا أقول إن إدارة بوش أرادت صنع ديموقراطية في العراق ولكن لا يوجد قوى ديمقراطية في هذا البلد، وفوز المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق بـ 9 محافظات لم يكن من أمنيات إدارة بوش عندما غزت العراق وهناك إغراء بأن تتلاعب الولايات المتحدة بالانتخابات القادمة في 15 ديسمبر "كانون الأول" القادم عبر رمي النقود لمحاولة إعادة إياد علاوي للسلطة في العراق لأنه كان الحصان الذي راهنت عليه واشنطن في البداية ولكن حزبه جاء في مركز متأخر خلال الانتخابات الماضية.
وإذا لعبت الولايات المتحدة هذه اللعبة من وراء الكواليس وحاولت وضع علمانيين ضد إيران وضد السيستاني فإنها ستكون لعبة خطيرة وتهدد البلاد بالفوضى.. وذكر السفير فريمان أن هناك قولاً ينسب للحزب الديمقراطي: "إنه إذا واجهتك معضلة سياسية عندما تكون في القيادة ففكر، وعندما تواجه الصعوبات حول الحل للآخرين وعندما تكون في شك تكلم كلمات غير مفهومة". المشكلة أننا غزونا العراق وحلمنا بأمور كثيرة تحدث فيه. لكن كان هذا في خيالنا فقط.
وأشار كاتزمان إلى أن الولايات المتحدة ينظر إليها الآن على أنها حامية التحالف الشيعي الكردي في العراق. وكانت تأمل أن تسحق السنة وتدفعهم إلى الاستسلام.. ولكن استمر السنة في القتال ولم تضعف حركة التمرد.. ولقد رفض حارث الضاري وعبد السلام الكبيسي من جمعية علماء المسلمين التفاوض مع الولايات المتحدة لأنهم في الجمعية يصرون على جدول بالانسحاب الأميركي أولا.(29/111)
واختتم خوان المؤتمر بقوله: ما يطرحه الدستور العراقي هو في الواقع كونفدرالية وليست فدرالية ونعرف ما حدث في الولايات المتحدة من حرب أهلية في ظل الكونفدرالية..
تفاصيل الخطة السورية ـ الإيرانية لفتح "أبواب جهنم"!
الوطن العربي ـ العدد 1495ـ 28/10/2005
إن كل الخيارات ما زالت مفتوحة للتعامل مع سورية "وإيران" بما فيها الخيار العسكري، بهذه العبارة التي أطلقتها أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ حسمت كوندوليزا رايس حقيقة التقارير "الموثوقة" التي كانت قيد التداول تارة عن استبعاد الحرب الأميركية ضد سورية وأخرى عن تراجع واشنطن عن مشروع تغيير النظام في دمشق.
والذين تابعوا الجولة الخارجية الواسعة التي قامت بها وزيرة الخارجية الأميركية في الأيام الأخيرة وشملت في شكل خاص باريس ولندن وموسكو إضافة إلى عشائها مع الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان اكتشفوا أن فحوى مباحثات رايس في جولتها كانت أقرب إلى آخر جولات سلفها كولن باول قبل وضع اللمسات الأخيرة على قرار مجلس الأمن الذي انتهى بغزو العراق وإطاحة صدام حسين ونظامه في أبريل "نيسان" من العام 2003.
وتؤكد مصادر أميركية اطلعت على جدول أعمال مباحثات رايس الدولية الأخيرة أن إجراء اللقاءات الثنائية كانت أشبه بحملة تعبئة دولية لوضع مصير بشار الأسد ونظامه على خطى صدام حسين ولكن بفارق بسيط ومهم.
وهذا الفارق حسب هذه المصادر هو أن رايس تحرص هذه المرة على الحصول على إجماع دولي لإطاحة النظام السوري على عكس ما حصل في عملية غزو العراق، وثمة تقارير تكشف عن المشاورات السرية التي تجريها واشنطن مع حلفائها وأصدقائها تصب في خانة جمع أكبر قدر من التأييد لضمان صدور سلسلة قرارات دولية تقود إلى شرعنة مخطط إطاحة النظام السوري بالقوة بعد إخضاعه لسلسلة عقوبات وضغوطات دبلوماسية واقتصادية وعسكرية، ولإنذار أخير قبل حسم مصيره وتغييره.
من صدام إلى بشار(29/112)
وفي معلومات "الوطن العربي" أن سيناريو إطاحة بشار الأسد على طريقة صدام حسين قد عاد إلى تصدر واجهة السيناريوهات المتداولة لتغيير النظام في سورية، وبالتالي تصدر النيات غير المعلنة رسمياً في المباحثات التي أجرتها رايس مع أبرز دول مجلس الأمن.
وتكشف المصادر أن ثمة معطيات خطيرة استجدت في الأسابيع الأخيرة دفعت إلى رفع مستوى المباحثات الأميركية ـ الفرنسية والدولية من أجل تسريع إعداد خطة عمل أو بالأحرى خريطة طريق للتعامل مع سورية عبر سلسلة قرارات تقود إلى تكثيف الضغوط عليها وعزلها ومحاصرتها والتمهيد لإرغام النظام على الاستسلام، وفي رأي هذه المصادر أن مثل هذه المستجدات الخطيرة تفسر سبب التعامل السلبي المسبق مع دمشق والبدء بالتحضير لمواجهتها قبل أيام من تقديم تقرير ميليس حول دورها في مقتل الحريري وتقرير لارسن حول حقيقة انسحاب القوات والمخابرات السورية من لبنان ووقف تدخل أجهزتها في هذا البلد.
وكان قد لفت نظر المراقبين أن التعبئة الدولية التي اختارت التهديد بقرارات وعقوبات جديدة وبحملات عسكرية بدت مثيرة للشكوك والشبهات وفاقدة للمبررات المنطقية خصوصاً وأنها تزامنت من جهة مع تأكيد الأطراف الدولية المعنية أنها لم تطلع على تقرير ميليس ولا تعرف ما سيتضمنه، ومن جهة أخرى مع استمرار تأكيد دمشق وعلى لسان رئيسها بشار الأسد أنها بريئة مائة في المائة من دم الحريري!
ومن هنا تؤكد مصادر "الوطن العربي" أن التحركات الدولية الأخيرة التي رفعت شعار التحضير لزيادة الضغط على سورية ومعاقبتها لم تكن في الحقيقة، كما أشيع، استباقا لتقريري ميليس ولارسن وما يمكن أن يتضمنا من اتهامات لسورية، فواقع الأمر حسب المصادر المتعلقة أن كل الاتصالات والتحركات الدولية المتعلقة بالقرار 1559 خاصة، وبمشكلة سورية مع المجموعة الدولية عامة راحت تنطلق من سيناريو مواجهة مرحلة ما بعد تقرير ميليس قبل فترة من صدوره.(29/113)
وبكلام آخر تؤكد المصادر أن المواجهة السورية مع الولايات المتحدة وفرنسا وعبرهما مع العالم دخلت مرحلة ما بعد تقرير ميليس على ضوء تقارير سرية خطيرة جداً صدرت في الآونة الأخيرة وتحذر كلها من "مواجهة حتمية" بغض النظر عن محتوى التقرير المتعلق بحقيقة اغتيال الحريري، وخصوصاً بغض النظر عن تكرار المسؤولين السوريين لرغبتهم في التعاون.
وفي معلومات "الوطن العربي" أن عملية "انتحار" غازي كنعان وزير الداخلية السوري في الثاني عشر من هذا الشهر لعبت دوراً مهماً في تسريع عملية التعبئة الدولية للمواجهة المقبلة مع سورية، وجاءت تشكل تأكيداً لمصداقية التقارير الاستخبارية التي كانت تحذر من استعدادات سورية للمواجهة والحرب رغم كل مظاهر التعاون والحوار وعروض الصفقات السرية التي وصلت إلى حد التصريح المفاجئ للرئيس السوري الذي أعلن أمام شبكة "سي إن إن" قبل ساعات من إعلان انتحار كنعان أن دمشق تعتبر أن أي مسؤول سوري يتأكد ضلوعه في جريمة اغتيال الحريري خائناً تجب محاكمته، إما في سورية أو أمام محكمة دولية!
وجاءت مفاجأة إعلان بشار الأسد استعداده لتسليم أي متهم للمحاكمة أمام محكمة دولية في وقت كانت التقارير تحذر من العكس وتدعو إلى الاستعداد لمواجهة سيناريو التشدد السوري.
وعلى الرغم من تصريح الأسد اعتبر المراقبون المطلعون على ما جاء في آخر التقارير أن "نحر" غازي كنعان كان أبلغ رسالة حية لتأكيد وجود خطة مواجهة سورية مع مجلس الأمن، وفي معلومات "الوطن العربي" أن أبرز تفاصيل هذه الخطة جاءت في تقرير سري أعدته "سي آي إيه" بالتعاون مع عدة أجهزة استخبارات غربية تنشط في شكل خاص في لبنان والعراق، وداخل سورية.(29/114)
وكشف هذا التقرير الذي تسلمت كل من باريس ولندن نسخاً منه أن القيادة السورية اتخذت منذ أكثر من ثلاثة أشهر قرارا بالتصدي لمخططات إطاحة النظام وتغييره وأعدت سلسلة سيناريوهات مسبقة لمواجهة تبعات وتداعيات القرارين 1559.1595، وذلك انطلاقاً من قناعة التقت عندها القيادة السورية وهي أن الشروط الأميركية والدولية لن تتوقف قبل تغيير النظام بكامله وإطاحة حزب البعث عن السلطة، وأن كل ما جرى ويجري ليس سوى فصول من المخطط الأميركي لتغيير الأنظمة في المنطقة وإطاحة النظام في دمشق بعد بغداد.
خطة سورية ـ إيرانية
وكشفت مصادر أميركية اطلعت على التقرير لـ "الوطن العربي" أن واشنطن وباريس كانتا متأكدتين من أن دمشق لن تسحب كل عملائها من لبنان ولن تسلم أياً من كبار المسؤولين للمحاكمة ولن ترضى بوقف التسلل كلياً للمجاهدين سواء عبر مطار دمشق أم عبر الحدود، وأنها باتت تعتبر ـ بعد فشل مساعي التفاوض والحوار والصفقات هذا الصيف ـ أن على النظام أن يدخل في معركة كسر عظم مع الولايات المتحدة على أساس أن نتائج هذه المعركة ستكون أقل كلفة من نتائج الاستسلام للشروط والمطالب خصوصاً على ضوء تورط الأميركيين في العراق والتحالف الاستراتيجي مع إيران.
وبالفعل، تؤكد المصادر أن التقارير الاستخبارية الأخيرة تجمع على أن دمشق قد خططت منذ ما قبل حصول عملية اغتيال الحريري وانسحابها من لبنان لإعادة تفعيل محور طهران ـ دمشق ـ بيروت وفي قناعة جهات استخبارية أن سفر رئيس الوزراء السوري محمد ناجي عطري إلى طهران بعد أيام من اغتيال الحريري وتلويحه من هناك بالتحالف الاستراتيجي لم يكن خطأ أو زلة لسان، وكذلك لم يكن من باب المصادفة أن يطلق عطري نفسه قبل أيام تهديده الشهير بفتح "أبواب جهنم" إذا ما قررت واشنطن غزو سورية.(29/115)
والواقع أن تصريحات عطري هذه كانت تتزامن مع التقارير التي كانت تحذر من المخطط السوري لفتح مواجهة مع العالم على غرار ما فعل صدام حسين أيام فرق التفتيش الدولية عن أسلحة الدمار الشامل، وتضمنت هذه التقارير سلسلة معلومات وتفاصيل عن استعدادات سورية مكثفة للتعبئة والتصعيد استعداداً للمواجهة، وهي استعدادات داخلية وخارجية في آن تمتد من سورية إلى العراق ولبنان وفلسطين ومرشحة للتوسع أكثر وتستخدم فيها كل الأوراق التي ما زال النظام السوري يملكها أو يحتفظ بها.
وتكشف التقارير أن الاستعدادات الداخلية لمواجهة أية اضطرابات شعبية أو مذهبية أو عرقية أو أي انقلاب عسكري داخلي قد بدأت منذ ما قبل المؤتمر القطري لحزب البعث، ومنذ تلك الفترة نجح النظام السوري في تحصين نفسه وإعادة تنظيم صفوفه عبر سياسة تطهير أمنية وسياسية وحزبية على أعلى المستويات أدت إلى إبعاد أية عناصر قد تكون محل شبهات وفرض هيمنة قيادة عائلية على السلطة والقرار تمثلت في الثلاثي بشار الأسد وماهر الأسد وآصف شوكت ومجموعة ضيقة فوق كل الشبهات.
وعلى ضوء هذه المعادلة تم إخراج عبد الحليم خدام وتحييد بهجت سليمان ومن ثم "نحر" غازي كنعان. وفي الإطار نفسه أحكم آصف شوكت هيمنته على الأجهزة الأمنية والاستخبارية في موازاة هيمنة ماهر الأسد على الحرس الجمهوري ورئاسة الأركان حيث بات العماد علي حبيب خاضعاً لإمرته.(29/116)
وفي الوقت الذي انطلقت الأجهزة الأمنية في أكبر عملية انتشار منذ سنوات في مدن وقرى سورية تتعامل بيد من حديد مع أي تحرك أو نشاط معارض تؤكد المصادر أن النظام السوري قام بتوزيع السلاح على ميليشيات حزبية غير مشكوك بولائها لضبط أية محاولة داخلية للتمرد، وضمن المهمة نفسها كثفت دمشق من اتصالاتها مع الروس بهدف الحصول على أسلحة متطورة ويقال إنها نجحت في إقناع موسكو برفع تحفظها عن تزويدها بصواريخ "سي سي 26" وذلك خلال الزيارة التي قام بها علي حبيب لموسكو قبل أسابيع.
الحرس الثوري في دمشق!
وتتحدث التقارير نفسها عن أن القيادة السورية وضعت خطة لتحريك التنظيمات الفلسطينية المؤيدة لها في لبنان وفلسطين، ويقال إن اللقاء الذي عقده الرئيس بشار الأسد مع زعماء عدد من التنظيمات الفلسطينية في دمشق قبل أكثر من شهر كان أكثر من رسالة تهديد باستخدام هذه الورقة، وأنه انعكس عملياً في شكل تعبئة سورية لا سابق لها على خط هذه التنظيمات التي وضعت في حالة تأهب لتنفيذ عمليات داخل الأراضي المحتلة، فيما قامت دمشق بأكبر عملية اختراق من نوعها لمخيمات الفلسطينيين في لبنان حيث جرى تهريب كميات ضخمة من الأسلحة والذخائر إليها وتم فرز مئات العناصر من مخيم اليرموك لإرسالها إلى مخيمات بيروت وصيدا وطرابلس والبقاع فيما جرى تكليف كل من أحمد جبريل زعيم الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة، وأبو موسى زعيم فتح ـ الانتفاضة بتعبئة آلاف العناصر في لبنان والعمل على السيطرة على القرار الفلسطيني في المخيمات.(29/117)
ويكشف أحد التقارير أن عدداً كبيراً من المخيمات الفلسطينية بات عملياً تحت سيطرة الجماعات المؤيدة لسورية، وأن سيطرة السلطة الفلسطينية وأبو مازن على هذه المخيمات بات مشكوكاً فيها حتى في المخيمات غير الخاضعة لسيطرة أحمد جبريل أو أبو موسى أو جماعات تابعة للمخابرات السورية بما فيها جماعات أصولية، ويقال في هذا الصدد إن هذه المخيمات "غير السورية الهيمنة" تتبع أكثر لقيادات فتحاوية إما متمردة على سلطة أبو مازن وإما تابعة لسلطة فاروق القدومي وفاتحة لحسابها وهي في كل الحالات تعتبر مهددة بالاختراق السوري لها خصوصاً إذا ما تأكد رهان السوريين على انضمام "حزب الله" لمخططهم.
والواقع أن بعض التقارير التي تتحدث عن خطة التصعيد السورية المرتقبة ترى في "حزب الله" فريقاً أساسياً في هذا المخطط الذي يقال إن دمشق أعدته بتعاون وتنسيق وثيقين مع طهران وعلى أساسه سمحت دمشق قبل أسابيع بوصول شحنات من الأسلحة والصواريخ الجديدة إلى "حزب الله" جرى تخزينها في البقاع والجنوب.
وأكثر من ذلك يؤكد آخر التقارير أن مسلسل الزيارات العلنية والسرية المكثفة التي تم تبادلها بين دمشق وطهران كانت تصب في خانة تحضير سيناريو المواجهة الحتمية، ويبدو أن زيارة كل من رئيس مجلس الشورى غلام رضا حداد "صهر خامنئي" التي تلتها بعد أيام زيارة الأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني علي لاريجاني كانت لوضع اللمسات الأخيرة على إعادة تفعيل التحالف الاستراتيجي بين طهران ودمشق مع حزب الله وحلفاء سورية وإيران الفلسطينيين في لبنان والأراضي المحتلة، ومنذ أسابيع تركز التقارير الاستخبارية على حركة لافتة جداً ولا سابق لها تشهدها السفارة الإيرانية في دمشق ونشاطات وزيارات متبادلة لمسؤولين عسكريين وأمنيين كبار بين طهران ودمشق تتم بسرية تامة.(29/118)
وفي معلومات جهاز أمني أوروبي أن أهداف هذه الزيارات هي وضع اللمسات الأخيرة على خطة التعاون الاستراتيجي والعسكري لمواجهة مخطط إطاحة النظام السوري وأن أهم مراحل وضع هذا المخطط بدأت بزيارة سرية قام بها آصف شوكت لطهران قبل أسابيع بعد فشل مساعيه الحوارية في باريس، وبعده بأيام وصل إلى دمشق في سرية تامة وفد عسكري رفيع من قيادة الحرس الثوري الإيراني موفدا من قبل المرشد علي خامنئي، وكان هذه الوفد برئاسة الجنرال باقر ذو القدر الرجل الثاني وقائد العمليات في الحرس.
ويضيف التقرير أن أول انعكاسات الزيارة ظهرت مؤخراً عبر تسلم دمشق لصفقة أسلحة إيرانية متطورة تضمنت بطاريات صواريخ وأجهزة رصد ورادارات فيما سجلت عملية إعادة انتشار وتعبئة في أوساط عناصر "حزب الله" غابت عن الأنظار بفعل التركيز على تحركات الاستخبارات السورية وحلفائهم في اتجاه المخيمات الفلسطينية والقواعد العسكرية خارج المخيمات وتعبئة حركات أصولية متشددة معروفة بارتباطها بالمخابرات السورية.
في أي حال وقبل أيام من صدور تقريري ميليس ولارسن كانت واشنطن وباريس ولندن قد حصلت على ما يكفي من معلومات عن أن المرحلة المقبلة ستكون مرحلة مواجهة مع سورية، وسادت قناعة بأن النظام السوري لم يرفض فقط "السيناريو الليبي" بل سلك طريق "السيناريو العراقي"، برهانه على المواجهة والتصدي لما يعتبره مؤامرة ضد النظام والبعث.
ولا يخفي أحد الخبراء الأوروبيين اعتقاده بأنه مهما كانت حسابات النظام السوري فإن هذا الطريق مرشح ليتحول فخاً سيقع فيه الرئيس بشار الأسد كما وقع فيه صدام حسين مع فارق أن التحضيرات والمشاورات الدولية الدائرة بصمت تهدف لإعطاء أكثر من غطاء شرعي دولي يجعل من الصعب ارتفاع أصوات تنادي بإنقاذ النظام أو تنجح في إنقاذه وهو أمر لن تنجح فيه أيضاً كل مخططات المواجهة العسكرية أو الرهان على حلفاء كإيران أو التنظيمات الفلسطينية المتشددة أو "حزب الله".(29/119)
وفي معلومات مصادر استخبارية اطلعت على التقارير الأولية عن انتحار غازي كنعان أن ما حصل كان عملية "تصفية" لأحد أبرز رموز النظام من الحرس القديم والطائفة وتخشى هذه المصادر أن يكون الفريق الذي أصدر أمر "نحر" كنعان هو نفسه من أصدر قرار اغتيال الحريري وتصل إلى حد اعتبار تصفية كنعان اغتيالا لآخر رهان على تغيير للنظام السوري من الداخل وبدون حرب.. أما الآن فالمواجهة تبدو مفتوحة ومعروفة النهاية مها ارتفع عدد القرارات الدولية التمهيدية للحسم على الطريقة العراقية.
حرب عائلة الأسد
الوطن العربي ـ العدد 1496 ـ 4/11/2005
ما إن انتهى الخبير الأوروبي في الشؤون السورية من قراءة تقرير ميليس بنسخته كاملة الأسماء بما فيها المستر "إكس" الذي يشغل بال اللبنانيين، حتى أطلق تعليقاً معبراً جداً يعكس معرفته بكواليس تقاسم السلطة والنفوذ وطريقة صنع القرار في دمشق فقال: لو وجه ميليس شبهاته إلى الرئيس بشار الأسد بدلاً من أخيه ماهر وصهره آصف شوكت فلربما كان من الأسهل توقع تتمة مسار الزلزال الذي تعيشه القيادة السورية حالياً!
وتابع هذا الخبير بجدية واضحة: إن الرهان على أن يقوم ماهر أو آصف بتسليم بشار الأسد أسهل بكثير من توقع لجوء بشار إلى إرغام أي من شقيقه أو صهره على التعاون والانتقال إلى قبرص للإدلاء بشهادتيهما إن لم نقل اعتقالهما كما يطالب مشروع القرار الدولي، أو التحقيق معهما ومحاكمتهما في سورية أو خارجها كما وعد الرئيس السوري بنفسه في رسالته الأخيرة إلى كل من واشنطن وباريس ولندن؟!(29/120)
وفي قناعة هذا المصدر أن ورطة القيادة السورية الحالية ليست في رغبتها أو إرادتها التعاون مع مطالب مجلس الأمن، بل قدرتها على هذا التعاون والنزول عند هذه المطالب، ويبدو مؤكداً للخبراء أن التعاون المطلوب واعتقال المشتبه بهم في التقرير من ماهر الأسد إلى آصف شوكت إضافة إلى بهجت سليمان وحسن خليل ورستم غزالة وغيرهم من "الضباط الصغار" مهمة مستحيلة بالنسبة لبشار الأسد.
وفي معلومات المصادر المطلعة على كواليس صنع القرار في سورية أن استحالة المهمة تتأتى من عدة عناصر أهمها أن الشبهات اخترقت الحلقة الضيقة للنظام التي باتت بعد إخراج عبد الحليم خدام و"انتحار" غازي كنعان حلقة عائلية وأن بشار الأسد لا يلعب عملياً دور الحكم أو الحاكم الفعلي لهذه الحلقة رغم حمله صفة الرئيس وقائد القوات المسلحة.
وبالفعل تؤكد مصادر "الوطن العربي" أن نشر تقرير ميليس وبداية ظهور تداعياته الأولى التي تنذر بالأعظم والأسوأ قادت إلى إعادة طرح السؤال عمن يحكم سورية وعن مدى سيطرة بشار الأسد على السلطة والقرار، ولعل المفارقة هي في أن بعض التحليلات وصفت عدم توجيه المحقق الدولي لأصابع الاتهام إلى الرئيس السوري بأن هذا الأخير ليس الحاكم الفعلي لسورية ومن هذا الموقع يمكن استنتاج عدم اطلاعه على مخطط اغتيال الحريري!
واللافت في المزاعم الجديدة التي استؤنفت ضد سلطة بشار الفعلية أنها ذهبت هذه المرة إلى أبعد من القول إنه لا يمتلك مواصفات والده الراحل أو أنه حاكم ضعيف لتنتهي إلى التشكيك بسلطاته وصلاحياته الفعلية ليس فقط على الأجهزة الأمنية التي تحكم سورية بيد من حديد وخططت لاغتيال الحريري بل حتى على القرار السياسي في البلاد.
من يحكم سورية؟!(29/121)
ولوحظ أن أحد تقارير الأجهزة الغربية التي أعادت تسليط الأضواء على "من يحكم سورية" استذكرت عبارة نقلت عن الرئيس السوري بعد أسابيع من اغتيال الحريري جاء فيها: "أنا لست وحدي من يقرر في سورية" وكشف هذا التقرير عن تركيبة معقدة لصنع القرار السوري حولته إلى حكم عائلي طائفي في آن، مشيراً إلى وجود قيادتين في البلاد عائلية وطائفية تقودان مجتمعتين إلى قيادة سرية هي التي تحكم سورية بالفعل وتقف وراء اتخاذ القرارات المصيرية والحساسة جداً، ويقال إن آخر قرارات هذه القيادة السرية العليا كان قرار إعدام وزير الداخلية وأحد أبرز رموز النظام والطائفة اللواء غازي كنعان "انتحاراً".
ويكشف التقرير أن هذه القيادة العليا مؤلفة فقط من مجلس عَلَوي يضم مجموعة مختارة من المشايخ والزعماء القبليين ورجال الدين ورموز نافذة في الطائفة تمثل عملياً الركيزة السياسية والعسكرية والأمنية للنظام، ويضم هذا المجلس شخصيات دينية وقيادات من قبائل الطائفة وعشائر الطائفة الرئيسية مثل الحدادين والخياطين والكلبية "قبيلة الأسد" والمطاردة، والمعروف أن هذه القبيلة ذات نفوذ واسع في أوساط ضباط القوات المسلحة بينما "الحدادين" يسيطرون على الأجهزة الأمنية.
ويذكر التقرير أن لجنة حكماء كانت قد شكلت على خلفية المحاولة الانقلابية التي نفذها رفعت الأسد في العام 1984 ثم تطورت إلى مجلس يعمل بمثابة "قيادة سرية" عليا ويشرف على القرارات المصيرية وثمة من ينظر إلى هذه اللجنة وكأنها تشكيل مواز لمجلس تشخيص مصلحة النظام في إيران.
والمعروف أن هذا المجلس يعمل بشكل غير رسمي وغير معلن، لكن بعض المصادر السورية تتحدث عن أسماء شخصيات نافذة في النظام ولا تتحمل مسؤوليات مباشرة مثل علي دوبا ومحمد ناصيف لكن الأكيد أن الخيارات الكبرى للنظام تتخذ عبر هذا المجلس أكثر مما تتخذ في الحكومة أو القيادة القطرية لحزب البعث أو في القيادة السياسية المعروفة.(29/122)
وثمة معلومات تتحدث عن أن القيادة السرية العليا قد تولت عملياً الإشراف شبه المباشر على القرارات السياسية السورية الكبرى منذ الانسحاب من لبنان وصولاً إلى التعامل مع تحقيق ميليس.
ويزعم هذا التقرير أن بعضا من رموز "القيادة السرية" ينتمون إلى القيادة العلنية التي يمكن اختصارها في العائلة، واللافت أن الرئيس بشار الأسد لا يأتي في مقدمة هؤلاء إذ تسبقه شخصيات علنية من العائلة أبرزها شقيقه ماهر قائد الحرس الجمهوري المسؤول عن حماية العاصمة والقصر الرئاسي، ويليه اللواء آصف شوكت صهر الرئيس ورئيس المخابرات العسكرية الذي تتقاطع المعلومات على اعتباره أقوى من منافسه ماهر والمسيطر الفعلي على الأجهزة الأمنية والعسكرية.
من بشار إلى بشرى؟!
ويضيف التقرير أن كلاً من ماهر وآصف أقوى نفوذاً من الرئيس إلى حد أنه يمكن التساؤل عما إذا لم يكن الدكتور بشار الأسد "رهينة" في أيديهما وهامش المناورة الوحيد أمامه هو محاولة اللعب على وتر "الحساسية" الدائمة بين الرجلين باستثناء الحالات الطارئة التي تستدعي تعاونهما لحماية النظام كما يحصل حالياً.
وثمة معلومات متداولة تقول إن نفوذ آصف شوكت هو أكبر من نفوذ ماهر الأسد، وفي رأي أصحاب هذه المعلومات أن الفضل يعود "للسيدة الأقوى" في النظام السوري وهي السيدة بشرى شقيقة الرئيس، وزوجة آصف التي لعبت دوراً في صعود زوجها.
وتزعم آخر التقارير أنها تلعب دوراً رئيسياً في الحلقة العائلية الحاكمة و"القيادة السرية" وكان لافتاً أن آخر هذه التقارير عمن يحكم سورية بدأت تضيف اسم السيدة أنيسة مخلوف أرملة الرئيس الراحل حافظ الأسد ووالدة الرئيس الحالي كواحدة من أبرز رموز الحكم الفعلي إلى جانب ابنتها بشرى ويعود لهما الفضل في "تحكيم" وحسم الخلافات التي قد تحصل بين بشار وماهر وآصف وخصوصاً بين المسؤولين الآخرين.(29/123)
ويضيف التقرير الغربي الأخير في مزاعمه أن قوة السيدة بشرى لا تتأتى فقط من قوة شخصيتها وموقعها، كما موقع زوجها، بل أيضاً بعلاقاتها القوية مع أطراف أخرى فاعله جداً في القيادة السرية وهي عائلة أخوالها مخلوف.
ويصنف التقرير محمد مخلوف بأنه أحد أبرز رموز النظام السوري الحاكم وأنه يشرف على إمبراطورية اقتصادية مالية من خلال نشاطات ابنه رامي وشركاء آخرين بحيث تعتبر دولة داخل الدولة ومركزا مهماً في مراكز صنع القرار، ويزعم التقرير أن رامي مخلوف مقرب جداً من تيار بشرى، بحيث يشكل عامل إزعاج كبيرا لحكم بشار الأسد خصوصاً لسياسته الإصلاحية.
والسؤال الذي يطرحه معدو التقارير بإلحاح بعد صدور تقرير ميليس والتعبئة الدولية التي تلته لتغيير النظام في سورية من داخل القيادة الحالية، وإلا فعلى طريقة صدام حسين هو كيف ستواجه هذه القيادة العائلية ـ الطائفية أكبر مأزق يواجهه النظام ويهدد مصير وحتى مستقبل سورية، فثمة قناعة في أوساط هؤلاء الخبراء أن الصراع العائلي سينفجر قبل انتهاء الإنذار غير المعلن المحدد في 15 ديسمبر "كانون الأول" تحت مسمى المهلة الإضافية الممنوحة لميليس، وانطلاقاً من قناعة هؤلاء بأن الرئيس السوري سيكون عاجزاً عن "تسليم" المشتبه بهم وفتح بلاده أمام المحقق ميليس ليعمل بالحرية نفسها التي عمل بها في لبنان.
ويذكر هؤلاء أن القيادة السورية لن تستطيع مثلاً الأمر باعتقال رموز المخابرات والأمن المشبوهين على طريقة ما حصل لرؤساء الأجهزة في لبنان وهي سبق لها أن رفضت السماح لميليس بالتحقيق معهم على انفراد كما سبق لها أن رفضت تزويد المحقق الدولي بتسجيلات الاتصالات الهاتفية التي طلبها من شركتي الهاتف الخلوي في سورية واللتين يملكهما رامي مخلوف مع شركاء آخرين من النظام.(29/124)
وتؤكد مصادر أميركية مطلعة أن واشنطن وباريس ولندن قد اتفقت مع دول أخرى نافذة على استغلال التحقيق الدولي في جريمة اغتيال الحريري لانتهاج استراتيجية جديدة تجاه سورية، وبهذه الاستراتيجية تتخلى واشنطن عن شعار تغيير النظام لتفسح المجال أمام دور فرنسي فاعل في دفع الرئيس الأسد والنظام السوري إلى التعاون بما يكفل تنفيذ المطالب ويتيح فرصة شهرين أمام عقد "صفقة" يؤدي تنفيذها إلى تغيير النظام عملياً بمجرد التهديد بالحصار والعقوبات.
وهذا التغيير حتى في حال حصول الصفقة، سيقود حكما إلى تطهير النظام السوري الحالي وإخراج عدد من كبار رموزه من السلطة ومحاسبتهم أمام محكمة دولية، وتشير المصادر المطلعة إلى أن المجموعة الدولية تبدو حتى الآن وكأنها اختارت منح الرئيس السوري فرصة ثانية للتغيير ولتطبيق سياسته الإصلاحية وذلك بإعلان استعدادها لتقديم دعم دولي له في مواجهة رافضي خطه الإصلاحي من العائلة بتهديدهم بالمحاكمة.
وفي معلومات "الوطن العربي" أن بعض المصادر الأميركية تذكر علناً اسم آصف شوكت باعتباره إن لم يكن العقبة الأكبر، فعلى الأقل المنافس الأخطر لتسلم السلطة على بشار الأسد في حال إسقاط النظام، والجدير بالذكر أن بعض التقارير كانت تتحدث عن آصف شوكت على أنه المرشح الأقرب للانقلاب على بشار الأسد، وذلك قبل مفاجأة انتحار غازي كنعان الذي يتأكد مع كل تقرير جديد أنه كان في صدد الإعداد لانقلاب عسكري.(29/125)
والحديث عن طموحات آصف شوكت هذه ازداد بعد الزيارة السرية التي قام بها إلى باريس في سبتمبر "أيلول" الماضي وقيل إنه سعى إلى فتح قنوات اتصال مع الفرنسيين لكنه لم يجد آذانا مصغية، وزعمت بعض التقارير أن آصف شوكت التقى بشخصيات أميركية في باريس بهدف السعي إلى صفقة لإنقاذ النظام وصل بعضهم إلى وصفها بصفقة "تجاوزت"، "محو" اسمه من تقرير ميليس وإنقاذ النظام، إلى طرح "صيغة بديل" واللافت أن تسريبات صيغة شوكت البديل لم تقنع العديد من المراقبين رغم اعترافهم بعلاقاته الأميركية ومعرفتهم بالبحث الدائر عن "بديل علوي" من النظام ينقذ سورية من العدوى العراقية التي يتخوف منها الجميع بمن فيهم الأميركيون.
وعلى الرغم من نفوذ شوكت الواسع وسيطرته على غالبية الأجهزة الأمنية والعسكرية إلا أن بعض الخبراء لجأوا إلى التشكيك في جدية طموحاته نظراً لمعرفتهم بضعف جذوره الطائفية وبأن قوته الوحيدة هي من قوة عائلة الأسد، وعلى ضوء ذلك لجأت بعض الجهات إلى تسريب تقارير تلمح إلى أن شوكت يعمل لحساب زوجته ويلعب ورقة بشرى لخلافة بشار بحيث يكون التغيير والمطلوب قد جرى من داخل النظام وبدون إراقة دماء حاملاً رسالة بليغة جداً لأصحاب مشروع الشرق الأوسط الجديد بإيصال أول امرأة إلى الحكم في العالم العربي، وهذا ما قد يكون سبب لجوء التقارير الجديدة إلى إقحام اسم السيدة بشرى للمرة الأولى في "عداد حكام سورية".(29/126)
لكن يبدو أن هذه التسريبات لم تصمد أمام التقارير التي تصنف آصف شوكت وزوجته في خانة التيار المتشدد، لكن تقرير ميليس والمطالب الدولية الجديدة التي تبحث عنه أعادت فتح ملف الصراع على السلطة في دمشق على مصراعيه وهو بحكم التركيبة القائمة صراع عائلي سينشب حكماً داخل البيت الواحد والعائلة الواحدة التي ستتفجر خلافاتها على ضوء "التعاون" المطلوب معززة بخلافات بدأت تنفجر داخل الطائفة، على ضوء تداعيات "نحر" غازي كنعان التي أضيفت بدورها إلى التحركات السرية الناشطة التي ما زال يقوم بها رفعت الأسد.
وفي رأي المصادر المطلعة أن هذا الوضع المتفجر داخل العائلة الحاكمة هو الذي قاد واشنطن إلى التخلي عن لغة التهديد العسكري بتغيير النظام والالتزام بخط "الشرعية الدولية" والقرارين 1559.1595 والاعتماد على تعاون دمشق مع ميليس لإحكام الخناق على النظام الذي يعرف مسبقاً أن عدم التعاون مصيبة، بينما التعاون "نصف مصيبة" يأمل كل من أطرافه المعلنين من أبناء العائلة أنه قد يصيب الطرف الآخر وما زال هناك أمل بعقد "صفقة" للتقليل من الخسائر والكوارث الآتية فقط عبر التضحية بأحد هذه الأطراف والسؤال هو من؟ وبأي ثمن؟! الجواب منتظر قبل نهاية هذا العام إذا لم تسبقه أخبار الانتحارات والانقلابات التي يخشى أن تعيد سورية إلى مرحلة ما قبل حافظ الأسد!
أصوات ومرشحو الصوفية في الانتخابات
روز اليوسف ـ 29/10/2005 العدد 4038
لأول مرة تشهد انتخابات مجلس الشعب دخول مرشحين ينتمون للطرق الصوفية، وهو ما يعد ضربة قاسية لمنافسيهم في دوائرهم من المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين المحظورة.. حيث تدور بينهم منذ الآن معارك حامية الوطيس في بعض محافظات الصعيد، وخاصة محافظة أسيوط.(29/127)
ما يزيد الأمر سخونة أن المرشحين المنتمين للطرق الصوفية يخوضون الانتخابات في دوائر يعتبرها البعض معاقل إخوانية لهم باع طويل فيها ولهم ركائز يستطيعون تحريكها ويبلغ عدد المرشحين من المنتمين للطرق الصوفية خمسة مرشحين يتنافسون في خمس دوائر مختلفة أبرزهم هو المهندس "عبد الحكيم طرش" المرشح على مقعد الفئات بدائرة مركز منفلوط والذي يعد أول صوفي يدخل مجلس الشعب في الدورة الماضية مما فتح الباب على مصراعيه لباقي مرشحي الطرق الصوفية خاصة أن "عبد الحكيم طرش" استطاع في الانتخابات الماضية وهو المرشح المستقل أن يسقط أحد أهم المرشحين في دائرة مركز منفلوط وهو المرحوم "حسام محفوظ" سليل عائلة "محفوظ" التي استطاعت أن تحتفظ بمقعدها في البرلمان لسنوات طويلة.
وكان الناخبون يطلقون على عبد الحكيم طرش اسم "الشيخ عبد الحكيم" والبعض الآخر يطلق عليه "القطب عبد الحكيم".. وتعد دائرة منفلوط أحد معاقل "الإخوان المسلمين" نظرا لكونها مقر المرشد السابق "محمد حامد أبو النصر" الذي تتلمذ على يديه العديد من أعضاء جماعة الإخوان بأسيوط.
وفي دائرة مركز أسيوط "د. عبد النعيم مخيمر" وهو نقيب الأطباء بأسيوط وأحد أبناء الطريقة "الخليلية" ومرشح في دائرة تعد من أشد الدوائر سخونة نظرا لوجود عدد كبير من المرشحين من أصحاب رأس المال وعدد من أعضاء جماعة الإخوان.
أما المرشح الثالث فهو يتنافس على مقعد العمال في الدائرة الثانية بأسيوط وهي مدينة أسيوط ويدعى أحمد حسن وينتمي إلى الطريقة "الخليلية" أيضاً وتعد من الدوائر الساخنة لوجود مرشح الإخوان القوي "د. خالد عودة" المرشح على مقعد الفئات إلا أن الإخوان معروف عنهم عداؤهم للطرق الصوفية، والطريف أن أغلب المرشحين من أبناء الطرق الصوفية يعلنون للكل أنهم رشحوا أنفسهم لخدمة أهل الدائرة وعلى مبادئ الطرق الصوفية التي تدعو إلى حب الآخر والتفاني في خدمته مع إنكار الذات.(29/128)
يقول "د. عبد النعيم مخيمر" نقيب أطباء أسيوط: رشحت نفسي على مبادئ الطرق الصوفية فئات مستقل بمركز أسيوط حتى أثبت للجميع أن الصوفية دين وعمل جاد وأن رجال الطرق الصوفية فرسان دائما في كل مكان وفي كل موقع واستطاعوا في عدد كبير من العصور الإسلامية أن يجاهدوا ويحاربوا وينتصروا، والبعض يظن أن الصوفية بعيدة عن السياسة وأنا أقول لهم أن الصوفية تقربنا أكثر من العمل الجاد وتأدية الخدمات للمجتمع على اختلاف ألوانه وأشكاله ونحن لنا قدوة في "آل البيت" والخلفاء الراشدين، وكرجل صوفي لدي أحاسيس وشفافية كبيرة أستطيع بها أن أشعر بالآخرين والتي تجعلني أن أكون قريبا منهم مهما كان لونهم أو دينهم لأن النفس الشفافة هي التي تستطيع أن تقترب أكثر من الإنسان الآخر مهما كان لونه أو دينه.
ومن هذا المنطلق أجد إقبالا كبيرا من كل الناس في الشارع والهيئات والمصالح الحكومية الكل يؤيدونني ويقفون بجانبي في الطريق الذي أسير فيه.
ويضيف: أنا أتبع الطريقة الخليلية التي يرأسها الشيخ "صالح أبو خليل" وهي طريقة معروف عنها حب الخير والعمل من أجل الآخرين والسمو بالنفس إلى أعلى الدرجات.. ولا نأخذ من شيخ الطريقة الإذن بالترشيح لأننا لا نتكلم معه في مثل هذه الأمور نحن نتبعه فقط وكل واحد منا يختار طريقه الذي يستطيع به أن يخدم الآخرين ويقف بجوارهم.
وعن المفهوم الراسخ لدى البعض بأن الطرق الصوفية تنأى بنفسها عن السياسة يقول "د. عبد النعيم مخيمر": العمل بالسياسة يعني الدخول في الأحزاب وغيرها لكننا نحاول دخول مجلس الشعب لخدمة وطننا وأهالي دائرتنا لأن العمل العام هو ما ترضى به كل الطرق الصوفية وتطالب به ونحن الأقدر على تقديم العمل العام لوجه الله وليس لوجه تيار أو حزب معين.. وقضيتنا الأساسية التي نحارب من أجلها هي "الحب"... حب الله والآخرين وصفاء النفس عن كل ما يبعدها عن الله.(29/129)
ويضيف: أنا رئيس الجمعية الخليلية الإسلامية بأسيوط، وهي جمعية خيرية دورها عمل الحضرات والأذكار وموائد الرحمن، وأعتمد على الله أولا ثم على أهل الطريقة والمحبين من أهل الدائرة وأرى أن دخول التيار الصوفي في الانتخابات سوف يحد كثيرا من التيارات المتطرفة، والدليل على ذلك أنني نقيب أطباء أسيوط منذ ثمانية عشر عاما لم أنجح إلا مرة واحدة بالانتخاب وباقي المرات بالتزكية وهو ما يدل على أن الإسلام المعتدل يلاقي تأييدا من الآخرين ويلاقي محبة من الزملاء الذين يعرفون جيدا أنني صوفي وأتبع الطريقة الخليلية.
ويؤكد د. عبد النعيم مخيمر أن عدد المرشحين في انتخابات مجلس الشعب الذين ينتمون إلى الطرق الصوفية في أسيوط يصل إلى خمسة مرشحين في دوائر مختلفة لكن ليس هناك تنسيق بينهم فأغلبهم قدم أوراق ترشيحه من نفسه ولم يتصل بأحد من المرشحين الآخرين وأنا أرى أن السنوات القادمة يمكن أن تشهد تنسيقا تاما بين المرشحين خاصة أنهم لا يمكن أن ينافسوا بعضهم البعض في دائرة واحدة لأن الطرق الصوفية مهما اختلفت أشكالها وألوانها إلا أنهم في النهاية أخوة في طريق واحد وهو طريق "آل البيت" ومحبة النبي "صلى الله عليه وسلم".(29/130)
ويقول عبد الحكيم طرش المرشح على مقعد الفئات بدائرة مركز منفلوط كان لي الشرف أن أكون أول صوفي يدخل مجلس الشعب في الدورة الماضية وهي دورة عام 2000 حيث رشحت نفسي مستقلا وحصلت على أعلى الأصوات وأنا أتبع الطريقة "الشاذلية" ولم أدخل الانتخابات من فراغ بل إنني قبل أن أرشح نفسي ذهبت للاستئذان من شيخ الطريقة الشاذلية بمنفلوط فطلب مني أن أنتظر الرد منه وبعد يومين ذهبت له فبشرني بالنجاح وقال لي: أن والدي أتاه في المنام وقدم له طبقا مملوءا باللبن وطلب منه أن أشربه وأتوكل على الله فقال لي الشيخ: توكل على الله ورشح نفسك وسوف تنجح وتكون في الصفوف الأولى، فلم أتردد ورشحت نفسي وبفضل الله نجحت، وفي هذه المرة أيضا ذهبت لاستئذان شيخي ففوجئت به يقول لي أنه رأى نفس الرؤيا ويبشرني بأنني إن شاء الله سوف أكون من الناجحين.
ويضيف: أبناء الدائرة يعرفون الآن قدر أبناء الطرق الصوفية، بعد دخولي مجلس الشعب لم أتأخر لحظة في خدمة أبناء الدائرة ولم أتوان عن نجدتهم واستطعت خلال الدورة الماضية أن أحقق العديد من الإنجازات منها الموافقة على إقامة محطة مياه بمدينة منفلوط بتكلفة 140 مليون جنيه والموافقة على بناء ثلاث عشر مدرسة في منفلوط وقراها وتخصيص خمسة آلاف فدان لإقامة مدينة منفلوط الجديدة وغيرها من الخدمات الملموسة لدى أبناء الدائرة.(29/131)
وعن وجود تنسيق بينه وبين باقي مرشحي الطرق الصوفية في الدوائر الأخرى يقول عبد الحكيم طرش: ليس هناك تنسيق بيننا لكن نجاحي في الدورة الماضية فتح الطريق أمام إخواننا في باقي الطرق الصوفية لخوض التجربة خاصة أن أصحاب الطرق الصوفية يحملون بين جنباتهم نفسا شفافة وشعورا حساسا وإيمانا راسخا بخدمة الآخرين ومحبتهم لأننا حصلنا على الحب من "آل البيت" وستون بالمائة من أبناء الشعب المصري ينتمون لطرق الصوفية وعدد كبير من أهالي مدينة منفلوط ينتمون للطرق الصوفية ويحبونهم وأجد إقبالا شديداً من أبناء الطريقة على الوقوف بجانبي ومساعدتي سواء كانوا من الطريقة الشاذلية أو باقي الطرق الصوفية وحتى رجل الشارع العادي الذي يعرفني جيدا ويعرف إنني صوفي فهو لا يتأخر عن الوقوف بجانبي لأنه يعلم أن دخولي مجلس العشب ليس بهدف الحصول على منصب أو مكسب سياسي خاص والكل يعلم أيضا أن هدفي الأساسي وهدف كل صوفي هو الخدمة العامة لوجه الله الكريم لا نريد جزاء ولا شكورا.
ويقول أحمد حسن المرشح في دائرة بندر أسيوط على مقعد الهلال: رشحت نفسي بهدف مواصلة خدمة أبناء الدائرة فأنا صوفي أتبع الطريقة الخيليلة التي يرأسها الشيخ صالح أبو خليل والذي كان لي الشرف أن أشاهده أكثر من ثلاثين مرة في محافظة الشرقية وأنا عضو مجلس محلي بمدينة أسيوط وأنا الوحيد الذي استطاع الفوز في انتخابات المجلس المحلي كمستقل وأعمل بالمكتب الإقليمي للتخطيط العمراني بأسيوط.. والصوفية زادتني حباً لعمل الخير والتقرب من أبناء الدائرة.(29/132)
ويضيف: لقد رشحت نفسي والكل يعلم أنني صوفي أتبع الطريقة الخليلية وهذا شرف كبير لي أن أكون صوفيا وفي هذه الطريقة لي أحباء كثيرون سواء من أصحاب الطريقة أو الطرق الصوفية الأخرى أو من عامة الناس ولم أتأخر أبدا عن خدمة الآخرين منذ دخولي العمل العام ولم أستأذن شيخي في خوض الانتخابات لأن الشيخ "صالح أبو خليل" لا يهتم بمثل هذه الأشياء فهو أرفع وأكبر من ذلك بكثير فقط استشرت أحبائي وإخواني في الطريقة الذين يترددون علي وأتردد عليهم فباركوا ترشيحي وهم يقفون الآن بجانبي ويدعمون موقفي وفي كل مكان أتحرك فيه أجدهم معي يشدون من أزري ويطالبون الآخرين بالوقوف بجانبي.
وعندما سألت عن موقفه خاصة أن الدائرة التي رشح نفسه بها هي معقل الإخوان المسلمين خاصة أن مرشح الإخوان د. خالد عودة فقال: إن د. خالد عودة مرشح على مقعد الفئات وأنا على مقعد العمال، والإخوان لم يرشحوا أحدا على مقعد العمال والدائرة مفتوحة يستطيع أي شخص أن يرشح نفسه والعبرة في النهاية بمن ترضى عنه وتنتخبه الجماهير وتدفعه إلى الصفوف الأولى، والصوفية تمثل التيار الإسلامي المعتدل السمح الذي يدعو إلى الحب وشفافية النفس وأتمنى أن نجد الدعم من كل طوائف المجتمع خاصة أن المذهب الصوفي يدعو إلى حب الآخرين وتفضيله على النفس.
يقول عبد الحي محمود أحمد حمزة المرشح على مقعد العمال بدائرة مركز القوجة: رشحت نفسي على مبادئ الطرق الصوفية التي أنتمي إليها أباً عن جد وهي الطريق الصحيح الذي اخترت لنفسي من الصغر فقد تربيت في بيت صوفي يعشق آل بيت رسول الله، ويتفانى في حبهم وهو ما شجعني على الاقتراب أكثر من الناس بالحب والمودة والمعاملة الحسنة بعيدا عن التطرف وبعيداً عن المشاحنات والاختلافات.(29/133)
وأنا برنامجي يتركز في الأول والآخر على خدمة أبناء الدائرة عن طريق الحب والمودة وفعل الخيرات، ونحن كمرشحين صوفيين لا نأخذ دعماً من أحد ولا نستأذن من أحد وأنا مرشح الطريقة المحمدية التي تنتمي إلى الشيخ محمود أبو العيون.
يقول الشيخ حسن الشناوي شيخ مشايخ الطرق الصوفية: هذه ليست أول مرة يدخل فيها أصحاب الطرق الصوفية انتخابات مجلس الشعب بل سبق في السنوات الماضية ورشح عدد منهم أنفسهم، وهناك عبد الهادي القصبي في طنطا رشح نفسه في الدورة الماضية ونجح ونحن نقف بجانبه وهو الآن مرشح أيضا في نفس الدائرة، وأصحاب الطرق الصوفية يجدون إقبالا شديدا من أبناء الدائرة لأنهم ينشرون الإسلام السمح ويؤكدون على الإسلام والمعتدل الذي ينشر الحب والطمأنينة بين الناس وحب الآخرين ونحن من جانبنا نقف بجانب كل أبنائنا المرشحين من أصحاب الطرق الصوفية.
ويضيف: ليس لدينا إحصائية بعدد المرشحين لأننا لا نتلقى طلبات منهم لترشيح أنفسهم ونحن لا ندعمهم مادياً، نحن نقف بجانبهم فقط ونؤيدهم معنويا إذا طلبوا منا ذلك ولا يستأذن منا أحد، بل يجوز له أن يستأذن شيخ طريقته الذي يبارك ترشيحه.
الحركات الصوفية.. كنقيض للعنف الإسلامي
القاهرة ـ أبو الوفا التفتزاني ( من زعماء الصوفية ) صحيفة الأردن 1/11/2005
الجماعات الصوفية.. مصطلح هام يعبر عن تجمعات قوية تمثل 11 مليون صوفي وتشكل قوة ضغط وتتخذ منحنى سياسيا وفقا لعوامل تختلف من دولة إلى دولة ، فهم يتواجدون في أعلى قمة المجتمع السياسي في دول مثل السودان، وعلى النقيض يمكن أن يكونوا منخرطين في العبادة والزهد ولا يتخذون من السياسة سوى شعاراتها الأولية كالولاء التام، كما هو الحال في مصر.
....(29/134)
هنا تأتي أهمية مصطلح الروحانية السائد في هذا الميدان، فالتنظيم الصوفي ينقسم إلى قسمين الروحي عبارة عن السلم الروحي الصوفي والذي يبدأ من القاع وهم طائفة المريدين ثم طائفة النقباء ثم طائفة المتداركين ثم طائفة النجباء وينتهي بقمة السلم الصوفي الروحي وهم الأقطاب... فالقطب هو أعلى مراتب الصوفية الروحانية.
الأهم من ذلك أن معنى الكلمة يبتعد عن أي ممارسات سياسية بقدر ابتعادها عن أي نشاط دنيوي، فالزهد هو الأب الشرعي للتصوف، والسياسة هي عملية دنيوية تعتمد على المصالح بشكل كبير. ويقترب الخطان، أي خطا التصوف والسياسة، في عوامل مشتركة تعتمد على استخدام أدوات السياسة كانتخاب شيخ الطائفة أو الأخذ بمبدأ الشورى في أمر ما أو تلقينه القيم والمفاهيم عن طريق الاقتداء بشيخ الطريقة أو الطاعة التامة والولاء للحاكم وهي تختلف عن المفهوم السياسي المضاد للطاعة وهو المعارضة.. وبالتالي تختلف الصوفية اختلافا كليا عن فكر الجماعات الإسلامية أو الفكر المتطرف الذي يواجهه العالم الآن.
ولذلك سارعت بعض الأنظمة العربية في إدماج الصوفية في الحكم بهدف محاربة ظاهرة التطرف وبات ما يسمى العودة إلى الفكر الصوفي الصحيح أمراً لافتاً في بعض التحليلات. فالمستشرق الفرنسي إيريك جيوفروي يرى أن المستقبل في العالم الإسلامي سيكون حتما للتيار الصوفي، وهنا تبرز أسماء عديدة في سياقات مختلفة مثل د. أحمد الطيب رئيس جامعة الأزهر الأسبق والرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة والداعية اليمني الحبيب الجفري.
ويؤكد الواقع الإسلامي حاليا وجود التصوف على أرضه بشكل قوي على صورة مؤسسات ضخمة عالمية، منها ما دخل في لعبة السياسة بشكل كبير كما هو الحال في تركيا وفي السودان، ومنها ما يشكل عددا هائلا يصل إلى عشرة ملايين صوفي كما هو الحال في أتباع الطريقة التيجانية في نيجيريا أو أتباع الطريقة البريلوية في باكستان، والاتباع بالملايين.(29/135)
ويذكر التاريخ أن بعض المتصوفة لم يدخلوا في إطار الطاعة والولاء التام للحاكم بل استخدموا أداة سياسية هامة هي المعارضة. وهناك طرق صوفية أخرى جاهدت الاستعمار مثل الطريقة القادرية بالجزائر والمجاهد عبد القادر الجزائري، وطرق أخرى كونت كيانات سياسية مستقلة كالطريقة السنوسية في ليبيا والطريقة المهدية في السودان.
وحين نبدأ الدخول إلى مصر في إطار الصوفية نجد أن البعد التاريخي للمصطلح يبدأ من العصر الطولوني عام 254هـ ثم كان بعده العصر الفاطمي هو العصر الذهبي للتصوف في مصر، حيث سعى الفاطميون لإبعاد الناس عن السياسة بالانشغال بالمناسبات والانخراط في الزهد. ثم كان بعده العصر الأيوبي والذي خرج منه صلاح الدين الأيوبي وكان صوفيا في جوهره ومن أتباع الطريقة الكيلانية القادرية في العراق ثم في مصر، وأنشأ في عصره أول تنظيم رئاسي للصوفية لإقامة المريدين الوافدين إلى مصر.
ثم جاء العصر المملوكي وازدهرت الصوفية بشكل كبير، لكنها بعدت كل البعد عن السياسة وعن الصراعات التي انتشرت على السلطة وقتها، لكن حكام المماليك كانوا يحرصون على مشورة أصحاب الطرق الصوفية ويمجدونهم، وقد شجع العثمانيون اتجاه التصوف لإبعاد الناس عن كواليس السلطة، فزاد عدد الطرق الصوفية ليتعدى 20 طريقة.
في النصف الأول من القرن العشرين كانت رقابة الخديوي أو الملك على الطرق الصوفية رقابة تؤكد الخضوع والولاء التام للخديوي أو الملك، وبعد ثورة تموز/ يوليو 1952 استخدمت الحكومة الصوفية جزءا من استخدامها للدين بوجه عام لتثبيت شرعيتها، ثم عرفت الطرق الصوفية أبجدية جديدة في قاموسها وهي (الموكب الملاييني المؤيد)، فكان أكبر موكب صوفي لتأييد الرئيس عبد الناصر بعد النكسة عام 1967.(29/136)
وفي فترة الرئيس السادات عرفت الصوفية أيضاً أبجديات ثقافية أخرى وهي (إصدار إعلامي) على هيئة مجلة للتصوف، فكان العدد الأول من مجلة التصوف الإسلامي في أيار عام 1979 ويرأس تحريرها الآن الشيخ حسن الشناوي شيخ مشايخ الطرق الصوفية.
والأسئلة حاليا هي: هل حدثت تغيرات في الجماعات الصوفية؟ هل حدث لهم تقلص لدورهم في المجتمع؟ هل انعدم التمويل؟ هل ما زالوا يشكلون قوة دفع؟ وهل لهم ملمح سياسي أو تدخل في الشؤون السياسية للبلاد.. أم أن الخط التاريخي لهم ما زال الطاعة والولاء التام للحاكم؟
وبداية، فإن القانون الذي ينظم الواقع الصوفي المصري هو القانون رقم 118 لعام 1976، الذي ينظم عملية تجميع الصوفية وتمثيلهم دينيا وروحيا، وأعضاء هذا المجلس الصوفي 16 عضواً على رأسهم شيخ المشايخ رئيسا والذي يعين بقرار من رئيس الجمهورية من بين مشايخ الطرق الصوفية المنتخبين لعضوية المجلس الأعلى للطرق الصوفية، والعشرة أعضاء الآخرون من الـ 16 عضواً تختارهم الجمعية العمومية من مشايخ الطرق في أنحاء الجمهورية.أما الخمسة أعضاء الآخرون من الـ 16 عضواً فهم ممثلون عن جهات في الدولة هي: الأزهر الشريف، ووزارات الأوقاف والداخلية والثقافة والإدارة المحلية.
ويصل عدد الطرق الصوفية الآن في مصر أكثر من 70 طريقة أشهرها الطريقة القادرية الكيلانية ولها 99 فرعاً ثم الطرقة الشاذلية التي يصل عدد فروعها في مصر إلى حوالي 60 فرعا، وطريقة أخرى كبيرة هي الطريقة الرفاعية.
ويؤكد عبد الحميد عبد اللطيف أمين عام المجلس الأعلى للطرق الصوفية فقر تمويل الطرق الصوفية في مصر، حيث يحصلون فقط على ما نسبته 10% من صندوق النذور التابع لوزارة الأوقاف حتى أن المقر الجديد لهم بعد المقر الحالي في منطقة الحسين لم يتم بناؤه.(29/137)
وتتمثل العائدات الأخرى الإضافية فيما نصت عليه المادة رقم 51 من القانون 118، فلا يجوز لشيخ طريقة أن يفرض على مريديه أو خلفائه عوائد أو قروضا أو مبالغ دورية أيا كانت تسميتها، ولكن يجوز قبول تبرعات وصناديق نذور، وهذه المادة المنصوصة في القانون كافية لحل مشاكل تمويل الطرق الصوفية خاصة مع انضمام الكثير من رجال الأعمال الآن للطرق الصوفية. ويؤكد الشيخ حسن الشناوي أنه ينتظر الآن بناء المقر الجديد ثم يبدأ في طلب التمويل من رجال الأعمال والذي سيثري بالفعل وجود كيان الصوفية في مصر.
وهناك مشكلة أخرى تواجه المجلس الأعلى للطرق الصوفية وهي عشرات الطرق التي تحاول التسجيل الرسمي وغير معترف بها. ويذكر الشيخ الشناوي أنه يجب اتباع كل بنود القانون وتقديم المستندات الرسمية للطريقة وعرضها على اللجان حتى توافق على وجودها الشرعي، وإلا فإننا نجد على الساحة طرقا غير معترف بها تقوم بأداء شعائر لا تمت إلى الصوفية بصلة بل وتؤدي إلى الإساءة للصوفية ومعنى التصوف بشكل كبير.
لكن بعض هذه الطرق قد انشقت كلياً عن الاتجاه الرسمي، وكونت لنفسها كيانا ضخما كطريقة "العصبة الهاشمية" وهي طريقة غير مقيدة ضمن سجلات المجلس الأعلى لكنها موجودة بالفعل في الأقاليم المصرية، ولها دور سياسي. فقبيل كل انتخابات نجد عددا من المرشحين يسارعون إلى تجمعات أصحاب العصبة الهاشمية إلى جوار لقب مرشح الحزب الوطني أو أي حزب آخر أو عضو مستقل، وبقدر "الحب المتبادل" بين المرشح والطريقة بقدر ما يكون هناك ضمان لأصوات انتخابية، وهكذا نجد أكثر من 3 ملايين مواطن في محافظة اسوان وحدها ينتمون لطريقة صوفية غير رسمية وقائمة على أرض الواقع منذ أكثر من أربعة عقود.(29/138)
لكن هناك اتجاها آخر أخطر من عدم شرعية بعض الطرق الصوفية وهو اتجاه خاص ببعض أفكار الطرق الرسمية، وهذا ما تثبته دراسة هامة أجراها الباحث الدكتور شحاتة صيام عن الصوفية في مصر، تتحدث عن أفكار وممارسات ملايين المصريين الذين ينتمون إلى 72 طرقة صوفية. وتنشر الدراسة اسم كتاب هام عنوانه "شراب الوصل" للإمام فخر الدين محمد عثمان البرهاني في خمسة أجزاء.
لكن بعض الآراء تؤكد أن هذا خروج عن الصوفية بمعناها الفلسفي. فالأخلاق والسماحة وجهاد النفس والتفاعل مع الحياة هي معان أصيلة في الفكر الصوفي. ويؤكد الشيخ الشناوي أن باب الصوفية مفتوح للبر والفاجر والطائع والعاصي، لأننا نربي الروح والنفس إلى أن نصل بالجميع لدرجة الإحسان، فلا يكون في النهاية إلى الصالح الطائع الروحاني.. فالكل يعود إلى الله تائبا في النهاية. ويضيف أيضاً أنه لم يتقلص دور الصوفية بدليل انضمام الشباب الآن إلى الطرق الصوفية وهي ظاهرة ـ كما يقول ـ "مبشرة بالخير".
لكن الأكثر دلالة على توجهات الصوفية في مصر سياسيا هو ما طالب به المؤتمر الصوفي الأول الذي انعقد هذا العام في شهر نيسان عام 2005 من ضرورة تفعيل مبدأ الشورى في كل من النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية خاصة بعد الخطوة التي اتخذها الرئيس مبارك بخصوص تغيير المادة 76 من الدستور الخاصة باختيار رئيس الجمهورية.. ولذلك فقد جاءت مؤخرا مبايعة 11 مليون صوفي للرئيس مبارك باختياره لفترة رئاسة قادمة.
ويؤكد ذلك أيضاً الشيخ الشناوي الذي اتصل بمشايخ حوالي 8 ملايين صوفي فجاء رأي الأغلبية بالمبايعة بدون أي ضغوط من أي أحد، وبتطبيق مبدأ الشورى في الإسلام، وهكذا يمتد الخط التاريخي للصوفية في مصر بالولاء التام للحكام والابتعاد عن العمل السياسي والانخراط في سلك الزهد والروحانية.(29/139)
مجلة الراصد الإسلامية
العدد الثلاثون – غرة ذو الحجة 1426 هـ
فاتحة القول: نجاد ولعبة الشعارات الفارغة !!.......................................4
1-…فرق ومذاهب: الحجتية.................................................7
2-…سطور من الذاكرة: فتنة شاه قولي....................................13
3-…دراسات مواقف المفكرين والعلماء من الشيعة.........................17
4-…كتاب الشهر: الحركة الشيعية في الكويت..............................29
5-…قالوا...................................................................37
6-…جولة الصحافة:
ايران
-…إيران المتفجرة عرقياً..................................................45
-…إيران تدير بغداد بواسطة بدر..........................................50
-…لماذا فضحت لندن علاقات طهران بالزرقاوي...........................54
الصوفية
-…السفير الأمريكي في المشيخة العامة للطرق الصوفية......................59
-…الملتقى الصوفي الرابع.................................................60
متفرقات
-…الدوافع الخفية للفيدرالية الشيعية في العراق...........................65
-…العلامة السيد محمد حسين فضل الله...................................71
-…بنك فدك الشيعي.......................................................74
-…حرب صنعاء ضد السلفيين............................................79
-…حرب الغدير...........................................................82
-…قانون الأسرة..........................................................88
-…قضية حزب الله ليست داخلية لانه لم يصنع في لبنان...................90
فاتحة القول
نجاد ولعبة لشعارات الفارغة !!(30/1)
إطلاق الشعارات الكبيرة والمدغدغة لعواطف الناس ، أسلوب محترف لكل الأدعياء عبر التاريخ ، فها هو إبليس عليه لعنة الله ، يستخدم هذه اللعبة مع آدم حين أراد له الشر ، ( قال هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلي ) ، فكانت النتيجة الإبعاد من الجنة والنزول للصراع مع الشيطان في الأرض.
واستمر إبليس وأعوانه على مدار التاريخ في استخدام هذا الأسلوب ، لترويج الفساد ونشر الضلال ، بطريقة تهواها النفس ، ولا تترد في قبولها لتسترها بما تحبه وتطمع فيه ، فها هو ابن سبأ اليهودي ، يخدع كثيراً من خيار المسلمين بشعارات عاطفية ، وهي المطالبة بالعدل وعدم محاباة الأقارب وحرمة مال بيت المال وسواها من الشعارات العاطفية ، فماذا كانت النتيجة ؟ قتل صهر رسول الله وخليفته وفتح باب الفتنة ليومنا هذا .
وعلى هذا المنوال سار الخميني ، حين رفع شعار محاربة الشيطان الأكبر ، وقد جرف في طريقه كثيراً من قادة العمل الإسلامي وليس بسطائه فقط !!
ومن نتيجة هذا الشعار ، إراقة دماء المسلمين في الشهر الحرام في البيت الحرام صراعاً على الشعار دون أي صراع حقيقي مع الشيطان نفسه !!
وعلى نهجه مضي زعيم حزب الله حسن نصر ، الذي ملء الدنيا خطب وشعارات ، وكل مبصر يدرك حقيقة ما قدمه حسن وحزبه ، فهم لم يهتموا إلا بتحسين مكانتهم السياسية ، وحماية إخوانهم الشيعة جنود جيش لبنان الجنوبي !!
وها نحن نعيش تجربة جديدة من لعبة الشعارات ، يقودها في إيران نجاد الذي يطلق شعارات : إزالة إسرائيل ، وإنكار الهلوكوست ، واقتراح إقامة إسرائيل في أوروبا ، وهذا لعب بعواطف المسلمين ، حيث أن هذا هو الحق الذي يجب أن يكون حين يجتمع للمسلمين الحق والقوة .
ولكن حين يكون المسلمون في حال الضعف ، فمن الجريمة والخبث جرهم بالشعارات العاطفية لمعارك خاسرة ، دون تقديم أي عمل حقيقي لتطبيق الشعار.(30/2)
إذا كان نجاد يبحث عن إحقاق الحق ووضع الأمور في نصابها لماذا لا يقوم بما يستطيعه، وهو :
-…إعطاء مواطنيه السنة حقوقهم الضائعة .
-…إعادة الجزر الثلاث للإمارات .
-…عدم تأليب شيعة الدول المجاورة على حكوماتها .
-…عدم زرع الطائفية في العراق بالتدخل المالي والمخابراتي .
فلماذا يطلق هذه الشعارات ويتنصل من التزاماتها العملية فجعل إزالة إسرائيل مهمة الفلسطينيين ، فما هو الجديد الذي قدمه ؟ أليس هذا ما يقوم به الفلسطينيون ؟ وماذا قدمت إيران لفلسطين ؟
ما هي الثمرة من مطالبة أوروبا بأن تكون إسرائيل عندهم ، ليس نجاد في موضع قوة لفرض ما يريد ، وليس هو مقبول الرأي عندهم أيضاً، فما هو المغزى من هذا الجهد الضائع ؟؟
الهدف من هذه التصريحات ما يلي :
-…إعادة الشعبية و القبول لإيران بعد انكشاف حقيقتها في تعاملها مع احتلال العراق .
-…زيادة شعبية نجاد في داخل إيران مقابل التيارات المنافسة له .
-…جر الحركات الإسلامية لصفه ، وهذا ما حدث من تصريحات خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس ، وبعده مهدي عاكف المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين .
فهل استطاع نجاد ببعض الشعارات التي لم تكلفه تومان ، استعادة شعبية إيران عند المسلمين التي تراجعت جداً بسبب طائفيتها وحقيقتها المتعصبة لشيعيتها على حساب الحق ؟
والسؤال المهم هل هذا بذكاء نجاد وأعوانه أم بغباء المسلمين المتكرر ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : " لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين".
فرق
الحُجّتية(30/3)
بدأت تتردد في وسائل الإعلام في الآونة الأخيرة كلمة "الحجتية" وهي جماعة أو جمعية إيرانية شيعية تأسست قبل أكثر من 50 عاماً، وسبب التركيز المتزايد على هذه الجماعة يعود إلى ما تشهده الساحة العراقية الآن من ازدياد القتل والاغتيالات وإشاعة الفوضى، وربَط البعض بين الوضع المأساوي الحالي في العراق، وبين الحجتية التي تعتقد أن عودة المهدي المنتظر عند الشيعة ستتحقق سريعاً بعد إشاعة الفوضى في الأرض.
كما ربط البعض بين الحجتية، وبين الرئيس الإيراني الحالي أحمدي نجاد، بسبب تصريحاته المتكررة عن عودة المهدي، وضرورة ترتيب الأوضاع في إيران استعداداً لعودته، معتبرين أن نجاد من المنتمين إلى الحجتية.
وهذا المقال محاولة للتعرف أكثر على هذه الجماعة، ومعرفة عقائدها، وتأسيسها، وانتشارها، وأهم شخصياتها، ووضعها الحالي، واصطدامها قديماً بفرقة البهائية بسبب النزاع حول شخصية المهدي المنتظر.
تأسيسها:
تأسست الحجتية سنة 1953 على يد محمود الحلبي، واسمه الحقيقي محمود ذاكر زاده تولايى، وهو من شيوخ الشيعة الاثنى عشرية، وكان يتخذ من مدينة مشهد في خراسان مقراً له.
ويأتي اسم "الحجتية" نسبة إلى "الحجّة بن الحسن"، وهو أحد الأسماء الرمزية للمهدي المزعوم، أو الإمام الثاني عشر، الذي يدعي الشيعة أن اسمه "محمد بن الحسن العسكري".
أفكارها:
ويتمحور فكر هذه الجماعة حول شخصية المهدي المنتظر، إذ نفت أي ظهور للمهدي في الماضي، ودعت إلى انتظاره في المستقبل، وربطت قيامه بانتشار الفوضى والفساد في الأرض، إذ قالوا أن التعجيل بخروج الإمام الغائب يكون بإشاعة الفساد والظلم، والإكثار من القسوة، فبخروجه يملأ الأرض عدلاً، ولا يتحقق هذا إلاّ بإخلاء الأرض من أي ذرة خير وعدل، وتمكين الشر منها.(30/4)
وتبعاً لذلك فقد رفضت الحجتية أي قيام لأحد قبل قيام الحجة (المهدي) وأن أي دولة تنشأ قبل قيام دولة المهدي المنتظر هي دولة طاغوتية غير شرعية، وقد استندت إلى روايات شيعية عديدة تحرم أي مظهر من مظاهر إقامة الدولة قبل قيام أو عودة المهدي المزعومة، منها: "كل راية ترفع قبل راية المهدي، فهي راية ضلالة وصاحبها طاغوت".
وبسبب هذه الفكرة عن المهدي، والاعتقاد بعدم شرعية قيام دولة للشيعة قبل ظهوره، اصطدمت الحجتية بجهتين أساسيتين:
الأولى: الحركة البابية، ومن بعدها البهائية، الذين أعلنوا أن علي بن محمد الشيرازي المعروف بـ "الباب" هو المهدي المنتظر، فكان أن توجهت جهود الحجتية لمحاربة البهائية التي انتشرت في إيران انتشاراً لافتاً، وخاصة بين طلاب الحوزة الدينية.
الثانية: أنصار فكرة "ولاية الفقيه" والخميني على وجه التحديد، فنظرية ولاية الفقيه التي أصلها الخميني وطوّرها ومارسها تقوم أساساً على أنه لا بد أن يؤسس فقهاء الشيعة الدولة نيابة عن الإمام الغائب، ويمارسوا دوره السياسي، كما يمارسون دوره الفقهي والاجتماعي، كما كان الخميني يعتقد بأنه لا يجوز أن يظل الشيعة في مرحلة انتظار لا تُعرف مدتها،ولذلك كان يرى أن الحجتية حجر عثرة في مشروعه وخططه للسيطرة على الحكم في إيران، وإقامة الدولة الشيعية هناك.
الحجتية وشاه إيران
لكن في المقابل، وجدت الحجتية أو (الجمعية الخيرية الحجتية المهدوية) كما هو اسمها الرسمي، دعماً وتأييداً من بعض الجهات، أهمها:
1ـ علماء الحوزة الذين سرّهم أن يتجه محمود الحلبي ورفاقه لمحاربة فرقة البهائية التي بدأت تنتشر بين طلابهم، حيث أخذوا ينظمون لهم الاجتماعات والمحاضرات والمناظرات، وزودوهم بالمعلومات، وأعطوهم من الزكاة والخمس.(30/5)
2ـ شاه إيران السابق محمد رضا بهلوي، الذي كان يخوض صراعاً مع بعض رجال الدين الشيعة، وكان يرى أن اعتقاد الحجتية بعدم جواز إقامة الدولة قبل قيام المهدي المنتظر، في صالحه، وتؤيده، لأنها تؤدي إلى قبول رجال الدين الشيعة بدولة بهلوي، وعزوفهم عن التفكير بتأسيس دولة شيعية يحكمها رجال الدين.
ومما جعل شاه إيران يدعم هذه الجماعة، أنها كانت حركة ثقافية، وليست سياسية، وأنها لم تكن تعتقد بجواز العمل الثوري بالنيابة عن المهدي المنتظر، إضافة إلى أنها كانت تحارب البهائية، والشيوعية الذين كان الشاه يكن لهم العداء أيضا.
وقد سمح لها الشاه بالتحرك والتنظيم، حتى في صفوف الجيش. أما التيار المعارض للشاه، والذي كان يقف على رأسه الخميني، فكان يعادي هذه الجماعة ويعتبرها من المثبطين، ومنفذي سياسات الشاه، خاصة وأنهم كانوا من مقلدي الخوئي، وليس الخميني، قبل انتصار الثورة.
الحجتية والثورة
وعندما قامت الثورة الإيرانية سنة 1979، وتمكن الخميني من إقامة دولة ولاية الفقيه، خلافاً لما يؤمن به الحجتية، جاء محمود الحلبي إلى الخميني مهنئاً، واعتبر انتصار الثورة تمهيداً لخروج الإمام الغائب، ومقدمة له، وأعرب عن وضع جميع كوادر حركته في خدمة الثورة، وخاصة العسكريين منهم، فقبل الخميني ذلك بشرط أن يحل تنظيمه.
وقد ساهم عددٌ من أتباعه بتعزيز أركان النظام الجديد، وعلى رأسهم الجنرال قرني، رئيس الأركان الأول في عهد الثورة، والدكتور علي أكبر ولايتي وزير الخارجية الأسبق، والدكتور برورش وزير التربية الأسبق، وآخرون.(30/6)
وقد عبرت الحجتية عن سياستها ومواقفها الجديدة بتعديل ميثاقها، الذي جاء بعد التعديل كما يلي: "إن الجمعية رغبة في استمرار نظام الجمهورية الإسلامية حتى ظهور المهدي المنتظر ـ أرواحنا فداه ـ نجد من واجبنا أن نقوم بأي خدمة في المجالات السياسية والاجتماعية اتباعاً لتوجيهات الزعيم العالي القدر، حيث يستطيع أفراد الجمعية الاشتراك في أي نشاط إعلامي أو سياسي أو عسكري أو اجتماعي، تحت إشراف أو موافقة مراجع الشيعة العظام".
وبالرغم من هذا النهج الجديد بعدم قيام الثورة، إلاّ أن أنصار الخميني ظلوا ينظرون بريبة إلى الحجتية، وظلوا يتذكرون عزوفها عن مقاومة نظام الشاه، خلافاً لرجال الدين الآخرين، وكان هاشمي رفسنجاني، الرئيس الأسبق، يقول فيهم: "إن زعماء جمعية الحجتية كانوا يرون الكفاح المسلح أمراً سيئاً وكانوا يعتقدون أن الحكومة الخالصة في عهد إمام الزمان يمكن أن تقوم، ونظراً لعدم تحققها الآن، فقد استنتجوا أنه من الأفضل عدم الكفاح المسلح ضد النظام والقيام بتشكيل هذه الحكومة، وقد أسعد هذا الموقف نظام الشاه لأنه لا يصطدم به، بل وشجع مثل هذه الجمعيات وحاول استمالتها".
في حين رأى البعض أن تعديل الحجتية لميثاقهم يدل على الرغبة في الاشتراك في الحكم، ومن هؤلاء الرئيس الأسبق محمد علي رجائي الذي قال: "بينما كان الأخوة والأخوات يصرخون من وطأة التعذيب، كان هؤلاء الحجتية يعملون على إثبات بطلان البهائية، وكانوا يعارضون الكفاح المسلح، وهاهم يظهرون الآن ويعقدون الاجتماعات ويتحدثون. هذا انحراف واضح وحاسم ومؤكد".
ومن الاعتراضات التي أخذها هؤلاء على الحجتية رغم تعديل اتجاههم:
1ـ أنهم كانوا يتبعون قبل نجاح الثورة المرجع الخوئي في النجف، وليس الخميني، وأنهم ظلوا مدة من معارضي آراء الخميني في أبعاد ولاية الفقيه وحدودها.(30/7)
2ـ أنه لم يرد في تعديل اللائحة ما يشير إلى الخميني بوصفه (الولي الفقيه)، إنما الإشارة إلى مراجع الشيعة العظام.
3ـ اتخاذ الحجتية خط المواجهة الفكرية والسياسية ضد الماركسية واليسارية، بعد تقلص خطر البهائية، الأمر الذي يخالف توجه الخميني وأفكاره ونزعاته الماركسية.
الحجتية والخميني
ومما كان يتميز به الحجتية آنذاك إطلاقهم الشعار التالي: "إلهي إلهي احفظ لنا الخميني حتى ظهور المهدي" الذي كانوا يهتفون به عقب كل صلاة، وفي المحافل العامة، كما كانوا يركزون بشكل ملفت على إحياء الذكرى المزعومة لولادة المهدي المنتظر في منتصف شهر شعبان من كل عام، حيث يقيمون احتفالات كبرى، ويزينون المساجد، ويوزعون الحلوى بشكل لا نظير له في إيران.
وكانوا يصرون على تسمية الخميني بنائب الإمام (المهدي)، ويرفضون إطلاق لقب الإمام عليه، لأنه ـ كما يعتقدون ـ من اختصاص الإمام المهدي.
وقد أدى العداء الذي واجهته الحجتية إلى وقف أنشطتها في شهر يوليو/ تموز عام 1984، حتى وفاة الخميني في عام 1989. وقد حاولت بعد ذلك إعادة أنشطتها، وفي سنة 1997، توفي رئيسها محمود الحلبي، ولم يتم انتخاب رئيس للجمعية بعده.
ويرصد الباحث أحمد الكاتب قبولاً متزايداً لأفكار الحجتية في الآونة الأخيرة في إيران بسبب الممارسات السيئة لرجال الدين الشيعة في الحكم، إذ يقول الكاتب: "توفي الشيخ محمود الحلبي... ولكن أفكاره لم تنقرض تماماً، رغم مضي عشرين عاماً على قيام الثورة (الثورة قامت سنة 1979)، وخاصة لدى شرائح من المتدينين الذين ينظرون بسلبية إلى ممارسات الحكام الإيرانيين، وبإحباط إلى نتائج الثورة، مما جعلهم يعيدون النظر في حركة الإمام الخميني، ويعتقدون باستحالة نجاح أية ثورة في (عصر الغيبة)، ويدعون إلى انتظار المهدي لكي يقيم الدولة الإسلامية الصحيحة".
نجاد والحجتية(30/8)
ربط بعض المحللين بين الرئيس الإيراني الجديد أحمدي نجاد، وبين جماعة الحجتية بسبب حديث نجاد الملفت عن الإمام الغائب، وعودته، وضرورة تهيئة الأوضاع انتظاراً لمجيئه، وعقب انتخابه في شهر يونيو / حزيران 2005، وجّه نجاد كلمة إلى الإيرانيين، بدأها بقوله: "اللهم عجل لوليك الفرج والعافية، والنصر واجعلنا من أعوانه وأنصاره"، واختتمها بالدعاء بأن يحظى بـ "فضل الله المتعال، وعنايات حضرة ولي العصر".
كما قال نجاد في كلمة أمام خطباء الجمعة: "إن المهمة الرئيسية لثورتنا هي تمهيد الطريق لظهور الإمام المهدي الثاني عشر... لذلك يجب أن تكون إيران مجتمعاً قوياً متطوراً ونموذجاً إسلامياً".
كما نقلت الصحف الإيرانية عنه قوله: "اليوم.. يجب أن نعرف سياساتنا الاقتصادية والسياسية استناداً إلى سياسة عودة الإمام المهدي".
حتى في خطابه الذي ألقاه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، احتوى على مقتطفات مطولة حول المهدي. وقد تناقل الإيرانيون أخبار مفادها بأن نجاد أمر وزراءه بكتابة خطاب إلى الإمام المزعوم، وإلقائه في بئر قرب مدينة قم التي يقدسها الشيعة، ويزورها الآلاف منهم كل أسبوع.
وسواء ثبت انتماء نجاد للحجتية أم لا، فإنه من الثابت أنه يتبنى الفكر والعقيدة الشيعية بقوة وسياساته تنطلق منها وعليه فإن إغفال هذا العامل في دراسة سياسة نجاد الداخلية والخارجية هو من قصر النظر والجهل السياسي.
للاستزادة
1ـ مجلة مختارات إيرانية ـ العدد 39 ـ أكتوبر 2003.
2ـ تاريخ إيران السياسي بين ثورتين ـ د. آمال السبكي.
3ـ مقال: الصراع بين البهائية والحجتية والخمينية حول المهدي المنتظر ـ أحمد الكاتب.
4ـ مقال: إيران ولعبة الحجتية في العراق ـ رشيد الخيون.
5ـ تقرير: آراء الرئيس الإيراني الدينية تثير الاهتمام ـ بول هيوز ـ رويترز.
سطور من الذاكرة العدد 30
فتنة شاه قولي(30/9)
منذ قيامها في أوائل القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي)، أخذت الدولة الصفوية الشيعية، التي قامت في إيران، على عاتقها نشر التشيع بكل السبل الممكنة، ومحاربة مذهب أهل السنة، وإضعاف دولة الخلافة العثمانية التي كانت منطلقة في فتوحاتها على الجبهة الأوربية.
وكان إسماعيل الصفوي أول حكام هذه الدولة( ) قد بادر بتوجيه سهامه إلى الدولة العثمانية، فور تأسيس دولته، واصطدم معها عسكرياً، وتحالف مع الدول الأوربية ضدها، وكان من بين الأساليب التي استخدمها إسماعيل لمحاربة العثمانيين وزعزعتهم، نشر الخلايا السرطانية في أراضي الدولة العثمانية، والتبشير بمذهب الشيعة، والدعوة سّراً للشاه الصفوي، ومن هنا كانت فتنة شاه قولي أو شاه قولوا، التي دبرها الصفويون وكانت من كبريات الفتن في التاريخ العثماني.
تعود بداية هذه الفتنة إلى شخص شيعي اسمه حسن خليفة، تظاهر بالزهد هو وابنه نور، واعتكفا في أحد الكهوف بجبل قريب من أنطاليا( )، ولما وصلت أنباء زهدهما إلى السلطان العثماني بايزيد الثاني، أغدق عليهما العطايا، وصرف لهما راتباً سنوياً قدره ستة أو سبعة آلاف أقشة (العملة التركية آنذاك)، لكن هذا المدّعي للزهد لم يكن إلاّ أحد دعاة التشيع، وأحد خلفاء الشيخ حيدر، والد الشاه إسماعيل، وأحد دعاة الشاه إسماعيل، وقد أرسلا نواباً عنهما إلى سرز وفيليبا وصوفيا، وباقي مناطق غرب الأناضول (تركيا).
وقد برز من هؤلاء النواب: قذل أوغلو، محمد بك، دادا علي، وخضر إمام أوغلو، وتاج الدين، وبير أحمد، وقد كان كل منهم يعمل في منطقة معينة لتنظيم الناس بشكل سري لدعم الشاه إسماعيل، وكانوا يعقدون اجتماعات سرية للتشاور، وإعطاء تقارير لبعضهم عمّا تم إنجازه.(30/10)
كان الصفويون والشاه إسماعيل يهدفون من وراء هذه الحركة ـ إضافة إلى نشر المذهب الشيعي، والقضاء على الدولة العثمانية السنية ـ إلى السيطرة على طرق التجارة والقوافل، والمنافذ البحرية والمناجم.
