وكادت جلسة أمس أن تسجل جدلا منذ بدايتها، بعدما ذكر الناطق باسم كتلة المستقلين، عبد الله الدوسري، ان البلاد تشهد تزايدا في المسيرات و"عدم قانونية بعضها"، بيد انه أكد احترامه لحق حرية التعبير وفقا للدستور والقانون، قبل ان يطالب بإصدار بيان يحترم هيبة الدولة والقانون في هذه المسيرات.
لكن النائب الشيعي، الناطق باسم كتلة الوطنيين الديمقراطيين عبد النبي سلمان، انبرى له وطالبه بتأجيل مقترحه إلى نهاية الجلسة «بسبب الخلافات حوله وحساسيته».
وبعد مناقشة موضوعات مختلفة استمرت خمس ساعات، أعلن النائب الأول للبرلمان، الذي ترأس جلسة أمس، للأعضاء ان سبعة نواب «ينتمون إلى كتلتي الأصالة السلفية والإخوان المسلمين ومستقلين»، تقدموا باقتراح بصفة مستعجلة لاستصدار البيان.
وعلى الفور وقف سلمان الذي يعد احد أبرز الوجوه الشيعية في المجلس، وأعلن عدم موافقته على البيان، وشدّد على حق التظاهر السلمي، بعدما اعتبر مسيرة الوفاق حضارية، ولم تخرج على القانون، محذرا من «انعكاسات إغلاقها على سمعة البحرين الإقليمية والدولية».
ورأى أن يكون مجلس النواب أداة تهدئة وليس تصعيداً، مؤكدا الحاجة إلى العقلانية في التعاطي مع الشأن الداخلي، واصفاً تحرك الحكومة بأنه «مبالغ فيه»، وقال انها ليست بريئة من التصعيد. ودعا النواب إلى التأمل في البيانات لأنها «تشجع على الاحتقان».
واتفق الدكتور عبداللطيف الشيخ (الإخوان المسلمين) وأحد المطالبين بإصدار بيان، مع سلمان، في إصدار بيان متوازن، لكنه اعترض على طرح مضمون البيان للمناقشة.
لكن عضو الكتلة الإسلامية الشيعية، الشيخ عبدالله العالي، رفض عدم المناقشة، وأكد ان الاقتراح يتعلق بالمصلحة الوطنية «فكيف تتم الموافقة عليه من دون مناقشته». بيد ان زميله محمد آل عباس، خاطب النواب قائلا «لا يجوز أن نؤسس لأعراف وتقاليد تنال من حرية التعبير (...)، نحن مع سلمية ودستورية المسيرات».(21/91)
وطالب عبدالهادي، وهو رئيس كتلة الوطنيين الديمقراطيين، بعدم تحويل قبة البرلمان إلى مكان للاستنكار والشجب، ودعا إلى الابتعاد عن الاقتراحات التي «تؤجج الساحة السياسية».
غير ان الاعتراضات الشيعية لم تغير قناعات النواب الذين صوتوا بالغالبية على بيان أكد حرية إبداء الرأي في الشأن السياسي من خلال المسيرات والاعتصامات وغيرها، لكنه دعا في الوقت ذاته إلى «عدم اللجوء إلى أساليب التصعيد والخروج على القانون وانتهاك هيبة الدولة من دون اعتبار للظروف المحيطة والتحديات التي تشهدها المنطقة».
ودعا إلى ضرورة صيانة الشرعية الدستورية، واعتبر مجلسي الشورى والنواب هما المعنيان بالتعديلات الدستورية «التي تطالب بها المعارضة». يشار إلى ان هناك 12 نائبا شيعيا في البرلمان من أصل 40، بسبب مقاطعة «الوفاق» الانتخابات النيابية احتجاجا على وجود «شراكة تشريعية لمجلس الشورى».
د. عبد اللطيف المحمود عضو لجنة صياغة الميثاق البحريني
الوطن العربي العدد 1426 - 11 /3/2005
س :البعض يتخوف من تأثير الأزمة الدستورية الحالية على التنوع الإثنى الموجود في المجتمع ( البحريني ) ؟(21/92)
ج : البحرين حتى أوائل الستينيات لم تكن الحركة الإثنية بها تسبب أي مشكلة، وكانت الطائفة الشيعية حتى ذلك الوقت لا تبلغ 40 وذلك حسب الإحصاءات التي نفذتها سلطات الاحتلال الإنجليزية، لكن الذي حدث بعد ذلك أنه منذ ما قبل الثورة الإيرانية بعقد كامل أو أكثر كان هناك توجه شيعي عام يتجاوز حدود البحرين ليشمل دولا أخرى في الخليج بالإضافة إلى لبنان ويعمل على أن يصبح الشيعة أكثر عددا في تلك المناطق، ومن بين عمليات "التكاثر" التي اعتمدوها أن كثيراً من الشيعة الذين جاءوا من إيران تم تجنيسهم وهم من العجم وليسوا من العرب، وكانت هناك حركة مدروسة في تلك المجتمعات لزيادة النسل عن طريق تعدد الزوجات والأخذ بزواج المتعة المعروف في مذهبهم، وكانت هناك شعارات واضحة لا تقبل الجدل ويرددونها كثيراً في مجالسهم ومن بين تلك الشعارات "بالعلم والعدد سنحكم البلد"، وهذا مكتوب في أدبياتهم، والحركة الشيعية العالمية إذن كانت تعمل على زيادة العدد والاهتمام بالنوع أيضا حيث صاحب ذلك تحرك لتحسين تعليم الشيعة والرفع من قدراتهم العلمية ومحاولة السيطرة على المجال الاقتصادي، كل هذه الخطط دفعت بالفعل إلى زيادة أعدادهم لكنها لا تصل أبداً إلى ما يدعونه حاليا من أرقام والمناطق التي تعيش فيها كل طائفة معروفة بتعدادها وتطور نموه خلال الفترة الأخيرة.
وإذا حاول البعض اللعب على هذا التنوع فسيخسر الجميع، والمجتمع البحريني قائم منذ قديم الأزل على هذا التنوع وهناك تناغم صحيح بين جميع الطوائف والملك حمد بن عيسى حاكم البلاد هو صمام الأمان الذي يتمسك بشدة بالتوحد القائم الذي عاشت عليه البحرين طوال تاريخها حيث لا توجد فروقات بين المسلم الشيعي والمسلم السني والكل يعيش في وئام.
خطاب الشيخ
سميح المعايطة - الغد 10/3/2005(21/93)
لو كان هدير خطاب حسن نصرالله رئيس حزب الله الذي شهده العالم يوم الثلاثاء قبل ثلاث سنوات من الآن لكان له من المصداقية والاحترام ما غاب عن خطاب الثلاثاء, فالزئير وتهديد امريكا بالهزيمة وتدمير أساطيلها لا قيمة له بعد الموقف غير القومي الذي وقفه حزب الله من الاحتلال الامريكي للعراق, وانحيازه لخيار مرجعياته في طهران والعراق الذين ساقوا اتباعهم من الشعب العراقي لاضفاء شرعية على انتهاك امريكا لسيادة دولة عربية مسلمة, بل وكانوا جزءا من ادواته السياسية وحتى العسكرية حينما شارك زملاء نصرالله في حزب الدعوة في العدوان على اهالي الفلوجة ورجال المقاومة فيها.
فأمريكا التي يهددها حسن نصر الله بالدمار والهزيمة لقيت من مرجعيات نصرالله كل الحفاوة في العراق, وتحالفت مع (دولة الثورة الاسلامية) ورموز الشيعة في العراق, واكبر الفتاوى اخرجها السيستاني بمنح مفتاح نار جهنم لمن لا يشارك في انتخابات تحت ادارة بساطير المارينز، وعجزت الفتاوى عن مقاومة المحتل والشيطان الاكبر, ولهذا فلا قيمة حقيقية لتهديد الشيخ نصرالله الا اذا كانت امريكا القتل في العراق ليست امريكا التي هددها.
وخطاب نصر الله والحشود التي شهدتها ساحة رياض الصلح في بيروت يوم الثلاثاء لا تختلف عن خطابات الانظمة العربية, فهذا الحشد تسديد فاتورة بالنيابة عن طهران تجاه سورية, حيث تقتضي البراغماتية والانتهازية الايرانية ان تختفي ايران في القضية السورية, اما مئات الالوف فهم نتاج انضباط شيعة لبنان لمرجعيتهم وليسوا بالضرورة مؤيدي سورية, وربما يكون لوجود مليون عامل سوري في لبنان تأثير في هذا الحشد، فضلا عما ذكرته بعض الجهات من عمليات نقل تمت من قبل السلطات السورية للآلاف الى الساحة.(21/94)
لكن اكبر مغالطات الشيخ انه يصر على ان انسحاب قوات دمشق يتم وفق اتفاق الطائف, متناسيا ان احترام هذا الاتفاق كان يعني انسحاب سوريا عام 1992 وانه لولا الانصياع السوري للشروط الامريكية لما تم الانسحاب بهذه السرعة, وسنصحو جميعا مع الشيخ قريبا وليس في لبنان جندي سوري, وهذا ليس استجابة لاتفاق الطائف الذي يحاول الشيخ من خلاله تبرير استجابة سورية وحلفائها لشروط واشنطن.
يقول الشيخ ان شارون احتل بيروت عام 1982 وان حافظ الاسد حمى هذه العاصمة, ولا ندري اي حماية يقصدها نصرالله، وقد تركت سورية شارون يعيث فسادا وقتلا في الشعبين اللبناني والفلسطيني ونفذ مع اتباعه من الكتائب مجزرة صبرا وشاتيلا, ودمر بعدوانيته بيروت ومدنا اخرى حتى اخرج منظمة التحرير الى البحر. وفي تلك الحرب لم تتحرك القوات السورية في لبنان والتي وصل عددها الى اكثر من (30) ألف جندي حتى للدفاع عن نفسها, وصمتت المدافع والطائرات والصواريخ السورية وتركت الشعب اللبناني يواجه العدوان والتدمير، الا اذا كانت دمشق في حينها ترى في الاجتياح الصهيوني توقيتا غير مناسب للحرب.(21/95)
نحن لا ننكر انجاز حزب الله وتحرير جنوب لبنان من الاحتلال الاسرائيلي؛ ولكن الشيخ نصرالله يمارس نوعا من التضليل الذي تمارسه بعض الانظمة حينما يعلن ان سورية حمت لبنان في مواجهة عدوان شارون, والشعب اللبناني الذي ذاق عدوان قوات الاحتلال الصهيوني لم يشهد معركة عسكرية بمشاركة قوات النظام السوري حتى عندما وصلت القوات الصهيونية الى مسافة محدودة من دمشق, وهذا ما فعله احد قادة المقاومة الفلسطينية عندما الف كلمة في تأبين حافظ الاسد وحمله مسؤولية انتصار الامة وصمودها, لكن ذلك القائد معذور في حينها لحداثة التجربة وليس مثل الشيخ نصرالله الذي أطلق عواطفه ويخلط بين مصالح حزبه وموقفهم من النظام وايران وبين حقائق التاريخ, الا اذا كان هناك حروب جرت (سرية) مثل المفاوضات والتفاهمات السرية التي تحكم معادلة قوى ودول ثورية مع اسرائيل, بل ان ارض الجولان المحتلة لم تشهد اي طلقة حتى للمشاغبة!!
وربما يكون احد اسباب غضب ايران واتباعها في المنطقة ان الادارة الامريكية لم تقدر المواقف التي ساندتهم في حربهم على العراق, لكن واشنطن تعامل الاصدقاء والحلفاء والمتطوعين لخدمتها وفق منطق (زواج المتعة) الذي تفهمه طهران جيدا, فالعلاقة تنتهي بزوال الخدمة, لهذا فإن مصلحة امريكا واسرائيل ان تنزع كل الاسلحة وان تعيد هيكلة الواقع السياسي لبعض الدول. ولم يشفع لحزب الله انه وقف ضد المقاومة في العراق ومارس صمتا طائفيا لمصلحة الانخراط في مؤسسات الاحتلال من حكومات وانتخابات الى حد معاقبة مقتدى الصدر الذي فكر بطريقة عربية لكن الجميع اعادوه الى حظيرة المصالح الايرانية.(21/96)
وحتى قصة الاتفاقات والمعاهدات مع اسرائيل فعلى الشيخ ان لا ينسى ان سورية مثل غيرها من الانظمة العربية تقبل بالتسوية, وانها مؤخرا اعلنت استعدادها غير المشروط للتفاوض مع اسرائيل التي تجاهلت هذه الايجابية السورية وان ما يتم التخويف منه من اتفاق تسوية بين لبنان واسرائيل يمكن ان يحدث مع سورية, لكن المشكلة ان دمشق تريد لبنان ورقة تفاوضية دون رفض للتسوية وقرارات الامم المتحدة والتطبيع بعد التوقيع.
من حق اللبنانيين ان يتظاهروا رافضين او مؤيدين لوجود القوات السورية, لكن المشكلة في الانفعال المتكلف الذي يمارس من البعض, ولم يستطع حزب الله ان يبقى في دائرة الحكمة ومحاولة اطفاء التوتر في لبنان لأن عليه التزامات وفواتير لا بد ان يسددها لمرجعيته في ايران حتى وان كانت استنزافا لرصيده الذي جمعه في المقاومة, حتى اصبح مثل اذاعة رسمية يبرر الانصياع لشروط امريكا باتفاقات مضى على افتراض تطبيقها عقود وسنوات, وستبقى القضية العراقية المسمار الاهم في مصداقية قيادة حزب الله وحقيقة موقفها من الشيطان الاكبر تماما مثلما جدث لدولة يقول اصحابها انها ثورة اسلامية ملأت الدنيا ضجيجا بشتم امريكا التي اصبحت حليفا عندما وصلت الى حدود طهران.
ليس هناك من عربي صادق يحب امريكا ويقبل بسياساتها العدوانية الا من يعرفهم الشيخ, لكن من الظلم ان يختبئ البعض وراء شتم امريكا لتبرير سياساته ومواقفه وخطاياه حتى تلك المواقف التي يتم التوافق عليها مع امريكا وربما تستفيد منها اسرائيل.
مساع لإطلاق «صوت شيعي ثالث»
بيروت الحياة 1/4/2005
علمت «الحياة» ان مجموعة من الفعاليات والشخصيات الشيعية بدأت التحضير للقاء موسع في الضاحية الجنوبية ستعلن خلاله مواقف تتعلق بالأحداث اللبنانية تتباين مع مواقف القوى الشيعية وتحديداً «أمل» و «حزب الله».(21/97)
فمنذ حادثة اغتيال الرئيس رفيق الحريري والساحة الشيعية في لبنان تشهد نقاشات حول موقع الشيعة اللبنانيين من هذا الحدث أولا ومن المعادلة السياسية الناشئة عنه ثانياً. فقد شعر عدد كبير من المثقفين والكتاب ورجال الدين ان اقتصار تمثيل الشيعة على كل من حركة امل و حزب الله فيه افتئات كبير على فئات اخرى واسعة وغير راغبة بأن تكون في الموقع الذي اختاره التنظيمان لنفسيهما وللطائفة, اي «الموقع الحليف لسورية وغير المرحب بانسحابها من لبنان».
اجتماعات ولقاءات كثيرة حصلت شارك فيها مهتمون في الشأن العام من ابناء الطائفة, واعربوا فيها عن شعورهم بمخاطر ان تكون الطائفة في الموقع الذي وضعها فيه كل من امل وحزب الله , خصوصاً ان تسوية جديدة تحصل بين الجماعات اللبنانية وان التنظيمين الشيعيين اخرجا الطائفة منها. والخطورة الثانية التي استشعرها عدد من هؤلاء وعبروا عنها في اكثر من لقاء تتمثل في ان التلويح بالسلاح وبالحرب الأهلية ارتكز الى القوى الشيعية بصفتها الأكثر تسلحاً من بين القوى اللبنانية الأخرى, واعتبر هؤلاء ان هذا الدخول السلبي على المعادلة اللبنانية الجديدة سيجر اصطفافاً لن يلبي حاجة الطائفة الشيعية الى الاندماج في اي صيغة مستقبلية قد تنشأ عن فوز القوى المعارضة في الانتخابات النيابية المقبلة.
ولعل من ابرز رجال الدين الشيعة الذين نشطوا باتجاه بلورة قوة ثالثة داخل الطائفة يمكنها ان تحمل صوتاً مختلفاً «لملاقاة الحركة الاستقلالية اللبنانية» كان السيد محمد حسن الأمين الذي اطلق اكثر من موقف عبر فيه عن تفاؤله واستبشاره بقرب الخلاص الوطني بعد ان شهد لبنان تلك الانتفاضة السلمية التي اعقبت اغتيال الرئيس رفيق الحريري.(21/98)
وفي هذا السياق علمت «الحياة» ان تحضيرات تجرى لاطلاق تحرك يشارك فيه الأمين وعدد من رجال الدين والمثقفين والكتاب والمهتمين بالشأن العام يبدأ بمؤتمر صحافي تتلى فيه مسودة بيان يتضمن احتفاء بنزول اللبنانيين متوحدين الى الشارع وينتهي بتأييد إجراء تحقيق دولي وشامل بحادثة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وتتضمن مسودة البيان استبشاراً بقرب الخلاص الوطني انطلاقاً من اربع نقاط:
1- الانسحاب(او الاندحار) الاسرائيلي عام 2000 بفضل المقاومة.
2- الانسحاب السوري الجاري (الذي كنا نتمنى ان يحصل بعيد الانسحاب الإسرائيلي مباشرة وفق اتفاق الطائف).
3- الاجماع الذي حصل من كل اللبنانيين على اتفاق الطائف وعلى اهمية تصحيح الخلل الذي حدث في تطبيقه.
4- انبعاث الحمية الوطنية الشاملة والذي دفع بمئات الآلاف من اللبنانيين للتعبير عن تجاوزهم عملياً ونفسياً لاصطفا فات الحرب, والايمان بالتغيير الديمقراطي.
علماً ان المسودة تتضمن ايضاً اشارة الى المقاومة وسلاحها ما زالت تشهد نقاشاً في طريقة تقديمها, اذ ثمة وجهتا نظر يبدو ان أصحابهما تركا للأمين امر التقريب بينهما. ومن المرجح ان يتضمن البيان ايضاً دعوة الى لقاء موسع يعقد في الضاحية الجنوبية ربما في المعهد الفني الاسلامي، ويتوقع المنظمون ان يشارك فيه عدد كبير من الشخصيات والهيئات والمهتمين بهدف اطلاق «الصوت الثالث» ومن المرجح ان يكون موعده قبل الانتخابات النيابية وستسبقه حملة اعلامية واتصالات بقوى المعارضة.
اليمن: اشتباكات ضارية مع «الحوثيين» والجيش يكثف هجماته بالمدفعية والصواريخ
صنعاء - فيصل مكرم الحياة 7/4/2005(21/99)
اكدت مصادر قبلية ان اشتباكات ضارية استمرت طوال نهار أمس بين قوات من الجيش اليمني وفرق من القوات المكلفة مكافحة الارهاب، وبين متمردين من أنصار الحوثي، ينتمون الى تنظيم «جماعة الشباب المؤمن» الشيعية المتشددة، وذلك في مناطق آل شافعة ووادي نشور في محافظة صعده. واشارت الى سقوط اكثر من ثلاثين بين قتيل وجريح من الطرفين، فيما كثفت قوات الجيش هجماتها بالمدفعية والصواريخ على مخابئ المتمردين في المناطق الجبلية.
ونجا حسن مناع نائب محافظ صعده اليمنية امس من مكمن نصبه له مسلحون من أنصار الحوثي، في الضاحية الشمالية الغربية لمدينة صعده، فيما أصيب خمسة من مرافقيه بجروح خطرة.
واكد مصدر مقرب من نائب محافظ صعده التي تشهد مواجهات مسلحة عنيفة منذ منتصف الاسبوع الماضي، بين قوات الجيش وبين أنصار الحوثي الأب، ان «مسلحين نصبوا مكمناً لسيارة حسن مناع نائب المحافظ ومرافقيه في منطقة العند بني معاذ واطلقوا عليها وابلاً من الرصاص، ما تسبب في اصابة خمسة من مرافقيه اصابات بليغة، في حين نجا نائب المحافظ». ويعد هذا ثاني مكمن ينصبه أنصار الحوثي لنائب محافظ صعده خلال أقل من اسبوع.
ونقلت وكالة «فرانس برس» عن مصادر متطابقة ان المعارك بين القوات الحكومية وأنصار الحوثي أدت منذ اندلاعها الى مقتل اكثر من 110 أشخاص. وتحاول القوات الخاصة المكلفة مكافحة الارهاب التقدم لاقتحام معاقل المتمردين، حيث يُعتقد بأن بدر الدين الحوثي الأب الذي يعتبر المرجعية الروحية لجماعة «الشباب المؤمن» يختبئ مع عشرات من اتباعه المسلحين. وقالت مصادر قبلية في صعده ان استئناف العمليات العسكرية في صورة مكثفة امس ضد معاقل المتمردين، يأتي بعد فشل وساطة تولاها خلال اليومين الماضيين عدد من شيوخ القبائل ووجهائها في محافظة صعده لوقف المواجهات المسلحة، وتسليم المتمردين المسلحين وقادتهم الى السلطات.(21/100)
وقال أحد شيوخ القبائل الذين يشاركون في مساعي الوساطة ان «عبدالله الرزامي احد القياديين العسكريين للمتمردين، رفض وقف النار، اذا كان مقدمة لتسليم نفسه وباقي المتمردين الى السلطات، وهو يطالب بالافراج عن باقي المعتقلين من أنصار الحوثي المحتجزين منذ التمرد العام الماضي في جبال مران، والذي استمر 80 يوماً وانتهى بمقتل زعيم التمرد حسين بدر الدين الحوثي مطلع ايلول (سبتمبر) الماضي.
الى ذلك، اكد وزير الخارجية اليمني أبو بكر القربي ان «جهات خارجية» تمول تمرد «الحوثي الأب» في محافظة صعده. وقال في تصريحات بثها موقع الحزب الحاكم (المؤتمر نت) امس ان التمرد الحالي هو امتداد لتمرد صيف العام الماضي، ومردهما الفهم الخاطئ للاسلام. وتحدث عن تحقيقات تجريها السلطات لكشف مصادر التمويل الذي تقدمه «جهات خارجية» للمتمردين، مؤكداً ان هوية هذه الجهات ستعلن في نهاية التحقيقات.
وكشفت لـ«الحياة» مصادر قبلية في محافظة صعده ان الوسطاء من وجهاء القبائل ومشايخها وبعض العلماء في صعده فشلوا امس للمرة الثانية في اقناع «الحوثي الأب» بدر الدين، وعبدالله عيضة الرزامي الذي يقود التمرد في مناطق الرزامات ووادي نشور وآل شافعة، بالتخلي عن المواجهة المسلحة، والاستسلام للسلطات، في مقابل ضمانات بوقف الاقتتال واللجوء الى القانون والقضاء. وتابعت المصادر ان الرزامي رفض اي وساطة تطالبه بالاستسلام ومن معه، أو التخلي عن السلاح، مشترطاً ان تبدي الدولة حسن نية ازاء «الشباب المؤمن» بإطلاق المعتقلين وسحب القوات الحكومية من مناطقهم والتوقف عن ملاحقتهم، وتسليم جثة «الحوثي الابن» الى والده لدفنها، والسماح للجماعة بترديد شعارها «الموت لأميركا... الموت لاسرائيل».(21/101)
اكدت مصادر قبلية ان اشتباكات ضارية استمرت طوال نهار أمس بين قوات من الجيش اليمني وفرق من القوات المكلفة مكافحة الارهاب، وبين متمردين من أنصار الحوثي، ينتمون الى تنظيم «جماعة الشباب المؤمن» الشيعية المتشددة، وذلك في مناطق آل شافعة ووادي نشور في محافظة صعده. واشارت الى سقوط اكثر من ثلاثين بين قتيل وجريح من الطرفين، فيما كثفت قوات الجيش هجماتها بالمدفعية والصواريخ على مخابئ المتمردين في المناطق الجبلية.
ونجا حسن مناع نائب محافظ صعده اليمنية امس من مكمن نصبه له مسلحون من أنصار الحوثي، في الضاحية الشمالية الغربية لمدينة صعده، فيما أصيب خمسة من مرافقيه بجروح خطرة.
واكد مصدر مقرب من نائب محافظ صعده التي تشهد مواجهات مسلحة عنيفة منذ منتصف الاسبوع الماضي، بين قوات الجيش وبين أنصار الحوثي الأب، ان «مسلحين نصبوا مكمناً لسيارة حسن مناع نائب المحافظ ومرافقيه في منطقة العند بني معاذ واطلقوا عليها وابلاً من الرصاص، ما تسبب في اصابة خمسة من مرافقيه اصابات بليغة، في حين نجا نائب المحافظ». ويعد هذا ثاني مكمن ينصبه أنصار الحوثي لنائب محافظ صعده خلال أقل من اسبوع.
ونقلت وكالة «فرانس برس» عن مصادر متطابقة ان المعارك بين القوات الحكومية وأنصار الحوثي أدت منذ اندلاعها الى مقتل اكثر من 110 أشخاص. وتحاول القوات الخاصة المكلفة مكافحة الارهاب التقدم لاقتحام معاقل المتمردين، حيث يُعتقد بأن بدر الدين الحوثي الأب الذي يعتبر المرجعية الروحية لجماعة «الشباب المؤمن» يختبئ مع عشرات من اتباعه المسلحين. وقالت مصادر قبلية في صعده ان استئناف العمليات العسكرية في صورة مكثفة امس ضد معاقل المتمردين، يأتي بعد فشل وساطة تولاها خلال اليومين الماضيين عدد من شيوخ القبائل ووجهائها في محافظة صعده لوقف المواجهات المسلحة، وتسليم المتمردين المسلحين وقادتهم الى السلطات.(21/102)
وقال أحد شيوخ القبائل الذين يشاركون في مساعي الوساطة ان «عبدالله الرزامي احد القياديين العسكريين للمتمردين، رفض وقف النار، اذا كان مقدمة لتسليم نفسه وباقي المتمردين الى السلطات، وهو يطالب بالافراج عن باقي المعتقلين من أنصار الحوثي المحتجزين منذ التمرد العام الماضي في جبال مران، والذي استمر 80 يوماً وانتهى بمقتل زعيم التمرد حسين بدر الدين الحوثي مطلع ايلول (سبتمبر) الماضي.
الى ذلك، اكد وزير الخارجية اليمني أبو بكر القربي ان «جهات خارجية» تمول تمرد «الحوثي الأب» في محافظة صعده. وقال في تصريحات بثها موقع الحزب الحاكم (المؤتمر نت) امس ان التمرد الحالي هو امتداد لتمرد صيف العام الماضي، ومردهما الفهم الخاطئ للاسلام. وتحدث عن تحقيقات تجريها السلطات لكشف مصادر التمويل الذي تقدمه «جهات خارجية» للمتمردين، مؤكداً ان هوية هذه الجهات ستعلن في نهاية التحقيقات.
وكشفت لـ«الحياة» مصادر قبلية في محافظة صعده ان الوسطاء من وجهاء القبائل ومشايخها وبعض العلماء في صعده فشلوا امس للمرة الثانية في اقناع «الحوثي الأب» بدر الدين، وعبدالله عيضة الرزامي الذي يقود التمرد في مناطق الرزامات ووادي نشور وآل شافعة، بالتخلي عن المواجهة المسلحة، والاستسلام للسلطات، في مقابل ضمانات بوقف الاقتتال واللجوء الى القانون والقضاء. وتابعت المصادر ان الرزامي رفض اي وساطة تطالبه بالاستسلام ومن معه، أو التخلي عن السلاح، مشترطاً ان تبدي الدولة حسن نية ازاء «الشباب المؤمن» بإطلاق المعتقلين وسحب القوات الحكومية من مناطقهم والتوقف عن ملاحقتهم، وتسليم جثة «الحوثي الابن» الى والده لدفنها، والسماح للجماعة بترديد شعارها «الموت لأميركا... الموت لاسرائيل».
تفكيك فهمى هويدى
ردا على مقالته( تفكيك الإسلام )المنشورة بالأهرام وغيرها يوم الثلاثاء الأخير من مارس 2005
د. أحمد صبحي منصور(21/103)
نشر على موقع مركز الأبحاث والدراسات العلمانية في العالم العربي
صحيفة القاهرة العدد 257
الثلاثاء 15/ 3/ 2005
" كاتب هذا المقال رجل من أتباع منهج القرآنيين الذين ينكرون حجية السنة ودورها ، وهو كذلك منغمس في تفجير الصراعات الطائفية في مصر عبر موقعه السابق في مركز ابن خلدون الذي يرأسه سعد الدين إبراهيم ، وأحمد صبحي في هجومه على فهمي هويدي يصفه بالوهابية وهي التي يعتبرها ابشع مناهج الفكر !!!
وهذا مؤشر على محورية دور الفكر السلفي في الصراع الفكري المعاصر و من جهة أخرى يلقى الضوء على القواسم المشتركة بين أصحاب المدرسة السلفية وبعض الكتاب المستقلين الذين يقتربون أكثر فأكثر من المدرسة السلفية ، مع وجود ملاحظات مهمة على منهجهم لكن التواصل معهم بحكمة سيكون له نتائج في غاية الأهمية.
هذا المقال والذي يليه يسلطان الضوء على وجود بداية لفكر منحرف ( القرآنيين ) بدءا في الإعلان عن نفسه في مصر . الراصد
ليست هذه هي المرة الأولى التي يهاجمني فيها فهمى هويدى ولن تكون الأخيرة .
انه يتهمني بالعمل مع آخرين على تفكيك الإسلام، مع أن الإسلام الذي أؤمن به لا مجال فيه للتفكيك لأنه القرآن الكريم فقط وهو المحفوظ من لدن الله تعالى والمنزه عن التحريف وعبث البشر. قد يقال انه يخلط بين الإسلام والمسلمين و يتهمني بالعمل على تفكيك المسلمين. ولكن تفكك المسلمين الى فرق قد بدأ في عهد الصحابة والفتنة الكبرى، ثم تطور وتشعب. ومنذ عشرة قرون وحتى الآن فالمسلمون قد تفككوا إلى ثلاث طوائف كبرى هي السنة والشيعة والصوفية. وكل طائفة منها تفككت داخليا إلى مذاهب وفرق مختلفة.(21/104)
طائفة السنة تفككت الى أربعة مذاهب في القرن الثالث الهجري، أشدها تزمتا المذهب الحنبلى ، ما لبث الحنابلة ان تفككوا أيضا الى تيارات متشددة مختلفة كان أشدها تشددا ابن تيمية فى القرن الثامن الهجري، من خلال التيار التيمى نبت تيار أشد عنفا وتطرفا فى العصر الحديث هو الوهابية فازداد بها السنة تفككا. والى الوهابية ينتمى فهمي هويدى يعتبرها وحدها الاسلام نافيا كل المسلمين الآخرين ومتهما كل من يناقش الوهابية بالعداء للاسلام او تفكيك الاسلام ويقوم بالتحريض عليه.
ويعتبر الارهابيون تحريضه فتوى بالقتل فيفقد المفكر أو المثقف حياته علنا – كما حدث مع الدكتور فرج فودة- أو يختفى دون أن يستدل عليه أحد – كما حدث مع الكاتب الصحفي رضا هلال، أو يضطر للهجرة كما حدث معى ومع حامد أبو زيد، أو يصرخ محتجا مرتاعا من المصير الذى ينتظره كما حدث مع الدكتور سعد الدين ابراهيم وآخرين. ان ضحايا فهمى هويدى كثيرون ، منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر !!
لنقرأ معا مقالته " تفكيك الاسلام"لنتعرف معا على تلك الحالة المسماة فهمى هويدى.
تحدث هويدى : "عن مساع يبذلها الكاتب الأمريكي المتطرف دانيال بايبس لانشاء معهد اسلامي تقدمي يمثل اصوات المسلمين الليبراليين في الولايات المتحدة ".ويقول:. "مشروع بايبس أسفر عن إنشاء مركز تقدمي باسم مركز التعددية الاسلامية , أعلن ان الهدف منه هو تشجيع الاسلام المعتدل في الولايات المتحدة والعالم , ومحاربة نفوذ الاسلام المسلح , واحباط جهود المنظمات ذات التوجه الوهابي المتطرف , من خلال وسائل الاعلام , وبالتعاون مع المنظمات الحكومية الأمريكية ".(21/105)
ويقول:" في مقالة تالية نشرتها الوكالة للكاتب ذاته في 24/2/2005 معلومات أخري مهمة عن مسئولي المركز وعن مصادر تمويله . فمديره امريكي مسلم اسمه ستيفن شولتز , ... أما مساعده فهو مصري , كان قد فصل من الأزهر في الثمانينيات بسبب انكاره للسنة النبوية , وسافر الى الولايات المتحدة لبعض الوقت , ثم عاد الي مصر ليصبح أحد أركان مركز ابن خلدون (!) ـ وبعد المشكلات القضائية التي واجهها المركز ومديره في عام ألفين اختفي من مصر , وظهر مرة أخري في الولايات المتحدة , ليصبح أحد دعاة الاسلام الأمريكي المعتدل , وقد أورد اسمه دانيال بايبس ضمن آخرين في مقالة تحت عنوان التعريف بالمسلمين المعتدلين نشرتها له صحيفة ذي نيويورك صن ( في 24/11/2004) " . ويقول:"مقالة دانيال بايبس التي نشرتها ذي نيويورك صن ذات أهمية خاصة , لأنها تكشف عن جهود الاحتشاد المبذولة للتبشير بالاسلام الأمريكي من خلال تفكيك الاسلام واقصائه . فقد اعتبر أن ذلك الاحتشاد من قبيل الأنباء السارة حيث زف الي القراء نبأ انخراط بعض المسلمين في حملة مناهضة أنشطة الاسلاميين ( يقصد المتطرفين والراديكاليين ) وقال إن هؤلاء رفعوا أصواتهم بعد أحداث 11 سبتمبر . وذكر في هذا الصدد أسماء سبعة اشخاص , من بينهم الدكتور صبحي منصور المفصول من جامعة الأزهر , والدكتور بسام طيبي , وهو من غلاة العلمانيين السوريين . " ثم يقول :"لعلي لا أكون مخطئا إذا كنت قد أخرجت تلك الجهود من دائرة البراءة , علي الأقل فيما يتعلق بالوسائل والمقاصد , اذ من حق المرء ان يستريب فيها , حين يجد ان الذين يساندون الاعتدال الاسلامي والتجديد هم نفر من عتاة المعادين للاسلام والمسلمين والمتحالفين مع اسرائيل , ومن حقه ان يثير العديد من علامات الاستفهام حول العلاقة بين تلك الأنشطة , وبين حرب الأفكار التي أعلنتها الادارة الأمريكية في أعقاب 11 سبتمبر , واستهدفت بها العمل علي اعادة تشكيل العقل(21/106)
الاسلامي , بالتوازي مع اعادة رسم خرائط المنطقة في اطار مشروع الشرق الأوسط الكبير .
كما ان من حقه ان يثير علامات استفهام اخري حول علاقة تلك الأنشطة بالمقترحات التي تضمنها تقرير مؤسسة راند الأمريكية للأبحاث , لتفكيك الاسلام واعادة تركيبه تحت عنوان الاسلام المدني والديمقراطي خصوصا ان بعض تلك المقترحات وجدت لها ترجمة وتجسيدا في الأنشطة التي مررنا بها , سواء في منطلقاتها العلمانية أو في استحداث واجهات وقيادات جديدة بديلة لما هو قائم , أو في الهجوم علي الاسلام المحافظ والتقليدي , أو في تشجيع تيار التصوف . ومن حق المرء أيضا ان يتساءل عن أصداء تلك الأنشطة التي تجلت في العالم العربي مؤخرا , وتمثلت في بعض المراكز والمنظمات العلمانية التي تصدت للشأن الاسلامي , وخاضت في مسألة تغيير الخطاب الديني , وتعديل مناهج التعليم , ومحاولة اصطناع قيادات فكرية اسلامية ملتزمة بالأجندة العلمانية ."
ونعلق عليه بايجاز:-
أولا: ان كل تلك المعلومات التى ينقلها هويدى منشورة ومعلنة على الملأ فى المجتمع الامريكى المفتوح الذى يفرض حرية المعلومات ويمنع حظرها، والاعلان عن كل هذه الانشطة مسبقا يدل على انعدام المؤامرة .
ثانيا: الاتجاه السلفى الذى ينتمى اليه فهمى هويدى يقوم على تقسيم العالم الى معسكرين : 1- دار الاسلام – وفيها يحتكر المذهب السنى دين الاسلام لنفسه ويتهم المسلمين الشيعة والصوفية بالكفر والشرك ويضطهدهم فى تسلطه السياسى كما يضطهد أهل الكتاب من أصحاب البلاد الأصليين الذين تمسكوا بدين آبائهم وأجدادهم.(21/107)
2- دار الحرب وهى بلاد الغرب الواجب قتالهم لنشر الاسلام وارغامهم عليه ، واعتبار ثقافته غزوا فكريا وتفسير المصائب التى تحدث لنا على انها بسبب تآمر ذلك الغرب علينا. هذه هى الخلفية التى تنبع منها مقالات فهمى هويدى وأمثاله. ومقاله " تفكيك الاسلام " دليل على هذا. فالعنوان " تفكيك الاسلام" يشير الى اعتقاده باحتكار الاسلام بحيث ان أى مسلم آخر لا يجوز له ان يفكر أو يجتهد خارج الاطار الذى يعرفه هويدى والا أصبح مفككا للاسلام. والأمريكيون الذين دخلوا فى الاسلام عن غير طريق المذهب السنى لا يحق لهم ان يختاروا طريقا للعبادة غير طريق السلف وما وجد عليه السلفيون آباءهم والا أصبحوا مفككين للاسلام . وكالعادة لا يرهق هويدى نفسه فى المناقشة لآراء المخالفين له لأنه ليس متخصصا فى الاسلام وعلومه ولا تتعدى معارفه الاسلامية معرفتى الشخصية بجزيرة كوبا، ولذلك يسرع الى اتهامنا بالتآمر على الاسلام .
ثالثا: منذ 1977 وانا أحمل على كاهلى مشروعى الفكرى لاصلاح المسلمين سلميا بالقرآن، فتعرضت للاضطهاد داخل الأزهر وخارجه من الفصل من جامعة الازهر الى السجن والملاحقة الأمنية الى النفى مرتين . فى المرة الأولى التى هربت فيها الى أمريكا سنة 1988 بعد خروجى من السجن كان السبب فيها هو فهمى هويدى. لم يشأ هويدى ان يهاجمنى وأنا فى السجن لا استطيع الدفاع عن نفسى وأنا أتلقى هجوم عشرات الاقلام تتهمنى بانكار السنة.(21/108)
انتظر هويدى الى بعد خروجى من السجن مرعوبا ليقذفنى بهجوم هائل تحت عنوان " السنة بين الافتراء والاجتراء" ملأه بهجوم على شخصى بالاسم والوصف مؤكدا تكفيرى بكل ما يستطيع من فتاوى. فى اليوم التالى قابلت صدفة بعض الرفاق القدامى من المنتمين للجماعات فرأيت الرعب فى وجهه ونصحنى بسبب المعرفة القديمة بالاختفاء لأن مقال فهمى هويدى قد وضح حياتى فىمربع الخطر. جاءت اشارات اخرى تحذيرية من أخوة أزهريين وسلفيين شرفاء، كنت قد بعثت لهويدى برد ادافع فيه عن نفسى وارسلت منه نسخة للاهرام ولكن لم ينشر الرد، فاضطررت للهرب بحياتى الى أمريكا ومكثت فيها عشرة أشهر حتى زال تأثير مقال فهمى هويدى فرجعت .
مشروعى الفكرى يؤكد بالقرآن أن الاسلام هو دين العدل والديمقراطية والتسامح والسلام وحرية العقيدة وحقوق الانسان، وان الله تعالى بعث محمدا رحمة للعالمين وليس ليقاتل الناس ليكرههم فى الدين ويقسم العالم الى معسكرين، وانه تعالى خلقنا أخوة من اب واحد وأم واحدة وجعلنا شعوبا وقبائل لنتعارف لا لنتقاتل وان أكرمنا عند الله تعالى هو أتقانا وذلك ما سيتم تحديده يوم القيامة وليس الآن حتى لا يتظاهر بعضنا بالتقوى ليركب ظهورنا باسم الدين ، وان الله تعالى جعل لنا ولأهل الكتاب شرائع مختلفة لنتسابق فى الخيرات لا لنتسابق فى التعصب والاثم.(21/109)
وتأسيسا على هذا المنهج الفكرى عملت بعد عودتى لمصر مع فرج فودة الى أن قتلته فتاوى فهمى هويدى،ثم عملت مع منظمات حقوق الانسان، واشتركت مع مركز ابن خلدون فى نضاله التنويرى ومشروعاته الاصلاحية ومنها مشروع اصلاح التعليم المصرى وغيرها، وفى كل هذا النضال كانت مقالات هويدى تلاحقنا تحرض الأمن والارهابيين الى ان أغلقت الديكتاتورية المصرية مركز ابن خلدون وقبضت على الدكتور سعد الدين ابراهيم واعتقلت بعض أصحابى القرآنيين فاضطررت للهرب ثانيا الى أمريكا فى اكتوبر2001.أثناء اشتداد موجة العداء للاسلام بعد تفجيرات الحادى عشر من سبتمبر.
مشروعى الفكرى تحدث بالانجليزية فى أمريكا مدافعا عن الاسلام موضحا التناقض بينه وبينه الفكر المتطرف الذى انتج ابن لادن.ودائما ما كنت أرسل أبحاثى وسيرة حياتى لتنشر على الانترنت والى المثقفين الامريكان مما أسفر عن تراجع موجة العداء للاسلام وتوجيه التهمة الى مذهب ابن لادن الارهابية فقط ، وعرفوا ما اصبحوا يسمونه بالاسلام المعتدل . ابحاثى جذبت اهتمام الدكتور بايبس الذى يتهمونه بالعداء للاسلام والمسلمين ،مع انه يكتب الآن ما يدل على احترامه للاسلام وحضارته الا انه يناهض مثلى التطرف المسلح . بل انه الآن يقوم بمناظرة اولئك الذين لا يزالون يتهمون الاسلام كدين ولا يفرقون بينه وبين الارهابيين، وبنفوذه الفكرى ونشاطه المستمر راجع كثيرون مواقفهم، ولكن هذا بالطبع لن يجعل المنظمات السلفية الوهابية ترضى عنه حتى يتبع ملتها وهذا ما لن يحدث بعون الله تعالى. كان لا بد من التعاون بيننا ضد التطرف وثقافته الارهابية، هم يريدون الدفاع عن بلادهم وانا أريد الدفاع عن دينى .(21/110)
رابعا: أمريكا تتبع القاعدة القرآنية "لا اكراه فى الدين" فيوجد فيها حسب اعتراف هويدى نفسه1586 جماعة دينية منها 700 جماعة غير تقليدية، أى ان كل انسان فى أمريكا حر فيما يعتقد او فيما لايعتقد .و المتطرفون من أتباع "ابن لادن" ابرز من استغل هذه الحرية الدينية الامريكية، فتوسعوا فى انشاء المساجد الجديدة والسيطرة على القائم منها وشراء الكنائس وتحويلها الى مساجد ، وهم يسيطرون على نحو 80 % من عدد المساجد البالغ عددها حوالى 1200 فوق التراب الامريكى .وهم يلعنون امريكا فيها ليل نهار باسم الاسلام فى خطبهم وصلاتهم ومنشوراتهم مستغلين التسامح الامريكى والتبرعات الامريكية لبيوت العبادة. وهناك عشرات الجمعيات التى ترعى هذا النشاط وتدافع عنه وتبتز السياسة الامريكية الى درجة ان تعلن نفسها الممثل الوحيد للاسلام والمسلمين فى أمريكا ، وتدخل البيت الأبيض مدعوة اليه بهذه الصفة. ومعروف انه ما من بلد "مسلم" يتمتع أبناؤه أو الأقلية فيه بتلك الحرية. الا ان هويدى لا يكفيه الحرية التى يتمتع بها اخوانه المتطرفون فى حربهم لامريكا فوق أرضها لأنه لا يرضيه وجود مسلمين شيعة وصوفية فى أمريكا لم ينخرطوا بعد فى الوهابية.(21/111)
خامسا: أمريكا فى حرب معلنة بعد اعتداء الحادى عشر من سبتمبر الذى يوضح من هو الطرف المتآمر الذى يرسل الدعاة والجنود الى "دار الحرب" مستغلا الحرية الامريكية والانفتاح الامريكى. اكتشفت أمريكا بعد احداث سبتمبر ان التطرف قد سيطر على أغلبية المساجد والمدارس "الاسلامية" والجالية المسلمة الأمريكية. اذن هى تحارب ليس فقط اسامة بن لادن وانما اتباعه فى الداخل الامريكى والفكر الذى ينتمى اليه والذى يسيطر على عقول الملايين من المسلمين الامريكيين. لو استعملت امريكا اسلوب الحكام العرب لأغلقت تلك المساجد وأعدمت اربابها واعتقلت روادها وحظرت فكرها وصادرت مطبوعاتها، وما كانت فى حاجة لقانون طوارئ لانها فى حالة حرب مع عدو غير مرئى يستعمل حرب الافكار ويحول الشاب المتدين العادى الى قنبلة تسعى على قدمين يدمر نفسه والآخرين، وعلى التراب الأمريكى ملايين من المرشحين لأن يكونوا قنابل انتحارية اذا استمر الشحن الوهابى فى المساجد والمدارس يغسل عقول الشباب المسلم باسم الاسلام.
لو كانت أمريكا متعصبة ضد الاسلام لاختارت هذا الحل واغلقت كل المساجد متهمة الاسلام بأنه دين الارهاب مستدلة بزعم الوهابيين بأنهم يحتكرون الاسلام ويتحدثون باسمه. الا أن التحضر الامريكى اختار الطريق الصعب , فأكد الرئيس بوش على حقيقة ان الاسلام دين السلام ، ودعى رؤساء المنظمات "الاسلامية" الوهابية الى البيت الأبض ليستميلهم الى طريق الصواب. وبدلا من حرب الاسلام نفسه وبدلا من اللجوء الى العنف كان الحل سلميا هو اصلاح المسلمين – فى الداخل الامريكى وفى الوطن العربى – بالاسلام المعتدل فى تصورهم أو الاسلام الحق كما أقول.(21/112)
ينقم هويدى على أمريكا حريتها الدينية وحقها فى الدفاع السلمى عن نفسها داخل ترابها ويرى ذلك تفكيكا للاسلام ومؤامرة تستوجب العقاب يقول محرضا علينا فى نهاية المقال: " يبدو الاسلام والمسلمون في هذا المشهد كما لو أنهم اصبحوا ساحة مستباحة لكل من هب ودب , وهي استباحة لا حدود لها , ولا رادع لمن يجترئ عليها , لا قيمة ولا كرامة لأهلها , الأمر الذي يدعونا الي اضافة سؤال آخر الي ما سبق , عمن يستحق اللوم ازاء ذلك الذين تطاولوا واجترأوا , أم الذين سكتوا واستكانوا وانبطحوا؟ ! "
وبعد .. لقد هربت بحياتى خوفا من تحريض فهمى هويدى وأراه حتى الآن يلاحقنى محرضا على حياتى حتى وانا فى أمريكا. الى اين أهرب منه بعد أمريكا؟
لم يعد لى من سبيل لحماية حياتى سوى اللجوء الى الأمم المتحدة..
أن هذا المقال اقدمه شكوى علنية الى الأمم المتحدة ضد الصحفى المصرى فهمى هويدى الكاتب بجريدة الاهرام المصرية وضد كل من ينشر له مشاركا له فى جريمة التحريض على حياتى وحياة الدعاة للاصلاح.
****************************
فتاوى زغلول النجار!
الشيخ أبو زيان(21/113)
تعليقا على كتابات الأستاذ محمد البدري في تفنيده لفتاوى زغلول النجار عن زلزال المحيط الهندي وكل كاتب أراد أن يروج لأكذوبة العقاب الإلهي أقول إننا كمعتنقين للمذهب القرآني أو كقرآنيين نفهم من القرآن إن المولى قد ترك الحساب إلى يوم الحساب بنص القرآن "الحج 17"، أما دعواهم بأن زلزال المحيط الهندي عقاب إلهي للرذائل التي في عرفهم قد تفشت في دول حوض المحيط الهندي دعونا نسأل ما تلك الرذائل؟ إن الكثير مما قالوه لا يعد في عرف أهل القرآن رذيلة فنحن لا نقول إن ارتداء زي السباحة للمرأة خطيئة والزنا قد سقط بنص القرآن ولا عقوبة عليه، والآية الثانية من سورة النور منسوخة أي ملغاة فلا زنا حتى للرجل والمرأة المتزوجة وإن تلك المسألة مسألة شخصية بين الزوجين والمثلية الجنسية سواء للذكر أو للأنثى لا تحريم لها والتخنث أو ما يسمى بالترانسغندر والذي قالوا عنه الكثير وقالوا إنه يتفشى تفشي الوباء تايلاند وإندونيسيا ودول الشرق الأقصى هو غير محرم بنص القرآن، بل لقد رأى البعض من علماء المذهب القرآني أن تحريم الخمر ولحم الخنزير قد نسخ أي ألغي فأي خطايا تلك التي يقول بها أهل الحديث عن أهل جنوب آسيا وسياحهم، والتي في رأيهم الفاسد قد سببت هلاكهم، إنه تلاعب بالعقول ولكسب أرض جديدة بتخويف الناس ليسيروا في ركابهم، إن أقوالهم الهزيلة تلك تذكرني بأقوال الثمانينات وأواخر السبعينات التي كانت تروجها الجماعات المتطرفة في بلادنا وهي إن مأساة لبنان في رأيهم ما هي إلا عقاب إلهي على تغربهم وتفلت أخلاقهم هذه هي عقلية المتطرفين من أهل الحديث الذين يتبعون طرق القرن الأول والثاني للميلاد في ترويج المعجزات والتهويل والتخويف من الهلاك ليخضعوا العقول ويحنوا الهامات ثم يتولوا قيادة تلك القطعان البشرية كيفما شاءوا، إن الأسطورة المملوكية التي راجت عن الطائفة الإسماعيلية التي أسموها كذبا بالحشاشين والتي ادعوا فيها أن شيوخ تلك(21/114)
الطائفة يغسلون بها عقول مريديهم فيسيطروا عليهم، أعتقد أنهم هم اليوم الذين يطبقوا عملية غسل العقول أو بالأحرى إلغائها.
الشيخ القرضاوي وكيل الله في الأرض
يزيف التاريخ على هواه
د. أحمد راسم النفيس
صحيفة القاهرة العدد 258
22 مارس 2005
هذه المقالة للكاتب المصري المتشيع أحمد راسم النفيس نموذج لأفكار وكتابات هؤلاء القوم عن أهل السنة وعلمائهم، فالواحد منهم عندما يتشيع ، يبدأ بالتهجم على أهل السنة دون دليل أو سند علمي ويكون الهدف هو العداء لأهل السنة فقط دون تمييز بين سني وآخر ، وتصبح كتاباته تقطر سما .
إن هذه المقالة نموذج لكتابات " فقاعات الصابون" التي أشرنا إليها في "فاتحة القول" من هذا العدد. الراصد
(لولا أن الله هيا لي من ألحقني بالأزهر لما كنت أمامكم في هذه الساعة فقد "شيخني" أهل قريتي وأنا ابن التاسعة كرامة للقرآن الكريم والعلم الذي أحمله، وقد نذرت نفسي للدعوة إلى الله ولن أتخلى عن المهمة التي وكّلني الله بها فأنا أعتبر نفسي موكلاً من الله تعالى ولن أنسحب من هذه المهمة أبداً، وأتمنى أن تُختم حياتي بالميتة الحسنة التي يتمناها المجاهدون في سبيل الله فأنا لا أدافع عن باطل أو طواغيت، ويشهد الله أني لم أجامل أحداً في الحق يوماً ما وإنما أدافع عن قضايا أمتي، ولن أتخلى عن ذلك مهما تعرضت له من اتهامات بالإرهاب تارة ويغيره أخرى).
مهرجان التضامن
الله وكلني وأنا أعتبر نفسي موكلا من الله تعالى... أي أن الشيخ القرضاوي هو وكيل الله في أرضه...
هذه هي رؤية الشيخ لنفسه ولدوره وربما لما يطرحه من آراء واجتهادات من الواضح أنه يرى ويؤمن ويجزم أنها عين الصواب وأنه أراد أن يقول (رأيي صواب لا يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ لا يحتمل الصواب).(21/115)
انطلاقا من هذه الوكالة الإلهية الربانية فقد قرر فضيلة الشيخ أخيراً أن ينزل إلى ساحة التأريخ ليدافع عن تأريخ بني أمية وبني العباس والحجاج الثقفي المفترى عليهم!! ورضي الله عنهم!! من خلال إصداره لكتاب (تاريخنا المفترى عليه) وعلى الفور سارع دراويش الشيخ صاحب الوكالة الإلهية لبث فقرات من كتابه في المساحات الإعلامية التي يكتبون فيها خاصة بعد أن طمأنهم سماحة الوكيل العام للحضرة الإلهية أن كل من يدافع عنهم ليسوا بطواغيت ولا يمكن أن يكونوا على باطل وأنهم بذلك قد حصلوا على صك براءة من النار أو كما قال حفظه الله.
يوتوبيا الشيخ
انطلق الشيخ في كتابه من فرضية الرد على (فرية العلمانيين) القائلة بأن الشريعة لم تطبق إلا في عهد الخلفاء الراشدين وأن هذه (الفرية) لم تكن من ابتكارهم بل كان أول من أطلقها الشيخ خالد محمد خالد في كتابه "من هنا نبدأ" الذي أثار الزوابع هنا وهناك وتبنته جهات مشبوهة خدمها الكتاب من حيث لا يريد مؤلفه وقد استغلوا الكتاب أسوأ استغلال.
أما أن الشريعة لم تطبق إلا في عهد (الخلفاء الراشدين) فهو كلام لا نوافق عليه إذ إنها طبقت في عهد الخلفاء وبعد عهدهم وهي تطبق اليوم.
فعندما تطبق الشريعة الإسلامية اليوم في قوانين الإرث والزواج أو في إقامة حكم الإعدام على قاتل العمد فهذا يعني أن بعض أحكام الشريعة الإسلامية جرى ويجري تطبيقه بالفعل وسيرد القوم ونحن معهم بالتساؤل عما تبقى من أحكام الشريعة الإسلامية وضوابطها الأخلاقية وعندما نقول لهم إن هذا التطبيق الكامل المتكامل لم يكن موجودا في أي مرحلة من مراحل التاريخ الإسلامي وهذا هو بيت القصيد.(21/116)
كما أن الدفاع المستميت عن (التاريخ المفترى عليه) يعني أن المسألة في نظر المدافعين هي أبعد من كونها مجرد إثبات تطبيق الأحكام الشرعية أو قواعد القصاص وفقا للشريعة الإسلامية وإنما انطلاقا من رغبة عامة لإثبات أن المجتمع الإسلامي أو المدينة الفاضلة أو اليوتوبيا الإسلامية كانت موجودة في تلك الفترة وربما بقيت بعدها لحقب وقرون كل هذا ببركة ما يسمونه بتطبيق الشريعة الإسلامية.
وهنا تبدأ المشكلة فالزعم بوجود هذه اليوتوبيا يتناقض أولاً مع حقائق التاريخ المدونة.
وهو أيضاً ينطلق من فرضية وهمية تقول إن هذه اليوتوبيا تحققت على يد الصحابة ذلك الجيل القرآني الفريد غير القابل للتكرار لأنهم رأوا الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم رؤية العين وأن أفضلية التابعين تأتي من كونهم رأوا من رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وهلم جرى ولأننا لم نره ولم نر من رآه فنحن لا يمكن لنا أن نبلغ تلك المقامات العلا بل ومحكوم علينا بالتدهور والانحطاط أو الركض وراء هدف مستحيل التحقيق.
إن هذا الوهم الفرض يجعل أيضاً من الإصلاح والرقى والتقدم معلقا على قوى الغيب وحسب لا على الإرادة الإنسانية بينما يقول لنا رب العزة (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى* وأن سعيه سوف يرى * ثم يجزاه الجزاء الأوفى).
قراءة التاريخ ومناكفة العلمانيين(21/117)
من حق العلمانيين أن يقولوا ومن حقنا أن نرد عليهم ولا يعني القبول بصحة المقدمات بعضها أو كلها التسليم بصحة النتائج التي يطرحها العلمانيون أو المسشرقون ولا شك أن غياب الشفافية في قراءة التاريخ لا تختلف كثيرا عن غياب الشفافية في قراءة الواقع وهو عين الخطأ الذي تقع فيه النظم الشمولية عندما ترى في المصارحة وكشف المستور عملا معاديا وإذا كان من الممكن أن نتقبل الفكرة القائلة بأن بيت النظام من زجاج فكيف يمكن لنا أن نتخيل أن اعتماد مبدأ التستر يمكن له أن يخدم الدين والعقيدة بالرغم من أن القرآن الكريم قد تصدى بصورة صارمة لحركة النفاق والمنافقين وقام بكشف ألاعيبهم وحذر المؤمنين من الوقوع في مكائدهم.
لقد أضحى الوعي الصحيح بالتاريخ واحدا من أهم ركائز انطلاق الأمة نحو النهضة وكما يقول المفكر سهيل عناية الله فإن أحد أهم معوقات نهوض الفكر الإسلامي تتمثل في ذلك الاعتقاد السائد في أوساط المثقفين والسياسيين المسلمين بضرورة العودة إلى نموذج (الإسلام الأكمل) perfect or near perfect Islamic state المتمثل في عهد الخلفاء الراشدين ويرى أن العالم المسيحي كان أسعد حظا من العالم الإسلامي عندما لم يقم دولة مسيحية في حياة المسح عليه السلام وبالتالي فإن اليوتوبيا المسيحية لم توجد بعد مما أتاح لهم إعمال الفكر والعقل في المجال السياسي والعلمي.
الشيخ القرضاوي ونماذجه
هل قرأ الشيخ القرضاوي تاريخنا بالفعل قبل أن يطلع علينا بما يزعمه من أن الحجاج بن يوسف الثقفي كان يطبق الشريعة الإسلامية ويذعن لها ناقلا رواية منتقاة عن العقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي؟(21/118)
لا أعتقد أن الشيخ قام بقراءة التاريخ رأسيا أو طوليا والدليل على ذلك هو استشهاده بابن عبد ربه وهو كتاب نماذج ليس كتاب تأريخ طولي ولذا فنحن نضيف إلى معلوماته بعض وليس كل ما رواه ابن عبد ربه وهو ما لا يختلف كثيرا عن روايات غيره من المؤرخين عن طاغية عصره (المفترى عليه) ابن جلا وطلاع الثنايا.
روى ابن عبد ربه أن عبد الملك بن مروان كتب إلى الحجاج في أسرى معركة الجماجم أن يعرضهم على السيف فمن أقر منهم بالكفر بخروجه علينا فخل سبيله ومن زعم أنه مؤمن فاضرب عنقه ففعل فلما عرضهم أتى بشيخ وشاب فقال للشاب أمؤمن أنت أم كافر؟.. قلا بل كافر فقال الحجاج ولكن الشيخ لا يرضى بالكفر فقال له الشيخ أعن نفسي تخادعني يا حجاج والله لو كان شئ أعظم من الكفر لرضيت به فضحك الحجاج وخلى سبيلهما ثم قدم إليه رجل فقال له على دين من أنت قال على دين إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين فقال اضربوا عنقه ثم قدم آخر فقال له على دين من أنت قال على دين أبيك الشيخ يوسف فقال أما والله لقد كان صواما قواما خل عنه يا غلام فلما خلى سبيله انصرف إليه فقال له يا حجاج سألت صاحبي على دين من أنت فقال على دين إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين فأمرت به فقتل وسألتني على دين من أنت فقلت على دين أبيك الشيخ يوسف فقلت أما والله لقد كان صواما قواما فأمرت بتخلية سبيلي والله لو لم يكن لأبيك من السيئات إلى انه ولد مثلك لكفاه فأمر به فقتل ثم أتى بعمران بن عصام العنزي فقال: عمران؟ قال ألم أوفدك على أمير المؤمنين ولا يوفد مثلك قال نعم قال ألم أوفدك قال بلى قال ألم أزوجك مارية بنت مسمع سيد قومها ولم تكن أهلا لها قال بلى قال فما حملك على الخروج علينا قال أخرجني بازان فأمر به فقتل ثم أتى بعامر الشعبي ومطرف بن عبد الله الشخير وسعيد بن جبير وكان الشعبي ومطرف يريان التورية وكان سعيد بن جبير لا يرى ذلك فلما قدم الشعبي قال أكافر أنت أم مؤمن قال أصلح(21/119)
الله الأمير نبا بنا المنزل وأجذب بنا الجناب واستحلسنا الخوف واكتحلنا السهر وخبطتنا فتنة لم نكن فيها بررة أتقياء ولا فجرة أقوياء قال الحجاج صدق والله ما بروا بخروجهم علينا ولا قووا خليا عنه ثم قدم إليه مطرف بن عبد الله فقال له أكافر أنت أم مؤمن قال أصلح الله الأمير إن من شق عصا الطاعة ونكث البيعة وفارق الجماعة وأخاف المسلمين لجدير بالكفر فقال صدق خليا عنه ثم أتى بسعيد بن جبير فقال له أنت سعيد بن جبير قال نعم قال لا بل شقي بن كسير قال أمي كان أعلم باسمي منك قال شقيت وشقيت أمك قال الشقاء لأهل النار قال أكافر أنت أم مؤمن قال ما كفرت بالله منذ آمنت به قال أضربوا عنقه.
قال ولما بلغ عمر بن عبد العزيز موت الحجاج خر ساجداً وكان يدعو الله أن يكون موته على فراشه ليكون عذابه أشد.
كما روي ابن عبد ربه أن عمر بن عبد العزيز قال لو جاءت كل أمة بمنافقيها وجئنا بالحجاج لفضلناهم.
الشيخ القرضاوي وعلمه الغزير
لماذا تورط الشيخ في الكتابة عن التاريخ؟ هل يكفي أن يُسأل في نقابة الأطباء (كما ذكر هو) عن التاريخ فينبري على الفور لتأليف كتاب ملأه بأشياء ومعلومات من نوعية (ما قل منه خير مما كثر) ولذا فقد امتلأ كتابه بالسقطات العلمية التي تدل وتقطع على أن الشيخ لا يعرف عن أي شئ يكتب!!
مثال ذلك ما أورده الشيخ عن الإنجازات العلمية التي نسبها للدولة العباسية مثل ابن الهيثم وفات الشيخ أن الحسن بن الهيثم كان من إنجازات الدولة الفاطمية التي لم يقصر مولانا في سبها ولعنها لأنها كانت (تسب الصحابة) أما الدولة الأموية التي لعنت الإمام علي بن أبي طالب على منابرها أكثر من ثمانين عاما فلا شئ عليها بل وقدمت لنا عبقريتها الخالدة الحجاج الثقفي.
وهناك أيضاً ما ادعاه عن ابن النفيس الدمشقي الذي جاء إلى مصر في عهد الدولة المملوكية (السلطان قلاوون) فما هي علاقته بالدولة العباسية.(21/120)
وهناك أيضاً ادعاؤه بأن جابر بن حيان كان من صنائع الدولة العباسية بينما يقول لنا التاريخ إن جابراً كان من تلامذة الإمام جعفر بن محمد (الصادق عليه السلام) أي أنه خرج من صفوف المعارضة.
الشيخ والقواعد الإجمالية لعلم التاريخ
في أي خانة نضع ما كتبه شيخنا وكيل الله عن تاريخنا المفترى عليه؟ وهل ما كتبه يندرج في إطار التفسير الإجمالي الحضاري للتاريخ ـ Macrohistory ـ أم في إطار القراءة العشوائية الانتقالية التي درج عليها مشايخنا وهل يؤمن بالتفسير المادي للتاريخ أم أن الأمر كان مجرد صراع عقائدي بين الخير والشر ومن يمثل الخير ومن يمثل الشر؟ أم أنه يسلك سبيلا وسطا يؤمن بتعدد عوامل الصراع الاجتماعي والسياسي والتاريخي.
الواقع أن من يقرأ ما كتبه الشيخ في هذا الكتاب لا يمكن له أن يعرف أين يقف هو ودراويشه التائهون ويمكن له بالفعل أن يزعم أن الشيخ يحتل تلك المكانة الوسطى وهم أتباع مدرسة (لا مساس) إنهم أناس لا هم مع الحق ولا هم ضد الباطل وحسبك أنه يدافع عن الحجاج الذي وجدوا في السجون 33 ألف فقط من بني الإنسان لا يرى شيخنا لهم أي قيمة وهم من أفلتوا من القتل والصلب عدا من قتلهم في حكمه الإرهابي (الإسلامي) المديد.
هل عرفتم لماذا نجح العلمانيون في الفوز بعديد الجولات في معركتهم مع الإسلاميين الذين يقودهم (وكيل الله في الأرض)؟
"زرقان".. تجليات الروح في قصائد صوفية
رسمي الجراح – الرأي 30/3/2005
ساعة غنائية صوفية واحدة ثرية وعميقة تقاسمها جمهور المسرح الدائري مساء أول من أمس اداها الفنان السوري بشار زرقان يرافقه عازف الطارة جمال السقا في ثاني فعاليات مهرجان أيام عمان المسرحية الحادية عشرة.(21/121)
بوح ورهافة ملمحان لصوت زرقان في الأمسية التي كان محورها صوفي وروحاني متكئ على قصائد لشعراء عرب أمثال ابن عربي، الحلاج، ابن الفارض، الجيلاني، بدر شاكر السياب، وغيرهم من المعاصرين المصري أحمد الشهاوي الذي اختار له "حال حالي" ومن حلاج الوقت لطاهر رياض "ما في الجبة من أحد".
يهيئ رزقان مناخه الغنائي عبر لملمة الكلمة في تعابير صوتية متلونة مع نغمة العود أو إيقاع الطهارة ليبدأ رحلة زمنية يقف في محطاتها لينقب عن شفافية الشعر وما هو متصل مع حاضرنا وإيقاع حياتنا.
يبحث زرقان عن كيميائية غنائية مختلفة بحيث يقترب من نبض الجميع ويدنو من التراتيل والنشيد، والطرب الصوفي، كل تلك الأشياء يصوغها بروح درامية أو ميلودرامية بما أنه يروي قصص العشاق وطقوسهم فهو حريص على إبقاء الينبوع متدفقا.
يمزج زرقان بين الومضة النغمية وصوته المنفرد وهو يعرف ما للصوت المنفرد من أثر بليغ في النفس حيث النسيج الشعري نقيا متجليا يصل على جناح جملة موسيقية.
"يا هذا" قصيدة أولى كانت انطلاقة برنامج زرقان استندت على التعبير الصوتي، الذي بدأ هادئا وسرعان ما حملت مع الإيقاع المتصاعد مسحة تحد ودعوة للإنسان بأنه الأساس من هنا جعل زرقان التعابير تتراوح بين طقس غنائي ومسرحي لتكون صورة عن ذلك التحدي وتلك الدعوة.
يدرك زرقان مفعول الكلمة المفردة لذا يعرف اختياراته فقد غني بصوت ملأ فضاء المسرح من شحنات العود، واتبع "يا هذا"، "بغيري على العشاق قادر" واذاب الصوت بالموسيقى رغم أن الوتر كان نادرا ما يلمع إلى جانب صوته المنفرد المحاور للقصيدة على إيقاع هادئ.
وحاكى زرقان الجيب قصيدة عبد القادر الجيلاني التي حملت ملمحا فلكلوريا للجمل الموسيقية المزركشة بالتنويعات في أولها، لكنه سرعان ما بدل ولون إحساسه بالمفردة وبالنغمة ليؤشر على صفوة الإيمان ولهيب الحب، ويهندس الصوت مع التعابير المتعددة، كما خفت صوته مثل عاشق في الهزيع الأخير من الليل.(21/122)
وبتناغم كبير يجمع زرقان بين الومضة الموسيقية وتأثير المفردة والإيقاع للارتقاء بالطقس التعبيري المتناول لجمل القصائد، وليفسح للطرب مساحة أكبر، ففي قصيدة العراقي السياب "خذيني" عبر عن مفردة دمدمات بدندنات العود وترجم خذيني بالقوة على الصوت والإيقاع، كل ذلك وغيره حالة من الإحساس بتعابير القصيدة ومثل ذلك كان أداؤه في حال حالي وما في الجبة من أحد.
لقاء مثير للجدل في مراكش المغربية بين أئمة مسلمين وحاخامات يهود
الرباط: «الشرق الأوسط» 6/4/2005
بدأ امس في مراكش لقاء مثير للجدل بين أئمة مسلمين وحاخامات يهود ، بمبادرة من السلطات المغربية ومنظمة «رجال الكلمة» الفرنسية ، يهدف الى «تحقيق السلم في العالم والتعايش بين الديانات»، وتستمر اشغاله يومين.
وسيبحث اللقاء تشكيل لجنة دائمة للحوار الاسلامي ـ اليهودي من اجل السلام تضم تسعة اعضاء من المؤسسين الذين حضروا اول لقاء عقد في العاصمة البلجيكية بروكسل ما بين الثالث والسادس من يناير (كانون الثاني) الماضي، واربعة شخصيات يهودية عالمية وكذا اربعة شخصيات اسلامية عالمية. ويضم اللقاء أئمة وحاخامات من 23 بلدا من مختلف انحاء العالم. وكانت بعض المنظمات المغربية والتيارات الأصولية اعترضت في وقت سابق على عقد اللقاء التأسيسي في مدينة ايفران (وسط المغرب)، وزعمت انه غطاء للتطبيع مع اسرائيل. لكن المنظمين فندوا ذلك، وقالوا ان اللقاء يدخل في اطار حوار الاديان ويهدف الى تحقيق السلام في جميع انحاء العالم.(21/123)
ورعى لقاء بروكسل ملك بلجيكا ألبرت الثاني والعاهل المغربي الملك محمد السادس، وأوصى مؤتمر بروكسل بتشكيل اللجنة الدائمة الاسلامية اليهودية بهدف اضفاء طابع مؤسساتي دائم على الحوار بين رجال الدين المسلمين واليهود. وتمثل اللجنة الدائمة زهاء مائة من الائمة والحاخامات الذين اعلنوا تأييدهم لهذا التحرك. ويقول منظمو المؤتمر ان المرصد الذي سيتم تشكليه في مراكش سيعنى بشؤون مناهضة العنصرية ومعاداة السامية وكافة اشكال القدح في الديانات وسوء تأويل النصوص الدينية. ومن بين اعضاء اللجنة الدائمة الاسلامية اليهودية الشيخ احمد العبادي مدير الشؤون الاسلامية في المغرب، والحاخامات رابين جوزيف ازران، وشيار كوهين، وديفيد شولومو روزين (من اسرائيل والولايات المتحدة)، الى جانب رئيس مجلس أئمة ساحل العاج ، ومؤسس منظمة رجال الكلمة، آلان ميشيل، والدكتور ندام نجويا، رئيس المجلس الاعلى الاسلامي في الكاميرون والشيخ الطاهر سدير، وزير الاوقاف في السلطة الوطنية الفلسطينية.(21/124)
مجلة الراصد الإسلامية
العدد الثاني والعشرون – غرة ربيع الآخر 1426 هـ
1-…فاتحة القول: وقفة مراجعة في التحليلات
السياسية في الصحوة الاسلامية......................................5
2-…فرق ومذاهب: الصابئة..............................................7
3-…سطور من الذاكرة: علاقة الحسن بن علي بمعاوية ................23
4-…دراسات1: موقف مفكري الاسلام من الشيعة 7 ...................26
5-…دراسات2: الروافض قادمون.......................................31
6-…كتاب الشهر: الطرق الصوفية بين الساسة والسياسة في مصر.....54
7-…قالوا...............................................................57
8-…جولة الصحافة:
التصوف
-…اعادة الاعتبار للحلاج...................................................61
-…بيعة صوفية للرئيسي مبارك............................................64
-…تعليمات حلقات الذكر....................................................68
-…مؤتمر حول التصوف بين الواقع والمأمول..............................71
-…مقابلة مع شيخ مشايخ الطرق الصوفي بمصر...........................72
-…وفد ألماني صوفي في مشيخة الطرق الصوفية..........................79
-…الهوية والمواطنة.......................................................80
العراق:
-…أزمة المدائن ...........................................................86
-…انتفاضة الأهواز........................................................89
-…أهداف التصعيد المفتعل في قضة المدائن................................95
-…ميليشيات بدر والدعوة..................................................97
مصر:
-…مأساة الفكر العربي تتجسد في فتاوى القرضاوي........................99
عمان:
-…استئناف محاكمة 31 متهماً عمانياً....................................103
اليمن:(22/1)
-…خفايا تمرد الحوثيين الجديد في صعدة.................................105
-…قبل أن تصبح صعدة دارفور أخرى....................................110
-…والد الحوثي...........................................................114
الكويت:
-…تحركات لإعلان الائتلاف الشيعي الكويتي..............................117
لبنان.
-…التيار الثالث...........................................................119
-…خطة إيرانية لتفجير لبنان.............................................121
-…سحب الجنسية من 2000 مجنس.....................................129
إيران.
-…الأهواز وبوادر انتفاضة...............................................131
-…ايران وحركة جادة باتجاه افريقيا......................................133
-…جولة خاتمي وتفعيل العلاقات الايرانية الافريقية.......................139
-…ما سر التكتم..........................................................149
سوريا.
- صراعات العلويين......................................................151
فاتحة القول 22
وقفة مراجعة للتحليلات السياسية في الصحوة الإسلامية
نشر موقع البينة مقابلتين الأولى مع الأستاذ محمد مورو رئيس تحرير مجلة المختار الإسلامي بمصر والمقابلة الثانية مع الأستاذ محمد يحيى أستاذ الأدب الإنجليزي بجامعة القاهرة ، وهما من الشخصيات البارزة في مسار الصحوة الإسلامية ولهما حضور قوي في المجلات والصحف والمواقع الإسلامية المختلفة .
والأستاذان الكريمان من المفكرين الذين تركوا بصماتهم الفكرية والسياسية في هذه المرحلة على أجيال عديدة وبلاد مختلفة .(22/2)
وهاتان المقابلتان كشفتا عن توجه ومراجعة لموقفهما من الشيعة وثورتهم ودولتهم بعد أن كانا – وبخاصة مورو – من المناصرين والمؤيدين للثورة الإيرانية وألف في نصرتها الكتب وكانت مجلته "المختار" منبراً للدعاية لحزب الله الشيعي .
والذي نريد الوقوف عنده هنا هو كيف حدث هذا التغير الفكري ؟
يقول محمد يحيى : " وفى السنوات الأخيرة ظهر الوجه المذهبي الإيراني القبيح في أفغانستان حيث تحالفت مع الولايات المتحدة الأمريكية التي تسميها بالشيطان الأكبر ضد طالبان "السنية".
ويقول محمد مورو : " لكن الملف الأفغاني أثبت مرة أخرى وبما لا يدع مجالاً للشك أن المصالح الإيرانية الوطنية والمذهبية الضيقة تطغى على المصلحة الإسلامية عمومًا".
ويبين لنا هذا القول أن الأداء السياسي الإيراني تجاه أفغانستان كان السبب في تغيير موقفهما من إيران والشيعة .
وهذا بحد ذاته جيد و موقف يشكرون عليه حيث لا يزال يفتقد الكثير من المفكرين الشجاعة في إعلان تغيير قناعتهم تجاه حقيقة الثورة الشيعية ،ولكن نود طرح الأسئلة التالية عليهم وعلى القارئ الكريم حتى نتجنب الوقوع في أخطاء سبق الوقوع فيها وهي :
-…لو لم يقف الإيرانيون هذا الموقف المخزي بدعم النصارى ضد المسلمين في أفغانستان فهل كانت قناعتهم بصواب الثورة الشيعية ستبقى ثابتة ؟؟
-…لماذا لم تؤثر المواقف المخزية القديمة لهذه الثورة مثل التعاون مع إسرائيل ومذابح الشيعة للفلسطينيين في لبنان و اضطهاد سنة إيران وتكريم يهود إيران والإلحاد في الحرم ومكة وغيرها كثير بالمقدار نفسه ؟
-…هل كانوا يعرفون عقائد الشيعة التي تحكم سياستهم مع المسلمين السنة ؟
-…هل موقفهما الحالي يمكن أن يتغير إذا بدلت إيران موقفها في العراق لمصلحة لحظية أو تقية ؟
-…هل كنا سنحتاج إلي ربع قرن من الزمان ،لو كنا ننطلق من معرفة شرعية بحقيقة الإسلام ومخالفة الشيعة لأحكام التوحيد ؟(22/3)
-…هل درس الأستاذان الكريمان عقائد الشيعة حتى تكتمل الصورة لديهما حيث أن هذه المواقف هي تطبيق للعقيدة الشيعية ؟
نهدف من هذه الأسئلة بيان أهمية فهم عقائد الفرق والطوائف في ديار المسلمين حتى لاننخدع بهم سنوات طويلة ثم نفهم لحدث سياسي يستفزنا ثم يزول أثره !
وهدف ثانٍ وهو أنه لا يصح أن يفسح المجال للتنظير في قضايا السياسة والفكر لمن يجهل عقيدة أهل السنة وعقائد الخصوم مهما كان سجله حافلاً في خدمة الدعوة و مليء بالبطولات و التضحيات فهذا لا يصلح معياراً للصواب .
وهدف ثالث وهو لا بد لهؤلاء المفكرين من بذل نفس الجهد في توضيح ما التبس على الناس بسببهم تجاه الثورة الشيعية .
وأخيرا ً نحن مقبلون على أدوار جديدة لطوائف أخرى كالدروز و الأحباش و الصوفية و البهائية والبهرة فهل يبادر هؤلاء المفكرون وغيرهم لدراسة هذه الفرق وعقائدها قبل توجيه الناس وهم يجهلون حقيقتها ؟ أم سننتظر سنوات طويلة حدوث مصيبة نصحو فيها لحظات ثم نعود لغفلتنا !!!
فرق العدد 22
الصابئة
بالرغم من أن الصابئة هي ديانة مستقلة، وليست فرقة إسلامية، إلاّ أننا نرى ضرورة تناولها لأسباب أهمها:
1ـ أننا كنا قد تحدثنا في الأعداد السابقة عن مجموعة من الفرق التي تنتشر في العراق مثل الشبك والكاكائية، ومن المفيد معرفة المزيد عن الفرق والمذاهب والأديان في هذا البلد في هذا الوقت بالذات، لإعطاء صورة مفصلة وواضحة ومكتملة لدى القارئ الكريم.
2ـ ما يعتبره البعض من أن الصابئة ديانة توحيدية تؤمن بإله واحد، ونرى أنه من الضروري توضيح عقائدها خاصة ما يتعلق بالكواكب والنجوم.(22/4)
3ـ أن هذه الديانة وإن كانت تتواجد بشكل أساسي في العراق وإيران، إلاّ أن هجرة الكثير من العراقيين بسبب الأوضاع السياسية في بلادهم جعل لها انتشاراً في عدد من دول العالم وبخاصة الدول المسلمة المجاورة للعراق (الكويت، الأردن، سوريا،)، الأمر الذي يجعل المسلمين في هذه الدول يتساءلون عن عقائد الصابئة وانتشارهم وطقوسهم.
4ـ أن عدد الصابئة في العراق وإيران يقارب الـ 100 ألف نسمة (في أقل التقديرات)، لذا فإن هذا العدد الكبير نسبياً بحاجة إلى تسليط الضوء عليه.
وتعتبر ديانة الصابئة المندائية إحدى أقدم الديانات في التاريخ.وكانت منتشرة في أراضي الرافدين وفلسطين ما قبل المسيحية و لا يزال بعض من أتباعها موجودين في العراق إلى الآن و يطلق عليهم المندائيون أو الصابئة المندائيون.
ويعتقد أن كلمة المندائيين اشتقت من الجذر (مندا) والذي يعني باللغة المندائية - التي هي فرع من اللغة السريانية القديمة - المعرفة أو العلم. أما كلمة الصابئة فهي مشتقة من الجذر (صبا) ويعني بالمندائية اصطبغ, تعمد, أو غطس في الماء و هي من أهم شعائرهم الدينية. وبذلك يكون معنى الصابئة المندائيين المصطبغين أو المتعمدين العارفين لدين الحق.
واختلف بعض علماء اللغة في أصل كلمة الصابئة و أرجعها البعض إلى الجذر العربي (صبأ) و الذي يعني خرج و غير حالته. ويعتقد بعض المسلمين أن سبب تسميتهم بالصابئة انهم «صبئوا» عن الدين الإسلامي.في حين يعتقد بعض النصارى أن الصابئة"مارقون على المسيحية"، لذلك أصبحوا منذ منتصف القرن السادس عشر الميلادي هدفا لضغط المنصرين من مذاهب مختلف،"لإعادتهم إلى صفوف المسيحية" حسب اعتقاد المنصرين.
والصائبة المندائيون غير صابئة حران الذين كانوا يعبدون النجوم وانقرضوا حاليا،كما أن الصابئة لا يعرفون أنفسهم بهذا الاسم بل بأنهم مندائيون.
تواجدهم وعددهم(22/5)
الصابئة يعيشون بشكل رئيسي في العراق وجنوب إيران ،وعددهم الآن يقارب مئة ألف نسمة منهم ستون ألفا في العراق. ويتواجدون بشكل أساسي على ضفاف ( دجلة والفرات) في المناطق السفلى من النهرين، أي منطقة البطائح، ويسكنون في منطقة الأهواز وشط العرب،ويكثرون في مدن العمارة والناصرية والبصرة التي يسيطرون على سوق الذهب فيها. ويقدر عددهم في العراق بستين ألفا.
كما ينتشرون فى بطائح عربستان من إيران حول نهر( كارون) على مدنها الساحلية كالمحمرة ، وناصرية الأهواز وشمشتر،ودزبول. وهناك جاليات صابئية في أوربا وأمريكا وكندا واستراليا . وفي الأردن يقدر عددهم بـ 500 شخص يتوجهون إلى منطقة وادي شعيب حيث المياه الجارية.
فهم إذا ديانة مائية، بمعنى أن منتسبيها لا يعيشون إلا حول الماء بسبب ارتباطهم الطقسي به منذ نشأة هذا الدين.
عقائدهم وعباداتهم
يعتقدون أن دينهم أقدم الأديان على وجه الأرض وأنه أنزل بأمر ملك النور على(آدم وحواء) . ويعتقدون- من حيث المبدأ- بوجود الإله الخالق الواحد الأزلي الذي لا تناله الحواس ولا يفضي إليه مخلوق، ولكنهم يجعلون بعد هذا الإله 360 شخصاً خلقوا ليفعلوا أفعال الإله .. من رعد وبرق ومطر وشمس وليل ونهار .. وهؤلاء يعرفون الغيب ، ولكل منهم مملكته في عالم الأنوار .
ويعتقد الصابئة بأنهم يتبعون تعاليم آدم ولديهم كتاب"الكنزبرا" أي صحف آدم .ثم جاء النبي يحيى لتخليص الدين من الأمور الدخيلة ، وهو لم يكن رسولاً بل نبياً خاصاً بهم.وهم من أكثر الأجناس تعبداً واشدها تديناً ومحافظة علي الطقوس والشعائر والعادات والتقاليد الخاصة بهم.(22/6)
وبينهم وبين المسيحية عداء، لكن عداءهم لليهود أشد لدرجة أنهم يعتبرون موسى عليه السلام من رسل الروح الشريرة . ويعتقد بأن ما حدث مع الصابئة من تعرضهم للذبح ، من قبل بني إسرائيل جعل منهم ألد أعدائهم، فصاروا يخالفونهم في كل شيء حتى أنهم يقيمون الأحزان بمناسبة غرق فرعون وقومه الذين كانوا يلاحقون موسى عليه السلام، ويطلقون على يوم غرقهم اسم"عاشورية ".
يعتقد الصابئة أن جدهم الأعلى ونبيهم بعد آدم ونوح هو «سام» وهم ليسوا فرقة من النصارى رغم تعظيمهم للنبي يحيى واعتبارهم له نبيا أنقذهم من ضلال اليهودية وقام بالمعمودية، وهم ليسوا مجوسا لعدم تقديسهم للنار، لكن بعض شعائرهم تتشابه مع أديان المنطقة بفعل تواجدهم القديم فيها، فهم يعظمون الكواكب باعتبارها تحتوي على مخلوقات حية هي أرواح ثانوية تابعة ــ في عرفهم ــ لأمر ملك النور وتصاحب هذه الأرواح أرواح أخرى شريرة وهم يوجهون أدعيتهم للأرواح الخيرة لتساعدهم وتناصرهم.
وجاء ذكر الصابئة في القرآن الكريم في ثلاث سور من سوره الكريمة هي:
1- " إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون" البقرة:62
2- " إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون" المائدة :69
3- "إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد" الحج: 17
ويعتقدون إن الصلاة كانت في عهد آدم سبع صلوات ، وهى : الصبح والظهر والعصر والمساء والعشاء ، وصلاتين فيما بينهما ، إلا أن يوحنا المعمدان خفف عنهم الصلوات وجعلها
في ثلاثة أوقات. ويسبق الصلاة آذان بدون رفع الصوت ، وبدون الوقوف على شاهق.(22/7)
ويتجه الصابئة في صلاتهم و لدى ممارستهم لشعائرهم الدينية نحو جهة الشمال لاعتقادهم بأن عالم الأنوار (الجنة) يقع في ذلك المكان المقدس من الكون الذي تعرج إليه النفوس في النهاية لتنعم بالخلود إلى جوار ربها, ويستدل على اتجاه الشمال بواسطة النجم القطبي.
ويؤمنون بالتناسخ ويعتقدون بتطبيقاته في بعض جوانب عقيدتهم. وللرجل أن يتزوج ما يشاء من النساء على قدر ما تسمح له به ظروفه.
وتنص عقيدتهم على أن يكون الميراث محصوراً في الابن الأكبر،وبعض رجال الدين يقولون أنه لا يوجد في دينهم أحكام للميراث. لكنهم لمجاورتهم المسلمين فقد أخذوا بقانون المواريث الإِسلامي.
ومعبد الصابئة يسمى"المندي" وفيه كتبهم المقدسة ، ويجري فيه تعميد رجال الدين.
والصيام عندهم له نوعان:
الصيام الكبير (صوما ربا) و هو الامتناع عن الفواحش .
الصيام الصغير و هو الامتناع عن تناول لحوم الحيوانات و ذبحها خلال أيام محددة من السنة تصل إلى 36 يوما لاعتقادهم بأن أبواب الشر مفتوحة تكون عندها مفتوحة على مصراعيها فتقوى فيها الشياطين و قوى الشر لذلك يسمونها بالأيام المبطلة.
واحد الطقوس الرئيسية عندهم هو الاغتسال بالماء الجاري.
ويعتبر الصابئة أن أركان ديانتهم هي :
1-…التوحيد (سهدوثا اد هيي) و هي الاعتراف بالحي العظيم (هيي ربي) خالق الكون.
2-…التعميد أو الصباغة (مصبتا) و هو فرض واجب ليكون الإنسان مندائيا و يهدف للخلاص و التوبة وغسل الذنوب و يجب أن يتم في المياه الجارية ويمارس في أيام الآحاد و المناسبات الدينية و عند الولادة و الزواج أو عند تكريس رجل دين جديد..
3-…الصلاة.
4-…الصيام.
5-…الصدقة و يشترط فيها السر و عدم الإعلان.
بعض المحرمات عندهم
1- تلويث الطبيعة والأنهار(22/8)
2- إعطاء كتبهم المقدسة للآخرين ويقول أحد شيوخهم : لقد بذل عدد كبير من المستشرقين جهوداً كبيرة وأموالاً طائلة في سبيل الحصول علي كتبنا الدينية فأخفق أكثرهم. 3- أكل الميتة والدم والحامل والجارح والكاسر من الحيوانات والذي هاجمه حيوان مفترس.
4- الطلاق (إلا في ظروف خاصة جدا). 5- الانتحار وإنهاء الحياة والإجهاض والرهبنة.
حياتهم الاجتماعية
يعتبر الصابئة الزواج فرضا دينيا والعزوبة خطيئة. ويدهن الطفل عند ولادته بالزبد المالح
ويغسل بالماء الفاتر والصابون، وتذهب المرأة الوالدة حديثا إلى النهر حيث تغتسل ثلاث مرات مع دعاء محدد.
وحين يعمد الطفل يبحث عن رجل له اسم مشابه لاسمه الديني ويجري تعميده في الماء الجاري في طقوس دينية مطولة، ويعتقد الصابئة أن "ليليث" هي المسئولة عن سلامة الطفل قبل الولادة وبعدها. وليليث تعرف في معجم الأساطير أنها إلهة سومرية للخصب عند سكان وادي الرافدين القدامى.
ولا يجوز للكاهن الصابئي شرب حليب البقر أو الجاموس إلا بعد مرور ثلاثين يوما من ولادة البقرة الأم ويلقن الطفل ألا يأكل لحما لم يذبح حسب الأصول الدينية وهم يعتبرون أن أكل الطير المفترس حرام وكذلك الغراب الأسود واكل الجيف، ويحرم عندهم أكل لحوم الجمل والحصان والخنزير والكلب والفأر والأرنب والقط.
ويعتبر الصابئة المتدينون أن ذبح الجاموس أو البقر جريمة كبرى ولكن ليست هناك أهمية دينية للبقرة، ويسمح عندهم بتناول أنواع من الأسماك لكن الأفضل لدى المتدينين عدم أكل اللحوم والأسماك، بل إن عملية الذبح تقوم على أساس اعتذاري مشوب بالندم كما أن الكتاب الديني الأساسي (كنزه ربه) يعتبر جميع أنواع القتل وسفك الدماء خطيئة عدا الحشرات الضارة.
ويمتنع الصابئة عن أكل الدجاج والبيض خلال وجبات الطعام الدينية التي تنم في الأعياد وحفلات الزواج والميلاد بالإضافة إلى امتناعهم عن إهداء بيضة لجار أو لراغب فيها من خارج البيت بعد غروب الشمس..(22/9)
ويأتي الشباب والشابات إلى الكهان ليخبروهم عن اليوم السعيد الذي يمكنهم أن يتزوجوا فيه، وكذلك يخبرون السائلين عن الوقت المناسب للتجارة أو السفر، وذلك عن طريق علم النجوم.
ولا تؤكل الذبيحة إلا أن تذبح بيد رجال الدين وبحضور الشهود، ويقوم الذابح - بعد أن يتوضأ- بغمسها في الماء الجاري ثلاث مرات ثم يقرأ عليها أذكاراً دينية خاصة ثم يذبحها مستقبلاً الشمال، ويستزف دمها حتى آخر قطرة، ويحرم الذبح بعد غروب الشمس أو قبل شروقها إلا في عيد البنجة.
أعيادهم ومناسباتهم
إن السنة عند المندائيين تبدأ بشهر شباط / فبراير وتحتوي على 365 يوماً فقط وليس فيها سنة كبيسة وهي تقسم إلى أشهر: في كل شهر ثلاثون يوما وتعد الأيام الخمسة الزائدة شهراً إضافيا. ويعظمون يوم الأحد كالنصارى ويعطلون فيه عن العمل.
هناك سبعة أعياد يحتفل بها الصابئة و كلها ذات صفة دينية:
1- دهوا ربا أو العيد الكبير في الأول من شهر شباط (دولا) المندائي.وهو رأس السنة الجديدة عندهم والذي يسمى أيضا بداية البناء، وعيد ( ملك الأنوار ) و(دهفة ربه) ويعرف باسمه الفارسي أيضاً (نوروز ربه) ويسميه العامة عيد الكرصة. وفيه يمكثون في بيوتهم طيلة يوم ونصف أي 36 ساعة. ولا يقومون بأي عمل خلالها. وبعد انتهاء مدة "الكرصة" مباشرة يتوجه أفراد الطائفة جميعا إلى النهر في الصباح.
2- عيد شيشان.
3- دهوا حونينا أو العيد الصغير حيث يعتقدون أن ( جبرائيل ) جمد فيه الأرض بعد أن كانت غازاً.
4- بروانا أو عيد البنجة أو الخليقة وعدد أيامه خمسة ويقام فيه أكبر عيد عمادي نهري .
5- دهوا ديمانه يوم ميلاد سيدنا يحيى عليه السلام ويقولون إن آدم عُمد في هذا اليوم.
6- عيد الفل.
7- العاشورية.
بعض أعلامهم قديما وحديثا
اشتهر الصابئة قديما بعلمي الفلك والطب ومنهم من عنى بتدوين التاريخ وأخبار الزمان وبرز منهم:(22/10)
1- ثابت بن قره الحراني: كان طبيبا من خاصة الخليفة المعتضد، وعالما في الرياضيات. ألف حوالي 150 كتابا في الطب والهندسة والفلك .توفي في بغداد سنة 288 هـ .
2- سنان بن ثابت بن قرة: كان رئيس الأطباء في بغداد زمن المقتدر العباسي. توفي في بغداد سنة 331 هـ ، له رسالة في شرح مذهب الصابئة ،وصنف كتابا في تاريخ البويهيين الشيعة باسم " التاجي" .
3- إبراهيم بن سنان بن ثابت: كان مهندسا مشهورا وله كتابات في علم الفلك.
4- البتاني: عالم رياضي وله كتابات في علم الفلك.
5- أبو إسحاق إبراهيم بن هلال : كان أديبا وعالما ومن أعيان العصر البويهي.توفى سنة 384 هـ.
6- ثابت بن سنان: حفيد ثابت بن قرة، طبيب ومؤرخ، خدم الراضي بالله العباسي والمتقي والمكتفي والمطيع، توفي سنة 365هـ.
7- أبو الحسين هلال بن المحسن: حفيد أبي إسحاق،له كتاب الأماثل والأعيان ومنتدى العواطف والإحسان، توفي سنة 447هـ، وقيل أنه أسلم في أخر عمره.
8- غصبان الروي ونعيم بدوي من مثقفيهم، وقد قاما بترجمة كتاب"الصابئة المندائيون" عن الانجليزية الذي ألفته الليدي دراور.
9- الدكتور عبد الجبار عبد الله: عالم فيزيائي معاصر .
10- الشيخ دخيل بن عيدان داموك (1881ـ 1964) عاش في مدينة الناصرية التي ولد فيها. حصل على الدرجة الدينية الكبرى (الكنزبرا) سنة 1910. وأول من اعترف به رئيساً للطائفة هم البريطانيون خلال احتلالهم للعراق. هاجر سنة 1957 إلى بغداد، وفيها توفي بعد قدومه بسنوات، ودفن بالدورة محلة المهدي جنوب غربي بغداد، لتصبح بعد وفاته مزاراً لأبناء طائفته.
11- الشيخ عبد الله بن نجم بن زهرون، ولد سنة 1927، وهو ينحدر من قلعة صالح بين العمارة والبصرة، وصار رجل دين سنة 1945 على يد والده. وكان الوحيد الذي حمل رتبة ريشما (رئيس أمة) في الآونة الأخيرة.(22/11)
عاش جزءاً من حياته في البصرة، ثم ارتحل عنها نهائياً إلى بغداد سنة 1982. وكان رئيساً للمجلس الروحاني للطائفة (1981ـ 1999).
12- سلوان شاكر وسالم داود، وهما من الكهنة في العراق حالياً.
13- عبد الرزاق عبد الواحد، وهو من كبار شعراء العراق حالياً، وهو الذي صاغ الترجمة العربية لكتاب كنزا ربة التي صدرت سنة 2000 الصياغة الأدبية، وتعد من أوائل الترجمات إن لم تكن أولها.
14- سليم برنجي، مؤرخ إيراني،له كتاب "الصابئة المندائيون...دراسة في تاريخ ومعتقدات القوم المنسيين" وهو مترجم إلى العربية.
15- ستار جبار حلو شيخ الطائفة في بغداد حالياً.
16- حميد ابن الشيخ دخيل بن عيدان، وهو أحد الذين ساهموا في الإعداد للمؤتمر المندائي الثاني الذي انعقد في السويد سنة 2002.
17- رياض راضي حبيب رئيس مجلس شؤون الطائفة المندائية في البصرة.اغتيل مؤخرا.
18- حكمت السليم مسؤول العلاقات الخارجية في مجلس شؤون الطائفة في العراق سابقا ورئيس الجمعية المندائية لعموم ألمانيا سابقا وعضو الهيئة الإدارية للرابطة المندائية في ألمانيا حاليا.
19- الدكتور قيس مغشغش السعدي أستاذ متخصص في تكنولوجيا التعليم، ألف أول كتاب تعليمي منهجي لتعلم اللغة المندائية باستخدام الصور الملونة.
20- أكرم ناصر عرار رئيس اتحاد الجمعيات المندائية في المهجر.
المهن التي يمارسونها
منذ القدم كان يمارس الصابئة الصياغة (الذهب والفضة) التي تعد فنا ظل لصيقا بهم، وكذلك الحدادة والنجارة ولا سيما صناعة الزوارق.
ومهارتهم في صياغة المينا ( النقش على الفضة ) مما دفعهم إلى الرحيل للعمل في بيروت ودمشق والإسكندرية، ووصل بعضهم إلى إيطاليا وفرنسا وأمريكا.
……كتبهم(22/12)
كتب الصابئة ليست مطبوعة، وقد قام شيوخهم بنسخها باليد طيلة قرون عديدة .. وتحرص الصابئة على منع الغير من الإطلاع على كتبهم المقدسة منعاً شديداً ، إضافة إلى أنها مكتوبة باللغة المندائية التي كان يتكلم بها ( آدم ) كما يعتقدون.
وأهم كتبهم هي :
1- كنزه ربه : أي الكنز العظيم ،أو الكتاب العظيم. ويقال له ( سدرا- آدم ) أي صحف آدم .. ولا يمكن اعتبار الكتاب متجانساً ، فهو مجموعة فقرات غالباً ما تتناقض. وهو بقسمين:
الأول: ويتضمن سفر التكوين وتعاليم "الحي العظيم" والصراع الدائر بين الخير والشر والنور والظلام وكذلك هبوط "النفس" في جسد آدم ويتضمن كذلك تسبيحا للخالق وأحكام فقهية ودينية. والثاني: يتناول قضايا "النفس" وما يلحقها من عقاب وثواب.
2- دراشه أديهيأ : أي تعاليم يحيى ، وفيه تعاليم وحياة النبي يحيى u . وهو أحدث تأريخاً من الكتاب الأول
3- سدرة إدنشماثا : يدور حول التعميد والدفن والحداد، وانتقال الروح من الجسد إلى الأرض ومن ثم إلى عالم الأنوار .
4- أسفر ملواشه : أي سفر البروج لمعرفة حوادث السنة المقبلة عن طريق علم الفلك والتنجيم.
5- كتاب(الأنفس): ويضم قصة هبوط النفس في جسد آدم.
6- كتاب (آدم بغرة): وهو شرح لجسد الإنسان.
7- كتاب (القلستا): وهو تراتيل طقوس الزواج.
8- كتاب (النياني): وهو كتاب الصلاة والأدعية.
مراتب رجال الدين
1ـ الحلالي: ويسمى الشماس، يجب أن يكون سليماً من جميع الأمراض، ولا يتزوج إلاّ بكراً.
2ـ شكندا: ويقوم بمساعدة رجال الدين في ممارسة الطقوس الدينية كالتعميد والزواج والذبح.
3ـ شواليا: رجل الدين المرشح الكهانة
4ـ ترميندا: أولى المراتب الدينية، فيها يمارس التعميد والزواج والذبح.
5ـ أبيسق: رجل الدين حصل على درجة ترميندا، لكنه يختص بعقد زواج النساء الثيبات، لا الأبكار التي يختص فيها الترميذا. ولا يحق للأبيسق إجراء الطقوس الأخرى، ولا الانتقال إلى درجة أخرى.(22/13)
6ـ كنزبرا: خاتم كتاب كنزابرا، ولا يرتقي إليها إلاّ بعد أن يكون متزوجاً منجباً، ووالده عالم ديني.
7ـ ريشما، وتعني رئيس الأمة، وهي أعلى مرتبة دينية يحصل عليها بعد ترسيم سبعة رجال دين. وإلى عهد قريب لم يكن سوى الشيخ عبد الله بن الشيخ نجم يحمل هذه الرتبة.
8ـ الرباني: وفق هذه الديانة، لم يصل إلى هذه الدرجة إلاّ يحيى بن زكريا عليهما السلام، كما أنه لا يجوز أن يوجد شخصان من هذه الدرجة وقت واحد.
حياتهم السياسية
منذ سنوات مضت، لم يكن للصابئة في العراق نفس الدرجة من الطموح السياسي الذي تسعى إليه الأقليات الأخرى، إلاّ أنهم حالياً يبذلون الجهود لتعزيز وضع طائفتهم وإنشاء الهيئات والمؤسسات في العراق وخارجها، مستفيدين من الظروف الحالية في العراق،والتوجه العالمي لتعزيز دور الأقليات، وهم يلجأون في سبيل ذلك أحياناً إلى التقرب إلى أصحاب الديانات الأخرى بنقاط التشابه الموجودة بينهم وبين الآخرين، ومن تلك الأنشطة:
1ـ سعي شيخ الطائفة السابق دخيل بن عيدان لاعتماده رسمياً من قبل السلطات البريطانية، والعهد الملكي، إذ صدر أو اعتراف رسمي بالطائفة خلال الاحتلال البريطاني للعراق، وأصدر المرسوم حاكم القرنة الميجر براون، وحاكم العمارة الميجر مارك، وحاكم الناصرية الميجر دكسن، وجاء فيه : "صدر أمر بتنظيم وترتيب أمور عمل رؤساء الدين، وتعيين الشيخ دخيل رئيساً على ملة الصابئة، وهو بدرجة (كنزفرا)، وبمساعدة الترميذا الشيخ زهرون والشيخ عبد، مع كيفية تنظيم رواتب لرجال الدين، والطلب من رجال الدين بإقامة مندي (معبد) في كل مكان يتواجد فيه الصابئة..".(22/14)
وبعد تتويج فيصل الأول سنة 1921 ملكاً على العراق، بعث رسالة تهنئة وتعريف ومطالبة بحقوق طائفته، وجاء فيها: "إن طائفة الصابئة من الملل القديمة، وقد تقهقرت من وجوه شتى، ووصلت إلى حالة يؤسف لها كل ذي وجدان. ولمّا تشكلت الحكومة العربية التي يرأسها جلالتكم قد دبّ فيها النشاط والتقدم، لمّا تحققت لها من رعاية ومساواة مع باقي الملل والمذاهب، والنهوض بمستوى أولادهم، وذلك بإرسالهم إلى المدارس الأميرية للتهذيب والتربية.. وأن أفراد هذه الطائفة لها دعوى ومشاغل دينية كثيرة".
وجاء في الرسالة المؤرخة بـ 18 شباط سنة 1922 أيضاً: "ومن زمن غير قصير لم يتعين خبير لحسم هذه المسائل التي تحدث بين الأفراد، فاجتمع رؤساء الأمور في هذه الملّة وقدموا عرائض للحكومة الإنجليزية منذ احتلال العراق، وطلبوا منهم المصادقة على ترشيحي رئيساً دينياً لهذه الملة.
أرجو من مراحمكم السامية أن يصدر أمركم بتصديق رئاستي لأحظى بذلك".
وكان للشيخ دخيل ما أراد فظل رئيساً لطائفته حتى سنة 1964م، إلاّ أنه لم ينجح بتولي القضاء حسب تعاليم دينه في محكمة مندائية خاصته، تعقد فيها أمور الزواج وفك الخصومات المتعلقة بالدين، إذ جاء في رسالة أرسلها وزير العدلية توفيق السويدي في 28 شباط / فبراير سنة 1922 إلى وزير الداخلية جاء فيها " أنه لا يمكن منح الشيخ دخيل سلطة قضائية، ويكفي أن المحاكم المدنية تحسم موادهم الشخصية طبقاً لعاداتهم مستعينة أحياناً بالرئيس ليبين قانونهم الروحاني، وعاداتهم في تلك القضية، ولكن يمكن قبوله رئيساً إدارياً لملته".(22/15)
2ـ زيارة وفد من رؤساء الصابئة برئاسة الشيخ عبد الله بن نجم سنة 1990 للفاتيكان ولقائهم البابا، لمد جسور التواصل مع المسيحيين، وفي اللقاء خاطب الشيخ عبد الله بابا الفاتيكان قائلاً: "منذ ألفي عام عمّد يوحنا المعمدان السيد المسيح، وبعد ألفي عام يقلد رئيسُ طائفة المندائيين البابا الدرفش (راية السلام المندائية)". فأجابه بابا الفاتيكان قائلاً:
"بكثير من الغبطة أرحب برجل الدين الشيخ عبد الله الشيخ نجم، والأعضاء الآخرين في المجلس الروحاني الأعلى للديانة المندائية، في زيارتهم الأولى هذه للمقر البابوي المقدس، وهناك الكثير من نقاط الالتقاء بين دينكم والديانة المسيحية، فأنتم تؤمنون بالرب الواحد، خالق الكون، وأن التقدير الكبير الذي تكنونه ليوحنا المعمدان، والشرف الذي تتمسكون به لشخصية المسيح، ابن خالة يوحنا المعمدان، هو سبب سروركم بأن تدعونا أبناء خالة، إذ أنتم أقارب البابا...".
3- زيارة رئيس الطائفة الكنزابرا ستار جبار حلو المطران فرناندو فيلوني السفير البابوي في بغداد يوم الجمعة 21/5/2004م ،حيث أعرب الطرفان عن أمنياتهما بتعزيز العلاقات معتبرين أنها امتداد للعلاقة الروحية بين النبي يحيى والنبي عيسى. وفي اللقاء قدم رئيس اتحاد الجمعيات المندائية في المهجر شرحا عن الجمعيات المندائية في المهجر وحال أبناء الطائفة هناك وأعرب عن الرغبة في وجود عضو ارتباط مع الفاتيكان بروما انطلاقا من فكرة مد أواصر التعاون بين الطرفين .
4ـ دخول بعض أفرادهم إلى القوائم الانتخابية للانتخابات التشريعية والبلدية العراقية التي جرت في يناير 2005، وقد قتل أحد هؤلاء المرشحين وهو رياض راضي حبيب، المرشح لمجلس محافظة البصرة ضمن قائمة حركة الوفاق التي يتزعمها إياد علاّوي، في مدينة البصرة، قبل إجراء الانتخابات بحوالي أسبوعين.(22/16)
5ـ التحذير من دستور العراق الجديد، وأثره "السلبي" على الصابئة وبقية الأقليات، فقد كتب المستشار القانوني لطائفة الصابئة المندائيين في العراق (سابقاً) والمستشار القانوني لاتحاد الجمعيات المندائية قي المهجر عربي الخميس مقالاً في (موسوعة صوت العراق 9/3/2004) مقالاً بعنوان: "ويل لمستقبل طائفة الصابئة المندائيين من دستور تفرضه لأكثرية" اعتبر فيه من أن عبارة "دين الدولة الرسمي هو الإسلام" معناها أن الصابئة قوم ملحدون كفار يباح قتلهم، وقال أن الدستور لم يعترف بطائفة الصابئة كطائفة دينية موحدة تؤمن بالله واليوم الآخر ـ على حد قوله ـ .
6ـ إقامة عدد من المؤتمرات العالمية لتدارس أمر الطائفة، وعادة ما تعقد هذه المؤتمرات في العاصمة السويدية استوكهولم. وقد عقد المؤتمر الثاني في آب أغسطس سنة 2002، فيما عقد المؤتمر الثالث في الشهر نفسه حتى عام 2003.
7- إقامة شيخ الطائفة في البصرة احتفالا تأبينيا في محرم من كل عام بمناسبة عاشوراء فيما يبدو أنه تودد للشيعة هناك، ومع ذلك يشتكي الصابئة في البصرة من ممارسات أنصار مقتدى الصدر ضدهم.
8- تعالي أصوات بعض قياداتهم ومثقفيهم على شبكة الإنترنت بالاهتمام باللغة المندائية والسعي لتيسير الطقوس الدينية، وإجرائها دون حياء أو خجل ،والعمل على إيصال متطلبات إجراء هذه الطقوس إلى كل بيت مندائى.
ويرى هؤلاء ضرورة توجيه الإعلام المندائي بشكل مدروس من خلال تشجيع كتابة القصص والذكريات وإبراز الأساطير التي تحرك الوجدان المندائي وتبنيه، وإبراز المناسبات الدينية وإجراءاتها التراثية الفلكلورية والدفاع عنها،وتشجيع الممارسات الدينية الجماعية التي تبعد التحسس من "تخلف الطقوس". ويحثون على إقامة المخيمات المندائية والحرص الدائم على إقامة الاحتفاليات في المناسبات الدينية.
من هيئاتهم:(22/17)
بعد نزوح أعداد من الصابئة إلى مراكز المدن الكبرى كالبصرة والعمارة وبغداد واشتغالهم بالصياغة وبناء المنادي - دور العبادة- , اتخذوا منها المكان المناسب للقاءاتهم في أيام المناسبات والأعياد وغيرها، ويتناولون فيها المواضيع التي تهم الشأن المندائي 0
وفي أواسط السبعينيات بدأ التفكير بين مثقفيهم بشكل جدي بإيجاد هيئة اجتماعية لهم بالتعاون مع رجال دينهم ،فشكلت أول هيئة تنظيمية مندائيية تحت اسم"هيئة التولية" وكان مركزها بغداد وبرئاسة رئيس الطائفة آنذاك الكنزبرا عبد الله الشيخ سام .وبعد وفاته اصبح الكنزبرا عبد الله نجم رئيسا لها.
إلا أن هيئة التولية لم تلب طموحاتهم فحلت هذه المنظمة وتم تأسيس هيئة عوضا عنها برئاسة الكنزبرا عبد الله نجم وتحت اسم "المجلس الروحاني لطائفة الصابئة المندائيين في العراق".
لكن الخلاف بدأ يدب بين القيادة الدينية والمدنيين وكل فئة تحاول تسيير شؤون الطائفة وفقا لرؤيتها ومصالحها الخاصة ولما اشتد الخلاف تم الاتفاق على تكوين مؤسسة خاصة برجال الدين أطلق عليها "المجلس الروحاني" تهتم بشؤون الدين وأخرى برئاسة المدنيين للشؤون المدنية.
وقدم نظام جديد للطائفة أجيز من قبل وزارة الأوقاف العراقية عام 1996 وبالرغم من عدم رضاهم الكامل عنه،إلا أنهم اعتبروه نجاحا لطائفتهم حيث فصل بين التنظيمات الدينية والمدنية وحدد لكل هيئة مهامها مع استمرار العلاقات بين الجهتين , وتتكون هيكلية التنظيم الجديد من ثلاث مجالس هي:
1- مجلس عموم الطائفة : يتكون من 180 عضوا ينتخب أعضاؤه من جميع البالغين من المندائين. وهذا المجلس بمثابة البرلمان يراقب أعمال رئيس الطائفة وله الحق في ترشيحه أو إقالته في حالة عدم التزامه بالشؤون الدينية أو المدنية,كما يحق لهذا المجلس محاسبة أي عضو في المجالس الأخرى .(22/18)
2- مجلس شؤون الطائفة : وهو الجهة المسؤولة عن متابعة شؤونها ورعايتها في المجالات الثقافية والاجتماعية والتربوية والمالية ومراجعة الجهات الحكومية والصحافة والنشر، ويشرف على عدة لجان0
3- المجلس الروحاني: ويضم رجال الدين ومهمته إدارة الشؤون الدينية والطقسية للطائفة ,مع ايجاد صيغة للتعاون والتشاور بين المجالس الثلاثة ,ولا يزال هذا النظام معمولا به في العراق.
وبعد حرب الخليج الثانية , هاجر المندائيون خارج العراق بأعداد كبيرة,وانتشروا في بقاع العالم وخاصة في أوربا واستراليا وأمريكا.وبالرغم من قصر مدة تواجدهم في بلاد المهجر وقلة تجربتهم في مجالات التنظيم الاجتماعي خارج الوطن إلا انهم ابدوا نشاطا ملحوظا وسريعا في تكوين جمعياتهم حيث غطت هذه الجمعيات معظم الدول التي تواجدوا فيها واصدروا مجموعة من المجلات الناطقة باسمهم.
ومن هذه الهيئات:
1ـ اتحاد الجمعيات المندائية في المهجر، ومقره كندا. وهو منظمة ثقافية اجتماعية تضم في عضويتها كافة الجمعيات والتجمعات المندائية في دول المهجر.
تم إقرار النظام الداخلي في آب/ أغسطس 2003 في السويد، ويسعى الاتحاد إلى النهوض بالطائفة والتواصل معهم في العراق وإيران، ونشر تراثهم، "وإثبات المركز القانوني" لها أينما وجدت. ويرأسه حاليا أكرم عرار .
2ـ التجمع الوطني الديمقراطي المندائي في العراق، حركة سياسية ظهرت بعد احتلال العراق، طالب بمقعد في مجلس الحكم العراقي المنحل الذي كان مكوناً من 25 عضواً، كما طالب بأن يكون الصابئة ممثلين في لجنة صياغة الدستور، وفي الجمعية الوطنية (البرلمان) التي غابوا عنها لقلة عددهم، وأصواتهم في الانتخابات التي جرت في يناير 2005.
3ـ الجمعية الفيدرالية المندائية في هولندا، وتقيم العديد من الأنشطة الثقافية والاجتماعية لأبناء الطائفة في هولندا، وتصدر مجلة "الصابئي المندائي". لكنها تعاني خلافات داخلية كثيرة.(22/19)
4ـ النادي الثقافي المندائي في مدينة لاهاي بهولندا، وتقام في قاعته عدد من الأنشطة الرياضية والثقافية والاجتماعية لأبناء الصابئة.
5- الجمعية المندائية في استكهولم - السويد أصدرت مجلة "الصدى".
6-الجمعية الثقافية المندائية في لوند جنوب السويد ومجلتها "المندائي الجديد".
7- الجمعية المندائية في مالمو السويد ومجلتها "الضفاف ".
8- جمعية التعارف المندائية في مالمو أيضا 0
9- الجمعية المندائية في كوبنهاكن- الدانمارك وأصدرت مجلتها "يردنة".
10- الجمعية المندائية في المملكة المتحدة ومجلتها "المندائية".
11- مجلس الصابئة المندائيين في بريطانيا الذي انتقلت إليه مجلة "المندائية".
12- الهيئة الدينية المندائية في السويد ومجلتها "ناصيروثا".
13- الجمعية المندائية في استراليا.
14- النادي الثقافي المندائي الأسترالي ويصدر نشرة باسم النادي الثقافي المندائي.
15- الجمعية المندائية في فنلندا .
16- الجمعية العراقية المندائية في فنلندا .
17- الجمعية المندائية في الولايات المتحدة الأمريكية .
18- الجمعية المندائية في كندا .
19- الجمعية المندائية في نيوزلندا.
20- الجمعية المندائية الألمانية في ميونخ ومجلتها"مميرا"، ولها فرع في مدينة نورنبرك.
21- الرابطة المندائية لعموم ألمانيا.
للاستزادة:
1ـ موسوعة الأديان (الميسرة) مجموعة مؤلفين ـ دار النفائس
2- الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة ـ الجزء الثاني، إعداد الندوة العالمية للشباب الإسلامي.
3- الأديان والمذاهب بالعراق ـ رشيد الخيون
4- مندائي أو الصابئة الأقدمون ـ عبد الحميد أفندي عبادة طبعة سنة 2003
5- مواقع: المدى ، بحزاني، اتحاد الجمعيات المندائية في المهجر.
6ـ صحف: الحياة اللندنية، القاهرة المصرية، الهلال ، الغد ، اللواء الأردنية.
سطور من الذاكرة
علاقة الحسن بن علي بمعاوية(22/20)
دروس كثيرة يمكن استنباطها من سيرة الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، كيف لا، وهو أمام من أئمة المسلمين، وسيد من سادات آل البيت الكرام، تربى في بيت النبوة، وفضائله ومناقبه أكثر من أن تحصى.
وقد تناولنا في بعض الأعداد من الراصد جوانب من حياة الحسن وسيرته، لا سيما عندما تنازل عن الخلافة لمعاوية رغبة في حقن دماء المسلمين، وطمعاً بما عند الله من الأجر.
وبينا في العدد الماضي (أو في عدد...) أن الصلح الذي أقدم عليه لم يرق للشيعة الذين اتهموه بأنه "مذل المؤمنين"، ذلك أنهم كانوا يريدون استمرار القتال بين المسلمين، وكانوا يرون ما أقدم عليه الحسن هزيمة وانكساراً.
لقد كان واضحاً أن الإمام الحسن تنازل عن الخلافة من موقف قوة لا موقف ضعف كما تزعم الشيعة، حيث كان الحسن رضي الله عنه يقول أن جماجم العرب كانت بيده، كناية عن قوة جيشه، وهو الأمر الذي أكده معاوية نفسه، وكذلك عمرو بن العاص الذي قال: "إني أرى كتائب لا تولي حتى تقتل أقرانها".
إن هذه السطور تشكل محاولة لمعرفة العلاقة التي سادت بين الحسن رضي الله عنه، وآل البيت من جهة، ومعاوية بن أبي سفيان بعد أن آلت الخلافة إليه، ذلك أن الحسن توفى على الأرجح بعد الصلح بعشر سنين أو أكثر قليلاً، أي أنه أدرك عشر سنوات من خلافة معاوية التي استمرت عشرين سنة (40 ـ 60هـ)، وهي فترة جديرة بالتفكر.
لقد كان تنازل الحسن عن الخلافة وإبرامه الصلح مع معاوية بعد بضعة أشهر من مبايعته ـ أي الحسن ـ فاتحة خير على المسلمين إذ توحدت جهودهم، وسمي ذلك العام عام الجماعة، وعادوا للجهاد والفتوحات.(22/21)
إن تنازل الإمام الحسن عن الخلافة كان سنة 41هـ بعد عدة شهور من مبايعته ،وقد توفي رحمه الله ـ على الأرجح ـ سنة 51هـ، وقيل سنة 48هـ، وقيل سنة 50هـ. أي بعد 10 سنوات من إبرام الصلح، وهي فترة كافية لاستخلاص العبر التي من شأنها أن تدحض المزاعم بأن الإمام الحسن كان مكرهاً على الصلح، وأن جيشه كان ضعيفاً مقارنة بجيش معاوية.
لقد ترك الحسن الكوفة بعد تنازله لمعاوية، ورجع بمن معه من أصحابه وبني هاشم إلى المدينة النبوية،واستقر بها،وكان الهاشميون محل الإجلال والتكريم من معاوية،وكانت زعامتهم عند الحسن، وكانت المدينة في تلك الفترة يسكنها عدد كبير من الصحابة والتابعين.
وجاء في سير أعلام النبلاء للذهبي أن معاوية كان في خلافته، فَقِدم عليه الحسن ذات مرة، فقال له معاوية: لأجيزنك بجائزة ما أجزت بها أحداً قبلك، ولا أجيز بها أحداً بعدك، فأعطاه أربعمائة ألف، فقبلها.
وكذلك كانت صلات معاوية مع الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير، فقد أمر للحسين بمائة ألف فذهب بها إليه وعنده عشرة فقسمها عليهم عشرة آلاف، وأمر لعبد الله بن جعفر بن أبي طالب بمائة ألف.
وكان معاوية إذا تلقى الحسن بن علي قال له: مرحباً وأهلاً بابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا تلقى عبد الله بن الزبير قال له: مرحباً بابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر للحسن بثلاثمائة ألف، وعبد الله بن الزبير بمائة ألف.
وجاء في بعض الروايات بان معاوية كان دائم الوصل للحسين، ويسارع في تلبيته مطالبه وحاجاته، ولقد اعترف الشيعة أنفسهم كما جاء في جلاء العيون للمجلسي والكافي للكليني بعطايا معاوية للحسن والحسين عبد الله بن جعفر.(22/22)
وبالمقابل كان أهل الكوفة يبعثون الرسائل باستمرار إلى الحسن ـ بعد خروجه منها ـ هو والحسين، وكانت هذه الرسائل تحمل دعوة لمعارضة الحكم القائم، وتأكيد أحقيتهما بالخلافة، إلاّ أن هذه الرسائل لم تكن تؤثر بالحسن، والعهد الذي عاهد عليه معاوية، كما أنها أعطته انطباعاً وتصوراً واضحا عن أهل التشيع والكوفة، وأنهم لا يريدون وحدة الأمة واجتماع كلمتها.
وكان معاوية يعرف قدر الحسن، فقد قال يوماً لجلسائه: من أكرَمُ أباً وأماً وجدّاً وجدّة وعماً وعمة وخالاً وخالة؟ فقالوا أمير المؤمنين أعلم. فأخذ بيد الحسن بن علي رضي الله عنهما وقال: هذا. (العقد الفريد لابن عبد ربه).
إن مدة عشرين عاماً التي قضاها معاوية في الحكم تشهد بانها كانت سنوات وحدة واجتماع كلمة المسلمين، ولم يكن الحسن أو الحسين لينكثا العهد، ولم تكن العلاقة بين الحسن والحسين وآل البيت، وبين معاوية إلاّ علاقة إيجابية كما مر معنا، أما ما تخيله البعض من صراع آل البيت وبني أمية، فإنه لا وجود له إلاّ في أوهامهم.
للاستزادة:
1ـ الحسن بن علي بن أبي طالب: شخصيته وعصره ـ الدكتور علي محمد الصّلاّبي
2ـ حقبة من التاريخ ـ الشيخ عثمان الخميس
3ـ الإنصاف فيما وقع في تاريخ العصر الراشدي من الخلاف ـ الدكتور حامد الخليفة
4ـ عام الجماعة ـ الراصد، زاوية سطور من الذاكرة، العدد الخامس.
دراسات
موقف مفكري الإسلام من الشيعة - 7 -
الشيخ عطية صقر
الرئيس السابق للجنة الفتوى بالأزهر وعضو بمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر
هذه سلسلة من البحوث كتبها مجموعة من المفكرين والباحثين عن عقيدة وحقيقة مذهب الشيعة من خلفيات متنوعة ومتعددة ، نهدف منها بيان أن عقائد الشيعة التي تنكرها ثابتة عند كل الباحثين ، ومقصد آخر هو هدم زعم الشيعة أن السلفيون أو الوهابيون هم فقط الذين يزعمون مخالفة الشيعة للإسلام .
نشر هذا البحث في موقع إسلام أون لاين بتاريخ 2002/1/12 .
الراصد(22/23)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
الشيعة هم أتباع سيدنا علي رضي الله عنه والموالون لآل البيت، والمسلمون جميعًا مأمورون بحب آل البيت وتكريمهم وقد وردت في ذلك عدة نصوص، منها قول الله تعالى (قل لا أسألكم عليه من أجرا إلا المودة في القربى) [سورة الشورى: 23] وقوله: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) [سورة الأحزاب: 33] وذلك على خلاف للمفسرين في تحديد القربى وأهل البيت. وقوله صلى الله عليه وسلم "أذكركم الله في أهل بيتي" ثلاث مرات رواه مسلم وقوله: "يا أيها الناس ارقبوا محمدا في أهل بيته" رواه البخاري.
غير أن بعضًا من المسلمين اشتد حبهم لسيدنا على وذريته، وتغالوا في حبهم لدرجة أن بعضهم اعتقد ألوهية سيدنا على، وبعضهم اعتقد أنه النبي المرسل وغلط جبريل فنزل بالوحي على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ومنهم من قال؛ إنهما شريكان في النبوة، وقالوا إنه الإمام بعد الرسول صلى الله عليه وسلم بالنص الجلي أو الخفي، دون أبي بكر وعمر وعثمان وأن الإمامة لا تخرج عه ولا عن أولاده، وإن خرجت فبظلم أو بتقية.
وأشهر فرقهم الموجودة الآن خمسة:
1- الزيدية:
وهم أتباع زيد بن علي بن الحسين، لما دعى الشيعة لحرب الأمويين سألوه رأيه في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فأثنى عليهما فرفضوه وسموا بالرافضة وهم يوجدون الآن في اليمن، ومذهبهم قريب من مذهب أهل السنة، وهم وإن اعتقدوا أفضلية علي على أبي بكر وعمر أجازا إمامة المفضول مع قيام الفاضل.
2- الإمامية:(22/24)
وهم الذين قالوا بإمامة أثنى عشر من آل البيت، ويسمون بالإثنى عشرية وبالموسوية، لأن الأئمة عندهم هم: علي، الحسن، الحسين، علي زين العابدين بن الحسين، وكانت الإمامة لابنه الأكبر "زيد" فلما رفضوه كما تقدم ولوا بدله أخاه محمدا الباقر، ثم جعفر الصادق، وكان له ستة أولاد، أكبرهم إسماعيل ثم موسى، ولما مات إسماعيل في حياة أبيه أوصى والده بالإمامة إلى ابنه موسى الكاظم، وبعد وفاة جعفر انقسم الأتباع فمنهم من استمر على إمامة إسماعيل وهم: الإسماعيلية أو السبعية، والباقون اعترفوا بموسى الكاظم، وهم الموسوية، ومن بعده على الرضا، ثم ابنه محمد الجواد، ثم ابنه علي الهادي، ثم ابنه الحسن العسكري نسبة إلى مدينة العسكر "سامرا" وهو الإمام الحادي عشر، ثم ابنه محمد الإمام الثاني عشر، وقد مات ولم يعقب فوقف تسلسل الأئمة وكانت وفاته سنة 265هـ.
ويقول الإمامية: إنه دخل سردابًا في "سامرا" فلم يمت، وسيرجع بعد ذلك باسم المهدي المنتظر.
وهذه الطائفة منتشرة في إيران والعراق وسوريا ولبنان، ومنهم جماعات متفرقة في أنحاء العالم، ولهم كتب ومؤلفات كثيرة من أهمها كتاب "الوافي" في ثلاثة مجلدات كبيرة جمعت كثيرًا مما في كتبهم الأخرى، كتب عليه أحد أهل السنة نقدًا سماه "الوشيعة في نقد عقائد الشيعة" وكان ذلك في فبراير سنة 1935م كما كتب رئيس أهل السنة بباكستان "محمد عبد الستار التونسوي" رسالة في ذلك.
ومن أهم أصولهم:
1- تكفير الصحابة ولعنهم، وبخاصة أبو بكر وعمر رضي الله عنهما إلا عددًا قليلاً جدًا كانوا موالين لعلي رضي الله عنه. وقد رووا عن الباقر والصادق: ثلاثة لا يكلمهم الله ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم. من ادعى إمامة ليست له ومن جحد إمامًا من عند الله، ومن زعم أن أبا بكر وعمر لهما نصيب في الإسلام.(22/25)
ويقولون: إن عائشة وحفصة رضي الله عنهما كافرتان مخلدتان، مؤولين عليهما قول الله تعالى (ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط) [سورة التحريم: 10].
2- ادعاء أن القرآن الموجود في المصاحف الآن ناقص، لأن منافقي الصحابة (هكذا) حذفوا منه ما يخص عليا وذريته، وأن القرآن الذي نزل به جبريل على محمد سبعة آلاف آية، والموجود الآن 6263 والباقي مخزون عند آل البيت فيما جمعه علي، والقائم علي أمر آل البيت يخرج المصحف الذي كتبه علي، وهو غائب بغيبة الإمام.
3- رفض كل رواية تأتي عن غير أئمتهم، فهم عندهم معصومون بل قال بعضهم: إن عصمتهم أثبت من عصمة الأنبياء.
4- التقية: وهي إظهار خلاف العقيدة الباطنة، لدفع السوء عنهم.
الجهاد غير مشروع الآن، وذلك لغيبة الإمام، والجهاد مع غيره حرام ولا يطاع، ولا شهيد في حرب إلا من كان من الشيعة، حتى لو مات على فراشه.
وهناك تفريعات كثيرة على هذه الأصول منها:
عدم اهتمامهم بحفظ القرآن انتظارًا لمصحف الإمام، وقولهم بالبداء بمعنى أن الله يبدو له شيء لم يكن يعلمه من قبل ويتأسف على ما فعل، والجمعة معطَّلة في كثير من مساجدهم وذلك لغيبة الإمام، ويبيحون تصوير سيدنا محمد وسيدنا على وصورهما تباع أمام المشاهد والأضرحة، ويدينون بلعن أبي بكر وعمر..
3- الإسماعيلية:
وهي تدين لإسماعيل بن جعفر الصادق، وهم أجداد الفاطميين والقرامطة، يعتقدون التناسخ والحلول، وبعضهم يدعي ألوهية الإمام بنوع من الحلول، وبعضهم يدعي رجعة من مات من الأئمة بصورة التناسخ.
وهذه الفرقة طائفتان، إحداهما في الهند وتسمى "البهرة" ويتركزون في بومباي، يعترفون بالأركان الخمسة الواردة في الحديث وهو: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وان محمد رسول الله، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلا" رواه البخاري.(22/26)
ويزيدون عليه ركناً اسمه "الطهارات" ويتضمن تحريم الموسيقى والأفلام، وهم في صلواتهم يجمعون بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء، ولا يصلون الجمعة ويحتفلون بغدير "خم" في 18 من ذي الحجة كل عام، حيث تمت فيه الوصية لعلي [مجلة العربي سبتمبر 975، المصور 20/1/1978].
والطائفية الأخرى في "سلمية" بسوريا وفي زنجبار وشرقي أفريقيا وتسمى "الأغاخانية" نسبة إلى زعيمهم "أغاخان".
4- النصيرية:
وهم اتباع أحد وكلاء الحسن العسكري واسمه محمد بن نُصير، والذي تسموا في عهد الاحتلال الفرنسي بسوريا باسم "العلويين".
ومن كتاب "تاريخ العلويين" لمحمد أمين غالب الطويل، وهو نصيري ومن غيره من الكتب والمراجع نوجز أهم مبادئهم فيما يلي:-
(1) الولاية لعلي، زاعمين أن النبي صلى الله عليه وسلم بايعه ثلاثة مرات سرًا، ومرة رابعة جهرًا.
(ب) عصمة الأئمة، لأن الخطايا رجس وقد قال الله في أهل البيت: (ليذهب عنكم الرجس آل البيت ويطهركم تطهيرا).
وبناء على ذلك يعتقدون أن الإمام أعلى من بعض الوجوه من الأنبياء، لأنهم معرضون للخطأ ولم يرد في القرآن ما ينزههم عنه، أما الأئمة فمعصومون بنص القرآن.
(ج) التقية: أو التكتم في الدين فإخفاء عقيدتهم من كمال الإيمان.
(د) علم الباطن: فهو في زعمهم مختص بهم، وهم على صواب دائم في تفسير القرآن وعلم أسراره لأنهم معصومون.
وبناء على هذه الأصول قالوا بألوهية متحدة الحقيقة مثلثة الأجزاء فألوهية معنى وحقيقة، وهو علي، ولها اسم وحجاب، وهو محمد، ولها باب يوصل إليها، وهو سلمان، فعلي رب العالمين، والقرآن منه، وكل نبي بعث فهو الذي بعثه ليتكلم بلسانه، وكان هو مع كل رسول متجسدًا في صورة وصي له، ويرمزون إلى هذا الثالوث برمز "ع.م.س".(22/27)
ولهم تفريعات على ذلك: فالعبادات الواردة في القرآن بما فيها من أوامر ونواه، هي أسماء أماكن، والأشهر الحُرم عندهم في: فاطمة والحسن والحسين وعلي ابنه، والقيامة عندهم في قيامة المحتجب صاحب الزمان.
والمنتسبون إلى هذا المذهب طبقات، منهم متعلمون لا يدينون به، لكن لا يجدون عوضًا عنه، ومنهم الشيوخ والرؤساء المتمسكون، ومنهم العامة الذين يعيشون على غير هدى .
دراسات
الروافض قادمون
قصة الغزو الاثنى عشري للفكر الزيدي
بقلم عبدالفتاح البتول
مجلة المنتدى اليمنية العدد 87/88 سبتمبر /أكتوبر 2004
كانت التيارات الشيعية في عهد الإمام زيد بن على رضي الله عنه متعددة ومختلفة ومتباينة وغير واضحة، حيث لم تتبلور بعد نظرية شيعية،وكثر أدعياء التشيع، واختلفت أسباب التوجه نحو التشيع لتحقيق مصالح شخصية، أو بدوافع انحرافية، لهدم الإسلام من داخله.
فقد استطاع بعض الخبثاء استغلال قضية الخلافة بعد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ والحرب بين الإمام علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان ـ رضي الله عنهما ـ بالإضافة إلى فضل الإمام الحسين، والعلاقة العدائية بين الدولة الأموية ـ غالبية ـ وآل البيت. كل ذلك تم استخدامه واستغلاله باسم التشيع ومحبة آل البيت، وفي المقابل سب وتجريح أبي بكر وعمر وعثمان ـ رضي الله عنهم ـ والطعن بخلافتهم، وأنها باطلة. وفي هذه الأثناء، جاءت ثورة الإمام زيد لتشكل علامة فاصلة ولحظة حاسمة وتمايزات واضحة بين اتجاهين، وتيارين، ومدرستين تمثلان التشيع الحقيقي والامتداد الطبيعي، والتشيع المزيف والمنحرف...
•…بداية الأحداث وظهور الرفض:(22/28)
عندما دعا الإمام زيد أنصاره وشيعته للخروج معه ضد هشام بن عبد الملك، طلب منه البعض البراءة من أبي بكر وعمر شرطاً للخروج معه، حيث أكد هؤلاء المنحرفون أهمية تحديد موقف سلبي من أبي بكر وعمر وخلافتهما، وقالوا له: إن برئت منهما وإلا رفضناك!! فرفض طلبهم، وأكد لهم على موقفه الثابت والمبدئي من الشيخين أبي بكر وعمر، ووضح لهم عقيدته ومنهجه في ذلك فقال: رحمهما الله وغفر لهما، وما عسيت أن أقول فيهما وقد صحبا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحسن الصحبة، وهاجرا معه، وجاهدا في الله حق جهاده، وما سمعت أحداً من أهل بيتي يتبرأ منهما ولا يقول فيهما إلى خيراً، فقد ولوا فعدلوا في الناس وعملوا بالكتاب والسنة...
قالوا: إن برئت منهما وإلا رفضناك!! فقال الإمام زيد، بل أتولاهما. قالوا: إذن نرفضك!! ففارقوا زيداً وخذلوه، وعرفوا بالرافضة.
وورد في رسائل العدل والتوحيد للإمام الهادي يحيى بن الحسين: فلما كان فعلهم على ما ذكرنا، سماهم حينئذ زيد روافض، ورفع يديه فقال: اللهم اجعل لعنتك ولعنة آبائي وأجدادي، ولعنتي على هؤلاء الذين رفضوني، وخرجوا من بيعتي، كما رفض أهل حرورا ـ الخوارج ـ علي بن أبي طالب عليه السلام حتى حاربوه. فهؤلاء الروافض.
وأما الزيدية، فقالوا بقول الإمام زيد وحاربوا معه، وهم الذين تمسكوا بعقيدته في الشيخين، هذه العقيدة التي أعلنها بوضوح وجلاء، لأنه يتقي الله حق تقاته، ويخشاه أشد الخشية... وآثر التمسك بالحق الذي يجب أن يتبع ذلك لأنه المنهج الذي كان عليه والده زين العابدين بن علي، وجده الحسين بن علي، ثم جده علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنهم ـ في حبهم الصادق لأبي بكر وعمر وعثمان( ).(22/29)
وعلى ذلك، وبعد ثورة الإمام زيد بن علي عليه السلام أطلق على الشيعة التي بايعته: الزيدية. فصارت الزيدية علماً على من يقول بقيادة الإمام من أهل البيت المستحق لها بالعلم والفضل، وتميزت عن تلك الفرقة التي تقول بالوراثة، حيث أن الإمامة عند الاثنى عشرية، لم تكن تتطلب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا جانب من جانب آخر، فقد بدأ الخلاف بين الزيدية يأخذ منحنى اقتصادياً دنيوياً كبيراً آنذاك،مما جعل حرص الأدعياء على المحافظة كبيرا، والناظر للأحوال المادية لمن كان يدعي النيابة عن الإمام سيدرك هذا الوضع ( ).
•…الزيدية والاثنا عشرية.. وجها لوجه:
منذ ذلك التاريخ أصبح التمايز بين المدرستين واضحاً، والتباين جلياً، والاختلاف عميقاً، والعداء مستمراً؛ فهذا الإمام الهادي ـ يحيى بن الحسين، مجدد المدرسة الزيدية، ومؤسس الدولة الهادوية ـ يخصص كتاباً من مؤلفاته للرد على الروافض. فقد ذكر العلامة المؤرخ محمد بن محمد زبارة ـ رحمه الله ـ في كتابه (أئمة اليمن) أن للإمام الهادي كتاب الرد على الروافض، ومن ذلك قول الإمام الهادي يصف الاثنى عشرية: "هذه الفرقة شرذمة مخالفة للحق في كل المعاني في الكتاب والسنة. هذه الإمامية حزب الشيطان الرافضين للحق والمحقين".
بالإضافة إلى الإمام الهادي، فقد كان لابنه الإمام المرتضى محمد كتاباً يرد فيه على الروافض. وكذلك فعل الإمام القاسم العياني، وسار على هذا النهج غالب أئمة وعلماء الزيدية في اليمن طوال ألف سنة: الرد على الروافض والتحذير من عقائدهم الباطلة وآرائهم الفاسدة، وخاصة في سب الصحابة والطعن في الخلافة، بما في ذلك فرقة الجارودية التي هي أقرب إلى غلو الاثني عشرية منها إلى الزيدية، وهذا ما دفع الإمام يحيى بن حمزة للقول: "أنه ليس أحد من فرق الزيدية أطول لساناً ولا أكثر تصريحاً بالسوء في حق الصحابة من هذه الفرقة: الجارودية".
•…رؤية الاثني عشرية للزيدية:(22/30)
وفي المقابل، كانت رؤية الاثني عشرية للزيدية عدائية، بل وتكفيرية، بما في ذلك تكفير الإمام زيد، كونه ادعى الإمامة وهو غير مستحق لها. وقد وردت في كتب الاثني عشرية روايات في تكفير من ادعى الإمامة لنفسه حتى ولو كان علوياً فاطمياً: "من ادعى الإمامة وليس بأهلها فهو كافر". وهذا شيخ الإسلام عندهم يقول: "كتب أخبارنا مشحونة بالأخبار الدالة على كفر الزيدية، وغيرهم من الفرق المضلة المبتدعة، ومذاهبهم السخيفة الضعيفة، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم" ( ).
•…شهادات على تأثير الرافضة في الزيدية:
وهكذا كان منهج الزيدية: الترضي على عثمان وطلحة والزبير وعائشة، فضلاً عن الشيخين ـ أبي بكر وعمر ـ كما ذكر ذلك العلامة صالح بن مهدي المقبلي في (العلم الشامخ) حيث يؤكد على أن الزيدية ليسوا من الرافضة، بل ولا من غلاة الشيعة. إلا أن المقبلي يؤكد ـ في موضع آخر ـ على أنه قد سرى داء الإمامية في الزيدية، في هذه الأمصار، حتى تظهر جماعة منهم بتكفير الصحابة، والقول بالنص، والوصية، وعصمة فاطمة وعلي والحسن والحسين.
وكما يذكر ـ المؤرخ الزيدي (المنصف) يحيى بن الحسين: والرافضة الذين في الزيدية هذا الزمان كثير، إلا أن منهم من يستر مذهبه.
ويعتبر يحيى بن الحسين بن المؤيد محمد ابن الإمام القاسم، أول من جاهر بالرفض والسب في اليمن علنية، وكان غالياً في رفضه، متحاملاً على الصحابة رضي الله عنهم، مبالغاً في إحصاء عثراتهم، معرضاً عن فضائلهم.(22/31)
ويؤكد يحيى بن الحسين ابن الإمام القاسم، أن يحيى بن الحسين ابن الإمام المؤيد كان يطعن في مذهب الهادوية والمعتزلة وأهل السنة، وينتصر للإمامية والأثنى عشرية. وقد مشى على طريقه تلاميذه: الحسن بن علي الهَبَل، وأحمد بن أحمد الآنسي، وأحمد بن ناصر المخلافي. كما اشتهر بالرفض والسب: الفقيه أحمد عبد الحق الحيمي، وإسماعيل النعمي، الذي كان رافضياً جلداً مع كونه جاهلاً جهلاً مركباً، وفيه حدة تفضي به إلى نوع من الجنون ( ). ومنهم الفقيه السماوي، المشهور بابن حريوة، والذي عرف بنزقه ومغالاته في التشيع ( ).
ومن الروافض الذين عاصروا الإمام الشوكاني: السيد يحيى بن محمد الحوثي، الذي كان يصرخ باللعن وسب الصحابة. ولما بلغ الأمر الإمام المنصور علي، أمر بنقل الحوثي من الجامع الكبير، فقام بعض انصار الحوثي برفع أصواتهم باللعن والسب في الجامع الكبير بصنعاء، ومنعوا إقامة الصلاة العشاء، وخرجوا من الجامع يصرخون في الشوارع بلعن الأموات والأحياء، ورجموا البيوت، وأفرطوا في ذلك حتى كسروا كثيراً من الطاقات ( ). (أي النوافذ) .ونتيجة لذلك، فقد قام الإمام المنصور علي بحبس الحوثي والمشاركين معه باللعن والرجم، وتم البحث عن بقية المشاغبين والمباشرين للرجم. وكان بينهم من ثبت تلبسهم بالسرقة من بعض البيوت، فضربوا وعزروا بضرب المرافع على ظهور جماعة منهم. وبعد أيام أرسل بجماعة منهم مقيدين بالسلاسل إلى حبس جزيرة زيلع، وآخرين إلى حبس (كمران) وكان من بينهم السيد إسماعيل النعمي؛ لتجاوزه الحد في تعصبه ( ).
•…تجاوز التعصب الرافضي إلى التفريق بين المسلمين:(22/32)
وهكذا لم يقتصر نشاط المتعصبين من دعاة الرافضة الإمامية على مجرد استثارة العامة أو ثلب كبار علماء الزيدية، بل العمل على التفريق بين الإخوة في الإسلام، يشجعهم في ذلك بعض ذوي الأهواء من المتنفذين في الدولة، فقد وجد في مختلف مراحل التاريخ بعض المتعصبين والمتزمتين من الزيدية، الذين كان علماء الزيدية ومجتهدوها ينعتونهم بالرافضة؛ لرفضهم خلافة الشيخين، وتطرف بعضهم، وبلغوا في تطرفهم إلى إغماط حق كبار الصحابة، بل وحتى ثلب أعراضهم، وهم بهذا وغيره ينسبون إلى الإمامية والجارودية. وكثيراً ما كان يحدث بينهم وبين علماء الزيدية في صنعاء وبعض الحواضر، مجادلات وخلافات كانت تتطور في بعض الأحايين إلى احتكاكات ومشاغبات بين غلاة الروافض والمعتدلين من الزيدية، فقد واجه العلماء المجتهدون ـ أمثال: الإمام الشوكاني، ومن قبله ابن الأمير، وكبار العلماء ـ أولئك المتعصبين الذين يقحمون معهم جهلاء الناس والعامة منهم( ).
وهكذا سارت العلاقة في المراحل السابقة: خلاف واختلاف، فلا يوجد توافق بين الزيدية والإمامية الاثنى عشرية، بل إن كثيراً من الناس ـ كما يذكر أحد الباحثين الزيود ـ ينفر من مذهب أهل البيت؛ لاقترانه بالإمامية التي فيها الكثير مما لا يقبله العقل. ولأن (الإمامية) يرون بأن أئمة أهل البيت وشيعتهم من الزيدية ـ بل كل الأمة الإسلامية ـ كفاراً، فقد صدر في الآونة الأخيرة كتاب، نقل فيه مؤلفه اتفاق الإمامية في كفر وفسق أئمة أهل البيت. والكتاب بعنوان (النصب والنواصب) ( )، وقد قدم لهذا الكتاب الدكتور عبد الهادي الفضلي، مبدياً إعجابه به وبالمؤلف الذي نقل قول السيد الخوئي: جميع المخالفين للشيعة الاثنى عشرية في الحقيقة كافرون، وهم الذين سميناهم بمسلم الدنيا وكافر الآخرة!( ).
•…الثورة الإيرانية والغزوة الاثنى عشرية(22/33)
ومع كل المحاولات التي قام بها الروافض في غزو الزيدية، فقد فشلوا في تأسيس تيار وتشكيل مدرسة اثنى عشرية، حيث ظلت الأفكار الإمامية طارئة ومرفوضة، والحاملون لها موضع سخط ونقمة عموم الزيدية، وخاصة كبار العلماء المجتهدين والمراجع المجددين. وكما يقول الكاتب والباحث الزيدي، الأخ عبد الله محمد إسماعيل، فإن العلاقة بين الزيدية والإمامية لم تكن جيدة فيما مضى، إلا أنها شهدت تحسناً ملموساً بعد الثورة الإسلامية في إيران. ومنذ مدة قصيرة، بدأ الإمامية محاولة جادة في نشر مذهبهم بين صفوف الزيدية في اليمن، وقد نجحوا نجاحاً ملموساً أثره، ولكنه كان محدوداً في انتشاره( ).
والحق أن الاثنى عشرية قد نجحوا خلال ربع قرن من الزمن (من 1979م ـ2004م) من تحقيق نجاح ملموس في غزو الفكر الزيدي، وخاصة خلال الأربعة عشر عاماً الماضية، منذ قيام الوحدة اليمنية 1990م وإعلان التعددية السياسية التي استفاد منها الاثنا عشرية بصورة واضحة وجلية، حيث برزت أنشطتهم وتوسعت حركاتهم، وظهرت شعائرهم.
•…انشقاق الشباب المؤمن عن حزب الحق:
ويمكن اعتبار بداية تاريخ شق الصف الزيدي في اليمن ببداية انشقاق جماعة الشباب المؤمن عن حزب الحق، هذا الانقسام الذي اعتبره البعض سياسياً، بينما هو انشقاق فكري، وانقسام منهجي بين علماء الزيدية، وفي مقدمتهم العلامة مجد الدين المؤيدي، ودعاة الاثنى عشرية، وعلى رأسهم العلامة بدر الدين الحوثي. وبين هذين التيارين والمدرستين غابت معالم المذهب الزيدي، وبرزت أفكار الاثنى عشرية؛ نتيجة الدعم المادي والتشجيع المعنوي من جمهورية إيران، ونشر الكتب الاثنى عشرية، وإقامة الشعائر في ظل صمت وسكوت علماء الزيدية، باستثناء العلامة مجد الدين المؤيدي، الذي أصدر فتاوى بانحراف وضلال جماعة الشباب المؤمن، الذي انحرفوا عن المذهب الزيدي، واعتنقوا الفكر الاثنى عشري، وخاصة سب ولعن الصحابة، والقول ببطلان خلافة أبي بكر وعمر عثمان.(22/34)
وهذا العلامة بدر الدين الحوثي يقول في رسالته (إرشاد الطالب): "الولاية بعد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لعلي عليه السلام... ولم تصح ولاية المتقدمين عليه: أبي بكر وعمر وعثمان، ولم يصح إجماع الأمة عليهم. والولاية من بعده لأخيار أهل البيت: الحسن و الحسين وذريتهما الأخيار أهل الكمال منهم. والولاية لمن حكم الله بها له في كتابه وسنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ رضي الناس بذلك أم لم يرضوا فالأمر إلى الله وحده، وليس للعباد أن يختاروا، ولا دخل للشورى في الرضا؛ لأنه لا خيار للناس في أمر قد قضاه الله ورسوله" ( ).(22/35)
وفي هذه الرسالة التي صدرت سنة (1414هـ = 1994م) والتي أعدها وقدم لها محمد يحيى سالم عزان، تجد بصمات التشيع الاثنى عشري الإمامي، حيث يؤكد الحوثي الأب بصريح العبارة بطلان خلافة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، وان الولاية منصب ديني قد قضاه الله ورسوله، وليس للعباد أن يختاروا. وهذا يعني أن أبا بكر وعمر وعثمان قد خالفوا المشيئة والإرادة الإلهية، واغتصبوا حق الإمام علي في الولاية. وهذا هو مذهب الاثنى عشرية الذين وجدوا في الحوثي وجماعة الشباب المؤمن بيئة خصبة لنشر مذهبهم وانتشار أفكارهم، عبر كتب ورسائل بدر الدين الحوثي، الذي يبشر بالفكر الانثى عشري تحت ستار المذهب الزيدي، ومعه عدد من الباحثين والمحققين، أمثال: محمد يحيى سالم عزان، الذي قام بتحقيق ونشر عدد من الكتب والرسائل التي تخدم الفكر الاثنى عشري. وعزان من قيادات الشباب المؤمن، ومن الموجهين الفكريين. ومن أهم أعماله تحقيق كتاب (الغطمطم الزخار) لابن حريوة السماوي، المعروف في غلوه في التشيع والرفض والطعن والسب. وللأسف الشديد أن هذا الكتاب ـ الذي حققه عزان ـ قدم له القاضي أحمد بن محمد الشامي، وأمين عام حزب الحق!! وقامت صحيفة الأمة بإعادة نشر هذه المقدمة التي فيها تحامل وتجريح للإمام الشوكاني، ومدح وإطراء للعلامة ابن حريوة السماوي ـ الرافضي!!
•…استخدام الاثنا عشرية لصحيفة الأمة:
وهذا من المفارقات، حيث استخدم الاثنا عشرية صحيفة الأمة الناطقة باسم حزب الحق؛ لنشر أفكارهم وانحرافاتهم، وساعدت كثيراً على نمو وتوسع هذا التيار السرطاني في معظم مناطق اليمن، حيث تمدد هذا التيار وتطور من زيدية متشددة إلى اثنى عشرية منحرفة!!
•…التحول من الزيدية إلى الرفض شاهد خطر:(22/36)
ويمكننا القول أن الفكر الاثني عشري حقق خلال السنوات السبع الماضية، من (1997م ـ 2004م) حضوراً واضحاً، وانتشاراً متميزاً، سواء تحت غطاء جماعة الشباب المؤمن، أو تحت لافتات أخرى!! وخاصة بعد خروج عدد من الناشطين والباحثين من المذهب الزيدي علانية، واعتناقهم الفكر الاثني عشري، وتصريحاتهم وكتاباتهم التي يعلنون من خلالها بوضوح وجلاء أنهم اهتدوا إلى الحق المبين، وعرفوا الصراط المستقيم، واستمسكوا بالعروة الوثقى.ويؤكد هؤلاء على بطلان المذهب الزيدي، ومن أقدمهم (المهتدي والمستبصر) أحمد بن علي محمود شرف الدين، من أهالي صنعاء، والذي أكد على أن المذهب الاثني عشري ليس فيه عوجاً ولا أمتا، أما المذاهب الأخرى، وفي مقدمتها الزيدية، فهم ظلام دامس، يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
ويضيف شرف الدين، في أحد مواقع (الإنترنت) أنه اعتنق الاثني عشرية سنة 1985م، وانتقل إلى عالم النور، واستمسك بالعروة الوثقى. بينما يذكر (يحيى طالب) من مواليد الجوف سنة 1974م أنه وبعد بحث طويل وعناء كبير، توصل مع أحد أصدقائه إلى حقائق خطيرة، حيث ثبت لديهما في نهاية المطاف بطلان المذهب الزيدي، وأن الاثني عشرية هي الأقرب إلى الحق. وهكذا يسير العشرات، بل المئات من الشباب في هذا الاتجاه: اعتناق الاثني عشرية كعقيدة حق، وترك الزيدية كمدرسة باطل. وقد استهدف الروافض هؤلاء الشباب الباحثين عن جهة تشيع حبهم لآل البيت، تملأ فراغهم الفكري والعقائدي.
ويذكر الأخ حميد محمد رزق في صحيفة الأمة: بدأ الكثيرون من الزيدية العدول إلى مذهب الاثني عشري، لما رأوا فيه من المعاني والأداء الذي يلبي طموحا وحاجة في نفوسهم( ).
•…الغزو الإلكتروني للرافضة:(22/37)
في إطار التبشير بمعتقداتهم، يستخدم الروافض شبكة المعلومات (الإنترنت) استخداماً جيداً في نشر أفكارهم وتسويق آرائهم وجذب أنصارهم، وخاصة في اليمن، حيث أصبح للعديد، من الذين اعتنقوا الاثني عشرية، مواقع في الشبكة العنكبوتية، ومن أبرزهم: الدكتور عصام علي العماد، وشقيقه حسن العماد، والأخ محمد العمري. فقد ذكر أحد مواقع الإنترنت، أن الشيعة الإمامية الاثني عشرية في اليمن تعتبر إحدى الفرق المميزة في الساحة، ويبلغ عدد أتباعها نسبة 2 بالمائة تقريباً. وأن نسبة معتنقي هذا المذهب يزدادون سنوياً، وخاصة أيام محرم وصفر وشهر رمضان المبارك.
ومن أهم الأسباب ـ التي ذكرها الموقع ـ لاعتناق الزيدية مذهب الاثني عشرية: الفراغ العقائدي القاتل، وعدم تلبية متطلبات الروح في عصر المادية العمياء، هذه المتطلبات التي من أهمها الغذاء الروحي متمثلا في مجالس الدعاء، ومجالس العزاء، والاهتمام بقضية الإمام الحسين، وتخليد ذكرى عاشوراء، وغيرها من الأنشطة التي يقوم بها الاثنا عشرية في الديار اليمنية لنشر المذهب، باعتبار أن المستقبل للشيعة الاثني عشرية( ). وللدكتور عصام العماد بحث بعنوان: (المستقبل للتشيع) يثبت فيه أن القرن الحادي والعشرين هو قرن التشيع، بعد أن كان القرن العشرين قرن الاعتراف بالتشيع كمذهب رسمي، بعد محاربة طويلة دامت أكثر من ثلاثة عشر قرناً!!(22/38)
ومن أبرز المتحولين إلى الاثني عشرية، ولهم موقع إلكتروني وأنشطة مختلفة، محمد حمود العمري، الكاتب والباحث الذي اعتنق الاثني عشرية بعد عناء طويل وبحث وتحقيق، وله كتاب (واستقر بي النوى) وموسوعة (رحلة عقل) وله كتابات في صحيفة الأمة وأنشطة متنوعة؛ لنشر الحق المتمثل بالفكر الاثني عشري ـ حسب اعتقاده ـ ومع دعائنا لعودة هؤلاء إلى الفهم الحق، فلا شك أن الصدق والصراحة في إعلان المعتقد، أفضل من الكذب والتقية، واستخدام المذهب الزيدي ظاهراً لنشر الاثني عشري باطناً، والخلط بين المدرستين، كما يفعل بعض الباحثين والمحققين الزيدية، أمثال: محمد يحيى سالم عزان، وعبد السلام الوجيه، الذي خدم الروافض الاثني عشرية خدمة كبيرة في كتابه (أعلام المؤلفين الزيدية).
•…جناية عبد السلام الوجيه على المذهب الزيدي
لا أكون مبالغاً إذا قلت أن من أهم عوامل انتشار المذهب الاثنى عشري في الفكر الزيدي، كتاب (أعلام المؤلفين الزيدية) للكاتب والباحث المعروف عبد السلام بن عباس الوجيه، حيث قام بقلب الحقائق وتغيير الوقائع، وخلط الحابل بالنابل والحق بالباطل؛ فقد ترجم لعدد كبير من الروافض الاثني عشرية على أنهم من الزيدية.
•…الهَبَل شاعر رافضي وليس زيدياً:
أذكر نموذجاً لذلك الشاعر الحسن بن علي الهبل، وهو شاعر كبير وأديب بليغ، قال عنه الشوكاني أنه أشعر شعراء اليمن بعد الألف على الإطلاق، إلا أنه كان رافضياً شديداً سباباً للصحابة، بلغ درجة كبيرة من الوقاحة في سب والطعن.وله ديوان شعر يتضمن ذلك، حيث يؤكد الشاعر والأديب الكبير علي بن علي صبرة على ظهور الرفض في شعر الهبل، الذي كان أساتذته من الروافض، ويضيف الأستاذ علي بن علي صبرة في كتابه عن شعر الهبل أن مقدرته الشعرية وظفها في ميوله الرافضية، حيث يقرر في أكثر من قصيدة على اغتصاب أبي بكر وعمر وعثمان حق علي في الخلافة، وظلموا فاطمة. ومن ذلك قوله:
تجاروا على ظلم الوصي وربما(22/39)
تجارى على الرحمن من لا يراقبه
أقاموا أبا بكر إماماً وزحزحت
ـ من الناس ـ عن آل البيت مناصبه
وقام (دلام) بعده غير نازلٍ
عن المركب الصعب الذي هو راكبه
وقام ابن عفان يجر ذيولها
فأودت به لذاتُه ومطالبه
إلى أن يقول في آخر قصيدته:
فهذا اعتقادي ما حييت ومذهبي
إذا اضطربت بالناصبي مذاهبه
والقصيدة ـ وأكثرها تقريرية ـ تتناول أفكار الروافض ومواقفهم من الصحابة، وخاصة أبي بكر وعمر. وجاء في القصيدة اسم الدلام كلقب لعمر رضي الله عنه وهو كما يقول علي بن علي صبرة مصطلح شيعي، وقيل يهودي( ) وهكذا يؤكد الهبل في ديوانه وقصائده على أنه رافضي.
ظهر ذلك في شعره والمواضيع التي اختارها لشعره، حتى أصبح شيعياً سياسياً أكثر منه عقائدياً. ومع ذلك كله، يأتي اليوم عبد السلام الوجيه؛ ليقول أن الهبل كان زيدياً، وأن القاضي إسماعيل بن علي الأكوع تجنى عليه، وأن كتاب علي بن علي صبرة ينضح بالزيف والكذب( ) ولا يوجد الصدق والحقيقة إلا عند الوجيه!!
ومن الموافقات أن يقوم رافضي آخر ـ هو أحمد بن ناصر المخلافي ـ بجمع ديوان الهبل، بينما يقوم الأديب الكبير أحمد بن محمد الشامي بتحقيق ونشر هذا الديوان، بعد تهذيبه وحذف كل ما يثبت غلو الهبل في رفضه، والذي عبر عنه بكل وضوح وصراحة بهذه الأبيات( )!:
اِلعن أبا بكر الطاغي وثانيه
والثالث الرجسَ عثمان بن عفانا
ثلاثةٌ لهمُ في النار منزلةٌ
من تحت منزل فرعون وهامانا
يا ربّ فالعنهمُ والعن محبَّهمُ
ولا تقِم لهمُ في الخير ميزانا
تقدموا صنو خير الرسل واغتصبوا
ما أحل ابنته ظلماً وعدوانا؟!
فهل نعد صاحب هذه القصيدة الفاسدة، زيدياً؟! هذه القصيدة التي أخذها الهبل من أستاذه من الرفض وقدوته في السب يحيى بن الحسين بن المؤيد محمد ابن الإمام القاسم بن محمد، الذي كان رافضياً لا يتورع عن سب صحابة رسول الله وصاحبه والخلفاء الراشيدين.
•…نموذج ثان لجناية الوجيه على المذهب الزيدي:(22/40)
يعتبر يحيى بن الحسين بن المؤيد هذا أول من جاهر بالرفض والسب في اليمن وقد مشى على طريقه تلاميذه: الحسن بن علي الهبل، أحمد بن أحمد الآنسي، وأحمد بن ناصر المخلافي.
وقد ذكر المؤرخ يحيى بن الحسين بن القاسم، أن يحيى بن الحسين بن المؤيد كان غالياً في رفضه، متحاملاً على الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ مبالغاً في إحصاء عثراتهم، معرضاً عن فضائلهم. وكان يطعن في مذهب الهادوية والمعتزلة وأهل السنة، وينتصر للإمامية الاثني عشرية!! ومع ذلك كله يقوم عبد السلام الوجيه بالترجمة لهذا الرافضي الإمامي، باعتباره من أعلام الزيدية، بينما يؤكد المؤرخون على انه جاهر بالرفض والسب وثلب الأعراض المصونة من أكابر الصحابة.
في مقابل ذلك أهمل الوجيه الترجمة للمؤرخ يحيى بن الحسين بن القاسم، مع أنه زيدي إلا أنه كان منصفاً وميالاً لكتب الحديث. ويشير الشوكاني في (البدر الطالع) إلى إهمال هذا المؤرخ الكبير من أهل عصره فمن بعدهم. ولعل السبب في ذلك ـ والله أعلم ـ ميله إلى العمل بما في أمهات الحديث، وتعظيمه لصحابة الرسول الكريم، والرد على من جاهر بالسب والرفض والثلب.
فهل ما قام به عبد السلام الوجيه خطأ وغفلة دون قصد!! أم أن وراء الأكمة ما وراءها، وخاصة أنه إلى اليوم ما زال يخلط بين الزيدية والاثني عشرية؟!
بل أن عبد السلام الوجيه ـ في كتابه السابق ذكره ـ قد قام بالمدح والإطراء على جماعة الشباب المؤمن، وأبرز المؤسسين لها، أمثال حسين بدر الدين الحوثي، الذي وصفه بأنه عالم، تقي، ورع، من أقطاب الحركة الإسلامية المعاصرة، ورئيس منتدى الشباب المؤمن بصعدة، وأحد العاملين في مجال التربية والتوعية الإسلامية وترشيد الصحوة الإسلامية، يبذل الجهد في الوعظ والإرشاد والتربية والتعليم، ونشر العلوم والمعارف مع زملائه من الشباب العلماء في صعدة، فأسسوا منتدى الشباب المؤمن مركزاً للتوعية والتعليم، ولا زال إلى اليوم من مراكز الإشعاع والتنوير( ).(22/41)
وفي (ص 1017) ترجم الوجيه للباحث أحمد بن يحيى بن سالم عزان، أحد مؤسسي الشباب المؤمن، ووصفه بأنه من رموز شباب الصحوة الإسلامية الحديثة، خطيب مؤثر، ومحقق بارع، وهو الآن يبذل الجهود في نشر العلم والوعظ والإرشاد والتأليف، وتحقيق كتب التراث الإسلامي في اليمن، ومنها كتاب (الغطمطم الزخار) لابن جريوة السماوي، طبع في ستة مجلدات( ).
ونسي الوجيه أن يذكر من أعمال محمد عزان، تحقيقه رسالة تثبت الوصية المنسوبة للإمام زيد بن علي عليه السلام والذي يؤكد في مقدمتها على مسألة الوصية للإمام علي عليه السلام بالخلافة في عصر الصحابة، وأن ذلك كان واضحاً كما تدل عليه الروايات الكثيرة، وإنما صرفت الخلافة عن وجهها لأمور وأسباب زعموا أنها في صالح الأمة كما هو معروف في التاريخ!!( )
ولا شك أن القول بالوصية ليس من المذهب الزيدي ـ ولا من أقوال الإمام زيد رضي الله عنه الذي قال بصحة خلافة أبي بكر وعمر وعثمان، مع كون الإمام علي عنده أفضل منهم. أما القول بأن وصية الرسول ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ بالخلافة للإمام علي، كانت واضحة عند الصحابة، وإنما صرفت عن وجهها لأمور وأسباب ـ فهو قول الروافض.
فماذا يعني ترجمة الوجيه لعدد كبير من الروافض ضمن أعلام الزيدية؟!
وماذا يعني توافق العلامة الحوثي مع الباحث عزان في نشر معتقدات الاثني عشرية؟!
وماذا يعني التحامل على علماء أهل السنة والدفاع عن الروافض؟! وما علاقة ذلك (بالآيات) الذين يدرسون في إيران الفقه الجعفري اثني عشر عاماً؟!!
وما التوافق بين ذلك واحتكار حسين بدر الدين الحوثي، الذي فيه من الغلو ما لم يظهره كبار علماء الاثني عشرية، حتى أنه يحمّل أبا بكر وعمر أسباب مشاكل وأزمات المسلمين طوال خمسة عشر قرناً؟!
وماذا يعني التوسّع في إقامة الشعائر الرافضية، وانتشار الحسينيات والحوزات في العديد من المناطق اليمنية؟ هل كل هذه غفلة زيدية أم غزوة اثني عشرية؟!
•…عجائب الوجيه!!(22/42)
ومن العجائب والغرائب لدى الأخ عبد السلام الوجيه، في كتابه أعلام المؤلفين الزيدية، أنه ذكر في مقدمة الكتاب، وأكد على انتماء المترجم لهم إلى المدرسة الزيدية، إما يذكر هذا الانتماء من مصادر الزيدية أو المصادر الأخرى، أو من مؤلفاته هو ـ أي المترجم له ـ ومن الالتزام للمبادئ والأسس والأصول التي تعتنقها الزيدية، والتي تطلق كلمة زيدي على معتقدها.ويضيف الوجيه: "خلاصة القول، حاولت جهدي التأكد من انتماء المترجمين إلى المدرسة الزيدية بالطرق السابقة، وتركت لهذا كثيراً من الشيعة الذين يغلب الظن أنهم من الزيدية، لكن التأكد من ذلك يحتاج إلى نص أو بحث أو استدلال ومنهم المئات الذين ادعاهم الإمامية في الغالب ونسبوهم إلى مذهبهم"( ).(22/43)
مع هذا التأكيد والحرص الشديد على انتماء الذين ترجم لهم للمدرسة الزيدية، فإن عبد السلام الوجيه في هذا السياق أتى بالعجب العجاب، من أهمها: أنه ألف هذا السفر الكبير قرابة 1300 صفحة في ثلاثة أشهر وتزيد. وليس من هذه العجائب أنه تعجل في إصدار الكتاب، وقد كان الموضوع الأهم فيه هو التعريف بالزيدية: نشأة وفكراً ومعتقداً. وهو موضوع المقدمة المهمة التي أجلها الوجيه إلى مقدمة الطبعة الثانية؛ لأن ذلك يحتاج حسب ما ذكره إلى دقة في البحث، والتصريفات، وتحديد المصطلحات، والإلمام بالتفاصيل والرد على من شوه ومسخ وأساء التعريف بالزيدية...( )!! والعجيب في هذا الكلام، أن الوجيه يحتاج في كتابة المقدمة إلى دقة في البحث وتحديد وإلمام.. أما في الكتاب ذاته فلا يحتاج ذلك؛ لأنه أخذ يكتب التراجم كحاطب ليل، ينقل التراجم من هذا المصدر وذلك الكتاب، بدون تريث أو قليل من العمق والوضوح، باستثناء تراجمه للتيار السني في المدرسة الزيدية، الذين تعمق في ترجمتهم للنيل منهم، والإساءة إليهم بصورة واضحة، ورغبة جامحة في الطعن والتجريح بدون برهان ولا دليل إلا الوهم والظنون، والسقوط المريع الذي قاده إليه الهوى والتعصب الأعمى!!
هذا التعصب الذي لم يترك له فرصة لكتابة مقدمة الكتاب الهامة، وترك له فرصة، ووجد وقتاً للإساءة والتجريح بالقاضي إسماعيل بن علي الأكوع، المؤرخ الكبير والمحقق الجهبذ.
لقد خصص الوجيه أكثر من عشر صفحات في مقدمة الكتاب، للنيل من القاضي إسماعيل والتجني عليه، فأسرف بالقدح، وتمادى بالغمز وللمز...!
فلماذا كل هذا؟ ولمصلحة من هذا؟؟ إنه الهوى الاثني عشري، والتعصب الرافضي الذي قاد صاحبه إلى تحكيم الهوى. فالمطالع لكتاب الوجيه على ما فيه من ضعف واستعجال وتهور ونزق وركاكة، إلا أنه حقق عدة نتائج جوهرية وأساسية، ومنها:
1ـ تشويه صورة أهل السنة في المدرسة الزيدية والنيل منهم، والإساءة إليهم.(22/44)
2ـ تلميع الروافض الذين ظهروا في المذهب الزيدي ـ وخرجوا عليه وأساءوا إليه ـ ونشر العقيدة الاثني عشرية.
3ـ تحسين صورة الحكام ـ الأئمة ـ الذين حكموا اليمن باسم المذهب زوراً وبهتاناً، وحيث فرقوا بين العباد، واكثروا في الأرض الفساد.
والذي يهمنا في هذا المقام هو الغزو الرافضي الاثنا عشري للفكر الزيدي ـ في ثننايا كتاب الوجيه ـ وخطر ذلك على الشباب الزيدي، وخاصة الأجيال القادمة، التي ستقع فريسة للزيف والخلط الذي مارسه الوجيه في تراجمه لعدد من كبير من أعلام الإمامية الاثني عشرية؛ على أنهم من رجال الزيدية ـ ذكرنا عدداً في الحلقة الماضية ـ ومنهم:
* أبان بن تغلب، المتوفى سنة 141هـ، وهو أول من ترجم له الوجيه ص 43، وهو من غلاة الشيعة الروافض.
* إبراهيم بن الحكم الغزاري ص 48، وهذا الغزاري قال عنه الإمام الذهبي: شيعيٌ جلد. وقال أبو حاتم: كذاب!!. ومع ذلك يصبح عند الوجيه من الزيدية، بل من أعلامهم!
* إبراهيم بن محمد الثقفي ص 65. ذكر الوجيه نفسه، وأثناء ترجمته، أنه كان زيدياً، ثم انتقل إلى الإمامية!! فلماذا ترجمت له إذا ؟!
* ومن غرائب هذه التراجم: أحمد بن عبد الله الثقفي ص 140. ذكر الوجيه تشيعه، حسب المصادر التاريخية، إلا أنه استدرك قائلاً: ويظهر أنه أحد الزيدية المستترين من بطش بني العباس!!
* ويجدر التوقف عند ترجمته لأبي الفرج الأصفهاني ص 672 صاحب الأغاني، المعروف بالميوعة والمجون، والمشهور بالرفض والغلو. قال عنه الأديب والكاتب الكبير، الدكتور زكي مبارك: كان الأصفهاني مسرفاً في اللذات والشهوات، وقد كان لهذا الجانب من تكوينه الخلقي أثر ظاهر في كتابه الأغاني، الذي يعتبر أحفل كتاب لأخبار الخلاعة والمجون. وهو حين يعرض للكتاب الشعراء، يعتم بسرد الجوانب الضعيفة من أخلاقهم الشخصية، ويهمل الجوانب الجدية إهمالاً ظاهراً يدل على أنه كان قليل العناية بتدوين أخبار الجد والرزانة والتجمل والاعتدال.(22/45)
ويضيف الدكتور زكي مبارك قائلاً: وهذه الناحية من الأصفهاني أفسدت كثيراً من أراء المؤلفين الذين اعتمدوا عليه ( )!!
فهل يصح أن يكون مثل هذا الماجن من أعلام المؤلفين الزيدية؟؟ إنها لا تعمى الأبصار، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور، عمى العصب، واتباع الهوى الذي يحمل صاحبه على الترجمة لنشوان بن سعيد الحميري، على أنه من أعلام الفكر الزيدي. والواقع غير ذلك. كما ترجم للعلامة محمد بن إبراهيم الوزير ـ المتوفى سنة 840هـ في ص 825 ـ الذي ترك التمذهب، وأخذ بالكتاب والسنة، وأصبح إماماً من الأئمة المجتهدين، وخاض معركة فكرية مع الجهلة والمقلدين، والحسدة والحاقدين الذين نالوا منه؛ لأنه دعا إلى الكتاب والسنة وعمل بهما.
ونتيجة لذلك، فقد تحمل الوزير أذى كثيراً من علماء عصره المقلدين، وحتى من أهله إلى عصرنا( )، ومنهم الوجيه، الذي غمز ولمز بالعلامة الوزير، مثلما فعل بترجمته للعلامة المقبلي ـ ص 491 ـ حيث ذكر أن مخالفة المقبلي للزيدية؛ اتباع لأهل السنة وليس اتباع للدليل!! وهذا من الكذب الصريح والبهتان المبين. فقد ثبت أن المقبلي ترك التمذهب، وعمل بالكتاب والسنة. وقال في ذلك:
ألم تعلما أني تركت التمذهبَ
وجانبت أن أُعز إليه وأنسبا
فلا شافعي لا مالكي لا حنبلي
ولا حنفي، دع عنك ما كان أغربا
وهكذا سار الوجيه في كتابه على النهج، بالخلط بين أعلام الاثني عشرية والزيدية، والطعن في أهل السنة (الحشوية)!! ـ حسب تعبيره ولحاحة في نفسه ـ وكعادته في قلب الحقائق، وتزييف الوقائع، وخلط الحابل بالنابل والحق بالباطل، حيث أصبح من أبرز وأهم عوامل انتشار العقيدة الاثني عشرية في الديار الزيدية، بل وعموم المناطق اليمنية، يمدح ويطنب في ترجمة أعلام الرفض السب، أمثال: الحسن الهبل، وأحمد بن ناصر المخلافي، ويحيى بن الحسين المؤيد، وبالإضافة إلى آخرين ممّن ذكرناهم في السطور السابقة، وممن لا يتسع المجال لذكرهم والحديث عنهم( ).(22/46)
والذي يهمنا في هذه السطور هو الكشف عن الدور الذي قام به عبد السلام الوجيه لخدمة الفكر الاثني عشري. وهو يدري أو لا يدري، فالنتيجة واحدة، وهي المشاركة والمساهمة بالغزو الاثني عشري للفكر الزيدي، كما ظهر ذلك جلياً من خلال المدح والإطراء الذي دبجه الوجيه لجماعة الشباب المؤمن وأبرز المؤسسين لها. والثابت والواقع أن هذه الجماعة والمؤسسين لها ـ أوائل التسعينيات الميلادية، وخاصة من عام 1994م ـ جنحوا نحو التشيع الاثني عشري، وأحدثوا تباينا وفراقا في المذهب الزيدي بين تيارين كبيرين: الأول زيدي، أقرب إلى الاعتدال، ومثّله العلامة مجد الدين المؤيدي، الذي حذر وأنذر من التيار الثاني، الذي مثله العلامة بدر الدين الحوثي، وسار على الخط الاثني عشري، والقريب من نظام (الآيات) في طهران.
وكان هذا الفهم معلوماً ومعروفاً، خاصة في الأوسط الزيدية، وزاد وضوحاً وجلاءً منذ عام 1997م، وكتاب الوجيه صدر سنة 1999م. ومع ذلك، فقد بالغ في المدح والثناء على جماعة الشباب المؤمن ورجالها، وفي مقدمتهم العلامة بدر الدين بن أمير الدين الحوثي، الذي ترجم له الوجيه قائلاً: تتلمذ على يديه عشرات من العلماء، وقد بذل جهوداً جبارة في إحياء علوم الأول، والرد على المتعالمين الجهال، الذين جاءوا بما يثير الأحقاد والضغائن، ويفرق المسلمين... وما زال ـ حفظه الله ـ شامخاً ومرجعاً للعلماء وطلاب العلم. أخباره كثيرة، ومناقبه غزيرة، وجهاده وصبره على البلاء مشهور( ) ص 263. ثم ذكر مؤلفاته والتي منها:
•…الإيجاز في الرد على فتاوى الحجاز.
•…اتهام الزهري.
•…التبيين في الضم والتأمين.
•…الحسام القاضب الخامع لهامات النواصب.
•…السهم الثاقب في إبطال دعايات النواصب.
•…الفرق بين السب والقول بالحق
•…من هم الرافضة؟(22/47)
وغيرها من الكتب والأبحاث والرسائل، التي يظهر فيه جنوح العلامة بدر الدين الحوثي نحو الرفض، بل والغلو فيه، كما هو واضح من خلال عناوين وأسماء مؤلفاته، فضلاً عن محتواها. ومنها رسالة بعنوان (إرشاد الطالب) قام بتحقيقها وإعدادها وإخراجها الكاتب والباحث محمد سالم عزان، وصدرت سنة 1414هـ، الموافق 1994م.
هذه الرسالة أو الكتاب موجه للطلاب والتلاميذ والأتباع والأنصار، حيث يذكر بدر الدين الحوثي في المقدمة: فهذا كتاب فيه مسائل مقيدة للطالب... جعلناه للمبتدئ، نسأل الله أن ينفع به أبنائنا وجميع المسلمين( )!!
فما هي المنفعة؟ وما نوعها في هذا الكتاب وفي منهج بدر الدين الحوثي، الذي تناول في كتابه هذا العقيدة والعبادة، ونبذة موجزة في التاريخ بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، ونبذة في فضائل الإمام علي وأهل البيت عليهم السلام.
في القسم الأول (العقائد) يتناول العلامة بدر الدين الحوثي، وبتحقبق الباحث محمد يحيى سالم عزان:
* العبادة ومعناها. وذكر أنه ليس من العبادة لغير الله سبحانه زيارة القبور، والتبرك بالصالحين، ولا دعاء الله والتوسل إليه بذلك.
ثم يتحدث عن تنزيه الله وكلامه وعدله والوعد والوعيد، وفق عقيدة المعتزلة والشيعة الاثني عشرية، ومخالفة لعقيدة أهل السنة والجماعة( )(22/48)
* وبسرعة شديدة ـ وفي قسم العقائد ـ يتناول الحوثي (الأب) مسألة الخلافة والولاية بعد رسول الله صلى الله عليه آله وسلم، حيث ذهب إلى أنها لعلي ـ عليه السلام ـ بدليل حديث الغدير. ولم تصح ولاية المتقدمين عليه. ثم يؤكد على أن الولاية ـ من بعد الإمام علي ـ لأخيار أهل البيت: الحسن والحسين وذريتهما. لأن الأمر لله وحده، فالولاية الصحيحة لمن حكم الله بها في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، رضي الناس بذلك أم لم يرضوا فليس للعباد أن يختاروا غير من ولاه الله في شريعته، ولا دخل للشورى... ويضيف الحوثي: والولاية الشرعية هي الإمامة الصحيحة...( ).
هذه هي رؤية الحوثي للخلافة والإمامة، ومعه محمد عزان وجماعة الشباب المؤمن وأتباعهم وأنصارهم. وهي ـ ولا شك ـ رؤية اثنا عشرية رافضية، تخالف الرؤية الزيدية ومنهج الإمام زيد رضي الله عنه والذي أكد على صحة ولاية وإمامة أبي بكر وعمر وعثمان، وإن كان يرى أن الإمام علي أفضل منهم، إلا أنه يجوّز ولاية المفضول مع وجود الفاضل، حسب النهج الزيدي الذي قام بدر الدين الحوثي بنسفه من القواعد، وهدمه من الأساس، واستبداله بمذهب الرفض، والقول بحق الإمام علي بالخلافة ـ بعد رسول الله ـ حقٌ إلهي ونص شرعي، وأن أبا بكر وعمر عثمان اغتصبوا هذا الحق ورفضوا هذا الأمر!! فما حكم من يرد حكم الله ورسوله ويخالف النص النبوي ويرفض وصية الرسول الأعظم؟؟ وهذا معنى القول بحق علي الشرعي في الخلافة، ووجود النص والوصية عليه، كما يزعم الروافض الاثنا عشرية ومن سار على عقيدتهم فالمسألة واضحة، والنتيجة حاسمة، والقضية مترابطة...
القول بوجود نص ووصية وحق، يعني بطلان خلافة أبي بكر وعمر وعثمان، وليس ذلك فحسب، بل وكفرهم وردتهم وظلمهم، ومعهم جمهور الصحابة الذين رضوا باغتصاب الحق الشرعي وسكتوا مع وجود النص النبوي والتعيين الإلهي!!(22/49)
والنتيجة الطبيعية لذلك أن الرسول ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وفق نظرية النص والوجيه ـ قد فشل في تربية أصحابه، والقرآن أخطأ في مدحهم وتزكيتهم ـ والعياذ بالله ـ فهذا هو جوهر مذهب وعقيدة الشيعة الاثني عشرية الإمامية الرافضية. يقول أحد علمائهم وأشهر أعلامهم، عبد الحسين شرف الدين الموسوي، في كتابه النص والاجتهاد: ما رأيت كنصوص الخلافة صريحة متواترة صودرت من أكثر الأمة والجرح لما يندمل والنبي لما يُقبر استأثروا بالأمر يوم السقيفة، وصمموا على صرف الخلافة عن آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وقد كان هذا باتفاق سري مع أبي بكر وعمر وحزبهما( ).
وهذا إجماع الشيعة الاثني عشرية، الذين يؤكدون في كتبهم ومصادرهم العقائدية، على أن الله تعالى يعين الأوصياء كما يعين الأنبياء، وقد عين الله لنبينا محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - اثني عشر وصياً وخليفة، أولهم: أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - عليه السلام - وآخرهم المهدي محمد بن الحسن القائم المنتظر - عليه السلام - وهؤلاء الأئمة الأوصياء - عليهم السلام- أفضل من جميع الأنبياء، كالنبي محمد -صلى الله عليه وآله وسلم -في العلم والحلم والفضيلة والعصمة( ).
هذه عقيدة الروافض، وهذا منهج الحوثي، وهذه فتنة ما يسمى بجماعة الشباب المؤمن، الذين تأثروا بالثورة الإيرانية وزعيمها الخميني، وهذا هو السر وراء الغلو الذي كان يحمله حسين بدر الدين الحوثي في آرائه وأفكاره، وخاصة تجاه أبي بكر وعمر اللذين حمّلهما كل شر يحدث في العالم؛ لأنهما ـ حسب اعتقاده الانثي عشري ـ اغتصبا حق أمير المؤمنين، وخالفا شريعة سيد المرسلين ووصية رسوله الأمين. وتأصيلاً لهذا، يذكر العلامة بدر الدين الحوثي في (إرشاد الطالب): "... أصالة شأن أمير المؤمنين علي ـ عليه السلام ـ في إحقاق الحق، انقسمت الأمة إلى شيعة ونواصب ومتوقفين...(22/50)
وقد دلت الأحاديث على أن الحق مع شيعته المحبين له القائلين بإمامته"!! تأمل وتوقف عند هذا الكلام الخطير للحوثي ـ الأب ـ حيث يجعل الخلافة بين الشيعة والمخالفين لهم حق وباطل، وأن الحق مع القائلين بإمامته، والرافضين لإمامته أبي بكر وعمر. وبذلك يكون الباطل مع القائلين بإمامة أبي بكر وعمر؛ لأن خلافتهما باطلة وغير صحيحة!!
•…الآيات قادمون!!
فإذا تأكد لدينا وجود تيار رافضي اثني عشري في الفكر الزيدي على مر العصور، وأثبتت تشجيع هذا التيار ومدحه عند عدد من الباحثين والكتّاب والعلماء والشباب الزيدي ـ فعند ذلك تترابط المنهجية، وتتقارب المشارب العقدية؛ لتشكل مدرسة اثني عشرية، ربما تتحول عما قريب إلى جامعة، بعد عودة عشرات الطلاب الذين يدرسون العقيدة الإمامية في طهران وقم ومشهد...
وهؤلاء يفخرون بأنهم انتقلوا من الظلام (الزيدية) إلى نور الاثني عشرية التي يدرسونها لمدة 12 عاماً كاملة يتخرجون بعدها بدرجة آية الله، وحجة الله، و....!!
وقد رأيت بنفسي، وسمعت بأذني تعصب هؤلاء وغلوهم أثناء زيارتي لإيران قبل ثلاث سنوات، واللقاء بعدد من هؤلاء الطلاب العلماء، وقد أشربوا في قلوبهم وعقولهم عقيدة الرفض وشريعة السب، ويحملون ثقافة الانتظار والتبشير بالوهم المنتظر ـ عجل الله فرجه ـ المستحيل.
سيقول السذج من الناس: إن هذا الطرح يحمل الكثير من المبالغة والإثارة. وحتى لو كان ذلك صحيحاً، فإن الخطر والمسألة لا تعدو أن تكون أفكاراً وآراء وقناعات لهؤلاء في اعتناق الفكر الاثني عشري.
وهذا القول من الجهل بحقيقة الشيعة الاثني عشرية، وتصدير الثورة الإيرانية، والتدخل في الشئون الداخلية للدول العربية والإسلامية، وإثارة الطائفية، وإشعال الصراعات المذهبية، كما هو حاصل اليوم في العراق من خلال التعاون الشيعي/ الأمريكي، والتقارب الإيراني/ الأمريكي.
* أليس السيستاني هو رجل أمريكا وعميلها الأول في العراق؟!(22/51)
* أليست المقاومة والجهاد محصورة في المثلث السني، والحرب والإبادة ضد أهل السنة؟
* ألم تشترك قوات بدر الشيعية في المجازر التي ارتكبتها القوات الأمريكية بدعم وتشجيع ومساندة من آيات الشيعة في النجف وكربلاء وطهران وقم؟!
* ألم يصرح نائب الرئيس الإيراني، محمد علي أبطحي: لولا إيران لما استطاعت أمريكا احتلال العراق وأفغانستان؟!
* هل ينكر عاقل أو يجحد متابع أن ما يحدث في العراق اليوم هو فتنة طائفية وصراعات مذهبية تغذيها المخابرات الإيرانية والحرس الثوري...؟!
* ألم تنتقل هذه الفتنة إلى البرلمان البحريني بالمشادات والخلافات الحادة..؟! وهل ينكر أحد دور إيران في زعزعة الأوضاع في البحرين، وإثارة المشاكل في المنطقة الشرقية من السعودية، وفي أحداث صعدة في اليمن؟!
كل هذا لا يشكل خطراً ولا يهدد أحداً! ألم يشكل حسين بدر الدين الحوثي تياراً مسلحاً، ويحدث فتنة، ويستعد لحرب بالرجال والمال والسلاح، بداية من إثارة الشغب والهرج والمرج أثناء صلاة الجمعة، ثم يفتي بعدم شرعية أي نظام أو حكم منذ أبي بكر وعمر حتى اليوم، وأن الحل هو إقامة جيش مؤمن يهيئ المناخ لخروج الإمام المنتظر، فجعل شراء الأسلحة بالأهمية مثل شراء الأغذية، وقام بالامتناع عن دفع الزكاة، واستبدال الخمس وفق دين الاثني عشرية؟! ألم يقاتل بشراسة ومعه أتباعه وأنصاره، باعتبارهم المؤمنين وأهل الحق في مواجهة المخالفين أهل الباطل؟!
كل هذا يمثل جزءاً يسيراً وقدراً بسيطاً من خطر الروافض على الإسلام والمسلمين -على مر السنين -من خيانة ابن العلقمي، وسقوط بغداد بيد التتار سنة 556هـ، إلى خيانة الجلبي، وإياد علاوي، وآية الشيطان السيستاني، وسقوط بغداد سنة 1424هـ.
الخيانة مستمرة، والمؤامرة متواصلة، والحلقة متسلسلة، والعقيدة فاسدة، والطريقة باطلة تتمحور حول:
* اغتصاب حق الإمام علي بالخلافة.
* مظلومية السيدة فاطمة.(22/52)
* عدم شرعية أي نظام حكم باستثناء نظام الجمهورية الجعفرية في إيران!!
* استشهاد الإمام الحسين بن علي في كربلاء.
* اختفاء الإمام الثاني عشر ـ المهدي المنتظر ـ في سامراء.
ونتيجة لهذه العقيدة والخلفية، تشكلت النفسية الشيعية الاثنا عشرية على:
•…الانتقام ممن سلب الإمام علي حقه في الخلافة.
•…الانتقام ممن ظلم السيدة فاطمة، وقتل ولدها الحسين.
•…التكفير واللعن لهؤلاء ومن تبعهم إلى يوم الدين.
•…البكاء الدائم، والعزاء المستمر، والحزن المتجدد على كل أرض كربلاء وكل يوم عاشوراء.
•…الانتظار للمهدي المنتظر الذي غاب سنة 264هـ، هذا الوهم الذي لا حقيقة له معدوم غير مخلوق!!
