للقاديانية في القارة الهندية ألف حكاية وحكاية، ولعلنا نبدأ الحكاية بوثيقة بريطانية تؤكد أن بريطانيا أرسلت في سنة 1869م وفداً من المفكرين البريطانيين والزعماء المسيحيين إلى الهند، لدراسة الوسائل التي يمكن من خلالها تسخير المسلمين، وحملهم على الطاعة للإمبراطورية البريطانية التي كانت تحتل أرجاء واسعة من بلادهم. وفي العام التالي أي سنة 1870م رجع الوفد من الهند، وقدم تقريرين ذكر فيهما أن أكثر المسلمين في الهند يتبعون زعماءهم الدينيين إتباع الأعمى، وانه لو تم العثور على "نبي حواري" لاجتمع حوله كثير من الناس، لكن ترغيب شخص في القيام بهذا الدور أمر في غاية الصعوبة، فإن حلت هذه المسألة، فمن الممكن أن ترعى الحكومة البريطانية هذا الشخص على أكمل وجه، وبريطانيا الآن مسيطرة على سائر الهند، وتحتاج إلى مثل هذا العمل لإثارة الفتن بين الشعب الهندي وجمهور المسلمين واضطرابهم الداخلي.
لعل هذه الوثيقة التي أشار إليها علماء باكستان في كتابهم عن القاديانية يفسر جزءاً من سيرة هذه الفرقة التي نشأت في كنف الاستعمار البريطاني، والدور الذي لعبته في خذلان المسلمين، خاصة وأن القاديانية تزعمت فكرة تحريم الجهاد، وعدم مقاومة الاحتلال البريطاني للقارة الهندية وبقية بلاد المسلمين(1).
ويبدو أن الاستعمار الإنجليزي المعروف بخبثه ودهائه، لم يعجز في العثور على الشخص المطلوب أو "النبي الحواري" لتثبيط همم المسلمين، فكان مرزا غلام أحمد القادياني الذي تنسب إليه القاديانية هو المعول عليه للعب هذا الدور، ولم يكن ذلك صعباً، إذ أن مرزا غلام ورث من أسرته عداوة المسلمين، وموالاة الكفار، فقد اشترك والده غلام مرتضى في:
1 ـ القتال مع المهراجة رنجيت سنك السيخي ضد المسلمين، فكافأه المهراجه بأن أقطع له أرضاً.
__________
(1) ـ لمعرفة المزيد عن عقائد وأفكار القاديانية وأماكن انتشارهم، يمكن الرجوع للعدد الثامن من الراصد، باب فرق .(15/11)
2 ـ القتال إلى جانب الإنجليز لإخماد ثورة المسلمين ضد الاحتلال سنة 1857، وقد اعترف الابن بذلك إذ يقول: "أنا من أسرة مخلصة حقا لهذه الحكومة وكان والدي مرزا غلام مرتضى شخصياً وفياً ناصحاً في نظر الحكومة، وقد تشرف بكرسي في قصر الإمارة، وورد ذكره في "تاريخ زعماء البنجاب" للمستر كريفن، وقد ساعد الإنجليز فوق طاقته سنة 1857، إذ تبرع بخمسين فرساً مع فرسانها لنصرة الإنجليز أيام التآمر ضدهم".
ثم ذكر المرزا رسائل الحكام الإنجليز التي بعثوا بها إلى والده وأخيه غلام قاد اعترافاً بخدماتهم، فقد كتب مستر ولسن إلى مرزا غلام مرتضى: أنا أعلم جيداً بأنك أنت وأسرتك مازلتم خداماً أوفياء مستقيمين للحكومة الإنجليزية. كذلك اعترف مستر وابرت كست حاكم (لاهور) بخدمات مرزا غلام مرتضى الجليلة للحكومة الإنجليزية في "جهاد الحرية" سنة 1857م وأخبره بما أنعمت علية الحكومة من الرضاء والجائزة، وذلك في رسالة بعث بها إليه في 20 سبتمبر 1885م.(15/12)
فالشخص الذي أشرب في قلبه هذه الطاعة الموروثة لماذا لا يكون سراً لأبيه، فقد اعترف بوفائه لمولاه الإنجليز قائلاً: إن الخدمة التي قمت بها للحكومة الإنجليزية هي أنني طبعت نحواً من خمسين ألف كتابٍ ونشرةٍ ثم وزعتها في هذه البلاد وغيرها من البلاد الإسلامية، وقلت فيها: إن الحكومة الإنجليزية قد أحسنت إلينا معشر المسلمين، فيجب على كل مسلم أن يطيعها بصدق وإخلاص، وأن يشكرها ويدعو لها من قلبه، وقد نشرت هذه الكتب بلغات مختلفة من الأردية والفارسية والعربية، ووزعتها في البلاد الإسلامية حتى في المدينتين المقدستين مكة و المدينة وفي قسطنطينية عاصمة الروم وبلاد الشام و مصر و كابول ومدن أفغانستان المتفرقة ما أمكن ذلك، وكانت نتيجة ذلك أن آلافاً من الناس تركوا فكرة الجهاد الفاسدة التي وصلتهم من تعاليم العلماء الذين لا يفهمون، وإن هذه خدمة قمت بها وأفتخر بأنه لا يمكن لأحد من رعايا الحكومة البريطانية أن يأتي بمثلها.
وليس هذا فحسب بل اعترف هذا المخلص للإنجليز الذي لا نظير له في الهند بقوله: لقد كتبت في طاعة الإنجليز ما تمتلئ به خمسون خزانةً. وكتب إلى حاكم البنجاب يؤكد بأن أسرته وفية للحكومة البريطانية منذ خمسين سنة ومخلصة لها، وكتب عن نفسه بأنه غرس الإنجليز ويرجو العناية الخاصة به وبجماعته بحق وفائه وإخلاصه.
تحريمه للجهاد(15/13)
ولم يدع القادياني أسلوباً إلاّ اتبعه للدفاع عن فكرة تحريم الجهاد التي خدمت الاستعمار أيما خدمة إذ يقول مرزا غلام أحمد في هامش كتابه "الأربعين" : إن الله تعالى لم يزل يخفف شدة الجهاد ـ أي الحروب الدينية ـ وقد بلغت شدته في عهد موسى عليه السلام إلى أن الإيمان كان لا ينجلي عن القتل حتى كان الرضع يقتلون أيضاً. ثم حرم قتل الأطفال والشيوخ والنساء في عصر نبينا - صلى الله عليه وسلم - ، ثم تقرر قبول الجزية بدل الإيمان للتخلص من القتل، ثم نسخ الجهاد قطعاً في عهد المسيح الموعود (أي في عهد المرزا حسب زعمه).
ووصلت دعوتهم إلى بلاد إسلامية أخرى، مثل أفغانستان التي انبرى فيه اثنان من القاديانية هما نعمة الله خان وعبد اللطيف للدعاية ضد الجهاد حتى يمهدا الطريق لسيطرة الإنجليز على أفغانستان، وقد أفتى علماء أفغانستان قاطبة بردة هذين القاديانيين فقتلا، وكان ذلك في عهد الأمير أمان الله خان.
وليت الأمر اقتصر على هذا الحد من عدم الدعوة إلى الجهاد، بل لقد قال ميان محمود أحمد في خطبة الجمعة التي نشرتها صحيفة الفضل القاديانية (27/5/1919) "إن إعلان كابول ـ أي أفغانستان ـ الحرب ضد الإنجليز وفي عهد الشاه أمان الله خان جهالة، وعلى الأحمديين(1) أن يخدموا الحكومة البريطانية، لأن طاعتها فريضة علينا، وحرب أفغانستان لها حيثية جديدة بالنسبة الأحمديين، لأن أرض كابول قتل فيها نفوسنا الغالية ظلماً، وقد قتلوا بلا ذنب. وكابول بلد يمنع فيه تبليغ الأحمدية، وقد أغلقت عليه أبواب الصدق. ولإقامة الصدق يحب على الأحمديين أن يزيلوا هذه الحواجز الظالمة، وذلك عن طريق تجندهم في الجيش الإنجليزي ونصرة بريطاينا، فاسعوا لكي تنبت تلك الفروع بأيديكم التي أخبر عنها المسيح الموعود".
العراق وبغداد:ـ
__________
(1) ـ القاديانيون يطلقون على أنفسهم اسم الأحمديين .(15/14)
عندما عزم الإنجليز الاستيلاء على العراق)وقام بزيارتها (لارد هاردنك) لهذا الغرض، علقت على زيارته الصحيفة القادياينة الشهيرة (الفضل) قائلةً : (لا شك أن زيارة هذا الضابط الطيب القلب سوف يسفر عن نتائج طيبة، ونحن راضون بهذه النتائج، لأن الله يهب الملك وزمام الدنيا لمن يريد خيراً لخلقه، ويفوض حكم الأرض إلى من يكون له أهلاً، ونقول مرةً ثانية بأننا فرحون، لأن كلمة ربنا سوف تتحقق، ونرجو أن يتسع لنا مجال الدعوة بتوسع الدولة البريطانية، فندخل المسلم في الإسلام مرةً ثانيةً كما ندخل غير المسلم في الإسلام.
وبعد ثماني سنوات من هذا الحادث استولى الإنجليز على بغداد بعد هزيمة أهلها، فكتبت صحيفة (الفضل) القاديانية : قال حضرة المسيح الموعود ـ المرزا ـ لهؤلاء العلماء أن يقاوموا هذا السيف فلماذا لا نفرح معشر الأحمديين بهذا النصر؟
*أول حاكم قادياني على العراق :
وكان لموالاة القاديانيين للإنجليز نصيب وافر في سقوط بغداد حيث أنه لما احتل الإنجليز (العراق) عينوا أول حاكم على (العراق) ميجر حبيب الله شاه ـ شقيق زوجة مرزا بشير الدين محمود ـ وكان ميجر حبيب الله شاه قد تجند في الحرب العالمية الأولى، وذهب إلى (العراق) وكان يشتغل طبيباً في الجيش.
ومن خدمات المرزا للاستعمار انه عندما أفتى أهل الحق من العلماء بأن الهند دار حرب استغلَّ المرزا هذه الفتوى لخدمة مولاه الاستعمار، فأرسل إلى الحكام البريطانيين نشرةً أرشدهم فيها إلى أنه يمكن التمييز بين المسلمين " أصحاب النيات الفاسدة " الذين يرون الهند دار حرب وبين المخلصين للحكومة بحضور صلاة الجمعة، هكذا جعل بشطارته الجمعة المقدسة وسيلةً للتمييز بين من يدين للحكومة الاستعمارية وبين من لا يدين لها.(15/15)
ثم قام المرزا بجمع أسماء الذين اعتبروا الهند دار حرب ، وقدمها إلى الحكومة، وقد ذكر هذه العملية الجاسوسية بكل فخر وعتزاز قائلاً: لما كان من المصلحة أن تنشر أسماء أولئك المسلمين الذين لا يفهمون، ويعتبرون الهند دار حرب في أنفسهم، ونصحاً للحكومة الإنجليزية اخترنا هذه القائمة حتى تبقى فيها أسماء من لا يعرف الحق محفوظةً عندنا كسياسة سرية. ثم استطرد قائلاً: نحن سجلنا أسماء هؤلاء الأشرار لأجل النصح السياسي لهذه الدولة المحسنة، وهذه الخرائط محفوظة عندنا كالسياسة السرية . ثم ذكر أعداد الخرائط مع أسماء هؤلاء وعناوينهم وعلاماتهم وأرسلها إلى الجهات المختصة.
القاديانية والهندوس
في أعقاب ضعف قبضة بريطانيا على الهند، نشأ حلف قادياني هندوسي وكان ذلك في عهد مرزا محمود ـ خليفة مرزا غلام أحمد ـ وأحس الهندوس بأهمية هذه الفرقة لهم، وقام جواهر لال نهرو ـ مع انه اشتراكي ملحد ـ بتأييدها.
وكان القاديانيون يرفضون فكرة قيام دولة إسلامية في باكستان، ويؤيدون الهند الموحدة وجعلوا ذلك هي إرادة الله، إذ يقول مرزا محمود: "إن مشيئة الله تقتضي وحدة الهند، وهي عين ما تقتضيه بعثة مرزا غلام أحمد".
وكان القادياينون يرون ضرورة الهند المتحدة، لأنهم يعتبرون أنفسهم أمة واحدة دون المسلمين، ويرون الدول الكافرة أنفع لهم من الدولة الإسلامية، وهم يفضلون فكرة الهند المتحدة على دولة باكستان المسلمة.
أسباب معارضة القاديانيين لاستقلال باكستان(15/16)
لعب القاديانيون دوراً كبيراً ضد استقلال باكستان، وكان أكبر همهم هو أن يظل الاستعمار على الهند الذي كانوا يرونه رحمةً إلهيةً، وعندما بدأت شمس الاستعمار تأفل عن الهند أيد القاديانيون بشكل كامل فكرة الهند المتحدة دون فكرة إقامة دولة إسلامية، لأن الحركة القاديانية لا يكنها أن تعمل بين المسلمين إلا في ظل دولة غير إسلامية بحتة، أو أن لا تكون إسلامية على الأقل، حتى يصبح المسلمون فريسة لهم مغلوبين على أمرهم تحت قبضة الحكومة الكافرة، ويقتنصهم القاديانيون تحت رعاية الحكومة اللادينية، وأما الدولة الإسلامية فيعتبرونها أرضاً وعرةً لا تثمر فيها جهودهم المضللة، وإلى هذا أشار المرزا في كتاباته قائلاً: ولو خرجنا من هنا (أي المستعمرة البريطانية) فلا ملجأ لنا لا في مكة ولا في المدينة ولا الروم ولا الشام ولا إيران ولا كابول إلا في هذه المملكة (البريطانية) التي أدعو لها بالعزة. ثم يخاطب أتباعه قائلاً: فكروا، لو خرجتم من ظل هذه الحكومة فأين يكون مقركم؟ فكل دولة إسلامية عازمة على قتلكم لأنها تعتبركم كفاراً مرتدين.
خيانة القاديانيين عند وضع حدود باكستان(15/17)
كانت الجماعة القاديانية تعارض تقسيم الهند كما ذكرنا وعندما أعلن بالتقسيم ـ رغم معارضتها ـ قام القاديانيون بمحاولة أخرى للإضرار بباكستان، وذلك بفصل محافظة غورداسفور. التي تقع فيها (قاديان) عن باكستان وضمها إلى الهند . وتفصيل هذا الاجمال هو أن لجنة تحديد الحدود عندما كانت تضع تخطيطاً لحدود الهند وباكستان وكان الممثلون عن حزب الشيوخ ورابطة المسلمين يقدمون إليها دعاويهم وأدلتهم، قدمت إليها الجماعة القاديانية مذكرةً خاصةً، واختارت فيها موقفاً خاصاً مخالفاً لحزب الشيوخ والرابطة وطالبت باعتبار (قاديان) ولايةً مثل الفاتيكان وذكروا في المذكرة عددهم وديانتهم وكيفيات موظفيهم المدنيين والجنود وغيرها من التفصيلات، وكانت النتيجة أن لجنة التحديد لم تستجب طلب اعتبار (قاديان) ولايةً مثل الفاتيكان غير أنها استغلت المذكرة القاديانية فأخرجت القاديانيين عن عداد المسلمين واعتبرت محافظة غورداسفور بها أقلية مسلمة بعد فصل القاديانيين، فضَّم أهم مناطقها إلى الهند، وهكذا فقدت باكستان محافظة غورداسفور بل وجدت بها الهند طريقاً للاستيلاء على كشمير وانفصلت كشمير عن باكستان .
للاستزادة:
1ـ موقف الأمة الإسلامية من القاديانية ـ نخبة من علماء باكستان بإشراف المحدث الشيخ محمد يوسف النبوري .
2 ـ الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة ـ اعداد الندوة العالمية للشباب الإسلامي .
موقف مفكري الإسلام من الشيعة
هذه سلسلة من البحوث كتبها مجموعة من المفكرين والباحثين عن عقيدة وحقيقة مذهب الشيعة من خلفيات متنوعة ومتعددة ، نهدف منها بيان أن عقائد الشيعة التي تنكرها ثابتة عند كل الباحثين ، ومقصد آخر هو هدم زعم الشيعة أن السلفيون أو الوهابيون هم فقط الذين يزعمون مخالفة الشيعة للإسلام .(15/18)
نبدأ هذه السلسلة ببحث الأستاذ أحمد أمين من كتابه " ضحي الإسلام " وسبب إختيارنا لهذا البحث دون ماكتبه في فجر الإسلام ما بينه أحمد أمين في مذكراته وهو موضع لم ينتبه له كثير من الباحثين :
" ولمست في العراق الانقسام بين الشيعة و السنية ، وقد زرت النجف و كربلاء وغيرهما ، و هي حصون الشيعة ، و صادف ذلك أيام العزاء و ذكرى مقتل الإمام علي بن أبي طالب ، ورأينا العامة في كربلاء يضربون صدورهم ضربا ً شديدا ً حتى ليدموا أجسامهم حزنا ً على الإمام ، ومنهم من يضربون أنفسهم بالسيوف ، ومنهم من يضربون ظهورهم بسلاسل من حديد ، و النساء يولولن على نحو ما كان معروفا ً من عمل الشيعة في القاهرة إلى عهد قريب . وقد أسفت لهذه المناظر وحملت مسؤلية ما يعمل في هذا الباب علماء الشيعة ، وفيهم فضلاء أجلاء مسموعو الكلمة يستطيعون أن يبطلوا كل هذا بكلمة منهم ، ولكن لا أدرى لماذا لايفعلون .
وهذا الخلاف بين السنية والشيعة في العراق جر عليه كثيراً من المصائب و المحن – وبذل جهود ضاعت فيما لا يفيد ، لو صرفت في خير الأمة وتقدمها – بقطع النظر عن سني وشيعي – لعادت على أهلها بالخير العميم ،ولئن كانت الخصومة بين أصحاب علي وأصحاب معاوية معقولة في زمنهما فلم تعد معقولة الآن ، إذ ليس هناك اليوم نزاع على خلافة و لا إمامة ، و إنما هو نزاع على أيهم أفضل أبو بكر وعمر أم علي ، وهذه لا يبت فيها إلا الله ، ومن السخافة أن نضيع أوقاتنا في مثل هذا الكلام ، وكل العقلاء متفقون على أن كلا ً من الثلاثة رجل له فضله ومزاياه ، والله وحده هو الذي يتولى مكافأتهم على أعمالهم ، ويزنهم بالميزان الصحيح و يقدرهم التقدير الحق ، و ما عدا ذلك فالخلاف بين الشيعة و السنية كالخلاف بين حنفي وشافعي ومالكي لا يستدعي شيئاً من الخصومة ، ولكن أفسد الناس ضيق العقل و عواطف العامة ومصالح بعض رجال الدين وصبغ المسائل السياسية بالمسائل الدينية.(15/19)
ولما أخرجت كتاب " فجر الإسلام " كان له أثر سيئ في نفوس كثير من رجال الشيعة، و ما كنت أقدر ذلك ، لأني كنت أظن أن البحث العلمي التاريخي شيء و الحياة العملية الحاضرة شيء آخر ، ولكن شيعة العراق والشام غضبوا منه وألفوا في الرد عليه كتبا ً ومقالات شديدة اللهجة لم أغضب منها . ولما لقيت شيخ الشيعة في العراق الأستاذ آل كاشف الغطاء عاتبني على ما كتبت عن الشيعة في فجر الإسلام . وقال : إني استندت فيما كتبت على الخصوم ، وكان الواجب أن أستند إلى كتب القوم أنفسهم ، وقد يكون ذلك صحيحا ً في بعض المواقف ، ولكني لما استندت على كتبهم في " ضحى الإسلام " ونقدت بعض آرائهم نقدا عقليا ً نزيها ً مستندا على كتبهم غضبوا أيضا ، والحق أنى لا أحمل تعصباً لسنية ولا شيعة ، ولقد نقدت من مذاهب أهل السنة ما لايقل عن نقدي لمذهب الشيعة وأعليت من شأن المعتزلة بعد أن وضعهم السنيون في الدرك الأسفل إحقاقا ً لما اعتقدت أنه الحق . "
كتاب حياتى ، الجزء الثانى ، أحمد أمين .
طبعة جريدة القاهرة 2003
الشيعة
” ضحى الإسلام لأحمد أمين ، 109/4 ”
كانت فرق الشيعة فرقاً كبيرة يعتنقها عدد كثير من المسلمين, ويتجادل علماؤهم مع المعتزلة وأهل السنة جدالاً طويلاً حكى عنه المؤرخون كثيراً, وكانت هذه الفرق تختلف غلواً واعتدالاً.(15/20)
ومن أشد الخصومات ما كان بين المعتزلة والروافض لما روى من أن جماعة كثيرة جاءت زيد بن علي لتبايعه, وألحّوا عليه في قبول البيعة ومحاربة بني مروان فلما أراد زيد أن يجاهر بالأمر جاء إليه بعض رؤسائهم وقالوا له: "ما قولك في أبي بكر وعمر؟ قال زيد: رحمهما الله وغفر لهما, ما سمعت أحداً من أهل بيتي يتبرأ منهما ولا يقول فيهما إلا خيراً, وأشد ما أقوا إنا كنا أحق بسلطان رسول الله صلى الله عليه وسلم من الناس أجمعين. وإن القوم استأثروا علينا ودفعونا عنه, ولم يبلغ ذلك عندنا بهم كفراً قد ولّوا فعدلوا في الناس وعملوا بالكتاب والسنة" فلم تعجبهم هذه الأجوبة, فنكثوا عن البيعة له ورفضوه, فقال زيد: "رفضتموني في أشد ساعات الحاجة" فسموا بالروافض عند ذلك. وقد يسمون بالرافضة أيضاً وهو اسم مكروه. وهناك طوائف غير الرافضة بعضهم أكثر غلواً وبعضهم أكثر اعتدالاً, ومن أعدلهم الزيدية.
الإمامة
كذلك من أعدلهم من جمع بين الشيعة والاعتزال, وأهم اختلافهم كان على مسألة الإمامة هل الأحق بخلافة المسلمين أبو بكر وعمر وعثمان؟ فقال أهل السنة: إن ترتبيهم في الفضل كترتيبهم في الخلافة, وإنهم لم يظلموا علياً ولم يغتصبوا منه الخلافة وإن أكثر الصحابة كانوا أعلم بظروفهم وأعلم بأخلاق بعضهم فاختاروا أبا بكر ثم عمر ثم عثمان لأنهم رأوا أن ذلك أنفع للمسلمين. وذهبت الشيعة إلى أن علياً أولى بالخلافة لأن النبي صلى الله عليه وسلم نصّ على ذلك, ولأن فيه من المزايا ما ليس في غيره.(15/21)
ومن أجل أن الإمامة أهم شيء في الخلاف وقد عدوها أصلاً من أصول الدين سميت طائفة كبيرة بالإمامية, وهم يرون أن الإمامة في عليّ أولاً ثم في أبنائه على التعيين واحداً بعد واحد. وأن الإيمان بالإمام ومعرفته أصل من أصول الدين, وقد دعاهم احترام الأئمة وإجلالهم إلى القول بعصمتهم, والحق أن ظاهر القرآن لا يقول بعصمة الأنبياء مثل ((وعصى آدم ربه فغوى)) و ((عبس وتولى أن جاءه الأعمى)) و ((فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا)) ولهذا لما قال الشيعة بعصمة الأئمة اضطروا أن يقولوا بعصمة الأنبياء أيضاً. وفشت هذه العقيدة في المسلمين الآخرين. وربما كان الفخر الرازي من أسبق القائلين بعصمة الأنبياء.(15/22)
يقول المجلسي في كتابه "حياة القلوب": "وهم –أي الأئمة- معصومون من الذنوب صغيرها وكبيرها فلا يقع منهم ذنب أصلاً لا عمداً ولا نسياناً ولا سهواً ولا غير ذلك. ولا يقع منهم ذنب قبل نبوتهم حتى ولا في دور طفولتهم, ويستند الشيعة في ذلك إلى قوله تعالى لإبراهيم: ((إني جاعلك للناس إماماً)) قال: ((ومن ذريتي)) – ثم قال : ((لا ينال عهدي الظالمين)). قالوا: فنعلم من ذلك أن كل مذنب فاسق ظالم فلا يصلح للإمامة... قالوا: ولا يصلح للإمامة من كان يعبد الأصنام أو أشرك بالله لحظة واحدة حتى وإن صار مسلماً بعد ذلك, وقد قال تعالى: ((إن الشرك لظلم عظيم)). وكذلك لا يكون إماماً من ارتكب حراماً صغيراً كان أم كبيراً حتى ولو تاب بعد ذلك, فإنه لا يأمر بإقامة الحد من وجب إقامة الحد عليه فوجب أن يكون الإمام معصوماً, ويستدل الشيعة على ذلك بأحاديث كثيرة. وقد يفلسفون هذه العصمة كالذي يقول المجلسي: "واعلم أنّ القائلين بالعصمة قد اختلفوا في المعصوم –هل هو قادر على فعل المعصية أم لا؟ فالذين قالوا بأنه غير قادر قالوا: إنّ في بدنه أو في نفسه خاصة تقتضي أن يكون الإقدام على ارتكاب المعصية محالاً. وقال بعضهم إن العصمة ملكة نفسانية لا يصدر عنها أية معصية. ويقول بعضهم: إن العصمة لطف من الله بالنسبة للعبد, فلا يجد العبد في هذا اللطف داعياً لترك الطاعة وارتكاب المعصية".
وقد يستدلون بقوله تعالى: ((إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً)).
وأهم فرق الإمامية فرق تسمة (الاثنى عشرية) وسميت بذلك لأنها تقول باثني عشر إماماً أولهم عليّ, عكس فرقة أخرى تسمّى السبعية لأنها تقف عند الإمام السابع وهو إسماعيل, ولذلك يسمون بالإسماعيلية. وبعد إسماعيل أتت أئمة مستورة.(15/23)
والظاهر أنه غلب عليهم الاعتقاد بالإرث, أي أنّ النبي صلى الله عليه وسلم يورث, أي يورث في روحانيته, كما يورث الناس في أموالهم حتى تجادل في ذلك الشعراء. فقال دعبل الشاعر الشيعي:
أرى فيئهم في غيرهم متقسّماً وأيديهم من فيهم صفرات
هم أهل ميراث النبي إذا اعتزوا وهم خير قادات وخير حماة
ويقول منصور النمري من شعراء العباسيين:
يا أيها الناس لا تعزب حلومكم ولا تضفكم إلى أكنافها البدع
العمّ أولى من ابن العم فاستمعوا قول النصيحة – إن الحق مستمع
وقد وضع ابن المعتز العباسي قصيدة في أحقية أولاد العباس ورد عليه تميم بن المعز الفاطمي(1) على قافيتها.
ويظهر أنّ الإمامة في نظر الشيعة تطورت مع التاريخ, فقد كانت كلمة إمام وإمامة تطلق بالمعنى الإسلامي المعروف, فإذا قال بعض الصحابة: إنّ الإمام هو أبو بكر وعمر, وقال الشيعة إنّ الإمام هو عليّ, كانوا يفهمون من ذلك أن الإمام بمعنى الرياسة والتقدم, كالإمام في الصلاة. ولكن يظهر أنّ الكلمة تطورت بعد ذلك إلى معنى آخر وهو أن في الإمام معنى روحياً. فالإمام له صلة روحية بالله على نحو أقل من الصلة الروحية بين الله والأنبياء, جاء في كتاب الكافي للكليني وهو من أوثق مصادرهم: "كتب الحسن بن العباس المعروفي إلى الرضا: -جعلت فداك- اخبرني ما الفرق بين الرسول والإمام والنبي, فكتب أو قال: الفرق بين الرسول والنبي والإمام أنّ الرسول هو الذي ينزل عليه جبريل فيراه ويسمع كلامه وينزل عليه الوحي. وربما رأى الشخص ولم يسمع. والإمام هو الذي يسمع الكلام ولا يرى الشخص(2) ".
__________
(1) انظر القصيدتين في الديوانين.
(2) الكافي ص82.(15/24)
فالإمام بهذا المعنى يوحى إليه... قالوا: "والله أعظم من أن يترك الأرض بغير إمام عادل. إن زاد المؤمنون شيئاً ردّهم، وإن نقصوا شيئاً أتمه لهم. وهو حجة على عباده. ولا تبقى الأرض بغير إمام... حجّة لله على عباده. ولو لم يبق في الأرض إلا رجلان لكان أحدهما الحجّة، وكان هو الإمام" وفيه أيضاً: "ومن لا يعرف الله عز وجل ولا يعرف الإمام منا أهل البيت، فإنما يعرف ويعبد غير الله(1) )" .
قال أبو جعفر: نحن خزّان علم الله، ونحن تراجمة وحي الله، ونحن الحجة البالغة على من دون السماء، ومن فوق الأرض. والأئمة نور الله الذي قال فيه تعالى:{ فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا}. ونور الإمام في قلوب المؤمنين أنور من الشمس المضيئة بالنهار، ويحجب الله نورهم عّمن يشاء فتظلم قلوبهم(2)" بل زادوا على ذلك فقالوا: إن الله خلق العالم لأجلهم، وإنه قد فوّض أمور الناس إليهم، وإنه بوجودهم ثبتت الأرض والسماء، وبيمنهم رزق الورى، وانه يجب أن يكون في كل زمان منهم وإنه من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية، جاء في الكافي عن الصادق: "إن الأرض كلها لنا" وروى عبد الله ابن بكر الأرّجاني عن الصادق قال: قلت جعلت فداك. فهل يرى الإمام ما بين المشرق والمغرب؟ إلى يا بن بكر. فكيف يكون حجة على ما بين قطريها وهو لا يراهم ولا يحكم فيهم؟ إلى كثير من أمثال ذلك في الكافي وغيره.
وقد فسروا: "وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم" بأنها نزلت في علىٍ. ورووا: "أوصيكم بكتاب الله وأهل بيتي فإني سألت الله عز وجل ألا يفرّق بينهما حتى يوردهما الحوض فأعطاني ذلك".
__________
(1) ـ الكافي ص 85 .
(2) ـ الكافي ص 92 .(15/25)
فنرى من هذا أن عقيدة الصحابة وأهل السنة والمعتزلة في الإمام تخالف عقيدة الشيعة. الأولون لا يقدسون الإمام ولا يرون أنه معصوم ويرون أنه قد يخطئ فيجب رده إلى الصواب، بل وقد يرتكب الكبائر فيجب ردّه . وأما الشيعة فيرون أن فيه صلة بالله، وأنه معصوم ، وأنه لا يخطئ. وفرق ُكبير بين الاثنين.
وأنا أرى أن الحق مع الأولين، وأن الاعتقاد بعصمة الإمام وروحانيته وتقديسه تشلّ العقول، وتجرئ الإمام على العبث بالرعيّة. وقد كان الصحابة يخطئون الأئمة في بعض تصرفاتهم ويخالف بعضهم بعضا، فهذا عمر انتقد تصرف أبي بكر مع خالد، وهذا علىُّ خالف عمر في بعض المسائل ، والصحابة أنفسهم منهم من خطأ علياً نفسه في بعض تصرفاته.
وعلى الجملة فكانوا ينظرون إلى الإمام على أنه مخلوق كسائر الناس يصدر عنه الخطأ والصواب. فإذا أخطأ وجب تقويمه. وهكذا سير الأمم الآن في تقويم ملوكهم وردّهم إلى الصواب إن أخطأوا. ونحن نقول ذلك اتباعاً للحق والعقل، لا نصرةً على مذهب.
الإمام جعفر الصادق(15/26)
ويظهر أن أول من أسبغ هذا المعنى على الإمام، هو الإمام جعفر الصادق فإنه كان من أوسع الناس علماً واطلاعاً. عاش من سنة 38 إلى 148 وقد لقب بالصادق لصدقه. وقد كانت أمه من نسل أبي بكر الصديق فأثر ذلك في اعتداله. وقد نفعه أنه رأى من قبله من الأئمة احترق بالسياسة فابتعد عنها... قال فيه الشهرستاني، هو غير شيعي: "وهو ذو علم غزير في الدين، وأدب كامل في الحكمة، وزهد بالغ في الدنيا، وورع تام عن الشهوات. وقد أقام بالمدينة مدة يفيد الشيعة المنتمين إليه ويفيض على الموالين له أسرار العلوم. ثم دخل العراق وأقام بها مدة ما تعرض للإمامة قط، ولا نازع أحداً في الخلافة. ثم غرق في بحر المعرفة، لم يطمع في شط، ومن تعلّى إلى ذروة الحقيقة لم يخف من حطّ، وقد قيل : من أنس بالله توحّش عن الناس، ومن استأنس بغير الله نهبه الوسواس، وهو من جانب الأب ينتسب إلى شجرة النبوة ، ومن جانب الأم ينتسب إلى أبي بكر . ومع ذلك لم يسلم من إيذاء أبي جعفر المنصور له. وقد كان له بستان جميل في المدينة يستقبل فيه الناس على اختلاف مذاهبهم. ويروون أنه كان من تلامذته أبو حنيفة ومالك بن أنس الفقيهان الشهيران، وواصل بن عطاء المعتزلي، وجابر بن حيان الكيماوي، وبعض الناس ينكر هذا . وله أقوال في الإرادة وفي القدر كقوله في الإرادة "إن الله أراد بنا شيئاً وأراد منا شيئاً ، فما أراده بنا طواه عنا، وما أراده منا أظهره لنا . فما بالنا نشتغل بما أراده بنا عما أراده منا؟" وقال في القدر هو أمران "لا جبر و تفويض" وهما مسألتان مما تكلم فيهما المتكلمون كثيراً كما رأينا، وله أقوال كثيرة منثورة في الكتب يدل على حكمته، وبعد نظره، وسعة علمه. وإنما قلنا إنه لوَّن معنى الإيمان لوناً خاصاً لما روى عنه من بعض الأقوال التي تدل على أن الله جعل لمحمد نوراً، ثم تنقل هذا النور إلى أهل بيته، كالذي ذكره المسعودي من حديث نسبه الإمام جعفر إلى الإمام علىّ جاء فيه(15/27)
"إن الله أتاح نوراً من نوره فلمع ونزع قبساً من ضيائه فسطع... ثم اجتمع النور في وسط تلك الصورة الخفية فوافق ذلك صورة نبينا محمد، فقال الله عز وجل: أنت المختار المنتخب، وعندك مستودع نوري وكنوز هدايتي، من أجلك أسطح البطحاء، وأموّج الماء، وأرفع السماء. وأنصب أهل بيتك للهداية، وأوتيهم من مكنون علمي ما لا يشكل به عليهم دقيق ولا يغيب عنهم به خفي، وأجعلهم حجتي على برّيتي، والمنبهين على قدرتي ووحدانيتي" ونحو ذلك من الأقوال المنسوبة إليهم. فكل هذا جعلنا ننسب إلى الإمام جعفر الصادق صبغته للإمام صبغة جديدة لم نكن نعرفها من قبل(*).
وكان لجعفر الصادق أولاد كثيرون، منهم إسماعيل، وكان هو الأكبر وهو المعين للإمامة بعد أبيه. ولكن حدث أن مات إسماعيل قبل موت أبيه، فأحدث ذلك خلافا كثيراً عند الشيعة، وكان هو السابع، فرأت فرقة أن إسماعيل هذا كان آخر الأئمة. ومنهم من أنكر موته، وقال إنه غاب وإنه سيعود وإنه لم يمت حقيقة بل حجبه الله إلى الوقت الذي يقتضي ظهوره، ويسمى هؤلاء بالسبعية لوقوفهم في الإمامة عند هذا، ويسمون أيضاً بالإسماعيلية نسبة إلى إسماعيل هذا، وهو قول غريب.
وبعضهم يقول إنه مات حقيقة، وإن الإمامة انتقلت بعده إلى أخيه موسى الكاظم وساقت هذه الفرقة الإمامة بعد ذلك إلى اثنى عشر إماما. ومن أجل ذلك يسمون الشيعة الاثنى عشرية. ثم القرامطة والفاطميون والحشاشون إسماعيلية الهند وإيران وآسيا الوسطى كلها طوائف سبعية أو بعبارة أخرى إسماعيلية، ولكل إمام من هؤلاء الأئمة تاريخ طويل، لا يهمنا هنا، فليرجع إليه من شاء. إنما الذي يهمنا ما يتعلق بعقيدة الأمام.
(*) هذا غير صحيح لأن هذه الروايات مدسوسة على جعفر الصادق . الراصد .(15/28)
وكان الإمام الحادي عشر هو الحسن العسكري، وقد ولد سنة 232 كما يقول الكليني. وكان يلقب بالصامت والهادي والرفيع والزكي والنقي، ولكن الذي غلب عليه هو العسكري. وقد حمله أبوه وهو صغير إلى سامرّا في عهد المتوكل، وتعلم هناك، وعرف أنه كان يتكلم لغات كثيرة ـ الهندية والتركية والفارسية ـ وقد مات الحسن العسكري هذا سنة 260 في عهد المعتمد العباسي وقد خلف الإمام الثاني عشر واسمه محمد سنة 255 أو سنة 256 في سامرا ومات عنه وهو ابن أربع سنين أو خمس. وقد تغيب هذا الإمام الثاني عشر ولم يظهر للناس وأطلق عليه الإمام المنتظر والمهدي وصاحب الزمان. وقالوا: إن الله حجبه عن عيون الناس، وإنه حيّ بإذن الله، رآه بعضهم بين وقت وآخر وهو يكاتب الناس ويتصرف في أمور شيعته(1)، وإن هذا الإمام الغائب سيرجع الخ الخ ... ... ...
ولما كان لا بد من شخص يرجع إليه في النوازل، قالوا: إن له وكيلا ينوب عنه وهو عثمان بن سعيد. فلما مات خلفه وكيل آخر وهكذا إلى أربعة( (2) وقد شجعت هذه الفكرة القائمين بالحركات السياسية والطامحين إلى الملك إلى ادعاء كثير أنه المهدي المنتظر(3).
__________
(1) ـ بحار الأنوار للمجلسي .
(2) ـ انظر بحار الأنوار للمجلسي .
(3) ـ انظر كتابنا المهدي والمهدية .(15/29)
والمفكر في هذا يعجب لأمرين ـ أحدهما: تولية الإمامة لطفل في الرابعة أو الخامسة من عمره. مع أن الإمامة منصبُ عظيم يشرف على أمور المسلمين فلا بد له من رجل ناضج قادر على تحمل المسئولية، عارف بأمور الدين ومشاكل الدنيا. والطفل الصغير لا يستطيع ذلك مهما أوتي من النبوغ. وربما دعاهم إلى ذلك فكرتهم في أن لكل إمام نورانية إلهية يتوارثها خلف عن سلف، وهي نظرية تحتاج إلى مناقشة. ونحن نرى حتى فيما بين أيدينا، أن في نسل الأشراف من هو نبيل كل النبل، عظيم كل العظمة، ومن هو فاجر داعر، وتلك سنة الله في خلقه. فقد يخرج العالم جاهلا، والجاهل عالما، والمتدين فاجرا، والفاجر ديِّناً، كما نرى فعلا في الحكومات الشيعية من فاطمية وإسماعيلية من كان لا يصلح للإمامة مطلقاً بدلالة التاريخ كما هو الشأن في الخلاف السنية.
والأمر الثاني دعواهم في هذا الطفل أنه خفيٌّ لا يظهر . وإنما يظهر عند حاجة الزمان إليه. وقد جرّهم ذلك إلى القول بطول عمر الإمام الغائب، مع أنّ سنة الله في خلقه تحديد أعمار الإنسان.
وقد جرى ذلك على الأنبياء أنفسهم، فلم يعمر النبي محمد إلا ثالثاً وستين سنة، كما جرى على علىّ والحسن والحسين. ولم نعلم أحداً في التاريخ الظاهر عّمر أكثر من مائة سنة إلا قليلا. وعلى كل حال فلم يعّمر أحد أبداً. وقد دعا قولهم بغيبة الإمام الثاني عشر هذه إلى قول بعضهم: إنه لم يوجد، وإن الإمام العسكري مات من غير عقب، وإن دعوى الطفل هذه من صنع الوكلاء طمعاً في المال الذي يجبى من سائر الأقطار لأئمة الشيعة.
اتفاق الشيعة والمعتزلة(15/30)
وكثير من الشيعة يتفقون في العقيدة مع المعتزلة، إذ كان كثير منهم شيعة ومعتزلة في وقت واحد. وذلك في مثل تأويل بعض الآيات في القرآن، ومثل عدم رؤية الله في الدنيا والآخرة اعتماداً على قوله تعالى: { لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار } ولكنهم قد يخالفون المعتزلة في بعض الأشياء مثل قول الشيعة بشفاعة الأنبياء والأئمة، وقد كان المعتزلة يستندون في عدم الشفاعة إلى قوله تعالى: { ولا تكسب كل نفس إلا عليها } {ولا تزر وازرة وزر أخرى} وحمل المعتزلة على ذلك إيمانهم التام بالمسئولية الشخصية وأن كل شخص مسئول عن عمله. وخالفهم أهل السنة في ذلك، وزاد الشيعة في شفاعة الأئمة، ورووا عن الإمام الباقر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يا على إذا جاء يوم القيامة جلسنا أنا وأنت وجبريل على الصراط فلا يمر أحد عليه إلا وبيده براءة من نار جهنم بولايتك" وكان من مستلزمات ذلك الزيارات الكثيرة للأولياء والاستشفاع بهم والدعاء عندهم. من ذلك مثلا: "السلام على الذين من والاهم فقد والى الله، ومن عاداهم فقد عادى الله، ومن عرفهم فقد عرف الله، ومن جهلهم فقد جهل الله، ومن اعتصم بهم فقد اعتصم بالله، ومن تخلى عنهم فقد تخلى عن الله، أشهد الله أني سلم لمن سالمهم، وحرب لمن حاربهم، ومؤمن بسرّكم وعلانيتكم، مفوض في ذلك كله إليكم. لعن الله عدو آل محمد من الجن والإنس، من الأولين والآخرين، وأبرأ إلى الله منه، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين"(1).
وفيما عدا ذلك هناك اختلاف بين الشيعة وأهل السنة في الفروع(2).
تأييد الحكومات للشيعة
__________
(1) ـ وقفة الزائرين للمجلسي .
(2) ـ انظرها في الجزء الثالث من ضحى الإسلام .(15/31)
وكما أن أهل السنة أيدتهم حكومات كالذي ذكرنا من قبل، فالتشيع قد أيدته حكومات أخرى، كالدولة البويهية في العراق وما حوله، والدولة الفاطمية في مصر والشام والمغرب، ومما يؤسف له أن النزاع بين هذه الحكومات السنية والشيعية لم يقتصر على المناظرة والجدل الكلامي. بل تعدّى إلى القتال بالسيف وبذل الدماء أنهار. فكم سفك من الدماء في ادعاء المهدية، كالذي بذل في دعوى عبيد الله الفاطمي من أئمة الإسماعيلية في فتح أفريقيا ومصر حتى أسس دولته، إلى كثير غيره من المهديين، إلى مهدي السودان . ثم ما كان من هجوم التتار ومصيبتهم العظمى في التقتيل والتخريب مما جعل مؤرخي الإسلام يصرخون عند كتابة حواداثها، فإنه كان من أسبابها الكبيرة الخلاف بين الشيعة والسنة.(15/32)
قال الخميسي: "نهب التتر سواد آمد وارزن وميّافارقين وقصدوا مدينة أسعرد فقاتلهم أهلها فبذل لهم التتر الأمان فوثقوا منهم واستسلموا. فلما تمكن التتر منهم بذلوا فيهم السيف فقتلوهم، حتى كادوا يأتون عليهم فلم يسلم منهم إلا من اختفى، وقليل ما هم. وساروا في البلاد لا مانع لسيفهم ولا أحد يقف بين أيديهم فوصلوا إلى ماردين فنهبوها... ثم وصلوا إلى نصيبين والجزيرة فأقاموا عليها بعض نهار، ونهبوا سوادها، وقتلوا من ظفروا به. وقيل إن الرجل الواحد منهم كان يدخل القرية أو العزبة أو الدرب وفيه جمع كثير من الناس لا يزال يقتلهم واحداً بعد واحد لا يتجاسر أحد أن يمد يده إلى ذلك الفارس. واستولوا على أرضهم ولم يقف في وجوههم فارس. وهذه مصائب وحوادث لم ير الناس من قديم الزمان وحديثه ما يقاربها. وفي سنة ست وخمسين وستمائة وصل الطاغية هولاكو إلى بغداد بجيوشه وبالكرج وبعسكر الموصل فانكسر المسلمون أمامه لقلتهم، ونزل قائده على بغداد من غربيها وهولاكو من شرقيها، ثم خرج الخليفة المستعصم لتلقيه في أعيان دولته وأكابر الوقت فضربت رقاب الجميع، وقتلوا الخليفة ورفسوه حتى مات، ودخلت التتار بغداد واقتسموها، وكلّ أخذ ناحية وبقي السيف يعمل أربعة وثلاثين يوما، وقلَّ من سلم . فبلغت القتلى ألف ألف وثمانمائة ألف وزيادة، فعند ذلك نادوا بالأمان" .
وكان مجيء هولاكو فيما يقال بدعوة الوزير ابن العلقمي الرافضي إذ كان يعتقد أن هولاكو سيقتل المعتصم ويعود إلى حال سبيله، وعندئذ يتمكن الوزير من نقل الخلافة إلى العلويين.(15/33)
ثم ما كان مثلا بين الدولة العثمانية لما قامت في الآستانة وما حولها وبين الصفويين في إيران وما حولها سنة 920 فإن السلطان سليما لما بلغه أن كثيراً من رعايا الدولة العثمانية يتمذهب بالمذهب الشيعي على أيدي دراويش بثّهم الشاه إسماعيل الصفوي عزم على محاربتهم، فأعلن الحرب على الشاه إسماعيل، وما زال الجيش العثماني يتقدم من مدينة إلى مدينة حتى وصل إلى سيواس، وأحصى جيشه فبلغ 140 ألف جندي، ترك جزءاً منه للمحافظه على الطريق يبلغ نحو أربعين ألفاً، وتقدم هو بالباقي وتقدم إلى مدينة تبريز، فخرج إليه الشاه إسماعيل الصفوي ووقف أمام السلطان سليم العثماني وكان الجيشان في العدد سواء تقريباً. وكان في الجيش الإيراني طائفة من الخيالة وفرق تلبس الزرد وفرقة من طوائف الفدائية. وقتل من الفريقين عدد كبير واستولى العثمانيون على مضارب الفرس وما كان معهم من الذخائر والأدوات، وجرح الشاه إسماعيل وسقط عن جواده. ودخل السلطان سليم تبريز. وقد قتل من الفرس وحدهم في تلك المواقع نحو أربعين ألفا. ومن ذلك أيضاً ما فعلته الفرقة الفدائية الإسماعيلية من قتل ونهب، وما فعلته جماعة القرامطة إلى كثير من أمثال ذلك.(15/34)
فلو نظرنا إلى النفوس والجهود والأموال التي أتلفت بين طوائف المسلمين وخصوصاً الشيعة والسنة، وما جرى للشيعة من عهد علي وخلفائه مما يشرحه كتاب "مقاتل الطالبيين" لأبي الفرج الأصفهاني صاحب الأغاني، وما جاء في كتب التاريخ بعده أخذنا العجب، وأدركنا أن هذه القوى التي بذلت بين المسلمين كانت تكفي في سهولة لطرد الصليبيين وكفّهم عن العبث بالبلاد، وكان الكف عن قتالهم فيما بينهم يكفي لإصلاح حالة المسلمين اجتماعياً واقتصادياً إصلاحاً ليس له نظير. ولكن هكذا قدر، وهكذا كان، فضاعت المجهودات عبثاً، بل ضاعت في التخريب والتبديد من عصر الخلفاء الراشدين إلى اليوم، ولو تدبر الفريقان لرأوا أن الخلاف كان أكثره على مسائل أصبحت في ذمة التاريخ، ولم يصبح للخصومة عليها معنى، ولكن ماذا نعمل والعقول ضيقة، وفي الناس من يثير الخصومات كسباً للمال، حفظاً لمنزلته في أسرته، أو شهوة للحكم.
عواطف أهل الشيعة
ولئن أمعن المتكلمون من المعتزلة والسنية في الحجج العقلية والقوانين الدقيقة المنطقية، فقد غلبت على الشيعة العواطف. لقد أحبوا آل البيت حباً عاطفياً وكرهوا جداً من عاداهم، وتأثروا تأثراً شديداً ممن عذبهم أو قتلهم أو حبسهم، ولم يكتفوا بالعواطف المجردة، بل أرادوا الانتقام ممن عذبهم، وحاولوا مراراً قلب حكمهم، وهذه كلها شأن العواطف. أما مقدمة صغرى وكبرى وقياس وأشكال قياس فهذه صبغة المعتزلة والسنية. ولكل طابعه.(15/35)
دعت هذه العواطف عند الشيعة وتعظيم الأولياء وفكرة الاستشفاع بهم إلى مظهر واضح ربما تأثر به المسلمون جميعاً وهو إقامة الأضرحة والعناية بها وتزينها، وزيارتها، والاستشفاع بها، وكثرة الدعوات عندها، وتمني الدفن بجوارها. وإن كانت هذه العادات عند السنيين والمسلمين فهي عند الشيعة أقوى، وربما كانت هي الأساس. من ذلك مثلا مشهد الإمام علي بالنجف، وهو يبعد عن الكوفة نحو أربعة أميال، قد حشد فيه من قديم الفن الفارسي من خط جميل وقاشاني وتحف فنية ذهبية وغير ذلك . والزائر لهذا المشهد يرى ساحات واسعة ملئت بالقبور كما يرى مئات القباب المختلفة الألوان. وقد سلم هذا المشهد من تخريب هولاكو لأن الشيعة كانت قد ساعدته ليستعينوا به على السنية الذين كانوا قد آذوهم. يقول ابن بطوطة في رحلته: "ثم رحلنا، فنزلنا مدينة مشهد علي بن أبي طالب بالنجف وهي مدينة حسنة... وأهل هذه المدينة كلهم رافضة.... وحيطان هذه الروضة منقوشة بالقاشاني والقبة مفروشة بأنواع البسط من الحرير وسواه. وبها قناديل الذهب والفضة ... وفي المدينة خزانة كبيرة تجمع بها النذور من الناس في بلاد العراق وغيرها، من يصيبه المرض ينذر للروضة نذراً إذا برئ... وهذه الروضة ظهرت لها كرامات".
وقد وردت أحاديث كثيرة عن الأئمة الشيعيين في فضل زيارة قبر علي كالذي رواه جعفر الصادق أنه قال: "من زار أمير المؤمنين عارفاً بحقه غير متجبّر ولا متكبر، كتب الله له أجر مائة شهيد، وغفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر" وأتى رجل الإمام الصادق واخبره أنه لم يزر أمير المؤمنين فقال له: "بئس ما صنعت لولا أنك من شيعتنا ما نظرت إليك. ألا تزور من يزوره الله مع الملائكة ويزوره الأنبياء ويزوره المؤمنون. قال جعلت فداك، ما علمت ذلك. قال: فاعلم أن أمير المؤمنين أفضل عند الله من الأئمة كلهم، وله ثواب أعمالهم. وعلى قدر أعمالهم فضلوا(1)".
__________
(1) ـ المجلسي .(15/36)
وعلى الزائر حين يزور أن يتلو دعاء الزيارة وهو:
"السلام عليك يا ولي الله، يا حجة الله، يا خليفة الله، يا عمود الدين، يا وارث النبيين، يا قسيم الجنة والنار، يا صاحب العصا والميسم يا أمير المؤمنين: أشهد أنك كلمة التقى، وباب الهدى، والأصل الثابت، والجبل الراسخ، والطريق الحق، أشهد أنك حجة الله على خلقه وشاهده على عباده، وأمينه على علمه ومستودع أسراره، ومعدن حكمته وأخو رسوله. أشهد أنك أول مظلوم وأول من غصب حقه، فصبر وانتظر. لعن الله من ظلمك وغصب حقك وعاداك، لعنة عظيمة يلعنه بها كل ملك كريم ونبي مرسل، ومؤمن صادق، ورحمة الله عليك يا أمير المؤمنين وعلى روحك وجسدك... الخ وهم يروون دعاء مخصوصاً دعا به أحد الأئمة.وهذا الحديث يرينا مقدار أثر الإمام جعفر الصادق في تلوين التشيع وأثره.
ومن أشهر المشاهد والمزارات كربلاء على بعد ثالثة أميال من بغداد وفيها مشهد الحسين. وهي من أعظم المزارات وأفخمها، وأحفلها بالتحف والمذهبات يقول فيها ابن بطوطة.. "والقبة الشريفة وهي من الفضة وعلى الضريح المقدس قناديل الذهب والفضة وعلى الأبواب أستار التحرير، وكم يكرر الزائرون مأساة الحسين... وهم يروون الروايات الغريبة عن فضل هذا المكان المقدس تتلألأ قبته المغشاة بالذهب إذا طلعت عليه الشمس".
كذلك يرى من دخل بغداد من الشمال أو الغرب المآذن الذهبية الأربعة فوق مشهد الكاظمية، كما يرى الشيعة يقصدون هذه المشاهد ويستشفعون بها ويدعون عندها.(15/37)
وقد كان البناء قديماً وجدده الشاه إسماعيل الأول، أما تذهيب القبتين فأمر به الشاه أغا محمد وأصلحت إحدى القباب وكسيت المنابر بالذهب . وهم يضعون لزيارتهم شروطاً فيقولون: "إذا أردت زيارة قبر موسى الكاظم وقبر محمد بن على بن موسى فاغتسل وتعطر والبس ثوبيك الطاهرين ثم قل عند قبر الإمام موسى: ـ السلام عليك يا ولي الله... أتيتك زائراً عارفا بحقك، معاديا لأعدائك، موالياً لأوليائك، فاشفع لي عند ربك يا مولاي"(1).
والذي يرى المشاهد العديدة في القاهرة كمشهد الحسين والسيدة زينب والسيدة نفيسة وغيرها يرى أنها صورة مصغرة جداً للمشاهد في النجف وكربلاء والكاظمية.
__________
(1) ـ هذه الأدعية ومئات أمثالها في تحفة الزائرين للمجلسي .(15/38)
وللشيعة كتب في الحديث تتميز بالرواية عن الأئمة وعن رجال الشيعة يعتمد عليها الشيعيون، كما يعتمد السنيون على كتب الصحاح، من أشهرها كتاب الكافي للكليني . وهو أول هؤلاء المحدثين وأعلاهم منزلة، ألف كتابه الكافي في علم الدين. ويحتوي على 16 ألف حديث وقسمها إلى أحاديث صحيحة وحسنة وموثقة وقوية وضعيفة(1) وقد مات الكليني في بغداد سنة 328 أو 329 . ومن المؤلفين في الحديث أيضاً الصدوق القمي الملقب بابن بابويه، وهو يحتوي على أربعة آلاف وأربعمائة وستة وتسعين حديثاً. ومن المؤلفين في الحديث أيضاً الطوسي، وينسب إليه التأثير الكبير في الدعوة إلى الشيعة وقد كان له تلاميذ كثيرون. وقد ولد الطوسي سنة 385 في طوس وجاء بغداد وعمره ثلاث وعشرون سنة ثم هاجر إلى النجف، وله كتب كثيرة في الحديث وأصول الدين والفقه والتراجم. والناظر إليها يعلم صبغتها بالصبغة الشيعية،وربما اختلفت في ترتيبها عن ترتيب الصحاح السنية. هذا عدا أن لهم مجتهدين وفقهاء عنوا بالفقه الشيعي، وفيه بعض مخالفات للفقه السني. إن شئت فانظر إلى كتاب "بحار الأنوار" وعلى العموم فقد كانت لهم خلافات في العقيدة وفي الحديث وفي الفقه ولمجتهديهم قوة على الرأي العام الشيعي، وتبجيل وتقديس أكثر مما لعلماء أهل السنة. وكثيراً ما تدخلوا في الأمور السياسية وعطّلوا بعض المشاريع السياسية. وقد حاول بعض الولاة الشيعيين أن يحدّ من سلطانهم فلم ينجح.
خيانات الشيعة
وأثارها في هزيمة الأئمة الإسلامية
تأليف الدكتور عماد علي حسين
دار الإيمان ـ الإسكندرية
يأتي هذا الكتاب في مرحلة زمنية يشهد فيها المسلمون خيانة جديدة تضاف لرصيد الشيعة الخياني تجاه الأئمة.
__________
(1) ـ طبع هذا الكتاب في طهران .(15/39)
ولتميز هذه العصر بالوسائل الإعلامية الحديثة التي تنقل الخبر صوتاً وصورة بلحظات إلى أرجاء المعورة فإن كثير من المسلمين قد صدم من مواقف الشيعة في العراق وإيران تجاه قضايا المسلمين في أفغانستان والعراق ووقوف الشيعة دولة وأفراد مع أعداء الأئمة ضد المسلمين. وسبب هذه الصدمة الجهل بعقيدة الشيعة من جهة والجهل بتاريخ الشيعة الأسود من جهة أخرى.
وهذا الكتاب جاء لكشف النقاب عن جانب مهم من عقائد الشيعة التي تتحكم بأفعال الشيعة وأقوالهم والتي كانت المبحث الأول من مباحث الكتاب وعالجت عقائد الشيعة التي تنطلق الشيعة منها في موقفها تجاه المسلمين والتي من لم يعرفها يحتار في أفعال الشيعة وهذه العقائد هي:
1ـ تكفير كل من لا يؤمن بولاية الأئمة الإثنى عشر.
2ـ اعتبارهم أهل السنة أعداء لأهل البيت.
3ـ حل دماء وأموال أهل السنة ونجاستهم.
4ـ حرمة الجهاد قبل ظهور المهدي.
ومن يطالع تفاصيل هذه العقائد في المصادر الشيعية يتمكن من فهم المواقف العدائية للشيعة اليوم من أحداث العراق.
وهذا الأصل وهو معرفة العقائد هو أساس فهم الفِرق والجماعات والمواقف السياسية وبسبب عدم الاعتناء به كثيراً ما تخيب توقعات الطيبين من أهل السنة تجاه مواقف الشيعة وغيرهم من الطوائف والفرق.
وكان القسم الثاني من كتاب خيانات الشيعة عبارة عن سرد لجرائم وخيانات الشيعة عبر التاريخ تجاه الأمة الإسلامية وكان في الفصول التالية:
2 ـ خيانات الشيعة لآل البيت. عرض فيه خياناتهم لعلي بن أبي طالب والحسن والحسين وغيرهم من أئمة أهل البيت.
3 ـ خيانة الوزير الشيعي علي بن يقطين لهارون الرشيد .
الذي أمر أتباعه بهدم السجن على رؤوس المساجين من أهل السنة وكانوا 500 رجل. ثم استفتى الكاظم فيهم فأفتاه بأن يكفر عن كل رجل منهم بتيس!
وطبعاً لا يفوتنا أن نبين أن هذه الفتوى كذب على الكاظم.(15/40)
4 ـ تشيع الخليفة الناصر لدين الله العباس وظلمه للرعية وقيل كانت بينه وبين التتار مراسلات.
5 ـ خيانات الدولة الفاطمية.
6 ـ إفساد القرامطة في بلاد المسلمين حتى قتلوا الحُجاج وعطلوا الحج وسرقوا الحجر الأسود ثنين وعشرين سنة.
7 ـ خيانات البويهيين.
8 ـ دور الوزير العلقمي الشيعي في خيانة بغداد وتسليمها للتتار.
9ـ10 ـ مساعدة الشيعة للتتار في دخول بلاد الشام.
11 ـ جريمة الطوسي في قتل التتار للخليفة العباسي.
12 ـ محاولات الشيعة اغتيال البطل صلاح الدين.
13 معاونة الصليبين على الدولة السلجوقية.
أما عن خيانات الفرق المنبثقة من الشيعة فكانت في المباحث التالية:
15 ـ خيانات النصيرية قديماً وحديثاً
16 ـ تعاون الشيعة والنصيرية في لبنان ضد أهل السنة.
17 ـ جرائم الدروز.
18 ـ خيانات شيعة الهند.
19 ـ شيعة البلاد العربية وخياناتهم الحديثة .
وشملت البحرين والكويت والسعودية واليمن والعراق.
20 ـ مساعدة الإيرانيين زمن الشاه لحملات التبشير النصرانية في بلاد أهل السنة.
كانت هذه عناوين الخيانات والجرائم التي أحصاها المؤلف ولا يزال التاريخ يحوي غيرها الكثير.
وليست العبرة في معرفة ما جرى قديماً لكن العبرة الحقيقية هي في الاستفادة من دروس التاريخ أن الشيعة لها عقائد عدائية تجاه المسلمين تحملها على الغدر والخيانة لهم والتعاون مع أعدائهم.
قالوا
وإخوانهم من خلفهم يمدونهم!
قالوا: أفادت مصادر مقربة من الحكومة اليمنية أن سعوديين شيعة من بين الداعمين للحوثي في تحركه.
الرأي 17/9/ 2004
قلنا: متى يدرك ساستنا وإخواننا أن رابطة العقيدة أقوى من رابطة الجنسية عند الشيعة؟!
لماذا؟
قالوا: طالب تجمع علماء الشيعة في الكويت بالسماح بتدريس الفقه الجعفري في المدارس والجماعات وتضمينه في المناهج الدراسية.
الدستور 22/9/ 2004(15/41)
قلنا: لماذا لا تقوم المؤسسات الشيعية بضرب المثل والقدوة بتدريسها عقائد وفقه السنة على يد علماء السنة في جامعات وحوزات النجف وقم!!
لماذا الدفاع عن مقتدى فقط؟
قالوا: إذا ما أراد الدخول في العملية السياسية فإنه يستطيع فعل ذلك وله الحق فيه لأن لديه قاعدة عريضة من الأنصار.
إبراهيم الجعفري رئيس حزب الدعوة
الرأي 20/9/2004
قلنا: والمقاومة السنية لماذا لا يتكلم أحد عن حقها في العملية السلمية؟!
نبي ومهدي 2004؟!
قالوا: أعلن إيراني في أمريكا يدعى أهورا يازوي النبوة وأنه سوف يعود إلى إيران قريباً.
الرأي 29/9/2004
أعلنت سلطات إيران عن مقتل ثلاثة من جماعه شيعية تدعي أن زعيمها سيد أنما هو الأمام الثاني عشر وهو المهدي المنتظر.
30/9/2004
قلنا: من الكذاب فيهم النبي المزعوم أم المهدي الكذاب أم النظام الذي يحارب "النبي" و "المهدي".!!
حقيقة زيارة النجف.
قالوا: أكد نائب رئيس محكمة التميز في العراق أن معظم المخدرات القادمة للعراق تأتي من إيران مع زوار العتبات الشيعية.
العرب اليوم 4/10/2004
قلنا: وقع أجرهم على إبليس سواء كانت النية مخدرات أم طواف بالقبور!
إلى متى يظل التحريض ضد السنة
قالوا: اتهم مسؤول ديني شيعي "متشددين سنة" بالسعي "إلى بث الفرقة", إثر مقتل طالب شيعي وإصابة ستة آخرين في هجوم استهدف باصاً كان يقلهم في اللطيفية جنوب بغداد. وقال الناطق باسم الأوقاف الشيعية صلاح عبد الرزاق, إن مسلحين أطلقوا النار على ثلاثة باصات تقل طلاباً عائدين إلى بغداد, بعد زيارة الأماكن الدينية. ولفت إلى أن 52 شخصية شيعية قتلت في العراق منذ سقوط نظام صدام حسين.
الحياة اللندنية
19/9/2004
قلنا: يبدو أن مسلسل التحريض الشيعي ضد السنة في العراق لا يراد له أن يتوقف, ثم لماذا لا يتحدث هؤلاء عما يقترفه الشيعة بحق السنة في العراق وإيران من اعتداءات واستيلاء على المساجد؟
نبيه بري ينسى نفسه!(15/42)
قالوا: "في مثل هذه الأيام من عام 1982, صعق العالم بأخبار مجزرة صبرا وشاتيلا التي نفذت بتوجيهات من المستوى السياسي والعسكري في إسرائيل, ممثلاً بالجنرال أرييل شارون الذي قاد الغزو ضد لبنان, وهو الإرهابي نفسه الذي يعرض اليوم خدمات إسرائيل لمكافحة الإرهاب, فتصوروا من يكافح من؟"
نبيه بري
رئيس حركة أمل اللبنانية الشيعية
صحيفة النهار 19/9/2004
قلنا: يبدو أن بري الذي صعق بأخبار صبرا وشاتيلا, نسي أن العالم أيضاً صعق بما اقترفته حركة أمل بحق اللاجئين الفلسطينيين في لبنان, والحصار الذي فرضته على مخيماتهم, وما زال يمارس ضدهم, وضد المسلمين السنة في جنوب لبنان.
المهري: عمليات تغيير الجنس جائزة.
قالوا: "لا يحرم تغيير جنس الرجل بالمرأة, وكذا بالعكس إذ لا دليل على الحرمة وآية (فليغيرن خلق الله) سورة النساء آية 118 لا تدل على ذلك بل تدل على حرمة تغيير فطرة الله التي فطر الناس عليها وهي دين الله والإيمان بالخالق سبحانه وتعالى, والخروج من الإيمان إلى الكفر..."
محمد باقر المهري
أمين عام تجمع علماء الشيعة في الكويت
الوطن الكويتية 20/9/2004
قلنا: الله سبحانه يسترنا من هذه الفتاوى العجيبة, فبالأمس جعلوا زواج المتعة حلالاً, واليوم يبيحون أن يتحول الرجل إلى امرأة, والعكس, ولا ندري ماذا سيجيز القوم غداً.
جنبلاط يسرق أموال لبنان ويلتقي مع الإسرائيليين
قالوا: "رد الحزب الديمقراطي اللبناني الذي يترأسه الوزير طلال أرسلان على تصريحات جنبلاط فانتقد "تبرئته من هم في عهدة القضاء" واعتبر "تحركه تشويشاً على العدالة". وقال حزب أرسلان أن الجميع يعرف الصفقات على حساب الناس وكيف أثرى البعض على حساب الفقراء من ملف المهجرين والناس تتذكر جيداً من سرق وأهدر وصادر ونهب ومن قتل. ودعا الحزب جنبلاط إلى "العودة إلى العامين 1982 و 1983 علّه يطلع الرأي العام على من كان ستقبل الإسرائيليين بالأسماء والعناوين ومحاضر الجلسات".(15/43)
الحياة 19/9/2004
قلنا: بدأ الدروز بنشر غسيلهم, لقد أشار أرسلان إلى نقطتين هامتين تتعلقان بالزعيم الدرزي وليد جنبلاط فقال: أن جنبلاط اختلس من أموال لبنان عندما كان وزيراً للمهجرين في حكومة الحريري الأولى, وثانياً أنه خلال عامي 82 و 83 كان على علاقات بالإسرائيليين.
الأقليات القومية والتنمية السياسية
مجلة مختارات إيرانية – عدد 50 – أغسطس 2004
عن مجلة التضامن الإيرانية
تعتبر قضية المشاركة الشعبية في إدارة شئون الدولة إحدى المحددات الأساسية للتمييز بين النظم الديمقراطية والديكتاتورية، ويعتبر نظام القيادة الشعبية المتبع في إيران إحدى صور النظم الديمقراطية الحاكمة في العالم، حيث يسمح للشعب بالمشاركة في إدارة شئونه المختلفة من خلال اختيار الحكام. وتعتبر المشاركة أساس هذا النظام ومحور مشروعيته وثمة ارتباط وثيق بين التنمية السياسية وترسيخ دعائم الديمقراطية والمشاركة الشعبية في الإدارة السياسية، وما من شك في أن فعالية المؤسسات من ركائز التنمية السياسية، وتعتبر المشاركة هامة لدرجة أنها تمثل الأساس عند وضع الاستراتيجيات القومية، وقد ورد في المادة 56 من دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية ما يلي:
"استخلف الله الإنسان على مصيره الاجتماعي، ولا يحق لأي إنسان سلب هذه الحق الإلهي أو توظيفه لخدمة مصالح فردية أو جماعية".
على هذا الأساس طرحت شعارات من قبيل "تسليم مصير الأمة لأيدي أبنائها" و "الحكومة مكلفة بتوفير الإمكانيات من أجل مشاركة شعبية شاملة تعمل على تحديد مصيرها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي". و "تتم إدارة شئون الدولة اعتمادا على الرأي العام"، و "المجالس محور اتخاذ القرار وإدارة شئون الدولة".(15/44)
وفي هذا السياق تأتي قضية الأقليات المنتشرة في دول كثيرة من العالم لتطرح نفسها، والأقلية هي المجموعة التي لا تشارك في السلطة وهي من الناحية العددية أقل من باقي سكان الدولة، كما أنهم يتمتعون بخصائص متفاوتة قوميا ودينيا أو لغويا مع باقي سكان الدولة، ولديهم أيضا شعور بوحدة المصالح والتضامن في سبيل المحافظة على الثقافة والعادات والديانة واللغة.
إيران من ضمن الدول التي يوجد بها أقليات عدة، ويمكن الإشارة إلى القوميات الرئيسية كالفرس والبلوتش والأكراد والآذار والتركمان والعرب واللور وجميعهم على الرغم من أنهم ينتمون إلى أصل مشترك إلا أنهم متفاوتون من حيث اللغة أو الدين عن بعضهم البعض، وعلى الرغم من انخفاض أعداد الآذار والكرد والبلوتتش واللور والتركمان مقارنة بالأغلبية الفارسية إلا أن نسبة المحافظة على الهوية ليست متشابهة عند جميع تلك الأقليات ومثلما يلاحظ فالآذريون والأكراد والعرب يتمتعون بدرجة تميز أقل مقارنه بالبلوش والتركمان.
وتعتبر إيران من ضمن الدول التي تتمتع فيها الأقليات بحقوق كثيرة فثمة مواد كثيرة من الدستور تدعم ذلك، حيث تؤكد جميعها على المحافظة على كرامة وقيمة الإنسان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتساوي حقوق الإنسان وتساوي الحقوق بين المرأة والرجل وحرية المشاركة في الأحزاب والاجتماعات. وفي المادة 12، 13، 51، 64 من الدستور ورد تعريف محدد بشأن الأقليات المذهبية والدينية واللغات المحلية والقومية، بالإضافة إلى تحديد عدد النواب من الأقليات الدينية بمجلس الشورى، كما كان الاهتمام بحق تدريس اللغات المحلية والقومية في المدارس، بالإضافة إلى حرية إجراء المراسم المذهبية والدينية في المناطق التي يشكلون بها أغلبية من أهم ما أكدت عليه مواد الدستور الخاصة بالأقليات القومية والدينية والمذهبية.(15/45)
لكن ثمة حقائق عدة ينبغي أخذها في الاعتبار أهمها أن الأقليات القومية لا تتمتع بسلطة قوية من أجل اتخاذ القرار في المواقف الخاصة بها بسبب ضعف نفوذها داخل مؤسسات الدولة، كما أن الأقليات الدينية والمذهبية محرومة من تحقيق مناصب قيادية كرئاسة الجمهورية والسلطة القانونية ولا يوجد من بين الأقليات القومية الدينية أي وزير أو نائب وزير أو رئيس هيئة أو محافظ، ولا يوجد أي شخص من الأقليات القومية غير الشيعية في مجمع تشخيص مصلحة النظام أو مجلس صيانة الدستور، أو المجلس الأعلى للأمن القومي أو مجلس الثورة الثقافية أو رؤساء الجامعات، كما لم يتم الاعتراف رسميا بالأحزاب المستقلة المرتبطة بالأقليات القومية الرامية إلى الدفاع عن حقوق الأقليات في أي منطقة، بالإضافة إلى أن الصحف المحلية الخاصة بالأقليات لا يتم الاهتمام بها مقارنة بباقي صحف الدولة.
وبنظرة عامة على وضع الأقليات في إيران يمكن القول أن ثمة عقبات عدة تقف حائلا أمام مشاركتهم الفعالة في اتخاذ القرار القومي والمحلي أهمها ما يلي:
أولا: لم بتم تطبيق مواد الدستور الخاصة بقضية الأقليات القومية، كما أن هذه المواد التي وردت تحت عنوان الأقليات القومية ضئيلة جدا مقارنة بما ورد في القانون الدولي بشأن الأقليات.
ثانيا: انخفاض تمثيل الأقليات في مجلس الشورى الإسلامي جعل من المستحيل امتلاك الأقليات قوة مؤثرة في اتخاذ القرارات ووضع السياسات القومية.(15/46)
ثالثا: ليس لدى الأقليات أي دور في مؤسسات هامة مثل مجمع تشخيص مصلحة النظام ومجلس صيانة الدستور والمجلس الأعلى للأمن القومي. ومن الملاحظ أنه بالرغم مما تم إدراجه في الدستور إلا أن الأقليات القومية الكردية والبلوتشية والتركمانية والأقليات الدينية لا زالت محرومة من فرصة المساواة مع مختلف المواطنين في تولي مناصب عليا وهامة أو حتى العضوية في بعض المؤسسات والهيئات وبات عمق التمييز جليا بالنظر إلى أعداد هذه الأقليات في القوات العسكرية والشرطة ووزارة الاستخبارات.
والسؤال الأجدر في هذا الصدد مفاده، هل هذه السلبيات ناتجة عن عدم الخبرة بمكانة الأقليات أم أنه يمثل سياسة متعمدة؟
يمكن القول انه طالما أن متخدي القرار في الدولة لا ينظرون إلى مسألة الأقليات القومية في إيران من منظور سياسي، فإن إمكانية وضع سياسة هادفة لتفعيل نشاط هذه الأقليات تبدو ضعيفة.
الإدارة الأميركية حائرة تجاه إيران!
مجلة الوطن العربي – عدد 1433 – 20/8/2004
العلاقة الأميركية الإيرانية مرت وتمر عبر قنوات ومراحل تبلغ أحيانا التناقض الكلي. فهناك مدارس سياسية تفتي، وتقترح، وتصدر تقارير وتوصيات قد تختلف في طروحاتها وأساليبها، لكنها تتفق على أمر واحد، وهو: ضرورة التواصل مع طهران. كما فعل الاتحاد الأوروبي لسنوات.
وإذا كانت المؤسسات الأكاديمية، ومعاهد التخطيط السياسي الأميركي توصي دائما بمحاولات استمرار الحوار الأميركي الإيراني، فإنها لا تجد آذانا صاغية إلا في بعض الدوائر الرسمية بواشنطن.
مواقف متعارضة(15/47)
ما يفصل بين وزارة الخارجية الأميركية في فوغى بوتوم والبنتاغون على الضفة الأخرى من نهر البوتوماك، ليس هذا النهر، بل الموقف الرسمي تجاه إيران. فالبنتاغون ـ أي وزارة الدفاع ـ ووزير الدفاع رامسفيلد ونائبه بول وولفويتز يرون أن إيران الأصولية لابد من الاستمرار في مواجهتها واحتواء شرورها, وحزب تحالفها مع سورية في الشرق الأوسط. ولا يخفى المسؤولون في البنتاغون حماسهم لجماعة "مجاهدي خلق" المعارضة التي يتزعمها مسعود رجوي ورفاقه الذين يبلغ عددهم أكثر من 40 آلاف مقابل، أطلق عليهم البنتاغون عبارة "المقاتلون الأصدقاء". لأنهم لم يحملوا السلاح بوجه القوات الأميركية، بل أصبحوا تحت حماية الأميركيين وتعاونوا معهم. ويمكن الاستفادة منهم في المستقبل في إيران.
وهذا ما أثار وزارة الخارجية التي سارع المسؤول عنها ـ كولن باول ـ إلى وضع "مجاهدي خلق" على لائحة المنظمات الإرهابية، ويطالب بتسليمها إلى إيران كعربون صداقة لطهران.
وكأن باول قد نسي أن وزيرة الخارجية الأميركية السابقة مادلين أولبرايت قدمت اعتذارها لطهران، ولكن إيران لم تهتم بذلك. بل مضت في مخططاتها للسيطرة على العراق وخاصة جنوبه.
الكونغرس الأميركي من جانبه سارع إلى حملة إمضاءات تخطت المائتى عضو لمطالبة الرئيس جورج بوش برفع منظمة "مجاهدي خلق" من لائحة الإرهاب باعتبارها منظمة معارضة لحكم الملالي في إيران، وهدفها السيطرة على العراق وجنوبه، وتحويله إلى نسخة طبق الأصل للنظام الإيراني الأصولي.
الرئيس الحائر
وإزاء هذا الوضع يبدو الرئيس جورج بوش حائرً، في أي طريق يسير.. ففي يوم يكرر أن إيران تحاول استغلال الأوضاع في العراق، وفي يوم آخر يقول إن على إيران تلبية الشروط الأميركية والابتعاد عن العراق والتدخل في شؤونه. وفي يوم ثالث يصرح بان إيران لابد أن ترى مصلحتها والمصالحة الأميركية وتتصرف وفقاً لذلك.
هل تكرر إيران تجربة "حزب الله" في العراق(15/48)
هل من حكومة عراقية تستطيع انتزاع جيش المهدي من قبضة إيران عن طريق إزالة المظالم التي يعاني منها الشباب المسحوق من شيعة العراق؟
بعد النهاية السلمية للمواجهة العسكرية في النجف في الشهر الماضي، اعتقد الكثير من العراقيين والأمريكيين على حد سواء بان النزاع بين الحكومة المؤقتة في العراق ورجل الدين الشاب مقتدى الصدر قد تمت تسويته وان رجال الصدر سوف يعودون إلى حياتهم الطبيعية لكن القتال الذي اندلع في مدينة الصدر ببغداد الأسبوع الماضي أظهر بعد ذلك الاعتقاد عن الواقع.
فقد أظهرت الأنباء أن اتباع الصدر قد عادوا إلى مدنهم الأصلية ليواصلوا القتال ليفرقوا.وهكذا انكشفت نقطة الضعف في اتفاقية سلام النجف وفي السماح للمحاربين بالاحتفاظ بأسلحتهم مما أثار التساؤلات حول الدور الذي يمكن لرجال ميليشيا الصدر أن يلعبون في المستقبل.
يرى البعض أن جماعة الصدر سوف تنخرط في حرب عصابات وتتحول بذلك إلى تهديد دائم لاستقرار أية حكومة يمكن أن تقوم في بغداد. ببنما يرى آخرون أن تمرد الصدر جزء من استراتيجية تسعى إلى أن تضمن له مكانا بارزا على طاولة المفاوضات ما يمهد الطريق أمام المليشيا لكي تتحول إلى حزب سياسي اعتيادي. لكن مما يثير الاستغراب أن الاهتمام لم ينصرف إلى إمكانية ثالثة مقلقة جدا وهي تحويل جيش المهدي إلى نسخة ثانية من حزب الله اللبناني.
يحتل حزب الله اليوم مكانا فريدا في نوعه في عالم الإرهاب لأنه قد وجه لنفسه طريقة فريدة في الجمع ما بين الانضباط السياسي والقتالية، وقد نشأ حزب الله غداة الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1998 وقد كان الهدف الرسمي للحزب هو إقامة جمهورية إسلامية.
لكنه سرعان ما أدرك أن حملة دينية لتحرض على الإرهاب سوف تخفق في تحقيق أية غاية سياسية في لبنان البلد المتعدد الديانات والمذاهب.(15/49)
وهكذا تكفل حزب الله بتبني مظالم الشيعة في لبنان الذين كانوا يعانون من تمييز مجحف على يد مسيحيي البلاد وسنتها رغم كونهم يشكلون حوالي نصف عدد السكان.
دعا الحزب إلى الاعتراف بالمصالح الشيعية وشرع في تقديم الخدمات الاجتماعية المهمة مثل تقديم الطعام اليومي للمحتاجين وأقام المدارس والعيادات الطبية للفقراء.
وفي نفس الأثناء كان الحزب يشن حملة محسوبة ودقيقة في العنف والإرهاب ضد إسرائيل تراوحت نشاطاتها بين عصابات في جنوب لبنان إلى هجمات على المؤسسات الدينية في أماكن بعيدة مثل الأرجنتين في مطلع تسعينات القرن الماضي كانت شعبية حزب الله قد بلغت حدا شجعه على خوض الميدان السياسي فقام بشن حملة ضد الفساد الحكومي ضمنت له الفوز بأكبر كتلة قطاعية من مقاعد البرلمان اللبناني عام 1992 والحق يقال بأن حزب الله يعتبر اليوم الحزب الأكثر نجاحا في المنظومة السياسية اللبنانية.
السؤال الان ما هي علاقة ما تقدم بما يجري في العراق؟ أن تأمل "نموذج حزب الله" لم يعد مجرد موضوع أكاديمي، فعلينا أن نأخذ بنظر الاعتبار أن كلا من حزب الله وجيش المهدي مرتبطان بنفس الراعي الأجنبي وهو: إيران فقد كانت إيران هي التي أرسلت في عام 1982 ألفين من رجال حرسها الجمهوري لجلب عقول الشيعة اللبنانيين وكسب أفئدتهم.
كما أن قرار دخول حزب الله الانتخابات اللبنانية لم يتخذ في بيروت، أنها تم التوصل إليه في اجتماع عقد بين قيادي الحزب وعدد من رجال الذين البارزين في طهران، يقابل ذلك أن إيران قد قامت بإرسال السلاح لرجال السيد مقتدى الصدر، كما يعتقد بأن العملاء الإيرانيين هم الذين يقومون بتنظيم مليشيا المهدي في مدينة الصدر وتدريب عناصرها.(15/50)
لا نحتاج إلى كثير من التفكير لكي ندرك أن إقناع السيد الصدر بتبني نموذج حزب الله الذي يجمع ما بين الرصاصة وصندوق الاقتراع سيصب في مصلحة إيران فيعد عقود من الصراع الدامي، تتطلع إيران اليوم إلى إقامة علاقات جوار طيبة مع العراق الجديد، كما أنها ترغب في أن ترى إخوانها في المذهب الشيعي ممن عانوا من التهميش وسوء المعاملة تحت نظام صدام حسين وقد أصبحوا أصحاب لكلمة نافذة في الحكومة القادمة.
وفي الوقت نفسه فإن إيران لا تملك الموارد ولا الرغبة السياسية اللازمتين لشن حرب باهظة بالنيابة عنها ضد كل من قوات التحالف أو الفصائل الكردية في العراق. يضاف إلى ذلك أن في العراق، كما في لبنان لا مجال لتحقيق انتصار عسكري حاسم للسيد الصدر بالنظر للطبيعة والعرفية والمذهبية المتعددة في البلاد.
إن تحول جيش المهدي إلى حزب الله عراقي سوف يعالج الاعتبارات المذكورة أنفا. فدخول السيد مقتدى الصدر في تركيبة الحكومة العراقية سوف يضمن مشاركة القطاعات الراديكالية والمسحوقة من شيعة العراق.
ومن جانب آخر، سوف يقدم استمرار جناح مسلح للجماعة الأداة اللازمة لإيران لكن تستخدمها في إثارة الأزمات كلما بدا لها أن قليلا من الاضطراب وعدم الاستقرار ضروري لضبط الأمور في العراق أو التحويل أنظار الغرب عما يجري في طهران من محاولات لتطوير البرنامج النووي.(15/51)
فما الذي ينبغي للحكومة الأمريكية ولرعايتها الأمريكيين فعله إزاء هذا الموقف؟ ليس هناك من سبيل لحرمان السيد الصدر من الحصول على موقع على طاولة المفاوضات فبغض النظر عما إذا كان السيد الصدر يروق للطرف الآخر أم لا، فأنه قد أفلح في اجتذاب جمهور واسع من الاتباع إلا أن مما يثير قلق رئيس الوزراء اياد علاوي ومخاوفه هو وجود ميليشيا على غرار حزب الله اللبناني كجزء من حكومته فهذا الأمر لن يقف عند حدود تهديد الحكومة المقبلة بالابتزاز والتأكل من الداخل، إنما سيتعداه إلى إضعاف جبهة الشيعة المعتدلين الملتفين حول آية الله على السستاني الذي ابد استعداد للعب حول القواعد الديمقراطية.
وهكذا فإن علاوي سوف يصر على التفكيك الكامل والحقيقي ميليشيا الصدر قبل التفكير بأية مشاركة رسمية للصدر في الحكومة.
كما ينبغي تجنب أي اتفاق يتيح للصدر مجالا لالتقاط الأنفاس وإعادة تجميع ميليشيا وتسجلها كما كان الأمر عليه في اتفاق النجف، لقد وجه اللوم إلى السيد علاوي الأسبوع الماضي لرفضه خطة كان من شأنها تخفيف الهجمات الحكومية على المسلمين في مدينة الصدر مقابل وعود غامضة بنزع السلاح تقدم من جانب السيد مقتدى الصدر لكن علاوي كان في الواقع على حق.
على المدة البعيد لا بد للحكومة التي تريد أن تضع حدا لظهور القوى الدمياغوجية من أن تتعامل بجدية مع المظالم التي يعاني منها الشباب في المناطق الشيعية المدنية فانخرط هؤلاء الشباب في جيش المهدي لا يعود إلى اقتناعهم برؤية السيد مقتدى الصدر بقدر ما هو ناجم عما يشعرون من إحباط إزاء رؤية مستقبلية مظلمة لا يلمحون من خلالها إلا البطالة والتهميش السياسي واستمرار التمييز ضدهم.
وهنا يبدو أن لا سبيل إلى حمل أولئك الشباب على إلغاء السلاح إلا من خلال اقتناعهم بوجود حياة افضل بانتظارهم.
العرب اليوم 13/ 9/ 2004م
انقلاب أبيض داخل حركة أمل(15/52)
يعترف رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري أمام المكتب السياسي لحركة أمل أن أسباب هزيمة الحركة في الانتخابات البلدية والاختيارية الأخيرة سواء في ضاحية بيروت الجنوبية أو في البقاع والجنوب تعود إلى ثالث أمور: سوء تنظيم وإدارة المعركة، تقصير وإهمال الماكينة الانتخابية للحركة، والانقطاع عن القيام بجولات تفقدية لبلدات وقرى الجنوب للوقوف على آراء الناس وتلبية مطالبهم. وبمعنى آخر خلق مسافة بين الشعب والحركة، الأمر الذي انعكس على حضور هذه الحركة في المناطق الشعبية، وهذا ما خلق نوعا من التمرد الشعبي على تصرفات حركة أمل، في حين أن حزب الله كان يتحرك في كل اتجاهات تقديم الخدمات الاجتماعية والمطلبية لأبناء المناطق الشيعية.
كما يعترف أيضاً أنه يجب التعاطي مع الهيئات الشعبية والنوادي والجمعيات في كل المناطق بطريقة جديدة تعتمد على مسايرة هذه الهيئات وانتزاع دعمها وتأييدها خلال هذه المرحلة والمراحل اللاحقة تفادياً لتكرار تجربة الانتخابات البلدية في الانتخابات النيابية المقبلة، لأن أية خسارة في هذه الانتخابات تضع مصير ومستقبل حركة أمل على المحك.
وقال الرئيس نبيه بري خلال الاجتماع الأخير للمكتب السياسي إن حزب الله يتحرك على الأرض ويتصل مباشرة بالشعب ويقدم له الخدمات من كل الأنواع، وقد تمكن من كسب عطف أبناء الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية من خلال تعامله الإنساني مع كل فئات المجتمع الشيعي وحتى المسيحي، وبهذه الطريقة بات يشكل خطراً على الحركة في الانتخابات النيابية التي لم يعد يفصلنا عن موعدها سوى ستة أو سبعة أشهر. لذلك من المفروض مواجهة هذا الخطر عن طريق التقرب من الناس وتلبية مطالبهم في محاولة لقلب المقاييس وموازين القوى لكي لا يفرض حزب الله شروطه على الحركة خلال تشكيل اللوائح الانتخابية في ربيع 2005.(15/53)
وأضاف يقول: حتى الآن فإن الواقع على الأرض ليس في مصلحة حركة أمل، لأن هناك عناصر تفتعل المشاكل وتثير البلبلة الأمنية في الجنوب وسائر المناطق الأخرى، وهذا ينعكس سلبا على وضعية الحركة، بحيث تعكس هذه "الزعرنات" سلباً علينا جميعاً، الأمر الذي قد يترجمه المواطنون تمرداً خلال الانتخابات النيابية المقبلة. لذلك لابد من الإقدام على حركة تصحيحية جريئة تكون بمثابة انقلاب أبيض داخل حركة أمل، تعيد لها موقعها الأساسي على أن تنتزع مجدداً ثقة المجتمع الشيعي في كل المناطق. وتجديد الثقة لا يمكن أن يكون بالقوة وبالعراضات المسلحة، بل بمساعدة الشعب واحتوائه واستيعابه بشكل لا يعود ينظر إلى حركة أمل بالعين الحمراء ولا يختزن الحقد والكراهية تجاهها. وهذا يعني محاولة جدية لتلميع صورة الحركة وتغيير سمعتها بين المواطنين في المنطقة أو تلك. ومن خلال هذه المداخلة المطولة التي ألقاها الرئيس بري في اجتماع المكتب السياسي الأخير لحركة أمل حذر أنه إذا سقط الهيكل فإنه سيسقط على رؤوس الجميع والهزيمة قد تطول كل قيادات الحركة وليس نبيه بري فقط، لذلك لابد من التغيير وخلق كوادر ولجان جديدة تعمل ميدانياً على الأرض لاستعادة ثقة الشعب وكسب عطفه قبل أن تنفر القلوب ويصبح التغيير غير ممكن.
لجان جديدة
ومن هذا المنطلق، كشفت معلومات من داخل الحركة أنه تم تشكيل لجان جديدة قوامها عناصر موثوقة في بلدات وقرى الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية تكون بمثابة انقلاب على اللجان القديمة التي أثبتت فشلها في الانتخابات البلدية والاختيارية وحالت دون فوز حركة أمل بالمقاعد التقليدية في المجالس البلدية التي كانت في الأصل موالية للحركة.
وأبرز هذه اللجان هي:(15/54)
لجنة الإحصاءات التي تقوم بعملية مسح ميداني لبلدات وقرى المناطق الشيعية وتقدم التقارير المفصلة واللوائح الاسمية للمكتب السياسي حول اتجاهات هذه البلدات الحزبية والسياسية وانتماءات أبنائها القديمة والجديدة والأسباب الكامنة وراء انكفائها عن تأييد الحركة. وتضم هذه اللجنة مندوبين عن البلدات الكبرى في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية، على أن يكون هؤلاء المندوبون موثوقين وأصحاب سمعة جيدة داخل المجتمع الشيعي.
لجنة الدعاية والإعلام التي تنحصر مهامها في نقل الحقيقة إلى الشعب عن حركة أمل واهتماماتها بقضايا المناطق إضافة إلى الاتصالات بكل وسائل الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب لنشر البيانات التي تتضمن أعمال الحركة الاجتماعية وبرنامجها الإنمائي ومساعدة المواطنين.
لجنة الخدمات التي تقوم بجولات تفقدية في سائر المناطق للاطلاع على حاجيات الشعب وكيفية تقديم الخدمات ومراجعة الإدارات الرسمية المختلفة لتنفيذ مطالب هذا الشعب الإنسانية والاجتماعية.
الماكينة الانتخابية التي تضم لجان لوائح الشطب والبطاقات الانتخابية، ولوائح اسمية بكل عائلة، إضافة إلى لجنة مخصصة تستقصي المعلومات عن انتماءات أفراد كل عائلة السياسية والحزبية، وكذلك أيضاً لجنة الزيارات المتلاحقة لهذه العائلات وملاحقة مطالبها الاجتماعية. كما تم تشكيل لجنة جديدة تكون مهمتها إقامة الندوات والاجتماعات في نوادي وجمعيات كل بلدة بالتعاون مع الطلاب والشباب.
لجنة الاتصالات المباشرة بالموطنين المستقلين وغير المنتمين إلى أية جهة سياسية أو إلى أي حزب سياسي أو عقائدي، في محاولة لاستمالتهم إلى جانب حركة أمل من خلال إقناعهم بالسياسة التي قد تتبعها الحركة مستقبلاً.
لجنة الاتصال بالعلماء ومشايخ الطائفة الشيعية.(15/55)
وذكرت هذه المعلومات أن اختيار أعضاء هذه اللجان تم من خلال استقصاءات دقيقة حول مؤهلات كل عضو وقدراته العلمية وسمعته الاجتماعية بحيث تم إقصاء أعضاء اللجان القديمة الذين فشلوا في مهماتهم خلال الانتخابات البلدية والاختيارية وأدوا إلى هزيمة الحركة في هذا الاستحقاق. لذلك فإن الرئيس نبيه بري استقدم دماً جديداً إلى هذه اللجان مشدداً على ضرورة النجاح في المهمات الموكلة إليها، بحيث يكون العمل جماعياً ودقيقاً وبعيداً عن الأوهام والارتجال، لأن معرفة حقيقة المواطنين هي التي تقود إلى الربح.
وفي هذا المجال كشفت مصادر وزارية في حركة أمل أن الرئيس نبيه بري طلب من نواب ووزراء الحركة القيام بجولات تفقدية دورية وأسبوعية لمناطق الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لتأمين حضور دائم للحركة في هذه المناطق للاطلاع على مطالب المواطنين والسعي إلى تلبيتها بالسرعة الممكنة وتقديم أية مساعدة إنسانية لهم، وبالتالي الاستماع إلى شكوهم، لأن الرئيس بري نعتبر الاتصال المباشر بالمواطن يعيد الثقة إلى حركة أمل وبقصر المسافات بين الجانبين.
الاستحقاق النيابي.. أهم
وتقول هذه المصادر إن اهتمامات الرئيس بري خلال هذه المرحلة منصبة على الاستعداد للانتخابات النيابية التي تشكل فصلا مهماً في حياة حركة أمل السياسي، خصوصاً أن حزب الله يحضر منذ الآن لهذه الانتخابات ويقوم بزيارات متلاحقة إلى المناطق الشيعية للوقوف على تطلعات المواطنين. لذلك لابد للحركة من اعتماد هذه الطريقة بشكل متواصل فلا يبتعد الشعب عنها وتصبح معزولة شعبياً، لأن الرئيس بري يرفض أن "يلدغ من الجحر مرتين".(15/56)
وتعتقد هذه المصادر أن الاستحقاق الرئاسي مهم بالنسبة للرئيس نبيه بري، لكن الاستحقاق النيابي يبقى الأهم لأنه يحدد المصير ويرسم المستقبل السياسي لحركة أمل، خصوصاً أن الانتخابات النيابية تشكل العامل الأساسي لعودة الرئيس نبيه بري إلى رئاسة مجلس النواب في ظل الحديث المتداول حول احتمال وصول نائب جديد إلى سدة الرئاسة الثانية في حال لم يتمكن الرئيس بري من العودة إلى ساحة النجمة على رأس كتلة نيابية كبيرة وقوية، لذلك فإنه سيخوض معركة مصير في الانتخابات النيابية المقبلة خوفاً من التغيير الذي قد يطاوله إذا أخفق في هذا الاستحقاق التشريعي. وفي أية حال، تتوقع المصادر الوزارية هذه أن الانقلاب الأبيض الذي قام به الرئيس نبيه بري داخل حركة أمل والذي أطاح برؤوس كبيرة كانت سبباً في هزيمة الانتخابات البلدية، قد يحدث انقلابا من نوع آخر على الأرض وبين مختلف فئات الشعب في المناطق الشيعية، بحيث تنقلب النتائج وموازين القوى في الانتخابات النيابية المقبلة، لأن اللجان التي تم تشكيلها أخيراً قد تحدث صدمة على صعيد الشارع الشيعي الذي قد يطاوله التغيير في الانتماءات السياسية.
من هنا فإن الاستحقاق النيابي المقبل قد يحدد الأحجام والأوزان بشكل دقيق بعيداً عن العشوائية والارتجال لأن الانتخابات البلدية تمت بدون أي استعداد أو تحضير وبدون دراسة واقعية لأرض المعركة، لذلك فإن هذه التجربة لن تتكرر، بل سيكون حساب الربح لصالح حركة أمل في ربيع 2005. لذلك فإن الحركة التصحيحية مشجعة وفقاً لمعايير شعبية واجتماعية في كل المجتمع الشيعي، وقد ظهر ذلك من خلال الحشود التي تزور الزئيس بري في المصيلح والتي تثنى على هذه الانقلاب.
الوطن العربي 20/ 8/2004
الربيعي يغادر العراق بعد اتهامه بصلات مع إيران
اختفاؤه يمهد لحوار بين الحكومة والقوى السنة(15/57)
أفاد مسؤول عراقي رفيع أن الخلافات بين مستشار الأمن القومي موفق الربيعي وبين رئيس الحكومة العراقية اياد علاوي نشبت على خلفية قضيتين أساسيتين الأولى: أزمة تيار الصدر في النجف والثانية: الموقف من إيران. وأضاف أن الربيعي كان يتبنى خطاً متعاطفاً إلى حد كبير مع الموقف الإيراني ومع أزمة التيار الصدري على عكس علاوي ووزيري الداخلية فلاح النقيب والدفاع حازم الشعلان الذين أعلنوا سياسات متشددة حيال الملفين، إيران ومقتدى الصدر. وزاد: "الربيعي غادر العراق لجهة مجهولة بعد تكثيف التهم ضده بصلات خاصة مع إيران"
وقالت المعلومات أن الربيعي توصل إلى اتفاق مبدئي مع مقتدى الصدر لحل أزمة النجف الأخيرة لكن علاوي عارض بشدة بعض مضامين الاتفاق، متهماً الربيعي بأنه متعاطف مع الصدر الشاب. اخطر من ذلك، أن أشد المقربين العرقيين من الأميركيين وصفوا الربيعي بأنه حامي المصالح الحيوية للقوى الدينية الشيعية المتشددة وأنه على اتصال وثيق مع دوائر إيرانية للتنسيق معها في حل أزمات داخلية عراقية.
وكشفت تسريبات من مكتب الأمن الوطني التابع مباشرةً إلى علاوي أن الربيعي نسق مع طهران بشأن حل أزمة التيار الصدري وأنه طلب تدخلا إيرانيا في موضوع مقتدى الصدر في مؤشر أظهر أن إيران صاحبة اليد الطويلة في الوضع الداخلي العراقي! وقال سياسيون عراقيون أن منصب مستشار الأمن القومي في العراق هو منصب شديد الحساسية بحكم أنه مسؤول عن التنسيق بين مختلف أجهزة الأمن العراقية في وزارتي الدفاع والداخلية والاستخبارات ولأن الربيعي له خلفيات شخصية وطائفية مع إيران بات من الحكمة أن لا يبقى في المنصب.(15/58)
المعلومات أكدت أن علاوي والشعلان كان لهما الدور الحاسم في إقناع الأميركيين الذين اختاروا الربيعي لهذا المنصب نظراً لخدماته السابقة قبيل عملية الإطاحة بنظام صدام حسين، بالتخلي عن الربيعي وبقبول إقالته من منصب مستشار الأمن القومي أو تجميد منصبه وتهميشه قبل ذلك.
كما أن الربيعي صنف على أنه من أشد المقربين إلى أحمد الجلبي وإلى حملة اجتثاث البعث وبالتالي، فهناك من وجد أن استبعاد الربيعي عن شؤون الأمن هو جزء من حملة إضعاف الجلبي ونفوذه داخل العراق.
وخلال فترة حكم مجلس الحكم الانتقالي الذي كان الربيعي عضوا فيه تبنى هذا الأخير مواقف معادية للدول العربية وكان من أشد المعارضين لتطبيع العلاقات العراقية العربية الأمر الذي كان سبباً في دعم الأميركيين له.
ولأن الربيعي كان شريكاً سياسياً مهماً للجلبي في تأييد التقارب مع الكيان الصهيوني، فإن بعض القوى المحسوبة على التيار الوطني في العراق أبلغت علاوي أن احتفاظ الربيعي بمنصب مستشار الأمن القومي معناه أن أهم الملفات الأمنية ستذهب إلى الموساد.
ورأى مراقبون عراقيون أن إقالة الربيعي من منصب مستشار الأمن له صلة بالأزمات الأمنية في الفلوجة ومناطق المثلث السني الذي كان الربيعي يؤيد حلاً عسكرياً فيها كما جرى في أزمة الفلوجة الأولى في آذار الماضي.
وأشارت بعض التقارير إلى أن شيوخ عشائر الفلوجة والرمادي وسامراء طلبوا صراحةً من رئيس الوزراء اياد علاوي إقالة الربيعي للتمهيد لتسوية سياسية في هذه المناطق خاصة أن الربيعي أخذ مواقف تصعيدية من الحوار بين علاوي وبين العشائر السينة.(15/59)
وبوجه عام، يعتبر تنحية الربيعي عن منصب مستشار الأمن القومي هزيمة ساحقة للتيار الشيعي المتشدد المدعوم من إيران، كما أنه يفتح أمام علاوي إمكان تزويد الأميركيين بتقارير ضد التدخل الإيراني دون أن يقاطعه في ذلك أحد كما كان يفعل الربيعي الذي اتهم بتزويد الأميركيين بمعلومات مهدئة عن الدور الإيراني في العراق بخلاف علاوي والشعلان..!
الدستور 16/9/ 2004
هل حقاً غسل مقتدى الصدر
عار شيعة العراق بنضاله
ضد المحتل وعملائه الطائفيين؟!
د. أحمد راسم النفيس
هذه وجهة نظر لمتشيع مصر من أجل أن يعرف كثير من السنة حقيقة موقف الشيعة وأنهم يرفضون المقاومة ديناً وعقيدة. وأنهم يتبرءون من مقاومة الصدر وبذلك يكون الشيعة في العراق بين طرفين طرف يقاتل على الباطل (مقتدى الصدر) وطريق يسكت مع الباطل وهم المراجع!؟ وهنا من الشيعة نفسها وليس السنة..................الراصد.
هل حقا خان شيعة العراق خط أهل البيت وتعاليم الإمام الحسين عندما لم يعلنوا الجهاد ضد القوات الأمريكية الغازية لحظة دخولها العراق كما تكرر بعض الأبواق وأن "مقتدى الصدر" الذي أعلن أن لا سياسة مع الاحتلال ثم عاد وأعلن وقف القتال والدخول في العملية السياسية هو من غسل عار الشيعة بنضاله ضد هذا المحتل وعملائه الطائفيين!! إلى آخر تلك المعزوفة التي حفظها جمهورنا عن ظهر قلب؟.
ليست هذه السطور تأصيلا فقهيا لموقف الشيعة في العراق مما جرة ويجري بل لبيان أن الجهاد في الإسلام هو مفاضلة بين خيارات بعضها سلمي تفاوضي والبعض الآخر حربي وربما استشهادي ولكنه يقوم على تقدير دقيق لموازين القوى ويبقى كل ذلك خاضعا لمعيار وحيد وثابت هو الحفاظ على مصالح الأمة الإسلامية أيا كانت مذاهبها الفقهية أو طوائفها العرقية. فقد فتح الإسلام الباب أمام الخيار السلمي.(15/60)
والقرآن الكريم عندما دعا وحض على الجهاد في سبيل الله لم يغلق الأبواب أمام الوسائل السلمية لحل النزاعات وأوكل إلى القيادة مهمة تقدير الموفق.
ونحن الآن أمام خطاب تهييجي أو تحريضي إحراجى تطلقه زعامات مبتسرة أدمنت الفشل والتبرير وسوق الأمة إلى الهزائم والنكبات من دون أن تلقي بالا لأمانة الكلمة ومسئوليتها ومما يؤسف له أن بعض مصدري الفتاوى يضبطون كلماتهم على وقع هذا الإعلام الغوغائي ولا يحرصون إلا على دغدغة مشاعر الجماهير الثائرة على طريقة قل كلمتك في الفضائيات وامض ولا تخف حسابا لا من الله ولا من الجماهير التي لم تحاسب يوما أحدا ممن احلوا قومهم دار البوار.
ومن حقنا أن نتساءل: ما سبب هذا الحماس المفاجئ الذي انتاب هؤلاء السادة لمشروع الاستشهاد الحسيني واقتطافه كأنموذج وحيد لا بد أن يقتدي به الشيعة في حين أن أدبيات هؤلاء السادة الأصلية ما زالت مصرة على اعتبار مشروع الاستشهاد الحسيني تمردا غير مشروع على الدولة الإسلامية الأموية اليزيدية المشروعة!!
حق الأمة في الاختيار(15/61)
والشاهد أن الثورة الحسينية شكلت تمسكا بثوابت الدين في قضية بالغة الأهمية وهي حق الأمة في اختيار من يحكمها عن طريق الشورى ولم تكن الأمة الإسلامية قد عرفت قبل هذا ملكا وراثيا عائليا وبقى هذا الموقف الحسيني حجة على الذين زيفوا وغيروا ثوابت دينهم ولا زالوا مصرين على ذلك بل وادعوا أن التغلب والاستيلاء هو إحدى طرائق الحصول على الشرعية الإسلامية الكاملة ومن ثم فلم يكن هناك تناقض حقيقي بين موقف الإمام الحسين المصمم والمصر على إعلان حق الأمة في اختيار الحاكم الصالح وليس إعلان القتال وبين موقف الإمام الحسن بن على الذي قبل باتفاق سلام مع معاوية بن أبي سفيان يتم بموجبه تسليم السلطة إلية على أن يعود الأمر شورى بين المسلمين بعد هلاكه وكما يروى الشيخ الصدوق في كتاب (علل الشرائع) قال: (بايع الإمام الحسن بن علي معاوية على ألا يسميه أمير المؤمنين ولا يقيم عنده شهادة، وعلى ألا يتعقب على شيعة علي شيئا وعلى أن يفرق في أولاد من قتل مع أبيه يوم الجمل وأولاد من قتل مع أبيه بصفين ألف ألف درهم وعلى أن يجعل ذلك من خراج دار ابجرد) أي أن الإمام الحسن تعامل مع شرعية الأمر الواقع وفي حدود ضرورات الواقع دون أن يسبغ عليه شرعية إسلامية كاملة.