وفي سنة 914هـ (1509م) توفي حسن خليفة، فواصل ابنه نور نشاط أبيه، وتولى أمور التنظيم والدعوة، وأطلق على نفسه اسم "شاه قولي" أي عبد الشاه، أو خادم الشاه، من درجة حبه وإخلاصه للشاه الصفوي إسماعيل، لكن بعد افتضاح أمره صار الناس يلقبونه بـ "شيطان قولي" أي عبد الشيطان أو خادم الشيطان.
وصار أتباع شاه قولي من الكثرة بمكان، فبدأ يدعو بالبيعة للشاه إسماعيل( ) ووصل بدعوته إلى البلقان، وزاد من نشاط هؤلاء كبر سن السلطان بايزيد، وتركه شؤون الحكم لأبنائه ووزرائه، حيث كان الأبناء في تنافس على السلطة مما أدّى لاختلال الأمن في البلاد.
وقد كان قاضي أنطاليا يراقبهم منذ البداية، وقام ذات مرة بمهاجمتهم أثناء إحدى اجتماعاتهم وعبادتهم، إلاّ أنه لم يستطع القبض على شاه قولي، مما رفع من شأنه عند أتباعه، واعتبروه مثل المهدي.
وبات خادم الشيطان هذا يترقب ساعة الصفر لتنفيذ ما كان يخطط له،هو والصفويون من ورائه، وكان تحت إمرته آنذاك عشرة آلاف شخص وقيل عشرين ألفاً، إضافة إلى عدد من النساء والأطفال.(30/11)
فقد رأى أتباعه ذات يوم قافلة أمير أنطاليا الشيخ زاده ابن السلطان بايزيد، وهي تتجه نحو الشمال، فظنوا أن السلطان وافته المنيّة، وأن الأمير ذاهب لقتال إخوته، فانقض شاه قولي وأتباعه على تلك القافلة وسلبوها، كما هزموا قوة أخرى أرسلها قاضي أنطاليا لحماية الأمير من شاه قولي، وتم القضاء على معظم الجنود العثمانيين، كما قتلوا قاضي أنطاليا، وعددا من قضاة المناطق في جنوب غرب تركيا، ووصلت قواتهم إلى منطقة "كتاهية" في وسط الأناضول، وأخذوا يعيثون في الأرض فساداً، وصار شاه قولي يدعو لنفسه باعتباره خليفة الشاه الصفوي إسماعيل في الأناضول، وقد قرئت الخطبة باسم الشاه إسماعيل( ).
وظنت الحكومة العثمانية في بادئ الأمر أن الأمر لا يعدو كونه جريمة فردية فأرسلت فرقة صغيرة لمقاومة هذه الحركة، فهزمت، فزادت جرأت شاه قولي وأتباعه، واستشرت الفتنة، وصاروا يهاجمون البلدة تلو الأخرى، وكلما دخل بلدة وجد له أتباعاً، ووصل إلى مشارف بورصة (شمال غرب تركيا)، وحاصرها حتى أرسل قاضيها إلى الحكومة مستغيثاً: "إذا لم تصل إلينا تعزيزات خلال يومين قضي الأمر".
ومن جملة ما أحدثه هؤلاء المتمردون من مفاسد ـ بحسب بعض المصادر الشيعية والعلوية مثل كتاب "علويو الأناضول" ـ أن "دمروا جميع المساجد والجوامع والمدارس في المناطق التي دخلوها، كما حرقوا جميع نسخ القرآن (الناقصة)( ) والكتب الدينية (المزورة)"... وكان شاه قولي يعين أحد أتباعه على كل منطقة يستولي عليها، وبلغ تمرده سنة 915 هـ / 1510م درجة كبيرة من النجاح، الأمر الذي جعل الحكومة العثمانية تجيش الجيوش للقضاء على هذه الفتنة.(30/12)
وظلت الحرب سجالاً بين قوات الحكومة العثمانية، وقوات شاه قولي، التي حققت انتصارات كبيرة، إلى أن سيرت الحكومة سنة حملة كبيرة بقيادة الصدر الأعظم (رئيس الوزراء) علي باشا، ضمت أربعة آلاف من الجنود المشاة، ومثلهم من الخيّالة، وانضمت إليهم جميع القوات العثمانية الموجودة في المناطق المجاورة، وبدأوا بالهجوم على شاه قولي، الذي انسحب في بادئ الأمر إلى مدينة قونية، وتمكن من الفرار من الهجوم العثماني.
وظلت القوات العثمانية بقيادة علي باشا تلاحق قوات شاه قولي، وقامت المعركة بين الطرفين قرب مدينة صيواص، وقد استشهد فيها علي باشا، كما قتل فيها شاه قولي، وهرب من بقي على قيد الحياة من أتباعه باتجاه إيران، وهناك استقبلهم الشاه إسماعيل وأسكنهم في شتى المدن والقرى الإيرانية.
وبالرغم مما أحدثه الشاه إسماعيل من فساد من خلال تمرد شاه قولي، ألاّ أن السلطان العثماني بايزيد كان ميالاً للسلم، وكان يحب أن يرجع إسماعيل إلى صوابه، وأرسل له رسالة جاء فيها ".. أيها الشاب قليل التجربة، اسمع نصيحتي، فمن أجل قبول مذهبك صُن دماء المسلمين.. ولا تذهب بخيالك بعيداً، والتزم بطريقة أجدادك أنار الله برهانهم".
ولقد استنزفت هذه الفتنة دماء المسلمين وإمكانياتهم وطاقاتهم زهاء سنتين (915ـ 917 هـ)، مما حدا بالأمير سليم (السلطان فيما بعد) الذي كان والياً على طربزون في أقصى شرق الأناضول أن يطلب من والده بأن يتنازل عن العرش، ليتولى هو مواجهة الاعتداءات الشيعية الإيرانية التي كانت تهدد كيان الدولة، وربما كان ذلك هو السبب المباشر الذي جعل السلطان سليم (918ـ926هـ) يبدأ نشاطه العسكري شرقاً، فكانت معركة جالديران في رجب سنة 920هـ (آب 1514م) مع الصفويين أولى الحروب التي خاضها،واضطرته لوقف الفتوحات على الجبهة الأوربية.(30/13)
وأخذ السلطان سليم على عاتقه ـ مع محاربة الصفويين ـ القضاء على فلول قوات شاه قولي، وتلك الخلايا السرطانية، التي زرعها الصفويون، واستخدم الشدة في ذلك مستعيناً بالصدر الأعظم يونس باشا، ولم يكن من خيار أمام السلطان سوى استخدام القوة، خاصة أن التقارير التي كانت ترده تقول: "إن المبتدعين من الصوفية والشيعة قد استفحل خطرهم وزاد عددهم، وباتوا يمعنون في القرى سلباً ونهباً، ولم يتورعوا عن قتل الرجال، وسبي النساء، وأتوا على الأخضر واليابس".
للاستزادة:
1ـ الأصول العقائدية للإمامية ـ د. صابر طعمية ص19.
2ـ علويو الأناضول ـ د. بسيم صبحي الأنطاكي ص 125.
3ـ الهجرة العاملية إلى إيران في العصر الصفوي ـ جعفر المهاجر ص33.
4ـ الوجيز في تاريخ الإسلام والمسلمين ـ د. أمير عبد العزيز ص 838.
5ـ العلويون في تركيا ـ يوسف الجهماني ـ ص 51.
مواقف المفكرين والعلماء من الشيعة - 15-
الشيخ محمد عرفة
عضو جماعة كبار العلماء في مصر
هذه سلسلة من البحوث كتبها مجموعة من المفكرين والباحثين عن عقيدة وحقيقة مذهب الشيعة من خلفيات متنوعة ومتعددة ، نهدف منها بيان أن عقائد الشيعة التي تنكرها ثابتة عند كل الباحثين ، ومقصد آخر هو هدم زعم الشيعة أن السلفيين أو الوهابيين هم فقط الذين يزعمون مخالفة الشيعة للإسلام . الراصد
ونترك مع رأيه في الشيعة وذلك في تقديمه لكتاب " الوشيعة في نقد عقائد الشيعة " :
لقد صدرت آراء من دعاة التقريب بين المذاهب الإسلامية، يثنون فيها على مذهب الجعفرية، المعروف بمذهب الشيعة الإمامية الإثنا عشرية، على أن لهذه الطائفة أصولها المستمدة من كتاب الله تعالى، ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ولعله لا يكون من السهو أن يفوت هؤلاء أن هذا المذهب يقول بردة الصحابة جميعاً بعد وفاة الرسول، صلى الله عليه وسلم، إلا قليلا منهم، وأن أبا بكر وعمر كافران ملعونان!.(30/14)
فهل يجوز للمسلمين تقليدهم في ذلك؟ وأن يكون من المسلمين من يلعن أبا بكر وعمر وعثمان وعائشة، ويقول بكفر الصحابة!؟
وأن هذا المذهب يقول بكفر المسلمين من غير الشيعة: الحاضرين والماضين؛ فالمسلمون في رأيهم: كفار حكامهم ومحكوموهم في نظرهم!!
والذي دعاهم إلى ذلك أنهم يجعلون الإيمان بإمامة عليّ ومن بعده من أبنائه جزءاً من الإيمان، كالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر. فمن لم يؤمن بالأئمة من أهل البيت لم يكن مؤمنا، ولذلك كفروا الصحابة الذين قالوا بإمامة أبي بكر وعمر وعثمان، وكفروا هؤلاء الخلفاء لأنهم أخذوا ما ليس لهم من الإمامة، ولذلك أيضا كفروا المسلمين الحاضرين والماضين الذين لا يقولون بالإمامة التي جعلوها جزءا من الإيمان، وجعلوا حكامهم أهل جور لأنهم لم يستمدوا حكمهم من الأئمة المعصومين ذوي الحق، وجعلوا الرعية كفاراً لأنهم اتبعوا أئمة الجور ولم يؤمنوا بإمامة الأئمة من أهل البيت.
فهل يجوز تقليد هذا المذهب في ذلك؟! وهل نقول للمسلمين: لكم أن تقلدوا هذا المذهب فيما ذكرنا؛ فيكفر بعضهم بعضا، وتكون عداوات بين الحاكمين والمحكومين بعضهم وبعض؟!
وهذا المذهب يقول: إن هذا القرآن الذي بأيدي الناس ليس هو القرآن كله، وإن علياً هو الذي جمعه كله، فهل يجوز للمسلمين تقليده في ذلك؟.
إن ما نسبناه إليهم ينبغي ألا نتركه حتى نبين نسبته إليهم من كتبهم المعتبرة، التي جعلوها أصول هذا المذهب، والتي هي عندهم كالبخاري عندنا.
أما أن هذا المذهب يقول بردة الصحابة، فنحن نستدل عليه بما ورد في الوافي ص 48 في الباب العشرين منه، قال:(30/15)
عن أبي جعفر عليه السلام قال: ارتد الناس إلا ثلاثة نفر: سلمان، وأبو ذر، والمقداد. قيل: فعمار. قال كان جاض جيضة، ثم رجع ثم قال: إن أردت الذي لم يشك ولم يدخله شيء فالمقداد، فأما سلمان فإنه عرض في قلبه أن عند أمير المؤمنين اسم الله الأعظم، لو تكلم به لأخذتهم الأرض، وهو هكذا، وأما أبو ذر فأمره أمير المؤمنين بالسكوت ولم تأخذه في الله لومة لائم، فأبى إلا أن يتكلم.
وفي الباب نفسه ص 48:
عن عبد الرحيم القصير، قال قلت لأبي جعفر، إن الناس يفزعون إذا قلنا: إن الناس ارتدوا. فقال: يا عبد الرحيم، إن الناس عادوا، بعدما قبض رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أهل جاهلية، إن الأنصار اعتزلت فلم تعتزل بخير.
وفي الباب حديث طويل، وفي آخره، فلما قبض رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأقام الناس غير عليّ ـ عليه السلام ـ لبس إبليس تاج الملك، ونصب منبرا وقعد في ألويته، وجمع خيله ورجله، ثم قال لهم: اطربوا، لا يطاع الله حتى يقوم إمام، وتلا أبو جعفر ـ عليه السلام: {ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقاً من المؤمنين}. فقال أبو جعفر: كأن تأويل هذه الآية لما قبض رسول الله، صلى الله عليه وآله.
وفي باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية ـ أصول الكافي ص 412 ـ عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ في قول الله عز وجل:{ إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم}، قال: نزلت في فلان وفلان آمنوا بالنبي، صلى الله عليه وآله، في أول الأمر وكفروا حيث عرضت عليهم الولاية حين قال النبي، صلى الله عليه وآله: "من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه". ثم آمنوا بالبيعة لأمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ ثم كفروا حيث مضى رسول الله، صلى الله عليه وآله، فلم يقروا بالبيعة، ثم ازدادوا كفرا بأخذهم من بايعه بالبيعة لهم، فهؤلاء لم يبق لهم من الإيمان شيء.
وقال صاحب الوافي أيضاً في كتابه: "الكلمات الطريفة" ص 9 بعنوان "تذكير":(30/16)
لقد علمت وتحققت ما جرى بين صحابة نبينا، صلى الله عليه وآله، بعده من تلبيسهم الأمر على الناس، وإلباسهم لباس البؤس والباس، بعدما سمعوا النصوص على الخصوص، مرة بعد أولى، وكرة غب أخرى، فجحدوا ما علموه، وبدّلوا ما سمعوه، وأنكروا ما حق في أعناقهم، وأعناق المسلمين من حق مولاهم أمير المؤمنين، غلب عليهم حب الرياسة والهوى، واشتعل في قلوبهم ثائرة الحسد والبغضاء، فعادوا إلى الخلاف الأول فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا، فبئس ما يشترون {أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما. فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيراً}.
هذا الغلو في تكفير من عداهم ممن لا يقول بنحلتهم، أدى إلى العداوة والبغضاء بين السني والشيعي، حتى كانت العداوة بينهما أشد من العداوة بين المسلم والكافر، كما لاحظ ذلك السيد محمد الحسين آل كاشف الغطاء، في كتابه، أصل الشيعة وأصولها، وبين أنه آفة يجب التخلص منها.
وقد كنت شديد الحرص على التقريب بين المذاهب الإسلامية، ولا سيما بين الطائفتين العظيمتين أهل السنة والشيعة.
وأول ما يسلكه السالك في إزالة العداوة معرفة أسبابها، فعلمت بعد الدرس والبحث أن السبب هو تكفير الشيعة من عداهم ممن لم يقل بإمامة عليّ وأهل البيت، فرأيت أن الدواء يجب أن يكون من قبلهم، وأقل ذلك أن يحكموا حديثا للنبي صلى الله عليه وسلم في هذه المسألة: "من اجتهد فأصاب فله أجران، ومن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد".
وقصارى أهل السنة أن يكونوا مجتهدين مخطئين في مسالة الإمامة، فيغفر لهم خطؤهم الناشئ عن الاجتهاد، فلا يكفرون ولا يفسقون.
وأما ما نسبناه إلى مذهب الشيعة من أنه يرى أن الإيمان بالإمام جزءا من الإيمان، كالإيمان بالله والنبوة واليوم الآخر، فيدل عليه ما ورد في أصول الكافي للكليني.(30/17)
عن أبي حمزة قال: قال لي أبو جعفر: إنما يعبد الله من يعرف الله، فأما من لا يعرف الله فإنما يعبده هكذا ضلالا. قلت: جعلت فداك فما معرفة الله؟ قال: تصديق الله عزّ وجل، وتصديق رسوله، وموالاة عليّ والائتمام به وبأئمة الهدى عليهم السلام، والبراءة إلى الله عز وجل من عدوهم، هكذا يعرف الله، ومن لا يعرف الإمام منا أهل البيت فإنما يعرف ويعبد غير الله.
وقال أبو عبد الله: من ادعى الإمامة وليس من أهلها فهو كافر.
وقال أبو جعفر: كل من دان الله بعبادة يجهد فيها نفسه، ولا إمام له من الله، فسعيه غير مقبول. وقال: قال الله تبارك وتعالى: لأعذبنّ كل رعية في الإسلام دانت بولاية كل إمام جائر ليس من الله.
وأما أن مذهب الشيعة يسيء الظن بجميع المسلمين الذين لا يؤمنون بإمامة أهل البيت، فيدل عليه بعض الأحاديث المتقدمة وما ورد في أصول الكافي في كتاب الحجة.
باب من ادعى الإمامة وليس لها بأهل، ومن جحد الأئمة أو بعضهم، ومن أثبت الإمامة لمن ليس لها بأهل ـ ص 374 حديث 12ـ.
عن أبي جعفر قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم، من ادعى إمامة من الله ليست له، ومن جحد إمامة من الله، ومن زعم أن له في الإسلام نصيبا.
عن أبي جعفر عليه السلام يقول: كل من دان الله بعبادة يجهد فيها نفسه ولا إمام له من الله فسعيه غير مقبول، وهو ضال متحير، والله شانئ لأعماله.(30/18)
عن عبد الله بن أبي يعفور قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إني أخالط الناس فيكثر عجبي من أقوام لا يتولونكم ويتولون فلانا وفلانا، لهم أمانة وصدق ووفاء، وأقوام يتولونكم ليس لهم تلك الأمانة ولا الوفاء والصدق. قال: فاستوى أبو عبد الله عليه السلام جالسا فأقبل عليّ كالغضبان ثم قال: لا دين لمن دان الله بولاية إمام جائر ليس من الله. ولا عتب على من دان بولاية إمام عادل من الله. قلت: لا دين لأولئك، ولا عبت على هؤلاء. قال: نعم. ثم قال: ألا تسمع لقول الله عز وجل: {الله وليّ الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور} يعني من ظلمات الذنوب إلى نور التوبة والمغفرة لولايتهم كل إمام عادل من الله. وقال: {والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات} إنما عنى بهذا أنهم كانوا على نور الإسلام فلما أن تولوا كل إمام جائر ليس من الله عز وجل، خرجوا بولايتهم إياه من نور الإسلام إلى ظلمات الكفر، فأوجب الله لهم النار مع الكفار؛ فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون.
عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال الله تبارك وتعالى: لأعذبن كل رعية في الإسلام دانت بولاية كل إمام جائر ليس من الله، وإن كانت الرعية في أعمالها برّة تقية، ولأعفون عن كل رعية في الإسلام دانت بولاية كل إمام عادل من الله، وإن كانت الرعية في أنفسها ظالمة مسيئة.
وأما ادعاؤهم تحريف القرآن،ففي كتاب الحجة من أصول الكافي باب ذكر فيه الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة عليها السلام ص 239.
عن أبي عبد الله عليه السلام: وإن عندنا لمصحف فاطمة عليها السلام، مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات. والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد.
وفي باب أنه لم يجمع القرآن كله إلا الأئمة عليهم السلام، وأنهم يعلمون علمه كله ص 228.(30/19)
عن أبي جعفر ـ عليه السلام ـ يقول: ما ادعى أحد من الناس أنه جمع القرآن كله كما أنزل إلا كذاب، وما جمعه وحفظه كما نزله الله تعالى إلا عليّ ابن أبي طالب ـ عليه السلام ـ والأئمة من بعده، عليهم السلام.
وقد ردّ بعضهم في مجلة الأزهر، وقال: إن هذه روايات غير معتمدة تذكر ولا يؤخذ بها، ونحن نقول إنها من "الكافي" لصاحبه: "الكليني"، و "الكافي" من كتب الأصول في مذهبهم، و"الكليني" من الأعلام عندهم.
قال صاحب "روضات الجنات": في ترجمة "الكليني" ص 24: محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي صاحب كتاب "الكافي".. أجل وأعظم من أن يخفى على أعيان الفريقين... إذ هو في الحقيقة أمين الإسلام، وفي الطريقة دليل الأعلام.. وحسب الدلالة على اختصاصه بمزيد الفضل، اتفاق الطائفة على كونه أوثق المحمدين الثلاثة الذين هم أصحاب: الكتب الأربعة، ورؤساء هذه الشريعة المتبعة...
ومن ترجمته في "تنقيح المقال في أحوال الرجال" ج1 م3 ص 201: ثقة الإسلام في العلم والفقه والحديث والورع وجلالة الشأن.. أشهر من أن يحيط به قلم، ويستوفيه رقم، صنف الكتاب الكبير المعروف بـ :"الكافي" في عشرين سنة.. ويقال: إن جامعه "الكافي" الذي لم يصنف في الإسلام مثله عرض على "القائم"، صلوات الله عليه، فاستحسنه، وقال: كاف لشيعتنا.
فهذا "الكافي" وهذا منزلته عندهم لم يصنف في الإسلام مثله؛ وهذا مؤلفه من مجددي مذهب الإمامية وهو في العلم والفقه والورع والحديث وجلالة الشأن أشهر من أن يحيط به قلم، ويستوفيه رقم. وثقة الإسلام هذا هو الذي نقل أحاديث نقص القرآن الذي بأيدينا وتحريفه، في كتابه الذي لم يصنف في الإسلام مثله، وعرض على "القائم"، فاستحسنه وقال: كاف لشيعتنا فعمن ننقل إذا لم يكن هذا النقل كافياً لبيان مذهبهم؟!(30/20)
على أنه ألف شيعي كتابا سماه: "فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الأرباب"، تأييداً لمذهب الشيعة في تحريف القرآن، وقد أرسله السيد "محمد نصيف" من علماء جدة وأعيانها إلى لجنة الفتوى بالأزهر يستفتيها فيه في صيف عام 1959م.
إنهم كانوا منطقيين مع أنفسهم مخلصين لمذهبهم، الذي يكفر أهل السنة رعيتهم وراعيهم، حين التزموا لوازمه إلى نهايتها، وقالوا: إنه لا يقاتل مع أهل السنة عدوهم من الكفار..
جاء في كتاب "الوافي" ج9 باب من يجب معه الجهاد ومن لا يجب ص15 :عن عبد الله بن سنان قال: قلت لأبي عبد الله: جعلت فداك ما تقول في هؤلاء الذين يقتلون في هذه الثغور؟ قال: فقال: الويل يتعجلون، قتلة في الدنيا، وقتلة في الآخرة. والله ما الشهداء إلا شيعتنا ولو ماتوا على فرشهم.
ولصاحب كتاب "الوافي" هذا ترجمة ضخمة في "روضات الجنات" ص416، جاء فيها: أن اسمه محمد، ولقبه: محسن، وأنه اشتهر بالفيض، وأن أمره في الفضل والفهم والنبالة في الفروع والأصول، والإحاطة بمراتب المعقول والمنقول، وكثرة التأليف والتصنيف... أشهر من أن يخفى في هذه الطائفة. وأنه جامع الكتب الأربعة مع نهاية التهذيب ورعاية المزاولة في جزالة الترتيب، وإعمال كمال المذاقة في تبيان مشكل كل حديث، وإمعان النظر في متشابهات الأخبار بعد الفراغ من التحديث..
فلو كان منا شيعة في العدوان الثلاثي على مصر لتخلفوا عن قتال المعتدين بناء على هذه القاعدة، وهذا هو السر في رغبة الاستعمار في نشر هذا المذهب في البلاد الإسلامية.
هذا هو المذهب الشيعي في حقيقته، أظهرناه عاريا لا حجاب دونه، أخذناه من مصادره الأصلية، ومن كتبه التي هي أصول المذهب عند الشيعة، وعن أشياخه الذين هم أئمتهم، والموثوق بهم، والذين أجمعت كتب التراجم على تزكيتهم وتوثيقهم، فإذا لم نأخذ المذهب عن هؤلاء، فعمن نأخذ؟ وإذا لم نستند إلى هذه الكتب فإلام نستند؟
أتاك المرجفون برجم غيب …… على دهش وجئتك باليقين(30/21)
ولا وزن لقول المجادلين: هذه روايات ضعيفة. أكل روايات الباب ضعيفة؟ وإذا كانت كذلك فكيف يكون الكتاب أحد أصول المذهب؟
ولا وزن كذلك لقول المجادلين: لا يؤخذ المذهب من كتب الروايات، وإنما يؤخذ من كتب العقائد.
على أننا إذا رجعنا إلى كتب العقائد عندهم، وجدناها توافق الروايات التي قيلت. وها نحن أولاء نهرع إليها فننقل منها مذاهبهم في أشد ما ذكرناه خطورة، وهي الإمامة وما يتعلق بها من تكفير الصحابة والخلفاء الراشدين الثلاثة، ومن تكفير المسلمين من يوم توفي النبي، صلى الله عليه وسلم، إلى يومنا هذا، لأنهم لم يقولوا بإمامة عليّ وإمامة الأئمة الإثنى عشر.
ننقله عن رئيس المحدثين أبي جعفر الصدوق محمد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمي المتوفى سنة 381 هـ وهو ثاني المحمدين الثلاثة، وصاحب كتاب: "من لا يحضره الفقيه"، أحد الكتب الأربعة التي يعتبرها الشيعة أصول مذهبهم في رسالة الاعتقادات، قال:
واعتقادنا فيمن جحد إمامة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب والأئمة من بعده أنه كمن جحد نبوة جميع الأنبياء.
واعتقادنا فيمن أقرّ بأمير المؤمنين وأنكر واحدا من بعده من الأئمة أنه بمنزلة من أقرّ بجميع الأنبياء، وأنكر نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
وقال في رسالة الاعتقادات أيضا:
قال النبي، صلى الله عليه وسلم: من جحد عليّاً إمامته بعدي فقد جحد نبوّتي، ومن جحد نبوّتي فقد جحد الله ربوبيته.
وقال النبي، صلى الله عليه وسلم: "يا عليّ أنت المظلوم بعدي، ومن ظلمك فقد ظلمني، ومن أنصفك فقد أنصفني، ومن جحدك فقد جحدني."
وقال الصادق ـ عليه السلام ـ المنكر لآخرنا كالمنكر لأولنا.
وقال النبي، صلى الله عليه وسلم ـ "الأئمة من بعدي اثنا عشر: أولهم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام). وآخرهم المهدي القائم. طاعتهم طاعتي ومعصيتهم معصيتي، من أنكر واحدا منهم فقد أنكرني".
وقال الصادق: من شك في كفر أعدائنا والظالمين لنا فهو كافر.(30/22)
وقال في "رسالة الاعتقاد" أيضا: في باب الاعتقادات في الظالمين ص111: اعتقادنا فيهم أنهم ملعونون، والبراءة منهم واجبة.
قال الله عز وجل: {وما للظالمين من أنصار}. وقال: {ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا، أولئك يعرضون على ربهم، ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين، الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا، وهم بالآخرة هم كافرون}.
قال ابن عباس في تفسير هذه الآية: إن سبيل الله في هذه المواضع: عليّ بن أبي طالب والأئمة ـ عليهم السلام.
وفي كتاب الله عز وجل إمامان: إمام الهدى وإمام الضلالة، قال تعالى: {وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا}، قال: {وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون. وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين}.
فلما نزلت هذه الآية: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من ظلم عليا مقعدي هذا بعد وفاتي فكأنما جحد نبوتي ونبوة الأنبياء من قبلي، ومن تولى ظالما فهو ظالم". قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون} وقال عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور} وقال عز وجل: {لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حادَّ الله ورسوله، ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم، أولئك كتب في قلوبهم الإيمان} وقال: {ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين} وقال: {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار}.
والظلم وضع الشيء في غير موضعه، فمن ادعى الإمامة وهو غير إمام فهو الظالم الملعون، ومن وضع الإمامة في غير أهلها فهو ظالم ملعون.(30/23)
والكلام في الظلم وذم الظالمين سائغ مقبول، ولكن الذي لا يسوغ ولا يقبل إدخال الصحابة والتابعين والخلفاء الراشدين في الظالمين، بل إدخال الأمة كلها إلى يومنا هذا فيهم، لأنها تدين بإمامة غير أهل البيت الذين فيهم الإمامة.
ولأذكر شاهداً من أخف الدراسات وهي دراسة الرجال أصحاب المسانيد ومسانيدهم في كل من الفريقين.
إننا إذا قرأنا كتبهم في رجالنا أصحاب المسانيد؛ طالعنا منها طعنهم على علمائنا الذين نوثقهم ويجرحونهم، فهذا الإمام أبو عبد الله البخاري، الذي جمع من الأحاديث في صحيحه، ما يعتمد أهل السنة عليه، يقول فيه صاحب "روضات الجنات في أحوال العلماء والسادات"، ص 433:
ونقل عن الذهبي الناصبي أنه قال في كتاب ميزانه، عند ذكره وبيانه، لمرتبة إمام الأنام، جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أحد الأئمة الأعلام، برّ صادق كبير الشأن، لم يحتج به البخاري، بمعنى أنه لم يستند في كتابه الجامع من كل غثّ غير ثمين، وغثاء مهين... بما أخبره الصادق المصدق الأمين. وفيه ما لا يخفى من الدلالة على غاية جهل الرجل وغوايته، وعماه الشديد في طريق هوايته، بل الإشارة إلى خبث أصله وسوء ولادته... مثل سائر أعداء الله وأعداء أهل بيت رسالته.. وقال بعض علمائنا: وإنما شاع كتابه لتظاهره بعداوة أهل البيت عليهم السلام فلم يرو حديث الغدير، وكتم حديث الطائر، وجحد آية التطهير، مع إجماع المفسرين على نزولها فيهم من غير نكير، إلا ما كان من عكرمة الخارجي، والكذاب الكلبي، وثالثهما البخاري...
لم نشأ أن نأخذ مذهب الشيعة الإمامية من كتب الفرق، والملل والنحل لئلا يقولوا: لا يلزمنا ما قال غيرنا فينا، ولم نشأ أن نأخذ من كتب العقائد، وكتب أئمة المسلمين الذين ناظروهم وجادلوهم، كالإمام الغزالي وابن تيمية وعلامة الهند الدهلوي، لئلا يقولوا: خصوم، والخصم يحرف مذهب خصمه للتشنيع والتقبيح.(30/24)
وإنما أخذناه من أئمتهم الذين أسسوا المذهب، ومن كتبهم التي تعتبر أصولا له. وكنا نرجع إلى كتب التراجم والجرح والتعديل عندهم، فرأيناهم يوثقونهم ويعدلونهم ويرونهم شيوخ المذهب. ورأينا كتبهم يثنون عليها أعظم الثناء،حتى إنهم قالوا في الكافي:"لم يؤلف في الإسلام مثله". ومن عجب أن ما جاء في هذه الكتب كأنما كان نسخة مما نقله علماؤنا في كتب الرد عليهم، وما نقلته كتب الفرق وما رآه المستشرقون فيهم.
نقلنا مذهبهم من كتبهم، وبينا ما يترتب عليه من فرقة وانقسام، وأن الحق كل الحق كان في جانب علمائنا الذين حرّموا تقليد المذهب الشيعي.
ذكرنا ذلك في أسلوب عفّ، لا غاضب ولا صاخب، ولا عارٍ عن الأدب، لم نرسل كلمة جارحة، ولا قولا نابيا. حتى إننا لم نقل كفر وإيمان، وإنما قلنا إنه يؤدي إلى الفرقة بين المسلمين.
ثم هو يدعو من ثبت يقينه ولم يقلده إلى بغض الشيعة ونحن أحرص الناس على جمع الكلمة وضم الصفوف: لقد وضع سلفنا من العلماء السدود والحواجز بين السنة والشيعة بما أبانوا من خلاف جوهري بينهما، وبما حرموا من تقليد المذهب الشيعي إبقاء على وحدة الأمة!
إن هذا المذهب: مذهب الشيعة لا يساير نهضتنا، بل هو يناقضها في جميع أهدافها، فلا يصح أن ندعو إليه، ونجره إلينا، لأننا ندعم نهضتنا بأمجادنا التاريخية وآبائنا السابقين أولى الحزم والعزم، والقائمين لله بالقسط.
وأي شيء أدعى للاعتزاز به والفخر من أبي بكر وعمر، وعدل أبي بكر وعمر؟ قال بعض المؤرخين من الإفرنج: لو كان الحكم الفردي كحكم عمر بن الخطاب، لنادينا بتعميمه في جميع الأقطار، ولكن الدهر ضنين بأمثال عمر!
وهذا المذهب يضع من شأن الخلفاء الراشدين الثلاثة، ويعدّهم ظالمين غاصبين مرتدين، فهم سبة لا فخر بهم!!(30/25)
وأي شيء أدعى للاعتزاز والفخر من صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، الذين بني الإسلام على أكتافهم، وانتشر في الآفاق بفضل جهادهم، وفتحوا الممالك بسواعدهم، وهم كانوا قلة مستضعفين، لا عدد ولا عدة، فناضلوا الفرس والروم، فاستولوا على ملك الأكاسرة والقياصرة؟!
وهذا المذهب يكفرهم ويفسقهم، ويسطر المثالب فيهم وفي أكابرهم واحدا واحدا، ولا يستثني إلا قلة، ذكر عددهم وهم لا يجاوزون أصابع اليد.
وأخيرا، إننا نريد الاستقلال لنا وللعرب، وهذا المذهب يجعلنا تابعين للإمام المنتظر، ومن يعينه الإمام المنتظر، وهو في سرداب في سامراء لنكون تابعين لغيرنا..
في حياتي كلها لم أثر جدلا دينيا بيني وبين طائفة من الطوائف التي تنتمي إلى الإسلام، ولم أعرض لمناقشتهم، ولا لبيان خطئهم، لأني أعلم أن ذلك يثير الفرقة والانقسام، وإني من الدعاة إلى الوحدة الإسلامية والترابط بين المسلمين وإن اختلفت مذاهبهم وتباينت نحلهم، ولكنني أجدني في هذا الوقت مضطرا إلى الخوض فيما كنت أتحاماه، والانغماس فيما كنت أتحاشاه.
وحسبي الآن شاهدا ما أختم به كتابي هذا، من رسالة لبديع الزمان الهمذاني، تصور ما كان في زمنه بين الطائفتين من نزاع وصراع، نعوذ بالله منه، قال:
(ألا وإن في صدري لغصّة، وإن في رأسي لقصّة، وإن لكل مسلم فيها لحصة، وإن في هذا المقام فيها لفرصة، وقد سمع الشيخ الرئيس أخبار عضد الدولة أبي شجاع، وما أوتي من بسطة ملك وباع، ويد في الفتوح صناع، وخطا في الخطوب وساع، إن كان ليقول: ملكان في الأرض فساد، وسيفان في غمد محال،ولم يرض أن يلي الأرض بطاعة معروفة، حتى يجعلها قبضته، فأعدّ للبحر مراكب، وللبر مصانع، وللحصون مكايد، وكاد وهمّ، ولو عمر لتم، ثم عجز ـ والقدرة هذه ـ أن يعمر التربتين الخبيثتين، أو يصلح البلدتين المشئومتين [قُمّ والكوفة] فعلم أن ذلك الخبث نحلتهما، فهمّ أن يسبي ويبيح، ثم فرض الجزية عليهم أو يقيموا التراويح.(30/26)
ورجع صاحبي آنفا من هراة، فذكر أنه سمع في السوق صبيا ينشد:
إن محمدا وعليّا لعنا تيما وعديّا
فقلت: إن العامة لو علمت معنى تيم وعديّ، لكفتني شغل الشكاية، وولى النعمة شغل الكفاية. ويل أم هراة، أنصب الشيطان بها هذه الحبالة؟ وصرنا نشكو هذه الحالة! والله ما دخلت هذه الكلمة بلدة إلا صبّت عليها الذلة، ونسخت عنها الملة، ولا رضي بها أهل بلدة إلا جعل الله الذل لباسهم وألقى بينهم باسهم!!
هذه نيسابور، منذ فشت فيها هذه المقالة، في خراب واضطراب، وأموالها في ذهاب وانتهاب، وأسواقها في كساد وفساد، وأسعارها في علاء وخلاء، وأهلها في بلاء وجلاء، يفتنون في كل عام مرة أو مرتين، ثم لا يتوبون ولا هم يذّكرون.
وهذه قهستان،منذ فشت فيها هذه المقالة، جعلت مأكلة الغصص، ونجعة الأكدار، ولحمة السيف، ومزار السنان، مرّة يهدم سورها، ومرة تنهب دورها، وتارة تقتل رجالها، وأخرى تهتك حجالها!
فالشيطان لا يصيد هراة صيدا، وإنما يستدرجها رويدا.
وهذه الكوفة مما اختط أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ وما ظهر الرفض بها دفعة، ولا وقع الإلحاد فيها وقعة، إنما كان أوله النياحة على الحسين بن عليّ ـ رضي الله عنهما ـ وذلك ما لم ينكره الأنام، ثم تناولوا معاوية، فأنكر قوم وتساهل آخرون، فتدحرجوا إلى عثمان، فنفرت الطباع، ونبت الأسماع، وكان القِراع والوقاع، حتى مضى ذلك القرن.
وخلف من بعدهم خلف، لم يحفظوا حدود هذا الأمر، فارتقى الشتم إلى يفاع، وتناول الشيخين ـ رضي الله عنهما!!
فلينظر الناظر أيّ زند قدح القادح، وأي خطب بلغ النائح؟!
لا جرم أن الله تعالى سلط عليهم السيف القاطع، والذل الشامل، والسلطان الظالم، والخراب الموحش، ولما أعد الله لهم في الآخرة شرٌّ مقاماً.
وأنا أعيذ بالله هراة أن يجد الشيطان إليها مجازا، وأعيذ الشيخ الرئيس ألا يهتز لهذا الأمر اهتزازا يرد الشيطان على عقبه).(30/27)
فهذا بديع الزمان يبين أن عضد الدولة مع ما أوتيه من قدرة وسلطان، عجز أن يصلح [قم والكوفة]، لما فسدتا بالتنازع بين السنة والشيعة! وهمّ أن يسبي ويفرض الجزية على من لم يصل التراويح. وتركها علامة الشيعة، لأن التراويح من فعل عمر.
ثم يذكر أن صبيا في هراة، كان ينشد:
إن محمدا وعليّا لعنا تيما وعديّا
وهما قبيلتا أبي بكر وعمر، وذلك ليشفوا صدورهم بالكناية إذ عجزوا عن التصريح.
ثم ذكر حال البلاد التي تشيع فيها هذه المقالة من فساد وانتهاب، ووصف ذلك أبلغ وصف.
ثم ذكر أن الرفض بدأ في الكوفة بالنياحة على الحسين، وهذا أمر هين...
ثم تدرج بتناول معاوية، فرضي قوم وسخط آخرون..
ثم تدحرجوا إلى عثمان، فنفرت الطباع، وكان الصراع والوقاع!
ثم ارتقى السب إلى الشيخين أبي بكر وعمر، فكانت الطامة الكبرى.
وبعد ذلك حرض الشيخ الرئيس أن يحسم هذا الأمر، وأن يحمي هراة من هذا الصدع.
أسأل الله أن يجنبنا سوء الجدل، وأن يوفقنا لحسن العمل، وأن يرينا الحق حقا فنتبعه، والباطل باطلا فنجتنبه.
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل؟
محمد عرفة
عضو جماعة كبار العلماء
كتاب الشهر
الحركة الشيعية في الكويت
تأليف: د. فلاح عبد الله المديرس
"أضحت دراسة الأقليات في العالم من أهم المجالات التي اهتم بها علماء السياسة والاجتماع لما لهذه الأقليات من تأثير مباشر على الاستقرار السياسي، حيث تسعى دول كثيرة إلى تغذية واستخدام ولاءات ما تحت الدولة لخلق أوضاع تؤدي إلى زعزعة الاستقرار السياسي داخليا في هذه الدولة أو تلك. كما أصبحت بعض الأقليات التي لها امتدادات خارجية، تستخدم من قبل الدولة الأم لبسط سياستها الخارجية على المنطقة".(30/28)
يلخص الدكتور فلاح المديرس من خلال الفقرة السابقة أهمية دراسة وضع الأقليات في المنطقة، ويسعى من خلال كتابه (الحركة الشيعية في الكويت) الصادر عن دار قرطاس للنشر في الكويت سنة 1999، إلى دراسة الوضع الاجتماعي والسياسي للشيعة في الكويت مع التركيز على الجماعات السياسية داخل الطائفة الشيعية من خلال تتبع الجذور التاريخية للتيار السياسي لهذه الطائفة منذ العشرينات من القرن الميلادي الماضي، وحتى الوقت الراهن.
وعندما يرغب المؤلف بإعطاء مثال على الدور السلبي الذي (قد) تؤديه الأقليات في زعزعة استقرار بلدانها، يأتي المثال من صلب الموضوع، ومنسجماً مع كتابه الذي يتحدث عن الشيعة في الكويت، إذ يشير المؤلف في مقدمته إلى استخدام النظام الإيراني ورقة الأقليات الطائفية لزعزعة الاستقرار السياسي لدول مجلس التعاون الخليجي بسبب تأييد بعض دوله للعراق في حربه مع إيران (1980ـ 1988)، حيث شهدت منطقة الجزيرة والخليج العربي بعد ثورة الخميني سنة 1979م، موجات من التطرف الشيعي، في ظل الدعم الكبير الذي قدمه الخميني للشيعة في الخليج، خاصة مع رفعه شعار تصدير الثورة خارج الحدود الإيرانية، وكان نتيجة ذلك قيام الأقليات الشيعية في المنطقة العربية بتنظيم صفوفها في تنظيمات سياسية طائفية تتخذ النموذج الثوري الإيراني مثالاً لها، لمعارضة بلدانها.
الأوضاع الاجتماعية
والكتاب الذي خرج في حوالي 90 صفحة من الحجم المتوسط لا يقسمه مؤلفه إلى الطريقة المتعارف عليها من خلال الأبواب والفصول والمباحث... ففي أول عناوين الكتاب (الأوضاع الاجتماعية) يتحدث د. المديرس عن عدد الشيعة في الكويت، ومدارسهم المذهبية، ويشير إلى أن عددهم الحقيقي غير معروف، وتقدر نسبتهم بـ 15 إلى 25%.
وينقسم الشيعة في الكويت على أساس عرقي إلى:(30/29)
1ـ شيعة من أصل عربي، وينحدرون أساساً من المنطقة الشرقية من السعودية، ويطلق عليهم اسم "الحساوية" نسبة إلى منطقة الإحساء، إضافة إلى أن عدداً منهم قدم إلى الكويت من البحرين ويسمون "البحارنة"، وجنوب العراق.
2ـ شيعة من أصل إيراني، يطلق عليهم اسم "العجم" ويشكلون نسبة كبيرة من شيعة الكويت، وقد توالت هجرة هذه الجماعات منذ القرن التاسع عشر، وقد شجع الاستعمار البريطاني آنذاك هذا النوع من الهجرة لأسباب سياسية واقتصادية.
وما زال هؤلاء يحتفظون ببعض العناصر الثقافية لأصولهم التاريخية، خاصة اللغة واللهجات العامية والفارسية والفلكلور الفارسي، وإلى جانب ذلك توجد نسبة بسيطة من هذه الأقلية ما عادت تذكر اللغة الأم (الفارسية)، ويطلق على أفرادها اسم (الطراريح) لعملهم في سوق الخضار في الكويت، الذي يطلق عليه اسم (سوق الطراريح).
أما مذهبيّاً، فينقسم شيعة الكويت ـ بحسب المؤلف ـ إلى أربع مدارس مذهبية:
أولاً: الشيخية، ويطلق عليهم اسم "جماعة الميرزا" وإمامهم الميرزا حسن الإحقاقي ( ). ويعتبر مسجد الإمام الصادق في قلب العاصمة مركز تجمعهم، ومعظم مقلدي الميرزا من "الحساوية"، وأهم العائلات من هذه الجماعة: الأربش، خريبط، الشواف، والوزان. والشيخية هي انبثاق من التيار الإخباري . وقد سبق التعريف بهم في العدد السادس من الراصد .
ثانيا: الإخبارية، وهم "البحارنة" من مقلدي ميرزا إبراهيم جمال الدين، الذي يعد إمام الشيعة البحارنة، وأهم العائلات التي تنتمي إلى هذه الجماعة: القلاف، الخياط، مكي جمعة، وحجي حامد. وقد سبق التعريف بهم في العدد الخامس و العشرون من الراصد .
ثالثا: الأصولية، وتنتشر هذه المدرسة بين شيعة العراق وإيران ولبنان. وهذا وهم من المؤلف حيث أن الأصولية هي التيار العام للشيعة الإثني عشرية مقابل الإخبارية .(30/30)
رابعاً: الخوئية، وهم بقية شيعة الكويت من أصول إيرانية، من المقلدين للمرجع الشيعي أبي الحسن الخوئي الذي كان يعيش في النجف. والحقيقة أنهم من التيار الأصولي ، و قد فات المؤلف الإشارة لتيار مرجعية الشيرازي وهم المنافسون للخوئية .
وتعد مساجد زين العابدين، ومقامس، ونقي مراكز تجمع لهذه الجماعة، وأهم العائلات التي تنتمي إليها: الموسوي، قبازرد، دشتي، أشكناني، بهمن، بهبهاني، ومعرفي.
وفيما يتعلق بتوزيع السكان، فقد كان الشيعة فيما سبق يميلون إلى السكن في مناطق وأحياء خاصة بهم، مثل الشرق، وبنيد القار، أما بعد ظهور النفط، وبعد حركة الاستملاكات التي قامت بها الحكومة والناتجة عن العوائد النفطية الكبيرة، انتقلت أغلبية الشيعة إلى مناطق جديدة مثل: القادسية، المنصورية، الدعية، الدسمة، الرميثية، السالمية، حولي، والجابرية. وقد تجاوز عدد المساجد الشيعية 28 مسجداً وأكثر من 60 حسينية.
الوضع السياسي للشيعة في مرحلة ما قبل الاستقلال
وهنا يعيدنا المؤلف إلى 1921، وهو العام الذي اعتبره نقطة البداية للمشاركة السياسية في الكويت، حيث شهدت تلك الفترة تأسيس أول مجلس استشاري.
وبالرغم من أن ميثاق المجلس كان ينص على وجود ممثلين اثنين لذوي الأصول الإيرانية، إلاً أنه لم يتم اختيار أحد منهم، ويرجح المديرس "أن السبب من وراء استبعاد الشيعة يعود إلى عدم الرضى، والسخط من الجانب السني على الموقف الذي اتخذه الكويتيون من أصول إيرانية والذي تمثل في امتناعهم عن المشاركة في معركة الجهراء في عام 1920 بين الكويت وابن سعود، حيث ذهبت مجموعة منهم إلى المقيم السياسي البريطاني، وعبروا له عن عدم استعدادهم للمشاركة في هذه الحرب على أساس أنهم ليسوا مواطنين كويتيين، بل إيرانيون".(30/31)
وفي سنة 1938، رفع الشيعة صوتهم مطالبين بأن يكون لهم تمثيل في المجلس التشريعي، والمجلس البلدي، وفتح مدرسة ومحكمة خاصة بهم.. لكن المجلس التشريعي رفض هذه المطالب "وعلى إثر ذلك تقدم عدد كبير من الشيعة المنحدرين من أصول إيرانية، إلى المقيم السياسي البريطاني في الكويت بطلب منحهم الجنسية الإنجليزية والذي اعتبره المجلس التشريعي تحدياً لهيبة المجلس مما أدى إلى أن يصدر المجلس التشريعي قراراً بإبعاد كل كويتي يتجنس بجنسية أجنبية وأن يغادر الكويت خلال شهرين مع حرمانه من كافة حقوقه".
بعد ذلك اتجه الشيعة للتحالف مع الأسرة الحاكمة والإنجليز والمحافظين من كبار العائلات السنيّة للإطاحة بالمجلس التشريعي، بعدها تم افتتاح مدرسة إيرانية جلبت مناهجها الدراسية من إيران.
الوضع السياسي للشيعة في الكويت المعاصرة
في عام 1973، ظهر أول وجود علني للتنظيم الديني الشيعي في الكويت، مستفيدا من الانفراج الذي انتهجه حاكمها آنذاك الشيخ عبد الله السالم، وقد شهدت فترة ما بعد الاستقلال سنة 1961 ظهور الجماعات الشيعية المنظمة، ومنها:
1ـ جمعية الثقافة الاجتماعية، وهي هيئة شبه سياسية، اتخذها الشيعة واجهة اجتماعية ودينية، وقد بلغ عدد المنتسبين إليها 900 عضو عامل حتى عام 1985، وعن أنشطتها وأعمالها يقول المؤلف: "منذ تأسيس جمعية الثقافة الاجتماعية في أوائل الستينات اقتصر نشاطها على المطالبة بإنشاء مزيد من المساجد الشيعية والحسينيات، ولم يشارك أعضاء الجمعية بأي نشاط سياسي محلي، كما لم يشاركوا في الإمضاء على أي بيان سياسي يتعلق بالأوضاع المحلية والقومية، وكان موقفهم موقف المتفرج".(30/32)
2ـ جماعة الشيرازي، التي تنتسب إلى المرجع الشيعي محمد الشيرازي الذي بدأ ينشط في السبعينات بعد أن أبعد عن العراق إلى الكويت، ويعتبر الشيرازي الأب الروحي لمنظمة العمل الإسلامي في العراق، وكثير من مقلديه كانوا من مؤسسي جمعية الثقافة الاجتماعية الذين خرجوا من الجمعية بعد الثورة الإيرانية سنة 1979.
ومركز الاستقطاب لهذه الجماعة يتمثل في مسجد الشيرازي في منطقة بنيد القار، وحسينية الرسول الأعظم في منطقة الدّعية. وقد استخدمت جماعة الشيرازي أسلوب الأنشطة الثقافية والدينية في جذب الشباب الشيعي إلى صفوفهم، لكن الجماعة لم تستطع السيطرة على الشيعة في الكويت بسبب الخلافات بينها وبين جمعية الثقافة، وتشتت الشيعة في مناطق مختلفة بسبب التوسع العمراني، والهجوم الذي ووجه به الشيرازي من قبل المرجع الأعلى للشيعة آنذاك الخوئي، واعتباره غير أهل للمرجعية ولا الاجتهاد، وتكللت الأسباب بإبعاد الشيرازي من الكويت في بداية الثمانينات.
التواجد السياسي (1962ـ 1975)
في 30/12/1961 تكوّن أول مجلس تأسيسي، وكانت مهمته الأساسية وضع دستور للبلاد، المعروف بدستور 1962، وقد كفل قانون الانتخاب حق التصويت والترشيح لكافة الكويتيين بغض النظر عن الانتماء الطائفي، وقد مثل الشيعة في هذا المجلس نائبان.
و "لم تكن الكتلة البرلمانية الشيعية تمثل تكتلاً سياسياً متميزاً، كما لم تكن جزءاً من المعارضة السياسية داخل البرلمان، بل كانت جزءا أساسياً من المجموعة الموالية للسلطة السياسية.. ولم تتخذ الكتلة البرلمانية الشيعية موقفاً واضحاً من تزوير انتخابات مجلس الأمة الثاني عام 1967، حيث شاركت في أعمال هذا المجلس المزور".(30/33)
ويلفت المؤلف الانتباه إلى أن مواقف وأفكار حركة القوميين العرب، التي كانت تتزعم المعارضة في الكويت آنذاك، تجاه الهجرة الإيرانية المتزايدة والمقلقة ساهمت في اصطفاف الشيعة في صف السلطة، إضافة إلى أن بعض الشيعة في جمعية الثقافة نجحوا في تخويف الشيعة من هذه الأفكار، موهمين إياهم أنها تستهدف جميع الكويتيين الشيعة، وليس فقط المهاجرين غير القانونيين الذين يأتون من إيران بتنظيم من حكومة الشاه، كما شجعت جمعية الثقافة أنصارها من أصول عربية للسكن في مناطق يغلب عليها الطابع الطائفي، كما كان للجمعية دور في الترويج بأن الشاه هو حامي الشيعة في الكويت.
الثورة الإيرانية وتأثيرها على شيعة الكويت
مع نجاح ثورة الخميني سنة 1979، بدأت تسود أوساط الشيعة في العالم العربي روح ثورية معادية للدول والأنظمة... ولم تكن الساحة الكويتية بعيدة عن هذه الموجة الثورية، وانقسم الشيعة إلى تيارين:
الأول: محافظ، تمثله الطبقة الأرستقراطية من التجار والمرتبطين مع السلطة من خلال المصالح، وهدف هذا التيار إلى تحسين وضع الشيعة الديني والاجتماعي.
الآخر: ثوري تشكل من الشباب، خاصة المنتمين إلى الطبقة الوسطى، وطمح هذا التيار إلى الإطاحة بالنظام الحاكم واستبداله بنظام على غرار إيران.
وحقق هذا التيار انتصاره الأول المتمثل بالإطاحة بالتيار المحافظ الذي سيطر على جمعية الثقافة الاجتماعية، وقد توجه وفد منها إلى إيران بعد الثورة برئاسة عباس المهري لتهنئة الخميني والقيادة الإيرانية بانتصار الثورة، وقد ضم الوفد الشيعي بعض الصحفيين المنتمين إلى أهل السنة.
حركة مسجد شعبان(30/34)
يشير المؤلف هنا إلى أحد المساجد الشيعية الشهيرة في الكويت، وهو "مسجد شعبان" الذي يقع داخل مدينة الكويت في حي الشرق، الذي يعد تاريخيا موطن تركز الشيعة في الكويت، ويقول: "واتصفت حركة مسجد شعبان في بداية تحركها بطابع طائفي سواء بنسبة الحضور الذي اقتصر على بعض المجاميع الشيعية في الكويت أو بنسبة الموضوعات التي طرحت في هذه الاجتماعات مثل المطالبة بفتح مزيد من المساجد والحسينيات وإعطاء حريات أكثر..".
لكن المثير للانتباه هو تحول هذا المسجد فيما بعد إلى منبر لليساريين والقوميين من أعضاء "حركة القوميين العرب" ـ فرع الكويت، وقد عزا المؤلف ذلك إلى أن التيار القومي قد أخذ في التحول تدريجياً بالنسبة لموقفه من الكويتيين من أصول إيرانية في عام 1970، متأثرة بالأفكار الماركسية اللينينية التي بدأت تغزو تنظيمات الحركة بعد هزيمة 1967...، الأمر الذي أدى إلى شيء من التقارب بين الطرفين. وكان أحمد الخطيب، وهو من رموز اليسار الكويتي، أحد الذين يلقون الخطابات ويحاضرون في هذا المسجد!
التحول نحو العنف
وقفت الكويت إلى جانب العراق في حربه مع إيران في حرب الخليج الأولى الأمر الذي أدى إلى سخط الشيعة الكويتيين لأنهم يعتبرون إيران حامية الشيعة، وقد استغل النظام الإيراني مشاعر الشيعة في المنطقة، والكويت خصوصاً لتنفيذ مخطط تصدير الثورة، وعمل على "تنظم تجنيد عدد من الشيعة الكويتيين في تنظيمات إرهابية كان هدفها الأساسي زعزعة الاستقرار السياسي في الكويت ردّاً على مساعدات الكويت للعراق".(30/35)
"وشهدت الساحة الكويتية من عام 1980 حتى عام 1988 موجات من أعمال العنف السياسي تمثلت في انتشار العمليات الإرهابية وتوزيع المنشورات التي تحرض على القضاء على النظام السياسي في الكويت، وإقامة جمهورية إسلامية على النمط الإيراني، ومحاولة اغتيال الأمير في عام 1985، وارتبطت أسماء بعض الشيعة الكويتيين بالتفجيرات التي حدثت في عام 1986، وتفجيرات يناير، ومايو، ويوليو عام 1987، والاضطرابات السياسية التي شهدتها منطقة مشرف في 30/1/1987...".
وكان وراء هذه العمليات الإرهابية عدة منظمات شيعية مؤيدة للنظام الإيراني مثل "طلائع تغيير النظام للجمهورية الكويتية" و "صوت الشعب الكويتي الحر" و "منظمة الجهاد الإسلامي" و "قوات المنظمة الثورية للرسول محمد في الكويت".
ويعتقد أن هذه المنظمات وهمية، وأن مجمل الحوادث كان وراءها "حزب الله ـ الكويت".
حزب الله ـ الكويت
وتأسس هذا الحزب بعد الثورة الإيرانية على يد مجموعة من الشيعة الكويتيين الذين تلقوا دراستهم في حوزة قم، والمرتبطين بالحرس الثوري الإيراني، وقد أنشأ الحزب "المركز الكويتي للإعلام الإسلامي" الذي كان يصدر مجلة النصر.
وقد تلقى (حزب الله ـ الكويت) ضربات موجعة على أيدي جهاز الأمن الكويتي الذي قام أيضا بحل مجلس إدارة "جمعية الثقافة الاجتماعية".
وعلى صعيد تعامل إيران مع هذا الحزب، يؤكد المؤلف أنه بعد وفاة الخميني سنة 1989، وتسلم هاشمي رفسنجاني رئاسة الدولة، أخذ هذا الأخير يتقارب مع دول الخليج على حساب دعم الحزب، فقام بإبعاد أعضائه من إيران، وإغلاق مركزهم ومجلتهم التي صارت تصدر من بيروت ثم لندن.
الشيعة والتجربة البرلمانية
تحت هذا العنوان يستعرض المؤلف تجربة الشيعة تحت قبة البرلمان بدءاً من عام 1963، وهو العام الذي شهد أول انتخابات لاختيار أعضاء مجلس الأمة.
الوضع السياسي للشيعة بعد التحرير(30/36)
وهنا يشير المؤلف إلى التقارب بين الشيعة والسلطة الناتج عن احتلال العراق للكويت سنة 1990، حيث بدا الشيعة المعادون لصدام وكأنهم أصحاب المواقف الصائبة، وبدت إيران بمظهر الضحية من جرائم صدام.
وقد شكل الشيعة تجمع سياسي لهم تحت اسم "الائتلاف الإسلامي الوطني " نجح اثنين من مرشحيه في انتخابات 1992م واثنين من المدعومين منه وذلك على حساب خسارة نواب الشيعة المحسوبين على الحكومة . لكنه سرعان ما جمد نشاطه نتيجة الخلافات الداخلية .
قالوا العدد 30
أبشر بطول سلامة!
قالوا: :تصريحات نجاد تذكرنا بتصريحات إيران عن سلمان رشدي، وكما قال جرير: "زعم الفرزدق أن سيقتل مربعاً...".
د. أحمد نوفل
السبيل 20/12/2005
قلنا: ...أبشر بطول سلامة يا مربع.
مدّعي نبوة جديد
قالوا: "فوجئ مركز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في محافظة الدرب في جيزان... برجل سعودي في الأربعينات من عمره يبلغ المسؤولين بالمركز بأنه نبي مرسل جاء ليبلغ رسالة سماوية أنزلها عليه الوحي".
وكالة الأنباء الألمانية
20/12/2005
قلنا: عافانا الله من هؤلاء الكذابين، الذين بدأوا يتكاثرون.
حزب الله وأمل.. الولاء لمن؟
قالوا: "إذا كان حزب الله وحركة أمل يرفضان الوصاية الأجنبية، فليعلنا من الآن رفضهما لوصاية إيران وسوريا، وهي وصاية أجنبية، وليعودا إلى التغريد في سرب الشعب اللبناني إذا كانا يحسبان أنهما جزء لا يتجزأ من هذا الشعب".
السياسة الكويتية
18/12/2005
قلنا: لكنّ الطبع يغلب التطبع، وآخر ما يفكر فيه حزب الله وأمل هو مصلحة لبنان لأن إيران وسوريا أولاً.
فضيحة تعذيب جديدة في العراق
قالوا: "في الأيام الأخيرة اكتشفت القوات الأمريكية والعراقية سجوناً في العراق كان معظم المعتقلين فيها من العرب السنة، وقد تعرض بعض منهم للضرب والتعذيب على ما يبدو".
الرئيس الأمريكي جورج بوش
وكالات الأنباء 12/12/2005(30/37)
قلنا: وما خفي كان أعظم، وفي كل يوم يكتشف في العراق معتقل جديد لتعذيب أهل السنة على يد الشيعة.
خامنئي نسي المقاومة في العراق!
قالوا: "السبيل الوحيد لضمان تحرير فلسطين ومستقبل شعبها هو مواصلة المقاومة".
المرشد الإيراني علي خامنئي
وكالة الصحافة الفرنسية 13/12/2005
قلنا: إذا كان خامنئي حريصاً على نهج المقاومة، فلماذا لا يوعز إلى أتباعه وعملائه في العراق من العراقيين والإيرانيين، وهم كثر، لمقاومة "الشيطان الأكبر"، الذي يحتل العراق على مرأى ومسمع من إيران؟
الأحباش و ذوبان الثلج ؟
قالوا: اتهم ماهر الأسد صهره آصف شوكت بمنحه 50 ألف دولار لجماعة الأحباش وغيرها .
الوطن العربي 23/12/2005
قلنا: يبدو أن موسم ذوبان الثلج وظهور ما تحته بدأ مبكراً ، وسيكون عاصفاً بحقيقة الأحباش وغيرهم من العملاء .
بئس الخلف لبئس السلف!
قالوا: "منذ خروج القوات والمخابرات السورية من لبنان، تم إنشاء جهاز مخابرات مشترك يضم شبكة المخابرات التي كانت تابعة للواء جميل السيد، وعناصر مخابرات من حراس الثورة الإيرانية، وعناصر أمن حزب الله".
الوطن العربي 9/12/2005
قلنا: بئس خلف لبئس سلف. فرح اللبنانيون بانسحاب جنود النظام السوري من لبنان، ليأتي إليهم الحرس الثوري وحزب الله.
الشيعة والانفصال!
قالوا: "قد تكون مجموعة من الشيعة لا أعرفها تطرح مشروعاً انتحاريا للشيعة. أما الشيعة عموماً في البلاد العربية فهم لا يجدون مجالاً لحياتهم وحيويتهم إلاّ في الاندماج في أوطانهم..".
رجل الدين اللبناني الشيعي
هاني فحص
صحيفة القاهرة 29/11/2005
قلنا: أي اندماج يتحدث عنه فحص؟! لقد طالب شيعة العراق بانفصال محافظات الجنوب لتتواصل مع إيران الشيعية، وسعوا في الكويت والبحرين إلى قلب الأنظمة الحاكمة، وفي لبنان يضع حزب الله مصير لبنان في سلة إيران وسوريا، وكل اندماج وأنتم بخير.
حزب الله: سوريا أولاً(30/38)
قالوا: "السيد حسن (نصر الله) يقول إن المهم مصلحة لبنان، هو لا يريد أن يصبح لبنان معبراً لتغيير النظام في سورية، ويضيف: "لا نريد أن يزج لبنان في معركة هو غير معني بها ومش قدها".
جهاد الخازن
الحياة 6/12/2005
قلنا: ولماذا لم يعترض حسن نصر الله على تدخل سوريا في شؤون لبنان، بل احتلال لبنان وإذلاله، والتدخل في أدق التفاصيل. ولماذا لم يعترض عندما كانت سوريا تستعمل لبنان ساحة ومعبراً للتخريب وتصفية الحسابات؟
أدونيس ينتصر للصوفية
قالوا: "التصوف أعمق ثورة فكرية في تاريخ الإسلام".
الشاعر أدونيس
رويترز 29/11/ 2005
قلنا: لا غرابة أن يعتبر الشاعر الملحد أدونيس التصوف أعمق ثورة فكرية، فالتصوف جاء بالنظريات الإلحادية كوحدة الوجود، والحلول والاتحاد، ونشر الخرافة والزندقة في الأمة، وهو الأمر الذي يُفرح أدونيس وأمثاله من الملحدين والمنحرفين.
هل سنعود لعصر أحمد سعيد؟
قالوا: "تصريحات نجاد شجاعة وصادقة وتعبر عمّا تقوله الأمة الإسلامية وخصوصاً الفلسطينيين".
خالد مشعل
الغد 20/12/2005
قلنا: لماذا ينبهر قائد سياسي مثل خالد مشعل بتصريحات لمسؤول إيراني طالما أطلقت إيران مثلها، ولم نَرَ تطبيقاً. مما يعيدنا لزمن إذاعة صوت العرب أيام جمال عبد الناصر.
القبانجي على خط الطائفية
قالوا: "الشيعة هم الأغلبية في العراق، ولذا يجب أن يشغلوا معظم المناصب القيادية في الوزارات وفي كل مكان".
صدر الدين القبانجي
القيادي الشيعي في الائتلاف
رويترز 2/12/ 2005
قلنا: لن نحتاج لكثير جهد لنتبين المنطق الذي يتحدث به الشيعة، والمنهج الذي يظهرونه: إنهم لا يريدون أحداً غيرهم، ولا يعترفون إلاّ بمن كان على مذهبهم، وعلى العراق السلام.
صوفية وطرب وإباحية(30/39)
قالوا: "أحيت المغنية اللبنانية جاهدة وهبة أمس الأول على مسرح حصن الفليج بمسقط حفلاً غنائياً تحت عنوان "صوفيات" وغنت قصائد لمشاهير الشعراء مثل الحلاّج ورابعة العدوية وابن عربي وابن الفارض وأبي فراس الحمداني وابن زريق البغدادي وطاغور وأدونيس...".
وكالة الأنباء الألمانية
29/11/2005
قلنا: لن يجد المطربون شيئاً يتغنون به أفضل من إلحاد الحلاج وابن عربي، فالطيور على أشكالها تقع.
دفاع إسرائيلي مستميت عن الأسد
قالوا: "كشفت تقارير صحافية أن خلافاً نشب بين إسرائيل والولايات المتحدة بشأن مستقبل سورية في حالة سقوط نظام الرئيس بشار الأسد في دمشق. وأفادت صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية... أن الجانب الإسرائيلي قدم ثلاثة سيناريوهات محتملة في حالة سقوط النظام السوري وجميعها تشكل خطراً على استقرار المنطقة".
وكالة الأنباء الألمانية
4/12/2005
قلنا: أمر غريب، في الوقت الذي تبذل الولايات المتحدة كل جهودها لإدانة نظام الأسد وعزله وتغييره، تتشبث إسرائيل بهذا النظام وتطالب ببقائه.
نعم لن تجد إسرائيل أفضل من الأسد لضبط الحدود اللبنانية، وكبح جماح الفصائل الفلسطينية.
رؤوس الأموال تهرب من إيران
قالوا: "حذر تقرير غربي من ثورة اجتماعية في إيران تفجرها الأزمة الاقتصادية الحالية التي قادت إلى هروب لرؤوس الأموال. وتشير آخر التقارير إلى أن 13 مليار دولار خرجت من إيران في الأشهر الثلاثة الأخيرة".
الوطن العربي 9/12/2005
قلنا: ما مبرر أن يعيش بلد نفطي كبير مثل إيران أزمة اقتصادية، خاصة وأن أسعار النفط تشهد ارتفاعاً كبيراً، الأمر الذي يوجب أن تتوجه الإيرادات إلى مساعدة الفقراء الذين يتزايد عددهم في إيران.
يبدو أن الإيرادات اختارت أن تذهب إلى جيوب الآيات والمسؤولين بدلاً من الفقراء والمهمشين.
الشيعة يوترون الأوضاع في البحرين(30/40)
قالوا: "أعلن مسؤول أمني بحريني أمس أن سيارتين للشرطة أحرقتا بعد تعرضهما للرشق بزجاجات مولوتوف مساء الأربعاء... وكانت قوات الأمن فرّقت الثلاثاء تظاهرة صغيرة دعت إليها لجنة العاطلين عن العمل التي يقودها ناشطون شيعة".
وكالة الصحافة الفرنسية
1/12/2005
قلنا: لا يفتأ الشيعة في البحرين يتذرعون بتوافه الأمور لتوتير الوضع الأمني في بلادهم. وإعادتها إلى أجواء التسعينيات.
إيران وحسن الجوار
قالوا: "على العراق ألاّ يتناسى التعويضات التي يجب تقديمها لإيران بسبب الحرب".
الرئيس الإيراني السابق
هاشمي رفسنجاني
وكالات الأنباء 16/12/2005
قلنا: يستطيع رفسنجاني بكل ثقة أن يطالب العراق بالتعويض عن حرب الخليج الأولى، ما دام عميل إيران عبد العزيز الحكيم وأمثاله يتربعون على عرش السلطة في العراق، فعندما كان الحكيم رئيساً لمجلس الحكم في العراق قال بأن إيران تستحق تعويضاً قدره 100 مليار دولار!
لماذا تطالب إيران تعويضاً عن الحرب التي رفضت هي إيقافها طيلة 8 سنوات، ولم يقبل الخميني وقف إطلاق النار إلاّ بعد بروز التفوق العراقي، وقال بأنه تجرع السم عندما وافق على وقف الحرب.
الدروز بين الجنبلاطيين واليزبكيين
قالوا: "... حلف ثلاثي بين شيخ عقل الطائفة الدرزية الشيخ بهجت غيث، المهدّد في منصبه والنائبين السابقين طلال أرسلان وفيصل الداود اللذين يمثلان التيار اليزبكي في الدروز، وهو تيار سياسي تقليدي وقف عبر التاريخ في مواجهة التيار الجنبلاطي".
سعد إلياس
القدس العربي 5/12/2005
قلنا: "تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى".
الانفصال على قدم وساق
قالوا: "عقد قادة الأجهزة الأمنية في المحافظات الشيعية التسع في العراق اجتماعاً للتنسيق بينها ووضع خطة أمنية مشتركة لمكافحة الإرهاب يشكل أول خطوة نحو إنشاء فيدرالية في الجنوب.(30/41)
وعبر نائب محافظ النجف عبد الحسين عبطان عن أمله في أن يكون هذا الاجتماع بذرة في طريق الفدرالية الأمنية، ويمهد إلى مؤتمرات سياسية واقتصادية واجتماعية وصولاً إلى فدرالية الجنوب بالكامل".
وكالة الصحافة الفرنسية
9/12/ 2005
قلنا: وما تخفي صدورهم أكبر. الشيعة في العراق ماضون في مشروعهم الانفصالي عن وطنهم، بل وعن أمتهم، لاسيما وأن نائب محافظ النجف، عندما سئل عن سبب اختيار النجف مكاناً للاجتماع قال: إنها عاصمة الإسلام!
إيران وفرحتها بالعراق
قالوا: "تتابع إيران الشيعية بترقب وتكتم الانتخابات التشريعية العراقية.. على أمل أن تحقق الأحزاب الشيعية المهيمنة على الجمعية الوطنية منذ كانون الثاني فوزاً جديداً".
وكالة الصحافة الفرنسية
14/12/2005
قلنا: ومن سيكون سعيداً بهذا النصر المزيف سوى إيران التي يسيطر أتباعها وعملاؤها على العراق.
لماذا لا تجري انتخابات بغداد بطهران؟؟
قالوا : " تحدثت الأنباء عن ضبط شاحنة من بين ثلاثة قادمة من إيران محملة بأوراق الاقتراع قبل يومين من إجراء الانتخابات " .
الراية القطرية
21/12/2005
قلنا : مادام أن الفقيه موافق فلا بأس بالتزوير !! لماذا لم يشارك سكان طهران في الانتخابات ، فلا نرسل شاحنات ؟؟
جولة الصحافة
إيران المتفجرة عرقياً!
"الوطن العربي" 25/11/2005(30/42)
لا يزال النقاش في واشنطن حاميا حول ما سيحل بإيران القابلة للانفجار والتفتت إلى عشر دول على الأقل.. ولهذا نرى بعض المحاولات لفهم هذه التطلعات الإثنية لكل مكونات المجتمع الإيراني.. فبعد خمس سنوات من انتخاب الرئيس بوش ما زالت إدارته تفتقد لسياسة واضحة حيال إيران، على الرغم من أن الخارجية الأميركية تصنف إيران بأنها الدولة الرئيسية التي ترعى الإرهاب الدولي في العالم. ومؤخرا تركز النقاش في واشنطن كليا حول برنامج إيران النووي. وحلل البعض معنى نتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية. لكن نادرا ما تطرح الأسئلة السياسية الأساسية بما فيها ما ستواجهه أية حكومة إيرانية مستقبلية.
ومن الأمور المهمة أن إيران تتكون من مجموعات إثنية "عرقية" دينية متعددة. والقليل يدرك أن الفرس في إيران لا يشكلون الأغلبية بل يمكن القول أنهم أقلية بين سكان إيران، والأغلبية في إيران هم من الأذربيجانيين والأكراد والبلوش والتركمان والعرب في خوزستان أو الأهواز. وفي حال سقوط النظام الحالي فإن هذه المجموعات ستلعب بلا شك دورا مهما في مستقبل إيران، وهي الآن تعاني من اضطهاد (النظام) السابق في ظل حكم الملالي الحالي.
ووفقا لتقرير وكالة الاستخبارات الأميركية "سي آي إيه" المنشور عن إيران فإن 51 بالمائة من شعبها فرس بينما 49 بالمائة مجموعات إثنية. وقد حصلت "الوطن العربي" على وثيقة رسمية أميركية وضعتها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية جاء فيها المعلومات التالية:
المكونات الإثنية لإيران:
عدد السكان 69 مليون نسمة يعيشون في 28 مقاطعة.. وينقسمون إلى:
ـ 51 بالمائة فرس.
ـ 24 بالمائة أذريون "معظمهم يعيشون في مقاطعتي أذربيجان الغربية والشرقية".
ـ 8 بالمائة جيلاكي ومازاندارني.
ـ 7 بالمائة أكراد.
ـ 3 بالمائة عرب.
ـ 2 بالمائة لور.
ـ 2 بالمائة بلوش.
ـ 2 بالمائة تركمان.
ـ1 بالمائة آخرون.
الأديان:(30/43)
ـ 89 بالمائة مسلمون شيعة ( وهذا الرقم غير دقيق - الراصد).
ـ 9 بالمائة مسلمون سنة ( وهذا الرقم غير دقيق ، التقديرات المحايدة 20-30%- الراصد).
ـ 2 بالمائة زرادشتيين ويهود مسيحيون وبهائيون.
اللغات:
ـ الفارسية.. ويتحدث بها 58 بالمائة من السكان.
ـ التركية 26 بالمائة من السكان.
ـ الكردية 9 بالمائة.
ـ لور 2 بالمائة.
ـ بلوشي 1 بالمائة "يعيشون في مقاطعة بلوشستان".
لغات أخرى 3 بالمائة.
المؤتمر اليميني
وقد عقد مايكل ليدين، المعروف بتورطه في فضيحة "إيران غيت" والذي ما زال يتهم بحياكة مؤامرات في إيران، مؤتمرا في واشنطن ضم فيه خليطاً من هذه المجموعات العرقية في إيران. وعقد المؤتمر في "الأميركان انتربرايز انستيتيوت" التي تعتبر معقل المحافظين الجدد. وحدد ليدين هدف المؤتمر لإثبات أن الشعوب الإيرانية متنوعة وليست أحادية أو متجانسة. ويقول ليدين: إن النظام الإيراني الذي يخشى من غضب الشعوب الإيرانية يحاول باستمرار دفعهم إلى الانقسام والخلاف عبر تضخيم الفروقات الإثنية فيما بينهم...
كردستان إيران: الشيطان الأصغر!!
وتحدث مرتضى اصفنديارى ممثل الحزب الديمقراطي لكردستان إيران قائلا: إن الحزب الديمقراطي لكردستان إيران يهدف إلى تحقيق السلام عبر الوسائل غير العنيفة. فالمبادئ التي تأسس عليها الحزب تتمسك بإعلان حقوق الإنسان للأمم المتحدة الذي يصر على حق تقرير المصير. وهذه الحقوق تشتمل على فصل الدين عن الدولة وإزالة التمييز وفقا للجنس وحرية التعبير والتجمع وحرية تشكيل المنظمات الاجتماعية والسياسية وحل النزاعات الدولية والإقليمية بالطرق السلمية ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل ووقف دعم الإرهاب. ويأمل الحزب الكردي قيام حكومة فيدرالية في إيران بين الإثنيات المتواجدة في إيران في ظل إيران الموحدة...(30/44)
وأضاف: إن إيران لديها سكان متنوعون ومجمع تقاليد وثقافات ومع ذلك فإن النظام الإيراني أهمل أن يعترف بهذه الفروقات. وبعد الثورة الإيرانية في العام 1979 فإن آية الله الخميني وصف الأكراد الإيرانيين بأنهم الشيطان الأصغر ودعا للجهاد ضدهم. وطبقت العديد من السياسات التمييزية ضد الأكراد الإيرانيين وما زالت هذه السياسات مستمرة.
وأكد اصفندياري تعرض الأكراد الإيرانيين للتهجير القسري والفقر لتفاقم البطالة بينهم وعدم وجود أي استثمارات في الزراعة لتطويرها.. بالإضافة إلى خروقات حقوق الإنسان الطاغية.. حيث يجبر الأطفال الأكراد على استخدام اللغة الفارسية وليس لديهم الحق للتحدث بلغتهم الأم في المدارس.. كما لم يقم النظام الإيراني بأي شئ لمجابهة التزايد في تعاطي المخدرات بين الشباب..
أذربيجان التركية
أما رحيم شاهبازى ممثل الجمعيات الأذربيجانية في أميركا الشمالية فقال: طوال ثمانين عاما مضت أخضعت الإثنيات في إيران للاندماج المنظم ضمن الثقافة الفارسية.. فقد أجبر الأذريون الأتراك في إيران على التحدث باللغة الفارسية في المدارس وإلا عوقبوا أو ضربوا لعدم تجاوبهم.. وفي العشرين سنة الماضية قام النظام الإيراني بحملات تطهير عرقي على الرغم من إعلان الرئيس السابق محمد خاتمي أمام الأمم المتحدة عن الدعوة للحوار بين الحضارات. وعلى الرغم أن آية الله خامنئي هو آذربيجاني تركي..
وأوضح شاهبازى أن الآذريين الأتراك في مدينة تبريز يتعايشون بسلام مع الإثنيات الإيرانية والمجموعات الدينية. وهذه الأقليات تشتمل على الأكراد والمسيحيين والمسلمين السنة واليهود. ولقد خاب أمل الآذريين الأتراك من النظام الإيراني والحملات الإعلامية واتجهوا نحو البث التلفزيوني التركي الفضائي ليشاهدوا الحكومة الحديثة في تركيا.. ومع ذلك يبقى فقدان التواصل بين المعارضة في الخارج والمجموعات الإثنية في الداخل التي تناضل لأجل تحرير إيران..(30/45)
وعلى الرغم من فرض الثقافة واللغة الفارسية على الآذربيجانيين الأتراك فإنهم ليسوا ضد الفرس وكذلك معظم المجموعات العرقية بل هم يعارضون السياسات الشوفينية التي طبقتها ضدهم الحكومات المتعاقبة على مدى الـ 80 عاما الماضية.
وأضاف ممثل الجمعيات الأذربيجانية أن النظام الفيدرالي للحكومة هو الطريق الوحيد الذي تنال فيه كل المجموعات في إيران موقعا متساويا. مشيراً إلى بقاء عقبتين تمنعان تحقيق ثمار الفيدرالية في إيران وهما: الحكومة المركزية الحالية، ومجموعات المعارضة الإيرانية في الخارج الذي أهملوا رفع صوتهم ضد المظالم والقمع الذي يمارس ضد الأقليات الإثنية في إيران. وقد أثبت جيران إيران مثل العراق وأفغانستان أن الفيدرالية تسمح بإتاحة الفرص المتساوية والحرية لكل الناس على الرغم من خلافاتهم الإثنية أو الدينية...
وهوجم شاهبازى عندما اتهم المعارضين الإيرانيين في الولايات المتحدة بالشوفينية الفارسية وأن كل التلفزيونات الإيرانية المنتشرة في الولايات المتحدة والتي تبث إلى إيران متمسكة بفارسيتها ومعارضتها للاعتراف بالإثنيات التي هي غالبية الشعب في إيران..
عرب إيران
أما علي الطائى من جامعة شو فيقول ممثلاً عن العرب: إن حقوق الإنسان الفردية الإثنية لم يعترف بها النظام الإيراني وهذا الذي منع قيام الأمة. إنها مشكلة اجتماعية وليست مشكلة أراض فلا يشكك أحد في وحدة التراب الإيراني وسلامته. ومع ذلك فإن الدولة في إيران يسيطر عليها مجموعة عرقية واحدة وهم الفرس.. وحكمت إيران دائما من قبل إمبراطورية.
فمنذ 1925 فرضت الدولة مفهوم الأمة على المجتمع السياسي ولكن بالتأكيد فإن ذلك لم يغير التنوع التاريخي الذي تتشكل منه إيران من أمم وشعوب. وبروز الثورة الإسلامية وقيام الجمهورية الإسلامية في إيران نتج عنه تمييز عنصري ضد كل الإثنيات وخروق لحقوق الإنسان.(30/46)
وأكد الطائي أن عرب خوزستان ( الأحواز) كانوا في منطقتهم قبل أن يصل إليها الفرس. وتحالف العرب في هذه المنطقة مع الإمبراطورية الأخيمية الفارسية ما بين 539 و 333 قبل الميلاد. ورغم التغييرات السياسية العديدة فإن العرب ظلوا يخضعون لعملية تفريس ـ "أي جعلهم فرسا" ـ منظم وحرموا من حقوقهم الإثنية الجماعية. وعلى الرغم من التاريخ الطويل من الاضطهاد فإن عرب خوزستان أو الأحواز هم إيرانيون ولا يريدون الانفصال عن إيران ولكنهم يريدون العيش في إيران فيدرالي متسامح وتعددي الإثنيات.
لورستان
كما تحدثت في المؤتمر ماندا زاند ارفين والتي تمثل إثنية اللور في إيران وأصرت أنه على رغم التعدد الإثني للمجتمع الإيراني فإنها تؤكد على بقاء إيران موحدة كما كانت لـ 2500 عام لأن كل أفراد هذا المجتمع منحدرون من العرق الهندي الأوروبي.. وأشارت إلى أن شعب اللور في خورإمباد لورستان يقمع من قبل الحكومة الإيرانية الإسلامية.. وعلى الرغم من زيادة مدخولات النفط فإن البطالة والفقر ينتشران في إيران.. ولا يحصل العمال على أجورهم لشهور.
بلوشستان
وكذلك تحدث أمان خان ريقى ممثلا للبلوش في إيران قائلا: إن هدف منظمته فصل الدين عن الدولة وليس الانفصال عن إيران كما يشيع النظام الإيراني.
وقوطع خان أثناء كلامه عدة مرات عندما أصر على قضية الوحدة وعدم قبول الفيدرالية..
انقسامات:
وقد دارت نقاشات حادة بين الحاضرين الإيرانيين الذين يريدون إبقاء السيطرة الإيرانية الفارسية على كل الإثنيات المتواجدة في إيران. وانقسم الحضور إلى مؤيدين للملكية أو جمهورية لا إسلامية ولم يقف أي إيراني يؤيد حكومة الملالي رغم بعض المتظاهرين أمام مكان المؤتمر احتجاجا على عقده..
إيران تدير العراق عبر مليشيات بدر- وثيقة دامغة ضد وزير الداخلية
الملف نت 14/12/2005(30/47)
تتلقى مليشيات بدر الإيرانية الدّعم سيطرتْ على العديد مِنْ نشاطاتِ إستخباراتِ وزارةِ الداخلية العراقيةِ وإخترقتْ وحداتَ مغاويرها الخاصّةَ، طبقا إلى مسؤولون أمريكيون وعراقيون.
إن هذا الاختراق يُمَكّنُ المليشيات الشيعيةَ من إسْتِعْمال العرباتِ وأجهزةِ وزارةِ الداخلية - مُعظمها إشتريت بالمالِ الأمريكيِ - لتَنفيذ الهجمات الإنتقامية ضدّ السنّةَ.
البعض مِنْ المسئولون، الذين وافقَوا على كَلام فقط على شرطِ أن تكون أسماءهم سريّةِ لخوفهمِ من الأعمال الإنتقامية العَنيفةِ، قالَوا إن وزارةَ الداخلية كَانتْ قَدْ أَصْبَحتْ طابور خامسَ إيرانيَ داخل الحكومةِ العراقيةِ المدعومة من قبل الولايات المتحدةِ، وتديرُ فرقَ الموت وشبكة السجونِ السريةِ. تُهدّدُ نشاطاتُ المليشيات السرية بزَحْزَحَة الجُهودِ المدعومة من قبل الولايات المتحدةِ لإقْناع السُنّةِ لتَرْك التمرّدِ العَنيفِ والانضمام إلى الشيعة والأكراد في عمليةِ العراق السياسية الجديدة.