وعلى ضوء هذه المسائل، تتمحور وتتبلور عقيدة الاثني عشر، وهي التي شكلت ثقافة ومنطلقات حسين بدر الدين الحوثي، فهذا ما ظهر في مقالاته،وبرز في جولاته:
الانتقام، اللعن، الانتظار. هذه الثلاثية التي تشكل وعي غالبية، إذا لم يكن كل الاثنى عشرية. بل إن عقيدتهم أصبحت تدور حول الانتظار في زمن الغيبة، والإعداد والتهيئة لخروج الحجة. وفي هذا السياق، فقد صدر قبل سنوات كتاب بعنوان (عصر الظهور) يتحدث فيه مؤلفه، وهو الشيخ علي الكوراني، أحد علمائهم المعاصرين وكبير من كبارهم المنظرين، يتحدث فيه عن مقدمات وعلامات ظهور المهدي المنتظر، الذي أصبح قريباً...
ومن هذه المقدمات والعلامات لظهوره: وجود وخروج جيش مسلح في إحدى قرى محافظة صعدة. وهذا الجيش يكون بقيادة واحد من أحفاد الرسول يسمى حسن! أو حسين!!
وكان هذا الكتاب من ضمن مراجع ومصادر جماعة الشباب المؤمن ومن العوامل التي صنعت القداسة لشخص حسين بدر الدين الحوثي عند أتباعه وأنصاره، الذين وجدوا فيه علامة من علامات الظهور، ومقدمة من مقدمات الخروج. ومن أدلتهم القرآنية على هذا الخروج قوله تعالى: {يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج}.(22/53)
وهكذا يصبح الاثنا عشرية بين خيارين: خيار الانتظار، وخيار كربلاء: لبيك يا حسين!!
هكذا يشعر الشيعي الرافضي أنه مقهور حاضره، ومجهول مستقبله. لذلك فإنه يعيش في ماضيه كقوقع داخل المأساة، تمكنت المأساة منه، كل منهما تلبس الآخر( ). القائد دائماً حسين، والعدو دائماً يزيد. الحرب الآن هي كربلاء ثانية: لبيك يا حسين!!
إنهم يعيشون الماضي، ويستغيثون بالمعدوم، ويتعلقون بالمجهول: يا صاحب الزمان... ـ الوهم المنتظر ـ الغوث الغوث أدركني، أدركني، الساعة، الساعة، العجل، العجل...
إنها عقيدة القوم: الشرك، وطلب الحاجات من الأموات والقبور والغائب المعدوم. إنها فعلاً مأساة أن يكون الإنسان بين خيارين، أحدهما ماض لن يعود،والآخر مستقبل مجهول... خيار كربلاء البكاء والدماء، وخيار الانتظار. وكلاهما انتحار.ا.هـ .
كتاب الشهر
الطرق الصوفية بين الساسة والسياسة في مصر المعاصرة
دراسة تاريخية توثيقية 1903 – 1983 م
تأليف : د. زكريا سليمان بيومي
يعالج هذا الكتاب جانباً مغفلاً في الدراسات الحديثة عن التصوف وهو الجانب العملي في مسيرة التصوف في أبعاده المختلفة السياسية والاجتماعية والثقافية وغيرها ،وهو جانب مهم في تقويم التصوف وبيان حقيقة دوره في المجتمع المسلم ، ويمتاز الكتاب بالاعتماد على محافظ اجتماعات المجلس الصوفي الأعلى ومحافظ الطرق الصوفية والتي تزيد على ستين محفظة والموجودة في الوثائق القومية المصرية بمحافظ عابدين .
وقد تم عام 1903 م صدور أول لائحة منظمة للطرق الصوفية في مصر وعدلت جزئياً عام 1905 م وبقي معمولاً بها حتى عدلت عام 1952م .(22/54)
ويتوصل الباحث في مقدمته إلى النتيجة التالية : عدم اهتمام الصوفية أو فهمهم للحياة السياسية بكل جوانبها سوى بعض شيوخهم الذين سعوا إلى استغلال موقعهم الصوفي المهيمن لتحقيق مكانة معينة من خلال الانتخابات أو الأحزاب أو حتى المؤسسات السرية كالماسونية بوعي أو بدون وعي ، وقد نجحت القوى السياسية في تسخير هذه الجموع الصوفية لمصالحها الخاصة .
والكتاب صدر عام 1992م وهو يقع في 185 صفحة من القطع الكبير ويتكون من تمهيد وخمسة فصول وخاتمة .
وفي ما يلي تعريف بفصول الكتاب الخمسة :
الفصل الأول : الطرق الصوفية والحياة السياسية
ناقش المؤلف فيه المواضيع التالية : الطرق الصوفية والأحداث السياسية التي عاصرتها وعلاقتها بالقوى السياسية آنذاك وهي القصر والاحتلال والأحزاب و الإخوان المسلمون وعلاقة الصوفية بثورة عبد الناصر اليسارية .
الفصل الثاني : الطرق الصوفية و الحياة الثقافية
وتناول فيه مسألة التعليم وموقفهم منه وعلاقتهم ببعض المفكرين والتأثير المتبادل.
وتناول أيضاً دورهم في نشر الغناء والموسيقي و ظهور المغنيين والمغنيات بسبب الذكر الصوفي .
وبين المؤلف علاقة الصوفية بالأزهر واستغلاله لنشر التصوف، وكيف تخلص الأزهر من قبضتهم نوعا ما . ومدى تأثير الصوفية على الأدب المصري الحديث رواية وشعراً ومسرحاً.وختم هذا الفصل بذكر سبب تأخر صدور مجلة تنطق باسمهم مع عرض بعض المحاولات الجزئية لذلك .
الفصل الثالث : الطرق الصوفية و الحياة الاقتصادية
وقد تعرض فيه لمصادر تمويل هذه الطرق وتأثيرها عليهم وكذلك المهن والحرف التي مارستها أو ظهرت بسبب احتياجات الصوفية وطقوسها .
الفصل الرابع : الطرق الصوفية و الحياة الاجتماعية(22/55)
استعرض فيه المؤلف تفاعل الصوفية مع فئات المجتمع المصري و دورها في التركيبة الاجتماعية المصرية و العادات والتقاليد وظهور سلوكيات سلبية في موالدها و مجالس الرقص و السماع وعلاقتها بالأقليات و مكانة المرأة عند الصوفية .
الفصل الخامس : البناء التنظيمي للطرق الصوفية
و بين فيه المؤلف عدد الطرق و تكوينها والفروق بينها و لائحة الطرق الصوفية ونبذة عن أعمال المجلس الأعلى و الأضرحة وخدام الأضرحة .
والكتاب يعد فريداً من نوعه في دراسة واقع الطرق الصوفية و غطى جانباً مهماً في دراسة وتقويم التصوف المعاصر .
قالوا
استعراضات كرتونية
قالوا: "ثم وبالنسبة لطائرة حزب الله الاستطلاعية، فإن كل الذين لديهم الحد الأدنى من الثقافة العسكرية يعرفون أن مثل هذه الطائرات غدت متوفرة حتى في محلات بيع ألعاب الأطفال، وأنه لا قيمة عسكرية لها على الإطلاق.."
صالح القلاب
الرأي 13/4/2005
قلنا: كل "كرتون" وأنتم بخير.
العملاء في أمان
قالوا: ".. وهربت إسرائيل في مايو "أيار" 2000 ولم تحصل "ضربة كف" لأي مواطن، حتى بالنسبة لمحاكمة العملاء فقد جاءت منخفضة بمستوى عشرة أضعاف نزولاً وبقيت اعتراضاتنا الناعمة كي لا ندخل في مشكلة سياسية مع أحد، وخاصة في مواجهة التبريرات التي كانت تعطى للعملاء وهي كلها غير مقنعة"
نعيم قاسم
نائب الأمين العام لحزب الله
الوطن العربي 15/4/2005
قلنا: وذلك لأن هؤلاء العملاء من جيش لبنان هم من شيعة الجنوب! وقياداتهم نصرانية!!
فتوحات ابن عربي
قالوا: "وكان الإقبال كبيراً على كتاب "ألف ليلة وليلة" في الموقع وتصفحه حوالي 400 ألف زائر، وجاء كتاب "الفتوحات المكية" لشيخ الصوفية ابن عربي ثانياً بزيارة 200 ألف مشترك ثم "لسان العرب" لابن منظور 197 ألف زائر، ومعجم "تاج العروس" بـ 196 ألف زائر"
محمد السويدي
الأمين العام للمجمع الثقافي في أبو ظبي
ا.ف.ب 11/4/2005(22/56)
قلنا: عظم الله أجركم أيها الـ 200 ألف الذين تصفحوا كتاب ابن عربي بما فيه من ضلالات وزندقات، وعسى الله أن يلهم معارض الكتب في دولنا للانتباه لما في هذه الكتب.
نشر التشيع بالسياحة!
قالوا: "مقامات الصحابة تستقبل أفواجاً سياحية منتظمة من الزوار الإيرانيين كان آخرها فوجان سياحيان ضمّا 200 سائح مطلع الشهر الحالي".
فراس أبو خيط مدير أوقاف المزار الجنوبي
في الأردن.
بترا 24/ 4/ 2005
قلنا: وعسى الله أن يلهم أيضاً المسؤولين عن هذه المقامات الانتباه لما يخطط له الشيعة من وراء هذه الزيارات، وليس العراق عنّا ببعيد.
ملكيون أكثر من الملك!
قالوا: "ذكرت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية أن رئيس البرلمان الإيراني وبّخ التلفزيون الحكومي أمس لبثه حلقات سلسلة تضمنت إهانة للجالية اليهودية القديمة التي يتناقص عددها".
وكالة رويترز 13/4/2005
قلنا: وماذا لو أهان التلفزيون الإيراني أهل السنة، هل كان سيغضب البرلمان، أو لو أهان العرب في عربستان كما هو حاصل حالياً، هل كان سيغضب البرلمان؟
ولماذا غضبنا من فرنسا حين منعت بث قناة المنار إذاً!
"فتيات الزيتون" فقاعة جديدة
قالوا: "قالت صحيفة إيران الحكومية اليومية .. إن المنظمة النسائية التي تتخذ من طهران مقراً لها ويطلق عليها اسم "فتيات الزيتون" تخطط لتسجيل أسماء النساء الإيرانيات للاضطلاع بمهام استشهادية ضد الجماعات الإسرائيلية المتطرفة التي هددت بهدم المسجد الأقصى".
وكالة الأنباء الألمانية
19/4/2005
قلنا: أين أولاً "شباب الزيتون" الذين ملأوا الدنيا ضجيجاً وهم يسجلون أسماءهم لتنفيذ عمليات ضد اليهود، والنتيجة صفر، ولسنا ندري هل بقي متسع توضع فيه هذه السجلات!
زائر الأضرحة يقتل زوجته وأبناءه
في ذكرى المولد النبوي(22/57)
قالوا: "ذكر تقرير أمس أن رجلاً ذبح زوجته وأبناءه الأربعة في مدينة كراتشي جنوب باكستان لتقديمهم "كقربان" بمناسبة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف. وقال زوج أخت نديم أنه كان يتصرف بشكل غير طبيعي، ويتردد على زيارة أضرحة الأولياء الصالحين خلال الأشهر الأخيرة".
وكالة الصحافة الألمانية 24/4/2005
قلنا: ألم يجد زائر الأضرحة غير أولاده وزوجته يتقرب بهم في ذكرى المولد، يبدو أن خرافات الصوفية وتعظيمهم للأضرحة والموالد من دون الله هي التي دفعت هذا لعمل أي شيء من أجل "المولد".
البهرة في الكويت أيضاً
قالوا: "أقام المركز البرهاني بمنطقة العارضية احتفالاً كبيراً بمناسبة المولد النبوي الشريف تحدث فيه الشيخ خزيمة إسماعيل ممثل السلطان د. محمد برهان الدين زعيم البهرة.."
عباس دشتي
الوطن الكويتية 22/4/2005
قلنا: وهذا مركز آخر ينشط فيه الشيعة البهرة في الكويت، فهل ننتبه؟
جنبلاط وشمعون بيريز .. على ماذا اتفقا ؟
قالوا: " ..وليد جنبلاط قد التقى سرا في باريس مع شمعون بيرس على ما كشفت صحيفة هآرتس عن الزعيم الروحي للطائفة الدرزية في إسرائيل الشيخ موفق طريف "
محمد خروب
الرأي 4/5/2005
قلنا : يا ترى ماذا بحث وليد بك جنبلاط في لقائه مع المجرم بيريز؟ لا بد أنهما تباحثا من أجل مصلحة لبنان!! وهل كان هذا هو اللقاء الوحيد بينهما؟!
"التصوف الإسلامي" .. إعادة الاعتبار للحلاج بعد 11 قرنا
القاهرة - رويترز 13/4/2005
في مقدمة كتابه "التصوف الإسلامي" يعيد مستشرق سويدي الاعتبار إلى أحد أبرز المتصوفين المسلمين وهو الحسين بن منصور الحلاج الذي صلب في العاصمة العراقية بغداد منذ حوالي 1083 عاما.(22/58)
ويقول تور أندريه في مقدمة الكتاب أن الحلاج اتهم بادعاء الألوهية والقدرة على خلق المعجزات ورغم إعلانه براءته مما نسب إليه من آراء «كان الحكم عليه أمرا مقضيا قبل أن تجتمع المحكمة...وجلد بالسوط ثم قطعت يداه ورجلاه وبعد ذلك صلب على خشبة وترك معلقا يومين حتى حز رأسه».
وأضاف في الكتاب الذي ترجمه إلى العربية في الآونة الأخيرة الكاتب العراقي المقيم في ألمانيا عدنان عباس علي أن الحلاج الذي صلب يوم 26 آذار عام 922 م «لم يأبه بمصيره المحتوم على ما يبدو.
«نال هذا الحدث المأساوي بعد ما يقرب من ألف عام خاتمة جديرة بالملاحظة والاعتبار فقد توجهت إلى الشهيد الصوفي أنظار المستشرق الفرنسي لوي ماسينيون /1883 - 1962/ بحيث بدا وكأنه يبعث من جديد».
وذكر أن ماسينيون جمع من «كل مكتبات أوروبا والشرق الأوسط كل كلمة قيلت عنه مقتفيا أثر بطله في ما يزيد على 2000 بحث من الشرق والغرب ليكتب بعد هذا تاريخه فكانت الحصيلة عملا جبارا مدهشا يشتمل على 900 صفحة تسلط الضوء على حياة هذا الصوفي المسلم.
«والنتيجة التي انتهى إليها المؤلف /ماسينيون/ هي أن الحلاج ثمرة التصوف الإسلامي وأنه فاق الكل من حيث عمق فكرته وندرة جرأته وحرارة ورعه وصدق تقواه».
وقال اندريه أن الحلاج كان «واحدا من العظام ذوي الطاقات الفكرية الاستثنائية. إنه علامة مضيئة في تاريخ التصوف الإسلامي فمنه بدأ الطريق الذي سلكه التصوف الإشراقي والذي ارتبط باسم المفكر الكبير ابن عربي /حوالي 1164 - 1240 ميلادية/ صاحب المؤلفات ذات الأهمية الخاصة المتميزة بالنسبة للباحثين في تاريخ الأديان فإليها يرجع الفضل في حفظ ونقل الكثير من أفكار التصوف الإغريقي».
وهو يرى أن التصوف الإسلامي بلغ ذروته على أيدي من اعتبرهم المؤسسين الأوائل خلال 150 عاما بداية من عام 750 ميلادية.(22/59)
وأضاف أنه تحمس لدراسة آثار المتصوفين المسلمين الذين «أسروا خيالي منذ اللحظة الأولى التي تعرفت فيها عليهم. أحاول أن أعيد الحياة إلى عالم روحي اندثر تحت أنقاض السنين في وقت أصبحت فيه إثارة الاهتمام بالمسائل الدينية أمرا صعبا».
والكتاب الذي صدرت طبعته الأولى عام 1947 يترجم إلى العربية لأول مرة.
واستعرض المؤلف علاقة عدد من المتصوفين المسلمين بالزهد والحياة والمجتمع والذات الإلهية حيث كان بعضهم «يخاطبون الله تعالى بجرأة رافعين بذلك الكلفة بينهم وبينه جل شأنه».
كما خصص فصلا عنوانه /التصوف والمسيحية/ أشار فيه إلى أن التصوف نما «على أرض الإسلام بصفته روحا من روحه وكلمة من كلمته...توافر المؤمنون على قرانهم ولم يكونوا بحاجة لكتب النصارى إلا أن هذا لا يعني طبعا أن عرى الاحتكاك كانت قد انفصمت فالفتح العربي عامل السكان المسيحيين برفق كبير في البلدان المفتوحة ولم يكن هناك أي شيء يمكن أن يثير شكوى الكنائس المسيحية».
وذكر أن المسلمين والمسيحيين عاشوا زمنا طويلا في سلام مشيرا إلى أن الفاتحين كانوا في بادئ الأمر «غير متمدنين وكان لزاما عليهم أن يتعلموا خطوة خطوة من النصارى لتثبيت أقدامهم في مناطق نفوذهم الجديدة ولإدارة شؤون هذه المناطق. انه لأمر طبيعي أن يتعرفوا على ديانة هذه البلدان».
وأشار إلى أن المسلمين لم يكونوا بحاجة إلى إرشاد فيما يتعلق بعقيدتهم وشعائرهم فعندهم «كتاب الإسلام المقدس وسنة الرسول ولكن بالنسبة إلى تعلم طرق الحياة الزهدية ليس ثمة شك في أن إرشادات الرهبان كانت أحيانا أمرا نافعا فمالك بن دينار لا يأنف من أن يتعلم من الرهبان النصارى وان كان هو نفسه يسمى راهب العرب».
وأضاف أن «الحالة المثالية التي ساد فيها تبادل الخبرات الفكرية القائمة على الثقة والطمأنينة بين النصارى والمسلمين كانت من ميزات القرنين الأولين في تاريخ الإسلام».(22/60)
وقال المترجم العراقي في مقدمة الطبعة العربية التي صدرت عن دار الجمل في ألمانيا وتقع في 248 صفحة أن المؤلف «وهو نفسه أب كنسي يؤمن بالوحي استطاع أن يبتعد عن النعرة العلمية التي تتمسح بها غالبية المستشرقين عند دراسة الفكر الإسلامي والقائمة على ميلهم لاتباع مناهج وطرق مادية هادفين من ذلك إلى القول بأن القران الكريم هو حصيلة الإبداع الشخصي للرسول الكريم».
لكن علي في الوقت نفسه أشار إلى أن المستشرق السويدي الذي وصفه بأنه أحد أعلام المتخصصين في تاريخ الأديان والسيكولوجية الدينية لم يتعامل مع الإسلام «كدين نشأ من مصدر هو الوحي الإلهي بل رأى فيه فرعا من فروع المسيحية».
وقال المترجم «وعلى ما نرى ما جاء الإسلام لكي يفند أو ينقض هذه الديانة أو تلك إنما جاء لكي يتم الله به رسالته التي بدأت بالديانات السماوية الأخرى ومن هنا فان أوجه الشبه بين الإسلام والمسيحية في بعض الجوانب ظاهرة بديهية... هناك تطابق /بين الديانتين/ في هذا الجانب أو ذاك».
وتساءل علي عما إذا «كنا نحن العرب بحاجة إلى الأدبيات الصوفية في ظرفنا المتردي.. ونحن نعيش في عصر غدا فيه البعض يرى في كل أقوال السلف بلسما يشفي من الجراح التي أثخنت جسم الأمة وعصفت بروحها».
وذكر أن التراث العربي مثل تراث أية أمة ينطوي على جوانب سلبية وأخرى إيجابية.
وصدر للمترجم في سلسلة /عالم المعرفة/ بالكويت في السنوات الماضية كتابان مترجمان هما /فخ العولمة..الاعتداء على الديمقراطية والرفاهية/ لمؤلفيه الألمانيين هانز بيتر-مارتن وهارالد شومان و/جوته والعالم العربي/ للمستشرقة الالمانية كاتارينا مومزن.
وقال علي الذي زار القاهرة الأسبوع الماضي لرويترز أنه يسعى «بجهد محدود» للبحث عن المشترك الإنساني بين الثقافتين العربية والغربية خاصة جانبها الألماني من خلال مؤلفات يتوخى أصحابها الأمانة العلمية.(22/61)
وأضاف أنه ترجم كتابا آخر لمومزن عنوانه /جوته وبعض شعراء العالم الإسلامي/ ويصدر الشهر القادم ضمن مشروع نشر مشترك بين دار المسار في بغداد ومؤسسة /ديوان الشرق-الغرب/ التي تديرها في برلين الشاعرة العراقية المقيمة في ألمانيا أمل الجبوري.
12ألف صوفي يحتشدون في مظاهرة حب وتأييد لترشيح الرئيس مبارك في مزرعة الكرام بالبحيرة و8 ملايين صوفي يتوجهون لسيادته بهذا النداء..
"إن احتياج الناس إليكم من نعم الله عليكم"
بتصرف من :مجلة التصوف الإسلامي العدد 315 – ربيع الأول 1426 هـ
عقدت مشيخة الطرق الصوفية مؤتمرها الأول تحت عنوان: "الشورى في الإسلام.. الأمل والرجاء في رمز الأمة الرئيس محمد حسني مبارك" بمزرعة الكرام بمركز بدر محافظة البحيرة وشارك في المؤتمر كبار علماء الأزهر والأوقاف وشيوخ وأبناء الطرق الصوفية وفي مقدمتهم الشيخ حسن الشناوي رئيس المجلس الأعلى للطرق الصوفية والسيد أحمد كامل ياسين نقيب السادة الأشراف والدكتور أحمد عمر هاشم والشيخ محمود عاشور والشيخ حسين خضر وكيل أول وزارة الأوقاف والشيخ فرحات السعيد المنجي والدكتور عبد الحكم الصعيدي والدكتور أحمد عبد الرحيم السايح والشيخ عبد الجليل التهامي.
وقد احتشد نحو 12 ألفا من أبناء الطريق الصوفية في المؤتمر وأعلنوا مبايعتهم للرئيس محمد حسني مبارك لفترة رئاسية جديدة ليقود السفينة نحو بر النجاة وليواصل مسيرة الإنجازات ليضع مصر على سلم التقدم والازدهار. ورفع أبناء الطرق الصوفية صور السيد الرئيس معربين عن أملهم في أن يستجيب لمطلبهم في الاستمرار في قيادة البلاد ورفعوا شعار "إن احتياج الناس إليكم من نعم الله عليكم".(22/62)
وقد قام على تنظيم هذا المؤتمر أبناء بررة من أبناء مصر والطرق الصوفية وجند مخلصون بذلوا كل ما يملكون في الإعداد لهذا المؤتمر التاريخي وفي الترحيب بالضيوف والمشاركين يتقدمهم السيد مختار محمد علي من أبناء الطريقة البرهامية وقد قدموا نموذجا رائعاً وقدوة تحتذى في التنظيم والإعداد ووضعوا كل الأمور في موضعها وقد استضاف السيد مختار محمد علي نحو ثلاثة آلاف صوفي جاءوا من جميع أنحاء الجمهورية لمبايعة الرئيس مبارك، وقد تعاون جميع العاملين والمقيمين بالمزرعة في تقديم الطعام لهذا العدد الضخم، وقد أشاد جميع الحضور بالتنظيم والإعداد للمؤتمر الذي كان على أعلى مستوى.
في البداية ألقى فضيلة الشيخ حسن الشناوي كلمة أكد فيها:
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عصمه الله من العيب والخطأ وقال له (والله يعصمك من الناس) ومع ذلك أمره سبحانه وتعالى أن يجعل مبدأ الشورى هو الأساس المعمول به في الإسلام بين الناس بعضهم مع بعض بل وإن الأمر الإلهي للرسول الكريم أن يكون مبدأ الشورى بينه صلى الله عليه وسلم وبين أصحابه رضي الله عنهم أجمعين دون أن يطعن ذلك في عصمته أو يشير إلى عدم كفاءته "حاشاه" .. وأوضح أنه بناء على ذلك فإن الحاكم ولو كان ملهما فقد أوجب عليه الشرع أن يجعل الأمر شورى ليستفيد الوطن من خبرات أبنائه فالاقتصاد للاقتصاديين فيه خبرات والعسكرية لأهلها فيها فنون والصناعات لأهل الخبرة فيها مجال والزراعة للزراعيين فيها إبداعات والطب لأهله فيه الرأي السديد وغيرهم.(22/63)
وأضاف سماحة الشيخ حسن الشناوي أنه بنفس المفهوم فإن الطرق الصوفية لها أهلها وعلماؤها ومصادر علومها غير أنها ليست كيانا مستقلا كالأطباء والمحامين والزراعيين والصناعيين مؤكدا أن الطرق الصوفية ليست كيانا مذهبيا دينيا معينا بل هي لكل المذاهب، والطرق الصوفية ليست كيانا حزبيا منفصلا بل هي لكل الأحزاب ودون أن تتصارع الأحزاب فيها أو عليها، كما أن الطرق الصوفية ليست كيانا عسكريا غير أن الصوفية لها عند العسكرية تقدير.
والطرق الصوفية ليست مذهباً اقتصادياً غير أن جميع المذاهب الاقتصادية للتصوف فيها نصيب.
والطرق الصوفية ليست ناديا رياضيا أو اتحاداً لإحدى الألعاب الرياضية غير أن الرياضيين لهم في الصوفية ولها فيهم نصيب. وعلى ذلك فإن الساحة أو البوتقة التي ينصهر فيها المجتمع هي ساحة الصوفية التي يلتقي فيها أبناء الأحزاب وأبناء المهن وأبناء الحرف وأبناء الرياضة وأتباع المذاهب الدينية والسياسية والاقتصادية يضاف إليهم جميعا من لا مذهب له أو من لا يعرف له مذهبا.
وأكد سماحة الشيخ حسن الشناوي أنه بعد استطلاع حر ونزيه قام به السادة مشايخ الطرق الصوفية على مستوى الجمهورية وكما هو معلوم أن أبناء الطرق الصوفية لا يخفون آراءهم ولا مشاعرهم على مشايخهم فقد وصلت إلى نتيجة استطلاع الرأي هذه وبصفتي شيخ مشايخ الطرق الصوفية ورئيس المجلس الصوفي الأعلى الذي يحكمه القانون 118 لسنة 1976 وحيث أني المفوض من الصوفية جميعاً في إعلان رغبتهم وإبراز رأيهم وبناء عليه: أعلن باسم ثمانية ملايين صوفي مصري عاقل مدرك رغبة الصوفية في رفع رجاء إلى فخامة الرئيس محمد حسني مبارك رئيس الجمهورية بإعادة ترشيح نفسه لفترة رئاسية قادمة حرصا على المنجزات واستكمالا للمسيرة الديمقراطية وإرساء لقواعد الشورى والأمل في الإصلاح.
وأضاف قائلا:(22/64)
كما أنه ليس من حقنا مصادرة آراء الآخرين فليس من حق الآخرين مصادرة رأينا وما أعلنه اليوم هو رأي المحتاجين إلى خبرة وحكمة وشجاعة السيد الرئيس نسأل الله لسيادته موفور الصحة والسعادة ولبلادنا الحبيبة في ظل سيادته التقدم والرقي.
وفي ختام كلمته توجه شيخ المشايخ بهذا النداء: يا أبناء الطرق الصوفية الكرام اسمحوا لي أن أتوجه باسمكم إلى فخامة الرئيس بهذا النداء:
السيد الرئيس: "إن احتياج الناس إليكم من نعم الله عليكم".
في نهاية المؤتمر ألقى السيد مختار محمد علي البيان الختامي والتوصيات التالية:
أولا: الموافقة على كل ما ورد في كلمة سماحة شيخ مشايخ الطرق الصوفية ورئيس المجلس الصوفي الأعلى وخاصة ما ورد فيها بشأن رفع الرجاء إلى فخامة الرئيس / محمد حسني مبارك رئيس الجمهورية بالتكرم وبالنزول على رغبة أبناء شعبه والموافقة على ترشيح سيادته لفترة رئاسية قادمة حماية لما أنجز واستكمالا لما بدأ ورعاية ما أرسى من قواعد الديمقراطية بل ورفعا لقواعد الديمقراطية حتى تكون صرحا شامخا دائما أبد الدهر بإذن الله.
ثانيا: يشكل وفد برئاسة سماحة شيخ المشايخ ورئيس المجلس الصوفي الأعلى يتم تشكيله بمعرفة سماحته وذلك للتوجه إلى ديوان عام رئاسة الجمهورية لرفع رجاء ثمانية ملايين من أبناء الطرق الصوفية للسيد الرئيس بأن يلبي احتياج الوطن إليه وأن ذلك ليس بجديد على سيادته على أن تكون مهمة هذا الوفد الأساسية إبلاغ سيادته رأي المؤتمر في كلمة موجزة..
(يا سيادة الرئيس إن احتياج الناس إليكم من نعم الله عليكم)
ثالثا: إرسال برقية إلى فخامة السيد الرئيس هذا نصها:
المؤتمر الصوفي العام الأول "الشورى في الإسلام الأمل والرجاء في رمز الأمة السيد الرئيس/ محمد حسني مبارك"
فخامة الرئيس/ محمد حسني مبارك رئيس الجمهورية
احتياج الناس إليكم من نعم الله عليكم..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..(22/65)
باسمي وباسم أبناء الطرق الصوفية بجمهورية مصر العربية نرفع إلى فخامتكم رجاءنا بقبول ترشيح سيادتكم لفترة رئاسية قادمة بإذن الله وذلك لما فيه من مصلحة الوطن وباعتبار سيادتكم راعي السلام في الشرق الأوسط وجامع شمل العروبة بإذن الله وتوفيقه وكلنا أمل في تلبية رجائنا هذا وهذه رغبة شعبية وكما عهدنا فيكم النزول دائما على رغبة الجماهير المحبة لكم والمخلصة لبلادنا الحبيبة.
وفقكم الله وأدام عليكم رضاءه..
وحب عباده المخلصين
شيخ مشايخ الطرق الصوفية
ورئيس المجلس الصوفي الأعلى
سماحة السيد/ حسن محمد سعيد الشناوي
رابعا: يعقد هذا المؤتمر بصفة دورية أو كلما دعت الضرورة إلى ذلك...
المجتمع الصوفي أخبار وقرارات صوفية
مجلة التصوف الإسلامي العدد 315 – ربيع الأول 1426 هـ
" نتساءل هل تطبق هذه التعليمات في ما نراه من الممارسات الصوفية بل حتى في هذه المجلة الصوفية التي تنظر لمخالفة الكتاب والسنة ؟ على ما في هذه التعليمات من نقص وخطاء .
وهدفنا هو بيان المسافة بين أقوال الصوفية و واقعهم . الراصد "
مبادئ وتعليمات هامة للعمل والالتزام بها
أولا ـ في مجالس الذكر:
•…الذكر هو ذكر الله سبحانه وتعالى تحميده وتمجيده وذكر أسمائه الحسنى على أكمل حال من الخشوع والوقار والنطق بالأسماء الحسنى يجب أن يكون تام الحروف مستكملة اللفظ على ما ورد في القرآن الكريم.
•…لا تعقد مجالس الذكر في غير الأماكن الصالحة للعبادة ويجب على الذاكر بالمساجد أن يحافظ على النظام حين الدخول بأي مسجد للذكر وحين الخروج منه حرصا على حرمة بيوت الله وآداب الذكر.
•…لا تعقد مجالس الذكر في مكان عام إلا بحضور خليفة مجاز من شيخ طريقة مقرر رسميا حتى تحفظ مجالس الذكر من الأمور المنافية للآداب الشرعية والتعاليم الصوفية.(22/66)
•…ممنوع منعا كليا البدع التي ترتكب خلال الذكر من قرع الطبول وضرب الجسم بالسلاح وأكل الحشرات واستعمال الآلات الممنوعة وغير ذلك من البدع المدسوسة على الصوفية والتي لا تتفق مع الشرع الشريف.
•…يجب على الذاكر في مجالس الذكر أن يكون نقي الجسم نظيف الثوب ويمنع منعا كليا وجود النساء في حلقات الذكر أو بالقرب منها، وعلى وضوء.
ثانيا ـ الموالد والمواكب العامة:
•…لا يحتفل بسير موكب صوفي دون إذن صريح من مشيخة الطرق الصوفية أو السادة وكلاء المشيخة العامة في الجهات ويشترط عدم سير المواكب الصوفية إلا في المناسبات الدينية أو الوطنية بها رسميا.
•…يتبع موكب كل طريقة شعارها الدال عليها من الشعارات والأعلام ويمنع منعا كليا السير في المواكب بهيئة منافية للآداب كارتداء الأزياء الغريبة سواء على الرأس أو الجسد إلى غير ذلك..
•…الموالد والمواكب مقصورة على ذكر الله والصلاة على نبيه الكريم وقراءة الأحزاب والأوراد صحيحة واضحة على أتم حال من الكمال والوقار والوعظ والإرشاد فلا يضرب خلال سير الموكب طبل ولا يقرع دف ولا ينفخ في ناي ولا يضرب جسم بسلاح ولا تستعمل الآلات الممنوعة ولا تحمل الهوام، وعلى الخلفاء والنقباء أن يراقبوا الموكب وأن يحافظوا على سيره بحيث يكون على أتم حال من الكمال والترتيب والنظام الشرعي.
•…إذا حصل خلاف على العقب في موكب من المواكب فتطبق القاعدة الصادر بها قرار المجلس الصوفي الأعلى في أكتوبر سنة 1943 وهي:
•…المتبع قديما بين رجال الطرق الصوفية فيما يختص بسير المواكب في القرى والمدن (إن القديم على قدمه) بمعنى أن الطريقة التي أعقبت من قديم تستمر ما دام لها وجود في القرية أو المدينة، أما إذا أريد تسيير موكب حديث يسير فيه رجال الطرق الصوفية في المدينة أو القرية التي لم يسبق أن سار بها موكب للطرق فالطريقة التي تعقب هي اقدم طريقة حلت بالقرية أو المدينة ثم يليها التي حلت بعدها وهكذا.(22/67)
•…أما إذا أراد رجال طريقة من الطرق أن يحدثوا موكبا في مولد أو خلافه وساروا به فإذا ما أرادت طريقة أخرى الاشتراك معها في السير فتكون الطريقة التي أحدثت الموكب هي صاحبة العقب، هذا وإلا عرضت كل مسألة على حدة على هيئة المجلس الأعلى للطرق الصوفية لإصدار قرار بشأنها.
الجزاء على مخالفة هذه القواعد:
تقضي المادة 54 من الباب الرابع من القانون رقم 118 لسنة 1976 الخاص بنظام الطرق الصوفية ببنودها الثلاثة:
•…أن يبعد من الطرق الصوفية كل من يخالف شيئا من هذه التعليمات.
•…يجرى عليه ما تقتضيه تلك المخالفة من العقوبات المعروضة من الإنذار والوقف والعزل والطرد مع الإعلان.
الأمين العام
عبد الحميد عبد اللطيف
شيخ مشايخ الطرق الصوفية
حسن محمد سعيد الشناوي
مؤتمر بدار العلوم حول التصوف بين الواقع والمأمول
مجلة التصوف الإسلامي العدد 315 – ربيع الأول 1426 هـ
" لابد من التنبيه إلي أن الدكتور محمد الجلنيد من الباحثين الجادين و من كتبه جمع تفسير ابن تيمية بعنوان دقائق التفسير " الراصد
ينظم قسم الفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة مؤتمره السنوي الدولي العاشر في الفترة من 19 إلى 20 أبريل القادم تحت عنوان: "مناهج العلوم الإسلامية بين التقليد والتجديد" الحلقة الثانية حول "التصوف الإسلامي بين الواقع والمأمول" .ويعقد المؤتمر تحت رعاية الدكتور عمرو عزت سلامة وزير التعليم العالي والدكتور علي عبد الرحمن رئيس جامعة القاهرة، ويشارك في الجلسة الافتتاحية الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية والشيخ حسن الشناوي رئيس المجلس الأعلى للطرق الصوفية.(22/68)
وقال الدكتور محمد السيد الجليند رئيس قسم الفلسفة الإسلامية ومقرر المؤتمر أن جلسات المؤتمر على مدى يومين تناقش عدة محاور: الأول يتناول مسيرة التصوف التاريخية بين الأصيل والدخيل، والثاني يناقش أهمية الجانب الروحي وأثره في تربية النفس، والمحور الثالث يدور حول كيفية ترشيد مسيرة التصوف للاستفادة من الطاقات البشرية في العصر الحاضر.
وأشار إلى أن المؤتمر يناقش نحو مائة بحث ودراسة تعالج هذه المحاور تقدم بها باحثون من الدول العربية خاصة من قطر والكويت والإمارات والبحرين وبلاد المغرب العربي وليبيا بجانب بعض البلاد الإسلامية مثل باكستان وماليزيا مؤكدا أن المؤتمر سوف يصدر توصيات بالإضافة إلى طباعة البحوث في كتاب مستقل بعد عرضها على لجنة التحكيم المعدة لهذا الغرض.
وأكد الدكتور الجليند أن المؤتمر يهدف إلى توضيح معالم التصور الإسلامي لبناء الإنسان روحيا وعقليا وبيان أن العمل وسيلة من وسائل النسك الصوفي في الطريق إلى الله وكذلك بيان أن العالم في محرابه العلمي أقرب إلى الله من المنقطع للعبادة في المسجد بالإضافة إلى توضيح ما يسمى بفقه التدين حتى يجمع الصوفي بين عمارة الدنيا وعمارة الآخرة وهذا منهج إسلامي قرآني يجب على المسلمين أن يتحلوا به وأن يكون هدفهم من عمارة الدنيا عمارة الآخرة وألا يتركوا الدنيا يعمرها الآخر ثم يكتفي المسلمون بالاستجداء وطلب الإعانة من هذا الآخر الذي لا يسمح لنا بذلك.
الصوفية.. القوة الصامتة
الصوفية.. ضد التطرف وألاعيب السياسة
روز اليوسف ـ العدد 4010 - 16/4/2005
" لايغيب عن ذهن القارئ الكريم مغزى تسليط مجلة روز اليوسف الأضواء على الصوفية مع عدائها المكشوف للإسلام . الراصد "(22/69)
يجب أن نعترف بالإهمال والتقصير.. الإهمال لأننا أهملنا كتلة إسلامية ضخمة منتشرة في كل قرى ومدن وربوع مصر.. وهي الطرق الصوفية.. والتقصير لأننا لم نمد لهم أيادي العون وتركناهم يواجهون اتهامات بالتشويه قامت بها ـ ومازالت ـ جماعات وتيارات إسلامية: خارجية (مثل الوهابيين السعوديين) وداخلية (مثل الإخوان المسلمين وجماعات الإسلام السياسي) لتحقيق مصالح استراتيجية وأهداف سياسية وبلوغا من هذه الجماعات المتأسلمة نحو تحقيق الغاية الأساسية لها، وهي ادعاء احتكار الإسلام. إنهم لا يطيقون أن تستحوذ كتلة إسلامية مثل الطرق الصوفية على هذه الشعبية الجارفة لأن ذلك يسحب البساط من تحت أقدامهم: بساط احتكار الإسلام (نحن الإسلام وكل ما عدانا غير مسلم)... إن الصوفية علاقة روحية سامية صافية مع الله بعيدا عن الحيل والألاعيب السياسية، والتي تلجأ إليها جماعات الإسلام السياسي.. وبعيداً عن التوظيف السياسي للإسلام، لذلك كان من الطبيعي أن تواجه من هذه الجماعات بهجوم عنيف لأنها بتسامحها تكشف تزمتهم وتعصبهم، وبوسطيتها تكشف تطرفهم وبابتعادها عن الصراخ والصوت العالي تفضح فوضويتهم وأهدافهم في ضرب الاستقرار، وبعزوفها عن المناورات السياسية تكشف استخدامهم للإسلام كسلاح للانقضاض على السلطة سواء بتخريب الداخل أو بالتحالف المشبوه مع جهات ودول أجنبية تستخدمهم أسوأ وأحقر استخدام باعتبارههم مؤثرين في الشارع رغم أن تأثيرهم لا ينسحب إلا على بضعة آلاف.
الصوفية قوة إسلامية صامتة وقوامها في مصر 11 مليون مواطن تركز على العلاقة السامية مع الله، وكان صمتها إزعاجا لجماعات الإسلام السياسي التي تركز على العلاقة مع الشارع، ولا يعنيها العلاقة مع الله... إلا فقط في توظيفها سياسيا.(22/70)
وفي هذا الملف نعيد الاعتبار إلى الصوفية، ونكشف جوهرها وفلسفتها ونجرى حوارات مع شيوخها وعلى رأسهم شيخ مشايخها، ونبحث في جذورها وإرشاداتها في أنحاء العالم الإسلامي ونكشف أسباب وأسرار الهجوم عليها من قبل الوهابيين والإخوان المسلمين، كل ذلك من أجل إسلام نقي وسطى معتدل يواجه التطرف الديني وينأى بنفسه عن التوظيف السياسي لتحقيق المصالح الخاصة.
روز اليوسف
أثارت مبادرة 11 مليون صوفي بمبايعة الرئيس مبارك انتباها، وفجرت أسئلة حول حجم أتباع الطرق الصوفية في مصر وتأثير هذه الطرق وأوضاعها.
ولأن اختزال الصوفية ـ إعلامياً وشعبياً ـ في كونها مجموعة طرق تضم الدراويش والمنعزلين خطأ فادح، فإن إعادة النظر والتقييم والفهم لجوهر الفلسفة الصوفية يصبح واجباً خاصة أن قيما مثل الأخلاق والسماحة وجهاد النفس والتفاعل مع الحياة هي معان أصيلة في الفكر الصوفي.
نحن في "روزاليوسف" دعونا سماحة الشيخ حسن الشناوي شيخ مشايخ الطرق الصوفية في مصر، ورئيس المجلس الصوفي الأعلى وقد لبى الدعوة التي وجهها الأستاذ محمد عبد المنعم رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير.. وقد بدأنا حوارنا المفتوح معه بسؤال حول مبادرة 11 مليون صوفي بمبايعة الرئيس مبارك، وما إذا كانت تلك مبادرة ذات طابع سياسي فقال:(22/71)
ـ نحن لا نعتبر ذلك عملا سياسيا، بل مبايعة.. اختيارا بمبدأ الشورى الذي نحتكم إليه ونطبقه في الطرق الصوفية، نحن لدينا في مصر 73 طريقة صوفية تضم 11 مليون مواطن، وقد تناقشت مع أغلبيتهم، مع مشايخ طرق يمثلون 8 ملايين صوفي، وسألتهم: هل تريدون مبارك رئيسا؟ ولماذا؟! وجاءت نتيجة المناقشة بالمبايعة لأسباب خارجية وداخلية ملخصها أن اسم مصر في الخارج الآن أكبر وأكثر احتراما، ونحن نلمس ذلك في كل زيارات الرئيس وتأثيره في حل القضايا المعقدة في العراق وفلسطين ولبنان على سبيل المثال.. أما في الداخل ـ وبمنتهى البساطة ـ فالرجل لا يعيش ـ كعادة الرؤساء ـ في برج عاجي، بل إن صورته المعتادة في أذهان الناس هي أنه لا يهدأ من القاهرة إلى الأقصر إلى شرق العوينات وتوشكي وغيرها.. وسط الناس يلمسون بساطته بلا وسيط.
لقد قال البعض بعد هذه المبايعة إن هناك ضغوطا وقعت علينا.. وأنا أقول: لا يوجد ضغط من أي نوع.. وأنا لا أخشى أحدا سوى الله سبحانه وتعالى.. وما حدث هو مبايعة شورى حرة وصادقة من 8 ملايين صوفي، والثلاثة ملايين الباقية لم أستطع الحصول على رأيهم لعدم تمكني من إجراء لقاءات مباشرة مع مشايخهم في أقاصي الصعيد، ولكن عملا بمبدأ الأغلبية الذي نلتزم به فإن مبايعة 8 ملايين صوفي معناها مبايعة كل الصوفيين الـ 11 مليونا.
•…روزاليوسف: ربما ما أثار الانتباه في هذه المبايعة هو أن الصورة العامة عن الطرق الصوفية وأتباعها أنهم منعزلون عن المشاركة ـ ككتلة ـ في العمل العام والسياسة بالطبع.. وهو ما يجعلنا نسألك عن الصوفية كما تراها فكرا وممارسة؟(22/72)
ـ الشيخ الشناوي: الأصل في التصوف هو الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم، وقد كان متصوفاً بطبيعته وفطرته قبل الرسالة، وكلنا نعلم أنه كان يتعبد في غار حراء، والتعبد نوع من الخلوة عند الصوفيين، وبعد الرسالة وصفه الخالق سبحانه وتعالى بقوله: "وإنك لعلى خلق عظيم"، والخلق من ألزم لوازم الصوفية.. الصحابة اقتدوا بالرسول وساروا على نهجه والسؤال: لماذا إذن لم يسموا صوفيين؟
والإجابة أنهم اختاروا لقب "صحابي" باعتباره أولى وأقرب للرسول من لقب "صوفي".. وفي أواخر القرن الثاني الهجري كثرت الفتوحات الإسلامية، واختلط العرب بالعجم، الغربيون أرادوا منذ البداية ضرب الصوفية وقالوا ن التصوف الإسلامي مأخوذ عن التصوف المسيحي على اعتبار أن أساسه فكرة "الزهد"، لكن الحقيقة ليست كذلك، فالزهد في الدنيا لدى المسيحية جائز، ولكن الزهد في الدنيا لدينا معناه أن نملك الدنيا ولا تملكنا.
فنحن لسنا رهبانا.. نحن نعمل ونتزوج ونختلط بالحياة ونفيد المجتمع من جميع النواحي ولا نعتزل في الأديرة.. لكننا لا نعمل بالسياسة.
•…روز اليوسف: كيف وبين أبتاع الطرق الصوفية على مر العصور سياسيون ووزراء؟
ـ الشيخ الشناوي: هناك فصل تام بين طبيعة المهنة وبين سلوك الانضواء تحت عباءة طريقة صوفية، فهذه لا تختلط بتلك، ونحن لا نعمل بالأمور السياسية.. فلسفة الصوفية منذ بدايتها لا تقبل مستلزمات العمل السياسي.. ولكي نفهم المعنى فكلمة فلسفة مكونة من مقطعين "فيلو سوفي" أي المحب للحكمة.
والصوفي هو المحب للحكمة، نحن نسعى للمعرفة، نطلب العلم، نعترف بكافة الأديان الأخرى لكننا لا نتعاطى السياسة.
•…روزاليوسف: في رأيك لماذا تتعرض الصوفية للمحاربة والهجوم من عهد إلى آخر؟(22/73)
ـ الشيخ الشناوي: المثل يقول: "من ذاق عرف"، والتصوف لا يؤخذ بالقراءة، بل بالممارسة، ولا يعرفه إلا من يتذوقه، أما من يجهله فيعاديه بحكم طبائع البشر، وفي الوقت نفسه هناك من لديهم دوافع لمحاربة الصوفية كالوهابيين، وذلك لأن المذهب الوهابي نفسه ضد الإسلام، وأغلب المتطرفين خرجوا من تحت عباءة المذهب الذي اعتمد على أشياء محرفة من كتابات ابن تيمية، وفيما يخصنا ـ مثلا ـ فإن ابن تيمية اعترف بالتصوف، لكنهم حرفوا وأخذوا ما يريدون فقط في هذا وفي غيره، فابن عبدالوهاب كانت أهدافه سياسية لتثبيت الملك في الجزيرة العربية، وتعامل مع الدين بما يخدم أهدافه وأهداف من يمولونه، ومازالوا يمولون مذهبه، إنهم ينكرون ـ مثلا ـ أولياء الله الصالحين رغم أن ذلك يعتبر إنكاراً لما هو معلوم من الدين بالضرورة: "ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون"، هم ينكرون ذلك ويهدمون الأضرحة وغالبية المتطرفين خرجوا من تحت عباءة هذا المذهب، وأسامة بن لادن ليس أولهم ولن يكون آخرهم، وللأسف فقد تأثر الغرب بهذا واعتبر أن التطرف لصيق بالدين الإسلامي وهذا خطأ، فالإسلام حارب التطرف منذ أكثر من 14 قرنا، والله سبحانه وتعالى يقول: "إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسولة مشركين وغير مشركين".. "الآية".. ويقول: "ويسعون في الأرض فسادا".. وهذا هو المتطرف الذي يقتل الآمنين ويروعهم ويفجر المنشآت والبشر مخلفا ضحايا أبرياء من النساء والأطفال وهؤلاء جزاؤهم في القرآن: "أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف" وأن "ينفوا من الأرض".. هذا هو الإرهاب، وهذا هو موقف الإسلام الحقيقي منه وليس ما يقوله الإرهابيون من أن هؤلاء القتلة مجاهدون يدخلون الجنة!(22/74)
وللأسف فالعالم في غفلة وما زال يسأل عن تعريف الإرهاب، ونحن في القرن الواحد والعشرين.. والإسلام واضح في هذا: "من قتل نفسا بغير حق فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما قتل الناس جميعا".. الغرب يقول إرهاب إسلامي وأنا أقول ـ وأنا لست سياسيا ـ لماذا يتجاهلون أصابع اليهود وموقفهم المريب في حوادث 11 سبتمبر ولماذا يتجاهلون الحوادث الإرهابية التي وقعت في إسبانيا وفي المسجد الإبراهيمي؟! إنها وغيرها حوادث لم يرتكبها مسلمون والتطرف لا دين له.
•…روزاليوسف: ما موقفكم من السلفية عموما؟
ـ الشيخ الشناوي: السلفية الصحيحة لا غبار عليها، لكننا ضد السلفية المنحرفة، وفي اعتقادي لا توجد الآن سلفية سليمة.
•…روزاليوسف: جماعات الإسلام السياسي والإرهاب.. لماذا في تصورك يمكنهم إغواء بعض الناس للاقتناع بأفكارهم وممارساتهم؟
ـ الشيخ الشناوي: ماذا تتصورون أن يحدث عندما يكون هناك خريج حديث، فألتقطه وأقول له: تعالَ سأوفر لك سكنا وزوجة وسأقوم بالإنفاق عليك، ولكن هناك قاعدة لدينا "أي لدى هذه الجماعات" وهي أنه يوجد أمير يأمر فيطاع، إذن الشباب يقبل ويتم إغواؤه للاضطرار المادي والجنسي إلى جانب عمليات غسيل المخ تتم في شكل دروس دينية قد تبدأ بتحفيظ القرآن، وهو أمر محمود ثم تدخل إلى جوانب أخرى، أنا أعتبر هؤلاء جيشا غير منظم ويقوم بحرب غير منظمة.
•…روزاليوسف: هذه الجماعات تلعب على فراغ معين وعلى حاجات معينة.. ألا تملك الصوفية قدرة الاجتذاب الشعبي لملء جزء من الفراغ؟
ـ الشيخ الشناوي: أنا أملأ فراغي وأقنع من معي والحمد لله لا يوجد عضو في طريقة صوفية دخل في ذلك النوع من الفكر، وأتحدى أن يكون هناك متطرف واحد من بين 11 مليون صوفي في مصر.
•…روزاليوسف: كيف تصلون بفكركم إلى المجتمع... هل ينشر الصوفي دعوته؟(22/75)
ـ الشيخ الشناوي: كل على قدر استطاعته، وبيننا مشايخ متخصصون من الناحية الدينية والشرعية، ولكن أيضا بيننا مدنيون، وجميعنا متغلغلون في المجتمع، وبالمناسبة فقد زاد انضمام الشباب إلى الطرق الصوفية في السنوات الأخيرة، ولكن القاعدة لدينا هي أننا لا نسعى للناس.. هم الذين يسعون إلينا، وشيخ أية طريقة صوفية يقبل الشخص المستقيم والمعوج، فالمستقيم سيزداد استقامة والمعوج سيتأثر بالمستقيم..نحن دائما ننظر إلى الجانب الملئ من الكوب ونؤمن بالتدرج في الرقي الأخلاقي، فالتصوف هو "الخلق"، وأنا لا أزيد عنك في التصوف إلا إذا كنت أزيد منك في الخلق، وكل تفسيرات كلمة "صوفي" تصل إلى هذا المعنى، فهناك من قال أن الصوفي كالأرض يمشي عليها البار والفاجر فتتحمل الجميع، ومن قال انه كالأرض تلقي فيها كل قبيح ولا تنتج إلا كل مليح، ومن قال أن التصوف هو الخروج من كل خلق دنئ والدخول في كل خلق حسن، وهو باختصار محاربة النفس التي دعا إليها الرسول صلى الله عليه وسلم، ليتدرج الإنسان من النفس الأمارة إلى اللوامة ثم المطمئنة، ثم الراضية المرضية.
•…روزاليوسف: هل هناك تعارض أو اختلافات بين الطرق الصوفية؟
ـ الشيخ الشناوي: الفكر واحد، لكن الأسلوب هو المختلف ولا يوجد تعارض والمبدأ الذي تعتنقه كل الطرق الصوفية هو: "اعرف شيخك وأحب الكل"، وأنا أشبه الطرق الصوفية بدائرة مركزها: "لا إله إلا الله محمد رسول الله" من أية طريقة دخلت تصل إلى المركز.
•…روزاليوسف: هل لبعض الطرق الصوفية امتداد في الخارج!؟(22/76)
ـ الشيخ الشناوي: نعم، مثل الرفاعية والأحمدية والبرهامية النقشبندية والتيجانية الشناوية.. وقد ذهبت إلى دول كثيرة ووجدت التصوف متغلغلا هناك، لكنهم يحتاجون إلى بعض التنظيم والتصحيح... وللعلم فقد تتلمذ الشيخ الشعراوي رحمه الله في التصوف على يد شيخ من المغرب، وبالمناسبة أيضاً فليس شرطا أن يكون كل صوفي من أبتاع طريقة ما، فالشعراوي مثلا لم ينتسب لطرقة، وكذلك فضيلة الإمام الأكبر الراحل د. عبد الحليم محمود، كان يميل للشاذلية، لكنه لم ينتسب لها ود. مصطفى محمود أيضا وكثيرون.
•…روزاليوسف: ما ردك على الاتهامات التي توجه عادة للصوفية فيما يتعلق بمظاهر لا تخلو من الشعوذة والدروشة والممارسات الرديئة في الموالد؟(22/77)
ـ الشيخ الشناوي: لا يوجد إنسان عاقل يرضى لنفسه أن يكون سخرية للغير. هذا الشكل كان يوجد قديما، وكان هناك مقهى اسمه "قهوة المجاذيب"، وهؤلاء مجموعة من العاطلين.. ضعاف العقول، وللأسف منهم متعلمون ولكن إذا قال لي أحد أن هذا في التصوف أقول لا وألف لا، فالصوفي السليم لا يعرف هذا ولا يمارسه، ولكن لكل قاعدة شواذ، أما فيما يخص الذكر فهناك من يقول أنه بدعة وأنا أقول انه ليست بدعة وقد ورد في الأثر أن الصحابة كانوا يذكرون الله ويميلون في الذكر كما تميل الأشجار يوم ريح عاصف، وهذا التمايل يحدث لكن الناس بشكل أو بآخر عند سماع القرآن مثلا فهو ناتج عن الإنصات العميق والآية تقول: أيضاً أن الصلاة في مسجد به قبر أو ضريح باطلة لأن الرسول صلى الله عليه وسلم، قال: "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أوليائهم مساجد"، لمن يقول ذلك أقول: أفهم لغة الحديث، فالمقصود هو اتخاذ القبر مسجدا بمعنى التوجه بالصلاة إليه، ولكننا حين نصلي أمام ضريح سيدنا الحسين مثلاً، فنحن نتوجه بالصلاة لله سبحانه وتعالى.. الرسول صلى الله عليه وسلم: منع معاصريه من زيارة القبور لأنهم كانوا يتباهون بآبائهم وأجدادهم، ولكن عندما استقر الإسلام قال لهم: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور.. ألا فزوروها"، وهنا فإن الزيارة تكون للعظة.
•…روزاليوسف: ما طبيعة العلاقة بين الطرق الصوفية والمؤسسات الدينية الرسمية في مصر الآن؟(22/78)
ـ الشيخ الشناوي: علاقة طيبة تنحصر فقط في أشياء مثل دعوة شيخ الأزهر ووزير الأوقاف وفضيلة المفتي لاحتفالاتنا، ولكن لا يوجد إشراف علينا من جهة المؤسسات الرسمية، بينما تخصص لنا وزارة الأوقاف ميزانية ننفق منها على أنشطتنا وهي مصدر تمويل لا يكفينا، لكننا نحاول التغلب على هذا النوع من المشاكل، وعلى سبيل المثال فنحن منذ أيام الدكتور التفتازاني نطلب قطعة أرض لبناء مقر لكنه لم يوفق، ومن بعده لم يوفق الدكتور أحمد القصبي، وعندما تم تعييني عام 1997 بدأت أعمل على حل العقبات ونجحت في ذلك عام 2001، حيث حصلنا على قطعة أرض، لكننا لم نتمكن حتى الآن من استلامها رغم تغيير موقعها من جانب المحافظة "محافظة القاهرة" أكثر من مرة.. وما يهمنا الآن هو استلام الأرض، وعندما نتسلمها لن نعدم الحصول على أموال لبنائها.
وفد ألماني صوفي في مشيخة الطرق الصوفية
مجلة التصوف الإسلامى العدد 315 – ربيع الأول 1426 هـ
زار وفد ألماني صوفي مشيخة الطرق الصوفية للتزود بالمعلومات عن التصوف وهذا الوفد يتبع بعض الطرق الصوفية.. وقد رحب بهم سماحة الشيخ حسن الشناوي شيخ مشايخ الطرق الصوفية ورئيس المجلس الأعلى للطرق الصوفية ورد على استفساراتهم وأسئلتهم حول قضايا التصوف الإسلامي وقد شملت أسئلتهم ما يعانيه الإسلام في الخارج من عدم الفهم الصحيح له، والأسلوب الأمثل للتصدي للمفاهيم المغلوطة في الخارج، وقد اتفق الجانبان على أن التصوف الإسلامي له دور كبير في نشر الإسلام في الخارج بصورته الصحيحة خصوصا وأن هناك اشتياق كبير للنواحي الروحية وهي التي يعتمد عليها التصوف في دعوته. وقد حضر عدد كبير من الوفد الألماني شمل رجالاً ونساء واستمرت المقابلة حوالي ساعتين..
المواطنة والهوية
جعفر شيخ إدريس
مجلة البيان ربيع أول 1426
المواطنة انتساب جغرافي، والهوية انتساب ثقافي. المواطنة انتساب إلى أرض معينة، والهوية انتساب إلى معتقدات وقيم ومعايير معينة.(22/79)
فما العلاقة بينهما؟ نذكر فيما يلي أمثلة للعلاقات بينهما، وللمشكلات التي تثيرها هذه العلاقات، فنقول:
- الهوية لازمة للمواطنة؛ لأن المواطنين لا بد لهم من نظام سياسي، وعلاقات اقتصادية واجتماعية، وقوانين تضبط هذه العلاقات. وكل هذا إنما يبنى على معتقدات وقيم ومعايير؛ أي على هوية معينة.
- ليس الوطن الذي ينتسب إليه المواطنون هو الذي يحدد لهم نوع الهوية التي إليها ينتسبون. فالوطن الواحد قد تتعاقب عليه نظم مختلفة بل ومتناقضة. فالروس كانوا مواطنين روساً، حين كانوا ينتمون إلى الاتحاد السوفييتي، وحين كان نظامهم الاقتصادي اشتراكياً، وكان نظام حكمهم دكتاتورياً، وهم الآن مواطنون روس بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، وبعد حلول الرأسمالية محل الاشتراكية، والديمقراطية محل الدكتاتورية.
- فالهوية إذن هي النظارة التي يرى من خلالها المواطنون ما هو مناسب أو غير مناسب، صالح أو غير صالح لوطنهم. فإذا اختلفت النظارات اختلف تقويم الناظرين إلى ما ينظرون إليه، وإن اتفقوا على الحقائق الحسية.
- وإذا صح هذا فإن المواطنين مهما كان إخلاصهم لوطنهم وحرصهم على مصلحته لا يمكن أن ينظروا إلى تلك المصلحة باعتبارهم مواطنين فقط، بل لا بد أن ينظروا إليها بحسب هوياتهم. لكن بعض الناس يتوهمون أنه بإمكان المواطنين في بلد ما أن يحلوا مشكلاتهم بمجرد انتمائهم الوطني. فيقولون مثلاً: لماذا لا نجلس باعتبارنا سودانيين فقط أو سوريين فقط، أو يمنيين، أو خليجيين، أو مصريين، وننسى انتماءاتنا الدينية والأيديولوجية لنحل مشكلة من مشكلاتنا الاقتصادية؟ نعم هنالك مشكلات يمكن أن يحلها الناس حتى باعتبارهم بشراً، ودعك من أن يكونوا مواطني دولة من الدول، ولكن ما كل المشكلات كذلك، وإلا لما انتمى الناس أصلاً إلى ثقافة من الثقافات، بل نظروا إلى كل مشكلة باعتبارهم بشراً لا غير.(22/80)
خذ مثلاً مشكلة (مرض الإيدز): إن الناس سيتفقون باعتبارهم بشراً وبغض النظر عن انتماءاتهم الوطنية بأنه شيء ضار؛ لأنه خطر على حياتهم وحياة أولادهم، وهم باعتبارهم بشراً حريصون على الحياة. هل يتفقون على طريقة معالجته؟ ليس بالضرورة؛ فقد يقول المتدينون ـ مسلمين كانوا أو يهوداً أو نصارى ـ إن العلاج الحاسم إنما يكون بالكف عن أية ممارسة جنسية قبل الزواج. وقد يذهب المسلم إلى القول: إن هذا يستدعي فصل الرجال عن النساء، وإلزامهن بزي معين لا يكون مثيراً للرجال. ولكن أناساً من غير المتدينين قد يرون في مثل هذه الاقتراحات حداً من الحرية، وهي في نظرهم أمر ضروري ضرورة العفة التي ينشدها المتدينون؛ ولذلك يرون الاكتفاء بالبحث عن علاج طبي لا سلوكي.
وخذ قضية أخرى يواجهها كل البشر: (كيف تكون العلاقة الجنسية بينهم؟) هل تكون إباحية يقضي كل فرد منهم حاجته مع من شاء كيف شاء؟ هل يتزوجون؟ وهل يكون الزواج بواحدة أم أكثر؟ وهل هنالك حد لهذا الأكثر؟ هذه قضايا لا يحلها الناس بمجرد انتمائهم الوطني؛ لأنه ليس في هذا الانتماء ما يهديهم إلى خيار من هذه الخيارات، أو يفرضه عليهم.
لا بد للمواطنين إذن من هوية، من ثقافة تكون هي المنظار الذي ينظرون به إلى الواقع، والمعيار الذي يقترحون به الحلول لمشكلاته.
ولكن ماذا إذا كان المواطنون في البلد الواحد منقسمين إلى ثقافات، وهويات مختلفة؟ هنالك عدة احتمالات:
- أحسنها من حيث الاستقرار وعدم التنازع: هو أن تكون إحدى هوياتهم هذه هي الغالبة من حيث عدد المنتسبين إليها. قيّدتُ الحسن بالاستقرار السياسي، وعدم التنازع ولم أقُلِ التطور العلمي، أو الاقتصادي، أو العسكري؛ لأن الهوية التي استقر أمرهم عليها قد لا تكون بطبيعتها مساعدة على ذلك.(22/81)
- وإذا لم تكن هنالك هوية غالبة بهذا المعنى فقد يكون المنتمون إلى إحدى الهويات أقوى من غيرهم؛ فيفرضون على البلد هويتهم، وينظمون أمره على أساسها. هذا سيكون بالطبع على حساب بعض الحريات، لكن هذه الأدلجة المفروضة بالقوة قد تكون مساعدة على تطور البلاد اقتصادياً وعلمياً وعسكرياً، كما كان الحال في الاتحاد السوفييتي، وكما هو الآن في الصين، وكوريا الشمالية.
- وإذا لم يحدث هذا ولا ذاك، وكانت الهويات والثقافات المتعددة متساوية في قوتها فأمام مواطنيها خيارات:
- فإما أن يحلُّوا نزاعهم بتقسيم وطنهم، كما حدث للهند حين خرجت منها باكستان، ثم خرجت بنجلادش من باكستان، وكما خرجت أرتريا من أثيوبيا، وكما انقسمت شيكوسلوفاكيا، ويوشك أن تنقسم الآن أكرانيا.
- وإما أن يبحثوا عن صيغة يتعايشون بها رغم اختلافاتهم؛ فماذا يا ترى يمكن أن تكون هذه الصيغة؟
يرى بعضهم أن أحسن طريقة لتعايش مثل هذه الهويات المختلفة: هو أن تختار نظاماً علمانياً محايداً بينها، وديمقراطياً يعطى كل واحد منها حق الوصول إلى السلطة، إذا ما اختارته الأغلبية.
لكن المشكلة أنه لا يوجد نظام للحكم محايد بين هويات مختلفة اختلافاً أساسياً، ويستحيل عقلاً أن يوجد. لا يمكن أن يكون النظام الاقتصادي في البلد الواحد رأسمالياً واشتراكياً، ولا يمكن أن يكون اقتصاد السوق رأسمالياً يبيح الربا، وإسلامياً يحرمه ويفرض الزكاة، لا يمكن أن يكون النظام السياسي إسلامياً يلتزم بشرع الله باعتبار أن الحكم التشريعي له سبحانه، وديمقراطياً يعطي هذا الحق للبشر يشرعون ما شاؤوا؛ فالعلمانية هي نفسها إذن هوية من الهويات، فأنّى تكون محايدة بينها؟(22/82)
ومن المتفق عليه بين منظِّري الديمقراطية من الغربيين، ودعك من عوام السياسيين من أمثال بوش: أن الديمقراطية لا تصلح ولا تكون سبباً للاستقرار إلا في إطار متفق عليه بين معظم المواطنين، ثم تكون خلافاتهم الثقافية خلافات فرعية داخل هذا الإطار العام الجامع. وأما إذا كانت الخلافات أساسية، وحول الإطار نفسه فإن الديمقراطية لن تحل إشكالاً، ولن تحقق استقراراً؛ لأنه لا أحد من المتنازعين سيقبل حلاً لمجرد أن الأغلبية التي يختلف معها قالت به.(22/83)
ما الحل إذن؟ الحل في مثل هذه الحال: هو أن يجتمع المختلفون، ويبدؤوا بتقرير المبدأ الذي هم متفقون عليه: أنه من مصلحتهم جميعاً أن يبقوا في وطن واحد، ثم ينظروا إلى الكيفية التي يحققون بها هذا الهدف، من غير تقيد سابق بديمقراطية، ولا علمانية، ولا غير ذلك من النظم والأيديولوجيات الشائعة، بل يقولون: هذه أوضاعنا، وهذه خلافاتنا؛ فلنبحث عن حل أصيل لها ومتناسب معها، وهو حل يستلزم ـ ولا بد ـ قدراً من التنازلات والمساومات، وقد يكون شيئاً جديداً يستفيد من الدين ومن التجربة الديمقراطية، أو العلمانية، أو غيرها، ولا يأخذ أياً منها بكامله. هذا ما حاول فعله واضعو الدستور الأمريكي؛ فبالرغم من أن الولايات المتحدة تعد اليوم مثالاً للديمقراطية؛ إلا أن الذين وضعوا دستورها لم يكونوا ملتزمين بتجربة ديمقراطية معينة، ولا بمبادئ ديمقراطية معينة، بل كان بعضهم يخشى مما أسموه بدكتاتورية الأغلبية التي قد تؤدي إليها الديمقراطية. ولذلك جاء دستورهم شيئاً جديداً لا يمكن أن يوصف بالديمقراطي إذا ما قيس بالمبادئ الديمقراطية الصارمة. من ذلك أنه من الممكن ـ بل حدث ـ أن يكون الرئيس الفائز في الانتخابات أقل أصواتاً من منافسه. ومنها فكرة الكليات الانتخابية التي لا تقيد أعضاءها برأي ولايتهم، بل تجيز لكل واحد منهم أن يصوِّت لمن يراه صالحاً من المرشحين للرئاسة بغض النظر عن الأصوات التي نالها في الولاية.(22/84)
لكن حتى هذا لم يحل الإشكال حلاً كاملاً؛ فما زال الشعب الأمريكي منقسماً في قضية العلاقة بين الدين والدولة، وما زالت الكتب فيها تكتب، والبحوث تُنشر، والقضايا ترفع، وهذا يعني أن التعددية ليست شيئاً حسناً في ذاته وبإطلاق. التعددية تكون حسنة إذا ما كانت إيجابية، وهي لا تكون كذلك إلا إذا كانت ضمن إطار ثقافي جامع؛ أي ضمن هوية جامعة. فتعددية الهويات المختلفة المتناقضة: هي مشكلة يجب أن تعالج وليست واقعاً يحافظ عليه، أو يتباهى به، كما يفعل كثير من الناس الآن في السودان وغيره؛ وذلك لأنه لا يسهل مع مثل هذه التعددية تحقيق استقرار سياسي، ولا يسهل معها من ثَمَّ تطور اقتصادي، أو علمي أو تقني. هذا هو المتوقع عقلاً، وهو الذي تدل عليه تجارب الأمم قديمها وحديثها.(22/85)
قد يقال: لكن هذه هي الولايات المتحدة تتباهى بأنها أمة واحدة رغم أنها تكونت من مواطنين من أجناس متعددة، وديانات متباينة، ولغات مختلفة، وثقافات متناقضة. نعم! لكنها لم تصر أمة واحدة إلا حين صهرت هذه المكونات كلها في بوتقة، وأخرجت منها شيئاً واحداً متجانساً. يمكن لذلك أن نقول: إن التعدديات نوعان: تعددية صحن السَلَطة الذي يحتفظ كل مكون من مكوناته بلونه وطعمه وملمسه: فهذا طماطم، وهذا جرجير، وهذا عجور، وهكذا. وتعددية القِدر الذي توضع فيه كل المكونات، من لحم، وخضار، وملح، وبهارات لتطبخ إداماً واحداً ذا طعم واحد، وربما لون واحد. هذا الأخير هو الذي يقال: إن الولايات االمتحدة فعلته، إنها كما يحلو لهم أن يقولوا بوتقة melting pot جعلت من مكوناتها أمة أمريكية واحدة. يقول كاتب أمريكي: لقد كانت الأمركة عملية انسجام قسري كانت الولايات المتحدة فيها بمثابة البوتقة لا النسيج ذي الألوان والصور المختلفة. لم يكن ينظر إلى المجتمع الأمريكي على أنه قطعة من روسيا؛ قطعة من إيطاليا، وقطعة من بولندا مزج بعضها ببعض، كلا! بل إن القوميات المختلفة جُعلت أمريكية كما ينقى المعدن الخام ليصير ذهباً خالصاً. الأمركة نقتهم وأزالت خبثهم. إن أصحاب موكب حركة البوتقة لم يكونوا يحتفلون بالتسامح، ولكن بالخضوع لمفهوم ضيق للقومية الأمريكية، بتصوير الأجانب بأناس في أزياء غريبة، ينغمسون في قدر كبير، ويخرجون منه نقيين بهندام جميل، ولهجة أمريكية خالصة، ومنظر أمريكي؛ أي أمريكان إنجليز(1).(22/86)
كيف يقال: إن أمريكا تؤمن بالتعددية، وهي زعيمة الغرب الذي ما زال يسعى لقتل الثقافات الأخرى، ولأن تكون ثقافته هي المهيمنة على العالم؟ اقرؤوا في هذا ـ إن شئتم ـ كتاب (إدوارد سعيد) الاستعمار الثقافي(Cultural Imperialism) ، بل إنهم ليعدون ثقافتهم جزءاً من قوتهم التي يسمونها بالقوة الناعمة أو اللينةsoft power في تقرير جديد للجنة استشارية من لجان الكونغرس فيه تقويم لسياسة الحكومة الأمريكية، ونقد لها جاء قولهم: كنا نتحدث حتى الآن على افتراض أن الهوية شأن داخلي في وطن من الأوطان، لكن الواقع ليس كذلك. فالعلاقة بين الوطن والهوية لا تكاد تكون علاقة مطابقة. وهذا يسبب مشكلات كثيرة منها:
- أنه كما أن تعدد الهويات في الوطن الواحد قد يؤدي إلى تمزيقه؛ فإن اتحاد الهويات في أوطان متعددة قد يؤدي إلى توسيع للحدود الوطنية، بضمّ بعض الأقطار إلى بعض، أو بالتعاون الوثيق بينها الذي يجعلها كالوطن الواحد، كما هو الحال الآن في الاتحاد الأوروبي.
- لكن هذا التوحيد أو التمزيق لا يحدث في الغالب إلا بطريقة عنيفة. وفي هذا يقول المؤرخ الإنجليزي (لويس ناميير): «إن الدول لا تتوحد أو تُحطم، والحدود لا تُمحى أو يعاد رسمها بالحجج وصوت الأغلبية. إن الأمم تحرر وتتوحد أو تمزق بالحديد والدم، لا بالتطبيق الكريم لمبدأ الحرية».(22/87)
- بما أن مصالح المواطنين في أرض معينة لا تكاد تكون محصورة في حدود أرضهم، ولا سيما في عصرنا هذا الذي تشابكت فيه المصالح بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ العالم؛ فإن مفهوم الدولة الوطنية بدأ يتضاءل، وتحل محله تحالفات أو اتحادات بين دول متعددة. ولكن هذه التحالفات لا تنجح إلا إذا كانت مبنية على هويات مشتركة. خير مثال على ذلك (الاتحاد الأوروبي) الذي لم يجد مشكلة في ضم كل قطر ذي هوية أوروبية نوعاً ما، لكنه يتلكأ في قبول (تركيا) ذات الهوية المختلفة، بالرغم من أنها دولة علمانية، وبالرغم من أنها غيرت في كثير من قوانينها لتوافق البلاد الأوروبية.
- بما أن التطور الهائل في وسائل الاتصال جعل من كرتنا الأرضية ما يشبه الوطن الواحد فقد ازداد حجم المشكلات التي تهم الناس باعتبارهم بشراً، وبغض النظر عن أوطانهم وهوياتهم. من أوضح الأمثلة على ذلك مشكلة (الخروق) التي بدأت تحدث في طبقة الأوزون، والتي تسببت في ارتفاع درجة الحرارة في الكرة الأرضية. وقد كان من نتائج كثرة ازدياد المشكلات المشتركة بين الناس أن كثرت المنظمات العالمية كثرة ليس لها مثيل في تاريخ البشرية.
- لكن بعض الدول القوية صارت تحاول إخضاع البشرية كلها إلى قيم نابعة من هويتها، أو خادمة لمصالحها؛ بحجة أنها قضايا إنسانية عامة لا ثقافية خاصة. ومن أوضح الأمثلة على ذلك ما سمي بـ (الإعلان العام لحقوق الإنسان) الذي يقول كثير من نقاده حتى من الغربيين: إن كثيراً من بنوده لا ينطبق عليه وصف الحق الإنساني، والذي يرى بعضهم أن كثيراً منه تعبير عن ثقافة معينة هي الثقافة الغربية. بل إن بعض الجهات المؤثرة صارت تستغل الأمم المتحدة نفسها لإلزام الأمم كلها بقرارات نابعة من قيمها، ومنها قضية المرأة.(22/88)
نخلص من هذا كله إلى أنه على المسلمين في بلد: كالسودان أن لا يُخدَعوا بما يقول لهم مثلاً الزعيم (قرنق) من أن علينا جميعاً أن نجتمع باعتبارنا سودانيين فحسب، وأن نجعل الدين أمراً شخصياً؛ لأن الأديان تفرقنا والوطن يجمعنا. إن قرنق لا يتحدث هنا باعتباره سودانياً فحسب، بل ولا باعتباره جنوبياً فحسب، وإنما يتحدث باسم الحضارة الغربية وقيمها.
إن تخلّي المسلمين عن دينهم في حياتهم العامة ليس استمساكاً بوطنية لا هوية فيها كما يدعي (قرنق)، وإنما هو إحلال للهوية الغربية محل الهوية الإسلامية
مسؤولون عراقيون : أزمة المدائن مبالغ فيها لأسباب سياسية
بغداد ـ وكالات
الرأي 19/4/2005
فتشت قوات الشرطة العراقية بلدة المدائن أمس بحثا عن أدلة عن وجود عشرات من الرهائن الشيعة الذين تردد خطف متشددين من السنة لهم، وهو زعم قال مسؤولون حكوميون انه مبالغ فيه لأسباب سياسية.
وقال العقيد أبو الجو وهو مسؤول كبير بوزارة الداخلية مستخدما اسما حركيا فيما يبدو: «دخلت خمسة أفواج من قوات مغاوير الشرطة وقوات حفظ الأمن والنظام التابعتين لوزارة الداخلية العراقية فجر أمس إلى مدينة المدائن» الواقعة على بعد نحو 40 كيلومترا إلى الجنوب الشرقي من بغداد ولكن بعد ساعات من التفتيش لم يجدوا أي أثر للرهائن أو المسلحين.
وقال في مكالمة هاتفية من المدائن: «لم نعثر على أية رهينة ولم نعتقل أي شخص»، مضيفا أنه لم يتم إطلاق رصاصة واحدة.
وقال اللواء عدنان ثابت وهو مسؤول آخر بوزارة الداخلية: انه تم إطلاق سراح تسعة رهائن. ولم يتضح ما إذا كان لهم صلة بالرهائن الشيعة المئة والخمسين الذين قال مسؤولون شيعة في بادئ الأمر: إن مسلحين سنة خطفوهم.
وقال ثابت : «هناك مبالغة بأعداد الرهائن اكثر من الحقيقة. المعلومات التي عندنا كوزارة داخلية لا يتجاوز عددهم التسعة رهائن والطرف الآخر من القصة هو خلاف بين عشيرتين أو سوء فهم بين عشيرتين وصارت قصة الرهائن».(22/89)
ولكنه قال : إن عمليات التفتيش أسفرت عن الكشف عن عدد من مخابئ الأسلحة وعثر على سجن المدائن خاويا.
وحذرت الشرطة منذ البداية من احتمال أن يكون عدد الرهائن مجرد ثلاثة وقالت أن هذا الوضع نتيجة لأسابيع من عمليات الخطف المتبادلة بين السنة والشيعة.
وأبرز هذا التشوش مدى اضطراب السلطات العراقية في الوقت الذي تزيد فيه مشكلة فراغ السلطة حدة حيث لا يبدو تشكيل حكومة عراقية في الأفق.
ويثور خلاف متزايد بين الفصائل السياسية المتناحرة حول توزيع الحقائب الوزارية مع اعتزام الحزب الشيعي الرئيسي الاحتفاظ بوزارة الداخلية وإصراره على عدم سيطرة السنة على وزارة الدفاع.
وذكر بعض المسؤولين أن الوضع في المدائن مبالغ فيه لتحقيق مكاسب سياسية اذ تحاول بعض الجماعات أن تظهر من خلال استغلال أزمة رهائن أن الحكومة المؤقتة غير فعالة لأنها تسمح لمسلحين من السنة بالتحرش بالشيعة دون محاسبة.
وقال صباح كاظم وهو مستشار بوزارة الداخلية: إن عدم وجود حكومة يجعل الجميع يحاولون إظهار أنهم يعلمون شيئا وأن لهم نفوذا.
وأضاف : كانت هناك مبالغة في المدائن. فهي مجتمع مختلط به مشكلات متعلقة بمسائل عشائرية. ولكن قال: إن هناك قوى خارجية بعضها على الجانب السياسي تحاول استغلال الوضع.
وشاع الخطف في بلدات مثل المدائن التي يسكنها مزيج من السنة والشيعة وان كانت الانتماءات العشائرية تطغى على الانتماء الطائفي. وعادة ما ترد العشائر بعمليات خطف مماثلة.
وأضاف كاظم : انه قد يكون هناك بعض الرهائن المحتجزين في البلدة ولكنه قال: إن من غير المرجح أن يكون عدد الرهائن 150 وان من المحتمل أن تكون عصابات إجرامية ومسلحون يعملون في المنطقة.
وشهدت المدائن البلدة الواقعة قرب سلمان باك أعمال عنف على مدى العامين الماضيين مع شن هجمات متكررة على القوات الأميركية والعراقية.
ولكن كاظم قال : إن القضية الأكبر هي السياسة.(22/90)
فمنذ انتخابات 30 كانون الثاني التي جعلت الشيعة الذين يمثلون الأغلبية يتولون السلطة بعد عشرات السنين من قمعهم خلال حكم صدام حسين تصاعدت التوترات بين الشيعة والسنة.
وأفاد مراسل وكالة فرانس برس أن شوارع المدائن أمس كانت خالية من المارة وان السكان لازموا منازلهم خوفا من اشتباكات مسلحة في المدينة التي يقدر عدد سكانها بحوالي سبعة آلاف نسمة. وقال المتحدث الأميركي: إن «المقاتلين غادروا المدينة أو يختبئون فيها».
من ناحيته أعلن وزير الدولة العراقي لشؤون الأمن الوطني قاسم داود عثور قوات الأمن العراقية خلال اقتحامها للمدائن على «7 سيارات مفخخة ومعسكرا لتدريب الإرهابيين يحتوي على غرف خاصة للإعدامات».
وقال مصدر في وزارة الداخلية: إن قوات الشرطة وقوات التدخل السريع وقوات طوارئ أرسلت من بغداد دخلت المدائن واعتقلت أربعة مشبوهين وبدأت بتفتيش المنازل في المنطقة.
وأضاف المصدر الذي رفض الكشف عن هويته: إن «القوة اعتقلت أربعة مشبوهين وعثرت في حي التعليم في البلدة على معسكر لتدريب المقاتلين فيه ميدان رمي وصواريخ وقذائف».
من جانبه، أكد موفق الربيعي مستشار الأمن القومي «العثور على مستودع أسلحة عملاق في منطقة المدائن وسجن فارغ من السجناء».
وأوضح أن «الشرطة رفعت العلم العراقي على مركز المدائن وتم السيطرة الكاملة على الناحية وشوهدت من المروحيات هروب بعض الإرهابيين».
انتفاضة الأهواز تشعل
حرب القوميات في إيران
الوطن العربي - 29/4/2005(22/91)
تقع منطقة الأهواز في الجنوب الغربي من إيران وبالجنوب منها يقع الخليج العربي، وتبلغ مساحتها 375 ألف كيلومتر مربع وتشكل سلسلة جبال زاغروس الممتدة من بحيرة أرومة شمالا إلى ميناء بندر عباس جنوبا الحد الجغرافي الطبيعي الفاصل بينها وبين الهضبة الإيرانية، وقد لعب هذا الموقع الجغرافي دورا مهما في تباين لغات وثقافات وحضارات الأمم والشعوب التي عاشت شرقه وغربه حيث تختلف الحضارة والثقافة والعادات والتقاليد بين الأهوازيين العرب والإيرانيين الفرس الوافدين من خلف الجبال إلى أرض الأهواز والتي أسست أول حضارة هناك قبل أن تطأها هجمات الغزاة الآريين من أخمينيين وساسانيين الذين جعلوا من الأهواز منطلقا لغزو حضارات بلاد الرافدين وبلاد الشام ومصر واليمن وغيرها.
ويبلغ تعداد العرب الأهواز حوالي 5 ملايين نسمة تقريبا وهم يسكنون بالقرب من خط الحدود التي تفصل إيران عن الدول المجاورة ذات الأغلبية السنية مثل باكستان وأفغانستان والعراق وتركمانستان، أما المسلمون السنة من العرق الفارسي فوجودهم نادر، وقد ظلت قضية الأهواز "عربستان" منذ ضمها إلى السيادة الإيرانية عام 1925 تندرج ضمن دائرة "القضايا المنسية ـ وأحيانا ـ الخاسرة" نتيجة وقوعها في ظروف دولية وإقليمية معاكسة حالت دون بروزها على الصعيدين الدولي والعربي، على الرغم من المكانة الاستراتيجية والاقتصادية الاستثنائية التي يحتلها الإقليم والتي تتمثل في إطلاله على الخليج وشط العرب، ومجاورته للعراق، وتوفيره نحو 90% من إيرادات إيران النفطية التي تشكل الشريان الحيوي للدولة الإيرانية.(22/92)
حين سألت شيخا من عرب الأهواز عن سر انتفاضتهم الحالية!، عاتبني لأن هذا السؤال دليل على عدم متابعة العرب لقضيتهم، مؤكدا أن عرب الأهواز لم يكفوا عن النضال لاسترداد استقلالهم منذ العام 1925 الذي يسمونه عام الاغتصاب، وكما ذكر لي من التقيت بهم من شيوخ العرب في منطقة الأهواز لم تتعد مطالبهم الحصول على "حياة كريمة" في إطار الدولة الإيرانية والحفاظ على خصوصيتهم وهويتهم "العربية" التي يسعى الإيرانيون إلى تذويبها في الهوية "الفارسية" وقليل ممن التقيت بهم كان يحُلم بوطن مستقل يحمل في الغالب اسم "عربسان".
ويضيف شيوخ الأهواز أن نضالهم ضد طهران ينطلق من إيمانهم باختلافهم الجذري عن الإثنية الفارسية لكنهم رغم ذلك يشكلون دعامة الحرس الثوري الإيراني، كما أنهم تصدوا للقوات العراقية التي اجتاحت مناطقهم وسيطرت على مدينة عبدان أثناء الحرب العراقية الإيرانية، ويرجع سبب مقاومة العرب الأهوازيين للعراقيين إلى المعاملة القاسية التي لقوها بواسطة القوات العراقية آنذاك.
وإذا كان نظام الشاه السابق قد أعلى من القومية الفارسية على حساب القوميات الأخرى ، فإن ثورة الخميني عام 1979 فشلت فشلا ذريعا في إيجاد حل توفيقي للقضية الأهوازية ينسجم مع شعاراتها الإسلامية والثورية المعلنة، بعد أن أضاعت فرصا تاريخية لبناء الثقة بينها وبين الشعب الأهوازي من خلال إصرارها على التعامل معه اعتمادا على القمع والتخويف والسعي لإخضاعه لقوة الأمر الواقع وتفكيك جميع مقومات شخصيته الوطنية والقومية المتميزة، وهو الأمر الذي بلغ ذروته حين قرر النظام الإيراني تنفيذ ما يسمى بمشروع قصب السكر الذي جرى استخدامه كغطاء لاغتصاب أراض عربية شاسعة ضمن مخطط توسعي بالغ الخطورة، والطموح يقضي بإقامة مستوطنات فارسية على أراض انتزعت من أصحابها العرب بالتهديد والخداع.. إلا أنه لوحظ إصرار الحكومة على تفعيلها في الوقت الحالي ويرجع ذلك إلى عدة أسباب:(22/93)
الأول: تحسبا لأي إجراء مستقبلي من المرجح أن تقوم به الأمم المتحدة في الإقليم وهو تطبيق الحق في تقرير المصير من خلال الاستفتاء العام الذي تطالب به القوى الوطنية المحلية، كما تطالب أعداد كبيرة من أبناء الإقليم بتحقيق الاستقلال الذاتي.
الثاني: إعلان شركات نفط دولية مؤخرا أن إقليم الأهواز يمتلك أكبر احتياطي للبترول في العالم بعد المملكة السعودية، وهو الأمر الذي قد يحمل إعلانه في هذا الوقت بالذات دلالة بالغة الخصوصية.
الثالث: أن امتداد الأهواز الجغرافي والقومي والعشائري مع العراق يشكل نقطة الانطلاق المركزية في التحرك الاستراتيجي الأميركي في الشرق الأوسط.
الرابع: التطورات الداخلية في إيران جعلت من الضروري سيطرة العنصر الفارسي على هذه المنطقة كونها تمتلك الشريان الحيوي للاقتصاد الإيراني حيث تنتج 90% من موارد إيران النفطية.
الخامس: ملف حقوق الإنسان في إيران والذي باتت القضية الأهوازية تشكل عنصرا أساسيا فيه، بعد أن تمكنت الحركة الأهوازية من انتزاع أول اعتراف دولي بالقضية تمثل في انضمام الشعب العربي الأهوازي بصفة رسمية لعضوية منظمة (UNPO) أي منظمة الشعوب والأمم غير الممثلة في الأمم المتحدة وكذلك طرح القضية الأهوازية بشكل متزايد في التقارير الصادرة عن الدوائر الغربية ومنها وزارة الخارجية الأميركية ووزارة الداخلية البريطانية والمؤسسات المعنية بحقوق الإنسان في الغرب.
مساوئ نظام
سالت شيخ المسجد الكبير عبد الرزاق الأهوازي عما فعلته الثورة الإسلامية والحكومة الإيرانية بمنطقتهم وطلبت منه أن يروي ما حدث، قال إنه مع وصول هاشمي رفسنجاني إلى الرئاسة والتفاف التكنوقراط المتمثلين في جماعة "كوادر البناء" من حوله أخذت تلك السياسات غير الإنسانية منحى خطيرا في تبنيها خططا جديدة ضد أبناء العرب من الأهواز من بينها:(22/94)
* قيام النظام بإسكان نازحي الحرب العراقية الإيرانية في المدن النائية، بدلا من الأخذ بأيديهم وتشجيعهم على العودة إلى مدنهم وإعمار ما خلفته الحرب من دمار، وقد سكن نازحو الحرب في ضواحي مدينة الأهواز وعبادان ومعشور وغيرها لعدم استطاعتهم الرجوع إلى قراهم ومدنهم بعد انتهاء الحرب، وذلك بسبب الحزام الأمني وسائر العراقيل التي وضعت أمامهم فتفشت في أوساط هؤلاء التعساء ظواهر اجتماعية مأساوية كالإدمان والتجارة بالمخدرات والسرقة والسطو المسلح وشتى الأمراض الجسمية والنفسية.
* ترك الأراضي الملغومة على حالها واقتطاع أراض شاسعة بمحاذاة الحدود لخلق حزام أمني يفصل العرب عن المناطق الحدودية التي كانت مأهولة بالسكان ومصدرا لرزقهم.
* مصادرة الأراضي بحجة إقامة مشاريع قصب السكر، وحجز أراض شاسعة لإنشاء معسكرات وثكنات عسكرية وغابات صناعية.
* إنشاء سدود متعددة وتغيير مسار أنهار كارون والكرخة والجراحى وإقامة مشاريع ضخمة لنقل المياه إلى المحافظات النائية مثل كرمان، أصفهان، يزد وقم، ليس للشرب فحسب إنما لري الحقول الزراعية وتوفير المياه للمنشآت الصناعية.
* افتعال سيول جارفة لتدمير الأراضي الزراعية وتخريب القرى لإضعاف المواطنين وتشريدهم بغية تسهيل مصادرة أراضيهم، وأيضا تبرير مشاريعهم لنقل المياه لصالح مشاريع قصب السكر وغيرها.
* مبادرة النظام إلى الزج بآلاف الفرس والآذريين وغيرهم إلى الأهواز وعبدان والمحمرة ومعشور ورامز لتغيير التركيبة السكانية لصالح غير العرب، ووفر النظام لهؤلاء الوافدين كافة أسباب العيش والسكن والراحة، واحتكر لهم الوظائف الحكومية المهمة ودعم مشاريعهم الاقتصادية الخاصة بمنحهم قطعاً أرضية من الأراضي المصادرة، وتسهيلات مصرفية بأرباح منخفضة جداً وفي المقابل لا يحصل العرب إلا على أعمال دونية كالحراسة والكناسة والتنظيف وما شابه ذلك من أشغال!!(22/95)
ويضيف الشيخ الأهوازي أنه نتيجة لهذا الضغط التعسفي المغاير لأبسط الحقوق المدنية والإنسانية والقانونية اضطرت الفئة الدارسة إلى هجرة أوطانهم ليسكنوا غرباء في مدن نائية داخل إيران أو بعض الدول العربية والأجنبية!، وبرز استياء شعبنا من هذه التناقضات في السياسات العنصرية في الانتخابات الرئاسية في دورتها السابعة حيث رفضنا مرشح السلطة وأيدنا الرئيس محمد خاتمي اعتقادا بأنه سيأتي لتحقيق الديمقراطية لكافة الشعوب في المجتمع الإيراني، وكان نتيجة ذلك أن أعطى 80 % من عرب الأهواز أصواتهم لصالحه، ورغم ذلك كانت مكافأة خاتمي لشعبنا أنه لم يتحمل عناء الرد على مطالبنا الشرعية وبدلا من ذلك كانت هذه الرسالة التي صدرت عام 1992 وتسارعت معدلات تنفيذها هذا العام 2005، وكان من أهم ما ورد فيها:
1- اتخاذ كافة التدابير الضرورية اللازمة بحيث يتم خفض السكان العرب في خوزستان "الأهواز" بالنسبة للناطقين بالفارسية الموجودين أساسا أو المهاجرين بنسبة الثلث خلال السنوات العشر القادمة، وهذا ما حدث بالفعل حيث يدل الواقع المكرس على الأرض على ذلك والشاهد على ذلك مشاريع بناء المدن الجديدة مثل شيرين شهر.
2- اتخاذ التدابير اللازمة والعمل على زيادة تهجير الشريحة المتعلمة من عرب الأهواز إلى المحافظات الإيرانية الأخرى كمحافظة طهران وأصفهان وتبريز،حتى تظل هذه المنطقة فقيرة فكريا وتسهل السيطرة عليها، والدليل على تنفيذهم لهذا المخطط هيمنة محسن رضائي على المجلس الأعلى للأمن القومي وهو المنحدر من البختاريين اللر وكذلك لعب عامل الجوار الجغرافي لهؤلاء "اللر البختياريين" دوراً مهماً في هذه العملية حيث يقطن معظم هؤلاء في مناطق جبال زغروس وجهارمهال وشمال الإقليم.(22/96)
3-العمل على إزالة جميع المظاهر الدالة على وجود القومية العربية وتغيير ما تبقى من الأسماء العربية والمحلات القرى والمناطق والشوارع، والدليل على ذلك أيضاً وضع العراقيل في تسمية العرب لأبنائهم بالأسماء العربية حيث يتم تحديد الأسماء مسبقاً في كتاب رسمي صادر عن "السجل المدني" ولا يسمح لأحد باختيار الأسماء خارج ذلك الكتاب إلا في حالات نادرة جدا، وتلحظ ذلك بوضوح في ظاهرة ثنائية الأسماء "العربية ـ الفارسية" للأشخاص والمدن والقرى والمناطق.
مطالب الأهواز
ويطالب عرب الأهواز المجتمع الدولي وكافة الهيئات والمنظمات الدولية والإقليمية ومنظمات حقوق الإنسان، بالتدخل العاجل الفوري لحمايتهم من أعمال القتل والإجرام والبطش والتنكيل من قبل عناصر النظام الإيراني المحتل لأرضهم منذ عام 1925، خاصة أن الأوضاع في الأهواز مؤهلة للمزيد من التوسع والتوتر بعد أن تم قطع المياه والكهرباء وخطوط الهواتف على العديد من المناطق والقرى، وعزل المناطق عن بعضها البعض لقطع أوصال المدن والقرى، وذلك على غرار ما تقوم به إسرائيل في الأراضي الفلسطينية.
ووفقا لاستطلاع "الوطن العربي" لمطالب عدد من الشخصيات العربية البارزة مثل السيد أحمد الموسوي، ومطو زادة عضوا مجلس الشورى وغيرهم من أساتذة الجامعة فإن مطالب العرب الأهواز وطموحاتهم تتلخص في:
أولا: إلزامية تدريس اللغة العربية، إلى جانب اللغة الفارسية في جميع المراحل الدراسية وكذلك تاريخ الأهواز.
ثانياً: السماح بحرية الصحافة والنشر والإعلام باللغة العربية، وإيجاد محطة تلفزيونية تختص بشؤون الإقليم ومجتمعه العربي.
ثالثا: الاهتمام بإحياء الموسيقى العربية ودعم المسرح والسينما باللغة العربية.
رابعاً: إعادة النظر في الخطاب العنصري المناهض للعرب وتنقية الكتب الدراسية من التشويه والتزييف لتاريخ الشعب العربي.(22/97)
خامساً: إعادة الأسماء التاريخية للمدن والقرى والأحياء المألوفة لدى سكان المنطقة المحليين والجارية على ألسنتهم، وقد روى لي شيوخ المنطقة أن الأسماء العربية التاريخية في الإقليم جرى استبدالها بأسماء فارسية مزورة في عهد رضا شاه في الثلاثينيات من القرن الماضي، مثل عبدان التي أصبحت أبادان، والمحمرة إلى خرمشهر، والفلاحية إلى شادكان، والخفاجية إلى سوسنكرد.
سادساً: عدم تسمية الشعب العربي في الأهواز بـ "عرب اللسان" أو "العرب المهاجرين" وما إلى ذلك.
سابعاً: ذكر الإحصائية الحقيقية والنسبة الدقيقة لعدد سكان الشعب العربي الأهوازي.
ثامناً: جعل عطلة عيد الفطر ثلاثة أيام بدلا من يوم واحد كما هو الحال الآن، علما بأن احتفالات عيد النيروز في إيران الإسلامية تستغرق ثلاثة عشر يوما فيما لا تتجاوز عطلة عيد الفطر الإسلامي يوما واحدا فقط، وهم يسمونه بـ "عيد العرب".
تاسعاً: تطبيق الدستور الإيراني وتنفيذ المواد المعطلة منه، خاصة المادتين الخامسة عشرة والتاسعة عشرة اللتين تتحدثان عن حقوق القوميات الإيرانية.
عاشراً: المساواة أمام القانون ورفع التمييز عن الشعب العربي في الأهواز في جميع المجالات.
حادي عشر: حرية تشكيل الأحزاب والجمعيات والنقابات.
أهداف التصعيد المفتعل في قضية المدائن العراقية
ياسر الزعاترة
الدستور 19/4/2005
من الواضح أن قضية منطقة المدائن العراقية التي ثارت خلال الأيام الماضية هي من النوع المفتعل الذي يسعى البعض من خلاله إلى تحقيق جملة من الأهداف السياسية والأمنية، وهي أهداف تتجاوز ما يعبر عنه المتحدثون من العرب السنة ممن يبدون حرصاً شديداً على انتقاء الكلمات كي لا يتهموا بتصعيد الموقف مع الطرف المستنفر، وصاحب الصولة هذه الأيام، ممثلاً في القوى الشيعية التي تتعاون مع الاحتلال.(22/98)
وسائل الإعلام وحدها، وبعيداً عن روايات أجهزة الأمن المتضاربة، كانت كفيلة بكشف حجم الافتعال في القضية، إذ ثبت أن المسألة برمتها لا صلة لها بالإرهاب ولا بالتطهير العرقي، بل هي مجرد ردود فعل عشائرية على وشايات وعمليات قتل واختطاف متبادلة بين أقلية شيعية جاءت إلى المنطقة بعد الاحتلال وسكنت في أماكن عامة، وبين الأغلبية السنية، وهي عشائرية هنا، أي أنها ترفض المهانة وتقدس الشرف بطبعها، فيما يتهمها الطرف الآخر بأنها من تراث الرئيس العراقي السابق، وذلك في معرض تبرير اضطهادها أو استهدافها في أقل تقدير.
من المؤكد أن عبثاً ما زال يمارس باسم المقاومة، يتمثل في استهداف بعض الشيعة من خلال خطاب تكفيري مرفوض، لكن المسألة هذه المرة ليست كذلك، وحين يبادر تنظيم قاعدة الجهاد إلى نفي هذه الرواية للأحداث، فهو إنما يفعل ذلك كي لا يؤخذ العرب السنة في المنطقة بجريرته، ولا تسأل بعد ذلك عن النفي المتكرر لصحتها من طرف هيئة علماء المسلمين والمراقبين المحايدين.
لعل من أهم الأهداف المراد تحقيقها من الأزمة هو تبرير اقتحام المنطقة وتطهيرها من كل ما من شأنه دعم خيار المقاومة للاحتلال، وهنا يبدو من الضروري التنويه بحجم التصاعد الكبير في فعل المقاومة منذ مطلع هذا الشهر الذي يبدو أنه سيسجل كواحد من أهم الشهور على هذا الصعيد. صحيح أن جزءا من العمليات قد ركز على قطاع الشرطة وقوات الحرس الوطني، الأمر الذي لا يخدم أهداف المقاومة، لكن ما ينبغي قوله أيضاً هو أن قطاعات واسعة من الأجهزة الأمنية العراقية قد غدت متخصصة في مطاردة المقاومة كبديل عن الأمريكيين الذين يتحكمون وحدهم بتحريك تلك القطاعات بعيدا عن دراية أو حتى رقابة الجهات العراقية التي تأخذ شكل الحكومة ومسمياتها لكنها لا تحظى بصلاحياتها.(22/99)
من الأهداف الواضحة لما جرى ويجري في المدائن هو تأكيد الرواية التي تتبناها أكثر القوى الشيعية المشاركة في الحكم بشأن المقاومة، وهي أنها محض مجموعات سلفية تكفيرية لا هدف لها سوى قتل الشيعة، الأمر الذي تكذبه الوقائع على الأرض، لأن معظم العمليات ما زالت توجه ضد قوات الاحتلال وتقوم بها مجموعات متنوعة، معظمها من اللون الإسلامي الذي يشمل السلفيين، وهم بدورهم ليسوا لوناً واحداً. بل إن خطاب المقاومة وسلوكها العملي على الأرض ما زال يقول إنها تركز على الاحتلال ولا تسعى إلى فتح جبهات أخرى تدرك أنها تخدم المحتل أكثر من خدمتها للعراق وأهله.
من هنا يمكن القول إن تشويه المقاومة هو جزء من أهداف إثارة قضية المدائن على النحو الذي جرى، فضلاً عن الحشد المذهبي الذي يغطي، وربما يبرر ممارسات تجري هنا وهناك، ولا حاجة للتذكير بما تعرض ويتعرض له سنّة البصرة من ضغوط تمارسها عليهم بعض القوى من أجل دفعهم إلى الرحيل كي يغدو إقليم الجنوب شيعياً خالصاً، وهو ما حصل مع كثيرين لم يطيقوا المضايقات التي تعرضوا لها فآثروا الرحيل.
ما ينبغي أن تتذكره القوى الشيعية هذه الأيام هو أن ما حصلت عليه من الاحتلال إنما جاء بسبب ضغوط المقاومة، فيما عليها أن تتذكر أيضاً أن الحشد المذهبي لا يمت إلى العقل ولا إلى الدين بصلة، وهو في النهاية لا يخدم غير برنامج الاحتلال، وإذا كان الشيعة أغلبية في العراق فإنهم أقلية في العالم العربي والإسلامي. أما الأهم من ذلك فهو أن موقف الأمة منهم ومن سواهم من المسلمين لا يتحدد على أسس مذهبية صرفة، بل يعتمد على موقفهم من الاحتلال والاستهداف الأمريكي الصهيوني لهويتها ومصالحها، وإذا كان هناك من يتشدد ويكفر في الطرف السني فإن في الشيعة من يفعل ذلك أيضاً.
اتفاق سري بين أطراف الائتلاف لضم 80 إلى 100 ألف
من ميليشيات بدر والدعوة وحزب الله إلى الجيش
باسل عدس الدستور 21/4/2005(22/100)
حذر تقرير لحزب الوفاق الوطني العراقي حزب رئيس الحكومة المنتهية اياد علاوي من أن ميليشيات أحزاب الائتلاف العراقي الموحد ذي الأغلبية داخل البرلمان العراقي المنتخب تسعى للسيطرة على تشكيلات وزارتي الداخلية والدفاع.
وقال التقرير الذي أعدته دوائر في الحزب أن خطة أمنية عاجلة تقضي بضم عشرات الألوف من عناصر ميليشيات الدعوة برئاسة إبراهيم الجعفري، وبدر، الجناح العسكري في المجلس الأعلى للثورة الإسلامية بزعامة عبد العزيز الحكيم، والدعوة/ تنظيم العراق بزعامة عبد الكريم العنزي،وحركة الله بزعامة عبد الكريم المحمداوي وحزب الله بزعامة حسن ساري إلى أجهزة الداخلية والدفاع، مضيفاً أن "الائتلاف يحاول التملص من التزاماته وتعهداته المدونة في البرنامج السياسي العام الذي تم بتوافق الكتل الرئيسية الثلاث في الجمعية الوطنية المنتخبة وهي: الائتلاف، والتحالف الكردستاني، والعراقية (بزعامة علاوي) وتقضي هذه التعهدات بعدم إجراء حكومة إبراهيم الجعفري أي تغييرات في الأجهزة الأمنية والعسكرية من دون التشاور مع الأطراف الأخرى".
وتشير المعلومات إلى أن اتفاقا سرياً بين أطراف الائتلاف ابرم لدمج ما بين 80 إلى 100 ألف عنصر من ميليشيات بدر، والدعوة بشقية، وحزب الله بشقيه خلال الشهور الستة المقبلة من عمل حكومة الجعفري. وتقول المعلومات أن الائتلاف مستاء جداً بسب سياسة علاوي بضم آلاف البعثيين إلى المؤسسات الأمنية والعسكرية في البلاد في وقت يبدو أن التعايش بين عناصر ميليشيات الائتلاف وبين البعثيين داخل مؤسسات الدولة أمر في غاية الصعوبة من حيث التطبيق.
المثير أن الحزبين الكرديين الديموقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني طلبا من الائتلاف ومن الجعفري على وجه التحديد دمج عناصر من قوات البشمركة بعدد متساو مع قوات عناصر الميليشيات الشيعية من الائتلاف.(22/101)
وتقارير من مكتب وزير الدفاع حازم الشعلان أفادت أن زيارة وزير الدفاع دونالد رامسفلد المفاجئة إلى بغداد قبل أيام جاءت على خلفية تقرير من قيادة القوات العسكرية الأميركية في العراق تصف الوضع داخل وزارتي الداخلية والدفاع العراقيتين بالحرج للغاية بسبب الإرباك الحاصل في الوزارتين في ضوء ما تردد عن عزم الجعفري تنفيذ حملة تطهير واسعة في أجهزة الداخلية والدفاع.
آخر المعلومات تشير إلى أن الجعفري طلب من وزير الداخلية فلاح النقيب تجميد قرار تعيين 5000 موظف جديد في الداخلية جرى تعيينهم قبل أسبوع من الآن ورد النقيب برفض تجميد قرار تعيين هؤلاء.
كما طلب الجعفري من علاوي اطلاعه على مجمل عمليات تصريف الأعمال في الحكومة الجديدة وهو أمر رفضه علاوي في مؤشر إلى تزايد الهوة بين "الائتلاف من جهة وبين "العراقية" من جهة ثانية.
واتهمت أوساط في حزب الفضيلة بزعامة نديم الجابري، أحد أطراف الائتلاف العراقي الموحد قائمة علاوي بالسعي إلى إفشال تشكيل حكومة الجعفري وهو أمر قد يؤدي إلى تكليف شخصية أخري لتشكيل الحكومة. وقالت أن علاوي يشن حرباً بعثية على "الائتلاف" ويعتبر البعثيين وطنيين في حين يرى في بدر وميليشيات الدعوة وحزب الله بشقيهما عناصر عميلة لإيران.
مأساة الفكر العربي تتجسد في فتاوى القرضاوي
د. أحمد راسم النفيس
صحيفة القاهرة العدد 260
5 أبريل 2005
(متشيع مصري نموذج لما يعتقده المتشيعون من أفكار ومباديء......الراصد)
البعض يزعم أنه يمارس عملية تطوير الفكر الإسلامي بينما يقول الواقع إننا نتجه نحو مزيد من الانحطاط والتدهور.
الفكر العربي ورموزه تهيمن على الساحة من خلال أسلوب يعتمد على قليل من المعلومات وكثير من الأحكام التي تصدر دائما قبل المداولة.
هذه هي المأساة التي جمدت العقل العربي ووقفت حائلا أمام تطوره نحو الإبداع الخلاق في كافة المجالات.(22/102)
إن هذا النمط الفكري العقيم لا يمكن له أن يسفر عن تصحيح أخطاء الفكر ومساراته بل هو على العكس من ذلك يرسخ تراجع منظومة هذا الفكر ووأد الاتجاهات التقدمية لصالح تلك الأكثر رجعية وتخلفا.
مبادئ الرجعية
النموذج الأبرز لظاهرة دفع الفكر الإسلامي نحو التراجع والسعي الدؤوب للقضاء على كل بؤر التنوير المتمردة لصالح التيارات الأكثر تخلفا والأكثر ابتعادا عن العقل فضلا عن افتقادها لأبسط قواعد أمانة النقل هو الشيخ القرضاوي في كتابه الأخير (تاريخنا المفترى عليه) حيث يبدو جليا هذان النمطان:
نمط الحكم قبل المداولة ونمط التراجع الفكري على طريقة خطوة واحدة إلى الأمام ومائة خطوة إلى الخلف.
لم يكن هذا النمط الذي جند هؤلاء الشيوخ أنفسهم له أو جندوا من أجله غريبا عن المعركة التي شنت على الأستاذ أسامة أنور عكاشة قبل شهور ولا عن تلك الهجمة التي شنت على الأستاذ عبد الرحمن الشرقاوي قبل عشرين عاما عندما كتب على صفحات الأهرام (علي إمام المتقين) وقبل ذلك تلك الحملة التي شنت على عمله الفني العظيم (الحسين شهيدا) ثائرا ودفعت به إلى زوايا النسيان بينما يتبارى المنتجون الآن من أجل تقديم أعمال درامية عن ابن العاص وابن أبي سفيان وربما نفاجأ قريبا بمن يعد مسلسلا لتحسين صورة السيدة الفاضلة آكلة الأكباد!!
لنبدأ بنمط التراجع الفكري تحت قصف التشهير والتكفير الإعلامي الذي نجح في دفع سيد قطب للتحول من داعية من دعاة العدالة الاجتماعية إلى داعية من دعاة التكفير الزرقاوي.
فقد كتب سيد قطب عن العدالة الاجتماعية في الإسلام نهاية الأربعينات واضعا يده على بعض العلل التي أصابت المسلمين في مقتل وساقتهم نحو التسلط والاستبداد ولا شك أن هذا المنهج يختلف كليا عن منهج تكفير المجتمع وإلقاء الاتهامات على عواهنها وهو المنهج الذي اعتمده بعد انضوائه تحت لواء جماعة الإخوان.
التكفير التام أو الموت الزؤام(22/103)
هذا المنهج النقدي لم يعجب المتسلطين على فضاء الفكر الإسلامي والذين لا يرضون بأقل من التكفير التام مع الموت الزؤام ويمكن لك أن تتأمل في نقد الشيخ القرضاوي لكلام سيد قطب قبل تحوله إلى التكفير أي نقده للوعي وليس نقده للتكفير!!
(عندما تحدث عن سيدنا عثمان قسا عليه كثيرا وقال إنه ترك لمروان بن الحكم الأموي أن يتصرف في الأمر بكثير من الانحراف عن الإسلام كما أن طبيعة عثمان الرخية وحرصه الشديد على أهله قد ساهم كلاهما في حدوث تصرفات أنكرها الكثيرون من الصحابة وكان لها مضاعفات كثيرة وآثار في الفتنة التي عانى منها الإسلام) ص 58.
ثم يعرض لنا مآخذه على كلام سيد قطب القائل (مضى عثمان إلى رحمة ربه وقد خلف الدولة الأموية قائمة بالفعل بفضل ما مكن لها في الأرض وخاصة في الشام وبفضل ما مكن للمبادئ الأموية المجافيه للإسلام من إقامة الملك الوراثي والاستئثار بالمغانم والأموال والمنافع مما أحدث خلخلة في الروح الإسلامي العام وليس بالقليل ما يشيع في نفس الرعية إن حقا أو باطلا أن الخليفة يؤثر أهله ويمنحهم مئات الألوف ويعزل أصحاب رسول الله ليولي أعداء رسول الله... فلما أن جاء علي بن أبي طالب لم يكن من اليسير أن يرد الأمر إلى نصابه في هوادة وقد علم المنتفعون على عهد عثمان وبخاصة من بني أمية أن عليا لن يسكت عليهم فانحازوا بطبيعتهم وبمصالحهم إلى معاوية... لقد كان واجب علي الأول والأخير أن يرد للتقاليد الإسلامية قوتها وأن يرد إلى الدين روحه وأن يجلو الغاشية التي غشت هذه الروح على أيدي بني أمية ولو جارى وسائل بني أمية في المعركة لبطلت مهمته الحقيقية... إن عليا إما أن يكون عليا أو فلتذهب الخلافة عنه بل فلتذهب الحياة معها وهذا هو الفهم الصحيح الذي لم يغب عنه وهو يقول فيما روى عنه: (والله ما معاوية بأدهى مني ولكنه يغدر ويفجر ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس) 58ـ 60.(22/104)
وجاء الرد القرضاوي على سيد قطب ومن قبله على المودودي والغزالي ومن بعده على طه حسين وأحمد عباس صالح معتمدا على الحجج التالية:
أنهم أغضبوا علماء الهند وباكستان؟؟!!! (المودودي ص 47 وقطب ص61) الذين رأوا في كلامهم تحاملا على عثمان وبني أمية!! وطبعا فإن الشيخ لم يقل لنا من هم علماء الهند وباكستان فالمهم أن الجماعة غضبوا والويل لمن تغضب منه الجماعة.
كما أن الشيخ القرضاوي أضاف إلى علماء الهند وباكستان الغاضبين (الأديب المحقق المعروف محمود محمد شاكر الذي انتقد هذا التوجه بشدة في مقالات نشرها في مجلة "المسلمون" التي كان يصدرها الداعية المعروف "لاحظ أن هؤلاء معروفون" سعيد رمضان كما أن ما نسب إلى عثمان يحتاج إلى تحقيق وتمحيص) ص61.
إنها ماكينة الدفاع عن التخلف الفكري والتدهور العقلي الجاهزة دوما للانطلاق وإجهاض أي نقلة فكرية نقدية للأمام وهي تمتلك كافة أسلحة القصف بدءا من منجنيق الحجاج الذي هدم به الكعبة وصولا إلى منجنيق الفضائيات الذي يبث فتاوى القتل والتكفير في أركان العالم الأربعة بالإضافة إلى أضخم جهاز لبث الإشاعات في العالم يقوم بوصم المتمردين على منظومة التخلف الفكري بكل ما هو قبيح بدءا من تهمة سب الصحابة وإهانة السلف وصولا إلى تهمة العمالة للإمبريالية والعلمانية وأن المتهم (عليه اللعنة) هو من الليبراليين الجدد!!
نظرية "التطهور"
النموذج الآخر من نماذج التطور ـ التدهور ولنسمه (التطهور) الذي تحدث عنه الشيخ القرضاوي في مذكراته هو ما أقدم عليه الأزهر في عهد الشيخ المراغي من السماح بتداول كتب ابن تيمية التي كان يرفضها من قبل (وكان هذا من التطور الذي حدث في عهد الإمام المراغي: أن تُقبل كتب ابن تيمية وابن القيم وتوزع على طلاب الأزهر فقد كان الأزهر قبل ذلك يقاوم فكر هؤلاء ويحشرهم في زمرة المجسِّمين).(22/105)
أي أننا بدلا من السير إلى الإمام نسير إلى الوراء بل ونصف هذا التدهور بالتطور ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أما عن ظاهرة الحكم قبل المداولة فنراها بوضوح عندما ناقش الشيخ القرضاوي آراء المفكرين الذين انتقدوا ما ارتكبه بنو أمية من جرائم وبعد أن يعرض آراءهم منزوعة من أدلتها يلقي خطابا عاطفيا جياشا يتهمهم فيه بالغلو والغفلة والتقصير فضلا عن الذهول من دون أن يكلف خاطره بعرض ما يثبت وجهة نظره أو ينفي وجهة نظرهم ولا عجب فهو حفظه الله حامي حمى الحقيقة المطلقة ووكيل الله في الأرض (والحق أنني عندما قرأت كلام الأستاذ المودودي عن التاريخ الإسلامي قفّ شعري وارتعدت فرائصي وإني لأعجب كل العجب أن يغلو في حكمه هذا الغلو على فضله وسمو منزلته وعلو كعبه في سعة العلم وعمق الفكر وامتلاك حاسة النقد.. وهذا يدلنا على أن البشر يظلون بشرا وهم إن بلغوا من العلم والفضل ما بلغوا يعتريهم القصور وتخالطهم الغفلة والذهول ويغلبهم الخطأ شاءوا أم أبوا نتيجة الغلو أو التفريط ولا عصمة لأحد إلا للرسول المؤيد) ص 47.
الشيء الذي نستخلصه بعد هذه المداولة أن ذلك النمط الفكري الذي يتسيد فيه الساحة هؤلاء الشيوخ أصحاب الخطاب الفوقي الذي يلقي إلينا بأحكامه سابقة التجهيز والذي يربأ بنفسه عن مقارعة الحجة بالحجة والدليل بالدليل ويطرح آراءه دوما بصيغة القول الفصل مقدما لتلك الآراء المزاجية بتلك العبارات العاطفية مثل وقف شعر رأسي وارتعدت فرائصي وقل عرى صبري وهاجت صبابتي وهطلت دموعي حتى بلت لحيتي بعد أن قام بإخلاء الساحة من الباحثين المحققين وأخمد أصوات من تبقى منهم هو المسئول الأوحد عن مسيرة التدهور التطور المتواصل التي ننزلق إليها بسرعة البرق.(22/106)
بقي أن نوجه خطابنا لأهل الصحافة والفكر الذين قاموا بالتهليل (لتجديد الخطاب الديني) الذي قام به الشيخ ثم انزووا خلف أعمدتهم تاركين الساحة لحملة منجنيق الجهل والإرهاب ليفعلوا ما يحلو لهم وإلى المزيد من "التطهور" يا عرب.
استئناف محاكمة 31 متهما عمانيا بالسعي لقلب النظام في مسقط
وكالة الصحافة الفرنسية 25/4/2005
استأنفت محكمة مسقط المختصة في قضايا أمن الدولة أمس النظر في قضية 31 عمانيا متهما بالانتماء إلى تنظيم سري محظور يسعى إلى قلب نظام الحكم بالقوة وإقامة حكم الإمامة، وذلك لتلقي وللاستماع لمرافعات الدفاع.
وتأتي جلسة أمس بعد أسبوع من بدء المحاكمة في 18 نيسان وكانت استمرت حينها ثلاثة أيام متتالية.
ويحاكم المتهمون بتهمة التحضير لقلب نظام الحكم بقوة السلاح لإقامة نظام حكم الإمامة والانتماء لتنظيم سرى محظور وحيازة وبيع الأسلحة وجمع التبرعات المالية و إقامة ندوات لاستقطاب أعضاء جدد للتنظيم وفق بيان الاتهام.
وطلب المحامون صباح أمس الحكم ببراءة موكليهم مشيرين إلى أن التنظيم الذي أنشأوه كان لخدمة المذهب الاباضي وغرسه لدى الناشئة في مواجهة ما قالوا أنها تيارات خارجية.
أما بشأن حيازة المتهمين أسلحة فقد دفع المحامون بان اقتناء السلاح عرف اجتماعي لدى العمانيين وانه إذا كانت هناك من مخالفة ارتكبها موكلوهم فهي لا تزيد عن جنحة حيازة سلاح بدون ترخيص.
وطلب المحامون الرأفة بموكليهم.
في المقابل رد ممثل الادعاء العام أن خدمة المذهب لا تحتاج إلى تشكيل تنظيم سري خاصة وان الدولة تخدم المذهب الاباضي مثل بقية المذاهب الإسلامية طالبا القاضي بالحكم بما ترتئيه عدالة المحكمة.
وكان محامي قال في وقت سابق إن الادعاء العام طلب الحكم بالإعدام لكل المتهمين بالسعي للإطاحة بالنظام غير انه شكك في احتمال صدور أحكام بالإعدام.(22/107)
ودخل المتهمون إلى قاعة المحكمة التي أحيطت بإجراءات أمن عادية، غير مقيدين ومرتدين اللباس العماني التقليدي ووقفوا وراء حاجز خشبي لا يزيد ارتفاعه عن متر واحد.
وطلب معظم المتهمين العفو من السلطان قابوس بن سعيد معربين عن ندمهم.
وجاء في لائحة الادعاء العام أن المجموعة شكلت منذ سنة 1982 تنظيما تبين بعد ذلك أن له جناحان أحدهما علني ينشط من خلال المراكز الشبابية الصيفية وتنظيم رحلات العمرة وآخر سري ينشط دعوة إلى إقامة حكم الإمامة في السلطنة.
وأشارت مصادر قضائية إلى انه يحق للمتهمين طلب استئناف الأحكام ضدهم أمام المحكمة العليا ثم طلب العفو من السلطان قابوس.
وقالت صحيفة «تايمز اوف عمان» أمس نقلا عن محام ان النطق بالحكم قد يتم بعد أسبوعين من الجلسة الختامية أمس.
وأشارت معلومات في مسقط الى ان المتهمين الذين اعتقلوا في كانون الثاني الماضي،اباضيون . وينتمي 75 بالمئة من العمانيين إلى هذا المذهب الإسلامي.
وانتشرت الاباضية في عمان منذ بداية القرن الثامن الميلادي وهي فرقة من فرق الخوارج وسميت على اسم مؤسسها عبد الله بن اباض. وتعود جذور هذا المذهب إلى الخوارج من مؤيدي الإمام علي بن أبى طالب الذين انقلبوا أو خرجوا عليه وفي مرحلة لاحقة اعترفوا فقط بخلافة الخليفتين الأوليين أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب.
ويختلف الاباضيون عن الشيعة أساسا بأنهم يؤمنون بضرورة انتخاب الخليفة من بين عموم المسلمين. ويرون أن أي مسلم يمكن أن يكون إماما إذا ما توفرت فيه الشروط ويتم تعيينه من خلال مبايعته.
خفايا تمرد الحوثيين الجديد في صعدة
خطة إيرانية لإشعال فتنة شيعية ـ سنية في اليمن!
الوطن العربي العدد 1468 ـ 22/4/2005(22/108)
عندما فجر النائب اليمني السابق وزعيم حركة الشباب المؤمن حسين بدر الحوثي تمرده المسلح في يونيو "حزيران" الماضي لم يتصور أي من المراقبين في اليمن وخارجها أن تتحول هذه "الانتفاضة المسلحة" في جبال مران الشمالية إلى حرب مواجهة حقيقية ودموية مع السلطة استمرت حوالي ثلاثة أشهر رغم لجوء قوات الجيش والأمن إلى استخدام كل أنواع الأسلحة بما فيها المدفعية والطائرات لوضع حد لهذا "التمرد" في أسرع وقت.
وبعد نجاح هذه القوات في تصفية الحوثي والمئات من أنصاره المدججين بالسلاح واعتقال مئات آخرين ساد اعتقاد بأن الرئيس علي صالح نجح في تجاوز هذا التحدي الخطير لهيبته والتهديد الأكبر للاستقرار في اليمن وأنقذ البلاد من مشروع فتنة مذهبية كانت واضحة فيها أصابع إيرانية وأياد خارجية لم تلجأ جماعة الحوثي يومها لإخفائها بتعمدها رفع أعلام "حزب الله" في جبال صعدة.
لكن الأيام الأخيرة من مارس "آذار" الماضي جاءت لتكشف لليمنيين ودول المنطقة وعواصم العالم أن زعزعة استقرار اليمن تبدو جزءا من مخطط متعدد الأبعاد والخفايا، وأن معدي إثارة الفتنة بين الزيدية والشافعية لم يتخلوا عن مشروعهم رغم فشل المحاولة الأولى وظهور حالة رفض يمنية واسعة لزرع الشقاق والحرب بين أبناء البلد الواحد الذين يعيشون منذ مئات السنين بعيدا عن أية حساسيات مذهبية أو طائفية.
انقلاب سلالي!!(22/109)
والواقع أن ما حصل في اليمن وتحديدا في محافظة صعدة منذ الثاني والعشرين من مارس "آذار" الماضي تجاوز بسرعة هذه المرة صفة "التمرد الشعبي الجبلي" أو الثأر القبلي لمقتل الحوثي وأعاد إلى الأذهان خطورة ما بات يسمى الحركة الحوثية. وعلى الرغم من الخلاف على وصف تمرد الحوثيين بين من رأى فيها انتفاضة جبلية أو تمرداً مسلحا معارضا للسلطة أو محاولة انقلاب سلالية، تقودها حركة زيدية منشقة اختارت المذهب الاثنى عشري والتشدد الشيعي.. إلا أن عنصر تهديد استقرار اليمن ووحدته كان واضحا إلى حد أن المراقبين اعتبروا هذا التمرد أخطر من حروب الانفصال التي جرت بين الجنوب والشمال ومحاولة انقلابية حقيقية تقودها جماعات ترفع شعارات مذهبية وسلالية بحيث ظهرت حركة "الشباب المؤمن" وكأنها أقرب إلى "جيش الإمام" أو "جيش المهدي" على طريقة قوات مقتدى الصدر في العراق أو "حزب الله" في لبنان. وفي كل الحالات كانت أصابع الاتهام تتجه نحو الخارج من إيران إلى لبنان مروراً برجال دين وأعمال في عدة دول خليجية لعبوا دوراً في ولادة وإحياء وتعبئة "الشباب المؤمن" الذي انتقلت قيادته بعد مقتل حسين الحوثي إلى والده الشيخ بدر الدين الحوثي البالغ من العمر 84 عاماً.
قبل أيام من اندلاع حرب الحوثيين الثانية، اختفى الشيخ بدر الدين من منزله في صنعاء ليظهر في صعدة "مرشدا روحيا" للمتمردين الذين اختاروا إعلان الحرب على الدولة بنصب سلسلة كمائن في منطقة نشور والرزامات والمناطق المجاورة لقوات الأمن أدت إلى مقتل 12 شخصاً وجرح العشرات. وقبل نصب هذه الكمائن كان الشيخ الحوثي قد مهد، لتمرده بسلسلة تصريحات صحفية كشف فيها وكأنه يستعد لاستعادة خلافة الإمامة عندما أعلن أن الولاية يجب أن تكون لآل بيت الرسول وفي البطنين ـ وهو ما ينطبق عليه ـ مضيفا أن الولاية لغيره (علي عبد الله صالح) تعتبر اغتصابا.(22/110)
وعلى الرغم من وصفه ولاية الرئيس اليمني علي عبدالله صالح بقوله "إنها لا تحرجني" كشفت الأيام التالية والعمليات التي انطلقت في محافظة صعدة عن رأي مختلف حيث وصفت التعليقات الأولى مثل "الحرب" بأنها "سلالية" ومحاولة انقلابية أو انفصالية لأنصار "الإمامة" على أيدي مقاتلي حركة "الشباب المؤمن".
وعلى غرار ما حصل في "حرب العام الماضي" نتبين أن "الشباب المؤمن" بقيادة الحوثي الأب يملكون من السلاح والاستعدادات العسكرية وتخزين المواد الغذائية والذخائر وتجنيد الشباب ما يكفي لإعلان الحرب على قوات السلطة. وقد ظهر ذلك من خلال التحصينات والمتاريس والكهوف والمخابئ التي أعدت في الجبال ومستوى التدريب القتالي الذي تميز به أكثر من ألفي مقاتل من "الشباب المؤمن" ونوعية الأسلحة التي يملكونها وحروب الشوارع التي خاضوها ووصلت إلى قلب مدينة صعدة وقادت إلى تهجير الألوف من أبنائها وأبناء القرى المجاورة.(22/111)
وإضافة إلى ذلك كشفت مجريات المعارك عن وجود قيادة عسكرية للمقاتلين الحوثيين على رأسها عبدالله بمنطقة الرزامي "من الرزامات" يساعده يوسف مدني زوج ابنة حسين الحوثي وشقيق الأخير عبد الملك الحوثي.واللافت أن الرزامي الذي تفاوتت آخر الأخبار بين مقتله والحديث عن هروبه إلى جهة مجهولة مع بدر الدين الحوثي، كان قد انتخب نائبا مثله مثل حسين الحوثي الذي احتل مقعدا نيابيا بين 1993و1997 ثم رفض التجديد للتفرغ لقيادة "الشباب المؤمن" التي رفعت في البداية شعار المعارضة والعداء لأميركا ثم تميزت بإقامة التظاهرات بعد صلاة كل جمعة في الجامع الكبير في صنعاء ومساجد صعدة رافعة شعارات "الموت لأميركا والموت لإسرائيل"، وهي الشعارات نفسها التي يرفعها الإيرانيون عادة. واللافت أيضا أن الحكومة اليمنية ساهمت في البداية في تقديم مساعدات مالية لإقامة مدارس دينية للحركة قبل إقفالها إثر التمرد الأول وحظر التنظيم. كما تبين أن المخابرات اليمنية كانت على علم بخروج حسين الحوثي عن الزيدية المعروفة في اليمن إثر انشقاقه عن حزب الحق الذي كان من مؤسسية وتبنيه لتيار متشدد في الاثنى عشرية ورفع شعار "السلالية" وأن السلطة تؤخذ بالقوة ولا تعطي. وأكثر من ذلك كانت المخابرات اليمنية تراقب لجوء الحوثي إلى تجنيد الشباب وتدريبهم وإقامة معسكرات في جبال صعدة والعمل على إنشاء "جيش سري" باسم "الشباب المؤمن" منذ العام 1997 سرعان ما انتقل بعد غزو العراق من التظاهرات إلى تحدي السلطة في أسواق صعدة، وبات عدد أنصاره المسلحين يقدر بأكثر من ألفي عنصر معظمهم من الشباب الزيدي العاطل عن العمل.(22/112)
وبعد مقتل الحوثي إثر عملية التمرد الأولى التي أدت حسب بعض الأرقام إلى مقتل أكثر من ألف من أنصاره وجرح الآلاف وتدمير العديد من القرى والمنازل واعتقال مساعده عبد الله الرزامي دخلت السلطة اليمنية في حوار مصالحة مع والده أدت إلى الإفراج عن المئات من أنصاره مقابل التزام من الأب بعدم تبني أو دعم نداءات الثأر واستئناف التمرد على السلطة وكذلك من عبدالله الرزامي نفسه الذي أطلق سراحه بدوره.
دعم خارجي
وفي تلك الفترة أعلنت صنعاء عن حسم التمرد نهائيا وكذلك عن مصادرتها لوثائق تؤكد ارتباط الحوثي بجهات خارجية وتمويله على أيدي جماعات شيعية في لبنان وإيران والخليج وكشفت أنه كان يعد مسبقا لحرب مسلحة مع السلطة بدليل التحصينات والسواتر التي ميزت بناء قصره في حيدان والكهوف التي أعدت في جبال صعدة وتخزين المواد الغذائية والأسلحة في شكل يكفل الصمود لثلاثة أشهر على الأقل.(22/113)
لكن مقتل حسين الحوثي لم يضع حدا للتمرد. وحتى قبل انفجار "التمرد الثاني" كانت الأوسط المطلعة في صنعاء وصعدة تتحدث عن أن قضية "الحوثيين" هي أخطر بكثير مما قيل وأعلن، وأن الخفي منها أخطر وثمة أبعاد غير يمنية تجعل من الصعب حسم المسألة بوفاة الحوثي. وبالفعل ظلت الشائعات تتواتر طوال الأشهر الماضية عن أن أقارب الحوثي وأنصاره وأتباعه مازالوا يعملون على "الثأر" وتحريك قضية ويخططون لزعزعة الاستقرار والأمن في البلاد وتحدي السلطة ويبدو أن المخابرات اليمنية كانت تعد تقارير دورية عن تحركات مشبوهة "للشباب المؤمن" في مناطق صعدة، وحتى تعز وأب وذمار، وغالبا ما تلجأ مجموعات حوثية إلى إثارة اضطرابات وعمليات تعكر الأمن خصوصا في محافظة صعدة. وتضيف المعلومات أن التقارير اليمنية اعتبرت أن جماعة الحوثي باتت تشكل خطراً أكبر حجماً من خطر "القاعدة" مشيرة إلى ارتباطات خارجية مشبوهة تضمن وصول مبالغ مالية خيالية لها تستخدمها في شراء الأسلحة الثقيلة وبناء التحصينات في شكل مريب،وتجنيد مقاتلين تتراوح مرتباتهم الشهرية بين 50 دولاراً ومائتي دولار وهي أرقام مرتفعة جداً قياسا للأجور في اليمن وللقدرات المالية المعروفة للشيخ بدر الدين الحوثي.
وفي معلومات "الوطن العربي" أن هذه التعبئة السرية للحوثيين قادت بدورها إلى استعدادات بعيدة عن الانظار للقوات المسلحة اليمنية في مناطق الشمال بحيث أدى انفجار "التمرد الثاني" بسرعة إلى حرب طاحنة استخدمت فيها الدبابات والطائرات الحربية وقادت إلى معارك دموية جدا أدت واحدة منها فقط إلى سقوط أكثر من مائتي قتيل من الحوثيين وثلاثين من القوات النظامية في يوم واحد.
أصابع إيرانية(22/114)
ولا شك في أن وحشية المعارك لعبت دوراً في إبعادها عن كاميرات الإعلام المحلي والدولي وهذا ما زاد من الغموض الذي أحاط بما جرى في محافظة صعدة في الأسابيع الثلاثة الماضية، رسميا انتهت الحرب بالحسم وسيطرة القوات الرسمية ومقتل القائد العسكري للتنظيم عبد الله الرزامي، لكن المراقين في الداخل والخارج مازالوا يترقبون مفاجآت عديدة على خط هذه الحرب التي وضعت سلطة الرئيس اليمني أمام اختبار جدي وخطير وشكلت أخطر تهديد من نوعه منذ حرب الانفصال لجر اليمن إلى مرحلة حروب داخلية وصراعات أهلية تتخذ أبعاداً مذهبية هذه المرة.
وفي معلومات "الوطن العربي" أن هواجس هؤلاء المراقبين تنطلق من حتمية وجود أصابع خارجية وبدأت تحرك صراعات مذهبية في اليمن وتحديداً على خط الأقلية الزيدية المعروفة باعتدالها وابتعادها عن الشيعة الإيرانية. وهذا الاعتدال ظهر بوضوح في رفض غالبية علماء الدين الزيديين لطروحات الحركة الحوثية ومغامراتها وعدم تبني دعوات الحوثي "الإمامية" و "السلالية" وإعلانه الحرب على السلطة وتهديد استقرار اليمن ووحدته في "جهاد" مثير للشبهات.(22/115)
وفي الوقت الذي يخشى اليمنيون "ظهورا ثالثا" لتمرد الحوثي عبر حرب عصابات وعمليات اغتيال وتفجير وتفخيخ ينفذها الهاربون إلى الجبال ضد مؤسسات الدولة ورموزها يحتمل أن تتوسع إلى خارج صعدة، وتتوجه أنظار المراقبين نحو السلطات العليا في اليمن لمعرفة ما إذا كانت ستكشف هذه المرة ما جمعته من معلومات عن الأدوار الخارجية في صعود الحوثيين ونشوء هذا التيار الشيعي المتشدد. فهذه المرة قررت سلطات صنعاء اتهاماتها للأيادي الخارجية وتحدثت عن ضبط مساعدات لوجستية من الخارج، لكن صنعاء لم تصل إلى حد توجيه اتهام مباشر لإيران على الرغم من قيام الخارجية اليمنية باستدعاء السفير الإيراني في عز معارك صعدة، لكن هذه التحفظات اليمنية التي ترتبط حسب البعض باعتبارات اقتصادية واتفاقيات ثنائية عقدت مؤخرا لم تمنع العديد من المراقبين وحتى المسؤولين في صنعاء وخارجها من الإشارة مجددا إلى ارتباطات مشبوهة ومفاجئة .. بين التيار المتشدد في إيران والتيار الشيعي المتشدد في اليمن الذي يمثله الحوثيون.
وفي قناعة هذه المصادر أن ثمة جناحا إيرانيا نافذا جدا مازال يعمل على شن حرب استباقية ضد الأميركيين عبر تهديد مصالحهم في المنطقة وذلك بهدف إفشال المشروع الأميركي وقطع الطريق أمام كل السيناريوهات الأميركية لتغيير النظام في إيران وبالفعل لوحظ أن غالبية التقارير الاستخبارية التي أعدت عن أحداث صعدة الأخيرة وتحريك الحوثيين كانت تكرر قراءتها السابقة لانتفاضة الحوثي الابن ولكن هذه المرة بشبهات أكثر وضوحاً في دور إيراني يتجاوز تقليد تجربة حزب الله أو "جيش المهدي" ليتجذر من تهديد بجمهورية إسلامية يمنية على الطريقة الإيرانية أو بإقليم إسلامي على الأقل.(22/116)
وفي معلومات هذه الأجهزة أن تحريك وإنشاء تيار شيعي متشدد وانقلابي في اليمن يصب في خانة استراتيجية إيرانية لاختراق الشيعة العرب وتأليبهم في أكثر من دولة عربية، ولفتت هذه الأجهزة أولا إلى زيارات مشبوهة قام بها "حوثيون" إلى إيران وزيارات "إيرانية" مثيرة للشبهات إلى اليمن ولقاءات سرية مع جماعات زيدية مرتبطة بـ "الشباب المؤمن" وخلال المعارك الأخيرة لحظت المصادر المراقبة حملة التعبئة التي تشنها جهات إيرانية محسوبة على تيار خامنئي للدفاع عما يتعرض له "الشباب المؤمن" في اليمن ودخلت في هذه الحملة جميع وسائل الإعلام الإيراني المحسوبة على تيار المرشد كما بدا لافتا الاهتمام الشديد الذي أبداه تلفزيون المنار التابع لحزب الله في لبنان بتغطية أحداث صعدة وخصوصاً نقل البيانات المؤيدة للحوثيين، واللافت أيضا أن هذا الاتهام الإيراني تزامن مع صدور تقارير تتحدث عن حملات دعم سرية خارجية لجماعات الحوثي وتشير إلى استعدادات قيادات حوثية لاستئناف الحرب ضد النظام والسلطة في اليمن عبر "حرب عصابات" يشنها هذا الجيش الذي يقال أنه في صدد تغيير اسمه من "الشباب المؤمن" ليختار واحدا من اسمين معبرين: إما "حزب الله اليمني"، أو "جيش الإمام"!!
قبل ان تصبح صعدة دارفور أخرى
فهمي هويدي
الشرق الأوسط 13/4/2005
إلى متى يظل العالم العربي متفرجا على ما يحدث في اليمن؟ ليست عندي إجابة على السؤال، لكن أتمنى ألا يظل بلا إجابة، لأنني لا أتصور أن يشهد بلد عربي صراعا دمويا أقرب إلى الحرب الأهلية، يستمر عشرة أشهر، ثم نظل جميعا نتابعه كمتفرجين ومشاهدين، دون أن يحرك ذلك فينا ساكنا، بل نقرأ أخباره وعناوينه في صحف الصباح ونحن نتثاءب، كأن الأمر لا يعنينا من قريب أو بعيد وكأنه شأن «أمة» أخرى، وحاصل في كوكب آخر.(22/117)
خلال الأسبوع الأخير على الأقل كانت أخبار اليمن في الصحف العربية تبث تحت العناوين التالية: اشتباكات ضارية مع «الحوثيين» والجيش يكثف هجماته بالمدفعية والصواريخ ـ حرب شوارع في صعدة والمتمردون يهاجمون منشآت حكومية ـ مائة قتيل خلال 24 ساعة ـ قصف آخر معاقل المتمردين بعد رفض الحوثي عفوا بضمانات ـ تصعيد في صعدة وهجومان انتقاميان في صنعاء ـ السفارة الأميركية تغلق أبوابها بعد البريطانية... الخ. هذه العناوين لا تبدو جديدة للمتابع للشأن اليمني، وإنما تكاد تكون استنساخا لعناوين أخرى طالعناها ابتداء من شهر (حزيران) الماضي، حيث ما زلت احتفظ بقصاصة تضمنت أول خبر في انفجار الصراع في شمال اليمن، نشرته صحيفة «الأهرام» القاهرية في 22/6/2004، كان عنوانه كالتالي: مواجهات دامية بين القوات اليمنية وأنصار زعيم ديني بمحافظة صعدة. وفي ثنايا تصريح لمدير أمن محافظة صعدة العميد محمد صالح طريق، قال ان السلطات تصدت لمحاولات التخريب والأفكار الدخيلة التي دعا إليها أنصار عضو مجلس النواب السابق حسين بدر الدين (الحوثي)، الذين دأبوا على إثارة النعرات الطائفية، وحشد المواطنين ضد السياسة اليمنية والأميركية من خلال المساجد. وهو ما أدى إلى قتل ستة عسكريين على الأقل ومقتل عدد غير معروف على الجانب الآخر.
هذا الذي نشر في منتصف العام الماضي اصبح خبرا ثابتا تردده الصحف بذات المضمون مع اختلاف في التفاصيل، فدائما ثمة قتال يخوضه الجيش بالطائرات والصواريخ، وبمشاركة من الحرس الجمهوري ضد «متمردين» في صعدة، والقصف مستمر في جانب، والرد لم يتوقف من الجانب الآخر، والقتلى يتساقطون على الجانبين. ورغم ان الصحف نشرت في 11/9 من العام الماضي ان العمليات العسكرية انتهت بمقتل حسين بدر الدين الحوثي، لكن تبين أن القتال تجدد مرة أخرى هذه المرة تحت قيادة بدر الدين الحوثي، الأب البالغ من العمر 80 عاما.(22/118)
ماذا يكون شعور المواطن العربي وهو يتلقى مثل هذه الأخبار كل صباح؟
أقر في هذا الصدد بأن المعلومات شحيحة للغاية عن الحاصل في شمال اليمن، وهو ما يستلفت الانتباه، حتى ليبدو معه أن ثمة تعتيما عما جرى ويجري، وان الأزمة ليست مقصورة على الصدى العربي المفترض للحدث، ولكنها أيضا قائمة فيما يخص المعرفة بالحدث، حيث لا بد أن يستغرب المرء في ظل ثورة الاتصال الحاصلة، وفي أجواء الحديث عن الشفافية والتأكيد على حق الناس في المعرفة، باعتباره من حقوق الإنسان التي يتسابق الجميع في العالم العربي على التمسح فيها والتعلق بها، أن يحدث قتال شرس لمدة عام في بلد عربي مجاور ـ ليس في جواتيمالا ولا بوركينا فاسو ـ ثم لا نعرف عنه إلا النزر اليسير من المعلومات التي تصدر عن المصادر الرسمية دون غيرها. وهي المصادر التي لا تقول لنا سوى أن ثمة متمردين ومخربين في الشمال رفعوا السلاح في وجه السلطة، التي اضطرت إلى قمعهم وتأديبهم حفاظا على الأمن وحرصا على استقرار الجبهة الداخلية.. هل هذا كل شيء؟(22/119)
في محاولة فهم ما يجري، لم يكن أمامي سوى الاعتماد على المصادر الشفوية، التي تمثلت في روايات من اعرف من بعض الأصدقاء اليمنيين في الداخل. وخلاصة ما قاله هؤلاء أن حسين الحوثي كان عضوا في مجلس النواب، وانه كان مقبولا من القيادة السياسية وليس بعيدا عنها، ولأنه كان منخرطا في بعض الأنشطة السياسية المعارضة في صنعاء، فقد أرادت عناصر في القيادة إضعاف تلك القوى وتفتيتها، فشجعته على الانفصال، لإنشاء تنظيمه المستقل ـ الشباب المؤمن ـ وهناك من يذهب إلى أنها قدمت له تمويلا لذلك الغرض. وبعد أن قطع شوطا في تأسيس حركته، اختلف الحوثي مع الحكومة خصوصا في أعقاب احتلال العراق حيث أعلن الرجل معارضته للاحتلال، ومضى هو واتباعه يجهرون بتلك المعارضة بمختلف السبل، حتى اصبحوا يرددون في مختلف المناسبات هتافات تنادي: الموت لأميركا. بمضي الوقت تطور الخلاف السياسي وأدى إلى تباعد المواقف بين جماعة الحوثي والسلطة، وغذى ذلك الخلاف وعمق الاختلاف المذهبي التقليدي في اليمن، بين الشوافع والزيدية الذين يشار إليهم في اليمن باعتبارهم «هاشميين»، وهو اختلاف ظل من قبيل التنوع الذي يثري المجتمع ولا يفتته، لكنه كان يطفو على السطح في فترات الضعف والتوتر. ورغم أن الزيدية يعدون من الناحية الفقهية أقرب إلى أهل السنة، إلا أن الحوثي وجماعته ذهبوا بعيدا حتى اصبحوا اقرب إلى الشيعة الاثني عشرية، وأغلب الظن أن هتافهم الموت لأميركا وإسرائيل كان من أصداء ذلك التقارب، لأنه ذات الشعار الذي رفعته الثورة الإسلامية في إيران طيلة ربع القرن الأخير.
الخلاف الذي تداخل فيه السياسي مع المذهبي تطور إلى ملاحقة أمنية واشتباك بالسلاح، وكما يحدث في مثل هذه المواجهات فان رفع السلاح شق طريق الدم - شأن طريق الندامة ـ الذي إذا عرف أوله فغالبا ما تتعذر معرفة آخره.(22/120)
ولذلك جرى ما جرى في الصيف الماضي، وانتهى الأمر بقتل حسين الحوثي، لكن القتل جدد النار ولم يطفئها، فقاد الأب العجوز معركة «الشباب المؤمن» ضد السلطة، والتي ما زالت دائرة حتى الآن، وما برحت عجلتها الشهيرة تحصد الأرواح وتخرب الديار وتهلك الزرع والضرع. وفيما فهمت فان الأب كان قد ذهب إلى صنعاء ساعيا إلى الإفراج عن المعتقلين من أبناء صعدة وحركة الشباب المؤمن ولكنه لم يلق تشجيعا أو استجابة ربما لمظنة ان قتل الابن أنهى دور الحركة، فعاد الرجل لكي يقود «التمرد» ويعاود الاشتباك مع السلطة للضغط عليها.
قد لا تكون بعض هذه الروايات دقيقة، لكن ما وجدته محل اتفاق بين جميع من رجعت إليهم أن دور السلاح في المسألة كان اكبر بكثير من دور السياسة، وان جهود أجهزة الأمن ظلت مقدمة على مساعي القوى السياسية، كما أنني لا أستطيع أن أتجاهل ملاحظة أحد السياسيين اليمنيين المستقلين الذين حدثتهم في الموضوع، أن الأمر في صعدة إذا لم يتم احتواؤه فقد يتفاقم، ويتحول إلى «دارفور» أخرى. تشد انتباه العالم الخارجي والمنظمات الدولية، وتهدد استقرار اليمن وتفجر فيه صراعات أخرى.(22/121)
ما الذي يستطيع العرب أن يفعلوه لكي يتجاوز اليمن تلك الأزمة بمختلف تداعياتها واحتمالاتها؟ يستحق الأمر تفكيرا متعمقا من كل معنى بالشأن العربي والإسلامي أيضا، غير أنني أذكر في هذا الصدد بأن الأزمة التي حدثت بين اليمن والسعودية في عام 1934 اسهم في حلها تدخل عدد من الشخصيات العربية المهجوسة بهم الأمة، من أمثال الأمير شكيب ارسلان من لبنان ومحمد علي علوبة (باشا) من مصر وعبد العزيز الثعالبي من تونس وعلال الفاسي من المغرب وكان ذلك قبل أن تولد الجامعة العربية أو منظمة المؤتمر الإسلامي، وقبل ان يكون لعصبة الأمم دور يذكر في الساحة الدولية، المدهش والمحزن انه حين توفرت تلك المنظمات والآليات أصبحنا نحتار في حل أي مأزق عربي، من قضية الصحراء بالمغرب إلى قضية صعدة في اليمن، مرورا بالحاصل في دارفور وإريتريا ناهيك من العراق.
في هذا السياق يخطر لي السؤال التالي: ترى هل يستطيع اتحاد علماء المسلمين الذي لم تصبه شيخوخة بعد، أن يفعل شيئا يعيد الوئام إلى اليمن ويهدئ خواطر الغاضبين في صعدة، قبل أن تتحول إلى «دارفور» أخرى؟
والد الحوثي يقود التمرد الجديد في اليمن
وكالة الصحافة الفرنسية 14/4/2005
أثار التمرد الذي أكدت السلطات اليمنية أنها قضت عليه هذا الأسبوع جدلا كبيرا حول النزعات المذهبية في البلاد وخصوصا داخل المذهب الزيدي نفسه الذي ينتمي إليه الرئيس علي عبد الله صالح ومعظم القبائل اليمنية في المناطق الشمالية.
وأعلنت السلطات اليمنية أنها قضت على ما أسمته «النعرة الطائفية». وأكدت وزارة الدفاع مساء الثلاثاء انتهاء كافة العمليات الأمنية والعسكرية في شمال غرب اليمن مع استمرار ملاحقة زعيم حركة التمرد بدر الدين الحوثي بعد أسبوعين من المعارك التي أوقعت نحو 280 قتيلا.(22/122)
وكانت السلطات كسبت الجولة الأولى من هذا الصراع الذي كان قد أسفر عن مقتل اكثر من 400 شخص من الجانبين، ومنهم حسين الحوثي الداعية المتطرف وزعيم الحركة المتمردة الذي قتله الجيش في أيلول 2004 بعد حوالي ثلاثة اشهر من إعلانه التمرد.
وتؤكد السلطات أن بدر الدين الحوثي والد حسين بدر الدين الحوثي والذي يعد أحد المرجعيات الدينية للزيديين هو الذي يقود التمرد الجديد.
ويعتبر بدر الدين الحوثي المرجع الروحي لـ «الشباب المؤمن» وهي حركة متطرفة تأسست عام 1997. وأبرز الزعماء المطلوبين في هذه الحركة هم نجله عبد الملك الحوثي وعبد الله الرزامي ويوسف المدني.
وأكد مرتضى زيد المحطوري رئيس مركز بدر لتعليم المذهب الزيدي في صنعاء، أن الحوثي لا يمثل المذهب الزيدي. وقال لوكالة فرانس برس أن «الحوثي لا يمثلني ولا يمثل المذهب الزيدي».
واتهمت السلطات اليمنية الحوثي وأنصاره «بالغلو والخروج عن المذهب الزيدي» وبأنه يثير «نعرة طائفية تضر بوحدة البلاد».
وكان علماء الزيدية في صنعاء تبرأوا من حركة الحوثي وادعاءاته، وذلك في بيان أصدروه خلال المواجهات المسلحة الأولى بين أنصار الحوثي وقوات الجيش والتي انتهت باعتقال نحو 800 من أنصار الحوثي لا يزالون يقبعون في المعتقلات.
ويندد التيار المعتدل في المذهب الزيدي الذي يتحدر منه الرئيس اليمني ورئيس البرلمان، الشيخ عبد الله الأحمر الذي يتزعم حزب الإصلاح أبرز حزب إسلامي معارض،بحركة التمرد.
ويتميز اتباع المذهب الزيدي الشيعي الأصل بالاعتدال والتسامح. وقد استمدوا اسمهم من الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبى طالب (699- 740 م)، الذي يعتبرونه خامس وآخر الأئمة.
وتركزت التهم التي وجهتها السلطات اليمنية إلى حسين بدر الدين الحوثي بالخروج على الشرعية الدستورية والتعصب العنصري والسلالي وادعاء الإمامة والخروج على الحاكم.(22/123)
وفي تموز الماضي، اتهم الرئيس صالح «جهات خارجية» بدعم التمرد من دون أن يحدد هذه الجهات.
وكان بدر الدين الحوثي قال في حوار صحافي نشرته أسبوعية «الوسط» اليمنية المستقلة منتصف آذار الماضي أن نجله حسين كان داعية إلى الحق «ومقاوما للأميركيين واليهود».
وأضاف أن حسين أعلن صراحة أن الحكم وفقا للنظرية الفقهية والمذهبية لا يكون إلا في «البطنين» من سلالة الإمامين الحسن والحسين نجلي الخليفة علي بن أبي طالب.
وكان حسين الحوثي مثل في البرلمان من 1993 إلى 1997 حزب «الحق»الديني التقليدي ثم انشق عنه عام 1997 ليؤسس حركته المسلحة «الشباب المؤمن».
وفي 2003،بدأ ينظم عبر البلاد تظاهرات معادية للولايات المتحدة مما أثار حذر السلطات منه.
ثم تحصن مع قرابة 3000 من أنصاره في جبال مران قرب الحدود مع السعودية على بعد نحو 250 كلم شمال صنعاء. وقبل مقتله، قال الداعية لوكالة فرانس برس أن نزاعه مع الدولة نجم عن مواقفه المناهضة للأميركيين.
وكان الحوثي يأخذ أيضا على السلطات عدم التزامها بالشريعة الإسلامية وخصوصا في المدارس. وكانت حركته بدأت بعمليات بهدف منع التلاميذ من الذهاب إلى المدارس.
ووصف الحوثي الرئيس صالح بأنه «جبار طاغية لم تعد له شرعية دينية ولا ديموقراطية ويتقرب بدماء أبناء شعبه لأمريكا وإسرائيل».
ويعود تاريخ المذهب الزيدي في اليمن إلى عام 897 م بدخول الإمام يحيى بن الحسين الحسني الرسي الذي لقب نفسه ب«الهادي إلى الحق».
ويعود اصل الإمام يحيى إلى جبل الرس في المدينة المنورة (السعودية) التي قدم منها إلى صعده بدعوة من عدد من قبائل اليمن لحل نزاعات بينها.
وقد استطاع خلال 12 عاما أن يؤسس الدولة الزيدية الأولى التي اتخذت من صعدة عاصمة لها واستمرت حتى 1052.(22/124)
وتستند الزيدية في أصولها الفقهية إلى مذهب الإمام زيد الذي لا يعترف بعصمة الأئمة ونظرية المهدي المنتظر مثل بعض فرق الشيعة الأخرى وخصوصا الاثنا عشرية. ويجيز المذهب الزيدي الخروج على حكم الظلمة .
ويشكل معتنقو المذهب الزيدي الذين ينتسبون إلى أسر هاشمية أو القبائل القحطانية، بين 25 وثلاثين بالمئة من إجمالي السكان الذين يقدر عددهم بنحو 21 مليون نسمة غالبيتهم من السنة.
والمذهب الزيدي هو اقرب المذاهب الشيعية إلى السنة وهذا ما يفسر حالة التعايش المذهبي بين الزيدية والسنة في اليمن على مدى قرون طويلة لم يشهد خلالها هذا البلد أي شكل من أشكال الصراعات أو الحروب المذهبية. وكانت الحروب والصراعات تتركز على الحكم ومنصب الإمام فقط.
وانتهت تلك الحروب والصراعات بثورة 26 أيلول ( سبتمبر) 1962 التي أعلنها الجيش في صنعاء وقضت على نظام الإمامة بإسقاط الإمام محمد البدر.
تحركات
لإعلان الائتلاف الشيعي الكويتي
كتب خليل خلف:
بعد 48 ساعة من الإعلان عن النية لولادة الكتلة الوطنية الشيعية كما نشر أمس، علمت "الوطن" أن هناك مساعي لإعلان كتلة شيعية أخرى تمثل مجموعة من الأطياف السياسية تريد الانضواء تحت مسمى "الائتلاف الشيعي الكويتي" وذلك سعيا نحو مزيد من التقارب الشيعي ـ الشيعي بما يمكن معه التنسيق في القضايا السياسية والاجتماعية والعقائدية.
فقد علمت "الوطن" أنه في السياق نفسه والانسياب السياسي الذي تجتمع فيه الفعاليات السياسية ورجال الأعمال وبعض من الوزراء السابقين من الشيعة عند الوزير الأسبق عبد المطلب الكاظمي بهدف وضع آلية إنشاء كتلة وطنية شيعية، نجد على الطرف الآخر أطيافا من الكتل السياسية الشيعية تجتمع للعمل على نبذ الخلافات وطرح الآراء الوسطية والاعتدالية فيما بينهم بهدف تشكيل قوة سياسية واحدة بدلا من "التعنت السياسي الشيعي" وفق ما أكده أحد المصادر لـ "الوطن".(22/125)
وقد عقدت اجتماعات دورية ضمت نخبة من المسؤولين والأعضاء الحاليين والسابقين إلى جانب مجموعة من الأكاديميين من السلطتين لوضع آلية "الربط السياسي" بين الكتل المختلفة التي تجتمع لتشكيل تحالف سياسي واحد يعمل وفق النظم الدستورية والقانونية في البلاد بهدف الوصول إلى صوت موحد من الكتلة الائتلافية الشيعية إلى أي جهة معينة.
وهذه الأطياف السياسية التي بدأت بلقاءاتها منذ أكثر من شهر تهدف لوضع آلية اللائحة الداخلية وطريقة للتصويت والقضايا المطروحة على الساحة السياسية وغيرها لمتابعة هذه الأمور كافة وإصدار بيان واحد بدلا من البيانات المتناثرة مما يضعف الأداء للجميع، كما يعمل التجمع على المشاركة في اختيار ممثلي مجلسي الأمة والبلدي وغيرهما من القطاعات عبر التنسيق لهذه الكتل.
والأطياف السياسية التي تجتمع هي التوافق الوطني الإسلامي، والعدالة والسلام، والميثاق الإسلامي، وتجمع علماء الشيعة، ولجنة مسجد الإمام الصادق (عليه السلام)، ولم توجه الدعوة إلى التحالف الوطني الإسلامي.
وعودة إلى هذه الكتل الشيعية السياسية التي تهدف إلى إنشاء تحالف سياسي وقد تحمل اسم "الائتلاف الشيعي الكويتي" إلا أن بعض المجتمعين رأى تغيير المسمى إلى "الائتلاف الكويتي".
وكشفت المصادر لـ "الوطن" أن اللقاءات الحالية بين هذه الكتل السياسية تأتي للقيادات فقط أولاً دون قواعدهم السياسية مما أبرز خلافاً بسيطا تتم السيطرة عليه عند اكتمال النظم واللوائح كافة التي ستنظم آلية العمل السياسي لكل الكتل... حتى يتم إبلاغ القواعد السياسية لكل كتلة على حدة ليتم فيما بعد عقد جمعية عمومية شاملة للقوى السياسية بقواعدها لاختيار الأمين العام.
إلا أن المصادر أكدت صعوبة عمل جمعية عمومية لجمع الكتل وستكون البداية عند التوافق بين الجميع عمل قرعة لاختيار ثلاث شخصيات من القوى السياسية وكل شخصية تكون أمينا عاما للائتلاف لمدة عام واحد.(22/126)
وفي التوجه السياسي نفسه سينظم التوافق الوطني الإسلامي مؤتمراً عن الوحدة الوطنية في 25 و 26 من الشهر الحالي في أحد الفنادق الكويتية وسيلقي فيه النائب صالح عاشور ورجل الأعمال علي المتروك (الذي يقام المؤتمر برعايته) وغيرهما كلمات عن الوحدة الوطنية.
الوطن الكويتية 21/4/2005
التيار الثالث!!
صالح القلاب
الرأي 24/4/2005
لم يسلم شيعة لبنان، أو «المتاولة» كما كانوا يسمون قبل أن تقوى شوكتهم ويصبحوا غير مستصفين لا سياسياً ولا اجتماعياً، من زلزال ما بعد صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1559 واغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، ففي يوم الجمعة الماضي شهدت بيروت تجمعاً للمثقفين ورجال الدين من أبناء هذه الطائفة قاده الشيخ العلامة السيد محمد حسن الأمين بهدف تأسيس تيارٍ سياسي ثالث إلى جانب حزب الله الموالي لإيران وحركة «أمل» الأكثر ولاءً لسوريا.
لقد جاء هذا التحرك لإثبات أن الطائفة الشيعية غير منحازة، لا بأكملها ولا بغالبيتها، إلى ما يسمى بـ «لقاء عين التينة» الذي يضم القوى والشخصيات الموالية لسوريا ومن بينها بالطبع حزب الله بقيادة الشيخ حسن نصر الله و «حركة أمل» بزعامة رئيس مجلس النواب نبيه بري كما وجاء هذا التحرك أيضاً ليكسر احتكار هذين التنظيمين المذكورين لشيعة لبنان لأكثر من ربع قرن من السنوات.
والواضح تماماً أن بروز هذا التحرك، بقيادة السيد محمد حسن الأمين، وهو ابن عائلة قيادية عريقة، بعد رحيل القوات السورية عن لبنان وانحسار نفوذ الأجهزة الأمنية اللبنانية، يدل على أن هناك أغلبية في أوساط شيعة لبنان وان هذه الأغلبية بقيت صامتة على مضض لأن الزعامة الشيعية اختطفت اختطافا من قبل تنظيمين حزبيين، أصبح أحدهما قوة مسلحة، اعتماداً على معادلة إقليمية مستجدة أفرزتها تطورات الحرب الأهلية ومستجدات المعادلات الإقليمية.(22/127)
لم يكن الشيعة اللبنانيون في أي يوم من الأيام، قبل تحولات ومستجدات ثلاثة العقود الأخيرة، إلا إلى جانب المعارضة اللبنانية والى جانب التيارات القومية العربية كلها فحزب البعث قبل أن ينشق وبعد انشقاقه وتحوله إلى بعثيين أحدهما سوري والآخر عراقي كان بأغلبيته حزباً شيعياً جنوبياً وأبناء هذه الطائفة، التي كانت تعيش حياة الإقصاء والحرمان هم الذين احتضنوا المقاومة الفلسطينية منذ أن بدأت بخلايا سرية صغيرة والى أن غدت «فتح لاند» في جبل عامل والمناطق الجنوبية.
كانت الزعامة السياسية لهذه الطائفة، قبل أن تظهر حركة «أمل» وقبل أن يظهر «حزب الله» بعد انتصار الثورة الإيرانية، شبه محصورة في أربع عائلات أرستقراطية رئيسية هي : عائلة الأسعد والخليل وحمادة وعسيران بينما كانت زعامتها الدينية تنحصر إلى حد كبير في عائلة الأمين وفضل الله ونصر الله ولاحقاً شمس الدين وقبلان.
ولعل ما غدا معروفاً، وبخاصة بالنسبة للبنانيين، أن صعود نفوذ القوى الشيعية الحركية الشابة الجديدة، الممثلة بحركة «أمل» وميليشياتها و «حزب الله» وأسلحته وجيوشه قد قابله تراجع وفي بعض الأحيان تلاشي نفوذ العائلات السياسية والدينية التقليدية وهنا وإذا جاز ذكر بعض هذه العائلات فإنه يمكن ذكر عائلة الأسعد وعائلة الأمين التي ينتمي إليها محمد حسن الأمين، ابن العلامة الشهير حسن الأمين، الذي قاد تحرك يوم الجمعة الماضي.
وبالطبع فإن «حزب الله» و «حركة أمل» على ما بينهما من تنافس ونزاع قد بادرا فوراً إلى اتخاذ موقف الهجوم إزاء هذا التحرك الشيعي الجديد وقد اتهماه، حتى قبل أن يُشهر نفسه ويعلن منطلقاته، بأنه «قرنة شهوان شيعية» وأنه مؤسسية من «العرفاتيين» القدماء وأنه ضد المقاومة ومع القرار الدولي رقم 1559 وأن له علاقات بدول «رجعية»!! مطبعة مع إسرائيل ومضادة للثورة الإسلامية ولنظام سوريا التقدمي!!.
خطة "سرايا الموت" للتفجير والاغتيالات في لبنان(22/128)
الوطن العربي ـ العدد 1466- 8/4/2005
فوجئ الرئيس السوري وهو يستقبل ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في مدينة حلب في أوائل الشهر الماضي بالسيد تيري رود لارسن يتجاوز حصوله على التزام رسمي ونهائي بسحب القوات والمخابرات السورية من لبنان قبل مايو "أيار" المقبل، وتعهد بتقديم الجدول الزمني المطلوب في اللقاء المقبل .
وتقول مصادر "الوطن العربي" إن لارسن فاتح الدكتور بشار الأسد بأهمية أن تساعد سورية على عدم زعزعة الاستقرار في لبنان وحصول أية فراغات سياسية أو أمنية، بل يقال إنه طلب منه المساعدة على حل مسألتي نزع سلاح "حزب الله" والمخيمات الفلسطينية. وتضيف المصادر أن الرئيس السوري الذي فوجئ بهذا الطلب الدولي، أجاب ممثل أنان بمثل ما سبق أن أجاب به أحد المسؤولين الأميركيين قائلا: إن انسحاب سورية من لبنان سيتم تنفيذاً للقرار 1559 وبعدها لن تكون لنا علاقة بما يجري في هذا البلد. وأضاف: إن سورية ليست جمعية خيرية وهي مستعدة لتقديم هذه المساعدة بلا ثمن ولا مقابل.
والواقع أن جواب الرئيس السوري كان يخفي حجم خيبة دمشق من كل المساعي السابقة التي بذلتها لمقايضة طريقة انسحابها من لبنان بضمانات قيل إنها بلغت أمام التشدد الأميركي الدولي في النهاية حد الحصول على وعد دولي، وخصوصاً من أصحاب القرار 1559، بان تتوقف المطالب الأميركية عند حدود لبنان وألا تتطور إلى قرار أميركي رسمي وربما دولي بتغيير النظام في دمشق. وبعد صدور تقرير فيتز جيرالد حول "حقائق" جريمة اغتيال الحريري الذي كان له وقع الصاعقة في سورية بذلت دمشق جهودا إضافية لمقايضة رعاية هدوء الساحة اللبنانية لما بعد الانسحاب بضمانات أخرى تتعلق هذه المرة بعدم وصول محكمة التحقيق الدولية إلى دمشق والمطالبة بمحاسبة أو محاكمة مسؤولين فيها.(22/129)
لكن يبدو ـ حسب معلومات المصادر المطلعة ـ أن باب الحوار والضمانات الدولية، وتحديداً الأميركية بات مقفلاً على أي نقاش وأن لغة التعامل التي تتبعها واشنطن ومعها باريس ويتبناها ممثل الأمين العام للأمم المتحدة هي تنفيذ أوامر باتت تمتلك شرعية دولية.
وبالعودة إلى مباحثات الأسد ـ لارسن في حلب تشير المصادر إلى أن الممثل الدولي لم يلتزم بأية ضمانات، بل أنه نقل تقارير تفيد بأن ثمة أجهزة سورية ولبنانية تابعة لها تعمل على زعزعة الأمن والاستقرار وإعادة شبح الحرب الأهلية إلى البلد بعد الانسحاب السوري منه. واستدرك لارسن مضيفاً تحذيرات من أن تسعى الدول الكبرى المعنية إلى تحميل سورية كل المسؤولية عن أي عبث بالأمن والاستقرار وعرقلة استعادة لبنان سيادته واستقلاله.
وفي المعلومات أن تلك التقارير التي قادت إلى تحذير سورية من دفع ثمن غال لزعزعة استقرار لبنان كان قد بدأ تداولها في أوساط الأجهزة الاستخبارية الناشطة في لبنان، قبل ظهور موجة التفجيرات التي ضربت ثلاثة منها المنطقة المسيحية في لبنان في الأسبوعين الماضيين وأدت إلى رفع مستوى الشبهات في علاقة أجهزة سورية بها، وبالتالي تصعيد التحذيرات والتهديدات المعلنة والسرية لدمشق.
أبو العينين في دمشق!
وفي معلومات "الوطن العربي" أن أول الشكوك في وجود مخطط سرى سوري للاستمرار في اختراق الساحة اللبنانية والعمل على إعادة إحياء تنظيمات مسلحة أو إنشاء خلايا سرية تتولى مهمة تفجير الأوضاع، وحتى حسب، بعض التقارير، تمهيد الأجواء لفتنة مذهبية وطائفية وحرب أهلية دموية كانت قد انطلقت في أوائل هذا العام. في تلك الفترة ظهر أول تقرير أمني خصص لتفاصيل الزيارة السرية التي قام بها أمين سر حركة "فتح" في لبنان العقيد سلطان أبو العينين لدمشق.(22/130)
وعندما كشفت بعض الصحف اللبنانية عن الزيارة التي قام بها أبو العينين إلى دمشق، تمحورت تعليقات المراقبين على طرح الأسئلة عن كيفية انتقال المسؤول الفلسطيني المطلوب من القضاء اللبناني من مخيم الرشيدية في صور إلى العاصمة السورية بدون أن يعترضه أو يعتقله أحد. وجرى تفسير ذلك على أنه يعكس عودة الرضا السوري على أبو العينين وصدور عفو غير معلن عنه كانت ترجمته استضافته في سورية من جانب نائب وزير الخارجية المكلف حديثاً بالملف اللبناني وليد المعلم.
لكن تقريراً لأحد الأجهزة الأمنية الغربية كشف عن الجانب الأخطر في زيارة أبو العينين، مشيراً إلى أن المسؤول الفلسطيني لم يلتق فقط بنائب الوزير السوري، بل إن أهم لقاءاته كانت مع جهات رفيعة المستوى تابعة لواحد من أصل الـ 14 جهازاً أمنياً فاعلا في سورية وهي جهات تعتبر ناشطة جداً على خط إعداد استراتيجية دفاع سورية لمواجهة حملة المعارضة المطالبة بتطبيق القرار 1559 والانسحاب العسكري والأمني والسياسي السوري من لبنان.
وكشف التقرير أن أبو العينين التقى في دمشق بثلاثة ضباط كبار في المخابرات وأن المباحثات ركزت على دراسة سبيل التعاون في المرحلة المقبلة بين فلسطينيي المخيمات اللبنانية وجهاز المخابرات السوري هذا.
ووصل تقرير في تفصيله لهذه المحادثات إلى حد الحديث عن عرض سوري تلقاه سلطان أبو العينين يطلب منه مساهمة فلسطينية بالرجال والسلاح من أجل إعادة تأسيس "منظمة الصاعقة"، وهي المنظمة الفلسطينية التي اشتهر بزعامتها زهير محسن واكتسبت شهرة في حرب السنتين بلعبها الدور الفلسطيني الأبرز وبخوضها العديد من المعارك وكانت المنظمة الفلسطينية المحسوبة كلياً على سورية.(22/131)
ويضيف التقرير أن ضباط جهاز المخابرات السوري الذين اجتمعوا بسلطان أبو العينين أثاروا معه أيضاً إمكانية مشاركة الفلسطينيين بإعادة إنشاء وتسليح تنظيم مسلح آخر من أيام الحرب اللبنانية، كان يعتبر تنظيماً سنيا مدعوماً من الفلسطينيين وهو حركة "المرابطون" التي اشتهر بزعامتها إبراهيم قليلات وخاضت معظم معاركها على جبهات بيروت وكذلك العمل على تنسيق عمليات منتظرة لتنظيمات إسلامية أصولية سلفية متشددة لجأت إلى بعض المخيمات الفلسطينية في السنوات السابقة ومنها تنظيم "عصبة الأنصار" بزعامة أبو محجن وتنظيمات أخرى قليلة العدد ولدت في السنتين الأخيرتين على خلفية "الجهاد في العراق" وأسهمت في تجنيد وإرسال متطوعين لمحاربة الأميركيين هناك.
شيراك ـ أبو مازن
ويقول التقرير إن أبو العينين فوجئ بهذا الطلب ـ أو العرض ـ السوري إلى درجة أنه طلب مهلة لدراسة الأوضاع على الأرض قبل الجواب.
في هذا الوقت وصلت أخبار وتقارير هذه الاتصالات السورية إلى القيادات الفلسطينية ومنها إلى الرئيس محمود عباس "أبو مازن" وكانت محور أكثر من اجتماع لقيادات فتح والسلطة الفلسطينية انتهت إلى اتخاذ قرار بالرفض وعدم السماح بإدخال الفلسطينيين طرفاً في أي صراع لبناني ـ لبناني محتمل أو مخطط له.
وفي معلومات مصادر مطلعة أن القضية وصلت إلى عواصم غربية وعربية معنية ومهتمة ومن بينها باريس، وأن الرئيس الفرنسي سارع بعدها إلى إجراء عدة اتصالات بأبو مازن تمحور موضوعها الرئيسي على ضرورة تحييد المخيمات الفلسطينية والبحث في مخارج سلمية للبند الوارد في القرار 1559 والمطالب بنزع أسلحة الميليشيات الخاصة وتحديداً المخيمات الفلسطينية.(22/132)
وتشير المعلومات إلى أن أبو مازن أبدى حرصاً شديداً على عدم إدخال الفلسطينيين في لبنان كطرف في المعادلة الداخلية ورفض استخدام سلاح المخيمات. وتطرق الحديث إلى البحث في حلول سلمية تم الاتفاق عليها ومنها العمل على فتح سفارة فلسطينية في لبنان تتولى تمثيل الفلسطينيين والحديث باسمهم، والثاني إقناع الحكومة اللبنانية الجديدة باتخاذ إجراءات ملموسة لتحسين الأوضاع المعيشية للفلسطينيين وتوفير خدمات صحية وتربوية أفضل لهم في انتظار التوصل إلى حل لوجودهم في لبنان في إطار المفاوضات الجارية على خط المسار الفلسطيني ـ الإسرائيلي، وعندها لا مانع من تسليم السلاح.
وبالفعل قامت السلطة الفلسطينية قبل أيام بتسريب معلومات عن تعيين مستشار عرفات السابق رمزي خوري أول سفير فلسطيني في لبنان فيما اعتبر رسالة فلسطينية رسمية مفادها أن المخيمات الفلسطينية ليست في وارد اعتماد "خيار المواجهة" مع لبنان وفيه. وفي معلومات بعض المصادر أن الرفض الفلسطيني الرسمي للعرض السوري باستخدام سلاح المخيمات في لبنان دفع بالجهاز الأمني السوري الذي "دعا" سلطان أبو العينين لزيارته إلى البحث عن خيارات بديلة.(22/133)
وكشف تقرير غربي قبل أيام عن هذه البدائل السورية بإشارته إلى اتصالات على عدة جبهات: الأولى شملت العمل مباشرة مع الجماعات الإسلامية المتشددة بما فيها المتواجدة في بعض المخيمات الفلسطينية، وخصوصاً في عين الحلوة قرب صيدا والبداوي قرب طرابلس وأبرزها جماعة "أبو محجن" وبعض الفلسطينيين الذين انضموا إلى "المجاهدين" في العراق. والثانية بحثت في تكليف جهة استخبارية لبنانية في البحث في عملية إحياء جناح باسم "المرابطون" وتوفير السلاح لهم. وفي حال تعذر ذلك، يتم إنشاء ميليشيا سنية بيروتية بأي مسمى وتسليحها. والثالثة: العمل على تجنيد عناصر فلسطينية إفرادياً أو تنظيما في كل المخيمات في لبنان وسورية وحتى الأردن، والاستعانة بقيادات فلسطينية كانت محسوبة على سورية بولاء كامل وطلب مساعدتها على إنشاء تنظيم فلسطيني مسلح قادر على العمل سراً أو علناً في المخيمات في لبنان.
وفي هذا الإطار، كشف أحد التقارير أن فكرة "الصاعقة" قد أعيد إحياؤها من خلال جماعات فلسطينية متفرقة تنتمي إلى تنظيمات وتيارات كانت معروفة بولائها لسورية وبانضمامها إلى ما عرف بجهات الرفض. ويزعم هذا التقرير أن التوجه السوري قد انتهى إلى تقديم "العرض" إلى أحمد جبريل زعيم الجبهة الديمقراطية ـ القيادة العامة المقيم في دمشق، وبالتالي الاعتماد على معسكرات القيادة العامة في لبنان كرديف لما كانت عليه "الصاعقة" بالتعاون مع تنظيمات فلسطينية أخرى مثل فتح الانتفاضة التي كان يتزعمها أبو موسى أو تنظيمات منشقة أو جديدة يجري إنشاؤها، يذكر البعض هنا اسم "جبهة التحرير العربية" التي كانت تمول من صدام حسين.(22/134)
ومنذ أسابيع كشفت بعض التقارير عن ظهور عسكري سوري مكثف في بعض قواعد القيادة العامة، وخصوصا في أنفاق تلال الناعمة جنوبي بيروت. وعلى الرغم من نفي قيادة الجبهة لانضمامها إلى هذه "الجبهة السورية" ورفض قيادة "فتح" والسلطة الفلسطينية للعروض السورية، إلى أن التقارير مازالت تتحدث عن وجود مخطط سوري يشمل الاستعانة بالسلاح الفلسطيني في الحرب الداخلية اللبنانية المعد لها في مرحلة لاحقة.
تعبئة الأصوليين
وعلى صعيد آخر، تشير التقارير نفسها إلى تحركات مشبوهة على خطوط أخرى داخل لبنان. وكشفت في هذا المجال أن المخطط السري الذي تزعم أن جهازاً لبنانياً ـ سوريا يشرف عليه بدأ التركيز على تعبئة التنظيمات والأحزاب الإسلامية بمختلف انتماءاتها السياسية والجغرافية.
والمعروف أن في لبنان اليوم مجموعتين إسلاميتين كبيرتين هما "حزب الله" الشيعي و"الجماعة الإسلامية" التي تعتبر فرع لبنان للإخوان المسلمين. لكن يبدو أن التطورات المتوقعة تتجه نحو تنظيمات أخرى يشتبه في أن جهات لبنانية وسورية لجأت إلى إعادة تحريكها وتعبئتها في الأسابيع الماضية استعداداً لاستحقاقات ما بعد الانسحاب.
وتتجه الأنظار في هذا المجال إلى تنظيم "الأحباش" الذي ظهر وتوسع في لبنان في السنوات الأخيرة برعاية وحماية سوريتين واضحتين، بحيث إن هذا التنظيم الأصولي كان يحرص على الاحتفال سنويا بعيد الجيش السوري وأثار في إحدى المرات مخاوف اللبنانيين عندما نظم "تظاهرة السواطير" حيث رفعت عناصره هذه الآلات الحادة. وعلى الرغم من عدم اتضاح موقف الأحباش حتى الآن إلى أن التقارير تتوقع أن يلعب هؤلاء الدور الأخطر في حال تطور الأوضاع إلى فتنة طائفية أو مذهبية.(22/135)
وفي إطار ما يحكى عن أن المخطط السوري يركز على تعبئة القوى والحركات الإسلامية الجهادية وغير الجهادية لصالح "الدفاع عن بقاء دور سورية في لبنان بكل الوسائل"، لوحظ أن التقارير الاستخبارية تولى اهتماماً خاصاً لعمليات تعبئة وإعادة تنظيم وتحريك وحتى اقتناء أسلحة وتدريب بدأت تظهر في أوساط العديد من الحركات والتنظيمات لرسم خريطة قوى إسلامية لمواجهة المتغيرات المقبلة. وفي قناعة هذه الأجهزة أن هذه التعبئة تتجاوز ما يقال عن رغبة سورية في تعزيز مواقع وحركات موالية لها وترك مصادر نفوذ غير مباشرة في اللعبة السياسية.
وتتحدث هذه التقارير عن أدوار مرتقبة لحزب التحرير الإسلامي الذي يرفع شعار "دولة الخلافة الإسلامية" ولوحظ أن هذا الحزب استعاد منذ أسابيع نشاطات سياسية وإعلامية وشعبية مكثفة عبر تظاهرات واعتصامات وبيانات وأن الأجهزة الأمنية لم تعد تتعرض لأعضائه كما في السابق بما يوحي بالرهان عليه في المرحلة المقبلة، وخصوصاً لدى رفع شعار مواجهة التدخل الأجنبي.
وهناك حزب آخر يثير اهتمام معدي التقارير بقدر الاهتمام بدور جمعية المشاريع "الأحباش" وهو حركة التوحيد الإسلامي المنتشرة في شكل خاص في شمال لبنان، ورغم أن هذه الحركة لعبت دوراً في "الحرب ضد سورية" في فترة قيادة مؤسسها الشيخ سعيد شعبان، إلا أن القيادة الجديدة التي انتقلت إلى أولاده ومن ثم دخلت في انشقاقات عادت لتكون محط الأضواء والتساؤلات عن الدور الذي ستلعبه في الفترة المقبلة. والواضح منذ أسابيع أن الحركة تعيش مرحلة إعادة تجميع لمجموعاتها والسعي لتوحيد الاستراتيجية والمواقف لمواجهة التطورات المنتظرة في الشمال.(22/136)
وإلى جانب حركة التوحيد يشهد الشمال اللبناني ظهور حركات إسلامية مصنفة بالجهادية والأصولية المتطرفة التي تعتبر امتداداً مباشراً لتنظيم "القاعدة" في لبنان، وحتى الآن كانت الأجهزة اللبنانية ومعها السورية تسعى إلى إحاطة حجم وعدد التنظيمات الجهادية في لبنان بالسرية والتكتم، لكن آخر التقارير تشير إلى أن خطر ظهور "القاعدة" والجهاديين في لبنان قائم، لافتة إلى أن سابقة تجنيد المجاهدين إلى العراق برعاية رجال دين معروفين وأجهزة سورية ولبنانية معروفة يمكن أن تشكل هاجساً بالنسبة إلى احتمالات استخدام "الجهاديين" في المرحلة المقبلة، على الرغم من المخاطر التي يحملها ظهور هؤلاء بين لبنان والعراق على الساحة السورية الداخلية في المدى المتوسط.
وفي أية حال تشير التقارير إلى أن الجماعات الجهادية المرتبطة بالقاعدة تملك أكثر من قاعدة لها في لبنان سواء في المخيمات الفلسطينية أم في عكار وأن "مجيء الزرقاوي" أو جماعته إلى لبنان هو أكثر من احتمال في حال نجحت مساعي إثارة الخلافات المذهبية والطائفية ومخططات تصوير المعادلة الجديدة على أنها مواجهة مع الأميركيين والغرب.
حتى الآن تحرص التقارير الاستخبارية على اعتبار هذه المعادلات ضمن المخاطر المستقبلية وفي إطار المراحل التالية لما تعتبره مخططاً سوريا سرياً لزعزعة الاستقرار وإعادة الحرب الأهلية إلى لبنان أكثر مما هو "أحصنة طروادة" سورية في لبنان للعمل السياسي.
سرايا الموت
لكن اللافت أن هذه التقارير بدأت منذ التفجيرات الأخيرة بالحديث عن المراحل الأولى لعملية زعزعة الاستقرار هذه في انتظار إعداد وتنظيم أدوات المراحل التالية التصعيدية.(22/137)
وكشفت هذه التقارير التي قادت إلى توجيه ما اعتبر أخطر إنذار لسورية منذ اغتيال الحريري أن المخابرات السورية بدأت عبر جهاز مشترك لبناني ـ سوري بإنشاء أولى الشبكات السرية للعمل على تفجير الأوضاع في لبنان والاستمرار في اختراق الساحة اللبنانية رغم الانسحاب الرسمي العسكري والأمني. ويزعم هذا التقرير ـ الذي أكد على خلفية تقارير أميركية وفرنسية وأخرى تابعة للأمم المتحدة ـ أن أولى هذه الشبكات السرية قد أنشئت منذ أوائل العام وأنها تضم مجموعات مدربة تنتمي إلى أجهزة استخبارية لبنانية وسورية وإلى عناصر من أحزاب موالية في لبنان تملك خبرة في التدريب العسكري والقتال منها عناصر من حزب البعث السوري ومن تنظيمات وأحزاب محلية لبنانية أخرى.(22/138)
ويضيف التقرير أن علمية توزيع أسلحة قد تمت على هذه العناصر بعدما جرى توزيعها على مجموعات وخلايا، وبعضهم استفاد من رخص حمل السلاح التي وزعتها وزارة الدفاع اللبنانية بدون أية رقابة. ويتحدث التقرير أن هذه الشبكات التي تعمل تحت قيادة ضباط من المخابرات السورية جرت إعادة نشرهم في عدة مناطق لبنانية بملابس مدنية واستؤجرت لهم بعض الشقق في الأحياء السكنية ذات الكثافة الموالية لسورية، وثمة معلومات تشير إلى أن القيادة المركزية لهذه الشبكات الاستخبارية انتقلت إلى ضاحية بيروت الجنوبية. لكن أخطر ما في هذا التقرير أن هذه القيادة السورية التي تعمل بتعاون وثيق مع ضابطين كبيرين مسؤولين عن جهازين لبنانيين يعتبران من أخطر المطلوبين بين رؤساء الأجهزة السبعة، قامت في الشهرين الأخيرين بإنشاء وحدات خاصة مهمتها تنفيذ عمليات تفجير وزرع سيارات مفخخة والإعداد لعمليات اغتيال لسياسيين وعسكريين ورجال دين لبنانيين أعدت بهم لوائح تصفية، سواء بهدف إثارة صراعات دموية مذهبية وطائفية أو بسبب معارضتهم الشديدة لمشروع هذه الأجهزة. واعتبر هذا التقرير أن التفجيرات الأخيرة التي حصلت في لبنان هي من فعل هذه الوحدات التي أطلق عليها اسم "سرايا الموت" وزعم أن مسؤولاً استخبارياً سورياً كبيراً هو صاحب فكرة تأسيسها وقدر عدد عناصرها بما بين ألف شخص وألف وخمسمائة شخص بعضهم تلقى تدريبات في معسكرات كوماندوس.(22/139)
وكشفت مصادر أميركية لـ "الوطن العربي" أن هذه التقارير لعبت دوراً في ردود الفعل العنيفة التي صدرت، وخصوصاً عن باريس وواشنطن إثر التفجيرات الأخيرة في لبنان، وهي التي قادت إلى تكرار التحذيرات السرية شديدة اللهجة التي أبلغت للرئيس السوري في الأسبوعين الماضيين بضرورة الإسراع ليس فقط في الانسحاب من لبنان بل في وضع حد لمحاولات الاحتفاظ بأي نفوذ في لبنان والتوقف عن تحريك الفئات أو التنظيمات القادرة على العبث بالأمن. ووصلت هذه التحذيرات الأميركية إلى حد إفهام قيادة دمشق بأن أي تعرض للأمن في لبنان هو خط أحمر وأن أي حادث سلبي ستتحمل مسؤوليته دمشق كائناً من كان منفذه وأن الاستمرار بهذه اللعبة سيكون ثمنه في سورية.
لكن السؤال الذي يطرحه المراقبون المطلعون على التقارير المتشائمة والتحذيرات شديدة اللهجة هو: هل ستؤدي إلى تهدئة الأوضاع في لبنان وإعادة الأمن والاستقرار أم ستكون مشابهة للتهديدات التي حذرت سابقاً من اغتيال الحريري؟ وتتخوف هذه المصادر من أن تكون ثمة جهات سورية قد دخلت في معركة "كسر عظم" مع الأميركيين على جبهة لبنان، كما حصل في العراق، لمنعهم من إكمال المخطط لتغيير النظام في سورية. وهو رهان محفوف بالمخاطر وينذر أولاً بتصعيد مسلسل التفجير في لبنان وتوسيع انتشار سرايا الموت على الساحة اللبنانية تمهيداً لدخول الفئات والتنظيمات الأخرى لفتح جبهات دموية جديدة، مع العلم المسبق أنها ستتجاوز حتماً وبسرعة الحدود اللبنانية إلى سورية وغير سورية.
"الداخلية اللبنانية": سحب الجنسية من 2000 مجنس
عشية الانتخابات النيابية(22/140)
التجاذب حول مسألة التجنيس في لبنان جوهر المشكلة في هذا البلد، وهي العلاقة المتأرجحة بين المسلمين والمسيحيين تحت وطأة الهواجس المتبادلة، إذ يخشى المسيحيون أن يستمر عدد المسلمين بالتزايد على حسابهم، مفترضين أن التفوق الإسلامي في الإنجاب لا يحوجه المزيد من الرفد بمضخة التجنيس مع ما يسببه ذلك من خلل إضافي في التوازن السياسي والديمغرافي.