مباركة سرية
تعددت الثورات بعد ذلك ضد هذه النظم الجائرة في العهدين العباسي والأموي ويمكننا تقسيم هذه الثورات من وجهة نظر مدرسة أهل البيت إلى قسمين: قسم باركه الأئمة سرا مثل ثورة المختار وثورة زيد بن على وقسم آخر وقفوا منه موقف الرفض المطلق مثل التحرك العباسي.(15/62)
أما عن القسم الأول ونظرا لظروف الحصار والتهديد بالقتل الموجه بصورة متواصلة لهؤلاء الأئمة ولعلمهم أن هذه التحركات ومهما بلغ جلال القائمين عليها وعظمة دورهم فإنها لن تقود إلى تحقيق هدف العدل المنشود فقد اكتفوا بدعمها سرا ويكفي أن نطلع على ما أوردته كتب التاريخ والسير من ثناء الإمام الصادق على المختار بن أبي عبيد وعلى عمه زيد بن على الذي انتسبت إليه الزيدية بعد ذلك لنعرف أن هذا التحرك جاء من أجل تحقيق هدف مشروع حتى ولو لم يتحقق الهدف النهائي الذي تحلم به جموع المظلومين من أبناء هذه الأئمة حيث يقول (عليكم بتقوى الله وحده لا شريك له وانظروا لأنفسكم فوالله إن الرجل ليكون له الغنم فيها الراعي فإذا وجد رجلا هو أعلم بغنمه من الذي كان فيها والله لو كانت لأحدكم نفسان يقاتل بواحدة يجرب بها ثم كانت الأخرى باقية يعمل على ما قد استبان لها ولكن له نفس واحدة إذا ذهبت فقد والله ذهبت التوبة فأنتم أحق أن تختاروا لأنفسكم إن أتاكم أت منا فانظروا على أي شئ تخرجون؟؟ ولا تقولوا خرج زيد فإن زيدا كان عالما صدوقا ولم يدعكم إلى نفسه وإنما دعاكم إلى الرضا من آل محمد ولو ظهر لوفي بما دعاكم إليه إنما خرج إلى سلطان مجتمع لينقضه فالخارج منا إلى أي شئ يدعوكم؟ إلى الرضا من آل محمد فنحن نشهدكم أنا لسنا نرضى به وهو يعصينا اليوم وليس معه أحد وهو إذا كانت معه الرايات والألوية أجدر ألا يسمع منا.. إلا من اجتمعت بنو فاطمة معه..) الكافي.
استدراج الإمام(15/63)
ثم كان موقف الإمام الصادق بعد ذلك من محاولة العباسيين استدراجه لدعمهم في معركتهم من أجل الاستيلاء على السلطة ويكفي أن يدعمهم الإمام ولو معنويا لتصطف الجماهير من خلفهم وقد ذكر المؤرخون (أن جماعة من بني هاشم اجتمعوا بالأبواء وفيهم أبو جعفر المنصور وعبد الله بن الحسن وابناه محمد وإبراهيم فقال صالح بن على قد علمتم أنكم الذين يمد الناس إليهم أعينهم وقد جمعكم الله في هذا الموضع فاعقدوا بيعة لرجل منكم تعطونه إياها من أنفسكم وتواثقوا على ذلك حتى يفتح الله وهو خير الفاتحين فقال عبد الله بن الحسن قد علمتم أنّ ابنى هذا هو المهدي فهلم فلنبايعه قال أبو جعفر لأيِّ شئٍ تخدعونَ أنفسكم؟ واللهِ لقد علمتمٍ ما الناسُ إلى أحد أصور أعناقاً ولا أسرع إجابة منهم إلى هذا الفتى ـ يريد به محمد بن عبد الله قالوا: قد ـ والله ـ صدقت إنّ هذا الذي نعلمُ فبايعوا محمداً جميعاً ومسحوا على يدِه وجاءَ جعفرُ بن محمد الصادق فقال لا تفعلوا، فإن هذا الأمر لم يأتِ بعدُ إن كنت ترى ـ يعني عبد الله ـ أن ابنك هذا هو المهديُ فليس به ولا هذا أوانهُ وان كنت إنما تريد أن تخرجه غضبا لله وليأمر بالمعروف وينه عن المنكر، فإنا والله لا ندعُك ـ وأنت شيخنا ـ ونبايع ابنك في هذا الأمر فغضب عبد الله وقال: لقد علمتٌ خلاف ما تقول ووالله ما أطلعك الله على غيبه ولكنه يحملك على هذا الحسد لابني فقال والله ما ذاك يحملني ولكن هذا واخوته وأبناؤهم دونكم وضرب بيده على ظهر (أبى العباس) ثم ضرب بيده على كتف عبد الله ابن حسن وقال: إنها ـ والله ـ ما هي إليك ولا إلى ابنيك ولكنها لهم وأن ابنيك لمقتولان ثم نهض وتوكأ على يد عبد العزيز بن عمران الزهري فقال: أرأيت صاحب الرداء الأصفر؟ يعني (أبا جعفر) فقال له نعم فقال إنا والله نجده يقتله قال له عبد العزيز: أيقتل محمداً؟ قال نعم قال: ثم والله ما خرجت من الدنيا حتى رأيته قتلهما قال: فلما قال جعفر ذلك ونهض(15/64)
القوم وافترقوا، تبعه عبد الصمد وأبو جعفر فقالا يا أبا عبد الله أتقول هذا؟ قال نعم أقوله ـ والله وأعلمُه.
ثم تكررت المحاولة العباسية لاستدراج الإمام عن طريق أبى سلمة الخلال تارة وعن طريق أبى مسلم الخراساني تارة أخرى وكان الرد حازما على محاولات استدراج الإمام ليصبح أداة يتلاعب بها الطامحون للسلطة (ما أنت من رجالي ولا الزمان زماني) فهذا الصنف من طلاب الزعامة ما إن تصبح له الرايات والألوية حيى يعيث في الأرض فسادا وتصبح الكلمة العليا للقهر والقوة وتنكشف حقيقة الوجوه الشائهة؟
ولذا ترى الإمام الصادق يؤكد في اكثر من موضع على أن (من ضرب الناس بسيفه ودعاهم إلى نفسه وفي المسلمين من هو أعلم منه فهو ضال متكلف).
والخلاصة أنه إذا كان البعض الآن يصر على استدراج شيعة العراق إلى معركته هو من خلال أساليب النفخ والتهييج واستثارة الحمية فإننا نعتقد أن هذا الأسلوب لن يجدي نفعا وسيبقى باب الاحتمالات مفتوحا لكل الخيارات ومن بينها الخيار الحسيني الاستشهادي كون أصحاب القرار ولا نعني بهم تلك الحكومة المؤقتة قد تسلحوا بخبرة تزيد على أكثر من عشرة قرون اجتمعت فيها ثورة الحسين واستشهاده الواعي والحكيم مع تجربة الصادق السياسية الواعية وتفويته الفرصة على من أراد جره لصبح مجرد ترس في آلة الصعود العباسي السلطوي (أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم)؟!
القاهرة 7/9/2004(15/65)
مجلة الراصد الإسلامية
العدد السادس عشر – غرة شوال 1425 هـ
1-…فاتحة القول: سنة العراق بين الخيانة والغدر.......................3
2-…فرق ومذاهب: فرق صوفية.........................................5
3-…سطور من الذاكرة: ميليشيات أمل تقتحم مخيمات صبرا وشاتيلا...11
4-…دراسات: موقف مفكري الإسلام من الشيعة -2-..................15
5-…كتاب الشهر: بلاد البحرين في العصر العباسي الثاني..............37
6-…قالوا...............................................................40
7-…جولة الصحافة:
-…التيار الصدري والحكومة المؤقتة والانتخابات..........................42
-…مقتدى الصدر بين الثورة والسياسة ...................................44
-…دوافع تسليم السلاح في مدينة الصدر..................................47
-…السنة العراقيون.......................................................50
-…الفلوجة واستئصال تيار السنة.........................................53
-…تأييد في غير محله ...................................................55
-…حوارات رمضانية.....................................................56
-…ليالي القاهرة الرمضانية...............................................58
فاتحة القول
سنة العراق
بين الخيانة والغدر
الحديث عن أهل السنة في العراق الآن حديث صعب في ظل ما يلاقونه من ظلم القريب والبعيد وطغيان المحتل والعميل، وهو حديث تعرف أوله ولا تعرف منتهاه والله المستعان.
هل نتحدث عن الظلم الذي لم يفارق السنة في العراق عقود طويلة، أم نتحدث عن شتات السنة وتشرذمهم بسبب الظلم السابق، أم يكون حديثنا عن ضياع الهوية السنية في عصر الفئويات والطائفية، أو سواها من المواجع والجروح النازفة!!(16/1)
يعيش السنة في العراق الآن مجزرة تهدف لإستئصال الصوت السني وتهميش وجوده من خلال تحريض رخيص من جهات متعددة تسعى لملء الفراغ بعد زوال أهل السنة، وتنفذ هذه المجزرة بوسائل متعددة أقلها السكوت عما يجرى!
كان البعض من السنة في العراق وخارجه يظن أن الشيعة لن ترضى بالظلم والاحتلال الأمريكي ولكن ما يرونه ويراه كل صاحب ضمير وقلب من سكوت على الجريمة أو مباركة أو دعم وتأييد من عمائمم وبدلات منشاة يفترض أن ترفع الغشاوة وتزيل العماية
وستكون بصيرة دائمة إذا صاحبها فهم لعقيدة الشيعة التي تحرك أبناءها وهي عقيدة تحمل الثأر والانتقام من السنة!!
أين ما يمليه الإسلام على أبنائه من نصرة المظلوم أو ردع الظالم لماذا لم نشاهد تحركاً فعلياً على المجازر والطغيان وانتهاك المساجد؟
لماذا لاينسحب الشيعة من المؤسسات التي أنشأها المحتل؟ لماذا لايوجه المراجع أمراً لأتباعهم بعصيان الأوامر بقتال السنة؟ بل أين حتى الشجب والاستنكار؟ فضلا ً عن مساعدة الجرحى والمنكوبين؟؟
وهذا كله في الدعم السلبي وليس الإيجابي!!
ولكن في قضية الانتخابات خرجت الفتاوى تترى بوجوب المشاركة وتصاعدت المطالب بالحصة الكبرى من المقاعد!! بل فتحت جهنم للممتنعين عن المشاركة وذكرونا بمفتاح الخمينى للجنة.
فهل يفهم إخواننا حقيقة القوم وأنهم يتحركون وفق عقيدتهم الخاصة ومصالحهم المنبثقة عنها ولا يتورعون عن التحالف مع المحتل للوصول لها، ولن يردعهم عن ذلك ويخفف من غلوائهم إلا أن يكون للسنة القوة المعنوية والمادية التي يحسبون حسابها.
فهذه خيانة الشيعة(16/2)
أما غدر البعث فالبعث حزب علماني إشتراكي لايؤمن بالإسلام وقادته يعرفون ذلك جيداً وقد لا يدرك هذا بعض الأتباع، وتجربة السنة في العراق وسوريا مع البعث أكثر من مرة ولكن السنة كثيرا ً ما يصدق فيهم وصف " تأخذه غفلة الصالحين " ولذلك لاينكر عاقل من وجود كثير من البعثيين السابقين بين السنة وهؤلاء فيهم من صلح واستقام وفيهم من هو أدهى من جمال عبد الناصر الذي تعاون مع الإخوان ثم غدر بهم وعلقهم على أعواد المشانق.
وهذا أمر قد تكرر في بلاد عديدة يتحالفون مع السنة ومن ثم يصعدون على أكتافهم لمأربهم وأول من يتخلصون منه هم الذين ساعدوهم وحموهم!!
ولنتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم لإبى ذر رضي الله عنه "إنك إمرء فيك جاهلية" فهؤلاء البعثيون كم سيكون فيهم من الجاهلية و النفاق؟؟
فهل يدرك أهل السنة في العراق وخارجها الحقيقة المرة التي يواجهها سنة العراق بين مطرقة خيانة الشيعة وسندان غدر البعث.
فرق صوفية
1- فرق صوفية هندية(البريلوية ـ الديوبندية )
في العدد العاشر من الراصد تطرقنا إلى فرقة الصوفية، وتناولنا بشيء من الإجمال عقائدها وانتشارها وفرقها، وسنعرض في هذه الحلقات لعدد من الفرق والحركات الصوفية أو التي تأثرت بالصوفية، في أنحاء مختلفة من العالم، كالبريلوية والديوبندية في القارة الهندية، والمهدية في السودان، والنورسية في تركيا وغيرها.
أولاً: الدِّيوبَندِيّة
تنسب الديوبندية إلى جامعة ديوبند/ دار العلوم الموجودة في مدينة ديوبند الهندية. وقد بدأت دار العلوم بمدرسة دينية صغيرة سنة 1283هـ (1866م) ثم أصبحت من أكبر المعاهد الدينية العربية في شبه القارة الهندية.
وقد تأسست المدرسة على يد الشيخ محمد قاسم النانوتوي وخليله الشيخ رشيد أحمد الكنكوهي. وديوبند مدرسة فكرية طبعت كل خريج بطابعها العلمي الخاص، حتى أصبح ينسب إليها.
أبرز شخصياتها(16/3)
1ـ الشيخ محمد قاسم المولود بناتوتة سنة 1248هـ، وقد أخذ العلم على أيدي مجموعة من العلماء أبرزهم إمداد الله المهاجر المكي، ومحمد نواز الهارنبوري، وعبد الغني بن سعيد الدهلوي.
2ـ الشيخ رشيد أحمد الكهنوني الذي شارك صاحبه محمد قاسم في تأسيس المدرسة، وهو من أعلام الحنفية وأئمتهم في الفقه والتصوف.
3ـ الشيخ حسين أحمد المدني المولود سنة 1296هـ، كان له جهود في مناهضة الاستعمار الإنجليزي، فسجن ونفي، وتوفي سنة 1377هـ، ومن مؤلفاته: نقش حيات في مجلدين، وكتاب الشهاب الثاقب على المستشرق الكاذب.
4ـ محمد أنور شاه الكشميري، أحد كبار فقهاء الحنفية، قام بالتدريس في المدرسة الأمينية بدلهي، ثم شغل مشيخة الحديث في جامعة ديوبند. وهو أحد الذين لعبوا دوراً مهماً في القضاء على فتنة القاديانية في شبه القارة الهندية، وتوفي سنة 1352هـ.
5ـ أبو الحسن علي الندوي، الرئيس السابق لجامعة ندوة العلماء في لكنهو، والرئيس السابق لرابطة الأدب الإسلامي العالمية حتى وفاته في السنوات الأخيرة وهو داعية مشهور في العالم الإسلامي.
6ـ المحدث حبيب الرحمن الأعظمي المولود سنة 1319هـ، وقد حقق بعض كتب السنة وعلق عليها مثل مصنف عبد الرزاق.
عقيدتهم و منهجهم:
الديوبنديون: ماتريديون في العقيدة، أحناف في المذهب،وهم يتبعون الطريقة الجشتية الصوفية التي تنسب إلى قرية " جشت " في هراة بشمال أفغانستان أسسها أبو إسحاق الدمشقي الجشتي ونشرها في الهند خواجه معين الدين حسن السنجري الأجميري وهي أول طريقة أخذها أهل الهند، وللديبونديون علاقات بفئات الصوفية وطرقهم كلها.
يقول أحد كبار شيوخهم وهو خليل أحمد السهارنفوري( ) في بيان منهجهم:(16/4)
"ليعلم أولاً قبل أن نشرع في الجواب أنا بحمد الله ومشائخنا، رضوان الله عليهم أجمعين، وجميع طائفتنا وجماعتنا مقلدون لقدوة الأنام وذروة الإسلام الإمام الهمام الإمام أبي حنيفة النعمان رضي الله تعالى عنه في الفروع، ومتبعون للإمام الهمام أبي الحسن الأشعري والإمام الهمام أبي منصور الماتريدي رضي الله عنهما في الاعتقاد والأصول، ومنتسبون من طرق الصوفية إلى الطريقة العلية المنسوبة إلى السادة النقشبندية والطريقة الزكية المنسوبة إلى السادة الجشتية وإلى الطريقة البهيّة المنسوبة إلى السادة القادرية وإلى الطريقة المنسوبة إلى السادة السهروردية( ).
وقد أيّد عدد من علمائهم مذهب إمام الصوفية ابن عربي القائل بوحدة الوجود. إذ يقول شيخ مشايخ الديوبندية إمداد الله المهاجر:
"القول بوحدة الوجود حق وصواب، وأول من خاض في المسألة هو الشيخ محي الدين ابن عربي".
الانتشار ومواقع النفوذ:
لم تمض سوى فترة قصيرة على تأسيس دار العلوم بديوبند حتى اشتهرت وتقاطرت إليها قوافل طلاب العلوم الإسلامية، من أنحاء مختلفة من القارة الهندية، وانتشرت المدارس التابعة لها في أنحاء مختلفة من الهند وباكستان.
وقد أسس أحد خريجيها مدرسة في مكة المكرمة في أوائل القرن الماضي هي المدرسة الصولتيّة، وكذلك المدرسة الشرعية في المدينة المنورة، وقد أسستها أسرة الشيخ حسين أحمد المدني رئيس هيئة التدريس في دار العلوم سابقاً الذي ظل سبع عشرة سنة يدرس في المسجد النبوي بعد هجرته إلى المدينة أثناء الاضطرابات في الهند.
ومعلوم أن أغلب رجال جماعة التبليغ المشهورة هم من خريجي مدرسة ديوبند مثل الشيخ محمد يوسف مؤلف كتاب حياة الصحابة، والشيخ محمد إلياس مؤسس جماعة الدعوة والتبليغ. كما أن أغلب علماء ندوة العلماء في لكنهو بالهند هم من خريجيها ومنهم أبو الحسن الندوي.
ثانيا: البريلوية(16/5)
فرقة صوفية نشأت في القارة الهندية، أسسها البريلوي أحمد رضا خان بن تقي علي خان، المولود في مدينة بريلي من مدن الهند في ولاية أتربرديش سنة 1272 هـ (1865م) والمتوفى سنة 1340هـ (1921م)، وقد سمّى نفسه "عبد المصطفى"، وقد اشتهرت هذه الفرقة بتقديس الأنبياء والأولياء بعامة، و النبي r بخاصة.
أبرز الشخصيات:
1ـ المؤسس أحمد رضا خان، وقد كان حاد المزاج، سريع الانفعال، طويل اللسان، مبتلى بكثير من الأمراض. وقد كان والده وجدّه من علماء الأحناف، إلاّ أن البعض يؤكد بأن البريلوي من أسرة شيعية أظهرت التسنن والانتساب إلى السنة تقية، ويستدلون على ذلك بأمور أهمها:
أ ـ إن أسماء آبائه وأجداده أسماء شيعية لم تكن رائجة في أهل السنة، (أحمد رضا بن نقي علي بن رضا علي بن كاظم علي)
ب ـ أنه كان يروي روايات وأحاديث الشيعة، ويروّجها بين السنة، ويستدل بها مثل "إن عليا ً قسيم النار"، وترويجه كذلك لعقائد وأفكار الشيعة التي لم تكن رائجة بين السنة في الهند وباكستان وكلها كانت مأخوذة من الشيعة مثل علم الغيب للأنبياء والصالحين، وعلم ما كان وما يكون، والاختيار والقدرة.
ج ـ تكلمه بكلمات عن الصديقة عائشة أم المؤمنين t، لا يتصور التفوه بها من سني أبداً.
د ـ تكفيره لعلماء السنة في القارة الهندية وخارجها، وقوله بأن مساجدهم لا يحكم عليها أنها مساجد، كما أفتى بأنه لا تجوز مجالستهم ولا مناكحتهم.
هـ ـ نظمه بعض القصائد التي بالغ فيها في مدح أئمة الشيعة، كما جعل سلسلة بيعته تصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بواسطة أئمة الشيعة حيث يقول: "اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد...، المرتضى علي الشأن... وحسين...،حسناً من السابقين، السيد السجّاد زين العابدين، باقر علوم الأنبياء والمرسلين،..."
ومن أبرز كتبه أنباء المصطفى، وخالص الاعتقاد،...
2ـ ديدار علي المولود سنة 1270هـ، ومن مؤلفاته تفسير ميزان الأديان وعلامات الوهابية.(16/6)
3ـ نعيم الدين المراد آبادي 1300 ـ 1367هـ (1883 ـ 1948م)، وهو صاحب المدرسة التي سمّاها الجامعة النعيمية، ويلقب بصدر الأفاضل ومن كتبه الكلمة العليا في عقيدة علم الغيب.
4ـ أمجد علي خدابخش (1320ـ 1367هـ) له كتاب بهار شريعت.
5ـ حشمت علي خان، كان يسمى نفسه كلب أحمد رضا خان معتزاً بهذه التسمية،له كتاب تجاذب أهل السّنة، ويلقب بـ (غيظ المنافقين) وكن موته سنة 1380هـ.
6ـ أحمد يارخان (1906ـ 1971م) كان شديد التعصب لفرقته، ومن مؤلفاته جاء الحق وزهق الباطل، وسلطنت مصطفى.
أهم العقائد والأفكار:
1ـ يعتقد أبناء هذه الطائفة بأن الرسول r والأولياء لديهم قدرة للتحكم بالكون، ويوصلونهم إلى قريب من مرتبة الألوهية، حيث يقول أحمد رضا خان مخاطبا عبد القادر الجيلاني:
"إن قدرة (كن) حاصلة لمحمد من ربه، ومن محمد حاصلة لك، وكل ما يظهر منك يدل على قدرتك على التصرف، وأنك أنت الفاعل الحقيقي وراء الحجاب".
كما بالغوا في نظرتهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم ووصفوه بما لا يليق إلا بالله، حيث يقول أحمد رضا خان: "إن الله تبارك وتعالى أعطى صاحب القرآن سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم جميع ما في اللوح المحفوظ". وهم كذلك ينكرون بشرية النبي صلى الله عليه وسلم، ويجعلونه نوراً من نور الله.
2ـ يحثون أتباعهم على الاستغاثة بالأنبياء والأولياء، ومن ينكر عليهم ذلك يرمونه بالإلحاد، ولديهم غلو شديد في تقديس الأولياء.
3ـ تشييد القبور وتعميرها والنذر لها، والتبرك بها والطواف حولها، ويعتبر ذكرى المولد النبوي الشريف أعظم أعيادهم.
4ـ تكفير مخالفيهم وخاصة من علماء أهل السنة، ووصفهم بأسوأ الأوصاف.(16/7)
5ـ تشنيعهم على الحركات المجاهدة في القارة الهندية وتثبيط عزائمهم، حيث يقول الشيخ إحسان إلهي ظهير رحمه الله "فإن الباحث والقارئ يندهش ويتحير عندما يرى أنه لم تقم حركة في شبه القارة لمواجهة الاستعمار إلاّ وخالفها البريلوي، وكفّر زعماءها، هو وذووه".
كما أن البريلوي قال في كتابه "دوام العيش": "لا جهاد وقتال على مسلمين الهند"
الجذور الفكرية والعقائدية
1ـ انتقلت إليهم عقائد غلاة المتصوفة والقبوريين وشركياتهم، ونظرياتهم في الحلول والوحدة والاتحاد، حتى صارت هذه الأمور جزءاً من معتقداتهم.
2ـ وبسبب عيشهم ضمن القارة الهندية، ذات الديانات المتعددة، انتقلت إليهم أفكار من الهندوسية والبوذية.
3ـ وأضفوا على النبي صلى الله عليه وسلم والأولياء، صفات تماثل تلك الصفات التي يضفيها الشيعة على أئمتهم المعصومين في نظرهم.
الانتشار ومواقع النفوذ
انطلقت الدعوة من بريلي بولاية أوترابرديش بالهند، لتنتشر في القارة الهندية كلها (الهند، باكستان، بورما، بنغلاديش، سيريلانكا).
ولهم وجود في انجلترا، و في جنوب أفريقيا وكينيا وموريشيوس وبعض بلدان أفريقيا الأخرى.
للاستزادة:
1ـ الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة ـ إعداد الندوة العالمية للشباب الإسلامي.
2ـ الديوبندية: تعريفها ـ عقائدها ـ سيد طالب الرحمن.
3ـ البريلوية عقائد وتاريخ ـ إحسان إلهي ظهير.
4- كشف حقيقة الصوفية لأول مرة في التاريخ _ محمود عبد الرؤوف القاسم.
سطور من الذاكرة
ميليشيات أمل تقتحم مخيمي
صبرا و شاتيلا
لم يكن اقتحام قوات حركة أمل( ) الشيعية وقصفها لمخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، إلاّ حلقة من حلقات تصفية الوجود السني في لبنان، واستخدام كافة الوسائل من قبل الشيعة وتنظيماتهم وأحزابهم للقضاء على السنة وتهميشهم.(16/8)
نعود بسطورنا إلى شهر مايو/ أيار من عام 1985 والمكان هو مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان التي لم تنس ما اقترفته العصابات اليهودية من مجازر فيها قبل أقل من ثلاثة أعوام، وخاصة في مخيمي صبرا وشاتيلا، وكأن هناك من يريد أن تبقى ذاكرة المسلمين من أبناء فلسطين مستحضرة لهذه المجازر.
المكان في عام 1982 هو نفسه المكان في عام 1985، والعمل هو ذات العمل، لكن الفرق أن الذين قاموا بقتل الفلسطينيين في مخيمات اللاجئين في المرة الأولى هم من اليهود، ومن تحالف معهم من النصارى المارونيين، وفي المرة الثانية، كانت المخيمات على موعد مع الشيعة من أتباع حركة أمل اللبنانية.
إن عدوان حركة أمل سنة 1985 على المخيمات الفلسطينية في لبنان التي يتبع أهلها مذهب أهل السنة تتويج لسنوات طويلة من العمل ضد السنة في لبنان، وحسبنا أن نشير إلى التصريح الشهير الذي أطلقه موسى الصدر سنة 1978 وقال فيه "لسنا في حالة حرب مع إسرائيل، والعمل الفدائي في الجنوب يحرجنا". وأخذ الصدر يتهم منظمة التحرير الفلسطينية بالعمل على قلب الأنظمة العربية، ودعا الأنظمة إلى مواجهة الخطر الفلسطيني.
وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، فلقد نقلت الصحف اللبنانية سنة 1974 بعضاً من خطب وتصريحات الصدر في مناطق متعددة من لبنان، ومن ذلك قوله:
"الثورة لم تمت في رمال كربلاء، بل تدفقت في مجرى حياة العالم الإسلامي"، وقال في موضع آخر: "وابتداء من اليوم لن نشكو ولن نبكي، فاسمنا ليس "المتاولة"، بل اسمنا "الرافضون" رجال الثأر. لقد واجه الحسين العدو ومعه سبعون رجلاً وكان العدو كثير العدد، أما اليوم فنحن نعد أكثر من سبعين، ولا يعد عدونا ربع سكان العالم"(16/9)
وعلى منوال الصدر سار التلميذ نبيه بري الذي صرح في مايو سنة 1985 أن إعادة سيطرة الفلسطينيين على المخيمات المحيطة ببيروت، أيّا كان اللون الفلسطيني الغالب، يعني فصل الضاحية (إحدى معاقل الشيعة) عن بيروت مرة أخرى، وبالتالي التمهيد لإعادة التوازنات في عاصمة لبنان لغير مصلحة حركة أمل بالتأكيد.
إذاً بري يعرب عن خشيته من وجود سني يفصل بيروت عن ضاحيتها مثلما اعتبر أستاذه الصدر أن ذكرى كربلاء ما زالت حية في النفوس، أي الانتقام من السنة، الذين يزعم الشيعة أنهم قتلوا الحسين بن علي رضي الله عنهما.
بيروت تلك المدينة التي تعتبر من مدن أهل السنة المشهورة، كانت مسرحاً لعبث وتخريب الصدر وأتباعه، عندما وجّه منها نداء دعا فيه أهالي الجنوب اللبناني (الشيعة) إلى احتلال القصور في العاصمة، وبالفعل جاء الشيعة من الجنوب، واحتلوا المباني التي يملكها أهل السنة، وبالذات في ضواحي بيروت الجنوبية، وكان العمال والموظفون الشيعة القادمون من الجنوب اللبناني والبقاع والشمال يبنون منازلهم على أملاك الغير، وكان ذلك يحدث تحت سمع السلطات النصرانية المارونية وبصرها, وكان أصحاب الأراضي يطالبون الأجهزة المسؤولة بوضع حدّ لهذا العبث، ورغم ذلك تركت السلطة قطاع الطريق من الشيعة يفعلون ما يشاؤون. وعندما سأل الصحفيون نبيه بري عن الأسباب التي دفعته إلى احتلال بيروت الغربية، أجاب "بيروت الغربية عاصمة لبنان، وملك لجميع المواطنين، وليست حكراً على أهل السنة..."!
لقد كانت كل الظروف آنذاك تهيء لعدوان شيعي على المسلمين السنة، وحيث أن المخيمات الفلسطينية ثقل سني( ) فلقد كانت هدفاً مفضلاً. وتبدأ حكاية العدوان الشيعي على المخيمات بقصة مفبركة مفادها أن شاباً فلسطينياً يحمل مسدساً تبادل إطلاق النار مع عناصر من حركة أمل، الذين كانوا يشكلون دورية مسلحة.(16/10)
وانطلقت في ليلة العشرين من مايو شرارة العدوان، حيث اقتحمت ميليشيات أمل مخيمي صبرا وشاتيلا، وقامت باعتقال جميع العاملين في مستشفى غزة، وساقوهم مرفوعي الأيدي إلى مكتب أمل في أرض جلول، كما منعت القوات الشيعية الهلال والصليب الأحمر وسيارات الأجهزة الطبية من دخول المخيمات وقطعت إمدادات المياه والكهرباء عن المستشفيات الفلسطينية.
وفي فجر ذلك اليوم، بدأ مخيم صبرا يتعرض للقصف المركز من قبل عناصر أمل، بمدافع الهاون، والأسلحة المباشرة من عيار 106ملم. وفي صباح اليوم نفسه تعرض مخيم برج البراجنة لقصف عنيف بقذائف الهاون، ومع ذلك تمكن المقاتلون في المخيمات من صد العدوان.
وانطلقت حرب أمل المسعورة تحصد الرجال والنساء والأطفال، وطالت حرائقهم بعض غرف الطابقين الرابع والخامس من مستشفى المقاصد، كما أحرقوا جزءاً من دار العجزة!
واستعانت حركة أمل باللواء السادس في الجيش اللبناني المكون من أفراد من الشيعة، حيث خاض معارك شرسة ضد المسلمين السنة في بيروت الغربية.
وفي صباح اليوم التالي أي 21/ 5/ 1985، وجه اللواء السادس نداءات بواسطة مكبرات الصوت إلى سكان المخيمات تطالبهم بإخلائها تجنباً للقصف، وسارعت العائلات على الفور بالنزوح من منازلها، ولم تدم هذه الهدنة طويلاً، إذ سرعان ما عاد قصف أمل للمخيمات، وتوقف نقل الجرحى، الذين ظلوا ينزفون حتى الموت، حتى إن بعض التقارير قالت إن طفلاً من المصابين يموت كل خمس دقائق.
ولم تكن أمل الشيعية وحدها في عدوانها على المخيمات إذ سرعان ما انضمت ألوية أخرى من الجيش اللبناني الماروني ومن جيش النظام السوري النصيري إلى المعركة يجمعهم بغض أهل السنة.
واستمر حصار أمل قرابة الشهر، لم يَر فيه اللاجئون أشعة الشمس حيث خرجوا من الملاجئ بعد شهر تزكم أنوفهم رائحة الجثث المتعفنة، وليشاهدوا منازلهم المتهدمة، وكانت حصيلة العدوان كما يلي:(16/11)
3100 بين قتيل وجريح، وأكثر من 15 ألف مهجر، وحوالي 90% من المنازل تهدم كليا أو جزئياً.
لقد بلغت المذابح التي ارتكبتها عناصر أمل بحق المسلمين من أهل السنة مبلغاً جعل مراسل صحيفة صنداي تايمز يقول: "إنه من الاستحالة نقل أخبار المجازر بدقة، لأن حركة أمل تمنع المصورين من دخول المخيمات، وبعضهم تلقى التهديد بالموت طعناً بالسكين". وقال المراسل أيضاً: "إنه في العادة يجري نشر أخبار المجازر بشكل واسع في الصحافة الدولية، ولكن الخوف والتهديدات وصلت إلى حد أن المصادر أصبحت تفتقر إلى أخبار المجازر، وقد جرى سحب العديد من المراسلين خوفاً عليهم من الاختطاف والقتل، ومن تبقى منهم في لبنان يجدون صعوبة وخطورة في العمل".
وذكرت صحيفة " ريبوبليكا" الإيطالية أن معاقاً فلسطينياً لا يستطيع السير، رفع يديه مستغيثاً في شاتيلا أمام عناصر أمل طالباً الرحمة، وكان الرد عليه قتله بالمسدسات.
وكشفت صحيفة صنداي تايمز عن وقوع عدد كبير من القتلى المدنيين في مخيمي صبرا وشاتيلا. ونقلت محطة BBC التلفزيونية البريطانية خبر اختفاء 1500 فلسطيني في مراكز الاستجواب التابعة لأمل، وأعربت عن اعتقادها بأن عدداً من الفلسطينيين ربما قتلوا في المستشفيات في منطقة بيروت الغربية.
وقالت إنه عثر في أحد المستشفيات على مجموعة من الجثث الفلسطينية ذبح أصحابها من الأعناق.
للاستزادة
1ـ الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة ـ طبعة عام 1418هـ إعداد الندوة العالمية للشباب الإسلامي ص 444ـ 447.
2ـ وجاء دور المجوس ـ عبد الله الغريب.
3ـ حقيقة المقاومة ـ عبد المنعم شفيق.
4ـ أمل والمخيمات الفلسطينية ـ عبد الله الغريب.
دراسات
موقف مفكري الإسلام من الشيعة - 2 -(16/12)
هذه سلسلة من البحوث كتبها مجموعة من المفكرين والباحثين عن عقيدة وحقيقة مذهب الشيعة من خلفيات متنوعة ومتعددة، نهدف من هذه السلسلة إلى بيان أن عقائد الشيعة التي تنكرها ثابتة عند كل الباحثين، ومقصد آخر هو هدم زعم الشيعة أن السلفيين أو الوهابيين هم فقط الذين يزعمون مخالفة الشيعة للإسلام. الراصد
الشيعة الإمامية
من كتاب إسلام بلا مذاهب للدكتور مصطفى الشكعة
الطبعة الخامسة عشر ( 189-216 ) باختصار يسير
** الدكتور مصطفي الشكعة أستاذ الأدب و الفكر الإسلامي بجامعة عين شمس وبيروت العربية ألف كتابه هذا عام 1960 وقدم له شيخ الأزهر محمود شلتوت فقال عن الكتاب والكاتب : " إن كتاب إسلام بلا مذاهب هو محاولة من تلكم المحاولات التي اضطلع بها المصلحون أخيرا للم الشعث وتأليف القلوب وتوحيد الصف الإسلامي.
أكثر الله تعالى من أمثال الدكتور مصطفي الشكعة ممن يدعون إلي الله بالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة "
وقد بلغت عدد الطبعات الشرعية للكتاب خمسة عشر طبعة لما لقيه من قبول عند الباحثين والمنصفين وبممتاز به من أدب في الطرح ووضوح في العرض وصدق في النقل.
*****
الشيعة الإمامية:
هم جمهور الشيعة الذين يعيشون بيننا هذه الأيام والشيعة الإمامية يشملون ثلثي سكان إيران تقريباً، ونصف سكان العراق، ومئات الآلاف من سكان لبنان، وبضعة ملايين في الهند، والجمهوريات الإسلامية التي تحتلها دولة روسيا. والعقيدة العامة للإمامية هي نفس عقيدة الشيعة التي ألمحنا إليها في مستهل هذا الباب، وهي إيمانهم المطلق بإمامة على بن أبي طالب إيماناً ظاهراً كاملاً ووصفه بالوصي، وانتقال الوصية إلى أبنائه من بعده.(16/13)
والإمامية ليست فرقة واحدة كما قد يتبادر إلى الذهن، بل هي فرق كثيرة متعددة. كالباقرية والجعفرية الواقفة، والناووسية التي قالت بأن جعفراً الصادق حي لم يمت، ولن يموت حتى يظهر،والأفطحية الذين قالوا بإمامة عبدالله الأفطح بن جعفر الصادق، والإسماعيلية الواقفة الذين قالوا بإمامة إسماعيل، إلا أنهم اختلفوا على أنفسهم، فمنهم من قال إنه مات في حياة أبيه، ومنهم من قال إنه لم يمت، وإن أباه أظهر موته خشية أو تقية من الخلفاء العباسيين، والموسوية المفضلية الذين يقولون بإمامة موسى بن جعفر الصادق، وقد نسب إلى جعفر أنه قال في الوصاية لمن يخلفه من أبنائه: سابعكم قائمكم ألا وهو سمي صاحب التوراة، وقد سموا كذلك نسبة إلى موسى وإلى المفضل بن عمر أحد أعلام الفرقة، ومن الموسوية هؤلاء من يقول إن موسى لم يمت وسيخرج بعد الغيبة،ومنهم من سلم بموته، والإثني عشرية وهم الذين قطعوا بموت موسى الكاظم، وظلوا يؤمنون بإمامة سلالة موسى حتى الإمام محمد القائم المنتظر، وهو الثاني عشر من حيث الترتيب العددي.(16/14)
على أن أشهر كل تلك الفرق الإمامية التي ذكرنا هي فرقة الإثني عشرية المعاصرة لنا والتي تعيش ـ كما ذكرنا ـ في أكثر البلدان الإسلامية، خصوصاً إيران والعراق، وهذه الفرقة نفسها يطلق عليها أيضا الجعفرية من باب تسمية العام باسم الخاص، كما يطلق عليها الإمامية من باب تسمية الخاص باسم العام كما يطلق عليها الاسم العام وهو الشيعة، فحينما نقول الشيعة الآن يتجه القصد إليهم، ولقد سموا بالإثني عشرية لأنهم يؤمنون باثنى عشر إماماً متتابعين هم: على بن أبي طالب، ثم ابنيه الحسن فالحسين، ثم على زين العابدين بن الحسين، ثم محمد بن على، ثم جعفر بن محمد، ثم موسى بن جعفر، ثم على بن موسى، ثم محمد بن على، ثم على بن محمد ثم الحسن بن على، ثم محمد بن الحسن، ولكل إمام من هؤلاء الأئمة الاثنى عشر لقب عرف به،وهذه الألقاب هي على الترتيب: علىٌ المرتضى، والحسن المجتبى، والحسين الشهيد، وعلى زين العابدين السجٌاد، ومحمد الباقر، وجعفر الصادق، وموسى الكاظم، وعلى الرضا، ومحمد الجواد التقي، وعلى الهادي النقي، والحسن العسكري الزكى، ومحمد المهدي القائم بالحجة.
فهذه الفرقة إذن تسمى الجعفرية حيناً، والإثني عشرية حيناً آخر، والإمامية حيناً ثالثاً، ولعلها من أبعد الفرق الإمامية عموماً عن الاتصاف بالغلو، إلا في حالات بعينها كما سوف نوضح فيما يستقبل من حديث.
وإذا كانت قد سميت بالجعفرية من باب تسمية العام باسم الخاص، كما مر بنا قبل قليل، فإنها سميت بذلك لأمر أهم، وهو أنها تستمد أمور دينها من فقه الإمام جعفر الصادق، فلقد كان إماماَ لجميع المسلمين بالمعنى العام، كأبي حنيفة والشافعي والأوزاعي ومالك وابن حنبل، وكان من ذوي الرأي الصائب والفتوى الصالحة في أمور الدين،فضلاَ عن أنه كان إماماًَ لدى الإمامية، له ما لبقية أئمتهم من الولاية والوصاية(16/15)
لقد كان " جعفر " الذي تنتسب إليه الجعفرية ـ غزير العلم في الدين، وافر الحكمة، كامل الأدب، زاهدًا ورعًا متسامحاً بعيدًا عن الغلوٌ، ولم يكن يؤمن بالغيبة أو الرجعة أو التناسخ، كما أنه كان بعيدًا عن الاعتزال.
وكان السيد الإمام ينتسب من ناحية الأب إلى العترة النبوية المباركة، ومن ناحية الأم إلى أبي بكر الصديق، وله أقوال بالغة حد الجمال في الإيمان والصلة بالله والبعد عن التطرف، فمن أقواله: " إن الله تعالى أراد بنا شيئاً وأراد منا شيئاً، فما أراده بنا طواه عنا، وما أراده منا أظهره لنا، فما بالنا نشتغل بما أراده بنا عما أراده منا "؟ . وكان يقول في القدر: " هو أمر بين أمرين: لا جبر ولا تفويض ". ومن أقواله في الدعاء: " اللهم لك الحمد إن أطعتك، ولك الحجة إن عصيتك، لا صنع لي ولا لغيري في إحسان، ولا حجة لي ولا لغيري في إساءة "( ).
والإمامية يزيدون على أركان الإسلام الخمسة ركناً آخر، هو الاعتقاد بالإمامة، أي أنهم يعتقدون أن الإمامة منصب إلهي كالنبوة، فكما أن الله يختار من يشاء من عباده للنبوة والرسالة، فإنه كذلك يختار للإمامة من يشاء، ويأمر نبيه بالنص عليه، وأن ينصبه إماماً للناس من بعده للقيام بالوظائف التي كان على النبي أن يقوم بها، سوى أن الإمام لا يوحى إليه كالنبي، فالنبي مبلغ عن الله والإمام مبلغ عن النبي، ويتمسك الإمامية بهذا الركن تمسكًا شديدًا لا سبيل إلى التهاون فيه.
ويعتقد الإمامية في اثنى عشر إماما متسلسلين، وهم الذين مر ذكرهم. على أن هناك من المؤرخين ـ بل من الشيعة أنفسهم ـ من ينكر وجود الإمام محمد الثاني عشر إنكاراً كلياً ويعتبره شخصية خرافية لا وجود لها.
وكل إمام سابق لا بد أن ينص على اللاحق، وهم يرون أن الإمام معصوم كالنبي عن الخطأ، والإمام دون النبي وفوق البشر( ).(16/16)
ويرى الإمامية أن من يشاركهم من المسلمين اعتقادهم في الأئمة على هذا النحو الذي ذكرنا كانوا مؤمنين، وإذا اقتصر الاعتقاد على أركان الإسلام المعروفة دون الاعتراف بالإمامية كانوا مسلمين مؤمنين بالمعنى العام، فعدم الاعتقاد بالإمامة لا يخرجهم عن الإسلام، ولكن تتفاوت درجات المسلمين في الآخرة، الشيعة أولا ثم يأتي بقية المسلمين.
وعلى هذا الأساس تختلف الإمامية عن سائر الفرق الإسلامية بالاعتقاد في الأئمة الإثني عشرية، وهم يرون هذا الركن جوهرياً في العقيدة، وأن الله يختار الإمام بسابق علمه كما يختار النبي، فالإمامة إذن منصب إلهي، كذلك يرون أن الله سبحانه وتعالى لا يخلى الأرض من حجة على العباد من نبي أو وصيٌ ظاهر مشهور أو غائب مستور، ويروون الأحاديث الكثيرة التي يذهبون من خلالها إلى أن النبي أوصى عليٌا، وأن عليا أوصى ولده الحسن، وأن الحسن أوصى الحسين، وهكذا حتى الإمام الثاني عشر محمد القائم بالحجة، ولذلك فإنهم لا يزالون ينتظرون هذا الإمام الثاني عشر المستور لكي يظهر في أي وقت حتى يملأ الأرض عدلا.
والإثني عشرية بهذه المناسبة لا يقبلون الأحاديث من أي من الرواة أو المحدثين، بل لا بد أن تكون قد رويت عن طريق أهل البيت عن حدهم على بن أبي طالب، أما ما يرويه أبو هريرة وغيره من الحدثين الرواة فليس لأحاديثهم عند الشيعة من الاعتبار ـ على حد تعبير السيد كاشف الغطاء ـ مقدار بعوضة، ولعل هذا سبب كبير من أسباب الخلاف بين الشيعة والسنة، وتبعا لذلك فهم لا يعترفون بكبريات كتب الحديث مثل موطأ الإمام مالك، ومسند الإمام أحمد، والصحيحين، وكتب السنن الأربعة المعروفة، ولما كان الحديث هو المصدر الثاني للتشريع كان من الواضح أن تتسع الهوة نتيجة للخلاف على الرواة وتتزلزل الثقة بكل فريق.(16/17)
لعل هذه المبادىء من أهم ما يفرق بين السنة والإمامية، ولكن هناك أشياء أخرى يتمثل فيها الخلاف، فبعض هذا الخلاف في العبادات، وبعضه في المعاملات،وبعض آخر في موضوعات لها خطورتها وحرجها نحاول عرضها في دقة ووضوح.
زواج المتعة:
وثمة خلاف واضح بين الشيعة ( ونعني الشيعة الإمامية ) والسنة، وهو زواج المتعة أو " عقد الانقطاع ". والزواج بهذا الشكل زواج مؤقت، والعقد فيه موقوت بأجل محدود. ولقد كان هذا الزواج معمولاً به في أيام النبي في بعض الروايات، قيل: فلما جاء عمر بن الخطاب أوقفه وحرمه، لأنه رأى فيه رأيا غير كريم، والقول الراجح أنه حرم في زمن النبي، وأن النبي صلى الله علية وسلم قد نسخه.
والإمامية ـمن بين سائر فرق الإسلام ـ قد انفردت بالقول بجواز مشروعية هذا الزواج، معتمدين على تأويل للآية الكريمة: { فما استمتعتم به منهن فأتوهن أجورهن } ويقولون: إن جماعة من عظماء الصحابة والتابعين مثل عبدالله بن عباس، وجابر بن عبدالله الأنصاري، وابن مسعود، وأبي بن كعب، وعمران بن الحصين كانوا يفتون بإباحة هذا النوع من الزواج.
وقد بقيت مشكلة زواج المتعة مثارا للخلاف حتى يومنا هذا، لا بين الشيعة والسنة وحدهم، بل بين بعض علماء السنة أنفسهم، فمنهم من يقول: إن ما شرعه الرسول لا يستطيع أن يبطله عمر، وخاصة أنه كان معمولا به في أيام الرسول وأبي بكر، وفترة من خلافه عمر، والصواب هو أن عمر لم يحرمها افتياتاً على رسول الله، ولكن لما علمه من نسخها.(16/18)
الشيء المهم أن الشيعة الإمامية متمسكون بزواج المتعة حتى اليوم، ويقولون إنه قد ثبت بإجماع المسلمين أنه لا خلاف في إباحة هذا النكاح في عهد النبي بغير شبهة، وهم – يعني الشيعة - يرون أنه ضرورى للمسافر الذي يطول سفره، ففيه عصمة له،ولو أن المسلمين عملوا به على أصوله الصحيحة من العقد والعدة وحفظ النسل منها لانسدت بيوت الدعارة، وأغلقت والمواخير أبوابها، ولكثرت المواليد الطاهرة، واستراح الناس من اللقطاء، وقد وضعوا للمتعة نظاما يحفظ للولد حقه، وينسبه إلى والده، إذ لابد للمرأة بعد زواج المتعة من عدة،غير أن عدتها حيضتان، فلا يجوز لأحد أن يتمتع بامرأة تمتع بها غيره حتى تخرج من عدة ذلك الغير إلى غير ذلك من الشروط الأخرى في فقه الشيعة ( ).
التقية:
التقية معناها المداراة، وأكثر فرق الشيعة تقول بها، كأن يحافظ الشخص على ماله وعرضه ودينه وعقيدته بالتظاهر باعتناق عقيدة لا يؤمن بها ولا يعترف بينه وبين نفسه بصحتها.
وإذن فالتقية أمر معترف به عند الشيعة، بل إن بعض فقهاء السنة يقولون بها في حالات الضرورة القصوى ( ).(16/19)
وقد كانت التقية سبباً في خروج كثير من الناس على أئمتهم من الشيعة، لأن الإمام كان يبدى رأياً في مسألة بعينها ثم لا يلبث أن يبدى رأيًا يناقضه، فإن سئل في ذلك نسب الأمر إلى " التقية ". يحكى النوبختى في كتابة " فرق الشيعة " قصة رجل اسمه عمر بن رياح زعم أنه سأل محمدًا الباقر عن مسألة بعينها فأجابه بجواب عنها، وفي عام آخر سأله عن نفس المسألة فأجابه إجابة مغايرة لإجابته الأولى، فقال عمر لمحمد: هذا خلاف ما أجبتني به في العام الماضي، فقال محمد: إن جوابنا ربما خرج على وجه التقية، فلم يقتنع الرجل بهذه الإجابة، وقابل رجلا من أصحاب الباقر اسمه محمد بن قيس وقص عليه الأمر، وأبان عن عدم اقتناعه بإجابة الإمام قائلا: علم الله أنى ما سألته عنها إلا وأنا صحيح العزم على التدين بما يفتيني به وقبوله والعمل به، فلا وجه لاتقائه إياى وهذه حالي،فقال ابن قيس: فلعله حضر من اتقاه،فقال: ما حضر مجلسه في واحدة من المسألتين غيري، وإن جوابيه خرجا على وجه التبخيت، ولم يحفظ ما أجاب به في العام الماضي فيجيب بمثله، وكانت النتيجة أن عدل الرجل عن الاعتراف بإمامة الباقر وقال: لا يكون إماما من يفتي ثقته بغير ما يجب عن الله ( ).
وهناك أمثلة كثيرة من هذا النوع تحمل في معناها عدم الرضا والاقتناع بفكرة التقية، خصوصا أن الإمام لم يكن يناقض نفسه في مسألة بعينها، بل في مسائل كثرة، لأن الأسئلة لم تكن في يوم واحد، بل لم تكن قريبة العهد بعضها ببعض، وإنما كان السؤال يطرح في يوم بعينه فيجيب عنه الإمام إجابة بعينها ثم يطرح بعد ذلك بسنوات ويكون الإمام قد نسى إجابته الأولى التي سجلها البعض عليه، فيجيب إجابة مغايرة مختلفة، فيسأل الناس عن سبب الاختلاف فيجيب الإمام قائلا: إنما أجبنا بهذا للتقية، ولنا أن نجيب بما أحببنا وكيف شئنا، لن أذلك إلينا، ونحن،نعلم بما يصلحكم وما فيه بقاؤنا وبقاؤكم ( ).(16/20)
ويؤكد آية الله الخميني كبير علماء الشيعة وإمامهم في هذا العصر أن التقية جزء من العقيدة غير منفصل عنها فيقول: أن كل من له أقل قدر من التعقل يدرك أن حكم التقية من أحكام الإله المؤكدة، فقد جاء أن من لا تقية له لا دين له ( ).
وليس من شك في أن التقية وهذه حالها قد شككت الكثير من المؤمنين بالتشيع في أئمتهم، وكان ينتهي الأمر باستنكارها والخروج على الإمام والشك فيه وفي دعوته.
وقد كانت التقية أحد الموضوعات التي أهمت العلامة الشيعي المعتدل الدكتور موسى الموسوي في كتابه التصحيح، فأفرد لها فصلا طويلا أوضح فيه إنكاره لها، وأنها لا تليق بالمسلم إلا في حالة واحدة لخصها الإمام الجليل محمد الباقر في كلمتين حين قال:
إنما حلت التقية ليحقن بها الدم، فإذا بلغ الدم فليس تقية.
يقول الدكتور الموسوي: لقد أراد بعض علمائنا رحمهم الله أن يدافعوا عن التقية التي يتحدث عنها علماء الشيعة، وأملتها بعض زعاماتها، وهي ليست بهذا المعنى إطلاقا، إنها تعني أن تقول شيئا وتضمر آخر، وتقوم بعمل عبادى أمام سائر الفرق الإسلامية وأنت لا تعتقد به، ثم تؤديه في بيتك بالصورة التي تعتقد بها. ولقد نفى الدكتور الموسوي أن يكون أيٌ من الأئمة قد عمل بها، ابتداء من الإمام على وانتهاء بالحسن العسكري. ويقف وقفة متأنية عند الإمام الجليل جعفر الصادق لينفي عنه هذه الظاهرة، لأن أكثر فتاوى التقية نسبت إليه، كما نسب إليه قوله بوجوبها، فالإمام جعفر لم يقل بها، ولم يكن في حاجة إليها، لأنه كان يدرس في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وحوله آلاف من الطلاب والمستمعين، فكيف يمكن لمدرسة فقهية بهذا السعة من كثرة الطلاب والتلاميذ أن تبنى على التقية؟ وأية تقية استعملها الإمام في بناء مدرسته الفقهية التي كان يضع أساسها أمام المسلمين بصورة علنية ( )؟.(16/21)
يقول الدكتور الموسوي: إنه في الوقت الذي أصبحت فيه الحرية الفكرية والكلامية بخيرها وشرها حقا مقدساً، يعيش المجتمع الشيعي بقيادة زعاماته مغلقاً على نفسه بالتقية، يظهر شيئاً يبطن شيئاً آخر، فلا أعتقد ـ والكلام للدكتور الموسوي ـ أنه يوجد زعيم شيعي واحد في شرق الأرض وغربها يستطيع أن يعلن رأيه في كثير من البدع التي ألصقت بالمذهب الشيعي خوفاً ورهبة من الجماهير الشيعية التي دربتها تلك الزعامات على العمل بتلك البدع فأصبحت جزءاً من كيانها. ويضرب الدكتور الموسوي مثلا بالشهادة الثالثة، وهي: "أشهد أن علياً ولي الله" التي يتفق عليها علماء المذهب الشيعي بأنها بدعة لم تكن معروفة على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وحتى عهد الإمام على، ومع ذلك فلا يجرؤ واحد على أن يقرر أنها بدعة ( ).
ويسوق الدكتور الموسوي أمثلة أخرى على التقية مستهدفاً استنكارها، ثم يختم الفصل الذي كتبه عنها قائلا:إن على الشيعة أن تجعل نصب أعينها تلك القاعدة الأخلاقية التي فرضها الإسلام على المسلمين، وهي أن المسلم لا يخادع ولا يداهن ولا يعمل إلا بالحق، ولا يقول إلا الحق ولو كان على نفسه، وليعلموا أيضاً أن ما نسبوه إلى الإمام الصادق من أنه قال: "التقية ديني ودين آبائي " إن هو إلا كذب وزور وبهتان. نعود فنقرر أن أركان الإسلام خمسة جاءت على ترتيبها طبقاً للحديث الصحيح، وهي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا.(16/22)
وهي ـ أي أركان الإسلام ـ عند الشيعة تقدم في صيغة أخرى، وهي التوحيد والعدل والنبوة والإمامة والمعاد. وإذا كانت أركان أربعة قد أغفلت في هذه الصيغة وهي الصلاة والزكاة وصوم رمضان والحج، فإن ذلك لا يعني إنكارها، ولكن الشيء الذي يدعو إلى الانتباه هو أنهم جعلوا الإمامة ركناً من أركان الإسلام، ولهم في ذلك كلام كثير سوف نعرض له بعد قليل، كما أن لبعضهم ـ أي بعض الشيعة ـ رأياُ مغايراً سوف تقدمه أيضاً فيما يستقبل من صفحات.
تصور الشيعة للإمام والإمامة:
يعترف أئمة الشيعة ـوفي مقدمتهم آية الله الخميني ـ بأنه لم يرد نص في القرآن الكريم بشأن الإمامة، وإنما هي عقيدة فرضها العقل، ويذهب آية الله الخميني في تعبيره مذهباً غالياً حيث يقول: " إن العقل ذلك المبعوث المقرب من لدن الله الذي يعد بالنسبة للإنسان كعين ساهرة لا يستطيع أن يحكم بشيء، إما أن يقول بأنه لا حاجة لوجود الله ورسوله، وأن الأفضل أن يكون التصرف في ضوء العقل، أو أن يقول بأن الإمامة أمر مسلم به في الإسلام، أمر الله به نفسه، سواء جاء ذلك في القرآن أم لم يجئ( ). وهو كلام بالغ الغرابة، خاصة تلك المعادلة التي قالها آية الله الخميني بأنه إما أن توجد الإمامة وإما أنه لا حاجة إلى وجود الله ورسوله.(16/23)
ويفرد آية الله الخميني في كتابه عنواناً كبيراً هذا نصه: لماذا لم يذكر القرآن اسم الإمام صراحة؟ ثم يتولى بنفسه الإجابة عن السؤال على هذا النحو: "إنه كان من الخير أن ينزّل الله آيه تؤكد كون على بن أبي طالب وأولاده أئمة من بعد النبي، إذ أن ذلك كان كفيلاً بعدم ظهور أي خلاف حول هذه المسألة" وهو قول خطير، لأن آية الله يوجه نقدا إلى المولى عز وجل، وهو ما نعيذ أي مسلم من التورط فيه، على أن الرجل لا يلبث أن يناقض نفسه قائلاً: إلا أننا على ثقة بأن الله حتى لو فعل ذلك فإن الخلاقات لم تكن لتزول، بل إن أموراً مفسدة أخرى كانت ستقع حتماُ، ويمضي آية الله الخميني في الحديث عن هذه (الأمور المفسدة ) معرضا بصحابة رسول الله r، متهماً الخلفاء الراشدين بالتزوير وتزييف القرآن الكريم فيما لو كانت نزلت فيه آيات عن الإمامة قائلا: لو كانت مسالة الإمامة قد تم تثبيتها في القرآن فإن أولئك الذين لا يعنون بالإسلام والقرآن إلا لأغراض الدنيا والرئاسة كانوا سيتخذون من القرآن وسيلة لتنفيذ أغراضهم المشبوهة، ويحذفون تلك الآيات من صفحاته، ويسقطون القرآن من أنظار العالمين إلى الأبد، ويلصقون العار ـ وإلى الأبد ـ بالمسلمين وبالقرآن، ويثبتون على القرآن ذلك العيب الذي يأخذه المسلمون على كتب اليهود والنصارى.
وعن مقام الأئمة ومنزلتهم يقول آية الله الخميني في كتاب الحكومة الإسلامية: إن للإمام مقاماُ محمودا ودرجة سامية، وخلافة تكوينية تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرات هذا الكون، ثم يستطرد قائلاً: وإن من ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا مقاما لا يبلغة ملك مقرب ولا نبي مرسل( ).
الغلو في تقديس الأئمة:(16/24)
هكذا غلا آية الله الخميني في تقديس الأئمة غلواً شديداً طبقاً لما قرره في السطور السابقة من كتابه "الحكومة الإسلامية " فقد فضلهم على جميع الملائكة وجميع الأنبياء والمرسلين بغير استثناء أو تحفظ، غير أن ذلك الذي ذكره آية الله الخميني لا يعبر عن عقيدة خاصة به، وإنما هو يردد ما يعتقده كثير من صفوة علماء الشيعة، وعلى رأسهم الكليني في كتابه " الكافي " الذي يحتل عند الشيعة مكانة شبيهة بمكانة صحيح البخاري عند أهل السنة، وإذا كان المقام هنا يضيق عن اقتباس نماذج مما ورد حول قداسة الأئمة في ذلك الكتاب، فإن عناوين بعض أبواب ذلك الكتاب تفي بالغرض في هذا المقام، فمن هذه العناوين نذكر:" باب الأئمة يعلمون جميع العلوم التي خرجت إلى الملائكة والأنبياء والرسل" ( )، وباب "أن الأئمة يعلمون علم ما كان وما يكون، وأنه لا يخفى عليهم شئ "( )، وباب " أن الأئمة يعلمون متى يموتون، وأنهم لا يموتون إلا باختيارهم"( )، وباب " أنه لم يجمع القرآن كله إلا الأئمة وأنهم يعلمون علمه كله " ( )، وباب " ما عند الأئمة من آيات الأنبياء " ( )، وباب " أن الأئمة إذا ظهر أمرهم حكموا بحكم داود وآل داود ولا يسألون البينة" ( ).
وينقل آية الله الخميني هذا الغلو عن "شرح الكافي " وهو: "عن محمد بن سنان قال: كنت عند أبي جعفر الثاني فأجريت حديثاً عن اختلاف الشيعة، فقال: يا محمد، إن الله تعالى لم يزل متفرداً بوحدانيته، ثم خلق محمداً وعليا وفاطمة، فمكثوا ألف دهر، ثم خلق الأشياء، فأشهدهم خلقها وأجرى طاعتهم عليها، وفوض أمورها إليهم، فهم يحللون ما يشاءون ويحرمون ما يشاءون إلا أن يشاء الله تعالى" ( ).(16/25)
إن هذا الغلو قد أثار بعض علماء الشيعة المعاصرين فأنكروه إنكاراً شديداً، ورأوا أن هذا الغلو في شأن الأئمة لا يرفع من قدرهم، وإنما يسئ إليهم، من هؤلاء العلماء العلامة الفقيه الشيعي الإيراني الدكتور موسى الموسوي الذي يرد على هذا الغلو بقوله ( ): إن بعض علمائنا قالوا: إن الإمام يعلم كل شئ، وله معرفة بكل العلوم والفنون.. ويستطرد الدكتور الموسوي قائلا: ولست أدري ما هي الفضيلة بالنسبة للإمام أن يكون مهندساً، أو ميكانيكياً، أو عالماً باللغة اليابانية، إنما الفضيلة بالنسبة للإمام أن يكون فقيهاً ورعاً ربانياً في شئون الدين، وفي هذا كل الفضل، ثم إذا كان القرآن الكريم يقول في الرسول الذي أرسله الله للناس ضياءً ونوراً في مقام نفي علم الغيب عنه:{قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون}( ) فكيف تسوغ لنا نفوسنا أن ننسب إلى أئمتنا صفات تعلو على صفات الرسول الله e.. إنه بمحمد ختمت الرسالة وختمت المعجزات وأكمل الدين وأتمت النعمة وجاء قول الله صريحا وجليا: { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا }( ).
ويمضي الدكتور موسى الموسوي على نهجه في مؤاخذة فقهاء المذهب ومراجعه قائلا:إن المؤسف حقا هو أن الغلو النظري مثل العملي، دخل إلى أعماق القلوب عن طريق فقهاء المذهب والمجتهدين، فالمسئولية الأولى والأخيرة تقع على عاتقهم، لأنهم هم الذين قادوا العوام على الطريق، فهناك أمور نسبتها كتب الشيعة إلى الأئمة وتبناها فقهاء المذهب، وذكرتها كتب الروايات الموثوقة عندهم مثل، ووسائل الشيعة، وغيرها من أهم الكتب والمصادر الشيعية، وفي كثير منها الغلو، وفي كثير منها الحط من قدر الأئمة ولكن بصورة غير مباشرة.(16/26)
ويتحرز الدكتور الموسوي قليلا في شأن قلة من العلماء اتخذوا موقفاً منصفاً، لكنه لا يلبث أن يقرر أن الأكثرية منهم ساروا على درب الغلو من ألفه إلى يائه، ثم يذكر أهم موضوعات الغلو التي اعتمدها علماء الشيعة واعتقدوها في الأئمة وهي: العصمة، والعلم اللدنّي، والإلهام، والمعاجز. والإخبار بالغيب، والكرامات والمعجزات، وتقبيل الأضرحة، وطلب الحاجات ( ).
الرجعة:
إن هذا الموضوع ـ موضوع الرجعة ـ هو من المعتقدات الأساسية في المذهب الشيعي ومفاده أن الأئمة الاثنى عشر سيعودون إلى الدنيا في آخر الزمان الواحد بعد الآخر لكي يحكموا الدنيا تعويضا لهم عن حرمانهم من حقهم في الحكم الذي حرموا إياه إبان حياتهم، ويكون أول إمام يرجع إلى الدنيا هو الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري الذي يمهد الأمر لآبائه وأجداده فيتولون الحكم من بعده واحداً بعد الآخر حسب التسلسل الزمني لهم، فيحكم الواحد منهم فترة من الزمن ثم يموت مرة أخرى ليتولى بعده الحكم من يليه في الترتيب، وهكذا حتى الإمام الحادى عشر الحسن العسكري وتقوم القيامة بعد ذلك.
ولقد نسبت روايات كثيرة في هذا الأمر إلى كل من الإمامين الجليلين محمد باقر وولده جعفر الصادق، منها على سبيل المثال: قال أبو عبدالله ـ يعني سيدنا جعفرا ـ ينادى باسم القائم ـ أي الإمام محمد الثاني عشر ـ في ليلة ثلاث وعشرين، ويقوم يوم عاشوراء، لكأني به في اليوم العاشر من المحرم قائماً بين الركن والمقام، جبريل عن يمينه ينادى: البيعة لله، فتسير إليه الشيعة من أطراف الأرض تطوى لهم طياً حتى يبايعوه، وقد جاء في الأثر أنه يسير من مكة حتى يأتي الكوفة، فينزل على نجفنا، ثم يفرق الجنود منها في الأمصار.(16/27)
وروى الحجال عن ثعلبة عن أبى بكر الحضرمي عن سيدنا محمد الباقر قال: كأني بالقائم عليه السلام على نجف الكوفة، وسار إليها من مكة في خمسة آلاف من الملائكة، جبريل عن يمينه وميكائيل عن شماله، والمؤمنون بين يديه، وهو يفرق الجنود في البلاد.
وروى عبد الكريم الجعفى قال: قلت لأبي عبد الله (يعني سيدنا جعفرا): كم يملك القائم عليه السلام؟ قال: سبع سنين تطول حتى تكون السنة من سنيه مقدار عشر سنين من سنيكم، فتكون سنو ملكه سبعين سنة من سنيكم هذه.
وروى عبد الله بن المغيرة عن أبي عبد الله (يعني سيدنا جعفرا الصادق) عليه السلام قال: إذا قام القائم من آل محمد أقام خمسمائة من قريش فضرب أعناقهم، ثم خمسمائة أخرى حتى يفعل ذلك ست مرات. قلت ـ يعني ابن المغيرة ـ ويبلغ عدد هؤلاء هذا؟ قال جعفر الصادق: نعم، منهم ومن مواليهم ( ).
إن الشيء الذي يدعو إلى التوقف طويلاً والتأمل كثيراً هو أن هذه الروايات منسوبة إلى إمامين عظيمين جليلين من أئمة بيت النبوة لم يعرف عنهما شيء من هذا العنف في التفكير أو التعبير، هما محمد الباقر وولده جعفر الصادق، الأمر الذي أثار ثائرة بعض علماء الشيعة أنفسهم، وفي مقدمتهم الدكتور موسى الموسوي في كتابه "الشيعة والتصحيح " الذي مرّ ذكره.
يقول العلامة الدكتور الموسوي: إن مؤلفي هذه الكتب لم يكتفوا من القول برجعة أئمة الشيعة فحسب، بل أضافوا عليها أفكاراً أخرى، وكلها مستوحاة من تلك الروايات الموضوعة، وقالوا إن الرجعة لا تشمل أئمة الشيعة وحدهم، بل تشمل غيرهم، وذكر أسماء نفر غير قليل من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم زعم الشيعة أنهم من أعداء الأئمة، وأنهم منعوهم من الوصول إلى حقهم في الحكم، كل هذا حتى يتسنى للأئمة الانتقام منهم في هذه الدنيا.(16/28)
ويستطرد الدكتور الموسوي قائلا: ولو أن الذين كانوا وراء فكرة الرجعة مخلصين لأئمة الشيعة لما صوروهم بهذا المظهر الراغب في الحكم، حتى إن الله سيعيدهم إلى هذا الدنيا الفانية مرة أخرى ليحكموا فيها بعض الوقت، وهم أئمة لهم جنة عرضها كعرض السماوات والأرض أعدت للمتقين، والإمام على نفسه يقول: والله إن دنياكم هذه لأهون عندي من ورقة في فم جرادة تقضمها.
ويمضي العلامة الموسوي في النكير على فكرة الرجعة قائلا: وهذه البدعة تختلف عن البدع الأخرى التي أضيفت إلى الأفكار الشيعية حيث لم يترتب عليها تنظيم سياسي عملي أو اجتماعي أو اقتصادي، اللهم إلا شيء واحد قد يكون هو السبب في اختلاق فكرة الرجعة، وهو استكمال العداء وتمزيق الصف الإسلامي بمثل هذه الخزعبلات التي دونت وقيلت في انتقام الأئمة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ).
هل الإمام الثاني عشر شخصية حقيقية:
إنه مما يجعل من قضية رجعة الأئمة إلى الحياة قضية تستدعي الأناة والمراجعة هو ذلك الكلام الكثير الذي يجرى حول ما إذا كان الإمام محمد الثاني عشر شخصية حقيقية أم أنه شخصية وهمية، ذلك أن الإمام الثاني عشر هو أول الأئمة رجوعا إلى الدنيا، يخرج من السرداب الذي اختفى فيه في مدينة سامرا ليحكم المسلمين وينشر العدل في أرجاء الأرض، ويمهد لآبائه وأجداده الأحد عشر لكي يرجعوا أو يبعثوا من جديد، يتولى كل واحد منهم بالتسلسل حكم المسلمين على النحو الذي ذكرناه قبل قليل، فإذا ما كان هذا الإمام شخصية وهمية انهارت قضية الرجعة من أولها إلى آخرها.(16/29)
إن الحقيقة الراجحة عند جمهرة المؤرخين المسلمين أن الإمام الحسن العسكري ـ الإمام الحادي عشر ـ قد مات عن غير ولد له، إذ أن للعلويين سجل مواليد يقوم عليه نقيب، بحيث لا يولد لهم مولود إلا سجل فيه، وهذا السجل لم يسجل فيه للحسن العسكري ولد، ويشيع بين كثير من العلويين المعاصرين أن الحسن العسكري مات عقيماً، فإذا صحت هذه الأخبار يكون المعني أن شخصية الإمام الثاني عشر شخصية غير حقيقية، وإنما اخترعها من اخترعوا غيرها من الموضوعات الشيعية التي ينكرها كثير من كبار عقلاء علماء الشيعة، فإذا ما كان الأمر على هذا النحو من الحقيقة انهارت عقيدة الرجعة من أولها إلى آخرها.
زيارة قبور الأئمة ثوابها الجنة!!!
يعتقد الشيعة بأن من يزور قبور أئمتهم أو يسهم في بنائها ينال ألواناً من الثواب لا نهاية لها ولا آخر، إن هؤلاء الزوار مشمولون بشفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وإن الزائر يصيبه ثواب سبعين حجة غير الإسلام وتمحى خطاياه.(16/30)
إن آية الله الخميني يورد في كتاب "كشف الأسرار " هذه الرواية منسوبة إلى الإمام جعفر، وهذا نصها ( ): " ينقل الشيخ الطوسي عن أبي عامر قوله: إنني ذهبت إلى الصادق ـ يعني الإمام جعفرا ـ وسألته: ما هو أجر من يزور أمير المؤمنين ويبني قبره؟ فرد على سؤالي قائلا: يا أبا عامر، لقد روى أبي عن جده الحسين بن على بأن الرسول قال لأبي: إنك ستنتقل إلى العراق وتدفن في أرضه. فقال: يا رسول الله، وما هو أجرمن يزور قبورنا ويقيمها ويجدد العهد معها؟ فقال: يا أبا الحسن، إن الله جعل قبرك وقبور أولادك بقعة من بقاع الجنة وصحناً من صحونها، وإن الله أدخل في قلوب المختارين من خلقه حبكم، وجعلهم يتحملون الأذى والذل من أجلكم، ويقومون بإعادة بناء قبوركم ويأتون لزيارتكم تقربا إلى الله وزلفى إلى رسوله، وهؤلاء مشمولون بشفاعتي يا علىّ... إن من يبني قبوركم ويأتي إلى زيارتها يكون كمن شارك سليمان بن داود في بناء القدس، ومن يزور قبوركم يصيبه ثواب سبعين حجة غير حجة الإسلام، وتمحى خطاياه، ويصبح كمن ولدته أمه تواً. إنني أبشرك بذلك، وبشر أنت محبيك بهذه النعمة التي لم ترها عين، ولم تسمع بها أذن، ولم تطرأ على بال أحد. ألا إن هناك توافه من الناس يلومون زائري قبوركم كما يلومون المرأة الزانية. إن هؤلاء هم أشرار أمتي، والله لا يشملهم بشفاعتي".
ومن زيارة قبور الأئمة وبنائها ينتقل آية الله الخميني إلى الحديث عن تربة كربلاء حيث قبر الإمام الحسين رضي الله عنه، إن طلب الشفاء منها أمر لا حرمة فيه ولا حرج، ويرى أن لها خاصية ليست لأحد، حتى قبر النبي نفسه. يقول آية الله الخميني في كتابه " تحرير الوسيلة": "إن هذه التربة ـ أي تربة كربلاء ـ تخرق الحجب السبع، وترتفع على الأرضين السبع، وهذه الخاصية ليست لأحد حتى قبر النبي ( ). والشيء نفسه يذكره الخميني عن التربة الحيدرية أو أرض النجف.(16/31)
ومن العادات المعروفة أن الشيعة يقيمون مجالس للعزاء في شهر المحرم من كل عام، وأن آية الله الخميني لا يحب أن يترك هذه العادة حتى يجعل لها أصولا دينية وغايات مذهبية، ولا بأس عنده في أن ينال من صحابة رسول الله في سياق حديثة عن هذا الموضوع.
يقول آية الله الخميني: "إن مجالس العزاء تقام لدى الشيعة في كل مكان، ومع ما في هذه المجالس من نقص إلا أنها تروج تعاليم الدين وأخلاقياته، وتشيع الفضيلة ومكارم الأخلاق والدين الإلهي، والقانون السماوي المتمثل بالمذهب الشيعي المقدس الذي يدين به أتباع علىّ عليه السلام ".
ويمضي آية الله الخميني في التحدث عن فضل مجالس العزاء، ولكنه في سياق حديثه لا يلبث أن يعرض بأهل السنة ويطلق عليهم أصحاب المذاهب الباطلة التي وضعت لبناتها في سقيفة بني ساعدة قائلا: " ولولا ذلك ـ يعني لولا مجالس العزاء ـ لكان الشيعة في عزلة تامة، ولولا هذه المؤسسات الدينية الكبرى ـ يعني نفس المجالس ـ لما كان هناك الآن أي أثر للدين الحقيقي المتمثل في المذهب الشيعي، وكانت المذاهب الباطلة التي وضعت لبناتها في سقيفة بني ساعدة وهدفها اجتثاث جذور الدين الحقيقي تحتل الآن مواضع الحق ( ).
" وعندما رأى رب العالمين أن مغامرى صدر الإسلام قد زعزعوا بنيان الدين دفع بعدد من أعوان الحسين بن على الباقين لكي يعملوا على توعية الناس ويقيموا مجالس العزاء".
وأما عن الزيارة فيقرر آية الله الخميني. " أن ثواب الزيارة أو إقامة التعزية تعادل ثواب ألف نبي أو شهيد ".
تحريف المصحف:
هناك إجماع من المسلمين والمشتغلين بالعلوم الإسلامية من غير المسلمين أن الكتاب السماوي الوحيد الذي سلم من التحريف والتبديل والزيادة والحذف هو القرآن الكريم، ونحن المسلمين نلتزم بهذا الاعتقاد ونقتنع به اقتناع عقل وعقيدة، فالله سبحانه قد أخذ على نفسه عهداً بالمحافظة عليه في قوله تعالى:{إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون }.(16/32)
غير أن المتابع لفكر جمهرة علماء الشيعة يرى غير ذلك، ويقرأ شيئاً عجباً في كتبهم، والذين لم يقولوا بتحريفه من هؤلاء قالوا بإمكان حدوث ذلك، إن آية الله الخميني في سياق الحديث عن حكمة عدم النص في القرآن الكريم على أن الإمامة وظيفة إلهية, وفي مسيرة حملته على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في فقرة سبق أن أوردناها: " لو كانت مسألة الإمامة قد تم تثبيتها في القرآن، فإن أولئك الذين لا يعنون بالإسلام والقرآن إلا لأغراض الدنيا والرئاسة كانوا سيتخذون من القرآن وسيلة لتنفيذ أغراضهم المشبوهة، ويحذفون تلك الآيات من صفحاته ويسقطون القرآن من أنظار العالمين إلى الأبد" ( ).
وفي موضع آخر من كتاب " كشف الأسرار " في أمر يتصل أيضا بالإمامة يصوغ آية الله الخميني فكرته في أسلوب يوحى إيحاءً مباشراً بأن القرآن من صنع محمد، وما دام الأمر كذلك، ومحمد بشر، فإنه من الممكن أن يتعرض القرآن للتحريف. يقول آية الله الخميني ما نصه: " إن النبي أحجم عن التطرق إلى الإمامة في القرآن لخشية أن يصاب القرآن من بعده بالتحريف، أو تشتد الخلافات بين المسلمين فيؤثر ذلك على الإسلام ( ).(16/33)
إن آية الله الخميني يقول بترجيح تحريف القرآن بسبب النص على أن الإمامة وظيفة إلهية كالنبوة، ويوحى في موقع آخر بأن القرآن من صنع النبي، وهما بادرتان لهما خطرهما، لأنهما صادرتان من أكبر مرجع ديني شيعي في هذين العقدين من الزمان، ويبقى أن نتساءل بعد ذلك: هل لما قاله آية الله الخميني جذور في أصول المذهب؟ إن الدراسة والمتابعة تشيران إلى الإجابة بالإيجاب، ذلك أن الكليني يذكر في كتابه "الكافي" ـ وقد سلف أن ذكرنا أن هذا الكتاب عند الشيعة بمنزلة البخاري عند أهل السنة ـ أن جابراً الجعفي قال: "سمعت أبا جعفر عليه السلام ـ يعني الإمام الباقر ـ يقول: ما ادعى أحد من الناس أنه جمع القرآن كله كما أنزل إلا كذاب، وما جمعه وحفظه كما أنزل إلا على بن أبي طالب والصحابة من بعده" ( ).
ومن الأخبار المعتمدة عن جابر الجعفي هذا أنه كان كذاباً، وحين تحدث الإمام أبو حنيفة النعمان، وهو الإمام الأعظم، وأحد تلاميذ الإمام جعفر، وصاحب الحوار المشهور في شأن القياس مع الإمام محمد الباقر، نقول: إن الإمام أبا حنيفة حين تحدث عن الصدق والكذب عند الرواة قال: ما رأيت فيمن رأيت أفضل من عطاء، ولا أكذب من جابر الجعفي.
إن منطق الأخبار يكذب جابراً، وبالتالي يكذب رواية الكليني عنه فيما عزاه إلى سيدنا محمد الباقر، بدليل أن علياً كرم الله وجهه لم يكن يعمل في مدة خلافته وهو بالكوفة إلا بمصحف سيدنا عثمان الذي هو بين أيدينا الآن، ولو كان عند سيدنا علىّ غيره ـ وهو خليفة حاكم ـ لعمل به، ولأمر المسلمين بالعمل به وتعميمه ولو كان عنده مصحف غيره وكتمه عن المسلمين لكان خائناً لله ولرسوله وللمؤمنين، وحاشا أن يكون سيدنا على كذلك. هذا هو رد أهل السنة على فرية جابر في حديثه إلى الكليني، وفي كذب كليهما على سيدنا محمد الباقر.(16/34)
هذا ما كان من أمر كذب الكليني على سيدنا محمد الباقر. بقي أن نذكر كذبة أكبر وأخطر اقترفها الكليني في حق سيدنا جعفر وسيدتنا الطاهرة البتول فاطمة الزهراء بنت سيد الخلق والبشر. يزعم الكليني أن سيدنا جعفراً الصادق قال لأبي بصير: " وإن عندنا لمصحف فاطمة عليها السلام، قال: وما مصحف فاطمة؟ قال الإمام: مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد " ( ).
ويلح بعض علماء الشيعة إلحاحًا شديدًا على ما تصوره من تحريف القرآن الكريم. إن واحداً من كبار علماء النجف في نهاية القرن الثالث عشر وبداية القرن الرابع عشر، هو الحاج ميرزا حسين بن محمد تقي النورى الطبرسي ألف كتاباً سنة 1292 هـ أسماه "فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب"، ملأه بالأكاذيب حول زيادات زعمها أُضيفت إلى القرآن، وآيات حُذفت منه، ولما واجهه علماء الشيعة بالنقد والاعتراض عاد فألف كتاباً آخر يرد فيه على اعتراضاتهم وأسماه " رد بعض الشبهات عن فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب ".
وقد ضم الكتاب بعض الزيادات من تلفيق المؤلف، فصنع سورة أسماها سورة ولاية على، ونسبها إلى الله سبحانه يقول فيها: يا أيها الذين آمنوا بالنبي والولي اللذين بعثناهما يهديانكم إلى الصراط المستقيم.. الخ.(16/35)
إننا لا نحب الإطالة في هذا الموضوع إجلالا لكتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولكن الأمر الذي لا شك فيه أن فريقاً من الشيعية يعتقد بالتحريف في القرآن الكريم بالزيادة والنقصان، كقولهم إن آية " وجعلنا علياً صهرك" قد أسقطت من سورة "الشرح" مع أن السورة مكية، ولم يكن علىّ قد أصهر إلى الرسول بعد، كما أن البعض يزعم أن هنالك قرآنين لا قرآناً واحداً، وهي مزاعم ينكرها كثير من عقلاء الشيعة وعلمائهم، وفي مقدمة هؤلاء جميعا العلامة الدكتور الموسوي الذي يقول: إن كل ما قيل وذكر في الكتب الشيعية عن مصحف الإمام على ليس أكثر من إضفاء هالة من الغلو على شخصية الإمام علىّ، حسب زعم الذين كانوا وراء وضع هذه الأساطير، وإثبات أن الإمام علياً أحق بخلافة الرسول من غيره، ولكنهم في الحقيقة أساءوا إلى الإمام، فأعلنوا أنه يخفي أحكاماً إلهية فيها حدوده وحلاله وحرامه وكل ما تحتاج إليه الأمة إلى يوم القيامة. ويمضي الدكتور الموسوي قائلا: إن بعض علماء الشيعة تحدث في كتبه عن مصحف فاطمة مضافاً إلى مصحف على، ويعقب الدكتور الموسوي بأن موقفه من هذا الرأي هو الرأي نفسه في مصحف علىّ ( ).
شتم الصحابة:
من الأمور التي تدعو كثيراً إلى الحزن والأسى ما درج عليه بعض علماء الشيعة وكبارهم من شتم صحابة رسول الله وسبهم بأقذع النعوت، وفي مقدمتهم أبو بكر وعمر وعثمان وأمهات المؤمنين عائشة وحفصة.
إن آية الله المامقاني يصف أبا بكر الصديق بالجبت، ويصف الفاروق بالطاغوت ( ) وهذه الألفاظ من الشتم والسبّ لكل من الصديق والفاروق يرددها بعض الشيعة الإمامية في دعاء لهم يسمى دعاء صنمي قريش، وهذا الدعاء مسطور في كتاب "مفتاح الجنان" الذي هو عندهم بمنزلة كتاب دلائل الخيرات عند عامة المسلمين، ومنه قولهم: "اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد والعن صنمي قريش وجبتيهما وطاغوتيهما وابنتيهما" ( ).(16/36)
إن الابنتين المقصودتين اللتين يلعنهما الدعاء سالف الذكر هما بطبيعة الحال أم المؤمنين عائشة وأم المؤمنين حفصة.
وآية الله الخميني ـ كبير مراجع الشيعة وعلمائها ـ ليس بعيداً عن هذا الاتجاه المؤسف، ففي مجال حديثه عن الإمامة يقول: والنبي لم يقل شيئاً بشأن مسألة ذات صلة ببقاء أسس الدعوة والنبوة وثبات دعائم التوحيد والعدالة وترك الدين والمبادئ الإلهية لعبة في أيدي حفنة من القراصنة الوقحين، فإنه سيكون هدفاً لاعتراض علماء العالم وانتقادهم، وسوف لا يعترف بنبوته وعدله( ).
إن آية الله الخميني يصف صحابة رسول الله بأنهم قراصنة وقحون، بل إنه بهذه الصيغة من التعبير يتجاوز صحابة رسول الله إلى نفسه بالإساءة والتخلي عن أدب الخطاب.
يمضي آية الله الخميني في إطار أسلوب يتسم بالعنف الشديد فيقول: إننا لا نعبد إلهاً يقيم بناءً شامخاً للعبادة والعدالة والتدين، ثم يقوم بهدمه بنفسه ويجلس معاوية وعثمان وسواهم من العتاة في مواقع الإمارة على الناس، ولا يقوم بتقرير مصير الأمة بعد وفاة نبيه( ).
إن هذا العنف في مخاطبة رب العزة، وفي وصف معاوية وذي النورين عثمان صهر الرسول بكونهما من العتاة غني عن التعليق.
وفي زحام حملة آية الله الخميني على الراشدين الأولين أبو بكر وعمر يقول: إننا هنا لا شأن لنا بالشيخين وما قاما به من مخالفات للقرآن، ومن تلاعب بأحكام الإله، وما حللاه و حرماه من عندهما، وما مارساه من ظلم ضد فاطمة ابنة النبي صلى الله عليه وسلم وضد أولاده، ولكننا نشير إلى جهلهما بأحكام الإله والدين.(16/37)
إننا نعترف بأن هذا التجاوز الشديد في سبّ صحابة رسول الله لا يصدر عن جميع الشيعة وإنما عن قلة منهم، ومن بين هذه القلة كبير علمائهم في هذا الزمان. إننا نعرف أن الشيخ حسين كاشف الغطاء، والشيخ محمد جواد مغنية، والسيد موسى الصدر، وغيرهم من علماء الشيعة المعاصرين، قد نزهوا فكرهم وأقلامهم عن التردي فيما تردى غيرهم من سب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي ذلك يقول الدكتور موسى الموسوي: إن الاختلاف في الرأي بين الشيعة والسنة اتخذ طابعاً حاداً وعنيفاً عندما بدأت الشيعة تجرح الخلفاء الراشدين وبعض أمهات المؤمنين بعبارات قاسية وعنيفة لا تليق بأن تصدر من مسلم في حق مسلم، ناهيك أن تصدر من فرقة إسلامية نحو صحابة الرسول وأزواجه اللاتي لقبهن الله بأمهات المؤمنين( ).
سيدنا علىّ والخلافة:
لم يؤثر عن الإمام على كرم الله وجهه أنه ذهب إلى تقديس الخلافة، أو أنه جعل الإمامة ركناً من أركان العقيدة، ولكن الذي أثر عنه ـ طبقاً للمصادر الإسلامية من شيعية وغير شيعية ـ أنه كان زاهداً فيها، غير حريص عليها، هذا فضلا عن حبه للخلفاء الراشدين الذين سبقوه، ومودته لهم، وإصهاره إليهم، ورثائه إياهم عندما توفوا إلى رحمة الله.
يروى ابن أبي الحديد هذا القول للإمام علىّ في الخلافة: "دعوني والتمسوا غيري فإنا مستقبلون أمراً له وجوه وألوان، واعلموا أني إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم، ولم أصغ إلى قول القائل وعتب العاتب، وإن تركتموني فأنا كأحدكم، ولعلى أسمعكم وأطيعكم لمن وليتموه أمركم، وأنا لكم وزيراً خير لكم مني أميراً" ( ).
وفي كلمات أخرى يرويها ابن الحديد عن سيدنا علىّ قوله: " والله ما كانت لي في الخلافة رغبة، ولا في الولاية إربة، ولكنكم دعوتموني إليها وحملتموني عليها، فلما أفضت إلىٌّ نظرت إلي كتاب الله وما وضع لنا، وما أمرنا بالحكم به فاتبعته، وما يستسن النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله فاقتديته" ( ).(16/38)
وهكذا تحمل سيدنا على أمانة الخلافة استجابة لطلب المسلمين، ولم يخطر بباله أنها منصب إلهي أو ركن من أركان العقيدة الإسلامية، إن الدكتور الشيعي المجتهد موسى الموسوي يرى أن علياً أولى بالخلافة ـ وليس بالإمامة على الصورة التي رسمها الشيعة المتأخرون زماناً ـ ولكن المسلمين بايعوا الخلفاء الراشدين، وعلىّ بايعهم، ثم بايع المسلمون عليّا بعد عثمان، فلا غبار على شرعية خلافة الخلفاء الراشدين من أبي بكر إلى علىّ ( ).
ويمضي المجتهد الإيراني الشيعي الدكتور موسى الموسوي في القول بان الإمام عليا كان يؤكد على شرعية بيعة الخلفاء الراشدين قائلا: إن هناك فرقاً كبيراً بين أن يعتقد الإمام علىّ والذين كانوا معه أنه أولى بخلافة رسول الله من غيره ولكن المسلمين اختاروا غيره، وبين أن يعتقد أن الخلافة حقه الإلهي ولكنها اغتصبت منه، ثم يقول: والآن فلنسمع إلى الإمام علىّ وهو يحدثنا عن هذا الأمر بكل وضوح وصراحة، ويؤكد شرعية انتخاب الخلفاء، وعدم وجود نص سماوي في أمر الخلافة، ويردد قولا للإمام ـ ذكره ابن أبي الحديد ـ وهو: "إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان، على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار، ولا للغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماماً كان ذلك لله رضى، فإن خرج من أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردّوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين" ( ). وفي موضع آخر من كتابه "التصحيح" يعود الدكتور المجتهد الشيعي موسى الموسوي ليؤكد على شرعية الخلفاء الراشدين وبيعة الإمام علىّ لهم قائلا: إذا كانت الخلافة بنصّ سماوي، وكان هذا النص في علىٍّ، هل كان بإمكان الإمام أن يغض النظر عن هذا النص ويبايع الخلفاء ويرضخ لأمر لم يكن من حقهم؟( ).
رأي الإمام علىّ في الخلفاء الراشدين:(16/39)
كان الإمام على شديد الحب للخلفاء الراشدين، كثير التعاون معهم في دراسة مشاكل المسلمين، وتحمل مسئولية الحكم إبان أسفارهم، وكانوا يندبونه إلى ذلك، ولعل أبلغ ما يمكن أن يصور مكانة أبي بكر في قلب الإمام علىّ، هي خطبة الإمام حين وقف على بابه يخاطبه يوم وفاته قائلا: "رحمك الله يا أبا بكر، كنت أول القوم إسلاماً، وأخلصهم إيماناً، وأشدهم يقيناً، وأعظمهم غناءً، وأحفظهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنسبهم برسول الله خلقاً وفضلاً وهدياً وسمتاً، فجزاك الله عن الإسلام وعن رسول الله وعن المسلمين خيراً. صدّقت رسول الله حين كذبه الناس، وواسيته حين بخلوا، وقمت معه حين قعدوا، وأسماك الله في كتابه صديقاً، {والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون}، يريد محمداً ويريدك. وكنت والله للإسلام حصناً وعلى الكافرين عذاباً، لم تقلل حجتك، ولم تضعف بصيرتك، ولم تجبن نفسك، وكنت كالجبل الذي لا تحركه العواصف، كنت ـ كما قال رسول الله ـ ضعيفاً في بدنك، قوياً في أمر الله، ولم يكن لأحد عندك مطمع، ولا لأحد عندك هوادة، فالقوي عندك ضعيف حتى تأخذ الحق منه، والضعيف عندك قوي حتى تأخذ الحق له، فلا حرمنا الله أجرك ولا أضلنا بعدك".
هذا هو رثاء أمير المؤمنين علىّ لأمير المؤمنين أبي بكر، أو بالأحرى هذا رأيه فيه، وتلك دمعة سكبها لفراقه، أفمثل هذا الذي رثاه سيدنا علىّ بهذه المعاني يمكن لأتباع سيدنا على أن يرموه بالكفر والردة، وأن يصفوه بالجبت والطاغوت؟ والرأي نفسه قاله أمير المؤمنين علىّ في عمر وعثمان، وهو كلام جميل كله صدق وأدب، وهو كلام موثق لا كذب فيه ولا تلفيق.(16/40)
إن المجتهد الدكتور الموسوي يستعرض الكثير من هذه المواقف ويرددها ثم يقول: لا يجوز تجريح الخلفاء وذمهم بالكلام البذيء الذي يجده في أكثر كتب الشيعة، الكلام الذي يغاير كل الموازين الإسلامية والأخلاقية، ويناقض كلام الإمام علىّ ومدحه وتمجيده في حقهم، ويجب على الشيعة أن تحترم الخلفاء الراشدين، وتقدر منزلتهم من الرسول، فالنبي صاهر أبا بكر وعمر، وعثمان صاهر النبي مرتين، وعمر ابن الخطاب صاهر علياً وتزوج من ابنته أم كثوم.
ويستطرد المجتهد الشيعي الجليل قائلا: ولا أطلب من الشيعة في هذه الدعوة التصحيحية أن تقول وتعتقد في الخلفاء الثلاثة الذين سبقوا الإمام عليًّا أكثر مما قاله الإمام في حقهم، فلو التزمت الشيعة بعمل الإمام علىّ لانتهى الخلاف، وساد الأمة اٌلإسلامية سلام فكري عميق فيه ضمان الوحدة الإسلامية الكبرى ( ).
هذا كلام عالم شيعي مجتهد جليل، يشاركه في رأيه في هذا الموضوع كثير من علماء الشيعة وأعيانهم المعاصرين الذين تربطنا بكثير منهم روابط من الود والمحبة.
وإذا كان العالم المجتهد الدكتور الموسوي قد فصل الأمر في علاقات الحب والاحترام المتبادل بين الإمام على والخلفاء الراشدين السابقين عليه، فإننا نضيف إلى قوله إن الإمام عليًّا لشدة تعلقه بالخلفاء الراشدين الثلاثة الذين سبقوه قد سمى ثلاثة من أبنائه بأسمائهم، فلقد سمى أحد أولاده أبا بكر، وسمى ولداً ثانياً عمر، وسمى ولداً ثالثً عثمان، وهذه قرينة كبرى على حب سيدنا علىّ لإخوانه الراشدين صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الإمامة كمنصب إلهى قضية اخترعت في زمن متأخر:
هذا العنوان الجانبي الطويل ليس من عندي، فإنه من الوضوح بمكان أنني لم أشترك في هذا الموضوع وغيره من موضوعات المذاهب الإسلامية كطرف مباشر، ولكني أستنطق الوثائق والأحداث والأشخاص، وقد حرصت في هذا الباب أن يكون الحوار في شئون المذهب بين الشيعة وبين أنفسهم.(16/41)
إن العالم المجتهد موسى الموسوي يلغي مبدأ أن الإمامة منصب ديني سماوي إلغاءً تاما ويقول ما نصه: " فحتى في أوائل القرن الرابع الهجري، وهو عصر الغيبة الكبرى، لا نجد أي أثر لفكرة اغتصاب الخلافة من الإمام علىّ، أو أنها حق إلهي اغتصب منه، أو أن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتركوا أو ساهموا في هذا الأمر، وهكذا تغيرت فكرة الأولوية بخلافة علىّ إلى فكرة الخلافة الإلهية ومخالفة النص الإلهي" ( ).
وتبعاً لذلك يستطرد المجتهد الشيعي الدكتور الموسوي قائلا: إذا كانت الإمامة إلهية كما تذهب الشيعة، وأنها في أولاد علىّ حتى الإمام الثاني عشر، لعيّن الإمام علىّ ابنه الحسن خليفة وإماماً من بعده، وهو ما لم يحدث، فقد اتفق الرواة والمؤرخون على أن الإمام عندما كان على فراش الموت بعد أن ضربه ابن ملجم المرادى بالسيف المسموم وسئل عن الشخص الذي يستخلفه قال: أترككم كما ترككم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبعد وفاة الإمام اجتمع المسلمون واختاروا ابنه الحسن وبايعوه خليفة على المسلمين، ولكن الإمام الحسن صالح معاوية وتنازل له عن الخلافة، فهل يا ترى لو كانت الخلافة منصباً إلهياً هل كان يستطيع الإمام الحسن أن يتنازل عنه بذريعة حقن دماء المسلمين ( )؟.
ويستشهد الدكتور الموسوي بمواقف لأئمة آخرين، مرموقين كعلي بن الحسين، ومحمد الباقر، وجعفر الصادق فيقول: إننا لم نجد في أقوال الإمام على بن الحسين الملقب بالسجاد أية عبارة تدل على كون الخلافة إلهية، وبعد السجاد يأتي دور الإمام محمد الباقر، والذي في عهده بدأ يتبلور مذهب أهل البيت الفقهي، الذي أكمله ابنه الإمام جعفر الصادق، فنحن ـ والكلام للدكتور الموسوي ـ لا نجد أثراُ لفكرة الخلافة الإلهية في عهدهما، ولا في عهد أئمة الشيعة الأخرى حتى الغيبة الكبرى( ).(16/42)
هكذا ينفي بعض علماء الشيعة الكبار المبدأ الذي اخترعه فريق من الشيعة، وهو القول بأن الإمامة منصب إلهي، وأنها إحدى دعائم الإسلام، هذه القضية التي فرقت شمل المسلمين، وبددت جهودهم، وجعلتهم فرقاً متنافرة متحاربة، بعد أن كانوا إخوة متحابين، أشداء على الكفار رحماء بينهم.
كتاب الشهر
بلاد البحرين في العصر العباسي الثاني
تأليف: د. إبراهيم عطا الله البلوشي
يعتبر هذا الكتاب إضافة مهمة للمكتبة العربية يغطى فترة تاريخية مهملة، والكتاب صادر عن المجمع الثقافي – أبو ظبي، في 350 صفحة عام 2002.والكتاب في أصله رسالة ماجستير – جامعة أم القرى.
وتنبع أهمية الكتاب من قلة المصادر التي تعرضت لتاريخ البحرين في هذه المرحلة بسبب تقوقع القرامطة على أنفسهم مما جعلهم مجتمع مغلق على نفسه لا يسمح للآخرين بمعرفة شيء عنه.
ولذلك حرص المؤلف على جمع مصادر دراسته هذه من دول عديدة وهي مصادر قديمة وحديثة، وقد عرف الكاتب بمصادره ومراجعه التي اعتمد عليها.
تناول المؤلف في الفصل الأول لمحة تاريخية عن بلاد البحرين من الفتح الإسلامي إلى نهاية العصر العباسي الأول عام 232 هـ.
وأفرد المؤلف الفصل الثاني للقرامطة ودولتهم في البحرين.
وبين المؤلف أن سبب ظهور القرامطة بالبحرين هو موقعها الحصين و المنعزل وبعدها عن أعين السلطة مما جعلها ملاذا ً وملجئا ً للمعارضة للدولة العباسية.
وتعد القرامطة من أخطر الحركات الهدامة التى ظهرت في البحرين وكان قد سبقتها حركة الزنج.
والقرامطة تعود أفكارها الباطنية لميمون القداح الذي تختلف فيه المصادر هل هو مجوسي أم يهودي؟ والقرامطة الأولي نشأت بجهود حسين الأهوازي عام 264 هـ في العراق و تولى تنظيمها في سواد العراق حمدان قرمط وباسمه سميت الحركة.(16/43)
وقد انتشرت حركة القرامطة حتى وصلت البحرين على يد أيي سعيد الجنابي الذي تربي على يد عبدان كاتب حمدان. ووصلت القرمطية الشام على يد آل زكرويه، ولكن نشب خلاف بين قرامطة العراق والشام في أعقاب وفاة حمدان قرمط، وتآمر زكرويه في قتل عبدان كاتب حمدان قرمط، فانقسم القرامطة بحسب الإقليم.
وقد حكم القرامطة البحرين من عام 287 هـ إلي 378 هـ وبعض المؤرخين يجعلها عام 398 هـ، واستمرت سيطرة القرامطة على مناطق الأحساء والقطيف وأوال حتى القضاء النهائي عليهم عام 466 هـ.
وقد كانت بداية أبي سعيد الجنابي في الإستيلاء على البحرين حين دعمه حمدان قرمط للإشتغال بالتجارة فعمل بتجارة الطعام في بلدة الزارة والقطيف وتزوج من عائلة لها مكانة كبيرة، و استفاد من أحد كبار الإسماعيلية وهو يحي بن المهدي لتكوين علاقات مع بعض قبائل البحرين وغلاة الشيعة.
وتمكن من الحصول على ضمان المكوس في الزارة فتقوت علاقاته بالولاة وزاد ثراؤه مما رفع من شأنه. ولما اكتشف حاكم القطيف علاقاته بالداعية الإسماعيلي فر أبو سعيد إلي بلاد فارس، لكنه سرعان ما عاد وباشر الإتصال بالقبائل وأغراهم بالأموال وأغرى الشيعة بقرب ظهور المهدي.
وحين كملت استعداداته أعلن حركته واستولى على القطيف وبدأ في التوسع حتى سيطر على البحرين كاملة.
وجعل المؤلف الفصل الثالث لحكم بني تغلب الذين قضوا على القرامطة ونهاية دولة العيونيين التي خلفت حكم القرامطة.
أما الفصل الرابع فكان لعلاقات البحرين بالخلافة العباسية والدولة الفاطمية وأقاليم الجزيرة العربية،بين فيه المؤلف حقيقة العلاقة بين القرامطة والفاطميين أنها علاقة تبعية وارتباط.(16/44)
وأصل العلاقة بين القرامطة في البحرين والعبيديين الفاطميين في مصر ترجع إلى اشتراكهم في الصدور عن ميمون القداح، فالقرامطة هم من نتائج الأفكار والعقائد التي دعا لها ميمون القداح وقد وصلتهم عن طريق الحسين الأهوازى أما العبيديون فإن كثيراً من المؤرخين يؤكد أنهم من نسل القداح الذي بذوره هو من أصول يهودية!!
ولقد كانت العلاقة بينهم ذات أبعاد دينية وعقائدية ومن أدل البراهين على ذلك تبرير القرامطة سرقة الحجر الأسود وإعادته بعد عشرين سنة بقولهم: " أخذناه بأمر و رددناه بأمر ". ومعلوم أنهم قد ردوده بأمر الخليفة الفاطمي، كما أنهم كانوا يرسلون الأخماس للفاطميين وهذا يدل على التبعية المذهبية.وأيضاً كان للفاطمين تأثير كبير في تعيين القيادات القرمطية بعد وفاة أبي طاهر والخلاف الذي وقع بين الطرفين يعود إلى تعرض الفاطميين بشكل سافر للمصالح الاقتصادية للقرامطة في البحرين بعد أن انتصروا على الإخشيديين في الشام وأصبحوا يدفعون الأتاوة للقرامطة. وكذلك من أسباب الخلاف تأييد الفاطميين للجناح الخاسر في الصراع على خلافة أبى طاهر.
أما الفصل الخامس والأخير فكان للعلاقات التجارية البحرينية مع دول الجوار.
وبعد هذا العرض لأهم محاور الكتاب ننصح الباحثين و المهتمين بدراسة قرامطة البحرين بالاستفادة من هذا البحث والعودة لمصادره القيمة.
قالوا
نزاهة شيعية!
قالوا: يطالب المرجع الأعلى في النجف السيستاني بثلثي مقاعد البرلمان العراقي.
الدستور 7/11/2004
قلنا: إذا كانت هذه مطالب العالم الزاهد الذي لا يود أن يمارس الحكم والسياسة فماذا ترك للسياسيين الشيعة من مطالب؟
اتهامات شيعية شيعية
قالوا: كثفت الاستخبارات الإيرانية تحركاتها بين القوى الشيعية لتزوير ملاين البطاقات التموينية التي ستجري بها العملية الانتخابية.
الدستور 7/11/2004
على لسان أعضاء في مكتب علاوي(16/45)
قلنا: إذا كان شيعية علاوي لا يحتملون تزوير إيران الشيعية فماذا يفعل السنة في العراق؟!
الأزهر يرفض سياحة الإيرانيين في مصر
قالوا: رفضت مشيخة الأزهر طلب شركات سياحة إيرانية استقدام نصف مليون إيراني لزيارة بعض المساجد والقبور في القاهرة.
الغد 8/11/2004
قلنا: نبارك لعلماء الأزهر هذا الوعي بحقيقة خطر هذه السياحة البدعيه التي تمهد لنشر التشيع في مصر.
مساعدات كويتية للنجف
قالوا: أرسلت الكويت دفعه من المساعدات التي قررها مجلس الوزراء في الكويت لإعادة اعمار النجف والتي تبلغ 5 ملاين دولار.
الرأي 9/11/2004
قلنا: ومتى ترسل حكومة الكويت مساعدات لمدن السنة؟
دور حزب الله الفعال!
قالوا: بالنسبة لفلسطين فنحن أعلنا مراراً وتكراراً بأننا نؤمن بتحرير فلسطين من الاحتلال ونؤمن بحق الفلسطينيين باستعادة أرضهم وكذلك بوجوب دعمهم. أما العراق فنحن نكتفي بالمواقف السياسية وليس لدينا أي تدخل في العراق سواء كان مادياً أو معنوياً.
الدستور 24/ 10/ 2004
في مقابله مع نائب الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم
قلنا: وماذا يختلف هذا الموقف عن موقف بعض دول أوربا؟!!
مشاركة شيعية في مهاجمة الفلوجة
قالوا: جاء في رسالة وجهها أربعين عالم سني للسيستاني ما يلي:
(بما أن القوات العرقية المرابطة على حدود الفلوجة قد اشتركت في الهجوم عليها وبما أنهم ينتمون إلى أبنائنا في الجنوب من الطائفة الشيعية فإننا نقول إذا لم يتم سحب هؤلاء من الحدود المرابطة في الفلوجة فإننا نحذر من فتنة طائفية تعصف بالبلاد)
الغد 9/11/2004
قلنا: هذا كما يقول العوام في أمثالهم (حلم إبليس بالجنة)!
جولة الصحافة
التيار الصدري والحكومة المؤقتة والانتخابات...