وبإسنادها بدر والمجموعات الشيعية الأخرى،فان إيران - "محور الشرِّ" الذي يَتبنّى الإرهابَ الدوليَ، يُعتقد بأنها كَانتَ تريدُ أسلحةَ نوويةَ وتدْعو إلى دمارِ إسرائيل - استعملت الإحتلالَ بقيادة الأمريكان لكَسْب النفوذ الكبير في العراق. يقول قائد الاحتلال الأمريكي في العراق جورج كايسي: "إن الإيرانيون يضخون ملايينَ الدولاراتِ إلى الجنوبِ للتَأثير على الإنتخاباتَ. . . والتستر من خلال منظماتهم الخيريةِ وأيضاً بدر والبعض مِنْ هذه الأحزاب السياسية، والكثير مِنْ رجالِهم (بدر) يَدْخلونَ الشرطةَ والجيشَ."(30/48)
وقالَ مسئولو الوزارةِ الحاليينِ والسابقينِ بان الجيشِ الأمريكيِ لم يتَدخّلَ في تسرّبِ عناصر بدر للوزارةِ، أمّا لأن المسؤولين الأمريكان لم يدركوا بالكامل للذي كَانَ سيَحْدثُ أَو لأنهم لَمْ يُريدوا المُخَاطَرَة بإعتِقال قادة هذه المليشيات الذين كَانَ عِنْدَهُمْ مواقعُ سياسيةُ قويَّةُ وعشراتُ آلاف الأتباعِ.وقد أنكرتْ وزارةُ الداخلية ومسئولو بدر أيّ تدخّل في السجونِ أَو فرقِ الموت، لكن الجنرالَ السامرائي رئيس سابق للقواتِ الخاصّةِ في وزارةِ الداخلية، قالَ السجونَ كَانتْ مُدارة من قبل بدر.كما إن كُلّ السجون في الجنوبِ وأغلب تلك التي في بغداد مُدارة من قبل مليشيات بدر، قالَ ذلك في مقابلةِ في عمَّان وأضاف بأنّه تَركَ البلادَ للمعالجةِ الطبيةِ وقرّر أَنْ لا يعُودَ بسبب تهديداتِ بالقتل وقد أنكر إتّهاماتَ وزارةِ الداخلية بأنه هَربَ إلى الأردن بعد أن سَرِقَ سيارة.
زعيم بدر، أنكرَ استمرار ارتباطاته بإيران، لكن في نوبة غضب أثناء مقابلة أخيرة مَع Ridder إعترفَ بارتباطه بينما هاجم السياسي الشيعيِ العلمانيِ المدعوم من قبل الولايات المتحدةِ أياد علاوي. ويقول ألعامري إن علاوي يتسلم أمولا من المخابرات الأمريكية، ولا احد يتحدث عن ذلك ، فلماذا يتحدثون عن تمولينا من إيران.واخذ يرفع صوته قائلا نعم نحن نتلقى أمولا من دول في الخليج وإيران ونحن لا نخفي هذا. وكانت بدر تشُكّلتَ وتُدرّبتَ في إيران بالتعاون مع الحكومة الإيرانية، ونظّمَ أعضائها بعض الهجماتَ على العراق أثناء الحربِ بين البلدان المتجاورين في الثمانيناتِ.
ويقول احد أعضاء الحزب الإسلامي، إن الأمريكان وبدر تلاقوا في المصالح، وتستعمل أمريكا مغاوير وزارة الداخلية كأدوات لمحاربة المقاومة السنية.وهم لا يختلفون من هدف القتل.(30/49)
المجموعات السنيّة، بضمن ذلك الحزبِ الإسلاميِ العراقيِ وهيئة العلماءِ الإسلاميةِ، واجهوا عدة مِئاتَ من الحالاتِ هذه السَنَةِ التي يأتيهم فيها رجالِ يَلْبسونَ أزياء وزارةِ الداخلية الرسمية خصوصا إلى الأحياء السنيّة ليلاً ويقبضون على الرجالَ الذين يقتلون لاحقا ويرمون في أماكن عدة.
في يوم الخميس الماضي أسفر هجوم على معسكر إعتقال قُرْب بنايةِ وزارةَ الداخلية وَجدَ فيه 13 رجلَ الذي على ما يبدو كَانواَ قَدْ عُذّبَوا وهم بحاجة إلى معالجةً طبيةً.كذلك في الشهر الماضي، تم العثور على 169 رجلا معظمهم من السنة، وكانوا قد عذبوا بالأحزمة الجلدية والقضبان الفولاذية ،وإجبارهم على الجلوس على غائظهم، وهذا المعتقل كانت تديره بدر، طبقا إلى مسئولين عراقي وأمريكي. وقد فاد مسؤول أخر من وزارة حقوق الإنسان رفض الإفصاح عن اسمه خوفا من القتل،إن المعتقلين كانا بيتا للتعذيب والعمليات السرية مدارة من قبل وحدت استخبارات وزارة الداخلية.وقال إنهم يراقبون السجون العراقية، لكن المشكلة إن هناك العديد من مراكز الاعتقال السرية ونحن لا نعرف عنها أي شيء.
مسؤول عسكري أمريكي كبير في بغداد، قبل الكَلام على شرطِ السريّةِ بسبب حسّاسيةِ الموضوعِ، إعترفَ بأنّ التعذيبَ في موقعِ الجادرية نُفّذَ مِن قِبل مجموعة خطرةِ من إستخباراتِ وزارةِ داخلية. وانه ليس من الواضح وجود هذا المعتقل( الجادرية) والمنظمة التي تديره في سجلات وزارة الداخلية(30/50)
بعد إنتخاباتِ العراق في يناير/كانون الثاني الماضي، المجلس الأعلى للثورةِ الإسلاميةِ في العراق وقوات بدر، نصبوا صولاغ كوزير داخلية، ورتبوا بحيث يستولون على الاستخبارات والمغاوير وزج عناصرهم فيها. حسب قول الأمريكان، ويضيف القائد الأمريكي، إن أي شخص يقول إن لديكم عناصر في الوزارة من بدر أقول نعم.لان اكبر الأحزاب في الحكومة هم جماعة الحكيم وجماعة الحكيم هم بدر، ونحن سنترك شان بدر والمليشيات الأخرى للحكومة لكي تتعامل معها.
يَقُولُ الزعماءُ السنّةُ الحكومةُ الواقعة تحت السيطرةُ الشيعيةُ لَنْ تُراقبَ جيوش شعبية شيعيةَ.
هناك أيضاً الإدعاءاتُ بان مليشيات المقاومة الشيعية المواليةُ إلى لرجلِ الدين الشيعيِ المتشدد مقتدى الصدر، الذي ايضا لديه دعمُ إيرانيُ، مسئولة عن البعض مِنْ حالاتِ القتل. لكن العديد مِنْ تفاصيلِ الحوادثِ، على أية حال، تشيرُ أكثرَ إلى بدر. على سبيل المثال، القتلة في أغلب الأحيان المُخْبَر عَنْهُم يستقلون سيارات تويوتا بيضاء ويَحْملونَ مسدّساتَ Glock. وهي تجهيزات موجودة في مقرِ بدر في بغداد، لكن لَيسَ مَع مقاتلي جيشِ الصدر المهدي ، الذين أغلب تجهيزاتهم فقيرة ويستقلون سيارات مستهلكة وشاحنات صغيرة.
وعندما سَألَ كايسي من كَانَ وراء اعتقال وقتل السُنّةِ، قالَ، "أنا لا أَعْرفُ بالضبط لكن الدلائل تشير إلى بدر هي التي تقوم بها وربما. (جيش المهدي) الذي يَفعل بعضها، لَكنِّي لَيْسَ لِي شَكُّ بأنهم الناسِ الذين يَرتبطونَ بتلك المجموعاتِ المعقّدة ."بالرغم من أن المليشيات غير شرعية ضمن القانونِ العراقيِ، إلا إن بدر تزداد قوة بينما ترفض القوات الأمريكية مُهَاجَمَتها. ويضيف كايسي هو لَيسَ تسرّباً إلى داخل المؤسسة العسكرية ولكن شيئا علنيا هم مليشيات وينضمون بمساعدة الآخرين، ويسببون أزمة كبيرة لأنهم يكونون موالين لقائد المليشيات وليس لقائد الشرطة.(30/51)
في وثيقةُ حَصلتْ عليها Ridder تكَشْف عن وجودِ فرقةِ موت في وزارةِ داخلية.
وهي مذكرة كَتبتْ مِن قِبل جنرالِ عراقيِ في غرفةِ عملياتِ الوزارةَ ومُعَنونة إلى مكتبِ الوزيرَ وهي: " قائمة أسماء المحجوزين." مدرجُ فيها أسماء 14 رجلَ الذين أُخِذوا من حيّ الإسكان السني في غرب بغداد، في وقت مبكّر صباحاً في 18أغسطس/آبِ. مؤشّرُ وقتَ حجزِهم أيضاً: الساعة 5:15 صباحاً.
جثث نفس ال14 رجلِ وُجِدت في بلدةِ بدرة قُرْب الحدودِ الإيرانيةِ في أوائل أكتوبر/تشرين الأول. طبيب في مشرحةِ بغداد الرئيسية التي فَحصتْ فيها الأجسامَ ووقّع إحدى شهاداتِ الوفاة، قالَ بأنّ أغلب الرجالِ كَانوا قَدْ قُتِلوا بالطلقات النارية الوحيدةِ إلى رؤوسِهم. وأَتذكّرُ عندما جَلبوا جثث المجموعةَ الكاملةَ،; كانت متحللة بشكل سيئ لذا لا نَستطيعُ أَنْ نُميّزَ أيّ علامات التعذيبِ. عليها.
الجنرال الذي وقّعَ مذكرةَ وزارةَ الداخلية، هو عبد الكريم خلف، أَكّدَ بأنه هو الذي وقعها. لكن على الرغم مِنْ إن عنوانها الذي يَقْرأُ "أسماء المحجوزين في منطقةِ الإسكان، "زَعم خلف بأنّ المتمرّدين، ولَيسَ شرطةَ وزارةِ داخلية، من إختطفَ الرجالَ. من غير الواضحُ، لماذا جنرال في وزارةِ الداخلية يُشيرُ إلى الرجالِ كَانواَ قَدْ إختطفواَ مِن قِبل المتمرّدين السنّةِ ك"محجوزون" في وثيقةِ حكوميةِ رسميةِ، أَو كيف عَرفَ الجنرالَ الوقتَ المضبوطَ للإختطافِ؟؟؟. وبعد الضَغطَ للمزيد من التفاصيل، قال الجنرال خلف: " إن الوزير منزعَجُ جداً. ويُريدُ معْرِفة كيف تسربت مثل هذه الوثيقةِ خارج الوزارةِ."
العقيد DiSalvo، آمر لواء قسمِ مشاة الجيشِ الأمريكيِ الثالثِ في شرق بغداد، حيث أنَّ هناك حضور ثقيلِ للمليشيات الشيعية، قالَ بأنّه سَيَكُونُ مستحيلَ تقريباً للجيشِ الأمريكيِ لهَزيمة المليشيات الشعبية.(30/52)
إنّ الحيَّ الأكبرَ في منطقةِ DiSalvo مِنْ العملياتِ مدينةُ الصدر، كَانتَ موقعَا للإشتباكاتِ العنيفةِ في السَنَة الماضية بين مقاومة الصدر الشعبيةِ والقوات الأمريكيةِ. "مدينة الصدر من المحتمل أكثر منطقة آمنةِ بسبب حضورِ المقاومة الشعبيةِ. . جيوش المهدي الشعبية تَعْملُ دورياتَ في حيِّهم،. "وأنت عِنْدَكَ دورياتُ بدر أيضاً حيث عِنْدَكَ جيوبُ المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراقِ." وقد قدمنا تقارير عن حدة حالات من إن رجال من السنة يجمعون بعربات وزارة الداخلية ويقتلون في تلك المنطقة.ويقول القائد الأمريكي: قوّات التحالف لا تَستطيعُ فَرْض القانون عليهم (القانون الذي يُحرّمُ المليشيات). نحن لا نَستطيعُ نكران وجود المليشيات. هم سَيَكنُونُ ضمن القبيلة وعندما تقول لهم انتم مليشيات يقولون لا نحن من القبيلة, `. "أنت يَجِبُ أَنْ تكون عِنْدَكَ قوة بشريةُ أكثرُ فعالية.
لماذا فضحت لندن علاقات طهران بالزرقاوي؟!
مخطط إيراني لتصدير الإرهاب إلى الخليج!
الوطن العربي ـ 21/10/2005
هل هناك مؤامرة لزعزعة استقرار الخليج ونقل العمليات الإرهابية من العراق إلى عدد من دول المنطقة؟! ثمة أكثر من تساؤل في هذه العبارة التي تتداولها منذ أيام عدة أجهزة استخبارية غربية على ضوء آخر التقارير التي تلقتها من محطاتها في العراق وبعض الدول الخليجية والشرق أوسطية، وذلك في إطار أكبر عملية رصد وتعاون استخباري تحصل منذ أحدث سبتمبر "أيلول" والغزو الأميركي للعراق.
وفي معلومات حصلت عليه "الوطن العربي" من مصادر اطلعت على جميع هذه التقارير أن الأجهزة المعنية توقفت مطولا عند حدثين استجدا مؤخرا وارتبطا بتطورات الوضع على الساحة العراقية وكشف للمرة الأولى في شكل ملحوظ منذ أشهر حجم الثروات والانعكاسات الخطيرة لما يحصل في العراق في اتجاه دول المنطقة.(30/53)
نظرياً لا شيء يربط بين الحدثين لكن الخبراء وجدوا فيهما أكثر من عنصر يؤكد المخاوف التي تتكرر في غالبية التقارير منذ آخر الصيف.
الحدث الأول الذي توقف عنده المراقبون كان في تصريح لوزير داخلية العراق بيان حبر صولاغ يكشف فيه عن خطة لجماعة الزرقاوي لنقل العمليات إلى الخليج، ولوحظ أن الوزير العراقي بنى معلوماته على من قال إنه بيان عثر عليه في منزل الرجل الثاني في قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين، أبو عزام إثر نجاح قوات التحالف في تصفيته، وعلى الرغم من شكوك عدد من الأجهزة الأمنية في عملية النيل من "الرجل الثاني" للقاعدة، في العراق كونها ليست المرة الأولى التي تنشر فيها معلومات عن مقتل "الرجل الثاني" إلى أن ما أثار الشكوك أكثر هو حقيقة أن يكون المدعو "أبو عزام" ظل يحمل معه رسالة وجهها إلى الزرقاوي قيل شهر حول نقل العمليات إلى الخليج.
ووصل بعض الخبراء إلى حد اعتبار "معلومة" بيان حبر إنذارا لدول الخليج بأن عمليات الزرقاوي ستصل قريباً إليها، خصوصا وأن ذلك تزامن مع تصريحات عدائية أطلقها الوزير العراقي ضد المملكة السعودية في شكل لم تعهده الأعراف الدبلوماسية ولا طبيعة العلاقات السعودية ـ العراقية.
ومن هنا توقف هؤلاء الخبراء عند اعتبار تصريحات الوزير العراقي ناطقة باسم إيران وليس العراق، خصوصاً وأن العديد من التقارير تعتبره "إيراني الأصل" وواحد من زعماء "قوات بدر" التي أنشأها وأشرف على تدريبها وتمويلها الحرس الثوري الإيراني.
ولعل ما دفع بالخبراء إلى إثارة الشكوك وحتى الشبهات في "تهديدات" بيان جبر بالزرقاوي هو أنها تزامنت مع التقارير التي كانت ترد من المخابرات البريطانية حول نشاطات الحرس الثوري السرية في العراق وعن استراتيجية هجومية جديدة أعدتها إيران لاختراق دول خليجية أخرى عبر تصدير الثورة إليها والعمل على نقل النموذج الذي استخدمه الحرس الثوري بنجاح في العراق إلى هذه الدول.(30/54)
وكشف مصادر أمنية بريطانية لـ "الوطن العربي" أن ما حرصت لندن على تسريبه من محتوى تقاريرها عن حجم التغلغل الإيراني ليس سوى الجزء الظاهر من جبل الجليد وأن استراتيجية إيران تذهب إلى أبعد من العراق وهي أخطر بكثير مما تم الإعلان عنه رسميا أو في شكل شبه رسمي!
وفي معلومات "الوطن العربي" أن "الدبلوماسية" البريطانية تعمدت حصر رسالتها على الإيرانيين بالعراق، ولذلك لم يكشف إلا عن المعلومات التي تتهم إيران، وتحديداً الحرس الثوري والتيار الأكثر تشدداً في نظام الملالي بأن مسؤولية مهاجمة القوات البريطانية في جنوب العراق والتي أدت إلى مقتل ثمانية عسكريين خلال الأشهر الماضية تقع على طهران وأنها جزء من خطة أعدها ومولها ويشرف على تنفيذها الحرس الثوري عبر أكثر من 12 تنظيماً مسلحاً قام بإنشائها في العراق عبر تسميات مختلفة أبرزها قوات "بدر" وجيش "المهدي" و "حزب الله" وحزب "الفضيلة" و "ثأر الله" وغيرها.
مباركة المرشد(30/55)
وكان لافتاً أن لندن حرصت للمرة الأولى على اتهام إيران مباشرة باستخدام الساحة العرقية لمواجهة البريطانيين وليس فقط لدفعهم إلى الخروج من العراق، بل أيضاً إلى تغيير سياستهم المتشددة في المفاوضات الدائرة حول البرنامج النووي، لكن ما تضمنته التقارير البريطانية من تفاصيل تجاوز تدخل إيران المعروف في العراق وعبر التنظيمات الشيعية المختلفة ليفضح استراتيجية إيرانية شاملة على مستوى المنطقة وربما أبعد من أجل استخدام ورقة الإرهاب وتصدير الثورة الخمينية على طريقة ما، لأن يحصل في الثمانينيات، وفي هذا المجال كشفت التقارير البريطانية أن استراتيجية تصدير الثورة والإرهاب من العراق إلى دول الخليج قد أعدت على أعلى المستويات، وأن الضوء الأخضر لها قد جاء من مكتب المرشد الأعلى علي خامنئي وحازت على مباركة المجلس الأعلى للأمن القومي الذي يسيطر عليه المتشددون وتم تكليف قيادة الحرس الثوري بتنفيذها من خلال أجهزتها المختلفة في مؤسسات الدولة وفي مقدمها "قوات القدس" التي تعتبر وحدة العمليات الخارجية في الحرس.(30/56)
وتأكيداً لذلك تشير المصادر الاستخبارية إلى أن قائد قوات القدس الجنرال قاسم سليماني المقرب من خامنئي ومن الرئيس أحمدي نجاد قد كلف بالإشراف على خطة تصدير الثورة واختراق الدول الخليجية،خصوصاً بعدما قاد بنجاح خطة اختراق الساحة العراقية منذ الاحتلال الأميركي لها، وتمكن عبر وسائله المختلفة التي يقال إنها استندت إلى دعم أمني واقتصادي وديني وعسكري ومالي تجاوز الثمانين مليون دولار سنوياً في منع إقامة حكم عراقي مؤيد للولايات المتحدة وفي تحويل العراق إلى جمهورية إسلامية على الطريقة الإيرانية وإيصال رجالات طهران إلى أعلى مراكز السلطة والقرار في العراق، تأليب الشيعة العراقيين ضد السنة إلى حد دفعهم إلى الارتماء في أحضان إيران، وطمس المشاعر القومية العربية عند غالبية زعمائهم والعامة منهم، وذلك باستغلال حالة الحرب والمجازر والتكفير التي أعلنها أبو مصعب الزرقاوي ضد الشيعة.
ولعل المفاجأة في التقارير البريطانية أنها لم تكثف باتهام إيران بعلاقاتها المشبوهة مع "القاعدة" جماعة الزرقاوي بتأكيدها أن جماعات الحرس الثوري لا تتولى فقط تزويد التنظيمات المسلحة الشيعية بالسلاح، بل إنها تقوم أيضاً بتزويد المقاومة السنية بالأسلحة والذخائر والألغام، وذكرت التقارير هنا أن سليماني هو من قادة الحرس الثوري الذي قدموا اللجوء والدعم لعدد من عناصر "القاعدة" ورموزها وخصوصاً سيف العدل والزرقاوي، وأن قائد قوات القدس هو من أتباع استراتيجية دعم هذه الجماعات المسلحة في حربها ضد القوات الأميركية وحتى في مجازرها ضد الشيعة، ما دامت تخدم استراتيجية الثورة الإيرانية وتقود إلى رفع مستوى العداء والكراهية والدماء بين السنة والشيعة، وخصوصاً إلى تأليب الشيعة ضد السنة وطلب الحماية من إيران!!
الكويت والبحرين(30/57)
وكان لافتاً أن التقارير البريطانية غير المنشورة والتي حرصت لندن على عدم تسريبها في إطار حملتها المدروسة ضد إيران تساءلت بوضوح في خطة نقل هناك أصابع الحرس الثوري في خطة نقل العمليات الإرهابية إلى دول الخليج وعن حقيقة الأهداف الإيرانية من إضافة عناصر تصدير الإرهاب إلى مخطط تصدير الثورة إلى الخليج، والواقع أن بعض هذه التقارير يكشف بوضوح عن وجود مخطط لاستهداف عدة دول خليجية بعمليات إرهابية في الأسابيع المقبلة.
وأشار أحدها إلى أن دولتي الكويت والبحرين هما حالياً الأكثر عرضة لعمليات إرهابية على أراضيهما والأكثر تهديداً بمحاولات زعزعة الاستقرار والسلم الأهلي.
لكن التقرير نفسه يتحدث عن مخاطر تهدد المنطقة بأكملها، مشيراً إلى استراتيجية هجومية إيرانية في اتجاه الخليج تحت شعار العودة إلى "تصدير الثورة" ومواجهة المشروع الأميركي بمشروع إسلامي إيراني واستغلال الاختراق الذي حققته طهران في العراق بمحاولة بسط هيمنتها ونفوذها في المنطقة.
وكشفت التقارير أن مخابرات الحرس الثوري قد بدأت في إحياء "حزب الله" الخليج عبر إنشاء خلايا وشبكات محلية في عدة دول، وقامت لهذه الغاية بإنشاء شركات استيراد وتصدير ومصارف كواجهات تتولى مهمة الاتصال بتنظيمات وجمعيات وحركات ثقافية تعتبر موالية لإيران، ولعل الجانب الأخطر هو لجوء الحرس الثوري إلى فتح معسكرات تدريب لشباب من عدة دول خليجية وتكشف المعلومات البريطانية عن أن الحرس الثوري حرص على إبعاد الشبهات عن إيران في تجنيد وتدريب الشباب الخليجي وقام لهذه الغاية بإرسال مجموعات خليجية إلى معسكرات تدريب في جنوب العراق "منطقة البصرة" تابعة لقوات بدر وأخرى في سورية وثالثة في البقاع اللبناني تابعة لحزب الله وتتولى عناصر من "قوات القدس" تدريب هذه الجماعات على السلاح وتفخيخ السيارات وحرب العصابات.(30/58)
وكان لافتاً أن المعلومات التي سربتها المخابرات البريطانية تحدثت عن استخدام إيران لمعسكرات لتدريب عناصر شيعية عراقية في سورية ولبنان لكن العارفين بحقيقة وحجم اختراق قوات القدس للساحة العراقية، وخصوصاً مناطق الجنوب أدركوا عدم حاجة الإيرانيين لإرسال شباب عراقيين إلى لبنان وسورية وأن هذه المعسكرات قد فتحت خصيصاً للشباب الخليجيين وتحديداً للشباب الشيعة الذي بدأت مخابرات الحرس الثوري بالعمل على تجنيدهم وتعبئتهم استعداداً لمراحل منتظرة ومطط لها لتصعيد الخلافات بين الشيعة والسنة في أكثر من دولة خليجية ودفع الشيعة إلى إثارة اضطرابات على خلفية مطالب اجتماعية أو مذهبية.
وعلى ضوء هذه المعطيات يبدى أخر التقارير مخاوف من انعكاسات خطيرة للعلاقة البريطانية عن دور إيران في دعم "المقاومة السنية" في العراق وتزويد جماعات متطرفة مقربة من الزرقاوي أو "أنصار الإسلام" بالسلاح والذخيرة، وهي تقارير أعادت تسليط الأضواء على علاقة الحرس الثوري برموز "القاعدة" الذين ما زالوا يعيشون في حماية مخابرات الحرس في إيران وحتى في ضواحي طهران.
وتصل مخاوف هذه الأجهزة والتي عبرت عنها لندن صراحة إلى حد توقع أن تنتقل عدوى تواجد العراقيين بين مطرقة الزرقاوي وسندان قوات بدر وسائر التنظيمات التي يشرف عليها "قوات القدس" إلى وضع أكثر من دولة خليجية في المرحلة المقبلة بين مطرقة المتطرفين السنة وسندان المتطرفين الشيعة لحساب استراتيجية اختراق وهيمنة قررت طهران أن تجعلها إقليمية على ضوء نجاح تجربتها في العراق، وبالتالي لا تعود جمهورية الملالي تهدد مستقبل العراق فقط، بل تشكل تهديداً خطيراً للخليج بأكمله.
السفير الأمريكي في المشيخة العامة للطرق الصوفية
مجلة التصوف الإسلامي ديسمبر 2005م(30/59)
في إطار اهتمامه بالتيارات الإسلامية المعتدلة في مصر طلب السفير الأمريكي الجديد السيد فرنسيس ريتشارد دوني مقابلة فضيلة الشيخ حسن الشناوي شيخ مشايخ الطرق الصوفية وقد تمت المقابلة في مقر المشيخة العامة بالحسين وقد أوضح السفير الأمريكي اهتمامه بالتصوف منذ الصغر حيث تربى تربية صوفية مسيحية على يد أحد القساوسة الكاثوليك الذين نهجوا منهج الاعتدال الديني ونشر السماحة والحب والإيمان بين مريديه.. وقال إنه على مدار عمله في السفارة الأمريكية بالقاهرة في منتصف الثمانينات اهتم بقضية التصوف وشاهد عن قرب الممارسات الصوفية لكثير من الطرق وحضر العديد من الموالد وقد طلب الذهاب إلى مولد سيدي أحمد البدوي ليحضر احتفال الطرق الصوفية بهذا المولد.
وقد أوضح سماحة الشيخ حسن الشناوي للسيد السفير في حواره معه في المشيخة العامة وفي كلمته التي ألقاها في طنطا أن الطرق الصوفية مدارس روحية هدفها غرس القيم الإسلامية السليمة في نفوس النشء وتعويدهم على السلوك الإسلامي الصحيح وعلى الطاعة والسماحة والحب والتفاني والإيثار في إطار الشريعة الإسلامية الغراء ومن هنا لم يخرج إرهابي واحد من جموع الطرق الصوفية التي يبلغ تعداد أفرادها حوالي 11 مليون مريد.
وأضاف سماحة شيخ المشايخ بأن: أبناء الطرق الصوفية ليسوا منعزلين عن مجتمعاتهم بل هم في طليعة العاملين المخلصين في بناء البلاد وحماية الوطن، وقد ندد سماحته بالإرهاب والإرهابيين الذين يروعون الآمنين من الأطفال والشيوخ والنساء والأبرياء، وأن جزاء كل من يقوم بمثل هذه الأعمال الإجرامية ما نص عليه القرآن الكريم من القتل أو الصلب أو النفي من الأرض. وقد فرق الشيخ حسن الشناوي بين الإرهاب والجهاد المشروع في مقاومة الاحتلال الغاصب للبلاد..
وقد أبدى السفير الأمريكي إعجابه بعد زيارته للطريقة الجازولية واستماعه لأبناء الطريقة وهم ينشدون المدائح النبوية والأناشيد الدينية.(30/60)
في الملتقى الصوفي الرابع لعلماء ومشايخ التصوف
الصلاة في المساجد التي بها أضرحة
مجلة التصوف الاسلامي ديسمبر 2005 م
في الليلة قبل الأخيرة لمولد سيدي إبراهيم القرشي الدسوقي وبمدينة دسوق حيث مقام صاحب الذكرى رضي الله عنه وفى مقر الطريقة البرهامية وفى ضيافة الشيخ / محمد على عاشور شيخ البرهامية عقد هذا الملتقى الكريم تحت رعاية وبرئاسة وحضور سماحة شيخ المشايخ ورئيس المجلس الصوفى الأعلى الشيخ / حسن محمد سعيد الشناوي وكان مقرر الملتقى هو شيخ الطريقة البرهامية الشيخ /محمد عاشور وقد حضر عدد كبير من السادة شيوخ الطرق المعتمدين في المشيخة العامة.
وفى البداية وبعد قراءة الفاتحة إيذانا بافتتاح الملتقى الرابع قال السيد المقرر: إن موضوع اليوم قد كثر فيه الجدل لأنه يتعلق بصحة الصلاة التي هي عماد الدين فمن صحت صلاته صح سائر عمله وبعض الناس يرفض بل ويحرم الصلاة في المساجد التي بها مقامات للأولياء رضي الله عنهم فقال أحد المشايخ طيب الحمد لله إنها أماكن لأولياء الله الذين رضي الله عنهم وليست أماكن لقوم غضب الله عليهم.. ثم قال شيخ آخر: أنا لا يعجبني قولكم إن بعض الناس يحرمون لأن الذي يملك أن يحرم ويحلل ويبيح ويمنع هو الله وحده لا شريك له فرد عليه أحد الشيوخ قائلاً إن من يقول بحرمة الصلاة في المساجد العامرة برياض الصالحين يقدم الدليل على ذلك فرد مجموعة لا بأس بها من المشايخ بقولهم لا يوجد هذا أو ذاك أو ذلك الدليل المزعوم وإنما هو الهوى ولى الحقائق تبعا لهوى أمر مرفوض وأخذت الأدلة والقرائن تبرز من ألسنة المشايخ كأنها الحراب أو السيوف.(30/61)
فقال البعض : هل يعلمون (المنكرون) أن بين زمزم والحطيم في بيت الله الحرام عدد كبير من الأولياء مدفنون حول الكعبة ؟ والصلاة في البيت الحرام بمائة ألف صلاة وقال الآخر: هؤلاء غير ظاهرين ولكن المسجد النبوي ليس ببعيد عنا فيه مقام رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وصاحبيه أبى بكر وعمر رضي الله عنهما والصلاة في المسجد النبوي بألف صلاة وأظن أنها لم يزد أجرها (الصلاة) إلا لوجوده صلى الله عليه وسلم وصاحبيه في المسجد وعندما تشابكت الأصوات وتزاحمت الأدلة تدخل صاحب السماحة وقال: أيها السادة المشايخ إن الأمور لا تؤخذ هكذا فالمقصود من لقائنا هذا هو إبراز الحقائق لأبنائنا من الصوفية فليس لنا مصلحة دنيوية أو أخروية أن تجعل المصلين تبطل صلاتهم وكذلك ليس من اللائق السماح بالتعدى على أصحاب القدر الرفيع من الصالحين بدون سبب والمقصود التبسيط بقدر الإمكان(30/62)
ثم ساد الصمت والهدوء فرفع أحد الشيوخ يده يطلب الكلمة ثم قال هناك شروط وجوب وشروط صحة للصلاة وشروط للقبول وأرى أن الخلاف ليس في شروط الوجوب (شروط الوجوب يعنى على من تجب الصلاة ومتى) ولا يوجد خلاف على شروط القبول لأن هذا الأمر هو شأن إلهى محصن إن شاء سبحانه قبل وإن شاء لم يقبل.. إذا بقى شروط الصحة وهى الإسلام والبلوغ والعقل والنية والطهارة التى هي طهارة البدن وطهارة الثوب وطهارة المكان الذي يصلى فيه المسلم الى غير ذلك وحتى إذا كان بعدما سبق يعتبر شروط وجوب إلا أنى أقصد التركيز على الطهارة وطبعا لا يوجد خلاف بيننا وبين غيرنا فى موضوع طهارة البدن وطهارة الثوب لأن موضوع اللقاء هو المساجد فإذا كانت الصلاة فى المساجد التى بها أضرحة تعتبر أماكن نجسة لمجرد وجود المقام بها فمن باب أولى نحكم بنجاستها لوجود دورات المياه بها وكلنا يعلم ما دار بين سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبين الرجل الذى بال فى المسجد (تبول) أمام الصحابة والرسول صلى الله عليه وسلم فأخذ الصحابة ينهرونه وهموا أن يضربوه فقال لهم الرسول الكريم: لا تقطعوا عليه بولته فتؤذيه ثم أريقوا عليه دلوا من الماء..وأنتهى الأمر.. فهل وجود الأولياء فى المساجد ينجسها؟!!
قال أحد الشيوخ: إذا صلى المسلم بين النجاسات فما هى المسافة المحددة شرعاً بين المصلى والنجاسة يعنى الحد الأدنى من المسافة التى لو تجاوزها المصلى مقترباً من النجاسة تبطل صلاته ثم استطرد يقول كلنا يعلم أن الصلاة لا تبطل إلا إذا وجدت النجاسة تحت بطن الساجد أى بين الجبهة فى المقدمة والقدمين وعلى هذا الاعتبار وإن كان التشبيه مع الفارق فلا أحد يصلى والمقام تحت بطنه ولا مجال للقول بالنجاسة أصلا لأن الأولياء غير مشركين والصنف الوحيد النجس فى الأدميين هم المشركون ( إنما المشركون نجس )(30/63)
ثم قال الشيخ عاشور بصفته مقرر الملتقى: أيها السادة أظن أن الخوف ليس من النجاسة وفقط ولكن الخوف من العبادة للأولياء فقال أحد الشيوخ: كان الأولى أن نخاف على المصلين حول الكعبة نخاف عليهم من عبادتها فنهدمها حتى لا يبعدها الناس ولكن ينبغى أن نعلم الناس أن الكعبة هى بيت الله وهى مجرد قبله وليست معبودة ولا هى مكان يقيم فيه رب العالمين ثم إنه لا توجد عبادة بغير نية ولا تفسد نية رجل بنية الرجل الآخر ولا يبطل عمل الرجل إذا بطل عمل غيره ثم التقط المحرر بعض التساؤلات فى سخونة الملتقى وهى: قوله صلي الله عليه وسلم: "وجعلت لى الأرض مسجداً وطهورا فأيما رجل من أمتى ادركته الصلاة فليصل"..
- هل بناء المسجد يخرجه عن كونه أرضا؟ لا
- هل وجود المقام فى المسجد يخرجه عن كونه مسجداً؟ لا.
- هل وجود الحمامات والميضأة فى المسجد يطعن فى طهارته؟. لا.
- هل يجوز الحكم على الرجل بالكفر لمجرد الظن؟ لا..
- هل يجوز تلفيق النوايا للناس كما تلفق لهم القضايا؟لا..
- إذا حكم الناس بتكفير المصلين فى المساجد فما حكمهم فى تارك الصلاة فى الحالتين (العمد والكسل)؟!!.
- هل تصح الصلاة إذا جعل احدنا حذاءه ساتراً أثناء الصلاة؟ نعم..
- هل تصح الصلاة فى الكنائس ؟ نعم، لأن سيدنا عمر رضى الله عنه عندما دعى للصلاة فى كنيسة القيامة لم يقل إن ذلك حراما ولكنه قال أخشى أن يأتى المسلمون من بعدى فيقولون ها هنا صلى عمر فيأخذونها منكم..
- هل تصح الصلاة فى مكان طاهر وسط حديقة الحيوان جميع أنواع الحيوانات من كل جانب ؟ نعم..
- هل يجوز بناء المساجد فى الأماكن التى كانت فى الماضى مقالب للقمامة والقاذورات والجيف إذا تم ردمها والبناء عليها وتنظيفها والاعتناء بها بغض النظر عن حكمها السابق؟ نعم..
- هل تحرم الصلاة في قرية يتخللها القبور ؟ لا..
- هل يحل لأحد أن يشرع فى دين الله بغير نص حكيم ؟ لا.(30/64)
- هل المصلى يعبد كل ما هو أمام عينيه من الأحياء والأموات؟ لا.
- هل المعبود عندهم لابد أن يكون ميتاً؟ سبحان الله.
- وهل بنفس المفهوم لا يجوز عبادة الله الحي الذى لا تدركه الأبصار؟ معاذ الله.
وعلى اعتبار أن معظم هذه الأسئلة إنما هى أسئلة استنكارية فكان لزاما على الصحافة أن تتدخل كالعادة للحصول على القول الفصل من رئيس الملتقى سماحة الشيخ حسن الشناوى شيخ الشيوخ فقال سماحته: أرى كما رأيتم جميعا وأتمنى أن يرى ذلك معنا العقلاء من أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أن هذا الأمر أراد به مدبروه إيجاد فتنة لا أساس لها بين المسلمين حتى يعم التقاذف وتنشأ البغضاء والشحناء بين المسلمين فلا الأمر أمر خوف أو احتراز من نجاسة (لأنه لا مجال لها) ولا هو أمر خوف على الناس من الشرك أو الكفر (لأنه لو كان الأمر كذلك لكفى توعية الناس بمعنى العبادة الصحيحة وتعريفهم بما يجب عليهم تجاه خالقهم بالحكمة والموعظه الحسنة) أما تكفير الناس بدون داع فليس فيه حكمة ولا موعظة حسنة فالدين أغلى من أى شئ وكما قبل قديما: لأن يبتلى الرجل فى ماله خيراً من أن يبتلى فى صحته..(30/65)
ولأن يبتلى الرجل فى صحته خيراً من أن يبتلى فى عرضه.. ولأن يبتلى الرجل فى عرضه خيراً من أن يبتلى فى دينه وليس بعد الدين مرمى وأرى أن هذا الأمر هو لمجرد العداء للأولياء وفقط وهذا وارد ومتوقع ومنتظر وذلك لقول الله تعالى فى الحديث القدسى (من عادى لى وليا فقد آذنته بالحرب) قال رئيس التحرير : لماذا يعادى الناس الأولياء؟ قال صاحب السماحة: هذا من الأشياء التى يبتلى بها الإنسان فمن الناس من لا يؤمن بالله ومنهم من لا يؤمن بالرسل ومنهم من لا يحب الأولياء ولا يعترف بالتميز الذى هو السمة الثابتة بين الخلق بأمر الحق الذي فضل بعض النبيبن على بعض وفضل بعض الرسل على بعض وفضل بعض الناس على بعض وسماهم (أي المفضلين) سماهم أولياء الله وقال عنهم (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) وحزنهم على من يكرهونهم لأنهم عندئذ سيحرمون من رضوان الله إذا عادوهم من باب الكراهية وكل ما يقال عنهم رضي الله عنهم لا ينقص من قدرهم عند الله ولا من محبتهم عند أحبابهم وهذا معنى (لا خوف عليهم) وهنا نشأ سؤال طبيعى ومنطقى كيف يحدث هذا وديننا واحد فقال أحد الحاضرين: الدين الواحد هو دين سيدنا محمد بن عبد الله ولكن كراهية الأولياء نابعة من دين محمد بن عبد الوهاب، فقال شيخ المشايخ: استغفر الله العظيم فإن الدين كله لله أما محمد بن عبد الوهاب فليس دين،وإنما هو رجل مسلم مجتهد صاحب فكر.
فقال المحرر : هو صاحب فكر أم مذهب؟
قال سماحة الشيخ: هو صاحب فكر وليس مذهب ولا يعجبه أئمة المذاهب ولا يعترف هو شخصيا ولا أتباعه بالمذاهب فقال رئيس التحرير: ما الفرق يا مولانا؟(30/66)
فقال سماحته: المذهب يقوم أساسه على استنباط صحيح الحكم من صحيح المعنى المستقى من صحيح النص أما الفكر فإن مصدره رأس صاحبه والفكر يهدمه فكر والدين يؤيده الدين أعنى المذهب يؤيده مذهب حيث ينتقى إعمال العقل فى النص إلا لفهمه على مراد الله تعالى و نكتفى بهذا القدر، ثم أخذ الحاضرون يقرأون الفاتحة إيذانا بالختام وذلك لحضور المؤتمر الصوفى السنوى الذى يعقد فى رحاب سيدى ابراهيم القرشى الدسوقى حيث ينيب السيد رئيس الجمهورية نيابة عنه السيد اللواء المحافظ صلاح سلامة لحضور المؤتمر.
الدوافع الخفية للفيدرالية الشيعية في العراق
عبد الزهرة الركابي( )
بتصرف: من مجلة حِوار العَرب ديسمبر 2005
لم تكن دعوة عبد العزيز الحكيم رئيس ما يسمى "المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق" مفاجئة أو غير متوقعة، بالنسبة إلى إنشاء فدرالية شيعية في منطقتي الفرات الأوسط والجنوب، لأن المتابعين للشأن العراقي قد أشروا الخط البياني لاجتماعات تمهيدية للدعوة المذكورة عقدت في جنوب العراق، إذ إن تلك الاجتماعات عقدتها بعض الجماعات المنضوية في قائمة الائتلاف الشيعية ودعت فيها إلى إنشاء فدراليتين طائفيتين في المنطقتين المذكورتين، وعلى غرار الفدرالية الكردية الشوفينية في شمال العراق.(30/67)
لكن دعوة الحكيم في هذا الصدد، كانت بمثابة التمهيد لتضمين ذلك في الدستور الذي كان في طور الإعداد، ومهب ريح الخطر يكمن في الدعوة إلى قيام فدرالية شيعية في كون مثل هذه الفدرالية في حال الأخذ بها، تعني إطلاق رصاصة الرحمة على كيان العراق، نظراً لما تتمتع به تلك الفدرالية من إمكانات ومقومات اقتصادية وديموغرافية ومزايا لوجستية وجغرافية، تجعلها تمتلك كل صفات الدولة على صعيد الإمكانات والمزايا التي أسلفنا في ذكرها، خصوصاً أن نسبة 70 في المائة من إنتاج النفط العراقي تكمن في منطقة الجنوب، كما أن العامل الديموغرافي يصل تعداده في منطقتي الجنوب والفرات الأوسط إلى ما يقارب 15 مليوناً.
لا شك أن الجماعات الشيعية المنخرطة في عملية وآلية الاحتلال من جهة والتي لها علاقات وارتباطات إيرانية من جهة أخرى، بالإضافة إلى الجماعتين الكرديتين في شمال العراق، راحت تؤدي دور إنهاء الدولة العراقية، على اعتبار أن الفدرالية الشيعية في الفرات الوسط والجنوب سوف تتحكم بها الجماعات الشيعية الموالية لإيران، من على منوال جماعة الحكيم (المجلس الأعلى للثورة الإسلامية) وجماعة الشيخ غير المعمم الأشيقر، أو إبراهيم الجعفري (حزب الدعوة الإسلامية).
وعلى الرغم من أن الأخير من ذوي الأصول الباكستانية، فإن قيادته بتلاوينها العرقية، يظل هواها إيرانياً، لاعتبارات طائفية وأخرى تتعلق بهيمنة الحلقات القيادية الإيرانية على قيادته وبخاصة ذات النفوذ المالي، ناهيك بأن تلك الجماعات تعود بسياساتها، بدءاً ومنتهى، إلى المرجعية الشيعية التي تتكون من مراجع أربعة ليس بينهم عراقي واحد (علي السيستاني ومحمد سعيد الحكيم: إيرانيان، بشير النجفي: باكستاني، إسحاق الفياض: أفغاني).(30/68)
إذا كانت أميركا وإيران تلتقيان في هدف واحد ...، وهو هدف إلغاء العراق من الوجود كدولة قائمة وموحدة، أو على أقل الاستهدافات إضعافه، فإن هذا الالتقاء، كان يدور في إطاره صراع بينهما إلى حد ترك بصمات كل منهما على الساحة العراقية، ولاسيما أن الإيرانيين استثمروا الساحة العراقية في ظل الاحتلال أفضل استثمار، حتى أن أميركا فوجئت أن بعض التوجهات الإيرانية في الشأن العراقي تلتقي مع توجهاتها، وهي توجهات تخدم الأغراض الإيرانية مثلما تخدم الأغراض الأميركية في آن، على الرغم من أن كلا الطرفين يختلفان في تفسير مصالحهما.
وقد كانت الساحة العراقية في الوقت نفسه تشهد حرباً مخابراتية بين الطرفين المذكورين، كان من نتيجة هذه الحرب اكتشاف إيران أن شيفرة الاتصالات لمخابراتها في العراق، أصبحت تحت متناول المخابرات الأميركية بعدما استطاعت حل رموزها، لكن إيران لم تسلم من الضربات في الجانب المخابراتي عندما تمت تصفية مدير محطة مخابراتها في العراق.
أميركا استشعرت بمخاطر الدور الإيراني في العراق واحتفظت بأكثر من ورقة في مواجهة مثل هذا الدور، وقد تكون إثارة موضوع الملف النووي الإيراني، ورقة نقل الكرة إلى الملعب الإيراني، في حين ظلت أوراق أخرى قيد الاحتياط والمناورة، ولاسيما في ما يخص ورقة منظمة "مجاهدي خلق" الإيرانية التي تم جمع عناصرها في معسكرات خاصة وتحت حراسة الجيش الأميركي في العراق.(30/69)
وحتى على صعيد الانتخابات، رمت واشنطن بثقلها وراء الأكراد كي يحصلوا على المركز الثاني وبالتالي يحكمون بيدهم على صمام المساومات والصفقات، في مقابل لائحة الائتلاف التي ينضوي في صفوفها أكثر من طرف مؤيد لإيران، أو يحظى بالدعم الإيراني، بل إن أميركا لم تترك الساحة العراقية لإيران كي تتحرك على هواها على الصعيد الإعلامي، بحيث تعاملت معها بمعادلة صحيفة مقابل صحيفة، ومحطة تلفازية فضائية إيرانية موجهة للعراق، تقابلها أيضاً محطة تلفازية أميركية موجهة للعراق، وعلى هذا المنوال تترى التقابلات والتداخلات مختلف الصعد والجوانب التي غدت آثارها وملامحها في هذا الخصوص معروفة للمراقبين.
ولئن استخدمت إيران المجال الطائفي لتنشيط وتفعيل دورها في العراق المحتل، عبر سياسة ذات أبعاد استراتيجية بالنسبة إلى السياسة الإيرانية في المنطقة، فقد بات واضحاً أن الوضع الحالي والراهن للعراق يخدم المصلحة الإيرانية إلى أبعد حد، إذ إن مثل هذا الوضع والحال للعراق يبعد عن إيران أقوى منافس إقليمي لها في المنطقة والذي شكل عامل توازن للقوى يقف في مقابلها، وإن إدامة واستمرار وضع العراق على ما هو سائد الآن، يصبان في خدمة ومصلحة إيران في كل الأحوال، كما أن مستقبل العراق ظل مجهولاً، خصوصاً أن أميركا لم تصرح يوماً عن موعد، أو جدول لانسحابها من العراق.(30/70)
لهذا فإن من الطبيعي لإيران أن ترمي بثقلها في العراق من خلال دور يستمد تحركه وفاعليته من عوامل عدة، بما فيها العامل الطائفي، الذي ذكرناه سابقاً والذي هو أهم العوامل التي يستمد منها وقوده وفعاليته، لكن الجانب الشيعي في حقيقة الأمر لم يكن مجمله مؤيداً لإيران والسياسة الإيرانية، إذ إن هنالك قسماً كبيراً منه ينظر بعين الريبة وعدم الثقة إلى هكذا دور، أو إلى السياسة الإيرانية عموماً في العراق والمنطقة، وهو من هذا المنطلق يشيح بوجهه عن العامل الطائفي ويتبنى الأصل الوطني الذي يعتبره فوق كل العوامل والاعتبارات الطائفية.
وعلى هذا الواقع الآنف، يظل الدور الإيراني لاعباً مؤثراً في الساحة العراقية في المرحلة الراهنة إلى جانب الدور الأميركي المباشر والإسرائيلي المستتر، وتكمن خطورة الدور الإيراني، حتى لو لم يكن مباشراً في جانب مهم، هو تقابله مع الدور العراقي الوطني الذي يتقابل أساساً مع الدورين الأميركي والإسرائيلي، وهو ما يعني أن معركة الدور العراقي الوطني، هي في حقيقتها مباشرة مع أميركا وإسرائيل وحلفائهما المحليين.
وكذلك فإن الدور المذكور يخوض أيضاً معركة مع الدور الإيراني من خلال الدور الذي تقوم به الجماعات الشيعية والموالية لإيران، أو بالأحرى ذات الامتدادات الإيرانية مثلما هو معروف، لكن الدور العراقي الوطني يعتمد أولاً على استراتيجية مقاومة الاحتلال بشتى أساليبها، كي يتسنى له إنهاء هذا الاحتلال، وهذا الإنهاء سوف يقضي أو يحد من الدور الإيراني، على اعتبار أن الجماعات الشيعية ذات الارتكازات الإيرانية سينتهي دورها بانتهاء الدور الأميركي والإسرائيلي في العراق، وهو ما يعني أتوماتيكياً انتهاء الدور الإيراني، أو على الأقل تقليم أظافره في العراق.
الحضور الإيراني بعد الاحتلال(30/71)
الوجود أو الحضور الإيراني في العراق بعد احتلاله، يعد أكبر وجود إقليمي يؤسس له قواعد وجسور سياسية واجتماعية وأمنية وعسكرية، وهو من هذه الكثافة والكيفية، وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن محافظ البصرة ثاني أكبر المدن العراقية، الذي هو أيضاً مسؤول "فيلق بدر" التابع لجماعة الحكيم (المجلس الأعلى للثورة الإسلامية) في مدينة البصرة يقضي نهاية عطلة الأسبوع مع عائلته في إيران وتحديداً في مدينة عبادان، كما أن هادي العامري، مسؤول الفيلق المذكور هو في الوقت نفسه رئيس "لجنة النزاهة" في البرلمان الذي تشكل في ظل الاحتلال وفق مسرحية الانتخابات المعروفة.
وللتعريف بكثافة وكيفية هذا الحضور يقول تقرير في هذا الصدد: خلال السنوات الثلاث الماضية، ظلت إيران اللاعب الرئيسي في العراق لأسباب عدة، علماً بأن الجميع يتحدثون عن التدخل الإيراني في العراق وانتشار عملاء الاستخبارات الإيرانية وعناصر الحرس بشكل مكثف في الجنوب، ورمزي في الشمال، وسري في بغداد.
أ ـ لقد أرسلت إيران وفقاً لبعض الوثائق إلى جانب إفادات العقيد إسماعيل.. من قادة فيلق القدس الذي هرب من إيران، والرائد ياسر، من استخبارات الحرس، ومسؤول كبير في مكتب المرشد خامنئي، طلب عدم ذكر اسمه، أرسلت ما بين ثلاثة إلى أربعة آلاف من رجال الحرس وفيلق القدس ووزارة الاستخبارات إلى العراق منذ احتلال العراق ضمن حوالي 14 ألفاً من رجال فيلق بدر والمتطوعين العراقيين في الباسيج وأبناء الأسر الإيرانية المبعدة من العراق ممن تلقوا تدريبات ليست عسكرية فحسب، بل في مختلف مجالات الحياة.. من قراءة الموشحات الدينية إلى تقديم برامج إذاعية وتلفزيونية وإصدار الصحف وإدارة الحسينيات والمكتبات والمطاعم وشبكات توزيع النفط واللحم والمخدرات.(30/72)
ب ـ كما اشترت الاستخبارات الإيرانية وأجرت ما يزيد عن خمسة آلاف بيت وشقة ودكان ومستودع ومكتبة ومسجد ومطعم ومحطة بترول و... في البصرة والديوانية والعمارة والكوفة والنجف وكربلاء والكاظمية وبغداد، ليقيم ويعمل فيهما ومنها، عناصر استخباراتها ورفاقهم البدريون وفصيل من حزب "الدعوة" المعارض للدكتور إبراهيم الجعفري.
ج ـ توجه بتشجيع ودعم مكتب المرشد ومنظمة الدعاية ـ تبليغات ـ الإسلامية أكثر من ألفي طالب ورجل دين إيراني وأفغاني وباكستاني (من الدارسين في حوزة قم بمنحات من مكتب المرشد) إلى النجف وكربلاء خلال العامين الماضيين، ثلثهم من الطلبة ورجال الدين المرتبطين بأجهزة الاستخبارات الإيرانية.
واستكمالاً لما ورد في التقرير آنفاً، صرح ضابط في شرطة حماية ميناء أبو فلوس (جنوبي البصرة) النهري لوكالة "آكي" الإيطالية للأنباء، بأنه لوحِظ، في الآونة الأخيرة، وصول كميات من الأسلحة وصواريخ كاتيوشا قادمة من الأراضي الإيرانية محمولة على زوارق وسفن عبر شط العرب إلى ميناء أبو فلوس، وأكد الضابط، الذي فضل عدم ذكر اسمه، في تصريح خاص، أن سيارات ومسلحين تابعين لمنظمة بدر يأتون بانتظام لاستلام تلك الأسلحة. وأشار المسؤول الأمني في ميناء أبو فلوس إلى أن عمليات جلب الأسلحة هذه بدأت منذ فترة طويلة ومنذ أن كان حسن الراشد، قائد قوات بدر في البصرة، يشغل منصب المحافظ، ولكنها ازدادت في الآونة الأخيرة.
وفي السياق السالف نقلت كل من صحيفتي "الواسنطن تايمز" و "الصاندي تلغراف" عن ضابط استخبارات كبير في الجيش البريطاني قوله، إن الحرس الثوري الإيراني مسؤول عن تدريب ومساعدة أعضاء من الجماعات الشيعية المسلحة والتي تشارك في العمل السياسي.(30/73)
ومن المفيد الإشارة إلى أن وزارة الداخلية يهيمن عليها وزير من جماعية الحكيم كان يدعي أيام المعارضة السابقة أن اسمه بيان جبر، ولكن بعد توزيره ضمن فاعلية وآلية الاحتلال، ادعى أن اسمه الحقيقي هو باقر صولاغ. كما أن عرقه أو قوميته، لم تعرف إلى حد الآن بشكل حاسم، إذ كنا نعتقد في السابق أنه من الأكراد الفيلية، لكن من مدلول اسمه الأخير، يتضح أنه تركماني القومية.
ومع ذلك فإن التركمان الشيعة، لا تربطهم علاقات ودية مع جماعة الحكيم، على الرغم من أن الجماعة المذكورة تضم في قيادتها أكثر من تركماني،مع التنويه إلى أن ميليشيات فيلق بدر غالبية عناصرها هم من الأكراد الفيلية، الذين ترجع أصول عشائرهم إلى إقليم عيلام الإيراني، وهم في الوقت الحاضر يشكلون قوات الشرطة والحرس الوطني التابعة لوزارة الداخلية، وكثيراً ما احتمت تلك الميليشيات بالقوات الأميركية خلال المواجهات المسلحة التي دارت بين أنصار الصدر وقوات الاحتلال الأميركي.
هذا وقد بلغ المد الطائفي والشوفيني للجماعات الطائفية والكردية حداً لا يمكن السكوت عليه خلال أحداث مدينة تلعفر الأخيرة، التي تقع على مسافة قريبة من مدينة الموصل، وفي هذا الصدد تقدم وجهاء ومشايخ محافظة نينوى (الموصل) بمذكرة إلى الأمين العام للأمم المتحدة والمجتمع الدولي، طالبوا خلالها التدخل ووقف الممارسات الإجرامية واللاإنسانية التي تقوم بها الميليشيات الكردية وميلشيات فيلق بدر بحق أبناء مدينة الموصل.(30/74)
ومما ورد في المذكرة: "نطالب بإقالة محافظ نينوى دريد كشمولة العاجز عن فعل أي شيء من شأنه مساعدة أبناء المحافظة، ولسكوته على الاغتيالات التي تقوم بها العصابات الكردية وقوات بدر لأبناء المدينة ووجهاء المدينة، ولعجزه وسكوته عن وقف الامتداد الكردي ليشمل كل قرى المحافظة، فالعصابات الكردية قد نصبت نفسها مسؤولة عن السيطرة على كل المدن والقرى والقصبات المحيطة بالموصل، فكل من هو غير عربي، حتى لو لم يكن كردياً، كاليزيدية والآشوريين والشبك، قد اعتبر كردياً، بالإكراه، وتم تنصيب مسؤولين حزبيين لتلك القرى وأنزلت الأعلام العراقية عنها لترفع بدلاً منها الأعلام الكردية".
العلامة السيد محمد حسين فضل الله لـ "حوار العرب":
مجلة حِوار العَرب - ديسمبر 2005
يعد فضل من أكثر المراجع الشيعية المعاصرة اعتدالاً وعقلاً ، وهو في هذا الحوار يكشف عن حدود العقل والاعتدال الشيعي ، والعاقل هو من يستطيع إدراك المساحة بين العقل والجنون الشيعي !! الراصد .
الشيعة والسنة
•…حوار العرب، هل معنى ذلك التقسيم؟
ـ السيد فضل الله: أنا لا أظن أن العراق ذاهب إلى التقسيم بالمعنى المصطلح عليه للكلمة، بل إلى ما يعطي روح التقسيم من خلال الفيدرالية التي أقرها أغلب العراقيين للأكراد، وأصبحت في العناوين السياسية العراقية، بحيث لا يمكن أن يكون العراق فيدرالياً للعرب والأكراد فحسب، بل أن يكون كله فيدرالياً ويكون الأكراد جزءاً من هذا النظام، ولذلك، فالأطروحات التي تتحدث عن فيدرالية المحافظات قد تعطي عنواناً تقسيمياً في نطاق الوحدة العراقية التي ليس لها صورة واضحة حتى الآن..
•…حوار العرب: في هذا الإطار، ما هي احتمالات حدوث فتنة مذهبية شيعية ـ سنية؟(30/75)
ـ السيد فضل الله: إنني أعتقد أن العراق محصن ضد ما يخطط له من الحرب الأهلية. قد تكون هناك حساسيات مذهبية. وربما تخلق هذه الحرب حساسيات ضد الشيعة، لكن القيادات الشيعية والسنية واعية ولا شك، وتستطيع إحباط هذه الفتنة، وأن تؤكد لنفسها ولقواعدها بأن أية فتنة مذهبية سوف تسقط الهيكل على الجميع. ولذلك رأينا أن الشيعة، وعلى رغم ما يقتل منهم في مساجدهم ومزاراتهم وشوارعهم، لم يقوموا بأي ردة فعل تذكر ضد إخوانهم السنة. [ أصبح السنة عند فضل الله هم الذين يضطهدون الشيعة في سراديب وزارة الداخلية! وفيلق بدر(السني !!) هو الذي يغتال قادة الشيعة !!! الراصد ]
ربما يكون هناك بعض الحوادث الفردية ولكن حتى الآن فإن جميع مراجع الشيعة يصدرون الفتاوى بشكل حاسم، وهو أنه لا يجوز القيام بردة فعل. [ أين الفتاوي التي تحرم نشاطات فيلق بدر ووزير الداخلية . الراصد] كما أن الخطابات تنتقل من الجهات الدينية، سواء السنية أم الشيعية، تدعو إلى الوحدة الإسلامية والوحدة الوطنية.
•…حوار العرب: ما هو السبب الذي جعل الشيعة يمتنعون عن مقاومة الاحتلال. أليس هذا من شأنه أن يقلق أخوتهم السنّة ويثير نقمتهم؟
ـ السيد فضل الله: هناك نقطة لم يفهمها كثيرون، وهي أن الشيعة حوصروا في نظام الطاغية صدام حسين حصاراً لم يعرفه شعب. هناك عشرات الألوف من القتلى. ونحن نعرف الحكم الذي صدر عن أجهزة صدام حسين وهو إعدام كل من ينتمي إلى "حزب الدعوة" مثلاً.
والشيعة حوربوا في اقتصادهم وسياستهم وأمنهم وحرياتهم، بحيث أن أغلبهم هاجر إلى بلدان العالم. لذلك لم يعد هناك طاقة في الواقع الشيعي الذي قاوم النظام سابقاً عندما كان في حماية أميركا.(30/76)
وأستطيع القول من خلال معلوماتي، إن الشيعة ضد كل احتلال، انطلاقاً من الاحتلال البريطاني وحتى الآن. ولكن المسألة هي أن المبادرة الأميركية عملت على أن تثير في حركتها وإعلامها بأن دورها هو دور المنقذ وليس دور المحتل.[ هذا التحليل يدل على أحد أمرين : غباء الشيعة أو مكر وخبث فضل الله !؟ الراصد ] ولذلك فالشيعة بعد الاحتلال الأميركي، راحوا يعملون على لملمة جراحهم والتفكير في الواقع الذي يعيشون فيه، ولم يكونوا يملكون أي قوة في داخلهم لمواجهة الاحتلال، لأنهم يخافون عودة نظام الطاغية الذي استطاعت فلوله السيطرة على أغلب السلاح وأغلب الإمكانيات، هذا بالإضافة إلى أن المحيط العراقي لا يدعم الشيعة المحسوبين على إيران.
•…حوار العرب: ما هي حقيقة ما يشاع عن النفوذ الإيراني في العراق وأن إيران تعمل على تقسيم العراق، فلا يقوم له قائمة في المستقبل؟
ـ السيد فضل الله: نحن نعتقد أن أي دولة مجاورة لدولة أخرى، لا بد أن تعمل لكي يكون لها نفوذها السياسي والأمني فيها. وهذا ليس بدعاً في السياسات الدولية، فكيف إذا كانت الدولة المعنية تخشى على أمنها من الدولة الأخرى. لكن الحديث الذي يثار من أن إيران تريد تقسيم العراق، ليس واقعياً، بل ليس من مصلحتها ذلك. [ لا تعليق . الراصد ]
ونحن نعرف أن لإيران علاقات جيدة مع الأكراد ومع بعض السياسيين السنة أيضاً، فضلاً عن علاقاتها مع الشيعة، وبطبيعة الحال، هناك نوع من القرب بين إيران والشيعة، تماماً كما هو الحال بين أية دولة عربية مجاورة للعراق والسنة العراقيين. أما قضية سيطرة إيران على العراق، بحيث تجتاحه سياسياً وأمنياً، فالعراقيون لا يقبلون بذلك..
•…حوار العرب: بمن فيهم الشيعة؟(30/77)
ـ السيد فضل الله: هذا ينطبق على السنة والشيعة. نعم الشيعة العراقيون لا يقبلون بذلك، بل يريدون الصداقة وحسن الجوار مع إيران، ويرفضون رفضاً مطلقاً أن يكونوا تحت الحكم الإيراني. وهذا ما نعرفه من خلال الساحة العراقية. والإعلام الذي يتحدث بغير هذه الطريقة، هو إعلام مسيّس ويحاول إشاعة أن إيران خطر على العراق، وعلى هويته العربية.
تأسيس بنك فدك الشيعي
الفرقان الكويتية 3/10/2005
استنكر الأمين العام لتجمع ثوابت الأمة محمد هايف المطيري إطلاق اسم -فدك- على عملاق اقتصادي شيعي يستعد للنهوض، لافتاً إلى أن هذا الاسم أثار تساؤلات عديدة من قبل الجميع لماذا؟ وكيف تم اختيار هذا الاسم دون غيره؟!
وأضاف المطيري خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده بديوانه بالفردوس، أننا قد بحثنا عن هذا الاسم وجدنا أن هذا الاسم هو عبارة عن موقع أرض بالقرب من المدينة المنورة كانت أرضاً لليهود صالحوا عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير حرب فأصبحت ملكاً للنبي صلى الله عليه وسلم .
وتابع قائلاً: ولم تدخل في الغنائم ولم يستأثر بها النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه أو لورثته مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم -إنا معاشر الأنبياء لا نورث وما تركناه صدقة-، مبيناً أنه لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان خليفته أبوبكر رضي الله عنه وكان عالماً بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم فأرجع هذه الأرض لبيت مال المسلمين.
- وأشار إلى أن فاطمة رضي الله عنها جاءته تطالب بهذه الأرض -فدك- على أنها من ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلت آية الميراث عليه، لافتاً إلى أن فاطمة رضي الله عنها لم تكن تعلم بلا شك عن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم السابق -أن ما تركه صدقة- واختلفت مع أبي بكر الصديق رضي الله عنهما حول هذه القضية.(30/78)
وقال هايف إن هناك قضايا عديدة اختلف فيها الصحابة فيما بينهم، بل واختلف أهل البيت فيما بينهم، موضحاً أن سبب هذا الاختلاف يرجع إلى حفظ أحدهما حديثاً لم يحفظه الآخر أو لم يعرفه، ولذلك كان يمتاز أبو هريرة بكثرة حفظه للأحاديث النبوية لملازمته رسول الله صلى الله عليه وسلم .
واستغرب من اختيار هذا الاسم لكونه لم يُذكر إلا في العصور المتقدمة في صدر الإسلام فاختياره اليوم لا يراد منه إلا الفتنة والإثارة، متسائلاً لماذا هذا الاسم دون سائر الأسماء التي تنوعت وتعددت التي ترمز للتجارة والاقتصاد والترغيب فيهما؟!
وأوضح هايف أن اسم -فدك- فيه خلاف بين السنة والشيعة، وهناك فئة تسعى جاهدة لإثارة الفتن من الطائفة الشيعية وليس كل الشيعة فمنهم من هو من رواد ديواني وينكرون إثارة الفتن ومثل هذه المواضيع.
وأشار إلى أن هذا لا يدخل في مسمى الطائفية التي نحذر منها، فعندما تقوم مجموعة من السنة بالإرهاب وسفك الدماء من خلال حمل السلاح نحن أول من ينكر مثل هذه التصرفات الدخيلة على الإسلام، داعياً الجميع الاستنكار لكل من تسول له نفسه إشعال نار الفتنة حتى يسود الأمن والأمان في البلاد.
- وأنحى باللائمة على هيئة خدام المهدي التي صدر في حقها أحكام قضائية وهي التي أخرجت لنا في السابق فتنة الشريط -لياسر حبيب-، وما كان فيه من سب وقذف، ثم أخرجت لنا تقويم الكساء الذي يكيل السب والشتائم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مؤكداً على أن من يسعى لنشر مثل تلك الفتن من خلال اختيار هذا الاسم للبنك ما هو إلا هيئة خدام المهدي.(30/79)
وتابع قائلاً: إننا بحثنا في أرشيف ثوابت الأمة الذي نحتفظ به ووجدنا اسم -فدك- موجود في مجلاتها ومضخم ومهول بل مصور على أنها قضية كفر وإسلام نفاق وردة!! بهذه النصوص جاءت مجلة المنبر الناطقة باسم هيئة خدام المهدي، مستنكراً على من جاء يبشر أهل الكويت بقدوم العملاق الاقتصادي وهم يرون أن -فدك- هي -الثورة والثائر- وهذا ما جاء في مجلتهم المنبر.
وتساءل هايف على من يثورون وممن يثأرون الآن؟!
- وقال: لقد وجدنا في أعداد مجلة المنبر أن هنالك بنكا ليس اسماً فقط بل هو معلن قبل 4 سنوات للأسف تجمع له التبرعات والأموال، وتنشأ له صناديق الاستثمار، وتجمع له الأموال، وتوزع له السندات، مستغرباً من جرأة هذه الهيئة التي سمحت لنفسها بفتح مكاتب لاستقبال عملائها من خلال البنك الذي لم يؤخذ له ترخيص ولا إذن من الدولة.
أين الشؤون ؟!
واستنكر هايف على وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل أن تقوم بعملية عشوائية ضد الجمعيات الخيرية المرخصة من قبلها والمؤذون لها بالتضييق عليها أشد تضييق مع أنها تعمل في وضح النهار، متسائلاً هل تعلم الحكومة الموقرة عن وجود هذا البنك المؤسس قبل 4 سنوات، وله خدمات وأرقام هواتف ومكاتب وسندات أم لا؟! فإن كانت الحكومة تعلم فتلك مصيبة، وإن كانت لا تدري فالمصيبة أعظم.
منذ 4 سنوات
وقال إن هذا البنك -فدك- تأسس في عام 1422هـ - 2002م ورد وكيل وزارة المواصلات السابق حامد خاجه وتفنيده لاسم -فدك- أثار الشكوك بأن له يداً في موضوع اختيار الاسم بل ربما قد تكون له صلة مباشرة بهيئة خدام المهدي، لافتاً إلى أنه وجد أن نشرات الهيئة غير المرخصة توزع وتختم بختم البريد الرسمي للدولة، وزارة المواصلات التي لم يحترم وكيلها السابق قوانين الدولة وهي التي ستدخله في المساءلة القانونية.
عاشور ..(30/80)
وأشار إلى أن النائب صالح عاشور كان يفتتح مشاريع ويحضر احتفالات ويوزع فيها جوائز على هيئة خدام المهدي، وهذا من خلال الصور في افتتاح مكتب هيئة خدام المهدي وديوانه، وإلقائه كلمة بهذه المناسبة وهو يصر على الحضور عندهم.
سراديب !
وأضاف هايف أن ارتباط البنك بهذين الرجلين مع ما عليهما من علامات استفهام وقربهما واتصالهما بهيئة خدام المهدي لخدمتهم عن طريق توزيع نشراتهم غير المرخصة عبر وزارة المواصلات مجاناً.
وبين أن هذا البنك هو نفسه الذي أعلنت عنه هيئة خدام المهدي، وأخذت تجمع له الأموال والتي لا ندري أين توضع هذه الأموال ولا نعلم مصادرها الحقيقية، مؤكداً أن مصادرها سرية وغير مرخصة كونها تمت بصفة غير رسمية، بالإضافة إلى وجود حصالات لجمع الأموال من غير ترخيص ولا إذن رسمي.
جرأة ..
وتساءل هايف: ما الهدف من الجرأة على هذا العمل وضرب قوانين البلد عرض الحائط دون رقيب أو حسيب حتى تقول الهيئة: -إن الحسين لا يحتاج إلى ترخيص-، متأسفاً أن تحدث مثل تلك الأمور في بلد القوانين، بل ويتحدون ويقولون: -هذا المستحيل سنحققه يوماً- يتحدون الحكومة والقضاء والدولة والقانون بأجمعهم.
أمن الدولة
وقال: أين دور جهاز أمن الدولة؟ هل تنبه لخطورة هذا الأمر؟ وهل اكتشف أسرار مثل هذه الهيئة وعلم مقدار الحجم والجرأة التي وصلت إليها الهيئة؟ أم لم يعلموا عنها شيئاً لكونها تدار في السراديب؟!
ملايين !
وحذر هايف الحكومة من السماح لهذا البنك بالاستمرار؛ لأنه سيقوم على أموال جمعت بطريقة غير مشروعة وغير قانونية مما يُتيح المجال لجماعات ومجموعات وهيئات وأناس إتباع الطريقة نفسها التي قامت بها هيئة خدام المهدي، والتي لا يعلم من أين ولا كيف حصلت على مبالغ تقدر بـ35 مليون أُعلن عنها وجعلت المجموعة شركة مقفلة تدار من خلال رموزها الذين صدرتهم لمسؤولية هذا البنك.
سابقة(30/81)
ودعا الحكومة لمناقشة هذا الموضوع في مجلس الوزراء إن كانت الحكومة تريد الإصلاح كما أعلنت من خلال محاربتها للفساد لكون هذا البنك هو الفساد بعينه، وهو تدمير للبلد وخروج عن القوانين واستخفاف واستهانة بهيبة القانون، مطالباً بمناقشة مثل هذا الموضوع في مجلس الأمة لكونها سابقة أولى في تاريخ الكويت أن يحدث هذا الأمر دون رقيب ولا حسيب.
دور الحكومة
وقال هايف إن على الحكومة والمجلس منع مثل هذه الأمور لكي لا تحدث في المستقبل، وإلا فإنه سيفتح المجال لانتهاكات أخرى في القانون، بل وسيدفع هذا للقيام بتنظيمات سرية على هذا الشكل والمنوال، مستغرباً التضييق على من يأخذ تصريحاً وإذناً من الدولة وغيرهم يحققون ما يريدون غير عابئين لأحد.
ثوابت الأمة
ورداً على أسئلة الصحافيين قال: إن تجمع ثوابت الأمة يتصدى لأي ضرر على مصلحة الأمة الدينية أو الدنيوية، لافتاً إلى أن هذا البنك أسس على أهداف أخرى غير معلنة، وتم إنشاؤه في السراديب قبل أن يظهر للعيان خصوصاً وأنه انطلق من قبل هيئة مشبوهة مازالت تثير الفتن في البلاد.
تحقيق
ودعا هايف لإحالة المسؤولين عن هذا البنك للتحقيق وخصوصاً وكيل وزارة المواصلات السابق لسماحه بتوزيع نشرات غير مرخصة ممنوعة، بالإضافة لمساهمته في بنك غير مرخص ولا معلن وهو على منصبه في السابق، وإحالة النائب عاشور أيضاً للتحقيق معه حول هذا البنك على ضوء تلك الوثائق.
- ورداً على سؤال حول مشاركة النائب محمد الصقر في تأسيس هذا البنك قال هايف: أصل البنك وتأسيسه هو الذي عليه الشبهة، فالبنك أسس قبل 4 سنوات في السراديب، والأطراف التي شاركت أخيراً قد لا تعلم كيف تم تأسيس هذا البنك، وكيف جمعت تلك الأموال. هذا حدث كبير ومريب لا يمكن تصوره في بلد يحكمه القانون.
تنفيذاً لتوجيهات الشيخ صباح: -فدك - تغير اسمها إلى-العقيلة-
الفرقان الكويتية 10/10/2005(30/82)
بعد جهود كبيرة قامت بها -ثوابت الأمة- وما نشر في -الفرقان- بالصور والوثائق وتحركات من المخلصين في البلاد بداية من توجيهات سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ صباح الأحمد أعلن رئيس اللجنة التأسيسية لشركة -فدك- للإجارة والتمويل حامد خاجه عن تغيير اسم الشركة إلى شركة -العقيلة- للإجارة والتمويل والاستثمار؛ ومن المعروف أن اسم -فدك- كان لإحياء أمور عقائدية تثير النزعات الطائفية ؛لأن فدك كانت أرضا للنبي محمد صلى الله عليه وسلم في المدينة وعند وفاته صلى الله عليه وسلم طالبت فاطمة ابنته رضي الله عنها بالأرض فقال لها أبوبكر الصديق رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: -نحن معاشر الأنبياء لا نرث ولا نورث- فالأرض تعود للمسلمين.. وقد أجمع الصحابة رضي الله عنهم على ذلك.
- وأملنا ألا تثير منهجية -العقيلة- الطائفية؛ فالعبرة ليست في الاسم ولكن في العمل ونشاط الشركة.
حرب صنعاء ضد السلفيين"تلفزيونية"!
الوطن العربي 9/12/2005
يروى أن الرئيس علي عبد الله صالح استدعى ذات يوم الشيخ عبد المجيد الزنداني ووقفا على الربوة المطلة على ميناء المعلا ليشير الرئيس اليمني بإصبعه تجاه الضفة الأخرى من البحر العربي قائلا "الأميركيون يوجدون الآن هناك.. ولا نريدهم أن يقتربوا أكثر.. من الأفضل أن تغلق جامعتك يا شيخ"، ويلخص هذا الموقف قصة صالح مع السلفيين في اليمن.
حرب ضد السلفيين
وقد أرسلت الإدارة الأميركية إلى المسؤولين في اليمن قائمة بمجموعة من الشخصيات وضعت أمامها علامة (×) وطلبت وضعها قيد الاعتقال بحجة أنهم المسؤولون عن التنامي المتزايد للتيار السلفي في اليمن الذي تحاول الولايات المتحدة إزاحته أو اجتثاثه أو حرفه عن مساره في أقل الأحوال، وقد وضعت خطة لتفعيل هذا التحول من خلال ثلاثة عناصر:(30/83)
* دعم الفرق البدعية التقليدية من إسماعيلية ورافضة وصوفية لها وجودها على الساحة والتي تتربص بهذا التيار باعتباره عدوا تقليديا عقائديا!، ووفقا لما يقوله الشيخ عبد المجيد الريمي فقد أصبحت هذه الفرق تحظى بمكانة لدى القوى الخارجية التي تراهن على هذه التيارات في تحقيق مخططاتها على المدى القريب، وقد صار لأعضائها أيضاً حضور فعال في مفاصل الدولة ومواقع صنع القرار نظرا لاصطلاحها مع الواقع القائم وتبادلها المنافع الذاتية معه وهو ما توافق مع الرغبة الأميركية!
* تقوية الأحزاب العلمانية المختلفة والتي تتصادم مع التيار السلفي في أهم خصائصه وغاياته التي يسعى لها وهي إقامة حكم إسلامي شامل يلتزم بالإسلام عقيدة وشريعة ومنهج حياة، ومن أشد هذه الأحزاب مناصبة للعداء على التيار السلفي "الحزب الاشتراكي اليمني"، باعتباره حزبا قام على المفاهيم العلمانية تجاه الدين وأتباعه، أما بقية الأحزاب العلمانية اليمنية من بعثية وناصرية مما يقوم على الفكر القومي فهي تعيش في الفترة الحالية حالة اصطلاح مع الإسلام نظرا لطبيعة المجتمع اليمني المسلم وتنامي ظاهرة الصحوة في أوساطه.
وهناك بروز قوى في الفترة الأخيرة لتيار ليبرالي علماني منحل ينمو في أعماق الحزب الحاكم وبعض الأحزاب الأخرى، نتيجة الغزو العقائدي والفكري الذي استمر طيلة العقود السابقة بفعل الإعلام وبفعل التواصل الممنهج والمبرمج!. وهذا التيار يرفض الاتجاهات الإسلامية عموما، معتدلة كانت أم غير معتدلة وهو يحاول الاستفادة من الفرق البدعية شيعية أو صوفية أو باطنية ومن الأجواء الدولية في حربه ضد هذه الاتجاهات والرموز الإسلامية.(30/84)
*تدعيم مجموعة من وسائل النشر الثقافية ودفعها إلى محاولة تغيير البنية الفكرية والعقائدية للمجتمع اليمني، ولعل أبرز الأمثلة على ذلك كتابات صحيفة الثقافية الأسبوعية الرسمية والتي اتخذت من مهاجمة الثوابت الإسلامية منهاج عمل وهدفاً تسعى إليه من خلال العديد من الاتجاهات العلمانية!
ويعتبر الشيخ عبد المجيد الريمي هذه الفرق وتلك الأحزاب ثم هذا التيار الليبرالي من أبرز المخاطر التي ينبغي على الدعوة السلفية والسلفيين بمختلف فصائلهم التعامل معها وفق رؤية فكرية ومنهجية علمية وجهد دعوي، بعيدا عن أي صدام أو عنف يمكن أن تجر إليه في ثنايا أحداث ثانوية!
ولكن هل السلفيون فعلا متطرفون يرفضون الآخر دائما ويسعون إلى نشر أفكارهم بالقوة؟
ـ يقول الشيخ عبد المجيد الريمى: إن هذا من قبيل الكلام المرسل الذي تفرزه أبواق الدعاية الصهيونية، لكن الحقيقة أن الدعوة السلفية بعيدة عن أي عنصرية أو طبقية كما أنها سلمت من إثارة الفتن وسفك الدماء الذي رافق الثورات والانقلابات والحروب الداخلية والصراعات القبلية ولم تتورط في ملفات فساد سياسية أو عمالة خارجية أو تهديد لمصالح المجتمع اليمني، رغم ذلك فإنها لم تسلم من الاتهامات الخارجية، فكان من ضحايا هذه الاتهامات الشيخ عبد المجيد الزنداني والشيخ محمد المؤيد، ومن المتوقع إدراج المزيد!
والتآمر الذي تصادفه الدعوة السلفية والسلفيون من خارج أطرها لا يمثل الخطر الحقيقي، لأن الخلافات الداخلية والاختراق من الخارج ضمن الصفوف هو الخطر الأكثر فتكا، وهذا ما حذرنا الله تعالى منه في قوله "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم"، ولذلك أتمنى أن يدرك السلفيون ذلك ويلتفتوا إلى تنقية الصفوف كما المنهج، وإذا لم يفعلوا فإنهم سيدفعون ضريبة الانتشار والجماهيرية والأهواء الداخلية.
أخطاء السلفيين
هل يعني ذلك أن السلفيين بلا خطايا وأن المؤامرات الخارجية تستهدفهم بلا سبب؟(30/85)
ـ للسلفيين في اليمن أخطاء تمثل في بعض جوانبها أخطاء منهجية وحركية، بحسب انتماء التيار أو ذلك، غير أن اعتماد هذا التيار على مبدأين مهمين في تحركه يضمن له القدرة على الإصلاح الذاتي وتصحيح المسار، وهما: الاعتماد على المصادر الإسلامية الرئيسية من قرآن وسنة، ثم الميراث العلمي والسلوكي للقرون المفضلة والأئمة الأعلام، في ضوء تحقيقه وتنقيحه والاهتمام به جمعاً وتدارسا، ورجوع أتباعه للعلماء، وصدورهم عنهم، وتقديمهم على من سواهم، والالتفاف عليهم استشارة وتوجيها.. إلا أنه يمكن توجيه بعض النقد للتيار السلفي من النواحي التالية:
*افتراق التيار السلفي وانقسامه على بعضه،وضعف محاولات ومشاريع التوحيد فيما بينها.
*غياب الرؤية الاستراتيجية لواقع اليمن والمخطط الذي ينفذ فيها من قبل التيارات الأخرى والخارج، وبقاء رد الفعل على مستوى الحدث الجزئي.
*غياب القيادات الشرعية المتخصصة في فنون الشريعة بما يغطي احتياجات الساحة اليمنية، فالقيادات الحالية في غالبها غير متخصصة، ونادر منها من يحمل شهادة علمية عليا في تخصص شرعي.
*انفصال القيادات الشرعية عن العمل التربوي والممارسة الاجتماعية في إطار من توظيف الطاقات والكوادر، فالملموس أن العديد من العلماء وطلبة العلم لا يوظف الكوادر البشرية المتاحة إما لضعف قدرته الإدارية أو لغياب الدور الذي يمكن أن يقوم به معهم أو لغياب طاقات فاعلة حوله، فالقيادة الشرعية في اليمن قيادة مشيخية لا تقوم بقيادة وتحريك المجتمع المدني.
*غياب المشروع النهضوي المؤسسي المبني على رؤى استشرافية للمستقبل، ولعل طبيعة العلوم التي تلقوها أو مشاغل التعليم والدعوة حالت دون التخطيط لبرامج من هذا النوع.. إلا أنها ثغرة للآخرين يلجون منها بأفكارهم ورؤاهم الخارجية!(30/86)
وعود على بدء، هل حقا ما تقوله أميركا بأن حرب اليمن ضد أعدائها السلفيين حرب تلفزيونية! أم أن للرئيس علي صالح رؤى أخرى وأجندة داخلية قد تتقاطع أحيانا مع الرغبة الأميركية؟ هذا ما يبدو من خلال أسلوب المواجهة الذي تتبعه السلطات في اليمن، وهي كما يقولون أدرى بالاحتقان الداخلي ولديها مواءمات بين القبيلة والمجتمع المدني وأي اهتزاز في العلاقة قد تنشب عنه حرب أهلية هي ليست عن اليمن ببعيد.
حزب "الغدير" الشعوبي وجود مرفوض في مصر
الفرقان الكويتية 21/11/2005
حين يتم الإعلان عن تأسيس حزب سياسي أو له مرجعية محددة فإن الأمر يكون طبيعياً ولا غرو فيه، خصوصاً وأنه من المفترض أن الحزب الجديد في الدول الديمقراطية يضيف للحياة السياسية برنامجاً مختلفاً ومتميزاً في أهدافه عن بقية الأحزاب الأخرى.
ولكن حين يكون هذا الحزب قائماً على أسس ومرجعية طائفية تظهر وتتضح من اسمه، وتكون الدولة هي مصر فإن الأمر مختلف.. فقد ترددت الأنباء منذ فترة عن وجود نية لتأسيس حزب طائفي في مصر باسم "الغدير" يتزعمه المدعو محمد الدريني الأمين العام لما يسمى بالمجلس الأعلى لرعاية آل البيت والمعروف بأنشطته السياسية المتخبطة.
ونقول الأمر مختلف لأن أهل مصر لا يعترفون ولا يقبلون الطائفية، فمصر دولة إسلامية ويعيش أهلها المسلمون على عقيدة أهل السنة والجماعة وإن وجد قلة قليلة من أتباع الطرق الضالة المنحرفة مثل الصوفية ومشتقاتها فهذا لا يؤثر على المنهج الأساسي للمسلمين في مصر في أتباعهم منهج أهل السنة.
حول الوجود الشعوبي واتجاهات رفضه أو قبوله كان للفرقان هذا التحقيق.(30/87)
باستطلاع رأي مجموعة من الشارع المصري عوامه وخواصه كانت الإجابة القاطعة المانعة برفضهم أي تواجد طائفي باطني على أرض مصر نظراً لخروجهم في بعض الأمور والأحكام عن صحيح الدين وسبهم ولعنهم لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمهات المؤمنين وهو ما لا يجوز ولا يقبل في حقهم. إلا أن الفكرة جاءت من أحد الباحثين عن مصدر للارتزاق مهما كان الثمن ومهما تغيرت مبادئه، وهو المدعو محمد الدريني والذي يتشكل بكل ألوان التيارات السياسية والدينية.
وللعلم فقد قضى محمد الدريني في السجن ما يزيد عن عام حيث تم اعتقاله في 23 مارس من العام الماضي وخرج من السجن فقط منذ شهرين تقريبا وكان بسبب مجموعة من الاتهامات من بينها قيامه بتأسيس تنظيم باطني والإساءة إلى الحكومة السعودية.. هذا بجانب علاقته مع مدير مركز ابن خلدون، د. سعد الدين إبراهيم والمعروف باتجاهاته وممارساته العلمانية.
ومن المعروف أيضا أن محمد الدريني مر على كل الاتجاهات الفكرية والسياسية في مصر مثل الناصريين الشيوعيين، والعلمانيين، والليبراليين،... إلخ وكان قد نجح في إصدار جريدة باسم (صوت آل البيت) والتي أوقفتها الدولة مؤخراً، إلا أنه يحاول الآن استصدارها بترخيص أجنبي.
ويأتي اليوم الدريني ليحاول تأسيس حزب الغدير ذي المرجعية الشعوبية لتعزيز الوجود الطائفي في مصر والذي قدرته إحصائية أمريكية بأنه يبلغ 700 ألف مصري، وهنالك تقديرات أخرى من قبل الأجهزة الأمنية بأن عددهم يصل إلى مليون يندسون في الطرق الصوفية.