ويعتقد المسلمون في المقابل أنهم غير مسؤولين عن مخاوف الآخرين وشكوكهم، وأن حصول بعضهم على الجنسية اللبنانية هو حق إنساني ووطني وقانوني في أعقاب عقود من الغبن، بدأت منذ الاستقلال واستمرت حتى عام 1994، عندما صدر مرسوم التجنيس الذي منح الجنسية بشكل شبه مناصف للمسيحيين والمسلمين، لكن في ظل التطورات السياسية اليوم في الساحة اللبنانية بعد اغتيال رئيس الحكومة السابق، رفيق الحريري، وبدء المرحلة الأولى من الانسحاب العسكري السوري من لبنان، يرتدي هذا التجاذب طابعاً أخطر من السابق، خصوصاً في ظل تسريبات إعلامية لم يتناولها الإعلام اللبناني تحديداً عن احتمال حصول أمنيين سوريين على الجنسية اللبنانية في المرسوم المذكور، وبالتالي بقاء هؤلاء في لبنان، على الرغم من قرار الانسحاب مع ما يمكن أن يترتب عن ذلك من تداعيات على صعيد الوضع الداخلي.(22/141)
وفي الوقت الذي نفت فيه المراجع المختصة في بيروت حصول هذا الأمر، لم تتوقف عنده شخصيات نيابية أو وزارية، سواء في الموالاة أو في المعارضة، معتبرة أنه من الصعب التثبت من مثل هذه المعلومات، وأن 260 ألف شخص قد حصلوا على الجنسية في عهد الرئيس السابق إلياس الهراوي، وأن وزارة الداخلية تدقق اليوم في ملفات 4 آلاف مجنس حصلوا على الجنسية بالتزوير، وذلك وفقاً لقرار صدر في عام 2003 تم بموجبه تشكيل لجنة للتحقيق في ملفات المجنسين. وكان لصدور مرسوم التجنيس وقع شديد في الأوساط اللبنانية، خصوصاً من الجانب المسيحي المعارض، الذي اتهم الدولة بتجنيس فلسطينيين وسوريين واستخدامهم كأوراق انتخابية في بعض المناطق، خصوصاً في منطقة المتن الشمالي، الذي يعتبر نائب رئيس مجلس الوزراء السابق أحد أقطابها، وهو يترأس كتلتها النيابية. ويعتبر ملف الفلسطينيين من أشد الملفات حساسية.
ويعتبر موضوع الجنسية من المحرمات في لبنان، ولم يستطع اللبنانيون وضع قانون للجنسية يمنحها بشكل تلقائي، فاكتفوا باعتماد قانون أصدره المفوض السامي الفرنسي الجنرال ويغان في عام 1925، أي قبل إعلان دولة لبنان عام 1926، ثم استقلاله عام 1943، وقد أدخلت عليه بعض التعديلات الجوهرية. وباءت كل محاولات وضع قانون لبناني خاص بالفشل، كما كشف وزير الداخلية السابق بشارة مرهج، الذي اعتبر أن صدور مرسوم التجنيس في عام 1943، حالة استثنائية لإنصاف مستحقي الجنسية وغالبيتهم من المسلمين. وأضاف أن الموضوع بحث في مناقشات اتفاق الطائف، وقد أقر الاتفاق ضرورة حلها ووضع قانون الجنسية. ولم يستبعد مرهج وقوع أخطاء، لكنه نفى منحها لسوريين. وفيما ينتظر 2000 مجنس قراراً رسمياً بسحب الجنسية منهم خلال العام الحالي، فإن ملفات عدة أخرى لا تزال قيد التحقيق، وبالتالي قيد التجاذب.
مجلة المجلة العدد 1311
27/3/2005
الأهواز وبوادر انتفاضة
د. عايد المناع(22/142)
ما حدث يومي الجمعة والسبت الماضيين وربما ما قبل ذلك بأيام في مناطق خوزستان جنوب غرب إيران أو ما يعرف بـ "عربستان" أي أرض العرب ليس الحدث الدامي الأول ما بين قوات الأمن الإيرانية وجماهير عربية، فهذه المنطقة شهدت محاولات سابقة قامت بها حركات أهوازية مناوئة للحكم الإيراني في الأهواز لكن هذه الحركات جوبهت بقمع عنيف من قبل قوات الأمن الإيرانية والذي يبدو أنه ـ القمع ـ لم يختلف في عهد الجمهورية الإسلامية عنه في عهد الحكم الشاهنشاهي. وإذا كانت أسباب المواجهات التي تشتد حينا وتهدأ بل وتختفي أحيانا هي أسباب متكررة ومن أهمها محو الهوية العربية في المناطق العربية من خلال فرض التعليم باللغة الفارسية وتحريم التحدث رسميا باللغة العربية وتشجيع السكان العرب على مغادرة مناطقهم العربية والاستقرار في مناطق أخرى وتشجيع غير العرب وخاصة الفرس للاستقرار في المناطق العربية، وفرض إدارات حكم فارسية على المحافظات والمناطق العربية كافة، بل حتى أن سياسة التطهير العرقي التي قيل أنها كانت أهم أسباب انتفاضة عرب الأهواز في الأيام الماضية والتي نفى الإيرانيون ورودها برسالة منسوبة للرئيس محمد خاتمي، هذا التطهير كان من أسباب مواجهات سابقة قبل قيام الحكومة الإسلامية الإيرانية في أوائل عام 1979 ويبدو أنها لا تزال مستمرة، هذه باعتقادنا الأسباب المبررة للمواجهات لكنها ليست السبب الحقيقي الذي نعتقد أنه لا يقل عن حصول العرب على حكم ذاتي مماثل لما يتمتع به أكراد العراق قانونيا.(22/143)
وفي ظل هذا النوع من الحكم فإن عرب الأهواز يطمحون أن يديروا شؤونهم الداخلية بأنفسهم وأن يعلموا أبناءهم اللغة العربية وأن يتعلموا بهذه اللغة دون أن تفرض عليهم اللغة الفارسية قسرا. ليس هذا فحسب بل أنهم يريدون أن تتجه نسبة كبيرة من عائدات النفط التي تحتويها حقول بلادهم إلى مشاريع التنمية لمناطق الأهواز التي تعاني من الفقر والبطالة وتفشي الأمية وتردي الخدمات وسوء البنية التحتية.
مطالبة الأهوازيين بالحكم الذاتي هي الحد الأدنى فإذا لم تتحقق بعد ثمانين عاما من الضم الإيراني فلن يكون مستغرباً أن تتحول التظاهرات المطالبة بحقوق وطنية ضمن الدولة الإيرانية إلى انتفاضة قومية تطالب بقيام وطن قومي حر ومستقل. والأهوازيون يعرفون أن هذا حلم يصعب تحقيقه إذ إن حكومة الجمهورية الإسلامية الإيرانية سارت على خطى الشاه وأسلافه ولم تتنازل عن أي بقعة احتلها الأباطرة.. وإذا كانت الأهواز قد تم احتلالها وضمها عام 1925 فإن جزر أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى التي احتلها الشاه عام 1971 لا تزال الجمهورية الإسلامية تصر على رفض حتى التحكيم الدولي لوضع حد للنزاع حولها، وإذا كان الأهوازيون قد أحبطوا خطط صدام حسين لجرهم إلى جانبه في أثناء حربه مع إيران وإذا كانوا قاتلوا دفاعا عن الجمهورية الإسلامية فإنهم لا شك يعلمون أن أقصى طموحاتهم هو الحصول على حكم ذاتي ضمن الجمهورية الإسلامية، لكن هذا إن لم يحصل وليس هناك ما يشير إلى إمكانية حدوثه فإنه حتما سيشجع القوميين الأهوازيين على تحسين الأجواء من خلال تحريض الجماهير المغبونة على رفع مطالبها الحياتية والوطنية.(22/144)
ومن خلال الفعل ورد الفعل فإن الانتفاضات السلمية قد تتحول إلى صراعات مسلحة في ظل الأجواء الدولية الحالية التي نعتقد أن نشطاء الحركات الأهوازية يفهمونها جيداً ويجيدون الاستفادة منها فإن إيران لن تكون طليقة اليد كما كانت في سالف الأزمان. فالأهواز المنتفضة هي الآن جارة لصيقة للولايات المتحدة التي تتمركز جيوشها في العراق وفي أفغانستان وأماكن أخرى قريبة وبالتالي فإن الدعم الأمريكي للأهوازيين أمر محتمل، بل إن ما نخشاه هو أن تكون انتفاضة الأهواز مبررا تبحث عنه الإدارة الأمريكية لإزالة العوائق المادية ما بين وجودها في العراق ووجودها في أفغانستان.
نتمنى أن تتحرك القيادة الإيرانية لحل مشاكل شعوبها بوسائل سلمية وحضارية وليس بالوسائل القسرية العدوانية وأن تدرك هذه القيادة أن جاريها السابقين في العراق وأفغانستان لم يصمدا طويلا أمام التدخل العسكري الأمريكي.
الوطن الكويتية
21/4/2005
إيران وحركة جادة باتجاه أفريقيا
أ.د.محمد السعيد عبد المؤمن
أستاذ الدراسات الإيرانية بجامعة عين شمس(22/145)
يصف رئيس الجمهورية الإيراني محمد خاتمي رحلته الأخيرة إلى سبع دول أفريقية بأنها كانت مثمرة، وأنها تأخرت، فلو قدر لها أن تتم قبل ثلاث سنوات لكان لها اليوم تأثير عملي في الاقتصاد والسياسة والوضع الدولي. إن أفريقيا أرض بكر تخلصت من الاستعمار، وقد حافظ أهلها على هويتهم وأصالتهم رغم الضغط الاستعماري لطمس هذه الهوية والقضاء على هذه الأصالة، وهم اليوم عطشى للتنمية وتجاوز التخلف وتعويض ما فاتهم خلال الفترة الماضية، كذلك فإن سوء ظنهم بالدول الاستعمارية يجعلهم يميلون إلى دول كإيران. إن هذه الدول لديها معلومات كافية عن النجاحات التي حققتها إيران في مختلف المجالات، كما أعلنوا استعدادهم للتعاون معها، ونحن علاقاتنا طيبة معهم، وهم قريبون منا في المحافل الدولية، وقد وقفوا إلى جانبنا في لجنة الحكام التابعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ويشير خاتمي إلى الاحتياجات الأفريقية فيقول: لقد انتهى عهد المساعدات المجانية، لأننا مع مساعداتنا لأفريقيا ينبغي أن نتحرك لاستكمال تقدمنا وتنمية بلادنا. إن أفريقيا أفق جديد، لو لم نستطع أن نستفيد منه لخسرنا ماديا ومعنويا. (اطلاعات في 22/1/2005).(22/146)
هكذا تبدو إيران على لسان رئيسها جادة في اهتمامها بأفريقيا، وهو ما عبر عنه أيضا وزير خارجيتها السابق ومستشار الزعيم الحالي الدكتور علي أكبر ولايتي بقوله: إن جمهورية إيران الإسلامية لها اهتمام خاص بأفريقيا، هذه القارة الواسعة التي يجب أن نتعرف عليها من جديد، ونعيد تقييم موقعها الحقيقي في النظام العالمي، وإن معرفة الحضارة البكر لأفريقيا أساس لعلاقة عظيمة اقتصادية وتجارية، مما يجعلنا نبذل الجهد بجدية أكبر لنبني سبل الارتباط اللازمة بأسرع ما يمكن. (الندوة الثانية لأفريقيا في طهران 1372هـ.ش 1993م) ومن أدلة جدية إيران في هذا الأمر ما صرح به علي حسن موويني رئيس جمهورية تنزانيا في ذلك الوقت بأنه إذا كانت الدول تساعدنا بإعطائنا السمك، فإن إيران تساعدنا بتعليمنا صيد السمك، وهذا أجدى لنا. (مؤتمر صحفي بمناسبة زيارة علي أكبر ولايتي وزير الخارجية الإيراني لتنزانيا في 13/10/1983).
فإيران تعتبر أفريقيا أقدم قارات العالم، وأنها مهد البشرية مع كونها لا تزال بكرا بخيراتها وإمكاناتها وفطرية شعوبها، رغم ما نهبه الاستعمار الذي دنس أرضها طوال ثلاثة قرون، ورغم أن التدخل الأجنبي في شئونها ما زال يؤثر سلبيا على حياتها ومستقبلها ومقدرات شعوبها.
وتنظم إيران علاقاتها ومصالحها في أفريقيا من خلال أولويات واضحة، يأتي على رأسها التقارب المذهبي والعرقي والديني بهذا الترتيب، ثم التقارب الاستراتيجي والنضالي، ثم احتياجات المصالح الإيرانية. وإذا كانت توجيهات الزعيم الخميني للحكومة بالتقارب مع أفريقيا باعتبار أن شعوبها تفهم رسالة الثورة الإسلامية لهذه القارة، فقد وضعت زيارة الرئيس الإيراني السابق هاشمي رفسنجاني لأفريقيا النقاط فوق الحروف لهذه الأولويات وأكد عليها الرئيس محمد خاتمي طوال فترة رئاسته لإيران. (اطلاعات بين المللي في 14/12/1996).(22/147)
في إطار هذه الأولويات أنشأت إيران المجلس الأعلى لشئون أفريقيا من أجل مركزية التعامل مع هذه القارة، كما أنشأت بنكا للمعلومات يتبع هذا المجلس لتوفير المعلومات عن هذه القارة لكل المتعاملين الإيرانيين معها من الحكومة أو القطاع الخاص، مع عقد اجتماعات أسبوعية لمتابعة نشاط هؤلاء المتعاملين، وأصدرت وزارة الخارجية مجلة فصلية تضم دراسات علمية عن أفريقيا، كما تعقد مؤتمرا دوليا كل عام لبحث العلاقات مع دول هذه القارة.
وتتعامل إيران مع كافة المنظمات الإقليمية في القارة ولها أعضاء مراقبين في بعض هذه المنظمات، فإذا كانت مكاتب إيران في أفريقيا في عهد الشاه لم تكن تتعدى التسعة مكاتب، فقد زادت في بداية عهد الثورة إلى 26مكتبا، وقفزت الآن إلى ضعف هذا العدد. (كيهان في 11/9/1996)
لقد أكد خاتمي أن رحلته الأخيرة إلى أفريقيا لم تكن رجلة مجاملة، بل استهدفت دعم العلاقات الأساسية الأصولية والجديدة بين إيران وسبع دول أفريقية هي: نيجيريا والسنغال وسيراليون ومالي وبنين زيمبابوي وأوغندا، من أجل تحقيق المصلحة المتبادلة، مؤكدا أن إيران ترغب في تعميم العلم والصناعة في أفريقيا، ومستعدة لعرض المشورة فيما يتعلق بإصلاح النظام المصرفي، وتعليم وتدريب القوى البشرية، وافتتاح خطوط اعتبارية في المجالات التي توافق عليها الدول الأفريقية، وأن إيران في سبيلها إلى تنفيذ الاتفاقات ومذكرات التفاهم مع الدول الأفريقية في المجالات السياسية والفنية والهندسية والاقتصادية والثقافية والصحية وفي القضايا الدولية، وهي تعتقد أن التنفيذ العملي لما تضمنته مذكرات التفاهم معها سيحقق تطورا مناسبا في القطاعات المختلفة في إيران. (شرق في 22/1/2005) كما أنشئت قيادة باسم أفريقيا لإيجاد سبل التعاون من أجل التنمية الشاملة وسرعة تنفيذ الاتفاقيات.(22/148)
بدأ الرئيس خاتمي جولته بزيارة نيجيريا، حيث عزف على وتر المعاناة التي تحملها الشعبان الإيراني والنيجيري من سيطرة الأجانب وتدخلهم في شئون البلاد، مشيرا إلى ما يحدث للشعوب المظلومة في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، مؤكدا أن أفريقيا تحتل موقعا هاما في التوجه الإيراني، ومن هنا فإن إيران مستعدة للتعاون مع نيجيريا في جميع المجالات العلمية والفنية والصناعية والتجارية في إطار اللجنة المشتركة بين البلدين، مشيرا إلى النشاط الإيراني في نيجيريا في قطاعات صناعة السيارات والآليات والكهرباء والطاقة والنظم المالية والمصرفية.
وفي المقابل أكد الرئيس النيجيري أوباسانجو رغبة بلاده في دعم العلاقات مع إيران في مختلف المجالات، مشيرا إلى أن زيارة خاتمي تفتح آفاقا مضيئة في وجه التعاون الثنائي، وخاصة في المجالات الفنية والتجارية، مؤكدا على نجاح مشروعات التعاون السابقة في مجالات بناء السدود وصناعة الآليات والطاقة والغاز والنظام المالي والمصرفي، مطالبا بامتداد التعاون إلى النشاط الثقافي والصحي والعلاج والبنوك المشتركة، ودعم تعاون القطاع الخاص في البلدين. كذلك اقترح خاتمي نقل التعاون إلى قطاعات الزراعة والصناعة والمصايد، فضلا عن النفط والغاز.
ولم ينس خاتمي أن يلتقي مع العلماء والشخصيات الإسلامية في نيجيريا عارضا عليهم رسالة السلام وقوة الإسلام، مطالبا بعودة الإسلام إلى سابق عظمته ومجده من خلال الوحدة بين المسلمين. وهو في ذات الوقت قد حرص على لقاء العلماء المسيحيين مؤكدا لهم على ضرورة التعاون بين المسلمين والمسيحيين، مشيرا إلى أن حوار الأديان يأتي في مقدمة حوار الحضارات، وأن نيجيريا إحدى الساحات الهامة لهذا الحوار. (همشهري في 13.12.11 /1/2005)(22/149)
ولإيران مع السنغال علاقات خاصة سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي باعتبار صلات القربى والمذهب، ومن ثم فقد كانت زيارة خاتمي للسنغال ناجحة بكل المقاييس سواء ما يتعلق بالاتفاقات الاقتصادية أو التجارية أو الصحية أو الثقافية والدينية أو السياسية، فضلا عن صناعة السيارات والآليات وتقنياتها، ومن المنتظر أن تنشئ إيران للسنغال خطا لنقل الكهرباء بطول 17 كيلومترا، وسدا ضخما ومطارا كبيرا وخطا حديديا وأحياءً سكنية من خلال القطاع الحكومي والقطاع الخاص، كما ستقوم بتقديم خدمات صحية وعلاجية ودوائية من خلال جمعية الهلال الأحمر الإيراني، إضافة إلى تزويدها بالخبرات العلمية والاقتصادية, وقد نجح خاتمي خلال زيارته للسنغال في توقيع خمس وثائق للتفاهم والتعاون، إحداها مذكرة تفاهم حول تنفيذ المساعدات التنموية، والثانية مذكرة تفاهم حول التعاون في مجال الصناعة والتعدين، والثالثة اتفاقية لبناء خط إنتاج الأسمنت في السنغال، والرابعة اتفاق مصرفي لتنفيذ مشروع خط نقل الكهرباء بما قيمته 24 مليون يورو، فضلا عن البيان السياسي الرسمي المشترك بين الدولتين.
وأشار خاتمي إلى أن أفريقيا تمر بمرحلة نهضة ربما تكون أروع من حركات القرون السابقة، وان هذه النهضة تقوم على عدة أسس هي: تقوية الشخصية الأفريقية واستعادة الهوية الثقافية، وفهم العالم الحديث ومستلزماته ومقتضياته، وعلى رأسها إقرار الديمقراطية التي تتناسب مع الهوية الأفريقية، والعمل من أجل السلام والاستقرار وهي صورة جديدة لأفريقيا الجديدة. (اطلاعات في 14/1/2005)(22/150)
ومع وجود جالية شيعية كبيرة في دولة مالي جاء استقبال الرئيس الإيراني في باماكو حافلا بالود والحفاوة، وقد انتهز الرئيس خاتمي فرصة لقائه مع علماء مالي لكي يدعوهم إلى تقوية البنية المذهبية والقواعد الاعتقادية والمعرفة الدينية في المجتمع، فضلا عن الإحاطة بقضايا العالم والاستفادة من مزاياها، كما انتهز خاتمي فرصة لقائه مع المجلس الوطني في مالي ليدعوهم إلى الأخذ بتجربة القيادة الشعبية، مؤكدا أن البرلمان في كلتا الدولتين يتمتع بأهمية خاصة، وهو مظهر ارتباط الشعبين المالي والإيراني، ودعم العلاقات الحسنة بين الدولتين. وقد نجح خاتمي في توقيع اتفاقيات للتعاون مع دولة مالي في المجالات الاقتصادية المختلفة والمجالات الصحية والعلاجية والدوائية (همشهري في 17/ 1/ 2005)
وفي سيراليون تم عرض الفيلم الوثائقي "إيران ومستقبل وضاء" على القناة الرئيسية لتليفزيون سيراليون طوال يومي زيارة خاتمي لهذه الدولة، كما تم توزيع أكثر من خمسة آلاف صورة للزعيم الإيراني ورئيس الجمهورية في العاصمة فريتاون، مما يعني أن إيران تريد توثيق العلاقات مع شعب سيراليون بغض النظر عن النتائج الاقتصادية لزيارة الرئيس.
كذلك فيما يتعلق بزيارته لدولة بنين، حيث اقتصرت النتائج الرسمية على بيان سياسي مشترك يتعلق بالتوافق حول عدد من القضايا الدولية والإقليمية وإبداء الرغبة في التعاون في المجالات الصناعية والزراعية والطاقة ولكهرباء. (كيهان في 16/1/2005)(22/151)
وقد كان خاتمي حريصا خلال زيارته لزيمبابوي على إطلاع المسئولين في هراري على مدى استقرار الأوضاع الاقتصادية والأمنية في إيران، وقدرة المناخ الاقتصادي على استقطاب رؤوس الأموال الأجنبية في الاستثمار، ودخول العلم والتقنية في كافة المجالات، مما أدى إلى نجاح الشركات الإيرانية في منافسة الشركات العالمية والحصول على مناقصات دولية في مشروعات ضخمة مثل بناء السدود ومد خطوط السكك الحديدية وصناعات النفط والغاز، كما أشار إلى الخطة الخمسية الرابعة في إيران والتي يبدو فيها زيادة النمو الاقتصادي بمعدل 8% وفي إطار ذلك سعى الرئيس خاتمي إلى الإشادة بكفاح شعب زيمبابوي وحصوله على الحرية والاستقلال والقيادة الوطنية، والموقف الإيجابي من القضايا الدولية، مما جعل زيمبابوي قوة متميزة في المنطقة، وأن إيران تخطو إلى جوار زيمبابوي على أساس الاحترام المتبادل في إطار حركة سريعة وقليلة التكلفة في سبيل التنمية.
ومن الواضح أن الرئيس خاتمي قد نجح في مسعاه بإقناع المسئولين في زيمبابوي بتوقيع عشر وثائق مع إيران، هي: مذكرة تفاهم للتعاون التقني والاتصالات، اتفاق لإنتاج الجرارات، مذكرة تفاهم حول تأمين ميزانية محطة الطاقة في زيمبابوي، مذكرة تفاهم للتعاون في مجال الغرف التجارية للبلدين، مذكرة تفاهم للتعاون في إنشاء خط للسكك الحديدية، مذكرة تفاهم حول مد خطوط الهاتف والاتصالات، مذكرة تفاهم حول الاستثمار في قطاع الطاقة بزيمبابوي، مذكرة تفاهم في مجال التأمين المالي لمشروع تجهيزات الاتصالات، اتفاق حول عدم تكرار الضريبة الجمركية للصادرات والواردات بين البلدين. وقد أكد الرئيس خاتمي أن الاتفاقيات الموقعة بين إيران وزيمبابوي بمثابة نافذة تطل على أفق مفتوح لمجالات تعاون متعددة وكبيرة (كيهان في 17/1/2005)(22/152)
وتعتبر نتائج الزيارة التي قام بها خاتمي لأوغندا نموذجا للاهتمام الإيراني بدول هذه القارة، فقد وقعت إيران مع أوغندا أربع اتفاقيات للتعاون، الأولى مذكرة تفاهم حول برامج الإذاعة والتليفزيون، والثانية مذكرة تفاهم حول الزراعة والمصايد، والثالثة مذكرة تفاهم حول بناء خط إنتاج تجميعي للجرارات في أوغندا، ومذكرة تفاهم حول إعطاء أوغندا أرضا لإيران لإقامة مشروع للميكنة الزراعية، فضلا عن مذكرة التفاهم السياسية التي أكد فيها الطرفان على الكفاح ضد الاستعمار، وضرورة حصول أفريقيا على موقع متميز في الساحة الدولية، وضرورة الكفاح من أجل تحقيق القدرة الذاتية بعد الاستقلال، وقد تعهد خاتمي أن يقوم القطاع الخاص الإيراني بالاستثمار في أوغندا، وتصدير الخدمات الفنية والهندسية في مقابل تأمين الاستثمارات الإيرانية في أوغندا.(اطلاعات في 22/ 1/2005)(22/153)
وللسودان أهمية خاصة في السياسة الخارجية الإيرانية، حيث تأتي أهميتها بعد مصر، وتزداد هذه الأهمية مع تعثر العلاقات بين إيران ومصر، فالعلاقات الإيرانية ـ السودانية لا تفتر مع الأحداث الإقليمية لتعدد أهدافها ودوافعها وتنوع مجالاتها، ورغم أن المدخل الإيراني للسودان كان ثوريا وإسلاميا استفاد من الأحداث الداخلية في السودان، إلا أن إيران قد نجحت في إقامة العديد من المشروعات التي تضمن استمرار التعاملات بين البلدين وتعميقها، وقد نجح الرئيس خاتمي في المحافظة على هذه العلاقات ودعمها مع القضاء على الأنشطة المزعجة لجارات السودان، خاصة مصر، أو تحجيمها. وتدل الزيارة التي قام بها مؤخرا إلى السودان على تمكن الرئيس خاتمي من تحويل العلاقات الإيرانية ـ السودانية إلى المجالات العملية ذات المصلحة المشتركة للطرفين، حيث نجح في توقيع ثلاث وثائق للتعاون بين إيران والسودان، تتعلق الأولى بالإعفاءات الجمركية على الصادرات والواردات بين البلدين، والثانية حول تسهيلات الحجر الصحي للمنتجات الزراعية المتبادلة بين الدولتين، والثالثة تتعلق بمذكرة تفاهم حول التعاون المصرفي.(22/154)
وبعد أن شرح الرئيس خاتمي طبيعة نظام الجمهورية الإسلامية في إيران، ووجود مشتركات بينه وبين السودان في الأهداف والقيادة الشعبية والتنمية على أساس القيم الدينية وتعاليم الإسلام، فضلا عن المصالح والأخطار والتهديدات، أكد الرئيس خاتمي خلال هذه الزيارة على أن جمهورية إيران الإسلامية ترى أن من واجبها التعاون مع السودان من أجل وصول هذا البلد إلى التنمية والتقدم، مؤكدا أن إيران بيت كل السودانيين وأن السودان بيت كل الإيرانيين. وأعلن خاتمي تأييد إيران لجهود حكومة السودان في إقرار السلام في جنوب السودان، والحيلولة دون وقوع أضرار مادية أو معنوية لأهله. كما أعرب عن ثقته في قدرة حكومة السودان على حل مشكلة دارفور. وطالب خاتمي بزيادة التعاون بين إيران والسودان على المستوى الإقليمي والدولي. (إيران في 6/10/2004)
ولا شك أن الرئيس خاتمي يسعى في نهاية فترة رئاسته لترك انطباع طيب تذكره به الجماهير الإيرانية، أو يكون نقطة عطف للاستفادة به في مجال يستحقه بعد ذلك، وتعتبر النتائج التي حققتها زيارته الأخيرة للدول الأفريقية أحد ركائزه في تحقيق هذا الهدف، فيقول: من الإيجابيات أن توجهنا إلى الشرق والجنوب وإلى الدول الإسلامية والدول المظلومة توجه خاص، ومن الضروري أن نتصل بالخارج من أجل دفع عملية التنمية، وإلا سنواجه المشكلات والصعاب، وكما أن علينا أن نحصل على احتياجاتنا من الإمكانات من الخارج، إلى جانب ذلك علينا أن نصدر فائض إمكاناتنا إلى الخارج، ويمكن أن تكون أفريقيا مكملا مؤثراً في التنمية الصناعية والاقتصادية والاجتماعية في إيران.
مختارات إيرانية
العدد 56 – مارس 2005
جولة خاتمي وتفعيل العلاقات الإيرانية ـ الأفريقية
شريف شعبان مبروك
باحث في العلوم السياسية(22/155)
تعد جولة الرئيس الإيراني محمد خاتمي الأفريقية التي زار خلالها كلا من نيجيريا والسنغال وسيراليون ومالي وبنين وزيمبابوي وأوغندا، في يناير 2005، على رأس وفد رفيع المستوى، ضم وزراء الخارجية والصناعة والمناجم والتجارة والتعاون بمثابة حلقة في سلسلة التحركات الدبلوماسية الإيرانية التي بدأت تتفتح على العالم منذ تولي الرئيس خاتمي الرئاسة في عام 1997.
ومن هنا، تفتح هذه الجولة آفاقاً للتعاون الثنائي بين إيران وأفريقيا، وتشكل منعطفاً بارزاً في سبيل تحسين العلاقات وتنميتها، ووضعها في مسارها الطبيعي، وتعزيز القواسم المشتركة لمواجهة المتغيرات والتحديات الإقليمية والدولية. وتأتي في سياق التحول في أهداف السياسة الخارجية الإيرانية، من مجرد محاولة مواجهة الظروف المحلية الطارئة وتلبية الاحتياجات في ظل معطيات الوضع القائم، إلى محاولة معرفة الظروف الدولية، بحيث لم تعد السياسة الخارجية الإيرانية، تقوم على رفض أو تأييد شيء ، وإنما بناء على موقف مدروس وتحليلها الخاص للمجتمع الدولي، فهو اتجاه جديد يختلف عما كان سائدا في عهد رفسنجاني، ويسعى إلى تقديم رؤية إيرانية للنظام الدولي ودور إيران فيه.
بهذا يمكن القول إن سياسة إيران الخارجية انتقلت من مجرد كونها سلسلة من ردود الفعل إلى مرحلة الصياغة الحقيقية التي لها خططها المستقبلية. ولا شك أنه منذ تداعيات 11 سبتمبر 2001، مروراً بإعلان الحرب على نظام طالبان في أفغانستان، ووصولا إلى الاحتلال الأمريكي للعراق، فقد مثلت هذه التداعيات نقطة تحول إيجابية في انفتاح إيران على العالم، حيث يعود الاهتمام الإيراني بالقارة الأفريقية إلى عقود الستينيات والسبعينيات، منذ حكم الشاه، وعقب استقلال الدول الأفريقية، حيث بدأت إيران في إقامة علاقات دبلوماسية مع دول القارة.(22/156)
وبعد قيام الثورة الإيرانية تراجعت العلاقات الإيرانية ـ الأفريقية بسبب الاضطرابات التي أعقبت الثورة، وانشغال إيران في حربها مع العراق حتى عام 1988 إلا أنه مع بداية التسعينيات عاد الاهتمام الإيراني بالقارة الأفريقية إلى سابق عهده، ولكن على الرغم من سعي إيران إلى تدعيم علاقاتها ـ خاصة الاقتصادية ـ مع دول القارة في السابق، إلا إنها لم ترق إلى المستوى المطلوب.
أولاً ـ قراءة في نتائج وانعكاسات الجولة:
ثمة دلالات مهمة عكستها جولة خاتمي الأفريقية، بالنظر لأهمية القارة الأفريقية لإيران وحرصها على تدعيم علاقاتها مع دول القارة كرد فعل للحصار والمقاطعة التي تمارسها الولايات المتحدة الأمريكية ضدها، إضافة للاعتبارات الاقتصادية، حيث تحتفظ القارة باحتياطيات ضخمة من المواد الخام الطبيعية، ويمكن استخدامها كسوق لتسويق المنتجات الإيرانية، لذلك سعت إيران لإقامة العديد من المشروعات المشتركة مع بعض دول القارة، خاصة في مجال النفط والطاقة والمعونة الفنية. وفي هذا الإطار، سعت إيران إلى دفع فكرة إنشاء تكتل وسوق تجاري بين الدول الأفريقية ـ الأسيوية، تكون إيران طرفاً فيه. وعلى المستوى الثقافي، تعد القارة الأفريقية مركزاً للإسلام، فهي القارة الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة، وتسعى إيران إلى دعم علاقاتها ببعض الدول الأفريقية عن طريق العضوية المشتركة في منظمة المؤتمر الإسلامي، وكسب تأييد هذه الدول للمواقف الإيرانية بالإضافة إلى تعاون هذه الدول في بعض المجالات الثقافية.(22/157)
وبالنظر إلى ما تمر به إيران من تحديات، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي تتكثف الرغبة الإيرانية في ممارسة دور إقليمي ودولي مؤثر بانتهاج سياسة الانفتاح على العالم، والتخفيف من حدة التهديدات الأمريكية ـ الإسرائيلية ضد إيران والتي تزايدت منذ سقوط العراق من خلال بناء عدة محاور، تؤثر في إعادة تشكيل توازنات القوى داخل المنطقة التي تعيش في حالة من الفوضى الشديدة.وثمة دلالات مهمة أفرزتها الجولة على المستوى الداخلي في إيران، حيث جاءت في ظل العديد من المشكلات التي تعاني منها إيران في الفترة الحالية، ولعل أهمها اشتداد حدة الصراع بين المحافظين والإصلاحيين، خاصة بعد فوز التيار المحافظ بأغلبية مقاعد مجلس الشورى الإسلامي في الانتخابات التشريعية التي جرت في 20 فبراير 2004، وبالتالي يحاول خاتمي تحقيق نجاحات خارجية تدعم موقف التيار الإصلاحي في الداخل، أو بالأحرى توظيف الخارج لخدمة قضايا الداخل، كما تستعد إيران من الآن للانتخابات الرئاسية التي على أثرها سوف تتحدد بصورة كبيرة ملامح السياسة الإيرانية الخارجية في الفترة القادمة.(22/158)
وعلى المستوى الخارجي، تمر إيران بصعوبات عدة، فمن ناحية، تغير الموقف الأوروبي تجاه إيران، بعد أن كان الأوروبيون يدافعون عن إيران، ويرفضون التشدد الأمريكي حيالها، ويرفضون تحويل ملفها النووي إلى مجلس الأمن. كما وجهت الولايات المتحدة الأمريكية العديد من التهديدات بشن هجوم عليها، وتحركت للضغط على الأطراف الداعمة لطهران، مثل سوريا، لإجبارها على فك ارتباطها بلبنان، حيث ينطوي إصدار القرار 1559، من مجلس الأمن على أبعاد إقليمية واضحة، غرضها محاصرة دمشق وسد منافذ التحرك أمامها لتصبح علاقاتها بطهران على محك الحسابات المتقدمة والتطورات المتسارعة في المنطقة، مما يساعد على إحداث خرق سلبي لهذه العلاقة وتحقيق هدفين، أحدهما عزل إيران إقليمياً، والآخر حض سوريا على عدم الإبطاء في الوفاء بما هو مطلوب أمريكياً في عدد من القضايا الشائكة.
ومن جهة أخرى، فإن المرحلة المقبلة تحمل في طياتها مجموعة من التطورات المهمة التي تنعكس تداعياتها على المصالح الإيرانية والدور الإقليمي لإيران حيالها، سواء في العراق أو فلسطين.
ثانياً: الجولة وتفعيل العلاقات الثائية:
تطرقت المحادثات التي أجراها الرئيس الإيراني محمد خاتمي، مع رؤساء الدول السبع، إلى قضايا عديدة منها، العلاقات الثنائية وسبل دعمها وتعزيزها، والتطورات التي تشهدها المنطقة، وآليات التعامل مع الضغوط الدولية خاصة التي تمارسها الولايات المتحدة الأمريكية، والقضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، كما وقع العديد من الاتفاقيات والبروتوكولات مع رؤساء هذه الدول.(22/159)
1ـ نيجيريا: استهل الرئيس الإيراني، جولته بمحادثات مع نظيره النيجيري، أولسيغون أوباسانجو، ناقش خلالها القضايا السياسية والاقتصادية والثقافية، وسبل تعزيزها، والعلاقات الثنائية بين البلدين، إضافة إلى القضايا الدولية والإقليمية محل اهتمام الجانبين، كما تناولت المباحثات قضايا الشرق الأوسط، بما فيها المشكلات التي يعانيها الشعبان الفلسطيني والعراقي، حيث أكد خاتمي على أن طهران لن تدخر جهداً في إحلال الاستقرار وتقديم المساعدة لإعادة بناء العراق وتقدمه. ومن جهة أخرى، أشار خاتمي إلى استعداد بلاده للتعاون مع نيجيريا في كل المجالات العلمية والفنية والصناعية والتجارية، في إطار اللجنة المشتركة بين البلدين. كما أعرب عن ارتياحه لسياسات الرئيس أوباسانجو، ودعا أتباع جميع الديانات في نيجيريا إلى بذل الجهود لتنمية بلدهم ورقيه.
ومن ناحيته، أكد الرئيس النيجيري، أن زيارة خاتمي لبلاده ستفتح أفقاً واضحاً للتعاون الثنائي، وأكد على ضرورة الإسراع بتنفيذ ومتابعة الاتفاقات المبرمة بين البلدين في مجال إنشاء السدود وصناعة السيارات والطاقة والشئون المالية والمصرفية، وقال إن بلاده ترغب في تنمية هذا التعاون وترحب بتبادل الزيارات بين مسئولي البلدين.(22/160)
وتأتي هذه الزيارة التي وصفتها الصحافة النيجيرية بـ "أهم حدث دبلوماسي لهذا العام"،امتداداً لزيارة رسمية للرئيس النيجيري لإيران في 7 يناير 2001، حيث تركزت، وقتذاك، على الاستفادة من الخبرة الإيرانية في قطاع التكنولوجيا، والنفط، ومجال صيانة معامل تكرير النفط، بالإضافة إلى الخبرة الإيرانية في مجال الاستكشافات البترولية، واستغلال الإمكانات البتروكيماوية والغاز، وأيضا الاستفادة من قدرة إيران المتطورة في صناعة الأسلحة الثقيلة في مجال الدفاع والاستخدامات العسكرية، واختتمت بتوقيع البلدين ست اتفاقيات لدعم التعاون الثنائي في مجال التجارة، وتشجيع القطاع الخاص والتعاون في المجالات السياسية والثقافية والاقتصادية بالإضافة إلى بروتوكول للتبادل الثقافي والتعليمي.
وتعرضت هذه الزيارة لهجوم من التيارات النيجيرية المعارضة لتنامي العلاقات النيجيرية ـ الإيرانية، على خلفية محاصرة النفوذ الشيعي والدعم الإيراني للإسلاميين في نيجيريا، حيث إن المذهب السني هو الغالب على مسلمي نيجيريا، ولم يصل المذهب الشيعي إليهم، إلا بعد الثورة الإسلامية الإيرانية في عام 1979، ومنذ ذلك الحين بدأ التغلغل الشيعي يتزايد في الأوساط النيجيرية، حيث ركزت الاستراتيجية الإيرانية في البداية على الزعامات والقيادات الدينية ذات التأثير الواضح في المسلمين. ثم بدأت حملات إعلامية وتربوية وثقافية مكثفة، حتى بلغ عدد معتنقي المذهب الشيعي في عام 2001، ما يزيد على 40 ألفاً، وهم يتركزون في ولاية كادونا", في مناطق من جنوب نيجيريا، حيث يوجد بها مؤيدون للتوجهات الإيرانية، وإن لم يكونوا من الشيعة بالضرورة، وقد تجسد التغلغل الشيعي في بناء قاعدة إيرانية للمرجعية الشيعية، وترأسها آية الله إبراهيم زكزكي، في نيجيريا منذ الثمانينيات.(22/161)
ومهد لزيارة خاتمي نشاط دبلوماسي بين البلدين من خلال الوفود والزيارات المتبادلة ففي عام 2002، قام وزير الخارجية الإيراني بزيارة لنيجيريا، تم خلالها التوصل إلى أربع اتفاقيات بين بعض الشركات التابعة لوزارة الطاقة الإيرانية والحكومة النيجيرية، لتحديد محطات توليد الطاقة الكهربائية، بالإضافة إلى ثلاث اتفاقيات بين غرف التجارة والصناعة النيجيرية وبعض الشركات الصناعية الإيرانية . وفي مايو 2004، وقع وزيرا الطاقة بالبلدين مذكرة تفاهم لزيارة وفد من الخبراء الإيرانيين لأبوجا لإعادة تأهيل المحطات والمنشآت الكهربائية في نيجيريا. وفي الزيارة التي قام بها وزير الطاقة الإيراني في ديسمبر 2004، إلى نيجيريا، تم التباحث حول فرص مساهمة الشركات الإيرانية في قطاع الكهرباء والماء بنيجيريا.
وفي ختام زيارة الرئيس خاتمي لنيجيريا، وقع الطرفان على ثلاث اتفاقيات ثنائية حول التعاون المشترك في قطاعي الصناعة والطاقة، وستقدم إيران بموجب اتفاقية الطاقة، منحة لنيجيريا، لشراء محولات كهربائية من إيران، إضافة لتعاون شركات الكهرباء من الجانبين في مجالات أخرى.
2ـ السنغال: اكتسبت زيارة خاتمي إلى السنغال، ثاني محطات جولته الأفريقية أهمية خاصة، حيث إن إيران تقيم علاقات اقتصادية متميزة مع دول الغرب الأفريقي، وتلقى السلع الإيرانية قبولاً في تلك الأسواق، كما تصدر تلك الدول بعض المنتجات التعدينية والزراعية إلى السوق الإيرانية. وتحتل دول الغرب الأفريقي وأهمها، نيجيريا والسنغال ومالي، مرتبة متقدمة في العلاقات التجارية التي تربط إيران بالقارة الأفريقية.(22/162)
وقد بحث الرئيس الإيراني خلال زيارته إلى السنغال، مع نظيره السنغالي عبد الله واد، وشخصيات أخرى سياسية ودينية، سبل التعاون بين البلدين، والتنسيق المشترك والعمل من أجل تنفيذ كافة الاتفاقات المبرمة بين البلدين.وأكد خاتمي على الرغبة المشتركة من أجل تعاون طويل الأمد، وأن هذا التعاون ليس فقط في مصلحة البلدين، بل أيضاً في مصلحة المنطقة من خلال استثمار الإمكانات المتاحة بين البلدين لإحلال السلام والاستقرار في المنطقة والعالم، وإن إيران تؤسس لعلاقات جديدة مع الدول الأفريقية، بما فيها السنغال، حيث إن إيران لا تنظر إلى السنغال على إنها سوق تجاري فقط، وإنما لنقل خبراتها في مجال العلوم والتكنولوجيا والتقدم الصناعي والاقتصادي لها، لما تتمتع به السنغال من موقع جيد في السياسة الخارجية الإيرانية، وثمة مجالات لتوطيد التعاون بين البلدين، وأن الماضي التاريخي والثقافي للسنغال يجعلها العاصمة الثقافية لأفريقيا، وان تعزيز العلاقات مع دول الجنوب، خاصة الدول الأفريقية يندرج ضمن الأولويات الإيرانية، معرباً عن أمله بأن تؤدي زيارته إلى فتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين.(22/163)
كما تطرق الجانبان إلى التطورات الإقليمية والدولية، حيث يرى خاتمي، أن التوترات في أفريقيا ناتجة عن مؤامرات بعض القوى الكبرى، وان التوقيع على اتفاقية السلام في جنوب السودان يمكن أن يشكل مثالا على تغليب منطق الحوار والتفاهم، على منطق العنف والقوة في أفريقيا، والأمل في اعتماد هذا الأسلوب في المناطق الأخرى من أفريقيا لمعالجة الأزمات، وأن يشكل حوار الحضارات في العلاقات الدولية أساساً لإقرار الأمن والسلام والتضامن في العالم. وتدارس الجانبان الأوضاع في العراق وفلسطين. وشدد خاتمي على عدم التعامل مع موضوع حقوق الإنسان بازدواجية، وأكد على أن يتحمل الأمريكيون مسئوليتهم حيال الجرائم التي ترتكب يومياً باسم الديمقراطية والحرية في العالم، فيما أوضح أن المزاعم الأمريكية حول انتهاك حقوق الإنسان في إيران بأنها كاذبة.
ومن ناحية، أكد الرئيس السنغالي، على أهمية التعاون بين إيران والسنغال في المجالات المختلفة، وأن السنغال بحاجة إلى المساعدة الإيرانية لبناء المطارات وصناعة السيارات والسكك الحديدية والمدن الجديدة، ورحب بالتعاون مع طهران في إقامة مؤتمر قمة الدول الإسلامية عام 2004 في داكار.كما أثنى على مواقف إيران حيال الوكالة الدولية للطاقة الذرية،وحق إيران الطبيعي والمشروع في الاستخدام السلمي للطاقة النووية، مشيراً إلى أن البلدين لهما وجهات نظر مشتركة بشأن مكافحة الإرهاب والتعاون مع المنظمات الدولية. وأكد على ارتياحه لزيارة الرئيس الإيراني لبلاده، معرباً عن أمله في أن تفتح هذه الزيارة صفحة جديدة من التعاون بين الجانبين، والحرص على توظيف طهران استثماراتها في المشاريع الاقتصادية والتنموية في السنغال.(22/164)
وكان وزير الطاقة الإيراني، قد زار السنغال في ديسمبر 2004، ووقع خلالها على اتفاقية لتنفيذ مشروع لتوليد الطاقة الكهربائية. كما أبرمت شركة، إيران خودرو، وهي أكبر شركة لصناعة السيارات في الشرق الأوسط، أبرمت اتفاقاً مع السنغال لإنتاج سياراتها "سامند" في السنغال، بتكلفة 82.6 مليون دولار، وسيكون الإنتاج خمسة آلاف سيارة في المرحلة اِلأولى، ويصل في مراحل أخرى إلى ما بين 15 ألفاً و20 ألف وحدة سنوياً. كما وافقت إيران على تقديم ضمانات مصرفية لمساعدة السنغال في مد خطوط كهرباء، لمسافة 185 كيلومتراً، مما يمكن السنغال من إضافة 146ألف عميل جديد.
3ـ سيراليون: أسفرت زيارة خاتمي إلى سيراليون، ولقاء مع الرئيس السيراليوني، أحمد تيجان كباح، وعدد من نواب البرلمان والشخصيات السياسية والعلمية والجامعية ومسئولين حكوميين في العاصمة فريتاون، عن توقيع ثلاث اتفاقيات للتعاون تستهدف تنمية العلاقات بين البلدين، إضافة لتوقيع مذكرة تفاهم في المجال الصحي، وجمعية الهلال الأحمر السيراليوني، تنص على بناء عدة مستشفيات، وإرسال أطباء إيرانيين.
جدير بالذكر، أن سيراليون العضو في منظمة المؤتمر الإسلامي، تلقت كثيراً من مساعدات إعادة البناء من إيران بعد الحرب، من بينها مساعدات في قطاعات الزراعة والصيد البحري والصحة والنقل.
وفي هذا السياق، تم التوافق على ضرورة تعزيز العلاقات بين البلدين، وتأسيس لجنة عمل مشتركة، لغرض استثمار الإمكانيات المتاحة، حيث إن البلدين يمتلكان إمكانيات واسعة لتدعيم التعاون الثنائي في القطاعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بما فيها الطاقة والصناعة والتكنولوجيا والقضايا المالية والمناجم والزراعة والثورة السمكية، خاصة وأن القطاعات الخاصة الحكومية في إيران مستعدة للمشاركة في القطاعات التنموية في سيراليون. كما تم التأكيد على ضرورة تنفيذ مذكرات التفاهم المبرمة بين البلدين.(22/165)
ومن جانبه، أعرب الرئيس السيراليوني عن استعداد بلاده لإتاحة جميع الفرص لتنمية العلاقات الثنائية بين البلدين، واستثمار الإمكانات المتاحة في إيران لاسيما التعليمية والصحية والزراعية والتجارية. كما عبر عن شكره للدعم الإيراني لبلاده، معرباً عن أمله في تحقيق تطور اقتصادي في بلاده وذلك من خلال تنفيذ المشاريع الإنتاجية والصناعية من قبل القطاعات الإيرانية الحكومية والخاصة.
4ـ مالي: التقى خاتمي بنظيره المالي، أحمدو توماني توره، وعدد من كبار المسئولين وعدد من الشخصيات الدينية. كما جرت محادثات رسمية بين وفدي البلدين بحضور الرئيسين. كما اجتمع الرئيس الإيراني مع عدد من علماء الدين وأعضاء الرابطة الإسلامية في مالي، وتفقد المركز الثقافي الإيراني في العاصمة باماكو، واستمع إلى توضيحات مسئولي المركز عن نشاطاته. ويعود تأسيس هذا المركز إلى 11 عاماً مضت، وتوجد 10 مدارس تابعة له في 7 مدن في مالي، وتخرج منها العديد من الخطباء والأئمة في مالي.
وفي هذا السياق، تمخض عن هذه الزيارة توقيع ست وثائق للتعاون الثنائي، وتشمل اتفاقية ثقافية، وتأسيس لجنة تعاون مشتركة بين البلدين، والبيان المشترك، ومذكرة تفاهم للتعاون، ومذكرة بين بنك تنمية الصادرات الإيراني ووزارة الاقتصاد والمالية في مالي، ومذكرة المساعدات التنموية الإيرانية إلى مالي .
وجدد خاتمي تأكيده على أن إيران تدعو إلى إقرار العلاقات مع جميع دول العالم على أساس سياسة الإنفراج لاسيما مع الدول الإفريقية. فيما اعتبر أن تشكيل لجنة أفريقيا في وزارة الخارجية الإيرانية خطوة في مسار تحقيق هذا الهدف، حيث أن أرضية التفاهم والتعاون متوافرة بين البلدين، وينبغي التعرف على الإمكانات المتاحة والبحث عن سبل تفعيلها، وأعرب عن أمله في الإسراع بتنفيذ الاتفاقيات المبرمة خلال الزيارة.(22/166)
ومن جانبه، انتقد الرئيس المالي، تصنيف دول العالم على أساس الطبقات الاقتصادية، حيث أنه لا ينبغي تجاهل الثروات الثقافية للدول في العالم المعاصر. وأكد على أن إيران ومالي تسعيان للحفاظ على هويتهما الثقافية. وقد أشار إلى أهمية تبادل الزيارات بين مسئولي البلدين، مرحباً بتنمية العلاقات مع إيران في شتى المجالات. وأعرب عن رغبة بلاده في تطوير العلاقات الودية، والاستفادة من الخبرات والقدرات القيمة التي تمتلكها إيران في مختلف المجالات، كما أشار إلى الرغبات المشتركة بين البلدين والإمكانات الواسعة في مالي للتعاون الاقتصادي مع إيران، حيث أن مالي تدعو إلى تعزيز العلاقات مع إيران في مجالات الطاقة والزراعة وعلى استعداد لاستقبال الخبراء والمختصين الإيرانيين ولاسيما من القطاع الخاص.
5ـ بنين: اكتسبت زيارة خاتمي لبنين أهمية لجهة تنمية العلاقات الثنائية، وفتح آفاق جديدة للتعاون في المجالات السياسية والاقتصادية. وتمخضت عن توقيع البيان المشترك والذي أكد على التعاون وتدعيم العلاقات الثنائية بين البلدين في جميع المجالات، لاسيما على صعيد إنشاء السدود، ومحطات توليد الكهرباء، وتصدير الخدمات التقنية والهندسية ،وترحيب بنين باستعداد إيران لمنح مساعدات مادية على جميع الأصعدة. وفي هذا السياق، أكد الجانبان على ضرورة تعزيز العلاقات وتفعيل الاتفاقيات الثنائية، وضرورة إحلال الهدوء والأمن في أفريقيا، والقلق إزاء الأوضاع في العراق وفلسطين كما رحبت بنين باستمرار المفاوضات بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية للاستخدام السلمي للطاقة النووية، كما أشار الرئيس الإيراني، إلى أن بنين لديها برامج تنموية جيدة، مؤكداً استعداد إيران لتقديم المساعدة لبنين لتطوير برامجها التنموية، وتدريب كوادرها الفنية والزراعية.واتفق الجانبان على استمرار المشاورات بينهما بشأن القضايا ذات الاهتمام المشترك.(22/167)
6ـ زيمبابوي: حظيت زيارة خاتمي إلى زيمبابوي بخصوصية ملفتة، حيث تعد الأخيرة ضمن البلدان الأفريقية التي تعارض السياسة الأمريكية، بل لقد وضعت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس، إيران على قائمة من ست دول في يناير الماضي، وصفتها بـ "مواقع متقدمة للطغيان" شملت أيضاً زيمبابوي. وقد تزامنت الزيارة مع رفض اتهامات وزيرة الخارجية الأمريكية لزيمبابوي بأنها قاعدة للطغيان، والتأكيد على أن الحكومة توجه إشارات إيجابية للجماهير من خلال تراجع حالات العنف ضد المعارضين السياسيين، وأن رايس تستطيع زيارة البلاد لترى بنفسها الوضع السياسي على الأرض. كما أعلنت صحيفة "ذي هيرالد" الصادرة في زيمبابوي، خلال زيارة خاتمي للأخيرة، "أن من الضروري أن تتقارب دول الشرق والجنوب، كما تتقارب دول الشمال والغرب، حيث أن التعاون المتبادل سيسمح لنا بتشكيل جبهة في وجه العدو المشترك".
وفي هذا السياق، تمخضت عن زيارة خاتمي، إلى زيمبابوي ،توقيع عشر اتفاقيات للتعاون ، تضمنت إضافة إلى البيان السياسي المشترك، مذكرة تفاهم للتعاون في مجال التكنولوجيا والاتصالات، واتفاقية إنتاج وتجميع الجرارات، ومذكرة تفاهم لتمويل محطة توليد الكهرباء في زيمبابوي، ومذكرة تفاهم بشأن غرفتي تجارة البلدين، ومذكرة تفاهم للتعاون في مد خطوط السكك الحديدية، ومذكرة تفاهم في مجال نقل خطوط الاتصالات، ومذكرة تفاهم للاستثمارات في قطاع الطاقة في زيمبابوي، ومذكرة تفاهم لتمويل مشروع معدات الاتصالات، واتفاقية تجنب الإزدواج الضريبي. كما أكد الجانبان، على ضرورة تطوير التعاون في القطاعات الخاصة في البلدان لتحقيق التنمية والتقدم الاقتصادي، كما دان البلدان، الاعتداءات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، واستمرارها في بناء جدار الفصل العنصري، وضرورة الإقرار بحقوق الشعب العربي الفلسطيني، وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.(22/168)
ومن جانبه، أعرب رئيس زيمبابوي، عن ارتياحه لزيارة الرئيس خاتمي والوفد المرافق له، لجهة تنمية التعاون الثنائي على أساس المصالح المتبادلة، إضافة إلى ضرورة التعاون الثنائي والتنسيق بين رجال الأعمال في البلدين، بتوفير الأمن لهم، والقيام بصياغة القوانين وإيجاد الآليات المناسبة لتمهيد مشاركة القطاع الخاص في النشاطات الاقتصادية، والأخذ بعين الاعتبار مصالح جميع شرائح المجتمع في القوانين التي تسنها، وأهمية تنشيط الاستثمارات المشتركة، في المجالات الصناعية والتجارية، وتوظيف رجال الأعمال الإيرانيين رؤوس أموالهم في زيمبابوي.
7ـ أوغندا: تشهد العلاقات الإيرانية ـ الأوغندية تطوراً ملحوظاً، في التشاور والتنسيق ودعم العلاقات الثنائية فيما بينهما.وتعد المبادرة الإيرانية للتوسط بين السودان وأوغندا في نوفمبر 1996، من أبرز المعالم السياسية في العلاقات بين البلدين، إلى جانب زيارة الرئيس الأوغندي، يورى موسوفيني لإيران في أغسطس 2001 على رأس وفد رفيع المستوى، لمناقشة سبل دعم العلاقات الثنائية، والتي انتهت بتوقيع ثلاثة بروتوكولات للتعاون المشترك في مجال الصناعة والتجارة.(22/169)
وفي هذا السياق لاقت زيارة خاتمي إلى أوغندا، وهي محطته الأخيرة في أفريقيا ترحيباً كبيراً من الحكومة الأوغندية، وأكد الرئيسان، على أن تشكيل أول اجتماع للجنة المشتركة بين البلدين خلال الأعوام الأخيرة، يبشر بتحول ملحوظ في رفع مستوى المبادلات الاقتصادية والتجارية الثنائية، أملا في استمرار مسيرة التعاون المتنامية حتى التوصل إلى مستوى المنشود، وذلك من خلال متابعة مسئولي البلدين، كما تطرق الجانبان إلى الأوضاع على الساحة الإقليمية والدولية، وأكدا على أن التطورات الدولية بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، قد أوجدت تغييرات كبيرة في التوجهات الأمنية، ومكانة اللاعبين الدوليين، بحيث تمخض عن ظهور استراتيجية التفرد في تسوية الصراعات الدولية التي نشاهد آثارها في الإجراءات الأحادية الجانب لبعض القوى الكبرى التي لم تأت بنتيجة للبشرية سوى نشر انعدام الأمن والحرب والإرهاب، وقد أكد الجانبان على أن فكرة الحوار بين الحضارات والثقافات والائتلاف العالمي من اجل السلام، هو الخيار الوحيد الذي يرشد الإنسان إلى بناء حياة تترافق مع الأمن والعدالة والسلام ويحول العالم إلى مكان مناسب لحياة الإنسان.
ولتجسيد تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين، تم التوقيع على أربع اتفاقيات، كما تم إصدار بيان سياسي مشترك أكد على ضرورة تعزيز هذا التعاون، وعلى مذكرات تفاهم، حول برامج إذاعية وتليفزيونية، وتدشين مصنع لتجميع الجرارات في أوغندا، والثروة السمكية، وتخصيص بعض الأراضي لمؤسسات إيرانية بغية إيجاد منطقة زراعية نموذجية.
مختارات إيرانية
العدد 56- مارس 2005
ما سر التكتم حول ما جرى في الأحواز؟
محمود الريماوي
الرأي 24/4/2005(22/170)
أبدت السلطات الإيرانية تكتماً شديداً على ما جرى خلال الأيام العشرة الماضية، في إقليم خوزستان (الأحواز حسب التسمية العربية الأصلية). وقد تم إقصاء وسائل الإعلام عن متابعة الاضطرابات والاحتجاجات التي وقعت، والتي ذهب ضحيتها عدد غير معلوم من الضحايا بين قتيل وجريح.
وقد نشبت الاضطرابات كما قيل، نتيجة تسرب رسالة تعود لأحد أركان النظام وهو الأبطحي المستشار السابق لرئيس الجمهورية، وتدعو الرسالة إلى إعادة الهندسة الديمغرافية للإقليم العربي، والذي يضم عدداً من المدن من أشهرها المحمرة والحويزة ومسجد سليمان، فيما لا تتوفر إحصائيات عن عدد السكان، الذي يقدره مراقبون بأنه يتراوح بين ثلاثة ملايين وستة ملايين نسمة.
السلطات الإيرانية نفت وجود مثل هذه الرسالة. وربما كان النفي صحيحاً، غير أنه من الواضح أن الأمر يعود إلى احتقان طويل سابق. فعرب الأهواز هم أقلية قومية، قامت سلطات الانتداب البريطانية في العام 1925، بإلحاق إقليمهم بالإمبراطورية الإيرانية، وبالطبع بغير رضا ورغبة السكان. والثورة الإسلامية التي قامت بمراجعة مجمل السياسات الشاهنشية، توقفت في عملية المراجعة هذه واستثنت ما تم ضمه من أراضي الغير في العهد الإمبراطوري، كما هو الحال في إقليم خوزستان حسب التسمية الفارسية، وكذلك في الجزر الثلاث التي تتبع دولة الإمارات.
ورغم أن اللغة العربية هي اللغة الثانية رسمياً في الجمهورية الإيرانية. إلا أن أحدا لم يصل إلى علمه أن العرب الإيرانيين يتمتعون بحقوق قومية تذكر، لا من زاوية احترام التعدد القومي، ولا بما يقتضيه الإسلام من عدل ومساواة.(22/171)
وتذكر وقائع التاريخ أن الاحتجاجات لم تتوقف، من طرف أبناء الأهواز ضد حكم الشاه منذ تم ضم الإقليم، واعتقال ثم اغتيال الشيخ خزعل الكعبي، أحد أكبر مشايخ الإقليم. كما تذكر هذه الوقائع أن أبناء الإقليم، رحبوا بقيام الثورة الإسلامية، أملاً بأن يصار إلى تحسين أوضاعهم ورفع الظلم عنهم. غير أن تغييراً لم يتحقق إذ ظلت سياسة التمييز القومي سائدة. وحدث ذلك أيضاً بعد تأييد أبناء الإقليم لصعود الإصلاحيين وعلى رأسهم محمد خاتمي، غير ان النفوذ المستمر للمحافظين حرمهم مجدداً من التمتع بحقوقهم، وقبل ذلك فقد وقف أبناء الإقليم مع الجيش الإيراني في الحرب العراقية الإيرانية، دون أن يسعفهم هذا الولاء وينصفهم.
ليس معلوماً السبب المباشر للاضطرابات الأخيرة، وإن كان هناك من يتحدث عن مصادرة أراضٍ، لإنشاء مزارع قصب السكر، وإقامة المزيد من المجمعات السكنية لغير أبناء الإقليم. أما حرص السلطات على التكتم الشديد، فلا يعود فقط لسياسة القمع التي مورست وأودت بعدد غير معلوم من الضحايا، بل كذلك لمحاولة التعتيم على واقع هذا الإقليم الغني بثروته النفطية.
ومن الواضح بعدئذ أن الإقليات القومية في عهد الثورة الإسلامية لا تعيش في أحسن أحوالها من أكراد وأرمن وبلوش وعرب وتركمان وسواهم. إذ لم ينجح العهد الثوري في صياغة سياسة تنصف غير الفرس وغير المسلمين الشيعة، وما جرى في إقليم خوزستان هو شاهد جديد على ذلك الفشل. ولو كان هناك نجاح يذكر لتم إفساح المجال أمام وسائل الإعلام للوقوف على مظاهره.
الأسد قلق من زيارة سعد الحريري لأميركا ويفتح أبواب
المحاكم لخاله محمد مخلوف
السياسة الكويتية 30-4-2005(22/172)
أفادت المعلومات الواردة من دمشق ان الرئيس السوري بشار الأسد واصل إجراءاته لتحجيم إمبراطورية خاله محمد مخلوف والحد من نفوذه. فقد أصدر أمراً إلى وزير العدل محمد الغفري بقبول أي دعوى مرفوعة من أي مواطن على مخلوف، ووضعها في مسارها القانوني بحيث تستوفي كل مراحل التقاضي إلى حين صدور الحكم. وحذر الأسد الوزير الغفري من أنه سيتحمل المسؤولية كاملة في حال تأثره أو خضوعه لتهديدات أجهزة المخابرات حيث لخاله مخلوف نفوذ كبير على رجالها، وقال له "اترك كل الدعاوى تأخذ مجراها القانوني حتى ولو كانت مرفوعة ضدي أنا شخصيا"ً.
وعلى هذا الصعيد الموصول أفادت المعلومات أيضاً أن الرئيس الأسد استقبل ليل أول من أمس عشرة من زعماء الطائفتين العلوية والإسماعيلية نصحوه وألحوا عليه بتقديم خاله محمد مخلوف إلى المحاكمة على خلفية الإثراء غير المشروع. وذلك بهدف امتصاص النقمة الشعبية، واستباق إجراءات الإصلاح قبل انعقاد مؤتمر القيادة القطرية لحزب "البعث" الحاكم في شهر يونيو المقبل. وطلب الزعماء من الرئيس السوري منع خاله من السفر كي لا يهرب من المحاكمة، ونصحوه بمصادرة أمواله المنقولة وغير المنقولة، لأن خطوة من هذا النوع ستزيد انحيازه إلى الرغبات الشعبية، وتعزز مركزه في قلوب السوريين الذين مازالوا ينزهونه عن ارتكابات الأجهزة الأمنية وعن مافيات الفساد المكروهة في البلد.
وكان المقربون من الرئيس الأسد يلاحظون انزعاجه وعدم ارتياحه من اصطحاب ولي العهد السعودي الأمير عبد الله بن عبد العزيز، لسعد الدين الحريري، الوريث السياسي لوالده المغدور رفيق الحريري، إلى الولايات المتحدة، وإتاحة الفرصة له للاجتماع بالرئيس بوش وبنائبه تشيني. وسمع يردد معلقاً على هذا الموضوع "شو القصة" مستشعراً بذلك موقفاً ما مثيراً للقلق وهو غير قادر على تفسيره.(22/173)
كما لاحظ المقربون أن الرئيس الأسد كان منزعجاً جداً من إخراج قواته من لبنان، ويشعر بالقهر النفسي، ومنع والدته السيدة أنيسة وأخته السيدة بشرى من زيارته في المنزل على خلفية اقتناعه انهما، مع خاله محمد مخلوف، وراء توريطه بمواقف أوصلته إلى ما هو فيه من عزلة، ومن انتهاء الأدوار الإقليمية لسورية، وانهيار نفوذها في المنطقة، والمعروف أن هؤلاء كانوا مع التصادم مع أميركا في العراق، ووراء قرار التمديد للرئيس للبناني، الذي أفضى إلى اغتيال الحريري ووضع سورية في دائرة الشبهات، وإخراج قواتها من لبنان. ويضيف المقربون أن الرئيس الأسد مستغرق الآن في المراجعات النفسية واقترب كثيراً من التفكير بإعلان انقلاب أبيض يتضمن إقصاء رجال أبيه، وإقالة رؤساء أجهزة المخابرات، واعتقال قتلة الحريري وتسليمهم.
في السياق نفسه، أفادت المعلومات المتناهية من دمشق أن نزار أسعد، أحد أباطرة النفط في سورية، رفع دعوى على خال الرئيس مطالباً بنسبة أرباحه من الصفقات التي أبرمها ضمن برنامج "النفط مقابل الغذاء" العراقي والتي احتفظ بها محمد مخلوف لنفسه. وقد امتنع نزار أسعد في الآونة الأخيرة عن دفع أموال الناس المستحقة عنده، وكان يقول لكل من يطالبه بحقه "خلو مخلوف يعطيني حتى أعطيكم".
وتحدثت معلومات دمشق عن اللبناني طه قليلات أحد أبطال تجاوزات بنك "المدينة" وقالت أنه وميزر نظام الدين وصهره خالد ناصر قدور، يشكلون هيئة وكلاء لأعمال قائد الحرس الجمهوري ماهر الأسد (شقيق الرئيس). وكان قليلات الذي يحمل لقب "الزعيم" قد دخل هذه الدائرة الخاصة عبر تقديمه الهدايا العينية الباذخة، إذ أهدى شركاءه، حسب المعلومات عشر سيارات من طراز (بي ـ أم) سنة 2002 ومعروف أن قليلات كان يحمل تصريح مرور على الخط العسكري بين لبنان وسورية، تواكبه سيارات ورجال الحرس الجمهوري في الذهاب والعودة.(22/174)
وطه قليلات هذا موجود الآن في دبي برفقة رامي مخلوف، ابن خال الرئيس، الذي ينزل في فندق "ريتز كارلتون" وقد حجز فيه 18 جناحاً له ولعائلته. ولرجال حرسه الخاص، ويحاول الحصول على فرص استثمارية في الإمارة، وأفادت المعلومات أن سلطات دولة الإمارات لا ترحب بوجوده.(22/175)
مجلة الراصد الإسلامية
العدد الثالث والعشرون – غرة جمادى الأولى 1426 هـ
فاتحة القول: حجم شيعة الخليج والعراق بين الحقيقة والخيال......................4
1-…فرق ومذاهب: البهرة................................................6
2-…سطور من الذاكرة: العقيدة الألفية تنتقل من إيران إلى الهند........19
3-…دراسات1: موقف مفكري الاسلام من الشيعة 8 ...................24
4-…دراسات2: قراءة في الصحافة الشيعية العراقية....................34
5-…كتاب الشهر: الفاطميون بين صحة النسب وتزوير التاريخ..........44
6-…قالوا...............................................................47
7-…جولة الصحافة:
العراق
-…تشكيل تكتل لسنة العراق................................................52
-…السنة يهددون برد على اغتيال أئمتهم...................................54
-…إغلاق المساجد السنية 3 أيام...........................................56
-…إبراهيم الجعفري........................................................59
-…منظمة بدر الشيعية.....................................................67
-…أهل السنة في لبنان والعراق............................................69
لبنان
-…سورية استخدمت أمل وحزب الله........................................70
-…نواب لبنان لا نواب طوائف.............................................77
-…جنبلاط يتجه إلى إقامة ثانئية درزية شيعية..............................79
-…جنبلاط بعد لقائه نصر الله...............................................81
إيران
-…إيران تستعرض قوتها اللينة في لبنان...................................83
-…المطالبة بإلغاء التمييز ضد السنة.......................................87
-…تحالف إيران وروسيا...................................................90(23/1)
-…مسؤول إيراني يطالب الدول العربية.....................................94
-…تعليقات قرّاء الشرق الأوسط............................................97
-…إيران غير كوريا الشمالية.............................................101
-…الرئاسة الإيرانية حسمت لصالح رفسنجاني............................104
الصوفية
-…الصوفية والسياسة....................................................107
اليمن
-…حزبان متورطان مع الحوثي..........................................110
سوريا
-…هل بات مفتاح الاستقرار في سوريا في أيدي الأكراد..................112
فاتحة القول 23
حجم شيعة الخليج والعراق بين الحقيقة والخيال
تشكل الدعاية المكثفة لنشر الديمقراطية في المنطقة العربية تحديا ً حقيقياً لكثير من الأنظمة العربية ومن أهم هذه التحديات في نظرنا هو التغيير في مفهوم الديمقراطية من مفهوم حرية الانتخاب لكل المواطنين إلى مفهوم إعطاء الأقليات حرياتها ! و تتضح الخطورة إذا تعرفنا على هذه الأقليات التي يراد لها أن تنال مطلق الحرية في المنطقة العربية وهي أقليات دينية ( يهودية ، نصرانية ،صابئة ، هندوسية ...) أو إسلامية ( شيعة ، إسماعيلية ، بهائية ، قاديانية ،...) أو أقليات فكرية ( عبدة الشيطان ، ملحدين ، مثليين جنسيين ، ...) إلى غير ذلك من الأقليات .
و هناك جانب أكثر خطورة في هذا الموضوع وهو حجم هذه الأقليات ففي غياب الإحصاءات الدقيقة و غفلة الأكثرية السنية و جهل الأنظمة العربية تنتشر أرقام خيالية عن حجم هذه الأقليات في المنطقة العربية ، يقوم بنشرها مراكز مشبوهه مثل مركز ابن خلدون الذي يرأسه سعد الدين إبراهيم في القاهرة أو صحافة يهودية عالمية وأتباعها من اليسار العربي أو كتاب منتمون لهذه الأقليات.(23/2)
وهذه الأرقام تنتشر دون تصحيح وتشكل فيما بعد حقائق على الأرض كما حدث في العراق حيث عجزنا عن إقناع السنة فضلاً عن غيرهم بأكثرية سنة العراق فضاعت حقوق سنة العراق في بلدهم رغم أن وزارة التخطيط و التعاون الإنمائي أصدرت تقريراً في شهر 7 لعام 2004 ذكرت فيه أن نسبة السنة في العراق تبلغ 52.95 % مقابل 44.04 % للشيعة (جريدة العرب اليوم 28/4/2005 )
وحتى تتضح خطورة الموضوع أكثر نورد جدولاً يحتوى على حجم الشيعة في الخليج والعراق كما يعرضها أطلس العالم العربي ومركز ابن خلدون وموقعCIA :
السنة…1990…1993…1999…2000…2005
المصدر
الدولة… أطلس العالم العربي – البعثة الفرنسية …تقرير ابن خلدون…تقرير ابن خلدون…تقرير ابن خلدون…موقع CIA
السعودية…2.5%…10%…-…-…-
البحرين…40%…52%…70%…67%…70%
الكويت …21%…20%…-…25%…30%
الإمارات …13%…20%…-…-…16%
قطر…10%…-…-…-…-
العراق…مع يزيديين وغيرهم 51%…48%…52%…50%…60-65%
والمتأمل في هذه الأرقام يجد تناقضات عجيبة وقفزات غريبة مثل البحرين والعراق لا تتفق مع المنطق و نسبة النمو السكاني و الهجرات الطارئة !!
والسبب الذي برر به مركز ابن خلدون زيادة نسبة شيعة البحرين من 52 % عام 1993 إلى 70 % عام 1999 هو أنهم قرويون يكثر عندهم الإنجاب !!
وهذا غير صحيح فإن الشيعة يكثر فيهم المتعلمون بعكس السنة الذين يتوجهون إلى قطاعات الجيش و لا يهتمون بمواصلة الدراسة التي تؤخر سن الزواج .
ويجد كذلك زيادة في حجمهم في الكويت والإمارات .
والمشكلة الأهم هي غياب الإحصائيات الدقيقة وعدم الاهتمام السني بما يروج في الخفاء من تمكين الأقليات استناداً إلي إحصائيات مغلوطة .
فشيعة البحرين لا يتجاوز حجمهم 45% من السكان لكن من يثبت ذلك ويقنع العالم به؟ هذه مسؤولية مشتركة بين الأنظمة السنية العربية وعلماء أهل السنة فهل يقومون بالدور المطلوب؟؟
فرق ومذاهب
البهرة(23/3)
البهرة فرقة من الشيعة الإسماعيلية ( )، وكانت الحركة الإسماعيلية إلى زمن الإمام الفاطمي المستنصر أبي تميم معد بن الظاهر الإمام السابع عام 487هـ ممثلة في فصيلين :
1ـ دولة القرامطة في سواد الكوفة والإحساء والبحرين، بعد أن أنهت ارتباطها وولاءها للدولة العبيدية "الفاطمية" في مصر.
2ـ دولة الفاطميين العبيديين في مصر، يتبعهم في الولاء العقائدي والسياسي دولة الصليحيين في اليمن،التي تأسست على يد علي بن محمد الصليحي سنة 439هـ، واستمرت حتى سنة 532هـ .
ولما توفي الإمام العبيدي المستنصر، قام الوزير "أفضل شاهنشاه" ونصّب ابنه الأصغر أحمد على عرش البلاد، ولقبه بالمستعلي. ولم يقبل أبناء المستنصر الآخرون بذلك، ورأى نزار الابن الأكبر أن الخلافة اغتصبت منه، لاسيما أن أباه المستنصر قد نصّ عليه وكتب له بذلك، ولا يجوز عندهم الإمامة لغير المنصوص عليه.
ومن هنا انقسمت الإسماعيلية الفاطمية إلى قسمين: قسم أيّد الابن الأكبر نزار، وعلى رأسهم الحسن بن صباح( )، وسمّوا بالنزارية. وقسم ثبت على إمامة المستعلي وسمّوا بالمستعلية، ومنهم الصليحيون في اليمن.
وصارت القاهرة مركزاً للمستعلية الذين عرفوا بالبهرة، بينما صار شمال إيران قاعدة للنزارية الذين سموا الأغاخانية.
وبعد وفاة المستعلي العبيدي سنة 495هـ ،تولى ابنه الآمر بأحكام الله، وقد بقي في الإمامة نحو ثلاثين سنة إلى أن قتلة النزارية سنة 524هـ ، ويقول أكثر المؤرخين أنه مات دون أن يترك عقباً، إلاّ أن المستعلية في اليمن يقولون أنه ترك ولداً سماه الطيب، لذلك سموا بالطيبية ويدّعون أنه استتر خوفاً من ابن عم أبيه عبد المجيد الذي استأثر بالخلافة من دونه، ويعتقدون أن "الطيب بن الآمر" لا يزال مستتراً منذ ذلك الحين، وأنهم يعيشون دور الستر إلى أن يحين زمان ظهوره، وقد جعلوا له نواباً (أئمة مطلقين) يقومون نيابة عنه بزعامة الطائفة.(23/4)
وكان أول من تقلد هذا المنصب هو الإمام المطلق الداعي "الذؤيب بن موسى الوادعي الهمداني" سنة 520هـ ، في اليمن في عهد أروى بنت أحمد الصليحي التي أعلنت استقلالها عن الدولة العبيدية في مصر لمّا تولى الحافظ عبد المجيد الحكم، والذي مثّل آخر دور الظهور في الدعوة الإسماعيلية.
وبسقوط الدولة العبيدية على يد صلاح الدين الأيوبي رحمه الله، وعزل آخر حكامها، ووفاته سنة 567هـ ، انتهى حكم العبيديين في مصر، لكن المستعلية لم تنته بسقوط العبيديين في مصر، إنما انتقلت إلى اليمن، ومنها إلى الهند.
وتعاقب الأئمة المطلقون بعد "الذؤيب" حتى نهاية عهد إمامهم السادس والعشرين قطب شاه. وبعده انشطرت الإسماعيلية المستعلية في اليمن إلى شطرين:
1-منهم من أيّد داود قطب شاه واعتبره الإمام المطلق السابع والعشرين، فسموا بالداودية أو "البهرة"( ). ويتواجد هؤلاء بشكل خاص في الهند واليمن. وهم السواد الأعظم في هذه الطائفة،ومركزهم مدينة "سورت" في إقليم كجرات ،وفي مدينة بومباي في الهند ، وفي مدينة كراتشي الباكستانية.
2- ومنهم من قال بإمامة سليمان بن حسن، وسموا بالسليمانية، أو "المكارِمة" ويتواجدون بشكل خاص في منطقة حراز في اليمن، ونجران في السعودية، وبعض مناطق الهند مثل حيدر أباد.
وبحكم عملهم بالتجارة، قام البهرة بنشر دعوتهم في الهند، التي أصبحت مركزاً لهذه الطائفة. فيما يتبع المكارمة الزعامة الدينية المتواجدة حالياً في نجران، وعقيدة الطائفتين واحدة، ولا فرق بينهما. واعتاد الناس في اليمن على إطلاق لفظ بهرة أيضاً على الإسماعيلية السليمانية (المكارمة).
أهم عقائدهم وعباداتهم
سبق الإشارة في بداية المقال إلى أن البهرة فرقة إسماعيلية، تدين بعقائد الإسماعيلية التي أشرنا إلى بعضها في الهامش. وهي فرقة باطنية تزعم أن للإسلام باطناً وظاهراً، فيؤولون تعاليم الإسلام تأويلات باطلة.(23/5)
وفيما يلي بعض عقائدهم وأفكارهم المستمدة من الإسماعيلية، وبعضها مما سطره وكتبه أئمة البهرة بصياغتهم الخاصة:
1ـ ولاية الإمام وطاعته والانقياد له عندهم هو ركن الإسلام الأول، يقول زعيمهم وإمامهم الحالي محمد برهان الدين في رسالة وجهها سنة 1398هـ إلى البهرة الموجودين في اليمن وأسماها "هداية الدين المضيء" : "... وعليكم بالمحافظة على دعائم الإسلام السبع، فقد وضعها صاحب الشريعة لسعادة داريكم خير وضع وهي: الولاية، والطهارة، والصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، والجهاد".
وقد أشار إلى ذلك الدكتور الإسماعيلي مصطفى غالب في كتابه "الحركات الباطنية في الإسلام" حيث يقول: "الإمامة هي المحور الذي تدور عليه دائرة الفرائض التكليفية".
وللبهرة زعماء يتعاقبون،يطلق على الواحد منهم اسم "الداعي"، ويعتبر ممثلا دنيويا للإمام، ويتولى نيابة الإمام الدينية.
وحول القداسة التي تعطى لأئمتهم،يقول "نورمان آل كونتر أكنز" وهو أحد أبناء البهرة الذين ثاروا في وجه الداعي والإمام للمطالبة بإصلاح شؤون الطائفة: " إن أي فرد من أفراد طائفته لا يملك أن يحيا حياته الخاصة به أو أن يقرأ مجلة أو صحيفة أو كتابا أو أن يساهم في إصدارها إلا بإذن الداعي .. ولا يستطيع أن يدرس في مدرسة أو جامعة أو يرسل أبناءه إليها إلا بإذن خاص من الداعي...( مجلة المجتمع الكويتية 24/10/1978).
2ـ يعطلون أسماء الله وصفاته، ويقولون: لا يشار إليه ولا يوصف بصفة، بحجة أنه فوق متناول العقل. وفي هذا الصدد يقول إبراهيم الحامدي في "كنز الولد": "فهو سبحانه لا يدخل تحت اسم ولا صفة، .. ولا يقال عليه: حي ولا قادر، ولا عالم ولا عاقل، ولا كامل ولا تام ولا فاعل".
وفي مقابل إثبات العجز لله ـ تعالى الله عن ذلك علوّا كبيراً ـ يثبتون صفات الربوبية لأئمتهم، حيث يقول داعيهم طاهر سيف الدين في ابنه برهان الدين، وفي (حاتم)( ):(23/6)
وأرسلت (برهان) الهدى ابني زائراً لرب المعالي (حاتم) الخير مشهداً
ويقول في حاتم أيضاً، كما في ديوان "زهرة بركات الأقمر الأنيقة"
أيا حاتم الخيرات أنت ملاذنا وملجأنا في يومنا وكذا غدا
ويقول في حاتم أيضاَ:
فكم من أكمه أبرى وكم من أبرص شفى وكم ميت أحيى وكم ظمئ روى
فما حاتم إلا ملاذ للائذ ولا هو إلاّ كاشف الضر والبلوى
فيا أيها المكروب لذ بجنابه تجده مزيلاً عنك ما بك من شكوى
ويقول الداعي إدريس عماد الدين في تفسير قول الله تعالى (وهو الذي في السماء إله وفي الأرض)( ) يعني أمير المؤمنين لقيامه في أرض الشريعة وكونه.
3 ـ صرف أركان الإسلام وفرائضه عن مرادها
أ ـ فالصلاة عندهم هي الاتصال بالإمام، أي "لا صلاة لمن شك في إمام عصرة" كما جاء في كنز الولد للحامدي، وقد زعموا أن جعفر الصادق رضي الله عنه قال: "أما إقامة الصلاة فهي معرفتنا (أي معرفة الأئمة) وإقامتنا"( )
ويفسر جعفر بن منصور اليمن الإسماعيلي كما في كتاب الكشف قول الله تعالى (فلا صدق ولا صلى) بقوله: الصلاة الطاعة لأمير المؤمنين والأئمة الذين اصطفاهم الله من ولده.
ب ـ والزكاة جاء تعريفها في كتبهم كما يلي:
"الصلاة أمير المؤمنين، والزكاة معرفته" . " إيتاء الزكاة هي الإقرار بالأئمة من ذريتهم". "إن إيتاء الزكاة هو إطاعة الناطق ثم الأساس".
ج ـ والصوم يعني الستر والكتمان، فيقول الحامدي "صوم شهر رمضان هو ستر مرتبة القائم"، (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) البقرة 185 أي من أدرك زمان الإمام فليلزم الصمت".
د ـ والحج يفسرونه بالقصد إلى صحبة السادة الأئمة من أهل البيت، وقطع النظر عن سواهم، وأما النحر والحلق: فإزالة الباطل وإظهار الحق. وتقبيل الحجر الأسود: قبول الدعوة من الناطق المؤيد...
وحجهم إلى مكة إنما هو من باب التقية، أما الحج الحقيقي فهو إلى "روضة طاهر سيف الدين" في الهند، ويكون ذلك في شهر رجب أيام 19ـ 20ـ 21.(23/7)
هـ ـ ويزعمون أن المراد بالقرآن هو علي صاحب التأويل، وهو مقترن بمحمد صاحب التنزيل، ويفسرون آية "وإذا بدلنا آية مكان آية" النحل 101 بإمام مكان إمام.
و ـ ويفسرون الصراط بأنه أمير المؤمنين عليه السلام، والجنة بالإمام الحجة، وغير ذلك من التأويلات الفاسدة.
4 ـ عدم إقامة صلاة الجمعة بحجة عدم وجود السلطة الشرعية، التي لا تتوافر عندهم إلاّ في ظل الحكم الإسماعيلي. ويخالفون المسلمين في مراسم الدفن، ولا يدفنون موتاهم في مقابر المسلمين، ويتعمدون مخالفتهم في بداية شهر رمضان ونهايته. ويجرون عقود النكاح دون الرجوع إلى المحاكم الشرعية أو الهيئات المختصة. كما أن السلطان يوزع على أمواتهم "صكوك الغفران" ويسمونها الرسالة ويتم وضعها في إبط الذراع الأيسر في القبر، ويحرصون على مخالفة المسلمين في دفن موتاهم بتوجيههم نحو بيت المقدس.
5 ـ التبرؤ من المجتمع الإسلامي المحيط ،فهم يحرصون على عزل طائفتهم عن محيطها، كما كتب محمد برهان الدين إلى أبناء طائفته في اليمن يقول لهم ( ):
"اعلموا يا أبناء دعوتي أن من أخل بشرط من شروط العهد ونقضه فهو ناكث العهد، خارج من سلك الإيمان والعقد واعلموا أن البراءة من الأعداء، وترك مجالستهم، ومواصلتهم في أي حال من الأحوال شرط من شروط التعهد... واعلموا أن مخالفي الحق هم من إخوان الشياطين...".
6 ـ عدم الصلاة في مساجد المسلمين، والصلاة عندهم ثلاث مرات فقط في اليوم، ويتوجهون في صلاتهم إلى قبر (طاهر سيف الدين) في بومباي . والصلاة واجبة عليهم في الأيام العشرة الأولى من محرم دون غيرها.
7 ـ يقتلون كل من يقدرون على قتله ممن يخرج عن عقيدتهم، ففي سنة 986 هـ قتلوا جمال الدين محمد الصديقي الهندي حين تاب إلى الله ، ورجع عن عقائدهم الشيطانية.كما قتلوا نورمان أكنز الذي طالب بإصلاح الطائفة وتحدثنا عنه قبل قليل .
مزاراتهم(23/8)
1ـ مزار الولي "حاتم الحضرات" وهو موجود في منطقة حراز اليمنية. ويعتبر أشهر المزارات الدينية لدينهم، حيث يقومون بالسجود له.
2ـ عدد من الحصون في اليمن يقصدونها كمزارت مثل حصن بني داود، حصن ذمرمر وطيبة في منطقتي همدان وعراس.
3ـ قبر "طاهر سيف الدين" إمامهم الـ 51، ووالد زعيمهم الحالي محمد برهان الدين، وهو موجود في مدينة بومباي، وقد أقاموا بجانب القبر مسجداً عليه قبة فاخرة كتبوا القرآن كله على جوانبها من الداخل بصفائح من الذهب.
انتشارها
ينتشر أتباع طائفة البهرة بنوعيها السليمانية والداودية بشكل خاص في الهند واليمن ، إضافة إلى مدينة نجران السعودية، وفي تنزانيا ومدغشقر وكينيا، وبعض دول الخليج.
1ـ اليمن: حيث كانت مركزاً للإسماعيلية بعد انحسارها في مصر، ويتمركزون حالياً في منطقة حراز (على بعد 100 كيلو متر من العاصمة صنعاء)، وبعض المناطق الأخرى مثل صعفان وجبلة ومناخة.
ويقدر عددهم في اليمن بـ 14 ألفاً، لكن ثمة تقديرات تؤكد أنهم بحدود 40 ألفاً من أصل سكان اليمن الذي تجاوز الـ 20 مليونا.
2ـ الهند: وهو المقر الرئيسي للطائفة، وتحديداً مدينة بومباي، حيث إقامة زعيمها محمد برهان الدين وأسرته.
وقد انتقلت زعامة البهرة من اليمن إلى الهند عام 944هـ، بعد أن ضعف شأنها في اليمن وبحكم التجارة والاحتكاك. حيث انتقلت من الداعي محمد عز الدين في اليمن إلى أول داعي هندي هو يوسف نجم الدين، وهو الداعي رقم 24 في سلسلة دعاة البهرة الداودية.
ومع الزمن أصبحت نيابة الإمام "المستتر" الطيب بن الآمر ـ كم يزعمون ـ حكراً على أبناء عائلة تارمل، ثم ما لبثوا أن ادعوا لأنفسهم العصمة، وأنهم الناطقون.
وإضافة إلى بومباي، فإنهم يتواجدون في جوجارت ومهراشاترا وسورت ووراجستران وفي 500 مدينة وقرية .وفي أوائل التسعينات من القرن الماضي كان عددهم في الهند يقدر بحوالي مليوني نسمة ولهم هناك أكثر من 100 مسجد.(23/9)
3ـ مدينة نجران،جنوب غرب السعودية،وهم من أصول يمنية، وعددهم غير معروف. وفي شهر إبريل سنة 2000م حدثت اشتباكات بين قوات الأمن السعودية، وأبناء هذه الفرقة، بعد اقتحام منزل أحد "المشعوذين" الذين ينتمون إلى البهرة، إلاّ أن البهرة الإسماعيليين قالوا أن عناصر من هيئة الأمر بالمعروف اقتحموا أحد مساجد الطائفة في نجران، وصادروا كتبهم، فما كان من البهرة إلاّ التوجه إلى أمير منطقة نجران مشعل بن سعود بن عبد العزيز، وسلموه عريضة تحتوي بعض المطالب.
وفي شهر ديسمبر من العام 2002، ألغى العاهل السعودي الملك فهد بن عبد العزيز أحكاماً بالإعدام على 17 سعودياً منهم اتهموا بإثارة الشغب في نجران في إبريل سنة 2000. واستبدل الحكم بالحبس عشر سنوات لكل منهم. كما تم في الوقت نفسه الإفراج عن الذين أمضوا نصف فترة محكوميتهم.
4ـ مدينة كربلاء في العراق، حيث أقاموا لهم هناك وكيلاً عن داعي الدعاة يعرف باسم (عامل صاحب) أو (عامل) يختص بشؤون الحسينيات الموجودة في أنحاء العراق، وهو المعني بالدعوة إلى المذهب.
وهم يحاولون ترميم بعض أضرحة أئمة الشيعة، كما برز ذلك عند محاولتهم تشييد ضريح أبي الفضل العباس في عهد المرجع الشيعي محسن الحكيم، إلاّ أن محاولتهم هذه اصطدمت برفض المرجع الحكيم.
5ـ بعض دول الخليج التي يكثر فيها الهنود مثل الكويت والبحرين وإمارة دبي، ومدينة عدن اليمنية. إضافة إلى مصر وبعض الدول الغربية.
ففي البحرين يقدر عدد أفراد البهرة بسبعمائة شخص، ولهم جمعية تعرف بـ " جمعية البهرة الإسلامية" وقد تأسست سنة 1985، ومقرها هو مسجد البهرة في العاصمة المنامة، وقد وضع سلطان البهرة سنة 1978 حجر الأساس للمسجد أثناء مروره بالبحرين. وبجوار المسجد يوجد مقبرة خاصة بهم.
أهم شخصياتهم(23/10)
1 ـ طاهر سيف الدين، وهو إمامهم الحادي والخمسين، وقد تولى منصبه سنة 1915، وقد قام بنشاط ملحوظ في سبيل النهوض بالدعوة الإسماعيلية، وجمع ما توزع من مخطوطات طائفتة وعلومهم، فنشرها أو أعاد طبعها، وله نحو خمسين كتاباً ومؤلفاً تتناول شتى مراحل تاريخ الدعوة الإسماعيلية وعلومها وفنونها ورجالها.
وقد زار طاهر هذا القاهرة سنة 1937، وهو أول زعيم للإسماعيلية وفد إلى مصر بعد خروجهم منها قبل ثمانية قرون. وقال مبينا هدف تلك الزيارة: إنني جئت إلى القاهرة لأجدد فيما بيننا وبينكم تلك الروابط الأصيلة القديمة...
وفي عهده تم تصميم شجرة العائلة، وظهر في أولها الوزير (تارمل) ( ) جد العائلة، ثم نجله فخر الدين.
وقد رأس طاهر سيف الدين "الجامعة الإسلامية عليكرة" إلى حين وفاته سنة 1385هـ.
2ـ محمد برهان الدين زعيم البهرة الحالي، وابن طاهر سيف. منحته جامعة الأزهر درجة الدكتوراه الفخرية في 13/ 3/ 1966 تكريماً له ولوالده ولطائفته.
وله جهود وجولات كثيرة لنشر الفكر الإسماعيلي، وهو رجل ثري له عشرات المصانع والفنادق. واشترى مشروع المياه الغازية كوكا كولا في بومباي. ويتاجر مع أفراد عائلته بالذهب الذي يهربونه بشكل خاص من أفريقيا.
وفي عهده تم تجديد وتوسعة "الجامعة السيفية"، وإنشاء فرع كامل لها في مدينة كراتشي الباكستانية.
وعند زياراته لليمن يستقبل استقبالا تنبهر منه العقول، إذ يجهز له أتباعه عرشا له ثمانية مقابض متأولين قول الله تعالى "ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية" سورة الحاقة/17 فيجلس عليه والناس من حوله يسجدون له، ويتمسحون به ويقبلون يده ورجله، وهم يطلقون الأهازيج.(23/11)
3 ـ سلمان رشيد، نائب سلطان البهرة ومبعوثه إلى اليمن، وهو من أصل هندي. من أقواله "نحن لدينا شيء يميزنا عن بقية الناس وهو اتباعنا أوامر الداعية الفاطمي الحاضر سيدنا محمد برهان الدين، وأوامره هي التي تجمعنا على كلمة واحدة، ولا يمكن أن نتفرق أبداً . ولا يستطيع أحد أن يفكك طائفة البهرة..." قدس برس 1/8/2001
4ـ حسين إسماعيل المكرمي، وهو زعيم طائفة البهرة المكارمة في نجران، وهو يمني الجنسية. وقد اعتقلته السلطات السعودية في شهر إبريل سنة 2000 بسبب ممارسته للشعوذة.
5ـ خزيمة قطب الدين شقيق محمد برهان الدين، وكان يرأس جمعية الشباب المسلم التابعة للبهرة، ولها فروع في أنحاء الهند ومختلف بلدان أفريقيا.
6ـ محمد حسن الأعظمي، صاحب مؤلفات وتحقيقات، ومن خريجي جامعة سورت الهندية الإسماعيلية.
أبرز أنشطتهم
للبهرة نشاط واسع في مختلف أنحاء العالم، حتى تلك الدول التي لا يتواجد فيه أنصار وأتباع لهذه الطائفة، يساعدهم في ذلك ما تتمتع به من ثراء، والضغوط الدولية على الحكومات باحترام الأقليات.
ومما يجدر ذكره أن هذه الأنشطة، وهذا التوسع لم يكن وليد صدفة، إنما جاء نتيجة عمل ومثابرة، وتخطيط دقيق. ونشير هنا إلى جانب من مخططاتهم وأنشطتهم ومشاريعهم:
1ـ إقامة علاقات وثيقة مع زعماء الدول، وخاصة الإسلامية منها، فكلما زار إمامهم بلداً يستقبله رئيسها، فقد زار اليمن عدة مرات استقبله فيها الرئيس علي عبد صالح. وفي شهر أغسطس سنة 1999 سئل الرئيس صالح في مؤتمر صحفي عن زعيم هذه الطائفة واتباعها الذين يأتون إلى اليمن باستمرار فقال: "إن أبناء هذه الطائفة يأتون إلى اليمن من وقت إلى آخر، وهم لا يشكلون أي خطر لا على المجتمع ولا على النظام ولا على الدولة.(23/12)
وهم يأتون للزيارة والسياحة وزيارة أحد القبور في حراز... فإذا كنّا نستقبل السياح من فرنسا وأمريكا واليابان ودول أخرى غير مسلمة ونوفر لهم الرعاية والحماية. (في حين أن البهرة) هم طائفة مسلمة لا تشكل أي خطر، ولن نسمح لأحد بأن يمسهم بأي أذى".
وفي 28/9 من العام نفسه استقبل ملك الأردن عبد الله الثاني محمد برهان الدين، وقدّم له الشكر على تبرعه هو وطائفته بمقصورتين خاصتين لمقامي الصحابيين جعفر بن أبي طالب وزيد بن حارثة في محافظة الكرك بجنوب المملكة. وكان قد استقبل من من قبل والده الملك حسين قبل ذلك .
ولمحمد برهان الدين منزل في مدينة الكرك بجوار قبر جعفر الطيار رضي الله عنه. ونستطيع القول أنه قلما يزور سلطان البهرة بلداً ما، ولا يستقبل بحفاوة من قادتها، ولا يخفى أن مد الجسور مع قادة الدول يسهل لهم نشر دعوتهم وتوفير الحماية لهم.
وقبل ذلك ،كان الداعي السابع والأربعون عبد القادر نجم الدين ( 1845- 1885 ) يوطد علاقات البهرة مع سلطات الاحتلال البريطاني في القارة الهندية أكثر من سابقيه، فقد اعتبرته أعظم رؤساء منطقة (دكن) على الإطلاق، واستثنته من قانون حمل السلاح، وحمته من المثول أمام القضاء.
أما طاهر سيف الدين ،فما أن تولى سدة الدعوة سنة 1915 أثناء الحرب العالمية الأولى حتى أعلن ولاءه لسلطات الاحتلال، وأخذ يعمل على إنقاذها بكل السبل ، فوهب لها أموالا طائلة ،وأقرضها أخرى، وحث أتباعه على نهج هذا المنهج. وبدورها أقرت سلطات الاحتلال بكل الامتيازات الممنوحة للدعاة السابقين.(23/13)
2 ـ إقامة المشاريع الاقتصادية الكبرى التي تنفق على مؤسساتهم، وقد عمل البهرة في التجارة منذ القدم. كما أن محمد برهان الدين يعتبر نفسه المالك لكل ممتلكات الطائفة المادية والمعنوية، ففرض على أتباعه عشرة مكوس، (الزكاة، الصلة، الفطرة، نذر المقام، حق النفس، الخمس، النذر، التسليم) وكان يستغلها لمصالحه الشخصية، ومصلحة أفراد عائلته وأعوانه المقربين.
ومن الضرائب التي فرضها على أتباعه: ضريبة الأم عند ما تحمل الجنين، وضريبة بعد ولادته، وضريبة نمو الطفل، وضريبة على جثة الميت يدفعها أهله ليصدر بموجبها "صك الغفران" الذي يوضع معه في القبر.
ويصدر مكتب زعيم الطائفة تذاكر لصلاة العيد، وتختلف قيمة التذاكر في الصف الأول عن قيمتها في الصف الأخير، بحسب درجة الابتعاد عن زعيم الطائفة.
إن هذه الضرائب الباهظة، أدّت إلى أن يتمتع زعيم البهرة بالثراء الواسع، الأمر الذي مكنه من امتلاك عشرات المشاريع والمؤسسات في أنحاء مختلفة من العالم، واستغلال هذا الثراء لنشر الدعوة الإسماعيلية.
وقد حرصوا على إنشاء المؤسسات في مختلف أنحاء العالم، وقد أوصوا أتباعهم في اليمن بإنشاء "الشركة الصليحية البرهانية" لينفقوا على مراكزهم وأنشطتهم.
3ـ إقامة عدد من الجامعات والمدارس مثل: الجامعة السيفية الأكاديمية العربية بمدينة سورت بولاية كجرات بالهند. وتعتبر هذه الجامعة مركز التعليم للمذهب الإسماعيلي في العالم اليوم، إذ يفد إليها الطلاب من مختلف أنحاء العالم ويعود تاريخها إلى عام 1220 هـ إبان عهد الداعي الثالث والأربعين عبد اللطيف علي سيف الدين وقد سميت الجامعة باسمه.(23/14)
وأقاموا معهداً عالياً للتعليم الفني سنة 1962 بمدينة بومباي الهندية، وأنشأوا مؤسسة كبرى للخدمات التعليمية والثقافية وتشجيع البحوث، على طراز (مؤسسة فورد). كما لهم جمعية في الهند هي (جمعية الشباب المسلم). ويكفي القول أنه في ظل طاهر سيف الدين فقط تم بناء أكثر من 350 مسجداً و300 مدرسة خاصة بأتباعه.
4ـ تحريض أتباعهم في اليمن وغيرها للاستنكار والشكوى إلى الهيئات الدولية والسفارات الأجنبية بحجة أنهم مضطهدون، ويجب حمايتهم كي يكون لهم مستقبلاً حكم ذاتي أو دولة مستقلة. وفي إبريل سنة 1977 وجه أحد قيادات البهرة في الهند وهو د. يوسف نجم الدين رسالة إلى الحكومة اليمنية يعلمها فيها أنه أوصى طائفته في اليمن باحترام الحكومة اليمنية، والتفاعل الإيجابي معها، ويأمل من الحكومة أن تتعامل مع طائفته بالمثل!
5ـ محاولة شراء الأراضي في المواقع الاستراتيجية وخاصة في رؤوس الجبال لبناء مساجدهم ومدارسهم. وكثيراً ما يقف سكان هذا المناطق أو القريبين منها من غير البهرة في اليمن ضد مخططاتهم، ويناشدون السلطات عدم الموافقة على ذلك.
6ـ محاولة إحياء آثار العبيديين الإسماعيليين في مصر، ولذلك صار لهم وجود ملحوظ في القاهرة، وخاصة في أحيائها القديمة. وقد سبق القول أن الزعيم السابق للبهرة طاهر زار مصر سنة 1937 لإعادة الروابط بين الإسماعيلية والمصريين، وخلال تلك الزيارة قدمت له الحكومة المصرية قطعاً ثمينة من المنسوجات الأثرية من عصر الإسماعيليين المحفوظة لدار الآثار المصرية. وكانت الهدية الثمينة عبارة عن 39 قطعة أثرية، وكل منها محفوظ في غلاف من الزجاج في مقر السلطان في بومباي.
وعندما زار جمال عبد الناصر الهند سنة 1960 قدّم له طاهر صورة فوتوغرافية من نسخة كتاب عيون الأخبار لإدريس عماد الدين.(23/15)
وفي مارس سنة 1966 زار محمد برهان الدين القاهرة لمشاهدة المقصورة الفضية التي أهداها والده إلى مقام الحسين بالقاهرة. وقد جددوا مسجد الحاكم بأمر الله الفاطمي بالقاهرة ولهم اجتماع أسبوعي فيه ليلة الجمعة لا يشاركهم فيه أحد من سكان الحي! وفي المسجد بئر يعتقدون بعودة الداعي منه كاعتقاد الشيعة بسرداب المهدي.
7ـ تقديم تبرعات لترميم بعض الأضرحة والمواقع الإسماعيلية والشيعية مثل تجديد بناء جامع الحاكم بأمر الله في مصر، وترميم مقام الصحابي جعفر بن أبي طالب في الأردن. ومحاولة تشييد ضريح أبي الفضل العباس في كربلاء.
8ـ التنسيق مع القوى العلمانية، ففي اليمن لا يزال الحزب الاشتراكي هو الحليف الأكثر حماساً للإسماعيلية في اليمن، وصحيفته الرسمية (الثوري) أشبه بلسان حال الإسماعيلية، وليس ذلك بغريب حيث يقول الاشتراكي الإسماعيلي مصطفى غالب في كتابه الحركات الإسماعيلية في الإسلام : "كانت المدارس الباطنية وبخاصة الإسماعيلية والقرمطية منها تدعو إلى مبادئ اشتراكية متطرفة ترمي إلى إحداث ثورات شعبية وعمالية وزراعية وصناعية ضد الحكام والملاكين، والإقطاعيين الأثرياء". ويقول في الكتاب نفسه: "من المؤكد أن الحركات الإسماعيلية أصبحت مع دور الزمن وتطور أنظمتها ومعتقداتها حركة فكرية ثورية علمانية تهدف إلى قلب النظم.. وإلى تحقيق أهداف انقلابية في النظم والأفكار والمعتقدات".
9ـ إقامة الاحتفالات بمناسباتهم الخاصة، وبعض مناسبات الشيعة مثل عاشوراء، في الدول التي يقيمون فيها، ومنها الكويت حيث يقام احتفالهم في المركز البرهاني في منطقة العارضية، ويحضره أحياناً حفيد سلطان البهرة طه سيف الدين. واحتفال "حاتم الحضرات" في حراز بحضور زعيمهم محمد برهان الدين.(23/16)
ويقيمون أفراح العيد كل عام يوم 18 من شهر ذي الحجة بمناسبة إحياء ذكرى غدير خم فيصومون هذا اليوم، ويغتسلون ، ويصلون ركعتين عند الغروب، ويأتي عامل الداعي لأخذ العهد والميثاق من كل بهري للاستمرار على عقائد المذهب، ثم يقوم كل فرد منهم بتقديم ما يستطيع من النذور والصدقات إليه.
10ـ تجنيس بعض البهرة الهنود بالجنسية اليمنية،وشراء الأراضي والمحال التجارية.
11ـ تشكيل تنظيمات مسلحة سرية في اليمن مثل: حزب الفيض الحاتمي، وشباب أهل الجنة (وهو الجناح العسكري للحزب).
12ـ زيارات سلطان البهرة وعدد من أتباعه إلى فلسطين المحتلة بإشراف سلطات الاحتلال، ومع ذلك يقول نائب سلطان البهرة في اليمن سلمان رشيد "نحن لا نرى لنا عدوا إلا إسرائيل"!!
للاستزادة:
1ـ الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة ـ الجزء الأول.
2ـ الفرق والمذاهب الإسلامية منذ البدايات ـ سعد رستم.
3ـ موسوعة الأديان (الميسرة) ـ دار النفائس بيروت.
4ـ الشيعة الإسماعيلية: رؤية من الداخل ـ علوي طه الجبل.
5ـ الإسماعيلية المعاصرة ـ محمد بن أحمد الجوير.
6ـ سلسلة ماذا تعرف عن (البهرة الإسماعيلية) ـ د. أحمد عبد العزيز الحصين.
7ـ فرق الهند المنتسبة للإسلام في القرن العاشر الهجري ـ د. محمد كبير شودري.
8ـ الموسم (مجلة فصلية مصورة تصدر في هولندا)، العددان 43، 44 سنة 1999.
9ـ موقع إسلام أون لاين، مجلة الفرقان الكويتية،مجلة المجتمع الكويتية،الوكالة الشيعية للأنباء، صحيفة الدستور الأردنية، مجلة المجلة.
سطور من الذاكرة
العقيدة الألفية تنتقل من إيران إلى الهند(23/17)
"العقيدة الألفية" هي واحدة من العقائد الفاسدة التي نشأت في إيران، ومنها انتقلت إلى بعض مناطق العالم، وخاصة في بلاد الهند، وفي هذه السطور نحاول التعرف على هذه العقيدة التي ظهرت في القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي)، وجاءت متزامنة مع انقضاء ألف عام من عمر الإسلام، وقدوم "ألفية" جديدة.
وتعني هذه العقيدة في نظر واضعيها انقضاء مرحلة، وبداية مرحلة أخرى، فقد اعتبروا أن مضي الألف الأول من تاريخ الإسلام يعني انقضاء نظام الإسلام، واستقبال مرحلة أخرى.
وتولى كبر هذه الدعوة الفاسدة فرقة اسمها "النقطوية" التي نشأت في شبه القارة الهندية في القرن العاشر الهجري، وترجع جذورها إلى أوائل القرن التاسع الهجري في منطقة "كيلان" الإيرانية على يد "محمود البسيخواني".
وقد تتلمذ محمود هذا في جزء من حياته على يد فضل الله الاسترآبادي ( ) كما تدرج في دعوته، فادّعى المهدية ـ المهدي المنتظر ـ ثم النبوة.
وفيما يتعلق بـ "الألفية" فإن محمود البسيخواني كان يرى أنه بظهوره قد انتهى دور العرب، وابتدأ دور العجم، وبهذا انتهت صلاحية شريعة الإسلام التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم، لأن مدتها ألف عام.
وكان يرى أن مدة العالم ستة عشر ألف سنة، خلت منها ثمانية آلاف، بقي مثلها، وهو الحد الفاصل بين منتصف حياة الدنيا، وكان في الثمانية الآلاف الأولى ثمانية أنبياء مرسلون من العرب، وفي الثمانية الآلاف الأخرى سيظهر ثمانية من "المركب المبين" ( ) من العجم، وهو الأول منهم.
ويقول الدكتور محمد كبير شودري في كتابه "فرق الهند" ص 9: "وإذا كان الحديث الوارد قد أشار إلى ظهور مجدد للإسلام على رأس كل قرن ( )، فإن هؤلاء الماكرين أثاروا أن ظهور مجدد أكبر على رأس كل ألف لابد أن تستسيغه العقول، وينطلي على الأغرار الذين يعيشون في ظل جهل مطبق بمبادئ الإسلام الصحيح..."(23/18)
وقبل وصول هذه العقيدة وعقائد النقطوية الأخرى إلى الهند، كانت قد انتشرت في إيران انتشاراً سريعاً، إلا أن حكام إيران الصفويين الشيعة رأوا في هذه الفرقة خطراً عليهم وعلى دولتهم، فإنهم كانوا يحاولون توحيد مذهب الدولة في التشيع وحده، ونشره وفرضه بقوة السيف، فقاموا بضرب هذه الحركة، وإبادة أتباعها عن بكرة أبيهم، واستمر اضطهادهم في عهد الشاه طهماسب الأول، والشاه خدا نبده، والشاه عباس.
وعندما أدرك أتباع المذهب النقطوي بأنه لا بقاء لمذهبهم في إيران بدأوا بالرحيل إلى الهند، ويعيشون في كنف حاكمها ـ آنذاك ـ جلال الدين محمد أكبر ( )، الذي طلع على الناس بمذهب جديد، تشكل العقيدة الألفية إحدى أسسه.
ولم يكتف جلال الدين أكبر بفتح أبواب بلاده لدعاة النقطويين، بل ووجدوا الحرية الكاملة لنشر عقائدهم، وكان وزيره أبو الفضل بن مبارك الناكوري (958ـ 1011) على صلة وثيقة بدعاة "النقطوية"، فأخذ يذكرهم أمام الملك أكبر، ويستدر عطفه عليهم. وكانت سياسة الملك أكبر تقوم على أساس تقريب زعماء الأديان والملل والمذاهب إلى مجلسه والتعرف عليهم.
وكان دعاة النقطويين بعد قدومهم إلى بلاط الملك أكبر يناظرون علماء البلاط على "العقيدة الألفية" ويستدلون بكتابات محمود البسيخواني أنه في سنة 990هـ يظهر شخص يدعو إلى دين الحق، ويمحو الباطل، ويؤكدون أن الملك أكبر "هو هذا الشخص ! وذلك في إشارة واضحة إلى "العقيدة الألفية" بأن الألف الثاني يتطلب شريعة جديدة، وشارعاً جديداً.
وكان الوزير أبو الفضل متشبعاً بهذه الفكرة، وأفهم الملك أنه قد مضى على الإسلام ألف سنة، وأن الدنيا مع الألف الثانية يجب أن تستأنف عهداً جديداً، فلا بد من شرع جديد، وليس في العالم لهذا المنصب الجليل" إلا هو!(23/19)
ونضجت هذه العقيدة عند "اكبر" وشرع في نشرها بين الناس، وترسيخها في أنحاء دولته.ومن ثم كتب "التاريخ الألفي" على العملة التي تتداولها الأيدي، وأصدر أمراً لجمع العملات السابقة في خزانة الدولة، وإصدار عملة جديدة تحمل "التاريخ الألفي" حتى يعرف الناس أن ألف سنة من هجرة النبي صلى الله علية وسلم قد انتهت.
كما أقدم على تأليف كتاب جديد في التاريخ، يكون ناسخاً للتاريخ الهجري الإسلامي، ويكون حاوياً لأحوال جميع الملوك والسلاطين، سمّاه "التاريخ الألفي" وأسند تأليفه إلى لجنة مكونة من سبعة أشخاص، وذكروا فيه "الرحلة" أي: الوفاة بدلاً من الهجرة، وألّفوا تاريخ خمس وثلاثين سنة، ثم كلف الملك أكبر "الشيخ أحمد بن نصر الله السندي" وهو أحد كبار علماء الشيعة بإتمام هذا المشروع.
لقد كانت هذه العقيدة أحد أركان مذهب جديد أسسه الملك أكبر قام عليها وعلى عقيدة وحدة الوجود، ووحدة الأديان، وعبادة الشمس والنار، وإسقاط فرائض الإسلام، وتقديس الخنازير والأبقار، واعتناق التقاليد الهندوسية، وغير ذلك من المنكرات التي تبناها الملك أكبر الذي كان يتبنى وحدة الأديان، وصارت من أسس مذهبه الجديد، الذي أصطلح على تسميته "المذهب الأكبري".
لقد أثرت عوامل عديدة في تشكيل الملك أكبر لمذهبه الجديد. والذي شكلت "العقيدة الألفية" الفاسدة إحدى أركانه، فإضافة إلى تأثره بالنقطويين، وعلماء السوء، والتأثير الهندوكي، والزردشتي، نشير إلى التأثير الشيعي البارز في تشكيل هذا المذهب الفاسد.
فلقد ورث الملك أكبر هذا التأثير من والده "همايون بن بابر"، فهذا الأخير، لم يتمكن من الصمود أمام هجمات فريد خان الأفغاني، المعروف بـ " شير شاه السوري"، المتوفى سنة 952هـ، فاضطر إلى مغادرة الهند، واللجوء إلى إيران، وطلب المساعدة من الشاه طهماسب الصفوي، الذي أحسن استقباله وساعده لمحاربة شير شاه، والانتصار عليه، واسترداد ملكه.(23/20)
ويذكر المؤرخون أن الشاه الصفوي لم يمد يد العون إلى همايون إلاّ بعد أن أخذ عليه العهد بمؤازرة التشيع. واختلفوا فيما إذا كان همايون اعتنق التشيع أم لا، لكنهم اتفقوا على أنه أذن بنشره بين السنة الهنود، وفتح أبواب الهند أمام علماء الشيعة المهاجرين من إيران، ليبثوا نزعاتهم تحت حماية الدولة في عهده، وعهد من جاء بعده، أما الملك أكبر ، فلقد كان التأثير الشيعي عليه واضحاً، إذ أنه تبوأ الملك وهو صغير لا يتجاوز الثالثة عشره، فناب عنه أمير شيعي اسمه "بيرم خان" بضع سنين. وصار بيرم هذا يصرف أمور الدولة.
وكان الشيعة في مقدمة من يشاركون في المباحثات الدينية في "عبادات خانة"( ) ومنهم الشيخ محمد بزدي المتوفى سنة 998هـ، والقادم من إيران، وأثناء مناظراته في يوم من الأيام جعل يطعن في الخلفاء الراشدين الثلاثة، ويسب الصحابة والتابعين، حتى جعل أهل السنة أذلاء حقيرين في نظر الملك أكبر.
كما كان هذا الملك يحتفي بعلماء الشيعة القادمين من إيران، ويرحب بهم في بلاطه، ويجعلهم من خواصه، ويقلدهم الوظائف والمناصب، فهذا "مير شريف الأملي" وهو من كبار علمائهم، يستقبله بحفاوة بالغة، ويوليه رئاسة كابل سنة 993هـ، ثم رئاسة البنغال سنة 999هـ، وأقطعه الأراضي في "أجمير"، وكان مير شريف هذا على مذهب محمود البسيخواني، ويحمل الأفكار الملحدة.
وهذا الشيخ أحمد السندي ـ الذي سبق الإشارة إليه ـ ألّف للملك جزءاً من "التاريخ الألفي" لتثبيت العقيدة الألفية.(23/21)
ومن علماء الشيعة الذين كان لهم دور كبير في التأثير على الملك أكبر، فتح الله الشيرازي، الذي تقلد الوزارة والصدارة، وكان أكبر يقدره، غاية التقدير، ومنهم أيضاُ مبارك الناكوري الذي وضع "مرسوم العصمة والاجتهاد" على أساس عقائد الشيعة، وهذا المرسوم هو وثيقة وضعها الناكوري، ووقّع عليها كبار علماء الدولة، ومنح الملك أكبر بموجبها المرجعية النهائية في أمور الدين، ومكانة أعلى من درجة المجتهدين، وحق الترجيح والاختيار في المسائل التي اختلف فيها الأئمة المجتهدون، وجعل هذا المرسوم من الملك أكبر الإمام العادل وظل الله على الأرض! وهذه الفكرة "الإمام العادل" و " والمجتهد الأكبر" لا يخفى أنها مأخوذة من صفات "المهدي المنتظر" عند الشيعة. وهكذا لعب الشيعة دوراً هاماً في العمل على انحراف الملك أكبر وإضلاله.
وعلى الرغم من استفحال العقيدة الألفية وفرضها من قبل الملك أكبر، إلاّ أن الله قيض لها عدداً من علماء الهند ومنهم الإمام أحمد السرهندي المتوفى سنة 1034هـ والذي أثبت أن عقيدة الإسلام وشريعته خاتمة الشرائع، والنبوة المحمدية هي النبوة الخاتمة.. ومن هنا أطلق عليه علماء الهند في ذلك الوقت لقب "مجدد الألف الثاني" تكريماً لجهوده، وتقديراً لمساعيه الحميدة في رد هذه الفتنة الكبرى.
يقول الشيخ أبو الحسن الندوي في كتابه "الإمام السرهندي":
"... وقد أدرك الإمام السرهندي خطورة هذا الموقف فعمل جاهداً لإعادة الثقة، والإيمان في قلوب الأمة الإسلامية بخلود الرسالة المحمدية، حاجة الناس إليها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها...".(23/22)
وممن كان له دور في محاربتها الشيخ المحدث عبد الحق الدهلوي المولود سنة 958هـ، والمتوفى سنة 1052هـ، الذي لاحظ أنها كانت تسري في عقول الناس سريان النار في الهشيم، فرد عليها بقوة، وكان مما قاله في كتابه " مدارج النبوت": إن الشريعة الإسلامية موافقة للفطرة الإنسانية. فهي تتسم بالوسطية والاعتدال والجامعية، وهذا أكبر دليل عل خلودها وأبديتها.
للاستزادة:
1ـ فرق الهند المنتسبة للإسلام في القرن العاشر الهجري ـ الدكتور محمد كبير شودري
2ـ أطلس تاريخ الإسلام (الهند الإسلامية) ـ د. حسين مؤنس
دراسات : موقف مفكري الإسلام من الشيعة - 8 -
من عبر التاريخ
بقلم
محمد زاهد الكوثري
هذه سلسلة من البحوث كتبها مجموعة من المفكرين والباحثين عن عقيدة وحقيقة مذهب الشيعة من خلفيات متنوعة ومتعددة ، نهدف منها بيان أن عقائد الشيعة التي تنكرها ثابتة عند كل الباحثين ، ومقصد آخر هو هدم زعم الشيعة أن السلفيين أو الوهابيين هم فقط الذين يزعمون مخالفة الشيعة للإسلام .
هذا البحث كتبه محمد زاهد الكوثري وهو جهمي العقيدة سبق أن طعن في شيخ الإسلام ابن تيمية وهو من أكبر الذين عادوا منهج أهل السنة وعلمائهم.لكنه مع معاداته لمنهج أهل السنة يحذر من خطر الشيعة وإحدى دولها وهي الدولة العبيدية.……………………… الراصد
{صبر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في حفظ الدين}
ليس بخافٍ ما لقيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الأبرار رضي الله عنهم من صنوف العَنَتِ من أعداء الدين الإسلامي في مبدأ الدعوة الإسلامية، بل توالت صنوفُ كيدِهم إلى أن بدأ الناسُ يدخلون في دين الله أفواجاً، فارتدَّ كيدُ الكائدين إلى نحرهم بفضل تفاني المسلمين في التأسي بتوجيه حضرةِ المصطفى صلواتُ الله وسلامُهُ عليه في كل صغيرٍ وكبير.(23/23)
وكانت مصابرةُ الصحابة رضي الله عنهم ومثابرتهم في سبيل الذب عن دين الله والدفاع عن رسولِ الله فوقَ كل وصف، حتى شمل النور، وعمَّ الحُبُور، وبرزت هذه الأمة حاملةً لمِشعلِ الهداية، تنشرُ الدينَ الإسلامي في شعوب العالم، حتى تم ما تم ممّا بهرَ عيونَ البشر، وما زِلنا به نفخر، ولا عجبَ إذا لقينا بعض أتعاب في سبيل الله في آخر الزمن، ولا طريق إلى التغلب على تلك المتاعب إلا باتخاذ النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم أجمعين أسوةً حسنةً في وجوه المثابرة والمصابرة إزاء أخطر الأحداث؛ فاستذكارُ صنوف الكيد من الأعداء يجعلنا نأخذ حذرنا وأسلحتنا في كل موقفٍ بما يناسبه.
{مكايدُ اليهود}
وما عمله بنو النَّضير من دسهم إلى قريش في قتالِ رسول الله صلى الله عليه وسلم وحضهم على القتال، ودلالتهم على العورة، وما صنعه بنو قريظةَ وأهلُ خيبرَ من أنواع المكر: نماذجُ لدسائسهم؛ وتدبيرُ المسلمين إزاءَ تلك الأحداثِ يهدي إلى طريق النجاح في اقتحام ما يماثلها من المشاكل التي تحدثُ فيما بعد.
وبعد أن انتقل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى وانتشر الإسلام في بقاع الأرض في عهدي أبي بكر وعمرَ وأوائل عهد عثمانَ رضي الله عنهم بدأت الفتنُ ترفعُ رؤوسها في عهد ذي النورين باستضعاف الفاتنين لِلينِ جانبه، وسعيهم الحثيثِ في إثارةِ النفوس ضدَّه بطرقٍ خبيثةٍ لم تكن الصحابةُ رضي الله عنهم خبروا مثل تلك المكائد بعدُ، فاندفعَ مندفعون إلى الفتنة حتى حدث، مما أوقفَ التقدُّمَ السريع إيقافاً محزناً.
وهكذا استمرت الفتن بعده بمسعى شخصيات تلفعت بغير أزيائها، ولسنا ننسى ما كان يصنعُه عبدُ الله بن سبأ المعروف بابن السوداء اليهودي من تنقلهِ من بلد إلى بلد، يتعثّر في أذياله لإثارةِ الفتنِ في عهدِ عثمانَ رضي الله عنه بطرقٍ شيطانيةٍ لم يكن الجمهورُ على يقظةٍ منها.
قال المقريزي في "الخطط" (4: 146):(23/24)
"إنّ رجلاً من اليهود في خلافة عثمان أسلمَ فقيل له عبدُ الله بن سبأ،وعُرفَ بابنِ السوداء ، وصارَ ينتقلُ من الحجاز إلى أمصار المسلمين يريدُ إضلالهم، فلم يُطق ذلك فرجعَ إلى كيد الإسلام وأهله، ونزلَ البصرةَ سنةَ ثلاث وثلاثين، فجعل يطرح على أهلها مسائل ولا يصرح، فأقبل عليه جماعةٌ ومالوا إليه وأعجبوا بقوله، فبلغ ذلك عبد الله بن عامر( ) وهو يومئذٍ على البصرة، فأرسل إليه، فلما حضر عنده سأله: ما أنت؟ فقال: رجلٌ من أهل الكتاب رغبتُ في الإسلام وفي جوارك. فقال: ما شيءٌ بلغني عنك؟ أُخرج عني. فخرج حتى نزل الكوفة، فأخرج منها، فسار إلى مصر واستقر بها، وقال في الناس العجب... وتحدث في الرَّجعةِ حتى قُبِلت منه. فالَ بعدَ ذلك: إنه كان لكل نبيٍّ وَصِيٌّ، علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ وصيُّ محمد صلى الله عليه وسلم، فمن أظلم ممن لم يجز وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن علي بن أبي طالب وصيه في الخلافة على أمته!
وقال: واعلموا أن عثمان أخذ الخلافة بغير حق، فانهضوا في هذا الأمر، وابدؤوا بالطعن في أمرائكم فأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تستميلوا به الناس.وبث دعاتهُ وكاتب من مال إليه من أهل الأمصار كتباً يضعونها في عيب ولاتهم، فكتب أهل كل مصرٍ منهم إلى أهل المصر الآخر بما يصنعون، حتى ملؤوا بذلك الأرض إذاعة".
قال ابن عساكر في "تاريخ دمشق":
"كان أصله من اليمن، وكان يهودياً، فأظهر الإسلام وطافَ بلاد المسلمين ليلفِتَهم عن طاعة الأئمة، ويدخل بينهم الشرَّ، ودخل دمشق لذلك"، وأفاض ابن جرير في أنبائه في "تاريخه"( ).(23/25)
هكذا نمت الفتنة في عهد عثمان واستفحلت وطمَّت حتى انتهت إلى ما يعلمه الجميع، وهذا اليهودي نفسه هو الذي كان يقول في عهد علي رضي الله عنه: إنه وصيُّ رسول الله وخليفته على أمته من بعده بالنص، وأحدث القول برجعة علي بعد موته إلى الدنيا، وبرجعة رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضاً (كما هو رأي بعض اليهود في يوشع)، وزعم أن علياً لم يُقتل، وأنه حيٌّ، وان فيه الجزء الإلهي، وانه هو الذي يجيء في السحاب، وان الرعد صوته، والبرق سوطه، كما في "الخطط" (4: 182).
{العبيديون: نشأتهم، عقائدهم، تاريخهم}
ثم قال المقريزي: "ومن ابن سبأ هذا تشعبت أصناف الغلاة من الرافضة، وعنه أخذوا القول برجعة الإمام بعد موته إلى الدنيا كما تعتقده الإمامية إلى اليوم في صاحب السرداب (آخر الأئمة الإثني عشر)، وهو قولٌ بتناسخ الأرواح ( )، وعنه أخذوا أيضاً القول بأن الجزء الإلهي يحل في الأئمة بعد علي بن أبي طالب، وأنهم بذلك استحقوا الإمامة بطريق الوجوب كما استحق آدم عليه السلام سجود الملائكة، وعلى هذا الرأي كان اعتقاد دعاة الخلفاء الفاطميين (العبيديين) ببلاد مصر".اهـ.
وعلى هذا الاعتقاد إسماعيلية الهند، ولهم هناك جامعةٌ، بل تعدوا إلى نشر دعاياتهم بمصر اليوم بواسطة بعض الجامعيين، لهواهُم في مصر منذُ قديم، من حيث إن القاهرة كانت عاصمة ملكهم في عهد العبيديين، الذين يسميهم بعضهم بالفاطميين كذباً وزوراً. وما فعله عليٌ كرم الله وجهه من إيقاد الأخدود لأشياع هذا الخبيث( ) معروف في كتب الفرق وتواريخ النحل، وقد نص ابن رزام( )، والباقلاني، وعبد القاهر البغدادي، وابن السمعاني، وابن الجوزي، وسبطه، وابن حجر، والسخاوي، والشمس بن طولون، وغيرهم من ثقات أهل العلم على أنهم ليسوا بفاطميين ( ) وإن توهم ابن خلدون، وابن الأثير، والمقريزي ( ) صحة نسبهم لأسباب مشروحةٍ في "إعلان" السخاوي وغيره( ).(23/26)
قال أبو شامة الحافظ في "الروضتين" [حوادث 567هـ]: "ولم يكونوا فاطميين، وإنما كانوا ينتسبون إلى عبيد ـ وكان اسمه سعيداً ـ وكان يهودياً حداداً بسلمية ( )، بحمص في الشام".
وقال ابن كثير في "تاريخه" (12: 267) [حوادث 567هـ]:
"وكان أول ملك منهم المهدي، وكان من سلمية حداداً... وكان يهودياً فدخل بلاد المغرب، وتسمى بعبيد الله، وادّعى أنه شريفٌ علوي فاطمي، وقال عن نفسه إنه المهدي".
وعن فقيه العبيديين يعقوب بن كلس يقول ابن عساكر في "تاريخ دمشق": "كان يهودياً من أهل بغداد، خبيثاً ذا مكر، وله حيلٌ ودهاءٌ، وفيه فطنةٌ وذكاء"، إلى أن ذكر كيف أسلم طمعاً في الوزارة( ).
وقال الذهبي في "تاريخ الإسلام الكبير" عن فقيههم الآخر النعمان القيرواني ( ): "وتصانيفه تدل على زندقته وانسلاخه من الدين، أو أنه منافق نافق القوم، كما ورد أن مغربياً جاء إليه فقال: قد عزم الخادم على الدخول في الدعوة ـ يعني دعوة ملاحدة الإسماعيلية ـ فقال: ما يحملك على ذلك؟ قال: الذي حمل سيدنا. قال: نحن أدخلنا في هواهم حلواهم فأنت لماذا تدخل؟!( )
وفي "العبر" للذهبي [وفيات 363هـ] و"شذرات الذهب" لابن العماد(3: 47): "والنعمان بن محمد بن منصور القيرواني، القاضي أبو حنيفة، الشيعي ظاهراً، الزنديق باطناً، قاضي قضاة الدولة العبيدية، صنف كتاب ابتداء الدعوة( )، وكتاباً في فقه الشيعة، وكتباً كثيرة تدل على انسلاخه من الدين، يبدل فيها معاني القرآن ويحرفها، مات بمصر سنة 363، في رجب، وولي بعده ابنه".
وقد سلم المعز العبيدي ـ باني القاهرة ـ أبا بكر النابلسي العابد المشهور ليهودي ليسلخه فسلخه وهو يتلو القرآن كما في "تاريخ ابن كثير" (11: 284) ( )، فُيعلمُ من ذلك أن سَدا دولة العبيديين ولحمتها: اليهودية نسباً ونحلةً.(23/27)
والذين ينوهون بهم من غير نظر إلى الحقائق هم الذين يسعون في إحياء ذكرى أمثال المتنبي وأبي العلاء المعري، مدفوعين من جامع للمعرَّتين في التنويه بالاثنين كأنهم لا يجدون في رجال الإسلام وأدباء العرب من يستحق مثل هذا الإجلال من غير الأظناء المتهمين في الخُلُق والدين!! وما كان هذا إلا تنويهاً بالإلحاد والملحدين يأباه أهل اليقين.
وكان الباقلاني يقول عن العبيديين: "هم قومٌ يُظهرون الرفض، ويبطنون الكفر المحض" ،حتى ألف "كشف الأسرار وهتك الأستار"( ) في الرد على كتاب "البلاغ الأعظم والناموس الأكبر" لبعض قضاة العبيديين بمصر( ).
وألف بعده الحافظ أبو شامة فيهم كتابه "كشف ما كان عليه بنو عبيد، من الكفر والكذب والمكر والكيد"( ).
وقال عنهم ابن كثير في "تاريخه" (12: 267) [حوادث 567هـ]: "كانوا من أغنى الخلفاء وأجبرهم وأظلمهم، وأنجس الملوك سيرة وأخبثهم سريرة".
وقال أبو الحسن القابسي ( ): "الذين قتلهم عبيد الله وبنوه بعده ذبحاً في دار النحر التي كانوا يعذبون فيها الناس ليردوهم عن الترضي على الصحابة ـ أربعة آلاف رجلٍ ما بين عالمٍ وعابدٍ اختاروا الموت على لعن الصحابة"( ).
وأما الذين انصاعوا لهم وشرقوا( ) ـ على مصطلحهم ـ ففي غايةٍ من الكثرة، وأما الذين قتلوهم من عامة المسلمين فيما بين المغرب الأقصى ومصر فلا يعلم عددهم إلى الله سبحانه، والوثيقةُ التي أصدرها علماء المذاهب وأئمتها في إبعادهم عن النسب الزكي مدونةٌ في "منتظم" ابن الجوزي، و"تاريخ ابن كثير" وغيرهما( )، والموقعون عليها جبالٌ في الدين والعلم والثقة، ومن ظن انحيازهم إلى خليفة بغداد قاسهم بنفسه، ولم يعرفهم ولا عرف ذلك الخليفة كما بينت ذلك فيما علقت على "كشف أسرار الباطنية"( )، فليس من شأن قلم الحر المعتز بدينه الاسترسال في مناصرة أعداء الإسلام الذين اكتظت كتب ثقات أهل العلم بأنبائهم الإلحادية.(23/28)
قال ابن كثير في "تاريخه"(12: 9) عن الحاكم بأمر الله منهم: "كان يروم أن يدَّعي الألوهية كما ادّعاها فرعون، فكان قد أمر الرعية إذا ذكر الخطيب على المنبر اسمه أن يقوم الناس على أقدامهم صفوفاً، إعظاماً لذكره، واحتراماً لاسمه، فعل ذلك في سائر ممالكه حتى في الحرمين الشريفين، وكان قد أمر أهل مصر على الخصوص إذا قاموا عند ذكره خروا سجداً له، حتى إنه ليسجد بسجودهم من في الأسواق من الرعاع وغيرهم ممن كان لا يصلي الجمعة، وكانوا يتركون السجود لله في يوم الجمعة وغيره ويسجدون للحاكم".اهـ.
وقال ابن الجوزي في "المنتظم" (7: 298): "ثم ازداد ظلم الحاكم حتى عنَّ له أن يدَّعي الربوبية، فصار قومٌ من الجُهّال إذا رأوه يقولون: (يا واحدنا، يا أحدنا، يا محيي، يا مميت)، قبحهم الله جميعاً".
ومن علم أن مدة حكم الحاكم هذا من سنة 386هـ إلى سنة 411هـ يرى الاعتذار عنه بأنه كان مجنوناً: كلاماً لا يُلتفتُ إليه، لأن من المُحال في جاري العادة أن يستبقى حاكمٌ وهو مجنونٌ مدة خمس وعشرين سنة! ومن الحاكم هذا تفرَّعت نحلة تأليهه عند الدروز، وفي الجزء الثالث من "خلاصة الأثر" حكم أهل المذاهب فيهم ( ).
ولسنا ندري دولةً من الدول في تاريخ الإسلام حكَّمت على رقاب العرب صنوف الصقالبة والصقليين وطوائف الروم والأرمن واليهود والكتاميين( ) سوى دولة العبيديين( ) ، فيكون من المضحك المُبكي محاولة الاعتزاز بأمثال هؤلاء في آخر الزمن، والمحراب القديم في الأزهر: كمبكي اليهود في المسجد الأقصى في نظر بقايا هؤلاء الإسماعيلية في الهند، ومن العجب تمكنهم من إقامة دعايات لهم بمصر في غفلة من الزمن.(23/29)
ترى شاباً متخرجاً في الجامعة الإسماعيلية في كجرات ـ وهي لا تقبل طالباً لا يكون إسماعيلياً رُوحاً ودماً كما هو معلومٌ ـ ينتسب يوماً ما إلى الأزهر باسم أنه شافعيٌ أو حنفي، ويبدي نشاطاً غريباً في الدعاية للإسماعيلية إلى أن تجده يقول في العدد (331) من مجلة "الرسالة" في مقال له عن ديوان تميم بن المعز العبيدي: "فإذا ما أتيح للفاطميين أن يُقيموا دولتهم الكبرى في وادي النيل فنحن أمام دولةٍ عربيةٍ هاشمية تحمي اللغة كما تحمي كتابها ودينها". وهذا قلبٌ للحقائق كما أوضحت ذلك في (36ـ 1361هـ) من مجلة "الإسلام". وهذا الشابُّ نفسه هو الذي يقول في ذلك المقال: "ومن أحسن ما قيل في تميم بن المعز الفاطمي قول ابن رشيق:
أصحُّ وأعلى ما سَمِعناه في النَّدى من الخبرِ المأثورِ منذُ قّديمِ
أحاديثُ تَرويها السُّيُولُ عن الحَيا عن البحرِ عن كفِّ الأميرِ تميمِ".اهـ
فيجعل ممدوح ابن رشيق تميم بن المعز العبيدي مع أنه لم يدركه حتى يتصور أن ينظم في مدحه قصائد رنانةً! بل ممدوحه هو بلديُّ ابن رشيقٍ تميمُ بن المعز باديس المتأخر الوفاة ( ) , وليس بين ترجمتيهما في "تاريخ ابن خلكان" غير خط فاصل، وفيه النص على أنّ الممدوح هو ابن باديس، لكن الدعاية تجعل الليل نهاراً والصيف شتاءً( ).
وزد على ذلك ما تراه في الجزء الثالث من مجلة "الأزهر" لسنة 1357هـ (ص180) تحت ستار التوصية بالابتعاد عن التعصب:
"3ـ أن يكون الأزهر كعبةَ جميع المسلمين على اختلاف مذاهبهم، ويدرس فيه المذاهب العلوية: كمذهب الزيدية، والإمامية، والإسماعيلية ـ إن كان له بقيةٌ ـ فهو الأحق من سواه".(23/30)
انظر إلى هذه الجرأة وهذه الصراحة ممّن يعرف ما هي نحلة الإسماعيلية؟! وصاحب المقال كان يعرف كتبهم المحفوظة في دار الكتب المصرية على الأقل، لكن هذا طرازٌ في الدعاية. فكأنّ الكاتب كان يريد التمهيد لتسليم البضاعة، كما أنّ إخلاء الأزهر من الدراسة رسمياً يوماً ما كان تمهيداً لذلك أيضاً، لكنّ الله رد كيد الكائدين في نحرهم.
ومما يدل على أن أمد بكاء الإسماعيلية يطول: مشروع زعيمهم في امتلاك حصصٍ كبيرةٍ من مدينة الأوقاف المزمع إنشاؤها. وفي محضر المحادثة بين زعيم الإسماعيلية ورئيس الأزهر المنشور في إحدى المجلات قبل سنين ما يكشف عن كثير من اتجاههم في هذا الصدد، وكل ذلك من عجائب الزمن( )
دراسات
قراءة في أرشيف
الصحف الشيعية العراقية
إعداد: حيدر العمري
مد خل :
للصحافة دور مهم وفعال في بناء المجتمع وصياغة أفكاره والدعوة إليها ، ولا يخفى على أحد الأهمية التي تنطوي عليها هذه الأداة الإعلامية المؤثرة في إحداث وعي جماهيري وشعبي يترك بصماته في سياسات الدول وقراراتها المصيرية .
واليوم والعراق الجريح يمر بهذه المرحلة الحساسة والخطرة ( المرحلة الانتقالية ) تغدو مهمة الصحافة الإيجابية أكثر إلحاحا في مخاطبة شعبنا العراقي الحبيب ومساعدته لاجتيازها بسلامة وأمان ، ولكن مع الأسف ، نجد إن بعضا من الصحف العراقية الشيعية تسير بالاتجاه المعاكس .
إن نظرة سريعة على عديد المقالات التي يحتويها أرشيف تلك الصحف بل وحتى العناوين الرئيسة توقفنا على تصعيد خطير وواضح بهذا الخصوص ولاسيما العزف على وتر الطائفية وترسيخ مبدأ الاقتتال الداخلي والتنبؤ بحرب أهلية لا تبقي ولا تذر !!! وذلك كله من خلال صناعة جو مشحون من التأزم المفتعل بين أبناء الوطن بمذاهبه وقومياته المختلفة …(23/31)
بل والأكثر من هذا أن تكون الجريدة منبرا للتهديد والوعيد ، وصفحاتها ساحة مفتوحة لإطلاق التهم جزافا لحركات وشخصيات شتى ، وتتبنى في طياتها مشروعا لسفك الدماء وإشعال فتيل حروب طويلة الامد !! … كل ذلك ينشر يوميا ويقرأه كثير ممن يراد لهم أن يكونوا أداة هذا التوجه الخبيث …
إن الخطوة الأولى لوأد هذه التوجهات إنما يكون في رصدها ومتابعتها واستيعاب الاسس التي تقوم عليها ليسهل وضع الحلول المناسبة لها ، لذلك وانطلاقا من هذه القناعة فقد حاولت جمع اكبر قدر ممكن من المقالات التي تنحو هذا المنحى وتقديمها لاخوتي في كل مكان ليطلعوا على الدور الخبيث الذي يمارسه بعض ممن ينتمون إلى هذا الوطن وهذه الأمة زورا وبهتانا .
ومن الله التوفيق
تعريف ببعض الصحف :
البينة / تصدر عن حركة حزب الله العراقي / صحيفة طائفية متطرفة .
الحوزة / تصدر عن جماعة مقتدى الصدر / صحيفة طائفية متطرفة .
البيان / تصدر عن حزب الدعوة الإسلامية " التنظيم المركزي" / معتدلة في الظاهر ألا أنها تحوي على مقالات طائفية تنشر بين الحين والآخر .
الشراع / شيعية مستقلة / ربما تكون هي والبينة من اشد الصحف العراقية طائفية وتطرفاً.
****************
أولا : عناوين مسمومة :
إزاء العناوين التالية وما تحمله من سموم تبثها بشكل صريح وواضح لا نجد تعليقا عليها فيكفي ان نثبتها هنا ليدرك القارئ ماهيتها :
( لو كان الله شيعيا لقاتلناه )
صحيفة الحوزة / العدد 35 / 22 ـ 1 ـ 2004
( لماذا تدفعون الشيعة للطائفية )
صحيفة البينة / العدد 98 / آب 2004
( لقد اتفق الجميع على ذبح الشيعة …
العملاء يقتلون الشيعة …)
صحيفة الشراع / العدد 142 / 14 ـ 8 ـ 2004
( في تطور الأول من نوعه : منظمات وحركات شيعية تنزل إلى الشارع لتصفية أعوان الزرقاوي والصداميين والوهابيين )
البينة / العدد 93 / تموز 2004
( إلى اخوتنا في الدين والوطن : لماذا تحاربونا هل لأننا شيعة )(23/32)
البينة / العدد 73 / شباط 2004
( لم يعد الوضع الشيعي يحتمل مجاملة ولابد من وضع الأمور في نصابها قبل فوات الأوان )
البينة / العدد 70 / ك 2 ـ 2004
( الأكراد والسنة يؤسسون لمرجعية دينية لسرقة الأضواء من السيستاني ..
إلى جلال الطالباني والبارزاني … إياكم واللعب على حبال الطائفية )
البينة / العدد 70 / ك2 ـ 2004
( لا تستغربوا رجاء فالمصالح تلتقي :
اتفاق سري بين بول بريمر والسنة يقضي بوقف المقاومة ضد الأمريكان )
البينة / العدد 73 / شباط 2004
( إلى البيت الشيعي : الحرية لا تصنع بدون دماء :
إلى الذين يتطاولون على دم الحسين إن هناك سيوف مشرعة بانتظارهم )
البينة / العدد 74 / آذار 2004
(ضلوع الفلوجة في قتل المسلمين الأبرياء عمل بربري يقاطع الإسلام والشريعة )
البينة / العدد 91 / حزيران 2004
( شيعة المجمع السكني في القائم يتعرضون للقتل والاختطاف والتهجير ..
سرايا الوهابية والسلفية يغيظهما صوت " علي ولي الله " فتنتقم من الأهالي )
البينة / العدد 92 / تموز 2004
(ماذا بعد جريمة التاجي : هل نبقى أسرى الوضع الأمني الهش أم ستنفجر الحرب الطائفية )
البينة / العدد 103 / أيلول 2004
(أهالي الضحايا رفضوا أن يتقبلوا التعازي إلا بعد تقديم أئمة معاوية ويزيد إلى أعمدة المشانق)
البينة / العدد 91 / 27 ـ 6 ـ 2004
(عرفنا معدن حكومتنا الجديدة من خلال تعليقات العفالقة وأيتام صدام وكلاب الوهابية)
البينة / العدد 91
(تفاصيل مثيرة جدا حول جرائم وأفعال الوهابيين والسلفيين ضد مواطنين عراقيين وذنبهم الوحيد أنهم شيعة وساقهم القدر أن يذهبوا إلى الفلوجة)
البينة / العدد 94 / تموز 2004
( من جديد : شيعة العراق بين الاضطهاد والتغييب )
الشراع / العدد 145 / 8 ـ 9ـ 2004
( إمارة طالبان من كابل الأفغانية إلى اللطيفية العراقية )
الاستقامة / العدد 38 / 9ـ9ـ2004
( متشددون سنة متهمون باغتيال قادة كبار في التيار الصدري )(23/33)
الأهالي / العدد 86 / 8ـ9ـ2004
( إلى حكومة الدكتور إياد علاوي :
مداخل بغداد مواقع استراتيجية مغذية للطائفية يجب معالجتها وإيجاد حالة التوازن فيها )
البينة / العدد 97 / آب 2004
****************
ثانيا : إثارة الطائفية :
على الرغم من اختلاف التوجهات السياسية للصحف المحلية إلاأن ثمة رابط واضح يجمعهم ألا وهو التأكيد على العامل الطائفي أثارته بدعوى المحافظة على الحقوق واستعادة الدور المسلوب لطائفة ما من قبل الأخرى ومنح الحق ـ بعد طول فترة - للأغلبية لممارسة نشاطها الذي تستحقه بعيدا عن أي ضغط أو إكراه…
من جديد … الاختيار العشوائي والسريع يوقفنا على عبارات كثيرة تصب كلها في هذا الاتجاه الذي ـ ومن أجل دعمه ـ تغالط الوقائع وتزيف الحقائق … ولنقرأ :
1 - ( يبدو أن غيوم المصالح الضيقة واغتنام الفرص والتحالفات الجانبية لبعض الأطراف قد أخذت بالانتشار في سماء الوطن إلى الحد الذي ضيق على شمس الوطنية أن تسطع من جديد … ولعل هذا ما أظهرته الأحزاب الكردية من أجل الفدرالية عندما سعت لإيجاد تحالف طائفي يدعم تطلعاتها القومية ضمن العراق الواحد ولو بطريقة إثارة الغبار واختلاق الأوهام وافتراض النتائج في بعض النفوس المتطوعة أصلا للقيام بهذا الدور وهو الاستسلام والانجرار وراء هذه الأوهام …
وتحدث الجميع و أدلى كل بدلوه حتى سمح جو المؤتمر المفعم برائحة الطائفية لأحد المدعوين وهو رئيس ديوان الوقف السني إلى مهاجمة من وصفهم بالذين يسعون للمصالحة الوطنية وهم يغتصبون الأوقاف السنية … هذا ظهر على شاشة التلفزيون وما خفي أدهى وأمر بلا أدنى شك ولا أدري أي سلام اختتم فيه المتحدث كلامه …ومن يغتصب الأوقاف السنية حسب زعمه سوى الشيعة الذين يقتلون السنة أمام جوامعهم )
الحوزة / العدد 41 / 11 ـ 3 ـ 2004(23/34)
2 -( شرفاء الشيعة ومخلصيها لا ولن يقبلوا بالعودة إلى الوراء ولن يسمحوا ولو انقلبت الدنيا لأن يتبدل قرار اجتثاث البعث باجتثاث الشيعة وإذا لم نبدأ بالتصدي لهذه الهجمة المنظمة والممولة عربيا وطائفيا فلن يكون هناك شيعي بعد اليوم … )
البينة / العدد 85 / آبار 2004
3 -( إن الاخوة من السنة يتناقضون مع أنفسهم عندما يريدون أن ينسجموا مع قوميتهم على حساب عراقيتهم ومع ذلك لا يريدون من الأكراد أن ينسجموا مع قوميتهم على حساب عراقيتهم … العراقيون الشيعة الآن هم اكثر من ينادي بالعراقية أولا وبالذات ، ثم ينادون بعدها بما يريدون النداء له ، ليس لأن شيعة العراق عباقرة ولا لأنهم أنبياء وناكرو ذات جميعهم ولا لأنهم وطنيون دونا عن غيرهم بل لأنهم أصحاب تجربة خطيرة :
هل أستطيع أن امضي معك وأنا اعتقد أن غدرك يوشك أن يحيط بي ؟
هل أستطيع أن أتحاشى غضبي عليك أنساه في مرحلة التأسيس التي نمر بها معا وأنا أشاهد كيف أنك تستمع لهدير الدم الدافق من نحري ؟ هل أستطيع أن أتجاهل ـ خلال سعيي لأن يكون في طريقنا متسع لخطوتينا معا ـ إيوائك للسكاكين التي تبحث عن أوداجي الغافلة البريئة المسالمة ، أن أتجاهل استدراجك للمصير الدموي الذي ينتظرني ممن تستضيف ؟ … )
الحوزة / العدد 41 / 11 ـ 3 ـ 2004
4- ( …لكم أن تعرفوا أيها الخائبون الجبناء من أحفاد هولاكو والمتوكل بأننا عاهدنا الله وانفسنا على أن نكون قرابين فداء نحن وعوائلنا لكل ذرة تراب في بناء هذه المراقد واعلموا أيها الأنذال أن الموت الأحمر ينتظركم وهو مصير كل من تسول له نفسه الشريرة المساس بقدسية وحرمة هذه الأماكن الطاهرة وان مراهناتكم الخائبة الذليلة ستدحر إن شاء الله …(23/35)
أن ارض المسلمين وارض العراق هي كربلاء في كل زمان ومكان وان عاشوراء ملحمة قائمة بدأت ولم تنته … فنحذركم بقلوب مؤمنة وبسيوف بتارة تقطع رؤوسكم العفنة من أن تكرروا هذه الفعلة مرة أخرى وإن عقاب من سولت له نفسه ضرب مرقدي الإمامين هو الموت الزؤام وإن غدا لناظره قريب …
نعم هذا هو قرارنا الذي لاحيادة عنه في أن نجعلها كربلاء ثانية وعاشوراء آخر ضد كل من تسمح له أوهامه السخيفة في استهداف وجودنا ورمزنا وكياننا وهويتنا كمسلمين وعراقيين أهل البيت الأطهار ومراقدهم المقدسة )
البينة / العدد 74 / آذار ـ 2004
5- ( إلى اخوتنا في الدين والوطن … نسألكم أن كنتم عراقيين فعلا لماذا تحاربوننا لمجرد إننا شيعة ننتمي لرأس الحسين ولن نقبل بديلا عن مياه دجلة والفرات .
كفوا عنا وراجعوا أوراقكم جيدا وتأكدوا بأنه لن ينجو هذه المرة من عقابنا كل من يحاول المساس بمرتكزاتنا الأساسية ونقول لكم أيها الأشقاء في الوطن نحن لم نأت على ظهر دبابة أمريكية ولم ننثر الورود على رؤوس المحتلين … نتمنى منكم عتبا بشفافية لا بكلمات كالقنابل التي تزرع في مدارس أطفالنا وبيوتنا المهترئة … خذونا أشقاء لكم في المحنة واحذروا غضب الحليم إن كنتم تعقلون )
البينة / العدد 73 / شباط 2004
6 - ( إلى البيت الشيعي … دم الحسين يناديكم والعراق أمانة في اعناقكم لاتخافوا لوم الخائبين ولاتخشوا صراخ الكلاب المسعورة من خارج الحدود ، من يساوم على دم الحسين يساوم على دجلة والفرات ومن لا يلتحق بركب السيد السيستاني لايمت للعراق بصلة ، انهضوا ثوارا وقاتلوا احرارا فالحرية لاتصنع بدون دماء )
البينة / العدد 74 / اذار 2004(23/36)
7 - ( حتى لو كان الله شيعيا لقاتلناه او بالأحرى جاهدناه … هذا هو المنطق الذي يعمل على اساسه العقل الجمعي لابناء جلدتنا من السنة … الذين اردنا وبكل صدق ان نعيش معهم بسلام وحب ، ابناء جلدتنا الذين … وجدنا انهم يستنكرون علينا حتى مجرد بكائنا على من ابتلعتهم المقابر الجماعية …فليكن واضحا عند الشيعة ان الخطاب المعتدل والحكيم الخطاب الذي يضغط على الجراح من اجل الحفاظ على بيضة الدين ووحدة صف المسلمين ما عاد مجديا وهو لن يؤدي الى استيقاظ اخوتنا في الدين من سباتهم المريض ولن يدفع بهم الى احترام حقوقنا في الحياة الكريمة ابدا … )
الحوزة / العدد 35 / 22 ـ 1 ـ 2004
8 - ( حصلت البينة على منشور أصدرته احدى الجهات المجهولة تضمن احصائيات مغلوطة عن نفوس محافظات العراق ونسبة السنة والشيعة في كل محافظة ، ولأهمية ما في هذا المنشور من اكاذيب وافتراءات فقد رات البينة نشره ليطلع عليه ابناء شعبنا الكريم ولنترك لهم امر التدقيق والتمحيص في الارقام التي وردت فيه ولنترك لهم حرية اطلاق الضحكات القوية على عقول " القشامر " الذين يحاولون تزوير لغة الارقام بهدف اظهار ان نسبة الشيعة في العراق هي الاقلية اما السنة فهم الاغلبية )
البينة / العدد 74 / اذار 2004
9 - ( جريمة أخرى … ولا عقاب !!
جريمة اخرى تقع بحق شباب ابرياء وتحمل روائح لبث الطائفية المقيتة في اجواء العراق … عثرت عناصر من مركز شرطة التوحيد على جثثهم في منطقة الشام في المدينة [ الفلوجة ]
وقد مثل بها بشكل بشع بسمل العيون وطعن اجسادهم وتمزيقها )
صحيفة البيان / العدد 106 / 6 ـ 7 ـ 2004
10- ( … انتبهوا ايها الشيعة مما يجري ويحاك في دهاليز الظلام بين الاخوة السنة وسلطة التحالف وقوى حاقدة اخرى معروفة يقود بالنتيجة الى استلاب حق الاغلبية … )
البينة / ك2 / 2004(23/37)
11 - ( النقطة الابرز والاكثر اثارة للجدل ربما كانت تلك التي وردت في كلمة عضو مجلس الحكم … د. محسن عبد الحميد والتي وجه فيها اتهامات للوزراء الشيعة بانهم يعملون على تصفية الكوادر والقيادات السنية في وزاراتهم هذا في وقت كان يشدد فيه على نبذ الطائفية .
ويبدو ان مثل هذا الكلام الخطير اذا لم يكن معززا بأرقام وحقائق فإنه ستترتب عليه آثار ونتائج غير سارة … )
الاستقامة / العدد 15 / 1 ـ 4 ـ 2004
12 - ( قالوا : نقلت صحيفة الأهرام القاهرية عن جلال الطالباني قوله :" ان الاكراد هم حماة السنة في المعادلة العراقية "
وقلنا : عرفنا مام جلال عراقيا وطنيا خاض المعارك الدامية من اجل عراقيته ولا نعرف عنه يوما أنه اصطف في معسكرات الحاخامات الوهابية على شاكلة احمد الكبيسي )
الببينة / العدد 60 / ت2 ـ 2004
******************
ثالثا : استعداء المدن العراقية:
من الملاحظ ان الصحف الطائفية المحلية تقوم على عدة اسس من ابرزها التفريق بين المدن العراقية ومحاولة ترسيخ فكرة الصراع والعداء بينها وذلك عبر اثارة المشاكل الداخلية واشعال فتيل الازمات المتعددة ، وتفسير التاريخ القريب على اساس طائفي مقيت ، ويمكن القول ان مدن الفلوجة وسامراء وديالى تكاد تشكل مادة يومية لتلك الصحف تثير من خلالها الفتن والازمات ضد ابناء البلد الواحد … ولنتابع ما يقوله هؤلاء:
1- ( الفلوجة كانت احدى قلاع الامة العربية واحدى الأيدي الضاربة التي كان يستخدمها النظام ضد اعداء القومية العربية شانها في ذلك شأن سائر المدن السنية لأن النظام في ذلك الوقت سن حربا خفية على ما كان يعرف بالشينات الثلاث " الشيوعية والشروكية والشيعة " …(23/38)
ان المناطق السنية بعربها واكرادها لم تطلق منها طلقة واحدة ضد الامريكان وهذه وسائل الاعلام التي كانت تسجل الاحداث لحظة بلحظة لم تخبرنا ان المناطق السنية قد سجلت فيها مقاومة ضد الاحتلال بما في ذلك كعبة المجاهدين ومدينة المساجد الفلوجة العصماء ، فما الذي جرى اخيرا حتى هبت الفلوجة ضد الاحتلال الامريكي وقامت وسائل الاعلام ولم تقعد من اجل تغطية هذه الاحداث … وهاهي ثمار المؤامرة تنضج بسرعة لا نظير لها في مدينة الفلوجة كعبة المجاهدين ، ومدينة المساجد تتحول في ظل لواء الفلوجة الامريكي التشكيل والفلوجي العناصر الى غابة من اشد الغابات وحشية وعلى من ؟ على ابناء شعبنا العراقي الغيورالطيب لتمارس في حقهم ابشع انواع الجرائم من قتل وتمثيل وتنكيل باساليب يأباها حتى اكثر الحيوانات وحشية وبربرية ، ان دماء هؤلاء القتلى المظلومين لن تذهب هدرا وان الاحداث الفظيعة لن تمر بردا وسلاما على الذين افتعلوها وارتكبوها ، وان على الباغي تدور الدوائر )
الشراع / العدد 125 / 7ـ 7ـ 2004
2 - ( ذبح بطريقة بشعة ثلاثة اشخاص " لبناني وعراقيان " يعملان في احدى الشركات اللبنانية .. على يد عناصر من المقاومة الطالبانية في مدينة الفلوجة … ونحن نتسائل : كيف يسمح رسل الديمقراطية الامريكان لهؤلاء الوحوش الطالبانيين بالتمادي في سفك الدم وذبح الابرياء وجلدهم بالسياط ، وهل تحولت المقاومة في نظر هولاء الى قتل مخالف لكل شرائع السماء )
البينة / العدد 89 / حزيران 2004
3 - ( لا ندري سر احجام الكثير من الحركات والاحزاب السياسية في الداخل ودول الجوار والامم المتحدة ولاتهتز مشاعرها امام مشاهد القتل المتعمد للشيعة … في حين قامت الدنيا ولم تقعد من اجل الفلوجة الثائرة التي قالت نفس " لا " التي قالها الشيعة …
فهل يجري في عروق ابناء الفلوجة الدم الازرق وفي شرايين الشيعة دم فاسد يتمنى الكل ان ينزف ويجف ويقتلع عروقهم ؟(23/39)
اليس هذا الصمت المطبق مؤامرة بحق ما يجري ضد الشيعة من جرائم ابادة بشعة وجريمة اكبر عندما يترك الجريح ينزف حتى الموت ؟)
البينة / العدد 98 / اب 2004
4 - ( يوم القضاء على دولة الارهاب السلفية في الفلوجة … يمثل اليوم الهاجس الوطني الأهم لكي ينتهي ارق وقلق العراقيين ويستاصل الارهاب ضد الشعب العراقي وضد الاسلام الذي يتم الذبح الوحشي باسمه الطاهر فيلوث الأرهاب السلفي الخرافي الدموي الاسلام ويلوث العراق على حد سواء )
صحيفة البيان / العدد 106 / 6 ـ 7 ـ 2004
وختاما لنا كلمة
بعد هذه المتابعة السريعة لبعض الصحف العراقية الشيعية والتي قد تنذر بشر مستطير لعراقنا الحبيب، هل يمكن القول ان ما تطرحه هذه الصحف يمثل الواقع فعلا… وان ما يدعون اليه سيكون مستقبل العراق؟!
مطلقا !! اننا لا نسلم بهذا ولا نرى في تلك المحاولات البائسة اليائسة إلا انعكاسا لنفوس أعماها الحقد والطائفية المقيتة والعنصرية البغيضة ، وأن وعي الشعب والامة كفيلان بوأد تلك التوجهات المسمومة قبل استفحالها .
ولا يعتقد أحد أن هذا التوجه يمثل الصورة كاملة ، فللمشهد العراقي صور إيجابية أخرى يرفع لواءها أهل السنة الميامين الذين سيبقون أوفياء لدينهم ووطنهم ما وسعهم الجهد على ذلك ، دون ان تشغلهم دعوات الطائفيين والمنحرفين عن جادة الصواب والذين سينهي الفعل الايجابي كل تحرك مشبوه لهم .
كتاب الشهر عدد 23
الفاطميون بين صحة النسب وتزوير التاريخ
تأليف :محمد علي قطب
صدر هذا الكتاب عام 2002 عن المكتبة العصرية ببيروت، وهو يقع في 110 صفحات من القطع المتوسط .
وقد بين المؤلف أن الدافع لتأليف هذا الكتاب هو ما تقرره مناهج التدريس في أكثر البلاد العربية تذكر من اعتبارهم فاطميين ولا نرى مسوغا لهذا الضلال والإضلال بالنسب الكاذب زورا وبهتانا وإن ادعاه أصحابه افتراء على حين غفلة "(23/40)
ولذلك سطر هذا الكتاب ليوضح فيه حقيقة انتسابهم لفاطمة الزهراء من جهة، وبيان حقيقة الدور الذي قاموا به تجاه الإسلام والمسلمين آنذاك .
وقد مهد المؤلف محمد قطب للكتاب بلمحة عن موقف الخليفة الرابع علي بن أبى طالب رضي الله عنه تجاه قتلة عثمان رضي الله عنه وأنه لم يدافع أو يحمى القتلة لكنه لم يكن يستطيع تنفيذ القصاص بسبب قوتهمن و عدم تحديد القتلة بشكل واضح، وادعاء أن جيشهم البالغ 10 آلاف كلهم قتلة عثمان !
وتابع بعد ذلك بسرد سريع لمجريات الأحداث وكيف تجمع كثير من الهاشميين طالبيين وعباسيين ضد الأمويين، واندساس المغرضين في صفوفهم و بدء الصراع بين الهاشميين حين استأثر العباسيون بالخلافة وظهور أفكار منحرفة في أوساط المؤيدين للطالبيين، و خاصة الفارسيين منهم و قد أفرزت فرقا عديدة تحمل الأفكار الباطنية كان منها العبيديون .
العبيديون :
أكد المؤلف أن العبيديين من سلالة عبيد الله المهدي،وهو عراقي الأصل، ولد في الكوفة سنة 260 هـ وكان مختبئا في السلمية ،في شمال سوريا، وكانت بؤرة الإسماعيلية،واسمه الحقيقي سعيد بن أحمد بن حسين بن محمد بن عبد الله بن ميمون القداح .
وفي هذه المنطقة توفي الحفيد الرابع لإسماعيل بن جعفر و اسمه علي بن الحسين بن أحمد بن محمد بن إسماعيل .
وكانت بداية الشر حين قرر دعاة الباطنية نقل الإمامة من ذرية إسماعيل بن جعفر إلى ابنهم بالنكاح الروحي سعيد بن أحمد بن حسين بن محمد بن عبد الله بن ميمون القداح، وتغيير اسمه إلى عبيد الله المهدي !!
وكانت الخطوة الأولى لتنفيذ هذه الخطة إرسال داعية لليمن لنشر الدعاية للمهدي المزعوم وهذا الداعية كان حسن بن فرح بن حوشب بن زاذان الكوفي،واشتهر بلقب منصور اليمن .(23/41)
والخطوة الثانية كانت إرسال داعية آخر إلى الشمال الأفريقي اسمه الحسين بن أحمد، واشتهر بلقب أبي عبد الله الشيعي ، الذي نجح في نشر الدعوة للمهدي المزعوم في المغرب مما دعا المهدي للانتقال إلى هناك، وكان تحت حكم بني الأغلب الذين - حين استشعروا خطر عبيد الله المهدي المزعوم- قبضوا عليه وسجنوه، لكن قام أبو عبد الله الشيعي، والحسين بن أحمد الذي كان داعيتهم في اليمن بثورة على دولة بني الأغلب واخرجوا سيدهم من السجن ، ولما خرج المهدي المزعوم قام بقتل أبي عبد الله الشيعي خوفا منه على مشروعه !
القضاء على بني الأغلب :
لما تمكن القداح المهدي من أمر القيروان قام باحتلال مدينة رقادة سنة 297هـ وبقي في سدة الحكم حتى سنة 322 هـ ، فتولى بعده ولده القائم نزار حتى عام 334هـ وبعده المنصور إسماعيل ابن القائم حتى عام 341هـ .
وقد كان العبيديون يطمعون في الاستيلاء على مصر لما لها من أهمية، ولذلك قام المعز معد بن المنصور بإرسال جيش كثيف على رأسه مولاه جوهر الصقلي فاستولى على مصر سلما سنة 359هـ ، في حين وصل المعز مصر سنة 362هـ .
اعتراف الإسماعيلية بنسب عبيد الله المهدي إلى القداح :
لقد ظل تزوير نسب المهدي خفيا إلى حد ما حتى ظهرت بعض كتب الإسماعيلية حديثا والتي نصت على أصله ،كما جاء في كتاب غاية المواليد الذي ألفه الخطاب بن الحسن بن أبي الحفاظ الهمداني المتوفى سنة 533 هـ ،ورسالة تقسيم العلوم .
والقداح الذي ينتسب له المهدي المزعوم كان كحالا يقدح العيون، ووالد المهدي كان يهوديا يعمل صباغا بسلمية كما قرره ابن كثير .
وسبب خلط النسب بين ولد القداح اليهودي و إسماعيل بن جعفر أنهم يؤمنون بالتبني الروحي القائم على أن حق العلويين الشرعي بالخلافة وسيلة لا غاية .(23/42)
ومن ثم عرض المؤلف حقيقة أبي الخطاب الذي أضل إسماعيل بن جعفر الصادق ، وواصل المؤلف في عرض نشأة الفسطاط وكيفية وصول العبيديين لها ،و كيف تعامل أهل مصر مع هؤلاء الحكام الجدد الذين لا يعرف لهم نسب واضح آنذاك مما دعا المعز إلى الانتساب إلى سيفه وذهبه !!!
وعرج المؤلف على سيرة حكام العبيديين في مصر وهم :الحاكم بأمر الله وابنه الظاهر وبعده ولده المستنصر و المستعلي وابنه الآمر من بعده إلى ابن عمته الحافظ المجيد وبعده ولده الفائز والذي تحول ملكه لابن عم أبيه العاضد .
وقد جعل المؤلف الخاتمة بفصل عن دور صلاح الدين في مصر، وما قام به للقضاء على هذه الدولة الظالمة المبتدعة والتي اقتضت حكمة الله عز وجل أن لا تستمر، بل لابد أن تؤول إلى زوال وإن طال الأمد .
قالوا العدد 23
ومتى تعيد إيران الجُزر؟
قالوا: "طلبت دولة الإمارات العربية المتحدة من الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان الإبقاء على البند المتعلق بالجزر الثلاث المحتلة من قبل جمهورية إيران الإسلامية على جدول أعمال مجلس الأمن".
وكالة أنباء الإمارات
10/5/2005
قلنا: إلى متى ستظل الجزر الإماراتية المحتلة على جدول أعمال مجلس الأمن؟ لماذا لا تبدي إيران مبادرة حسن نية، وحسن جوار تجاه الدول العربية والإسلامية، وتنهي احتلالها لهذه الجزر، وتوقف ادعاءاتها بملكيتها لها؟!
إسرائيل تكرم عزّام عزّام
قالوا: "كرّمت إسرائيل بمناسبة الاحتفالات بذكرى "استقلالها" عزام عزام الذي أعادته مصر في كانون الأول الماضي بعد أن أمضى نصف عقوبة بالسجن في مصر حيث أدين بالتجسس. وكان عزام عزام الذي ينتمي إلى الطائفة الدرزية أحد 16 إسرائيليا كرموا بإيقاد الشعلة لبدء الاحتفالات في حفلة رسمية أقيمت أمام البرلمان الإسرائيلي..".
وكالة الصحافة الفرنسية
12/5/2005(23/43)
قلنا: يستحق عزام أحد أبناء الدروز أن يكرمه اليهود، فإخلاصهم لدولة اليهود ومخاطرتهم بأرواحهم من أجلها يستحق التكريم في ذكرى اغتصاب فلسطين.
صورة السيستاني في حفل راقص
قالوا: "طلبة الحوزة العلمية المقدسة في النجف الأشرف يستنكرون العمل الشنيع الذي قامت به قناة الكويتية الفضائية الأولى بعرضها حفلة غنائية تظهر فيها صورة سماحة آية الله السيد السيستاني خلف الراقصات".
بيان أصدره طلبة الحوزة
أ .…ف. ب 15/5/2005
قلنا: أمر يدعو للغرابة أن يغضب طلبة الحوزة لصورة السيستاني التي كانت غلاف مجلة نيوزويك ولا يغضبون لتدنيس القرآن الكريم !!!
ربا في إيران
قالوا: "حددت إيران أمس أسعار الفائدة التي تتقاضاها كل البنوك الحكومية على قروضها عند 16% مقارنه مع الحد الأقصى السابق البالغ نحو 25% في خطوة قال محللون إنها ستلحق ضرراً كبيراً بالقطاع المصرفي، بحسب صحف إيرانية".
وكالة رويترز 8/5/2005
قلنا: يبدو أن المذهب الشيعي الاثنى عشري وهو المذهب الرسمي والوحيد في إيران لم يصله حتى الآن أن الربا محرم في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، سواء كان هذا الربا 25% أو 16%، لكن هؤلاء يعتقدون أن حب علي لا تضر معه معصية!
إيران تدعم الشعب العراقي بالمخدرات
قالوا: "صودرت كمية من 325 كلغ من حشيشة الكيف مؤخراً في مدينة البصرة بجنوب العراق كانت دخلت عبر إيران. وأقر وزير الداخلية العراقي نوري بدران مؤخراً بأن كميات كبيرة من المخدرات دخلت إلى البلاد من إيران، وتحدث عن تزايد استهلاك المخدرات في صفوف الشباب".
ا.ف. ب 12/5/2005
قلنا: لماذا لا تتقي إيران الله في شباب العراق، وتوقف هذا الفساد الذي ينقله حجاج العتبات.
إيران والولايات المتحدة اتفقتا!(23/44)
قالوا: "إيران والولايات المتحدة اختلفتا في كل شيء إلاّ في موضوع إجراء الانتخابات لاختيار أعضاء الجمعية الوطنية حيث أصرّتا على أن تجري في موعدها رغم الدلائل العديدة على أن نتائج تلك الانتخابات ستكون منقوصة، وتؤدي إلى تهميش قطاعات عريضة من الشعب العراقي".
السياسي العراقي عدنان الباجه جي
وكالة الأنباء الألمانية 14/5/2005
قلنا: نعم، فما دامت الانتخابات تؤدي إلى إقصاء السنة، والإتيان بميليشيات الدعوة وبدر التابعة لإيران، فلا مانع من التعاون والتنسيق مع الشيطان الأكبر.
ولعل الباجه جي قد نسي أو تناسى أنها ليست المرّة الأولى التي تتفق فيها إيران مع أميركا، فلقد سهّلت لها احتلالها لأفغانستان لإقصاء طالبان السنيّة، وليست "إيران غيت" عنا ببعيد.
هل يخرج حوثي ثالث؟
قالوا: ".. وكانت مصادر قريبة من الرئاسة اليمنية قد أكدت أن (الرئيس اليمني علي عبدالله) صالح تسلم رسالة من كل من بدر الدين الحوثي وعبد الله الرزامي ومن معهم من العناصر المتمردة، عبّروا من خلالها عن استعدادهم لإلقاء السلاح والتخلي عن العنف ووقف الاعتداءات على المواطنين وأفراد القوات المسلحة والأمن والممتلكات والمنشآت العامة".
وكالة الأنباء الألمانية
13/5/2005
قلنا: نرجو أن تكون هذه آخر فتنة للحوثيين الذين تستغلهم إيران للتخريب في اليمن، وألاّ نرى حوثياً ثالثاً، وألاّ نرى هذه الدماء في اليمن السعيد، ولا هذا الدمار الذي يقول وزير التخطيط اليمني أن خسائره بلغت 272 مليون دولار.
من يفرح بقتل الحسين!
قالوا: ".. وفرقاً أخرى تحتفل بيوم العاشر من شهر محرم انسجاماً مع قيام جيش يزيد بقتل الإمام الحسين بن علي".
زياد العناني في عرضه لكتاب
"الإيزيدية.." لزهيم كاظم عبود
الغد 15/5/2005(23/45)
قلنا: كنا نتمنى أن يذكر المؤلف أو الذي عرّف بالكتاب أسماء تلك الفرق التي يدّعون أنها تفرح بمقتل الحسين رضي الله عنه، حتى نتبرأ منها، بدلاً من إيهام الناس وإطلاق الكلام على عواهنه. أم أن الأمر لا يعدو كونه تحريضاً جديداً على أهل السنة، واتهامهم بقتل الحسين رضي الله عنه.
ويل لمن يتحدث عن حقوق الإنسان في إيران!
قالوا: "وروت فرح كريمي النائبة عن حزب الخضر للصحافة الهولندية أمس أنها تعرضت لمضايقات من قبل السلطات الإيرانية... في مطار طهران عندما كانت عائدة إلى هولندا بعد زيارة لطهران.. وقالت إن جنوداً إيرانيين هدّدوها وسألوها خصوصاً عن اتصالاتها بالمدافعين عن حقوق الإنسان، وأنه تم مصادرة وثائق لها لفترة وجيزة.
وتساءلت إذا كانت السلطات تعامل نائبة هولندية بهذه الطريقة ما عساها تفعل بمواطنيها؟".
الرأي 11/5/2005
قلنا: يبدو أن هذه النائبة الهولندية كادت أن تفقد حياتها لأنها حاولت أن تبحث موضوع حقوق الإنسان في إيران، خاصة مع اشتداد الإيذاء للعرب في إقليم عربستان المحتل، ولأهل السنة في المناطق الحدودية. ولعل النائبة نسيت أن الملالي في طهران هم أدرى بحقوق الإنسان في بلادهم!
عون: جنبلاط كسائق التاكسي !
قالوا: "وليد جنبلاط كسائق التاكسي ليس له موقف. دوّخ الذين معه قبل أن يدوّخني.. إنه إنسان غير مستقر في حياته السياسية، ولا أحد يستطيع معرفة ماذا يريد، ولا نستطيع أن نتعاطى معه على هذا الأساس".
الجنرال ميشيل عون
رويترز 11/5/2005
قلنا: وسيبقى جنبلاط هكذا، فالدروز يؤمنون بعقيدة التودد للغالب ولا ندري أين سيكون موقفه القادم.
14 قتيلاً سنيّاً من المدائن(23/46)
قالوا: "مفارز الشرطة العراقية عثرت على 14 جثة مجهولة الهوية لأناس أعدموا رمياً بالرصاص في منطقة شمال شرق بغداد... وأعلنت هيئة علماء المسلمين في بيان في وقت لاحق أن الضحايا جميعهم سنة من منطقة المدائن جنوب بغداد، وأوردت أسماء الضحايا، مشيرة إلى أنه تم الحصول عليها من أقاربهم".
ا.ف.ب 9/5/2005
قلنا: لقد أقام الشيعة الدنيا وأقعدوها، وادّعوا أن السنة يحتجزون رهائن من الشيعة، لكن الله أبطل أكاذيبهم، وهاهي الأيام تمر ويتبين أن السنة في المدائن وفي غيرها، هم من يتعرضون للإيذاء والاختطاف والقتل، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله.
هكذا يعاملون السنة في العراق
قالوا: "قوات ما يسمى بالحرس الوطني قامت يوم الأحد الماضي بمداهمة جامع "ضيوف الرحمن" في منطقة البلديات (جنوب شرق بغداد). وأضاف البيان أن القوات التي اقتحمت المسجد قامت بإطلاق عيارات نارية داخل المسجد، ثم اعتقلوا الشيخ عطا مهدي المجمعي إمام المسجد وخطيبه عضو هيئة علماء المسلمين بعد أن أهانوه بالسب والشتم، وأهانوا الهيئة كذلك".
بيان لهيئة علماء المسلمين
الغد 10/5/2005
قلنا: وهذا مثال آخر للطريقة التي تتعامل بها أجهزة الشيعة، والحرس الوطني المشكل أساساً من قوات بدر مع أهل السنة في العراق ومؤسساتهم، وبعد ذلك يتحفنا الشيعة بأحاديثهم عن الوحدة الوطنية واحترام المواطنين والتحذير من الفتنة الطائفية!
تشكيل تكتل سياسي يضم جميع القوى السنية في العراق
بغداد - اعلنت الهيئات والقوى والمرجعيات السنية العربية في العراق امس عن تشكيل تكتل سني يمثل جميع القوى السياسية والدينية والاجتماعية السنية في العراق يكون هدفه توحيد صفوف السنة وتنظيم مشاركتهم في العملية السياسية المقبلة.(23/47)
وقال عدنان محمد سلمان الدليمي رئيس ديوان الوقف السني في المؤتمر العام الثاني لاهل السنة في العراق الذي انعقد تحت شعار من اجل وحدة العراق ودفع المخاطر عنه ان تحضيرات كثيرة واجتماعات عديدة سبقت هذا التجمع خلصت جميعها "الى ضرورة عقد هذا المؤتمر لنعلن فيه عن تكوين تكتل اهل السنة في العراق."
واضاف قوله ان هذا التكتل لاهل السنة "تشارك فيه جمهرة من اطيافهم وتجمعاتهم من اسلاميين وعلمانيين وممثلين عن العشائر ومستقلين وضباط متقاعدين واساتذة جامعيين."
واضاف الدليمي ان التكتل سيكون هدفه "لملمة صفوف القوى السنية من اجل اتخاذ موقف موحد وتكوين مرجعية سنية تاخذ على عاتقها مسؤولية تمثيل السنة في العملية السياسية للفترة المقبلة بعد ان قاطع السنة العملية السياسية في الفترة الماضية وهو ما ادى الى تهميش دورهم وحضورهم السياسي في التشكيلات السياسية والبرلمانية التي شهدتها البلاد في الفترة الماضية."
وقال الدليمي ان "نتائج الانتخابات الماضية احدثت انقلابا كبيرا في التفكير السياسي عند جماهير اهل السنة ونرى ان الواجب يدعونا الى المشاركة في العملية السياسية (المقبلة) حفاظا على هوية العراق ووحدته واستقلاله وسيادته وحفاظا على وجودكم وردعا لمن يريد ان يهمشكم ويقلل من شانكم."
واكد الدليمي ان التكتل الجديد للسنة سيتبع "كل السبل القانونية.. وسننتزع كل الوسائل لاستخلاص حقوقنا والحفاظ على ثروتنا ولن يتحقق ذلك الا اذا اجتمعت كلمتنا وشكلنا قاعدة قوية من اهل السنة عربا وكردا وتركمانا تكون اساسا صلدا للوحدة العراقية الشاملة البعيدة عن الطائفية والعرقية والعنصرية والمحاصصة."(23/48)
واعلن مكي حسين الكبيسي ممثل هيئة علماء المسلمين في المؤتمر الذي حضره ممثلون عن احزاب كردية وتركمانية وممثل عن المجلس الاعلى للثورة الاسلامية الشيعية في العراق مباركته لهذا المؤتمر "من اجل توعية ابناء الاكرمين عموما واهل السنة خصوصا باهمية المحافظة على امانة هذا البلد."
واضاف ممثل الهيئة التي تعتبر المرجع الديني للعرب السنة في العراق "ان اول ما نسعى اليه هو اعادة العراق بلدا امنا مستقلا موحدا."
واكد الكبيسي على اهمية السعي من اجل انشاء وتكوين " سلطة القانون.. التي نعمل نحن من اجل ان نشترك في صياغتها وكتابة دستورها وادارة شؤونها."
وعبر طارق الهاشمي الامين العام للحزب الاسلامي العراقي والذي مثل السنة في العملية السياسية في البلاد قبل ان ينسحب منها قبيل الانتخابات التشريعية التي جرت في كانون الثاني الماضي عن تاييد الحزب للمشاركة في هذا التكتل.
وقال الهامشي ان هذا التجمع رغم انه "اتخذ عنوان اهل السنة والجماعة فانه لا ينبغي ان يفهم خطأ.. تجمعنا ليس لتكريس الطائفية والتخندق وراء المذهبية."
واضاف الهاشمي في المؤتمر الذي حضره السكرتير الاول للسفارة الفرنسية في العراق وممثل عن السفارة التركية والاردنية ان هذا التجمع يرسل اشارة هامة للعراقيين جميعا وهي "ان ممثلي السنة لا يستهدفون تاكيد حضورهم السياسي فقط وانما ليمدوا ايديهم الى الاخوة من ابناء هذا الشعب وخطابهم هو نفس الخطاب... تعالوا الى كلمة سواء."
والقى عدد اخر من ممثلي الاحزاب الكردية والتركمانية وممثلي بعض التكتلات الدينية والسياسية السنية كلمات اكدت على اهمية تشكيل هذا التكتل من اجل مواجهة التحديات المقبلة والوقوف بثبات امام التكتلات السياسية الاخرى.
واستنكر المؤتمر في بيانه الختامي المداهمات التي استهدفت بعض المساجد السنية في الفترة الاخيرة وعمليات القتل والاعتقالات التي تعرض لها بعض الائمة والمصلين في هذه المساجد.(23/49)
وطلب البيان الختامي من الحكومة المؤقتة "تشكيل هيئة قضائية مستقلة للتحقيق في جرائم القتل التعذيب التي ترتكب بحق المعتقلين والمحتجزين... واطلاق سراحهم".
رويترز 21/5/2005
السنة يهددون برد قوي إذا لم تتدخل الحكومة لوقف اغتيال أئمتهم
وصل التوتر بين السنة والشيعة في العراق ذروته بعد الاتهامات التي أطلقتها هيئة علماء المسلمين السنة لقوات الأمن والميليشيات الشيعية بالضلوع في عمليات قتل السنة.
واتهمت هيئة علماء المسلمين، أبرز هيئة دينية سنية في العراق، منظمة بدر الشيعية باغتيال عراقيين سنة في بغداد. وقال الأمين العام للهيئة حارث الضاري: "منظمة بدر هي المسؤولة وأنا أتحمل مسؤولية كلامي". من ناحيته وردا على أسئلة الصحافيين حول عمليات القتل هذه اكتفى (رئيس الوزراء إبراهيم) الجعفري بالقول إن فريقه وضع "خطة" أمنية.
وفي حركة احتجاج لا سابق لها، وجهت هيئة علماء المسلمين والوقف السني والحزب الإسلامي، أحد أكبر الأحزاب السنية في العراق، دعوة إلى إغلاق المساجد لمدة ثلاثة أيام اعتباراً من ظهر اليوم الجمعة.
وأكد رئيس الوقف السني الدكتور عدنان سلمان الدليمي أن رجال دين دعوا إلى إغلاق المساجد لثلاثة أيام اعتبارا من بعد ظهر اليوم الجمعة احتجاجا على عمليات القتل هذه.
وقال أن "علماء اصدروا فتوى تدعو إلى وقف الصلاة ثلاثة أيام في مساجد بغداد"، داعيا الحكومة إلى كشف حقيقة هذه العمليات والإفراج عن رجال الدين المعتقلين.
وأصدرت الهيئة بيانا مشتركا مع الحزب الإسلامي شجبت فيه تصرفات الأجهزة الأمنية "المؤلفة بغالبيتها من ميليشيات تابعة لبعض الأحزاب المشاركة في الحكومة".
وجاء في البيان أن "الطائفة السنية تدعو الحكومة إلى وقف هذه الممارسات فورا. وفي حال لم توقفها فإن تحركنا سيكون أقوى". وكانت الهيئة اتهمت في وقت سابق أجهزة الأمن العراقية بـ قتل 14 سنيا بينهم ثلاثة أئمة في غرب بغداد رغم النفي الرسمي لذلك.(23/50)
وقال البيان أن العناصر التابعين لوزارة الداخلية "اعتقلوا أئمة وحراس مساجد وعذبوهم وقتلوهم ثم تخلصوا من جثثهم عبر رميها في مكب نفايات في حي الشعب" في غرب العاصمة العراقية، مشيراً إلى أن عمليات القتل وقعت بين الأحد والثلاثاء.
وكان وزيرا الداخلية بيان باقر صولاغ (شيعي) والدفاع سعدي الدليمي (سني) اللذان دعاهما السنة إلى الاستقالة، نفيا أي تورط لأجهزتهما في قتل مدنيين في بغداد.
وما زاد في التوتر أن الدليمي الذي كان أعلن الاثنين وقف المداهمات في المساجد وأماكن العبادة، عاد الاربعاء عن قراره. وقال "إذا ارتضى إمام المسجد أن يجعل من مسجده ثكنة عسكرية فإننا سنتعامل مع المسجد على أساس أنه ثكنة عسكرية". وأضاف "أما إذا كان المسجد دار عبادة ومصدر رسالة للسلام كما هو المفترض فإننا سنتعامل على هذا الاساس أيضاً" مشيرا إلى أن "استخدام المساجد لإيواء الإرهابيين أمر غير مقبول اطلاقا".
وردت هيئة علماء المسلمين بأن "هذه التحركات قد تؤدي إذا ما استمرت إلى حرب أهلية يريدها البعض إن في داخل العراق وإن في الخارج".
من ناحيته دعا رئيس البرلمان العراقي حاجم الحسني إلى التهدئة، وقال "لا يمكننا أن نوجه أصابع الاتهام إلى أي كان بدون دليل". وأضاف لا أعلم من يقف وراء هذا الأمر ولكن على الحكومة أن تجد المذنبين.
في هذه الأثناء شيع العراقيون في بغداد رجل دين شيعي قريب من علي السيستاني قال أقرباؤه أن مسلحين قاموا باغتياله عند المدخل الجنوبي لبغداد. في غضون تلك، أعرب الأمين العام للجامعة العربية عن "قلقه البالغ" ازاء عمليات القتل التي استهدفت رجال دين سنة في العراق ودعا العراقيين إلى ضبط النفس لتجنب "فتنة بين طوائف المجتمع العراقي".(23/51)
وجاء في بيان أصدره المتحدث باسمه أن الأمين العام "يدين بشدة عمليات الاغتيال التي استهدفت علماء دين وأئمة" و "يطلب من جميع العراقيين الابتعاد عن كل فعل أو قول يقربهم من الفتنة أو يقرب الفتنة إليهم".
وقال البيان أن موسى أكد على أن "التلاحم الوطني العراقي كان ويجب أن يظل الضمان الحقيقي لوحدة العراق شعبا وأرضا بعيدا عن أية نعرات أو أفعال تهدف لبث الفرقة بين صفوف أبناء الشعب العراقي الواحد"
وكالة الصحافة الفرنسية 19/5/2005
إغلاق المساجد السنية 3 أيام وسط تصاعد التوتر الطائفي في العراق
أعلن خطباء وأئمة المساجد السنية في العاصمة العراقية بغداد امس واستجابة لدعوة أطلقتها الهيئات والمرجعيات السنية في البلاد قبل يومين إغلاق المساجد السنية اعتباراً من بعد ظهر أمس وحتى عصر يوم غد الاثنين احتجاجاً على عمليات المداهمة والقتل التي طالت عددا من المساجد ورجال الدين السنة مؤخراً.
وقال الشيخ عبد الغفور السامرائي من مسجد أم القرى أكبر المساجد السنية في بغداد أن المسجد سيغلق أبوابه لمدة ثلاثة أيام اعتباراً من الجمعة احتجاجا على عمليات المداهمة التي طالت بعض المساجد السنية في بغداد واحتجاجاً على عمليات الاعتقال والقتل التي تعرض إليها بعض الأئمة والمصلين.
وقال السامرائي "إن ديوان الوقف السني وحفاظاً على الارواح وصيانة للدماء واحتجاجاً على تلك المجازر طلب إغلاق أبواب المساجد لمدة ثلاثة أيام في بغداد وضواحيها كخطوة أولى واحتجاج سلمي وستتبعها خطوات إذا ما تعرض أبناؤنا وأهلنا ومشايخنا إلى مثل تلك المجازر مستقبلاً."(23/52)
وأضاف في خطبته أن العمليات المسلحة التي يكون ضحيتها العراقيون والتي تنفذها أطراف مجهولة هي عمليات مرفوضة من قبل الجميع "لا أحد يقبل أن يقتل العراقي تحت أي ذريعة.. ولكن المصيبة الكبيرة والطامة العظمى هي عندما قام أناس ينتمون ويدعون أنهم ينتمون إلى جهات رسمية وشبة رسمية وتفعل هذا الفعل وهم قوم معلومون وليسوا مجهولين بارتكاب هذا الفعل.. هذا أمر خطير وسابقة لها ما بعدها."
واستطرد السامرائي "رغم الذي حصل لا زلنا ندعو إلى التهدئة وإلى ضبط النفس والتأني وأدعوا الحكومة العراقية إلى رد الاعتبار وأن تجري تحقيقا شاملا وتدقيقا كاملا في ملابسات الجريمة البشعة وإلا فإن الأمور ستتفاقم وتتفاقم ولن يكون هناك استقرار."
وكانت القوى والهيئات والمرجعيات السنية قد أطلقت دعوة يوم الأربعاء الماضي في مقر هيئة علماء المسلمين دعت فيها أئمة وخطباء المساجد السنية في بغداد إلى إغلاق مساجدهم اعتباراً من يوم الجمعة ولمدة ثلاثة أيام احتجاجاً على قيام ميليشيات مسلحة باقتحام عدد من المساجد السنية خاصة في مدينة الشعب ببغداد واعتقال عدد من المصلين والأئمة وقتلهم لاحقاً.