ياسر الزعاترة الدستور 12/10/2004(16/46)
على رغم صعوبة الركون إلى تصريحات رموز التيار الصدري في هذه المسألة أو تلك من المسائل الأمنية أو السياسية بسبب التناقضات الكثيرة التي تنطوي عليها، سيما بوجود عدد كبير من المتحدثين باسم قائده الذي لم يعد يتعامل مع وسائل الإعلام في الآونة الأخيرة، أكان بسبب المخاوف الأمنية أم لعدم وجود ما هو محسوم في سياسات التيار مما يمكن أن يعبر عنه زعيمه من دون العودة عنه من جديد في اليوم التالي.
على أن ذلك لم يعد هو ذاته الموقف خلال الأيام الأخيرة، وحيث غدا ثمة متحدث في الشؤون السياسية من جهة، كما غدا الحديث العام لرموز التيار موحداً حيال مسألتي الانتخابات والعلاقة مع الحكومة المؤقتة، وقد تأكد ذلك من خلال اتفاق تسليم الأسلحة الثقيلة الذي جاء عرضه من التيار نفسه مقابل الإفراج عن عناصره المعتقلين لدى الأمريكان والحكومة المؤقتة.
تبقى مسألة الانتخابات، وحيث لم تحسم الآلية التي سيشارك من خلالها التيار الصدري، فيما يبدو أن المشاورات بشأن هذا الملف لا زالت تجري داخل أروقة التيار نفسه، وكذلك في سياق الحوارات الجانبية مع الحكومة المؤقتة والقوى المنضوية فيها، سيما من البيت الشيعي.
في هذا السياق تبدو الأزمة واضحة، ذلك أن الحكومة المؤقتة لا زالت حريصة كل الحرص على إدماج التيار الصدري في اللعبة السياسية وإبعاده عن خيار المقاومة والصدام مع القوات الأمريكية، ويزداد هذا التوجه تأكيداً في ظل الهاجس الأمني الذي يسيطر على الحكومة على مرمى ثلاثة شهور من موعد الانتخابات.(16/47)
بالمقابل فإن هواجس العملية الانتخابية تبدو حاضرة هنا، فالحكومة المؤقتة ومن ورائها الأمريكان يريدون انتخابات حقيقية وشكلية في الآن نفسه. فهم يريدون مشهداً انتخابياً حقيقياً يوحي بانتقال السلطة وتشكيل حكومة شرعية في العراق، في ذات الوقت الذي يحرصون فيه على عدم خروج الموقف من أيديهم عبر فوز عدد من القوى الرافضة لبقاء الاحتلال، الأمر الذي ينطبق بالضرورة على التيار الصدري الذي لا يمكنه القبول باستمرار الاحتلال في حال فاز ممثلوه في الانتخابات.
ينطبق هذا الهاجس على القوى الشيعية التقليدية المشاركة في الانتخابات، والتي تدرك أن دخول التيار الصدري للعبة الانتخابات بزخم كبير قد يؤدي إلى تهميشها. ومن هنا فهي تريد له مشاركة محجمة لا تمنحه السطوة على القرار الشيعي.
ضمن هذه المطالب المتناقضة والمعقدة يجري التعامل مع التيار الصدري في هذه الآونة، مع أولوية واضحة تتعلق بالأمن في ظل تصاعد العمليات العسكرية الموجهة ضد الاحتلال والحكومة المؤقتة في مناطق المثلث السني التي تتوعدها حكومة علاوي بالويل والثبور إن لم توقف تمردها. وفي هذا السياق يمكن فهم الاتفاق الأخير بشأن الأسلحة الثقيلة والإفراج عن المعتقلين الذي يشير من جانب آخر إلى اختراق واضح للحكومة المؤقتة في صفوف التيار الصدري، إلى جانب رضوخ من جانبه لمطالب البيت الشيعي التي تتلخص في تيسير أمر الانتخابات للتأكيد على كون الشيعة هم الأغلبية في البلد والمرشحين لحكمه في كل الأحوال، وهو ما يتبدى بوضوح في دعوة السيستاني المحمومة للعراقيين بالتوجه للمشاركة بكل قوة في الانتخابات.(16/48)
من المؤكد أن هذه التطورات لن تسدل الستار على حكايات التيار الصدري التي لن تتوقف خلال المرحلة المقبلة، لا قبل الانتخابات ولا بعدها، سيما وأن التناقض الأمريكي مع إيران الأكثر هيمنة على توجهات الحالة الشيعية سيبقى قائماً ما دام الإسرائيليون يهيمنون بدورهم على المشهد السياسي داخل الولايات المتحدة.
جولة الصحافة
مقتدى الصدر بين الثورة والسياسة
محمد أبو رمان
شهدت مواقف مقتدى الصدر السياسية تجاه الأوضاع في العراق تحولات جوهرية، فقد تمثلت مواقفه في البداية بالابتعاد عن المواجهة العسكرية والإصرار على رفض الاحتلال سلميا، بيد انه تحول فيما بعد إلى جانب المقاومة المسلحة، والتي تورط فيها جيش المهدي وأنصاره في عدة مدن شيعية دون أن يمتلكوا الحدود الدنيا من الخبرة العسكرية، أو الأسلحة التي تضمن درجة معقوله من المقاومة، وبعد سلسلة من المواجهات الخاسرة، والتي كبدت مؤيديه وجيشه مئات القتلى وعدد كبير من الجرحى، جاء اتفاق النجف بوساطة السيستاني ليحفظ ماء وجه الصدر وربما حياته. وعندما تجددت الاشتباكات مؤخرا في مدينة الصدر (الثورة سابقا) دعا الصدر جيشه وأنصاره إلى الهدوء، ومن ثم تسليم أسلحتهم وبيعها للقوات العراقية، وهو بذلك يسطر ملامح تحول جديد، من الواضح أنه يصب في مسار العمل السياسي ضمن اللعبة التي قبلت الأطراف الشيعية الأخرى الاندماج فيها ابتداء، ورفض هو، قبل أن يعاود اليوم الدخول في بيت الطاعة الشيعي!.(16/49)
في حين أن المشكلة التي تواجه الصدر الآن في العمل السياسي لا تكمن في عدم وصوله إلى مرتبة المرجعية الدينية، وإنما في ضحالة خبرته السياسية واستغراق الرموز الدينية الشيعية الميتافيزيقة لخطابه السياسي، ويظهر هذا الأمر من خلال الحضور الشديد لمفهوم "المهدي المنتظر" في خطابه وتصوراته، إلى الدرجة التي يمكن معها أن نقول انه المفهوم الحاكم على أفكاره السياسية جميعها، فقد أسس جيش المهدي، ويعتبر أن المهدي هو القائد الحقيقي للجيش، وقد غيرّ من اسم شارع "أبو نواس" في بغداد وأطلق عليه اسم شارع المهدي، وهو يعتقد جازما أن إزالة طائرة هليكوبتر عسكرية أميركية لراية الأمام المهدي من على أحد أعمدة الكهرباء الضخمة في ضاحية الثورة، قابلها هذا الإمام المنتظر "بمعجزة داخل أميركا حيث كان الانقطاع في التيار الكهربائي لمدة ليست بالقصيرة بالنسبة إليهم" (جريدة "الحياة" 24/8/2003).
من ناحية أخرى تقوم تصوراته السياسية لمفهوم الدولة الإسلامية على أسس دينية محضة، إلى درجة تختفي فيها الملامح المدنية للسلطة السياسية، بحيث يعطي المرجعية الدينية أو الحاكم الشرعي الدور الكبير في تحديد الأحزاب والفعاليات السياسية المسموح بها، ويرى ضرورة نقل العاصمة من بغداد إلى النجف، وقيام الحوزة العلمية بالدور القيادي في الحياة السياسية في العراق، وقد صرّح هو وأتباعه أكثر من مرة مطالبين الرجال بإطلاق اللحى، والنساء بارتداء الحجاب الشرعي، وانتقد بشدة الديمقراطية والحريات في الولايات المتحدة، مؤكدا على التمايز والاختلاف بين النموذج السياسي والإسلامي والنموذج الغربي. (انظر المقابلات والتصريحات الخاصة به والتي توثق المواقف والأفكار السابقة: موقعه على شبكة الإنترنت(www.alsader.com).
والمشكلة لا تنبع هنا من رؤيته لتمايز النموذج الإسلامي عن النموذج الغربي، وإنما تنبع من ملحوظتين رئيستين:(16/50)
1ـ عدم قدرته على الانعتاق من الرؤية الشيعية الطائفية إلى دائرة التفكير الإسلامي العام، الذي يتجاوز كثيرا من مساحات الاختلاف بين الفئات الإسلامية، وبالتالي فإن تصوره للدولة الإسلامية هو تصور متلبس بالمفاهيم الشيعية المحضة، بل ورؤى اجتهادية خاصة، فهو وإن كان يتحدث عن الدولة الإسلامية فإنه يفكر من زاوية طائفية، وينظر بعين شيعية.
2ـ المثالية والطوباوية التي تسيطر على تفكيره السياسي، بحيث يتضح من ثنايا تصريحاته ومواقفه السياسية وجود درجة من النقاء الأيدلوجي إلى المرحلة التي تصل إلى عدم الاعتراف بالتعدد والاختلاف داخل المجتمع العراقي والطوائف الشيعية المختلفة، وتختزل تعقيدات الواقع وتبتعد عن منطق المرحلية والتدرج في التحول السياسي والتغيير الاجتماعي. ويتضح من مناقشته لأعضاء مجلس الحكم العراقي، أثناء زيارتهم له أن هناك مسافة كبيرة تفصل بين منطقه الديني في التعامل مع الشأن السياسي، ومنطق الطوائف الأخرى، ومن ذلك مجلس قيادة الثورة، والذي يمتلك خطابا سياسيا أنضج وأكثر انفتاحا، وإن كان موقف الصدر من الاحتلال أوضح من موقف المجلس (انظر توثيق الزيارة على موقع www.alsader.com).
ويمكن المقارنة في هذا المجال بين تجربة طالبان الدينية وبين تجربة الصدر مع الفارق العقائدي، إذ تميزت التجربتان بالنقاء الأيدلوجي وضحالة الخبرة السياسية، وانطلقت كلا التجربتين من خلال المؤسسة الدينية وبالتحديد مراكز التدريس الشرعي.
كما يتضح من مواقفه سعيه إلى قيادة الطائفة الشيعية في العراق والحوزة العلمية، والعمل على إبقاء استقلال شيعة العراق عن إيران، بل والسعي إلى إعادة مركز القيادة الشيعية العالمية من قم إلى النجف. وهو المشروع الذي ورثه عن والده الصدر الثاني. من هنا فإنه كثيرا ما ينتقد القوى الشيعية الأخرى على اعتبار أنها ذراع إيران في العراق.(16/51)
ويبدو مركز قوة الصدر ونفوذه داخل الشيعة من تغلغل حوزته الناطقة في وسط الشيعة الفقراء والذين يعانون من مشاكل اقتصادية كبيرة كالبطالة والحرمان والظروف المعيشية السيئة وضعف البنية التحتية في أحيائهم ومدنهم ـ كما هو الحال في مدينة الصدر ـ، في حين يبدو مصدر ثقل وقوة المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في الطبقة الوسطى الشيعية.
ويسود علاقته بالسنة شيء من الاضطراب، ففي الوقت الذي يوجد لديه أنصار ومريدين من السنة، ويؤكد في كثير من خطاباته ولقاءاته على ضرورة الوحدة الدينية وتوحيد السنة والشيعة ضد الاحتلال، فإن أتباعه يقومون بالسيطرة على الكثير من مساجد السنة بحجة أنها كانت مساجد شيعة. ويبدو أن سيطرة النزعة المذهبية على تفكير الصدر وطموحه بقيادة الشيعة العراقيين، يشكل عائق أمام تحول الصدر إلى قائد وطني أو ديني يمثل كل العراقيين وليس الشيعة فقط، من هنا يبدو من الصعوبة بمكان تلبية طموحه بأن يكون "خميني العراق" نظرا لاختلاف الحالة العراقية وتعقيداتها مقارنة بالحالة الإيرانية، وكذلك لتباين الشروط التاريخية لكلا التجربتين.
قد يتمكن أنصار السيد الصدر من تحصيل مكاسب سياسية متعددة من الانتخابات المتوقعة القادمة، وفي إطار عملية التحول السياسي لكنهم يفتقدون إلى رؤية سياسية عملية وإلى الخبرة اللازمة للتعامل مع تعقيدات المعادلة العراقية وتشابك مفرداتها.. وبالضرورة فإن مشروع الثورة شيء ومشروع السلطة شيء أخر.
جريدة الغد - 10/2004
جولة الصحافة
دوافع تسليم السلاح في مدينة الصدر
عبد الزهرة الركابي(16/52)
ما زال المعقبون في الشأن العراقي مترددين في تفسير وتحليل الخطوة التي أقدم عليها أنصار مقتدى الصدر في إحدى ضواحي بغداد (مدينة الثورة أو الصدر)، والمتمثلة في تسليم أسلحتهم مقابل مبالغ مالية، على الرغم من أن مدينة الثورة أساساً تعد من أكبر الأسواق في بغداد والعراق التي يباع فيها السلاح قبل أن تقوم قوات الاحتلال الأمريكية بمداهمة هذه الأسواق ومصادرة موجوداتها من السلاح والأعتدة، خصوصاً أن تيار الصدر لم يعلن بشكل واضح وحاسم إلقاء سلاح ميليشياته (جيش المهدي) أو حتى انخراطه في العملية السياسية (المشاركة في الانتخابات) هذا أولاً، وثانياً وقف المعقبون أمام لغز اقتصار عملية تسليم السلاح على مدينة الثورة وحسب، وعدم شمول هذه العملية مدن الجنوب والفرات والأوسط، وإذا كانت هنالك صفقة محددة في هذا الإطار قد تمت بين الحكومة والتيار الصدري، فلماذا اقتصرت على جانب جزئي ولم تتناول عموم الجوانب، أي أن يتم تسليم سلاح التيار المذكور في المدن العراقية الأخرى وعلى افتراض أن الطرفين يسلمان بمبدأ الاتفاق، وثالثاً هل طرأ موقف مرحلي لدى تيار الصدر بشأن مقاومة الاحتلال وإذا كان الأمر كذلك، ما هو هذا الموقف وما هي جوانبه وصفحاته، وقبل ذلك لم نسمع من السيد مقتدى الصدر تصريحاً يكشف به جانباً من الموقف الجديد لتياره على افتراض أن هناك مستجداً في موقفه المعروف؟(16/53)
وبعيداً عن تردد المعقبين يبدو من الواضح أن هنالك التباساً قد حصل في تبيان موقف تيار الصدر المعروف من الاحتلال ومن الحكومة المعّينة من قبله، وهذا الالتباس قد يكون في حقيقته خروجا من أحد أجنحة التيار المذكور على الموقف المعروف للتيار الصدري أو انه موقف مرحلي وظرفي وجزئي من جراء الضغوط التي تعرض ويتعرض لها الصدر من بعض المراجع الاجتماعية التي تميل إلى إجراء الانتخابات والمشاركة فيها، على الرغم من أن الصدر وتياره حتى هذا الوقت لم يعلنا المشاركة في الانتخابات، وقد كان الموقف منها وفق ما هو معلن رسمياً هو عدم المشاركة، لكن انعطافاً على عملية تسليم التيار لسلاحه في أكبر معقل ديموغرافي له (إذا سلمنا جدلاً بذلك)، قد لا نستغرب إذا ما حدث تغيير جزئي أو ما بين وبين أو حتى كلي، وهو أمر سوف تكشفه الأيام اعتماداً على ما تسفر عنه المواقف في منطقة غربي العراق وخاصة في الفلوجة التي اتسمت مفاوضاتها مع الحكومة بالتعثر خصوصاً مع استمرار القصف الجوي الأمريكي شبه اليومي للمدينة المذكورة وكذلك التحذيرات ولا نقول التهديدات الحكومية باجتياحها في حال عدم قبول الفلوجيين لشروطها ومطالبها، وقد أشارت مصادر الاحتلال الأمريكي أخيراً إلى أن قوات الاحتلال الأمريكي قد باشرت في عملية عسكرية برية وجوية ضد مدينة الفلوجة.
لذلك، أصبح من الواضح أن عملية تسليم السلاح في مدينة الثورة ببغداد هي ضمن نطاق المناورات التي بات التيار الصدري يجيدها ومنذ معركة النجف الأخيرة، لا سيما وأن الاتفاق بشأن تسليم السلاح في مدينة الثورة وحسبما ذكرته الأوساط القريبة من التيار الصدري، يتضمن تخصيص أموال لاعمار المدينة وتعويضاً مالياً لمن يقوم بتسليم سلاحه وكذلك إطلاق سراح أنصار الصدر من الذين جرى اعتقالهم في السجون والمعتقلات التي يديرها الاحتلال الأمريكي.
يمكننا استشراف دوافع وأغراض عملية تسليم السلاح في المدينة المذكورة ووفق التالي:(16/54)
أولا: أن العملية تتم ليس بين (جيش المهدي) أو بين مسؤولين من التيار الصدري والحكومة، وإنما الأمر يتعلق بأفراد يمتلكون سلاحاً ويودون بيعه حيث وجدوا المشتري الذي يدفع لهم مقابل هذا السلاح، وهي عملية تتم في إطار العمل الفردي والتجاري ليكون بالتالي فتح أسواق لبيع السلاح وبتشجيع وغطاء رسمي من لدن الحكومة التي هي أساساً الطرف المشتري في تلك الأسواق.
ثانياً: أن تيار الصدر له وجود كثيف في مناطق أخرى من بغداد لا سيما في مدينة الشعلة ومناطق بغداد الجديدة، وهذه المناطق لم تشملها عملية تسليم السلاح بالإضافة طبعاً إلى مدن العراق الأخرى، وهذا الأمر يعطي أكثر من دلالة على أن التيار الصدري لم يقرر عملياً ورسمياً تسليم سلاحه، وأن ما يجري في مدينة الثورة يظل محصوراً في الإطار الفردي والشخصي والتجاري، على اعتبار أن أسواق السلاح في العراق ديناميكية المصادر وباستطاعة العراقي في هذا الوقت شراء قطع السلاح بدءاً من المسدس إلى المدفع.
ثالثاً: بات من الواضح أن كلا الطرفين (تيار الصدر والحكومة) يدركان هذا المناورة لا سيما وأن كليهما لا يثق بالآخر، وهما بهذا (الإدراك) يحاولان كسب الوقت وهو عامل سنتطرق إلى نقاطه فيما بعد، على واقع أن كل طرف منهما يحاول كسبه وتجييره لصالحه وفق حساباته وتصوراته التي استشرفها للفترة التي تسبق موعد الانتخابات والتي ستحدد موقفهما الحاسم إزاء بعضهما البعض مثلما تحدد في الوقت نفسه عوامل الكسب والخسارة، مع الإشارة إلى أن موقف التيار الصدري سوف يتأثر بلا شك بمواقف المناطق المقاومة للاحتلال في غربي العراق والشمال الغربي وشمال بغداد والتي رفضت المشاركة في الانتخابات من ناحية المبدأ.(16/55)
إن عامل كسب الوقت تتم المراهنة عليه من قبل الحكومة وأطراف المعارضة والمقاومة للاحتلال، على اعتبار أن استمرار الوضع الحالي والسائد لا يخدم الاحتلال ولا الحكومة، وكلما استمر هذا الإيقاع تضاعفت مصاعب وخسائر جيش الاحتلال الأمريكي، وهو أمر يعقّد من مهمة الاحتلال ويؤدي إلى اضطراب عمليته السياسية التي يريد من ورائها تكريس وجوده العسكري بغطاء عراقي مهما كانت آلية هذا الغطاء، وكسب الوقت بالنسبة للاحتلال يعني حسم الموقف سياسياً أو عسكرياً وذلك بتسريع وقت الحسم كي يتسنى له إجراء الانتخابات في موعدها المحدد وبغض النظر عن شكلها وحجمها ونتائجها التي لن تكون بعيدة عن مخططاته المسبقة، في حين أن المقاومة والمعارضة يميلان إلى إطالة الوقت وفق ما هو عليه الوضع الآن حتى تؤدي مثل هذه الإطالة إلى تفاقم موقف الاحتلال وانهيار آليته المحلية بما يعجل برحيله عن العراق.
من هنا فإن قيام المواطنين العراقيين في مدينة الصدر ببيع أسلحتهم إلى الحكومة لا يشكل في هذا الوقت تغييراً بقدر ما هو أمر يتعلق بأحد جوانب اللعبة السياسية التي يمارسها التيار المذكور إزاء الحليف المحلي للاحتلال والذي يدرك أبعاد وحدود هذه اللعبة التي لا تتعدى حدود التجارة، والتجارة شطارة كما يقول المثل.
الرأي 18/10/2004
جولة الصحافة
السنة العراقيون.. ضياع للهوية أم بحث عن السلطة؟؟(16/56)
منذ سقوط النظام العراقي السابق، كان السؤال الأبرز الذي اخذ يطرحه الكثير من المراقبين ما هو مصير السنة العرب في العراق الذين كانوا يشكلون من الناحية العملية العمود الفقري للنظام من خلال المواقع الحزبية المتقدمة ومن خلال قيادة الأجهزة الأمنية المتعددة والحرس الجمهوري وجهاز الأمن الخاص، ولم تكن الإجابة بحاجة إلى وقت طويل لتظهر على ارض الواقع، فقد بدأت المناطق السنية مبكرا حالة المواجهة مع قوات التحالف، وبرز في تلك المناطق مثل الفلوجة وسامراء وبعقوبة والموصل رجال الدين السنة من خلال ما يسمى هيئة علماء المسلمين كمرجعية دينية وسياسية للسنة العرب، والتى سرعان ما بدأت تمارس دورها في احتضان مجمل العمل العسكري والسياسي والديني ضد القوات الأميركية في تلك المناطق بما في ذلك توفير الغطاء للمقاتلين العرب القادمين «للجهاد».
فتحولت من الناحية العملية هذه الهيئة من رجال الدين إلى مرجعية للسنة العرب في العراق بدون امتلاك أي برنامج محدد وواضح المعالم باستثناء برنامج النقطة الواحدة المتمثل بخروج القوات الأميركية من العراق، ويثير هذا الواقع من الناحية العملية عدة أسئلة منها: ما هو مصير السنة، هل ستبقى هيئة علماء المسلمين هي الممثل الشرعي لهم؟(16/57)
وهل حزب البعث العربي الاشتراكي الذي كان يمسك بزمام الدولة العراقية على مدى خمسة وثلاثين عاما، اصبح حزبا مرتبطا وملتصقا بالفكر السلفي الذي يمثله هيئة علماء المسلمين أم أن الحزب اخذ يغطي نفسه بالخطاب الديني السلفي بعد أن اكتشف أن السنة العرب فقط من بين العراقيين الذين مازالوا يؤمنون بفكره و بعد أن اكتشف حجم الكراهية له كسلطة وكفكر لدى الشيعة العرب والأكراد وبقية التكاوين الأخرى في الديمغرافيا العراقية؟ أم أن الحزب بصدد الهروب من الفكرة القومية العلمانية إلى فكر جديد يزاوج بين الخطاب الأصولي الديني مع الخطاب القومي التقليدي؟ وهنا أيضا يطرح تساؤل مهم حول موقف العشائر السنية من مستقبل السنة، وهل يقبل شيوخ تلك العشائر بان يكونوا مجرد منفذين لأوامر وفتاوى هيئة علماء المسلمين التي أصبحت تدفعهم في اتجاهات معادية تماما للحالة الوطنية العراقية؟
بعض تلك الأسئلة يمكن تصور إجابات محددة له، غير إن بعضها الآخر مازال مرهونا بالتطورات السياسية وربما تمثل الدعوة التى أطلقتها هيئة علماء المسلمين والتي طالبت فيها بمقاطعة السنة للانتخابات العراقية المقبلة أحد المؤشرات الواضحة على النهج التصعيدي الذي تريده هذه الهيئة والتى تريد جعل السنة في حالة صدام دائم مع الحالة الوطنية العراقية وتحويلهم الى أقلية طائفية تريد إما السلطة او الاستمرار في العنف، أي بمعني آخر تريد للسنة أن يكونوا أشبه بالحالة المارونية في لبنان أو الحالة الصربية في يوغسلافيا القديمة، وهو نهج معاكس تماما للحالة الشيعية التى تدفع مرجعيتها الدينية ممثلة بآية الله السيستاني الشيعة الى المشاركة الفاعلة في العملية السياسية الجارية في العراق وبخاصة الانتخابات القادمة، فالعقلانية في الخطاب الديني والسياسي للشيعة العرب يقابله خطاب متزمت ومتطرف للحالة السنية.(16/58)
لقد مارس الشيعة العرب بعد ثورة العشرين الشهيرة في العراق ضد القوات البريطانية نفس الخطأ الذي تريد هيئة علماء المسلمين السنة فعله مع السنة العرب، فبعد الثورة ومع بداية الحكم الملكي في العشرينيات من القرن الماضي قاطع الشيعة الدولة العراقية بكل تكويناتها، واكتشفوا بعد سنوات من تلك المقاطعة أن بناة الدولة العراقية وعمودها الفقري هم من السنة وبقى الأمر على حاله ولم يتغير حتى بعد الانقلاب على الملكية ومجيء عبد الكريم قاسم وبعده عبد السلام عارف والحكم البعثي الذي استمر حتى سقوط النظام السابق والذي عزز تلك السيطرة السنية بدرجة عالية من الاستفزاز والاستعداء للمكونات العراقية الأخرى وبصورة متعمدة ومدروسة.
لقد نجحت هيئة علماء المسلمين في إيهام السنة أن الحل الوطني والديني في العراق يتمثل فقط في حرب مفتوحة مع الأميركيين ومع الحكومة المؤقتة ومجمل العملية السياسية في العراق الى ان يتم طرد الأميركيين من العراق عبر حل عسكري محض تباح فيه كل أنواع القتل من السيارات المفخخة الى جز الرقاب.. كل أنواع الرقاب ولكل من يتعامل مع الأميركيين في إطار فتاوى الجهاد المعروفة، ولكن ما لا يدركه شيوخ تلك الهيئة انهم سيكونون وبهذا النهج الاقصائي للآخرين على موعد مع حروب أخرى أهلية بعد الانتهاء من قوات الاحتلال، حروب مع المكونات الأخرى في النسيج الديمغرافي العراقي من شيعة وأكراد وتركمان وغيرهم، فالحل العسكري الذي يرفض " الاحتلال " ويرفض العملية السياسية ويرفض الانتخابات ويرفض كل شئ هو مشروع حرب أهلية _ طائفية.
إن هيئة علماء المسلمين تدفع السنة العراقيين نحو الخروج من المعادلة الوطنية والدخول في مشروع عدمي يبدا بحرب أهلية وقد ينتهي من الناحية العملية بتقسيم العراق وهو خطر اصبح ماثلا للعيان، ويزداد احتمال وقوعه مع مرور الوقت.(16/59)
أما النتيجة فانهم لن يستعيدوا سلطة ضائعة ولن يصنعوا هوية، بل سيكونون مجرد رمز انفصالي يصعب أن ينظر له بتقدير لا في العراق ولا في الإقليم.
جولة الصحافة
الفلوجة... واستئصال تيار السنة، والمرجعيات الصامتة
حسين الرواشدة…… الدستور 9 /10/2004
لم أتردد منذ سنوات طويلة في الدعوة الى التقريب بين اتباع المذاهب الاسلامية، وكنت اصر حين يواجهني بعضهم بمواقف مسيئة يشهرها بعض المحسوبين على المذاهب الاخرى ضد اهل السنة بأن هؤلاء لا يمثلون الا انفسهم، او بأنهم ما زالوا يعيشون اسرى " لسوء الفهم"التاريخي الذي حدث قبل آلاف السنين، لكن ما حدث في العراق جعلني انتبه الى ضرورة اعادة النظر في قضية التقريب هذه، لا لعدم قناعتي بأهميتها وجدواها، وانما ليقيني بأن كثيرين من اخواننا غير متحمسين اصلا لهذه الفكرة، وغير جادين -ايضا- في وضعها على جدول اولوياتهم.
ومع اننا -عربا ومسلمين- قد سقطنا بامتياز في امتحان العراق، وفي امتحان الفلوجة التي تنتظر بشكل خاص، الا ان سقوط المرجعيات الشيعية كان اكثر صدى وايلاما، لدرجة خيل اليّ فيه ان " تيار "السنة، وهو الوحيد الذي يواجه الاحتلال، أصبح مطلوب الرأس، لا من الامريكان وحدهم وانما من غيرهم في داخل الطوق و خارجه، وليست معركة استئصال الفلوحة التي تستعد لها قوات الاحتلال مع الحكومة في العراق، الا العملية الاولى والحاسمة لتنمية التيار السني واخراجه من المعادلة السياسية العراقية بشكل نهائي، بحيث تصبح قضية "المحاصصة" واضحة تماما.. ووفق المخطط الذي تمت التسويات بناء عليه بين امريكا والمحسوبين عليها في العراق.(16/60)
واذا كنت تساءلت - قبل شهور- عن صوت السيد السيستاني الذي لم نسمعه حين داهمت طائرات المحتل الامريكي اهالي الفلوجة.. فإنني -اليوم- أتساءل مرة اخرى عن صوت المرجعيات الشيعية كلها.. وعن مبادرة السيد السيستاني التي فكت الحصار عن مقدسات النجف.. مع انني اعرف تماما انني لن أسمع من سماحته ولا من غيره اي صوت او صدى.. لكن ثمة ما يدعوني الى الالتفات الى مرجعيات اهل السنة وعلمائها، ابتداء من الازهر وانتهاء بروابط علماء المسلمين من الهند وباكستان الى عالمنا العربي المبتلى بحركاته وهيآته المرعوبة، اذ انه من المؤسف ان نسمع عشرات الفتاوى والردود الغاضبة منها على كتاب مثل " وليمة البحر" او على مسألة تتعلق بالزواج العرفي، فيما تلوذ كلها الى الصمت امام " وليمة الفلوجة " التي يستعد الامريكان لتناولها او امام " الزواج بالاكراه " الذي شهدنا فصوله منذ سقوط بغداد الى فضيحة ابي غريب الى " اغتصاب " العراق من الخليج الى الانبار.
ومع ان ما قلته يتجاوز فشة الخلق، فإنني ادعو الحريصين على نصف العراق الذي يراد الاستفراد به واستئصال شأفته، الى العمل على استضافة ممثلي اهل السنة في اي عاصمة عربية، لعقد مؤتمر عام لهم، يتداولون فيه مصيرهم وشؤونهم ويكون رديفا سياسيا " لمقاومته "
الباسلة، فمن غير المعقول ان يجد الآخرون دولا تخطط لهم، وتتحدث باسم مصالحهم وحصصهم، فيما " السنة "وحدهم يشعرون باليتم ولا يجدون من يسمع صوتهم.. او يدعو لانصافهم من الابادة التي تنتظرهم.
جولة الصحافة
تأييد في غير محله
خالد أبو ظهر(16/61)
خلال حولته في بعض الدول العربية، سمع الرئيس الإيراني محمد خاتمي آراء إيجابية بشأن البرنامج النووي الإيراني، وهذا يطرح سؤالاً حول ما فعلته إيران للعرب، أو حول ما يمكن أن يتوقعه العرب من إيران، وإذا كان التحليل العربي أن البرنامج النووي الإيراني سيكون لصالح العرب، إذا ما بلغ مرحلة صنع قنبلة نووية، فإن الخلفيات والدلائل تشير إلى أن هذا التحليل غير صحيح فالسياسة الخارجية الإيرانية أثبتت أنها تخدم أهدافاً إيرانية هي من المنظور الإقليمي لا تتفق مع المصالح والأهداف العربية.
ويكفينا أن ننظر إلى ما يحدث الآن على الساحة العراقية من تدخلات لا تخدم إطلاقاً وحدة هذا البلد العربي ولا أمنه واستقراره، وتعنت طهران إزاء ملف الجزر الإماراتية الثلاث، وتلاعب إيران بالقضايا العربية الحساسة، لندرك أن طهران تعمل لمصالحها فقط، وإذا كان هذا من حقها، فمن حقنا أيضاً أن نتعامل وفق مصالحنا، ونطرح مواقف تنسجم مع هذه المصالح وتؤدي إلى تحقيقها.
وإذا كانت طهران قد أنجزت 75 بالمائة من خطة إنتاج قنبلة نووية، كما يقول عالم إيراني، فإن أي دعم عربي لموقف إيران من الملف النووي، هو في الحقيقة دعم لمشروع صنع قنبلة نووية إيرانية، لا يمكن اعتبارها إطلاقاً، سلاحاً مضافاً للقوة العربية بل هي وسيلة لخدمة سياسة إيران الإقليمية، وهي سياسة متناقضة مع المصالح الإقليمية العربية، ولدعم نفوذ إيران في الخليج والشرق والأوسط، وأخيراً لتعزيز موقفها في صراعها مع الولايات المتحدة، وهو صراع ليس لنا فيه أية مصلحة.
وإذا ما امتلكت إيران سلاحاً نووياً، فسنجد أنفسنا بين خطر مزدوج، هو الخطر الإيراني، والخطر الإسرائيلي. ولذلك فإن موقفنا بالغ الحساسية، ويتطلب منا حذراً كبيراً تجاه الملف النووي الإيراني، دون أن ندخل طرفاً في صراع طهران مع أميركا حول هذا الملف.
الوطن العربي ـ العدد 1441 ـ 15/10/2004
جولة الصحافة(16/62)
حوارات رمضانية: فهمي هويدي في طهران
في إيران من يأتي من شمال طهران إلى جنوبها في شارع واحد يفطر برخصة من الخميني!
رغم أنني طوال حياتي الصحفية أعايش الأوضاع في العالم الإسلامي وأرقبها عن قرب في كثير من زياراتي للخارج وتأملاتي من الداخل واتصالاتي مع العديد من الفعاليات الإسلامية، إلا أنني فوجئت بأن رمضان في إيران شكله مختلف تماماً عن بقية دول العالم الإسلامي. حيث أن تيسيرات الإفطار هنالك عديدة وأكثر من اللازم. فمثلاً من شمال طهران إلى جنوبها هناك فتوى للإمام الخميني تقول إذا قمت برحلة تمتد لأكثر من 30 كيلو متراً تقريباً، لك أن تفطر... فإذا كان الحال كذلك، فإن هناك شارع في طهران مثلاً طوله 36 كيلوا متراً، أي أنه تطبيقاً لهذه الفتوى فإن من يأتي من شمال طهران إلى جنوبها يفطر وهي نفس المدينة، لدرجة أنه بدا لي في وقت من الأوقات أن هناك نسبة كبيرة من الناس في إيران فاطرين، ولا أنسي أنه في إحدى المرات قابلت الشيخ على المشكيني الذي كان رئيساً لمجلس أمناء الدستور خلال وجودي هناك في طهران وكنت صائماً، ومع أنه كانت عندي رخصة الإفطار إلا أنني كنت أعتبر أنني أكثر راحة وأنا صائم ولو وجدت الصيام متعباً لي لكنت قد أفطرت، ووجدت نفسي مبسوطاً وأنا صائم، إلا أن الرجل جادلني طويلاً خلال مقابلتي معه على هذه الحالة وكأنه يتعارك معي كيف لا أكون فاطراً. وقد طالبني بضرورة أن أفطر لأنني قادم من مسافة بعيدة ولكنني قلت له إنني مرتاح هكذا نفسياً وقادر جسمانياً وليس لدي مشكلة في الصيام... آنذاك أدركت ـ وكنت أشهد هذه الواقعة لأول مرة في رمضان في إيران ـ إن وطأة التقاليد الفارسية التي كرستها المرحلة الشاهنشاهية ما زالت قوية حتى أنه لا يقارن عيد الفطر مثلاً بعيد النيروز من حيث الاهتمام فلا نسبة للمقارنة بينهما بالنظر إلى ما يلقاه عيد النيروز من أهمية واحتفال مبالغ فيه. أقول إن المرحلة الشاهنشاهية تكرس مثل(16/63)
هذا الحس لخلع المجتمع من التقاليد الإسلامية، لدرجة أن عيد النيروز أصبح هناك عيداً غير عادي، بينما عيد الفطر عيد عادي مثل أي يوم عادي كالجمعة مثلاً لدرجة أنني قابلت هناك ـ وكنت في عيد الفطر ـ شخصاً محترماً ومهماً فوجدته قد جاء ليتغدى معي مع أنني أفهم أنه في أول أيام العيد يجب أن يتغدى هذا الشخص مع عائلته مثلما نفعل في مجتمعنا. وعندما خرجت إلى الشارع لم أجد أي مظهر من مظاهر الاحتفال بالعيد. هل هذا يرجع إلى أن الإيرانيين مهونون في الموضوع أكثر من اللازم، أم نحن الذين نعتبر مبالغين أكثر من اللازم. الحياة خلال رمضان في مصر مثلاً لها طقوس حيث يخرج المرء إلى الشارع فيعرف أنه في رمضان، هناك في إيران لا يرى المرء أي مظهر يدل على الشهر الكريم بل أيامه عادية جداً. وهذا يكشف أن التقاليد ليس من السهل تغييرها. وحيث أن هذه الملاحظة مرتبطة في ذهني منذ نحوي سنوات مضت (15 سنة من ثورة الخميني)، فإن هذا معناه أنه في مسألة الأعراف والتقاليد يحتاج التغيير إلى وقت طويل لتحقيقه، وكأنه لم يكن هناك تركيز كاف من جانب الثورة الإيرانية على مثل هذه المسألة الاجتماعية، بمعنى تقليل الاهتمام بالتقاليد المرتبطة بالنيروز ,إحياء الاهتمام بالتقاليد المرتبطة بعيد الفطر الذي هو مناسبة مهمة لدى عموم المسلمين. وصحيح أنه في السابق كان شهر النيروز كله عطلة تقف فيه الحياة بإيران كلها، والآن أعتقد أنه انخفض إلى إجازة 15 يوماً تقريباً ولكن حتى خلال هذه الأيام الخمسة عشر لا يستطيع المرء أن يجد أحداً في مكتبه في طهران بينما في عيد الفطر تجده ثاني يوم في مكتبه!.(16/64)
ولا تستطيع على النحو الذي أسلفنا الإشارة إليه. مجادلة أحد من رجال الدين هناك في رخصة الإفطار على النحو الذي أسلفنا الإشارة إليه، فكل واحد له حجته ويقول إن عنده أسانيد شرعية تجيز الإفطار أو تشجعنا عليه فيفطر دون أن يشعر بأنه ارتكب تجاوزاً شرعياً. لقد حدث توسع كبير في استخدام الرخص حتى تحولت إلى قاعدة. وهذا حادث أيضاً في الجمع والقصر بالصلاة. فالقاعدة أن المسلم يجمع الظهر مع العصر، والمغرب مع العشاء، ولدى السنة يجوز الجمع ولكن يظل استثناء وليس قاعدة، ولكن لدى الشيعة أصبح الجمع هو القاعدة وليس الاستثناء.
ملحق الدستور 8/11/2004
جولة الصحافة
ليالي القاهرة الرمضانية: تواشيح ومدائح و "مدد يا رسول الله"
القاهرة - (اف ب) - تحتفي العاصمة المصرية، قاهرة المعز ومدينة الالف مئذنة، على طريقتها الخاصة بشهر رمضان.. امسيات ثقافية وفرق انشاد وتواشيح ومدائح.. وموائد للرحمن.. ونكهة تنفرد بها ام الدنيا وسط اقبال من مختلف فئات الشعب المصري.
وتحظى الفرق الدينية والمنشدون باهتمام خاص في الليالي المباركة التي تمتد حتى الفجر حيث يمسك المؤمنون عن الطعام ويخلدون الى النوم بعد رحلة ايمانية يومية مع المنشدين والمداحين والاغاني الدينية.
وتختلط في هذه الامسيات كل مظاهر التكريم للشهر الذي انزل فيه القران.. من الدعاء الى الابتهالات الدينية التي تعتمد في معظمها على الارتجال والتي ترتفع في المساجد وعبر الاذاعات.
وقد حظيت بمرتبة خاصة لهذه السنة ادعية الشيخ متولي شعراوي اشهر الدعاة الذي توفي قبل بضعة اعوام وكرمه التلفزيون المصري بمسلسل عن حياته.
والى الدعاء "المستجاب" في الشهر الكريم هناك التواشيح التي يؤديها شيخ تحيط به بطانته. ومن ابرز هؤلاء في الامسيات الرمضانية لهذا العام الشيخ ياسين التهامي الذي يؤدي قصائد شعراء ومشايخ الصوفية من ابن عربي الى ابن الفارض.(16/65)
وهناك ايضا الشيخ محمد الهلباوي الذي افتتح الليالي في دار الاوبرا المصرية واستضافه بيت الهراوي وسط القاهرة ومركز الابداع في الاسكندرية وهو كما التهامي يؤدي القصائد الصوفية تعاونه بطانة المنشدين.
وقام المسرح القومي قبل يومين ضمن مساهمته في الاحتفال بشهر رمضان بتجربة جديدة على قصائد ابن الفارض التي اداها المنشدون وتقاطع معهم وآزرهم اربعة فنانين القوا قصائد لابن الفارض. ابرز شعراء الصوفية.
ولعل اقدم التواشيح تلك التي رحبت بهجرة الرسول الى المدينة قبل اكثر من 1400 عام "طلع البدر علينا".
ويرجع بعض المؤرخين اشراق الاغنية الدينية الى الصحابة والتابعين.
ويقول الموسيقي والباحث المصري خيري عبد العزيز ان "الاذان نفسه بدأ كدعوة موسيقية الى الصلاة" وقد رحب الرسول كما تقول كتب التراث بما دعا اليه احد الصحابة عبدالله بن زيد الى دعوة المسلمين للصلاة عن طريق الاذان.
ويتابع "استجاب الرسول ايضا الى دعوة عمر بن الخطاب لاختيار صوت جميل وحسن للقيام بالاذان فطلب الرسول من عبد الله بن زيد ان يعلم الاذان لبلال ابن رباح اجمل المسلمين صوتا في ذلك الوقت".
وقد تطور الغناء الديني خلال هذه الفترة الطويلة الى افاق جديدة مع الاحتفاظ بالقديم وبينه قصائد شاعر الرسول حسان بن ثابت وغيره من الشعراء الذين تعود اليهم معظم المدائح النبوية.
وكان بعض الخلفاء انفسهم من المنشدين وبينهم الخليفة الاموي عبد الملك بن مروان وقد رعوا الانشاد واجزلوا العطاء للمنشدين.
ورافقت الانشاد في البداية ايقاعات الدفوف والمزاهر حتى مجيء الفرق الصوفية التي بدات مرحلة جديدة في تهذيب هذا النوع من الغناء واضافة الات موسيقية جديدة.
وتعزو رئيسة مهرجان الموسيقى العربية رتيبة الحفني هذه التطويرات الى ابو الحسن الشاذلي مؤسسة الطريقة الشاذلية فهو كما تقول "اول من استخدم الالات والانتقالات الصوتية بين المقامات التي استخدمها العرب في موسيقاهم".(16/66)
والى جانب هذه الطرق التقليدية في الغناء الديني السائد في رمضان دخلت الطرق الحديثة التي اضافت الى التواشيح والانشاد الات التخت العربي من عود وكمان وقانون والات ايقاعية وناي.
وجاء انطلاق الاذاعة في مصر في عام 1934 ليدخل متغيرات على الاغنية الدينية اهمها فكرة المسحراتي التي اسهم بها في شكل اساسي الموسيقار والفنان الراحل محمد فوزي والشاعر الشعبي بيرم التونسي. واضفت موسيقى محمد فوزي بجملها القصيرة والسريعة نكهة خاصة على الاغنية الدينية وحملها بيرم التونسي بعدا وجدانيا يحمل هموم الناس.
لكن الشاعر فؤاد حداد والموسيقار والمغني سيد مكاوي ادخلا عالم السياسة الى اغنية المسحراتي حيث امتزجت السياسة بالدين وكانت الموسيقى اقرب الى موسيقى الموالد في الستينات وتم تصويرها في السبعينات لتبث في التلفزيون.
وفي التسعينات اشترك الشاعر عبد السلام امين والمغني والموسيقار احمد ابراهيم بتقديم تجربة غنائية جديدة للمسحراتي غادرت عالم المدينة لتدخل عالم القرى والنجوع.
وبعد ذلك انتشر نوع جديد قديم من الاغنية الدينية اداها بتميز مطربون كبار مثل محمد منير في "مدد يا رسول الله" وعلي الحجار في "صلينا الفجر فين" لفؤاد حداد وايمان البحر درويش ومحمد ثروت وغيرهم وهي الاغاني التي تسيطر حاليا على الشاشات الرمضانية.(16/67)
مجلة الراصد الإسلامية
العدد السابع عشر – غرة ذو القعدة 1425 هـ
1-…فاتحة القول: سنة العراق بين الخيانة والغدر........................4
2-…فرق ومذاهب: فرق صوفية - 2....................................8
3-…سطور من الذاكرة: البرامكة في بلاط الرشيد.......................14
4-…دراسات: موقف مفكري الإسلام من الشيعة -3-..................17
5-…كتاب الشهر: فرقة الأحباش.......................................27
6-…قالوا...............................................................31
7-…جولة الصحافة:
-…من سرق يورانيوم العراق؟.............................................36
-…هلال شيعي.............................................................43
-…رفض شيعي لتصريح ملك الأردن.......................................44
-…تعقيب على تصريح الملك عبد الله الثاني...............................46
-…نكسة العرب السنة في العراق.........................................50
-…قلق عربي من سيطرة شيعية..........................................55
-…السنة في جنوب العراق................................................58
-…تجسس الحرس الثوري................................................62
-…المطلوب عربياً من إيران...............................................64
-…مخطط طهران..........................................................66
إنتخابات:
-…علاوي يلتقي قيادات سنية..............................................72
-…السيستاني هل يلعب دور الخميني.......................................75
-…إيران وانتخابات العراق.................................................80
-…خاتمي ومراجع الشيعة..................................................82
-…الفيديرالية في الجنوب..................................................83(17/1)
-…انقسام شيعي...........................................................85
الدروز:
-…المد الدرزي............................................................87
-…السهم الدرزي..........................................................92
-…الزعيم الروحي........................................................100
-…قاتل الطفلة............................................................112
-…الضابط الإسرائيلي....................................................114
-…الدروز الإسرائيليون...................................................117
-…من كمال جنبلاط؟.....................................................119
-…جنبلاط................................................................121
فاتحة القول
1 - أهل السنة الرقم الصعب
الناظر في حال المسلمين اليوم يرى بوضوح الدور الهام والمركزي الذي يضطلع به أهل السنة في الدفاع و الذود عن القضايا الإسلامية في الوقت الذي تخلي فيه الآخرون من الفرق والمذاهب المنحرفة أو الباطلة عن نصرة الإسلام وأهله إن لم يكونوا عوناً للمعتدين والمجرمين .
وهذا الدور هو امتداد للدور الطبيعي للسنة كونهم الأصل الذي تنتمي إليه هذه المذاهب والفرق ، ولذلك أهل السنة هم غالبية أهل الإسلام وهذا لاخلاف فيه .
وأهل السنة يقصد بهم كما قرر شيخ الإسلام ابن تيمية معنيان : معنى عام وهو ماكان خلاف الشيعة ، ومعنى خاص وهم السائرون على مقتضى القرآن والسنة النبوية بفهم سلف الأمة .
وعلى هذا فالانتساب للسنة و أهلها ليس نسبة لقبيلة أو عشيرة أو قومية أو عرقية أو بلد أو ناحية . بل هو نسبة لمعنى شرعي وهو الوحي المطهر .
ولذلك فإن من الأهمية بمكان إدراك ومعرفة التعبير الحقيقى لهذه النسبة الشريفة الرفيعة وذلك عبر حمل القيم والمبادئ وما يترتب عليها من واجبات وحقوق بينتها الشريعة الإسلامية.(17/2)
وقد حملت الأنباء تصريحات الساسة من العراق وجيرانه بضرورة التواجد السني في الوضع العراقي لضمان الاستقرار للمنطقة ، وهذه التصريحات تعكس إدراك العقلاء للدور المحوري لأهل السنة وأن الأمور دونهم لاتستقيم .
وحتى يكون هذا الإدراك السليم لدور السنة في المنطقة متكاملا ً لابد من إدراك قضية لاتقل أهمية عنها وهي : من يمثل أهل السنة ؟
في لقاءات علاوي مع بعض الشخصيات السنية وغير السنية في عمان مؤخرا كان الذين تحدثوا باسم السنة رؤساء عشائر وشخصيات عامة وبعثيين سابقين ورؤساء أحزاب علمانية وعلماء وغيرهم .
والقاسم المشترك بينهم هو انتماءاتهم السنية ، لكن هل هذا كافٍ ليتحدثوا باسم السنة ؟
هل يحق لبعثي أو علماني أو شيخ عشيرة فقط أوفصيل إسلامي قد لا يعرف عقيدة أهل السنة أن يتحدث باسم السنة ؟
الذي نود التأكيد عليه هو أن الذي يحق له - فرداً أو جماعة - التحدث باسم السنة هو من انتسب للسنة وحمل عقيدة أهل السنة بحق وكان ذا كفاءة في القيام بمصالح السنة .
والله عزوجل قد بين لنا في القرآن الكريم أهمية البطانة السياسية حول القيادة وأنها لابد أن تكون من نفس النسيج المكون للمسلمين وإلا غشونا وحققوا مآربهم السيئة فينا فقال تعالى : " يا أيها الذين ءامنوا لاتتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون " آل عمران 118
ولذلك حرص النبي صلي الله عليه وسلم على أن يوفر الكوادر والكفاءات اللازمة لقيام دولته من أول يوم ، ولذا أمر زيد بن حارثة بتعلم السريانية حتى لا يكون محتاجا لمترجم ليس بمسلم قد لا يصدقه .
فالواجب على أهل السنة التصدى لمن يحاول أن ينصب نفسه ممثلا ً عنهم وهو غير صادق في دعواه أو عنده نوع عجز مادي أو فكري و قسم ثالث عنده طمع وحب للسلطة ولو على حساب الحق .(17/3)
وعليهم كذلك المسارعة بسد النقص في الكفاءات والطاقات اللازمة من خلال تهيئة المخلصين الثقات لذلك وعدم الركون لمن كان نصيبه من السنة أن والديه سنيان فقط !!!
****
2 - فكيف إذا أصبح للشيعة دولة في الخليج ؟
دوماً تكشف الأزمات الحقائق ، ففي الوقت الذي تقوم المعارك والمجازر في العراق و تعلن المرجعيات فتح باب جهنم للمتخلفين عن الانتخابات ! خرجت علينا مجلة المنبر الكويتية التي تصدر عن هيئة خدام المهدي التابعة للمرجعية الشيرازية بمقال يكشف حقيقة معتقد هذه المجلة والهيئة والمرجعية والطائفة التي تنتمي لها ، ففي الوقت الذي تتظاهر فيه الشيعة عامة والتيار الشيرازي بأطيافه المتنوعة خاصة بالحرص على الوحدة الوطنية وعدم إثارة النعرات والمسائل التي تفرق الصف بين السنة والشيعة تخرج المنبر بمقالٍ على عدة صفحات مداره الطعن بشرف وطهارة السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وبلغت الوقاحة أن سماها الكاتب الفاجر " أم المتسكعين " .
وليس هذا بغريب على هذه الفرقة والهيئة فقد كانت لها سابقة قريبة وهي جريمة المدعو ياسر الحبيب الذي تهجم على والد أم المؤمنين ، ولكن الغريب هو الجرأة بالطعن الصريح و البذيء بمرجعيات المسلمين علنا وبين أظهرهم وهم أقلية ولا يملكون القوة والسلطة في الكويت .
والأعجب من هذا دفاع بعضهم عن الكاتب وأمثاله بأن هذا الأمر هو وجهة نظر لا ينبغي أن تزعج أحدا ً !!
ولذلك نقول ونكرر ما قلناه مراراً : هذه فرصة ذهبية للتقريب والحوار الحقيقي والجاد بين السنة والشيعة فإن نقطة الخلاف معلنة وواضحة ومعاصرة وهي :
طعن الشيعة بالصحابة في دينهم وعرضهم و اعتبارهم كفارً ا و فجرة إلا بضعة نفر . وهذا تكرر في كتبهم ودروسهم وهذا المقال شاهد حي على ما يعتقده الشيعة .
فالفرصة الذهبية التي ينبغي اقتناصها هي :(17/4)
1.…أن تعلن المرجعيات الشيعية ضلال هذه العقيدة ومن يقول بها ، الضلال الذي يخرجه عن الإسلام إذا أصر عليها بعد أن يعرف أنه بذلك يكذب القرآن الذي شهد للصحابة بالإجمال بالإيمان ولبعضهم بالتعيين وبرّأ عائشة رضي الله تعالى عنها من كذب المنافقين.
2.…البراءة من الكتب التي تحتوى على هذه العقيدة وما شابهها من تحريف القرآن أو تأليه بعض آل البيت قديما وحديثا براءة واضحة معلنة في الأوساط الشيعية وباللغات السائدة .
3.…خطوات عملية من المراجع وخاصة المعتدلة منهم مثل تسمية بعض أولادهم وأحفادهم بأسماء الصحابة وأمهات المؤمنين والمؤسسات التابعة لهم وتأليف كتب في فضائلهم وإيمانهم وكذلك برامج إذاعية وتلفزيونية حولهم .
فهل يقتنص الشيعة الفرصة الذهبية للتقريب الحقيقي أم أنهم سيكرسون البغضاء والعقائد الكفرية التي تعمق العداء والشحناء ؟
فإن اختاروا الثاني فماذا سيفعلون لو كانت لهم دولة في الخليج ؟؟؟؟؟؟؟؟؟
فرق صوفية
2- المهدية ، النورسية
في العدد العاشر من الراصد تطرقنا إلى فرقة الصوفية، وتناولنا بشيء من الإجمال عقائدها وانتشارها وفرقها، وسنعرض في هذه الحلقات لعدد من الفرق والحركات الصوفية أو التي تأثرت بالصوفية، في أنحاء مختلفة من العالم، كالبريلوية والديوبندية في القارة الهندية، والمهدية في السودان، والنورسية في تركيا وغيرها.
ثالثاً: المهدية
هي واحدة من حركات الإصلاح البارزة التي ظهرت في العالم العربي مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين الميلادي، وهي ذات مضمون ديني سياسي شابته بعض الانحرافات العقائدية الفكرية، وقد نشأت هذه الحركة في السودان.(17/5)
ومؤسسها هو محمد أحمد المهدي بن عبد الله المولود سنة 1260هـ والمتوفى سنة 1302هـ (1845ـ 1885م)، ويقال بأن نسبه ينتهي إلى الأشراف، وقد نشأ نشأة دينية متتلمذاً على الشيخ محمود الشنقيطي، سالكاً الطريقة السمّانية القادرية الصوفية، متلقيّا عن شيخها محمد شريف نور الدائم.
فارق المهدي شيخه، وانتقل إلى الشيخ القرشي وَد الزين، وجدد البيعة على يديه، وهذان الشخصان هما أشهر مشايخ الطرق الصوفية أنذاك.
أهم العقائد
1ـ تميزت دعوة المهدي بإعلان أنه المهدي المنتظر الذي سيملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً, وزعم أن مهديته قد جاءته بأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: "وقد جاءني في اليقظة( ) ومعه الخلفاء الراشدون والأقطاب( ) والخضر عليه السلام، وأمسك بيدي صلى الله عليه وسلم، وأجلسني على كرسيه، وقال لي: أنت المهدي المنتظر، ومن شك في مهديتك فقد كفر".
2ـ كان للفكر الصوفي دور واضح في مسيرة المهدي، ومما يدلل على ذلك قيامه بتشييد ضريح شيخه القرشي وبناء قبة عليه، كما تفعل الصوفية، وكتابته لخمس رايات ـ خلال حروبه وجهاده رفع عليها شعار (لا إله إلاّ الله محمد رسول الله) وعلى أربع منها كتب على كل واحدة منها اسم واحد من الأقطاب الأربعة للتصوف، وكتب على الخامسة (محمد المهدي خليفة رسول الله).
3ـ تميزت دعوته بالدعوة والإلحاح الشديد على موضوع الجهاد، والقوة والفتوة. وقد خاض معارك عديدة ضد المستعمرين الإنجليز، والحكومات الموالية لهم.
4ـ نسب المهدي إلى نفسه العصمة، وذكر بأنه معصوم لامتداد النور الأعظم فيه من قبل خالق الكون إلى يوم القيامة!
5ـ اهتمامه بالتواضع، وتخفيف المهور، وتحريم الرقى والتمائم، ومحاربة شرب الدخان وزراعته، وضرورة الابتعاد عن الملذات.(17/6)
6ـ تحريم الاشتغال بعلم الكلام، وفتح باب الاجتهاد في الدين، ووقف العمل بالمذاهب الفقهية المختلفة، وأقر كتب كشف الغمة للشعراني، والسيرة الحلبية، وتفسير روح البيان للبيضاوي، وتفسير الجلالين.
ومما يؤخذ على اجتهادات المهدي
1ـ تكفيره من خالفه أو شك في مهديته.
2ـ تسميته الزمان الذي قبله زمان الجاهلية أو الفترة.
3ـ جعل المتهاون في الصلاة كالتارك لها جزاؤه أن يقتل حدّا.
4ـ افتاؤه بأن من يشرب التنباك يؤدب حتى يتوب أو يموت.
5ـ جعل المذاهب الفقهية والطرق الصوفية مجرد قنوات تصب في بحره العظيم !
6ـ منع حيازة الأرض لأنها لا تملك، إذ أنها محجوزة لبيت المال.
أبرز الشخصيات بعد المهدي:
1ـ عبد الله التعايشي، خليفته الأول، وهو الذي قوّى في نفس المهدي ادّعاء المهدية.
2ـ يعقوب شقيق التعايشي.
3ـ عبد الرحمن النجومي، وهو أحد القادة العسكريين للحركة.
4ـ الشاعر الصوفي الحسين الزهراء (1833ـ1895م). وقد حاول أن يربط بين فلسفة ابن سينا الإشراقية وبين العقيدة المهدية.
5ـ حمدان أبو عنجة، وهو من القادة العسكريين.
الانتشار ومواقع النفوذ
ابتدأ المهدي دعوته من جزيرة " أبا " التي ما تزال مركزاَ قوياً للمهدية إلى الآن، وقد استطاع أن يوثق صلته بالقبائل في مختلف أنحاء السودان، وقد كان لشخصية المهدي القوية، والسخط العام الذي كان سائدا ً ضد الولاة الذين كانوا يفرضون الضرائب، وتفشي الرشوة والمظالم، وسيطرة الأتراك والإنجليز، كان لذلك كله دور في تجمع الناس حول هذه الدعوة، خاصة وأن المهدي كان يدعو للجهاد، وكان الجهاد من صلب دعوته.(17/7)
وقد استطاع المهدي تأسيس دولة، أقام فيها نظاماً إسلامياً، ونظم الشؤون المالية، وعيّن الجباة لجمع الزكاة، ولم تدم دولته طويلاً حيث قضى عليها اللورد كتشز، الذي كان سرداراً لمصر، في عام 1896، وكان ذلك بعد وفاة المهدي بعدة سنوات. وخلال حكمه أقام حدود الشريعة والقصاص.. وصك العملة باسمه في بداية العام الذي توفى فيه (1885م).
وخلال حكمه أيضا تطلع المهدي إلى عالمية الدعوة حيث قال أن الرسول ? بشّره بأنه سيصلي في الأبيض ثم في بربر ثم في المسجد الحرام في مكة فمسجد المدينة، فمسجد القاهرة، وبيت المقدس وبغداد والكوفة.
وقد تطلع المهدي وخليفته التعايشي لنقل المهدية إلى خارج السودان، لكن هذا الأمل تلاشى بسقوط طوكر سنة 1891م.
أنصار المهدي وأحفاده في الوقت الحاضر
ما يزال أحفاد المهدي وأنصاره يسعون لأن يكون لهم دور في الحياة الدينية والسياسية في السودان، وما يزال للمهدية أنصار كثيرون يجمعهم حزب الأمة الذي يرأسه الصادق المهدي رئيس الوزراء السابق الذي أطاحت به ثورة الإنقاذ بقيادة عمر البشير سنة 1989م.
وقد انقسم حزب الأمة إلى ثلاثة أقسام:
1ـ قسم برئاسة الصادق المهدي،وهو أقوى الأقسام.
2ـ قسم برئاسة أحمد بن عبد الرحمن.
3ـ قسم برئاسة ولي الدين عبد الهادي الذي قتل سنة 1971م.
وقد برز من أبناء وأحفاد المهدي عبد الرحمن بن محمد أحمد المهدي (1885ـ 1956)، وقد سعى لتنظيم المهدية بعد أن انفرط عقدها. وصار في عام 1914 زعيماً روحياً للأنصار. وقد بعثت به الحكومة سنة 1919 لتهنئة ملك بريطانيا بانتصار الحلفاء، حيث شكل ذلك اعترافاً ضمنيّاً بالطائفة واعترافاً بزعامته لها.
وإضافة للسودان، فللمهدية تجمع في أمريكا وبريطانيا.
رابعاً: النورسية(17/8)
جماعة دينية إسلامية أقرب في تكوينها إلى الطرق الصوفية منها إلى الحركات المنظمة. أسسها الشيخ سعيد النورسي( ) وركز فيها على الدعوة إلى حقائق الإيمان والعمل على تهذيب النفوس، ومحدثاً تياراً إسلامياً في محاولة منه للوقوف أمام المد العلماني الماسوني الذي اجتاح تركيا عقب سقوط الخلافة الإسلامية، واستيلاء مصطفى كمال أتاتورك على الحكم في تركيا.
وقد صنعت تلك الأحداث الأليمة مسيرة النورسي، وشغلت الدعوة إلى التمسك بالإسلام ومحاربة الأفكار المنحرفة التي فرضها أتاتورك حيزاً كبيراً من دعوته. وقد كان العلمانيون الذين حكموا تركيا بعد سقوط الخلافة يخشون من دعوة النورسي، ويعارضونها أشد المعارضة، فما كان منهم إلاّ أن استغرقوا حياته بالسجن والتعذيب والانتقال من سجن إلى منفى، ومن منفى إلى محاكمة.
وقد أصدرت المحاكم ضده أحكاماً بالإعدام عدة مرات، لكنهم كانوا يعدلون عن تنفيذها خوفاً من ثورة أتباعه وأنصاره، والتهم الرئيسة التي كانت توجه إلى بديع الزمان، يمكن تلخيصها فيما يلي:
1ـ العمل على هدم الدولة العلمانية والثورة الكمالية، والتهجم على كمال أتاتورك.
2ـ إثارة روح التدين في تركيا.
3ـ تكوين جمعية سرية.
أهم الأفكار والمعتقدات
فكر هذه الجماعة هو ما كتبه المؤسس ذاته، حتى إنك لا تكاد تجد ذكراً لآخرين تركوا إضافات مهمة على فكرها. وقد ألفّ النورسي أكثر من 130 رسالة عالج فيها مختلف القضايا الدينية والروحية والنفسية، منها: قطوف أزاهير النور، والحشر، والآية الكبرى، والإنسان والإيمان، وحقائق الإيمان، والشكر، والملائكة، والتفكير الإيماني، والخطوات الست، وهذا الأخير يتحدث فيه عن مؤامرات الإنجليز ودسائسهم.
وأهم ما يميز عقيدة وفكر الجماعة:
1ـ الانتساب للعقيدة الماتريدية عقيدة تركيا والخلافة العثمانية.(17/9)
2ـ التصوف ، حيث قال النورسي للمحكمة عندما كان مسجوناً في سجن اسكشير: "لقد تساءلتم هل أنا ممن يشتغل بالطرق الصوفية، وإنني أقول لكم إن عصرنا هذا هو عصر حفظ الإيمان لا حفظ الطريقة، إن كثيرين هم أولئك الذين يدخلون الجنة بغير طريقة، ولكن أحداً لا يدخل الجنة بغير إيمان".
3ـ التخلي عن السياسة، واعتبارها من وساوس الشيطان، حيث عكف على التربية وتهذيب النفوس.
ومما يؤخذ على هذه الجماعة:
1ـ أنها لم تستطع تأسيس عمل إسلامي منظم يستطيع التصدي للمكر اليهودي الذي كان متغلغلاً في معظم نواحي الحياة السياسية.
2ـ تخليها عن السياسة جعل بعض أفرادها يقع فريسةً للأحزاب العلمانية.
3ـ عدم مساندة النورسي للشيخ سعيد الكردي الذي وقف بجانب الخلافة، وقام بثورة ضد أتاتورك سنة 1925. وقد حدثت معارك رهيبة بين الكردي، وبين أنصار أتاتورك في منطقة ديار بكر سقط فيها آلاف من المسلمين.
الانتشار ومواقع النفوذ
بدأت جماعة النور في المنطقة الكردية شرقي الأناضول، وامتدت إلى أرض روم واسبارطة وما حولها ثم انتقلت إلى اسطنبول، ووصلت الدعوة إلى كل الأراضي التركية، واكتسحت كل التنظيمات القائمة على أرضها آنذاك وبلغ عدد أعضائها أكثر من مليون شخص.
وقد تفرقت هذه الجماعة بعد وفاة مؤسسها إلى ثلاثة أقسام متنافرة:
1ـ قسم التزم الحياد.
2ـ قسم التحق بحزب السلامة.
3ـ قسم عادى حزب السلامة (حزب الرفاه بقيادة نجم الدين أربكان) وتحالف مع حزب العدالة الذي رأسه سليمان ديميريل.
وإضافة لتركيا فإن للجماعة أنصاراً في الهند وباكستان، ولها نشاط في أميركا من خلال الطلاب الأتراك من أتباع مدرسة النورسي.
للاستزادة:
1ـ الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة ـ طبعة عام 1418هـ ـ إعداد الندوة العالمية للشباب الإسلامي.
سطور من الذاكرة
البرامكة في بلاط الرشيد والمأمون(17/10)
حظي البرامكة بوضع مميز لدى خلفاء العصر العباسي، وخاصة في بداياته، إذ كان لرجالهم شأن في عصر أبي العباس السفاح، والمنصور، والمهدي، والرشيد، والمأمون...، وبالرغم من قيام بعض هؤلاء الخلفاء بالقضاء عليهم لأسباب مختلفة، إلا أننا أمام فترة كان لهم فيها السطوة والنفوذ، وتنفيذ سياساتهم بحكم قربهم من الخلفاء وما اعتلوه من مناصب.
والبرامكة أسرة عريقة في المجوسية، كان جدّهم برمك سادن بيت النار (النوبهار)، وقد أعلنوا الإسلام، لكنهم كانوا يظهرون عقائدهم الفاسدة ،والتقليل من شأن العرب، حتى قال فيهم الأصمعي الشاعر:
إذا ذُكر الشرك في مجلس أنارت وجوهُ بني برمكِ
وإن تليت عندهمُ آيةٌ أتوا بالأحاديث عن مزدكِ( )
والبداية في نفوذ البرامكة كانت بإعلان خالد بن برمك إسلامه، وتقربه إلى أبي العباس السفاح، ثم من بعده إلى أبي جعفر المنصور، وبعد خالد جاء ابنه يحيى الذي كان له التأثير الكبير على سياسة هارون الرشيد، بل وحتى أموره الشخصية حتى يعتقد بأن يحيى بن خالد البرمكي هو الذي أقنع الرشيد بالزواج من (مراجل) الفارسية، أم المأمون.
ثم كان تأثير (جعفر) و (الفضل) أكبر من تأثير أبيهما يحيى واستطاعا كسب رضى الرشيد، حتى جعل يحيى وزيره، وفوّضه أمورَه كلَّها سنة 178هـ، وولّى ولده الفضل بن يحيى على خراسان.
وحين فوض الرشيد أمر الخلافة إلى يحيى بن خالد، استعظم العلماء الصالحون هذا الأمر، وكتب أحدهم وهو محمد بن الليث إلى الرشيد يقول: "يا أمير المؤمنين" إن يحيى بن خالد لا يغني عنك من الله شيئاً، وقد جعلته فيما بينك وبين الله، فكيف أنت إذا وقفت بين يديه...؟ فما كان من يحيى البرمكي إلاّ أن أوغر صدر الخليفة حتى أمر بحبس محمد بن الليث، وهكذا كان تعامل هؤلاء البرامكة مع علماء المسلمين، فضلاً عن عامتهم، الأمر الذي جعل المسلمين يكرهون هؤلاء البرامكة إضافة إلى كره الخلفاء.(17/11)
وعندما أفرج الرشيد عن ابن الليث بعد خلافه مع البرامكة واستبعاده لهم، قال ابن الليث لهارون مبيناً حقيقة ما يدين به البرامكة: "... وضعتَ في رجلي الأكبال، وحُلت بيني وبين العيال بلا ذنبٍ أتيتُ، ولا حدثٍ أحدثتُ، سوى قول حاسد، يكيد الإسلام وأهله، ويحب الإلحاد وأهله.."
لم يكن عمل هؤلاء البرامكة في بلاط الخلفاء عشوائياً، بل كان جهداً منظماً مدروساً استخدموا فيه أساليب عديدة من التضليل والتذلل للخلفاء وغير ذلك.
ولم تكن مجالس البرامكة إلا مجالس الشرك والفساد، كما وصفها الأصمعي، وكان القيم على مجلس البرامكة الزنديق هشام بن الحكم، وهو أول من ادّعى أن النبي ? نصّ على إمامة علي رضي الله عنه، ولم يُسمع ذلك عن أحدٍ قبله.
وتغير هارون الرشيد فجأة تجاه البرامكة، فقتل جعفر بن يحيى وسجن يحيى وابنه الفضل، وصادر أملاكهم وأموالهم، واختلفت التفسيرات في ذلك، فالبعض أرجعها إلى زيادة نفوذهم، ومغالاتهم بالتبذير والمصروفات، وعدم اهتمامهم بالخليفة حيث أصبحوا يدخلون عليه من غير إذن، وهذا ما جعل العامة والخاصة تحقد عليهم، وتتناولهم بالنقد، بل وتتناول الرشيد نفسه الذي فسح لهم المجال،فخاف الرشيد على ملكه من نفوذهم ومن نقمة العامة عليه...وقيل غير ذلك.
وبالرغم من أن عصر الرشيد شهد القضاء على أسرة برمك، إلاّ أن صنائعهم وآثارهم ظلت بعد ذلك، خاصة في عصر المأمون. حيث لما ولد المأمون بن الرشيد، رشّح يحيى البرمكي مجوسيّاً أعلن إسلامه هو سهل الفارسي لخدمة المأمون والإشراف على رعايته وتربيته، وصار لولدي سهل - الفضل والحسن - المكانة الكبيرة، في عهد المأمون، وخاصة الفضل بن سهل الذي لا يمكن عند الحديث عن البرامكة المرور عليه مرور الكرام.(17/12)
وفي سنة 196هـ، عّين المأمون الفضل بن سهل بمركز رفيع، وعقد له على المشرق من همذان إلى التبت طولاً، ومن الخليج العربي إلى بحر الديلم (قزوين) وجرجان عرضاً، ولقّبه ذا الرئاستين، وجعل أخاه الحسن بن سهل على ديوان الخراج.
وفي سنة 197هـ ولّى المأمون الحسن على العراق وفارس والأهواز والحجاز واليمن.
وفي سنة 202هـ تزوج المأمون من (بوران) بنت الحسن بن سهل، وأقام عرساً في غاية البذخ ومظاهر الأبهة.
وكان الفضل بن سهل وأخوه الحسن من زعماء الزنادقة، ولكنهم كانوا يتظاهرون بالإسلام ـ كما جاء في كتاب الفهرست لابن النديم.
وعن أطماعه السياسية يقول ابن طباطبا: إن الفضل كان من أولاد ملوك الفرس قبل الإسلام، ولذلك كان يطمع في أن يستعيد هذا النفوذ للفرس عن طريق الخلفاء المسلمين، فقد تحدث الفضل ذات مرة عن علاقته بالمأمون قائلاً: والله ما صحبته لأكتسب منه مالاً قلّ أو جلّ، ولكن صحبته ليمضي حكم خاتمي هذا في الشرق والغرب.
ونجح الفضل في إذكاء الخلاف بين المأمون وأخيه الأمين على الخلافة، بل وفي حياة والدهما الرشيد، وكان يذكر للمأمون أن أمه ليست عربيه مثل أم الأمين، حيث أخواله من بني هاشم.
وكان الفضل يحذر المأمون من التنازل عن الخلافة للأمين، واستعمل عدداً من وسائل الغدر والكذب لهزيمة جيش الأمين، وكان له ذلك، فزادت مكانته عند المأمون.
وكان الفضل يعمل لحساب نفسه كما يجمع المؤرخون، فقد حرص أن يمد سلطانه إلى بغداد عاصمة الخلافة، وكان المأمون حينها في خراسان، وكان الفضل يوغر صدر المأمون على طاهر بن الحسين، القائد الذي كان يخضع بغداد للمأمون، وقد تم نفيه إلى الرّقة كي يتم تسليم بغداد والعراق إلى الحسن شقيق الفضل وهذا ما كان.
وكانت النتيجة الطبيعية لدسائس الفضل ومؤامراته أن يقتله المأمون لما انكشف أمره، وكان ذلك سنة 202هـ ، لتبدأ بعدها مرحلة جديدة بدون الفضل ومؤامراته، وبدون صنائع البرامكة والمفسدين.
للاستزادة:(17/13)
1 ـ الخمينية وريثة الحركات الحاقدة والأفكار الفاسدة ـ وليد الأعظمي
2 ـ حركات فارسية مدمرة ـ د. أحمد شلبي
3 ـ التاريخ الإسلامي (الدولة العباسية) ـ محمود شاكر
دراسات : موقف مفكري الإسلام من الشيعة - 3 -
التشيع
بقلم الشيخ سعيد حوّى
هذه سلسلة من البحوث كتبها مجموعة من المفكرين والباحثين عن عقيدة وحقيقة مذهب الشيعة من خلفيات متنوعة ومتعددة, نهدف منها بيان أن عقائد الشيعة التي تنكرها ثابتة عند كل الباحثين, ومقصد آخر هو هدم زعم الشيعة أن السلفيون أو الوهابيون هم فقط الذين يزعمون مخالفة الشيعة للإسلام .
هذا البحث كتبه الشيخ سعيد حوى مقدمة لكتاب " التشيع بين مفهوم الأئمة و المفهوم الفارسي " تأليف محمد البنداري و نشرته دار عمار عام 1999 . الراصد
كتب الشيخ سعيد حوى :
كان الناس يعرفون أن صراعاً سياسياً حدث بين علي رضي الله عنه وكرم وجهه من جهه، وبين بعض الصحابة رضي الله عنهم أجمعين من جهة أخرى، وكل الناس تعرف أن هذا الصراع حُسم سياسياً بشكل مؤقت لصالح بني أمية، ولكن قلة من الناس تعرف أن الأمة لإسلامية كلها قد حسمت هذا الصراع في المآل اعتقادياً وفكرياً وروحياً لصالح الإمام علي رضي الله عنه.
فالذي استقرت عليه الأمة الإسلامية، أن الإمام علياً كان على صواب، وأن مخالفيه كانوا على خطأ . وقد استندت الأمة الإسلامية في هذا الحكم إلى نصوص كثيرة، جعلتها تستقر على هذا الحكم.
فإذا وجد في عصر الصراع بين الإمام علي ومخالفيه من التبس عليه الأمر من الأمة الإسلامية، فوجد بذلك من تشيع للإمام علي، ومن تشيع لمخالفيه، فإن هذا اللبس قد زال فيما بعد، وأصبحت الأمة الإسلامية كلها متشيعة للإمام علي رضي الله عنه.
وهكذا استقرت الأمة الإسلامية على نوع من التشيع، ويمكن أن نسميه التشيع السني، فكل من تمسك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابتة عنه، فإنه متشيع بالفطرة للإمام علي رضي الله عنه، وآل بيته.(17/14)
فإذا كان التشيع للإمام علي رضي الله عنه ولآل بيته، يعني الحب والاحترام والتقدير، فهذا قاسم مشترك بين كل المسلمين، إلا من ابتدع وخالف، وهم بفضل الله قلة.
هذا، قد تبينت الأمة الإسلامية أن الحق والصواب بجانب علي رضي الله عنه في صراعه مع الخوارج، وذلك عندما انتشرت بينها الأحاديث الصحيحة، ومنها ما أخرجه البخاري وغيره عن أبي سعيد الخدري ? قال:
بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ وهو يقسم قسماً ـ إذا أتاه ذو الخويصرة ـ وهو رجل من بني تميم ـ فقال: يا رسول الله! اعدل. فقال: "ويلك، ومن يعدل إذا لم أعدل؟! قد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل". فقال عمر: يا رسول الله ! ائذن لي فيه فأضرب عنقه. فقال: دعه، فإن له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى رِصافِه فما يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى نضيِّه ـ وهو قدحه ـ فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى قذذه فلا يوجد فيه شيء، قد سبق الفرث والدم، آيتهم رجل أسود, إحدى عضديه مثل ثدي المرأة، أو مثل البضعة تدردر، ويخرجون على حين فرقة من الناس". قال أبو سعيد: فأشهد أني سمعت هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم، وأنا معه، فأمر بذلك الرجل، فالتمس، فأتي به، حتى نظرت إليه على نعت النبي صلى الله عليه وسلم الذي نعته. "صحيح البخاري" (3610).(17/15)
هذا التشيع السني رافقه الحب والاحترام والتقدير لعلي وآل بيته، لأن الأمة تلقت عن رسولها عليه الصلاة والسلام، وفهمت من كتاب ربها، أن المودة والمحبة ينبغي أن تعطيا لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأن آل رسول الله صلى الله عليه وسلم مظنة العلم والهداية والقدوة، قال تعالى: {قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى}، فسرها بعضهم: أي إلا بأن تودوا قرابتي. وقال تعالى: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً}.
ومن هاهنا، نظرت الأمة الإسلامية إلى الإمام علي رضي الله عنه، ولأولاده وأحفادهم الكرام ممن استقامت عقيدته نظرة إجلال وإكبار .
ولو أنك تأملت ما ترجم به علماء أهل السنة للإمام علي رضي الله عنه و لأولاده وأحفاده, لرأيت هذا كله مجسداً حياً يدل على ما ذكرناه، وتجد ذلك واضحاً في كتب علماء الرجال والتراجم، مثل ابن سعد، والبخاري، وابن أبي حاتم الرازي، والخطيب البغدادي، وابن عساكر، وعبد الغني المقدسي، والمزي، والذهبي، وابن كثير، وابن حجر، وغيرهم.
انظر ـ مثلاً ـ ما ترجم به الإمام الذهبي للحسن والحسين رضي الله عنهما، ولعلي بن الحسين زين العابدين رضي الله عنه، ولابنه محمد الباقر، ولابن محمد الباقر الصادق، ولموسى الكاظم بن جعفر الصادق، إلى آخرين من آل البيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ترجم لهم الذهبي، تجد مصداق ما قلناه، وها نحن ننقل لك شيئاً مما ترجم به الذهبي لهؤلاء الكرام الطاهرين:
قال الذهبي عن الحسن بن علي رضي الله عنه:
"الإمام،السيد، ريحانة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسبطه، وسيد شباب أهل الجنة، أبو محمد، القرشي، المدني، الشهيد"( ). وترجم له ترجمة طويلة.
وقال عن الحسين رضي الله عنه:
"الإمام الشريف الكامل، سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم، وريحانته من الدنيا، ومحبوبه، أبو عبد الله، الحسين بن أمير المؤمنين" وذكر روايات كثيرة في فضله منها:(17/16)
"عن حذيفة، سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: هذا مَلَكٌ لم ينزل قبل هذه الليلة، استأذن ربه أن يسلم علي، ويبشرني بأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة، وأن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة. أخرجه الترمذي، وهو حديث حسن".
قال الذهبي:
"وقد كان هذا الإمام سيداً، وسيماً، وجميلاً، عاقلاً، رزيناً، جواداً، مُمَدَّحاً، خيراً، ديناً، ورعاً، محتشماً، كبير الشأن...إلخ"( ).
وقال الذهبي عن علي بن الحسين:
"وكان علي بن الحسين ثقة، مأموناً، كثير الحديث، عالياً، رفيعاً، ورعاً.
روى ابن عيينة، عن الزهري، قال: ما رأيت قرشياً أفضل من علي بن الحسين"( ).
وقال عنه أيضاً:
"وكان له جلالةٌ عجيبة، وحقَّ له والله ذلك، فقد كان أهلاً للإمامة العظمى، لشرفه وسؤدده وعلمه وتألهه وكمال عقله"( ).
وقال عن محمد الباقر:
"هو السيد، الإمام، أبو جعفر، محمد بن علي... وقد كان إماماً مجتهداً، تالياً لكتاب الله. كبير الشأن... ونحبه في الله لما تجمع فيه من صفات الكمال"( ).
وقال عن جعفر الصادق:
"الإمام الصادق، شيخ بني هاشم، أحد الأعلام..."( ).
لقد وجد إلى جانب هذا النوع من التشيع السني، تشيع بدعي، وهذا التشيع البدعي على مراتب:
منه تشيع يفضل علياً رضي الله عنه على عثمان رضي الله عنه، مع التسليم بفضل عثمان.
وتشيع آخر يقدم علياً على أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهما، مع الإقرار بفضل هؤلاء.
ومن هؤلاء من عد علياً ? أحق بالخلافة من أبي بكر وعمر وعثمان.
وهؤلاء كلهم عدهم أهل السنة مقبولي الرواية، لم يفاصلوهم، ولم يعتزلوهم، ولم يرفضوا روايتهم. بل إن بعض أهل التشيع المبتدع من هؤلاء عُدُّوا أئمة في العلم، وفي الحديث عن الرسول الله صلى الله عليه وسلم.
يقول القاسمي في رسالة "الجرح والتعديل":(17/17)
"كان من أعظم من صدع بالرواية عنهم الإمام البخاري رضي الله عنه وجزاه عن الإسلام والمسلمين أحسن الجزاء، فخرَّج عن كل عالم صدوق ثبت من أي فرقة كان، وملأ مسلم "صحيحه" من الرواة الشيعة، فكان الشيخان عليهما الرحمة والرضوان بعملهما هذا قدوة الإنصاف، وأسوة الحق، الذي يجب الجري عليه"( ).
ونجد أن الأئمة اعتمدوا "مصنف" عبد الرزاق، على ما فيه من تشيع، واعتمدوا "مسند" علي بن الجعد، بالرغم من أنهم قالوا عنه: إنه شيعي جلد.
إلا أنه وجد بالإضافة إلى ذلك ما سمي بالتشيع الرافضي، وهذا النوع من التشيع على قسمين: الرفض العادي، والرفض الغالي.
أما الرفض العادي، فهو تفضيل علي ? على الخلفاء الثلاثة، مع البراءة منهم، وسبهم، والحط عليهم.
وأما الرفض الغالي، فقد بدأ بتكفير الخلفاء الثلاثة، والعدد الأكبر من الصحابة.
وكعادة الانحراف، فإنه يبدأ بزاوية حادة، ثم ينتهي بأبعاد كبيرة جداً.
هذان النوعان من الرافضة لم يقبل المحدثون رواياتهم، وحكم علماء الإسلام عليهم أحكاماً تدور بين التضليل والتفسيق والتكفير.
قال الذهبي:
"فإن كان كلامهم فيه ـ أي في الراوي ـ من جهة معتقده، فهو على مراتب: فمنهم من بدعته غليظة، ومنهم من بدعته دون ذلك، ومنهم الداعي إلى بدعته، ومنهم الكافُ، وما بين ذلك.
فمتى جمع الغِلَظ والدعوة تُجُنِّب الأخذ عنه، ومتى جمع الخِفة والكف أخذوا عنه وقبلوه. فالغلظ، كغلاة الخوارج، والجهمية، والرافضة، والخفة، كالتشيع والإرجاء.
وأما من استحل الكذب نصراً لرأيه، كالخطابية، فبالأولى رد حديثه"( ).
ويقول أيضاً في "الميزان" في ترجمة أبان بن تغلب:
فلقائل أن يقول: كيف ساغ توثيق مبتدع، وحدّ الثقة: العدالة والإتقان، فكيف يكون عدلاً وهو صاحب بدعة؟ وجوابه أن البدعة على ضربين:(17/18)
فبدعة صغرى، كغلو التشيع، أو التشيع بلا غلو ولا تحرّق، فهذا كثير في التابعين، وتابعيهم، مع الدين،والورع، والصدق. فلو رد حديث هؤلاء لذهبت جملة من الآثار النبوية، وهذه مفسدة بينة.
ثم بدعة كبرى، كالرفض الكامل،والغلو فيه، والحط على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، والدعاء إلى ذلك، فهذا النوع لا يحتج بهم، ولا كرامة. وأيضاً، فما أستحضر الآن في هذا الضرب رجلاً صادقاً ولا مأموناً، بل الكذب شعارهم، والتقية والنفاق دثارهم، فكيف يقبل من هذا حاله؟! حاشا وكلا".
ويقول الحافظ ابن حجر:
"والتشيع محبة علي وتقديمه على الصحابة، فمن قدمه على أبي بكر وعمر فهو غال في تشيعه، ويطلق عليه رافضي، وإلا فشيعي، فإن انضاف إلى ذلك السب، أو التصريح بالبغض، فغال في الرفض، وإن اعتقد الرجعة إلى الدنيا، فأشد في الغلو"( ). اهـ.
وقال رحمه الله في "التهذيب" أيضاً:
"التشيع في عرف المتقدمين هو اعتقاد تفضيل علي على عثمان، وأن علياً كان مصيباً في حروبه، وأن مخالفه مخطئ، مع تقديم الشيخين وتفضيلهما. وربما اعتقد بعضهم أن علياً أفضل الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا كان معتقد ذلك ورعاً، ديناً، صادقاً، مجتهداً، فلا ترد روايته بهذا، لا سيما إذا كان غير داعية، وأما التشيع في عرف المتأخرين، فهو الرفض المحض، (أي السب والشتم)، فلا تقبل رواية الرافضي الغالي، ولا كرامة"( ).
وتحت ظل الرفض تجمعت الشعوبية والأهواء، والكيد للإسلام، والطموحات السياسية، فأدخلت على الإسلام الطامات، ووجد باسم التشيع ـ وهو في الحقيقة الرفض لا التشيع ـ جدار سميك بين أهل السنة والجماعة وبين الرافضة، يظهر بين الحين والحين بصراع مسلح.
إن الشعوبية الحاقدة على العرب والإسلام، بثت سمومها من خلال الرفض والأهواء، وأوجدت أطراً وعقائد فاسدة للتفريق بين الأمة، ولتجميع الجهلة.(17/19)
والحاقدون على الإسلام لم يجدوا شيئاً يبثون فيه سمومهم، ويخرجون الناس من الإسلام، كمثل العمل تحت شعار الرفض.
هذا، وقد أصبحت لهذا الرفض دول وحكومات، كان من مصلحتها أن تعمق الهوة بين العالم الإسلامي وبين شعوبها، فعمقت الشذوذ والانحراف، وكثفت الحجب بين العالم الإسلامي وبين هذه الشعوب.
وقد فطن حجة الإسلام الغزالي رحمه الله لبعض هذا الكيد، فألف كتابه "فضائح الباطنية"، ومما قال فيه:
"تشاور جماعة من المجوس، والمزدكية، وشرذمة من الثنوية الملحدين، وطائفة كبيرة من ملحدة الفلاسفة المتقدمين، وضربوا سهام الرأي في استنباط تدبير يخفف عنهم ما نابهم من استيلاء أهل الدين، وينفس عن كربة ما دهاهم من أمر المسلمين، حتى أخرسوا ألسنتهم عن النطق بما هو معتقدهم من إنكار الصانع، وتكذيب الرسل، وجحد الحشر والنشر والمعاد إلى الله في آخر الأمر... وقد تفاقم أمر محمد صلى الله عليه وسلم، واستطارت في الأقطار دعوته، واتسعت ولايته، واتسقت أسبابه وشوكته، حتى استولوا على ملك أسلافنا، وانهمكوا في التنعم في الولايات، مستحقرين عقولنا، وقد طبقوا وجه الأرض ذات الطول والعرض، ولا مطمع في مقاومتهم بقتال، ولا سبيل إلى استنزالهم عليه بمكر واحتيال، ولو شافهناهم بالدعاء إلى مذهبنا لتنمروا علينا، وامتنعوا من الإصغاء إلينا، فسبيلنا أن ننتحل عقيدة طائفة من فرقهم..ونتحصن بالانتساب إليهم، والاعتزاء إلى أهل البيت عن شرهم، ونتودد إليهم بما يلائم طبعهم... ومتوصل به إلى تطويل اللسان في أئمة سلفهم الذين هم أسوتهم وقدوتهم، حتى إذا قبحنا أحوالهم في أعينهم، وما ينقل إليهم شرعهم بنقلهم وروايتهم، اشتد عليهم باب الرجوع إلى الشرع،وسهل علينا استدراجهم إلى الانخلاع عن الدين، وإن بقي عندهم معتصم عن ظواهر القرآن، ومتواتر الأخبار، أوهمنا عندهم أن تلك الظواهر لها أسرار وبواطن، وأن إمارة الأحمق الانخداع بظواهرها، وعلامة الفطنة اعتقاد بواطنها، ثم(17/20)
نبث إليهم عقائدنا، ونزعم أنها المراد بظواهر القرآن، ثم إذا تكثرنا بهؤلاء، سهل علينا استدراج سائر الفرق بعد التحيز إلى هؤلاء، والتظاهر بنصرهم. ثم قالوا: طريقنا أن نختار رجلاً ممن يساعدنا على المذهب، ونزعم أنه من أهل البيت، وأنه يجب على كافة الخلق مبايعته، ويتعين عليهم طاعته، فإنه خليفة رسول الله ?، معصوم عن الخطإ والزلل، ومن جهة الله تعالى"( ).
ثم إنه جدت أمور وأمور بعد الغزالي ـ رحمه الله ـ تحت شعار التشيع الرافض، تشيب من هولها الولدان، مما جعل الضرورة ملحة لرصد مسيرة هذا الرفض الملعون، وإرجاع الأمة إلى صفاء العقيدة ونقائها، وإلى التشيع السني الصافي،الذي درجت عليه الأمة، وأشرنا إليه في بداية هذه المقدمة.
وقد أطلعني ناشر هذا الكتاب ـ وهو أخ صديق ـ على كتاب حقق هذه الضرورة، حيث كان رصداً لمسيرة الرفض العادي والغالي، وإرجاعاً للأمة إلى التشيع السني الأصيل، وطلب مني أن أكتب مقدمة لهذا الكتاب، وكان ذلك يوافق رغبة مني، فكتبت هذه المقدمة الوجيزة، مناشداً كل متشيع لأهل البيت أن يقرأ هذا الكتاب أولاً، وأن يتجرد من كل هوى، ليبدأ التحقيق الجاد في كل ما فرق به أهل الأهواء بين عالم السنة وعالم الشيعة، فلعل نوراً جديداً يلمع في الأفق يعيد لهذه الأمة وجدتها، ويجعلها علها على كلمة سواء فيما بينها، لتنطلق هذه الأمة واعية على بصيرة إلى الله، في عالم كثير الظمإ إلى الدين الإسلامي الحنيف.(17/21)
ولقد تتابعت حلقات مخطط الرفض الرهيب في إفراغ التشيع من محتواه الحقيقي، ووضعه في موقع مضاد للإسلام وعقيدته، وهدم أركان العقيدة الإسلامية من نفي للتوحيد، وادعاء بتحريف القرآن، وإنكار للسنة النبوية سيما السابقين منهم، كأبي بكر وعمر، وعثمان، وخالد، وأبي عبيدة نحوهم، والتقرب إلى إلاههم بلعنهم وسبهم، فضلاً عن قولهم بترهات وضلالات وروايات اخترعوها، تنفر العاقل من الدين، وتنزل بالعقل من سماء الحكمة إلى حضيض الحيوانية العجماء، كالقول بعصمة الأئمة، والنص من الله بتعيينهم خلفاء في الأرض، يحرمون ويحللون كيف يشاؤون، والإيمان بالمهدوية، والنيابة عنهم، وجواز البداء على الله ـ تعالى الله عما يقولون ـ، وضرورة الكذب باسم التقية، وإباحة النساء باسم المتعة، وإهانة المرأة بوطئها في دبرها، والإساءة إلى آل البيت حينما يصورونهم فاقدي الشجاعة والجرأة في طلب الحق وإظهاره، متبعين لسياسية إخفاء الحق لأجل مصالحهم الدنيوية ـ أعاذهم الله من ذلك ـ، مستبيحين لدماء المسلمين وموالهم وحرماتهم ومقدساتهم.
ويلاحظ أن جملة كبيرة من الحركات الهدامة قد تبنت كل هذا الشذوذ، ومكنت له بقوتها وأموالها وإرهابها، مثل: القرامطة، والخرمية، والبابكية، وما قام به البويهيون، والعبيديون (الفاطميون)، والحشاشون، والصفويون، من جهد منظم لأجل إشاعة هذا الترهات، وتدوينها في كتب بثوا حولها دعاية كبيرة، جعلتها تحتل منزلة مقدسة عند الشيعة، ونسبوا إلى آل البيت الكرام آلاف الروايات المكذوبة، لدعم خطتهم وهدفهم.
لقد اقترن الرفض الملعون بسب أفضل جيل عرفته البشرية، وهو جيل الصحابة، بل بسب أفضل خلق الله بعد الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، فقد سب الرافضة أبا بكر، وعمر، وهذا السباب للشيخين والصحابة تُستدرج لهما الأمة الآن تحت أغطية كثيرة، ومن خلال خداع كبير.(17/22)
فهل يجوز لعالم أن يسكت عن هذا الاستدراج، وقد وصف الله تعالى في محكم كتابه العزيز جيل الصحابة بأنه خير أمة أخرجت للناس، فقال سبحانه: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم...}. وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: "لا تسبوا أصحابي، فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه".
وكما أشرنا قبل قليل، فإن الباحث يتوجه بكتابه هذا إلى الشيعة أنفسهم، إذ لا يشك أن غالبية الشيعة لا يعرفون شيئاً عن التشيع السائد في كتبهم، وما فيه من مخالفات صريحة للقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وما هو معلوم من الدين بالضرورة، فهم يظنون أنفسهم أنهم مسلمون، ويمتازون على غيرهم بمزيد محبتهم لعلي وأهله، ولا ريب أنهم حينما يطلعون على حقيقة الأمر، ويقفون على الإلحاد والشعبذة والكفريات التي بثها ويبثها زعماء الشيعة الفرس اليوم، فإنهم سيرفضونها جملة وتفصيلاً.
لقد آن الأوان لتنقية التشيع الحقيقي من كل ما علق به، ودس فيه من أفكار فاسدة, وضلالات، وترهات، عمل اليهود والمجوس على إدخالها فيه، والعودة به إلى منابعه الصافية، التي عُرف بها في صدر الإسلام. وما هذا الكتاب إلا محاولة جادة في هذا الطريق إن شاء الله، وقد رافقته محاولة أخرى لعلم من أعلام الشيعة المعاصرين، هو الدكتور موسى الموسوي، في كتابه "التشيع والتصحيح"، الذي نندب كل شيعي مخلص لقراءته وتدبره، {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون}.
نسأل الله أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه إنه سميع مجيب.
من كتاب " التشيع بين مفهوم الأئمة و المفهوم الفارسي " تأليف محمد البنداري
من صفحة 5 إلي صفحة 16
فرقة الأحباش
نشأتها ـ عقائدها ـ أثارها
تأليف
د. سعد بن علي الشهراني(17/23)
صدر هذا الكتاب عام 1423هـ في مجلدين وهو في الأصل رسالة دكتوراة من جامعة أم القرى في مكة المكرمة.
ويأتي هذا الكتاب في وقت تتزايد فيه الآثار السيئة لفرقة الأحباش في لبنان خاصة والبلاد التي يتواجدون فيها بعامة.
ويمتاز الكتاب بميزتين هامتين:
الميزة الأولى: معايشة المؤلف للأحباش في لبنان وزيارتهم في مراكزهم ومن له صلة مباشرة بهم سواء من أهل الحبشة وهم من موطن الحبشي صاحب هذه الفرقة ، أو العلماء والمفكرين اللبنانيين الذين يعاصرون هذا الفرقة.
الميزة الثانية: حسن ترتيب المؤلف لكتابه في أبواب وفصول ميسرة وواضحة ، مع سهولة العبارة وجودتها.
وقد قسم المؤلف الكتاب إلى خمسة أبواب وهذا عرض موجز لها :
الباب الأول: نشأة فرقة الأحباش. وهو من أهم فصول الكتاب لأنه جمع فيه ما تفرق وزاد عليها في تاريخ هذه الفرقة ويمكن الإشارة سريعاً إلى الملاحظات التالية:
ـ كذب ادعاء الحبشي وتلاميذه أنه مفتي هرر أو الصومال.
ـ كان له دور سيئ في إعاقة الدعوة الإسلامية ومنع حماية المسلمين من ظلم النصارى حين تعاون مع المحتل النصراني لمدينة هرر على إخوانه المسلمين في "الجمعية الوطنية الإسلامية بهرر" وكان من آثار تعاونه إغلاق الجمعية وذلك بعد مغادرته هرر.
ومن شذوذ الحبشي أن رئيس الجمعية الوطنية الإسلامية بهرر الحاج يوسف الهرري زوج أخته للحبشي لكن الحبشي لما شذ في دينه شذ في أخلاقه فعادى أقرباءه وأرحامه!
أما سبب وجوده في لبنان فإنه لما وجد أن العلماء في سوريا لم يقبلوا كلامه الشاذ وآراءه الغريبة وكان منهم الشيخ الألباني رحمه الله والشيخ عبد القادر الأرناؤوط رحمه الله نصحه بعض الناس بالذهاب إلى لبنان لأنها خالية من العلماء الذين قد يعارضونه !!(17/24)
ـ "جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية" وهي جمعية الأحباش ليسوا هم من أنشأوها بل هي جمعية قديمة أنشئت عام 1930 ولكنها كانت تعاني من الركود والخمول فوجه الحبشي رجاله للاستيلاء عليها واستغلالها حتى تم لهم ذلك عام 1983 وهو بداية عهد نشاطهم الاجتماعي والتعليمي.
ـ دوره في الحرب اللبنانية تميز بالانتهازية والتنقل بين الفصائل والقوى المختلفة غير السنية. ولكن مع الحفاظ على الود مع الوجود الإسرائيلي ولذلك لم تتعرض منطقة برمة أبي حيدر إلى اعتداء اليهود وهي معقلهم في بيروت مع أن أغلب أحياء بيروت دمرت ودكت!!
ـ ليس للأحباش موقف مبدئي أو عقائدي تجاه قضايا الأمة فمثلاً في القضية الفلسطينية هم في لبنان مع سوريا في رفض السلام ولكنهم في الأردن مع الأردن في قبول السلام!!
ـ هيكلية الأحباش وفروعهم في العالم.
هذه بعض الإشارات السريعة لما في هذا الباب من تفاصيل مهمة لكل باحث عن أصل وتاريخ الأحباش.
الباب الثاني: عقائد الأحباش وتناول فيه المؤلف بالعرض والنقد عقائد الأحباش في العقائد التالية:
1ـ معرفة الله.
2ـ توحيد الألوهية.
3ـ الأعمال التي أخرجها الأحباش من العبادة.
4ـ صفات الله.
5ـ الإيمان والتكفير.
6ـ القدر.
7ـ الأنبياء.
8ـ الصحابة.
الباب الثالث: بدع الأحباش واشتمل على البدع التالية مع ردها :
1ـ تحسين البدع
2ـ التوسل
3ـ التبرك
4ـ حصر الشفاعة في أهل الكبائر
5ـ تقديس القبور
6ـ الطريقة الرفاعية
الباب الرابع: موقف الأحباش من علماء الأمة وجاء فيه:
1ـ موقفهم من شيخ الإسلام ابن تيمية.
2ـ موقفهم من الإمام محمد بن عبد الوهاب.
3ـ موقفهم من العلماء والدعاة المعاصرين.
الباب الخامس: آثار الأحباش :
1ـ الآثار الاعتقاديه.
2ـ آثرهم في تفريق الأمة.
3ـ الفتاوى الشاذة.
4ـ آثارهم على الدعوة الإسلامية.
والكتاب يعد إضافة مهمة للمكتبة الإسلامية في زمن انتشار بدعة الأحباش في كثير من الأماكن.
قالوا(17/25)
إيران تحظر مجلة بسبب "الخليج الفارسي"
قالوا: " منعت السلطات الإيرانية صحافيي المجلة الأميركية الشهيرة "ناشونال جيوغرافيك" من دخول أراضيها كما منعت بيع المجلة في إيران بعدما استخدمت المجلة اسم "الخليج العربي" إلى جانب "الخليج الفارسي" في الحديث عن منطقة الخليج.
وقال مدير المطبوعات الأجنبية في وزارة الثقافة والإرشاد محمد حسين خوش لن نقبل أبداً استخدام "التعبير المضلل" "الخليج العربي" الذي (قال أنه) يتناقض أيضاً مع وثائق الأمم المتحدة، وسنتحرك ضد أي هيئة تستخدمه".
وقال المتحدث باسم الحكومة الإيرانية عبد الله رمضان زاده "سندافع عن الهوية التاريخية للخليج الفارسي، ولن نقبل أي تزوير، وستتخذ الإجراءات القانونية"
وكالة الصحافة الفرنسية
22/11/2004
قلنا: أين إسلامية إيران وهي تعتز بالفارسية حتى آخر لحظه! رغم أن سكان شواطئ الخليج على الجانبين عرب!!
لكن هذا الإصرار يكشف حقيقة العلاقة والروابط بين التشيع والفارسية.
تنظيم مسلح جديد في البصرة لحماية الشيعة
قالوا: "أعلن في البصرة جنوب العراق عن إنشاء مجموعة تطلق على نفسها اسم "كتائب الغضب" لحماية العراقيين الشيعة من الهجمات التي تستهدفهم. وأوضح رجل قال أنه يدعى المهدي ويتزعم هذه المجموعة... أن هدف هذه الكتائب هو حماية الحجاج، والتخلص من كافة الإرهابيين..."
وكالة الصحافة الفرنسية
17/11/2004
قلنا: ألا يكفي كل التنظيمات والجماعات الشيعية المسلحة، حتى يتم إنشاء تنظيم مسلح جديد، ألا يكفي ما لقيه السنة في العراق من هذه التنظيمات حتى يولد تنظيم جديد يوجه أسلحته إلى أهل السنة ومساجدهم ومؤسساتهم وأوقافهم بحجة حماية الحجاج الشيعة من الإرهابيين!".
الصدر هل هو في طريقه إلى صناديق الاقتراع؟!
قالوا: "مثلما كانت هناك جهود وضغوط شيعية لضم التيار الصدري إلى العملية السياسية، تبذل الآن جهود وضغوط لاستقطاب هذا التيار إلى قائمة شيعية انتخابية موحدة".(17/26)
رضا جواد تقي
مدير العلاقات السياسية في المجلس
الأعلى للثورة الإسلامية في العراق
قلنا: ولماذا كل هذه الصدامات مع القوات الأمريكية، إذا كانت النتيجة تحسين المواقع للدخول في العملية السياسية، أم أن تشكيل قائمة شيعية انتخابية موحدة من أجل الوصول إلى السلطة أهم من أي شيء آخر؟!
المحافظون في إيران يحاربون الإصلاحيين بالدعارة!
قالوا: "لم أنفِ ظاهرة الفساد، لكنها كانت موجودة في عهد المحافظين وقبل مجيء الإصلاحيين، ولذلك لا أعتقد أنها كانت سبباً في تصويت الناخب الإيراني لمرشح التيار المحافظ في الانتخابات الأخيرة.. والمؤسف أنهم يستخدمون هذا السلاح "القذر" للوصول إلى أهدافهم، وأعطيك مثالاً لذلك بالفيلم الذي أنتجوه عام 1997 عند ترشيح خاتمي في الولاية الأولى، وقد صوروا في هذا الفيلم مجموعة من عاهرات إيران وهن يؤكدن تأييدهن للرئيس خاتمي! هذا التكثيف الإعلاني عن ظاهرة الفساد في إيران الهدف من إلحاق الهزيمة بالإصلاحيين لحساب التيار المحافظ، إنها لعبة سياسية، لكنها للأسف لعبه قذرة! ودليل ذلك أن المحافظين بمجرد وصولهم إلى البرلمان وسيطرتهم على الدورة السابعة لمجلس الشورى نسوا تلك القضايا، ولم تعد في مقدمة اهتماماتهم ..."
مجتبى واحدي
رئيس تحرير صحيفة آفتاب الإيرانية
الوطن العربي 19/11/2004
قلنا: إلهذا الحد وصل مبدأ "الغاية تبرر الوسيلة".
لقد كان مجتبى واحدي يجيب عن سؤال حول وجود إحصاءات إيرانية تؤكد ارتفاع عدد من يمارسن البغاء، ففي العاصمة طهران وحدها بلغ عدد العاهرات 300 ألف امرأة، كما أن سن الممارسة انخفض من 30 إلى 14 عاماً، فتبين أن المسؤولين والمعنيين لا يهمهم مثل هذا الفساد وهذا البغاء، مادام سيستعمل سلاحاً ضد المعارضين.