بداية يقول الدكتور جمال المراكبي، الرئيس العام لجماعة أنصار السنة المحمدية بمصر: إن الشعوبية لهم مجموعة موجودة في مصر منذ فترة والشارع المصري ليس هو الحكم الذي يفصل في رفض الوجود الشعوبي في مصر أو قبوله، ذلك لأن عوام الناس لا يملكون الأهلية التي تميز وتؤهلهم للحكم على فكرة مبنية على أساس ديني.(30/88)
ومعلوم أن الفاطميين حكموا مصر لثلاثة قرون تقريبا، ومعلوم أيضا أنهم مؤسسو الجامع الأزهر كمجموعة عبيدية، وفي آخر عصرهم قاموا باستمالة قلوب عوام المصريين ببناء المشهد الحسيني وزعموا أنهم جاءوا برأس الحسين بن علي ـ رضي الله عنه ـ ليدفن في مصر.
والشعب المصري بعقيدته الصحيحة لم يتعامل مع الفكر الشعوبي ولم يتأثر في جانبه العقدي الجوهري؛ فالمصريون يأنفون من سب أي من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم ويرون من يفعل ذلك مبتدعاً، ولكن للأسف الشديد ـ تسللت إلى المصريين عادات دخيلة مثل إقامة الموالد وبناء القباب والأضرحة والتوسل بها.
ويضيف الدكتور المراكبي: وجوهر عقيدة العبيدية الشعوبية اعتقاد العصمة لأئمة أهل البيت الذين نصوا عليهم، والطعن في سائر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بزعم أنهم سلبوا آل البيت حقوقهم.
الشعوبية
ويستطرد الدكتور المراكبي حديثه قائلا: وأهل مصر بطبعهم متدينون بالفطرة يحبون الله ورسوله ويحبون أولياء الله ويتولون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك آل بيته يعرفون لكل ذي حق حقه، فمعتقدنا توقير أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وآل بيته وإعطاء كل ذي حق حقه، ولا نخوض فيما وقع بين الصحابة من اختلاف بل نكف ألسنتنا عما شجر بينهم ونحسن الظن فيهم ونقول مقالة أهل السنة: دماء طهّر الله منها أيدينا فلا نلوث بها ألسنتنا ونكل أمرهم إلى رب العالمين.
مرفوض دستورياً
ويوضح د. جمال المراكبي طبيعة إنشاء حزب شعوبي فيقول: محاولة تأسيس حزب ديني طائفي باسم "الغدير" محاولة مرفوضة من الناحية الدستورية حيث يمنع الدستور المصري قيام الأحزاب على أساس ديني، أما على المستوى الدعوي فنحن لا ننكر وجود دعاة يدعون للطائفية وللأسف ليلبسوا به على المسلمين، والدعاة يتصدون لهم ويذبون عن السنة الغراء.
لا أرض للشعوبيين بمصر(30/89)
أما الدكتور عبد الله شاكر، نائب الرئيس العام لجماعة أنصار السنة المحمدية بمصر فيقول: الوجود الشعوبي في مصر لا أرض له لأن المعتقدات الباطلة التي عليها المغالون كالطعن في الصحابة والقول في الإمامة وغير ذلك لا يمكن أن يروج بين أفراد الشعب المصري بسهولة، ولكن يمكن القول بأن وجود التصوف الغالي الذي يقدمه بعض الأفراد في مصر يمكن أن يتخلل الوجود بين طرقهم، لأن من المعلوم أن هناك صلة وثيقة بين المغالين والتصوف إلى جانب التاريخ الطويل للدولة العبيدية في مصر الذي يمكن أن ينمي هذا الجانب لأن هذه الدولة كانت ترعى المغالين.
ويضيف د. شاكر: ونحمد الله عز وجل أننا في بلد لا يميل أهله إلى المعتقدات الباطلة ولا يعتقدون بها، وحينما وجدت طائفة قبل 15 عاماً تقريبا تتزعم وتتبنى الدعوة لهذا الأمر قامت الدولة مشكورة بإيقافها والتحفظ على بعض أفرادها، وهذا كان له دور إيجابي كبير في صد الهجمات الشعوبية للنشاط في مصر.
معاقلهم
وإلى أكبر معاقل الشعوبية وأماكن وجودهم انتقلت "الفرقان" إلى قرية طناح بمحافظة الدقهلية لتتعرف على حقيقة وجودهم ومدى انتشاره هناك، فتبين أن للمغالين وجوداً كبيراً في هذه القرية وعددهم لا بأس به، وأنهم يقومون بأنشطة وممارسات ضد الدين، ويوزعون أشرطة ومواد فيها سباب ولعان لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمهات المؤمنين إلى غير ذلك من مظاهر البدع والشرك.
وفي هذا يقول الشيخ محمد أحمد حامد، داعية إسلامي: كل مغالٍ يبدأ بدراسة واقع كل بلدة، ويضع من خلال هذه البلدة الشبه التي تثار داخل كيان كل إنسان بمعتقد معين، فإن كان صاحب علم وهذا العلم مبني على قول الله تعالى وقول رسوله الكريم ويفهم بفهم الصحابة فسنجد أن هذه الشبه بالنسبة إليه لا شيء، أما بالنسبة للعوام فسيأتي عليه الاستدراك عن طريق:
1ـ التعلق بآل البيت وحبهم.
2ـ كره علماء السلف.
3ـ بغض الملتزمين بمنهج السلف شكلا وموضوعا.(30/90)
وهذا يتحقق من خلال قادتهم ـ حتى إنني سمعت في شريط ينشرونه عندنا في طناح، يصفون فيه هؤلاء الذين يتحدثون باسم السنة بأنهم خوارج يكرهون قول الله وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنهم يقرؤون القرآن ولا يفهمون ما يقرؤون. فمن خلال هذا الكلام يحدث تلبيس على هؤلاء المساكين العوام ثم تأتي المرحلة القادمة من هؤلاء الذين يحبون الله ويحبون رسول الله، ألا تعلم أنهم المحبون لآل بيت رسول الله، وهذه هي التقيا والهدف منها نشر الفكر الشعوبي بطريق غير مباشر ثم يعملون على نشر كتبهم وهي المتحققة في الرد على علماء السلف ، حتى إنهم يتهمون شيخ الإسلام ابن تيمية بأنه كاره لآل البيت!!
من خلال هذا الكلام يظن العوام المساكين أن كل من تحدث بقول ابن تيمية يكون كارهاً لآل البيت، حتى إني تحدثت إلى شخص منهم وقال لي: إن ابن تيمية وابن القيم من الخوارج، وأنهم كارهون لقول الله تعالى وقول رسوله الكريم!! فقلت له: ما رأيك بالإمام ابن كثير فقال: لا يوجد عالم مثله، فقلت له: ألا تعلم أن ابن كثير تلميذ من تلامذة ابن تيمية؟! فقال وما المشكلة؟ فقلت له: إذا كان ابن تيمية خارجي فمن الأولى أن يكون ابن كثير يحمل هذا الفكر أيضا فبهت الذي تكلم.
فمن خلال هذه الأشياء يتضح فكر الشعوبية من خلال أسطوانة كمبيوتر ((CD والكلام للشيخ محمد أحمد حامد: وجدت رجلا يدعى حسن شحاته، فسمعت صوته وهو الصوت المطابق لأشرطته المنتشرة عندنا في طناح، فسمعته يقول: عمر وما أدراك ما عمر، يضع رجلاه اللعينتان من أجل ألا يفتح الباب على فاطمة الزهراء.
فانظر إلى هذا القول ستجد أن المنهج عندنا في طناح، حب آل البيت وهذه هي التقيا، أما المنهج الحقيقي فهو لعن عمر بن الخطاب؛ لأن من عقيدتهم أن يدعوا في صلاتهم؛ اللهم العن أبا بكر وعمر والعن كل من لم يلعن أبا بكر وعمر!!
كتب ضد السلفية(30/91)
ومن ضمن الأنشطة التي يقومون بها أيضا ومعهم بعض الطرق مثل العزمية؛ يقومون بتوزيع كتب ضد الدعوة السلفية والشيخ محمد بن عبد الوهاب، وتشويه صورته ودعوته وتشويه صورة الحكومة السعودية أيضاً، وكانت تنشر في سلاسل متتابعة بأسعار زهيدة داخل بعض الجامعات.
الطابور الخامس
أما وحيد الأقصري، رئيس حزب مصر العربي الاشتراكي والذي كان قد تقرب إليه محمد الدريني في فترة من الوقت والذي أنكر عليه بعض الخلق إلا أنه رفض الحديث عن هذه العلاقة لأنه برفض هذا الشخص وأمثاله فيقول: نحن لا نعتد بأي تيار غير شرعي مهما كان حجم وجوده في الساحة لأننا نستظل بمظلة الشريعة ونحارب أدعياء الشريعة بالشريعة، ولو ترك الباب لتيارات غير شرعية لتحولت مصر إلى عراق آخر، ولظهرت فيها الفتن نتيجة اختلاف الطوائف والتيارات، ونحن لن نقبل ذلك على الإطلاق بل نحاربه، وقد أشار الأقصري إلى ما يطلق عليه عناصر الطابور الخامس الذين يمولون من الخارج.
أهداف الحزب
الأهداف الخمسة التي أعلنها الدريني لم نجد بينها إعلاء شأن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ـ ولا عمل مصارف اقتصادية لآل البيت الذين يدعي الانتساب إليهم.
إن الرجل عندما أعلن عن حزبه أخذ يصرخ أن حزبه سياسي لا ديني.. فإذا كان حزبك سياسياً ـ والكلام لأبي إسلام ـ فلماذا يحمل اسماً وهوية شعوبيتين، إنما هي تلك الحالة التي يعيشها من أغوتهم الأنظمة المغالية من أبناء مصر فأصيبوا بحالة انفصام الشخصية.
الأهداف الخمسة
وعن الأهداف الخمسة لحزب "الغدير" التي أعلنها الدريني يصفها أبو إسلام بأنها خمس نكات تضحك الحزين وتبكي السعيد وهي:
1ـ إنشاء وزارة للمعوقين جسدياً وهي دلالة صادقة على أن الدريني يعبر عن نفسه جيداً.(30/92)
2ـ إنشاء وزارة لحقوق الإنسان، وهو مطلب يؤكد أن الدريني ينبغي أن يحال إلى المعاش ويعتزل ـ بأسرع ما يمكن ـ أي عمل ينتمي إلى السياسة، إذ أنه على ما يبدو لم يقرأ أو يسمع عن وزارات حقوق الإنسان التي تشرف عليها وزارات الداخلية في أمتنا العربية إلا إذا قرر هو من خلال حزبه تبعية هذه الوزارة إلى الأمم المتحدة.
3ـ إلغاء وزارة العدل ويكون بدلا منها هيئة مستقلة للقضاء وهنا نسأل: هل هذا الشاب الطموح قال هذا الكلام بتأثير ما حدث له في السجن مؤخراً أم أن أحداً ضحك عليه وصاغ له مبادئ الحزب وأهدافه ليورطه مع الرأي العام؟!
4ـ إلغاء وزارة الإعلام، وأشعر بالأسف على نفسي لو علقت على هذا المطلب.
5ـ إلغاء جهاز مباحث أمن الدولة، ويعد هذا أهم الأهداف الغديرية وأنا متأكد وعلى يقين بأن الدريني لن يصل إليها.
وندعو الله أن يهبنا الصبر والسلوان إذ إن الدريني في آخر تصريحاته أفاد أن هناك 30 هدفا من أهداف الحزب لم يعلن عنها حتى الآن.
قانون الأسرة يلهب الساحة البحرينية
بتصرف الوطن العربي ـ العدد /12/2005
الشيعة في البحرين كشفوا عن توجهاتهم الحقيقية، استغلوا الحراك السياسي والاجتماعي وجيشوا فرقهم في مواجهة يبدو أنها صارت قريبة مع السلطة والنظام، عطلوا إقامة صلاة الجمعة وأعلنوا العصيان المدني في سبع قرى من المحافظات الشمالية بل والأخطر أنهم طالبوا بعرض قانون محلي للأسرة على المرجعية العليا في النجف مما بات يشكل خطرا واضحا على تماسك المجتمع الذي يتكون من مزيج من الطوائف الدينية.
الأخطر من ذلك كله هذا التجييش والحملة المضادة التي تشهدها البلاد للوقوف في وجه القانون مما دفع البعض إلى التأكيد على أن هناك جهة خارجية تدفع باتجاه التصعيد لإثارة الفتنة في البلاد.
وإذا كانت مشاهد الأحداث في الشارع البحريني توحي بأن الرفض ينحصر في المنتمين للطائفة الشيعية، فهذا مشهد حقيقي إذ ليست هناك مشكلة لدى الطائفة السنية.(30/93)
أما بالنسبة للشارع الشيعي فقد أبدى المجلس العلمائي بقيادة الشيخ عيسى أحمد قاسم توجسه من تغيير السلطة للقانون مستقبلا، فالقوانين قد تبدأ شرعية وتنتهي علمانية، ويتخوف الشيعة من أنه إذا اقتصرت العملية الآن على مسألة الصياغة مراعاة للحال الموضوعية وحذرا من سخط الشعب، فإنها لن تتوقف عند هذا الحد فيما بعد وطالب المجلس العلمائي الذي يضم علماء دين شيعة فقط بضمانات ثلاثة للقبول بعملية التقنين وفق المذهب الجعفري، وهي:
1ـ أن تكون المرجعية للشريعة الإسلامية، وتحديداً للمرجعية الشيعية في النجف الأشرف.
2ـ ألا يتم الإشراف والمراقبة على القانون إلا عبر فقهاء معتمدين لدى الطائفة الشيعية.
3ـ إعطاء ضمانة دستورية ثابتة وغير قابلة للتغيير أو التعديل مستقبلاً.
ووفقا لمصادر "الوطن العربي" فقد اعتبرت السلطة في هذه الشروط "وتحديدا الشرط الثالث" شروطا تعجيزية وغير ممكنة، وقد علقت لولوة العوضي الأمين العام للمجلس الأعلى للمرأة بأن إضافة مثل هذا النص مخالفة جسيمة للدستور الذي وضع قاعدة عامة يبين فيها طرائق سن التشريعات، وتضمن في الوقت نفسه نصاً خاصاً بطريقة تعديل قانون أحكام الأسرة، كما ذهب الجانب الرسمي إلى أن المادة الثانية من الدستور تقول بأن الإسلام دين الدولة وأن الشريعة مصدر رئيسي للتشريع؛ ويترتب على ذلك وجوب أن تصدر جميع القوانين مطابقة أو موافقة أو لا تعارض مبادئ وأحكام الشريعة الإسلامية في حال لو كانت الشريعة الإسلامية تعالج موضوع هذه القوانين بنصوص صريحة، ويترتب على ذلك أنه لو وردت مواد في قانون أحكام الأسرة متعارضة مع أحكام الشريعة الإسلامية ومبادئها لأمكن الدفع بعدم دستوريته من قبل أصحاب المصلحة ومتى ثبتت المخالفة قضت المحكمة الدستورية بعدم دستورية النص، ويمنع تطبيقه من اليوم التالي لنشر الحكم.
الدبلوماسي الأميركي لبناني الأصل وليد المعلوف:
قضية حزب الله ليست داخلية لأنه لم يصنع في لبنان!(30/94)
الوطن العربي ـ 9/12/2005
•…... لكننا نرى بروز الهلال الشيعي الكئيب مكان الخصيب من حزب الدعوة وأمثاله في العراق والنظام السوري الطائفي المتحالف مع إيران وصولاً إلى "حزب الله" الشيعي في لبنان؟
ـ أنا شخصيا ضد التسميات الطائفية لأن ذلك يصنع اختلافاً طائفياً ولأن الديمقراطية ليس لها دين.
•…ألا ترى تهديداً من سيطرة الحركات الشيعية المتطرفة على العراق والتي أسست بأمر من الخميني في الثمانينيات امتدادا إلى "حزب الله" الشيعي في لبنان؟
ـ لقد زرت ديربورن وتحدثت في نادي بنت جبيل للأخوة الشيعة. وشيعة لبنان اليوم مرهونون لـ "حزب الله" الذي تديره إيران وسورية. والشعب الشيعي في لبنان وطني من الطراز الأول ولم يكن عمقه سوى لبنان ولم ينظر للخارج أبداً.
ومثلما كان لبنان رهينة بيد النظام السوري وتحرر الآن فيجب أن نساعد الطائفة الشيعية على التحرر من هيمنة "حزب الله". ولا يحق للشيخ حسن نصر الله أن يتحرش بإسرائيل ويخلق عدم استقرار في المنطقة. وعليه أن يتحمل هذه المسؤولية.. فأي ضرب إسرائيلي للبنية التحتية في لبنان فإن نصر الله مسؤول عنه مباشرة وأي ضرب للطائفة الشيعية في لبنان فهو أيضاً مسؤول عنه مباشرة.
ومن وجهة نظري أن على حسن نصر الله أن يرحل من لبنان ويأخذ معه الـ 200 إلى 300 فرد إيراني الذين يستخدمهم لإرهاب الطائفة الشيعية في جنوب لبنان وإرهاب الحكومة اللبنانية. ليذهب هو معهم إلى إيران ويترك لبنان ويريح الناس.
•…لكن "حزب الله" يقول إنه يريد تحرير مزارع شبعا المحتلة والتي يقول لبنان إنها لبنانية مع أن الأمم المتحدة وإسرائيل يقولان إنها سورية، ولا أحد يجرؤ على تحدي هذا الطرح لنصر الله؟(30/95)
ـ مع احترامي للسياسيين اللبنانيين فإن قضية "حزب الله" ليست قضية داخلية، لأن هذا الحزب لم يُصنع في لبنان بل صنع في إيران وسورية. فليس لديهم القدرة على حل قضية "حزب الله" داخليا. ولهذا السبب فإن حل وضع "حزب الله" يجب أن يأتي من الأمم المتحدة ضمن القرار 1559. ومع احترامي للسياسيين اللبنانيين الذين يقولون إن قضية "حزب الله" أمر داخلي فمعنى ذلك أنهم لا يساعدون في حل وضع الحزب.
الحل الوحيد لـ "حزب الله" هو المجتمع الدولي لأنه ـ كما ذكرت ـ لم يُصنع في لبنان وإنما في الخارج. لهذا السبب نصر الله يضع الطائفة الشيعية بالمعادلة الإقليمية وعلى لبنان أن يخرج من هذه المعمعة الإقليمية. وكفى استخدام لبنان طوال 30 عاماً في هذه المعمعة ويجب على الديمقراطية أن تسير بانفتاح من لبنان إلى سورية إلى العراق، ونعطي الشعوب العربية والفرد العربي فرصة لتربية عائلة وفتح بيت وشراء سيارة ويستطيع أن يسافر ويتعلم ويدخل أولاده للجامعات ولا يتركهم على الطرقات حتى يحاربوا أكس وواي وزد.. ويظلوا غير متعلمين.
سلاح "حزب الله"
•…قال السناتور بايدن لـ "الوطن العربي" بعد عودته من لبنان إن الحكومة اللبنانية غير قادرة على نزع سلاح "حزب الله"... فكيف ترى إمكانية نزع سلاحه المتمسك به تحت مقولة التحرير؟
ـ لهذا على "حزب الله" والدولة اللبنانية تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي 1559.
•…يقال إن هناك موافقة أميركية لاقتسام لبنان بين الطائفة الشيعية والسنية وتهميش الموارنة؟
ـ أنا أرفض كلبناني أن توضع التحالفات السياسية في لبنان في الإطار الطائفي. واليوم لا يوجد مسلم ومسيحي في لبنان بل هناك 14 مارس "آذار" ومليون لبناني نزلوا إلى الشارع وطالبوا بالحرية والسيادة وهم الذين حققوا التغيير ولم يقم به أي سياسي في الخارج أو الداخل. هذا هو لبنان الجديد وهو ليس اتفاقا بين السنة والشيعة. بالطبع يجب أن تكون هناك شراكة لأن لبنان مميز بطوائفه.(30/96)
مجلة الراصد الإسلامية
العدد الحادي والثلاثون – غرة محرم 1427 هـ
فاتحةالقول: طائفية السياسات الشيعية في المنطقة العربية ...................................4
1-…فرق ومذاهب: عبدة الشيطان ..........................................7
2-…سطور من الذاكرة: قتل الوزير نظام الملك ............................20
3-…دراسات مواقف المفكرين 15: العلامة موسي جار الله ................25
4-…كتاب الشهر: الفاطمية دولة التفاريح و التباريح ......................35
5-…قالوا...................................................................41
جولة الصحافة:
- محمود طه.. تعاقبت الأزمنة و«الحملات» واحدة ........................45
- مقابلة مع صابئ ............................................47
- الطرق الصوفية تطلب احتكار "مجالس الذكر"! .....................51
- «الطائفة» المظلومة ! ............................................54
- خطة إذابة "أمل" في "حزب الله" ....................................56
- سياسة الكتلة الثالثة! .............................................60
- خفايا الصفقة الانفصالية بين الشيعة والأكراد! ....................62
- الحاطبون لشجرة المهدي المنتظر ................................66
- إيران والمكيالين .................................................69
- رؤية أحمد نجاد الدينية والسياسية ........................................72
- مسارات غامضة في العلاقات الإيرانية ـ الأمريكية ..............75
- تفاصيل أخطر صفقة سرية بين دمشق وطهران ...............79
- لماذا تواجه طهران واشنطن ..؟ ..........81
فاتحة القول
طائفية السياسات الشيعية في المنطقة العربية
قديماً قال أمير الشعراء أحمد شوقي :
لكل زمان مضى آية وآية هذا الزمان الصحف(31/1)
وذلك تعبيراً عن الدور الهام الذي يقوم به الإعلام ، ولإدراك علماء المسلمين هذا الدور المحوري للإعلام والصحف كانوا من رواد العمل الإعلامي والصحفي ، فمن ينسى دور مجلة المنار للسيد رشيد رضا ؟ ومن ينكر دور العلامة محب الدين الخطيب صاحب مجلة الفتح، و رئيس مجلة الزهراء في تأسيس النهضة الإسلامية المعاصرة .
ولكن تبدل الحال ، فبعدت المسافة بين أهل الدين و أهل الإعلام ، الذي سيطر عليه اليسار وفلوله وغاب عنه الصدق و الإيمان في الغالب .
و بسبب هذا الغياب لأهل السنة عن الإعلام ، راجت أكاذيب أعداء الإسلام من اليساريين واللبراليين والطائفيين من الشيعة وغيرهم ، ولم يعد هناك من يفضح زيفهم و خداعهم ويكشف مكرهم وعداءهم . وسنركز في هذا المقال على بعض المواقف والتصريحات التي تبين حقيقة سياسات الشيعة المعاصرة و المصادمة للمصالح العامة للأمة الإسلامية ،رغم تظاهرهم بالحرص على الوحدة الوطنية والمصالح المشتركة.
1-…من المعلوم لكل عاقل مدى إجرام حزب البعث تجاه الإسلام والمسلمين، سواء في قسمه العراقي أو السوري ، لكن العجيب هو أن غالبية قيادات هذا الحزب بشقيه العراقي والسوري هم من الشيعة الإثني عشرية أو العلوية !!
وفي العراق يتبنى الشيعة سياسة اجتثاث البعثيين السنة دون البعثيين الشيعة !!
وفي العراق قاموا بحظر حزب البعث ، لكن في لبنان يعتبر البعث السوري حليفهم أو ولي الأمر للشيعة ؟؟؟
2-…شيعة السعودية و الكويت يستنكرون حق الأغلبية السنية في الحكم، لكنهم في العراق وإيران يرفضون أي دور لأهل السنة ، رغم أن سنة العراق هم الأغلبية وسنة إيران تبلغ ثلث السكان .
وهم يرفضون تشكيل حكومة وحدة وطنية في العراق ، لكنهم يعتبرون أنه يحق لهم المطالبة بالسيطرة على البحرين ! مع أنه لا تصح دعوى أغلبيتهم في البحرين أيضاً !!
3-…تعالت أصوات الشيعة معترضة على الدول العربية لتدخلها في العراق،(31/2)
وذلك حتى يستفرد الشيعة وإيران بالعراق ، لكن لما تضعضع موقف حزب الله في لبنان طالب الدول العربية بالتدخل لمساعدته !!؟
4-…يحق للمتشيعين في الدول العربية المطالبة بتكوين أحزاب شيعية كحزب الغدير في مصر ، لكن المواطنين السنة في إيران لا يحق لهم المطالبة بالحرية !
5-…يحق للشيعة العراقيين الموجودين في الأردن بناء حسينية لهم عمان بـ7 ملايين دينار ، بينما سنة طهران وهم مليون ونصف لا يجدون مكاناً لصلاة الجمعة منذ عقود سوى مبنى السفارة السعودية أو المدرسة الباكستانية !!؟
6-…نقد المرجع السيستاني في برنامج في قناة الجزيرة كبيرة من الكبائر ، تستوجب خروج المظاهرات في العراق وتصريحات منددة لكبار القيادات الشيعية السياسية ، أما رموز الإسلام من الخلفاء وأمهات المسلمين التي تسب في قنوات الشيعة الفضائية،فلا قيمة لها أو وزن عندهم!؟ بل لم نجد لهم حتى تصريح في الدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذي هاجمته صحف الدنمارك والنرويج ؟؟
7-…تخوبل المرجعية الشيعية تحديد رئيس الوزراء القادم للعراق ، مع أن هذا يجب أن يكون بالتشاور مع كل الأطراف في العراق لتقديم أدلة ملموسة على نية التعاون الجاد لبناء العراق .
هذه بعض المواقف والتصريحات التي تظهر حقيقة سياسات الشيعة ، وأنها سياسات طائفية ، منبثقة من العقائد الشيعية التي ترى كفر كل ما سواها من المسلمين ، وأباحة دمائهم وأعراضهم ، ولا تعترف بدولة أو نظام قائم مالم يكن مؤمناً بمهديهم المزعوم .
فهل يدرك هذا من يجب أن يدرك هذه الحقائق من علمائنا ودعاتنا وحكامنا؟؟
فرق
عبدة الشيطان(31/3)
تمثل جماعة "عبدة الشيطان" أحد مظاهر الانتكاسة، والبعد عن الفطرة التي فطر الله الناس عليها، إذ توجهت جماعات وأقوام إلى عبادة الشيطان وتقديسه من دون الله. ونحن في تناولنا لعبدة الشيطان، نود أن ننوه إلى أننا لا نتحدث عن "اليزيدية" تلك الديانة المنتشرة بين الأكراد في العراق وبعض الدول الأخرى، ذلك أننا تناولناها في العدد الثالث من الراصد، والحديث في هذا العدد مقتصر على تلك المجموعات الشبابية التي بدأت تظهر في بعض مجتمعاتنا الإسلامية، ويطلق عليها "عبدة الشيطان" وبدت متأثرة ببعض الأفكار والأديان التي انتشرت في الغرب.
النشأة:
يعتقد أن بداية هذا الفكر كانت في القرن الأول للميلاد عند "الغنوصيين"( )، الذين كانوا ينظرون إلى الشيطان على أنه مساوٍ لله تعالى في القوة والسلطان.
وقد ظهرت فكرة عبادة الشيطان وتقديسه في عدد من الديانات القديمة، وكان عند بعضها آلهة عديدة تمثل الشر. ففي الحضارة المصرية القديمة، وُجد الإله (سيت) أو (سيث) وهو يقترب من كلمة satan أي شيطان، الذي يمثل قوة الشر، وقد قدم المصريون له القرابين اتقاءً لشره.
وفي الحضارة الهندية، كان للشيطان دور كبير في حياتهم الدينية، عبروا عنه باسم الراكشا. وعند الإغريق كان اسمه دي إت بولس (D it-Boles)، أي المعترض. وفي أرض فارس، بدأت عبادة الشر والشيطان على تخوم الصحراء الآسيوية، وكانوا يعبدون شياطين الليل التي تطورت للتعبير عن الشر بالظلمة، والخير بالنور، وبما يعرف باسم "الثنوية".
وفي بابل وآشور، تذكر الأساطير أن صراعاً حدث بين آلهة الخير، وآلهة الشر، وفي التراث الأفريقي، ما زال يعتبر سحر الفودو، وهو السحر الرسمي الوحيد في العالم كنوع من تقديس الشيطان، والحصول منه على قدرات خارقة للسيطرة على بعض الناس( ) .
القرون الوسطى(31/4)
وفي القرون الوسطى، ظهرت في أوروبا عدة جماعات تتخذ من الشيطان إلها ومعبوداً ، منها جماعة "فرسان الهيكل" التي ظهرت في فرنسا، وكان لها اجتماعات ليلية مغلقة تبتهل فيها للشيطان، وتزعم أنه يزورها بصورة امرأة، وتقوم هذه الجماعة بسب المسيح وأمه وحوارييه، وتدعو أتباعها إلى تدنيس كل ما هو مقدس.
وكان فرسان الهيكل يتميزون بلبس قميص أسود يسمونه "الكميسية". وقد انتشرت هذه الجماعة في فرنسا وإنجلترا والنمسا، ثم اكتشفتها الكنيسة، وقامت بحرق مجموعة من أتباعها، وقتلت زعيمها ما بين عامي 1310ـ 1335م، وقد قالت إحدى عضوات هذه المجموعة قبل حرقها: "إن الله ملك السماء، والشيطان ملك الأرض، وهما ندّان متساويان، ويتساجلان النصر والهزيمة، ويتفرد الشيطان بالنصر في العصر الحاضر".
ثم ظهرت عدة جماعات مشابهة بعد ذلك، أخذ بعضها يمارس تعذيب الأطفال وقتلهم، وقد خطف لهذا الغرض مئات الأطفال بين عامي 1432ـ 1440م، والبعض الآخر أخذ يقوم بتسميم الآبار والينابيع مثل "جمعية الصليب الوردي". وفي القرن السابع عشر ظهرت جمعية تسمى "ياكين" تمارس الطقوس نفسها، وقد أعدم منها فوق الثلاثين فرداً، ثم ظهرت جمعيات أخرى مثل: الشعلة البافارية، الشعلة الفرنسية، وأخوة آسيا.
وفي 1770، أسس الألماني آدم وايزهاويت مذهباً مشابهاً باسم "حملة النور الشيطاني"، وقد أغلقت حكومة بافاريا محافل هذا المذهب سنة 1785، وحظرت أي نشاط لها( ) .
ثم اختفت هذه الأفكار لتعاود الظهور في منتصف الأربعينات من القرن العشرين( ).
ظهورها الحديث(31/5)
في عام 1948، ألف البريطاني ألستر كراولي الذي تخرج من جامعة كامبردج كتاباً أسماه "الشيطان الأبيض" دافع فيه عن الإثارة والشهوات الجنسية، وألقى محاضرات مطولة عن الجنس في بريطانيا، وأصبح بعد ذلك هو المعلم الأول لجماعة عبدة الشيطان التي أخذت تنتشر أيضا في الولايات المتحدة، ليتزعمها بعد ذلك يهودي أمريكي هو انطوان شذليفي Antone chethleivy، الملقب بالبابا الأسود.
وقد ترعرع ليفي في كاليفورنيا، وفي سنة 1966 أعلن عن فرقته، وأسس في سنة 1969 معبداً يدعى بكنيسة الشيطان (cos)، كما ألف عدداً من الكتب الفلسفية لترويج الفكر الشيطاني، منها كتاب "الشيطان يقول" ويحتوي على عبارات الشيطان التسع وأحكام الأرض الإحدى عشر، وكتاب "الإنجيل الأسود"، وهدف إلى تحقير طقوس المسيحية وشعائرها، وإلى بيان كيفية ممارسة العبادة، ويعتبر مرجعاً أساسياً لتوجيه الأتباع.
وبالرغم من أن معظم الباحثين يذهب إلى أن آنتون ليفي هو مؤسس فكر عبادة الشيطان في العصر الحديث، إلاّ أن البعض ينسب هذا الفكر حديثاً إلى موسيقى الروك والمغني الأمريكي ليتل ريشارد، الذي أدخل سنة 1952م إلى هذا الرقص أنغاماً وحركات تعود إلى العنف، وبعده في عام 1955م، تزعم ألفيس بريسلي الحركة الموسيقية، وراح يخاطب غرائز الشباب، ويشجعهم على رفض القيم الدينية والأخلاقية، وعلى الحياة نفسها( ) .
وإضافة إلى الولايات المتحدة، فإن عبادة الشيطان تشهد تزايداً في فرنسا أيضاً، فقد أشار تقرير صدر في شهر مارس/ آذار سنة 2005 عن البعثة الوزارية لمراقبة ومكافحة التجاوزات الطائفية، وتم تسليمه إلى رئيس الوزراء أن ظاهرة عبادة الشيطان تكتسب أرضاً جديدة في فرنسا مما يؤدي إلى زيارة عمليات تدنيس المقابر وطقوس معادية للمسيحية. كما تشهد الظاهرة تزايداً أيضا في الدول الاسكندنافية وروسيا وإيطاليا وإسبانيا وألمانيا واليونان وجنوب أفريقيا، واعترفت بعض الدول بها( ).(31/6)
وحسب تقارير مكتب التحقيقات الفيدرالي في الولايات المتحدة، فإنه يدخل في كل عام في هذه الديانة 50 ألف شخص في مختلف دول العالم، كما أكد أن هذه الطائفة وراء كثير من جرائم القتل وخطف الأطفال، وخاصة في ولايتي سان فرانسيسكو ولوس أنجلوس، حيث كانت الشرطة تجد بقايا دماء أطفال، وحيوانات مذبوحة بجوارها الشموع والأقنعة السوداء والجماجم( ) .
انتقالها إلى المجتمعات الإسلامية
ظلت المجتمعات الإسلامية محصنة فترة من الوقت من هذه "الديانة الإبليسية"( ) إلاّ أن بعض العوامل أدت إلى دخولها إلى بعض الدول الإسلامية، أهمها:
1ـ تطور وسائل الاتصالات، خاصة وأن شبكة الإنترنت هي الوسيلة الأهم لنشر أفكارهم، والتواصل بين الأتباع. ولهم على هذه الشبكة أكثر من ثمانية آلاف عنوان.
2ـ تسارع وتيرة التطبيع بين الدولة اليهودية، والعديد من الدول العربية والإسلامية، الأمر الذي أدى إلى ازدياد الخلطة بين مواطني هذه الدول وبين اليهود، خاصة في مصر، التي يفد إليها الكثير من اليهود، وبخاصة عبر منفذ طابا، الذي تحول إلى نقطة التقاء مهمة بين اليهود والمصريين، ولا يخفى هنا حرص اليهود على إفساد المسلمين، وصرفهم عن دينهم، ونشر الأفكار المنحرفة بينهم، ومنها أفكار عبادة الشيطان. لاسيما أن الشيطان حسب العقيدة اليهودية، رمز من رموز القوة المطلقة التي تضاهي قوة الله سبحانه، كما أنهم لا يُحملون الشيطان وزر إغواء آدم وإخراجه من الجنة( ) .(31/7)
3ـ ترويج الكُتاب اليساريين للأفكار المنحرفة في المجتمعات الإسلامية. وقد اعتبر أن من إرهاصات فكر عبادة الشيطان في بلادنا، المحاضرة التي ألقاها في بيروت الشيوعي السوري د. صادق جلال العظم سنة 1996 بعنوان "مأساة إبليس"، دعا فيها إلى رد الاعتبار لإبليس، والكف عن كيل السباب له والتعوذ منه، والعفو عنه، وطلب الصفح له، وهي المحاضرة التي ساقته إلى المحاكمة والتي تراجع أمامها لينجو من العقاب، وهو تراجع كاذب، وقد ضمنها من بعد كتابه "نقد الفكر الديني"( ).
4ـ تسخير كافة وسائل الإعلام والثقافة والفن، لنشر أفكار عبادة الشيطان، وجعلها مستساغة عند المسلمين، ومن ذلك نشر وسائل الإعلام الغربية لأفلام تتحدث عن مصاصي الدماء، وأشخاص ذوي قدرات سحرية، ليغروا الشباب بامتلاكها إن وجدت، مثل فيلم الغراب the crow، ومسلسل بافي، وإنجل وغيرها، وللأسف تساهم كثير من الفضائيات العربية في نشر مثل تلك الأعمال.
ومن سبل الدعاية لهذا الفكر بعض أنواع الموسيقى، مثل موسيقى Black Metal ، وهي موسيقى صاخبة تعتمد على الجيتار الإليكتروني، ومن أشهر الفرق التي تتغنى بعظمة الشيطان وتدعو إلى فكره، فرقة Dimmu Borgir وفرقة slayer، وأشهر مغنٍ يدعو إلى هذا الفكر يدعى مارلين مانسون، الذي ألّف كتاب "الطريق الخارج من جهنم"، ويخرج أغانيه بأسلوب فلسفي يثير غرائز الشباب، ويدعوهم للإعجاب بهذا الفكر. ويقول علماء النفس أن موسيقى بلاك ميتال تصنع نوعاً من الغياب الذهني.
كما ألف أتباع هذه الطائفة الكتب الكثيرة للدعوة إلى باطلهم، منها: "صمت إبليس" تأليف د. لورانس بازدر، و "إبليس تحت الأرض"، و "جاء لتحرير الرهائن" و "الطقوس الشيطانية" و "الساحر الشيطاني"، و "مذكرة الشيطان"( ) .
تسربها للدول العربية
1ـ مصر(31/8)
أول ظهور لعبدة الشيطان في مصر، يعود إلى أواخر سنة 1996م، ويقال أن كلمة "عبدة الشيطان" ترددت على أسماع المصريين لأول مرة في 27/1/1997، عندما خرجت الصحف المصرية تحمل خبراً مثيراً للجدل، عن القبض على 86 شاباً وفتاة يعبدون الشيطان.
وقد تبين أن هذه المجموعة تتراوح أعمارهم بين 15و 24 سنة، وأنهم من خريجي المدارس الأجنبية، ومن أولاد الطبقة الغنيّة.
كما تبين أنهم اعتنقوا هذا الفكر عن طريق الاختلاط بالإسرائيليين في المنطقة المصرح فيها بدخولهم إلى الأراضي المصرية بدون جوازات سفر إلى جوار طابا ومن خلال استدراجهم بالجنس والمخدرات والخمور( ).
كما قبضت السلطات المصرية في شهر مايو/ أيار سنة 2001م على 55 من الشاذين من عبدة الشيطان، ووجّهت لهم تهم ازدراء الأديان، واستغلال الدين في ترويج أفكار متطرفة.
وقد تم القبض على هذه المجموعة على متن باخرة نيلية، وكانوا يتخذون من صالة "الديسكو" فيها مكاناً لتجمعهم، وإقامة حفلات التعارف والتزاوج بعد تقسيم أنفسهم إلى رجال أزواج، ورجال زوجات!( ).
ومن القيادات الرئيسية في جماعة عبدة الشيطان في مصر أحمد عمر عبد الغفار وطارق حسن، وهو صاحب فرقة موسيقية، وشاب آخر اسمه تامر علاء( ) .
ومن بين الأماكن التي اتخذها عبدة الشيطان في مصر مقراً لممارسة طقوسهم، قصر البارون الشهير، الذي بني سنة 1905م، وهُجر فيما بعد، ولم تكن عليه حراسة فعّالة، إذ كانت تتسلل جموع الشباب والشابات إلى القصر لإقامة طقوسهم، وعندما كانوا يبدأون بحفلاتهم، يظن الناس أنها أصوات لأشباح وعفاريت، ثم تبين أنها لم تكن سوى تلك الصرخات الشيطانية المصاحبة لموسيقى الروك( ) .
2ـ الأردن(31/9)
ظهرت مشكلة عبادة الشيطان في الأردن في منتصف التسعينات، وقد حاولت السلطات آنذاك التقليل من حجمها إلى أن قبضت على مجموعة منهم في شهر سبتمبر/ أيلول سنة 2002، في إحدى قاعات الاحتفال في منطقة عبدون الراقية في عمّان، وهم يمارسون طقوساً غريبة، ويرتدون ملابس فاضحة، ويتقلدون بسلاسل من ذهب،ويرقصون بطريقة مثيرة على أنغام موسيقى غربية صاخبة.
كما داهمت السلطات عدداً من المحال التجارية التي تقوم بتوزيع أشرطة الفيديو، وأقراص CD، التي تروج لفكر عبادة الشيطان. وأعلنت دائرة المطبوعات والنشر عن مصادرة نحو ألف شريط فيديو، ومئات أقراص الكمبيوتر( ).
وكانت قد شهدت بعض الجامعات الخاصة تجمعات لهؤلاء الشباب والفتيات ، مما سبب بعض الصدامات مع الطلاب والمدرسين ، وقد تكرر في بعض الجامعات حوادث تلويث المصليات بالقاذورات ، وهو ما حدث أيضاً في مسجد زيد بن حارثة بمنطقة الجبل الأخضر في مدينة عمان .
3ـ لبنان
في مطلع عام 2003 أطلق وزير الداخلية اللبناني ـ آنذاك ـ إلياس المر صرخة نذير بشأن شباب لبنان، بسبب تفشي الظاهرة بينهم، داعياً إلى التشدد في تطبيق القوانين تجاه عبدة الشيطان. كما أعلن الوزير عن انتحار 11 شخصاً سنة 2002 وقعوا في براثن هذه الجماعة التي كانت قد شهدت انتشاراً في السنوات الماضية، ولا تزال تتغلغل في المدن. كما أعلن عن نية وزارته إنشاء مكتب مكافحة "عبدة الشيطان".
ويقول اللبنانيون أن عبدة الشيطان يعود ظهورهم في بلادهم إلى فترة الحرب الأهلية، وتحديداً إلى عام 1986، عندما قامت القوى الأمنية بمداهمة أحد الفنادق في منطقة جونيه بشمال بيروت، وألقت القبض على مجموعة منهم( ) .(31/10)
وقد أوردت صحيفة الشرق الأوسط (1/3/2003) قصة لأحد أفراد عبدة الشيطان ممن أقدموا على الانتحار، ويبلغ من العمر 13 عاماً فقط، إذ أطلق على رأسه رصاصة، تاركاً بجانبه رسالة إلى أهله وأخوته، يقول فيها إنه ذاهب إلى عالمه حيث السعادة الحقيقية، وإنه حزين عليهم كيف يعيشون في هذا العالم، وإنه سيتذكرهم دائما.
ولم يكن الأهل يعلمون أن ابنهم من عبدة الشيطان، وقالوا إنه لم يظهر على ابنهم ما يدل على أنه من أتباع هذه الجماعة، ولم يرتد أية أماكن خاصة سوى الذهاب إلى السينما، ولكنه كان كثيراً ما يجلس إلى طاولة الكمبيوتر والإنترنت.
4ـ البحرين
نقلت وكالة يو بي آي عن صحيفة الوطن السعودية في 12/4/2005 أن السلطات البحرينية على وشك القبض على رئيس تجمع عبدة الشيطان في البحرين، بعد حصولها على معلومات عنه، عقب اكتشافها حفلات للشواذ في أحد فنادق العاصمة المنامة.
ونقلت الصحيفة عن طالب في المرحلة المتوسطة أنه تلقى دعوة إلى الحضور من جماعة مجهولة نظمت 3 لقاءات منذ العام الماضي، في حين تجاوز أعداد الحضور 150 شخصاً من عبدة الشيطان، غالبيتهم تقل أعمارهم عن 15 عاماً.
وقال هذا الطالب بأنه حضر لقاءاتهم مرتين، مصطحباً كاميرا لتصوير الحفل، إلاّ أن سوء الإضاءة لم يمكنه من ذلك. وأشار إلى أن الحضور يبدأون بالرقص العاري، وتناول الخمور والمخدرات على وقع موسيقى صاخبة، إلى أن يدخل الجميع في حالة هيجان عامة تؤدي إلى الإغماء، يتخللها ممارسات شاذة لا أخلاقية.
وأشار عضو بمجلس الأمة البحريني إلى أن حفلات الشواذ التي تقام في العاصمة ، يحضرها شواذ قدموا من دول خليجية أخرى( ).
5ـ المغرب(31/11)
بدأت تنتشر في المدن السياحية كالدار البيضاء والرباط ومراكش وفاس وأغادير والصويرة . وينظمون حفلات بشكل دوري، أما لقاءاتهم العادية فتتم داخل مقاهٍ يلتقون فيها سرّاً، وقد يشاهدهم الناس منعزلين في ركن منها، وهم يتشحون بالسواد الذي يرمز للعوالم الشيطانية، ويتحدثون عن الموت بينما يدخنون الحشيش( ) .
وفي بداية شهر آذار مارس 2003 ، كتبت الصحف عن اعتقال 14 شاباً أحدهم مصري الجنسية، وتم الحكم عليهم بالسجن والغرامة المادية. واستنكر أهالي الشباب الأحكام الصادرة ضدهم قائلين إن أبناءهم مجرد أشخاص مولعون بالموسيقى( ) .
6ـ الجزائر
نشرت وسائل الإعلام هناك بتاريخ 3/2/2002 تقريراً إخبارياً جاء فيه أن مجموعة تلتقي كل ليلة في مقبرة مسيحية في الجزائر العاصمة وبحوزتها أشرطة تتحدث عن القوى الشيطانية، والقوى الخفية، وكانت تلك المجموعة تقدم قرباناً، عبارة عن ديك أو قط أسود، يذبحونه ويلطخون أجسادهم العارية من دمه، ثم يهمهمون بكلام غامض، ويدورون حول الدم المأخوذ من الحيوان الذي مزقوه قبل أن يبدؤوا بتصرفاتهم الشاذة.
ونقل معد التقرير عن طالب جامعي جزائري قوله: "لا يهمني ما يقوله الناس عني، مشرك أم كافر أم ملحد... أنا أشعر براحة الضمير، وواثق من تصرفاتي".
وعن سبب انضمام هذا الشاب إلى عبدة الشيطان، أفاد بأن ذلك كان من خلال محاضرة عبر الإنترنت ألقاها شخص سويسري من أتباع هذه الطائفة( ).
7ـ تركيا
كتبت إحدى الصحف في 24/1/2002 عن القلق الذي تبديه السلطات تجاه تزايد حالات الانتحار من قبل بعض الفتيات المنتميات لعبدة الشيطان، فقد ألقت طالبة في المرحلة الثانوية نفسها من فوق جسر بوغازيجي إلى مياه مضيق البسفور، كما انتحرت طالبة أخرى تدرس في مدرسة أجنبية خاصة في كانون الأول/ديسمبر 2000، وقد ذكرت صحيفة "زمان" التركية اليومية أن عدد عبدة الشيطان في تركيا يصل إلى ثلاثة آلاف( ).
8ـ ماليزيا(31/12)
اكتشفت السلطات الماليزية أول تواجد لعبدة الشيطان في عام 2001، واعتقلت آنذاك 150 شخصاً، وفي بداية شهر ديسمبر/ كانون الأول سنة 2005، وفيما يبدو أنه إحياء لتنظيم عبدة الشيطان، تم القبض على 105 شباب، بينهم 4 فتيات في عملية مداهمة لحفل موسيقي صاخب في قاعة بولاية نيجري سيمبيلان جنوب البلاد.
وتراوحت أعمار المجموعة بين 20 و 30 عاماً، ودلت الاختبارات التي أجريت عليهم أن 30 منهم تعاطوا المخدرات( ).
وتقول وزيرة التنمية الاجتماعية في ماليزيا زهرة سليمان أن هذه الطائفة تقوم بأعمال إلحادية، وحرق الكتب الدينية كالمصاحف، والقيام بسلوكيات غير عادية.
ويقول طالب، كان ينتمي لهذه الطائفة، أن عبدة الشيطان في ولايتي صباح وسراواك الشرقيتين، يقومون عادة بطقوس ذبح الماعز بشكل خاص، وشرب دمائها خلال سماع موسيقى البلاك ميتاك، وإن هذه البدعة تنتشر بشكل سريع في المدارس وبين الشباب( ) .
وأخيرا حظرت ماليزيا جميع أشكال موسيقى بلاك ميتال، وقال رئيس المجلس الوطني الإسلامي شكور حسين : رغم أن بلاك ميتال مجرد شكل من أشكال الموسيقى، إلا أن ثقافتها تدفع أنصارها إلى عبادة الشيطان والتمرد والقتل وتحض على الكراهية، وتدفعهم لممارسة شعائر مثل شرب دماء بشرية مخلوطة بدماء ماعز، أو إحراق نسخ من القرآن الكريم ( ).
9ـ في سجن أبو غريب
ربط البعض بين الممارسات الشاذة التي ارتكبها السجانون الأميركيون في سجن أبو غريب في بغداد، وبين الطقوس التي يقوم بها عبدة الشيطان.
وسبب الربط يعود إلى معلومات غير مؤكدة للآن أن مجموعة من المسؤولين عن العمليات الخاصة في قاعدة فورت براغ العسكرية (Fort Bragg) ضالعة في ممارسات السحر والشعوذة، وبرامج وتجارب الحرب الذهنية بالاشتراك مع عناصر تنتمي إلى جماعات عبادة الشيطان"( ).
10ـ غوانتانامو(31/13)
وفي المقال السابق، أشارت المجلة أيضاً إلى أن ما ارتكبه السجانون الأميركيون في معتقل غوانتانامو، له علاقة بفكر عبادة الشيطان، إذ أشارت المجلة إلى أن وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد أرسل في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني، سنة 2002، إلى الجنرال جيفري ميلر (Geoffry Miller) ليتولى قيادة معتقل غوانتانامو، لأن رامسفيلد كان يعتقد أن القائد الأسبق لم يحصل على نتائج جيدة في التحقيق. أما القائد الجديد ميلر فقيل عنه حينها أنه من جماعة "مقوسي الملاعق" (ممارسي الشعوذة والممارسات الباطنية).
وفي غوانتانامو شاهد العالم تدنيس القرآن الكريم حسبما نشرته مجلة نيوزويك. وازدراء الأديان وتحقيرها هو من أفكار عبدة الشيطان التي سيأتي بيانها.
وقد كتب أحد الضباط السابقين في الجيش الأمريكي عن بعض الممارسات التي حدثت في غوانتانامو فقال: "واحدة من التجارب التي تعلق في الذاكرة أكثر من أي شيء آخر هي لما قام أحد مسؤولي المعسكر برمي الإنجيل على الأرض وبدأ بركله وغير ذلك.. إنها كانت صدمة قوية، ولو أن هذا كان فقط في تدريب. إنني لا أشك في صحة قصة تدنيس القرآن"( ).
أفكارهم وطقوسهم وممارساتهم
1ـ اعتقادهم بأن الشيطان ظُلم من قبل الله ـ حاشا لله ـ عندما طرده من الجنة لمّا رفض السجود لآدم، لذلك فإنهم يعتبرون أن الشيطان يستحق التقدير، وهو رمز القوة والإصرار. كما يعتبرون الشيطان القوة العظمى التي تحرك الحياة والبشر.
2ـ إطلاق العنان لممارسة الجنس والشهوات وتعاطي المخدرات والخمور، إذ جاء في بعض وصاياهم: "أطلق العنان لأهوائك، وانغمس في اللّذة، واتبع الشيطان فهو لن يأمرك إلاّ بما يؤكد ذاتك، ويجعل وجودك وجوداً حيوياً". وكان تراولي، الذي سبق ذكره، يقول لأتباعه: "خذ من الجنس ما شئت، وكيف تشاء ومع من تشاء، وعلى الآخر أن يسلم لك".(31/14)
3ـ من طقوسهم: ارتداء الثياب السوداء، وإطالة الشعور، ورسم وشم الصليب المعقوف على صدورهم وأذرعهم، أو النجمة السداسية، ولبس قلادة سوداء عبارة عن نجمة خماسية يتوسطها رأس شيطان بقرنين ملتويين إلى الخلف.
4ـ يفضلون الاجتماع لأداء طقوسهم في أماكن مهجورة أو نائية أحياناً، ويرسمون على جدرانها أشكالاً مخيفة كالأفاعي والجماجم، أو أشكالاً غريبة تدمج فيها أكثر من حيوان أو هيئة.
5ـ يرافقهم في هذه الجلسات الموسيقى الصاخبة Hard Rock، ويرددون بعض الكلمات على شكل أغانٍ ينشد فيها الموت والانتحار، إضافة إلى تعاطي المخدرات والمسكرات بشكل مبالغ، وفي مثل هذه الحالات قد يلعقون دماء بعض، أو يمزقون قطة أو كلباً، أو ديكاً ويختارون اللون الأسود من الحيوانات، ويمزقونه وهو حي يعبثون بدمائه.
6ـ إقدام بعضهم على الانتحار، لأن هذا من الحرية التي يزعمونها، إذ يقولون أن للإنسان الحرية أن يأكل ما يشاء، ويلبس ما يشاء، ويموت متى يشاء! والانتحار عندهم انتقال إلى عالم السعادة الحقيقية، وأشبه بمحطة من محطات كثيرة يتدرج فيها الإنسان( ).
7ـ نبش القبور وإخراج جثث الموتى، ويتراقص كبيرهم فوق الجثة التي يعثرون عليها. ويقولون إنهم يفعلون ذلك لتقسية قلوبهم، ولمعاينة العدم والشعور به محسوساً، والتدريب على ممارسة القتل دون أن تطرف لهم عين.
8ـ اعتبارهم أن الأخلاق تكرس الضعف وحماية الضعفاء، وهم إنما يريدون أن تقوم العلاقات بين الناس وفق اللذة والمنفعة، ويعتبرون الأخلاق عنصر تعويق، لا عامل دفع وترقية.
الوصايا التسع
وهي مجموعة من الوصايا والمبادئ التي تعتبر من ثوابتهم:
1ـ أطلق العنان لأهوائك وانغمس في اللذة.
2ـ اتبع الشيطان، فهو لن يأمرك إلاّ بما يؤكد ذاتك ويجعل وجودك وجوداً حيوياً.
3ـ الشيطان يمثل الحكمة والحيوية غير المشوهة، وغير الملوثة، فلا تخدع نفسك بأفكار زائفة سرابية الهدف.(31/15)
4ـ أفكار الشيطان محسوسة ملموسة ومشاهدة، ولها مذاق، وتفعل بالنفس والجسم فعل الترياق، والعمل بها فيه الشفاء لكل أمراض النفس.
5ـ لا ينبغي أن تتورط في الحب، فالحب ضعف وتخاذل وتهافت.
6ـ الشيطان يمثل الشفقة لمن يستحقونها بدلاً من مضيعة الحب للآخرين وجاحدي الجميل.
7ـ انتزع حقوقك من الآخرين، ومن يضربك على خدك، فاضربه بجميع يديك على جسمه كله.
8ـ لا تحب جارك، وإنما عامله كأحد الناس العاديين.
9ـ لا تتزوج، ولا تنجب، فتتخلص من أن تكون وسيلة بيولوجية للحياة وللاستمرار فيها، وتكون لنفسك فقط( ) .
بين اليزيدية وعبدة الشيطان
تنتشر الديانة اليزيدية التي تقوم على تقديس الشيطان في الوسط الكردي في العراق وسوريا وجورجيا وأرمينيا، ويعتبر اليزيديون أن الشيطان هو مسبب الشر، لذلك طُرد من الجنة، ويسمونه طاووس ملك، ويدعون إلى تجنب شره بتقديسه، ويعتقدون بأنه سيتوب في آخر الزمان، أو يعود إلى مكانته عند الخالق.
كما أنهم يرون في الشيطان رمز المعاندة، والتوحيد، عندما رفض أمر الله بالسجود للإنسان.
فاليزيدية بهذا المفهوم للشيطان لا يختلفون عن جماعة عبدة الشيطان التي أسسها ليفي سنة 1966، لكنّ اليزيدية تحرم الزنا والشذوذ الذي يعتبر من الأساسيات عند عبدة الشيطان، كما أن هناك من يرى أن جماعة عبدة الشيطان تشكل خطراً يفوق خطر اليزيدية كون الديانة اليزيدية تمثل فكرة شبه مغلقة، ولا تنشطر، كما أن اليزيديين لا يستخدمون أية تقنيات في طقوسهم، وتنتشر بينهم الأمية والجهل( ) .
للاستزادة:
1ـ عبدة الشيطان وحركات انحرافية أخرى ـ حسن الباش.
2ـ بدعة عبادة الشيطان ـ د. أسعد السحمراني.
3ـ إظهار الحق في الأديان والفرق ـ الدكتور محمد مختار المفتي.
4ـ موسوعة الأديان الميسرة ـ إصدار دار النفائس.
5ـ مقال: عبادة الشيطان والاقتراب من الإثم ـ صالح الشورة ـ الغد 24/6/2005.(31/16)
6ـ مقال:عبادة الشيطان بين الحقيقة والخيال ـ خالد غسان ـ الرأي 21/7/2005.
7ـ مقال: معالجة ظاهرة عبدة الشيطان بالتكتم ، فاديا عثمان الشرق الأوسط 1/3/2003.
8ـ تحقيق:القبض على 55 شاذا يعبدون الشيطان،أخبار الحوادث المصرية 17/5/2005.
سطور من الذاكرة
قتل الوزير نظام الملك
في الربع الأول من القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) بدأت تظهر على السطح قوة عسكرية من المسلمين الأتراك، هي قوة السلاجقة الذين ينتسبون إلى سلجوق بن تقاق، حيث أصبحوا قوة واضحة في خراسان وما وراء النهر التي كانت تتبع للدولة الغزنوية.
لكن بداية الحكم السلجوقي، وتأثيره في الحياة السياسية الإسلامية، لم يبدأ إلاّ في سنة 429هـ (1037م) عندما ورث زعامة هذا البيت أحد أحفاد سلجوق، وهو طغرل بك محمد، حيث تمكن في ذلك العام من الاستيلاء على مرو من الغزنويين، واستطاع أن يوطّد حكمه على كامل خراسان بما فيها عاصمتها نيسابور، وأعلن نفسه سلطاناً فيها، وبعث إلى الخليفة العباسي في بغداد القائم بأمر الله يطلب مباركته، ثم استولى طغرل على المناطق المجاورة وأهمها خوارزم وطبرستان وجرجان والري وبلخ...
وهكذا تمكن طغرل من إقامة دولة واسعة الأرجاء في المشرق الإسلامي على حساب دولة الغزنويين( ) ودولة بني بويه( )، مما شجع الخليفة على استدعاء السلطان طغرل بك، والطلب منه لدخول بغداد لمواجهة البويهيين، ومؤامرات العبيديين الفاطميين( ).
واستطاع طغرل في ظل هذه الظروف أن يدخل بغداد، وينقذ الخليفة ويعيده إلى مقره معززاً مكرّماً، ويقضي على بني بويه سنة 447هـ ثم يقاتل البساسيري، ويقتله سنة 451.
وكانت الصبغة السنية شديدة الوضوح في دولة السلاجقة، إذ كانوا شديدي التمسك بمذهب أهل السنة، وكانوا يعدون أنفسهم جنود الخلافة الأوفياء، وإن كانوا لم يعيدوا للخليفة السلطات الفعلية التي فقدها إبان حكم البويهيين.(31/17)
وبعد وفاة طغرل سنة 455هـ تسلم زعامة هذه الدولة الفتية ابن أخيه ألب أرسلان بن داود، فوطّد الحكم السلجوقي، واتجه بفتوحاته إلى بلاد الروم، وأوقع بهم هزيمة كبرى في معركة ملاذ كرد ،سنة 463هـ (1060م)، ودخل الإسلام بلاد الأناضول.
وكان السلطان ألب أرسلان قد اتخذ سنة 456هـ، أي بعد عام من تقلده زعامة دولة السلاجقة،من علي حسن بن علي بن إسحاق الطوسي المعروف بنظام الملك وزيراً له، بعد أن كان قد عمل مع داود بن ميكال، والد ألب أرسلان عندما كان يحكم خراسان، وقد علم ذكاءه وفطنته، وقدرته على تصريف الأمور، فما كان من داود إلاّ أن ألحق نظام الملك بحاشية ابنه طالباً منه أن يستفيد من قدرات نظام الملك، ويعرف له حقّه قائلاً له: "اتخذه والداً، ولا تخالفه فيما يشير به".
وظل نظام الملك وزيراً ومساعداً لألب أرسلان أكثر من 9 سنوات فازدهرت الدولة في أثنائها وتوطدت دعائمها، وارتفع شأنها، واتسعت حدودها، وتوجت جهود ألب أرسلان والوزير نظام الملك بالانتصار على الروم البيزنطيين في معركة ملاذ كرد الخالدة.
وتوفي ألب أرسلان سنة 465هـ (1072م)، ودّب الصراع فيمن يخلفه، إلى أن وضع نظام الملك نفوذه وقوته إلى جوار ملكشاه أكبر أبناء ألب أرسلان، ليصبح ثالث سلاطين السلاجقة.
كان السلطان الجديد في العشرين من عمره،والوزير نظام الملك في الخامسة والخمسين، عالماً ناضجاً، ووزيراً محنّكاً صهرته التجارب والأيام. وأسند ملكشاه الوزارة لنظام الملك حتى تستقر الأوضاع في الدولة التي كان يضعفها صراع الأمراء على السلطة، وقد ألقى إليه بمقاليد الأمور، ووضع فيه ثقته.(31/18)
وأدت هذه العلاقة الوثيقة بين السلطان السلجوقي ملكشاه ووزيره الفذ نظام الملك إلى ازدهار الدولة وبلوغها ذروة المجد، فاتسعت حدودها، حتى شمل سلطانها بلاد الشام، وأجزاء من بلاد الروم، ومدت نفوذها إلى كرمان وآسيا الصغرى وأصبحت دولة مترامية الأطراف تمتد من الصين والهند شرقاً، إلى البحر الأبيض المتوسط غرباً.. بل صارت أكبر قوة في العالم آنذاك.
المدارس النظامية
لم يكن نظام الملك وزيراً لامعاً ، ـ أو رئيس وزراء كما يعرف هذه الأيام ـ وحسب بل كان راعياً للعلم والأدب، ويحفل مجلسه بالعلماء والفقهاء والأدباء، بل كان هو أحد هؤلاء العلماء والفقهاء، وكان حريصاً على نشر العلم ومذهب أهل السنة الذي حاربه وحاول طمسه البويهيون والعبيديون الشيعة، فأسس نظام الملك المدارس لتلك الغاية، وعرفت بـ "المدارس النظامية".
وقد تأسس ما يمكن اعتباره "الفرع الأول" من هذه المدارس في بغداد سنة 457هـ على نهر دجلة، وانفق نظام الملك على بنائها 200 ألف دينار، وبنى حولها أوقافاً تكون وقفاً عليها، وأقام بها العديد من المرافق والخدمات لتشجيع الطلاب على الدراسة فيها.
وبعد بغداد، انتشرت هذه المدارس في نيسابور وبلخ وهراة وأصبهان والبصرة ومرو وطبرستان والموصل... وتخرج من المدارس النظامية عدد من العلماء الذين كان لهم شأن كبير بعد ذلك منهم:ابن عساكر، والعز بن عبد السلام،وابن رافع الأسدي المعروف بابن شداد.
وممن درّس في هذه المدارس أبو حامد الغزالي، والجويني المعروف بإمام الحرمين، وقطب الدين الشيرازي، وابن شداد، وابن الجوزي، والسهروردي...
وألحق نظام الملك بالمدرسة بناء خاصاً بالمكتبة،التي كانت تضم أكثر من عشرة آلاف مجلد في شتى الفنون وأبواب العلم، وشغل منصب "أمين المكتبة" فيها علماء ذوو شأن منهم أبو يوسف الإسفراييني، وأبو مظفر الإبيوردي، والخطيب التبريزي..(31/19)
وفي كتاب لها عن الجويني الذي عيّنه نظام الملك مدرساً في "النظامية" تقول د. فوقية حسين محمود أن نظام الملك بفتحه هذه المدارس، والإنفاق عليها بسخاء، لم يكن يرمي إلى نشر العلوم الدينية فحسب، وإنما كان يهدف في قرارة نفسه، إلى تحقيق إصلاح جذري لأحوال البلاد المضطربة بجمع القلوب حول أمراء الدولة السلجوقية، وطبعها على الإخلاص لمذهب أهل السنة والجماعة، بعد أن كانت هذه القلوب متفرقة مزعزعة بسبب فعل الأيادي الأثيمة التي كانت ترمي إلى تحقيق مآربها الشخصية، معرّضة مصالح الناس وعقائدهم، بل وحياتهم للدمار والهلاك، فنظام الملك لم يكن سياسيّاً محنكاً فحسب، بل كان مصلحاً اجتماعيّاً أيضاً.
وإزاء ما كان يحدق بالإسلام من جميع الجوانب: الحشاشون الذين كان يزداد خطرهم، وتنتشر جرائمهم، والدولة البيزنطية التي كانت تتربص بالمسلمين الدوائر، وتؤازر الفاطميين في مصر للانقضاض على الخلافة، كان للحركة الفكرية التي قادها نظام الملك بالتوازي مع الحركة السياسية والعسكرية الدور الكبير في القضاء على الفتن، وفي استقرار الأوضاع في أنحاء العالم الإسلامي.
كتاب السياسة
وكان للوزير نظام الملك رحمه الله كتاب عظيم في السياسة وأصول الحكم، هو "سياست نامة" أي كتاب السياسة، ألفه باللغة الفارسية، وترجم إلى اللغة العربية، وطبع عدة مرات.
وقد وضع نظام الملك في كتابه هذا أفضل النظم لحكم الولايات التي تتكون منها الدولة، وتصريف الأمور، وسجل فيه أصول الحكم التي تؤدي إلى استقرار البلاد، كما ضمّنه نصائح إلى السلطان للسير بالعدل، وبين أنه لا يمكن الحفاظ على المملكة إلاّ بالعدل.(31/20)
لم يكن الوزير نظام الملك شخصاً عابراً في مسيرة دولة السلاجقة، ذلك أنه رسخ أركان الدولة، وكان من عوامل الاستقرار فيها، وكانت له الجهود الكبيرة في نشر مذهب أهل السنة، ومحاربة المذاهب المنحرفة والأفكار الباطلة، لذلك فإن رجلاً فذّا مثل نظام الملك لا بد أن تتوجه إليه سهام الغدر والمؤامرات.
وهذا ما كان على يد الشيعة الإسماعيليين من فرقة الحشاشين( )، الذين ساءتهم سيرة نظام الملك، ومحاربته لمذهبهم المنحرف، وتسييره الجند لاقتحام القلاع التي استولوا عليها، فأخذ ابن الصباح يعدّ بعض أتباعه لقتل نظام الملك، ونجحت مؤامرتهم في العاشر من رمضان سنة 485هـ (1092م)، حيث كان نظام الملك في أصبهان، وبينما هو في ركب السلطان، تقدم إليه غلام من الحشاشين في صورة سائل أو مستعطٍ، فلما اقترب هذا الغلام من الوزير أخرج سكيناً كان يخفيها، وطعنه طعنات قاتلة، فقتل رحمه الله على الفور، وكان حينها في السابعة والسبعين من عمره. وأدرك أصحاب نظام الملك ذلك الصبي فقتلوه.
لقد كانت تلك الجريمة، هي أول اغتيال "سياسي" يمارسه الحشاشون ضد أهل السنة من المسلمين، لتتوالى جرائمهم بعد ذلك، وقد جاوزت المائة، من بينها محاولة اغتيال صلاح الدين الأيوبي رحمه الله بعد قتلهم نظام الملك بحوالي 90 عاماً( ).
ولكثرة ما قام به الحشاشون من اغتيالات وجرائم، أصبحت كلمة حشاش "assassin" اسماً شائعاً في معظم اللغات الأوربية، وتعني القاتل، أو بالتحديد "الذي يقتل خلسة أو غدراً، وغالباً ما تكون ضحيته شخصية عامة، وهدفه التعصب أو الجشع".(31/21)
حققت جريمة اغتيال نظام الملك للحشاشين والفرق الباطنية مكاسب كبيرة، فهي أولاً خففت الوطأة عن الحشاشين، وجعلت عساكر السلطان ملكشاه والوزير نظام الملك تنصرف عن القلاع التي كانوا يستولون عليها، والأهم من ذلك أن هذه الجريمة شكلت بداية النهاية لدولة السلاجقة التي بدأت بالانهيار مع مقتل نظام الملك، خاصة وأن السلطان ملكشاه توفي بعد شهر من مقتل وزيره (أي في شوال سنة 485هـ)، ولم يستطع خلفاؤه الحفاظ على ما بناه وحققه ملكشاه ونظام الملك، وقبلهما طغرل وألب أرسلان، لتبدأ دولة السلاجقة بالانهيار.
للاستزادة:
1ـ التاريخ الإسلامي (الدولة العباسية) الجزء السادس ص 231 ـ محمود شاكر.
2ـ الوسيط في المذاهب والمصطلحات الإسلامية ص 323 ـ د. محمد عمارة.
3ـ موسوعة الأديان الميسرة ص 302 ـ إصدار دار النفائس.
4ـ أطلس تاريخ الإسلام ص 237 ـ د. حسين مؤنس.
5ـ تاريخ الجمعيات السرية والحركات الهدامة ص 47 ـ د. محمد عبدالله عنان.
6ـ خيانات الشيعة وأثرها في هزائم الأمة الإسلامية ص 115 ـ د.عماد عبد السميع.
7ـ إيران في ظل الإسلام ص 45 ـ د.عبد النعيم حسنين.
8ـ مواقع: إسلام أون لاين، إيلاف، الإسلام، ملتقى أهل الحديث، البوابة.
مواقف المفكرين - 15-
العلامة موسى جار الله
(1295ـ 1369 هـ)
هذه سلسلة من البحوث كتبها مجموعة من المفكرين والباحثين عن عقيدة وحقيقة مذهب الشيعة من خلفيات متنوعة ومتعددة ، نهدف منها بيان أن عقائد الشيعة التي تنكرها ثابتة عند كل الباحثين ، ومقصد آخر هو هدم زعم الشيعة أن السلفيين أو الوهابيين هم فقط الذين يزعمون مخالفة الشيعة للإسلام .
والشيخ موسى جار الله هو شيخ مشايخ روسيا والذي قاوم الشيوعية المجرمة حين اجتاحت بلاد المسلمين ، ولما عجز عن ذلك هرب من بلاده فمر بإيران وكتب لنا تجربته عن العقيدة الشيعية ، في كتابه الوشيعة في نقض عقائد الشيعة ، ص 24 – 37 . الراصد
في بلاد الشيعة:(31/22)
جُلت في بلاد الشيعة طولا وعرضاً سبعة أشهر وزيادة، وكنت أمكث في كل عواصمها أياماً أو أسابيع، وأزور معابدها ومشاهدها ومدارسها، وأحضر محافلها وحفلاتها في العزاء والمآتم، وكنت أحضر حلقات الدروس في البيوت والمساجد وصحونها، والمدارس وحجراتها، وكنت أستمع ولا أتكلم بكلمة، وكنت أجول في شوارع العواصم وأحيائها، ودروب القرى وأزقتها، لأرى الناس في حركاتهم وسكناتهم على أحوالهم العادية وأعمالهم اليومية.
وكنت طول هذه المدة أرى أموراً منكرة لا أعرفها، ثم أستفهمها ولا أجد جوابها، وأنكر شيء رأيته في بلاد الشيعة: أني لم أر طول هذه المدة في مسجد من مساجدها جماعة صلت صلاة الجمعة يوم الجمعة، إلا في "بوشهر" في رمضان، فقد حضرت في جامع، ورأيت طائفة من الناس صلت جمعة شيعية وخطب خطيبها خطبة شيعية.
ولم أزل أتعجب إلى اليوم: كيف أمكن أن أرى مذهبيا أو اجتهاد فرد أو رأى فقيه يرسخ متمكنا في قلوب أمة حتى تجمع على ترك نصوص الكتاب تركا كأنها تجتنب الحرام.. لم أر في يوم من أيام الجمعة في مسجد من المساجد أحداً من خلق الله، ساعة الجمعة. وكنت قد أرى في سائر الأيام أفرادا أو جماعة تصلي صلاة الظهر، وتجمع صلاة العصر في مسجد من المساجد.
وكنت بكربلاء المقدسة والنجف الأشرف مرات، وأقمت بالنجف أيام المحرم، حتى رأيت كل ما تأتي به الشيعة أيام العزاء، ولهم يوم العاشوراء في الصحن حول قبر الإمام أمير المؤمنين "على" أشواط وأدوار في ألعاب رياضية يسمونها "التطيير"، وصوابها لفظا ومعنى واشتقاقا وأصلا هو "التبيير": كنت أقول كلما أراها: {إن هؤلاء مُتَبَّرٌ ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون}.(31/23)
وفي كل شوط من الدور كان يسقط واحد أو اثنان من المتبّرين مغشيا عليه، يحمله حملة على نعش مثل نعش الميت، فكأنه شهيد فدى الإمام الحسين بنفسه، وكل هذه التمثيلات والألعاب لو لم يكن فيها إغراء عداوة وبغضاء لكان فيها روعة، ولعجل الإمام القائم المنتظر الرجعة لو رأى فيها أثر صدق بين ملايين الشيعة.
وأول شيء سمعته، وأكره شيء أنكرته في بلاد الشيعة هو لعن الصديق والفاروق وأمهات المؤمنين: السيدة عائشة والسيدة حفصة، ولعن العصر الأول كافة في كل خطبة وفي كل حفلة ومجلس في البدء والنهاية، وفي ديابيج الكتب والرسائل، وفي أدعية الزيارات كلها، حتى في الأسقية، ما كان يسقي ساق إلا ويلعن، وما كان يشرب شارب إلا ويلعن.
وأول كل حركة وكل عمل هو الصلاة على محمد وآل محمد، واللعن على الصديق والفاروق وعثمان الذين غصبوا حق أهل البيت وظلموهم.
ولا أنكر على الشيعة في كتابي هذا إلا هذا الأمر المنكر،وهو عندهم أعرف معروف، يتلذذ به الخطيب، ويفرح عنده السامع، وترتاح إليه الجماعة، ولا ترى في مجلس أثر ارتياح إلا إذا أخذ الخطيب فيه، كأن الجماعة لا تسمع إلا إياه، أو لا تفهم غيره.
ولما وردت "طهران" زرت بعض كبار مجتهدي الشيعة، وكنت أحضر حفلات العزاء ومجالس الوعظ، وأسمع فيها بصراحة زائدة ما كنت أنكره شديد الإنكار، وكان فيها في تلك الأيام إمام مجتهدي الشيعة السيد "محسن الأمين الحسيني" العاملي ضيفا. وكان يؤم الجماعة في صلاتي المغرب والعشاء جمعًا، وكنت زرت حضرة السيد العاملي مرة بالكوفة، وجرى في تلك المرة بيننا كلام يسير. فزرته في جامع طهران مرة ثانية، وصلينا الصلاتين. ثم كتبت على ورقة صغيرة إنكاري هذا الأمر المنكر، وزدت فيها مسائل، وقدمتها بيد السيد "محسن الأمين العاملي" لمجتهدي طهران، وقلت:(31/24)
1ـ أرى المساجد في بلاد الشيعة متروكة مهملة، وصلاة الجماعة فيها غير قائمة، والأوقات غير مرعية، والجمعة متروكة تماما. وأرى المشاهد والقبور عندكم معبودة، أما المقابر فهي في أكثر بلادكم طرق للناس ومعابر، تدوسها الأنعام والكلاب وكل عابر! ما أسباب كل هذه الأمور؟
2ـ لم أر فيكم: لا بين الأولاد، ولا بين الطلبة، ولا بين العلماء من يحفظ القرآن، ولا من يقيم تلاوته، ولا من يجيد قراءته.
3ـ أرى القرآن عندكم مهجوراً.
ما سبب سقوط البلاد إلى هذا الدرك الأسفل من الهجر والإهمال؟
أليس عليكم أن تهتموا بإقامة القرآن الكريم في مكاتبكم ومدارسكم ومساجدكم؟
4ـ أرى ابتذال النساء وحرمات الإسلام في شوارع مدنكم بلغ حداً لا يمكن أن يراه الإنسان في غير بلادكم.
كتبت في الورقة هذه المسائل الأربع، في (26/8/1934) بطهران، وسلمتها للسيد "محسن الأمين العاملي". ثم لم أر حضرة السيد. وسمعت خطيبا في حفلة أتى بكلمات دلت على أن تلك الورقة تداولتها الأيدي.
بين كتب الشيعة:
عنينا عصوراً في عوالم جمة فلم نلق إلا عالماً متلاعنا.
فإن فاتهم طعن الرماح، فمحفل ترى فيه مطعوناً عليه وطاعنا.
هنيئا لطفل أزمع السير عنهم فودع من قبل التعارف ظاعنا.
هذه حال الشيعة في نسبتها إلى الأمة، والتشيع على شكله الذي نراه اليوم في بلاد الشيعة، وكنا نراه من قبل، لم يكن في العصر الأول وعهد الخلافة الراشدة. والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض، قد ألف الله بين قلوبهم، وكان كل يحب أهل البيت، ويحترم بيت النبوة، ولم يحدث التشيع والخروج إلا زمن عليّ، بدهاء معاوية وفساد الأموية، حدث من عداوة جاهلية بين أفراد أو بين بيوت. ولم يكن من الدين ولا من الإسلام في شيء. لو كان لعليّ سيرة النبي وسياسة الشيخين لما كان للتشيع من إمكان.(31/25)
وميل الشيعة زمن الأموية إلى أهل البيت لم يكن عاطفة دينية. وإنما هو رغبة وأمل في ما كانوا ينتظرونه على أيدي أهل البيت، من الحكم بالعدل، ومن الاستقامة في السيرة، فكان تشيع عداوة لبني أمية وبني العباس. ولم يكن البكاء على الشهداء إلا احتيالا إلى لعن من هو يعاديه، أو مكراً ودهاء وتقية.
ودين الأمة كان أرفع من كل ذلك. ومحبة الأمة لأهل البيت كانت صادقة، لا يلعب بها غرض سياسي. ودعوى الشيعة مثل دعوى الكوفة: أولها كتب نفاق وخداع، عقباها خذلان. ثم نتيجتها إسلام المعصوم إلى أيدي أعدائه.
قد وقع في تاريخ الإسلام أمران مران، كل واحد منهما أمرّ من الآخر، لا ندري أيهما أفجع وأشد وقعا وأذهب بالدين والشرف:
1ـ قتل الإمام المحرّم عثمان في الحرم النبوي، وهو خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرسالة المحمدية، ورئيس الأمة في الدولة الإسلامية، رابع الأمة في إقامة الدين، وثاني الأمة في المصاحف وفتوحات المؤمنين.
وأهل الثورة فئة حقيرة بطرت معيشتها فبغت وثارت بغياً وتمرداً.
وقوة الدولة هم الأنصار والمهاجرون، وعليّ على رأسهم بالمدينة، وكليمة همس من عليّ، أو إشارة لمح من صاحب ذي الفقار، تكفي في طرد الفئة الثائرة من أرض الدولة، وتكفي الإسلام الخزي والسوء بأيدي أعدائه.
أهين الإسلام، وأهينت كل حرماته بأيدي فئة باغية حقيرة، وقوة الدولة (هم الأنصار والمهاجرون) بالمدينة.
لم أجد في هذا الأمر عذرا لأحد. كلا. لا وزر ينجي من عزمات اللوم من حضر.
2ـ الثاني من الأمرين: قتل الحسين وكل من معه من أهل بيت النبوة، بقساوة فاحشة ووحشية متناهية:
تدعوه شيعة أهل البيت بآلاف من الكتب والرسائل، وعدد كثير من الوفود دعوة نفاق وخداع، ثم تسلمه لأعداء أهل البيت: إسلام خذل يخزي كل جبان، ولو كان في نهاية الضعف، ويقتله وكل من معه، ويمثل به مثلات بكل إهانة جيش الدول الإسلامية ابتغاء مرضاة مسرف مفسد ماجن.(31/26)
أنا لا أكفر يزيد، لأن عمله أشنع وأفحش من كل كفر. ولا ألعنه، لأن إسلام الشيعة للحسين بعد أن دعوه، وإطاعة الجيش وقائديه أمر يزيد، ابتغاء لمرضاته أشنع وأفحش من أمر يزيد أضعاف مضاعفة، ودعوى الاضطرار في القاتل، واستحلال الفرار، وخذل الشيعة الذين دعوه له، باطلة بطلانا فقهيا وواقعيا. إذ لا اضطرار في الدم المعصوم، والذي قتل الحسين قتله بالاختيار، ابتغاء لمرضاة يزيد.
وإن قال قائل: إن الحسين قتل في حرب أثارها هو، فهذا القول يكون تبرئة ليزيد، ويكون تخطئة عظيمة للإمام الحسين عليه السلام. وأنا لا أقول بهذا القول، حتى لو قالته الشيعة. ولو قال قائل: إن الحسين قتل في حرب أثارتها الشيعة التي دعته دعوات، ثم خذلته، فهذا مثل القول الأول: تبرئة ليزيد: والذنب كل الذنب ـ على هذا القول ـ يكون على الشيعة التي خادعته، ثم خذلته وأسلمته.
يروي "الوافي" عن "الكافي" (61:2) عن الصادق: أن الوصية نزلت على محمد قبل وفاته، كتابا بخط إلهي مشاهد، وعلى الكتاب خواتيم من ذهب، دفعه النبيّ إلى عليّ. وعليّ فتح الخاتم الأول وعمل بما فيه، والحسن فتح الثاني، ومضى لما فيه. فلما فتح الحسين الثالث وجد: "قاتل، واقتل. وتقتل، وأخرج بأقوام للشهادة. لا شهادة لهم إلا معك".(31/27)
ولا أرى إلا أن الشيعة لم تضع على لسان الصادق هذا الحديث إلا احتيالا إلى التخلص من خزي الخذل المخزي، ولا خلاص ولات حين مناص، لأن خروج الإمام الحسين عليه السلام ولو كان "بكتاب من الله مختوم بذهب لاستعد له، عملا بقول الله: {يا أيها الذين آمنوا، خذوا حذركم. فانفروا ثبات أو انفروا جميعا}. ورفع الراية وحولها قوته، على حد قول الله: {وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله، هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين}. لأن الأمر الإلهي لا يكون إلا بالتأييد. وعلى حد قوله الله: {فقاتل في سبيل الله، لا تكلف إلا نفسك، وحرض المؤمنين، عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا، والله أشد بأسا وأشد تنكيلا}. ولكان جواب الإمام لشيعة الكوفة: {أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم، فأعرض عنهم}. لأن شيعة العراق قد جربها أبوه {الإمام علي} وأخوه "الحسن".
وما كان الحسين لينسى قول أبيه في الشيعة: (الذليل من نصرتموه! أنتم كثير في الباحات، قليل تحت الرايات، أضرع الله خدودكم، وأتعس جدودكم، لا تعرفون الحق مثل معرفتكم الباطل، ولا تبطلون الباطل مثل إبطالكم الحق).. ولو صح "نهج البلاغة" لكان يعلمه الحسين، وأكثر خطبه شكوى ولعنة، وهل كان يخذل علياً إلا شيعته.
ولِعلي كلمات مُرة خطابا للشيعة، وهي كلها صادقة، أخفها وأحقها ما في الصفحة (183) من المجلد الثاني لشرح ابن أبي الحديد.
قلت: إن في تاريخ الإسلام أمرين مرين، أنا لا أدري أيهما أكبر خزيا، وأشد سوءاً:
1ـ استشهاد خليفة الإسلام على أيدي فئة حقيرة باغية، وقوة الدولة الإسلامية حاضرة قوية، كانت متمكنة من دفعها، ولم تدفع ولم تدفع.
2ـ واستشهاد بيت النبوة بخيانة من شيعته، وقوة الدولة الإسلامية هي التي قتلته، وأهانته ومثلت به مثلات.
ومهما يختلق للثانية مختلق من وجه سياسي، فإن الأولى لن يجد وجها لها نفس واجد، إلا توجيهات صوفية للثانية، ذكر بعضها مؤلف كتاب: "سر الشهادتين".(31/28)
وإذا لم أقتنع بها توهمت وقلت: (إنما هي فتنة جاءت من عفاريت اليهود وشياطين الفرس: لعبت بغفلة الشيعة في سبيل النيل من دين الإسلام ومن دولته). هذه أوهامي في توجيه الأمر أو الأمرين. ولا علم عندي في وجه الأمرين غير ذلك. وإن كنت قد أحطت بما كتب في الشهادتين.
وقد كشف الغطاء عن وجه الأمرين كاشف الغطاء الإمام المجتهد الشيعي النجفي "جعفر بن الشيخ خضر" في كتابه "كشف الغطاء" حيث يقول: (لا يخفى على من له أدنى خبر بأحوال السلف أن في البّين فريقين مختصمين أشد الخصومة. {هذان خصمان اختصموا في ربهم}. الآيات 19ـ 22 من سورة الحج، لا زالت الحرب بينهما قائمة، هذا علِيّ كان في زمن المشايخ جالساً في داره مشغولا بعبادة ربه، لا يولي على جانب، وخالد وكل أضرابه أقدم منه، وبقي "عليّ" على هذه الحالة إلى قيام الثالث، الذي قتله المهاجرون والأنصار، ومعظمهم من أصحاب عليّ، ليت شعري: كيف يرضى العاقل بوثوق عليّ بإيمان عثمان ويقتل بمرأى منه ومسمع!
والعجب أنهم يستدلون ويستندون في رضا عليّ بخلافة القوم بسكوته مع أنه سيف لله، ولا يستدلون بسكوته عن قتل عثمان على رضا عليّ بقتله. سبحان الله، كيف يخفى على العاقل رضاه، وقد كان الذي قتله بيده أخص خواص عليّ، وهو محمد بن أبي بكر". "كشف الغطاء".