وقالت هذه القوى أن تلك الميليشيات تنتمي إلى قوات بدر الشيعية الجناح العسكري للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق. وطالبت الحكومة العراقية باتخاذ الإجراءات التي تحول دون استهداف مساجد السنة وحمايتها من الهجمات المسلحة التي تستهدفها.(23/53)
من جهة ثانية دانت هيئة علماء المسلمين، إحدى أبرز الهيئات السنية في العراق، في بيان أمس اغتيال رجل الدين الشيعي القريب من آية الله علي السيستاني الشيخ محمد طاهر العلاق على يد مسلحين في ضواحي بغداد الجنوبية. وجاء في البيان أن "الهيئة إذ تستنكر اغتيال ممثل السيد السيستاني الشيخ (محمد طاهر العلاق) الذي اغتيل (صباح الخميس) 19 أيار تبين رفضها لهذه الأعمال الإرهابية المجرمة تحت أي مبرر كانت أو ذريعة وترى أنها تزرع الفتنة التي يريدها أعداء هذا البلد وهذا الشعب". وأعلن أحد أقرباء الشيخ محمد طاهر العلاق الذي شيعت جنازته الخميس، أن الشيخ اغتيل عندما كان متوجها بسيارته إلى وسط العراق في منطقة تسمى جرف النظاف. وأضاف هاشم أبو غريف أن مسلحين في سيارة أطلقوا النار على رجل الدين الذي كان يقود سيارته قبل أن يلوذوا بالفرار.
وأوضح أقرباؤه أنه كان إمام مسجد جوادين في حي المشتل جنوب بغداد.
وتفاقم التوتر الطائفي في العراق خلال الأيام القليلة الماضية لاسيما إثر اغتيال عدد من رجال الدين الشيعة والسنة من بينهم أئمة.
في غضون ذلك دعا رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق عبد العزيز الحكيم الشعب العراقي إلى الاحتكام إلى "لغة العقل" و "مقاومة كل محاولات زرع الفتنة الطائفية" في وقت يزداد فيه التوتر بين الشيعة والسنة، وحذر الحكيم في بيان من مغبة التجاوب مع "محاولات محمومة لزرع الفتنة الطائفية بين العراقيين"، متهما جهات أجنبية خارجية وبقايا النظام السابق بالوقوف خلف تلك المحاولات.
وكانت منظمة بدر الشيعية الجناح العسكري السابق للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق نفت الخميس في بيان اتهامات هيئة علماء المسلمين (السنية) لها بالوقوف وراء اغتيال أشخاص وشيوخ من السنة في بغداد مؤكدة أنها سترفع شكوى في هذا الصدد.(23/54)
وحمل الحكيم "فلول النظام السابق ومن يقف وراءهم" مسؤولية العنف الحاصل الذي يستهدف "البنى التحتية" وضرب "دور العبادة من مساجد وحسينيات وكنائس (...) (وإيقاع) مئات الضحايا في اللطيفية والمدائن (جنوب بغداد) وغيرها من الجرائم ضد العراقيين الأبرياء".
إلا أنه أعرب عن ثقته بأن الشعب العراقي تحمل العنف من أجل الوصول إلى "بناء عراق دستوري تتحقق فيه العدالة للجميع".
ودعا الحكيم، وهو رئيس الائتلاف العراقي الموحد، الكتلة الأكبر في الجمعية الوطنية (البرلمان) العراقيين إلى "عدم الانجرار وراء المحاولات الشريرة المعلنة لإشعال نار الحرب الطائفية" في البلاد "في إشارة إلى زعيم تنظيم القاعدة في العراق أبو مصعب الزرقاوي.
وقال "رغم قساوة الجرائم التي ارتكبها أتباعه ومناصروه (الزرقاوي) ضد العراقيين فإن الوحدة الوطنية ما زالت متماسكة لأنها مطلب كل الخيرين والشرفاء من أبناء هذا الوطن".
وردا على اتهام الشيخ حارث الضاري الأمين العام لهيئة علماء المسلمين منظمة بدر بالوقوف وراء العديد من الاغتيالات التي طالت رجال دين سنة، دعا الحكيم مؤسسات القضاء العراقي بالتحقق من صحة تلك الاتهامات، مؤكداً أن وسائل الإعلام ليست القنوات التي ينبغي أن تطلق الاتهامات من خلالها.
وقال في بيانه مخاطبا هيئة علماء المسلمين" حري بالذين يوجهون هذه الأيام سهام اتهاماتهم إلى القوى الخيرة (منظمة بدر)! التي يشهد لها تاريخها على التضحيات الجسام بالحرص على أمن الشعب كله ووحدته (...) أن يرجعوا إلى أنفسهم ويتقوا الله ".(23/55)
كما دعا الحكيم" علماء الدين الأخيار من الشيعة والسنة إلى الوقوف بحزم وجدية كاملة في مواجهة المخطط المشؤوم الرامي لتمزيق وحدة العراقيين (...) لقد شملت جرائم الإرهابيين أبناء اربيل وصلاح الدين والانبار كما شملت من قبل أبناء كربلاء والحلة وبغداد الجديدة" في إشارة إلى هجمات بعضها انتحاري أوقعت ضحايا في صفوف المدنيين من السنة والشيعة.
الرأي 21/5/2005
إبراهيم الجعفري.. فقيه بجبّة إيرانية وربطة عنق أميركية!
عثمان تزغارت
حين عاد زعيم حزب الدعوة الإسلامية إبراهيم الجعفري إلى العراق في نهاية شهر أبريل 2003 بعد 3 أسابيع من انهيار نظام صدام حسين الذي كان قد أرغمه على المنفى طيلة عشرين عاما، كان أول تصريح نُقل عنه قوله: "إن العراق تغيّر كثيرا.. وأنا أيضا تغيّرت بنفس القدر"!
كان واضحا في حينه أن أوضاع العراق تبدّلت جذريا. ولكن ما لم يكن ظاهرا للعيان آنذاك شخصية الجعفري، كانت بالفعل تتجه نحو تسجيل تغيير على نفس القدر من الراديكالية، بما خوّله لأن يصبح أول رئيس لمجلس الحكم الانتقالي العراقي، في نهاية شهر يوليو 2003 رغم أنه كان حتى اللحظة الأخيرة شديد التحفظ على مبدأ التعامل مع الاحتلال الأمريكي، حيث كان الوحيد الذي رفض المشاركة في مؤتمر المعارضة العراقية الذي عُقد تحت إشراف الإدارة الأمريكية بلندن، في نهاية شهر ديسمبر 2002 تحضيرا لشن الحرب وإطاحة نظام صدام حسين.
وبعد الإطاحة، جدّد نفس الموقف الرافض، واعتذر عن المشاركة في اجتماع الأحزاب المعارضة العراقية الذي عقدته سلطات الاحتلال الأمريكية في الناصرية، بتاريخ 16 أبريل 2003 بعد أسبوع من سقوط صدام، في محاولة لترتيب الأوضاع العراقية، تمهيداً للإعلان الرسمي عن "نهاية الحرب" من قبل القوات الأمريكية، بعد ذلك التاريخ بأسبوعين.(23/56)
رغم انقلاب الجعفري بشكل جذري من مواقع المقاطع والرافض للوجود الأمريكي إلى رئاسة أول مجلس حكم تم إنشاؤه في ظل الاحتلال، إلا أن البعض انتقصوا من أهمية ذلك الحدث، من منطلق أن تعيين الجعفري كأول رئيس لمجلس الحكم الانتقالي جاء بمحض المصادفة، لأن رئاسة المجلس تقرّر تداولها دوريا بين مختلف زعماء الأحزاب السياسية العراقية، وفقا للتسلسل الأبجدي لأسمائهم، فحلّ الجعفري في المنزلة الأولى لأن اسمه يبدأ بحرف "الألف"!
الطريق مفتوح
لكن تطورات الأحداث لاحقا برهنت أن السياسة لا تعرف شيئا اسمه المصادفة، بل شيء فيها مدروس بدقة ومخطط له سلفا فبعد حلّ مجلس الحكم الانتقالي، في يونيو 2004 والاستعاضة عنه بالرئاسة والحكومة المؤقتتين، أحدث إبراهيم الجعفري المفاجأة مجددا، حين أسند له منصب نائب رئيس الجمهورية. وعلى إثر الانتصار الذي حققته لائحة "الائتلاف" التي تزعمها في انتخابات يناير الماضي، حيث أحرزت 140 مقعداً نيابيا من مجموع 275، أصبح الطريق مفتوحا أمامه لتولي رئاسة أول حكومة عراقية منتخبة في عهد ما بعد صدام حسين.
وبذلك استكمل إبراهيم الجعفري التحوّل الجذري في شخصيته، كما وعد أو تنبأ به غداة عودته إلى العراق، فأصبح حالياً الحليف الرئيسي للسلطات الأمريكية في بلاده، بعد أن كان ضمن أبرز معارضيها في بداية الاحتلال.
الذين يعرفون جيدا المسار السياسي الذي سلكه الجعفري منذ انتمائه إلى حركة "الدعوة الإسلامية" الشيعية، في منتصف الستينات، يدركون أثر حجم هذا التحوّل ومدى غرابته. فهو لم يكن مجرد معارض أو متحفظ فقط على مسألة التعامل مع الإدارة الأمريكية على الصعيد السياسي، بل كان اسمه مدرجا طيلة عقد الثمانينات على اللوائح الأمريكية للمنظمات والشخصيات الإرهابية!(23/57)
كيف تحوّل الجعفري في أعين الإدارة الأمريكية من "عدو إرهابي" إلى حليف استراتيجي في عراق ما بعد الاحتلال؟ وما سر الانقلاب الغريب في مساره وشخصيته، من النقيض إلى النقيض؟
للوقوف على ذلك، لا بد من استرجاع تسلسل الأحداث منذ بداياته السياسية الأولى كناشط إسلامي معارض، ورصد مختلف المحطات التي مر بها مساره، والمكانة التي يحظى بها لدى الطائفة الشيعية العراقية بحكم دوره ضمن حركة "الدعوة" وأيضاً بفضل أصوله العائلية المرموقة. فهو يتحدر من بيت شيعي عريق هم "آل الأشيقر" الذين يمتد نسبهم إلى الإمام موسى بن جعفر الكاظم، سابع الأئمة الشيعة التاريخيين. ومن أبرز أعيان هذه العائلة في العصر الحديث، الإمام مهدي علي باقر الأشيقر الذي قاد تمردا شيعياً شهيرا ضد الحكم العثماني سنة 1876 عُرف بـ "ثورة الأشيقر".
رغم اشتهار رئيس الحكومة العراقية الجديد بلقب إبراهيم الجعفري، إلى أن اسمه الأصلي الكامل إبراهيم عبد الكريم حمزة الأشيقر. خلال فترة نشاطه السري في صفوف حركة "الدعوة" في النصف الثاني من السبعينات، اختار لنفسه اسما حركيا هو "أبو احمد الجعفري". وبعد انتقاله إلى المنفى في بداية الثمانينات، اختار لقبا جديدا مزج فيه بين اسمه الأصلي والحركي، فأصبح يعرف بإبراهيم الجعفري.
وهو من مواليد مدينة كربلاء، عام 1947. تربى في مسقط رأسه حتى سن التاسعة عشرة، حيث تشبع بالفكر الديني الشيعي. ويذكر رفاقه في الدراسة أنه كان مولعا أيضاً بالآداب، وكان ينظم الشعر في شبابه. وكان أكبر منعطف في حياته السياسية سنة 1966، حين تعرَف إلى القيادي الشيعي الكبير صالح الأديب، الذي كان من أبرز الرموز الدينية في كربلاء آنذاك. وهو أحد المؤسسين الثمانية لحركة "الدعوة الإسلامية"، التي تعد أقدم حزب شيعي تم إنشاؤه في العراق، سنة 1957.
الهروب إلى إيران(23/58)
اقتراب إبراهيم الجعفري من صالح الأديب وتأثره بشخصيته في شبابه بكربلاء، مهّد لانخراطه رسميا في حركة "الدعوة" حين التحق بجامعة الموصل لدراسة الطب، حيث كان ينشط سرا طيلة فترة دراسته ضمن التنظيم الطلابي للحركة، تحت إشراف القيادي عبد الصاحب الدخيل. وبعد تخرجه بدكتوراه في الطب، سنة 1974، تدرج الجعفري بسرعة في المناصب القيادية ضمن حركة "الدعوة" وخاصة بعد الفراغ التنظيمي الذي تركته حملات الإعدام التي تعرض لها الجيل الأول من كوادر الحركة على يد النظام البعثي، خلال النصف الثاني من السبعينات، حيث تمت تصفية كل قيادات الحركة التي نجحت أجهزة المخابرات في تصيّدها وكشفها، ومن بينها الأب الروحي للجعفري، صالح الأديب، ومسؤوله التنظيمي في الجامعة، عبد الصاحب الدخيل، وكوادر أخرى كثيرة من أبرزها عارف البصري ونوري طعمة، وغيرهم.
بلغت تلك الملاحقات أوجها في شهر مارس 1980، حين أصدر صدام حسين قرارا رئاسيا يأمر بإعدام كل من ينتمي أو يتعاطف مع حركة "الدعوة" أو يروّج لأفكارها. وكان ذلك مقدمة لتصفيات ومذابح طالت أبرز رموز الشيعة العراقيين، بمن فيهم الإمام الأكبر محمد باقر الصدر.
تمكن الجعفري من الفرار إلى إيران، للإفلات من المطاردة البعثية، واستقر بمدينة قم حيث أبرز المراجع الشيعية الإيرانية. ارتبط هناك بعلاقات وثيقة مع العديد من رموز نظام الملالي الخميني، وبالأخص المرشد الأعلى للنظام حاليا علي خامنئي. وكان ذلك مقدمة لانتهاج خط أكثر راديكالية من قبل حركة "الدعوة"، بعد أن أصبح الجعفري يديرها من منفاه في "قم" ،فمع نشوب الحرب الإيرانية العراقية، أصبحت "الدعوة" تتبنى أسلوب العمل الإرهابي المسلح، وصارت إحدى القنوات المستخدمة من قبل النظام الإيراني ضمن خطته لـ "تصدير الثورة".
الهروب إلى لندن(23/59)
من أشهر عمليات "الدعوة" في تلك الفترة تفجير مقر السفارة العراقية في بيروت، سنة 1981، ومقري السفارتين الأمريكية والفرنسية في الكويت، سنة 1983، انتقاما من هاتين الدولتين بسبب دعمهما العسكري لنظام صدام حسين في الحرب ضد إيران. أما في داخل العراق فقد ذكر الأخ غير الشقيق لصدام حسين، برزان التكريتي، في كتابه "محاولات اغتيال الرئيس صدام حسين" أن حركة "الدعوة" دبّرت خمس محاولات فاشلة لاغتيال الرئيس العراقي السابق، خلال فترة تولي برزان منصب مدير الاستخبارات العامة العراقية في الثمانينات. وقبلها كانت "الدعوة" قد حاولت أيضاً اغتيال وزير الخارجية طارق عزيز، سنة 1979.
تلك النشاطات الإرهابية أدت إلى إدراج حركة "الدعوة" وزعيمها الجعفري في لوائح الإرهاب الأمريكية، طيلة عقد الثمانينات. لكن الاهتمام الإيراني بالحركة بدأ يتراجع بعد نهاية الحرب ضد العراق، وبداية ظهور التيار الإصلاحي الخاتمي الذي بدأ يقوّض نفوذ التيار الأرثوذكسي المؤيد لنظرية "تصدير الثورة". الشيء الذي دفع بالجعفري إلى مغادرة إيران في أواخر العام 1989، ليستقر في العاصمة البريطانية لندن برفقة زوجته، وهي طبيبة أمراض نسوية مع أبنائه الخمسة.
سقوط اللاءات
بالرغم من راديكالية مواقفه المعارضة لنظام صدام حسين، إلا أن الجعفري سلك خطا مغايرا لبقية تشكيلات المعارضة العراقية في الخارج، حيث كان الوحيد الذي رفض- في العلن على الأقل- الارتماء في أحضان الوصاية الأمريكية، فقاطع مؤتمرات واجتماعات المعارضة العراقية التي نظمت برعاية واشنطن في ديسمبر 2002 بلندن، ثم في مارس 2003 بأنقرة، وأخيرا في منتصف أبريل 2003 بالناصرية، بعد إطاحة صدام حسين. إلا أن تلك اللاءات جميعا سقطت فجأة، حين قرر الجعفري العودة إلى العراق بعد ثلاثة أسابيع من بدء الاحتلال، مشهرا شعاره الجديد: إن العراق تغيّر كثيرا، وأنا أيضاً تغيرت...(23/60)
ويعتقد خبراء الشأن الشيعي العراقي أن المرجع الأعلى آية الله علي السيستاني هو الذي كان مهندس ذلك التحول في موقف الجعفري من رفض التعامل مع الاحتلال الأمريكي إلى التعاطي مع هذا الاحتلال بشكل براغماتي بعد أن أصبح بمثابة الأمر الواقع.
تربط الجعفري بالسيستاني علاقة قرابة عن طريق المصاهرة، لكن هذه القرابة لا تكفي وحدها لتفسير اختيار الجعفري دونا عن غيره، ليكون حصان الرهان الذي يعوّل عليه آية الله العظمى، والأرجح أن خيار الجعفري لم يكن ليبرز ويكتسب دوره المركزي الحالي بالنسبة للطائفة الشيعية في العراق لولا حادثة اغتيال آية الله محمد باقر الحكيم، في أغسطس 2003 حيث خشي السيستاني وهو الحريص دوما على البقاء في الظل منذ نصف قرن أن تخلو الساحة الشيعية لمتطرفي حركة "جيش المهدي" بزعامة مقتدى الصدر. لذا سعى للزج بالجعفري في المعترك السياسي كصوت سياسي مغاير يتوخى البراغماتية والاعتدال، لتحييد ومواجهة الانعكاسات السلبية التي يمكن أن تنجر على الطائفة الشيعية وعلى مكانتها السياسية بسبب ما كان يقوم به أنصار مقتدى الصدر من نشاطات مسلحة معادية للاحتلال الأمريكي.
مع تصاعد واتساع رقعة المقاومة المسلحة ذات المرجعية السنية في العراق، أدرك آية الله السيستاني أن أمام الطائفة الشيعية، التي تحظى بالأغلبية العددية بين سكان العراق ، ورقة ضغط أقوى من أية قنابل أو تفجيرات. ففي ظل مقاطعة الانتخابات من قبل غالبية السنة، سواء بشكل طوعي أو بفعل تهديدات المتطرفين، فإن كل المفاتيح تجمعت بيد الشيعة لإنجاح أو إسقاط الامتحان الانتخابي. علما بأن هذا الامتحان يشكل معطى استراتيجيا بالغ الأهمية بالنسبة للإدارة الأمريكية التي تريد أن تجعل من نجاح الانتخابات مكسبا ديموقراطيا يمحو من الأذهان نهائيا الجدل المتعلق بالأكاذيب التي اتخذت كحجج لشن الحرب واحتلال العراق.(23/61)
سار الجعفري على الخط المرسوم له من قبل آية الله العظمى، ولعب الدور المطلوب منه كجسر تواصل لإقامة تحالف ضمني وغير معلن بين المرجعية الشيعية العليا وبين الإدارة الأمريكية. وتمثل ذلك في الإلقاء بكل الثقل الشيعي في المعترك لإنجاح التحدي الانتخابي، عبر إصدار توجيه لآية الله العظمى يعتبر المشاركة في الاقتراع بمثابة "واجب شرعي" وأما المقابل من الطرف الآخر، فيمثل في تعاطي الإدارة الأمريكية إيجابيا مع المعطى الجيوسياسي المستجد، الذي لم يكن ليخطر في ذهن أحد، قبل عامين، عندما تم التخطيط لشن الحرب ضد العراق، والمتمثل في تحوّل الشيعة إلى أبرز حليف استراتيجي للوجود الأمريكي في العراق.
بالطبع، لم يكن قيام مثل هذا التحالف الشيعي الأمريكي بالأمر السهل، بل تطلب سلسلة طويلة من التنازلات والمجاملات والإغراءات من الجانبين. فالجميع يذكر كيف خابت تلك التنظيرات الأمريكية التي كانت تتوقع عشية الشروع بشن الحرب ضد العراق بأن سكان هذا البلد، خاصة في الأقاليم الجنوبية ذات الأغلبية الشيعية، سيستقبلون الجنود الأمريكان بالورود، بسبب ما عانوه من ويلات في ظل النظام البعثي. لكن عمليات المقاومة العراقية خلال الأشهر الستة الأولى من الاحتلال أثبتت العكس بأن الجماعات الشيعية كانت الأكثر شراسة في محاربة الاحتلال ، إلى أن دخلت التنظيمات الجهادية العالمية المرتبطة بـ "القاعدة" على الخط، فرجحت كفة العنف لصالح الجماعات السنية،عبر تدعيم صفوفها بكوادر وخبرات قتالية من مختلف الجنسيات.(23/62)
ويجمع المحللون بأن التفجيرين الضخمين اللذين استهدفا مقر الأمم المتحدة والسفارة الأردنية ببغداد، في أغسطس 2003 شكلا منعطف رجحان الكفة للجماعات السنية في ساحة العنف العراقية. لكن جذوة العنف الشيعي لم تنطفئ تماما سوى في ربيع السنة الموالية. ولقد لعب إبراهيم الجعفري دوراً بارزاً في تحقيق ذلك، لا بوصفه بديلا شيعياً معتدلاً من الطبيعي أن يؤدي بروزه إلى إضعاف حجة المتطرّفين من أبناء طائفته وحسب، بل كان له دور آخر أهم أداه من وراء الكواليس. فالخبراء في الشأن الشيعي يقولون بوجود صلة سرية بين قبول مقاتلي "جيش المهدي" من أنصار مقتدى الصدر بالتهدئة وطرح خيار السلاح جانبا- ولو إلى حين- وبين زيارة سرية قام بها إبراهيم الجعفري، في مطلع أبريل 2004 إلى مقر منفاه الأول في "قم" الإيرانية.
وبالرغم من أن تلك الزيارة اندرجت في الظاهر ضمن زيارات دورية تعوّد الجعفري القيام بها إلى تلك المدينة لقضاء أيام معدودة برفقة زوجته وأبنائه الذين قرروا التريث وعدم استعجال العودة إلى العراق في ظل التوتر الأمني الحالي، وما زالوا يعيشون متنقلين، كسابق عهدهم، بين لندن وقم، إلا أن العارفين بخفايا الأمور رصدوا لقاء سريا بين الجعفري وصديقه القديم علي خامنئي، لالتماس تدخل المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، بوصفه مرجعا مسموع الكلمة لدى الشباب الشيعة، لضبط العنف ولجم حماس أنصار مقتدى الصدر. وكذلك كان..
تلك الوساطة كان لها وقع حاسم في إقناع الأمريكيين بأنهم وجدوا في الجعفري حليفاً من المصاف الأول. مما يفسر التصريحات المتعددة التي وردت على لسان أبرز المسؤولين الأمريكيين، من دونالد رامسفيلد إلى كوندوليزا رايس إلى الرئيس بوش ذاته، وكلها تشيد بالجعفري بوصفه سياسياً "عملياً" و "معتدلاً" و "جاداً"(23/63)
وقد بادل الجعفري تلك المجاملات الأمريكية بجملة من الإغراءات والتنازلات السياسية والمذهبية الهادفة لطمأنة المترددين في الإدارة الأمريكية بأن التحالف معه ليس ضربا من اللعب بالنار أو التحالف مع الشيطان. وترجم ذلك أساسا من خلال الـ U-TURN، أو الاستدارة الكاملة في مواقف الجعفري الفكرية، خاصة المتعلق منها بتأييد مبدأ "ولاية الفقيه"، الذي يشكل حجر الأساس في المذهب الجعفري الاثنى عشري الذي ينتسب إليه.
غداة توليه رئاسة المجلس الانتقالي العراقي، في يوليو 2003 صرّح الجعفري بأنه وإن كان يطالب بأن تكون الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع الوحيد، لكنه قال إنه لا يؤيد فكرة ولاية الفقيه على الصعيد العراقي، لأن الوضع يختلف عن إيران بسبب تركيبة المجتمع العراقي المغايرة والمتعددة عرقياً ومذهبياً.
وكان من المستغرب أن يتنكر الجعفري لمبدأ ولاية الفقيه، وهو الذي تخلى عن لقب عائلته -على عراقته- واختار أن يحمل لقب "الجعفري" بالذات، للتأكيد على تمسكه بمذهب الاثنى عشري!
وحين أصبح نائبا لرئيس الجمهورية في ظل الحكومة المؤقتة، في يونيو 2004، خطا الجعفري خطوة إضافية على درب هذه التنازلات المتدرجة، حيث لعب دور الوساطة في إقناع العناصر الإسلامية في تلك الحكومة بالتخلي -تحت الضغط الأمريكي- عن اعتماد الشريعة مصدراً وحيداً للتشريع عند صياغة الدستور العراقي المؤقت، وكذا سحب قانون أحوال المرأة الذي تم إعداده وفقا لأحكام الشريعة.(23/64)
عشية تشكيل حكومته الحالية، جدد الجعفري هذا الموقف المتفتح، حيث قال في حوار للشقيقة "الشرق الأوسط" ردا على سؤال حول مصادر التشريع التي سيتم اعتمادها في الدستور النهائي للعراق، الذي ستتولى حكومته الإشراف على صياغته قبل 15 أغسطس المقبل، ليطرح للمصادقة عليه عن طريق الاستفتاء الشعبي قبل منتصف شهر أكتوبر،: "نحن نريد أن ننفتح على الخارج وفق دستور يضم كافة القيم والمبادئ المشتركة لدى شعوب العالم من أجل صناعة عراق جديد يسوده العدل والحرية واحترام عقائد العراقيين.
تحفظات وتحديات
ويتطلع المتتبعون للشأن العراقي الآن لمعرفة إلى أي مدى سيلتزم الجعفري فعليا بهذه الأفكار بعد اعتلائه كرسي رئاسة الحكومة،وبعد أن أصبح رجل البلاد القوي، حيث يحظى "الائتلاف" الموالي له بأغلبية مقاعد البرلمان. وستشكل معركة صياغة الدستور أحد امتحانين بارزين ستواجههما حكومته في الأسابيع المقبلة، إلى جانب تحدي ضبط الأمن.
وسيتوقف إنجاح هذين التحديين على مدى قدرة الجعفري على السمو بأداء حكومته عن الرؤى الحزبية والعرقية والمذهبية الضيقة. وهو أمر ليس سهل المنال بالنسبة إلى تشكيلة توفيقية متعددة الانتماءات والولاءات.
لذا، لا تقتصر التحفظات والرؤى المتشائمة التي تتوقع فشل هذه الحكومة فقط في خصوم الجعفري الذين يرون فيه أصوليا متطرفا يتخفى بلبوس الاعتدال لاعتبارات تكتيكية، ويحذرون بأن ربطة العنق الأمريكية التي يرتديها الآن لا تعدو أن تكون "تقية" يستعملها لإخفاء جبّة الفقيه المفصلة له من إيران.(23/65)
العديد من المراقبين المحايدين يتقاسمون بدورهم هذه التوقعات المتشائمة، ولكن لأسباب أخرى مناقضة تماماً، حيث يعتبرون أن الجعفري شخصية زئبقية ورخوة غير مؤهلة للإمساك بالوضع الأمني والسياسي العراقي المنفلت. وفي هذا الصدد تقول روز ماري هوليس، مديرة أبحاث الشرق الأوسط بالمعهد الملكي البريطاني للشؤون الدولية، التي تعرف بشكل وثيق مختلف الفرقاء العراقيين الحاليين، بحكم إقامتهم مطولا في لندن، بأن الجعفري ليس الرجل المناسب لمعالجة الوضع الحالي في العراق، وتبرر رأيها هذا قائلة: مشكلة الجعفري أنه ليس شريراً بما فيه الكفاية؟!
المجلة (العدد 1317)
8 / 5/ 2005
منظمة بدر الشيعية.. القيادة والتنظيم
منظمة بدر الشيعية التي تتهمها هيئة علماء المسلمين بقتل عراقيين سنة، حلت محل فيلق بدر، الذراع العسكري سابقا للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق الذي أصبح أحد أبرز أركان الحكومة العراقية.
وقد حمل المتحدث باسم هيئة علماء المسلمين، أبرز هيئة دينية سنية في العراق، منظمة بدر مسؤولية مقتل عراقيين سنة في بغداد.وقال المتحدث حارث الضاري في مؤتمر صحافي عقده في العاصمة العراقية "منظمة بدر هي المسؤولة وأنا أتحمل مسؤولة كلامي". كما اتهمت الهيئة أيضاً أجهزة الأمن العراقية بقتل 14 سنيا بينهم ثلاثة أئمة في غرب بغداد رغم النفي الرسمي لذلك.
وكان عناصر منظمة بدر التي حلت محل فيلق بدر في صيف 2004 بعد قرار من الائتلاف (بقيادة الولايات المتحدة) بحل الميليشيات، قد وصلوا إلى العراق قادمين من إيران بعد سقوط نظام صدام حسين في نيسان/أبريل 2003.
ويتراوح عديد هذه القوة ما بين 10 و 15 ألف رجل ولا يمكن لاحد أن يؤكد تماما ما إذا كان سلاح هذه القوة قد نزع أم لا. وكان قائدها هادي العامري قال عند حل الميليشيات أن آلاف العناصر في منظمته لم يعودوا مزودين بأسلحة ثقيلة وهم لا يملكون إلا أسلحة فردية مسجلة لدى الائتلاف.(23/66)
وخلال سنوات النفي في إيران حيث كان مقر المجلس الأعلى للثورة الإسلامية الذي يتزعمه عبد العزيز الحكيم، شن عناصر فيلق بدر عمليات عسكرية في العراق عن طريق شبكة سرية شاركت بفعالية في الانتفاضة الشيعية غداة حرب الخليج الأولى 1991 والتي قمعها صدام حسين بقوة.
وقبل تشكيل الحكومة مطلع أيار/ مايو برئاسة زعيم حزب الدعوة، أحد الاحزاب الشيعية الكبرى، الذي يتزعمه إبراهيم الجعفري، طالب العامري الذي كان يطمح بتسلم وزارة الداخلية، بدمج رجاله بالأجهزة الامنية.
وتؤكد المنظمات السنية الرئيسية ومن بينها هيئة علماء المسلمين والحزب الإسلامي، أن أجهزة وزارة الداخلية وخصوصا إحدى كتائب المغاوير فيها التي يطلق عليها اسم "الذئب" مؤلفة من عناصر سابقة من منظمة بدر.
ومن جهتها، تحدثت وزارة الداخلية العراقية خلال توقيف فلسطينيين متهمين بتنفيذ اعتداء في 12 أيار/ مايو في سوق ببغداد، عن تعاون بين رجالها وبين فيلق بدر السابق.
أما رئيس جهاز المخابرات العراقية اللواء محمد الشهواني فقد تحدث عن تواطوء بين عناصره في ظلال الحكومة السابقة برئاسة اياد علاوي وبين الجمهورية الإسلامية في إيران.
ا.ف.ب 19/5/2005
اهل السنة في لبنان والعراق!
طارق مصاروه
اثبتت مواثيق استقلال لبنان، واثبتت اكثر الحرب الاهلية ان سنة لبنان ليست طائفة كبقية الطوائف... وانما هي لحمة المجتمع بكل تكويناته الاجتماعية المدنية والسياسية، وجامعه في مسيرته الداخلية والعربية، وجسره الطبيعي للتواصل مع امته العربية!!
وحين انهار دور السنة في لبنان... انهار معه كيان الدولة وتوازنها. ولم ينفع العامل الفلسطيني المسلح ولا البديل السوري العسكري - والامني!!(23/67)
في العراق الآن لم ينجح الائتلاف الشيعي - الكردي - الاميركي في فرض كيان الدولة في غياب دور سنة العراق، وهكذا كان لدى تأسيسها عام 1921 ، فقد كان فيصل بن الحسين سنياً بتراث شيعي وكان عربياً في ثوب اسلامي يلبسه الكرد والتركمان، ويقبل سماحته الاشوريون والكلدان والصابئة والجميع لكن دور سنة العراق في بناء الدولة كان دوراً يتجاوز كثيراً صفة الطائفة ومن هنا نفهم خطأ القول بأن حكم العراق كان دائماً بيد السنة... لان السنة لم تكن طائفة!!
ميزة رفيق الحريري، انه اعاد السنة الى دورهم الحقيقي في حياة لبنان الكيان والدولة. فقد فهم منذ مؤتمر الطائف ان لبنان انفرط لان الفلسطينيين والسوريين حاولوا بالمليشيات والجيش ان يسدوا مسد السنة، الذين لم يكونوا ابداً بحاجة الى ميليشيا ... كالموارنة والشيعة والدروز .. لقد ذهب رشيد كرامي الى بيته ستة شهور كاملة زعلاً من سليمان فرنجيه، واستقال صائب سلام احتجاجاً على العملية الاستخبارية الاسرائيلية في الفاكهاني... وهي عملية لا دخل لتقصر الجيش او الامن فيها. ويمكن ان تحدث في اية عاصمة عربية او اوروبية او في نيويورك وواشنطن . وكان غياب الدور السني الذي يعبر عنه موقع رئيس الوزراء هو بداية انفراط الدولة.
السنة الان في العراق يلتفون حول مرجعيتهم الدينية وهذه خطوة اولى لاستعادة دورهم في تكوين الدولة .. والخطر الخطر ان تتعامل المرجعية مع الاحداث على اعتبار ان اهل السنة هم طائفة... لانهم ليسوا كذلك . فالسنة هم وحدة الدولة العراقية. هم ليسوا اقلية . وهم ليسوا عدداً في مجلس الحكم ، او البرلمان، او الوزارة وهم لا ينتظرون مقولة كونداليزا رايس او جورج بوش، هم الكيان السياسي... ولحمة العراق داخلياً واقليمياً ودولياًً.
الرأي 23/5/2005
العلامة الأمين: سورية استخدمت أمل و حزب الله
لضمان ولاء الشيعة الكامل(23/68)
يذكرك بالإمام موسى الصدر، بكلامه بداية الحرب اللبنانية، يوم دعا إلى الانفتاح والحوار والوحدة الوطنية بعيداً عن أية تأثيرات خارجية.
يصر على احتفال الطائفة الشيعية بعودة لبنان إلى سيادته واستقلاله مع باقي الطوائف اللبنانية، لأن التنظيمات الشيعية الموجودة الآن لا تمثل الطائفة الشيعية ولا تنسجم مع الترحيب والاحتفال بخروج الجيش السوري من لبنان.
يؤكد أن الشيعة هم طائفة أساسية ومكون أساسي من مكونات المجتمع اللبناني، وبالتالي فإن خروج الجيش السوري لا يؤثر سلباً على الطائفة كما تظن التنظيمات الموجودة فيها الآن، بهذا المعنى فالشيعة ليسوا انفصاليين ولا انعزاليين، لكن حتى الآن لا توجد أحزاب وقوى سياسية داخل الطائفة تستطيع أن تكرس هذه الدرجة من الانتماء الوطني في مواجهة القوى المكدسة داخل الطائفة والتي تكرس الولاء للوصاية السورية لأن سورية عندما دخلت لبنان استطاعت أن تحوّل ولاء الطائفة الشيعية إليها كاملاً.
إنه ابن جبل عامل، العلامة محمد حسن الأمين مؤسس "اللقاء الشيعي اللبناني" والذي التقيناه في منزله في الضاحية الجنوبية في بيروت.
بصفتك مؤسس "اللقاء الشيعي اللبناني" نسألك لماذا "اللقاء الشيعي"؟
ـ الشيعة هم طائفة أساسية، وهم مكون أساسي من مكونات المجتمع الوطني اللبناني ونظامنا السياسي ما زال حتى الآن طائفياً يتمثل فيه اللبنانيون داخل أجهزة الدولة من خلال إنتماءاتهم الطائفية.(23/69)
وبعد الحدث السياسي الكبير الذي شهده لبنان باستشهاد الرئيس رفيق الحريري والانسحاب العسكري السوري، بدا أن هناك إجماعاً تجسّد من خلال لقاء كل اللبنانيين حول مطالب معينة، وبدا أن الطائفة الشيعية ليست داخل هذا الاجماع اللبناني، لأن التنظيمات القائمة في الطائفة الشيعية في هذا الوقت ربما لا تنسجم مع الترحيب والاحتفال بخروج الجيش السوري من لبنان، هذه التنظيمات الشيعية الموجودة لا يعتقد أنها تمثل الطائفة الشيعية تمثيلا حصرياً، إذ توجد قاعدة شيعية واسعة، هي لبنانية، بمعنى أنها مع هذه الحركة الوطنية اللبنانية المتجهة إلى الاحتفال باستقلال لبنان وسيادته الذي احتفل به جميع اللبنانيين، فاللقاء الشيعي هو تجسيد لهذه الإرادة الشيعية غير المعبر عنها في التنظيمات السياسية الموجودة.
هذا يعني أنكم ترحبون بخروج الجيش السوري من لبنان؟
ـ طبعا وهذا سبب جوهري لإطلاق هذا اللقاء، أي القول إن ما يحصل اليوم يحتفل به الشيعة كغيرهم من اللبنانيين وأنهم عنصر مهم في الوحدة الوطنية اللبنانية ولا يمكن لهذه الوحدة أن تقوم بمعزل عن طائفة أساسية من الطوائف المكونة للبنان.
القوة الثالثة
هذا يعني أنكم القوة الثالثة بين حركة أمل و حزب الله؟
ـ نحن لسنا تنظيماً، نحن لقاء وهذا تعبير دقيق، لقاء لقوى قد تكون مختلفة ومتعددة، لأن الطائفة الشيعية غنية بالتعدد والاختلاف، وهي صورة مصغرة من لبنان، هذا اللقاء هو الخيمة التي تلتقي فيها اتجاهات وتنوعات وألوان للطائفة الشيعية غير معبر عنها داخل "أمل" و "حزب الله".. إنها ليست تنظيما بل أكثر من تنظيم، إنها حركة لقاء لأفكار متعددة تطمح لأن تجسد هذا الاختلاف لدمجه بين اللبنانيين والشيعة، بين الشيعة واللبنانيين، أي إننا نحاول أن نعيد الأمور إلى نصابها، فالطائفة الشيعية ليست وجوداً مختلفاً منعزلاً عن السياق الوطني..(23/70)
ومهمة اللقاء إعادة الانتظام بين الشيعة وبقية الطوائف اللبنانية، انطلاقاً من أن انسحاب الجيش السوري من لبنان لا يؤثر سلبياً على الطائفة الشيعية، كما تظن التنظيمات الموجودة في الطائفة، وانطلاقاً من أن مصلحة الشيعة بالاندماج الوطني والولاء الوطني، وسلطة الوصاية التي كانت قائمة في لبنان هي سلطة لم تحافظ على هذه البنية الوطنية المتماسكة، إنما حاولت أن تزرع فيها الكثير من الحساسيات والتمايزات التي أعلن اللبنانيون عن رفضها، وتجلى ذلك بصورة واضحة في التظاهرات التي حصلت والمسيرة التي حصلت في مأتم الرئيس الشهيد الحريري، وفي تظاهرة ساحة الشهداء التي شكلت درسا للتنوع اللبناني، وهنا بدا أن التنظيمات الشيعية احتفلت بطريقة أخرى من خلال تظاهرة رياض الصلح، لكني أعتقد أن جماهير المظاهرتين حرصت على الوجود تحت العلم اللبناني، وهذه الصورة يجب التوقف عندها والاعتراف أن هذا التمايز الذي برز لا يؤثر على الاتجاه الأساسي للبنانيين في الاستقلال، لأنهم عندما يرفعون هذا العلم إنما يحرصون على شعاراتهم الوطنية ويؤكدون إنهم جميعاً مع الاستقلال حتى ولو اختلفت وجهات النظر في التفاصيل الأخرى.
بهذا المعنى، الشيعة ليسوا انفصاليين ولا انعزاليين ولكن حتى الآن لا توجد أحزاب وقوى سياسية داخل الطائفة، تستطيع أن تكرس هذه الدرجة من الانتماء الوطني اللبناني في مواجهة الولاء للوصاية السورية.
لماذا؟
ـ لأن سورية، عندما دخلت لبنان وقررت أن تستمر في وجودها أرادت أن يكون ولاء الطائفة الشيعية كاملا لها، وأقامت ما يستلزم ذلك وثبتته خلال فترة طويلة من الزمن، واستطاعت بحكم كل ما تملك من إمكانات وأجهزة وقرار أن تمنع التعبير المختلف عند الشيعة، والدليل أنه في الاستحقاقات، لم يسمح للأطراف الشيعية الأخرى بأن تعبر عن نفسها وأن تتمثل في المجلس النيابي لأنه كان هناك "محدلة" يتم تأليفها بصورة واضحة لحصر التمثيل الشيعي.
انقسام الشيعة(23/71)
هل ترون أن أمل و حزب الله لم يعبرا عن العلاقة بين الشيعة والطوائف الأخرى بشكل حقيقي؟
ـ الخروج السوري من لبنان يبدو مؤثراً في هذين التنظيمين أكثر من أي فريق آخر في لبنان، لأنه وبكل صراحة كانت سورية تعتمد عليهما بصورة كبيرة.
لماذا انقسم الشيعة أثناء الحرب اللبنانية بين ولاء لسورية وولاء لإيران وابتعدوا عن لبنان؟
ـ ليس في هذه الدقة، فـ "حزب الله"، كان بشكل أو بآخر أحد أركان النفوذ السوري في لبنان، وهذا مع النفوذ الإيراني طبعاً.
لماذا لم يعلن اللقاء الشيعي إلا بعد خروج سورية من لبنان؟ هل كانت هناك ضغوطات؟
ـ أعتقد أن كل اللبنانيين تنفسوا الصعداء بعد خروج الجيش السوري، وهذا الإعلان هو صورة من هذا التنفس، عملياً كانت هناك مصادرة للقرار الشيعي مع الوجود السوري، وبالتالي فإن اللقاء اكتسب أسماء مختلفة في السابق، كان يعبر عن نفسه أو يحاول التعبير لكنه كان يحاصر من قبل المخطط السوري و "حزب الله"، لكن كان هناك أناس يعترضون على ذلك، ويخوضون الانتخابات ويحاصرون بـ "المحادل"، إذن هذا اللقاء ليس جديداً، الوجوه كانت موجودة أثناء فترة الوصاية السورية، ومن الطبيعي أن يعبر عن نفسه بعد الانسحاب السوري كما الآخرين.
كيف تصفون علاقتكم مع الرئيس بري؟
ـ نحن نعترض ليس على الرئيس بري، بل على نهج السلطة كلها، وهذا ليس بسبب الأشخاص بل بسبب المنهج والبنية التي قامت عليها هذه السلطة ورمزها، نحن بطبيعة الحال معارضون لها وهي السلطة التي لم تكن موجودة،إنما كانت السلطة الظاهرية التي تختفي وراءها بوضوح كامل السلطة الحقيقية للوصاية السورية.
يقال إن أهداف اللقاء انتخابية؟(23/72)
ـ كلا، إنها ليست انتخابية بمعنى انه سيخوض حملة انتخابية لكنه كما كل لقاء سياسي، يجب أن يأخذ بعين الاعتبار التمثيل السياسي للجماعة على النحو الذي يمكنه من أن ينصر وجهة نظره ويثبتها ويعمل على الإصلاحات التي يعمل إليها، وهذا أمر طبيعي، لكن ليس الترشح للانتخابات هو الهدف المباشر إطلاقاً، ويمكن ألا يرشح اللقاء لهذه الانتخابات أبداً، لكن ربما يسعى لأن تكون هناك انتخابات عادلة نسبياً، أو أقل جوراً على الأقل في المرحلة الراهنة بسبب قصر الفترة الدستورية، المهم أن يكون هناك قانون انتخابات وأن تجري بأعلى حد من النزاهة والرقابة حتى ولو اقتضى الأمر رقابة دولية عليها، والتي نعتقد أن المعارضة سوف تفوز فيها عندما تجري بحد أعلى من النزاهة والرقابة، وبالتالي فإن الاعتراض سيجسد أكثر فأكثر تطلعات اللبنانيين نحو الاستقلال والسيادة من جهة،كما سوف يتيح الفرص والمناخ المؤاتي للنضال في سبيل قيام دولة القانون والمؤسسات والتي انتهكت بصورة كاملة خلال مدة ثلاثين عاماً هي الحرب الساخنة والحرب الباردة، لأن طموح اللبنانيين والشيعة منهم يتركز أساساً حول هذه المسألة الحيوية من يد الميليشيات وأمراء الحرب الأهلية الذين أطبقوا بقبضاتهم عليها طيلة 30 عاماً،مرة بواسطة حرب الخنادق والبنادق ومرة بالحرب الباردة التي كانت امتداداً لها وصودرت خلالها مؤسسات الدولة وتراكم على اللبنانيين هذا القدر من الديون.
هل تؤيدون القضاء كدائرة انتخابية؟
ـ نحن نريد قانوناً يمكن من عدالة التمثيل وأن يتاح تمثيل كل اللبنانيين وهذا لا يتم إلى عبر القانون النسبي وليس الأكثري، كون القانون النسبي هو أكثر الصيغ توافقاً مع عدالة التمثيل.
أنتم تؤيدون مطلب لجنة مراقبة دولية للانتخابات النيابية؟(23/73)
ـ طبعاً حتى الآن أنا أعتقد أن لبنان بحاجة لمساعدة دولية في هذا المجال، قد تكون اللجنة الدولية ضرورة في مثل هذه الظروف التي يريد أن يتخذ فيها لبنان هذه النقلة من مرحلة إلى أخرى.
التقاء مع المعارضة
مطالبكم قريبة من مطالب المعارضة؟
ـ نعم.. نحن معارضة ولسنا موالاة ونتبنى المطالب الأساسية والمتمثلة بقيام دولة القانون والمؤسسات المرتكزة على تحقيق سيادة لبنان واستقلاله وحريته الكاملة.
أي مع القرار 1559؟
ـ نحن مع تنفيذ اتفاق الطائف، وقد كنا واضحين بذلك في الوثيقة التي صدرت عن اللقاء، وعندما يصار إلى تطبيق اتفاق الطائف، فلا حاجة للقرار 1559 وإذا اتفق اللبنانيون على تطبيق اتفاق الطائف، وإصلاح ما تم إفساده في البنود فلا أعتقد أن هناك حاجة للقرارات الدولية ـ رغم أهميتها، كما أن أحدا لا يستطيع أن يتجاهل اتفاق الطائف خصوصاً وأنه يغنينا عن مغبة التدخل الدولي من خلال 1559 و 1595.
إلى أي حد تتمتعون بهامش من الحرية في هذه الظروف؟
ـ لا حدود لهذا اللقاء، لأنه لقاء شيعي لبناني أي إنه عندما ينجز مهمته الفعلية في رفع الالتباس القائم في البنية الوطنية بين الشيعة وباقي الطوائف، فإنه سيغدو لقاء وطنياً لبنانياً يدعو إلى تجاوز الطائفية السياسية التي هي أحد البنود الأساسية في اتفاق الطائف وذلك على شكل بند يقول إنه "يجب إنشاء الهيئة الوطنية العليا لإلغاء الطائفية السياسية" والتي نعتقد أنها تشكل الإطار الطبيعي والفاعل لحوار وطني من أجل تجاوز الطائفية السياسية.
إلى أي حد ترون أن الواقع اللبناني اليوم مهيأ لإلغاء الطائفية السياسية؟(23/74)
ـ أنا أرى أن المخاوف، والمخاوف المتبادلة بين اللبنانيين، والتي تبين أنها مصطنعة إلى حد كبير، هي التي تفرض إلى حد كبير هذا التقاسم الوطني، لكني أعتقد أن حواراً وطنياً لبنانياً عميقاً وفاعلاً ومؤثراً يدفع شيئاً فشيئاً هذه المخاوف ويمكّن اللبنانيين من تجاوز هذه التحفظات القائمة، وبالتالي يهيئ لقيام المجتمع السياسي اللبناني القائم على فكرة المواطنة وإحالة الفرد وعلاقته بالدولة والوطن خارج الوساطة الطائفية التي تحتسب الفرد وتهينه لأنها لا تمكنه من إقامة علاقات مباشرة مع الدولة وتنوب في تمثيله عند هذه الدولة وهذا الطائف.
كلامكم يذكّر بكلام الإمام موسى الصدر هل أنتم تيار يدعو إلى العودة الصحيحة لما دعا إليه الإمام الصدر؟
ـ نحن نعترف أن حركة أمل كانت تعرف بحركة المحددين وضمت أشخاصاً من خارج الطائفة الشيعية عندما أسسها الإمام الصدر، وفي المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى على أساس الانفتاح على الآخرين، لا الانغلاق بعيداً عنهم، نحن نعتقد أن ما يقوم عليه لقاؤنا هو هذه الروح التي قامت عليها هذه الاتجاهات الأصيلة في الطائفة الشيعية خصوصاً حركة الإمام الصدر التي انطلقت فعلاً من أن الشيعة هم مكون أساسي من مكونات المجتمع اللبناني وهم جزء لا يتجزأ من النسيج الوطني اللبناني، وجاءت الحرب الأهلية والتطورات التي حصلت لكي تغيّب هذه الينابيع الأساسية والجذور وتعزز البعد الطائفي المذهبي المغلق الذي ـ بكل أسف ـ أسهمت مرحلة ما بعد الطائف في تعزيزه أكثر فأكثر بعد الحرب الأهلية.. اللقاء اليوم يستعيد فيما يطمح إليه هذه الينابيع التي تؤكد أن الشيعة ليسوا طائفة معزولة ولها مصالحها خارج المصلحة الوطنية اللبنانية.
إذا استعرضنا أسماء المؤسسين لهذا اللقاء نرى أن معظمهم ماركسيون؟
ـ لم تعد هناك ماركسية في العالم ولا ماركسيون.
هم علمانيون وسماحتكم قريب جداً من العلمانية؟(23/75)
ـ نعم.. يوجد في اللقاء متدينون وأيضاً علمانيون، إن الطائفة الشيعية ليست لوناً واحداً، إن اللقاء لا يريد أن يمثل البعد الديني في الطائفة، بل البعد الاجتماعي والسياسي والثقافي والفكري، فإذا كانت الطائفة الشيعية غنية بكل هؤلاء وغنية بقوى اليسار والتغيير فهل يعني ذلك أن هؤلاء لم يعودوا من الشيعة، بهذا المعنى فإن اللقاء يجمع قوى علمانية ووطنية شاملة وقوى شيعية متدينة ولكنها ليست موافقة على اعتماد الدين كغطاء، بل تؤمن بنظام سياسي ينفصل فيه الدين عن الدولة.
وبالتالي يتاح للدين أن يأخذ مداه الحقيقي خارج الاستغلال السياسي وهذا وجه بالغ الأهمية في وجوه اللقاء ويتجاوز البعد المذهبي الضيق ويطمح إلى وحدة وطنية لبنانية ونظام سياسي لبناني ينتقل من العصور الطوائفية إلى رحاب الدولة الحديثة.
مستقبل لبنان
في ظل كل التطورات الراهنة التي حصلت منذ 14 فبراير "شباط" وحتى الآن كيف ترى مستقبل لبنان، هل أنت متفائل أم متشائم؟
ـ بالتأكيد أن مستقبل لبنان لن يتقرر خارج عنصرين أساسيين:
1ـ إرادة أبنائه التي يجب أن تكون عنصراً موازناً في تقدير مستقبله وستكون ذلك.(23/76)
2ـ انفتاح اللبنانيين على بعضهم البعض أكثر بكثير من المراحل التاريخية الماضية بفعل ما نسميه اليوم العولمة التي تشكل انكساراً للحدود ولكل أشكال الانعزال، وإن كانت فيها مخاطر قد يراها البعض لجهة اجتياح الخصوصيات التي تملكها الشعوب والأوطان. إلا أن هذا المحظور لا يغير الآفاق الإيجابية للعولمة والمناخ الذي يمكن أن تستفيد منه الأمم والشعوب في العالم الثالث، بشرط أن تعد ظروفها وأنظمتها بصورة حكيمة تمكن هذه الشعوب من الاستفادة من الانفتاح العالمي وهذه الشفافية،دون أن نغفل أن العولمة كإنجاز يحققه العالم سوف تكون فرصة لاستفادة الأقوياء منها أكثر من فرص استفادة الضعفاء، إلا في حال حاولت دول العالم الثالث وخاصة منها العربية أن تحقق نوعاً من التكامل الاقتصادي والسياسي يمكنها أن تصبح تكتلا كبيراً ويحوّلها إلى عامل فاعل في مرحلة هذا الانفتاح العالمي لتصون حقوقها وتمنع استباحة خصوصياتها وتطلعها نحو النهضة والنمو.
يقال إن المرحلة اللبنانية الماضية كانت مرحلة عنجر "مقر المخابرات السورية" واليوم دخلنا في مرحلة عوكر "مقر السفارة الأميركية".. إلى أي حد ترون هذا الكلام واقعياً؟
ـ اللبنانيون يحبون الإيقاع العروضي للتعبيرات السياسية عادة.بالحقيقة أن اللبنانيين لا يريدون الخروج من وصاية إلى وصاية، وهذا يتضمن إهانة للشخصية اللبنانية وافتراضاً بأن اللبناني ليس قائماً بذاته بل بغيره، فإذا رحل السوري من لبنان سيأتي آخر، هذا كلام غير صحيح.(23/77)
نحن ـ اللبنانيين الذين نحتفل بهذا الاستقلال وهذه السيادة ـ لا نريد أن نستبدل هيمنة بهيمنة ولا وصاية بوصاية، ولا احتلالاً باحتلال، إن اللبنانيين ماضون في الإمساك بقرارهم الوطني المستقل، ولكن دون مبالغة في هذا الأمر لأن العالم المعاصر لم يعد يسمح باستقلاليات كتلك التي كان يوصى بها تراث القرن التاسع عشر، لأن فكرة الاستقلال الكاملة النافذة لم تعد موجودة في العالم، لكن الاستقلال الوطني الذي يرفض الهيمنة وقيادة الأمور بواسطة الآخر، هذا الاستقلال هو الذي يعمل اللبنانيون على حمايته ولا يمكن أن يقبلوا بأية قوة أخرى ولن يقبلوا التنازل عن حقوقهم في القرار السياسي والوطني.
الوطن العربي ـ العدد 1470 ـ 6/5/2005
نواب لبنان.. لا نواب طوائف
خالد أبو ظهر
صرخة الإنذار التي أطلقها المطارنة الموارنة تنادي بحق أبناء هذه الطائفة اللبنانية في أن يتحكموا باختيار ممثليهم في البرلمان، وللقارئ العربي الذي لا يعرف لبنان، نوضح بأن من أصل 128 نائباً هم أعضاء البرلمان، يوجد 27 ممثلاً للسنة ومثلهم للشيعة، و34 للموارنة و8 للدروز، و14 للروم الأرثوذكس، و8 للكاثوليك، إضافة لمقاعد للأرمن والبروتستانت والعلويين والأقليات. وإذا كانت هذه الصيغة قد اعتمدت لتحقيق الوفاق بين الأقليات المكونة للمجتمع اللبناني، فإن الاعتراض الماروني قائم على أساس أن خيار الدائرة الانتخابية الكبرى لا يسمح للموارنة بالتحكم في اختيار نواب طائفتهم، إنما بانتخاب 15 من هؤلاء فقط.(23/78)
ورغم أننا لا نحبذ هذه التقسيمة الطائفية، إلا أننا في المرحلة الراهنة لا نستطيع تجاوزها وصولاً إلى مجتمع مدني يحتاج إلى سنوات طويلة، ولذلك فإنه طالما الأمر كذلك فإنه كما يحق للمسلم أن يختار نائبه المسلم، يحق للمسيحي اختيار نائبه المسيحي.. غير أن الجدل الدائر حالياً يدل على خطورة ما فعله السوريون في البلد، وهو الشعور بأن المسيحي يحميه المسيحي فقط، والمسلم يحميه المسلم، والدرزي يحميه الدرزي، وقد سمحت سورية بهذا الوضع من خلال وجودها ونفوذها في لبنان، وكان السكوت هو المطلوب من الجميع، ولكن ما نريده اليوم هو دولة، حيث يستطيع الجميع الحديث بحرية، وحيث يتاح للكل أن يوفر الحماية للكل، وأن يكون الزعيم السياسي ليس ذلك الشخص الذي يحكم عليه حسب انتمائه الديني، بل حسب أفكاره والمبادئ التي يُحملها للدولة.
والحقيقة اليوم، أنه لا توجد محاسبة لآراء سياسيين كانت معروفة في المرحلة السابقة، ولكن إذا ما خرجنا من قصة الطائفية والمناطقية، فإننا لا نجد أي سياسي من أي مذهب يطرح برنامجاً واضحاً يحدد ما يهم البلد والمواطن، ومرة ثانية نقول إننا حقيقة نفهم القلق الموجود، ولا نستطيع محو الطائفية بكبسة زر لأنهم عودونا على هذا المنوال من التفكير، ولكن يجب العثور على صيغة توافقية ترضي الجميع، لأننا لا نستطيع بناء دولة إذا كانت طائفة واحدة معزولة، مهما كان حجمها، فالديمقراطية ليست ديكتاتورية الأكثرية، بل توافق كل الأطراف.
كما أننا يجب أن نفهم، أن أي مسؤول يجلس على كرسي الحكومة أو البرلمان، فإنه لا يعود ممثلاً لطائفته أو منطقته، بل يمثل كل شعبه، وهذا هو جوهر التمثيل الديمقراطي، وبالتالي تقع عليه مسؤوليات وواجبات تجاه كل لبنان، لا تجاه طائفته أو منطقته فقط.(23/79)
ومن كل ما تقدم، ومع التقلبات التي تزدحم بها الساحة، نتبين أن الخوف مازال موجوداً داخل كل لبناني، على مستقبله ووطنه وأولاده، خاصة وأن الألعاب السياسية السورية تشجع الفراغ السياسي الذي يعرف الجميع أنه سرعان ما يتحول إلى فراغ أمني. ولكننا إذا استطعنا استكشاف ما يجمعنا وتوافقنا عليه، فإن هذه المخاطر ستزول حتماً.
الوطن العربي الجمعة 20/5/2005
جنبلاط يتجه إلى إقامة ثنائية درزية ـ شيعية
... وليد جنبلاط راح يسعى لإقامة تحالفات سياسية وفقاً لخيارات ثنائية على المدى الطويل وخيارات أخرى ظرفية على المدى المنظور تتعلق فقط بالاستحقاقات القريبة ولاسيما الاستحقاق النيابي. فأقام لهذه الغاية تحالفاً ثنائيا "درزي ـ مسيحي" لكنه شعر بأن هذه الثنائية قد تكون صالحة للانتخابات النيابية وليست لأية مصلحة سياسية استراتيجية في المستقبل، لأن الشارع المسيحي مهما رحب بهذه الثنائية لا يمكن في أية حال من الأحوال أن يتحول إلى شارع جنبلاطي، لذلك بدأ يقفز من ضفة "قرنة شهوان" التي تعاملت معه بحذر شديد والتي رأت فيه حلفاً غير ثابت يمكن أن يجتاز طريق بكركي بدون أن يتوقف طويلاً في ساحاتها، إلى ضفة قريطم لاقتناص الزعامة السنية في ضوء غياب زعامة الرئيس رفيق الحريري الذي أعطاه فرصة لترؤس "تيار المستقبل" أو الشارع البيروتي كما فعل والده الراحل كمال جنبلاط منذ ما قبل الحرب الأهلية في بدايات السبعينيات.
لكن الورقة السنية سقطت أيضاً، لأن سعد الدين الحريري هو الذي صمم، على خلافة الرئيس رفيق الحريري مردداً على مسامع وليد بك: (إن والدي هو الذي قتل وليس والدك. فعندما اغتيل كمال جنبلاط ألبسك الدروز عباءة زعامتهم، وهذا حق لك ولكن عندما اغتيل والدي، فإن العائلة ألبستني العباءة السنية الحريرية). وقد فهم النائب وليد جنبلاط أن الثنائية الدرزية ـ السنية غير مضمونة النجاح إلا ظرفيا أيضاً.(23/80)
لذلك فقد عبر رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي الطريق الفاصل بين بيروت والضاحية الجنوبية، حيث استقر في مكتب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في محاولة جريئة لتجريب حظه في الثنائية الدرزية ـ الشيعية، كثنائية قابلة للحياة لأن الطائفتين الشيعية والدرزية تشربان من نبع سياسي واحد في دمشق وقد تبين له أن هناك إمكانية قوية لتركيب الثنائية الأخيرة فراح يدافع عن المقاومة وعن سلاحها ويعتبره الأمن الاستراتيجي لسورية وبالتالي قدم للسيد حسن نصر الله كل الإغراءات السياسية المتاحة بغية إقامة تحالف ضمن المعادلة اللبنانية يوفر الحماية اللازمة لحزب الله من جهة والمناعة السياسية المواتية للجنبلاطية الدرزية.
وفي هذا المجال كشف مسؤول في الحزب التقدمي الاشتراكي أن محادثات وليد جنبلاط في طهران تركزت على أمور ثلاثة: دعم إيراني لأي حلف سياسي ثنائي بين حزب الله والجنبلاطية، على أن يكون هذا الحلف مدخلاً واسعاً لانخراط حزب الله فعلياً في الحياة السياسية، وبحث مصير سلاح حزب الله. وإمكان توسط الرئيس الإيراني محمد خاتمي لإعادة فتح الجسور بين دمشق والمختارة (مقر جنبلاط).
الوطن العربي ـ 6/5/2005
جنبلاط بعد لقائه نصر الله: بيننا تحالف وتنسيق في بعبدا ـ عاليه
أعلن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي في لبنان، النائب وليد جنبلاط، اثر اجتماعه مع الامين العام لـ«حزب الله» الشيخ حسن نصر الله امس، عن «تحالف وتنسيق بينهما في انتخابات دائرة بعبدا ـ عاليه المقررة في الثاني عشر من يونيو (حزيران) الحالي».
واشار جنبلاط الى ان لائحة المرشحين في هذه الدائرة ستعلن اليوم او غدا «آخذة في الاعتبار واقع المنطقة ومكوناتها»، مشيرا الى ان لحركة «أمل» (برئاسة رئيس مجلس النواب نبيه بري) «حضورها في المنطقة».(23/81)
لقاء جنبلاط ـ نصر الله عقد في مقر الامانة العامة لـ«حزب الله» في الضاحية الجنوبية لبيروت واستمر زهاء ساعة وربع الساعة، وأكد جنبلاط في تصريح ادلى به بعد اللقاء، ان معركة الانتخابات «اساسها سياسي»، وان «الحوار السياسي مع «حزب الله» وحده يعطي نتيجة».
وقال، ردا على أسئلة الصحافيين، «سنرى في صناديق الاقتراع ما هي النتيجة بعيدا عن أي تشنج». وتساءل في معرض حديثه عن الوضع الانتخابي في بعبدا ـ عاليه «لماذا الاستقطاب او تجييش بعض العواطف الطائفية».
واضاف «ان هذا التجييش لا يفيد، لانه على المدى القريب او الطويل لا بد من التأكيد على التعايش، ليس فقط في الجبل، بل من الجبل الى الساحل، لا بد من تفاهم وتفاعل من الجبل الى الساحل، والتجييش الطائفي لا يفيد».
وتابع جنبلاط يقول:"هناك تلوينات وتكونات مختلفة (في المنطقة) لا بد من التعاطي معها".
وقيل لجنبلاط ان العماد ميشال عون قال ان هناك استكبارا في بيروت وعاليه، فأجاب: لماذا استكبار؟ ولماذا المقاطعة؟ الاستاذ سعد الحريري شارك السيدة صولانج الجميل زوجة (الرئيس الراحل) بشير الجميل في بيروت، فهل نقاطع صولانج الجميل؟ غريب.. ألم تعد صولانج الجميل مسيحية؟ هذا منطق غريب».
وردا على سؤال قال جنبلاط «نعم هناك تنسيق وحلف مع «حزب الله» في بعبدا ـ عاليه، وسنعلن غدا (اليوم) او بعد غد (غدا) اللائحة بتشكيلتها المختلفة، وليست هذه اللائحة لحذف احد، لكنها تأخذ بعين الاعتبار واقع بعبدا ـ عاليه بتنوعاته، وأتمنى ان ننظر الى المستقبل وان نحصر الموضوع في الظرف الآني».
بيروت: «الشرق الأوسط» 1/6/2005
ايران تستعرض قوتها اللينة في العراق
سكوت بيترسون
لم يقم آية الله السيستاني الزعيم الشيعي الأكثر تأثيرا في العراق، بمقابلة مسؤولين اميركيين، لكن عندما وصل وزير الخارجية الايراني كمال خرازي الى العراق في هذا الاسبوع فقد فتح رجل الدين الايراني المولد ابوابه للضيف.(23/82)
كشف لقاؤهما الدفء الذي قوبل به وزير الخارجية خلال زيارته التي استمرت ثلاثة ايام، والتي بدت في بعض الاحيان بانها لقاء عائلي اكثر منها اجتماع قادة بلدين قاربا طوال الثمانينيات في حرب كلفت مليون قتيل وجريح.
كما ان الزيارة التي انتهت يوم الخميس ابرزت مأزقا للسياسة الاميركية في العراق.
يقول كريم ساجدبور، وهو محلل لشؤون ايران في المجموعة الدولية للازمات ومقرها في بروكسل، لدى الاتصال به في طهران ان امامنا مسارين مختلفين، ولا اعتقد ان الاميركيين توصلوا الى هذا الاستنتاج فالاميركيون يملكون قوة السلاح في العراق بينما يملك الايرانيون قوة لينة وهم يستطيعون ان يقوموا بالامور، وهم ذوو تأثير اكثر مهارة من الاميركيين.
في وعظه حول مزايا الاستقرار والديمقراطية في العراق، ومحاولة تفنيد الاتهامات من الولايات المتحدة والمسؤولين العراقيين المؤقتين السابقين بالتدخل في الشؤون العراقية، ابرز خرازي ادعاء ايران كجارة للعراق تملك اكبر التأثير.
قامت وزيرة الخارجية الاميركية كونداليزا رايس بزيارة مفاجئة للعراق قبل يومين من زيارة خرازي، لكن حكومة العراق الجديدة التي شكلت في 28 نيسان، لها علاقات وثيقة جدا مع ايران والتي تطورت في اغلب الاحيان مع قادة العراق الجدد خلال سنوات المنفى عندما دعمت الجمهورية الاسلامية معركتهم ضد صدام حسين.
يقول ساجد بور: بالنسبة للسياسة الاميركية سيكون من الصعب عقد تحالف قوي مع العراق بينما تثير غضب ايران في الوقت ذاته.
لقد اوضح كبار المسؤولين الاميركيين في الماضي اهتمامهم بمتابعة تغيير النظام في ايران، كما ان الحكومة الاميركية تعتبر ايران دولة ترعى الارهاب، حيث يعتبرها الرئيس بوش جزءا من «محور الشر» لكن ايران تشترك في حدود طولها 800 ميل مع العراق، كما ان الحكومة الجديدة يديرها شيعة يشتركون مع ايران في مذهب ديني، وهم يشكلون اكثر من 60% من سكان العراق.(23/83)
ان خرازي اول مسؤول رفيع المستوى من اية دولة من الدول الست المجاورة للعراق والذي يزور الحكومة الجديدة.
يقلل كبار المسؤولين الاميركيين الآن من القلق ازاء دور ايران في العراق، لا سيما بالمقارنة مع دور سوريا، فرغم العلاقات الوثيقة مع ايران، فان كبار المسؤولين العراقيين هم عراقيون اولا وآخرا حسبما قال نائب وزيرة الخارجية روبرت زولك للصحفيين في بغداد يوم الخميس، وقال: «مما لا شك فيه ان هناك تأثيرا لكن ما يفعله العراق هو حث جميع جيرانه على دعمه».
بعد سقوط صدام حسين، قام قادة العراق المؤقتون باتهام ايران بفتح حدودها امام المقاتلين الذين يعبرون الى العراق، وتأييدها للتمرد، ويقول محللون انه بعد الاجتياح الاميركي عام 2003 كانت ايران تعتقد انها ستكون الهدف التالي لاميركا لذلك شكلت شبكات يمكن ان تمارس الضغوط في العراق اذا ما تم اتخاذ مثل هذا القرار.
المحللون الايرانيون وصفوا هدف ايران بانه خلق «اضطرابات تحت التحكم بها» وهو عمل توازن خادع يمكن ان يبقى القوات والمسؤولين الاميركيين مقيدين في العراق، مع عدم اشعال ذلك النوع من الانهيار الذي يمكن ان يهدد ايران. ويبدو ان تلك السياسة غير المعلنة قد تغيرت خلال فترة الانتخابات العراقية في كانون الثاني الماضي والتي جاءت الى السلطة بالحكومة الحالية الصديقة لايران.
قال خرازي لمضيفيه لن نسمح للارهابيين باستخدام ارضنا للدخول الى العراق، ونحن سوف نراقب حدودنا ونعتقل المتسللين لان تأمين العراق تأمين لايران.
واضاف خرازي: لو ان الجمهورية الاسلامية استغلت الوضع في العراق للتدخل في شؤونه والسماح للارهابيين بدخوله من ايران، فان الوضع في العراق كان يمكن ان يكون اسوأ بكثير.(23/84)
وبينما يركز الجيش الاميركي حاليا على الثوار الذين يتدفقون من سوريا منذ قال وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري ان «اعمال التسلل تتم من ايران لكننا لا نستطيع القول ان هذه العمليات تتم بموافقة الحكومة الايرانية».
وقال زيباري: اننا متأكدون ان الجمهورية الاسلامية لا تريد ان تتواجد القاعدة او ابو مصعب الزرقاوي على ارضنا.
لقد بدا ان جزءا من رسالة خرازي يقصد الولايات المتحدة التي دأبت على الضغط لاحضار ايران امام مجلس الامن الدولي للاجابة على اتهامات بان طهران تستخدم برنامجها للطاقة النووية كغطاء لصنع اسلحة نووية.
اوضح خرازي ان الولايات المتحدة ستنسحب من العراق في نهاية المطاف وان ايران كجارة للعراق سوف تعيش دائما مع العراقيين.
يقول علي انصاري، وهو خبير في الشؤون الايرانية في جامعة سانت اندروز في اسكتلندا: انني لست متأكدا من مدى الحب والصداقة الحقيقية بين ايران والعراق، فالايرانيون يستغلون ذلك بكل ما يستطيعون ويذكرون الاميركيين والاوروبيين انه اذا اشتدت الامور حول القضية النووية فان لايران نفوذا كبيرا في العراق.
في مقابلة مع رويترز قال المرشح للرئاسة الايرانية، علي اكبر هاشمي رافسنجاني ان ايران لا يمكنها ان تتجاهل الولايات المتحدة وان ايران ستشعر بان اميركا قد تخلت عن سياساتها المعادية اذا بدأت بتبني سلوك ايجابي بدلا من التصرف الشرير.
لكن ما مدى نفوذ ايران لدى قيادة العراق؟
رئيس الوزراء العراقي ابراهيم الجعفري قاد لسنوات كثيرة حركة مناهضة لصدام حسين في ايران، وفي اوائل الثمانينيات شكلت اجهزة الاستخبارات التابعة لاية الله روح الله الخميني - زعيم ثورة ايران الاسلامية في عام 1979 - المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق وجناحه العسكري، الوية بدر، التي جاء منها كثير من كبار قادة العراق حاليا.(23/85)
وعلى الجانب الكردي، اقامت ايران اوثق العلاقات مع الاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة جلال الطالباني الرئيس الجديد للعراق، وفي عام 1996 عندما شنت القوات العراقية هجوما في الشمال الكردي التقى هذا المراسل مع الطالباني في شمال العراق، على بعد خطوات فقط من الحدود الايرانية.
كما ان الجهود المناهضة لصدام حسين كانت تتلقى بشكل سري تحويلا ودعما من اميركا مع نائب رئيس الوزراء احمد الجلبي الذي يقيم علاقات وثيقة مع ايران واتهم باعطاء استخبارات اميركية لايران، ورئيس الوزراء السابق اياد علاوي.
وفي الاسبوع الماضي، خلال زيارة لايران، اعلن الطالباني انه يشعر وكأنه في وطنه.
وبينما تدعم الحكومة العراقية الجديدة فان طهران يمزقها جدل داخلي وهي ترى مخاطر «الاضطرابات تحت التحكم» وخطورة الخطاب الاميركي المثير ضد النظام الاسلامي بينما تدرك طهران ان افضل وسيلة لاخراج الاميركيين من العراق تتمثل في جعله يصل الى مستوى معين من الاستقرار حسبما يقول ساجد بور.
ويقول ساجد بور: عندما يكون لايران صديق في السلطة في العراق فانهم يريدون ان يروا ان الحكومة تنجح وعندما تريد ايران ان تستعرض عضلاتها في العراق فانها تستطيع ذلك، لكن الخطورة تتمثل في زيادة التوتر بين اميركا وايران وستكون ساحة المعركة في العراق.
الرأي 23/5/2005
المطالبة بإلغاء التمييز ضد الإيرانيين السنة
أسامة مهدي من لندن
دعت جماعة الدعوة والإصلاح السنية في إيران الحكومة الإيرانية الى تطبيق العدالة ورفع جميع أشكال التمييز المذهبي والقومي التي تمارس ضد أهل السنة الذين يشكلون نسبة 15 % من مجموع السكان في البلاد والذين يتجاوز عددهم 60 مليون نسمة اغلبهم من اعراق ولغات مختلفة.(23/86)
جاء ذلك في أول بيان سياسي للجماعة اليوم عشية بدء الحملة الانتخابية لمرشحي الدورة التاسعة لرئاسة الجمهورية وحمل عشرة نقاط طالبت فيها المرشحين لهذه الانتخابات بضرورة التعهد بتطبيق البنود المعطلة من الدستور الإيراني ورفع جميع الممارسات والسياسات التمييزية مشيرة الى أنه بعد مضي ربع قرن على انتصار الثورة وتهدئة الحماسة الثورية وانتهاء الحرب واقامة الاستقرار النسبي للأوضاع العامة في البلاد لم يبق أي عذر لدى المعنيين يحول دون تحقيق المطالب المشروعة لأهل السنة مضيفة "اننا في جماعة الدعوة والإصلاح في إيران وبصفتنا مواطنين إيرانيون من أهل السنة شأننا شأن سائر المواطنين نرغب برعاية حقوقنا وحرمتنا الإنسانية ودفع البلاد نحو التقدم والحرية والعدالة ومن منطلق المسؤولية التي تقع على عاتقنا فقد وجدنا لزاما علينا أن نهب للمشاركة في التنمية و الاعمار و تطوير البنى الثقافية والسياسية من أجل تحسين اوضاع المجتمع".
واضافت الجماعة قائلة إنه على الرغم من أن الثورة مدينة لتضحيات جميع أبناء الشعب الإيراني بمن فيهم أهل السنة إلّا أن حدوث عدد من التحولات غير البناءة التي رافقت قيام الجمهورية الاسلامية والتي طغى عليها الطابع المذهبي قد خيبت امال الايرانيين من أهل السنة واضاعت فرحتهم وحولت امالهم الى اليأس والتعاسة ولكنهم صبروا على ذلك على أمل ان تنقشع هذه الظلامة بعد أن تستقر الاوضاع وتزول الاثار التي خلفتها الاحداث التي مرت بها البلاد ومنها اثار الحرب وغيرها ألا أنه وعلى الرغم من انتهاء تلك الحقبة ودخول البلاد في مرحلة الاعمار والتنمية فمازال الوضع على ماهو عليه "وهاهي النخب من أهل السنة تعيش أما في السجون أوالمنافي فيما بعضهم الاخر يموت بطرق وحوادث مشكوكة" مشيرة الى أن الغرض من هذه السياسة انما هو تحجيم دور أهل السنة ودفعهم الى الانزواء.(23/87)
وشددت الجماعة على ضرورة مراعاة جميع الحقوق الانسانية والدينية والقومية لأهل السنة وفق البنود الثالث والخامس عشر ومانص عليه في الفصل الثالث من الدستور الإيراني ومانصت عليه المادة الثانية والعشرين والمادة الثالثة والعشرين من المنشور الاسلامي لحقوق الإنسان الصادر عن اعلان القاهرة في عام 1990م والتي تؤكد جميعها على ضرورة أن يتمتع جميع المواطنين بحقوقهم الاساسية.
وضمّنت جماعة الدعوة والاصلاح بيانها عشرة توصيات وجهتها الى المرشحين لانتخابات رئاسة الجمهورية المزمع عقدها اواخر الشهر الحالي مطالبة بان أن يأخذ المرشحون اذا ما رغبوا بمشاركة الجميع في هذه الانتخابات بنظر الاعتبار ضرورة العمل على:
أولا: تحقيق مطالب عامة الشعب الإيراني ووحدة التضامن الوطني من خلال اقامة انتخابات تنافسية حرة ونزيهة.
ثانيا: اعطاء الاهمية لاجراء حوار متساوي وعادل بين الاقوام والمذاهب في البلاد وان يهيأ لهذا الحوار برفع الاجراءات التمييزية وتطبيق البنود المعطلة من الدستور أولا.
ثالثا: الاهتمام الجدي بتنفيذ المادة الثانية عشرة من الدستور الإيراني والتي تنص على ان في كل منطقة يتمتع أتباع احد المذاهب بالاكثرية فإن الاحكام المحلية لتلك المنطقة تكون وفق ذلك المذهب مع الحفاظ على حقوق اتباع المذاهب الاخرى و عدم التدخل في شؤونهم المذهبية.
رابعا: الاهتمام الجدي بحماية الهوية القومية واحترام ومراعاة الاقليات نظرا لوجود التنوع الثقافي والقومي في ايران والتأكيد على تنفيذ المادة الخامسة عشر من الدستور التي تنص على وجوب تدريس لغات تلك القومية في مختلف المراحل التعليمية.
خامسا: بما انه يوجد نص قانوني يمنع من تولي مواطن مسلم سني منصب رئاسة الجمهورية فإن حرمان أهل السنة من استلام حقائب وزارية نعده خرقا لحقوقنا الاساسية ومنها حق المواطنة فيجب العمل على حضور أهل السنة في التركيبة الوزارية القادمة.(23/88)
سادسا: العمل على التنمية والتوسعة الثقافية في مناطق أهل السنة مع توفير الارضية الازمة لذلك من خلال اعطاء التراخيص من اجل اصدار النشريات ورفع الرقابة عن الكتب الخاصة بهم.
سابعا: تفويض شؤون الاوقاف السنية وادارة سائر الامور الدينية ومنها على الاعم انتخاب ائمة الجمعة والجماعة وادارة المدارس الدينية واقامة الاعياد لأهل السنة انفسهم.
ثامنا: الاهتمام الجدي بالتنمية الاقتصادية لمناطق أهل السنة عن طريق اقامة البنى التحتية وبناء المؤسسات الصناعية واستخراج الثروات الطبيعية ، وايجاد فرص عمل من اجل القضاء على معضلة البطالة وتعين ميزانية خاصة لتلك المناطق.
تاسعا: الاستفادة من طاقات أهل السنة في المناصب الادارية في الوزارات و السفارات و حكام الاقاليم والمحافظات والمراكز العلمية والثقافية والجامعات وذلك بهدف تطبيق العدالة في توزيع المناصب الادارية.
عاشرا: اعادة النظر في محتوى الكتب والتعاليم الدينية والاهتمام باصول عقيدة أهل السنة والجماعة وفقه الامام الاعظم والامام الشافعي، رحمهما الله.
إيلاف 1/6/2005
زيارة بوتين للشرق الأوسط: بداية انهيار التحالف الإيراني- الروسي؟
مصطفى اللباد
دشنت زيارة الرئيس فلاديمير بوتين الأخيرة إلى الشرق الأوسط مرحلة جديدة في السياسة الخارجية الروسية تجاه المنطقة عموماً, وحيال إيران خصوصاً، على رغم أن الزيارة اقتصرت على مصر وإسرائيل وأراضي السلطة الوطنية الفلسطينية ولم تشمل إيران. إذ أن موسكو وبعد التغيرات التي عصفت بالمنطقة من جراء احتلال العراق، استهدفت بالزيارة – كما يبدو- الانفتاح على تل أبيب ومحاولة لعب دور في الشرق الأوسط, ولكن عبر البوابة الإسرائيلية هذه المرة، على عكس ما أرست موسكو عليه سياستها الخارجية في المنطقة طيلة الفترة الممتدة من قيام الدولة العبرية وحتى الآن.(23/89)
وفي حين جاءت المحطة الأولى لزيارة الرئيس الروسي إلى مصر في إطار العلاقات البروتوكولية بين البلدين بحيث اشتملت على دعم روسي للمساعي المصرية للحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن الموسع في مقابل دعم مصري لانضمام روسيا إلى منظمة التجارة العالمية، اتخذت زيارته لإسرائيل طابعاً آخر. فهي الأولى التي يقوم بها رئيس روسي لإسرائيل، وهي التي تضمنت توقيع اتفاقات للتعاون الأمني ومكافحة "الإرهاب الإسلامي"، وتغطت بمبادرة روسية لمؤتمر دولي حول السلام في الشرق الأوسط، سرعان ما وأدتها تل أبيب وواشنطن بعد ساعات من إطلاقها.
أما زيارة بوتين إلى أراضي السلطة الوطنية الفلسطينية فلم تتعد التقاط الصور التذكارية مع الرئيس محمود عباس أو عند قبر الزعيم الراحل ياسر عرفات. يمكن النظر إذن إلى زيارة بوتين للمنطقة على أنها زيارة إلى إسرائيل بالأساس مع محطات توقف بروتوكولية في القاهرة ورام الله، وهناك في الدولة العبرية قدم بوتين بادرة لمضيفيه، الذين يحتكرون القدرات النووية في المنطقة، تمثلت بتصريح غاية في الأهمية مفاده أن "على إيران أن تطمئن العالم في شأن برنامجها النووي".(23/90)
كانت إيران الغائب الحاضر في زيارة الرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط، لأن الملف النووي الإيراني غدا بفعل الجهود الأميركية والإسرائيلية موضوعاً يتصدر أجندة العمل الدبلوماسي والإعلامي الدولي، ولأن موسكو هي أحد الداعمين الأساسيين لبرنامج التكنولوجيا النووية الإيراني، وهي فوق كل ذلك الحليف الأول لطهران على المستوى الدولي. وتكتسب تصريحات بوتين السالفة الذكر أهمية خاصة لأن إيران هي البلد الشرق أوسطي الوحيد ربما الذي ما زالت روسيا أحد اللاعبين الرئيسيين فيه، في حين أنها كفت عن أن تكون كذلك في الدول العربية منذ عقود خلت. كما أن توقيت الزيارة أثناء الحملة الإسرائيلية والأميركية على إيران وملفها النووي؛ والتلويح الإعلامي المتكرر بضربات عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية، وتصريحات بوتين في هذا السياق وذلك المكان؛ تأتي لتشي بأن هناك تحولاً في مواقف موسكو إزاء طهران.
تدعمت العلاقات الروسية - الإيرانية في الثمانينات والتسعينات من القرن المنصرم، بحيث صارت الروابط بين البلدين أحد ركائز السياسة الخارجية لهما في عالم ما قبل 11 أيلول (سبتمبر)، وحتى غدا التحالف الإقليمي بينهما علماً على المنطقة الجغرافية الممتدة بين منطقة بحر قزوين وآسيا الوسطى في الشمال وحتى أفغانستان في الجنوب. والتقت الأولويات الإستراتيجية لكل من موسكو وطهران في مواضع جغرافية شتى ومسائل إقليمية ودولية متباينة، مما ساهم في رفع العلاقات الثنائية بين البلدين إلى مصاف التحالف الإستراتيجي, وذلك على رغم عدم الإعلان عن وجود إطار مؤسسي لهكذا تحالف، وعلى رغم الإرث التاريخي المرير والحروب التي خاضها البلدان، تلك التي جعلتهما على طرفي نقيض في جبهات القتال في القرن التاسع عشر.(23/91)
تجذر التحالف الروسي - الإيراني في تسعينات القرن المنصرم، بسبب ما أفرزته الإدارات الأميركية المتعاقبة حيال البلدين من سياسات، وهو الأمر الذي جعل التقارب بين الجارين اللدودين تاريخياً ضرورة استراتيجية لحفظ مصالح كل منهما. إذ دفع الحصار الأميركي المفروض على إيران صانعي القرار في طهران إلى المزيد من التوجه نحو موسكو.
وزاد في تمتين التحالف الروسي - الإيراني انخراط الولايات المتحدة في منطقة آسيا الوسطى ومزاحمتها للنفوذ الروسي هناك في تعزيز مواقع الجناح المؤيد للتقارب مع إيران داخل السلطة الروسية، وهو الجناح المتشكل أساساً من المجمع العسكري الصناعي الروسي وقطاع الطاقة ممثلاً بشركات النفط وشركة "غازبروم" العملاقة، على حساب الجناح المعارض لخصوصية هذه العلاقات، الذي يتكون عموده الفقري من الكومبرادور الروس وكتل مهمة من رأس المال التجاري الروسي وممثلي المصالح الأجنبية في موسكو، وهو الجناح الذي يتأثر بمواقع أصدقاء الولايات المتحدة في روسيا واللوبي اليهودي النافذ التأثير هناك.
لكن صورة العلاقات الروسية - الإيرانية اختلفت بعد أحداث 11 أيلول بشكل حاد، إذ أن غالبية نقاط الالتقاء الروسية - الإيرانية اهتزت بفعل التغيرات التي تلت حربي أفغانستان والعراق، وبفعل تغليب كل من موسكو وطهران لاعتبارات المصلحة الوطنية على تحالفهما الذي دام أكثر من عقد. وأصبح هذا التحالف عائقاً أمام كل من طرفيه للانطلاق نحو الالتحاق بركب التغيرات الحادثة في المنطقة، وللمفارقة بسبب نقاط الالتقاء التي شددت من تحالفهما. فلم تعد هناك حركة "طالبان" تحكم في أفغانستان، ولم يعد هناك تهديد جدي قادم من أفغانستان لزعزعة استقرار دول آسيا الوسطى، وهو التهديد الذي حكم الموقف الروسي المعادي لحركة "طالبان".(23/92)
كما أصبحت مسألة تقسيم الثروات في بحر قزوين من النفط والغاز الذي يطل عليه البلدان موضوعاً مؤجلاً من وجه ثان، خصوصاً بعد إبرام موسكو لاتفاقات ثنائية مع غالبية الدول المطلة على البحر لتقسيم ثرواته وبما يخدم مصالحها الوطنية في مقابل موقف إيراني محاصر دبلوماسياً وقانونياً في قضية تقسيم البحر إلى قطاعات وطنية. ومن وجه ثالث هبطت وتيرة التوتر في القوقاز وبضمنه النزاع الأرميني - الأذربيجاني، بسبب تبديل واشنطن لتحالفاتها هناك، بحيث أمست أذربيجان مرتكزاً أساسياً للولايات المتحدة أمنياً ونفطياً وسياسياً في منطقة القوقاز، وزادت حظوظها الإقليمية بالتالي في مقابل غريمتها أرمينيا المدعومة روسياً وإيرانياًً. والحال أن روسيا نجحت مرحلياً وبالوسائل العسكرية في قمع حركات الاستقلال في الشيشان، واستمرت بالتالي في الاحتفاظ بإطلالتها الرئيسة على منطقة بحر قزوين عبر الشيشان وداغستان.
وهنا كفت جمهورية إيران الإسلامية، والصامتة على ما يجري في الشيشان حرصاً على تحالفها مع موسكو، أن تكون غطاء إعلامياً ودبلوماسياً لروسيا.كان من شأن كل هذه التطورات أن تساهم في تراجع أهمية التحالف الاستراتيجي مع إيران من المنظور الروسي، بحيث أصبح الملف النووي الإيراني عاملاً مشجعاً على التقارب بين البلدين، ولكن بصورة منفردة وليس عاملاً في حزمة من العوامل كما كانت الحال في التسعينات من القرن المنصرم.(23/93)
وعلى رغم تراجع أهمية إيران لدى موسكو في رسم سياستها الإقليمية في ضوء تغير صورة المشهد الإقليمي بعد أحداث 11 أيلول، إلا أن الجانب الثنائي في العلاقات الروسية - الإيرانية مازال مهماً للطرفين. فالمصالح الوطنية لكل من روسيا وإيران تجد تطبيقاً عملياً على صعيد التعاون الثنائي في الجانب الاقتصادي والعسكري، فروسيا ما زالت راغبة في التعاون اقتصادياً مع إيران لأسباب مختلفة. وأول هذه الأسباب تثبيت أقدام موسكو في سوق النفط والغاز الإيراني، خصوصاً بعد الحظر الذي فرضه الكونغرس على الاستثمارات الأميركية في قطاع النفط الإيراني، وذلك لانعاش الاقتصاد الروسي الذي كان وما زال يعاني من أزمات مالية خانقة. وتمثل ثاني الأسباب في هدف الاحتفاظ بالسوق الإيرانية كمستورد أساس للسلاح الروسي، باعتباره أحد أهم الصادرات الروسية إلى الخارج. وثالث الأسباب يتخطى النفع المادي، ويتعداه إلى حد التأثير بالعقيدة العسكرية للقوات المسلحة الإيرانية، ناهيك عن ربط الاحتياجات الإيرانية لسنوات مقبلة بالتوريدات الروسية.
أما إيران فحاولت الاستفادة من الخبرات الروسية في مجال تصنيع الأسلحة والارتقاء بمستوى قدراتها العسكرية، عبر شراء الأسلحة الروسية وبخاصة الصواريخ القادرة على الردع لمسافات بعيدة، وليس آخرا الانضمام إلى النادي النووي عبر تدشين المفاعل النووي الإيراني قرب مدينة بوشهر. وكان المفاعل قام أساساً بمعونة فنية ألمانية زمن الشاه المخلوع، وبعد انسحاب ألمانيا من المشروع عقب انتصار الثورة الإيرانية، حاولت إيران بشتى الطرق إيجاد مورد للمواد اللازمة لتدشين المفاعل ورفده بالكادر العلمي اللازم، فلم تجد لمساعيها أذاناً صاغية إلا في موسكو.(23/94)
هبطت العلاقات الإيرانية - الروسية بفعل التغيرات الإقليمية بعد سبتمبر 2001 من مصاف التحالف الاستراتيجي إلى مستوى العلاقات المتميزة اقتصادياً، وبالتالي تتثبت حسابات الربح والخسارة الروسية الآن عند هذا السقف المنخفض نسبياً في تعاملها مع إيران، ولا تتخطاه إلى حسابات التحالف الاستراتيجي التي لا تتقيد بعامل واحد فقط عند صنع قرار السياسة الخارجية. وعلى خلفية تصريحات بوتين في إسرائيل في شأن الملف النووي الإيراني، يمكن استنباط أن موسكو تلوح بورقة هذا الملف كي تلعب دوراً في المنطقة من طريق البوابة الإسرائيلية، وهو الأمر الذي يدشن عملياً نهاية التحالف الروسي - الإيراني في المنطقة.
ويتمثل مأزق النظام الإيراني في الفجوة القائمة بين طموحاته النووية وصورة التوازنات الحالية في المنطقة بحيث أن تغير أولويات السياسة الخارجية الروسية القائمة على أساس المصالح – شأنها شأن غيرها- يجعل طهران مكشوفة أكثر من أي وقت مضى أمام ضربات عسكرية استباقية لمنشآتها النووية من طرف إسرائيل.
* كاتب مصري متخصص في الشؤون الايرانية والتركية.
الحياة 21/5/2005
مسؤول إيراني يطالب الدول العربية باستخدام اسم الخليج الفارسي
طالب مساعد وزير الخارجية الايراني، حميد رضا آصفي، الدول العربية بإطلاق اسم «الخليج الفارسي» على الممر المائي المعروف بالخليج العربي، مشيرا في لقاء إعلامي مفتوح مع صحافيين كويتيين، الى ان «الخليج الفارسي» هو الاسم المدون في الخرائط والوثائق المعترف بها دوليا في الأمم المتحدة. وأضاف «هو ليس أمراً يحظى بالأهمية وليس هناك خلاف عميق حوله، ومن أجل الحيلولة دون حصول أي خلاف مستقبلا يمكن أن تطلقوا الاسم الحقيقي لهذا الممر المائي».(23/95)
ووصف آصفي علاقات بلاده مع الإمارات العربية المتحدة بـ«المتينة والعميقة»، مؤكداً أن ما تمر به هذه العلاقات من خلافات، مجرد «سحابة صيف» ستزول مع زوال سوء الفهم. وقال: «نحن نعترف بأن هناك سوء فهم مع دولة الإمارات الصديقة والشقيقة، ونكن لها الاحترام بعلاقاتنا مع هذه الدولة الجارة، ويجب أن نتحاور لتجاوز وإزالة هذا الفهم الخاطئ الناجم عن اتفاقية عام 1971». وأضاف: «نحن نؤمن بأن سوء الفهم سوف يزول من خلال التعاون الثنائي والمباحثات الجانبية الثنائية، لأن قواسمنا المشتركة مع الإمارات أكبر بكثير من هذه الاختلافات». وقال إن بلاده تؤمن بأن المباحثات الثنائية ما زالت بإمكانها أن تثمر وتؤدي إلى نتيجة».
وحول عدم تردد إيران في استخدام نفوذها داخل العراق لإرساء الأمن، أكد آصفي معاناة بلاده من الحرب العراقية الطاحنة عليها، والتي استمرت ثمانية أعوم، «لذلك نحن نؤمن بأن أمن العراق هو من أمن إيران، وأن أمن إيران هو من أمن العراق». مشدداً على إيمان بلاده بأن دول المنطقة يجب أن تساعد بعضها البعض في إرساء الأمن والاستقرار في العراق.
وأضاف: «يجب على الفرقاء في العراق أن يؤمنوا بأن تعاونهم سيؤدي إلى خروج القوات الأجنبية من بلادهم». مشيراً إلى وجود علاقات إيرانية جيدة مع جميع ألوان الطيف السياسية العراقية.
وحمل حميد رضا آصفي «العملية البيروقراطية»، بين الكويت وإيران، مسؤولية تأخر إقرار مشروع نقل المياه الإيرانية إلى الكويت، بسبب تعليق البرلمانيين لهذا المشروع. وقال: «الملف يمر بمراحله القانونية، ولعل البرلمان الكويتي أمامه مشاريع تحظى بأولوية مهمة، ولم يصل الدور حتى الآن إلى المصادقة على مشروع نقل المياه إلى الكويت بالرغم كونه لصالح البلدين».وأضاف: «الحكومتان موافقتان على تنفيذ هذا المشروع، ونأمل أن تمر هذه المراحل البيروقراطية بأسرع وقت».(23/96)
ونوه آصفي بأن تأخر ملف الجرف القاري المتعلق بالحدود البحرية بين البلدين، سببه الخبراء وملاحظاتهم. متمنياً رسم نهاية لهذا الملف ومعالجة القضية بأسرع وقت. مشيراً إلى أن «وجهات النظر متقاربة والمباحثات والنتائج تسير بشكل إيجابي».
وجدد أصفي نفيه بوجود الزرقاوي وبعض مسؤولي «القاعدة» تحت الإقامة الجبرية في إيران، وقال: «هل تصدقون حقاً مثل هذه الأخبار؟». مشيراً إلى أن التوتر في العراق سببه وجود قوات التحالف، الأمر الذي أدى إلى إحاطة القوات الأميركية بالحدود الإيرانية. وهذا ما عبرت عنه إيران بعدم سرورها، كون تلك الأخبار مصطنعة وتأتي من خارج الحدود.
ورداً على سؤال بشأن احتمال وقوع اعتداء إسرائيلي على إيران، وكيف سيكون الرد، قال مساعد وزير الخارجية الإيرانية: «لا نظن بأن إسرائيل ترتكب مثل هذا، لأنها تدرك إمكانيات الجمهورية الإسلامية، وإذا ارتكبت هذا الخطأ سيكون جوابنا مهلكاً لها، وهناك أصوات من هنا وهناك تحاول إثارة هذه الحرب النفسية».
وجدد أصفى قيام بلاده باستئناف النشاط النووي، مبيناً أن البرنامج النووي لم يطرح في مباحثاتهم مع الجانب الأوروبي، الذي وعد بتقديم مقترحات جديدة لضمان عدم استئناف إيران للنشاط النووي. وقال: «نحن عضو في منظمة منع انتشار الأسلحة النووية، وهي منظمة تتمتع بمزايا وضوابط في العمل، ونحن نعمل وفق لهذه الضوابط للاستفادة منها، والاستخدام المشروع للطاقة النووية حق لكل الدول، ولكن البعض يخلط الموضوعين ويتصور بأن الكلام حول الطاقة يعني استخدام الأسلحة النووية، وهذا أمر خاطئ، فنحن لا نبحث عن الأسلحة النووية ولا نؤمن بأن الأسلحة النووية تجلب الأمن لبلادنا».(23/97)
وأضاف: «نحن تحدثنا مع الأوروبيين بأن نقدم ضمانات ملموسة بعدم تجاوز هذه الضوابط المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية، مثل توقيع البروتوكول الإضافي، وتطبيق ضوابط منع انتشار الأسلحة النووية، والموافقة على التفتيش. وهناك ألف مهمة تفتيش تمت لمنشآتنا النووية، الأمر الذي يبرهن على شفافيتنا». مؤكداً أن الدول الأوروبية الثلاث تعهدت بتقديم مشروع شامل خلال الشهرين المقبلين.
وحول ما هو مطلوب من الدول الأوروبية تقديمه إلى إيران حتى لا تستأنف تخصيب اليورانيوم، قال آصفي: «أشرت مسبقاً إلى أننا سوف نخصب اليورانيوم، وليس هناك في جدول أعمالنا وقف لتخصيب اليورانيوم، فنحن قدمنا وسنقدم ضمانات بعدم الانحراف والتخطي، وعلى الأوروبيين أن يقدموا لنا ضمانات بمواصلة العمل. وما دامت المفاوضات مستمرة فإن تعليق التخصيب أيضاً متوقف، واصبروا حتى شهر أغسطس (آب)، ويتبين الأمر».
وفي ما يتعلق بقيام السلطات الإيرانية بعمليات قمع للأهواز العرب، أكد آصفي أن وسائل الإعلام، لا سيما الكويتية، أعطت صورة مشوشة للحادثة، حيث صورتها بأنها ثورة وانتفاضة، وهذا غير صحيح. مطالباً وسائل الإعلام تصوير الأحداث بشكل واقعي وسليم
الكويت ـ طهران: «الشرق الأوسط» 1/6/2005
تعليقات قراء الشرق الأوسط على موضوع الخليج الفارسي
01/06/2005
يقع السياسيون الايرانيون في كثير من الأخطاء التي تحسب عليهم، يطالبون العرب بأن يتخلوا عن تسمية الخليج لأن الوثائق والخرائط الدولية تقول إنه فارسي، اذن لماذا لا يعترفون في اسرائيل فهي دوليا الاسم الموثق على ارض فلسطين التاريخية والمشكلة والعقدة هي العنصرية المقيتة عندهم.
جاسم الاسدي، النرويج(23/98)
إذا كان الايرانيون يريدون من العرب تسمية الخليج حسب التسمية العالمية(في زمن الشاه تم الاصرار على منظمة اليونسكو لإدراج كلمة فارسي بعد كلمة الخليج ) فنحن الاهوازيون نطالب السلطات الايرانية بإعادة أسماء المدن و القرى التي تم استبدالها باسماء فارسية في زمن الشاه و في زمن نظام الجمهورية الاسلامية، و يبتدىء باسم الاحواز، او عربستان الذي تحول الى خوزستان، اي ارض السكر و ثم مدينة المحمرة التي تبدلت الى خورمشهر، و مدينة معشور الذي تبدلت الى اسم ماهشهر، و مدينة الخفاجية التي تبدلت الى اسم سوسنكرد و مدينة الصالحية التى تغير اسمها الى انديمشك ،و مدينة رامز التى تغير اسمها الى رامهرمز، و مئات من المدن و القرى التى لا يمكن ذكر اسمائها هنا بسبب عدم فراغ مناسب للكلمات .و أرجومن كل الإخوة و الأخوات العرب، و من دون عنصرية اذا كانوا يؤمنون بحق الفرس على تسمية الخليج، ان يكونوا منصفين مع اخوانهم الاهوازيين، و ان يطلبوا من السلطات الايرانية الاسلامية ان تعيد اسماء المدن و القرى الاهوازية التي تغيرت الى اسماء فارسية و تم استيطان الفرس قيهاو تهجير نسبة كبيرة من العرب الاهوازيين لمحاولة التغيير الديموغرافي في الاقليم العربي ،الذي لا يمكن لاحد نكران تاريخه من خلال مراجعة و قراءة تاريخ العيلاميين الساميين(قبل مجيء الفرس الى الاراضي الايرانية الحالية كانوا يعيشون في هذه الارض) و نطلب من الايرانيين اهل النوايا الحسنة مع العرب ان يسمحوا لعرب الاهواز بتسمية ابنائهم باسماء عربية ،و يسمحوا لهم بمتابعة دراستهم باللغة العربية و اعطائهم حق نشرولو جريدة واحدة باللغة العربية لخمسة ملايين عربي في الاهواز، و من ثم يمكنهم ان يتكلموا عن حسن نوايا مع العرب.
سعيد الاسدي، بريطانيا(23/99)
ليس غريبا أن تعود أسطوانة ايران القديمةالمتجددة باستمرار، بفارسيه الخليج العربي،وربما فارسية بعض الدول العربية في المرحله الثانيه ،كما أطلوا علينا بها خلال الايام والشهورالاولى لقيام ثورة الخميني نهاية السبعينيات ،والتي كانت السبب الرئيسى لاندلاع أطول حرب عرفتها .
حميد أسماعيل هندي الدليمي، السويد/مالمو
في الوثائق العثمانية وطوال قرون فإن خليج البصرة هو الاسم التاريخي لهذا الخليج، والتسمية التركية الحالية هي كذلك، ومع هذا لا تجرؤ إيران على مطالبة تركيا بتغيير التسمية كما يحلو لها، والهدف معروف وهو استغلال حالة التفكك العربية لفرض تسمية كانت تستخدم من طرف إيران وبعض الدول الاستعمارية ،وبما أن الدول العربية كانت ضمن الخلافة العثمانية، فليس هناك سند تاريخي لمطالبة إيران هذه، وإلاّ فلتطلب من تركيا أيضاً إن كانت لديها الحجة والشجاعة.
فهيم منذر، اليونان(23/100)
الإيرانيون يحتلون أراض عربية، و يقمعون العرب في داخل بلدهم، و يطالبوننا أن نسمي الأشياء ليس بمسمياتها , أنا أقترح على قادة ايران تسمية الخليج العربي بالخليج الاسلامي رفعا للألتباس إن كانوا مسلمين. و العجب كل العجب من موقف العربان من هذه الدولة التي تطور أسلحتها و تريد الحصول على القنبلة النووية ،و الهدف هو السيطرة على دولنا بواسطة الرعب النووي الذي تريد ايران إخافتنا به. و أما عن أكذوبة مهاجمة اسرائيل أو خلق توازن استراتيجي في المنطقة فإن ذلك أصبح لا ينطلي علينا, لأننا نعرف و ايران تعرف قبلنا ،أن اسرائيل سترد على أي مزحة ايرانية بأضعافها. يجب أن نقف على حقيقة المخططات الايرانية في المنطقة، فهي الآن و بواسطة بعض العراقيين الذين لديهم أصول ايرانية يحاولون تحويل العراق الى ذيل و خنجر في خاصرة الشعوب العربية. أنا شيعي عراقي و أفتخر بكوني شيعيا لكنني لا أرتضيأن يتحول العراق الى نسخة ايرانية ،أو أن الإيرانيين يحركون أطراف اللعبة السياسية في العراق. أنا لا أتفق فيما ذهب اليه الأخ موسى سلمان صاحب التعليق السابق لأن القضية ليس لها علاقة بدين أو مذهب بل إن لها علاقة بكون النظام الحاكم في طهران نظام عنصري شوفيني و يضع العرب في مقدمة أعدائه.
سعد العميدي، السويد(23/101)
الخليج تاريخياً أطلق الأكديون والسومريون على البحر المتنازع عليه اسمياً بحر الجنوب، واستمرت التسمية مدة أربعة آلاف سنة،ثم أطلق اليونان عليه الخليج الفارسي مدة هي أقل من ألف سنة، وبعد انهيار الدولة الفارسية سمي في الأدبيات العربية بخليج البصرة مدة تزيد على ألف وثلاثمئة، وفي القرن الفارط أطلق عليه العرب الخليج العربي، ولم يكن إطلاق هذا الأسم عليه عشوائياً ،فالواقع الذي كان وما زال موجوداً هو أن سكانه عرب من جميع الجهات حتى من الجهة الإيرانية، ومن يزر الضفة الشرقية للخليج ويطلع على قومية من يسكنها فسيراها عرباً بنسبة أكثر من 90% ،ومن يشاهد فلم الانتخاب الإيراني فسيرى أن المخرج الإيراني يُري العالم كله في إيران وغير إيران، إن سكان الضفة الشرقية للخليج هم عرب من ناحية القومية ويرفضون التحدث بالفارسية ولا يهتمون بأي شيء يصدر من الحكومة الإيرانية، ولا يعترفون بها، ولذا فهم لا يشاركون في الانتخابات، وكأنها تجري في دولة أخرى بعيدة، بالإضافة أن الفلم يري حقيقة صادمة جدا، وهي أن سكان تلك الضفة سنة، ويتطلعون إلى سكان الضفة الغربية كإخوة وأهل ويرتدون هم ونساؤهم وأطفالهم أزياء إخوانهم في الضفة الغربية.
ولو كان عند العرب إعلام فعال يستطيع عرض الواقع كما هو من دون رتوش ،لأدرك القادة في طهران قبل غيرهم ما هي التسمية الأصح؟عندئذ سينتهي الأمر.
محمود الطائي، شيكاغو(23/102)
الخليج العربي عربي رغما عن أنف حكام إيران من الشاه والملالي ولن نتنازل عن عروبته. ونأسف لمواقف بعض دول الخليج التي تنازلت عن عروبة الخليج وبدأت تسمي منظماتها وبطولاتها وندواتها بتسمية غريبة إنهزامية (دول الخليج العربية) وليس (العربي) وهذا منتهى الإنهزام .هل قرأتم كتب التأريخ ورحلات الرحالة العرب لقد كان الخليج يسمى (خليج البصرة) وهذا ما تقوله كتب التاريخ . لكن المستعمرين سموه بالفارسي ليبعدوا عنه صفة العروبة.وكان الخليج العربي ومن وقت بعيد عرضة لمؤامرات أعجمية واجنبية لتشويه عروبته ومسخ هويته.إرجعوا إلى إعتداءات إيران المتكررة وأعمال القرصنة التي تقوم بها على التجارة البحرية في الخليج..تذكروا ولا تنسوا الجزر العربية الأماراتية التي إغتصبتها إيران الشاه ورفضت إيران الملالي إعادتها لأهلها الشرعيين .تذكروا مطالبتهم بالبحرين رغم أن قرارا دوليا حسم عروبة البحرين .
تذكروا ولا تنسوا (عربستان والأحواز) الجزء العربي المقتطع من العراق ومازالت العشائر العربية العراقية تعيش معاناة هناك. لا يمكن أن نتنازل مطلقا عن (عروبة) الخليج وهذا ليس شعاراً.
أركان عبدالمجيد الشمري، شمال الخليج العربي
من حق إيران أن تغضب طالما نحن نخنع لها ونجاملها خوفا من غضبها وتحريك أتباعها ورعاياها.. إيران لم تقف يوما مع العرب.. لا في وقت الشاه ولا في عهد ملالي الخميني، وكل ما يقال عن دعم المقاومة الفلسطينية هو هراء ومحض أكاذيب بل أرادت إيران أن تشق الصف الفلسطيني وتنشر الطائفية في فلسطين مثلما حاولت أن تنشرها في جنوب لبنان ،عروبة العراق في خطر ومن لا يصدق فليذهب الى البصرة والعمارة والكوت ويشاهد ماذا يحدث هناك
باسم عبدالجواد، الأعظمية بغداد
الخليج هو خليج عربي بحكم قومية السكان الذين يعيشون فيه . حتى من جهة ايران يجاوره العرب. اما لماذا دوليا يسمى الخليج الفارسي دوليا بسبب ولاء شاهات ايران للغرب انذاك.(23/103)
محمد كامل، نيوزلاندا
إيران غير كوريا الشمالية
سركيس نعوم
عن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تحدّث مسؤول متخصص في إحدى مؤسسات الإدارة الأميركية، قال: «قمنا أخيراً بتحركات عدة فسّرها كثيرون أنها نوع من التودّد إلى إيران. منها قبول اشتراكها في منظمة التجارة العالمية أو بالأحرى رفع «الفيتو» عن هذا الاشتراك، الأمر الذي سمح ببدء مفاوضات الانضمام معها. ومنها أيضا السماح للشركات الأميركية المعنية بتصدير قطع غيار للطائرات المدنية الإيرانية. لكن ذلك التفسير ليس صحيحاً. قصدنا من التحركات المذكورة إعطاء إشارة إيجابية لأوروبا وتحديداً فرنسا وبريطانيا وألمانيا التي تفاوض إيران على الموضوع النووي. وقصدنا مساعدتها في مسعاها للحؤول دون امتلاك إيران قوة نووية للاستخدام العسكري، وذلك بتزويدها ما يمكن أن يشجع إيران على التجاوب. اننا ندعم التحرك السلمي الأوروبي مع هذه الدولة. والحرب ليست هدفنا على الإطلاق. وقصدنا كذلك دفع الثلاثي الأوروبي المذكور إلى التزام السير معنا إلى الآخر في موضوع إيران النووي. ويقضي هذا الالتزام بإحالة الملف النووي لإيران على مجلس الأمن في حال عدم تجاوبها مع المساعي الأوروبية واستمرار الشكوك في سعيها المستمر لامتلاك الطاقة النووية. ويبدو أننا في أميركا متفقون على كل هذه الأمور مع الثلاثي الأوروبي المذكور. كما أننا نثق إلى أبعد الحدود بكل ما يتعلق به».(23/104)
وأضاف المسؤول الأميركي المتخصص نفسه:«الملف النووي الإيراني يقلقنا. لن نتساهل حياله. ولن نتساهل أيضا مع إيران، ولعدم تساهلنا دوافع عدة. منها أن إيران النووية تشكّل خطراً على إسرائيل بل على المنطقة كلها بكل دولها التي ترتبط معنا بعلاقات تحالفية متنوعة. ونحن لن نقبل أن تتهدد هذه الدول وخصوصاً إسرائيل أوثق حلفائنا. ولا أحد يستطيع أن يعرف ماذا يمكن أن تفعل إسرائيل إذا رأت وتأكدت أن إيران النووية صارت حقيقة أو ستصبح حقيقة خلال وقت قصير. ومنها أيضا أن إيران تدعم الإرهاب المتصل بعملية السلام في الشرق الأوسط بل الساعي إلى تعطيلها وتدعم تحديداً «حزب الله» وتشجعه على العمل مع المنظمات الفلسطينية وخصوصاً الإسلامية الأصولية منها.
ومنها ثالثاً شمولية النظام الإيراني وديكتاتوريته. طبعاً الناس في إيران يكرهون بغالبيتهم النظام الذي يحكمهم، لكنهم وطنيون. ولذلك فان نحو 65 في المئة منهم مع إيران النووية. إذ انهم يعتبرون حصولها على قدرة نووية دليلاً على امتلاك القوة وتالياً حماية الذات والمصالح الأمنية والوطنية الإيرانية وخصوصاً في منطقة تضم قوتين نوويتين كبيرتين هما باكستان والهند. إلا أن امتلاك إيران السلاح النووي أو القدرة النووية ليس دليل قوة في رأينا.ذلك انه في الإمكان تحسين القدرات الأمنية والمدنية الإيرانية بوسائل أخرى.
ومن الدوافع رابعاً ان تكاليف المشروع النووي الإيراني كبيرة جداً وان تنفيذه لا بد أن يكون على حساب رفاه الشعب والاقتصاد الإيرانيين. فالإيرانيون سيدفعون غالياً ثمن القدرة النووية. لكنهم ربما لا يعرفون ذلك. ربما يمكن البحث مع إيران - قال المسؤول المتخصص نفسه - في حاجتها إلى مفاعلات نووية مدنية وفي طريقة مضمونة لتسليمها الوقود اللازم لتشغيلها ثم لاخراجه من إيران بعد استعماله. طبعاً لن نقدم نحن الأميركيين المفاعلات، لكن يمكن أن نتفهم هذه الخطوة إذا قام بها غيرنا».(23/105)
يبدو واقعاً أن توجيه ضربة عسكرية إلى إيران النووية ليس أمراً سهلاً. فمشروعها النووي ليس موجوداً في مكان واحد كما كانت الحال مع العراق في مطلع الثمانينات من القرن الماضي. علّقت. رد: «ذلك صحيح وان مشروعها مقام تحت الأرض. وفي مناطق مختلفة. وهناك عمل إيراني مستمر لجعل الضربة العسكرية في حال وجهت إلى المشروع النووي الإيراني عديمة الجدوى». سمعت في واشنطن من شخصيات عدة متنوعة أن إيران ستصبح قوة نووية رغم المعارضة الأميركية بل الدولية. وإذا حصل ذلك تكون دخلت نادي الدول النووية بفعل الأمر الواقع ولا تعود المواجهة العسكرية معها محتملة. تماماً مثلما هو حاصل الآن مع كوريا الشمالية. ما رأيك في ذلك؟ وماذا ستفعل أميركا في هذه الحال؟ سألت. أجاب المسؤول الأميركي المتخصص نفسه: «لا أدري. لم نصل إلى هذه المرحلة بعد. في كل الأحوال ليس لدينا بديل حالياً من السياسة التي نعتمد حيال إيران ومشروعها النووي. لكن لا بد أن نلاحظ شيئاً مهماً هو أن كوريا الشمالية رغم نظامها وشدته وقسوته وديكتاتوريته ونوويته ليست لها أي علاقة بالإرهاب. ولم يثبت على الأقل حتى الآن أنها دعمت إرهابيين أو صدّرت إرهابيين بخلاف إيران التي لم تقصّر في هذه المجالات. في أي حال لا أعتقد ان شيئاً نهائياً سلباً أو إيجابا سيحصل في الملف النووي الإيراني خلال مدة قريبة تحديداً قبل نهاية حزيران المقبل (الجاري). فهناك انتخابات رئاسية في إيران. وفي اعتقادنا أن الإيرانيين سيبادرون أثناء الإعداد للانتخابات وحتى انتهائها إلى تصعيد المواقف لكسب الشارع وربح الانتخابات. وسيساعد ذلك المحافظين المتشددين على الفوز. وإذا لم يفعلوا ذلك فانهم قد يعتمدون المهادنة تلافياً للتنازل المؤذي أو المواجهة المطلقة ريثما تنتهي الانتخابات الرئاسية.(23/106)
في المفاوضات قبل الأخيرة التي جرت بين الثلاثي الأوروبي المعروف وإيران لم يكن ممثلو الأخيرة مفوضين التوصل إلى تسوية نهائية. أي لم تكن لهم كلمة. لم يكونوا مخوّلين الرفض أو القبول ثم البت. اقتصرت مهمتهم فقط على قيادة المفاوضات واستمرارها . على كل - تابع المسؤول المتخصص إياه - دعني أخبرك حادثة حصلت مع الإمارات العربية المتحدة أثناء زيارة لي فيها. وهي تعطيك فكرة عن طريقة عمل الإيرانيين. خطف الحرس الثوري الإيراني بضعة قوارب إماراتية وطلب فدية في مقابل إعادتها إلى أصحابها. فاتصل الشيخ حمدان بن زايد وزير الدولة للشؤون الخارجية بوزير خارجية إيران كمال خرازي وابلغه الحادث. أظهر خرازي لطفاً وأبدى تجاوباً وقال انه سيستفسر عن المشكلة ويحاول حلها ومن ثم يبلغه النتائج. اتصل الوزير الإيراني لاحقاً بالشيخ حمدان وابلغ إليه أن الحادث لا أساس له وان ليس لإيران علم به. بعد أيام دفع المعنيون الإماراتيون الفدية المطلوبة فأعيدت القوارب إلى أصحابها فأبرق الوزير الإماراتي الى نظيره الإيراني شاكراً إياه ومبلغاً إليه أن القوارب أعيدت بعد دفع الفدية. في كوريا الوضع مختلف. يأتي الوفد الكوري إلى المفاوضات ومعه كل السلطة اللازمة لاتخاذ المواقف والقرارات خلافاً للإيرانيين. في كل حال نحن لا نريد تغيير النظام الإيراني. أو بالأحرى لا نعمل لذلك. هذا من مهمة الشعب الإيراني. لكن هذا الشعب مقموع».
يقال ان محوراً غير عربي يضم إيران وتركيا وإسرائيل قد يقوم وتعتمد عليه أميركا في الشرق الأوسط، ما رأيك؟ أجاب المسؤول الأميركي المتخصص نفسه: «يمكن أن يحصل ذلك. ويمكن ألا يحصل. لكن هذا الأمر يأخذ به عادة أصحاب نظرية المؤامرة أو عقلية المؤامرة.(23/107)
نحن في أميركا، تركيا وإسرائيل حليفتان لنا، ولنا حلفاء آخرون غيرهما في المنطقة. وهم مهمون منهم مصر والمملكة العربية السعودية والكويت. هل تريدهم أن يقفوا بالصف ليتلقوا الأوامر والتعليمات من الثلاثي الإقليمي الذي تحدثت عنه؟ هذا أمر غير مقبول. وإذا كانت أميركا قامت في الماضي بأعمال كهذه فإنها لن تفعل ذلك الآن أو بالأحرى من الآن فصاعداً. كلنا نتذكّر الخليجيين أيام الشاه في إيران وكيف كانوا يخافونه ولا يجرؤون على مواجهته أو النظر إليه. هذا أمر لم يعودوا يقبلونه».
النهار 6/6/2005
الرئاسة الإيرانية حسمت لصالح رفسنجاني
فهمي هويدي
بوسعنا أن نقول بأنه ما لم تحدث مفاجآت غير متوقعة، فإن معركة انتخابات الرئاسة الإيرانية حسمت لصالح الشيخ هاشمي رفسنجاني. لذلك لم يكن مستغرباً أن تنشر صحيفة «فارهانج اشتي» الاصلاحية خبر ترشحه تحت عنوان كبير من كلمتين هما: عون الرئيس. في إشارة ضمنية إلى أنه ضمن الفوز بمجرد تسجيل اسمه كمرشح للانتخابات التي تجرى في 17 حزيران المقبل.
وبدخوله حلبة السباق فإنه حسم الشائعات والأقاويل التي راجت حول موقفه طيلة الأشهر الماضية، وليس هناك من تفسير لتأخير اعلان قراره في هذا الصدد سوى أن ذلك السياسي الداهية آثر الانتظار حتى تكتمل قائمة المرشحين، وحتى يقتنع الرأي العام من استعراض الأسماء بأن ثمة فراغاً في القائمة لا يملأه إلا حضوره الشخصي، إذ كان الرجل مدركاً لا ريب لحقيقة أن مرشحي المحافظين لا يحظون بشعبية كافية، وأن الناس انفضوا من حول الاصلاحيين حين وجدوا أن الرئيس الحالي محمد خاتمي لم يستطع أن يحقق لهم ما تمنوه، وإذ أتاح للمعسكرين أن يستعرضا مرشحيهما. وأن يعرض كل منهما «بضاعته»، فإنه أراد بذلك أن يقدم نفسه باعتباره «المنقذ»، الذي ترتفع قامته فوق قامات كل المرشحين الآخرين. ومن ثم دخل الساحة بحسبانه مستدعى من قبل الشارع الإيراني وليس متطفلاً أو مفروضاً عليه.(23/108)
من ناحية ثانية فأحسب أن تأخير اعلان قراره كان له سبب آخر هو توفيق الأوضاع مع السيد علي خأمنئي، القائد، الذي كان يتمنى أن يرأس الجمهورية واحد من رجاله المطيعين له والمحسوبين عليه، وليس شخصاً مثل رفسنجاني له استقلاله وقوة شخصيته التي لا تجعله محسوباً على غيره أو ملحقاً به.
ولا يغيبن عن البال أن المحافظين حين خاضوا معركتهم الشرسة ضد السيد خاتمي طيلة السنوات الثماني السابقة كانوا مدعومين من جانب المرشد، وأنهم حين نجحوا في اضعافه وشل حركته أرادوا أن يكون البديل واحداً منهم، ولم يخطر على بالهم أن يتخلصوا من السيد خاتمي لكي يقطف الشيخ رفسنجاني ثمرة جهدهم.
وليس سراً أن السيد خأمنئي الذي ارتاح لاختيار أحد انسبائه المحسوبين عليه رئيساً لمجلس الشورى (الدكتور حداد عادل)، كان سيصبح أكثر ارتياحاً لو أن رئيس الجمهورية كان من نفس الشريحة، وقد رشحت الدوائر المطلعة على ما يجري في الكواليس لهذا المنصب واحداً من «الموالين» المحافظين، الدكتور علي أكبر ولايتي وزير الخارجية السابق (الذي تنازل) أو محمود أحمدي نجاد رئيس بلدية طهران أو قائد الشرطة السابق محمد باقر قاليباف أو محسن رضائي قائد الحرس الثوري السابق والأمين العام لمصلحة النظام، أو حتى علي ريجاني رئيس الاذاعة والتليفزيون السابق، الذي اعتبر مرشح لجنة التنسيق بين الأحزاب المحافظة. غير أن استطلاعات الرأي العام والتقارير الداخلية التي يوليها المرشد اهتماماً خاصاً جاءت فيما يبدو مخيبة للآمال، حيث أجمعت على أن أياً من هؤلاء المرشحين لا يستطيع أن يحقق الفوز المرجو. وهي نتيجة كانت في صالح ترشيح الشيخ رفسنجاني، الذي لا أشك في أنه لم يكن ليرشح نفسه إلا بعد «التفاهم» مع القائد.
ومن الواضح أن ذلك «التفاهم» استغرق وقتاً طويلاً نسبياً، ولم يتحقق إلا حينما أدرك السيد خأمنئي أن حظوظ من عداه في الفوز ليست مضمونة.(23/109)
ساعد على ترجيح كفة رفسنجاني عناصر أخرى هي: أنه بحكم شخصيته وتركيبته ظل طول الوقت يضع قدماً في معسكر المحافظين وأخرى في معسكر الاصلاحيين، الأمر الذي جعله على صلات قوية بالطرفين. وإذا كانت قيادات المحافظين لا ترحب به، وكانت لها معه ومع مجموعة كوادر البناء التي تعبر عن خطة صراعات عدة ألقت ببعض رموز «الكوادر» في غياهب السجون، إلا أن أغلب قواعد المحافظين تؤيده. ورغم ما بينه وبين أركان فريق خاتمي من حساسيات دفعت بعض أنصار خاتمي إلى التشهير به، الأمر الذي أوقع به هزيمة منكرة في الانتخابات النيابية التي جرت سنة ألفين، إلا أن أحداً لا ينسى أنه هو الذي شجع ترشيح خاتمي لرئاسة الجمهورية، كما أن مؤيدي خاتمي أصبحوا يرونه الآن بديلاً أفضل من المحافظين.
من تلك العناصر التي رجحت كفته أيضاً الظروف التي تمر بها إيران في الداخل والخارج. ذلك أن الصراع الذي استمر طيلة السنوات الثماني السابقة بين المحافظين والاصلاحيين أثار ملل الناس ودفعهم إلى العزوف عن العمل السياسي، وكان من المهم أن يرشح واحد مثله لكي يعيد الثقة في النظام والثورة، ويستدعي الجماهير مرة أخرى إلى ساحة المشاركة.
ثم أن الأزمة الاقتصادية التي تمر بها ايران اقتضت أن يمسك بالدفة رجل الاصلاحات الذي يعيد الأمل إلى الجماهير في إمكانية تحسن أحوالهم المعيشية. أضف إلى ذلك الاحتلال الأميركي للعراق، ومشكلة الملف النووي الايراني، وهما ظرفان آخران لم يكن أي من المرشحين الآخرين مؤهلاً أو قادراً على التعامل معهما بكفاءة، لأن رفسنجاني معروف بأنه حلال العقد ورجل المساومات الأكثر قدرة على التفاهم مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وقد كانت له مع الأخيرة خطوط وتفاهمات سابقة، وبالتالي فالأمر ليس جديداً عليه.(23/110)
ليس معنى ذلك أنه لن تكون هناك معركة في الانتخابات الايرانية، لأن من الواضح أن المحافظين لن يسلموا بفوزه بسهولة، ولكنهم يحاولون الآن تجميع صفوفهم وراء مرشحهم الأثير علي لاريحاني، ويسعون إلى الضغط على من رشحوا أنفسهم من الرموز المحافظة الأخرى لكي يتنازلوا لصالحه.
ولا يستبعد أن يعمل المحافظون على فتح ملفات قديمة لرفسنجاني لتشويه صورته واضعاف الالتفاف من حوله، وحتى كتابة هذه السطور فليس معروفاً بالضبط من المرشحين الاصلاحيين الذين سوف يجيزهم مجلس صيانة الدستور، وأياً كان هؤلاء، فالمرجح أن حظوظ هؤلاء ستكون محدودة في التأييد الجماهيري، لأنه من الصعب توقع اقبال الناس على التصويت لصالحهم في الوقت الراهن، وقد لمسوا بأنفسهم أنهم لم يستطيعوا أن ينجزوا الكثير في ظل حكومة السيد خاتمي الاصلاحية.
هذه الخلفية تسوغ لنا أن نسجل الملاحظات التالية على المشهد الانتخابي الايراني:
فشل المحافظون في أن يقدموا مرشحاً ترجح كفته ويستطيع أن يلقى تأييداً جماهيرياً يؤهله للفوز، ومرشحوهم الذين تقدموا اعتمدوا على رصيدهم في مواقع السلطة ومراقبها، وليس على رصيدهم في الشارع الايراني.
الاصلاحيون سوف يصوتون لصالح الشيخ رفسنجاني ليس حباً فيه، ولكن كيداً للمحافظين ومحاولة تصفية الحساب معهم.
حين هزم رفسنجاني في الانتخابات النيابية عام 2000، فإن الناس تحولوا عنه لأن الاصلاحيين كانوا بديلاً أفضل، لكن هؤلاء الناس أنفسهم سيصوتون لصالحه في الأغلب هذه المرة لأن المرشحين المحافظين يمثلون بديلاً أسوأ.(23/111)
رغم أن رفسنجاني يعد الخيار الأفضل هذه المرة، إلا أن عودته إلى رئاسة الجمهورية وهو في سن السبعين، بعد أن شغل المنصب لفترتين متتاليتين خلال التسعينيات، تعد مؤشراً على أن الثورة الايرانية لم تتمكن خلال ربع قرن من افراز قيادات جديدة يمكن أن تتحمل مسؤولية ادارة شؤون البلاد، وذلك مؤشر على عقم الحياة السياسية الذي يثير العديد من التساؤلات حول مدى العافية التي وفرتها الثورة للمجتمع على صعيد الممارسة الديمقراطية، وتلك مشكلة يجب أن تحل هناك، بقدر ما أنها تبعث على الأسف والحزن عندنا!
الشرق الأوسط 18/5
الصوفية والسياسة
بقلم: محسن فهمي
" محسن فهمي وهو رئيس تحرير مجلة التصوف الإسلامي يرد على أحد الصحفيين الذي هاجم مؤتمرهم العجيب ومقابلة شيخ الصوفية مع روز اليوسف والذي نشرنا في الراصد عدد22 مجرياته وننشر دفاع رئيس مجلة التصوف ليتبين تفكيرهم السياسي !! الراصد"
كان للمؤتمر الصوفي الذي عقد في مزرعة الكرام بمركز بدر بمحافظة البحيرة ردود أفعال كثيرة ومتعددة منها هذا الرأي الذي ننشره كاملا للزميل سيد عبد العاطي في جريدة الوفد... تحت عنوان "مبادرة الشيخ حسن" قال في كلمته:
تورط سماحة الشيخ حسن الشناوي شيخ مشايخ الطرق الصوفية، عندما أعلن صراحة مبايعة 11 مليون صوفي للرئيس مبارك.. وذلك لعدة أسباب:
ـ السبب الأول: أن الرئيس مبارك ـ نفسه ـ قال في أكثر من تصريح أنه لم يقرر بعد ما إذا كان سيرشح نفسه في انتخابات الرئاسة القادمة، أم لا.. ومعنى مبايعة الشيخ حسن للرئيس، أنه يعلم علم اليقين ما لم يقرره الرئيس مبارك أو يتخذ فيه قراراً.. وهذا أمر يثير شكوكا كثيرة حول وجود صفقة سرية بين مشايخ الطرق الصوفية والسلطة.. تحصل بموجبها الأخيرة على تأييد ومبايعة الطرق الصوفية، مقابل فك الحصار حولها، ودعمها ماديا ومعنويا من قبل وزارة الأوقاف الممول الوحيد لهذه الطرق!!(23/112)
ـ السبب الثاني: أن الشيخ "حسن" أكد في حواره مع "روز اليوسف" أن مبايعة الطرق الصوفية للرئيس مبارك لا تعتبر عملا سياسياً، ولم تتم بضغوط من الدولة.. ونحن نصدقه.. لكنه لم يقدم لنا تفسيراً عن السبب الذي جعل الطرق الصوفية تخرج على المألوف لأول مرة منذ نشأتها.. فلم يحدث من قبل أن بايعت الرئيس عبد الناصر، أو الرئيس السادات، أو حتى الرئيس مبارك طوال فترة حكمه التي استمرت 24 عاماً.. إلا إذا كان تعديل المادة 76 من الدستور والتي أجازت لأول مرة في مصر أن تجرى انتخابات الرئاسة بالاقتراع السري المباشر وبين متنافسين،هي السبب الذي دفع الشيخ حسن الشناوي إلى إعلان مبادرته.
والسؤال: ماذا سيكون موقف شيخ مشايخ الطرق الصوفية، إذا أعلن الرئيس مبارك عدم ترشيح نفسه في الانتخابات القادمة، وأنه سيدفع بمرشح آخر؟!
ـ السبب الثالث: أن الشيخ "حسن" تكلم بإسهاب ـ في الزميلة روز اليوسف ـ عن المتطرفين والإرهابيين ووصفهم بالقتلة، وبمخالفة شرع الله دون أن يشير من قريب أو بعيد إلى الذين يقاومون الاحتلال الصهيوني في فلسطين المحتلة، أو الذين يقاومون الاحتلال الأمريكي في العراق.. وكان على سماحة الشيخ طالما تحدث عن بن لادن وأعوانه ووصفهم بالإرهابيين، أن يتحدث عن الذين يقاومون الاحتلال،حتى لا يتم وضع الجميع في سلة الإرهاب.
كنت أتمنى ألا يتورط سماحة الشيخ حسن الشناوي شيخ مشايخ الطرق الصوفية في مصر.. فقد كان حديثه كله سياسة في سياسة. ا.هـ(23/113)
في البداية لم يكن "الزميل" موفقا في استخدام كلمة "تورط" سماحة الشيخ حسن الشناوي ليوحى لنا بأن شيخ مشايخ الطرق الصوفية كان مدفوعاً على غير رغبته لعقد مؤتمر التصوف الأول وهو ما أكده في السبب الأول الذي ذكره بأن هناك صفقة سرية بين مشايخ الطرق الصوفية والسلطة، والغريب أنه استكمل تخيلاته الصحفية والروائية في كشف هذه الصفقة التي جاءت كلها من بنات أفكاره، وتدور حول زيادة الدعم المادي والمعنوي من قبل وزارة الأوقاف في مقابل مبايعة الطرق الصوفية وتأييدها للرئيس مبارك. والحقيقة أن هذا الكلام غير حقيقي بالمرة ،وأن الرئيس مبارك لا يحتاج كل هذه السيناريوهات.
والطرق الصوفية ليست غربية عن شعب مصر ،ونحن لا نعيش بمعزل عن الأحداث، وإذا كنا نسير في طريق القرب من الله سبحانه وتعالى فنحن أكثر الفئات التي يصدق إحساسها بالذين يستحقون دعمنا وتأييدنا ومبايعتنا، فإذا كنا لا نرى إنجازات للرئيس مبارك طوال فترة حكمه فهذا للأسف من ظلمة القلب وتعصب الهوى.. إننا مواطنون مصريون ومن حقنا أن يكون لنا رأي في كل القضايا التي ينشغل بها وطننا العزيز..
والطرق الصوفية ليست مهنة يسعى إلى شغلها المريدون وإنما هي مظلة يقف تحتها كل فئات الشعب بجميع درجاتهم فهناك القاضي والطبيب والمهندس والمزارع والمدرس ورجال الأعمال والحرفيون البسطاء، فهل نستكثر على هؤلاء وهم نجوم المجتمع وشموعه المضيئة في كل مجال أن يقولوا كلمتهم ويعبروا عن آرائهم.
والطرق الصوفية لم تخرج عن المألوف كما قال "الزميل" في سببه الثاني. فلقد كنا نبايع الرئيس عبد الناصر والرئيس السادات من قبل .والرؤساء الثلاثة ناصر والسادات ومبارك من الوطنيين الذين حكموا مصر على مدار تاريخها كله وإذا كان لكل شخص سلبياته فهم ليسوا بأنبياء حتى يكونوا معصومين من الخطأ.(23/114)
أما عن السؤال الذي طرحه الزميل حول إذا تراجع الرئيس مبارك عن ترشيح نفسه ودفع بمرشح آخر، نقول: لهذا عقدنا مؤتمرنا الصوفي الأول وقلنا للرئيس مبارك نريدك أن تستمر في المرحلة القادمة لأنك الأقدر على قيادة البلاد في هذا المنعطف الخطير وسوف نطالبه مجدداً أن يتولى بنفسه قيادة مصر وليس غيره.
أما ما قاله في السبب الثالث، فالأمر لا يحتاج إلى رد فسماحة الشيخ حسن الشناوي سبق وأن أعلن مراراً بشرعية مقاومة الاحتلال سواء كان في فلسطين أو في العراق أو في الشيشان أو على أي أرض على وجه الكرة الأرضية سواء كانت أرضاً إسلامية أو غيرها.. مقاومة الاحتلال عمل شرعي لكل أوطان الدنيا التي تهدد من قبل المستعمرين والمحتلين وهذا شئ بديهي، وهناك فرق كبير بين الذين يقتلون المسلمين الأبرياء والمستأمنين بدون ذنب أو بوجه حق، وهناك أدلة قرآنية ونبوية دامغة في هذا المجال.
سيدي "الزميل" لم يتورط سماحة الشيخ حسن الشناوي شيخ مشايخ الطرق الصوفية وهو ينادي بأن يستكمل الرئيس مبارك انجازاته واستقرار بلاده معبراً عن ملايين الصوفية في مصر.. لقد كان يمارس حقه وحقنا الطبيعي في تطبيق مبدأ إسلامي أصيل وهو الشورى، وقلنا رأينا بما أملته علنيا ضمائرنا وصفاء نفوسنا ورجاحة عقولنا، ونتصور أن شعب مصر كله لا يختلف معنا في رأينا، وإذا كنت تحسب ما قلناه هو عين السياسة فاحسبنا من كبار السياسيين ولم لا وهل السياسة منوطة بفئة فقط دون غيرها؟!..(23/115)
وهل ممارسة السياسة نوع من الرذيلة؟! وحرام شرعا وقانونا.. إننا يا سيدي الفاضل أحسسنا بفطرتنا أن وطننا في مفترق الطرق وأن أصلح من يقوده في المرحلة القادمة هو الربان الماهر حسني مبارك الذي سبق وأن خاض معنا الأزمات وصعوبات كثيرة أثبت فيها خبرته ورويته وحنكته وكان لا بد أن نصطف خلف هذا الرجل ليواصل مهامه وتركنا تأويل موقفنا للسادة الفلاسفة يظنون ويحللون كما يريدون. وحفظ الله مصر والعالم الإسلامي من قول لا يفيد وعمل لا ينبغي به صاحبه وجه الله سبحانه وتعالى.
التصوف الإسلامي العدد 316 – ربيع الثاني 1426 هـ/2005
علي صالح: حزبان معارضان متورطان بتدبير انقلاب لإعادة النظام الإمامي
صنعاء - فيصل مكرم
كشف الرئيس اليمني علي عبدالله صالح في لقاء جمع علماء الدين وهيئتي رئاسة مجلسي النواب والشورى وهيئات برلمانية وحكومية أمس، عن مخطط لقلب نظام الحكم في اليمن واتهم حزبي «الحق» و«اتحاد القوى الشعبية» المعارضين بالتورط فيه من خلال التمردين اللذين أشعلهما حسين بدرالدين الحوثي ووالده في منطقة مران بمحافظة صعدة. ومعلوم ان الحوثي الابن قتل مع انتهاء تمرده صيف العام الماضي، اما الحوثي الاب بدر الدين الذي قاد تمرد آذار (مارس) الماضي فهو ملاحق أمنياً مع أتباعه.(23/116)
واتهم الرئيس صالح صراحة حزبي «الحق» و«اتحاد القوى الشعبية» وما وصفها بـ «ميليشيات تشكلت لهذا الغرض» بمحاولة الانقلاب على النظام الجمهوري وأعادة عقارب الساعة الى الوراء، موضحاً ان وثائق ومضبوطات دلّت الى وجود تدبير «لانقلاب كامل على النظام الجمهوري وإعادة النظام في البلاد الى ما كان عليه في الماضي» (النظام الإمامي قبل ثورة عام 1962)، قائلاً: «هذا ما لا يقبله شعبنا الذي قدم نهراً من الدماء وقوافل الشهداء والجرحى منذ تفجير الثورة في الشمال وفي الجنوب عام 1962 دفاعاً عن حريته وإرادته الكريمة». واضاف: «إن الذين اشعلوا فتنة صعدة هم من تآمروا مع قيادة الانفصال صيف عام 1994 وجرّوا تلك القيادة الجاهلة والقبلية بكل أشكالها كي يتمزق الوطن، غير أن كل تلك المحاولات تحطمت على صخرة الوعي الوطني وصلابة المؤسسة العسكرية والأمنية».
ولم يعلن الرئيس صالح عفواً عن «الحوثي الأب» وأتباعه كما كان متوقعاً، معتبراً أن الحوثي الأب والحوثي الأبن «لا يشكلان رقماً»، مؤكداً «وجود مؤامرة خارجية وتآمر داخلي وتصريحات لبعض المحسوبين على الحوثي بأنهم سيستعينون بالخارج لإصلاح الداخل (في اشارة الى الدكتور محمد عبدالملك المتوكل، السياسي المعارض والذي ينتمي الى أسرة هاشمية زيدية)، وهو يعرف أننا أرجعناهم وضربناهم على ابواب صنعاء، وأنهينا فتنة الانفصال، ولن تعود عقارب الساعة الى الوراء مهما كلفنا ذلك من ثمن». وقال: «لن نسمح باستغلال الحزبية للإساءة الى الوطن والتجربة الديموقراطية، لأنها وسيلة وليست غاية».(23/117)
واستعرض الرئيس اليمني وثائق وتقارير حكومية عن تطورات أحداث صعدة وتعهدات عبدالله عيضة الرزامي وعبد الملك بدرالدين الحوثي العام الماضي بأنهما ملتزمان العودة الى جادة الصواب والتخلي عن الافكار المتطرفة. وعلى رغم أن الرئيس صالح اتهم حزب «الحق» بالتورط في مؤامرة لقلب نظام الحكم، إلا أن زعيم الحزب القاضي أحمد الشامي كان حاضراً الاجتماع، وتعمد الرئيس الاستشهاد به «كوسيط» أكثر من مرة أثناء حديثه. كما لوحظ أن الرئيس صالح لم يذكر تنظيم «الشباب المؤمن» وكرر أكثر من مرة تأكيد «تسامح القيادة السياسية وحكمتها في معالجة التمرد واخماد الفتنة بكل الوسائل»، موضحاً أنه لم يتم فصل أي موظف أو مدرس على خلفية معاقبة أنصار الحوثي، وإنما «اوقفنا رواتب بعضهم ونقلنا مدرسين الى محافظات أخرى، وأحيل كبار السن على التقاعد». وأشار الى أن الدولة «لا تستهدف أحداً من أبناء الوطن، وأنا أصدرت عفواً عاماً بعد أحداث مران العام الماضي وبعد قتل حسين بدرالدين الحوثي صرفت لأولاده عندما وصلوا الى صنعاء من أجل العيش فيها مبلغ مليوني ريال (حوالي عشرة آلاف دولار)، وأبلغت قائد المنطقة العسكرية باعتماد 200 ألف ريال شهرياً لأفراد أسرته وغذاء لحوالي 100 شخص من أتباعه، وهذه جوانب إنسانية قوبلت بالاجحاف والنكران وعدم مصداقية حيال ما نعمله من خير، والآن ها نحن نكافكم أنتم يا اصحاب الفضيلة العلماء بأن تذهبوا الى السجون لاقناع أتباع الحوثي بالعدول عن افكارهم وتقديم ضمان أولياء أمورهم أو مشايخهم وعقّالهم ويفرج عنهم فوراً. لا نريد سجيناً واحداً».(23/118)
من جانبه، استعرض رئيس الوزراء عبد القادر با جمال 3 تقارير عن أحداث صعدة، الأول لوزير الداخلية عن الأحداث الأولى والثانية والأحداث الإرهابية الأخيرة التي ارتكبها «الحوثيون» في العاصمة صنعاء. والثاني لنائب رئيس الوزراء وزير التخطيط والتعاون الدولي عن الآثار الاقتصادية لهذه الأحداث، والثالث لوزارة الإدارة المحلية عن الاجراءات الحكومية لمعالجة الآثار المادية والاجتماعية في المنطقة، وإعادة الإعمار فيها.
وأكد وزير الداخلية اللواء رشاد العليمي أن الحوثي بدأ عام 1994 تنفيذ مخطط الانقلاب على النظام الجمهوري من خلال محاضراته وتعليماته لاتباعه بالتغلغل في أجهزة الدولة والحزب الحاكم والسعي الى اقصاء الآخرين، واتخاذ مبدأ التقية سبيلاً لتحقيق أهدافهم، مؤكداً ضبط مخطط الانقلاب وكميات من الأسلحة والذخائر والوثائق والمتفجرات لدى أتباع الحوثي في صعدة وغيرها بالإضافة إلى الأعمال الإرهابية التي قامت بها فعلاً.
وأشار وزير التخطيط أحمد محمد صوفان الى أن الخسائر المباشرة لأحداث صعدة بلغت 52 بليون ريال والخسائر غير المباشرة لم ينجز حصرها بعد، بالإضافة الى «ما تسببته هذه الفتنة من تشويه لسمعة اليمن أمام المستثمرين في الخارج وفي نظر المنظمات الدولية لجهة استقرار البلد وأمنه».
الحياة 15/5/200
هل بات مفتاح الاستقرار السوري في الايدي الكردية؟
دمشق - ابراهيم حميدي(23/119)
مثلما سجل آذار (مارس) العام الماضي تدوين اللغة الكردية للمرة الاولى في التاريخ الحديث في دستور مكتوب في الشرق الاوسط عندما كتب «قانون الادارة الموقت» العراقي بالعربية والكردية، بالتزامن مع تسلم قادة اكراد مناصب سياسية مهمة في الحكومة العراقية الموقتة بينهم نائب رئيس الوزراء برهم صالح, الرجل الثاني في «الاتحاد الوطني الكردستاني», ووزير الخارجية هوشيار زيباري, احد قياديي «الحزب الديمقراطي الكردستاني» بزعامة مسعود البرزاني، فان الاكراد العراقيين حققوا مكاسب سياسية اضافية في ربيع العام الجاري، عبر ترجمة احتلالهم الموقع الثاني في الانتخابات بتنصيب الزعيم الكردي جلال طالباني رئيسا للعراق مع تسلم بضع حقائب وزارية بينها الخارجية والتخطيط.
في المقابل، يرى اكراد سورية ضمنا او علنا الصورة بطريقة مختلفة:(23/120)
اولا: يعتقدون بأن هناك 300 الف كردي من دون جنسية سورية منذ الاحصاء الاستثنائي الذي جرى عام 1962, وثانيا، لا يتمتعون بحقوق سياسية في وقت يحصل جيرانهم في العراق وفي تركيا (خصوصا بعد سعي أنقرة للانضمام الى الاتحاد الاوروبي) على مكاسب ثقافية وسياسية., وثالثا، شعور الاكراد السوريين بتراجع مستوى التنمية في شمال شرق البلاد, اذ ان اكثر من ثلث الفقراء السوريين البالغ عددهم نحو مليوني شخص يتمركزون في تلك المنطقة, ورابعا، شعور عدد من الاكراد بأن دمشق «باعتهم» عندما رفعت الغطاء عن «حزب العمال الكردستاني» وطردت زعيمه عبدالله اوجلان عام 1998 وسلمت اكثر من خمسين قياديا تركيا في هذا الحزب الى تركيا بموجب اتفاق امني بين البلدين, وخامسا، فيما كان ينجز اكراد العراق بعض طموحاتهم رفضت السلطات السورية اعطاء حزبي «الاتحاد الوطني» و»الحزب الديمقراطي» موافقات رسمية لاقامة مجالس عزاء بعد العملية الارهابية التي جرت في شباط (فبراير) من العام الماضي وادت الى مقتل عشرات الاكراد في مدينتي السليمانية واربيل في شمال العراق.(23/121)
كان طبيعيا لاي محلل يعرف ان «الحلم الكردي» في قلب كل كردي، ان «تلهم» الانجازات السياسية التي حصل عليها الاكراد في العراق في ربيع العام الماضي أشقاءهم الاكراد في سورية. اذ تحول الاكراد بسرعة كبيرة من «خلايا نائمة» الى تحرك سياسي وعنفي في معظم المدن السورية التي تضم اكرادا, فانتقلت شرارة العنف من القامشلي الى دمشق وشمال حلب حيث كان العنف في اشده باعتبار ان تلك المنطقة تضم مؤيدي حزب العمال الكردستاني. ورفع المتظاهرون شعارات جديدة مثل «تحرير كردستان سورية» وطرد «المستوطنين العرب» وانهاء «الاحتلال» بـ»الانتفاضة». فطرح الخطاب الكردي الموضوع وكأنه «احتلال» و»تحرير»، ذلك في سابقة هي الاولى في الحياة السياسية لاكراد سورية الذين كانوا دائما يركزون على المطالب الثقافية والسياسية والاجتماعية ضمن «الوحدة الوطنية السورية».
اسفر هذا العنف عن سقوط نحو اربعين قتيلا بينهم عناصر من الشرطة وحرق مؤسسات حكومية وخاصة ومدارس واعتقال نحو الفي كردي في انحاء سورية، أطلقوا تدريجا باستثناء نحو 300 شخص.
اذن اختارت السلطة وقتذاك لغة الحزم الامني - العسكري لضبط التمرد الكردي المفاجئ والملهم اقليميا ودوليا. لكن يبدو الان ان الصوت المسموع من السلطات السورية هو ترجيح الحل السياسي المرن. اذ بالتزامن مع مرور الذكرى السنوية الاولى لاحداث القامشلي وتسلم طالباني الرئاسة بعد فوز القائمة الكردية بالمركز الثاني في انتخابات العراق، اتخذت سورية مبادرات مهمة نحو الاكراد مناقضة لما حصل ربيع العام الماضي.(23/122)
كان هناك ما يشبه اتفاق «جنتلمان» بين الاكراد والسلطات السورية. قام اكراد الحسكة بمسيرة تأييد كبيرة للرئيس بشار الاسد ولم تتخلل احتفالات عيد «نوروز» أحداث عنف, وفي المقابل أصدر الرئيس عفوا رئاسيا تضمن اطلاق كل الموقوفين الاكراد البالغ عددهم 312 شخصا. كما ان المعلومات المتوافرة تؤكد ان السلطات بدأت فعليا عمليات اجراء الاحصاء وتحديد المعايير لاعطاء الجنسية لآلاف الاكراد او لاعادتها الى أولئك الذين حرموا منها. وتشير تقديرات الاكراد الى وجود نحو 300 الف كردي من دون جنسية (225 الف محروم الجنسية بموجب احصاء 1962 و 75 مكتوم القيد، أي ليست لديه وثيقة). فيما تشير المصادر الرسمية الى ان عددهم يبلغ نحو 150 الفا. كما تقول شخصيات كردية ان السلطات تنوي اقامة مجلس او جمعية سورية لرعاية مصالح الاكراد في الاطار الوطني السوري، بما يتعلق بالنشاطات الثقافية والاجتماعية واللغوية.
ولاشك ان الاشارات الايجابية التي ارسلتها دمشق نحو طالباني بعد تسلمه الرئاسة والسماح لـ»الاتحاد الوطني» بترتيب حفلة استقبال كبيرة وسط دمشق في هذه المناسبة عزف فيها النشيد الكردي ولبس الحاضرون اللباس التقليدي، يصب في اطار الاشارات المرنة نحو الاكراد، بالتزامن مع الحرص الرسمي على استمرار التنسيق السوري - التركي-الايراني لمنع تقسيم العراق والحفاظ على وحدته ارضا وشعبا باعتبار ان «التقسيم وقيام كيان كردي خط أحمر».(23/123)
لكن لماذا اختلف التصرف السوري؟ هناك اسباب متداخلة. اذ ان هناك وجهات نظر مختلفة داخل النظام السوري في شأن كيفية التعاطي مع الملف الكردي. هناك قوميون متشددون وسياسيون مرنون. هناك من يرفع شعار «العروبة اولا» ومن يرفع شعار» سورية اولا», وهناك من يعتقد بضرورة «وأد الحلم الكردي» بالتشدد وعدم انارة النور في اخر النفق. وهناك من يرى ان التشدد يدفع الى مزيد من التشدد ولابد من المرونة. ويبدو ان الرأي المرن هو السائد الى الان من منطلق القراءة الواقعية الذكية لما يجري في العالم الذي تغير, وان وضع الاكراد يتغير في دول الجوار (مناصب سياسية كبرى لهم في العراق واذاعات ونشاطات ثقافية ومدنية في تركيا). هناك ضغوط اميركية هائلة على سورية لاسباب اقليمية تتعلق بلبنان والعراق والوضع الفلسطيني ولاسباب داخلية تتعلق بحقوق الانسان والحريات وحقوق الاقليات. ولا شك في ان السلطات السورية تدرك ان الاكراد يمثلون قوة سياسية كبيرة.
وبدرس الامر الواقع يمكن الحديث عن ثلاث قوى: النظام بأدواته الامنية والسياسية والعسكرية والتنفيذية والحزبية. الاسلاميون الذين يمسكون بالجوامع والدين من دون ادوات سياسية. وهناك الاكراد الذين لديهم الكثير من المميزات المقلقة على استقرار سورية اذا لم يتم التعاطي معها بذكاء. قوة سياسية منظمة فيها على الاقل11 حزبا سياسيا غير مرخصة. اثبتت التجربة في العام الماضي انهم منظمون وهناك روابط بين القيادات والشارع وان الاحزاب تستطيع تحريك الشارع الكردي. لهم بعد اقليمي بعلاقاتهم السياسية وقراباتهم العائلة والعشائرية مع اكراد العراق وتركيا. لهم بعد دولي بفضل التعاطف في البرلمانات الاوروبية ومن قبل اكراد اوروبا واميركا الذين يعدون بالملايين. ويضاف الى هذا وذاك، ان لهم بعدا اسلاميا. اذ ان معظم الاكراد لهم خلفية دينية الامر الذي دفع قياديين في «الاخوان المسلمين» الى التواصل معهم لعرض «العمل سوية».(23/124)
ما تقدم يثبت بما لا يدع مجالا للشك ان مفتاح التقاطع بين العديد من العوامل الداخلية والاقليمية والدولية وبين العديد من العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والدينية، ينتقل تدريجا الى الايدي الكردية. حسنا فعلت عندما انتقلت السلطات السورية من التشدد مع الاكراد الى المرونة الشفوية. ولا شك في انها ستكون اكثر ذكاء واستشرافا للمستقبل وامساكا بالمبادرة السياسية لو انها نقلت هذه المرونة بسرعة الى التصرفات العملية الجوهرية لدفع الاكراد الى مزيد من الاندماج في «النسيج الوطني» ليسيروا على درب شخصيات وطنية مؤثرة في التاريخ السوري بينهم وزير الحربية يوسف العظمة والمناضل ابراهيم هنانو والمفتي الراحل احمد كفتارو والعلامة الاسلامي محمد سعيد رمضان البوطي والمعلق الرياضي الراحل عدنان بوظو.
الحياة 10/5/20055(23/125)
مجلة الراصد الإسلامية
العدد الرابع والعشرون – غرة جمادى الآخرة 1426 هـ
فاتحة القول: الصراع الإيراني الأمريكي والمصلحة الإسلامية......................3
1-…فرق ومذاهب: الأغاخانية............................................6
2-…سطور من الذاكرة: الشيعة يتوافدون على دول الخليج..............25
3-…دراسات1 موقف مفكري الاسلام من الشيعة 9 ....................31
4-…كتاب الشهر: الخلافة والخلفاء الراشدون بين الشورى والديمقراطية...55
5-… من يحكم إيران..........................................64
6-…قالوا...............................................................70
7-…جولة الصحافة:
إيران
-…إيران تسوق مشروعها.................................................76
-…إيران والفكر الإقليمي...................................................79
-…الرئيس الإيراني الجديد..................................................84
-…تصدير الثورة الإيرانية..................................................86
-…خطة طهران للسيطرة على جنوب العراق...............................93
-…مواجهات الأهواز.......................................................99
- نفوذ شيعة العراق والعلاقة بين إيران ومصر..........................107
-…أموال إيران أشعلت حرب جبال صعدة.................................109
العراق
-…خلاف شيعي كردي حول تمثيل العرب السنة...........................116
-…الروزخون إبراهيم الجعفري...........................................119
-…مليارات المرجعية وجوع الشيعة......................................121
-…علاقات المذهب والسياسة في عراق ما بعد صدام.....................124
-…لا وصاية للسيستاني على المسلمين...................................128
متفرقات(24/1)
-…الوحدة الإسلامية......................................................134
-…صوفية السلطان.......................................................136
-…إيران والجماعات المسلمة في الجزائر.................................139
-…الجولان...............................................................145
-…التوازن الطائفي في لبنان.............................................147
فاتحة القول
الصراع الإيراني الأمريكي والمصلحة الإسلامية
المتابع للتحليلات السياسية التي تتناول العلاقات الإيرانية الأمريكية يقف حائراً أمام التناقضات التي يجدها من تحليلات سطحية تروج أن إيران عميلة لأمريكا وأن هذا الصراع ما هو إلا مسرحية !
وتحليلات ترى أن هناك صراعاً حقيقيا ً بين النظامين وذلك بسبب المواقف المبدئية للنظام الإيراني تجاه إسرائيل ! والقضايا الإسلامية !
وتحليلات أخري ترى أن دوافع هذا الصراع هو تعارض مصالح السياسية لهذين النظامين فقط .
وهذه التحليلات تجانب الصواب وذلك لافتقادها لبعض الأدوات و المفاهيم اللازمة للفهم السليم.
بداية نقرر سذاجة القول بالعمالة لأمريكا لأنها عدوة حقيقية لإيران لكن هذا العداء من إيران لا يشمل اليهود وإسرائيل ، ذلك أن هناك تبايناً كبيراً بين سياسة أمريكا وإسرائيل تجاه إيران لسبب عقائدي هو أن الفكر الشيعي من نسل الفكر اليهودي،و إيران لا تشكل خطراً على مصالح إسرائيل في المنطقة بعكس أمريكا .
وعليه فإن هناك صراعاً حقيقياً بين النظامين الإيراني و الأمريكي بسبب تغاير المنطلقات الفكرية السياسية فأمريكا الديمقراطية لا تقترب فكريا من إيران ولاية الفقيه ذات الطابع الشمولي .(24/2)
ثم إن النظام الإيراني الحالي قام على أنقاض نظام الشاه الموالي لأمريكا . والسياسات التي مارسها النظام الإيراني تجاه أمريكا كانت عدوانية بدءًا من احتجاز موظفي السفارة الأمريكية في طهران و الاغتيالات والتفجيرات في بيروت تجاه الأمريكيين بواسطة أتباعها وبعد ذلك التحرش بدول الخليج الموالية لأمريكا وموقف أمريكا الداعم للعراق في حربه ضد إيران وغيرها من المواقف كل هذا يدل على العداء الحقيقي بينهما .
ولكن ما هو سبب هذا العداء بينهما ؟
لهذا العداء عدة أسباب :
الأول الخلاف الفكري بين نظام يدعو للحرية والانتخابات النزيهة وبين نظام شمولي قمعي.
كما أن النظام الشيعي الإيراني يحسب على الفكر الشيوعي في النواحي السياسية والاقتصادية كما بين ذلك الدكتور موسي الموسوي في كتبه سراب في إيران والجمهورية الثالثة.
الثاني عقد إيران تحالفات مع أعداء أمريكا روسيا، الصين، كوريا، سوريا، ليبيا ...
الثالث سعي إيران لتخريب عملية السلام بين العرب وإسرائيل – وذلك طبعاً لمصلحة إسرائيل - مما يفسد على أمريكا خططها في المنطقة .
الرابع دعمها للحركات التي تعمل في الدول الحليفة لأمريكا .
الخامس السعي لامتلاك القوة النووية التي تسيطر بها على جيرانها .
هذه أهم الأسباب للعداء الحقيقي بينهما لكن هل هذا العداء سيكون للمصلحة الإسلامية العامة ؟
الإجابة ستكون من خلال التأمل في مسيرة النظام الإيراني طيلة ربع القرن الماضي.
-…لقد غاب الفعل الإيراني المطلوب إسلامياً عن كل القضايا الإسلامية التي مرت على الأمة (أفغانستان ، الشيشان ، البوسنة ، أرتيريا ...)
-…بالمقابل كان العنف الإيراني دائماً موجهاً نحو المسلمين السنة ( العراق ،أمل و المخيمات ، تفجيرات الكويت ، تفجيرات مكة ، ...
-…أيضاً لم يتخل نظام الآيات عن سياسة الشاه في احتلال الجزر العربية بل تبنوا سياسة لا تفريط في مكتسبات حصلها الشاه !!(24/3)
-…في الصراع مع إسرائيل لم تقدم إيران إلا الوعود و التحريض على تصعيد العمليات في الوقت الذي كان يجب فيه الانتظار وذلك لإعطاء مبرر لإسرائيل بالتنصل من التزاماتها .
-…كانت إيران تتحالف مع أمريكا دوما لمصلحتها الخاصة وعلى حساب بقية المسلمين بل ضدهم (طالبان ، حرب العراق الثانية ، العراق الثالثة ).
-…سعت إيران دوما لتشويه علاقة المسلمين بالغرب من خلال سياسة كلامية صاخبة لبعض القضايا مثل المطالبة بقتل سلمان رشدي مع أن المعيار الذي على أساسه سيقتل سلمان رشدي لو طبق على مسؤولين النظام الإيراني لانتهي هذا النظام !!
وبهذا يتبين لنا أن هذا الصراع بين أمريكا و إيران ليس لمصلحة المسلمين بل هو لمصالح طائفية قذرة تضر بالمصلحة الإسلامية العامة .
ولذلك نقول لإخواننا الذين لا يزالون يعيشون في عالم الوهم لن تنالوا من إيران سوى الخيانة والغدر.
فرق العدد 24 الأغاخانية
الأغاخانية فرقة من الإسماعيلية النزارية التي يرجع تأسيسها إلى الحسن بن الصباح( ) الذي كان في مصر وقت حرمان نزار بن المستنصر الفاطمي من الإمامة. وشهد النزاع بين نزار والوزير الجمالي الذي قرر نقل الإمامة إلى أحمد بن المستنصر بدلاً من نزار الذي أوصى له والده بالإمامة من بعده.
وهنا انقسمت الإسماعيلية إلى مستعلية (نسبة إلى أحمد بن المستنصر الذي لقب بالمستعلي) ونزارية (نسبة إلى نزار الذي حرمه الوزير الجمالي من الإمامة).
وانتصر الحسن بن الصباح لنزار، وعاد إلى فارس، وأخذ يدعو لإمامته، وجعل من نفسه نائباً للإمام المستور، واستطاع أن يستولي على قلعة آلموت جنوبي بحر قزوين في إيران، وظل سلطانه يمتد ويتسع في المنطقة وأكثر من إنشاء الحصون ونجح نجاحا كبيراً في تأسيس الدولة الإسماعيلية الشرقية، وعرف أنصاره بالحشاشين.(24/4)
وفي سنة 558هـ ظهر رجل اسمه راشد الدين سنان( ) لقبه الناس بشيخ الجبل، وكوّن فرعاً للحركة في بلاد الشام، وعرف أتباعه بالسنانية، وقد حاول هؤلاء قتل صلاح الدين الأيوبي رحمه الله أكثر من مرة ( ).
وقد ظل أمر الإسماعيلية النزارية بالشام بين تقدم وتأخر وظهور وتستر إلى أن استسلمت آخر قلاعهم للظاهر بيبرس سنة 672هـ، ولكن لا يزال يعيش حتى اليوم طائفة إسماعيلية نزارية في بلاد الشام.
وفي الثلث الأول من القرن التاسع عشر الميلادي ظهر في إيران رجل شيعي إسماعيلي اسمه حسن علي شاه، وجمع حوله عدداً كبيراً من الإسماعيلية وغيرهم فأرهبوا القوافل، وهاجموا القرى حتى ذاع صيته، وقويت شوكته، وخشيته الأسرة القاجارية الحاكمة في إيران، فأعجب الناس بقوته، وانضموا تحت لوائه طمعاً في المكاسب المادية التي وعدهم بها، وكان الإنجليز في ذلك الوقت يعلمون على بسط الثورة ضد شاه إيران.
وقام حسن علي بالثورة ضد الشاه القاجاري بعد أن وعده الإنجليز بحكم فارس، لكن الثورة لم يكتب لها النجاح، حيث قبض عليه الشاه وسجنه، فتدخل الإنجليز للإفراج عنه، فتحقق لهم ذلك على أن ينفى خارج إيران، فزين له الإنجليز الرحيل إلى أفغانستان، فلما وصلها كشف أمره الأفغانيون، فاضطر إلى الرحيل إلى الهند فأقام بها، واتخذ من مدينة بومباي مقراً له، واعترف به الإنجليز إماماً للطائفة النزارية الإسماعيلية لقبوه بـ "آغا خان"( ).
وتجمع الإسماعيليون في الهند حوله، فلما رأي فيهم الطاعة العمياء، كما هي طاعة الإسماعيليين لأئمتهم، قوي عوده، وأخذ ينظم شؤون طائفته إلى أن توفي سنة 1881م. ويعتبر حسن علي شاه مؤسس الأسرة الآغاخانية، وأول إمام إسماعيلي يلقب بـ (أغاخان) وهو الإمام السادس والأربعين في ترتيب الأئمة الإسماعيلية في رأي هذه الفرقة، وصارت هذه الفرقة من الإسماعيلية تعرف بـ "الأغاخانية"( ).
أبرز عقائدهم(24/5)
عقائد الأغاخانية هي عقائد الإسماعيلية،وفيما يلي بيان لأبرزها مما صاغه الأغاخانيون بأسلوبهم، ومما احتوته كتبهم ونشراتهم:
1ـ بنى الإسماعيليون ومنهم الأغاخانيون معتقدهم في الألوهية على ما أسموه (التنزيه والتجريد) وانتهوا إلى تعطيل الله سبحانه عن كل وصف وتجريده من كل حقيقة، وقالوا: "لا هو موجود، ولا لا موجود، ولا عالم ولا جاهل، ولا قادر ولا عاجز.." ونفوا أسماءه وصفاته بزعم أنه فوق متناول العقل.
وصرفوا صفات الله إلى أول مبدع خلقه الله ـ بزعمهم ـ وهو العقل الأول، واعتبروا أن المخلوقات كلها وجدت بواسطة العقل والنفس! حيث يقول مصطفى غالب، وهو من الإسماعيلية المعاصرين، في كتابه "الثائر الحميري الحسن الصباح": "والعقل الأول أو المبدع الأول في اعتقاد الإسماعيلية هو الذي رمز له القرآن بـ (القلم) في الآية الكريمة (ن والقلم وما يسطرون)، وهو الذي أبدع النفس الكلية التي رمز لها القرآن أيضاً بـ ( اللوح المحفوظ) ووصفت بجميع الصفات التي للعقل الكلي، إلاّ أن العقل كان أسبق إلى توحيد الله فسمي بـ (السابق) وسميت النفس بـ (التالي)، وبواسطة العقل والنفس وجدت جميع المبدعات الروحانية والمخلوقات الجسمانية، من جماد وحيوان ونبات وإنسان، وما في السماوات من نجوم وكواكب.
2ـ وفي مقابل تعطيل صفات الله وأسمائه، ونفي صفة الخلق عنه، يصرف الأغاخانيون صفات الربوبية والألوهية إلى أئمتهم، فقد ادّعى الأغاخان الثالث أن الإله متجسم فيه شخصياً وأن آلافاً من البشر يعتقدون ذلك. (تاريخ الدعوة الإسماعيلية لمصطفى غالب ص 358-359).
ويشير الدكتور محمد كامل حسين رحمه الله في كتابه "طائفة الإسماعيلية" إلى حادثة جرت له مع أغاخان الثالث محمد شاه الحسيني تؤكد ادعاه للألوهية، فقد قال له لقد أدهشتني بثقافتك وعقليتك فكيف تسمح لأتباعك أن يدعوك إله؟(24/6)
فضحك أغاخان طويلاً وقال للدكتور محمد كامل: "إن القوم في الهند يعبدون البقرة، ألست خيراً من البقرة!؟
3ـ يعتقدون أن النبوة مكتسبة وليست هبة من الله، والنبي عندهم عبارة عن شخص فاضت عليه من "السابق" بواسطة "التالي" أي العقل والنفس قوة قدسية صافية. ذلك أن الإنسان تميز عن سائر الموجودات بالاستعداد الخاص لفيض الأنوار عليه، وأن النبي يمثل أعلى درجات هذا الاستعداد، وأن هذه القوة القدسية الفائضة على النبي لا تستكمل في أول حلولها.. وأن كمال هذه القوة أن تنتقل من الرسول الناطق إلى الأساس الصامت، أي الإمام.
وهم بهذا الاعتقاد يعتبرون الإمامة مكملة للنبوة واستمراراً لها، واشترطوا على النبي قبل أن يصل إلى مرتبته أن يمر بمرتبة الولي لأنه يجمع في نفسه الولاية والنبوة والرسالة.
وتأكيداً لهذه الفكرة يقول مصطفى غالب في "مفاتيح المعرفة": "ولمّا كانت النبوة وقتية زائلة فقد شاءت إرادة "المبدع" أن تحل الإمامة محلها وتتمها وتكون خالدة إلى الأبد كدين وجدت لسعادة البشرية، وهي موجودة في كل عصر وزمان، ولا تزال باقية مرآة صادقة لذات الله ترشد وتقود البشرية إلى الصراط المستقيم".
ويعتقدون أن جميع الأنبياء لم يأخذوا التأييد ولم يتصل بهم الوحي إلاّ عن طريق وسطاء أسموهم بالحدود الروحانية الخمسة.
4ـ ويعتقدون أن رسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ليست آخر الرسالات، بل هي حلقة من حلقات تتابع النبوة التي انتهت بظهور إمامهم السابع محمد بن إسماعيل بن جعفر كما يزعمون. واعتقدوا أنه فاتح عهد جديد، وصاحب شريعة نسخت شريعة محمد صلى الله عليه وسلم.(24/7)
وفيما يتعلق بنسخ الشريعة، فإننا نجد كلاماً لا لبس فيه حول هذا الموضوع يصرح به الأغاخان الرابع كريم إذ يقول في مقابلة صحفية في 6/9/1979:"ليس القرآن مجموعة قانونية ، وأعتقد أن كل مسلم يقول ذلك. ما يشار إليه اليوم بالشريعة الإسلامية فهو تصنيف لنظريات وضعها الفقهاء الذين عاشوا بعد نزول القرآن الكريم وبعد عصر النبي (صلى الله عليه وسلم) بفترات طويلة.
والشيء المهم في القرآن ـ مثلاً ـ هو الأحكام الموجهة إلى خير المجتمع. فإذا كانت هذه نقطة البداية فإني أستطيع القول أن أشياء كثيرة تطبق الآن في أجزاء من العالم الإسلامي ينبغي أن لا تكون مطبقة. هذا هو موقفي، لأنني أحب أن أبدأ بالقرآن وليس باجتهادات ظهرت بعد عصر النبي بخمسة أو ستة أجيال".
5ـ يعتقدون أن للإسلام سبع أركان أو دعائم هي الولاية ( ) ثم الطهارة والصلاة والزكاة الصوم والحج والجهاد. وجعلوا الولاية الركن الأساسي، يقول عارف تامر، وهو أحد أعلام هذه الفرقة في سوريا: "إن ولاية الإمام أحد أركان الدين ودعائمه بل إنها أفضل هذه الدعائم وأقواها حيث لا يستقيم هذا الدين إلاّ بها. والإمامة هي المركز التي تدور عليه دائرة الفرائض، فلا يصح القيام بهذه الفرائض إلاّ بوجوده، والضرورة ـ عنده ـ تحتم وجوب استمراريتها مدى الدهر، ذلك أن الكون لا يمكن له البقاء لحظة بدون إمام، وأنه لو فقد هذا الإمام ساعة واحدة لفسد الكون وتبدد". كتاب الإمامة في الإسلام.
وبسبب مفهومهم هذا للولاية والإمامة، فإنهم اسبغوا على أئمتهم صفات الربوبية والألوهية، وخصّوهم بمعرفة الظاهر والباطن.(24/8)
6ـ يؤمن الإسماعيلية، ومنهم الأغاخانيون أن للإسلام ظاهراً وباطناً، ولذا فإنهم يؤولون الغيبيات والفرائض وتعاليم الدين تأويلات فاسدة، فإنهم يتصورون يوم القيامة تصوراً خاصاً، فهو عندهم عبارة عن "قيام النفوس الجزئية المفارقة للمدركات الحسية والآلات الجسدانية، وقيام الشرائع والأديان بظهور صاحب الزمان (الإمام)..".
والبعث يعتبرونه "انتباه النفوس من غفلتها لتتلقى العلوم والمعارف التي تهذبها وتنقيها من أدران عالم الكون والفساد لتتمكن من اللحاق بالنفس الكلية حيث السعادة والهناء السرمدية" مفاتيح المعرفة لمصطفى غالب.
ويؤولون العذاب والعقاب بما تجده النفوس من الآلام والأوجاع والأسقام ومفارقة المؤلفات بهجوم الحوادث والنكبات. (أربع رسائل إسماعيلية لعارف تامر).
7ـ وليست الفرائض ببعيدة عندهم عن التأويل الباطني فالصلاة هي صلة الداعي إلى دار السلام، والزكاة إيصال الحكمة إلى المستحق، والصوم الإمساك عن كشف حقائق النواميس الشرعية من غير أهلها، والحج هو القصد إلى صحبة السادة الأئمة من أهل البيت...
والربا يفسرونه بالرغبة في الإكثار وطلب الحطام بإفشاء الأسرار، والمسكر الحرام ما يصرف العقل عن النوم إلى طلب معرفة الإمام ومشاهدة أنواره المحيطة بالخاص والعام.. (أربع رسائل إسماعيلية لعارف تامر).(24/9)
ويتوجه بعض الأغاخانيون بقبلتهم إلى حيث يقيم إمامهم، وهم لا يقيمون الصلاة مع المسلمين، ولا يسمون أماكن عبادتهم مساجد إنما بيت الجماعة، والصلاة عندهم عبارة عن مجموعة من السجدات، وهم يجمعون في صلاتهم بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، والأغاخانيون يعتبرون قبلة المسلمين الكعبة ليست سوى حجارة، ويقولون أن الحج إليها في بداية الإسلام كان نظراً للمستوى العقلي للناس في ذلك الوقت، وبدلاً من ذلك يفضلون الذهاب للأغاخان وزيارته، وتقديم الولاء والإجلال له، وبهذا يكون قد أدى الأغاخاني الحج بزعمهم، ويقولون مستنكرين حج المسلمين لبيت الله الحرام: ما الأفضل: تحج إلى حجارة لا تعقل أم تزور إماماً إنساناً حيّاً معلماًَ؟!
أئمتهم
1ـ أغاخان الأول: واسمه حسن علي بن خليل الله علي، ولد في بلدة محلات الإيرانية سنة 1219هـ (1804م). يعتبر الإمام السادس والأربعين في ترتيب الأئمة الإسماعيلية في رأي الفرقة النزارية القاسمية، وأول من حمل لقب "أغاخان".
اتخذ من مدينة بومباي الهندية مركزاً لدعوته، وكان قبل ذلك قد تزوج ابنة شاه إيران فتح علي القاجاري.
بعد أن اعترف به الإنجليز زعيماً للطائفة الإسماعيلية النزارية، فرح أنصاره بـ "ظهور" إمامهم الذي ظل في الستر والكتمان مئات السنين، وصار الإسماعيليون يتوافدون إلى بومباي، ويطيعونه طاعة عمياء.
وبالرغم من الطاعة العمياء من الإسماعيليين لأئمتهم، إلاّ أن ذلك لم يمنع قيام بعض أوساط الإسماعيلية النزارية برفع دعوى قضائية ضد أغاخان الأول سنة 1866 بسبب أسلوبه المسرف في التصرف في الأموال الطائلة التي كانت تسلم له من أنصاره، لكن القاضي البريطاني آنذاك حكم لصالح الأغاخان، وخسر المدّعون قضيتهم ( ).
وبسبب ولائه للإنجليز وعلاقته الوثيقة معهم، منحته ملكة بريطانيا لقب (صاحب السمو) وأرفع وسام في المملكة للسلام.(24/10)
خلّف حسن علي أربعة أولاد هم: آغا علي شاه، وآغا أكبر شاه، وآغا جهان كير شاه، وجنكي شاه... وقد توفي سنة 1298هـ (1881م) ودفن في مدينة مجكاؤون،..... ولا يزال ضريحه قائما فيها حتى الآن تحيط به حدائق تعرف بـ (حسن آباد).
2ـ آغاخان الثاني: علي بن حسن علي، ولد في مدينة محلات الإيرانية سنة 1246هـ. لم تدم إمامته سوى أربع سنوات بدأت بوفاة أبية سنة 1298هـ (1881م)، وكان والده قد هيّأه لهذا المنصب.
تزوج خمس نساء، إحداهن ابنة ميرزا أعلى محمد خان، وهي إحدى قريبات ملك إيران ، ناصر الدين شاه قاجار (حفيد فتح علي القاجاري)، وهذه الزوجة وترتيبها الثالث أنجبت له محمد حسيني الذي تولى الإمامة بعده.
عمل على تأسيس "جمعية الاتحاد الإسلامية" وصار رئيساً لها، كما عُين حاكماً سياسياً لمنطقة بومباي، وممثلاً للمملكة الإيرانية لدى الحكومة البريطانية.
في عهده انتشرت الإسماعيلية في بلاد جديدة مثل بورما وسيريلانكا وبعض بلدان أفريقيا، وصار أغلب الأغاخانيين يعملون في التجارة ليصبحوا من أثرياء تلك المناطق.
توفي علي حسن شاه سنة 1302هـ (1885)، ونقل جسده إلى كربلاء ليدفن هناك.
3ـ أغاخان الثالث: سلطان محمد حسيني وهو ابن علي حسن، ولد في مدينة كراتشي الباكستانية سنة 1877م (1294هـ)، وتولى الإمامة بعد وفاة أبيه سنة 1885م، وكان حينها في الثامنة من عمره، فصارت أمه هي من تشرف على شؤون الطائفة. صار للأغاخانية في عهده شأن كبير وانتشار واسع، واهتم بتحسين أوضاع أتباعه، وانشأ الكثير من دور الأيتام والحضانة والجمعيات "الخيرية" والأندية الخاصة بالصغار، كما شجع الفرق الكشفية وروابط الطلبة، ودعا أتباعه إلى ممارسة التجارة وطرق أبواب الاقتصاديات بأنواعها مشجعاً الهجرة إلى أفريقيا والعالم.
تزوج أغاخان أربع مرات دون أن يجمع بين زوجتين:
الأولى: شاه زادي وهي إيرانية، وتوفيت بعد سنوات قليلة من زواجهما سنة 1897م.(24/11)
الثانية: الإيطالية تريزا ماجليانو تزوجها سنة 1908 وأنجبت له ابنه الأكبر علي سلمان خان. وهي راقصة أوبرا.
الثالثة: الفرنسية أندريه كارون، وقد أعجب بها سنة 1927، وكانت آنذاك تبيع الحلوى والسجائر في كشك بجوار مقهى في باريس. أنجبت له صدر الدين، ثم طلقها.
الرابعة: الفرنسية ايفيت بلانش سنة1944، وهي عارضة أزياء، واختيرت ملكة لجمال بلادها، وبعد زواجها من الأغاخان سنة 1944 تسمت بـ "البيجوم أم حبيبة". توفيت في شهر أيلول/ سبتمبر سنة 2002, ودفنت بجوار زوجها في مدينة أسوان المصرية، في مقبرة رخامية على الطراز الفاطمي.
بدأ أغاخان يتدخل في شؤون الهند السياسية منذ سنة 1902م، وأنشأ "الهيئة الإسلامية الهندية" سنة 1906م، وبعدها بأربع سنوات أنشأ جامعة عليكرة، وترأس عصبة الأمم ( ) سنة 1937 حتى قيام الحرب العالمية الثانية، وقد كان قبلها ممثلاً للهند في هذه المنظمة.
اشتهر هذا الأغاخان بوزنه عدة مرات من قبل أتباعه بالذهب والجواهر، ثم تقديم هذه المجوهرات إليه، فقد كانت المرة الأولى في بومباي سنة 1936 بمناسبة مرور 50 عاماً على إمامته للطائفة، حيث وزن بالذهب، وفي العام التالي وزن بالذهب ثانية في العاصمة الكينية نيروبي.
وفي سنة 1946 تم وزنه بالماس في بومباي بمناسبة مرور 60 عاماً على إمامته، وفعل الشيء نفسه من العام ذاته في دار السلام عاصمة تنزانيا. وبمرور 70 عاماً على إمامته وزن بالبلاتين في كراتشي سنة 1954، وفي القاهرة سنة 1956، وكان الأغاخان يستغل مردود هذه الاحتفالات لنفسه وأسرته، وبناء القصور في أنحاء أوربا، وفي اللهو والمرح في أنحاء العالم.
توفي في صيف عام 1957 عن 80 عاماً في مدينة جنيف بسويسرا، وأوصى أن يدفن في أسوان في مصر التي كان يزورها كل عام، فدفن هناك.(24/12)
وكان قبل وفاته قد أوصى بأن تؤول إمامة الطائفة من بعده إلى حفيده كريم علي، وليس إلى ابنه علي خان، معللاً ذلك بأن "التغيرات الكبرى في العالم، والتطورات التي تحدث تقضي بأن يخلفه شاب نشأ وترعرع في السنوات الأخيرة وسط هذا العصر الحديث،وأن تكون له نظرة جديدة للحياة عند تولي زعامة الطائفة...".
4ـ أغاخان الرابع كريم بن علي، وهو الأغاخان الحالي
ولد في جنيف سنة 1936 لأم إنجليزية كانت تلقب بتاج الدولة. تولى إمامة الطائفة وهو في سن العشرين خلفاً لجده أغاخان الثالث. وكريم هذا هو الإمام التاسع والأربعون في ترتيب الأئمة الإسماعيليين النزاريين.
كان على نهج جده في البذخ، وتعلم منه الاهتمام بالخيول بحيث أصبح أول مالك للخيل في فرنسا التي اختارها مكاناً لإقامته. وفيها يملك غابات واسعة، وقصوراً فخمة، ومزارع وإسطبلات، ومكاتب، يضاف إلى ذلك قصره الخاص في منطقة ليل دو لا سيتيه الذي يعتبر من أضخم وأثمن القصور في باريس.
وعادة ما يذكر كريم أغاخان باعتباره مليارديرا أسطوريا،ورجل مولع بالخيول الأصيلة . وقد تزوج سنة 1969 من فتاة إنجليزية وأنجبت له ثلاثة أولاد:زهرة ورحيم وحسين.
أبرز شخصياتهم
بالإضافة إلى أئمتهم الأربعة السابقين، فإن هناك عدداً من الشخصيات الدينية والسياسية والفكرية:
1ـ د. شمس الدين علي رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الإسماعيلي في سوريا.
2ـ الأمير صدر الدين آغاخان، ابن الأغاخان الثالث، وعم الأغاخان الرابع تلقى تعلميه في الولايات المتحدة، وكان يحمل جواز سفر إيرانيا. توفي في الولايات المتحدة في الثاني عشر من مايو/ أيار 2003 عن سبعين عاماً.
شغل مناصب عالمية منها مستشاراً للأمين العام للأمم المتحدة، ورئيس المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، التابعة للأمم المتحدة من سنة 1965 إلى سنة 1977 كما أنه رشح مرتين لمنصب أمين عام الأمم المتحدة. كان قبل وفاته يرعى مؤسسة بيليرايف فاونديشن في جنيف.(24/13)
3ـ الأمير علي خان، وهو الابن الأكبر للأغاخان الثالث، وكان متوقعاً أن يعهد إليه بزعامة الطائفة من بعده، لكن الأغاخان نقلها إلى كريم ابن علي (أي إلى حفيده). ولد علي خان سنة 1910 في إيطاليا، وأمه هي الإيطالية تريزا ماجليانو، التي تزوجها أبوه صيف سنة 1908 في ميلانو، وأطلق عليها الإسماعيليون اسم (المرأة المقدسة).
وقد أمضى طفولته مع والدته في سويسرا وإيطاليا وفرنسا، وفي عام 1926 توفيت والدته في العاصمة الفرنسية باريس إثر عملية جراحية.
أصبح وليّا لعهد الإمامة الإسماعيلية الأغاخانيه في التاسع والعشرين من نوفمبر/ تشرين الثاني 1927، وجرت احتفالات عظيمة باذخة بهذه المناسبة عمت جميع البلدان الإسماعيلية.
تزوج من الإنجليزية جوان بربارا يارد بولد،الابنة الكبرى للمليونير الإنجليزي شرستون. وفي سنة 1949 تزوج الممثلة الأميركية ريتا هيوارث ،وزار معظم الدول التي يتواجد فيها الأغاخانيون، إلاّ أنه كان يهتم بسوريا اهتماماً خاصاً، وكانت زيارته الأولى للسلمية والخوابي، حيث يكثر أتباعه سنة 1931، واطلع على أحوالهم، وأوعز ببناء بعض المؤسسات الثقافية، وأشرف على تطوير مدرسة السلمية الزراعية، ودشن المدرسة الأهلية الكبرى في الخوابي.
وبالرغم من زياراته المتكررة إلى سوريا، إلاّ أن زيارته في شهر نيسان/ أبريل سنة 1948 كانت ملفتة للأنظار، فخلال تلك الزيارة اجتمع بموظفي المساجد في منطقة السلمية من أبناء طائفته وأبلغهم فيها بقرار والده بأنه أعفاهم من الخمس والضرائب التي يدفعونها له لمدة عشر سنوات لتنفق هذه الأموال في تحسين أوضاع الطائفة في سوريا، قائلاً لهم أن هذه المنحة التي وهبكم إيّاها لم يسبق أن نالها أحد غيركم، وأنتم أول من استفاد منها.
وفي ذلك الاجتماع أمرهم علي خان بعدم بيع الأراضي التي يملكونها، كما أمرهم ـ نيابة عن والده ـ بتزويج أبنائهم في سن مبكرة.(24/14)
وفي الاجتماع أيضاً رغبهم ورهبهم قائلاً: "إن المريد الحقيقي هو من أطاع أوامرنا وأدى واجباته على خير ما يرام، وكل من خالف هذه الأوامر يعد نفسه من المذهب الإسماعيلي براء في الدنيا والآخرة".
شغل علي خان منصب المندوب الدائم لدولة لباكستان في هيئة الأمم المتحدة، وظل في هذا المنصب حتى وفاته في باريس في الثاني عشر من أيار/مايو سنة 1960 (15 ذو القعدة سنة 1380هـ) بحادث سيارة.
ودفن في قصره الخاص في (نويللي) بفرنسا حيثما يتم نقله فيما بعد إلى سلمية بسوريا تنفيذاً لوصيته.
4ـ الأمير أمين شقيق الأغاخان الرابع، عمل في الأمانة العامة للأمم المتحدة من سنة 1965 إلى سنة 1968 في إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية، بعد تخرجه من جامعة هارفارد الأمريكية. وعمل منسقاً للأنشطة التي يقوم بها الأغاخان.
5ـ د. عارف تامر، كان والده تامر العلي أميراً للإسماعيليين في جبال العلويين السورية. ولد عارف في قدموس التابعة لمحافظة طرطوس السورية سنة 1921.وترجع أصول أسرته إلى أمراء (آل عمار) المغاربة الذين عينوا من قبل العبيديين الفاطميين قضاة وحكاماً على طرابلس الشام، وبعد استيلاء الصليبيين على طرابلس،نزحت الأسرة إلى مدينة "جبلة" الساحلية السورية، ومنها انتقلت إلى قلاع الدعوة الإسماعيلية في بلاد الشام ومنها قدموس.
انتخب والده في عهد الاستعمار الفرنسي لسوريا لدورتين عضواً في مجلس النواب، أما الابن عارف فقد عمل مترجماً في دائرة المستشارية الفرنسية في سلمية، كما عمل مفتشاً أول في مؤسسة الميرة "الدولية التابعة للحلفاء سنة 1939.
اشتهر عارف بكثرة مؤلفاته وتحقيقاته عن الإسماعيلية، منها: حقيقة إخوان الصفا، والموسوعة التاريخية للخلفاء الفاطميين، وموسوعة تاريخ الإسماعيلية،...
وفي مجال التحقيق، حقق "الهفت والأظلة" للمفصل الجعفي، و"تاج العقائد" لابن الوليد.. غيرها كثير. وتوفي في 3/11/1998م.(24/15)
6ـ مصطفى غالب. ولد في السلمية سنة 1931, وهو باحث في عقائد وتاريخ الإسماعيلية من مؤلفاته: تاريخ الدعوة الإسماعيلية ، البيان لمباحث الإخوان، الثائر الحميري الحسن بن الصباح..وغيرها.
أصدر سنة 1952 مجلة الغدير في سلمية حتى احتجابها سنة 1963.
7ـ ميرزا مصطفى، كان وكيلاً للأغاخان الثالث في سوريا، وقد رأس وفد الطائفة إلى بومباي سنة 1946 لتقديم التهنئة إلى الأغاخان بيوبيله الماسي. وكان الوفد يضم غالب سليم مكي، محمد ملحم، حسين القطريب، مصطفى وردة، إسماعيل عزيز عجوب، إسماعيل الحايك ، علي القصير، عبد الله النظامي، أحمد سلمان، أحمد الحاج .
8ـ محمد علي ميكلاي، الرئيس العام السابق لمراكز الأغاخانية في أفريقيا التي أنشأها أغاخان الثالث سنة 1948.
انتشارهم
يتواجدون بشكل خاص في باكستان، حيث المركز الرئيسي في مدينة كراتشي، وفي المنطقة الشمالية الجبلية من باكستان مثل منطقة جيترال وكيلكيت ويعرفون هناك بالهونزا، إضافة إلى وجود أقل في بعض المدن مثل العاصمة إسلام أباد ولاهور وروالبندي.