دعوه جراحين إسرائيليين لزيارة إيران(17/27)
قالوا: ذكرت أنباء صحفية إسرائيلية أن جراحين إسرائيليين تلقيا دعوة رسمية للمشاركة في مؤتمر طبي في إيران. وقالت صحيفة يديعوت أحرونوت أن إسحاق غولباري ورؤوفين غبشتاين الاختصاصيين في جراحة العمود الفقري تلقيا دعوة من وزارة الصحة الإيرانية للمشاركة في مؤتمر طبي سيعقد في أيار عام 2005..."
وكالة الصحافة الفرنسية
28/11/2004
قلنا: هل هذا بداية اعلان حقيقة العلاقات بين إيران وإسرائيل ؟
وماذا لو كان أهل الفلوجة شيعة؟!
قالوا: "إن أهل الفلوجة هم من العناصر الإرهابية القتلة والسفلة، ولا يجوز دعم من يحملون السلاح.."
عبد الله العالي عضو الكتلة الشيعية في البرلمان البحريني
الوطن 19/11/2004
قلنا: ماذا لو كان أهل الفلوجة من الشيعة، هل كان هذا النائب سيعتبرهم "قتلة وسفلة وإرهابيين".
ما سبب كل هذا التقدير للبطريرك الماروني؟!
قالوا: ..وجدنا لدى غبطته كل تفهم للمخاطر والتحديات التي تواجه البلد، كما لمسنا منه تقديراً عالياً لأداء المقاومة في هذه المرحلة، وأكدنا له حرصنا على أن نواصل الحوار مع كل اللبنانيين لتحديد آليات مواجهة التداعيات التي تصدر عن قرار دولي أو تحد دولي.
نحن... إنما بصدد التعبير عن حرصنا الأكيد مع غبطة البطريرك على وجوب تعزيز التماسك الوطني.."
محمد رعد
رئيس كتلة نواب حزب الله في مجلس
النواب اللبناني
الشرق الأوسط 30/11/2004
قلنا: ما سبب كل هذا الإطراء للبطريرك صفير، ولم هذه المغازلة.
لماذا لا تعيد إيران الجزر المحتلة؟!
قالوا: "سبق وقلنا أن هذه الجزر تابعة وستبقى تابعة مستقبلاً للسيادة الإيرانية دون أدنى شك"
حميد رضا أصفي
المتحدث باسم الخارجية الإيرانية
ا.ف.ب 6/12/2004(17/28)
قلنا: إذا كانت إيران حريصة على تحسين علاقاتها مع العالم العربي والإسلامي، فلماذا لا تبدأ خطوتها الأولى من الجزر الإماراتية التي تحتلها (طنب الكبرى، طنب الصغرى، وأبو موسى) وتعيدها إلى أصحابها، بدلاً من الإصرار في الماضي والحاضر والمستقبل على الاستمرار في احتلال تلك الجزر؟!
تحالف شيعي من إيران إلى لبنان
قالوا: "قال مسؤول عربي رفيع المستوى طالباً عدم الكشف عن هويته "حتى تكون الأمور واضحة... إن الدول العربية تضاعف من تصريحاتها بشأن ضرورة تنظيم انتخابات عامة، لكنها تعني في الواقع تسهيل وضمان مشاركة السنة الذين تأمل أن يفوزوا في هذه الانتخابات.
ويرى المراقبون أن الدول العربية وهي سنية في غالبها تخشى مواجهة تحالف شيعي ترتسم معالمه في العراق، وتشتت للسنة في مجموعات صغيرة، قيام حلف شيعي يمتد من إيران إلى العراق ويحظى بتعاطف من سوريا الحليف الرئيسي لطهران ومن لبنان حيث بات حزب الله الشيعي حزباً سياسياً نافذاً"
صحيفة الغد 24/11/2004
قلنا: إذا كانت الدول المجاورة للعراق والدول العربية بشكل عام يقلقها الحلف الشيعي الذي سيمتد من إيران إلى لبنان، والذي قد تفرزه الانتخابات القادمة، فلماذا لا تمد هذه الدول يدها لمساعدة أهل السنة ومحاولة رفع الظلم عنهم بدلاً من الاكتفاء بدعوتهم إلى المشاركة في الانتخابات.
لماذا الركض خلف السيستاني؟
قالوا: "... وبلغ الخلاف بين السيستاني وهيئة العلماء مستوى خطيراً من التشنج عندما اختارت المرجعية الشيعية الصمت حيال أحداث مدينة الفلوجة الدامية إثر الاجتياح العسكري الأميركي.
وقالت المعلومات أن رئيس الهيئة حارث الضاري بدا غاضباً جداً عندما وصل إلى مسامعه أن مكتب السيستاني في النجف يؤيد قيام القوات العراقية الأمريكية المشتركة بشن الحرب على ما وصفه المكتب بازلام النظام السابق والإرهابيين القادمين من الخارج في الفلوجة"
باسل عدس ـ بغداد
الدستور 29/11/2004(17/29)
قلنا: لماذا يجهد العلماء السنة أنفسهم لمد الجسور مع السيستاني ، وهل هذه هي المرة الأولى التي يعرفون أو يلمسون فيها مواقفه المشينة؟
هل استولت إيران على مواد نووية مسروقة من العراق؟
طهران: محمود صادق - الوطن العربي ـ العدد 1447 26/11/2004
علماء الذرة: إذا تمكنت إيران من إنتاج أو شراء أو سرقة كمية من اليورانيوم العالي التخصيب في حجم كرة البيسبول فستكون قادرة على اقتناء سلاح نووي في أقل من عام!
أين ذهبت المواد النووية المسروقة من العراق! وما علاقة ذلك بالملف النووي الإيراني والأنباء التي تواترت عن عودة الجمهورية الإسلامية لاستكمال العمل في مفاعلاتها النووية وتخصيب اليورانيوم بمعدلات تقترب بها من دخول النادي النووي، هل صحيح أن رجال المافيا نقلوا المواد النووية إلى إيران بعد سقوط نظام صدام حسين وانتشار الفوضى في العراق! وهل صحيح أيضا أن إيران اعتمدت في برنامجها على مواد مسروقة من روسيا وباكستان، لقد ذكر تقرير سابق للوكالة الدولية معلومات عن اختفاء مواد نووية من جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق ثم ظهور بعضها في الجمهورية الإسلامية.!
عندما دخلت القوات الأميركية بغداد ضربت على الفور طوق حراسة حول وزارة النفط وأحاطت آباره وأنابيب نقله بالمدرعات بينما تركت التويثة، حيث كان صدام حسين يجري تجاربه النووية، وما يحويه من معدات ومواد نووية بلا أمن ولم يقف جندي واحد ليحرس المكان، وكانت النتيجة كما يقول الخبير النووي جون لارج سرقة كمية لا يستهان بها من المواد المشعة من المناطق الآمنة في مركز التويثة النووي.(17/30)
وقد أعربت الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن قلقها من اختفاء مواد مشعة نهبت من العراق. وقالت إن المواد والمعدات التي يمكن استخدامها لصناعة أسلحة نووية تختفي من العراق دون أن يبدو أن واشنطن أو بغداد تلاحظان ذلك، وذكرت في تقرير رفعته إلى مجلس الأمن الدولي أن اختفاء أجهزة ومعدات نووية قد يكون مصدرا لانتشار الأسلحة النووية وأن هذه المواد نهبت من مركز التويثة النووي في جنوب العاصمة العراقية بغداد وأصبحت بذلك خارج السيطرة، وأوضحت الوكالة أن تفكيك تلك المعدات جرى على نطاق واسع وبطريقة منتظمة، حيث أظهرت صور الأقمار الصناعية أن مباني بأكملها في العراق تم تفكيكها بعد أن كانت يوما تضم معدات دقيقة يمكن أن تساعد حكومة أو جماعة إرهابية في صناعة قنبلة نووية أو المساعدة في إقامة برنامج نووي عسكري.
وقال المدير العام للوكالة الدولية الدكتور محمد البرادعي إن المواد والمعدات التي تساعد في صناعة القنابل رفعت أيضا من أماكن التخزين المفتوحة في العراق واختفت دون أن يظهر لها اثر وفقا لما نوضحه صور الأقمار الصناعية، وكانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد قامت بترقيم وفرز هذه المعدات منذ سنوات في إطار مساعيها لإغلاق البرنامج النووي العراقي، ومن بين هذه المعدات أجهزة بالغة الدقة للخراطة وتشكيل المعادن وأجهزة لحام متطورة ومواد مثل الألومنيوم عالي المقاومة، ومن بين المواد المسروقة 195طنا من مادة "اتش أم اكس" التي كانت تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية و141 طنا من مادة "ار دي اكس" وستة أطنان من مادة "بي أي تي ان" التي كانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تؤمن الحماية لمستودعاتها، ووفقا لتقرير الوكالة فقد قدمت عصابات المافيا رشوة كبيرة لمسؤولين محليين ونقلتها إلى إحدى الدول المجاورة.
من السارق؟(17/31)
والسؤال: من يا ترى قام بتفكيك ونقل أو سرقة المعدات والمواد النووية العراقية؟ هل هم بقايا نظام صدام حسين الذين تركتهم سلطة الاحتلال ولم تلق القبض عليهم؟ أم مخابرات دول إقليمية تريد أن تمتلك برنامجاً نووياً، أو تسعى لحيازة أسلحة نووية مستغلة الانفلات الأمني وفتح الحدود العرقية دون رقيب؟، أن هي عصابات المافيا المتاجرة بالمعدات والمواد النووية والتي وجدتها فرصة لا تعوض لتضرب ضربتها؟ أم عناصر تنظيم القاعدة الذي يسعى لصنع واستخدام "القنبلة القذرة"؟، أم سلطة الاحتلال بقيادة الولايات المتحدة الأميركية التي قامت بنقل 1.8 طن من اليورانيوم ومواد مشعة أخرى إلى الولايات المتحدة معلنة أنها قامت بذلك "بعد موافقة" الوكالة الدولية للطاقة الذرية والحكومة العراقية، وتبين فيما بعد أنها كذبت، واعترف مسؤول في إدارة شؤون الأمن النووي القومي الأميركية، في 7/7/2004 بعدم طلب الحكومة الأميركية موافقة الأمم المتحدة لنقل المواد، وإنما مصادرتها؟.
لقد أشارت التحقيقات إلى أن المواد التي نهبت من مقر التويثة تحتوي على كميات كبيرة من المواد المشعة، بحيث لم يبق منها سوى حاويتين اثنتين فقط، من مجموع كبير نحو 400 حاوية، وكان يوجد في النويثة قبل الحرب نحو 2طن من اليورانيوم المنخفض التخصيب، ونحو 94طنا من اليورانيوم الطبيعي، وكميات أقل من مادة السيزيوم عالية الإشعاع وأكثر من 500 طن من الأورانيوم الطبيعي 1.8طن من الأورانيوم المنخفض التخصيب والكوبالت والسترونتيوم العالي الإشعاع وكميات أقل من الكاسيوم، والكاسيوم 137 هو مسحوق عالي الإشعاع يتميز بخطورة خاصة إذا استخدم فيما يطلق عليه "القنبلة القذرة" بحسب الخبير النووي العراقي الدكتور حامد الباهلى.(17/32)
وأكد الدكتور الباهلى أن ما حصل في التويثة حصل في الكوت، وفي أماكن أخرى، حيث تبين أن 10 مواقع نووية عراقية تعرضت للنهب والسلب وفيما بعد ألقى القبض على بعض الأشخاص على منطقة الحدود العراقية السورية، والعراقية الإيرانية بتهمة السطو على مواد خام نووية في المركز النووي العراقي، وكذلك مواد مشعة أخرى.. وتبين بعد طول التحقيق معهم أنهم باعوا هذه المواد لشخصيات مختلفة تمكنوا من نقلها إلى خارج الأراضي العراقية.
وحوادث سرقة المواد النووية ليست الأولى، كما أن إمكانيات الدخول عن طريقها للنادي النووي كبيرة، فقد سبق ولجأت إسرائيل إلى سرقة المواد الأولية التي تصنع منها القنبلة النووية، واستناداً إلى لجنة الطاقة الأميركية فقد تمت سرقة 382 رطلا من اليورانيوم المخصب من بنسلفانيا في الولايات المتحدة سنة 1965، 190 رطلا إضافياً في عام 1967من الشركة نفسها.. وجميع هذه المواد ذهبت إلى إسرائيل. وفي سنة 1968 سرق الإسرائيليون من ألمانيا سفينة كانت تحمل 200 طن من اليورانيوم، وفي سنة 1977 سرق الإسرائيليون من أميركا "للمرة الثالثة" 800 رطل من اليورانيوم والبلوتونيوم.
وعقب حرب 1967 سرق الإسرائيليون خمسة زوارق بحرية حربية متطورة جداً من ميناء شيربورج الفرنسي كان الجنرال شارل ديجول قد جمد وضعها ومنع بيعها إلى إسرائيل لأنها بدأت عدوان 1967، وفي السنوات اللاحقة سرق الإسرائيليون بطريقة تتابعية نماذج واختراعات عديدة في مجالات الطيران الحربي، والصواريخ، والطائرات من دون طيار.
روسيا متهمة!(17/33)
والذي يقوي من احتمالات استيلاء إيران على المواد النووية المسروقة في العراق، بل واعتماد البرنامج النووي الإيراني في السنوات الأخيرة على مواد نووية مسروقة من دول مختلفة أنه سبق ونشرت تقارير دولية عن تزويد روسيا لإيران بمادة اليورانيوم المخصب التي تمثل دعما لبرامج التسلح النووي التي تنفي طهران وجودها، وذكر دبلوماسيون أوربيون وأوربيون وأميركيون أن عددا من المفتشين الدوليين تأكدوا من نقل كميات من مادة اليورانيوم المخصب بدرجة عالية إلى إيران عن طريق روسيا وأوضح هؤلاء الدبلوماسيون أنه من المحتمل أن تكون إيران قد حصلت على هذه المادة النووية عن طريق السوق السوداء وليس دعما من روسيا.
وقد صدر تقرير مؤخرا، ذكرت فيه الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن فريق المفتشين التابع لها اكتشف أن جهاز الطرد المركزي المصنع محليا في إيران ـ غير المستورد ـ قد خلف آثارا عديدة من الوقود المركز مما آثار شكوك الخبراء في تصريحات المسؤولين الإيرانيين وترجيح قيام إيران بتخصيب اليورانيوم داخل أراضيها فقد بلغت نقاوة اليورانيوم 36% وهي نسبة أقل من 90% النسبة اللازمة لتصميم معظم القنابل غير أنها تعتبر في الوقت ذاته أكبر من النسبة اللازمة لإنتاج معظم المفاعلات النووية.(17/34)
وعلى الرغم من ذلك أشارت تقارير رسمية إلى أن المختبر التابع لوكالة الطاقة الذرية الموجود في النمسا قد اكتشف التوافق بين مادة اليورانيوم الروسي وعينات قام بجمعها مفتشو الوكالة من جهاز الطرد المركزي في إيران، وقال مايكل ليفي أستاذ العلوم في معهد بروكنحز في واشنطن إن تقرير وكالة الطاقة الذرية يدل على أن تخصيبه في روسيا، وما يؤكد ذلك تخصيبه بنسبة 36% وهو مستوى يتوافق مع نوع الوقود المستخدم في بعض الغواصات الروسية وبرامج المفاعلات النووية، إضافة إلى أنه متعارف عليه دوليا عدم وجود أي تكنولوجيا نووية لتخصيب اليورانيوم بهذه النسبة، وكذلك عدم حاجة إيران لتخصيب اليورانيوم بهذه النسبة، فالبلد الوحيد الذي بمقدوره القيام بذلك هو روسيا.
وذكر السيد ليفي أنه من غير المرجح أن تكون الحكومة الروسية قد باعت إيران اليورانيوم فعلماؤها قادرون على إخفاء الدلائل التي تشير إلى ذلك، غير أنه من المحتمل قيام بعض اللصوص بسرقة هذه المادة من روسيا أو أي مكان آخر من الاتحاد السوفياتي السابق وبيعها في السوق السوداء غير الممكن تصدير أي من اليورانيوم المخصب الروسي المشابه لوقود الغواصات عن طريق القنوات القانونية، كما أن روسيا ليست البلد الوحيد الذي يستخدم المفاعل الروسي المزود بـ 36% من اليورانيوم المخصب وإنما العديد من الدول مثل الجمهورية التشيكية، ألمانيا، هنغاريا، كازاخستان، كوريا الشمالية، بولندا، أوكرانيا، أوزبكستان وفيتنام أيضا.
تخصيب نووي(17/35)
ويشير علماء الطاقة النووية إلى أن إيران ربما احتاجت فعلا إلى التزود بمادة اليورانيوم المخصب رغبة منها في تسهيل إنتاج قنبلة اليورانيوم وهو ما يجعل عملية الإنتاج أسهل وأسرع وفي الوقت ذاته فإن تخصيب قنبلة نووية واحدة يستغرق عاما كاملا وتشغيل ما لا يقل عن 66 رطلا من اليورانيوم المخصب من خلال 25 جهازا للطرد المركزي، وفي حالة اكتفاء إيران باليورانيوم الطبيعي فإنها ستحتاج إلى 13.200 رطل من المواد الخام لإنتاج أسلحة نووية وتشغيل 750 جهاز طرد مركزي وهو أصعب بكثير من إخفاء 15 جهازا من هذه الأجهزة.
وبالإضافة إلى التخوف من حصول الجمهورية الإسلامية على مواد نووية من تلك المسروقة في العراق أو روسيا وإحدى الجمهوريات السوفياتية السابقة، ذكر خبراء في مجال التسلح النووي أن العالم الباكستاني عبد القدير خان اعترف بتزويده إيران ببعض التقنيات العلمية المعقدة التي تستخدم في تقنية الأسلحة النووية المتطورة، ويقدر العلماء بأن 25 كيلو جراما من اليورانيوم المخصب جداً أو 8 كيلو جرامات من البلوتونيوم ستكون ضرورية لصنع قنبلة.! وفي الوقع فإن إنتاج سلاح نووي هو أبعد من أن يكون عملا تافها، فالخبرة العلمية والوصول إلى معدات متفوقة عاملان ضروريان، وتشير مصادر "الوطن العربي" إلى أنه في السنوات الثلاث الأخيرة وخصوصا فيما تلا الاحتلال الأميركي للعراق، تم تسريح عشرات العلماء والمهندسين ذوي معرفة فائقة كانوا مشاركين في برنامج أسلحة النظام العراقي السابق لذلك كان من الطبيعي أن يبحثوا عن دولة أخرى تستفيد من خبراتهم وتحقق لهم طموحهم المادي بعد أن تقلصت دخولهم تقلصا حادا، ويقال إن هؤلاء لم تكن لهم وجهة سوى إيران التي قدمت لهم الكثير من الإغراءات المادية، ويكفي أنها على الأقل ربما تنقذهم من ذل الاعتقال على أيدي القوات الأميركية.
تحفظات أميركية(17/36)
وقد دفعت الدلائل السابقة الجمعية النووية الأميركية إلى إصدار عدة تحفظات أساسية تجاه التصريحات الإيرانية الرسمية بأن المشروع الإيراني لا يحمل تهديداً بإنتاج أسلحة ذرية ونشرت الجمعية، مقالاً مطولاً في موقعها في شبكة الانترنت، مفاده أن تقرير خبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية يُظهر 11 مسألة غامضة.
وتتلخص المسألة الأولى في عدم تقديم إيران لمعلومات كافية عن سبب شرائها 4000 مكون مغناطيس من النوع الذي يستخدم في بناء طاردات مغناطيسية من نوع "بي 2" ومما لا يتناسب مع التفاصيل التي قدمتها عن برنامجها وبرامج أبحاثها.
وتتعلق النقطة الثانية بمواد مشعة وجد فيها المفتشون كميات من اليورانيوم العالي التخصيب، كذلك اليورانيوم المنخفض التخصيب، مما أثار خشية قيام إيران سراً بعمليات تخصيب نشطة لليورانيوم وتؤدي بلك العمليات إلى الحصول على يورانيوم، من النوع "يو 235" الذي يمكن استخدامه في صنع قنبلة ذرية.
والنقطة الثالثة تشير إلى كيفية تصميم منشأة لم تلتزم إيران بالتصاميم التي قدمتها عن وحدتها التي تقوم بتحويل اليورانيوم، وبدلا من ذلك استخدمت العمليات التي طورها وصممها "مركز طهران للأبحاث الذرية"، مما أوجد تفاوتاً بين وثائق تصاميم المنشأة وبين ما تنجزه من عمليات. وتتناول النقطة الرابعة استخدام الليزر في فصل المكونات في خام اليورانيوم حيث تأكد خبراء التخصيب في الوكالة الدولية للطاقة الذرية من قدرة إيران على إنتاج بضعة مليجرامات من اليورانيوم المخصب، باستخدام الليزر، وتحديداً من نوع "يو 235"، بدقة تفوق ما تورده التقارير الإيرانية الرسمية، واستنتج الخبراء كذلك أن المنشآت الإيرانية التي تستخدم أشعة الليزر في فصل الأنواع المختلفة من اليورانيوم المشع تقدر حاليا على إنتاج جرام واحد في الساعة، لكنها غير قادرة على العمل بصورة متواصلة مما يفرض إعادة تقويم عمل تلك الآلات.(17/37)
وتتحدث بقية النقاط عن ثغرات بين ما تورده الوثائق الرسمية الإيرانية وما وجده خبراء الوكالة في تفاصيل المكونات الذرية، وكميات إنتاج عمليات تنقية خامات البلوتونيوم، ونوعية الخامات المشعة، والمعلومات عن المنشآت النووية في إيران.
تحرشات نووية
وبالإضافة إلى المخاطر التي تحيط بالملف النووي الإيراني وعمليات سرقة المواد النووية في العراق فإن الأبحاث العلمية كلها وعلماء الذرة يؤكدون على أنه تمكنت إيران من إنتاج أو شراء أو سرقة كمية من اليورانيوم العالي التخصيب بكمية لا تعدو حجم كرة البيسبول، فستكون قادرة على اقتناء سلاح نووي في أقل من عام، وستكون في وضع يمكنها من الهيمنة على المنطقة والشرق الأوسط كله.!
ويبدو أن العالم مقبل في السنوات القادمة على مزيد من "التحرشات النووية" فقد ذكر مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الدكتور محمد البرادعي أن هناك أكثر من 42 شركة أو فرداً متورطون في بيع مواد نووية، كما أن هناك أكثر من 60 واقعة تهريب لمواد نووية، كما أن هناك متوقعة هذا العام، وقال "إننا لا نريد أن نجد أنفسنا في غضون 10 أو 20 عاما أمام 40 أو 50 دولة تعتمد على أنشطة تخصيب اليورانيوم وإنتاج البلوتونيوم فزيادة عدد الدول التي تقوم بأنشطة تخصيب اليورانيوم في مرحلة ما بعد 11 سبتمبر تدعو للقلق بشكل واضح.(17/38)
وأوضح أن الوكالة كشفت وجود نحو 630 حاثة تهريب مواد نووية وإشعاعية منذ العام 1993 مما يؤكد وجود خلل في النظام الحالي للرقابة على الصادرات وأن الحواجز التكنولوجية للتحكم في استخدمات اليورانيوم المخصب قد تآكلت بمرور الزمن فهناك ما يزيد على 42 شركة وفردا ثبت تورطهم في معظم الجرائم بدون علم حكوماتهم، وأكد أن الدولة التي تقوم بأنشطة تخصيب اليورانيوم هي في حقيقتها دولة ذات أسلحة نووية خفية حيث إن هذه الأنشطة بالإضافة إلى إنتاج البلوتونيوم تؤهل أي دولة لإنتاج سلاح نووي في غضون أشهر قليلة، كما أن هناك العديد من الدول التي تعمل تحت ستار الاستخدامات السلمية للطاقة النووية وقد زادت كميات المواد النووية في برامج الأغراض السلمية في العالم ستة أضعاف منذ العام 1970 وهناك الآن 438 مفاعلاً نووياً، و651 مفاعل أبحاث، منها 284 تحت التشغيل، و250 معمل دورات وقود نووي حول العالم، بما فيها معامل يورانيوم تقوم بتحويل وتخصيب وتخزين وإعادة تصنيع مواد نووية.
عبدالله الثاني يحذر من نفوذ ايران في العراق وإقامة "هلال شيعي"
يمتد الى لبنان عبر سورية
الحياة 9/12/2004
حذر العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني من وصول حكومة موالية لإيران الى السلطة في بغداد, تعمل بالتعاون مع طهران ودمشق "لإنشاء هلال يخضع للنفوذ الشيعي يمتد الى لبنان ويخل بالتوازن القائم مع السنة". وكرر اتهامات واشنطن لسورية بـ"تدريب مقاتلين أجانب يعبرون الى العراق".(17/39)
في الاطار ذاته نقلت صحيفة "واشنطن بوست" عن مسؤولين في الإدارة الأميركية لم تسمهم قولهم ان بعثيين من النظام العراقي السابق "يوجهون من سورية عمليات المقاتلين" ويجمعون لهم التبرعات من أوروبا ودول عربية. واكد الرئيس العراقي غازي الياور الاتهامات الاميركية لسورية حيث "هناك أشرار يعملون لإعادة الديكتاتورية الى البلاد". ونفى السفير السوري في واشنطن عماد مصطفى هذه الاتهامات ووصفها بأنها "حملة لخلق أجواء معادية" لبلاده.
وقال الملك عبدالله في حديث الى صحيفة "واشنطن بوست" ان "ايران تجد مصلحتها في اقامة جمهورية اسلامية في العراق, وهي تمول نشاطات خيرية عدة في هذا البلد لتحسين صورتها, وشجعت اكثر من مليون عراقي على عبور الحدود للتصويت في الانتخابات العامة المقررة في 30 كانون الثاني (يناير) وفقاً لرغبتها".
واكد: "أن هناك كثيرين وعدداً كبيراً من الايرانيين سيستخدمون خلال الانتخابات للتأثير في النتيجة".
وحذر من وصول حكومة موالية لايران تعمل لإنشاء "هلال" اقليمي تحت نفوذ شيعي يضم العراق وايران وسورية ولبنان. ورأى ان التوازن التقليدي بين الشيعة والسنة سيتأثر بذلك, وسيترجم "مشاكل جديدة لا تقتصر على حدود العراق". وزاد انه علم من الولايات المتحدة وبغداد ان مقاتلين أجانب يتدربون في سورية ويعبرون الى العراق.
وفي حديث آخر الى الصحيفة وجه الرئيس العراقي اتهامات مشابهة الى ايران. وقال ان "الوضع يدل, من دون أي شك, على ان ايران تتدخل بشكل واضح في شؤوننا", مؤكداً ان طهران تصرف "الكثير من الأموال" مع اقتراب الانتخابات العراقية وانها تقوم "بنشاطات استخباراتية كثيرة (...) لا سيما في جنوب شرقي العراق".
رد فعل شيعي على تصريحات الملك عبد الله ينفي التبعية لإيران
الشرق الأوسط 11/12/2004(17/40)
قلل خطيب جمعة شيعي عراقي من اهمية التصريحات التي اطلقها العاهل الاردني الملك عبد الله الثاني حول التدخل الايراني في العراق، فيما اعتبرت هيئة لبعض علماء الحوزة في النجف التصريحات بانها «تدخل» في الشؤون العراقية ومحاولة لـ«اثارة النعرات الطائفية».
وقال الشيخ صدر الدين القبانجي في خطبة الجمعة في مسجد الكاظمية الكبرى في النجف (160 كلم جنوب بغداد) ان «ما طرحه الملك الشاب عبد الله (...) على انه يتخوف على هذه الانتخابات من التدخل الايراني والمليون ايراني الذين سيدخلون من ايران ليعطوا اصواتهم للشيعة وبالتالي سيصب هذا في مصلحة المد الايراني، ان هذا الكلام لا يستحق المناقشة ولا يعدو كونه مزحة».
واضاف ان «التخوف من الشيعة مشكلة وهمية يختلقها البعض ثم يصدقها هؤلاء المساكين من بعض رؤساء الدول العربية». واوضح القبانجي «انهم يركزون مرة ثانية ضد هذه الانتخابات من خلال تخيل وهمي ينص على ان هذه الانتخابات تخدم الشيعة وبالتالي تخدم ايران». واكد ان «الانتخابات التشريعية للجمعية الوطنية ليست لمصلحة طائفة معينة (...) وان هناك حقيقة واضحة وهي ان الشيعة لا يمثلون خطرا على احد».
وكان نائب الرئيس العراقي ابراهيم الجعفري صرح في الكويت اول من امس انه لا يعتقد ان ايران ترغب في ان تخلق «هلالا شيعيا» في المنطقة.
وفي بيان تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه امس اعرب «لفيف من علماء الحوزة العلمية» في النجف عن شعور بـ«الصدمة» حيال تصريحات العاهل الاردني التي وصفها بأنها «قلب للحقائق» و«تدخل (...) بشأن عراقي داخلي» ومحاولة لـ«اثارة النعرات الطائفية في بلد مجاور وفي المنطقة ضد شيعة العراق العرب وتحريض الدول الكبرى عليهم وتخوف دول المنطقة منهم واتهامهم ظلما بالتبعية لايران».(17/41)
واضاف البيان ان العاهل الاردني «جانب الصواب حين اعتبر ان شيعة العراق العرب تابعون لايران، في حين ان الملايين من شيعة ايران يتبعون مرجعية النجف، فضلا عن الغالبية العظمى من شيعة العالم». وقال ايضا «ان شيعة العراق لا يفكرون بنظام ولاية الفقيه ولا ينوون اقامة جمهورية اسلامية مشابهة للنموذج القائم في ايران»، واشار الى ما صرح به آية الله علي السيستاني العام الماضي قائلا ان «الظروف في العراق مختلفة. الاسلاميون يرون انه لا يمكن تطبيق نظام الحكومة الاسلامية في العراق».
تعقيب على تصريح المللك عبدالله و الرئيس الياور
الفرقان 13/12/2004
في أجرأ تصريح لهما، فتح العاهل الأردني الملك عبدالله، والرئيس العراقي غازي الياور النار على إيران واتهماها بالتدخل السياسي والمالي في الانتخابات العراقية القادمة.. جاء ذلك التصريح بعد اجتماع كل منهما بالرئيس الأمريكي -جورج بوش-، وقد حذر الياور من إغراق طهران العراق بكميات هائلة من الأموال لإقامة حكومة يسيطر عليها الشيعة في العراق على نمط الحكومة الإيرانية الحالية، أما الملك عبدالله فقد حذر من خطر جمهورية عراقية إيرانية النموذج على دول الخليج خصوصاً والمنطقة عموماً قائلاً: -إن هلالاً شيعيا يمتد من إيران إلى لبنان سيخل بالتوازنات التقليدية في المنطقة، ويمكن أن يهدد دولا خليجية فيها سكان شيعة بما فيها السعودية التي لن تكون بمنأى عن ذلك-، واتهم الملك عبدالله إيران بإدخال مليون إيراني إلى العراق للمشاركة في الانتخابات المقبلة لمصلحة مرشحين معينين، كما اتهم إيران بأنها تقوم بدفع المرتبات والإعانات للعاطلين عن العمل من العراقيين من أجل خلق مشاعر طيبة تجاه إيران في العراق.(17/42)
كما تساءل الرئيس المصري حسني مبارك - أثناء زيارته إلى الكويت - بقلق عن إمكانية إجراء الانتخابات العراقية في ظل الظروف الأمنية التي يمر بها العراق وأمام هذا التحذير من حاكمين عربيين أحدهما الرئيس العراقي، لا نملك إلا أن نتساءل عن مستقبل العراق ومستقبل المنطقة بشكل عام، لقد تبين منذ الاحتلال الأمريكي للعراق بأن أهل السنة هم الفئة المغضوب عليهم، وهم الشماعة التي يراد تعليق جميع أخطاء النظام المجرم السابق عليها، وللأسف فقد اندس في صفوفهم زمرة من الأشرار من بقايا حزب البعث السابق ومن أصحاب السوابق ومن الموساد الإسرائيلي ومن التنظيمات الإرهابية التي جاءت من الخارج لكي يحقق هؤلاء جميعاً أهدافهم الخبيثة، وانصبت تلك الأهداف في زعزعة الأمن والاستقرار في العراق، وفي ذبح مئات من أبناء الشعب العراقي بدم بارد، وفي تدمير الاقتصاد وحرق النفط، وتعطيل مسيرة البناء والأمن والاستقرار التي ينشدها كل مواطن عراقي.
وكانت نتيجة تلك الأحداث المشينة التي وقعت -إضافة إلى الأهداف الأمريكية- حرمان أهل السنة من نيل حقوقهم ومعاقبتهم، إضافة إلى التدخل الإيراني السافر من أجل قلب الموازين!!
إن النتيجة الواضحة لكل تلك الأمور هي بقاء مناطق أهل السنة في العراق مشتعلة ومحاصرة ومعزولة، وبالتالي حرمان أهل السنة من حقهم في المشاركة في الانتخابات العراقية القادمة حتى وإن أرادوا ذلك، بل إن الإدارة الأمريكية قد تحدثت عن حرمان بعض مناطق السنة من خوض الانتخابات بحجة فقدان الأمن، فهل هنالك عاقل يقر بإجراء انتخابات في دولة نصف شعبها محروم من حق المشاركة؟! وماذا ستكون النتيجة الحتمية لتلك الانتخابات غير عزل أهل السنة من المشاركة في الحكم وتسليم السلطة لغيرهم؟!(17/43)
إن دول الجوار المحيطة بالعراق، لا سيما السعودية والكويت والأردن مطالبة بلعب دور كبير والضغط على الولايات المتحدة الأمريكية من أجل منع اختلال التوازن في العراق وحرمان أهل السنة من حقوقهم، ومن أجل وقف التدخل الإيراني في شؤونه الداخلية لأن ذلك الاختلال سيؤدي إلى استمرار الإضطراب، ومسلسل العنف الدامي الذي قد يتحول إلى حرب أهلية لا تبقي ولا تذر، وهو ما ستحصد تلك الدول نتائجه عاجلاً أم آجلاً -واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة
الرئيس الياور والملك عبد الله يحذران من هلال شيعي خطير تدعمه إيران
كتب المحرر السياسي:
الفرقان13/12/2004
في ردة فعل غاضبة حذر الرئيس العراقي غازي الياور والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني من أن الوضع في العراق سيؤدي إلى تشكيل هلال شيعي يضم أربعة دول منها إيران والعراق التي لم يحكمها شيعة طوال عهدها، وقال الملك عبد الله في مقابلة نشرتها -واشنطن بوست- إن إيران أدخلت أكثر من مليون شخص عن طريق حدودها وتدعم بعض الأعمال داخل العراق، ولابد من التوازن التقليدي بين الشيعة والسنة، وأن الوضع سيمثل بدوره تحدياً جديداً لمصالح الولايات المتحدة وحلفائها. وفي الصحيفة نفسها قال الياور: إن سكوت دول الجوار عن تدخل إيران بشكل سافر في شؤوننا خدمة لمصالحها وأطماعها ستكون نتيجتها هلالاً شيعياً سيؤثر على علاقات دول الجوار لاسيما الخليجية منها.
دولة شيعية عربية(17/44)
وذكرت صحيفة السياسة في العدد 12947 أن الإدارة الإميركية ردت على دول الجوار بأن العراق ستكون أول دولة شيعية عربية لأنهم ساندوا حرب الإطاحة بصدام حسين.. وأبلغت المصادر الرسمية الأميركية في وزارة الدفاع الشيعة والأكراد بأنهم بعد الانتخابات النيابية عليهم أن يقلعوا شوك السنة في العراق بأيديهم وأن الولايات المتحدة بعد ذلك لن تقوم بالنيابة عنهم بخوض الحرب على المناطق السنية إذا كانوا يريدون الاحتفاظ بالنظام من الآن فصاعداً.
مشاركة قوى آسيوية للأمن الخليجي
أكد وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل في مؤتمر -أمن الخليج - جوار الخليج- الذي عقد في المنامة أن -أمن الخليج- يحتاج إلى ضمانات دولية لا يمكن توافرها على أساس منفرد حتى لو جاء من طرف القوة العظمى الوحيدة في العالم،ولا بد من المشاركة الإيجابية للقوى الآسيوية التي ظهرت على المسرح الدولي أخيراً والاعتماد على الذات فيما بعد.
وأضاف دبلوماسي خليجي طلب عدم الكشف عن هويته في المؤتمر نفسه أنه لا مجال للتغيير في التحالف التقليدي لأن دول الخليج مازالت لا تثق بإيران، وأشار إلى أن دول الخليج أنفقت 500 بليون دولار على التسلح خلال العشرين عاماً الماضية.
جاسوس مصري لصالح إيران
والذي يؤكد على عدم الثقة بإيران أنها مازالت تخطط للقيام بعمليات إرهابية واغتيالات لشخصيات مهمة، ولا أدل على ذلك من الجاسوس -محمود عيد دبوس 31 عاما- الذي قبضت عليه مصر واعترف بتعاونه مع -محمد رضا دست- إيراني يعمل في مكتب رعاية المصالح الإيرانية واتهم -دبوس- بالتخطيط لأعمال عدائية ضد السعودية لأنه جمع معلومات عن أماكن عمل الأجانب في السعودية ومنها مجمع البتروكيماويات بمنطقة ينبع تمهيداً لاستهدافها بعمليات إرهابية وهذا ما حدث وحصل وزميله -بدوي- على مبلغ 50 ألف دولار!!
حتى تخلو لهم الساحة(17/45)
رفضوا كل المقترحات والطلبات التي تريد تأجل الانتخابات ومنها 6 أحزاب ورئيس الوقف السني د. عدنان الدليمي وحتى وزارة الداخلية العراقية طالبت بتمديد فترة الانتخابات لكن إياد علاوي رفض! ومنعوا العراقيين في اليمن من الإدلاء بأصواتهم وإشغال مناطق السنة بالحروب حتى لا يسجلوا في كشوفات الناخبين والمرشحين أو الاتصال بهم، واعتقال عدد كبير منهم وزجهم في السجون تحت تهم مختلفة، ومن جانب آخر تم تغيير الكثير من أسماء الشوارع والمدن والمدارس على أساس طائفي لم يتعود المواطنون عليه من قبل!
علاوي لا يعد السنة بالمشاركة
ذكرت صحيفة -فايننشال تايمز- اللندنية في عدد 3/12 أن عبدالعزيز الحكيم زعيم المجلس الأعلى للثورة في العراق يعد الأكثر حظاً في خلافة علاوي وأنه يجري تداول اسمه في واشنطن على نطاق واسع، وهناك مرشحون آخرون أمثال عادل عبد المهدي وزير المالية في حزب الحكيم وإبراهيم الجعفري زعيم حزب الدعوة وهذا ما أثار حفيظة معظم دول الجوار.
ومن جانب آخر استبعد إياد علاوي مشاركة السنة في إعداد الدستور العراقي القادم أو الحصول على أي منصب وزاري قادم ولن يكون لهم تواجد في تركيبة الحكم الجديد والذي يحدد ذلك عدد المقاعد القادمة في الانتخابات، والخيارات ثلاثة أمام السنة: إما ترك مقاعدهم إلى ما بعد الانتخابات وتهدأ الأمور في مناطقهم -المثلث السني-، والثاني: دخول زعماء العشائر والوجهاء والشخصيات المؤثرة في اختيار ممثلين عن السنة، أو الثالث: تأمين حماية عسكرية أمريكية عراقية وفتح مراكز للاقتراع خارج المثلث.
نكسة العرب السنة في العراق ... حتى لا تتحول نكبة دائمة
رشيد حسن الحياة 2004/11/30(17/46)
يعيش العرب السنة في عراق ما بعد صدام ظرفا لم يواجهوا مثله في التاريخ الحديث. اذ أدت الحملة التي قادتها الولايات المتحدة لإطاحة نظام الرئيس السابق صدام حسين إلى تبديلات تفوق في نتائجها الفجائية آثار الزلزال المدمر. وأدى أنهيار النظام البعثي وقرار الإدارة الأميركية الموقتة تفكيك الدولة العراقية, بخاصة حل الجيش والقوى الأمنية من دون تعويضات ومطاردة حزب البعث والتنظيمات المتفرعة منه وأجهزة الاستخبارات, إلى توجيه ضربات في الصميم ليس فقط لبنية سياسية كانت الطائفة العربية السنية تمثل عمادها الأول, بل إلى ضربات اقتصادية واجتماعية أفقرت العراقيين عموما لكنها أصابت أكثر ما أصابت العديد من المدن والحواضر السنية وجففت مصادر عيش المواطنين فيها, والذين كان معظمهم إن لم تكن غالبيتهم الساحقة تعتمد في معيشتها على جهاز الدولة. واستفاق السنة ذات يوم ليروا أن العراق الذي عرفوه لقرون طويلة وعاشوا فيه باعتبارهم أهله ونخبته الحاكمة والقاعدة الرئيسية للدولة وشرعيتها اختفى بالكلية ليحل محله وضع كابوسي يتمثل في انهيار البلاد واحتلالها من جيوش غريبة وتقلد الأحكام من أشخاص تربى معظمهم في المنفى, ولا تربطهم, بالتالي, بالقاعدة الاجتماعية السابقة للنظام (العشائرية في قسم كبير منها) أي علاقات مودة أو حتى صلات اجتماعية تقليدية.(17/47)
لكن على رغم الآلام الشديدة التي يعيشها قسم كبير من سنة العراق جراء الآثار المباشرة للغزوة الأميركية - الغربية, فإن هذه الآلام تكاد لا تمثل شيئا إذا ما قيست بالنكبة السياسية التي ألمّت بهم. وقد ينظر البعض إلى التدمير الوحشي للفلوجة والقمع الشرس الذي يلاحق بعض المدن العاصية الأخرى في "المثلث السني" باعتبارها صورة صادمة لهذه النكبة, لكن مأساة الفلوجة ليست سوى إحدى النتائج الظاهرة والمتمادية للنكبة الحقيقية, وهي الشلل شبه التام الذي يسيطر على سنة العراق بتأثير الصدمة التي زلزلت أوضاعهم وعدم تمكنهم حتى الآن من استجماع قواهم الحية والفاعلة والعودة إلى الساحة لصون وجودهم ودورهم في العراق الجديد.
هذا العراق الجديد, أي عراق ما بعد صدام حسين, أصبح الآن أمرا واقعا, ومهما كانت المرارة التي يشعر بها العراقيون, خصوصاً السنة بسبب الاحتلال أو بسبب تدمير الدولة العراقية والنظام السياسي السابق فإن أكثريتهم أيضا تقر الآن, كما يقر معظم العرب والمسلمين بأن من المستحيل العودة بالوضع إلى الوراء لأن الاحتلال, وما تبعه من تصرفات, وبغض النظر عن مشاعر الكراهية التي يثيرها هنا وهناك, كان من النوع الكاسح الذي يمحو نظاما كاملا من الوجود ويخلق مكانه واقعا جديدا, وهذا الواقع لا بد للسنة في العراق قبل غيرهم من التعامل معه بطريقة أو بأخرى. والمقصود بالتعامل هنا هو العمل السياسي ذو الاستراتيجيات والأهداف المحددة وليس نماذج الشكوى الصاخبة وردود الفعل المحزنة التي رأيناها حتى اليوم.(17/48)
إن الخطر الأكبر الذي يحيق بسنة بلاد الرافدين باعتبارهم مؤسسي العراق الحديث وخلفاء أبطال الفتح والخلافة والممالك الإسلامية المجيدة هي أنهم وقعوا فجأة في حال مذهلة من انعدام الوزن, وغياب الموقف والأرادة السياسية الواضحة, كما أنهم, وهذا أكثر ما يقلق فعلا, عجزوا على رغم النوائب التي تتهددهم, عن توليد قيادة تاريخية يمكن أن تساعدهم على اجتيار المحنة. وكم هي ماسة الآن الحاجة إلى توليد هذه القيادة الرشيدة القادرة على تحليل التغييرات الهائلة التي حصلت وتويم الموازين الجديدة المحلية والدولية, ثم بعد ذلك وضع استراتيجية انقاذ للوضع السني - والعراقي الوطني - من الانهيار الذي يتعرض له الآن, ولا يتم ذلك إلا عبر وضع برنامج سياسي وتحديد مواقف متكاملة من قضايا الانتقال من النظام السابق إلى النظام الجديد. وهذا النظام الجديد لن ينتظر, لأن الفراغ الذي احدثه تدمير النظام السابق لا بد أن يتم سده بطريقة أم بأخرى, عبر صيغة يفترض أن تضمن مصالح جميع الأطراف وتمهد بالتالي لإحلال السلام الأهلي وعودة الحياة الطبيعية إلى البلاد. ولن يمكن للعراقيين الانتظار طويلا, وما لم يفرض العرب السنة سريعا دورهم كأحد المكونات الأساسية للشعب العراقي ويساهموا في توليد المواثيق الجديدة, فإن النتيجة قد تكون تطور العملية السياسية من دون مشاركة حقيقية منهم وفي طريق غير مرض لهم, وقد ينجم عن ذلك مزيد من التهميش والشعور بالغبن والتوتر الأهلي والمصادمات وبالتالي المزيد من التفكك والفتن والفقر والمآسي الإنسانية. وبالعكس من ذلك فإن إنجاز مهمة الانتقال يمكن في اعتقاد فريق كبير من العراقيين أن تضع أسس الاستقرار والسلم الأهلي وتعزز بالتالي فرصة إنهاء مبررات استمرار الاحتلال وإخراجه من البلاد.(17/49)
لكن, بدلا من بروز هذه القيادة التاريخية وجدنا المجتمع السني يسقط في حال مرعبة من الفوضى هيمنت فيها على القرار السني - بل نكاد نقول مصير السنة - جماعات مسلحة أو بعض مشايخ الدين (والعشائر) الذين يمتلكون الحمية والنية الطيبة ولا شك, لكنهم ليسوا سياسيين بدليل أنهم استدرجوا مع شبابهم المتحمس والمستميت إلى مواقف عصيان ورفض مسلح أمكن عزلها ومن ثم قمعها بلا هوادة. صحيح أن العديد من هذه المواقف يندرج في جانب منه تحت شعار مقاومة الاحتلال والرد على مظالمه, لكن سنة العراق لا يمكنهم أن يقاتلوا وحدهم وأن يتجاهلوا بالتالي أن المجموعات الأخرى (الأكثرية الكبرى) من العراقيين لا تشارك في هذه الأعمال, بل تبدو أكثر اهتماما بالعملية السياسية وحماية مواقعها ضمن النظام الجديد. وهذا التباين في الأهداف وفي فهم الأولويات أو وسيلة التخلص من الاحتلال, ترافقه وتعبر عنه بالأحرى التفجيرات اليومية العشوائية والاعتداءات على عناصر الشرطة ومراكز المحافظات أو مراكز الأحزاب الكردية أو تدمير أنابيب النفط أو خطف الصحافيين والعاملين الأجانب في المشاريع المدنية مثل شركات إعادة الإعمار وإصلاح شبكات المياه والكهرباء أو حتى قتل العاملين في الجمعيات الإنسانية, وهذه الأعمال تشهد في الحقيقة على نزعة "قرمطية" يائسة وعمى سياسي مذهل وإن كان الكثير منها يدفع إلى الظن أنه من تدبير أجهزة خارجية لها أهدافها في تمزيق العراق ومنعه من النهوض مجددا كدولة. لكن بغض النظر عن حقيقة الفاعلين فإن هذه الأعمال لا تلقى إلا نادرا إدانة غير ملتبسة من القيادات السنية الحالية بحيث غالبا ما يتم التسليم الضمني بأنها من أعمال "المقاومة". وهذا الخلط المقصود أو غير المقصود يهدد بتشويه صورة المجتمع السني وإظهاره في مظهر من لا يعبأ بالمشاعر والقيم الإنسانية (كليشيه "الإسلام الإرهابي" مجددا) أو مظهر من يعارض المجموعات الوطنية الأخرى ويقاوم بالتالي(17/50)
العملية الديمقراطية أو عودة الحياة الطبيعية لشعب أنهكته الحروب وسنوات القمع والحصار الظالم والفقر والمرض ولم يعد في إمكانه بالتالي احتمال المزيد.
ومن الملفت أن يكون التهديد بقتل المرشحين والناخبين وإحراق مراكز الاقتراع الذي حدث الكثير منه إبان التحضير للانتخابات الأفغانية بتدبير من "طالبان" و"القاعدة" بدأ يظهر أيضا في العراق عبر بيانات لـ"أنصار السنة" أو جماعة الزرقاوي. كل هذه الظواهر قد تعطي الانطباع بأن قيادة الشارع السني العراقي الذي يضم مئات الألوف من المثقفين والحزبيين والأكاديميين وأصحاب التجربة السياسية جرى خطفها من قبل عناصر أقل ما يقال فيها أنها إما غير مؤهلة لتمثيل سنة العراق في هذا الظرف الصعب أو أن معظمها يدين بالولاء الحقيقي لجهات أو تنظيمات خارجية لها أجندتها الخاصة التي لا علاقة لها بحماية مصالح السنة في العراق ناهيك بمصلحة الوطن العراقي.(17/51)
وإن من أخطر ما يواجه العرب السنة في العراق في هذا الظرف التاريخي الحرج هو نسيان تاريخهم وموقعهم والسقوط في عقدة الأقلية أو الاستسلام لعقدة الهزيمة, أي اعتبار أنهم سقطوا أو هزموا لا محالة بمجرد سقوط النظام السابق الذي استخدم العصبية السنية كقاعدة للحكم وساهم بالتالي كما لم يساهم أي حكم عراقي سابق في الحط من الموقع التاريخي للسنة كرواد للوطنية الجامعة كما ساهم في تخريب النسيج الوطني العراقي, ومن الخطر أيضا أن يسقطوا في حمى التعصب والإنكار على إخوتهم العراقيين أكرادا وتركمان وشيعة ومسيحيين حقهم في المواطنة الكريمة وقدرتهم على أن يكونوا في طليعة البنائين لعراق ديمقراطي تعددي وجديد. وقد كانت هذه الوحدة الوطنية والديمقراطية قائمة بكل مظاهرها في ظل الملكية الدستورية الهاشمية والتي أظلت العراقيين جميعهم بمظلة الوحدة الوطنية وحكم القانون والرفاه ومواكبة العصر إلى أن أطيح بها في انقلاب عسكري متوحش عام 1958 وهو انقلاب يمكن القول أن محنة العراق الرهيبة بدأت به ولم تنته حتى الآن.
إن عقدة الأقلية لا تنجم بالضرورة عن العدد (والسنة بسبب كونهم التيار المهيمن على عالم الإسلام يجب أن يكونوا غريبين بطبيعتهم عن عقد الأقليات) بل هي حالة نفسية أو ثقافية. إن سنة العراق يمكنهم بل يجب عليهم أن يكونوا في طليعة الساعين مع بقية المجموعات العراقية لإخراج البلد من محنتي الاحتلال والانهيار الوطني. وهذا الدور محفوظ لهم لأن العراق الجديد لا يمكن أن يقوم من دونهم أو على تجاهلهم, لكنه دور لا يمكن القيام به من الجماعات العديمة التجربة السياسية أو الفوضوية التي تدير الآن دفة الأمور على الأرض برضى السنة العراقيين أو بالرغم منهم على الأرجح, بل هو دور يبحث عن بطل حقيقي وقيادة تاريخية لا بد من إنتاجها وإبرازها في أسرع وقت إذا كان للعراق أن ينجو من الهاوية العميقة التي يتجه إليها أو يتم دفعه دفعا إلى حافتها.(17/52)
كلمة أخيرة لا بد منها: إن العديد من الأوساط الدينية والسياسية في العالم العربي تتحمل تبعات كبيرة في هذا النطاق. ذلك أن هذه الأوساط لم تستطع أن تفهم حقيقة ظروف العرب السنة العراقيين في ظل الأوضاع الجديدة وطبيعة الدعم الذي يحتاجونه, فراهنت تحت وطأة الانفعالات على القوى أو القيادات الخطأ ودعمت الأعمال الخطأ وبالتبرير الخطأ, ربما بدافع الحمية أو الغيرة المفهومة أو إرضاء للشارع الغاضب, لكنها بذلك وطدت السيطرة للشراذم التي تتحكم الآن بالشارع السني وأقرتها في دعواتها وفكرها وأساليبها وأجهضت بالتالي أي فرصة لبروز القيادة الكفؤة المطلوبة, والنتيجة أنها ساهمت بالتالي في تعميق وتمديد محنة السنة في العراق وعزلتهم في وطنهم وليس في التخفيف منهما.
* كاتب لبناني.
قلق عربي وغربي من سيطرة شيعية
الحرص على ضمان مشاركة السنة في الانتخابات
العراقية بين الرغبة الأمريكية والعربية!
السبيل 30/11/2004
في ظل تزايد الدعوات العراقية والإقليمية والدولية إلى إرجاء الانتخابات المقرر تنظيمها في نهاية شهر كانون الثاني المقبل، أظهرت دول عربية وغربية شاركت في مؤتمر شرم الشيخ حول العراق اهتماماً لافتاً بمشاركة العراقيين السنة في هذه الانتخابات.
ولا يخفى على المراقبين السياسيين لما يجري على الساحة السياسية الشرق أوسطية أن حرص بعض الدول العربية على إجراء الانتخابات العراقية مع ضمان مشاركة سنية واسعة وفاعلة، يعود إلى خشية هذه الدول من أن تنتج هذه الانتخابات سلطة في العراق تتحالف لاحقاً مع إيران وحزب الله، وهو "ما يسمح بزيادة النفوذ الإيراني في المنطقة" حسب رأيهم.
وتخشى الدول العربية في الخليج حيث يعيش الكثير من الشيعة أن يؤدي قيام سلطة لا يشارك فيها السنة بفاعلية في العراق إلى آثار بالغة السلبية في استقرار هذه البلدان قد يؤثر في وضعها الأمني.(17/53)
ويسود الاعتقاد داخل الأوساط السياسية والدولية أن دولاً عربية وخاصة دول الخليج العربي تخشى من سيطرة الشيعة على العراق مستفيدين من عوامل موضوعية عديدة، أبرزها الاستعداد المبكر للانتخابات والدعم الذي تقدمه المرجعية الدينية للعملية، فضلاً عن التحالفات التي عقدتها أطراف شيعية مع الأحزاب الكردية الكبيرة لضمان اقتسام المقاعد في المجالس المحلية والمجلس الوطني العراقي. ولذلك فإن هذه الدول تسعى لإبعاد شبح غياب السنة عن السلطة.
وعبر وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل عن قلق دول الخليج من نتائج الانتخابات في حال عدم مشاركة السنة فيها، وقال الوزير السعودي في هذا الإطار أن موعد الانتخابات ليس مقدساً وأن الالتزام بالموعد أقل أهمية من تامين مشاركة كل القوى السياسية العراقية فيها.
وشارك الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى الدول الخليجية مخاوفها، فقد أكد ضرورة مشاركة جميع العراقيين في الترشيح والانتخاب، في دعوة ضمنية وإن كانت واضحة إلى تسهيل مشاركة العراقيين السنة وتذليل العقبات التي تقف حائلاً دون هذه المشاركة، واعتبر موسى أن مشاركة السنة "تضيف للانتخابات شمولاً وتأكيداً وطنياً عاماً يسهم في نجاحها ويبني مصداقيتها".
ومن جهتها تركيا اعتبرت أن المسألة الأكثر استراتيجية بالنسبة لها على المدى المتوسط هي ضمان المشاركة التامة للعراقيين السنة في العملية السياسية وتمثيلهم بشكل تام في البرلمان المستقبلي. وقال وزير الخارجية التركي "عبد الله غول": "إذا لم يتم تمثيل السنة بشكل مناسب في الانتخابات، فربما يتسبب ذلك في خلل في الموازين السياسية مما سيثير المشاكل"، وحث غول السنة في العراق على التخلي عن خططهم لمقاطعة الانتخابات، وأكد أن مشاركتهم في العملية السياسية ستضمن أن يكون الدستور العراقي الجديد "متوازناً ويحمي وحدة أراضي العراق والوحدة السياسية".(17/54)
فرنسا ودول عربية أخرى أبدت قلقها من إجراء الانتخابات العراقية دون مشاركة السنة العراقيين، ووفق المصادر الغربية فإن دولاً عديدة تشاطر دول المنطقة مخاوفها من سيطرة فئة دون أخرى على العراق.
وحاول وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري طمأنة الدول التي تخشى من أن يكون الإصرار على الإسراع في إجراء الانتخابات يهدف إلى استبعاد السنة وعلى حساب التمثيل النسبي لهم الذي أعلنت مجموعات من ممثليهم مقاطعتها للانتخاب وهددت مجموعات أخرى باتخاذ الموقف ذاته إذا تواصل استهداف المناطق التي يشكلون الغالبية فيها.
وجدد قادة السنة الأسبوع الماضي دعواتهم لمقاطعة الانتخابات احتجاجاً على الهجوم المدمر الذي قادته قوات الاحتلال الأمريكي على مدينة الفلوجة.
وحتى الآن أعلن 47 حزباً سنياً أنه لن يشارك في الانتخابات، وفي رأي المراقبين، أن استمرار مهاجمة المدن السنية ومداهمة المساجد، إنما يأتي ضمن الخطة الأمريكية لمحاربة سنة العراق، الذين ما زالوا يشكلون العقبة الكبيرة بوجه المشروع الأمريكي في العراق، بعد أن فشل الاحتلال في احتوائهم أو إنهاء مقاومتهم، مما صعد من التوتر في أنحاء العراق وجعل مصير الانتخابات مجهولاً قبل شهرين من موعدها.
واتساقاً مع هذا الحديث، تقول المقاومة العراقية أنها ستلعب دوراً سلبياً في إنجاح هذه الانتخابات، ولن تدعها تمر بسلام، مشيرة إلى نتائج استطلاع للرأي اجرى مؤخراً عن إمكانية مشاركة العراقيين في الانتخابات مع أوضاع أمنية سيئة، كانت نتيجته أن غالبية الشعب لن تذهب إلى صناديق الاقتراع لان الطريق المؤدي إليها غير مأمونة، في ظل التهديدات الصادرة عن غير جهة مقاومة باستهداف المرشحين ومراكز الاقتراع.(17/55)
وقبل الموعد المقرر لإجراء الانتخابات، فإن موقف العرب السنة يبقى متأرجحاً حول المشاركة بصورة كلية أو جزئية أو ربما مقاطعتها على خلفية التهديدات التي تواجهها المدن السنية والتي لم يكن أولها الاستهدافات المتكررة لمناطقهم وليس آخرها استهداف العلماء المسلمين السنة بالاغتيال والاعتقال.
السنّة في جنوب العراق قلقون من "مخطط" لتهجيرهم
الكويت - حمد الجاسر الحياة 6/12/ 2004
يرسم عراقيون يترددون بين البصرة والكويت صورة قاتمة عن أوضاع السنّة في المحافظات العراقية الجنوبية, إذ في حين تتركز الاضواء الاعلامية الاجنبية والعربية على أنشطة متطرفين ومقاومين من السنّة في وسط العراق وغربه, يقول هؤلاء إن الميليشيات الشيعية في الجنوب تباشر "حملة للتطهير الطائفي أدواتها الاغتيالات والخطف ومصادرة المساجد والأوقاف السنية وادارة مؤسسات الدولة وعلى رأسها الاجهزة الامنية على اساس مذهبي وحزبي".
وبحسب معلومات استقتها "الحياة" من ناشطين سنّة فإن الفترة منذ دخول القوات الاميركية والبريطانية العراق وحتى الآن شهدت اغتيال عشرات من وجهاء السنة من شيوخ عشائر وأئمة مساجد ومثقفين وتجار وأطباء ممن لا صلة لهم بنظام صدام حسين, وتمت الاغتيالات على يد فرق قتل مدربة لا تترك خلفها اي آثار. لكن بصمات الميليشيات المدعومة من ايران واضحة عليها.
كذلك استولت الميليشيات على 40 مسجداً سنياً في محافظات الجنوب وصادرت مبنى الاوقاف السنية في البصرة وكثيراً من وثائقه. وهيمنت هذه الميليشيات على الدوائر الرسمية كافة وأقصت معظم القياديين السنة عنها ولا سيما المدارس, وصبغت مدن الجنوب بساحاتها وشوارعها ومبانيها بشعارات وأسماء وصور ذات لون مذهبي وحزبي فاقع.(17/56)
وقال "أبو محمد", وهو من مثقفي السنة في البصرة, لـ"الحياة" ان هذه الممارسات "لا يمكن ان تكون عشوائية او فردية, بل تبدو مخططاً لها وهدفها تفريغ الجنوب من السنة واجبارهم على النزوح عنه". وأضاف: "لا الحكومة المركزية في بغداد مهتمة بمواجهة هذه التجاوزات ولا الحكومات العربية مدركة لهذا الوضع ولا وسائل الاعلام منتبهة لما يحدث". وكشف عن شكوك لدى السنة في الجنوب في فائدة المشاركة في الانتخابات المقبلة "فالدوائر التي ستشرف على الانتخابات كلها في يد الميليشيات ولا ضمانات تذكر بسلامة تلك الانتخابات ونزاهتها خصوصاً مع استمرار التوتر الامني".
أقليات مهمة
وخلافاً للاعتقاد السائد خارج العراق بأن محافظات الجنوب شيعية خالصة, فإن التقديرات الاحصائية تكشف عن وجود مهم للسنة في عدد من المحافظات والمدن. ففي مدينة البصرة لا تقل نسبة السنة عن 35 في المئة, وهم في الزبير نحو 45 في المئة, وفي الفاو 40 في المئة وفي الناصرية نحو 17 في المئة, وحتى في النجف وكربلاء, المدينتين الاقدس عند الشيعة, هناك اقلية سنية تتراوح بين 5 و10 في المئة. وكانت محافظة البصرة حتى قبل نحو خمسين عاماً سنية بمعظمها لكن هجرة كثير من السنة الى دول الخليج واوروبا ونزوح الشيعة من ارياف جنوب العراق وحتى من ايران الى البصرة طلباً للعمل قلبا المعادلة السكانية.(17/57)
ويصف "ابو محمد" ما يتردد من انه كانت للسنة حظوة ومكانة في ظل نظام صدام حسين بأنها "خرافة اختلقتها بعض احزاب المعارضة", وقال: "نظام البعث بدأ استبداده عام 1968 بضرب التيار الاسلامي السني وعلى رأسه الاخوان المسلمون وأغلق جمعياتهم والمدارس الدينية السنية قبل الشيعية, وكان اول من اعدم من رجال الدين عالماً سنياً هو الشيخ عبدالعزيز البدري عام 1970, ثم وجه اجرامه نحو الاخوة الاكراد خلال السبعينات, ولم يظهر قمعه للشيعة الا بعد قيام الثورة الايرانية والحرب مع ايران". وتابع: "صدام حسين ليس طائفياً بل دينه الولاء, فمن والاه كان على دينه ومن عارضه سحقه سواء كان شيعياً او سنياً او مسيحياً", ويدلل على ذلك بأنه "حتى لحظة سقوط النظام عام 2003 كان كثير من قيادات النظام في الجنوب من الشيعة, فمثلاً مدير أمن الزبير ويسمونه الاستاذ سعد كان شيعياً, ومسؤول حزب البعث في الزبير وينادى الاستاذ خلف كان شيعياً مع ان السنة يشكلون نصف سكان هذه المدينة, ومدير غرفة تجارة وصناعة البصرة ابان النظام واسمه غالب كبة كان شيعياً, ومدير التربية في البصرة كان الاستاذ احمد جاسم وهو شيعي, بل لم يعين نظام البعث طوال حكمه احداً من سنة البصرة في منصب محافظ او مساعد محافظ البصرة فيما عين مساعدين للمحافظ من شيعة المدينة, وكان الشيعة يمثلون 58 في المئة من الكوادر الحزبية للبعث في المحافظات الجنوبية".(17/58)
ويصف ابو عبدالله - الذي طلب عدم ذكر اسمه - وهو تاجر من سنة البصرة لـ"الحياة" تسلسل الاحداث منذ سقوط النظام فيقول: "بعد دخول القوات البريطانية البصرة صارت الحدود مع ايران من غير رقابة, وخلال اسابيع بدأت عناصر من قوات بدر وميليشيات شيعية اخرى تتوافد من هناك الى البصرة وهي مشحونة بنفس طائفي غير موجود اساساً بين سكان البصرة, واستولت هذه الميليشيات المسلحة على الدوائر الحكومية المهجورة وبدأت بادارتها باسم الدولة العراقية ولكن على اساس اجندتها الطائفية والحزبية". ويضرب مثالاً على ذلك مقر مديرية التربية في حي الخليج "اذ اقتحم شخص معمم قادم من ايران يدعى احمد المالكي مع مسلحين المقر وعين نفسه مديراً عاماً للتعليم لشهور عدة وأقصى من يريد اقصاءهم من مديري المدارس وأكثريتهم من السنة وامتنع عن تعيين اي مدرس سني طوال فترة سيطرته على المديرية الى ان ابعد وتولى مكانه مدير آخر ينتمي لحزب الدعوة وكان اكثر اعتدالاً, لكن التمييز ضد المدرسين السنة استمر, بل ان التعيين في الوظائف الحكومية عموماً صار يتطلب احضار تزكية من الحوزة الشيعية او من يمثلها في المدينة".
ويضيف ابو عبدالله: "جرى تغيير اسماء المدارس الى اسماء ذات لون مذهبي فاقع مثل مدرسة كربلاء المقدسة او الزهراء او اسماء قيادات الاحزاب الشيعية, وكذلك الامر مع الشوارع والساحات والمرافق العامة التي غطتها جداريات وصور لقادة التيارات الشيعية, وجرى احضار مقرئين ومقرئات الى المدارس لقراءة المراثي الحسينية على الطلبة مع انه لا علاقة لها بالمنهج الدراسي".(17/59)
أما الاجهزة الامنية فكانت هدفاً اول للميليشيات, "فجهاز استخبارات الشرطة في البصرة تديره الآن عناصر من المجلس الاعلى للثورة الاسلامية - "قوات بدر" التي اعادت بناء قوة الامن بحسب توجهاتها. ولا يزيد عدد المنتسبين لقوة الشرطة حالياً من السنة عن سبعة في المئة, وهذه النسبة الصغيرة للسنة تحققت فقط بعدما اصبح التعيين في الوظائف الحكومية مركزياً من بغداد, ولكن بعد ماذا؟ بعدما آلت قيادة وادارة كل الدوائر الحكومية للميليشيات التي صارت ترتدي رداء الدولة وتنطق باسمها". ولكن ماذا عن القوات البريطانية؟ يجيب ابو عبدالله: "البريطانيون يعلمون بكل ما يجري وأحياناً يتدخلون عندما تقع ممارسات خارجة عن الحدود, لكنهم لا يتدخلون في ما يحدث داخل الاجهزة الرسمية العراقية وهم اختاروا غض النظر عن تصرفات الميليشيا وسير عناصرها في الشوارع بسيارات مسلحة".
اغتيالات مبرمجة!(17/60)
غير ان أخطر ما يرويه سنة البصرة من تجاوزات يتعلق بمسلسل الاغتيالات التي قالوا انها بدأت بعد ثلاثة اشهر من سقوط النظام ولم تتوقف حتى الآن. ويقول ابو عبدالله: "ان اول موجة من الاغتيالات كانت موجهة ضد المتدينين السنة على الطريقة السلفية ممن يطلقون لحاهم ويلبسون "دشاديش" قصيرة بعدما اصدر بعض المعممين القادمين من ايران فتوى بتكفير هؤلاء واستحلال دمهم, "ومن اول ضحايا هذه الفتوى عائلة من عشيرة بن حسين في مدينة ابو الخصيب مع اقرباء لهم من عشيرتي الغانم والدواسر دخل عليهم مسلحون من الميليشيات واعتقلوهم واقتادوهم الى مكان مجهول وتأكدنا بعد ذلك من قتلهم. وكذلك استهدفت التصفيات بعض الشيعة الذين تحولوا الى المذهب السني باختيارهم وقتل شابان في الزبير بسبب ذلك احدهما يدعى عباس والآخر محمود, علماً ان الانتساب المذهبي مختلط جداً في جنوب العراق وأحياناً داخل العشيرة والعائلة الواحدة ولم نكن نستشعر هذه المذهبية قبل ان تدخل علينا الميليشيات من ايران". ويتابع: "بعد ذلك بدأت الاغتيالات تستهدف البعثيين السابقين ولاحظنا ان اكثر المستهدفين بالقتل كانوا من البعثيين السنة مع انهم اقلية في فروع الحزب في الجنوب, وفي كل الاحوال كان كثير من البعثيين سنة وشيعة منتمين للحزب كرهاً لا عن رغبة منهم ولم يكن هناك مبرر لاستهدافهم ولكنها كانت حجة لقتل السنة, وان كانت التهمة انهم بعثيون فلم لم يحاكموا".
الحرس الثوري رعى التجنيد والتدريب في معسكرات لـ"حزب الله" في جنوب لبنان
الحياة 9/12/2004(17/61)
ردت القاهرة, أمس, على نفي طهران لاتهامها في قضية التجسس, بمعلومات عن ان شبكة الحرس الثوري الايراني عمدت الى تجنيد مصريين وسعوديين للتدريب في معسكرات تابعة لـ"حزب الله" في جنوب لبنان. وكانت القاهرة اتهمت المصري محمود عيد دبوس (31 عاما) والديبلوماسي الإيراني محمود رضا حسن دوست "بارتكاب أعمال التجسس والتخطيط لتنفيذ اغتيالات في مصر والسعودية والتورط في تفجير مجمع للكيماويات في مدينة ينبع السعودية في آيار (مايو) الماضي".
وينتظر أن يصدر رئيس محكمة الاستئناف المصرية قريباً قراراً بتشكيل إحدى دوائر محكمة أمن الدولة العليا يمتثل أمامها المصري المحتجز احتياطياً على ذمة القضية, على أن يحاكم الديبلوماسي الإيراني الذي غادر مصر غيابياً. وأكدت مصادر مصرية مطلعة أن كل المعلومات الواردة في القضية "موثقة وتمثل أدلة اتهام دامغة ضد المتهمين" و"تؤكد تورط الجهات التي تعاملت معهما في مخطط يستهدف الأمن القومي المصري وزعزعة الاستقرار في السعودية والسعي الى ضرب العلاقات المصرية - السعودية ايضاً". وقالت المصادر لـ"الحياة" ان دبوس "أدلى باعترافات تفصيلية أمام جهات التحقيق عن عمليات قام بها وزميله الايراني لتجنيد شباب من مصر والسعودية للعمل ضمن الحرس الثوري الايراني", وان هؤلاء "كانوا يُنقلون بطرق معقدة الى الجنوب اللبناني تفادياً للرصد الأمني ثم يلتحقون بالتدريب في معسكرات لحزب الله يشرف عليها عناصر من الحرس الثوري الايراني", موضحاً أن العناصر الايرانية "كانت تحمل اسماء عربية رمزية لتفادي كشف تورط الجهاز الايراني في حال سقوط أي من المتدربين في قبضة اجهزة الأمن".(17/62)
وأضافت المصادر ان التحقيقات أكدت أن الحرس الثوري الايراني "هو الجهة المعنية بالعمل على تصدير اهداف الثورة الايرانية الى دول المنطقة, خصوصاً مصر والسعودية", وان من بين الاهداف التي تحدث عنها المتهم في اعترافاته "السعي الى تنفيذ عمليات ارهابية لاثبات أن حكومات بعض الدول غير قادرة على حماية مواطنيها او الاجانب المقيمين على اراضيها", موضحاً أن المتهم المصري أكد في التحقيقات أن الحرس الثوري "كان يتعاطى معه باعتباره جهة مستقلة عن الحكومة الايرانية لها جهاز استخبارات خاص بها".
وذكرت المصادر أن دبوس استغل اقامته في السعودية في تأسيس علاقات مع قطاعات من الشباب لتجنيد بعضهم, وانه أقر بأنه كان سلم اسماء أعداد منهم ومعلومات تفصيلية عنهم الى زميله الايراني الذي عرضها على مسؤولي الحرس الثوري "فاختاروا منها من تم تسفيرهم الى الجنوب اللبناني بعد اقناعهم بالأهداف التي يسعى الحرس الثوري الى تحقيقها".
وقالت المصادر "كان من شأن تلك المعلومات أن قام قادة الحرس بتأسيس خلايا عربية, وقرر المتهم انه المسؤول عن إدارة وتنفيذ عمليات ارهابية وإمداد تلك العناصر بالأسلحة والأموال وتسلم وتدبير الأموال لإمداد العناصر داخل الدول المستهدفة, وانه على اقتناع تام بأهداف الحرس الثوري الايراني".
المطلوب عربيا من إيران..
راكان المجالي
الدستور 5/12/2004
لا نجد الانتقادات التي توجه لإيران لتراجعها عن برنامجها النووي صائبة، بل نتفهم أكثر من ذلك الأسباب التي تدعوها لعقد مؤتمر وزراء الداخلية لدول الجوار من العراق تحت عنوان أمني بحت وواضح لضبط الحدود من كل الجهات مع العراق، وهذا المؤتمر الذي عقد في طهران لوزراء داخلية الدول المعنية كان هو الوجه الأمنى الخالص لمؤتمر شرم الشيخ الذي دعت له أمريكا ورعته في الأسبوع الأخير من الشهر الماضي.(17/63)
وليس سرا أن النظام الإيراني قد قدم تنازلات عديدة وتخلى عن شعارات كثيرة وابتلع غصات ومرارات الاشتراطات الأمريكية التي لا تعد ولا تحصى وذلك في سبيل البقاء والاستمرار وهذا ليس عيبا فلقد كانت إيران بارعة في انتهاج سياسيات تعيد تأهيلها في النظام العالمي الجديد وتجنبها الصدام مع الطاغوت الأمريكي.
والرسالة الحقيقية التي تريد إيران إيصالها لأمريكا هي أنها لا تسعى أن تكون قوة إقليمية في المنطقة وأنها تعلمت من درس العراق الكثير الكثير وهي تتخلى عن وهم القوة العظمى دون أن تدفع الثمن الذي دفعه العراق، ولا يستطيع أحد أن ينكر أن إيران قد قطعت شوطا بعيدا في سياسة الاعتدال والتركيز على شؤونها الداخلية وحماية نفسها مما أدى إلى تطوير إيجابي في علاقتها مع دول الجوار العربي.
ومن المؤكد أن علاقات إيران العربية ستظل مرهونة بقدرة إيران على إظهار نواياها الأخوية السلمية وإنهاء زعامتها العدوانية والتوسعية وذلك من خلال تخليها عن الجزر الإماراتية الثلاث التي كان احتلالها أيام الشاه وتمسك الجمهورية الإسلامية باحتلالها تعبيرا عن أطماع إمبراطورية يثبت اليوم اكثر من أي وقت آخر أنها أطماع عدوانية وأنها ليست أحلام بل كوابيس، حيث كان واضحة الأسباب التي دفعت لاحتلال هذه الجزر وهو تكريس نموذج آخر للاحتلال في المنطقة ليكون ذلك غطاء وتبريرا لاحتلال إسرائيل لفلسطين والأراضي العربية، وحيث بدأت إسرائيل والغرب بالتبشير بأن احتلال فلسطين هو جزء من الاحتلالات والصراعات في المنطقة.(17/64)
وعندما يطرح رئيس دولة الإمارات العربية الجديد بكل شفافية ومحبة وأخوة فكرة إجراء تحكيم دولي فإنه يفترض أن تستجيب إيران أو تجيب على هذه الدعوة، فلا يصح أن ترفض إيران في الماضي قرارات الشرعية الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة ثم تأتي اليوم فترفض التحكيم وترفض أي حوار جديد مع الإمارات ودول الخليج حول مسألة لا بد من حلها لتكون علاقات إيران مع جيرانها علاقات أخوة وتعاون وتنسيق، ولا ننتظر نحن أو إيران أن تتلقى إيران مطلبا أمريكيا أو إشارة من إيران للانسحاب، وهي سترد على ذلك بالاستجابة سريعا حتما، لكن هذا مستحيل لأن زرع الخلافات وتأجيج العداء هو ابرز أهداف سياسات الهيمنة الأمريكية في ظل النظام العالمي الجديد الذي يقوم على التفتيت والإضعاف والإرباك لتصبح السيطرة عبر سطوة القوة حقيقية ثابتة حيث لا قوة إلا قوة أمريكا بعد قوة العلي القدير الذي يمتحننا بشرور القوة التي يفترض أن لا نستخدمها ضد بعضنا ما دمنا جميعا في دائرة استهداف أمريكا للمنطقة شعوبا وأوطانا..!!
شيعة الكويت والبحرين سلاح إيران في حربها ضد أميركا
"الوطن العربي" العدد 1448 ـ 3/12/2004
لم تكد تمضي ساعات على صدور حكم المحكمة الجزائية الصغرى في المنامة بالسجن
على الناشط الحقوقي عبد الهادي الخواجة، لاتهامه بالتحريض على كراهية النظام ، حتى سارع العاهل البحريني حمد بن عيسى آل خليفة إلى إصدار عفو ملكي قضى بإطلاق سراح فوري للخواجة.(17/65)
بالعفو عن الخواجة اختار ملك البحرين أن يضع حداً لتطور مفاجئ لقضية تشهير تتعلق بحرية الرأي التي يضمنها الدستور ويشملها برنامج الإصلاحات الجرئ الذي أطلقه حمد بن عيسى منذ ثلاث سنوات، فسرعان ما تحولت محاكمة الخواجة إلى محاكمة للنظام وإلى مشروع فتنة مذهبية لا تهدد فقط برنامج الإصلاح والتطوير والتحديث، بل راحت تنذر جدياً بتفاعلاتها ودخول أطراف خارجية على الخط بزعزعة استقرار المملكة وتهديد وحدتها الوطنية بإثارة فتنة شيعية ـ سنية.
عندما اعتقل عبد الهادي الخواجة في سبتمبر "أيلول" الماضي، كان ذلك إثر إلقائه لمحاضرة نظمها مركز البحرين لحقوق الإنسان وألقاها رئيسه "الخواجة" في مركز نادي العروبة الثقافي. واستغل الخواجة مشاركته في الندوة التي حملت عنوان "الفقر والحقوق الاقتصادية" ليوجه انتقادات مباشرة إلى رئيس وزراء البحرين، وعم الملك الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة محملاً إياه مسؤولية الفقر في المملكة وداعياً إلى استقالته. وفي اليوم التالي اعتقل الخواجة بتهمة التحريض على كراهية النظام والمساس برموزه ونشر دعايات مغرضة ضد السلطة. وفي الوقت نفسه، تم حل مركز البحرين لحقوق الإنسان وإغلاق نادي العروبة لأسابيع، أعيد فتحه بعدها.
أبعاد دولية
وفي معلومات "الوطن العربي"، أن السلطات البحرينية فوجئت بالأبعاد المحلية والإقليمية والدولية التي اتخذتها عملية اعتقال الخواجة، وسرعان ما أدت هذه الأبعاد والانعكاسات إلى إثارة اهتمام جهات دبلوماسية وأمنية دولية راحت تراقب عن كثب خلفيات وخفايا ما يدور على الساحة البحرينية وما تحمله من مخاطر على مستقبل الوضع في المملكة. ولم تتوقف هذه المصادر في البداية عند حملة التعبئة الدولية التي قامت بها جمعيات الدفاع عن حقوق الإنسان بحيث إن أكثر من 420 جمعية انضمت إلى حملة الدفاع عن الخواجة والضغط على الحكومة لإطلاق سراحه.(17/66)
لكن المفاجآت بدأت تظهر مع دخول جهات أخرى على الخط مباشرة وفي شكل يتناقض كليا مع الشهادات الدولية التي تشهد بالتجربة الديمقراطية التي ينتهجها الملك البحرين بن عيسى والتي تجمع على اعتبار البحرين رائدة عملية الإصلاح والديمقراطية في العالم العربي وأنها الدولة الأكثر جرأة في السير ببرنامج التطوير والإصلاح على الرغم من حساسية توازناتها الداخلية وهشاشة إمكاناتها الاقتصادية.
وكان لافتاً أن السفارتين الأميركية والبريطانية في المنامة أسهمتا في حملة الانتقادات بل إنهما لعبتا دوراً في استقطاب المعارضة، وخصوصاً الشيعية ودعوتها إلى اجتماعات أثارت حفيظة السلطة لاعتبارها تدخلاً مفضوحاً في قضايا داخلية، كما أثارت حفيظة أطراف أخرى في المعادلة السياسية والاجتماعية البحرينية لجهة إقدام تجمعات معارضة على فتح قنوات اتصال بدول خارجية.
وكشفت مصادر أميركية مطلعة لـ "الوطن العربي" أن دخول كل من لندن وواشنطن على خط اللعبة السياسية الداخلية في البحرين لم يكن في الواقع من قبيل التدخل في الشؤون الداخلية أو حتى الاعتراض على سياسة المملكة.
وتشير هذه المصادر إلى أن الموقف الأميركي، خصوصاً واضح جداً تجاه البحرين وهو موقف يشيد بخطوات الملك والإنجازات التي حققها في السنوات الأخيرة وحكمته في تنفيذ عملية انتقال هادئ وسلمي نحو الديمقراطية والتعددية وتمرير الإصلاحات وسط الحفاظ على الانسجام الوطني والسلم الأهلي، وكشف هذا المصدر أن السفير الأميركي "ومعه واشنطن" كان يعرف أن العاهل البحريني هو الذي شجع الخواجة قبل ثلاث سنوات على إنشاء "مركز البحرين لحقوق الإنسان" وهو الذي يقف وراء دعم أجواء الحرية التي تتمتع بها تنظيمات المعارضة وعلى تشجيع استمرار الحوار معها وعلى الإصلاحات السياسية التي أفسحت أمام انطلاقتها وشرعنتها.(17/67)
ويذكر المصدر أن خطوات ملك البحرين تحظى بدعم أميركي كامل وهو دعم تمت ترجمته بتوقيع اتفاق التجارة الحرة بين البلدين وبدعوة حمد بن عيسى إلى المشاركة في قمة رؤساء الدول الصناعية الكبرى وباعتبار البحرين نموذجاً للاقتداء به في مشروع الشرق الأوسط الكبير.
مخطط إيراني
أما سبب "التدخل" الأميركي والبريطاني في قضية الخواجة فهو حسب معلومات "الوطن العربي" مرده إلى تقارير سرية خطيرة تبادلتها كل من واشنطن ولندن في الأسابيع الأخيرة. وقادت هذه التقارير إلى قلق ومخاوف لدى هاتين الدولتين من عودة التوتر بين الحكم والمعارضة وتحديدا المعارضة الشيعية وذلك على خلفية مخطط يهدف إلى زعزعة استقرار البحرين التي تمثل محوراً مهما في الاستراتيجية السياسية والعسكرية الأميركية في المنطقة وهو مخطط ينظر إليه الأميركيون بأنه يهدف إلى ضرب الاستراتيجية الأميركية في المنطقة من خلال زعزعة الاستقرار في عدة دول خليجية أبرزها البحرين والكويت وذلك عبر إثارة فتن مذهبية واختراق تنظيمات المعارضة وتأليبها ضد السلطة.(17/68)
وكشفت هذه المصادر لـ "الوطن العربي" أن أخطر التقارير يتحدث عن مخطط إيراني يهدف إلى استقطاب وتحريك الشيعة في البحرين والكويت واستخدامهم في إفشال المشروع الأميركي. ويصل هذا التقرير إلى حد وصف أهداف المشروع الإيراني بأنه يهدف إلى استخدام "الشيعة العرب كرهائن إيرانية في الحرب السرية الدائرة بين طهران وواشنطن"، ويشير إلى أن ما يحصل في العراق من اختراق للأجهزة الأمنية الإيرانية للساحة الشيعية عبر عمليات تمويل وتجنيد وإرسال عملاء ورجال دين هو جزء من مخطط أعد على مستوى المنطقة في اجتماع سري عقد قبل أشهر في مكتب المرشد الإيراني على خامنئ. ويبدو أن طهران تعتبر هذا المخطط محوراً رئيسياً في الحرب الوقائية التي قررت خوضها ضد ما تعتبره مخططاً أميركياً بدأ في العراق يهدف إلى إطاحة نظام الملالي في طهران. وفي معلومات التقرير أن ما حصل في البحرين والكويت في الأشهر الأخيرة من تحركات شيعية مثيرة للشبهات أحيانا يتجاوز ما يقال عن عدوى ارتفاع معنويات الشيعة في العراق، وهو يعكس في العديد من المؤشرات والمظاهر مشروعا إيرانياً للتهديد بتصدير الثورة إلى دول المنطقة والتلويح بزعزعة استقرارها عبر تأليب بعض الفئات الشيعية فيها ذات الارتباطات الإيرانية. واللافت أن التقرير قارن في تحذيره بين ما تشهده البحرين منذ أشهر والتصعيد الملحوظ في الأسابيع الأخيرة على خط بعض الفئات الشيعية المتطرفة والمعروفة بارتباطاتها بـ "قم" وببعض ملالي طهران منذ الثمانينيات والتسعينيات، وما شهدت مناطق الشمال اليمني في الصيف الماضي وكشف التقرير أن انتفاضة بدر الدين الحوثي كانت في الواقع عملية تحريك إيرانية للمذهبية الشيعية لدى زيديى اليمن ومحاولة لاستخدامهم لزعزعة النظام في رسالة غير مباشرة للأميركيين ولمشروعهم في المنطقة. ويعتبر التقرير أن المخاطر التي تهدد البحرين حالياً والكويت في وقت لاحق هي نوع من امتداد للمخطط الإيراني(17/69)
الهادف إلى استخدام كل أنواع الأسلحة في مواجهة ما يعتبره مؤامرة أميركية لإسقاط نظام الملالي.
تصعيد يومي
ومن هذا المنطلق توقف المراقبون عند التصعيد شبه اليومي الذي تنفذه بعض أطراف المعارضة الشيعية في البحرين ويسير في خط إثارة انتفاضة شيعية ونزاع مذهبي على مطالب متكررة وشعارات تهديدية تتهم السلطة بالتفرقة والسرقة والفساد ومستعدة للتحول إلى انتفاضة شعبية وأعمال تكفير تذكر بالتسعينيات.
وكان لافتاً أن قضية المواجهة تزامنت مع مسلسل تصعيدي على الساحة البحرينية سرعان ما أثار الشبهات والمخاوف وإلى حد دفع بالملك حمد بن عيسى إلى فقء هذا الدمل ومنع تطور الاحتقان السياسي والمذهبي إلى الانفجار عبر العفو عن الخواجة.(17/70)
والتقط المراقبون عدة مؤشرات خطيرة في مسلسل تصعيد الصراع المذهبي في المنامة، فقد كان لافتاً مثلا دخول أبرز علماء الشيعة على خط الاعتراض على دور المجلس الأعلى للمرأة الذي أنشأه الملك وعهد برئاسته إلى قرينته الشيخة سبيكة، وتمحورت الاعتراضات على دور المجلس في إعداد قانون الاعتراضات على دور المجلس في إعداد قانون تنظيم الأسرة، وبعدها أثير جدل آخر ومثير للانقسامات المذهبية حول شرعية المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية قررت بعض الجهات الشيعية تحدي الحكومة وتشكيل "المجلس الإسلامي العلمائي" الذي اعتبرته الحكومة مخالفاً للدستور. وكان لافتاً أن أصوات رجال الدين الشيعة الذين اعترضوا على المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية وأبرزهم الشيخان عيسى قاسم وسيد عبد الله الغريفي بنت اعتراضها ومعارضتها دخول المجلس على فتاوى صادرة من "قم" تحرم التعامل مع المجلس. وفي الأسبوع الماضي بدا أن الخلاف على هذه المجلس سائر نحو التحول من خلاف سني ـ شيعي إلى خلاف شيعي ـ شيعي عندما صرح عضو المجلس الشيخ حمد المبارك رئيس محكمة الاستئناف الجعفرية أن فتاوى تحريم التعامل مع المجلس التي صدرت عن حوزتي قم والنجف، تحتاج إلى تأمل. وكان الشيخ مبارك أثار استياء في بعض الأوساط الشيعية عندما أكد أن الحكومة تعد لقانون "أحوال شخصية".
صب الزيت على النار(17/71)
وفيما كانت أوساط شيعية بحرينية تضيف مؤشرات أخرى على تدهور الروابط المذهبية عبر اتهام السلطة بإسقاط الحسينيات والحوزات العلمية من أوجه الصرف في موضوع تمليك الأوقاف السنية والجعفرية جاءت معركة الفلوجة لتصب الزيت على النار الصدام المذهبي الذي ارتفعت وتيرة المخاوف منه. وبالفعل شهد البرلمان البحريني معركة حقيقة وملاسنات ومشادات حامية حول مسألة إصدار بيان يدين اقتحام الفلوجة. ففيما اعتبر تيار الإخوان المسلمين المقاومة في الفلوجة مشروعة ذهب بعض نواب الكتلة الإسلامية الشيعية إلى حد وصف مقاتلي الفلوجة بالإرهابيين. وقادت معركة النواب إلى انسحابات بالجملة لم يسبق أن شهد المجلس مثلها منذ تأسيسه العام 2002، وبعد أيام شهد المجلس مؤشراً آخر على احتقان الوضع المذهبي عندما اندلعت أزمة سنية ـ شيعية على خلفية الدعوة لمنع صحافية من جريدة "الوسط" (شيعية) من تغطية جلسة البرلمان وذلك لاتهام بعض "الإخوان" لها بالنقل غير الدقيق لتصريحاتهم، ورفض شيعة المجلس طرد الصحافية فطارت الجلسة.
ويعتر بعض المراقبين أن هذه الخلافات التي تتخذ بسرعة بعداً مذهبياً تؤكد في النهاية الأجواء الديمقراطية الجديدة في البحرين وتعكس عدم تمرس البعض بها وسوء استخدام أجواء الحرية والحوار في ديمقراطية ناشئة. لكن بعض التقارير تجد في الممارسات الأخيرة وتوقيتها وظروفها أكثر من عدم إحساس بالمسؤولية أو مراهقة في الديمقراطية. وتخوف هؤلاء من أن تكون بعض أطراف المعارضة تنفذ عن سابق تصور وتصميم خطة إثارة وتصعيد واستفزاز لا تهدد فقط الديمقراطية والمكتسبات الحضارية في البلد، بل تهدف إلى خلق حالة احتقان وتوتر يقودها تيار متطرف ضالع في مخطط إيراني أوسع، يهدف إلى التهديد بصدام مذهبي خطير جداً بالنسبة لمستقبل الوضع في البحرين خاصة والخليج عامة.(17/72)
وعلى الرغم من إشادة آخر التقارير بمبادرة العاهل البحريني إلى تفادي الاحتقان وشرخ الوحدة الوطنية، إلا أن المصادر المطلعة مازالت تراقب الوضع عن كثب وتتخوف من استمرار المخطط لزعزعة استقرار البحرين. وتلفت هذه المصادر إلى أن التدخلات الخارجية في قضايا البحرين الداخلية لم تأت فقط من السفارتين الأميركية والبريطانية بل توجه أصابع الاتهام إلى ما يجري داخل السفارة الإيرانية في المنامة وعلى خط اتصالات بعض أطرف المعارضة الشيعية مع جهات دينية أمنية في "قم" وطهران.
وتشير هذه المصادر إلى أن ما يزيد الوضع خطورة هو أن التصعيد الاجتماعي والسياسي يتزامن مع عودة بعض التقارير إلى الحديث عن تحركات جماعات إسلامية متطرفة داخل البحرين وبروز تهديدات أكثر جدية من سابقاتها عن عمليات تفجير إرهابية يجري الإعداد لنقلها إلى البحرين بحجة استهداف مقرات الأسطول الخامس والمصالح الأميركية.وثمة معلومات أن مناشير وزعت مؤخراً على الإنترنت تدعو البحرينيين إلى تفادي الاقتراب من المؤسسات الأميركية والغربية. والجدير بالذكر أن هذا التهديد الإرهابي للبحرين ليس الأول من نوعه، وقد سبقته تهديدات وتحذيرات قادت إلى إعلان حالة الطوارئ في صفوف القوات الأميركية ولم يحصل أية عمليات. ولكن لوحظ أن عدة جهات أمنية غربية تتعامل مع التهديد الأخير والتهديدات المماثلة التي تشمل عدة دول خليجية في هذه الفترة بالذات، باعتبارها مرتبطة أكثر بالتجديد لجورج بوش وبتجدد المخاوف الإيرانية من ضربه عسكرية أميركية قررت طهران مواجهتها بكل الوسائل بما فيها زعزعة استقرار كل دول الخليج.
علاوي يبحث في عمان ترتيبات الاجتماع مع120 شخصية عراقية
سعد حتر ومؤيد أبو صبيح الغد 1 /12/ 2004م(17/73)
سيعرج علاوي إلى عمان لحضور اجتماع غير مسبوق مع شيوخ عشائر ومثقفي وحزبيين عراقيين ـ بمن فيهم إسلاميون وأعضاء في حزب البعث الذي أطيح به عن السلطة في بغداد في ربيع العام الماضي، حسبما أكد أحد المشاركين.
وصرح منسق الاجتماع الناشط السياسي والأكاديمي العراقي خالد الشمري أن " نحو 120 شخصية عراقية ستحضر الاجتماع برعاية علاوي الذي يستهدف تدشين مرحلة جديدة من الحوار بين الحكومة العراقية وشخصيات سياسية بارزة تقيم في الأردن وخارجه" وصولا إلى الحل العراقي الخالص.
وقال الشمري إن "الاجتماع جاء " بمبادرة" من رئيس الوزراء المؤقت، مشيرا إلى أن الحكومة الأردنية أخذت علما بهذه الترتيبات بانتظار الموافقة الرسمية". على أن السفارة العراقية في عمان ليست معنية بشؤون تنظيم اللقاء. ونفى القائمون على اللقاء "وجود أي تنسيق مع السفارة الأمريكية أو البريطانية".
وتجري لجنة تنسيقية اتصالات مكثفة "لإنجاح الاجتماع وتحقيق أهدافه في الاستماع إلى آراء العرقيين في المنفى حول مستقبل بلادهم والأوضاع الأمنية السائدة فيها وآفاق إيجاد الحلول المنسبة لها" لاسيما أن "العراق يتهيأ لإجراء انتخابات تشريعية" أواخر كانون الثاني (يناير) المقبل. ويكتسب الاجتماع أهمية خاصة لجهة مضمونه وتوقيته ونوعية المشاركين. إذ أن طيفا واسعا من البعثيين والشيوعيين وشيوخ عشائر لاسيما من محافظ الرمادي المحاصرة عسكرياً سيدلون بدلوهم أما علاوي عقب الاجتياح العسكري الأمريكي للفلوجة منتصف الشهر الماضي وفي ضوء دعوات لإرجاء الانتخابات.
ولم يستبعد الشمري تأجيل الانتخابات في "حال تشكلت رغبة جماعية خلال اللقاء" الذي سيعقد في أحد فنادق عمان الفخمة.
وأكد أن الاجتماع " لا يميز في الدعوة إليه عراقيا عن آخر" موضحا أن كافة الشخصيات العراقية المستعدة لإبداء الرأي في واقع العراق ومستقبله مدعوة إليه، بغض النظر عن معتقداتها الدينية أو خلفياتها السياسية".(17/74)
وكان علاوي نفى في تصريحات صحافية في بغداد ترتيب لقاء في عمان مع تكتل " معارضة عراقية" وأكد في المقابل أن هناك نية للقاء شخصيات عراقية بارزة من قبيل شيخ مشايخ قبائل الدليم ماجد علي السلمان (أبو مساعد) وشقيق زوجته عامر سليمان والوزير السابق الدكتور عبد الحسين عطية" المقيمين في عمان.
يشار إلى أن "خالد الشمري كان يدرس علم الاقتصاد في جامعة بغداد قبل أن يهجرها في ظل النظام السابق كما عمل في عمان مستشارا في البنك العربي على مدى عشر سنوات".
ولم تتأكد بعد مشاركة رئيس المجلس الوطني العراقي السابق سعدون حمادي المقيم في عمان.
ورحب الأردن باستضافة هذا الاجتماع واعتبرت الناطقة الرسمية باسم الحكومة أسمى خضر انه "ينسجم مع موقف المملكة الداعم للشعب العراقي وجهوده في استعادة أمنه واستقراره الداخليين".
وعلم من مصادر متطابقة أن رئيس الحكومة العراقية المؤقتة إياد علاوي وصل إلى عمان مساء أمس في إطار توقف قصير يلتقي خلاله اليوم جلالة الملك عبد الله الثاني ورئيس الوزراء فيصل الفايز.
وتاتي زيارة علاوي إلى عمان عشية قمة أردنية ـ أمريكية في البيت الأبيض ستتمحور حول المحاور المتصاعدة في العراق وحفز المسار الفلسطيني في ضوء غياب الرئيس الراحل ياسر عرفات بعد أربع سنوات من التراجع.
وسيعرض جلالته أمام الإدارة الأمريكية مخاوف الأردن من تهميش السنة في العراق وتعثر الانتخابات المقررة أواخر كانون الثاني (يناير) المقبل لفرز حكومة وهياكل تشريعية انتقالية وذلك في ضوء الهجوم الأمريكي الكاسح على الفلوجة ـ معقل السنة في محافظة الرمادي.
وقالت مصادر دبلوماسية في عمان إن علاوي الذي يرأس حكومة منذ منتصف العام الحالي سيتوجه لاحقا إلى برلين ثم موسكو تلبية لدعوتين رسميتين من هاتين العاصمتين.(17/75)
وسرت معلومات حول ترتيب لقاءات بين علاوي، والبعثي العتيق الذي صعد إلى السلطة من المنفى عقب الإطاحة بنظام الرئيس السابق صدام حسين في ربيع العام الماضي، وشخصيات سياسية عراقية من خارج منظومة القيادة الحالية. ويقيم في الأردن العشرات من القيادات البعثية السابقة ووجهاء عشائر ضمن نحو ثلاثمائة ألف عراقي فروا من أتون المعارك التي أعقبت تغيير السلطة في بغداد.
وكان المتحدث باسم الحكومة العراقية ثائر النقيب توقع في مطلع الأسبوع الحالي أن يجري علاوي لقاءات مع "معارضين" يعيشون في المنفى وذلك خلال توقفه في عمان.
على أن النقيب لم يحدد موعدا لتلك اللقاءات كما أن الحكومة المؤقتة نفت أي ترتيب في هذا الاتجاه.
وبينما أوضح الأردن ـ الذي يرتبط بعلاقات وثيقة مع علاوي ـ أنه غير مطلع على هكذا خطط أكد في المقابل استعداده لاستضافة اجتماعات من هذا القبيل على أراضيه.
واشنطن تحذر السيستاني من لعب دور خميني العراق
الوطن العربي العدد 1445 ـ 12/11/2004
هل ستجري الانتخابات العراقية المقررة والمنتظرة في يناير "كانون الثاني"المقبل؟ رسميا، هذا السؤال يبدو حتى الآن غير مطروح لا بالنسبة للأميركيين ولا بالنسبة للحكومة العراقية المؤقتة ولا حتى بالنسبة للمرجع الشيعي الأعلى آية الله السيستاني ولا طبعا بالنسبة للأكراد، بل إن جميع هؤلاء يؤكدون يومياً أن الموضوع غير قابل للجدل والنقاش ويصل السيستاني إلى حد اعتبار الانتخاب واجباً دينياً ومن يتخلف عنه مهدد بدخول جهنم. ومن هنا يبدو أن المبرر الوحيد للتساؤل يتعلق بحصول الانتخابات في المنطقة السنية وبمدى وطريقة إقناع سنة العراق والعشائر وتنظيمات المقاومة بإقفال جهنم الموت والدمار اليومية ودخول العملية السياسية إن لم يكن بالتخلي عن السلاح نهائياً، فعلى الأقل بالموافقة على نوع من الهدنة تتيح إجراء استبعاد السنة وحرمانهم من المشاركة في الحكم.(17/76)
لكن المعلومات التي حصلت عليها "الوطن العربي" تكشف عن وجود عراقيل تتجاوز الساحة السنية في تهديدها لمستقبل الانتخابات في العراق ولا تشكل المقاومة والحرب ضدها سوى جانب واحد من مجموعة جوانب خفية تدفع إلى القول باستحالة إجراء تلك الانتخابات في موعدها كما تدفع بأكثر من طرف إلى العمل سراً على تأجيلها رغم الترويج العلني لها. وفي الأيام الماضية، حصلت "الوطن العربي" على أكثر من تقرير متشائم لا فقط بالنسبة لعقد انتخابات يناير "كانون الثاني" بل خصوصاً بالنسبة لنتائجها المحتملة وانعكاساتها الخطرة على مستقبل العراق كدولة ديمقراطية موحدة وتعددية.
حتى الآن يبدو أن الخطر الوحيد الذي يهدد الانتخابات يتأتى من الفلتان الأمني في بغداد والمناطق السنية واستمرار تمردها وفضها للاحتلال الأميركي والسلطة العراقية الحالية، وبالتالي الدعوة إلى المقاومة لإخراج المحتل قبل أي حديث عن الانتخابات.
وقد بات من المؤكد، وخصوصاً بعد إعادة انتخاب بوش لولاية ثانية، أن المفاوضات التي يجريها رئيس الحكومة المؤقتة إياد علاوي مع بعض فصائل المقاومة العراقية وزعماء العشائر لإقناعهم بخوض الانتخابات قد دخلت في طريق مسدود، بحيث لم يبق سوى الحسم العسكري بدءا باقتحام الفلوجة وتدميرها وإبادة المقاومة فيها على أمل أن تكون درساً للمدن المتمردة الأخرى في المثلث السني.(17/77)
لكن الحسابات العسكرية الأميركية لا تتقاطع مع آخر التقارير الاستخبارية عن حقيقة موازين القوى والمعادلات دخل المثلث السني، فعلى الرغم من أن الاستطلاع السري الأخير الذي أجراه "المعهد الجمهوري الدولي" أفاد بأن ثلثي سنة العراق يرغبون في خوض الانتخابات، إلا أن التقارير الاستخبارية الأخيرة كشفت أن المقاومة العراقية ما زالت تسجل إقبالاً متزايداً من الشباب العراقي وأن عملياتها، رغم ما يقال عن وحشية تنظيم الزرقاوي الرفض الشعبي لاستهداف العراقيين العاملين مع السلطة، قادت إلى زيادة شعبية المقاومة وتأييدها في المناطق السنية. وكشف أحد التقارير أن مناصري المقاومة العراقية باتوا يعدون بمئات الألوف وأن هؤلاء يسيطرون على مدن وقرى بكاملها لافتاَ إلى أن الحسم العسكري في الفلوجة وحدها أو مع الرمادي أو اليوسفية لن يقود إلى إنهاء المقاومة أو حتى إخفاقها وأن هذا الأمر يحتاج على الأقل إلى اقتحام 22 مدينة عراقية وإخراج المقاومة منها وبسط سيطرة القوى الشرعية عليها.(17/78)
ورغم ذلك يضيف التقرير أن مشاركة السنة في الانتخابات لن تكون مضمونة، ويشير إلى أن الجو العام في الشارع السني هو أن التركيبة الحالية والانتخابات هدفها إخراج السنة من معادلة السلطة وخسارتهم موقعهم بعد ما كانوا الفئة المهيمنة والنافذة مع حزب البعث ويضيف أن لدى السنة قناعة بأنه ليس هنالك أي حزب مثلهم فعلاً فالمقاومة البعثية والجماعات الدينية ستظل مصممة على مقاطعة الانتخابات، وبالتالي فإن الشخصيات والأحزاب "السنية" المتبقية وإن كان منها أسماء مثل عدنان الباجه جي وناصر الجادرجي أو غازي الياور أو ممثلي الحزب الإسلامي فثمة شكوك في قدرتهم على تأكيد موقع السنة وحقوقهم في البرلمان الجديد الذي سيهيمن عليه الشيعة. وعلى الرغم من استمرار التساؤلات حول الموقف النهائي لهيئة علماء المسلمين من الانتخابات، إلا أن التشاؤم يظل سيد الموقف وآخر المعلومات تشير إلى أن المقاومة العراقية ستكون قادرة على منع إجراء الانتخابات في غالبية مراكز الاقتراع في المثلث السني سواء عبر العمليات العسكرية ضد هذه المراكز أو عبر تهديد المرشحين أو حتى الناخبين بالموت.
في ظل هذه المعدلة ازدادت الشكوك العربية والدولية في عدم شرعية الانتخابات المقبلة لجهة عدم تمثيلها كل شرائح ومناطق العراق وقادت إلى مخاوف جدية من أن تقود إلى شرعنة الهيمنة الشيعية على العراق، وبالتالي إلى وضع حجر الأساس إما لإقامة دولة دينية أو لتقسيم العراق وتفكيكه بانتخابات أعدت لتكون أداة لتوحيد البلد.
وفي معلومات "الوطن العربي" إن هذه المخاوف قادت الأميركيين إلى إعادة النظر في تأييدهم لخطة إجراء الانتخابات في يناير "كانون الثاني" المقبل، ويبدو أن واشنطن بدأت تعمل جدياً على تفادي ذلك الموعد لكنها تجد نفسها عاجزة عن التصريح برغبتها هذه علناً مخافة أن تجد نفسها أمام جبهة مقاومة شعبية أخرى يفتحها آية الله السيستاني .