كشف الغطاء، هو كتاب يعتمد عليه شيعة اليوم، قد كشف كل الغطاء عن كل قلوب الشيعة، قبل أن يكشف بعض الغطاء عن بعض وجوه الحقائق، فقال: إن عثمان قتله أصحاب عليّ، باشر قتله أخصّ خواصه، بمرأى منه ومسمع، فكان قتل عثمان برضا عليّ بالبداهة. ونعجب من الذين لا يفهمون مثل هذه البداهة.
فلنا أن نقول لهذا الإمام المجتهد:
لقد كنت تخفي بغض الأصحاب خيفة فبح الآن منها بالذي أنت بائح
وانطلق قلم الشيخ ولسانه، فأخذ يبث ما في قلبه من العلوم والعقائد، وطفق يستدل على فضل عليّ:
1ـ بحديث "لا يجوز على الصراط إلا من كان بيده جواز من ولاية علي".(31/29)
2ـ بخبر نزول "لا سيف إلا ذو الفقار، ولا فتى إلا علي" في واقعة أحد.
3ـ بحديث رد الشمس عليه بعد المغرب مرة أو مرتين أو ستين مرة.
ثم جعل يقول: (لو أمعنت النظر واقتفيت الأثر لعلمت من مجموعه أنه لم يكن بعد النبي أهل للقيام بأعباء الخلافة سوى من أقامه الله لها وهو علي.
وجاهر جهاراً بلعن الصديق والفاروق، وقال: (إن عثمان كان كافراً قتله أصحاب علي برضا علي، على مرأى منه ومسمع).
فكشف بمثل هذا التحقيق كل الغطاء عن وجه الشهادتين: شهادة الإمام عثمان، وشهادة الحسين.
والإمام علي كان أعلم الناس بطبيعة العرب وأدبها، وكان يعلم تمام العلم ما بين البيت الهاشمي والبيت الأموي من العداوة التي لا حد لها وكل من كل، كان يقول:
فوالله لا تنفك منا عداوة ولا منهم ما دام من نسلنا شفر
وكل من كل، قد أقسم على نفسه، وقال:
والله، لو بك لم أدع أحداً إلا قتلت لفاتني الوتر
هذه كانت جمهرة أخلاق العرب في أحوالها الاجتماعية. والشيعة الشعوبية تزيد على ذلك، وتقول: "تلك القلوب كانت أغلظ من أكباد آبالها، وأقسى من صخور جبالها".
فإذا ادعت الشيعة واعترفت بكل ذلك، فهل بعد ذلك يمكن أن يقال: إن مطالبة معاوية عليا بدم عثمان كان بغياً؟ وهل بعد ذلك يمكن لوم يزيد ولعنه لأجل قتله الحسين وأهل بيته، وعثمان أشرف أموي وأسوده، ومعاوية ويزيد أحق بمطالبة دم عثمان، وأقوى أموي يستوفي حقوق بني أمية من أعدائها، ولا لوم إلا على من فتح باب الفتنة بقتل أسود أموي وأعز بني أمية بعد ما ذهب الإسلام بجذور الفتن، ولا لوم إلا على شيعة الكوفة، التي خدمت يزيد، فدعت الحسين نفاقاً، ثم باعت دينها بدنيا يزيد، فخذلت الحسين وأسلمته إلى يزيد.
لا لوم إلا على من كان يخذل عليا في حياته، وسعى في قتل أولاده بعد شهادته ومماته.(31/30)
أن لا أريد أن أكذب القرآن الكريم والتوراة إذ يقولان: {رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً، يبتغون فضلا من الله ورضواناً، سيماهم في وجوههم من أثر السجود}.
علي والمهاجرون والأنصار براء من دم عثمان براءة الذئب من دم يوسف، ولو تقولت الشيعة إن عليا رضي بقتل عثمان، وأمر أخص خواصه فقتل بيده عثمان، فيزيد، وفعله أكبر وأفحش وأشنع من كل كفر، له حق كل الحق في قتله الحسين بذنب أبيه. فرحم الله صاحب اللزوميات إذ يقول في الشيعة:
يقول كلاماً فوك يوجد بعده كذى نَجَسٍ يحتاج منه إلى الغسل
وفي الصفحة (17) عقد باباً لمثالب الصحابة وأهل البيت: "أمهات المؤمنين" فقال: المثالب الثابتة للقوم (يريد بالقوم: الصديق، الفاروق، وعامة الصحابة وأمهات المؤمنين) التي تأبى الإسلام فضلا عن الإيمان والعدالة، فكثيرة لا يمكن ضبطها. وقال في (19) روى البخاري في صحيحه عن نافع عن ابن عمر قال: قام النبي خطيبا فأشار نحو مسكن عائشة، وقال: "الفتنة تطلع من هنا (ثلاثا) حيث يطلع قرن الشمس".
يقول روى البخاري قال: خرج النبي من بيت عائشة وقال: "رأس الكفر من هنا، من حيث يطلع قرن الشمس".
يقول كاشف الغطاء عن وجه أحاديث الأمة: إن كتب الأمة مملوءة من ذم عائشة وذم أبيها بأحاديث النبي.
هذه شواهد تدل على قدر الإيمان والأدب والأمانة لأقلام مجتهدي الشيعة، والروح في كتب الشيعة في (قديمها) وفي (جديدها) متفقة: هي العداء للعصر الأول، ولعن الصديق والفاروق، وإكفار عامة الصحابة، وأمهات المؤمنين، وعلى رأسهم عائشة وحفصة. وهذه كما قلته مرارا، هي التي لا تتحملها الأمة ولا الأدب ولا العقل ولا الدين.(31/31)
إمام مجتهدي شيعة اليوم: محمد الحسين آل كاشف الغطاء، رأيته أول مرة بالقدس، ثم عرفته تمام المعرفة، إذ كنت أجالسه في المؤتمر القدسي أياما. كان يجلس عن يميني في الصف الأول، ثم بعد مدة زرته في بيته بالنجف الأشرف فأعطاني كتابه: "أصل الشيعة"،وقال: طالعه تجد فيه حقائق كثيرة. قد استحسنه علماء الغرب حتى قرظه البعض". ثم زرته مرة ثانية واقتديت به مرات في صلاة الجماعة.
ثم بعد أيام قرأت كتابه "أصل الشيعة"، والكتاب صغير يمر به الراغب في سويعات قبل أن يقوم من مقامه. وقد يطوي الله لنا طول الكتاب في عدد مجلداته وحزونته في بياناته طي المسافة وطي الزمان، فأرى المعاني مستقرة عندي قبل أن يرتد إلي طرف أفكاري. أحطت بكل ما في "أصل الشيعة" في جلسة. وقد وقفت مطي أفكاري وقفه طويلة في (21) عند قوله: "إمام الشيعة: عليّ بن أبي طالب الذي يشهد الثقلان أنه لولا سيفه ومواقفه في بدر وأحد وحنين والأحزاب ونظائرها، لما اخضر للإسلام عود، وما قام له عمود، حتى كان أقل ما قيل في ذلك
"ألا إنما الإسلام لولا حسامه …كعفطة عنز أو قلامة ظافر".
وقفت مطية فكري وتفكرت: دين أنزله الله من العرش العظيم إلى سيد المرسلين وخاتم النبيين ليكون دينا للعالمين إلى يوم الدين في كتاب {لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً} كيف يقول فيه قائل له عقل: إن أقل ما يقال فيه إنه عفطة عنز، أو قلامة ظافر، أو ضرطة عنز بذي الجحفة؟!!
وهل لعلي فضل سوى أنه صحابي بين الصحابة وبطل من أبطال جيش الإسلام، لولا الإسلام لما كان لعليّ ولا لعرب الحجاز ذكر:
{هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً}.
{من كان يريد العزة فلله العزة جميعاً}.
{يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله، والله هو الغني الحميد. إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد، وما ذلك على الله بعزيز}.(31/32)
ومن كان له أدب، فليس من أدبه أن يمنّ على الله بشيء من عمله: {قل لا تمنوا عليّ إسلامكم، بل الله يمنّ عليكم أن هداكم للإيمان}.
ولو صدق قول إمام الشيعة: (لولا سيف عليّ لما اخضر للإسلام عود وما قام له عمود) لكان النبي في قوله: "أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده" كاذبا كذب كفران! ولكان قول الله جل جلاله {ولن تغني عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت} باطلا بطلان عدوان.
فإن كان معتزلي اعتزل دينه شبه الإسلام بضرطة أنثى المعز، فقد كان أجهل الناس بالإسلام، وأبعد الناس عن الإيمان، وشر منه قول من جعل قول المعتزل أقل ما يقال فيه: فأي شيء أقل من ضرطة العنز؟
جئ به ترفضا تشيعا حتى تكون أبلغ بليغ.
فإن كنت تخفي بغض الإسلام خيفة فبح الآن منها بالذي أنت بائح
فقل الآن: أي شيء، بعد قولك هذا، أكثر ما يقال فيه؟!
طالعت بعد مدة كتاب "الدين والإسلام" وهو كتاب جليل، كتبه مؤلف "أصل الشيعة" في سورة شبابه، ولا ينبع مثل هذا الكتاب إلا من منبع يمده علم وإيمان، لولا أن المؤلف يقول فيه: ولنأخذ على جامح القلم هنا بعنان الإمساك، فإنا نخشى أن يبث القلم من الأسرار ما لا تتحمله الأملاك ولا الأفلاك.
"يقولون حدثنا فأنت أمينها وما أنا إن حدثتهم بأمين".
(219:1) ولا يعجبني من أحد مثل هذا العجب، فإن أكثر من يعجب هذه الدرجة من الإعجاب إذا أخذ يحدث حديثا، يأخذ يحدث حدثاً، فإن الانتحال لا يكون إلا كذلك.(31/33)
وبعد أن طالعت "الدين والإسلام" تعجبت عجباً من قول مؤلفه في كتابه "أصل الشيعة": "يشهد الثقلان: إنه لولا سيف عليّ لكان أقل ما يقال في الإسلام أنه عفطة عنز أو قلامة ظافر". فإن مثل هذه الشهادة لن يؤديها أحد له عقل، وعنده شيء من الدين. فقول المؤلف فرية بهيتة على كل أحد حتى لا يقول بمثل هذه الشهادة أحد من الشيعة، ولو جاريت المؤلف في مبالغته لقلت: إن شيخ الشريعة قد تاب عن قوله في أصل الشيعة، لأن صاحب كتاب مثل "الدين والإسلام" لن يتقول أبد بمثل هذا الكلام.
وإمام الأئمة عليّ أمير المؤمنين، أول من يتبرأ من مثل هذا الكلام. وأفضل أحوال عليّ أن يكون خامس الأئمة، ورابع الصحابة،وقد جعله الله كذلك،رضي هو في حياته بذلك،وقد كان يقول: "دنياكم عندي كعفطة عنز في فلاة" ومثل هذا الكلام في مثل هذا المقام له وقع، وله بلاغة. أما انتحاله في الإسلام "لولا سيف عليّ" فلم ولن يرتكبه أحد. إذ لا شرف لعليّ وسيفه إلا بإسلامه، والإسلام في شرفه غني عن العالمين غنى الله: {منه بدأ وإليه يعود}. {ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ثم لا تجد لك به علينا وكيلا}.
كتاب الشهر
الفاطمية
دولة التفاريح والتباريح
يشكل كتاب "الفاطمية دولة التفاريح والتباريح" لمؤلفه الأستاذ جمال بدوي، إضافة هامة للدراسات الحديثة عن الدولة العبيدية الفاطمية كمّا ونوعاً.
ولعلّ الإضافة النوعية التي شكلها هذا الكتاب الصادر عن دار الشروق بالقاهرة سنة 2004م تكمن في اعتبار المؤلف أن كتابه ليس سجلاً لتاريخ الدولة الفاطمية التي حكمت مصر زهاء قرنين، "ولكنه محطات توقفتُ عندها وأنا أصاحب هذه الدولة من بدايتها إلى نهايتها".(31/34)
ويريد المؤلف في "محطاته" هذه أن ينبهنا إلى "الدعاوى الدينية والمذهبية التي جاء بها الفاطميون على أسنة الرماح، وفرضوها على الشعب بمقتضى حق الفتح الذي يعطي للدولة الغالبة سلطة تغيير الموروث الثقافي والاجتماعي. والمؤلف هنا يشير إلى ما نشره العبيديون الفاطميون من عقائد الشيعة الإسماعيلية في مصر السنيّة.
وعن الظروف التي ساعدت العبيديين في احتلال مصر، وفرض عقيدتهم، والآثار التي ترتبت على ذلك يقول بدوي: "وما كان للفاطميين أن ينجحوا في غلبة مصر لولا ضعف النظام الحاكم، وغفلة الشعب المحكوم، والفراغ الذي أتاح للعملاء والطابور الخامس أن يمهد الأرض للجيش القادم ليملأ الأرض عدلاً بعد أن ملئت جوراً... فامتلأت الأرض خللاً واضطراباً وإلحاداً".
التفاريح والتباريح
ارتبط اسم الفاطميين في مصر بالاحتفالات والأعياد، فإليهم ترجع ظاهرة الاحتفال بذكرى المولد النبوي، والإسراء والمعراج، وليلة النصف من شعبان، وعلى حد تعبير المؤلف فإن الفاطميين جعلوا من هذه المناسبات "فرصة للتفاريح" و"خرجوا بها من المسجد إلى الشارع واصطنعوا لكل مناسبة نوعاً خاصاً من الحلوى...".
لكن ما يلفت المؤلف إليه هنا إلى أن الفاطميين لم يكونوا أهل فرح ومرح ولهو، أو دولة "تفاريح" كما يتبادر إلى الذهن، فالمعز لدين الله كان رجل دولة من الطراز الأول، واستطاع تأسيس إمبراطورية مترامية الأطراف، لكنها "جعلت من التفاريح ستاراً يخفي حقيقة أمرها، ويغطي مراميها وأهدافها البعيدة".
إن الذي أراده الفاطميون من خلال إغراق المصريين بالاحتفالات هو أن ينصرفوا عن البحث في طبيعة النظام الجديد وأهدافه ومراميه، خاصة وأن هذه الدولة كانت ثمرة دعوة سرية يحيط بها الغموض، وكان أول حكامها عبيد الله المهدي شخصية غامضة اضطربت الأقوال في صحة انتسابه إلى آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم.(31/35)
كما هدف الفاطميون إلى الظهور بمظهر المتسامح الذي لا يفرق بين مذهب ومذهب، ذلك أنهم كانوا يتبعون المذهب الشيعي الإسماعيلي، وقاموا باحتلال بلد، أهله على مذهب السنة الذي يخالفه الفاطميون ويحاربونه.
وحول فكرة التسامح والحرية الدينية التي ادّعاها الفاطميون، يعيدنا المؤلف إلى بدايات الدولة الفاطمية في مصر، حين أعلن قائد حملتهم جوهر الصقلي إلى أهل مصر بأن الحكم الجديد يلتزم بتركهم على مذهبهم، وعدم التدخل في شؤونهم الدينية، وهو ما أطلق عليه المؤلف (البيان رقم واحد)، لكنّ النظام الجديد لم يلتزم بعهوده بعد أن ثبتت أركانه، وأخذ يعمل بكل ما أوتي من قوة إلى استمالة المصريين إلى المذهب الرسمي للدولة "وعلى تغيير البنية المذهبية حتى يصبح الشعب المصري على دين ملوكه... شيعيّاً إسماعيليا باطنياً".
وبحسب المؤلف فإن الفاطميين رغم جهودهم الكبيرة والمدروسة في نشر مذهبهم، إلاّ أنها لم تثمر في الشارع المصري، وظل المصريون رغم خدمتهم في مؤسسات الدولة في موقف المستريب من فكرها وعقيدتها ومذهبها.
الأزهر.. الأثر الباقي
وفي هذه "المحطة" يتحدث الأستاذ بدوي عن الأزهر، الذي بناه العبيديون ليكون مركزاً لنشر المذهب الشيعي. "وكان الفاطميون يطمحون إلى قيام نظام سياسي ومذهبي في مصر مما يتطلب قيام مؤسسات ثقافية وإعلامية تقوم بمهمة ذيوع مذهب الدولة الرسمي وكسب القلوب حوله، وكان لابد أن يقوم الأزهر ـ الجامع ـ ليحمل مهمة الدعوة للمذهب الجديد".
وفي 6 رمضان سنة 361هـ أقيمت أول صلاة جمعة في الأزهر، بعد أن تم الانتهاء من بنائه الذي استغرق عامين، وحملت أول خطبة ألقيت على منبره تحولاً كبيراً، إذ أمر جوهر الصقلي بقطع الدعاء للخليفة العباسي، والدعاء للخليفة الفاطمي. والمعروف أن الدعاء للحاكم في خطبة الجمعة يمثل اعترافاً بشرعية الحكم.(31/36)
ولم يكتفِ جوهر بذلك إنما أمر بأن يقال في الخطبة: "اللهم صلِّ على محمد المصطفى، وعلى عليّ المرتضى، وعلى فاطمة البتول، وعلى الحسن والحسين سبطي الرسول، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وصلِّ على الأئمة الطاهرين آباء أمير المؤمنين المعز لدين الله". كما أضاف جوهر إلى الأذان عبارة "حي على خير العمل".
ثم صار الأزهر أشبه بخلية نحل، تنتشر فيه الحلقات والدروس التي تروج لمذهب الإسماعيليين، والتي كان يشرف عليها ويحضرها المعز الفاطمي وكبار رجالات الدولة، وصار يفد إلى الأزهر الطلاب من مختلف أنحاء العالم.
ومع تطور الدعوة الفاطمية، في عهد الحاكم بأمر الله، الذي دعا الناس إلى تأليهه تم إنشاء (دار الحكمة) لتكون أكثر تخصصاً في إعداد الدعاة للمذهب الإسماعيلي، وكان الطلاب يدرسون بها بعد أن يتموا علومهم في الأزهر، بحيث غدت هذه الدار أشبه بكلية أو جامعة للدراسات العليا، ولا يقبل بها إلاّ من أوتي حظا كبيراً في علوم الدعوة الجديدة، أي تأليه الحاكم بأمر الله.
قاهرة الدنيا
وهنا يتحدث المؤلف عن ظروف إنشاء مدينة القاهرة على يد جوهر الصقلي، على رغم وجود أماكن كانت صالحة ليقيم بها الفاطميون، كالإسكندرية، والجيزة، والفسطاط، لكن إحدى الروايات التي عرضها المؤلف تقول أن التنجيم والمنجمين لعبوا دوراً في اختيار المكان، بحيث لا يخرج البلد من نسل الفاطميين أبدا!!(31/37)
إلا أنه يطالب القارئ بأن لا تصرفه مثل هذه "الأساطير" عن رؤية الهدف الحقيقي من بناء القاهرة، وهي "أن تكون عشّاً للدولة الجديدة التي اعتزمت البقاء في مصر إلى الأبد"، وبذلك ينطلق الفاطميون من مصر ليثبوا نحو المشرق الإسلامي، وتحديداً نحو بغداد عاصمة الخلافة العباسية، ولعل رغبة الفاطميين في أن تكون مصر ركيزة إمبراطوريتهم في مرحلتها الثانية، بعد أن شهدت المغرب مرحلة النشوء، تقتضي بأن تكون لهم في مصر مدينة عسكرية ملكية مستقلة عن المدن والحواضر الإسلامية التي قامت في مصر منذ دخلها الإسلام.
وبدأ الحكام العبيديون يشيدون قصوراً لا مثيل لها، فقد أقيم قصر المعز على مساحة سبعين فدّاناً، وأمامه من الناحية الغربية أنشأ العزيز ابن المعز القصر الغربي أو القصر الصغير، وعندما زار الرحالة الفارسي ناصر خسرو القاهرة سنة 438هـ هاله منظر القصر الكبير ووصفه بأنه "قصر شاسع تراه من خارج المدينة كأنه جبل نظراً لضخامة مبانيه وارتفاعها، ولا يمكن أن تراه من داخل المدينة إذ تحيط به أسوار شاهقة الارتفاع، ويقال إن هذا القصر يضم من الحشم إثنى عشر ألف نفس".
واتسعت القاهرة، وانتشرت فيها القصور والمباني الشاهقة، وافتتن الناس بما صنع الفاطميون، لكن المؤلف يحذرنا من أن "هذا البذخ إنما كان ستاراً لتغطية المبادئ والأفكار التي قامت عليها الدولة الفاطمية، وأرادت أن تصوغ حياة المصريين وفقاً لهذه الأيديولوجية، وأن تجعل من النعيم والترف وسيلة لإغراء أهل مصر على اعتناق المذهب الإسماعيلي".(31/38)
كما تفنن العبيديون بإقامة الحفلات والليالي والأعياد، بحيث غدا عصرهم أشبه بليالي ألف ليلة وليلة، لكن المصريين برغم ذلك كانوا ينظرون إلى هؤلاء نظرة الريب والشك، لاسيما وأنهم زعموا أنهم ينتسبون إلى أهل البيت دون أن يكون لديهم ما يؤكد صحة هذا النسب، كما كانوا يدّعون معرفة الغيب ومكنونات الصدور. ويروى في هذا الصدد أن العزيز الفاطمي صعد يوماً المنبر ليخطب الجمعة، فوجد رقعة كتب فيها:
بالظلم والجور قد رضينا وليس بالكفر والحماقة
إن كنتَ أعطيتَ علم غيب فقل لنا كاتب البطاقة
يا أهلاً بالفواطم!
وفي هذه المحطة، يقرر المؤلف أن المصريين رحّبوا بالجيش الفاطمي، رغم أنهم كانوا من معارضي التيار الشيعي منذ أحداث الفتنة التي وقعت بعد اغتيال أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه، ويتساءل "كيف حدث هذا التحول الجذري"؟
ويعتبر أن سبب ذلك الواقع البائس الذي كان يعيشه المصريون اقتصادياً واجتماعياً في ظل دولة الإخشيديين، التي ضعفت بعد وفاة كافور، كما أن الدعوة الفاطمية تعتمد اعتماداً كبيراً على الدعاية... ولذلك بعثت إلى مصر قبل احتلالها عددا من عيونها ودعاتها وجواسيسها، كانت مهمتهم أن يضعفوا الروح المعنوية للمصريين، ويبشروهم بالخلاص مما هم فيه من ضنك.
الحاكم بأمر الشيطان
وهو اللقب الذي أطلقه المؤلف على الحاكم الذي ادّعى الألوهية، وأمعن في القتل والبطش، واتسمت سياسته بالتناقض الشديد، وتسمى باسم "الحاكم بأمر الله"، إذ لا يمكن لمن كان هذا وصفه أن يكون حاكماً بأمر الله، إنما هو حاكم بأمر الشيطان.(31/39)
ويعيدنا المؤلف في بداية هذه المحطة إلى سنة 386 هـ (996م)، وهو العام الذي مات فيه العزيز الفاطمي، وبحسب نظام الوراثة في العقيدة الإسماعيلية، فقد آل الحكم إلى ابنه الحاكم بأمر الله، وكان حينها طفلاً لم يتجاوز الحادية عشرة من عمره، فتولى الوصاية عليه أستاذه ومعلمه "برجوان" مدة 4 سنوات، انتهت بفاجعة تمثلت بانقلاب التلميذ ذي الأعوام الخمسة عشر على أستاذه، وقتله غيلة كي ينفرد بالحكم دون وصاية أو إرشاد من أحد.
يقول المؤلف: "وفي رأي كثير من المؤرخين أن هذا الحادث كان بداية تحول الحاكم بأمر الله إلى طاغية جبار لم يشهد التاريخ له نظيراً في غرابة الأطوار، والاستهانة بالدماء".
ثم يشير بدوي إلى أن هذا العام (390هـ) شهد أيضاً حادثاً أشد هولاً وأفدح أثراً من اغتيال برجوان، ذلك هو عزم الحاكم بأمر الله على نقل مناسك الحج إلى مصر، ونقل جسد النبي صلى الله عليه وسلم، وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما من المدينة المنورة إلى القاهرة، وهي الحادثة التي أشار إليها الجغرافي الأندلسي أبو عبيد البكري المتوفى سنة 487هـ. ولكن الله أحبط مسعاه وحمى رسوله وصاحبيه من عدوانهم .
ويسرد المؤلف أقوال المؤرخين في فساد عقيدة الحاكم وبطشه وظلمه وتعطشه للدماء، وتناقضه، حتى أن جميع وزرائه قتلوا على يديه بأبشع وسائل القتل "وهكذا هبت على المجتمع القاهري ريح من الرهبة والفزع، وأصبح اسم هذا الخليفة الفتى مثار الرعب في نفوس الناس".
و بعد بيان شيء من جرائمه، يؤكد المؤلف أن جريمة كبيرة اقترفها هذا الحاكم تمثلت في ادعائه الألوهية، و "رعايته للدعوات الإلحادية التي هبت على مصر من جانب دعاة الفرس الإسماعيليين الذين وجدوا في شخصية الحاكم واضطرابه العقلي، فرصة سانحة للكشف عن أغراضهم الخبيثة في هدم الإسلام، وصارت مصر مهداً خصباً لطائفة من الدعاة السريين".
مولد الدرزية(31/40)
والإشارة إلى جريمة تأليه الحاكم من دون الله، أتبعها المؤلف بقصة مولد المذهب أو الدين الدرزي، الذي تمحور حول ألوهية الحاكم، وتولى كبره حمزة بن علي الزوزني، وهو الأمر الذي تحدثنا عنه في الراصد عدة مرات.
عهد المستنصر
وأطلق عليه المؤلف "بداية النهاية" إذ شكل عصر المستنصر الفاطمي نقطة تحول في تاريخ الدولة العبيدية الفاطمية، والانتقال بها من عصر القوة والازدهار إلى عصر الضعف والاحتضار.
وقد آلت "الإمامة" إلى المستنصر سنة 427هـ، بعد أبيه "الظاهر"،وكان عمره سبع سنوات، فتولت الأم الحكم نيابة عن طفلها. و"كانت مصر في ذلك الوقت تعاني من الصراع الدموي بين طوائف الجند الذين جلبهم الخلفاء الفاطميون من شتى الأجناس، وجعلوا منهم قوام الجيش.... وكانت أم المستنصر تعمل على تغيير الوزراء و استبعادهم أو تقريبهم بصورة لم يسبق لها مثيل حتى بلغ عدد الوزراء الذين تولوا السلطة التنفيذية أربعة وخمسين وزيرا خلال فترة زمنية لا تزيد على ستة عشر عاما ".
المسمار الأخير: تواطؤ الفاطمية مع الصليبية
والمؤلف هنا يتحدث عن الحملة الصليبية الأولى على بلاد المسلمين في ختام القرن الحادي عشر الميلادي، ويؤكد أن تلك الحملة قذفت آخر مسمار في نعش تلك الدولة، إذ أن الفاطميون لم يكتفوا بلعب دور العاجز عن الدفاع عن أراضي المسلمين، إنما تواطأوا مع الصليبيين، وشجعوهم على التوغل في بلاد الشام، من أجل القضاء على الدولة السلجوقية السنية، بل وعقد الفاطميون والصليبيون اتفاقا بينهم لاقتسام بلاد الشام سرعان ما نقضه الصليبيون ليشقوا طريقهم نحو احتلال القدس وفلسطين.(31/41)
وفي الكتاب الذي صدر في 152 صفحة، فصول أخرى قيمة عن هذه الدولة ، كنا قد تناولناها في زوايا أخرى من الراصد مثل انقسام الدعوة الإسماعيلية بعد وفاة المستنصر،ونشأة فرقة الحشاشين من رحمها، وهي التي أخذت توجه سهامها نحو علماء المسلمين وحكامهم حيث قتلوا وزير دولة السلاجقة الفذ نظام الملك، وحاولوا قتل السلطان صلاح الدين .
قالوا
لا يلدغ المؤمن...
قالوا:"(سوريا حماها الله) هذا الشعار غير المألوف ظهر مؤخراً في شوارع المدن السورية الكبرى، ذلك أن نظام الحكم السوري، المنبثق من حزب البعث والذي غالباً ما ينظر إليه بوصفه نظاماً علمانيا، لا يستخدم عادة الشعارات الدينية. ولكن الرئيس بشار الأسد يجند اليوم الشعارات الدينية لإنقاذ سلطته التي تواجه ضغوطاً مكثفة من قبل الأمم المتحدة والمجتمع الدولي".
الوطن العربي 6/1/2006
نقلاً عن تقرير لصحيفة لوفيغارو الفرنسية
قلنا: بالأمس خدع صدام حسين البسطاء عندما كتب على العلم العراقي عبارة "الله أكبر" لكن تحولاً حقيقياً نحو الدين لم يحدث في العراق. واليوم يسير بشار الأسد البعثي النصيري على خطا صدام، فيلجأ إلى العبارات الدينية في تلك الظروف، ليوهم البسطاء أيضاً أن مذهبه وحزبه ليسا ضد الإسلام.
تنظيم الزرقاوي وطهران
قالوا: "... ويقصد المراقبون بالدولة الداعمة لتنظيم الزرقاوي إيران. وهنا منبع الدهشة، خاصة أن تنظيم "القاعدة في بلاد الرافدين" معروف بعدائه الشديد للشيعة، غير أن تمكنه من اختراق مناطق حزب الله في لبنان وقيامه بهجوم صاروخي على إسرائيل لم يكن ليتم لولا ارتباطه بمحور طهران دمشق".
الوطن العربي
6/1/2006
قلنا: ليست هذه المرة الأولى التي تنزلق فيها جماعات سنيّة في أحضان تنظيمات ودول شيعية فهل ينتبه العقلاء لما يراد لأهل السنة عمله؟
حزب الله وجنبلاط..من الغادر
قالوا: "أيها اللبنانيون لو تجسد الغدر رجلاً في هذا الزمن الرديء لكان اسمه وليد جنبلاط".(31/42)
بيان لحزب الله
الدستور 16/1/2006
قلنا: لم يأتِ حزب الله بجديد عندما تحدث عن غدر الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، لكن لماذا كان الحزب يسكت عن هذا "الغدر" طيلة السنوات الماضية، هل لأن جنبلاط الآن لم يعد يدور في الفلك السوري، أم لأنه تجرأ على الحديث عن سلاح حزب الله؟.
اجتثاث البعث أم أهل السنة؟
قالوا: "ثمة ازدواجية في تطبيق قانون اجتثاث البعث... حولته من قانون لقلع واجتثاث الفكر المنحرف.. إلى أداة خبيثة بيد زعماء العراق الجديد للانتقام من أهل السنة بدعوى أنهم بعثيون،... وعلى الرغم من الإحصائيات التي تؤكد أن أكثر من 60% من البعثيين إنما هم من أهل الجنوب، ومن الشيعة تحديداً، إلاّ أننا لا نجد أن هناك من شمله القانون إلاّ عدداً قليلاً جداً مقارنة بنظرائهم من السنة".
د. رائد حموشي
الوطن العربي 6/1/2006
قلنا: ولعل القاضي الشيعي سعيد الهماشي الذي يتولى الآن محاكمة صدام حسين وأعوانه، أحد الأمثلة لسياسة غض الطرف عن الشيعة الذين انخرطوا في حزب البعث، في حين يتم الإساءة إلى أهل السنة بحجة أنهم أزلام النظام السابق.
موقف الشيعة من جماعة الإخوان المسلمين
قالوا: "الذين يعارضون الإخوان يعارضون نموذجها الفكري المقترح للدين، وليس الدين نفسه، وهم يفعلون هذا من خلال دراستهم لفكر وتاريخ جماعة تزعم أن التاريخ الأموي والعباسي والمملوكي والعثماني كان تاريخاً إسلامياً ناصع البياض".
د. أحمد النفيس
صحيفة القاهرة 27/12/2005
قلنا: أحمد النفيس، هو أحد أبرز المتشيعين في مصر، وهو مثل باقي المتشيعين دائماً ما يهاجم جماعة الإخوان المسلمين، التي لا يعرف عند قادتها وشبابها ميلاً لبيان عقائد الشيعة أو انتقادهم، لكن النفيس يعتبر الإخوان هدفاً لسهامه لمجرد أنهم من السنة، ولمجرد أنهم لا يطعنون ويسبون تاريخ الأمويين والعباسيين... التاريخ حاضر دائماً في ذهن الشيعة والمتشيعين، ونحن نحاول تغييبه.(31/43)
حزب الله اللبناني أم الإيراني؟
قالوا: "فالمشكلة في لبنان، وهي عتيقة بل مزمنة، ليست في ولاء أبنائه له، أو على نحو أصح طوائفه ومذاهبه له، لأن لا وجود فيه لمواطنين بل أبناء لطوائف ومذاهب ارتقت بممارساتها إلى مرتبة الدول".
سركيس نعوم
النهار 17/1/2006
قلنا: وليس حزب الله عنّا ببعيد، فإيران وسوريا بالنسبة له أولاً وأولاً وأولاً قبل لبنان واللبنانيين.
حزب الله: نعم حارس الحدود
قالوا: "قالت مصادر أمنية إسرائيلية... أن حزب الله اللبناني يمنع في الآونة الأخيرة مجموعات من إطلاق قذائف الكاتيوشا في اتجاه المواقع الإسرائيلية، بعد أن أعلن تنظيم القاعدة أن إطلاق القذائف الأخيرة على بلدات إسرائيلية، تم بأمر مباشر من قائد تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن".
الغد 14/1/2006
قلنا: حتماً لن يجد اليهود أفضل من حزب الله لحراسة حدودهم مع لبنان، فالحزب الذي يتحكم بالحدود يرفض أي مشاركة لأي فصيل لبناني أو فلسطيني ضد أهداف يهودية.
إسرائيل تريد الأسد ثم الأسد
قالوا: "في الصحافة الإسرائيلية ثمة ما يشبه الإجماع لدى القيادات الإسرائيلية بأن بقاء "سورية بشار الأسد" ضعيفة أفضل من الفوضى".
ياسر أبو هلالة
العد 1/1/2006
قلنا: ليست تلك المرة الأولى التي يشير فيها اليهود إلى رغبتهم ببقاء النظام النصيري البعثي بجانبهم، فقد أعلنوها مراراً ـ رغم التهييج الذي تمارسه الولايات المتحدة ضد النظام السوري ـ أنهم لن يجدوا أفضل من نظام الأسد لضبط الجبهة اللبنانية من خلال عميله حزب الله، ومنع نشاط الفصائل الفلسطينية المرابطة في لبنان وسوريا، ثم عدم إطلاق رصاصة واحدة من هضبة الجولان المحتلة.
جولة الصحافة
محمود طه.. تعاقبت الأزمنة و«الحملات» واحدة
رشيد الخيون الشرق الأوسط 8/1/2006(31/44)
[ سبق للراصد أن نشرت تعريف بالحزب الجمهوري في السودان وهم أصحاب الفكر القرآني في العدد 28 وهنا نجد الخيون يشيد بمؤسس هذا الحزب ، مما يشير لمحاولة إحياء هذا التيار ! الراصد ]
شهد صباح مثل هذا اليوم، الثامن عشر من يناير (كانون الثاني) 1985، إعدام الشيخ السوداني محمود محمد طه، وهو ابن السادسة والسبعين، بتهمة الردة عن الإسلام، ونقل جثمانه بالطائرة إلى مكان مجهول. لم يتردد مستشار جعفر نميري الشيخ حسن الترابي في الاعتراف لإحدى الفضائيات، وهو في موقع السلطة، بدوره في الاتهام والإعدام. لكن مَنْ يقرأ كتاب الترابي «السياسة والحكم»، ويستمع لأحاديثه وتصريحاته، بعد الانقلاب عليه وسجنه، يلاحظ تغير الشيخ وتراجعه، ولم يبق ذلك الإخواني المتشدد، المتعطش للسلطة وهلاك الخصماء. وهو يعلم، قبل غيره، أن إعدام خصمه كان إجراءً سياسياً أُلبس ثوب الدين، لا يتعدى ما كان بين الإخوان المسلمين برئاسته وما بين الإخوان الجمهوريين برئاسة القتيل. وبطبيعة الحال، لا يؤخذ بتغير الترابي وانفتاحه الجديد من دون دفع دية المسؤولية، مهما كان حجمها، ولا أراها تتعدى نطق مفردة «أعتذر»!(31/45)
كان رفض الشيخ المقتول قوانين الشريعة، التي أُعلنت في سبتمبر 1983، رحمة بالشريعة والأتباع من التفريط، ومن المغامرة بالدين وتطبيق حدوده، كقانون نافذ على الناس، وسط تراكم من الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية. ظل الشيخ، قبل إعدامه بعشرين عاماً، يعارض محاولات تطبيق قوانين «الإيمان» بالقتل، وقطع اليد، وسلب حرية الناس. وهو يرى أن الرق ليس أصلاً في الإسلام، وتغييب النساء عن الحياة ليس من الإسلام، والإسلام جاء متدرجاً في الأديان الكتابية، كي يتعاصر مع مدارك البشر (رسالة الإسلام الثانية). أفكار وآراء قابلة للجدل والحوار، لا تستدعي تهمة الردة وعقوبة الموت، والحرمان حتى من مراسم الجنازة. وهو بمعارضته القديمة لقيام دولة دينية، حكم الردة فيها مادة من مواد الدستور، ظل هدفاً للإخوان المسلمين، فاستصدروا ضده حكماً غيابياً بالإعدام (1968) عن طريق محكمة للأحوال الشخصية، لا شأن لها بمثل هذا الحكم، مع طلاق زوجته.
لم تجد المحكمة طريقاً لتنفيذ حكمها آنذاك، فانتظر المتربصون حتى سبتمبر (أيلول) السنة 1983، عندما أُعلن تطبيق قوانين الشريعة، مع إضافة «قانون الشروع بالزنى». ويعلم الشيخ كم يتجاوز مثل هذا القانون على حكم الشريعة، الذي جاء يحمي النساء والرجال من الأفاكين. شكلت لهذه المهمة محاكم عرفت بمحاكم «العدالة الناجزة»، أو «محاكم الطوارئ». يومها عارض الشيخ علانية، ومن موقعه في الحزب الجمهوري، تلك القوانين، واعتبرها مخالفة لروح الإسلام.(31/46)
قال أمام هيئة المحكمة، وهي تلوح بحكم الموت ضده: «أنا أعلنت رأيي مراراً في قوانين سبتمبر 1983 من أنها مخالفة للشريعة وللإسلام. أكثر من ذلك فإنها شوهت الشريعة، وشوهت الإسلام»، (تقرير منظمة حقوق الإنسان). وبما أن حكم الردة على الشيخ كان حكماً سياسياً لا دينياً، فقد أُلغي الحكم حال سقوط النظام، وقررت المحكمة الدستورية العليا بطلان محاكمته «واعتبار كل ما ترتب عليها لاغياً».
........
أكلت قوانين الحملات الإيمانية، لغايات سياسية مصحوبة بتعصب ديني أو مذهبي، الكثير من البشر، ومن علماء الدين وشيوخه أكثر من العوام، وما الشيخ محمود محمد طه، إلا واحدا من الألوف عبر التاريخ.
الشاعر العراقي عبد الرزاق عبد الواحد:
أنا من صابئة البطائح وهم موحدون
صحيفة الدستور 16/1/2006
[أجرت صحيفة الدستور الأردنية مقابلة مطولة مع الشاعر العراقي عبد الرزاق عبد الواحد، أبرز رموز الصابئة المعاصرين، توضح لنا جانبا من عقيدتهم وأفكارهم، وسيكون لنا تعليقات بعد الاقتباس. الراصد ]
"... الكنزا العظيم (كتاب الصابئة المقدس) الصابئة يقولون بأن عمره صار ستة آلاف عام، وهو أول دين توحيدي وكان في زمن السومريين، ترجم من قبل هيئات عليا بالآراميات وسلم لي لوضعه بلغة مقدسة وكتبته بلغة عالية جداً، لكني قمت بتفريغ الكثير من القضايا التاريخية التي كانت مقحمة في النص اللاهوتي، فسئلت من قبل لجنة من علماء الدين: كيف اهتديت إلى هذه التقنية؟ قلت لهم: توضع بيضتان تحت دجاجة، تفقس إحداهما عن فرخ بط والأخرى عن فرخ دجاجة، فمن علّم فرخ البط أنه يستطيع العوم فيلقي نفسه على الفور في الماء، وفرخ الدجاجة يهرب من الماء؟ فأنا كنت كفرخ البط، وأرد بجيناتي هذا الهاجس المندائي الذي يجعلني أعرف هذا الأمر، فقمت بالعمل على هذا النص طيلة سنة وأربعة أشهر بمعدل ست ساعات يوميا على الأقل.
ميتافيزيقيا(31/47)
دخلت في الميتافيزيقا وكنت لا أقرأ شيئا خلال هذه المدة الطويلة ولا أكتب، ولا أسمع الإذاعة حتى، عشت حالة اعتكاف حتى أنجزت هذا الكتاب الذي أعطي اسم كتاب هذا القرن في مهرجان الكتاب الدولي في باريس. شعرت بسعادة مذهلة وأنا أنسى كل ما حولي خوفاً على هذا المناخ النفسي الذي وضعت نفسي به، فكان اعتكافاً كاملاً لمدة سنة وأربعة أشهر إلى أن أنجزت هذا الكتاب. اكتشفت بهذا الكتاب اكتشافات عظيمة.
مثلا كنا نعرف بأن جحيم دانتي متأثر برسالة الغفران لأبي العلاء المعري، وجدت أن أبا العلاء قد أخذ رسالة الغفران من الـ (كنزا ربا)، موجود تسبيح صعود الروح في المطرافة أو المطهر، والعذابات التي تواجهها الروح، ورأساً قفز إلى ذهني أن أبا العلاء المعري عاش في نفس الفترة التي عاش فيها أبو اسحق الصابئي الأديب الكبير ووزير الدولة والشاعر، وأبو العلاء المعري القارئ العظيم، وأبو اسحق كان صديقا له وللشريف الرضي، فلا بد أنه حدث أبا العلاء عنه وقرأه لهما.
الدستور: بأي لغة كتب في الأصل الكنزا ربا؟؟ وعن أي لغة ترجمته أنت؟؟
عبد الواحد: ترجم عن الآرامية، حيث أن لغته الأصلية المندائية وهي إحدى بنات الآرامية، سلمت لي الترجمة من لجنة ترجمة عليا تضم متخصصين كبار، على رأسهم الدكتور يوسف قوزي المندائي، وأنا قمت بترجمتها من المندائية إلى العربية، ووضعته بأسلوبه العربي، وتجنبت ما وقع فيه الأستاذ الكبير الذي كتب نص الكتاب المقدس (الإنجيل العربي) وهو لبناني الأصل، كتبه أول مرة على غرار القرآن، فضج عليه رجال الدين المسيحيين.
أنا اكتشفت حقيقة كبيرة في هذا، حيث قام هذا الشخص بكتابته بطريقة عادية، نثر اعتيادي، فمات النص وأصبح أي شخص عندما يقرأه لا يهتز فيه شيء، أنا وضعته بلغة مختلفة، حيث أن ثقافتي القرآنية ممتازة والسبب أني أحفظ القرآن، مثلما لاحظتم في شعري تجدون النفس القرآني في شعري كله، حتى أن آيات كاملة تأتي في نصي الشعري.(31/48)
المصدر واحد
الدستور: ما نشعر به أن بين عبد الرزاق عبد الواحد وبين الدين الإسلامي سلام، والصابئة بالذات لا تشعر بأن هناك مشكلة معهم مثل أي دين آخر... ما هو السبب؟؟
عبد الواحد: عندما وضعت النص، في يوم من الأيام كان عندي في البيت مجموعة من الوزراء، وكان الدكتور سعدون حمادي بينهم، وطلبوا مني أن أقرأ نماذج من النص، فقرأت لهم بعض التسابيح، ولما استغربوا، قلت له: أستاذ حامد المصدر واحد هو الله سبحانه وتعالى، فهو صاحب النص، كان يفرق بين هذه الكتب اللغة، فالكنزا نفسها مترجمة إلى الألمانية والذي ترجمها أحد كبار علماء اللغات القديمة الألمان، حيث قال: أي شعراء عظام كانوا وراء هذه اللغة، حيث كانت كلها مكتوبة بالشعر.
فإذا آمنا أن المصدر واحد وأن الذي اختلف هو اللغة وأن كل شيء متشابه من حيث الوصايا والتعبدات، لكن هناك اتجاه مخالف ثبت لي أن القرآن والإسلام كان أنضج.
كانت الديانة المندائية في زمن السومريين، وبعدها انحصرت إلى أقصى الجنوب عندما جاء الأكاديون والبابليون وضغطوا عليهم ودفعوهم للجنوب، فاعتكفوا منذ ذلك الوقت. طبعاً عندنا في الصابئة نقول أن ما ورد في القرآن عن الصحف الإبراهيمية القديمة هي الـ (كنزا ربا) فلدينا آدم عليه السلام هو النبي الأول، ويحيى هو آخر الأنبياء.
إذا كان كل هذا التشابه بين الأديان فمعنى ذلك أن الحضارات متأثرة ببعضها ومتطورة عن بعض، أي أن الإسلام جاء وخطط للحياة الدنيا كما خطط للآخرة، لكن المندائية لا يوجد بها هذا الشيء، لا يوجد فيها شيء عن الحياة الدنيا. فقلت إن هذا التشابه ثم هذا التباين أيضاً نجد فيه أن النضج يزيد من الديانة المندائية إلى أن يصل إلى الإسلام فنرى أن الإسلام أنضج والقرآن أنضج الكتب السماوية لأنه وضع لـ شيء عن الدنيا والآخرة.(31/49)
أيضاً في هذا الكتاب تقاليد غريبة وجميلة، أنك تستطيع أن تقرأه من جهتين، الكنزا الأيمن والذي يصل في الكتاب إلى حوالي الثلثين وينتهي الكتاب ثم تقرأه من الناحية الأخرى.
الدستور: ما رأيك بالكتب التي صدرت عن الصابئة مثل كتاب محمد جزائري، أو الليدي درادود عن الصابئة المندائيين وغيرهما من الكتب العربية والغربية؟
عبد الواحد: هناك اجتهادات كثيرة، ويخيل لي أن العرب هم الوحيدون الذي قصروا بحق تاريخهم، كانت دراسات الأوروبيين أنضج عن تاريخنا، أما نحن فقد قصرنا بتراثنا وتاريخنا، فديانة الصابئة نوعان: هناك صابئة حران وصابئة البطائح، صابئة حران لا يوجد لديهم كتاب وهم عبدة أوثان وعبدة نجوم، وهذه انسحبت على كل الصابئة للأسف، أما صابئة البطائح فلديهم كتاب، وهؤلاء عاش بينهم إبراهيم عليه السلام وهاجروا معه إلى مصر، وأسسوا هناك مملكة كبيرة وكان أشهر ملوكهم الملك أردوان، وبعد ذلك خرجوا من مصر وعادوا إلى جنوب العراق على الماء الجاري، وهذا كان مقر الصابئة حيث يجب أن يكون على الماء الجاري.
الدستور: لكن لماذا هناك حالة سلام بين الصابئة وبين الإسلام مثلا كما ورد في القرآن شيء من الثناء والاحترام لهم؟
عبد الواحد: أولاً الصابئة عاشوا بين المسلمين بعد الإسلام وخاصة في العراق، في جنوب العراق من زمن السومريين، ونحن من السومريين، فلا نقبل خطأ لأن الصابئة لا يأخذون من ديانة ولا يعطون لديانة أخرى زواجاً، والذي يخرج من عندهم يخرج من الديانة ولا يسمح له بالعودة هذا إذا تزوج من مكان آخر، حيث لا يقبلون بأن يدخل عليهم أحد. عاشوا مع المسلمين منذ أن صار الفتح وجاءت الدولة العباسية.(31/50)
الصابئة يتميزون بأن ديانتهم ليست ديانة عدوانية بل مسالمة، وأيضاً تربت الصابئة في الجو الإسلامي فنجدهم غير منطوين على أنفسهم إطلاقاً، مثلاً اسمي عبد الرزاق عبد الواحد، وأساتذتي في الجامعة كانوا يعتقدون أنني شيعي، حيث اسمي اسم شيعي، عندي أولاد عمومة أسماؤهم فاضل وعباس وحسن وحسين ومحمد وهذه الأسماء أسماء مسلمة، عاداتنا جميعها عادات إسلامية. أيضاً القرآن ميز الصابئة في عدة آيات واعتبرهم من المؤمنين الحق..".
انتهت المقابلة .
الفقرات السابقة هي جزء من مقابلة أجرتها صحيفة الدستور مع الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد، المقيم حالياً في دمشق، وقد نشرنا في زاوية "فرق" في العدد الثاني والعشرين من الراصد موضوعاً مفصلا عن "الصابئة" وأشرنا فيه إلى أن عبد الرزاق عبد الواحد هو من أبرز شخصياتهم المعاصرة، ويجدر هنا أن نتوقف قليلاً أمام ما جاء في المقابلة السابقة.
1ـ بالرغم من أن الصابئة ـ أو المندائيين كما يطلقون على أنفسهم ـ انقسموا إلى صابئة حران، وصابئة البطائح، وبالرغم من أن الأولى هي التي عبدت الكواكب والأوثان، إلاّ أن الأخرى أيضاً انحرفت عن منهج الله، ولا صحة لوصفهم بأنهم موحدون. فهم رغم اعتقادهم ـ من حيث المبدأ ـ بوجود الإله الخالق الأزلي، إلاّ أنهم يجعلون بعد هذا الإله 360 شخصاً خلقوا ليفعلوا أفعال الإله، من رعد وبرق ومطر وشمس وليل ونهار، وهؤلاء يعرفون الغيب، ولكل منهم مملكته في عالم الأنوار.
كما أنه لا صحة لقوله بأن دين الصابئة هو أول دين توحيدي، فقد جاء الأنبياء كلهم وأولهم آدم عليه السلام بالتوحيد قبل الصابئة بزمن كبير جدا.
2ـ كتاب الصابئة المقدس (كنزا ربا)، الذي ترجمه عبد الرزاق عبد الواحد ترجمة أدبية ليس كتاباً سماوياً، كالقرآن والتوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم.(31/51)
وكتاب الكانزا ربا ليس هو صحف إبراهيم كما يزعمون، كما أن ذكر الصابئة في بعض آيات القرآن ليس دليلاً على تصحيح دينهم أو طريقتهم، فقد جاء ذكرهم في القرآن مقروناً مع اليهود والنصارى والمجوس والمشركين.
3ـ ثمة اتهامات يوجهها الصابئة أنفسهم إلى عبد الواحد بالسطو على ترجمة كان قد أعدها مجموعة من الصابئة لكتابهم، فقام بإضافة بعض الأشياء عليها، وحذف منها أشياء أخرى، ونسبها لنفسه (انظر موقع اتحاد الجمعيات المندائية في المهجر).
الراصد
الطرق الصوفية تطلب احتكار "مجالس الذكر"!
روز اليوسف ـ 14/1/2006 العدد 4049 باختصار
شيخ الطريقة الحامدية الشاذلية إبراهيم طلعت سلامة الراضي( أقام دعوى) أمام محكمة القضاء الإداري ضد وزير التضامن الاجتماعي ومحافظ الجيزة قال في دعواه: قامت جمعية المجمع الإسلامي ومسجد الحامدية الشاذلية المشهرة برقم 1414 لسنة 1999 طبقا لأحكام القانون رقم 84 لسنة 2002 بشأن قانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية بعقد جمعية عمومية غير عادية لتعديل المادة الثالثة من لائحة النظام الأساسي وذلك وفقا للبند رقم "2" لهذه المادة وهو إضافة نشاط جديد عبارة عن إقامة مجالس للعلم ومجالس الذكر بالمساجد العامة والاحتفالات الدينية بآل البيت وأولياء الله الصالحين.
مديرية الشئون الاجتماعية بالجيزة وافقت على هذا التعديل رغم أن هذا النشاط صوفي بحت وهو ما لا يباشر إلا طبقا لأحكام القانون رقم 118 لسنة 1976 بشأن نظام الطرق الصوفية.
قال شيخ الطريقة الحامدية في دعواه القضائية .. "تستهدف الطرق الصوفية بكافة تشكيلاتها التربية الدينية والروحية بما يتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية والدعوة إلى العمل بها بالوعظ والإرشاد وتنظيم الذكر الصوفي وغير ذلك من السبل والوسائل الصوفية.(31/52)
وطبقا للمادة الثالثة من نفس القانون بأن المجلس الأعلى للطرق الصوفية هيئة لها الشخصية المعنوية المستقلة ذات أغراض دينية وروحية واجتماعية وثقافية ووطنية، كما حددت المادة الرابعة اختصاص المجلس الأعلى للطرق الصوفية في الإشراف العام على النشاط الصوفي ودعمه والموافقة على إنشاء الطرق الصوفية الجديدة ومتابعة نشاط كل الطرق الصوفية أو أعضائها، وإصدار قرارات بحظر نشاط أية فئة أو جماعة أو شخص يزعم الانتساب إلى الطرق الصوفية أو يباشر نشاطا صوفيا، ولم يكن مدرجاً ضمن سجلات الطرق الصوفية أو إبداء الرأي في التشريعات المتعلقة بتنظيم الطرق الصوفية ووضع اللوائح الداخلية للمجلس الأعلى للطرق الصوفية والمشيخة الصوفية، والموافقة على تعيين وتأديب وعزل مشايخ الطرق الصوفية ووكلائها والترخيص من الناحية الدينية والصوفية بالموالد والمواكب الصوفية وتنظيمها بكافة أنحاء الجمهورية والإشراف عليها..
كما تنص المادة "4" من هذا القانون على أنه لا يجوز للسلطة الإدارية المختصة الترخيص بإقامة مولد أو بسير المواكب الجماعية للطرق الصوفية بأية جهة من جهات الجمهورية ولا التصريح بسير المواكب الصوفية لطريقة من الطرق من عواصم المحافظات إلا بعد صدور إذن بذلك من المشيخة العمومية للطرق الصوفية.
وكذلك أكد قانون الطرق الصوفية على أنه لا يجوز إقامة مجالس للذكر الصوفي بأي مسجد إلا بإذن من مشيخة الطرق الصوفية، وتتولى المشيخة العامة للطرق الصوفية الاشتراك في تنظيم الاحتفالات الدينية الرئيسية والموافقة على كيفية اشتراك الطرق الصوفية فيها وتنظيم إقامة السرادقات والندوات الصوفية وتنظيم الوعظ والإرشاد.
فضلاً عن أن اللائحة التنفيذية لقانون الطرق الصوفية تؤكد على عدم إقامة الموالد أو تسيير المواكب الصوفية ومجالس الذكر لغير أبناء الطرق التي تضمن القانون اعتبارها من الطرق الصوفية.(31/53)
يقول إبراهيم سلامة الراضي شيخ الطريقة الحامدية الشاذلية: المشرع قصر الحق في التصريح بمباشرة النشاط الصوفي والممثل في إقامة مجالس العلم ومجالس الذكر بالمساجد العامة والاحتفالات الدينية بآل البيت وأولياء الله على المجلس الأعلى للطرق الصوفية، كما قصر الحق في مباشرة هذا النشاط على الجمعيات المدرجة بسجلات الطرق الصوفية لدى مشيخة عموم الطرق الصوفية وجمعية المجمع الإسلامي، ومسجد الحامدية الشاذلية ليس من هذه الجمعيات، وغير مدرجة بسجلات الطرق الصوفية، ولا تعد بالتالي واحدة منها، وبالتالي يمنع عليها مباشرة النشاط الصوفي ضمن أنشطتها، لهذا أقام هذه الدعوى القضائية التي يطالب فيها بإصدار حكم قضائي بإلغاء تعديل لائحة النظام الأساسي لجمعية المجمع الإسلامي ومسجد الحامدية الشاذلية بإضافة نشاط جديد هو إقامة مجالس للعلم ومجالس للذكر.
يقول الشيخ منصور الرفاعي عبيد وكيل وزارة الأوقاف الأسبق لشئون الدعوة: الذي يملك التصريح بالذكر في المسجد هو وزارة الأوقاف فقط حسب القانون، فللحصول على إقامة حلقة الذكر والحضرة لها خطوات أن يتقدم طالب إقامة الذكر بطلب إلى مشيخة الطرق الصوفية التي تخطر وزارة الأوقاف بالطلب ثم تقوم وزارة الأوقاف بإخطار جهات الاختصاص "الأمنية" لمعرفة سلوك هذا الشخص وصلاحيته من الناحية الأمنية حتى لا يكون من الخطرين، والمفروض أن لا يقام الذكر في وقت الصلاة أو قراءة القرآن ولا بدل درس الدين، ولهذا كله فليس من حق وزارة الشئون الاجتماعية أو وزارة التضامن الاجتماعي أخذ اختصاصات وزارة الأوقاف والمجلس الأعلى للطرق الصوفية بالسماح بإقامة حلقات للذكر.(31/54)
الداعية الشيخ فكري حسن إسماعيل يقول: أنا لست مع السلبيات التي نجدها في بعض الأحيان في حلقات الذكر التي تسيء أولا لعظمة هذا الدين وجوهره وتسيء إلى المسلمين مثل المجالس التي يختلط فيها الرجال والنساء، وربما يكون البعض منهم لا يصلون، والبعض يدخنون ويفعلون أفعالا لا تتفق مع الدين، حيث إن بعضهم يتحدث مع الآخر أثناء تحركه وربما الحديث يكون بينهما في أمور تسيء إلى البعض.
«الطائفة» المظلومة !
صالح القلاب الرأي 16/1/2006
الطائفيون و«المتمذهبون» هم الذين يتهمون سنة لبنان بالطائفية وهم الذين يدافعون عن «القطر العربي الشقيق» ونظامه غير الطائفي، وبخاصة منذ العام 1970، بصب جام غضبهم على السنة اللبنانيين وتصويرهم على أنهم «الحسكة» الناشبة في حنجرة الأمة العربية وأنهم هم الذين يضعون نيران الفتنة تحت مرجل الطائفية في بلد يتحدث البعض عنه وكأنه لم يقم بالأساس على الطائفية وكأن الطائفية ليست هي التي صنعت الوطن اللبناني بتعدديته وبتوقه المستمر إلى الاستقلال والحرية.
ولمن لا يعرف عن لبنان سوى القشور وسوى ما يرشح من إعلام «القطر العربي الشقيق»، الغارق في الحرية والاستقلالية حتى شوشة رأسه، فإن سنة لبنان بقوا على مدى تاريخ هذا البلد الصغير الطويل هم ضمانة عروبته وهم عامل عقلنة طائفيته وهم نقطة الارتكاز ونقطة التلاقي بين طوائفه وهم الموحدون والتوحيديون والمقاومون باستمرار للنزعة الانعزالية والانفصالية.
لأن سنة لبنان يشعرون بأن عمقهم العربي يمتد من تطوان في الغرب وحتى سيف سعد في الشرق ومن لواء الاسكندرون «السليب»، والذي بحمد الله ونعمته لم يعد سليبا!!، في الشمال وحتى حي «كريتر» في عدن في الجنوب فإنهم بقوا يعتبرون أنفسهم الأكثرية.. والأكثرية كما هو معروف لا يمكن أن تكون لا إقليمية ولا طائفية ولا مذهبية بل أنها تتصرف باستمرار على أساس أنها الوعاء الأوسع الذي يجب أن يستوعب الأوعية الضيقة والصغيرة كلها.(31/55)
كل الطوائف اللبنانية بقيت تخشى على نفسها، ومعها كل الحق، قبل العهد العثماني غير الميمون وبعده، وبقيت تخاف من الاستيعاب والإذابة إلا الطائفة السنية فإنها بقيت تتصرف وتعمل وتمارس السياسة على أساس أنها الأكثرية وعلى أساس أن عمقها العربي يشمل الوطن العربي كله ولهذا فإن علاقاتها الداخلية بقيت تتأثر وبحدود كبيرة بالمحاور والإستقطابات العربية بين مؤيدي الغرب الرأسمالي ومؤيدي الشرق الاشتراكي والشيوعي وبين ما كان يسمى بـ «التقدميين» وما كان يسمى بـ «الرجعيين»!!.
وكل الطوائف اللبنانية بادرت بعد الحرب الأهلية الأخيرة وعشية اندلاعها في منتصف عقد سبعينات القرن الماضي إلى تشكيل ميليشياتها وجيوشها الخاصة باستثناء الطائفة السنية فإنها بقيت باستثناء تجربة إبراهيم قليلات و«المرابطون» في شارع من شوارع بيروت الغربية بدون ميليشيا طائفية واحدة موحدة تمثل الطائفة كلها على غرار حزب الله وحركة «أمل» بالنسبة للشيعة والقوات اللبنانية بالنسبة للموارنة وقوات الحزب التقدمي الاشتراكي بالنسبة للدروز.
لقد أطلق مفتي لبنان الأسبق الشيخ حسن خالد ذلك الشعار القائل: «إن المقاومة الفلسطينية هي جيش المسلمين» ويومها كانت الساحة اللبنانية قد بدأت تتحول إلى لوحة فسيفسائية طائفية «ميليشياوية» ويومها أنفرط عقد الجيش اللبناني وأنحاز ضباطه وجنوده كل إلى ميليشيات طائفته ولقد دفعت الطائفة السنية بعد رحيل منظمة التحرير ثمنا غاليا عندما تعرضت لسلسلة اغتيالات طالت معظم قادتها ورموزها والسبب أن إضعافها وتغييبها هي والطائفة المارونية غدا شرطا من شروط الإخلال بالمعادلة الطائفية اللبنانية السابقة ولصياغة معادلة جديدة تتماشى مع زحف النفوذ الإقليمي نحو لبنان ومع التطلعات الإيرانية ـ الفارسية بعد انتصار الثورة الخمينية لنفوذ في المنطقة يتناسب مع حجمها ومع إمتداداتها المذهبية والسياسية في هذه المنطقة.(31/56)
ولعل ما يجب قوله هنا هو أن رفيق الحريري الذي خرج من لبنان وتوجه إلى منطقة الخليج وهو عضو في حركة القوميين العرب، وفي الحلقة نفسها التي كان فيها الفنان الشهير ناجي العلي والقائد الفلسطيني بسام أبو شريف،لم يعد إلى بلده بعد رحلة إنجازات اقتصادية عظيمة ليلملم شتات الطائفة السنية وينصب نفسه قائدا لها وإنما عاد بالأفكار القديمة نفسها وعاد ليعزز التصاق لبنان بعمقه العربي والدليل على هذا أن مشروعه السياسي قد شمل الطوائف اللبنانية كلها وان الأكثر من خمسين ألف طالب الذين علمهم في أرقى الجامعات الغربية والذين هم الآن عماد هذا المشروع السياسي ينتمون إلى كل طوائف لبنان وبلا استثناء أي طائفة لا صغيرة ولا كبيرة.
خطة إذابة "أمل" في "حزب الله"
الوطن العربي ـ العدد 1505 ـ 6/1/2006
الأوضاع السياسية في لبنان تتطور بسرعة نحو الأسوأ. هذا ما حذرت منه مصادر سياسية مطلعة على الشأن اللبناني وعلى خفايا ما يدور في الكواليس الإقليمية. وحسب هذه المصادر، فإن مصدر الخطر هو مشروع إيراني يضم شيعة لبنان في صوت سياسي واحد وبلهجة "حزب الله" وعلى حساب التوجه السياسي المبدئي لحركة "أمل".
وفي معلومات هذه المصادر أن طهران صارت تعتبر أن الوضع اللبناني، نتيجة التطورات السلبية التي شهدها لبنان في العام 2005، يوفر الظروف المناسبة لعملية فرز طائفية ومذهبية، من شأنها منح إيران وضعاً مهيمنا في لبنان عن طريق الصوت الشيعي الموحد بين "حزب الله" و "أمل"، وبدون حاجة إلى الجسر السوري. ولذلك سعت إيران إلى دعم موقف "حزب الله" الأكثر انسجاما مع خططها على حساب حركة "أمل" التي يحتفظ رئيسها بعلاقات أقوى مع سورية، وبصداقات عربية لا يمكنه تجاهلها.(31/57)
والواقع، وبحسب المصادر، فإن طهران سعت منذ البداية إلى خلق موقع قدم على الساحة اللبنانية، عندما استغلت غياب الإمام المغيب موسى الصدر، لاستنبات "حزب الله" من وسط "أمل" التي تأسست في بداياتها بدعم من حركة "فتح"، ثم قدمت دعماً كاملاً لـ "حزب الله" في فرض سيطرته على المناطق الشيعية في الجنوب والبقاع، على حساب "أمل" وبالقوة العسكرية أحياناً، لأن نبيه بري زعيم "أمل" ظل حريصاً على علاقاته العربية.
وعندما ضغطت طهران، لتحقيق تحالف شيعي ـ شيعي، ونظراً لطبيعة تلك المرحلة، حافظت على مواقع حركة "أمل" في النظام السياسي اللبناني، بينما ظلت السيطرة الفعلية على الأرض لـ "حزب الله" الذي يملك قوة مسلحة لا يستهان بها.
سياسية وضع اليد
غير أن مصادر تشير إلى أن الظروف تغيرت الآن، وأن طهران صارت تخشى من مغبة اعتمادها على الجسر السوري، وترى أن الضغوط الأميركية إذا ما أفلحت في تحقيق تغييرات في نظام دمشق، فإنها ستفقد ـ حكماً ـ صلة وصلها بالساحة اللبنانية، ولذلك اعتمدت استراتيجية جديدة تبلورت مع وصول الرئيس الإيراني المتشدد محمود أحمدي نجاد إلى الحكم في طهران، وتقضي هذه الاستراتيجية بوضع اليد مباشرة على الساحة الشيعية في لبنان.
وفي سبيل تحقيق هذا الهدف، وقع خيارها منطقيا على حليفها القوي "حزب الله" الذي يتمتع الإيرانيون، والحرس الثوري تحديداً، بموقع سيطرة قوية على قوته العسكرية كما أن "حزب الله" أقرب إلى طهران لأنه يملك مشروعاً دينياً، أما نبيه بري فيملك فقط مشروعاً سياسياً وأقرب إلى العلمانية. ولكن طهران، والحديث مازال للمصادر المطلعة، لم تكن راغبة في حدوث انشقاق في الصف الشيعي إذا ما استبعدت "أمل" من خطتها، ولذلك فإنها سعت جاهدة لإدخال "أمل" في مخططها ولكن بإحداث تغييرات في اتجاهاتها السياسية، بحيث تجعلها أكثر قرباً من "حزب الله" وبالتالي من إيران.(31/58)
واستدعى تنفيذ هذه الخطة، وحسب قول المصادر نفسها، أن يتمكن "حزب الله" من اختراق حركة "أمل" عن طريق إيصال شخصيات إلى قيادتها السياسية، تنتمي فعلاً إلى الخط السياسي لـ "حزب الله". وهذا ما حصل، ووفق خطة مرحلية طويلة الأمد، وقد نجح هؤلاء في التأثير على القرار السياسي لحركة "أمل" لتصبح أكثر اقتراباً من الخط الإيراني، بعيداً عن قناعاتها العربية.
وهكذا، والكلام لنفس المصادر، حصلت عملية الفرز في لبنان على أرضية الظروف المصاحبة للتحقيق الدولي في اغتيال رفيق الحريري، وتبلور صوت شيعي واحد فرض نفسه على مسار الأحداث السياسية في لبنان.
قاعدة نفوذ جغرافية
وتضيف المصادر أن طهران غير معنية وغير مهتمة بوحدة الأراضي اللبنانية، وأن كل ما يعنيها هو أن تكون لها قاعدة نفوذ جغرافية في هذه المنطقة من الشرق الأوسط، وإذا كانت المعادلة الإيرانية تشكل خطراً على بقاء لبنان دولة متكاملة، فإن الخطر أيضاً طال حركة "أمل" للسير معها إلى نهاية الشوط، ولذلك فإنها دعمت "حزب الله" ليبدأ عملية تقليص مبرمجة لمواقع "أمل" في النظام اللبناني، وفي الإدارات اللبنانية.
وتشير هذه المصادر إلى أن "حزب الله" غير راض عن استئثار نبيه بري بتعيين أنصاره في المؤسسات اللبنانية الرئيسية ذات الكثافة الوظيفية العالية، وهي سياسة اتبعها نبيه بري للاحتفاظ بشعبيته رغم سيطرة سلاح "حزب الله".
كما تشير المصادر إلى أن "حزب الله" بدأ سراً بالمطالبة بمواقع سياسية كانت لحركة "أمل"، مثل زيادة حصته من الوزراء في أية حكومة على حساب نبيه بري. كما أن "حزب الله" يتطلع الآن لوصول نائبه محمد رعد إلى منصب رئيس مجلس النواب، وإقصاء بري نفسه عن هذا المنصب، مما يفقد حركة "أمل" الجزء الأكبر من نفوذها.(31/59)
وتوضح المصادر السياسية المطلعة أن إيران تنفذ خطتها تدريجياً من خلال اللعبة السياسية اللبنانية، وصولاً إلى نقط اللاعودة والانفجار الكبير. ولهذا فإن إيران تستخدم كل أسلحتها الآن ضد الغالبية النيابية والشعبية، وتحديداً وزراء "حزب الله" و"أمل" للهجوم على تجمع 14 مارس "آذار"، ورفض أي قرار تتخذه الحكومة بالأكثرية، في قضايا ذات طابع مصيري، بحيث تخضع الأكثرية، لإرهاب الأقلية التي تمسك بورقة خطيرة هي تفجير الأوضاع السياسية والأمنية في لبنان تماماً إذا لم تخضع الدولة اللبنانية لإرادتها.
ومن هنا فإن إيران مباشرة، أو عن طريق الجسر السوري، تحضر حالياً "انقلاباً" على الأكثرية النيابية التي أفرزتها الانتخابات النيابية الأخيرة التي أعادت رسم الخريطة السياسية في لبنان لصالح استرداد القرار الوطني والسيادة، وهو انقلاب من شأنه أن يرتهن القرار اللبناني للاستراتيجية الإيرانية مباشرة، سواء توافق ذلك مع مطامع سورية أو لم يتوافق.
خطوات التنفيذ
ويتم تنفيذ هذه الخطة مرحلياً، حسب قول المصادر السياسية، على النحو التالي:
ـ رفض الوزراء الشيعة أي حديث عن القرار 1559 والمحكمة الدولية، والمطالبة برفع مذكرة حكومية تعتبر أن هذا القرار قد تم تطبيقه، أو أن الحكومة تدعم وجود سلاح حزب الله ما دامت مزارع شبعا محتلة ومادامت إسرائيل لم تفرج بعد عن الأسرى والمعتقلين اللبنانيين في سجونها.
وقد ترجم الوزراء الشيعة هذا الرفض بتعليق عضويتهم في الحكومة، كخطوة أولى نحو الانسحاب أو الاستقالة، بحيث يتعذر تشكيل حكومة جديدة بدون ممثلين عن الطائفة الشيعية. وفي هذه الحالة تغرق البلاد في فراغ دستوري خطير، مع ما يترتب على هذا الفراغ من مضاعفات سياسية وأمنية وانقسامات داخلية قد تجر إلى تكريس أمر واقع جديد في البلاد.(31/60)
ـ وإذا لم توافق الغالبية النيابية على هذا الاقتراح ـ التسوية، فإن هناك خطوة أكثر خطورة سيتم اللجوء إليها، وهي الاستقالة الجماعية للنواب الشيعة، بحيث يصبح مجلس النواب تلقائياً محلولاً وغير موجود، مما يخلق فراغاً سياسياً، ينعكس على الوضع الأمني في البلاد، وهنا تبرز مبررات تمسك "حزب الله" بسلاحه والذي دفع أطرافا مسيحية في لبنان إلى التسلح استعداداً لما هو آت.
ولكن المصادر السياسية توضح أن رئيس الوزراء فؤاد السنيورة ومعه تجمع 14 مارس "آذار"، يملك معلومات كافية عن هذه الخطة، وهو ليس في وارد السماح لإيران بتحقيق مخططها، ولذلك فإن رئيس الحكومة يهادن ويسعى إلى إخراج البلاد من هذا المأزق بأقل خسائر ممكنة، وإذا كان ينظر بقلق إلى أبعاد هذه الأزمة السياسية وخطورتها، وإلى هذه اللعبة الدائرة حالياً على الساحة اللبنانية بدعم مباشر أو غير مباشر من إيران، فإن تجمع 14 مارس "آذار" يراهن على حقيقة أن الرئيس نبيه بري لن يستطيع المضي في خطة إيران التي ينفذها "حزب الله" إلى النهاية، لأنه هو أيضاً سيكون الخاسر فيها إذ أن "حزب الله" سيسعى إلى الاستئثار بالكعكة الشيعية كلها، ولن يسمح له بحصته فيها.
سياسة الكتلة الثالثة!
الوطن العربي ـ العدد 1504ـ 30/12/2005
الترجمة السياسية للانتخابات العراقية وتشكيل حكومة جديدة، ستكون حاسمة لما سيلي من أحداث، فأي قرار للحكومات القادمة سيتخذ شكلاً تحت التأثير الأميركي، ولكن المذهبية والإثنية ستكونان أيضاً منبعي القرارات، فرغم الكلام الذي يشير إلى أن العراقيين لا يريدون نظاماً دينياً، إلا أن النتائج أعطت الأولوية للائتلاف الشيعي المتأثر بإيران، وليس للحركات العلمانية. والسؤال المطروح لم يتغير: فيدرالية أم تقسيم؟ والأميركيون هم الذين سيعطون الجواب عن هذا السؤال في المرحلة المقبلة.(31/61)
ولتبسيط الأمور، فإنه إذا لم ينجح الأميركيون في الحد من التأثير الإيراني وتهدئة الأوضاع ليتمكنوا من إجراء انسحاب مرحلي لقواتهم، فإن التقسيم سيكون هو الحل، وستكون الدولة الشيعية المقبلة قد استفادت من النصائح الأمنية والعسكرية الأميركية على مدى 3 سنوات، لتسقط في أحضان إيران، ومن هنا نفهم لماذا تعم الفوضى في العراق.
واليوم مهما قلنا فإن العراق الموحد سيكون غنياً بموارده، ولكنه سيكون أيضاً غنياً بالتعددية وتنوع الثقافات التي تفتح أمامه أبواب الغرب والشرق.
وإذا ما استعاد استقراره، فإن النفوذ الإيراني سينسحب تلقائياً، ومغزى ذلك أن الدولة العراقية الموحدة والمستقرة والقوية ليست بحاجة إلى الإيرانيين، بل العكس هو الصحيح، وإذا ما كنا نفضل الحديث عما يجمعنا ونتجنب الحديث عن الطائفية والعرقية، إلا أن الأميركيين والإيرانيين يريدون من الشيعية العراقية أن تكون أداة انقسام، وليست مجموعة تساعد في بناء المنطقة العربية.
فمن الواضح اليوم أن السياسة الإيرانية تسعى للسيطرة على القرار الشيعي العراقي لتمديد تأثيرها باللغة العربية، كما أن أميركا تريد عن طريق عراق شيعي بهوية جديدة، أن تكسر التصور بكتلة إسلامية ـ عربية موحدة، وفي نفس الوقت تكسر التمدد الإيراني، ليصبح العراق الشيعي كتلة ثالثة لا عربية ولا إيرانية.
ولكن أميركا فشلت حتى الآن في هذا المخطط ولم تستطع أن تكسر الخط بين قم والنجف، بل بالعكس، تعزز هذا الخط ليصبح خطراً على سياسة واشنطن في المنطقة.
ورغم ذلك وإذا ما بقينا في موضوع دولة عراقية موحدة فإنه يجب على المسلمين أن يقبلوا بأكثرية شيعية، فهذه هي قواعد الديمقراطية، على أن تحترم الطائفة الشيعية المواقف السياسية للمسلمين، وتوقف عمليات الانتقام الشرسة والضربات المؤلمة لأبناء وطنهم.(31/62)
وعلى هذا العراق الجديد أن يتقبل كل الهويات الموجودة، وبدل أن يكون مصدراً للتفرقة، يصبح مصدراً للتجمع والقوة، وهذا ليس مستحيلاً وبالطبع ليس خطأ، أليست المملكة المتحدة مكونة من إنجليز وسكوتلنديين وويلزيين وأيرلنديين، أليس في إيطاليا مناطق حكم ذاتي غير الفاتيكان، واللاندرز في ألمانيا أليسوا دليلاً على أننا كلنا ريفيون نسكن في مدن؟
وإذا كان الأكراد اليوم يبنون هوية اقتصادية قوية تمكنهم من الاستقلال، فهذه القوة يجب أن تستخدم لتقوية العراق الحالي، وفي الإطار نفسه إذا كان الشيعة يسيطرون على الأجهزة العسكرية والأمنية، فإنهم يجب أن يستخدموها لتقوية العراق وليس لتنفيذ رغبات الإيرانيين.
ومن سخرية القدر أن الأكثرية في المنطقة مسلمة، ولكنها صارت أقلية داخل دولة عربية وتعاني من اضطهاد الأقليات، ومع ذلك فإنها يجب أن تقبل بحصتها ليظل العراق عربياً وقويا.
أليس هذا الوضع بالنتيجة هو رسالة أميركية من العراق، بأننا جعلناكم أقلية، وهذا السبب وحده يدعونا لأن نحارب التقسيم ومن أجل عراق موحد.
خفايا الصفقة الانفصالية بين الشيعة والأكراد!
الوطن العربي ـ العدد 1505ـ 6/1/2006
ماذا لو كانت الانتخابات العراقية ومشاركة السُّنة فيها بكثافة مقدمة لتقسيم العراق وليس لاستعادته لوحدته "الفيدرالية" وسيادته؟! قبل أن تظهر نتائج الاقتراع رسمياً وتنكشف نتيجة المشاورات والمفاوضات العراقية والإقليمية والدولية الهادفة إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية كانت بعض التقارير الدبلوماسية والأمنية الواردة من العراق تبدي تشاؤماً لا سابق له بالنسبة لسيناريوهات الخروج من النفق والأزمة.(31/63)
وكل هذه السيناريوهات تحذر من أن تكون المرحلة المقبلة ميدانيا مرحلة حرب أهلية، لا سلام، وتقسيم لا توحيد، وإعلان دويلات عراقية طائفية وإثنية مستقلة، وذلك بغض النظر عن شكل الحكومة العراقية العتيدة. ويبدو حسب هذه السيناريوهات المتشائمة أن أية حكومة مركزية ستكون عاجزة عن منع "انفصال" الدويلات الإثنية والطائفية وخصوصاً وأن رموز هذه التوجهات الانفصالية الاستقلالية هم من رموز السلطة الجديدة في العراق ومن أصحاب المخططات الانفصالية لا التوحيدية.
وكشفت مصادر مطلعة لـ "الوطن العربي" أن الأسابيع الماضية بما فيها الأيام التي شهدت المشاورات العلنية لتشكيل حكومة وحدة وطنية وخطابات إعلان النوايا الحسنة، حملت مؤشرات مثيرة للقلق عن صفقات تجري في الكواليس تهدف إلى عكس ما يعلن عنه صراحة. وفي الوقت نفسه كانت بعض المناطق العراقية وخصوصا في كردستان والجنوب تشهد تعبئة عسكرية أسهمت في تعزيز المخاوف من قرب انفجار الحرب الأهلية.
وفي معلومات هذه المصادر أن المعركة الحقيقية التي كانت محور المشاورات والمفاوضات والصفقات لم تكن معركة بغداد و "الحكومة الوطنية" بل معركة كركوك والمشروع الانفصالي، ويبدو أن ما قيل عن اتصالات شيعية كردية لإحياء التحالف بين الطرفين المسيطرين على السلطة في العراق لم تكن في واقع الأمر سوى مفاوضات تمهيدية لتقسيم العراق.
وتؤكد المصادر أن الزيارة التي قام بها رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية عبد العزيز الحكيم إلى أربيل والسليمانية في الأسبوع الماضي بذريعة إحياء التحالف الكردي الشيعي دخلت بسرعة في صلب الموضوع وتناولت المساومة على كيفية تسريع تنفيذ المشاريع المستقبلية للطرفين الكردي والشيعي، أي إقامة دولة كردستان في الشمال ودولة شيعية في الجنوب.(31/64)
ولذلك لم يكن من قبيل المصادفة أن يكون الشرط الكردي الأساسي لتفعيل التحالف بين الطرفين في حكم العراق مجددا هو استغلال حالة الإحراج التي سببها للائتلاف الموحد "الشيعي الإيراني التوجه" عودة السُّنة إلى العملية السياسية والرهان الأميركي على تحالف بينهم وبين مجموعة رئيس الحكومة السابق إياد علاوي لقطع الطريق على أية معادلة سياسية جديدة قد تقود إلى تراجع نفوذ وسيطرة جماعة ما بات يسمى بـ "اللائحة الإيرانية" في العراق أو مجموعة الحكومة الطائفية حسب بعض المسؤولين العراقيين.
وفي هذا المجال علمت "الوطن العربي" أن الطرف الكردي سجل أخيراً الإنجاز الذي كان ينتظره عندما عقد الصفقة التاريخية، مع عبد العزيز الحكيم وحصل على دعم الائتلاف الشيعي للتطبيع في كركوك.
وبعبارة أوضح أقر الطرف الشيعي بحق الأكراد في الاستيلاء على أغنى منطقة نفطية في العراق تحت ذريعة تنفيذ المادة 58 من الدستور التي تنص على تطبيع الأوضاع في كل المناطق العراقية وخصوصا كركوك.
وكان لافتا أن الحكيم اعتبر أن تفعيل هذه المادة لا يمثل مطلباً كردياً فحسب ولا تتعلق بالشعب الكردي فقط وإنما بجميع أهالي كركوك وبحدود المحافظات الأخرى. والواقع أن التوافق على هذه المادة يعني عمليا موافقة الشيعة على "كردية" مدينة كركوك وعلى عودة الأكراد إليها بعدما طردهم صدام باسم التعريب، لكنه أيضا يكشف عن توافق كردي ـ شيعي على حدود الدويلات المقبلة.
ويؤكد العارفون أن هذه الصفقة تعتبر نموذجا للتمهيد لتقسيم العراق وانفصال الأكراد والشيعة وحرص الطرفين على حسم مسألة ترسيم الحدود إذ يبدو أن الحكيم حصل بدوره على موافقة كردية لخط حدود الدويلة الشيعية في جنوب العراق.
هدية مسمومة!(31/65)
وفي معلومات المصادر المطلعة أن الاهتمام الشيعي بترسيم الحدود في الجنوب وبالاحتفاظ بالتحالف مع الأكراد في الحكومة المركزية في المرحلة المقبلة التي ستشهد تكريس مخططات الانفصال باسم الفيدرالية دفعا بزعيم المجلس الأعلى للثورة الإسلامية إلى التضحية بشيعة كركوك الذين ينتمون إلى فئة التركمان الذين مازالوا يصرون على اعتبار أن كركوك كانت مدينة تركمانية وليست كردية.
وعلى الرغم من أن التركمان الشيعة عُرفوا بتأييدهم لمقتدى الصدر خصم الحكيم "وشريكه في الائتلاف" إلا أن المراقبين يعتبرون أن قبول الحكيم بالتضحية بشيعة كركوك يعكس حجم الطموحات التي يملكها للدويلة الشيعية في الجنوب وحدودها المطلوبة والتي لم يكشف عنها بعد وتحتاج إلى "رد جميل" من الجانب الكردي.
لكن مصادر أخرى تتحدث عن صفقة كركوك كهدية مسمومة وتشير إلى أن الحسم الكردي ـ الشيعي لمستقبل هذه المدينة النفطية التي يصر الأكراد على ضمها إلى دولة كردستان لا يهدف إلى إيجاد مخرج لأزمة بقدر ما يعكس رغبة مشتركة ربما في فتح مدخل للانفصال والتقسيم ولو كان على حساب حرب أهلية مدمرة.
ولا يستبعد بعض الخبراء أن يكون هدف الحرب الأهلية في مقدمة النيات الخفية التي دفعت بالحكيم إلى التنازل عن كركوك للأكراد، فرئيس المجلس الأعلى يعرف مسبقا أن تفجير قضية كركوك هو الباب الأخطر لتفجير الحرب الأهلية في العراق لكنها عمليا لن تكون حربا سُّنية ـ شيعية بل حربا سُّنية ـ سُّنية أو بالأحرى كردية ـ عربية.
وفي التقارير الواردة من كركوك أن الأكراد وفي مقدمتهم الزعيمان الرئيسيان مسعود البرزاني وجلال الطالباني قد أتموا عمليا الاستعدادات لاستعادة كركوك عسكريا، وما الاتفاق مع الحكيم إلا من قبيل التغطية والتمويه وتقديم الحل السياسي على الحل العسكري.(31/66)
وميدانيا يبدو أن الأكراد في صدد إكمال سيطرتهم على المدينة حيث بلغت عمليات تهجير العراقيين العرب وإعادة تمليك الأكراد حجما كبيراً انعكس في حصول الأكراد على ستة مقاعد نيابية من أصل تسعة مخصصة للمدينة، لكن الجانب الأخطر هو في أن الاستعدادات العسكرية للسيطرة على كركوك وضمها إلى كردستان تبدو جاهزة منذ أشهر.