وفي غرب الهند، في ولاية كجرات، لاسيما في مدينة بومباي. وكذلك في سوريا وخاصة في مدينة سلمية، التابعة لمحافظة حماة، وفي بعض قراها، وفي جوار قلعة الخوابي قرب طرطوس، وفي قدموس.
ويتواجدون في شرق أفريقيا: في أوغندا وكينيا وتنزانيا وزنجبار وما حولها، وفي جزيرة مدغشقر جنوب شرق أفريقيا.
كما يتواجدون بشكل أقل في قم بإيران، وفي المناطق الجبلية لطاجيكستان، ومنطقة جبال الهندوكوش في أقصى الشمال الشرقي لأفغانستان،ويعرفون في أفغانستان باسم (مفتدي) ، ولهم في عُمان حي خاص في مطرح بالقرب من مسقط.وينتشرون كذلك في بورما،أما في طاجكستان وهي إحدى جمهوريات آسيا الوسطى فإنهم يتواجدون في إقليم بدخشان الذي يتمتع بما يشبه الحكم الذاتي، ويقدر عددهم هناك بـ 100 ألف.(24/16)
وفي تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية نشرته مؤخرا، قدّرت أعدادهم في العالم بنحو 15 مليوناً، منهم 200ـ 300 ألف في سوريا.
ولهم جاليات في الولايات المتحدة وأوربا، ففي البرتغال مثلاً يصل عددهم إلى حوالي عشرة آلاف شخص، قدموا في سنوات الستينات بشكل خاص من مستعمرات البرتغال في أفريقيا.
جانب من أنشطتهم ومؤسساتهم وسياساتهم
لا شك أن أئمة هذه الفرقة وأفرادها تبوءوا مكانة كبيرة في العالم، وأنشأوا الكثير من المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية، ولم يأت ذلك من فراغ،إنما نتيجة تخطيط شامل ومدروس، عبر عدة عقود، وما هو ما نلفت إليه دعاة المسلمين... للاستفادة من أساليب هؤلاء القوم.
1ـ إقامة علاقات وثيقة مع قادة وزعماء دول العالم، فإن الأغاخان يعامل معاملة رؤساء الدول، ولا يكاد يزور بلداً ما إلاّ ويستقبل من قبل قادتها، وتحظى مشاريعهم وهيئاتهم برعاية هؤلاء القادة.
فعند ما زار الأغاخان الرابع البحرين في ديسمبر/ كانون الثاني سنة 2003 كان في مقدمة مستقبليه ولي عهد البحرين سلمان بن حمد آل خليفة، ولمّا زار مدينة أستانا عاصمة كازاخستان، استقبله رئيس الجمهورية نور سلطان نذر باييف، وسلمّه جائزة "السلام والتقدم".
وقبل ذلك كانت إيران قد منحت الأغاخان الثالث المواطنة الإيرانية سنة 1949، ومنحته لقب "صاحب السمو الملكي"، وكذلك فعلت سوريا سنة 1951 خلال زيارته لها إذ منحته "وشاح أمية الأكبر"...
ولا يخفى أن مد جسور التواصل مع قادة الدول، وإقامة علاقات وثيقة معهم من شأنه أن يسهل نشر عقائدهم، وإقامة الهيئات والمؤسسات الخاصة بهم.(24/17)
2ـ امتهانهم التجارة وسعيهم لتكوين الثروة، ذلك أنهم أدركوا أثر المال في نشر دعوتهم وتحسين شأن طائفتهم، وكان أغاخان الثالث يحث أتباعه على الهجرة إلى أفريقيا لما تتمتع به من ثروات، فتدفق سيل المهاجرين من الهند إلى العالم، وكان الأغاخان يزور هذه المناطق وغيرها، ويشرف بنفسه على الاستثمارات التي تنتشر في مختلف أنحاء العالم، والتي ـ إضافة إلى دورها في تحسين شأن الطائفة ـ تعتبر أملاكاً للأغاخان ينفق من ريعها على ملذاته وشهواته.
وكان الأغاخانيون في سبيل تكوين الثروة، واستغلال خيرات الدول يعقدون الاتفاقيات مع قادتها، ويقيمون التحالفات، ففي أواخر سنة 1899 زار أغاخان الثالث زنجبار، ودرس أحوالها عن كثب، ثم قام برحلة إلى أوربا، وزار ألمانيا، وقابل الإمبراطور عدة مرات، وعرض عليه أن يمنح الأغاخانية الموجودين في المستعمرات الألمانية الحماية وامتيازات خاصة، كما أن الأغاخانية في كينيا كانوا يقفون في صف سلطات الاحتلال حفاظاً على ثرواتهم هناك.
ومن مشاريعهم واستثماراتهم في العالم:
أـ بنك حبيب الباكستاني، حيث تقدم صندوق أغاخان للتنمية الاقتصادية بمبلغ 389 مليون دولار في شهر ديسمبر سنة 2003 لشراء 50% من هذا البنك الذي يعتبر ثاني أكبر البنوك الباكستانية، ويسيطر على 20% من السوق المصرفية في البلاد، ولديه 1425 فرعاً في باكستان و48 فرعاً آخر في 26 دولة.
ب ـ مجموعة سيجا للفنادق الفاخرة، وتبلغ حصة أغاخان الرابع فيها أكثر من 50%.
جـ ـ مؤسسة اليوبيل الماسي للاستثمار (يطلق عليها حالياً في كنينا اسم المؤسسة الماسية) والمؤسسة المالية لتطوير الإسكان في الهند.
د ـ شركات اليوبيل للتأمين والبنوك التعاونية في الهند وباكستان وشرق آسيا.
هـ ـ مرافق النهوض الصناعية "حيث تم في سنة 1963 البدء بإنشاء مجموعة شركات صناعية لإنتاج مواد البناء والصناعات النسيجية والتعدين.. وغيرها، ويتجاوز عدد العاملين فيها عشرة آلاف شخص.(24/18)
و ـ "مرافق النهوض السياحي" حيث تم إنشاء وامتلاك عدد من المشاريع السياحية مثل مشروع سيرينا لإنشاء الفنادق وبيوت الصيد في كينيا،وتشييد فندقين في فيصل أباد في باكستان ، وفي كويتا في تونس، وشراء فندقين كانت تمتلكهما الخطوط الجوية الباكستانية.
3ـ إنشاء عدد كبير من الهيئات الثقافية والاجتماعية والتعليمية في مختلف دول العالم مستغلين حاجات هذه الدول للخدمات والمشاريع:
أ ـ جامعة الأغاخان الدولية في كراتشي بكلفة 300 مليون دولار أمريكي أنشئت سنة 1983، وتضم كلية للعلوم الصحية، ومستشفى جامعياً افتتح في نوفمبر سنة 1985، وينوي المستشفى إنشاء 125 مركزاً فرعياً، والجامعة هي أول جامعة خاصة في باكستان.
ب ـ مؤسسة منوّر أباد الخيرية.
ج ـ مؤسسة أغاخان، تأسست سنة 1967، وأقامت مكاتب لها في سويسرا في العام نفسه، وفي باكستان سنة 1969، وفي المملكة المتحدة سنة 1973، وفي كينيا سنة 1974، وفي الهند سنة 1978، وفي بنغلادش والبرتغال، ولها مؤسسات فرعية في كندا والولايات المتحدة. وتقيم المؤسسة عدداً من المشاريع الاقتصادية والاجتماعية.
د ـ مؤسسة الأغاخان الثقافية، مقرها في جنيف، وتهدف إلى تشجيع المشروعات الثقافية والبحوث والتدريب.
وتعتبر جائزة الأغاخان للعمارة الإسلامية إحدى الأنشطة الرئيسة للمؤسسة ومقدارها 500 ألف دولار أمريكي، توزع كل ثلاث سنوات، وهي أكبر جائزة معمارية في العالم. وقدمت الجائزة للمرة الأولى في لاهور بباكستان سنة 1980، ثم في استنبول سنة 1983 وفي مدينة مراكش المغربية سنة 1986... وفي القاهرة سنة 1989،... وفي حلب بسوريا سنة 2001.
ويشرف أغاخان على أكثر من 300 مؤسسة وبرنامج تعليمي و200 برنامج ووحدة صحية.
وترعى المؤسسة كذلك "برنامج الأغاخان للعمارة الإسلامية" في جامعة هارفارد الأمريكية، ومعهد ماسا شوستي للتكنولوجيا، وقد أنشئ البرنامج سنة 1979 بهبة مقدارها 11.5 مليون دولار أمريكي.(24/19)
وفي سنة 1987، أضيفت إلى البرنامج وحدة جديدة أطلق عليها اسم "وحدة الأغاخان للإسكان والتنظيم الحضري".
وفي يوليو / تموز سنة 1998،دشن الرئيس البرتغالي جورج سامبايو،والأغاخان الرابع في العاصمة لشبونة أول مركز إسماعيلي دائم للثقافة والنشاط الاجتماعي والصلاة في أوربا.
هـ ـ معهد الدراسات الإسماعيلية في لندن وقد تأسس في ديسمبر سنة 1977، ويقيم المحاضرات، ويصدر المطبوعات والنشرات. ويقوم بتدريب المعلمين وإعداد مناهج دراسية، ويتعاون تعاوناً وثيقاُ مع معهد التربية التابع لجامعة لندن.
و ـ صندوق الأغاخان للتنمية الاقتصادية، وهو بمثابة الذراع الاقتصادية للطائفة تأسس سنة 1984 في جنيف،وهو كذلك الهيئة المسؤولة عن استثمارات الأغاخان.
ز ـ جمعية الاتحاد الإسلامية، وكان أغاخان الثاني رئيساً لها.
ح ـ جامعة عليكرة، وكان آغاخان الثالث مديراً فخرياً لها عدة مرات.
ط ـ مجلس إدارة الرابطة الإسماعيلية، وهو المسؤول الأول أمام أغاخان عن النهوض بالطائفة. وقد وضع المجلس دستوراً للجمعيات والهيئات الإسماعيلية في جميع بلاد العالم، وتتلخص مواد هذا الدستور في تقسيم الطائفة إلى وحدات، ويكون لكل وحدة مجلس إدارة ، ويطلق على المجلس "المجلس الإسماعيلي الأعلى".
بعض عاداتهم وتقاليدهم وأخلاقهم
انغمس أئمة الأغاخانية بالملذات الدنيوية والمالية، واشتهر أغاخان الثالث بجنون العظمة، وكان من رواد المسارح ومحبي الأوبرا ورقص البالية، وكان شغوفاً بتربية الجياد وسباق الخيل واقتناء التماثيل واللوحات الفنية، حتى أن زوجاته توزعن بين الراقصات وعارضات الأزياء.(24/20)
وكان أغاخان الثالث حريصاً على أن ينشأ أبناؤه وأتباعه نشأة غربية بعيده عن شريعة الإسلام، فكان يقول لأتباعه في بورما: "وهكذا اقتنعت بأن السياسة الوحيدة العاقلة الصحيحة التي كان يجدر باتباعي اتباعها هي أن يندمجوا إلى أقصى حد ممكن بالحياة الاجتماعية والسياسية في بورما، وأن يتخلوا عن أسمائهم الهندية الإسلامية وعن عاداتهم وتقاليدهم، وان يتخذوا بصورة دائمة وطبيعية أسماء أولئك القوم الذين كانوا يعيشون بينهم وعاداتهم وتقاليدهم والذين كانوا يشاطرونهم مصيرهم".
ويقول أيضاً كما في "مذكرات أغاخان لعارف تامر": "وفيما يتعلق بطريقة حياتهم، فقد حاولت أن أنوع النصيحة التي أسديتها لأتباعي حسب البلد أو الدولة التي يعيشون فيها، ففي مستعمرة بشرق آسيا البريطانية تراني ألح عليهم بأن يجعلوا اللغة الإنجليزية لغتهم الأولى، وأن يقيموا حياتهم العائلية والبيتية على الطريقة الإنجليزية، وأن يتبنوا عموماً العادات البريطانية والأوربية".
وكان أغاخان الثالث يبدي تذمره من حياة المجتمع المسلم في الهند، فعندما زارها سنة 1903، لم يبد أي احترام لآداب الصيام، مما أدهش حاكم بومباي لورد لامنجتن فأظهر له أسفه لذلك، فما كان من أغاخان إلاّ أن قال أنه لا يعبأ بالمجتمع الهندي، بل إنه مغرم بكل ما هو أوربي من نساء وخمور مما يدخل البهجة في النفس والسرور.
وعندما سأله أحد معارفه ساخراً عن "إله" يشرب الشمبانيا ويذهب إلى سباق الخيل (وهو بهذا يقصد الأغاخان نفسه الذي يعتبره أتباعه إلهاً) فرد عليه أغاخان باستهتار: "لماذا لا يفعل الله ذلك إذا كان البشر الذين خلقهم يفعلون ذلك"؟!.(24/21)
وكان أغاخان الثالث يطالب صراحة بأن تنزع المرأة حجابها وتخالط الرجال، وكان يفتخر بذلك قائلاً كما في مذكرات أغاخان: "ولقد توخيت دائماً أن أشجع تحرير المرأة وتثقيفها. وفي أيام جدي وأبي كان الإسماعيليون متقدمين على أتباع أي مذهب إسلامي آخر أشواطاً عديدة في مضمار إلغاء الحجاب الصارم، حتى في البلدان المتطرفة في التحفظ، أما أنا فقد ألغيت الحجاب بالكلية، فأنت لا تجد مطلقاً امرأة إسماعيلية تستعمل الحجاب.
وعلى هذا النهج سار ابنه علي ولي عهده في ذلك الوقت، حيث ينقل مصطفى غالب في كتابه تاريخ الدعوة الإسماعيلية عن علي قوله أثناء زيارته لأتباعه في سوريا: "سررت جداً بتقدم المرأة الإسماعيلية، وخاصة بعد أن شرعت أغلب سيدات الطائفة بنزع الحجاب، ونزلن إلى معترك الحياة جنباً إلى جنب مع الرجل".
ولا يبدي الأغاخانيون اهتماماً بعيدي الفطر والأضحى، كسائر المسلمين، بل إنهم يفضلون عليهما مناسبات مثل مولد إمامهم أو ذكرى توليته... فجماعة الهونزا مثلاً، وهي من الإسماعيلية الأغاخانية ويسكنون شمال باكستان يسمون الفطر والأضحى عيد البقر! ولا يولونه اهتماماً، ويفضلون عليه أعياد مثل الغدير والنيروز ( ) وعيد ميلاد النبي، وعيد يوم الإمام (ذكرى تولي الإمام علي الخلافة)، وعيد ميلاد الأغاخان، وعيد الذكرى السنوية للزيارة الأولى التي قام بها أغاخان للهونزا وجلجيت في 20 أكتوبر سنة 1960.
ولم يكن علي خان ببعيد عن سلوك أبيه في الانغماس بالملذات، فقد أشتهر بعلاقاته الإباحية مع النساء وشربه للخمر حتى غدا مادة دسمة لأجهزة الإعلام.
ومن بعض طقوسهم وعاداتهم أنهم لا يتزوجون من القريب كابنة العم، وعندهم لا تمتلك المرأة الأرض ولا ترثها، والزواج لا يتم إلاّ في الشتاء بين 10و 20 ديسمبر.. وأمير الطائفة له إتاوة عن كل عرس تتضاعف إذا رغبت الأسرتان في عقد القران قبل الموعد المحدد أو بعده.(24/22)
ويملك أئمتهم القصور الكثيرة والطائرات الحديثة، وقد قدرت مجموعة الجواهر التي كان يملكها أغاخان الثالث بمبلغ 200 مليون دولار.
لقد صور لنا الشيخ إحسان إلهي ظهير رحمه الله، وهو الخبير بأمور الفرق حال الأغاخانية اليوم بقوله: "هم ورثة الإسماعيلية القدامى الحقيقيون، لا يصلون ولا يزكون ولا يصومون ولا يحجون ولا يبنون المساجد، ولا يأتون بأي عمل من أعمال التكليف من شريعة محمد صلى الله عليه وسلم. وأئمتهم يقامرون، ويشربون الخمور، ويمرحون ويسرحون ليلاً ونهاراً وسّرا وجهاراً". كتاب الإسماعيلية تاريخ وعقائد.
خذلانهم للمسلمين
يقول الأستاذ محمد الجوير في كتابه "الإسماعيلية المعاصرة" ص 149: ولقد استغل الاستعمار الأوربي هذه الفرقة استغلالاً كبيراً لتحقيق مآربه، كما استفاد أئمة هذه الفرقة من المستعمر فوائد رأوا فيها الباب مفتوحاً أمامهم للدعوة إلى مذهبهم".
ويقول أحمد شلبي في موسوعة التاريخ الإسلامي: "ففي العصر الحديث جهد الاستعمار الأوربي ليجد أسلحة يهدم بها الإسلام، ويسيطر على المسلمين، ويبدو أن الإسماعيلية كانوا أحد هذه الأسلحة، فإذا بإمام إسماعيلي يظهر من جديد يساعد الإنجليز ويساعده الإنجليز، يتيح له الإنجليز أن ينشر مذهبه بين مسلمي مستعمراتهم، ويضمن لهم هو أن يخضع أتباعه لهم".
وقد رأينا أن الأغاخان الأول نصبه الإنجليز زعيماً لهذه الطائفة بعد أن استغلوه لمحاربة الشاه القاجاري، ثم توسطوا لإطلاق سراحه، كما رأينا من أقوال أغاخان الثالث أنه كان يدعو أتباعه للانغماس في الحياة الغربية واتخاذها نموذجاً، وقد كانت بريطانيا تلقبه بـ "صاحب السمو" ومنحته "وسام السلام".
وكان للإسماعيلية دور في تسهيل احتلال أفغانستان من قبل السوفيت، فقد كانوا ينتشرون في ثلاثة أماكن: ولاية بغلان، ولسان واخان، وفي ولاية بروان قرب كابل.(24/23)
وقد هجر أهالي لسان واخان مدينتهم أثناء الغزو السوفيتي ولم يدافعوا عنها، كما حاول السوفييت كسب تأييد سكان بغلان التي صرح زعيم الإسماعيلية فيها سيد منصور في شريط فيديو "أن هذه الحرب في مصلحتنا 100% "، كما أنه اعترف أن له صداقة حميمة مع روسيا، ومع حكومة كابل العميلة، واعترف كذلك بتلقي مساعدات وإمدادات عسكرية من السوفييت.
وكان للأغاخان الثالث موقف معروف من استقلال باكستان، إذ أنه كان يرفض قيام دولة للمسلمين في القارة الهندية، وكان يعتبر وجودها إضعافاً لشأن المسلمين في الهند وباكستان معاً!
أما موقفه من الجامعة العربية وتصوره للوحدة الإسلامية فيرويه الدكتور محمد كامل حسين في كتاب "طائفة الإسماعيلية" إذ يقول:
"وأذكر أني كنت أتحدث إليه (أغاخان الثالث) بفندق مينا هاوس عقب إنشاء الجامعة العربية ، فأبدى لي أسفه من عدم تفكير المسؤولين في إنشاء جامعة إسلامية تضم جميع البلاد الإسلامية، للنهوض بالمستوى الثقافي والاجتماعي والاقتصادي بين شعوب المسلمين، وكان من رأيه ضرورة إنشاء الجامعة الإسلامية على شرط ألا تتدخل هذه الجامعة في الشؤون السياسية، وكان على استعداد للقيام بالدعوة لهذه الجامعة، وأن يدفع وحده عن طائفة الإسماعيلية مبلغاً يساوي جميع ما يدفعه المسلمين في العالم، إذا تحققت هذه الوحدة بين المسلمين، وتركته وأنا أفكر في أقواله عن الوحدة الإسلامية وجامعة الأمم (الدول) العربية، وتوهمت يومئذ أن الرجل ربما كان مدفوعاً من قبل الإنجليز لتحطيم الجامعة العربية".
ولما وقعت الحرب العالمية الأولى (1914ـ 1918) أوصى أغاخان أتباعه، بل جميع المسلمين، بالوقوف إلى جانب الحلفاء ونصرتهم.
فلا عجب، والحالة هذه أن تقرر السلطات البريطانية منحه إحدى عشرة طلقة مدفع سنة 1916، ومنحه كذلك رتبة فارس من الدرجة الأولى، ولقب "سير". وأن يعتبر (ضيف الأمة) في حفلة تتويج الملك إدوارد سنة 1902.(24/24)
وفي كينيا تحالف الإسماعيليون الأغاخانيون مع الإنجليز، وناهضوا حركات التحرير هناك، وساعدوا الإنجليز في قمع ثورة (ماو ماو) التي قامت ضدهم.
للاستزادة:
1ـ الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة ـ الجزء الأول
2ـ الفرق والمذاهب والإسلامية منذ البدايات ـ سعد رستم
3ـ موسوعة الأديان (الميسرة) ـ مجموعة مؤلفين، إصدار دار النفائس
4ـ الشيعة الإسماعيلية: رؤية من الداخل ـ علوي طه الجبل
5ـ الإسماعيلية المعاصرة ـ محمد بن أحمد الجوير
6ـ الشيعة ـ المهدي ـ الدروز: تاريخ ووثائق ـ د. عبد المنعم النمر
7ـ الإسماعيلية تاريخ وعقائد ـ إحسان إلهي ظهير
8ـ مذاهب الإسلاميين ـ الجزء الثاني ـ د. عبد الرحمن بدوي
9ـ الموسم (مجلة فصلية تصدر في هولندا) العددان 43ـ44، عام 1999
10ـ مواقع: أوزباكستان المسلمة، شبكة النبأ المعلوماتية، بي بي سي أو نلاين، وكالة الصحافة الفرنسية،الجندي المسلم،الشبكة الإسلامية،وكالة رويترز،مفكرة الإسلام، مجلة البيان.
?
سطور من الذاكرة
الشيعة يتوافدون على دول الخليج
في أعقاب الاحتلال الأمريكي للعراق في أبريل/ نيسان سنة 2003م، فتحت أبواب ذلك البلد للفوضى، وألقى الوضع الراهن في العراق بظلاله على المنطقة بأسرها، وعلى دول الجوار بشكل خاص، التي بات كل منها "يغني على ليلاه"، ففي حين يأمل بعضها أن تستقر الأحوال في العراق لجني مكاسب سياسية واقتصادية وتجارية، استغل البعض الآخر حالة الفوضى لتحقيق مكاسب سياسية ومذهبية، ويتمثل هذا الفريق في إيران، التي باتت حاضرة بقوة في المشهد العراقي، من خلال إدخالها لأعداد كبيرة من الإيرانيين إلى العراق، بحجة زيارة العتبات الشيعية في النجف وكربلاء، يقوم كثير منهم بترويج المخدرات( )، وتدعم إيران أنصارها في العراق مادّيا وسياسياً،ومن خلال تدريبهم وإمدادهم بالسلاح، ودعم التنظيمات التي كانت تستقر في إيران وعلى رأسها ميليشيات بدر وحزب الدعوة.(24/25)
وإضافة إلى ذلك تزرع إيران عملاءها هنا وهناك لتنفيذ عمليات اغتيال وتفجير، الأمر الذي جعل العديد من القادة والمسؤولين من داخل العراق وخارجها، يوجهون أصابع الاتهام صراحة في بعض ما يجري في العراق إلى إيران، ويطلبون منها أن تكف عن التدخل في شؤون جارتها، ومحاولة التأثير على مجريات الأحداث، ومنها الانتخابات النيابية التي جرت أوائل العام 2005.
وليس من العسير القول أن المخطط المدروس الذي تنتهجه إيران في العراق بدأ بؤتي بعض ثماره، وإذا ما استعرضنا تصريحاً سابقاً لعبد العزيز الحكيم( ) يقول فيه أن إيران تستحق تعويضات تبلغ 100 مليار دولار من العراق عن حرب الخليج الأولى (1980ـ 1988)، وإذا ما علمنا أن زيارة وزير الخارجية الإيراني كمال خرازي إلى العراق في مايو/ أيار 2005 أسفرت عن موافقة الحكومة العراقية على طلب إيران محاكمة صدام حسين ومساعديه على الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينات من القرن الماضي.. يتضح لنا من خلال هذين المثالين، وغيرهما كثير( ) أن إيران من خلال مخططها في العراق بدأت بتوجيه ساسته ومسؤوليه، وكأنهم يمثلون إيران لا العراق، ويحرصون على تحقيق مصالح إيران أكثر من حرصهم على مصلحة وأمن بلادهم.
هذا المسلك المشبوه في العراق يعيدنا إلى مخطط كانت إيران قد بدأت به في دول الخليج العربي منذ عدة عقود، وهو وإن كان بدأ، وحدثت معظم فصوله قبل قيام ثورة الخميني سنة 1979، إلاّ أن إيران في عهد الثورة حصدت ما زرعه الشاه، واستفادت منه استفادة كبيرة، بحيث أن ثمة مبدأ في السياسة الإيرانية مفاده "ما حصل عليه الشاه لا تفرط به الجمهورية الإسلامية".(24/26)
وفي الحالتين، كانت الهجرة الإيرانية المنظمة إلى العراق، وإلى دول الخليج قبل ذلك، تشكل عنصراً أساسياً في هذا المخطط، بحيث يتم إغراق هذه الدول بالإيرانيين الذين كان يتسلل بعضهم في جنح الظلام، ثم يتبوأ الإيرانيون الشيعة مناصب هامة فيها، ليسهل بعد ذلك قيامهم بالدفاع عن المصالح الإيرانية، وان يتحولوا إلى شوكة في حلق بلدانهم. كما يسهل ذلك لإيران أن تدّعي ملكيتها لبعض المناطق بسبب الوجود الإيراني الكبير.
وكان يُراد للمهاجرين والمتسللين الإيرانيين الشيعة إلى الخليج أن يعتنوا بالأمور التالية:
1ـ إقامة صلات قوية مع حكام الخليج، والدخول معهم في شراكات ومشاريع، ليتم تحقيق مكاسب تجارية للشيعة، إضافة إلى المكاسب السياسية والمذهبية.
2ـ احتكار بعض الأعمال التجارية، والسيطرة على القطاعات الاقتصادية الهامة مثل تجارة الذهب والصيرفة والمواد الغذائية..
3ـ الإقبال على شراء العقارات والمنازل، وتكوين أحياء خاصة بهم.
4ـ الحرص على الانخراط في الأجهزة العسكرية والأمنية، ودوائر الدولة المهمة والحساسة مثل إدارات الجنسية والجوازات، والهيئات الإعلامية، ودوائر الأراضي..
5ـ بناء المساجد الشيعية والحسينيات، واتخاذها مراكز للتوجيه والتحرك، ولنشاطاتهم المشبوهة، والعمل على تأسيس الهيئات الثقافية والاجتماعية والرياضية.
6ـ الإقبال على التدرب على الأسلحة واقتنائها( ).
وبموازاة الدور الذي كان يقوم به المهاجرون الإيرانيون، والاستعدادات التي يقومون بها، كانت إيران من جانبها هي الأخرى، كدولة وحكومة تعمل للسيطرة على الخليج، وتوسيع نفوذها ليصل إلى بلدانه من خلال:
1ـ توسيع الدائرة المتعلقة بدول الخليج في وزارة الخارجية، وضم موظفين لهم خبرة بمنطقة الخليج ومعرفة باللغة العربية.
2ـ إيجاد برامج عربية ترفيهية في الإذاعة الإيرانية موجهة إلى بلدان الخليج.(24/27)
3ـ إعفاء مواطني دول الخليج من أية رسوم أو تأشيرة عند الدخول والإقامة في إيران.
4ـ إقامة إيران لمشاريع تنموية في الخليج، وإقامة مدارس تقوم بالتدريس باللغة الفارسية( ).
وقد حرص الإيرانيون الشيعة أن يؤدوا دورهم بشكل منظم، ولم تكد تمر سنوات على تدفق الهجرة الإيرانية، حتى بدأت هذه الهجرة تؤتي ثمارها، وتحقق الهدف المرجو، ومن ذلك:
1ـ استيلاء إيران على مناطق عديدة في الخليج، وخاصة الجزر الإماراتية الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى سنة 1971، وجزر أخرى في الخليج، وكذلك المطالبة الإيرانية الدائمة بدولة البحرين، مستغلة ازدياد أعداد الشيعة والإيرانيين في المنطقة. ويجدر هنا أن ننقل ما سجله المؤرخ اللبناني المعروف أمين الريحاني عند زيارته للمنطقة أوائل القرن الماضي، إذ يقول في كتابه الذي سجل فيه ملاحظاته وتفاصيل لقاءاته، وهو كتاب "ملوك العرب"، الصادر سنة 1924، وفيه يقول عن البحرين: "أما الجعفريون فهم مثل الهنود، يعدون من الأجانب لأنهم إيرانيون أو إيرانيو التبعية" ص 721.
ومع مرور السنين، أصبح هؤلاء الإيرانيون مواطنين، بحيث غدا الشيعة يشكلون نصف سكان البحرين الآن.
2ـ نشر التشيع وأفكار الرافضة، من خلال نشر الكتب والأشرطة والمجلات واستغلال كافة المنابر السياسية والإعلامية والثقافية، والتأثير على بعض أهل السنة بحكم القرب والجوار،فالمرجع الشيعي محمد الشيرازي مثلاً قام خلال وجوده في الكويت(1971ـ 1980) بطباعة 100 ألف نسخة من كتاب المراجعات الذي ألفه عبد الحسين شرف الدين، إلى غير ذلك من الكتب والنشرات من أجل نشر عقائد الشيعة وتثبيتها.(24/28)
3ـ تسلط الشيعة على سكان البلاد الأصليين من السنة، وتهميشهم، وإيقاع الخلاف بينهم وبين حكام الخليج، ولعلّ ما يحدث في العراق اليوم من اعتداء الشيعة على السنة وممتلكاتهم وإقصائهم عن الحكم، واعتقال أئمتهم لمثال واضح، لكيفية استغلال الشيعة نفوذهم الذي تراكم عبر سنوات عديدة في محاربة أهل السنة وعقيدتهم.
وقد صرّح د. عبد السلام الكبيسي الناطق باسم هيئة علماء المسلمين في العراق (الدستور 3/9/2003) بأن الشيعة استولوا على 18 مسجداً للسنة في العراق منها 12 في بغداد، إضافة إلى الاستيلاء على المسجد السني الوحيد في النجف، وهو جامع الحمزة، والمسجد السني الوحيد في كربلاء وهو جامع الحسن بن علي، معتبراً أن إخلاء النجف وكربلاء من الوجود السني، ظاهرة خطيرة تشبه التطهير العراقي.
وفي قطر، ثارت في الآونة الأخيرة زوبعة حول قيام السلطات القطرية بسحب الجنسية من ستة آلاف مواطن معتبرة أنهم يحملون جنسية دولة خليجية أخرى، وكان للشيعة أصحاب النفوذ دور في تجريد المواطنين من جنسياتهم، أشار إليه سيف الهاجري، في رسالة مفتوحة إلى أمير دولة قطر، نشرتها مجلة الوطن العربي بتاريخ 25/3/2005، وجاء فيها: "... والذي يزيد القطري قهراً أن من يقوم بإسقاط الجنسية هم أنفسهم الذين أتوا إلى قطر بالأمس من البحرين، وكانوا مشهورين بحياكة الثياب والملابس الداخلية، ويصلون على أحجار كربلاء، وأصبحوا بقدرة قادر من يحاسبون أهل قطر الأصليين أين أنتم قبل العام 1920م بل أين أنت يا هذا عام 1970؟ ويسألهم عن التاريخ وجدّه لم يولد بعد في إيران؟(24/29)
4ـ تحول الشيعة إلى شوكة في حلق بلدانهم، ولاؤهم الأول والأخير لإيران، وقد أصبح الشيعة في الخليج في سنوات الثمانينات مثلاً الأداة التي تعاقب بها إيران هذه الدول نتيجة وقوفها مع العراق في حربه ضد إيران، فقد قام الشيعة في الكويت مثلاً ـ نيابة عن إيران ـ بتفجير العديد من المؤسسات والسفارات الأجنبية، ونشروا الرعب في ربوعها، وحاولوا اغتيال أميرها سنة 1985.
وفي البحرين ظلت إيران تثير شيعتها في سنوات الثمانينات وجزءاً من عقد التسعينات للانقلاب على الحكم، والتخريب في تلك الجزيرة.
وإذا ما عدنا إلى تصريح عبد العزيز الآنف الذكر، يتضح لنا كيف أن الشيعة وقادتهم يتحولون إلى حماة للمصالح الإيرانية أولاً، قبل مصالح بلدانهم، بحيث أن مسؤولاً عراقياً مثل الحكيم لا يمانع أن تغتصب إيران من أموال العراق 100 مليار دولار، كتعويض عن حرب الخليج الأولى!
5ـ رغم نجاح الشيعة في الحصول على جنسيات دول الخليج،وتمتعهم بحقوق المواطنة الاقتصادية والسياسية، ودخولهم في هيئات الدولة بشكل واسع، وان يصبح لهم تمثيل في الحكومات والمجالس النيابية والبلدية، وغيرها، إلاّ أنهم مازالوا يسعون لمزيد من هذه الجنسيات، وقد أثيرت في العراق مؤخراً فضيحة حول قيام أنصار إيران في الحكومة بتوزيع الكثير من جوازات السفر على الإيرانيين من أجل دعم المرشحين الشيعة في الانتخابات، وكي يستطيع هؤلاء الشيعة الذين أرسلتهم إيران للعراق، التواجد والعمل بكل حرية وأمان.
وفي خطوة رمزية، طالب مجلس محافظة النجف بمنح المرجع الشيعي الإيراني المقيم في العراق علي السيستاني الجنسية العراقية بسبب ما اعتبروه الخدمات الجليلة التي قدمها للعراق، وطالب مجلس المحافظة كذلك بمنح مراجع الشيعة الآخرين مثل بشير النجفي الباكستاني، وإسحاق الفياض الأفغاني، الجنسية العراقية كذلك.(24/30)
وفيما سبق كان المرجع الشيعي محمد مهدي الشيرازي الذي تنقل بين العراق وإيران والكويت، يولي موضوع الجنسية الأهمية البالغة، فتحت ستار الوحدة الإسلامية، كان يطالب المسؤولين العراقيين بفتح أبواب العراق لكل من يريد الدخول ،دون جواز أو جنسية أو هوية أو رسوم أو قيود، واعتبار كل مسلم في البلد مواطنا، له ما لهم وعليه ما عليهم سواءً كان عربياً أو أعجمياً، أو من أقاصي الدنيا، وإعطائه حق ملكية الأرض والاتجار، والوصول إلى أعلى الوظائف في الدولة.
للاستزادة
1ـ الخليج العربي في ماضيه وحاضره ـ د.خالد العزي
2ـ الخليج العربي: دراسة موجزة
3ـ ملوك العرب ـ أمين الريحاني ص 721
4ـ الشيرازي: المرجعية في مواجهة تحديات التطور ـ أحمد الكاتب
5ـ وجاء دور المجوس ـ الدكتور عبد الله الغريب ص 297
6ـ أصول مذهب الشيعة ـ د. ناصر القفاري ج3 ص 1446
…دراسات
موقف مفكري الإسلام من الشيعة - 9 -
هذه سلسلة من البحوث كتبها مجموعة من المفكرين والباحثين عن عقيدة وحقيقة مذهب الشيعة من خلفيات متنوعة ومتعددة ، نهدف منها بيان أن عقائد الشيعة التي تنكرها ثابتة عند كل الباحثين ، ومقصد آخر هو هدم زعم الشيعة أن السلفيون أو الوهابيون هم فقط الذين يزعمون مخالفة الشيعة للإسلام .
الكاتب هو الدكتور صابر طعيمة وهو اكاديمي معروف في الأوساط العلمية وتخرجت على يديه أجيال عديدة ، وهذا البحث من كتابه الأصول العقدية للإمامية صدر عام 2004 عن دار مدبولي بالقاهرة في 324 صفحة . وقد اقتبسنا منه بعض المواضع المتفرقة من صفحة 28 - 183 . الراصد
الجذور العقدية والتاريخية للإمامية
د.صابر طعيمة
تمهيد:(24/31)
دراسة الفكر الإمامي من مصادره العديدة تشير إلى أن الإمامية باعتبارها مدرسة باطنية لعبت أدوارا خطيرة في هز أركان المجتمعات الإسلامية وزعزعة رواسيها وتفكيك روابطها، وقد كان من اليسير على هذه المجتمعات التي ابتليت (بالإمامية) أن تتخلص منها وتقضي على قواها التنظيمية والفكرية ألا أن الجمعيات السرية التي نفذت من خلالها الأفكار الباطنية جعلت للعمل الباطني قدرة على الاستمرار وجاذبية قوية سيطرت على فرق من الناس بحكم أن قطاعاً من الناس تهفو نفوسهم إلى المخاطرة والمجازفة والإتيان بغرائب الأعمال.
وتقول دراسة الفكر الباطني مثلما هو حال وطبيعة التنظيمات السرية كالصهيونية والماسونية أنه "كلما كان السر أدق وأخفى، وكان الغموض أعوص وأعمق كان سحر الجاذبية أقوى وأشد" .وطبيعة الجمعيات السرية والتنظيمات الباطنية أنها تضيف على ولع بعض الناس بالمجهول تحقيق بعض مآربهم فضلا عن العمل على تبوئهم أوضاعا وامتيازات خاصة، ومن هذا كانت عناية بعض الناس نحو الفكر الباطني للانخراط في عضويته تحقيقا لمآربهم واستجابة لرغباتهم، فكان من اليسير على أصحاب الفكر الباطني تجنيد العناصر التي قد يستهويها الفكر الغامض والعقائد المركبة من الأسطورة والخرافة لتحقيق مآربهم وغاياتهم. ولعل هذه من بين أسباب استمرار وتطوير العمل الباطني بوجه عام سواء كان في العقائد الدينية أو التنظيمات السياسية.
اليهود وعقائد الإمامية:(24/32)
إن أطماع اليهود في البيئة التي حملت لواء الإسلام والقيام بالدعوة إليه قديمة جداً، فبعد أن نزح اليهود إلى الجزيرة العربية نقلوا معهم من الأساطير التي شاعت بينهم أبان الأسر البابلي العقائد الكثيرة والأطماع العديدة وكان من بين هذه الأساطير اليهودية عقيدة التناسخ التي أصبحت مصدرا رئيسيا عند الإمامية عندما قالوا بعقيدة الرجعة التي اعتنقوها كتعبير عن مشاعر الانتقام والحقد الذي انطوت عليه نفوس بعض الذين زعموا ظلم آل البيت من أعدائهم، وقد ساعد العمل السري والتحريف العقائدي الذي دعا إليه عبد الله بن سبأ في إشاعة جو من الاضطراب السياسي والعقدي في الأمصار الإسلامية كنوع من الحرب النفسية وتعميق مشاعر الإحباط والهزيمة في كيان الأمة الإسلامية.
والجدير ذكره أن اليهود وجدوا منذ عصر الفتنة التي أعقبت مقتل عثمان مسرحا لنقل الفكر الباطني إلى الساحة الإسلامية، وكان ذلك بسبب سماحة الفكر الإسلامي الذي تقبل كل العناصر التي تظاهرت بالإسلام، حتى شاعت في وقت مبكر الأفكار اليهودية التي تدور حول جملة من العقائد تناقض عقيدة الإسلام والتي كان من أهمها عقائد: الإمامية والوصية والرجعة والغيبة والعصمة إلى غير ذلك من العقائد الوضعية، والقول بالظاهر والباطن في تناول النصوص.
ومقارنة بسيطة بين عقائد اليهود في القول بالتناسخ، وبين عقائد غلاة الباطنية التي تزعم أن الأموات يرجعون إلى الدنيا للانتقام من أعدائهم توضح أثر اليهود التناسخي على الإمامية في القول بعقيد الرجعة. وقد أوضح (الشهرستاني) هذه العلاقة وذكر أن الإمامية عرفوا التناسخ والرجعة عند اليهود، وقد بنيت فكرة (تأليه الأئمة) في القول بالعصمة على المعتقد الذي استهدف تقديس علي ـ رضي الله عنه ـ بتأثير من عقيدتي الرجعة والغيبة التي تصورهما أسطورة القول بالتناسخ اليهودية والتي تفرعت في اتجاهات ثلاثة:(24/33)
الأول: القول بالإمام المعصوم والثاني القول بعقيدة خاتم الأوصياء والثالث القول بعقيدة القداسة الإلهية لعلي رضي الله عنه.
وهذه العقائد الثلاثة اعتبرت علما خاصا يطلق عليه (العلم السري) الذي يعبر عن عقيدة الرجعة عند الإمامية كنوع من الاعتقاد الخاص الذي لم يشرعه الإسلام ولم يقل به أحد من المسلمين حتى من تفلسف منهم وتأثرت مقالاته بالأفكار والمبادئ ذات النزعة التجسمية أو التعطيلية.
ولما كان التراث الفارسي في مجال العقيدة الدينية القديمة قبل ظهور الإسلام يقوم هو الآخر على فكر التناسخ فإن العمل الباطني وجد المجال مهيئاً أمام العناصر التي اندست في المحيط الإسلامي، وكان أن تشكلت مقومات المذهب الإمامي بحيث يبدأ التناقض مع الإسلام بصدام يعتمد على المقولات العقدية ضد الخطاب العربي عند الأمة العربية باعتبارها منذ ظهور الإسلام العقل الصحيح والترجمان الصريح والأداة الراشدة للتعبير عن دين الإسلام فمثلاً في ظل عقيدة الرجعة تعتقد الإمامية أن أول عمل للغائب أن يبدأ بقتل العرب فقد جاء
في كتاب الإرشاد للشيخ المفيد ( ) ،وأعلام الورى للطبرسي ( ) ،وكتاب الغيبة للنعماني( ) فيما نسبت وادعت روايات الإمامية إلى أبي جعفر أنه قال: (لو يعلم الناس ما يصنع القائم إذا خرج لأحب أكثرهم ألا يروه مما يقتل من الناس. أما أنه لا يبدأ إلا بقريش فلا يبدأها إلا بالسيف ولا يعطيها إلا السيف حتى يقول كثير من الناس:هذا ليس من آل محمد ،لو كان من آل محمد لرحم.
ويتوسع المفيد والطبرسي فيرويان من هذا المعتقد العدواني صورة أشد وأفظع في العدوان، إذ يرويان فيما تنسب روايات الإمامية عن جعفر معتقدا يقول: (وإذا قام القائم من آل محمد أقام خمسمائة من قريش تضرب أعناقهم ثم أقام خمسمائة تضرب أعناقهم يفعل ذلك ست مرات).(24/34)
وأما الطوسي( ) في كتاب الغيبة فيروي عن جعفر أنه إذا خرج القائم لم يكن بينه وبين قريش إلا السجن، وأما (الصافي) صاحب التفسير العمدة عند الإمامية فيقول: (لو قام قائمنا رد بالحميراء ـ يعني أم المؤمنين عائشة رضي الله عنهاـ حتى يجلد الحد وينتقم لابنة محمد صلى الله عليه وسلم).
والعجيب الغريب هو أن ما في اليهودية من معتقدات عنصرية أخذت بها الصهيونية المحدثة فهو ما يطالع الباحث من سياق المقولات الإمامية معتقدا بعد الآخر، فالمهدي اليهودي الذي تحدثت عنه أسفار العهد القديم وشروحه من التلمود وغيره بأنه يهدم قصور دمشق حجراً حجرا هو المهدي الرافضي الذي يقتل أمة العرب والمسلمين بدءا بأصحاب محمد والإمام المعصوم في عصر السبي اليهودي، هو الإمام المعصوم في الفكر الإمامي الذي تتدافع عمليات عنفه وعدوانه ضد الأجيال المؤمنة عقب وثوب المذهب إلى السلطة مرتديا الثوب الثوري ورافعا الشعار الديني الباطني التحريفي.
واللافت للنظر أن المطلع على كتاب الأنوار النعمانية ( ) لواحد من أئمة الروافض سيقف أمام معتقد أسطوري يفسر تلك الظواهر العدوانية الشاذة التي يقول بها الروافض عبر التاريخ، وتعتمد على أصل خرافي أسطوري. ولا بأس عندهم أن يعبروا عنها حتى في حرم الله في البيت الحرام بالعدوان المسلح، وممارسة العنف ضد المسالمين في بيت الله الحرام، أو برفع الشعارات التي لا تمت للنشاط الديني بصلة.(24/35)
يروي صاحب الأنوار النعمانية هذه الأسطورة التي تدل على حجم التركيبات العقدية المتناقضة في فكر الإمامية، تقول هذه العقيدة المستندة إلى خرافة أسطورية: أن بقاع الأرض تفاخرت، وتفاخرت الكعبة على بقعة كربلاء فأوحى الله عز وجل إليها أن اسكني يا كعبة ولا تفخري على كربلاء فإنها البقعة المباركة التي قال الله فيها لموسى (أني أنا الله) وهي (موضع المسيح وأمه في وقت ولادته) ومن مثل هذه المقولة تتشكل معظم جوانب الاعتقاد في القضايا الأساسية عند الإمامية في القديم والحديث. وعندما نقلب صفحات التاريخ المعاصر ما الذي يعثر عليه الباحث من جوانب الاعتقاد الإمامي الذي يشكل ملامح المدرسة الإمامية في العنف والإرهاب وممارسة العدوان ضد حرمات المسلمين وخاصة منها ما يتعلق بقدسية الحرمين الشريفين وعدم الإلحاد فيهما.
إن ما تناقلته وكالات الأنباء وما صورته الكاميرات من اقتحام أنصار المذهب لبيت الله الحرام وقتل الأبرياء ذات يوم في تاريخ المسلمين المعاصر لأكبر برهان عما تنطوي عليه عقائد المذهب ضد المسلمين.
أثر اليهودية في المنهج الإمامي
على ضوء نقول وتفاسير المصادر الإمامية ذات الجذر التاريخي في تناول عقائد القوم تبرز من سمات النقل والوضع والدس علامة بارزة عند تناول النصوص وهذه السمة هي "التأويل" وهي قاسم مشترك بين كل المصادر الإمامية وهذا التأويل في تناول النصوص الدينية له جذر يهودي عندما اضطروا إليه لتمرير أخطاء العهد القديم امتد فيما بعد إلى معظم العقائد الباطنية، وكان في مقدمتهما: المنهج الإمامي في تناول النصوص الدينية.
وأسبابه ودواعيه كما يذكر الدكتور عبد الرحمن بدوي عديدة لكن من أهمها كما تقوم الشواهد على ذلك:
1ـ التحرر من قيد النص المقدس ابتغاء التوفيق بينه وبين الرأي الذي يذهب إليه صاحب التأويل.
2ـ التحرر من قيد النص المقدس ابتغاء التوفيق بين ما يفهم من صريح اللفظ وبين ما يقتضيه العقل.(24/36)
3ـ الرغبة في تعميق صريح النص المقدس ابتغاء مزيد من العمق في الآراء التي يحتويها ومن هذه الدواعي يتبين أن ما يلجئ إلى التأويل هو الاضطرار إلى الأخذ بنص يعد مقدساً أو مقيداً ولو لا هذا لما كان ثم أي داع إلى التأويل( ).
وهذه الدواعي تصدق على كل من قال بالتأويل بالباطن، سواء لدى اليهود أو المسيحيين أو غيرهم ، أما حجة الباطنية فإنهم قالوا لكل ظاهر باطن ولكل تنزيل تأويل( ) فلظواهر القرآن والأخبار بواطن تجري في الظواهر مجرى اللب من القشر، وأنها بصورها توهم عند الجهال الأغبياء صورا جلية، وهي عند العقلاء والأذكياء رموز وإشارات إلى حقائق معينة وأن من تقاعد عقله عن الغوص على الخفايا والأسرار والبواطن والأغوار وقنع بظواهرها مسارعا إلى الاغترار بما كان تحت الأواصر والأغلال وأرادوا بالأغلال التكليفات الشرعية فإن من ارتقى إلى علم الباطن انحط عنه التكليف واستراح من أعبائه وهم المرادون بقوله تعالى {ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم} الأعراف: 157 "الآية" وربما موهوا بالاستشهاد عليه بقولهم إن الجهال المنكرين للباطن هم الذين أريدوا بقوله تعالى {فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب} الحديد:13 ( ).
ولقد عرف التأويل الرمزي أو الباطني لدى اليهود وانتقل إليهم من الفلسفة اليونانية. يقول الدكتور عبد الرحمن بدوي "انتقل التأويل الرمزي إلى اليهود على يد فيلون اليهودي( ) في القرن الأول الميلادي الذي يعد من أكبر ممثلي النزعة إلى التأويل في العصر القديم وإن كان قد سبقه في اليهودية كثيرون أولوا الكتب المقدسة في العهد القديم تأويلا رمزيا، وهو نفسه يشير إليها لكن فيلون ذرف عليهم بأن جعل من التأويل مذهبا قائما برأسه ومنهجا في الفهم ( ).(24/37)
والذين قالوا بالتأويل قبل فيلون هم "يهود الإسكندرية إذ كانوا يشرحون التوراة شرحا رمزيا على غرار شرح الفيثاغورين والأفلاطونيين والرواقيين لقصص الميثولوجيا وعبادات الأسرار" ( ) وكان هذا هو الطريق الوحيد أمامهم لجعلها مقبولة لدى اليونان.ويوجد في نسخة التوراة السبعينية آثار من هذا الاتجاه الرمزي الذي انتشر بين يهود الإسكندرية( ).
ولذلك فإن بعض اليهود كانوا لا يقرأون التوراة إلا في هذه الترجمة اليونانية( ) ومن تأويلاتهم أنهم قالوا عن التوراة (التي هي في جملتها تاريخ بني إسرائيل، وما أصابوا من نعم حين كانوا يرعون شريعة الله، وما عانوا من نقمة حين كانوا يعصونها):
إنها تمثل قصة النفس مع الله، تدنو النفس من الله بقدر ابتعادها عن الشهوة فتصيب رضاه وتبتعد منه بقدر انصياعها للشهوة فينزل بها سخطه.
وكانوا يؤولون الفصل الأول من سفر التكوين مثلا بأن الله خلق عقلا خالصا في عالم المثل هو الإنسان المعقول ثم صنع على مثال هذا العقل عقلا أقرب إلى الأرض (هو آدم) وأعطاه الحس (وهو حواء) معونة ضرورية له فطاوع العقل الحس وانقاد للذة (الممثلة بالحية التي وسوست لحواء) فولدت النفس في ذاتها الكبرياء (وهو قابيل) وجمع الشرور وانتفى منها الخير (وهو هابيل) وماتت موتا خلقيا.
وأولوا عبور البحر الأحمر بأنه رمز لخروج النفس من الحياة الحسية، وسبعة أغصان الشمعدان بأنها رمز للسيارات السبع. وأولوا الحجرين الكريمين اللذين يحملهما الكائن الأكبر بأنهما رمز للشمس والقمر أو لنصفي الكرة الأرضية، والآباء الذين يعود إليهم إبراهيم بأنهم رمز للكواكب( ).
وأولوا إبراهيم بأنه "التنور" (العقل) ،وزوجته سارة بأنها الفضيلة، والفصح بأنه إما تطهير الروح أو خلق العالم( ).(24/38)
أما فيلون فقد اصطنع هذا الضرب من التأويل، غير أنه يقف به عند حد ،وإن كان يتابع الفلاسفة أحيانا على خلاف قصد الشريعة( ) وقد دفعه إلى اتخاذ هذا المذهب (التأويل الرمزي) الحملة التي قام بها المفكرون اليونانيون على ما في التوراة (العهد القديم) من قصص وأساطير ساذجة أو غير معقولة: مثل برج بابل والحية التي أغرت حواء في الجنة وغيرها فاضطر فيلون إلى الدفاع عن التوراة بتأويل هذه المواضيع الأسطورية وغير المعقولة الواردة في التوراة تأويلا بالباطن، ورأى أن التأويل بالباطن هو روح النص المقدس وأن التفسير بالمعنى الحرفي هو مجرد جسم هذا النص المقدس ـ للنص سيؤدي حتما إلى الفكر والإحالة( ).
ويذكر أميل ابريهيه أن التأويلات التي ذكرها فيلون باعتبارها مأثورة تتناول تقريبا كل الأسفار الخمسة الأولى من الكتاب المقدس أي التوراة وأنه بلا ريب مجرد حالة عرضية أن نجد الأكبر عدداً من هذه التآويل يتصل بحياة إبراهيم ولكن توجد أخرى عن آدم والجنة وعن يوسف وعن الخروج وعن المعجزات وعن صلاة موسى وغير ذلك( ).(24/39)
والغرض الأساسي عند فيلون من استعمال التأويل الرمزي ومحاولة تطبيقه على نصوص التوراة هو تحويل أشخاص قصص التوراة إلى رموز يعبر بها عن جوانب الخير والشر في النفس الإنسانية ونزعاتها المختلفة، فقصة بدء الخليقة تمثل عند فيلون رموزا إيحائية تفسر حالات النفس الإنسانية تفسيرا داخليا، كما أنها تمثل عنده تقلبات النفس البشرية بين حالات الخير والشر والرذيلة والفضيلة : فآدم مثال للنفس العارية عن الفضيلة والرذيلة نراه يخرج من هذه الحالة بالإحساس المرموز له (حواء) التي تغريها اللذة والسرور المرموز لهما بالحية، وبهذا تلد النفس العجب المرموز له بـ (قابيل) مع كل ما يتبع ذلك من سوء، ومن ثم نجد الخير المرموز له بـ (هابيل) يخرج من النفس ويبتعد عنها، وأخيرا تفنى النفس الإنسانية في الحياة الأخلاقية ولكن تنمو بذور الخير التي في النفس بسبب الأمل والرجاء المرموز له بـ (أنيوس) والندم المرموز له بـ (إدريس) ثم ينتهي الأمر بعد ذلك إلى العدالة المرموز له بـ (نوح) ثم بالجزاء على ذلك وهو التطهير التام المرموز به بـ(الطوفان)( ).
هذا نموذج لشرحه وتفسيره لأشخاص التوراة تفسيراً رمزيا، ومن خلال ذلك التأويل نستطيع أن ندرك كيف تحولت الشخصيات الدينية عنده إلى رموز لحالات نفسية معينة( ).
ويحتمل أيضاً أن يكون التأويل الرمزي قد انتقل أولا إلى السبئية عن طريق عبد الله بن سبأ فهو يهودي بل من علماء اليهود، ولا يستبعد اطلاعه على حركة التأويل عند اليهود قبل فيلون وبعده. ويؤيد هذا الاحتمال ما قام به ابن سبأ من عرض لأفكار يهودية كالرجعة والوصية واستناده فيهما على التأويل، وجاء من بعده تلميذه ابن حرب ونقل عقيدة الأسباط من الفكر اليهودي وقام بتأويل آيات من القرآن تؤيد دعواه. وبيان بن سمعان صاحب البيانية كان ذا أصل يهودي وقال هو الآخر بالتأويل وخاصة عند تفسيره لقول الله تعالى: {هذا بيان للناس} آل عمران: 138 .(24/40)
واتصل اليهود بالكيسانية اتصالاً وثيقا، وكان التأويل من الأسس الهامة لدى الكيسانية، والمغيرة بن سعيد العجلي كان على صلة باليهود، وقد قال بالتأويل الذي يسب فيه الصحابة ويلعنهم، وهو ما يبغيه اليهود ويهدفون إليه ثم ما فعله فيما بعد كما سنراه في الصفحات القادمة غلاة الإمامية يؤكد انتقال التأويل من اليهود إلى الإمامية هو أن مؤسس الباطنية وهي الشجرة التي أثمرت فكر الغلو الإمامي فيما بعد يهودي كما سبق وأن ذكرناه في كتابنا "العقائد الباطنية وحكم الإسلام فيها"، وقد قال عن هذا المؤسس الحمادي إنه جعل لكل آية في كتاب الله تفسيرا،ً ولكل حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تأويلا وزخرف الأقوال وضرب الأمثال وجعل لآي القرآن شكلاً يوازيه ومثلاً يضاهيه( )" وقد استخدم عبد الله بن ميمون التأويل فأدخله إلى الباطنية وتوسع فيه وكان أبوه ميمون من قبل قد وضع كتابا في التأويل الباطني وأخذ يؤول الآيات القرآنية بما يتفق مع عقيدته في إمامة إسماعيل وابنه محمد وأسبغ عليهما قداسة كبرى( ) وأضاف ابن ميمون إلى ما فعله أبوه فتطورت العقيدة تطورا ملحوظا وأخذ هو يجمع ويلفق بين مختلف الآراء مستعينا بالتأويل( ).
التشبيه والتجسيم
جاء في المعجم الفلسفي أن "التشبيه هو تصور الآلهة في ذاتها وصفاتها على غرار الإنسان" وأن "المشبهة هم قوم شبهوا الله تعالى بالمخلوقات ومثلوه بالمحدثات( )" ويقول الدكتور محمد يوسف موسى "فكرة التشبيه معناها الذهاب إلى أن بين الله تعالى والإنسان وجوه شبه في الذات أو في الصفات أو في كليهما معا( ).
وذكر الدكتور محمد البهي أن التشبيه معناه تقريب المعبود من الإنسان وتوثيق أواصر الشبه بينهما، فما يتصوره الإنسان في دائرته يحمله كذلك على معبوده وما يشرح للإنسان في البيئة الإنسانية يعطي على نحوه للإله( ).(24/41)
وهكذا فإن تشبيه الإله بالمخلوق يجعله مضاهيا له في هيئته وتكوينه وطبعاً المخلوق جسم فيكون الإله جسما ويوصف بالجسمية، ولأن المخلوق له حيز لجسمانيته فهم ـ أي المشبهةـ يجسمون الله بشكل معين ويجعلون له مكانا محددا.
فالتجسيم إذن ناتج عن التشبيه وقد يستعملان في صعيد واحد ويؤديان معنى مشتركا.
وقد بدأ القول بالتشبيه في الإسلام ـ أو بمعنى أدق في الفكر الإسلامي ـ على أيدي غلاة الشيعة "إذ أن جماعة منهم صرحوا بالتشبيه"( ).
ويقول الشهرستاني "وكان التشبيه بالأصل والوضع في الشيعة( ) ثم انتقل منهم إلى غيرهم، واعتبره الشهرستاني إحدى بدع الغلاة الأربعة المشهورة( ).
وقد اعتنقه كثير من الغلاة، وصار هو والتجسيم من عقائدهم الرئيسية بل "كان التجسيم مبدأ مشتركا بين جميع فرق الغلاة. والعلة في اجتماعهم عليه هو أنهم ركزوا اهتمامهم في الارتفاع بالإنسان مرة حتى يصير إليها، والنزول بالإله حتى يصير إنسانا. فعقيدتهم في جدلهم الصاعد والنازل تعتمد على إله وإنسان وكلها تدور حول الارتفاع بهذا الإنسان فحاجتهم إلى التجسيم أشد من حاجتهم إلى التجريد، فهم لا يستطيعون تجريد المادة الحية السائرة الآكلة الشاربة وإنما يستطيعون أن يجسموا المجرد لتقريب فكرة تأليه الإنسان( ).
ومن أجل ذلك "سرت شبهات اليهود والنصارى في أذهان الغلاة، إذ اليهود شبهت الخالق بالخلق، والنصارى شبهت الخلق بالخالق( )".
ومعنى هذا أن كلا من التجسيم والتشبيه قد يؤدي إلى القول بالحلول وهو ما عناه الشهرستاني بقوله "ومن المشبهة من مال إلى مذهب الحلولية، وقال يجوز أن يظهر الباري تعالى بصورة شخص كما كان جبريل عليه السلام ينزل في صورة أعرابي، وقد تمثل لمريم بشرا سويا( )" ثم يقول: "والغلاة من الشيعة مذهبهم الحلول أي أنهم مشبهة وذهبوا إليه نتيجة التشبيه( ).(24/42)
ولذلك فإن البغدادي يرى أن المشبهة صنفان: صنف شبهوا ذات الباري بذات غيره، وصنف آخرون شبهوا صفاته بصفات غيره، ثم يذكر أن الأول صادر عن أصناف الغلاة من الروافض ويضع منهم السبئية لقولهم بإلهية علي، والبيانية، والمغيرية، والمنصورية، والخطابية، والمقنعية، والعذاقرة أي كل من قال بالحلول يكون مشبها( ) لأنهم قالوا بحلول الله في أشخاص الأئمة، وعبدوا الأئمة لأجل ذلك، وذكر من المشبهة أيضاً الحلمانية المنسبوبة إلى أبي حلمان الدمشقي الذي زعم أن الإله في كل صورة حسنة، وكان يسجد لكل صورة حسنة( ) اعتقادا منه أنها محل روح الإله، ومثله المقنع بن بابك الخرمي الذي قال عن نفسه إنه كان إلها، وأنه مصور في كل زمان ومكان بصورة مخصوصة( ) .
ومجمل القول أن التشبيه وجد عند الغلاة، بل هم أول من قالوا به وأنه وجد له بين عقائدهم مكانا فسيحا وقد ارتبط بقولهم بالحلول.
ويذكر الرازي أن ظهور التشبيه في الإسلام كان من الروافض وعلى يد (بيان) الذي ادعى لله تعالى الأعضاء والجوارح( ) بل كان التجسيم عقيدة بيان الرئيسية( ) وجاء من بعده المغيرة بن سعيد، ووصفه البغدادي بأنه أفرط في التشبيه، ولكن صورة التشبيه قد بلغت إلى حد كبير من الغلطة لدى الهشامية من غلاة الشيعة المنسوبين إلى هشام بن الحكم وتلميذه هشام بن سالم الجواليقي( ) .
ولقد وصفهم الشهرستاني من بين أصناف الغالية في الشيعة ونعت الأول بأنه صاحب المقالة في التشبيه، وذكر عنه أنه غلا في حق علي فقال إنه إله واجب الطاعة، والثاني بأنه هو الذي نسج على منواله في التشبيه( ) أما هشام بن الحكم فانتحل في التوحيد التشبيه بهدف هدم أركان الإسلام، فهدم ركن التوحيد وساوى بين الخالق والمخلوق( ).(24/43)
ويذكر الدكتور النشار أن مؤرخي الفكر الإسلامي القدامى أجمعوا على أن هشام بن الحكم هو أول من قال إن "الله جسم" وأن مقالة التجسيم في الإسلام إنما تنسب إليه فهو أول من أدخلها أو ابتدعها كما نسب إليه التشبيه أيضا"ً( ).
البداء عند الإمامية
جاء في لسان العرب بدا الشيء أي ظهر. والبداء استصواب شيء علم بعد أن لم يعلم وذلك على الله غير جائز( ).
وورد في التعريفات أن "البداء ظهور الرأي بعد أن لم يكن، والبدائية هم الذين جوزوا البداء على الله تعالى( ):
والشهرستاني يذكر أن البداء على الله له معان: البداء في العلم وهو أن يظهر له خلاف ما علم. ويعقب على ذلك بقوله: ولا أظن عاقلا يعتقد هذا الاعتقاد، والبداء في الإرادة وهو أن يظهر له صواب على خلاف ما أراد وحكم. والبداء في الأمر وهو أن يأمر بشيء آخر بعده بخلاف ذلك ويعلق قائلاً: ومن لم يجوز النسخ ظن أن الأوامر المختلفة في الأوقات المختلفة متناسخة( ).
والإمام الأشعري يذكر اختلاف الروافض في جواز البداء على الله تعالى على ثلاث مقالات:
1ـ فالفرقة الأولى منهم يقولون إن الله تبدو له البداوات وأنه يريد أن يفعل الشيء في وقت من الأوقات ثم لا يحدثه لما يحدث له من البداء وأنه إذا أمر بشريعة ثم نسخها فإنما ذلك لأنه بدا له فيها، وأن ما علم أنه يكون ولم يطلع عليه أحدا من خلقه فجائز عليه البداء فيه، وما اطلع عليه عباده فلا يجوز عليه البداء فيه.
2ـ والفرقة الثانية منهم يزعمون أنه جائز على الله البداء فيما علم أنه يكون حتى لا يكون ، وجوزوا ذلك فيما اطلع عليه عباده وأنه لا يكون كما جوزوه فيما لم يطلع عليه عباده.
3ـ والفرقة الثالثة منهم يزعمون أنه لا يجوز على الله عز وجل البداء وينفون ذلك عنه تعالى( ).(24/44)
وقول الأشعري يفيد أن الشيعة لا يجمعون على القول بالبداء وإنما يوجد منهم من لا يجوزه والذين أجازوه هم الغلاة والإمامية ـ ولكن تفسير الإمامية للبداء يجعله مختلفا تماما عن البداء الذي يقول به الغلاة.
يقول الشيخ المفيد: أقول في معنى البداء ما يقوله المسلمون بأجمعهم في النسخ وأمثاله من الإفقار بعد الإغناء والإمراض بعد الإعفاء.. فأما اطلاق لفظ البداء فإنما صرت إليه بالسمع ولو لم يرد به سمع أعلم صحته ما استجزت إطلاقه... ولكنه لما جاء السمع به صرت إليه على المعاني التي لا تأباها العقول وليس بيني وبين المسلمين في هذا الباب خلاف وإنما خالف من خالف اللفظ دون سواه.. ويقرر أن البداء من الله يختص ما كان مشترطا في التقدير وليس هو الانتقال من عزيمة إلى عزيمة من تعقيب الرأي تعالى الله عما يقول المبطلون علوا كبيرا( ).
ويذكر الشيخ محمد رضا المظفر أن البداء في الإنسان هو أن يبدو له رأي في الشيء لم يكن له ذلك الرأي سابقاً بأن يتبدل عزمه في العمل الذي كان يريد أن يصنعه إذ يحدث عنده ما يغير رأيه وعلمه به، فيبدو له تركه بعد أن كان يريد فعله وذلك عن جهل بالمصالح وندامة على ما سبق منه، ويرى أن البداء بهذا المعنى يستحيل على الله تعالى لأنه من الجهل والنقص وذلك محال عليه تعالى ولا تقول به الإمامية( ).
وينقل عن الإمام جعفر الصادق قوله:(24/45)
"من زعم أن الله تعالى بدا له في شيء بداء ندامة فهو عندنا كافر بالله العظيم" وقوله أيضا (من زعم أن الله بدا له في شيء ولم يعلمه أمس فأبرأ منه)، غير أنه وردت عن أئمتنا الأطهار روايات توهم القول بصحة البداء بالمعنى المتقدم كما ورد عن الصادق (ع) (ما بدأ الله في شيء كما بدأ له في إسماعيل ابني) والصحيح في ذلك أن نقول كما قال الله تعالى في محكم كتابه المجيد {يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب} الرعد: 39 ومعنى ذلك أنه تعالى قد يظهر شيئا على لسان نبيه أو وليه في ظاهر الحال لمصلحة تقتضي ذلك الإظهار ثم يمحوه فيكون غير ما قد ظهر أولا مع سبق علمه تعالى بذلك، وقريب من البداء في هذا المعنى نسخ أحكام الشرائع السابقة بشريعة نبينا صلى الله عليه وسلم بل نسخ بعض الأحكام التي جاء بها نبينا صلى الله عليه وسلم( ).
فالبداء عند الشيعة الاثنى عشرية منزلة في التكوين كمنزلة النسخ في التشريع، فالله كل يوم هو في شأن، ويمحو ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب. ولا يقصد بذلك الانتقال من عزم إلى عزم أو من حال إلى حال لحصول شيء لم يكن حاصلا أو لم يكن الله به عالما، ذلك ما لا يجوز إطلاقه على الله( ).
ويفسر ذلك الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء حينما يذكر أن البداء هو عبارة عن إظهار الله جل شأنه أمرا يرسم في ألواح المحو والإثبات، ولا يتوهم أن هذا الإخفاء والابداء يكون من قبيل الإغراء بالجهل وبيان خلاف الواقع، فإن في ذلك حكما ومصالح تقتصر عنها العقول، وتقف عندها الألباب وبالجملة فالبداء في عالم التكوين كالنسخ في عالم التشريع( ).
وبذلك فإن علماء الإمامية (الاثنى عشرية) يقولون بالبداء ويرون أنه لا يناقض أزلية علم الله ،وإنما هو بمنزلة النسخ في التشريع.(24/46)
وعموما فإن الإمامية قد أخذوا القول بالبداء عن الغلاة، وفي ذلك يرى الدكتور كامل مصطفى الشيبي أن البداء عند معتدلي الشيعة من عقائد الغلاة الأولى وأخذها الشيعة المعتدلون وهذبوا حواشيها وقووها بالمنطق والكلام( ).
والبداء قال به المختار وأتبعه الغلاة، من بعده، وهو الذي يؤدي إلى القول بتغاير الإرادة الإلهية "فالبدائية من غلاة الشيعة يذهبون مذهب هشام بن الحكم في القول بأن علم الله لا يتعلق إلا بالموجود، وأنه لا يعلم شيئا حتى يكون.
وهذا القول يستتبع الجهل بالأشياء قبل وقوعها، والأخذ بهذا الرأي يفسح المجال للقول بأن علم الله يتأثر بحدوث أشياء جديدة وأنه جل جلاله يغير إرادته ثانية( ) والجهل بالأشياء قبل وقوعها لا يجوز على الله بل لا يليق في حقه سبحانه ومن ثم فإن هذا الاعتقاد يؤدي إلى الكفر الصريح كما قال المقريزي( ).
ولذلك فإن البداء اعتبره الشهرستاني من بدع الغلاة الأربعة مع التشبيه والرجعة والتناسخ( ).
الرجعة عند الإمامية
يذكر الدكتور أحمد أمين أن فكرة الرجعة تطورت إلى العقيدة الشيعية باختفاء الأئمة وأن الإمام سيعود فيملأ الأرض عدلا ومنها نبعت فكرة المهدي المنتظر( ) وينطبق هذا الكلام أيما انطباق على تصورات الغلاة إذ "لا يمكن الفصل بين العقيدتين ـ عندهم ـ لما بينهما من التلازم إذ لا تتحقق المهدية بدون رجعة، ولا فائدة في الرجعة دون مهدية.
وقد صدرتا فعلا عن عبد الله بن سبأ نفسه وأخرجها مخرجاً أسطوريا خلابا ظل مناطا لأخيلة الغلاة وأهوائهم على مر العصور( ) فهما وجهان لحقيقة واحدة، هي تمسك الأشياع بأهداب العمل المرتقب في غمرة من الهزائم والآلام( ).(24/47)
والجدير ذكره أن الكيسانية قد جمعوا بين القول برجعة ابن الحنفية وبين الرجعة العامة فقولهم برجعة محمد بن الحنفية كان نتيجة انضمام السبئية إلى المختار: تقول الدكتورة وداد القاضي: لقد تمكنت الكيسانية من التغلب على صدمة وفاة ابن الحنفية عن طريق اللجوء إلى عقيدة السبئية في علي، وهي العقيدة التي تتلخص بعدم الإيمان بموت الإمام، بل اعتقاد حياته رغم ما ظهر للناس من موته واعتبار اختفائه غيبة سيرجع منها( ).
وأما قولهم بالرجعة العامة فقد قالت فرقة منهم: "يرجع الناس في أجسامهم التي كانوا فيها ويرجع محمد صلى الله عليه وسلم وآله وجميع النبيين فيؤمنون به ويرجع علي بن أبي طالب فيقتل معاوية بن أبي سفيان وآل أبي سفيان، ويهدم دمشق حجرا حجرا ويغرق البصرة ( ).
وإذا علمنا أن أول من قال بالرجعة هو عبد الله بن سبأ، فهو الذي أدخلها في الفكر الشيعي وبدأها في شخص النبي عليه الصلاة والسلام. وكونه يهوديا وقد تثقف بالثقافة اليهودية يؤكد أن مصدر الفكرة مصدر يهودي، وفي ذلك يقرر الدكتور أحمد أمين أن فكرة الرجعة هذه أخذها عبد الله بن سبأ من اليهودية ( ).
عقيدة الوصي
من بين الأفكار التي ألقى بها ابن سبأ في المحيط الشيعي فكرة الوصية. وفرق الغلاة التي تلت ابن سبأ انتفعت بتلك الفكرة وصار كل واحد من الغلاة يدعي أنه وصي أحد الأئمة وأنه خليفته من بعده، فكثرت الوصايا، وزاد بذلك المدعون وأصبحت الوصية بمثابة تسويغ شرعي لغلوهم وانحرافهم.(24/48)
فمثلا ادعى غلاة الكيسانية أنهم أوصياء لأبي هاشم، وادعى المغيرة وصية الإمام الباقر، كذلك فإن الوصية هي التي نقلت الإمامة من البيت العلوي إلى البيت العباسي، وقد فتحت مجالات واسعة للغلو أطلق عليه "الغلو العباسي"، وساهمت إلى حد كبير في إدخال الأفكار المجوسية. والجدير ذكره أنه قد تنبه إلى مصدرها قديما كل من النوبختي والقمي، وأورد النوبختي عبارة "عبد الله بن سبأ كان ممن أظهر الطعن على أبي بكر وعثمان والصحابة، وتبرأ منهم، وقال إن علياً عليه السلام أمره بذلك فأخذه علي فسأله عن قوله هذا فأقر به فأمر بقتله، فصاح الناس إليه: يا أمير المؤمنين أتقتل رجلا يدعو إلى حبكم أهل البيت وإلى ولايتك والبراءة من أعدائك، فصيره إلى المدائن.
وحكى جماعة من أهل العلم من أصحاب علي عليه السلام أن عبد الله بن سبأ كان يهوديا فأسلم ووالى عليا عليه السلام، وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون بعد موسى عليه السلام بهذه المقالة، فقال في إسلامه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وآله في علي عليه السلام بمثل ذلك. وهو أول من شهر القول بفرض إمامة علي عليه السلام، وأظهر البراءة من أعدائه وكاشف مخالفيه"( ).
ويعقب النوبختي بقوله "من هناك قال من خالف الشيعة إن أصل الرفض مأخوذ من اليهودية" ( ).
وقول النوبختي يبين أن فكرة الوصية التي نادى بها ابن سبأ كانت موالاة للإمام على لكنها كانت من جهة أخرى تعتبر طعنا في الصحابة ونيلا منهم وسببا في إحداث الوقيعة بين المسلمين، ووضع الإمام عليا في موقف حرج تجاه الخلفاء الثلاثة الذين كان يجلهم ويكن له كل اكبار، وكما علمنا فإن الوصية للإمام علي كان من بين بنودها أن عثمان مغتصب للخلافة فهو لم ينفذ وصية الرسول عليه الصلاة والسلام فساهمت بذلك في إحداث الفتنة الكبرى.(24/49)
وكل ذلك يوحي بروائح الفتنة اليهودية والتآمر اليهودي وفوق هذا يضع النوبختي أيدينا على المنبع الذي استقى منه ابن سبأ هذه الفكرة فقال "إنه كان يقول في يهوديته بوصية موسى ليوشع عليهما السلام، ونقل هذه الفكرة إلى وصية رسول الله عليه السلام لعلي بن أبي طالب بل إن النوبختي يثبت لنا مدى أهمية يهودية الفكر، فيذكر أن أعداء الشيعة أرجعوا التشيع إلى اليهودية لوجود فكرة الوصية.
وإلى مثل ذلك ذهب الشهرستاني( ) ،ويضيف البغدادي إلى أن ابن سبأ ذكر الناس أنه وجد في التوراة أن لكل نبي وصيا، وأن عليا رضي الله عنه وصي محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه خير الأوصياء كما أن محمدا خير الأنبياء( ).
فابن سبأ لم يبتدع تلك الفكرة من خياله، وإنما قرأها ووجدها في التوراة، ونقلها من التراث اليهودي إلى الفكر الشيعي.
الخومينية والمذهب الإمامي:
استحدث الدستور الذي ابتدعه الخميني (نظرية ولاية الفقيه) والتي تزعم بأن الفقيه الذي يرمز له بشخصه يتمتع بولاية عامة وسلطة مطلقة على شئون البشر باعتباره (الوصي) على شئون البلاد والعباد في غيبة (الإمام) المنتظر.
والمادتان الأولى والثانية من الدستور الذي وضعه خميني تنصان على أن:(24/50)
تكون ولاية الأمر والأمة في غيبة الإمام المهدي ـ عجل الله فرجه (هكذا) للفقيه العادل وهذا النص في الدستور الذي ابتدعه الخميني يعد من المبتدعات في المذهب الإمامي على كثرة ما فيه من مبتدعات. فالقدماء والمحدثون من أئمة المذهب أمثال الكليني والصدوق والمفيد والطبرسي ومرتضى الأنصاري والنائيني لم يتجاوزوا بالفقيه العادل مرتبة (الولاية الخاصة) حيث لا يوجد دليل قطعي مستفاد يدل على وجوب طاعة الفقيه طاعة مطلقة في الأحكام العامة والخاصة، كما أن إثبات الولاية العامة للفقيه ينتهي لا محالة إلى التسوية بينه وبين الإمام المعصوم الذي يقولون به، ومن ثم فمنح الإمام لنفسه الولاية العامة يرفعه إلى مقام الأئمة المعصومين الذين يزعمهم المذهب ويقول بوجودهم.
وعليه فالدستور الذي يرمز إليه بدستور الحكومة الإسلامية يستمد مواده وأفكاره من ذاتية واضعه باعتباره فيما ادعاه لنفسه حجة مطلقة ونائبا للإمام الغائب في الفصل بين الأشياء.
والعلماء والباحثون يجدون أنفسهم أمام دعوى للقانون أو النظام يقيم الحكومة الإسلامية على أساس (ثيوقراطي) يستند إلى حق إلهي مفروض يسوي بين الدين والمذهب خاصة فيما ورد في المادة الثانية عشرة.
ومعظم مواد الدستور الإيراني ـ والذي راجع مواده الخميني مادة مادة ـ تستند إلى رأي منفرد بذاته هو رأي (الحاكم المتأله) الذي يدعي لآرائه واجتهاداته العصمة واليقين، حيث يقوم الزعم بأن السلطة الروحية للإمام الخميني ومن ثم من يخلفه تعتبر خارج النطاق الإنساني، فقد نص الدستور في المادة السابعة والخمسين على أن (السلطات الحاكمة في جمهورية إيران الإسلامية هي عبارة عن السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية التي تمارس تحت إشراف ولاية الأمر وإمامة الأمة).
إن هذا الاعتقاد كما هو واضح يسد منافذ الاجتهاد ويصادر حرية الرأي والاستنباط أمام أهل العلم من مجتهدي الأمة.(24/51)
وهذا الاعتقاد في الإمام لا يمكن أن يصدر عن اعتقاد إسلامي صحيح أو مبدأ يعترف به فقهاء المذاهب الإسلامية، ولكنه يرتد إلى أصول فارسية تدور حول ما يسمى (التوقير) أو الطاعة المطلقة والانقياد التام للسلطة السياسية الدينية التي يمثلها تراث فارس السياسي والديني (لكسرى) قبل الإسلام.
ومن دراسة الوقائع المستفادة من قراءة تاريخ الحركات السياسية الهدامة التي ظهرت في بلاد فارس يتبين أنها كانت تعتمد جميعا على دعوى (الولاية الروحية) التي تجعل من قيامها بالإنابة عن المهدي أساسا لبرامجها وخططها للسيطرة على السلطة متخذة من زعم يقول: "أن الولاية فيض دائم أو نبوة مستمرة" لكي تفرض على أنصارها وأتباعها الاستسلام المطلق والطواعية العمياء وتبلغ التبعية الصارمة لمدعي الولاية الروحية صورا لا يقبلها دين ولا يقرها عقل لأنها تبعية قائمة في جوهرها على (التوقير الوثني) ولذا فإن الواقع الذي تعيشه مجتمعات يسيطر عليها مثل هذا الاعتقاد يمثل حالة من حالات (الفوضوية) المعبرة عن (نزعة طوبائية) تتنكر للواقع وضروراته، ومن ثم تتنكر للإسلام وكل تاريخه وتستبيح في هذه العقيدة أو في ظل هذه الفوضوية هتك الحرمات واغتيال الإنسان والتجاوز على مقدرات الأفراد ومصادرة حقوق الأمة.
إن نظرية ولاية الفقيه المطلقة التي قال بها خميني تنحسر إزاءها إرادة الإنسان وحريته في الاجتهاد والتفكير. وإن الوقائع التي تنكشف كل يوم والتي تنقلها الإذاعات الأجنبية ووكالات الأنباء إنما تشير في محصلتها النهائية إلى حقيقة صارخة ومؤلمة تلك هي اغتيال الإنسان واغتيال وجوده باسم الإسلام والثورية. والإسلام لا يقر ولا يرضى هذا اللون من القهر السياسي حتى مع خصومه.(24/52)
إن مما يجب أن تنبه له الأجيال المسلمة في العالم أجمع أن الأطماع الفارسية التي تعبر عن نفسها بالعدوان والسيطرة والهيمنة ومحاولة ضرب (السيادة العربية) على أرض الأمصار الإسلامية إنما يهدف إلى تمزيق الأمة الإسلامية، ووأد الصحوة التي كانت تباشيرها تؤذن باتجاه مجتمعات عديدة نحو الإسلام عقيدة وشريعة وخطاب عدل وإنصاف، وأن مما يجب أن تنتبه له الأجيال المسلمة أن عقيدة (الولاية الروحية) قد استغلت مثلما كان يحدث عبر أطوار عديدة من التاريخ الوثني لفارس والتاريخ السياسي للإمامية.
وكانت عقيدة الولاية الروحية تجسد دائماً وأبدا الأطماع الفارسية ضد جيرانها، وخاصة عندما كان يتاح لهذه الأطماع شخصية فارسية (متميزة بحب الدم والعدوان ) تلبس الصفات الروحية المتوهمة أداة لها ووسيلة ضد جيرانها.
فدراسة حركات الزنادقة والشعوبية والأبي مسلمية والمقنعية والخرمية والصفوية تقوم دليلا على أن هذه الحركات ليست من الإسلام في شيء،متخذة من إدعاء النسب العلوي أدوات للتغرير بالسذج والبسطاء لتحقيق مآرب الحقد والأطماع العنصرية وإحياء النزعات الشعوبية التي يفيض بها تاريخ فارس القديم والحديث على السواء.
دستور الحكومة الإسلامية
إن دراسة متأنية لمواد دستور الحكومة الإسلامية الإيرانية تبين أن هذا الدستور ليس إلا محاولة عصرية من محاولات سابقة لأسلاف الخميني من مؤسسي الحركات الهدامة والمذاهب الباطنية التي تستهدف صياغة أفكار عقدية ونظريات سياسية تستند إلى الفكر الطائفي لتكريس المذهبية الشعوبية.(24/53)
إن قراءة نص المادة الثانية عشرة مما يسمى (الدستور الإسلامي لجمهورية إيران الإسلامية) والتي تقول بالحرف: (الدين الرسمي لإيران هو الإسلام والمذهب الجعفري الأثنى عشري) يتضح منها، أن هذا الدستور ساقط الاعتبار في ميزان الإسلام فهو ليس دستور دولة إسلامية كما ادعى المشروع، ولكنه الصدى الطبيعي لواقع المذهب الذي يعتبر كل من ليس إماميا فليس بمسلم.
والنص في الدستور على أن مذهب الدولة هو المذهب الإمامي يؤكد بالقطع على أن الدستور الإيراني الذي وضع بإملاء الخميني ليس لجميع المسلمين حتى في إيران نفسها ولكنه وضع لطائفة عرقية خاصة ومذهب في الاعتقاد معين لا يصح العمل عند الإماميين بغيره كما لا يصح عندهم تجاوزه إلى ما سواه.
إن الواجب في دساتير الأنظمة المسلمة أن تقوم الدولة على الإسلام وحده دون الاعتماد على مذهب معين، فحين يتبنى رئيس دولة حكما من الأحكام فإنما يجب أن يتبناه بناء على قوة الدليل وليس بناء على عامل الوراثة العرقية أو التعصب المذهبي. ومما يؤكد شعوبية الدستور ومذهبيته الطائفية وعدم تعبيره عن جوهر التشريع الإسلامي هو ما نصت عليه المادة الخامسة عشرة من أن: (اللغة والخط الرسميان للشعب الإيراني هما الفارسية، ويجب أن تكون الوثائق والمكتبات والمتون الرسمية والكتب الدراسية بهذه اللغة والخط).
فإذا علمنا أن الدولة الإسلامية منذ أقيمت في أيام الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ والخلفاء لم تستعمل غير اللغة العربية لغة رسمية حتى أن جميع من أسلم من غير العرب كان يتقن العربية أو يتعلمها، لا لأنها لغة العرب بل على أساس أنها لغة الإسلام.(24/54)
وهذا يتضح من قراءة نص المادة الخامسة عشرة التي تدل على أن الدستور الإيراني وضع لدولة قومية وليس لدولة إسلامية، لأن للإسلام لغة واحدة بحكم أنها لغة القرآن الكريم الذي هو كلام الله تعالى ولغة السنة النبوية المطهرة التي هي بيان للقرآن فالإسلام واللغة العربية متلازمان أبدا ولا يجوز الفصل بينهما ناهيك عن إهمال اللغة العربية في مجتمع يدعي الإسلام يهدف من إهمالها القضاء على التراث الإسلامي المدون بها.
ولو كان الدستور الإيراني دستوراً لدولة إسلامية لوجب النص فيه على أن لغة الدولة هي اللغة العربية حتى وإن بقيت الفارسية لغة محلية.
ويزيد الطين بلة القسم الذي يؤديه أعضاء المجالس النيابية في برلمان الثورة الإسلامية المزعومة، فقد ورد في هذا القسم بضرورة أن يقسم النائب بالله القادر المتعال وبالقرآن الكريم وبشرفه الإنساني من أجل العبارة التي جاءت بالحرف في صيغة القسم: (بأن أكون حارسا لمكاسب الثورة الإسلامية للشعب الإيراني) فأين هذا النص مما ينبغي أن يكون عليه ولاة الأمر حين كان يوجههم الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويقول: (أنت على ثغرة من ثغور الإسلام فلا يؤتين من قبلك).
إن المستقرئ للدستور الإيراني يتأكد له أنه ليس دستورا إسلاميا، ولم ينبثق من عقيدة الإسلام. إن نص المادة الثانية عشرة تلزم مجلس الشورى بالتقيد التام بقواعد المذهب الجعفري ولا تجيز له سن أي قانون وفقا لقواعد أي من المذاهب الإسلامية الأخرى. والعجيب الغريب أن المشرع الإيراني لم يراع أن الشعوب الإيرانية بحكم تنوع قومياتها ومذاهبها الدينية لا تتبع مذهبا واحدا بعينه.(24/55)
وإلزام الجميع بمذهب واحد هو نوع من الجبر والقهر والسيطرة الطائفية والمذهبية، فإذا ما أضيف إلى ما في المادة الثانية عشرة من نص على الطائفية والمذهبية ما جاء بنصوص المادة الخامسة عشرة التي تشترط في رئيس الجمهورية (أن يكون إيراني الأصل، ويحمل الجنسية الإيرانية مؤمنا ومعتقدا بمبادئ الجمهورية الإسلامية والمذهب الرسمي للدولة) يتضح لنا أن هذا الدستور ما وضع إلا للمحافظة على النزعة العنصرية والأطماع الإيرانية المتأصلة في نفوس الفرس الذين يحلمون بالهيمنة على مقدرات الشعوب المجاورة ذات يوم باسم الدين الإمامي ونزعته العنصرية.
عقيدة الشيعة في القرآن
عقيدة الشيعة في القرآن، لا بد لمن يتناولها بالعرض أو النقد من أن يرجع إلى أمهات كتب القوم ومراجعهم الأصلية في الحديث والتفسير حتى يكون منصفاً في الحكم، وعادلاً في الاستنتاج، لأنه عليها مدار عقائدهم ومعول خلافاتهم مع الآخرين.
وفي ضوء البحث العلمي والنقد الموضوعي يلزم الباحث المنصف أن يكون ثابتاً عن أئمتهم، في كتب الحديث أو التفسير، وخاصة الكتب القديمة التي روت هذه الروايات بالسند، أو وافق على صحتها أئمة القوم المعصومين على ما يقول به المذهب.
ونحن نلزم أنفسنا في هذه القضية أن لا نورد شيئا إلا ويكون صادرا من واحد من الأئمة الاثنى عشر، ومن كتب الشيعة في عصر الأئمة قاطبة من بكرة أبيهم ـ ولا استثني منهم واحداً ـ كانوا يعتقدون أن القرآن محرف ومغير فيه، زيد فيه ونقص منه كثير.
وإذا ما بدأنا من كتاب (الكافي) للكليني، الذي قيل فيه من قبل علماء المذهب هو أجل الكتب الأربعة الأصول المعتمدة عليها، لم يكتب مثله في المنقول من آل الرسول، لثقة الإسلام محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي المتوفى سنة 328هـ( ).(24/56)
"هو عندهم أجل الكتب الإسلامية، وأعظم المصنفات الإمامية، والذي لم يعمل للإمامية مثله، قال المولى أمين الاسترآبادي في محكى فوائده: سمعنا عن مشائخنا وعلمائنا أنه لم يصنف في الإسلام كتاب يوازيه أو يدانيه"( ).
وايضاً "الكافي... أشرفها وأوثقها، وأتمها وأجمعها لاشتماله في الأصول من بينها، وخلوه من الفضول وشينها"( ).
وذكر الخوانساري أن المحدث النيسابوري قال في الكافي:
"ثقة الإسلام، قدوة الأعلام، والبدر التمام، جامع السنن والآثار في حضور سفراء الإمام عليه أفضل السلام، الشيخ أبو جعفر محمد بن يعقوب الكليني الرازي، محيي طريقة أهل البيت على رأس المائة الثالثة، المؤلف لجامع (الكافي) في مدة عشرين سنة، المتوفى قبل الغيبة الكبرى رضي الله عنه في الآخرة والأولى، وكتابه مستغن عن الإطراء، لأنه رضي الله عنه كان بمحضر من نوابه عليه السلام، وقد سأله بعض الشيعة من النائية تأليف كتاب (الكافي) لكونه بحضرة من يفاوضه ويذاكره ممن يثق بعلمه، فألف وصنف وشنف، وحكى أنه عرض عليه فقال: كاف لشيعتنا"( ).
فما الذي يقوله الكليني في الكافي؟؟ يروى عن علي بن الحكم عن هشام بن صالح عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "إن القرآن الذي جاء به جبرائيل عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم وآله سبعة عشر ألف آية"( ).
والمعروف والثابت بالنقل والتواتر والحفظ أن القرآن ستة آلاف ومائتان وثلاث وستون أية، ومعنى كلام الكليني في (الكافي) أن ثلثي القرآن راح على أدراج الرياح، والموجود هو الثلث، ولقد صرح بذلك جعفر بن الباقر كما ذكر الكليني في كافيه أيضاً تحت باب "ذكر الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة عليها السلام".(24/57)
"عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن عبد الله الحجال عن أحمد بن عمر الحلبي،عن أبي بصير قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقلت له: جعلت فداك إني أسألك عن مسألة، ههنا أحد يسمع كلامي؟ قال: يا أبا محمد سل عما بدا لك. قال جعلت فداك عن شيعتك يتحدثون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علم علياً عليه السلام باباً يفتح له منه ألف باب؟ قال: فقال: يا أبا محمد علم رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله علياً عليه السلام ألف باب يفتح من كل باب ألف باب قال: قلت: هذا والله العلم قال: فنكت ساعة على الأرض ثم قال:إنه لعلم وما هو بذاك( ).
قال: ثم قال: يا أبا محمد وإن عندنا الجامعة وما يدريهم ما الجامعة؟ قال: قلت: جعلت فداك وما الجامعة؟ قال: صحيفة طولها سبعون ذراعاً بذراع رسول الله صلى الله عليه وآله وإملائه من فلق فيه وخط علي بيمينه، فيها كل حلال وحرام، وكل شيء يحتاج الناس إليه حتى الأرش في الخدش. وضرب بيده إلي فقال: تأذن لي يا أبا محمد؟ قال: قلت: جعلت فداك إنما أنا لك فاصنع ما شئت، قال: فغمزني بيده وقال: حتى أرش هذا ـ كأنه مغضب ـ قال: قلت: هذا والله العلم قال: إنه لعلم وليس بذاك.
ثم سكت ساعة، ثم قال: وإن عندنا الجفر وما يدريهم ما الجفر؟ قال: وعاء من أدم فيه علم النبيين والوصيين، علم العلماء الذين مضوا من بني إسرائيل، قال: قلت: إن هذا هو العلم، قال إنه لعلم وليس بذاك.
ثم سكت ساعة ثم قال: وإن عندنا لمصحف فاطمة عليها السلام وما يدريهم ما مصحف فاطمة عليها السلام؟ قال: قلت: وما مصحف فاطمة عليها السلام؟ قال: مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد، قال: قلت: هذا والله العلم قال إنه لعلم وما هو بذاك.
ثم سكت ساعة ثم قال: إن عندنا علم ما كان وعلم ما هو كائن إلى أن تقوم الساعة، قال: قلت جعلت فداك هذا والله هو العلم، قال: إنه لعلم وليس بذاك.(24/58)
قال: قلت: جعلت فداك فأي شيء العلم؟ قال: ما يحدث بالليل والنهار، الأمر من بعد الأمر، والشيء بعد الشيء، إلى يوم القيامة( ).
فأي قسم الذي حذف؟ يبينه الكليني أيضا من إمامه المعصوم محمد الباقرـ الإمام الخامس عند القوم ـ حيث يروي:
"عن أبي علي العشري عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان عن إسحاق بن عمار عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال: نزل القرآن أربعة أرباع،ربع فينا وربع في عدونا وربع سنن وربع فرائض وأحكام"( ).
ومثله روى عن علي رضي الله عنه حيث أورد الرواية:
"عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد، وعلي بن إبراهيم، عن أبيه، جميعاً عن ابن محبوب، عن أبي حمزة، عن أبي يحيى، عن الأصبغ بن نباتة قال: سمعت أمير المومنين عليه السلام يقول:
نزل القران أثلاثا: ثلث فينا وفي عدونا، وثلث سنن أمثال، وثلث فرائض وأحكام"( ).
كتاب الشهر العدد 24
الخلافة والخلفاء الراشدون بين الشورى والديمقراطية
تأليف: المستشار سالم البهنساوي
وضع المستشار سالم البهنساوي للمكتبة الإسلامية عدداً من الكتب النفيسة، في توضيح صورة الإسلام، والذب عنه، وبيان الافتراءات التي ألصقت فيه، وفيمن حمله من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن هذه الكتب: الحقائق الغائبة بين الشيعة وأهل السنة، وقد قمنا في العدد التاسع من الراصد بالتعريف به، ومن كتبه "السنة المفترى عليها"، ومنها كتاب "الخلافة والخلفاء الراشدون بين الشورى والديمقراطية" الذي نحن بصدد تناوله في هذا العدد.(24/59)
وقد صدرت الطبعة الأولى من هذا الكتاب عن دار الزهراء للإعلام العربي في القاهرة سنة 1412هـ (1991م)، وهو دراسة عن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، تتناول أهم أعمالهم، وتمحص الخلافات المرويّة عنهم في كتب التاريخ، كما رأى المؤلف أن يقدم مع هذه الدراسة فصلاً عن ظروف تدوين التاريخ الإسلامي، والواجب عند تناول هذه المصادر التاريخية، مع بيان مركّز عن الخلافة الإسلامية، والفرق بينها وبين الحكومة الدينية في أوربا، وأهم الفوارق بين سيادة الأمة في النظام الديمقراطي الغربي والإسلامي.
وفي مقدمة الكتاب، يعرب المؤلف عن أمله في أن يساهم كتابه مع غيره من جهود الآخرين في بيان الحقائق التاريخية عن الخلافة، وعن الخلفاء الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم وعاهدوه، وباعوا أنفسهم وأموالهم في سبيل الله، وشهد القرآن الكريم لهم بذلك مما يقطع ألسنة من يرميهم بالنفاق.
وقد قسم المؤلف كتابه الواقع في 334 صفحة من القطع الكبير إلى ستة فصول: تناول في الأول حقيقة الدراسات التاريخية، وفي الثاني مسألة الخلافة ورئاسة الدولة، وفي الثالث: الخليفة الأول أبو بكر الصديق، وفي الفصل الرابع يتناول سيرة عمر بن الخطاب وعصره، وفي الخامس: عثمان بن عفان، وفي السادس: علي بن أبي طالب.
الفصل الأول: حقيقة الدراسات التاريخية
وفي هذا الفصل عدد من المباحث، يتحدث أولها عن أن الدراسات التاريخية الحديثة عن العالم العربي والإسلامي ظلت حكراً على مجموعة من الكتاب الذين يعادون الأديان بصفة عامة، والإسلام بصفة خاصة، فالدين في زعمهم اختراع بشري لا يصلح لكل زمان ومكان!
ومن تلك الكتب: "معالم تاريخ الإنسانية"، وهو معجم ألّفه هـ . ج ولز ومجموعة من أساتذة الجامعات، "وموجز تاريخ العالم" للمؤلف نفسه، "وموسوعة تاريخ العالم" للانجر، وقصة الحضارة لديورانت.(24/60)
أما الكتب التي تعرضت لتاريخ الإسلام وحضارته، فإنها سارت على المنوال نفسه، مثل كتاب "حضارة العرب" للمستشرق جوستاف لوبون، وفيه يقول أن الإسلام من اختراع النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وبنفس القول جاء كتاب " الدعوة إلى الإسلام" لتوماس أرنولد.
وعلى منوال المستشرقين سار بعض من انتسبوا للإسلام في كتاباتهم عن التاريخ الإسلامي ومن أبرز هؤلاء:
1ـ طه حسين، في كتبه: "الشيخان"، و "الفتنة الكبرى"، و "مرآة الإسلام"،وفيها يكذب أقوال الصحابة، ويلجأ إلى أقوال المنافقين والمرجفين. والأدهى من ذلك أن طه حسين استغل منصبه كرئيس للجنة الثقافية بجامعة الدول العربية ونشر كتاب "قصة الحضارة" الذي يقول البهنساوي عنه أنه يهدم الدين والتدين.
2ـ أيضاً بعض الباحثين الذين تنقصهم أدوات البحث العلمي أو التصور الصحيح للتاريخ الإسلامي: كعلي حسن الخربطلي، وغيره، فقد كانوا يلجأون للروايات المكذوبة ويضعونها أمام قرائهم، كما أنهم كانوا يفسرون الروايات الصحيحة على هواهم، من قبيل زعم الخربطلي أن الجهاد لم يكن لنشر الإسلام، بل لإبعاد المسلمين عن الدعة والترف.
وبعد أن يناقش المستشار البهنساوي منهج طه حسين الملقب بعميد الأدب العربي في تناوله للمسائل التاريخية، وأنه لا يتبع منهجاً علمياً يقوم على تمحيص الروايات يؤكد على وجوب تحقيق الروايات، ويعقد لذلك مبحثاً مستقلاً، وفيه يقول: "لقد تمكن هؤلاء المنافقون من إحداث الفتنة التي أدت إلى قتل أمير المؤمنين عثمان بن عفان، وإلى الحروب بين الصحابة، ومقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ولهذا فمن اليسير أن يختلقوا الوقائع، ويروجوا الأكاذيب التي تصور صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم تصويراً يكذب توثيق القرآن لهم" ص23.(24/61)
ويؤكد المؤلف أن هؤلاء المنافقين استغلوا أن الأحاديث النبوية، وأحداث السيرة كانت تتداول بين المسلمين بالرواية، دون أن تدوّن أو تكتب كالقرآن الكريم، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك كي لا يختلط القرآن بغيره.
ولما جاء الخليفة عمر بن عبد العزيز رحمه الله، وهو من طبقة التابعين، أمر بتدوين السنة وجمعها، وتمحيصها، وتولى هذه المهمة الإمام محمد بن شهاب الزهري، المتوفى سنة 124هـ، واتخذ العلماء والمحدثون منهجاً صارماً في رواية وقبول الأحاديث.
أما تدوين التاريخ والسيرة النبوية، فإن بدايته تمثلت في كتاب "سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي كتبه محمد بن إسحاق، المتوفى سنة 151هـ، ويليه سيرة ابن هشام، المتوفى سنة 213هـ، ثم كتاب المغازي والسير للواقدي، المتوفى سنة 207هـ ، ويليه الطبقات الكبرى لابن سعد، المتوفى سنة 290هـ.
لكن هؤلاء المؤرخين وغيرهم لم يلتزموا منهج علماء الحديث في تحقيق الروايات، وترتب على ذلك تدوين بعض الأخبار الكاذبة ظناً منهم أن الأمانة تقتضي تدوين ما انتهى إليه علمهم، ولو كانت رائحة الكذب تفوح منه.
وقد أشار المؤلف إلى كلام شيخ المؤرخين الإمام الطبري في مقدمة كتابه "تاريخ الأمم والملوك" حول إيراد جميع الروايات الصحيحة والمكذوبة على حد سواء، حيث يقول الطبري: ".. فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين مما يستنكره قارئه، أو يستشنعه سامعه من أجل أنه لم يعرف له وجهاً من الصحة، ولا معنى في الحقيقة، فليعلم أنه لم يؤت في ذلك من قبلنا، وإنما أتى من قبل بعض ناقليه إلينا، وإنا إنما أدينا ذلك على نحو ما أدي إلينا".
لكن المستشار البهنساوي يلفت في ص27 من كتابه إلى أن نفراً من خصوم الإسلام في الغرب والشرق قد تصيدوا هذه الشناعات والروايات الكاذبة ليهدموا صرح الإسلام عن طريق التشكيك في رجاله الأمناء على دعوته.(24/62)
ويقول: لقد ترجمت بعض كتب الأدب التي تحوي هذه الشناعات إلى معظم اللغات الحيّة لتقدم عن الخلفاء والأمراء صورة سيئة.
ويضيف: لقد استفاد خصوم الإسلام من عدم تحقيق هذه الروايات، فنقلوها كما هي، ونسبوها إلى المؤرخين، ليضعوا عليها الثقة، وهي من الأكاذيب، فمثلاً ينقل الطبري عن أبي مخنف( ) خيراً عن التحكيم، ثم نقله عنه ابن مسكويه،وابن الأثير، وابن كثير، وابن خلدون... ويخيل للقارئ أن الخبر قد رواه ستة من الرواة، وورد في ستة مصادر تاريخية،وهو في الحقيقة قد رواه شخص واحد هو أبو مخنف الأزدي، ومصدر واحد هو الطبري...
أما عدم تمحيص الروايات في كتب المؤرخين، فيعزوه المؤلف إلى سببين:
1ـ أنه قد نشأ علم الجرح والتعديل الذي كان المقياس لقبول الرواية أو ردّها، فكان معلوماً أن هذه الروايات لن تؤخذ قضايا مسلمة.
2ـ أن المؤرخين أرادوا ـ من خلال تدوين كل ما هبّ ودبّ ـ ألاّ يحول الموت بينهم وبين جمع الأخبار، وكان عذرهم أنهم يذكرون أسماء رواة الأخبار، ليكونوا محل بحث وتمحيص.
وفي المقابل، برز عدد من المؤرخين طالبوا باتخاذ موقف نقدي إزاء روايات الأقدمين التاريخية، بل ورفضها إذا اقتضى الأمر، وبرز من هذا الفريق الإمام أبو بكر بن العربي في كتابه "العواصم من القواصم"، والإمام عبد الرحمن بن خلدون في كتابه " العبر وديوان المبتدأ والخبر".(24/63)
وفي هذا الفصل أيضاً يتناول المؤلف عدداً من كتب الأدب التي أساءت للتاريخ الإسلامي، فهي كانت تهتم بالأسلوب المشوق قبل أي اعتبار آخر، بل وفي سبيل "جمال العرض وحصافة الفكرة وركازة الأسلوب" لم يتوان كثير من الكتاب والأدباء عن اختراع القصص وتلفيق الأخبار، ومن الأمثلة على ذلك كتاب البخلاء للجاحظ، الذي لمز وعاب كثيراً من علماء المسلمين بلا تورع، وكتاب "البيان والتبيين" للجاحظ أيضاً،فقد أورد فيه خطباً كثيرة نسبها إلى أمير المؤمنين علي ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، والمراسلات المتبادلة بينهما، وفيها من البذاءة ما يتنزه عنه صغار الناس فضلاً عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويورد المؤلف عدداً آخر من كتب الأدب التي نهجت هذا النهج ـ وإن كانت تتفاوت مع ما كتبه الجاحظ ـ مثل العقد الفريد لابن عبد ربه، والكامل للمبرد، والأمالي لأبي علي القالي، والمستطرف للإبشيهي، ومجالس ثعلب، ويقول:
"وكل هذه الكتب لا يجحد فضلها في مجال الأدب واللغة، ولكن من غير الإنصاف أن تصبح أخبارها مصادر للتاريخ الإسلامي يستمد منها بعض الكتاب ما يؤيدون به وجهة نظرهم".
وتحت عنوان "التزوير العلمي للتاريخ الإسلامي" يعقد المؤلف مبحثاً يؤكد فيه أن تدوين التاريخ إنما هو "تسجيل للوقائع والأحداث دون أن يمتد عقل الكاتب وفكره ومذهبه إلى هذه الأحداث"، وهذا ما يعرف ويسمى بالمذهب الموضوعي في كتابة التاريخ، وهو ما التزم به الكتّاب والمؤرخون القدامى.
ولكن في القرن التاسع عشر، ظهر اتجاه تزعمه فرويد يخول للمؤلف والكتاب أن يدخل عقيدته وفكره في التاريخ متعللاً أن من حقه تفسير الأحداث التاريخية، وتعليلها والحكم على أصحابها.
وقد اتبع هذا النهج بعض المفكرين الغربيين، وأكثر المفكرين الشيوعيين، لخدمة مذاهبهم، وبذلك حرّفوا أحداث السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي تحت ستار الأسلوب العلمي في تفسير التاريخ.(24/64)
ويورد المؤلف في صفحة 40 من الكتاب عدداً من الأمثلة لهذا التزوير منها: زعم مونتغمري وات في كتابه "محمد في مكة" أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذهب إلى غار حراء للاصطياف لأنه كان فقيراً، لا يملك السفر إلى الطائف! ومنها زعم المستشرق نفسه في كتابه "محمد في المدينة" أن المسلمين الأوائل أسلموا لتحسين أوضاعهم المادية!
ويختم البهنساوي هذا الفصل بالدعوة لإيجاد منهج لكتابه للتاريخ الإسلامي، وهذا المنهج يقوم ـ بحسب المؤلف ـ على الاعتقاد بعدالة الصحابة وتوثيق القرآن لهم، ثم باعتماد أصول الجرح والتعديل المطبقة في علم الحديث على التاريخ والسير، فلا تقبل إلاّ رواية الثقة عن مثله.
أما الطعن في الصحابة، والتقليل من شأنهم ومكانتهم وجهادهم، فيؤكد المؤلف أن هدفاً خبيثاً وراء هذا المنهج، وهو "إظهار هذا الرعيل الأول بالمظهر التافه، فيسهل عليهم أن يتناولوا كل واحد منهم بالطعن والتجريح، ثم بعد ذلك يقولون للمسلمين والعرب: انظروا إلى أجدادكم وبناة مجدكم: كانوا هكذا على جانب من الحرص والطمع والتكالب على الحطام الحقير".
الفصل الثاني: الخلافة ورئاسة الدولة
وفي هذا الفصل يوضح المؤلف تميز نظام الخلافة الإسلامية، التي بدأت مع عصر الخليفة الأول أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ويبين أن الإسلام لا يعرف نظام الحكومة الدينية الذي كان سائداً في أوربا في القرون الوسطى، أي السلطة الفردية المطلقة، وهي التي كان يتمتع بها رؤساء الكنيسة، حيث كانوا يجمعون في حكمهم بين سلطة التشريع والتنفيذ والقضاء، فيشرعون للناس من عند أنفسهم، ويقولون إنه من عند الله لأنهم يتكلمون باسم الله.(24/65)
أما خليفة المسلمين، فيختاره الناس ويعزلونه ويحاسبونه، ولقد رفض أبو بكر أن يسميه أحد بخليفة الله، لأن الخلفاء ليس لهم سوى السلطة الدنيوية، أما السلطة التشريعية فهي تتمثل في القرآن والسنة. أما السلطة القضائية ففي بداية الحكم الإسلامي تولاها النبي صلى الله عليه وسلم لعدم وجود ضرورة لتفرغ آخرين للقضاء، وأيضاً لتكون إجراءاته وأحكامه تشريعاً ودستوراً للمسلمين من بعده، ثم إنه في حياته أسند القضاء في بعض الأمور إلى بعض الصحابة كعمر وعلي ومعاذ بن جبل وأبي موسى الأشعري.
ويبين المؤلف أن نظام الحكم والخلافة في الإسلام يستند إلى المبادئ التالية:
1ـ أنها مستمدة من سلطة الأمة عن طريق الاختيار.
2ـ أنها تنشأ عن طريق عهد وعقد بين الخليفة، وبين الأمة، وهذا العقد هو البيعة، وهي بيعة خاصة بين الخليفة وأهل العقد والحل، ثم بيعة عامة بينه وبين الناس جميعاً.
3ـ ارتكاز هذا النظام على الشورى، التي تختلف عن الديمقراطية في النظام الغربي.
وبذلك كان نظام الخلافة في الإسلام وسطاً بين النظرية الثيوقراطية التي تجعل الحاكم هو صاحب السيادة المطلقة، وبين نظرية الديمقراطية التي ظهرت بعد الثورة الفرنسية سنة 1789م وتنص على أن الأمة هي مصدر كل سيادة، وترتب على هذا أن الأمة تختار الحاكم وتحاسبه وتعزله،كما أنها تملك التشريع والتحليل والتحريم بدون أي قيد، حتى أحلت المجالس النيابية المحرمات والفواحش.(24/66)
وفي مبحثين عن الجزية والفتوحات يختم المؤلف هذا الفصل، ففيما يتعلق بالجزية يوضح أن المسلمين كانوا يأخذونها من القادرين الذين لم يدخلوا في الإسلام، ولم تكن نظاماً حديثاً جاء به الإسلام، إنما كان نظاماً معمولاً به في العالم كله، لكن جاء الإسلام وأجرى عليها قواعد العدل بحيث منع فرضها على غير القادرين، وجعل قيمتها ضئيلة لا تكاد تذكر بجانب أنواع الزكاة التي يدفعها المسلم، وأعفى أهلها من الخدمة العسكرية، كما فرض الكفالة الاجتماعية لهؤلاء سواء من دفع الجزية أو من أعفي منها.
أما الفتوحات فيبين أنها كانت إنقاذاً لأعراض الشعوب ودمائها وأموالها، حسبما سجله المؤرخون غير المسلمين، ولم يستخدم القوة إلاّ لتحرير الشعوب من الطغاة ليختار الناس ما يشاؤون من العقائد، وينقل بهذا الصدد قولاً للبطريرك ميخائيل الأكبر، بطريرك أنطاكيا جاء فيه: "إن إله الانتقام الذي تفرد بالقوة والجبروت، لما رأى شرور الروم الذين لجأوا إلى القوة فنهبوا كنائسنا وسلبوا أديارنا في كافة ممتلكاتهم، أرسل الله أبناء إسماعيل من الجنوب ليخلصنا على أيديهم من قبضة الروم".
الفصل الثالث: الخليفة الأول أبو بكر الصديق
بعد بيان نظام الخلافة في الإسلام، وبعض ما يتعلق بها كالجزية والفتوحات، يشرع المؤلف بدراسة سير الخلفاء الراشدين الأربعة رضي الله عنهم، ويذكر جهادهم ونصرتهم لدين الله، كيف لا وهم صفوة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.(24/67)
ويخصص هذا الفصل للخليفة الأول أبي بكر الصديق، فيذكر مكانته وإسلامه ومواقفه، واختياره خليفة للمسلمين في سقيفة بني ساعدة، ويفند المؤلف الكثير من الروايات التي لا تصح والتي تزعم تكالب الصحابة على الخلافة، ويبين أن الصحابة جميعهم أجمعوا على خلافة أبي بكر وأفضليته. ويتعرض كذلك إلى قضية أرض فدك التي خلّفها النبي صلى الله عليه وسلم وطلبتها فاطمة، ويبين أن أبا بكر رضي الله عنه تصرف في هذه القضية بما يمليه عليه اتّباعه للنبي صلى الله عليه وسلم وسنته( ).
ويتعرض في هذا الفصل إلى أهم الأحداث في عهد الصديق، ومنها إنفاذه لجيش أسامة الذي كان جهزه النبي صلى الله عليه وسلم لمقاتلة الروم، ومنها قتال المرتدين ومانعي الزكاة، وبداية الفتوحات ضد دولتي فارس والروم.
الفصل الرابع: الخليفة الثاني عمر بن الخطاب
وفيه يتحدث عن نشأته وإسلامه، ومواقفه بعد أن أسلم، وكيف عزّ به أمر المسلمين، ويفصل فيه الحديث عن مبايعته بالخلافة بوصية من أبي بكر، في وقت كانت الدولة الإسلامية تخوض الحروب ضد فارس والروم.
ويتوقف المؤلف عند بعض سياسات عمر الداخلية مثل جعله للمسلمين تاريخاً مستقلاً هو التاريخ الهجري، وتنظيمه لبيت مال المسلمين وتغييره لطريقة صرف الزكاة والصدقات، وإبقائها مدخرات، وقيامه بتدوين الدواوين أي إنشاء سجلات لأمور الجيش والزكاة وسائر الأمور الإدارية والمالية.
ويتناول المؤلف خلال حديثه عن الفاروق عمر جوانب من حرصه على رعيته وعلى كرامتهم، وعلى متابعته لولاته ومحاسبتهم، ثم يعرج على بيان الفتوح العظيمة التي تمت في عهده مثل فتح بلاد فارس والروم ومصر وبيت المقدس وغيرها.
وختم المؤلف هذا الفصل ببيان مؤامرة قتل عمر على يد المجوسي أبي لؤلؤة الذي كان غلاماً للمغيرة بن شعبة، ليبدأ عهد جديد، هو عهد الخليفة الثالث عثمان رضي الله عنه.
الفصل الخامس: الخليفة الثالث عثمان بن عفان(24/68)
ويبدأ المؤلف هذا الفصل بذكر نشأة عثمان وإسلامه وبيان كرمه، وحياته، وما قدمه للإسلام والمسلمين مثل تجهيز جيش العسرة، وشراء بئر رومية، وجعلها وقفاً للمسلمين، وإعتاقه للرقيق.
ويفرد المؤلف فصلاً للحديث عن قصة الشورى المعروفة، وكيفية اتفاق المسلمين على خلافة عثمان لمعرفتهم بفضله وسابقته في الإسلام، وقد تناولنا هذا الحدث في العدد الثامن من الراصد/ زاوية سطور من الذاكرة.
وفي هذا الفصل أيضاً يتناول المؤلف الفتوحات التي اتسعت زمن عثمان برّاً وبحراً، ثم يفصِّل في الافتراءات التي ساقها المنافقون والمرجفون ضده( ) تمهيداً لقتله رضي الله عنه، وموقف الصحابة من هذه المؤامرة.
الفصل السادس: الخليفة الرابع علي بن أبي طالب
ويذكر فيه نسبه وإسلامه، وبعض خصاله وفضائله، ومبايعته للخلافة في ظروف بالغة الصعوبة والتعقيد في أعقاب استشهاد الخليفة الثالث عثمان، ثم عزله للولاة الذين كان قد عينهم عثمان، ورفض معاوية والي الشام آنذاك تنفيذ هذا الأمر، ومطالبته بقتلة عثمان الذين كان معاوية يعتقد أنهم اندسّوا في جيش على، وإصرار علي على مبايعة أهل الشام له أسوة بباقي الأمصار، لتتطور الأحداث لينشب القتال بين المسلمين في وقعة الجمل، ثم صفين بعد ذلك، وقد تحدثنا عن هاتين المعركتين في العدد العاشر من الراصد.
وإزاء ما حلّ بالمسلمين من مآسٍ، وما استنزفته الحروب من جهودهم، تداعى المسلمون إلى التحكيم في أعقاب معركة صفين( ) لتبدأ مرحلة جديدة بين المسلمين، ثم تهدأ الأمور بين جيش علي رضي الله عنه، وجيش معاوية، إلى أن قام أحد الخوارج وهو عبد الرحمن بن ملجم بقتل الإمام علي. لتنتهي سنوات الخلافة الراشدة، وينتهي ذلك العصر الزاهر، الذي ملأه المغرضون والمنافقون بالأكاذيب والأباطيل( ) .
كتاب الشهر العدد 24
من يحكم إيران
تأليف: ويلفريد بوختا عرض: إبراهيم غرايبة(24/69)
يعرض كتاب "من يحكم إيران"،من تأليف ويلفريد بوختا، والصادر عن مركز الإمارات للدراسات الاستراتيجية عام 2003، ويحلل البنى الرسمية وغير الرسمية للسلطة في إيران، فيقدم عرضا لمراكز السلطة الرئيسية ووظائفها وتكوينها واختصاصاتها وعلاقاتها فيما بينها وموقعها في نظام السلطة العام، ويقدم مسحا لقوى المعارضة في إيران ويتناول الصراع بين المحافظين والإصلاحيين.
متاهة مراكز السلطة في إيران
تحدد السياسة الإيرانية مجموعة من مراكز السلطة، بعضها رسمية متجذرة في الدستور والأنظمة التشريعية المدونة، وبعضها غير رسمية تعبر عنها جمعيات سياسية دينية لنخبة القيادة الإيرانية، بالإضافة إلى المؤسسات الثورية وقوى الأمن.
ينتخب الشعب رئيس الجمهورية، ولكنه يمثل القوى الثانية في مركز السلطة، فهو لا يسيطر على المراكز غير الرسمية، ولا يحدد الموجهات العامة للسياسة الداخلية والخارجية للبلاد، ولا يملك سيطرة على القوات المسلحة وأجهزة الأمن، والإذاعة والتلفزيون.
ويدير رئيس الجمهورية المنتخب لمدة أربع سنوات مجلس الوزراء، ويغطيه والحكومة مجلس الشورى المنتخب والمكون من 290 عضوا.
ويعتبر المرشد الأعلى هو القوة الرئيسية الأولى، ويعينه مجلس الخبراء المنتخب والمكون من 86 عضوا من رجال الدين، ويتبع المرشد مجموعة من الأجهزة والمؤسسات الاستراتيجية، مثل مجلس صيانة الدستور والمكون من 12عضوا، والسلطة القضائية والمحاكم، والإذاعة والتلفزيون، والقوات المسلحة والحرس الثوري والأجهزة الأمنية.
ويقسم المؤلف بنية السلطة غير الرسمية إلى أربع حلقات:(24/70)
1ـ الاباء، وتضم أكثر رجال الدين السياسيين نفوذا من أعضاء مجلس صيانة الدستور والحوزة العلمية، ومن هؤلاء علي خامنئي المرشد الأعلى، ورفسنجاني رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام، والهاشمي رئيس السلطة القضائية، وخاتمي رئيس الجمهورية، وجنتي رئيس مجلس صيانة الدستور، وطبسي رئيس مؤسسة الإمام الرضا في مشهد، ومشكيني رئيس مجلس الخبراء، وريشهري قائد الاستخبارات ورئيس بعثة الحج، والتسخيري عضو المكتب الخاص لخامنئي.
2ـ كبار موظفي الدولة وعمد المدن الكبرى والتكنوقراط.
3ـ قاعدة السلطة للنظام من القوات المسلحة والأجهزة الأمنية والمليشيات،ووسائل الإعلام.
4ـ المعارضة.
التيارات السياسية والأيدولوجية
بدأت الثورة الإسلامية بتجمع من القوى الإسلامية والدينية والليبرالية، ولكن بعد سنتين من قيام الثورة نحيت جميع القوى عدا الجماعات الدينية التي مازالت تسيطر على إيران، ولكن هذه الجماعات تنقسم إلى تيارات وفئات كاليمينيين والإصلاحيين.
ويقسم المؤلف الجماعات الإسلامية الإيرانية إلى ثلاث مجموعات: اليسار الإسلامي، واليمين التقليدي، واليمين الحداثي.
ينضوي في اليمين التقليدي رابطة علماء الدين المناضلين (روحانيت) ومن أهم قادتها خامنئي، وعلي أكبر ناطق نوري، ويتبعها أغلب علماء الدين في الحوزات، كما يؤيدها مجموعة من تجار البازار، ومن صحفهم "رسالت"، وتسيطر على مجلس صيانة الدستور.
ويمثل اليمين الحداثي هاشمي رفسنجاني ومجموعة من التكنوقراطيين، ومن قادة هذه المجموعة عمدة طهران السابق غلام كرباسجي، وقد تقدمت هذه المجموعة الانتخابات عام 1997 تحت اسم "كوادر البناء"، وكان يؤيدها في ذلك المجلس حوالي 70 نائبا.(24/71)
وكان اليسار الإسلامي قويا ومؤثرا في بداية الثورة حتى عام 1992 عندما تعرض لإقصاء وتهميش تولاه رفسنجاني بالتحالف مع خامنئي، ومن قادة هذا التيار مهدي كروبي رئيس البرلمان الإيراني لفترة طويلة، وعلي أكبر محتشمي وزير الداخلية السابق، ومحمد موسوي قائد عملية اقتحام السفارة الأميركية في طهران عام 1979، ثم تحولت هذه المجموعة نحو وجهة معتدلة ليبرالية يقودها الرئيس الإيراني محمد خاتمي.
ويأتي في اليسار مجموعة "اليسار الجديد" التي تكونت في منتصف التسعينيات بقيادة وزير الاستخبارات السابق محمد مهدي ريشهري.
المؤسسات الإيرانية الرسمية
تدير السياسة الإيرانية مجموعة من المؤسسات بالإضافة إلى المرشد الأعلى والرئيس والبرلمان ومجلس الوزراء بعضها ليس مألوفا، مثل مجلس الخبراء، ومجلس تشخيص مصلحة النظام، ومجلس صيانة الدستور.
يتكون مجلس صيانة الدستور من 12 عضوا يحددون مدى توافق القوانين التي يجيزها البرلمان مع الشريعة الإسلامية، ويتألف مجلس الخبراء من 86 عضوا ينتخبهم الشعب لمدة ثماني سنوات، ويقوم المجلس بانتخاب المرشد الأعلى ويعفيه من منصبه أيضا، ويتكون مجلس تشخيص مصلحة النظام من 31 عضوا، ويقوم بحل الأزمات بين البرلمان ومجلس صيانة الدستور، ويقدم المشورة للمرشد الأعلى.
قوات الأمن المسلحة
يوجد في إيران شبكة من قوات الأمن الثورية، من أهمها اللجان المعروفة باسم الباسيج، ومؤسسة إعادة الإعمار التي تستطيع تطبيق إجراءات قسرية لتنفيذ النظام الإسلامي في المناطق الريفية، واللجان الثورية المكونة من مجموعات من المتدينين يعملون إلى جانب الشرطة، كانت مهتمة بمطاردة النساء اللواتي لا يرتدين الحجاب، وقد قلل رفسنجاني كثيرا من دور هذه اللجان.(24/72)
وأما الباسيج فهي ميليشيات مسلحة، وهي أهم قوة عسكرية بعد الحرس الثوري الإسلامي، وينتظم فيها ملايين المتطوعين من الفتيان الذين تقل أعمارهم عن ثمانية عشر عاما، وتتألف من 90 ألف رجل مسلح متفرغ، ولكنها تستطيع تعبئة عدد كبير من الاحتياطي لاستعراض قوتها أمام الشعب في الأعياد الثورية والمناسبات الاستثنائية الأخرى التي يأمر بها المرشد الأعلى، وقد فوضت هذه الميليشيات بكثير من وظائف الحرس الثوري المتعلقة بالأمن الداخلي، ليتحول الحرس الثوري إلى قوة تدخل سريعة لحماية الحدود من التهديدات المحتملة.
وكان الحرس الثوري هو الدعامة الرئيسة للثورة الإسلامية التي لم تكن تثق بالجيش الإيراني النظامي، وقد قام الحرس الثوري بسحق انتفاضة الأكراد والبلوش والتركمان في الفترة بين عامي 1979 و1982، ويتكون الحرس الثوري من 120ألف رجل مسلح تتوزعهم 15 فرقة تنتشر في 11 منطقة أمنية في إيران، ولا يخضع الحرس الثوري لسيطرة سياسية كالحكومة أو رجال الدين، فيتمتع باستقلالية كبيرة.
لم يتمرد الحرس الثوري علنا على القيادة السياسية وإن كان يراقب السياسيين وربما قد حاول اغتيال الرئيس السابق رفسنجاني، ولم يتخل على نحو غير رسمي عن طموحاته بالحصول على السلطة، وقد بذل جهدا كبيرا في السر والعلن لمعارضة سياسات رفسنجاني في فترة رئاسته للجمهورية الإيرانية، ومن ذلك دعم خصومه السياسيين.
وكان الحرس الثوري لاعبا رئيسيا في عملية تصدير الثورة إلى العالم العربي منذ عام 1982 عندما أرسل أول قوة له إلى لبنان لدعم ميليشيات حزب الله، وقد نشط أيضا في السودان منذ عام 1990،وأعلن أنه سيكرس جهدا كبيرا لتدريب ودعم جماعات المعارضة العراقية والخليجية التي كانت في المنفى.(24/73)
لا يعرف مدى علم القيادة السياسية في إيران بأعمال الحرس الثوري الإسلامي، وقد دخل خاتمي في مواجهة غير علنية مع هذه القوات، وقام بعزل قائدها منذ عام 1981 محسن رضائي، وعين مكانه نائبه يحيى رحيم صفوري، واختير رضائي سكرتيرا لمجمع تشخيص مصلحة النظام.
المؤسسات الثورية غير الرسمية
تكتسب المؤسسات غير الرسمية أهمية كبرى في إيران بسبب مواردها الهائلة ونشاطاتها المتعددة، فهي تقوم بنشر الدعوة وتقديم المساعدات الاجتماعية والاستثمار، ويقدر رأسمال مؤسسة المعوقين والمستضعفين بعشرة مليارات دولار، وقد ظهرت فضيحة اختلاس في هذه المؤسسة قدرت بأربعمائة مليون دولار.
ومن أهم هذه المؤسسات: المعوقون والمستضعفون، والشهيد، والإمام الرضا، والخامس عشر من خرداد، والرسالة،والرفاه، والدعوة الإسلامية،والفارابي.
وتمتلك مؤسسة الإمام الرضا في خراسان أكثر من 2900 ميل مربع من الأراضي الزراعية، تقدر قيمتها بأكثر من 20 مليار دولار أميركي، وتملك أيضا 55 شركة، كما تتبعها شبكة من المصانع والمؤسسات والمنشآت والأصول الزراعية والجامعات والمعاهد والخدمات، ويعمل فيها أكثر من 15 ألف شخص.
وكانت مؤسسة الشهيد عام 1986 تملك 68 منشأة ومصنعا في القطاع الصناعي، 75 منشأة ووكالة في قطاع البناء، 17 منشأة في القطاع الزراعي، 6000 قطعة ملكية ومبان في طهران وحدها.
المعارضة الإيرانية
تعمل في داخل إيران مجموعات من المعارضة بعضها ديني وبعضها علماني، ومن أهم هذه الجماعات:
1ـ حركة حرية إيران، التي أسسها بازركان وآية الله الطالقاني عام 1961، وشاركت في الثورة الإسلامية عام 1979، وقد شكل بازركان أول حكومة في عهد الثورة الإسلامية بقيادة الخميني، ويرفض مجلس صيانة الدستور منذ عام 1984 أي مرشح لهذه الحركة للبرلمان.(24/74)
2ـ جماعة عزة الله سحابي، بدأت هذه المجموعة بالعمل في خمسينيات القرن العشرين، وشارك قائدها سحابي في تأسيس حركة حرية إيران، ولكنه تركها في الثمانينيات، وقد سجن في عهد الشاه لأكثر من 12 سنة، وكان مسؤولا في حكومة بازركان عن المالية والتخطيط، وتوصف هذه الجماعة بأنها يسارية.
3ـ الإصلاحيون المثقفون بزعامة عبد الكريم سروش، ويعد سروش من كبار علماء إيران وفلاسفتها، وكان من قادة الثورة الإسلامية حتى عام 1984، ويحظى بتأييد كبير في أوساط الشباب والطلاب.
وثمة معارضة دينية يقودها مجموعة من آيات الله العظمى، ويخضع المقيمون منهم في إيران لإقامة جبرية صارمة، ومن هؤلاء العلماء: حسين منتظري، وحسن طبطبائي القمي، ومحمد شيرازي، وعلي السيستاني (إيراني مقيم في النجف)، وميرزا حائري إحقاقي (الكويت).
البرنامج الإصلاحي لخاتمي: النجاح والفشل
انتخب خاتمي رئيسا لإيران بأغلبية كبيرة عام 1997 ثم أعيد انتخابه عام 2001، ويبدو أنه فشل في تحقيق الآمال الكثيرة التي عقدت عليه، برغم أن بعض هذه الآمال غير واقعية، ولكنه نجح في تعزيز وتنمية المجتمع المدني والأحزاب السياسية والحريات الإعلامية.
وبالطبع فإن محدودية سلطة خاتمي والتي لا تزيد عن 20% من مصادر السلطة في الدولة قد أضعفت من قدرته على تحقيق برنامجه الإصلاحي، ولم يعط خاتمي المزايا التي تمتع بها رؤساء سابقون له، مثل إلقاء خطبة الجمعة، واستخدام التلفزيون الرسمي، ولكن خاتمي كان يعطي مزايا لليمين التقليدي المنافس له،فهو (خاتمي) يعتبر من رجال الدين، ويقدم صورة معتدلة في وسائل الإعلام الخارجية تساعد على تطوير العلاقة مع أوروبا ودول الخليج العربية، وفي الحقيقة فإن أي نجاح يحققه خاتمي هو أيضاً للنظام السياسي والعام الذي يسيطر عليه المحافظون.
الغد ـ الجمعة 17/6/2005
قالوا العدد 24
ونعم جار العراق إيران!(24/75)
قالوا: "اتهم تقرير خصص لعمليات القرصنة في منطقة البصرة وشط العرب مافيا عراقية إيرانية منظمة تعمل بقيادة وحماية ضباط من الحرس الثوري الإيراني على سرقة النفط العراقي، ونقله إلى إيران حيث يجري بيعه بأرباح "خيالية" نظراً للكميات المسروقة".
الوطن العربي 17/6/ 2005
قلنا: شكراً للنظام الإيراني وحرسه الثوري على دعمه "الخيالي" للشعب العراقي الذي يقف الطوابير الطويلة للحصول على مادة البنزين التي تتبخر من أراضيه.
كالهارب من المطر إلى الوقوف تحت الميزاب!
قالوا: "تم افتتاح المسجد الشيعي الجديد في مدينة ديترويت الأميركية بعد مرور خمسة عشر عاماً من التخطيط، وست سنوات من البناء،وإنفاق 15 مليون دولار. ويعتبر هذا المسجد أكبر مسجد في الولايات المتحدة، ويتسع لأكثر من ألف شخص ... وقد تبرعت مؤسسة مكتوم الخيرية ومقرها دبي بـ 7 ملايين دولار لبناء المسجد".
الوطن العربي 17/6/2005
قلنا: هل سيدعون النصارى لترك عبادة عيسى لعبادة علي!
انتخابات ولا جديد
قالوا: "العلاقات بين العالم العربي وإيران مرشحة للبقاء على حالها من دون تحسن كبير أو تدهور، إذ لا تلوح في الأفق أي دلائل على تغيير في موازين القوى في اتجاه تسوية مشكلة العلاقات الدبلوماسية التي مازالت مقطوعة بين القاهرة وطهران منذ العام 1980 ،ولا تسوية مشكلة النزاع بين إيران والإمارات العربية المتحدة حول الجزر الثلاث..".
مكرم أحمد رئيس تحرير مجلة المصور المصرية
ا،ف،ب 18/6/2005
قلنا: ولماذا يشغل العرب أنفسهم بالفائز من الانتخابات الإيرانية مادامت النتيجة صفرا.
رفسنجاني بطل "إيران غيت"
قالوا: "إننا توصلنا إلى اتفاق محدود بشأن تلقي السلاح إزاء إطلاق الرهائن المختطفين من قبل اللبنانيين المدعومين من قبل إيران".
الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني
الوطن العربي 17/6/2005 نقلاً عن مجلة "تايم"(24/76)
قلنا: اعترف رفسنجاني بما كانوا ينفونه سنوات طويلة، وبقي أن تشرحوا لنا يا سادة حكاية الشيطان الأكبر!
متى تنتهي موضة مدّعي النبوة
قالوا: "... وحذر الشيخ عكرمة صبري،المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية، رئيس الهيئة الإسلامية العليا، من التعامل مع القس ميونج مون، الزاعم بأنه يتلقى وحياً من السماء، وأن المسيح عليه السلام بشره بأنه المسيح الثاني. وأوضح الشيخ صبري في بيان صحفي، حقيقة أفكار هذا القس، ومنها زعمه أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين وبعض الصحابة، وقفوا بين يديه وآمنوا به، لأن الله أمرهم باتباعه".
الدستور 20/6/2005
قلنا: وإلى متى يظل هؤلاء أحراراً في تدليسهم وكذبهم.
يكنسون باب السيدة لطرد وزير الداخلية!
قالوا: "تجمع حوالي 100 شخص أمام مسجد السيدة زينب في القاهرة رافعين المكانس اليدوية استجابة لنداء وجهه أفراد عبر شبكة الانترنت يدعو إلى "كنس باب السيدة طلبا للخلاص"، من وزير الداخلية وكبار ضباطه.
وحمل المتظاهرون صندوقاً أخضر اللون كتب عليه "مدد يا ست"!
وكالة الصحافة الفرنسية 15/6/2005
قلنا: لقد جرب القدماء طرد التتار بقراءة سورة الأنفال في المسجد. وبقايا الفكر الصوفي اليوم توصلت إلى طرد الحكومة بالمكنسة!
ليت مكانس الصوفية "المباركة" بعد أن تطرد وزير الداخلية، تطرد اليهود من فلسطين، والأمريكان من العراق وأفغانستان.
الشارع الإيراني والشيطان الأكبر
قالوا: "... فحديثه عن إمكانية علاقة إيجابية مع واشنطن هو في جوهرة استجابة للشارع الإيراني الذي يبدو الوحيد الذي يحب أمريكا بحسب استطلاعات الرأي في الدول العربية والإسلامية".
ياسر الزعاترة الدستور 19/6/2005
قلنا: أليس غريباً والحديث هنا عن رفسنجاني أن يكون الشارع الإيراني الوحيد الذي يحب "الشيطان الأكبر" وبحسب الاستطلاعات.
وماذا بعد البصرة؟(24/77)
قالوا: "حذر تقرير بريطاني من انفجار الوضع في مدينة البصرة على خلفية صراع بين الشيعة العرب وشيعة إيران وذلك إثر تزايد السيطرة الإيرانية على المدينة،خصوصاً بعد عودة أكثر من مائة ألف عراقي من إيران".
الوطن العربي 10/6/2005
قلنا: بالأمس كانت البصرة مدينة سنيّة، وفي ظل الوضع الحالي، سيطر الشيعة عليها، وبدأوا بإيذاء أهل السنة الذين اضطر عدد منهم لمغادرتها، وهاهم الـ 100 ألف القادمين من إيران يقومون بدورهم المخطط له، ويبدو أن بعض فئات الشيعة نفسها لم تسلم من الـ 100 ألف.
مارينز يصبح آية الله!
قالوا: "ضابط أميركي خدم سابقاً في قوات المارينز في العراق قدم استقالته ليتحول إلى المسؤول الأول عن أكبر تنظيم شيعي متطرف في العراق، وهو تنظيم تنسب له مسؤولية غالبية العمليات المسلحة التي تستهدف السنة المقيمين في مناطق شيعية".
الوطن العربي 10/6/2005
قلنا: وما خفي كان أعظم!
حتى والدة النبي صلى الله عليه وسلم لم تسلم من الاتهام
قالوا: "وألقي القبض على محمد طه رئيس تحرير صحيفة الوفاق الموالية للحكومة، ولكنه بُرئ من تهمة التطاول على المعتقدات بنشره مقالاً يقول إن والدة النبي محمد مجهولة".
رويترز 19/6/2005
قلنا: منذ أزمنة بعيدة، تجرأ الشيعة على الطعن في زوجات النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، واليوم يأتي من يسير على نهجهم ليقول أن والدة النبي صلى الله عليه وسلم مجهولة، فهل بعد هذا الطعن من طعن في رسول الله صلى الله عليه وسلم ونسبه وشرفه.
"بديل حضاري" شيعي في المغرب(24/78)
قالوا: "فوجئت أوساط سياسية ودبلوماسية غربية في العاصمة المغربية الرباط بموافقة السلطات على منح ترخيص لـ "حزب البديل الحضاري"... الموافقة لم تكن لتتم إلاّ بعد مفاوضات استمرت سنوات طويلة بين مسؤولي الحزب المذكور وموظفين كبار في وزارة الداخلية، أزيلت خلالها العقبات التي كانت تحول دون منح الترخيص ومن أبرزها اقتراب خط الحزب من المذهب الشيعي".
الوطن العربي 17/6/2005
قلنا: عظم الله أجركم يا أهل المغرب في هذا الاختراق الشيعي الدخيل على بلادكم، مرة باسم الدين، ومرة باسم السياسة، ومرة باسم الثقافة، ولا ندري إلى أين سيقودنا هذا "البديل الحضاري".
الأنصاري فقاعة جديدة
قالوا: "..واعتبر الدكتور الأنصاري أن الذين ينادون برفض الحوار مع اليهود يمارسون نوعاً من الإقصاء والقمع، مشيراً في هذا الصدد أنه يدعو للحوار مع الجميع، اليهود وغيرهم، وهو لا يرى غضاضة في ذلك خاصة أن الحوار الذي يجري في الدوحة يجري على أساس ديني، وليس سياسي، ويهدف إلى التقريب بين الأديان لبعث قيم التسامح الديني".
الرأي 22/6/2005
قلنا: أشرنا في عدد سابق إلى تصريحات للدكتور عبد الحميد الأنصاري عميد كلية الشريعة السابق بجامعة قطر تناولت الخلفاء الراشدين، وشككت في سيرتهم وتاريخهم، وقلنا يومها إننا نخشى أن تكون هذه الآراء مقدمة لما هو أكبر، والآن يأتي الأنصاري أحد أعضاء المؤتمر الثالث لحوار الأديان ليقول أن عدم الجلوس مع حاخامات اليهود نوع من الإقصاء والقمع.
لماذا لا يعي الأنصاري وأمثاله خطورة هذه المؤتمرات، وتسهيل مشاركة اليهود فيها.
إيران تستولي على جزيرة عراقية
قالوا: "عندما تسلم جلال الطالباني الرئاسة وكذلك نائباه، وقبل أن يتسلم الجعفري منصبه كرئيس للوزراء حدث تجاوز من قبل القوات الإيرانية على جزيرة أم الرصاص في شط العرب، ونزلت بها قوات إيرانية وسيطرت عليها".
حازم الشعلان وزير الدفاع العراقي السابق
رويترز25/6/2005(24/79)
قلنا: إذا كانت إيران استقبلت عهد عميلها إبراهيم الجعفري باغتصاب جزيرة عراقية، فماذا ستفعل "الجمهورية الإسلامية" وقد أصبح الجعفري رئيساً للوزراء، وبدأ بترسيخ أقدامه.
ثم لماذا لا يتحدث الجعفري، عن هذه المسألة، ويطالب إيران بإعادة الجزيرة، وباتباع سياسة حسن الجوار الذي تتشدق به صباح مساء؟!
النظام السوري: لا لتحرير الجولان!
قالوا: "نفى مصدر إعلامي سوري ما نقلته مصادر عسكرية إسرائيلية من حصول إطلاق نار في هضبة الجولان انطلاقاً من الأراضي السورية. وأكد أن ما حصل هو عبارة عن مفرقعات في ذكرى استعادة سورية لمدينة القنيطرة".
وكالة الصحافة الفرنسية 27/6/2005
قلنا: مرة أخرى يثبت النظام السوري النصيري، ومن ورائه حزب البعث أنه لا يريد استعادة الجولان، ويبرأ إلى الله ألف مرّة من أن يكون قد جرى إطلاق نار بين جنود سوريين والمحتلين اليهود على الحدود، فهذه الأصوات لم تكن سوى "مفرقعات". وكل مفرقعات وأنتم بخير.
سراب بقيعة
قالوا: "من ناحية الموقف العربي والإسلامي سننتظر سياسة مختلفة من إيران، مع أن الملف الخارجي لم يكن بيد خاتمي في واقع الحال، فما يجري في العراق وفلسطين ومشروع الشرق الأوسط الكبير يستدعي وقفة من المحافظين باتجاه طمأنة العرب والمسلمين إلى سياسة إيرانية تتعالى على الأبعاد المذهبية لصالح الوحدة الإسلامية في مواجهة الهجوم الأمريكي".
ياسر الزعاترة الدستور 27/6/2005
قلنا: مع أن الكاتب يقول أنها هذه السياسة المتواطئة مع الاحتلال هي من صنع المحافظين لا يزال عنده أمل بأن تقف إيران مع مصالح المسلمين وليس مع مصالحها الخاصة ولكن هذا كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء..
التوتر قادم!
قالوا: "أعرب محللون خليجيون أمس إثر إعلان فوز محمود أحمدي نجاد في الانتخابات الرئاسية بإيران عن مخاوف من عودة إيران إلى الأيام الأولى للثورة الإسلامية، وما واكبها من توتر في علاقات إيران الخميني مع دول الخليج..".(24/80)
وكالة الصحافة الفرنسية 25/6/2005
قلنا: تغافل الكثير عن "تصدير ثورة" آخر كانت تمارسه إيران في جزء من عهد رفسنجاني، ثم في عهد خاتمي، وهو الثورة الثقافية، وغزو المجتمعات بالفكر والعقيدة ونشر المذهب، وقد أثمر هذه الأسلوب، وحقق ما لم تحققه الدبابات والأسلحة.
ولكن وبما أن الرئيس المنتخب قد أعرب عن تمسكه بأيام الثورة الأولى، وعزمه على تصدير الثورة من جديد بأساليبها القديمة، وتأكيده بأن "موجة الثورة الإسلامية ستشمل قريباً العالم أجمع" فماذا سيفعل هؤلاء المحللون ومن ورائهم القيادات في دول الخليج، هل نكتفي "بإبداء المخاوف"، أم أن تحركاً جاداً ستقوم به دول الخليج في ضوء النهج الإيراني الجديد؟
إيران تسوق لـ"شرق أوسط إسلامي"
. بقلم: فكري عابدين
موقع اسلام اون لاين 9/6/2005
تكثف إيران حاليًّا من تحركاتها الدبلوماسية في المنطقة لتسويق مشروع بعنوان "الشرق الأوسط الإسلامي"، كشفت عنه قبل أيام، وتقدمه كبديل لـ"مشروع الشرق الأوسط الكبير" الذي طرحته الولايات المتحدة منذ أكثر من عام.
ورأى خبير في الشئون الإيرانية أن مشروع طهران يقوم على أساسين: أولهما عقائدي يتجسد في إيمانها بحتمية قيام الحكومة العالمية الإسلامية، وثانيهما إستراتيجي ينطلق من معارضة إيران الشديدة لمشروع الشرق الأوسط الكبير، ومحاولتها فك الحصار الأمني الذي ضربته عليها القوات الأجنبية المرابطة في عدة دول مجاورة، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن المشروع الإيراني لو تم تطبيقه فلن يضعف منظمة المؤتمر الإسلامي، ولن يكون بديلاً لمجلس التعاون الخليجي.
وتشهد المنطقة حاليًّا تحركات مكثفة من جانب الدبلوماسيين الإيرانيين لتسويق مشروعهم بشأن "الشرق الأوسط الإسلامي".(24/81)
فقد بدأ حسن روحاني الأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني جولة تشمل الكويت والإمارات والسعودية واليمن، وبعد زياراته للكويت والإمارات سيجري روحاني السبت المقبل11-6-2005 محادثات مع كبار المسئولين السعوديين، كما كان متوقعاً أن يزور الرياض قبل روحاني وزير الخارجية الإيراني كمال خرازي، إلا أن الزيارة ألغيت بسبب مرضه.
كما زار رئيس السلطة القضائية الإيرانية "هاشمي شهرودي" البحرين، الأسبوع الماضي، وصرح بأن بلاده "تسعى إلى مناقشة مشروع الشرق الأوسط الإسلامي في مقابل المشروع الأمريكي المسمى الشرق الأوسط الكبير".
وحول دوافع وأهداف إيران من وراء هذا المشروع قال الدكتور "محمد سعيد عبد المؤمن" أستاذ الدراسات الإيرانية بجامعة عين شمس المصرية: "إن هناك أساسين لهذا المشروع، الأول عقائدي يتجسد في إيمان طهران بحتمية قيام الحكومة العالمية الإسلامية عاجلاً أم آجلاً، أما الثاني فإستراتيجي، يتركز جانب منه على الشق الأمني، حيث تشعر إيران بالقلق تجاه محاصرتها بقوات أجنبية في العراق وأفغانستان وآسيا الوسطى والخليج، وهو الحصار الذي تحاول اختراقه بعقد اتفاقات أمنية مع دول الجوار، خاصة الدول التي يوجد بها عدد كبير من الشيعة".
وتابع "أما الجانب الثاني في الأساس الإستراتيجي فيتخذ طابعا سياسيا؛ حيث هاجمت إيران بشدة مشروع الولايات المتحدة حول الشرق الأوسط الكبير أو الموسع، وبينت ما به من أوجه القصور، ومنها عدم استطاعته إحلال السلام والاستقرار في المنطقة؛ ومن ثم طرحت إيران مشروع "الشرق الأوسط الإسلامي" الذي لن يغلق أبوابه أمام الدول غير الإسلامية بالمنطقة، باستثناء إسرائيل، في حال نجاح إيران في تنفيذه.
فرص النجاح:(24/82)
وأشار د. عبد المؤمن إلى أن إيران "عندما تطرح مبادراتها بصفة عامة لا تعرضها على أساس أنها مبادرات ناجحة، وإنما تحاول إلقاء حجر في الماء الراكد؛ لأنها تدرك أن بإمكان واشنطن، من خلال نفوذها القوي بالمنطقة، عرقلة مشروع الشرق الأوسط الإسلامي، كما أن إسرائيل لن تقف مكتوفة الأيدي أمام هذا المشروع".
وتابع "كما يدرك النظام الإيراني قدرة الولايات المتحدة على فرض مشروع الشرق الأوسط الكبير على المنطقة، وبالتالي فهي تحاول إحداث ثغرات وإدخال تغييرات على المشروع الأمريكي لصالحها ولصالح البلاد الإسلامية"، موضحاً أن طهران تطمح أن يكون بمقدور الدول الإسلامية خلق جبهة ضد إسرائيل.
وأضاف "طهران تحاول بتسويقها لمشروع الشرق الأوسط الإسلامي طمأنة جيرانها الخليجيين بأنها معهم، وأن أي سلاح إيراني هو سلاح للدول الإسلامية".
وحول بعض التعليقات التي رأت في المشروع الإيراني بديلاً لمجلس التعاون الخليجي، وكيانا سيضعف، في حال قيامه، منظمة المؤتمر الإسلامي قال د. عبد المؤمن: "لقد طلبت إيران قبولها عضوا مراقبا في مجلس التعاون الخليجي؛ ما يعني أنها تعترف بهذا المجلس وتتعاون معه، ومن ثم فإن مشروعها ليس بديلاً أو محاولة للقضاء عليه، إلا أنه قد يمهد لذوبان هذا المجلس داخل الشرق الأوسط الإسلامي".
كما رفض احتمال إضعاف هذا المشروع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، موضحاً أن هذه المنظمة "تضم دولاً إسلامية ليست من داخل المنطقة، أما المشروع الإيراني فيستهدف الدول الإسلامية بالمنطقة؛ وبالتالي فهو يقوي المنظمة، ويخلق بداخلها كتلة متجانسة".(24/83)
واستبعد د. عبد المؤمن وجود ارتباط بين توقيت الإعلان عن مشروع الشرق الأوسط الإسلامي وبين انتخابات الرئاسة الإيرانية التي ستجرى يوم 17 يونيو الجاري، وقال: "لقد دأب الرئيس محمد خاتمي منذ توليه زمام الأمور على طرح مبادرات بشأن سياسة بلاده الخارجية تجاه المنطقة والعالم في مقابل مبادرات الغرب"، مشيراً إلى عدد من مبادرات خاتمي منها "التعاون الأمني مع دول المنطقة، حوار الحضارات في مقابل صدام الحضارات، والتعاون مع دول الكومنولث الجديدة التي نشأت بعد انتهاء الاتحاد السوفيتي...".
وكانت مجموعة الثماني الصناعية الكبرى قد تبنت في ختام قمتها بسي آيلاند في ولاية جورجيا الأمريكية في 9 يونيو 2004 وثيقة "شراكة من أجل التقدم ومستقبل مشترك مع منطقة الشرق الأوسط الكبير وشمال إفريقيا" بهدف الإصلاح السياسي والاقتصادي في الشرق الأوسط الكبير، الذي يضم، حسب الرؤية الأمريكية، بلدان العالم العربي بالإضافة إلى باكستان، أفغانستان، إيران، تركيا وإسرائيل.
وتمارس واشنطن حالياً حملة ضغوط شديدة على طهران بشأن عده ملفات من بينها اتهام إيران بتقويض استقرار العراق من خلال سماحها لمقاتلين بعبور الحدود الإيرانية إلى العراق، كما تنتقد واشنطن ملف حقوق الإنسان بإيران، وما تسميه الدعم الإيراني لحزب الله اللبناني الذي ترى فيه تهديداً لأمن إسرائيل.
كما تتهم واشنطن والاتحاد الأوربي إيران بالسعي لإنتاج أسلحة نووية، وهو ما تنفيه طهران بالقول إنها "تريد وقودًا نوويًّا فقط من أجل تشغيل محطات طاقة مثل تلك التي تبنيها في بوشهر لتلبية الطلب المتزايد على الكهرباء".
إيران والفكر الإقليمي
محسن رضائي بازتاب (الصدى) 26/3/2005
مختارات إيرانية العدد 58 – مايو 2005(24/84)
يحظى البعد الإقليمي بأهمية خاصة في السياسة الخارجية الإيرانية على مدى العصور، وقد اعتمدت إيران في توجهها الإقليمي على التأثير الفكري وتصدير فكر النضال ضد الاستعمار الحديث.وتمثل الهدف الأساسي أثناء هذه الفترة في تقديم إيران كنموذج مثالي ناجح على مستوى المنطقة، وكان العصر البهلوي هو العصر الوحيد الذي سعت إيران فيه للاستفادة من تركيا كنموذج بدلاً من أن تكون هي النموذج على مستوى المنطقة، وفي هذا النموذج كان أتاتورك هو المثال لرضا شاه.
إيران والتوجهات الإقليمية:
على مدى الثلاثة عقود الأخيرة طغت أربعة توجهات إقليمية على السياسة الخارجية الإيرانية هي:
1ـ الظهور في صورة النموذج عن طريق تشكيل حكومة حديثة قائمة على الدستور والمدنية والديمقراطية.
2ـ التوجه القومي ضد الاستعمار.
3ـ التوجه العالمي نحو نشر الإسلام.
4ـ التحالف مع الغرب والتحول إلى سياسة فرض الهيمنة العسكرية الإقليمية.
كان النموذجان الأولان يستخدمان حتى نجاح الثورة الإسلامية، فيما استخدم النموذج الثالث على يد الإمام الخميني ولكن لم تكن هناك إمكانية لتفعيله من ناحية التنظيم والتنفيذ حتى نجاح الثورة.
في النموذج الأول كان هدف النخبة الفكرية والتنفيذية خلق نموذج إيراني مؤثر على الساحتين الإقليمية والدولية، وكان دعاة هذا النموذج يطرحون شعارات الدستور والديمقراطية والمدنية، لكن بعد انقلاب رضا خان قامت إيران باحتذاء النموذج التركي، وهو ما بدا جليا في انضمامها إلى المعسكر الغربي في إطار حلف بغداد الإقليمي، وفي فترة تأميم النفط (1953) اتجهت إيران نحو القومية والنضال ضد الاستعمار، وقد أصبحت هذه الدولة، بالمزج بين عنصري الدين والتوجه القومي، نموذجاً للنضال ضد الاستعمار ممثلاً في قضية تأميم النفط.
ويتمثل النموذج الثالث الذي انتهجته إيران في كونها بؤرة العالم الإسلامي، إلا أن ثمة عقبات عدة حالت دون تنفيذ هذا التوجه.(24/85)
ومع تبلور النظام الدولي الثنائي القطبية وانسحاب بريطانيا من الخليج (الفارسي) بدأت إيران في انتهاج سياسية خارجية تقوم على تدعيم مكانتها الإقليمية والهيمنة على شئون المنطقة.
وقد ساعدت نظرية الركيزتين التي انتهجتها إدارة نيكسون على الوصول بإيران إلى مرتبة القوى الأكبر في منطقة الخليج (الفارسي). وقد قامت هذه النظرية على "أنه يتعين على حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة أن يتولوا مهام الأمن في المنطقة" ولهذا تبنت الولايات المتحدة فكرة التعاون الدفاعي بين حلفائها، وهو ما حظي بتأييد الشاه الذي رأى أن تكوين تحالف إقليمي سيثبت سيادة إيران كقوة مهيمنة على المنطقة.
وقد أعرب العراق عن معارضته لهذا المشروع، وقامت دول الخليج باستثناء إيران والعراق بتأسيس "مجلس التعاون الخليجي"، الأمر الذي رفضته الحكومة الإيرانية في البداية وأعلنت أنها لن تسمح بتكوين مثل هذا التكتل الإقليمي.
على أية حال،تم تطبيق نظرية نيكسون، وكانت إيران بسبب قوتها العسكرية وعضويتها في حلف الناتو وامتلاكها أكثر من 2500 كم حدود مشتركة مع الاتحاد السوفيتي السابق، هي الأهم بالنسبة للولايات المتحدة.
الفكر الإقليمي بعد الثورة الإسلامية:(24/86)
سعت إيران بعد الثورة الإسلامية للتحول إلى قوة مهيمنة، وكان مفهوم الأمة الإسلامية من المفاهيم التي احتلت حيزاً هاماً في الخطاب السياسي للثورة الإسلامية الإيرانية إلا أن القضايا الداخلية والحرب المفروضة كلها عوامل جعلت إيران تواجه مشكلات في تحقيق أهدافها الإقليمية. وعندما تزايد ضغط النظام الدولي على إيران اتجهت الأخيرة نحو الجماعات والحركات التحررية، بهدف الحد من ضغوط القوى العظمى، ولم تلعب إيران مطلقاً دور نموذج الاتحاد السوفيتي السابق، بل كان هدف إيران هو أن تشارك شعوب المنطقة في تحديد مصيرهم بشكل يمكن القول معه أن الإصلاحات التي تحدث الآن في المنطقة ناجمة عن تأثير الثورة الإسلامية والحركات الإصلاحية والإسلامية، لكن ما يؤخذ على إيران في هذه الفترة هو أنها لم يكن لديها تعريف واضح للمنطقة ولم تستطع تدشين تعاون ثنائي أو متعدد الجوانب مع سوريا وفلسطين والسعودية وباكستان وسائر الدول في إطار إقليمي.
التوجه نحو الإقليمية الجديدة:
كان التوجه الإقليمي لإيران دائماً موضع انتقادات المحافل الأكاديمية الإيرانية، على خلفية أن إيران تهتم بجوارها المباشر، ولا تعطي أهمية مباشرة لامتدادها الاستراتيجي الأبعد. وفي هذا السياق طرحت بعض المحافل فكرة "حوزة إيران الحضارية" التي تشمل المنطقة الواقعة على حدود الصين شرقاً والمحيط الهندي جنوباً والخليج (الفارسي) غرباً، والقوقاز والبحر الأسود والبحر المتوسط شمالا.
وفي هذه الحوزة تحظى الثقافة الفارسية بأهمية خاصة لأنها ترتبط بالحوزة الحضارية الإيرانية، وفي هذه المنطقة يتم الاعتراف بالمصالح المشروعة لدولها، وبدور القوى الدولية في المساعدة في تحقيق الاستقرار بها، لكن رغم ذلك فإن المكانة الاستراتيجية والعلمية التي تحظى بها إيران تجعل منها فاعلاً محورياً في هذه المنطقة.(24/87)
هذا التوجه الجديد كانت له تأثيرات مباشرة على الفكر الإقليمي الإيراني، وهو ما بدا جليا في الوثيقة الإيرانية التي وضعت تصورات مستقبلية على مدى العشرين عاماً القادمة.
وبناءً على هذه الوثيقة فإن دور إيران خلال العشرين عاماً القادمة سيحظى بخصوصية على المستوى الدولي، حيث ستتحول إيران إلى قوة دولية ومصدر إلهام للعالم الإسلامي اعتماداً على الإرادة الوطنية والاجتهاد الجماعي والتعاطي البناء والمؤثر في العلاقات الدولية. وطبقاً لهذا الفكر الإقليمي الجديد فإن ثمة أهدافاً عدة تبغي إيران تحقيقها وهي:
1ـ أن تكون إيران باعتبارها مركز قوة عاملاً للاستقرار والنظام.
2ـ تستطيع إيران عن طريق ازدهار مكانتها أن تحدث توازناً استراتيجياً في المنطقة.
3ـ مع وصول إيران إلى مكانة أفضل يصبح بإمكانها معاقبة اللاعبين الذين يضرون بالتعاون الإقليمي.
4ـ تستطيع إيران أن تحافظ على أمنها وسائر دول المنطقة في إطار التعاون الإقليمي، ونظراً إلى مكانتها الأفضل فإنها لن تسمح للآخرين بأن يهددوا مصالحها القومية الوطنية وقيمها الحيوية.
إن تحقيق هذه الأهداف سيتبعه تدعيم الهيمنة الإيرانية على منطقة جنوب آسيا.
إيران بؤرة الهيمنة الداخلية:
بناءً على ما جاء في الوثيقة العشرينية فإن إيران بصدد التحول إلى نواة مركزية لهيمنة تعددية داخلية في منطقة جنوب غرب آسيا، وهو ما يعني:
1ـ أن إيران ستكون بؤرة ومركز منطقة جنوب غرب آسيا بالنظر إلى قوتها وقدراتها الوطنية ومكانتها الجغرافية السياسية والجغرافية الاستراتيجية الاقتصادية ودورها الاتصالي.
2ـ ستلعب إيران دور قيادة التنظيم السياسي والاقتصادي والأمني لهذه المنطقة مع بعض القوى الإقليمية، كما أنها لن تسعى للمواجهة مع قوى الهيمنة الخارجية، إلا في الساحات التي توجد فيها مصالح متعارضة بينهما.(24/88)
3ـ سيكون ترتيب مجالات التعاون الإيراني مع دول المنطقة كالتالي: المجال الاقتصادي ، المجال السياسي، المجال الثقافي، المجال الاجتماعي، والمجال الأمني، وستكون هناك إمكانية للوصول إلى نوع من السياسة الخارجية والأمنية المشتركة بين دول المنطقة في إطار مشروع طويل المدى.
4ـ ستكون الأولوية للترتيبات متعددة الأطراف خاصة في ظل وجود إمكانية للاندماج الإقليمي، ويعتقد بعض الخبراء أنه في المنطقة التي تمتد من شرق الصين حتى البحر الأسود تقتضي الضرورة أن تكون هناك مستويات عدة من التعاون الإقليمي أو التنمية المشتركة من أجل تسوية المشكلات الاقتصادية، بل السياسية دون تدخل من القوى الخارجية.
في ظل هذا الوضع ستكون مستويات التعاون على النحو التالي:
1ـ التعاون الثنائي.
2ـ التعاون متعدد الجوانب بين الدول التي تختلف كثيراً من الناحية التاريخية والسياسية والثقافية.
3ـ التعاون متعدد الجوانب بين الدول التي لها تاريخ مشترك.
4ـ التعاون متعدد الجوانب بين الدول التي توجد بينها شراكة تاريخية وثقافية.
وستكون عملية إنشاء مؤسسات إقليمية على أجندة إيران، ويمكن وضع تصورات عدة لهذه المؤسسات.
1ـ تشكيل مجلس تعاون اقتصادي في المنطقة بمحورية إيران بالاعتماد على الطاقة والتجارة والشحن.
2ـ تشكيل منطقة للتعاون الإقليمي.
3ـ تشكيل اتحاد اقتصادي بين إيران ودول المنطقة.
4ـ تشكيل منظمة الدول المنتجة للغاز.
5ـ تشكيل مجلس أمن إقليمي لتسوية الصراعات الإقليمية.
6ـ إنشاء برلمان إقليمي.
خلاصة القول، إن إيران بهذا التوجه الإقليمي الجديد يمكن أن تحقق مكاسب عدة أهمها تدعيم علاقاتها مع دول منطقة جنوب غرب آسيا، والبحث عن أسواق جديدة لتصدير المنتجات الإيرانية، ومقاومة الاستراتيجية الأمريكية الرامية إلى فرض عزلة إقليمية عليها.
الرئيس الإيراني الجديد
د.بسام العموش الرأي 2/7/2005(24/89)
خلافا لأغلب التوقعات فاز أحمدي برئاسة الجمهورية الإيرانية وهي مفاجأة باعتبارات كثيرة:
الاعتبار الأول: أنه لا مجال للمقارنة بين رفسنجاني وأحمدي، فالأول من رفاق الخميني، ومن مرافقي الثورة من بدايتها بينما، كان أحمدي شابا صغيراً، كما أن سطوة رفسنجاني كانت واضحة حيث كان رئيسا لإيران مرتين، وحتى وهو خارج السلطة كان السلطة عينها، فرئاسة مجمع تشخيص مصلحة النظام كانت تعني الكثير، كما أن منبر الجمعة الذي يرتقبه رفسنجاني بينما لا يحلم به أحمدي يشكل شيئا كبيرا في عالم الانتخابات،
ولو اتسطردنا في المقارنة لما وجدنا لأحمدي "الرئيس الجديد" شيئا يذكر سوى تاريخ عسكري وعمادته لطهران وهذا أمر يشترك معه فيه كثيرون.(24/90)
الاعتبار الثاني: أن إيران تمر بمرحلة خطيرة حيث تقع تحت حصار من كل الجهات ويتعرض ذراعها في لبنان "حزب الله" إلى ضغوط واضحة، وهذا يعني حاجة إيران إلى رئيس براغماتي قادر على اللعب فوق الجبال لأخراج بلده من لعبة الأمم بأعظم الأرباح وأقل الخسائر، وهذا كله متحقق في رفسنجاني لا في أحمدي الرئيس الجديد ما الذي جرى؟ لقد كتبت سابقا أن التيار الإصلاحي قد فشل ولم يصنع شيئا، وفقد رئاسة مجلس الشورى ولم يعد الشارع الإيراني يثق بقدرة خاتمي ومجموعته على أداء شيء رغم إيمان أغلب الإيرانيين بطروحات خاتمي واحترامهم له. لكن هذا الشارع لا يستطيع الوقوف بانتظار الوعود، فأصيب أكثرهم بالاحباط، وخلت الساحة للمتشددين وهم أكثر تنظيما ولديهم أهم سلاح في إيران وهو موقع "المرشد" الذي يمثل لدى العقل الإيراني "الأمر الإلهي" الذي لا يجوز عصيانه فالولي الفقيه هو الناطق عن الإمام الغائب "المهدي" وفق عقيدتهم وبالتالي فإن عصيانه يعني الذهاب إلى النار "!" وبالتالي كانت الفرصة مواتية للمرشد خامنئي أن يتخلص من أقوى الشخصيات "خاتمي ومجموعته" ليصبح هو أعني المرشد "الأمبراطور أو الشاه" حيث تكتمل له حلقات السيطرة على البرلمان والرئاسة وصيانة الدستور ومنبر الجمعة وأغلب الإعلام والإعلام الرسمي "التلفزيون والاذاعة" وذلك باستخدام شاب اسمه "أحمدي".
نعم استغل المرشد نفوذه وصرح للإيرانيين أن التوجه إلى صناديق الاقتراع أمر "شرعي" لا بد منه، فهرولت الجموع البسيطة منصاعة إلى "الولي الفقيه" بينما أحجمت جموع من الإصلاحيين ومؤيديهم والليبراليين الذين راهنوا على خاتمي ولكنهم لا يستطيعون الرهان على رفسنجاني لأنهم يعرفونه جيدا.(24/91)
من حق الإيرانيين كبقية شعوب الأرض أن تبحث عن مصلحتها وعلى ما يبدوا فإن صراع السلطة هو الذي قرر أن المصلحة في إحكام القبضة من قبل المرشد وفي الصراخ بنبرة أعلى في وجه أميركا ولهذا كان أول تصريح للرئيس الجديد "أن إيران لا تحتاج إلى أميركا، وأنها ستواصل رحلتها النووية" وهو تصريح ناري يقصد منه ارجاع الخصم إلى الوراء والإعلان للجميع، للأوروبيين ومن ورائهم أميركا أن أفضل وسيلة للدفاع هي الهجوم، وأن من يريد التحاور مع إيران فعليه أن يجهز تنازلات مقنعة، وأن التحاور الآن مناسب وهو فرصة باعتبار كل السلطات تتحدث بلغة واحدة "البرلمان/ رئاسة الجمهورية/ مرشد الجمهورية"، وأن حكاية التفاوض من تحت الطاولة التي قادها رفسنجاني ما عاد لها وجود.
هذا النغم العالي تقابله مخاطر ربما يحسن بالمرشد أن يدقق فيها، وهي أن كل قرار استراتيجي إيراني يجب أن يتخذه الجميع وليس شخصا واحدا، فحينما تقرر كل القوى السياسية في القضايا المفصلية يكون الوضع أقرب إلى الصواب، كما أن وصول أحمدي إلى رئاسة يعني إقصاء كل من يريد مناقشة المرشد أو الخروج عليه، وبالتالي فإن المرشد بهذه الخطوة قد وسّع دائرة المناوئين له حيث تم طرد رفسنجاني إلى ساحة الإصلاحيين وساحة المعارضين عموما، وهذا يعني أن إيران ستشهد حالات من الصراع الداخلي بأدوات مختلفة أخطرها وصول الصراع إلى الشارع مما يعني تهيئة الفرصة للقوى الخارجية وأولها أميركا للقيام بفعلتها التي تريد عبر قصقصة أجنحة إيران في لبنان والعراق كأوراق يمكن أن يتنازل عنها المرشد إبقاء على سيادة إيران ونظامها.
مداخلة وتعقيب : حول موضوع تصدير الثورة الإسلامية الإيرانية
(كيهان في 13/5/1987).نقلا ًعن مختارات إيرانية العدد 58 – مايو 2005
( هذا المقال يوضح طبيعة التعامل القادم مع السنة القائم على تزوير الواقع و التاريخ للتسلل مرة أخرى بين أهل السنة ولكن بتصدير الثورة الثقافية !!! الراصد )(24/92)
أولاً: المداخلة : بقلم: الأستاذ حجة الله جوداكى
الملحق الثقافي بمكتب رعاية المصالح الإيرانية بالقاهرة
عند ما خطب الإمام الخميني للمرة الأولى عن ظاهرة تصدير الثورة ربما لم يفهم الكثير من الناس دافعه بشكل صحيح، ولهذا الغرض سعى في كتاباته وأحاديثه بعد فترة قليلة إلى أن يوضح أبعاد هذه المسألة للجميع. وفي إحدى هذه الخطب، ضمن وصفه وتحليله لهجوم وكالات الأنباء الغربية المتعددة التي كانت تسعى إلى تشويه وجه الثورة الإسلامية خارج إيران، خاصة لدى المسلمين، أعلن: "أننا سنصدر ثورتنا إلى كل العالم حتى يعلم الجميع لماذا قمنا بالثورة. لقد كان هدفنا الاستقلال بمعنى التحرر من القيود والتبعية للشرق والغرب، أي أمريكا والاتحاد السوفيتي (السابق)، والحرية، أي التحرر من أغلال استبداد إمبراطورية شاه إيران (الحكم البهلوي)، والجمهورية الإسلامية، أي أن يحقق الإيرانيون حلمهم بإقامة حكومة على أساس الإسلام والديمقراطية.
ولقد أوضح ببيان صريح أن "هدفنا من تصدير الثورة ليس الاعتداء العسكري لأن هذا عمل الدول الاستعمارية ولاسيما المعسكرين الموجودين في تلك الفترة، إننا نريد أن يعرف العالم مبررات ثورتنا ونوضح أهدافنا أن القوى العظمى لا تريد ذلك، لو أن الناس في العالم يعرفوننا، فإنهم سيقومون بالدفاع عنا، ولن ينخدعوا بحيل وسائل الإعلام الإمبريالية... لأنهم يهاجمون ثورة الشعب الإيراني ويتآمرون عليها بسبب ضياع مصالحهم فيها".(24/93)
وفي نفس الوقت فإن وسائل الإعلام الغربية سعت إلى تفسير موضوع تصدير الثورة الإسلامية على النحو الذي تريده. ولقد قالوا في تحليلاتهم أن هتلر وستالين أيضا قد فشلا في تصدير ثورتيهما،وانهزما في النهاية.ولقد قصدوا بعرض هذا التحليل إلى أن يعلنوا على العالم مع الأخذ في الاعتبار نظرة الناس السلبية تجاه هتلر وستالين،أن هدف الإمام الخميني من تصدير الثورة هو نفس الأمر الذي كان يسعى إليه هذان الزعيمان اللذان ينفر العالم منهما.
وكذلك فإن بعض الأنظمة السياسية في المنطقة كانت تعتبر ان أي فكر جديد في المنطقة يعد خطراً على حكوماتها، فاتخذت قراراً متسرعاً تحت تأثير هذه الدعاية، وصارت مع وسائل الإعلام الغربية في نفس الاتجاه، وأطلقت على تصدير الثورة ظاهرة مخيفة على مستقبل البشرية.
ولقد جعلت بعض هذه الأنظمة نظريتها في حدود محلية، واعتبرت أن هدف الإمام الخميني هو الهجوم الديني فزعمت أن هدفه هو تشييع المسلمين السنة. أو بعبارة واحدة القضاء على المذهب السني. وبنظرة عابرة على الكتب والمقالات التي نشرت في الثمانينيات نجدها تعبر عن هذا الواقع.
هل قام الإمام الخميني بهجوم عسكري على مكان ما من أجل تصدير الثورة؟ هل كان هدفه القضاء على المذهب السني؟ الإجابة على هذه الأسئلة ليست أمراً صعباً، لأن الجميع يعرفون أن جيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية أو الحرس الثوري لم يقم بأي عمل عسكري ضد أية دولة أخرى، بل كان يوجد في لبنان لفترة وجيزة من أجل مساعدة اللبنانيين والفلسطينيين في حربهم ضد إسرائيل. ( ماذا يمكن أن نسمي اضطهاد السنة في ايران ؟ جرائم منظمة أمل ضد سنة المخيمات اللبنانية ؟ محاولة اغتيال أمير الكويت و التفجيرات ؟ الشغب في البحرين ؟ قتل الحجاج بمكة ؟ الراصد .)(24/94)
إن هدف الإمام الخميني الذي كان يسعى إلى تحقيقه هو وحدة المسلمين، لقد أعلن أنه على الرغم من إصرار بعض الذين كانوا يسعون إلى إقامة جمهورية شيعية، إلى أن هدفه كان هو إقامة جمهورية إسلامية، حيث كان يعرف أن الشيعة والسنة بينهما اختلافات في بعض المسائل الفرعية، ولهذا فقد حذف بعضا من آرائه وملاحظاته السابقة في كتب مثل "تحرير الوسيلة" و "كشف الأسرار" بعد الثورة الإسلامية، وأمر الإيرانيين بإصرار أن يصلوا مع أهل السنة في موسم الحج وفي الحرمين الشريفين، حتى أنه اعتبر أن القيام بمثل هذه الطقوس الشيعية الخاصة التي من الممكن أن تعود بالضرر على وحدة المسلمين (سواء شيعة أم سنة) مبطلة للصلاة.( لايخفي كذب هذا القول فلا تزال كتب الخمينى تطبع كما هي ! ولا تزال الشيعة تنفصل بصلاتها ومساجدها عن السنة . الراصد )
لقد كانت هذه خطوة عملية تجاه الوحدة الإسلامية، وكانت دليلاً على نيته الخالصة في الدفاع عن الكيان الإسلامي. حتى عندما ذهبت إليه جماعة من أتباعه أوصاهم بأن يؤدوا الصلوات الخمس في اوقاتها، في حين أنه كان يعلم أن الشيعة تجيز جمع الصلاتين وأنهم اعتادوا على ذلك.
وقد تحدث الإمام الخميني في السنوات الأخيرة من عمره مرات عديدة عن الإسلام المحمدي الخالص، واصطلاح (المحمدي الخالص) بمعنى أنه كان يميل إلى الإسلام في عهد الرسول، حيث كان الإسلام لا زال صافياً لا تشوبه شائبة،-( هذا تأكيد لطعنهم بالصحابة . الراصد )- لقد كان يعرف لو أن المسلمين وضعوا هذه المسألة نصب أعينهم فإن كثيراً من الاختلافات المذهبية سوف تتضاءل ولن يستطيع الاستعمار أن يشعل نيران الاختلافات العرقية والدينية بين المسلمين.(24/95)
وبالنظر في مسألة تصدير الثورة يجب أن تتضح هذه المسألة، ما هي ماهية الثورة؟... وما هي أهداف الزعيم أو زعماء الثورة من هذه الظاهرة؟.. من وجهة نظر الإمام الخميني وأغلبية الإيرانيين كانت الثورة هي التحرر من الاستبداد والوصول إلى الحرية والديمقراطية، وفي نفس الوقت كان هناك نوع جديد من النظر تجاه بعض الأمور، ويمكن القول أن الثورة في الواقع كانت ثورة في فكر الإيرانيين وهذه المسألة يمكن التعبير عنها من الآية القرآنية: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) سورة الرعد آية 11.
كان الإمام الخميني يؤمن أنه قد تم تغيير فكر ومعتقدات الإيرانيين خلال العقود الأخيرة، وأنهم عادوا ينظرون مرة أخرى تجاه الإسلام بشكل جيد، وكانت هذه المسألة في رأيه دليلاً على أن الثورة الإسلامية ثورةً على كل شيء وتغير في رؤية الناس ومعتقداتهم.
واستيعاب فكرة الثورة بهذا الشكل معناه أن الثورة ليست بضاعة ولا سلعة بالقطع لكي نستطيع توريدها أو تصديرها. الثورة هي مشروع طويل الأجل تتشكل من خلاله أفكار ومعتقدات أمة مع الأخذ في الاعتبار سماتها الفكرية والقومية.. وبعبارة أخرى الثورة هي فكر وعقل.. الفكر سواء كان خيرا أم شرا متحرك لا يعرف الحدود، ويتميز بأنه ينتقل بسرعة.
اليوم وعلى أرض الواقع نحن نشاهد هذه الظاهرة بشكل واضح جداً، فهناك كثير من الدول ليست بينها علاقات سياسية ولكن الأفكار موجودة بين مجتمعاتها ويمكنها أن تنتقل بسهولة من مكان إلى مكان.
وعلى سبيل المثال، فإن إيران لا تستطيع على الإطلاق أن تحول دون دخول الأفكار الغربية إليها، فهذه الأفكار تدخل إيران بأشكال مختلفة : وسائل إعلام ، ملابس، موسيقى، أغذية و...، والطريق الوحيد هو مواجهة بعض الأفكار الخاطئة وأن يُعرض على الناس الفكر الصحيح لكي يستطيعوا أن يختاروا أفضله بأنفسهم.(24/96)
وكذلك الغرب أيضا لا يستطيع مع وجود منتجاته في مجال الاتصالات أن يمنع دخول الأفكار الموجودة في الدول الإسلامية ومن بينها إيران إلى بلاده، والأفكار الناتجة من فكر الثورة الإسلامية موجودة في الغرب منذ سنوات مع الأخذ في الاعتبار هذا المفهوم وهو أن الإمام الخميني أعلن في خطبه مع بداية الثورة الإسلامية أن ثورتنا الإسلامية تم تصديرها إلى كل العالم، وكان يقصد أن العالم قد عرف الثورة الإسلامية بشكل يخالف ما تشيعه وسائل الإعلام الإمبريالية، وعرف لماذا قمنا بالثورة، وماهية ثورتنا الإسلامية.
الآن ومع التكنولوجيا الجديدة من الممكن أن نزعم أن انتقال الأفكار وتبادلها أصبح أكثر من ذي قبل، لأن الأقمار الصناعية وشبكة المعلومات الدولية (الإنترنت) هي أدوات ووسائل جديدة ومتقدمة تخدم هذه الظاهرة، ومن الطبيعي أن الأفكار يتم قبولها إذا كانت تحمل مفهوماً جديداً جديراً بأن يجذب انتباه الناس.
بالطبع إن بعض هذه الأفكار سوف تبقى وتدوم على الأمد البعيد ،وستقود الناس من الظلمات إلى النور. والفكر أو النظرية هو الرمز الخالد الذي يكون لصالح الناس في الواقع وهذه المسألة تتجلى بوضوح في الآية القرآنية: (فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) سورة الرعد آية 17... والنظر في تاريخ الفكر في العالم يثبت هذه المسألة، إن شرط قبول وثبات فكرٍ ما، ليس القوة السياسية والعسكرية لأصحابه.(24/97)
وتحاول الولايات المتحدة الأمريكية الآن أن تفرض الفكر الديمقراطي على الشرق الأوسط بقوة السلاح، فهل ستنجح في أن تستولي على قلوب الناس؟ يؤكد الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم على هذه المسألة باعتبارها واحدة من السنن الموجودة في الكون (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا) سورة مريم آية (96) فالقوة والسلاح لهما مدى محدود، أي أنه عندما يزول الضغط الناتج عن السلاح سيتبدد كل شيء، حتى البشر لا يستطيعون أن يُحملوا إلى الجنة بالقوة، لأن الله خلق الناس أحرارا ،ومنحهم حق الاختيار بين الحق والباطل... حتى أن الله سبحانه وتعالى يقول مخاطباً الرسول صلى الله عليه وسلم: (لست عليهم بمصيطر) سورة الغاشية آية (22).
ويجب الاعتراف أنه بعد مرور ربع قرن على انتصار الثورة الإسلامية، فإن كثيرا من الناس في العالم قد اتبعوا عبثاً ادعاءات "مؤامرة تصدير الثورة"، وهم يعرفون أنهم مستعمرون وأنهم أخفوا نواياهم المسمومة في قوالب جميلة من الديمقراطية وحقوق الإنسان، وأنهم اعتدوا على شعوب العالم المظلومة بحملات عسكرية.
منذ سنوات تعرف الشرقيون ومن بينهم المسلمون على مصطلح "الغزو الثقافي العربي" ووضعوا أبعاده موضع البحث في كتبهم ومؤلفاتهم بشكل منتظم وراحوا يعرضون سبل مواجهته.
وها هي الولايات المتحدة التي كانت تخيف الدول الإسلامية من تصدير الثورة الإسلامية، تقدم الآن على تصدير الديمقراطية بغزو عسكري، وهدفها من الديمقراطية خلق مناخ جديد في الدول الإسلامية لكي تأمن على مصالحها الطويلة الأجل في المنطقة بشكل أفضل وأكثر من ذي قبل.
ومنطق الولايات المتحدة هو إيجاد وسيلة لحفظ مصالحها في المنطقة،وفي الوقت نفسه الإفادة من الديكتاتوريات، الليبراليات، النظم العسكرية، والانقلابات وكثير من المفاهيم المتناقضة.(24/98)
وهذه الدولة هي الأولى والأخيرة التي استخدمت القنبلة الذرية ضد الآخرين، ولها حلفاء مثل إسرائيل لديهم قنابل ذرية، ولكنها ليست مستعدة الآن لكي تعترف رسمياً بحق إيران في امتلاك تكنولوجيا للأغراض السلمية.
خلاصة القول
ـ لقد كان هدف الإمام الخميني من اصطلاح "تصدير الثورة" هو بيان ماهية الثورة، وهدف الثورة الإسلامية لشعوب العالم حتى لا يقعوا تحت تأثير وسائل الإعلام الإمبريالية. وأن يعلم أن فكرة الهجوم العسكري على الدول الأخرى ناتجة من الفكر الاستكباري الاستعماري وكان يخالفه.
ـ وفي المقابل لقد سعت وكالات الأخبار الإمبريالية إلى إشاعة أن تصدير الثورة هو نفسه تصدير الإرهاب، لإخافة شعوب العالم عند سماعها ذلك.
ـ تدعي الولايات المتحدة الآن أن غزوها العسكري لدول المنطقة من أجل "تصدير الديمقراطية" وإنقاذ الشعوب، لا لتأمين مصالحها على المدى البعيد.
ثانياً: التعقيب بقلم: الأستاذ الدكتور محمد السعيد عبد المؤمن
أستاذ الدراسات الإيرانية بجامعة عين شمس
أولاً: إن قضية تصدير الثورة الإسلامية التي تم الخلط فيها بين الجانب الثقافي والجانب العسكري والأمني، مما أثار حولها الريب والتوجسات العسكرية الأمينة، وكانت سببا مباشرا في قيام الحرب العراقية ـ الإيرانية، وتوتر العلاقات العربية ـ الإيرانية، يمكن اعتبارها الآن وفي ظل التفاهم الثقافي، وبعد أن أصبحت قضية ثقافية بحتة، من القضايا التي تقبل الطرح على مستوى المثقفين في كل من الدول العربية وإيران، بل إن عرضها على مائدة البحث قد أصبح ضروريا الآن باعتبارها فكرا إسلاميا عاما يتضمن تجربة إيرانية في التطبيق. ( هذا مثال حي على غياب البعد العقائدي لدى كثير من السياسين السنة مما يحرف المسار . الراصد )(24/99)
ثانيا: يعتبر نجاح الثورة الإسلامية في إيران وما أفرزته من نظام يتمثل في الجمهورية الإسلامية وولاية الفقيه التي تستند إلى عقائد شيعية يظاهرها فقه حي متحرك ومرن يتيح لعلمائه إمكانية التعامل مع المستجدات والتواؤم مع الشخصية الإيرانية، إضافة إلى أن تجربة حرب الثماني سنوات مع العراق تعتبر من الموجهات الأساسية لإيران في علاقاتها مع مصر والدول العربية، ولا شك أن قبول إيران وقف الحرب قد أدخلها مرحلة جديدة في علاقاتها مع العالم عامة، ومع الدول العربية خاصة، حيث استتبع هذا القرار سلسلة من التغييرات في شكل النظام وتوجهاته مع تعديل في استراتيجيته، بل وتطوير في نظرية ولاية الفقيه ذاتها بما يتلاءم مع المستجدات.
ثالثا: اتجاه الجمهورية الإسلامية في إيران إلى الواقية لم يعني التخلي عن الأفكار الأساسية التي قام عليها النظام الحاكم، وإنما هو محاولة للتقارب مع معطيات الدول العربية، ومن أهم هذه المحاولات الدعوة إلى وحدة العالم الإسلامي وما تتطلبه من إجراءات، حيث بادرت إيران إلى تخصيص أسبوع للوحدة الإسلامية يحتفل به كل عام في مولد الرسول عليه السلام ما بين 12 و17 ربيع الأول، أي تاريخي ذكرى مولده عند السنة والشيعة،يقول الزعيم خامنئي: "ينبغي على الأخوة المسلمين من سنة وشيعة أن ينسوا الماضي وأن يوحدوا كلمتهم وتوجهاتهم وأخوَّتهم ويمكن تأسيس دار للتقريب بين المذاهب على أساس التضامن والتعاون والوحدة الفكرية بين علماء السنة والشيعة، إننا لا نريد أن يدخل الأخوة من أهل السنة في مذهب الشيعة أو أن يدخل الشيعة في مذاهب أهل السنة، بل ينبغي أن تكون الوحدة والتضامن الأخوي الإسلامي حول محور ومجال مشترك. (صحيفة اطلاعات في 15/11/1986).
( لاحظ السذاجة السنية التي تنخدع بشكليات في حين أن إيران و اتباعها من الشيعة يطالبون بحقوق سياسية وسيادية لهم في الدول السنية !! الراصد )(24/100)
رابعا: إذا كان الزعيم خامنئي قد فسر المحور المشترك بأنه محبة آل البيت باعتبارها واجبة لدى جميع المذاهب والفرق الإسلامية، ولأنها تتفق مع مبدأ التولي والتبري الإسلاميين، ومبدأ اللاشرقية ولا غربية اللذين تقوم عليهما السياسة الخارجية الإيرانية، وترضى فكرة إنشاء الحكومة العالمية للإسلام التي يؤمن بها علماء الشيعة، وتسهل عملية تصدير الثورة الإسلامية، فإنه يكون قد سبق بذلك إلى نقطة وسط يمكن التباحث حولها وسوف يؤدي تطبيقها إلى تحديد حجم العلاقات بين إيران والدول العربية، بل إنها سوف تجعل هذه العلاقات في منزلة بين المنزلتين، حيث تتسع وتنكمش حسبما تحدده المصالح المشتركة، وفي هذه الحالة يمكن للتقية السياسية أن تقوم بدور فعال في حل المشكلات التي قد تطرأ بين الطرفين أصحاب المصلحة، تماما كما حدث في مسألة الحج السياسي.
خامسا: بغض النظر عما يراه الإيرانيون في مسألة تصدير الثورة، فإن لها وجهين، أحدهما التدخل في الشئون الداخلية للدول، وعندما سئل الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني عن هذا الأمر، قال: هذه مشكلة فالفاصل بين دعم حركات التحرر، والتدخل في شئون الدول دقيق جدا، إننا نحاول ألا نتدخل، وإننا نسعى ألا نقوم بعمل فيزيقي في هذه الدول بحيث يحسب تدخلا. ( وبعد إلى متى يبقي ساسة السنة يجهلون الخلفيات العقائدية للشيعة و علماء السنة لا يدركون خفايا السياسة الشيعية ؟؟ الراصد )
خطة طهران للسيطرة على الجنوب العراقي:
تدويل النجف وكربلاء!
محمود قابل الوطن العربي ـ العدد 1477 الجمعة 24/6/2005(24/101)
المرجع الديني الشيعي علي السيستاني من الشخصيات المثيرة للجدل في الحياة السياسية العراقية بعد الاحتلال، فهناك من يعتبر الرجل ورقة سياسية إيرانية في المرحلة الحالية!، وإذا سلمنا بهذه الرؤية فكيف نوفق بينها وبين موقفه الرافض للحكومة الدينية ومبدأ ولاية الفقيه؟، وإذا وضعنا السيستاني في زمرة الرافضين للاحتلال الأميركي، خصوصا أنه لم يوافق على مقابلة أي مسؤول أميركي، فكيف يتوافق هذا الموقف مع قبوله بمظلة الأمم المتحدة وهو يعلم تماما أنها غطاء للهيمنة السياسية الأميركية؟.
وإذا كان السيستاني قد رفض مقاومة الاحتلال ومنع الشيعة من رفع السلاح ضد قوات الاحتلال ، فلماذا لم يستنكر المذابح الأميركية في الفلوجة، أو التعذيب في سجن أبو غريب؟، إن أخطر ما يفعله السيستاني حاليا هو تحويل الجنوب العراقي لمقاطعة شيعية تابعة للجمهورية الإيرانية.. وفي التقرير التالي قراءة في الأهداف السياسية التي يسعى السيستاني إليها من خلال هذه المواقف المتناقضة.
للوصول إلى أهداف السيستاني ينبغي التعرف على حياة الرجل وآرائه السياسية والفكرية ،ومواقفه من الحالة العراقية بعد الاحتلال، ورؤية الدوائر السياسية والثقافية الأميركية له ولدوره المحتمل،وصولا إلى محاولة تفسير هذه المواقف وقراءة أبعادها المختلفة.