لائحة أميركية(17/79)
وكشف خبير أميركي مطلع لـ "الوطن العربي" أن الإدارة الأميركية تواجه منذ أكثر من ثلاثة أشهر احتمال استحالة إجراء انتخابات في كل العراق، وتدرك أن المقاومة ستحول دون ذلك في الناطق السنية. ومنذ ذلك الوقت تشهد الساحة العراقية نوعاً من الحرب السرية بين الأميركيين من جهة والشيعة من جهة ثانية سرعان ما انضمت إليها إيران إلى جانب الطرف الأخير. ويضيف هذا المصدر أن ثمة سباقاً محموماً بين لائحة شيعية موحدة يدعمها السيستاني علنا وتباركها إيران سراً رغم عدائها للمرجع العراقي وبين لائحة وطنية عراقية موحدة تدعمها واشنطن وتسعى عبرها لمواجهة خطة السيستاني للهيمنة الشيعية على البرلمان والحكم المقبلين في العراق، وبالتالي فرض رؤيته الدينية على الدستور الدائم. ومن هذا المنطلق، فيما كانت واشنطن تؤكد بإلحاح إصرارها على بوفير كل الظروف للعراقيين لانتخابات حرة ونزيهة تنقل السلطة والقرار إليهم مباشرة وكلية، كانت في الوقت نفسه تعمل على إعداد "لائحة ائتلاف وطني" تجمع حلفاءها المضمونين وتضم مرشحي الأحزاب الستة الرئيسية التي شكلت المجلس الانتقالي: الوفاق الوطني والمؤتمر الوطني ، والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، والدعوة، والاتحاد الوطني الكردستاني، والحزب الديمقراطي الكردستاني.(17/80)
وفي حسابات الأميركيين أن هذه اللائحة الموحدة هي اللائحة الأضمن لمواجهة الخطة الإيرانية على الساحة العراقية عبر الانتخابات والتي تمثلت حسب بعض التقارير بإقناع مقتضى الصدر بتسليم سلاحه وخوض الانتخابات. وفي المعلومات الأميركية أن إيران رصدت عشرات ملايين الدولارات للتأثير على الانتخابات المقبلة وأرسلت آلاف الجواسيس والعملاء والموفدين لاختراق الساحة الشيعية بسائر أحزابها لبسط نفوذها داخلها بغية التأثير في نتائج صناديق الاقتراع. وتؤكد مصادر "الوطن العربي" أن الخارجية الأميركية سارعت إلى رصد أكثر من أربعين مليون دولار، لمواجهة هذا المخطط الإيراني تحت ذريعة مساعدة الأحزاب العراقية على خوض الانتخابات. ويبدو أن الجهات الأميركية تراهن كثيراً على استقطاب حزبي الدعوة والمجلس الأعلى الشيعيين في لائحتها لضمانها قدرتهما على حرمان المرشحين والأحزاب الشيعية الأخرى ذات التوجه الإيراني المفضوح من الأصوات والمقاعد النيابية. وفي حسابات واشنطن أن هذين الحزبين الشيعيين يملكان حجماً تمثيلياً للساحة الشيعية بحيث يمكن الرهان عليهما لإبعاد أي مرشح إيراني عن البرلمان العراقي المقبل.
وفي معلومات "الوطن العربي" أن فكرة هذه اللائحة الائتلافية المدعومة أميركياً لاقت قبولاً سريعاً من "ذوي العلاقة" وحظيت أيضاً بترحيب جهات سنية راغبة في خوض الانتخابات على لوائح مضمونة قيل إنها تضم الباجة جي والجادرجي وحتى الرئيس غازي الياور. وتؤكد المصادر أن المفاوضات لتشكيل هذه اللائحة الائتلافية من 275 اسماً كانت قد بلغت مرحلة متقدمة قبل دخول آية الله السيساني على الخط بلائحته الائتلافية الأخرى.
استراتيجية السيستاني(17/81)
وفي آخر المعلومات أن المرجعية الشيعية مازالت مصممة على خوض الانتخابات بلائحة شيعية موحدة. ويجري تقديم هذه اللائحة على أنها لائحة مرشحين تباركها المرجعية الشيعية وتهدف كما وضعها مهدي الكربلائي ممثل السيستاني "لإعادة الحقوق الشيعية". وقياساً إلى الأغلبية العددية الشيعية وعلى ضوء المقاطعة السنية للانتخابات تملكت هذه اللائحة حظاً كبيراً في حصد الغالبية العظمى من مقاعد البرلمان، وخصوصاً ضمان الهيمنة الشيعية على عملية إعداد الدستور العراقي الجديد. وبالطبع ستكون "اللائحة الشيعية الموحدة" مفتوحة أمام جميع الفئات العراقية الأخرى ويتوقع أن يسيطر عليها الحزبان الشيعيان الرئيسيان المجلس الأعلى والدعوة، وستضم أيضاً مرشحين عن أحزاب وتنظيمات علمانية لكن على أن يقبل هؤلاء بثلاثة شروط: الالتزام بالتصويت للائحة كاملة والتعهد بعدم إدخال أي تعديل على البعد الإسلامي للشعب العراقي وعدم دعم أي قانون أو مشروع مخالف للشريعة الإسلامية.
وبمعنى آخر، لا تكفل هذه اللائحة فقط الهيمنة الشيعية على السلطة العراقية المقبلة، بل تجعل من آية الله السيستاني المرشد الروحي للحكم العراقي الجديد. ومن هنا المخاوف الجدية من أن تكون الانتخابات العراقية المقبلة عملية تكريس استراتيجية السيستاني وبداية لتحقيق الدولة الدينية في العراق والجمهورية الإسلامية العراقية رغم كل ما يقال عن رفض السيستاني للتحول إلى خميني العراق ومعارضته إقامة نموذج جديد للجمهورية الإسلامية الإيرانية في العراق.(17/82)
وفي معلومات "الوطن العربي" أن واشنطن التي سبق أن أعلنت رفضها إقامة دولة دينية في العراق أعلنت عن استيائها الشديد ومعارضتها لخطة السيستاني واستراتيجيته ليكون "خميني العراق الديمقراطي" وباتت تتخوف علنا من أن تقود أية سلطة عراقية جديدة ذات هيمنة شيعية على البرلمان والحكومة إلى توثيق العلاقات أكثر مع إيران. ولهذا أبلغت جماعة السيستاني رفضها تكريس الطائفية عبر الانتخابات معلنة تفضيلها للائحة توافقية وطنية.
لكن السؤال هو أي لائحة سيختار كل من المجلس الأعلى وحزب الدعوة وماذا لو انضم حزب الجلبي بدوره إلى اللائحة الشيعية وهو احتمال وارد جداً ويمكن أن ينسحب أيضاً على كل الأحزاب الشيعية التي قد تجد صعوبة في تحدي إرادة المرجع الأعلى؟
في أي حال لا يبدو أن اللائحة الشيعية التي يشرف على إعدادها آية الله السيستاني ستلعب دوراً في إقناع السنة بالمشاركة في الانتخابات حتى عبر تخويفهم من خسارة نهائية لموقعهم داخل السلطة العراقية ولعب دور الشيعة عام 1921 عندما قادت مقاطعتهم إلى خسارتهم لأي نفوذ داخل السلطة.
وفي قناعة أكثر من مراقب أن إصرار السيستاني على مشروعه سيزيد من رفض السنة للدخول في اللعبة السياسية وسيعزز من موقع المقاومة داخل المثلث السني وكلها أسباب إضافية للعمل على تأجيل موعد الانتخابات.. وتعجيل موعد الانفجار الكبير الذي ينتظر العراق والذي قد تكون معركة الفلوجة شرارته الأولى!
إيران والانتخابات العراقية
طاهر العدوان العرب اليوم 29/11/2004(17/83)
تلتقي طهران وواشنطن على موضوع دعم إجراء الانتخابات العراقية في موعدها, وهذه مسألة تجذب الانظار, ويجب التعامل معها بمنظار مختلف, صحيح أن دول مؤتمر شرم الشيخ قد أيدت جميعها إجراء هذه الانتخابات لكن من المعروف أن العديد من هذه الدول قد فعلت ذلك, إما رضوخا للضغوط الأمريكية, أو من باب عدم الحماس حيث قرنت موافقتها بشروط عديدة, مثل إجراء مؤتمر حوار عراقي -عراقي في بغداد, أو التأكيد على ضرورة إشراك جميع الاطراف في الانتخابات.
طهران تبدو اكثر من متحمسة للتمسك بموعد كانون الثاني وعدم تأجيل الانتخابات, وهو حماس يقارن بتصريحات الرئيس الأمريكي والسفير نغروبونتي في بغداد حول نفس الموضوع, وهو ما يعطي الانطباع بان ايران تبدو متأكدة بأن الانتخابات المقترحة ستأتي بحكومة صديقة لها وتحت سيطرة المرجعيات الشيعية المعروفة بانتمائها التاريخي لـ(قم) وحتى للحكومة الايرانية مثل حزب الدعوة, وحزب الثورة الاسلامية التابع لآل الحكيم. ولقد هددت هذه المرجعيات أمس الاول بإصدار فتوى تحرم دعم حكومة إياد علاوي إذا قرر تأجيل الانتخابات.
إن قرار طهران باستضافة مؤتمر لوزراء الداخلية في دول الجوار العراقي منتصف الشهر المقبل. يلقي الضوء على الزاوية التي يبدو إن إيران تحرص من خلالها على إشعار الامريكيين بانها صاحبة الشأن فيه, وهو الجانب الامني, ولم يعد مستبعدا الاستنتاج في مجال العلاقات الامريكية-الايرانية بان طهران تحاول مقايضة (دورها في تهدئة الاوضاع في العراق) بتخفيف حدة المناهضة الامريكية لمشروعها النووي. وهي مقايضة ستكون مأمونة الربح, إذا ما أدت الانتخابات العراقية إلى قيام (حكم مرجعيات) في بغداد يكون حليفا وصديقا لها لكن هل قيام مثل هذا الحكم مسألة مضمونة?(17/84)
لا شك بان هذا الدور الايراني يثير الكثير من القلق والشكوك في الشارع العربي, كما يبعث على خيبة الامل بين صفوف القوى السياسية العربية, التي تنظر إلى الوضع القائم في العراق بانه احتلال في وجه مقاومة, كما أن هذا الدور الايراني يواجه من بعض المحللين السياسيين, بكثير من السخرية. بالنظر إلى أن (حسابات البيدر) في العراق لا ترتبط بمسألة التعاون أو عدم التعاون الامني مع القوات الامريكية, لان العلاقات الايرانية-الامريكية محكومة بوجه آخر اكثر التزاما في خط السياسة الامريكية في الشرق الاوسط, وهو تحالف امريكا واسرائيل الاستراتيجي. وبالتالي فان واشنطن لن تساوم على استمرار نشاط ايران النووي, مقابل تعاون امني من طهران على الحدود مع العراق.
الولايات المتحدة لم تأت بكل هذه الجيوش إلى المنطقة لتتقاسم الكعكة العراقية والخليجية مع ايران, إنما جاءت من اجل النفط وأمن اسرائيل, الذي يفرض على واشنطن سياسة عداء ومواجهة مضطردة مع طهران, لن تتوقف إلا باستسلام ايران وتخليها عن برنامجها النووي والصاروخي دون شروط.
سواء أجريت الانتخابات في موعدها او تأجلت, فان إضعاف المقاومة في العراق, وعزل السنة عن أي دور في الحكم, سيمهد الطريق ليس لحكم المرجعيات الشيعية بحجة الاغلبية, وإنما لايجاد بديل على صيغة حكم الانقلابات العسكرية, فالانتخابات ستكون ورقة الشرعية الرئيسية التي سيستخدمها الامريكيون من اجل الوصول بالعراق إلى نظام لا يهدد أمن اسرائيل, ويزيد من قوة الردع الامريكية ضد ايران ويضعها بين فكي قواعدها في افغانستان والعراق.
خاتمي ينضم لمرجعيات شيعية بالعراق ويدعو للإسراع بالانتخابات
العرب اليوم 29/11/2004(17/85)
انضم الرئيس الإيراني محمد خاتمي إلى مرجعيات شيعية في النجف، وطالب بإجراء الانتخابات العامة العراقية في أسرع وقت ممكن.وقال خاتمي خلال لقاء مع نائب الرئيس العراقي المؤقت إبراهيم الجعفري الذي يزور إيران حاليا "إن حل مشكلات العراق يكمن في تنظيم الانتخابات في أسرع وقت ممكن"، واعتبر أن تشكيل حكومة منتخبة هو الشرط الضروري لاستتباب الأمن في العراق.
وادعى أن إيران مهتمة أكثر من أي جهة أخرى بالعراق وبمستقبله. وكان الرئيس الأميركي جورج بوش قد عبر عن رغبته في إجراء الانتخابات العراقية في موعدها المقرر.
وأعلنت مرجعيات شيعية في النجف السبت رفضها أي تأجيل للانتخابات عن موعدها المقرر يوم 30 يناير/ كانون الثاني القادم، واعتبرت ذلك أمرا "غير قابل للنقاش" .
الجلبي يدعم الفيديرالية في الجنوب والسيستاني يترك القرار للشعب
الحياة 8/12/2004
تحظى قضية الحكم الذاتي لمحافظات الجنوب الشيعية التي طرحت في مؤتمر عقد في النجف أول من أمس, بدعم غير محدود من حزب "المؤتمر الوطني" بزعامة أحمد الجلبي. فيما أعلنت المرجعية الشيعية ان القرار يعود الى الشعب, و"توقف على الاستفتاء العام".
وبعد اجتماع أكثر من 600 شخصية تمثل محافظات الفرات الأوسط في النجف لاقامة حكم ذاتي "في اطار عراق فيديرالي" أعلنت المرجعية الشيعية في النجف ان "أمر الفيديرالية متروك للشعب". جاء ذلك على لسان الشيخ عبدالمنعم المصلى, ممثل مكتب المرجع الشيعي في النجف اسحاق الفياض, الذي قال: "قضية الفيديرالية متروكة للشعب وان اقرارها في المحافظات الشيعية يتوقف على الاستفتاء العام", وأشار الى ان "المرجعية تساند الشعب في القرارات التي تتلاءم مع المصلحة العامة".(17/86)
واعتبر المراقبون قرار محافظات الفرات الاوسط اقامة نظام فيديرالي بينها, خطوة ذات دلالات مهمة. وقال محافظ كربلاء سعد صفوك لـ"الحياة" ان اقامة المجلس الموحد لمحافظات النجف وكربلاء وبابل والديوانية والمثنى انبثقت من الحاجة الى وجود تعاون اقليمي بين هذه المحافظات في المجالين السياسي والأمني, تجسد بتشكيل لجنة أمنية مشتركة للمحافظة على استقرار الاوضاع الامنية في منطقة الفرات الاوسط ومنع تسلل العناصر الارهابية اليها.
واكد ان طموح المدن الخمس لتكوين نظام فيديرالي بينها ينحصر في اطار قرار الفيديرالية في الدستور الدائم الذي سيقره الشعب لاحقاً, وأوضح ان التحرك لاقامتها سيجري بعد كتابة الدستور.
من جانبه أشار محافظ بابل وليد عمران الجنابي الى ان الفيديرالية التي تنشدها المحافظات المذكورة تصب في قضية تفعيل التكامل السياسي والاقتصادي في ما بينها بعدما عانت سنوات طويلة من الاهمال. وتحفظ مسؤول "منظمة بدر" في النجف أسعد ابو كلل عن قرارات اجتماع النجف, وقال لـ"الحياة" ان "على المسؤولين في المحافظات المذكورة دعم قضية اجراء الانتخابات في موعدها المقرر قبل التفكير بالفيديرالية وعدم طرح أفكار التقسيم باسم المرجعية".
الى ذلك, قال الناطق باسم "حزب المؤتمر الوطني العراقي" (الذي يتزعمه أحمد الجلبي) حيدر الموسوي لـ"الحياة" ان القوى السياسية الشيعية تدعم بقوة اقامة فيديراليات في المناطق الجنوبية. وأضاف: "لأن عدد المحافظات الشيعية اكثر من تسع فانه يمكن اقامة عدد من الفيديراليات اذ ان قانون ادارة الدولة الموقت يسمح بتشكيل فيديرالية لكل ثلاث محافظات وان تكون مجاورة لبعضها بعضاً".
انقسام شيعي يعزز فرص السنة
الحياة 8/12/2004(17/87)
برز انشقاق انتخابي بين الجماعات الشيعية المتنافسة في العراق أول من أمس، ما يعزز من احتمال وقوع تنافس شديد على الأصوات بينها في الانتخابات المقررة في 30 كانون الثاني (يناير) المقبل، ويفضي الى تغيير في الخريطة السياسية والدينية للمجلس الوطني الجديد (البرلمان الموقت) المزمع انتخابه. ويعتبر هذا التطور الجديد انتكاسة رئيسية للمرجع الشيعي آية الله العظمى علي السيستاني الذي عين لجنة في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي لتشكيل ائتلاف يضم الفصائل الشيعية وخصوصاً الدينية منها.
وعلى رغم أن الشيعة يشكلون غالبية السكان، أعرب بعض زعمائهم عن قلقهم حيال خسارة أصوات الناخبين العلمانيين أو في حال الفشل في تشكيل لائحة موحدة. وأفادت صحيفة «نيويورك تايمز» أن المجلس السياسي المكون من عشرات الجماعات والشخصيات أعلن نيته الانفصال عن «التحالف العراقي الموحد» الذي شكل برعاية السيستاني. ونقلت الصحيفة عن مسؤولين في المجلس قولهم إن الخلافات على توزيع المقاعد و«مسائل أخرى» عميقة جداً الى درجة بات من «شبه المستحيل» حلها، على رغم بذل السيستاني جهوداً أول من أمس للحؤول دون وقوع انشقاق في الصف الشيعي.
ويعتبر العراقيون الشيعة الانتخابات فرصة لترجمة غالبيتهم السكانية الى نفوذ سياسي للمرة الأولى منذ تأسيس العراق الحديث القرن الماضي. لكن في حال استمرار الخلافات بينهم، قد تتحول الانتخابات الى مكسب سياسي للسنة العرب الذين حكموا العراق لعقود حتى سقوط نظام الرئيس صدام حسين. وأبدى مسؤولون في «المجلس السياسي» شكوكاً في ولاءات بعض منافسيهم، لافتين الى أن الائتلاف الشيعي فضل (عليهم) أحزاباً وشخصيات سياسية ترتبط بـ«جهات أجنبية» ومن بينهم الكثير ممن أقاموا في الغرب وايران حتى سقوط نظام صدام. وتكتسي هذه الاتهامات أهمية خاصة في العراق، وقد تلون الجدل السياسي في الأسابيع المقبلة مع انطلاق الحملات الانتخابية.(17/88)
ونقلت الصحيفة عن الناطق باسم «المجلس السياسي» علي فيصل قوله: «كيف يمكنك الترشح مع رجل يحاول جلب الأجانب للتدخل في الانتخابات»، في اشارة الى نائب الرئيس العراقي ابراهيم الجعفري الذي عاش في بريطانيا، وأمضى وقتاً طويلاً في ايران.
لكن المجموعتين أوضحتا أنهما ستعلنان مباركة السيستاني للائحتيهما، مستغلتين موقعه الديني الذي يحظر عليه التدخل في خلاف بين فصائل سياسية، ما يضع أمر تصنيف المرشحين في أيدي الناخبين.
1 - المد الدرزي .. دعوة في الخفاء !
عارف تامر أرسلان
الفرقان 22/11/2004
الفرق الضالة أصبحت لا تكتفي بكونها مللاً ونِحلا أيديولوجية بل تسعى لتشكيل التيارات والأحزاب والتنظيمات السياسية وتتلقى الدعم، ويستقبل زعماؤها استقبال رؤساء الدول كما هو الشأن مع زعيم طائفة البهرة على سبيل المثال.
وفي لبنان تبرز الطائفة الدرزية بخلافاتها و تيارها الأرسلاني وحزبها الجنبلاطي التقدمي الاشتراكي ، وشيخ عقل الطائفة وما يعيشونه من تقمص ونظريات إلحادية ..
وأخطر ما في الأمر أن الخفاء والغموض يخيم على تلك الطائفة ويتغلغل كثير من أنصارها في المؤسسات الصحفية والسياسية في بلادنا .
ومن هنا كانت هذه الدراسة لتسليط الضوء على أصول تلك الطائفة الضالة ومذهبها ومعتقداتها.
تعريف
الدرز: واحد دروز؛ الثوب ونحوه وهو فارسي معرب.
ويقال للقمل والصيبان: بنات الدروز، وبنو درز: الخياطون والحاكة.
وتقول العرب للداعي هو ابن درزه وابن ترزي يتضح أن مادة درز: تعني سفلة الناس وسقاط وغوغائيون وأولاد زنى وأولاد دنيا لا يعترفون بالآخرة.
مرجع التسمية(17/89)
قيل إنهم ينتسبون إلى -طيروز- بلد في فارس، وقيل إن الشيخ حسين الدرزي من كبار فلاحي مصر أول المؤيدين لدعوة الحاكم وقيل إنها نسبة عسكرية إلى -أنوجد نشتكين الدرزي- قائد فاطمي وقيل إنها نسبة إلى القائد الفرنسي -درو- وقيل إنهم ينتسبون إلى محمد بن إسماعيل الدرزي أول من جهر بألوهية الحاكم بأمر الله الفاطمي وهو الراجح.
إلا أنهم لا يحبون إلا إطلاق كلمة -الموحدون- لأنهم يعتقدون في الحاكم بأمر الله الفاطمي أنه إله، ويطلق عليهم -بنو معروف- -الأعراف- نسبة لإحدى قبائلهم المشهورة في لبنان -السبعين- لاعتقادهم أن دور الإمامة سبعة سبعة.
صلة الإسماعيلية بالدروز
الدروز في الأصل فرقة باطنية انشقت عن فرقة الإسماعيلية بل محمد بن إسماعيل الدرزي كان ضمن طائفة الإسماعيلية، والدروز يعتقدون بإمامة إسماعيل بن جعفر وأن الداعية الداهية الخبيث الإسماعيلي -ميمون القداّح هو الذي بيده خيوط المؤامرة على الإسلام وقاد حملة الفاطميين عندما أوفد عبيد الله -مؤسس الفاطمية- إلى المغرب.
وفي القرن الخامس الهجري بسبب ضعف الدولة العباسية في المشرق أصبحت الفرصة مواتية لتبعث بالإسماعيلية وعلى رأسهم محمد بن إسماعيل الدرزي وحمزة بن علي والحسن الفرغاني المعروف بالأخرم لدخول مصر وقصدوا حاكمها آنذاك الحاكم بأمر الله فضمهم إلى حاشيته وقربهم إليه حتى جاء عام 704هـ فجهر محمد بن إسماعيل ومعه -خمسمائة- من أتباعه ليؤدوا مناسك الحج إلى قصر الحاكم بأمر الله الذي جلست فيه روح الإله كما يقولون!!(17/90)
وهنا ثار الناس والجنود وهاجموا جماعة الدرزي وحاصروهم وقتلوا منهم الكثير والحق أن الحاكم بأمر الله هرب إلى وادي التيم مجموعة منهم وأعطاهم المال فاضطر الإسماعيلية إلى امتصاص غضبة المسلمين فأوفدوا كبير علمائهم -أحمد حميد الدين الكرماني- من العراق إلى مصر ليهدئوا ثورة الناس فدخل مصر وأعلن أن كل من يدعي الألوهية كافر وملحد وللعلم أنهم حاكوا مؤامرة الألوهية سوياً حتى أن الطائفة الإسماعيلية جعلوا الحاكم بأمر الله أحد الأئمة المقربين لديهم.
تسمية جبل الدروز
جبل الريان بن هلال حوران ثم أصبح فيما بعد يعرف بجبل الدروز، الذين يتمركزون في محافظة السويداء.
نظام المجتمع الدرزي
نظام العشائر: حيث المسيطر على العشائر قبيلة الجنبلاطيين والشهابيين إلى أن تسلم الجنبلاطيون الزعامة السياسية للدروز.
وحدث صراع عام 1711م بين القيسيين واليمنيين وسميت المعركة عين داره وانهزم فيها اليمنيون من أجل السلطة والزعامة.
نظام الإقطاع: حيث أن الأرض للقوي، وعلى ضوء نظام الإقطاع انقسم المجتمع الدرزي إلى مشايخ وعامة.
المشايخ: المشيخة محصورة في القبائل التالية: بنو جنبلاط، بنو العماد، أبي نكد، بنو تلموق، بنو عبدالملك، آل حمدان ولهم صلاحيات تعيين المشايخ وعزلهم، وفرض الضرائب، وإعلان الصلح والحرب.
العامة: هم طبقة كادحة تتألف من الحرفيين والفلاحين والخدم.
القضاء: قضاء مذهبي والذي يضع القوانين ويتزعمها قبيلة التنوخيين.
القضاء المدني: يختص به رؤساء العشائر في كل القبائل الخاصة.
الدروز في فلسطين المحتلة
يقول شيخهم أمين طريف تربطنا باليهود علاقة وطيدة وذلك يرجع إلى النبي شعيب زوج إحدى بناته من النبي موسى، ولهذا نحن أبناء عم الشعب اليهودي.
ويحتفلون عند مقامات يهودية مثل مقام -حوشي الأزكي- والكاهن إسماعيل بن اليشع وشمعون الشازوري وغيرهم.(17/91)
ويبلغ عدد الدروز في فلسطين المحتلة 36 ألف نسمة يشتغلون في كل المناصب واعترفت بهم حكومة العدو كطائفة دينية مستقلة ودخلوا كأعضاء في الكنيست الشيخ جبر معدي ولبيب أبو الركن وصالح خنيفي، وحصلوا على وسام الاستحقاق اليهودي ويملكون 17 منظمة درزية منها: نادي الإخاء الدرزي، ومنظمة شباب الدروز، وتم إعطاؤهم مجلة الهدى وصحف كثيرة.
وحدثت اجتماعات بين ضباط من المخابرات الإسرائيلية مع ممثل الدروز سليمان كيخ لإقامة دولة يهودية، وبدأت المحادثات من 16/10/1967 حتى تشرين 1973م حيث افتضح أمرهم وتم إيقاف المشروع، وأما الدولة فكانت تمتد من محافظة السويداء في سوريا حتى البحر الأبيض المتوسط الطريق الساحلي عند قرية خلدة والجولان وحاصبيا وراشيا والشوف وقضاء عاليه.. وفضح المشروع -محمد خالد قطمة- في كتابه قصة الدولتين المارونية والدرزية ولكنه جاء بطريقة عرض إيجابية في صالح الدروز.
- ويرتبط الدروز مع الطائفة البوذية بنشاط في غربي الهند، وأخذوا منهم التصوف ومزيجاً من العقائد ويقول كمال جنبلاط: -وإجلالي لغاندي معروف لدى كل المحيطين بي، وأنا أعده نبي العصر الحديث الحقيقي-. هذه وصيتي ص 153.
- وأخذ الدروز من الزرادشتيه عدة عقائدة منها قولهم في كتاب -منوسمرتي- المقدس: الله أظهر ذاته بذاته ويقول حمزة الدرزي -ظهر لخلقه بخلقه كخلقه إيناساً لهم-.
- وأخذ الدروز من اليهود السبئية القول بالرجعة والقول: -لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة- وقالت الدروز: النار محرمة على كل درزي مع تأويلهم النار بمعاني مختلفة، ويعتقدون بالحلولية وغيرها.
- وأخذ الدروز عن المسيحية تشبيههم المخلوق بالخالق والدروز يشبهون الحاكم بأمر الله بناسوت الإله وغيرها.
- وأخذ الدروز عن المعتزلة: اعتماد العقل للهداية لحقائق الدين. أي المرجع والفاصل لكل المسائل.(17/92)
- وأخذ الدروز عن إخوان الصفا الألفاظ الرمزية والتفسير الباطني للآيات وعقيدة التقمص وفلسفة القدر والحدود وخلق الوجود والعقاب.
- وأخذ الدروز عن القرامطة: سرية التنظيم، وفلسفة المذهب والحدود والمقامات، وجحدهم الله تبارك وتعالى، واحتقارهم للأديان السماوية، وإبطال النبوات، وعدم الإيمان بالقيامة والبعث والنشور والجنة والنار والظاهر يخالف الباطن، وإنكارهم للشرائع.
- ويتفق الدروز مع النصيرية: في قضية التناسخ وتأليه علي من قبل النصيرية وتأليه الحاكم من قبل الدروز.
- ويتفق الدروز مع غلاة الصوفية: كلاهما يدعي أن الله لاهوت وناسوت، والحلولية، وكلاهما يهجر الفرائض، وكلاهما يأخذ دينه من العقل وكلاهما يقول إن للقرآن ظاهر وباطن، ويقول كمال جنبلاط: -إن الدين الدرزي دين صوفي، يعتمد على الداخليات والجواهر ولا يهتم بالشكليات-.
ويعظم الدروز الفلاسفة أرسطو وأفلاطون وفيثاغورس ويعدونهم أسيادهم الروحيين وعندما يذكرون أحدهم يأتي بعده مباشرة صلى الله عليه وسلم أو سلام الله على ذكره أو صفي الرب.. أو الحكيم الأكبر.
السهم الدرزى في ظهر العرب
أمير سعيد
بعمائمهم التي تشبه عمائم الأزهريين يبدو شيوخ الطائفة الدرزية كما لو كانوا من علماء المسلمين، ولربما تحدث وجهاؤهم بلسان مسلم، أو حاكوا المسلمين في بعض مفرداتهم: (لا فضل لدرزي على سني إلا بالنضال!! أخذاً بقول الرسول #: «لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى») مثلما قال سميح القاسم الشاعر الفلسطيني الدرزي.
بيد أن المخابر لا تبديها المظاهر، وإنما تكشفها العقائد والأصول والمواقف. والحق أن هذه الطائفة بعيدة النجعة عن طريق الإسلام والمسلمين؛ فالدين غير الدين، والولاءات متعارضة، والمواقف السياسية متباينة.(17/93)
وإذ يعتري بعض المسلمين العجب وهم يظنون أن الدروز هم إحدى فرق المسلمين، وأنهم وإن اختلفوا عن السنة إلا أنهم لا يخرجون عن دائرة الإسلام والمسلمين، وهم يشاهدون درزياً (صالح طريف) وزيراً بلا وزارة في حكومة شارون، ويعجبون كذلك وهم يرون العديد من شباب الطائفة ورجالها يخدمون في الجيش الإسرائيلي ويصوبون رصاصهم في قلوب (إخوانهم من العرب الفلسطينيين).
إلا أن هذا العجب سرعان ما يتبدد حينما يستبين لهؤلاء حقيقة القوم، وحين نجلِّي عن الدروز حجاب الإسلام ـ عبر هذه السطور ـ فنستطيع وقتها أن نراهم عن كثب على حقيقتهم التي ربما تخفى على العديد من المسلمين.
تعريف الدروز ونشأتهم:
هم فرقة باطنية تقترب عقيدتها من عقيدة الإسماعيلية تخفي عقيدتها عن الناس، وقد نشأت إبان حكم الطاغية الحاكم بأمر الله الفاطمي (408 هـ) على يد محمد ابن إسماعيل الدرزي (بنشتكين) الذي تسرَّع في إعلان ألوهية الحاكم بأمر الله مما أثار المسلمين ضده في مصر، فاضطر للفرار إلى الشام؛ وهناك دعا إلى مذهبه فاستجاب له بعض الناس فأسس الفرقة الدرزية التي ارتبط اسمها باسمه، على الرغم من أن الدروز يلعنونه لتسرعه ويلقبونه بالغطريس الذي تغطرس في الكلام دون علم أو يقين، ويفضلون اسم الموحدين على الدروز؛ غير أنهم لا ينكرونه، والدروز عرب خُلَّص من قبيلتي لخم وتنوخ وليسوا أكراداً كما يظن بعض من الناس.
عقيدتهم:
- يعتقدون بألوهية الحاكم بأمر الله، ويعتقدون بغيبته ورجوعه.
- ينكرون جميع أحكام الإسلام من صلاة وحج وصيام وتحريم للميتة والخمر.
- يزعمون أن شريعة محمد بن إسماعيل نسخت شريعة محمد بن عبد الله.
- يؤمنون بالتقية.
- لا يؤمنون بجنة ولا بنار؛ وإنما يؤمنون بتناسخ الأرواح.
- يبغضون جميع أهل الديانات الأخرى لا سيما المسلمون، ويستبيحون دماءهم وأموالهم.
- لا يؤمنون بالأنبياء سوى أنبيائهم المزعومين.
- لا يتلقى الدرزي عقيدته إلا إذا بلغ الأربعين.(17/94)
طبقات الدروز:
الناس في الطائفة الدرزية طبقتان:
أ - الروحانيون: وهم أهل العلم من الطائفة العالمون بأسرارهم، وينقسمون إلى: (شيوخ عقل): وهم كبار علمائهم، و (أجاويد): وهم بمثابة طلاب العلم عند أهل السنة.
ب - الجثمانيون: وهم عامة الطائفة المعنيون بأمور الدنيا من أمراء وعامة.
الخريطة الدرزية في العالم:
يبلغ عدد أبناء الطائفة الدرزية في العالم نحو 250 ألف درزي؛ منهم 120 ألف في فلسطين، و 90 ألف في لبنان، و 17 ألف في الجولان السورية (جميع سكان الجولان المحتلة)، والباقي في أنحاء سوريا وأستراليا والبرازيل.
وللدروز في فلسطين ولبنان وسوريا شأن وتميز واضح.
ففي فلسطين: لا يخفى على ذي عينين وجود تأثير يهودي عميق في نشأة معظم الفرق التي مرقت من الإسلام، وليس سراً أن الحاكم بأمر الله أبا علي المنصور بن العزيز بالله بن المعز لدين الله الفاطمي إله الدروز كانت له ميول يهودية، والفرقة الإسماعيلية التي انبثقت عنها الدرزية إنما ولدت أفكارها من رحم يهودية، وليس غريباً أن يحن الفرع إلى الأصل، وأن يحدث نوع في توافق الأفكار وتلاقي المصالح بين اليهود والدروز، وعليه فإن من أولويات الكيان الصهيوني فور إنشائه في العام 1948م كان انتقاء الدروز من بين العرب وتمييزهم عنهم واحتواؤهم أو على الأقل تحييدهم. وفي المقابل رأى دروز فلسطين دولة اليهود فرصة للعب على التناقضات بين المسلمين واليهود خروجاً بأعلى مكسب يمكن أن تحققه أقلية لا تزيد عن 250 ألف بين عرب يزيد تعدادهم عن 250 مليون (1%).(17/95)
بدأت الاتصالات مبكراً بين نشطاء الحركة الصهيونية والدروز، منذ عام 1930م وخلال هذا وقَّع معظم زعماء الدروز على البيان الذي يعلن أن موقف الطائفة الدرزية من (النزاع اليهودي الفلسطيني) هو موقف محايد، وفي عام 1948م أنشأ الكيان الصهيوني وحدة الأقليات في الجيش الإسرائيلي، وحاول تهميش دور المتحفظين من كبار العائلات الدرزية، إلا أن هؤلاء سرعان ما لحقوا بركب المتعاونين مع اليهود، وسمحوا للدروز بالانخراط في جميع مؤسسات الدولة الوليدة في مقابل الاعتراف ـ في الوقت المناسب ـ بالطائفة الدرزية طائفة مستقلة لها محاكمها الخاصة وتنظيمها الديني المستقل. ومن أكبر العائلات الدرزية التي احتوتها الحركة الصهيونية عائلة طريف التي ينتمي إليها أول وزير عربي في حكومة إسرائيلية (صالح طريف وزير عمالي بلا وزارة في حكومة شارون).
وإلى جانب اهتمام (إسرائيل) المبكر باحتواء الدروز سياسياً عبر تميزهم عن بقية العرب واستيعاب ساستهم ضمن منظومة «إسرائيل» الحزبية؛ انصرف جل اهتمام اليهود إلى تحقيق أقصى استفادة عسكرية من وجود الدروز على أرضهم المزعومة وتوافر النية لدى الأخيرين بالتعاون اللامحدود مع الكيان الصهيوني. ويعتبر الرئيس «الإسرائيلي» الأسبق إسحاق تسقي أبرز المسؤولين الذين اهتموا بقضية الدروز؛ حيث أكد في خطاب شهير له أمام الكنيست أن تجنيد الدروز يعتبر أمراً حيوياً حتى يتحولوا لسكين حاد ينغرز دائماً في ظهر العرب، مما دفع «إسرائيل» إلى إنشاء وحدة خاصة بالجيش هي وحدة الأقليات؛ وتكلف تلك الوحدة بالقيام بالعمليات العسكرية داخل الدول العربية وخارجها.(17/96)
ويبلغ عدد الدروز حالياً في الجيش قرابة 19000 مجند موزعين على نقاط التماس مع العرب (جنوب لبنان ـ الضفة ـ غزة) كدروع بشرية لليهود، وموزعين كذلك على الوحدات الخاصة مثل وحدات المستعربين (الدوفدفان) والتي تعنى باغتيال واختطاف ناشطي جماعات المقاومة الفلسطينية، والتي كان لها دور مخز كبير في اقتحام باحة المسجد الأقصى أواخر شهر يوليو الماضي (أكثر من 400 مستعرب شاركوا في الهجوم التتري على الأقصى)، بجانب انخراط عدد كبير منهم في أجهزة الاستخبارات «الإسرائيلية» المختلفة نظراً لصعوبة تمييزهم عن بقية العرب من حيث الشكل واللغة (مثل الجاسوس المسجون في مصر عزام عزام).
وما يزال وضع العسكريين الدروز في تصاعد، وتتزايد حاجة الجيش (الإسرائيلي) واطمئنانه لهم مع الأيام، ويتأكد ذلك كلما أبلى هؤلاء آثاماً في حرب اليهود ضد الفلسطينيين. وفي الانتفاضة الحالية تم مكافأة الدروز بترقية أحد ضباطهم وهو يوسف مشلب لرتبة جنرال خلال يونيو الماضي، وهي أعلى رتبة يصل إليها ضابط درزي.
اقتصادياً: اندمج الدروز في الاقتصاد «الإسرائيلي» حسب نموذج يختلف عن نموذج بقية العرب أو اليهود؛ فما يقرب من 50% من قوة العمل بين الرجال الدروز مندمجون في قطاعات لا يَقبل اليهود العمل فيها، ولا يُقبل العرب المسلمون بها، 40% يشتغلون في الأجهزة الأمنية والاستخباراتية المختلفة، 10% يعملون في مصانع البتروكيماويات والموانئ وغيرها من الأماكن الحيوية (ربما في الأعمال الوضيعة فيها فحسب).(17/97)
وفي لبنان: كما في فلسطين تتحكم عائلات محدودة ذات الثراء والصيت والمنعة في إدارة الشأن الدرزي اللبناني مثل عائلة جنبلاط (ينتمي إليها زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي اللبناني الحالي والسابق وليد وكمال جنبلاط)، وعائلة أرسلان (ينتمي إليها دماً فقط المجدد المسلم السني الأمير شكيب أرسلان سفير الإسلام في العالم)، وعائلة الأطرش (ينتمي إليها المغني فريد الأطرش وأخته الجاسوسة أسمهان التي لقيت حتفها في حادث استخباري غامض).
العائلة الثالثة ذات تأثير محدود الآن بين الدروز.
العائلة الثانية تميل إلى مسايرة الدولة والمحافظة على المكتسبات الدرزية.
أما العائلة الأولى فلها اليد الطولى في توجيه السياسة الدرزية، ولقد قام زعيماها بإدارة دفة السفينة الدرزية باقتدار مما جعلهما قمينين بأن تسلط الأضواء عليهما:
أراد كمال جنبلاط أن يجد للدروز ولزعامته المدى العربي ومكانة لبنانية تفوق حصة حجمهم العددي، ومن أجل أن يصبح لامعاً قرر أن يكون معارضاً، فأنشأ في أواخر الأربعينيات الحزب التقدمي الاشتراكي، وتبنى منذئذ قضايا الفقراء ـ كعادة الاشتراكيين ـ واستفاد بذلك من القاعدة الفقيرة غير الدرزية في مد شعبيته وصقل زعامته، حتى إذا كانت الحرب اللبنانية كان جنبلاط قد أصبح رقماً من أرقام المعادلة اللبنانية الصعبة، وانضم إليه العديد من القوى الفلسطينية والشيعية واليسارية إلى أن قُتل عام 1976م، وقد تولى بعده ابنه وليد زعامة الحزب والطائفة، وفي الحرب استطاع أن يدحر الموارنة (المسيحيين) عن مناطق الدروز بالتعاون مع قوات أمل الشيعية وبدعم سوري واضح.(17/98)
وحين وضعت الحرب أوزارها شط الدرزي الأول في مطلب في اتفاق الطائف برئاسة رابعة للدروز (يتكون نظام الحكم اللبناني من ثلاث رئاسات: رئاسة الدولة للمسيحيين، ورئاسة الحكومة للسنة، ورئاسة البرلمان للشيعة) ورفضه السوريون والسعوديون، وعليه فقد بدأ جنبلاط في التحول من موالاة سوريا إلى الحياد معها أثناء الرئاسة القوية لحافظ الأسد، ثم التحول إلى مجاهرة سوريا بضرورة كف يدها عن التدخل في لبنان عندما شعر بضعف الرئيس السوري الشاب بشار الأسد، مع تقربه في الوقت نفسه إلى القوى المسيحية المطالبة برحيل السوريين (البطريرك صفير، ورئيس الحكومة السابقة العماد ميشيل عون)؛ مما حدا بوزير الدفاع السوري العماد مصطفى طلاس إلى لمزه من قناة قائلاً: نحن صنعناهما (صفير وجنبلاط) وها هما ينقلبان علينا.
ويستمر الحرباء السياسية في تقلباته ليحقق فوزاً (تحالفياً) بارزاً في الانتخابات الدرزية الأخيرة، ويخطو خطوة واسعة في طريق الدولة الدرزية التي يطمح إليها الدروز بالشوف في لبنان استناداً إلى مشروع غربي تمنيهم به فرنسا بمساعدة «إسرائيلية».(17/99)
أما في سوريا: فلعل أبرز تأثير للدروز هو في مواطنيها المقيمين في الجولان السوري المحتل الذين يمثلون نحو 17 ألف درزي سوري هم جميع قاطني الجولان، ويعد ولاء الدروز المذبذب بين «إسرائيل» وسوريا أكبر معضلة لسوريا في مفاوضاتها المترنحة مع الكيان الصهيوني، وما من شك في أن الدروز سيخذلون السوريين حينما يطلب منهم موقف انحيازي حاسم، وقد بدت أعراض ذلك الخذلان في فبراير قبل الماضي حينما طلبت حوالي 300 أسرة درزية تعيش في هضبة الجولان، من الحكومة «الإسرائيلية» ضمانات بأنها ستستمر في العيش تحت الحكم «الإسرائيلي» إذا تمت إعادة هذه المرتفعات السورية، وقد قالت الإذاعة «الإسرائيلية» وقتها إن هؤلاء الدروز الذين حصلوا على الجنسية الإسرائيلية قد طالبوا نائب وزير الدفاع «الإسرائيلي» مساعدتهم في تكاليف الرحيل وتقديم تعويضات لهم عن أي ممتلكات سيتخلون عنها، مشيرة إلى نية العشرات منهم إقامة دعاوى قضائية ضد الحكومة «الإسرائيلية» مفضلين البقاء في كنف «إسرائيل» على العودة لسوريا!!
ماذا يجري الآن في الشام؟
تشهد منطقة الشام اليوم مرحلة مخاض جديدة تتبدل فيها الولاءات وتتغير فيها التحالفات، والطائفة الدرزية فيها بأقطابها البارزة: زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي اللبناني وليد جنبلاط، والوزير بلا وزارة في حكومة شارون صالح طريف، والنائب في الكنيست (الإسرائيلي) عزمي بشارة، يقومون بأدوارهم المتباينة التي تصب جميعها في المصلحة الدرزية العليا التي تقوم على إجادة اللعب على كل الحبال، والاتكاء دوماً على الطرف الرابح، ولربما ظهر للمشاهد تعارض واضح بين مواقف هؤلاء، إلا أن المتأمل سيلحظ حتماً إدارة ذكية للأحداث بما يفيد الطائفة بشكل جيد.(17/100)
فوليد جنبلاط قد فطن جيداً للتغيرات الأمنية في منطقة الشام: فتولي شارون وصعود السفاحين لسدة الحكم في إسرائيل، وتولي بشار الأسد الذي ـ رغم كفاءته النسبية ـ لا يملك حنكة والده في حكم سوريا ولبنان معاً، وتنامي نفوذ العسكريين السوريين واللبنانيين في لبنان، وفقدان الرئيس اللبناني إميل لحود الموالي لسوريا لنفوذه بين النصارى الموارنة، وصعود نجم البطريرك صفير الموالي لفرنسا في بكركي، والرغبة القوية لدى واشنطن وباريس لتقليم أظفار الشيعة الإمامية المتمثلة بحركة أمل بزعامة رئيس البرلمان نبيه بري، وحزب الله بزعامة حسن نصر الله الموالية لسوريا وإيران، وتجدد ضغط تيار القائد السابق للجيش اللبناني ميشيل عون ـ الموالي قلباً وقالباً لفرنسا (دولة الاحتلال السابقة للبنان) ـ باتجاه المطالبة برحيل القوات السورية من لبنان؛ حيث يصف عون وتياره وجودها بـ (الاحتلال السوري للبنان)، والرغبة الجموح لدى رئيس الوزراء اللبناني (الزعيم السياسي للسنة) الملياردير رفيق الحريري بتحرير لبنان من ربقة التبعية لسوريا عسكرياً واقتصادياً.
كل هذه العوامل التي فطن إليها جنبلاط دفعته إلى الآتي:
1 - طرح نفسه زعيماً درزياً في الشام كله عبر إطلاق دعوته لرفض الدروز للتجنيد في صفوف جيش الكيان الصهيوني (8% من الشباب الدرزي في فلسطين المحتلة يخدمون في الجيش الصهيوني)، وتبنيه لمؤتمر التواصل القومي بعمان الذي عقد قبل شهور للدعوة لرفض الانخراط في الجيش (الإسرائيلي)، والذي استقبل فيه جنبلاط لدى انعقاد المؤتمر استقبال الأبطال، وكان جنبلاط قد اجتمع سراً بممثلي دروز (إسرائيل) في عمان قبل المؤتمر برعاية المفكر الدرزي البارز النائب بالكنيست (الإسرائيلي) عزمي بشارة (الذي واجه تحقيقاً «إسرائيلياً» تبعاً لذلك لإطاحته من الكنيست) من أجل توحيد الصف.(17/101)
2 - اقترابه من رئيس الحكومة السني رفيق الحريري، ومحاولته تشكيل جبهة ثلاثية معه ومع الموارنة (68 عضواً البرلمان اللبناني)، بعد أن أذاب الجليد مع الموارنة بعد زيارة البطريرك صفير للجبل، وشكل معهم ثنائية على أنقاض ثنائية (المارون ـ الشيعة الإمامية) التي لا يرضى عنها الأمريكيون والفرنسيون والإسرائيليون، ولا سيما بعد أن نجح حزب الله في بسط سلطته وشعبيته في الجنوب اللبناني، ورفض هؤلاء لنشوء دولة شيعية ترعاها إيران في الجنوب.
3 - مد بعض الجسور مع دمشق مجدداً بعد رفضه لاعتقالاتها للمعارضة اللبنانية النصرانية الموجودة هناك، وذلك عبر عزمي بشارة أيضاً.
وصالح طريف من جهته، قد أظهر ولاءً منقطع النظير نحو (إسرائيل)؛ مما حدا بسلطتها إلى محاولة تلميعه ليتبوأ زعامة مجلس عالمي للدروز تزمع (إسرائيل) إنشاءه وتوجيه دعم مالي كبير له؛ ليضطلع بدوره الجدي لتوحيد الدروز في العالم تحت إمرة الدروز (الإسرائيليين) الموالين للكيان الصهيوني.
الطلاق الدرزي:(17/102)
يطيب لبعض الكتاب تجسيم مواقف الدروز من قضايا الأمة المصيرية على أنها مواقف تنم عن خيانة للأمتين العربية والإسلامية، وإذا كنا نوافق هؤلاء على أن مواقف الدروز هي خيانة علنية للعرب والعروبة باعتبارهم من القبائل العربية الأصيلة، إلا أننا لا نشاطرهم الرأي فيما يخص الإسلام؛ فالدروز لا يعدون طابوراً «إسلامياً» خامساً؛ لأنهم بكل وضوح ليسوا بمسلمين وقد طلقوا انتماءهم للإسلام طلاقاً درزياً (لا رجعة فيه) منذ مرقوا من الدين حين أنشؤوا دينهم عام 407 هـ، وليس في القول جرأة، بل هذا الكلام قد قال نظيره شيخ الإسلام ابن تيمية حين سئل عن الدروز فأجاب: «هؤلاء الدروز كفار باتفاق المسلمين لا يحل أكل ذبائحهم ولا نكاح نسائهم بل ولا يقرون بالجزية؛ فإنهم مرتدُّون عن الإسلام ليسوا مسلمين ولا يهود ولا نصارى وإن أظهروا الشهادتين وهم من القرامطة الباطنية الذين هم أكفر من اليهود والنصارى ومشركي العرب»(1)، وقال أيضاً عن الدروز: «كفر هؤلاء مما لا يختلف فيه المسلمون؛ بل من شك في كفرهم فهو كافر مثلهم؛ فإنهم زنادقة مرتدون لا تقبل توبتهم»(2).
وعطفاً على ما قال شيخ الإسلام، فإن هؤلاء حقاً باطنيون يظهرون ما لا يبطنون، ومن تتخلف عنه هذه المسلَّمة يهوله التناقض الرهيب في مواقف الدروز؛ فكما تقدم رأينا حرباء لبنان كم يتقلب بأطياف السياسة اللبنانية، وكيف يتأرجح الجولانيون بين اليهود والعرب، وكيف يحاول دروز فلسطين تارة ارتداء مسوح المقهورين على خدمة «إسرائيل»، وتارة يتبخترون بلباس الجندية الإسرائيلية.(17/103)
وأخيراً نسوق ذلك الموقف الطريف من صالح طريف الوزير الشاروني: حين أجرى التلفزيون الفلسطيني في يناير الماضي مقابلة مع ذلك الدرزي عضو اللجنة المركزية في حزب العمل قبل توزيره وأثناء الانتخابات قال: إن زيارة شارون للحرم القدسي الشريف كانت تدنيساً للحرم، وأنه يأسف؛ لأن الدروز يخدمون في الجيش «الإسرائيلي» ويحاربون إخوتهم، وأنه إذا لم تضع «إسرائيل» حداً للنزاع بإقامة دولة فلسطينية، فلن يكون أمام الطائفة العربية الدرزية بد سوى إعادة ترتيب أوراقها، وتبني موقف شجاع مهما كلف الثمن.
وعندما تم اختياره وزيراً في التشكيلة الشارونية ونشرت صحيفة يديعوت أحرونوت «الإسرائيلية» مقتطفات من الحوار السابق متهمة إياه بالنفاق سارع طريف على الفور بالاتصال بالإذاعة «الإسرائيلية» طالباً بصفته وزيراً إجراء حوار معه، وفي الحوار قال إنه أدلى بأقواله للتلفزيون الفلسطيني ليقنع الفلسطينيين بالتصويت لمصلحة باراك، وأضاف: لقد حصل لي ما يحصل لآخرين يتفوهون بتصريحات خلال معركة انتخابية ثم يندمون عليها، ولو سئلت اليوم السؤال نفسه لما قلت إن شارون دنس الأقصى بزيارته.
وعندما سأله المذيع عما إذا كان يتخبط بين تعاطفه مع الفلسطينيين وتضامنه مع «الإسرائيليين» قال: «يبدو أنك نسيت أنني كنت جزءاً من معركة الدفاع عن دولة «إسرائيل» مدة ثماني سنوات ضابطاً في الجيش، ولم أخجل ذات مرة من القول إنني خدمت في الجيش «الإسرائيلي»، وإنني على استعداد لإرسال أبنائي إلى الجيش للدفاع عن الدولة، حتى إذا تعرضت حياتهم للخطر؛ فأقاربي جميعاً يخدمون في الجيش»!
لا عجب يا طريف! فقد أحسنت حين جسَّدت لنا الطبيعة الدرزية التي أُشربت عقيدة التقية، واتخذت الباطنية ديناً.
----------------------
(*) صحفي مصري.
(1) مجموع الفتاوى، ج 35، ص 161.
(2) مجموع الفتاوى، ج 35، ص 162
الزعيم الروحي للدروز يتحدث عن هوية الطائفة ومشاكلها في الدولة العبرية(17/104)
الشيخ موفق طريف: الدروز لا يتمتعون بالمساواة في إسرائيل
الرأي ـ السبت ـ23 تشرين أول 2004 ـ العدد 12451
الشيخ موفق طريف يتحدث في لقاء صحفي مطول عن أحوال وقضايا وهموم ومشاكل الدروز وهويتهم القويمة والحضارية وعاداتهم وتقاليدهم وعلاقاتهم مع إخوانهم وعلاقاتهم مع الدولة أيضاً وكل ما يتصل بالشأن الدرزي داخل فلسطين الـ 48 والشيخ طريف من مواليد عام 1963 وخريج المدرسة الشاملة في يركا. وبعد حرب لبنان سنة 1982 بعثه جده الشيخ أمين طريف لدراسة العلوم الدينية في خلوات البياضة في لبنان، حيث مكث هناك 3 سنوات عاد بعدها لخدمة الدين والطائفة.
وبعد وفاة الشيخ أمين طريف تم تعيينه رئيساً روحياً للطائفة الدرزية ولا يزال في هذا المنصب إضافة إلى ترؤسه المجلس الديني للطائفة.
وفي سنة 2002 عين قاضياً في محكمة الاستئناف الدينية الدرزية. متزوج وأب لولدين وبنت.
وفيما يلي نص اللقاء الذي أجرته صحيفة الصنارة العربية التي تصدر في فلسطين الـ 48 مع الشيخ موفق طريف:
?…مضى على ترؤسك الطائفة الدرزية 11 سنة فكيف تلخص هذه المدة من حيث عملك الشخصي والمشاكل التي حصلت بعد انتخابك، وهل هذه السنوات حافظت على الفروق بين الطائفة الدرزية والطوائف الأخرى من حيث الحزم والحرمان وغيرها، أم أن الطائفة أصبحت من هذه الناحية مثل بقية الطوائف خاصة على صعيد رجال الدين؟
?…بعد الانتخاب الحمد لله أن الأمر الهام الذي حصل هو تخفيف حدة المعارضة التي كانت في بداية المرحلة وبالتالي التقرب من الجميع، وهذا بالنسبة إلي كان أمراً هاماً، رغم وجود بعض العناصر القليلة هنا أو هناك التي لا تزال معارضة وهذا طبيعي.
والحمد لله أننا نمضي في شؤون الطائفة بتشاور واتفاق جميع الإخوان وعلى أتم وجه.
?…هل كان التشاور قائماً أيضاً في زمن المرحوم الشيخ أمين طريف؟(17/105)
?…طبعاً، كان هناك تشاور طيلة الوقت، وأنا لا أتحدث عن المشايخ، فالحمد لله لم ينقص هذا الأمر، حيث 95% أو أكثر يتعاونون مثلما كان الأمر في السابق، فرجال الدين الأتقياء ركيزة الدين في الطائفة بقوا مثلما كانوا، لكنني أتحدث عن السياسيين وغيرهم، فنحن اليوم متفاهمون معهم بكل ما يتعلق بمصلحة الطائفة وما يواجهها، ونحن على تشاور تام مع هذه الشخصيات خاصة مع رؤساء المجالس وأعضاء الكنيست ووجهاء وعلى رأس الجميع رجال الدين
?…وكيف ترى مكانة رجال الدين الدروز اليوم مقارنة مع السابق، حيث كانت كلمتهم هي الحاسمة وموقفهم هو الفيصل ولم تكن حاجة حتى للحديث عن إلقاء الحرمان؟
?…هناك وحدة تامة، وأعطيك مثالاً ما حققناه في مقاومة قانون الدمج الذي كسرناه بموقف موحد من رجال الدين وغيرهم، فالحمد لله أنه في ساعة الحسم وعندما توجد مصلحة عامة للجميع وكرامة للجميع، يتحد الجميع بدون حرمان لما فيه مصلحة الطائفة، وهذا ما ثبت على أرض الواقع.
?…أقصد بإلقاء الحرمان الديني بما يتعلق بمواضيع جديدة على الطائفة مثل انتشار المخدرات والجريمة؟
?…نحن نعيش في دولة ديموقراطية، ولكن حصل ويحصل أنه إذا مات شخص مثبت أنه تاجر ومدمن فإن رجال الدين وغيرهم، حتى عائلته لا تشارك في جنازته ولا تصلي عليه، ويقف الأهل موقفاً مشرفاً ويعودون في اليوم التالي إلى أعمالهم.
?…وما هو موقفكم من استعمال الإنترنت وكذلك في سياقة الفتيات الدرزيات للسيارات؟
?…بالنسبة إلى الإنترنت كانت أقاويل ولم تكن أبحاث في الأمر، وما حصل مؤخراً في مقام سيدنا اليعفوري في الزيارة السنوية لمقامه أنه تم بحث تنبيهات للأزواج الشابة وقضية شهر العسل، خاصة في أعقاب قضية اختفاء العروس فداء إبراهيم، أثناء قضائها شهر العسل مع عريسها، لذلك تمت التوجيهات أن تكون مثل هذه الأمور مدروسة أكثر.
?…وقضية سياقة الفتيات الدرزيات، ما موقفكم منها؟(17/106)
?…لا يزال موقف المشايخ من السماح للفتيات الدرزيات بسياقة السيارة كما هو، والقصد من هذا الموقف هو المحافظة على أمور جوهرية. ونحن للأسف كمجتمع نترجم العلم والانفتاح بشكل سلبي، نقتبس من الغرب والحضارات الأخرى الأمور السلبية.
نحن لا نمانع في المحافظة على عاداتنا وتقاليدنا ومبادئنا وبنفس الوقت ملاءمة الانفتاح والتقدم مع ما يناسبنا وبالنسبة إلينا كرجال دين فإن السياقة هي خط أحمر.
?…من ناحية ثانية تسمحون للفتاة بالذهاب إلى العمل والتعلم في الجامعة، فهل القضية تتعلق بتعليم السياقة، ومن يعلم الفتاة، معلمة أم معلم، ومن يمتحنها ممتحن أم ممتحنة، فهناك معلمات سياقة محجبات أيضاً.
?…هذه الأمور بحاجة إلى بحث ديني، ولغاية الآن الموقف السائد هو معارضة سياقة الفتيات.
?…وما هو موقفكم من الفتيات السائقات؟
?…لا نتعامل معهن.
?…ما هو موقف رجال الدين الدروز من قضية التجنيد وفي رأيك من هم الدروز؟
?…لنعكس الأمر، تصلنا بشكل يومي تقريباً اتصالات من عدة شخصيات فلسطينية مهمة من محافظين وغيرهم وحتى من أبو عمار نفسه، ومكاتبات فيه تقدير لمواقف ضباط وجنود دروز، الذين حسب رأيي وجودهم مهم جداً ويساعد، والحمد لله فإن ما تعود عليه شبابنا من التقاليد العربية الأصلية والمحافظة على المرأة وعلى العادات الشريفة، كل هذا يفيد أهلنا هناك أيضاً، وكثيراً ما يشير الأخوة الفلسطينيون إلى أسماء لضباط قاموا بعمل معين يطلبون أن نشكرهم على ما قاموا به من أجلهم. ووجود مثل هؤلاء من أبناء الطائفة على الحواجز أو في موقع قيادي يفيد أهلنا هناك.
?…ولكن كانت هناك حالات شاذة؟
?…لا تنس أن هناك جنوداً يهوداً يتحدثون العربية وكذلك يوجد جنود مسيحيون ومسلمون وبدو.
?…لكن سألناك عن موقفك المبدئي من قضية التجنيد؟
?…أعتقد أن الوضع القائم اليوم هو لصالح الجميع ولصالح أهلنا وإخواننا، والمساعدات التي يقدمها شبابنا لهم هي في نطاق القانون.(17/107)
?…المرحوم الشيخ أمين طريف كان ضد التجنيد؟
?…نحن اليوم في وضع قائم.
?…أي أن القضية من جهتكم لا تتعلق بالموقف الديني؟
?…كل شاب درزي يريد أن يعفى من الجندية بإمكانه ذلك، وكل الشباب المتدينون لا يخدمون.
?…من هم الدروز حسب مفهومك الشخصي؟
?…القضية محسومة بالنسبة إلي
?…يعني مثلما قال المرحوم، الشيخ أمين، في المقابلة الوحيدة في حياته أن الدروز عرب ودينهم عربي ولغتهم عربية؟
?…طبعاً. هذا الأمر لا حاجة للبحث فيه. فنحن كطائفة لنا عاداتنا ومبادؤنا ونأمل على الأقل أن نحافظ عليها، وبهذا نتوجه دائما إلى شبابنا وفتياتنا أن نحافظ على هذه العادات العربية الأصلية التي نعتز ونفتخر بها، ونحن أقلية إذا لم نحافظ على خصوصيتنا سيؤدي الأمر إلى ضياعنا، وهناك أمور نعتز ونفتخر بها تربطنا كطائفة.
?…أحد أعضاء الكنيست الدروز طالب الحكومة بعدم معاملة الدروز مثلما تعامل العرب قائلاً "نحن دروز"...
?…نحن في دولة ديموقراطية وكل إنسان حر في ما يقول وهو مسؤول عن كلامه.
?…هل ترى أن الخدمة العسكرية جلبت المساواة والشرعية للمواطن الدرزي في هذه البلاد؟ أم أنك تشعر أن الدروز لا يزالون يفتقدون للشرعية والمساواة المطلقة مقارنة مع المواطنين اليهود؟
?…للأسف الشديد فإننا لا نزال بعيدين عن المساواة بعداً شاسعاً جداً، ولا أرى للأسف الشديد أن المساواة ستحقق في القريب العاجل، وفي كل المجالات.
?…كرئيس روحي هل طرحت هذا الأمر مع المسؤولين في الدولة؟
?…في كل لقاء أو مناسبة أطرح القضية مع المسؤولين من رئيس الدولة ورئيس الحكومة والوزراء وغيرهم. فأول موضوع أتحدث عنه موضوع المساواة وقضية التقصير والغبن اللاحق بالطائفة الدرزية.
?…وما هي الإجابة التي تتلقاها؟
?…الجواب دائما الحق معكم وصحيح، ولكن لا توجد موارد وميزانيات. وبالنسبة إلينا فإن هذا الجواب غير كاف.(17/108)
?…ما هي العلاقة بين الطائفة الدرزية مع الدروز في الدول العربية والعالم، وما هي مكانتها؟ فالمرحوم الشيخ أمين طريف كان يعتبر رئيساً روحياً للدروز في كل أنحاء العالم؟
?…أولاً نحن أهل. ففي أي مكان الدرزي يعتبر الدرزي الآخر أخاً له. ففي لبنان وسوريا أهلنا ومشايخنا ونحن نعتز بهذه العلاقة ولدينا اتصالات دائمة معهم، ونأمل أن يعم السلام لنستطيع أن نلقاهم هنا وأن نسافر إليهم بحرية.
كذلك هناك علاقات مع جاليات درزية في أميركا اللاتينية وغيرها، والعلاقات لن تنقطع، مع أن أخوتنا الدروز مخلصون لدولهم أينما حلوا.
?…ما هو الأساس للمقولة "أن الدرزي موال للدولة التي يعيش فيها؟
?…هذا مبدأ ديني، معناه أننا لا يمكن أن نخون الدولة التي نعيش فيها. فالعلم الذي نعيش تحته نكون أمناء له والقضية تتعلق بالإخلاص وهذا من صلب عاداتنا وتقاليدنا ولا نتنازل عنه.
?…وفي حال الحرب كما حصل في حرب لبنان، حيث التقى مقاتل درزي مقابل جندي ما هو موقفكم؟
?…يتعلق بالعلم الذي يخدم تحته كل منهما.
?…أحدهم يخدم العلم اللبناني والآخر يخدم العلم الإسرائيلي؟
?…نحن كرجال دين ضد الحرب. ولا نسمح بها، ولكن الدرزي اللبناني مخلص لدولته والدرزي الإسرائيلي مخلص لدولته.
?…ولكن في حرب لبنان حصلت حالات معينة، أن جنوداً دروزاَ من إسرائيل التحقوا بإخوانهم المقاتلين الدروز اللبنانيين؟
?…للأسف الشديد أن الأمور تحولت في لبنان إلى طائفية، وهذا سبب دمار لبنان، وأعتقد أنها بسبب سياسات عليا سببت الخلاف بين الطوائف في لبنان ونأمل أن لا تعود.
?…إذا تحدثنا عن شخصية دينية على صعيد عالمي، فمن هي الشخصية الدرزية العالمية رقم واحد؟
?…في لبنان هناك مرجعية دينية، كذلك في سوريا وكذلك في إسرائيل وبعد وفاة الشيخ أمين طريف لا يوجد مرجعية دينية واحدة.
?…وبالنسبة إلى القيادات السياسية، وليد جنبلاط هو الأبرز فهل في سوريا هناك قيادة سياسية للدروز؟(17/109)
?…نحن لا نتدخل في شؤونهم الداخلية، لكن لدينا معزة خاصة لوليد جنبلاط ونقدره ونكن له كل الاحترام ونفتخر به وبزعامته، وبدون شك أن موقفه الوطني في لبنان موقف مشرف ويرفع الرأس.
?…هل التقيت به؟
?…إلى الآن لم ألتق به.
?…ما هو رأيك بتوجهه لكم كقيادة دينية فيما يتعلق بقضية التجنيد؟
?…وليد بك جنبلاط رجل سياسي ويقوم بدوره في بلاده وهو حر في ذلك، ونحن نعذره وهو كذلك يعذرنا في مواقفنا الخاصة.
?…ألا تعتبر دعوته لكم بخصوص التجنيد تدخلاً في شؤون الطائفة؟
?…كل إنسان يحب أن يوجه ويتحدث هو حر برأيه
?…هل زرت الرئيس عرفات؟
?…طبعاً زرناه أكثر من مرة، ولا تزال العلاقة مستمرة من حيث المكاتبات والاتصالات.
?…وهل لديك موقف سياسي من القضية الفلسطينية من الدعوة لإبعاده مثلاً؟
?…في القضايا السياسية لا يوجد تدخل من طرفنا، لكننا نناشد الجميع من رئيس الحكومة وأبو عمار بالعودة إلى طاولة المفاوضات والعمل من أجل الحوار والسلام لأنه لا بديل ولن يصل أي طرف إلى نتيجة، فسفك الدم والقتل لن يفيد أحداَ وكل واحد يأخذ حقه.
?…بمعنى أن لكل طرف دولته؟
?…طبعاً. بدون شك.
?…كيف تنظر إلى المرأة في المجتمع؟
?…المرأة شيء مقدس، فهي مساوية للرجل مساواة كاملة في كل شيء، وإذا نظرنا النظرة الصحيحة الدينية في كيفية التعامل مع المرأة لوجدنا أن ما أعطيناه للمرأة من ألف سنة غير موجود اليوم.
فلدينا تستطيع المرأة أن تطلق زوجها. فإذا شعرت المرأة بأنها مظلومة أو أنه يلحقها غبن من زوجها، فإنها تستطيع أن تطلب الطلاق، ومن حقها نصف ما يملك الزوج, إذا كان الزوج هو المذنب.
?…وفي قضايا الميراث؟
?…يحق لها أن ترث مثلها مثل الرجل، وهناك أمور متفق عليها عرفاً عبر السنين.
?…إذن ما هي المشكلة في السماح لها بسياقة السيارة طالما هي تتمتع بكل هذه الحقوق؟(17/110)
?…هناك أمور ننظر لها كخط أحمر وشرحها يطول. فلا سمح الله إذا حصل مع سائقة، وحصل ذلك، حادث طرق وبناء على شهادات شهود عيان، قالوا لنا أن المنظر الذي كان تقشعر له الأبدان كنا في البداية نشك في الأمر ولكن الآن قضي الأمر والموقف حسم.
?…إلى أي درجة تستطيع أن تصل المرأة وهل لها مكانة دينية؟
?…بدون شك أن لها مكانة دينية مرموقة جداً وهناك قياديات نسائية درزية
?…هل هناك قيادة دينية نسائية؟
?…طبعاً ولهن تأثير كبير جداً، ويسمونهن عندنا "ستات" أو الست الفلانية" أما المرجعية الدينية فهي واحدة.
?…وهل يتم التشاور مع الستات؟
?…بدون شك، وبكل قضية. وكان المرحوم جدي الشيخ أمين طريف دائم التشاور مع ابنته وامرأته، وكانت عشرات ومئات آلاف المشاكل تحلها ابنته، وهذا الأمر معروف.
?…فالمرأة إذن ليست قضية سياقة سيارة؟
?…طبعاً، فلها مكانتها المرموقة ويتشاور المشايخ معهن ويأخذون بآرائهن.
?…وماذا مع أعداد رجال الدين؟
?…الحمد لله، هناك في البياضة وكذلك في مقام النبي شعيب (ع) مدرسة دينية منذ 5 سنوات، بمثابة مدرسة دينية يتم فيها تدريس أمور الدين وإعداد الشباب للتمسك في دينهم ليصبحوا رجال الدين.
?…هذا للذكور وماذا مع الإناث؟
?…هذه المدرسة خاصة للذكور. وبالنسبة إلى الإناث يتم تعليمهن في القرى حيث توجد معلمات خاصات لذلك.
?…أين تم إعداد هؤلاء المعلمات؟
?…في الخلوات داخل القرى نفسها. وما هو موجود اليوم في المقام أمر مشجع ويسر القلب. فقد كان هذه السنة خلال العطلة الصيفية أكثر من 200 طالب، وتقوم الطائفة من خلال التبرعات بدعم هؤلاء والصرف عليهم.
?…ولا يصرف عليهم من الأوقاف؟
?…أبداً.
?…حصل هناك اعتراف من وزارة المعارف بهذه المدرسة؟
?…نحن لسنا بحاجة لاعتراف الوزارة بذلك.
?…لماذا يوجد في بعض القرى أكثر من إمام؟
?…إذا وجدت أكثر من خلوة فهناك أكثر من إمام لكن السائد إماما وسايسا. وتقسيم الخلوات يكون على أساس حارات.(17/111)
?…وأحياناً السياسة تلعب دورها؟
?…للأسف أن الحضارة أو المجتمع أو الدولة لها تأثير.
?…هل يسمح دينياً للمشايخ مثلما هو الأمر في لجنة المبادرة وغيرها، الضلوع بنشاط سياسي؟
?…نحن نعيش في دولة ديمقراطية والنظام الديمقراطي فيه من كل الأشكال.
?…وهؤلاء المشايخ تابعون للمرجعية ولهم مكانتهم؟
?…بدون شك، وهم يعودون للطائفة.
?…تطرقت إلى الحضارة وحق المرأة في الطلاق حالات الطلاق ازدادت أيضاً في الطائفة؟
?…لغاية الآن حسب الإحصاء الأخير، نحن أقل طائفة يحدث فيها طلاق. لكن كانت زيادة حوالي 5% فعلياً حيث تم الطلاق قبل الزواج حيث تم الانفصال بعد العقد وقبل الزواج الفعلي، لكن رسمياً فإن النسبة تصل إلى 10% تقريبا.
?…حسب رأيك على أي خلفيات يتم الطلاق؟
?…عندما تستطيع المرأة أن تحبس زوجها قبل أن تعد الشرطة للعشرة، فإن هذا يؤثر رغم أنه غير منطقي.
?…إلى أين وصلتم في المطالبة بتحسين أوضاع المحاكم المذهبية؟
?…لدينا محكمتان، ابتدائية (بدائية) ومحكمة الاستئناف. وحسب القانون، وهذا أحد الأمور المجحفة بحق الطائفة، يجب أن يكون لنا 3 قضاة في الابتدائية و3 في الاستئناف.
الوضع القائم اليوم أن لدينا قاضياً واحداً في البدائية وقاضيين في الاستئناف. وكان هناك قاض للجولان.
?…في حال وجود تضارب بين موظفي المحكمة الدينية والمحكمة الرسمية المدنية فلمن الغلبة ومن رأيها السائد؟
?…كثيراً ما يحصل تضارب. وكثيراً ما تتوجه المحاكم المدنية للمحاكم الدينية لأخذ رأيها في موضوع ما. ولكن للأسف الشديد كان الالتماس الأخير وبحضور 5 قضاة، والذي دعا إلى تقليص صلاحيات المحاكم الدينية، هذا مس بمكانة المحاكم الدينية.
فسابقاً كان يسود مبدأ "سباق الصلاحيات" بين المحاكم الدينية ومحكمة شؤون العائلة اليوم تقول المحكمة العليا أن هذا الأمر انتهى وأن النظر في المحاكم الدينية يتم فقط إذا وافق الطرفان.
?…في أي أمور مثلاً؟(17/112)
?…في قضايا الزواج والطلاق والبقية بموفقة الطرفين. أما سابقاً فكانت المحكمة تنظر في قضايا تقسيم أملاك، ميراث نفقة. اليوم هذا الأمور تبحث فقط بموافقة خطية من الطرفين. وهذا الأمر يمس بمكانة المحكمة الدينية ويحد من صلاحياتها.
?…حصلت حالات انتحار كثيرة في صفوف أبناء الطائفة كيف تتعاملون معها؟
?…يظهر أنه كلما انتشر التقدم وعم ازدادت الأمور السلبية.
?…فكيف يتصرف رجل الدين لصد أمور الحداثة والعصرنة؟
?…كل الأمور الزائفة التي لا تمت لعاداتنا بصلة لا نريدها. لذلك يجب على رجل الدين ورجل المجتمع أن يعملا معاً لصد هذه الحالات والتمسك بكل ما هو جيد وصالح فلنأخذ من الحضارة ما يفيد ولنترك ما لا يفيد أو يضر.
?…أنتم ضد الاختلاط؟
?…نعم.
?…ولكن هناك حالات لابد من الاختلاط في المستشفى أو المدرسة مثلاً أو البنك.
?…الشيخ طريف: في الأمور العامة الموقف واضح لكن هناك الحلال والحرام.
?…أين هي حدود الحلال والحرام؟
?…هناك ما يبعد الشبهة فالرجل ممنوع أن يختلي مع امرأة لوحدهما إذا كانت ليست من حلاله. فيجب أن يكون على الأقل 3 رجال و3 نساء وليس 2. وذلك لمنع الشبهات لكي لا تلصق أي شائبة.
?…كنت مشاركاً في قضايا الحوار بين الأديان.
?…نعم. وشاركت في مؤتمر دولي في كوريا.
?…وكيف تنظر إلى هذا الأمر؟
?…يجب أن تستمر هذه الفعاليات، وأحياناً هناك أمور تعصى على السياسيين ويحلها رجال الدين. فعلى الأقل لنا دورنا في منع التطرف الديني. الذي ينادي بالإرهاب والعنف والدعوة إلى الحب والتفاهم والمسامحة.
?…لكن الفارق كبير ومبدئي بين الأديان وبين المذاهب فكيف يمكن التوفيق أو التوحيد بينها.
?…لا فرق بين الأديان. فالكل يرجع إلى الله. الفرق نحن بني البشر والناس نصنعه عندما نحرف الدين ونسخره لمصالح دنيوية.
عن الصنارة ـ صحيفة عربية تصدر في فلسطين الـ 48
قاتل الطفلة الفلسطينية "إيمان" ضابط عربي في جيش الاحتلال!(17/113)
برهوم جرايسي الغد 16/10/ 2004
الناصرة ـ كشفت صحيفة "يديعوت احرنوت" الإسرائيلية، الخميس، أن ضابط الاحتلال المجرم الذي قتل الطفلة الفلسطينية إيمان الهمص وهي في طريقها إلى مدرستها في مدينة رفح جنوب قطاع عزة، هو عربي درزي من إحدى قرى الشمال وقالت أن الحرف الأول من اسمه (ر).
وعلمت "الغد" من أي عائلة هو والحرف الأول منها هو حرف (ع)، وهي عائلة معروفة في منطقة قريتها والشمال.
وكان هذا الضابط قد أصر على قتل الطفلة الهمص، لا بل بعد أن أطلق عليها وابلا من الرصاص توجه إليها وأطلق على رأسها طلقات إضافية للتأكد من قتلها، وكانت قد أصيبت بعشرين طلقة.
ويذكر أن قانون التجنيد الإجباري في إسرائيل يسري على اليهود والطائفة العربية الدرزية والشركس، ولكن هناك حركة رفض واسعة بين الشبان العرب الدروز.
وتشير بعض الإحصائيات إلى أن نسبة الرافضين وصلت إلى 25% ولكن هناك بعض الفئات من الطائفة ذاتها الذين يخدمون في جيش الاحتلال ويقودون عددا بارزا من جرائمه.
وفي الآونة الأخيرة كشفت بعض وسائل الإعلام أن مجموعة من ستة جنود من العرب الدروز ضبطت وهي تنكل بالفلسطينيين في جنوب قطاع عزة، وأن أحدهم قتل فلسطينيا وهو على سطح بيته كنوع من "التسلية"، ويواجهون الآن محكمة عسكرية، ولكن كما جرت العادة فإن هذه المحاكمات صورية ولا تصدر عنها أي قرارات رادعة.
وتقول الصحيفة أن الضابط المذكور غادر وحدته في جنوب القطاع بأمر عسكري، وادعى أمام جنوده أنه بريء وحين ينتهي التحقيق فإنه سيعود إليهم، على حد زعمه.
ووصف شهادات الجنود ضده إنها تصفية حسابات معه. وتضيف الصحيفة أن الخبر انتشر في قريته وأنه نزل على الأهالي كالصاعقة ومنهم من استنكر الجريمة، وهناك من اعتبر أن الضابط تعرض لمحكمة ميدانية قبل الاستماع لروايته.(17/114)
وكانت صحيفة الجيش الإسرائيلي "بمحانيه" قد أجرت في الماضي القريب مقابلة مع الضابط المذكور قال فيها أنه يخدم في الجيش الإسرائيلي، لأن هذه يخدم مصالحه، من الناحيتين العسكرية والشخصية، أنه فخور بما يفعله في الجيش فهو يخدم الدولة ويحقق هدفا وضعه لنفسه!!.
"الغارديان" تكشف تفاصيل جريمة قتل طفلة فلسطينية
الغد 22/11/2004
لم يعر ضابط في الجيش الإسرائيلي أطلق النار عدة مرات على طفلة فلسطينية تبلغ من العمر 13 سنة فقتلها دون أي اهتمام لتحذير من جندي إسرائيلي بأنها طفلة قائلا أنه كان ليقتلها حتى لو كانت تبلغ من العمر ثلاث سنوات.
وكان الضابط الذي عرفه الجيش فقط باسم الكابتن (ار) قد اتهم في وقت سابق هذا الأسبوع باستخدام السلاح بشكل غير قانوني والتصرف بشكل غير ملائم لضابط وغير ذلك من الخروقات البسيطة نسبيا بعد أن أفرغ 10 طلقات من مخزن رشاشه في جسد الطفلة إيمان الهمص عندما كانت تسير في (منطقة أمنية) في أطراف مخيم رفح للاجئين في الشهر الماضي.
ويتناقض تسجيل صوتي لحديث لاسلكي دار بين الجنود المتورطين في قتل الطفلة إيمان أذاعه التلفزيون الإسرائيلي مع تقرير الجيش عن الأحداث ويبدو مظهراً أن الكابتن الإسرائيلي أطلق النار على الطفلة بدم بارد.
وادعى التقرير الرسمي بأنه اطلاق النار على إيمان بينما كانت تسير باتجاه نقطة تابعة للجيش وكانت تحمل حقيبتها المدرسية على ظهرها لأن الجنود خافوا أن تكون الحقيبة قنبلة.
لكن التسجيل الخاص بالحديث اللاسلكي بين الجنود الإسرائيليين في مكان الحادث يكشف عن أنه تم تعريف إيمان بأنها طفلة ولم يتم ذكر وجود قنبلة ابداً كما لم يتم وصفها بأنها شكلت تهديدا وكانت إيمان على بعد 100 ياردة من أي جندي إسرائيلي.
وعلى العكس من ذلك فإن الجمود الإسرائيليين عرفوها بسرعة كما يظهر الشريط الخاص بالحديث الذي دار بينهم بأنها طفلة في حدود العشر سنوات وأنها خائفة من أن تقتل.(17/115)
وكشف الشريط أيضا عن أن الجنود قالوا أن إيمان كانت تسير في الاتجاه الشرقي بعيدا عن حاجز الجيش في اتجاه طريق العودة إلى المخيم عندما تم قتلها.
وعند تلك النقطة اتخذ الكابتن (ار) القرار غير الاعتباري في ترك القائمين على الحاجز الإسرائيلي في تعقب الطفلة فأطلق عليها النار ليرديها قتيلة ثم يؤكد القتل من خلال تفريغ مخزن سلاحه في جسدها.
والشريط هو عبارة عن محادثة بين ثلاث جهات هي برج المراقبة التابع للجيش وغرفة عمليات نقطة الجيش والكابتن الذي كان قائدا للسرية.
وأبلغ الجندي الذي كان في برج المراقبة زملاءه بعد أن شاهد إيمان بأنها طفلة صغيرة أنها تهرب حماية لنفسها في الاتجاه الشرقي.
غرفة العمليات: هل تتحدث عن طفلة تحت العشر سنوات؟
برج المراقبة: طفلة حوالي 10 سنوات إنها خلف الساتر خائفة من الموت.
وبعد عدة دقائق يتم إطلاق النار على إيمان من إحدى نقاط الجيش فتصاب في ساقها.
برج المراقبة: أعتقد أن أحد المواقع قضى عليها.
يتحرك قائد السرية بعد ذلك فيما تسقط إيمان جريحة لا حول لها ولا قوة.
الكابتن (ار): أنا وجندي أخر نقترب منها إلى الأمام لتأكيد قتلها، لتلقي تقرير بالحالة، لقد أطلقنا النار وقتلناها، أنا أيضا أؤكد تقتلها.. انتهى.
ووصف شهود كيف أطلق الكابتن الإسرائيلي النار مرتين على رأس إيمان ثم سار بعيدا عنها ثم استدار وأطلق صلية من الطلقات على جسدها، وقال أطباء في مستشفى رفح أنها تلقت 17 رصاصة على الأقل.
وفي الشريط (يوضح) قائد السرية لماذا قتل إيمان: (هذا هو القائد أي شيء يتحرك أي يتحرك في المنطقة حتى لو كان بعمر ثلاث سنوات يجب أن يقتل..انتهى)
وكان التقرير الأصلي للجيش قد قال إن الجنود عرفوا إيمان كطفل عندما أطلقت عليها النار أول الأمر، لكن الشريط يظهر أنهم كانوا يدركون كم كانت الطفلة صغيرة ونحيفة قبل أن تطلق النار عليها.(17/116)
وطفت القضية على السطح بعدما ذهب جنود يعملون تحت قيادة الكابتن (ار) إلى صحيفة إسرائيلية لاتهام الجيش بالتستر على ظروف القتل.
وقال تحقيق لاحق صادر عن الضابط المسؤول عن قطاع غزة وهو الميجر جنرال دان هاريل أن الكابتن (لم يتصرف بطريقة غير أخلاقية).
وعلى كل حال فقد بدأت الشرطة العسكرية تحقيقاً أسفر عن توجيه اتهامات لقائد الوحدة.
تسجيل لإطلاق النار:
برج المراقبة: إنها طفلة صغيرة تركض في الاتجاه الشرقي خوفا.
غرفة العمليات: هل تتحدث عن طفلة تحت سن العشر سنوات.
برج المراقبة: طفلة حوالي 10 سنوات خلف الساتر خائفة أن تقتل.
الكابتن (ار) بعد قتل الطفلة:
أي شيء يتحرك في المنطقة حتى لو كان ثلاث سنوات يجب أن يقتل.
واتهم والدا إيمان الجيش بتمويه القضية من خلال توجيه اتهامات بسيطة ضد كابتن (ار) طالباً بمحاكمته بتهمة ارتكاب جريمة قتل .
(الغارديان)
الدروز الإسرائيليون اختاروا التوقيت
ثلاثة شهداء في ذكرى زيارة السادات إلى القدس
معتز أحمد الأهرام العربي العددـ 400 ـ 20 نوفمبر (تشرين ثاني) 2004
فتحت قضية استشهاد ثلاثة من العسكريين المصريين على أيدي إسرائيل أخيرا عبر الحدود عددا من التساؤلات، أبرزها هل باتت الوحشية هي السلوك المسيطر على الجنود الإسرائيليين، ولماذا ينتهج سلاح حرس الحدود الذي تتكون قاعدته الأساسية من الجنود الدروز، والذي يرأسه القائد الدرزي اللواء حسين فارس منذ شهر أغسطس الماضي هذه الوحشية؟!
فالمعروف أن غالبية رجال حرس الحدود الإسرائيلي، خاصة الذين يقومون بالعمل العسكري المباشر هم من الدروز، في حين يقوم الجنود الإسرائيليون اليهود بالأعمال شبه الإدارية على هذه الحدود مثل مراقبة المنطقة الحدودية أو فحص الأوراق لأي شخص يرغب في السفر إلى إسرائيل أو يخرج منها.(17/117)
وأدى هذا السلوك في كثير من الأوقات إلى اصطدام الدروز ليس فقط بأبناء الدول العربية المحيطة بإسرائيل والتي ترتبط بحدود معها بداية من لبنان حيث الحدود الشمالية الإسرائيلية، ومصر حيث الحدود الجنوبية إلى الأردن حيث الحدود الشرقية بل حتى الفلسطينيين يعانون الأمرين من معاملة الجنود الدروز لهم في الجيش الإسرائيلي وكان عدد من الصحف الإسرائيلية قد أثارت هذه القضية وأكدت على أن معظم الإحصاءات والدراسات السياسية والعسكرية التي أجريت سواء على الجنود الدروز أم الفلسطينيين أثبتت أن الفلسطينيين باتوا يعانون بشدة من الدروز الذين يتعاملون معهم بوحشية منقطعة النظير.
والواقع أنه عند الحديث عن الدروز فإن العلاقة بينهم وبين اليهود بدأت قبل إقامة إسرائيل نفسها في عام 1948، وذلك عن طريق عدد من الزعماء اليهود والدروز البارزين مثل: يستحاق بن تسفى الذي انتخب أول رئيس لإسرائيل، وآبا حوشى الذي انتخب رئيسا لبلدية حيفا وصالح خنيفس ولبيب أبو الركن، والأخيران انتخبا بعدها كأعضاء في الكنيست، وقد أسفرت هذه العلاقة عن عدم خروج الدروز من قراهم في حرب 1948.
والمعروف أن علاقات الصداقة ربطت بين السكان الدروز والسكان اليهود طوال أجيال عديدة خاصة في البلديات المختلطة مثل البقيعة، وشفا عمرو وحاصبيا.
والشاهد فإن الدموية على هؤلاء الجنود تعكس عصبية شديدة للغاية،وهي العصبية التي تجعل من إطلاق النار اللغة المفضلة التي يستخدمها هؤلاء الجنود بسهولة.
من جانبها تعرض وسائل الإعلام الإسرائيلية دائما الشكوى التي يقدمها الفلسطينيون إلى المنظمات الدولية بل وحتى الإسرائيلية المعنية بحقوق الإنسان بخصوص المعاملات السيئة للجنود الدروز في الجيش الإسرائيلي لهم.(17/118)
وعلى سبيل المثال فقد رصدت منظمة الدفاع عن الحقوق الفلسطينية المعروفة في إسرائيل عشرات الانتهاكات وحالات الضرب للفلسطينيين في المعابر الإسرائيلية الموجودة في الضفة الغربية وقطاع غزة على يد الدروز.
واللافت أن عددا من هذه الحالات نعت فيها الجنود الدروز الفلسطينيين بـ "العرب السفلة" وكأنهم ليسوا عربا بدورهم.
وتتفاقم هذه المشكلة مع انضمام عدد كبير من هؤلاء العسكريين سواء من الجنود أم الضباط إلى المعترك السياسي الإسرائيلي حيث يواظب أغلبهم على الانضمام إلى الأحزاب اليهودية، ومثال ذلك كل من مجلي وهبة وأيوب قرا في حزب الليكود، وصالح طريف في حزب العمل.
وعلى الرغم من هذا الأمر فإن هناك عددا كبيرا من الدروز الرافضين بدورهم لهذه السياسات والمعارضين لانضمام الدروز إلى الجيش للخدمة فيه، وهو ما يظهر بوضوح في اللقاءات التي يجريها العرب في إسرائيل مع دروز الأطراف الخارجية الأخرى سواء في الدول العربية أم الأوروبية، ومثال ذلك المحامي العربي الدرزي المعروف سعيد نفاع الذي يترأس جمعية الرافضين الدروز للخدمة في الجيش الإسرائيلي.
من جانبها أشارت صحيفة يديعوت أحرونوت إلى مدى حساسية هذه الحادثة التي تجئ بعد عدة أسابيع قليلة من تفجيرات طابا، وهي التفجيرات التي جرح وقتل فيها العديد من الإسرائيليين، بالإضافة إلى الذكرى السابعة والثلاثين لزيارة السادات التاريخية إلى القدس، وهي الزيارة التي تلاها بعد ذلك التوقيع على معاهدة كامب ديفيد للسلام بين مصر وإسرائيل.
وأوضحت أن هذه العملية تؤكد مدى حساسية وخطورة منطقة الحدود المصرية الإسرائيلية وذلك من أقصى شمالها من رفح وبداية في محور فيلادلفى حتى أقصى جنوبها الممتد إلى منطقة طابا.
…من كمال جنبلاط إلى وليد جنبلاط
جوزيف الحايك ـ مدرس علوم سياسية في باريس
الوطن العربي ـ العدد 1446 ـ الجمعة 19/11/2004(17/119)
هل كان جنبلاط الابن يلوح بشيء ما من خلال قراءته بعض السطور ويبعث برسالة إلى الأشباح المتهمة باغتيال جنبلاط الأب أم أنها صدفة، رسائل أخرى يبعثها وليد جنبلاط حيث قابل السيد حسن نصر الله هذا الأسبوع وأعلن دعمه للمقاومة الإسلامية وعرض حل مشاكل مزارع شبعا اللبنانية وطلب من سورية رسالة خطية تثبت لبنانية المزارع وتثبيتها في الأمم المتحدة.
لقد بدأ السيد جنبلاط يتلقى ضغوطات في الساحة اللبنانية منها سورية ومنها لبنانية، حيث أعلنت القيادة القطرية لحزب البعث في بيروت أن السيد جنبلاط تعدى كل الخطوط الحمراء حتى تخوينه وفتح البعض منهم ملفات جنبلاط القديمة التي تشكل له سجلاً أسود في تاريخ لبنان منها حرب الجبل، والمجازر بحق المسيحيين وتدمير قراهم وتهجيرهم وحتى المجازر التي ارتكبت بحق المسلمين وخاصة مجزرة آل عاكوم في الشوف والخيانة الكبرى تكمن في أن جنبلاط ساعد جيش الدفاع الإسرائيلي بدخول الجبل وطلب عدم المقاومة لتجنب الدمار وسحب سلاح رجال المقاومة حتى عند انسحابهم من الجبل بقدوم القوات الإسرائيلية والاجتماعات التي حصلت في المختارة بينه وبين أركان الجيش الإسرائيلي، حيث كان معظمهم من الطائفة الدرزية في إسرائيل وحتى مع قيادات سياسية منهم بيريز وغيره ومنهم من يقول لماذا يسمح للدروز في إسرائيل بدخول جيش الدفاع الإسرائيلي ولا يسمح للمسيحيين والمسلمين، ولماذا يقاتل جنوب لبنان ولم يقاتل الجولان هل لأن أهله من الدروز؟(17/120)
يملك السيد جنبلاط نقاط قوة ونقاط ضعف ويملك ضمانات من دول كبرى ودولة إقليمية لتجاوزه الخطوط الحمراء إلى هذا الحد وتعلم أنه في العام 2000 أصدرت مجلة "ماغازين إسرائيل" في فرنسا وهي تطبع في إسرائيل والناطقة بلسان اليمين المتطرف حيث خصصت صفحات عديدة عن دور الطائفة الدرزية في المنطقة وولائها لإسرائيل وجيشه حيث نخبة من كبار الضباط والأركان تنتمي إلى هذه الطائفة ومنهم من شارك في غزو لبنان ومنهم من تلقى الأوسمة الكبرى من دولة إسرائيل وتحدثت مجلة "ماغازين إسرائيل" عن سيرة جنبلاط كزعيم درزي ذي نفوذ كبير في المنطقة.
لقد رد السيد جنبلاط على دعوة السيد حسن نصر الله لاستفتاء شعبي حول الوجود السوري والتمديد للرئيس لحود على أنها دعوة لا تصلح في بلد فيه الأقليات العرقية مع أنها دعوة ديمقراطية، في فرنسا ودول أوروبية أخرى يوجد الكثير من الأقليات العرقية ولم ينص أي دستور أوروبي على مراعاة هذه الأقليات وفي كل مناسبة يطالب جنبلاط أجهزة المخابرات بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد والانتخابات، لكن أجهزة المخابرات في كل دول العالم الديمقراطي وجدت لحماية الديمقراطية، في فرنسا مثلاً يوجد ثلاثة فروع مخابرات وهي تتدخل في كل شيء يخص المجتمع والدولة من حياة سياسية واجتماعية واقتصادية وانتخابات ومطبوعات وحتى في السينما هذا لا يعني أن فرنسا دولة مخابرات وأشباح وديكتاتورية.(17/121)
يملك جنبلاط نقاط قوة ونقاط ضعف ويتمسك بشعرة معاوية أيضاَ ويراهن بخطورة على حساب الطائفة الدرزية في المنطقة العربية، حيث يلعب دورا ًسياسيا محنكاً وخطيراً ونقاط ضعفه كثيرة تكمن في حرب الجبل والمجازر التي ارتكبت بحق المسيحيين والمسلمين ومنهم آل عاكوم في الشوف أيضاً، وعدم مشاركته القوى الوطنية اللبنانية في حرب التحرير والمقاومة وعليه أن يوفى الجميل لسورية والفصائل الفلسطينية التي ساندته خلال حرب سوق الغرب في الجبل ولا ننسى أبو العباس والتدخل السوري المباشر لإنقاذه في معاركه آنذاك ضد الجيش اللبناني المنقسم في محاور سوق الغرب، والنقطة الأهم مشاركة الدروز في التطوع مع جيش الدفاع الإسرائيلي.
يراهن جنبلاط على دور اللوبي الدرزي الإقليمي الضاغط في إسرائيل في اللعبة الجيوسياسة الجديدة للمنطقة وعلى الحرب الجديدة المبرمجة في الكونغرس الأميركي ضد منطقتنا العربية وتاريخها وخاصة من مجلس الأمن الذي أصبح ألعوبة في أيدي هذه القوة السياسية والأميركية، هل ينتصر هذا الرهان الجديد في موازين القوى مع أنه خسر كل الرهانات في المنطقة سابقاً أم أنه رهان أكيد عن مستقبل رسم وخطط له بجيوغرافية سياسية جديدة، هل ينتقم جنبلاط لاغتيال أبيه كمال جنبلاط، حيث يكلمنا عن أشباح الظلام في كل مناسبة وهل يصبح أتاتورك جديداً في لبنان من أجل الديمقراطية المستوردة أم أنطوان لحد جديداً.
( باختصار )
جنبلاط "ملك الديمقراطية"
بيان المقداد ـ بلجيكا
الوطن العربي 22 / 10/ 2004
يقول مثل شعبي لبناني قديم: "تعشّى عند الدرزي ونام عند المسيحي".(17/122)
وتقلب السيد وليد جنبلاط كتقلب الطقس في أوروبا، تارة ذات اليمين، وتارة ذات اليسار، وتارة في الوسط.. في صيف العام 82، كنا في الجبل خلال الاجتياح الإسرائيلي، واتصل بنا السيد أبو شقرا المقرب من جنبلاط، وقال: "اتفقنا معهم ناموا، سيدخلون الجبل بسلام"، أي الجيش الإسرائيلي، وفي مثلث خلدة البطولي، حيث كانت المقاومة اللبنانية رمزاً للبطولة والتلاحم الفلسطيني ـ السوري ـ اللبناني يدحر الاحتلال، فوجئنا بأرتال الدبابات الإسرائيلية تحاصرنا قادمة من جبل الشوف، حيث أدخلها السيد وليد جنبلاط بأمان.
سيدي جنبلاط باسم الديمقراطية يجب أن تحاسب على حرب الجبل وما ارتكبت من مجازر بحق المسلمين والمسيحيين يجب أن تحاسب على استقبالك للسيد بيريز في قصر المختارة، يجب أن تحاسب على ضيافة قيادة الجيش الإسرائيلي من الطائفة الدرزية، حيث كانت الطائفة قبل لبنان في معادلتكم، لقد سئمنا من معاملة حرس الحدود الدروز في الجيش الإسرائيلي ومعاملتهم السيئة لشباب فلسطين وأرض فلسطين.
لقد عودنا جنبلاط أن يكون سورياً عندما تقوى سورية وأن يكون إسرائيلياً عندما تقوى إسرائيل، هل أصبحت دعوة السيد حسن نصر الله لاستفتاء شعبي لحكم الأكثرية عملا غير ديمقراطي في موضوع التجديد للرئيس لحود؟ وهل اصبح تصويت أكثر من مائة نائب في البرلمان اللبناني ضد تسعة عشر نائباً غير ديمقراطي. أية ديمقراطية يريد السيد جنبلاط.. ديمقراطية العالم الجديد كما في العراق وأفغانستان وفلسطين، حيث نذبح ونقتل كل يوم ونتهم بالإرهاب.. لا نريد ديمقراطية مستوردة من الكونجرس الأميركي وكما كتب السيد التوينى في افتتاحية جريدة "النهار": "لا وألف لا".
نحن نقول: لا وألف لا. نعم وألف نعم للبندقية الديمقراطية من العراق إلى فلسطين، من مخيم اللاجئين إلى دمشق.. لا وألف لا للديمقراطية المرتزقة من غرناطة إلى حطين.
( باختصار )(17/123)
مجلة الراصد الإسلامية
العدد الثامن عشر – غرة ذو الحجة 1425 هـ
1-…فاتحة القول: أين عقلاء الشيعة......................................4
2-…فرق ومذاهب: فرق البكتاشية........................................6
3-…سطور من الذاكرة: مؤتمر بدشت لإلغاء الشريعة الإسلامية.........15
4-…دراسات: موقف مفكري الإسلام من الشيعة -4-..................18
5-…كتاب الشهر: الإسلام في مواجهة الباطنية..........................26
6-…قالوا...............................................................30
7-…جولة الصحافة:
-…التوجه الشيعي في ظل الاحتلال.........................................33
-…العراق الجديد حجم سنة العراق.........................................36
-…صمت عربي إزاء الخطر الإيراني.......................................40
-…البراء من الشيعة المزورة..............................................42
-…الهلال الشيعي..........................................................46
-…المخطط الشيعي لمصر..................................................49
-…الأزهر يصادر كتاب شيعي..............................................53
-…برّي ونصر الله.........................................................56
-…حوار مع منتظري......................................................60
-…توفيق إلهي............................................................67
-…العلاقات الإيرانية الأمريكية..............................................69
-…قنبلة إيران النووية.....................................................78
-…كذب الحكيم ولو صدق..................................................80
فاتحة القول
أين عقلاء الشيعة ؟؟(18/1)
في تحذير الملك عبد الله الثاني من خطورة الهلال الشيعي القادم بعد نظر وإدراك تام لما يقوم به تيار قوي ومسيطر في الوسط الشيعي ليس في العراق فحسب بل في المنطقة العربية كاملة، ولذلك كانت ردة فعل هذا التيار الاستنكار والتنديد بهذه التصريحات لأنها فضحت مخططاتهم وأظهرت نواياهم، ويسعى هذا التيار للاستفادة من حالة الانشغال بمعالجة الوضع في العراق من قبل الدول المجاورة والقوى الدولية ليرسخ على الأرض مكتسبات يصعب التنازل عنها أو لتكون ورقة ضغط ومساومة في مرحلة قادمة .
ومن هذه الممارسات يمكن أن نعدد ما يلي :
1.…محاولة إعلان دولة شيعية في اليمن بقيادة الحوثي .
2.…تصاعد المطالب السياسية لشيعة السعودية .
3.…محاولات شيعة البحرين زيادة نفوذهم واستغلال المناخ الديمقراطي، و قضية الخواجة ومركز حقوق الإنسان مثال لذلك .
4.…تكرار تهجم شيعة الكويت على المقدسات والرموز الإسلامية مثل الخلفاء الراشدين أبو بكر الصديق وعمر الفاروق وآخرها الهجوم على السيدة عائشة.
5.…مطالبة شيعة الكويت بتدريس الفقه الجعفري والانفصال عن وزارة الأوقاف .
6.…حادثة تجنيد عملاء للحرس الثوري في مصر لضرب العلاقات المصرية السعودية.
7.…الممارسات اليومية في العراق لاغتيال رموز وأفراد السنة .
8.…تزوير البطاقات الانتخابية في العراق لمصلحة الشيعة .
9.…إغراق العراق بالإيرانيين و تجنيسهم .
10.…التخلي الواضح عن المصلحة العراقية الوطنية العامة والجري وراء المكاسب الطائفية الخاصة .
فبعد هذه الممارسات ألا يحق للسنة وزعمائهم التحذير من خطر سيطرة هذه القوى على العراق ؟؟
وهنا نتساءل أين العقلاء في الشيعة والمعتدلون ؟ أين هم عما يجرى أم هم مؤيدون لذلك ؟
لماذا لا يكون هناك موقف واضح وبارز ومعلن يقول للمخطئ أخطأت وللمصيب أصبت ؟؟
نطالب العقلاء في الشيعة بالمبادرة لنزع فتيل الطائفية من المنطقة من خلال مواقف ناضجة ومعلنة وواضحة في القضايا التالية :(18/2)
1.…التبرؤ من القائمين على محاولات المساس بالأمن الوطني للدول العربية علنا، و إظهار الولاء للدول التي يقيمون فيها بدلا من الولاء لدول أخرى .
2.…إصدار وثيقة من كافة المراجع الشيعية تؤكد على المشتركات الإسلامية التي ينتهكها بعض الشيعة، وبيان خروج من ينتهك هذه المشتركات عن دين الإسلام قديما وحديثا سنيا أو شيعيا وهي :
-…سلامة القرآن من التحريف أو النقص أو الزيادة .
-…إيمان كافة الصحابة رضوان الله عليهم وزوجات النبي عليه الصلاة والسلام وطهارتهم من الشرك والبدع .
-…آل البيت رضوان الله عليهم هم أول من دعا إلى التوحيد ودافع عنه ولا يرضون بما يفعله بعض الناس من الغلو فيهم وإعطائهم صفات الربوبية والألوهية .
3 . الوقوف في الصف الإسلامي ضد الأعداء ولو كان فيه نقص للمكاسب الطائفية .
4 . تقديم دليل عملي على حسن النوايا تجاه الدول السنية المجاورة بمناشدة إيران إنهاء احتلال الجزر الإماراتية والكف عن التدخل في شؤون الدول المجاورة .
هذا أقل ما يجب على عقلاء الشيعة أن يفعلوه اليوم فهل هم فاعلون ؟ أم أنهم راضون بما يفعل السفهاء والمجانين ؟
ونحن منتظرون ....
فرق ومذاهب
البكطاشية
هذا تعريف بالبكتاشية كتبه الأمير شكيب أرسلان في تعليقاته على كتاب حاضر العالم الإسلامي م2 ج 2 ص 349
( وهذا البحث مهم لا يعرفه كثير من الباحثين رأينا ضرورة نشره)
البكداشية أو البكطاشية، طريقة من الطرق الإسلامية، تنسب إلى أحد الأولياء المسمى "الحاج بكطاشي ولي"، الذي يقولون أنه ولد "بنيسابور" وجاء إلى الأناضول، وهدى الانكشارية إلى الإسلام، في زمان السلطان "أرخان"، وكانت له كرامات وخوارق عظيمة، وهو الذي أسس الطريقة المعروفة به. ولكن كثيراً من المحققين يرتابون بوجود الحاج بكطاش هذا، ويقولون أن المؤسس الحقيقي لهذه الطريقة، هو "باليم بابا" المتوفى سنة 922 هجرية، والذي يلقبه الدراويش البكطاشية بالقطب الثاني.(18/3)
ولقد ثبت وجود هذه الطريقة منذ أوائل القرن السادس عشر للمسيح في الأناضول، ثم انتشرت في الروملى وأكثر من مال إليها أمة الأرناؤوط ( ألبانيا )، حتى يقال أن أكثر هذه الأمة بكطاشيون. وأن الفرقة المعروفة بالأناضول، وببلاد الأكراد بقزل باش أو "على إلهي"، هي على عقائد تشابه مذهب البكطاشية وإن كان هؤلاء جميعاً يدّعون كونهم من أهل السنة والجماعة، فالحقيقة ليست كذلك، وهي أنهم من غلاة الشيعة، يعتقدون بإمامة الإثني عشر من آل البيت، ويعظمون كثيراً جعفر الصادق، ويقولون بالأربعة عشر ولداً معصوماً، الذين أكثرهم ماتوا شهداء من أولاد علي. ويزورون قبور الأولياء، ويصلون ويدعون عندها.