وتشير التقارير إلى أن الزعيمين الكرديين قد توافقا على تجنيد أكثر من 15 ألف مسلح من الميلشيا الكردية "البشمركة" في الجيش الوطني العراقي واشترطوا فرز هؤلاء على كتائب ومواقع عسكرية في كركوك ومحيطها استعداداً لاستخدامها في الحرب العسكرية المنتظرة للسيطرة على المدينة. وتقول التقارير إن ثمة خطة كردية جاهزة لاحتلال كركوك ونصف الموصل لإنجاز عملية رسم حدود الدولة الكردية "المستقلة".
ووفق هذه الخطة المبرمجة تم "توزيع" الميلشيات الكردية على كتائب وفيالق الجيش العراقي الجديد وفي مناطق الحدود المستقبلية بحيث يتسنى لهم السيطرة بسرعة على كركوك ونصف الموصل حال قرار القوات الأميركية إعادة الانتشار أو الانسحاب، أو قبل ذلك إذا ما انفجرت الأوضاع.
والمعروف أن عشرات الألوف من البشمركة الذين أرسلوا للانضمام إلى الجيش الوطني مازالوا يتلقون أوامرهم من قادتهم الأكراد وهم يصرحون علنا أن هدفهم حماية حدود كردستان وعلى استعداد للتمرد على أي قرار ترفضه القيادة الكردية والدخول في معارك دموية مع زملائهم الجنود غير الأكراد وخصوصا العرب.
ويبدو أن تركيبة القوات العراقية في شمال العراق مماثلة لتركيبة القوات العراقية في الجنوب حيث ينحصر التجنيد تقريباً في العناصر الشيعية الموالية للأحزاب المسيطرة والانفصالية وميليشياتها، حتى إن القادة العسكريين المحليين يملكون حق الفيتو لرفض عناصر عراقية من طائفة أو إثنية مختلفة إذ أن الأكراد سبق أن رفضوا استقبال مجموعات عسكرية عربية قادمة من الجنوب.(31/67)
ووفق هذه الحسابات والمخططات الكردية أو الشيعية الجنوبية وانعكاساتها الميدانية ارتفعت نسبة المحذرين من قرب انفجار الحرب الأهلية وتفكيك العراق رغم الرهانات على إعادة توحيده ولو فيدراليا. ويبدو أن معركة كركوك ستكون عنوان المرحلة الدموية المقبلة خصوصا وأن الرفض السُّني لسلخ هذه المدينة ونصف الموصل يبدو مؤكداً حتى في حال انضمام السُّنة إلى الحل الفيدرالي الذي يحرم دويلتهم من أية ثروة نفطية.
وفي انتظار التوافق على تشكيلة حكومة وحدة وطنية التي تبدو عملية معقدة جداً يعيش الخبراء هاجس دخول العراق في نفق أكثر ظلمة وخطورة انطلاقا من كركوك والموصل لإدخال العراق في مرحلة بلقنة طويلة ودموية ومرشحة للتحول إلى حرب تطهير عرقي ومذهبي شاملة.
الحاطبون لشجرة المهدي المنتظر
مشاري الذايدي الشرق الأوسط 24/1/2006
من أكثر الرسائل «الغريبة» التي أتلقاها كل حين على بريدي الإلكتروني، رسالة من شخص غريب غامض، يتحدث بكل لباقة و«شياكة»، وكرم يتجلى من خلال تزويدي بروابط إلى مواقع أخرى. رسائله مرتبة جدا، ومزينة بصورته وهو يرتدي ملابس «كاجوال»، «هذا الحبيب» يعرّف نفسه بأنه «المهدي المنتظر»!
الرجل مقتنع جدا، ويتحدث بكل يقين، ويكتب بكل هدوء وبدون تشنج أو حماسة ملحمية، وكأنه يحدثك عن هطول أمطار على لندن، أو ثلوج على كندا، أي أن عليك أن تستقبل تعريفه كمعلومة معتادة جدا.
لنتحدث بجد أكثر، هناك من يعتقد أن المهدي المنتظر على وشك الخروج، كل كما يرى شكل ومواصفات وأولويات هذا المهدي...فمهدي الشيعة يختلف عن مهدي السنة، وبطبيعة الحال عن مهدي الطوائف الأخرى.
من هؤلاء المتحمسين، ولكنهم ليسوا، والحق يقال، بشياكة صاحبنا «الكاجوال»، مولانا مقتدى الصدر، الذي اشتهر بمواقفه الساخنة، وصورته الشهيرة التي يحملها اتباعه، وهو يشير بسبابته المشدودة وعيناه ترمقان بحدة واتساع، ومكتوب على الصورة بخط يراه الأعمش: «هيهات منا الذلة».(31/68)
السيد، الشاب، مقتدى الصدر، نقلت الأنباء عنه أثناء زيارته للكويت الأسبوع الماضي قوله: «القوات الأميركية لم تأت إلى العراق من أجل السنة أو الشيعة، وإنما جاءت وفق معتقدات أيديولوجية يمينية غربية، للتصدي لخروج المهدي المنتظر من العراق».
شخص آخر، قريب الصلة بـ«سيدنا» الصدر، أعني الصلة الفكرية والذهنية، الرئيس الإيراني المتحمس، أحمدي نجاد. ففي كلمته التي ألقاها في السادس عشر من نوفمبر الماضي أمام حشد ديني في إيران، قال إن المهمة الرئيسية لحكومته تتلخص في «تمهيد الطريق للعودة المجيدة للإمام المهدي». ومما يتناقله بعض الإيرانيين، من باب التندر ربما، أن أحمدي نجاد قام أثناء توليه منصبه كمحافظ لمدينة طهران، بإعادة تخطيط المدينة لكي تليق بعودة الإمام.
طبعا الأمر مع احمدي نجاد، الذي يسعى الآن إلى التسلح بالحراب النووية، لا يصبح باعثا على الابتسام، بل على القلق والوجوم. فالتاريخ يحدثنا أنه يمكن للمؤمنين بأفكار موغلة في غيبيتها، أن يمسكوا بدفة التاريخ، ويصنعوا مساره رغم أنف الواقعية، وأهل الواقعية، بل انهم هم يصيرون أهل الواقعية، ما دام أن الواقع هو ما يتحقق فعليا!
هوس «المهدوية»، والتنبؤ بحلول ملحمية ولا طبيعية تتدخل على مسار التاريخ والسياسة، ليس حكرا على أمثال مقتدى الصدر، الذي يعتقد أن القوات الأمريكية إنما جاءت من اجل الحيلولة دون ظهور المهدي، أو احمدي نجاد الذي يعتقد انه، وبكل سياساته ووجوده أصلا، ليس إلا تمهيدا لظهور المهدي، وان هالة من النور كانت تحيط به أثناء إلقاء خطابه في الأمم المتحدة، وليس حكرا أيضا على المسلمين، ولهذا قصة أخرى..(31/69)
وبالعودة إلى حديثنا، فهناك نماذج كثيرة في الحاضر والغابر، بعضها محزن وقاس، وبعضها طريف ويدخل في باب النكات، وقصصهم وجدت طريقها إلى كتب النوادر تحت اسم «نوادر المتنبئين»، خصوصا في عهد الخليفة العباسي «المهدي»، والذي كان هو بدوره أحد مدّعي المهدوية، حسب مخطط والده الخليفة العباسي أبى جعفر المنصور، من اجل إكسابه هذه الصفة الملحمية المسيطرة بسلطان التفويض الإلهي، وصفه بذلك ومنحه هذه الخاصية من أجل قطع الطريق على خصومه من العلويين الذي يرون انهم هم معدن المهدوية.
وتقول الأخبار المروية أن مهدي آخر الزمان منهم. المفارقة أن العباسيين إنما خرجوا في ظل عباءة شرعية العلويين، وثاروا باسم «الرضا من آل محمد»، وهو الشخص الذي كان الناس يتكتلون ضد الأمويين حوله، دون الإفصاح عن اسمه علانية، خوفا من بطش الأمويين وحرصا على السرية. فلما نجحت ثورة العباسيين، نكلوا بالعلويين، أضعاف ما فعل الأمويون، ويكفي ما صنعه المنصور في أبناء عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبى طالب، من مجازر.
هي السياسة، قاتلها الله، تتوسل بكل شيء، حتى بالنقي من المعاني، من أجل غايتها، ففكرة المهدي، بصرف النظر عن معناها المباشر أو الحرفي، هي تعبير عن الشوق الإنساني العارم إلى العدالة.
والعبرة من هذا الحديث، أن السياسة لها شروطها، والمواعظ وأخبار آخر الزمان لها مجالها. لأن الغيب لا يعلمه إلا الله.(31/70)
والمشكلة أن كثيرا من الساسة يحاول ركوب خيل الشرعيات التي تخلقها بعض الآثار والنصوص الدينية المروية، يستغلونها من اجل حماية شرعيتهم، والقول بأنهم تجسيد حي لإرادة الله، وانهم يتصلون بقوة علوية تجعل قدرتهم غير قابلة للمقاومة، فهي من الله مباشرة، ولذلك فإننا نجد أغلب المتصفين بشيء من هذه الصفات الغيبية في السياسة، هم أهل بطش ودموية أثناء الحكم، بل ربما يشعرون براحة ضمير داخلية لأنهم أمناء على إرادة الله. كما كان الشأن في الماضي مع مؤسس دولة الموحدين «الرهيب»، المهدي بن تومرت، أو غيره.
وفي الوقت المعاصر، ألصق كثير من اللاعبين في ميدان السياسة، سواء من الذين يحكمون أو من الذين يعارضون الذين يحكمون، بنفسهم نوعا من هذه الصفات والسمات الإلهية. ففي السودان، نجد محمد بن أحمد (الشهير بلقب المهدي) الذي ولد في جزيرة "لبب" بالقرب من مدينة دنقلا، 1844، يركب هذا المركب، أو يحمله اتباعه على هذا المركب، تحت حجة أن هناك أحاديث تبشر بخروج المهدي آخر الزمان، وانه يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما. وبصرف النظر عن صحة هذه الآثار من عدمها (للأمانة أغلبية علماء السنة وكل علماء الشيعة يعتقدون صحتها، ربما باستثناء عالم الاجتماع ابن خلدون الذي كان ينكر صحة هذه الأحاديث،من القدماء،ومن المعاصرين الشيخ عبد الله آل محمود مفتي قطر السابق، وقلة قليلة).(31/71)
لكن، بصرف النظر عن الصحة من عدمها، فإن «تعيين» الأخبار الغيبية بشخص محدد يعد ضربا من التخرص، ويقود إلى كوارث بشرية ومآس إنسانية، كما حصل مع حركة جهيمان العتيبي 1979 التي احتلت الحرم المكي 15 يوما، ووقعت مصادمات حصدت عشرات القتلى، ثم أعدم هو وعدد من مجموعته، وكان من ذرائع هذه المجموعة للقيام بهذا العمل، هو أن المهدي المنتظر الذي بشر به، موجود معهم، وتحدثوا عن الرؤى والمنامات التي رؤيت في صاحبهم، إضافة لعشرات الأحاديث التي كان خطيب المجموعة يتلوها من أمام الكعبة ومن ميكروفون الحرم!
في هذا الصدد، ومن غرائب الأشياء التي وقعت في العلاقة ما بين الغيب السياسي، أو المسيس، والواقع السياسي، وما أكثره، يحدثنا التاريخ القريب في الجزيرة العربية، أن أحد الأمراء من أسرة آل رشيد، وهو أمير اتصف بالحزم والدهاء وطالت مدة حكمه، وهو الأمير محمد بن عبد الله بن رشيد ،(توفي بحدود 1897)، قد بلغ من اعتقاد البعض به أن جعلوه هو «القحطاني» الذي ورد في بعض الأخبار أنه لا تقوم الساعة حتى يسوق الناس بعصاه.(31/72)
المهم أن هذا الأمر عرض على أحد العلماء والفقهاء، وهو الشيخ سعد بن عتيق، فنفى ذلك في حينه، وقال: «وقع البحث الذي في الصحيحين، عن حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه»، فصرح بعض الحاضرين بأن القحطانيّ المذكور في هذا الحديث هو محمد بن رشيد، الذي خرج في أواخر المائة الثالثة بعد الألف من الهجرة، وعظمت شوكته وانتشرت دولته في أوائل المائة الرابعة (...) فسألني بعض الخواص هل يسوغ القول بما قاله القائل؟ وهل ينبغي الجزم به أم لا؟»، فكان مما جاء في جوابه: «اعلم أن قول القائل إنّ القحطانيّ المذكور في الحديث ، هو الرجل الذي وصفناه، لا شك أنه تعيين لمراد المعصوم ـ صلى الله عليه وسلم». ثم قال: «وأمَّا الجزم بالتعيين (...) فلا يخفى بعده عن المُعلِم المفيد عند أهل المعرفة».
وأغرب من هذا، وفي الضفة السنية من هذه الحكاية الملحمية، أنني وجدت من يتحدث عن أن «غزوات» بن لادن، أي جرائمه وتفجيراته في مشارق الأرض ومغاربها، ليست إلا تمهيدا لظهور المهدي المنتظر!
نحن إذن أمام فوضى عارمة، اختلطت فيها سيول السياسة الملوثة، بطين الطمع ووحول الجشع، بمياه الدين الزلال، الذي يجب أن يكون للناس، كل الناس، وليس لأنصار هذا المهدي المزعوم ، أو أعداء ذلك المهدي الآخر.
ترى هل نستطيع منع هذه القصة المحزنة بلوغ نهايتها، ونمنع معها بالذات، احمدي نجاد من أن يبايع المهدي على ظهر صاروخ نووي... شيء محيّر فعلا.
إيران والمكيالين
سميح المعايطة الغد 16/1/2006
لا يمكن قراءة أحداث المنطقة والتدخلات الدولية فيها بمعزل عن مصالح إسرائيل وحساباتها المبنية على القلق والإجراء الوقائي نحو أي قوة سياسية أو عسكرية أو اقتصادية يمكن أن تهدد أمن هذا الكيان الذي يؤمن انه غير مقبول وغير طبيعي في جسم المنطقة.(31/73)
إيران دولة ذات حضور، ولعلها كانت الطرف الأكثر استفادة من احتلال العراق وانهيار النظام وتفكيك الدولة العراقية، فقد تخلصت من عدوها الذي كسر شوكة الثورة في بدايتها، واصبح لها نفوذ سياسي وأمني وأيديولوجي في الساحة العراقية،بل تحولت الحالة العراقية إلى ورقة إيرانية.
ولعل حكومة إيران وفي غمرة فرحها بالمكاسب أغمضت عيونها متعمدة، وعن سبق الإصرار والترصد عن أن ما يجري في العراق يحقق جزءا من المخطط الصهيوني ومصالح إسرائيل ومعادلتها الأمنية، وان تفكيك الدولة العراقية حقق أهدافا كبيرة للكيان الصهيوني، بغض النظر عن رأي أي جهة بأداء نظام صدام السياسي والديمقراطي. وتعاملت طهران مع ما يجري على حدودها من منظور مصالحها الضيقة، ورضيت بل ساندت أصدقاءها في العراق على التحالف مع الإدارة الأميركية في مسار العملية العسكرية والسياسية، بما في ذلك حلفاءها خارج العراق ومنهم حزب الله. وربما اعتقدت قيادة إيران البراغماتية أن تحالفها غير المكتوب مع واشنطن سيكون لصالح ملفها النووي، لكنها أغفلت أمرا هاما وهو أن إسرائيل وأمامها واشنطن لا تقبل إعطاء أي فرصة لأي طرف لامتلاك ما يبعث القلق الإسرائيلي.(31/74)
وحسابات إيران الخاطئة جعلتها تنسى أن إسرائيل الحاضر الغائب في كل الملفات، لكنها تذكرت هذا عندما ضيقت أوروبا وواشنطن الخناق على الدبلوماسية الإيرانية. ولهذا مارس الرئيس احمد نجادي قصفا سياسيا تجاه اصل البلاء في تل أبيب وتحدث عن المحرقة وإزالة إسرائيل وترحيل اليهود. وهي تصريحات تعبر عن إحباط من "عدم وفاء واشنطن" لما قدمته لها طهران، وهي صيغة من الحوار الغاضب والقاسي مع الطرف الأهم في معادلة السياسة الأمريكية وهو الكيان الصهيوني. لكن هذه الذاكرة الإيرانية التي نسيت إسرائيل، في معادلة احتلال العراق وإسباغ الشرعية على الاحتلال، وتذكرتها في الموضوع الإيراني لا تعبر عن براغماتية مفرطة فقط، بل عن حسابات خاطئة ومغرقة في السطحية. فإسرائيل التي حرضت وساهمت في المجيء بالجيوش إلى العراق هي ذاتها التي لا تريد لإيران أن تمتلك أسلحة تهدد أمتها، ولا تريد حتى للثقافة العربية أن تربي الأجيال على حقيقة الصراع.
إيران خلال حرب احتلال العراق تعاملت بمنطق المصالح، لكن عندما اشتد الخناق عليها عادت تتحدث بلغة عقائدية وباعتبارها دولة ثورة إسلامية، ووقف الرئيس الإيراني يخاطب الأمة بلغة الثوار والراديكاليين، لكن ذاكرة المرحلة والأحداث لا يمكن أن تقبل إيران، وفق التصنيفات التي ترشحها قيادة الثورة، فمنطق الأمة والخطاب الإسلامى والحديث عن الخطر الإسرائيلي كان يجب أن تمارسه إيران في حرب احتلال العراق. لكن ما فعلته يفقد خطابها الثوري قيمته ومصداقيته حتى وان تحدث عن حقيقة الخطر الإسرائيلي وتحريض تل أبيب للدول الكبرى في الملفات.(31/75)
إسرائيل التي تحرض على إيران اليوم، هي ذاتها التي حرضت على العراق، وأميركا التي تضيق الخناق على إيران دبلوماسيا هي التي أغمضت إيران عيونها عنها وقدمت لها خدمة كبيرة بأساليب مختلفة في العراق. بأي منطق تريد طهران من الأمة أن توافق على أميركا وإسرائيل التي دمرت دولة عربية إسلامية ودنست أرضها، وتقف ضد هذا التحالف عندما تكون إيران هي الهدف؟!
السياسة بمعناها البراغماتي، البعيد عن القيم والمبادئ، يمكن أن تفهم من أي نظام إلا من أنظمة تمارس الخطاب الثوري والديني وتنصب نفسها عاصمة للحق، أو دولة تقدم نفسها عنوانا للقومية والعروبة وتقفز إلى حضن قوات التحالف بقيادة أميركا في مواجهة شعب عربي عندما تكون مصالحها في هذا القفز العلني.
إيران كسبت الكثير مما جرى في العراق، لكنها خسرت الكثير من صورتها التي حاولت رسمها لنفسها كعاصمة ثورية عقائدية، وحساباتها التي فرحت بها سابقا لن تجلب لها النفع والمردود ذاته في مواجهة التضييق الدولي على ملفها النووي.
لا يمكن لأي عربي أو مسلم أن يقبل بأي استهداف لأي جزء من أمته، لكنه لن يقبل أبدا أن يكون ضحية قفز الأنظمة من معسكر إلى آخر. فإيران التي فضلت مصالحها في حرب العراق لا يمكن أن تطلب من الشعوب أن تكون جزءا من أوراق الحرس الثوري، وساحات جماهير طهران، باستثناء حلفائها في لبنان أو داخل إطار العمل الفلسطيني.
رؤية أحمد نجاد الدينية والسياسية
كينيث ر. تيمرمان الغد 29/12/2006
مع اقتراب جولة جديدة من المفاوضات بشأن برنامج إيران النووي، لا نستطيع أن نغفل الأهمية المؤكدة للتعرف على رئيس إيران الجديد محمود أحمدي نجاد وفهم أبعاد شخصيته على نحو واضح. وربما كان أفضل مكان نبدأ منه يتمثل في اللحظة التي لمح فيها العالم لأول مرة شخصية أحمدي نجاد وبرنامجه المتشدد.(31/76)
حين خاطب الرئيس أحمدي نجاد الأمم المتحدة في نيويورك في شهر سبتمبر الماضي، شعر على نحو مفاجئ أنه محاط بالنور. وطبقاً لتعبيره فلم تكن أنوار المسرح، بل كان نورا من السماء. لقد روى أحمدي نجاد خبرته الأخروية هذه في لقاء مسجل على شريط فيديو جمعه بواحد من آيات الله البارزين في طهران. ولقد نشر أحد المواقع المتشددة المؤيدة للنظام (baztab.com) نص تعليقاته ومقاطع من شريط الفيديو.
وطبقاً للنص فقد قال أحمدي نجاد إن أحد الأعضاء من حاشيته المصاحبة له في اجتماع الأمم المتحدة هو الذي نبهه أولاً لذلك الضوء، حيث قال له: "حين بدأت بعبارة "بسم الله" أبصرت نوراً قادماً، ثم أحاط بك وحماك حتى نهاية كلمتك". ولقد أكد أحمدي نجاد شعوره بحضرة مماثلة، حيث ذكر في حديثه إلى آية الله جافادي آمولي: "لقد شعرت أنا أيضاً بذلك، حتى أن جو المكان تغير فجأة، ولمدة 27 أو 28 دقيقة ظل زعماء العالم شاخصة أبصارهم وآذانهم صاغية لتلقي رسالة الجمهورية الإسلامية".
ربما كان بوسعنا أن نصرف النظر عن "الرؤيا" التي تنزلت على أحمدي نجاد في الأمم المتحدة باعتبارها موقفاً سياسياً لولا سلسلة من التصريحات والتصرفات المماثلة التي توحي باعتقاده الفعلي بأن القدر اختاره شخصياً لجلب نهاية العالم من خلال تمهيد الطريق لعودة المهدي المنتظر الذي يؤمن به الشيعة من المسلمين. وإذا ما علمنا أن إيران مستمرة في مساعيها الرامية إلى تنفيذ برنامجها النووي المثير للشبهات، والذي قد يقرب الجمهورية الإسلامية إلى حد خطير من تصنيع السلاح النووي، فلابد وأن يكون مثل هذا الزعيم ذي الرؤى المهدية مثاراً للقلق والانزعاج. وفي النهاية، فهو نفس الرجل الذي تعهد مؤخراً باستخدام قوة إيران الجديدة في "محو إسرائيل من على الخريطة" و"تدمير أميركا".(31/77)
في كلمته التي ألقاها في السادس عشر من نوفمبر على كبار رجال الدين الذين حضروا إلى طهران من كل أنحاء إيران للاستماع إليه، قال الرئيس الجديد إن المهمة الرئيسية لحكومته تتلخص في "تمهيد الطريق للعودة المجيدة للإمام المهدي (الذي نسأل الله أن يعجل بعودته)". كان الإمام الثاني عشر لطائفة الشيعة قد اختفى وهو طفل في عام 941، ولقد ظل الشيعة في انتظار عودته إلى الظهور منذ ذلك الوقت، على اعتقاد منهم بأنه حين يعود سيحكم الأرض لسبعة أعوام قبل أن تقوم القيامة وينتهي العالم.
ومن أجل الإعداد لظهور المهدي من جديد يقول أحمدي نجاد: "يتعين على إيران أن تتحول إلى مجتمع إسلامي قوي ومتقدم ونموذجي. ويتعين على الإيرانيين أن يمتنعوا عن الركون إلى أي مدرسة غربية من مدارس الفكر، وأن يعزفوا عن الحياة المرفهة والأشكال الأخرى من الإسراف".
بعد مرور ثلاثة أشهر من تولي أحمدي نجاد منصب الرئاسة، أصبحت وجهات نظره بشأن الإمام الثاني عشر محل نقاش واسع النطاق في طهران. وتقول إحدى الشائعات إن أحمدي نجاد قام أثناء توليه منصبه كمحافظ لمدينة طهران بإعادة تخطيط المدينة لكي تليق بعودة الإمام.
في الأسابيع الأخيرة، نفى معاونو أحمدي نجاد شائعة أخرى تقول إنه أمر أعضاء مجلس وزرائه بتدوين عهد ولاء مع الإمام الثاني عشر وإلقائه إلى قعر بئر مياه بالقرب من مدينة "قم" المقدسة، حيث يظن بعض الشيعة أن الأمام يختبئ هناك. ولقد أشار أولئك الذين صدقوا الشائعة إلى قرار سابق صادر عن مجلس الوزراء بتخصيص 17 مليون دولار أميركي لتجديد مسجد جامكران حيث ظل الأتباع المتعصبون للإمام الثاني عشر يُصَلّون لقرون.(31/78)
وعلى نحو مماثل، ذكرت التقارير التي أوردتها المنافذ الإعلامية الحكومية في طهران، عن لسان أحمدي نجاد أنه أبلغ مسؤولي النظام أن الإمام المختبئ سوف يعود إلى الظهور خلال عامين. ولقد كان ذلك التصريح أكثر من طاقة احتمال المشرع الإيراني أكبر علامي، الذي شكك علناً في رأي أحمدي نجاد قائلاً: "حتى أكثر الشخصيات الإسلامية قداسة لم تتجرأ قط على التلفظ بمثل هذه المزاعم".
بينما يبجل العديد من الشيعة المسلمين الإمام الثاني عشر، هناك جمعية كانت سرية فيما سبق، مؤلفة من رجال دين من ذوي النفوذ، تتقدم الآن وعلى نحو علني بالنصيحة إلى الرئيس الجديد، وتعمل على تحويل هذه المعتقدات إلى سياسة حكومية. والحقيقة أن جمعية "حجتي" تحت زعامة آية الله مصباح يازدي الذي كثيراً ما يظهر بصحبة أحمدي نجاد، ينظر إليها العديد من أهل الشيعة باعتبارها جماعة متطرفة مجنونة. وأثناء السنوات الأولى من الثورة الإسلامية، حتى آية الله رحمة الله خميني كان قد اعتبر أن معتقدات أهل هذه الجماعة مغرقة في التطرف فأمر بإبعادهم، ليعملوا كحركة سرية تحت الأرض.
وكبقية الأتباع المخلصين المتعصبين للإمام الثاني عشر، يؤمن أعضاء جمعية "حجتي" بأن الإمام لن يظهر إلا في أعقاب بلية أو محنة كبرى. وهذا الاعتقاد قريب من بعض النواحي من مبدأ لينين الذي يؤكد أن تفاقم أوضاع وأحوال المجتمع سوءاً من شأنه أن يعجل بقيام الثورة، حيث يعتقد أعضاء تلك الجماعة أن عودة المهدي لن تكون إلا من خلال العنف المتصاعد والصراع والقمع.(31/79)
ومنذ توليه منصب الرئاسة في أغسطس الماضي، بادر أحمدي نجاد إلى تعيين أتباع جمعية "حجتي" في مجلس وزرائه وفي كل مكان من إدارته البيروقراطية. والآن نرى وزارة الإعلام والأمن التي كان الرئيس السابق محمد خاتمي يتعمد تهميش دورها إلى حد كبير، وقد عادت إلى البروز من جديد باعتبارها قوة قمعية عاتية، تستخدم عملاء يرتدون ملابس عادية، فتحالفت مع "الباسيج" في البرلمان ومع جماعات أمنية غير حكومية، بهدف اتخاذ إجراءات حاسمة ضد أي معارضة محتملة للنظام.
مع استعداد العالم لمواجهة ذلك النظام الإيراني الذي يصر على تحدي الهيئة الدولية للطاقة الذرية فيما يتصل ببرنامجه النووي، يتعين علينا أن ننصت إلى كل ما يتلفظ به قادة إيران بينما نراقب أفعالهم. ذلك أن هذه التركيبة المؤلفة من متعصب ديني وأسلحة نووية لهي في الواقع تركيبة خطيرة لا يسع العالم أن يتساهل معها.
مسارات غامضة في العلاقات الإيرانية ـ الأمريكية
د. محمد السعيد إدريس مختارات إيرانية العدد 65ـ ديسمبر 2005
من الصعب تصور مسار واحد للعلاقات الإيرانية ـ الأمريكية على شكل إما تعاون أو صراع، لكن التطورات الأخيرة المتسارعة في هذه العلاقات تؤكد حقيقة المسارات وأحياناً اختلاطها وتقاطعها لدرجة شديدة الإرباك لكل من يريد أن يقوم بفرز هذه المسارات عن بعضها البعض في محاولة لفهم الحقيقة والإجابة على السؤال المهم: إلى أين تتجه العلاقات الإيرانية ـ الأمريكية؟(31/80)
فالعلاقات وفقاً للمنظور التقليدي الظاهري للأحداث هي علاقات صراعية بين واشنطن وطهران منذ سقوط نظام الشاه عام 1979 وتأسيس الجمهورية الإسلامية، حيث حدث تحول كامل من التحالف إلى الصراع مباشرة بين البلدين، وامتدت تداعيات هذا التحول إلى علاقات الدول العربية الخليجية، وربما بعض الدول العربية غير الخليجية مع إيران، فبعد الانخراط في سياسة تعاون أقرب إلى التحالف بين الدول العربية الخليجية الست، أو أغلبها وإيران في عهد الشاه، تحول التعاون إلى عداوة عبرت عن نفسها بوضوح في انخراط معظم هذه الدول في دعم العراق في حربه مع إيران، بعد أن أصبحت إيران الإسلامية خطراً أيديولوجياً يهدد شرعية النظم الحاكمة في هذه الدول ويفوق بكثير الخطر الأيديولوجي البعثي العراقي الذي كان يتهدد هذه الدول وبالذات الشرعية السياسية للنظم الحاكمة.
هذا يعني أن القدر الكبير من الغموض الذي يكتنف العلاقات الإيرانية ـ الأمريكية هذه الأيام يربك العواصم العربية الخليجية التي زاد توجسها في الأشهر الأخيرة من تنامي النفوذ السياسي الإيراني في العراق، والصعود الكبير للشيعة العراقيين الذي ستمتد أصداؤه حتماً إلى داخل مجتمعات هذه الدول بما يؤثر على خريطة التوازنات السياسية القائمة، ناهيك عن أثر هذا كله على توازن القوى الإقليمي في الخليج خصوصاً في ظل تنامي القوة العسكرية الإيرانية والنفوذ السياسي الإيراني، وفي ظل ضبابية كل من الدورين الأمريكي والعراقي مع تواتر الحديث عن انسحابات أمريكية محتملة من العراق.
لقد تزايد غموض بعض التطورات التي تحدث في الإقليم سواء في العراق أو في إيران، وانعكس هذا الغموض بوضوح شديد على العلاقات الإيرانية ـ الأمريكية.(31/81)
أول وأبرز هذه التطورات بالطبع هو تزايد حدة الضغوط الأمريكية الداخلية المطالبة بانسحاب القوات الأمريكية من العراق، والموقف الأمريكي الرسمي الغامض من احتمال تحقيق هذا الانسحاب بين القبول والرفض.
أما التطور الثاني، فهو زيادة حدة الانتقادات الإيرانية لإسرائيل وخاصة على لسان الرئيس محمود أحمدي نجاد.
فيما يتمثل التطور الثالث في الإعلان الذي جاء على لسان زلماي خليل زاد السفير الأمريكي في بغداد بأن الرئيس الأمريكي جورج بوش فوضه لبدء حوار دبلوماسي مع إيران بخصوص العراق، وقال خليل زاد الذي أشرف على مفاوضات السلام الخاصة بأفغانستان، وتولى منصب السفير الأمريكي في كابول بعدها: "لقد حصلت على تفويض من الرئيس للتعامل مع الإيرانيين كما تعاملت معهم في أفغانستان بشكل مباشر".
هذه التطورات الثلاث التي تدفع بالعلاقات الإيرانية ـ الأمريكية في اتجاهات متناقضة تزامنت مع وجود حالة ارتباك أوروبية ـ أمريكية في التعامل مع الملف النووي الإيراني، بين تصعيد وتهدئة توحي بأن حسم هذا الملف كان مرهوناً بحسم ملفات أخرى وربما المقايضة بملفات أخرى على رأسها بالطبع الملف العراقي.
ربما يكون الوضع الأمريكي المتأزم في العراق هو المتغير الأهم والمحرك للتطورات الأخرى. فهذا الوضع انعكس بقوة على الرئيس الأمريكي وشعبيته التي تدنت إلى مستويات غير مسبوقة في ظل تزايد الضغوط داخل الكونجرس وعلى المستوى الإعلامي مطالبة بانسحاب القوات الأمريكية من العراق.(31/82)
فبينما انخفضت نسب استطلاعات الرأي الخاصة بالرئيس بوش إلى مستويات لم يشهدها أحد الرؤساء منذ إدارة نيكسون في أوائل السبعينيات، أصبح الديمقراطيون أعنف هجوماً على السياسة الأمريكية في العراق مطالبين بإحداث تحول كبير في هذه السياسة نحو الواقعية في وقت أصبح فيه كثير من الجمهوريين أكثر قبولاً لهذه الدعوة، على نحو ما حدث عندما صوتت أغلبية من أعضاء مجلس الشيوخ من الجمهوريين والديمقراطيين مطالبة الإدارة بتقديم تقارير منتظمة حول إمكانيات سحب أعداد كبيرة من القوات عام 2006، وحول التقدم في تدريب القوات العراقية لتحل محل القوات الأمريكية.
الأهم من هذا أن بعض التقارير باتت تتحدث عن قيام وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) بإعداد خطط من أجل البدء بسحب أعداد كبيرة من بين القوات الأمريكية البالغ عددها حوالي 160 ألف جندي لتصبح 140 ألفاً عقب انتخابات هذا الشهر التي تجري في العراق، ثم لتصبح 115 ألفا تقريباً بحلول يوليو، ثم حوالي 100 ألف أو أقل بحلول انتخابات الكونجرس النصفية في نوفمبر 2006.
وعلى العكس من هذا الاتجاه، خرج الرئيس الأمريكي ومن بعده وزير دفاعه دونالد رامسفيلد للتنديد بالضغوط التي تطالب بوضع جدول زمني لانسحاب القوات الأمريكية من العراق سواء كانت أمريكية أو عراقية، حسب ما اتفق عليه في مؤتمر الوفاق الوطني الذي عقد في القاهرة بوساطة الجامعة العربية ومشاركة ممثلين لكافة الأحزاب والقوى العراقية.(31/83)
فقد حذر الرئيس بوش من أي انسحاب سريع للقوات الأمريكية من العراق، واعتبر أنه سيكون خطأ جسيماً، مشيراً إلى أن ذلك سيشكل رسالة خاطئة إلى الجيش الأمريكي وإلى العراقيين وإلى من وصفهم بالأعداء. وقال بوش خلال تفقده لمنطقة الحدود مع المكسيك أن "الاستراتيجية الأمريكية في العراق تقوم على قرارات القيادة العسكرية على الأرض وغير مبنية على اعتبارات سياسية"، أما دونالد رامسفيلد وزير الدفاع فقد اعتبر أن أي انسحاب أمريكي مبكر من العراق سيكون دعوة إلى مزيد مما سماه بـ "العنف الإرهابي".
للوهلة الأولى يبدو التناقض بارزاً في الموقف الأمريكي الخاص بانسحاب القوات الأمريكية من العراق، لكن التعمق في قراءة تصريحات الرئيس وأركان إدارته يكشف عن إقرار بالأمر مع حرص على إيجاد مخرج مشرف للأمريكيين يجعل من الانسحاب انتصاراً مع حرص آخر على تأمين المصالح الأمريكية في العراق بعد الانسحاب منه.
هنا بالتحديد تتضح معالم المبادرة الأمريكية نحو إيران المتمثلة في الزيارة المنتظرة التي سيقوم بها زلماي خليل زاد إلى طهران، الذي وصف قرار هذه الزيارة بأنه جزء من استراتيجية أعم، وألح عليها طويلاً الواقعيون مثل برنيت سكوكروفت مستشار بوش الأب للأمن القومي، وبعض الديمقراطيين من بينهم المتحدث الرفيع باسم السياسة الخارجية للحزب الديمقراطي السيناتور جوزيف بادن، لاجتذاب تعاون جيران بغداد في إحداث استقرار في العراق بشكل كافٍ من أجل السماح بتخفيض مستوى وجود القوات الأمريكية بشكل كبير.(31/84)
هذا التوجه لابد أن يكون له ثمنه الذي يجب أن تدفعه واشنطن لإيران سواء في العراق أو على صعيد البرنامج النووي الإيراني، والأهم على صعيد العلاقات الثنائية، لذلك أسرع المتحدث بلسان الخارجية الأمريكية شون ماكورماك ووصف التفويض الذي منحه الرئيس جورج بوش لخليل زاد بأنه "تفويض محدود جداً" يقتصر على المسائل المتعلقة بالعراق، كما كان حريصاً على أن يؤكد أن هذه الاتصالات لن يكون لها تأثير على العلاقات الثنائية مع إيران.
هل هذا الحرص مرجعه التخوف من حدوث انهيارات سياسية في الموقف الأمريكي في العراق وفي العلاقات الأمريكية مع دول الخليج العربية؟، أم أنه محاولة لاستيعاب ضغوط فريق المحافظين الجدد أصدقاء إسرائيل الذين هالهم هذا التوجه وخطره على المصالح الإسرائيلية في وقت بدت فيه إيران أكثر تشدداً وعلى لسان رئيسها الجديد أحمدي نجاد الذي دعا مرة إلى إزالة دولة إسرائيل في احتفالات يوم القدس أمام مؤتمر "عالم بدون صهيونية"، ودعا مرة أخرى في مؤتمر القمة الإسلامي في مكة المكرمة إلى نقل إسرائيل إلى مقاطعات في ألمانيا والنمسا لحل المشكلة اليهودية بعيداً عن الشعب الفلسطيني؟
البعض يرى أن هذه التصريحات جاءت للتغطية على "تطورات ما" مهمة تحدث على صعيد العلاقات الإيرانية ـ الأمريكية، في ظل معلومات تؤكد أن علي لاريجاني أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني التقى مع دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي في العراق خلال زيارة مؤخرة قام بها رامسفيلد للعراق.
ورغم أن الحرص الرسمي الإيراني على نفي وجود أي نية الآن لفتح حوار مع الولايات المتحدة يزيد من غموض الموقف، إلا أنه لا ينفي حقيقة تصاعد الأزمة الإسرائيلية ـ الإيرانية في ظل معلومات تقول أن أريئيل شارون رئيس الحكومة الإسرائيلية أصدر أوامره للقوات الإسرائيلية بأن تكون على استعداد لتوجيه ضربة محتملة لمنشآت تخصيب اليورانيوم الإيرانية في نهاية مارس المقبل.(31/85)
وكشفت صحيفة "صنداي تايمز" البريطانية على موقعها الإلكتروني أن أوامر شارون جاءت في أعقاب تحذير من الاستخبارات الإسرائيلية بأن إيران بدأت بالفعل تخصيب اليورانيوم في منشآت سرية وسط مواقع مدنية.
هل يمكن أن تشن إسرائيل هجوماً على المنشآت النووية الإيرانية في وقت تحرص فيه الولايات المتحدة على التقارب مع إيران؟
السؤال مهم لأنه يفتح أبواب الحديث عن الدور الإسرائيلي الإقليمي في مواجهة الدور الإيراني الإقليمي، لكن المعضلة تبقى في حقيقة الموقف الأمريكي من احتمالات مثل هذه المواجهة.
إيران دولة نووية !
صالح القلاب الرأي 17/1/2006
يثبت «المعممون» الإيرانيون بأنهم لاعبون ماهرون فقد بقوا ينقلون بيادقهم على رقعة الشطرنج، في هذه المنطقة المتأرجحة، فيكرون ويفرون ويتقدمون ويتراجعون ويستخدمون «التقية» استخداما بارعا إلى أن أوصلوا مشروعهم النووي إلى نقطة لا عودة عنها وبالتأكيد فإنهم سيستمرون بمناوراتهم البارعة إلى أن يضعوا العالم أمام أمر واقع لا يوجد خيار أمامه إلا القبول به.
لقد ساهمت إيران في استدراج الأميركيين إلى العراق استدراجا، وهذا ما فعله صدام حسين نفسه لكن بسياسة هوجاء وعمياء وبأفق محدود، وبالنتيجة فإنها، أي إيران، قد استطاعت اصطياد عصفورين بحجر واحد، العصفور الأول هو العراق الذي بقيت تحلم بإضعافه وتمزيقه لتحقيق التطلعات التي لم يستطع تحقيقها حتى ملك الصفويين الكبير نادر شاه والعصفور الثاني هو الولايات المتحدة التي جرى استيعابها في أوحال دجلة والفرات وغدت غير قادرة على أكثر من التنديد بالمشروع النووي الإيراني.(31/86)
في البداية وعندما بدأت إيران مشروعها النووي وضعت في وجه العالم، وفي وجه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على وجه التحديد، رجلا جذابا جميل الهندام حسن المظهر معسول الكلام يكاد يذوب اعتدالا ومرونة ثم عندما قطعت أكثر من منتصف الطريق وغدت مخططاتها النووية في مأمن بادرت إلى استبدال محمد خاتمي بشاب مندفع يقول ما في صدر مرشد الثورة علي خامنئي على رؤوس الأشهاد وبدون لا دبلوماسية ولا «تقية».. و«لتذهب الولايات المتحدة إلى الجحيم»!!
لم يعد هناك مجال للقيل والقال فقد أصبحت إيران دولة نووية بينما المعارضون، في الإقليم والعالم، يتفرجون وهم مستسلمون للإحباط واليأس وقلة الحيلة ولعل ما يؤكد هذا الشلل، الذي لم يعد موضع نقاش، أن الإيرانيين ماضون في مشروعهم الذي أقترب من نهاياته بينما لا تجد الولايات المتحدة ما تهدد به سوى مجلس الأمن العاجز بدوره عن فعل أي شيء وبينما لا يجد الاتحاد الأوروبي إلا وضع يده على خده.. و «إن الله مع الصابرين»!!.
لن يردع أي قرار يصدره مجلس الأمن، ويضمنه مقاطعة وعقوبات اقتصادية، الإيرانيين عن استكمال مشروعهم، الذي حتما وبالتأكيد سيفاجئ العالم بأسلحة نووية تضع هذا البلد في مصاف الدول العظمى، فإيران ليست إحدى جمهوريات الموز حتى ترتدع وتتراجع عن مشروعها بمجرد التلويح لها بعقوبات دولية فعوائدها اليومية من النفط تتجاوز ال 360 مليون دولار وهي تحتل رقعة جغرافية في غاية الأهمية تمتد من بحر قزوين وحتى أطراف شواطئ بحر العرب وشعبها الذي يزيد عن السبعين مليونا ينتمي إلى العرق الآري المعروف بعناده وبنزعته القتالية وبالاعتداد بالنفس.(31/87)
وهنا ربما يسأل سائل عما إذا كان العرب سيخسرون أم سيربحون في حال استكمال إيران لمشروعها النووي الذي لن يكون سلميا بالنتيجة، والجواب هو أن المشكلة لا تكمن في العرب، الذين على الشواطئ الغربية للخليج والذين على شواطئ الأطلسي في الغرب، إنها تكمن في النزعة التوسعية الإيرانية وفي تطلعات بعض آيات الله الذين يلبسون الأحلام الصفوية النائمة عباءة الفقيه ولي الله على الأرض ويرفعون شعار «الثورة الدائمة» الذي كان رفعه ليون تروتسكي بعد انتصار الثورة البلشفية التي أرادها ألا تتوقف إلا بعد اجتياح العالم كله لكنه فشل فشلا ذريعا وانتهى مقتولا على يد واحد من جلاوزة ستالين الرهيب.
إنه من حق العرب، الذين فرحوا فرحا بلا حدود لتحول باكستان إلى دولة نووية غدت قادرة على مواجهة العملاق الهندي الذي يستعرض عضلاته في وجهها كل يوم، أن يخشوا المشروع الإيراني فإيران حتى بلا أسلحة لم تتوقف لا في زمن الشاه السابق ولا في زمن ثورة الخميني اللاحقة عن التدخل في الشؤون العربية الداخلية وهي إي إيران ورغم استخدامها «تشادور» التقية ببراعة وإتقان إلا أنها لم تستطع إخفاء تطلعاتها الصفوية تجاه المنطقة كلها من «صرواح» في اليمن وحتى «بوابة فاطمة» في الجنوب اللبناني!!.
تفاصيل أخطر صفقة سرية بين دمشق وطهران
الوطن العربي ـ العدد 1504ـ 30/12/2005
... في معلومات "الوطن العربي" أن الفصول الأخيرة لهذه المواجهة (في المنطقة) قد وضعت خلال شهر نوفمبر "تشرين الثاني" الماضي عبر ما بات يعتبر أخطر لقاءات سرية شهدتها كل من دمشق وواشنطن.(31/88)
وفي الوقت الذي كانت العاصمة الأميركية تشهد لقاءات عسكرية إسرائيلية ـ أميركية في إطار ما يسمى الحوار الاستراتيجي بين البلدين، كانت العاصمة السورية تشهد توقيع أخطر اتفاق سري في مشروع "التحالف الاستراتيجي" بين طهران ودمشق، وبينما كان كبار الجنرالات الإسرائيليين يناقشون مع حلفائهم الأميركيين الإضافات الأخيرة لمخطط مواجهة البرنامج النووي الإيراني كانت دمشق تستقبل وزير خارجية طهران منوشهر متقى يرافقه وفد عسكري وأمني رفيع لم يعلن عنه للتوقيع على خطة التعاون والدفاع المشترك لمواجهة مرحلة العزل والحصار المتوقعة من قبل المجتمع الدولي وحتى الحسم العسكري المنتظر من واشنطن وتل أبيب.
وكشف تقرير سري لجهاز استخبارات غربي رافق منذ أشهر المفاوضات والزيارات السرية المتبادلة بين كبار المسؤولين السوريين والإيرانيين لإعداد خطة مواجهة مشتركة، أن طهران ودمشق توافقتا على اعتبار أن النظامين مستهدفان في المرحلة المقبلة بالعقوبات الدولية الاقتصادية والسياسية وأن هذه العقوبات تدخل في إطار مخطط سري لشن حرب عسكرية على البلدين لتغيير نظاميهما، وبالتالي تم توقيع اتفاقية سرية للتعاون الكامل العسكري والاقتصادي والسياسي.
والتفاصيل التي تسربت عن هذه الاتفاقية التي اعتبرت أكبر عملية توسيع لاتفاقية التحالف الاستراتيجي التي اعتمدت منذ حوالي سنة من المفاوضات تكشف عن تعهد طهران بدعم سورية في كل المجالات والضغط على حلفائها في العراق ولبنان وفلسطين "حماس والجهاد" بالتزام الدفاع عن الموقف السوري.
ـ تقديم سلة دعم مالي واقتصادي لسورية لمواجهة الحصار والعقوبات، تشمل في شكل خاص وضع ثلاثة مليارات دولار كوديعة في المصارف السورية وتزويد سورية بكميات من النفط الإيراني مجانا.(31/89)
ـ مساعدة سورية عسكرياً عبر تزويدها بأنظمة رادار وأسلحة إيرانية متطورة من بينها صاروخ شهاب3، وتقديم دعم تقني إيراني لمساعدة دمشق على تطوير أسلحة الدمار الشامل والصواريخ البالستية الكورية الشمالية التي نجحت طهران في تطويرها وخصوصاً صاروخ سكود سي.
ـ مساعدة دمشق على إنتاج رؤوس كيماوية لتزويد صواريخها بها.
ـ إرسال خبراء إيرانيين في صنع الصواريخ وتشغيلها إلى دمشق.
ـ مساعدة حماس والجهاد على إعداد عمليات انتحارية واسعة داخل إسرائيل، وزيادة تسليح حزب الله وتزويده بصواريخ أكثر تطوراً ومتوسطة المدى ورفع جهوزية الحزب لفتح حرب شاملة على الحدود الإسرائيلية ـ اللبنانية.
ـ التزام سورية بتخزين أسلحة ومعدات من البرنامج النووي الإيراني في أراضيها حرصاً على حمايتها ووضعها في مأمن أمام احتمال فرض عقوبات أو تفتيش أو حتى حصول حرب على إيران.
ـ تعهد طهران بتقديم اللجوء لكل المسؤولين والضباط السوريين الذين قد يسعى مجلس الأمن إلى المطالبة بتوقيفهم أو تسليمهم، والاستعداد لاستقبال زعماء حماس والجهاد في حال اختارت دمشق طردهم لتفادي العقوبات، ووجدت استحالة لاستقبالهم في المناطق اللبنانية الخاضعة لسيطرة حزب الله.
ـ إنشاء شركات مشتركة لخرق العقوبات وانتهاك الحصار ووضع الشركات الواجهات التي تستخدمها طهران في الخليج والشرق الأوسط وأوروبا وأفريقيا تحت تصرف دمشق والتزام دمشق بمساعدة طهران في حال العقوبات عبر شركاتها وشبكاتها وخصوصاً شبكة رجال الأعمال والمال في لبنان.
لماذا تواجه طهران واشنطن ..؟
د. رضوان السيد الرأي 16/1/2006 نقلا عن الاتحاد(31/90)
في الوقت الذي كان فيه محمود أحمدي نجاد، رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية يصرح للمرة العاشرة خلال شهر بضرورة إزالة إسرائيل من الخريطة، وإعادة توطين اليهود في أوروبا، كان عبد الحليم خدام نائب الرئيس السوري السابق، يعلن من باريس انشقاقه عن النظام السوري، ودعوته غير المباشرة لإسقاطه أو تغييره فما هي العلاقة بين الأمرين؟ لا علاقة بينهما، إلا أن إيران حريصة على بقاء النظام السوري، بقدر حرص خدام الجديد على إسقاطه!(31/91)
والعلاقة بين النظامين السوري والإيراني ليست جديدةـ فقد بدأت وتطورت عشية الحرب التي شنها نظام صدام (العدو الأول لنظام الأسد) على جمهورية إيران الإسلامية الوليدة عام 1980 ثم تحولت إلى شراكة في لبنان من خلال «حزب الله»، وتلاقي الاستراتيجيتين الإيرانية والسورية تجاه المنطقة، وبخاصة في لبنان وفلسطين بيد أن الأمور تغيرت في السنوات الأخيرة لصالح إيران بالكامل فقد كان نظام الأسد الأب يملك أوراقا عديدة يستطيع بها أن يدعي الندية في علاقاته بإيران: صداقة متينة مع السعودية (التي كانت توازن في علاقاتها معه مع نظام صدام حسين)، واليد العليا في لبنان، وجزء من الورقة الفلسطينيةـ والذي حدث في السنوات الأخيرة أن النظام السوري بلغ أقصى حدود الضعف أيام بشار الأسد بالخروج من لبنان، كما فقد أكثر أجزاء الورقة الفلسطينية، وربما بدأ يفقد العلاقة مع السعودية، وتخاصم مع أميركا في العراق، ومع المجتمع الدولي باغتيال رفيق الحريري، وبالاغتيالات المستمرة في لبنان والذي حدث على الجانب الإيراني أخطر وأكبر: تطورت في السنوات الخمس الأخيرة استراتيجية شاملة للمواجهة مع الولايات المتحدة وعلى كل المستويات: الصراع على العراق بعد التحالف القصير عام 2003 لإسقاط صدام حسين، والصراع على ثروات بحر قزوين، والصراع على أفغانستان وآسيا الوسطى، والصراع على الملف النووي والآن يدخل النظام الإيراني النظام السوري تحت حمايته، ويريد فجأة إزالة إسرائيل بحجة تهديدها له بنووياتها، ولأن قيامها أضر بمصالح المسلمين.(31/92)
لماذا يميل الإيرانيون الآن للقيام بمواجهة شاملة مع الولايات المتحدة؟ يطرح السؤال، ليس لأن الولايات المتحدة مقصرة في مسألة الهيمنة، وليس لأنها لم تبادر لمصارعة المشروع النووي الإيراني؛ بل لأنه حتى أواسط عام 2005 كانت أكثر التقديرات رجحانا تفيد بأن صفقة يمكن أن تتم بين الطرفين، وأن الخلاف هو حول الأولويات فحسب فالإيرانيون يريدون صفقة شاملة من النووي وحتى التفاصيل الاقتصادية والسياسية في شرق إيران وغربها وجنوبها وشمالها- والأميركيون يفضلون الاتفاق على المسائل واحدة بعد أخرى من العراق وإلى لبنان وبحر قزوين مع عدم التسليم لإيران بالملف النووي على الإطلاق! بعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية أو على مشارفها لا ندري ماذا حدث:
بدا الإيرانيون مائلين إلى المواجهة الشاملة، في حين كان الأميركيون وما يزالون مترددين فقد واجه الأميركيون مشكلة ضخمة في العراق وانصرفوا لمقاتلة المقاومة السنية وإرهاب الزرقاوي؛ في الوقت الذي كان فيه الإيرانيون يسيطرون على المناطق الشيعية، ويقفون متربصين على حدود المنطقة الكرديةـ وفي لبنان، ورغم خروج السوريين، ما يزال الإيرانيون يملكون الفيتو الحقيقي على الاستقرار، وعلى المواجهة مع إسرائيل، بواسطة «حزب الله»، ويملكون أيضا النظام السوري المعزول والمحتاج إليهم في حركاته وسكناته وأنفاس بقائه بل إنهم كسبوا في فلسطين، ودونما حاجة لضرب إسرائيل بالصواريخ كما هددوا؛ إذ سيطروا على المقاومة الإسلامية: «الجهاد الإسلامي» وحماس، و«حماس» بالذات تستطيع شن الحرب على إسرائيل، في الوقت الذي تكسب فيه الانتخابات الفلسطينيةـ إنهم إذن يحفظون مصالحهم، ويمدون نفوذهم بالمال والتسليح ، ويستطيعون كسب الصراع مع الولايات المتحدة دونما كفاح مسلح مباشر:(31/93)
فلماذا هذا التصعيد الأخير، سواء في الملف النووي أو في الملف الإسرائيلي؟ الولايات المتحدة الآن في مواقع الدفاع في الشرق الأوسط رغم جيوشها الضاربة في كل مكان تحتاج أميركا إلى الاستقرار في العراق، وإلى الاستقرار في لبنان، وإلى الاستقرار في الخليج.
وهكذا تحول «الإضطراب البناء» الذي تحدثت عنه كوندوليزا رايس لغير صالح الولايات المتحدة، وصار «الاضطراب البناء» ذاته عملة إيرانية صعبة تستطيع الكسب عن طريقه بتحريك أحجار الشطرنج دونما حاجة لإحراق أصابعهاـ فهل تكون تصعيدات محمود أحمدي نجاد تهويلات من أجل إرغام الولايات المتحدة على المهادنة في الملف النووي، مقابل الإعراض الإيراني عن الإزعاج في الملفات السالفة الذكر؟(31/94)
حتى خريف عام 2005 كانت بقية باقية من المحافظين الجدد في إدارة بوش، ما تزال تميل للصفقة مع إيرانـ وحجتها في ذلك أن الأصولية السنية (والسنة أكثرية ساحقة بين العرب والمسلمين) بالغة الخطورة، وسواء في ذلك المتطرفون والمعتدلون والمستقبل لدى السنة في ما يبدو- لدى العرب وغيرهم- للأصولية المسماة معتدلة، والتي تكره الولايات المتحدة وإسرائيل أشد الكراهية، والتي لا يمكن ضبطها لعدم وجود مركزية وهرمية دينية سنية يمكن التفاوض معهاـ ولذلك فإن المستقبل القريب يكون مضمونا إذا قامت علاقة استراتيجية مع إيران بعد تركيا وإسرائيل، وهي الأطراف القوية في المنطقةـ بيد أن تطورات أخرى غير امتداد النفوذ الإيراني الدؤوب، طرأت على المشهدـ قبل شهور تمت الصفقة الاستراتيجية على الغاز والبترول بين إيران والصين؛ بالإضافة إلى العلاقات الوثيقة القائمة بين روسيا وإيران وفي الوقت نفسه تصاعد العداء الإيراني لإسرائيل، الحليفة الأقرب للمحافظين الجدد، والتي كانت مصالحها كما رأوها، بين أسباب غزو العراق وهكذا فإن الولايات المتحدة إذا سلمت لإيران بالعراق، فإنها لا تستطيع التسليم لها بالنووي، ولا الخليج، كما لا تستطيع من باب أولى التسليم لها بالصفقة الاستراتيجية مع الصين، والتي يثير ازدهارها وصعودها أكبر المخاوف لدى الولايات المتحدة! صحيح أن الأصولية الإسلامية السنية تسببت في حالة من عدم الاستقرار في مناطق نفوذ الولايات المتحدة، والعالم الغربي لكنها ما أضرت حقيقة بالمصالح الاستراتيجية للغربيين وعلى رأسهم أميركا؛ في حين تهدد إيران الجديدة بإحباط المصالح الاستراتيجية الكبرى لذاك العالم: السيطرة على الطاقة لكبح جماح الصين، والسيطرة على الخليج من أجل البترول والغاز، والهيمنة في الشرق الأوسط من أجل أمن إسرائيل.
ماذا تستطيع الولايات المتحدة أن تفعل؟(31/95)
إيران تلعب لعبة كل شيء أو لا شيء، وإدارة بوش تعاني من المتاعب الداخلية الناجمة عن فشلها في الخارج والداخل في منطقة الشرق الأوسط يفكر الأميركيون في كيفية الحيلولة دون سيطرة إيران على العراق عن طريق استخدام الأكراد، واستئناس السنةـ وفي الخليج يفكرون كيف يمكن تقوية مجلس التعاون الخليجي، و«تحديث» أنظمة الحكم ولحماية استقرار الخليج ولبنان وإسرائيل يفكرون كيف يتعاملون مع النظام السوري حتى الآن كانوا يأملون في استيعابه وتحويله كما فعلوا مع النظام الليبي، ويبدو أن المصريين يميلون لوجهة النظر هذه لكن السعوديين (وإلى حد ما القطريون الذين كانوا أصدقاء للنظام السوري) ما عادوا يثقون بإمكان ذلك، بسبب ما فعله السوريون ويفعلونه بلبنان، وبسبب تصديرهم التطرف الأصولي إلى العراق والسعودية، وبسبب سيطرة إيران على إدارة الدولة السورية من خلال السيطرة على الأمن، الخط الأحمر للنظام والذي يظهر الآن أننا على مشارف اتخاذ قرار بشأن أحد الاتجاهين في الملف السوري: استمرار العمل على الاستيعاب والتحويل خشية الفوضى والأصولية إن سقط النظام، أو العمل على إسقاط النظام لقطع الهلال الشيعي أو الإيراني، وحفظ الاستقرار في لبنان.
لقد دخلت إيران وبإرادتها على اللعبة الكبرى شأنها في ذلك شأن إسرائيل وتركيا، والذي يبدو أن حساباتها ما انطلقت من الأفكار الجديدة حول النمو المستدام، وتحسين ظروف وشروط حياة الناس، بل استنادا إلى انطباعات الحرب الباردة حول القوة والضعف ومع أن الأسى يخالط أحاسيسنا نحن العرب لأننا صرنا بسبب الضعف موضوعا للصراع، فإنني لا أحسد الشعب الإيراني على الموضع الذي وضعته دولته فيه.(31/96)
مجلة الراصد الإسلامية
العدد الثاني و الثلاثون – غرة صفر 1427 هـ
فاتحة القول: جبل جليد في الطريق .. يا أهل السنة ؟!..........................4
الجريمة الغائبة ! ...............................................9
1-…فرق ومذاهب: الذكرية ............................................13
2- سطور من الذاكرة: حمدان قرمط يتظاهر بالزهد لإضلال المسلمين!.22
3-دراسات * مواقف المفكرين (17) د. عبد المنعم النمر............26
* أحمدي نجاد وجمعية الحجتية ........................50
2-…كتاب الشهر: دهاقنة اليمن ............................................61
3-…قالوا...................................................................66
4-…جولة الصحافة:
العراق
-…بيان الحزب الإسلامي حول جرائم الشيعة.............................71
- الوسطى بيان جبهة التوافق العراقية .................................75
-محنة تنتظر الشيعة العرب في العراق ..............................76
- التيار الصدري يكشف عن حقيقته................................81
- الدعم الإيراني والتيار الصدري حسما الموقف لصالح الجعفري....83
- السيد السيستاني... وأنظمة المرور!................................89
ايران
- المُحافظون في? ?إيران? ?يهزون أحد أهم أسس النظام الاسلامي..............91
- ساعتا إيران .. أيتهما تطلق جرس التنبيه أولا؟.....................................99
- قائد جماعة سابق في البصرة: شاركنا في فرق موت وبتوجيهات إيرانية ..........103
- إيران تتوقى الضربة الأميركية بتفجير لبنان أو البحرين ................104
- غير مفاجئ.. غير متوقع ..............................................109
- قنبلة الأقليات الانفجارات في الأحواز.. والخطر في أذربيجان ..........111
- الزرقاوي و إيران !................................................... 114(32/1)
متفرقات
- "القاعدة" في لبنان ....................................................118
- أردنيون يتشيعون ......................................................122
- مقابلة مع زعيم شيعي مصري .........................................126
- الأسد يزأر في الغابة الأميركية! ........................................138
- التحالف الخطأ ! ...................................................... 140
- فلسطينيي بغداد.........................................................143
- الطرق الصوفية في آسيا ............................................. 145
- ضجة في تركيا بسبب صلاة النساء في صفوف مشتركة مع الرجال ...151
فاتحة القول
جبل جليد في الطريق .. يا أهل السنة ؟!
يواجه أهل السنة في نهاية عام وبداية عام جديد مرحلة حرجة ، أخطر ما فيها هو الخلل في التفكير والنظر للأحداث مما يتولد عنه تفرق كلمتهم وتشتت مواقفهم ، وهذا بسبب " الانفصام النكد" بين أهل العلم الشرعي المؤصل عن الطاقات العاملة في ميدان الدعوة من جهة ، ومن جهة أخرى الفجوة بين أهل الحكم و الساسة و أهل العلم المؤصل بهدي الوحيين .
فأهل السنة في العراق تحركوا متأخرين للمشاركة في سلطة بلدهم بعد أن تمكن الحاقدون من الشيعة من الإمساك بمكامن القوة والمنعة ، ولم يعطوا الاحتلال الخفي والدائم قدره من الحذر والحيطة ، فلم يعتبروا بالتاريخ القديم عندما استولى الصفويون على إيران قبل 500 عام وحتى الآن، ولا للتاريخ البعيد عندما سيطر العبيديون على مصر أكثر من 200 سنة ، سوى ما صنعه إخوانهم القرامطة من تعطيل الحج وسرقة الحجر الأسود 20 سنة .
وهذا التأخر في العمل مظهر من مظاهر خلل الفكر السياسي الاستراتيجي عند أهل السنة، و غياب الاستفادة من تجارب التاريخ فمتى نصلح الخلل ؟؟(32/2)
ومن ذلك أيضاً العزوف عن الانخراط في القوى العسكرية ثم حين تبيدنا هذه القوى نملأ الأرض صراخاً لا يفيد ؟؟
أما أهل السنة في فلسطين فهم أمام خيارات حاسمة بعد وصولهم للحكم ، والعجيب أن أول من بادر للاتصال بهم أنظمة لا تخفي عداوتها للسنة ! فسوريا التي استقبلت خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس ، ترفض للآن أن تلغي قانون إعدام الإخوان المسلمين السوريين !!
فكيف نصدق هذا الدعم لحماس وسوريا تحارب مواطنيها الذين ينتمون إلى نفس التيار ؟؟ إن هذا ليس سوى استغلال لحماس في خدمة أهداف سوريا الخاصة ،كما سبق أن جيرت لحسابها كثيراً من الحركات الفلسطينية .
أما إيران التي تظهر التأييد لحماس، والتي عرضت التمويل عليها في حال انقطاع المساعدات الدولية للسلطة الفلسطينية ، فإنها لا تمارس العدل قط مع مواطنيها السنة الذين يعيشون حالة من الكبت والطغيان مع تخلي العالم عنهم لماذا لا تتخلى إيران عن كونها محتلة لأرض عربية شأنها شأن إسرائيل ؟؟ لماذا إيران تتعاون سراً وجهراً مع إسرائيل وأمريكا في لبنان والعراق وأفغانستان حين توافق مصالحها الخاصة ثم تتظاهر بالعداء لإسرائيل ؟؟
أما موسكو عدوة الإسلام والمسلمين التي تقتل السنة في الشيشان باليمين وتهاتف حماس بالشمال للاعتراف بإسرائيل ! موسكو التي كانت أول دولة في العالم تعترف بإسرائيل حتى قبل أمريكا ، موسكو التي صنعت المعجزات في مجلس الأمن عام 1947 م لتتجاوز اعتراضات الغرب على قرار التقسيم ، موسكو التي قتلت من المسلمين في أقل من 90 عاماً 100 مليون مسلم ، موسكو هذه تدعو حماس لزيارتها وليس لها من غرض سوى تطويع حماس لمصالح إسرائيل بطريقة أو بأخرى لا يعجز عنها العقل الروسي المبدع فقط في تزييف الحقائق ، وسيكون هذا كله تحت شعار انتزاع اعتراف قوى دولية بمكانة حماس !!(32/3)
وهذه الدعوات المسمومة لحماس ما كانت تحصل لو أن حماس و دولاً مثل الأردن ومصر والسعودية تتعامل مع بعضها البعض باعتبارها قوى سنية متكاملة، فتقدم بعض المزايا لبعضها مثل ما تقدمه أحياناً لأطراف أخرى مثل سوريا وإيران !!
ومن الأجزاء الغاطسة في جبل الجليد المواقف الغريبة في نصرة النبي صلى الله عليه وسلم من دول لا يعرف فيها حماية جناب النبي أو دينه أصلاً ، فمتى كان " رسول الصحراء" صاحب "الكتاب الأخضر " يغار على رسول الإسلام ؟؟
ومتى كان الشعب السوري يستطيع فتح فمه سوى عند طبيب الأسنان ، فرأيناه يتظاهر ويكسر ويحرق ، في مشهد أعاد للذاكرة حادثة الهجوم على سفارة أمريكا إبان الهجوم على العراق ، وهذه التظاهرات لا يشارك فيها الشعب السوري بمقدار ما يشارك فيها أفراد الأمن السوري ، ولذلك رأينا الفيلم يعاد في بيروت لصب الزيت على النار ، بإثارة الفتنة بين المسلمين والنصارى لمصلحة حلفاء سوريا في لبنان .
أما إيران التي يعلن فيها سب آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم دون رادع أو حساب فضلاً عن سب أصحابه وخلفائه ، فإنها تعترض على رسم صورة النبي صلى الله عليه وسلم في حين أنهم أول من رسَمَه في العالم ، فكتبهم ومخطوطاتهم تمتلئ بروسومات له صلى الله عليه وسلم ، فها هو الكاتب المصرى أنيس منصور في كتابه ( أعجب الرحلات في العالم ) يقول ص 663 عن زيارته لمدينة شيراز :
" ولا بد أن يندهش الإنسان جداً جداً عندما يجد صوراً للرسول عليه السلام تباع في المحلات العامة ...
ولكن في شيراز وجدت صورة الرسول عليه السلام .. صورة ساذجة ..ففيها تجد رجلا أسمر الوجه له لحية متوسطة الطول .. ومن السماء تجئ شعاعات مكتوب فيها آيات القرآن الكريم .. مجرد صور خيالية .. ولكن هذه لها ملامح المسيح والعائلة المقدسة .. كلها صورة خيالية ليس لها أي أساس تاريخي .(32/4)
وهناك بعض الصور المصنوعة في اليابان .. الصورة الواحدة إذا نظرت إليها من ناحية اليمين وجدت علي بن أبى طالب .. وإذا نظرت إليها من اليسار وجدت صورة الرسول عليه السلام .. والفرق بين الاثنين أن علي بن أبي طالب يمسك سيفاً ..
وأعجب من هذا أن هناك صوراً تتعلق في سلسلة المفاتيح ..
قلت للبائع : أهذه صورة محمد عليه الصلاة والسلام ..
قال : نعم ..
ثم اتجه لشيء آخر .. كأننى لم أسأله عن شيء عجيب غريب .. وعدت أسأله وهذه يحملها كل الناس ؟ و أشار بيده إلى صندوق به مئات الألوف من السلاسل والمفاتيح ..
وعندما انفض الزبائن اتجه ناحيتي ليسألنى إن كنت أريد شيئاً آخر ..
قلت : أريد بعض هذه الصور والسلاسل .. ولكنه لم يلاحظ دهشتي وحرصت على أن أجعله يراها فقال : ماذا يدهشك ..
قلت : لا شيء .. ولكن هذا غير مألوف في أي بلد إسلامي ..
قال : أعرف ذلك ..
قلت : حتى صورة الرسول أقرب إلى صورة القديسين، فحول رأسه توجد هالة ..
قال : نعرف ذلك .. "
فهل رسم النبي صلى الله عليه وسلم على شكل قديس نصراني في إيران يدل على حبه وتعظيمه ؟؟؟
وما هذه التحركات المريبة لنصرة النبي صلي الله عليه وسلم إلا لترويج و الدعاية لهذه الدول بين المسلمين باسم الدين ، بعد أن كان يروج لها بين المسلمين باسم الثورية والتقدمية ! لكن في زمن الانبعاث الدينى لكل الأديان لابد أن يكون المدخل لذلك نصيحة يهودية مجربة " آمنوا وجه النهار " .(32/5)
ونقف أيضاً مع جزء آخر من هذا الجبل الجليدي وهو ما يتردد من بداية انتشار لتنظيم القاعدة في جنوب لبنان والمخيمات الفلسطينية في لبنان ، الذي لا يمكن أن يحصل إلا بموافقة سورية كما يعرف العقلاء ، وعندما كُشف بعض أعوانها التاريخيين مثل جماعة الأحباش في حادثة اغتيال الحريري ، واقتضت المصلحة تحويل حزب الله إلى واجهة سياسية وطنية ذات قبول محلي وإقليمي ودولي ، وكان لابد من جهة أخرى تقوم بمصالح سوريا وغيرها ، دون أن تتحمل سوريا تبعية ذلك ، وهنا سيتم بطريقة أو أخرى تمكين جهات من أ صل سني من لبنان و من فلسطينيي المخيمات مع عرب متطوعين للتمركز في المخيمات والجنوب ، والقيام ببعض العمليات ضد لبنان وإسرائيل ، مما يعود بالفائدة على إسرائيل لتتنصل من التزاماتها وإحراج حماس من جهة أخرى وإفشال تجربتها و جعل الصراع بين الإسلاميين أنفسهم قاعدة/ جهاديين وحماس !!
هذه بعض الأخطار التي نراها في الأفق والتي لا يمكن تجاوزها سوى بتوفيق من الله أولاً ، ثم التلاحم بين أهل العلم وأهل الحكم و أهل الدعوة ثانياً ، مع النزول على رأي أهل العلم في تقييم حقيقة الأيدلوجيات المحركة لكثير من القوى المحيطة بنا ، والاستفادة من أهل الحكم في معرفة قوتنا وطاقتنا ، واستثمار الطاقات الفاعلة الدعوية لتنفيذ التوجيهات .
ومتى غابت هذه الاستراتيجية عن أهل السنة فقد يطول بهم الطريق مع خسائر مُرة ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
الجريمة الغائبة !
يعيش العراق حالة من الطغيان الشيعي البغيض وذلك اتسع مداه بعد تفجير أضرحة ومزارات شيعية في مدينة سامراء ، ومن المهم الوقوف مع هذه الموجة الطائفية الشيعية البغيضة ، لنستكشف حقيقتها وأبعادها .
الوقفة الأولى : بداية الحدث
بحسب رواية الشيعة أن مجموعة من المسلحين ترتدي زي مغاوير الشرطة اقتحمت الضريح و كبلوا الحراس ومن ثم نسفوه !(32/6)
وهذا الأسلوب لطالما قامت به مجموعات شيعية تجاه قيادات ومراكز السنة في العراق ، وكانت القيادات الشيعية تتنصل من ذلك زاعمة أن هذه المجموعات تابعة لقوات الاحتلال .
الوقفة الثانية : السنة والضريح والتفجير
إن هذا الضريح موجود في مناطق السنة ولم يتعرض له أحد ، والسنة يجلون صاحبيه لكونهما من آل بيت النبي صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم ، ولذلك استنكر تفجيره قيادات السنة في العراق وخارجه .
وفي بيان للحزب الإسلامي أن " الوضع الأمني في سامراء ظل مضطربا لمدة ثمانية أشهر العام الماضي ولم يكن ثمة أي وجود للقوات الحكومية ولا الأمريكية ومع ذلك لم يقع أي اعتداء على مرقد الإمام.. لماذا وقع هذا الاعتداء الآثم الآن ؟"
وسنة العراق لا يؤمنون بهذه التفجيرات ، وإذا كانت مجموعة الزرقاوي تؤمن بهذا فهي مجموعة لا تمثل سنة العراق كما يعلم القاصي والداني ، بل إنها اعتدت على السنة مراراً ، ومع هذا كله فقد نفت مجموعة الزرقاوي مسؤوليتها عن الانفجار ، رغم أنهم لا يتنصلون مما يقومون به .
الوقفة الثالثة : ردة الفعل الشيعية
لقد كانت ردة الفعل الشيعية طائفية بغيضة جداً ، فهي لم تتحقق من الجاني أولاً بل انطلقت لمهاجمة أهل السنة ، فاعتدت على 168 من المساجد بيوت الله ، وقتلت الأئمة والمؤذنين ، ودنست المصاحف !! ومن ثم اغتالت ما يقرب من 200 سني دون سبب أو محاكمة .
ولو فرضنا أن بعض السنة مسؤول عن تفجير الضريح فإننا نتساءل هل يجوز الاعتداء على مسجد لله ؟؟ هل يجوز إهانة المصحف ؟؟ هل يجوز قتل المئات من السنة دون أن يكون لهم ذنب في التفجير ؟؟(32/7)
أن هذه التصرفات لا يمكن أن تكون قد صدرت إلا من نفوس جبلت على الشر وتربت على البغض ، وهذا يؤكد تكفيرية العقيدة الشيعية للسنة وغيرهم ، فإن المسلم لا يجرؤ على الاعتداء على مسجد إلا إذا كان يعتقد أنه مسجد ضرار ، وكذلك لن يجرؤ مسلم على قتل آخر إلا إذا اعتبره كافراً أصلاً ، وكذلك لا يمكن لمسلم من إهانة المصحف إلا إذا كان يعتقد أنه محرف كما تزعم العقيدة الشيعية .
وقد أوضح خطيب الحرم المكي هذه الحقيقة بقوله : " كيف ينتقم من الاعتداء على قبور الله بالاعتداء على بيوت الله وأن يكون المساس بأحفاد رسول الله ردة فعله حرق لكتاب الله " .
الوقفة الرابعة : تصريحات قادة الشيعة حول منفذي التفجير
-…السيستاني حمل التكفيريين المسؤولية عن الانفجار .
-…موفق الربيعي مستشار الأمن القومي اتهم الصداميين والقاعدة بالوقوف خلف التفجير .
-…مقتدي الصدر اتهم قوات الاحتلال والحكومة العراقية والتكفيريين .
-…عبد العزيز الحكيم أكد أن الذين قاموا بالتفجير لا يمثلون السنة .
-…حسين فضل الله حمل الولايات المتحدة مسؤولية الاعتداء .
-…حسن نصر الله حدد المستفيدين من التفجير بالتكفيريين و الاسرائيليين والمحتل الأمريكي .
-…احمدي نجاد اتهم الصهاينة وقوات الاحتلال بالوقوف خلف الاعتداء .
فإذا كان السنة ليسوا وراء الحدث بحسب تصريحات زعمائهم فلماذا هم الذين دفعوا الثمن ؟؟؟
هل الشيعة هم وراء التفجير من أجل إعطاء مبرر لاجتثاث السنة وتعطيل مشاركتهم في الحكومة و بعثرة الجهود الرامية لنزع الطائفية في العراق ؟
أم أن الشيعة استغلوا الحدث لتحقيق مصالحهم الخاصة ؟(32/8)
والغريب أن هذين الاحتمالين هما من صميم الأسلوب اليهودي في العمل السياسي القائم على مبدأ " الغاية تبرر الوسيلة " فقد عمل اليهود على تنفيذ هجمات على بعض أفرادهم في الدول العربية من أجل تهجيرهم "لإسرائيل " كما أنهم سباقون دوماً في استغلال الأحداث لصالحهم كما في أحداث 11/9 حيث جعلوا أنفسهم ضحية الإرهاب العالمي !!
في تعليق لقناة الجزيرة على تصريحات السيستاني وغيره بالتهدئة للقطاعات الشيعية قالت : " وكأن مقصود هذه التصريحات هو العكس !" وقد كان العكس فعلاً .
الوقفة الخامسة : وماذا بعد
هل ما جرى في العراق هو " بروفة " لما سيحدث عن امتلاك الشيعة القوة والسلطة، كما فعل الصهاينة عندما ارتكبوا مذبحة دير ياسين ؟
هل ما جرى هو رسالة لدول الجوار السنية ؟
هل ستقوم الحكومة العراقية بتعويض السنة عن خسائرهم أسوة بالمرقد ؟
هل سيطالب زعماء الشيعة علانية بمعاقبة المعتدين على السنة ؟
والسؤال الأهم هل يقف أهل السنة بحزم ووضوح للمطالبة بحقهم في كل شيء ، بدءاً بالتعويض عن الخسائر ومن ثم تقديم المجرمين للعدالة لتقتص منهم للمظلومين وانتهاءً بحقوقهم السياسية وبيان حجمهم الحقيقى وكشف زيف أكذوبة الأغلبية الشيعية ؟
هل تقف الدول العربية مع السنة لما فيه مصلحة العراق ومصلحتها هي في الوقت الذي تعيث فيه شراً الميلشيات الطائفية الشيعية والإيرانية ؟
فرق
الذِّكرية
تتواجد فرقة الذكرية بشكل أساسي في باكستان، وتحديداً في مكران في إقليم بلوشستان بجنوب غرب البلاد، إضافة إلى كراتشي، لكن الذي يدفعنا أكثر للحديث عنها، هو قدوم عدد كبير من أتباع هذه الفرقة للعمل في دول الخليج العربي، شأنهم شأن الكثيرين من أبناء القارة الهندية، ودخولهم للعمل في جيوشها، وفي المؤسسات والبلديات وبيوت أمرائها ومسؤوليها، الأمر الذي يوجب علينا تسليط الضوء على هذه الفرقة التي تعيش بين البلوش، الذين هم من أهل السنة.
نشأتها(32/9)
تعود نشأة هذه الفرقة إلى القرن العاشر الهجري، على يد الملا محمد الأتكي، الذي ادّعى أنه مهدي آخر الزمان ثم ادّعى النبوة، وخرج للناس بشريعة جديدة، وقد أظهر دعوته في سنة 977هـ، في مدينة تُربَت، في منطقة مكران بإقليم بلوشستان بجنوب غرب باكستان.
وقد حيكت حول محمد الأتكي أساطير مفادها أنه خُلق من نور الله، وأن الله خلق الكائنات كلها من نور الأتكي، وسيّر روحه في السماوات العلا، وتشرف بزيارته الملائكة المقربون، وتقرب إلى رب العزة، ونظر إلى الكتب المقدسة قبل نزولها، واختار منها لأمته عشرة أجزاء.
ولا يعرف الذكريون عن شخصية مؤسسهم الشيء الكثير، بل إنهم مختلفون حوله اختلافاً كبيراً، لكن المشهور عندهم، أنه غير مولود من أب وأم، بل كان نوراً خلقه الله تعالى من نوره، كما سبق ذكره، ويعتقدون أنه ظهر في صورته الجسمانية سنة 977هـ في قرية "أتك" التي ينحدر منها في إقليم البنجاب بين إسلام أباد وبيشاور في باكستان.
وتجول الأتكي في البلدان الإسلامية يدعو إلى مذهبه الجديد حتى وصل إلى الحرمين الشريفين، واستمر في ذلك سنوات طويلة إلى أن استقر به المقام في مكران، فقبل أكثر أهلها دعوته، حتى اختفائه من هناك سنة 1029هـ.
وليس للأتكي أية آثار علمية، أو مؤلفات تدل على حقيقة شخصيته وأصول دعوته. وكل ما يكتب عنه كمؤسس للفرقة مصدره النقول الشفوية من أتباعه.
ومما جعل أهل مكران يقبلون دعوته:
1ـ جهل أهلها بالدين الصحيح، وانعزالهم، إذ أن معظم مساكنهم في الأودية والصحاري، ومعظمهم أميون وجهلة ومتخلفون( ).
2ـ مجاورة البلوش للشيعة الباطنية والإسماعيلية، وتأثرهم ببعض عقائدهم، إضافة إلى انتشار التصوف الإباحي بين البلوش ساهم في قبولهم لما يدعو إليه الأتكي، من عقائد باطنية.
سبب التسمية(32/10)
اشتق اسم "الذِّكرية" من الذِّكر، لأن مؤسسها ألغى فريضة الصلاة ـ كما سيأتي بيانه ـ ووضع مكانها الذكر. أما زعماؤها فيقولون أن سبب التسمية، يعود إلى كثرة ذكرهم لله.
عقائدهم
1ـ عقيدتهم في التوحيد
تعتقد الذكرية أن كلمة التوحيد لأول الأنبياء آدم عليه السلام كانت "لا إله إلاّ الله آدم صفي الله" وبعد رحيله من الدنيا توالى قدوم الأنبياء مع كلماتهم. ويقولون: لمّا جاء أحمد المصطفى العربي( ) قرأ كلمة المهدي، وهي "لا إله إلاّ الله محمد رسول الله" ويعتبرون أن المقصود بمحمد هنا، هو محمد الأتكي، وليس النبي صلى الله عليه وسلم.
وبعد ظهور المهدي في كيانه البشري ـ كما يعتقدون ـ اتضحت كلمة التوحيد أكثر، وصارت هكذا: "لا إله إلاّ الله نور باك( ) محمد مهدي رسول الله".
ويقولون بأن هذه الكلمة تستمر إلى يوم القيامة، ويعدّ منكرها كافراً. وعندهم صيغ أخرى لكلمة التوحيد منها: لا إله إلاّ الله الملك الحق المبين، نور باك نور محمد مهدي رسول الله صادق الوعد الأمين.
2ـ عقيدتهم في القرآن الكريم
يؤمنون بالقرآن الكريم الذي نزل على نبينا صلى الله عليه وسلم، ولكنهم يعتقدون أن تفسيره خاص بإمامهم المهدي محمد الأتكي، بل وهو الذي يتولى بيان كل كتاب نزل من السماء.
يقول الملاّ درّازئي في وصف المهدي: "أنيس المقربين، جليس القديسين، بلبل البساتين، مؤول القرآن، آخر الأنبياء، سيد المرسلين، وخاتم النبيين، نور محمد، مهدي آخر الزمان، عليه الصلاة والسلام"( ).
ويدّعون أن عيسى عليه السلام قال: "نحن نأتيكم بالتنزيل، أما التأويل فيأتي به المهدي في آخر الزمان"( ).
وقد سار الذكريون على خطا الباطنيين في تأويل آيات القرآن الكريم، فزعموا أن للقرآن ظاهراً وباطناً، وفسروا آياته وفق أهوائهم، بعيداً عن مراد الله سبحانه وتعالى، ومن أمثلة ذلك:(32/11)
تفسيرهم لقوله تعالى (الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون)( )، إذ يقول البجاراني:"المقصود بألف ولام وميم الدلالة على اللطف والكرم والقرابة بين الله ـ تعالى ـ وبين محمد المهدي" وفسر (يؤمنون بالغيب) بقوله: "أيقنوا أن نور المهدي من الغيب أيضاً، فالإيمان به فرض لازم"( ).
3ـ اعتقادهم بالنبوة المحمدية
يعتقدون أن رسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ليست خاتمة الرسالات، وأن النبي محمد صلى الله عليه وسلم اسمه الأصلي "أحمد" وليس محمداً، وحيثما ترد في القرآن الكريم كلمة "محمد" فالمراد "محمد المهدي الأتكي" الذي يعتبرونه خاتم الأنبياء، وسيد الرسل.
يقول أحد كبار علمائهم، وهو الملائي عبد الكريم (بما معناه باللغة العربية): "إن المهدي هو نور الآخرين وسيد الأنبياء والرسل كلهم، أيها المهدي المبعوث في آخر الزمان إليك التجئ"( ).
4ـ عقيدتهم في الأنبياء والملائكة
يعتبرون أن جميع الأنبياء والأولياء وصلوا إلى ما وصلوا إليه بفيض من روح محمد الأتكي، وأن الكتب التي أنزلت على الأنبياء والمرسلين، تفسيرها المعتمد هو الذي جاء به الأتكي. وجاء في كتابهم "نور تجلي ص29": إنه لما خرج آدم من الجنة سلاه روح القدس وغفر ذنبه وقبل توبته. ثم ذكر نوحاً وإبراهيم وسحرة فرعون بعد إيمانهم وطالوت وداود وسليمان وزكريا وعيسى عليهم السلام، وقال إن كل هؤلاء نالوا عوناً وفيوضاً من روح القدس (يقصد الأتكي) وبالخصوص عيسى نال منه بركات وحكماً، ووصل ببركته إلى العالم العلوي( ) .
5ـ عقيدتهم في المعراج
يعتقدون أن نور مهديهم نزل من السماء، ثم عرض إليه، وهو الآن موجود عند الله على العرش، ويستشهدون على ذلك بقوله تعالى (يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون)( ) ( ).