ولد السيستاني في إيران وتلقى علومه الشرعية في مدينة قم، ثم انتقل إلى العراق، وأقام في النجف لإكمال تحصيله، وتتلمذ على يد أحد علماء الشيعة وأبرز مراجعهم في العراق سابقا وهو أبو القاسم الخوئي، وقد وصل السيستاني إلى مرتبة الاجتهاد المطلق سنة 1380هـ، كما قام بتأليف العديد من الرسائل والدراسات في الفقه الشيعي.(24/102)
وعندما توفى أبو القاسم الخوئي في بداية التسعينيات، توجه عدد من علماء الشيعة الكبار إلى السيستاني، واعتبروه خليفة للخوئي، واصبح مرجعا شيعيا من أكبر مراجع النجف، وأصبح له فيما بعد ملايين المقلدين والأتباع في العالم نظرا لمكانة النجف العلمية والشرعية عند الشيعة. وقد تعرض لضغوط شديدة في فترة التسعينيات من قبل نظام صدام، وخضع للإقامة الجبرية، مجبرا أو بإرادته لا يهم، إلى أن وقعت بغداد تحت الاحتلال الأميركي، عاد مرة أخرى وبقوة شديدة إلى العلن في الفضاء السياسي العراقي الجديد.
ويستمد السيستاني منزلته الكبيرة لدى العديد من الأتباع والمقلدين من أمرين اثنين: الأول طبيعة مصادر المعرفة الدينية الشيعية، إذ أنه في ظل غيبة الإمام لا بد للعوام من الرجوع إلى إمام وفقيه مجتهد يبين أمور الشرع والفقه في هذا الشأن، وبالتالي هناك صلة قوية بين المراجع والأتباع تعزز السلطة الدينية القوية لعلماء الشيعة المجتهدين.(24/103)
أما الأمر الثاني فهو طبيعة الظروف السياسية والتاريخية الأخيرة لشيعة العراق، إذ دخلوا في مواجهة كبيرة مع نظام البعث أدت بهم إلى كوارث كبرى من خلال المذابح والتعذيب والإقصاء الذي طالهم، وفي ظل غياب التمثيل السياسي المشروع، وانتقال الأحزاب والتنظيمات أو المؤسسات السياسية إلى الخارج، وفي ظل الشعور بالظلم والتمييز الطائفي والإقصاء السياسي، وفي ضوء تنامي النزعة الدينية بشكل كبير، وجد الشيعة في المراجع الدينية طريقا للتعبير عن هويتهم الطائفية وتمسكهم بمذهبهم الديني وتعويضا عن الظروف السيئة التي تواجههم، وقد ازدادت هذه العلاقة إلى أن أصبح مراجع الشيعة بمثابة الدولة داخل الدولة، وعوضوا حالة الاختلال داخل المجتمع الشيعي في ظل حكم البعث، إذ يشير عدد من الباحثين في الشأن الشيعي العراقي إلى أن مراجع الشيعة في العراق على الرغم من دورهم التاريخي السياسي الكبير خاصة في مقاومة الاستعمار لم يكونوا يمتلكون هذه المنزلة القوية داخل المجتمع كما هو الحال اليوم، وكان السيستاني أحد أبرز المراجع الذين يتبعهم الناس ويقلدونهم في قضايا الدين ويأخذون بفتاواهم الشرعية والفقهية.
ولا تشير السيرة العلمية للسيستاني إلى وجود قراءات واهتمامات سياسية في المتابعة والتأليف، أو ممارسة سياسية سابقة مشهودة، بل على النقيض من ذلك فإن أغلب مؤلفاته أقرب إلى الطابع الفقهي الشرعي، على النقيض مثلا من محمد باقر الصدر أو الخميني وغيرهما من علماء الشيعة المعاصرين، كما أن أغلب اهتمام السيستاني كان إلى حين وفاة الخوئي في الدراسة والتدريس في النجف، بعيدا عن القضايا السياسية والفكرية وخصوصا في المقارنات بين الفقه الشيعي والفقه السني، والقانون الحديث، والفلسفة الغربية الحديثة، إلا أن هذه القراءات الفكرية والفلسفية معروفة لدى المدارس الشرعية الشيعية ولا تشكل رصيدا يذكر لتاريخ الرجل الفكري والسياسي.
فتاوى الاحتلال(24/104)
ولم يشهد تاريخ حكم العراق العلماني ربط مصير الشعب العراقي بفتاوى زعامات دينية شيعية كانت أو سنية سوى في الفترة الأخيرة، فقد استطاعت الإدارة الأميركية وبعض رجال الحكومة العراقية الحالية من خلال تسخير فتاوى مرجعية النجف متمثلة بالسيد السيستاني تمرير مشروعها الاحتلالي للعراق، وقد خلقت عزلة السيد السيستاني طيلة العقود الماضية ـ والتي تعود لجذوره الفارسية ـ فارس أحلام العراقيين الشيعة، وقد لعب السيستاني دورا كبيرا في التأثير على موقف الشيعة العراقيين بعد الاحتلال، وبدأ مواقفه الجدلية بدعوة الشيعة إلى عدم مقاومة الاحتلال عسكريا، وكانت هذه الفتوى سببا رئيسا لاقتصار المقاومة المسلحة على أهل السنة.
وتعليقا على تلك الفتوى يقول المفكر الإسلامي الكويتي د. عبد الله النفيسي في دراسة له عن شيعة العراق: إن لدى السيستاني "حسبة إستراتيجية" تؤجل الاصطدام بالأميركيين، ربما لأن "الأزمة الثورية" التي توفر أجواء أفضل للصدام لم تنضج بعد في العراق، لكن فور أن تنضج سيحين موسم القطاف الشيعي . وحاليا تتكون المرجعية الدينية في النجف الأشرف من خمسة علماء دين كبار "آيات الله العظمى"، وهم السيد علي السيستاني "إيراني" والسيد محمد سعيد الحكيم "عراقي" والشيخ محمد إسحاق فياض "أفغاني" والشيخ بشير النجفي "باكستاني"، والسيد علاء الدين الغريفي "عراقي من أصل بحريني".
والواضح أن المرجعية أكبر من الحدود القومية لأن هؤلاء المراجع هم الذين استمع إليهم شيعة العراق في الشأن السياسي، وهم بزعامة السيد علي السيستاني، الذين حسموا كثيرا من المواقف لصالح العملية السياسية الحالية، وهم الذين حرموا على الشيعة الدخول في فتنة طائفية، وهم الذين وجهوا حكومة إبراهيم الجعفري إلى وجوب إدخال السنة في العملية السياسية كطرف أساسي ومحوري وليس بشكل جانبي أو على الهامش.(24/105)
وخلال العامين الماضيين تحولت النجف لتكون منطلق القرار السياسي في العراق رغم أنها حوزة دينية علمية لا علاقة لعلمائها بالسياسة، وقد تأسست النجف قبل نحو ألف عام بعد انتهاء الدولة البويهية وقيام الدولة السلجوقية، وتعزز موقعها الروحي لدى المسلمين الشيعة على مر السنين، وفي منتصف القرن التاسع عشر أجمع أكثرية علماء الشيعة على إعطاء النجف الصدارة وتمت لأول مرة الإشارة إلى منصب المرجع الأعلى، وكان أول من تسلم هذا المنصب الشيخ مرتضى الأنصاري.
وفي تاريخ العراق الحديث لعبت الحوزة ـ المدعومة من عشائر الجنوب والفرات الأوسط ـ دورا سياسيا مهما لعل أبرز معالمه ثورة العشرين التي اندلعت عام 1920 ضد الاحتلال البريطاني، كما ظهر ذلك واضحا في الآونة الأخيرة حين رفعت أطراف معينة شعارات تنادي بدور سياسي قيادي للحوزة، والعشائر عامل لا يستهان به في الأحداث السياسية في العراق، فقد سعى الاحتلال البريطاني إلى استخدام بعضها لتسهيل عملية السيطرة على العراق بعد الحرب العالمية الأولى،وحاول صدام حسين نفسه تسخيرها للذود عن نظامه، كما أولت قوات التحالف هذه الأيام اعتباراً مهما للعامل العشائري.(24/106)
وآثار مدرسة النجف صارت واضحة ليس في العراق فحسب،وإنما في بقية أنحاء العالم وحيث يوجد مسلمون شيعة، وفي البحرين مثلا بدأت الناس تلتزم بإرشادات المرجعية الدينية في النجف، حتى في إيران مركز الثقل بالنسبة إلى المدرسة الفقهية المؤمنة بنظرية ولاية الفقيه، فإن نفوذ السيد علي السيستاني بين المتدينين الإيرانيين في تصاعد مستمر، ويقول السيد منصور الجمري رئيس تحرير جريدة الوسط البحرينية: إنه معروف عن البحرينيين الشيعة حبهم وترابطهم الروحي مع جميع المدارس في العراق وإيران، ولكن بدا واضحا في الفترة الأخيرة انتشار النفوذ القادم من النجف بحكم التواصل المستمر وعامل اللغة العربية الذي يسهل توصيل الأفكار والمفاهيم لقاعدة أوسع من الناس، ومن المتوقع أن تتحرك الأمور مستقبلا باتجاه متصاعد خاصة فيما لو طلب الناس توجيها من الحوزة العلمية في النجف وفيما لو قررت المرجعية "التي تعتبر آراؤها استرشادية أساسا" أن تبدي وجهة نظرها في هذا الشأن أو ذلك.
وفي حين يرى البعض أن الأحزاب السياسية الشيعية لا تمثل الحوزة في النجف التي يجب أن تتولى هي تمثيل الشعب، ثمة علماء دين وشخصيات دينية واجتماعية يرون ضرورة النأي بالمرجعية عن النشاط السياسي، فالفريق الأول يدعو إلى اضطلاع الحوزة بدور يمكنها من تولي القيادة السياسية، بينما يعتقد الفريق الثاني بضرورة اقتصارها على النشاط الروحي وإصدار الفتاوى الدينية إضافة إلى إشرافها على العتبات المقدسة وجباية المال من أتباعها، ورغم تعدد وجهات النظر فإن الشيعة عموماً لا يزالون تابعين لمراجعهم أو لنقل مرجعهم السيستاني وهو ليس صاحب موقف سياسي مباشر، بل إن هناك آخرين يشيرون عليه بالموقف تبعاً للمزاج السياسي العام، إضافة إلى حسابات أخرى ربما أدركوها أكثر من الرجل الذي يبدو أفضل تبحراً في علوم الدين منه في علوم الدنيا، لاسيما مقتضيات المعارك السياسية.
إيران على الخط(24/107)
ومن هذه الزاوية يدخل الإيرانيون على الخط عن طريق الرموز التي يحركونها من وراء ستار ومن خلال علاقات نسجت طوال السنوات الماضية بعد سقوط النظام، حيث دخل من إيران عدد من القادرين على إدارة اللعبة السياسية حيث تبدو استراتيجيتها مؤلفة من شقين: فهي تنظر بعين إلى طموحاتها، وتنظر بأخرى قلقة إلى الولايات المتحدة، آملة إما أن تدير الأحداث في العراق لمصلحتها، أو على الأقل أن تبقى القوات الأميركية تخوض في مستنقع العراق، فلا تعطي للولايات المتحدة الوقت ولا الفرصة لأن تغزو إيران على غرار ما فعلته في العراق.
إن إيران وإن كانت دولة جارة شريكة في المذهب، إلا أن هناك الكثير من مساحات الاختلاف والتنافس بين الشيعة العراقيين والإيرانيين على قيادة المذهب الشيعي، في ظل التنافس على المرجعية الدينية العلمية بين النجف وقم ويتوازى مع ذلك أن رؤية السيستاني أقرب إلى الشيعة المتصوفة التي تقوم على ابتعاد رجال الدين عن ممارسة شؤون الحكم والسياسة مباشرة، وأن يقتصر دورهم على الإرشاد الروحي والديني، في حين رؤية الخميني وصقور الجمهورية الإيرانية تقوم على مبدأ ولاية الفقيه ولاية عامة، وسيطرة العلماء والمرجعيات الشرعية على الحكم، بينما يقوم السيستاني بولاية الفقيه فقط على الشؤون الخاصة للناس ولا يقول بولاية الفقيه السياسية العامة، التي أسس ونظر لها الخميني مؤخرا.
ويمكن أن نلحظ من مواقفه السياسية أنه يؤيد الحكم الديمقراطي ولا يقول بالمرجعية الشرعية المباشرة على شؤون الحكم، كما هو الحال بالنسبة لخصمه اللدود مقتدى الصدر، ويبدو في كثير من آراء ومواقف السيستاني أنها تنزع إلى الابتعاد عن تكرار تجربة الحكم في إيران، وإلى عدم تورط رجال الدين الشيعة في قضايا الدولة والحكم بشكل مباشر.(24/108)
والتخطيط الإيراني للسيطرة الفعلية على العراق لم يعد خافيا على أحد، يؤكد ذلك وزير الدفاع العراقي السابق "الشيعي" حازم الشعلان الذي قال: إن مفتاح الإرهاب في إيران. معتبراً أن طهران تدير حلقة كبيرة من الإرهاب في العراق، ومعتبرا إيران أخطر عدو للعراق وكل العرب وأن عليهم إيقاف هذا الزحف الأسود، في إشارة إلى رجال الدين الشيعة الإيرانيين، كما ذكر السياسي عباس العبيدي أيضا أن إيران لها دور سيئ في العراق وتتدخل في شؤونه وتلعب دورا كبيرا في تخريب البنية التحتية وتحاول تشويه المقاومة التي تقاوم الاحتلال الأميركي من خلال عمليات تخريبية ينفذها عملاء لإيران والكويت وإسرائيل.
تدويل مدينتين
وتمهد إيران حاليا لتنفيذ مسألة تدويل النجف وكربلاء، وكانت الخطوة الأولى في هذا السبيل اتفاقهم مع أحمد الجلبي على عدم ضم المدينتين إلى الإقليم الشيعي الذي دعا إلى إقامته في الجنوب "البصرة والناصرية". وقد ذكر مصدر مطلع في إيران أن عدم إدراج المدينتين في مشروع الجلبي لم يكن لعدم إزعاج علي السيستاني الذي يملك من السلطة الروحية "أو المذهبية" على البصرة والناصرية ما يملكه على النجف وكربلاء والكوفة وسامراء وكاظمية بغداد والحلة والكوت، بل ما يملكه أيضا على مناطق الانتشار الشيعي في لبنان وسورية والبحرين وباكستان وأفغانستان والهند... إلخ، وإنما كان إغفال النجف وكربلاء مقصودا للتجاوب مع مطلب إيراني لم يعترض عليه السيستاني حتى الآن بتدويل المدينتين الإماميتين، أي بتأمين نفوذ مباشر لإيران فيهما، علماً بأن قيام إقليم شيعي في الجنوب العراقي لا يمثل أي إزعاج لإيران المحكومة بنظرتها المذهبية في التعامل مع الأوضاع في العراق والمتطلعة إلى مد نفوذها فيه من مدخله الجنوبي.(24/109)
والمرجع علي السيستاني لا يعترض على بسط إيران نفوذها داخل المدينتين المقدستين فقط بل إنه يعتبر أن العراق بالنسبة لإيران بمثابة امتداد سياسي وجغرافي ومذهبي، ويؤيد ما يقوله الملالي في طهران بعدم إمكانية وجود دولة عراقية مستقلة بجوارهم، ولذلك تنبني استراتيجيتهم بعيدة الأمد على كون العراق ـ الجنوب على الأقل ـ مقاطعة إيرانية شيعية طال الزمن أو قصر، والسيستاني يؤمن أيضا بفكرة الهلال الشيعي التي اتهم قادة ومسؤولون عرب إيران بالتخطيط لها.
ووفقا لما ذكرته مصادر خاصة فإن إيران تعمل بالاتفاق معه على إقامة دولة مستقلة وقوية للشيعة في الجنوب بالنسبة للعراقيين، على أن تكون مقاطعة شيعية تابعة لإيران أو دولة ضعيفة تستمد قوتها من طهران بالنسبة للإيرانيين،.وبالفعل بدأت منذ نهاية العام الماضي 2004 خطة تشييع الجنوب عن طريق الاغتيالات والخطف ومصادرة المساجد والأوقاف السنية، وتؤكد المصادر وجود ضباط مخابرات إيرانيين في كل محافظة جنوبية وأنهم يتولون التحقيق مع الذين يتم اعتقالهم من أبناء السنة، كما أن هناك تدفق أعداد هائلة من الشيعة عبر الحدود مع إيران لتغيير التركيبة السكانية، وذلك بالحصول على هويات مزورة وجنسيات عراقية بدعوى أنهم من العراقيين الذين نفاهم صدام إلى إيران.
وحقيقة الأمر أن أغلب هؤلاء ينتمون إلى إيران ولكنهم يقومون بدورهم في تغيير السكان، ولذلك فإن التعداد السكاني الذي كان من المقرر تنفيذه في أكتوبر "تشرين الأول" الماضي تم تأجيله لأسباب غير مفهومة، كما يتعرض السنة في العديد من المناطق لمداهمات يومية من قبل الحرس الوطني العراقي، كانت تقترن بالاستيلاء على الأوراق الثبوتية للمواطنين من السنة حتى يتم تزويرها وتغيير التركيبة السكانية للمنطقة.(24/110)
قراءة المشهد العراقي إذن تبين أن طريق السيستاني ـ ومعه العديد من القوى السياسية الشيعية ـ طريق يمتاز بالحسابات السياسية المعقدة والحذر الشديد والخوف من إضاعة الفرصة في تحقيق هدف سياسي كبير وواضح، وهو قيام دولة شيعية يكون للنجف فيها دورها التوجيهي العالمي، ولإيران النفوذ وقطف الثمار.
مواجهات الأهواز.. لماذا الآن؟
سمير زكي البسيوني باحث في العلوم السياسية
مختارات إيرانية العدد 58 – مايو 2005
في الوقت الذي تحاول فيه إيران حشد تأييد المجتمع الدولي بخصوص الملف النووي الإيراني بعد تصاعد حدة التهديدات الأمريكية بشن ضربة عسكرية على إيران، وفي الوقت الذي تستعد فيه إيران لخوض اختبار صعب يتمثل في انتخابات رئاسة الجمهورية التاسعة في يونيو القادم، جاءت الأحداث الأخيرة بين قوات الأمن الإيرانية ومئات المتظاهرين العرب في منطقة الأهواز جنوب إيران، لتلقي بمزيد من التعقيد والأعباء ليس فقط على الحكومة الإصلاحية وهي في أواخر أيامها وإنما على كافة أركان نظام الجمهورية الإسلامية.
تبلغ مساحة مدينة الأهواز، وهي عاصمة إقليم خوزستان وسادس مدن إيران الكبرى، 375 ألف كيلومتر، وتحدها العراق من جهة الغرب والخليج العربي من جهة الجنوب الغربي فيما تحيطها من جهات الشمال والشرق والجنوب الشرقي جبال زاجروس التي يعتبرها الأهوازيون أنها خلقت على الدوام فاصلاً جغرافياً يقوي من دعوتهم بأنه لا جامع يربطهم بالثقافة والهوية الإيرانية، ويشكل عرب الأهواز أكثر من 3 ملايين نسمة أي نحو 5 % من سكان إيران.
وتقطن الأغلبية العربية في مدينة الأهواز أحياء شعبية فقيرة ومكتظة بالسكان، ومن أهم هذه الأحياء: الملاشية ورفيش وكوت عبد الله وسيد خلف والدغاغلة، وتحاصر هذه الأغلبية القسم المرفه الراقي الذي تسكنه أقلية غير عربية، وتوصف هذه الأحياء دائماً بأنها تمثل حزام الفقر العربي الاكثري الذي يطوق الوسط الراقي الأقلي لغير العرب.(24/111)
وكان إقليم خوزستان يسمى قديماً إمارة المحمرة، حتى هاجمها رضا شاه عام 1925 وهو العام الذي يطلق عليه الأهوازيون عام الاغتصاب، حيث قام رضا شاه بالقبض على حاكم الإمارة الشيخ خزعل وقتله في السجن، وأطلقت إيران على الإمارة اسم خوزستان، وتخضع المنطقة عادة لإجراءات أمنية مشددة ولا تسمح السلطات بوقوع أي اضطرابات فيها، نظراً إلى أنها العصب الاقتصادي لإيران، وذلك بعد ظهور البترول في منطقة عبدان والذي يمثل نحو 90% من بترول إيران.
لم تغير الثورة الإسلامية ـ بالرغم من مدها الثوري ضد سياسات الأسرة البهلوية ـ كثيراً في حياة العرب الأهواز غير أن الفترة التي تلت انتخاب محمد خاتمي رئيساً للجمهورية فتحت الأجواء كي تصل بعض الإصلاحات إلى سكان المنطقة، حيث أصدرت الحكومة في عام 1998،وهو العام الثاني في فترة خاتمي الأولى، قراراً برفع ميزانية إعادة الإعمار وتأسيس المنشآت والمصانع الصغيرة والمتوسطة في خوزستان لتأمين فرص العمل لأكثر من مائة ألف من أبناء العرب الإيرانيين.
ورغم الأحداث الأخيرة فإن العرب الأهوازيين شكلوا دعامة للحرس الثوري الإيراني، وتصدوا للقوات العراقية التي اجتاحت مناطقهم، وسيطرت على منطقة عبدان أثناء الحرب العراقية ـ الإيرانية، وهناك عدد من قادة الحرس الثوري الإيراني ينحدرون من منطقة الأهواز، كما أن وزير الدفاع الإيراني الحالي علي شمخاني من العرب، وفي الحقيقة لم تنشأ معارضة الأهواز بسبب بعض السياسات الحكومية فقط وإنما يرجع السبب أيضاً للطبيعة الوعرة التي تفصل الأهواز عن بقية المناطق الإيرانية التي جعلت من العسير ربطها بالمدن الرئيسية في إيران.(24/112)
وقد طالب حزب التضامن الديمقراطي كثيراً باستقلال إقليم خوزستان، وعندما تقدمت إيران في نهاية عام 2003 للجامعة العربية للحصول على مقعد مراقب اعترض الحزب على ذلك، حيث طالب بمنح المقعد للإقليم بدلا من إيران، وقد وصف هذا الاعتراض بأنه محاولة من جانب الحزب للحصول على مكاسب من السلطات الإيرانية، ولكن رفض طلب الحزب لأن ميثاق الدول العربية لا يسمح للأحزاب بالانضمام كعضو أو مراقب فميثاق الجامعة بين دول وليس بين أحزاب.
تداعيات مواجهات الأهواز
بدأت أحداث الأزمة بين أهالي مدينة الأهواز بإقليم خوزستان وقوات الأمن عندما تم الإعلان عن رسالة وصفت بأنها مزورة منسوبة إلى محمد خاتمي وكانت الرسالة عبارة عن توصيات منسوبة إلى المجلس الأعلى الإيراني للأمن القومي، موجهة إلى الدكتور (أبطحي) مساعد رئيس الجمهورية ومدير منظمة التخطيط والميزانية، وتدعو إلى ترحيل عرب خوزستان وإسكان الفرس في مدن وقرى المحافظة واطلاق أسماء فارسية على المدن والقرى العربية، وذلك من خلال تهجير سكان أتراك من أذربيجان الإيرانية إلى الأهواز، والسعي لتهجير المثقفين وخريجي الجامعات والموظفين والطلاب والمعلمين العسكريين العرب الأهوزايين إلى مناطق أخرى كأصفهان وطهران وتبريز، وهذا كله بهدف جعل عدد العرب وهم السكان الأصليون في الإقليم نحو ثلث سكانها وذلك قياسا بالمهجرين من الفرس.(24/113)
وقد أدى نشر الرسالة إلى اندلاع أعمال عنف عرقية ونزول العرب إلى شوارع مدينة الأهواز وقاموا بأعمال عنف وشغب، حيث قاموا بإحراق ثلاثة من مقرات حرس الخميني في مدينة الأهواز ،وامتدت الاحتجاجات لتشمل مدنا أخرى بما فيها الخفاجية والحميدية، حيث أحرق المتظاهرون محكمة "البسيتين" ومخفر كولدستان ومخفر ملاشية، وقد ترتب على ذلك قيام قوات الأمن الإيرانية بفرض الأحكام العرفية على الإقليم ،حيث استقرت المئات من وحدات الباسيج وقوات مكافحة الشغب والشرطة في المرافق والميادين العامة وأمام المباني الحكومية والبنوك التي تعرضت للنهب والتدمير من جانب سكان الإقليم.
ورغم تصريحات أبطحي التي نفى فيها أن يكون له علاقة بهذه الرسالة، وتصريحات رئيس الجمهورية ووزير الداخلية وسكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي التي كانت تهدف كلها على تهدئة الأوضاع إلا أن الأوضاع قد تفاقمت لدرجة وقوع عدد من القتلى والجرحى، اختلفت المصادر الحكومية وغير الحكومية في تقديرها حيث تضاربت الأنباء حول حصيلة ضحايا المواجهات وسط صمت إيراني رسمي عن تأكيد أو نفي الأرقام، فوكالة الأنباء الإيرانية الرسمية أشارت إلى اضطرابات محدودة من دون ذكر ضحايا.
وفي المقابل قال الناطق باسم مركز معلومات ثورة الأهواز في لندن منصور أبو شاكر الأهوازي أن "قوات الأمن الإيرانية تستخدم الذخيرة الحية والغازات المسيلة للدموع ضد عرب الأهواز الذين يقاتلون بالحجارة، وأن ما حدث في الحميدية كان معركة حقيقية استخدمت فيها كل أنواع الأسلحة" وأضاف أن محصلة القتلى وصل إلى 30 شخصا، ونقلت وكالة أنباء الطلبة عن أحد قواد الأمن حسن أسد مسجدي قوله أن 137 شخصاً اعتقلوا خلال المواجهات.(24/114)
وقام الرئيس خاتمي بتكليف وزير الاستخبارات على يونسي بالكشف عن الجهة التي قامت بتزوير الرسالة، بعد أن علم رئيس الجمهورية بأن أحد التنظيمات اليمينية ربما كانت وراء إعداد الرسالة لإثارة المواطنين العرب ضد مرشح الإصلاحيين الدكتور مصطفى معين في الانتخابات الرئاسية عشية سفره إلى خوزستان في جولة انتخابية.
وقد فرضت الحكومة الإيرانية حظراً إعلامياً على ما يدور من أحداث في الإقليم، ومن أمثلة هذا الحظر قيامها بإغلاق مكتب قناة الجزيرة القطرية لاتهامها بالمبالغة في تقدير عدد الخسائر في الأرواح وبانتقاد قوات الشرطة الإيرانية لاستخدامها العنف ضد المتظاهرين العرب. وكانت قناة الجزيرة مهددة بإغلاق مكتبها في إيران في يناير الماضي لعرضها ما وصفته إيران بتقرير تسجيلي يبعث على الانفصال، ويبرز ما يتعرض له العرب من تمييز داخل المجتمع الإيراني.
مواجهات الأهواز.. لصالح من؟
فرضت أحداث إقليم خوزستان الأخيرة تساؤلات مهمة، وكشفت في الوقت ذاته عن دلالات عدة، وقد نبعت هذه التساؤلات من عدة اعتبارات أهمها الوضع الحرج الذي تمر به إيران في الوقت الحالي سواء كان داخليا أم خارجيا، حيث الصراع المحتدم بين المحافظين والإصلاحيين على الفوز بمقعد رئاسة الجمهورية خاصة أن الإصلاحيين يعولون على هذا المنصب كثيراً للإبقاء على توازن المعادلة السياسية بينهم وبين المحافظين وذلك بعد الخسارة في انتخابات المجالس المحلية وانتخابات مجلس الشورى الإسلامي السابعة في فبراير 2004 بالإضافة إلى التحديات الخارجية التي تواجه إيران وعلى رأسها المواجهة مع الولايات المتحدة الأمريكية القوية في تصعيد الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن تمهيداً إلى الاتهامات الأوروبية والأمريكية لإيران بعدم احترام حقوق الإنسان والأقليات، ويمكن تناول أهم دلالات الأزمة على النحو التالي:(24/115)
أولاً: تصب الأحداث الأخيرة بين الأهواز والحكومة الإيرانية لصالح بعض الأطراف الخارجية يأتي على رأسها الولايات المتحدة، حيث توجه الولايات المتحدة اتهامات دائمة لنظام طهران بانتهاكات لحقوق الإنسان والأقليات، وتضع احترام حقوق الإنسان والأقليات شرطاً أساسيا ضمن شروطها لتطبيع العلاقات مع إيران.
ولهذا فقد تؤدي هذه الأحداث إلى إعطاء مزيد من المصداقية للاتهامات الأمريكية، حيث يمكنها حشد مزيد من التأييد الدولي ضد إيران بخصوص ملف حقوق الإنسان مما قد يساعدها في التفوق على إيران في الملف الأهم والأخطر وهو الملف النووي الإيراني الذي ترغب الولايات المتحدة في تصعيده إلى مجلس الأمن. وعلى الجانب الآخر تقلل هذه الأحداث وما تبعها من تطورات من مصداقية النظام الإيراني بالنسبة لموضوع حقوق الإنسان والأقليات ويزيد من الضغوط الأوروبية على إيران في هذا الشأن.
ثانياً: على الرغم من تأكيد العديد من الأصوات الإيرانية أن الأحداث الأخيرة وما تبعها من انفلات أمني تعد شاناً داخلياً إلا أن احتمال وجود أيدي أمريكية في هذا الأمر ما تزال قائمة، ومما يدعم ويقوي هذا الاحتمال أن الولايات المتحدة في مواجهتها مع إيران تدرك صعوبة، أو بمعنى أدق، ارتفاع تكلفة المواجهة العسكرية مع إيران خاصة في ظل عدم انتهائها بعد من ترتيب الأوضاع في العراق واستمرار المقاومة العراقية، ولهذا جاءت مواجهات الأهواز الأخيرة لتؤكد أن الولايات المتحدة بدأت في تبني استراتيجية جديدة في التعامل مع إيران تعتمد على تفجير ثورة الأقليات من الداخل. ( لماذا استحل شيعة العراق التحالف مع الشيطان الأكبر لإزالة البعث العراقي و لا يجوز لعرب إيران الشيعة نفس التحالف لإزالة نظام الآيات ؟؟ الراصد )(24/116)
ولهذا يتبادر إلى الذهن سؤال هاماً مفاده: هل خدع النظام الإيراني؟ جدوى هذا السؤال ترجع إلى أن إيران كانت تركز على مخطط غزو عسكري أمريكي أو إسرائيلي أو الاثنين معاً عبر الجو أو البحر أو الحدود مع العراق ولكنها فوجئت بثورة من الداخل يقوم بها الأهواز. ويبدو أن واشنطن وفق هذا الاحتمال قررت نقل المعركة إلى قلب الأراضي الإيرانية، والاعتماد على خيار التغيير من الداخل وهو ما يعرف باستراتيجية الثورة الشعبية أو ما عرف بثورة الألوان التي ظهرت في جورجيا واوكرانيا وقيرغيزستان.
وتقوم الخطة الأمريكية لتغيير النظام الإيراني على تعزيز المعارضة الداخلية ومساندتها حيث تقوم الولايات المتحدة بإعداد سيناريوهات تعبئة الرأي العام الإيراني في الداخل والاعتماد على الطلاب والشباب، وتقوم الولايات المتحدة بتفعيل المؤسسات التي تعنى بتقديم المساعدات المالية. ففي الوقت الذي كان فيه اللوبي المؤيد للمعارضة الإيرانية في مجلس النواب والشيوخ يعمل على إعداد (قانون تحرير إيران) كان الكونجرس يقرر صرف ميزانية إضافية لدعم المعارضة الإيرانية بمبلغ ثلاثة ملايين دولار.
ما يقوي هذا الاحتمال أيضاً محاولات واشنطن لعقد مؤتمر إيراني وطني على طريقة المؤتمر الوطني العراقي الذي جمعت فيه كل أطياف المعارضة العراقية في التسعينيات بقيادة أحمد الجلبي، وبالطبع تحاول الولايات المتحدة جمع قوى المعارضة الإيرانية في الخارج وإيجاد وسائل لاتصال هذه القوى مع المعارضة في الداخل لتأليب الرأي العام.(24/117)
ويرى البعض أن واشنطن بدأت في استخدام أسلوب التدخل في إيران وذلك كوسيلة لوضع حد للتدخل الإيراني في الخارج،فقد كشف تقرير لـ "سي آي ايه" أن إيران تستخدم في مواجهتها ضد الأمريكيين في المنطقة سلاح إثارة الخلافات المذهبية والعرقية، وهي التي تلعب دوراً في تحريك هذه الصراعات في العراق، وتهدد بنقلها لدول أخرى مثل البحرين والكويت ولبنان، وإثارة انتفاضة الإمامة في اليمن، ولهذا قررت الولايات المتحدة استخدام السلاح ذاته في إيران.
ثمة عاملين هامين يمكن أن يكونا في صالح الولايات المتحدة عند استخدام هذا السلاح، أي إثارة الصراعات الداخلية، أولهما: الاستراتيجية الخاطئة التي تتعامل بها إيران مع الأقليات، وثانيهما: الأوضاع الصعبة التي يعاني منها معظم الأقليات الإيرانية.
فالنسبة للأسلوب الخاطئ في تعامل إيران مع ملف الأقليات فهي لا تتبع أسلوباً عمليا يقوم على محاولة البحث في الأسباب الحقيقية وراء مشكلات الأقليات ومحاولة حلها، ولكنها تعتمد على إلقاء التهم على أطراف أخرى داخلية وخارجية. فعند وقوع اضطرابات تبدأ إيران في توجيه الاتهامات إما لأعداء الثورة أو ما تصفهم "بعملاء الاستكبار والجهات الخارجية والمنافقين" أما بخصوص أوضاع الأقليات الإيرانية فتكمن الصعوبة هنا أن الأمر لا يخص أقلية بعينها ولكن تواجه معظم الأقليات الإيرانية نفس الصعوبات والمشكلات.
والولايات المتحدة تدرك أن نقطة الضعف الأساسية في نظام الملالي هي الأقليات التي تعاني كلها مما تعتبره تمييزا فارسياً عنصرياً أو مذهبياً تجاهها سواء كانت من الأكراد أم العرب أم التركمان أم البلوش أم الآذريين.(24/118)
ومن ثم فالأحداث الأخيرة في خوزستان يمكن أن تكون نقطة انطلاق للولايات المتحدة في خطتها الرامية للإطاحة بنظام الملالي في إيران، وتكمن أهمية منطقة خوزستان في متاخمتها للعراق حيث يمكن للولايات المتحدة في حالة اتخاذ قرار بغزو إيران أن تبدأ باحتلال منطقة خوزستان وتستغل بذلك العلاقات السيئة التي تربط الأهواز بالحكومة الإيرانية وتستفيد في نفس الوقت بالموارد النفطية الكبيرة التي تحويها المنطقة.
ثالثاً: مثلما توجد أطراف خارجية يمكن أن تستفيد من هذه الأحداث هناك أيضاً أطراف داخلية قد تحقق بعض المكاسب من ذلك حيث تصب هذه الأحداث في المقام الأول في صالح جبهة المحافظين في الانتخابات الرئاسية القادمة، فالمواطنون العرب الإيرانيون يمكن اعتبارهم من الموالين للإصلاحيين، فقد صوتوا لخاتمي في جولتي الانتخابات الرئاسية الماضيتين كما أدلوا بأصواتهم لصالح المرشحين الإصلاحيين في الانتخابات البرلمانية للدورة السادسة لمجلس الشورى الإسلامي، بينما امتنعوا عن التصويت في الانتخابات الأخيرة لمجلس الشورى الإسلامي نتيجة لرفض أهلية المرشحين الإصلاحيين من قبل مجلس صيانة الدستور، وكان من المتوقع دعمهم لمرشح جبهة المشاركة الإصلاحية مصطفى معين.
ولهذا فرغم أن الرسالة المنسوبة إلى أبطحي كان مضمونها متعارضا مع السياسة التي أظهرتها حكومة خاتمي حيال الأقليات العرقية والدينية في إيران إلا أن الأحداث الأخيرة من الممكن أن تغير من توجهات العرب الإيرانيين في الانتخابات القادمة لصالح جبهة المحافظين.(24/119)
رابعاً: تبين هذه الأحداث الإلحاح الذي يفرضه ملف حقوق الإنسان على الحكومة القادمة في إيران، فعلى الرغم من السياسة المعتدلة نسبياً لحكومة خاتمي مع قضايا حقوق الإنسان والأقليات إلا أن هذه الأحداث في هذا التوقيت سوف تفرض ضغوطاً متزايدة على الرئيس القادم أياً كان توجهه في إيجاد آلية مناسبة للتعامل مع ملف الأقليات، ولهذا فعلى الرغم من أن هناك احتمالا كبيراً أن تكون الرسالة سبب الأزمة مزورة بالفعل إلا أن حجم المواجهات ورد الفعل العنيف من جانب العرب الأهواز يكشف عن حقيقة هامة وهي أن إيران تعاني بالفعل من مشكلة الأقليات.
صحيح أنه لا تخلو دولة من مشكلات لدى الأقليات الموجودة عندها إلا أن وضع إيران الحرج وفي ظل الترقب الأمريكي والأوروبي لها يضفي على موضوع تعامل إيران مع ملف الأقليات أهمية كبيرة، وتكمن صعوبة مشكلة الأقليات الإيرانية ليس فقط في أسلوب تعامل الحكومة معها وإنما في طبيعة التركيبة السكانية لإيران.
فعلى سبيل المثال إذا أرادت إيران أن تقدم بعض الامتيازات للأهواز فإنها لا يمكنها أن تزيد أو تتمارى في تقديم الامتيازات حتى تصل إلى حصول الإقليم على الاستقلال، فنصف عدد السكان في إيران ينحدر من عدة عرقيات مختلفة مثل الأكراد والأذربيجانيين والأرمن، وبالتالي فإن فتح الباب أمام حصول إقليم خوزستان على الاستقلال يفتح الباب أمام بقية القوميات الأخرى للمطالبة بنفس الأمر.(24/120)
خامساً: ثمة نقطة هامة ظهرت من خلال الأحداث الأخيرة وهي أن المد القومي بين القوميات غير الفارسية يتسع ويتطور يوماً بعد يوم حيث مهدت الظروف الناجمة عن انفتاح الأجواء السياسية خلال الفترة الماضية في إيران الأرضية المناسبة للشعوب الإيرانية غير الفارسية كي تبحث عن هويتها، وبدأت تشعر هذه القوميات بالحاجة إلى العودة للذات ولذلك بدأت هذه القوميات غير الفارسية تزيد من اهتمامها بالمسرح والكتاب العربي وإنشاء الفرق الموسيقية والمسرحية في طهران وإقامة الاحتفالات والمهرجانات الثقافية والأمسيات الأدبية والشعرية وذلك انطلاقاً من الاعتزاز بالهوية والقومية العربية.
وهكذا تبين الأحداث الأخيرة في إقليم خوزستان أن ملف حقوق الإنسان والديمقراطية والمواطنة المتساوية عند كل الأعراق والطوائف الإيرانية سوف يزداد سخونة في ظل التطورات الداخلية والإقليمية والدولية التي تواجهها إيران في الوقت الحالي، ومن ثم يتعين على إيران العمل على مواجهة كافة التطورات.
فعلى المستوى الداخلي يجب على الحكومة القادمة أن تستجيب بقدر الإمكان لمطالب الاقليات الإيرانية من عرب وكرد وأرمن وغيرهم حيث تعد تلك الاقليات قنابل موقوتة يمكن أن تنفجر في أي وقت مسببة أزمات عدة لأسس الاستقرار الداخلي في إيران.
وعلى المستوى الإقليمي يجب أن تحسن إيران من علاقاتها المتوترة مع الدول المجاورة، حيث تحاول الولايات المتحدة إقناع دول المنطقة أن هناك خطراً كبيراً سيصبح واقعاً في حالة امتلاك إيران للسلاح النووي.
ودولياً سوف يفيد تناول إيران لملف حقوق الإنسان والأقليات بشكل أكثر حكمة وإيجابية في تحسين صورتها أمام العالم الخارجي، ويسد الطريق على الولايات المتحدة في محاولتها تصوير النظام الإيراني بأنه نظام غير ديمقراطي داخلياً وأنه سيمثل بامتلاكه قدرات نووية خطراً ليس فقط على دول المنطقة وإنما على العالم أجمع.(24/121)
ويبقى في النهاية السؤال المهم، هل ستتمكن إيران من تجاوز الأزمة الراهنة مع العرب الأهواز أو بمعنى آخر التعامل بشكل أكثر حكمة مع ملف الأقليات وذلك للتفرغ لمواجهتين أكثر صعوبة سوف تحددان بصورة كبيرة مستقبل نظام الجمهورية الإسلامية وهما المواجهة الخارجية مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي بخصوص الملف النووي، والداخلية والخاصة بانتخابات رئاسة الجمهورية التاسعة؟
نفوذ شيعة العراق سوف يغير علاقات إيران ومصر
نبي الله إبراهيمي شرق (الشرق) 7/4/2005
نقلا ً عن مختارات إيرانية العدد 58 – مايو 2005
يختلف دور الدول في القضايا الدولية أو الإقليمية تبعاً لاعتبارات موضوعية تخص كل دولة على حده، ولا يمكن تجاهل التأثيرات المباشرة للنظام الدولي على سياسات دول العالم المختلفة وعلاقاتها. وتبدو كل من مصر وإيران نموذجين بارزين لما يجلبه عامل الجغرافيا على سياستهما الخارجية، ونظراً لتمتع الدولتين بموقع استراتيجي حيوي يحظى باهتمام القوى الدولية، فإن العلاقات الثنائية بينهما تتسم بحساسية خاصة كونها تفرز تأثيرات مباشرة على الترتيبات الإقليمية المعمول بها في المنطقة، كما تؤثر في سياسات القوى الدولية الموجودة في الإقليم وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.
لكن العلاقات بين الدولتين اتسمت بحالة من التوتر الدائم عقب الثورة الإسلامية عام 1979. وعلى الرغم من التحسن الملحوظ في هذه العلاقات بعد وصول الرئيس خاتمي للرئاسة، إلا أن حالة الشد والجذب هي التي سادت علاقات دولتين ذات حضارتين وثقافتين متميزتين ولاعبين إقليميين مهمين، ولو أعدنا البحث عن جذور هذا الخلاف فربما نجدها تكمن في النظام الإسرائيلي الذي يعد أحد أبرز عوامل هذا التوتر على مدى الأربع والعشرين عاماً الماضية.(24/122)
هذا التوتر بدأ بعد توقيع مصر على اتفاقية كامب ديفيد عام 1978 واعترافها بإسرائيل، وهو ما كان سبباً في قطع العلاقات بين الطرفين، وباغتيال الرئيس السادات على يد خالد الإسلامبولي وتسمية أحد شوارع طهران باسمه حدث توتر أكبر في العلاقات، وقد أدت الحرب العراقية ضد إيران ودعم مصر للعراق إلى زيادة الهوة بين القاهرة وطهران.
وبعد انتهاء حرب الخليج الأولى وزيادة الوجود المكثف لقوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة في منطقة الخليج في عام 1991 وهزيمة ما يسمى ببوابة العرب الشرقية إلى تدعيم نفوذ مصر في منطقة الخليج وهو ما بدا جلياً بانضمامها لإعلان دمشق (6+2) مع دول مجلس التعاون الخليجي وسوريا، ولكن مع فشل هذا النظام تراجع الدور المصري في أمن الخليج لصالح الدور الفعال لمصر في عملية السلام بين العرب وإسرائيل بدءاً من عقد مؤتمر مدريد للسلام، ومروراً بتوقيع اتفاقيات أوسلو وكامب ديفيد 2، وقد أدى وجود القاهرة في هذه المحادثات إلى مزيد من الفتور في العلاقات بين مصر وإيران.
ومع اندلاع حرب الخليج الثالثة بالاحتلال الأمريكي للعراق شعرت كل من مصر وإيران بضرورة تحسين العلاقات الثنائية بشكل كبير. وعقب لقاء الرئيس خاتمي بالرئيس مبارك على هامش قمة المعلومات التي عقدت بجنيف في 10 ديسمبر من العام 2003 أشاد المحللون وأصحاب الرأي في القضايا السياسية والدولية بهذا المسعى واعتبروه بارقة أمل لعودة العلاقات بين طهران والقاهرة.(24/123)
وإذا كان البعض قد توقع عودة العلاقات بين مصر وإيران إلى نقطة الصفر عقب اتهام أحد المسئولين الإيرانيين بمكتب رعاية المصالح الإيرانية بالقاهرة ومواطن مصري بالتجسس لحساب الحرس الثوري الإيراني إلى جانب الاتهامات التي أطلقها العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بشأن سعي إيران لتكوين هلال شيعي في المنطقة، فإن الموقف السلبي الذي اتخذته القاهرة إزاء الاتهامات الأردنية، إلى جانب تأييدها للعملية الانتخابية في العراق يعد من المؤشرات الإيجابية لإمكانية تحسن العلاقات بين الدولتين.
والسؤال الأهم في هذا السياق مفاده: لو سيطر الشيعة على مقاليد الأمور في العراق فكيف ستكون علاقة مصر بالعراق وبالطبع بإيران؟
على الرغم من أن مشكلة إيران ومصر الأساسية هي دخول مصر بشكل مباشر في حوار مع إسرائيل لكن من الممكن أن تكون المسألة العراقية مهمة في علاقاتهما الثنائية، فلو تحول شيعة العراق إلى قوة أساسية في الساحة السياسية فإن مصر بالطبع ستتخذ موقفاً إيجابيا حيال بغداد لعدة أسباب هي:
1ـ عدم وجود أيديولوجية سلفية وقومية عربية في سياسة مصر الخارجية.
2ـ تأثير الثقافة الشيعية على المصريين (حكم الفاطميين الطويل في مصر).
3ـ القضية الفلسطينية: من المحتمل ألا تتشدد الحكومة الشيعية العراقية فيما يخص القضية الفلسطينية، وفي ضوء المرونة التي تبدو عليها السياسة الإيرانية حالياً إزاء هذه القضية، من المحتمل أن يساهم ذلك في تقريب وجهات النظر بين الدول الثلاث.(24/124)
من المؤكد أن العراق القادم لن يكون مثل عراق عهد صدام، ومن المؤكد أيضاً أن النفوذ الإيراني في الهلال الخصيب سيلقي قوة دفع كبيرة، ولكن ما هو مهم هو أنه من الممكن أن تبعث علاقات القاهرة وطهران روحا جديدة في كيان العالم الإسلامي والعالم العربي ومزيداً من التحالف بشأن تبني سياسات إقليمية فعالة وإحباط دور القوى الدولية في العلاقات الثنائية، وأن أفضل بداية لتعاون القاهرة وطهران من الممكن أن تكون في المجال الثقافي والحضاري الذي يتسم بتعدد القواسم المشتركة بين مصر وإيران.
أموال إيران أشعلت حرب جبال صعدة!
محمود قابل الوطن العربي ـ العدد 1475 10/6/2005
الخطاب الإيراني الذي سبق ثم صاحب زيارة أبو بكر القربي وزير خارجية اليمن لإيران وتصريحات المسؤولين عقب الزيارة أكدا اتهام الرئيس علي عبد الله صالح للجمهورية الإسلامية الإيرانية بدعم تمرد الحوثي ومحاولة الانقلاب التي يقودها لإقامة دولة شيعية في اليمن، ودعم ذلك الاتهام أيضا الأحداث الأخيرة وبيانات الحوزات العلمية في النجف وقم حول العمليات العسكرية بين متمردي صعدة والحكومة اليمنية، "الوطن العربي" اطلعت على تقارير توضح الدور الإيراني في زرع الفتنة وإثارة القلاقل باليمن، وفيما يلي التفاصيل.(24/125)
حينما هاتفت مسؤولا يمنيا استطلعه نتائج زيارة القربي لإيران، والتي كان ملفها الأول يتعلق بتفاصيل ما يجري في صعدة اليمنية، فوجئت به غاضبا للتصريحات التي أعقبت اللقاء، كذلك لغة الخطاب الإعلامي والرسمي التي سبق أن صاحبت الزيارة والعنف الذي اتسمت به بعدها، وعبر المصدر عن امتعاض بلاده من الخطاب الإيراني الذي يوجه النصائح للدول الأخرى باحترام الأقليات بينما هو مطالب بالانتباه لقضية العرب في الأهواز الذين تظاهروا في إبريل "نيسان" 2005 احتجاجا على رسالة منسوبة إلى محمد علي الأبطحي، نائب الرئيس خاتمي تتضمن دعوة لتطهير عرقي ضد عرب هذا الإقليم الذي غالبية سكانه من العرب السنة.
واتهم الدبلوماسي إيران بالسماح لبدر الدين الحوثي باستغلال الطلبة اليمنيين الذين يدرسون في طهران للقيام بنشاط سياسي لإثارة المشاكل بين البلدين، وقال إنه ليس من مصلحة الشيعة في العالم ولا من مصلحة إيران التعامل مع الشيعة باعتبارهم رعايا للحكومة الإيرانية، واستنكر قيام ملالي الدولة الفارسية بفرض الوصاية على رعايا الدول الأخرى مؤكدا أن إيران ستكون أول المتضررين من مثل هذه الأطروحات.(24/126)
وكان الرئيس الإيراني محمد خاتمي قد نصح، في نبرة تحذيرية واضحة، وزير الخارجية اليمني خلال لقائه بمراعاة توفير حق إبداء الرأي لكافة الأقليات والطوائف المختلفة في اليمن باعتباره من ضروريات الديمقراطية، كما طالب بتحاشي إذكاء النعرات الطائفية وتسوية المشاكل بالطرق السلمية والتفاهم والتسامح، كما ذكر كمال خرازي وزير خارجية إيران لنظيره اليمني أن علماء الدين في إيران أبدوا قلقهم حول التطورات الجارية في اليمن، وأنه ينبغي إبداء الاهتمام بمخاوف علماء الدين، وتوضيح القضايا والتطورات الحاصلة لتبديد مخاوفهم، وتصاعدت لهجة خرازي على نحو يوحي بارتفاع درجة حرارة الجدل بين البلدين؛ إذ أكد في تصريحات نشرتها وسائل الإعلام الإيرانية أن على الحكومة اليمنية ضرورة احترام حقوق الأقليات الدينية في اليمن.
رسالة اتهام(24/127)
وحين سألت الدبلوماسي اليمني عن فحوى الرسالة التي نقلها وزير الخارجية القربي للمسؤولين في إيران، قال إنها كانت أشبه برسالة اتهام حيث أطلعهم على التحقيقات الأولية التي كشفت عن وجود أصابع أجنبية وراء مجموعة من الشباب الذين غرر بهم الحوثي وأتباعه في المدارس الدينية التابعة لهم، وكذلك على وثائق تثبت أن مجموعة الحوثي حصلت على مساعدات مالية ضخمة مكنتها من شراء كميات كبيرة من الأسلحة، وأن المواجهات المسلحة التي نشبت بين اتباع بدر الدين الحوثي وقوات من الجيش والشرطة المرابطة في محافظة صعدة قرب منطقة "نقعه" على الحدود اليمنية كشفت وجود عناصر أجنبية تقاتل إلى جانب المتمردين، وثبت أنهم يحملون جنسيات عراقية وإيرانية ويقومون مع من تبقى من المتمردين بدور الحماية للحوثي، وأن عدداً من أتباع الحوثي الذين استسلموا أثناء المواجهات الأخيرة أكدوا قيامهم بالتدرب في معسكرات تابعة للحرس الثوري الإيراني مع عناصر فيلق بدر التابع للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية بالعراق بعد سقوط بغداد، وكذلك في معسكرات يتخذها الفيلق في العراق منتصف العام 2003.
كما أكد القربي للمسؤولين في إيران أن السلطات اليمنية كانت قد ألقت القبض في أثناء قمعها للتمرد الأول الذي تزعمه حسين بدر الدين الحوثي العام الماضي على مئات من أتباع الأخير، بينهم أشخاص يحملون جنسيات إيرانية حيث التحق معظم هؤلاء بالحوثي قبل وفي أثناء اندلاع المواجهات التي تجددت من الثامن والعشرين من مارس "آذار" الماضي إثر اتهام مفاجئ وجهته السلطات للشيخ بدر الدين الحوثي "90عاماً" بالسفر سرا من صنعاء إلى منطقة وادي نشور، لتحريض أتباع نجله على التمرد المسلح ضد الدولة والقيام باعتداءات السيناريو نفسه من التصعيد للأوضاع الأمنية في مناطق شرق محافظة صعدة، كما كشف عن محاولة عناصر إيرانية وعراقية ـ يتجاوز عددهم الخمسين شخصا ـ تهريب بدر الدين الحوثي إلى خارج اليمن.(24/128)
وأطلع وزير خارجية اليمن المسؤولين الإيرانيين على وثائق دامغة تم الحصول عليها في سبتمبر "أيلول" الماضي عقب مقتل الحوثي الابن وانتهاء المعارك الرئيسية في جبال مران بصعدة شمال البلاد توضح الجهات والمجموعات الخارجية التي كانت على صلة بالتمرد وان من بين تلك الجهات حزب الله في لبنان، وبعض الجمعيات والحوزات الشيعية، وأن اليمن لديها ما يؤكد أن التمرد جاء في إطار مخطط كان معدا له لإدخال مذهب جديد هو الاثنا عشرية والترويج له داخل المجتمع اليمني، وهذا ما اعترف به الحوثي نفسه بوجود علاقة مع بعض المنظمات والحوزات الشيعية قبل استئناف تمرده الأخير.
وحينما أعرب الرئيس خاتمي عن تمنيه بأن تلجأ الحكومة اليمنية إلى أسلوب الحوار للتلاقي مع الطائفة الشيعية بدلا من اللجوء للقوة المسلحة أكد له وزير خارجية اليمن أن حكومته حاولت التحاور مع المتمردين لإنهاء التمرد بالحوار ولكن حين التقت لجنة وساطة قبلية وحكومية بالرجل الثاني بعد الحوثي في تنظيم الشباب المؤمن،وهو عبد الله عيظة الرزامي، اشترط عدم تسليم أتباعه إلى السلطات اليمنية مما أدى إلى فشل اللجنة في جهودها ومساعيها على الرغم من منحهم الأمان وإبلاغهم بالعفو العام الذي أصدره الرئيس صالح.
دليل الأزمة
ويضيف الدبلوماسي اليمني أن من دلائل عدم وصول اليمن وإيران إلى حل وسط لأزمة تمرد الحوثي أنه بمجرد انتهاء زيارة القربي لإيران أصدرت محكمة يمنية حكما بإعدام إمام مسجد شيعي وبالسجن 8 سنوات لآخر لدعمهما حركة تمرد حسين بدر الدين الحوثي والتجسس لصالح إيران للإطاحة بنظام الحكم في اليمن، مما يؤكد أن العلاقات بين البلدين تتجه نحو التدهور خاصة أن تصريحات الطرفين الأخيرة تتسم بنبرة انفعالية تحذيرية.(24/129)
وكان رئيس المحكمة اليمنية المختصة بقضايا أمن الدولة قد ذكر في حيثيات حكمه أن يحيى حسني الديلمي الذي حكم عليه بالإعدام ومحمد مفتاح سعيا للإطاحة بالنظام الجمهوري عن طريق دعم حركة تمرد بدأت العام الماضي من جانب مؤيدي رجل الدين الشيعي حسين بدر الدين الحوثي في المنطقة الجبلية شمال البلاد، وأوضح القاضي أن المتهم الديلمي تخابر مع الدولة الإيرانية.
وعلمت "الوطن العربي" أن سبعة من ممولي تمرد الحوثي يتم ملاحقتهم حاليا داخل أمانة العاصمة بعد أن تم القبض على أحدهم يعتبر الشخص الثامن، وكشف رجال المباحث الجنائية عملية تزوير وثائق بنكية أقدم عليها أحد الأشخاص لسرقة مبلغ 120 مليون ريال اعترف أنه كان ينوي تقديمها لدعم الأعمال التخريبية في العاصمة صنعاء، كما داهمت أجهزة الأمن المنزل الذي استأجره أعضاء الخلية، ويقع بالقرب من ميدان التحرير في قلب صنعاء وتأكدت من المضبوطات أنهم كانوا يخططون للقيام بعمليات اغتيال لقيادات استراتيجية أمنية وخدمية بهدف إلحاق أكبر الخسائر باقتصاد اليمن.
حرب بيانات
وفيما يبدو أنه دليل على تدخل جهات خارجية في أزمة اليمن الداخلية انتقدت الحوزة العلمية في النجف الحكومة اليمنية على أسلوب تعاملها مع تمرد الحوثي، وذكر بيان يحمل عنوان "نداء إلى محافل حقوق الإنسان في العالم"، أن الشيعة في اليمن سواء الزيدية منهم أو الإمامية الاثنا عشرية يتعرضون لحملة مسعورة من الاعتقالات والقتل المنظم منذ نشوب الأزمة بين الحكومة وبين حسين الحوثي وأتباعه، وأن الحومة اليمنية تعاملت مع أزمة الحوثي بشمولية غير منطقية، وطالبت الحوزة العلمية في النجف الحكومة اليمنية برفع اليد عن المعتقلين في السجون من الناشطين في نشر الثقافة والفكر الشيعي زيديا كان أو إماميا.(24/130)
كما صدر بيان آخر عن الحوزة العلمية في مدينة قم، ممثلة بزعيمها سماحة آية الله العظمي المرجع الديني السيد محمد صادق الروحاني ذكر أن الشيعة في اليمن يتعرضون لمجازر وحشية من قبل الحكومة اليمنية وأنها تقوم بعملية إبادة جماعية لشيعة أهل البيت وان هناك حلفا شريراً ممتدا من اليمن إلى العراق قائما بين قوى التكفير المذهبي البغيض الذين يلبسون الإسلام مسوحا لأعمالهم الإجرامية وبين عدد من أركان النظام الحاكم ممن ينتمون إلى المدرسة الفكرية للحكم البائد في العراق، يقودون حربا حاقدة ضد المسلمين الشيعة بشتى طوائفهم الزيدية والإثنا عشرية.
واعتبر البيان أن ما حصل في اليمن في الأشهر الماضية من صدور قرارات رسمية وتوصيات بمنع احتفالات عيد الغدير، ومنع كلمة "حي على خير العمل" من الأذان، ومنع إحياء مناسبة شهادة الحسين بن علي عليهما السلام في عاشوراء، ومنع كتاب نهج البلاغة والصحيفة السجادية ومصادرتهما وحرقهما في ساحة التحرير في العاصمة صنعاء، وغير ذلك من الممارسات توضح بعض صور الحقيقة الغائبة والمغيبة في أحداث اليمن، وحذر البيان من العواقب الوخيمة التي ستترتب على هذا النحو من السلوك تجاه المسلمين الشيعة والذي سيرتد عاجلاً أو آجلا على من يقوم به وعلى من يؤيدهم ويدعمهم.
وقد صدر البيانان بناء على الرسالة التي بعثها علماء الزيدية في اليمن والتي أشارت إلى الحرب المذهبية التي شنت ضد أبناء الطائفة الزيدية في اليمن من قبل العناصر في الحكومة اليمنية، ووصفهم ملاحقة جنود الحكومة اليمنية لمتمردي صعدة بأنها حرب إبادة جماعية يتم خلالها تدمير القرى وهدم المنازل وما إلى ذلك.(24/131)
وفي مواجهة تلك البيانات أصدرت جمعية علماء اليمن بياناً ذكرت فيه أن ما يقال عن اضطهاد للشيعة الزيدية والإمامية الإثنا عشرية ينافي الواقع الذي يعيش فيه أبناء اليمن قاطبة وفق ثوابت شرعية وقانونية ودستورية لا فرق بين مذهب ومذهب، يدل على ذلك تعايش المذهبين الزيدي والشافعي خلال مئات من السنين دون خلاف أو نزاع، أما الإمامية الإثنا عشرية فهي موجودة في أماكنها ولا وجود لها في اليمن أصلا وهناك من يحاول إثارة الفتنة، وإن ما حصل من تمرد عناصر محدودة في بعض مناطق صعدة لا يعبر عن المذهب الزيدي الذي أصدر علماؤه في بداية الفتنة بيانا بتاريخ 8 جمادى الأولى 1425هـ فندوا فيه مزاعم الحوثي وأنه لا يمثل إلا نفسه ومن اتبعه، وأن الفتنة التي أثارها قد تسببت في إزهاق الأرواح وسفك الدماء وإتلاف الأموال وزعزعة الأمن والاستقرار.
وقال علماء اليمن إنه كان من الأحرى بالعلماء في الحوزتين بالنجف وقم أن يهتموا بما يجري في العراق من أحداث مؤسفة ويعملوا على إصلاح ذات البين وإيقاف نزيف الدم وإزهاق الارواح، وإخراج العراق من محنته التي يعيشها في ظل الاحتلال والصراعات الدامية بدلاً من إبداء تعاطفهما مع متمرد متعصب أثار الفتنة وخرج عن الدستور والنظام والقانون المنبثق من الشريعة الإسلامية.
الشباب المؤمن
ولمعرفة جذور علاقة الحوثي بإيران التقت "الوطن العربي بواحد من اليمنيين الذين جاءوا لمتابعة من يدرسون في الحوزة العلمية بمدينة قم، وسألته عن خلفيات علاقة الحوثي بالمرجعيات الدينية في إيران فقال: إن هذه العلاقة بدأت خلال فترة الثمانينيات، وقتها كان هناك تواصل بين إيران ومرجعيات زيدية في اليمن، وقد أخذ هذا التواصل بعدا فكريا وتنظيميا وتمويليا.(24/132)
وانتشرت أفكار التشيع في صعدة وصنعاء وعمران وذمار وحجة والمحويت والجوف، وكثرت إقامة المجالس الحسينية ومجالس العزاء، وإحياء شعائر الشيعة، وكثرت المنح الدراسية التي تستقطب أبناء المذهب الزيدي من الجنسين إلى إيران ولبنان.
أما تنظيم "الشباب المؤمن" فيعود إنشاؤه إلى عام 1991، بإيعاز من بدر الدين الحوثي بهدف جمع علماء المذهب الزيدي في صعدة وغيرها من مناطق اليمن تحت لوائه! وبالتالي دعم حزب "الحق" باعتباره يمثل المذهب الزيدي! وتفرغ بدر الدين الحوثي وأبناؤه للقيام على تنظيم "الشباب المؤمن"، الذي استمر في ممارسة نشاطه وتمكن من استقطاب الشباب. وغالبيتهم ينتمون للأسر الهاشمية وللمذهب الزيدي، والقبائل والوجاهات الاجتماعية في صعدة. وقد تلقى حسين بدر الدين الحوثي مخصصات مالية شهرية حكومية بعد استقلاله بالتنظيم استقلالا كاملا عام 2000 وبدأ بتوسيع نشاطه خارج منطقة صعدة ليؤسس مراكز مماثلة لمركزه في عدة محافظات، وأرسل إليها بعض طلبته المقربين مع مجموعة من الأساتذة العراقيين الذي توافدوا على اليمن بعد حرب الخليج الثانية، كما عمل تنظيم "الشباب المؤمن" على إقامة المنتديات الصيفية في أكثر من منطقة ، وكان بدر الدين يضفي عليها الشرعية المذهبية، ويبارك جهودها، ويحث القبائل على تسجيل أبنائهم فيها.
وقد أظهر حسين الحوثي تأييده وتأثره بـ "حزب الله" الشيعي اللبناني، واستطاع من خلال دعم الدولة وأتباع المذهب ودعم جهات خارجية من ضمنها إيران وشخصيات ومؤسسات شيعية في المنطقة إقامة عشرات الحوزات في صعدة وعمران ومأرب والجوف وحجة وذمار وصنعاء.(24/133)
إن طبيعة الدور الذي مارسه حسين الحوثي، قبل تطور الأحداث إلى مستوى المواجهات مع الدولة، يدل على نوايا فعلية في إظهار الحركة كقوة سياسية مستقلة، كما هو الحال مع حزب الله في لبنان فاستقطاب الآلاف من الشباب والرجال ،وإنشاء العديد من المؤسسات التعليمية "المتعصبة"، ومظاهر إبراز القوة، وشراء مختلف أنواع الأسلحة وإنشاء التحصينات في مناطق مختلفة من صعدة ـ معقل الحركة، والتزود بالمؤن ـ التي ظهرت طيلة أيام المواجهات، والاحتياطات الأمنية التي أحاط نفسه وقيادة تنظيم "الشباب المؤمن" بها، والتواصل بجهات خارجية.
ولقد تبنت إيران ومنذ قيام الثورة الإسلامية مبدأ تصدير الثورة الشيعية إلى الوطن العربي والعالم الإسلامي، وبذلت الدبلوماسية والسفارة الإيرانية في صنعاء جهدا مكثفا لاستقطاب أتباع المذهب الزيدي منذ عام 1990 وصاحب ذلك رفع شعارات الثورة الإيرانية و "حزب الله" بل رفع علميهما، وإقامة الحسينيات وافتتاح العديد من المحلات التجارية والمكتبات والتسجيلات ذات المسميات الشيعية ونشر صور رموز شيعية كالخميني والصدر والسيستاني ورفسنجاني وحسن نصرالله وغيرهم، إضافة إلى لجوء العديد من شيعة العراق إلى اليمن تحت غطاء التدريس، مما سهل تغذية الروابط بين الداخل والخارج وهي روابط لم تقتصر فقط على البعد الفكري بل والعملي أيضا حيث أثبتت الأحداث الأخيرة وجود مقاتلين عراقيين في صفوف أتباع الحوثي، واكتشاف جثث لهم، واعتقال بعضهم.
وقد أشارت تقارير أمنية إلى أن للسفير العراقي باليمن، وعناصر أخرى استقدمها معه، دورا مباشرا في إعادة بناء التنظيمات الموالية لإيران في اليمن، في مقدمتها "الشباب المؤمن" وقد استقبل السفير خلال الفترة الماضية عناصر متورطة في تمرد الحوثي، بمن فيهم قيادات ناشطة ضمن مليشيات تنظيمه المسلح.
الحوثي وإيران(24/134)
وإذا كان الرئيس علي عبد الله صالح لم يتهم جهات خارجية بعينها بدعم الحوثي، فإن البعض يربط تمرد الحوثي بالتوجه الإيراني الهادف إلى تعزيز دور إيران الإقليمي من خلال دعم الأقليات الشيعية في دول المنطقة، وتهدف إيران من ذلك إلى عدة مسائل من بينها استغلال جو التصالح والتقارب الشيعي الأميركي في المنطقة عقب أحداث 11 سبتمبر "أيلول" وزيادة النفوذ الشيعي بما يخدم البعد الاستراتيجي لإيران في المنطقة، ومنها تشتيت الذهن والجهد السني على امتداد الرقعة الجغرافية بحيث تنصرف هذه الجهود عن العراق وخدمة التيار السني المقاوم! وإذا كانت إيران قد نفت وجود دعم أو مساندة لتيار الحوثي؛ فإن البيان الذي صدر عن حوزة النجف ثم بيان حوزة قم أظهرا مدى التعاطف الذي يبديه الشيعة الإثنا عشرية لقضية تمرد حسين الحوثي على الدولة، ومحاولة تصوير الحدث على أنه "حملة مسعورة من الاعتقالات والقتل المنظم "الشيعة في اليمن سواء الزيدية منهم أو الإمامية الإثنا عشرية"، وعلى أنه "تصفية للشيعة بشكل جماعي لا سابق له في تاريخ اليمن".(24/135)
..وإثارة أوضاع اليمن يحقق زعزعة الأمن فيها لصالح دخول قوات أجنبية تحت مبرر الحماية لأقليات عرقية أو طائفية، وقد أكدت مصادر مطلعة أن إيران وضمن دعمها المادي والمعنوي لتمرد الحوثي دعت الجمهورية العربية السورية إلى الوساطة والتدخل لدى النظام لإنقاذ ما تبقى من عناصر إثنا عشرية بإجراء تسوية سياسية مع عناصر القوى، وذلك بالإفراج عن المعتقلين أولا وفتح حوزة علمية في صعدة تكون لها ارتباطاتها مع المرجعية في "قم" بإيران والنجف "بالعراق"، ولكن لما رفض الرئيس اليمني بدأ منحنى العلاقات بين البلدين في الهبوط وكانت العلاقات اليمنية الإيرانية قد بدأت طريقها للسوء بعد أحداث تمرد صعدة عام 2004 وجددها في 19مارس "آذار" 2005، ومازال المراقبون السياسيون يتوقعون مزيدا من التدهور خصوصا بعد أن دخل السيستاني على خط التسوية وأوكلت له إيران مهمة حماية الشيعة في المنطقة، ولذلك قصة أخرى في تقرير تال.
خلاف شيعي كردي حول تمثيل العرب السنة
في لجنة صياغة الدستور
قدس برس الدستور 12 حزيران 2005
احتدم السجال بين التحالف الكردستاني وبين الائتلاف الشيعي العراقي أكبر كتلتين سياسيتين في البرلمان العراقي المنتخب بشأن تمثيل العرب السنة في لجنة صياغة الدستور العراقي الدائم.
وفي الوقت الذي بدا فيه الأكراد متحمسين لمشاركة واسعة للعرب السنة لتحقيق توازن سياسي في مواجهة الأكثرية الشيعية، فإن أطرافا في الائتلاف الشيعي لا تزال ترفض منح السنة العرب مشاركة متساوية مع الشيعة والأكراد.
وقال مكتب رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية أن عبد العزيز الحكيم يدعم مشاركة متكافئة للعرب السنة في لجنة صياغة الدستور العراقي الدائم أسوة بالأكراد والشيعة، كما فند عبد الرزاق الكاظمي، مسؤول في حزب الدعوة (حزب رئيس الحكومة إبراهيم الجعفري) صحة ما يقال عن رفض الجعفري مشاركة موسعة للعرب السنة في العملية الدستورية.(24/136)
وقال إن الجعفري يعتبر مشاركة السنة العرب ضرورية ليس لكتابة الدستور، وإنما لتطبيع الاستقرار السياسي في العراق.
ويبدو أن تيارا في الائتلاف الشيعي العراقي "قريبا من إيران" يمارس ضغوطاً باتجاه تحقيق مزيد من إقصاء العرب السنة عن عملية كتابة الدستور.
وحذر طارق الهاشمي، أمين عام الحزب الإسلامي العراقي من أن أي إقصاء للعرب السنة سيؤدي إلى فشل عملية صياغة الدستور الدائم، كما أن هذا الإقصاء سيعقد من الوضع الأمني لأن الإقصاء سيدفع مجاميع من العرب السنة للانخراط في القوى المسلحة.
وأشارت المعلومات السياسية في بغداد إلى أن الائتلاف الشيعي والتحالف الكردستاني يواجهان انقسامات داخلية بين مؤيد لمشاركة موسعة للعرب السنة وبين مؤيد لمشاركة محدودة..
واستنادا إلى هذه المعلومات، فإن الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني يؤيد مشاركة العرب السنة في لجنة صياغة الدستور الدائم مع الأخذ بنظر الاعتبار أنهم قاطعوا العملية الانتخابية وهو أمر يرفضه العرب السنة، أي الربط بين المشاركة في كتابة الدستور وبين المشاركة في الانتخابات السابقة.
إلى ذلك، بات في حكم المؤكد أن أيام العسل بين الأكراد والشيعة في العراق، في طريقها إلى الانتهاء، خاصة بعد أن بدأت بوادر الخلاف الكردي الشيعي تظهر جلية، ممثلة بالكثير من الخلافات التي ربما أجلتها المصالح الحزبية في فترة ما، غير أنها ظهرت بعد ذلك بقوة،فمن رفض الرئيس العراقي الكردي جلال طالباني قرار إبراهيم الجعفري رئيس الحكومة الشيعي بإطلاق سراح كافة الموقوفين من الإيرانيين، وصولا إلى الخلافات التي ظهرت مؤخرا حول غضب الأكراد من برنامج حكومة الجعفري المتمثل بعدم الإشارة إلى موضوع الفيدرالية أو قضية كركوك.(24/137)
وآخر حلقات الصراع الشيعي الكردي التي ظهرت إلى العلن هو قرار حكومة الجعفري بطرد نحو 3000 موظف وعنصر أمن كردي من الأجهزة الحكومية وقوات الشرطة والأمن، وهو القرار الذي أعلن قائد شرطة كركوك أنه لن ينفذه، لأنه غير قادر على ذلك، متهما وزارة الداخلية بأنها لا تعمل لمصلحة الاستقرار في المدينة، مشيراً إلى أن مثل هذا القرار يجب أن يتم بالاتفاق مع وزارة الداخلية في حكومة إقليم كردستان.
بحسب مصادر كردية فإن جلال الطالباني رئيس الجمهورية زار عبد العزيز الحكيم، والتقى بعدد من قادة القائمة الشيعية، بعد أن شعرت القوى الكردية بأن الأحزاب الشيعية، التي تقف وراء الحكومة الحالية، تحاول أن تتحايل على الاتفاقات التي أبرمت بينهم وبين الأكراد حول عدة قضايا من بينها الفيدرالية وقضية كركوك، بالإضافة إلى قضايا إعادة توطين الأكراد، الذين هجرهم صدام حسين في كركوك.
وقد هاجم الإعلام الكردي حكومة الجعفري بقوة، معتبراً أن الشيعة يمارسون ذات الأساليب "الصدامية" السابقة بحق الأكراد، كما عبرت عن ذلك جريدة "بيامنير" الكردية.
من جهة ثانية، أكد مثال الآلوسي، رئيس حزب الأمة في العراق أن حزب البعث فرض سيطرته السياسية بالكامل على مناطق العرب السنة خاصة في محافظة الانبار. وأضاف: "جميع شعب البعث أعادت بناء نفسها من جديد وهي تحكم الانبار بالفعل".
واعتبر البعث القوة الوحيدة صاحبة النفوذ والكلمة في مناطق العرب السنة أما القوى الأخرى، فلا نفوذ لها.
في حين قال مشعان الجبوري، رئيس كتلة التحرير والمصالحة في البرلمان العراقي المنتخب أن البعث هو الطرف الوحيد الذي يمكن محاورته سياسياً ويمكن في حال التوصل معه إلى تفاهم أن يسهم في تطبيع الأوضاع الأمنية في مناطق العرب السنة.(24/138)
وتابع: "إذا كان البعث يسيطر على المنطقة السنية، فهذا يساعد على التفاوض معه لأن الحكومة العراقية تريد الحوار مع من له كلمة على الأرض وليس كما يفعل البعض عندما يتحدث عن دوره في الحوار مع المقاومة المسلحة وهو لا يملك أي رصيد في الشارع السياسي داخل مناطق العرب السنة".
وقال محللون عراقيون إن ورقة المقاومة المسلحة أضحت ورقة سياسية رابحة وهو أمر جعل البعض يتسابق إلى هذه الورقة بهدف تحقيق مكاسب سياسية. وكشفت مصادر رفيعة في مدينة الفلوجة أن البعض يوهم الأميركيين بأنه يجري اتصالات مع المقاومة المسلحة، وله نفوذ عليها لنيل الدعم الأميركي في موضوع المشاركة في العملية السياسية الراهنة.
الروزخون إبراهيم الجعفري
عدنان حسين الشرق الأوسط 18/6/2005
عندما كنت اتابع ـ عبر فضائية «العراقية» ـ رئيس الحكومة العراقية الانتقالية السيد ابراهيم الاشيقر (الجعفري) وهو يقدم برنامج حكومته الى الجمعية الوطنية (البرلمان الانتقالي) في الحادي والثلاثين من الشهر الماضي، احتشدت في ذهني ذكريات ايام الروزخونية. وهؤلاء هم رجال دين شيعة من درجة ثالثة او رابعة، وربما ادنى، ينتشرون في المدن والقرى، في ايام شهر محرم خصوصا، لرواية قصص واقعة الطف التي استشهد فيها الامام الحسين بن علي ومعظم اهله واصحابه. ومقابل هذه «الخدمة» يقبض الروزخونية اجورهم المجزية نقدا، اضافة الى ما يتلقونه من عطايا عينية ذات قيمة.
وأكثر ما يميز خطب الروزخونية التي يلقونها من فوق المنابر انها انشائية ذات لغة عاطفية ومعلومات لا تخلو من المبالغة، استثارة لجمهور المستمعين واستدرارا لدموعهم حزنا على الامام الحسين وآل بيته وجلدا للذات ايضا، فالروزخونية لا يترددون في لوم اهل العراق عن خذلانهم الحسين (هل كان الامر كذلك حقا؟.. هذا موضوع آخر).(24/139)
السيد الاشيقر، وهو ايضا روزخون ولكن من دون عمامة وجبّة ويصر على التمسك باسمه الحركي الطائفي (الجعفري)، قدّم برنامجا حكوميا طغت عليه اللغة الانشائية العمومية، وهذا ما لاحظه العديد من اعضاء الجمعية الوطنية الذين ناقشوا البرنامج الاسبوع الماضي واظهروا معايبه ونواقصه الكثيرة، بعضها خطير للغاية لانه يتجاوز على قانون ادارة الدولة (الدستور المؤقت) الذي تستمد حكومة الاشيقر (الجعفري) منه شرعيتها، ويتجاوز ـ بل يتنكر ـ ايضا على اتفاق الشراكة الحكومية بين «الائتلاف العراقي الموحد» الشيعي ذي الاغلبية غير الحاسمة في الجمعية الوطنية والتحالف الكردستاني الذي يشكل الكتلة الرئيسية الثانية في البرلمان.
برنامج أي حكومة يعكس شخصيتها. لكن البرنامج الذي قدمه السيد الاشيقر (الجعفري) انما عكس شخصيته هو، فمناقشات الجمعية الوطنية اظهرت ان رئيس الحكومة لم يعرض البرنامج على اعضاء حكومته، او ربما عرضه على بعضهم، وهم من خاصته وشركائه في «الائتلاف» الشيعي، فيما حجبه عن الشركاء الاخرين، وخصوصا وزراء التحالف الكردستاني.
هل هذا غريب على شخص مثل السيد الاشيقر (الجعفري)؟.. لا أظن. فالسيد الاشيقر غير معروف عنه انه رجل سياسة ديمقراطي، اذ لم نسمع انه عقد مؤتمرا عاما لحزبه «الدعوة الاسلامية» لانتخابه وسائر اعضاء القيادة. ومعروف عنه انه لا يطيق الديمقراطية ويتحسس كثيرا من الفيدرالية الى درجة انه اهمل في برنامج الحكومة معالجة قضية الفيدرالية وكركوك، وهما قضيتان أساسيتان تواجهان حكومته والعراق الجديد. وكان مكتبه قد حذف من القسم القانوني للوزراء الجملة التي تلزم بالعمل على تحقيق الفيدرالية. وتوج هذا كله بمقاطعة مراسم تنصيب السيد مسعود بارزاني رئيسا لاقليم كردستان.(24/140)
واذا ما استعدنا الى الذاكرة ان حزب الدعوة الذي كان الحزب الاسلامي الاول في العراق تشرذم تحت قيادته وتراجعت شعبيته كثيرا، يتبدى لنا السيد الاشيقر (الجعفري) باعتباره ليس رجل دولة، او في الاقل هو ليس برجل الدولة الذي يحتاجه العراق في ظروفه المصيرية الصعبة الراهنة. انه روزخون من الطراز الاول قذفت به الظروف في طريق السياسة. وربما كان افضل للعراق ولـ«الائتلاف» الشيعي ان يكرس نفسه لرواية قصص واقعة الطف في ايام محرم.
مليارات المرجعيه، وجوع ملايين الشيعه
ابن عبود من شبكة الانترنت
قبل ايام شاهدت بالصدفه اعادة لمقابله اجرتها فضائية عراقيه مع قائد فيلق بدر هادي العامري. الذي يسميه الاسرى العراقيون هادي كيمياوي بسبب تعذيبه، واستجوابه لهم لصالح المخابرات الايرانيه "اطلاعات" التي لا زال يحمل هويتها ويستلم راتبها. رد بسخريه فجه ينطبق عليها قول "من فمك ادينك" عن مصادر تمويل ميليشيات بدر، معلنا انه لا يعتمد على تمويل ايران فقط. وانهم ليسوا بحاجه لتمويل ايران "فالملايين" التي بحوزة ال الحكيم تكفي وتزيد.(24/141)
اعادني هذا اللقاء الى اوائل سبعينات القرن الماضي عندما نشرت مجلة الف باء العراقيه، التي كانت تصدرحينها، ريبورتاج صحفي عن ثروات وكنوز مرقد الامام علي بن ابي طالب. ولازالت اتذكر صورة الكأس المرصع بالماس، والجواهر،والدررالثمينه، والمهدى من احد الملوك. والصحفي يكتب بفخر: "كنت امسك بيدى كاسا قيمته ريع مليون دينار". دينارمال قبل. اي مايزيد على المليون دولار وقتها. فكم سعره الان؟ وقتها شعرت بالفخر ان بلادي تملك هكذا ثروات ضخمه، وقيم اثريه، وحضاريه، ومراقد، ومزارات، ومواقع اثريه ذات اهميه دينيه، وتاريخيه لا تقارن. ويزورها الملايين من الناس سنويا. ينفقون ويهدون، ويمنحون الملايين من الدولارات. والى النجف وكربلاء ومرجعياتها تتدفق ملايين الدولارات سنويا، ويوميا من نذور، وهبات، وزكاة، وخمس..الخ. اذا اخذنا الخمس فقط، والمفروض على كل شيعي مهما كان فقيرا. فتصوروا، اي عدالة، ووفاء لمبادئ علي بن ابي طالب نعيش؟ ذلك الخليفه الذي كان يخيط نعله بيديه، ويقول لو سرقت فاطمه بنت علي من بيت المال لقطعت يدها. والقصه، ومعناها معروف للجميع. فمن يقطع ايادي لصوص اليوم من الدبب السمان؟؟؟!(24/142)
تذكرت، ايضا، جارنا المعدم النازح من الريف هربا من ظلم الاقطاعيين. حيث سمح له والدي ان يعيش في بستان اقطاعي مجاور لبيتنا . كان والدي مسؤولا عنه. ورغم صعوبة الظروف، فكان والدي يساعده بين الحين، والحين. في احدى المرات مازحته قائلا: لماذا لا تطلب مساعده من "السيد" فلان الذي يعيش في قصر مجاور؟ فلم يجب. بعد ايام مر جارنا، واشاح بوجهه عني، على غير عادته. فاخذتني سوء النيه وتوقعت انه تلقى مساعده دسمه، اغنته، عن مجاملتنا، وجعلته يتعالى علينا "يشيل خشمه". فمازحته بخبث : ماغني الا الله! يبين السيد اغناك؟ فرد، مرغما، مهموما، وبه من الحزن، واللوعه، والانكسار ماحيرني: ياغنى يا بطيخ! ريتني ما سمعت حجايتك. لو ادري ما دكيت بابه. خنقته العبره . ولكنه واصل كلامه: ذهبت اليه، وليتني لم اذهب. قلت له: مولانه، الغنى من الله، والحمد لله، الله غانيك. الله يزيدك، ويعليك. و،و،و. وما ان فهم طلبي بالمساعده حتى تغيرت ملامحه، وتبدلت اخلاقه، وصرخ في وجهي: ولك حمار ابن الحمار. انه حسبالي جاي تطيني حصة جدي. النوب جاي تريد تاخذ مني. هو انه شعندي.هذا حقي. هو النبي جدك لو جدي؟! وسمعت من الشتائم، والكلمات البذيئه، ما لم اسمعه الا على السنة السكارى وابناء الشوارع. خصم الحجي طردني طرده محترمه.(24/143)
تذكرت جارنا المسكين، وانا استمع لشكاوي فقراء الشيعه مقلدي، واتباع المرجعيه، ودافعي الخمس والزكاة لوكلاء آل البيت. وهم يتشكون من الجوع، والمرض، والفقر، والحرمان، والاهمال. ويعيشون في بيوت الصفيح، واطفالهم يموتون من الجوع، والمرض لانهم لا يملكون ما يكفي لاطعامهم بشكل جيد، او ثمن الطبيب والدواء. في حين ينام "ابناء رسول الله"، و"أحفاد اهل البيت" عى فرش الحرير، وياكلون افضل الاطعمه ويتعالجون عند الكفره "الخنازير" في الغرب. النجف، وكربلاء ومرجعياتها تقبع على ثروات هائله، ومليارات الدولارات في حين يتناول عامتها، وغيرهم من الشيعه في العراق الطحين، والشاي الممزوج بنشارة الحديد . حصتهم التموينيه، التي يستلموها من حكومتهم الشيعيه المدعومه من المرجعيه الثريه. التي لم اسمع يوما انها وزعت صدقات، او بنت مدارس، او اعانت عوائل معدمه كما تفعل الكنائس مثلا. فقراء الشيعه في البصره وغيرها يتطببون بلا مقابل في مستشقيات، وصيدليات مدعومه من تبرعات المسيحيين. في حين تتكدس مليارات الخمس في بنوك اوربا لزيادة غنى" وكلاء" اهل البيت. الا قليلا من الانصاف!
لم يكتف "السيد" بطرد جارنا المسكين بل، اراد معاقبته على جرأته تلك. فذهب الى معارفنا ملاك الارض وادعى على ابي انه يؤجرالارض ل"حراميه" في بستانهم، الذي أئتمنونا عليه. ولما جاء وكيلهم ليتقصى الحقيقه، لم يجد لا حراميه، ولا ايجارات بل شكر،وحمد، وامتنان لاهل الارض، ولمساعداتنا. بعد ايام جاءت زوجة الاقطاعي المتوفى، وهي تحمل ملابس، واطعمه، وزعتها على الفقراء. اعتذرت من ابي، وطلبت منه، ان يسمح لهم ببناء صرائف لائقه، وليس اكواخ وقتيه مهترءه. لابد من التوضيح هنا ان ملاك الارض كانوا من الطائفه السنيه، ومن الزبير بالتحديد. آمل ان لا يكون مغول البعث قد هجروهم فلقد سبق للطاغيه، ان استولى على قصورهم في كورنيش البصره.(24/144)
اتمنى ان لا تغضب المرجعيه على فضائية الفيحاء، وتطالب مقلديها من فقراء الشيعه بمقاطعة القناة. او الفتوى بتحريم الشكوى من العوز، والفقر، والفساد الاداري. فتمنع "سنة" الخليج من ارسال المساعدات الى اشقائهم العراقيين لحين تفرج المرجعيه عن مليارات الخمس. التساؤل الاهم هو انني توقفت عن مرافقة والدي الى الجامع منذ ان سمعت حكاية جارنا مع "السيد". فهل يتوقف فقراء الشيعه عن دفع الخمس وغيره الى ذوي العمائم السميكه، والكروش المتهدله ذوي الانساب المزيفه؟؟؟
ولمذا لا يوزع الحكيم ملايينه على فقراء الشيعه بدل تحويلها الى هادي العامري، وميليشيات بدر؟؟؟
علاقة المذهب والسياسة في عراق ما بعد صدام
مصطفى خادميان همشهرى (المواطن) 9/3/2005
نقلا ً عن مختارات إيرانية العدد 58 – مايو 2005
طرحت التركيبة المذهبية للجمعية الوطنية العراقية التي تم انتخابها في 30 يناير الماضي تساؤلاً مهما مفاده: ما هي طبيعة النظام السياسي القادم في العراق، وإلى أي مذهب سوف ينسب؟
إن الاتجاه العام في العراق يميل نحو شكل من الحكومة الإسلامية، لكن ضغط الأمريكيين وتخوف عرب المنطقة من نفوذ الأغلبية الشيعية أدى إلى تغليب الاتجاه الداعم لتشكيل حكومة وحدة وطنية، لكن المسألة التي لم تغب مطلقا عن حديث زعماء العراق، خاصة آية الله السيستاني تتمثل في أنه يجب أن يكون الإسلام هو المصدر الأساسي للتشريع والقوانين الموضوعة في العراق، ولكن على الرغم من وجود هذا التوجه المشترك بين مسلمي العراق ، إلى أن ثمة خطوط تمايز مذهبية وعرقية بدت تلوح في الأفق حول بعض القضايا، ولهذا السبب يطرح الآن هذا السؤال على العراقيين ومفاده: ما هو حال الإسلام السياسي بعد صدام.(24/145)
الإجابة على هذا السؤال ليست معلومة تماماً فسياسة القمع التي مارسها نظام صدام حسين أخلت بالأداء الطبيعي للسياسة ،وأدت إلى لجوء الجماعات وبالتحديد الجماعات الإسلامية إلى الأنشطة السرية، بل إن كثيراً من الجماعات التي كانت نشطة في سائر الدول العربية مثل الشيوعيين والليبراليين والإسلاميين قلما تنشط في العراق، ولكن اليوم ظهر كثير من هذه الجماعات وفرض نفسه على الساحة. ورغم انتهاء العصر القمعي وانفتاح المناخ السياسي، فليس هناك دليل لأن نقول أن ثمة مناخاً سياسياً جديداً آخذ في التبلور ،ويختلف تماماً عن النماذج العامة للسياسة في العالم العربي.
صحيح أن لكل دولة خصائصها وتاريخها وجغرافيتها السياسية والطبيعية الخاصة بها، لكن يوجد في العالم العربي نماذج سياسية محددة طموحة تحول دون أن تصبح العراق أكثر حرية بشكل يختلف عن سائر الدول العربية، فأحد الخصائص العامة للعالم العربي هو أن الإسلاميين يمثلون المعارضة الأهم والوحيدة بالنسبة للنظم القائمة، ولذا فإن الإسلام السياسي في عراق ما بعد صدام سيكون له حضور فاعل كما كان من قبل.
في العراق الآن ونظراً لوجود درجة من المنافسة السياسية يواجه الإسلاميون تحديات فيما يتعلق بتداول السياسة، السؤال الأهم في هذا السياق هو: كيف ستبدو الطروحات الإسلامية وكيف سيتفاعل الإسلاميون مع سائر القوى السياسية الموجودة في العراق؟
وينشط في العراق الآن ثلاث (مجموعات) إسلامية قومية ـ مذهبية هي:
1ـ الأغلبية العربية الشيعية.(هذا غير صحيح فالسنة أكثر من الشيعة بكل القوميات. الراصد )
2ـ العرب السنة. 3ـ الأكراد.(24/146)
النقطة الأهم في هذا الإطار هي أن الخلاف بين الشيعة والسنة ليس عميقاً كما هو متصور ( طبعاً هذا غير صحيح . الراصد )، لأن هاتين الجماعتين كانتا تعيشان جنباً إلى جنب طوال العديد من السنوات وهم يعتبرون أنفسهم عرباً، بل إن شيعة العراق يؤكدون على عروبتهم وعراقيتهم، ولكن نظراً للسياسات العنصرية التي طبقها صدام على مدى العقود الماضية تبلور نوع من الوعي السياسي والاجتماعي لدى الشيعة للوصول إلى السلطة لأنهم كانوا محرومين منها أثناء تلك الفترة، ولهذا السبب فإن التيار الحالي في العراق ليس تياراً واحداً خلف الحدود العرقية المذهبية،والخلافات الموجودة قائمة على قضايا اجتماعية وفئوية قبل أن تكون على الدين وهذا يجعل الشيعة والسنة العراقيين أصحاب جذور قبلية مشتركة ورؤية مشتركة أيضاً، ولكن التشيع في الوقت الحاضر ليس مجرد وجهة نظر وعقلية دينية خاصة بل هو أسلوب حياة روحية وثقافية بالنسبة للشيعة في مختلف أنحاء العالم، وعلى الرغم من أن شيعة العراق، ذوو أصول قبلية وعشائرية فقد كانت ثقافتهم على مدى العدة عقود الماضية ثقافية مدنية وتأثرت إلى حد ما بالثقافة الإيرانية. بعبارة أخرى، مع مرور الوقت تزايدت أوجه التمايز بين الشيعة والسنة.
ـ الشيعة:
لقد تهيأت أمام الشيعة بعد سقوط صدام فرصة تاريخية لا نظير لها وهم يأملون الآن بعد فوزهم في انتخابات الجمعية الوطنية أن يصبحوا القوة الأهم. وقد كان الشيعة في عهد الدولة العثمانية وأثناء الاحتلال البريطاني للعراق وفي عهد صدام دائماً على الهامش محرومين من السلطة، وقد أدى سقوط صدام إلى عودة الشيعة إلى هويتهم وزيادة نشاطهم السياسي الشيء الذي لم يكن يتوقعه الساسة الأمريكيون. الآن يدرك الشيعة أن الوجود الأمريكي هو العائق الأساسي في طريق وصولهم إلى السلطة التي حرموا منها لسنوات.(24/147)
إن تحليل قضايا شيعة العراق أسهل بكثير من تحليل قضايا السنة، إذ أن نشاطهم علني وبعض زعمائهم مثل محمد باقر الحكيم زعيم المجلس الأعلى للثورة الإسلامية العراقية كان على مدى عقد كامل على اتصال دائم بالأمريكيين، وكان يعمل بكل جهد من أجل الإطاحة بنظام صدام.
يجب الأخذ في الاعتبار أن الشيعة يتميزون بالأساس عن الجماعات الأخرى من خلال اهتمامهم بالقضايا الاجتماعية ، كما أن سياسة الشيعة ذات طبيعة دينية يلعب رجال الدين بصفة عامة الدور الأساسي فيها، وهنا تكمن معضلة الشيعة العلمانيين فعندما يُنحى الشيعة العلمانيون الدين جانبا فإنهم يفقدون دعم جماهير الشعب، وإذا قدموا أنفسهم على أنهم شيعة فإنهم ينفصلون عن سائر الجماعات غير الشيعية.
ـ آية الله علي السيستاني ودعاة التهدئة:
اعتبرت المرجعية الشيعية العليا في العراق ممثلة في آية الله علي السيستاني أن التهدئة أكثر سبل الحياة فعالية في عهد صدام، والمقصود بالتهدئة هنا البعد عن السياسة. وفي هذا التقليد يلعب رجال الدين دور المراقب والناقد للقضايا الاجتماعية والسياسية، لكن الآن وقد سقط نظام صدام يكون من المناسب والمفيد أن يواجه تيار التهدئة اختباراً كبيراً فلم تعد التهدئة ابتعاداً تاماً عن السياسة، بل هي اتجاه محدد ومقصور على موضوعات سياسية في وقتها وإبداء وجهات النظر السياسية.
جماعة الصدر:
مقتدى الصدر هو أصغر أبناء محمد صادق الصدر الذي اغتاله نظام صدام في عام 1999، وقد كون مقتدى الصدر جماعة الصدر الثاني ويتجمع معظم أنصار الصدر في بغداد في مدينة الصدر (صدام سابقا) وكان مقتدى الصدر من الأشخاص الأوائل الذين طالبوا بخروج علماء الدين غير العراقيين من العراق، وعمل على طرح توجه شيعي محلي في العراق، وشكك في جدارة زعماء الدين غير العراقيين، ولكن نظراً للامتزاج الثقافي بين الإيرانيين والعراقيين على مدى التاريخ أصبح من العسير جدا خلق توجه شيعي عراقي صرف.(24/148)
إن التأكيد على التشيع المحلي والعراقي من جانب الصدر من الممكن على المدى البعيد أن يقلل من نفوذ إيران في العراق ويخلق منافسا قويا لنفوذ إيران بين الشيعة في العراق ويخلق منافسا قويا لنفوذ إيران بين الشيعة في العراق ولبنان وسوريا والخليج (الفارسي) بل وشبه القارة الهندية.
ومعظم أنصار مقتدى الصدر في الغالب أشخاص ذوو مستوى اقتصادي منخفض يعيشون على أطراف المدن ويفتقرون إلى التجربة والممارسة السياسية اللازمة، وعلى مدى العدة أشهر الأخيرة، وخاصة بعد أزمة النجف تلاشى الوجود السياسي القوي لمقتدى الصدر.
ومع هذا لا يجب التهوين من قدرة مقتدى الصدر على مواجهة الحكومة العراقية والقوات العسكرية الأمريكية.
المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق:
أسس آية الله محمد باقر الحكيم المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في عام 1982 وكان مقره في طهران ويضم قوات فيلق بدر التي تعد الجناح العسكري للمجلس الأعلى وقوامها عشرة آلاف مقاتل وقد تم تكوينها من المليشيات المبعدة من العراق، وكان الحكيم يدعم مبدأ التعددية في الحكومة العراقية بعد الاحتلال.
وبعد اغتيال محمد باقر الحكيم في العراق خلفه أخوه عبد العزيز الحكيم الذي يبدو أنه يواصل طريق الحكيم في نهجه.
حزب الدعوة:
يعد حزب الدعوة حركة إسلامية شيعية ذات تاريخ طويل في العراق، وتعود بدايته إلى عام 1957، وقد أسس هذا الحزب محمد باقر الصدر وعدد آخر، وكانت هذه الحركة في البداية عازمة على تشكيل حكومة إسلامية، حيث عملت على كسب تعاون الإخوان المسلمين، وقد خلق التوجه الراديكالي السياسي لحزب الدعوة مناخا محافظا في النجف.(24/149)
واشتهر حزب الدعوة بالعنف ضد النظام في عقد السبعينيات، ومع تشكيل المجلس الأعلى انضم إليه حزب الدعوة عام 1982 ولكنه انفصل عنه للخلافات التي نجمت عن مسألة الحكم وأيضا محاولة إيران السيطرة على المجلس الأعلى، ومنذ ذلك الوقت انقسم حزب الدعوة إلى جناحين جناح في طهران وكان جزءا من المجلس الأعلى أطلق عليه اسم "حزب الدعوة الإسلامي" وآخر كان أكثر استقلالا واتخذ من لندن مقراً له.
( لاحظ تغيب السنة عن البحث وجعلهم سريين ! وليس لهم نشاط إجتماعي ... وهذا أسلوب مدروس في تجاهل السنة و كأنهم غير موجودون كأسلوب قناة المنار في تجاهل الصحابة وامهات المؤمنين . الراصد )
القيادي الشيعي الشيخ جلال الدين الصغير:
لا وصاية للسيستاني على المسلمين
د. هاشم حسن الوطن العربي ـ العدد 1475 10/6/2005
أفرز المشهد السياسي العراقي بتطوراته وأحداثه المتلاحقة العديد من الشخصيات الإسلامية والعلمانية المرشحة لأداء أدوار كبيرة في المرحلة المقبلة.. ويقف الشيخ جلال الدين الصغير، المقرب من المرجع الشيعي آية الله علي السيستاني وإمام وخطيب الجمعة في جامع براثا أشهر مساجد الشيعة في بغداد وعضو البرلمان ولجنة كتابة الدستور، في مقدمة الشخصيات التي تتصدر الفعاليات السياسية والدينية، ولهذا فقد نجا من العديد من محاولات الاغتيال التي حصدت نخبة من المقربين إليه، لكنه ما زال حريصاً على تضمين خطب الجمعة بالمواقف السياسية الثورية الصريحة التي تثير الكثير من الجدل لكنها تبدد المخاوف وتزرع الأمل في عراق جديد ينهض من تحت ركام الأحقاد.(24/150)
"الوطن العربي" أمضت مع الشيخ جلال الدين الصغير وقتا غير قصير.. حاورته عن شؤون الساعة وشجون الشأن العراقي وقبل هذا وذلك سرد لنا الشيخ القصة العجيبة لمسجد براثا الذي يعد من أهم المزارات في بغداد، حيث كان حسب بعض الروايات محطة توقف فيها العديد من الأنبياء عليهم السلام في مقدمتهم إبراهيم وموسى والمسيح وفي معركة النهروان أمضى الإمام علي كرم الله وجهه أربعة أيام في هذا الدير وله حكاية مثيرة أقرب إلى الكرامات حيث استطاع أن يفتح لجنده عينا للماء من قلب صخرة كبيرة ما زالت ماثلة في المكان مما دفع صاحب الدير لإعلان إسلامه وأصبح المكان مزارا وشاهداً لوقائع تاريخية مهمة ربما ستليها أحداث أخرى في مقبل الأيام العراقية الحبلى بكل ما هو مثير.
كيف تفسرون اتهام الشيخ حارث الضاري لمنظمة بدر بالتورط في أعمال عنف ضد أبناء السنة؟
ـ لا بد أن نشير في البداية إلى حقيقة مهمة ألا وهي أن هذه الدعوات لا علاقة لها بالسنة أو الشيعة. إنما تأتي في حلقة ضمن سلسلة طويلة ابتدأت منذ مدة ليست بالقليلة تحاول أن تفتعل الفتنة الطائفية في العراق ،وأوضح أن القوى التي تحالفت على إعاقة العملية السياسية اتفقت على أن تتخذ من الفتنة الطائفية سبيلا لتدمير هذه العملية وصولا لغايات قد تختلف فيما بينها ولكنها تتحد في طبيعة تفتيت الصف الوطني وشرذمة القوى الشعبية والسياسية المنطوية في العملية السياسية الجارية في البلاد.(24/151)
وما تحدث بشأنه حارث الضاري في هذا الوقت تحديداً يشير إلى طبيعة ظرف تمر به نفس حارث الضاري والمؤسسة التي عمل جاهداً خلال هذه الفترة كي يدفع بها، وهي مؤسسة الإعاقة لكل عمل من شأنه إقامة الدولة العراقية الجديدة البعيدة عن أوضاع النظام السابق، إن هذه الدعوة أو التهمة إنما جاءت تلبية لظروف يعيشها الضاري نفسه سواء في علاقته مع هيئة علماء المسلمين، إذ من المعروف أنه يعاني من مشكلة تشتت وتفتت هذه الهيئة أو على مستوى الصف السني باعتبار أن الكثير من القيادات السنية تحمله مسؤولية كبرى في شأن شرذمة أو تهميش الدور السني العربي بعد ممانعته في إشراك السنة في عملية الانتخابات مما أدى إلى انسلاخ واضح جدا في القاعدة التي كان يعتمد عليها، ناهيك عن طبيعة ما يلوح في أفق العملية الأمنية الجارية.
ونشير هنا إلى طبيعة الجدية التي تتسم بها هذا العملية بعد أن كانت الوزارة السابقة عبثا أمنيا وسياستها كانت تعمل لخدمة الإرهابيين وبالنتيجة حولوا هذه الأجهزة إلى يد عاملة ومساعدة ليد الإرهاب، ولذا فكانت هذه الصفقة ضربة استباقية لما يمكن أن يجري في مستقبل هذه الأيام من ضربات جدية إلى الإرهاب لا سيما أن الخطة الأمنية الجديدة مصممة لقطع يد الإرهاب من الجذور.(24/152)
وأضاف الشيخ جلال الدين: أن توجيه اتهام غير دقيق لفصيل رئيسي في الفعالية السياسية العراقية ينطوي على أبعاد غاية الخطورة وكنا نأمل من الضاري أن يؤدي دوره كمسؤول ديني، وأن يتحرى الدقة في حدها القانوني الأدنى، وكان عليه أن يعرضها بشفافية على المحافل القانونية لأنها هي المسؤولة عن متابعة هذه القضايا، ويمكن أن تتجلى للرأي العام خطورة تصريحات الضاري التي تكمن في كونها مجافية للحقيقة في تبرير قتله للمواطنين العراقيين، حيث قال إنه يجوز قتل الأبرياء للوصول إلى ما أسماه "المحتلين" أو ما إلى ذلك، عندئذ نقول ما الضير في أن يستخدم الزرقاوي هذه الطريقة للوصول إلى هدفه المعلن باستخدام بعض أبناء السنة، وهو أمر مؤسف للوصول إلى هدفه الأساسي وهو إثارة وافتعال الفتنة والحرب الطائفية بين السنة والشيعة ولا سبيل له بالسيطرة على الشارع السني وتحقيق أهدافه الظلامية إلا عبر هذه الخطة الخبيثة.. وقد وصف السنة بألفاظ سيئة تليق به ولا تنطبق عليهم..ولذا فإن اتهام الضاري لمنظمة بدر جاء في غير مكانه وزمانه الصحيحين.(24/153)
لقد كان ظالما جدا ومخالفا للمنطق، لأن منظمة بدر لا وجود لها في وزارة الداخلية وجهاز المخابرات، ولدينا وثائق تؤكد هذه الحقيقة، والمنظمة لم تمنح أية امتيازات بل هي لم تحصل على تراخيص لحمل السلاح، وجاء الاتهام بعد تولي وزير جديد من الائتلاف وزارة الداخلية، ولهذا فإن واقع المنظمة وتحركاتها المعروفة للرأي العام تفسر اتهام الضاري على أن له بعداً واحداً فقط هو التحريض المتعمد لإثارة الفتنة الطائفية وتهديده وتلويحه بهذا الخيار المرفوض من السنة والشيعة مستغلا أوضاع السنة وعدم اتفاقهم وانقسامهم بشأن المشاركة في العملية السياسية فمنهم من يؤيدها بقوة وبعضهم يرفضها، وآخرون ما زالوا متفرجين، وهناك من يجاهر بحمل السلاح، وهم في كل ذلك لا توحدهم قيادة مشتركة، وهيئة علماء المسلمين فصيل واحد من فصائل السنة وهي ليست الممثل الوحيد.
تخوفات عربية
ما سر تخوف المحيط العربي من قيادة الشيعة للعمل السياسي؟
ـ العراق بلد غنى جدا، وكان غناه وثرواته للآخرين أكثر مما لنفسه، وهذا الغنى ابتنى على أساس سلب الشيعة حقهم في العيش والمواطنة، والمذابح التي جرت في العراق في عهد النظام السابق لا يمكن لأحد أن يتصور حجمها،وكانت أمام أنظار الجميع لكن الإعلام العربي كان أخرس تماما بل أكثر من أخرس ولعب دور الشيطان، أصر على إخفائها ومازال حتى الآن يرفض تقبل تلك الحقائق والوقائع، لذلك لم نكن نستغرب أن الدوائر والأنظمة العربية المتأثرة بالروح الطائفية أكثر من الدبلوماسية تشعر إزاء ما يحدث في العراق بالأزمة وتتوقع أن جماهيرها ستطالبها بإحداث تغييرات وإصلاحات وهي تعلم أيضا أن العملية السياسية في العراق ونموذجها_ رغم الاضطراب الظاهري للوضع الأمني_ تتقدم وأن قوى التغيير التي أفرزت أدوارا للشيعة والأكراد وللسنة أيضا بأنها ستكون توجيها جديدا لاستثمار ثروات وموارد العراق لصالح العراقيين.(24/154)
وهذه التجربة ماثلة وحاضرة أمام أنظار الأنظمة العربية وشعوبها وتحاول أن تشوهها بكل الطرق وفي مقدمتها دعم الإرهاب والإعلام الأسود، لكننا سنمضي لتركيز الثروة داخل العراق لإعادة بناء العراق المدمر والرقي به إلى مصاف الدول الغنية، والمشكلة ليست في الشيعة أو الأكراد بل رغبة الكثير من الأنظمة في أن ترى وجوها كالحة تلبي مصالحها ومن حقنا ـ ونحن نرى مدناً مثل الرياض ليس فيها أنهار تتحول إلى جنان ونحن بلد النهرين العظيمين نعيش في قفار ـ أن نفكر في إعادة بناء العراق للعراقيين، مع انفتاح واع على الآخرين في إطار المصالح المشتركة.
وماذا عن اختراق المخابرات الإيرانية للأحزاب الشيعية؟
ـ لقد قيل الكثير من هذا الكلام وصوروا الشيعة القادمين لقيادة العملية السياسية في العراق وكأنهم ليسوا من العملية السياسية في العراق وكأنهم ليسوا من العرب أو المسلمين، بل أدوات تحركها الجهات الأجنبية الخارجية، وأن هنالك انتهاكات تحدث في العراق، لكن الواقع يكشف أن ما يقع في العراق أعمال إرهابية معروفة المصدر، وغير ذلك لم ترتكب الحكومة الحالية أية انتهاكات وهي إن حدثت لا تصل إلى عشر معشار ما يحدث في أكثر البلدان العربية ديمقراطية!
هل تفسر انخراط الشيعة في العملية السياسية الحالية بأنه مع المشروع الأميركي؟(24/155)
ـ الشيعة لا يعدون أنفسهم متوافقي المصالح مع الأميركان، ونعتقد أن أميركا هي التي هيأت وقوت نظام صدام، لكن هناك قضية أساسية تمثلت في أن ورقة صدام حسين احترقت أميركيا ووجدوا أنه لا سبيل أمامهم إلا التوافق مع قوى التغيير العراقية المتمثلة في فصائل المعارضة الشيعية والكردية مثل "المجلس الأعلى" و "الدعوة" وغيرهما.. ونحن رغم التناقض معهم نسير معا في مشروع إعادة تأهيل العراق إلى حين استكمال البنية التحتية للدولة العراقية وبناء مستلزمات السيادة العراقية الكاملة وإنهاء التحديات الإرهابية التي تريد عودة العراق إلى الخلف وتخطط لنقل السلطة للقوى الظلامية.
سر تحول واشنطن
ما سر التحول الأميركي؟
ـ صحيح أن الأميركيين كانوا يبحثون عن قوى غير الشيعة للتعاون لإسقاط صدام لكنهم قالوا عام 1991 لا للشيعة ،ولا تعاون مع أحزابهم "المجلس" و "الدعوة" و "بدر". لكن في الحرب الأخيرة لم يجدوا غير هذه القوى.. فتفاعلوا معها واكتشفوا الكثير من الأوهام والصور المشوهة المنطبعة في أذهانهم عن الشيعة ومرجعياتهم العليا وأيقنوا أن الشارع العراقي الشيعي أكثر اعتدالا من بقية القوى.. وأن المرجعيات الدينية أكدت حرصها على الدم والمال العراقي والوحدة الوطنية والممارسة الديمقراطية الواعية البعيدة عن التطرف وأعطت مثلا عن انفتاح وتطور الفكر الإسلامي وابتعاده عن الانغلاق.
يقال إن مجرى الأحداث سيرسم لسماحة آية الله السيستاني دور ولي الفقيه أو المرشد الإسلامي العام؟(24/156)
ـ ما يشاع عن سماحة السيد علي السيستاني غير صحيح، فالرجل يرفض التدخل في الشؤون السياسية وكان مضطرا لتحديد بعض المسارات الأساسية في إطار واجبه الديني وفي القضايا التي تمس مستقبل البلاد فقد وجه لضرورة المشاركة في الانتخابات وأوصى بإيقاف العمليات الثأرية بعد سقوط النظام وحرص على كتابة الدستور وحفظ المال العام ومحاربة الفساد.. وقد أبلغني في زيارتي الأخيرة له بأنه لن يتدخل في الانتخابات المقبلة لأن الجميع عرف المسار والمسؤوليات وأنه كان يحرص في الانتخابات الأولى لظهور شخصيات كفؤة تسهم في كتابة الدستور الناضج للبلاد المعبر عن التعددية بكل أصنافها. وأن الحديث عن اتباع أو إقرار دستور ونظام حكم تأثرا بإيران من باب تصدير الثورة فهذا الكلام مردود لأنه ينطوي على إهانة واستهانة بعقول العراقيين وعدم احترام لذاتهم الوطنية، وكلنا يعلم أن تجربة العراق غير تجربة إيران ولكل بلد سماته وخصوصياته، فالشيعة لم يصرحوا أو يلمحوا بإقامة نظام ولاية الفقيه أو تبني مشروع للجمهورية الإسلامية لأن الدستور وشكل نظام الحكم سيقرره الشعب العراقي بنفسه بدون وصاية من هذا الطرف أو ذلك..
واختلاق هذه المخاوف هي دعاية مضادة لتشويه النهج الشيعي المعتدل في العراق.. وإصدار المرجعيات لتصريحات عن بعض القضايا المهمة التي مس مشاعر الرأي العام يجب ألا تفسر على أنها ولاية على المسلمين بل هي مشاركة في الاهتمامات المشتركة من زاوية الأخوة الإنسانية والدين الواحد.
محاكمات لحكومة علاوي
يشاع في الشارع العراقي عن قرب محاكمات لوزراء حكومة إياد علاوي بتهمة الفساد؟(24/157)
ـ هذه ليست شائعات بل حقائق دامغة، وحقيقة لو أن العالم اطلع على حقيقة الفساد في حكومة إياد علاوي لأصابته الدهشة والذهول، فلقد كان الوزراء أشبه بالحكام المطلقة أيديهم في وزاراتهم، لقد غيبوا الجهات الرقابية والتفتيشية وهدروا أموال الدولة، فكانت السرقة تمارس علنا ولم يكن هناك من يتجرأ على إيقافهم، وما سرقوه ونهبوه لا يقل شأنا عن الذي فعله أتباع النظام السابق على مدى 35 عاماً من الفساد الصدامي الذي تجاوزته حكومة علاوي خلال عام واحد، وهذا الاتهام تؤيده الوقائع والوثائق والأدلة، لقد أحدثوا خرابا هائلا وفسادا مريعا بكل المقاييس!
وهل ستمر هذه التجاوزات بدون حساب؟
ـ بالطبع لا، لأن هيئة النزاهة ـ المشكلة استنادا للقانون وتضم نخبة من المحققين والقضاة ـ تستعد لاستجواب حكومة علاوي وأول مهامها متابعة سبعة وزراء وآخرين غيرهم من كبار المسؤولين وقد رفعت ضدهم دعاوي رسمية تمهيدا لمحاكمة المدان منهم، واتخذت الإجراءات بهذا الصدد وستشمل غالبية الوزراء ومسؤولين آخرين بمستويات واختصاصات مختلفة.
كيف تنظرون لظاهرة التيار الصدري؟(24/158)
ـ يجب أن نفهم ونحدد أولا، من هو المقصود بالتيار الصدري؟ فبعض المجاميع والأشخاص لا يمثلون هذا التيار، ونحن نتابع بحرص فعاليات التيار الصدري وقد اتخذ السيد مقتدى مؤخراً إجراءات جيدة جدا تنظر إليها القوى السياسية بعين التقدير، وصحيح أن هناك من يدعي أنه يمثل التيار الصدري ويشاغب ويشاكس ضد العملية السياسية، لكن الرسميين في التيار يؤكدون أن هذه التصريحات والتصرفات لا تمثل التيار وقد خضعت المجموعة المقربة من السيد مقتدى للعديد من الإجراءات وأصبحت الآن أكثر انسجاما وتوافقا مع أطراف الفعاليات السياسية وليس هنالك مخاوف على انقسام البيت الشيعي، فالجميع يدرك حجم المخاطر والتحديات وثقل الأمانة والمسؤولية للنهوض بأعباء المرحلة الراهنة.. والكثير من تعليمات وأوامر السيد مقتدى متطابقة مع المسار العام وهي تدحض بعض ما ينسب إليه.
معوقات الوحدة الإسلامية
د.فتحي يكن المجتمع 4/6/2005
ذكرنا في العدد الماضي أن الوحدة الإسلامية فريضة شرعية وأن الأصل في الشريعة هو وحدة الأمة على كتاب الله وسنة رسوله وأن ذلك يعني العمل الحثيث على إقامتها.
ونتحدث اليوم عن المعوقات التي تواجه الوحدة الإسلامية.
لا أكتمكم أن المعوقات التي تقف حائلاً دون قيام الوحدة الإسلامية كثيرة ومعقدة وخطيرة، منها ما هو داخلي ومنها ما هو خارجي المنبت، تآمري الهدف، شيطاني المشروع. والمطلوب من المسلمين جميعاً، وعلى مختلف انتماءاتهم المذهبية والحركية، وتعدد لقاءاتهم ومؤتمراتهم، أن يحسنوا تشخيص المشكلة، وأن يقرأوا ما يجري بدقة وتجرد وصدقية، وصولاً إلى رسم خريطة للطريق المؤدية إلى وحدة المسلمين في زمن كثر فيه رسم الخرائط التآمرية ومنها بخاصة الأمريكية والصهيونية على المسلمين وقضاياهم المصيرية.(24/159)
المعوقات من منظوري الإسلامي الخاص : ليس عدلاً أن أطالبكم بما أعفي منه نفسي... وأكره أن يكون كلامي بمثابة دفع الكرة إلى ملاعب الآخرين، من هنا جئت لأقول لكم وبكل صراحة، إن المعوقات الداخلية للوحدة الإسلامية تكمن في أمرين اثنين:
الأول: عقائدي وفقهي المنحى.
والثاني: سياسي ومصلحي الخلفية.
فأما ما يتصل بالمحور الأول، فكلنا يدرك ويعرف ويعلم سنة وشيعة أن للخلاف المذهبي أصولاً وأسباباً موضوعية "فقهية وتاريخية" لا يؤدي القفز من فوقها والهروب منها إلا إلى مزيد من الاحتقان والتشنج، وصولاً إلى الانفجار... والمطلوب: تناول هذه القضايا بالبحث والدراسة المؤصلة، ومن خلال مرجعيات موثوقة متخصصة من الجانبين يمكن أن تحسم الكثير من تلكم الخلافات، وبخاصة ما يعتبر منها بمثابة فتائل تفجيرية قابلة للاشتعال في أي لحظة.
النقاط المطلوب مناقشتها وتقريب وجهات النظر حولها وما أود قوله في هذه المناسبة، أنني تقدمت في أحد مؤتمرات التقريب بين المذاهب التي حضرتها في طهران، ورقة عمل تضمنت رؤوس الموضوعات الخلافية العقدية والفقهية، وأود أن أثبتها في هذه المداخلة، وأنقلها إليكم كما قدمت إلى مؤتمر طهران:
1 إشكالية تحريف القرآن الكريم، وما يتصل بمصحف فاطمة رضي الله عنها وأرضاها.
2 إشكالية الإمامة، واعتبارها منصباً إلهياً يتجاوز مقام الملائكة المنزلين والأنبياء المرسلين.
3 الخلافات الفقهية المتعددة، كميراث البنت، ونكاح المتعة، وغيرها.
4 الخلافات التاريخية التي من شأنها أنها تبتعث الأحقاد في كل عام وعلى مداه، وتثير المشاعر، وتولد الضغائن، وتدق طبول الثأر. إضافة إلى ما يتصل من ذلك كذلك بسباب بعض الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.
5 إشكالية اعتماد "التقية" التي من شأنها هز الثقة بين الفريقين، والحكم على كل تصرف بأنه من قبيل ذلك ويقع في تلك الدائرة.(24/160)
وأما المحور الثاني، الذي لا يقل أهمية وخطورة عن الأول، فيتعلق بالمواقف السياسية الميدانية من الصراعات والحروب الدائرة بين الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في عدد من الدول الإسلامية كأفغانستان والعراق.
أقول وبصراحة متناهية: إن الانقسام الإسلامي المذهبي الذي تشهده الساحة العراقية بالذات فيما يتعلق بالتعامل مع المشروع الأمريكي، من شأنه أن يطلق شرارات لهب تطال الساحة الإسلامية في كل مكان وبخاصة لبنان.
من هنا كانت مسؤولية هذا المؤتمر وأمثاله من المؤتمرات كبيرة واستثنائية وتتطلب جهداً ميدانياً من الجميع سنة وشيعة يتعدى دائرة الكلام والبحث والخطابة.
المطلوب: مشروع إسلامي مقاوم إنه لابد من مشروع إسلامي مقاوم يجمع السنة بكل فئاتهم، والشيعة على مختلف مرجعياتهم وأطيافهم، في مواجهة عدو مشترك، وصفه الإمام الخميني بالشيطان الأكبر، إنه التحالف الأمريكي الصهيوني، الذي لا يجوز الاختلاف على هويته الشيطانية، وعلى التعامل معه على هذا الأساس.
وأختم كلامي بقول الله تعالى: ((يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون)) (45) (الأنفال).
( ويبقي هنا سؤال معلق وهو أين إجابات إيران وعلماء الشيعة على هذه الأسئلة الواضحة و الصريحة ؟؟ الراصد )
صوفية السلطان
د. حسن حنفي الدستور التاريخ : 06/2005
( الكاتب من رموز اليسار الإسلامي ! الراصد )
" سكت دهرا ونطق كفرا ". هؤلاء هم صوفية السلطان الذين أعلنوا عن تأييدهم للرئيس قبل الاستفتاء الأخير في مصر. وهم بحسب تعدادهم عشرات من الفرق الصوفية وأتباعهم بالملايين. وتصدقهم ملايين أخرى. فهم وجدانيا يقبعون في قلوب المصريين، ويتحكمون في الملايين منهم.(24/161)
هم جزء من رياسة الجمهورية مثل مشيخة الأزهر. يعين رئيسهم، شيخ مشايخ الطرق الصوفية، بقرار جمهوري. فالرياسة دين ودولة، جيش وشعب، حزب حاكم في مجلس الشعب، وطرق صوفية متحكمة في الشعب. الأول تحت قبة البرلمان، والثاني تحت قبة الضريح.
يمتلكون قدرة رهيبة على الاتصال بالجماهير من خلال الموالد، للنبي ولأولياء الله الصالحين، والاحتفالات الشعبية في المناسبات الدينية، في العيدين، شعبان، وطوال شهر رمضان، بسرادق بساحة الجامع الأزهر، يذكرون الله. يطعمهم الناس، ويقدمون لهم الفتة واللحم، تقربا إلى الله عن طريق أوليائه. ويعيشون على الصدقات، ويقبلون التبرعات حتى أصبحوا من أغنياء القوم كشركات توظيف الأموال ولكن ليس بدافع الربح الدنيوي بل بدافع الربح الأخروي. وكلاهما تجارة، الأولى تبور، والثانية لن تبور.
أصبح التصوف دينا شعبيا، بديلا عن الدين الشعائري الرسمي. واختلط بالعادات الاجتماعية منذ الفاطميين من أجل إلهاء الناس بالدين بعيدا عن السياسة أو استخدام طاعة مشايخ الطرق كمقدمة لطاعة الشيخ الأكبر، الحاكم بأمر الله. وتلهي الناس بالموالد وعرائس الحلوى وأحصنة الفرسان.
وهم فنانون شعبيون، يمدحون الرسول، ينافسون في مجال الصوت أشهر المقرئين. يتوشحون بالألوان الزاهية ويلبسون العمم الخضراء ويتمنطقون بالوشاح الأحمر أو الأخضر. ويرفعون البيارق والأعلام، وفي آخرها النجوم الذهبية. ويذكرون الله. ويتمايلون يمينا ويسارا في الأذكار. ويرقصون كما يفعل المولويون في إيران وفي فرقة الفنون الشعبية في قصور الثقافة الشعبية مثل قصر الغوري. ويلفون حول أنفسهم كالنحل حتى يسقطون مغشيا عليهم في حب الله. ويتبرك الناس بهم، ويتوسطون بهم لقضاء حاجاتهم عند الله. يتبركون بهم، وينالون بالبركة الحظوة بما في ذلك »فك الربط« من أجل تنشيط القوة الذكورية ضد العزال.(24/162)
وبما أن لهم باعا في السياسة، يؤيدون الرئيس في الاستفتاء ويبايعونه على فترة خامسة وكأنهم فرع شعبي من الحزب الحاكم بفروعه في السياسة والاقتصاد فلماذا لم يذكروا مرة فلسطين وإعلانهم عن تأييد المقاومة الفلسطينية، وإحيائهم ذكرى الشهداء؟ لماذا لم يدينوا العدوان الأمريكي على العراق وأفغانستان، والعدوان الروسي على مسلمي الشيشان؟ لماذا لا يدافعون عن حق الشعب الكشميري في تقرير المصير؟
وإذا لم يكن لهم باع في السياسة الخارجية فعلى الأقل هم على دراية بالسياسة الداخلية ماداموا قد اختاروا مبايعة الرئيس ضد إجماع الأمة على رفض التجديد والتمديد. فلماذا لم يدينوا قانون الطوارئ والأحكام العرفية وزج المعتقلين السياسيين في السجون بلا تحقيق أو تهمة أو محاكمة أو إدانة؟ لماذا لم يرفضوا التوريث، والوراثة ليست مصدرا من مصادر السلطة في الإسلام ولا الانقلاب الذي سماه القدماء »الشوكة«؟ لماذا لم ينقدوا الفساد، وتبديد أموال الأمة، ونهب ثرواتها، وبيع القطاع العام، وغلاء الأسعار، ونواب القروض، وتهريب الأموال إلى الخارج؟ لماذا لم ينقدوا مظاهر التغريب في حياتنا، وبيان مخاطر العولمة على هوية الأمة؟ لماذا لم ينقدوا نظم الهيمنة السياسة والاقتصادية للخارج وتبعية الداخل، وفيهم من العلماء والمتخصصين الكثير؟
لقد نشأت الطرق الصوفية في العهد العثماني لنفس السبب أيام الفاطميين، إلهاء الناس بالدين الشعبي بعيدا عن السياسة، والسيطرة بالدين على مصائر الناس، وتوجيههم نحو الطاعة، فطاعة السلطان من طاعة الله؟ وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم. وكلما ضعفت دولة الخلافة في إدارة شئون البلاد في الداخل والخارج ازدهرت الطرق الصوفية كحل بديل لأزمات الناس. وانتشرت خزعبلاتهم وكراماتهم في هذا العصر.(24/163)
لذلك نقدت معظم الحركات الإصلاحية الحديثة التصوف والمتصوفة مثل الأفغاني وإقبال لخطورته على نضال المسلمين ضد القهر في الداخل والاستعمار في الخارج. وكان أهل السلف قد نقدوهم من قبل وسماهم ابن تيمية " أولياء الشيطان" وميز بينهم وبين " أولياء الرحمن ". وبينوا خطورته على الشرع والأحكام الشرعية التي تقوم على التمييز بين الحلال والحرام وليس على التوحيد بين كل شيء وكل شيء باسم المحبة المتبادلة والحب الإلهي.
ومازال التصوف في حاجة إلى إصلاح، أن يتحول من المحور الرأسي إلى المحور الأفقي، ومن العلاقة بين الإنسان والله إلى العلاقة بين الإنسان والإنسان، ومن الصعود من العالم إلى الله إلى النزول من الله إلى العالم، ومن الذهاب من الدنيا إلى الآخرة إلى العودة من الآخرة إلى الدنيا أي من " التأويل" إلى "التنزيل" حتى تلحق الأمة بغيرها من الأمم بدلا من تصنيفها في عداد الأمم المتخلفة، وأعداؤها من الأمم المتقدمة.
التصوف في حاجة إلى الخروج من الباطن إلى الظاهر، ومن الداخل إلى الخارج، ومن أفعال القلوب إلى أفعال الجوارح. فما تحتاجه الأمة الآن هي الأفعال في الخارج وليس في الداخل.
ويحتاج التصوف إلى أن يتغير من المقامات والأحوال السلبية، المقامات كالرضا والتوكل والورع والخشية والتوبة والفقر، والأحوال مثل السكر والقبض والخوف إلى مقامات وأحوال إيجابية حتى تتحول الجماهير من سلبية ولامبالاة كما لاحظ الكواكبي في " أم القرى" بعد دراسة أسباب الفتور عند المسلمين، إلى إيجابية والتزام والعودة إلى حمل الأمانة وتحقيق الرسالة. كما يحتاج التصوف إلى التحول من علوم الذوق إلى علوم النظر، ومن العلم اللدني إلى العلم الإنساني حتى يسيطر المسلمون على نظم المعلومات، ويشاركوا في ثورة الاتصالات. وبدلا من الكرامات يجتهد المسلمون في تحقيق مطالبهم دون التضرع إلى الأولياء الصالحين، واستجداء النصر من الله أو الانتقام من الظالمين.(24/164)
الجزائر: مجموعة «الرابطة» تعرفت على «أبو عمار الإيراني» في دمشق قبل توجهها الى معسكرات الحرس الثوري في ايران
الجزائر - محمد مقدم الحياة 28/6/2005
بعد سنوات طويلة من اتهام السلطات الجزائرية للنظام الإيراني بالوقوف وراء دعم الجماعات الإسلامية المسلحة التي كانت تحاول قلب نظام الحكم في الجزائر عبر «عنف الجماعات» جاءت قضية الطلبة الجزائريين الذين تلقوا تكويناً سياسياً وعسكرياً في طهران لتضع العلاقات بين البلدين سنة 2000 فوق فوهة بركان. ويكشف الملف الذي تنشره «الحياة» اليوم إحدى حلقات الصلة بين «الجماعة» و»الحرس الثوري» الإيراني في نهاية التسعينات من خلال قضية وفد «الرابطة الإسلامية للدعوة والجهاد» الذي تلقى تكوين «حرب العصابات» في ثكنة عسكرية تابعة للحرس الثوري في طهران.
تلقت مصالح الأمن الجزائري في الجزائر خلال العام 2000 معلومات مفادها أن مجموعة من الجزائريين عادوا من الخارج إثر تلقيهم تكويناً عسكرياً متقدماً في دول أجنبية بطلب من المدعو شابي عبد الرحمن «أمير» التنظيم المسلح «الجبهة الإسلامية للدعوة والجهاد» والتي تخصص منذ نشأته في اغتيال المثقفين والصحافيين.
وكان مقرراً بحسب المعلومات الأولية أن يتم إرسال المجندين إلى مرتفعات جبال المدية (90 كلم جنوب) للالتحاق بتنظيم «الرابطة الإسلامية للدعوة والجهاد» التي يترأسها علي بن حجر الذي تخلى عن العمل المسلح في 11 كانون الثاني (يناير) من العام2000 للاستفادة من حق «العفو الرئاسي» الذي تضمنه قانون الوئام المدني الذي أعلنت عنه السلطات مقابل التخلي عن العمل المسلح.(24/165)
وتبين من التحقيقات الأمنية أن المجموعة تتشكل من سبعة عناصر هم «ش بن دحمان» المدعو عبد الرحمن، «ب محمد» المدعو يوسف، «م خالد» المدعو هشام، «ب رضا» المدعو عادل، «ح نور الدين» المدعو عبدالله، «ب شريف الدين بوعلام» المدعو علي، «ح باشا سمير» المدعو سيف الدين. وقد تمكنت الأجهزة الأمنية المختصة من اعتقال عناصر المجموعة قبل التحاقها بمرتفعات جبال المدية حيث كان يفترض أن تباشر اعتداءاتها.
واعترف «عبد الرحمن» في التحقيق معه أنه بمجرد خروجه في كانون الاول (ديسمبر) 1995 من الكمائن التي نصبتها السلطات للإسلاميين المتشددين في الصحراء وعودته إلى بلدته في عين الدفلى (150 كلم غرب) تلقى، عبر شخص تعرف عليه في المعسكر، رسالة من عبد القادر صوان الذي كان في تلك الفترة «أمير» الجماعة الإسلامية المسلحة لمنطقة «جبل اللوح» طلب منه فيها الالتحاق بالجماعة لكنه رفض.
وبعد سلسلة طلبات تقدمت بها قيادات محلية في «الجماعة» وافق «عبد الرحمن» على أن يندمج في أنشطة دعم التنظيم المسلح وبمزاولة أنشطة تجارية بأموال تسلمها له على أن تحول بعض أرباحها إلى عائلات المعتقلين والمفقودين أو المسجونين من نشطاء الجماعات الإسلامية المسلحة.
وتولى «عبد الرحمن» في وقت لاحق دعم جهود المدعو مصطفى بلعيدي وهو من العاصمة الجزائر، في الوساطة والتنسيق بين مختلف الفصائل والكتائب المنشقة عن «الجماعة» مثل «جماعة جبل اللوح»، و»جماعة كرطالي»، و»جماعة بن حجر»، بهدف توحيدها تحت راية تنظيم سلفي, لكن هذه المساعي تعثرت فقرر سيد علي بن حجر تأسيس تنظيم مسلح جديد يدعى «الرابطة الإسلامية للدعوة والجهاد» والذي تشكل أساساً من ناشطين سابقاً في تيار «الجزأرة» بزعامة الشيخ محمد السعيد الذي تعرض إلى التصفية الجسدية من طرف أمير «الجماعة» جمال زيتوني المدعو أبو عبد الرحمن أمين».(24/166)
وبعد أشهر تقرر معاودة ربط الصلة مع تنظيم «الجبهة الإسلامية للجهاد في الجزائر» التي تعرف اختصاراً باللغة الفرنسية باسم «الفيدا» والذي تشكل سنة 1993 من تيار «الجزأرة»، واختص في قتل المثقفين والصحافيين بالعاصمة والضواحي. وقد عقد أول لقاء تنسيقي بين ممثلين عن «الرابطة» و «الفيدا» في أحد مساجد حي باب الوادي الشعبي بالعاصمة في أيلول (سبتمبر) 1997، وشارك فيه كل من المدعو «رحماني» والمدعو «بوبراس».
وبسبب مخاوفه من التعرض إلى التصفية الجسدية اضطر «عبد الرحمن» في العام 1998 إلى اتخاذ قرار الرحيل من بلدته خوفاً من بطش «الجماعة» وناشطين في تنظيم «الهجرة والتكفير» الناشطين في بلدة خميس مليانة في ولاية عين الدفلى حيث استقر بمدينة زرالدة السياحية (20 كلم غرب).
وبعد أشهر تلقى «عبد الرحمن» اتصالاً من المدعو «أمين» وهو ناشط بارز في تنظيم «الفيدا» طلب منه المساعدة في إيجاد طلبة جامعيين بقصد إرسالهم إلى الخارج لمواصلة دراستهم مع تحديد التخصصات المطلوبة وهي الإلكترونيك والميكانيك. وقد تولى «عبد الرحمن» الاتصال مع «ب بوعلام» المدعو علي الذي كان تعرف عليه في جامعة البليدة (50 كلم جنوب) والذي اختار له طالبين هما «يوسف» و «عبد الله».
يقول «ب محمد» المدعو «يوسف» خلال التحقيقات القضائية أنه تلقى الاقتراح في نهاية 1997 عندما اتصل به صديقه في الجامعة «ب بوعلام» المدعو علي بحضور «ح نور الدين» المدعو عبدالله وعرض عليه فكرة التكوين في الميدان السياسي في الخارج لمصلحة «الرابطة الإسلامية للدعوة والجهاد» بزعامة علي بن حجر بما أنهم، كما قال، يتقاسمون فكرة الجهاد وأهمية مباشرة العمل السياسي للجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة بعد انتهاء الهدنة. وقال «علي» خلال اللقاء أنه «عضو مؤسس» في الرابطة وزعم أن له اتصالات مع أجهزة الأمن في إطار الهدنة وأن الهدف من التكوين في الخارج هو التحضير للمستقبل.(24/167)
أما «م خالد» المدعو هشام فقد ذكر في إفادته أنه بدأ منذ منتصف التسعينات بالنشاط لمصلحة «الجماعة الإسلامية المسلحة» برفقة زميله «ب رضا» المدعو عادل من خلال تسليم المناشير وبيانات التنظيم المسلح ورصد تحركات قوات الأمن قبل أن يتصل بهم «ط محمد» المدعو بشير أحد منسقي «الرابطة» والمدعو فؤاد الذي أخبرهم في لقاء عقد بالبليدة أنه بصدد البحث عن شباب لتلقي تدريب على القتال في ثلاث بلدان ولمح له «بشير لاحقاً أن «الرابطة» قررت إرسالهما إلى منطقة الشرق الأوسط للتدرب في ميدان القتال والأسلحة.
وفي أواخر كانون الاول 1997 عقد لقاء بين الثلاثة وهم «يوسف» و «عبد الله» و «علي» مع المدعو «الحاج» الذي قدم نفسه بصفته مؤسس «الرابطة» وعضو مجلس الشورى في «جبهة الإنقاذ». وأوضح «علي» في إفادته أن «الحاج» هو «ش بن دحمان» المدعو عبد الرحمن وهو رئيس سابق لبلدية خميس مليانة (110 كلم غرب) في فترة حكم «جبهة الإنقاذ».
وتم خلال اللقاء الحديث عن أهمية التكوين في الخارج وشدد على أهمية ذلك في «مرحلة ما بعد الهدنة» وبادر «الحاج» إلى ربط «يوسف» بأمير الرابطة سيد علي بن حجر الذي التقى به للمرة الأولى في مطلع العام الجديد وعرض عليه شغل منصب «المكلف بالاتصال»، ووافق على ذلك مما جعله لاحقاً «حلقة الربط» بين معقل «الرابطة» في تمزغيدة بأعالي مرتفعات المدية الجبلية مع ناشطي تنظيم «الفيدا» في العاصمة وهي المهمة التي أوكلت اليه حتى سفره.
وقبل أيام من مغادرة الجزائر اتصل «علي» بكل من «يوسف» و «عبد الله» للقيام بالإجراءات الضرورية واستلما معاً، عشية السفر، من المدعو «عبد الرحمن» مبلغاً من المال وتوجها في الخامس من تشرين الاول (أكتوبر) 1998 إلى سورية حيث كان في استقبالهم كل من «سيف الدين» و»هشام»، وتعرفوا على المدعو «أبو عمار الإيراني» الذي تبين لاحقاً أنه المكلف بالتكوين.(24/168)
وبعد 23 يوماً من الإقامة في حي يدعى «مزة» في جبل دمشق (في إفادة أخرى قال أن الحي يدعى بزة) قرر «علي» العودة إلى الجزائر بينما انتقل بعد ذلك «يوسف» و»عبدالله» إلى سكن محاذي لبناية تابعة للسفارة الإيرانية في العاصمة السورية لمدة أشهر أخرى. وأكد «عبدالله» في إفادته انه سلم إلى «هشام» خلال إحدى اللقاءات مع «أبو عمار» جواز سفره. وجاء في أكثر من إفادة خلال التحقيق أن «أبو عمار» هو على الأرجح مسؤول في سفارة إيران في دمشق.
وبمجرد عودته بدأ «علي» في البحث عن شخصين لأن العدد المطلوب كان خمسة نشطاء، وهو ما اضطره إلى عرض المسألة على المدعو «عمار» الموجود في سويسرا لمساءلته في الأمر. ولتجنب شكوك مصالح الأمن أو رقابتها أسند هذه المهمة إلى المدعو «زكريا» والذي يكنى أيضاً باسم «سيد علي» لأسباب عدة أبرزها أنه كان معتاداً على الاتصال به عبر البريد الإلكتروني وطرح عليه أسئلة عدة عن أهمية التدريب العسكري في وقت الهدنة؟ وحاول أن يتجنب الحديث عن قصة إرسال الطلبة إلى إيران وطلب زيادة العدد وكان رد «عمار» هو تأكيد «الحاجة إلى التدريب العسكري سواء في السلم أو في الحرب»، وأن المصلحة هي التي اضطرته إلى ذلك وأن العدد تم تحديده مسبقاً ورفض البحث عن طلبة جدد، وترك المهمة بين يدي «زكريا» و «علي» وتم التوافق بعد ذلك على إرسال كل من «هشام» و «عادل».
ويذكر «يوسف» في إفادته أن «أبو عمار الإيراني» انفرد في مطار دمشق خلال السفر إلى طهران في الثامن من آذار (مارس) 1999 بكل من «سيف الدين» و «هشام» وقام بتمريرهم مباشرة إلى قاعة الركوب من دون الخضوع إلى المراقبة، وحاول «يوسف»، كما أضاف في إفادته خلال التحقيقات، لفت انتباه الضابط السوري باستعمال جواز سفره وبأنه جزائري الجنسية إلا أن «أبو عمار» تدخل وتكلم مع الضابط السوري.(24/169)
وبمجرد الوصول إلى طهران توجهوا إلى بيت المدعو «الهاشمي» وتلقوا عنده تمريناً في كيفية إنشاء المنظمات السياسية والجمعيات وطرق ومناهج تسيير الجمعيات وكيفية تأطير الجماهير وفن الخطابة والتحقيق والتحقيق المضاد والمطاردة والمطاردة المضادة والتصوير والاتصالات.
وبعد استكمال التكوين السياسي حولت المجموعة إلى ثكنة عسكرية على بعد 160 كلم جنوب طهران حيث تلقت بحضور مسؤولين في الحرس الثوري الإيراني، تدريبات على أسلحة الكلاشنيكوف والمسدسات وركب مركب وقذف صاروخ «ريج» وتمرين على كيفية وضع الحواجز والخروج من الكمائن والاستدراج وتفتيش السيارات وتكوين مبدئي حول الأسلحة. وشمل التمرين أيضاً فن الاتصالات السرية.
وبعد انتهاء التدريب السياسي والعسكري الذي استمر نحو شهرين التحق بهم مجدداً «سيف الدين» و «هشام» قبل أن يغادروا طهران إلى تركيا ومنها إلى الجزائر بعد أن تسلم كل واحد منهم مبلغ 300 دولار أميركي.
وفضل «سيف الدين» الذي كان يقيم أصلاً في الولايات المتحدة الأميركية البقاء في سورية وأرسل صوره الشمسية إلى «زكريا» ليصدر له بطاقة هوية ورخصة قيادة سيارة مزورة باسم مالك بوعكوير تحت رقم 456826 الصادرة بتاريخ 16 سبتمبر 1998 عن دائرة الشراقة ولاية الجزائر (7 كلم غرب), وتمكنت قوات الأمن من حجزها لاحقاً.
وعاد «سيف الدين» إلى الجزائر في كانون الاول 1999 للاستفادة من تدابير قانون الوئام المدني الذي يمنح عفواً جزئياً أو كلياً عن عناصر الجماعات المسلحة مقابل التخلي عن العمل المسلح، لكنه اعتقل بعد أيام بسبب قصة «طائرة الجماعة» التي اتهم بشرائها في سويسرا بقصد وضعها تحت تصرف الجماعات الإسلامية المسلحة.(24/170)
وقال «سيف الدين» في إفادته أنه انتقل إلى إيران بطلب من القيادي البارز في «جبهة الإنقاذ» المحظورة أحمد الزاوي «لكي لا يترك الشخصين اللذين كانا يتدربان في إيران وحدهما خوفاً من ان يقتربا من رجال الدين الإيرانيين وحتى لا يتأثروا بالفكر الشيعي».
وبمجرد عودتهم أبلغ أمير «الرابطة الإسلامية للدعوة والجهاد» بالأمر وطلب منهم، بحسب إفادات المتهمين، الالتحاق بمركز قيادة التنظيم المسلح بمرتفعات جبال المدية لكن «زكريا» رفض الطلب على اعتبار أن هؤلاء غير معروفين لدى مصالح الأمن ولا أفراد الجماعات الإسلامية المسلحة وأن بقاءهم في العاصمة «سيكون أجدى وأنفع للجهاد» وبعد أخذ ورد قرر الموافقة على طلب بقائهم لكنه اشترط منهم تحرير تقرير مفصل عن المهمة في الخارج، وهو ما تم وسلم له التقرير كاملاً. وقد نظم لهم «علي» لقاء بالجزائر العاصمة مع «عبدالرحمن» بصفته موفد قيادة التنظيم المسلح وقدموا له التقرير عن التكوين الذي استفادوا منه في إيران.
وقد طلب أمير «الرابطة» من «علي» مساءلة «عمار» المقيم في سويسرا عن مصير «البضاعة» التي أرسلها مع المدعو «عبدالحميد»، وتبين لاحقاً أن المدعو «أمين» وهو قيادي في تنظيم «الفيدا» تولى استلام «البضاعة» في مسجد الإمام الشافعي بالحراش (10 كلم جنوب)، وتبين أنها كانت عبارة عن كمية من الذخيرة الحية وأسلحة وأجهزة اتصال لا سلكي نقلت في مرحلة أولى من سويسرا إلى مدينة سطيف (300 كلم شرق) ومنها إلى الجزائر العاصمة ثم مرتفعات المدية.
وبقي وضع المجموعة التي تلقت التكوين العسكري في إيران على هذا النحو إلى أن تم اعتقال كل أفرادها خلال عمليات متزامنة جرت في 15 تشرين الاول 2000 بمناطق مختلفة بعد تحريات دقيقة حول أماكن وجود عناصر المجموعة التي كانت ترغب في النشاط في «الظل» بعيداً من ضغط «الجماعات المسلحة» وبمعزل عن رقابة قوات الأمن.
الجولان.. بعض ما فات مؤتمر "البعث"!(24/171)
خالد الأحمد كاتب سوري في المنفى الوطن العربي ـ 24/6/ 2005
أتعبت نفسي وأنا أبحث في مواقع الانترنت السورية، أبحث عن توصيات المؤتمر العاشر لحزب البعث العربي الاشتراكي. وقد وجدت في أكثر المواقع توصيات قرأتها وأعدت قراءتها ولم أصدق أن هذه توصيات مؤتمر حزب وطني سوري، يدعي أنه قومي عربي، ويطرح منذ خمسين سنة شعار (أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة) ويقول أهدافنا: (وحدة، حرية، اشتراكية)، وكان يؤكد لنا نضاله وكفاحه من أجل تحرير فلسطين واسكندرون وعربستان وساقية الذهب وطنب الكبرى وطنب الصغرى.. وغيرها..
لم أصدق أن هذه توصيات المؤتمر العاشر القطري لحزب البعث العربي الاشتراكي السوري، لأنني لم أجد ذكراً للجولان، ولم أقرأ مصطلح الجولان، وكأن الأعضاء (المنتخبين) مسحت كلمة الجولان من ذاكرتهم... حتى في أسلوب المزايدة الذي عودونا عليه: لم يذكروا الجولان به، بل وحتى في أسلوب (غمز على اليسار واذهب يمين) لم يذكروا الجولان البتة فسبحان الله، كيف أصدق أن هذه توصيات المؤتمر القطري لحزب البعث، وقد تصدر هذه التوصيات إقامة الحوار مع أميركا، وتبادل الزيارات معها، تصدرت التوصيات الثلاث للمؤتمر أما الجولان فكأنه مسح من ذاكرة الرفاق أعضاء المؤتمر (المنتخبين).
وقد نشر موقع (كلنا شركاء) موضوعا عن الجولان في (12/5/2005) وأحببت أن ألخص بعضه مع التعليق عليه كي أذكر الرفاق البعثيين أعضاء المؤتمر (المنتخبين) بالجولان.
وهذه أهم العناوين:
ـ حملة جديدة استيطانية في الجولان لجلب مئات العائلات اليهودية.
ـ استقطاب (300) عائلة يهودية ضمن عام 2005.
ـ عنوان الحملة: الجولان مشروع أبوابه لكم وهو مفعم بالحياة.
ـ وجاء في الحملة: الجولان يتميز بالهدوء الأمني، ومستوى المعيشة المرتفع لدى المستوطنين.
ـ الطبيعة الخلابة والهدوء والأمان تنتظركم في الجولان.(24/172)
ـ "21" مستوطنة ممتدة من جبل الشيخ وحتى بحيرة طبريا؛ فتحت أبوابها لاستقبال القادمين الجدد.
ـ ازداد الاستيطان في الجولان في السنوات الأخيرة بنسبة (400%).
ـ 700 عائلة يهودية استوطنت الجولان في السنوات الأربع الماضية.
ـ 97% من القادمين للجولان من أراضي (48) , 3% قادمون جدد.
وهذا يبين عظم هذه الجريمة، التي جعلت الجولان ملاذاً آمناً للصهاينة الذين يهربون من انتفاضة حماس والجهاد الإسلامي (الإخوان المسلمون في فلسطين)، بينما يوفر البعثيون السوريون لهم ملاذاً آمناً في الجولان.
ـ ارتفعت نسبة السياحة عام 2002 بنسبة (7%)، وفي عام 2003 بنسبة (15%) ويبلغ متوسط السياح الذين يزورون الجولان سنويا (3) ملايين سائح.
وهذه العناوين لا تحتاج إلى تعليق، سوى أن نذكر بما كررته إذاعة دمشق بعد نكسة (1967م)، حيث أجبرت الشعب العربي على أن يفهم أن الصهيونية لم تنتصر، صحيح أنها احتلت سيناء، والضفة الغربية، والجولان، ولكنها كانت تهدف إلى إسقاط ثورة الثامن من مارس "آذار" التقدمية، ولم تستطع ولذلك لم تنتصر، أما الأرض فإعادتها أمر هين.
وأخيراً كنت أتمنى أن أقرأ كلمة واحدة في مؤتمر حزب البحث العاشر عن الجولان، يقولها بأي صيغة شاء، فنعرف أن البعثيين ما زالوا يفكرون في تحرير الجولان.. ولكن مع بالغ الأسى ومزيد الأسف لم أجد كلمة واحدة عن الجولان في توصيات المؤتمر، وأتمنى لو قرأت كل الكلمات والمداخلات التي قيلت في المؤتمر،لعلي أجد فيها كلمة واحدة عن الجولان.
التوازن الطائفي بعد الحريري.. إلى أين؟!!
د.زكريا عبدالرزاق المصري المجتمع 4/6 /2005(24/173)
لبنان يضم ست عشرة طائفة أكبرها ثلاث: السنة والشيعة والموارنة، يتعايشون في جوار حسن، ويتعاملون في إطار مقبول من التسامح من حيث الأصل، ولكن المتطرفين من بعض السياسيين والدينيين في بعض الظروف يفجرون الاختلاف الطائفي، ليسخروه في تحقيق مصالحهم، والوصول إلى أطماعهم، غير أن وجود العقلاء من بعض المراجع الدينية والسياسية، يقف حاجزاً دون وصول المتطرفين إلى أهدافهم، ومن أبرز هؤلاء العقلاء مفتي الجمهورية الراحل الشيخ حسن خالد، ورئيس مجلس الوزراء الراحل رفيق الحريري.
أما مفتي الجمهورية فقد اغتيل سنة 1989م بسبب مواقفه الرافضة لهيمنة طائفة دون أخرى، ليبقى لبنان لكل طوائفه، وكان له دور في تهيئة الأجواء لاتفاق الطائف، الذي أنهى الحرب الأهلية في لبنان، وحافظ على بقاء التوازن الطائفي فيه، للحيلولة دون هيمنة طائفة لبنانية على طائفة.
وأما رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري فقد كان يخدم لبنان بقدراته المالية والعقلية، وبسياساته بعيدة المدى، وعلاقاته الواسعة، المحلية منها والدولية، بما أقلق الطامعين في لبنان، من المتطرفين من بعض أبنائه ومن يدعمهم من الخارج، ليجعلوا لبنان لبعض طوائفه دون بعض، وكان الحريري يرفض هذا التوجه ويواجهه، ولكن بأسلوبه الرصين وعلاجه الهادئ، الذي يعيد به وضع القطار على سكة الحديد، كي لا يتحطم القطار، ويعرض راكبيه للخطر، وكان يغلق الأبواب بسياسة النفَس الطويل على من يريدون إشعال الفتنة الطائفية أو المذهبية أو السياسية أو الاجتماعية في لبنان، لتبرير الاستيلاء عليه، بحجة المشاركة في إطفاء نارها، وكان يحرص بالتالي على توفير أسباب التوازن فيه، والمحافظة على حقوق طوائفه، ليشعر الجميع أن لبنان للجميع، فيحرصوا على سلامته، لأن نفع ذلك لا يخص بعضهم دون بعض، حتى صار الحريري بذلك صمام الأمان في لبنان.(24/174)
ولما رأى المتآمرون من خصومه ذلك كله، وأحسوا بأن الحريري الذي كان مهندس اتفاق الطائف الذي أنهى سنة 1989م خمسة عشر عاماً من الحرب الأهلية في لبنان، وأعاد التوازن فيه بين الطوائف قد أصبح سداً منيعاً في طريق وصولهم إلى غايتهم من لبنان، قرروا التخلص منه واقتلاعه من أرض الوطن، بذلك الأسلوب الذي دل على إفلاسهم، وحاولوا التخلص أيضاً من خصومهم الإسلاميين بنسبة العملية إلى ما أسموه "تنظيم النصرة والجهاد"، لخلط أوراق الساحة وتضليل الرأي العام عن الحقيقة، في تمثيلية استخدموا فيها بعض المغفلين، لم تنطل على أحد لتبرير ملاحقة الإسلاميين، كما حصل في قضية شباب الضنية، ليعرضوا البلد بذلك بمن فيه من الموالين والمعارضين، وربما المنطقة أيضاً، للاضطراب، الذي كان الحريري يحول دون وقوعه. فهل جاء اغتيال الحريري ليكون بداية لإلغاء اتفاق الطائف وإنهاء التوازن الطائفي، تمهيداً لإلغاء الصيغة المشتركة وصولاً إلى فرض طائفة هيمنتها على غيرها، بفضل ما تتمتع به من دعم خارجي؟
أستاذ مادتي العقيدة والفقه الإسلامي في بيروت وطرابلس(24/175)
مجلة الراصد الإسلامية
العدد الخامس والعشرون – غرة رجب 1426 هـ
فاتحة القول: حقيقة المشتركات بين أهل السنة والشيعة............................3
1-…فرق ومذاهب: الأخبارية.............................................5
2-…سطور من الذاكرة: اغتيال الشيخ كسروي..........................12
3-…دراسات الشيعة الاثنى عشرية من كتاب: تيارات الفكر الإسلامي....17
4-…كتاب الشهر: ربحت الصحابة ولم أخسر آل البيت......................39
5-… مزالق التصوف..........................................41
6-…قالوا...............................................................44
7-…جولة الصحافة:
العراق
-…الوقف بين الحكومة والمرجعية.........................................76
-…زيارة تاريخية لإيران....................................................53
-…آل الحكيم بعد خسارات فادحة...........................................56
-…قوات الاحتلال تغذي إشعال فتنة في العراق..............................59
الكويت
-…ثوابت الأمة طالبت بحل كل مطالب الجمعيات............................61
-…فتنة الخدام..............................................................64
إيران
- أحمدي نجاد...........................................................66
-…العلاقات الإيرانية الخليجية............................................71
-…امبراطوريتان.........................................................75
-…إيران انقلاب الطاولة..................................................77
-…حرب واشنطن - طهران..............................................79
-…فوز نجاد..............................................................85
متفرقات
-…أزمة انتماء واعتراف.................................................90(25/1)
-…حسن الصفار..........................................................95
-…قصة اللوبي الشيعي في أمريكا........................................102
-…مؤسسة آغاخان تتبنى مشروعاً لتطوير ضريحه في أسوان...........107
-…محضر اجتماع الجمعية العمومية......................................110
فاتحة القول
حقيقة المشتركات بين أهل السنة و الشيعة !
في كافة المؤتمرات والندوات التي تجمع بين علماء المسلمين السنة و علماء الشيعة يرفع علماء الشيعة شعار ومصطلح "الاجتماع على المشتركات الإسلامية بين الشيعة والسنة"، ولكن هل حقاً تجتمع الشيعة معنا على المشتركات الإسلامية ؟!
إن من أهم أسباب انخداع السنة على كافة المستويات ( علماء رسميين و حكومات وشعوب ) بالشيعة هو هذا الشعار الخادع كيف ذلك ؟ هذا ماسنبينه فيما يلي :
المشتركات التي يروج الشيعة أنهم يشاركوننا فيها هي :
الإيمان بالله سبحانه وتعالى ، والإيمان بالرسول عليه الصلاة والسلام ، والإيمان بالقرآن الكريم ، والقيام بالشعائر والعبادات .
وهذا صحيح في الجملة لكنهم يتناقضون مع أنفسهم من ثلاثة وجوه:
الأول : تبني عقائد كفرية في داخل هذا الإيمان العام بالله ورسوله وكتابه !
ففي باب الإيمان بالله يؤمن الشيعة أن جزءاً إلهياً قد حل في الأئمة !كما جاء في الكافي عند الكلينى . قال أبو عبد الله :" ثم مسحنا بيمينه فأفضى نوره فينا " 1/440 وجاء عنده أيضاً عن أبي عبد الله :" ولكن الله خلطنا بنفسه "1/435 .
والشيعة تري أن الإمام علياً – رضي الله عنه - هو الرب المقصود في الآيات التالية ( وأشرقت الأرض بنور ربها )( أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذاباً نكرا ) كما في تفسير القمي المعتمد عندهم !
وكما في مرآة الأنوار صفحة 59 ( ولا يشرك بعبادة ربه أحدا ) كما جاء في تفسيرها عند العياشي 2/353.(25/2)
ويؤمن الشيعة بعقيدة البداء وهي تعنى أن الله عز وجل قد يحصل له علم لم يكن يعلمه !! وهذا من أصرح الكفر . وقد أقر بها من علمائهم المعاصرين المظفر في كتابه "عقائد الإمامية" صفحة 69 والزنجاني في كتابه "عقائد الإمامية الإثني عشرية" 1/34 .
و في باب النبوة لهم عقائد كفرية صريحة منها :
•…الأئمة يوحى إليهم . بحار الأنوار 17/155 .
•…زعمهم أن الأنبياء هم أتباع لعلي ! – رضي الله عنه - بحار الأنوار 26/282 .
•…زعم زعيمهم الخميني : فشل الأنبياء في تحقيق العدالة في الأرض . في خطابه بـ 15 شعبان 1400هـ .
•…تفضيل الأئمة على الأنبياء . الحكومة الإسلامية للخميني صفحة 52 .
وفي باب الإيمان بالقرآن تؤمن الشيعة بنقص القرآن و تحريفه كما في كتاب فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب .لشيخهم الكبير النوري الطبرسي
وأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان متخوفاً من تبليغ كافة القرآن كما صرح بذلك الخميني في "كشف الأسرار" صفحة 150 .
الوجه الثاني : أن بعض الشيعة يتبرأ من هذه العقائد الكفرية، و لا يتبرأ من أصحابها و الكتب التي ينشرونها ويذيعونها بل لا يزالون ناشطين في طباعتها ونشرها وهذا جمع بين الكفر والإيمان لا يستقيم !! .
الوجه الثالث : الشيعة لا تعتبر مشاركة أهل السنة لهم في هذه المشتركات كافية ليكونوا مسلمين و مؤمنين، بل يعتبرونهم (حكومات وشعوب وأفراد) كفاراً نواصب لعدم إيمانهم بالإمامة . (الخميني في كتابه الحكومة الإسلامية 86 ).
وانظر كتاب ( النصب والنواصب للمعلم ) ليهولك الأمر !
وبهذا يظهر كذب الشيعة ودجلهم في رفع هذا الشعار الجميل ولذلك إن أرادوا التجمع على المشتركات يجب عليهم القيام بما يلي :
1.…ترك كل العقائد الباطلة التي تخالف هذه المشتركات مما سبق وغيرها .
2.…إعلان البراءة من كل من تبنى هذه الكفريات .
3.…إتلاف ومنع طباعة هذه الكتب التي تروج الكفر .(25/3)
4.…الإعلان عن عدم تكفير أهل السنة و التخلى عن جعل الإمامة شرطاً في الإيمان، فيطلقون اسم الإيمان على الشيعة فقط ويطلقون اسم الإسلام على بقية المسلمين ، وذلك أن الشيعة لا تعتبر المسلمين في الدنيا مؤمنين في الآخرة !! ( انظر بحار الأنوار 8/368 ) .
فرق …………
الأخبارية
الأخبارية أو الإخبارية هي إحدى فرق الإمامية الاثنى عشرية، التي ظهرت أوائل القرن الحادي عشر الهجري على يد الميرزا محمد أمين الاسترابادي، ويقابلها طائفة الأصوليين الذين يمثلون الأكثرية داخل الشيعة الإمامية، في حين يمثل الإخباريون الأقلية، وما زال لهم وجود حتى اليوم.
والخلاف بين الطائفتين يمثل خلافاً في بنية المذهب الشيعي وفي أركانه ورجاله، حيث ترى الأخبارية أن الاعتقاد السليم يقوم على العمل بالأخبار المنقولة عن المعصومين ـ حسب زعمهم ـ أو المنسوبة إليهم بدون النظر إلى شيء آخر. فهم إذاً لا يعتمدون إلاّ على متون الأخبار التي تروى عن أئمتهم، ويتمسكون بظاهر الحديث، ولا يرون الأدلة الشرعية إلاّ الكتاب والحديث، وهم بذلك يمنعون الاجتهاد وإعمال العقل.
ويرى الإخباريون أن ما في كتب الأخبار الأربعة عند الشيعة ( ) كلها صحيحة قطعية الصدور عن الأئمة، ويقولون ما دام أصحاب الأئمة نقلوا هذه الروايات من الأئمة، فإنها لا تحتاج إلى النظر والبحث والتحقيق والتفتيش، لا عن السند لأنها من صاحب الإمام، ولا عن المتن لأنه من الإمام..
وبالمحصلة فإن الأخباريين يرون الحجة في الكتاب والخبر ـ حسب مفهومهم ـ، ولا يرون حجة للإجماع أو الاجتهاد أو دليل العقل.(25/4)
ويعتقدون أن الاتجاه الأخباري كان هو السائد بين فقهاء الإمامية إلى نهاية عصر الأئمة، ولم يتزعزع هذا الاتجاه إلاّ في أواخر القرن الرابع الهجري وبعده، حين بدأ جماعة من علماء الإمامية ينحرفون عن الخط الإخباري ويعتمدون على العقل في استنباطهم، ويربطون البحث الفقهي بعلم أصول الفقه، تأثراً بطريقة أهل السنة في الاستنباط، ثم أخذ هذا الانحراف ـ كما يقولون ـ بالتوسع والانتشار. فهم يعتبرون أنفسهم حركة تصحيح وتأصيل، تطلعت للعودة إلى الينابيع الأولى لفقه الإمامية، وتجاوز التطورات التي جدّت عليه.
ظهورها:
ظهرت الحركة الأخبارية في أوائل القرن الحادي عشر الهجري على يد الميرزا محمد أمين الاسترابادي( ) وإن كانت بعض أوساط الإمامية تعتبره "المجدد لمذهب الإخباريين" باعتقاد أن ابن بابويه القمي، المتوفى سنة 381هـ (991م) هو رئيس الأخباريين استناداً إلى كتابه "من لا يحضره الفقيه"، فقد أراد أن يضع كتاباً في الفقه يرجع إليه من لا يجد فقيها شيعيا يستفتيه، لكن كتابه خرج مجموعاً منتخباً في الحديث. وهناك من يعتبر الحر العاملي( ) المؤسس الحقيقي للحركة الإخبارية.
إلاّ أنّ نسبة مذهب الإخبارية إلى الاسترابادي يعود إلى أنه هو "الذي حوّل الانتفاضات الصغيرة إلى ثورة حقيقية على المجتهدين (الأصوليين) ونهجهم"، وأنه "أول من فتح باب الطعن على المجتهدين" كما تذكر كتب الشيعة، وهو الذي وضع تقسيم (أخباري/ مجتهد). وله كتاب "الفوائد المدنيّة في الرد على القائل بالاجتهاد والتقليد في الأحكام الإلهية".(25/5)
وقد رد نور الدين العاملي على ما ألفّه الاسترابادي بكتاب أسماه: "الفوائد المكيّة في مداحض حجج الخيالات المدنية ونقض أدلة الأخبارية"، ورد عليه أيضاً دلدار علي اللكهنوي بكتاب اسمه "أساس الأصول". وفي الجانب الآخر، أي الإخباريين، ألفّ الميرزا محمد عبد النبي النيسابوري الهندي الشهير بالأخباري كتاباً أسماه "معاول العقول لقلع أساس الأصول" دافع فيه عن كتاب الفوائد المدنيّة للاسترابادي، وعنّف القول على مؤلف أساس الأصول واستخدم السباب والشتام، فانبرى عدد من تلاميذ دلدار علي (نظام الدين حسين، وأحمد علي وغيرهما) للدفاع عن شيخهم والرد على الأخباري، وألفّوا كتاب "مطارق الحق واليقين لكسر معاول الشياطين".
وهكذا ظل الصراع محتدماً بين الإخباريين والأصوليين خلال القرنين الحادي عشر والثاني عشر، وبرز من الإخباريين في تلك الفترة الشيخ يوسف البحراني، صاحب كتاب "الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة"، والمولود سنة 1107هـ( )، والمتوفى سنة 1187هـ (1772م)، وكانت المعارك بين الطرفين تدور بشكل خاص في مدينة كربلاء في العراق، حيث كان للأخباريين وجود لافت، ولم يقتصر النزاع على علماء الشيعة من الطرفين، إنما انتقل إلى صفوف عوامهم، وأفتى بعض الأصوليين من علماء الشيعة بعدم صحة الصلاة خلف البحراني.
وفي المقابل أوغل الأخباريون في الازدراء بالأصوليين وتسفيه منهجهم ومؤلفاتهم، إلى درجة أنهم كانوا لا يلمسون مؤلفات الأصوليين بأيديهم خوفاً من نجاستها، إنما كانوا يقبضونها من وراء ملابسهم، كما جاء في كتاب جامع السعادات للنراقي.
الوحيد البهبهاني(25/6)
ويعتبر الشيعة أن ظهور الوحيد البهبهاني( ) شكل مرحلة حاسمة في التصدي لأفكار الأخباريين، مما أدى إلى ضمور فكرتهم، وانحسارهم، إذ يقولون أنه "استطاع بقوة استدلالاته وتعبيراته المبرهنة أن يقنع قادة الإخباريين بالعدول عن آرائهم"، ومنهم البحراني، كما أنه "شنّ على الأخبارية هجوماً عنيفاً بمؤلفاته ومناظراته الحادة مع علمائها".
كما يعتبر الشيعة البهبهاني مجدّداً لعلم الأصول في مذهبهم.
وبالرغم من الدور الذي يثبته الشيعة للبهبهاني في محاربة الحركة الأخبارية، إلاّ أن الصراع بين الأصوليين والأخباريين استمر بشدة واتساع في النصف الأول من القرن الثالث عشر الهجري، وظهرت كتب عديدة في الرد على الأخباريين، وكانت اللهجة قاسية والأسلوب نابياً، وقد تزعم فريق الإخباريين في تلك الفترة الميرزا محمد النيسابوري المعروف بالأخباري( ) في حين تزعم فريق الأصوليين جعفر كاشف الغطاء النجفي( )، الذي ألفّ كتاب "الحق المبين في تصويب المجتهدين وتخطئه الجهّال من الأخباريين".
ويعتبر الشيعة أن "الأخباري" تطرف إلى أبعد حدّ ٍ، وتطاول على أساطين مذهبهم، واستعمل بذيء القول.. مما أدّى إلى قتله مع كبير أولاده بهجوم شنّ على داره في الكاظمية في بغداد، وسلمت جثته إلى السكان للعبث بها.(25/7)
وكان الأخباري قبل موته قد التجأ إلى السلطان فتح علي شاه القاجاري، في إيران واعتصم بالقصر، فأخذ جعفر كاشف الغطاء وغيره من الأصوليين يؤلبون السلطان ضد الأخباري، ويحثونه على طرده وملاحقته، وقد ألف كاشف الغطاء كتاب "كاشف الغطاء عن معايب الميرزا محمد الأخباري عدو العلماء" وأرسله إلى السلطان. وقد ردّ الأخباري على هذا الكتاب بكتاب اسماه "الصيحة بالحق على من ألحد وتزندق"، ولمّا توفي كاشف الغطاء بمرض الخنازير، قال الأخباري "مات الخنزير بالخنازير". وهكذا تميزت تلك الفترة بالمهاترات، وانتقاص كل طرف للآخر،بل إن كل فريق كان يرى وجوب قتل الآخر، والانتقام من الخصم.
ولم تكن تلك المنازعات خاصة بتلك الفترة، بل إن الاسترابادي، الذي تنسب إليه الحركة الأخباريّة كفّر بعض الأصوليين، ونسبهم إلى تخريب الدين، كما جاء في لؤلؤة البحرين "للبحراني، كما نسب الفيض الكاشاني جمعاً من علمائهم إلى الكفر، وردّ عليه بعضهم بأن له من المقالات التي جرى فيها على مذهب الصوفية والفلاسفة ما يوجب الكفر كقوله بوحدة الوجود.
وكان الكاشاني المتوفى سنة 1090هـ (1679م) قد دعا قراء كتابه "الوافي"( ) إلى ترك سبيل الأصوليين بإيراد قوله تعالى "يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين" هود 41.
عناصر الخلاف بين الفريقين
في كتابه "الحق المبين.." أنهى كاشف الغطاء الخلاف بين الأخباريين والأصوليين إلى ثمانين مسألة، بينما حاول البحراني أن يقلل من مسائل الخلاف بينهما فهبط بها ليقصرها على ثمانٍ أو أقل، لأنه يرى أن هذا الخلاف يؤدي إلى القدح في شيوخ الطرفين، وفتح باب الطعن والتشنيع على الشيعة. أما محسن الأمين في كتابه "أعيان الشيعة" فجعلها خمساً، وهناك صنف ثالث توسّط فجعلها ثلاثاً وأربعين، أو أربعين، أو تسعاً وعشرين...(25/8)
ويقول الدكتور ناصر القفاري في كتابه "أصول مذهب الشيعة" ج1 ص 146 موضحاً هذا التخبط بقوله: "والتقليل من الخلاف يعود إلى أنهم يرجعون بعض المسائل إلى بعض، أو يحكمون بأن الأمر فيه خلاف عند هؤلاء وهؤلاء. فلا يعتبر حينئذ خلافاً بين طرفين، أو أن الخلاف ليس بخلاف حقيقي..". ويرى القفاري وغيره أن الخلاف بين الطائفتين ينحصر في:
1ـ تنويع الحديث إلى صحيح، وحسن، وموثق، وضعيف( ). فالإخباريون يعتبرون أن الأحاديث أو الأخبار (ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أو الأئمة المعصومين عندهم) الموجودة في الكتب الأربعة كلها صحيحة، ولا داعي للبحث عن إسنادها، وجعلوها المصدر الوحيد في أدلتهم الشرعية، واعتبروا أنها أوثق ثبوتاً من القرآن الكريم( ) وقد اعتبر الأنصاري وهو من علماء الشيعة أن تسمية الاخباريين جاءت من هذا الباب:
أ ـ كونهم عاملين بجميع الأقسام من الأخبار (الصحيح ، الحسن..) دون تفريق بينهما.
ب ـ أنهم خصوا الدليل الشرعي بالخبر، وأنكروا الأدلة الثلاثة الأخرى عند الشيعة وهي القرآن، والإجماع والعقل.
2ـ لا يجيز الأخباريون الاجتهاد، ويعتبرونه من "الظن" ويوجبون على الناس بالرجوع إلى الإمام فيما روي عنه، أما الأصوليون فيوجبون على المكلفين الاجتهاد، عيناً أو كفاية، وأوجبوا على العامي تقليد المجتهد.
3ـ يرى الأصوليون أن الأدلة هي الكتاب والسنة والإجماع والعقل، في حين ينكر الأخباريون دليلي الإجماع والعقل، ويحصرونها بالكتاب والسنة (الخبر). ومنهم من اعتبر أن الدليل فقط هو السنة أو الخبر، كما تقدم.
4ـ تقليد الميت: فالأصوليون يرون أن الميت تبطل فتواه ولا يجوز تقليده أما الأخباريون، فيعتقدون بجواز تقليد الميت، ويقولون أن الحق لا يتغير بالموت والحياة.
ظهور الشيخية من رحم الأخبارية(25/9)
ومن رحم الاتجاه الأخباري، والحركة الأخبارية هذه ظهرت فرقة الشيخية، وهي إحدى فرق الإمامية الإثنى عشرية. وتنسب إلى الشيخ أحمد الإحسائي المولد سنة 1166هـ (1752م) ، والمتوفى سنة 1241هـ (1825م).ويلقبه أنصاره بالشيخ الأوحد. ويصفه الشيعة بأنه كان أخبارياً متطرفاً.
ومن عقائد الشيخية الاعتقاد بأن الأئمة والمعصومين (عند الشيعة) هم علة تكوين العالم وسبب وجوده، وهم الذين يخلقون ويرزقون.. وأن الله جعلهم أسباباً ووسائط لأفعاله.
ويعتقدون كذلك بان المعاد روحاني، لا علاقة للجسم الدنيوي فيه، ويؤمنون بالكشف كما تؤمن به الصوفية، والشيخية دائمة التبشير بقرب ظهور المهدي( )
أهم شخصيات الأخباريين وانتشارها
تمثل طائفة الأخباريين الأقلية في فرقة الإمامية مقابل الأصوليين الذين يمثلون الأكثرية، وبرز من الأخبارية قديماً الحر العاملي صاحب وسائل الشيعة، والنوري الطبرسي صاحب مستدرك الوسائل، ومحمد حسين كاشف الغطاء، ونعمة الله الجزائري، ومحمد تقي المجلسي، والد محمد باقر المجلسي، وكذلك الاسترابادي، والبحراني والنيسابوري الأخباري، والفيض الكاشاني، وعبدالله السماهيجي البحراني، وقد انتشروا في كربلاء، وإيران والبحرين ومنها انطلقوا إلى الدول المجاورة، وقد كان لهم دور كبير في عهد الدولة القاجارية التي حكمت إيران خلال الفترة (1209ـ 1344هـ )، أما الآن فهم قلة قليلة تتواجد في البحرين.
للاستزادة:
ا ـ الشيعة والتشيع: فرق وتاريخ ـ الشيخ إحسان إلهي ظهير ص 320
2ـ أصول مذهب الشيعة ـ الدكتور ناصر القفاري الجزء الأول ص 141
3ـ الهجرة العاملية إلى إيران في العصر الصفوي ـ جعفر المهاجر ص 199
4ـ الشيخية ـ محمد حسن آل الطلقاني ص 33
5ـ مع الإثى عشرية في الأصول والفروع ـ الدكتور علي السالوس ج 2 ص 134
6ـ الإمامة عند الشيعة الاثنى عشرية ـ جلال الدين محمد صالح ـ ص89
7ـ المرجعية الدينية ومراجع الإمامية ـ نور الدين الشاهرودي ص 93(25/10)
سطور من الذاكرة
إغتيال الشيخ كسروي
اغتيال القاضي أحمد كسروي كان أحد مظاهر الإيذاء الذي تعرض ويتعرض له أهل السنة في إيران، خاصة وأن الشيخ كان شيعياً وهداه الله إلى مذهب أهل السنة، وألفّ كتاباً في نقد عقيدة الرافضة، فكانت النتيجة أن توجهت إليه رصاصات الغدر سنة 1946م.
ولد الشيخ أحمد مير قاسم الكسروي في تبريز، عاصمة اذربيجان، أحد أقاليم إيران، وتلقى تعليمه في إيران، وعمل أستاذاً في جامعة طهران، وتولى مناصب قضائية عديدة، منها منصب المدعي العام في طهران.
وكان يعمل محرراً لصحيفة "برجم" الإيرانية، وكان يجيد عدة لغات منها العربية، وله مؤلفات كثيرة، ومقالات منتشرة في الصحف الإيرانية. وكانت مقالاته القوية التي يهاجم بها أصول المذهب الشيعي قد جذبت نظر بعض المثقفين والجمعيات العاملة في البلاد إليه، وأقبل عليه الناس، لاسيما الشباب، وقام الآلاف بنصرته، وبث آرائه ونشر كتبه.
ووصلت آراؤه بعض الأقطار العربية، ومنها الكويت، حيث طلب بعض المواطنين هناك من الشيخ كسروي تأليف كتب بالعربية ليستفيدوا منها، فكتب كتاب (الشيعة والتشيع)( ) وأوضح فيه بطلان المذهب الشيعي، وأن خلاف الشيعة مع المسلمين إنما سببه التعصب، وما إن أتم كتابه هذا حتى ضرب بالرصاص من قبل مجموعة من الشيعة الروافض من جماعة "فدائيان إسلام" أي فدائيو الإسلام ( ).(25/11)
فدخل المستشفى، وأجريت له عملية جراحية، وتم شفاؤه. وعن هذه المحاولة الفاشلة لاغتيال كسروي، يقول نواب صفوي في مقابلة كان قد أجراها معه الصحفي المصري موسى صبري، ونشرتها صحيفة الأنباء الكويتية بتاريخ 16/6/1990: "إن الكسروي كان هتّاكاً للإسلام والمسلمين فيما يكتب (أي انتقاده للشيعة)، ولذلك أردت أن أقتله بيدي شرعاً وديناً وغيرة وحمية، فواجهته يوماً في الطريق العام، وكان معي أخ لي وكان معه أربعة عشر عوناً له يسمون الجماعة الحربية، وكان معي مسدس صغير، فضربته بمسدس، ولكن المسدس لم يؤثر أثراً تاماً".
ويضيف المجرم صفوي مؤكداً إصراره على قتل الشيخ كسروي: "واستمرت الحرب بيننا في الشارع ثلاث ساعات ولكنه لم يمت، وأردت أنا أن أنتهي من قتله حتى أقتل بيد الحكومة في سبيل الله، فضربته بعد المسدس بما أتى في يدي، وفرت جماعته وهربوا، وبقي الكسروي بيننا والناس مجتمعون. وبعد أن ظننت أنه مات أو سيموت عاجلاً وقفت إلى جوار جثمانه وألقيت الكلمة في الناس، فحبسنا في السجن بطهران ونشرت القضية في الجرائد، وكنت أدعو الله في السجن أن يميته بما ضربته ويرزقنا الشهادة في سبيله أجراً، وكان الكسروي مريضاً محتضراً في بعض أوقاته في المستشفى ولم يمت وما عرفت تدبير الله في هذا".(25/12)
لم يكن فشل هذه المحاولة ليردع نواب صفوي وأتباعه عن غيّهم، إذ أنهم أخذوا يهاجمون الكسروي، ويتهمونه بمخالفة الإسلام، ورفعوا ضده شكوى إلى وزارة العدل، ودعي الشيخ كسروي للتحقيق، وبهذا الصدد يقول المجرم نواب صفوي: "ثم أخرجت من السجن، وشكلت جماعة متهيئين لإراقة دمائهم في سبيل الإسلام، وأعلنت هذا، فانكشفت الجرائد التي كانت تحمي دعايات كسروي المضللة، وخافوا منّا ولم يكتبوا بعد شيئاً من سوء سريرتهم.. وبعد ثلاثة أشهر خرج الكسروي من المستشفى وواجهته يوماً في دائرة المحكمة العسكرية التي دعتنا للمحاكمة فرأيت أن ليس بيدي سلاح حتى أقتله وكان هناك جندي بيده بندقية... فأخذتها ولكنني لم أجد أمامي أحدا. لقد خاف الجند وخاف القضاة.. وشرد جميع من في المحكمة، وتعطلت جلسة محكمتنا، وخرجت من المحكمة، ولم أجب دعوة القضاء بعد ذلك..!".
ورغم أن هذه المحاولة فشلت أيضا، ألاّ أن صفوي ظل حريصاً على قتل الشيخ كسروي، وعلى التحريض عليه، إذ أنه يقول: "... فقد جمعت توقيعات الآلاف بأنه يجب على الحكومة أن تأتي بالكسروي إلى إدارة العدل في المحكمة الشرعية فيحاكم هناك لكفره بدين الله! وقد أجابتني الحكومة على ما طلبت، وتحدد موعد المحاكمة: وكنت قد عقدت العزم في ذلك اليوم على قتله، لأن هذا هو جزاؤه الوحيد، فذهب تسعة من إخواني المندوبين لقتله في المحكمة، وقتلوه، وقتلوا تابعه وحارسه، وشرد الجنود وشرد القضاة، وشرد الناس وقد كانوا ثلاثة آلاف لشهود محاكمته وعاد مندوبونا من غير مزاحم"!
إن عملية الاغتيال هذه يجب أن يوضع حولها العديد من التساؤلات، فكيف استطاع تسعة أشخاص تنفيذ هذه الجريمة بحضور ثلاثة آلاف شخص، خاصة وأن نواب صفوي حاول قبل ذلك قتل الشيخ كسروي في المحكمة كما اعترف هو بذلك.(25/13)
كان للشيعة من أنصار "فدائيان إسلام" ما أرادوا، فلقد قتلوا الشيخ أحمد الكسروي في 11 آذار/ مارس 1946، بسبب كشفه ما في مذهب الشيعة الروافض من أباطيل، حيث كان رحمه الله أحد معتنقي التشيع إلى أن هداه الله إلى مذهب أهل السنة والجماعة، لكن معركة هؤلاء القوم، وإن كانت انتهت مع الكسروي، إلاّ أنها لم تنته مع كتاباته وأفكاره وأتباعه، فها هو المرجع الشيعي الكبير ميرزا حسن الإحقاقي يدعو في كتابه "نامه شيعيان" والمترجم إلى العربية بعنوان "الإيمان" إلى عدم الاكتفاء بقتل كسروي، وضرورة الرد على ما كتبه، حيث يقول الإحقاقي:
"إن كسروياً وبعد أن واجه الحكم والنتيجة المتأتيين من أقواله وأفعاله الشائنة، خال البعض أن هدفه المخزي صار إلى التلاشي والزوال حيث ظنوا أن ظهور اسمه وكتاباته مرة أخرى لا تثمران عن شيء، ولكن على العكس من ذلك، فإن الرد على أقواله وتسليط الضوء على مَكرِه وخداعه واجب على كل واحد في جميع الظروف..".
إن الشيعة قد هالهم أن يكون أتباع الكسروي من المثقفين وطلبة العلم، فالإحقاقي يقول لابنه ـ كما جاء في كتاب الإيمان ـ : "لايتملكنك العجب وتتوقع من أتباعه أكثر من هذا، إذ أن أكثر الشبان الذين يسيرون وراء كسروي رغم كونهم في عداد طلاب العلم في المملكة لكنهم وفي نفس الوقت لم يلموا بشيء".
وغير بعيد عن كلام الإحقاقي ورأيه في كسروي، كان الخميني بعد عودته من فرنسا سنة 1979 يلعن كسروي في أول محاضرة له في مقبرة طهران، فحقده وتعصبه هو الآخر لمذهبه الشيعي، لم يجعله ينسى رجلاً مظلوماً قتل قبل عشرات السنين.(25/14)
وإذا كان إعدام نواب صفوي وعدد من زملائه سنة 1956، بعد عشر سنوات من ارتكابهم لجريمة اغتيال كسروي قد ساهم في إنهاء هذه الجماعة الإرهابية، إلاّ أن نجاح الثورة الإيرانية في فبراير/ شباط 1979، أعاد الأمل إلى هذه الأفكار المتطرفة، فسرعان ما عاودت الجماعة ظهورها، وتحديداً في أيار/ مايو من نفس العام، باسم "حراس الثورة" الذين ارتكبوا من الجرائم ما يندى له الجبين، ووضع الحراس أنفسهم تحت تصرف الخميني ، واختاروا صادق خلخالي رئيس المحاكم الثورية الإيرانية سيئة السمعة رئيساً لهم.
وعلى الرغم من أن جريمة الاغتيال هذه مرّ عليها خمسة عقود، إلاّ أن جرائم كثيرة ارتكبها أتباع صفوي الشيعة المؤمنين بأفكاره بحق أهل السنة في إيران، فقد قتل وسجن وشرد الكثير من علماء السنة وشبابهم وعلى رأسهم الشيخ أحمد مفتي زاده والشيخ محمد علي ضيائي.
وثمة أمر لابد من التوقف عنده، وهو العلاقة الوطيدة التي كانت تربط نواب صفوي، بقيادات جماعة الإخوان المسلمين، إذ أن صفوي كان يرى ضرورة التنسيق مع الإخوان، والاستفادة من إمكانياتهم للقيام بحركة ضد نظام الشاه، وبالمقابل كان الإخوان ينظرون إلى صفوي من زاوية مقاومته لنظام الشاه، دون النظر إلى تزمته وتشدده في مذهبه، وقتله للشيخ كسروي وغيره من السنة.
وقد زار صفوي القاهرة في يناير/ كانون الثاني سنة 1954، والتقى قيادة الجماعة التي استقبلته بحرارة بالغة، وكان المتحدث الرئيسي في لقاء جماهيري نظمته الجماعة في بجامعة القاهرة.
وزار صفوي سوريا كذلك، والتقى المراقب العام للإخوان المسلمين هناك الدكتور مصطفى السباعي، الذي اشتكى له من انضمام شباب الشيعة إلى الحركات العلمانية والقومية، فصعد نواب صفوي إلى أحد المنابر وقال أمام حشد من الشيعة والسنة: "من أراد أن يكون جعفرياً حقيقياً فلينظم إلى صفوف الإخوان المسلمين !".(25/15)
وبلغ من تقدير جماعة الإخوان لصفوي أن يعتبر أحد قياداتهم السابقة، وهو التونسي راشد الغنوشي أن حركة نواب صفوي "الفدائية" في إيران كانت امتداداً لتفكير الإخوان.
وقد عبر الإخوان عن حزنهم لإعدام صفوي، وأرسلوا آلاف البرقيات التي تستنكر حكم الإعدام، وقد رثت مجلتهم الرسمية آنذاك (المسلمون) صفوي، ونقلت بعضاً من أقواله، وزيارته للقاهرة قبل إعدامه بعامين.
للاستزادة:
1ـ حتى لا ننخدع ـ عبدالله الموصلي ص169
2ـ التاريخ الإسلامي (المعاصر) إيران وأفغانستان ـ محمود شاكر ص179
3ـ التشيع والشيعة ـ الشيخ أحمد الكسروي
4ـ موسوعة الحركات الإسلامية في الوطن العربي وإيران وتركيا ـ د. أحمد الموصللي ص 330ـ 357
5ـ إيران والإخوان المسلمون ـ عباس خاميار ص 220
6ـ ويل للعرب:مغزى التقارب الإيراني مع الغرب والعرب-عبد المنعم شفيق ص24.
دراسات العدد 25
الشّيعة الإِثنى عَشريّة
من كتاب: تيارات الفكر الإسلامي
د. محمد عمارة
هذه سلسلة من البحوث كتبها مجموعة من المفكرين والباحثين عن عقيدة وحقيقة مذهب الشيعة من خلفيات متنوعة ومتعددة ، نهدف منها بيان أن عقائد الشيعة التي تنكرها ثابتة عند كل الباحثين ، ومقصد آخر هو هدم زعم الشيعة أن السلفيين أو الوهابيين هم فقط الذين يزعمون مخالفة الشيعة للإسلام .
هذا البحث كتبه الدكتور محمد عمارة الباحث والمفكر المعروف والذي يميل للمنهج العقلاني وذلك في كتابه تيارات الفكر الإسلامي من صفحات 199 – 245 باختصار . الراصد(25/16)
شيعة المرء: أعوانه وأنصاره والموالون لمذهبه.. هكذا يدل المصطلح لغويا، وبشكل عام.. أما في إطار الفكر الإسلامي ومذاهبه وتياراته فلقد غلب هذا المصطلح: "الشيعة"ـ على الذين شايعوا وناصروا ووالوا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب [23 ق.هـ ـ 40هـ/ 600 ـ 661م] والأئمة من بنيه، وأهل بيت الرسول، صلى الله عليه وسلم، على وجه العموم.. ولقد استمرت هذه الدلالة ردحاً من الزمن، ثم تخصص المصطلح أكثر فأكثر عندما تبلورت في الفكر الإسلامي نظرية "النص والوصية"، أي النص على أن الإمام، بعد الرسول، هو علي بن أبي طالب، والوصية من الرسول ـ بأمر الله هذا ـ لعلي بالإمامة، وكذلك تسلسل النص والوصية بالإمامة للأئمة من بنيه، على النحو الذي قالت به الشيعة، كفرقة من فرق المسلمين. فلم تعد موالاة أهل البيت كافية كي يكون المرء "شيعيا"، بل أصبح الاعتقاد "بالنص والوصية" معيار التميز بين الشيعة وغيرهم من فرق الإسلام..