ويزعم مؤرخو الإفرنج أنه لابد أن يكون البكطاشيون في الأصل نصارى، بحجة أن عندهم التثليث، وذلك بقولهم: "الله. محمد. علي." وأن عندهم نوعاً من الاعتراف بالذنوب يذهبون إلى مشايخهم ويسردون لديهم ذنوبهم، والشيخ يحل من الذنب نظير القسيس عند النصارى. وهم يبيحون الخمر، والنساء لا يسدلن النقاب، وكثير من البكطاشية يتبتلون ويعيشون مجردين من الأزواج، مما جميعه يدل على كون أصل هذه الطريقة غير إسلامي، وأكثر المتبتلين منهم كانوا ينقطعون في تكية "قيزل دلى سلطان" بقرب "ديموطوقة" من ولاية أدرنه. ويعتقد البكطاشية بالعدد لاسيما أربعة، ويقرأون كتاب فضل الحروفى المسمى "بالجاويدان" ويقولون بالتناسخ، والشائع عنهم أنهم لا يقومون بفرائض الدين الإسلامي، فلا صلاة ولا زكاة، ولا صوم، ولا حج، وأنهم قد رفعوا هذه التكاليف، بحجة أنها تجب على المبتدئ لا المنتهي، وأنه بعد الوصول يصبح الانسان في حِلِّ منها.(18/4)
والشيخ الأكبر للطريقة يقيم بتكية "بيرأوى" أي بيت القطب، في المحل الذي يقال له "حاجى بكطاش" بين "قير شهر" و "قيصرية". وليست هذه الرئاسة إرثية في الأصل، وإنما هي منذ 150سنة في بيت واحد تنتقل من الأب إلى الابن، وللبكطاشية المتبتلين شيخ كبير أيضاً، مركزه التكية المسماة "مجرد بابا سى" أي "أبو المتبتلين". ويسمى شيخ كل تكية "بابا"، والدرويش المقيم بالتكية "مريداً" والعامي الذي له تعلق بالطريقة "منتسباً".
وكان للبكطاشية شأن كبير، وكانوا على رباعهم في أيام "وجاق الانكشارية" الذين كان البكطاشية لهم شيوخاً ومرشدين، حتى أصبح اسم "بكطاشية" يطلق على الانكشارية كلهم. وكان في ثكنة الأورطة الرابعة والتسعين، وكيل مقيم للطريقة معروف رسمياً، لذلك كان كلما ثار الانكشارية يشترك مريدو الطريقة البكطاشية معهم في الثورة إلى سنة 1826, إذ استأصل السلطان محمود شأفة الانكشارية، فانقضت صواعق نقمته على جماعة الحاج بكطاش، فتهدم قسم كبير من تكاياهم، لا سيما ما جاور منها الاستانة، وقُتل بعض رؤسائهم ومريديهم ومنهم شيخ تكية "مردفان كوى".
ثم أستأنفت الطريقة البكطاشية بعض ما كان لها من الشأن والحول، ولها من التكايا في الاناضول غير مركز القطب الأكبر، وغير تكية المتبتلين تكية "عثمانجق" في الشمال، وتكية بقرب ضريح الشيخ بطال، من جوار اسكيشهر، ويقال أن لها تكية بجبل المقطم بمصر.
( انتهى من حاضر العالم الإسلامي لشكيب أرسلان )
البكتاشية
البكتاشية هي إحدى النماذج الواضحة على التقاء الفرق واتفاقها على محاربة منهج أهل السنة، وهذه الفرقة التي نحن بصدد تناولها في هذا العدد توضح كيف التقى التشيع والتصوف في بوتقة واحدة تأكيداً للذين وصفوا هاتين الفرقتين بأنهما "وجهان لعملة واحدة"، وتأكيداً للذين وصفوا الطرق الصوفية بأنها هي البداية التي دخل عن طريقها الفكر الشيعي الغالي إلى العالم الإسلامي السني.(18/5)
والبكتاشية طريقة صوفية شيعية الحقيقة والمنشأ، لكنها ترعرت في بلاد أهل السنة في تركيا ومصر في منتصف القرن السابع الهجري وما زال لها أتباع إلى اليوم.
وتنسب فرقة البكتاشية إلى محمد إبراهيم أتا الخراساني النيسابوري الشهير بالحاج "بكتاش"، المولود في نيسابور سنة: (646هـ ـ 1248م) ، والمتوفى سنة: (738هـ ـ 1336م).
وينسب بكتاش نفسه إلى أولاد إبراهيم بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين االعابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب.
ويعتقد أتباعه أنه ولي تركي من أتباع الشيخ أحمد اليسوي. ويقال أنه تلقى العلم عن الشيخ لقمان الخراساني، ولا يعرف من لقمان هذا... ولكن يقال أنه هو الذي أمره أن يسافر إلى تركيا لنشر طريقته الصوفية. فسافر أولاً إلى النجف في العراق، ثم حج البيت، وسافر بعد ذلك إلى تركيا، وكان هذا في زمان السلطان أورخان العثماني المتوفى سنة 761هـ.
أهم العقائد
الطريقة البكتاشية مزيج كامل من عقيدة وحدة الوجود، وعبادة المشايخ وتأليههم، وعقيدة الشيعة في الأئمة. ويقول أحمد سري (دده بابا) شيخ مشايخ الطريقة:
"الطريقة العلية البكتاشية هي طريقة أهل البيت الطاهر رضوان الله عليهم أجمعين" (الرسالة الأحمدية ص67) ويقول أيضاً: "وجميع الصوفية على اختلاف طرقهم يقدسون النبي وأهل بيته ويغالون في هذه المحبة لدرجة اتهامهم بالباطنية والإثني عشرية" (الرسالة الأحمدية ص68).
ويقول أيضاً:
"الطريقة العلية البكتاشية قد انحدرت أصولها من سيدنا ومولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وعن أولاده وأحفاده إلى أن وصلت إلى مشايخنا الكرام يداً بيد، وكابراً من كابر وعنهم أخذنا مبادئ هذه الطريقة الجليلة" (الرسالة الأحمدية ص69).
كما تعتبر الطريقة البكتاشية خليطاً من الطرق التي تقدمتها: القلندرية، اليسوية، والحيدرية، وهي الطرق التي سايرت البيئة التركية التي تفشت فيها من قبل العقيدة الشامانية.(18/6)
ولبكتاش كتاب باللغة العربية اسمه (مقالات) تتضح فيه أفكاره الشيعية الإثنى عشرية.
واقتبس البكتاشيون بعض عقائدهم من النصارى مثل ترديدهم "الله محمد علي" بما يشبه عقيدة التثليث، وكذلك يوجد عندهم "الاعتراف" -كما هو عند النصارى- بأن البكتاشي إذا أخطأ أو ارتكب إثماً هرع إلى (البابا) واعترف له بما ارتكبه وتلقى منه المغفرة. كما يشير بعض الباحثين والمطلعين على خباياهم أن البكتاشية أخذت من النصارى فكرة العشاء الذي يتجرع فيه الشيخ الخمر مع تناول الجبن!
والبكتاشية يرون شرب الخمر حلالاً وأنه شراب آل محمد – حاشاهم – ويرون أن عثمان هو الذى كتب القرآن ولذلك لا يعترفون به، وينتظرون القرآن الذي سيأتى به المهدى، وهم لا يصلون الصلوات الخمس، ولا يصومون رمضان، ولا يدخلون المساجد؛ لأن علياً رضي الله عنه استشهد في المسجد وهو يصلى في رمضان، ويحرمون المنبر لأن معاوية كان يشتم علي على المنابر .
ويجب عندهم صوم عشرة عاشوراء خلاف الشيعة التي تحرم صوم عاشوراء ، ولهم صلاة خاصة على شكل حلقة دائرية يتوسطها سيدهم حيث يسجدون سجدتين باتجاهه .
ولهم عدة كتب خطية لا يطلعون أحداً عليها .
مراتب الطريقة البكتاشية
قسم أرباب هذه الطريقة المنتسبين إلى طريقتهم على النحو التالي حسب درجاتهم:
1ـ العاشق: الذي يحب الطريقة ويتعلق بمبادئها، ويكثر من الحضور إلى التكية، ويرشحه الشيخ ليكون في المنزلة التالية وهي درجة الطالب.
2ـ الطالب: الذي يرشحه الشيخ للانضمام، ليتقبل الإقرار، ويعطي العهد، وتقام له حفلة بذلك.
3ـ المحب: وهو الطالب الذي انتسب لهذه الطريقة بعد حفلة الإقرار والبيعة.
4ـ الدرويش: الذي يتبحر في آداب الطريقة وعلومها، ويهب نفسه للخدمة العامة فيها.
5ـ البابا: وهي درجة المشيخة ولا يصل إليها الدرويش إلاّ بعد مدة طويلة.(18/7)
6ـ الددة: وهو الخليفة، ولا يمنح هذه المنزلة إلاّ شيخ المشايخ، ويكون الددة رئيساً لفرع من فروع الطريقة في قطر ما.
7ـ الددة بابا: شيخ مشايخ البكتاشية، وينتخب من بين الخلفاء، وهو المدير العام لشؤون الطريقة في العالم، وهو الذي يعين البابوات، وله حق عزل المشايخ.
الدخول في هذه الطريقة
لتعميد المريد أو الطالب نظام خاص، فعند دخوله إلى ميدان التكية يقرأ الدليل أبياتاً معينة من الشعر ثم يقول: "اللهم صلِّ على جمال محمد، وكمال علي والحسن والحسين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين" ثم يقول:
جئت بباب الحق بالشوق سائلاً
(مقراً به محمداً وحيدرا)
وطالب بالسر والفيض منهما
( شبرا ومن الزهراء وشبير)
ثم يقرأ الشيخ على الطالب آية البيعة "إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يدُ الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجراً عظيماً" سورة الفتح ثم يقول الطالب أبياتاً من الشعر يعلن بها دخول الطريق ومنها:
وبالحب أسلمت الحشا خادماً لآل العبا) (
وملاذي هو الحاج بكتاش قطب الأوليا!
وبعد دخول الطالب وإقامة الحفل على هذا النحو يسلم الطالب خدمة ما في التكية كأن يكون ساقياً للقهوة أو فلاّحا أو خادماً للضيوف.
الأوراد والأذكار البكتاشية
أسست الأوراد البكتاشية على عقيدة الشيعة الإمامية الإثنى عشرية، فالورد البكتاشي يبدأ بذكر لله ثم للرسول ثم لعلي ثم لفاطمة ثم للحسن ثم للحسين ثم لزين العابدين... وهكذا إلى الإمام الثاني عشر، ثم الإعلان أن الذاكر بهذا الذكر متولي لشيعة، بريء من جميع أهل السنة.
ثم بعد ذلك ورد خاص في لعن الصديق أبي بكر رضي الله عنه, وكل من رضي وتابع له، ثم في النهاية إشهاد الله أن الخلفاء بعد الرسول هم الأئمة الإثني عشر دون غيرهم. وفيما يلي بعض نصوص هذه الأوراد:(18/8)
1ـ اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك على السيد المطهر، والإمام المظفر الشجاع الغضنفر إلى شبير وشبر ـ قاسم طوبى وسقر( ).
2ـ اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك على السيدة الجليلة الكريمة النبيلة المكروبة العليلة ذات الأحزان الطويلة! في المدة القليلة المعصومة المظلومة. الرضية الحليمة العفيفة السليمة، المدفونة سرّا، والمغصوبة جهراً المجهولة قدراً، والمخفية قبراً سيدة النساء الأنسية الحوراء البتول العذراء أم الأئمة النقباء النجباء فاطمة التقية الزهراء عليها السلام( ).
3ـ وفي الصلاة على الإمام الحسين يقول الورد البكتاشي:
"اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك على السيد الزاهد والإمام العابد الراكع الساجد... قتيل الكافر الجاحد... الإمام بالحق عبد الله الحسين..."
4ـ وهناك ورد خاص بالمهدي المنتظر عندهم، ومما جاء فيه: "اللهم صلِّ وزد وبارك على صاحب الدعوة النبوية، والصولة الحيدرية، والعصمة الفاطمية... صاحب العصر والزمان، وخليفة الرحمن... يا وجيهاً عند الله اشفع لنا عند الله بحقك وبحق جدك وبحق آبائك الطاهرين".
التكية البكتاشية
التكية البكتاشية في الغالب عبارة عن ضيعة كبيرة بها قصر فخم وقبور مزخرفة مبنية، ويقيم بها الدراويش أبداً منقطعين للخدمة. ويرسل منتسبو التكية إليها الإتاوات والأرزاق، إذ لا يجوز للزائر الدخول إليها إلاّ وهو يحمل شيئاً يقدمه قرباناً.
إن التكية أشبه بمملكة أو إمارة خاصة، ولذلك فالمنتسب لهذه الطريقة لا بد وأن يكون خادماً في هذه المملكة الخاصة لأسياده المشايخ الذين يتربعون على عرش الولاية البكتاشية.(18/9)
يقول أحمد سري (دده بابا) في كتابه الرسالة الأحمدية ص 72: "والمنتسب للطريقة العلية تنتظره واجبات كثيرة يؤديها في منزله وفي التكية عند زيارته لها. فالواجبات المنزلية هي إقامة الصلوات في أوقاتها وتلاوة الأوراد والأذكار المأذون بتلاوتها وحفظ الأدعية المأثورة. وفي التكية يكلف بالخدمة مع الدراويش ثم يخصص لخدمته مثل سقاية القهوة أو خدمة الضيوف أو إعداد الطعام وتجهيز المائدة وغسل الأواني أو خدمة الحديقة، فإذا حذق التعاليم كلفه الشيخ بخدمة أرقى فيعيّن نقيباً أو دليلاً أو ميدانجي، وهكذا...".
انتشارها
1ـ تركيا
كانت الفرصة الذهبية لانتشار التكتاشية في تركيا هو ملازمتها للانكشارية التي كانت متسلطة على كافة مرافق الحياة في تركيا، ومرت عليها فترات من المد والجزر مع السلاطين كما سيأتي بيانه.
وفي سنة 1925 صدر مرسوم الحكومة التركية بإلغاء الطرق الصوفية ومن ضمنها البكتاشية، وكان آخر مشايخها هو صالح نيازي الذي سافر إلى ألبانيا( )، وانتخبه الدراويش ليكون دده بابا، واغتيل سنة 1942، وبعد اغتيال صالح نيازي تولى بعده ابنه عباس دده بابا، وقد قتل نفسه سنة 1949 بعد دخول البلاشفة إلى ألبانيا، ومنذ ذلك الحين انتقل المركز الرئيسي للبكتاشية إلى مصر.
2ـ مصر
بدأت الطريقة البكتاشية في مصر منذ القرن الثالث عشر الميلادي، أي في بداية القرن التاسع الهجري، ويعود انتشارها في مصر إلى ارتحال مجموعة من الدراويش البكتاشيين إلى مصر وكان يرأسهم شخص اسمه قبوغوسز.
وقد حظي قبوغوسز بثقة حاكم مصر آنذاك، وسر به وبدراويشه فأعطاهم مكاناً يبنون فيه (تكية) أي زاوية، وكان ذلك سنة 800هـ، وسمى قبوغويز نفسه (عبد الله المغاوري) وسموا أول تكية لهم تكية القصر العيني، وظل هذا الحال قائماً في مصر إلى سنة 1242 هـ (1826م) حتى جاء السلطان محمود الثاني العثماني، فأمر بإلغاء الإنكشارية( ) والطريقة البكتاشية وأعطيت أملاكهم للطريقة القادرية.(18/10)
لكن في عهد السلطان عبد المجيد، عادت الطريقة البكتاشية مرة ثانية إلى مصر بعد أن سمح لها بالعمل بدءاً من عام 1525م، حيث حصل الشيخ علي الساعاتي على لقب (دده بابا) أي شيخ المشايخ، فجمع الدراويش حوله مرة ثانية وبنى تكية جديدة في باب اللوق، وأخذ يعطي العهود ويقيم حلقات الذكر.
وفي سنة 1276 هـ (1859) صدرت أوامر الحكومة المصرية بتخصيص المغارة التي دفن فيها عبد الله المغاوري (قبوغوسز) للبكتاشية، فبنوا تكية عظيمة هناك بعد أن طردوا الرعاة والبدو الذين يلجأون إليها بأغنامهم وإبلهم، وصارت هذه التكية مقصد المصريين ظنا أن المغاوري المدفون فيها يستطيع شفاء الأمراض وتلبية الحاجات!
وبقيت تكية المغاوري هذه تابعة للمركز الرئيسي للطريقة في تركيا، ثم أصبحت تابعة للمركز الرئيسي في ألبانيا، لكن بعد أن قتل صالح نيازي بابا نفسه سنة 1949، بعد دخول البلاشفة إلى ألبانيا، اجمع أتباع الطريقة واختاروا أحمد سري شيخ تكية المغاوري شيخاً لمشايخ عموم الطريقة، وكان ذلك في 30 يناير 1949م، ومنذ ذلك الوقت أصبحت مصر هي المقر الرئيسي لهذه الطريقة، فأصبح أحمد سري (دده بابا) هو شيخ مشايخها حتى وفاته سنة 1963م.
وبعد قيام الثورة المصرية سنة 1952، أمرت الحكومة المصرية بإخلاء تكية المقطم حيث أصبح هذا المكان منطقة عسكرية، وثم نقلها إلى اسطبلات الأمير عمر إبراهيم في منطقة المعادي في القاهرة، كما أصبحت مغارة المغاوري مخزن ذخيرة.(18/11)
يشير أحد المقربين من هذه الطائفة وهو عصمت داوستاشي كما جاء في موقع مجلة أخبار الأدب المصرية (24/3/ 2002) إلى أن أحمد سري دده بابا عرض عليه عام 1962 أن يصبح درويشا بتكية المعادي، على أن يصبح بابا على الدراويش بعد رحيله لأنه كان مريضا، ورفض عصمت ذلك لأنه كان يريد دراسة الفنون الجميلة. إضافة إلى أنه لم يكن هناك أي دراويش على الإطلاق بعد سفر آخرهم الشيخ رجب إلى أمريكا حيث فتح تكية هناك، ويضيف عصمت دواوستاشي أن أحمد سري كان يريد من هذا العرض استمرار وجود التكية بعد رحيله. ويؤكد داوستاشي أن الممثلة المصرية شادية هي من أتباع البكتاشية، وكثيرة التردد على التكية.
للاستزادة:
1ـ الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة ـ الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق.
2ـ كتاب: في أصول التاريخ العثماني ـ أحمد عبد الرحيم مصطفى.
3ـ مواقع ومجلات: أخبار الأدب المصرية، مجلة تركمان العراق.
سطور من الذاكرة
مؤتمر بدشت لإلغاء الشريعة الإسلاميَّة !
في سنة 1848 أعلن البابيُّون أنَّ المهديَّ المنتظر قد خرج، وأنَّهم سيعلنون رسالته إلى الناس، ثم دعَوا أنصارهم إلى تجمُّعٍ كبير يُعقد في صحراء بدشت بين خراسان ومازندران في إيران ،حضره جميع زعماء و أقطاب البابية وكانوا زهاء واحد وثمانين شخصاً ، واستمر المؤتمر مدة اثنين وعشرين يوماً.
وكان غرض المؤتمر التباحث في أحوالهم والتفكير في إخراج زعيمهم الباب من السجن و نقل الأتباع من فكرة مهدوية الباب الشيرازي إلى نبوة الباب وأفضليته على سائر الأنبياء بإعلان نسخ الشريعة الإسلامية .(18/12)
وكانت جلسات المؤتمر على طبقتين الأولى المجالس الخاصة لزعماء البابية والثانية العامة لكل البابيين ، وتم في الجلسات الخاصة بالزعماء ترتيب خطة لإعلان نسخ الشريعة الإسلامية لكون الباب نبياً ورسولاً من بعد محمد _صلى الله عليه وسلم _ وأفضل منه ، وانقسم زعماء البابية قسمين: قسم يريد المجاهرة بذلك وترك التقية وقسم آخر يرى الكتمان خوف نفور الأتباع من ذلك .
وكانت "قرَّة العين" هي المتصدية للمجاهرة و ساندها البهاء -الذي سيكون زعيم البهائية فيما بعد – ولما وجدت تردداً من بعض زعماء البابية اقترحت التالي :
-…كون الشريعة لا توجب قتل المرأة المرتدة فستقوم بإعلان نسخ الشريعة وكشف الحقيقة في غياب كبير البابية في المؤتمر .
-…فإن تم قبول ذلك كان هو المطلوب .
-…وإلا لزم الزعيم أن يباشر النصيحة والتذكير لي لترك هذا الجنون .
ونفذت الخطة بإعلان " قرة العين " ذلك بقولها :
«إنَّ أحكام الشريعة الإسلاميّة قد نُسخت الآن بظهور الباب، وأن أحكام الشريعة البابية الجديدة لم تصل إلينا، وأن انشغالكم اليوم بالصوم والصلاة وسائر ما أتى به محمد عمل لغو وفعل باطل، ولا يعمل بها بعد الآن إلا كل غافل وجاهل.
وإن مولانا الباب سيفتح البلاد، ويسخر العباد وتخضع له الأقاليم السبعة المسكونة، وسيوحِّد الأديان الموجودة على ظهر البسيطة حتى لا يبقى إلا دين واحد، وذلك الدين الحق هو دينه الجديد وشرعه الحديث الذي لم يصل إلينا منه إلى الآن إلا نزر يسير.
فبناء على ذلك أقول لكم -وقولي هو الحق-: لا أمرَ اليوم ولا تكليف، ولا نهي ولا تعنيف.
ونحن الآن في زمن الفترة، فاخرجوا من الوحدة إلى الكثرة، ومزقوا هذا الحجاب الحاجز بينكم وبين نسائكم بأن تشاركوهن بالأعمال وتقاسموهن بالأفعال.(18/13)
وأخرجوهن من الخلوة إلى الجلوة، فما هن إلا زهرة الحياة الدنيا، وإن الزهرة لا بد من قطفها وشمّها، لأنها خلقت للضمِّ والشمِّ، ولا ينبغي أن يُعد ولا يُحد شامُّوها، بالكيف والكم، فالزهرة تُجنى وتُقطف وللأحباب تُهدى وتُتحف.
وأمّا ادخار المال عند أحدكم، وحرمان غيركم من التمتع به والاستعمال، فهو أصل كل وزر وأساس كل وبال.
ساووا فقيركم بغنيكم، ولا تحجبوا حلائلكم من أحبابكم، إذ لا ردعَ الآن، ولا حدَّ ولا منع، ولا تكليف ولا صدّ، فخذوا حظَّكم من هذه الحياة، فلا شيء بعد الممات».
ولكن بعض الأتباع شكوها إلى زعيمهم فهدأ من هياجهم ووعد بمراجعتها في الموضوع، وهنا تم ترتيب جديد وهو أن تتم مباحثة علنية بينها وبين الزعيم وينهزم فيها الزعيم أمامها!!
وهذا ما حصل ولكن لم يقبل به بعض الناس فتركهم ورحل وتدخل البهاء في النقاش وأخذ في تلاوة سورة الواقعة وتفسيرها تفسيراً يؤيد نسخ الشريعة!!
ومن ثم أرسلت القرارات إلى الباب الشيرازي في السجن فوافق عليها وخاصة نسخ الشريعة.
ولقد كان سلوك المجتمعين في المؤتمر سلوكا إباحياً قذراً عبر عنه المستشرق براؤن المناصر لهم بقوله: إن المؤرخين البهائيين حذفوا بعض وقائع مؤتمر بدشت.
وقال جمال الدين الأفغاني عن المؤتمر : فوقع الهرج والمرج وفعل كل من الناس ما كان يشتهيه من القبائح.
ولذلك هاجمهم الأهالى ليلاً ورموهم بالحجارة .
أما "قرّة العين" التي حملت أعباء المؤتمر على كتفيها فهي أم سلمى (قرة العين) (1230-1269 هـ)؛ ابنة ملا صالح القزويني، وهي امرأة منحلَّة منحرفة السلوك فرَّت من زوجها (وهو ابن عمها ملا علي الذي كان لقَّنها في صغرها تعاليم الفرقة الشيخيّة) وتركت أطفالها ومارست حياةً متفلِّتةً، وانخرطت في الدعوة البابية على نحوِ ما رأينا، وكانت من أول 18 نصيراً آمنوا بالدعوة. ولعبت دوراً بارزاً فيها، وتدرَّجت إلى أن صارت من أركانها وأهم المشاركين في المؤتمر.(18/14)
وكان البشروئي وهو باب الباب قد زفَّ إليها بشرى أن "المهدي" قد اختارها واسطةً لإظهار "فيضه"، فلحقت به إلى العراق، حيث كان قد نُفي آنفاً، وحافظت في كربلاء على أسلوب عيشها القرمطي الإباحي –إذ لا تعارض بين ديانتها والانغماس في المحرمات- ثم كذلك كان حالها في بغداد، حتى قيل إنها كانت تعيش مع عدة رجال في منزلٍ واحد، إلى أن شكاها الناس إلى السلطات ونُفيت إلى كرمان شاه، ثم فرَّت من أخويها وبني عمّها إلى همدان، حيث يكثر يهود إيران.
ادَّعت " قرة العين " الغيب وقالت: «كل من كان على شريعة القرآن كان ناجياً، إلى ليلة القيامة؛ أي من "يوم الساعة"، وهي: الساعة الثانية والدقيقة الحادية عشرة من غروب الشمس اليوم الرابع وأول الليلة الخامسة من شهر جمادى الأولى سنة 1260 هـ» وهي ساعة إعلان الباب أنه القائم أو المظهر الإلهي الجديد.
عقب رفض الشاه إصدار الدستور، جرت اضطراباتٌ من ضمنها محاولة اغتيال فاشلة استهدفه بها البابيُّون، وكان من نتيجة ذلك أن أُلقي القبض على قرة العين، وأُعدمت مع غيرها من شركائها في المعتقد سنة 1269 (1852 م).
للتوسع : كتاب البابية عرض ونقد : إحسان إلهي ظهير
البابية والبهائية : محسن عبد الحميد .
دراسات
موقف مفكري الإسلام من الشيعة - 4 -
حقيقة ثورة الخمينى
بقلم الشيخ أبي الحسن علي الندوي
هذه سلسلة من البحوث كتبها مجموعة من المفكرين والباحثين عن عقيدة وحقيقة مذهب الشيعة من خلفيات متنوعة ومتعددة ، نهدف منها بيان أن عقائد الشيعة التي تنكرها ثابتة عند كل الباحثين ، ومقصد آخر هو هدم زعم الشيعة أن السلفيين أو الوهابيين هم فقط الذين يزعمون مخالفة الشيعة للإسلام .
هذا البحث كتبه الشيخ أبي الحسن علي الندوي مقدمة لكتاب " الثورة الإيرانية في ميزان الإسلام تأليف: الشيخ محمد منظور نعماني . الراصد
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده...(18/15)
وبعد، فإن السؤال الذي أطرحه في بداية هذه المقدمة:
كيف كان العصر الإسلامي الأول؟!
كيف كان ذلك العصر المثالي الذي شهد مولد الإسلام؟!
كيف كان عصر الأسوة الحسنة؟! وما النتائج العملية التي تمخضت عن التعاليم النبوية وعن التربية المحمدية التي شرف بها المسلمون آنذاك؟ وكيف كانت أحوال أولئك الناس الذين نشؤوا وترعرعوا في أحضان النبوة، وفي ظل الرسالة المحمدية؟
كيف كانت أعمال ذلك الرعيل الأول؟ وكيف كان سلوك هذا الجيل الذي شهد شروق شمس الإسلام الوضاءة..؟ ما الخصائص التي ميزت النبي الكريم عن غيره من مؤسسي الديانات الأخرى؟ وكيف كانت نظرة الأسرة إليه؟ كيف كانت نظرة الأسرة إلى هذه الشخصية العظيمة؟!.
ماذا كانت نظرة آل البيت؟ وماذا كان سلوكهم العملي فيما يتعلق بالعمل من أجل الدعوة إلى دين الحق، ومن أجل إظهاره للعالمين؟ كيف كانت عزائمهم؟
ثم ما نوعية العلاقات التي كانت تربط المسلمين الأوائل بعضهم ببعض، وهم المجموعة التي نالت شرف التربية النبوية، والتي كانت صحابته الذين عرفوا في التاريخ الإسلامي باسم (الصحابة) رضوان الله عليهم، وهم المجموعة التي كانت تضم أيضاً أفراد بيته الشريف والذين عرفناهم باسم آل البيت؟.
كيف أثبت لنا التاريخ بوضوح وجلاء سلوك أولئك الناس الذين ملكوا زمام الأمور والسلطة في ذلك العصر المثالي، عصر الإسلام الأول, ممن سموا بالخلفاء الراشدين؟
وكيف أثبت هؤلاء وهؤلاء ورعهم وتقواهم وخوفهم من خالقهم وذلك من خلال حياتهم العملية الشخصية أو من خلال حياتهم العملية داخل أسرهم، إذ عاشوا حياة المسلم الورع التقي، رغم إمكانيات الترف والرفاهية المتوفرة، ورغم ما كانوا يملكونه من سلطات لا حد لها..؟
إن الإجابة على هذه التساؤلات جميعها تتخذ صورتين متضادتين متعارضتين:
الصورة الأولى: هي تلك التي تعرض للعالم على ضوء عقائد أهل السنة.(18/16)
والصورة الثانية: هي تلك التي ظهرت من خلال عقائد وأقوال الفرقة الإمامية الإثنى عشرية( )، من خلال شرحها للدين، وتفسيرها للتاريخ الإسلامي، وتصورها الخاص له.
ولا يوجد هناك أي اتفاق أو تشابه بين الصورتين السابقتين.
ويمكن لمن وهبه الله عقلاً سليماً، وقدرةً على الحكم والإنصاف، ومعرفةً بالتاريخ الإنساني، أن يحكم بسهولة، ويستنتج الصورة التي تتناسب مع هذا الدين الذي أرسل رحمة وهداية للعالم أجمع.
كما يمكنه أن يدرك في الوقت نفسه أن العمل بهذا الدين يمكن أن يتم عبر كل زمان، وفي كل عصر، ويمكن أن يأتي بأعظم النتائج.
كما يدرك تماماً بأن النبي الذي جاء برسالة الإسلام إلى العالمين، قد حقق أعظم النتائج وأطيبها في زمانه، وأن ما وصل إليه هذا الدين في زمانه وفي عهده المبارك، وما وصلت إليه الدعوة الإسلامية، يفوق ما وصلت إليه في أي عهد ـ ويجب أن يكون الأمر كذلك من الناحية العقلية والنقلية ـ.
وأي صورة أطيب وأفضل من تلك الصورة التي شهدتها الإنسانية زمان بعثته ? وهو ما لم يتحقق للإنسانية من قبل عبر عصورها الطويلة؟..
فالعصر الإسلامي الأول يشهد تاريخاً للأفراد، بل شهد تاريخاً للمجتمع البشري كله، تاريخاً للمجتمع الحضاري، تاريخاً لنظام الحكم المثالي، وأسلوب الحياة الأمثل، شهد تاريخاً لنظام الحكم المثالي، وأسلوب الحياة الأمثل، شهد تاريخاً يقوم على أساس المثل السامية التي تهدف إلى هداية البشر وفلاح الإنسانية.
ولقد صدق الخليفة الراشدي الخامس عمر بن عبد العزيز حين قال في إحدى المناسبات:
"إن محمداً ? إنما بعث هادياً، ولم يبعث جابياً"، كتاب "الخراج"، للإمام أبي يوسف، (ص75).
وعلى العكس من هذا الصورة التي تعكسها معتقدات الفرقة الإمامية الإثنى عشرية وأقوالها، فالصورة التي تعرضها هذه الفرقة، والتي تتراءى للناظر من أول وهلة عن المسلمين الأوائل، تجعل الشخص المثقف الفطن يتساءل ـ وهو على حق في تساؤله ـ:(18/17)
إذا كانت الدعوة الإسلامية لم تتمكن من ترك آثارها الواضحة، أو تثبيت أقدامها في دور نهضتها على يد داعيها الأول. وإذا كان المؤمنون بهذه الدعوة لم يتمكنوا من البقاء أوفياء أمناء للإسلام بعد وفاة نبيهم. وإذا كان لم يبق من بين من تركهم رسول الله ? على صراطه المستقيم إلا بضعة رجال ـ وهذه كلها آراء الشيعة ـ فكيف إذن نسلم بأن في هذا الدين وفي هذه الدعوة صلاحية تزكية النفوس الإنسانية وتطهيرها، وصلاحية تهذيب الأخلاق ورفعتها؟ وكيف نسلم بأن هذا الدين يمكن أن يرفع الإنسان من حضيض الحيوانية إلى سمو الإنسانية؟!
ولنفترض أن أحد ممثلي المسلمين قام يلقي خطاباً رائعاً، يأخذ بالألباب حول الإسلام وحول الدعوة الإسلامية وذلك في عاصمة إحدى البلدان الأوربية، أو في أي بلد غير مسلم، ثم قام أحد الأشخاص ممن قرؤوا كتب المذهب الإثنى عشري بمخالفته ومعارضته ومواجهته، قائلاً انظر إلى بيتك أولاً... واطلع على أمره، لقد تمخض جهاد نبيك طوال ثلاثة وعشرين عاماً عن أربعة رجال فقط اتبعوا طريقه، ومشوا على خطاه بعد وفاته، فبأي وجه يمكن أن تدعو غير المسلمين إلى الإسلام؟
فماذا يكون رد هذا المسلم الذي وقف يدعو الناس إلى الإسلام بعد أن سمع هذا الكلام الذي يرسمه تصور الفرقة الإمامية للإسلام ولتاريخ الإسلام؟!(18/18)
في السنوات الماضية، وحين قام آية الله روح الله الخميني بالدعوة إلى الثورة الإسلامية، وقضى على عرش الإمبراطورية البهلوية، وأقام ـ كما قال ـ الحكومة الإسلامية، وأوجد عهداً جديداً... كان من المتوقع ـ وآثار ذلك وقرائنه كانت موجودة ـ ألا يقوم بتقليب صفحات النزاع التاريخي القديم المتواصل بين الشيعة والسنة، وذلك حتى تنتشر دعوته وتعم، وكان من المتوقع ـ إن لم يكن قادراً على أن ينزع هذه الصفحات ـ أن لا يقبلها على أقل تقدير، وإذا لم تكن الفرقة الإمامية الإثنى عشرية قادرة على إعلان براءتها من تلك العقائد لهدف سياسي أو لمصلحة محلية، فعلى الأقل لم يكن من الواجب إظهارها وإعلانها، بل كان الأمل المرجو من هذا الزعيم الذي حمل رأيه على كفه ـ والذي قام بلا خوف وبلا تحسب لأية عواقب أو نتائج، وبلا مبالاة، وبخطب نارية أثار بها حماس الجماهير، فقلب نظام حكم الإمبراطورية البهلوية التي كان لديها من القوة العسكرية من الرسوخ والسلطة ما يشهد به العالم كله ـ كان الأمل أن يعلن ـ على أساس من فكره العميق ودراسته المستفيضة، ومن أجل اتحاد المسلمين، وبوازع من الشجاعة الأخلاقية ـ أنه لم تعد هناك ضرورة لإثارة تلك العقائد الهدامة التي تضرب بشدة على أصول الإسلام، والتي تسيء إليه وتقلل من شأنه، وقف حجر عثرة في طريق الدعوة للإسلام بين غير المسلمين، تلك التي كانت نتيجة مؤامرة خبيثة ( ) دبرها أعداء الإسلام في القرن الأول، وفي عهد الصحابة رضوان الله عليهم، والتي ظهرت نتيجة لعاطفة الانتقام لزوال الإمبراطورية الفارسية التي كانت قائمة في ذلك الوقت.
كان المرجو من آية الله أن يعلن أنه لم تعد هناك ضرورة لكل هذه المعتقدات، وأن علينا أن ننسى الماضي من أجل رفعة الإسلام، ومن أجل إصلاح البلاد الإسلامية، والقضاء على الفساد المتفشي في المجتمع الإسلامي...(18/19)
وكان المرجو منه أيضاً أن يعلن بأنه من الواجب الآن أن نبدأ معاً رحلة جديدة، وأن ترتفع أمام أنظار العالم الصورة المزدهرة لماضي الإسلام وحاضره، وأن نعمل معاً على أن نجذب بقية أمم العالم إلى الإسلام.
إلا أن كتابات آية الله الخميني ورسائله التي كتبها لشرح ولتوضيح العقائد الشيعية ـ وبكل وضوح وبكل عنف ـ جاءت على خلاف كل التوقعات والقرائن، فقد وردت ، في كتابه: "الحكومة الإسلامية"، أو "ولاية الفقيه" تلك الأفكار ذاتها في حق الإمامة والأئمة... تلك الأفكار التي تصل بالأئمة إلى مقام الألوهية، وتثبت أفضليتهم على الأنبياء والرسل والملائكة، وأن الكائنات في مرحلتها التكوينية تابعة لهم خاضعة لسيطرتهم( ).
وهكذا ـ أيضاً ـ في كتابه "كشف الأسرار" بالفارسية، لا يجرح فقط صحابة رسول الله ?، وخاصة الخلفاء الثلاثة ?، بل يتطاول عليهم بالسب والشتم بألفاظ لا تصلح إلا أن تطلق على جماعة ضالة مضللة، فاسقة فاجرة، فاسدة مفسدة( ). ولقد ارتبطت قضية الإمامية والأئمة بدعوته، ولم تتخذ شكل إرشادات سرية أو شكل مناهج خاصة، بل اتخذت شكل رسائل مطبوعة ومنشورة.
وما يخص الخميني في أمر الإمامة والأئمة ـ أي أفكاره الخاصة بالإمامة والأئمة وطعنه واتهامه للصحابة ـ لم يكن بالشيء المستتر الذي يخفى على الجميع، فقد انتشرت كتبه بأعداد تصل إلى مئات الآلاف في إيران، وفي خارجها.(18/20)
وبناء عليه فقد كان من المتوقع تماماً ألا تلقى دعوته هذه أي قبول، وألا تنال أية استجابة، وألا يفهم على أنه زعيم الثورة الإسلامية، ومؤسس الحكومة الإسلامية، والقائد الزعيم المثالي، وخاصة بين دوائر أهل السنة ـ وهم الذين يمثلون الأكثرية المسلمة في العالم ـ وخاصة بعد أن أعلن عن اختلافه مع عقيدة الأمة الأساسية، ألا وهي عقيدة التوحيد، وبعد أن أعلن عن رأيه في مشاركة النبوة ـ وهي النتيجة الطبيعية لتعريف الإمامة وتحديد أوصاف الإمام ـ وبعد أن جرح وطعن كبار شخصيات الصحابة الكرام الذين يحتلون مكانة تالية لمكانة رسول الله في قلوب المسلمين، والذين يمثل عصرهم ـ ليس فقط في تاريخ الإسلام، بل في تاريخ العالم الإنساني، في ضوء التاريخ الثابت وبشهادة المؤرخين المسلمين وغير المسلمين ـ أعظم فترة حكم في تاريخ العالم، وأعظم نموذج للحياة مر به العالم.
إلا أن ما حدث كان خلاف ذلك، وهو أمر لا يصيب الإنسان بصدمة، بل يصيبه بالحيرة.
ففي بعض الدوائر وضعه بعض أعلام الفكر الإسلامي، وبعض الإسلاميين الذين يدعون إلى رفعة الإسلام وغلبته، وضعوه في مكانة الإمام المنتظر، وأظهروا له حبا، وتعصبوا له بدرجة جعلتهم لا يقبلون في حقه أي نقد أو ملاحظة!
من خلال هذه التجربة، ومن خلال هذه الملاحظات يمكن تقدير أمرين( ):
أولهما: أنه لم يعد هناك أي معيار للنقد، ولم يعد هناك أي معيار موضوعي للمدح أو الذم في كثير من الدوائر الإسلامية التي تضم أهل القرآن والسنة وأسوة السلف الصالح وأصحاب العقائد الصحيحة والمسلك الصحيح.
ففي هذه الدوائر، يكفي حتى يكون القائد محبوباً أن ينادي فقط بإقامة حكومة حرة باسم الإسلام، أو يهتف ضد أية قوة غربية، أو يخلق بعض المشكلات لها، حتى يغتفر له كل شيء، ولو كان هذا الشيء خروجه على أصول الإسلام!(18/21)
ثانيهما: أن أهمية العقيدة قد تدهورت إلى حد خطير لدى جيلنا المثقف المتعلم، وهذا أمر جد خطير يدعو للقلق، ويستلزم إعمال الفكر.
إن أهم الحدود الفاصلة بين دعوات الأنبياء وغير الأنبياء من الأدعياء، وبين أهداف وأعمال الأنبياء وأعمال غيرهم، هي عقيدة لا تقبل أي هدنة أو مهادنة، ولا تقبل أي تسويف أو مساومة( )
فمعيار الرفض والقبول، ومعيار الإعجاب والبغض، وشرط الوصل والقطيعة، يتمثل فقط ـ عند المسلم ـ في تلك العقيدة، وفي هذا الدين، الذي هو رغم ضعف المسلمين قائم وثابت في شكله الأصلي، وطالما بقيت هذه العقيدة صلبة مستقيمة، وطالما تمسك بها أهلها، وأخذتهم الحمية والغيرة عليها إن مسها أحد بضر، وطالما لم يهن ولم يضعف مفسرو الدين وشارحوه والمحافظون عليه أمام أي جبروت أو طاغوت، أو أمام أية إمبراطورة مهما وصلت قوتها، وطالما لم يسمحوا لأحد أن يمس هذه العقيدة من قريب أو بعيد، وطالما رأوا عدم جواز السكوت على أية عقيدة خاطئة أو دعوة تشوبها شائبة من خطإ أو تحريف مهما كان الأمر يمس المصالح الدنيوية للمسلمين، ومهما كان الأمر يحمل التلويح بالابتعاد عن تفرقة المسلمين أو البعد عن إيجاد اختلاف بينهم.
فالعقيدة الصحيحة هي الأساس، وما عداها باطل باطل... وها هو الإمام أحمد بن حنبل رحمة الله علية، المتوفى (241هـ) يعارض ويواجه مواجهة شديدة، ليس فقط حاكماً من أكبر الحكام المسلمين، بل أعظم حكام عصره، ألا وهو الخليفة المأمون ابن الخليفة هارون الرشيد، والمعتصم بن هارون الرشيد، فيتحمل السياط وعذاب السجن في سبيل الدفاع عن الإسلام في صورته النقية الطاهرة، وذلك حين ظهرت فكرة خلق القرآن.(18/22)
وهاهو مجدد الألف الثانية، الشيخ أحمد فاروقي رحمة الله عليه (المتوفى 1034هـ) يقوم بالدفاع عن نقاء الإسلام، فيقف في وجه الإمبراطور الأكبر، ويعارض أفكاره وعقائده، والدعاوى الباطلة والاجتهادات التي تمس نقاء الدين، وفكرة وحدة الأديان واستمر في جهاده في هذا حتى زمان جهانكيز، حين تغير مسار الحكومة والإمبراطورية المغولية( ).
هذان مثالان فقط، وإلا فالتاريخ الإسلامي مليء بعشرات، بل بمئات الأمثلة المضيئة، لمن تمثلوا بـ "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق"، و "أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر".
والسلطان الجائر هذا يكون أحياناً في صورة فرد ملك، أو حاكم، أو في صورة رأي عام، ويكون أحياناً في صورة نجاح وتوفيق كاذب، أو شهرة كاذبة، كما يكون أحياناً في صورة ادعاءات بإقامة جمهورية إسلامية، أو غير ذلك... ويشهد التاريخ وتشهد التجارب على أن الأمرين الأخيرين هما أكثر الأمور التي تطالعنا اليوم.
والحقيقة أن التعاليم الحقيقية للإسلام، والعقيدة الصحيحة للإسلام، هي ذلك النهر الذي يمضي لا يغير مساره أبداً، ولا يمكن أبداً أن تتداخل فيه مياه مجار أخرى من أي نوع.
فالقوى السياسية، والثورات المؤقتة، وقيام الحكومات وسقوطها، والدعوات والحركات الأخرى، ما هي إلا أمواج تأتي وتمضي، فإذا ما كان النهر في مساره الصحيح، وإذا ما كان ماؤه ينساب دائماً فلا خطر ولا خوف، ولكن إذا كان في العقيدة فساد، فكأن نهر الدين قد غير مساره ومجراه، وكأن مياهه الصافية قد نضبت وحل محلها ماء آسن قذر...
ومن هنا، فإن أية حركة أو دعوة لا يمكن أن تقدم وعوداً تقبل مع فساد عقيدتها، ومع ضلال وبطلان ما تدعو إليه من الوصول ببلد ما إلى التقدم والرقي، كما لا يمكنها أن تحقق لأي مجتمع أي إصلاح ولو جزئي، ولا يمكن أن تبعد عنه أي فساد أو خراب...(18/23)
تلك هي الحقيقة التي يكمن بداخلها سر بقاء الأمة وسر الحفاظ على الدين، وتلك هي الحقيقة التي تفرض على علماء عصرنا ودعاة ديننا والمحافظين على شريعتنا وعلى سنة نبينا مواجهة الصعوبات وتحملها، ومواجهة المتاعب التي تعترضهم والصبر عليها.
كتاب الشهر
الإسلام في مواجهة الباطنية
تأليف المجاهد الكبير أبو هيثم
حين وقع هذا الكتاب في يدي في إحدى المكتبات التي أحرص على زيارتها في كل بلد أزوره عرفت أنه يبحث في النصيرية ، فاشتريته ونسيته وبعد مدة وأنا أتفقد بعض الكتب التي اشتريتها ولم أقرأها بعد، وجدته فتذكرته وبدأت المطالعة فيه بعد العشاء وعندها أدركت أنى وقعت على كنز ولم أفارقه إلا في وقت متأخر وأكملته بعد الفجر مباشرة حتى أنهيته .
والحقيقة أن هذا الكتاب عن النصيرية هام جدا لعدة أسباب :
1.…المؤلف عايش النصيرية في موطنها وكان مدرسا هناك ويعرف مشايخهم وزعماءهم ، وله حوارات صريحة معهم في دينهم ومعتقداتهم ، وذلك قبل وصولهم للحكم في سوريا وهذا سبب إخفاء اسمه .
2.…ينقل المؤلف العديد من الأحداث والوقائع التي عايشها معهم في جوانب مختلفة من عقائدهم وسلوكهم .
3.…المؤلف له اطلاع واسع على عقائد النصيرية والإسماعيلية والبوذية والتصوف وتأثيراتها المتبادلة بين هذه الأفكار .
4.…اطلاع المؤلف على كتب مخطوطة للنصيرية غير متوفرة لكثير من الباحثين ، عرف بها في القسم الثاني من كتابه وناقشها ووضع صور عديدة لها في الملاحق .
5.…استفاد المؤلف من كثير من المهتدين من النصيرية .
الكتاب صدرت منه الطبعة الأولى عام 1985 م عن دار الصحوة بالقاهرة والطبعة الثانية عام 1988 م بجدة وهي مزيدة وموثقة والكتاب يقع في 240 صفحة من القطع الكبير.
جعل المؤلف كتابه في قسمين دون أن ينص على بداية كل قسم مع أنه كرر الإشارة في الكتاب إلى وجود القسمين .(18/24)
من المهم تذكر أن المؤلف يتحدث عن فترة الربع الثاني والثالث من القرن العشرين ( 1925م – 1975 م ) تقريبا .
القسم الأول تناول فيه المؤلف حواراته والأحداث التي كانت له مع النصيرية والنتائج التي خلص إليها وهي :
•…أن الكثير من النصيرية و الشيعة لديهم القابلية لتقبل الحق الذي جاء به القرآن والسنة إذا أحسن أهل السنة دعوتهم وخاصة في الأوقات التي لا تكون النزاعات الطائفية فيها قوية أو لاتكون للطوائف سلطة ودولة .
•…إن نشر التعليم يساهم بشدة في كشف الخرافات العقائدية للفرق الضالة ومنها النصيرية التي تعتقد أن القمر كائن حي مقدس !
•…تمت محاولة للاجتماع وتوحيد الكلمة بين السنة و النصيرية لكن كعادة هذه المحاولات للتقريب قائمة على المجاملة و مراعاة الخواطر دون الرجوع للحق ، وحين يطلب بحث القضايا التي عليها النزاع مثل تأليه علي وإنكار البعث يتم الانسحاب .
•… اطلع المؤلف على تميمة نصيرية كتب فيها : " يا علي لك الأحدية يا علي لك الأنزعية يا علي لك المعنوية يا علي لك الإلهية ..." وفي أخرى : " أشهد وأقر بأن مولاي أمير المؤمنين صاحب الفتح المبين اخترع السيد محمد من نور ذاته فجعله حجابه ورسوله الكريم ..."
•…من المصطلحات المهمة عند النصيرية " عمس " وتعنى علي و محمد وسلمان وهو مشابه لمعبود الصينيين بوذا الذي يرمزون له بـ "فاو " ويزعمون أنه ذو ثلاثة أقانيم، وأنه واحد في ثلاثة أشكال ، واشياع " تاو "الصينيون أيضا يعبدون مثلثا ويرمزون له بهذه الحروف فهل هناك علاقة بينهم وبين النصيرية ؟
•…وليس هذا التشابه الوحيد بل عقيدة التقمص والمسخ وغيرها تكاد تتطابق مع البوذية!!!
•…النصيرية تحرم على النساء معرفة الدين أو أداء العبادات ؟؟(18/25)
•…للنصيرية طقوس تشابه النصرانية بشكل غريب في قضية " التكريس " للنصيري ليعرف حقائق دينه ، وهي تكون في خلوة بعيدة عن أعين الناس وتتكون من ثلاث مراحل بين كل واحدة والأخرى مابين سبعة إلى تسعة أشهر . أما شخوصها فهم طالب الديانة ومعه وليه والشيخ الذي يختاره " مكرسا " ثم مجموعة من الشيوخ الذين يدعون للحفل .وقد ذكر المؤلف تفاصيل " التكريس "فلتراجع .
•…الخمرة هي الشراب المفضل في هذا الموقف وهم يسمونها " عبد النور " ولذلك يقول ابن حمدان :
لا تشرب الراح إلا مع أخي ثقة مهذب عارف بالعين والميم
والراح الخمر ، والعين والميم " عمس " .
•… هناك ملامح صوفية في العقيدة النصيرية من قبيل فناء الطالب في شيخه ، والتوافق في القول بأن الشريعة لها ظاهر وباطن.
•…المؤلف وفق لإدراك الأصول المشتركة بين العقائد الوثنية والبوذية والهندية والصوفية والنصرانية وكيف أنها جميعا قد تسربت للنصيرية .
•…للأسف أن التعليم العلماني حين انتشر قضى على الخرافة لكن لم يكن البديل الحق غالبا بل النزعة الثورية المخربة !
•…شهدت المحاكم الشرعية عام 1938 م قضية نزاع على النفقة بين أخوة أحدهم من أم سنية وكلهم من أب نصيري فأعلن محامى الأخوة النصيريين أنهم لا تلزمهم النفقة بسبب اختلاف الدين وفصل المحامى إبراهيم عثمان النصيري العقائد النصيرية حتى أقنع القاضى باختلاف الدين وحكم لهم بعدم وجوب النفقة !
•…تلبس بعض شيوخ النصيرية بالجعفرية ما هو إلا زيف لتسيهل بعض الأمور وكذلك تقارب الشيعة مهم كان لمصالح خاصة .
•…ظهرت المرشدية كنوع من التطور والوضوح للعقيدة النصيرية على يد سليمان المرشدي الذي تدرج حتى ادعى الألوهية ، وحين أعدم سليمان تولى الألوهية " مجيب " وبعد مقتله صار المرشديون للقول بالرجعة !
هنا يبدأ المؤلف باستعراض بعض المصادر النصيرية التي حصل عليه وهي ثلاثة :(18/26)
الأول : مخطوط كبير لا يحمل عنواناً وهو عبارة عن فصول في العقيدة النصيرية نثرا ونظما .
وقد عرض المؤلف بعض ما حوته من عقائد فكان منها :
1.…إن صفة المؤمنين إذا اجتمعوا وحضر عبد النور – الخمر – يمزجوه بالماء لئلا يخل العقل لأن الصرف سلطان جاير مذموم والممزوج سلطان عادل محمود .
2.…لما أراد الله امتحان العالم العلوي ظهر لهم في صورة طفل محتاج إلى تربية ...
3.…من أقر بالظهور النوراني ولم يقر بالظهور البشري لم تكمل له المعرفة ولم يكمل إيمانه، ومن أقر بالظهور البشري ولم يقر بالظهور النوراني لم تكمل له المعرفة و الإيمان حتى يقر بظهور الباري في النورانية و البشرية .
المخطوط الثاني : يحمل اسم " خبر نده النذر " وتركز على تفسير الكثير من المصطلحات الباطنية .
وتتضمن هذه المخطوطة ما سموه " سورة الشهادة " ! وهي كما يلي :
بسم الله الرحمن الرحيم قوله تعالي : "شهد الله تعالى بأن لا إله إلا هو قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم وإن الدين عند الله الإسلام .. ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول واكتبنا مع الشاهدين ."
ويعقب المؤلف بقوله : أي شهادة هذه التي يسجلها هؤلاء على أنفسهم؟ فيكون الجواب هو بقية السورة : "شهدت عقد عين ميم سين وفي شهادة أن لا إله إلا مولاي أمير النحل العلي الأنزع المعبود ولا حجاب إلا السيد محمد الحمد الأصل الأعظم المحمود و لا باب إلا السيد سلمان الفارسي الأكرم المقصود و لاملائكة إلا الخمس الأيتام الكرام العظام ولا رأى إلا راية شيخنا وتاج رؤوسنا وإمام عصرنا وقدوة ديننا أبي عبد الله الحسين بن حمدان الذي شرع الأديان في سائر البلدان عليه رضوان الملك العلي الأنزع الديان " .(18/27)
أما المخطوطة الثالثة : فهي حديثة العهد ومتنوعة الفصول والمباحث نقتطف منها " قداس الأذان " وهو لتعليم المؤمنين كيف يقفون من الأذان فيقول : " إذا قام مؤذن في القوم يؤذن إلى أن بلغ في أذانه فيقول أشهد أن لا إله إلا الله مولاي علي ولا حجاب إلا السيد محمد و لا باب إلا السيد سلمان في كل عصر وزمان ... حيَّ على الصلاة معاشر المؤمنين تتصلوا بالله مولاكم علي أمير المؤمنين ...."
ولن نستطيع عرض الكتاب وما حواه من مناقشات قوية وعميقة لعقائدهم الباطلة ونكتفي بهذا التجوال على كثير من الأفكار التي بثها المؤلف في كتابه وهذه المقاطع الواضحة والدالة على حقيقة معتقد النصيرية من رجل عاش بينهم وحاورهم واطلع على كتبهم النادرة .
قالوا
الإلحاد القادم!
قالوا: عقدت وقفية روجيه غارودي لحوار الحضارات مؤتمراً عن "صلة فكر محي الدين بن عربي بعالمنا المعاصر". وكان من ضمن المحاضرات محاضرة لمحمود كيلشي من جامعة مرمرة بتركيا بعنوان "أهمية إحياء فكر فهم ابن عربي للإسلام في العالم المعاصر"
الشرق الأوسط 24/12/2004
قلنا: هل بدأ تنفيذ توصية مؤسسة راند الأمريكية – وهي من أهم مراكز البحوث السياسية - بنشر الإسلام الصوفي، في مقابل الإسلام السني!!
الفارسية أولاً وأخيراً
قالوا: نددت إيران بالبيان الختامي لمجلس التعاون الخليجي لحثه إيران على التخلي عن الجزر الإماراتية الثلاثة، التي لا تزال إيران تصر على إيرانيتها وأنها تقع في الخليج الفارسي.
الوطن الكويتية 23/12/1004
قلنا: هل يستطيع أحد أن يشرح لنا الفرق بين احتلال إيران للجزر الإماراتية واحتلال إسرائيل لفلسطين؟
تهديد من حزب الله؟
قالوا: نفت المحامية اللبنانية بشري خليل أحد أعضاء فريق الدفاع عن صدام حسين أن يكون حزب الله قد هددها لمشاركتها بالدفاع عن صدام حسين لكنها قالت أن حزب الله وجه لها "نصائح" بالابتعاد عن هذا الملف كونها تنتمي لعائلة متدينة عريقة.(18/28)
الشرق الأوسط 24/12/ 2004
قلنا: أسد علي وفي الحروب نعامه تفر من صفير الصافر
حرب على اقتسام الكعكة العراقية
قالوا: اتهم شخصيات شيعية متدينة وزير الدفاع العراقي الشعلان وهو عراقي بأنه وراء تصفية القيادات الدينية الشيعية العراقية لقطع الطريق عليه من الوصول إلى الحكم في العراق.
الدستور 28/12/2004
قلنا: إذا كان هذه هي تصرفات الشيعة مع بعضهم البعض فكيف إذا سيتصرفون مع أهل السنة؟
"أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم"
قالوا: كان من أكثر الكتب مبيعاً في معرض بيروت لكتاب لعام 2004 كتاب "البر والنهي عن المنكر" للشيخ عبد الله الهرري.
العرب اليوم 12/12/2004
قلنا: لكن هل يوجد منكر اكبر من فكر الهرري وفتاويه نفسه؟
ما هي لغة العراق الرسمية؟
قالوا: قال أحد الضباط في الشرطة إن اللغة الفارسية أصبحت منتشرة بصورة أكبر من العربية داخل أروقة المكاتب الحكومية.
الرأي 12/12/2004
قلنا: كان العراق عروبة بلا إسلام فأصبح بلا عروبة ولا إسلام .
القادينيون قادمون
قلنا : قررت الحكومة الباكستانية إلغاء خانة الديانة في جواز السفر ، واندلعت المظاهرات احتجاج على ذلك في كراتشي .
قلنا : هل تريد الحكومة الباكستانية أن تفسح المجال لوصول القاديانيون للبلاد الإسلامية وخاصة الحرمين ؟؟ علما أن الدستور الباكستاني يعتبر القاديانيون غير مسلمين ! وهل هذا القرار له علاقة بالأقاويل المتعددة عن انتماء برويز مشرف للبهائية ؟؟؟
جولة الصحافة
التوجّه الشيعي في ظل الاحتلال الأمريكي
الانتخاب مفضّل على الصلاة و الصيام!!
علي حسين باكير/ باحث سياسي
" هذه مشاركة من أحد قراء الراصد فأهلا به وبكتاباتكم جمعيا ً " الراصد(18/29)
قد بدا واضحا منذ بدء الاحتلال الأمريكي للعراق أنّ الطائفة الشيعيّة حسمت خياراتها و اتّخذت قراراتها بمهادنة الاحتلال (هذا هو الواقع شئنا أم أبينا) و كأنّ شيئا لم يحصل للعراق, و أراد الشيعة استغلال هذا الظرف التاريخي و المنعطف الهام في تاريخ العراق و المنطقة و تجييره لصالحهم خصوصا إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أنّ هذا الوضع قد لا يتكرّر في الفترة المعاصرة, و عليه يجب الاستفادة منه, و من هنا نبع الموقف الشيعي المتمثل في مهادنة الاحتلال و التعاون معه طالما إنّ النتائج في صالحهم, و قد شذّ عن هذا الخط السيّد الشاب مقتدى الصدر, و لكن قد بدا واضحا جدّا فيما بعد إنّ موقف الصدر أيضا لم يكن موقفا مبدئيا أو مستندا الى مبررات دينيّة لمقارعة المحتل وإخراج الاحتلال بقدر ما كان مناورة الهدف منها إعطاؤه المزيد من الامتيازات في اللعبة السياسية و في الحصول على أكبر قدر ممكن من الكعكة العراقيّة.
هذا و قد صدم كثير من المتحمّسين والقوميين من الموقف الشيعي من الاحتلال, ذلك أنّهم تشبّعوا كثيرا بصورة "حزب الله اللبناني" و عندها فقط أدركوا إنّ حزب الله كان مجرّد استثناء فرضته اللعبة السياسيّة الدوليّة و المصالح السوريّة و الإيرانية الإقليمية فلبس لباس مقاومة المحتل و العداء لأمريكا و إسرائيل, و إن كان في ذلك العداء شيء صحيح إلاّ انّه ليس مبدئيّا بقدر ما هو مصلحي و آني و خير دليل على ذلك موقف الحزب الذي يتطابق مع موقف إيران والمرجعيّة العراقيّة من الاحتلال الأمريكي.(18/30)
و بالعودة إلى العراق, فإنّ الولايات المتحدة واقعة في ورطة كبيرة و مأزق عميق و هي لم تنجز أي شيء يذكر حتى الآن فيما يخص الوضع في العراق, و البلد غارق في فوضى و خراب و دمار و لذلك فانّ الالتزام بإجراء الانتخابات في الوقت المحدّد يعتبر إنجازا كبيرا للإدارة الأمريكيّة , و هناك طرف آخر يصرّ على استغلال الوضع الفوضوي لإجراء الانتخابات و هم الشيعة فهذا الوضع يؤمّن مشاركة كبيرة لهم و بصفوف متراصّة و مرجعيّة مساندة في حين إنّ الطرف الآخر منخرط في مقاومة الاحتلال و يتعرض لحرب شعواء تنشر الفوضى و الدمار و يسود فيها عدم الأمان و الخوف, و عليه فخوضهم للانتخابات سيكون مسألة صعبة للغاية و غير ممكنة, فهكذا انتخابات ستفرز وضعا زائفا يسيطر فيه الشيعة على معظم أو جميع مقاليد السلطة في العراق الجديد و هو ما سيدعم نظريتهم التي تقول بأنّهم الأغلبيّة و الأكثريّة في العراق (خاصة وأنّهم أوقفوا عملية الإحصاء الحاليّة بحجّة عدم استقرار الوضع الأمني!!كيف سيجرون الانتخابات إذا؟) و التي ينافيها المنطق و الواقع الذي أثبته العديد من الدراسات و التقارير الموضوعيّة و المنطقيّة و الحياديّة و منها إحصائيات نشرتها وكالة قدس برس في تقرير لها يوم الأربعاء في 28-1-2004 تشير إلى أنّ عدد السنّة يفوق عدد الشيعة في العراق على عكس تصريحات الشيعة و من يروج لهم بأنّهم يمثّلون من 60 إلى 65% من سكّان العراق و غالى البعض فجعلهم 85% من عدد السكّان و الذي على أساسه منحت سلطات الاحتلال الأمريكي السنّة العرب 5 مقاعد في مجلس الحكم و 13 للشيعة من أصل 25 مقعدا. و قد أشار الأكاديمي "الشيعي" محمد جواد علي، رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة بغداد، في حديث مع المبعوث الخاص لوكالة "قدس برس" إلى العراق، إلى أنّ الشيعة يمثلون بين 40 و45 في المائة، في حين يمثل السنة نحو 53 في المئة، أما العراقيون من غير لمسلمين فيشكلون 2% من إجمالي عدد(18/31)
السكان. في حين ذكر الأكاديمي العراقي المعروف الدكتور مازن الرمضاني، عميد جامعة النهرين العراقية سابقا، أن نسبة السنة تفوق نسبة الشيعة.وأشار إلى أن "أول من أطلق المزاعم بكون الشيعة يمثلون أغلبية كبيرة في العراق هو الكاتب اليهودي حنا بطاطو".
و يمكن الرجوع الى هذه الاحصاءات على الرابط التالي:
http://www.islamonline.net/Arabic/news/2004-01/28/article12.shtml
و كان الدكتور طه حامد الدليمي قد أصدر دراسة مفصّلة عن التعداد السكّاني تؤّيد ما ذهبت إليه جميع الاحصاءات الثلاث أعلاه و هي دراسة مميّزة تستحق المراجعة و القراءة و هي موجودة على الرابط التالي:
http://www.islammemo.cc/taqrer/one_news.asp?IDnews=56
و ما يؤكّد التقاء مصالح الأمريكيين مع الشيعة في مسألة الانتخابات الفتاوى التي صدرت مؤخّرا و التي تشير إلى ضرورة استغلال هذه الفرصة التاريخيّة لدرجة أنّ البعض قد فضّل الانتخابات على فريضتي الصلاة و الصوم و التي تعتبر من الأركان الأساسيّة في الإسلام, فقد ذكر آية الله العظمى الشيخ محمّد اليعقوبي في فتوى له وزّعت في مدينة النجف "إنّ وجوب المشاركة في الانتخابات كوجوب الصلاة و الصوم" و أضاف أن "فريضتي الصلاة و الصوم من الفرائض الفرديّة التي تتعلّق بالفرد و خالقه أمّا الانتخابات فانّها فريضة تتعلّق بمصير الأمّة", في حين كان آية الله السيستاني قد حصر دخول الجنّة على من يقوم بالتصويت في حين أنّ جهنّم هي من نصيب من يمتنع عن التصويت, فقد طالب أحمد الصافي , ممثل المرجع آية الله علي السيستاني , المواطنين العراقيين بضرورة المشاركة المكثفة في الانتخابات العامة المقرر إجراؤها في يناير المقبل , واعتبر أن الامتناع عن التصويت يعد خيانة في حق الوطن وتدخل صاحبها جهنم.(18/32)
وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها بمسجد الإمام الحسين في كربلاء , وفقًا لصحيفة الأهرام القاهرية: إن عدم المشاركة في التصويت له حرمة شرعية والذي لا يشارك يدخل جهنم . و أضاف متحدّث باسم السيستاني ان المرجعية تدعم تشكيل لجنة من "المستقلين" لائحة موحدة لخوض الانتخابات المتوقع اجراؤها اواخر كانون الثاني/يناير المقبل في العراق.
وقال حامد الخفاف خلال ندوة في مركز الصادق في النجف (160 كلم جنوب بغداد) انه "تم تشكيل لجنة من المستقلين مهمتها مساعدة الجميع من اجل أن يتمثلوا في لائحة موحدة تحظى بثقة المرجعية" مع أن الانتخابات ستكون بموجب قانون التمثيل النسبي القائم على الاحزاب. أمّا بالنسبة إلى السيّد مقتدى الصدر الذي كان حتّى وقت قريب يعتبر القوات الأمريكيّة قوات احتلال و يرفض اجراء انتخابات في ظلّها و لا يعترف بالحكومة العراقيّة الحاليّة و التي صرّح بأنّها كافرة و عميلة و لا تفاوض معها, فقد غيّر موقفه بقدرة قادر 180 درجة
فأصبح يحضّ على الانتخابات و ينصح كافّة الفرقاء و الأطراف بالقاء السلاح و التوجّه نحو الانتخابات!!! و بهذا الأسلوب و في هذه الظروف يكون الشيعة قد تهيأوا للسيطرة كلّيا على السلطة في العراق في المرحلة المقبلة, مع العلم انّه و إن حدث ذلك بهذه الصيغة من المشاركة الكثيفة للشيعة في الانتخابات مقابل مقاطعة السنّة لها فانّ من شأن ذلك أن يؤدّي لاحقا إلى اقتتال داخلي و صراع بين جميع فئات الشعب العراقي حتى و ان خرجت قوّات الاحتلال فيما بعد, و سيكرّس النهج الطائفي في توزيع الحصص و المغانم و سيبدو الأمر أشبه " باللبننة " أو أسوأ من ذلك بكثير.
العراق الجديد..
( حجم سنة العراق )
الوطن العربي ـ العدد 1451 -24/ 12/ 2004
إحصاءات رسمية(18/33)
مع بدء الاحتلال الأميركي للعراق في إبريل "نيسان" 2003 أثيرت قضية التركيبة السكانية للعراق على خلفية الحديث عن مستقبل العراق السياسي، وتواترت منذ ذلك الحين التصريحات والإحصاءات التي باتت من الأمور المسلم بها في تقارير وسائل الإعلام والتي تؤكد أن الشيعة يشكلون الأغلبية في العراق، وركزت أغلب هذه التصريحات على أن الشيعة يمثلون على الأقل ما بين 60 إلى 65 بالمائة من سكان العراق.
وقد شكك أكاديميون عراقيون، من بينهم شيعة، في صحة هذه الإحصاءات، والأهم من ذلك أن تظهر 3 إحصاءات تفوقا متفاوتا لعدد السنة في العراق، ويقول الأكاديمي "الشيعي" محمد جواد على، رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة بغداد، إن نسبة الشيعة في العراق تتراوح فعليا بين 40%و 45%، في حين يمثل السنة نحو 53، أما العراقيون من غير المسلمين فيشكلون 2% من إجمالي عدد السكان. وذكر أنه مما ساعد في رواج هذه الإحصاءات المغلوطة قدرة التعبئة الهائلة لدى الشيعة، وكثرة عدد المحافظات الشيعية، بالقياس لعدد المحافظات السنية، وهو ما جعل البعض يجنح به الظن الخاطئ إلى كون الشيعة يمثلون أغلبية ساحقة، بالنظر لكثرة عدد محافظاتهم، متناسيا الانتباه للكثافة السكانية لكل محافظة.
ومن الإحصاءات التي تظهر تفوقا ملحوظا لتيار السنة إحصائية المنظمة الإنسانية الدولية "هيو مانيتارين كوردينيوتور فور إيراك HUMANITARIAN ORDINATOR for iraq، التي وضعت أصلا في العام 1997 لتوجيه العمل الإنساني في العراق في ظل الحصار الدولي الذي كان مفروضا عليه من 1990 حتى 2003 وتظهر الإحصائية أن عدد أبناء السنة يزيد بـ 819 ألف نسمة.(18/34)
وإذا كانت الإحصائية السابقة تعطي نتيجة تقريبية فقط، يمكن اعتماد إحصائية أخرى مجمعة صدرت في 2003، وتستند إلى البطاقة التموينية، وإحصاءات وزارتي التجارة والتخطيط في عهد النظام البعثي السابق وإلى إحصاء سلطة الحكم الذاتي الكردية في الشمال، وتخلص هذه الإحصائية إلى أن عدد سنة العراق 15922337 "نسمة 15.9 مليون نسمة"، وذلك بنسبة 58% من إجمالي السكان، في حين يقدر عدد الشيعة بنحو 10946347 نسمة "10.9 مليون نسمة"، وذلك بنسبة 40%، و2% من غير المسلمين.
في السياق نفسه، تذهب إحصائية أعدت بالاستناد إلى معطيات التقرير السنوي للجهاز المركزي للإحصاء العراقي "نسخة دائرة الرقابة الصحية" التابعة لوزارة الصحة العراقية، وإلى دراسة الأكاديمي العراقي الدكتور سليمان الظفري، إلى أن نسبة السنة من مجموع أبناء العراق المسلمين تبلغ 53%، في حين تبلغ نسبة الشيعة 47%.
ومما يزيد من تأكيد مصداقية الإحصاءات الخاصة بكون السنة يمثلون أغلبية الشعب العراقي، ما حصل بالنسبة لقوائم توزيع أعداد الحجاج على المحافظات للعام 2004، بحسب تعداد النفوس، إذ فاق عدد الحجاج من السنة عدد الحجاج من الشيعة، بناء على إحصاء نفوس المحافظات بحسب مصادر وزارة الأوقاف العراقية.
وخلافاً للاعتقاد السائد خارج العراق بأن محافظات الجنوب شيعية خالصة، فإن الإحصائيات كشفت عن وجود مهم للسنة في بعض محافظات ومدن الجنوب، ففي البصرة لا تقل نسبة السنة عن 35% وفي الزبير 45% وفي الفاو 40% وفي الناصرية نحو 17% وحتى في النجف وكربلاء، المدينتين الأكثر قدسية عند الشيعة، تتراوح نسبة السنة بين5 و 10%.(18/35)
والتركيبة السكانية العراقية من أعقد التركيبات السكانية والطبقية في المنطقة إذ تتشابك فيها الأصول والمنابت وتفترق، وتتداخل فيها الأعراق العربية والفارسية والشريفية والآشورية والكردية والتركمانية، وتتنوع تركيبتها القومية والدينية والقبلية، إلى الدرجة التي يصعب فيها الوقوف على بنية اجتماعية مستقرة دقيقة لطبيعة تكوين وتركيب المجتمع العراقي.
أحوال السُنة
وفي الوقت نفسه تتباين الدراسات والتحليلات الخاصة بدراسة بنية المجتمع السني في العراق والعوامل المؤثرة عليها والتوزيع الطبقي داخله، وذلك نظرا لعملية التداخل القسرية التي تمت بينهم وبين النظام العراقي السابق، إلا أنه من الناحية الاجتماعية يتحدث عدد من الباحثين عن وجود طبقة وسطى داخل المجتمع السني كان قوامها الأرستقراطيون وأفراد الجيش العراقي والموظفون الإداريون وأعضاء حزب البعث، وكما يقول علماء الاجتماع عندما تغيب التنظيمات المدنية الحديثة تظهر التنظيمات الأولية بشكل فاعل.
أما من الناحية الاقتصادية فيتوزع مصدر الاقتصاد السني في المرحلة السابقة بين الدخل القادم من الدولة وحزب البعث وبين التجارة المدنية أو الأراضي الزراعية التي تتحكم فيها عشائر عراقية سنية عريقة، ولذلك فإن عددا كبيرا من السنة قد فقدوا مواردهم الاقتصادية مع زوال نظام الحكم، في حين أن الشيعة الذين كانوا يعانون من التهميش الاقتصادي والسياسي في الفترة السابقة لجأوا إلى الأعمال التجارية الحرة ومصادر دخل مستقلة عن الدولة.
ولكن هناك تحليلات اقتصادية تتحدث عن طبقة اقتصادية يغلب عليها الطابع السني، كانت متحالفة مع حزب البعث العراقي مازالت فاعلة ومستفيدة من الظروف الاقتصادية الحالية في حين يعتمد أغلب السنة الأكراد على الزراعة والرعي والصناعات الأولية في مواردهم الاقتصادية.(18/36)
أما بالنسبة للتكوين الثقافي لأهل السنة في العراق، فهناك اختلاف كبير بين العادات والأعراف العربية والكردية وفي تحديد الهوية وتقدير المصالح السياسية، إلى درجة تكاد تختفي فيها مساحات التواصل والتوافق بني الطرفين في حين ينشط الوجود الإسلامي لدى الفئتين العربية والكردية، غير أن دوره في الجانب العربي أكبر وانتماءه الحضاري واضح، أما على الطرف الكردي فتشكل الأحزاب الإسلامية طرفا ثالثا في المعادلة السياسية الداخلية.
دور الدين
ولا توجد دراسات دقيقة تحدد لنا درجة التدين أو حجم التيار الإسلامي داخل المجتمع العراقي، لكن هناك مؤشرات متعددة وقوية تشير إلى ارتفاع نسبة التدين وقوة التيار الإسلامي ورسوخه في البنية الاجتماعية السنية، على الرغم من سنوات الحكم الحديدي لحزب البعث العراقي العلماني ومنعه من قيام جماعات الإسلامية طوال العقود السابقة، إلا أن الاحتلال الأميركي وسياساته المتصلبة ضد السنة كان محفزا جديدا لزيادة الشعور بالانتماء الديني والإسلامي داخل أوساط السنة، ويبدو واضحا من نفوذ القوى السياسية السنية الحالية ودرها وتأثيرها أن التيار الإسلامي هو الغالب والنافذ إلى عمق البنية الاجتماعية السنية.
وقد تميز المشهد السياسي العراقي منذ الاحتلال بظهور دور الدين والتنظيمات الاجتماعية الدينية بشكل مؤثر وكبير في المدن، سواء عند السنة العرب أو عند الشيعة، وظهرت العديد من القوى والأحزاب السياسية التي تمثل النسق الاجتماعي والثقافي والسياسي للفئات المختلفة، إلا أن أبرز المعالم في المشهد العراقي هو ظهور المقاومة المسلحة القوية، والتي لم تكن أبدا في حسابات الإدارة الأميركية للحرب، وأثرت كثيرا على قواعد الصراع ودفعت بالقادة الأميركيين إلى إعادة النظر في استراتيجياتهم وتعديلها عدة مرات، وأوصلت الأمور إلى حد المأزق الحقيقي لقوات الاحتلال.(18/37)
وقد نشطت المقاومة المسلحة في المدن السنية وخاصة في بغداد والرمادي والفلوجة منذ بداية الاحتلال، وتعددت وتنوعت الفئات المكونة للمقاومة المسلحة من الفئات والعناصر الإسلامية العراقية، إلى أفراد الجيش العراقي المنحل، والاستخبارات العراقية السابقة، وأبناء العشائر، والمتطوعين والمجاهدين العرب القادمين من الخارج، وتنظيمات حزب البعث العراقي.
في الوقت نفسه ظهرت عدة اتجاهات فكرية وسياسية سنية عربية في التعامل مع الاحتلال، من بينها:
•…اتجاه الحزب الإسلامي "جماعة الإخوان المسلمين" وتمثل موقفه برفض الاحتلال، لكن مع عدم مواجهته والمشاركة منذ البداية في مجلس الحكم الانتقالي من "باب الضرورات" بحجة الحفاظ على الحقوق السياسية لأهل السنة في العراق، منعا من استفراد الطوائف الأخرى بالتحالف مع الاحتلال في صوغ المجال السياسي العراقي القادم، وشارك الحزب من خلال أمينه العام محسن عبد الحميد في المجلس الانتقالي، إلا أنه تعرض لضغوط عديدة للانسحاب، وخاصة مع أحداث الفلوجة الأولى.
•…هيئة علماء المسلمين التي تشكلت بعد مرور وقت قليل على سقوط بغداد وهي الأقرب للتوجهات السائدة في المثلث، وكذلك الأقرب إلى توجّهات رجل الشارع، والأوسع تأثيراً لاعتمادها على شبكة ضخمة من أئمة المساجد والشخصيات الدينية. وقد نجحت الهيئة في تشكيل هيئة مكتب يترأسها الشيخ الدكتور حارث الضاري، وبدأت في التعبير سياسيا عن التوجهات السنية، التي لم تتجاوز كثيرا خروج الاحتلال، وتبعا للشيخ الضاري فإن "المشكلة ليست في مشاركة السنة أو عدم مشاركتهم في الحكم، بل المشكلة في الاحتلال. فالاحتلال، إذا بقي موجودا، فإنه قد يقصي أهل السنة اليوم، وغدا يقصى غيرهم"، وبدا الأمر وكأنه قتال حتى الموت.
صمتٌ عربي أزاء خطرٌ إيراني.. يُمزّق في الوقت المناسب
طلال معروف نجم 11/12/2004
www.airss-forum.com(18/38)
عندما قامت الثورة الإيرانية في إيران، استبشر العرب خيراً بهذه الثورة، التي استطاعت أن تقوض نظام الشاه المرتبط بالإمبريالية الأمريكية. وتفتتح سفارة لفلسطين في مقر البعثة الإسرائيلية في طهران.
إلا أن الأيام اللاحقة كشفت نوايا إيرانية موروثة، لم تتخلص منها القيادة الإسلامية الجديدة، كان في مقدمتها تصدير الثورة الإسلامية الإيرانية للوطن العربي. وهذا يعني أطماعٌ إيرانيةٌ سابقة غلفتها الثورة بمسمياتٍ جديدة. كما لم تبدِ القيادة الإسلامية الجديدة، أية نوايا حسنة تجاه ضم الشاه لجزرٍ عربيةٍ ثلاث ( طنب الصغرى وطنب الكبرى وأبو موسى ) عام 1971، إثر الإنسحاب البريطاني من إمارة أبو ظبي. وواصلت إصرارها على أن هذه الجزر تخضع للسيادة الإيرانية.
وفي الأيام الأولى للثورة وصل وفد إيراني إلى العراق ليسلم القيادة العراقية رسالة من قادة طهران الجدد، استُهِلَت بعبارة (السلام على من اتبع الهدى). وهي نفس العبارة التي استخدمها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، في رسائله إلى المقوقس وعظيم الروم وكسرى. يدعوهم فيها إلى الإسلام. وكانت هذه الرسالة فاتحة استفزازٍ للقيادة العراقية. وهكذا كانت الشرارة الأولى لانطلاق الحرب العراقية / الإيرانية... بها أوقف حراس البوابة الشرقية المد الإيراني من التسلل إلى العراق فسوريا ومن ثم لبنان وجنوباً إلى البحرين والكويت والسعودية.
واليوم... وبعد رحيل النظام العراقي إثر الغزو الأمريكي / البريطاني للعراق، عادت إيران لتقلق العراق، في ظل غياب قيادة شرعية مخلصة. وتم استباحة الساحة العراقية بفلولٍ من اللصوص والقتلة القادمين من إيران. والمصيبة أن الكل آثر الصمت ولم يوجه أصابع الاتهام إلى إيران... وعملاء إيران في العراق يحاولون النيل من سوريا، واتهامها بأنها من تُسهّل عبور المقاتلين والمسلحين إلى العراق. ليبعدوا الأنظار عن إيران.(18/39)
ولا أحدٌ البتةَ يتجرأ ان ينبه إلى الخطر القادم من جديد... القادم من إيران.. فلو سقط العراق لقمةً سائغةً بيد عملاء إيران، يعني سقوط سوريا وحتى لبنان بيد المد الإيراني. وسيكون رأس الخليج العربي... رأساً فارسياً رسمياً. وإزاء الصمت العربي المرعب... ينبري العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بكل جرأةٍ وحماسٍ وغيرة... وعبر الإعلام الأمريكي... ومن قلب الولايات المتحدة الأمريكية، ليطلق صرخةً عربيةً تحذيرية... من خطر المثلث الشيعي، ويقصد به هيمنةً إيرانيةً على العراق وسوريا.
وكشف الملك بأن أكثر من مليوني إيراني اجتازوا الحدود الإيرانية العراقية بهدف دعم الانتخابات لصالح طائفةٍ محددة. كما ساهم النظام الإيراني بدفع مرتباتٍ وإعاناتٍ إلى العاطلين من العراقيين لإحداث خلخلةٍ في الموازنة السياسية.
وحذر الملك صراحةً... من أنه إذا سيطرت أحزابٌ وشخصياتٌ سياسيةٍ مواليةٍ لإيران على الحكومة العراقية الجديدة، فإن هلالاً جديداً سيمتد من إيران إلى العراق إلى سوريا إلى لبنان. وستتأثر منه ولا شكٍ دولٌ خليجية ولا تسلم منه السعودية بسبب وجود طوائف شيعية منتشرة فيها.
البراءة من الشيعة المزورة: ثقافة المفاسد
عبد الهادي التميمي الغد ـ / 24/ 12/ 2004(18/40)
عرف الإنسان أنواعا متعددة من العقائد والتيارات الفكرية في مناحي الحياة المتنوعة والكثيرة، منها السياسية، كالشيوعية والرأسمالية مثلا، والاقتصادية، مثل الفكر الرأسمالي والاشتراكي، والفني والأدبي، كالواقعية والسريالية والالتزام والتجريد والحداثة، وغيرها بالعشرات. منها العقائد الدينية التي أوحى بها رب العالمين إلى رسل وأنبياء فأنزل الديانات السماوية الثلاثة، اليهودية والمسيحية والإسلام، وبعضها معتقدات صاغها رجال خارقو الذكاء لتنظيم مجتمعاتهم في سياقات تنشد الخير وسلاسة الحياة فيها، كالبوذية والهندوسية وغيرها. ولعل الديانات السماوية هي الوحيدة المعصومة القدسية التي لا يمكن لبشر أن يعدلها أو يغيرها لتناسب الأهواء والمصالح. وحتى طوائف الاديان، السنة والشيعة مثلا، لا يمكن أن تغير في أساس الدين ورسالته ونهج نبيه صلى الله عليه وسلم وسنته التي تشكل دستورا متكاملا لحياة إنسانية على الأرض.
وغير أن المسرح السياسي والديني في العراق يقدم منذ عامين، بل منذ أكثر من عشرين عاما، مشاهد تستعصي على الفهم والتصديق وتتعارض مباشرة، بل تنتهك العقيدة الدينية، في الأساس والطائفة، التي تحرم، مهما كانت المبررات والحجج، مساندة أجنبي ضد المسلمين وبلاد المسلمين. وقد تكون، نحن الشيعة العراقيين، من أشد "المعذبين" الذين يشعرون بمرارة ذلك التعارض والانتهاك الذي يمارسه أشخاص نصبوا أنفسهم "قادة" للشيعة العراقيين ويتخذون قرارات ويعقدون تحالفات باسم "الشيعة"، جلبت أغلبها وبالا على "الشيعة" والعراق بأجمعه. بل أن تلك القرارات التي تنتهك أحكام الدين الإسلامي "تحشرنا"، نحن الشيعة، من العامة والمثقفين، في زاوية الاتهامات وترهقنا تساؤلات أبناء ديننا وجلدتنا المرتابة، ليس دينيا فحسب، وإنما وطنيا وإنسانيا. وقبل الاسترسال: ما هي خارطة الشيعة سكانيا وجغرافيا في العراق؟(18/41)
وجد الشيعة، وهم أساسا من الطائفة التي تسمى أحيانا الامامية أو الجعفرية، في جميع أنحاء العراق من أقصى نقطة في أم قصر على ثغر الخليج جوار الكويت وحتى أبعد نقطة في الشمال ومن الشرق حيث تخوم إيران والحدود السورية الأردنية ولكن كثافتهم السكانية تتفاوت بين غالبية قد تصل إلى 98 في المئة في النجف، حيث ضريح الإمام علي بن أبي طالب الخليفة الرابع، والكوفة، حيث دار الإمام علي وآخر بيت للخلافة الراشدية، 95 في المئة في كربلاء، حيث مرقد الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب، والمناطق المحيطة بها، وبضعة أفراد في الرطبة والرمادي والفلوجة وهيت وعانة والقائم على الحدود الغربية، مرورا بالعاصمة التي يصل تعداد الشيعة إلى النصف أو أكثر من سكانها الذين يقدرون بخمسة ملايين نسمة، والبصرة التي يصل تعداد سكانها إلى مليوني نسمة. وبذلك لا توجد منطقة محددة جغرافيا محصورة على السكان الشيعة مثلما لا توجد مناطق مخصصة أو محددة حصرا للسنة أو الأكراد، رغم أن غالبيتهم يعيشون شمال العراق.(18/42)
ومن الناحية العرقية هناك ثلاثة أنواع من الشيعة: أولها وأكثرها عددا وكثافة سكانية هم الشيعة من العرب الذين يشكلون الغالبية العظمى من الطائفة الشيعية في العراق، ويقال أن الشيعة عموما يشكلون ما بين 60و 65 في المئة من سكان العراق، أي حوالي 15 مليون نسمة. والنوع الثاني هم الشيعة الأكراد، أو ما يسمى الأكراد الفيلية، وعددهم قد لا يتجاوز المليون …نسمة ومناطق تواجدهم الرئيسية في الكوت والعمارة في وسط العراق وديالى، كلها متاخمة لإيران. واعتبرتهم الحكومات العراقية على أنهم أكراد إيرانيون أقاموا في العراق عبر العصور. وقد تعرضوا لموجتي تسفير إلى إيران الأولى في بداية السبعينات اثر المحاولة الانقلابية التي أعدتها إيران والولايات المتحدة الأميركية مع شخصيات عراقية، والثانية في بداية الثمانينات عقب التفجيرات التي قام بها أتباع حزب الدعوة، الذي يرأسه الآن إبراهيم الجعفري، ومجموعات شيعية ضد مرافق حكومية ودور سينما في الاعظمية واجتماعات طلابية في الجامعة المستنصرية وموكب تشييع جنازة القتلى في الوزيرية عام 1980.(18/43)
أما أصول النوع الثالث من الشيعة من سكان العراق فتعود إلى إيران والفرس. ولا يوجد أي شك أو اعتراض على ذلك. ولكن هذا النوع ينقسم إلى فئتين: الأولى الذين اكتسبوا الجنسية العراقية، مثل بعض من أفراد عائلة الحكيم، والطباطبائي وكاشف الغطاء، والثانية من الذين احتفظوا بجنسيتهم الإيرانية ولكنهم عاشوا في العراق وانتفعوا من خدماته ومؤسساته التعليمية والتجارية والصحبة، مثل علي السيستاني. ويصل عدد الفئتين إلى حوالي نصف مليون نسمة وكانوا يسيطرون على أهم المفاصل التجارية في العراق وخصوصا في منطقة الوسط والجنوب ذات الأغلبية الشيعية إضافة إلى السيطرة على الحوزة الدينية في النجف التي تعتبر مرجع الطائفة الشيعية. وباستثناء مرجع عربي أصيل واحد هو السيد محمد صادق الصدر والد السيد مقتدى الصدر الحالي، فإن محسن الحكيم والخوئي والسيستاني هم من هذه الفئة. لابد من الإشارة إلى أن التقارير تتحدث عن أربعة مراجع حاليين في العراق، جميعهم غير عرب أو عراقيين، أحدهما إيراني هو السيستاني وآخر متجنس هو محمد سعيد الحكيم واثنان آخران أحدهما أفغاني الأصل والآخر باكستاني الأصل. وقد قامت الحكومة العراقية السابقة، اثر أحداث 1980 بتسفير حوالي مئة ألف من اتباع الفئة الثالثة من الشيعة في العراق "الفئة الإيرانية"، إلى إيران على أساس أنهم إيرانيون أو أصولهم إيرانية واعتبرتهم طابورا خامسا للحكومة الإسلامية الإيرانية بقيادة الخميني.(18/44)
ومما يثير الانتباه أن "الفئة الإيرانية" هي التي تسيطر على الشؤون الدينية للشيعة مستغلين العواطف الدينية تجاه حوادث النزاع الديني على الخلافة في عهد الإمام علي والإمام الحسين ومقتلهما، ومستثمرين الشعور "بالمظلومية" السياسية والتحريض ضد الدولة وأنظمة الحكم وتعميق ذلك الشعور بالمظلومية. كما أنها تحتفظ بروابط وثيقة وتنسيق مع إيران كمؤسسة حكم ودين على حد سواء. والملاحظة الأخرى أن هذه الفئة كانت دائما تتوصل إلى اتفاقات مع الأجنبي، البريطانيين في عام 1923 التي عاد على أثرها رجال الدين الشيعة من إيران إلى النجف وكربلاء بشرط أن يبتعدوا عن السياسة، والاتفاق الحالي مع الولايات المتحدة الأميركية على غزو العراق واحتلاله.
وكي لا ننسى: أن المفاوض الرئيسي الذي قام بالمباحثات والاتفاقات مع الإدارة الأميركية في واشنطن وطهران، إضافة إلى محمد باقر الحكيم، هو عبد العزيز الحكيم الرئيس الحالي للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية الذي شكلته المخابرات الإيرانية في طهران عام 1982، وشارك معه حامد البياتي (وهو أسم حديث للتغطية على اسمه الإيراني الأصلي) الذي يشغل منصب وكيل وزارة الخارجية العراقية. في الوقت نفسه كان عبد المجيد الخوئي يتفق مع البريطانيين على غزو العراق واحتلاله. ولكن الخوئي قتلته، حال احتلال العراق، مجموعة هائجة من الشيعة في النجف بعد وصوله إليها على متن طائرات عسكرية بريطانية خاصة نقلته إلى الناصرية ومن ثم إلى النجف، اثر لقائه الأخير مع رئيس وزراء بريطانيا نوني بلير.(18/45)
والقائمة التي قدمها "الشيعة" لخوض ما يسمى بالانتخابات يرأسها عناصر الفئة الإيرانية مثل الحكيم والجعفري وحسين الشهرستاني. وقد ساند السيستاني هذه القائمة وأفتى بأن عدم التصويت في الانتخابات حرام، وطالما أن الأكراد والشيعة "الإيرانيين" هم الذين سيصوتون في الانتخابات فإن البرلمان العراقي سيكون كرديا لشمال العراق وإيرانيا بالإنابة لعموم العراق. وقائد العراق القادم إيراني اسمه. على الأغلب، حسين الشهرستاني الذي قدمته الفئة الإيرانية على أنه عالم نووي عراقي ومعارض سياسي لحكم الرئيس صدام حسين. ولدى الكاتب معلومات موثقة أن الشهرستاني إيراني الأصل وأن الرئيس صدام حسين أرسله في بعثة دراسية على حساب الحكومة العراقية إلى كندا للحصول على شهادة الدكتوراه. وعندما عاد إلى العراق عمل في معهد الطاقة الذرية، وليس في المفاعل الذري، ولكن تسفير ذوي الأصول الإيرانية عام 1980 شمل عائلته. ولم يسفر الشهرستاني وإنما احتجز في العراق مع عدد آخر من الشخصيات ذات المواقع الحساسة من ذوي الأصول الإيرانية، الذين سفرت عوائلهم، حفاظا، كما كان يقول النظام السابق، على سرية أمن العراق. لم يكن معارضا سياسيا وأطلق سراحه في عفو عام 1991 فانضم إلى عائلته في إيران التي عمل في مفاعلها النووي قبل أن يغادر ويعيش في بريطانيا.(18/46)
إن تصرفات وسياسات الفئة الثالثة من الشيعة "الفئة الإيرانية" تتعارض دينيا ووطنيا وأخلاقيا مع تعاليم الإسلام، ولم تنهج مسيرة قادة شيعة آخرين، مثل المرجع اللبناني محمد حسين فضل الله، الذين أفتوا بتحريم مساعدة الأجنبي ضد العراق وبلاد المسلمين. وللمقاومة لا يمكن على الإطلاق أن يتصور إنسان سوي أن يقف الإمام علي أو الإمام الحسين مسرورا مع جيمس بيكر وزير خارجية الولايات المتحدة، مثلما فعل بحر العلوم وعبد العزيز الحكيم، وهو الآخر إيراني الأصل، في مجلس حكم نصبه الاحتلال بعد احتلال العراق في إبريل من عام 2003، والقوات الأميركية تدمر بلاد المسلمين وتفتك برجالها ونسائها وأطفالها في العراق وغير العراق.
وأنا برئيء من هذا النوع من الشيعة ولو كانت الشيعة حزبا سياسيا لتبرأت منها بالمطلق وبالتأكيد إن الفئة الإيرانية لا تمثل مصالح أو طموحات الشيعة العراقيين الدينية والوطنية والأخلاقية، وستبقى محشورين في زاوية الاتهام الوطني بفعل فئة أجنبية ضالة.
كاتب ومحلل سياسي عراقي
حول ثبوت رؤية «الهلال الشيعي»!
غسان الإمام الشرق الأوسط 20/12/2004
الشمس والقمر في وقت واحد؟!
لا أدري كيف ثبتت رؤية «الهلال الشيعي» في سماء عربية تتوهج بشمس أميركية محرقة! لقد تمت استعارة «المنظار» الأميركي «لتكبير» حجم الهلال المكتشف، ولـ «تخويف» الدول العربية «السنية» به.
لكن اثبات الرؤية ليس على هذه السهولة في التبسيط والاتهام. لكي يصبح «الهلال الشيعي» بدرا، فهو يحتاج الى «تقنية» ايرانية سياسية ونووية ليست متوفرة فورا، وربما لا تتوفر، وقد تحتاج الى سنين وسنين ليخترق فضاءات سنية عربية، وسوف يبدو يتيما بين نجومها وشهبها، وقابلا للاحتراق والانطفاء سريعا.
وبما أن «أعجوبة» الهلال الشيعي قد كثر تداولها، فلا بأس من تناول الحكاية بشيء من التأمل الجاد البعيد عن سذاجة التبسيط والتهويل.(18/47)
كان إطلاق قمر إيراني في السماء العربية حلما شاهنشاهيا من أحلام العظمة الواهمة، وما لبث ان «نَفَّسَهُ» وخز الإبر الأميركية. لكن حل محله مشروع الخميني لتصدير الثورة برا الى العرب. النصر الباهر للمخابرات الايرانية على المخابرات الغربية في «حرب الرهائن» أهَّل مشروع الخميني للاستقرار في جنوب لبنان، من خلال ميليشيات وجمعيات «حزب الله» الشيعي.
بعد موت الخميني، تحولت إيران الى سلاح الدعاية والسياسة، بدلا من عمليات التفخيخ «الاستشهادية». لكن الأصوليات السنية المتطرفة كانت قد أصيبت بعدوى «الشهادة» الشيعية، وما زالت تنفذها بالانتحار هنا وهناك، من دون تأثير يذكر على استقرار الأنظمة.
حماقة الغزو الأميركي للعراق جددت قديم الهوى الايراني باختراق العراق والعرب. غير ان الهوى ليس بمشروع محكم التخطيط، انما مجرد رؤى وأفكار عشوائية تراود عمائم النظام التيوقراطي في طهران. أقول هنا إن نظام الملالي أسند عملية الاختراق هذه المرة، الى مؤسسة «الحرس الثوري» المتعاظم دورها في ايران. وبات لديها جهازها المخابراتي.
شجعت ايران أميركا على غزو العراق. وهي اليوم تستغل جهل الإدارة الأميركية واخفاق قواتها في السيطرة وفرض الأمن والقانون. نجحت ايران في اجبار مئات ألوف العراقيين الشيعة من أصول فارسية وعراقية اللاجئين إليها على العودة الى العراق. وتم تسجيل معظمهم كناخبين لحساب المرشحين الذين تدعمهم وتمولهم إيران.
حققت ايران نجاحا كبيرا في اختراق قائمة المرشحين الشيعة الأساسية التي تدعمها المرجعية السيستانية. وهي تلتقي في دعم القائمة بشكل وآخر، مع أميركا التي باتت تراهن على الشيعة والأكراد في عراق فيدرالي، بعد صدامها مع السنة.(18/48)
ويبدو عبد العزيز الحكيم اليوم بديلا ايرانيا / أميركيا للشيعي (العلماني) إياد علاوي في حكم العراق بعد الانتخابات، أو شريكا له. لقد تأسس حزب الحكيم في ايران، وهو يتصدر القائمة الشيعية المرشحة للفوز بغالبية المقاعد الشيعية (120 مقعدا من أصل 275 مقعدا). وتتلقى الأحزاب والتنظيمات الشيعية الدينية والسياسية دعما وتمويلا إيرانيين. إيرانية الحكيم تبدو في مطالبته بتعويض ايران بمائة مليار دولار من المال العراقي! فيما تسعى أميركا ذاتها الى تخفيف ديون العراق.
كانت السنة محقة في المطالبة بتأجيل الانتخابات، لتجنيب العراق «ويلات» الديمقراطية التي يتم تهميشها لصالح فيدرالية مذهبية وعرقية، تحكمها إدارة مركزية ضعيفة. الديمقراطية الحقيقية تفرض احترام الرقم. الاقتراع المقبل لا يعتمد جداول انتخابية تستند الى احصاء دقيق للمواطنين والناخبين، والتأكد من هوياتهم. أميركا العراقية تحاكي النظام العربي في ابتذال مصداقية الأرقام في عملية الاقتراع!
للأمانة، أقول إن الاختراق الايراني للعراق ينطوي على ثغرات تعيقه. عروبة الشيعة العراقية لا تنسجم تماما مع فارسية الشيعة الايرانية. شيعة العراق تدرك ان دولة دينية شيعية في العراق غير مقبولة لدى طوائفه وأعراقه. لكن تجرى تغطية تدخل المراجع الدينية العراقية والايرانية، بالادعاء بأن المرشحين لا ينتمون الى السلك الديني، الأمر الذي يخالفه واقع وجود عدد كبير من المرشحين أصحاب العمائم القادرين على فرض حكومة ودستور أقرب الى شكل الدولة الدينية.(18/49)
وهكذا، فالتورط في العراق اعتمادا على شيعته، لا يضمن عراقا مستقرا وجانحا لصالح ايران. ولا بد من انتظار نتائج الانتخابات ـ إن لم تؤجل ـ لمراقبة تشكيل التحالفات الحزبية والسياسية التي سيتم على أساسها تأليف الحكومة المؤقتة، إذ أن القوائم الانتخابية مجرد تحالفات ظرفية بين أحزاب وهيئات شيعية شديدة التنافس والخصومة. شيعة العراق لا تتكلم بصوت سياسي أو ديني واحد، ولا تدين بالولاء المطلق لإيران، ولا تتحدث بلغتها. ولا شك أن وطأة التدخل الثقيل الظل سيذكر شيعة العراق بعروبتها التي واراها صدام في قبوره الجماعية.
لن تجلب الانتخابات الاستقرار للعراق. بل سيزيد الفرز الانتخابي والسياسي من ضراوة المقاومة السنية، واحتمال نشوب حرب أهلية. من هنا، فعراق غير مستقر ومحكوم شيعيا بمباركة ايرانية، يجعل من العسير على «الهلال الشيعي» السباحة بنجاح في الفضاء العربي «السني»، كما يهول أصحاب التنظير بـ «المنظار» الأميركي.
كان الوصل والاتصال مع سورية ولبنان شوقا ايرانيا منذ الخميني. لكن العراق وهو على هذه الحال، لا يؤمن اتصالا وثيقا مع سورية الداخلة في حلف مع إيران مخالف للطبيعة وللجغرافيا. سورية السنية (80 بالمائة) محكومة بنظام لا يرغب في رؤية قمر ايراني في فضائه، اللهم إلا اذا كان الوصل مع ايران عبر العراق، يؤمن قوة ودعما لسورية في مواجهة الضغط الدولي عليها.(18/50)
صحيح، ان ايران نجحت في فتح أكثر من عشر حوزات (مدارس دينية) في سورية، ويقيم ألوف الايرانيين حول مقام السيدة زينب في ظاهر دمشق، وتجري بعثات أثرية إيرانية البحث عن أضرحة «أولياء» شيعة في شرق البلاد، لكن سورية الأسد الراحل رفضت اختراق ايران لحدود العراق خلال الحرب مع صدام، وعادت في عهد الاسد الابن، الى السماح بدخول نصف مليون عراقي، والى تضييق نشاط الحوزات في تشييع الطلبة المسلمين الذين استقدمتهم من الخارج. مع التذكير بأن سورية لا تحتوي أصلا على شيعة (دون الواحد بالمائة).
لا شك ان المنطقة العربية تشهد حاليا صراعا لاهبا بين أجهزة المخابرات. هذا الصراع يقوم على ازدواجية متناقضة: جيران العراق في سياستهم المعلنة يقولون انهم لا يتدخلون في العراق. الوجه الآخر المخابراتي يدحض السياسة المعلنة، بحيث تؤكد المستمسكات في الفلوجة، وغيرها وقائع التسلل والتدريب والتوجيه. ما زال «البعث» الصدّامي يتحرك عبر الحدود لقيادة المقاومة، وتعطيل دور السنة. لم يستطع «البعث» العراقي التخلص من هيمنة عصبة صدام، ليقدم وجها انسانيا لعروبة عراقية ديمقراطية وسلمية.
إذا كانت العمائم الشيعية الايرانية اخفقت في نشر التشيع بين سنة لبنان وسورية، فمخابرات «الحرس الثوري» تجرب حظها في فلسطين ومصر والمغرب العربي. ربما استطاعت تشييع الألوف سرا، اعتمادا على الفقر والحاجة والمرارة وسماحة الأنظمة «السنية» وعلى عدم وعي السنة أو الشيعة بالفروق المذهبية التي تلاشت عبر القرون، ويتم احياؤها حاليا.
ما أغرب السياسة!(18/51)
تفعيل القمر المصري في سماء المنطقة، بعد التفاهم المصري ـ الأميركي، اقتضى تغيير مساره فجأة، بحيث لا يلتقي مع «الهلال الايراني». من هنا، كان اعلان القاهرة عن «المؤامرة» الايرانية لضرب الصداقة المصرية ـ السعودية. احتفظت السعودية بوقار الصمت المراقب، فيما سارع الأردن الى اثبات رؤية «الهلال الشيعي» للاحتفاظ بدور له «لاجتذاب» عشائر السنة العراقية، بعدما تراجع دوره الفلسطيني أمام الدور المصري.
خبايا المخطط الشيعي لضرب استقرار مصر
جمال الشويخ الحدث المصرية ـ العدد 487ـ الثلاثاء 21 ديسمبر 2004م
هل بدأت أصابع مشبوهة تعبث بأمن مصر واستقرارها وتستهدف جر مصر إلى فتنة طائفية وإدخالها دائرة فراغ مشبوهة؟.. الأمر أكبر من مجرد مشكلة إسلام زوجة قسيس أو حالات تنصير والأمر أهم من أن يترك لمن يقول ويعلن أن استقرار مصر بات مهدداً وفي مهب الريح بعد أن تم التلويح بالخارج وخاصة من أقباط المهجر الذين يتنافسون الآن في التنديد بكل سلوك وفي كل موقف ومنددين ببعض أفعال الكنيسة ومواقفها.. شئ ما لم يعلن وربما يكون مفتاح الإجابة عن تساؤلات سياسية وأخرى اجتماعية هل هناك من يتربص بالبيت المصري وأمنه وهل هذا البيت صار هشاً لأن يكون هدفاً لمن يسعى للنيل من مصر ومن إذن يكون هل ثمة رابط بين كل ما هو حدث شيعي مثلا وبين تفجر أحداث طائفية.. لماذا تتكرر الأحداث مع وجود بعض الشواهد ولا يحمل تساؤلنا سوى وضع علامة استفهام حول الأمر.وهنا التفاصيل...(18/52)
لا نوجه اتهاماً لأحد ولا نتكلم من فراغ ولا نقول إن الشيعة ربما دون غيرهم هم وحدهم المسئولون عما يحدث من أحداث تمر بها مصر ومرجعنا في هذا أن حادث القبض على المتهم المصري في حادث التجسس الذي قام به لصالح الحرس الثوري تزامن مع بدء أحداث الفتنة خاصة مع تتالي الإعلان عن مواجهات بين الأقباط في مناطق متفرقة وبين أجهزة الدولة وبدء الإعلان عن اعتكاف البابا. هل سعى الشيعة من وراء الستار وقوى أخرى لتلغيم الأجواء بين المصريين من الداخل ببساطة بين المسلمين والأقباط وهل وقع الجانبان في دائرة المحظور؟... لقد قيل أن المتهم المصري في حادث التجسس كان يستهدف القيام بأعمال مشبوهة في مصر وأن الذي يحركه ضباط من الاستخبارات الإيرانية وأن المتهم كان يسعى للتنسيق مع قوى شيعية في مصر وأنه حضر بعض أنشطتهم في مصر وأن ضابط المخابرات الإيراني الذي كان يعمل في السفارة الإيرانية كلفه ببعض المهام الخاصة في مصر وانه أطلع جيداً على النشاط الشيعي في مصر فماذا إذن كان يريد الإيرانيون ونحن نعرف أن لإيران أهدافا محددة في مصر...