6ـ عقيدتهم في المهدي(32/12)
يعتقدون في مهديهم الكذاب محمد الأتكي جملة عقائد باطلة ملخصها: أنه مخلوق من نور الله، بدون أب ولا أم، وأن الله خلق الكائنات كلها من نوره، كما يعتقدون بأنه رسول الله وخاتم النبيين وأفضلهم، وأنه سبب إيجاد الكون، ولولاه لما كانت الموجودات، بل ويؤمون بأن الله سبحانه وتعالى عاشق، والأتكي معشوقه( ).
جانب من عباداتهم
1ـ الصلاة
يعتقدون أن الصلاة نسخت،مستدلين بقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة)( ) وقد جاء في كتبهم ما يفيد أن الأتكي أمرهم بترك الصلاة( ) وهم يحتقرون المصلين، ويرون أن الذكر أهم من الصلاة وأولى، ويستشهدون بقوله تعالى (ولذكر الله أكبر)( ) أي أكبر وأهم من الصلاة، وحيثما يرد لفظ "الذكر" في القرآن فالمراد به الذكر الذي يزاوله الذكريون، وهو لب العبادة عندهم، ومنه اشتق اسمهم( ).
وللذكر عندهم طقوس مخصوصة تتم بواسطة أناس مخصوصين يقودون حلقات الذكر.
والذي يتقدم الذكريين في الذكر يسمى (لا خوان) ومعناها قارئ لا، وهناك أيضاً (دعا خوان) أي قارئ الدعاء، الذي يقرأ الأدعية في الذكر.
وكل آية من القرآن تبدأ بكلمة (ربنا) فهي دعاء عند الذكرية، ولديهم مصطلح "الكلمة"، وهي الكلمة التي يرددونها أثناء الذكر وهي: "لا إله إلا الله الملك الحق المبين، نور باك محمد مهدي رسول الله صادق الوعد الأمين"( ).
2ـ الصيام
لا يصوم الذكريون شهر رمضان، كما هو عند عموم المسلمين، بل يصومون الأيام العشرة الأولى من شهر ذي الحجة، وأيام البيض من كل شهر قمري (وهي ثلاثة عشر، وأربعة عشر، وخمسة عشر)، ويوم الاثنين من كل أسبوع، ويستدلون على هذا الصيام بآيات من القرآن الكريم يضعونها في غير محلها، منها قوله تعالى (والفجر وليال عشر)( ).
3ـ الزكاة
الزكاة عند الذكريين مقتصرة على زكاة المال فقط، وليس عندهم زكاة للفطر. ومقدار زكاة المال عندهم هو 10%، دون تحديد للنصاب، أو اشتراط حولان الحول.(32/13)
وعامة الذكريين يدفعون الزكاة لشيوخهم الذين يسمون بـ "الملائيين"، وهم يضمنون لهم دخول الجنة مقابل أداء الزكاة إليهم، كما يبيعون الأماكن في الجنة مقابل المبالغ الكبيرة من الصدقات والزكاة، وهم في ذلك متأثرون بصكوك الغفران التي ابتدعها النصارى( ).
4ـ الحج
يستهزئ الذكريون بمناسك الحج التي يؤديها المسلمون، وبالأماكن المقدسة التي يقصدونها ويدّعون إن مهديهم الأتكي ذهب إلى مكة، وآمن به مائة واثنان من أهل مكة، ورأى الناس هناك مبتلين بالشرك، وبزيارة بيت بناه النبي إبراهيم من الطين، ولا يعلمون بأنهم لا يدركون بهذه الزيارة منزلة الإيمان ولا الحج( ).
ويقولون: بزيارة هذا البيت (البيت الحرام) أعرضوا عن رب العالمين... وكل من حجّ اسودّ قلبه ولا ينزل عليه فيض من الله. كما يذكرون في كتبهم بأن الأتكي قام بتخريب الكعبة، واقتلاع بعض لبناتها( ).
وبدلاً من الحج إلى بيت الله الحرام في مكة المكرمة، شرع الذكريون لأتباعهم التوجه للحج في مناطقهم في إقليم بلوشستان، وأطلقوا على الأماكن هناك أسماء شبيهة بالأسماء في مكة، فسموا أماكنهم (حرم، منى، زمزم،...)( ).
أبرز دعاتهم
1ـ مؤسس فرقتهم محمد الأتكي، وقد سبق التعريف به.
2ـ ملا مراد الكجكي: وهو الذي خلف الأتكي بعد اختفائه، وكان له دور كبير في تأسيس هذه الفرقة، ففي حين أسس الأتكي هذا المذهب، وقرر مبادئه وأسسه، قام ملا مراد بإقرار الذكر والشعائر الأخرى، وتعيين الأماكن المقدسة عندهم.
وقد كان ملا مراد من الشخصيات القوية المؤثرة، ومن خواص أتباع الأتكي، وقد اجتهد في نشر أفكاره بين أفراد قبيلته وأفراد وطنه( ).
3ـ أبو سعيد البليدي: من أوائل المعتنقين لهذه العقيدة وثالث شخص بعد الأتكي وملا مراد، وهو حاكم أول دولة قامت للذكريين كما سيأتي بيانه.(32/14)
وقد اختلف الذكريون في تحديد شخصيته، إذ زعم بعضهم أنه ينحدر من الأسرة الحاكمة في سلطنة عمان. لكن الذي يبدو أن أبا سعيد البليدي الذكري غير أبي سعيد العماني، الذي كان من مسقط، وكان حاكما لعُمان وزنجبار، ومؤسساً للدولة البوسعيدية( ).
4ـ شيئ( ) محمد درفشان، (1040ـ 1120هـ)، وهو من شيوخهم، ويزعمون أنه لم يتتلمذ على أستاذ، بل فاز بالعلوم الظاهرة والباطنة بفيض المهدي، وحصل له ذلك عن طريق أمه.كان شاعراً مجيداً، ترك العديد من الأعمال والآثار الشعرية في الأخلاق وفي مدح الأتكي( ).
5ـ مُلك دينار ت (1188هـ): ابن ملا مراد، وقد كان حاقدا على الإسلام والمسلمين، وهو مؤسس ثاني دولة للذكريين كما سيأتي بيانه.
دولتهم
أولاً: دولة الذكريين الأولى (1036ـ 1153هـ)
تأسست هذه الدولة في أرض مكران، على يد أبي سعيد البليدي، بعد اختفاء الأتكي بسبع سنوات. وكانت مكران قبل ذلك تحكمها قبيلة تسمى "هوت" وآخر حكامها كان "ملك ميرزا"، فوثب عليه أبو سعيد البليدي وقتله، بمساعدة عدد من زعماء الذكرية، وعلى رأسهم عيسى الكجكي، واستولى على مكران سنة 1036هـ وأسس أول دولة للذكريين فيها، وصارت "الذكرية" دين الدولة، وحصلت لها المنعة والقوة، وقويت شوكتها، وتعاقب عليها تسعة سلاطين حتى سنة 1153هـ، أي أن حكم البليديين لهذه الدولة استمر 117 عاماً.
ثانيا: دولة الذكريين الثانية (1153ـ 1188هـ)
كان الحاكم التاسع والأخير للأسرة البليدية شاه بلال، قد هداه الله إلى الإسلام، وترك ما عليه الذكرية، فما كان من ملك دينار الكجكي، ابن ملا مراد، إلاّ أن ثار عليه وقتله، واستولى على الحكم، وبذلك تكون السلطة انتقلت من أسرة البليديين إلى أسرة الكجكيين.(32/15)
وقد سار ملك دينار سيرة سيئة، واتسم عهده بظلم المسلمين، وكان يقتل الكثيرين منهم في المساجد أثناء الصلاة، إلى أن يسّر الله للمسلمين المجاهد نصير خان النوري (ت 1209هـ) الذي قاد الجهاد ضد الذكريين وقد كان حينها حاكماً لمنطقة قلات في إقليم بلوشستان فقتل ملك دينار وقضى على الدولة الذكرية، التي لم تقم لها دولة بعد ذلك( ).
تواجدهم وعددهم
ينحصر وجود الذكريين حالياً في منطقة كراتشي وبلوشستان، عند القبائل الناطقة بلغة البلوش، والقاطنين في المناطق الساحلية ابتداءً من كراتشي مروراً بكوادر، ووصل كثير منهم إلى إقليم السند بعد هجرتهم من موطنهم الأصلي "مكران".
ومعظم سكان بلدة لياري في كراتشي ذكريون. وفي بلوشستان يتمركزون في مناطق: جهاؤ، مشكي، كوالوا، نال، وأيضا في بلدة كجك، ودرخشان، وأودية البليدة، التابعة لبنجكور. ومعظم مساكنهم في الأودية والصحاري ومركزهم الرئيس حالياً في بلدة "كلّك" بمنطقة مكران.
كما يقيم عدد منهم في دول الخليج العربي.
وعددهم مختلف فيه كثيراً، ففي حين يقول البعض أنهم يتراوحون بين 30ـ 40 ألفاً، يؤكد الذكريون أنهم يصلون إلى سبعمائة ألف أو مليون. ويرجع الشيخ محمد كبير شودري هذا الاختلاف إلى سببين:
1ـ إخفائهم عقائدهم ومذهبهم عن عامة المسلمين، واعتبار أنفسهم منهم.
2ـ انتشارهم في مناطق متسعة في إقليمي بلوشستان والسند( ).
بعض هيئاتهم
1ـ جمعية مسلمي الذكريين لعموم باكستان (آل باكستان ذكري مسلم انجمن)، وتقع في بلدة "كلري" في مدينة كراتشي.
2ـ جمعية طلبة الذكريين المهدويين (ذكري مهدوي استوذنتس آركنائزيشن)، وهي خاصة لشبابهم.
للاستزادة
1ـ فرق الهند المنتسبة للإسلام في القرن العاشر الهجري ـ الدكتور محمد كبير شودري ـ الطبعة الأولى 1422 هـ. ـ دار ابن الجوزي.
2ـ الفئة الذكرية وفتنتها في مكران ـ عبد الغفار محمد الضامراني ـ الطبعة الأولى 1415هـ 1994م ـ دار الفتح بالشارقة.
سطور من الذاكرة(32/16)
حمدان قرمط يتظاهر بالزهد لإضلال المسلمين!
تتنوع الأساليب التي تتبعها الفرق المنحرفة لنشر عقائدها وأفكارها تنوعاً كبيراً، فثمة من يلجأ إلى أسلوب الدعوة السرية، وبث الدعاة كما اشتهر ذلك عند بعض فرق الإسماعيلية، وثمة من لجأ إلى البطش والقوة كما هو حال القرامطة والصفويين.
وإننا هنا نشير إلى أسلوب آخر اتخذته بعض الفرق، وهو التظاهر بالزهد والصلاح، والتقرب إلى الناس من خلال ذلك، لاستقطاب الأتباع،وتشكيل قوة عسكرية منهم فيما بعد،ثم الانقضاض على السلطة ومحاربة المسلمين.
ونتحدث بشكل خاص عن تجربة في اصطناع الزهد والصلاح، لحمدان قرمط الذي ينتسب إليه القرامطة الإسماعيلية، الشيعة. وبالرغم من أن القرامطة اعتمدوا القوة لنشر عقائدهم واقترفوا في سبيل ذلك مذابح يندى لها الجبين، إلاّ أن التظاهر بالزهد "الذي نحن بصدد تناوله كان حاضراً في ذهن هذه الجماعة للنفاذ إلى قلوب الناس واستقطاب المريدين.
تعود التجربة إلى القرن الثالث الهجري، وتحديداً إلى سنة 278هـ، وهو العام الذي شهد التحرك العسكري للقرامطة الإسماعيلية، الذين أرهبوا القوافل، ونشروا الخوف والذعر عند الناس، وقتلوا حجاج بيت الله الحرام، واقتلعوا الحجر الأسود من مكانه، وأخفوه سنوات طويلة، ونشروا الإباحية والفساد.
ويروى ابن سنان في كتابه "تاريخ أخبار القرامطة" أن ابتداء أمر القرامطة كان على يد حمدان قرمط الذي قدم من خوزستان (بين فارس والبصرة) إلى الكوفة، فنزل بموضع يقال له النهرين، وتظاهر بالزهد والورع والتقشف، وأقام على ذلك زمناً كبيراً، وكان إذا جاءه شخص وجلس معه، تحدث معه في أمر الدين وزهده في الدنيا، وأخبره أن الصلاة المفروضة على الناس خمسون صلاة في كل يوم وليلة! حتى فشا ذلك عنه.(32/17)
أما قصة هذا "الزهد"، فيذكرها الإمام ابن الجوزي في كتابه "القرامطة" ص39، وملخصها أن قرمط كان يُظهر الزهد والتقشف، ويأكل من كسبه، ويعمل عند بعض القوم حارساً أو مسؤولاً عن تمرهم الذي يتم قطفه، ولم يكن قرمط يأكل من هذا التمر، إنما يشتري تمراً من البقال، ثم يعود إليه، ويبيعه النوى، لتقل الكلفة عليه، فظن أصحاب التمر أنه يأكل من تمرهم واستهجنوا قيامه ببيع نوى التمر، وقالوا له: "لم ترض بأن أكلت التمر حتى بعت النوى"، فأخبرهم البقال حقيقة الأمر، فندموا على ضربه، وسألوه المسامحة، فازداد بذلك نبلاً عند أهل تلك القرية.
وذكر الإمام ابن الجوزي ص44، أن حمدان كان من أهل الكوفة ويميل إلى الزهد، فصادفه أحد دعاة الباطنية في الطريق وهو متوجه إلى قرية، وبين يديه بقر يسوقها، فقال حمدان لذلك الداعي وهو لا يعرفه أين تقصد؟ فسمّى قرية حمدان.
فقال له: اركب بقرة من هذا البقر لتستريح من المشي.
فقال: إني لم أؤمر بذلك.
قال: كأنك لا تعمل إلاّ بأمر؟ قال: نعم.
فقال حمدان: وبأمر من تعمل؟
قال: بأمر مالكي ومالكك ومالك الدنيا والآخرة.
قال: ذلك الله عز وجل: قال: صدقت
قال: وما غرضك في هذه البقعة؟
قال: أمرت أن أدعو أهلها من الجهل إلى العلم، ومن الضلال إلى الهدى، ومن الشقاوة إلى السعادة، واستنقذهم من ورطات الذل والفقر، وأملكهم ما يستغنون به عن التعب والكد.
فقال له حمدان: أنقذني أنقذك الله، وأفض عليّ من العلم ما تحييني به فما أشد حاجتي إلى ذلك.
فقال الداعي: ما أمرت أن أخرج السر المكنون إلى أحد إلاّ بعد الثقة به والعهد إليه.
قال حمدان: فاذكر عهدك فإني ملتزم به.
فقال: أن تجعل لي وللإمام على نفسك عهد الله وميثاقه، أن لا تخرج سر الإمام الذي ألقيه إليك، ولا تفشي سري أيضا.
فالتزم حمدان عهده، ثم اندفع الداعي في تعليمه فنون جهل حتى استدرجه واستغواه، واستجاب له في جميع ما دعاه إليه.(32/18)
ثم أعلمهم أنه يدعو إلى إمام من أهل البيت، فأقام على الدعاية حتى اجتمع حوله جميع كبير... ثم دعا أهل القرية إلى اعتناق مذهبه فأجابوه، وكان يأخذ من كل رجل ديناراً ويزعم أنه للإمام، واتخذ منهم أثنى عشر نقيباً، وأمرهم أن يدعوا الناس إلى نحلته، وقال لهم أنتم كحواريي عيسى....
وكان من نتيجة دعوته أن أهمل المزارعون والعمال أعمالهم بسبب ما زعمه قرمط من وجود خمسين صلاة في اليوم والليلة، وكان لوالي الكوفة مزارع وضياع، ورأى إهمال المزارعين والفلاحين لها، فلمّا سأل عن السبب، أخبر أن رجلاً قدم عليهم فأظهر لهم مذهبا من الدين، وأعلمهم أن الله عز وجل قد افترض عليهم خمسين صلاة في اليوم والليلة وقد اشتغلوا بها. فوجّه إليه، فجيء به، فسأله عن أمره، فأخبره بقصته، فحبسه في بيت وحلف أن يقتله، وأقفل عليه الباب، وترك المفتاح تحت وسادته، ونام، فرّقت له جارية فأخذت المفتاح، وفتحت وأخرجته، ثم أعادت المفتاح إلى موضعه، فلما أصبح الوالي فتح الباب فلم يجده. فشاع ذلك الخبر بين الناس، فاغتر به أهل تلك المنطقة، وقالوا: قد رفع!
الزهد ثم النساء
كان الزهد أو اصطناع الزهد المصيدة الأولى التي يجند فيها الباطنية القرامطة الأتباع، ثم بدأ هؤلاء باتباع طريقة أخرى هي "النساء" مستغلين وجود أعداد كبيرة من الشباب الذين هم في سن العمل أو ممن له تطلعات نحو النساء من الذين كانوا يعملون في المزارع وغيرها والقادمين من مناطق مختلفة، وقد ابتعدوا عن زوجاتهم، وعن رقابة مجتمعاتهم، وكان الجهل يطغى على أكثر أولئك المزارعين، الأمر الذي يجعل الوازع عندهم ضعيفاً فيمكن إيقاعهم في الحبائل، وجعل النساء لهم شركاً عظيماً يندفعون وراءه ليحققوا رغباتهم.(32/19)
ويقول الأستاذ محمود شاكر في كتابه "القرامطة" ص51: "لذا كانت النساء المصيدة الأولى والسلاح الماضي الذي استعمله القرامطة بل والزنج من قبلهم في المنطقة نفسها، إذ دخلوا البصرة وارتكبوا فيها أبشع أنواع الجرائم وهتك الأعراض.
لهذا أمر قرمط الدعاة بأن يجمعوا النساء في ليلة عيّنها، ويخلطوهن بالرجال حتى يتراكبن، وقال هذا من صحة الود والألفة، كما أن سعيد الجنابي أحد رؤوس القرامطة قد أدخل زوجه على ضيفه وطلب منها ألاّ تمنعه من نفسها. كما أباح القرامطة للمقاتلين أن يرووا غرائزهم من نساء أهل القرى والمدن والقوافل التي يستبيحونها دون أي احتراز أو إمهال لمدة كما يدعي المسلمون".
للاستزادة:
1ـ الحركات الباطنية في العالم الإسلامي ـ د. محمد أحمد الخطيب ص 135.
2ـ تاريخ الجمعيات السرية والحركات الهدّامة ـ د. محمد عبد الله عنان ص30.
3ـ القرامطة ـ محمود شاكر ص 12.
4ـ القرامطة ـ للإمام عبد الرحمن بن الجوزي، بتحقيق محمد الصباغ ص39.
5ـ فضائح الباطنية ـ أبو حامد الغزالي ص12.
مواقف المفكرين – 17 -
د. عبد المنعم النمر
من كتابه:
الشيعة. المهدي. الدروز . تاريخ.. ووثائق
هذه سلسلة من البحوث كتبها مجموعة من المفكرين والباحثين عن عقيدة وحقيقة مذهب الشيعة من خلفيات متنوعة ومتعددة ، نهدف منها بيان أن عقائد الشيعة التي تنكرها ثابتة عند كل الباحثين ، ومقصد آخر هو هدم زعم الشيعة أن السلفيين أو الوهابيين هم فقط الذين يزعمون مخالفة الشيعة للإسلام .
ود. عبد المنعم النمر من علماء الأزهر ، وقد تولى وزارة الأوقاف المصرية ، كما أنه عضو في مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر ، وقد قام بالتدريس في جامعات الهند مما أتاح له معرفة الكثير عن المذاهب والملل والنحل .(32/20)
و بين في مقدمته الحوار الذي دار بينه وبين الشيخ محمد علي تسخيري داعية التقريب فكان هذا حقيقة التقريب ! و نقلنا لك أيها القارئ الكريم أيضاً تعريف الشيعة من الفصل الأول .
الراصد
مقدمة الطبعة الرابعة
بسم الله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين.
وبعد؛
فقد رأيت ـ أخي ـ أن أجعل مقدمة هذه الطبعة الرابعة، حديثاً جرى بيني وبين سماحة الأخ الشيخ محمد علي تسخيري، أحد علماء إيران الذي ينوب أحياناً كثيرة عن حكومته في المؤتمرات والندوات الإسلامية، وهو رجل وسيم فصيح ولبق، إذا تحدث باللغة العربية كان كأحد أبنائها، ويظهر أنه تلقى تعليمه وقضى شطرا كبيرا من شبابه في رحاب المدن المقدسة الشيعية في العراق.
كان هذا اللقاء في "مسقط" عاصمة سلطنة عمان،وفي رحاب جامعة السلطان قابوس الحديثة والفخمة المتسعة في مبانيها، والتي تقع على بعد نحو 40 كيلو مترا من العاصمة "مسقط" حيث عقدت "ندوة الفقه الإسلامي" التي دعت السلطنة لعقدها في المدة من السبت 22 شعبان ـ 9 أبريل إلى الأربعاء 26 شعبان سنة 1408 ـ 13 أبريل سنة 1988م، وحضرها كثير من كبار العلماء والمشتغلين بالفقه الإسلامي، والحركة الإسلامية وعلى رأسهم فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر.
التقيت بالشيخ محمد علي تسخيري في أول جلسة، وتبادلنا التحية، والمصافحة، وذكرني بأن أول لقاء كان في أحد الملتقيات الفكرية في مدينة قسنطينة بالجزائر في أوائل الثمانينات..
وفي اليوم الثاني خرجنا سويا من الجلسة للاستراحة، ودار بيننا حديث بدأه هو، حين قال لي: لقد ظلمتنا كثيراً فيما كتبته عنا..
قلت له: أنا مستعد من الآن والكتاب عندك ليس بعيدا عنك، أن أتقبل منك أي تصحيح لخطأ وقع مني، وأنشره في الطبعة القادمة، ورحم الله امرؤا أهدى إلي عيوبي. وأنا لم أكتب شيئا إلا بمراجعه ووثائقه من كتبكم..(32/21)
قال: لقد ظلمتنا حين نسبت إلينا أننا نقول، بتحريف القرآن، وأن الصحابة الذين جمعوه، قد أسقطوا منه سورا وكلمات، تثبت حق علي رضي الله عنه في الإمامة بعد الرسول.
قلت له: نعم ذكرت ذلك، معتمدا على ما جاء في كتبكم، وذكرت هذه الكتب، وعلى رأسها كتاب "فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب" الذي ألفه عالمكم الكبير "الشيخ حسين النوري الطبرسي" في آخر القرن الثالث عشر الهجري، وطبع في إيران سنة 1298هـ. ونقلت بعض ما جاء في هذا الكتاب بالنص، فكيف أكون قد ظلمتكم وأنا لم أذكر كلمة في ذلك إلا من نص كتبكم، وما قرره علماؤكم، وقد أحطتم مؤلف كتاب "فصل الخطاب" هذا بكل تكريم عند وفاته سنة 1320هـ، حيث دفن في مشهد الإمام المرتضوي بالنجف أشرف البقاع عندكم..
قال: هذا الكتاب لا يساوي شيئا، وأنا أضعه تحت قدمي (وضرب الأرض بقدمه) وهو منفعل..
قلت له: ولماذا تبقون عليه مُعبرا عنكم، إذا كان الأمر كذلك؟ لماذا لم تعلنوا أنكم لا تقرون ما جاء في هذا الكتاب، وتنشروا هذا على نطاق واسع، حتى أعلم أنا وغيري أن هذا الكتاب لا يعبر عن رأيكم ولا رأي المذهب والمتمذهبين به؟. وهل صدر قرار أو بيان على الأقل من المرجع الأعلى للشيعة وهو الآن "آية الله الخميني" بعدم صحة ما جاء في كتبكم وعلى رأسها كتاب الطبرسي هذا، من اتهامكم للصحابة الذين جمعوا القرآن بأنهم حرفوه؟. وذلك حتى تقوموا بحذف هذه الاتهامات من هذه الكتب عند إعادة طبعها. أتعجزون عن هذا؟
لم يحصل منكم شيء من ذلك، وأنا أعرف أن بعض علمائكم يتبرءون في مجالسهم من ادعاء تحريف القرآن، لكن الصوت العالي والرواج هو للرأي الذي يدعي أن الصحابة حرفوا القرآن، فلماذا لم تصدروا بيانا للشعب الذي يتعلم من هذه الكتب، باستنكاركم لهذا الاتهام؟
قال لي: وقد تحدثت أيضا عن قولنا بأن هناك مصحفا يقال له "مصحف فاطمة"، ونحن لا نقول بهذا..(32/22)
قلت له: نعم تحدثت عما تقوله أوثق المصادر عندكم من أن الوحي كان ينزل على السيدة فاطمة رضي الله عنها بعد وفاة والدها، وكان علي رضي الله عنه هو كاتب الوحي، حتى تجمع من ذلك ما سميتموه "مصحف فاطمة".
وكان أول علمي بهذا إطلاعي على خطبة للخميني أذاعتها إذاعة طهران قال فيها حين كان يخطب في اجتماع للسيدات بمناسبة الاحتفال بذكرى مولد السيدة فاطمة رضي الله عنها ـ إنني أجد نفسي عاجزا عن الحديث عن السيدة فاطمة ولكني أكتفي برواية مدعمة بالأدلة ذكرها كتاب "الكافي".. وذكر للسيدات هذه الرواية..
وكتاب "الكافي" للإمام الكليني عندكم هو البخاري عندنا، وقد اضطرني هذا إلى أن أذهب للنجف في زيارة أحد علمائكم الكبار، واستطعت أن أطلع في مكتبته على ما ذكره من هذا الكتاب "الكافي" وهو مطبوع في إيران. وقد أثبتُّ في كتابي الجزء والباب الذي ذكر نزول الوحي على فاطمة، ومصحفها... بكل صراحة..
فهل أكون متجنيا عليكم وظالما لكم حين أستقي معلوماتي من أوثق المصادر عندكم؟ وأنقلها بالنص من كتبكم؟
قال لي: هذه الكتب لا قيمة لها، ولا يوثق بها.
قلت له: كيف، وأنتم تنشرون كتاب الكافي هذا على نطاق واسع في العالم، حتى في أمريكا، بل وتترجمونه إلى اللغة الإنجليزية ليقرأه كل من يعرف الإنجليزية في الغرب والشرق، وتحت يدي ملازم من الطبعة الجديدة، من الترجمة فهل يمكن أن يقال عن كتاب "الكافي" هذا أنه لا قيمة له عندكم، وأنتم تبذلون ما تبذلون من جهد ومال في طباعته وترجمته بمئات الآلاف من النسخ لتوزعوه في أنحاء العالم كدعاية لكم ولمذهبكم؟ هل يعقل هذا؟
قال: إن عندكم كتبا في التفسير فيها كثير من الإسرائيليات فهل معنى ذلك أنكم تقرونها؟(32/23)
قلت: صحيح أن هناك إسرائيليات وأحاديث غير صحيحة، ولكن كان بعض المفسرين ينبهون إليها، ويقررون كذبها، ونحن الآن نحاربها ونؤلف الكتب في بيانها والتحذير من تصديقها، وقام بعض علمائنا بتهذيب هذه الكتب وإبعاد ما جاء فيها من إسرائيليات، وأحاديث موضوعة وغير صحيحة.. بينما نراكم تعنون بتجديد طباعة كتب تقولون عنها الآن إنها لا قيمة لها، بل وتترجمونها وتطبعون الترجمة على أوسع نطاق!!
فأيهما نصدق؟ الكلام الذي ينقصه الدليل ولو ضعيفا أو الواقع وهو أقوى دليل؟
وكان بعض الحاضرين قد تجمعوا حولنا، واندس أحد الصحفيين بمسجله الذي كان يحمله فسجل ما دار أو بعضه، ولعله مندوب إحدى المجلات الإسلامية، وأبحث الآن للعثور عليه، وعلى نسخة مما سجله... وظن بعض الأخوة العمانيين أننا مشتبكون، وأن الأمر ربما يكبر، فأخبر أخانا الفاضل مفتي عُمان، ورئيس الندوة ـ مع أنني كنت أتكلم وأنا أبتسم، وشديد المراعاة للظروف.. لكن هكذا ظنوا، وجاء المفتي الشيخ أحمد الخليلي، فوجد أن حديثنا قد انتهى، وأخذت سماحة الشيخ تسخيري متأبطا ذراعه إلى حيث نلتمس شيئا من المرطبات أو الشاي والحلويات، لنستأنف الجلسة بعد هذه الاستراحة بنشاط.
وثاني يوم في الجلسة الصباحية أخبرني أحد الأخوة من العلماء أن سماحة الشيخ قد أصابته حالة مفاجئة في القلب ونقل على أثرها لمستشفى السلطان في جناح خاص، فأسفت أن أكون قد تسببت فيما حصل له، وسارعت إلى زيارته في المستشفى حيث وجدته جالسا على سريره وقد أفاق، فطمأنني إلى أن ما أصابه كان بسبب قرحة في الاثنى عشر اشتدت عليه، وأخذ الدواء المناسب لها، وحضر ـ ونحن نتحدث ـ وزير خارجية إيران "سعادة علي أكبر ولايتي" يزور الشيخ فقام بتعريفنا بعضنا لبعض، وجلست قليلا.. ثم استأذنت لأخلي لهما الجو..(32/24)
وثاني يوم رغب أخي الدكتور محمد الأحمدي أبو النور في زيارته فذهبنا سويا، ووجدنا حجرته خالية من الزوار، ورغب في استئناف الحديث.. فقلت له: موضوع الحرم، كيف تفعلون فيه هذا الذي لم يقبله أحد من المسلمين؟
قال: إن الإمام الخميني يحتاج إلى فتوى شرعية من علماء المسلمين وهو يستجيب لها فوراً..
قلت له: وهل موضوع أمن الحرم في حاجة إلى فتوى منا بعد النصوص الصريحة التي تؤكد ضرورة الأمن في الحرم.. هل بعد قوله تعالى{ومن دخله كان آمنا} وبعد أن أمن الله كل ما في الحرم حتى الطير والشجر، وحرّم مجرد الجدال فيه، هل بعد هذا نحتاج إلى فتوى من أحد؟ وهل جلب المتفجرات مع حجاج إيران، وتسيير المظاهرات تهتف باسم خميني، تسد الشوارع، وتؤذي المارة فيها، وتتجه إلى دخول الحرم، وهو مزدحم غاية الازدحام، وهي تضم عشرات الآلاف من المتحمسين الثائرين، ونتيجة هذا كله معلومة، هل يتفق هذا مع الأمن الذي طلب الله منا أن نوفره للحرم؟
وتسرب الحديث سريعا إلى الحرب ورفض السلام، فذكر لنا بعض الاقتراحات الحلوة، ووعد بأن يخرج مساء اليوم، ونلتقي، وتعقد بعض الجلسات، والذي نتفق عليه نقوم بتبليغه للمسئولين هو في إيران، ونحن رأسا إلى الرئيس صدام، وأظهرت له استعدادي لأن أحضر إلى إيران... وقلت من يدري؟ وفي أمثالنا مثل يقول: "يوضع سره في أضعف خلقه" لعل الله ينفخ في صورتنا وفي سعينا فيسوق الخير على أيدينا لأمتنا وتحمس معي أخي الدكتور الأحمدي وقال له: والله إننا مستعدون لأي جهد، ولأية تضحية، وتعال نجتمع الليلة، لعل الله يجعل من بعد عسر يسرا..
اتفقنا على هذا، وخرجنا والأمل يداعبنا، ويلاعب أفكارنا، ويسرح بنا الخيال ويرسم لنا الصور الجميلة التي نحبها، برغم بعض الظنون التي كانت تساورنا.(32/25)
ولكن مر الوقت، وانتهت جلسات الندوة، وخرجنا من آخر جلسة فرأيته سائراً أمامي على بعد قليل، وعرفت أنه كان جالسا خلفي مباشرة. ولم أشعر به... ولم يتحدث معي حتى ليشكرني على زيارتي له مرتين وهو بالمستشفى!!
أخي:
حرصت على ذكر هذه الوقائع لك لتزداد معرفة بالكتاب الذي بين يديك، ولنعرف جميعا طبائع وسلوك هؤلاء الذين نتعامل معهم، نحن المسلمين العرب على الأقل.
والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
من هم الشيعة؟
الإجابة عن هذا السؤال ضرورية لكل مسلم، ولاسيما الذين لم يعايشوا الشيعة، ولم يحتكوا بهم في حياتهم، كما هو الحال في مصر، وبعض الدول الإسلامية التي تخلو من الشيعة، وتعيش على المذهب السني.. فلا تعرف غيره..
وكلمة "شيعة" تعني في المعنى اللغوي العام، الأحباب والأنصار والأتباع، وما في معنى ذلك.. مما يفيد الالتفاف حول فكرة، أو أحد من الناس. كما هو الحال في كلمة "حزب" الآن.. جاء في مفردات القرآن( ) في مادة "شيع": الشياع. الانتصار والتقوية، يقال شاع الخبر أي كثر وقوي، والشيعة: من يتقوى بهم الإنسان، وينتشرون عنه، يقال: شيعة وشيع وأشياع، ومنه قوله تعالى {وإن من شيعته لإبراهيم}( ) وقوله {هذا من شيعته وهذا من عدوه}( )، وكان يطلق على أنصار معاوية أنهم شيعته، وكذلك عبد الله بن الزبير، أو عثمان رضي الله عنهم، كما تطلق هذه الكلمة الآن.
فأية جماعة متجانسة مجتمعة حول فكر أو مبدأ أو رجل واحد، يقال عنها: إنها شيعة هذا الفكر أو المبدأ أو الرجل.. أي أنصاره وأحبابه.(32/26)
ولذلك أطلق على المسلمين الذي يختصون عليا رضي الله عنه بالحب، ويتعصبون له، على أنه كان الأولى بالخلافة من أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عن الجميع، وأن الحكم بعد الرسول صلى الله عليه وسلم مباشرة هو لعلي ولذريته من بعده إلى يوم القيامة، واتخذوا لهم فكرا خاصاً، وتعليمات خاصة مبنية على عقيدتهم في الإمام علي وأحقيته بالخلافة، فعادوا أبا بكر وعمر وتعدوا عليهما بالألفاظ السيئة، وصلت إلى حد لعنهما هما وكل من التف حولهما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزوجاته كالسيدة عائشة والسيدة حفصة الخ...
قيل عن هؤلاء: إنهم شيعة، أي شيعة( ) علي وبنيه..
والحقيقة الواضحة أننا جميعا نحب عليا وبنيه، ونحب الصحابة كلهم دينا ونضع كل واحد منهم في موضعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبذله وتضحياته في سبيل نصرة الإسلام.. وكلهم صاحبوا الرسول وآزروه، وإن اختلف عطاؤهم في الصحبة والمؤازرة {لا يستوي منكم من انفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى} الحديد/ 10.
ونحن ـ أهل السنة في مصر ـ نجلّ آل البيت جميعا إجلالا خاصا، لقربهم من رسول الله، واعتقادنا أن حبهم من حبنا لرسول الله.. ومقاماتهم ومساجدهم في مصر تأخذ وضعا خاصا من عناية الدولة والشعب، كمسجد الإمام الحسين، والسيدة زينب، والسيدة نفيسة الخ..
لكننا نفرق بين هذا الحب الديني العاطفي، بين موضوع الحكم والسياسة.. وأحقية علي رضي الله عنه في الحكم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة.. فهذا شئ،وذاك شئ آخر..(32/27)
لكن الشيعة ركزوا فكرهم على الحكم وأحقية علي فيه، هو وذريته إلى يوم القيامة، ورووا في ذلك روايات لم تصح عند أهل السنة. وزادوا على أركان الإسلام الخمسة كما وردت في حديث رسول الله "بني الإسلام على خمس..." زادوا ركنا سادسا، هو الإيمان بالإمام المعصوم وهو علي وبنوه من بعده، على طريقة النص عليه بولاية عهده، وأن هذا الإمام هو الخليفة والحاكم للمسلمين حتى قيام الساعة..
ومن لم يؤمن بالركن السادس فليس بمؤمن، كما تنص على ذلك كتبهم وكما يتحدث علماؤهم الخواص، لكن هذا سرى إلى عامة الشيعة بأن من لم يؤمن بما يؤمنون به فليس بمسلم، وهو مخلد في النار... شأن من لم يؤمن بالله، ولا بوجوب الصلاة..الخ..
ولذلك يشيع في ذهن عامة الشيعة اعتقاد أننا كفار، وإن كان علماؤهم يتحفظون على ذلك ويقولون: هو كلام العامة الجهلاء!! ولكن من الذي علم هؤلاء وأوحى إليهم بفكرهم هذا؟
ثم كيف نجد في كتبهم التي ألفها كبار حكمائهم بالطبع إصرارهم على لعن الخليفتين أبي بكر وعمر، ووصفهما بأحط الأوصاف التي يأنف من الإتصاف بها مسلم عادي، أو أي إنسان عادي بدعوى إنهم انتزعوا الحكم من علي؟
ثم كيف نجد علماءهم حتى الكبار والقادة منهم يتحدثون ـ حتى الآن ـ ويكتبون أن أبا بكر وعمر وعثمان كفار؟! وأنهم خالفوا القرآن والسنة عمدا؟!! وذلك بتوليهم الحكم، وإبعاد علي عنه، وهو الأولى به والمتعين له؟
وهم يعتمدون في ذلك على حديث قالوا إن الرسول قاله، وهو راجع من حجة الوداع عند "غدير خم" وعين عليا ليخلفه في حكم المسلمين. وهو حديث لم يصح بهذا المعنى عند أهل السنة، ومحال أن يكون الصحابة أو بعضهم قد سمعوا هذا الحديث عن الرسول ثم خالفوه، ولاسيما أبو بكر وعمر، ولو عرف الصحابة هذا الحديث ـ وهو في أمر عظيم وليس سريا ـ ما اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة، والرسول لا يزال مُسجى في بيته، ليختاروا خليفة من بعده، وقد بدأ الأنصار في ذلك ثم لحقهم المهاجرون.(32/28)
فلوا أن الحديث قد عين عليا لسمعه أو سمع به الصحابة وعرفوه، وقد مكث الرسول بعد عودته نحو ثلاثة شهور، لقام من سمعوه حين الاختلاف على من يكون خليفة ـ وكان خلافا خطيراً ـ وقالوا لهم: أريحوا أنفسكم، فالرسول عين عليا خليفة من بعده، ولم يكن هذا ليخفى على كل هؤلاء الصحابة، وما كانوا ليعصوا أمراً للرسول( ).
فالرسول ـ إذن ـ لم يختر عليا ليكون خليفة وحاكما بعده بتسلسل الحكم في ذريته، ولم يرسل ليكون من مهماته أن يورث الحكم لأقاربه وأهل بيته، وإنما ترك أمر خليفته لاختيار المسلمين عملا بمبدأ الشورى، وإن كانت له إشارات لها معناها، لمن تتجه إليه الأنظار، ويوضع موضع الترشيح، وهو أبو بكر حين رضيه ليقوم مقامه في إمامة المسلمين في الصلاة. وكان علي حاضرا، وعمر.
ثم كيف يأمر القرآن بالشورى ويمدح من يأخذ بها، ويجعلها صفة المؤمنين كالصلاة فيأتي الرسول فيجهز عليها، ويخالف أمر ربه، في أهم أمر من أمور المسلمين، وهو الحكم، فيعين عليهم علياً وذريته حكاما إلى يوم القيامة؟! إن الحاكم هو الذي يختاره المسلمون، ولو كان عبدا حبشيا، ولكن الشيعة ذهبوا إلى غير هذا، واعتبروا الخلفاء الراشدين قبل علي معتدين وكفارا..
كتاب "كشف الأسرار" واتهامه للشيخين
تأليف "روح الله خميني" المطبعة الإسلامية ـ طهران 1941
وأمامي الآن الكتاب الذي يجادل فيه "روح الله خميني" مخالفيه من أهل السنة ويسوق الأدلة على صحة الاعتقاد بالركن السادس "الإمامة" وضرورة الإيمان به لكل مسلم.. وينتهي في كتابه إلى الآتي:
"مخالفة أبي بكر لنصوص القرآن"( )
ويبدأ فيتحدث عما جاء في القرآن عن وراثة الملك "وورث سليمان داود" 16 من سورة النمل "فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا" سورة مريم "الخ" ليخرج من هذا بصحة نظريتهم في أن علياً يرث الملك والحكم عن الرسول صلى الله عليه وسلم.(32/29)
ثم أخذ يسوق أدلته على أن أبا بكر خالف نصوص القرآن حسب هواه وخطته لإبعاد آل البيت عن الحكم واضطهادهم في معيشتهم حين اخترع حديث "نحن معاشر الأنبياء لا نورث. ما تركناه صدقة".
ثم ينتقل ص 114 إلى مخالفة عمر لكتاب الله
ويذكر أحداثا يستنتج منها ما يريده.. ويأتي بما حدث من الرسول صلى الله عليه وسلم حين طلب أن يكتب لهم كتابا.. الخ وقول عمر في ذلك.. ثم يقول بعد أن أورد مصادره: "وهذا يؤكد أن هذه الفرية صدرت من ابن الخطاب المفتري (هكذا!!) ثم بعد سطرين يقول عن كلمات ابن الخطاب في هذا إنها "قائمة على الفرية، ونابعة من أعمال الكفر والزندقة"!! ص 116 وفي الصفحة نفسها كتب عنوانا:
خلاصة كلامنا حول ذلك:
قال تحته "من جميع ما تقدم يتضح أن مخالفة الشيخين للقرآن لم تكن عند المسلمين شيئا مهما جدا" ويعلل ذلك بأنهما لم يكونا يستمعان لرأي أحد، ولا كانا مستعدين لترك المنصب، ولا كان أهل السنة مستعدين للتخلي عنهما، حتى لو قال عمر: إن الله أو جبريل أو النبي قد أخطأوا في إنزال هذه الآية، كما قاموا بتأييده فيما أحدثه من تغييرات في الدين الإسلامي !!الخ ص117.
إلى هذا الحد يكتب "خوميني" عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، يكتبه لأتباعه أولا ليغرس فيهم، كما غرس فيهم سابقوه كل في زمانه، هذا الاعتقاد في أبي بكر وعمر... وهو بالطبع اعتقاد لا نرضاه، ونعوذ بالله ممن يصدقه..
ولذلك لم يكن عجبا ولا بعيداً ما نقل عن أقوال الخوميني وكتبه من أنه يطلق على الشيخين: الجبت والطاغوت، ويسميهما "صنمي قريش"، ويرى كجماعته أن لعنهما واجب، وأن لعنهما ولعن السيدة عائشة،والسيدة حفصة، له ثواب عند الله ! (هكذا) وكذلك الحال بالنسبة للخليفة عثمان رضي الله عنه( ).
وكذلك لم يكن عجبا ـ وذلك هو رأي خوميني في أبي بكر وعمر ومن ساندهما ـ أن يصدر عنهم نص دعاء يتجهون جميعا به إلى الله( ) يسمونه "دعاء صنمي قريش" يقولون فيه:(32/30)
"بسم الله الرحمن الرحيم. اللهم صل على محمد وآل محمد.. اللهم العن صنمي قريش ؟! وطاغوتيهما؟ وإفكيهما، وابنتيهما، اللذين خالفا أمرك، وأنكرا وحيك، وجحدا إنعامك، وعصيا رسولك وقلبا دينك، وحرفا كتابك، وأحبا أعداءك، وجحدا آلاءك، وعطلا أحكامك، وأبطلا فرائضك، وألحدا في آياتك، وعاديا أولياءك، وواليا أعداءك. وخربا بلادك، وأفسدا عبادك.. اللهم العنهما واتباعهما.. وأولياءهما. وأشياعهما، ومحبيهما، فقد خربا بيت النبوة، وردما بابه، ونقضا سقفه، وألحقا سماءه بأرضه، وعاليه بسافله، وظاهره بباطنه، واستأصلا أهله، وأبادا أنصاره، وقتلا أطفاله، وأخليا منبره من وصيه ووارث علمه (يريدون عليا) وجحدا إمامته، وأشركا بربهما فعظم ذنبهما، وخلدهما في سقر وما أدراك ما سقر لا تبقي ولا تذر".
"اللهم العنهم بعدد كل منكر أتوه، وحق أخفوه، ومنبر علوه، ومنافق ولَّوه، وولي آذوه، وطريد آووه، وصادق طردوه، وكافر نصروه، وإمام قهروه، وفرض غيروه، وأثر أنكروه، وشر آثروه، ودم أراقوه، وخير بدلوه، وكفر نصبوه، وكذب دلسوه، ووارث غصبوه( ) .
"وفيء اقتطعوه، وسحت أكلوه، وخمس استحلوه، وباطل أسسوه، وجور بسطوه" ويستمرون على هذا المنوال إلى أن يقولوا:
اللهم العنهم بعدد كل آية حرفوها، وفريضة تركوها، وسنة غيروها..
اللهم العنهم في مكنون السر، وظاهر العلانية لعنا كبيرا.. أبدا.. دائما دائبا سرمدا لا انقطاع لعدده، ولا نفاذ لأمده، لعنا يعود أوله، ولا ينقطع آخره.. العنهم ومحبيهم ومواليهم والمسلمين لهم والمائلين إليهم. والناهقين باحتجاجهم والمقتدين بكلامهم والمصدقين بأحكامهم. (قل أربع مرات) اللهم عذبهم عذابا أليما، يستغيث منه أهل النار.. آمين يا رب العالمين.( ).(32/31)
يا ستار! كل هذا ينصب على أبي بكر وعمر ومن معهما وتابعهما؟.. أعوذ بالله من الحقد والحنق.. فماذا أبقى هؤلاء للذين كفروا بالله ورسوله؟.. يا حفيظ!.. ويتجرءون حتى يقفوا أمام الله يدعونه بهذا الدعاء؟!! وعلى رأس هؤلاء الآن "الخوميني"؟
علماً بأن عمر رضي الله عنه قد زوجه علي رضي الله عنه بابنته "أم كلثوم" بنت "السيدة فاطمة" رضي الله عنهم الجميع وأخت الحسن والحسين.. فهل كان الإمام علي يرى في عمر ما يرون ثم يزوجه ابنته؟..
واعتقد أن رأي خوميني الآن فينا نحن الذين نجل الخلفاء الراشدين والصحابة جميعا ـ رأيه ظاهر واضح فينا.. كفار نستحق اللعنة!!
ولذلك لم يكن عجبا أيضا أن يعلن في مستهل عهده شعار: تصدير الثورة للبلاد العربية. طبعا ثورته لا في الحكم فحسب ولكن على أساس مذهبه، ليحولنا من الكفر إلى إسلامه هو، ومذهبه هو!! ونشترك جميعا في دعاء لعن صنمي قريش: أبي بكر وعمر.. ليحصل لنا الثواب من الله!!!
وهذا أمر سيفرضه علينا حتما لو انتصر على العراق، وسيطر بجيوشه على البلاد العربية.. لا قدر الله.. وسيأتي مزيد بيان في هذا..
كيف نشأت الشيعة وتطورت؟
هل يستبعد أحد أن يتطلع بعض الصحابة أو أحدهم ليكون حاكما على المسلمين بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
أنا لا أستبعد ذلك عن طبيعة النفوس البشرية... ولذلك رأينا الأنصار يجتمعون والرسول مسجى في بيته لما يدفن، ليختاروا واحدا منهم، وهم أهل المدينة الأصلاء فيها وأصحاب رسول الله وناصروه. وغيرهم طارئ وافد عليهم. فلهم وجهة نظر..
والمهاجرون تطلعوا، ورأوا أنهم أصحاب رسول الله الأول وحاملو دعوته قبل الأنصار، والمجاهدون في سبيلها منذ بدأت، فهم أهل الدعوة الأول، وهم الأحق بأن يخلفوا الرسول في حكمه للمسلمين، وهم من قريش. وغير هؤلاء وهؤلاء.. كان الإمام علي، باعتبار قرابته القريبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وباعتبار جهاده وبلائه العظيم منذ صباه.(32/32)
لا أعتبر هذا شيئا غير طبيعي في النفوس. وسواء ولي الخلافة هذا أو ذاك، فمن المنتظر، أو لابد أن تسير السفينة..
وقد تحاور الأنصار والمهاجرون في هذا الأمر، كل يدعي أحقيته به، وانتهى الأمر إلى المهاجرين وقد أدلوا بحجتهم في هذا، ورضي بذلك الأنصار، واختير أبو بكر رضي الله عنه وكان لهذا الاختيار مرشحاته وحيثياته القوية، فهو "ثاني اثنين إذ هما في الغار"، وهو ألزم الصحابة لرسول الله، وأقربهم إلى قلبه، وكان الصحابة في عهد الرسول يلمسون هذه المنزلة له، ويحسون فضله أكثر حين عهد إليه الرسول بأن يكون بدله، ويقف موقفه من إمامة الناس في الصلاة وقد منعه المرض من الخروج إليهم، فقال "مروا أبا بكر فليصل بالناس" ولم يكن بد لأبي بكر من الامتثال، مع إحساسه بثقل الموقف على نفسه إلى حد بعيد، كما أحست بنته السيدة عائشة وحاولت صرفها لغيره.. وأخذ عامة الصحابة من هذا إشارة إلى أن أبا بكر هو أصلح الصحابة لخلافة الرسول وقالوا: ارتضاه الرسول لأمر ديننا، أفلا نرضاه لأمر دنيانا"..
وكان الانتهاء من اختيار الخليفة والحاكم سريعا أمرا لا بد منه، لمصلحة المسلمين، وكان ما حدث من حسن توفيق الله لهم، ومن حسن تقديره وعنايته بالدعوة الإسلامية. وجثمان الرسول لا يزال في بيته، حوله أهل بيته وفي مقدمتهم علي، والكل مأخوذ بروعة الموقف..
قد ينظر إلى تسرع الأنصار واجتماعهم بالسقيفة ليختاروا واحدا منهم نظرة فيها شيء، وليكن. ولكنها إرادة الله وحسن تدبيره ليسوق المهاجرين للاجتماع بهم ومحاورتهم، والنفوس في شدة تأثرها بوفاة الرسول، وعبرة الموت تملأ نفوسهم، ليبتوا في الأمر، ويختاروا القائد، فلا يوارى جثمان الرسول صلى الله عليه وسلم حتى يكون أصحابه قد أعدوا عدتهم تماما لاستئناف السير تحت راية خليفة حاكم، يسوس أمورهم. وهكذا تفعل الدول الملكية الآن وتسارع إلى إعلان الملك: "مات الملك يحيا الملك".(32/33)
لقد كان المهاجرون وفي مقدمتهم كبار الصحابة وأعيانهم مضطرين، حين تركوا بيت الرسول وفيه جثمانه، ليلحقوا بالأنصار، ويبتوا في أمر الخلافة والحكم بعد الرسول..
وربما عاب أحد عليهم ذلك... ولكن أليس تداركهم لأمر الخلافة واشتراكهم في اختيار من يحكم، هو الأمر السريع الآني الذي لا يحتمل تأخيرا، بينما يمكن أن يحتمله دفن الرسول وتأجيله لعدة ساعات؟
ماذا كان يحدث لو أن الأنصار اختاروا الخليفة منهم وحدهم ـ كما كانوا يريدون ـ وتركوا المهاجرين وأهملوهم؟ هل كان من السهل بعد أن يختاروا فلانا خليفة، ويعاهدوه، أن يرجعوا تحت ضغط المهاجرين؟ وماذا كان يحدث نتيجة لهذا؟
تساؤلات كفانا الله وكفى المسلمين شر أجوبتها الواقعية، وحمى وحدة المسلمين حول أبي بكر..
هل كان علي رضي الله عنه يتوقع أن يكون هو الخليفة وفيه مرشحات الخلافة، كما في بعض كبار الصحابة؟
لا نستبعد هذا.. ولا بد أنه كان فيه محبون له يتوقعون له هذا ويتمنونه...
ومع ذلك، تأخر علي رضي الله عنه عن مبايعة أبي بكر بضعة شهور، إلا أنه لم يشغب على أبي بكر، ولم يجمع حوله مناوئين للخليفة، بل سارع بعد هذه الشهور القليلة إلى مبايعة أبي بكر ومعاونته، ثم إلى مبايعة عمر ومعاونته، ثم إلى مبايعة عثمان ومعاونته رضي الله عن الجميع.. مع أن تأخر الخلافة عنه واختيار غيره لا بد أنه كان على غير ما يتوقعه، لكنه كان الصحابي الجليل، والفارس في كل مجال الذي يختار مصلحة المسلمين ووحدتهم.. على كل اعتبار، لكن لو كان هناك حديث عن رسول الله في هذا، كان علي رضي الله عنه يحتكم إليه معهم ويحاججهم به ولكنا لم نر هذا..؟(32/34)
وكان إخوانه الخلفاء يجلونه كل الإجلال، ويعرفون له حقه كل المعرفة، حتى كان المرجع لهم في الرأي والفتوى، وكان عمر يقول "قضية ولا أبا حسن لها" مفتخرا به مقدرا له.. وقد اختاره وحدا من ستة رشحهم الاختيار خليفة منهم بعده، ولكن علياً رضي الله عنه، لم يوافق على كل الشروط التي وضعت لاختيار الخليفة على أساسها، فاختاروا الذي قبلها، وهو عثمان بن عفان رضي الله عنهم جميعا..
وكان هناك المتربصون بالإسلام والحاقدون ممن فجعهم المسلمون في سلطانهم وكيانهم، سواء من اليهود أو الفرس، وقد تآمر الفرس على قتل عمر رضي الله عنه.. وفازوا في تآمرهم.. وربما حملهم هذا على الاستمرار والتوغل أكثر منتهزين أية فرصة أو ثغرة ينفذون منها، وقد تزيوا بزي الإسلام وأظهروا الإخلاص له، وانفتح أمامهم الباب ليتحدثوا ويدلوا بآرائهم ويتحركوا كمسلمين.. وفي نفوسهم ما فيها..
وانتهز بعض أحبار اليهود الذين أسلموا كعبد الله بن سبأ ـ وقد أسلم في عهد عثمان ـ الفرصة ليبث أفكاره الهدامة اليهودية وسط المسلمين، مدعيا حبه للإسلام ولآل البيت..
وكانت الفتنة على عثمان رضي الله عنه فرصة فانتهزها الحاقدون لخدمة أغراضهم. وهم من المسلمين وإن ظاهراً..
وتولى علي رضي الله عنه أمر الخلافة في أصعب الظروف.. وكان الفرس ـ بحكم ما ألفوه من وراثة الحكم عندهم ـ يعتقدون أن علياً كان هو الأولى بالحكم بعد الرسول مباشرة، فوقفوا معه وادعوا أنهم من محبي آل البيت، وقد رأى المتربصون في هذا حلقة من حلقات الإسلام يتعلقون بها..
وقد جابه الإمام خلافات شديدة مع بعض الصحابة، حتى الذين بايعوه، كطلحة والزبير والسيدة عائشة رضي الله عن الجميع، ووصلت إلى حد القتال معهم، وقتل كثير من الصحابة من الجانبين، ومنهم طلحة والزبير، وانتهت بانتصار علي وجيشه الذي معه. وأعاد الإمام السيدة عائشة مكرمة معززة للمدينة..(32/35)
ولكن بقيت جبهة قوية أمامه هي جبهة معاوية الذي لم يبايعه، واشترط للبيعة أن يأخذ علي أولا بثأر عثمان من قتلته، وكان شرطا يعتبر كما نقول "وضع العقدة أمام المنشار" لحاجة في نفس يعقوب..
فكيف يستطيع الإمام أن يقتص من الثوار القاتلين، وهم بغلبتهم وقوتهم يسيطرون على مجرى الأحداث وكانت لهم الكلمة في اختياره؟
وكيف يستطيع الإمام أن يكسر أنف هؤلاء، ويقتص منهم في هذه الظروف التي يسيطرون فيها، وهو لما تتم له البيعة من نواحي الدولة الإسلامية كلها وفي مقدمتها معاوية والي الشام؟
ظروف قاسية وشديدة، وضع فيها الإمام..
وقد انتهى أمر هذه الفتنة العمياء إلى تغلب جبهة معاوية على جبهة الإمام وقيام "الدولة الأموية"!!
جرى هذا كله بين العرب المسلمين يعادي بعضهم بعضا، ويقتل بعضهم بعضا!!
وتتسع الثغرة. ويجد الفرس الحاقدون الذين انضموا لآل البيت ومناصرة علي والحسن والحسين رضي الله عنهم، يجدون فرصة ليضعوا طابعهم وبصمتهم على مجرى الأحداث..
ثم جاء خروج الحسين رضي الله عنه من مكة إلى الكوفة لينضم إلى مناصريه الذين استدعوه إليهم في محاربة ظلم الأمويين، وإعلان دولة آل البيت من هناك..
ولم يسكت الأمويون بالطبع، فوجهوا للحسين جيشا يقضي على ثورته، وكانت المأساة الفاجعة حين تخاذل عنه أنصاره وتفرقوا كما خذلوا أباه من قبل وتمكن أنصار الأمويين من قتل الحسين والكثيرين ممن كانوا حوله، والإساءة لكريمات آل البيت. وزادت المأساة حين حملوهن وساقوهن في غير تكريم لهن إلى يزيد في دمشق، وحملوا رأس الحسين إليه زيادة في التنكيل! مما لم يكن يفعله مسلم في قلبه ذرة من إيمان.. لكنها الحرب!.
كانت المأساة والفاجعة التي مزقت قلوب المسلمين جميعاً، حتى الكثيرين ممن كانوا يناصرون الأمويين، وحتى قيل إن "يزيد" لم يستطع أن يتحمل هذا المنظر، أو هذا الجرم، فتبرأ ممن صنعوه، وقال لهم: ما أمرتكم بهذا..(32/36)
كانت هذه الحادثة جرحا عميقا غائرا في جسم الأمة الإسلامية، يفوق كل ما حدث قبله، ظل مفتوحا ينزف، ويحدث "غرغرينا" لم تبرأ منها الأمة، ولن تبرأ..
حين ذهبت إلى مثوى الإمام الحسين في كربلاء، وشاهدت المكان الصغير الذي جعلوه يمثل مكان قتل الإمام، وقد اختاروا له رخاما معرجا بالألوان، ويبدو فيها اللون الأحمر كأنه يمثل الدم الزكي المراق، لم أستطع أن أتمالك، وأنا أتخيل الموقف، وهاجمتني الأفكار من كل ناحية.. واضطررت للبعد عنه. وإن لم يبرح مخيلتي حتى الآن..
أهكذا يفعل الحكم بالمتعلقين به، أو المحافظين عليه؟ وتساءلت:
ماذا كان على الإمام الحسين رضي الله عنه لو استمع لنصيحة الناصحين، وعلى رأسهم عبد الله بن العباس لو ظل في مكة، ولم تستهوه دعوة أنصار له في العراق للخروج إليهم ليحاربوا معه ظلم الأمويين؟ وقد خذلوا أباه من قبل؟ ثم بعد أن يخرج إليهم يتخاذلون عن نصرته، ويتركونه مع قلة معه، ومع كرائم آل البيت من السيدات، أمام سطوة الجيش الأموي؟
ماذا كان على الإمام الحسين رضي الله عنه لو أنه استمع إلى النصائح التي بذلت له ليترك النساء من آل بيته بمكة على الأقل وعدم السير بهن إلى العراق، والصدام مع الأمويين أمر مؤكد، وتعرضهن للأخطار على أي حال شيء مؤكد؟ انتصر أم انهزم؟
لم يكن رضي الله عنه ذاهبا إلى نزهة، ولكنه ذاهب إلى حرب الدولة الفتية التي لا بد أن تحافظ على نفسها وهيبتها، ويحارب بمن ادعوا أنهم أنصاره وحماته، ويحارب جيش دولة منظما وقويا!! فماذا كان عليه لو ترك النساء، وذهب بمن خرج معه من الرجال لينضم إلى أنصاره، ما دام إيمانه بضرورة الوقوف في وجه الظلم قد ملك عليه كل تفكيره وحمله على أن يترك مكة إلى العراق؟
وماذا كان التاريخ سيكتب لو لم يقتل الحسين، ولم يحدث ما حدث للكريمات من آل بيته؟
وماذا؟ وماذا؟ تساؤلات كثيرة.(32/37)
ولكن ماذا تغني، وقد وقع القدر، وكان ما كان؟ وهز المسلمين هزا عنيفا مقتل الحسين أكثر مما هزهم من قبل مقتل والده، لأن علياً لم يكن ابن بنت النبي كما كان الحسين( ).
لقد عاد الذين تخاذلوا عن الإمام الحسين، وأسلموه لجيش "يزيد"، يؤنبون أنفسهم، وقد فجعتهم النتيجة، واعتبروا أنفسهم أنهم السبب في كل ما حدث من المآسي، فصار أكثرهم أشد التصاقا بآل البيت مما كانوا من قبل، تعويضا عن خطيئتهم، وناصبوا الأمويين العداء...
والفرس الذين أسلموا عن صدق أو عن تظاهر، واعتقدوا أن الحكم يجب أن يستمر في آل البيت كما يستمر الملك، فجعهم كذلك ما حدث، فتحمسوا أكثر لآل البيت، صدقا، أو تظاهراً ووجد الحاقدون فرصة لتنفيذ خططهم المسمومة ضد الإسلام في هذا الجو..
وتكون من هؤلاء المناصرين لآل البيت من العرب ومن الفرس ما يمكن أن يسمى حزبا متميزاً أو "شيعة" وفيهم من يناصرون حق آل البيت في الحكم، ويبغضون الأمويين عن صدق وفيهم من تظاهر بذلك بينما هم يبغضون الجميع، ويريدون التخلص من الإسلام والمسلمين ودولتهم، ليعيدوا دولتهم هم، ويعيدوا مجد فارس الذي حطمه المسلمون..
ولم تنقطع الدعوة إلى حق آل البيت في الحكم، بل كان يحملها داع أو إمام مستور أو ظاهر، حسب الظروف، وكان يجد له أنصارا، ولو في الخفاء.. عن صدق وإخلاص، أو كما قيل "لا حبا في علي ولكن كراهة في معاوية" أو كراهة للجميع.
ولم يكن انقسام الناس هذا انقسام دين، ولكن انقسام رأي سياسي ونظري للحكم: من أحق به؟ وانضمت قوة آل العباس، إلى بني عمومتهم من العلويين في تأليب النفوس على الأمويين مع أنهم سلكوا في حكمهم مسلكا متميزا في الانتصار والتعصب للعرب والإسلام.. مما زاد في تأليب الفرس ومن اليهم على العرب والإسلام، والدولة الأموية..(32/38)
لقد أعلت الدولة الأموية من شأن العرب حقا، وجعلتهم متميزين على كل الأجناس الأخرى من المسلمين. كانت دولة عربية خالصة، لم يخالط حكمها أو يؤثر عليه جنس آخر. كانت تمثل عزة العرب وشموخهم بعروبتهم، وعزة المسلمين بينهم.. أمام أولئك الذين لا يزال الكثيرون منهم بعد إسلامهم يعتزون بدولتهم الفارسية، ويعتزون بجنسيتهم، ويشعرون في أنفسهم أنهم متميزون على العرب بحضارتهم..
وكان اعتزاز الأمويين بعروبتهم هذا الاعتزاز سببا كبيراً في تحول الكثيرين من الفرس إلى مناصرة آل البيت والتشيع لهم. حتى كان الفرس ومن اليهم من الأجناس الأخرى في الشرق أكبر ذخيرة بشرية مناصرة لآل البيت، المعادين للأمويين، ومتشيعة ومتحزبة لآل البيت.
ومن خلال هذا كله كان ينفذ الحاقدون إلى أغراضهم في تسميم الفكر الإسلامي، وإدخال الكثير من عقائد ومراسم الأديان القديمة التي كانوا يدينون بها وقضى الإسلام عليها..
ومن هنا أطلت الشعوبية الفارسية برأسها ليتغنى الفرس بذكرى أمجادهم الماضية، ويفخروا بجنسهم ويغضوا من شأن العرب، ويحيوا في النفوس الأسى لضياع هذه الأمجاد،ويذكوا فيها العمل على استعادتها كما ظهر ذلك في أدبهم العربي، والفارسي أيضا..
فإن شعب فارس ومن وراءه، وإن تعلم الكثير منهم العربية، وأجاد في خدمتها، إلا أن هذه الشعوب ظلت فيما بينها تتحدث بلغاتها الأصلية، على عكس ما حدث في الشام والشمال الإفريقي، وبلاد أخرى أسلمت، فصارت عربية.
يقول الدكتور خالد العزى وهو يتحدث عن مظاهر الشعوبية الفارسية ( ):
"فهذا شاعرهم (الفردوسي)( ) الذي احتفلت إيران بعيده الألفي عام 1934، وأطلقت اسمه على أكبر ميادين طهران.. يتفنن في التغني بأمجاد فارس في مطولته الشعرية (الشاهنامة) ويلعن الفلك الدوار، إذ تطاول العرب بالتربع على عرش كسرى"!.(32/39)
ويقول العزى: "لقد وقف الكتاب والشعراء موقف التصدي لهذه الحملات الشعوبية، ودعوا إلى الاحتفاظ بسلامة اللغة العربية، وربطوا بينها وبين الدين الإسلامي، من أجل حماية الفصحى".
"وعندما لم تكتف الشعوبية الفارسية بالدس للغة العربية وللقيم العربية كالكرم والشجاعة، وعلى التقليل من أهمية العرب في حمل الرسالة الإسلامية، رد عليهم "البلاذري" بتأليف كتابه "فتوح البلدان" من أجل أن يظهر الدور الضخم الذي قام به العرب في نشر الإسلام، وتكوين الدولة الإسلامية..
وحين حاولت الشعوبية تشويه سمعة المرأة العربية، وتصوير احتقار العرب لها مستغلة موضوع: "وأد البنات" رد العرب عليهم، ووضحوا أن الوأد لم يكن في كل العرب، بل في فخذين من قبيلتي "ربيعة وتيم"، ووقع عندهما لأسباب اضطرارية، ولفترة محدودة سبقت ظهور الإسلام.. فقد وقعت غارة على جماعة من قبيلة ربيعة، ونهبت بنت الأمير، ولما تم الصلح أراد أبوها أن يأخذها، ولكنه وجدها تخذله وتختار من هي عنده. فغضب وسن وأد البنات. وكذلك حدث مثل هذا لجماعة من ربيعة، فهذه مسألة جزئية محلية لظروف اضطرارية، بينما العرب كانوا يعتزون بالمرأة.. وتاريخ ذلك معروف..
ولقد كان للشعراء العرب الفضل في التنبيه على ما تريده الشعوبية الفارسية من شر مستطير بالأمة العربية وتراثها.. فكتب "نصر بن سيار" أبياتا أنفذها إلى "مروان الثاني" الأموي، يحفزه وينبهه ويستثيره للحيلولة دون الخطر الشعوبي: فقال:
أرى بين الرماد وميض جمر … وأخشى أن يكون له ضرام
فقلت من التعجب ليت شعري … أأيقاظ أمية أم نيام
فإن يقظت فذاك بقاء ملك … وإن رقدت فإني لا ألام
فإن يك أصبحوا وثووا نياما … فقل قوموا فقد حان القيام(32/40)
ولاحظ أن هذا الخطر الشعوبي الفارسي كان له هذا الأثر في نفوس الغيارى؟! والدولة دولة الأمويين العرب، المحافظين على عروبة الدولة وإسلامها، فما بالك بما سيأتي في زمن العباسيين؟ وقد قامت دولتهم( ) بسيوف الأعاجم، وقادها أبو مسلم الخراساني؟.
ومع أن أبا جعفر المنصور تنبه لخطر أبي مسلم وقضى عليه، إلا أن الفرس قد أخذوا وضعا متميزا في الدولة العباسية، وبلاط الخلفاء، حتى استفحلوا وعلوا على الخليفة نفسه، مما حدا بالرشيد إلى القضاء على البرامكة الذين كانوا يمثلون النفوذ الفارسي في ملكه.
ومع هذا لم يستطع التخلص من نفوذ الفرس والشعوبية، حيث تولى غيرهم من الفرس مكانهم، وصار الأمر على ذلك، وحتى تغلب المأمون وأمه فارسية بواسطة جيشه الفارسي على الأمين العربي وأصبح نفوذ الشعوبية الفارسية طاغيا، حتى انتهى إلى أن كان الخلفاء كالدمى في أيديهم، ولم يكونوا مخلصين للإسلام إخلاصهم لمجدهم ودياناتهم القديمة..
وقد أنشد الأصمعي ينبه الرشيد إلى مخاطر ومساوئ البرامكة الذين استفحل أمرهم فقال:
إذا ذكر الشرك في مجلس … أضاءت وجوه بني برمك
ولو تليت بينهم آية … أتوا بالأحاديث من مزدك
"ومزدك" صاحب الديانة المزدكية عندهم قبل الإسلام.
كما كتب بعض الشعراء ينبه الخليفة الأمين فقال:
قل لأمين الله في أرضه …ومن إليه الحل والعقد
هذا ابن يحيى قد غدا …مثلك ما بينكما حد
أمرك مردود إلى أمره …وأمره ليس له رد
وكان هذا يمثل ما كان عليه الخلفاء كما يمثل الغصة التي في حلوق العرب من نفوذ الجنس الفارسي في بلاط الخلفاء.. حتى وجدنا شاعرا عربيا يرسل للرشيد سرا بعض أبيات لها معزاها، وكان لها أثرها البالغ في نفس الرشيد، حيث أججت النار التي كانت في صدره من نفوذ البرامكة الجارف، وهي:
ليت هندا أنجزتنا ما تعد وشفت أنفسنا مما تجد
واستبدت مرة واحدة إنما العاجز من لا يستبد(32/41)
فأهاجت الرشيد حتى قضى على البرامكة الذين كانوا حوله، ولكنه مع ذلك لم يستطع.. كما قلنا.. لا هو ولا الخلفاء من بعده، التخلص من طغيان العنصر الفارسي في بلاطهم حتى انتهى أمرهم إلى أن صاروا ألعوبة في يد الفرس، وتماثيل عباسية ليست لها حركة ولا شأن في الحكم. وتولى الأمر وزراء وسلاطين من الشيعة..
وإنك لترى الشعوبية الفارسية ظاهرة فيما كان من الأدباء والشعراء الفارسيين من شعر عربي رائع، حيث كانوا يعيرون العرب بأنهم أولاد رعاة الشياه والإبل، بينما كان آباؤهم ملوكا..
وأذكر لك هنا نموذجا خفيفا جدا من هذا الشعر، الذي حفلت به بطون الكتب العربية، ... وهو للشاعر الفارسي "مهيار الديلمي"( ). واسمه يدل على أصله، مع براعته في العربية. يقول مفتخرا بقومه (الفرس) وأمجادهم:
قومي استولوا على الدهر فتى ومشوا فوق رؤوس الحقب
عمموا بالشمس هاماتهم وبنوا أبياتهم بالشهب
قد ورثت المجد عن خير أب وورثت الدين عن خير نبي
فضممت الفخر من أطرافه سؤدد الفرس ودين العرب
ولاحظ هنا قوله "ودين العرب"!!
ولقد كان مجوسيا وقدم لبغداد فأسلم، وتشيع وتعصب في تشيعه، حتى سب الصحابة الذين لم يلتفوا حول الإمام على وبنيه.. وكان في مقدمتهم بالطبع أبو بكر وعمر، كشأن الشيعة!
وقد استرسلت معك في ذكر نماذج من روحهم لاسيما تلك التي كانت تهدف إلى هدم الإسلام، والقضاء على النفوذ العربي ليعيدوا على أطلال ذلك دولتهم ومذهبها القديم قبل الإسلام، مما شعر به العرب وحذروا الخلفاء منه... بل كونوا دولة أو دولا باسمهم، حتى كان الاجتياح المغولي لبلاد ما وراء النهر وأرض فارس، وتدميرهم لدولة الخلافة في بغداد، وكل معالم حضارتها سنة 656هـ وكان الوزير العلقمي الشيعي وزير المستعصم هو الذي مهد لهم( ) .(32/42)
ومع ذلك كله ومع دواه أخرى أصابت أرض الإسلام في البلاد العربية، ظل الإسلام السني عتيدا راسخا في نفوس العرب جميعا، إلا نسبة ضئيلة جدا منهم تشيعت، ولكنها لم تفقد ولاءها الوطني العربي.. حتى المصريين تركوا مذهب الدولة الشيعية الفاطمية وتمسكوا جميعا بالمذهب السني..
وأرى من المهم جداً أن نذكر هنا خلال مسيرة تاريخ الشيعة وتاريخ أئمتهم، أن المذهب الشيعي لم يتبلور تماما كمذهب وحزب إلا متأخرا، وأن كبار آل البيت كانوا مصدر إشعاع ديني لكل المسلمين وموضع تكريم، ولم يكونوا يرضون عن مغالاة المغالين فيهم، وفيمن سبقوهم حتى الإمام علي، بل كانوا يبعدونهم عن مجالسهم وينبذونهم، ولم يكونوا يفرقون بين مسلم ومسلم إلا إذا غالى هنا أو هناك.. المهم عندهم أن يعرفوا عنه أنه لا يمس آل البيت بسوء، وليس هناك من المسلمين من يذهب إلى هذا وينال من آل البيت..
والسلسلة التي نعرفها الآن ومنذ زمن، لأئمة الشيعة من الإمام علي إلى الإمام الثاني عشر، كما يرى الشيعة الاثنا عشرية، أو يراها غيرهم من فرق الشيعة، لم تكن بهذا التحديد وقت حياة الأئمة حتى الإمام جعفر.. لم يكن هؤلاء أئمة للشيعة وحدهم، ولكنهم كانوا أئمة في العلم والهدى للجميع شيعة وسنة وحتى تتلمذ عليهم بعض الأئمة الأربعة كأبي حنيفة..
والشيعة أنفسهم قد اختلفوا فيما بينهم في تحديد هؤلاء الأئمة فبعضهم قال بإمامة ابن الإمام علي المعروف "بمحمد بن الحنفية" وأحاطوا به، ومنهم من رفض ذلك، وآثر الحسين، ومنهم من لم يقر إمامة "محمد الباقر" ورأى أن الإمامة بعد (علي زين العابدين) المتوفى سنة 93هـ تكون في "زيد" رأس الفرقة الزيدية المعروفة حتى الآن في اليمن.(32/43)
وكان الإمام زيد له رأي خاص في الإمامة، فهو يرى أنها تصح في المفضول مع وجود الأفضل ورفض ما عليه الآخرون وأدى رأيه هذا إلى تصحيحه لخلافة أبي بكر.. مع رأيه بأن الإمام عليا هو الأفضل. فخلافة الخلفاء قبل علي صحيحة في رأيه، على عكس بقية الشيعة..
وبعد الإمام جعفر الصادق المتوفى 148هـ اختلفوا فيمن يكون الإمام بعده: هل يكون من ذرية إسماعيل الذي مات في حياة أبيه، أو تنتقل إلى موسى الكاظم بن جعفر الصادق.. ونتج عن هذا فرقة الإسماعيلية، وفرقة الموسوية التي سارت الإمامة فيها من موسى إلى ابنه علي الرضا، ثم محمد الجواد، ثم علي الهادي موسى، ثم الحسن العسكري، ثم ابنه الطفل محمد، الذي مات في سن الخامسة في السنة التي توفى فيها أبوه سنة 260هـ وقالوا عنه: إنه اختفى في سرداب، وأنه المهدي المنتظر.. الخ! سيظهر آخر الزمان.. الخ..
وافترقت الشيعة إلى أكثر من هذا إلى عشرات الفرق، كما هو معلوم.. لكن يجمعهم كلهم القول بوجوب الإمامة وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد عين الإمام علياً بعده، فتكون إمامة غيره بعد الرسول غير صحيحة، وتكون منتزعة من صاحبها علي، وبسبب هذا وقفوا من أبي بكر وعمر وعثمان موقف العداء كما سبق ذلك..
فالشيعة كلهم على مختلف فرقهم: إمامية على هذا الاعتبار، ويرون أنها تكون في الإمام علي وذريته إلى يوم القيامة.. يتولون الإمامة في الدين وفي الدنيا، بمعنى أن يكونوا هم حكام المسلمين.. كما يجمعهم أيضا القول بعصمة الأئمة من أي خطأ، وعصمتهم كعصمة الأنبياء.. فكلام الأئمة كلام معصومين، ولا يصح البحث فيه، وإذا انتهت إليهم رواية حديث، فلا يصح أن تبحث: من الذي روى عنه الإمام، لأن كلامه معصوم عن الخطأ والتدليس.. مثل كلام الرسول صلى الله عليه وسلم ولذلك ترى أغلبية الأحاديث مروية عنهم، وتقف عندهم سلسلة الإسناد، فلا ترفع حتى الرسول غالبا، لأنه يكفي أن تكون مروية عن إمام!!(32/44)
وهذا الإمام المعصوم، هو الحاكم الدنيوي على الناس، وكلامه وأوامره ونواهيه في أي شأن من شئون الدنيا معصوم فيه من الأخطاء، وعلى الناس أن يسمعوا ويطيعوا ولا يتشككوا، وهو إذا رضي عن أحد كان رضاؤه علامة على رضاء الله.. وعلامة على أنه داخل الجنة، وإذا غضب عليه كان غضبه من غضب الله، وكان إيذانا بمصيره إلى النار.. فمصير المسلم مرهون برضائه أو غضبه، ومثلهم في ذلك نوابهم القائمون مقامهم!!
ولعله من هنا خرجت مقولة أن الجنود الإيرانيين الآن يذهبون إلى ميادين القتال وهم يعلقون في رقبتهم صكا بدخولهم الجنة، من الإمام خوميني كما وجدوه في رقاب الأسرى،.. وهذا غير مستبعد ما دام مصير أي واحد من أتباعه معلقا بكلمة منه!! والجندي يحمل معه ضمان دخوله الجنة، وما عليه أن يقتل بعد ذلك!.
وهذه الفكرة في الإمام أو نائبه جعلتهم يخضعون خضوعا لا إراديا لهم متى كانوا متدينين، وجعلهم كما رأيتهم يحيون أئمتهم ـ يطأطئون رؤوسهم، وينحنون حتى يكادون يلمسون الأرض.. وهم يمرون أمامهم، ولا يصافحونهم أو يلمسونهم.. ويؤدون لهم ما قرره عليهم من مال، بمنتهى الطاعة والاستسلام.. باسم الخمس أو غيره، فالإمام معصوم وهو في الكمالات دون النبي وفوق البشر( ).
وقد كتب الأستاذ أحمد أمين عن صفات الإمام وخصائصه نقلا عما ورد في كتاب "الكافي" للكليني وهو من أوثق كتب الإمامية الاثنى عشرية( ) فذكر منها:
•…اعتقادهم بأن الإمام يوحى إليه، وإن اختلفت طريقة الوحي عن النبي والرسول.
•…أن من لا إمام له أصبح ضالا. ومن مات على هذه الحالة مات ميتة كفر ونفاق. قال الإمام الرضا: "الناس عبيد لنا في الطاعة") (.
•…الأئمة هم نور الله الذي قال عنه "فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا" وليس المراد بالنور هنا القرآن، ولكن الأئمة.
•…الأئمة أركان الأرض أن تميد بأهلها.
•…الإمام مطهر من الذنوب، مبرأ من العيوب، المخصوص بالعلم.(32/45)
•…أعمال الناس ستعرض على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى الأئمة.
•…الأئمة موضع الرسالة، ومختلف الملائكة، وموضع سر الله في الأرض ووديعته بين عباده.
•…عند الأئمة جميع الكتب المنزلة على الرسل من عند الله، وهم يعرفونها بلغتها..
•…لم يجمع القرآن وعلمه إلا الأئمة، عن طريق التوارث من علم الإمام علي.
•…إنهم يعلمون علم ما كان، وما يكون، ولا يخفى عليهم شيء. فالله لم يعلم نبيه علما إلا أمره أن يعلمه عليا، ثم انتهى هذا العلم إلى الأئمة من بعده.
•…كان مع رسول الله روح أعظم من جبريل وميكائيل. وهذا الروح مع الأئمة.
•…الملائكة تدخل بيوت الأئمة، وتطأ بسطهم، وتأتيهم بالأخبار.
•…الأرض كلها للإمام، وأهل البيت هم الذين أورثهم الله الأرض، كما تقول الآية "أن الأرض يرثها عبادي الصالحون"( ) والعباد الصالحون هم الأئمة.
وهذا وإن قررته الشيعة الاثنا عشرية كما جاء في كتبهم، إلا أن الفرق الأخرى الإسماعيلية وما تفرع عنها لا تختلف عن ذلك كثيرا بل ربما كان لها غرائب في أفكارها جعلت الاثنا عشرية لا تعترف بها.
أحمدي نجاد وجمعية الحجتية
أ.د.يحيى داود عباس
أستاذ اللغة الفارسية بجامعة الأزهر
باختصار: مختارات إيرانية ـ العدد 66 ـ يناير 2006
يواجه الرئيس الإيراني أحمدي نجاد شائعات واتهامات عدة منذ فوزه في انتخابات رئاسة الجمهورية، ومن هذه الشائعات شائعة تدور حول صلة الرئيس أحمدي نجاد وحكومته بجمعية الحجتية التي أجبرت على وقف نشاطها في عام 1983، والتي كانت قد كرست نشاطها الثقافي في التصدي للبهائيين وفي عقيدة المهدي المنتظر وظهوره ورجعته.
وقبل مناقشة هذه المسألة ينبغي أن نذكر لمحة تاريخية عن الجمعية، وعن نشاطها، وعن مؤسسها، والهدف من تأسيسها، والدور الذي لعبته، والاتهامات التي وجهت لها، وموقف الإمام الخميني ورجالات الثورة ورموزها منها، ووضع الجمعية في الوقت الراهن.(32/46)
في مدينة مشهد بمحافظة خراسان بدأت إرهاصات تشكيل جمعية الحجتية، وفي العاصمة "طهران" تم إشهار الجمعية في عام 1955م، وإن كان البعض يرى أنها أسست في عام 1953م، واختير لها اسم: جمعية الحجتية المهدوية الخيرية، ومؤسس الجمعية هو الشيخ محمود الحلبي، وكان واعظاً مشهوراً في الأوساط الدينية في مدينة مشهد، ذاعت شهرته في الخطابة في عام 1941م.
وكان الشيخ الحلبي يشارك في هذه الفترة في محافل البهائيين ويحاورهم ويتصدى لهم مع غيره من الشيوخ، كما شارك في حركة تأميم البترول منذ عام 1951م. وقيل إنه غادر مدينة "مشهد" واتجه إلى طهران في أوائل عام 1952م بعد أن اختلف مع زملائه في كيفية إجراء انتخابات جمعية المؤتلفة الإسلامية، أو بعد فشله في انتخابات هذه الجمعية.
ومذ مغادرة الشيخ الحلبي لمشهد ترك حلبة السياسة للسياسيين، وحصر نشاطه في طهران في التصدي للبهائيين وأفكارهم، وكان يلتقي في منزله في طهران ببعض الأفراد، لتدريبهم على التصدي للبهائيين، وعلى أساليب إجراء المناظرات معهم ومحاورتهم.
وبعد تأسيسه لجمعية الحجتية أصبح رئيساً لمجلس إدارتها، وتقلد هذا المنصب حتى وفاته في عام 1997م، وكان الإعلان عن هذا التشكيل في طهران بمثابة استمرار لنشاط محاربة الجمعية للبهائيين، هذا النشاط الذي كان قد بدأ في مشهد.
وفي سنة 1957م والسنوات التي تلتها اتسعت دائرة نشاط الجمعية، وأسست فروع أخرى في محافظات إيران المختلفة، وكان للجمعية مكتب في كل فرع باسم: بيت إمام الزمان. ومن المراكز الرئيسية التي كانت تمارس الجمعية نشاطها فيها: سبزوار، بجنورد، أصفهان، جيلان، رشت، لنجرود، كرمانشاه.
وكانت الجمعية تدير مؤسسات خيرية كثيرة منها: دور الأيتام، المستشفيات والمراكز الصحية، الجمعيات الخيرية النسائية، جمعيات الزواج، جمعيات القروض الحسنة، المراكز التعليمية والثقافية، كما أنشأت الجمعية بعض الحسينيات والمساجد في بعض المحافظات.(32/47)
ونصت لائحة تأسيس الجمعية على أن الإطار العام لنشاط الجمعية هو: تبليغ الدين الإسلامي والمذهب الجعفري والدفاع العلمي عنهما، والقيام بنشاط علمي وتعليمي وثقافي، وتقديم الخدمات الاجتماعية، وطبع ونشر الكتيبات والنشرات العلمية والدينية، وعقد المؤتمرات والندوات في جميع أنحاء إيران، وإنشاء المكتبات والنوادي الرياضية والمراكز التعليمية والعلاجية، والاتصال بالجمعيات المناظرة، والتعاون معها ثقافيا.
اللجان التي كانت تمارس نشاطها داخل الجمعية هي:
1ـ لجنة التعليم: وكانت هذه اللجنة مسئولة عن تدريس تاريخ البابية والبهائية. في المرحلة الأولى يتم تدريس كيفية تكوين الفرقتين: البابية والبهائية. وفي المرحلة الثانية يرد المعلمون على الشبهات البهائية حول المهدي المنتظر وقائميته وخاتميته، وينتقل عضو الجمعية إلى المرحلة الأعلى طبقاً لاجتهاده وكفاءته، وتعد أعلى مرتبة في التعليم هي: نقد كتاب (الإيقان) الذي ألفه "البهاء". وكان هذا يتم تحت إشراف الشيخ محمود الحلبي ، الذي ألف كتاباً ضخماً عنوانه: نقد الإيقان.