وكما انقسم المسلمون، في البداية، إلى: شيعة، وخوارج، ومعتزلة، ومرجئة، وأهل حديث ـ [سلفية نصوصيين] ـ الخ.... فلقد انقسمت الشيعة إلى فرق وجماعات وتيارات، لأنهم وإن اتفق جمهورهم على "النص والوصية" بالإمامة لعلي بن أبي طالب، فلقد اختلفوا في أعيان الأئمة المنصوص عليهم من بنيه.. كما اختلفوا في مدى التطرف أو الاعتدال الذي ذهبوا إليه في موالاة أهل البيت والتشيع لهم، حتى لقد بلغت انقساماتهم قرابة المائة، إذا نحن أدخلنا فيها الفروع.. لكن التيارات الرئيسية في الشيعة ظلت هي: الإمامية الاثنى عشرية، والزيدية، والإسماعيلية.. كما ظلت هذه التيارات الشيعية الثلاثة مستقطبة الكثرة الكاثرة من المتشيعين في عالم الإسلام حتى عصرنا الراهن.(25/17)
ولما كانت هذه الانقسامات، في تيار التشيع، قد حدثت ـ على الأقل ظاهرا، ومن حيث أسبابها المباشرة ـ في الخلاف حول أعيان الأئمة المنصوص عليهم بعد علي بن أبي طالب، فلقد بدأ التشيع: موالاة لأهل البيت، من منطلق أحقيتهم بالإمامة، والانتصار لهم بعد أن ظلموا.. ثم أصبح فرقة ذات نظرية متميزة في الفكر السياسي الإسلامي، عندما تبلورت نظرية "النص والوصية".. ثم بدأ طور الانقسام..( )
التشيع سابق لظهور الشيعة كفرقة:
عندما يؤرخ أعلام الشيعة لنشأة فرقتهم يقولون إن تاريخ هذه النشأة يعود إلى تاريخ وفاة الرسول، صلى الله عليه وسلم، عندما اجتمع قادة الأنصار ونفر من المهاجرين في سقيفة بني ساعدة للتداول فيمن يخلف الرسول في الولاية على الدولة، وهو الاجتماع الذي تمخض عن البيعة لأبي بكر [51 ق.هـ ـ 13هـ / 573ـ 634م] بالخلافة على دولة العرب المسلمين.. إذ يقول مؤرخو الشيعة إن النفر من الصحابة الذين رفضوا ما تمخض عنه اجتماع السقيفة، وقالوا بأحقية علي بن أبي طالب للخلافة، كانوا هم نواة الشيعة، كفرقة، وطليعة المتشيعين لأهل بيت الرسول.. تجمع على هذا الرأي مصادر الشيعة، وتتفق فيه فرقهم.. ويتفق معهم في ذلك علماء الاستشراق( ).. بل إن من علماء الشيعة من يذهب إلى أن التشيع والشيعة، كفرقة، وبالمعنى الذي يدل عليه المصطلح اليوم، هو الاستمرار لإسلام النبوة المحمدية، وأن من عدا الشيعة، من الذين رفضوا "النص والوصية" وقالوا بالشورى، هم طارئون على فكر الإسلام وعالم المسلمين!( ).
لكن غير الشيعة، والمعتزلة خاصة، ينكرون أن تكون الشيعة قد نشأت كفرقة، في ذلك الزمان المبكر، ويؤرخون بعصر الإمام الشيعي جعفر الصادق[80 ـ 148 هـ /599 ـ 765م] والمفكر الشيعي هشام بن الحكم [المتوفى سنة 190هـ سنة 805م] ظهور الشيعة كفرقة يعني ذكرها ما يعنيه التشيع بالمعنى المتعارف عليه الآن( )(25/18)
والحق أننا إذا قصدنا بالتشيع والشيعة معنى: الميل إلى إمارة علي بن أبي طالب للمؤمنين، والطموح إلى تقديمه وتفضيله على غيره من الصحابة، فإننا سنجد جماعة غير منظمة تجمعها هذه الآراء والأماني منذ أن طرحت قضية الإمارة عقب وفاة الرسول، صلى الله عليه وسلم، ولقد ضمت هذه الجماعة بعضا من بني هاشم، وكذلك المقداد، وسلمان الفارسي، وأبا ذر الغفاري... الخ.. ولقد استمرت هذه الجماعة، غير المنظمة، واستمر هواها مع علي وبني هاشم، دون أن يتعدى ذلك نطاق الهوى والأمنيات .. فلقد بايعوا جميعا للخلفاء الثلاثة الأول، كما بايع لهم علي بن أبي طالب، بعد شهور أبطأها قبل البيعة للصديق.. وتعاونوا جميعا، في مواقع مختلفة، ومع جهاز دولة الخلافة تحت إمرة الخلفاء..فلم يكونوا لسلطة الخلافة وسلطان الخلفاء رافضين..
واستمر ذلك إلى أن بويع علي بن أبي طالب بالخلافة، بعد قتل عثمان بن عفان، وقامت الصراعات على السلطة بينه وبين طلحة بن عبيد الله [28ق.هـ ـ 36هـ /596 ـ 656] والزبير بن العوام [28ق هـ ـ 36هـ /596 ـ 656م] ثم بينه وبين معاوية بن أبي سفيان [20ق.هـ 60هـ / 603 ـ 680م] من جانب، والخوارج من جانب آخر.. وفي تلك الفترة أضحى ممكنا أن يطلق مصطلح "شيعة علي" على أنصاره الذين حاربوا معه ونصروه ضد خصومه.. وهم هنا شيعته، بمعنى أنهم أنصار إمارته للمؤمنين، تلك الأمارة التي "اختاروه" لها و "بايعوه" بها، بعد مقتل عثمان بن عفان.(25/19)
لكن هذا الرباط الفضفاض ليس هو المراد ولا المتبادر إلى الذهن إذا نحن تحدثنا، فنيا واصطلاحيا، عن الشيعة والتشيع، فليس الذي يميز الشيعة عن غيرهم: تفضيل علي بن أبي طالب على أبي بكر وعمر وعثمان، ولا الميل إلى نصرته ودوام إمارته للمؤمنين، يوم أن تولاها، ذلك أن "مدرسة البغداديين"، من المعتزلة، التي تكونت منذ عهد إمامهم بشر بن المعتمر [المتوفى سنة 201هـ / سنة 825م] قد تميزت عن "مدرسة البصرة" الاعتزالية بتفضيل عليّ على كل الصحابة، ومع ذلك فهم ليسوا شيعة بالمعنى الفني لهذا المصطلح، بل هم أعداء للشيعة، سياسة وفكرا، رغم أنهم قد رضوا أن يتسموا أحيانا باسم "شيعة المعتزلة"! فليس تفضيل علي، إذن، هو الذي تميز بين الشيعة وغيرهم من فرق الإسلام، حتى يكون صالحا كي نؤرخ به نشأتهم الأولى.(25/20)
أما الأمر الذي يميز الشيعة عن غيرهم فهو عقيدة "النص والوصية". وإذا كان التأريخ لنشأة فرقة من الفرق لابد وأن يكون بظهور ما يميزها عن غيرها، فلابد أن يكون تاريخ نشأة الشيعة، كفرقة، هو تاريخ تبلور نظريتها في "النص والوصية" بالإمامة لعلي بن أبي طالب والأئمة من بنيه.. ومن هنا كان صواب ما ذهب إليه المعتزلة عندما قالوا :إن عهد إمامة جعفر الصادق للشيعة – وهو الذي نهض فيه هشام بن الحكم بدور واضع القواعد النظرية للتشيع، ومهندس بنائه الفكري ـ هو الفترة الزمنية التي يؤرخ بها لهذه النشأة. فالقول "بالوصية" لم يعرف قبل هشام بن الحكم، وهو الذي "ابتدع هذا القول، ثم أخذه عنه" معاصروه ومن أتوا من بعده، مثل "الحداد"، و "أبو عيسى الوراق"، و "ابن الراوندي"( ) ... فهذا المذهب، كما يقول القاضي عبد الجبار: قد "حدث قريبا، وإنما كان من قبل يذكر الكلام في التفضيل، ومن هو أولى بالإمامة، وما يجري مجراه.."( ) وكما يقول ابن المرتضى ـ وهو من الشيعة الزيدية ـ فإن "مذهب الرافضة ـ [أي الإمامية الاثنى عشرية] ـ قد حدث بعد مضي الصدر الأول، ولم يسمع عن أحد من الصحابة من يذكر أن النص في علي جليّ متواتر، ولا في إثنى عشر، كما زعموا.."( )
أما قبل هذا التاريخ، تاريخ ظهور عقيدة "النص والوصية" ـ وهي العقيدة الوحيدة التي تميز الشيعة عن غيرهم في الحقيقة وواقع الأمر ـ فلقد كان هناك من يميل إلى إمامة أبي بكر، ومن ناصر طلحة بن عبيد الله، على عهد عمر، كي يخلفه، ومن هيأ الأذهان لعثمان بن عفان.. وكان هناك، أيضاً، كما هو معروف، من كان هواه مع علي بن أبي طالب، يتمنى أن "يختاره" المسلمون "ويبايعوه" أما قول الشيعة: إن عقيدة النص والوصية قد وجدت قبل زمن هشام بن الحكم وجعفر الصادق، وأن عصر هشام قد أضاف إليها ظهور التصنيف فيها والنصرة لها، ولم ينشئها إنشاء، فإنه قول مردود..(25/21)
فنحن لا نجد في [نهج البلاغة] للإمام علي ـ وهو أقدم نص مجموع في التراث الشيعي ـ عن آل بيت الرسول، صلى الله عليه وسلم، أكثر من أنهم أهل علم وبر وتقوى، وأنهم أحق بولاية أمر المسلمين، وأن قريشا قد استأثرت بهذا الأمر من دونهم، فأبعدوهم عنه حتى ولي علي الخلافة بعد عثمان.. ولا ذكر فيه للنص الإلهي والوصية النبوية لعلي بالخلافة.. كما أننا لا نجد في مواطن الجدل من حول الخلافة ـ منذ اجتماع السقيفة وحتى عصر هشام بن الحكم ـ من احتج "بالنص والوصية" انتصارا لعلي بن أبي طالب وتزكية لحقه في إمارة المؤمنين..
كما أننا واجدون ـ ولذلك دلالته الهامة ـ أن الأحاديث التي روتها الشيعة عن "النص والوصية" ـ وهي التي يضمها كتاب [الكافي] للكليني ـ وهو أهم مصادرهم وأوثقها عندهم في هذا الباب على الإطلاق ـ إننا واجدون أن أغلب الروايات الشيعية عن "النص والوصية" ترجع بسندها لتنتهي عند الإمام جعفر الصادق، ووالده الإمام أبو جعفر محمد بن علي [114هـ / 732م] فأبو جعفر محمد بن علي، وأبو عبد الله جعفر الصادق، وكذلك أبو الحسن علي بن موسى الرضا [153 ـ 203هـ / 770 ـ 818م]، هؤلاء الأئمة الثلاثة إليهم تنسب أغلب الروايات التي رواها الشيعة، في صورة أحاديث، عن "النص والوصية".. الأمر الذي يوحي بأن عصرهم كان عصر تبلور هذه العقيدة التي ميزت هذه الفرقة عن غيرها، والتي كرست هذا الانقسام في صفوف المسلمين.(25/22)
وهناك موقف ثالث في التأريخ لنشأة التشيع، غير موقف الشيعة وعلماء الاستشراق، الذي يرجعها إلى يوم السقيفة، وغير موقف المعتزلة، الذي يقرنها بنشأة عقيدة "النص والوصية" في عهد هشام بن الحكم،وهذا الموقف الثالث يؤرخ لنشأة التشيع بدعوى عبد الله بن سبأ، التي ظهرت في أواخر عهد عثمان بن عفان، ويعبر المقريزي عن هذا الموقف بقوله: ".. وكان ابتداء التشيع في الإسلام أن رجلا من اليهود في خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان أسلم، فقيل له عبد الله بن سبأ، وعرف بابن السوداء، وصار يتنقل من الحجاز إلى أمصار المسلمين يريد إضلالهم.."( )!
وتنسب أغلب مصادر التاريخ والفكر الإسلامي السنية إلى ابن السوداء هذا نشاطا عظيما وجهدا خرافيا، فتقول: إنه أتى الحجاز وتقشف، وقام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، طلبا للرئاسة، ثم لعب دورا كبيرا في إيقاع الفتنة بين الصحابة وعثمان بن عفان، وجازت حيلته ومؤامراته على جلة الصحابة وأكابرهم، ثم حرص على قتل عثمان، وحرك الناس في هذا السبيل. وفي خلافة علي بن أبي طالب أفسد المحاولات التي كادت تنجح للصلح، في البصرة بين علي وطلحة والزبير..
ثم جاء دوره في ظهور التشيع عندما جاء إلى الكوفة "يظهر تعظيم علي بما لا يرضاه علي، ويستغوي بذلك من ليست له صحبة ولا فقه في الدين كالبوادي وأهل السواد، ويتحدث بينهم. وربما استقصر عندهم فعل أبي بكر وعمر وعثمان، ويقدم أمير المؤمنين ـ [علي بن أبي طالب] ـ عليهم في الفضل. وكان يدعي أن علياً يستخصه ويخرج إليه بأسرار لا يخرج بها إلى غيره، وعلي لا يعلم بذلك..."( ) !.. إلى آخر أوجه النشاط التي تعزى إلى ابن السوداء، والتي يبدو فيها منفذا لمخطط محكم التدبير، تشرف عليه هيئة سرية تبتغي هدم دولة الإسلام!(25/23)
وهناك من الباحثين من هالتهم هذه الصورة، فبحثوا عن شخصية عبد الله بن سبأ هذا وعن نشاطه، وقاد هذا البحث البعض إلى إنكار وجود الشخصية كلية، ورأى أن مؤرخي السنة قد اخترعوها كي يعلقوا في عنقها الأحداث والصراعات والدماء التي سببها الصراع على السلطة، حتى تظل لصحابة رسول الله صورتهم المثلى والمثالية في النفوس!.. كما قاد هذا البحث البعض الآخر إلى التسليم بوجود هذه الشخصية، ولكن مع رفض المبالغة في الدور الذي لعبته في تلك الأحداث..( )
أما فيما يختص بموضوعنا، موضوع التأريخ لنشأة التشيع، فإن وجود ابن سبأ ـ على فرض التسليم بوجوده ـ وظهور آرائه، سواء على عهد عثمان أو عهد علي، لا يصلح دليلا على أن التشيع قد ظهر في ذلك التاريخ، فلم تنسب المصادر المعتمدة في التاريخ والفكر الإسلامي إلى ابن سبأ القول "بالنص والوصية"، بل نسبت إليه فقط القول " بتفضيل" عليّ على الصحابة، وتقديمه على أبي بكر وعمر وعثمان.. وحتى الشيعة أنفسهم لا يروون عنه شيئا من ذلك ـ بل وينكر أغلبهم وجوده.. فدعوى عبد الله بن سبأ ـ على فرض وجوده ووقوعها ـ "لم يكن من دعوى هشام بن الحكم بسبيل" كما يقول القاضي عبد الجبار، ومن هنا فإن عصره لا يصح أن يتخذ بدء التاريخ ظهور الشيعة والتشيع بالمعنى الفني والاصطلاحي المعروف.
ولما كانت الإمامة عند الشيعة قد أصبحت عقيدة دينية، بل أصلا من أهم أصول الدين، وقدمت صفتها تلك على صفتها السياسية... فإننا لا نستطيع أن نرى في "الحركات السياسية" التي قام بها الشيعة قبل عهد جعفر الصادق دليلا على وجود فرقة الشيعة بالمعنى الاصطلاحي الدقيق لأن هذه الحركات السياسية لم تقم على أساس قاعدة التشيع الأساسية، وهي "الوصية"، وإنما قامت على أساس أن الحسن أو الحسين أولى بإمارة المؤمنين من معاوية أو ابنه يزيد، أو على طلب الثأر للحسين تكفيرا عن ذنب خذلان أهل العراق له وقعودهم عن نصرته بعد أن بايعوه واستقدموه..(25/24)
فبعد أن تنازل الحسن بن علي لمعاوية، على أن يكون له الأمر من بعده، أي أن يكون "وليا للعهد"، والخليفة التالي لمعاوية، بعد هذا التنازل أعلن معاوية أن وعده للحسن كان ضرورة حرب حتى تجتمع كلمة الأمة وتضع الحرب أوزارها، وأما وقد اجتمعت الكلمة، وسمى العام "عام الجماعة"، فلقد أعلن تنصله من وعده، وقال: "إني كنت شرطت شروطا ووعدت عدات، إرادة لإطفاء نار الحرب، ومداراة لقطع هذه الفتنة، فأما إذ جمع الله لنا الكلمة والألفة، وأمتنا من الفرقة، فإن ذلك تحت قدمي!.."( )
ويومها جاء إلى الحسن بن علي وفد من أشراف أهل العراق يلومونه على أنه لم يستوثق من معاوية بوعد مكتوب يشهد عليه وجوه أهل المشرق والمغرب.. ثم عرضوا عليه الشروع في حرب معاوية ثانية، فإن معه من شيعته أربعين ألف مقاتل من أهل الكوفة، كلهم يأخذ العطاء،ومعهم مثلهم من أبنائهم وأتباعهم، سوى شيعة الحسن من أهل البصرة والحجاز..
فنحن هنا إزاء "شيعة" لها جيش منظم، يأخذ العطاء، ويتكلم باسمها سليمان بن صرد [28ق.هـ ـ 65 هـ / 595 ـ 684م] طالبا من الحسن النهوض لمقاومة معاوية وقتاله.. ومن القدماء من يرى أن هذا الموقف وذلك التاريخ هو بدء ظهور التشيع بمعناه المعروف ... ولكننا نقول: إن هذه "الشيعة" لم يقم تنظيمها على القاعدة الأولى والأساسية للتشيع، قاعدة "النص والوصية"، ومن ثم فلم يكونوا "شيعة" بالمعنى المعروف الآن لنا، الذي عرف منذ عصر جعفر وهشام بن الحكم، ولو كان الأمر غير ذلك، لقال سليمان بن صرد يومها للحسن بن علي: إنه ما كان لك أن تتنازل لمعاوية، لأن هذا التنازل مناقض "للنص والوصية" على إمامتك، ومن ثم فإن هذا التنازل باطل دينيا، وبالأولى سياسيا، فاستغفر لذنبك، وانهض بنا نقاتل معاوية بن أبي سفيان!..(25/25)
لو كانوا "شيعة"، ولو كانت "الشيعة" قد ظهرت يومئذ ـ بمعناها الاصطلاحي الحالي ـ لقالوا ذلك، ولكن هذا هو منطقهم الفكري.. ولكنهم لم يكونوا كذلك، بل كانوا بقية جيش علي ودولته، الذين بايعوا الحسن، قبل تنازله لمعاوية، فلما تنازل، على أن يكون له الإمرة من بعده، استمروا من حوله في انتظار قضاء الله أن يسبق إلى معاوية فتعود الإمرة للحسن، وتعود لهم الحكومة والسلطان، لقد كانوا ـ كما يقول أدبنا السياسي الحديث ـ "حكومة الظل" التي تعيش بجيشها وفي عاصمتها تنتظر موت معاوية كي تلي أمر الأمة، وفقا للعهد الذي قطعه معاوية للحسن، ومن ثم فلم يكن موقفهم هذا ولا عهدهم ذاك هو موقف الشيعة ولا العهد الذي يؤرخ به ظهر هذه الفرقة، بمعناها وفكرها المعروف.
أما عندما بدأ "القول بالإمامة"، وبدأ التأليف فيها، ورواية الأحاديث والقصص التي تدور حول "النص والوصية" لعلي وبنيه.. نشأت عقيدة الشيعة، التي ميزتهم ولا زالت تميزهم عن الفرق الأخرى، وتكون التنظيم الشيعي الذي اعتنق أهله هذا الاعتقاد.
وابن النديم، وهو يؤرخ لنشأة التأليف، يذكر أن "أول من تكلم" في مذهب الإمامة: على بن إسماعيل بن ميثم الطيار..( ) صحيح أنه يذكر أن هذا الرجل قد كان "من جلة أصحاب علي، رضي الله عنه".. ولكن لم يقل أحد إن عهد علي بن أبي طالب قد شهد التأليف في الإمامة أو غيرها من الفنون... أما بعد ذلك فلقد كتب علي بن إسماعيل بن ميثم الطيار ـ كطليعة للقائلين بالإمامة والمتكلمين فيه ـ كتب [كتاب الإمامة] و [كتاب الاستحقاق]... وإذا نحن رجعنا إلى [معجم المؤلفين] فإننا نجده يذكر أن علي بن إسماعيل بن ميثم الطيار كان حيا قبل سنة 179هـ / 795م.. الأمر الذي يبتعد به عن عهد علي بن أبي طالب!..(25/26)
ويضيف [المعجم] أن الرجل قد كانت له مجالس مع هشام بن الحكم؟!...( ) ثم جاء دور هشام بن الحكم، الذي ـ كما يقول ابن النديم ـ: "فتق الكلام في الإمامة، وهذب المذهب والنظر.." وألف فيها: [كتاب الإمامة]، و [كتاب الرد على من قال بإمامة المفضول]، [كتاب اختلاف الناس في الإمامة]، و [كتاب الوصية والرد على من أنكرها]، و [كتاب الحكمين]، و [كتاب الرد على المعتزلة في طلحة والزبير]( ) ...
فللمرة الأولى ترد كلمة "الوصية" في عنوان كتاب هشام بن الحكم.. أما قبل هذا العهد فإن المرء لا يستطيع العثور على أثر لهذه العقيدة، لا في فكر المسلمين، الذي أرخ ابن النديم لظهوره وذكر عناوين مصنفاته، ولا في الجدل الذي دار حول السلطة والإمارة، ولا في المواقف العملية لدى أي فريق من الفرقاء.
هذا عن التاريخ الحقيقي لنشأة عقيدة "النص والوصية".. أي التاريخ الحقيقي لنشأة التشيع والشيعة، بالمعنى الفني والاصطلاحي المعروف لنا الآن..
نظرية الإمامة الشيعية:
ليس ما يميز الشيعة عن غيرها من فرق الإسلام أن لها مذهبا فقهيا متميزا، هو المذهب الجعفري ـ نسبة إلى جعفر الصادق ـ لأن الفقه الإسلامي حافل بالمذاهب، المشهور منها وغير المشهور، ولم يحدث أن أثمر تعدد المذاهب الفقهية انقساما بين المسلمين يوازي أو يداني أو يشابه ذلك الانقسام الحاد الذي قام بين الشيعة وبين بقية المسلمين، بمذاهبهم الفقهية ومدارسهم الكلامية وتياراتهم الفكرية..
..كان قول الشيعة بالسلطة الدينية والإمامة الدينية والوصية والنص من الله على الأئمة.. فهذا ـ في رأيهم ـ هو المتسق مع العدل الإلهي ومع رعاية الخالق للمخلوقين!..(25/27)
وصدورا من هذا الموقف.. وأيضا تسليما بحاجة المجتمع إلى سلطة عليا.. قال الشيعة بضرورة السلطة، أي بوجوب الإمامة.. وقالوا إن صلاح الدين والدنيا متوقف عليها، وإن استمرار الرسالة إلهية مرتبط بوجود الإمام، لأنه هو المعصوم وحده من دون الأمة، فهو المرجع المؤتمن في الدين، وكذلك في الدنيا.. ولما كانت الإمامة، على هذا النحو، هي ما يقرب الناس من الخير ويبعدهم عن الشر، إذن فهي "لطف" إلهي، كما كانت النبوة كذلك، فهي على النبوة تقاس، وليس ـ كما قال غيرهم ـ تقاس على منصب الحكام والولاة.. ولهذا وجدنا الإمامة واجبة عند الشيعة وجوبا عقليا، لا شرعيا، ووجوبها على الله سبحانه، لأنه هو مصدرها الأوحد، وليس وجوبها على البشر، لأنهم لا شأن لهم بها، فهي أمر من أمور السماء..
وقالت الشيعة: إن الإمامة أصل من أصول الدين، بل من أهم أصوله "فالإيمان لا يتم إلا بالاعتقاد بالإمامة"( )، وهي، مع الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، تكون فرائض الله الخمس( ).. وهي، مع المعرفة بصفات الله، والتصديق بالعدل والحكمة، والتصديق بالنبوة، والتصديق بالمعاد، تكون قواعد الإيمان والإسلام الخمسة( )..
وكما بلَّغ الرسول الدين عن ربه، وأشهد الناس على بلاغه، فإن الإمامة كانت مم بلًّغ عن ربه من أصول دينه،ومما أشهد الناس على بلاغه إياهم لها.. وفي هذا الباب يفسر الشيعة بعض المأثورات تفسيرا يختلف معهم فيه غيرهم، وينفردون هم برواية مأثورات أخرى:
1ـ فهم يستندون إلى "حديث الغدير" في أن الرسول قد أشهد الناس، عند "غدير خم"، وهو عائد من حجة الوداع، على أن علي بن أبي طالب هو الإمام من بعده، عندما خطب فقال: "من كنت مولاه فعلي مولاه".. لكن خصومهم ينكرون أن يكون المراد هو الإمامة والسلطة السياسية في المجتمع، لأن الموالاة هي "النصرة" و "المناصرة"، كما تشهد بذلك معاني ومواطن ورود هذا المصطلح في القرآن الكريم، وليست السياسة والسلطة العليا في المجتمع..(25/28)
2ـ وهم يستدلون على "النص والوصية" من النبي لعلي بن أبي طالب بالإمامة، "بحديث المنزلة"، الذي خاطب فيه النبي عليا فقال: "أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي".. وخصومهم يقولون إن هذا الحديث لا يشهد لهم، لأنه هارون لم تكن من منازله مع موسى الخلافة والإمامة السياسية بعد موسى، فلقد مات قبله، فالخلافة والإمامة هنا غير واردة ولا مرادة..
3ـ كما يستدلون "بحديث الدار"، في بداية الدعوة بمكة، عندما جمع الرسول عشيرته، وفيهم علي ـ وهو صبي ـ فقال لهم: "إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم".. لكن خصومهم ينكرون أن تكون الخلافة والإمامة السياسية مراده.. ففي بداية الدعوة لم تكن القضية واردة، بل لم تكن قضية "الدولة" الإسلامية واردة أصلا، فلقد كان الوقت مبكرا حتى بالنسبة لوجود، "الجماعة" الإسلامية!..
وذلك فضلا عن أن جميع هذه الأحاديث ـ وما ماثلها ـ هي "أحاديث آحاد".. وأحاديث الآحاد إن جاز الأخذ بها في "الأمور العملية" فمن غير الواجب أن تؤسس عليها "العقائد"، خصوصا إذا كانت عقيدة الإمامة، وهي.. على رأي الشيعة ـ من أصول الدين( )!..
وإذا كانت المأثورات التي رواها الشيعة أو فسروها كي تشهد لعقيدتهم في "النص والوصية" قد جاء أغلبها للنص على إمامة علي بن أبي طالب، فلقد قالوا إنه قد نص على إمامة ابنه الحسن، الذي نص على إمامة أخيه الحسين.. وهكذا توالت سلسلة أئمتهم من آل البيت، أبناء فاطمة بنت الرسول.
ومن كونهم اثنى عشر أخذت هذه الفرقة ـ تمييزا لها عن غيرها من فرق الشيعة الإمامية ـ اسم: "الإثنى عشرية"..
وفيما يتعلق بتسلسل الإمامة في ولد علي بن أبي طالب، فإن اختلاف تيارات التشيع حول أعيان الأئمة قد كان سببا رئيسيا لما أصاب هذا التيار من انقسامات..
* فالكيسانية: لم يحصروا الإمامة في أبناء علي من فاطمة، وقالوا إنها انتقلت من علي لابنه محمد بن الحنفية [21ـ81هـ /642ـ 700م]..(25/29)
* والإسماعيلية: قالوا إنها بعد جعفر الصادق لابنه إسماعيل [ 143هـ /760م] وليس لموسى الكاظم.
* الزيدية: قالوا إن "الوصية والنص" لم يتعد عليا والحسن والحسين، وأنه لم يحدد "الذات"، ذات المنصوص عليه بل كان نصا على من تجتمع فيه صفات الإمام، وهي قد اجتمعت في هؤلاء، وأن الإمامة بعدهم فيمن تتوافر فيه الشروط من ولد علي، شريطة أن يكون ثائرا خارجا شاهرا سيفه ضد أئمة الجور والفساد، وأنها لذلك كانت لزيد بن علي [79ـ 122هـ / 698ـ740] ثم لأئمة الزيدية من بعده..
أما الاثنى عشرية، فإنهم، بعد تحديدهم لسلسة أئمتهم الاثنى عشر، قالوا إن إمامهم الثاني عشر: أبو القاسم، محمد بن الحسن، قد اختفى، اتقاء للهلاك، في سرداب بمدينة "سامراء"، بالعراق، وأنه حي لم يمت، ولن يموت حتى يظهر فيقود شيعته لبناء الدولة الإسلامية، مالئا الأرض عدلا بعد أن امتلأت بالجور والفساد، وأنه لذلك هو "المهدي" الذي يدعون الله أن يعجل ظهوره ويزيل حرجه ويسهل فرجه.. وهم يعتبرون بقاءه حيا هذه القرون من الأمور الجائزة عقلا، الواجبة بالنصوص المروية عندهم، وأنه، في النهاية، ليس إلا إحدى المعجزات التي اختص الله بها الأئمة اختصاصه الرسل والأنبياء!..
لكن اختفاء "المهدي" وغيبته، وطول هذه الغيبة قد فرضت على الفكر الشيعي ضرورة التلاؤم مع واقع الافتقار إلى الإمام، الذي هو المرجع الأوحد في أمور الدين والدنيا، فتبنى هذا الفكر مبدأ نيابة المجتهد ـ واحدا كان أو أكثر ـ عن الإمام، وولاية هذا المجتهد على جمهور الشيعة،(25/30)
وقالوا: "إنه ليس معنى انتظار هذا المصلح المنقذ "المهدي"، أن يقف المسلمون مكتوفي الأيدي فيما يعود إلى الحق من دينهم، وما يجب عليهم من نصرته والجهاد في سبيله والأخذ بأحكامه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل المسلم أبدا مكلف بالعمل بما أنزل من الأحكام الشرعية.. والمجتهد الجامع للشرائط هو نائب للإمام عليه السلام، في حال غيبته، وهو الحاكم والرئيس المطلق، له ما للإمام في الفصل في القضايا والحكومة بين الناس، والراد عليه راد على الإمام، والراد على الإمام راد على الله تعالى، وهو ـ [أي الرد على نائب الإمام] ـ على حد الشرك بالله"( )؟!..
وعلى حين قصر بعض مجتهدي الشيعة ولاية المجتهد ونيابته عن الإمام الغائب في أمور الدين والفقه، وجعلوا شئون الثورة والدولة والسياسة مؤجلة حتى يظهر الإمام، فإن مجتهدين آخرين، وخاصة في القرون الأخيرة، قد عمموا ـ استجابة للضرورات، وخاصة بعد تطاول الزمن دون أن يظهر الإمام الغائب ـ قد عمموا ولاية الفقيه المجتهد في كل ما هو للإمام، وقالوا: "إن المجتهد ليس مرجعا في الفتيا فقط، بل له الولاية العامة، فيرجع إليه في الحكم والفصل والقضاء، وذلك من مختصاته، ولا يجوز لأحد أن يتولاها دونه، إلا بإذنه، كما لا تجوز إقامة الحدود والتعزيرات إلا بأمره وحكمه، ويرجع إليه في الأموال، التي هي من حقوق الإمام ومختصاته"( )(25/31)
ويقولون: "إنه إذا نهض بأمر تشكيل الحكومة عالم عادل، فإنه يلي من أمور المجتمع ما كان يليه النبي، صلى الله عليه وعلى آله، منهم.. وهو يملك من أمر الإدارة والرعاية والسياسة للناس ما كان يملكه الرسول وأمير المؤمنين، وواجب أن يسمعوا له ويطيعوا.." وهم يروون عن أئمتهم حديثا نبويا يجعلونه سندا في عموم ولاية المجتهد والفقيه، يقول فيه الرسول، صلى الله عليه وسلم ـ فيما يرويه علي بن أبي طالب ـ " "قال رسول الله ، صلى الله عليه وعلى آله: اللهم ارحم خلفائي [قالها ثلاث مرات] قيل: يا رسول الله، ومن خلفاؤك؟ قال: الذين يأتون من بعدي، يروون حديثي، وسنتي، فيعلمونها الناس من بعدي.."( )
هكذا جعلت الشيعة الإمامة أصل الدين، قاستها على النبوة، وحصرت في الإمام أمور الدين والدنيا، ثم تسلسل الإثنى عشرية بأئمتهم حتى الثاني عشر، فلما غاب أحلوا مجتهديهم في النيابة عنه، ومنح تيار منهم هؤلاء المجتهدين سلطان الإمام وسلطاته، فجعلوا لهم الولاية العامة، في الدين والدنيا، حتى لقد جعلوا الراد على المجتهد رادا على الإمام، أي رادا على الله.. أي مشركا بالله!.. وهم في هذا متسقون تماما مع العقيدة التي تجعل الإمامة دينا، وأصلا من أهم أصول الدين!.(25/32)
ولقد كان واضحا لدى الشيعة، ولدى خصومهم، أنهم يناصبون فكرة "الشورى" في السياسة ونظم الحكم عداء شديدا، لأنهم يجعلون المرجعية للإمام دون الأمة، وتعيين الإمام لله دون الناس، ويجعلون من عصمة الإمام حاجزا دون نقده أو مخالفته، حتى لقد جعلوا الرد عليه شركا بالله.. ولقد كان مفكروهم صرحاء في الاعتراف بذلك، فلم ينفوه أو ينكروه، بل دافعوا عنه وبرروه، عندما قالوا: إن الفرد ـ غير الإمام ـ يجوز عليه الخطأ والسهو والنسيان والضلال، والأمة، في مجموعها، ليست سوى جمع هؤلاء الأفراد الذين تتكون منهم، فما جاز على الفرد منها يجوز على جميعها ومجموعها، ومن هنا، حتى يحفظ الله دينه كان لابد من معصوم ثقة حجة قيم، حتى على الدين والقرآن، وهو الإمام...
ووفق عبارة أبي جعفر الطوسي [385ـ 460هـ / 995ـ 1067م] فإن "شريعة نبينا لابد لها من حافظ.. ولا يخلو الحافظ لها من أن يكون: جميع الأمة، أو بعضها.. وليس يجوز أن يكون الحافظ لها الأمة، لأن الأمة يجوز عليها السهو والنسيان، وارتكاب الفساد، والعدول عما علمته.. وإن ما جاز على آحادها جائز على جميعها، من حيث لم يكن إجماعها أكثر من انضمام آحادها بعضها على بعض.. وإذا كانت العصمة مرتفعة من كل واحد على انفراد، فيجب أن تكون مرتفعة عن الكل.. فإذن، لابد للشريعة من حافظ معصوم، يؤمن من جهته التغيير والتبديل والسهو، ليتمكن المكلفون من المصير إلى قوله، وهو الإمام.."( )(25/33)
هذا على حين جعل خصوم الشيعة العصمة للأمة، عند اجتماعها، لا للفرد الإمام، وقالوا إن اجتماع الأمة يجعل لفكرها ورأيها وزنا، بل عصمة، لأن اجتماعها إنما يمثل حالة "كيفية" تختلف تماما عن حال أفرادها إذا نظرنا إليهم فرادى متفرقين، وضربوا الأمثلة على ذلك.. فقطرة الماء لا تروي، لكن مجموع القطرات، بماله من الاجتماع، يروى.. وكذلك لقمة الخبز لا تشبع، لكن مجموعها يشبع، والشعرة الواحدة لا تغني، لكن مجموعها يثمر الحبل المتين.. الخ.... ففرق بين حال الفرد وإجماع المجموع، وليس الإجماع مساويا لعدمه، لأن اجتماع الأمة لا يعني جمع مجموعة من الأصفار!..
أما صفات الإمام عند الشيعة، فمنها:
أولا: صفات يجب أن يتصف بها من حيث كونه إماما، وذلك مثل كونه معصوما، وكونه أفضل الخلق على الإطلاق. والفضل هنا فضل في الدين والمرتبة الدينية والدرجة عند الله، بالقياس إلى غير الأئمة من عباد الله.
وثانيا: صفات يجب أن يتصف بها بحكم المهام التي يتولاها، وذلك مثل علمه بالسياسة، وبجميع أحكام الشريعة، وكونه حجة فيها، وكونه أشجع الخلق( )..
وبسبب من كون الإمامة، عند الشيعة، مقيسة على النبوة، فإن صفات الإمام هذه، عند الشيعة،تتجاوز مستواها عند البشر العاديين،من جمهور الأمة،عامتهم وخاصتهم.. فهو معصوم ، لأن للإمامة مهام دينية أساسية.. فالنبي يبلغ الشريعة، والإمام حافظ لها وحجة لها وفيها، وكما تلزم العصمة للمبلغ في التبليغ وما يتعلق به، كذلك تلزم للحافظ في الحفظ وما يتعلق به.
هذا على حين يرى غير الشيعة أن الإمام ما هو إلا منفذ للأحكام، قائم بمصالح الدنيا، مثله في ذلك مثل الحكام والأمراء والولاة، فعليهم يقاس، وليس قياسه على النبوة والأنبياء.. أما الشريعة عندهم فهي محفوظة بالرواية،والرواية موضع ثقة، لأن الأمة التي روت وأجمعت هي المعصومة، وهي التي قال عنها نبيها، صلى الله عليه وسلم: إنها لا تجتمع على ضلالة..(25/34)
والعلم، كصفة من صفات الإمام عند الشيعة، هو علم غير محدود.. وهو لازم للطبيعة الدينية لمهمته، وقبس من السماء يأتيه عن طريق "روح القدس" التي تلهمه إلهاما، والتي تقوم، بالنسبة له، مقام الوحي بالنسبة للأنبياء.. فالسماء "تُفَهِّم الإمام وتُحَدّثه وتنكت في أذنه" بواسطة روح القدس فيعلم ما يريد أن يعلمه، بل ويعلمه دون معلم أو تعلم!.. فهو "إذا أراد أن يعلم الشيء أعلمه الله بذلك.."( ).
وكما يقول المجتهد الشيعي الإمامي محمد رضا المظفر: فإن الإمام "يتلقى المعارف والأحكام الإلهية وجميع المعلومات من طريق النبي أو الإمام من قبله، وإذا استجد شيء لابد أن يعلمه من طريق الإلهام بالقوة القدسية التي أودعها الله تعالى فيه، فإن توجه إلى شيء وشاء أن يعلمه على وجهه الحقيقي لا يخطأ فيه.. إن قوة الإلهام عند الإمام، التي تسمى بالقوة القدسية، تبلغ الكمال في أعلى درجاته، فيكون في صفاء نفسه القدسية على استعداد لتلقي المعلومات في كل وقت وفي كل حالة، فمتى توجه إلى شيء من الأشياء وأراد معرفته استطاع علمه بتلك القوة القدسية الإلهامية بلا توقف، ولا ترتيب مقدمات، ولا تلقين معلم وتنجلي في نفسه المعلومات كما تنجلي المرئيات في المرآة الصافية، لا غطش فيها ولا إبهام، ويبدو واضحا هذا الأمر في تاريخ الأئمة، لم يتربوا على أحد، ولم يتعلموا على يد معلم، من مبدأ طفولتهم إلى سن الرشد، حتى القراءة والكتابة، ولم يثبت عن أحدهم أنه دخل الكتاتيب أو تتلمذ على يد أستاذ في شيء من الأشياء،مع ما لهم من منزلة علمية لا تجارى، وما سئلوا عن شيء إلا أجابوا عليه في وقته، ولم تمر على ألسنتهم كلمة: "لا أدري"، ولا تأجيل الجواب إلى المراجعة أو التأمل، أو نحو ذلك!!"( )(25/35)
و "روح القدس "، هذا الذي جعله الشيعة صلة قائمة ودائمة بين السماء وبين الإمام، هو الذي "حمل النبي به النبوة، فإذا قبض النبي انتقل روح القدس فصار للإمام!!"( ) .. كما يقول الكليني..
هذه هي صفات الإمام عند الشيعة.. الذين قاسوا الإمامة على النبوة، فوصفوا الإمام بصفات النبي، بل لعلهم قد بلغوا بالأئمة ما لم يبلغ غيرهم بالأنبياء!..
ولقد كان طبيعيا للإمام المعصوم، وهذه هي صفاته وتلك هي قدراته، أن تكون له سلطات لا تعرف الحدود ولا القيود.. والشيعة يؤصلون عموم سلطات الإمام وشمول سلطانه بما يضاف في بعض روايات "حديث الغدير" من أن وضع النبي، من حيث كونه أولى بالمؤمنين من أنفسهم، هو للإمام، فهو أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فله في الأنفس وفيما لدى الأنفس أكثر وأولى مما لهذه الأنفس ذاتها في ذاتها؟!..
وكمثال على ماله في المجتمع من سلطات وسلطان، فإن له، عندهم، "الملكية" الحقيقية ـ وبعضها "ملكية الرقبة" ـ فيما لدى الأمة من أموال، أقلتها الأرض أو استكنت في باطنها، وما للناس لا يعدو "حق المنفعة" في مقادير مما بأيديهم!.. وهم يروون في آثارهم: "أن الدنيا كلها للإمام، على وجه الملك، وأنه أولى بها من الذين هي في أيديهم!".. وفي الأحاديث التي رووها عن أئمتهم، منسوبة إلى الرسول، نقرأ قوله، عليه الصلاة والسلام: "خلق الله آدم، وأقطعه الدنيا قطيعة، فما كان لآدم فلرسول الله، وما كان لرسول الله فهو للأئمة من آل محمد".(25/36)
كما يروون عن الإمام جعفر الصادق قوله: "إن جبريل كرى [أي استحدث] خمسة أنهار: الفرات، ودجلة، ونيل مصر، ومهران، ونهر بلخ، فما سقت أو سقي منها فللإمام، والبحر المطيف بالدنيا للإمام!.. والأرض كلها لنا، فما أخرج الله منها من شيء فهو لنا.. وكل ما في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محللون حتى يقوم قائمنا ـ [أي المهدي] فيجبيهم طسق ـ [الوظيفة من الخراج] ـ ما كان في أيديهم، وأما ما كان في أيدي غيرهم فإن كسبهم من الأرض حرام عليهم حتى يقوم قائمنا فيأخذ الأرض من أيديهم ويخرجهم صفرة! ـ [أي يخرجهم جوعى مرة واحدة!] .."..
كما يروون عن الإمام أبي جعفر محمد بن علي قوله: "إن الأرض كلها لنا، فمن أحيا أرضا من المسلمين فليعمرها، وليؤد خراجها إلى الإمام من أهل بيتي، وله ما أكل منها.. حتى يظهر القائم من أهل بيتي بالسيف فيحويها ويمنعها، ويخرجهم منها .. إلا ما كان في أيدي شيعتنا فإنه يقاطعهم على ما في أيديهم، ويترك الأرض في أيديهم"( )
فكل ما في الدنيا هو للإمام..وهذا مثال لما له في الناس، وما لدى الناس، من سلطات وسلطان.
وغير الشيعة قد يرون فيما تصف به الشيعة إمامها، وما يقررون له من سلطات الكثير من المغالاة، بل والشطط،. لكننا نرى كل ذلك طبيعيا ومتسقا مع رأى الشيعة في القضية الجذرية التي أثمرت الخلاف والتناقض بينهم وبين غيرهم.. قضية اعتبار الإمامة من أصول الدين، بل من أهم هذه الأصول، وقياسها على النبوة، وليس على الولايات والإمارات، وجعلها امتدادا للنبوة، والقول بأن لها ولصاحبها مهام دينية، اقتضت قيام صلة بينه وبين السماء...الخ.(25/37)
فالذين يسلمون بالطبيعة الدينية للإمامة لن يجدوا حرجا في وصف الإمام بما وصفه به الشيعة، وفي تقرير ما قرروا له من سلطات، بل إن في ذلك كل الاتساق مع القول بالطبيعة الدينية لمنصبه.. وإلا فماذا نتصور، صفات وسلطات، لصاحب منصب تتحدث عنه أصول المذهب الشيعي الاثنى عشري فتقول: "إن دفع الإمامة كفر، كما أن دفع النبوة كفر، لأن الجهل بهما على حد واحد.. لأن منطلق الإمامة هو منطلق النبوة، والهدف الذي لأجله وجبت النبوة هو نفس الهدف الذي من أجله تجب الإمامة، وكما أن النبوة "لطف" من الله، كذلك الإمامة، واللحظة التي انبثقت بها النبوة هي نفسها اللحظة التي انبثقت بها الإمامة.. واستمرت الدعوة ذات لسانين: النبوة، والإمامة، في خط واحد، وامتازت الإمامة على النبوة: أنها استمرت بأداء الرسالة بعد انتهاء دور النبوة.. إن النبوة لطف خاص، والإمامة لطف عام.."( ) ؟؟!!..
لقد جعل الشيعة الإمامة دينا،بل أصلا من أهم أصول الدين.. ورووا في ذلك عن أئمتهم، نصوصاً ومأثورات.. ورغم انحيازهم إلى "الاجتهاد"، وعدم إغلاق بابه عندهم، إلا أن "الاجتهاد" عندهم، كما هو الحال عند غيرهم، غير جائز ولا وارد فيما هو من أصول الدين، وما رويت فيه النصوص..بل لقد اعتبروا أن ما يميزهم عن غيرهم هو أنهم قد أخذوا نصوص الدين "فتعبدوا بها"، على حين "اجتهد فيها" الآخرون.. ففي رأيهم .. "الاتجاهان الرئيسيان اللذان رافقا الأمة الإسلامية في حياة النبي منذ البدء هما:
أولا: الاتجاه الذي يؤمن بالتعبد بالدين وتحكيمه، والتسليم المطلق للنص الديني في كل جوانب الحياة..
وثانيا: الاتجاه الذي لا يرى أن إيمانه بالدين يتطلب منه التعبد إلا في نطاق خاص من العبادات والغيبيات، ويؤمن بإمكانية الاجتهاد، وجواز التصرف على أساسه بالتغيير والتعديل في النص الديني، وفقا للمصالح في غير ذلك النطاق من مجالات الحياة.."( )(25/38)
فلقد رأت الشيعة في الإمامة: دينا، وعبادة، وغيبا... فتعبدوا بما رووا فيها من نصوص، وما قدموا لبعض النصوص من تفسيرات ربطت هذه النصوص بالإمامة.. على حين غيرهم رأى في الإمام: المنفذ للأحكام والقانون، تختاره الأمة لمصالح الدنيا، أساسا، فهو القائم على منصب هو "من المصالح العامة المفوضة إلى نظر الخلق"..كما يقول ابن خلدون( ).
فطبيعة السلطة هي الأول والآخر والأساس في هذا الخلاف والانقسام الذي أصاب الإسلام والمسلمين!
الخميني.. ونظرية الإمامة:
ليس لدى الخميني والفقهاء المجتهدين الذين زاملوه وتابعوه في الثورة الشيعية الإيرانية الحديثة جديد فيما يتعلق بنظرية الإمامة، فهم شيعة إثنى عشرية تقليديون، يخلو فكرهم من أية نظرة نقدية لتراث الشيعة القائل "بالنص والوصية" من الله للأئمة الإثنى عشر بالإمامة.. والخميني يقول: "إن الرسول، وقد استخلفه الله في الأرض ليحكم بين الناس، قد كلمه الله وحيا أن يبلغ ما أنزل إليه فيمن يخلفه في الناس، وبحكم هذا الأمر فقد اتبع ما أمر به، وعين أمير المؤمنين عليا للخلافة( ) وكان تعيين خليفة من بعده، ينفذ القوانين ويحميها ويعدل بين الناس، عاملا متمما ومكملا لرسالته( ) ولولا تعيينه الخليفة من بعده لكان غير مبلغ رسالته..."( )
بل إن الخميني يذهب في تقديره لمقام "الأئمة" ذلك المذهب التقليدي عند الشيعة، والذي يراه كل من عداهم مغرقا في الغلو.. لأنه مذهب يفضل فيه أصحابه "الأئمة" على "الرسل والأنبياء"!.. لأنهم وإن قاسوا "الإمامة" على "النبوة" إلا أنهم قالوا: إن النبوة ولاية خاصة، لانقضاء زمنها، أما "الإمامة" فهي ولاية عامة، لاستمرار زمنها!..(25/39)
وعن مقام " الأئمة" يقول الخميني: "إن ثبوت الولاية والحاكمية للإمام لا تعني تجرده عن منزلته التي هي له عند الله، ولا تجعله مثل من عداه من الحكام. فإن للإمام مقاما محمودا ودرجة سامية وخلافة تكوينية تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرات هذا الكون!. وإن من ضرورات مذهبنا أن لأئمتنا مقاما لا يبلغه ملك مقرب، ولا نبي مرسل!. وبموجب ما لدينا من الروايات والأحاديث فإن الرسول الأعظم والأئمة كانوا قبل هذا العالم أنوارا، فجعلهم الله بعرشه محدقين، وجعل لهم من المنزلة والزلفى مالا يعلمه إلى الله!"( )
ففي قضية نظرية الإمامة الشيعية، نجد الخميني تقليديا محافظا، ليس لديه تجديد ولا جديد..!.. لكن الجديد الذي سلط عليه هذا المجتهد المزيد من الأضواء، وبز فيه أقرانه من مجتهدي الإثنى عشرية المعاصرين كان هو:
1ـ تشخيص الواقع البائس الذي يحيا فيه المسلمون..
2ـ وإبراز تناقض هذا الواقع مع الإسلام، نهجا وفكرا..
3ـ والتركيز على "عموم ولاية الفقيه"، كموقف عملي ـ مدعم بالفكر النظري ـ يتجاوز به الشيعة الجمود الذي شل حركتهم الثورية منذ غيبة الإمام الثاني عشر..
في هذه القضايا الثلاث، قبل غيرها، وأكثر من غيرها، تتجسد الإضافات الفكرية للخميني... تلك الإضافات التي تجسدت في الثورة التي قادها الخميني بإيران!..
وبعد نجاح الثورة الشيعية في إيران سنة 1979م تحولت هذه الرؤية إلى فلسفة حكم الدولة الجديدة، وذلك عندما صيغت مواد في "الدستور الإسلامي لجمهورية إيران الإسلامية" الصادر في 24 ذي الحجة سنة 1399هـ [15 نوفمبر سنة 1979م]... لقد أقر الدستور "وصاية الفقهاء" على الأمة، وانفرادهم بالسلطة العليا في الدولة، وهيمنتهم وحدهم على أجهزة القرار والتنفيذ الخاصة بشئون الحكم، سلما كانت أو حربا!!..(25/40)
* فلآية الله العظمى، الإمام الخميني "ولاية الأمر، وكافة المسئوليات الناشئة عنها.." إذ هو "القائد".. وفي حالة غيابه يتكون [مجلس القيادة] من ثلاثة أو خمسة من الفقهاء المجتهدين "المراجع"( )..
* والمحافظة على الدستور يتولاها مجلس من الفقهاء يعينهم "الإمام الوصي"...
* وللإمام الوصي سلطات: تعيين رأس الجهاز القضائي... والقيادة العامة للقوات المسلحة، بحيث يكون من حقه وحده التعيين والعزل لرئيس أركان الجيش، والقائد العام لحرس الثورة، وتشكيل مجلس الدفاع الوطني الأعلى، وتعيين وعزل قادة القوات الثلاث بالجيش، وإعلان الحرب، والسلم، والتعبئة العسكرية، واعتماد نتيجة انتخاب رئيس الجمهورية، وحق عزله، وتقرير صلاحية المرشحين لمنصبه( )
* كما يكرس الدستور فكرية الإثنى عشرية في "الإمامة" ـ رغم تعدد المذاهب في إيران ـ فينص على أنه ينطلق "من قاعدة ولاية الأمر، والإمامة المستمرة( )..".. كما ينص على أن "الدين الرسمي لإيران هو الإسلام والمذهب الجعفري الإثنى عشري. وهذه المادة ـ [المادة الثانية عشرة] ـ غير قابلة للتغيير إلى الأبد؟!!.. أما المذاهب الإسلامية الأخرى ـ حنفية، أو شافعية، ومالكية، وحنبلية، وزيدية ـ فإنه يقرر لها الحرية في العبادة والأحوال الشخصية وفق فقهها( )... مثلها في ذلك مثل الأقليات الدينية غير الإسلامية، من زرادشت، ويهود، ومسيحيين( )!...
وهكذا نهج الدستور نفس النهج الذي حدده الخميني في كتاب [الحكومة الإسلامية].. فوضعت "ثورة الإسلام" ـ التي اتفق عليها أغلب المسلمين ـ بيد أداة لم يقل بها غير الشيعة من المسلمين!... ثم لاحت، في الممارسة، بوادر تنبئ عن أن الانحياز ليس فقط للفكر الإثنى عشري، دون غيره من فكر المذاهب الإسلامية الأخرى.. وإنما أيضا للعنصر الفارسي، دون الأقليات القومية الإيرانية الأخرى!... حتى ليحق للمرء أن يتساءل:
•…أهي الثورة الإسلامية في إيران؟..(25/41)
•…أم أنها الثورة الشيعية الفارسية الإسلامية في إيران؟!!.
ونحن إذا شئنا أن نوجز الصياغة النظرية الشيعية لما يعنيه: "عموم ولاية الفقيه" استطعنا أن نقول: إن الفكر الشيعي يجعل للرسول كل ما لله في سياسة المجتمع وعقيدة أهله، وبعد الرسول أصبح كل ما له للإمام، وبعد غيبة الإمام فإن كل ما للإمام ـ الذي هو كل ما لله وللرسول ـ هو للفقيه!.. وذلك باستثناء أمرين اثنين:
أحدهما: أن للإمام مقاما عند الله لا يبلغه فقيه؛ بل ولا نبي ولا رسول!..
وثانيهما: أن ولاية الإمام تكوينية، يخضع لها كل أحد وكل شيء، بما في ذلك جميع ذرات الكون؟!... أما ولاية الفقيه فإن عمومها محدود "بالمقلدين" لهذا الفقيه، أي أن أقرانه من الفقهاء المجتهدين لا يلزمهم الخضوع له، لأنه مجتهد وهم مجتهدون، وله ولاية عامة وحاكمية، ولهم، مثله، عموم الولاية وسلطان الحاكمية( )!..
لكن........ لابد للمرء من أن يتساءل: أيهما أقدر على الاقتراب من تحقيق هذه المهام:
* حكومة الفقهاء.. التي يستأثر فيها الفقهاء بالحكم، دون الأمة، بدعوى نيابتهم عن الله، وبزعم أن فقههم هو القانون الإلهي؟!..
وإذا كانت ولاية الفقيه ـ كما حددها الخميني ـ هي الحكومة الإسلامية وإذا كانت ولاية هذا الفقيه، أي حاكميته وحكومته، لا يخضع لها الفقهاء المجتهدون الآخرون، بالضرورة "لأن الفقهاء في الولاية متساوون من ناحية الأهلية"( )، بحكم أن لكل منهم سلطات الإمام، أي الرسول، أي الله... إذا كان الأمر كذلك، فمن الذي يعصم الأمة والمجتمع من تعدد "الولايات"، أي الحكومات، بتعدد الفقهاء المجتهدين ـ إن لم يكن اليوم فغدا ـ ولكل منهم "رسالة" في الفقه، هي القانون، ولكل منهم "مقلدون"، أي رعية وشعب؟!..(25/42)
ومن الذي سيحمي حكومة الفقهاء هذه من العزلة عن من عدا الشيعة الإثنى عشرية داخل إيران، بحكم انحيازها المذهبي، كرد فعل لهذا الانحياز.. ومن ثم ـ ومن باب أولى ـ العزلة عن جمهور الأمة الإسلامية، الأمر الذي يتركها فريسة سهلة لأعدائها الخارجيين؟.. أو في أحسن الظروف: فريسة لخصومها الداخليين؟.. الأمر الذي يجعلها تأكل ذاتها، بعد أكلها لخصومها في المذهب والقومية، أو صراعها المنهك وإياهم!.. وما الضمان لتلافي مخاطر أن يصبح هؤلاء الفقهاء سائرين على درب الذين يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين بالفكر المذهبي، الضارب حولهم بسور من العزلة ليس له باب ؟!..
هذا... فضلا عما تؤدي إليه حكومة الفقهاء الدينية، التي تسلب الأمة حقها في الحكم والتقنين السلطة والسيادة، من العودة بالأمة إلى "العزل السياسي" الجماعي؟!.. فكأنها لم تتمرد ولم تثر ولم تقدم عالي التضحيات إلا لتستبدل "الفاشية" الدينية،بالفاشية البشرية الشاهنشاهية!.. لأن الأمر، في الواقع وفي النهاية، سيعني: سلطة موضوعة بيد إنسان، وذلك بصرف النظر عن دعوى هذا الإنسان أن مصدر سلطانه هو السماء؟.. أم الدم الأزرق؟.. أم الامتياز المالي؟.. أم القوى العسكرية؟.. أم كل هذه المصادر والأسباب!..
فهل هذا السبيل ـ سبيل حكومة الفقهاء الدينية ـ هو الذي يقترب بنا من تحقيق وتطبيق الإسلام الثوري والمجاهد؟!..
* أم حكومة الشعب.. التي تحكم به ، وله، ونيابة عنه، والتي لا تقيم "فاشية" مستبدة تحت ستار من قداسة الدين؟!.. والتي تتيح "لعود الأمة السياسي" أن ينمو ويشتد من خلال مناخ للحرية تزدهر فيه ملكات المعارضة والنقد والتفكير؟!..(25/43)
إن نقد "السلطة الدينية" ـ بمقاييس أصحابها كفر أو حرام، لأنه "خطيئة دينية" وجرم في حق الله؟!.. والشيعة يقولون: إن الراد على الفقيه راد على الله!..أما نقد "السلطة المدنية" الإسلامية، فهو أمر مشروع، يأتي في إطار "الخطأ والصواب"، و "النافع والضار"...
... فأي السبيلين يتيح للأمة أن تعوض ما فاتها في عهود الكبت والقهر والاستبداد؟؟!..
... وأيهما يعين الأمة على أن تطبق في واقعها الإسلام الثوري، وتواصل الحراسة والرعاية والتطوير لهذا التطبيق؟؟!..
نعتقد أن حكومة الفقهاء الدينية هي: طريق غير مأمون إلى هدف نبيل وعظيم!.. وتلك هي الثغرة العظمى التي من الممكن أن تصبح المقبرة لهذا الهدف النبيل والعظيم!!..
كتاب الشهر 25
ربحت الصحابة ولم أخسر آل البيت
تأليف : علي القضيبي
هذا الكتاب الصغير في حجمه والذي جاء في 80 صفحة من القطع المتوسط يحمل في داخله الكثير من الحجة والبرهان وذلك لأن الحق بنفسه ثقيل وكبير .
وفيه سطر المؤلف أبو حذيفة علي القضيبي رحلته من خرافات وأساطير الإثني عشرية إلى الحق والصدق في أصل الإسلام .
فالقضيبي نشأ لأسرة شيعية بحرينية متدينة وقد مات والده وهو صغير فكفله خاله وهو خريج حوزة قم . ووالدته كانت من الحريصات على مجالس العزاء الحسينية وغيرها من المناسبات الشيعية . ولذلك حين كبر كان من المنخرطين في المواكب الشيعية في البحرين.
ورغم ذلك كانت له شخصية قوية جعلته يقف حائراً أمام ثلاث قضايا في مذهبه الشيعي السابق وهي : سب الصحابة ولعنهم ، والمتعة ، ودعاء غير الله .
أما سب الصحابة فقد كان مقتنعاً بظلمهم لآل البيت لكنه كان يشعر بأن سبهم لا يليق بالمؤمن!
وبدأ يفكر في الروايات الواردة في مراجع المذهب عن سب ولعن الصحابة التي وصلت حد تكفيرهم ثم يجد القرآن لا يوافق على ذلك بل يثني عليهم ويصرح برضى الله عليهم ؟؟!
والمتعة فقد كان يرفضها لعدم أخلاقيتها .(25/44)
تناقضات المذهب الشيعي لم يعد يحتملها قلب القضيبي والتي منها ليالي عاشوراء وما فيها من لطم ونياحة . فلماذا لم يفعل ذلك رسول الله حين مات ابراهيم ابنه ؟ ثم تحير أكثر حين تعارضت الروايات التي يبيح بعضها اللطم و بعضها الآخر يحرم اللطم ؟؟
وذكر القضيبي قصته مع ساحر شيعي لجأ أهله إليه حتي يعيدوه للتشيع ولكن الله سخر القضيبي ليفضح هذا الدجال الذي كان يخدع عوام الشيعة مدعياً بأنه من رجال الدين الصالحين .
يتجول القضيبي بالقارئ في محطات متنوعة حفلت بها تجربته الشخصية ويعرض فيها ما توصل له في مسألة الإمامة من أنها ليست محل اتفاق بين الشيعة وتاريخهم لا يدل على أهمية الإمامة .
ومن هذه المحطات لحظة معرفته لبعض ألقاب المهدي التي ذكرها النوري الطبرسي في كتابه "النجم الثاقب في أحوال الإمام الغائب " فذكر منها لقب ( خسرو مجوس ) !!!
ثم تطرق القضيبي لموقف الشيعة الحالي من محاولات الإصلاح الشيعية من الداخل والتي حمل رايتها مراجع كبار من الشيعة مثل : آية الله البرقعي و العلامة أحمد كسروي والدكتور الموسوي وآية الله محمد حسين فضل الله .وكيف أنها لم تلق القبول من الشيعة بل الإتهام بالمروق و الخيانة .
ويختم القضيبي كتابه بنداء حار إلى أهله وجيرانه للتفكر في حقيقة القرآن وأن حبنا لآل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم لا يتعارض مع حب الصحابة .
كتاب الشهر 25
مزالق التصوف
تأليف : حامد عبد الله الديراوي
لفت نظري هذا الكتاب بصغر حجمه وعدم شهرة مؤلفه حامد عبد الله الديراوي لا سيما وأن دار الرسالة ببيروت هي التي نشرته وهي من الدور العريقة(25/45)
جاء في المقدمة سبب تأليف هذا الكتاب وهو اصطدام المؤلف بالصوفية وجهاً لوجه عند ذهابه للعمل الدعوي في روسيا وتركيا ، وهذا الصدام الذي حصل في الوقت الذي لم يكن المؤلف يعتبر التصوف من القضايا الساخنة على الساحة الإسلامية وكذلك لم يكن المؤلف مطلعاً على حقيقة التصوف وآثاره الخطيرة بل كان متعاطفاً معه ودافعاً عنه .
هناك في روسيا وتركيا يرفض الصوفيون أي صيغة أخري للإسلام غير التصوف بل كل دعوة للتصحيح عندهم هي من الوهابية الكفار !
ومع أن المؤلف لم يكن وهابياً فلقد اتهم بذلك مراراً ، ولما أصبح التصوف عقبة في طريق الدعوة في تلك المناطق وجد المؤلف نفسه ملزماً بدراسة الصوفية فبدأ بجمع المراجع عن الصوفية ومن أهمها كتاب " الكشف عن حقيقة الصوفية لأول مرة في التاريخ " للأستاذ محمود عبد الرؤوف القاسم الفلسطيني الأصل السوري الجنسية المقيم بعمان عاصمة الأردن حالياً .
سنستعرض بعض ما وصل له المؤلف من بحث في الصوفية و نقتطف بعضاً من المباحث الكثيرة التي تناولها المؤلف المقرونة بكثير من الاستشهادات والنصوص التي أوردها في بحثه .
1.…أشار المؤلف إلى حقيقة مهمة وهي التفريق بين حقيقة التصوف وبين رجاله الذين تفاوتوا في الاستجابة لحقيقة التصوف فمنه من سار لنهاية الطريق حتى خرج من الإسلام ومنه من وقف في منتصفه أو أكثر أو أقل .
2.…الحكم على التصوف يجب أن ينبع من منهجه ورؤيته هو للعقيدة والفكر و السلوك.
3.…التصوف سابق على الإسلام حيث قد عرف في الصين باسم الطاوية وفي الهند بأسماء متعددة منها الجينية و الهندوسية و البوذية .
4.…أول ظهور للتصوف في المسلمين كان بالزهد المبالغ فيه ، وتشكل في القرن الثالث الهجري على يد أبي هاشم من الكوفة الذي بنى زاوية في مدينة الرملة بفلسطين وكان أبو هاشم حلولياً دهرياً يقول بالحلول والاتحاد .(25/46)
5.…للصوفية اليوم تنظيم عالمي يدار من المركز العالمي في لندن ويصدر كتباً ومجلات أهمها مجلة " الصوفية المتجددة " .
6.…مصادر الفكر الصوفي هي : الفكر اليوناني وأديان الهند والمسيحية المحرفة.
7.…وحدة الوجود من أكبر انحرافات الصوفية وقال بها أغلب أئمتهم .
8.…أما نظرية الحب الإلهي التي ظهرت عند صوفية البصرة فهي تعني حلول المحب وهوالعبد في المحبوب وهو الله وهذا من الكفر الصريح .
9.…النبي صلى الله عليه وسلم الذي ادعت الصوفية محبته أساءت له الصوفية عندما غلت فيه إلى درجة الألوهية كما فعلت النصاري مع عيسى عليه السلام .
10.…أما القرآن فلا يستحب للصوفي السالك حفظه ! ويفسرونه تفسيراً باطنياً .
11.…الجهاد ذروة سنام الإسلام يتجاهله الصوفية في مواعظهم وكتبهم بل حرفوا تفسير قول الله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا و اتقوا الله لعلكم تفلحون ) فقالوا في تفسيرها : لم يكن في زمن رسول الله غزو يربط فيه الخيل و لكنه انتظار الصلاة بعد الصلاة ! (عوارف المعارف للسهروردي ص 82 ).
12.…الصوفية تحارب العلم بشدة لأنه يفضحها .
13.…كثرة فرق الصوفية من مظاهر تشتت المسلمين ، لكنهم يجتمعون كلهم على أهم أصول التصوف وهو وحدة الوجود في حين يختلفون في الأذكار والأوراد .
14.…علماء الصوفية جهلة في العلوم الشرعية ، وهم من المجروحين في الرواية وقد ذكر المؤلف نماذج من كلام العلماء في رؤساء الصوفية .
15.…ذكر المؤلف قائمة بزعماء الصوفية التي كفرها العلماء .
هذه بعض النتائج التي بينها بحث المؤلف في الصوفية بعد اصطدامه بها في الواقع المعاصر وكشفت له عن استمرار الدور الهدام للصوفية في الواقع الإسلامي مما يعيق تقدم المسلمين ونهضتهم .
قالوا العدد 25
إيران تمهد لاحتلال الجنوب العراقي(25/47)
قالوا: "إيران تسعى لاحتلال المحافظات الجنوبية العراقية. والإيرانيون يؤسسون جمعيات ومنظمات في جنوب العراق ويبنون شبكات للاستخبارات".
كمال محي الدين ـ القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني
الدستور 14/7/2005
قلنا: وماذا نحن فاعلون لمقاومة هذا الخطر. ومتى ترفع إيران يدها عن العراق؟
ولاية الفقيه.. استبداد
قالوا: "وحتى الأنبياء لم تتوافر لهم هذه الولاية التي تجعل الأمور كلها والقرارات في يد شخص واحد يصنف باعتباره فوق الجميع، ما يساعد على بروز الاستبداد ويضع البلاد في مواجهة أزمات ومشكلات كثيرة".
المرجع الشيعي الإيراني حسين منتظري
الحياة 4/7/2005
قلنا: احتاج منتظري سنوات طويلة قضاها تحت الإقامة الجبرية في إيران ليقول لا لولاية الفقيه، لما شاهده من تسلط يرتكب باسمها. هل سيحتاج الآخرون أيضاً لسنوات طويلة كي يقولوا لا للاستبداد الذي يمارس في إيران.
إيران هل هي من اغتالت أعضاء من السنة في لجنة الدستور؟
قالوا: "قال إياد العزي، عضو المكتب السياسي للحزب الإسلامي العراقي أن الرغبة الطائفية في كتابة مسودة الدستور قد تؤدي إلى انسحاب العرب السنة من اللجنة. وأضاف: "اغتيال أعضاء سنة في اللجنة كان تحصيل حاصل لرفض العرب السنة هذه الرغبة التي تعتري مواقف الآخرين، وتلقى من السنة الرفض التام". وكشفت وثيقة للمؤتمر العام لأهل السنة أن أطرافا عراقية تساندها إيران تريد إبعاد السنة عن العمليتين السياسية والانتخابية في البلاد".
باسل عدس
الدستور 21/ 7/2005
قلنا: وهذا مثال آخر للتخريب الإيراني في العراق الذي يمارس بواسطة عملائها وأعوانها الذين صاروا الآن على رأس السلطة في العراق.
فمتى تكف إيران يدها عن جارتها المسلمة؟
الإسلام.. إلى أين في سوريا؟
قالوا: "أصدر الرئيس السوري بشار الأسد مرسوماً يقضي بتعيين مفتي حلب الحالي، الشيخ الدكتور أحمد بدر الدين حسون، مفتيا عاماً لسورية، خلفاً للشيخ الراحل أحمد كفتارو".(25/48)
الشرق الأوسط 17/7/2005
قلنا: إلى أين سيتجه الإسلام في سوريا بعد تعيين مفتٍ صوفي خرافي، مساند للتشيع، بل إن بعض مواقع الشيعة على الإنترنت تعتبره شيعيا؟
خمور ولاية الفقيه
قالوا: "اعتقل عناصر خفر السواحل السعوديون سبعة إيرانيين كانوا يحاولون إدخال 600 علبة من الخمور إلى المملكة".
وكالة الصحافة الفرنسية
19/7/2005
قلنا: وهل هذه هي بركات دولة ولاية الفقيه: يغرقون العراق بالمخدرات، ويريدون إغراق السعودية بالخمور!
صور مزعومة لقبر النبي صلى الله عليه وسلم على الإنترنت
قالوا: "ينتشر على شبكة الإنترنت العديد من الصور التي يزعم ناشروها أنها صور لقبر النبي محمد.. ويظهر قبر النبي محمد مبنيا مزخرفا بالنقوش، ومزينا بالآيات القرآنية المذهبة، ومغطى بالحرائر الملونة، فيما يرتفع القبر عن الأرض بما يقل عن نصف متر، وتعلوه عمامة خضراء يزعم ناشرو هذه الصور أن النبي كان يرتديها".
منال القبلاوي
الرأي 21/7/2005
قلنا: متى يتوقف المسلمون عن ترديد هذه المزاعم، حتى أن بعض العامة قاموا بتعليق بعض هذه الصور في منازلهم للتبرك. فهل ينقصنا خرافات جديدة.
وللعلم فإن مع الصور المزعومة لقبر النبي صلى الله عليه وسلم، تنشر صور يقال أنها لقبر هابيل، وقبر أم النبي صلى الله عليه وسلم آمنة بنت وهب، وقبر خديجة!
قبل نجاد وبعده
قالوا: "لن تتغير بالتأكيد سياسة إيران العامة بخصوص ضرورة نزع التوتر مع العالم الخارجي، وضرورة بناء جسور الثقة القوية والمحكمة مع الجيران، ليس فقط كقناعة راسخة تثبت في الاستراتيجية الإيرانية العامة. بل أيضاً كمصلحة إيرانية قومية عليا".
محمد صادق الحسيني
الحياة 18/7/2005
قلنا: المهم الأفعال لا الأقوال.
إيران تدعم العراق بالمخدرات!(25/49)
قالوا: "وعلى رغم الأهمية الاقتصادية لتدفق الزوار الإيرانيين، يخشى الكثير من العراقيين أن يزيد هذا التدفق من إحدى المشاكل الخطيرة المتفاقمة في بلادهم وهي انتشار تعاطي المخدرات التي تدخل العراق من إيران.
وتفيد معلومات الأجهزة الحكومية بأن المنطقة الجنوبية، ومنطقة الفرات الأوسط أصبحتا محطة رئيسية لتوزيع المخدرات داخل العراق، ولتهريبه إلى الدول المجاورة. ولم يوفر هذا النشاط حتى المدن المقدسة لدى الشيعة، بما فيها كربلاء، مدينة الإمام الحسين، التي يقصدها الزوار الإيرانيون، ومعهم تجار المخدرات".
نصير العلي
الشرق الأوسط 21/7/2005
قلنا: وهكذا يكون الدعم الإيراني للعراق الشقيق!
حتى تكمل المتعة!
قالوا: ".. ويشير التقرير إلى أن مشكلة المخدرات متفاقمة في بعض دول الجوار، وبخاصة إيران التي تعتبر فيها مشكلة الإدمان ليست جديدة، ووصلت إلى حدود كبيرة خلال السنوات الأخيرة، حيث بلغ عدد المدمنين استناداً للتقارير الدولية حوالي مليوني مدمن، بينهم 780 ألفاً من طلبة المدارس والجامعات".
الشرق الأوسط 4/7/2005
قلنا: لماذا لا تتجه إيران إلى معالجة هذه المشكلة وتقي شبابها من سموم المخدرات، بدلاً من تصدير المشكلة إلى العراق؟
ثم ما معنى وجود مليوني مدمن في الجمهورية الإسلامية؟
علاقة الصوفية بفلسفة الزنّ البوذية
قالوا: "بروفيسور أميركي يربط بين الصوفية ـ الإسلامية وفلسفة الزنّ البوذية... وعقد البروفيسور (مايكل سباث) .. مقارنة بين جلال الدين الرومي وإكيو سوجون.. قائلاً أنه تجدر المقارنة بين الرجلين وسيرة حياة كل منهما".
الغد 14/ 7/2005
قلنا: نعم تجدر المقارنة بين الصوفية والبوذية، فليست الصوفية إلاّ خليطاً من الوثنيات والفلسفات الدخيلة على الإسلام.
حين يكون الكفر إبداعاً!(25/50)
قالوا: "وسيد قمني ـ لمن لا يعرفه ـ كاتب مصري محسوب على خط المثقفين المستنيرين،وقد وجد في نقد الإسلام ـ لا مجرد التاريخ أو التراث الإسلامي ـ ضالته، فتجرأ على القرآن الكريم باعتباره (يجسد نصاً تاريخيا لا بد من وضعه موضع مساءلة إصلاحية نقدية) ودعا كما فعل نصر أبو زيد وغيره إلى إنكار الإعجاز القرآني والفصل بين الإسلام والعلم (الإسلام شيء والعلم شيء آخر، فالإسلام محله القلب والعلم محله العقل) واعتبر أن (المعلوم من الدين بالضرورة مبدأ ابتدعه الفقهاء ليمنعونا من حرية التفكير)..".
حسين الرواشدة
الدستور 21/7/2005
قلنا: وهل يعقل بعد هذا التخريف، وهذا الكفر أن يطالب بعض المسلمين بأن تتاح الفرصة لهذا وغيره بنشر فكرهم، بحجة حرية التفكير؟
وماذا عن تصريحات آصفي؟
قالوا: "أعلن الرئيس الإيراني محمد خاتمي أمس أن إيران لم تهدد أبداً دول المنطقة بعد أن نشرت صحيفة بحرينية رسماً كاريكاتورياً للمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي".
وكالة الصحافة الفرنسة
6/7/2005
قلنا: وماذا عن تصريحات الناطق باسم الخارجية الإيرانية حميد رضا آصفي التي هدد فيها دول الخليج مطالباً إياهم بمعرفة حجم قوتهم التي لا تقارن مع قوة إيران؟!
زندقة ابن عربي تعود
قالوا: "باختصار، شيء مما كان يقول به ابن عربي صارت تروم إليه ما بعد الحداثة، لكن لا من أجل العودة إلى روح الأشياء، الثمل بالمقدس، والعجيب، والخارق للعادة، في إطار وحدة الوجود، بل للقفز إلى عصر الوجود الافتراضي، والشاشة الرقمية، الوجود الذي تم تشكيله من عالم العدد والصورة والحركة. عالم العزلة، تحت شعار تقديس الفردانية".
هاشم غرايبة
الرأي 24/7/2005
قلنا: الله يستر من العودة إلى ما كان يؤمن به ويكتبه الصوفي ابن عربي، فلسنا بحاجة لانحرافاته، ولا "لوحدة الوجود" ، إنما الحلال بيّن والحرام بيّن.
نجاد... ما هو؟(25/51)
قالوا: "نجاد إيران: حرب "دونكيشوتية" ضد أميركا وعودة إلى الاشتراكية الخمينية!.. رجل المفاجأة محافظ سياسياً وماركسي اقتصادياً وراديكالي نووياً وتيوقراطي عقائدياً".
الحوادث 1/7/2005
قلنا: شيء جيد أن تلتفت وسائل الإعلام، وتلفت نظر قرائها إلى اشتراكية بل ماركسية الخميني المغلفة بالمذهب والدين. والله يستر من ماركسي جديد.
السنة أيتام على مائدة اللئام
قالوا: "وتقول مصادر وتقارير مطلعة على هذا المخطط السوري إن قاعدته الأساسية هي نفسها التي كانت وراء اغتيال والده الشهيد (الحريري)، وهي أن سورية ما زالت تعتبر أن قيام زعامة وطنية سنية مستقلة لا منافس لها تعارض سورية وتخرج عنها، هو خط أحمر تجب محاربته بكل الوسائل".
رياض علم الدين
الوطن العربي 1/7/2005
قلنا: متى يفهم بعض أتباع الجماعات الإسلامية في سوريا وخارجها حقيقة الموقف السوري النصيري منهم كونهم من أبناء السنة!!
الشيعة أولاً وثانياً وثالثا
قالوا: "أنا لا أنفي علاقتي بالزعيم الشيعي مقتدى الصدر، وأنا عندي فكر أيديولوجي، ولا يمكن أن أنفي علاقتي بأحد لوقوع ضرر علي. فأنا على اتصال بالأخ مقتدى الصدر، وما يجمع بيننا لا أحد ينكره".
محمد الدريني
من أقطاب المتشيعين في مصر
وكالة الأنباء الألمانية 2/7/2005
قلنا: لا يمانع أحد أقطاب المتشيعين في مصر من إعلان اتصالاته بالجماعات والهيئات الشيعية هنا وهناك، ما دام أن المذهب أولاً وثانياً وثالثا. والولاء للمذهب الشيعي فوق الولاء للوطن المحلي!
الوقف بين الحكومة والمرجعية
مجلة النور العدد 170 تموز ـ يوليو 2005م
لمناسبة مشاركته في مؤتمر الإسلام والغرب الذي أقامه معهد الدراسات الملكية في لندن، قام الشيخ أحمد البهادلي بزيارة مكاتب دار النور وكان له فيه حوار مع أعضاء هيئة التحرير بحضور سماحة السيد عبد الصاحب الخوئي أمين عام مؤسسة الإمام الخوئي.(25/52)
وهنا ما دار حول قضية الوقف في العراق. في حين أن الحوار الكامل ستنشره الزميلة (الكلمة) في عددها الثامن.
•…هناك دوائر مهمة الآن بالنسبة للمسلمين الشيعة في العراق وهي الحكومة، والمرجعية وديوان الأوقاف، ما هي العلاقة بين هذه السلطات الثلاث ؟
ـ أي معنى تقصد، هل تعني التنسيق في ما بينها؟
* نعم أعني نوعية التداخل والتنسيق في ما بينها؟
ـ الحكومة تستشير المرجعية ولكنها لا تستطيع أن تنفذ كل ما تريده كما تعلمون، لأن ليس لها الحرية المطلقة بالتنفيذ، فهي تأتي بين الفينة والأخرى لتستشير المرجعية، والأخيرة بدورها تبدي النصح ولا تكون آمرة ولا تقول أن هذا لابد أن ينفذ، وعليه فإن حقيقة تدخل المرجعية الحالي هو ليس في الجزئيات وكثيرا ما تعتذر وتقول إنما تدخلنا في مسألة الدستور فقط أما في غير الدستور فلا يوجد تدخل، ولكن كاستشارات فهي أحيانا قد تقدم الاستشارة والنصح لما فيه الصالح العام، فيأتي أحيانا رئيس الوزراء ليستشير ويحصل على المشورة ولكن هل يستطيع أن ينفذ كل المشورة، هذا الأمر الذي لا أستطيع أن أدخل فيه.
أما في ما يتعلق بالأوقاف، فقد قدمت للمرجعية قانونها الذي ترغب في أن يصادق عليه، الأوقاف هنا أعني ديوان الوقف الشيعي الذي استحدث أخيراً بعد سقوط النظام السابق وقد اطلعت المرجعية على القانون وأبدت عليه بعض الملاحظات ورفعت هذه الملاحظات إلى رئاسة الوزراء التي كان يرأسها الدكتور إياد علاوي، ولأن الحكومة لا تستطيع تطبيق مثل هذه القرارات فجمد لوجود ملاحظات للمرجعية على فقراته ولم تنفذ، وإلى الآن لا يوجد لديوان الوقف الشيعي قانون محدد يعمل به.
•…إذن من الذي يعين المسؤولين عن الديوان؟
ـ حقيقة أنا اطلعت عليه وكان أحد أهم ملاحظات المرجعية على القانون حول هذه القضية فلم يتطرق لها القانون وكانت ملاحظة المرجعية أن اذكروا لنا من الذي يعين، فتوقف الجواب ولم يردنا أي جواب إلى الآن.
•…هل الوقف السني فاعل؟(25/53)
ـ نعم هو فاعل ومستمر، لأن السنة يقبلون بما أقرته الدولة.أما الشيعة فيريدون مطابقة الأمور لفتوى المرجع الأعلى.
•…إذن هل هناك مشروع خاص للمرجعية يخص هذا الأمر؟
ـ مشروع المرجعية أنها عدلت هذا القانون ولكن يبدو أن التعديلات كانت كبيرة فامتنعت الحكومة عن المصادقة عليها.
•…هل يحق للدولة التصرف بموارد الوقف؟
ـ الوقف لا يعود إلى الدولة لكي تعدل فيه ولا يحتاج إلى قانون، الوقف توقفه أنت وأنا وغيرنا، أما كيف نتعامل مع ما هو موقوف؟ كيف نتصرف بموارد الموقوف مثلا، أذكر لك مادة مثلا يقال إن ديوان الوقف الشيعي في ما إذا وقف ما لم يوجد له من يديره فالوزارة تديره وتأخذ نسبة عشرين في المئة من موارده، والمرجعية تقول هذا الأمر يرجع للفقهاء والمراجع وليس لزيد من الناس الذي تعينه السلطة أو الحكومة، ثم على أي أساس تأخذ هذه الأخيرة نسبة العشرين في المئة من الوقف؟
هذه من جملة الإشكاليات، الإشكال المهم الآخر حول التصرف بمال اليتيم، فهل يجوز أن يتصرف بمال اليتيم الموظف من قبل الحكومة، نعم اليوم قد يكون المعين من قبل الحكومة رجل دين موثق كالسيد حسين الشامي وقد حصل على إجازة من المرجع ولكن غدا يعين من يشرب الخمر مثلا وهو الذي يكون رئيس ديوان الوقف الشيعي فهل هذا هو الذي سيتحكم بأموال اليتيم غدا ويحفظ لهم حقوقهم؟ فعليه يجب أن يكون رئيس ديوان الوقف الشيعي بدرجة يحصل على وكالة من حاكم الشرع (أي المرجع)، أما من دون وكالة أو تخويل فلا يحق له التصرف بالوقف، فالتصادم هنا بمثل هذه الموارد وغيرها.
•…لكن أليس من المعلوم أن المرجعية ليست فقط مسؤولة عن الأوقاف في العراق، ولكنها مسؤولة عن كل أوقاف الشيعة في العالم؟ فكيف يمكن أن نوفق، وما هي حدود تلك المسؤولية؟(25/54)
ـ مسؤولة لا بمعنى أن نتابع مباشرة كل شاردة وواردة، وإنما مسؤولة بمعنى أن تتصدى للمحافظة على الذي يسلم إليها من الأوقاف، فالآن عندما يقدمون القانون بمعنى أنهم يقولون إننا نسلم لكم أوقاف العراق وأنتم تديرونها، بعبارة أخرى لها ولاية شرعية، أما سلطة فعلية فليس لها، وعليه إذا كانت لها ولاية شرعية على أوقاف كل الشيعة في العالم ولكن ليس لها ولاية تنفيذية عليها، فعندئذ هي معذورة. أما في العراق اليوم فأصحاب الولاية التنفيذية هم الذين يقدمون اليوم هذه الأوقاف إلى يد المرجع قائلين مرنا، إذن صار عليه أن يأمرهم بما يوافق الشرع بحذافيره.
زيارة تاريخية لإيران
أحمد الربعي الشرق الأوسط 18/7/2005
زيارة رئيس الوزراء العراقي لطهران تمثل حدثا تاريخيا كبيرا، تختلط فيه السياسة بالتاريخ، والوقائع بالمشاعر.
فالزيارة تأتي بعد سنوات طويلة من القطيعة، وسنوات طويلة من حرب كبرى، كان وقودها ملايين الإيرانيين والعراقيين من قتلى وجرحى ومشردين.
هذه الزيارة فرصة لمصالحة تاريخية كبرى بين بلدين كبيرين في الإقليم الخليجي، وسيمثل التعاون بينهما عبر استبدال لغة المدافع والصواريخ وتبادل القتلى، تبادل البضائع ورسائل السلام والمحبة، فرصة للتهدئة الإقليمية التي عانت المنطقة من غيابها لسنوات طويلة.
المصالحة تتطلب المصارحة. والعراق الجديد يجب أن يتحدث مع الإيرانيين بلغة جديدة وصريحة، وبعيدة عن المجاملة، متذكرا أن العراق قد تغير، وأن نظامه الاستبدادي قد تغير، ولكن النظام الإيراني ظل كما هو.(25/55)
مشكلة إيران الكبرى غياب القرار الموحد، واللغة الموحدة تجاه الجيران، فهناك أطراف تدعو للتهدئة وإقامة علاقات حسن جوار، ولكن هناك أطراف نافذة في إيران تقوم بمهمة تخريب هذه العلاقات، وإطلاق التهديدات ضد جيرانها بمناسبة وبدون مناسبة. والحال لا يختلف في السياسة الإيرانية تجاه العراق. فهناك أطراف تقوم بدور التهدئة وتدفع لإقامة علاقات سلام بين البلدين، لكن هناك أطرافا أخرى في طهران تتدخل بشكل واضح في المحافظات الجنوبية للعراق، وترسل الأموال تحت لافتات سياسية ودينية، وهناك شكاوى كثيرة من تدخلات أجهزة إيرانية في المحافظات العراقية.
إيران يجب أن تفهم أنها لا يمكن لها أن تسمح لأحد بان يصفي حساباته مع أميركا، أو مع «الشيطان الأكبر» على حساب العراقيين، فإذا كانت أميركا تحتل العراق، فإن هناك حقيقة أخرى وهي أن أمريكا أصبحت جارة لإيران، عبر مئات الآلاف من القوات الأمريكية المتواجدة في العراق. والذين يعتقدون بإمكانية محاربة أمريكا من خلال توتير الأوضاع السياسية في العراق وتشجيع العنف، أو غض النظر عنه سيرتكبون خطأ استراتيجيا كبيرا.
الكلام الإيراني حول العراق جميل وواقعي، لكن المسألة مسألة أفعال لا مسألة أقوال، وإذا لم تترجم إيران كلامها التصالحي بممارسة حقيقية تبتعد فيها عن التدخل في الشأن العراقي، فإن كل الكلام الذي سيقوله رئيس الوزراء العراقي، وكل الكلام الذي سيسمعه من الإيرانيين، سيكون لحظة خداع كبرى. وهو أمر ليس فيه مصلحة البلدين.
تعقيبات على موضوع الربعي
مصطفى ياسين 18/07/2005
الجعفري في طهران ..زيارة وكفى(25/56)
تعقيبا على مقال الأستاذ أحمد الربعي بعنوان زيارة تاريخية لإيران المنشور في 18 يوليو، أقول إن هذه ليست المرة الأولى التي يسمع فيها العراقيون كلاما ناعما من القادة الإيرانيين بعد حرب الثمان سنوات، إذ سبق ان زارت وفود ايرانية كثيرة العاصمة العراقية أيام حكم الرئيس صدام حسين خصوصاً عام 1990 إبان الأزمة العراقية الكويتية وما تلاها، وفي المقابل زارت وفود عراقية طهران وسمعنا ما سمعنا من جميل الكلام ووقعت العديد من الإتفاقيات وكان أكبر هذه الوفود الوفد الذي ترأسه السيد عزة ابراهيم نائب رئيس مجلس قيادة الثورة آنذاك وعاد الوفد باتفاقات على تنفيذ العديد من المشاريع المشتركة وباصرار ايراني على اغلاق الخليج ومهاجمة القوات الأمريكية الموجودة فيه إن هي هاجمت العراق،
واتفقت مع العراق ان تكون ايران الملاذ الآمن لطائراته في حال بدأت الحرب تحاشيا لتدميرها من قبل الشيطان الأكبر، واتفق الجانبان على خطوات لطي صفحة الحرب وذكرياتها المؤلمة وفي هذا السياق تبادل الرئيس الإيراني آنذاك هاشمي رفسنجاني الرسائل مع الرئيس العراقي صدام حسين وتبعا لما جاء فيها قرر العراق اطلاق سراح كل الأسرى الإيرانيين على اعتبار ان ايران ستقوم بخطوة مماثلة، الا ان ايران تراجعت عن ذلك وظلت محتفظة بالأسرى العراقيين عشرة اعوام اخرى، فمات من مات منهم جراء المعاملة القاسية التي كان يتولاها فيلق بدر بامرة عبد العزيز الحكيم وهو امر يتذكره معظم الأسرى خاصة الشيعة منهم الذين ذاقوا مر العذاب جراء هذه المعاملة.
وقد نفذت الولايات المتحدة تهديدها وبدأت الحرب في كانون الأول 1991 لكن ايران لم تنفذ شيئا من وعودها فلم تغلق الخليج ولم تتعرض للقوات الأمريكية الموجودة فيه(25/57)
لكنها والحق يقال أصرت على ضرورة ارسال أكبر قدر من الطائرات العراقية المدنية والحربية اليها وفي نفس الوقت بدات ترسل قوافل من سيارات الحمل الكبيرة الى المناطق الجنوبية على اساس انها مساعدات غذائية، اتضح لاحقاً انها محملة بالأعتدة وبعناصر من حرس الثورة الذين شاركوا بكل فعالية في العمليات الإرهابية التي اجتاحت مدننا في جنوب العراق في آذار 1991 ويسميها البعض الآن (انتفاضة) ولا ندري ضد من هذه الإنتفاضة؟
وضحاياها جلهم من آبائنا وامهاتنا واطفالنا اما الطائرات التي تجاوز عددها الـ 124 طائرة فالقصة معروفة، فقد رفضت ايران مجرد الإعتراف بوجودها واستخدمت المدنية منها برحلات داخلية في عملية سطو مشهورة ادانتها منظمة اياتا.
وبالتالي فان الزيارة الأخيرة لا تعني شيئاً ولن تنعكس باي شئ إيجابي للعراق، ثم ان توقيتها عجيب جداً حيث انها تتم في وقت يجري فيه تصفية أعمال الحكومة والرئاسة للتهيئة لإستلام الرئيس الإيراني الجديد لمهام منصبه. وفي الحقيقة فان كثيرا من العراقيين ينظرون الى هذه الزيارة على انها زيارة داخلية يقوم بها الجعفري وبعض اركان حكومته لأهلهم في ايران.. وهي الحقيقة.
آل الحكيم: بعد خسارات فادحة.. هل يصبح عمار المعمم الموعود..؟
رشيد الخيون الشرق الأوسط 27/7/2005(25/58)
لأسرة آل الحكيم الطباطبائية، أثر بالغ في المرجعية الشيعية، أسسه آية الله محسن الحكيم. كانت البداية برفقة الحكيم للمجتهد والشاعر محمد سعيد الحبوبي (قتل 1915) في الجهاد ضد الإنجليز، ثم برز بعد وفاة أستاذه محمد حسين النائيني (1936)، وسلسلة من المراجع الكبار بداية من أبي الحسن الأصفهاني (1946)، ومحمد رضا آل ياسين (1950)، ومحمد حسين كاشف الغطاء (1954). وبعد وفاة حسين الحمامي (1959)، وعبد الهادي الشيرازي (1962) «ثنيت له وسادة» المرجعية العليا بالنجف، رغم وجود الموازي في المكانة الفقهية مثل أبي القاسم الخوئي. وحسب مذكرات الشيخ هاشمي رفسنجاني (حياتي، ص 148)، إثر وفاة حسين البروجردي (1961)، أبرق شاه إيران إلى الحكيم معزياً، اعترافاً له بالمرجعية العليا، على الرغم من وجود المراجع الموازين بقم والنجف. قيل إن الشاه أراد بهذه الحركة إبعاد مركز المرجعية إلى العراق، وإبعادها في الوقت نفسه عن عبد الهادي الشيرازي غير المريح له.
وبعد وفاة الحكيم (1970)، لم يتقدم نجله الأكبر آية الله يوسف إلى تولي مهام المرجعية. ذلك لوجود الأعلم والأقدم وهو الخوئي. وكان رده البليغ أن أغلق باب داره بوجه الداعين لمرجعيته. وبعد نقل السلطة الدينية عن آل الحكيم، ظلت الأسرة في مقدمة الأحداث، لما لها من علاقة بتأسيس العمل الحزبي الشيعي، ووجود السيد مهدي الحكيم محرضاً من خارج العراق ضد نظام البعث، بعد اتهامه بالتجسس والحكم عليه بالإعدام. وجاء في «أساطين المرجعية العليا»، أنه عند مشاركة أحمد حسن البكر في تشييع جثمان الحكيم الأب، هتف المشيعون: «سيد مهدي مو جاسوس اسمع يالريس».(25/59)
قُتل من آل الحكيم العشرات، وآخر قتلاهم كان آية الله محمد باقر، ولم يبق من تلك الوجوه، التي زانت الحوزة الدينية بعلمها، وملأت العمل السياسي المعارض بتحركها غير السيد عبد العزيز الحكيم، الذي تولى مهام رئاسة المجلس الأعلى، بعد إعلان أخيه محمد باقر، حال عودته التفرغ للمرجعية بالنجف.
وكان محمد باقر يفكر في استعادة منزلة الأسرة الحوزوية، مع الحرص على وجودها في الهم السياسي ومن مركز السلطة، فعبد العزيز أصبح عضواً في مجلس الحكم، ورئيساً في دورة من دوراته. وأول إجراء له هو تحقيق رغبة الوالد القديمة بإلغاء قانون الأحوال الشخصية، وإعادة سطوة الفقيه، التي خفف منها هذا القانون إلى حد ما، بينما ضمن القانون وحدة قانونية تساعد على تأكيد وحدة العراق. عموماً ان التفكير في الجمع بين السلطتين، الدينية والدنيوية، بهذه الطريقة هو تحقيق شكل من أشكال ولاية الفقيه.
وبعد خسارة أسرة آل الحكيم عميدها، لحظة تركه محراب الصلاة في الروضة الحيدرية، أُعلن عن تأسيس منظمة «شهيد المحراب». وأخذ يبرز عن طريقها نجم رئيسها الشاب صاحب العمامة السوداء عمار عبد العزيز الحكيم، ومن يومها أصبح لا يغيب عن محفل سياسي أوديني، يصرّح ويخطب، ويحضر مؤتمرات الخارج، ليس نيابة عن والده أو عن جهة معينة، بل يفهمك من خطابه أنه يمثل نفسه، ويُعد لدور قيادي موعود.
وعرف الحكيم الحفيد بنفسه ذاباً عن انحداره العراقي: «أنا عمار الحكيم، كنت من أولئك الأشخاص، أعيش في إيران. رجعت إلى وطني. كنت صغيراً حينما ذهبت، ولا أعرف أين هي جنسيتي؟ فراجعت الدائرة وطلبتها. وبعد أن راجعوا دفاتر النفوس، وتأكدوا من الاسم والخصوصيات، حصلت على الجنسية العراقية. أنا لست إيرانياً».(25/60)
عاد عمار إلى العراق، الذي غادره طفلاً، محتفظاً بلسان عربي فصيح، لا تخالطه لكنة إيرانية أو ملائية، مثلما هي واضحة على العديد من الزعامات الدينية. وكان من القلائل بين آلاف الأطفال العراقيين من الذين نشأوا في المهجر الأوروبي أو الإيراني، احتفظوا بلسانه العربي. ونستغرب إذا قارنا خلو لغة ولكنة الحكيم من أي أثر إيراني بمَنْ لم يغادر العراق، ولم تحم حوله تهمة الأعجمية، ويتصدى للزعامة أيضاً. وربما سلامة الخطاب ودماء الشباب جعلا بعض الإسلاميين يتمنون أن يكون عماراً خلفاً لعمه في زعامة المجلس الأعلى.
مَنْ يراقب نشاط عمار الحكيم، عبر وسائل الإعلام، يجده إما يخطب في مؤتمر للتبليغ، أو يعظ أمام حشد نسوي ملحف بالسواد من أجل تطبيق الشريعة في الدستور، أو يترأس وفداً إلى خارج العراق. زار الفاتيكان مشاركاً في تنصيب البابا الجديد، سوية مع سفير العراق هناك البرت يلدا. ولنا أن نحسبها رداً على زيارة وفد الفاتيكان بالمواساة بوفاة الجد، يوم شق القساوسة بثيابهم الدينية الزاهية شوارع النجف.
ولم ينس عمار، وهو يخطب في مؤتمر الوحدة الإسلامية إلى جانب رفسنجاني بطهران، أن يُشيد بالصحوة الإسلامية. قال: «وقد تفاجأ العالم وتفاجئنا نحن من مستوى الصحوة». وأن يصف هناك أميركا بالمحتلة، وأن يختم خطابه بالدعاء «لولي أمر المسلمين»، ويعني مرشد الثورة آية الله علي خأمنئي.
تورط عمار الحكيم في تصريحات كادت تعصف بالعلاقة بين الأكراد والشيعة، عندما اعتبر في إحدى خطبه «كركوك» عراقا مصغرا، وهي لكل العراقيين. زار إثرها رئيس الجمهورية جلال الطالباني معتذراً لتأويل كلامه، ولما قال: تكون تسمية البلاد «جمهورية العراق الإسلامية الفيدرالية»، جاء الرد سريعاً من الدكتور فؤاد معصوم، رئيس التحالف الكردستاني: «جمهورية العراق اتحادية، وليست عربية أو إسلامية».(25/61)
نستشف من هذا أن السيد عمار، ومن دون أن يُقلد مركزاً رسمياً، أصبح لكلمته وقع، حتى أكثر من والده ومن الحكومة نفسها. لنا القول إنه هو موعود آل الحكيم بعد خساراتهم الفادحة. ولهذا حاول الراصدون لنمو دور المعمم الشاب استخدام تهم زائفة ضده، مثل زيارته إلى إسرائيل سراً. والسؤال هل سيتحمل العراق الديمقراطي زعامة الحكيم الحفيد لصحوة إسلامية، أو لنقل خميني آخر، والدرس الإيراني أقرب إلى العراق من حبل الوريد؟
---------
تعليق من قارئ على الموضوع
خليل الطائي ، US، 27/07/2005
كتب الأستاذ رشيد خيون اسم عمار الحكيم ناقصاً، والصحيح هو عمار عبد العزيز الطبطبائي الأصفهاني، فبحسب موسوعة أعيان الشيعة للعلامة الأمين فإن أصول عائلة الحكيم تنحدر من ايران مدينة أصفهان.
وعمار يؤدي دوراً أعدته الدوائر الايرانية للعناصر الموالية لها .. وأعتقد أن عراق المستقبل سوف لن يسمح للقوى الدينية والعناصر التابعة لايران بممارسة النشاطات التخريبية عبر نفث السموم الطائفية وضرب الوحدة الوطنية العراقية.
قوات الاحتلال تغذي إشعال الفتنة في العراق
المجتمع العدد (1659) 3 جمادى الآخرة 1426هـ ـ 9/7/2005
الحملة المنظمة التي يتعرض لها المسلمون في العراق صارت واضحة للعيان.. فمنذ الاحتلال الأجنبي للعراق وهم يتعرضون لمحاولات التهميش والإقصاء عن الساحة السياسية في البلاد، كما أن علماءهم وقادة عشائرهم ووجهاءهم يتعرضون للقتل والاعتقال بصورة منظمة، كما أن مساجدهم تتعرض للمداهمات المتواصلة والعبث بمحتوياتها، الأمر الذي وصفته هيئة علماء المسلمين في بيان لها يوم 22/5/2005 بأنه "حملة شعواء لا مثيل لها في تاريخ إرهاب الدول".
وقال عنه عدد من العراقيين السنة: "إن قوات الحكومة تقوم بعمليات اعتقال وقتل وتعذيب لنا ولا يدري أحدنا لماذا يعتقل وما هي تهمته وإلى أي الجهات تقتاده قوات الأمن الحكومي".(25/62)
وقد أقرت الحكومة العراقية يوم الأحد 3/7/2005م أن بعضاً من قواتها الأمنية يلجأ إلى أشكال من التعذيب والانتهاكات في إطار سعيها لإخماد مقاومة العرب السنة.
وقد جاءت هذه الاعترافات الحكومية بعد التقرير الذي نشرته صحيفة "الأوبزرفر البريطانية" كاشفة عن وجود فرق إعدام ومراكز تعذيب سرية. وعلق المتحدث باسم رئيس الوزراء العراقي على ذلك قائلاً: "إن هذه الأمور تحدث وإن الحكومة تعلم بذلك لكن الوزراء يشعرون بالقلق لهذا الأمر".
وقبل ستة أشهر أعلنت منظمة "هيومان رايتس ووتش" لحقوق الإنسان ومقرها نيويورك عن وقوع ما وصفته بانتهاكات متفشية ترتكب بشكل دؤوب على أيدي القوات العراقية. بينما أكدت تقارير أخرى وقوع عمليات منظمة على أيدي مسلحين يرتدون زي الشرطة أو الجيش أو الوحدات الخاصة، ثم اختفى بعدها المعتقلون دون العثور لهم على أثر أو وجدوا مقتولين. وقد وجهت هيئة علماء المسلمين أكثر من نداء إلى المنظمات الإنسانية ومنظمات الأمم المتحدة وحقوق الإنسان، وكل شرفاء العالم أن يوقفوا إرهاب الدولة المنظم الذي يتزايد ساعة بعد ساعة.
هذه الاعترافات والتقارير تؤكد ـ كما قلنا ـ أن المسلمين السنة يتعرضون لحملة منظمة وعلنية لم تعد خافية تستهدف وجودهم ومساجدهم وعلماءهم وأبناءهم. ونشير في هذا الصدد إلى أحد تقارير مؤسسة "راند" الأمريكية الذي ينصح الإدارة الأمريكية بدعم الطائفة الشيعية وذلك لا شك يكرس الطائفية ويشعل الحرب الأهلية، ذلك الهدف الذي سعى الاحتلال لتحقيقه لإيقاع الشعب العراقي الواحد في حرب تستنزف قواه، وتهدر ثرواته وإمكاناته، وتؤدي في النهاية إلى تمزيق الدولة العراقية إلى دويلات متناحرة، وبذلك يسهل على الاحتلال السيطرة عليها، ويطول أمد بقائه فيها ليحقق أطماعه ومشاريعه في المنطقة كلها.(25/63)
لقد تقدم الطرف السني بأكثر من مبادرة لتحقيق الوحدة الوطنية، فقد أعلنت هيئة علماء المسلمين يوم 24/5/2005 عن ميثاق شرف لوأد الفتنة الطائفية في العراق يدعو الشعب العراقي بكل طوائفه وتوجهاته لنبذ الخلافات، وتقديم مصلحة العراق على كل المصالح الشخصية والسياسية والمذهبية والعرقية، ووقف كل ما يولد الحساسيات ويؤجج الفتن من أقوال وأفعال وسلوكيات، وخاصة من قبل المسؤولين والسياسيين والإعلاميين.
كما قرر المؤتمر التأسيسي العراقي المناهض للاحتلال في اجتماعه الأخير في بغداد مؤخراً إنشاء غرفة طوارئ لمعالجة ما أسماه الاحتقانات الطائفية في المدن والقرى العراقية وتأكيد الوحدة الوطنية.
ويوم الاثنين 4/7/2005 طالب المؤتمر العام لأهل السنة في العراق البرلمان العراقي ولجنة الدستور بسرعة الرد على قائمة الأسماء التي رشحها المؤتمر للمشاركة في لجنة صياغة الدستور الوطنية.
وقال المتحدث باسم المؤتمر العام: "رغم مرور أكثر من 10 أيام على تقديمنا القائمة التي تتضمن أسماء من رشحناهم فإنه وحتى الآن لم يصلنا أي شيء من الجمعية الوطنية أو من الحكومة أو الأمم المتحدة أو من أي جهة تبين أن الموافقة قد تمت على اشتراك هؤلاء الذين رشحناهم للجنة كتابة الدستور.
إن هذه المبادرات المتتالية من الطرف السني لم تلق التجاوب المطلوب من الحكومة والأطراف الأخرى.. وما زال الوضع على ما هو عليه، الأمر الذي ينذر بفتنة كبرى سيكون الخاسر الأكبر فيها العراق.. الدولة والشعب والمستقبل والمصير.
فهل يتدارك العقلاء في كل الطوائف والقوى السياسية والحكومة؛ الأمر قبل فوات الأوان؟.
"ثوابت الأمة" طالبت بحل كل مجالس الجمعيات
التي سمحت ببيع تقويم هيئة خدام المهدي
كتب نافل الحميدان: الوطن الكويتية ـ 15 يوليو 2005(25/64)
طالب أمين عام حزب ثوابت الأمة محمد هايف المطيري وزير الشؤون الاجتماعية والعمل بحل مجلس إدارة جمعية الدسمة وجميع الجمعيات التي سمحت ببيع التقويم الصادر من هيئة خدام المهدي أسوة بقرار وزير الشؤون بحل مجلس إدارة جمعية القرين لنشر كتاب فيه إساءة إلى أحد الصحابة.
وأضاف المطيري في مؤتمر صحافي عقده حزب ثوابت الأمة: إننا نعيش في بلد تكثر فيه العقائد حيث لم نسمع بتعرض النصارى الذين يعيشون بالكويت للرسول أو صحابته: لم يتعرضوا للإسلام من أي ناحية تذكر لكن ما قامت به هيئة خدام المهدي لا يرضي أحداً حتى الشيعة أنفسهم حيث وصلت إلى حد الشتم العلني، ولذلك يجب محاسبتهم لردع الفتن التي قد تحدث حتى نمنع البلبلة، فهذه قضية خطيرة وفتاوى بتكفير أهل السنة فالجميع بالكويت استنكر حادثة التطرف والإرهاب التي حدثت قبل أسابيع، وما يحدث في تقويم خدام المهدي أساس للتطرف ويحتاج لصده من الجميع.
وأضاف إن هيئة خدام المهدي صرحت علانية وهاجمت وشتمت الصحابة وكفرت مع مستشارها ياسر الحبيب أهل السنة واستباحت دماءهم ويجب أن يفتح ملف في لجنة مكافحة التطرف لردع هؤلاء خشية استفحال الأمر.
وقال المطيري: يجب أن يعرف من هؤلاء ومن خلفهم ومن يدعمهم، مشيدا بنشر جريدة "الوطن" بيانهم حيث ظهروا على حقيقتهم نافيا ما جاء في بيانهم من أنه لا يوجد لديهم مقر في الكويت وأن لديهم مقراً فقط في لندن. فهذا الكلام عار عن الصحة فلديهم مكاتب في الكويت وبيروت والبحرين وهذا واضح من خلال نشراتهم، مشيرا إلى عزمهم فتح مكتبين في لندن وأمريكا.
وأضاف: الأمر خطير إذ أن لديهم مجلة تطبع في الكويت، ولديها اشتراكات توزع في البيوت ولديهم عنوان ثابت وأرقام تلفونات بينما يصدرون في بيانهم أنه لا يوجد لديهم مكتب في الكويت على الرغم من وجود المكتب، وهو ليس مرخصا وصدرت أحكام ضده.(25/65)
وأردف: ليس كل الشيعة أتباعاً لخدام المهدي كما يزعمون في نشرتهم، لكن يبقى أن نعي تماما أن الأمر خطير وعلى الرغم من أن الهيئة تنفي وجود أعضاء في مجلس الأمة يتبعون لها أو يدعمون عملها لكن مجلاتهم ونشراتهم تؤكد دعمهم للنائب صالح عاشور، الذي لا يغيب عن جميع مناسباتهم.
تحذير
وحذر المطيري الحكومة من السكوت على هذا الأمر حتى لا تجر البلد إلى فتنة هي في غنى عنها فكيف لا يرضى أحد بشتم والديه ويرضى بالوقت نفسه بشتم الصحابة. فهل من فتنة أكبر من هذه، لذا يجب إخمادها حتى لا يأتي من يرد عليهم وتشتعل الفتنة وتزداد لتصل إلى ما لا تحمد عقباه، وهو ما يوجب تشكيل لجان لمحاربة هذا الفكر وفضحه في جميع أجهزة الإعلام ولصحافة.
وأكد المطيري أن عددا من المواطنين قاموا برفع دعوى على هيئة خدام المهدي يساعدهم فيها جمع من المحامين الكويتيين لمحاربة تلك الأفكار التي تجردت من القيم والمبادئ والأخلاق وما جرأتهم هذه إلا بسبب أنهم أمنوا العقوبة.
فتنة
ومن جانبه قال المحامي محمد منور أن هذه فتنة تحت الرماد، وواجبنا يحتم علينا الوقوف في وجهها، والدفاع عن الرسول وصحابته. فهذه جريمة تمس أمن الدولة ولا بد من ثورة من رجال الأمن على كل من يحمل الفكر التكفيري وسوقه لساحات المحاكم، فهؤلاء أشد فتكا بالأمة الإسلامية، وعلى كل من يدين بالله ورسوله أن يتحرك بكل ما يملك من جهد للوقوف في وجه هؤلاء وإبعاد البلاد عن محاولة البعض الاستهزاء بدين الله.
ومن جانبه قال المحامي خالد العبد الجليل: لقد قامت مجموعة من المحامين أمثال محمد منور وعبد الله الدمخي ونواف الياسين وغيرهم بالمشاركة في الدفاع عن النبي وأصحابه ويجب تقديم عدد من أعضاء مجلس إدارات الجمعيات التي سمحت ببيع هذه المجلات إلى المحاكمة.
وأكد العبد الجليل إن مجموعة المحامين قدمت شكوى للنائب العام تحت عنوان: "إنهم يقعون في عرض محمد عليه الصلاة والسلام وينالون من شرف أصحابه".(25/66)
واستعرضت الدعوى المقدمة إلى النائب العام بعنوان "إنهم يقعون في عرض محمد عليه الصلاة والسلام وينالون من شرف أصحابه".
استعرضت نماذج من التعدي الوارد وفي تقويم الكساء على كل من الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه ومعاوية بن أبي سفيان وكذلك الخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه والخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
والإساءة إلى زوجتي الرسول ابنتي الخليفتين أبي بكر وعمر رضي الله عنهم والتعدي على أبو هريرة وأنس بن مالك.
فتنة (الخدام) تشعل نار الفتنة الطائفية
داود العسعوسي الوطن الكويتية 15 يوليو 2005
ستبقى عقيدتنا في حب آل النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام راسخة في قلوبنا رسوخ الجبال الرواسي ما بقيت الدنيا سواء رضي "الخدام" أم لم يرضوا،فحب آل النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان، فالواجب شرعاً محبتهم والترضي عنهم وتحريم سبهم والذب عن أعراضهم وتعزير من يتعرض لهم بالطعن والتجريح، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (من سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) رواه الطبراني، وقال أيضاً ( الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضا بعدي، فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله يوشك أن يأخذه) رواه أحمد والترمذي.
ومع ذلك كله يقوم بعض (الأصاغر) بمحاربة تلك العقيدة الناصعة الصافية، وخير شاهد الرد الذي نشرته، "الوطن" قبل أيام من هيئة (الخدام) بعد أن شن عليهم الناس الغارة واستنكروا إصدارهم لتقويم (الكساء) الذي ملئ حقدا وكراهية وسباً وتجريحاً لصحابة النبي صلى الله عليه وسلم حيث زعموا أنه رد توضيحي وهو في الحقيقة بيان (تكفيري إرهابي 100%)!(25/67)
نعم إن بيان (الخدام) هذا ما هو إلى (فتنة) تريد أن تطل علينا من جديد، فها هم اليوم قد كشروا عن أنيابهم وأفصحوا في ردهم وتقويمهم عن معتقداتهم الفاسدة.. لقد قالوا: (طرحنا إمامي شجاع يدعو للبراءة من الأعداء عليهم اللعنة والعذاب) وقالوا: (المقصود بقسم يا زهراء سنثأر أن حفيدها المهدي سيقتص ممن قتلها بعد إعادتهم للحياة.. ويسألون الله أن يرزقهم المشاركة في ذلك) إنها عقيدة (التكفير) التي تستهدف الرجال العظام الذين بذلوا الأنفس والأموال لنصرة الدين ومجاهدة أعداء رب العالمين، الذين لولاهم ـ بعد الله ـ ما وصل إلينا من الدين أصل ولا فرع ولا علمنا من الفرائض والسنة والأخبار شيئاً، فالطعن فيهم طعن في الرسول الكريم الذي بشرهم بالجنة، وطعن في الرب جل وعلا حيث اصطفاهم لصحبة نبيه ونصرة دينه وائتمنهم على وحيه ونقل سنة نبيه، فالأمر لا يقف عند سبهم وتجريحهم بل هو محاولة لهدم الدين وإبطال لأحكام الشريعة وأصولها وهدم لقواعدها بالكلية. قالت الصديقة عائشة رضي الله عنها لابن أختها عروة (يا ابن أختي، أمروا أن يستغفروا لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسبوهم). رواه مسلم. وقال الإمام مالك (إن هؤلاء أقوام أرادوا القدح في النبي صلى الله عليه وسلم فلم يمكنهم ذلك فقدحوا في أصحابه حتى يقال: (رجل سوء لو كان رجلاً صالحاً لكان أصحابه صالحين).(25/68)
كما نلحظ في ثنايا رد (الخدام) تحدياً واضحاً وصريحاً لسياسة حكومة الكويت الرشيدة وانتهاكاً صارخاً لسيادتها وخرقاً لقوانينها وطعنا في قضائها النزيه بصورة لا يمكن السكوت عليها، ففي الوقت الذي يصدر فيه القضاء الكويتي حكماً بسجن مؤسسها المدعو (ياسر حبيب) لتهجمه على شيخي الإسلام أبي بكر وعمر وتكفيرهما وتكفير أتباعهما، نجدهم (يحتفون) بيوم خروجه من السجن ونيله الكرامة ـ التي زعموا ـ ويدعون له بدوام المجد والرفعة، ثم يتهمون ـ بكل سخافة ووقاحة ـ الحكومة الكويتية بالإرهاب وتقييد الحريات! ألم أقل لكم سابقاً إن (الخدام) بحاجة إلى ضربة تعزيرية موجعة من ولاة الأمر تذهب عنهم ما في رؤوسهم.
أحمدي نجاد
قارئ العزاء الذي أصبح رئيساً لجمهورية إيران
حسن صبرا مجلة الشراع ـ العدد 1193 4/7/2005
اختار فقراء إيران وصعاليكها (أي المهمشون في المجتمع لمن قد لا يفهم معنى كلمة صعلوك) رجلاً على شاكلتهم بالغ في تصوير أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية في الشكل وفي المضمون حتى تماهى في أحوالهم الحقيقية فأعطوه أصواتهم بنسبة 61.69% في انتخابات الرئاسة، وكشفوا في الوقت نفسه عن فشل كبير للنظام الذي انتمى له رمز الفقر والصعلكة أحمدي نجاد بعد 27 سنة من قيام الثورة باسمهم.
وأسقط فقراء إيران وصعاليكها (هل نحن بحاجة لشرح معنى "الصعلكة" مرة أخرى؟) رجلاً لم يحبهم يوماً بل وجنى ثرواته وأبناؤه وعائلته على حسابهم ليس من مزارع الفستق كما يدعي ويتباكى بل من تجارة النفط الإيراني أو العراقي وتهريبه، سواء عبر بواخر غير شرعية في الخليج العربي أو بناقلات النفط البرية الضخمة بين إيران والعراق وتركيا شركاء لأولاد الرئيس العراقي الأسير صدام حسين مسبباً ضرراً حقيقياً للمورد الأهم لفقراء إيران وهو النفط، وثروة أضخم لهذا الرجل علي أكبر هاشمي رفسنجاني وعائلته.(25/69)
هكذا انقسمت إيران شعبياً بين فقراء هم غالبية الشعب الإيراني الكاسحة، وعاطلين عن العمل (السلطة تعترف بأنهم يشكلون 14% من القوى العاملة، والمعارضة تتحدث عن 25% أي ربع اليد العاملة) وبين أغنياء وما فوق متوسطي الحال من تجار طهران والمدن الرئيسية ومن أصحاب المصالح الكبرى، وشركات، مؤسسات، توكيلات، أصحاب أراضٍ شاسعة، كبار موظفين كنزوا ثروات طائلة من كمّ الفساد المستشري في البلاد بينهم رجال دين.
هكذا أصبح الفرز الإيراني الشعبي واضحاً في الحاجات التي يريدها الإيرانيون:
ـ الفقراء قالوا:لا نريد حريات ولا انفتاحاً ولا تحرراً،نريد أن نأكل،نريد إشباع المعدة.
ـ متوسطو الحال أو المثقفون قالوا: لم نحصل على الحريات، وكان الانفتاح أعرج والتحرر كسيحاً. نريد أن نتنفس، نريد إشباع الرأس.
ـ أما الأثرياء وكبار موظفي الدولة والرأسماليون والإقطاع فقالوا نريد الانفتاح الاقتصادي والاستثمارات الأجنبية والعلاقات مع المؤسسات الدولية ومعظمهم غربيو السياسة والميول، نريد إشباع خزائن ثوراتنا ومؤسساتنا.
انقسم المجتمع الإيراني وانتصر فيه الفقراء فهل حلت مشاكل إيران.
وقبل ذلك هل يكفي أن يذهب الفقراء بكثافة إلى أقلام الاقتراع ليختاروا واحداً منهم كي يصبح رئيساً للجمهورية؟ ومتى كان رئيس الجمهورية في إيران حاكماً بأمره، أو يملك المفتاح السحري لحل مشاكل المجتمع الإيراني؟
ومن قال أن احمدي نجاد قادر على إشباع معدة هؤلاء لمجرد أن لبس ملابس عمال بلدية طهران التي كان عمدتها.. ليس بكفاءته الشخصية التي اختبرت ونجحت في العمل البلدي وهو بالكاد يضع رجله على أبواب العمل السياسي؟ بل بما يملكه رئيس الجمهورية من صلاحيات لا تتعدى أن تعطيه قدرة مدير مكتب عند المرشد الأعلى علي خامنئي!(25/70)
لقد فشل اثنان من عتاولة النظام الذي أرساه الإمام الخميني في طهران بعد نجاح ثورته يوم 10/2/1979 في حل مشاكل المجتمع الإيراني وهما تلميذه المباشر السياسي المحنك علي أكبر هاشمي رفسنجاني، وأحد أبرز مثقفي ثورته وأبرز وزير للثقافة في تاريخ الجمهورية الإسلامية السيد محمد خاتمي وقد حكما 16 عاماً، 8 سنوات لكل منهما، أما السنوات الباقية من عمر الثورة فمر عليها في رئاسة الجمهورية مفكر اقتصادي إسلامي هو أبو الحسن بني صدر، وأحد أبرز المثقفين الإسلاميين المحافظين د. محمد رجائي، وأحد التلامذة الذي لم يتابع دراساته الدينية وهو علي خامنئي نفسه.
فشل هؤلاء جميعاً في حل مشاكل إيران الاقتصادية والاجتماعية وزاد الفقراء فقراً والأغنياء غنى واشتكى متوسطو الحال البطالة وانعدام الحريات والعزلة في المجتمع.. وتحمل كل رؤساء إيران مسؤولية كل الفشل راحلين عدا واحد فقط كان ثابتاً متنقلاً من رئاسة الجمهورية إلى موقع المرشد الأعلى يمر به الرؤساء: وجوههم كلمى حزينة، ووجهه عابس وثغره يابس.. إنه السيد علي خامنئي.
وإذا صح أن السيد علي خامنئي الذي ملّ وضجر من تربيح الشيخ علي أكبر هاشمي رفسنجاني الجميل له وتمنينه بأنه أي رفسنجاني هو صاحب الفضل الوحيد في إيصاله إلى مرتبة ولي الفقيه أي المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية بعد رحيل مؤسسها آية الله الخميني، فعمل كل جهده لإسقاطه ذليلاً مهاناً في انتخابات أدارها مكتب خامنئي نفسه، وأنه جاء بأحد مريديه الشاب النحيف احمدي نجاد وهو من أصحاب الأصوات العذبة الذين كانوا يقرأون له الأناشيد الدينية والسيرة الحسينية كقارئ عزاء، ويقدم الشاي للضيوف في ندوة الخميس التي كان خامنئي يرعاها بحضور مثقفين وأدباء وشعراء ورجال دين قبل أن يؤمهم في صلاة العشاء ودعاء كميل المنسوب إلى الإمام علي بن أبي طالب.(25/71)
إذا كان هذا صحيحاً فإن خامنئي حسم الأمور في إيران كلها لمصلحته، فبعد 8 سنوات من حكم محمد خاتمي الذي استقطب كل قوى المعارضة الإصلاحية من داخل النظام ومن خارجه مضيعاً نحو عقد من الزمان على تطور إيران شعباً ومجتمعاً واقتصاداً مسبباً إحباطاً ونكسة لتطلعات الشباب الإيراني نحو الحرية والتخلص من هيمنة رجال الدين وتسلطهم الذين سيطروا على كل نواحي الحياة في إيران مانعين أي فرصة للتقدم وحرية الرأي والفكر، مع أوسع عمليات اغتيال عرفتها إيران في تاريخها القديم والوسيط والحديث ضد المفكرين والصحافيين وأساتذة الجامعات والكتّاب والمستنيرين في المجتمع.. بما يجعل كل ممارسات نظام شاه إيران و"سافاكه" لعب أطفال قياساً بمجازر ارتكبها سافاك "الإسلام" خاصة رجال الدين ضد الحياة في إيران كلها، وقبلها بثماني سنوات من حكم علي أكبر هاشمي رفسنجاني حاول خلالها الرجل إبقاء خامنئي في الظل أو فوق دون تأثير، انصرف خلالها إلى بناء بيروقراطية الدولة الإيرانية وإفساح المجال أمام الاستثمارات التي يفيد منها كل من كان محسوباً بالمصلحة والفكر على رفسنجاني وأولاده وعائلته.
بعد 16 سنة من غياب الإمام الخميني الذي كان كل هؤلاء أدوات صغيرة زرعها الإمام المؤسس في ترسانة البناء الثوري مسامير أو براغي أو دواليب عجلات أو إطارات سيارات.. تمكن أحدهم وهو خامنئي من الانفراد بالسلطة وحيداً، فلا استجابة للإصلاحيين الذين يريدون التحرر وقد تلطوا خلف خاتمي، ولا خضوعاً لتربيح جميل من رفسنجاني الذي أراد إمساك مفاصل الإدارة والاقتصاد بين يديه.(25/72)
وحده أحمدي نجاد سيكون خاتماً في إصبع خامنئي ليبدأ حكمه المباشر به ليس فقط من موقع المرشد الأعلى بل من موقع السلطة التنفيذية المباشرة يضاف إليها سيطرة كاملة على مجلس الشورى (مجلس النواب) ثم مجلس خبراء الدستور والسلطة القضائية والحرس الثوري وقيادة القوات المسلحة كاملة ليبقي لرفسنجاني رئاسة مجمع تشخيص مصلحة النظام ولن يكون لهذا المجمع ولا لرئيسه رفسنجاني إذا ظل في منصبه بعد هزيمته الكبيرة دور في وسط هذا الطغيان الكامل لخامنئي على كل مؤسسات البلد.
ماذا يعني هذا خارجياً؟
ليس بالمصادفة أن يكون أول تصريح يدلي به رئيس إيران المنتخب أحمدي نجاد بعد فوزه إن بلاده ليست بحاجة إلى أي علاقة مع الولايات المتحدة الأميركية، بعد أن كان ضمن برنامج منافسه علي أكبر هاشمي رفسنجاني شعار تصحيح العلاقات مع الولايات المتحدة نفسها، هذان التصريحان المتناقضان كشفا التوجه الذي هُزم في إيران في هذه المرحلة والتوجه الذي سينتصر منذ الآن.
والتوجه الذي انتصر هو توجه خامنئي نفسه التزاماً بنهج الإمام الخميني والتزاماً بنهج تصدير الثورة بما يعنيه دعم القوى المقاتلة ضد إسرائيل والولايات المتحدة تحديداً في الخارج .
يقول أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله: إن التزام خامنئي بالقضية الفلسطينية ومحاربة إسرائيل يأتي في المرتبة الأعلى من أولوياته، كما إن التزامه يجعله الأول في إيران في هذا التوجه وأي واحد يأتي بعده سيكون رقمه المئة إذ لا يوجد ثان أو ثالث أو رابع حتى المئة.. في مثل التزام خامنئي.(25/73)
وهذا الالتزام الذي كان يواجه ـ كما يعتقد البعض ـ داخل إيران بتعقيدات تعدد مراكز القوى وتأثيراتها وحاجة المجتمع الإيراني كي ينصرف حكامه لحل مشاكله الاقتصادية والاجتماعية وتوفير حرية الرأي والفكر وحمايتها، وفك العزلة الدولية عن بلادهم، أصبح الآن متحرراً من أي قيد، فلا رئيس جمهورية فاتحاً على حسابه خارجياً، ولا مجلس شورى يرفض توجيهات المرشد الأعلى، ولا حكومة تنفذ تعليمات رئيس الجمهورية سواء كان رفسنجاني أو خاتمي.
الآن أصبح خامنئي هو الحاكم الأعلى لإيران ليس فقط بموجب الدستور ونظام ولاية الفقيه والمؤسسات العسكرية والحرس الثوري والقضاء ومجلس صيانة الدستور ومجمع تشخيص مصلحة النظام، بل والأهم هو رئاسة الجمهورية.
والفرق هنا أن كل المؤسسات السابقة يتم تعيين أعضائها إلا مجلس الشورى المعقود اللواء في انتخابات 2004 للمحافظين وها هي رئاسة الجمهورية يجيء إليها أحد حواريي خامنئي وقد دربه في بلدية طهران عاملاً على إنجاحه فيها بما وفّر له من إمكانات مادية وتسهيلات إدارية كانت تملأ طريق من جاء قبله الإصلاحي غلام كرباتشي حتى ادخله السجن ولم يستطع خاتمي إخراجه منه، ثم شكل له غرفة عمليات برئاسة ابنه السيد مجتبى عملت لإنجاحه بإغراق سمعة منافسه رفسنجاني وعائلته بالحديث عن الصفقات وكنز المال واستغلال النفوذ.
الآن أصبح خامنئي هو الأول والأخير في إيران شعبياً ومؤسساتياً، يتصرف بسلوك صفة نائب الإمام المعصوم ويمسك بين يديه كل مؤسسات إيران وعلى قدر ما يسجل هذا الوضع من قيمة وقدرة ونجاح لخامنئي فإنه سيعني بسهولة توجيه كل تهمة أو حقيقة بفشل له كما يجعله في مواجهة الشعب الإيراني الذي أعطاه ثقة بقبوله مرشحه للرئاسة، وسيجعله في مواجهة المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة.. وليس له عذر أو طريق إلا النجاح.. فهل هو قادر عليه؟!(25/74)
لقد كان أول تعليق لأطراف معارضة إيرانية في الخارج أن مجيء أحمدي هو بداية النهاية للنظام الإيراني، ولا يقابل هذا التعليق اطلاقية إلا اطلاقية كلام خامنئي نفسه بعد نجاح نجاد حين قال: إنها صفعة للولايات المتحدة الأميركية ومثلما لم يكن نجاح رفسنجاني سيشكل نجاة للنظام الإيراني إذا لم يعدل مساره الداخلي والخارجي، فإن نجاح أحمدي لا يمكن أن يكون صفعة للولايات المتحدة لأن من المعيب أن يعتبر فشل رفسنجاني فشلاً لأميركا.. ومتى كان رفسنجاني رجل أميركا في إيران.. وهو في الأصل رجل إنقاذ إيران من مواجهة مع الولايات المتحدة.
وهذه الإطلاقية تشبه إطلاقية حزب الله حين اعتبر التصويت للائحته الانتخابية سواء الاختيارية أو البلدية أو النيابية استفتاء على المقاومة جاعلاً 80% من الذين اقترعوا لمجموعات أخرى غير حزبه ضد المقاومة خاصة في جبل عامل.
الآن يسهل على الولايات المتحدة تصعيد حملتها على إيران وتجييش العالم كله ضدها، إذا صعدت إيران من نهجها الداعي ليس إلى تصدير الثورة فحسب، بل إلى تجاهل الوجود الأميركي الذي بشّر نجاد شعبه بأنه لا يحتاج إلى العلاقة معها، وهي أي أميركا تحتاج إلى ما يتيح لها معاقبة إيران على استمرارها في مشروعها لإنتاج القنبلة النووية، بما تعتبره واشنطن تهديداً لأمنها وخاصة أمن الكيان الصهيوني.
لعل خامنئي يستطيع القول لأميركا الآن إذا أردت تفاهماً مع إيران فليتم هذا معي مباشرة لا عن طريق رفسنجاني ولا عن طريق خاتمي ولا عن طريق خرازي، فأنا الثورة.. أنا إيران، أنا المرشد، أنا الدولة والباقي كلهم موظفون.. ألم أجعل من قارئ عزاء يضيف الشاي في مجلسي، ويقرأ لي الأناشيد الدينية ويطلق رصاصة الرحمة على معارضي النظام الذين يتم إعدامهم رمياً بالرصاص.. أحمدي نجاد رئيساً للجمهورية؟
العلاقات الإيرانية ـ الخليجية: 25 عاما من التقلبات
المنامة: سلمان الدوسري الشرق الأوسط 18/7/2005(25/75)
بعد أقل من أسبوع على انتهاء الانتخابات الايرانية، وفوز احمد نجادي رئيسا، وقبل تسلمه سدة الرئاسة (رسميا) في بلاده، فاجأت الخارجية الايرانية الدول العربية، وعلى الأخص نظيراتها في دول الخليج العربي، بتحذير شديد اللهجة طرح الكثير من التساؤلات حول مغزى وهدف التحذير في هذا الوقت بالذات، الذي يبحث فيه الخليجيون على إشارات تدل على رغبة في تحسين العلاقات. هذا الموقف الايراني المفاجئ، أعاد إلى الذاكرة منحنى العلاقات الخليجية الايرانية عبر أكثر من خمسة وعشرين عاما، كان التقلب فيها هو سيد الموقف.
وبالرغم من أن ايران ترتبط بعلاقات اقتصادية قوية، إلا أن العلاقات السياسية ليست كذلك. وإذا كانت العلاقات الدولية تعتمد على الاقتصاد كعنصر أساسي لقياس مدى قوة العلاقات، فإن الحالة الخليجية ـ الايرانية، تنفرد بأنها مختلفة تماما عن هذه القاعدة. ولعل المتابع للعلاقات الخليجية الايرانية يستطيع أن يلاحظ بسهولة قدر التناقض بين العلاقات الاقتصادية وقوتها وبين العلاقات السياسية وتقلباتها، فالتعاون الاقتصادي على أشده بين الطرفين. فالسعي للمحافظة على سوق النفط الدولي كان باديا، والرحلات الجوية لا تتوقف اطلاقا، والبضائع الايرانية تكاد تغلب على البضائع الخليجية في بعض الدول مثل الامارات العربية المتحدة والبحرين، إلا أن الجانب السياسي كان الغالب الأكبر على العلاقات الخليجية ـ الايرانية، وتأثرت العلاقات بين المواطنين في الخليج عامة بهذا التجاذب السياسي الخليجي الايراني.(25/76)
لكن ما مناسبة هذا التحذير القوي؟.. القصة بدأت بكاريكاتير نشر في صحيفة محلية بحرينية، اعتبرته الخارجية الايرانية (مساسا) بمرشد الثورة الايرانية آية الله علي خامنئي، طلبت على أثرها السفارة الإيرانية في المنامة من صحيفة «الايام» تقديم اعتذار رسمي عن الرسم الكاريكاتيري. وذكرت السفارة في بيان لها، أنها تتابع القضية عبر القنوات الدبلوماسية، مؤكدة في بيانها ان ما نشر يعتبر «خرقا للمبادئ الأخلاقية والدينية التي يتحتم على الصحافة الالتزام بها»، واعتبرت ما نشر «إهانة لمكانة قائد الجمهورية الإسلامية الإيرانية آية الله السيد علي الخامنئي».
وبالرغم من أن الخارجية البحرينية، وعلى لسان الدكتور عبد الغفار عبد الله، وزير الدولة للشؤون الخارجية، حاولت تطويق الأزمة منذ بدايتها، والتقى الوزير البحريني مع السفير الايراني في المنامة، مؤكدا على العلاقات الوثيقة بين البلدين، وأنها تشهد تطورا مستمرا، مضيفا بأن «البحرين وايران قطعتا شوطا طويلا في تنمية العلاقات الثنائية على مختلف الأصعدة»، في الوقت الذي أكد السفير الايراني على أن العلاقات البحرينية ـ الإيرانية هي «أقوى بكثير من أن تتأثر بأية أمور عابرة».
وفي ما اعتبر الجميع أن الأزمة في طريقها للتسوية عبر القنوات الدبلوماسية، فاجأت الدبلوماسية الايرانية بتصريح هددت فيه دول المنطقة التي قد تقدم على التقليل من احترام النظام الايراني. وضمن المتحدث باسم الخارجية الايرانية، محمد رضا آصفي، تصريحاته تحذيرا الى «دول المنطقة» (يعني الدول الخليجية)، قائلا إن على هذه الدول أن «تعرف أنها ستكون الخاسرة»، إذا قللت من احترام أقطاب النظام الإيراني ورجال الدين فيه. وقال آصفي: «إن قدراتنا تفوق بأشواط قدراتهم (..) وعليهم ان يكونوا أكثر حذرا».(25/77)
ويمكن القول إن «العقيدة» في الآيديولوجية الايرانية بعد الثورة، لعبت دور الركيزة الأساسية لرؤية إيران «الثورية» للعالم الخارجي، خاصة في العقد الأول من عمرها. ولعل مقولة الخميني تعتبر أصدق تعبير عن ذلك، عندما أعلن قائلا: «إننا نواجه الدنيا مواجهة عقائدية». وهذا ما يفسر اقدام الثورة على لغة خطابية جديدة ومتفردة للتعبير تجاه الخارج. ويرى المراقبون أن المنظور الإيراني ـ في تلك الفترة ـ الذي اعتبر مفهومي الاستقلالية والحكم الإسلامي المحورين الآيديولوجيين الرئيسيين، هما في الواقع المدخلان الآيديولوجيان اللذان أثرا بشكل أو بآخر على تطور العلاقات الخليجية ـ الإيرانية، فحينما زاد التمسك بهما زادت درجة التوتر في هذه العلاقات، وهو ما ساد في الثمانينات، خاصة في ظل الحرب العراقية ـ الإيرانية، وموقف العرب المساند للعراق أمام ما عرف بالتهديد الإيراني للمنطقة، وارتبطت هذه الفترة بمبدأ «تصدير الثورة»، الذي تعاني دول الخليج من حساسية مفرطة تجاهه لوجود أقليات شيعية كبيرة فيها خاصة البحرين ثم السعودية والكويت.
وبالرغم من تذبذب العلاقات الايرانية ـ الخليجية، بسبب قضيتي الجزر الاماراتية واضطرابات البحرين، استمرت كل من قطر وعمان في علاقة قوية مع إيران، خاصة أن مضيق هرمز فرض بعضا من خصوصية التعاون العسكري والأمني بين إيران وعمان على وجه التحديد، وانضمت لهما بعد ذلك الكويت بدرجة أقل، مع استمرار العلاقات متدهورة مع كل من الإمارات وبدرجة أقل البحرين، ثم جاء الانفتاح الكبير مع السعودية، والزيارتان المتبادلتان التي قام بها الأمير عبد الله بن عبد العزيز، ولي العهد السعودي، إلى طهران، والرئيس رافسنجاني إلى الرياض، فكانت نقلة كبرى في توجه العلاقات الخليجية ـ الايرانية نحو بداية مرحلة جديدة.(25/78)
ويمكن القول إن تولي رفسنجانى للحكم في بلاده قاد ايران إلى الاعتدال السياسي، وكان بمثابة عامل تخفيف لقيود البيئة الخارجية، حيث أحدث تحولا تدريجيا في مجالات مثل تصدير الثورة، ومع انتهاء الحرب العراقية ـ الايرانية، كان الغزو العراقي للكويت فرصة للجانبين لاظهار تقارب ضد العدو الجديد، وهو النظام العراقي السابق، فأظهر الجانبان بعض الاشارات التي ساهمت في تحسين نسبي للعلاقات بينهما، وشهدت فترة التسعينات تطبيع العلاقات بين ايران والعديد من الدول العربية، وتحديداً الدول الخليجية. وبدا أن هناك قناعة ايرانية ـ خليجية مشتركة بضرورة الاستمرار في تطبيع العلاقات الثنائية.
وكان لافتا انقطاع الشكوى الخليجية الدائمة من وجود تدخلات ايرانية في الشؤون الخليجية الداخلية، كما كانت الحال في النصف الاول من التسعينات، وما قبله، حتى التقارب الخليجي ـ الأمريكي، اصبح الايرانيون يتعاطون معه وفق عملية تطبيع سياسي اقتصادي اعلامي. وكل ذلك اسهم في التخفيف من حالات الاحتقان بين الجانبين، وتعزيز العلاقات الدبلوماسية بتبادل السفراء وتبادل الزيارات الرسمية على أعلى المستويات، وفرض خطاب الرئيس خاتمي الاصلاحي، تغييرا حقيقيا للسياسة الخارجية الإيرانية حيال الدول الخليجية.
وهنا يؤكد لـ «الشرق الأوسط»، سفير عربي مقيم بالمنامة، تحفظ على ذكر هويته، أنه من غير مصلحة الجانبين (الخليجي والايراني)، أن تكون علاقتهما مبنية على هاجس الحذر والترقب. معتبرا أن المصير المشترك الذي يجمع بين دول الخليج قاطبة، أكبر من أي تصعيد قد يلقي بظلاله سلبيا على الطرفين. ويقول السفير العربي إن العلاقات الخليجية ـ الايرانية، مرت بفترة توجس وحذر بعد الثورة الايرانية وتولي الزعيم آية الله الخميني الحكم في بلاده بعد ثورة شعبية أزاحت الحكم الامبراطوري للشاه السابق. وكان الحذر متبادلا، باعتبار أن الثورة الايرانية كانت مبنية على تصدير الثورة.(25/79)
في الوقت الذي توجست فيه دول الخليج من هذه الاستراتيجية الايرانية، «ومما زاد من تردي العلاقات بين الطرفين، الحرب العراقية ـ الايرانية، وإظهارها كأنها بين العرب والمجوس الفرس، قبل أن يتولى الرئيس خاتمي الحكم، باعتباره قيادة واعية معتدلة، ويميل إلى تهدئة دول الخليج من هواجسها حول المخاوف الأمنية من الجانب الايراني، وهو ما أدى إلى تحسن كبير في العلاقات السياسية والاقتصادية بين الجانبين»، انتهى كلام السفير العربي.
ومع أن دول الخليج رحبت على أعلى مستوياتها بنتائج الانتخابات الايرانية الأخيرة، وفوز الرئيس نجادي بها، إلا أن الخارجية الايرانية لم «تمهل» الدول الخليجية فرصة للترحيب بالسياسة الايرانية الجديدة، فهل يكون تولي الرئيس الجديد، الذي يمثل التيار المحافظ، عودة للمربع رقم واحد في العلاقات بين الجانبين؟ أم تكون هذه التصريحات مجرد ردة فعل غاضبة تجاه فعل وتنتهي بانتهائه؟، وهل بالفعل التصريحات الايرانية الغاضبة مردها ذلك الكاريكاتير الذي تملأ الصحافة الغربية يوميا بأشد منه؟.. يجيب السفير العربي بالقول: «مهما كانت شدة التيار المحافظ في ايران، فاللغة القديمة تغيرت، ولغة المصالح أصبحت أكثر أهمية وجدوى للبقاء. ومهما اختلفت التوجهات، فليس أمام ايران ولا دول الخليج سوى تعزيز التعاون بينهما وإزالة أي ترسبات للماضي، والاستمرار في علاقات إيجابية ستكون هي الطريق الوحيد نحو بقاء الخليج متصالحا عبر ضفتيه العربية والفارسية».
إمبراطوريتان
خالد أبو ظهر الوطن العربي 8/7/2005(25/80)
صرح الرئيس بوش بأنه لن يترك العراق للزرقاوي والمنطقة لابن لادن. ولكن الحقيقة الواضحة هي أنه لا يريد أن يتركها لإيران.ونلاحظ اليوم أن المواجهة بين أميركا وإيران، تشبه بوضوح المواجهة بين الروم والفرس. فالولايات المتحدة تسيطر على العالم اليوم كما سيطرت عليه الإمبراطورية الرومانية عسكريا في الماضي، وتعيش واشنطن اليوم في رفاهية وازدهار، كما عاشت روما في الماضي، وحلت البرامج التلفزيونية الأميركية بالنسبة للعالم مكان ألعاب الكوليزيوم، والـ …G.I مكان الفيلقي الروماني.
وبنفس الطريقة، كما توجد اليوم بؤر مقاومة للسيطرة الأميركية، كانت توجد بؤر مقاومة للإمبراطورية الرومانية التي خاضت حروبا طويلة، ورغم هذه البؤر كانت الخطط الرومانية تنفذ، مثلما تنفذ اليوم أميركا خططها، وتستكملها رغم الصعوبات والضحايا من الجنود الأميركيين في العراق. ومن ناحية ثانية، إيران مستعدة لمواجهة هذا المشروع كما كانت إمبراطورية الفرس تواجه المشروع الروماني.
وسيصعد انتخاب محمود أحمدي نجاد الاتجاهات الإيرانية لتصدير الثورة، وكأن إيران تجهز نفسها لمعركة الحسم مع أميركا، فسياسة طهران المزدوجة بين رئيس متفاهم مع الغرب ومرشد متشدد قد انتهت، وأصبح المعسكر الإيراني واحداً وجاهزا للمواجهة. كما يبدو العراق رمزاً للصراع الأميركي ـ الإيراني الذي يترجم في الأحزاب والتشكيلات السياسية والمواقع الأمنية والعسكرية في البلد. وقد عرفت إيران كيف تستخدم القوة العسكرية لأميركا في العراق، ضد واشنطن. وأصبح الأميركيون يساندون ويحمون حكومة في بغداد تتجه إلى تحالف استراتيجي مع عدو بلادهم. ولذلك نفهم في الوقت الراهن إرادة رئيس وزراء العراق إبراهيم الجعفري لتحسين العلاقات مع سورية وإيران، ووضع خطط لتعاون اقتصادي، منه مد خط أنابيب نفط من إيران إلى سورية عبر الأراضي العراقية.(25/81)
والواضح جداً أن الإيرانيين حتى الآن يجيدون الإبحار في المنطقة أكثر من غيرهم، وعرفوا كيف يوظفون التكامل في بنية العراق لصالح رجالهم،فلم يقفوا "إرهابياً" ضد الاحتلال الأميركي، وفي الوقت نفسه دعموا من الباطن الجهاد السني، وساندوا علناً حزب الله في لبنان ضد إسرائيل، ومارسوا كذلك اللعبة النووية مع أميركا، على أمل الوصول إلى سلاح نووي يغير التوازن لصالحهم، ومصدر قوة موقف الإيرانيين أنهم يساندون قضايا شريفة، ضد الاحتلال الإسرائيلي والأميركي،ومن غير أن يتورطوا مباشرة، ولكنهم يوجهون ضربات قوية للأميركيين.
ورغم كل هذا، ورغم انضمام سورية إلى الصف الإيراني فإن موقف طهران غير إيجابي بالنسبة للدول العربية ويتمثل بالتدخل في شؤونها الداخلية ومحاولة زعزعة الأوضاع فيها. ومشروع طهران ضيق جدا، ويخص الفرس والشيعة، وغير قادر على أن يجتذب إليه الأكثرية العربية، السنية والمسيحية، حتى لو كان مشروعهم يتمتع بغطاء شريف وهو إزالة الاحتلال ومحاربة المشروع الأميركي. ومن ناحية ثانية، من الصعب أن نقف مع أميركا من كل قلبنا، لأنها تساند الاحتلال الإسرائيلي، وهي أيضاً تحتل أرضاً عربية، وتريد تبديل الهوية العربية الإسلامية بهوية عالمية أميركية، فأصبحنا بين التيارين نحاول إرضاء اليمين واليسار معاً، ولكننا نخسر كل يوم، تماما كما كان الغساسنة والمناذرة موزعين بين روم وفرس.
إنه وضع متشائم وينذر بالخطر، ومع ذلك مازلنا نأمل في أن نعثر على خط ثالث نسير عليه معاً، يبدأ بوحدة الصفوف ويشمل الحرية والديمقراطية اللتين تعطيان قوة للمجتمع، والتي تدعي أميركا أنها تمثلهما، وفي نفس الوقت نقف ضد الاحتلال للأراضي العربية. ونحتاج إلى رؤية تتطلع إلى ما يجمعنا لا ما يقسمنا، ورؤية تتطلع إلى مصلحة المنطقة وأبنائها وأجيالها مهما كانت هويتهم، سواء كانوا مسلمين "شيعة أو سنة" أو مسيحيين أو عربا أو أكرادا أو فرسا.
إيران.. انقلاب الطاولة(25/82)
مجلة المجلة 3/ 7/ 2005
فوز محمود أحمدي نجاد الكاسح برئاسة إيران بعد الانتخابات الأخيرة، ربما قلب الطاولة بالنسبة للمراقب من الخارج، لكن الصورة ربما كانت اكثر من عادية بالنسبة للمواطن في إيران.
على جبهة الإصلاح يسود يأس إلى حد السوداوية، لكنه مبرر بتجربة خاتمي التي يستوي لدى القوى التي ناصرته وراهنت عليه طوال ثمانية أعوام، ما إذ كانت حصيلتها من قبض الريح، ناتجة عن شل قدرته من قبل مؤسسات النظام، أو لضعف في شخصيته ومبادرته. المهم هو أن تلك القوى توصلت إلى قناعة محددة، وهي أنه ليس من أمل يرتجى من وراء هذا النظام.
فإذا كان نجاد من أبناء النظام والمؤسسة فإن رفسنجاني، بلا شك، من آباء النظام، فما الفارق إذاً ما بينهما؟ فئات أخرى من المجتمع الإيراني، ربما رأت في عودة رفسنجاني، هوساً بالسلطة لا يستقيم التسامح معه، فأرادت ضرب عمامة النظام كله، بإسقاطه. تبقى القضية اليوم أن نجاد قد بات رئيساً، ليعيد إيران إلى نفس الدائرة "الملغزة"، منذ انطلاق الثورة فيها قبل أكثر من ربع قرن؟
يقف العالم اليوم أمام رئيس كل المعروف عنه، أنه جاء من مدرسة الحرس الثوري الإيراني (الباسدران)، وأن من أولوياته توخي السياسات القمينة بإنصاف الفقراء في بلاده على الصعيد الداخلي، فيما يتعهد بمواصلة تطوير البرنامج النووي السلمي في مواجهة العالم ويقطع خطوط التراجع عنه بإعلانه عدم الحاجة إلى العلاقة مع أميركا.(25/83)
بيد أن الأمر لا يخلو من التناقض هنا، فإيران النفطية، مع حقها الدولي في تطوير البرامج النووية لأغراض علمية، ليست في وضع مالي يتيح لها من حيث الجدوى الاقتصادية الانخراط في هكذا مشروع، وتحقيق مستهدف إنصاف الفقراء في نفس الحين، إذ أن إيران، رغم الارتفاع الهائل في أسعار النفط، ما زالت تعاني من العجز في الموازنة والشح المالي الشديد. ولا يغيب عن المراقب أن إيران تتمتع بثاني أكبر احتياطي للغاز في العالم، وليست بالتالي في معرض الحاجة إلى تطوير بدائل لتوليد الطاقة نووياً، في وجود الغاز النظيف والرخيص، صديق البيئة.
ما يهم الجوار الإيراني عموماً في شأن الملف النووي، هو ألا يتحول إلى أداة للابتزاز الإقليمي، يتم من خلف امتلاك سلاحه فرض الأمر الواقع على أكثر من صعيد في المنطقة.
لا يحق لأحد الطعن في خيار الشعب الإيراني في شأن الأجدر بقيادة مسيرته، خلال الأعوام المقبلة، لكن دولاً كبيرة تحرص على إيران في العالم، وبالذات في الجوار، تتشارك في الأمل بأن يقوى نجاد، ابن المؤسسة، على إيجاد حلول عملية للعديد من القضايا الملحة المعلقة في إيران، من شاكلة التعامل مع حقوق الأقليات، وإعادة النظر في تأمين الملاذ الآمن لعناصر القاعدة ومن لف لفها، واستطراداً الحد من التدخل السافر في الشأن الداخلي العراقي، وكذلك موضوع الجزر الإماراتية، بما يجعل إيران شريكا في استقرار المنطقة، وليس مصدر تهديد له.
ربما أدى مكر التاريخ إلى نجاح نجاد المتشدد في التحدي الذي فشل فيه خاتمي الإصلاحي.. هذا مجرد أمل.
حرب واشنطن ـ طهران
للسيطرة على المخابرات العراقية
الوطن العربي ـ العدد 1478 ـ 1/7/2005(25/84)
عندما سارعت إيران إلى اتهام الولايات المتحدة بأنها تقف وراء التفجيرات الجديدة التي شهدتها منطقة الأحواز وبلغت قلب طهران مسببة ثمانية قتلى وعشرات الجرحى، اعتقد كثيرون أن المواجهات الأميركية ـ الإيرانية قد انتقلت هذه المرة من العراق إلى داخل الجمهورية الإسلامية وأن انتفاضة عرب الأحواز ليست سوى مقدمة لانتفاضة الأقليات الإيرانية تمهيداً لـ "ربيع طهران" الذي وعد به بوش الشعب الإيراني. لكن سرعان ما تبين للمراقبين المطلعين أن هذه الحسابات والرهانات لم تكن في محلها وأن تاريخ الحرب الموعودة بين واشنطن وطهران في إطار المخطط الأميركي لتغيير الأنظمة في المنطقة ما زال يخضع للتأجيل. وفيما نفت تنظيمات العرب الإيرانيين الساعين إلى تحرير الأحواز مسؤوليتها عن التفجيرات الأخيرة، لم تشهد الأيام التالية ما يثبت أن المخابرات الأميركية قد أعطت أخيراً الضوء الأخضر لعملائها الذين اختارتهم خصيصا من صفوف "مجاهدي خلق" وأكراد إيران وفتحت لهم معسكرات تدريب، لكي ينطلقوا في "عملية تحرير إيران"!
وفيما كانت بعض التقارير تتحدث عن "اتصالات سرية" بين رموز "إيران غيت" الأميركيين المنتشرين في أروقة إدارة بوش وبين ممثلي بطل "إيران غيت" الإيراني هاشمي رفسنجاني في حالة فوزه في انتخابات الرئاسة الإيرانية لإعادة الحوار بين طهران وواشنطن، كانت تقارير أخرى تسلط الأضواء على مواجهة حامية جداً بين الطرفين تجري على الأرض العراقية.(25/85)
وفي معلومات "الوطن العربي" أن آخر التقارير الأميركية أبدت تشاؤما شديداً تجاه مستقبل الوجود الأميركي في العراق، وذلك ليس بسبب المقاومة المتصاعدة يوما بعد يوم بل على خلفية قناعة أميركية بأن "الأميركيين حرروا العراق من حكم صدام حسين لوضعه تحت هيمنة ونفوذ ملالي إيران". ويبدو أن الانتخابات الأخيرة والتركيبة الحكومية والسياسية التي نشأت عنها انتهت إلى تسليم السلطة بمؤسساتها الأكثر حساسية لأكثر الشخصيات والجماعات العراقية ارتباطاً بإيران.
وتؤكد مصادر "الوطن العربي" أن هذه المعادلة الجديدة قادت إلى نوع من الانتفاضة في إدارة وكالة الاستخبارات المركزية التي حذرت الإدارة الأميركية من مخاطر التغلغل الإيراني إلى داخل كبريات المؤسسات العراقية. وفي آخر المعلومات أن إدارة الـ "سي. أي. إيه" اختارت مواجهة حكومة الجعفري في قضية أساسية وحساسة جداً هي مسألة تسليم جهاز المخابرات إلى الحكومة العراقية الجديدة.
ولذلك أصرت الـ "سي. أي. إيه" على إبقاء إشرافها كاملا على عمل المخابرات العراقية تحت سلطة ضباط الوكالة.
والمعروف أن مدير المخابرات العراقية الجنرال محمد الشهواني كان قد عين على رأس هذا الجهاز من قبل حكومة إياد علاوي، وأثبت كفاءة عالية في إعادة تنظيم المخابرات العراقية، وحاز على تأييد ودعم الـ "سي. أي. إيه" التي أشرف ضباطها على إعادة تأهيل هذا الجهاز وعلى توفير الميزانية اللازمة له بالتعاون الكامل مع المدير الجديد.(25/86)
وفي معلومات "الوطن العربي" أن مدير محطة "سي. أي. إيه" في بغداد، التي تعتبر أكبر محطة تملكها الوكالة الأميركية خارج الولايات المتحدة قد أعد كل العدة للاحتفاظ بالسيطرة على المخابرات العراقية منذ ما قبل انتخابات نقل السلطة والسيادة. وفي إطار هذه الاستعدادات قامت الـ "سي. أي. إيه" بنقل كل أرشيف المخابرات العراقية إلى مركز قيادة القوات الأميركية في بغداد وذلك لتفادي تسليمه إلى الإدارة الجديدة للمخابرات العراقية وإلى الحكومة الجديدة.
وتضيف هذه المعلومات أن سببين رئيسين لعبا دوراً في إبعاد ملفات المخابرات العراقية في الحكومة الجديدة. الأول هو خيبة أمل القيادة العسكرية والأمنية الأميركية من تركيبة الحكومة العراقية وبالتالي تخوفها من عجز هذه الحكومة عن العمل بالفعالية المطلوبة لفرض الأمن والاستقرار في العراق والتحرك جديا لتنفيذ استراتيجية ناجحة في مكافحة الإرهاب والتصدي للمقاومة.
وإذا كان هذا السبب من قبيل الحكم المسبق على نوايا الحكومة إلى أن مصادر أميركية أكدت لـ "الوطن العربي" أن السبب الأهم الذي دفع بالإدارة الأميركية إلى رفض الفصل بين الـ "سي. أي. إيه" والمخابرات العراقية يكمن في التقارير السرية المتعددة التي كانت ومازالت تحذر من حجم اختراق الأجهزة السياسية والاستخبارية الإيرانية، للسلطة العراقية الجديدة.
وترسخ قناعة لدى الأميركيين بأن حكام العراق الجدد يرتبطون في معظمهم، وخصوصا ذوي المناصب الرفيعة بينهم، بعلاقات وثيقة جداً بطهران ومثيرة للشبهات. وهي علاقات تنذر بأن تشكل خطراً على مستقبل عمل القوات الأميركية في العراق، وحتى على مستقبل المشروع الأميركي في المنطقة. وبكلام آخر، إن تسليم أرشيف المخابرات العراقية إلى الحكومة الجديدة بمعنى المخاطرة بانتقال كل أسرار العراق إلى إيران.(25/87)
وفي معلومات "الوطن العربي" أن التقارير الأميركية والغربية مازالت حتى الآن تحذر من حجم الاختراق الإيراني للسلطة العراقية بسبب الانتخابات الأخيرة وهو ما تعزز عبر تشكيل الحكومة وعبر تسليم السلطة لشخصيات رفيعة المستوى تعتبر رغم تحالفها وتعاونها مع الأميركيين إيرانية الجذور والارتباطات، من هؤلاء رئيس الحكومة إبراهيم الجعفري، وزعيم المجلس الأعلى عبد العزيز الحكيم وصولا إلى الرئيس جلال الطالباني ونائب رئيس الحكومة أحمد الجلبي.
هذا بدون ذكر العديد من الوزراء القادمين إما من فيلق بدر وإما من حزب الدعوة وإما من المجلس الأعلى وهي تنظيمات سبق أن استقر زعماؤها في إيران لسنوات طويلة، وبعضها نشأت بتمويل ودعم إيرانيين، وما زالت تملك ارتباطات بالسلطة والأجهزة الأمنية الإيرانية.
"اطلاعات" العراقية!
وعلى الرغم من الحملة الشعواء التي شنتها بعض أطراف الحكومة والسلطة الجديدة في العراق ضد استمرار إشراف الـ "سي. أي. أيه" مباشرة على جهاز المخابرات مازالت إدارة الوكالة الأميركية تعتبر أن هذا الأمر يعني نقل المخابرات العراقية من إشراف المخابرات الأميركية إلى السيطرة الإيرانية لتأكدها من أن كل الملفات ستنتهي في وزارة اطلاعات في طهران أو في أدراج مخابرات الحرس الثوري الإيراني.
وكان لافتا أن كثير من انتقد هذا القرار الأميركي هو هادي العامري رئيس فيلق بدر، الذي تحول إلى "منظمة بدر" ولوحظ أن العامري كثف حملته الهجومية بعدما وضع الأميركيون "فيتو" على تسليمه وزارة الداخلية لاعتباره جنرالا سابقا في الجيش الإيراني وتحديداً الحرس الثوري، الذي كان "فيلق بدر" تابعا له وأنشأته طهران لمعارضة نظام صدام حسين عسكريا.(25/88)
ووصل العامري إلى حد اتهام جهاز المخابرات العراقية بأنه لا يعمل للحكومة العراقية بل لحساب الـ "سي. أي. إيه" وأطلق عليه اسم "المخابرات الأميركية في العراق"! لكون ذلك لم يغير شيئا في موقف ضباط الـ "سي. أي. إيه" باستثناء بعض التصريحات الرسمية عن استعداد لتسليم جهاز المخابرات للسلطة العراقية، ولكن عمليا مازالت الإدارة الأميركية وبكل أجهزتها المدنية والعسكرية والأمنية تعبر عن قلقها ورفضها تجاه تسليم ملفات استخبارية حساسة جداً للحكومة العراقية الجديدة.
وفي معلومات "الوطن العربي" أن العديد من الملفات التي جمعتها المخابرات العراقية بالتعاون مع الـ "سي. أي. إيه" تشكل في حد ذاتها أدلة وإثباتات بالأسماء والتفاصيل لحجم الاختراق الإيراني للمخابرات والأجهزة العراقية والأخطر أنها تضم ملفات حساسة جداً "تدين" شخصيات عراقية رفيعة جداً في محاولات اختراق المخابرات العراقية لحساب إيران وتشمل شخصيات من حزبي "الدعوة" و "المجلس الأعلى" أي حزبي الجعفري والحكيم.
وتتحدث مصادر أخرى عن أن الملفات الحساسة التي ترفض الـ "سي. أي. إيه" تسليمها تشمل تفاصيل عن العمليات السرية التي نفذتها الوكالة الأميركية بالتعاون مع المخابرات العراقية. كما تضم لائحة أسماء لعناصر كانت تنتمي لتنظيمات المعارضة لنظام صدام حسين وقامت الـ "سي. أي. إيه" بإغرائها وتجنيدها لحسابها وهي عناصر من الحربين الكرديين الرئيسيين وحزبي الدعوة والمجلس والمؤتمر "الوطني العراقي" بقيادة أحمد الجلبي وحزب الوفاق بقيادة إياد علاوي.(25/89)
وهي عناص استخدمت لإنشاء غرفة عمليات استخبارية قبل وبعد الغزو الأميركي للعراق وجرى فيما بعد توزيعها على مختلف أجهزة المخابرات بين وزارتي الداخلية والدفاع. لكن الوحدة الاستخبارية الأبرز أوكلت إليها مهمة تشكيل جهاز المخابرات الذي تسلم قيادته الجنرال السني محمد عبدالله الشهواني الذي كان قد ارتبط بالـ "سي. أي. إيه" في التسعينيات فيما أوكلت نيابة رئاسة المخابرات للأكراد.
وفي الوقت الذي كان جهازا الاستخبارات التابعان للداخلية والدفاع يعانيان من شح الموارد المالية نظراً لضعف ميزانية الحكومة، كانت "مخابرات" الشهواني تمول مباشرة من الـ "سي. أي. إيه" وهذا ما سمح بتحويلها إلى أكبر جهاز مخابرات في العراق ودعمها بإمكانيات بشرية كبيرة لجأ الشهواني فيها إلى تجنيد نخبة مخابرات صدام حسين خصوصا في الأمن الخاص والحرس الجمهوري.
ولعل هذا العامل ساهم في رفع نسبة السنة في المخابرات بحيث اعتبر الشيعة، أنهم لا يمثلون أكثر من 15% فيها، ولهذا السبب ارتكزت الحكومة الشيعية الجديدة في ممثلها للمطالبة بإطاحة الشهواني "واستعادة المخابرات" على اتهام الأخير بأنه حول هذا الجهاز إلى معقل لقدامى ضباط مخابرات صدام حسين، وبعضهم لعب دوراً في مطاردة تنظيمات المعارضة الشيعية مثل قوات بدر وحزب الدعوة. ووصلت اتهامات جماعة الحكومة الجديدة لمخابرات الشهواني إلى حد وصفها بأنها مخترقة من المقاومة البعثية ويقول إن تقاريرها تصف "الإرهابيين" بـ "المقاومين".
لكن يبدو أن الحملة ضد الشهواني ومخابراته ظلت تصدم بمعارضة السي. أي. إيه التخلي عن "الجنرال"، وخصوصاً رفض الكشف عن آلاف الملفات والتقارير السرية التي من شأن عدم تسليمها إفشال أية محاولة لحكومة الجعفري لبناء جهاز مخابرات فعال خصوصاً في هذه المرحلة التي تتطلب جهوداً جبارة لمواجهة العمليات اليومية التي تنفذها المقاومة البعثية والمجاهدون الإسلاميون.
حرس ثوري عراقي!(25/90)
وفي معلومات "الوطن العربي" أن إيران دخلت بدورها على خط المواجهة بين حكومة الجعفري والسي. أي. إيه. وأن المخابرات الإيرانية وتحديداً مخابرات الحرس الثوري اتخذت بتوصية من المرشد على خامنئي قراراً بالعمل على بناء جهاز مخابرات مواز لمخابرات الشهواني.
وتفيد بعض التقارير أن طهران خصصت خمسين مليون دولا ر لهذا الجهاز ولدعم أجهزة أخرى داخل العراق وقررت توفير كل الخبرات اللازمة لبناء مجموعة استخبارية تضم جماعات متخصصة من فيلق بدر ومن جماعات شيعية أخرى عراقية ترتبط بالمخابرات الإيرانية، هذا مع العلم أن جهاز استخبارات الحرس الثوري العامل داخل العراق من كردستان إلى البصرة مروراً ببغداد حتى الحدود مع سورية والأردن يعتبر حسب بعض التقارير الأمنية جهازاً قائما بذاته ويضم أكثر من عشرة آلاف عنصر موزعين في كل العراق.
وفي آخر المعلومات أن المخابرات الإيرانية قررت الإشراف على تشكيل أكثر من جهاز أمني في العراق أو المساهمة في تطوير أجهزة قائمة ومخترقة منها، وخصوصاً الأجهزة التابعة لوزارة الداخلية التي تعمل بمنافسة مع أجهزة وزارة الدفاع التي يتولاها السني سعدون الدليمي ولهذا اختارت إيران التعاون مع وزير الداخلية بيان جولاغ الذي يعتبر بدوره من قدامى منظمة بدر، وجرى "إقناع" الوزير العراقي بتشكيل قوة أمن عام تتولى جمع المعلومات الاستخبارية، ويبدو واضحا أن مشروع القوة أعد لتكون في مواجهة مخابرات الشهواني ومخابرات وزارة الدفاع ولكي تتولى التصدّي لما تعتبره وزارة الداخلية نفوذ السنة في الجيش والمخابرات، وخصوصاً عناصر النظام السابق التي تعمل بدعم أميركي واضح.
ويقول مكلفون بهذا المشروع إن فكرته وتمويله وتأهيله (ولد بشكل غير مباشر) عائدة لمخابرات الحرس الثوري وإن غالبية عناصره ستكون من الشيعة وبعض الأكراد ويقال إن تركيبته ستكون نسخة من تركيبة مخابرات الحرس الثوري.(25/91)
وفي أكثر المعلومات أن الحرب الأميركية ـ الإيرانية للهيمنة على المخابرات العراقية مازالت مشتعلة وهي مرشحة للتصاعد أكثر ولزج الحكومة العراقية في أزمة حادة مع الأميركيين خصوصاً إذا ما رضخ الجعفري لضغوط جماعات نافذة في الائتلاف الشيعي وفي إيران لكي يصدر قرارات بنقل الأجهزة العراقية وتحديداً بإقصاء اللواء الشهواني وإبعاد اللواء عدنان ثابت عن قيادة فرقة الكوماندوس، والمعروف أن هذه الفرقة، مثل المخابرات العراقية ممولة كلياً من الأميركيين وأنها تتلقى أوامرها من القيادة الأميركية وهي تضم بدورها عناصر سابقة في الحرس الجمهوري وتلقى تقديراً كبيراً من الأميركيين.
والسؤال المطروح حالياً هو هل ينجح الجعفري في إبعاد ثابت والشهواني عن منصبيهما أم أن الضغوط الأميركية ستحسم لمصلحتهما كما حسمت تعيين الدليمي وزيراً للدفاع رغم المعارضة الائتلاف الشيعي الذي اتهمه بأنه سبق أن عمل في عهد صدام حسين ضابطاً أمنياً مكلفاً بمكافحة التنظيمات الشيعية الموالية لإيران!!
في ظل الظروف المالية يميل المراقبون إلى الاعتقاد بأنه ليس من مصلحة الجعفري ولا الأميركيين الدخول في مواجهة مباشرة بينهما في وقت يجد الطرفان صعوبة في التصدي لعمليات المقاومة وسائر العمليات الانتحارية والمسلحة والتفجيرات اليومية، فهذه العمليات التي تؤدي إلى سقوط العشرات من الضحايا يومياً تقود حتماً إلى تأكيد أن القوات العراقية والأميركية ليستا حالياً في وضع يسمح لهما بالتفاؤل بفرض الأمن والاستقرار وبالتالي فإن الأوضاع قد تزداد سوءاً في حال الإصرار على إجراء عمليات نفض وتطهير لهذه الأجهزة لكن ذلك لا يعني أن الحرب الأميركية ـ الإيرانية للهيمنة على العراق قد انتهت وهذا لا يبشر بخير بالنسبة للمستقبل.
فوز نجاد.. تسونامي إيراني!
مجلة المجلة (العدد 1325) 3/7/2005(25/92)
كل التوقعات تشير إلى أن الرئيس الإيراني المنتخب أحمدي نجاد سيفاجئ العالم مرة أخرى ليس بأصوليته بل بقدرته على تغيير وجه إيران الخارجي.
حقا فاجأت إيران العالم بإعادة إنتاج ذاتها مرة أخرى، فعلى الرغم من مرور تسعة رؤساء على الجمهورية الإسلامية الإيرانية وانتخاب الرئيس محمد خاتمي لدورتين رئاسيتين سادهما قدر كبير من الصراع والتعاون بين المحافظين والإصلاحيين، إلا أن الشعب الإيراني قرر أخيراً ومن خلال صناديق الاقتراع العودة إلى الأصول والتعاليم الثورية التي يؤكدها أحمدي نجاد في خطابه الإعلامي قبل السياسي.
فالمعطيات التي أنجز فيه نجاد فوزه على رافسنجاني الشخصية البراغماتية والتي تتداخل فيها الأصول السياسية والمحافظة بالعقلانية لدرجة تقديم نفسه بأنه صانع القرار المنتظر كانت متوقعة، غير أن المفاجأة التي أكدتها صناديق الاقتراع والتي حسم فيها نجاد فوزه بنسبة 61.69% على منافسه العتيد وبنسبة 35.92 % تؤكد بأن النتيجة من النتائج قليلة النسبة في شرق أوسط أدمن على الفوز بنسب لا تحيد عن 99.99 % وهذا ما سوف يحصل في انتخابات رئاسية مقبلة في المنطقة.
ضغوط خارجية وإفرازات داخلية
هذا النجاح لا يعني تعزيز مكانة وقدرة التيار اليميني المحافظ في إيران، فهذا الخلط في التيارات السياسية الإيرانية يبدو عجيبا، فقد أكد الليبراليون بأن الضغط الخارجي وتهديد الأمن القومي الإيراني يجعلنا جميعا محافظين وهذا من أسرار نجاح نجاد.(25/93)
فالشارع الإيراني بدعمه لنجاد كان يعني الوصول إلى عدة حقائق ونتائج تصعب قراءتها بعيدا عن معرفة خصوصية المشهد الداخلي، فنجاد شخصية ليست من أصحاب العمائم وإن كانت مقربة من المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي وإنما هو شخصية تعتبر من الإفرازات الثانية ولربما الثالثة لجيل القيادات الإيرانية، وهو مقرب من المؤسسة الأمنية والعسكرية، حيث تعيش هذه المؤسسات مرحلة المراقبة التامة لكافة تفاصيل المشهد الإيراني الداخلي والخارجي وهي أكثر قدرة على الفعل والحركة والتأثير، وبذا فإن نجاد نال دعما غير مسبوق من هذه المؤسسة وبخاصة من الحرس الثوري وهو المعروف بسلطته وسطوته على الشارع الإيراني والذي يتقرب منه العديد من الإيرانيين.
صراع مصالح وقوى
وساهم في نجاح وفوز نجاد ضعف التجربة الإصلاحية التي كان يمثلها الرئيس السابق محمد خاتمي والذي عايش فترة من الشد والصراع بين أقطاب المؤسسة السياسية والدينية الإيرانية والضغوطات المختلفة لدرجة أصبح خاتمي مجرد واعظ ثقافي ومرشد إصلاحي لا يملك القدرة على التأثير، على الرغم من الهالة والحضور النوعي على المستوى الخارجي.
إلا أن شخصيات مثل رفسنجاني والذي كان يشغل منصبا مهما في المؤسسة الإيرانية وهو مجلس تشخيص مصلحة النظام،وعلي شمخاني وزير الدفاع الإيراني المقرب من المرشد الأعلى والذي تجاوزت تصريحاته النارية خطاب رئيس الجمهورية آنذاك ساهما في إضعاف مكانة خاتمي الداخلية والخارجية في ظل وجود شخصين على درجة عالية من الكفاءة والتخصص وهما،د. حسن روحاني رئيس مجلس الأمن القومي والمسؤول عن الملف النووي، و د. كمال خرازي وزير الخارجية،إذ يعدان من الشخصيات الإيرانية المتميزة والتي تمتلك قدرة مهنية عالية في إدارة دفة السياسة الخارجية التي لن تتأثر كثيرا بقدوم نجاد لا بل قد تتحسن شروط المفاوضات الخارجية أكثر من السابق لوجود رئيس قوي ومقرب من المرشد.
احتياجات الشباب الإيراني(25/94)
وعلى الرغم من استفادة نجاد من الظروف المأساوية التي تمر بها شريحة الفقراء في إيران وتركيزه في خطابه على جعل الشعب الإيراني ينعم بعدالة ممكنة لتوزيع الثروة وخاصة النفطية منها والتي يسيطر رفسنجاني على بعض تعاملاتها التجارية، استطاع نجاد من خلال هذه البوابة مداعبة الشارع الإيراني عبر تلمس احتياجاته وهمومه وبخاصة في ظل الارتفاع الحاد في الأسعار ودرجة التضخم وانخفاض القيمة الشرائية للعملة الإيرانية التي دفعت قطاعا كبيرا من الشباب الإيراني لتلمس أسباب جديدة للحياة فيما كثرت لدى الشباب الرغبة في التجنيد العسكري والالتحاق بحرس الثورة لما لهما من امتيازات ومكانة في المجتمع الإيراني، حيث يشكل الشباب 70 % من المجتمع الإيراني مما خلق ازدحاما على الوظائف على اختلاف مواصفاتها.
ويعكس فوز نجاد أيضاً وجود ردة فعل لدى الشارع الإيراني ورغبة جامحة للتخلص من الأشكال الدينية والعمائم التي تناوبت على السلطة السياسية الإيرانية، فقد وجدوا في نجاد ضالتهم المنشودة خاصة وأن نجاد معروف لدى الشارع الإيراني ببساطته المتناهية وعفويته، غير أن هذا لا ينكر بأن نجاد يعد ضليعا في الإدارة والتخطيط السياسي بسبب خلفيته الأمنية. ولعل من المشكلات الداخلية التي تطرق لها نجاد بنجاح تام والتي تشكل عصب المشكلات الإيرانية هما القطاع النفطي، حيث يشاع في الشارع الإيراني سيطرة مجموعة من المتنفذين وأصحاب العمائم على عوائده تطرق أيضاً للقطاع المالي وهو بذلك يداعب تجار البازار والذي كانت له تجربة إيجابية معهم أثناء ترؤسه لبلدية طهران.
إن نجاح نجاد لا يعني حتما سيطرة المحافظين على القرار السياسي بالرغم من سيطرتهم على مجلس صيانة الدستور ومجلس الخبراء وتشخيص النظام ومجلس الشورى والحرس الثوري (الباسداران) والميليشيات الإسلامية (البسيج) التي دعمت وأهلت نجاد للفوز على خصمه اللدود رفسنجاني.
أسباب نجاح نجاد(25/95)
تعود أسباب نجاح وفوز نجاد إلى جملة العوامل السابقة مضافا إليها التواطؤ الذي قدمه المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي نكاية برفسنجاني ورغبة منه في التخلص من نفوذه وصلابته وحضوره الكارزمي في المشهد الداخلي والخارجي. إضافة إلى الدعم المستتر الذي قدمته المؤسسة الأمنية والعسكرية بسبب قربه منها كأحد إفرازاتها السياسية.
ويشاع في الشارع الإيراني بأن السلطة السياسية الإيرانية شهدت في السنوات الأخيرة تفسخا بسبب ضعف خاتمي وقوة المحافظين والتي انعكست على صورة إيران الخارجية وأكدت وجود صراع بين المؤسسة السياسية والدينية على الرغم من تداخلهما غير أن هذا الصراع الظاهري كان دافعا للكثيرين لدعم نجاد كشخصية من خارج الإطار الديني ومن خارج الإطار التقليدي، خاصة وأن العديد منهم قد ارتبط مصلحياً بعدد من المؤسسات الاقتصادية مما جعل نجاد يبدو أمام الشارع الإيراني حالة جديدة تستحق الدعم.
وساهم في فوز نجاد مجموعة من العوامل الخارجية ولعل أهمها أن الإيرانيين على اختلافهم يصبحون محافظين عندما يتعلق الأمر بأمن بلادهم القومي وهو عامل استطاع المحافظون تعبئته وتوظيفه بشكل إيجابي مما أوجد قاعدة داعمة لتوجهاتهم. فقد ساهمت الإدارة الأميركية من خلال التلويح بالتهديد والضغط على طهران لإنهاء مشروعها النووي، والدعوة إلى التدخل وتغيير نظامها السياسي إلى زيادة التوجهات الأصولية والمحافظة في إيران حيث جرى اتهام الإصلاحيين بالعمالة للغرب في وقت تتعرض فيه بلادهم لتحد خارجي.
والمعارضة الإيرانية في الخارج ترى بأن فوز نجاد المحافظ، وقربه من رجال الدين سيؤدي إلى عزلة إيران الخارجية ويضاعف من مشكلات إيران الداخلية ويدفعها حتما باتجاه خيارات ضاغطة مما يعني إخراجهم من اللعبة وانكشافهم أمام الشارع الإيراني، حيث تعول المعارضة على إمكانية تعزز قوة المجتمع المدني للقيام بعمليات احتجاج سياسي قد تؤدي إلى عقد اجتماعي جديد.(25/96)
ردود أفعال دبلوماسية
بعض التحليلات ترى أن هذا الفوز سيعطي الإدارة الأميركية المبررات الكافية لدعم ومساندة القوى الإصلاحية ودعوتها للعمل من الداخل واستمرار عمليات الشد والجذب مع الشارع الإيراني، فيما سيتم التركيز على بؤر الخلاف والصراع بين أقطاب المؤسسة السياسية والدينية الإيرانية ومحاولة اختراقها، حيث تؤكد المتحدثة باسم البيت الأبيض ماريا تاموري بأن واشنطن ستقف إلى جانب الذين يدعمون حرية الشعب الإيراني في إشارة واضحة إلى احتمالية دعم قوى الإصلاح الإيرانية لمواجهة هذا التشدد. في الوقت الذي يؤكد فيه المرشد الأعلى علي خامنئي بأن الإيرانيين اذلوا بعمق الولايات المتحدة ووقفوا جميعا ضد السياسات التوسعية الامبريالية في إشارة واضحة إلى تصاعد الخطاب الإيراني المتشدد حيال واشنطن في الوقت الذي أكد فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استمرار واستعداد بلاده في تعاونها مع إيران في المجال النووي.
وعلى الصعيد الخليجي هناك بوادر للتوجس والسبب يعود إلى المزاج الإيراني الذي قد يتأثر بهذا الفوز اليميني حيث من الممكن أن ينعكس على السلوك السياسي الإيراني الخارجي،خاصة أن التجربة السياسية الإيرانية ـ الخليجية تؤكدا احتمالية العودة لمثل هذا التوتر والتدخل، في فتره يؤكد فيها نجاد على روح الثورة الإيرانية وما شابها آنذاك من تصور سياسي واستراتيجي حيال دول الجوار الخليجي.
توقعات خليجية(25/97)
تميل التوقعات الخليجية إلى احتمالية تراجع العلاقات الإيرانية الخليجية وتصاعد شقة الخلافات حول الجزر الإماراتية والامتداد والنفوذ الشيعي مرة أخرى. فيما تتخوف دول الخليج عموما من أن يقود وجود حكم آيديولوجي أصولي إلى إنعاش وإحياء للقوى الراديكالية ... ولقوى المقاومة السياسية في المنطقة بسبب اشتراكهم وإيران في خطاب معاد للولايات المتحدة مما سيكون له انعكاس سلبي على الأمن الداخلي لهذه الدول عدا عن تصاعد قوى التشدد الشيعية في المنطقة وبخاصة في العراق مما يضاعف من احتمالية حدوث حرب أهلية ويقود إلى صراعات داخلية تكون لها انعكاساتها على المنطقة وإشعالها لفتيل الصراع الطائفي.
الإشارات الإيرانية كانت على خلاف ذلك تماما، فعلى الرغم من الشكل المحافظ لرئاسة نجاد واحتمالية سيادة خطاب ايديولوجي في إيران خلال السنوات المقبلة إلا أن ملامح القوة والتشدد قد تفرز عن إمكانيات وقدرات غير عادية في التعامل مع الأزمات الداخلية والخارجية.
ترتيب الأوراق
يبدو أن الانفعال الإيراني الحالي هو للأغراض الداخلية وللاستعراض الخارجي ريثما يتم ترتيب الأوراق وفقا لخطاب جديد سيتم تحديد معالمه مستقبلا وسيكون أكثر واقعية واعتدالا وقدرة على اتخاذ القرار. وحسب توقعات الخبراء فإن السلوك الإيراني يتسم بقدر من الديناميكية، خاصة أن إيران تدرك بأن الخطاب الثوري له خصائصه ومكانته الداخلية فيما الخطاب الخارجي سيكون أكثر واقعية وموضوعية ولن يتأثر كثيراً بحجم هذا المتغير وبما يؤثر على مصالح إيران وصورتها لدى العالم.
العارفون ببواطن الأمور الإيرانية يرون بأن نجاد سيكون مؤهلا أكثر من خاتمي ورفسنجاني لإقامة علاقات متوازنة وفاعلة مع دول الجوار الإقليمي وبخاصة دول الخليج العربي، ومع السعودية على الخصوص، والعمل على حل إشكالية الملف النووي مع الحرص على عدم الدخول في اتون الأزمة العراقية الداخلية.
أزمة انتماء واعتراف(25/98)
الشيعة جزء لا يتجزَّأ من الأمّة الإسلامية
حيدر حب الله المنهاج ـ العدد السابع والثلاثون ربيع 1426هـ / 2005م
هذا المقال والذي كتبه رئيس تحرير مجلة المنهاج الشيعية يوضح لنا أن القوم لا يزالون يسعون للخداع بدلاً من الصدق مع الله أولاً و الناس ثانياً في نفي أو تقليل الخلاف والبغض للصحابة وأهل السنة . لماذا لا يوجه الكاتب مجلته لتنوير أفراد الشيعة تجاه العقائد الباطلة التي تكون المذهب اليوم ؟ لماذا لا يكشف عن حقيقة وضع السنة في مناطق إيران ؟ لماذا لا يحدد موقفه من الغلاة في الشيعة ؟ لماذا لا يجتمع الشيعة على طرد الغلاة قديماً وحديثاً ؟ وحرق كل الكتب التي تروج كفريات الغلاة ؟
بدلاً من الكلام العام الذي يتوصل به لمطالبة السنة بالتنازل عن موقفهم من اعتداءات الشيعة على الإسلام ؟؟
لمزيد من معرفة حقيقة هذه الدعوات راجع فاتحة القول هذا العدد . الراصد
الحديث عن الشيعة والتشيع مؤلم من بعض جوانبه، فهذه الفئة من المسلمين بُخس حقّها في بعض مقاطع التاريخ،وجرى عليها من الجور والظلم والإجحاف، من قوى الظلم والقهر والظلام، ما قد لا تحصيه الكتب وما لا تستوعبه السطور،وقد صار من حقّ هذه الجماعة أن يصنّفها الجميع جزءاً لا يتجزأ من الأمّة الإسلامية، كما اشتدّ الوجوب عليها أن تتجاوز محنها وتصنّف نفسها كذلك، فتعيش إحساس الانتماء للمسلمين قاطبة، فتنخرط في واقعها الاجتماعي، وتكسر الطوق المضروب عليها.(25/99)
1ـ أوّل نداء ـ علمي ـ نوجّهه للمسلمين، بمذاهبهم المتنوعة، أن يعيدوا النظر في قراءة التاريخ، وإنتاج المعرفة الإسلامية، من دون عصبية أو مذهبية مفرطة، إنّنا نعتقد بأن الشيعة قد قدّموا عبر التاريخ الكثير لأمة الإسلام، سياسةً، واجتماعاً، وثقافةً، وفكراً، وجهاداً.. لقد ترك الشيعة آثارهم في بلاد الشام وشمال أفريقيا، كما تركوا بصماتهم على العقل الاعتزالي، كذلك ترك هذا العقل بصماته فيهم، وكان لهم نصيب كبير في خلق النزعات الروحية الملتهبة في الإسلام وإنضاجها، كما كان لوجودهم دور في خلق توازن سياسي واجتماعي عام، كونهم مثّلوا، في غير حقبة وعصر، قوى المعارضة السياسة الرافضة لسياسة الأنظمة الحاكمة، فأقاموا بذلك قوى ردع، كما شكّلوا عوامل إيقاظ حالت ـ في كثير من الأحيان ـ دون تمادي السلطات الحاكمة في تجهيل الأمّة واستغبائها.
ولسنا نعصم أفراد الشيعة ولا جماعتهم عن خطأ ارتكبوه عبر الزمن، ونفتح الباب لمناقشة أخطاء الشيعة التاريخية، في القضايا كافّة التي قيل فيها الكثير، من الغزو المغولي ونصير الدين وابن طاوس، مروراً بالتحالف الصفوي ـ الغربي ضدّ الدولة العثمانية، وصولاً إلى ما يقال اليوم عن تحالف بين الشيعة وأمريكا.. فهذه الموضوعات جميعها قابلة للنقاش، فلم يزعم شيعي عصمة الشيعة بالمطلق ولا أفرادهم بمن فيهم كبار علمائهم ومراجعهم وسياسيّيهم، لكن هذا أمر والصورة الإقصائية والتخوينية للشيعة أمرٌ آخر.
إنّنا نعتقد بأن على الشيعة أن لا يحجموا عن الاعتراف بأخطائهم التاريخية عندما تقوم عليها الحجة،وتثبت بالشواهد المؤكّدة، وأن لا يحاولوا طمس حقائق التاريخ أو التلاعب بها لمصالح مذهبية أو طائفية.(25/100)
2ـ سؤال آخر يوجّه لبعض المسلمين القلائل من المختلفين مع الشيعة في التصوّرات الدينية، لماذا تكفير الشيعة؟! ولماذا التهويل بأوراق خلافية موجودة داخل الديانات جميعها، ورفعها دوماً للحكم عبرها بتكفير الشيعة وإخراجهم عن الإسلام؟! إن جهود تكفير الشيعة باءت بالإخفاق وستبوء به دائماً، كونها ـ سيما في هذا العصر ـ لم تعد منطقية، فالشيعة يؤمنون بالله ورسوله وأنبيائه وكتبه وقبلته و... وإذا اختلفوا مع غيرهم، فقد اختلف هذا الآخر مع نفسه كثيراً أيضاً، إن تكفير المسلم ذنب عظيم، ومحاربة البدعة واجب مقدّس، والجمع بين هذين المبدأين يحتاج إلى الكثير من الوعي والرشد، لا إلى غضب وعنف وانتقام و..
ولسنا نمانع في أن نطالب بعض الشيعة ـ وهم قليلون أيضاً في ما نعلم ـ بوقف مسلسل التكفير المتبادل، والإقلاع عن سياسة تخوين إخوانهم من أهل السنّة والجماعة، وإعادة النظر في بعض موروثاتهم في هذا المجال.
3ـ أمّا المعتقدات الشيعية والسلوك الشيعي، فقد كوّنا في الأوساط غير الشيعية، صورة نمطية قاتلة عنهم، ولسنا نخوض هنا في جدل عقدي ولا فقهي، بل نشير سريعاً إلى ظاهرة الموقف من الخلفاء والصحابة، إنّ الشيعة واقعيّون في قراءتهم لظاهرة الصحابة، وليس جرماً أن يُخطئ الصحابي، أو ليس مستحيلاً أن يعصي، فلكل منّا قناعاته بالناس، فإذا كانت بعض الآيات القرآنية والروايات الشريفة تعني عندك عدالة الصحابي، فإن غيرك قد لا يفهم منها ذلك، بل قد لا يرى صحة لصدور بعض الروايات منها، وليس ذلك بالبدع من القول، فلطالما اختلف علماء المسلمين في تفسير آيات أو توثيق روايات أو شرحها، فإذا اختلفوا هذه المرّة في هذه المفردة، فهذا أمرٌ طبيعي يجدر ترقّبه.(25/101)
ثم هل تعدّ عدالة الصحابة عقيدة يكفّر منكرها، سيما مع إنكاره لها على أسس نظرية وفكرية؟! ألم يكتب من أنكر عدالة الصحابة العشرات، وربما المئات، من الكتب والمصنّفات في هذا الموضوع؟! هل أنكروها استعجالاً وابتساراً؟!
نعم، المشكلة الكبرى للشيعة مع إخوانهم المسلمين، تتركز بشكل أكبر في سبّ بعض الخلفاء ورموز الصحابة ولعنهم، إنّنا نرفض هذا الأسلوب ولا نرغب فيه مؤيّدين في ذلك بعض العلماء الكبار، ومنهم السيد هاشم معروف الحسني في كتابه: "الموضوعات في الآثار والأخبار"، وندعو من يقوم بذلك من الشيعة إلى إعادة النظر في أدائه، هل يخدم به التشيّع؟! هل يخدم به حال المسلمين اليوم؟! هل اللعن والسبّ أفضل من وسائل التبرّي؟! ألا توجد وسائل أخرى؟!
هذه موضوعات ينبغي درسها ولا نبتّ فيها هنا، ولا نبرئ من فعلها ويفعلها، لكن حتّى لو سب الشيعي الصحابة، هل يعني ذلك التكفير كما يقول العلامة المجدّد محمد حسين آل كاشف الغطاء؟ لنفرض أنّ سبّ الصحابة معصية كبيرة من الكبائر، هل فعل الكبيرة يساوي الكفر؟ وهل يوجب حلّ دم المسلم وعرضه وماله و..؟!