أولها: السعي لتصدير الثورة الإيرانية إلينا وتطبيق أفكار الخوميني بحذافيرها ولعل هذا هو حلم الثورة الإيرانية حتى الآن وساعدهم في هذا الحرس الثوري الذي يشبه السافاك جهاز الاستخبارات الإيراني الشهير.
ثانيها: بث الفرقة بين المصريين من خلال ضرب الاستقرار الداخلي وخاصة بين الأقباط والمسلمين من خلال حوادث عابرة تكون منطلقاً لأعمال مشبوهة فهل ما يحدث هذه الأيام كان سبباً منطقياً لمثل هذا العمل المشبوه.
ثالثها: السعي لتجنيد أكبر عدد من المساندين للفكر الشيعي عبر تجنيد الطلبة وشباب الجماعات الإسلامية والمؤمنين بالفكر الشيعي ومذهبهم في السيطرة والهيمنة على الأوضاع في أي بلد يقتربون منه!!(18/53)
والحقيقة المعروفة ووفقاً لما كتبه الأستاذ هيكل في "مدافع آيات الله" فإن أهداف الثورة الإيرانية ومنطلقاتها كانت تعمل باستمرار على حرث الأرض في البلاد المستهدفة ثم اجتياحها بفكرها وقد حدث ذلك في لبنان السبعينات وقت تشكيل حركة أمل ومنها حزب الله في لبنان والآن في بلدان إفريقية وخاصة في اريتريا والصومال وكينيا!! وتظل مصر مستهدفة من القوى الشيعية المتطرفة باعتبارها البلد الأكبر إسلامياً الذي تخشى منه وسعى للوصول إليه على اعتبار أن مصر والمصريين المتشيعين لفكرها صيد ثمين.
تنظيمات شيعية
لن أسرد تفاصيل تاريخ التنظيمات الشيعية التي ضبطت في مصر وآخرها تنظيم رأس غارب الشيعي فبرغم أنه آخر وأهم تنظيم ظهر في الآونة الأخيرة إلا أن استمرار القبض على زعيمه حتى الآن يؤكد ـ مع العلم أن ضبط التنظيم كان سابقاً على حادث التجسس ـ أن هناك إدراكا بخطورة الشيعة في مصر والذين ظلوا على ولائهم يطالبون بحقوق والتزامات بعد أن صاروا كياناً شبه معروف وشبه رسمي بعد تشكيل المجلس الأعلى الشيعي ومسعاهم للتشبه بما يحدث الآن في مجالس شيعة العراق أو لبنان ولعل رد الفعل الشيعي في العراق جراء سقوط صدام حسين يؤكد المخطط السياسي والاجتماعي الذي يسعى إليه الشيعة في بلد محتل يمثلون فيه أغلبية حاكمة فما بالك بمسعاهم للوصول إلى مصر قلب العروبة النابض ومخططهم لضرب استقرار مصر من خلال اختراقها سياسيا وأمنيا سواء بحادث تجسس أو من خلال السعي لضرب الداخل ببعضه مسلمين ومسيحيين!!(18/54)
وفي الذاكرة تداعيات وأحداث لما حدث قبل أحداث الكشح ومطالب شيعية ترددت وقتها وطالبت بإباحة ممارسة الفكر الشيعي غير المحظور بل والعمل وفقاً لمذهبهم القائم على التشيع لفكر معين سياسياً وأيديولوجياً وهو كيان يسعى للوصول إلى قلب صناعة القرار في أي بلد يتواجدون فيه حتى ولو كانوا أقلية شأنهم كل الأقليات السياسية والدينية الأخرى ويقدر عدد الشيعة في مصر بـ 400 ألف وهناك مؤشرات جاءت في موسوعة الأقليات في العالم العربي تشير إلى أن الشيعة يصلون 2/1 مليون خاصة من القوى التي تنتمي لأفكارهم وآرائهم ويعلمون لمصالحهم وأفكارهم في الهيمنة والسيطرة والسؤال هل بدأ الشيعة في التحرك في مصر لتحقيق أهدافهم وللإجابة أرصد مجموعة من الشواهد:
الأول: اعتماد الشيعة على المنطلق الأمريكي الداعي لممارسة حرية الفكر والاعتقاد وما دعا إليه الكونجرس منذ أشهر لإباحة اعتناق المذاهب أيا كان شكلها وأيا توجهها. وهو الأمر الذي استفاد به الشيعة في بلدان عديدة.
الثاني: تزامن القبض على جاسوس إيراني قامت بتجنيده قوى الحرس الثوري مع ما تردد في الشارع المصري من أن هناك قوى أخرى تسعى للعبث بأمن مصر واستقرارها وهناك حالات أخرى سابقة لإحداث الفتنة الطائفية حتى قبل الكشح.
الثالث: وجود تغذية خارجية من الولايات المتحدة الأمريكية وقوى أوروبية برغم عدم إيمان بالأفكار المذهبية بإباحة حرية الاعتقاد وهو الأمر الذي استغلته قوى شيعية وعملت على العزف على أوتاره لتحقيق أهدافها.
إيران ـ مصر ـ أية مواجهة؟(18/55)
برغم وجود أسماء مصرية كبيرة يعتد بها في المجلس الشيعي المصري وبعضها من الشخصيات اللامعة إلا أن هذا لا يعني أن تحرك الشيعة في مصر لا يشوبه ملابسات عدة تتجاوز الفكر الديني وتدخل دائرة الاعتقاد العام بأن الشيعة يتحركون وفقا لأيديولوجيات راسخة تغذيها إيران بفكر استخباراتي عام يؤمن ويدعو للهيمنة والسيادة وبث الفرقة بين الشعوب والسيادة في النهاية أولاً وأخيراً والتجربة الإيرانية الراهنة في بلدان عربية مجاورة دليل على هذا!!
والشيعة ليسوا كالبهائية أو حتى البهرة أو مجموعات الاثنى عشر أو الجعفرية أو الزيدية والتي بقي أغلبهم رهن فكر ديني محدود وتنظيمات هشة تعلن مواقفها الدينية المعتادة دون أن يكون لها سند ديني حديث أو حتى مجرد الحلم بتولى موقع في بلادها على اعتبار أنهم مجموعات صغيرة غير مؤثرة سياسياً أو حتى اجتماعياً وإن كان لهم السطوة والجاه الأيديولوجي في نطاقهم وداخل طوائفهم وبالتالي فإن الشيعة هم الأقوى والأفعل في الخريطة الطائفية العقائدية ولديهم مخطط للتولي والحكم والهيمنة ويكفي أن أعدادهم صارت كبيرة أو ضخمة ولديهم نوازع القيادة والتولي!
ماذا بعد؟
إن وضع الحقائق في مصابها الصحيح يقودنا للإجابة عن سؤال طرحناه هل الشيعة يمرحون في مصر ويسعون للفرقة بين المسلمين والأقباط أو ضرب الاستقرار وهل ثمة رابط بين حادث الجاسوس الأخير وبين اشتعال نار الفتنة.
إن الإجابة تقتضي أيضاً تأكيدنا بأن مصر "الآمنة" و "المستقرة" هدف لقوى عديدة من بينها الشيعة ومنظمات صهيونية وبعض المتطرفين الأمريكيين وجماعات متطرفة من أقباط المهجر والذين يؤكدون أنه قد أن الأوان لإقامة دولة قبطية في مصر وتشكيل حكومة منفى لإنقاذ الأقباط من سيطرة الأغلبية التي قهرت أقباط مصر وهم أولى بأهله وبأرضها!(18/56)
والسؤال منذ متى كان التفكير بأن الشيعة أو غيرهم لا يستهدفون إلا مأربهم وأغراضهم العقائدية على حساب استقرار مصر وأمنها... ومن أجل تحقيق ذلك لا حرج عليهم حين يستخدمون بأشكال أو بأخرى وسائل إعلام أو جماعات أجنبية مأجورة لتصوير أن مصر تقام بها مذابح إسلامية للأقباط من أجل إيجاد فرص للتدخل في شئون مصر من الخارج والنيل من وحدتها الوطنية الراسخة وبقي تساؤل أخير لماذا تزامنت الأحداث وتشابكت الرؤى ودخل الشيعة وإيران دائرة الاتهام... مجرد سؤال.
الإمام المهدي مسألة شيعية.. ولكنه بديهية إسلامية!
(الأزهر يصادر كتاب شيعي )
موسى حسين صفوان ـ بيروت جريدة القاهرة 21/ 12/ 2004
" هذا مقال لكاتب شيعي لبناني يهاجم قيام الأزهر بواجبه ! ونوجه السؤال للكاتب أين حرية نشر كتب وعقائد السنة في مناطق الشيعة كإيران مثلا ؟؟ " الراصد
أصبح الخلاف بين الجماهير المثقفين والمبدعين، وبين مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، حول حق المجمع في فرض الرقابة المسبقة أو اللاحقة على الروايات ودواوين الشعر والأفلام، موضوعات لاشتعال المعارك، التي لا تكاد تخمد حتى تشتعل من جديد، بين الذين يرون في ذلك خروجا على اختصاصات المجمع التي يحددها قانون الأزهر، فضلا عن أنه يسئ إلى مكانة الأزهر كمؤسسة تعليمية وعلمية. لا بد وأن تقوم على الحوار والمناقشة، وليس على الرقابة والمصادرة وبين هيئات الدولة التي تلجأ إلى المجمع، لكي تستعين به على سد الباب الذي قد يأتيها منه الريح.. وبين المتشددين من رجال الدين، الذين يحرضون الأزهر للاستيلاء على سلطة غيره من هيئات الدولة التي ينيط بها القانون أمر الرقابة الإدارية أو القضائية المسبقة أو اللاحقة.
الجانب الذي لا يثير اهتمام الذين يخوضون هذه المعارك، إلا نادرا هو أن توصيات مجمع البحوث الإسلامية بالمصادرة لا تشمل فقط، الروايات ودواوين الشعر، بل يشمل كذلك كتبا تتعلق بالدين الإسلامي.(18/57)
آخر هذه الكتب هو كتاب "الإمام المهدي واليوم الموعود" الذي كتبه الشيخ "خليل رزق" وهو من العلماء الشبان الثقات في لبنان، الذي أوصى لمجمع في أغسطس الماضي بمصادرته، وهو ما يتناوله هذا المقال، الذي كتبه باحث لبناني مهتم بالقضايا الإسلامية.
طبيعي أن نختلف في وجهات النظر، وتعدد مذاهب التأويل فيما بيننا كأمة مسلمة، ولكن من غير المقبول أن لا نحسن الاختلاف.. فكما أن للاتفاق أصوله فإن للاختلاف في الآراء أيضا أصوله وقواعده المرتكزة على كتاب الله وسنة رسوله، يبد أن العتب على مشايخ الأزهر كبير على قدر ما هو مأمول من العلماء المرابطين في هذا الثغر الثقافي المتقدم في عالم بات العقل فيه هو الذي يقاتل، وهو الذي ينتصر، فالمأمول من المرجعية الأكثر عراقة للمسلمين أن ترخي بعباءتها على كل شرائح الأمة الإسلامية وتتجاوز عناصر الفرقة والتشرذم، وتولي اهتمامها بمشاكل المسلمين السياسية والثقافية والاجتماعية بما يوازي حجم الأخطار التي تواجهها الأمة.
أصل الحكاية
نشرت صحيفة "الحياة" في عددها الصادر يوم الأربعاء 25 أغسطس الماضي، خبرا يقول إن مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، أوصى بمصادرة كتاب "الإمام المهدي واليوم الموعود" الذي ألفه الشيخ خليل رزق، وأصدرته دار الولاء ـ بيروت ـ كما أوصى بمصادرة مجلة "الحياة الطيبة" التي تصدر في بيروت، بحجة أن الكتاب والمجلة يناقشان مواضيع اختلف رأي العلماء حولها.
وبغض النظر عن مادة الكتاب وما إذا كانت تناقش كما يقول التقرير آراء تظفر باتفاق العلماء، وهو ما سيظهر بعد قليل، فإن أصل الاعتراض بهذه الصيغة ترد عليه الكثير من الأسئلة التي لا تخفى على العين البصيرة.(18/58)
أولا: متى كانت الكتب تناقش أمورا متفقا عليها؟.. أوليس ديدن العلماء دائما أن يناقشوا وجهات نظر الطرف الآخر بالبرهان والدليل وإظهار الحجة؟.. أخشى أن كاتب التقرير يستثني من هذه القاعدة الأولية في الحوار آراء المسلمين الشيعة باعتبارهم يحظون لديه بحكم مسبق غير قابل للنقض، ولعله يذكر ذلك في الفقرة التالية عندما يقول: "تبين بوضوح مذهب الشيعة"، وهذه أيضا سقطة ثانية، فهل يتوقع كاتب التقرير أن يطرح العالم المسلم الشيعي رأيا آخر مثلا؟!
ثانيا: لقد غفل كاتب التقرير أو تجاهل أن مسألة الإمام المهدي ليست مسألة شيعية.. بالمعنى المذهبي للكلمة.. بل هي مسألة إسلامية بامتياز، فلو أنه قرأ الفصل الثالث والفصل الرابع من الكتاب لأدرك بوضوح تام ما أقول، وإذا كان ثمة اختلاف بين المذهب الشيعي والمذهب السنية في هذا المجال فهو التفاصيل، وليس في أصل الموضوع، وهذه التفاصيل ـ وكما هي الحال دائما ـ يمكن التحاور بشأنها، فقد نصل إلى قناعة، وقد لا نصل، ولا يضرنا ذلك.
ثالثا: لست أعلم ما هو الضرر من طرح آراء الشيعة وما هو المبرر لمصادرة تلك الآراء وحجبها عن المسلمين ما دام علماء المذاهب قد أدوا ما عليهم من تمحيص آراء مذاهبهم وناقشوا كل المسائل وردوا عليها بإجابات من المفترض أن تكون شافية.
رابعا: هل لهذا الموضوع، واليوم بذات أبعاد سياسية يريد السياسيون إقحامها في البنية الثقافية لأمتنا الإسلامية، خاصة بعد كل الذي أظهره الشارع المصري من تفاعل وحماس تجاه القضايا المصيرية للأمة الإسلامية، دون أن يفرق بين قضية القدس وقضية النجف، وبين مدينة الفلوجة، ومدينة الصدر.
علماء الشيعة والأزهر(18/59)
بين علماء الشيعة والأزهر الشريف مودة قديمة، فمنذ مئات السنين، كان علماء الشيعة يقصدون الجامع الأزهر لطلب العلم، كما يقصدون النجف الأشرف، والعلماء المجاهدون أيضا كانوا يفرون بدينهم إلى الأزهر الشريف فقد كان حتى زمن قريب ملاذا للعلماء من كل البلدان الإسلامية والمذاهب الإسلامية، ومن العلماء المجاهدين الذين قصدوا مصر، ويمموا شطر الأزهر الشريف، السيد عبد المحسين شرف الدين الذي هاجر بسبب ملاحقة الفرنسيين له، أما العلماء الذين هاجروا لتحصيل العلم فيصعب إحصاؤهم، منهم مثلا: الشيخ علي بن زهرة الجبعي، سافر إلى مصر سنة 942هـ ودرس على علمائها، والشيخ محمد بن الشيخ جمال الدين مكي المعروف بالشهيد الأول 934هـ درس مصنفات أهل السنة، ويذكر أنه يرويها من أربعين شيخا في مكة والمدينة ودار السلام وبغداد ومصر ودمشق وبيت المقدس ومقام الخليل إبراهيم عليه السلام، والشيخ أحمد بن محسن المعروف بابن ملا البعلبكي ذكره التاج السبكي في طبقات الشافعية، ونسبه إلى التشيع فقال عنه: "هو مشهور بحسن المناظرة والقادر على إبداء الحجة". والشيخ زين الدين المشهور بـ "الشهيد الثاني" هاجر سنة 938هـ إلى مصر وقرأ على ستة عشر شيخا من شيوخها علوم كثيرا، وحصل على إجازات منهم. والسيد صالح بن السيد محمد بن السيد إبراهيم شرف الدين الموسوي العاملي، هاجر إلى مصر، وقرأ على علمائها... وكذلك الشيخ علي بن حسين الكركي المعروف باسم المحقق الثاني وقد رحل إلى مصر وأخذ عن علمائها بعد أن أخذ عن علماء الشام، ثم توجه إلى العراق والنجف (انتهى ملخصا من كتاب أمل الآمل في علماء جبل عامل).
بري ونصر الله يفترقان داخلياً ويتوافقان استراتيجياً
الوطن العربي ـ العدد 1450 ـ الجمعة 17/12/2004(18/60)
مهما تباينت الرؤى السياسية بين حركة "أمل" و "حزب الله" تبقى هناك قواسم مشتركة استراتيجية بين الرئيس نبيه بري والسيد حسن نصر الله، لا يمكن أن تشكل خلافات جوهرية بينهما، لأن الزعيمين الشيعيين يشربان من نبع واحد، ويسلكان طريقاً واحدة تؤدي إلى طاحونة سياسية مشتركة وإلى "دوائر حمراء" تضبطها دمشق وطهران وتدوزن إيقاعها الخطوط المصيرية التي تربط الحركة والحزب. وهذه الخطوط المتوازية والمتوازية سياسياً وقيادياً هي التي تنظم العلاقات الشيعية وتحول دون الاحتكام إلى منطق القوة والقواعد الشعبية سواء أكان في الجنوب أو في الضاحية أو في البقاع.
ومهما اشتدت الخلافات بينهما، يبقى هناك خيط رفيع لا يختلف عن الخيوط المغناطيسية التي تمنع التباعد أو الطلاق الثنائي بين رفاق السلاح الذين تمكنوا من تحرير الجنوب والأسرى في المعتقلات الإسرائيلية. لذلك فإن الذين يراهنون على الفرقة بين الرجلين لاقتناص فرصة الانتخابات النيابية، إنما يراهنون على ورقة خاسرة سلفاً لأنهم يعتمدون على "طواحين" الهواء، وعلى خلافات عميقة غير موجودة أصلاً.(18/61)
الرئيس نبيه بري يعرف ماذا يريد والسيد حسن نصر الله يعرف أيضاً ماذا يريد... والاثنان يعرفان تماما ماذا يريد كل واحد منهما، وهذه المعرفة المتبادلة تؤسس إلى توافق حول كل الأمور وتفاهم حول الاستحقاقات السياسية، ولاسيما الاستحقاق النيابي في مايو "أيار" المقبل، ولكن لابد أن يكون هناك خلاف على بعض التفاصيل التي يمكن حلها من خلال الاجتماعات الدورية التي تعقد بينهما، وخصوصا أنها تلقي دعماً سورياً ـ إيرانياً قوياً تحول دون حصول تنافر بين الحركة والحزب تحت أي سقف أو تحت أي سبب أو مبرر، فالانتخابات البلدية والاختيارية أصبحت وراءهما، لأن هناك مصلحة مشتركة بينهما في القادة والتنسيق خلال هذه المرحلة الحساسة التي تشهد تطورات ومستجدات دولية وإقليمية غير عادية، لا بل استثنائية، انطلاقا من أمرين أساسيين يطاولان مصير حركة "أمل" و "حزب الله" الأمر الأول الملح هو تقرير الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان حول تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 1559، وخصوصاً البند الثالث منه الذي يتعلق بحل ونزع سلاح الميليشيات اللبنانية "حزب الله"، مع ما يترتب على ذلك من مضاعفات أمنية وسياسية خطيرة، والأمر الثاني يرتبط بالانتخابات النيابية وضرورة إقامة تحالفات في الجنوب والبقاع والضاحية أياً كانت التقسيمات الانتخابية، لذلك فإنهما مضطران إلى التفاهم لأن مصيرهما في المحك من جهة، وعدم تكرار تجربة الانتخابات البلدية من جهة أخرى.
وحدة الطائفة(18/62)
من هنا، يعتبر قيادي مسؤول في حركة "أمل" ألا شئ يمنع من حصول هذه التفاهم، لأن مجلس النواب الجديد يتسع لنواب من الحركة والحزب بدون أية خلافات وبدون أية معركة انتخابية قاسية. وهذا ما يفرض إقامة تحالف ثنائي يخوض هذه الانتخابات على خلفية توافقية تضمن وحدة الطائفة الشيعية والقواعد الشعبية. وقد ظهرت ملامح هذا التوافق في الاجتماعات الأخيرة التي عقدت بين الجانبين في مقر الرئاسة الثانية في عين التينة وفي قصر الأمانة العامة لـ "حزب الله"، حيث طرحت كل نقاط التفاهم والاختلاف بكل صراحة بين الرئيس نبيه بري والأمين العام للحزب الله حسن نصر الله. وتمت معالجة عدد من هذه النقاط وبقيت نقاط أخرى قيد المعالجة تستلزم بعض الدرس لحلحلة العقد المستعصية التي تحول دون التوصل إلى الاتفاق التام. والسؤال المطروح في هذه المرحلة التي تسبق الانتخابات النيابية يتمحور حول نقاط قابلة للتسوية التوافقية أم لا.
وعن هذا السؤال، يجيب هذا القيادي في حركة "أمل" بأن الاجتماعات الدورية التي عقدت بين الحركة و"حزب الله" والبيانات المشتركة التي صدرت، لا تعني بالضرورة أن الفريقين اتفقا على كل القضايا الداخلية والخارجية العالقة، لأن رواسب معركة الانتخابات البلدية القاسية مازالت تعكر مياه العلاقات بينهما، لأن الأمور وصلت إلى حدود تحجيم الحركة والرئيس نبيه بري سياسياً وشعبياً، وبالتالي إظهار القوى الشعبية للحزب، ليس فقط في البقاع والضاحية، بل أيضاً في الجنوب، أي في الساحة التي يلعب فيها رئيس مجلس النواب بدون معوقات لا سياسية ولا شعبية، إلا أن نتائج الانتخابات البلدية أظهرت عكس ذلك، بحيث إن النتائج قلبت المقاييس وموازين القوى لصالح "حزب الله"، وهذه النتائج اضطرت الرئيس نبيه بري إلى إعادة حساباته وإجراء حركة تصحيحية داخل "أمل" تفادياً لتكرر هذه التجربة في الانتخابات النيابية المقبلة، وخصوصاً أنها أصبحت على الأبواب.(18/63)
عمق الخلافات
وفي مجال نقاط الخلاف بين الرئيس بري والسيد نصر الله، كشفت التشكيلة الحكومية الأخيرة عن عمق الخلاف بينهما، وخصوصاً بعدما نجح رئيس مجلس النواب في الحصول على حصة شيعية كبيرة، في حين بقي "حزب الله" خارج الحكومة الكرامية وخارج المحاصصة الوزارية. وهذا ما دفع نواب الحزب إلى شن حملة عنيفة على هذه الحكومة وعدم منحها الثقة. وهذه النقطة بالذات خلقت لدى نواب "حزب الله" نوعاً من الاستياء بسبب محاولات تهميش دور الحزب السياسي داخل حكومة الرئيس عمر كرامي، ولكن الأمين العام للحزب الله السيد حسن نصر الله تجاوز هذا القطوع ـ الفخ وتصرف بكثير من الواقعية والعقلانية مع ما تم خلال عملية تأليف الحكومة ولم يشأ تكبيرالحجر لاعتبارات سياسية داخلية وإقليمية.
وإضافة إلى موضوع الحكومة، فإن سلة التعيينات التي تصدر في مجلس الوزراء تشير أيضاً إلى وجود بعض الخلافات في ظل احتكار الرئيس نبيه بري للمناصب الشيعية والتي كان آخرها موقع نائب رئيس مجلس الإنماء والإعمار الذي تولاه شقيقه ياسر بري تعويضاً على مركزه في مجلس الجنوب الذي يبدو أنه على طريق الحل والتصفية.
وهذه الخلافات تنسحب أيضاً على الجامعة اللبنانية من خلال حجم الانزعاج الذي يبديه "حزب الله" من سيطرة حركة "أمل" على المواقع الجامعية والاستئثار بالقرارات المهمة بدون أن يكون للحزب أي مركز قيادي تربوي، يضاف إلى ذلك الصراعات القائمة في تفاديات الضاحية الجنوبية حول دارتها والإمساك بالقرارات فيها.(18/64)
ويبدو أن نقطة الخلاف الكبرى التي بدأت تظهر بين الحركة والحزب تتعلق بالمواقف المتنافرة بينهما من قانون الانتخابات النيابية المقبلة، لأن الحزب يطالب بالدوائر الوسطى لأنه يعتبرها الأكثر تمثيلاً، في حين يعارض الرئيس نبيه بري ذلك ويدعو إلى اعتماد الدائرة الواحدة أو المحافظة مع النسبية، لأن الدوائر الوسطى ليست في مصلحة بري الانتخابية، وخصوصاً في حال تم ضم صيدا وجزين والزعرانى.
ولكن نواب "حزب الله" يتحدثون منذ فترة عن أهمية الاستحقاق النيابي ودوره في إعادة رسم حجم الكتل النيابية الكبرى، في حين يبدي الرئيس نبيه بري حساسية مما يحضر له على صعيد قانون الانتخابات. لذلك فإن هذه النقطة بالذات تشكل مواقع الاختلافات الكبرى بين الحركة والحزب.
وإذا كان الرئيس نبيه بري والأمين العام لـ "حزب الله" السيد حسن نصر الله يقفان على حدود الخلافات الداخلية، لاعتبارات سياسية وانتخابية، فإنهما يخترقان التوافقات حول الشؤون الاستراتيجية والخارجية، لأنهما يملكان رؤية واحدة وموحدة حول القرار 1559، والعلاقات الاستراتيجية مع إيران وسورية، كما أنهما يواجهان الضغوط الدولية ولاسيما الأميركية والفرنسية على بيروت ودمشق. وقد عبرا عن ذلك بوضوح خلال تظاهرة "المليون"، حيث حشدا جماهير واسعة في ساحة الشهداء تعبيراً عن الرفض القاطع لهذا القرار الذي لا يخرج عن إطار التدخل في شؤون لبنان وسورية الداخلية.
ضرورة التنسيق
ويلتقي "حزب الله" وحركة "أمل" حول المخاطر المستقبلية للأوضاع اللبنانية، ويصران على ضرورة التعاون والتنسيق لمواجهة هذه المخاطر التي تهدد البلاد، لأن نتائجها ستكون سلبية على الوضع الشيعي ودور المقاومة. إضافة إلى المخاطر التي يمكن أن تتعرض لها سورية وإيران في المرحلة المقبلة جراء التطورات الخطيرة في العراق في حال نجحت الولايات المتحدة في تحقيق مشروعها هناك وفي معظم دول المنطقة.(18/65)
ومن هذا المنطلق يجد بري ونصر الله، أن هناك ضرورة للتعاون لمواجهة هذه التطورات ومنع تحويل لبنان إلى ساحة ضغط على المقاومة ودمشق وطهران. لذلك وبعيداً عن نقاط الخلاف الداخلية، فإن الفريقين مضطران للتوافق استراتيجياً خوفاً من أية انتكاسة إقليمية ودولية قد تؤثر على أوضاعهما السياسية والحزبية وتؤدي إلى إضعاف الشيعة في لبنان، وخصوصاً إذا تمكن مجلس الأمن من تطبيق قرار 1559.
وفي أية حال، يرى الرئيس نبيه بري والسيد حسن نصر الله، أن الخلافات الداخلية بينهما ليست مهمة، لأنه ليس في نية أحد إلغاء الآخر، لذلك فإن الأوضاع الإقليمية والدولية تستلزم المتابعة في الدرجة الثانية من خلال التوافق العميق على استراتيجية دعم سورية وإيران، لأن هناك مؤشرات تدل على أن الأشهر الستة المقبلة ستكون خطيرة وقاسية، وإذا لم يتم التنسيق وتحصين الجبهة الداخلية، فإن مشروع التغييرات الأميركية قد يشمل لبنان ويقع الهيكل على رؤوس الجميع.
من هنا، يعتبر الفريقان أن الخلافات بينهما تبقى ثانوية وهامشية مقابل الهجمة الأميركية الدولية على المنطقة، وخصوصاً على إيران وسورية بعد تحقيق المشروع الأميركي في العراق وفلسطين. وتبعاً لذلك فإن كل الدلائل تشير إلى أن هناك صورة جديدة في الشرق الأوسط قد تتبلور وتنجلي في المرحلة المقبلة، وهذا يبقى مدعاة قلق ويدعو كل الفرقاء على الساحة اللبنانية إلى وضع خلافاتهم جانباً لئلا يأتي ذئب فجأة ويأكل الشاة. من هنا، يأتي الخوف والحذر في ضوء الحديث الأميركي عن المتغيرات في منطقة الشرق الأوسط التي يمكن أن تكون مدخلاً للمشاريع الدولية.
آية الله العظمي حسين منتظري في أول حوار لمطبوعة عربية:
الثورة الإسلامية انحرفت ولابد من التغيير!
أجرى الحوار في مدينة قم: محمود صادق
الوطن العربي ـ العدد 1449ـ الجمعة 10/12/2004(18/66)
آية الله العظمي حسين علي منتظري. فقيه الثورة الإسلامية، كان في ما مضى بمثابة ولي للعهد لزعامة الثورة الإسلامية التي قامت في عام 1979، اصطدم مع آية الله روح الله الخميني في عام 1988 قبل وقت قصير فقط من وفاة الزعيم الثوري، وذلك لانتقاده انتهاكات حقوق الإنسان من قبل النظام، وتم استبدال منتظري على وجه السرعة كخليفة لآية الله الخميني بالمرشد الأعلى الحالي، آية الله على خامنئي ولكنه بقي في منصبه الديني كآية الله، متمتعا بعدد كبير من الأتباع في صفوف المتدينين الإيرانيين وبمسؤولية تفسير أحكام المرشد الأعلى.
ولكن منتظري أغرق في انتقاداته للنظام في عام 1997 ووضع قيد الإقامة الجبرية في مدينة قم المقدسة، وكانت جنايته التشكيك في الحكم غير الخاضع للمحاسبة الذي يمارسه المرشد الأعلى، وجردت وسائل الإعلام المحافظة في إيران منتظري من لقبه الديني كآية الله العظمي واصفة إياه بأنه رجل دين "بسيط".
ولم تؤد فترة احتجاز طال أمدها أكثر من خمس سنوات إلى إسكات منتظري، وهو في الثمانينات من عمره، بل دائما ما تؤدي أفكاره المثيرة للجدل إلى إثارة مشاكل على الدوام لناشريها ومحرري المطبوعات التي تنشرها مع السلطات، ونفوذه المتواصل يمكن أن نلاحظه في الاضطرابات التي أثارها بين الفينة والأخرى عبر توجيهه توبيخات لاذعة لآية الله خامنئي، وأعضاء مجلس صيانة الدستور المحافظين الذين يرون أن عملهم هو وقف تقدم اتجاه أكثر ليبرالية وحداثة في الحياة السياسية الإيرانية.(18/67)
وعلى الرغم من تردي وضع منتظري الصحي فإنه ما زال غير متهيب رغم تقدمه في السن والوهن الذي دب في أوصاله، "الوطن العربي" التقت آية الله العظمى منتظري في مقر إقامته بمدينة قم في أول لقاء علني له مع مطبوعة عربية بعد رفع الإقامة الجبرية عنه، ورغم أن مساعديه اشترطوا علينا عدم إجهاده وألا تزيد مدة الحوار على نصف ساعة، إلا أن الوقت جاوزنا ومن العراق إلى الثورة وتداعيات الداخل في إيران جاءت حصيلة اللقاء الذي قارب الساعة ولولا أن ملامح الإجهاد كانت قد بدأت تدب في أوصاله ما تركناه ولا تركنا ولامتد اللقاء ليتنوع في قضايا أخرى.
تحرير العراق
لا يمكن أن نبدأ إلا من العراق، كيف ترى أسلوب تحرير العراق وحل مشاكله؟
ـ إن حل مشاكل العراق إنما يتيسر بالتبادل الفكري بين النخب والإفادة من قوة نفوذ المرجعية الشيعية وبمشاركة كل القوى والطاقات والطوائف وبتشكيل دولة شاملة من خلال انتخابات حرة، أما أن تعمد بعض القوى المتشددة، ومع إساءة الإفادة من اسم الإسلام والدين، إلى ممارسة القتل والاغتيال والأعمى والطائش وتلجأ إلى عمليات الاختطاف فذلك لن يكون دافعا لتحرير العراق، وكذلك ما يفعلونه من اتخاذ العتبات الشريفة خنادق لهم فيسببون بذلك هتكا لتلك العتبات المقدسة، إن كل ذلك ليس من الدين في شئ ولا يوجب خروج قوات الاحتلال من البلاد بل يتضرر بمثل هذه الحركات الإسلام والدين والشعب العراقي، إن من الواجب واللازم الجهاد الدفاعي أمام المحتلين بعد إعداد الإمكانيات والوسائل اللازمة، إلا أن الجهاد ليس باختطاف الأفراد الأبرياء واغتيالهم.(18/68)
وأضرب لذلك مثالا بما حدث لامرأتين من أتباع إيطاليا كانت قد دخلتا العراق للخدمات الإنسانية، إن لم تكن التبشيرية، واختطفتا وقتلتا احتجاجا على حضور القوات الأجنبية، في حين لو كان هناك احتجاج على الاحتلال فالمسؤولية على الدول لا أتباعها، فالقرآن الكريم يقول "ولا تزر وازرة وزر أخرى" وهذه الآية من الآيات المحكمات في القرآن الكريم ولا تتحمل أي توجيه أو تأويل.
لكن المقاومة لا شك تفيد في إشعار قوات الاحتلال أن بقاءها في العراق مستحيل؟
ـ نعم ولكن أي شكل من أشكال المقاومة، إن ذلك ممكن أيضا بالأساليب العقلانية وعلى القوات الأجنبية أن تعلم أن بقاءهم الطويل في العراق ليس من صالحهم عليهم أن يتركوا البلد بأسرع ما يكون ذلك أن البقاء الطويل يضر بهم مئة بالمئة.
بقايا ثورة
بالنسبة للوضع الداخلي في إيران، هل ما زالت الثورة الإسلامية باقية؟
ـ ظاهريا، ما زالت الثورة باقية، لكن السؤال هل حققت مطالب الشعب؟، في رأيي أنهم لم يحققوا ما وعدوا به الجماهير، وحتى هذه الشعارات الإصلاحية التي رفعها السيد خاتمي خلال فترة توليه المسؤولية لم يستطيعوا أن يحققوا منها شيئا رغم أنها ليست بجديدة على المجتمع الإيراني وسبق أن رفعها أيضا منفذو الثورة الإسلامية من لحظة قيام الثورة، والحريات العامة التي هي حق مكتسب للجميع لم يتحقق منها شئ حتى اليوم ولذلك نجد الشعب الإيراني قد صار محبطا بعد أن خيبت كل آماله السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
كانت لكم العديد من الملاحظات على ممارسات المسؤولين منذ أيام الثورة الأولى ولذلك كان قرار تحديد إقامتكم الجبرية، هل ما زلتم على موقفكم، البعض يسجل ذلك بأنه دليل على معارضتكم الثورة الإسلامية وعدم تأييدها؟(18/69)
ـ نعم ما زلت على موقفي فالمشكلة في رأيي عدم الوفاء بالوعود ولذلك كنت دائما ما أتساءل من لحظة انتصار الثورة عن الذي يمنع من تحقيق مطالب الجماهير، لقد كان ذلك أحد أهم أسباب قيام الثورة الإسلامية، بل لقد كنت واحدا من هؤلاء الذين اختلفت معهم من لحظة دخول أول سجين سياسي المعتقل وكنت دائما ما أسألهم ما دمنا قلنا إنها ثورة إسلامية فما حاجتنا إلى استخدام أساليب القمع؟! هل كان يوجد أيام الرسول صلى الله عليه وسلم أو أحد من الصحابة سجناء رأي سياسي! إن التاريخ يذكر لنا أن شخصا اسمه عبد الله بن كوار انتقد علي بن أبي طالب علنا لكنه لم يدفع به إلى المعتقل، فلماذا إذن نتجرأ اليوم على من يخالفنا في الرأي ونرمي به في ظلمات السجون! إذا كنا ندعى أننا نسير على خطى أسلافنا فلنفعل ما كانوا يفعلون ولا ننتقي منه ما يعجبنا ويأتي ليدعم مصالحنا الشخصية ونترك ما فيه الصالح العام الذي هو من جوهر الإسلام، إن أمير المؤمنين سيدنا علي بن أبي طالب يقول في نهج البلاغة خطبة 216 "شوروا على وقولوا لي قول الحق، وأنا لست أعلى من الحق ولست أكبر من أن أخطئ إلا أن يكفيني الله "، إن المشورة إذن واجبة على حكام المسلمين والخطأ وارد في أفعالهم " إلا أن يكفيهم الله"، ونحن أهل الشيعة نعتبر عليا من المعصومين ونقرأ هذا الذي قاله ونزعم أننا بشر ولسنا من المعصومين، ثم نفعل ما كان (سيدنا) علي يتبرأ من فعله!، هذا هو اعتراضي الرئيسي على قادة الثورة الإسلامية فهم ليسوا آلهة وليسوا من المعصومين فلماذا يتجرأون على دين الله الذي أمرهم بالشورى؟!
هل هذه الاعتراضات تتعلق بالشق التنفيذي من الثورة!، أم بجانبها الروحي وما يتعلق بالولي الفقيه أو قائد الثورة والمرشد كما يطلق عليه أيضا؟(18/70)
ـ احتجاجي موجه ضد أصحاب القرار النهائي في إيران، وهؤلاء عادة ما يكونون في أعلى سلم السلطة، والولي الفقيه يعتبر نفسه فوق القانون مع أن الدستور الإيراني الذي وضعته الثورة الإسلامية ينص على أن المرشد مثله مثل أي مواطن عادي ولا يكفل له الدستور حقوقا مميزة فلماذا يرفض أن يسأل عما يفعل، ألا يجب أن يخضع كل الشعب الإيراني للقانون! فلماذا يعتبر خامنئي نفسه فوق القانون!، إن آية الله خامنئي قد تجاوز صلاحياته وعليه أن يخضع نفسه لانتخابات شعبية، وأن يقيد من صلاحياته، وأن يكون خاضعا للمحاسبة ومنفتحا للنقد العام لأعماله، إن الله العلي القدير منح جميع المؤمنين سلطة القيادة الدينية لكن هذه السلطة ليست مطلقة إنها محدودة، وفي اعتقادي أن المؤسسة الدينية الحاكمة في البلاد حاليا أكثر من ديكتاتورية ولا فرق هذه الأيام بين رجال الدين الحاكمين وزمن الشاه.
هل يعني ذلك أن أحد مبادئ الثورة الإسلامية قد انتفى؟(18/71)
ـ إنهم لا يسيرون على مبادئ الإسلام، لقد صارت الثورة عنيفة، إنهم يستخدمون العنف والقسوة رغم أن الإسلام دين الرحمة والله سبحانه وتعالى يستفتح كل سور القرآن، باستثناء سورة التوبة، بآية بسم الله الرحمن الرحيم وليس بسم الله المنتقم الجبار، 113 سورة تبدأ بالرحمة وليس بالقوة والانتقام والعنف، والله يقول لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"، ويقول أيضا "فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم وشاورهم في الأمر"، والثورة قامت لتعامل الناس بالحسنى وتقضي على التمييز والعنف السائد بالمجتمع فإذا بها تقع في أخطاء السابقين ذاتها، ورغم أنني من مؤسسي الثورة إلا أنه منذ 7 سنوات انتقدت فقط الممارسات التي تتم فما كان منهم إلا أن أجبروني على الإقامة الجبرية في هذا المنزل لمدة خمس سنوات، بل لقد قيدت حركتي في هذه الغرفة فقط ولم يسمحوا لي بالخروج منها إطلاقا... فهل هذا معقول أو حتى مقبول؟!
إنني لست ضد مبدأ إشراف رجال الدين على الحكم لضمان أن يظل التشريع وسياسة الحكومة متوافقين مع المبادئ الإسلامية، لكني أعارض بشدة تدخل رجال الدين في شؤون الحكومة، كما أنني أطالب بتعديل دستور الجمهورية الإسلامية، الذي شاركت في وضعه، ليمنح رئيس الجمهورية مزيداً من الصلاحيات ويعطيه حق السيطرة على القوات العسكرية والأمنية.
تصدير الثورة
يبدو أن العنف لم يكن فقط ممارسة داخلية، لكنه أيضا كان شعارا للثورة التي أخذ قادتها على عاتقهم مسؤولية تصدير الثورة إلى خارج إيران حتى ولو كان ذلك عن طريق العنف؟
ـ هؤلاء الذين تحدثوا عن تصدير الثورة الإيرانية لو كانوا يعملون بإخلاص وكان عملهم مميزا لأصبح ذلك عاملا على انتشارها وتصديرها دون حاجة لاستخدام العنف الذي نرفض اللجوء إليه حتى ولو كان بهدف نشر أفكارنا ومعتقداتنا.(18/72)
هل ترفض أيضا الارتباط الذي نشأ بين إيران الثورة وبعض الجماعات الإسلامية خارج إيران بدعوى مساندتهم على الانقلاب على حكوماتهم وإقامة الدولة الإسلامية؟
ـ لا علم لي بهذا الاتصالات التي إن حدثت تكون من الأخطاء الكبيرة التي وقع فيها المسؤولون عنها، فنحن ضد العنف أيا كان الهدف من ورائه، وتاريخيا هناك في عصور الإسلام الأولى، خاصة في التاريخ الشيعي الكثير من المواقف التي ترفض استخدام العنف حتى ولو كان الهدف منه إنهاء فتنة ناشئة، فالإسلام كما قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قيد الفتك، ولا يفتك المؤمن، بمعنى أن الإسلام ضد الإرهاب فكيف بنا نشجعه! إن الدين والسياسة معا يدفعاننا لعدم ممارسة هذا العنف والقرآن الذي نقول إننا نحكم به يذكر في واحدة من آياته أنه "لا إكراه في الدين"، والسياسة باستخدام الإرهاب لا تصل إلى هدفها بل تصل عندما تكون عاقلة وحكيمة ومدروسة، ولو كانت الثورة الإيرانية في أيد حكيمة وأناس عقلاء ولو لم يسلطوا على بلادنا العراق في حرب طويلة منهكة لتم تصدير ثورتنا الإسلامية إلى بلاد كثيرة دون الحاجة للجوء إلى العنف.
يعتبرك المراقبون السياسيون فقيه الثورة الإسلامية، لماذا أطلقتم اسم جمهورية إسلامية على بلادكم رغم أن الأولى تعنى الحكم للشعب، بينما كلمة الإسلامية تعني أن الحكم لله؟
ـ حينما نقول جمهورية فهي تعني مطالب الشعب، أما الإسلامية فتعني أن الحكم في هذه المطالب سيكون بالإسلام، لذلك لا يوجد تناقض بين الكلمتين فالجمهورية قامت على أساس الإسلام وغالبية الشعب والإيراني من المسلمين، نحن نؤمن بأن الإسلام لا يختص بالمسائل التعبدية فقط، بل يتسع ليشمل كل شؤون الحياة من مسائل اقتصادية وعلاقات اجتماعية وأمور سياسية وغير ذلك مما يتعلق بمناحي الحياة المختلفة.
يقال إن الثورة الإسلامية لم تحدث تغييرا هيكليا في بنيان المجتمع بدليل انقلاب شباب اليوم على بعض شعارات وأفكار الثورة؟(18/73)
ـ وهذا يرجع أيضا إلى سوء الإدارة من جانبنا، ليس العيب في الأفكار والمعتقدات بل في إدارتها وتطبيقها و علاقاتها مع الواقع الإيراني ، العيب فيهم هم المسؤولون عن إدارة الثورة بعد قيامها والتفاف الشعب حول أهدافه.
ما رأيك في الصراع الدائر حاليا بين المحافظين والإصلاحيين، وهل ترى فرقا بين الفصيلين؟
ـ لا أرى فرقا يستدعي الاختلاف، لكنه مجرد تباين في "السلائق".
دليل ضعف
منذ أيام هاجمت إحدى المجموعات المسلحة المتشددة أستاذا جامعيا كان يحاضر في إحدى جلسات مدينة قم، أشبعته ضربا وتركته بين الحياة والموت بأحد الشوارع في وقت متأخر من الليل، كانت حجتهم أنه من المنتقدين للثورة والنظام!، ما تعليقك على تلك الحادثة التي تتكرر بشكل ملحوظ؟
ـ من المؤسف أن حركات جماعات الضغط والإرهاب المخالفة للقانون، ضد النخب والعلماء ما زالت مستمرة، فقبل عدة أسابيع هاجمت فرقة، أطلقت على نفسها اسم حزب الله، جلسة محاضرة علمية للدكتور عبد الكريم سروش الذي هو عالم متعبد ففرقت الجمع واعتدت عليه بالضرب والسب! فمن الذي أجاز لهؤلاء القيام بهذا العمل غير المبرر وما هو دليلهم الشرعي على ذلك!، إن ما حدث من الأعمال اللامنطقية!، فهذا مجلس علمي خاص فلماذا تهاجمه هذه المجموعات المعروفة للدولة وقوى الأمن لا يواجهونهم! إن فلسفة وجود الدولة والقوات هي المحافظة على الأمن والسلام في المجتمع، والتأمين على أمن النخب في رأس تلك التكاليف، وإذا لم تحاول الدولة والقوى الأمنية مواجهة عناصر الشغب فذلك علامة ضعفهم وهذا ما يشكل علامة استفهام على مكانة الدولة وكرامتها.
وهل هذه الأوضاع جديدة على الجمهورية الإسلامية؟
ـ إن هذه الأوضاع كانت في النظام السابق أيضا، فكلما كانوا يحتاجون شيئا في الساحة السياسية أو على الصعيد الاجتماعي كانوا يدفعون إلى الساحة عناصر الشغب السفلة لضرب الناس وسبهم وشتمهم.(18/74)
هل تعتقد أن الثورة الإسلامية في حاجة إلى ثورة حتى تعود إلى أهدافها؟
ـ بلا شك لقد انحرفت الثورة الإسلامية عن مبادئها، لكنها ليست في حاجة إلى ثورة بالمفهوم المتعارف عليه، لكنها تحتاج إلى تغييرات ضرورية حتى تعود إلى أصولها وأهدافها.
توفيق إلهي
محمد كاظم انبار لويى * رسالت (الرسالة) 5/9/2004
أعلن حجة الإسلام والمسلمين حسين بوشهري مدير الحوزة العلمية في قم أن طلاب 70 دولة يدرسون في قم، وأن حوالي 50 ألف طالب منشغلون الآن بدراسة العلوم الدينية في قم، وأن هناك 300 مدرسة علمية في كل أنحاء إيران و300 مركز بحثي علمي قائمة في قم على دراسة القضايا الدينية والمذهبية.
وفي الواقع يعمل المجتهدون المسلمون الآن في طهران، ومشهد، وقم وسائر محافظات إيران على حماية الدين، في ظاهرة لا نبالغ إذا قلنا أنه لم يحدث مثلها أبداً في تاريخ إيران، كما لم يحدث اهتمام بعلوم أهل البيت بمثل هذا المقدار وهذا المستوى.
ويجب على الأفراد ذوي النوايا السيئة أن يدركوا أن ازدهار الحوزات العلمية إنما يمثل إحدى نتائج الثورة الإسلامية، ويجب عليهم أن يعلموا أيضاً أن ازدهار هذه الحوزات إنما هو راجع إلى الشعب الإيراني وذلك من خلال المساعدات المالية التي يقدمها للحوزات العلمية، ومن خلال دفعه للضرائب، صحيح توجد مخصصات مالية ـ في ميزانية الدولة ـ من اجل مساعدة المراكز العلمية المهتمة بشئون الدين، لكن رغم ذلك فإن إجمالي هذه المساعدات يعد ضئيلا جداً مقارنة بما هو مطلوب. اللافت للانتباه أن ميزانية مؤسسة الشئون الدينية في تركيا ـ التي تعد دولة علمانية ـ تبلغ على أقل تقدير ضعف الميزانية السنوية التي تخصصها حكومة الجمهورية الإسلامية الإيرانية من اجل ترويج ونشر الدين تقدمها إلى عدد من المؤسسات الدينية.(18/75)
وتخصص الدول الإسلامية مثل إندونيسيا، وماليزيا والسعودية ميزانيات ضخمة لنشر الدين وترويج المذهب يتم وضعها تحت تصرف المنظمات والمؤسسات المكلفة بأمر الدين وهذه الأرقام تفوق كثيراُ المبالغ المخصصة لنشر الدين في ميزانية الجمهورية الإسلامية.
وفي إسرائيل تعادل ميزانية وزارة الشئون الدينية 1/20 من إجمالي الميزانية العامة للدولة مما يجعلها أكبر ميزانية من نوعها على مستوى العالم كله.
ولهذا كله يمكن القول إن النجاحات الكمية والكيفية الخاصة بالحوزة العلمية في قم ونشر علوم أهل البيت إنما تعد بلاشك بمثابة "توفيق إلهي" غير مسبوق في تاريخ إيران على مدار 150 عاما الماضية. فمنذ ذلك التاريخ وحتى الآن شهدت إيران ظهور العديد من الحكومات العلمانية والمعادية للدين، وكانت الفترة التي شهدت ظهور أكثر الحكومات تشدداً هي فترة حكم رضا خان وابنه محمد رضا التي ذهبت إلى "ذمة التاريخ" مع نجاح الثورة الإيرانية. إن المقاومة الضاربة التي أبداها العلماء في العصر البهلوي، هي التي أفرزت لنا ما نراه الآن من ثمار وازدهار ورقي للحوزات العلمية.
في هذا السياق يطرح السؤال التالي نفسه:
لماذا تتقلص المخصصات المالية للحوزات العلمية في الميزانية السنوية وذلك مقارنة بما تفعله الحكومات الإسلامية الأخرى؟
خلال السنوات الأخيرة قام بعض الصحفيين بإهانة الدين والمقدسات الإلهية بلغ الأمر درجة أن عدداً كبيراً من هؤلاء صارت لهم ملفات جنائية وقضائية أمام المحاكم القضائية.(18/76)
لكن للأسف الشديد تقدم مساعدات مالية كبيرة لهذه الجماعة في قوالب مختلفة ومتعددة من جانب الحكومة، منها على سبيل المثال، ما ترصده في ميزانية السينما، والصحافة، والمسرح، والموسيقى و ... إلى غير ذلك. ومؤخراً قامت الحكومة بتخصيص مبلغ مليار ريال كمساعدات مالية يتم تقديمها للأشخاص الذين صاروا بلا عمل نتيجة لفصلهم بسبب حبسهم في قضايا إهانة المقدسات الدينية ومخالفة القوانين الصحفية. لقد تم وضع هذا المبلغ تحت تصرف اللجنة النقابية الصحفية التي لا تتوقف أبداً عن مهاجمة النظام وانتهاج سياسات عدائية ضده.
والسؤال التالي موجه إلى نواب مجلس الشورى:
إذا لم تحققوا نجاحاً فيما يخص توفير الميزانيات الخاصة بنشر وترويج الدين والمذاهب فهل يمكنكم التوقف عن تقديم المساعدة لمعارضي الدين والذين يهينون المقدسات والقيم الإلهية؟. إن كنتم تعانون من مشكلات خاصة بالمطلب الأول فمن المؤكد أنه لا توجد مشكلات في تحقيق المطلب الثاني.
نقلا عن مختارات ايرانية
عدد 52 نوفمبر 2004
علاقات بين "الجمهورية الإسلامية" و"الشيطان الأكبر" (1 من 2):
غزل بلا أمل بين إصلاحيي إيران وديمقراطيي أميركا
مصطفى اللباد رئيس تحرير مجلة "شرق نامه", القاهرة.
الحياة 23/12/2004(18/77)
تبقى العلاقات الإيرانية - الأميركية فريدة من نوعها في تاريخ العلاقات الدولية على مدار نصف القرن الأخير, اذ راوحت بين أقصى درجات التقارب وأشد مراحل العداوة, وتقلبت على ألوان طيف بين هذين الحدين, لكنها ظلت, في تقاربها وعداوتها, علامة واضحة على خرائط الشرق الأوسط. وتعود أهمية العلاقات بين البلدين إلى حزمة من العوامل الموضوعية يتصدرها الدور الدولي القائد الذى تلعبه الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية, والمنفرد منذ انهيار الاتحاد السوفياتي ومنظومته الاشتراكية, في تقرير مصائر النظام العالمي عموماً ومنطقتنا خصوصاً, وأيضاً دور إيران المحوري في منطقة الشرق الأوسط والعائد إلى موقعها الجيوسياسي ومواردها من الطاقة معطوفين على قدراتها البشرية والعسكرية.
والعلاقات الإيرانية - الأميركية لها سمات التطور والتحرك, بحيث لا يمكن الانطلاق من فرضيات دائمة ومعطيات ثابتة عند تحليل مكوناتها ومحاولة قراءة زواياها وانعطافاتها, وهي العلاقات التي تحمل في طياتها مقومات الاستمرار وعوامل التناقض في آن واحد.(18/78)
وشهدت الفترة الواقعة بين الثورة المضادة التي أسقطت حكومة الزعيم الوطني الإيراني الدكتور محمد مصدق عام 1953 وقيام الثورة الإيرانية عام 1979 ذروة التلاقي والتصالح في العلاقات الأميركية - الإيرانية وتمتين التحالف وتنسيق الأدوار والمصالح بين البلدين في المنطقة, لتدخل بعدها في نفق مظلم. وعلى مدار ربع القرن الممتد بين هاتين النقطتين الفاصلتين, اعتقد المراقبون بأن العلاقات الثنائية الممتازة بين البلدين هي المثال الواجب اتباعه بين القوى الإقليمية والدولية, حيث تبدت المصالح الوطنية لكل منهما في مناطق الجوار الجغرافي لإيران على وفاق كامل. وبعد قيام الثورة الإيرانية انقلبت هذه العلاقات لتصبح في مجملها علاقات صراعية قلما شهدت نظيرها العلاقات الدولية الحديثة, إذ أنتجت خطاباً إعلامياً جديداً صارت الولايات المتحدة بمقتضاه "الشيطان الأكبر", في حين أصبحت إيران توصف على نحو متزايد بأنها الدولة "الراعية للإرهاب". ومنذ انتصار الثورة الإيرانية وحتى صعود الرئيس الإيراني محمد خاتمي وتياره الإصلاحي قادت إيران التيار الراديكالي في المنطقة, والمعارض لسياسات واشنطن وحلفائها, وإن بوتائر تفاوتت حدتها بحسب المعطيات الإقليمية. وجاءت الحرب العراقية - الإيرانية لتكرس حال العداوة بين طهران وواشنطن, إذ رأت الأولى أن واشنطن رمت بثقلها في المعسكر المعادي لها, على رغم وجود استثناءات مثل "فضيحة الكونترا" التي حصلت بمقتضاها إيران على سلاح أميركي من وراء ظهر المؤسسات التشريعية الأميركية وبمعرفة مكتب الرئاسة الريغانية الجمهورية.(18/79)
واتخذت العلاقات الصراعية بعدها منحى أكثر حدة بإدراج إيران على قائمة "الدول الراعية للإرهاب" في اللائحة التي تنشرها الخارجية الأميركية سنوياً, وكذلك بموافقة الكونغرس الأميركي على "قانون داماتو" الذي يحظر على الشركات الأميركية الاستثمار في إيران بأكثر من 20 مليون دولار سنوياً. وجمّدت الولايات المتحدة الأرصدة والأصول المالية الإيرانية وأوقفت اتفاقات التوريد الثنائية مع إيران.
وتغيرت أدوات الصراع بين الطرفين منذ صعود التيار الإصلاحي بقيادة خاتمي إلى سدة الرئاسة في إيران عام 1997 في ظل إدارة بيل كلينتون الديموقراطية. وصدرت وقتها إشارات متبادلة صبت في اتجاه تلطيف حدة التوتر, اذ إن المصالح الوطنية الإيرانية تطلبت تحسيناً في العلاقات مع واشنطن, القطب الدولي الأوحد في نظام عالمي أحادي القطبية. وتتلخص هذه المصالح في موضوع رئيس هو الدور الإقليمي لإيران, وعدم قدرتها على فرض إيقاعها في المنطقة وتوسيع نفوذها في جوارها من دون موافقة واشنطن.
ولا يخفى على المتفحص أن الدور الإقليمي لإيران تصدر أولويات أمنها القومي منذ تأسيس الدولة الإيرانية الحديثة, بغض النظر عن الحاكمين فيها, سواء كانوا الصفويين أو القاجاريين, مروراً بالحكم البهلوي وحتى الجمهورية الإسلامية. وتحت عنوان الدور الإقليمي تندرج قضايا متعددة مثل الأرصدة المجمدة في واشنطن, أو مسألة توزيع الحصص في بحر قزوين الغني بالنفط أو رفع الحصار الاقتصادي المفروض على إيران. وهذه القضايا تحتاج دوراً إقليمياً معترفاً به من القطب العالمي الأوحد, بشروط محددة وتفاهمات دقيقة, وبنوع من تقسيم الأدوار والنفوذ في المنطقة.(18/80)
على هذه الخلفية راحت إيران ترسل الرسائل والإشارات الإيجابية مع وصول خاتمي الى منصب الرئاسة, بدءاً من الحوار التلفزيوني الشهير الذي أجراه الأخير أواخر عام 1997 مع قناة "سي إن إن" والصحافية كريستين أمانبور, مروراً بتسهيل طهران الإفراج عن بعض الرهائن الغربيين في لبنان بعدها بشهور, والدعوة الى "حوار الحضارات" التي أطلقها خاتمي نفسه. وزادت الإشارات وضوحاً مع زيارة رئيس البرلمان الإيرانى مهدي كروبي للأمم المتحدة العام 2000 , واللقاءات التي جرت في نيويورك بينه وبين أعضاء من الكونغرس الأميركي وعدد من الرموز البارزة للجالية اليهودية في نيويورك.
وكان أن فكت الإدارة الأميركية الديموقراطية رموز شفرة هذه الرسائل, وردت التحية بأحسن منها. فاعتذرت وزيرة الخارجية السابقة مادلين أولبرايت, وإن متأخرة 47 عاماً, عن المشاركة الأميركية في الانقلاب على حكومة مصدق الوطنية. ووصلت الإشارات الى مرحلة متقدمة عندما وصف كلينتون إيران بأنها الدولة صاحبة "احدى أعرق الحضارات الإنسانية".(18/81)
والشاهد أن التحسن النسبي في العلاقات الثنائية يعود من المنظور الأميركي الديمقراطي إلى مفهوم "الاحتواء المزدوج" لكل من إيران والعراق وتوخي عدم التورط في جبهات مباشرة مع طهران, من دون أن يعني ذلك الامتناع عن مواصلة التضييق على ايران وأوراقها في المنطقة وتحييد معارضتها للتصورات الأميركية. وإضافة إلى هذا المبدأ ظل موضوع الاقتصاد هاجساً لدى إدارة كلينتون, فعلى مدار السنوات الأربع بين 1997 عام انتخاب خاتمي و2000 الذي شهد وصول الرئيس جورج دبليو بوش إلى البيت الأبيض, للمرة الأولى, لم يتوقف صناع القرار في إيران عن التلويح بجزرة صفقات النفط للشركات الأميركية, وبخاصة شركتي "كونوكو" و"أموكو" اللتين كانتا قاب قوسين أو أدنى من إبرام صفقات ببلايين الدولارات, إلا أن "قانون داماتو" حال بين الشركات الأميركية والفوز بكعكة النفط الإيرانية. وأمكن ملاحظة الأداء الأميركي الديمقراطي الحذر تجاه إيران من طريق رصد المحاولات الرامية إلى تنفيذ الأهداف الأميركية في المنطقة بوسائل شتى منها العسكري أيضاً, ولكن ليس كأسلوب وحيد كما هو حادث الآن. أي بمعنى آخر تغيير ملامح المنطقة ومن ضمنها إيران في شكل متدرج, وتشجيع المعارضة الإيرانية داخل إيران وخارجها, واعتماد المزاوجة بين الوسائل للوصول إلى هذا الهدف, عبر سياسة طويلة النفس والنظر الى تحقيق مصالح واشنطن بأكبر قدر من الفوائد وبأقل قدر من التورط المباشر. وهذا ما يفسر خيبة أمل السياسة الخارجية الإيرانية في مردود الإشارات الإيجابية تجاه واشنطن, إذ جدّد الكونغرس في نهاية عهد كلينتون الحظر التجاري على إيران لمدة خمس سنوات, مع بقاء إيران على قائمة "الدول الراعية للإرهاب".(18/82)
وببعض الاطمئنان يمكن القول ان العلاقات الأميركية - الإيرانية شهدت عموماً, حتى قبل الإصلاحيين, ارتياحاً إيرانياً تاريخياً في التعامل مع الإدارات الجمهورية, ومرد ذلك أن اللوبي النفطي الأميركي والنافذ في سياستها قريب تقليدياً وبحكم المصالح من الجمهوريين. وهذا اللوبي هو الداعم الأساس لهيئة "المجلس الجمهوري الأميركي الإيراني" التي تضم إيرانيين في المهجر يرتبطون بالدولة الإيرانية, وسفراء ووزراء أميركيين سابقين وحاليين في عضوية هيئاته التنفيذية. ويقوم هذا المجلس منذ تأسيسه في تسعينات القرن الماضي بإعداد سيناريوهات التعاون المختلفة مع إيران واستشراف آفاق التعاون بين البلدين في المنطقة.(18/83)
وتميز الأسلوب الديمقراطي الأميركي في التعامل مع إيران باعتبارها حجر عثرة في طريق مصالح واشنطن, وعلى رغم ان الخيار العسكري ضد إيران لم يكن مطروحاً, الا ان إدارة كلينتون لم ترغب في الوقت نفسه باستمالة طهران وعرض مقايضات معها, لأن حدود المقايضة من المنظور الإيراني, تطاول بالضرورة الدور الإقليمي لطهران, وهو الأمر الذي لم تستطع الإدارة الديمقراطية تقديمه بسبب تناقض ذلك مع منظومة القيم التي أعلنتها هذه الإدارة لنفسها, وبغض النظر عن نسبة صدقيتها, والتي تتصدرها قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان. وهكذا تضافرت عوامل موضوعية خاصة بالوضعين الإقليمي والدولي معطوفة على عوامل ذاتية لكلا الطرفين لتمنع حدوث تقارب يخدم مصالحهما الوطنية. فمن جهة, مثلت منظومة القيم الديمقراطية الأميركية عائقاً قوياً أمام كلينتون الراغب في فرض المصالح الأميركية في العالم والشرق الأوسط بقفاز من حرير, وفي إطار مشروع يعتمد على التغيير المتسلسل, والذي لا يستطيع بمقتضاه تبرير او تسويغ التقارب مع إيران في المؤسسات التشريعية الأميركية وفي العالم. وفي الجهة المقابلة لم يكن خاتمي, المخلص للدستور الإيراني والمسلّم بولاية الفقيه, مخولاً اتخاذ القرارات العليا التي هي من صلاحيات مرشد الثورة السيد علي خامنئي. فخاتمي, المثقف ودارس الفلسفة, لم يكن قادراً إلا على سك التعبيرات والمفردات التي تقترب من الأفكار الليبرالية, ولكن من دون أن تغادر المربع الديني الإيراني التقليدي. كما أن خاتمي يرمي في جوهر مشروعه السياسي إلى تفسير المشروعية الثورية الإيرانية في قالب دستوري, ومن ثم تسويق فكرة "ولاية الفقيه" في قالب جديد" عصري أحياناً ومدني في أوقات أخرى. وعليه, لم يكن خاتمي الداعي إلى حوار الحضارات, المبتسم باستمرار, الفصيح والهادئ غالباً, وغير القادر على الفعل دائماًَ, الشريك القادر على إحداث اختراق في العلاقات الإيرانية - الأميركية. فكانت(18/84)
هذه العلاقات, على رغم كل ما مرت به من إشارات وابتسامات ولقاءات في عهد ديمقراطيي كلينتون وإصلاحيي خاتمي, مثل غزل بلا أمل. وبعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر), وما أدت إليه عالمياً وأميركياً وإقليمياً, بالتوازي مع وجود إدارة جمهورية متشددة في واشنطن أحدثت ما يشبه الانقلاب في السياسة الداخلية والخارجية وتورطت في حروب على تخوم إيران في أفغانستان والعراق, وفي توقيت أفول التيار الإصلاحي في إيران وقرب انتهاء ولاية خاتمي, انفتح الباب أمام آفاق جديدة في العلاقات بين واشنطن وطهران, إذ باتت كل منهما, على رغم كل تراث القطيعة وكل العداء الإعلامي, لاعتبارات المصالح الاستراتيجية, في حاجة الى الاخرى في شكل متزايد.
أي علاقات تجمع بين "الجمهورية الاسلامية" و"الشيطان الأكبر"؟ (2 من 2):
محافظو إيران وجمهوريو أميركا: التقاء المصالح بين "تسييس الدين" و"تديين السياسة"
مصطفى اللباد رئيس تحرير مجلة "شرق نامه", القاهرة.
الحياة 24/12/2004(18/85)
سقط آل غور مرشح الحزب الديمقراطي في انتخابات الرئاسة الأميركية عام 2000 أمام منافسه الجمهوري جورج بوش, وتغيرت ملامح العالم تبعاً لذلك, ودخلت العلاقات الإيرانية - الأميركية مرحلة جديدة. كان السائد في العلاقات الدولية أن الدول المؤسساتية, أي التي يصنع القرار فيها مؤسساتياً مثل الولايات المتحدة, لا تغير سياساتها جذرياً بتغير الجالس في المكتب البيضاوي. لكن انتخاب بوش هز ما ساد واستقر في الولايات المتحدة والعلاقات الدولية, إذ لم تلبث أحداث 11 أيلول (سبتمبر) أن وقعت, فاندفعت الإدارة الجمهورية الجديدة في "الحرب المقدسة على الإرهاب". وبمقتضى هذه الحرب ضربت القواعد المستقرة للعلاقات الدولية في مقتل, بعد ضرب برجي نيويورك, فشنت الحروب من على بعد عشرات الآلاف من الكيلومترات وبالتحديد على مناطق الجوار الجغرافي لإيران, أي في أفغانستان. وتغيرت صورة المنطقة لأن القوات الأميركية التي غزت أفغانستان للقضاء على تنظيم "القاعدة", صارت بحكم الجغرافيا السياسية جاراً مباشراً لإيران, إذ بدأت التوازنات الإقليمية وموازين القوى بين دول المنطقة, التي استقرت قبل هذه الحرب, في الاهتزاز والتغير. صحيح أن الولايات المتحدة كقوة عظمى كانت موجودة منذ فترة بعيدة في المنطقة المحيطة بإيران, إما عن طريق التحالفات الإقليمية أو القواعد العسكرية, لكن عديد قواتها واستمرارها في البقاء في أفغانستان خلق وضعاً جديداً من الناحية الاستراتيجية. ثم جاءت الحرب على العراق واحتلاله من القوات الأميركية - البريطانية لتخلق وضعاً غير مسبوق, ليس فقط لأنها المرة الأولى التي تحتل أميركا دولة عربية احتلالاً عسكرياً, ولكن أيضاً لأن واشنطن تحت حكم الجمهوريين صارت "جارة" لإيران من كل الجهات الجغرافية. إذ تحتل القوات الأميركية أفغانستان من جنوب إيران الشرقي والعراق من غربها, فضلاً عن الوجود العسكري الأميركي في باكستان إلى الجنوب الغربي(18/86)
منها, وفي مياه الخليج في الجنوب, وتركيا في الشمال الغربي وأذربيجان في الشمال, وليس آخراً دول آسيا الوسطى في الشمال الشرقي.
فاق الجمهوريون ما ذهب إليه الديمقراطي بيل كلينتون من قصف لأفغانستان والعراق "تأديباً" لـ"القاعدة" وصدام حسين, إذ أن القصف, مهما اشتدت ضراوته, لا يحتل الأراضي ولا يغير بالتالي التوازنات الإقليمية القائمة.
وأطاحت واشنطن في كل من العراق وأفغانستان بنظامين عدوين لإيران, الأول خاض حرباً مدمرة ضدها لثماني سنوات والثاني قتل دبلوماسييها وناصبها العداء المرتكز على منطلقات طائفية, فأصبحت امتدادات طهران السياسية والطائفية في العراق وأفغانستان في وضع الرابح المحلي بسقوط نظامي صدام و"طالبان". وجاء تغير الأثقال الاستراتيجية في المنطقة المحيطة بإيران ليفتح الباب أمام أخطار تهددها, ولكنه أتاح لها الفرصة في الوقت نفسه لاستثمار هذه المتغيرات التي أحدثتها القوة العسكرية الأميركية تحت حكم الجمهوريين. وأدى التغير في الوضع الستاتيكي في المنطقة, إلى انتعاش الطموحات الإيرانية للعب "دورها الإقليمي" الذي تتوق تاريخياً إليه, إذ كانت طهران في حال حصار سياسي واقتصادي وإقليمي خلال حكم كلينتون.
ولأن القوى العظمى, والولايات المتحدة أبلغ مثال عليها, لا تخوض الحروب لذاتها, بل لتحقيق المصالح الاستراتيجية التي ترخص الدماء في سبيلها, فإذا ما تحققت تلك المصالح من طريق الحلفاء والوكلاء, ومن دون خسائر بشرية ومادية عليها, انتفت الحاجة إلى الأعمال العسكرية.(18/87)
انطلق التخطيط الاستراتيجي لصناع القرار في واشنطن من فرضية أن احتلال العراق وأفغانستان لم يكن ليتم من دون تدخل القوات المسلحة الأميركية, وأخذ العامل الإيراني من وقتها يزيد أهمية, لأن إيران, إذا تعاونت, يمكن لها تحقيق المصالح الأميركية, أما إذا أحجمت بفعالية, فيمكنها - نظرياً - عرقلة هذه المصالح بحكم وجودها الجغرافي وامتدادها الطائفي في العراق وأفغانستان. وواشنطن بسبب مأزقها الحالي في العراق وتورط قواتها هناك, لا تملك ترف المضي في حصار إيران والتضييق عليها من بعد وبنفس طويل كما فعلت إدارة كلينتون, فأصبحت خياراتها تجاه إيران محدودة بطريقين فقط: إما الاندفاع نحو إيران وتغيير نظامها السياسي بالقوة العسكرية للخروج من مأزقها العراقي, وهي مغامرة غير مضمونة العواقب لأنها توسع الجبهات العسكرية نوعياً وكمياً مما يفقدها السيطرة على هذه الرقعة الجغرافية الشاسعة ولا يجعلها تتحكم بالنتائج, أو اعتماد الحل الثاني وهو التفاهم مع طهران شريكاً إقليمياً قوياً يضمن مصالحها ويقلل خسائرها ويثبت الوضع الجديد إقليمياً, وهو الاحتمال الذي يبدو محتملاً الآن.(18/88)
وتبرز إيران كشريك مفيد استراتيجياً لواشنطن في هذه المنطقة من العالم عبر حضورها الجغرافي وامتدادها الطائفي, حيث تملك رصيداً إقليمياً لا يبارى على الأرض العراقية" فاضافة الى علاقاتها التاريخية مع الأكراد هناك العلاقات الديموغرافية والطائفية المتداخلة مع شيعة العراق الذين يشكلون غالبية سكانه. كما أن إيران لا تعتبر بالضرورة أن تحالفها في مجال السياسة الخارجية مع روسيا مقدس, بسبب تضارب مصالح موسكو وطهران في موضوع تقاسم نفط بحر قزوين بين الدول المطلة عليه ومسألة صراع النفوذ على دول آسيا الوسطى السوفياتية السابقة. ولا تفوت ملاحظة اعتبار على قدر كبير من الأهمية الاستراتيجية لصانع القرار في طهران الراغبة في فرض دورها الإقليمي, وهو ضرورة الانضواء تحت المظلة الدولية التي تسقف عمليات الحراك الإقليمي لجعل دورها ممكناً, إذ أن إيران ومنذ سقوط الاتحاد السوفياتي, هي القوة الإقليمية الوحيدة في المنطقة التي لا تتحالف مع واشنطن, مقارنة بالقوى الإقليمية المنافسة في الهند وباكستان وتركيا ومصر والسعودية, مع اختلاف الأوزان.
يطرح العراق نفسه وبمنطق تسلسل الأحداث ساحة للتفاهمات بين المحافظين الإيرانيين والجمهوريين الأميركيين, نظرياً على الأقل, حيث تحتاج طهران إلى سماح وموافقة أميركيين لفرض دورها والانخراط في مشاريع المنطقة كقوة إقليمية معترف بها من القطب العالمي الأوحد. ولهذا تكررت الإشارات الإيرانية نحو واشنطن, بهدف تعزيز التفاهم الذي يضمن لإيران دوراً إقليمياً متميزاً, وبالأخص بعد انتخاب جورج بوش, الذي تمنى صانع القرار في طهران أن يفوز بانتخابات الرئاسة الأخيرة, وفقاً لما صرح به حسن روحاني رئيس مجلس الأمن القومي الإيراني.
ثم جاءت المشاركة الإيرانية في مؤتمر شرم الشيخ لتوافق مع بقية دول جوار العراق على بيانه(18/89)
الختامي الذي اعتبر أن أعمال المقاومة في العراق تندرج تحت خانة الإرهاب. وتؤيد إيران إجراء الانتخابات العراقية في موعدها تماماً مثل إدارة جورج بوش, وتتفق كل من طهران المحافظة وواشنطن الجمهورية على تعديل تركيبة السلطة في العراق وبسرعة: الأولى تريد تثبيت الغالبية الشيعية في مؤسسات الحكم ومن ثم مراكمة أوراق قوة إقليمية, والثانية إبرام اتفاقات قانونية ملزمة للعراق تخدم مصالحها ولكن مع حكومة منتخبة ومعترف بها دولياً.
ولا يبدو الاختلاف بين الطرفين في موضوع الملف النووي الإيراني عائقاً كبيراً أمام العلاقات الثنائية بين طهران وواشنطن, بسبب كونه هو الأخر أحد أوراق المساومات الاستراتيجية بين الطرفين. وفي وقت تريد أميركا تسييس هذا الملف وإخراجه من الطابع التقني الحقوقي, ومن ثم إدخاله بنداً للضغط على إيران في ملفات آخرى يتقدمها العراق, يحاور المحافظون الإيرانيون ببراعة الأطراف الأوروبية الثلاثة التي تفاوضهم (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) كبوابة لمراوغة ضغوط واشنطن التي يستهدفونها برسائلهم السياسية. فالمحافظون الإيرانيون يداعبهم الدور الإقليمي لإيران والمتعزز بإمكانات نووية, أي وضع الملف النووي على طاولة المفاوضات مع واشنطن لمقايضته بدور إقليمي, وهنا يلتقي الطرفان من جديد أيضاً في تسييس الملف النووي, على العكس مما يبدو على السطح.(18/90)
دشنت طهران, ومنذ السنة الأولى لثورتها, سابقة تاريخية وشت بارتياحها إلى إبرام الصفقات والمساومات مع الجمهوريين الأميركيين, إذ يجب التذكير في هذا السياق بأن الرئيس الديموقراطي جيمي كارتر هو الذي قام بعملية إنزال فاشلة لتحرير رهائن السفارة الأميركية في طهران, وأن طهران بقيادة الإمام الخميني هي التي ماطلت في تسليم هؤلاء الرهائن حتى موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 1980 حتى تضمن فوز الجمهوريين على الديموقراطيين, وهو ما حدث بفوز الرئيس رونالد ريغان. واضافة إلى عامل السابقة التاريخية وعامل المصالح الاستراتيجية ومساوماتها بين الطرفين, وهو العامل الأساس في العلاقات الثنائية الإيرانية - الأميركية, تتشابه المنظومة القيمية وللمفارقة بين كل من طهران وواشنطن في عهد بوش في ركن مهم وهو "المهمة الإلهية" المنوطة بكل طرف, بحسب ما يعتقد, وتصب هذه الحقيقة ربما في مصلحة سيناريو التقارب وتقاسم النفوذ والأدوار بين كل من طهران وواشنطن في الشرق الأوسط في المرحلة المقبلة. فطهران لم تعدم وجود مثل هذه "المهمة الإلهية" منذ قيام دولتها الدينية قبل ربع قرن طبقاً لنظرية ولاية الفقيه, وواشنطن تختبرها للمرة الأولى في مقاعد الحكم وفقاً لبروتستانية متشددة يمثلها بوش وجماعة المحافظين الجدد. وهنا تلتقي رغبة كل من الفريقين في تنفيذ هذه "المهمة الإلهية" عبر "تسييس الدين" في إيران و"تديين السياسة" في الولايات المتحدة, التي تتجه بمعدلات سرعة فائقة تحت إدارة بوش إلى هذا المنحدر.(18/91)
تتأسس العلاقات الأميركية - الإيرانية تاريخياً على أرضية المصالح الاستراتيجية وتنهض على "الدور الإقليمي" لإيران الذي تسمح به واشنطن وفقاً لمصالحها هذه, وهي علاقات متشابكة المداخل ومعقدة المخارج, تعتمد أساساً على هذا الدور وذلك السماح, اللذين يتحكمان بمسارها صعوداً وهبوطاً, مع وجود اعتبارات إضافية متنوعة تعزز أو تقلص فرص التلاقي, وهي ليست علاقة اعتماد متبادل اعتيادية, مثل بقية العلاقات الثنائية, بحيث يمكن متابعة علامات سيرها السابقة وبالتالي استنتاج مراميها اللاحقة. إذ أن التقلب الشديد في مسارها بدءاً من نصف القرن الماضي وحتى الآن, يجعل من عملية استشراف المستقبل لهذه العلاقات أمراً مستعصياً في كثير من الأحيان. وعلى رغم تقلب المسار وتناوب فترات التقارب والتباعد, ظلت العلاقات الإيرانية - الأميركية مفتوحة دوماً على احتمالات التغير, بسبب كونها مسكونة بهاجس "الدور الإقليمي" لإيران. وبالاستناد على العوامل التاريخية والمصالح الاستراتيجية للطرفين حالياً تبرز فرضية مؤداها أن الخطاب السياسي الرسمي في الحالة الإيرانية - الأميركية, تحت حكم المحافظين الدينيين في إيران والمحافظين الجدد في واشنطن, لا يعكس بالضرورة, دلالات تطور العلاقات الثنائية أو تدهورها, إذ يعد هذا الخطاب أساساً مؤشراً على حال المساومات الاستراتيجية بين البلدين, والتي انفتح مزادها في العراق الآن أكثر من أي وقت مضى.
قنبلة ايران النووية في خدمة الدين ام القومية؟!
د. سليمان البدور الرأي 29/12/2004(18/92)
لم تكن مصادفة ابدا ان يختار شاه ايران المخلوع، «محمد رضا بهلوي»، عام «1975م»، للاحتفال بمرور «2500» عام على ظهور الامبراطورية الفارسية، فالامبراطورية الفارسية كانت قد ظهرت قبل ذلك بخمسة وسبعين عاما وفي عهد «قمبيز الاول» مؤسس السلالة الاخمينية حوالي «6000» قبل الميلاد، لكن الشاه اختار عهد «قمبيز الثاني»، خليفة «قورش» الذي أعاد اليهود من بابل الى فلسطين عام «534» قبل الميلاد، ولم يكن الاختيار خافيا على قراء التاريخ، وكذلك السنة التي ابتدأ بها الشاه حسابه للألفين والخمسمائة عام، فقد بدأت هذه الحسبة بالعام «525»، وهو احتلال مصر من قبل «قمبيز الثاني» هذا، حيث اتسعت رقعة الامبراطورية الفارسية آنذاك من اسيا الصغرى وحتى اليمن السعيد!!
كان الشاه مصرا على احياء الروح الفارسية القديمة، ومع أنه مسلم، واسمه محمد، الا ان الشعور القومي كان طاغيا ومتجذرا في الوجدان الايراني، ولم يكن الشعور الديني او النزعة الايمانية من القوة بحيث تلغي دوافع الايرانيين الدنيوية، واعتقادهم ـ ربما الخاطئ ـ بأن اختفاء امبراطوريتهم القديمة لم يكن على يد المسلمين العرب، بل على يد العرب المسلمين، والفرق بين تقديم الاسلام على العروبة او العروبة على الاسلام كبير جدا، وتأسيسا على ذلك فقد كان توجيه الثأر التاريخي للعروبة من قبل الايرانيين، متلفعا دائما بالعباءة الدينية!!.(18/93)
من جانب آخر، وانصافا للحقيقة، فإن عربا كثيرين قد سيسوا الدين، ولم يرتفع منسوب إيمانهم الى المستوى الذي يلغي عنصريتهم العربية، وقد تعاملوا مع المسلمين من غير العرب بنظرة فيها شيء من الدونية الاجتماعية والسياسية، فاطلقوا عليهم اسم «الموالي»، وبسبب رسوخ مفهوم القبيلة والنسب لدى العربي، واعتزازه بالاصل والفصل والاصالة ونقاء الدم، فقد كان على هؤلاء المسلمين من غير العرب، ان يوالوا قبيلة او زعامة سياسية، ليحتموا بها ويتجنبوا مهانة الدونية الاجتماعية امام العرب، الذين تسلحوا بالقوة العسكرية وبالدين الذي جاء بلغة اعجازية هي لغتهم، حتى بلغ اعتزازهم بأنفسهم شأنا لم تبلغه أمة من الأمم، واستمر الصراع القومي يدور في الخفاء، يهدأ حينا ويثور حينا آخر، حتى برزت «الشعوبية» وهو المصطلح الذي اطلقه العرب على صراعهم مع القوميات الاخرى.
لا بد من القول ان المسلمين الحقيقيين من عرب وغير عرب، لا يؤمنون بأكثر من نموذج واحد للاسلام، وهو اسلام محمد «صلى الله عليه وسلم» الذي حمل الرسالة وبلغ الأمانة ونشر الدعوة ونال شرف المعجزة، كما ان المسلمين جميعا هم شيعة النبي ولا يجوز ان يكونوا شيعة شخص غيره، مهما علا قدره وجلت مكانته، لأن الله لا يفرق بين عبد وآخر الا بالتقوى، واكرم الناس عنده اتقاهم، واي تسخير للدين في سبيل المكاسب الدنيوية هو زيف وباطل، لذلك فإن الطائفية السياسية وحرب المذاهب، ليست من الدين في شيء!!.(18/94)
تصر ايران على تخصيب اليورانيوم لإنتاج القنبلة الذرية، وتدعي ان ذلك لنصرة الاسلام والدفاع عن مقدسات المسلمين واراضيهم المغتصبة، وللوقوف في وجه الصليبيين الجدد الذين يشنون حربا لا هوادة فيها على الإسلام، وهذا كلام جميل، فيه دغدغة للمشاعر ورفع للمعنويات، لكن الواقع ينبئ بغير ذلك، فما معنى ان تحتل ايران، التي تدعي الدفاع عن الاسلام، ثلاث جزر اسلامية في الخليج العربي؟!، ولماذا لا تدعو الخليج العربي بالخليج الاسلامي بدلا من الخليج الفارسي؟!، ثم لماذا تنشر اللغة الفارسية في جنوب العراق المسلم، بدلا من اللغة العربية لغة القرآن؟! والاكثر ايلاما من ذلك كله دعمها القوي والمكشوف لدمج محافظات الجنوب العراقي، ذي قار والبصرة وميسان على غرار المحافظات الكردية في الشمال، وهي تسعى جاهدة لتقسيم ارض المسلمين العرب، بالهلال الشيعي السياسي، الذي يبدأ طرفه الاول بلبنان وينتهي طرفه الثاني بباب المندب على البحر الأحمر!!.
واذا كانت ثورة ايران اسلامية، وموظفة لصالح المسلمين، وهو ما نتوخاه ونأمله، فلم السعي الحثيث لاقصاء السنة وتهميشهم، وما ذنبهم جميعا اذا كان بعضهم قد ناصر «صدام» عندما قمع الشيعة المسيسين المتواطئين مع ايران، والذين ما ان تنفسوا الآن، تحت مظلة الاحتلال، حتى انكشفت نواياهم وتطلعاتهم المختبئة خلف ستار الدين، ليعلنوا من خلف بنادق الغزاة حرب الطوائف الدينية وحرب العرقيات التي اندثرت، باسم الاسلام وضد المسلمين!!.
كذب عبد العزيز الحكيم... ولو صدق
طلال معروف نجم 22/12/2004
www.airss-forum.com(18/95)
المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق. هو تنظيمٌ سياسي وميليشي ترعرع داخل إيران. وبعد غزو العراق من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، عاد هذا التنظيم إلى الساحة العراقية يقوده محمد باقر الحكيم. ما لبث أن قتل محمد باقر الحكيم ولم تُعرف الجهةُ المستفيدة من قتله ليعتلي قيادة هذا التنظيم شقيقه عبد العزيز، الذي كان عضواً في مجلس الحكم العراقي المعّين من قبل المُحتل. ترتبط بهذا التنظيم ميليشيا تُدعى بقواتِ بدر.
بادر عبد العزيز على حلها استجابةً إلى مطلبٍ أمريكي – حكومي عراقي. لم يَفتهُ أن يدس عناصر من هذه الميليشيا في صفوف الحرس الوطني العراقي الجديد وفي صفوف الشرطة العراقية الجديدة. وتاريخ ميليشيا بدر حافلٌ بالجرائم. فهي خليطٌ من الهاربين والمجرمين الذين كانوا يتحصنون في أهوار العراق (مستنقعات الجنوب). ومن الذين يُطلق عليهم بالتوابين أي من أسرى الجنود العراقيين الذين تمت معهم عملية غسيل المخ في إيران. وَحُوِّلَ ولاءَهم من العراق إلى إيران. وهم الذين ساهموا في مذابح ما أطلق عليه بانتفاضة الجنوب عام 1991. وفي هذه ( الانتفاضة ) قتلوا المئات من الجنود العراقيين العائدين من الجبهة العراقية - الكويتية.
…واليوم... ينخرط الحكيم بحزبه في القائمة الحزبية الموحدة. التي وصفها وزير الدفاع العراقي حازم الشعلان بالقائمة الإيرانية. ويطلع الحكيم على الملأ يقدم خدماته الجليلة إلى الحكومة العراقية المؤقتة، من أجل إنجاح عملية الانتخابات، متبرعاً بـ 100 ألف عنصر من عناصر ميليشيات بدر لحماية المراكز الانتخابية. عند هذه الخطوة التي أطلقها الحكيم تبرز الحقائق التالية:-
1.…إن تنظيم المجلس الأعلى للثورة الإسلامية طرفٌ في المعادلة السياسية العراقية ولا يحق له أن يقدم عناصر عسكرية من حزبه قد تخلخل هذه المعادلة ولا تساند الأمن في المراكز الانتخابية.(18/96)
2.…لا الحكومة العراقية المؤقتة ولا المفوضية العليا للإنتخابات العراقية تسمح لعناصر مسلحة بالمشاركة في الأمن إلى جانب الحرس الوطني العراقي والشرطة العراقية.
3.…الرقم الذي طرحه الحكيم وهو 100 ألف مقاتل من قوات بدر هو رقمٌ خيالي ومبالغٌ بهِ لأن كل عناصر حزبه التي وفدت من إيران لم تزد عن 7 آلاف فقط.وهو يريد بذلك إرهاب الاخرين.
4.…ألفُ سؤال وسؤال يطرح عن الجهة التي تُمّول هذا التنظيم وميليشياته.
5.…سبق للحكيم أن أعلن عن حل ميليشيا بدر وها هو يعود ثانيةً ليقدمهم كحماةٍ للمراكز الانتخابية متحدياً قراراً بحل الميليشيات التي تعود للأحزاب العاملةِ في العراق.
…إن هذا الانفلات الأمني الذي يعيشه العراق اليوم سمح للرعاع أن يطفوا على السطح في وقتٍ كان ليس بمقدور أي رعاعةٍ منهم أن ينبس ببنت شفة.(18/97)
مجلة الراصد الإسلامية
العدد التاسع عشر – غرة محرم 1426 هـ
1-…فاتحة القول: وماذا بعد الانتخابات....................................4
2-… وسطية أهل السنة في عاشوراء........................5
3-…فرق ومذاهب: العلويون في تركيا....................................7
4-…سطور من الذاكرة: استشهاد الحسين رضي الله عنه في عاشوراء.17
5-…دراسات: 1- حقيقة موضع رأس الحسين وقبره...................22
6-… 2-الحسين في التراث الشيعي............................33
7-…كتاب الشهر: من قتل الحسين......................................60
8-…قالوا...............................................................66
9-…جولة الصحافة:
-…الدروز في الأردن.......................................................69
إيران
-…الآن وليس غداً.........................................................75
-…الخليج بين العروبة والفارسية..........................................77
-…الرقص مع إيران.......................................................79
-…العلاقات العربية الإيرانية...............................................81
-…ثروة الإيرانيين بالخارج.................................................92
-…مصر وإيران............................................................98
العراق
-…اتهام الجلبي بالخيانة العظمى..........................................103
-…المرجعية الشيعية تميل إلى تأييد فيدرالية في الجنوب..................105
-…الموصل ولاية الأزمات والأقليات......................................107
-…تصريحات خطيرة.....................................................111
-…جهاد القرن الواحد والعشرين.........................................113
-…مستقبل العراق ومستقبل السنة.......................................115
البحرين(19/1)
-…اعتصامات ومسيرات.................................................116
-…حركة الردة في البحرين الأهداف الدينية المحضة والطابع السياسي..118
وأيضاً
-…القوالي موسيقى روحانية تجعلك تستشف أعماقك.....................121
-…لمصلحة من الشائعات بأن أبو مازن بهائي؟..........................124
-…مسجد قايتباي........................................................127
فاتحة القول
وماذا بعد الانتخابات ؟
ها قد جرت الانتخابات وقريبا تظهر النتائج فماذا بعد ذلك ؟ هذا سؤال نوجهه للتيارات السياسية العراقية التي شاركت في الانتخابات .
هل ستكونون صادقين مع أنفسكم و تقدمون المصلحة العليا للعراق بالإصرار على رحيل الأمريكان و التشاور مع السنة لوضع دستور غير متحيز لطائفة أو عرقية؟
هل ستكون هذه الانتخابات و نتائجها الذراع التي تكشف عورة المشاركين فيها والتي تسترها ورقة التوت بما سيمارسونه من أعمال و ما يقيمونه من تحالفات ؟
هل ستكون نتائج الانتخابات الكارثة التي ستجبر المغفلين على الاستفادة من دروس التاريخ والاهتمام بعقائد و أفكار التجمعات و القوي السياسية ؟
هل ستكون هذه الانتخابات بداية للصراعات الشيعية الشيعية على محور العراق إيران؟
هل تفرز هذه الانتخابات صحوة سياسية لدى الدول السنية بضرورة التواصل مع التجمعات السنية العراقية ؟
هذه تساؤلات ستكشف الأيام القادمة عن إجاباتها ونآمل أن توفق الأطراف التي عليها الإجابة للصواب فيها وإلا سندخل في متاهات لا يعرف أحد متى يمكن الخروج منها .
وسطية أهل السنة في عاشوراء
بين
ضلالة الشيعة والصوفية
الحمد لله الذي جعل الإسلام وسطا بين الأديان وجعل أهل السنة وسطا بين الفرق والنحل ، ومن هذه الوسطية وسطية أهل السنة في موقفهم من يوم عاشوراء وما جرى فيه فيما بعد من استشهاد الحسين رضي الله عنه سنة 61 هـ .(19/2)
فعاشوراء وهو اليوم العاشر من محرم كان يومًا كسائر الأيام في الإسلام حتى هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فوجد اليهود يصومونه ولما علم أنهم يصومونه بسبب نجاة موسى فيه من فرعون قال عليه الصلاة والسلام :" نحن أحق بموسي منكم " فصامه وأمر الناس بصيامه ، وقال صلى الله عليه وسلم عن أجر صيامه : " صيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله " .
وهكذا بقي حال يوم عاشوراء في حياة المسلمين يوم مبارك نجى الله فيه موسى وأمر المصطفى سلام الله عليه بصيامه في بقية حياته صلى الله عليه وسلم وفي عهد الخلفاء الراشدين من بعده وزمن خلافة الحسن ومعاوية وبداية خلافة يزيد. وفي عهد يزيد كانت الفاجعة بمعركة غير متكافئة بين جيش يزيد- الذي قاده بعض الخائنين للحسين رضي الله عنه – وبين الحسين وأهله أسفرت عن مقتل الحسين رضى الله عنه .
ولقد تلقت الأمة الإسلامية هذه الحادثة بالاستعظام والبراءة من قتلة الحسين، ولكن القضاء قد نفذ، والموت حق على كل أحد ، فلزم آل البيت وغيرهم الصبر على مُرّ القضاء واستمرت عادة المسلمين في يوم عاشوراء على ما كان من عهد النبي صلى الله عليه وسلم .
وبقي الأمر كذلك حتى استولى البويهيون الشيعة على بغداد زمن الدولة العباسية فأظهروا البدع في عاشوراء كما يروي لنا ابن كثير في البداية والنهاية :" فكانت الدَّبادب تضرب ببغداد ونحوها من البلاد في يوم عاشوراء، ويذر الرماد والتبن في الطرقات والأسواق، وتعلق المسوح على الدكاكين، ويظهر الناس الحزن والبكاء، وكثير منهم لا يشرب الماء ليلتئذ موافقة للحسين، لأنه قتل عطشان، ثم تخرج النساء حاسرات عن وجوههن ينحن ويلطمن وجوههن وصدورهن، حافيات في الأسواق.. " وبعد ذلك بدأت البدع تكبر وتتنوع فظهر تمثيل الواقعة زمن الصفويين وبعدها جاءت الطقوس الدموية من شج الرؤوس بالسيوف وجلد الظهور.(19/3)
وقد استمرت هذه البدع إلى يومنا هذا لكن مع الاستفادة من التقنيات الحديثة لإتقان هذه البدع السيئة ! فأصبحت تبث على الفضائيات والانترنت مع مراعاة تعقيم السيوف والسلاسل !! واستخدام الملابس المسرحية لتمثيل الواقعة !!
ومن المهم جداً ملاحظة أن هذه الطقوس البدعية نابعة من البيئات السابقة للبويهيين والصفويين وليست من الإسلام في شيء.
فكان هذا هو الضلال الشيعي تجاه يوم عاشوراء .
وقد قابل هذا ضلال آخر وهو الضلال الصوفي تجاه يوم عاشوراء وهو الاحتفال بهذا اليوم وإظهار الفرح والسرور وتوزيع الهدايا والحلويات الخاصة بهذا اليوم !
ولعل بداية هذه البدع الصوفية كانت من قبل النواصب الذين انتهوا من التاريخ كحال البدع وأهلها، فقد ذكر ابن كثير عن بدعهم يوم عاشوراء فقال : " فكانوا في يوم عاشوراء يطبخون الحبوب ويغتسلون ويتطيبون ويلبسون أفخر ثيابهم، ويتخذون ذلك اليوم عيدا، يصنعون فيه أنواع الأطعمة، ويظهرون السرور والفرح؛ يريدون بذلك عناد الروافض ومعاكستهم ."
ولذلك تجد الصوفية إلى اليوم يحتفلون بيوم عاشوراء ويقيمون حلقات الرقص التي يسمونها ذكرا!
وهكذا نجد أن البدعة تقابلها البدعة وتدخل الأمة الإسلامية دوامة الضلال التي لا ينجيها منها إلا التمسك بالوحي المطهر الذي جاءنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ولذلك تمسك أهل السنة بصيام عاشوراء الذي أمر به رسول الله وحرمه علماء الشيعة ! ولم يجعلوا من عاشوراء يوم عيد كالصوفية تمسكاً بأعياد الإسلام الفطر والأضحى .
والله الموفق ،،،
فرق
العلويون في تركيا
في العدد الأول من الراصد، تحدثنا بإسهاب عن طائفة "النصيرية" أو العلويين الذين ينتشرون بشكل خاص في سوريا، حيث يجلسون في قمة الحكم في ذلك البلد المسلم الذي يشكل المسلمون من أهل السنة غالبية سكانه.(19/4)
وإضافة إلى تلك الدراسة المشورة في باب / فرق، نشرنا عدداً من المواضيع في أبواب عديدة عن تلك الفرقة، وعقائدها، وأفكارها، والفساد الذي تمارسه في سوريا، وعدد من الدول.
ونحن في هذا العدد أمام كيان علوي كبير ومستقل، في تركيا حيث نحاول استعراض عقائدهم ونشاطهم السياسي، ومعرفة أوجه الالتقاء والافتراق مع العلويين في بلاد الشام وسوريا تحديداً، ومع فرقة البكتاشية التي تناولناها في العدد الماضي من الراصد، حيث يرى بعض الباحثين أن فرقة البكتاشية هي نفسها فرقة العلويين في تركيا، في حين يرى البعض خلاف ذلك.
وينسب العلويون أنفسهم إلى الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، في حين أن التسمية التي لازمتهم هي "النصيرية" نسبة إلى أبي شعيب محمد بن نصير المتوفى سنة 270هـ.
أعدادهم وأصولهم
يغلب التضارب على حقيقة أعداد العلويين في تركيا، كون تعداد السكان في هذا البلد لا يتضمن الإشارة إلى دين المواطن أو مذهبه لأنهم يعتبرون ذلك مخالفا مبدأ الدولة العلماني. إلاّ أن المصادر الرسمية التركية تؤكد بأنهم لا يزيدون عن خمسة أو ستة ملايين من مجموع سبعين مليون نسمة هم مجموع سكان تركيا حالياً.
أما رئاسة الشؤون الدينية في تركيا فتقدر عددهم بسبعة ملايين علوي.
لكن العلويين يقولون أن نسبتهم تصل إلى الثلث أي أكثر من 20 مليون علوي، في حين يقدر البعض عددهم بـ 8 ـ 10 ملايين، وهذا الرقم يبدو قريباً إلى الواقع إذا أنهم يشكلون حوالي 8 ملايين شخص أي حوالي 12%.(19/5)
وينقسم العلويون في تركيا إلى مجموعتين: تعيش الأولى في المناطق القريبة من سوريا، وبشكل خاص في لواء اسكندرونة، وهذه المجموعة هي امتداد للعلويين في سوريا وبعض الدول العربية، ويصل عددهم حسب بعض التقديرات إلى 250 ألفاً، ويتواجدون بمعظمهم في لواء اسكندرون، وفي أضنة و مرسين، إضافة إلى عدة آلاف في اسطنبول وأنقرة. وهؤلاء لغتهم الأم هي العربية حيث كان يتبع لواء الاسكندرون سوريا فيما مضى، واللغة الثانية هي التركية.
والعلويون الآخرون يعرفون بـ "علويي الأناضول" ويتوزعون بين الأتراك والأكراد.
ويشكل العلويون الأكراد 35% أو أكثر من مجموع العلويين، ويتواجدون في محافظات بنغول، تونجلي، ارزنجان، سيواس، يوزغات، ايلازيغ، ملاطيا، قهرمان ماش، قيصرى وتشوروم.
كما توجد أعداد منهم في محافظات أدي يمان، عازي غتاب، هاتلي (اسكندرون)، قبر شهر، نيفشهر، سموون وطوقات. وتتكلم هذه المجموعة الكردية، وكذلك يتكلم قسم منهم الزازانية.
أما العلويون الأتراك فيتواجدون في منطقة الأناضول الداخلي وفي غربه، مع تواجد قليل منهم على البحر الأسود. أما المحافظات التي يتواجدون فيها بكثافة فهي: سيواس، طوقات، يوزغات، نيفشهر، تشوروم، أماسيا، فهرمان ماراش وأورزخان.
كما يوجد علويون تركمان في مناطق قارص، سيواس، يوزغلت، طوغات، اوردو، تشوروم، باليق أسير، مانيا، أزمير ومغلا.
عقائدهم(19/6)
يؤله العلويون الإمام علي بن أبي طالب صراحة، ويضفون عليه صفات الربوبية التي لا تجوز إلاّ لله سبحانه وتعالى، وتعد كتب الدعوة (بويروك…buyrk) الأربعة التي تتضمن ثلاث سنن وسبعة فروض، وهي الأوامر والنواهي للشعائر العلوية، من خلال الخطب والأنفاس. وهي أراجيز شعرية بشكل رباعيات على الأغلب ـ كتباً مقدسة عند العلويين، ويحافظون عليها، ويمتنعون عن إطلاع غيرهم عليها. وتنصب هذه الكتب على تقديس الإمام علي والإيمان بألوهيته وقدراته الميثولوجية الخارقة، ومن تلك الأنفاس (مترجمة):
1ـ "هو الخالق المبدع للعرش والأرض والسماوات، ولهذا لم أجد إلهاً غير علي. إنه الخالق لعبده والمانح للأرزاق له، ولهذا لم أجد إلها غير علي" .
وتطرق الباحث إلياس أوزوم إلى مفهوم "الله" عند الشاعر العلوي المتصوف بير سلطان عبدال وهو من شعراء القرن السادس عشر فيقول: إنه يؤمن بأن الله يتجسد في الأقانيم الثلاثة (الحق ـ محمد ـ علي). تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا، ويؤكد عقيدة التثليث هذه إحدى الرباعيات التي جاء فيها:
2ـ "إذا كنت تسأل عن بداية هذا العالم، فاعلم بأن عليّاً هو وحده الإله ومحمد وعلي. وإذا سألت عن صاحب هذا الطريق، فاعلم بأنه علي وحده الله ومحمد وعلي".
بالرغم من أن العلويين يؤمنون بألوهية علي كما مر معنا، ويقولون بالتثليث ووجود ثلاثة صور للإله كما عند النصارى، إلاّ أنهم لا يعتبرون أنفسهم مشركين أو ملحدين، إنما يعتقدون بأن نظرتهم إلى الكون والإنسان والإله تختلف عن نظرة الآخرين (المسلمين) إليها، لأن العلويين يؤمنون بالأقانيم الثلاثة (الحق ـ محمد ـ علي) حيث يقولون بأن كلّ واحد منهم يمكن أن يحل في الأخر، لأن هذا الثلاثي المقدس ـ كما يعتقدون ـ كل لا يتجزأ، ويتجلى على شكل نور أزلي كان موجوداً قبل الخليقة وبعدها، وسيستمر إلى الأبد.(19/7)
ويدّعون أن الله تجلى في آدم كصورة للبشر، ولذلك رفض إبليس السجود له، كما تجلى في صورة النبي محمد والإمام علي والشيخ بكتاش.
ويقول العلويون بأن قوى الخالق المقدسة ـ العقل ـ تنتقل إلى الإنسان بواسطة محمد وعلي وأولاده وأحفاده من الأئمة والأولياء الصالحين الذين يمثلون الكمال والجمال معاً.
إن إيمان العلويين بعقيدة التثليث، إضافة إلى إسرافهم بشرب الخمر وتقديسهم لبعض شيوخهم وأوليائهم بما يشبه التقديس المسيحي للرهبان جعل بعض المستشرقين يعتبرونهم (مسيحيين منسيين)، ومنهم المؤرخ الانجليزي هاسلوك الذي قام بدراسات في الأناضول خلال الحرب العالمية الأولى.
وإضافة إلى بعض عقائد النصرانية المتغلغلة في العلويين فانهم يمزجون عقائد أخرى في دينهم أو مذهبهم، مثل العقائد اليزيدية، وعقائد الأتراك القدامى، حيث يولي العلويون الأهمية لطائر الكركي crane واتجاههم نحو الشمس عند الشروق لرؤية وجه الإمام علي، حيث كان الأتراك القدماء يسجدون للشمس عند الشروق، لطلب تحقيق الأمنيات منه لذلك أطلقوا على الله تسمية Tanri المحرفة عن Tan yeri التي تعني مكان شروق الشمس.
عباداتهم وطقوسهم
يؤدي العلويون الأتراك عبادتهم في غرفة كبيرة تسمى "بيت الجمع" وهم لا يبنون المساجد، ويفسرون ذلك بأنه لم يكن هناك مساجد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ـ حسب ادعاءاتهم ـ ، كما يبررون ذلك كون علي بن أبي طالب قتل في المسجد.
ويطلق العلويون على طقوس عبادتهم كلمة (جيم) وهي تقام بشكل منتظم . ولديهم أعياد ومناسبات هامة منها: نوروز، وصيام محرم، وصيام الخضر، وخضر إلياس، وعيد الأضحى، ولقمة موسى الرحال.
والعلويون لا يصومون شهر رمضان، ويعتبرون النيروز أو النوروز بداية الربيع ويوماً للاحتفاء بمولد الإمام علي، ويطلقون على ليلة 21 آذار / مارس "نوروز السلطان" ويقام فيها "جيم".(19/8)
وفي أشهر الشتاء يقومون بترتيب "لقمة موسى الرحال" فيطوفون البيوت لجمع الطعام، وتذبح القرابين، وتطبخ الأطعمة وتوزع، ويعتقدون بأن الفائدة التي تحققها لقمة موسى للجماعة تأتي بالبركة للمحصول.
ويعبر العلويون عن حزنهم على مقتل الإمام الحسين بالصيام في شهر محرم، فيصومون اثنى عشر يوماً لذكرى الأئمة الاثنى عشر، وبعضهم يصوم أربعة عشر يوماً من أجل "الأبرار الأربعة عشر".
ولذكرى حرمان الحسين من الماء في كربلاء فإنهم لا يشربون الماء، ولا يذبحون القرابين في هذا الشهر، ولا يحلق الرجال شعورهم.
وفي شهر شباط/ فبراير يصومون ثلاثة أيام (صيام الخضر)، وفي 6 مارس يحتفلون بخضر إلياس، معتقدين أن الخضر يعين الناس في الثلج، وخضر إلياس يعينهم في البحر.
وتقديم القرابين من العادات الشائعة لدى العلويين، وتجري في أغلب المناسبات عدا محرم. ومن التقاليد الاجتماعية لدى العلويين هي أنهم لا يتزوجون من الأقارب، ويعتبرون أبناء العم وأبناء الخال إخوة.