2ـ لجنة التحقيق والدراسة: كانت مهمة هذه اللجنة تنحصر في جمع الأخبار والمعلومات عن العناصر البهائية، وذلك بعد اختراق أفرادها للأوساط والمحافل البهائية، وبعد حصولها على وثائقهم ومستنداتهم وأخبارهم. ونجحت بعض عناصر هذه اللجنة في تقلد مناصب قيادية في الأوساط البهائية.
3ـ لجنة الكتابة والصياغة: وقد أصدرت هذه اللجنة كتباً ترد فيها على البهائيين وأفكارهم، وتثبت وجود إمام الزمان (المهدي المنتظر).
4ـ لجنة البحث والمناظرة: وهذه اللجنة كانت تعقد جلسات حوار ومناظرة مع عناصر الفرقة البهائية بقصد التصدي لها وإضعافها وإقصائها عن الساحة.
5ـ لجنة العلاقات الخارجية: وكان أعضاء هذه اللجنة يمارسون نشاطهم في دول مثل: الولايات المتحدة ـ أستراليا ـ النمسا ـ بريطانيا ـ الهند.(32/48)
6ـ لجنة المؤتمرات والندوات: ومهمة هذه اللجنة هي عقد المؤتمرات للحديث عن الإسلام والعقائد الشيعية وبطلان المعتقدات البهائية.
وكان من الضروري أن تختار الجمعية عناصرها من الشباب المتأهب المستعد الملتزم. ومن أشهر المدارس التي أمدت الجمعية بعناصر جيدة: المدرسة العلوية التي أسست عام 1956م، والتي تخرج فيها في العشرين عاماً التي تلت نجاح الثورة الإسلامية شخصيات بارزة منها: كمال خرازي ـ وزير الخارجية الأسبق ـ وعبد الكريم سروش، وغلام علي حداد عادل، رئيس مجلس الشورى الإسلامي الحالي ـ وكان عدد كبير من معلمي هذه المدرسة أعضاء في جمعية الحجتية أو على الأقل كانوا مؤمنين بأفكارها. كما كان يعهد إلى عدد كبير من خريجيها بالتدريس في الجمعية.
وأكدت لائحة تأسيس الجمعية في البند الثاني على أن الجمعية لن تتدخل بأي وجه من الوجوه في الشئون السياسية، وأنها لن تكون مسئولة عن أي نوع من أنواع التدخل في المجالات السياسية من جانب كوادر الجمعية أو الأفراد المنتسبين إلى الجمعية. وكان هذا هو البند الذي أثار حفيظة الثوار واستياءهم ـ قبل الثورة وبعدها ـ من الجمعية وكوادرها وأعضائها.
وكان الشيخ الحلبي يؤكد دائما على أن مهمة الجمعية تنحصر في التصدي للبهائيين، وعلى أن إمام الزمان لن يقبل من أفراد الجمعية الآن سوى هذه الخدمة. وكان يؤمن بأن البهائيين أكبر خطر على إيران. ومما لا شك فيه أن إيمانه هذا التقى مع رغبة نظام الشاه وجهاز الساواك (هيئة الأمن والمعلومات) في محاربة البهائيين بعد أن استفحل خطرهم.(32/49)
ولم تكن الجمعية تسمح للسياسيين بحضور جلساتهم. كما كانت الجمعية تستكتب أعضاءها تعهداً بعدم ممارسة أي نشاط سياسي. والواقع أن الحجتية كانت تياراً اختار نظرية فصل الدين عن السياسة في مسألة انتظار حكومة المهدي العادلة، وكانت تؤمن بأن أي ثورة أو أي راية ترفع قبل ظهور المهدي المنتظر غير مشروعة ومحكوم عليها بالفشل، وتعد إهداراً لدماء المسلمين.
وكان الحجتيون يرون أن ولاية فقهاء عصر الغيبة على الشيعة ولاية ظاهرية ،وأنه على الأعضاء أن يختاروا بين العمل الثقافي ضد البهائية وبين ممارسة الأنشطة السياسية.
وبعد قيام الثورة الإسلامية في 11/2/1979م أعلن أعضاء الجمعية تأييدهم للثورة وللإمام الخميني ، وحث الشيخ الحلبي المواطنين على التصويت لصالح الجمهورية الإسلامية في 21/3/1979م، وشارك بعض أعضاء الجمعية في الحرب العراقية ـ الإيرانية، وتحدثوا عن مشروعية الحرب والجهاد.
وقيل إن الجمعية بادرت بعد قيام الثورة بخمسة شهور تقريباً إلى إعادة النظر في اللائحة الخاصة بالجمعية، وأنها أضافت بنوداً خاصة بإلغاء بند منع اشتراك أعضاء الجمعية في التشكيلات والجماعات السياسية، وإنه من واجب الجمعية تنفيذ توجيهات القيادة في المجالين: السياسي والاجتماعي، وذلك حتى ظهور إمام الزمان.
وجدير بالذكر أن الجمعية واصلت نشاطها الثقافي ضد البهائيين بعد الثورة الإسلامية. كما أنها واصلت اهتمامها بمسألة انتظار الفرج وظهور المهدي المنتظر ورجعته، وعلم الأبحاث والدراسات الخاصة بهذا الانتظار وهذا الظهور.
والملفت للنظر أن بعض عناصر الجمعية انتقدت الجمعية وانقلبت عليها، وانضمت إلى الثورة والثوار، ومعظم هذه العناصر كانت من المقلدين للإمام الخميني (كان أعضاء الجمعية أحراراً في اختيار مراجع التقليد)، وهي من العناصر المعارضة للخطاب غير السياسي للجمعية، والتي مارست أنشطة سياسية مع قوى الثورة.(32/50)
وبمرور الوقت اعتبر زعماء الثورة ورموز النظام الجمعية خطراً على الثورة ومسيرتها، وبدأ النظام يمارس الدعاية المضادة ضد الجمعية للحد من نفوذها في المحافظات، وذلك بذريعة الدفاع عن الثورة ومنجزاتها.
وفي أوائل عام 1983م زادت حدة الانتقادات ضد الجمعية، فأصدر عماد الدين باقي كتاباً بعنوان: "في معرفة حزب القاعدين في هذا الزمان". وهذا الكتاب كان قبل صدوره قد نشر في صحيفة "إطلاعات" الإيرانية، وجه لطمة شديدة كان لها تأثيرها السلبي على الجمعية وكوادرها.
كما أصدر محمد رضا أضكري كتاباً بعنوان: "ولايتيون بدون ولاية"، وأصدر جيش الحرس الثوري الإسلامي كتيبات تحتوي على هجوم على الجمعية وأفكارها وكوادرها، وحاربتهم الصحف والجمعيات الإسلامية الأخرى والنقابات المهنية والتنظيمات السياسية.(32/51)
وفي 27/7/1983 أوقفت الجمعية نشاطها أو أجبرت على حل نفسها بعد أن أشار الإمام الخميني في إحدى خطبه إلى قيام البعض بممارسة نشاط مغاير لأهداف الجمهورية الإسلامية. فقد جاء في البيان الذي أصدرته الجمعية بهذه المناسبة: أنه شاع في أعقاب كلمة الإمام الخميني أن طرف الخطاب المعني هو: جمعية الحجتية. وعلى الرغم من أنه لا يوجد دليل واضح على أن الإمام الخميني أصدر أوامره بحظر نشاط الجمعية، إلا أننا استشرنا بعض الشخصيات الموثوق بها، وتبين لنا أن المخاطب المعني هو: جمعيتنا، وعرض الأمر على حجة الإسلام والمسلمين السيد محمود الحلبي، فقال: في مثل هذه الحالة، يجب علينا شرعاً أن نحل الجمعية ونوقف نشاطنا، وأن نعطل جميع الجلسات والبرامج، وأن نتبع الإمام والمرجعية، وأن نحافظ على وحدة الأمة وتماسكها، وأن نراعي مصلحة البلاد، وأن نحول دون سوء استغلال أجهزة الإعلام الأجنبية للموضوع، وأن نتصدى لأغراض أعداء الإسلام، وأن نعلن عن وقف جميع الجلسات والخدمات الخاصة بالجمعية اعتباراً من تاريخه، كما نعلن أنه غير مسموح لأي شخص أن يمارس أي نشاط تحت اسم هذه الجمعية.
والواقع إن الخطاب غير السياسي لأعضاء جمعية الحجتية أصبح بمرور الوقت من أهم أسباب الصراع بين القوى الثورية وبين أعضاء الجمعية بعد نجاح الثورة الإسلامية واستقرار النظام الجمهوري، فالثوار كانوا يعتبرون أن الطريق الوحيد لمحاربة الطاغوت والظلم هو الوقوف في وجه النظام الاستبدادي والنظام الإمبراطوري، ولم يقبلوا أسباب وتبريرات الجمعية في مسألة عدم تدخلها في السياسة.(32/52)
والجمعية أيضاً لم تكن لديها نية للتراجع عن موقفها على الرغم من أن البعض أكد على أن الجمعية أعادت النظر في لائحتها وألغت البند الخاص بمنع أعضاء الجمعية من العمل بالسياسة. كما أن الثوار الشباب في الحوزة العلمية الدينية وغيرها من الأوساط الدينية اقتفوا أثر الإمام الخميني ووصفوا أعضاء الجمعية بأنهم رجعيون ومتحجرون ومؤمنون بتفسير متخلف للإسلام، وبأنهم ليست لديهم القدرة على التكيف والتواؤم مع الظروف الجديدة.
وإلى جانب فصل الدين عن السياسة وتحريم النشاط السياسي في عصر الغيبة ثمة اتهامات أخرى موجهة إلى جمعية الحجتية وهي:
1ـ موقفها السلبي من ولاية الفقيه، فالحجتيون يرون أن ولاية عصر الغيبة على الشيعة ولاية ظاهرية وليست ولاية مطلقة، كما هو حادث الآن بالنسبة لولاية آية الله خامنئي المطلقة.
2ـ تعاون الجمعية مع نظام الشاه ومع جهاز (الساواك) ضد البهائية.
3ـ موقفها من الحرب العراقية ـ الإيرانية التي استمرت ثماني سنوات. وعلى الرغم من أن البعض يؤكد أن بعض أعضاء الجمعية شاركوا في هذه الحرب، إلا أن البعض الآخر يرى أن الجمعية انتهزت فرصة هذه الحرب وتوسعت في نشاطها، وأن الحجتيين ضموا أعضاء جددا من الجنود إليهم أثناء وجودهم في جبهات القتال.
وبعد أن وضعت الحرب أوزارها وعاد الجنود إلى مدنهم، قام الحجتيون بتكوين تنظيمات سرية في الجيش والتربية والتعليم، وتوسعوا في ضم أعضاء جدد وفي تربية الكوادر، حتى واتتهم الفرصة أثناء انتخابات رئاسة الجمهورية التاسعة، وأوصلوا أحمدي نجاد إلى منصب رئيس الجمهورية .
أ ـ موقف الإمام الخميني من الجمعية ورأي آية الله خامنئي وبعض رموز النظام فيها:(32/53)
يؤكد البعض على أن الإمام الخميني لم يعترض على نشاط الجمعية في البداية، وأنه عين "أبا القاسم خزعلي" كممثل للإمام في الجمعية، وبعد أن ارتفعت موجة الانتقادات ضد الجمعية قام الإمام الخميني بإبلاغ "أبي القاسم خزعلي" بأنه لم تعد لديه رغبة في حضوره كممثل له في الجمعية، لكنه كلفه بالإشراف على الجمعية وتقديم تقرير له عنها. إلا أنه طلب منه بعد فترة أيضاً التوقف عن الإشراف على الجمعية.
وفي تصريح للإمام الخميني بعد الثورة قال: "إن الأمر الأشد إيلاماً هو الشعار المضلل الذي يرفعه البعض ويقول فيه: إن قيام أي حكومة قبل ظهور إمام الزمان (المهدي المنتظر) باطل. كان الحجتيون يحرمون النضال، والآن أصبحوا أكثر ثورية من الثوار أنفسهم". وقيل إن الخميني في أواخر عمره وصف المتحجرين وأعضاء جمعية الحجتية بأنهما أكبر من أي خطر آخر. وكما ذكرنا من قبل، كان لحديث الخميني عنهم في خطبه وتصريحاته أثر في أن تقرر الجمعية وقف نشاطها دون أن يطلب الخميني منهم ذلك صراحة.
أما آية الله سيد علي خامنئي ـ الزعيم والمرشد الأعلى الحالي ،فقد قال عنهم حينما كان رئيساً للجمهورية: في رأيي أنه يوجد بينهم عناصر ثورية ومؤمنة وصادقة ومخلصة للثورة، ومؤمنة بولاية الفقيه، ومستعدة لخدمة البلاد والجمهورية الإسلامية، كما أن فيهم عناصر سلبية ومتشائمة ومعوجة الفهم وغير مؤمنة وفي حالة استياء واعتراض بصفة مستمرة.
أما السيد هاشمي رفسنجاني ـ رئيس الجمهورية الأسبق ورئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام الحالي ـ فيرى أنهم أناس مسلمون ومؤمنون على الرغم من عدم اعتبارهم من الثوار. ويقول: ومع هذا لا يجب مضايقتهم، بل يجب تشجيعهم والاستفادة من قدراتهم في ظل الظروف الجديدة (انظر أحاديث هاشمي رفسنجاني ومذكراته).(32/54)
ويدور الهمس الآن في المحافل السياسية الإيرانية حول ازدهار نشاط الجمعية الحجتية مجدداً. وتزخر مواقع شبكة الإنترنت الإيرانية الآن بالحديث عن هذه الجمعية.
واصطلاح جمعية الحجتية ينصرف الآن إلى المجموعة التي تؤمن بقرب ظهور المهدي المنتظر، وتعد نفسها الطائفة الممهدة لظهوره، كما تؤمن بأن القاعدة الرئيسية للمهدي وقت ظهوره هي حكومة إيران بوصفها الحكومة الشيعية الوحيدة في العالم. وقد ترددت في الآونة الأخيرة شائعات في المحافل السياسية الإيرانية عن أن الرئيس أحمدي نجاد عضو في جمعية الحجتية. وبغض النظر عن تكذيب هذه الشائعات من عدمه، فإن تسلل الحجتيين إلى التشكيل الحكومي أمر غير مستبعد، كما أن نفوذ عناصر جمعية الحجتية في التربية والتعليم كبير وقديم.
وفي الآونة الأخيرة نشر موقع أبي الحسن بني صدر (رئيس الجمهورية الأسبق) أنه عندما كان نظام الشاه يرغب في أن يحول الحركة الإسلامية المناهضة له إلى نزاع داخلي، أنشئت جمعية باسم "جمعية الحجتية" تحت شعار: محاربة البهائية، وكان الهدف من إنشاء هذه الجمعية مناهضة الخميني والحركة الإسلامية، ومناهضة الاتجاهات السياسية والنشاط السياسي، وبعد نجاح الثورة الإسلامية كفت الجمعية عن مناهضة الخميني وبدأت في امتداحه.
وعلى الرغم من أن الخميني أجبرهم على حل الجمعية في عام 1983م إلا أنهم انتهزوا فرصة اندلاع الحرب العراقية ـ الإيرانية، وتوسعوا في نشاطهم بين الجنود في جبهات القتال، وقاموا بتجنيد أعضاء جدد وبتربية كوادر جديدة، وقاموا بتوزيع بيانات تتضمن روايات غير صحيحة في جبهات القتال.
وبعد انتهاء الحرب، أنشأت الجمعية تنظيمات سرية في الجيش ووزارة التربية والتعليم، وتوسعت في ضم أعضاء جدد إليها وفي تربية كوادر جديدة، وانتهزوا فرصة انتخابات رئاسة الجمهورية التاسعة وأوصلوا أحمدي نجاد إلى منصب رئاسة الجمهورية.(32/55)
وادعى مصباح يزدي مع اقتراب انتخابات رئاسة الجمهورية التاسعة أن أحد المواطنين من "الأهواز" رأى في منامة إمام الزمان وهو يدعو من أجل فوز أحمدي نجاد في الانتخابات. وفي أعقاب ذلك نشط الحجتيون في الجيش والأجهزة الأخرى في الدولة في حملة الدعاية لصالح الرئيس أحمدي نجاد والتصويت لصالحه.
ويضيف الموقع قائلاً: وهاهو الرئيس أحمدي نجاد ومستشاروه والمقربون منه يدعون أن الأوامر تصل إليهم من إمام الزمان بشكل مباشر، وأن إمام الزمان هو الذي يختار وزراء حكومة الرئيس أحمدي نجاد وأن الرئيس أحمدي نجاد وأعضاء حكومته وقعوا ميثاقاً مع إمام الزمان في أول جلسة لمجلس الوزراء وقام "السيد صفار هرندي" بإلقاء هذا الميثاق في بئر "جمكران" في مدينة "قم" القريبة من طهران.
وفي جلسة مجلس الوزراء الثانية رأى وزير الطرق والنقل عدم الحاجة إلى تخصيص جزء من ميزانية الدولة لإنشاء سكك الحديد طهران ـ جمكران، وذلك نظراً لكثرة أموال النذور التي تجمعت في "بئر جمكران" إلا أن الرئيس أحمدي نجاد رفض هذا الاقتراح، وقال للوزير: لم نأت من أجل قيادة الشعب، لكننا جئنا من أجل التمهيد لظهور إمام الزمان، وأمر بتوفير 7 مليار تومان من ميزانية الدولة لإنشاء السكك الحديدية سالفة الذكر، كما أن الرئيس أحمدي نجاد أنفق (10 مليار تومان) على احتفالات النصف من شعبان (يوم ميلاد المهدي المنتظر) بذريعة أن آية الله علي خامنئي أوصى بتنفيذ مشروع تعجيل ظهور إمام الزمان.
وذكر مراسل صحيفة "كريستيناينس مونيتور"في يوم 21 ديسمبر أن أحمدي نجاد من المؤمنين بأن دعاء التعجيل في بئر جمكران يؤدي إلى تعجيل ظهور المهدي الموعود، وأنه قبل انتخابه بعدة شهور تنبأ بفوزه بمنصب رئيس الجمهورية على الرغم من أن قياسات رأى الناخبين أظهرت أنه سيحصل على 1% من الأصوات، وأنه يقول إنه وقت دخوله مقر الجمعية العامة للأمم المتحدة رأى نفسه وسط هالة من النور.(32/56)
ويتحدث موقع بني صدر عن معتقدات فرقة الحجتية فيقول:
يؤمن الحجتيون بأن إمام الزمان يوجد في صور مختلفة وفي أماكن مختلفة، ويكون دائماً في سن الشباب. وأن إمام الزمان حي ومستعد، وبناء عليه ينبغي استخدام جميع الإمكانيات المتاحة للتمهيد لظهوره، ولهذا صدرت توجيهات لجميع أئمة الجمعة في المدن والقرى بالحديث عن عقيدة إمام الزمان وظهوره.
ويدعي الحجتيون أنهم أدوا الصلاة مع بعض الأئمة الأطهار. وفي الاجتماع الذي يعقد بعد ظهر يوم الجمعة يصلون صلاة التوسل، وينتظرون حضور إمام الزمان، ويدعون أن الإمام يحضر مجالسهم أحياناً، وأنهم يشعرون بحضوره من رائحة عطر الياسمين الذي يفضله الإمام ويتعطر به دائماً، وأن بعضهم يصاب برعشة، ويشعر أن الأرض تهتز من تحته بسبب حضور الإمام. وهم يغتسلون كل ليلة غسل الزيارة، وينامون، حتى يروا الإمام في منامهم.
وهم يدعون أن الإمام اختارهم جميعاً كأعوان له، ويدعي بعضهم أنه قابل الإمام وجهاً لوجه، وأنه تلقى هدايا من الإمام الغائب، وأنه يتلقى حل بعض المسائل والمشكلات من المهدي المنتظر.
كما يدعون أن الإمام سوف يظهر خلال السنوات القليلة القادمة، لهذا يجب أن يكونوا على أهبة الاستعداد دائماً، ولهذا السبب أقاموا في مبان تجاور ثكنات الجيش والمؤسسات الأخرى، حتى يتمكنوا من العثور على أفراد يكون لديهم صلاحية خدمة إمام الزمان وقت ظهوره.
وبناء عليه أعدوا خرائط خاصة بالطرق من أجل اللحاق بالمهدي عندما يظهر، والانضمام إليه. وقالوا إن لديهم دليلين على قرب موعد ظهوره: الدليل الأول: مجيء "سيد" من خراسان، وقد تحقق هذا بمجيء آية الله سيد علي خامنئي من خراسان. الدليل الثاني: تقارن يوم عاشوراء (10 محرم) مع يوم جمعة، وهذا حدث بالفعل منذ عدة سنوات.(32/57)
وهم يذهبون كل ثلاثاء أو جمعة إلى "بئر جمكران" للدعاء من أجل تعجيل ظهور إمام الزمان، ثم يتوجهون بعد ذلك إلى الجبل الأخضر في قم. وهم يدعون أنهم يعيشون تحت حماية ورعاية إمام الزمان، ويؤمنون بأن إمام الزمان اختار أحمدي نجاد لكي يكون رئيساً للجمهورية، وأن الرئيس أحمدي نجاد يتشاور فقط مع مستشاريه الذين هم موضع تأييد من جانب المهدي المنتظر، وأنه خصص اعتمادات مالية ضخمة لمسجد جمكران.
ونظراً لأن مراجع التقليد أفتوا بأن إدعاء رؤية إمام الزمان يعد كذباً وجرماً، فقد لعبت رؤياً إمام الزمان من المنام دوراً مهماً في تحقيق مقاصد أفراد جمعية الحجتية.
ب ـ أحمدي نجاد والمهدي المنتظر
يلاحظ قارئ الصحف الإيرانية والعربية، والمتابع لمواقع الإنترنت الإيرانية أن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد يكثر في خطبه وكلماته من الحديث عن المهدي المنتظر وعن عودته وظهوره. فقد ضمن الرئيس أحمدي نجاد خطابه الذي ألقاه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة دعاءً لله بأن يعجل بظهور المهدي، فقال: "اللهم عجل لوليك الفرج والعافية والنصر، واجعلنا من أعوانه وأنصاره".
وفي الكلمة القصيرة التي وجهها الرئيس الإيراني إلى الشعب الإيراني بعد إعلان فوزه في الانتخابات الرئاسية التاسعة،أشار إلى المهدي المنتظر ثلاث مرات، حيث استهل كلمته بعد البسملة بالدعاء السابق.. (و)أهدى الحضور الحماسي العظيم والمخلص من جانب المواطنين في الجولتين الانتخابيتين إلى ولي العصر (المهدي المنتظر).(32/58)
وفي نهاية كلمته أعلن عن أمله في أن يحظى بفضل الله وعنايات المهدي المنتظر. كما أنه قال في كلمته التي ألقاها أمام خطباء الجمعة من مختلف أنحاء إيران وفي مناسبات أخرى: "إن المهمة الرئيسية لثورتنا هي تمهيد الطريق لظهور الإمام المهدي، لذلك يجب أن تكون إيران مجتمعاً إسلامياً قوياً ومتطوراً، حتى تصبح نموذجاً تحتذي به جميع الشعوب، وتستحق في النهاية أن تكون ميداناً لظهور إمام الزمان (المهدي المنتظر). وقال في مناسبة أخرى: "نحن مسئولون عن إقامة مجتمع نموذجي في إيران حتى يكون هذا مقدمة لحدوث هذا الحدث العظيم (ظهور المهدي)، ومنطلقاً لإقامة حكومة العدل الإسلامية العالمية".
ومن المعروف أن الإيمان بعودة المهدي المنتظر من أسس التشيع، وأن الشيعة الإثنى عشرية (الإمامية) تؤمن بأن الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري الذي هو من ذرية النبي (صلى الله عليه وسلم) دخل السرداب في دار أبيه في مدينة (سامراء) عام 260 هـ، وله من العمر خمس سنين، وأنه لا يزال حياً، لكنه مستتر عن العيون والأبصار، أي أنه غائب حاضر، وأنه سيظهر بعد شيوع الظلم والفساد في الأرض، ليخلص البشرية من الظلم والفساد، ويقر نظام العدل في الأرض، ويقيم حكومة العدل الإسلامية العالمية.
ويدعو الشيعة الإمامية الله أن يعجل بالفرج أي بعودة المهدي وظهوره، ولديهم أدعية وعبارات يظهرون فيها شوقهم إلى عودته وظهوره، وفقرات يخاطبونه فيها.
الدعاء الأول هو: دعاء الندبة، ويقولون فيه:
أين المعد لقطع دابر الظلمة، أين المنتظر وأين المرتجى لإزالة الجور والعدوان، أين المدخر لتجديد الفرائض والسنن، أين المتخير لإعادة الملة والشريعة، وأين المؤمل لإحياء الكتاب وحدوده؟.(32/59)
وبعد أن يصف الدعاء المهدي بأوصاف عديدة منها: محي معالم الدين وأهله، قاصم شوكة المعتدين، باب الله، وجه الله، ناشر راية الهدى، الطالب بدم المقتول بكربلاء، ويعدد فضائله، ثم يقول متسائلاً: أين استقرت بك النوى بل أي أرض تقلل أو الثرى... متى نرد مناهلك الروية فنروى، متى ننتفع من عذب مائك فقد طال الصدى، متى نغاديك ونراوحك فتقر عيناً، متى ترانا ونراك وقد نشرت لواء النصر، وقد ملأت الأرض عدلاً، وأذقت أعداءك هواناً وعقاباً؟
أما الدعاء الثاني فهو دعاء الفرج الذي يتوسلون به الله سبحانه وتعالى ـ أن يعجل بالفرج وإظهار الإمام الغائب، وهو دعاء قصير ينتهي بهذه الفقرة التي يطلبون فيها الغوث من صاحب الزمان (المهدي المنتظر): "يا مولاي يا صاحب الزمان، الغوث الغوث الغوث أدركني أدركني أدركني".
ويتوسل الشيعة الإمامية بالمهدي المنتظر ـ إلى جانب توسلهم بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم وبالإمام علي بن أبي طالب وبأئمة الشيعة ـ لكي يشفع لهم عند الله، فيقولون في دعاء التوسل: يا وصي الحسن (العسكري) والخلف الحجة أيها القائم المنتظر المهدي يا ابن رسول الله يا حجة الله على خلقه يا سيدنا ومولانا إنا توجهنا واستشفعنا وتوسلنا بك إلى الله وقدمناك بين يدي حاجاتنا يا وجيهاً عند الله اشفع لنا عند الله.
إن عقيدة المهدي المنتظر موضع خلاف ونزاع من قديم الزمان، ومن المعروف أن مهدي الشيعة غير مهدي السنة. ومن أسماء المهدي وألقابه: المهدي المنتظر، المهدي الموعود، المخلص الموعود، الإمام المنتظر، إمام الزمان، إمام آخر الزمان، ولي العصر، صاحب الزمان، صاحب الأمر، القائم، قائم آل محمد، منجي آخر الزمان، حجة الله، القطب، بقية الله.(32/60)
ويؤمن الرئيس أحمدي نجاد ـ شأنه شأن أي شيعي إمامي إثنى عشري ـ بعقيدة المهدي المنتظر، كما يؤمن بعودته وظهوره، وهو ليس أول من قال إن الثورة الإسلامية في إيران تعد من العوامل الأساسية التي تمهد لعودة المهدي وظهوره،
كتاب الشهر
دهاقنة اليمن
تحقيقات و مطالعات في ملف الإسماعيلية
تأليف أبي عبد الملك أحمد بن مسفر بن معجب العتيبي
الدهقان هو رئيس الإقليم أو التاجر القوي ، وهذا هو حال إسماعيلية اليمن وخاصة المكارمة ، ومن هنا تنبع أهمية هذا الكتاب( دهاقنة اليمن ) الذي قد يكون فريداً في بابه حيث تندر الكتب المتعلقة بالقسم الثاني من الإسماعيلية المستعلية والتي تعرف اليوم "بالبُهرة " وتنقسم لطائفتين هما : البهرة الداوودية نسبة لقطب شاه داوود ، وهم الأكثرية ، و البهرة السليمانية نسبة لسليمان بن حسن ، ويعرفون بالمكارمة وهم موضوع كتابنا لهذا الشهر .
وكتابنا هذا نشرته دار البشير في عمان عام 2002 م في 160 صفحة من القطع المتوسط ، وهو في خمسة فصول .
بدأ المؤلف في الفصل الأول ببيان أصل المكارمة ونسبهم ، وأنهم بطن من حمير . وقد تولى المكارمة زعامة المذهب الإسماعيلي في اليمن عقب سقوط دولتهم الدولة الصليحية سنة 532 هـ .
ومن صفات المكارمة التي تميزهم عن غيرهم لبس الثوب أو الإزار الأبيض مع إسباله تحت الكعبين ويرون أن هذه هي السنة ! وعند الصلاة يخرجون ما في جيوبهم من أوراق أو مفاتيح ونحوها . ويقولون آمين في صلاتهم سواء كانوا فرادى أو جماعة .
وجعل المؤلف الفصل الثاني لبيان تاريخهم ويمكن إجماله في النقاط التالية :
المكارمة فرع من الإسماعيلية التي ظهرت بعد وفاة جعفر الصادق سنة 148هـ ، حيث انقسم الشيعة إلى فريقين: فريق يري وفاة إسماعيل بن جعفر وساق الإمامة لموسي الكاظم وهؤلاء هم الاثنا عشرية ، وفريق أنكر وفاة جعفر وسموا بالإسماعيلية .(32/61)
استغل أبو الخطاب وهو رأس في الضلالة هذا النزاع فبث بعض دعاته بين الإسماعيلية ، ونجح منهم ميمون بن ديصان ، فأصبح رأس الإسماعيلية ! وبث أعوانه في البلاد .
أرسل ميمون بن ديصان القداح إلى اليمن كلاً من الحسن بن حوشب وعلي بن الفضل ، فأقاما دولة للإسماعيلية هناك . لكنها سرعان ما هزمت بتحول أبي الحسن بن منصور اليمن لمذهب أهل السنة ، فدخلت الإسماعيلية مرحلة الستر .
عادت الدولة للإسماعيلية على يد علي بن محمد الصليحي سنة 452هـ ، وبقيت حتى سنة 532هـ ، وكانت تابعة للدولة العبيدية في مصر .
حين انقسمت الدعوة الفاطمية إلى : نزارية ومستعلية انحازت الدولة الصليحية للمستعلية ، و ما لبثت أن انشطرت المستعلية بعد وفاة الخليفة الآمر ، فعارضت الدولة الصليحية قيادة العبيديين وهنا بداية الانشقاق عن الدولة العبيدية ، ودخول مرحلة الستر .
تم الفصل في الدولة الصليحية بين القيادة السياسية والدينية التي تولاها الداعي " الذؤيب بن موسي " مما حافظ على دعوتهم لما سقطت الدولة ، و دخلت الدعوة في مرحلة الستر من جديد .
بقيت اليمن مقر قيادة الدعوة حتى عام 974هـ ، حيث انتقلت القيادة للهند التي كانت الدولة الصليحية قد أرسلت إليها دعاة لمذهبها، فنشروها بين الهندوس .
في سنة 999هـ حصل نزاع على القيادة بين أهل الهند الذين اختاروا داؤود برهان الدين بن قطب شاه وأهل اليمن الذين اختاروا سليمان بن حسن الهندي .
أوصى سليمان الهندي لابنه جعفر وكان طفلاً وجعل لمحمد الفهد المكرمي كفالة وتربية جعفر الصغير ، الذي تسلم الزعامة لما كبر وانتقلت بعد وفاته لأخيه علي الذي كان على دراية واسعة بالمذهب وانتقل بالدعوة للهند ، وأسند الدعوة بعده لإبراهيم بن محمد الفهد المكرمي فرجعت الدعوة لليمن.(32/62)
في سنة 1135هـ هرب الداعي محمد بن إسماعيل المكرمي من اليمن بعد هزيمة السليمانيين على يد الزيدية ، فتوجه إلى الهند لكن أتباعه في جنوب الجزيرة العربية ألحوا عليه بالبقاء عندهم ، وأصبح جنوب الجزيرة مركزهم الجديد بدأً (بالمجمعة) ومن ثم (حبونة) وبعدها (خشيوه ) في نجران.
ولا يزال لهم أتباع في ( حراز ) باليمن ، و( حيدر أباد وبومباي وغيرها ) في الهند .
حصل انقسام بينهم عام 1413هـ على الزعامة بين شخصين رمز المؤلف لأولهما بـ( ح ) وهو حسين بن الحسن ولم يكن من زعاماتهم وكان يقيم بالطائف وقد أوصي له الزعيم السابق ، والشخص الآخر من رمز له المؤلف بـ ( م ) وهو محسن بن علي وقد كان نائب الزعيم السابق ، وقد لجأ الاثنان لإستخدام السحر للفوز بالزعامة التي استقرت لحسين بعد فرار محسن بأموال بيت المال !
وهنا ينقلنا المؤلف للفصل الثالث الذي جعله لبيان أصول عقائد المكارمة بشكل موجز ، ويحتاج هذا الفصل لشيء من الترتيب والتفصيل لأهميته لعل المؤلف يستدركه في طبعة قادمة.
وبين المؤلف أن السليمانية تنبع من المذهب الإسماعيلي الأم الذي يقوم على الفلسفة والفلاسفة ونقل بعض كلام علمائهم القدماء والمحدثين في ذلك ،كقول عارف تامر : " إن الإسماعيلية من أنجب التلاميذ الذين درسوا الفلسفة اليونانية دراسة واقعية وأخذوا عنها الأفكار والنظريات وطبقوها وحوروها في مجتمعاتهم"
ومن ضلالاتهم في باب العقيدة ما يلي :
الركوع والسجود لغير الله ، ومن ذلك السجود عند ذكر الإمام .
وفي مناجاة الواحد منهم ربه بقوله : بحق المقري والمغويشم وشمشم وبيشأ و هيشأ و بريشأ : كبأ كبأ كبأ – ينجلي ينجلي ينجلي " وهذا فيه استعانة وإستغاثة بغير الله .
ويرون أن متمم الرسل و خاتم دورهم هو" محمد بن إسماعيل" أحد أئمتهم .
وإذا مات لهم ميت ذهبوا للداعي للحصول على ورقة "فك من النار" مقابل مبلغ من المال ، كصنيع النصارى .(32/63)
وهم جريؤون في استخدام السحر وهو من أنواع الكفر .
و يرون عصمة أئمتهم .
و يسبون الصحابة رضوان الله عليهم .
ويرون أن النبوة مكتسبة يستطيعها كل إنسان بالرياضة ، ولذلك يرون نسخ الشريعة !
وينتقل بنا المؤلف للفصل الرابع الذي خصصه للعبادات والمعاملات عند المكارمة فبين أن أركان الإسلام عندهم سبعة !
وهي : الولاية ، و الطهارة ، والصلاة ، والزكاة ، والصيام ، والحج ، و الجهاد .
فليست الشهادتان من أركان الإسلام عندهم ، ومن ضلالاتهم أنهم في الوضوء لديهم دعاء عند غسل كل عضو !كما أنهم يوافقون الشيعة في مسح الرجلين بدل غسلهما .
وفي الأذان يزيدون الشهادة الثالثة : أشهد أن عليا ولي الله ، ويزيدون "حي على خير العمل" ، ويزيدون "محمد وعلي خير البشر وعترتهما خير العتر" .
وفي إقامة الصلاة يزيدون "حي على خير العمل ".
وفي مساجدهم ترتيب لصفوف المصلين بحسب المكانة ! المهاجرون من حراز ثم التجار والوجهاء .
لا يصلون جماعة إلا بوجود إمام معين من الداعي وإلا صلوا فرادى .
لا يصلون الجمعة .
أما الزكاة فهي الضرائب التي تدفع للداعي وهي 5 % ! وللتوبة ضريبة وللحج ضريبة والزواج وتغسيل الميت والصلاة عليه لابد من دفع ضريبة! تبلغ آلاف الريالات .
وهم حريصون على جمع الأموال واستثمارها لتكون سنداً لزعامة الطائفة ، ولذلك لهم استثمارات في الخارج وأملاك عظيمة ، كما أنهم حريصون على شراء الأراضي قرب آثارهم ، وهم يغدقون الأموال على السحرة والمشعوذين لأنهم أعوانهم ، مع أن زعامتهم لا تقدم أي نوع من الدعم للطائفة أو الرعاية أو قضاء حوائج محتاجيهم ، ولذلك يندر التكافل الاجتماعي بينهم .
وختم المؤلف كتابه ببيان موقف أهل السنة من هذه الفرقة "السليمانية "، فنقل كلام شيخ الإسلام في أصل الإسماعيلية وهم بنو عبيد القداح وشيء من حقيقة معتقدهم الباطل . ومن ثم ذكر قائمة بالكتب التي يعتمدون عليها قديماً وحديثاً ليرجع إليها من شاء المزيد .(32/64)
ثم أوضح حكم هذه الطائفة وأنها طائفة خارجة عن الإسلام لكن أهل السنة قد وضعوا شروط لتطبيق هذا الحكم على أعيانهم ، وخلص إلى أن من وقع في الكفر من الإسماعيلية جهلاً وتقليداً فهو معذور ، لكن إن كان يمكنه طلب الحق وقصر في ذلك فهو آثم ولا يكفر إلا بقيام الحجة عليه .
قالوا
مفاعلات نووية.. لماذا؟
قالوا: "تعتقد القيادة الإيرانية أن من حقها أن يكون لها مفاعل نووي أسوة بالدول الأخرى مثل الهند وباكستان وإسرائيل، وهي هنا تكشف عن رغبتها في امتلاك قنبلة نووية لغرض مجهول!! فالهند وباكستان يمتلكان القنبلة النووية بهدف توازن القوى بينهما".
أحمد بو دستور
الوطن الكويتية 15/2/2006
قلنا: ولماذا المفاعل النووي الإيراني؟ إن الذين يتعاملون مع الدولة اليهودية سرّاً، ويتعاونون مع الأميركيين في العراق جهراً، لا يمكن أن يوجهوا أسلحتهم النووية ضدها. يبدو أنه لم يعد من خطر على إيران سوى أهل السنة، وخاصة دول الخليج، حيث لا يبعد مفاعل بوشهر النووي الإيراني عن الكويت سوى 100 كيلومتر.
وماذا عن الأربعين عاماً الماضية؟
قالوا: "لا تنازل عن أي شبر من أرض الجولان الحبيب مهما طال الزمان واشتدت المؤامرات".
صحيفة تشرين السورية
16/2/2006
قلنا: منذ أربعين عاماً، والنظام السوري النصيري يضلل الأمة بهذه الخطابات، فبعد تسليم الجولان لليهود سنة 1967، لم يفكر النظام باسترجاعها منذ ذلك الحين ولم يسمح لأحد بالعمل على استرجاعها! وكأنها ليست أرضاً سورية، والآن يرفعون صوتهم بأنهم لن يتنازلوا!
نفط العراق.. إلى أين؟
قالوا: "اتهم مسؤول رفيع في صناعة النفط مسؤولين آخرين بالتغاضي عمداً عن عمليات التهريب خوفاً من أن تضييق الخناق عليها قد يثير مواجهة مفتوحة بين الجماعات الشيعية المتنافسة المتورطة في التهريب".
الغد 10/2/2006(32/65)
قلنا: لم يعد سرّاً السلب والنهب الذي تمارسه حكومة الائتلاف الشيعي لثروات العراق وعلى رأسها النفط، بل وتهريبه إلى إيران التي لا ينقصها النفط، لكن حكومة الجعفري والحكيم تمعن في نهب العراق وإذلاله لصالح الأم إيران.
الطائرة المباركة!
قالوا: "ذكرت صحيفة حكومية إيرانية أن طهران ستشتري طائرة بوينغ 747 التابعة لشركة إير فرانس،التي أعادت الخميني مؤسس الجمهورية الإسلامية من منفاه الفرنسي في العام 1979".
وكالة الصحافة الفرنسية
29/1/2006
قلنا: لن يطول الزمان حتى تكون هذه الطائرة من مقدسات الشيعة، وستنسج حولها حكايات مثل أن المهدي رافق الخميني فيها عند عودته!
هدايا "صدرية" للقوات الأمريكية
قالوا: "ذكر بيان للقوات متعددة الجنسيات في العراق أن مسؤولي مدينة الصدر أعادوا طائرة استطلاع بدون طيار، كانت قد فقدت، إلى القوات الأميركية في بغداد. وأشار البيان إلى أن الطائرة كانت قد فقدت خلال طلعة أمس لتقديم المساعدة والدعم لقوات الأمن العراقي المكلفة بحماية المسلمين الذين يشاركون في الاحتفال بذكرى يوم عاشوراء".
الغد 9/2/2006
قلنا: كيف يمكن أن نفسر هذه الهدية "الصدرية" للقوات الأمريكية التي تحتل العراق، وتذل أبناءه، هل هو العرفان لأن هذه الطائرة كانت تحرس المحتفلين بعاشوراء، أم أنه استكمال لما قام به أفراد التيار الصدري من بيع أسلحتهم للأمريكان قبل عامين؟
فرق الموت ضد السنة
قالوا: "فرق الموت لم تبدأ عملها حديثاً، بل هي ناشطة منذ سقوط النظام العراقي، ولكن لم يكن ثمة مصلحة ولا رغبة بكشفها، تماماً كما حصل في فضائح التعذيب في سجون وزارة الداخلية ومع ذلك على الأمريكيين ألا يسلموا المعتقلين العراقيين وغير العراقيين للحكومة العراقية كما تطالب، فأبو غريب على رغم فضائحه الجديدة القديمة يظل أرحم من التسليم لفرق الموت!
ياسر أبو هلالة
18/2/2006(32/66)
قلنا: متى نعلم أن العدو الداخلي أخطر بمئات المرات من العدو الخارجي!!.
سفير صوفي!
قالوا: "السفير الأمريكي يميل إلى التصوف، ويذهب إلى الحفلات الدينية ليستمع إلى الإنشاد الديني، وذهب إلى طنطا بمحافظة الغربية بشمال القاهرة، وحضر الليلة الكبيرة لمولد السيد البدوي".
الوطن العربي 3/2/2006
قلنا: مبروك على السفير الأمريكي تصوفه، ومبروك على الصوفية، وعلى أتباع الطريقة البدوية تشريف السفير الأمريكي لهم، وعقبال السفير الإ......
في إيران.. يرسمون النبي!
قالوا: "... كما نجحت منظمة كير في 2001، في إزالة صورة للنبي محمد من لوحة فارسية تعود للقرن الخامس عشر، طبعت في مجلد وثائقي حول الإسلام".
وكالة الصحافة الفرنسية 8/2/2006
قلنا: في إيران تنتشر صور للنبي محمد صلى الله عليه وسلم بشكل كبير، ومنذ فترة طويلة، بعضها ترسمه بشكل شبيه بقساوسة النصارى، ونستغرب ثورة الشيعة في إيران على الرسومات الدانمركية،في حين أنهم لا يوقرون النبي صلى الله عليه وسلم وآله وصحابته وزوجاته في بلادهم.
عملاء إيران في الاستخبارات العراقية
قالوا: "اعترفت القوات البريطانية.. في محافظة البصرة باعتقال 12 عنصراً من منتسبي الاستخبارات التابعة لوزارة الداخلية، بينهم ضابطان أحدهما برتبة رائد،... وذكرت مصادر مطلعة أن هؤلاء متهمون بالتجسس لصالح إيران".
الوطن العربي
3/2/2006
قلنا: أتاحت حكومة الائتلاف الشيعي لإيران أن تتوغل في كل وزارات وهيئات العراق ومؤسساته المدنية والعسكرية ومن ضمنها الاستخبارات، فإيران بالنسبة لهؤلاء أولاً.
ثم لماذا تلجأ إيران إلى ساحات أخرى مثل العراق ولبنان لتصفية حساباتها مع خصومها، مشاكل إيران مع الولايات المتحدة وبريطانيا لا يجب أن تحل في العراق.
تلميع الصدر لمرحلة قادمة!
قالوا: "ألتقي الصدر ممثلي الفصائل الفلسطينية في العاصمة السورية واستعرض معهم الوضع في العراق وفلسطين".
السبيل 14/2/2006(32/67)
قلنا: ألا يكفي الشعب الفلسطيني خداع حسن نصر الله؟ حتى يأتوا لنا بالصدر.هل نصدق كلام الصدر عن دعم فلسطين أم الجرائم التي نفذتها ميليشياته بحق الفلسطينيين بمنطقة البلديات في بغداد!؟.
إستفتاء
قالو : هل ترى في الهجمات على المساجد و مقرات الحزب الاسلامي العراقي ، خطة مدبرة ؟
نعم… 19,26 % ( 114)
نعم و بتواطؤ الحكومة و المرجعيات…62,16% (368)
لا… 17,23% ( 102)
لا أدري… 1,35%(8)
مجموع الأصوات: 592
موقع الحزب الإسلامي
قلنا : متى يدرك بقية الإخوان المسلمين الحقائق ؟
بيان الحزب الإسلامي حول جرائم الشيعة
البيان / قال الحزب الإسلامي العراقي ان التداعيات الخطيرة بدأت تكشف عن المستفيد الحقيقي من جريمة استهداف قبة ضريح الإمام علي الهادي في سامراء، ومن هذه التداعيات احتلال مساجد سنة وطرد مصليها واستهداف مساجد أخرى بالصواريخ. وورد على موقع الحزب الإسلامي التفاصيل التالية:
احتلال مساجد
أولاً: مدينة الصدر:
1ــ جامع القدس: (كسرة وعطش) احتل من قبل مسلحين (جيش المهدي).
2ــ جامع الشهيد: (شارع كسرة وعطش) احتل من قبل مسلحين.
3ــ جامع الأبرار: احتل من قبل مسلحين يقع في منطقة الداخل.
ثانيا: مناطق أخرى:
1ــ جامع احمد رؤوف: (البلديات قرب الإطفاء) احتل من قبل مسلحين.
2ــ جامع ضيوف الرحمن: (بلديات) احتل من قبل مسلحين.
3ــ جامع القدس: (البلديات) محاصر من قبل مسلحين ويوجد مصلون محاصرون داخل الجامع.
4ــ فرع الرصافة الجنوبي: احتل من قبل مسلحي جيش المهدي.
5ــ جامع الفياض: (حي البنوك محلة 321) احتل من قبل مسلحين يرتدون زي الشرطة وفجر بثلاث عبوات ناسفة.
6ــ جامع المهند: (قرب الساحة المستنصرية ــ شارع فلسطين) احتل من قبل مسلحين.
7ــ جامع الحسن بن علي: شارع فلسطين قرب ساحة بيروت مجاور وزارة الهجرة والمهاجرين احتل من قبل مسلحين.
8ــ جامع عباد الله المتقين: شارع فلسطين احتل من قبل مسلحين.
اعتداء على المساجد:(32/68)
1ــ جامع أم القرى: الغزالية اعتداء مسلح مرتين.
2ــ جامع الخلفاء: حي اور قرب السدة ضرب بعيارات نارية وقنابل ويوجد عدد من الشهداء.
3ــ جامع بدرية: منطقة الطالبية قرب ساحة 83 اعتداء مسلح.
4ــ جامع الفردوس: حي أور اعتداء مسلح.
5ــ جامع مصعب بن عمير: البنوك شارع الكنيسة اعتداء مسلح وجرح احد المصلين و ضرب مرة ثانيه بقاذفة فأصابت المئذنة.
6ــ جامع الحق: منطقة الشعب شارع الصحة تعرض إلى اعتداء مسلح.
7ــ جامع السادة النعيم: تقاطع الشعب ــ الصليخ تعرض إلى اعتداء مسلح.
8ــ جامع النداء: حي القاهرة تعرض إلى اعتداء مسلح.
9ــ جامع عباد الرحمن: شارع فلسطين محلة 505 ضرب بقنبلتين مع اطلاقات بي كي سي وضرب مرة أخرى بقذائف هاون وسقوط عدد من الشهداء جامع عباد الرحمن.
10ــ جامع الحاجة فوزية: شارع فلسطين محلة 503 اقتحام الجامع واختطاف المؤذن بعد ضربه ضرباً مبرحاً بالعصي وإصابته بكسور وأخذه إلى جهة مجهولة.
11ــ جامع أبوعبيدة: حي القاهرة اعتداء مسلح.
12ــ جامع العاني: الوزيرية مقابل المكتبة المركزية اعتداء مسلح.
13ــ جامع مالك بن انس: بغداد الجديدة حي المعلمين ضرب بقنابل صوتية وعيارات نارية من قبل جيش المهدي.
14ــ جامع عثمان بن عفان: بغداد الجديدة النعيرية محلة 709 اعتداء مسلح.
15ــ جامع الحمزة: الغزالية قرب الشعلة هجوم مسلح واقتحام الجامع وإحراقه.
16ــ جامع البطاوي: منطقة الشعلة – اقتحام المسجد وإحراقه.
17ــ جامع الرحمة: منطقة الشعلة – اقتحام المسجد وإحراقه.
18ــ جامع المصطفى: منطقة الإعلام حي الشباب هجوم مسلح.
19ــ جامع البستاني: منطقة الإعلام ضرب بقذيفة هاون.
20ــ جامع الحمزة: منطقة التراث اعتداء بانطلاقات نارية.
21ــ جامع الرحمة: العطيفية اعتداء مسلح.
22ــ اشتباك بين عناصر من جيش المهدي وأهالي منطقة الصليخ أدى إلى إحراق سيارة من جيش المهدي وقتل من فيها.(32/69)
23ــ جامع السامرائي: بعداد الجديدة اعتداء مسلح.
24ــ جامع حي العمال: البلديات اعتداء مسلح.
25ــ جامع العشرة المبشرة: مدينة البصرة اعتداء مسلح.
تهديدات:
1ــ تهديد جوامع محافظة الديوانية طلب إخلائها مثل جامع الكبير وجامع شهداء حطين.
2ــ تهديد عدد من جوامع الناصرية.
حوادث أخرى:
1ــ محاصرة فرع الحزب الإسلامي في البصرة وإحراقه وجرح احد أعضاء الحزب والباقي محاصرون داخل المبنى الذي يحترق ومن ضمنهم عضو مجلس النواب القادم عن البصرة الشيخ خلف الشيخ عيسى.
2ــ إحراق معمل شعرية النجوم في بغداد الجديدة العائد إلى احد تجار السنة الحاج نصار.
3ــ مركز الرصافة للحزب الإسلامي العراقي اعتداء مسلح.
4ــ شعبة الزعفرانية للحزب الإسلامي العراقي اعتداء مسلح.
5ــ إحراق مقام الصحابي الجليل طلحة بن عبيد الله في البصرة.
وقال الحزب الإسلامي: نذكر الجميع بقوله تعالى: (ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى). فان كان من ارتكب جريمة استهداف قبة ضريح الإمام على الهادي عليه السلام في سامراء مجهولا، فان من يظن أنه ينتقم لآل البيت من آل الوطن يرتدي ثياب التشيع ويرفع اسم الإمام (المهدي عجل الله فرجه، ويرتدي ملابس قوات الأمن الحكومية، ويعتدي على حرمة بيوت الله في أيام محرم الحرام.
وأضاف: نذكر الجميع أن المقدسات الشيعية في سامراء لم تمس بأذى طيلة أكثر من ألف عام، وأن زوار الأضرحة قد نالوا كل حب ومودة من أهالي سامراء.. وأن استهداف المقدسات الإسلامية والمسيحية واستهداف الأرواح البريئة والانتهاك اليومي لحرمات المنازل لم يحصل إلا بعد احتلال العراق الذي توهمه البعض تحريرا، وهو لن يخدم سوى المحتل الذي سيبرر لبقائه في العراق بذريعة منع الحرب الأهلية.
بيان جبهة التوافق العراقية
تقرر تعليق مشاركتها في مفاوضات تشكيل الحكومة
23/2/2006(32/70)
قررت جبهة التوافق العراقية تعليق مشاركتها في مفاوضات تشكيل الحكومة المقبلة ، جاء ذلك في رسالة بعثها قادة الجبهة الى رئيس الجمهورية جلال الطالباني تضمنت الإحتجاج على الهجمات التي تعرضت لها المساجد ومقرات الحزب الإسلامي في يوم الأربعاء الأسود ، وقالت الجبهة في رسالتها " بانه لايستقيم المنطق أن نتفاوض مع من ثبت أنه يعمل على تقويض العملية السياسية ولايريد أن ينفك عن سياسة إملاء الشروط والمواقف على الآخرين كما أن موقف الحكومة بشخص رئيسها الدكتور الجعفري لم يكن موقفاً مسؤولاً إذ لم يحرص على ضبط النفس والدعوة للتصرف بمسؤولية كما إنه لم يعمل بجد على ضبط الشارع وفرض القانون بالقوة وفي ضوء ذلك كله وجد قادة جبهة التوافق العراقية أنه من غير الممكن المضي في المفاوضات وقرروا تعليق مشاركتهم بإنتظار إنصافهم وتلبية مطاليبهم " .
وقد طالبت الجبهة في رسالتها إعلان الحكومة الإدانة الصريحة لأعمال الشغب التي حدثت أمس ، وفرض الأمن والنظام في عموم العراق ، وإعادة المساجد المغتصبة الى اصحابها الشرعيين فوراً ، والتعهد بإعادة ترميم المساجد وتعويض الحزب الاسلامي العراقي عن الخسائر المادية التي لحقت بمقراته وتعويض ذوي الشهداء والذين سقطوا بفعل الغوغاء وإيقاف الحملات الإعلامية الضالة وتحرير المعتقلين والمحتجزين من اعمال العنف وضمان عدم تكرار ما حصل .
وختم قادة الجبهة رسالتهم بالقول :" لقد إستطاعت جبهة التوافق بما عرف عنها من موقف عقلاني مسؤول أن تضبط الشارع السني وأن تجعل الأمور تحت السيطرة ولكن ذلك قد لايستمر الى الأبد في ظل وضع مضطرب يحاول البعض إستثماره في إلحاق الأذى بنا دون وجه حق ودون مبرر " .
محنة تنتظر الشيعة العرب في العراق
هارون محمد - صحيفة القدس العربي 17/1/2006م(32/71)
عندما ينعي كنعان مكية وهو أحد نشطاء الشيعة السياسيين المتعاونين مع الدوائر الأمريكية منذ ثمانينات القرن الماضي، ما يسميه بـ (التشيع العراقوي) ولا يقول التشيع العربي في العراق، لأنه لا يطيق سماع كلمة عروبة أو عرب لاعتبارات تتعلق بمنهجه الفكري وغربته الاجتماعية، وينعي ايضا الحلم الشيعي في اقامة دولة ديمقراطية علمانية في العراق تتجاوز المحاصصات الطائفية والعرقية، كما أوضح ذلك في مقالته في صحيفة نيويورك تايمز الامريكية منتصف الشهر الماضي، فانه في الحقيقة ينعي مشروعه السياسي الذي جمعه مع احمد الجلبي وآخرين اصطلح علي تسميتهم بشيعة واشنطن، تمييزا لهم عن شيعة طهران، وتفريقا لهاتين الفئتين، عن الشيعة العرب وهم الاغلبية في العراق، فهذه المجموعة التي كان مكية منظرها وأبرز دعاتها، هي التي زينت للرئيس بوش شن حربه علي العراق واحتلاله، وبناء نموذج ديمقراطي يقوده هو وامثاله من اللبراليين، كما يسمون انفسهم تارة، والديمقراطيين أو العلمانيين تارة اخري وحسب الظروف.(32/72)
انه محبط مما جري في العراق، وليس للعراق عقب احتلاله، والفرق كبير بين التعبيرين، ومتشائم جدا من المستقبل كما يبين في مقالته، ويقول مرة اخري ان التشيع العراقوي فقد بوصلته السياسية وفرط بالامكانيات التي وفرتها له الولايات المتحدة الامريكية لتأسيس دولة ديمقراطية صحيحة، والغريب في المقالة انه يبريء بطريقة ملتوية الادارة الامريكية من أخطائها السياسية وجرائمها العسكرية، ويوزع انتقاداته علي الجماعات والاطراف الحزبية والسياسية التي استغلت فرصة التغيير، وبسطت نفوذها علي الاوضاع، وهذا المنطق هو محاولة مكشوفة للدفاع عن الاحتلال البغيض وسعي مفضوح لتبييض وجهه الاسود، وواضح ان السيد كنعان يريد ان يتغافل عن حقيقة لا تقبل الجدل وهي ان الاحتلال هو من جاء بهذه الجماعات والاحزاب والدكاكين، ونصب قادتها وأصحابها في الواجهة علي المنصات الرئاسية والمواقع الوزارية والتشكيلات الحكومية العسكرية والامنية والادارية، ابتداء من مجلس الفتنة الانتقالي، مرورا بالحكومة المؤقتة، وانتهاء بالحكومة الانتقالية الحالية، علما بان مكية نفسه كان جزءا من هذه الهيئات عندما شغل وظيفة عضو مناوب عن الجلبي في المجلس الانتقالي الذي كان اللبنة الأولي علي طريق المحاصصات الطائفية والعرقية، قبل ان يتفرغ الي تأسيس (مؤسسة الذاكرة) الغامضة التمويل والأهداف، ولابد من التذكير بان كنعان مكية يتحمل مسؤولية سياسية وأخلاقية وشخصية عما جري للعراق والعراقيين من تنكيل وتقتيل عقب الاحتلال، فهو اول من بشر الرئيس بوش خلال مقابلته له اواخر عام 2002 بصحبة السيدة رندة فرانكي ارحيم والدكتور حاتم جاسم مخلص بان العراقيين ينتظرون علي احر من الجمر قدوم القوات الامريكية وهم يستعدون لنثر الورود والرياحين علي الجنود والضباط الامريكان المحررين.(32/73)
وواضح ان مكية وهو يتحدث بلغة الهزيمة ولهجة الاحباط، مفجوع لانه لم يجد له مكاناً في الحالة السلطوية الراهنة، بعد ان ازاحته الاحزاب والاطراف الشيعية من موقعه كمنظر سياسي للشيعة، فهو في نظرها مجرد (شيعي افندي) يطل علي المشهد الشيعي في العراق من بعيد، ويحلم بصياغته وفق افكار حالمة لا تنسجم مع التطلعات الشيعية في الحكم والاستحواذ علي كل شيء والاقتداء بالنموذج الايراني..
ويقول احد قادة المجلس الاعلي للثورة الاسلامية انه سأل مكية في بغداد قبل عامين عن المرجع الديني الذي يقلده، فرد عليه كنعان بانه لا يقلد أحداً، فما كان من المسؤول المجلسي الا ان يخاطبه قائلاً: إذن انت لست شيعياً!(32/74)
وما يعانيه كنعان مكية من إحباط وخيبة أمل في ما حدث ويحدث في العراق، يواجهه ايضاً احمد الجلبي رفيقه في مسيرة التحريض علي الحرب واحتلال العراق، وهما للعلم من مدرسة سياسية واحدة، ويجمعهما منهج واحد واهداف مشتركة، فالجلبي هو عراب العلاقة بين الجماعات والاحزاب الشيعية الموالية لايران وبين واشنطن، وهو الذي فتح الابواب الامريكية امام المجلس الاعلي للثورة الشيعية ونظم الصلات بين المرحوم باقر وشقيقه عبدالعزيز والاجهزة الامريكية، وقاد موفدين عنهما امثال همام حمودي ومحمد الحيدري وعادل عبدالمهدي وحامد البياتي وغيرهم الي الدوائر الامريكية، وبعد ان ادي دوره كاملاً في هذا المجال، وجدت الاحزاب الشيعية ان الوقت قد حان لتهميشه وعزله شيعياً ولم تنفع محاولاته الانتهازية الطائفية في تأسيس البيت الشيعي ومن ثم المجلس السياسي الشيعي، فالقرار قد اتخذ وصدر عليه بالابعاد والإقصاء، ويقول احد مناصري الجلبي ان عبدالعزيز الحكيم حارب الجلبي في الانتخابات الاخيرة بطريقة انتقامية غريبة، وكأنه خصمه اللدود، ويضيف ان الجلبي نجح في حشد ثلاثمئة الف صوت مؤكد لصالحه قبل الانتخابات، وكان علي ثقة في الحصول علي ثمانية الي عشرة مقاعد نيابية لكتلته، غير ان تدخلات عبدالعزيز وضغوطه وتهديداته هزمت الجلبي شر هزيمة بحيث لم يحصل الا علي ثلاثة آلاف صوت في كل العراق، وتأكد ان الجلبي خرج من مولد الانتخابات بلا (حمصاية) واحدة، وآخر الاخبار عنه ان عبدالعزيز الحكيم بعث اليه موفداً يبلغه بانه حزين لسقوطه في الانتخابات وهذا مصير كل من لا يخضع لاوامره وتوجيهاته باعتباره قائد الشيعة في العراق، وان سماحته سيمنحه فرصة جديدة اذا عدل مواقفه وذلك بتعيينه وزيراً في الحكومة الجديدة مرشحاً عن الائتلاف.(32/75)
وما حدث لمكية والجلبي حصل للناشط السياسي الشيعي الآخر ليث كبة، الذي غادر حزب الدعوة منذ منتصف الثمانينات طارحاً نظرية جديدة تقوم علي تزاوج الحركة الشيعية مع الديمقراطية، ملمحاً بان الاحزاب الشيعية في العراق غير مؤهلة لقيادة تحولات أساسية علي صعيد البناء الديمقراطي والتعددية وضمان حقوق الانسان، وهي طروحات بشر بها في كثير من ندواته ومقالاته التي كتبها من واشنطن حيث يعمل هناك.
وعندما احتل العراق وتقدمت الطبقة الشيعية الحزبية والسياسية واحتلت المواقع الاولي في المشهد السلطوي، انتظر كبة اشارة اليه بالقدوم ولم يتحقق له ذلك، وبعد عام تفضل عليه ابراهيم الجعفري واستدعاه ليشغل وظيفة هامشية ناطقاً باسمه، ويقال ان الجعفري بتوظيف ليث صاحب الصلات الجيدة مع بعض مسؤولي وزارة الخارجية الامريكية، قصد تمتين علاقاته هو معهم وايضاح جاهزيته للتعاون مع الامريكان الي اقصي الحدود، غير ان المشكلة التي حدثت كانت في ان كبة وجد نفسه في مكان غير مؤهل نفسياً وسياسياً لاشغاله، وفشل في الانسجام مع الجعفري الذي راح يستخدمه في ابتزاز القيادات الكردية وخصوصاً جلال طالباني الناقم علي ليث منذ سنوات اعتقاداً منه بان للاخير تحريضات ضد الفيدرالية الكردية في بعض الاوساط والمراكز الامريكية.
وعندما اراد كبة تجريب حظه في الانتخابات الاخيرة وخاضها في قائمة خاصة به (السلام الوطني) كانت النتيجة انه لم يحرز غير اصوات معدودات، واكتشف مثل الجلبي ان الحكيم هو الذي اسقطه، فشد الرحال عائداً الي مربض فرسه في واشنطن.(32/76)
إن ايراد حالات هذه النماذج الشيعية وعرض مساراتها ومواقفها، خيباتها واحباطاتها، وهي التي حملت المشروع الامريكي الاحتلالي علي اكتافها ومهدت السبل وهيأت الوسائل لتسلط القيادات والاحزاب الشيعية علي الحكم، وهيمنتها علي الوسط الشيعي، يعطي دلالات واضحة بان كل شيعي لا يلتزم بما يقرره القائد عبدالعزيز طباطبائي الحكيم لا دور له ولا مكان مستقبلاً، وكل شيعي لا يؤمن بتقسيم العراق وانشاء اقليم شيعي في وسطه وجنوبه ليس شيعياً كاملاً، وانتظروا معركة كسرعظم جديدة تطل برأسها حالياً بين الصدريين وميليشيات عبد العزيز، أما النخب الشيعية العربية، الفكرية والثقافية والاكاديمية والاجتماعية والعسكرية والفنية والرياضية والقبائل والعشائر في محافظات الفرات الاوسط والجنوب، فانها علي ابواب محنة، اما الخضوع والانقياد لقرارات طباطبائي وطاعته بلا نقاش أو الاجتثاث، فآخر المعلومات تؤكد ان الحكيم شكل لجاناً سرية في رصافة بغداد ومحافظات الحلة وكربلاء والنجف والديوانية والسماوة الناصرية والكوت والعمارة والبصرة مهمتها اجتثاث كل شيعي عراقي عربي لا يؤمن بمرجعية الحكيم السياسية، التي بدأ الحديث عنها يتسع هذه الايام، واعلانها بات قريبا.
التيار الصدري يكشف عن حقيقته
د. رائد حموشي ـ العراق
الوطن العربي ـ العدد 1508 ـ 27/1/2006
هل كان العراقيون بحاجة إلى التطور الأخير بدخول التيار الصدري إلى قائمة الائتلاف العراقي ليدركوا مدى الأكذوبة الكبرى التي حاول الكثيرون إقناعنا بها وهي مقاومة التيار الصدري ورفضه الاحتلال الأميركي للعراق، وابتعاده عن أي عمل سياسي يجري في ظله!! هذا التيار الذي قام على أكاذيب واهية وادعاءات باطلة، وأسس جيش المهدي لتكون مهمته ـ بدلا من مقاومة المحتل والعدو الحقيقي ـ القمع والتنكيل بأبناء السنة بمشاركة قوات الأمن الحكومية في مسلسل التطهير الطائفي المحموم الذي تمارسه منذ استلامها للسلطة.(32/77)
وطيلة الفترة الماضية بقي الكثيرون وفي مقدمتهم الكاتب الفاضل سمير عبيد يراهن على تيار الصدر، وظلت هيئة علماء المسلمين واقعة في شراك الفخ الذي نصبه لها الصدريون وأتباع المرجعية بعناية فائقة وبقيت تغازل تيار الصدر في كل المواقف وتتبعه أينما يولي وجهه (الظاهر فقط)، وتتفاخر به تيارا شيعياً عروبيا يشاركها موقفها الرافض للاحتلال!!
وعلى الرغم من المشاركة الفعلية لتيار الصدر في الانتخابات الماضية وفوزه بعدة مقاعد يرأسها فتاح الشيخ، إلا أن الكثيرين تعلقوا بالمقولة القائلة إن هؤلاء لا يمثلون مقتدى الصدر وإنما هم بعض المنتمين إلى تياره (كذا) وإنه ما زال على موقفه الرافض للاحتلال ومعه كل الخيرين والطيبين... ووقتها طبل وزمر العديد من رموز الساحة الذين انطلت عليهم الحيلة واقتنعوا بهذه المقولة المضحكة والمثيرة للسخرية، وفي مقدمة هؤلاء قادة هيئة علماء المسلمين الذين لم يدركوا إلى الآن الدور الخبيث الذي لعبته القوى الشيعية في شق صفوف السنة عن طريق السيد مقتدى!! فقد تسلل هو والدراجي والأعرجي، ومعه كل الأبواق المأجورة ليدفعوا بالهيئة ورموزها ومعهم جموع غفيرة من أهل السنة ليقاطعوا الانتخابات وينسحبوا من الميدان ويكتفوا بالشعارات الرنانة التي لا تسمن ولا تغني من جوع، في الوقت الذي كانت تعاليم الصدر الحقيقية تملأ فيه شوارع العراق، أن لا تفوتوا الفرصة التاريخية بتسلم السلطة وإعادة الحق المغتصب للشيعة!!
عملت تلك القوى بذكاء (والحق يقال) على بعثرة جهود السنة وإبعادهم عن المشاركة وبالتالي ترك قيادة الدولة للشيعة والأكراد ليستفردوا بالحكم ويمارسوا حكما طائفيا شوفينيا وحشيا لم نر له مثيلا وكفى بعذاب الدريل نموذجا.(32/78)
والآن وبعد المرحلة البائسة التي لا نزال نعاني من آثارها غير المنتهية... يعود السيد المجاهد ليمارس ذات الدور، يدفع بأتباعه ليعلنوا اتفاقهم مع الائتلاف الذي يقوده الحكيم وتباركه المرجعية الصامتة بزعامة السيستاني، ولتضمن حصتها من الحكومة المقبلة وفي ذات الوقت يدفع بذات الوجوه الماكرة لتتصدر الشاشات منددة بالاحتلال ورافضة للعمل السياسي وداعية إلى مقاطعة الانتخابات!! وإلا..
ما الذي جمع الحوزة الصامتة، والناطقة المجاهدة الآن، وكيف وعلى أي أساس دخل تيار الصدر في قائمة الائتلاف؟! وما الذي تغير حتى يتحدث رموز هذا التيار عن التغيير والتحرير عبر العمل السياسي؟! وما هو الثمن الذي قبضه التيار حتى يجالس مقتدى الصدر، عبد العزيز الحكيم ويتباحثوا بينهم؟! وماذا يقول المطبلون لتصريحات الحكيم لقناة الحرة والتي أكد فيها طاعة الصدر للمرجعية، وفشل جهود شق الصف الشيعي؟!
ثم هل خرج المحتل؟! أم هل تمت جدولة الانسحاب؟! أليست حكومة الائتلاف هي من طلب تمديد بقاء قوات الاحتلال، فكيف يضع السيد يده بيد رموز الحكومة وهم يطيلون أمد الاحتلال بسياستهم الطائفية الواضحة وبطلبهم المتكرر بقاءهم على أرض العراق ومساعدتهم على ضرب المقاومة العراقية الوطنية؟! وأين ذهب جهاد جيش المهدي المزعوم؟ هذا الجهاد الذي دفع المخلصون ممن انخدعوا بشعارات مقتدى وأتباعه ثمناً باهظاً جراءه؟ هذا الجهاد الذي تحول عن المحتل إلى مطاردة ذوي الشعور الطويلة وإعلان حكمهم المتخلف على مدينة الصدر، ومشاركة الحرس الوطني في مداهماته ضد أبناء السنة وقتلهم وتعذيبهم بأشد الوسائل وحشية وقسوة...(32/79)
لا يا سيد سمير، ويا هيئة العلماء الذين لا تزالون لا تفقهون ما يدور حولكم!!.. أفيقوا اليوم قبل فوات الأوان.. إن العراق لا يزال محتلا والسيد المجاهد يعلنها صراحة أنه قد خدع الجميع، وإن المعدن الحقيقي لهذا التيار التآمري قد بان دون لبس أو غموض، فهذا الرجل لا يتوانى عن وضع يده مع من قتل أهله وأبناء شعبه بمجرد أن تعرض المكاسب والمغريات أمامه.. وإن أكذوبة كبرى اسمها مقاومة التيار الصدري قد افتضح أمرها ولم تعد تنطلي على أحد.. واللبيب من الإشارة يفهم.. والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين...
الدعم الإيراني والتيار الصدري حسما الموقف لصالح الجعفري
معركة رئاسة الحكومة العراقية تشق الائتلاف الشيعي
الملف نت 15/2/2006
ذكرت مصادر وثيقة الصلة بالائتلاف العراق الموحد ان معركة التمثيل الشيعي بدأ التحضير لها منذ الآن وان هذه المعركة ان عاجلا واجلا ستندلع بين القوتين الشيعيتين الرئيستين داخل الائتلاف وهما المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق والتيار الذي يقوده الزعيم الشيعي الشاب مقتدى الصدر .
وأوضحت المصادر ل ( الملف نت ) ان المعركة بين الطرفين حتى الان اتخذت سياق اعلامي وسياسي ولكنها ستتحول خلال الاشهر القادمة الى صراع عسكري.
ومعلوم ان الطرفين الشيعيين القويين يملكان ميليشيا كبيرة وهما ميليشيا بدر التابعة للمجلس الاعلى وجيش المهدي التابع للزعيم الشيعي الشاب مقتدى الصدر.
وكشفت المصادر ان الصراع اشتعل بين الطرفين على ضوء نتائج التصويت على منصب رئيس الوزراء التي تنافس فيها مرشح المجلس الاعلى نائب رئيس الجمهورية عادل عبد المهدي ومرشح حزب الدعوة المدعوم من التيار الصدري رئيس الوزراء ابراهيم الجعفري .
وفاز الجعفري في التصويت بـ64 صوتاً مقابل 63 صوتاً لمنافسه عبد المهدي ، وجاء اختيار الجعفري على خلاف التوقعات بفوز عادل عبد المهدي بالمنصب.(32/80)
ونبهت المصادر ان الزعيم الشاب قد ابلغ الكتلة الصدرية قبل 24 ساعة من اجراء التصويت بالانسحاب من الائتلاف في حال فوز عبد المهدي بالمنصب ، الامر الذي دفع بارجاء التصويت لمدة 24 ساعة خشية حدوث انشقاق داخل الائتلاف ، وفي الليلة التي سبقت حدوث التصويت تم التحرك على عدد من اعضاء الائتلاف وممارسة ضغوط واغراءات من اجل دفع كفة التصويت اذا ما جرت ان تصبح لصالح الجعفري .
وكشفت المصادر ان الزعيم الشاب قام في الاسبوع الماضي وقبل اجراء عملية التصويت بابعاد رئيس الكتلة الصدرية حسن الربيعي ودفعه لعدم حضور مشاورات الائتلاف لاختيار رئيس الوزراء بعد تسرب شائعات ان الربيعي يتعاطى مع الامور دون اخذ التعليمات من الزعيم الشاب .
وأضافت المصادر ان الربيعي نفسه هو الذي غاب عن جلسة التصويت داخل الائتلاف .
وأشارت المصادر الى ان نصائح عدة قدمت لمنافس الجعفري الرئيسي، عبد المهدي، بعدم القبول بتولي اي منصب رسمي في الحكومة المقبلة والبقاء داخل البرلمان كـ"رئيس وزراء ظل"، يمكن ان يتولى رئاسة الوزراء في اي لحظة خلال السنوات الاربعة المقبلة في حال سحب ثقة البرلمان من الجعفري. سيما وانه حال اختيار الجعفري كمرشح لرئيس الوزراء طلب منه الائتلاف ان يضع استقالته منذ الان غير مؤرخة بيد الائتلاف حتى تستطيع كتلة الائتلاف تقديمها في اي وقت ترى فيه ان الجعفري خرج عن توجه الائتلاف ككل وانحاز لبعض مكوناته .(32/81)
ورجحت المصادر احتمال ان يخفق الجعفري بتشكيل حكومته فيضطر الائتلاف الى تغييره . وقالت انه مع ترشيح الجعفري لرئاسة الوزراء اصبح مشوار تشكيل الحكومة طويلا، سيما وان الاكراد الشريك الذي لابد منه في الحكومة المقبلة لديهم تحفظاتهم على الجعفري. ومع ان قائمة التحالف الكردستاني اظهرت في اول ردود فعلها على اختيار الجعفري بأنها "تحترم قرار قائمة الائتلاف اختيار الجعفري رئيسا للوزراء" كما اكد ذلك عضو البرلمان الجديد من قائمة التحالف الكردستاني محمود عثمان، الا ان الامتعاض من اختيار الجعفري برز بشكل غير مباشر من جانب الرئيس جلال الطالباني عندما أعلن في المؤتمر الصحافي الذي عقده مع السفير الاميركي زلماي خليل زاد، بعد ساعات من اعلان الائتلاف ترشيحه للجعفري، رفض قائمة التحالف الكردستاني للاشتراك باي حكومة ترفض القائمة العراقية التي يرأسها أياد علاوي.
واضاف الطالباني "ان بعض الاطراف تقول ان اشتراك قائمة علاوي هو خط احمر بالنسبة لهم ونحن نجيبهم بان قائمة الاتحاد الكردستاني تضع خطاً احمر لمن يضع خط احمر على القائمة العراقية".
اضاف "حتى تكون الحكومة حكومة وحدة وطنية حقيقية يجب عدم استثناء احد.. ان المفاوضات مع الائتلاف توقفت وتعطلت بسبب شرطهم استثناء قائمة علاوي".
ومعروف ان التيار الصدري الذي دعم اختيار الجعفري لرئاسة الحكومة هو من ابرز الذين يضعون "خطا أحمر" على مشاركة علاوي واعضاء بارزين في قائمته في الحكومة المقبلة.
ويعرب احد السياسيين المقربين من الطالباني عن اعتقاده "لو اختار الائتلاف غير الجعفري لرئاسة الوزراء ربما لم يظهر الطالباني هذا الموقف الحاد بشأن مشاركة قائمة علاوي".
وأكدت المصادر " ان المفاوضات لتشكيل الحكومة لازالت تراوح مكانها بسبب تشدد عدد من مفاوضي الائتلاف في مسألة استبعاد قوائم من المشاركة في الحكومة المقبلة وقصرها على ثلاث قوائم هي الائتلاف والتحالف والتوافق " .(32/82)
وكانت قوى سياسية عديدة اعربت عن تحفظاتها لترشح الجعفري ، وأكد أمين عام الحزب الإسلامي العراقي طارق الهاشمي عن تحفظه لترشيح إبراهيم الجعفري لرئاسة الوزراء واصفا أداءه بالضعف خلال الأشهر العشرة الماضية.
وتوقعت المصادر ان مركز الثقل في مناطق التوتر سينتقل من مناطق غرب العراق الى مناطق جنوب العراق والى مناطق نفوذ التيار الصدري في بغداد .
وكشفت المصادر " ان فوز رئيس الوزراء المنتهية ولايته ابراهيم الجعفري بترشيحه من قبل الهيئة العامة للائتلاف العراقي لولاية ثانية أمدها اربعة سنوات اثارت مخاوف العديد من القوى السياسية العراقية فضلا عن الدبلوماسيين الامريكيين والبريطانيين " .
وذكرت هذه المصادر ان هذه المخاوف عكست نفسها على تصريحات ادلى بها عدد من القادة السياسيين العراقيين وكذلك السفير الامريكي في بغداد .
وأضافت هذه المصادر ان مصدر اثارة المخاوف يبرز من ادراك صار يسود الجميع من ان تولي الجعفري لرئاسة الوزراء سيؤدي حتما الى زيادة نفوذ التيار الذي يقوده الزعيم الشاب مقتدى الصدر الذي دعم بقوة في التصويت لصالح الجعفري في الانتخابات التي جرت داخل الائتلاف العراقي . وقالت " ان هذه المواقف والتداعيات هي في حقيقتها لا تنطلق من الاكئتاب الذي اصاب بعض القوى السياسية التي لديها تحفظات على اداء الجعفري من استمراره في موقعه لاربعة سنوات قادمة بقدر ما كانت تعبيرا عن الخشية من تنامي قوة التيار الصدري الذي عادة ما توصف بمواقفه بالراديكالية المتشددة " .(32/83)
ومعلوم انه لشهور عديدة فقد مارس أتباع الزعم الشاب تصرفات حذرة ضد مظاهر تنم عن ثقافة غربية مثل صالونات قص الشعر ومحلات بيع الموسيقى ومحلات بيع الخمور وفي محافظة ميسان على سبيل المثال تم تغيير السبت باعتباره عطلة رسمية إلى الخميس . كما مارس المتشددون في التيار الصدري ضغوطا على الاختلاط بين الجنسين في الجامعات العراقية التي يتزايد فيها نفوذهم كما بدأوا حملة لفرض لبس الحجاب على الفتيات في المدارس التي تقع ضمن مناطق نفوذهم .
وأشارت المصادر ان هذه المخاوف تعززت بعد تسريب معلومات من جانب اعضاء في الائتلاف من ان الجعفري حصل على تأييد الصدريين له بعد ان قطع لهم تعهدات باغلاق جميع الدعاوي المقامة ضد عدد من قيادات التيار فضلا عن تعهد الجعفري للتيار الصدري بابعاد القائمة العراقية الوطنية عن الحكومة المقبلة كما يتردد وجود مساومات واتفاقات حول حصول الصدريين علي مناصب مهمة .
وأوضحت المصادر ل ( الملف نت ) ان السفير الامريكي في بغداد اطلق مجموعة تصريحات لوسائل اعلام امريكية اي انها بالاساس موجهة للرأي العام الامريكي محورها ان تشكيل حكومة عراقية على اسس صحيحة اهم من الاسراع في تشكيلها وهذا معناه ان ضغوط كبيرة ستمارس من اجل تشكيل حكومة تحظى بتمثيل واسع من القوى السياسية العراقية .
ولفتت المصادر الى ان مجلس الامن الدولي دعا في بيان تلاه المندوب الامريكي جون بولتون الذي يرأس المجلس خلال الشهر الجاري، الى تشكيل "حكومة لا تستثني احدا فعلا تسعى الى بناء عراقي سلمي ومزدهر وديموقراطي وموحد".
وكشفت المصادر من ان هذه الخشية عكست نفسها على الارض عندما لم يحضر مسؤولون امريكيون في الاجتماع الاسبوعي التنسيقي الذي عقد الاثنين الماضي مع مجلس مدينة الصدر الذي يسيطر عليه التيار الصدري على عكس الاجتماعات الاسبوعية السابقة التي كان يحرص المسؤولون الامريكيون على حضورها .(32/84)
وذكرت المصادر ان عدم الحضور في الاجتماع الاسبوعي من قبل الامريكيين لم يكن المؤشر الوحيد على الارض وانما ارتبط به ايضا قيام الامريكيين بحملة اعتقالات حصلت في ساعة متاخرة من مساء الاثنين في منطقة الحيدرية لعدد من المطلوبين في التيار الصدري في النجف .
وأعربت المصادر عن خشيتها من تفجر الاوضاع في مدينة الصدر في بغداد وانتقال المعارك الى الجنوب خلال الاسابيع القادمة بسبب الملاحقات الامريكية والبريطانية التي قد تطال الناشطين من التيار الصدري في عدة مدن عراقية . وقالت المصادر ان مثل هذا التحول قد يلقى تشجيعا من بعض الاوساط السياسية العراقية للحد من نفوذ التيار الصدري .
كما أشارت ان زهو الانتصار الذي شعر به التيار الصدري عبر قلب معادلة ترشيح رئيس الحكومة كما اراد ولا سيما في ظل المعلومات التي تشير الى تنامي الدعم الايراني له على حساب منافسه المجلس الاعلى قد تجعله ان يبدأ بمعركة التمثيل الشيعي عبر محاولة الاطاحة بنفوذ المجلس الاعلى الذي يسيطر اتباعه على مجالس المحافظات في كل من بابل وذي قار والقادسية وكربلاء والمثنى والنجف وبالتالي دفع انصار التيار الصدري لتولي مقاليد الامور في هذه المحافظات .
ولم تستبعد المصادر ان يبدأ الصدريون محاولة حسم التمثيل الشيعي من البصرة التي يسيطر على مراكز الحكم فيها اتباع حزب الفضيلة الذي زعيمه الشيعي اية الله محمد اليعقوبي احد تلامذة والد مقتدى وانشق على التيار الصدري بعد ان تولى الزعيم الشاب مقتدى الصدر قيادته ، اذ ان اليعقوبي يعتبر نفسه اكثر تأهيلا على مستوى التحصيل الديني الذي بلغه اكثر تأهيلا من مقتدى على قيادة التيار التابع للصدر الثاني والد مقتدى .(32/85)
وأكدت المصادر ان البدريين الذين امتصوا الهجمات التي وقعت عليهم من قبل جيش المهدي في الصيف الماضي وفضلوا عدم الانجرار الى معركة يكون فيها الخاسر الاكبر وحدة الصف الشيعي ، صاروا على يقين انهم على موعد مع معركة قادمة ولابد ان يستعدوا لحسمها لصالحهم ، ولاسيما ان اطرافا سياسية شيعية وغير شيعية تشجع على ذلك .
السيد السيستاني... وأنظمة المرور!
د.رائد حموشي ـ العراق
الوطن العربي 3/2/2006
لم أكن أعرف أن السيد السيستاني (دام ظله) مثلنا يعلم أن هناك أنظمة للمرور يجب التقيد والالتزام بها إلا قبل عدة أسابيع من الآن حين أفتى أطال الله بقاءه بوجوب تقيد المواطنين بتلك الأنظمة والتي يؤدي عدم مراعاتها إلى إلحاق الضرر بالنفس والمال!! كما أوصى ـ في جواب على استفتاء تقدم به منتسبو مرور محافظة النجف لبيان الحكم الشرعي في هذه القضية الحساسة والحرجة ـ بضرورة التعاون مع القائمين على هذا الشأن خصوصاً في المرحلة الراهنة لتجاوز حالة الفوضى والتسيب!!
وقد أصابتني الدهشة وأنا أقرأ هذا الكلام، وذلك لسببين:
الأول: أن السيد لم يزل قابعاً في داره منذ سنوات لا يبرحها ولا يعلم ما الذي يحدث خارجها، وربما لم ير سيارة ولا طائرة إلا يوم وقف وقفته المشهورة من أحداث النجف بفراره إلى لندن بحجة العلاج (وهو الذي لم ير بغداد في حياته) وليترك وقتها أبناء المذهب والمقلدين يُقتلون بدم بارد على أيدي قوات الاحتلال ومن تبعها من قوات علاوي حينذاك!!
والسبب الثاني: أن المرجعية العليا ارتضت لنفسها أن تنحدر في اهتماماتها لتتدخل في أتفه الأمور وأهونها تاركة عظائم الأمور وأكثرها أهمية، فالسيد (مثلاً) يحرص على الدماء من أن تراق بسبب حوادث السيارات ولا يكلف نفسه عناء الاهتمام بدماء الآلاف الأبرياء الذين تطحنهم آلة الحرب الأميركية المحتلة الغاشمة!!(32/86)