إننا نطالب الشيعة والسنّة، على السواء في هذا الموضوع، بان يقرؤوه بجدية، وبشكل مختلف عن الموروث، ويتحلّوا بقدرة عالية على تقبّل فهمه بصورة مختلفة.(25/102)
4ـ وفي سياق الصورة النمطية عن الشيعة في العالم، تأتي فكرة المزج بين الشيعة والفرس، فالفرس، وفاقاً لهذه الفكرة، هم من اختلق التشيّع لمصالحهم ضدّ العرب ,.. لست هنا في صدد رصد تاريخي للموضوع، لكن لنفرض جدلاً أن الفرس أدّوا دوراً ما في إنهاض التشيع وتأسيسه، فما هي العلاقة اليوم بهذا الموضوع؟! أنا أتعجّب من بعض إخواننا المسلمين، من بني جلدتنا، أعني العرب، كيف يحاربون القومية العربية ويرفضون المنطق القومي، ثم يتعاملون مع فريق مسلم ـ أو يعلن إسلامه على الأقل ـ بمنطق قومي من الدرجة الأولى، إنّها مفارقة حقيقية، فهل نريد أن نتعامل ـ وحديثي مع الحركة الإسلامية التي لا تؤمن بالمنطق التاريخاني للفكر إلاّ مع عدوّها ـ مع الفكر من زاوية قومية؟! ثم أين تاريخ الشيعة العرب؟! وأين الدولة الفاطمية؟! وأين الشيعة في بلاد الشام والخليج وتركيا؟! دعك عن شيعة شبه القارة الهندية وشيعة آسيا الوسطى، علماً أنه لم تعرف إيران التشيّع بقوّة إلا مع الحلّي في القرن الثامن الهجري.
إننا نختلف مع هذا المنطق في التعامل مع الشيعة، ونطالب بمحاسبة أفكارهم محاسبة علمية، سواء كانوا فرسا أم مغولاً أم بولونيين، فالحق يتبعه الرجال ولا يتبعهم، فللفرس خدماتهم للإسلام مثل ما للعرب، وللأتراك خدمات أيضاً.(25/103)
5ـ ومن أزمة انتماء التشيع للفرس، ظهرت أزمة الأقليات الشيعية في العالم العربي، فكثيرون يشككون في وطنية الشيعة العرب، وأعتقد بأن في هذا الأمر ظلماً وإجحافاً أيضاً بحقّ أمة مسلمة، أسهمت في بناء أوطانها، وجاهدت أعداء الأمة العربية، ألم يصدر مراجع النجف فتاوى لدعم الدولة العثمانية ضدّ الإنجليز كما أصدر جعفر كاشف الغطاء فتاوى دعم الدولة القاجارية الفارسية ضدّ الروس؟! ألم يحقّق شيعة لبنان انتصاراً تاريخياً على عدوّ الأمّة العربية؟! لماذا يحاول بعضنا أن يمنع اكتشاف الناس لحزب الله اللبناني وأنّه شيعي راهَنَ الكثيرون على لبنانيته ثم ثبتت بمرور الأيّام؟!
وإذا حصلت بعض المشاكل، في بعض الأماكن، فقد حصلت مثيلاتها لدى كل أقلية في العالم، والجميع يعرف الظروف، لا نريد تسطيح الأوضاع بل نهدف إلى ممارسة وعي أكبر للظاهرة، وفي الوقت عينه نطالب الشيعة باحترام الأكثرية في بلادها، وتعزيز الحسّ الوطني في أبناء طائفتهم، وإيجاد توازن أكبر في علاقاتهم الوطنية، والقومية، والإسلامية، وعدم ممارسة سذاجة في هذا الموضوع، سيما تركيز الروح الوطنية، والانخراط في مجتمعهم، والدخول في مؤسّسات المجتمع المدني، ووظائف الدولة، عندما تسمح لهم الظروف، وأن يستغلوا هامش الحرية الممنوح لهم لإثبات مصداقيتهم وبث روح الثقة بينهم وبين الأكثرية.
6ـ ولكي ترتاح الأكثرية عليها أن تمنح هامش الحرية الأكبر للأقلية الشيعية، وفي المقابل ندعو الدول ذات الأغلبية الشيعية أن تمنح حريةً أكثر فاكثر للأقليات غير الشيعية، إنّ ذلك يدعو الأقليات للراحة، فتظهر أفكارها بشفافية، ويتداعى جدار انعدام الثقة، سيما عندما يشعر المسلم السنّي أن حاجز التقية لم يعد موجوداً، ويبدي المسلم الشيعي أفكاره بحريةٍ وارتياح.(25/104)
إن حاجز التقية من أكبر حواجز عدم الثقة بين المسلمين والمسؤول عنه عوامل عديدة، أبرزها الظلم التاريخي الذي مورس على العلويين قديماً، فإذا انهار هذا الحاجز، ولا ينهار إلا في ظلّ حرية وتعدّدية وانفتاح، لا في نقاش علمي، انعكست آثاره الإيجابية المهمَّة، فلو بذل الشيعي وقته وعمره لإقناع السنّي أنه لا يعبد الحجارة، أو لا يقول بتحريف القرآن،وأنّ القرآن الموجود في مساجد الشيعة هو القرآن السنّي، بل كثير من الشيعة لا يملكون في بيوتهم إلا النسخ القرآنية التي تصدرها المملكة العربية السعودية..
لو بذل الشيعي ـ وقد رأيناه ولا نزال ـ لن يستطيع إقناع الطرف الآخر بأنه صادق، إلاّ إذا حصلت شفافية مطلقة، ولن تكون إلاّ في ظل مثلث ذي أضلاع ثلاث هي :الحرية والتعددية والانفتاح من جهة، وإعادة قراءة الموروث الشيعي من جانب الشيعة، ونقد ما يستحقّ النقد منه من جهة أخرى، وإعادة رسم صورة جديدة غير الصورة النمطية في العقل السنّي عن المسلم الشيعي.
إن علماء المذهب الإمامي مختلفون في ما بينهم، في بعض القضايا العقدية الفرعية أو الفقهية أو... وهذا أمر طبيعي نجده عند أيّ مذهب، ما يعني أنه لا يجدر أخذ رأي واحد عند الإمامية واعتباره رأي الإمامية كلّها، فإذا قال المحدث النوري (1320 هـ) بتحريف القرآن لا يعني ذلك قول جميع الشيعة به، كما أن ليس كل رواية في مصادر الشيعة تعني أخذ الشيعة بها، فقد ناقش علماء الشيعة ـ إلاّ ما قلّ ـ في الكتب الأربعة بما فيها الكافي، وعليه يجب تحصيل رؤية موحّدة ومكتملة عن التفكير الشيعي للحكم عليه، تماماً كما هي الحال في الموقف السنّي، فنحن لا نرضى بأن يتهم السنّة ويؤخذوا برأي عالم منهم، ولا يدانوا بأيّ رواية أحد كتبهم، بل نطالب الشيعة بالمزيد من الدقة والأمانة في هذا المجال.(25/105)
نسأل الله، سبحانه، أن يقرّب قلوبنا، ويوحّد صفوفنا، ويلهمنا حبّ بعضنا بعضاً، واحترامنا أفكار غيرنا، والوعي بكل مخاطر تحدق بنا.
{وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذينَ تَفَرَّقُوا واَختَلَفُوا مِن بَعدِ مَا جَاءهُمُ البَيِّنَاتُ وَأولَئِكَ لَهُم عَذاَبٌ عََظِيمٌ}
حسن الصفار :التقارب بين المذاهب، يتحطم فوق صخرة الخلل الثقافي والاجتماعي..!
حوار: فراس الجبريل مجلة فواصل العدد 163ـ 1/7/2005
في هذه المقابلة مع الصفار أحد كبار شيعة السعودية نري نموذج واضح للإنتهازية السياسية ، فهو ينكر أن يكون قد طعن في الصحابة مع أنه ثابت عليه ، لكنه لا ينكر حق الشيعة في هذا الطعن !!
كذلك هو يري ضرورة حصول طائفته على دور سياسي لكنه لا يطالب طائفته بإعطاء الآخرين حقوقهم ! كذلك هو يسعي للحصول على شرعية الوجود بسبب عدم انسجام الجامعة العربية ! أو بسبب الخلاف السلفي الصوفي !
راجع فاتحة القول لهذا العدد لمعرفة حقيقة القواسم المشتركة بين السنة والشيعة . الراصد
هناك فقهاء ورجال دين، غيورون على دينهم الإسلامي، ويسعون دوماً لوحدة الأمة، لمواجهة أخطار الخارج.. فهؤلاء تصالحوا مع أنفسهم، ونبذوا الخلافات بين المذاهب، ويحاولون دوماً إذابة جبال الثلج الذي يمنع التقارب بين السُنة والشيعة، ويشعل نيران الفتنة بين الأمة..
من بين هؤلاء التقينا سماحة الشيخ حسن الصفار، مفتي الشيعة ومرجعهم بالمملكة العربية السعودية،والذي أخذ على عاتقه القضاء على الخلافات والنزاعات بين السُنة والشيعة، واتساع رقعة الوعي بين المسلمين،بعيدا عن التشنج والعصبية التي قد تصل إلى حد التطرف.(25/106)
في حواره لنا، نجح الرجل في وضع رؤية ومنظومة متكاملة للعلاقات بين السنة والشيعة، ونفى أي تهمة لاحقة عبر الإنترنت، بشأن الإساءة للخلفاء، وحدد نهجه وفكره بكل اعتدال، وأكد نجاح الحوار الوطني بالمملكة.. ولم يخلو حديثنا من التطرق إلى حزب الله وأسباب قوته.. وغير ذلك من القضايا الملحة، نستعرضها في السطور التالية..
* بداية.. حدثنا عن بطاقتك الشخصية.. وأي مراجع حصّلت منها علومك..؟!
في البدء أشكركم لإتاحتكم لي الفرصة للتخاطب مع قرائكم الكرام، وأرجو أن يكون دور مجلتكم ريادياً في تعميق القيم الإنسانية الإسلامية وتأكيد التواصل الفكري الوطني.
أما عن بطاقتي الشخصية فهي تحمل المعلومات التالية:
ـ حسن بن موسى بن رضي بن علي الصفار. مواليد سنة 1377هـ ـ 1958م، في القطيف، المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية.
ـ أكملت المرحلة الابتدائية في مدرسة زين العابدين، والمتوسطة في مدرسة الأمين بالقطيف.
ـ بدأت دراستي الدينية على يد علماء في بلدي القطيف.
ـ كما بدأت ممارسة الخطابة في سن مبكرة / الحادية عشرة من العمر.
ـ هاجرت إلى النجف الأشرف- العراق، والتحقت بالحوزة العلمية سنة 1391هـ /1971م.
ـ ثم انتقلت إلى الحوزة العلمية في قم- إيران، سنة 1393هـ/ 1973م.
ـ ثم التحقت بمدرسة الرسول الأعظم في الكويت سنة 1394هـ/ 1974م إلى سنة 1397هـ. 1977م.
وفي هذه الحوزات والمدارس العلمية تلقيت شيئاً من العلم على يد علماء أفاضل من أبناء بلدي ومن العراق وإيران ولبنان.
بدأت ممارسة نشاطي الديني الاجتماعي في القطيف كإمام جماعة في مسجد الفتح، إضافة إلى الخطابة الدينية في مختلف المناطق والمناسبات.
وفقني الله تعالى لتأليف مجموعة من الكتب أرجو أن يكون فيها ما يفيد القراء.
أسعى لخدمة ديني ووطني ومجتمعي بمقدار ما أستطيع.
* نود أن نتوصل بالتحديد إلى الفرق بين الطائفية والتديّن..؟(25/107)
التدين يعني التزام الإنسان بقيّم الدين، وعمله بأحكامه. وهو أمر مطلوب من كل مسلم.
أما الطائفية فهي حالة من العصبية للطائفية على حساب الآخرين بما يشبه العصبية القبلية، التي تعني الشعور بالتعالي والتميز وتبرير الإساءة للآخر والتقليل من شأنه، والتجاوز على حقوقه.
والطائفية بهذا المعنى لا يقرها الشرع الذي يأمر بالعدل والإحسان، ولا العقل الذي يدعو إلى احترام حقوق الإنسان وحقوق المواطنة.
* من وجهة نظرك.. ما هي الاستفادة من الحوار الوطني بالمملكة العربية السعودية؟ وهل مشاركة المرأة حقيقية أم مجرد ديكور؟!
أرى أن الحوار الوطني يحقق فوائد هامة من أبرزها:
ـ الإقرار بواقع التعددية المذهبية والفكرية على المستوى الوطني، وأن الوطن لا يختصره مذهب واحد أو مدرسة واحدة،بل هو لكل أبنائه على تنوع مذاهبهم وتوجهاتهم الفكرية ، ولا يصح إلغاء أحد أو إقصاؤه ولا تجاهله أو تجاوزه.
ـ الإعلان عن استعداد كل الأطراف لتجاوز حالة القطيعة والخلاف، والدخول في عهد التواصل والحوار الذي يخدم الأهداف العليا للأمة، والمصالح المشتركة للوطن.
ـ الإعداد النفسي والفكري على مستوى المشاركين في الحوار، وعلى صعيد الرأي العام الوطني لتفعيل حالة التواصل والتعاون بين طاقات الوطن من مختلف المذاهب والتوجهات.
أما مشاركة المرأة في الحوار الوطني فقد كانت في مستوى مشاركة الرجل منذ اللقاء الثاني للحوار الوطني.
* الملاحظ أن هناك مبادرة طيبة للتقارب بين السنة والشيعة، إلا أن موانع تحول دون هذا التقارب، وما زال الخلاف قائماً.. فما الحل للقضاء على هذه النزاعات برأيك..؟(25/108)
ـ أعتقد أن أجواء الأمة أصبحت أكثر تقبلاً واستجابة لدعوات التقارب والوحدة بين السنة والشيعة، لأن رقعة الوعي قد اتسعت في جمهور الأمة، وما عاد الناس كلهم يقبلون الاتجاهات التعصبية والتعبوية، كما أن تطور وسائل الإعلام والتواصل المعلوماتي وفر فرص التعارف والتواصل المباشر بين التوجهات المختلفة، بعد أن كان البعض يعتمد على الوسائط غير الدقيقة في تصوراته عن الآخر، وقد تكون مغرضة.
كما أن التحديات الخطيرة التي تواجه الأمة فرضت مستوى متقدماً من الوعي بأهمية الوحدة وتجاوز حالات الصراع والخلاف المذهبي.
لذلك فإن مبادرات التقارب الآن أكثر نشاطاً وفاعلية في الكثير من المواقع والبلدان الإسلامية.
أما الموانع التي تعرقل جدّية التقارب فهي تعود إلى خلل في الواقع السياسي والثقافي الذي تعيشه الأمة والذي يعرقل التقارب والوحدة على جميع الأصعدة والمستويات وليس على صعيد العلاقات المذهبية فقط.
فبين الدول العربية ورغم وجود جامعة الدول العربية منذ نصف قرن لا زال التقارب شكلياً.. وفي البلدان الإسلامية التي تتعدد فيها القوميات نجد هناك إشكاليات في العلاقة بينها، وبين الأحزاب السياسية مشاكل، وبين الجهات الدينية حتى ضمن المذهب الواحد تحصل مشاكل، فمثلاً العلاقة بين الاتجاه السلفي والاتجاه الصوفي مع أنهما ينتميان إلى أهل السنة ليست على ما يرام، وكذلك الحال داخل الشيعة بين الاتجاهات المختلفة.
وأستنتج من ذلك أن القدرة على التعاون وإرادة الوحدة والتقارب ضعيفة في أوساط الأمة لخلل في واقعها الثقافي والاجتماعي.
* ما زال موقف بعض الشيعة تجاه الخلفاء والصحابة ثابتاً، فما هي أهم القناعات التي تستندون إليها، لحل هذه العقدة المزمنة؟(25/109)
ـ ليس مطلوباً أن تتفق الآراء والمواقف بين السنة والشيعة على المستوى العقدي أو الفقهي، فلكل مدرسة آراؤها في موضوع الإمامة والخلافة، وتقويم مواقف بعض الصحابة، واختلاف القناعات أمر قائم ولا يمكن تجاوزه، كما أن البحث والحوار في تلك القناعات وتبيين أدلتها أمر مطلوب على المستوى العلمي.
وما ليس مقبولاً هو الطرح الحادّ المتشنج ومخالفة آداب الإسلام بإساءة طرف للآخر والتحريض على الكراهية.
* هناك عدة مواقع على الإنترنت تنسب لكم شخصياً عبارات تحمل الإساءة لبعض الخلفاء، مما يخالف نهجكم في الدعوة للوحدة وإذابة الجليد بين المذاهب.. ما حقيقة ذلك؟ وهل تطاولت على الصحابة بالفعل أم أن هذه التصريحات أو العبارات دخيلة عليكم ولم يلفظها لسانكم؟
ـ حين تصدر مثل هذه النسبة من مواقع متخصصة في التهريج وإثارة الخصام الطائفي ونشر الكراهية والبغضاء بين المسلمين فإن ذلك يكفي لسلب الاعتبار عن تلك النسبة. وقد أعلنت براءتي وإنكاري لهذا التلفيق المغرض من خلال أكثر من قناة فضائية ومنبر إعلامي.(25/110)
ومن يتابع أفكاري وطروحاتي يدرك بوضوح أن مثل هذه التهمة لا تنسجم مع نهجي ومسيرتي الفكرية والعلمية، ومعلوم أن الدبلجة والتلفيق في التسجيلات أمر سهل ميسور لذلك حينما ينسب أي تسجيل صوتي لأحد فإن الجهات المعنية تسعى للتأكيد من صحته، وقبل أيام ردّ فضيلة الشيخ صالح بن محمد اللحيدان رئيس مجلس القضاء الأعلى في المملكة على ما نشر في بعض الصحف وبث في بعض القنوات الفضائية عن أنه يحرض على الإرهاب ويدعم الإرهابيين في العراق والسعودية.. ومما في البيان الذي أصدره في 24 ربيع الأول 1426هـ: "وما قيل عن شريط فيه صوتي وأنني قلت نعم هذا صوتي، فأنا لست ممن له تسجيلات سرية وأخرى علنية على الإطلاق.. وعملية التلفيق وإدخال كلام في كلام في دبلجة تسجيلية أمر معلوم، وقطع ما لا يراد، وإبقاء ما يظن أنه يحقق الأهداف الخبيثة أمر لا يخفى على كل عاقل عارف بأحوال التسجيلات" (الشرق الأوسط 3 مايو 2005م).
* حدثنا عن آليات سلمية وعلمية للحوار المذهبي من شأنه أن يؤدي إلى القضاء على الطائفية ويمنع الفتنة؟
ما ينقذ المجتمعات الإسلامية من الطائفية ويمنع الفتن المذهبية أمران:
الأول: اعتماد الحكومات في البلاد الإسلامية لسياسة المساواة والعدالة بين المواطنين على اختلاف مذاهبهم، على أساس نظام المواطنة الذي تتكافأ فيه الفرص دون تمييز في الحقوق والواجبات.
الثاني: نشر ثقافة التسامح والقبول بالتعددية واحترام الرأي الآخر، ووضع حد للاتجاهات التكفيرية التي تبث ثقافة الكراهية والبغضاء بين أبناء الأمة الواحدة والوطن الواحد.
أما آليات الحوار المذهبي المطلوب فأهمها ما يلي:
1ـ التعارف المباشر، بأن يتعرف أهل كل مذهب على آراء المذهب الآخر من مصادره ومرجعياته وليس من خلال النقولات والوسائط التي غالباً ما تكون غير دقيقة.(25/111)
2ـ القبول بمبدأ تعدد القراءات واختلاف الاجتهادات في التفاصيل العقدية والفقهية، في إطار الاتفاق على أصول الإيمان التي لا يختلف فيها المسلمون وهي: الإيمان بالله تعالى ورسله وكتبه واليوم الآخر ومرجعية الكتاب والسنة، وكذلك أركان الإسلام وفرائضه المتفق عليها كإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم شهر رمضان وحج بيت الله الحرام.
3ـ البحث عن القواسم المشتركة وموارد الاتفاق، وهي كثيرة واسعة ثم تحديد مواقع الاختلاف وهي محدودة لا تضاهي مساحات الاتفاق واللقاء، ومعرفة وجهة نظر كل طرف حولها وأدلته وبراهينه لتكون مجالاً للحوار العلمي.
4ـ الاتفاق على خدمة الأهداف العليا للإسلام والقضايا المصيرية للأمة والمصلحة الوطنية المشتركة.
* من وجهة نظركم.. هل يحق للمرأة أن تخوض العمل السياسي باعتبارها نصف المجتمع،أم ترى أن تهميشها ضرورة اجتماعية حفاظاً على العادات والتقاليد؟ وإلى أي مدى يمكن للمرأة أن تمارس حريتها في الرأي والمشاركة الفعالة بالمجتمع؟
ـ ليس هناك ما يمنع المرأة من المشاركة في الشأن السياسي والاجتماعي فالقرآن الكريم يتحدث عن مبايعة النساء لرسول الله صلى الله عليه وسلم:{ يَا أيُّهَا النَّبيُّ إذَا جَاءكَ المُؤمِنَاتُ يُبَايِعنَكَ...} (سورة الممتحنة الآية 12)، والبيعة مفهوم سياسي.
كما يتحدث القرآن الكريم عن الولاية المتبادلة والمسؤولية المشتركة في حماية القيم والمصالح العامة بين أبناء الأمة ذكوراً وإناثاً يقول تعالى: { وَالمُؤمنُونَ والمُؤمِنَاتُ بَعضُهُم أوليَاء بَعضٍ يَأمُرُونَ بِالمعرُوفِ وَيَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ} (سورة التوبة آية 71).(25/112)
وفي التاريخ الإسلامي قامت المرأة بأدوار سياسية واجتماعية واضحة، وكانت تمارس حريتها في طرح الرأي وحتى في مجادلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ حيث نزلت سورة المجادلة: {قَد سَمِعَ اللَّهُ قَولَ الَّتِي تُجادلُكَ في زَوجهَا وَتَشتَكِي إِلَى اللّهِ وَاللَّهُ يَسمَعُ تَحَاوُرَكُمَا} كما كانت ترفع صوت الاعتراض على الخليفة كما حصل في عهد عمر بن الخطاب حيث سحب قراره في تحديد مهور النساء أمام اعتراض امرأة حجته بالدليل الشرعي، لكن العصور المتأخرة سادت فيها بعض الآراء المتشددة والأعراف والتقاليد المتخلفة التي تنظر للمرأة نظرة دونية وكأنها إنسان من الدرجة الثانية.
وأعتقد أن تطور المجتمعات الإنسانية لم يعد يقبل بمثل هذه التوجهات، وستأخذ المرأة دورها الطبيعي إلى جانب الرجل مهما عارض المتشددون لكن علينا أن نبادر لإصلاح الواقع قبل أن تفرض الأمور علينا نفسها بشكل غير مناسب لأوضاعنا.
* هل تتوقعون أن تحدث فتنة بين السنة والشيعة بالعراق، وسط هذه الأحداث الدامية، وغياب الدور الأمني بالبلاد؟
ـ من المؤلم أن تتسارع وتيرة أحداث العنف في العراق منذرة بخلق فتنة طائفية، لكن ما نراهن عليه بعد الثقة بالله تعالى هو وعي الشعب العراقي ونضج قياداته الدينية والسياسية المخلصة.
إن المرجع الديني الأعلى في العراق السيد علي السيستاني له موقف ثابت حازم في الحفاظ على وحدة الشعب العراقي وتحريم وتجريم كل ما يخدم مخطط الفتنة الطائفية.
والمطلوب من عقلاء الأمة وقياداتها السياسية وجماهير الأمة خارج العراق أن تغادر حالة الصمت والسكوت، وأن تبادر إلى التحرك لرفض وإدانة هذا العنف والإرهاب الأعمى في العراق الذي يستهدف المدنيين تحت شعارات طائفية، وبدعاوى المقاومة للاحتلال، بينما لا يكاد يصل إلى القوات الأجنبية إلا شيء قليل من الأذى في مقابل سقوط عشرات القتلى والجرحى من العراقيين يومياً.
قصة اللوبي الشيعي في أميركا(25/113)
تمام البرازي الوطن العربي ـ العدد 1478 1/7/2005
أصبح الهاجس الشيعي في الولايات المتحدة من الأمور الأساسية التي سيطرت على صناع القرار في الإدارة الأميركية بعد أحداث 11 سبتمبر "أيلول" 2001 وفي حملة الغزو على بغداد تم تجييش المنظمات الشيعية في العراق وخارجه لخدمة أهداف الولايات المتحدة في المنطقة، وبدأت منظمات شيعية كانت على لائحة الإرهاب الأميركية يُرحب بزعمائها في واشنطن مثل حزب الدعوة الشيعي والمجلس الشيعي للثورة الإسلامية في العراق. وافتتحت مكاتب لهذه التنظيمات في واشنطن. ونتيجة لهذا كله لم يكن غريباً بعد اغتيال محمد باقر الحكيم في العراق أن يفتتح مجلس عزاء في أكبر الفنادق الفخمة قرب البنتاغون وكان المتحدث الرئيسي فيه نائب وزير الدفاع الأميركي حينذاك بول وولفويتز الذي عدد مناقب الفقيد..
والدعم الشيعي الذي ناله الأميركيون في العراق دفع إلى تبني المذهب الشيعي في الإدارة الأميركية حتى أن لجنة في الكونغرس حول تخريج الأئمة في القوات الأميركية أوصت بعد سماع شهادات عدة بالكف عن السماح بتدريبهم من قبل علماء السنة مثل العراقي جابر طه العلواني الموالي للغزو الأميركي لبلاده والتوجه إلى علماء الشيعة والصوفية لتدريب أئمة البنتاغون فقط. كما نشرت الخارجية الأميركية كتيبا في عام 2002 عن الوطنيين العراقيين المعارضين لحكم صدام حسين وكان على رأسهم آية الله مجيد الخوئي الذي دخل العراق على دبابة أميركية واتهم أتباع مقتضى الصدر بقتله بالسكاكين. ثم وضعت أسماء أخرى عديدة تولى بعضهم مناصب في الحكومة العراقية الانتقالية التي عينها الحاكم الأميركي السابق للعراق بول بريمر والسفير الأميركي نيغرو بونتى لاحقا.(25/114)
والملاحظ هنا أن معظم منظري الحرب الأميركية في العراق هم من الأكاديميين الشيعة من أمثال كنعان مكية الذي حصل مؤخرا على دعم بملايين الدولارات لإقامة ذاكرة شيعية للعراق.. ومنهم أو بالأحرى على رأسهم البروفسور فؤاد عجمي الشيعي اللبناني الأصل الذي كان من أوائل من دعا لغزو العراق.. وهناك تهافت من المؤسسات الأميركية الرسمية وشبه الرسمية على أي شيعي يتوافق مع الرؤية الأميركية للشرق الأوسط.
فقد تم تعيين ليث كبه أحد مؤسسي حزب الدعوة الشيعي في العراق في المؤسسة الوطنية لدعم الديمقراطية والتي تخصص لها الإدارة الأميركية حوالي 50 مليون دولار لإنفاقها على منظمات دعم الديمقراطية في الشرق الأوسط. وأصبح كبه الناطق الرسمي الحالي باسم إبراهيم الجعفري رئيس الوزراء العراقي المؤقت .. وكان كبه قد عمل في مؤسسة الخوئي في لندن في التسعينيات.. وقام في منصبه في المؤسسة الوطنية الأميركية لدعم الديمقراطية بتوزيع الآلاف من الدولارات على منظمات شيعية لفتح مكاتب في واشنطن ومهاجمة أنظمة عربية حليفة للولايات المتحدة!
وبالطبع حازت منظمة رند الرحيم الشيعية على الكثير من الدعم المادي في واشنطن وهذا أثار حنق كنعان مكية ضدها.. أي أن هناك تزاحما فيما بين هذه المنظمات.
وبالإضافة إلى هذه الشبكات السياسية التي تحتل منابر معروفة من المؤسسات الأكاديمية مثل "أميركان أنتربرايز أنستيتيوت" أو "واشنطن انستتيوت للشرق الأدنى" الذراع الأكاديمي لإيباك "اللوبي الرئيسي لإسرائيل" فإن هيئات إسرائيلية بدأت تنتشر في واشنطن لتقوم بدراسات حول الإسلام من وجهة نظر معادية كليا للإسلام وتستخدم بعض هذه المنظمات الشيعية في مراقبتها هذه.(25/115)
وفي هذا الصدد فقد اتصل في واشنطن ممثل إحدى المنظمات الشيعية في الخليج والتي لها مكتب في العاصمة الأميركية وعرض على أحد الصحفيين العرب أن يترجم المقاطع التي تنتقد الأديان الأخرى في الكتب المدرسية لدولة خليجية والتي تحث على الجهاد أو تحذر من اليهود. ولما سأله الصحفي: وما الهدف من ذلك؟ برر له ذلك بأقوال غير مقنعة،لكن الصحفي رفض عرض ممثل المنظمة الشيعية في واشنطن رغم سخائه. وبعد أسبوع نشرت صحيفة "واشنطن بوست" مقالا لممثل المؤتمر اليهودي الأميركي يقول فيها إن لدى المؤتمر اليهودي مشروعا لترجمة الكتب المدرسية في هذه الدولة العربية المسلمة لإثبات أنها تعادي اليهود.
أي إن اللوبي الصهيوني وجد من بعض المنظمات الشيعية في واشنطن حليفاً سهلا لشن حملات ضد بعض الدول الإسلامية والعربية الرئيسية..
مؤسسة مستضعفان والـ 86 مليون دولار!!
وعندما سألت "الوطن العربي" أحد ممثلي هذه المنظمات الشيعية عن الانتشار الشيعي في الولايات المتحدة والولاءات لهذه الجالية أصر على عدم ذكر اسمه كشرط للحديث. وقال المصدر إن الجالية الشيعية في الولايات المتحدة يتعدى عددها المليون نسمة وتنقسم وفقا لمرجعيتها.. وأكد أن الغالبية تتبع المرجع الشيعي آية الله العظمى علي خامنئي مرشد الثورة الإيرانية..
ويضيف المصدر أن مؤسسة "بيناد علوي" في الولايات المتحدة ويقع مقرها في الجادة الخامسة في نيويورك والتي أسسها شاه إيران العام 1973 في نيويورك تحت اسم بيناد بهلوي، تغير اسمها بعد أن سيطر عليها الملالي في إيران بعد الثورة إلى بيناد مستضعفان ثم إلى بيناد علوي.. ويشير إلى أن مجلس إدارتها في إيران ولكن السفير الإيراني جواد ظريف يسيطر على معظم قراراتها في نيويورك.(25/116)
وحصلت "الوطن العربي" على ملفات نشاطات هذه المؤسسة المالية وإنفاقها أكثر من 4 ملايين و700 ألف دولار على دعم المؤسسات الشيعية الإيرانية في داخل الولايات المتحدة وأن لدى هذه المؤسسة رأسمالا يقدر بأكثر من 86 مليون دولار.
واتصلت "الوطن العرابي" بممثل أية الله العظمى علي السيستاني في الولايات المتحدة الأميركية وهو محمد باقر الكشميري الذي أكد أنه ممثل السيستاني في كاليفورنيا، وأن هناك أكثر من 7 مكاتب في الولايات المتحدة لنشر التوجيهات الدينية للسيستاني وعلى تواصل مع 192 مركزاً شيعياً في الولايات المتحدة. وأوضح أن عدد المسلمين الشيعة بين إجمالي المسلمين الذي يبلغ عددهم 7 ملايين نسمة في الولايات المتحدة يتراوح بين 3.2 ملايين شيعي. وأكد الكشميري أن الزعامة الدينية والسياسية للشيعة في الولايات المتحدة هي للسيستاني بنسبة 70 بالمائة بينما 30 بالمائة لخامنئي ومحمد حسين فضل الله.
ورفض الكشميري التأكيد أن لدى المرجعية الإيرانية حوالي 100 مليار دولار كوقف شيعي، ولكنه أشار إلى أن الأخماس التي تجمع في مرجعية السيستاني ينفق معظمها في الجالية الشيعية في الولايات المتحدة ولا يحول إلا قدر قليل منها للسيستاني في العراق. واعترف بأن كل التبرعات الشيعية في الولايات المتحدة سمحت بها الولايات المتحدة واعتبرتها معفاة من الضرائب. وأن الأموال التي تجمع من الجالية في كاليفورنيا تقدر بـ 100 ألف دولار سنويا.. وأشار الكشميري إلى أن الولايات تقدر الإمام السيستاني ويظهر ذلك عبر ثناء الإعلام الأميركي عليه.
الخوف أو الترحيب
وعندما تحدثنا مع إمام شيعي في منطقة واشنطن أعلن أنه ليس تابعاً لأية مرجعية دينية شيعية ويمول من قبل الطائفة وأنه يؤم المصلين في بناية صغيرة لا يتعدى عدد اتباعه 100فرد، لكنه هدد بإقامة دعوى قضائية إذا نشرنا أي شيء حوله وحول اسمه واسم الجامع الشيعي الذي يصلي فيه!!(25/117)
بينما يرحب مهدي الصندوقجي من مركز دار السلام بالحديث.. وقال إن المركز الشيعي تأسس في 1999 ومن أعضائه المؤسسين علي العطار وصاحب هاشم وغيرهما، وأنه يخدم عشرات العوائل الشيعية في شمال فرجينيا... ويعتمد على اشتراكات ومساهمات الأعضاء فقط.
ويؤكد مصدر شيعي آخر أن أهم المراجع الشيعية في أميركا مؤسسة الشيرازي العالمية التي أسست مركز الرسول في الولايات المتحدة. وقد أسسها محمد مهدي شيرازي الذي تنقل ما بين مدينة قم والكويت وكربلاء وبعد وفاته تولى أخوه صادق الشيرازي وابن أخيه مرتضى الشيرازي مهمة المؤسسة الشيعية. وطرحت هذه المؤسسة أمر نظرية شورى الفقهاء عوضا عن ولاية الفقيه.
ويشير مصدر آخر إلى أن هناك مجموعات شيعية هندية وباكستانية في الولايات المتحدة مثل الخوجة الذين كانوا إسماعيليين وتحولوا إلى الشيعة الإثنى عشرية وأسسوا اتحادا عالميا للخوجة الإثنى عشرية ومقره لندن، وتنتشر هذه الطائفة في ولاية مينوسوتا ومدينة مينابوليس.. وفي نفس الولاية المذكورة قرر بعض العرب الشيعة تأسيس مقر عربي شيعي ودعمه أردني متشيع ولبناني.. وأسموه مركز الحسين وخصصوا له مليون دولار.
وهناك رجل دين شيعي عراقي تنقل من البصرة إلى الكويت ثم تايلند وانتهى به الأمر في تكساس حيث أسس مركزا شيعيا تابعا لخامنئي. وتحاول إيران التغلغل في أوساط الجالية الشيعية عبر فرض خامنئي كمرجعية رغم أن البعض من الشيعة يراه قد قفز بسرعة من "حجة الإسلام" لأنه كان رئيسا لإيران إلى "آية الله العظمى".
صراع المرجعيات(25/118)
ولكن أتباع حزب الله في أميركا يرون خامنئي مرجعهم الأوحد ويقرر ذلك زعيم الحزب حسن نصرالله. ويعترف البعض بأن لحسين فضل الله أتباعا كثيرين في أميركا خاصة في ديترويت بين اللبنانيين والعراقيين الشيعة. ويرى البعض أن آية الله الكبرى بشير النجفي الباكستاني الأصل أو آية الله الكبرى فياض الأفغاني أحق بالمرجعية من هؤلاء المذكورين.. كما يشير هؤلاء إلى أن هناك اتباعاً لمدرسة الخوئي التي أسسها أبو القاسم الخوئي معلم السيستاني. وكذلك هناك آية الله العظمى محمد باقر المدرسي في كربلاء وهو غير آية الله هادي المدرسي الوالي للنظام السوري.
ويعترف بعض الشيعة بأن هناك صداماً خفياً بين مرجعية خامنئي والسيستاني على الساحة الأميركية وأن سلاح المال الإيراني يستخدم بقوة لإقناع كل فريق بأحقية المرجعية واهتمامهما بهم. حتى أن بعض المطلعين الشيعة لخص الأمر بأنه صراع بين شعبوية المرجع السيستاني والقوة المالية والسياسية لمرجعية خامنئي.
ويقول علي رضا الناشط الإيراني في واشنطن لـ "الوطن العربي": إن حكومة الملالي في إيران ناشطة في أوساط الجالية الإيرانية في الولايات المتحدة وتستغل الحماس الديني لدى الشيعة الإيرانيين.. وأن نظام إيران يحاول الإيحاء بأنه حامي الإسلام في أميركا... ويضيف على رضا: إن النظام الإيراني له حرية الحركة في الولايات المتحدة وينظم لوبيات له مثل "أميركان إيرانيان أورغ" أو المجلس الوطني الإيراني الأميركي ومن نشطائه البروفسور هو شيانغ أمير أحمدي الأستاذ في جامعة روتغر في نيوجرسي والذي يزور إيران مرارا مع وفود أميركية ويدافع عن النظام..(25/119)
وقد رتب اللوبي الإيراني لجواد ظريف ممثل إيران الدائم في الأمم المتحدة زيارة للالتقاء مع بعض أعضاء الكونغرس في واشنطن.. ويشير رضا إلى أن هناك أكاديميين يقفون مع طهران من أمثال غاري سيك من جامعة كولومبيا الذي انتقد الرئيس بوش لتوجيهه انتقادات للانتخابات الرئاسية الإيرانية الأخيرة... ولكن رضا يرى أنه ليس من مصلحة إيران القيام بأعمال ضد أميركا في داخلها، مشيراً إلى وجود فرق في الخارجية الأميركية لا يريدون إزعاج الحكم الإيراني!
مؤسسة "أغاخان" تتبنى مشروعا لتطوير ضريحه بأسوان
محمد شعبان صحيفة القاهرة 29/6/2005
اتفق اللواء سمير يوسف محافظ أسوان والأمير كريم أغاخان زعيم الطائفة الإسماعيلية ورئيس مؤسسة أغاخان الثقافية على تطوير المنطقة المحيطة بضريح أغاخان الواقعة بالبر الغربي للمحافظة.. وقد اتفق الجانبان على أن تشمل عملية التطوير إنشاء مجموعة من الأسواق والبازارات السياحية وبعض المراكز الخدمية الحضارية التي تتلائم مع طبيعة المنطقة، واتفق الجانبان أيضاً على إقامة مركز تدريب على مساحة 4 آلاف متر مربع يشمل خدمات ثقافية واجتماعية وتعليمية.
وعن موقع الضريح يقول د. مختار الكسباني أستاذ الآثار الإسلامية بجامعة القاهرة.. لقد وقع اختيار الأمير صدر الدين خان زعيم الطائفة الإسماعيلية السابق على هذا الموقع وأعجب به وقرر بناء ضريح به يحوي جثمانه بعد مماته وبالفعل قام بشرائه من الحكومة المصرية وكان ذلك في خمسينات القرن الماضي.. وعند البدء في تصميم الضريح قام الأمير صدر الدين بتنظيم مسابقة عالمية بين المتخصصين ووقع الاختيار على العالم الأثري كرزويل والمعماري المصري د. فريد شافعي ليضعا تصميم هذا الضريح الذي بني على نسق ضريح بدر الدين الجمالي بالمقطم بالقاهرة والمعروف بضريح "الجيوشي".(25/120)
ويشير الكسباني إلى إنه منذ عامين توفيت زوجة الأمير صدر الدين المعروفة بـ "البيجوم أغاخان" ودفنت بجوار زوجها في نفس الضريح.. ويعتبر موقع الضريح الحالي أقدم جبانة إسلامية حيث يرجع تاريخها إلى العصر الفاطمي.
ويوضح د. محمود مرسي أستاذ الآثار الإسلامية بجامعة القاهرة أن ضريح أغاخان بأسوان مصمم على غرار مشهد الجيوشي بالقاهرة، وهو عبارة عن صحن وقاعتين على الجانبين وحجرات على جانبي المدخل وإيوان بالجهة الجنوبية الشرقية مقسم إلى أروقة.
نصيب كبير
وعن مؤسسة أغاخان التي ستقوم بتنفيذ المشروع يقول د. محمد مكاوي رئيس مجلس إدارة المؤسسة بالقاهرة.. المؤسسة خيرية ولا تهدف إلى الربح ولها فروع في عدد من البلاد الأخرى حيث تقوم بمشروعات ثقافية وقد أسسها الأمير أغاخان الأكبر المدفون في أسوان والمؤسسة بها برنامج يسمى.. "برنامج تطوير المدن التاريخية" ينفذ على مستوى العالم الإسلامي وتستحوذ القاهرة بنصيب كبير منه باعتبارها من المدن الإسلامية المهمة.
كما تم تنفيذ بعض عناصر البرنامج بها حيث تم تنفيذ مشروع تطوير منطقة الدرب الأحمر أثرياً وتنمويا وذلك بالتعاون مع الجمعيات الأهلية وهناك أيضاً حديقة الأزهر والتي تعد أحد أهم المشروعات التي قامت بها المؤسسة في مصر والذي تم الكشف خلال العمل به عن جزء من سور القاهرة الذي يرجع إلى العصر الأيوبي ويبلغ طوله 1300م وكان في حالة متهالكة جدا ومندثر بعض أجزائه بشكل كامل إلى أن المؤسسة بالتعاون مع المجلس الأعلى للآثار وبعض الخبراء الإيطاليين قامت بإظهار السور وترميمه وإرجاعه إلى حالته الأصلية.
ويضف مكاوي أن المؤسسة قامت بترميم مدرسة "درب شغلان" بمنطقة الدرب الأحمر والتي تصدعت في زلزال 1992 وتم إعادتها إلى حالتها الأصلية.. وحاليا تقوم المؤسسة بالمشاركة في ترميم مسجد أم السلطان شعبان وكذلك مجموعة خايربك هذا بالإضافة إلى أعمال الصيانة في مسجدي السلطان حسن والرفاعي.(25/121)
ويعود د. مختار الكسباني ليشير إلى أنه بالرغم من أن الآثار الفاطمية تعتبر جزءا مهما لفلسفة المنظمة انطلاقا من المنظور العقائدي إلى أنها مع ذلك تهتم بالآثار الإسلامية التي ترجع إلى كافة العصور وهي بذلك أكثر شمولا من طائفة البهرة التي تقصر اهتمامها على الآثار الفاطمية والتي ترجع لآل البيت.
الطائفة الإسماعيلية
والأمير أغاخان ـ كما يضيف الكسباني ـ هو زعيم الطائفة الإسماعيلية التي تنتسب إلى إسماعيل بن جعفر الصادق الذي يعود نسبه إلى الإمام علي بن أبي يطالب رضي الله عنه... وقد حقق هذا الأمير ثروات كبيرة نتيجة عمله بالتجارة وقام بتخصيصها للحفاظ على السلالة الإسماعيلية والاهتمام بالتراث الإسلامي ككل وليس الشيعي فقط.
ويشير د. محمود مرسي إلى أهم معتقدات الطائفة الإسماعيلية موضحا أنهم يؤمنون بفكرة نفي الصفات عن "الخالق" وتنزيهه عنها حيث يعتقدون أن هذه الصفات يمكن أن تطلق على البشر وبالتالي لا يليق أن تطلق في نفس الوقت على الخالق سبحانه.
ومن هنا كان إطلاقهم هذه الصفات على ما يسمونه "العقل الأول" والذي يرث صفاته وهو "الإمام" وهو ما ترتب عليه اعتقاد كثير من الناس خطأ بفكرة تأليه أئمة الإسماعيلية ولعل هذا ناتج عن أفكارهم الخاصة بوراثة الإمام لصفات العقل الأول.
ويضيف د. محمود ترتكز عقيدة الإسماعيلية على الأرقام ودلالاتها حيث إن هذه العقيدة ما هي إلا مزيج بين الأفكار الدينية والفلسفات المختلفة. وبالتالي فهم يعتمدون على التفكير العقلي في تفسير الكثير من الأمور الدينية بل وتأويل الكثير من الآيات القرآنية بما يتلاءم مع فكرهم وهو ما يطلق عليه "تأويل الباطن" والذي يختلف إلى حد كبير عن تفسير أهل السنة للقرآن حيث إن الشيعة ولاسيما الإسماعيلية منهم يرون أن السنة يأخذون بالظاهر وليس بباطن التأويل الذي يعد من وجهة نظرهم الأدق والأصح.
محضر اجتماع الجمعية العمومية للسادة مشايخ الطرق الصوفية(25/122)
يوم الاثنين 29 ربيع الآخر 1426هـ الموافق 6 يونيو 2005
مجلة: التصوف الإسلامي العدد 318 جمادى الآخرة 1426هـ / يوليو 2005
انعقدت الجمعية العمومية للسادة مشايخ الطرق الصوفية بدار المشيخة العامة للطرق الصوفية في تمام الساعة الثانية عشرة من ظهر الاثنين 29 ربيع آخر سنة 1426هـ الموافق 6 يونيو سنة 2005 برئاسة سماحة السيد/ حسن محمد سعيد الشناوي ـ شيخ مشايخ الطرق الصوفية ورئيس المجلس الأعلى للطرق الصوفية.
وبعد اكتمال النصاب القانوني لانعقاد الجمعية العمومية سارت وقائع الاجتماع كما يلي:
استفتح سماحة شيخ المشايخ الجلسة بقراءة الفاتحة
وفي بداية الاجتماع أشار الأستاذ/ محمد سلامه نويتو باقتراح تغيير اسم الاجتماع من اجتماع الجمعية العمومية إلى اجتماع مشايخ الطرق الصوفية لأن هذا الاجتماع يخالف نص المادة 23 من القانون رقم 118 لسنة 1976 والتي تنص: "يدعو المجلس الأعلى للطرق الصوفية الجمعية العمومية لمشايخ الطرق الصوفية للاجتماع بصفة دورية مرة كل سنة على الأقل وكلما دعت الضرورة إلى ذلك" وأنه لم تجد ضرورة تستدعي عقد الجمعية العمومية.
وقد وعد سماحة شيخ المشايخ بالنظر في الموضوع مستقبلا ثم عرضت الموضوعات الآتية:
أولا:
بالنسبة لموضوع الإصلاحات الصوفية: عرض سماحة شيخ المشايخ أن هناك لجنة للإصلاحات الصوفية اجتمعت قدمت تقاريرها ويمكن قراءتها لبحثها، وبعد عرض تقرير لجنة الإصلاحات الصوفية فتح باب المناقشة بين السادة المشايخ الحاضرين.
وقد انتهت المناقشات بالموافقة على اقتراح السيد الأستاذ/ أحمد كامل ياسين الرفاعي ـ شيخ عموم السادة الرفاعية وعضو المجلس الصوفي بتشكيل لجنة من بين السادة مشايخ الطرق الصوفية لوضع مقترحاتهم في الإصلاحات الصوفية وبالأسلوب الذي يرضي جميع الأطراف. وفي هذا المجال طلب السيد المستشار/ مالك محمد علوان أن يكون الإصلاح المقترح في إطار القانون رقم 118 لسنة 1976.(25/123)
وقد انتهت المناقشات الخاصة بهذا الموضوع إلى أن تقرر الآتي:
يتفضل السادة مشايخ الطرق الصوفية في خلال شهر من الآن بتقديم مقترحاتهم حول موضوع الإصلاحات الصوفية ثم يتم بلورة هذه المقترحات وعرضها على المجلس الأعلى للطرق الصوفية لمناقشة هذه المقترحات وبلورة ما يصلح منها إلى قرارات تنفيذية.
ثانيا:
1ـ بالنسبة لبند مصروفات دعم الدعوة وخدمات الاستقبال عرض سماحة شيخ المشايخ أنه تقرر زيادة بنسبة 15% ليكون 1150 جنيهاً كل ثلاثة شهور لكل طريقة من الطرق الصوفية بدلا من 1000 جنيه وأشار سماحة شيخ المشايخ بعدم إمكانية الزيادة أكثر من ذلك لعدم وجود موارد تغطي أي زيادة مطلوبة.
2ـ أشار سماحة شيخ المشايخ إلى موضوع بعثات الحج كما يلي:
أ ـ أوضح سماحة شيخ المشايخ أنه كانت هناك مجموعات للحج وتم إلغاؤها وطلب رأي السادة المشايخ في ذلك حيث تمت الموافقة على ذلك.
ب ـ بعد انتهاء تنظيم بعثة الحج يكون هناك فائض يتم توجيه جزء منه لبعض الطرق لدعم النشاط الصوفي إلا أنه اعتباراً من العام الماضي 1425هـ تقرر أن يشمل دعم النشاط الصوفي للطرق الصوفية من عائد بعثات الحج جميع الطرق الصوفية ولكن بنسب مختلفة وفق نشاط كل طريقة من الطرق وقد ثار جدل كبير حول هذا الموضوع وطلب بعض السادة المشايخ أن يتم توزيع الجزء المخصص لدعم النشاط الصوفي للطرق الصوفية بالتساوي بين جميع الطرق.
وقد وعد سماحة شيخ المشايخ ببحث هذا الموضوع بما يحقق الصالح العام للنشاط الصوفي.
ثالثا: عرضت بعض موضوعات متنوعة كما يلي:
1ـ بالنسبة للسادة مشايخ الطرق الصوفية الذين لا يحضرون للمشيخة لصرف مستحقات طرقهم تقرر عدم استبقاء المستحقات بالخزينة لأكثر من ستة شهور، ثم ترد المستحقات التي لم تصرف للحساب المختص ويتم صرف الاستحقاق مرة أخرى بطلب كتابي يتم الموافقة عليه من سماحة شيخ المشايخ ويستخرج شيك بالقيمة باسم صاحب الاستحقاق.(25/124)
2ـ طالب سماحة شيخ المشايخ بضرورة الالتحام بين السادة مشايخ الطرق الصوفية والمشيخة العامة وأن يكون هناك اتصال دائم بين السادة المشايخ والمشيخة العامة.
3ـ كما طلب سماحة شيخ المشايخ بضرورة الاهتمام بالمكاتبات التي تصلهم من المشيخة في مختلف الموضوعات والمشكلات الخاصة بالتصوف، وضرورة سرعة الرد على ما يصلهم من مكاتبات من المشيخة العامة.
4ـ أشار سماحة شيخ المشايخ أن بعض المشايخ يعتدون على زملائهم بأخذ أبنائهم، وأنه يجب أن يحافظ المشايخ على بعضهم وأن يكون الحب هو أساس التعامل بين المشايخ.
5 ـ أوضح سماحة شيخ المشايخ أن واجهة الطرق الصوفية هي الموالد، والجميع يعرف الأخطاء والتجاوزات الموجودة في الموالد وإذا أرسلنا بما يحدث من أبناء بعض الطرق من مخالفات فلا نتلقى إجابة منهم. وقد قررت الجمعية العمومية أن يتم تنفيذ عقوبة العزل أو الإيقاف لأبناء الطرق الصوفية المخالفين في الموالد من المشيخة العامة ثم تخطر الطرق لاتخاذ اللازم..
6ـ عرض الأستاذ/ سليمان سامي محمود أن المسجد الخاص بالطريقة تم ضمه إلى وزارة الأوقاف وطلب تجميع المساجد والمقابر المشابهة لتكون قوة، كما أشار سيادته إلى أنه ألف حوالي ثلاثين كتاباً في التربية الصوفية وسلمت أصولها إلى المشيخة العامة فماذا تم فيها؟
هذا وقد انتهت جلسة الجمعية العمومية بقراءة الفاتحة حيث كانت الساعة حوالي الثانية والنصف بعد الظهر.
محضر اجتماع وكلاء المشيخة العامة للطرق الصوفية
يوم الثلاثاء 30 ربيع الآخر 1426 هـ الموافق 7 يونيو 2005
بدأت وقائع الجلسة بقراءة الفاتحة ثم سارت ... كالآتي:
1ـ سماحة الشيخ: يرحب بالحاضرين ويؤكد على ضرورة الالتحام والتجاوب بين الوكلاء والمشيخة العامة، والوكيل الذي لا يلتحم بالمشيخة ولا يكون بينه وبين المشيخة اتصال سيتم اتخاذ قرار حاسم بالنسبة له.(25/125)
2ـ اللجان الاستشارية،لا يوجد إلا لجنتان فقط هما لجنة كفر الشيخ،والمنوفية. يجب أن يتم الالتحام التام بين اللجان والمشيخة، ولا بد من العرض علينا بالنسبة لكل صغيرة وكبيرة.
3ـ بالنسبة للأضرحة يجب التحري الحقيقي وانتقال الوكيل إلى الضريح على الطبيعة ليتأكد من الأحقية حتى يمكن تعيين صاحب الأحقية حتى يكون هناك رضى من الله علينا ولا يصح أن يتم التحري أو التوقيع على الكراسة دون معاينة حقيقية ـ وبعض الوكلاء غير مقيمين بنفس دائرة التوكيل فيجب أن يكون للوكيل أيام في كل أسبوع يحضر مقر توكيله لمباشرة مهام وظيفته.
4ـ بعض الوكلاء يرسلون إلينا عن أضرحة وهمية ليس لها أي أساس وبعض الأضرحة يطلب الوكلاء تعيين خدم عنها، مع أن المدفون طفل صغير لم يصل إلى سن التكليف.
5ـ التقرير يجب أن يصل إلينا مستوفي تماما، والمعاينة على الطبيعة مع نبذة عن صاحب الضريح (على قدر الاستطاعة) وبعض الوكلاء يقولون (هذا صحابي وطريقته كذا فكيف ذلك؟).
6ـ الموالد يتم التصريح، وللأسف تمتلئ الموالد بالبدع والمخالفات من حضور النساء واختلاطهن بالرجال وشرب الجوز والطبل والزمر والموسيقى على حلقات الذكر.
7ـ المجلة: اتفقنا على عدد معين في العام الماضي وهو عدد 5 لكل وكيل.
قرار: يقوم كل وكيل بدفع مبلغ 100 جنيه لحساب خمسة أعداد لمدة سنة والدفع يبدأ من أول شهر جمادى الآخرة 1426 هـ وعلى 4 أقساط يتم سداد 25 جنيهاً كل قسط والقسط كل 3 شهور.
8ـ موضوع الإيقاف المؤقت والإيقاف مدة يجب عدم إشراك الأمن في الموضوع ومحاولة التنفيذ بهدوء مع عدم الفضيحة.
الأمين العام عبد الحميد عبد اللطيف
شيخ مشايخ الطرق الصوفية
حسن محمد سعيد الشناوي(25/126)
مجلة الراصد الإسلامية
العدد السادس والعشرون – غرة شعبان 1426 هـ
فاتحة القول: مسودة الدستور والوحدة المنشودة....................................3
1-…فرق ومذاهب: المكارمة السليمانية...................................5
2-…سطور من الذاكرة: المجلسي يؤلف بحار الأنوار...................26
3-…دراسات احذروا الغزو السياسي يا أهل السنة.......................23
4-… أهل السنة والشيعة........................................29
5-…كتاب الشهر: الدولة الفاطمية في مصر................................35
6-…قالوا...............................................................40
7-…جولة الصحافة:
العراق
-…اتفاقية لتوطين مليوني شيعي إيراني في العراق.........................45
-…الدليمي هناك مخطط....................................................47
-…العراق فيدرالية الشيعة وصيحة الحكيم..................................52
-…الفرس..................................................................55
-…إيران لا تعهدات.........................................................57
-…عبدة الشيطان...........................................................63
- لقاء مع وزير الدفاع العراقي السابق....................................65
-…مشروع أقاليم العراق يهدد وحدة لبنان..................................68
إيران
-…انتخاب أحمدي نجاد.....................................................74
-…إيران والولايات المتحدة.................................................86
-…دولة من النمط الإيراني.................................................91
لبنان
-…تجارة المخدرات والإرهاب..............................................94
-…حرروا لبنان من سموم المخدرات.......................................96
متفرقات(26/1)
-…آخر مدّعي النبوة في الكويت............................................98
-…التصوف في السودان.................................................105
-…من يهن يسهل عليه الهوان...........................................111
فاتحة القول
مسودة الدستور و الوحدة المنشودة !
لقد جاء إقرار مسودة الدستور العراقي من قبل لجنة الصياغة ومن ثم البرلمان العراقي بضغط من التحالف الشيعي الكردي ليكشف عن حقيقة الفكر السياسي لدى الشيعة خصوصاً وذلك أن مطالب الأكراد قديمة بل هي أمر واقع من أكثر من عقد من الزمان .
برهنت الجهود الضخمة للشيعة في صياغة المسودة على أولوية تكريس الطائفية في العراق والمنطقة العربية وذلك بظهور بعض المطالبات لشيعة السعودية بفدرالية خاصة بهم في السعودية!
لقد بحت حناجر الكثيرين من زعماء الحركات الإسلامية السنية وهي تؤيد مطالب الخميني بالوحدة الإسلامية، واليوم حين وصل أتباع الخميني وولاية الفقيه لحكم العراق طبقوا الوحدة الشيعية وليست الإسلامية!!
فهل يفيق المخدوعون من السنة بحقيقة الشيعة من جراء هذه الخيانة؟
وطبعاً سينبري بعض السنة للقول ليس كل الشيعة خونة فهاهما الصدر والخالصي يعارضان الفدرالية! ونقول لهم نعم يعارضانها ولكن ليس حباً بكم بل عداءً للحكيم!!
هل نسيتم ما فعله الصدر بأهل السنة ومساجدهم في بغداد عقب سقوطها مباشرة؟ هل نسيتم ما صنعه أتباعه في البصرة ؟ هل نسيتم ما صنعه الصدر بعبد المجيد الخوئي وهو شيعي مثله؟
إن الصدر شيعي متعصب، و يكره السنة وأهلها مثل الحكيم وغيره من الزعامات الشيعية الإيرانية الهوي، لكن عداءه له نابع من الصراع على الزعامة من جهة، ومن صراع العرقية العربية والفارسية من جهة ثانية ، ومن الطمع بمال الخمس من جهة ثالثة!(26/2)
ومن الغريب أنه في هذه الفترة التي تحتاج الأمة فيها توحيد الصفوف وجمع الكلمة وتنسيق الجهود لمواجهة التحديات العديدة، يعمل الشيعة على زيادة الفرقة وتفكيك الدول الإسلامية التي يتواجدون فيها بقوة بحيث لا يشك المتابع للأحداث بأنهم ينفذون الخطة اليهودية الرامية لإيجاد دول طائفية في المنطقة تبدأ في العراق و تصل للمغرب و لا تقف في باكستان.
والأغرب من هذا أن الجميع كان يظن أن هذه الخطة لتقسيم العراق هي خطة أمريكا وإسرائيل عدوة إيران، فإذا إيران أول المباركين و الساعين في ذلك!!
وهذا الدستور فيه الكثير من الأخطار مثل الموقف من العروبة وإعلاء الفارسية! وتوزيع الثروات لمصلحة الشيعة والأكراد ! وترسيخ الطائفية بالنص على خرافات وبدع عاشوراء.
ومع أن هذه المسودة للدستور لم تقر بعد فإن شيعة الخليج بدأوا يهيؤون أنفسهم لدور جديد، فمتى ينتبه السنة حكاماً وحركات إسلامية وشعوباً؟
ولذلك من الواجب على أهل السنة العمل لإسقاط هذا الدستور البائس.
فرق العدد 26
المكارمة السليمانية
قدّمنا في الأعداد الماضية من الراصد تعريفاً وافياً بفرقة الإسماعيلية، والجماعات التي انبثقت عنها، فتناولنا الدولة العبيدية الفاطمية، التي تمثل الحركة الإسماعيلية الأصلية، وكان ذلك في عدة أعداد من زاوية "كتاب الشهر". وفي زاوية "فرق" تحدثنا عن القرامطة والحشاشين، وهما من فرق ودول الإسماعيلية التي ظهرت في وقت مبكر من نشأة الحركة.
ثم قمنا بالتعريف بفرقتين معاصرتين من فرق الإسماعيلية، وتعتبران بمثابة جناحي الإسماعيلية اليوم، وهما البهرة والأغاخانية.
ثم ما لبثت فرقة البهرة أن انقسمت في أواخر القرن العاشر الهجري إلى قسمين:
1ـ داودية.
2ـ سليمانية، ويعرفون أيضا باسم "المكارمة".(26/3)
وحيث أن فرقة المكارمة صارت تعتبر مستقلة عن البهرة، رغم ما بينهما من تشابه في العقائد والأفكار، فإننا نفرد لها عدداً خاصاً، للتعريف بعقائدها وأفكارها، وتطورها التاريخي، وأهم شخصياتها، وانتشارها، ومدى الاقتراب والابتعاد مع الداودية التي تشكل الأغلبية داخل البهرة.
تكوّن هذه الفرقة:
تعتبر الدولة العبيدية الفاطمية الحركة الأصلية للإسماعيلية. وحتى وفاة إمامهم الثامن المستنصر( ) كانت هذه الدولة، ودولة القرامطة تشكلان الفصيلين الرئيسيين للإسماعيلية.
وبوفاة المستنصر سنة 487هـ، دخلت الإسماعيلية مرحلة جديدة، وحدث فيها الانشقاق الأكبر المتمثل بقيام الوزير الأفضل الجمالي باستبعاد نزار أكبر أبناء المستنصر عن خلافة أبيه، واختار بدلاً منه ابن المستنصر الأصغر "أحمد" ولقبه بالمستعلي، وهو الأمر الذي يخالف عقيدة الإسماعيلية في الإمامة، التي تنص على أن يتولى أكبر أبناء الإمام السلطة بعد وفاة أبيه.
رفض نزار وإخوته أن يتولى "المستعلي" الإمامة بعد وفاة أبيهم، فقد كان نزار يصر على أن والده عهد إليه بالإمامة من بعده، في حين أن اختيار الجمالي للمستعلي - رغم مخالفته لمبادئ الإسماعيلية - جاء لثلاثة أسباب:
1ـ أن المستعلي هو ابن أخت الوزير الجمالي.
2ـ لأن علاقة الجمالي بنزار لم تكن جيدة، إذ كان بينهما خلاف سابق.
3ـ صغر سن المستعلي مقارنة مع سن نزار، مما يتيح للجمالي التحكم به، والتصرف المطلق في شؤون الدولة( ).
ودخل نزار في حرب مع أخيه المستعلي، والجمالي، انتهت بهزيمة نزار وقتله ببناء حائط عليه، وهو تحته للآن، كما ذكر ذلك ابن تغري بردي في "النجوم الزاهرة"، والمقريزي في "اتعاظ الحنفا".
ومن هنا انقسمت الإسماعيلية الفاطمية إلى قسمين:(26/4)
1ـ نزارية: وهم الذين أيّدوا نزاراً، وعلى رأسهم الحسن بن الصباح، وانتشروا بشكل أساسي في بلاد فارس، وهم يعرفون الآن بالأغاخانية( ). وينتشرون في الهند وباكستان وسوريا وشرق أفريقيا.ومركزهم الآن في باكستان.
2ـ المستعلية: الذين ثبتوا على إمامة المستعلي والحكام العبيديين من بعده، ومنهم الصليحيون في اليمن، وهم يعرفون الآن بالبهرة( )، وينتشرون بشكل أساسي في الهند واليمن. وقد كان مركزهم فيا سبق في مصر حتى سقوط الدولة العبيدية، ثم انتقلت إلى اليمن، فالهند.
وفي سنة 495هـ، توفي المستعلي، فخلفه ابنه الآمر بأحكام الله، وعمره خمس سنوات، غير أنه قتل بعد ما بلغ العشرين، على يد أحد أتباع الحسن بن الصباح الموالي للنزارية سنة 524هـ.
وكان مقتل الآمر بداية تطور جديد وانقسام آخر في تاريخ الإسماعيلية، ذلك أن الآمر لم ينجب ابنا، يتولى الأمر بعده، فعيّن عمه الحافظ عبد المجيد بن المستنصر إماماً بالنيابة أو (إماماً مستودعاً)، ولكن سرعان ما دعا الحافظ لنفسه بالإمامة الكاملة، وقد تولى الأمر بعده الظافر سنة 544هـ، ثم الفائز سنة 549هـ، وأخيراً العاضد سنة 555هـ، وهو الذي انتهت الدولة العبيدية الفاطمية في عهده، بعد أن أعلن صلاح الدين الأيوبي سنة 567هـ نهاية تلك الدولة، وبذلك قضى على هذا الفرع من المستعلية( ).
هكذا كان أمر الإسماعيلية المستعلية في مصر، ولكن المستعلية في اليمن كان لها شأن آخر في عهد الصليحيين( )، الذين لم يعترفوا بإمامة عبد المجيد، وزعموا أن إحدى زوجات الآمر بأحكام الله المقتول كانت حاملاً، ووضعت طفلاً ذكراً اسمه الطيب بن الآمر،وأن الإمامة لهذا الطفل.(26/5)
وزعموا أن أحد الدعاة خاف على هذا الطفل، فأخفاه عن الحافظ عبد المجيد، وأرسله إلى الملكة أروى الصليحية في اليمن، وقد أخفته،وجعلت نفسها كفيلة ونائبة عنه في تولي شؤون الدعوة الإسماعيلية. يقول د. محمد الخطيب: "ومنذ ذلك الحين لم يقدم لنا التاريخ ذكراً للأئمة المستورين الذين جاءوا من عقب الطيب المختفي"!!( ).
وقد انقرضت الدولة الصليحية في سنة 511هـ، ولم يقم أتباع الدعوة الطيبية بأي نشاط سياسي بعد ذلك، وكما يقول د. محمد كامل حسين: "فإنّ أتباع هذه الدعوة ركنوا إلى التجارة، وعاشوا في محيط خاص بهم، وكان كثير منهم يتخذ التقية فلا يظهر إسماعيليته، بالرغم من وجود داعية لهم ينوب عن إمامهم المستور في تصريف أمورهم الدينية،وقد هيّأت التجارة التقليدية بين اليمن والهند فرصة لنشر الدعوة الإسماعيلية الطيبية في الهند، ولا سيمّا في ولاية جوجرات أو كجرات جنوب بومباي، وأقبل جماعة من الهندوس على اعتناق هذه الدعوة حتى كثر عددهم هناك، وعرفوا باسم (البهرة)، وكلمة البهرة كلمة هندية قديمة معناها التاجر( )".
لكن الدعوة الطيبة ما لبثت بعد ذلك أن انقسمت في أواخر القرن العاشر الهجري إلى فرقتين: داودية، وسليمانية. ويرجع هذا الانقسام إلى الخلاف على من يتولى مرتبة الداعي المطلق للطائفة. وهكذا كانت معظم الانقسامات في فرقة الإسماعيلية تدور حول شخصية الداعي أو الإمام،وكذلك الحال في فرقة الإمامية الاثنى عشرية، رغم ادّعاء هؤلاء أن الإمام منصوص عليه من الله، وان الاختيار لا يكون عشوائياً.
حدث الانقسام في صفوف الدعوة الطيبية سنة 977هـ، بعد وفاة إمامهم السادس والعشرين قطب شاه، ونشأت عندئذ فرقتان:(26/6)
الأولى: البهرة الداودية: تنسب إلى الداعي داود بن قطب شاه المتوفى سنة 999هـ، المعتبر عندهم الإمام الشرعي السابع والعشرين، ويشكلون الجزء الأكبر من البهرة، وداعيتهم اليوم هو محمد برهان الدين، وهو داعيتهم الثاني والخمسون، وينتشرون في الهند وباكستان واليمن، وبعض أقطار أفريقيا والخليج العربي. ويقيم داعيتهم في مدينة بومباي الهندية.
الثانية: السليمانية، أو البهرة السليمانية( ) ويعرفون باسم (المَكَارِمة)( ) وينتسبون إلى الداعي سليمان بن حسن المتوفى سنة 1005هـ الذي اعتبروه الداعي رقم 27( ) وهذه الفرقة، التي هي محل حديثنا هذا الشهر، تشكل الأقلية في البهرة وينتشر أفرادها في مدينة حراز باليمن، وهي على بعد 100 كيلو غرب العاصمة صنعاء، ويتواجدون في مناطق وقرى أخرى مثل صعفان وعراس وسام.
كما يتواجدون في مدينة نجران في جنوب غرب السعودية، والمناطق القريبة منها.
أهم عقائدهم:
عقائد المكارمة هي عقائد الإسماعيلية نفسها، وهي عقيدة باطنية، تزعم أن للإسلام ظاهراً وباطناً، وبذلك صرفوا آيات الله عن مرادها، وفسّروها حسب أهوائها، وبما يناسب مذهبهم.
وفيما يلي بيان بأهم عقائدهم، مما صاغوه في كتبهم:
1ـ عقيدتهم في الله
ـ ينكر بعض ملاحدتهم وجود الله سبحانه وتعالى، زاعمين أن ذلك يتطلب موجوداً أوجده، يقول داعيتهم ابن الوليد: "اعلم يا أخي أيّدك الله وإيانا بروح منه، لا ينبغي أن يقال: إن الباري ذات لأن الذات حامل الصفات... ولا يقال: إنه موجود، لأن الموجود يقتضي موجوداً أوجده".
ـ جعلوا بعض مخلوقات الله أرباباً من دون الله، كما يتجلى ذلك في اعتقادهم بـ (العقول العشرة)( ). وهم يعتقدون أن للكواكب تأثيراً في خلق الكون، وخلق الإنسان وسعادته، وتذكيره وتأنيثة..(26/7)
يقول داعيتهم حميد الدين الكرماني في (راحة العقل ص340): "إن موجودات هذا العالم كانت عن طريق تزاوج الأفلاك مع الأركان الأربعة (النار والهواء والماء والأرض)، فحصل من بينها المواليد التي هي النبات والمعادن والحيوانات والإنسان. ثم تدخلت أيضا في جعل بعض مواليد الإنسان إناثاً وبعضهم ذكوراً".
ينكرون أسماء الله الحسنى، وصفاته العلا، فقد قال الكرماني (راحة العقل ص135) "إنه تعالى لا ينال بصفة من الصفات". وجاء في كتب السليمانية ما يؤيد أنهم على آثار أسلافهم سائرون، فقد جاء في صحيفة الصلاة، (السيد نصر ص178) قول صاحبها: "فسبحان المتجالل عن كل صفة وسمة".
ـ اعتبروا أن الكفر هو الكفر بأئمتهم، لا الكفر بالله، كما سيأتي بيانه عند الحديث عن عقيدتهم في الإمامة والأئمة.
2ـ عقيدتهم في القرآن الكريم
ـ إنكار أن القرآن كلام الله تعالى، فهم ينفون الصفات عن الله نفياً قاطعاً، يقول الداعي جعفر بن منصور اليمن: "إن الله جل ثناؤه منزّه عن الخطاب والكلام" سرائر وأسرار النطقاء ص29.
ـ تحريفهم للقرآن الكريم بالتأويل الباطني، الذي يعتبر ركيزة من ركائز معتقدهم. يقول جعفر بن منصور اليمن في تأويله لقوله تعالى: "إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً"( ): "يعني بالقرآن عليّاً صلوات الله عليه اتخذوه مهجوراً". الكشف ص 42.
ـ اعتقادهم بأن القرآن محرف ومبدّل. يقول الداعي ابن الوليد: "وفعلهم ـ أي الصحابة ـ بالكتاب الذي جمعه وألفه علي رضي الله عنه، وعندما أخرجه إليهم، وقولهم له عندنا الكتاب، وتركهم له عندما علموا أنه بين فيه فضائحهم، فدرسوه وأخفوا أثره، كما فعل قوم موسى..."( ).
3ـ عقيدتهم في الرسل(26/8)
ـ يعتقدون أن النبوة مكتسبة، وليست اصطفاء من الله، يمكن للإنسان أن يحصل عليها، بما أوتي من مؤهلات وذكاء. يقول أحد دعاء المكارمة السليمانية: "وأشرف النطقاء عليهم الصلاة والسلام ناطق دورنا وأبوه إبراهيم عليه الصلاة والسلام وأشرف الأوصياء والأئمة عليهم الصلاة والسلام أمير المؤمنين علي سلام الله عليه وعليهم، وهم ممن تعلم ورقي في المعارف شيئاً بعد شيء إلى أن بلغ غاية النطق"( ).
ـ اعتقادهم بنبوة ورسالة محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق، وأنه أفضل من جميع الرسل، ويقولون بأنه نبي ورسول بعد محمد صلى الله عليه وسلم، وهو الذي أكمل الدين، وأتم الشريعة، وهو الرسول السابع، ويسمونه الناطق السابع وقائم القيامة وقائم الزمان. يقول جعفر بن منصور اليمن (الكشف ص105): "فدين الله متصل من آدم عليه السلام على أيدي النطقاء والأئمة ـ صلوات الله عليهم ـ حتى يكمل الله دينه وأمره بالناطق السابع المهدي صلوات الله عليه ـ محمد بن إسماعيل ـ فهو الذي إليه دعت الدعاة، وإلى معرفته ندبت الرسل ـ عليهم السلام ـ وبشريعته تمت الشرائع، وهو صاحب إظهار الأمر كله...".
ـ الطعن في أنبياء الله عز وجل، واتهامهم بارتكاب الزنا والفواحش. يقول جعفر بن منصور اليمن: "إن داود عليه السلام أعجب بامرأة أوريا، فوقع عليها بالزنا، فحملت وولدت له سليمان عليه السلام"( ). ويقول في الكتاب نفسه: "إن ابنة يعقوب عليه السلام حملت بالزنا". وقد افترى على نبي الله لوط افتراءات تقشعر منها الأبدان، فقد ادعى جعفر هذا أن لوطاً عليه السلام زنى بابنتيه!
4ـ عقيدتهم في اليوم الآخر
ـ ينكرون البعث بمعناه المتعارف عليه بين المسلمين، ويزعمون أن البعث له معنيان: بعث إيراد، وبعث إصدار بمعنى المبدأ والمعاد.(26/9)
يقول داعيهم الأكبر السجستاني(الافتخار ص 74ـ 75): "إن اعتقاد عامة المسلمين بالقيامة، وما فيها من أهوال، وتغير الأرض والسماوات والجبال، وبعث الناس للحساب والجزاء، سخف وحمق وجهالة. وإن الاعتقاد الصحيح هو الأبدية، وأن المراد بها القائم". ويقول جعفر بن منصور اليمن (سرائر وأسرار النطقاء ص 112): "إن يوم القيامة هو يوم ظهور القائم".
ـ إنكارهم للجنة والنار والثواب والعقاب، والرؤية والحوض والميزان والصراط، وتأويلها تأويلات فاسدة، من قبيل تفسير داعيتهم ابن هبة الله لقول الله تعالى: "وأعدّ لهم جنات تجري من تحتها الأنهار"( ) فقال: " وأعد لهم جنات يعني الانضمام إلى الحجج المستجنة في الحضرة المقدسة. تجري تحتها الأنهار يعني مواد العلوم بالإلهام إلى دعاة الجزائر" مزاج التسنيم ص7.
5ـ عقيدتهم في القضاء والقدر
ينفي السليمانيون المكارمة القضاء والقدر، ويزعمون أن الله عز وجل لم يخلق أفعال العباد، وليس لله مشيئة ولا إرادة، بل إنها من خلق الإنسان. يقول داعيتهم إبراهيم الحامدي: "إن جميع الموجودات خلقاً وأمراً في بدء الوجود الإبداعي، تقتضي قضية الحكمة والعدل أن يكون كله شيئاً واحداً محضاً، وذاتا واحدة لا تفاضل بينهما ولا تفاوت من جهة الإبداعية، ولا تمييز لشيء منها على شيء، لكون الحكمة توجب ذلك وتقتضيه" كنز الولد ص103.
6ـ عقيدتهم في الملائكة
ـ يعتقدون أن الملائكة على ثلاثة أقسام:
أ ـ من هو في العالم العقلي: ويقولون هم العقول العشرة.
ب ـ الذين هم في العالم الفلكي: وهم روحانيات زحل والمريخ والزهرة والمشتري.
جـ ـ الذين هم في العالم الطبيعي: وهم الأئمة والحجج والدعاة وحدودهم( ).
7ـ عقيدتهم في الأئمة والإمامة(26/10)
ـ يعتبر الإسماعيليون، ومنهم المكارمة،الإمامة قطب الدين وأساسه، والدعامة التي يدور عليها جميع أمور الدين والدنيا. وهي عندهم أهم أركان الإسلام، بل يرون أن الحكمة من خلق البشر طاعة الأئمة وأخذ العلم والفضائل منهم، يقول القاضي النعمان: "فمن لم يعتقد ولاية إمام زمانه، لم ينفعه قول ولا عمل، ولم يصح له ظاهر ولا باطن.." تأويل الإسلام ج1، ص54.
ـ جعلوا الإمامة على درجات ومقامات ومراتب، وجعلوا لكل إمام صلاحيات واختصاصات بعضها أعلى وأشرف من مرتبة الرسالة والنبوة، وهي كالآتي:
1ـ الإمام المقيم 2ـ الإمام الناطق 3ـ الإمام الصامت
4ـ الإمام المستقر 5ـ الإمام المستودع 6ـ الإمام المتم
ـ يزعمون أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه هو الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن القرآن نصّ على ذلك،ويتهمون الصحابة بأنهم عصوا الله ورسوله، باختيارهم لأبي بكر الصديق رضي الله عنه خليفة للمسلمين، بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.
ـ يعتقدون بعصمة أئمتهم، ويضفون عليهم صفات وخصائص الأنبياء، بل وأكبر من ذلك إذ أضفوا على أئمتهم أسماء وصفات لا تليق إلاّ بالله سبحانه وتعالى، إذ يخلص المرء عند قراءة ما يعتقدون في أئمتهم إلى أنهم يؤمنون بتأليه الأئمة من دون الله.
زعم جعفر بن منصور اليمن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لما عرج بي إلى السماء الرابعة، رأيت علياً جالساً على كرسي الكرامة، والملائكة حافين به يعظمونه ويعبدونه ويسبحونه ويقدسونه.
فقلت حبيبي جبرائيل، سبقني أخي على هذا المقام، فقال لي: يا محمد، إن الملائكة شكت إلى الله شدة شوقها إلى علي لعلمها بعلوه ومنزلته، وسألت النظر إليه فخلق الله هذا الملك على صورة علي، وألزمهم طاعته، فكلما اشتاقوا إلى علي نظروا إلى هذا فيعبدونه ويسبحونه ويقدسونه، وذلك قوله ( وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله، وهو الحكيم العليم)( ) سرائر وأسرار النطقاء ص115.(26/11)
ويزعمون أن الباقر، خامس الأئمة عند الإسماعيلية والشيعة الاثنى عشرية قال: "ما قيل في الله فهو فينا، وما قيل فينا فهو في البلغاء من شيعتنا"( ).
8ـ عقيدتهم في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم
عقيدتهم في هذا الباب مشابهة لعقائد الشيعة الاثنى عشرية، إذ يعتقدون بكفر الصحابة، وارتدادهم بعد وفاة النبي، وأنهم سلبوا عليّا حقه في الخلافة، وهم يدينون الله بسب الصحابة وبغضهم ولعنهم وتكفيرهم( ).
جانب من عباداتهم وسلوكياتهم وطقوسهم
1ـ عدم الصلاة جماعة مع المسلمين الذين يخالفونهم في المذهب، لاعتقادهم أن الصلاة خلفهم باطلة. يقول الأستاذ مسفر بن سعيد:"وإذا اضطروا لذلك كما في الحرم المكي أو النبوي صلّوا بنية الإفراد. وقد رأيتهم في الحرم لا يسلمون بسلام الإمام، بل يقومون مباشرة، ويأتون بركعة أخرى، ونحو ذلك"( ).
2ـ تعطيل صلاة الجماعة، وأداء الظهر أربع ركعات بدلاً منها، حيث يزعمون أن صلاة الجمعة لا تقام حتى يظهر الإمام الغائب.
3ـ تعطيل خطبة العيدين والاستسقاء، معللين ذلك بغيبة الإمام، ثم ابتدعوا ركعتين تصلى عوضاً عن الخطبة.
4ـ الجمع بين الظهر والعصر دائما،ويبررون ذلك بأن الظهر مَثَل على دعوة محمد صلى الله عليه وسلم، والعصر مَثَل على دعوة محمد بن إسماعيل، وهو من أبناء محمد صلى الله عليه وسلم، ودورهما واحد، ولذلك يجمع بين الظهر والعصر!
ويجمعون كذلك بين المغرب والعشاء جمع تقديم دائماً.
5ـ الصلاة على سجادة خاصة يحملها الواحد منهم أينما ذهب، حتى لو كان مسجدهم نظيفاً ومفروشاً، وإذا أراد الواحد منهم الصلاة يضع كل ما معه من محفظة ومفاتيح وساعة وأوراق ونحوها على طرف السجادة. وبعضهم يضع أيضاً سرواله!
6ـ لا يرون المسح على الخفين أو الجوربين، ولا الصلاة بهما، كما أن علماءهم يقررون في كتبهم عدم غسل القدمين، والاكتفاء بمسحهما، لكن العامة منهم يغسلون القدمين، ولا يمسحون( ).(26/12)
7ـ إخراج زكاة الفطر نقوداً، وإعطاؤها إلى دعاتهم، الذين يكنزونها في بيت المال.
8ـ صيام رمضان 30 يوماً دائماً، وعدم اعتماد رؤية الهلال.
9ـ صيام اليوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة من كل عام، ويخصونه بشيء من العبادة، ويسمونه (عيد غدير خم)، وهو اليوم الذي يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى فيه بالخلافة من بعده لعلي.
10ـ مخالفة عموم المسلمين في الوقوف بعرفة، بناء على اعتمادهم تقويماً خاصاً قد يخالف رؤية الهلال.
11ـ غلوهم ومبالغتهم في عدّة المرأة المتوفى عنها زوجها، فيحجبونها، ويمنعونها عن الخروج، ولا ترى الرجال ولا الأطفال، وإذا رأت طفلاً ذكراً غير محرم لها في آخر يوم من عدتها، فيلزمونها بالإعادة من جديد.
12ـ انتشار السحر والشعوذة بينهم، حتى أن بعض دعاتهم استخدم السحر ضد دعاة آخرين، عندما تنافسوا على شخص الداعي المطلق للسليمانية.
13ـ اتصافهم بالسرية والتقية، وتكتمهم على عقيدتهم وأصولهم وكتبهم التي لا يطلع عليها أحد إلاّ بعد أن يصل إلى مرتبة معينة، وبعد عهود موثقة وأيمان مغلظة بعدم كشف ما فيها من أسرار( ).
واقعها المعاصر
حتى سنة 1413هـ، كان حسين بن الحسن هو الداعية المطلق لهذه الطائفة، وترتيبه الخمسون من دعاتهم، وقد كان مصاباً بأمراض خطيرة ألزمته داره أحياناً، والمستشفى أحياناً أخرى، لذلك أسند أمور الدعوة إلى محسن بن علي بن الحسين الذي كانت له الصلاحيات المطلقة في جميع شئون الدعوة، وإدارة بيت المال.
وقد استغل محسن هذه الظروف، وكسب عدداً كبيراً من الأتباع، وزعماء القبائل الذين لهم تأثير على العامة، مما جعل الجميع يجزم بأن محسناً هذا هو الداعي المقبل، لكن المفاجأة كانت بأن حسين بن الحسن أوصى بالإمامة بعده لرجل يدعى حسين إسماعيل بن أحمد، وهو رجل مجهول عند أتباع الفرقة.(26/13)
عندئذ رفض محسن بن علي الاعتراف بإمامة حسين إسماعيل، ونصّب نفسه إماماً على طائفة المكارمة السليمانية، ورفض أن يسلم لحسين ما تحت يده من صلاحيات وأموال، ومقر الفرقة ومكاتبها، وبقي يؤم الناس في الجامع الكبير للطائفة.
ثم تطور الخلاف بينهما، وقام محسن باستخدام السحر في محاولته لصد منافسه من المركز الرئيس للطائفة والجامع. ولمّا أثر السحر في حسين ترك المركز الرئيس للطائفة ومسجدهم، وانتقل إلى موقع آخر مجاور يدعى "دحضة" بمدينة نجران، وبها مسجد جامع كبير للطائفة أيضاً. وقيل أن حسيناً ذهب إلى ساحر فكشف له حقيقة سحره، وفكه من السحر.
وصار المكارمة في حيرة من أمرهم بسبب هذا الخلاف، وهذا الانقسام الجديد في الطائفة، ولاسيما وأن هذين الشخصين تجمعهما صلة قرابة قوية.
أوجه الخلاف بين السليمانية والداودية
ينبع فكر المكارمة، والبهرة الداودية من منبع واحد، ويدينون بعقيدة واحدة، لكن ثمة خلافات نشأت مع الأيام، بعضها تنظيمي، وبعضها فكري، الأمر الذي جعل البهرة الداودية لا يعترفون بانتماء المكارمة إلى طائفة البهرة.
وفيما يلي أهم أوجه الخلاف بين الطائفتين:
1ـ ترى الداودية أن الداعي المطلق بعد داود بن عجب شاه الهندي، هو: داود بن قطب شاه، في حين يرى السليمانية أن الداعي المطلق هو سليمان بن الحسن الهندي، الذي ينتسبون إليه.
2ـ عندهم جميعاً عقيدة تسمى "الاستيداع والاستقرار" وهي أن الإمام إذا لم يكن مؤهلاً للإمامة، فإنها تنصرف إلى شخص آخر كمستودع للإمامة حتى يكون الإمام الأصلي مؤهلاً لها، فتنتقل إليه.
لكن الداودية ترى أن هذا يكون خاصاً بالأئمة فقط، وبعد غياب الإمام رفعت هذه النظرية، والدعاة الذين ينوبون عن الإمام لا يكون فيهم "الاستيداع والاستقرار".(26/14)
أما المكارمة السليمانية فيرون استمرار هذه العقيدة حتى بعد غياب الإمام، لذلك أنكر عليهم الداوديون عندما استودع سليمان بن الحسن الهندي، محمد بن الفهد على ابنه جعفر. وحجة الداودية في ذلك أنّ الدعاة مستودعون للإمام الغائب (الطيب بن الأمر)، فكيف أن المستودع يستودع على المستودع!؟
3ـ ترى الداودية أن الإمام المستودع أفضل من الإمام المستقر، في حين تعتقد السليمانية بأن الإمام المستقر أفضل من المستودع، وبناء على ذلك اختلفوا في تفضيل الحسن والحسين رضي الله عنهما أحدهما على الآخر، ففضلت الداودية الحسن، وفضلت السليمانية الحسين،لأنهم اعتبروا أن الإمام هو الحسين، لأن الإمامة في عقبه، أما الحسن فهو إمام مستودع سلّم الإمامة إلى أخيه الحسين الذي هو الإمام المستقر( ).
4ـ ارتباط الداودية بالزعامة الهندية، الممثلة اليوم بمحمد برهان الدين، في حين ترتبط السليمانية بالزعامة اليمنية المتواجدة في مدينة نجران السعودية، والممثلة اليوم بحسين إسماعيل.
5ـ لم يعرف عن المكارمة القيام بالطقوس الشركية علناً أمام الأضرحة، والسجود للإمام كما يفعله الداودية( ).
6ـ يشكك الداوديون بأئمة السليمانيين وأخلاقهم، إذ يقولون: "إن أحد أبناء المستنصر كان منحرفاً وصاحب لهو ومجون، وكان الابن الآخر تقيا وورعاً، وقد سلك مسلك الدين على الشريعة الإسلامية. وهذا الشخص هو من اتبعناه حتى الآن، في حين اتبع المكارمة شقيقه الآخر، حيث أن المكارمة ليسوا من طائفة البهرة، فمكان دعوتهم وضريح زعيمهم موجود في نجران"( ).
أبرز شخصياتهم
1ـ الداعي الحالي حسين إسماعيل المكرمي، المقيم في منطقة نجران، وقد اعتقلته السلطات السعودية في شهر نيسان/ أبريل سنة 2000، بسبب ممارسة الشعوذة، فما كان من أنصاره إلاّ أن قاموا بمظاهرات، وهاجموا مقر أمير المنطقة.
2ـ محسن بن علي، الذي كان متوقعاً أن يتسلم رئاسة الطائفة بدلاً من حسين إسماعيل.(26/15)
3ـ علي بن محمد الضلعي، صاحب كتاب (نجران والتايخ).
للاستزادة:
1ـ فرقة السليمانية الباطنية: عرضاً ونقداً ـ مسفر بن سعيد بن علي.
2ـ الشيعة الإسماعيلية: رؤية من الداخل ـ علوي طه الجبل.
3ـ ماذا تعرف عن (البهرة الإسماعيلية) ـ د. أحمد عبد العزيز الحصين.
4ـ الإسماعيلية المعاصرة ـ د. محمد بن أحمد الجوير.
5ـ الإسماعيلية: تاريخ وعقائد ـ الشيخ إحسان إلهي ظهير.
6ـ الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة ـ إعداد: الندوة العالمية للشباب الإسلامي.
7ـ تاريخ الفاطميين في شمالي أفريقيا ومصر وبلاد الشام ـ د. محمد سهيل طقوش.
8 ـ الحركات الباطنية في العالم الإسلامي ـ د. محمد أحمد الخطيب.
سطور من الذاكرة – العدد 26
المجلسي يؤلف بحار الأنوار
"اقترن اسم المجلسي بالدولة الصفوية، واقترن كتاب بحار الأنوار به". هكذا يمكن أن نلخص حديثنا عن محمد باقر المجلسي أشهر علماء الشيعة الإمامية الاثنى عشرية في العصر الصفوي، وعن كتابه الكبير في حجمه "بحار الأنوار في أحاديث النبي والأئمة الأطهار".
فالدولة الصفوية التي قامت في إيران سنة 907هـ (1502م) وتبنت مذهب الشيعة الاثنى عشرية، وفرضته بالقوة، كانت حريصة على رفعة هذا المذهب ونشره في عموم إيران والمناطق المجاورة، وأنفقت الكثير لدعم حركة التأليف والترجمة، بل واستقدام العلماء الشيعة من خارج إيران وبشكل خاص من جبل عامل في لبنان، ليقوموا بتعليم العقائد الشيعية ونشرها، والتأليف فيها، وأصبح لعلماء الشيعة مكاناً مرموقاً في العهد الصفوي، وقد كان المجلسي نتاجاً لهذا العصر.
ولد محمد باقر بن محمد تقي المجلسي سنة 1037هـ (1627م) في أصفهان التي كانت آنذاك عاصمة للصفويين، ويعرف محمد باقر بالمجلسي الثاني في حين يطلق على والده المجلسي الأول.(26/16)
ينظر الشيعة إلى محمد باقر المجلسي نظرة احترام كبيرة، وإجلال، ويعتبرونه أحد الذين حفظوا مذهب الشيعة الإمامية، وحُفظ المذهب بهم، بل ويعتبرونه الذي حمى إيران، والدولة الصفوية التي لم تسقط إلاّ بعد وفاته!
وترجم له صاحب كتاب "المرجعية الدينية ومراجع الإمامية" ص 58 بقوله: "..كان شيخ الإسلام المطاع من قبل السلاطين الصفويين في أصفهان حينما كانت هذه المدينة حاضرة لبلاد إيران، وكان من موقعه الديني المتميز يباشر بنفسه جميع المرافعات وشؤون القضاء وإجراء الحدود الإسلامية.. وقال عنه المحدث النوري في كتابه "دار السلام"" لم يوفق أحد في الإسلام مثل ما وُفّق هذا الشيخ المعظم والبحر الخضم والطود الأشم من ترويج المذهب بطرق عديدة أجلها وأبقاها التصانيف الكثيرة التي شاع ذكرها في الأنام..
وبلغ من ترويجه لمذهب الإمامية حدّاً بحيث أن عبد العزيز الدهلوي من كبار علماء السنة وصاحب كتاب "التحفة الإثنى عشرية في الرد على الإمامية" صرح بأنه: لو سمي دين الشيعة بدين المجلسي لكان في محله".
وأما دوره في الدولة الصفوية الشيعية ومكانته، فينقل مؤلف كتاب "الهجرة العاملية إلى إيران" ص195 بعض ما جاء في كتب التاريخ الإيراني عن المجلسي "الذي، وإن لم يجلس فعلاً على العرش، لكنه بشخصيته القوية القادرة، استطاع أن يقبض على الأمور، وسط الظروف الحالكة، التي كانت تمر بها البلاد، حيث كان الأفغانيون يهدّدون باجتياحها، مستغلين ضعف الشاه حسين الأول. وفعلاً حفظ البلاد طيلة حياته، ولم ينجح الأفغانيون في اجتياح إيران إلاّ بعد وفاته".
وأطلق على المجلسي "شيخ الدولة الصفوية"، وكانت له الكلمة المسموعة، وقد عاش في المرحلة الصفوية الأخيرة( ) عيشة ترف وأبهة. وكان شديد التعصب لمذهبه فأغرى الدولة باضطهاد جميع مخالفيه.(26/17)
وفي مقابل ما كان يحظى به المجلسي من مكانة، كان يكيل المدح والإطراء لسلاطين الدولة الصفوية، رغم ما عرف عنهم من بطش وفساد، حتى أن الشاه حسين الذي كان يبيح الخمور في عصره وكان لعبة بيد الحريم كما ذكر صاحب كتاب "الهجرة العاملية" يثني عليه المجلسي ثناءً لا حدود له.كما سطر ذلك المجلسي نفسه في مقدمة كتابه "زاد المعاد" إذ يقول:
ونظراً لأن إتمام هذه الرسالة وإنجازها على عجالة تم في زمان دولة العدالة، وأوان سلطنة السعادة صاحب الحضرة العليا سيد سلاطين الزمان ورئيس خواقين العصر، شيرازة أوراق الملّة والدين، وصفوة أحفاد سيد المرسلين..، السلطان الذي خدمه جمّ، والخاقان الذي الملائكة له حشم.. يا من جبين غضبه يفك العقد التي لا تحلّ، وراحة يده الكريمة سحاب مطر على مزارع الأيسين،مؤسس قواعد الملة والدين، مروّج شريعة الآباء الطاهرين، ومَن حياض بلاطه تفيض من كثرة تقبيل شفاه سلاطين الزمان وخواقين العصر... أعني السلطان الأعظم، والخاقان الأعدل الأكرم، ملجأ الأكاسرة، وملاذ القياصرة، محيي مراسم الشريعة الغراء.. الشاه سلطان حسين الموسوي الحسيني الصفوي.. لا زالت رايات دولته مرفوعة...".
واشتهر المجلسي بكثرة مؤلفاته التي تروج لمذهب الشيعة الاثنى عشرية، فمنها كتاب "زاد المعاد" الآنف الذكر في فضائل الأيام والليالي، وأعمال السنة، ومن كتبه كذلك "في أحوال الأنبياء من آدم إلى نبينا صلى الله عليه وسلم" و "في أحوال خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم من ولادته إلى وفاته" ,و "في الفتن الحادثة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم" و " في أحوال أمير المؤمنين من ولادته وفضائله ومعجزاته ووفاته" و "في أحوال الزهراء والحسنين عليهم السلام" و " في أحوال السجّاد والباقر والصادق والكاظم عليهم السلام" و"في أحوال الرضا والجواد والهادي والعسكري عليهم السلام" و"حق اليقين" و "مرآة العقول".(26/18)
إلا أن كتاب " بحار الأنوار في أحاديث النبي والأئمة الأطهار" يظل أكبر كتبه وأهمها، ويقع في 25 مجلّداً ضخماً، كل مجلد منها يبلغ عدة مجلدات، حتى أن مجموعها بلغ 111 جزءاً، الأمر الذي جعل الشيعة يعتبرون هذا الكتاب "دائرة معارف شيعية لا مثيل لها" ومن أهم ما أضافه العصر الصفوي إلى المكتبة الشيعية وأوسع مصدر للثقافة الشيعية.
ويعتبر "بحار الأنوار" من أهم كتب الحديث عند الشيعة، وقد جمع فيه المجلسي ما هبّ ودبّ من الأخبار والأحاديث المنسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم والأئمة، وجمع فيه سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وفاطمة والأئمة الاثنى عشر، وأحوالهم ومناقبهم، وما نُسب إليهم من المواعظ، ورتبها من غير تهذيب ولا تحقيق.
ولم ينقل المجلسي في "بحاره" إلاّ القليل مما احتوته كتب الحديث الأربعة الكبرى عند الشيعة( ) لأن هذه الكتب كانت تتناول بشكل كبير الفروع، وبحار الأنوار كان في غير الفروع، كما أن المجلسي كان يريد أن يجمع كل ما نسب إلى الإمامية بغض النظر عن صحته ، حتى أنه أدخل في مصادره مرجعاً لا يعرفه الشيعة، وينكرون صحته يعرف باسم "الفقه الرضوي" ، وقد ادّعي أن هذا الكتاب اكتشف في زمن المجلسي!
وقد أشار المجلسي إلى "بحاره" في مقدمة كتاب "زاد المعاد" بقوله:
"وقد وردت أعمال وأدعية جمّة عن رسول الله وأئمة الهدى (صلوات الله عليه وعليهم أجمعين) تزخر بها كتب الأدعية، وأنا الداعي خادم أخبار الأئمة الأطهار عليهم صلوات الملك الغفار قد جمعت أكثرها في كتاب بحار الأنوار، غير أن أكثر الناس لا يتيسّر لهم الاطلاع على ما في هذا الكتاب والعمل بجميع ما فيه نظراً لانشغالهم بأنواع الهموم الدنيوية..".(26/19)
وقد ذكر عبد الله الجزائري أن المجلسي عندما عزم على تأليف "بحار الأنوار"، وكان يفتش عن الكتب القديمة، ويسعى للحصول عليها بَلَغه أن كتاب "مدينة العلم" لشيخ الشيعة المسمى عندهم "الصدوق" موجود في بلاد اليمن، فأبلغ السلطان بذلك، وعلى التو، أوفد السلطان سفيراً إلى ملك اليمن، وحمّله بهدايا وتحف كثيرة من أجل الحصول على ذلك الكتاب.
ومن جانب آخر أوقف الشاه سليمان الصفوي بعض أملاكه الخاصة في سبيل نسخ الكتاب وتوفيره للطلبة، وحين أدخلت المطبعة الحجرية إلى إيران في العهد القاجاري، كان هذا الكتاب من أوائل المؤلفات التي طبعت فيها على نطاق واسع، كما نشر فيما بعد، وأرسلت نسخ كثيرة منه إلى العراق ودول الخليج، وخاصة أن "بحار الأنوار" كتبه مؤلفه باللغة العربية، بينما كانت مؤلفاته الأخرى بالفارسية.
لقد جمع المجلسي في كتابه هذا بحاراً من الجهالة والأباطيل التي نسبها للنبي صلى الله عليه وسلم وأئمة أهل البيت الكرام، وقد أصّل فيه لعقائد الشيعة الروافض، ففي كتابه يتضح بشكل لا لبس فيه القول بتحريف القرآن، وتأليه الأئمة، وتكفير الصحابة،.. ولعلنا ننقل هنا شيئاً يسيراً مما احتواه كتاب بحار الأنوار من أباطيل وروايات مكذوبة:
1ـ يقول المجلسي بعد أن ساق أقوالاً للصدوق، وروايات تكفّر من لا يؤمن بولاية الأئمة الاثنى عشر: "اعلم أن إطلاق لفظ الشرك والكفر على من لم يعتقد إمامة أمير المؤمنين والأئمة من ولده عليهم السلام، وفضل عليهم غيرهم يدل أنهم مخلدون في النار" البحار 23/390.
2ـ وضع المجلسي رواية في "بحاره" عن الإمام الباقر أنه قال: "والله يا أبا حمزة إن الناس كلهم أولاد بغايا ما خلا شيعتنا"! (ج24 ص311) .
3ـ أما فيما يتعلق بتأليه الأئمة وإضفاء صفات الربوبية عليهم من دون الله عز وجل فقد جاء في كتابه الشيء الكثير حول هذا نشير إلى عناوين تلك الأبواب:
ـ باب: أن الله تعالى يرفع للإمام عموداً ينظر به إلى أعمال العباد(26/20)
ـ باب: أن عندهم جميع علوم الملائكة والأنبياء
ـ باب: أنهم يعلمون متى يموتون وأنه لا يقع ذلك إلاّ باختيارهم
ـ باب" أنهم يقدرون على إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص وجميع معجزات الأنبياء عليهم السلام.
والأغرب من ذلك أن المجلسي جعل الأئمة كل شيء في القرآن، ففي أبواب أخرى من كتابه جعلهم:
ـ الصلاة والزكاة والحج والصيام وسائر الطاعات، وأعداءهم الفواحش والمعاصي.
ـ السبع المثاني وكلمات الله.
ـ أهل الأعراف...
لذلك يقول الدكتور ناصر القفاري في كتابه "أصول مذهب الشيعة" ص199: "وكتاب البحار المعتمد عند الشيعة يكاد يجعل الأئمة هم كل شيء ورد به القرآن... فيمضي في هذه الأبواب ليقرر ما شاء له هواه وتعصبه..".
4ـ علّق المجلسي في بحاره على قصة امرأة لوط وامرأة نوح المذكورة في القرآن بقوله: "لا يخفى على الناقد البصير والفطن الخبير ما في تلك الآيات من التعريف بل التصريح بنفاق عائشة وحفصة وكفرهما"! (22/33).
5ـ وأورد المجلسي في كتابه "عن ابن عبد الحميد قال: دخلت على أبي عبد الله ـ رضي الله عنه ـ فأخرج إليّ مصحفاً، قال: فتصفحته فوقع بصري على موضع منه فإذا فيه مكتوب: "هذه جهنم التي كنتم بها تكذبان. فاصليا فيها لا تموتان فيها ولا تحييان". قال المجلسي: "يعني الأولين" أي أبو بكر وعمر. وهنا كما يتضح يورد المجلس كلاماً يزعم أنه من القرآن الذي تم إخفاؤه وحذفه كما تؤمن الشيعة، ويحكم من خلاله على أبي بكر وعمر رصي الله عنهما بالخلود في النار.
للاستزادة:
1ـ المرجعية الدينية ومراجع الإمامية ـ نور الدين الشاهرودي ص 85
2ـ التشيع العلوي والتشيع الصفوي ـ علي شريعتي ص204
3ـ التشيع بين مفهوم الأئمة والمفهوم الفارسي ـ محمد البنداري ص 63
4ـ ثقافة الوسط ـ علاء الدين المدرس ص 371
5ـ الشيعة والتشيع ـ الشيخ إحسان إلهي ظهير ص 327
6ـ الهجرة العاملية إلى إيران في العصر الصفوي ـ جعفر المهاجر ص 81(26/21)
7ـ أصول مذهب الشيعة ـ الشيخ الدكتور ناصر القفاري ص 199
دراسات
احذروا الغزو السياسي يا أهل السنة !!!
من نعم الله عز و جل على المسلمين في هذه العصور ظهور منهج أهل السنة و ضمور منهج أهل البدع بشكل عام ، وهذا أمر مسلم به عند الدارسين للواقع الإسلامي ومن مظاهر ذلك :
•…رواج كتب وإصدارات أهل السنة .
•…انتشار دعاتهم ومراكزهم في أغلب أنحاء العالم .
•…انتشار الهدي الظاهر والتمسك بالسنن من الرجال والنساءً .
•…ادعاء الجماعات الأخرى بقربها وعدم خلافها مع منهج أهل السنة .
ومن أهم أسباب ذلك أمران :
1.… أن منهج أهل السنة هو حقيقة الإسلام الذي بعث به محمد صلى الله عليه وسلم .
2.…دور الدولة السعودية علماء وأمراء في حمل هذا المنهج للعالم من الربع الأخير من القرن الماضي وإلى اليوم حفظهم الله .
وهذا الظهور لأهل السنة لا يرضي أعدى أعدائنا وهم اليهود والمشركون ( لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ) المائدة 82 .
ولذلك سيمكرون لنا بالليل و النهار مكرًا وصفه الله عز وجل ( و إن كان مكرهم لتزول منه الجبال ) إبراهيم 46 .
وهذا المكر لن يثبت على صورة واحدة بل يتبدل بحسب الظروف و الأحوال ، ولذلك أمرنا الله عز وجل ( يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم ) النساء 71 .
ونبه على صورة خطيرة من صور المكر الذي يبذله اليهود والمشركون فقال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم ) آل عمران 118 .
ولهذا جرب أعداؤنا معنا أساليب كثيرة نجحوا فيها ولكن عهد الله بحفظ هذا الدين وتسخير من يقوم بذلك أبطل كثيراً من مكائدهم ، ولهذا هم يبحثون عن مكر جديد في كل مدة .
فجربوا الغزو الفكري والثقافي الذي آتى آكله حيناً من الزمن ، ثم خف بريقه بظهور ما سمي بالصحوة ، و أما اليوم فنحن مع غزو جديد وهو الغزو السياسي !!(26/22)
وهذا الغزو تقوم به جهات عدة منها المنافقون الذين يظهرون الدين ومنها الصالحون الذين خدعهم المنافقون ومنهم الصالحون الجاهلون ومنهم العائدون للدين الطامعون في الرياسة و الصدارة وغيرهم .
والغزو السياسي يأتينا من جهتين هما :
1 - وسائل الإعلام التي كثرت ودخلت كل بيت حتى بيوت الملتزمين من أهل السنة بحجة متابعة الأخبار وهي التي فيها السم القاتل والغزو الغاشم .
والتي يقر كل العقلاء أن أغلبها عالميا ً تابع لليهود و محليا ً تابع لأعوانهم من الشيوعيين الذين يسيطرون على الإعلام العربي .!!
2 – المنظرون السياسيون من الخلفيات اليسارية و الذين ( تابوا ) فجأة ! و أصبحوا في طليعة العمل السياسي الإسلامي !!!!!
وخطر هذا الغزو السياسي أنه لا يصادم أساسيات الدين كالغزو الفكري و العقدي الذي ينتبه له أهل السنة بكل دقة ووضوح ، لكن هؤلاء الغزاة من اليساريين والشيوعيين حين تركوا الخوض في العقائد وأساسيات الدين و ركزوا على احتكار الفهم السياسي لأهل السنة فإنهم أوردوهم المهالك و سيمضون في ذلك حتى يفنوهم إن استطاعوا .
ولمزيد من الإيضاح نرجع إلى قصة الجاسوس الفاشل " عبد الله بن سبأ " الذي كشف دوره لكن كم هم الجواسيس الذين لم يعرف دورهم في تاريخنا وساعدوا ابن سباء في مهمته التي لا يقوم بها رجل وحده ؟؟
نجد أن ابن السوداء لم يصادم في زمن عثمان رضي الله عنه أساسيات الدين بين الصحابة وأبنائهم والتابعين بل ركز على العمل والفهم السياسي وهو أحقية آل البيت بالخلافة فخدع جماعة من المسلمين فيهم فضلاء حتى وصل خداعه لمحمد بن أبي بكر الذي انساق مع هذا الفهم السياسي السقيم ليصل به للمشاركة في قتل الخليفة الثالث عثمان !!!
ونقول : هل المسلمون محصنون اليوم من أمثال هذا الغزو السياسي أكثر من مجتمع الصحابة ؟ قطعا ً الجواب سيكون بالنفي ! لكن هل استفدنا من هذه التجربة ؟ ستكون الإجابة بالتأكيد لا!(26/23)
وعودة للغزو السياسي المعاصر الذي يجتاح تجمعات و أفراد أهل السنة تحت غطاء التحليل السياسي فأوردهم المهالك ، فنقول إن هذا الغزو كان يعيبه علماء أهل السنة على جماعة الإخوان المسلمين قديما ً من قيامهم بالتعاون والتحالف مع جهات يسارية كعبد الناصر و القذافي و تأييدهم لثورة الخميني ، لكن اليوم وصل الغزو السياسي حتى لأهل السنة فلا حول ولا قوة إلا بالله .
وهذا الغزو السياسي لأهل السنة له مستويات عدة :
1.… تبني منهج العنف الثوري الماركسي : و أول من وجدته قد تبني هذا هو عمر عبد الحكيم ( أبو مصعب السوري ) في كتابه " التجربة السورية " والذي كتبه عام 1984 م وتبني فيه أسلوب " حرب الأنصار " حرب العصابات وهو الأسلوب الشيوعي اللينيني و الذي استخدمه غيفارا وقد ملأ عمر عبد الحكيم كتابه بالنقولات عن ماوتسي تنج الطاغية المجرم الشيوعي الصيني !! وليس آخر من ينظر لهذه الثورية كارلوس المجرم الشيوعي الفنزويلي الذي يبارك هذا الفكر من خلال كتابه الأخير" الإسلام الثوري" !!
2.… تسرب فكر حزب التحرير السياسي المستمد من أفكار باطلة ومنحرفة كتعظيم مكانة الحكم والخلافة فوق منزلتها مشابهة للرافضة ، وصرف المسلمين عن كل ساحات الجهاد الحقيقية كأفغانستان والبوسنة وغيرها !! و شغل المسلمين بنقد الحكام فقط وتحريم أي عمل حقيقي لخدمة الإسلام كالجمعيات الخيرية و الدعوية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
3.…تصدر الشيوعيين واليساريين (التائبين !) والمخلصين لشيوعيتهم ! لتوجيه أهل السنة سياسيا ً بحجة الأرضية المشتركة معهم ضد الإمبريالية و الاستفراد و الهيمنة الأمريكية ! ولاحظ أن أهل السنة عابوا على جماعة الإخوان المسلمين التعاون مع الشيعة بهذه الحجة ومن ثم خدعوا بالشيوعيين !
من مظاهر هذا الغزو السياسي قديما ً و حديثا ً :(26/24)
1.…جماعة جهيمان كان انحرافها سياسياً في البداية بتبني كفر الدولة بتأثير من المندسين في صفوف جماعته من الحزب الشيوعي السعودي بقيادة ناصر السعيد ، وقد قامت مجلة الطليعة الكويتية اليسارية بطباعة كتب جهيمان بسعر مدعوم ! و نعته منظمة الثورة بالجزيرة العربية و هي منظمة شيعية !
2.… عمر بكري زعيم حزب التحرير في بريطانيا والذي تحول إلى منظر لفكر أهل السنة ! مروراً بعدة مراحل هي : جماعة المهاجرون ، و جماعة الغرباء ( لاحظ الخ خلفية السنية للاسم ) . فهل فعلاً تخلى الرجل عن فكر حزب التحرير الشرعي والسياسي ؟ ومن ثم ما هو المؤهل الذي يملكه ليقود جماعة بالسم أهل السنة ؟
3.…تنازل حزب التحرير عن الكثير من الأفكار الشرعية التي كانت تعيق عمله في الأوساط الإسلامية و خاصة السنية مع تمسكه بالفكر السياسي المنحرف حتى تنكسر الحواجز التي كانت تمنع من تأثيره بين أهل السنة . كما جاء في بيان الحركة التصحيحية لحزب التحرير في 12 رمضان 1424 هـ .
4.…عبد الوهاب المسيري صاحب ( موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية) الذي يحظي بدعاية بالغة التأثير تجعل كلامه لا يقبل النقاش مع أنه لم يقدم شيئاً يستحق النقاش في موضوع اليهود سوى تضليل أهل السنة في الموقف من اليهود و العلمانيين و خاصة الشيوعيين منهم ويكفيك لتعرف خطورة انحراف ما يقرره المسيري لطلبة الجامعات في موضوع " الحركة الصهيونية " تقريره ما يلي : - لم يعد اليهود جماعة دينية يؤمن أعضائها بعقيدة دينية . ص 106 . – انطلاقا من الفكر العنصري الغربي يذهب الصهاينة إلى أن العداء بين اليهود وغير اليهود عداء أزلي .ص 33 ( لاحظ نفي دور العقيدة اليهودية في العداء ونسبتها للفكر الغربي في تزوير واضح وتوجيه للعداء ) من كتاب المدخل إلي القضية الفلسطينية إصدار مركز دراسات الشرق الأوسط ، وهذا الكتاب هو مقرر جامعي في بعض الجامعات ذات التوجه الإسلامي !!!(26/25)
5.…أما مختصر الموسوعة فقد حشاه بمقدمة طويلة بالمصطلحات و المفاهيم الأساسية وفي حقيقتها كذب وتزوير وإعادة تسمية لكن هذا يخدع البسطاء و الغثاء من عامة الناس فمثلا ً :مصطلح " الواحدية الكونية " تظن أنه أتى فيه بالعجائب فإذا به مصطلح " وحدة الوجود " !!وكذلك مصطلحات " الواحدية المادية و الحلولية الكمونية الواحدية ووحدة الوجود الروحية والمادية " في لعبة سمجة من التلاعب بالمصطلحات لخداع الناس . و يمكن العودة لمجلة البيان عدد 215 مقال ( نقد المسيري ) مع أن الكاتب مخدوع بالمسيري وهو مثال على مدى نجاح هذا الغزو السياسي.
6.…المحلل السياسي طلعت رميح الذي تكثر مشاركاته في المنابر الإسلامية الإعلامية و الرجل قد يكون صادقاً في توبته من اليسارية التي ذكرها وأرخ لها في مجلة المنار الجديد في العددين 4 و 19 ، ولكن هل يحق له أن يصدر مجلة " استراتيجيات " ويكون طاقم التحرير كله من الشباب الماركسي الوطني و الشريف ( ؟؟؟) على حد تعبيره عندما سألته عنهم ! و قد لا يدرك القارئ خطورة المسألة و لذلك أروي لك الحكاية التالية خلال زيارة لي للكويت قابلت أحد الأصدقاء المهتمين بالإعلام الإسلامي ولذلك أعد دليلا ً للمجلات الإسلامية ضم هذه المجلة لدليله وهي المجلة التي يحررها طاقم من الماركسيين و يقودهم رميح التائب من اليسارية . فهل فهمت خطر أن يقرأ أهل السنة هذه المجلة ؟؟ فمن منهم يعرف خلفية الرجل ؟ ومن منهم سيسأل عن هوية المحررين ؟ وهم يرون رميح في أغلب المنابر الإسلامية !! ألم أقل لك إحذر الغزو السياسي .
7.…التقرير الإستراتيجي الثاني لمجلة البيان جاء في مقدمة التقرير ص 9 " من خلال إشراك مجموعة من الباحثين المحايدين في مراكز البحوث العربية " وهنا نسأل محايدين في ماذا ؟؟ في الدين أم الفكر السياسي ؟ و هل يوجد محايد على وجه الأرض في القضايا الفكرية ؟؟ ثم لننظر هؤلاء المحايدين من هم :
طلعت رميح من أصول يسارية(26/26)
أحمد سعيد نوفل محسوب على فتح و ليبرالي
عدنان الهياجنة ليبرالي متدين !
ولو طالعنا مثلا ً بحث رميح ( أهل السنة في العراق ) نجد أنه قدم بمقدمات غير سليمة مع سلامة النتائج وذلك راجع لضعف العلم الشرعي من جهة و التأثر بالبنية الفكرية اليسارية لعدم توفر بنية فكرية إسلامية سياسية .
7 . تنظيم القاعدة وهو في بدايته تجمع لشباب من أهل السنة لكن حين طرأ عليه فكر الظواهري الذي وافق أهل السنة في الهدي الظاهر ليوافقوه في فكره السياسي ، و قد كان بن لادن قبل الظواهري يقر للعلماء و الدعاة بالعلم وأنه ملتزم لرأيهم وبعد تحالفه مع الظواهري نبذ ذلك .
8 . الخطة السرية للشيعة التي نشرت وفيها التخطيط لضرب شباب السنة بالحكام مع تقرب الشيعة من الحكام وهذا ما نجد تطبيقه من قبل جماعة الزرقاوي .
وبهذا يتضح لنا مدى خطورة الغزو السياسي لأهل السنة الذي يتجنب الصدام معهم في العقائد والأفكار ويعمل على تضليلهم في الفكر السياسي وهو مستعد للقيام بالسنن و تبني العقيدة الطحاوية لكن بشرط أن يكون هو الموجه في العمل السياسي .
مواقف المفكرين من الشيعة العدد 26
أهل السنة والشيعة
محمد كرد علي
هذه سلسلة من البحوث كتبها مجموعة من المفكرين والباحثين عن عقيدة وحقيقة مذهب الشيعة من خلفيات متنوعة ومتعددة ، نهدف منها بيان أن عقائد الشيعة التي تنكرها ثابتة عند كل الباحثين ، ومقصد آخر هو هدم زعم الشيعة أن السلفيين أو الوهابيين هم فقط الذين يزعمون مخالفة الشيعة للإسلام .
الراصد
كتب هذا المبحث الأستاذ الرئيس محمد كرد علي رئيس المجمع العلمي بدمشق وذلك في مذكراته ج3 ص740 وقد جعلنا ما يراه الأستاذ محمد كرد علي باللون الأحمر .(26/27)
لي في جبل عامل صديقان جمعتنا رابطة العلم والأدب منذ ريعان الشباب ولم يفرق بيننا المذهب واختلاف المنشأ والعادة وكانا، يصدقانني رأيهما فيما أكتب في الشيعة أحياناً في بعض كتبي ويوردان لي أشياء ليس لها ما يؤيدها في دولة إيران الشيعية اليوم ولا في أكثر كتب الشيعة المعتمدة عندهم. يبرئان الشيعة الإمامية من وصمات اتسم بها بعض فرقهم. عنيت بهذين الصديقين العالمين الأديبين الشيخ أحمد رضا والشيخ سليمان ظاهر.
وهاكم رأيهما المخالف لرأيي في أمهات المسائل التي يشمئز منها أهل السنة كمسائل الشيخين، ومسائل علي ومعاوية، وقذف أمهات المؤمنين وغيرها مما خالفت فيه الإمامية أهل السنة، قال الشيخ أحمد: قد نحوت في كتبك منحى الإشادة بفضائل الأمويين ولم تتعرض لمساوئهم بل نحوت إلى تبرئة معاوية من سن لعن علي على المنابر فقلت "ويقول من أمعنوا في درس تاريخ معاوية أن دعوى سنة لعن علي عقبى كل خطبة لم يقم عليها دليل ثابت يركن إليه وما من أثر يدل على أن هذا اللعن تقدم مروان بن الحكم وبذلك يبرأ معاوية من هذه الوصمة" تميل إلى تبرئته بهذا الخبر المفرد تاركاً الأخبار التي ملأت كتب التاريخ وبلغت حد التواتر من أنه هو أول من سن اللعن وفرضه فرضاً على أهل مملكته.
"ربما كنت تريد بهذا تأييد مجدٍ لملك عربي من أعظم رجال السياسة في الإسلام لتؤيد به مجد العروبة ضد الشعوبية ولكن ما بالك تكثر من الحط في شيعة علي وهم ومن يستندون إليه في مذهبهم عرب أقحاح، تبرئ معاوية من لعن علي وتلصق بهم لعن الشيخين بل تجعله من أركان مذهبهم استنادا على كتاب وقع في يدك مجهول المؤلف لا يعرفه أكثر أبناء الشيعة بل هو من غلاة العجم الذين أغرقوا في تشيعهم كما كانوا قبل في تسننهم لأنهم لا يعرفون الاعتدال.(26/28)
"وإذا كان في غلاة الشيعة من يقول مثل هذا القول فكيف تقذفهم كلهم بهذه التهمة وما بالك تقرفهم بقذف أمهات المؤمنين ولم يقل بذلك قائل منهم حتى من غلاتهم لأنهم بتطهيرهم أمهات المؤمنين إنما يطهرون حرمة رسول الله الذي يقدسونه ويعصمونه عن كل ما يشينه حتى من كل ما ينافي المروءة وعن المعاصي كبيرها وصغيرها قبل النبوة وبعدها بل هم ينزهون زوجات الأنبياء كامرأة لوط وامرأة نوح عن مثل هذه الوصمات وإن كن مشركات ومع ذلك يتهمون بغياً وإفكاً بقذف أم المؤمنين التي طهرها النص الصريح في القرآن الكريم من الإفك وهاأنت تذكره يا سيدي في كتبك دون أن تشك فيه ثم تنشره على الملأ العربي كحقيقة مسلمة!!
"وأنت تعلم أن في الفرق الإسلامية من يحب الشيخين ويسب الصهرين ولم تتعرض لتشهيرهم كما تعرضت للشيعة فلم ولماذا؟ لأنك تأثرت بأقوال من يرمي الشيعة بكل شنيعة تبعاً لسياسة وقتهم أو لأهوائهم عن حسن ظن بهم ولم تلتفت إلى تمحيص ما قالوا بسماعك دفاع المتهم عن نفسه إذا نظرت في كتبه المبعثرة.
"إن التنازع السياسي القديم الذي أدى إلى هذا التناحر الطائفي الذي جرته سياسة القرون الوسطى هو الذي أسس في نفوس كثير من علماء الطائفتين كره إحداهما الأخرى وكثر الافتئات والافتراء من إحداهما على الأخرى ودارت رحى الجدل دوراناً كان ثفالها مجد الأمة وعزها فوهنت قوتها واستباح حماها الأعداء من كل جانب وانتقصت بلاد المسلمين من أطرافها وضاع استقلالها".
وقال الشيخ سليمان معلقاً على قولي: قلت ولشيعية المسعودي مدخل كبير في آرائه لأن من جوزوا الكذب على مخالفيهم وغلوا في حب الطالبيين حتى جعلوهم فوق البشر، وزعموا لهم الكمال المطلق وأن المعاصي حلال لهم حرام على غيرهم لا يؤتمنون على التاريخ.. الخ(26/29)
"ولا أراك وقد نفذ السهم واندفعت بهذا التعبير بعامل العاطفة وجرى قلمك بما جرى إلا وأنت راجع إلى وازع لبك نادم على ما فرط عالم وما طرق العلم عليك ببعيدة بما يعتقده الإمامية من الشيعة والشيعة فرق كثيرة ومنهم كثير من الغلاة، ما لا يخالف روح الإسلام.
"حاش الإمامية أن يجوزوا الكذب على مخالفيهم والكذب حرام بإجماع المسلمين وحاش أن تعتقد فيهم الخروج منه وهم من أحرصهم على تمحيص الحديث والأخبار وكتبهم في الرجال وفي علم الدراية وما انطوى عليه من تنويع الأخبار وتخصيص أسماء المطعون فيهم بالذكر في كتب الرجال كل ذلك من متناول الباحث.
"والإمامية لا يعتقدون الكمال المطلق لأئمتهم ولا لأحد من النبيين والمرسلين وهو لله وحده ولا يرونهم فوق البشر وهم معتقدون أن النبي وهو أفضل الخلق ما كان إلا بشراً رسولاً ولا كانوا من الغلاة وهم يبرؤن منهم ومثل ذلك براءتهم من أن المعاصي حلال لهم حرام على غيرهم وهم يعتقدون كإخوانهم أهل السنة والجماعة أن حلال محمد حلال إلى يوم القيامة وحرام محمد حرام إلى يوم القيامة وأن اعتقاد مثل ذلك خروج على الإسلام ومعتقده كافر بالإجماع.
"وهل للأستاذ حرسه الله أن يدلنا على مصدر من مصادر الإمامية يؤيد دعواه هذه التي نبرأ إلى الله منها وهل من يعتقد عصمة الإمام عن ارتكاب صغائر الذنوب وكبائرها لتسكن النفوس إلى أدائه رسالة الإسلام حق أدائها يعتقد أن له أن يغير ويبدل أحكام الله، فيصير الحرام حلالاً والحلال حراماً.(26/30)
"إن المسلمين سنيهم وشيعيهم عنوا أكمل عناية بضبط الحديث وتنويعه وبتراجم رجاله وبتعديل العدل وتوثيق الثقة وتجريح المجروح وما إلى ذلك مما يتعلق بالأحكام ولكنهم تساهلوا فيما يرجع إلى المناقب والمثالب والأخبار وكان من أثر هذا التساهل ما لم يسلم من الوضع، والوضاعون كثر سواء أكانوا من بعض فرقهم والغلاة منهم خاصة أم من الدساسين من الأعداء لإلقاء بذور الفتنة والفرقة بين صفوف المسلمين وهو ما ندعو إلى ملافاة خطره محدثي الفريقين لتمحيصه. وفي اعتقادي أن التوفر على أداء هذه المهمة هو من أوصل الطرق إلى التقارب بين أبناء المذاهب الإسلامية الذي يعمل له رهط صالح من خيار المسلمين السنة والشيعة الإمامية والزيدية في دار الإسلام (مصر العزيزة).
"وإني لأناشدك الله والإسلام وهو على مفترق الطرق وفي زمن أحوج فيه من كل زمان إلى الألفة والوئام أن تكون في الصف الأول ممن يدعو إليهما ويمهد السبيل لإزاحة كل ما يعترض سيرهما القويم".
هذه نبذ من كتابين للصديقين العزيزين وأنا أقول حبذا لو كان الشيعة كلهم على هذا الاعتدال.
وقال صديقنا السيد محسن الأمين من أكبر مجتهديهم في هذا العصر: وعمدة ما ينقمه غير الشيعة عليهم دعوى القدح في السلف أو أحد ممن يطلق عليه اسم الصحابي، والشيعة يقولون إن احترام أصحاب نبينا صلى الله عليه وآله وسلم من احترام نبينا فنحن نحترمهم جميعنا لاحترامه وذلك لا يمنعنا من القول بتفاوت درجاتهم وإن علياً عليه السلام أحق بالخلافة من جميعهم.(26/31)
وقال إن ما يخالف فيه الشيعة غيرهم هو من الأمور الاجتهادية التي يجوز فيها الخطأ وليست من ضروريات الدين ولا من أركان الإسلام مثل مسألة الإمامة ورؤية الباري تعالى يوم القيامة وأن العباد مجبورون على أفعالهم وإنكار الحسن والقبيح العقليين وخلق القرآن وأن صفات الله غير ذاته وهذه هي عمدة المسائل المختلف فيها بين الأشاعرة والشيعة والمعتزلة ويجوز أن يكون الحق فيها مع الشيعة أو المعتزلة إذ للنظر والرأي والاجتهاد فيها مجال ولا يجوز فيها التقليد.
وقال مخاطباً الشيعة: وأنتم أيها الإخوان الشيعيون عليكم أن تعملوا بما أمركم به إمامكم إمام أهل البيت جعفر بن محمد الصادق من التحبب إلى إخوانكم أهل السنة من زيارتهم والصلاة في جماعاتهم وتشييع جنائزهم وعيادة مرضاهم وتجنب كل ما يوغر صدورهم.
يقول ابن حزم في "الاحكام" إن الروافض ضلت بتركها الظاهر والقول بالهوى بغير علم ولا هدى من الله عز وجل ولا سلطان ولا برهان فقالت:إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة إن هذا ليس على ظاهره ولم يرد الله تعالى بقرة قط إنما هي عائشة وقالوا الجبت والطاغوت ليسا على ظاهرهما إنما هما أبو بكر وعمر. قالوا وأوحى ربك إلى النحل ليس هذا على ظاهره إنما النحل بنو هاشم والذي يخرج من بطونها هو العلم.
قال العلامة موسى جار الله كبير علماء روسيا وشيخ الإسلام فيها: "وفي الكافي والتهذيب والوافي من كتب الشيعة لعنات على أبي بكر وعمر وعائشة وحفصة وعلى العامة (أهل السنة والجماعة) وهم كل الأمة، وللشيعة أدعية مأثورة في لعن الصحابة. ونقل عن الوافي أن الإمام لم يدع أحداً ممن يجب أن يلعن إلا لعنه وسماه وأول ما بدأ بأبي بكر وعمر وعثمان (؟) ثم مر على الجماعة ولعن الكل وللباقر والصادق دبر كل صلاة مكتوبة أوراد لعنات على أربعة من الرجال منهم أبو بكر وعمر وأربع نساء منهن عائشة وحفصة".(26/32)
"وتقول الشيعة إن الناصب حرب لنا وماله غنيمة لنا والناصب عندهم من يعتقد بإمامة الصديق والفاروق. يقول الصادق: خذ مال الناصب حيث وجدته وادفع إلينا خمسه. والشيعة على ما في كتبهم يكفرون جميع الفرق الإسلامية ويقول الإمام في أئمة المذاهب الأربعة: لا تأتهم ولا تسمع منهم لعنهم الله ولعن مللهم المشركة! وكل آية نزلت في الكفار أرجعتها الشيعة إلى الصديق والفاروق ومن اتبعهما".
قال جار الله: وأول شيء سمعته وأكره شيء أنكرته في بلاد الشيعة هو لعن الصديق والفاروق وأمهات المؤمنين السيدة عائشة والسيدة حفصة ولعن العصر الأول كافة في كل خطبة وفي كل حفلة ومجلس في البدء والنهاية وفي ديابيج الكتب والرسائل وفي أدعية الزيارات كلها حتى في الأسقية ما كان يسقى ساق إلا ويلعن وما كان يشرب شارب إلا ويلعن وأول كل حركة وكل عمل هو الصلاة على محمد وآل محمد ولعن الصديق والفاروق وعثمان الذين غصبوا حق أهل البيت وظلموهم.
قال قلما تقام جمعة أو جماعة في بلاد الشيعة وليس فيها قارئ للقرآن ولا حافظ له وأن الشيعة من يعتقدون أن القرآن سقطت منه أشياء ا.هـ
قلنا ومن الأسف أن يصير التشيع إلى ما صار إليه عند المتأخرين وقد أتى أكثره من سخافات الدولة الفاطمية والبويهية والصفوية ومن دول الهند العادلشاهية والنظامشاهية والقطبشاهيه.
وكان في دمشق على عهد الدولة الفاطمية يطاف على الرجل وهو على الحمار وينادى عليه هذا جزاء من يحب أبا بكر عمر، ومنعت الدولة من التكني بابي بكر.
سمع أبو القاسم بن برهان يقول: دخلت على الشريف المرتضى أبي القاسم العلوي في مرضه الذي توفي فيه فإذا هو قد حوّل وجهه إليّ فسمعته يقول: أبو بكر وعمر وليا فعدلا واسترحما فرحما.(26/33)
ودخل عليه بعض أكابر الدولة من الديلم فساره الديلمي بشيء، فقال له متضجراً: نعم وأخذ معه في كلام كأنه مدافعة فنهض الديلمي فقال المرتضى بعد نهوضه أهؤلاء يريدون منا أن نزيل الجبال بالريش، وأقبل على من في مجلسه فقال: أتدرون ما قال هذا الديلمي فقالوا لا يا سيدي فقال: قال بين لي هل صح إسلام أبي بكر وعمر قلت: رضي الله عنهما.
هذا رأي عظيم من أكبر عظماء الشيعة في أبي بكر وعمر، وقال العلامة آل كاشف الغطاء من المتأخرين في كتابه "أصل الشيعة وأصولها" إن علياً رأى الرجل الذي تخلف على المسلمين (أي أبا بكر) قد نصح للإسلام وصار يبذل جهده في قوته وإعزازه وبسط رايته على البسيطة وقال إن علياً حين رأى أن المتخلفين ـ أعني الخليفة الأول والثاني ـ بذلا أقصى الجهد في نشر كلمة التوحيد وتجهيز الجنود وتوسيع الفتوح ولم يستأثروا ولم يستبدوا، بايع وسالم.
وكان المصلح الإمام جمال الدين الأفغاني ينفر من قول سني وشيعي ويقول: لا موجب لهذه التي أحدثتها مطامع الملوك لجهل الأمة فقد أخرج الذين ألهوا علي بن أبي طالب من الإسلام لأنهم ضلوا، أما المفضلة والغلاة في محبة أهل البيت فقد دخل الاثنان تحت حكم من قال يهلك فينا أهل البيت اثنان محب غال وعدو قال. وتوسع في ذلك وما آل إليه من الضرر واقنع السنيين والمتشيعين بالبرهان، وهذا رأينا.
كتاب الشهر العدد 26
الدولة الفاطمية في مصر تفسير جديد
تأليف: أيمن فؤاد سيّد
على الرغم من أنّ كتباً عديدة تناولت الدولة العبيدية الفاطمية في مصر، إلاّ أن كتاب "الدولة الفاطمية في مصر: تفسير جديد" لمؤلفه د. أيمن فؤاد سيّد يظل أحد أهم هذه الكتب الحديثة وأوسعها، وقد صدرت الطبعة الأولى منه سنة 1992م، أما الطبعة الثانية فصدرت في فبراير سنة 2000م في 820 صفحة من القطع الكبير، واشتمل على العديد من الفهارس، والصور الخاصة بالحقبة الفاطمية، إضافة إلى ترجمة مقدمة الكتاب إلى اللغة الفرنسية.(26/34)
وقد قسم المؤلف هذا الكتاب إلى ثلاثة أقسام وتمهيد ومدخل، إضافة إلى المقدمة. ففي المقدمة يتعرض إلى السبب الذي دفعه لإصدار طبعة جديدة من الكتاب، أو ما هو أوسع من مجرد طبعة جديدة، إنما تقديم "تفسير جديد" أو "تاريخ جديد" للدولة العبيدية في مصر، في ضوء ما حصل عليه من مخطوطات جديدة أو إعادة قراءة المصادر التقليدية.
في التمهيد، يتناول المؤلف مصادر التاريخ الفاطمي،والوضع الراهن للدراسات الفاطمية والإسماعيلية. ويشمل المدخل على دراسة عن الإسماعيلية المبكرة حتى قيام الدولة العبيدية في أفريقيا .ويعتبر أن الفترة المبكرة في تاريخ الحركة الإسماعيلية، التي تعد فترة حضانة الحركة هي الجانب الأكبر غموضاً في كل تاريخ الحركة، ومن ذلك الغموض ما يتعلق بنسب هؤلاء الحكام العبيديين الذين قامت دولتهم "على أساس ادّعاء إيصال نسب أصحابها إلى النبي صلى الله عليه وسلم عن طريق السيدة فاطمة والإمام علي".
ويعقد المؤلف لهذه المسألة (نسب العبيديين) مبحثاً مستقلاً يذكر فيه الأدلة العديدة التي تشكك في انتساب العبيديين إلى آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم منها:
1ـ إن حكام العبيديين فيما بعد، لم يحاولوا قط إبطال الحملات التي شنّها ضدهم أهل السنة، أو الرد عليها بسبب إصرارهم على عدم إذاعة أي نسب رسمي لأصولهم، اعتماداً على مبدأ شيعي إسماعيلي هو "عدم كشف أولئك الذين سترهم الله" حتى إن المعز لدين الله رابع الحكام العبيديين عندما دخل إلى مصر ولقيه أشرافُها، وسألوه عن نسبه، اكتفى بأن سلّ لهم نصف سيفه، وقال: هذا نسبي، ونثر عليهم ذهباً كثيراً، وقال: هذا حسبي.
2ـ لما كتب العزيز بالله ابن المعز كتاباً إلى خليفة الأندلس يسبه ويهجوه فيه، جاءه ردّه عليه: "أما بعد: فإنك عَرَفتَنا فهجوتنا، ولو عرفناك لأجبناك، والسلام". أي أن خليفة الأندلس ترفّع عن هجاء من لا يعرف له نسب كالعبيديين.(26/35)
3ـ الرسالة التي بعث بها المهدي، أول حاكم للعبيديين، إلى الطائفة الإسماعيلية في اليمن، وأوردها من ذاكرته في فترة تالية جعفر بن منصور اليمن في كتاب "الفرائض وحدود الدين" وفيها يشرح المهدي العبيدي نسب حكام العبيديين، معلناً أسماء الأئمة المستورين عندهم، وهذه الرسالة يعتبرها د. أيمن "محاولة يمكن أن نضيفها إلى الغموض الذي ما زال قائماً حول هذه القضية"، حيث ينكر المهدي في هذه الرسالة اتصال نسبه إلى إسماعيل بن جعفر الصادق (كما استقر الأمر عند الإسماعيلية)، ويقرر أن جدّه الأعلى هو عبد الله، الأخ الأكبر لإسماعيل بن جعفر الصادق.
وبعد المقدمة والتمهيد والمدخل التي تجاوزت 100 صفحة، يبدأ القسم الأول من الكتاب الذي يسميه المؤلف "الكتاب الأول" ويحتوي على تسعة فصول يبدأها بقيام حكم العبيديين في شمال أفريقيا، فانتقالهم إلى مصر والمشرق، ثم التوسع، فالصدام العبيدي مع الخلافة العباسية، ثم يخصص الفصل الخامس لبدر الجمالي أحد الوزراء الذين كان لهم دور في إنقاذ دولتهم بعد أن ساءت أحوالها، وفي الفصول المتبقية يتحدث عن (نهاية الاستقرار، بداية التدهور، الاضمحلال، وأخيراً: النهاية وانقلاب صلاح الدين).
وحيث أن فترة الحاكم بأمر الله، ثالث حكام العبيديين في مصر، كانت فترة غريبة متناقضة، فقد خصص لها المؤلف الجزء الأكبر من الفصل الثالث، وفيه يتحدث عن ديكتاتورية هذا الحاكم، وادّعائه الألوهية، وتساهله في بعض أصول عقيدته من أجل كسب شعبية لنظامه.
ويؤكد المؤلف أن هذا الحاكم الذي استلم الحكم صغيراً بعد وفاة والده العزيز بالله سنة 386هـ، بدأ عهده "الفعلي" بقتل وزيره برجوان، وهو الذي كفله بعد وفاة أبيه.(26/36)
ويقول أن الحاكم ابتداءً من تاريخ قتل برجوان سنة 390هـ، أصبح طاغية مطلقا لا تصدر قراراته سوى عن هواه أو مزاجه الشخصي، فقد كان يأخذ القرار ثم ينقضه بعد قليل. ويقسم د. أيمن فترة حكمه بعد تخلصه من برجوان واستقلاله بأمور الدولة إلى ثلاث فترات:
الأولى: اسماها المؤلف "الاعتدال"، وفيها ظل الحاكم محافظا على الشعائر الشيعية في الأذان والصيام وغيرهما، إلاّ أنه ألغى بعض ما يؤذي أهل السنة مثل سب الصحابة، من أجل كسب ودهم.
الثانية: اضطهاد أهل الذمة، ومصادرة أملاكهم، لكنه عاد ورفع شأنهم وأعاد لهم كنائسهم وأوقافهم.
الثالثة: النواهي، وهي قائمة طويلة من الأشياء التي منعها الحاكم في المجتمع، ويفسرها المؤلف بأنها "إجراءات إصلاحية"، مثل منعه لزراعة العنب، ومنع النساء من الخروج من منازلهن، وأكل السمك الذي لا قشر له.
أما تحريم الحاكم لأكل الملوخية فيفسر المؤلف ذلك بميل معاوية لها، وتحريمه للجرجير لنسبته إلى السيدة عائشة، ونهى عن "المتوكلية" لنسبتها إلى المتوكل العباسي.
وسياسته الدينية، وموقفه من أعوانه ومساعديه، يصعب تفسيره، فتشدده مع أهل الذمة في جزء من حكمه ينافي الولاء الذي كان أجداده يكنونه لهم، وفي الوقت نفسه أساء لأهل السنة، عندما أشاع هو، وشاع في عصره، سب الصحابة، والأمر بكتابة ذلك على جدران المساجد، وعلى أبواب المنازل والمحال التجارية، وإكراه الناس على فعله.(26/37)
وفي هذا الفصل أيضا ينتقل المؤلف إلى فكرة خطيرة هي ادعاء ألوهية الحاكم، فيقول: "في سنة 407هـ / 1017م وصل إلى القاهرة فريق من الدعاة الفرس يضم الحسن بن حيدرة الفرغاني الأخرم، وحمزة بن احمد اللبّاد الزوزني، ومحمد بن إسماعيل أنوشتكين الدرزي، وأعلنوا تأليه الحاكم، وحاولوا فرض هذه العقيدة على أهل الفسطاط. وقد ترك الحاكم هؤلاء الدعاة يقومون بالدعوة إلى الدين الجديد دون دعم منه( )،وإن لم يمانع في منح تعاطفه لحركة تحاول أن تجمع الدولة حول شخصه، وتطلق على أتباعها اسم الموحدين" ص 174.
ثم يلفت المؤلف انتباهنا إلى عمل مشؤوم آخر من أعمال هذا الحاكم العبيدي، وهو محاولة نقل الحج إلى مصر! ويقول: "تبعا لرواية أوردها الجغرافي الأندلسي أبو عُبيد البكري المتوفى سنة 487هـ/ 1094م وأيّدتها مصادر أخرى، شيّد الحاكم بأمر الله في المنطقة الواقعة بين الفسطاط والقاهرة ثلاثة مشاهد لينقل إليها رفات النبي صلى الله عليه وسلم ورفات أبي بكر وعمر، رضي الله عنهما من المدينة، وهي محاولة كُتب لها الفشل".
وتفيد بعض الروايات بأن أحد الزنادقة أشار على الحاكم بنبش قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه( ) وحملهم إلى مصر، وبذلك يشد الناس رحالهم من أقطار الأرض إليها. وقد بذل الحاكم أموالاً لرجال من شيعته نجحوا في حفر سرداب أسفل الدور المجاورة لمنزل الرسول صلى الله عليه وسلم مقابل القبر، غير أن أهل المدنية النبوية لم يلبثوا أن علموا بما فعلوا وبنيتهم فقتلوهم، ثم رصفوا تلك الحفرة بالحجارة، وأفرغوا عليها الرصاص بحيث لا يطمع في الوصول إليها طامع أبداً.(26/38)
وفي آخر هذا القسم من الكتاب يتحدث المؤلف عن "انقلاب" صلاح الدين الأيوبي رحمه الله على الدولة العبيدية وإسقاطه لها، وإعادة مصر إلى مذهب أهل السنة كما كانت قبل احتلالها من قبل العبيديين الإسماعيليين. ويؤكد أن جهود صلاح الدين في القضاء على دولة العبيديين لم تتم إلاّ بفضل خطة محكمة نفذها، من بنودها تقوية مكانته في مصر، باستقدام والده وإخوانه وتعيينهم في مناصب هامة، وإدخال تغييرات كبيرة في نظام الجيش، وإلغاء الشعائر الشيعية التي فرضها العبيديون مثل سب الخلفاء والصحابة، وعزل جميع القضاة الإسماعيليين، ثم في خاتمة المطاف القضاء على دولة العبيديين، وإعادة الخطبة إلى الخليفة العباسي المستضيئ بأمر الله في محرم سنة 567هـ.
ولم يكد يمر عامان على سقوط دولة العبيديين حتى قام جماعة من أتباع هذه الدولة بينهم داعي الدعاة ابن عبد القوي، والشاعر نجم الدين عمارة اليمني، واتفقوا فيما بينهم على إقامة حاكم جديد ووزير، وكاتبوا الفرنج في بيت المقدس ليعينوهم على تحقيق انقلابهم لكن صلاح الدين تمكّن من كشف مؤامرتهم وقتلهم.
وتضمن القسم الثاني من الكتاب موضوع "النظم والحضارة" في الدولة العبيدية، فيما يتناول القسم الثالث موضوع "الجيش والبحرية".
قالوا العدد 26
تدخل إيراني جديد في الكويت
قالوا: "نشرت صحيفة الوطن على صدر صفحتها الأولى أن السفير الإيراني اجتمع في منزله باالمنصورية بمرشح وأعضاء في الجمعية الثقافية للتفاوض والبحث في السبل الكفيلة بفوزه، والتنسيق في دوائر أخرى مع صورة ملونة تظهر جانباً من اللقاء".
الفرقان الكويتية
6/6/2005
قلنا: التدخلات الإيرانية في دول الخليج ليست أمراً جديداً، فالمسؤولون الإيرانيون ينسقون دوما مع عملائهم الخليجيين، لكن يبدو أن إيران لم تعد تعبأ بالآثار السلبية للتدخل، لدرجة تصوير هذا اللقاء، ونشر صورة ملونة منه في الصفحة الأولى لصحيفة يومية.(26/39)
هل هذه أول بركات الفدرالية الشيعية في العراق؟
مخدرات في العتبات
قالوا: "نأمل عدم تكرار السلبيات التي رافقت الزوار الإيرانيين في الفترات الماضية.. نأمل ألاّ يتاجروا بالمخدرات،أو يمارسوا العمالة من خلال عقد اللقاءات بشخصيات سياسية في المناطق المخصصة لسكن الزوار".
عقيل الخزاعلي محافظ كربلاء
وكالة الصحافة الفرنسية
17/8/2005
قلنا: انضم محافظ كربلاء إلى قائمة المنددين بالإيرانيين الذين ينقلون المخدرات إلى العراق خلال زيارتهم للعتبات.
ذلك أن هذه المخدرات تساعد اللاطمين على الاستمرار في اللطم!!
العبادة بالرقص!
قالوا: "وترمز رقصات المولوية وأزياؤها إلى حركة الكون الدائمة في تواصل مستمر مع الذات الإلهية... والناي في مقدمة الآلات المرافقة لهذه الرقصات وخصوصاً أن شيخ المتصوفين جلال الدين الرومي يعتبره أحد أهم وسائل التواصل بين الإنسان والروح الإلهية".
وكالة الصحافة الفرنسية
24/8/2005
قلنا: سبحانك ربي هذا بهتان عظيم. فرقة صوفية تركية تأتي لتقيم حفلات في القاهرة والإسكندرية وتزعم أنها من خلال الرقص والطرب تتواصل مع الذات الإلهية.
ومتى كان الناي يوصل بين الإنسان والروح الإلهية؟ لكن: هذا بهتان عظيم.
زوايا للبدع!
قالوا: "ذكر إحصاء رسمي أن عدد المساجد والزوايا في مصر يبلغ حالياً 83 ألفاً و548 مسجداً وزاوية من بينها: 67 ألفاً و99 مسجداً، و16 ألفاً و449 زاوية".
وكالة الأنباء الألمانية
13/8/2005
قلنا: أكثر من 16 ألف زاوية للصوفية الخرافية في مصر، تنشر البدع.
ويسألونك لماذا لا تنتصر الأمة الإسلامية!
بعد المخدرات.. السلاح
قالوا: "إن سوقاً سوداء للسلاح في العراق تبيع لمن يشتري بالدولار.. بعد تهريبه من إيران، وإن ذلك لا يعفي طهران من المسؤولية".
ليث كبّة
الناطق باسم الحكومة العراقية
الحياة 13/8/2005(26/40)
قلنا: لم يكفِ إيران أن تغرق العراق، جارها المسلم، بالمخدرات التي يجلبها حجاج كربلاء، فبدأت بتهريب السلاح للعراقيين كي يقتتلوا، فتجد إيران في النهاية بجانبها جاراً ضعيفاً.
الإساءة إلى الأئمة الأربعة.. لماذا؟
قالوا: "حكمت محكمة في كراتشي جنوب باكستان أمس على كاتب باكستاني بالسجن مدى الحياة لإصداره كتاباً اعتبر مسيئاً إلى الإسلام حيث يقول فيه إن أئمة المذاهب السنيّة الأربعة كانوا يهوداً، وأن القرآن لا يذكر عقوبة رجم الزاني والزانية".
وكالة الصحافة الفرنسية
12/8/2005
قلنا: لمصلحة من تصدر هذه الكتب المشبوهة، ومن المستفيد من تشويه أئمة أهل السنة؟!
منع سب الشيطان!
قالوا: "طالب نائب يزيدي -من الجمعية الوطنية العراقية- من رئيس الوزراء العراقي إبراهيم الجعفري والوزراء العراقيين بعدم تكرار لفظ التعويذة (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم). وقال النائب اليزيدي كامران خيري سعيد... اننا لا نؤمن بهذه الكلمة، ولا نشعر بالنقص إزاءها، ولكن عند ذكرها من قبل مسؤول ينظر إلينا زملاؤنا وكأننا معنيون بها".
وكالة الصحافة الفرنسية
10/8/2005
قلنا: اليوم يطالب نائب يزيدي العراقيين المسلمين بعدم التلفظ بـ (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) لأنها تؤذي مشاعرهم، يا ترى ماذا سيطلب اليزيديون والصابئة والشبك والكاكائية غداً في ظل الفدرالية؟
شبوط غيت!
قالوا: "ذكرت جريدة يديعوت أن باحثين إسرائيليين تمكنوا بالتعاون مع مواطن إيراني من تهريب سمك (الشبوط) من إيران إلى إسرائيل".
الرأي 21/8/2005
قلنا: نخشى أن تكون سمكة الشبوط هذه صفقة (إيران غيت) جديد، وغزل جديد بين (الجمهورية الإسلامية) و (الصهاينة المجرمين).
إيران: حزب الله خط أحمر
قالوا: "القادة الإيرانيون أبلغوا الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أمس عزمهم تعزيز قوة هذا التنظيم اللبناني، ووصفوا القرار الدولي الذي ينص على تجريده من سلاحه بأنه (وهم)".(26/41)
وكالة الأنباء الإيرانية
1/8/2005
قلنا: طبعاً لن يكون من السهل على القادة الإيرانيين التفريط بورقة حزب الله، التابع لهم، قبل أن يكون تنظيماً لبنانيا.
نعم "وهم" من اعتقد أن إيران تهتم يوماً بمصلحة لبنان.
تسليح الشيعة في العراق
قالوا: "هناك شيء آخر مطروح وهو اللجان الشعبية والجماهيرية، حيث أن هناك نقاشاً الآن قائماً على أساس أنه بالإضافة إلى الاستفادة منها في جلب المعلومات إمكانية تسليحها بالسلاح الخفيف".
رئيس الوزراء العراقي إبراهيم الجعفري
وكالة الصحافة الفرنسية
10/8/2005
قلنا: جاء في تتمة هذا التصريح أن العديد من الأعضاء الشيعة في لائحة الائتلاف العراقي الموحد يلحون على مسألة قيام الحكومة بتسليح لجان شعبية داخل المناطق بحجة حفظ الأمن.
يا ترى ماذا سيفعل الشيعة سواءً كانوا في الجيش أم ميليشيات بدر أم في اللجان الشعبية بهذا السلاح، هل سيوجهونه إلى المحتل الجاثم على أرض العراق أم إلى صدور "إخوانهم" السنة؟
صوفية العراق
قالوا: ".. فرجل يستعرض بفخر ثلاث سكاكين مغروسة في رأسه. وآخر ينطرح أرضاً ويضع شعلة من مؤخرة عصا في فمه ولكن يبدو أنه لا يحترق. ويغرس الشيخ جاسم سيخاً في وجنة طفل ولكن الطفل لا ينزف.
ويتمايل الناس في حلقة الذكر في دوار كأنهم تحت تنويم مغناطيسي على إيقاع الموسيقى الصوفية منعزلين عن العالم".
رويترز 24/8/2005
قلنا: العراق يحترق على يد أعدائه من الخارج والداخل وهؤلاء الصوفية في لهو ولعب واستعراض.
هل يعيد التاريخ نفسه حين انعزل الغزالي عن الأمة إبان الغزو الصليبي!
اتفاقية لتوطين مليوني شيعي إيراني في العراق!
الوطن العربي العدد 1482 29/7/2005(26/42)
خلال الشهور الثلاثة الماضية تتابعت اللقاءات بين مسؤولين إيرانيين وعراقيين لترتيب الأوضاع المستقبلية وتأمين الدور الإيراني المرتقب في العراق، وقالت مصادر دبلوماسية إنه تم في هذه الاجتماعات إقرار خطة توطين ما يقرب من مليوني شيعي إيراني في الأراضي العراقية، وينتمي هؤلاء إلى ثلاث فئات، الأولى من لهم فروع لعائلات وقبائل عراقية وجدوا في العراق قبل أن ينزح أبناؤهم باتجاه الأراضي الإيرانية، والفئة الثانية للجيل الجديد من العراقيين الذين أجبرهم صدام حسين على الهجرة إلى إيران، والثالثة تضم العراقيات المتزوجات من إيرانيين حيث سيتم منح أزواجهن وأبنائهن الجنسية العراقية.
وقد بحثت وزيرة الهجرة وشؤون اللاجئين العراقية سهيلة عبد جعفر في طهران مع مدير شؤون الرعايا الأجانب بوزارة الداخلية الإيرانية أحمد حسيني سبل تنفيذ هذه الخطة، كما تمت مناقشة أوضاع اللاجئين العراقيين وكيفية عودتهم إلى وطنهم، وكيفية دخولهم وخروجهم من إيران وإصدار الوثائق الرسمية لهم ووثائق إقامتهم والقضايا القانونية المتعلقة بالزواج وتوفير التسهيلات لهم، وقد دعا حسيني إلى متابعة شؤون العراقيين الذين اقترنوا بالإيرانيات وعادوا إلى وطنهم وضرورة إصدار وثائق زواج رسمية لهن، وقال إنه تم الاتفاق مع الجانب العراقي بشأن كل قضايا التجنيس، وستكون هذه الاتفاقيات موضع التنفيذ خلال الستة أشهر المقبلة.
وأشارت المصادر إلى أن الاستراتيجية الإيرانية الجديدة بخصوص العراق لا تقتصر على جانب توطن الإيرانيين الشيعة فقط، بل تمتد لتبسط سيطرة كاملة على القطاعين الاقتصادي والأمني.(26/43)
ولا تقتصر الاستراتيجية الإيرانية الجديدة التي تم تدعيمها باتفاقيات ثنائية خلال زيارة رئيس الوزراء العراقي إبراهيم الجعفري لإيران على الجانبين الاقتصادي والأمني، بل لقد رافقتها تعديلات جوهرية في مناهج التعليم العراقية بحيث تؤسس لهذه العلاقة الجديدة التي يراد تدشينها بين البلدين، فقد كشف مسؤولون في وزارة التربية العراقية أن مناهج التاريخ للعام الدراسي الجديد، ... ستشهد تغييرا كبيراً فيما يتعلق بتاريخ الحرب العراقية الإيرانية (1980ـ 1988) والعلاقات بين العرب والفرس، والتي لم تخل من توترات تاريخية. وبحسب مصادر مطلعة فإن من بين تلك التغييرات ما يتعلق بتاريخ الحرب العراقية الإيرانية، فبينما كانت تلك المناهج تشير إلى أن إيران هي من بدأ بشن الحرب على العراق، فإن التغيير الجديد سيؤكد أن الحرب قد بدأها العراق، كما أن التغيير سينص على أن الحرب انتهت بدون منتصر أو خاسر، وأنها كانت واحدة من أبشع أخطاء النظام العراقي السابق.
وأوضحت المصادر التي تعمل على تغيير تلك المناهج وخاصة التاريخية والدينية منها أن المناهج الجديدة ستشير إلى أن الفرس ليسوا أعداء للعرب،وأنهم من أعمدة الإسلام، مذكرين بمناقبهم وإسهاماتهم في الحضارة الإسلامية، كما سيتم إلغاء الفقرات التي تشير إلى اضطلاع الفرس بعمليات التخطيط والاغتيال لعدد من الخلفاء الراشدين، ومن بينهم الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، والخليفة الرابع الإمام علي بن أبي طالب. وتؤكد تلك المصادر أن من التغييرات التي ستطرأ على المناهج رفع كل الحوادث التاريخية التي تركز على الدور التآمري لأفراد من الفرس عبر التاريخ، بالإضافة إلى إدراج عدد من الشخصيات في مناهج التاريخ والتربية الإسلامية تكون ذات صبغة شيعية، منها إضافة تاريخ آل الصدر ضمن المناهج المستحدثة.(26/44)
وتوقع عدد من خبراء التعليم في العراق أن تثير تلك الإضافات والتغييرات أزمة جديدة بين العراقيين، بسبب الخلاف الحاصل والتقاطع الكبير في وجهات النظر بين العراقيين حول الكثير من تلك الإضافات، وخاصة فيما يتعلق بإيران، ودور الفرس عبر التاريخ الإسلامي.
الدليمي: هناك مخطط لتدمير العراق وإحداث فتنة طائفية فيه
خالد الخواجا الرأي 25/8/2005
كشف المستشار الديني للرئيس العراقي جلال الطالباني ورئيس ديوان الوقف السني السابق الدكتور عدنان الدليمي عن «وجود مخطط لتدمير العراق (...) وأن هناك جهات تسعى إلى تأجيج الموقف وإحداث فتنة طائفية فيه»، دون أن يذكر اسمها.
سؤال: قتل ودمار وعمليات واغتيالات وغيرها من أعمال العنف المختلفة تشهدها الساحة العراقية ، ما حقيقة الأمر ،ومن يقوم بذلك؟
إن الذي يجري في العراق هو مخطط لتدمير العراق..يخطط له أعداء العراق ومن خارج العراق..ولا يمكن إن نقول كل شيء.. ولكن لدينا أدلة قاطعة بان هناك دولا تسعى لتأجيج الموقف وأحداث فتنة طائفية فيه وإشاعة الفوضى لكي لا يستقر العراق ،ولأنه ليس من مصلحتها أن يكون مستقرا..وأنا لن اذكر اسمها لان المتابع للإحداث يعرف من هذه الدولة ونحن ندعو إلى التهدئة ولا نؤمن بالإرهاب ولكن إرهاب الدولة وعنف الدولة هو الذي يسهم في زيادة هذه الأمور.
سؤال: كيف ترون المقاومة داخل العراق وما هو رأيكم بها؟
نحن لا نقبل بأي شكل من الأشكال إراقة دماء الأبرياء ،وبالنسبة للمقاومة فأنها مشروعة لأي محتل في العالم وان أي مقاومة ضد المحتل هي مقاومة مشروعة كما هي المقاومات السابقة في مصر.. وفلسطين الآن.
ولكن علينا أن نفرق بين المقاومة المشروعة والإرهاب أو العنف غير المبرر والقتل الجماعي ونحن لا نؤمن بإراقة دماء الأبرياء.. وأنا سبق وأن دعوت أكثر من مرة لعقد ميثاق شرف بين العراقيين ،وخاطبت المرجعات الدينية والسياسية ولكن للآسف لم أجد أي استجابة من أي جهة من الجهات(26/45)
سؤال : إذا ما هو تقييمكم للحملات التي يقوم بها الأميركان والجيش العراقي لملاحقة المطلوبين في المدن العراقية ؟
إن هذه الحملات والأعمال تستهدف المدن السنية بالدرجة الأولى لأي سبب كان ومدفوعة من قبل أحزاب دينية وطائفية لعرقلة مشاركة أبناء السنة.
سؤال: هل تلمحون إلى وجود استهداف للسنة ؟
إن ذلك يأتي ضمن المتابعات لأئمة المساجد بتهم ووشايات كيدية لا تستند على أي حجة قانونيه أو دليل قانوني ودعوت الحكومة إلى ترك هذه الأعمال والتوقف عنها..وفي حال كان إمام المسجد متهم ويراد التحقيق معه وهناك شكوك وشبهات تحوم حوله فأنني طلبت منهم أن يتصلوا بي لأذهب معهم أو ابعث معهم موظف من موظفي ديوان الوقف ويذكروا لي اسم المسجد حتى تكون القضية بمأمن عن الأعلام والأخبار المضللة علما أن وزير الداخلية قد أصدر أمرا بذلك وكذلك رئيس الجمهورية أصدر أمرا بذلك إلا أنهم لم يستجيبوا لذلك.
سؤال: وماذا حصل بعد ذلك؟
بعد إصدار رئيس الجمهورية أمرا بعدم اعتقال أي مواطن بصورة شفهية إلا بمذكرة خطية وبعد التحقيق ووجود مختار المنطقة ، لم تلتزم للآسف الحكومة بهذا الآمر.
وأنا أناشد الأمم المتحدة والجامعة العربية والحكام المسلمين ليتنبهوا إلى ما يحدث في العراق من كيد وقضاء موجه ضد أهل السنة.
ولأنني كنت أدافع عن السنة ولأنني أطالب بكل قوة لحماية أبناء السنة والدفاع عنهم..لهذا السبب تحديدا أبعدت وتم إقصائي عن ديوان الوقف السني.
سؤال: هذا يقودنا إلى التساؤل عن أسباب إقصائك عن رئاسة ديوان الوقف السني في العراق، ومتى تم ذلك؟
لقد تم عزلي كما قلت لأسباب سياسية ولأنني كنت أدافع عن أبناء السنة وأدافع عن المعتقلين وأدافع عن المساجد وعن المصلين ،حيث تم اعتقال ومطاردة أكثر من (500 إلى 600) إمام ومؤذن وخادم وان الذين تم قتلهم أكثر من (100) إمام وخادم وجميعهم من السنة.(26/46)
وتمت مداهمته أكثر من أربع مرات وكلية الإمام الأعظم التابعة لديوان الوقف السني والتي دوهمت خمس مرات وعندما يتم مداهمة هذه الأماكن يعبثون فيها ويكسرون الأبواب..وفي إحدى المداهمات لمسجد أبى حنيفة قتلوا أربع مصلين في باحة المسجد وادخلوا الكلاب إلى فناء المسجد ويدخلون بأحذيتهم إلى حرم المساجد.
سؤال : كم عدد المعتقلين في العراق ، إذا؟
إن عدد المعتقلين في السجون العراقية بالآلاف ولا اعرف هم عشرة ألاف أو عشرين ألفا، وقد يصل إلى مئة ألف ومثال على ذلك عمليات اعتقال و أئمة المساجد والحراس والخدم وقراء القران وعددهم أكثر من 600 شخص ومعتقلون من عامة الناس ولدي في جيبي قائمة من 23 شخصا من منطقة واحدة تم اعتقالهم في ليلة واحدة وفي ساعة واحدة ولا نعرف عنهم شيئا وأنا قدمتها إلى رئيس الجمهورية لمعرفة مكان وجودهم وسبب اعتقالهم.
سؤال: إذا بماذا تفسرون تعيينكم الأخير بمنصب المستشار الديني للرئيس العراقي؟
القرار هو التفاف لإخراجي من الوقف السني لأن أبناء السنة من العلماء ووجهاء العشائر كانوا قد استنكروا قرار إقصائي حيث طالب أبناء السنة المجتمعون في جامع بني حنيفة لإرغام الحكومة بإلغاء هذا القرار.
أنا ألان لست بعيدا عن الحرية الدينية السياسية وعينت مستشارا دينيا لرئيس الجمهورية في الأسبوع الماضي وان لم يصل كتاب رسمي بذلك التعيين من قبل رئيس الجمهورية الحالي ،ولكنني بلغت يوم السبت الماضي بتعييني مستشارا وكانوا قد عرضوا علي أن أكون مستشارا دينيا لرئيس الوزراء لكنني رفضت ولا اسمح لنفسي أن أعمل مع رئيس الوزراء ولكن اقبل أن أكون مع رئيس الجمهورية حتى لا أكون بعيدا عن القرارات الحكومية وحتى يبقى لي نوع من الحماية والحصانة لنفسي.
سؤال: إذا كيف تواجهون هذا الوضع ؟(26/47)
أنا اطلب من جميع أهل السنة آن ينضووا تحت مظلة واحدة ،وقد سعيت آنا ومن يشاركني الرأي من آهل الحل والعقد والأساتذة ورؤساء العشائر فشكلنا تكتلا أسميناه»المؤتمر العام لأهل السنة» والذي تم تشكيله قبل ستة اشهر ونحن نعمل تحت هذا الاسم لبث الوعي لدى أهل السنة ودفعهم للمشاركة في العملية السياسية سواء أكانت هذه العملية تتعلق بكتابة الدستور أو المشاركة بالانتخابات القادمة ونحن ألان نعمل ليل نهار من اجل بث الوعي بين آهل السنة وشكلنا لجانا كثيرة إعلامية ولجانا تتعلق بالانتخابات وأخرى تتعلق بالمتابعة والقضايا السياسية والدينية.
وهناك توجه كبير ألان عند أبناء السنة للمشاركة بالانتخابات النيابية واتخذنا لنا مقرا في بغداد وسنفتح مقرات متعددة في المحافظات وأصدرنا جريدة أسميناها (الاعتصام) واستوحينا هذا الاسم من قوله تعالى (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا).
والذين يشاركونا في هذا التجمع هم جمهور كبير من أئمة المساجد وأساتذة الجامعات ومن الشباب المسلم ورؤساء القبائل والضباط المتقاعدين والأحزاب السنية والشخصيات السنية البارزة في المجتمع العراقي ونحن منشغلون ألان بالتهيئة للانتخابات القادمة ووجهنا كتبا للمفوضية العليا المسؤولة عن الانتخابات وأصدرنا كتبا ومراسلات مع هذه المفوضية.
وقد زارنا في مقرنا في بغداد مجموعة من كبار موظفي هذه المفوضية ونحن ألان نعمل في أيجاد خطة واسعة تهدف الى تشجيع أبناء السنة(60% من العرب والأكراد في العراق ) وبث الوعي بينهم للمشاركة بالانتخابات القادمة.(26/48)
وفيما يتعلق بهذه المشاركة فقد أجرينا استبيانا حول المشاركة بالانتخابات القادمة وكانت نتائجه ان 96% من العينات التي جرى عليها الاستطلاع تؤيد المشاركة في الانتخابات القادمة والمشاركة في العملية السياسية وفي الدستور وعقدنا ندوة للمشاركة في الدستور وأصدرنا توصيات منها انه يجب أن يكون ضمن الهيئة العليا التي تكتب الدستور(25) عضوا من أعضاء السنة من خارج الجمعية الوطنية.
واستطعنا أن نجعل الحكومة والجمعية الوطنية والأميركان أن يوافقوا على هذا الأمور ودخل من أبناء السنة ممن لم يشاركوا في الانتخابات الماضية وممن لم يكونوا من الجمعية الوطنية ليشاركوا في كتابة الدستور.
سؤال: هل هذه المشاركة كانت عادلة للسنة؟
من الناحية القانونية لا يحق لنا..لأننا لم نشارك في العملية الانتخابية وليس لنا وجود يذكر ، ولكن للتوافق ولأجل ان يكون الذين شاركوا في كتابة الدستور من مختلف طوائف الشعب العراقي ، شارك (15) عضوا أصيلا و(10)أعضاء خبراء استشاريون والذين شاركوا في كتابة الدستور هم جميعهم من طوائف الشعب العراقي.
سؤال: هل انتم راضون بصورة عامة عن الدستور الجديد وما تحفظاتكم الأولية وقبل صدوره بصورته النهائية؟
نحن من الآن وصاعدا نمثل المؤتمر العام لأهل السنة وأنا لم اقرأ الدستور حتى أقول لك أنني معه أو ضده ،وأقول لك انه لن يصاغ دستور الآن يرضي الجميع لان هناك اختلافات كبيرة والظرف الآن لا يساعد على التوافق التام لكن هناك مبادئ عامة ينبغي أن يتضمنها الدستور منها سيادة العراق ووحدة العراق ومنها البعد عن الطائفية وعن انتماء العراق إلى هويته الأصيلة وهي العربية الإسلامية وان يكون العراق جزءا من الوطن العربي وان يكون الإسلام هو الدين الرسمي للعراق وان لا يتعارض الدستور والقوانين المختلفة من أي مادة تتعارض مع ثوابت الإسلام أي ان هذا الدستور ليس الذي نريده ويتفق عليه الجميع.
سؤال: إذا ما هو رأيكم بالفدرالية؟(26/49)
بالنسبة للفيدرالية والأقاليم فنحن العرب السنة نرفض رفضا قاطعا أن يقام فيدرالية وأقاليم في المنطقة الوسطي أو الجنوبية.
فعلى أي أساس تقوم هذه الفدرالية والأقاليم فليس هناك أي أساس إلا الأساس الطائفي والأساس الطائفي مرفوض لأننا نعيش في بلد واحد ونشترك في أمور كثيرة في كوننا حياتنا مشتركة ، فالتداخل الأسري بين أهل السنة الشيعة وكل الأصلاء من العراقيين من أهل السنة والشيعة يرفضون الفيدرالية في هذه المناطق وهناك كثير من إخواننا الشيعة لا يرضون أي تفاصل بين السنة والشيعة لأنهم جميعا يهدفون إلى توحد العراق وقد صرحت أنا وغيري من السنة والشيعة لإقامة الأقاليم في الجنوب والمنطقة الوسطي.
سؤال: إذا كيف هي العلاقة بينكم وبين الشيعة ؟
نحن ألان نسعى إلى جمع أبناء السنة للدفاع عن العراق ، وبيننا وبين إخواننا الشيعة علاقات طيبة ،ونحن بصدد إقامة»مؤتمر عام» لأهل العراق يجمع بين السنة والشيعة والعرب والأكراد من اجل وحدة العراق وتحرير وسيادة العراق والذي سيكون في بغداد الأسبوع القادم.
العراق.. فيدرالية الشيعة وصيحة الحكيم .. إلى أين؟
رشيد الخيون الشرق الأوسط 12 أغسطس 2005 العدد 9754
تصاعدت على لسان زعامات الشيعة بالعراق الدعوة إلى فيدرالية شيعية في الجنوب والوسط، فقد دعا السيد عبد العزيز الحكيم في ذكرى مقتل أخيه آية الله محمد باقر الحكيم إلى تشكيل مثل هذه الفيدرالية، معللاً ذلك أمام حشد نجفي, بالأمس, بالقول: « بات من الضروري إقامة إقليم واحد يضم جميع مناطق الشيعة على غرار إقليم كردستان في شمال العراق». واعتبر ذلك مطلباً مقدساً. ثم تبعه أمين عام منظمة بدر هادي العامري، وهي الجناح العسكري للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية بالعراق، بتصريح داعم، قائلاً: «على الشيعة المضي قدما في إقامة فدرالية في الجنوب وإلا سيندمون على ذلك».(26/50)
توحي هذه الدعوة وغيرها من الدعوات الملوحة بتقسيم العراق إلى أن وجهاء السياسة العراقية، من كل الأطراف، لم يحسنوا التعايش مع الديمقراطية، ولم يتمكنوا من الانفكاك من تركة الماضي وقسوته. وهم بهذا يعطون يوماً بعد يوم حجة على عدم أفضليتهم ممن كان يمارس العنصرية والطائفية، ويفكك أوصال العراق بالمركزية القاتلة، وبنظام حزبي تعد ممارساته من تركة القرون الوسطى تخلفاً وقسوة.
كانت بداية الخلل في تأسيس الدولة العراقية، التي حاولت جهد الامكان أن تمحو صورة العراق الواحد، على المستوى الجغرافي في الأقل. لقد تم التثقيف تاريخياً وسياسياً أن العراق كوطن ما هو إلا صناعة إنكليزية، وعندما يتحدث السياسيون اليوم، عرباً وكرداً، يتحدثون عن قسيمة زواج بين مناطق العراق تمت في العام 1921. بينما الحقيقة مخالفة تماماً، فالعراق ككيان جغرافي وسياسي كان موجوداً قبل الانكليز وقبل العثمانيين، تشهد بذلك خرائط الجغرافيا ويوميات الخلافتين الأموية والعباسية، ثم ارشيف الدولة العثمانية، فوالي بغداد كان يسمى بوزير العراق، وأن الولايات الثلاث: بغداد والبصرة والموصل، كانت متصلة بسلطة هذا الوزير. لكن هذا لا يمنع من ترتيب أمر العراق السياسي والإداري بعد رحيل العثمانيين، فالكل كانوا، من شيعة وكرد، تحت مظلومية واحدة تحت العهد العثماني.
إذا كان الشيعة قد عانوا من الطائفية في كل العهود السابقة، ويصعب عد فترة الحكم الجمهوري الأولى من بين تلك العهود لانه قد كان فيها محاولة جادة لتأسيس عراق خال من التفرقة على أساس الدين والمذهب والقومية، فإن الوقت قد حان لأن يسعى الشيعة إلى تكريس نظام لا طائفي، لا أن يجعلوا المطالب الطائفية، أو الهم الطائفي، في المقدمة، وبذلك تأتي الآية معكوسة: أن تظهر المظلومية من الطائفة الأخرى، وهذا ما يحصل تماماً...(26/51)
فالاستعجال في الانتخابات، وجعل المرجعية الدينية الشيعية هي المرجع في الصغيرة والكبيرة قد شحنا الطرف الآخر، وجعلاه يستنفر، ويقلق على وجوده، بل جعلاه لا يطمئن إلى العملية السياسية برمتها.
إن السياسة، كما هو معروف، هي فن الممكن، وقد تجاوز سياسيو الشيعة هذا الممكن إلى التلويح أو التهديد بالأكثرية. ففي أول يوم من تحرير العراق من النظام السابق ظهر إلى العلن أذانان للصلاة ، وبوشر ببعث مشاكل الوقف الديني، وترك الحديث عن العراق إلى الحديث عن الطائفة، وحقوق الطائفة. وكأن هناك عصا سحرية تحقق تلك العدالة وتمحي ذلك الاختلاف. فإذا علمنا أن العراق محكوم من قبل سلطات سنية طوال الخلافة الأموية والعباسية ثم العثمانية، مروراً بالسلطنات الإيلخانية والجلائرية والتركية: مثل دولة الخروفين الأبيض والأسود، فهل من المعقول أن يتخلى الطرف الآخر عن ذلك التاريخ بكل مرونة وسهولة؟ إن تغيير النفوس والعقول يحتاج إلى فترة زمنية، وتبادل ثقة، والحرص على عدم حصول العكس.
يبدو أن الزعامات الشيعية لم تحسن اللعبة السياسية، لذا فوضت أمر التحكم بالفعل السياسي إلى رجال الدين، وهؤلاء بجمعهم ليسوا من العراقيين. أقول هذا من باب اعتراض الآخر وترصده للهفوات في الأداء السياسي. وإلا لو كان الظرف طبيعياً فآية الله علي السيستاني كان الأحرص على العراق والعراقيين، وكثيراً ما نسب إليه تصريحات دعم قائمة الائتلاف الشيعي (169) في انتخابات يناير (كانون الثاني) الماضي، بل إن السيد عبد العزيز الحكيم والدكتور إبراهيم الاشيقر الجعفري كانا يصران على ما يحاول مكتب السيستاني إبعاده عنه، وقد اشتهر عنه أنه قال للسفير بريمر: «أنا إيراني وأنت أمريكي». بمعنى دع أمر العراق للعراقيين.(26/52)
أما الدعوة إلى فدرالية شيعية لكل مناطق العراق، الوسط والجنوب، فهي خطأ آخر يرتكبه وجهاء الشيعة السياسيون. لأن ذلك إذا أضيف إلى اصرار الكرد على حل كل المتعلقات مع الدولة المركزية السابقة، على الرغم من وجود السيد جلال الطالباني رئيساً لكل العراق، لا يسفر إلا عن تقسيم العراق إلى دويلات، ربما سيترحم العراقيون في ظلها على الحكم العثماني، وترابط أقاليمه.
خطأ فظيع يمارسه الساسة الشيعة عندما يعطون المبرر تلو المبرر لتزمت الطرف الآخر، والشعور بالقلق من الأداء السياسي. والسؤال الذي يطرح نفسه، هو هل أن الإقليم الشيعي سيكون الجنة الموعودة للشيعة، وأن هناك أصواتا تعلو يوماً بعد يوم لتحقيق فدرالية للمحافظات الجنوبية الثلاث، وهي: البصرة، والعمارة، والناصرية. بل إن هناك أصواتا تعلو يوما بعد آخر مطالبة بفصل البصرة واستقلالها المالي والادراي.
يبدو أن العراق أصبح لعبة بيد ساسة العراق اليوم، وهو حسب المعطيات السياسية، والجدل الدائر ، مجرد خيال أو وهم وطن، وليس وطنا على الحقيقة. وقد سبق أبو الحسن المسعودي الجميع وشخص حدود العراق الجغرافية من آثور، حيث أبعد نقطة في شمال العراق الحالي، شمالاً وحتى عبادان جنوباً. كذلك لا يمكن التعالي على خصوصية كردستان العراق وما قدر له من حكم ذاتي أو فدرالية، فهناك اللغة والتاريخ القومي. ومع ذلك هناك ما يقلق بشأن هذه الفيدرالية إذا كان الأمر محسوباً بالوقت، بمعنى أن الظروف الدولية لا تسمح بانفصال كردي تام، فكان الرضا بالفدرالية مع بقية العراق أنه منوط بالظروف لا بالشعور الوطني العراقي.
إلى من يؤمنون بوجود طيف يسمى الفرس العراقيين
في العراق نريد جوابا ؟
علي البطيحي ( باختصار و تصرف)
من شبكة النهرين نت . نت(26/53)
بخصوص شكوك البعض بوجود الطيف الفارسي العراقي في العراق , فنعم فيوجد عراقيين يحبون القومية الفارسية ولكن لا يؤمنون بوجودها في بلدهم العراق كاثنية عراقية بل أنا متعجب أصلا من البعض الذين يريدون أن نعترف بوجود الأقلية الفارسية العراقية
لأني في حياتي لم أرى جماعة سياسية أو ثقافية أو شخصيات عراقية تدعي النسب الفارسي و الأصل الفارسي العراقي , رغم وجود فرس في العراق , ولم اقرأ في أي كتاب لشخص عراقي كتب عن تاريخ الفرس العراقيين في العراق كعراقيين و ادعى أصله الفارسي العراقي , بمعنى اقرأ عن تاريخ التركمان و الفيلية و غيرهم ولم اقرأ عن تاريخ الفرس , ولماذا لا اقرأ عن وجود الفرس العراقيين في العراق من كتاب فرس عراقيين , بل اسمع بوجودهم من غير الفرس , كهمام حمودي و فؤاد معصوم ؟
فالتتار احتلوا العراق و لا يوجد من يقول أن لهم وجود ديمغرافي في العراق , و حتى الدول والقبائل التي احتلت العراق من العرب الغير عراقيين من الحجاز يقولون الآن مثلا نحن أصولنا من نجد و الحجاز و اليمن و نحن عراقيين الآن ؟
و ثانيا ليس معنى أن هناك طلاب أجانب جاءوا للدراسات الدينية في العراق يدل مثلا على أحقية القومية الفارسية في العراق , فقد جاء للعراق طلاب من التبت فهل التبتيين هم عراقيون مثلا ؟
أقول إن السلاجقة وهم أتراك كما هو معروف, و في العراق مئات الألوف من التركمان , و لهم قراهم و مدنهم و تجمعاتهم الثقافية و الحزبية و يطالبون بحقوقهم بكل حرية , ولديهم امتدادات ديمغرافية في العراق , ولكن أين هي قرى و مدن و تجمعات الفرس العراقيين , أين هي ؟ .(26/54)
ليعلم البعض أن العراق في الثمانينات عددهم المصريين في العراق خمسة ملايين مصري من أصل خمسة عشر مليون عراقي , أي أن المصريين في العراق كانوا في فترة من الفترات أكثر من ثلاثين بالمائة من سكان العراق,و أن المصريين أصحاب حضارية عظيمة ( حضارة المقابر و التحنيط و الموتى ) , فهل معنى ذلك أنهم عراقيين ؟
فكلامك حول وجود فرس في العراق , ثم انخفاض عددهم يدل على أنهم غير مرتبطين بشكل كامل في العراق .و هل معنى وجود جالية يابانية في العراق مثلا يدل على أن نضع القومية اليابانية في الدستور , أو أن توجد جالية صينية في تركيا أن تضع تركيا القومية الصينية في الدستور ؟ كيف يكون ذلك ؟ .
و أعيد سؤالي , يقول البعض أن العراق سابقا كان يضطهد الفرس العراقيين لهذا لم يستطيعون أن يعبرون عن رأيهم , ولكن قولوا لي لماذا في المعارضة ضد صدام لم نجد فرس عراقيين يطالبون بحقوقهم من لندن أو أمريكا أو إيران أو تركيا أو سوريا أو لبنان أو أي دولة يمكن أن يعبرون عن مظلوميتهم ؟
لماذا لم نرى كتاب فرس عراقيين يكتبون تاريخ الفرس العراقيين في العراق و تعايشهم بين العراقيين ؟ أليس التركمان الذين لم يعترف النظام أصلا بهم , كانوا يناضلون في سبيل عراقيتهم و قوميتهم ضمن العراق , وكذلك العراقيين الفيلية الكرد الشيعية كانوا يقاتلون عن عراقيتهم و امتدادهم التاريخي رغم أن نظام صدام لا يعترف بهم بل كل الأنظمة لم تعترف بهم ، فلماذا لم نسمع للفرس العراقيين صوت ؟(26/55)
و الآن العراق فيه حرية و ديمقراطية , فلماذا لم نجد فارسي عراقي يطالب بحقوقه ؟ لماذا لم نرى جمعية فارسية عراقية تدافع عن حقوق الفرس العراقيين , كما يفعل العرب العراقيين و الكرد الشيعة , و التركمان الشيعية العراقيين ؟ لماذا ؟ ماذا ينتظرون هل يوجد الآن دكتاتورية ؟ ثم و إن كان في إيران حضارة عظيمة فارسية , و إن كان فيها شخصيات ثقافية وأدبية و حضارية عظيمة , فهل معنى ذلك هو دليل على أن الفرس لهم حق في العراق ؟ بمعنى , ما دخل الحضارية الإيرانية الفارسية بوجود الفرس في العراق ؟ و ما معنى الإنتاج الحضاري لإيران الفارسية و رقيها , في وجودها الديمغرافي في العراق , و أنا علما لا اعترض على الفرس كقومية عرقية بل أنا حريص على أن يضم العراق فقط العراقيين , و إذا كان هناك فرس عراقيين فيجب أن يخرج لهم صوت ولو واحد , أريد واحد يقول أنا فارسي عراقي رجاءا ؟ ولا تقولون لي أشخاص لم يفتخرون يوما بأصلهم الفارسي الذي ينسبون إليه و بعد مماتهم ينسبهم البعض إلى أصول فارسية عراقية ؟ . لماذا لم يذكر لنا اسم عراقي و احد ما زال حيا أصله فارسي ؟
إيران: لا تعهدات بإسقاط التعويضات
ولا بإعادة الطائرات العراقية
المشاهد السياسي العدد 490 ـ 28/7/2005(26/56)
لم يخرج رئيس الوزراء العراقي الذي ذهب إلى إيران بنية صافية ووضوح في الرأي والمنطق والمطالب والنيات، بأي التزام إيراني حقيقي تجاه نوايا إيران إزاء العراق. فلم تتعهد إيران لا بالتصدي للإرهاب أو الحيلولة دون تسربه إلى العراق ولا أن لا تكون طرفا فاعلا فيه. وبدلا من الاستجابة والتوافق مع الوعود التي نقلت إلى المسؤول العراقي الكبير من طهران بتغيير الكثير من المواقف وإصلاح الخلل في العلاقات والكف عن التطرف في التعامل مع القضية العراقية في عهدها الجديد واستعداد غير مشروط لفتح كل الملفات، فإن الجعفري فوجئ بمطالب إيرانية بإقرار تنازلات عراقية عن مواقع جغرافية وتبني وجهة النظر الإيرانية حيال اتفاقية شط العرب التي قادت لاندلاع الحرب بين البلدين في عام 1980 وبمطالب أخرى لا يمكن أن تقبلها الحكومة العراقية الحالية ولا أي حكومة أخرى سواء كانت شيعية أو سنية أو ائتلافية.
وكان إياد علاوي رئيس الوزراء العراقي السابق قد رفض دعوات عدة من طهران لزيارتها واشترط قبل ذلك إجابات صريحة بأن إيران راغبة حقا في التوافق مع العهد العراقي الجديد وأن تتعامل معه كدولة صديقة وجارة وشقيقة، وأن تسقط الحسابات القومية (الفارسية) التي تقدم على أي مصالح أخرى بين البلدين. واشترط الجعفري نفس الأمور وأثار نفس التساؤلات مع كمال خرازي وزير الخارجية الإيراني عندما زار بغداد قبل عدة أشهر. وتلقى الجعفري تأكيدات قاطعة بعد عودة خرازي إلى بلاده من أن إيران ستتعامل مع الملف العراقي بما يقود إلى دعم أواصر الجيرة بين البلدين وينجح تجربة الحكم الجديد.(26/57)
ومع أن عدة مسؤولين عراقيين كبار من الشيعة زاروا طهران مراراً منذ سقوط الرئيس العراقي السابق صدام حسين في أعقاب التدخل الأميركي في العراق، إلا أنهم كانوا يصطدمون على الدوام بتعددية وتناقضات الموقف الإيراني الموزع بين الإصلاحيين والمحافظين وبين الحكومة والمخابرات وبين مؤسسات الشهيد وسواها وهي الجهات الفاعلة والمتورطة بالملف الأمني في العراق الآن.
وكمحصلة فإن الجعفري لم يخرج بغير وعود لا حاصل جمع منها فيما يتعلق بإعادة أكثر من 184 طائرة عراقية مؤتمن عليها من حرب تحرير الكويت عام 1990 ولا بإسقاط رسمي للتعويضات التي تلوح إيران بالمطالبة بها من جراء ما تكبدته من أضرار وخسائر من حربها مع العراق التي تتهم الرئيس العراقي المخلوع بشنها عليها، ولا بأفعال أكيدة فيما يتعلق بالتصدي لأي تنسيق بين جهات إيرانية وبين القاعدة أو الزرقاوي أو أي أطراف بعثية عراقية أو إسلامية أخرى لها دور في قتل العراقيين وإشعال الفتنة الطائفية تحت ستار محاولة إجبار الأميركان على الخروج من العراق.
تعهدات
وعولت أطراف عراقية شيعية وكردية كثيرا على الموقف الإيراني وقدمت تعهدات غير معلنة للجانب الإيراني بإحياء فرص التعاون الاقتصادي (النفطي) والديني (السماح للإيرانيين بزيارة العتبات المقدسة) والتجاري (الاستيراد الواسع من إيران) وأمور أخرى كثيرة، بما فيها التوسط لإيران لدى الإدارة الأميركية لتحسين العلاقات بين واشنطن وطهران وترتيب لقاءات واجتماعات تفاوضية بين الجانبين في الولايات المتحدة أوالعراق.(26/58)
وذهب العراقيون (سنة وشيعة) أبعد من ذلك عندما قالوا لإيران وبصريح العبارة أن الشيعة هم الذين يحكمون العراق الآن مستفيدين من واقع الأغلبية السكانية الذي يتمتعون به وبالاعتدال السياسي والديني الذي يميزهم عن الإسلاميين الرافضين للوجود الأميركي أو الرافعين لراية الحرب ضد الأميركان والغرب. غير أن العلامات والإيماءات والتعهدات الإيجابية التي صدرت من طهران بعد أن أبلغت بأن عليها أن تعمل ليل نهار لإنجاح حكم الشيعة للعراق طالما أن البعض يعتبر مثل هذا الأمر تصحيحاً لخطأ وقع فيه الشيعة العراقيون منذ أكثر من ثمانين عاما بعد ثورة العشرين الشهيرة ضد البريطانيين إثر رفضهم الانخراط في الحكم احتجاجاً على الاحتلال البريطاني لبلدهم، وهو الخطأ الذي كلفهم غيابا كاملا عن السلطة ومصادرة لحق شريحة واسعة من السياسيين والمثقفين في المشاركة بإدارة أمور البلاد طوال الفترة السابقة.
مسؤولية
وهناك اعتقاد راسخ لدى الكثير من العراقيين بأن إيران تتحمل القسط الأكبر في أعمال العنف التي تشهدها بلادهم حاليا فهي التي سمحت في البداية بتسرب جماعات القاعدة من أفغانستان وباكستان عبر أراضيها إلى بلادهم، وهي التي غضت النظر عن الكميات الرهيبة من المخدرات التي غزت أسواق العراق، وهي التي اشترت ثلثي المسروقات من الممتلكات الحكومية والأهلية العراقية، وهي التي زجت بآلاف الأفراد من مخابراتها إلى الساحة العراقية وهي التي لا تزال تجند الكثيرين وتقتل الكثيرين وكل الجهات التي تحمل اسم (الله) في العراق الآن (نحو تسع جهات حزبية لها مليشياتها المسلحة) لها علاقة بالمخابرات الإيرانية وتمول من قبلها. وهناك اتهامات لإيران بالتورط بسرقات النفط اليومية عن طريق شط العرب وأمور أخرى كثيرة تجعل من العراقيين الشيعة تحديداً يرون في الدور الإيراني دور عدو لا صديق ويحملونها بالتالي القسط الأكبر من التحدي الذي يواجه التجربة العراقية الحالية.(26/59)