وهناك تقليد آخر هو أن الشاب يختار من بين جيرانه أو أصدقائه أختاً، وهي علاقة تستمر طيلة حياتهم، وكذلك تفعل الفتاة.
وتعتبر مناطق العلويين من المناطق المشهورة بزراعة العنب وصناعة الخمور، ويشتهرون بشرب الخمر الذي كثيراً ما يصنعونه في بيوتهم، ويقيمون مهرجانات لاختيار أفضل أنواع العنب وتذوق الخمر.
ومن عاداتهم المتوارثة التي لا يحيدون عنها: إجراء ختان الأولاد في ذكرى ميلاد الإمام علي من كل عام، وإقامة احتفال كبير عند الزواج عادة ما يكون في ذكرى ميلاد الإمام الحسين، والاجتماع في بيوت الجمع لإجراء المقابلات الموسيقية الراقصة المختلطة في المناسبات، ولقراءة الأشعار البكتاشية.(19/9)
وفيما يتعلق بالحج، فإن أكثرهم يحجون إلى قبر بكتاش، والصلاة يؤدونها على طريقتهم الخاصة، فالصلاة عندهم ليست سجوداً على الأرض أو مقابلة للجدران، وإنما مقابلة للإنسان وجهاً لوجه في بيوت الجمع، وفي رقصة (المقابلة) برفقة الآلات الموسيقية الخاصة بهم، لأن الصلاة عندهم أمنية تتخاطب خلالها الأرواح والأفئدة خارج نطاق الجسد.
علاقتهم بتركيا
حيث أن تركيا هي دولة سنيّة ـ بغض النظر عن مدى التزامها بمنهج أهل السنة ـ فإنه من الطبيعي أن يقف العلويون في تركيا موقفاً عدائياً من بلادهم ، سواءً في عهد الدولة العثمانية، أو في عهد تركيا العلمانية التي قامت على أنقاض دولة الخلافة العثمانية.
فلقد ثار الشيخ بابا اسحاق، أحد مريدي بابا إلياس شيخ العلويين التركمان ومؤسس الطريقة البابائية الصوفية، ضد السلاجقة منذ عام 1208 وحتى 1210م، واستطاع السلاجقة إخماد هذا التمرد.
وثار العلويون البابائيون والعشائر الاورغوزية المساندة لهم ضد الدولة العثمانية الفتية، وكان ذلك سنة 1393م.
وفي القرن السادي عشر الميلادي وقف العلويون مع دولة الصفويين الشيعة في اعتداءاتها على الدولة العثمانية، الأمر الذي دعا الخلفاء العثمانيين إلى معاقبة هؤلاء العلويين.
وفي العصر الحديث قابل العلويون إعلان كمال أتاتورك إلغاء الخلافة الإسلامية سنة 1924 بالارتياح، لأنها تمثل لهم رمزاً غير محبب، وبدأ التعاون مع أتاتورك بشكل جدّي، وقام أتاتورك بزيارة قبر بكتاش الزعيم الروحي للطائفة العلوية.
ومع أن أتاتورك ألغى سنة 1925 الطرق الصوفية والمجموعات الدينية وهو ما أثر سلباً على العلويين، إذ أصبح غير معترف بهم رسمياً، إلاّ أنهم ينظرون إلى أتاتورك على أنه المخلص، ولا عجب أن يرفع العلويون حتى الآن صور أتاتورك في مناسباتهم إلى جانب صورة ترمز للإمام علي، وصورة بكتاش.(19/10)
وبالرغم من أن العلويين كانوا في مقدمة مؤيدي أتاتورك، إلاّ أن الطابع القومي التركي لدولة أتاتورك شكل عقبة كأداء أمام العلويين حيث جزء كبير منهم من العرب والأكراد، وعانى العلويون الاضطهاد من أتاتورك.
وأثرت سياسيات تركيا ضد الأكراد حيث قمع العشائر وتجريم استخدام اللغة الكردية، وفرض الأحكام العرفية المتتالية على علاقة العلويين بالدولة وشجعهم على الابتعاد عنها .
وفي العقد الثالث من القرن العشرين، وصل الابتعاد العلوي الكردي عن الدولة التركية حدّاً طالب زعماءهم فيه بتشكيل ولاية كردية مستقلة ضمن الدولة، ثم تطورت المطالبة، حين لم يذعن الأتراك لذلك إلى القول بضرورة إنشاء دولة كردية، كما جرى ذلك في تمرد سيد رضا سنة 1947.
ومنذ عام 1927، أطلق العلويون الأكراد "انتفاضات" عدة كان أهمها تمرد سنة 1947 جردت الدولة خلالها حملة عسكرية واسعة لإخمادها واعتقال قادتها، ومن ثم أعدمت ثلاثة منهم، وهم سيد رضا ودياب آغا وحسن خيري، على الرغم من أن الأخيرين كانا من المقربين من أتاتورك أيام حكمه.
وبعد إخماد الدولة لثورات الأكراد العلويين، واشتداد ساعد الدولة انحسرت الثورات المسلحة ضدها في سنوات الخمسينات، الأمر الذي جعل العلويين لا يرون بديلاً عن النشاط السياسي.
نشاطهم السياسي
شعر العلويون أن حملهم للسلاح في مواجهة الدولة التركية في سنوات الثلاثينات والأربعينات لم يجلب لهم الخير، فتوجهوا إلى العمل السياسي بدءاً من سنوات الخمسينات، خاصة أن تعدادهم كبير (12%) من مجموع سكان تركيا، الأمر جعلهم ينخرطون في صفوف الأحزاب السياسية القائمة، وكانوا يؤلفون دائماً ما بين 16 ـ 18% من عدد نواب البرلمان القائمة خلال 1950ـ 1980.(19/11)
ففي الفترة الواقعة ما بين 1950ـ 1957 دعموا الحزب الديمقراطي بزعامة عدنان مندريس، إلاّ أنه بعد ظهور التوجهات ذات الطابع الديني لذلك الحزب، نظر العلويون ببرود إلى ذلك التطور واتجهوا إلى تأييد عصمت اينونو، زعيم حزب الشعب الجمهوري، منذ ذلك الوقت إلى الآن، على الرغم من قتل المئات منهم في منطقة مرعش، أثناء تولي بولند أجاويد زعيم حزب الشعب الجمهوري في السبعينات رئاسة حكومة ائتلافية.
وجاء انقلاب سنة 1960 العسكري ليحبط آمالهم، إذ جرى اعتقال العديد من نشطائهم، فيما جرى نقل أعداد كبيرة منهم إلى ألمانيا وفق عقود عمل رسمية بين الدولتين التركية والألمانية.
وساهمت هذه الأحداث في انخراط العلويين في صفوف المنظمات اليسارية والأحزاب الاشتراكية التي جرى تأسيسها في الستينات من القرن الماضي.
ورغم أن العلويين حققوا مكاسب بانضمامهم إلى هذه الأحزاب، إلاّ أن سائر العلويين اتجهوا إلى تكتل سياسي في حزب شبه طائفي أسس عام 1966 باسم "حزب الوحدة" إلاّ أن هذا الحزب لم يحقق النجاح المطلوب، إذ حصل على 15 مقعداً فقط في مجلس الشعب التركي، وكان مؤسسه آنذاك مصطفى تيمس، أحد قيادات حزب الشعب الجمهوري في التسعينات، الحزب الذي يحصل عادة على 90% من أصواته من الكتلة العلوية.
ومع انقلاب الجنرال كنعان ايفرين سنة 1980 وإلغائه الدستور والبرلمان والأحزاب، دخل العلويون مرحلة جديدة، حيث تم وضع دستور جديد سنة 1982 نص على تدريس مادة الدين في كافة المراحل الدراسية والتوسع في فتح مدارس الأئمة والخطباء دون الالتفات إلى مطالب العلويين أو السماح لهم بإنشاء "بيوت الجمع" على غرار الساجد السينة.
ومن هنا دخل عز الدين دوغان،أحد أبرز القادة العلويين، في مساومات مع جميع الأحزاب السياسية التي تشكلت بعد عام 1983، من أجل تحقيق مطالب العلويين لقاء تأييدهم لمرشحي تلك الأحزاب، غير أنها جميعاً لم تلتزم بوعودها.(19/12)
وفي انتخابات نوفمبر 2002 التي فاز فيها حزب العدالة والتنمية برئاسة رجب طيب اردوغان فوزاً ساحقاً، طرح العلويون المطالب التالية على الأحزاب السياسية ـ عدا حزب العدالة ـ هي:
1ـ تمثليهم في الهيئة الإدارية لرئاسة الشؤون الدينية بحسب نسبتهم من عدد السكان.
2ـ تخصيص مبالغ معينة من ميزانية الدولة لمساعدة مؤسسة بيوت الجمع أسوة بمساعدتها لإنشاء المساجد.
3ـ إقرار الدستور قيام المدارس بتدريس نوعين من الدروس الدينية:
درس الدين والأخلاق الإلزامي، ودرس الدين الاختياري، وطالبوا بإدخال مبادئ عقيدتهم إلى درس الدين الإجباري أسوة بالمذهب السني.
4ـ تخصيص وقت محدد ضمن البرامج الدينية المذاعة في هيئة الإذاعة التركية TRT لنشر الأفكار العلوية.
نشاطهم الديني والثقافي
بالرغم من عدم بناء العلويين للمساجد، إلاّ أن أحد زعمائهم وهو النائب السابق جمال شاهين بادر قبل سنوات ببناء أول جامع في محافظة تشوروم وسماه "جامع أهل البيت"، وهذا يحدث لأول مرة منذ ألف عام.
ونستطيع أن نرصد عدداً من الأنشطة الدينية البارز للعلويين في تركيا منها:
1ـ المطالبة بأن يكونوا ممثلين برئاسة الشؤون الدينية، وعدم حظر تكاياهم وزواياهم، والمطالبة بإنشاء المؤسسات الخاصة بهم ووقف الجمع.
2ـ احتفالهم بيوم عاشوراء في مدينتي أنقرة واسطنبول، حيث أقاموا احتفالات شعبية بعد أن كان ذلك ممنوعاً، ومثلما يقوم الشيعة الاثنى عشرية، قام العلويون بضرب أنفسهم بالسلاسل وسط البكاء على استشهاد الحسين في كربلاء. وقد شارك الآلاف منهم في هذه المناسبة.
3ـ انعقاد المؤتمر العام الرابع لجمعية أهل البيت في الفترة 8 ـ 10 ابريل/ نيسان 2000 بحضور عدد من رؤساء الأحزاب والسياسيين الأتراك. وتسعى هذه الجمعية لإقامة مؤتمر عالمي لأهل البيت بشكل سنوي، علاوة على الرغبة في إقامة جامعة يطلق عليها اسم "جامعة أهل البيت"(19/13)
4ـ المطالبة بأن تنفق الدولة من ميزانيتها على نشر العقائد العلوية، وأن تقوم الإذاعة والتلفزيون ببث برامج عن عقائدهم، إضافة إلى إدخالها في المناهج الدراسية.
5ـ مطالبة الدولة بالمساهمة في بناء بيوت العبادة للعلويين أسوة بمساجد السنة.
6ـ مطالبة الدولة بأن تمنع رئاسة الشؤون الدينية من إقامة جوامع في القرى العلوية أو إرسال أئمة مساجد.
7ـ المطالبة بعدم تدريس الدين الإسلامي في المدارس، لأن التدريس يتم وفق مذهب السنة.
8ـ مجاملة رئاسة الشؤون الدينية في تركيا العلويين، حيث أصدر محمد نوري ييلماز رئيس الشؤون الدينية تعميماً يخصهم، عندما ألزم كافة المساجد التركية بأن تكون خطبة صلاة التراويح ليوم الثلاثاء 21 رمضان 1423هـ (26/11/2002) عن حياة الإمام علي بن أبي طالب وذلك بمناسبة ذكرى وفاته.
وقد أعرب عز الدين دوغان، رئيس اتحاد بيوت الجمع العلوية عن امتنانه لهذه الخطوة ـ التي تأخرت كثيراً ـ.
بعض مؤسساتهم
1ـ هيئة الجمعيات العلوية التركية، وقفية الجمع العلوية ويرأسها عز الدين دوغان.
2ـ اتحاد المنظمات والجمعيات العلوية في أوربا. ويرأسه علي رضا جول تشيشل.
3ـ مؤسسة غازي الثقافية في اسطنبول ـ وقف آل البيت البكتاشية العلوية سابقاً ـ ويرأسها خضر الماس.
العلاقة مع العلويين في سوريا
سبق القول أن العلويين في تركيا ينقسمون إلى مجموعتين رئيستين:
الأولى تعتبر امتداداً للعلويين في سوريا، وهي الجزء الأصغر من بين العلويين ويقيم هؤلاء بشكل خاص في لواء اسكندرونة الذي تسيطر عليه تركيا حالياً.
والمجموعة الثانية: هم علويو الأناضول الذين ينقسمون بين الأتراك والأكراد وبعض التركمان، وهؤلاء هم الفئة الكبرى.(19/14)
وتشكل المجموعة الثانية كياناً علوياً مستقلاً، بمؤسساته وقومياته وشخصياته رغم وجود تشابه مع العلويين في سوريا فيما يتعلق بالعقائد والعبادات، وقد حرص العلويون في تركيا على مد جسور التعاون مع أشقائهم العلويين في الدول الأخرى، وقد بدا ذلك واضحاً إبان الانتخابات البرلمانية الأخيرة عام 2002، إذ أرسل العلويون مندوبيهم إلى مختلف الدول التي يعيش فيها أبناء الطائفة للبحث عن مساعدات مالية وسياسية.
وقد أعربت رئاسة الأركان في تركيا عن خشيتها من إمكانية تأثير قوى خارجية على العلويين، فتسعى للضغط على الأحزاب السياسية من أجل استيعاب العلويين، والتظاهر بدعم حقوقهم.
العلاقة مع البكتاشية
ثمة خلاف واضح في وصف العلاقة بين العلويين في تركيا وبين فرقة البكتاشية( )، فهناك من يفرق بينهما ويجعلهما شيئين مختلفين رغم الشبه الشديد بينهما، وهناك من يجعلهما شيئاً واحداً، ويعتبر أن البكتاشية هي اسم من أسماء طائفة العلويين.
ولاشك أن قلة المصادر التي بين أيدينا تلعب دوراً في هذا التناقض والذي نراه أن العلويين هم فرقة غير فرقة البكتاشية رغم الشبه الشديد، فالاثنان يجمع بينهما التشيع وتقديس الأئمة والأولياء، والتبعية للحاج بكتاش، والإقبال على شرب الخمر.
ويفترقون في هيئات دور العبادة، فالعلويون لديهم ما يسمى "بيوت الجمع" والبكتاشون تسمى العبادة عندهم "تكايا" وهي تختلف في هيئاتها ودورها عن بيوت الجمع.
ويختلف في مراتب المنتسبين إلى الطائفة، فعند الباكتاشية (عاشق، طالب، محب، درويش، بابا...) وفي حين لا يوجد عند العلويين هذا التقسيم.
ومؤسس البكتاشية هو حاجي بكتاش المولود سنة 646هـ، في حين تنسب النصيرية أو الفرقة العلوية إلى أبي شعيب محمد بن نصير البصري النميري المتوفى سنة 270هـ. إلى غير ذلك من الفروقات.
للاستزادة:
1ـ العلويون في تركيا ـ يوسف الجهماني.(19/15)
2ـ الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة ـ إعداد الندوة العالمية للشباب الإسلامي ـ الطبعة الثالثة ـ المجلد الأول.
3ـ مقال: العلويون أصحاب دين جديد أم طريقة تصوف أو مذهب سياسي لعصر العولمة؟ ـ إبراهيم الداقوقي.
4ـ دراسة: العلويون في تركيا المنشورة في موسوعة النهرين ـ حنان أتلاي.
سطور من الذاكرة
استشهاد الحسين رضي الله عنه في عاشوراء
عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر الله المحرم وقد اتفق العلماء على استحباب صيامه، فقد جاء في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة وجد اليهود يصومونه، فقال لهم: ما هذا اليوم الذي تصومونه؟ قالوا: يوم عظيم نجّى الله فيه موسى وقومه، وأغرق فرعون وقومه، فصامه موسى شكراً لله فنحن نصومه، فقال صلى الله عليه وسلم: فنحن أحق وأولى بموسى منكم، فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه.
ومخالفة لليهود، أمر النبي صلى الله عليه وسلم بصيام اليوم الذي يسبقه (التاسع) معه، وقد كان صيام عاشوراء في أول العهد المدني واجبا ثم فرض الله صيام رمضان فصار صيام عاشوراء سنة مستحبة.
وصيام يوم عاشوراء أجره عظيم فقد قال صلى الله عليه وسلم: "أحتسب عند الله أن يكفر السنة التي قبله". ومن قدر الله أن يكون مقتل الإمام الحسين بن علي رضي الله عنهما في هذا اليوم، ففي العاشر من المحرم سنة 61هـ استشهد الحسين رضي الله عنه، وفجعت الأمة بفقد حفيد النبي صلى الله عليه وسلم وريحانته وسيد شباب أهل الجنة، وابن فاطمة سيدة نساء العالمين. الحسين الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم وفي أخيه الحسن رضي الله عنه: اللهم إني أحبهما فأحبهما.(19/16)
تبدأ الأحداث بتولي يزيد بن معاوية الخلافة سنة 60 هـ، بوصية من والده، وهو الأمر الذي رفضه الإمام الحسين، ورفض رضي الله عنه مبايعة يزيد، واتجه من المدينة إلى مكة، وهناك أخذت تصل إليه الكتب من أهل العراق ليبايعوه ويطلبوا منه القدوم إلى الكوفة، وبلغ عدد الكتب المئات بل إن محمد كاظم القزويني يذكر في "فاجعة الطف" أنه اجتمع عند الحسين اثنا عشر ألف كتاب من أهل العراق وكلها مضمون واحد كتبوا إليه: قد أينعت الثمار واخضر الجنان وإنما تقدم على جند لك مجند. إن لك في الكوفة مئة ألف سيف. إذا لم تقدم إلينا فإنا خصمك غداً بين يدي الله .
عند ذلك أرسل الحسين رضي الله عنه ابن عمه مسلم بن عقيل ليتقصى الأمور هناك، فلما وصل مسلم إلى الكوفة علم أن الناس هناك لا يريدون يزيد بل يريدون الحسين، ثم جاء الناس أرتالا يبايعون مسلماً على بيعة الحسين.
وكان والي الكوفة حينها النعمان بن بشير وقد غض الطرف عمّا يجري من أمر مسلم حتى وصلت الأخبار إلى يزيد فعزله، وعين عبيد الله بن زياد مكانه.
عندها أرسل مسلم إلى ابن عمه الحسين يدعوه للقدوم لما رأى الناس في الكوفة قد بايعوه، وأعلنوا له الولاء. وظن أنهم جادّون في نصرته والالتزام بالبيعة.
وخرج مسلم ومعه أربعة آلاف وحاصروا قصر عبيد الله بن زياد، لكن هذا العدد من أهل الكوفة سرعان ما انصرف عن مسلم وخذله حتى لم يبق معه سوى ثلاثين رجلاً من أربعة آلاف بعد أن أرسل ابن زياد إلى رؤساء العشائر يهددهم بجيش الشام ويطمعهم، فجعلوا يتفرقون عن مسلم إلى أن بقي وحيداً، وقتل مسلم رحمه الله، وقبل موته أوصى بأن يرسل إلى الحسين أن يرجع ولا يأتي إلى الكوفة، وقال كلمته المشهورة: ارجع بأهلك ولا يغرنك أهل الكوفة، فإن أهل الكوفة قد كذبوك وكذبوني وليس لكاذب رأي.(19/17)
قتل مسلم بن عقيل في يوم عرفة، وكان الحسين قد خرج من مكة في يوم التروية أي قبل مقتل مسلم بيوم واحد. وحاول كثير من الصحابة منع الحسين من الخروج، فإنهم كانوا يرون الخروج يجر إلى مفسدة، فقد ذكر الإمام ابن كثير في "البداية والنهاية" أن ابن عباس قال للحسين: لولا أن يزري بي وبك الناس لشبثت يدي في رأسك فلم أتركك تذهب .
وأما ابن عمر فقد لحق بالحسين على مسيرة ثلاثة أيام وقال له: لا تأتهم، فأبى الحسين إلا أن يذهب، فقال عبد الله بن عمر: إني محدثك حديثاً إن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فخيره بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة ولم يرد الدنيا، وإنك بضعة منه، والله لا يليها أحد منكم أبداً، وما صرفها الله عنكم إلا للذي هو خير لكم فأبى أن يرجع.
وأما عبد الله بن الزبير فخاطب الحسين قائلا: تذهب إلى قوم قتلوا أباك وطعنوا أخاك. وعندما سأل الحسينُ الشاعرَ الفرزدق عن أحوال أهل العراق وكان الفرزدق عائداً من هناك أجابه: قلوبهم معك وسيوفهم مع بني أمية.
وعندما وصل إلى الحسين خبر مقتل مسلم همّ بالرجوع لكنه نزل مع رأي أبناء مسلم الذين أرادوا الثأر لأبيهم . وهنا يرسل عبيد الله بن زياد جيشاً لملاقاة الحسين في الطريق وكان يرأسه الحر بن يزيد التميمي الذي لقي الحسين قريباً من القادسية وكان يعاكسه ويحاول منعه من القدوم إلى الكوفة.
أراد الحسين رضي الله عنه ـ في هذه الأثناء وبعد أن صار الاشتباك وشيكا ـ إحدى ثلاث: إما أن يرجع، أو يذهب إلى ثغر من ثغور المسلمين، أو يذهب إلى يزيد حتى يضع يده في يده في الشام. لكن ابن زياد لم يقبل حتى ينزل الحسين على حكمه، أي أن يأتي الحسين إلى ابن زياد في الكوفة وهو يقرر ما سيفعل به، أن يدعه يرجع من حيث أتى من المدينة أو يسير إلى ثغر أو يتوجه إلى يزيد بالشام، فأبى الحسين ذلك.(19/18)
وكان ابن زياد يصر على أن ينزل الحسين على حكمه أو أن يقاتل، وكان لا مفر من القتال، وكانت الكفتان غير متكافئتين: الحسين معه بضع وسبعون فارساً وجيش ابن زياد بضعة آلاف، ولم يبق أحد من أصحاب الحسين، فلقد كانوا يموتون بين يديه وبقي الحسين نهاراً طويلاً لا يقدم عليه أحد حتى يرجع لا يريد أن يُبتلى بقتله رضي الله عنه، واستمر هذا الوضع حتى جاء شمر بن ذي الجوشن وصاح بالناس بأن يحيطوا بالحسين ويقتلوه. والذي باشر قتل الحسين رضي الله عنه هو سنان بن أنس النخعي وحزّ رأسه، وقيل أن الذي قتله هو شمر بن ذي الجوشن قبحه الله.
بعد أن قُتل الحسين حُمل رأسه إلى عبيد الله بن زياد في الكوفة وأخذ قبّحه الله يدخل قضيباً في فم الحسين، ويضربه ويقول إن كان لحسن الثغر.
وقتل مع الحسين كثير من أهل بيته منهم إخوانه جعفر والعباس وأبو بكر ومحمد وعثمان أبناء علي بن أبي طالب رضي الله عنه. ومن أبناء الحسين قتل جعفر وعبد الله وعبد الرحمن، وكان مسلم قد قتل بالكوفة قبلهم.
ومن أولاد عبد الله بن جعفر قتل عون ومحمد. والغريب أن المرء لا يجد في كتب الشيعة ذكراً لأبي بكر وعثمان أبناء علي ضمن الذين قتلوا مع الحسين، حتى لا يقال أن علياً سمى أبناءه على أسماء هؤلاء الأخيار من الخلفاء الراشدين.
ولم يثبت أن رأس الحسين أرسل إلى يزيد في الشام، بل إنه بقي عند ابن زياد في الكوفة، كما أنه لم يثبت أن يزيد سبى نساء أهل البيت وأهانهن.
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "منهاج السنة" أن يزيد بن معاوية لم يأمر بقتل الحسين، ولكن كتب إلى ابن زياد أن يمنعه عن ولاية العراق.
استشهد الحسين رضي الله عنه ومات مظلوماً ولقد كان موته مصيبة حلت بالمسلمين. يقول ابن تيمية في مجموع الفتاوى: "وأما من قتل الحسين أو أعان على قتله أو رضي بذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً".(19/19)
وما قاله ابن تيمية رحمه الله هو ما عليه أهل السنة الذين يحبون نبيهم صلى الله عليه وسلم وآل بيته الطيبين، ويقولون أن الحسين سيد شباب الجنة، وقد مات مظلوماً رضي الله عنه.
ومقتل الحسين وإن كان مصيبة حلت بالأمة، إلاّ أنها أصيبت بمصائب أكبر، وكل مصيبة تهون بمصيبة فقد النبي صلى الله عليه وسلم، فقد روى الدارمي ومالك عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أصيب أحدكم بمصيبة، فليذكر مصيبته بي، فإنها أعظم المصائب". والواجب على المسلم في هذه الأحوال أن يلجأ إلى الله ويصبر ويقول إنا لله وإنا إليه راجعون.
نقول هذا لنعرج على ما يحدث في يوم عاشوراء من بدع ومنكرات بحجة الحزن على الحسين، ونوجزها فيما يلي:
1ـ الصياح والنياحة، وشق الجيوب واللطم على الوجه.
2ـ ضرب الجسد بالسلاسل والسيوف وإنزال الدم.
3ـ الأقوال التي فيها مبالغة وغلو بمدح الحسين، وشد الرحال إلى قبره والاعتقاد بأن زيارة قبره ـ كما جاء في الكافي للكليني وثواب الأعمال لابن بابويه وتهذيب الأحكام للطوسي وغيرها كثير ـ تعدل عشرين حجة، وأفضل من عشرين حجة وعمرة.
وجاء في هذه الكتب أيضاً أن "من أتى قبر الحسين عارفاً بحقه، في غير يوم عيد، كتب الله له عشرين حجة مبرورات مقبولات... ومن أتاه في يوم عيد كتب الله له مئة حجة ومئة عمرة... ومن أتاه يوم عرفة عارفاً بحقه، كتب الله له ألف حجة، وألف عمرة مبرورات متقبلات، وألف غزوة مع نبي مرسل أو إمام عادل".
4ـ اللعن والشتم الذي يصل إلى تكفير الصحابة، وغرس البغضاء في قلوب الناس.
5ـ ابطال سنة الصيام ، وحث العوام على الفطر والأكل، والادعاء بأن الصيام في هذا اليوم بدعة أموية.
6ـ تقديم النذور من لحم وأرز وغيره كلها باسم الحسين رضي الله عنه، والواجب أن يكون الذبح والنذر وسائر العبادات لله دون غيره.
7ـ عدم الأمر بالمعروف وكف الناس عن المخالفات.(19/20)
8ـ تحريم الزواج في هذا اليوم والمعاشرة بين الأزواج.. وغيرها كثير.
للاستزادة :
1 – حقبة من التاريخ - عثمان الخميس .
2 – فصل الخطاب في مواقف الأصحاب - محمد صالح الغرسي .
3 – ثناء ابن تيمية على أمير المؤمنين علي - علي محمد القضيبي .
دراسات
حقيقة موضع رأس الحسين وقبره ؟
تعددت المزارات التي تدعي وجود رأس أو جسد الحسين رضي الله عنه ولمعرفة جانب من الحقيقة في هذا الباب نورد كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في الموضوع نقلا ً عن مجموع الفتاوى ( ج27 ص 446) مع الاقتصار على الجانب التاريخي في الموضوع . الراصد
سئل ابن تيمية : هل المشاهد المسماة باسم علي بن أبي طالب وولده الحسين –رضي الله عنهما- صحيحة أم لا ؟ وتثبت قبر علي؟
فأجاب:
أما هذه المشاهد المشهورة, فمنها ما هو كذب قطعاً, مثل المشهد الذي بظاهر دمشق المضاف إلى ((أبي بن كعب)), والمشهد الذي بظاهرها المضاف إلى ((أويس القرني)), والمشهد الذي بمصر المضاف إلى ((الحسين)) –رضي الله عنه- إلى غير ذلك من المشاهد التي يطول ذكرها بالشام والعراق ومصر وسائر الأمصار, حتى قال طائفة من العلماء؛ منهم عبد العزيز الكناني: كل هذه القبور المضافة إلى الأنبياء لا يصح شيء منها إلا قبر النبي r, وقد أثبت غيره –أيضاً- قبر الخليل عليه السلام.(19/21)
وأما ((مشهد علي)), فعامة العلماء على أنه ليس قبره, بل قد قيل: إنه قبر المغيرة بن شعبة, وذلك أنه إنما أظهر بعد نحو ثلاثمائة سنة من موت علي في إمارة بني بويه, وذكروا أن أصل ذلك حكاية بلغتهم عن الرشيد أنه أتى إلى ذلك المكان وجعل يعتذر إلى من فيه مما جرى بينه وبين ذرية علي, وبمثل هذه الحكاية لا يقوم شيء. فالرشيد –أيضاً- لا علم له بذلك. ولعل هذه الحكاية إن صحت عنه فقد قيل له ذلك كما قيل لغيره, وجمهور أهل المعرفة يقولون: إن علياً إنما دفن في قصر الإمارة بالكوفة أو قريباً منه. وهكذا هو السنة؛ فإن حمل ميت من الكوفة إلى مكان بعيد ليس فيه فضيلة, أمر غير مشروع, فلا يُظن بآل علي –رضي الله عنه- أنهم فعلوا به ذلك, ولا يُظن –أيضاً- أن ذلك خفي على أهل بيته وللمسلمين ثلاثمائة سنة, حتى أظهره قوم من الأعاجم الجهال ذوي الأهواء.
وكذلك ((قبر معاوية)) الذي بظاهر دمشق, قد قيل: إنه ليس قبر معاوية, وأن قبره بحائط مسجد دمشق الذي يقال: إنه ((قبر هود)).
وأصل ذلك أن عامة أمر هذه القبور والمشاهد مضطرب مختلق, لا يكاد يوقف منه على العلم إلا في قليل منها بعد بحث شديد. وهذا لأن معرفتها وبناء المساجد عليها ليس من شريعة الإسلام, ولا ذلك من حكم الذكر الذي تكفل الله بحفظه, حيث قال: )إنا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون( [الحجر:9] .
وسئل شيخ الإسلام –قدس الله روحه- عن المشهد المنسوب إلى الحسين –رضي الله عنه- بمدينة القاهرة:
هل هو صحيح أم لا؟
وهل حمل رأس الحسين إلى دمشق, ثم إلى مصر, أم حمل إلى المدينة من جهة العراق؟ وهل لما يذكره بعض الناس من جهة المشهد الذي كان بعسقلان صحة أم لا؟
ومن ذكر أمر رأس الحسين, ونقله إلى المدينة النبوية دون الشام ومصر؟
ومن جزم من العلماء المتقدمين والمتأخرين بأن مشهد عسقلان ومشهد القاهرة مكذوب, وليس بصحيح؟(19/22)
وليبسطوا القول في ذلك لأجل مسيس الضرورة والحاجة إليه, مثابين مأجورين إن شاء الله تعالى.
فأجاب:
الحمد لله, بل المشهد منسوب إلى الحسين بن علي –رضي الله عنهما- الذي بالقاهرة كذب مختلق, بلا نزاع بين العلماء المعروفين عند أهل العلم, الذين يرجع إليهم المسلمون في مثل ذلك لعلمهم وصدقهم. ولا يعرف عن عالم مسمى معروف بعلم وصدق أنه قال: إن هذا المشهد صحيح. وإنما يذكره بعض الناس قولاً عمن لا يعرف, على عادة من يحكي مقالات الرافضة وأمثالهم من أهل الكذب.
فإنهم ينقلون أحاديث وحكايات, ويذكرون مذاهب ومقالات. وإذا طالبتهم بمن قال ذلك ونقله, لم يكن لهم عصمة يرجعون إليها. ولم يسموا أحداً معروفاً بالصدق في نقله, ولا بالعلم في قوله, بل غاية ما يعتمدون عليه أن يقولوا: أجمعت الطائفة الحقة. وهم عند أنفسهم الطائفة الحقة, الذين هم عند أنفسهم المؤمنين, وسائر الأمة سواهم كفار.
...
وهكذا كل ما ينقلونه من هذا الباب. ينقلون سيراً أو حكاياتٍ وأحاديثَ, إذا ما طالبتهم بإسنادها لم يحيلوك على رجل معروف بالصدق, بل حسب أحدهم أن يكون سمع ذلك من آخر مثله, أو قرأه في كتاب ليس فيه إسناد معروف, وإن سموا أحداً, كان من المشهورين بالكذب والبهتان. لا يتصور قط أن ينقلوا شيئاً مما لا يعرف عند علماء السنة إلا وهو عن مجهول لا يعرف, أو عن معروف بالكذب.
ومن هذا الباب نقل الناقل: أن هذا القبر الذي بالقاهرة –مشهد الحسين رضي الله عنه- بل وكذلك مشاهد غير هذا مضافة إلى قبر الحسين –رضي الله عنه- فإنه معلوم باتفاق الناس: أن هذا المشهد بُني عام بضع وأربعين وخمسمائة, وأنه نقل من مشهد بعسقلان, وأن ذلك المشهد بعسقلان كان قد أحدث بعد التسعين والأربعمائة.(19/23)
فأصل هذا المشهد القاهري: هو ذلك المشهد العسقلاني. وذلك العسقلاني محدث بعد مقتل الحسين بأكثر من أربعمائة وثلاثين سنة, وهذا القاهري محدث بعد مقتله بقريب من خمسمائة سنة. وهذا مما لم يتنازع فيه اثنان ممن تكلم في هذا الباب من أهل العلم, على اختلاف أصنافهم, كأهل الحديث, ومصنفي أخبار القاهرة, ومصنفي التواريخ. وما نقله أهل العلم طبقة عن طبقة. فمثل هذا مستفيض عندهم. وهذا بينهم مشهور متواتر, سواء قيل: إن إضافته إلى الحسين صدق أو كذب, لم يتنازعوا أنه نقل من عسقلان في أواخر الدولة العبيدية.
وإذا كان أصل هذا المشهد القاهري منقول عن ذلك المشهد العسقلاني باتفاق الناس وبالنقل المتواتر؛ فمن المعلوم أن قول القائل: إن ذلك الذي بعسقلان هو مبني على رأس الحسين –رضي الله عنه- قول بلا حجة أصلاً. فإن هذا لم ينقله أحد من أهل العلم الذين من شأنهم نقل هذا. لا من أهل الحديث, ولا من علماء الأخبار والتواريخ, ولا من العلماء المصنفين في النسب؛ نسب قريش, أو نسب بني هاشم ونحوه.
وذلك المشهد العسقلاني, أحدث في آخر المائة الخامسة, لم يكن قديماً, ولا كان هناك مكان قبله أو نحوه مضاف إلى الحسين, ولا حجر منقوش ولا نحوه مما يقال: إنه علامة على ذلك.
فتبين بذلك أن إضافة مثل هذا إلى الحسين قول بلا علم أصلاً. وليس من قائل ذلك ما يصلح أن يكون معتمداً, لا نقل صحيح ولا ضعيف, بل لا فرق بين ذلك وبين أن يجيء الرجل إلى بعض القبور التي بأحد أمصار المسلمين, فيدعي أن في واحد منها رأس الحسين, أو يدعي أن هذا قبر نبي من الأنبياء, أو نحو ذلك مما يدعيه كثير من أهل الكذب والضلال.
ومن المعلوم أن مثل هذا القول غير منقول باتفاق المسلمين.
وغالب ما يستند إليه الواحد من هؤلاء: أن يدعي أنه رأى مناماً, أو أنه وجد بذلك القبر علامة تدل على صلاح ساكنه؛ إما رائحة طيبة, وإما توهم خرق عادة ونحو ذلك, وإما حكاية عن بعض الناس: أنه كان يعظم ذلك القبر.(19/24)
فأما المنامات فكثير منها, بل أكثرها كذب, وقد عرفنا في زماننا بمصر والشام والعراق من يدعي أنه رأى منامات تتعلق ببعض البقاع أنه قبر نبي, أو أن فيه أثر نبي ونحو ذلك. ويكون كاذباً. وهذا الشيء منتشر. فرائي المنام غالباً ما يكون كاذباً, وبتقدير صدقه, فقد يكون الذي أخبره بذلك شيطان . والرؤيا المحضة التي لا دليل يدل على صحتها لا يجوز أن يثبت بها شيء بالاتفاق. فإنه قد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((الرؤيا ثلاثة: رؤيا من الله, ورؤيا مما يحدث به المرء نفسه, ورؤيا من الشيطان))( ) .
فإذا كان جنس الرؤيا تحته أنواع ثلاثة. فلا بد من تمييز كل نوع منها عن نوع.
ومن الناس –حتى من الشيوخ الذي لهم ظاهر علم وزهد- من يجعل مستنده في مثل ذلك حكاية يحكيها عن مجهول, حتى إن منهم من يقول: حدثني أخي الخضر أن قبر الخضر بمكان كذا. ومن المعلوم الذي بيناه في غير هذا الموضع أن كل من ادعى أنه رأى الخضر, أو سمع شخصاً رأى الخضر أو ظن الرائي أنه الخضر: أن كل ذلك لا يجوز إلا على الجهلة المخرفين, الذين لا حظ لهم من علم ولا عقل ولا دين, بل هم من الذين لا يفقهون ولا يعقلون.
وأما ما يذكر من وجود رائحة طيبة, أو خرق عادة أو نحو ذلك مما يتعلق بالقبر, فهذا لا يدل على تعينه. وأنه فلان أو فلان, بل غاية ما يدل عليه –إذا ثبت- أنه دليل على صلاح المقبور, وأنه قبر رجل صالح أو نبي.
وقد تكون تلك الرائحة مما صنعه بعض السوقة. فإن هذا مما يفعله طائفة من هؤلاء, كما حدثني بعض أصحابنا أنه ظهر بشاطئ الفرات رجلان, وكان أحدهما قد اتخذ قبراً تجبى إليه أموال ممن يزوره وينذر له من الضلال, فعمد الآخر إلى قبر, وزعم أنه رأى في المنام أنه قبر عبد الرحمن بن عوف, وجعل فيه من أنواع الطيب ما ظهرت له رائحة عظيمة.(19/25)
وقد حدثني جيران القبر الذي بجبل لبنان بالبقاع, الذي يقال: إنه قبر نوح, وكان قد ظهر قريباً في أثناء المائة السابعة, وأصله: أنهم شموا من قبر رائحة طيبة ووجدوا عظاماً كبيرة, فقالوا: هذه تدل على كبير خلق البنية. فقالوا –بطريق الظن- هذا قبر نوح. وكان بالبقعة موتى كثيرون من جنس هؤلاء.
وكذلك هذا المشهد العسقلاني, قد ذكر طائفة أنه قبر بعض الحواريين أو غيرهم من أتباع عيسى بن مريم. وقد يوجد عند قبور الوثنيين من جنس ما يوجد عند قبور المؤمنين, بل إن زعم الزاعم أنه قبر الحسين ظن وتخرص. وكان من الشيوخ المشهورين بالعلم والدين بالقاهرة من ذكروا عنه أنه قال: هو قبر نصراني.
وكذلك بدمشق بالجانب الشرقي مشهد يقال: إنه قبر أبي بن كعب. وقد اتفق أهل العلم على أن أبيا لم يقدم دمشق. وإنما مات بالمدينة. فكان بعض الناس يقول: إنه قبر نصراني. وهذا غير مستبعد. فإن اليهود والنصارى هم السابقون في تعظيم القبور والمشاهد؛ ولهذا قال r في الحديث المتفق عليه: ((لعن الله اليهود والنصارى, اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) يحذر ما فعلوا.
والنصارى أشد غلواً في ذلك من اليهود, كما في الصحيحين عن عائشة: أن النبي r ذكرت له أم حبيبة وأم سلمة –رضي الله عنهما- كنيسة بأرض الحبشة, وذكرتا من حسنها وتصاوير فيها. فقال: ((إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح, فمات, بنوا على قبره مسجداً, وصوروا فيه تلك التصاوير, أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة)) .(19/26)
والنصارى كثيراً ما يعظمون آثار القديسين منهم. فلا يستبعد أنهم ألقوا إلى بعض جهال المسلمين أن هذا قبر بعض من يعظمه المسلمون ليوافقهم على تعظيمه. كيف لا وهم قد أضلوا كثيراً من جهال المسلمين, حتى صاروا يعمّدون أولادهم, ويزعمون أن ذلك يوجب طول العمر للولد, وحتى جعلوهم يزورون ما يعظمونه من الكنائس والبيع, وصار كثير من جهال المسلمين ينذرون للمواضع التي يعظمها النصارى, كما قد صار كثير من جهالهم يزورون كنائس النصارى ويلتمسون البركة من قسيسيهم ورهبانهم ونحوهم؟!
......
وإذا كان ذلك المشهد العسقلاني قد قال طائفة: إنه قبر بعض النصارى, أو بعض الحواريين –وليس معنا ما يدل على أنه قبر مسلم, فضلاً عن أن يكون قبراً لرأس الحسين- كان قول من قال: إنه قبر مسلم –الحسين أو غيره- قولاً زوراً وكذباً مردوداً على قائله.
فهذا كاف في المنع من أن يقال: هذا مشهد الحسين.
فصل
ثم نقول: بل نحن نعلم ونجزم بأنه ليس فيه رأس الحسين, ولا كان ذلك المشهد العسقلاني مشهداً للحسين, من وجوه متعددة:
منها: أنه لو كان رأس الحسين هناك لم يتأخر كشفه وإظهاره إلى ما بعد مقتل الحسين بأكثر من أربعمائة سنة. ودولة بني أمية انقرضت قبل ظهور ذلك بأكثر من ثلاثمائة وبضع وخمسين سنة. وقد جاءت خلافة بني العباس. وظهر في أثنائها من المشاهد بالعراق وغير العراق ما كان كثير منها كذباً. وكانوا عند مقتل الحسين بكربلاء قد بنوا هناك مشهداً. وكان ينتابه أمراء عظماء, حتى أنكر ذلك عليهم الأئمة. وحتى إن المتوكل لما تقدموا له بأشياء يقال: إنه بالغ في إنكار ذلك وزاد على الواجب.(19/27)
دع خلافة بني العباس في أوائلها, وفي حال استقامتها, فإنهم حينئذ لم يكونوا يعظمون المشاهد, سواء منها ما كان صدقاً أو كذباً, كما حدث فيما بعد؛ لأن الإسلام كان حينئذ ما يزال في قوته وعنفوانه. ولم يكن على عهد الصحابة والتابعين وتابعيهم من ذلك شيء في بلاد الإسلام, لا في الحجاز, ولا اليمن, ولا الشام, ولا العراق, ولا مصر, ولا خراسان, ولا المغرب, ولم يكن قد أحدث مشهد, لا على قبر نبي, ولا صاحب, ولا أحد من أهل البيت, ولا صالح أصلاً, بل عامة هذه المشاهد محدثة بعد ذلك. وكان ظهورها وانتشارها حين ضعفت خلافة بني العباس, وتفرقت الأمة, وكثر فيهم الزنادقة الملبسون على المسلمين, وفشت فيهم كلمة أهل البدع, وذلك في دولة المقتدر في أواخر المائة الثالثة, فإنه إذ ذاك ظهرت القرامطة العبيدية القداحية بأرض المغرب. ثم جاؤوا بعد ذلك إلى أرض مصر.
ويقال: إنه حدث قريباً من ذلك المكوس في الإسلام.
وقريباً من ذلك ظهر بنو بويه. وكان في كثير منهم زندقة وبدع قوية. وفي دولتهم قوي بنو عبيد القداح بأرض مصر, وفي دولتهم أظهر المشهد المنسوب إلى علي –رضي الله عنه- بناحية النجف, وإلا فقبل ذلك لم يكن أحد يقول: إن قبر علي هناك, وإنما دفن علي –رضي الله عنه- بقصر الإمارة بالكوفة, وإنما ذكروا أن بعضهم حكى عن الرشيد: أنه جاء إلى بقعة هناك, وجعل يتعذر إلى المدفون فيها, فقالوا: إنه علي, وأنه اعتذر إليه مما فعل بولده فقالوا: هذا قبر علي, وقد قال قوم: إنه قبر المغيرة بن شعبة, والكلام عليه مبسوط في غير هذا الموضع.(19/28)
فإن كان بنو بويه وبنو عبيد –مع ما كان في الطائفتين من الغلو في التشيع, حتى إنهم كانوا يظهرون في دولتهم ببغداد يوم عاشوراء من شعار الرافضة ما لم يظهر مثله, مثل تعليق المسوح على الأبواب, وإخراج النوائح بالأسواق, وكان الأمر يفضي في كثير من الأوقات إلى قتال تعجز الملوك عن دفعه. وبسبب ذلك خرج الخرقي –صاحب المختصر في الفقه- من بغداد, لما ظهر بها سب السلف. وبلغ من أمر القرامطة الذين كانوا بالمشرق في تلك الأوقات أنهم أخذوا الحجر الأسود, وبقي معهم مدة, وأنهم قتلوا الحُجّاج وألقوهم ببئر زمزم.
فإذا كان مع كل هذا لم يظهر حتى مشهد للحسين بعسقلان, مع العلم بأنه لو كان رأسه بعسقلان لكان المتقدمون من هؤلاء أعلم بذلك من المتأخرين, فإذا كان مع توفر الهمم والدواعي والتمكن والقدرة لم يظهر ذلك, علم أنه باطل مكذوب, مثل ما يدعي أنه شريف علوي. وقد علم أنه لم يدع هذا أحد من أجداده, مع حرصهم على ذلك لو كان صحيحاً, فإنه بهذا يعلم كذب هذا المدعي, وبمثل ذلك علمنا كذب من يدعي النص على خلافة علي, أو غير ذلك مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله ولم ينقل.
الوجه الثاني: أن الذين جمعوا أخبار الحسين ومقتله –مثل أبي بكر بن أبي الدنيا, وأبي القاسم البغوي وغيرهما- لم يذكر أحد منهم أن الرأس حمل إلى عسقلان ولا إلى القاهرة.
وقد ذكر نحو ذلك أبو الخطاب بن دحية في كتابه الملقب بـ ((العلم المشهور في فضائل الأيام والشهور)), ذكر أن الذين صنفوا في مقتل الحسين أجمعوا أن الرأس لم يغترب, وذكر هذا بعد أن ذكر أن المشهد الذي بالقاهرة كذب مختلق, وأنه لا أصل له, وبسط القول في ذلك, كما ذكر في يوم عاشوراء ما يتعلق بذلك.
الوجه الثالث: أن الذي ذكره من يعتمد عليه من العلماء والمؤرخين: أن الرأس حمل إلى المدينة, ودفن عند أخيه الحسن.(19/29)
ومن المعلوم: أن الزبير بن بكار, صاحب كتاب ((الأنساب)) ومحمد بن سعد كاتب الواقدي وصاحب الطبقات, ونحوهما من المعروفين بالعلم والثقة والاطلاع, أعلم بهذا الباب, وأصدق فيما ينقلونه من الجاهلين والكذابين, ومن بعض أهل التواريخ الذين لا يوثق بعلمهم ولا صدقهم, بل قد يكون الرجل صادقاً, ولكن لا خبرة له بالأسانيد حتى يميز بين المقبول والمردود, أو يكون سيء الحفظ أو متهماً بالكذب أو بالتزيد في الرواية, كحال كثير من الإخباريين والمؤرخين, لا سيما إذا كان مثل أبي مخنف لوط بن يحيى وأمثاله.
ومعلوم أن الواقدي نفسه خير عند الناس من مثل هشام بن الكلبي, وأبيه محمد بن السائب وأمثالهما, وقد علم كلام الناس في الواقدي, فإن ما يذكره هو وأمثاله إنما يُعتضد به, ويُستأنس به, وأما الاعتماد عليه بمجرده في العلم فهذا لا يصلح.
فإذا كان المعتمد عليهم يذكرون أن رأس الحسين دفن بالمدينة, وقد ذكر غيرهم أنه إما أن يكون قد عاد إلى البدن, فدفن معه بكربلاء, وإما أنه دفن بحلب, أو بدمشق أو نحو ذلك من الأقوال التي لا أصل لها, ولم يذكر أحد ممن يعتمد عليه أنه بعسقلان –علم أن ذلك باطل, إذ يمتنع أن يكون أهل العلم والصدق على الباطل, وأهل الجهل والكذب على الحق في الأمور النقلية, التي إنما تؤخذ عن أهل العلم والصدق, لا عن أهل الجهل والكذب.
الوجه الرابع: أن الذي ثبت في صحيح البخاري: أن الرأس حمل إلى قدام عبيد الله بن زياد, وجعل ينكت بالقضيب على ثناياه بحضرة أنس بن مالك, وفي المسند: أن ذلك كان بحضرة يزيد بن معاوية. وهذا باطل. فإن أبا برزة, وأنس بن مالك كانا بالعراق, لم يكونا بالشام, ويزيد بن معاوية كان بالشام, لم يكن بالعراق حين مقتل الحسين, فمن نقل له نكت بالقضيب ثناياه بحضرة أنس وأبي برزة قدام يزيد فهو كاذب قطعاً, كذباً معلوماً بالنقل المتواتر.(19/30)
ومعلوم بالنقل المتواتر: أن عبيد الله بن زياد كان هو أمير العراق حين مقتل الحسين, وقد ثبت بالنقل الصحيح: أنه هو الذي أرسل عمر بن سعد بن أبي وقاص مقدماً على الطائفة التي قاتلت الحسين, وكان عمر قد امتنع من ذلك, فأرغبه ابن زياد وأرهبه حتى فعل ما فعل.
...
والمقصود هنا أن نقل رأس الحسين إلى الشام لا أصل له زمن يزيد. فكيف بنقله بعد زمن يزيد؟ وإنما الثابت هو نقله من كربلاء إلى أمير العراق عبيد الله بن زياد بالكوفة. والذي ذكر العلماء: أنه دفن بالمدينة.
...
الوجه الرابع: أنه لو قدر أنه حمل إلى يزيد, فأي غرض كان لهم في دفنه بعسقلان, وكانت إذ ذاك ثغرة يقيم به المرابطون؟ فإن كان قصدهم تعفية خبره فمثل عسقلان تظهره لكثرة من ينتابها للرباط. وإن كان قصدهم بركة البقعة فكيف يقصد هذا من يقال: إنه عدو له, مستحل لدمه, ساع في قتله؟
ثم من المعلوم: أن دفنه قريباً عند أمه وأخيه بالبقيع أفضل له.
الوجه الخامس: أن دفنه بالبقيع هو الذي تشهد له عادة القوم. فإنهم كانوا في الفتن, إذا قتلوا الرجل –لم يكن منهم- سلموا رأسه وبدنه إلى أهله, كما فعل الحجاج بابن الزبير لما قتله وصلبه, ثم سلمه إلى أمه.
وقد علم أن سعي الحجاج في قتل ابن الزبير, وأن ما كان بينه وبينه من الحروب أعظم بكثير مما كان بين الحسين وبين خصومه. فإن ابن الزبير ادعى الخلافة بعد مقتل الحسين, وبايعه أكثر الناس, وحاربه يزيد حتى مات وجيشه محاربون له بعد وقعة الحرة.
ثم لما تولى عبد الملك غلبه على العراق مع الشام, ثم بعث إليه الحجاج بن يوسف, فحاصره الحصار المعروف, حتى قتل, ثم صلبه, ثم سلمه إلى أمه.(19/31)
وقد دفن بدن الحسين بمكان مصرعه بكربلاء, ولم ينبش, ولم يمثل به. فلم يكونوا يمتنعون من تسليم رأسه إلى أهله, كما سلموا بدن ابن الزبير إلى أهله, وإذا تسلم أهله رأسه, فلم يكونوا ليدعوا دفنه عندهم بالمدينة المنورة عند عمه وأمه وأخيه, وقريباً من جده r ويدفنونه بالشام, حيث لا أحد إذ ذاك ينصرهم على خصومهم, بل كثير منهم كان يبغضه ويبغض أباه. هذا لا يفعله أحد.
والقبة التي على العباس بالبقيع, يقال: إن فيها مع العباس الحسن وعلي بن الحسين, وأبو جعفر محمد بن علي, وجعفر بن محمد. ويقال: إن فاطمة تحت الحائط, أو قريباً من ذلك, وأن رأس الحسين هناك أيضاً.
الوجه السادس: أنه لم يعرف قط أن أحداً, لا من أهل السنة, ولا من الشيعة, كان ينتاب ناحية عسقلان لأجل رأس الحسين, ولا يزورونه ولا يأتونه. كما أن الناس لم يكونوا ينتابون الأماكن التي تضاف إلى الرأس في هذا الوقت, كموضع بحلب.
فإذا كانت تلك البقاع لم يكن الناس ينتابونها ولا يقصدونها, وإنما كانوا ينتابون كربلاء؛ لأن البدن هناك, كان هذا دليلاً على أن الناس فيما مضى لم يكونوا يعرفون أن الرأس في شيء من هذه البقاع, ولكن الذي عرفوه واعتقدوه هو وجود البدن بكربلاء, حتى كانوا ينتابونه في زمن أحمد وغيره, حتى إن في مسائله, مسائل فيما يفعل عند قبره, ذكرها أبو بكر الخلال في جامعه الكبير في زيارة المشاهد.
ولم يذكر أحد من العلماء أنهم كانوا يرون موضع الرأس في شيء من هذه البقاع غير المدينة.
فعلم أن ذلك لو كان حقاً لكان المتقدمون به أعلم. ولو اعتقدوا ذلك لعملوا ما جرت عادتهم بعمله, ولأظهروا ذلك وتكلموا به, كما تكلموا في نظائره.
فلما لم يظهر عن المتقدمين –بقول ولا فعل- ما يدل على أن الرأس في هذه البقاع علم أن ذلك باطل, والله أعلم.(19/32)
الوجه السابع: أن يقال: ما زال أهل العلم في كل وقت وزمان يذكرون في هذا المشهد القاهري المنسوب إلى الحسين: أنه كذب ومين, كما يذكرون ذلك في أمثاله من المشاهد المكذوبة؛ مثل المشاهد المنسوبة بدمشق إلى أبي بن كعب, وأويس القرني, أو هود, أو نوح, أو غيرهما, والمشهد المنسوب بحران إلى جابر بن عبد الله, وبالجزيرة إلى عبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن عمر ونحوهما, وبالعراق إلى علي –رضي الله عنه- ونحوه, وكذلك ما يضاف إلى الأنبياء غير قبر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وإبراهيم الخليل –عليه السلام-.
فإنه لما كان كثير من المشاهد مكذوباً مختلقاً كان أهل العلم في كل وقت يعلمون أن ذلك كذب مختلق, والكتب والمصنفات المعروفة عن أهل العلم بذلك مملوءة من مثل هذا. يعرف ذلك من تتبعه وطلبه.
وما زال الناس في مصنفاتهم ومخاطباتهم يعلمون أن هذا المشهد القاهري من المكذوبات المختلقات. ويذكرون ذلك في المصنفات, حتى من سكن هذا البلد من العلماء بذلك.
فقد ذكر أبو الخطاب بن دحية في كتابه ((العلم المشهور)) في هذا المشهد فصلاً مع ما ذكره في مقتل الحسين من أخبار ثابتة وغير ثابتة, ومع هذا فقد ذكر أن المشهد كذب بالإجماع, وبين أنه نقل من عسقلان في آخر الدول العبيدية, وأنه وضع لأغراض فاسدة, وأنه بعد ذلك بقليل أزال الله تلك الدولة وعاقبها بنقيض قصدها.
وما زال ذلك مشهوراً بين أهل العلم حتى أهل عصرنا, من ساكني الديار المصرية, القاهرة وما حولها.(19/33)
فقد حدثني طائفة من الثقات: عن الشيخ أبي عبد الله محمد بن علي الغنوي, المعروف بابن دقيق العيد, وطائفة عن الشيخ أبي محمد عبد المؤمن بن خلف الدمياطي, وطائفة عن الشيخ أبي محمد القسطلاني, وطائفة عن الشيخ أبي عبد الله محمد القرطبي صاحب التفسير وشرح أسماء الله الحسنى, وطائفة عن الشيخ عبد العزيز الديريني( ) –كل من هؤلاء حدثني عنه من لا أتهمه, وحدثني عن بعضهم عدد كثير, كل يحدثني عمن حدثني من هؤلاء-: أنه كان ينكر أمر هذا المشهد, ويقول: إنه كذب, وإنه ليس فيه الحسين ولا غيره. والذين حدثوني عن ابن القسطلاني ذكروا عنه أنه قال: إن فيه نصرانياً, بل القرطبي والقسطلاني ذكرا بطلان أمر هذا المشهد في مصنفاتهما. وبينا فيها أنه كذب. كما ذكره أبو الخطاب بن دحية.
وابن دحية هو الذي بنى له الكامل دار الحديث الكاملية. وعنه أخذ أبو عمرو بن الصلاح ونحوه كثيراً مما أخذوه من ضبط الأسماء واللغات. وليس الاعتماد في هذا على واحد بعينه, بل هو الإجماع من هؤلاء. ومعلوم أنه لم يكن بهذه البلاد من يعتمد عليه في مثل هذا الباب أعلم ولا أدق من هؤلاء ونحوهم.
فإذا كان كل هؤلاء متفقين على أن هذا كذب ومين, علم أن الله قد برأ منه الحسين.(19/34)
وحدثني من حدثني من الثقات: أن من هؤلاء من كان يوصي أصحابه بألا يظهروا ذلك عنه خوفاً من شر العامة بهذه البلاد, لما فيهم من الظلم والفساد؛ إذ كانوا في الأصل دعاة للقرامطة الباطنيين. الذين استولوا عليها مائتي سنة. فزرعوا فيهم من أخلاق الزنادقة المنافقين, وأهل الجهل المبتدعين, وأهل الكذب الظالمين, ما لم يمكن أن ينقلع إلا بعد حين. فإنه قد فتحها –بإزالة ملك العبيديين- أهل الإيمان والسنة في الدولة النورية والصلاحية, وسكنها من أهل الإسلام والسنة من سكنها, وظهرت بها كلمة الإيمان والسنة نوعاً من الظهور, لكن كان النفاق والبدعة فيها كثيراً مستوراً ، وفي كل وقت يظهر الله فيها من الإيمان و السنة ما لم يكن مذكوراً ويخفي فيها من النفاق والجهل ما كان مشهورا ً.
والله هو المسؤول أن يظهر بسائر البلاد ما يحبه ويرضاه, من الهدى والسداد. ويعظم على عباده الخير بظهور الإسلام والسنة, ويحقق ما وعد به في القرآن من علو كلمته وظهور أهل الإيمان.
.......
وهذا كله كلام في بطلان دعوى وجود رأس الحسين –رضي الله عنه- في القاهرة أو عسقلان, وكذبه.
....
وإنما كان المقصود تحقيق مكان رأس الحسين –رضي الله عنه- وبيان أن الأمكنة المشهورة عند الناس بمصر والشام, أنها مشهد الحسين, وأن فيها رأسه, فهي كذب واختلاق, وإفك وبهتان, والله أعلم, وكتبه أحمد بن تيمية.
دراسات
الحسين في التراث الشيعي
هذا فصل من كتاب" الإمام الشهيد في التاريخ والأيدلوجيا شهيد الشيعة مقابل بطل السنة " تأليف : د. سلوى العمد وهو بحث أكاديمي لنيل درجة الماجستير من الجامعة الأمريكية ببيروت ، والمؤلفة أردنية ، كتبت هذا البحث لملاحظتها إعلانات نعي المقاومين السنة والشيعة في بيروت أن السني يصفونه بالشهيد البطل والشيعي بالشهيد المظلوم ، فبحثت الموضوع من زاوية أنثروبولوجية ، ولذلك توجد بعض الملاحظات على بحثها، ونشره لا يعنى الموافقة الكاملة عليه. الراصد(19/35)
الحسين في كتابات الشيعة
كثيرة هي مؤلفات الشيعة حول الحسين، وهي واحدة من حيث الغاية وإن تعدًّدت وسائط التعبير أو الأسلوب فيها. فمضمون هذه المؤلفات هو أقرب ـ من حيث التوجه العام ـ إلى شعار ثورة دائمة في وجه السلطان الزمني الماثل في ظلم الإنسان بعيدا عن هداية الأئمة. على أنه من الممكن تصنيف الكمِّ الوافر من مؤلفات الشيعة حول هذا الموضوع في ثلاثة أصناف: الأول، ويغلب على روايته لتاريخ الحسين طابع الأسطورة. ويتميز هذا الصنف في ربطه التاريخ التاريخي للحسين، بأفكار شغلت الإنسان منذ بدء الخليقة حول نشأة الكون والحياة. وفي هذه الأفكار يلعب النور الإلهي دوراً هامَّاً، حيث يرمز النور فيها إلى وجود أزلي للحسين.
ويزخر هذا النوع من المؤلفات بأفكار يغلب عليها طابع الإيمان بعناصر البعث والآخرة والحساب، وهي أفكار غالبا ما ربطها هذا النوع من الكتابات بمأساة الحسين، ومصيره الشخصي وموقف الناس من ذلك، فمثلا، يرى هذا الصنف من المؤلفات أنَّ موقف الناس من الحسين وآل البيت والمصائب التي حلَّت بهم، هو مقياس الثواب والعقاب في الآخرة. كذلك، احتوى هذا الصنف على أفكار أسطورية تركزت حول مراحل التحول الأساسية في حياة الحسين. ومرحلتا الولادة والموت هما أبرز هذه المراحل في الأسطورة. وفي هذا أيضا إشارة إلى البدء والمنتهى (نشأة الكون ومصير الإنسان فيه)، وهي إشارة تُخرج الحسين من الحدود التاريخية لولادته في العام الرابع للهجرة، والحدود التاريخية لاستشهاده في العام 61 هجرية، إلى وجود أزلي تخطى حدود التاريخ والأُسطورة معاً.(19/36)
وأبرز المؤلفات المعبرة عن الاتجاه المذكور، تلك التي ظهرت بين القرنين الرابع والسابع للهجرة،( ) وهذه هي الفترة التي يبدو أن شخصية الطائفة الإمامية قد تبلورت فيها بشكل ناجز. وللمنحى الأسطوري في تفسير تاريخ الحسين ومصيره، امتداد في مؤلفات معاصرة.( ) أمّا الصنف الثاني من الأدبيات فله طابع طقسي كمجالس العزاء والمراثي (شعرا ونثرا). والمراثي هي النصوص التي تتلى في مجالس العزاء وقد كتبت بأُسلوب ميلودرامي يستهدف استقطاب التعاطف الوجداني مع آلام آل البيت وينطوي على مضمون تعبوي لا يستهان به، خاصة فيما يتعلق بمقتل الحسين.( ) ويحرص هذا النوع من الكتابات الوجدانية على إظهار هول مأساة الحسين من خلال تعداد الفظائع التي حلَّت به وبصحبه وآل بيته. وتعلو وتيرة المضمون التعبوي للأدبيات الطقسية في الظروف السياسية الضاغطة، فهي ترمز إلى الانكسار السياسي، وإلى التمرد على هذا الانكسار. وهذا الصنف من الكتابات الشعبية موجه إلى عامة الشيعة ووظيفته تغذية الممارسات الطقوسية في ذكرى عاشوراء بعناصر التعاطف الوجداني مع آلام الشهيد.
تجدر الإشارة إلى أن أدب المراثي ومجالس العزاء حديث نسبيا من حيث النشأة التاريخية، فيما الممارسة الطقسية الشفوية للذكرى، ظهرت قبل ظهور الكتابات الأسطورية بعقود عدة على أقل تقدير، وقبل ظهور أدب المراثي والطقوس بقرون. ففي حين أن الطقوس ـ مثل تسيير مواكب الندب ـ بدأت تأخذ طريقها للوجود في منتصف القرن الرابع للهجرة/ العاشر للميلاد، فإن الكتابات الأسطورية ظهرت بعد ذلك بفترة وجيزة وتكرست على نحو ناجز في القرنين السادس والسابع للهجرة/ الثاني عشر والثالث عشر ميلادية.(19/37)
أما الصنف الثالث من المؤلفات الشيعية، فيبقى فيه الحسين شخصية تاريخية بالكامل، غير أن هذا الصنف يضفي على شهيد كربلاء هالة تسبغ عادة على الشخصيات الاستثنائية لدى عموم الجماعات الإنسانية. وكتابات هذا الصنف تشير إلى كل صغيرة وكبيرة وردت عن الحسين في كتب الحديث النبوي وكتب التاريخ الكلاسيكية. كما تتضمن الأقوال المنسوبة للأئمة عن الحسين والتي ترد في مؤلفات علماء الشيعة الأوائل.( )
ويمكن القول إن نسبة لا يستهان بها من كتابات الشيعة، قديمها وحديثها، يقع في هذا الصنف، المفعم بالمقولات الدينية ذات المضامين السياسية. وقد اتخذت هذه المقولات أشكالاً عدة منها ما تناول سيرة الحسين ومآثره وصفاته، التي تخرجه عن مصاف الناس العاديين وتدخله في عداد الأنبياء والأولياء، ومنها ما اقتصر على معركة كربلاء كقيمة ومعنى. وغالبية مؤلفات هذا الصنف هي من الأدبيات الشيعية المعاصرة التي تتناول كربلاء باعتبارها ثورة على الظلم، وتعالج بالعرض والتحليل المعاني الدينية والسياسية لاستشهاد الحسين مستخلصة القيم التي مثلها قولا وعملا ومصيرا. وكتابات الشيخ محمد مهدي شمس الدين، رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان، نموذج للمؤلفات التي تبتعد عن الطرح الأسطوري، وتقترب من لغة الثورة والشعار الثوري في مواجهة "الكسروية" و "الملك العضوض".( ) كما أن كتاب هذا الصنف هم من كبار علماء الطائفة ومن المثقفين والمتعلمين الشيعة، فضلا عن بعض المثقفين العرب المعاصرين (من غير الشيعة)، الذين يستلهمون حسَّ الثورة ضد قسر الحكام، من واقعة كربلاء.( )(19/38)
يهدف تصنيف أدبيات الشيعة الإماميين على النحو الوارد أعلاه إلى التعرف على الملامح الأساسية لأدبياتهم حول الحسين وشهادته، وللتمييز بين أسلوبين داخل الجماعة الواحدة، في طرح الأيديولوجيا الدينية ـ السياسية المعارضة، التي تنطوي عليها عقائد الإمامية. ويتضح البعد العقائدي أكثر ، عندما نتعرف على معاني الأسطورة المنسوجة حول الحسين وشهادته في كربلاء. ففي كتابات الشيعة عن الحسين، يصعب على القارئ ـ أحيانا ـ وضع خط فاصل بين ما هو أسطوري وما هو تاريخي. إذ كثيرا ما ترد العناصر الأسطورية مدمجة بالوقائع التاريخية. وبعض الخوارق عن الحسين ـ أو تلك المنسوبة إليه ـ يستند في مصداقيته إلى تأويل أحاديث نبوية وآيات قرآنية، فسرت على أنها وردت بشأن الحسين.( )
تُرجع الموسوعة الإسلامية الأصل في أسطورة الحسين إلى غلاة فرق الشيعة.( ) وأيا يكن الأصل المرجح للأسطورة، فإنه ليس ثمة ما يمنع من وجود تداخل في الآراء والمعتقدات بين فرق الشيعة، المغالية منها والمعتدلة، ذلك لأن الجذر التراثي للتشيع واحد. وتداخل كهذا ممكن، حيث العديد من مؤلفات الشيعة الإماميين ـ وخاصة الأدبيات الشعبية ـ يزخر بالعناصر الأسطورية حول الحسين وشهادته. ويجوز أن يكون بعض كتاب الإماميين قد استفاد من مؤلفات الغلاة في المراحل الأولى من التشيع.
على أن عنصرين من عناصر أسطورة الحسين يغلبان على العقائد الإمامية المعاصرة، وهما: الاستذكار السنوي لعاشوراء في مجالس العزاء، والطابع الأيديولوجي ـ السياسي الذي يتسم به هذا الاستذكار في مضامين الخطب والأشعار المواكبة للذكرى. والأيديولوجيا والطقوس هما في الواقع وجهان لعقيدة واحدة متكاملة هي الأيديولوجيا السياسية ـ الدينية المعارضة، فشعار الثورة تغذيه الطقوس التي تسهم في تعبئة المشايعين وتأطيرهم، ومن ثم تعزيز التضامن الداخلي للطائفة.
الحسين في الأُسطورة(19/39)
فيما يمكن القول إن كل طفل من الطائفة الشيعية في لبنان والعراق والبحرين وإيران وغيرها من البلدان الإسلامية ذات الكثافة الشيعية، قد رافق والده أو والدته إلى مجالس العزاء التي تقام في الذكرى السنوية لعاشوراء في العاشر من المحرم من كل عام، فإن جمهور السنة لا يعرف هذا اليوم إلاّ من زاوية أنه يوم مبارك في الإسلام كيوم المولد النبوي ويوم منتصف شعبان وليلة القدر في السابع والعشرين من رمضان وغيرها من الأيام التي يقوم المسلمون بإحياء ذكراها سنويا. وقد تكون للواقعة التالية دلالة على ما سيرد تاليا في هذا البند بشأن عاشوراء.
في أحد أيام ذكرى عاشوراء في الثمانينات، جمعتني جلسة أصدقاء في بيروت مع رجل شيعي وامرأة سنية. قالت السيدة موجهة كلامها للرجل: نحن أيضا نحتفل بعاشوراء، عندما كنت طفلة كان أهلي يصومون هذا اليوم ويقيمون الصلاة فيه ويصنعون الحلوى. فعلق الرجل الشيعي بتندّر: "أجل ولكنكم تصنعون الحلوى وتوزعونها في عاشوراء ونحن نلطم الخدود، فأنتم تفرحون حيث نحزن"!
ليوم عاشوراء بركة في جزيرة العرب قبل الإسلام، وهو أمر لا يعرفه الكثيرون من عامة المسلمين، السنة والشيعة، إذ كانت القبائل ويهود يثرب يصومونه، وكانت قريش تصومه وتستر الكعبة فيه. "وذكر أن النبي محمداً كان يصومه في الجاهلية أيضا.ولما قدم إلى المدينة، كان يصومه، وأمر بصيامه. فلما فرض رمضان ترك عاشوراء، فمن شاء صامه ومن شاء تركه".( ) لذا يُرجَّحُ أن بركة عاشوراء كبركة الأشهر الحرم ـ وعاشوراء هو أحد أيام هذه الأشهر ـ استمرت بعد الإسلام كغيرها من التقاليد التي تم الحفاظ على مكانتها المباركة في الإسلام. غير أن مقتل الحسين في العاشر من المحرم ربط هذا اليوم في ذاكرة الشيعة والمسلمين عامة باستشهاده، فصارت كربلاء جذرا لعاشوراء، تلاشى أمامه الجذر التاريخي.(19/40)
ترى الأدبيات الشعبية للشيعة، أن مقتل الحسين في كربلاء، قديم لا حادث، وأن عاشوراء يوم مبارك لاقترانه منذ الأزل بمقتل الحسين في عاشر المحرم من العام 61للهجرة، لذا تكون شهادة الحسين تجسيدا لإرادة إلهية أزلية. يقول الخوارزمي في مقتل الحسين، إن الله قد خلق أفضل الأشياء والأحياء والأنبياء في يوم عاشوراء، وإن أهم الأحداث الربانية حصلت فيه، ومنها استواء الله على العرش، وأن النبي محمداً ولد في العاشر من المحرم، وأنه كان يصوم هذا اليوم التماسا لفضله.( ) هنا يربط المؤلف البعد التاريخي لمعركة كربلاء بالزمن الميثولوجي لعاشوراء، أي أنه أحال الواقعة التاريخية إلى جذر ميثولوجي له دلالة دينية تملك قوى روحية خارقة وتتمتع بحيوية وديمومة تتجاوزان زمان ومكان وقوع كربلاء.
ومن العناصر الأسطورية حول عاشوراء، تلك التي تذكر الفرق بالأيام والأشهر بين ولادة الحسن والحمل بالحسين وولادته. ففي إحدى الروايات أن فرق الأيام بين ولادة الحسن والحمل بالحسين كان عشرة أيام. وفي رواية أخرى أن الفرق بين ولادتهما كان عشرة أشهر وعشرون يوما.وفي رواية ثالثة ـ نقلا عن الإمام الصادق ـ أنه كان ستة أشهر وعشرة أيام. وفي رواية رابعة كان الفرق سنة وعشرة شهور.( ) والقاسم المشترك في هذه الروايات الأربع، التي وردت في مصدر واحد بأسانيد مختلفة، هو تكرار الرقم عشرة فيها. ولا تفسير لتأول الرواة الشيعة هذا الرقم سوى العاشر من المحرم، الذي وقع فيه استشهاد الحسين.(19/41)
ولا غرابه في الأمر، فغالبا ما تميل الذاكرة الشعبية في التراث الإنساني عامة لإقران رقم معين بحياة إنسان استثنائي في شخصه أو مصيره، على أنه إحدى الخوارق المتعلقة بفرادة ذلك الإنسان في التاريخ. وفيما يتعلق بالحسين، فإن الجذر التاريخي لاقتران الرقم عشرة به في ذاكرة الناس، توفر بواقعة استشهاده في العاشر من المحرم. فلقد كان هذا الحدث جذرا لكل ما كتب عن الحسين في التاريخ والأسطورة والأيديولوجيا على حد سواء.
وأما العناصر الأسطورية الأخرى، فقد استمدتها الكتابات الشعبية الشيعية من قصص دينية وردت في العهد القديم والقرآن الكريم. ويلحظ المتفحص لعناصر الأسطورة أن ما استمد من العهد القديم ورد كذلك في القرآن. بذا يصح القول بأن مجمل عناصر أسطورة الحسين مستلهم من نصوص قرآنية وأحاديث نبوية تم تأويلها بما يتوافق ومرجعيتها الأسطورية. فمثلا، هناك حيز كبير في وقائع الأسطورة للنور والجن والملائكة وجبريل (ناقل الوحي للنبي)، وهذه جميعا عناصر مذكورة في القرآن والأحاديث النبوية. كما لم ينف الإسلام تماما كل ما جاءت به أديان الكتب السماوية السابقة (اليهودية والمسيحية) من قصص وأساطير حول الأنبياء الأولين كإبراهيم وإسحق وموسى ويعقوب وعيسى بن مريم، بل الإسلام أكد على العديد منها. وتحضر قصص الأنبياء الأولين في أسطورة الحسين تأكيداً على أزلية انتمائه للنبوة.
وللخوارق المنسوجة حول الحسين محاور ثلاثة: خوارق يعتقد بوقوعها قبل ولادته (كالقول بأزلية وجود الحسين على شكل عمود من نور)، وأخرى اقترنت بولادته، وثالثة ارتبطت باستشهاده. وهي بالإجمال نوعان: بعضها يُشير إلى تفرد الحسين في الفضل بين بني البشر قاطبة، والبعض الآخر نسب إليه، كالقدرة على الإشفاء أو الشفاعة للخلق يوم القيامة، إلى غير ذلك مما ينسب من كرامات للأنبياء والأولياء.(19/42)
يبدأ تاريخ الحسين في القصص المسطورة عنه، من نقطة يصعب تحديدها. فهو فيها أصل النبوة لا سليلها، وهو أزلي الحضور تجلى على هيئة نور انتقل في أصلاب الأنبياء منذ آدم وصولا إلى النبي محمد. ففي دلائل الإمامة لابن رستم الطبري، أن الله خلق الخمسة الأُول من آل البيت (محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين)، قبل أن يخلق الدنيا بسبعة آلاف عام. وأنهم ـ أي الخمسة ـ "كانوا قدّام العرش الإلهي على شكل عمود من نور قُذف في صلب آدم، ثم أُخرج إلى أصلاب الآباء وأرحام الأمهات، إلى أن صُيِّرَ في صلب عبد المطلب، فشقه الله نصفين: نصف في عبد الله والنصف الآخر في أبي طالب، ثم أُخرج النصف الذي للنبي إلى آمنة بنت وهب (أم النبي)، والنصف الآخر إلى فاطمة بنت أسد (أم علي)، فأخرجت آمنة محمدا، وأخرجت بنت أسد عليّا.ثم أُعيد النور كله إلى النبي، فخرجت فاطمة الزهراء، ثم أعيد إلى علي، فخرج الحسن والحسين من النصفين مجتمعين، فما كان من علي صار في ولد الحسن، وما كان من النبي صار في ولد الحسين، وهو ينتقل في الأئمة من ولده إلى يوم القيامة".( )
وفي رواية ثانية، أن نور الإمام الحسين كان يظهر على جبين الأمهات عند الحمل بأحد أجداد النبي، وأن النور انتقل إلى جبين آمنة بنت وهب عند حملها بالنبي، وأن فاطمة الزهراء حين حملت بالحسين، قال لها النبي: "إني أرى في مقدم وجهك ضوءاً، وستلدين حجة لهذا الخلق".( ) وتضيف الرواية عينها، أن النور لم يظهر على جبين فاطمة حين حملت بابنها الأكبر، الحسن، لكنها حين حملت بالحسين، لم تكن تحتاج في الليلة الظلماء إلى مصباح.(19/43)
في فكرة النور الحسيني ملامسة واضحة لفكرة الإنسان الأول الذي كان في البدء على هيئة نور وأدَّى وظيفة كونية ـ طبقا لأُسطورة آرية قديمة ـ وذلك قبل ظهور البعد الديني أو الخلاصي (من فكرة الخلاص الديني) لهذا الإنسان مع مجيء العصر الهيليني.( ) وتلامس هذه الفكرة أيضا، عناصر دينية حادثة زمنيا، بالقياس إلى فكرة الإنسان الأول ذي الوظيفة الكونية. وتبدو هذه العناصر في مسألتي الخلق والبعث ومصير الإنسان فيهما كما تطرحها أُسطورة الحسين. فهذه الأُسطورة تجد حلاّ لمعضلة الإنسان إزاء المطلق الكامن فيه، من خلال صيغة توفيقية جعلت من الحسين كائنا نصف إلهي ـ نصف بشري. ولهذا الأمر مغزاه الهام في معرض تحليل فكرة الشهيد في عقائد الشيعة الإماميين، خاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار أن الشهيد في عقائدهم هو من اجتمعت فيه صفتا الثائر والولي. والأسطورة حول ولادة الحسين واستشهاده، تعزز هذه الفكرة وترجح انتصار الإلهي في الإنسان من خلال قدر الشهادة.
أمّا الخوارق المقترنة بولادة الحسين وطفولته، فمنها أن الحسين قد سقط ساجدا لله لحظة ولادته،( ) وأن جبريل هبط مع ألف ملك من السماء لتهنئة النبي بميلاد الحسين،( ) ونقل له التهاني الإلهية بهذا الحدث.( ) وثمة خوارق تتصل برضاعة الحسين، منها أن الله قد جعل للحسين في إبهام النبي غذاء يغتذي به لمدة أربعين يوما عندما لم تتمكن فاطمة من إرضاعه لعلة ألمت بها.( ) وعن طفولة الحسين، أن جبريل نزل يوما وكانت فاطمة نائمة فيما الحسين قلق على عادة الأطفال في الليل، فقعد جبريل يلهيه إلى أن استيقظت فاطمة، فأعلمها النبي بما كان.( ) وفي رواية أخرى أن النبي حمل الحسين على كتفه اليمنى والحسن على اليسرى. فنزل جبريل فأخذ الحسين وحمله، فكانا (أي الحسن والحسين) يفتخران، فيقول الحسن حملني خير أهل الأرض، ويقول الحسين، حملني خير أهل السماء.( )(19/44)
وأما الكرامات المنسوبة للحسين فكثيرة، منها ما يتحدث عن قدرته منذ الطفولة على الإشفاء والشفاعة، كقصة ملك يدعى فطرس، كان الله قد أنزل به عقابا لمخالفة أتى بها، وأنَّ فطرس هذا طلب من جبريل أن يأذن له بمرافقته لتهنئة النبي بولادة الحسين، لعل الطفل الوليد يشفع له فتعود إليه سلامة جناحيه، وأنه (أي الملك فطرس) كان له ما تمنى عندما استعلم النبي عن حاله، فطلب منه النبي مسح جناحيه بالحسين، فإذا به قد عاد لحاله الطبيعي، "وأصبح من ذلك الحين يعرف بعتيق الحسين، وقد أمره الله أن يلزم أرض كربلاء فيخبر بكل مؤمن زار قبر الحسين إلى يوم القيامة".( ) ومما يروى أن امرأة أصابها حرق على الجبين من كثرة السجود، وكانت زوارة للحسين، فاحتبست بعد ذلك، وعندما علم الحسين بأمرها ذهب إليها ونفث على الحرق فلم يعد له أثر، ثم قال: "نحن وشيعتنا على الفطرة وسائر الناس منها براء".( )
ومن صفات الحسين، في وقائع الأسطورة، أنه كان "{...} جيد البدن حسن القامة جميل الوجه، وصبيح المنظر نور جماله يغشى الأبصار وله مهابة عظيمة ويشرق منه النور بلحية مدورة قد خالطها الشيب، أدعج العينين، أزج الحاجبين، واضح الجبين، أقنى الأنف، كان إذا جلس في المكان المظلم يهتدي إليه الناس ببياض جبينه ونحره كأن الذهب يجري في تراقيه، وإذا تكلم رأى (الناس) النور يخرج من ثناياه، ولم يكن يمر في طريق فتبعه أحد إلا عرف أنه سلكه لطيب رائحته". وفي إشارة لمهابته: "{...} أن الحسن كان يعظم أخيه (كذا في الأصل، والصحيح أخاه) الحسين، كأنه أسن منه"،( ) في حين تشير المصادر التاريخية إلى أن الحسن كان ناصحا لأبيه وموجَّها لأخيه الحسين في أكثر من موقف وأن الحسين التزم موقف أخيه الأكبر في موادعته معاوية.(19/45)
أما الخوارق حول شهادة الحسين فكثيرة. ويمكن تصنيفها، استنادا للأدبيات المتوفرة، في أربعة أنواع: أحدها يتحدث عن إخبار الأنبياء السابقين بمقتل الحسين، والثاني يذكر أنَّ جبريل والملائكة أخبروا النبي بمقتله بعد مرور سنة على ولادته. والثالث يروي وقوع خوارق وبطولات أثناء المعركة نُسبت للحسين وهناك الخوارق التي اعتقد بحصولها بعد مقتله في كربلاء.
يتكرر الحديث في الأسطورة عن إخبار أنبياء سابقين بمقتل الحسين على أرض تدعى كربلاء، وفيها أنَّ آدم وموسى بكيا الحسين، وأن عيسى بن مريم لعن قاتله.( ) ومن ذلك أيضا أن جبريل لقَّن آدم أسماء آل البيت الخمسة (النبي، فاطمة، علي والحسن والحسين)، وأنه ـ آي آدم ـ عندما أراد ذكر اسم الحسين "{...} سالت دموعه وانخشع قلبه فقال: أخي جبريل مالي إذا ذكرت الخامس ينكسر قلبي وتسيل عبرتي فقال جبريل: ولدك هذا يصاب بمصيبة تصغر عندها المصائب قال يُقتل عطشانا (كذا في الأصل)( ) غريبا وحيدا ولو تراه يا آدم وهو ينادي واعطشاه حتى يحول العطش بينه وبين السماء كالدخان فبكى آدم". وفي رواية إن النبي إبراهيم، "{...} مرَّ بكربلاء وهو راكب فرسه فعثرت به الفرس فسقط على الأرض وُشجَّ رأسه وسال دمه فأخذ يكثر من الاستغفار وقال إلهي أي شيء حدث مني؟ فنزل جبريل وقال يا إبراهيم ما حدث منك ذنب ولكن هنا يُقتل سبط النبيَّين فسال دمك وموافقة لدمه فبكى إبراهيم".( )(19/46)
والخوارق عن إخبار النبي محمد بمقتل الحسين عديدة. يقول ابن طاووس إنه بعد مرور سنة كاملة عن مولد الحسين، "هبط على النبي اثنى عشر (كذا في الأصل)( ) ملكاً أحدهم على صورة الأسد والثاني على صورة الثور والثالث على صورة التنّين والرابع على صورة ولد آدم والثمانية الباقون على صور شتّى محمرة وجوههم باكية عيونهم قد نشروا أجنحتهم وهم يقولون يا محمد صلى الله عليه وسلم سينزل بولدك الحسين عليه السلام ابن فاطمة ما نزل بهابيل من قابيل وسيعطى مثل أجر هابيل ويُحمل على قاتله مثل وزر قابيل". وفي المصدر ذاته، أن النبي، بعد مرور سنتين على مولد الحسين، عرج في سفر فوقف في الطريق واسترجع فدمعت عيناه فسئل عن ذلك، فقال: "هذا جبرائيل عليه السلام يخبرني عن أرض بشطِّ الفرات يقال لها كربلاء يقتل عليها ولدي الحسين بن فاطمة{...}".( )
والخوراق حول معركة كربلاء عديدة، منها ما تمحور حول الشهادة كقدر إلهي كتب على الحسين منذ الأزل. ولهذا يبدو الحسين في الوقائع الأسطورية للمعركة، منفذاً لمشيئة إلهية. فبعض المصادر يروي أنَّ الحسين كان على علم بمقتله، وأنَّ قدر الشهادة تجلَّى له في منامات رآى أحدها فيما كان ذاهبا لوداع قبر جدِّه النبي قبيل رحيله إلى الكوفة، إذ جاءه النبي في المنام قائلا: "{...} كأني أراك عن قريب مرملا بدمائك، مذبوحا بأرض كربلاء، بين عصابة من أُمتي، وأنت في ذلك عطشان لا تسقى وظمآن لا تروى، وهم في ذلك يرجون شفاعتي، ما لهم لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة{...}".( )(19/47)
يقول المقرَّم، إن الحسين كان مسيرا بقدره إلى كربلاء، لأن الشهادة كتبت عليه قبل أن يولد، وأما استغاثاته يوم المعركة، "فلم تكن إلاّ من قبيل الحجةَّ على هذا الخلق".( ) وفي رواية لابن طاووس، نقلا عن الشيخ المفيد، وبالإسناد للإمام السادس، الصادق، أن أفواجا من الملائكة لاقت الحسين، فيما كان في طريقه إلى الكوفة، وقالت له: "{...} يا حجة الله على خلقه بعد جدِّه وأبيه وأخيه إن الله عز وجلَّ أمدَّ جدَّك رسول الله صلى الله عليه وآله بنا في مواطن كثيرة وإنَّ الله أمدَّك بنا، فقال: "الموعد حفرتي وبقعتي التي أستشهد فيها وهي كربلاء{...}".( ) وتذكر الرواية عينها أن أفواجا من مؤمني الجن أرادت هي الآخرى الانتصار للحسين، فأبى قائلا: "من ذا يكون ساكن حفرتي وقد اختارها الله تعالى لي يوم دحا الأرض وجعلها معقلا لشيعتنا ومحبينا{...}".
وأما الخوارق حول شجاعة الحسين فعديدة كذلك، بعضها يبرز الشجاعة الخارقة للمألوف التي أبداها الحسين، من خلال إظهار الفارق الكبير في العدد والعدَّة بين الفريقين، فأصحاب الحسين لم يتجاوزوا العشرات (كما ورد في كتب التاريخ الكلاسيكية)، غير أن وقائع الأسطورة تبالغ في عدد القوات التي حاربت الحسين وصحبه، فمصادر الشيعة تذكر ـ نقلا عن الإمام الصادق في أغلب الأحيان( ) ـ أن جند الكوفة كانوا ثلاثين ألفا، وفي رواية أُخرى مائة ألف، أمّا الروايات التاريخية فتجمع على أنَّهم كانوا خمسة آلاف، بمن فيهم الألف فارس الذين كانوا تحت إمرة الحرّ بن يزيد الرياحي، الذي انضم بصفة فردية للحسين قبيل بدء المعركة.(19/48)
تقول إحدى الروايات في ذكرها لبطولات الحسين في مواجهته مع الخصم بعد مقتل أصحابه، إن الحسين بعد ذلك، "{...} دعا جند الكوفة للمبارزة فلم يزل يقتل من برز إليه منهم حتى قُتل {...}"،( ) وإنه ظلَّ "{...} يقاتل حتى قتل ألفا وتسعماية وخمسين رجلاً، وأن مائة وثمانين وأربعة آلاف من جند الكوفة حملوا على الحسين بالطعن بعد ذلك، فأصابوه بـ "{...} ثلاثماية وبضع وعشرين طعنة برمح أو ضربة بسيف أو رمية بسهم"،( ) فيما تذكر كتب التاريخ أن الحسين قد أُصيب بثلاث وثلاثين طعنة وأربع وثلاثين ضربة.( )
ومن الخوارق ما ذكر بأنه اعترى الكائنات إثر مقتل الحسين، كالقول بأن غبرة شديدة سوداء ارتفعت في السماء يوم مقتله حتّى ظن الناس أن العذاب قد أتاهم.( ) وعن زرارة بن أعين عن الإمام الصادق أنه قال: "بكت السماء على يحيى بن زكريا وعلى الحسين بن علي أربعين صباحا ولم تبك إلاَّ عليهما، قلت: فما بكاؤها؟ قال. كانت الشمس تطلع حمراء وتغيب حمراء".( ) وقيل إن السماء أمطرت دما يوم مقتل الحسين، وإن أثر الدم بقي عالقا في ثياب الناس،( ) وإنه ما رفع حجر في الشام، وقيل في الدينا، إلا ووجد تحته دم عبيط، وقيل إنه ما رفعت في ذلك اليوم حصاة في بيت المقدس إلاّ ووجد تحتها دم عبيط،( ) وإن الناس مكثوا شهرين أو ثلاثة يرون الحيطان وكأنما لطخت بالدم مع مطلع الشمس كلّ يوم وحتّى ارتفاعها في السماء.( )(19/49)
وبعض الروايات تتحدث عن خوارق صدرت عن جسد الحسين وعن رأسه المقطوع. ففي رواية أن جسد الحسين قد رفع يوم مقتله إلى السماء الخامسة، ثم أعيد إلى أرض كربلا,( ) وأن رأسه قد نطق بآيات قرآنية، وأنه سمع يتلو سورة الكهف.( ) يقول المقرم: "والكلام من رأس مقطوع أبلغ في تمام الحجة"( ). ومن الخوارق ما ذكر بأنه اعترى الكائنات الحية على مختلف أنواعها، كالقول بأن الوحوش في البراري بكت الحسين.( ) ومن ذلك ما ذكره الخوارزمي، نقلا عن رواة عن رجل أنه قال: "كنت أفت الحب للعصافير كل يوم فكانت تأكل، فلما كان يوم عاشوراء فتت لها فلم تأكل فعلمت أنها امتنعت لقتل الحسين بن علي عليه السلام"( ) وفي تذكرة الخواص لابن الجوزي، أن الجند عندما أرادوا أكل لحوم الإبل التي حُمل عليها رأس الحسين وجدوه أمر من الصبر فلم يتمكنوا من أكله".( ) وتتحدث إحدى الروايات عن احتجاج الملائكة لدى العرش الإلهي على مقتل الحسين. ويذكر ابن طاووس هذه الحكاية على النحو الآتي: "{...} لما كان من أمر الحسين (ع)ما كان، ضجت الملائكة إلى الله بالبكاء وقالت يا رب هذا الحسين (ع) صفيك وابن بنت نبيك، قال فأقام الله ظل القائم (ع) وقال: بهذا أنتقم لهذا".( )
يحتل الانتقام الإلهي من قتلة الحسين حيزا لاُ يستهان به من وقائع الأُسطورة. ففيها أن الله انتقم من قتلة الحسين ومن الساكتين على قتله.( ) عندما سلط عليهم "عَلام ثقيف" ـ وهو لقب يشار به للمختار بن أبي عبيد الثقفي الذي تتبع قتلة الحسين واحدا واحدا وقتلهم. والعديد من مصادر الأسطورة يعتبر حركة المختار جزءا من الانتقام الإلهي لقتل الحسين. كما شملت الأسطورة أرض كربلاء ذاتها، فأشير إلى أن كربلاء كانت منذ القدم مزارا للأنبياء، وموطنا لأحزانهم، وأنه ليس من سر لذلك سوى استشهاد الحسين فيها.( )(19/50)
لم تقتصر أسطورة الحسين عليه وعلى الأنبياء الأولين، كما هو ملحوظ، بل امتدت لتشمل آل بيته، بدءاً بجده النبي (هنا بوصفه جدَّ الحسين وخاتم النبوة) وفاطمة الزهراء (أمه) والإمام علي (أبيه)، والإمام الحسن (أخيه الأكبر)، ثم انتهاء بالحسين. على أنها لا تتوقف عند الحسين، بل هي تمتد لتشمل التسعة الباقين من الأئمة والذين تحصرهم عقائد الإماميين في نسل الحسين ـ دون الحسن، كما سبقت الإشارة (انظر تاليا، سلسلة الأئمة الإثنى عشر كما يرد تسلسلهم عند الشيعة الإمامية).
واتساع الأسطورة لتشمل الأئمة من نسل الحسين، جاء لينسجم مع مقولة إمامة النص عند هذه الطائفة. ففي إمامة النص أن الأئمة من نسل الحسين هم وسطاء الرعاية الإلهية على الأرض، التي ترى عقائد الإماميين استحالة خلوها من حجة عليها، والأئمة هم هذه الحجة. بل إن آخرهم، أي الإمام الثاني عشر، محمد بن الحسن، هو هذه الحجة. وفي الأسطورة أيضاً، أن عودة الإمام الثاني عشر بعد غيبة، هو "الانتقام الإلهي" لمقتل الحسين.( )
غير أن اتساع الأسطورة لم يأت على حساب محورية شخص الحسين فيها، بل جاء ليؤكد هذه المحورية في جانبين: الأول، حضور الحسين كمقولة أيديولوجية في الصياغة العامة لوجهة النظر الكونية للشيعة الإمامية. والثاني، هو البعد الديني ـ السياسي الذي ترمز له شهادة الحسين في عقائد هذه الطائفة. هذا البعد، الذي ينطوي على معارضة ضمنية لأهل الحكم، تم التعبير عنها ميثولوجياً بأسطورة الإمام الشهيد، وأيديولوجياً بشعار الثورة، واتحاد أسطورة الشهيد بشعار الثورة، يحقق التكامل الوظيفي للأسطورة والشعار في أوساط المشايعين. فشهادة الإمام، تستتبع مناهضة الحاكمين من جانب الأشياع، تعبيرا عن الاستجابة للرعاية الإلهية على الأرض، والتي ترى عقائد الإماميين أنها لا تتواصل إلا بعودة الإمام الغائب، الذي "سيملأ الأرض عدلا بعدما ملئت جورا وظلما".(19/51)
وهكذا، فإن اختفاء الإمام ليس نهاية المطاف، بل إن غيبته لفترة ـ تطول أو تقصر ـ هو ما يعطي للمؤمنين مبرر الانسحاب من العملية السياسية الزمانية (إبان غيبته) أو الثورة (عندما تلوح في الأفق عودته). هذا التأرجح بين الموقفين هو ما يفسره بعض الدارسين للعقائد الإمامية بثنائية الثورة والتقية.( ) التي يرون أن عقائد هذه الطائفة تميزت بها. غير أننا لا نرى في ذلك سمة خاصة بعقائد الشيعة، ونرجح أن اقتران التقية بالممارسة السياسية للشيعة لفترات طويلة، جعلها تبدو كأنها سمة خاصة بعقائدهم، خاصة وأن الإماميين دعوا للتقية في ظروف الاضطهاد. غير أن بعض أهل السنة كذلك، مارسوا التقية في ظروف الاضطهاد أو الخوف من وقوعه.( )
كما أن كل معارضة، دينية كانت، أم سياسية أم عرقية، تلجأ للتقية عندما يكون الخطر محدقا بوجودها. وما وجود تنظيمات سرية في مختلف المجتمعات الإنسانية، وأخرى شبه سياسية (parapolitical) تعبر عن نفسها في أطر علنية إلا مؤشر على أن التقية سمة من سمات السلوك الإنساني للجماعات كافة، بغض النظر عن الخلفية السياسية أو الدينية أو العرقية لهذه الجماعات.
حيوية المعنى في شعائر عاشوراء
تبدأ ذكرى عاشوراء في الأول من المحرم من كل عام حتى العاشر منه. وقد تستمر أربعين يوما هي فترة الحداد في التقليد العربي ـ الإسلامي المتبع. غير أن الأيام العشرة الأول من المحرم هي ذروة الذكرى، لأنها رحلة الحسين إلى كربلاء (وصوله إليها مطلع الشهر وحتى مقتله في العاشر منه). وتشتمل الذكرى على أداء شعائر عدة ضمن ما يعرف بالمأتم أو التعزية. وهذه الشعائر هي مجالس العزاء والمواكب الشعبية، ومنها مواكب الضرب على الظهور بـ "الجنازيل".( ) وتصل الشعائر إلى ذروتها عند تشبيه( ) مقتل الحسين في العاشر من المحرم، ثم تختتم بعد ذلك بموكب كبير.(19/52)
تجدر الإشارة إلى أن الشكل الشائع لعاشوراء على النحو المعروف لنا في الوقت الحاضر (أي رواية سيرة الحسين في محافل شعبية) تعود جذوره ـ على الأرجح ـ إلى القرن العاشر للهجرة/ السادس عشر للميلاد، عندما اعتلى الصفويون سدَّة الحكم في إيران، واتخذوا من التشيع عقيدة رسمية لدولتهم، بتشجيع من علماء شيعة كانوا قد هاجروا إلى إيران من جبل عامل في لبنان، وكانت إيران قبل ذلك التاريخ ذات أغلبية سنية.
وقد أضاف الإيرانيون للذكرى شيئا من تراثهم الفولكلوري، وطبعوا شعائر العزاء الحسيني بطابعهم القومي، وكان لهم دور في انتقالها إلى الهند وأذربيجان التركية والأناضول وبعض مناطق سيبيريا. ومع الوقت، تطورت هذه الشعائر بنوعيها المعروفين لنا في الوقت الحاضر،أي رواية سيرة الشهيد (ممسرحة enacted في تجمعات شعبية حافلة) تليها المواكب، التي بدأت كتقليد متبع في القرن الرابع للهجرة/العاشر للميلاد وكانت حصيلة الدمج بين هذين النمطين في إيران إبان القرن الثامن عشر، ولادة ما يعرف في هذا البلد بمسرح التعزية ta,ziyah thaentre ( ). ومما عزز من طقسية عاشوراء في إيران، قيام بعض الرسميين الإيرانيين في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، ببناء التكايا الفخمة، التي تميزت بالفن المعماري ولوحات فنية تحكي قصة عاشوراء. ومع مرور الزمن، تحولت اللوحات المشخصة لآلام الإمام الشهيد، إلى أيقونات تشبه ـ من حيث الدلالة والمعنى ـ الأيقونات الكنسية في المسيحية. وهذا ما أسهم في ترسيخ عاشوراء ـ ببعدها الشعائري المكثف ـ سمة قومية للإسلام في إيران، في حين ظلت الذكرى في البلاد العربية، تقتصر على المناطق ذات الكثافة الشيعية، دون أن تأخذ صبغة قومية جامعة. غير أن لكربلاء في العالم العربي، معنى الدراما الاجتماعية ـ السياسية. إذ ارتبطت قصة الحسين ضميريا ـ دون بعدها الاحتفالي ـ بلغة الاحتجاج لدى المثقفين العرب.( ) وهذا ما يشير إلى أن المعنى الماثل في(19/53)
قتل ابن بنت النبي والقتل الجماعي ظلما لفئة من المسلمين، حمل دلالات تجاوزت حدود الطائفة، وغدت عند الشيعة والسنة، رمزاً للاحتجاج ضد شطط الحكام في استعمال السلطة.
تعقد غالبية المآتم (مجالس العزاء) في الحسينيات، وهي نواد أسست خصيصا لإقامة المأتم الحسيني، ولهذا سميت بالحسينيات ومفردها حسينية. وتعقد بعض المآتم في الجوامع وفي منازل أسياد (يعتقد بانتسابهم لآل البيت) وهناك مآتم تعقد في بيوت وجهاء الطائفة، كما هو الحال في لبنان (انظر تاليا). وتتلى في المآتم سيرة مقتل الحسين ويقرأ الشعر في رثاء الشهيد وآل بيته وصحبه. ومع تلاوة السيرة الحسينية، يبكي قارئ السيرة وهو يتلو فصولا من مأساة آل البيت، أو يقرأ قصيدة( ) في رثاء شهدائهم بصوت شجي، فيبكي معه الحضور وهم يطلقون آهات التأسي التي تعبر عن التعاطف الوجداني مع الشهداء. وقارئ السيرة هو الذي يلقي قصائد الشعر، وهو الذي يبدأ الضرب على صدره بإيقاع منتظم. ويمزج بعض القراء في قراءاته بين العامية والفصحى. ويستطيع السامع معرفة البلد الذي تلقى فيه القارئ علومه الدينية من خلال لكنته التي غالبا ما تكون إما عراقية أو إيرانية. وهناك تفاوت بين القراءات فبعضها مؤثر يتلى بصوت شجي، والبعض الآخر يتسم بالرتابة.(19/54)
تأخذ الذكرى بعداً ميلودراميا في مواكب الضرب على الصدور وجلد الظهور بالجنازيل. وتفسر هذه المواكب على أنها إشارة للندم والتوبة لتخلي شيعة الحسين الأوائل عنه في الكوفة، مما أدى لقتله. وتجوب المواكب الشوارع لتنتهي إلى تجمع كبير في إحدى الحسينيات، ثم تبلغ الممارسات الشعائرية ذروتها في العاشر من المحرم، اليوم الذي وقع فيه استشهاد الحسين. في ذلك اليوم تجري تشبيه المقتل في الحسينينات، أو في فسحة من مكان يفتقر لتقنيات المسرح بالمعنى المعاصر للكلمة، وتنعدم فيه الفواصل بين الممثلين وجمهور المشاركين ـ ولا أقول المشاهدين، فالمشاهدة الشعبية في الحسينيات هي أيضا مشاركة في التذكار والتكرار الطقسي لكربلاء.(19/55)
من حيث الشكل، تبدو عناصر الذكرى ثابتة ومتشابهة في بلدان مثل لبنان والعراق وإيران والبحرين، فهذه بلدان شرق أوسطية متجاورة بينها تزاور وتزاوج وحجيج إلى العتبات الشيعية المقدسة في العراق وإيران، حيث يتلقى علماء الطائفة علومهم الدينية. وقد يكون من المفيد تقديم عرض لشعائر الذكرى في البلدان المذكورة للتعرف على أوجه الشبه والاختلاف بينها. ففي كربلاء مثلا (وهي المدينة التي شيدت على خلفية مقتل الحسين،وشيد له مقام فيها) يحصل تجمع شعبي في الأول من المحرم من كل عام. وينقسم الجمع البشري إلى قسمين: قسم يضرب الصدور، وينتظم في حلقتين أو ثلاثة، كل واحدة منها تتكون من مئة إلى مئة وخمسين رجلا. أما القسم الثاني، فهم حملة الجنازيل، وهؤلاء يضربون ظهورهم بالسلاسل الحديدية في مسيرات تجوب الشوارع، وهم ويقسمون عادة إلى صفين متوازيين تخترقهما الأنوار والأضواء ومكبرات الصوت وقارئ يقرأ القرآن والسيرة الحسينية. ويتواجد القراء في السوق أو المقهى أو الجامع أو الحسينية، إلى أن يتم توزيعهم لمرافقة المواكب التي سيقرأون لها. ويعطي القارئ أجراً إلاّ إذا رفض، إذ يعتقد بعضهم بوجوب القراءة كنوع من الصدقة التي تقربه من الإمام الشهيد. وتستمر القراءات على مدى الأيام العشرة الأول من المحرم، وقد تستمر ليوم الأربعين في بعض المناطق، كما سبقت الإشارة.(19/56)
في الأيام الأولى لذكرى عاشوراء في كربلاء ذاتها، يذهب الناس نهارا لأعمالهم كالمعتاد، ثم يتجمعون في المساء للسير في مواكب يتم تنظيمها حسب التراتبية الاجتماعية للأحياء والمهن. فهناك مواكب خاصة بالحرفيين كالحدادين والنجارين والصاغة، إلخ...، وهناك مواكب للعشائر وأخرى للأحياء السكنية، ويخرج المثقفون والشيوعيون موكبا لهم في العباسية.( ) ولكل موكب قارئ خاص به، ويتم اختيار القراء من ذوي الأصوات الجميلة وأصحاب النسب الشريف، أو من أبناء العائلات المرموقة اجتماعيا. وتسير المواكب الواحد تلو الآخر ثم تلتقي في موكب واحد وقراءات موحدة. وغالبا ما يوزع الأكل والماء على المواكب عند وصولها إلى الحسينيات أو الجوامع، إيفاء بنذور كان المتبرعون قد قطعوها على أنفسهم أملا في تحقيق حاجة، كشفاء مريض أو عودة غائب، أو ولادة طفل بعد انتظار، وقد لا يكون النذر إلا من قبيل التقرب من الإمام الشهيد والأمل بشفاعته يوم القيامة.( )(19/57)
يجدر التذكير بأن معركة كربلاء التاريخية استمرت لساعات فقط، إذ بدأت المعركة بعد صلاة فجر العاشر من المحرم وانتهت في عصر ذاك اليوم، وهي بذلك واحدة من أقصر المعارك في التاريخ.غير أن التكرار الشعائري لها يوزع أحداثها على عشرة أيام. ويعتقد الكثير من عامة الشيعة أن المعركة حصلت فعلا وفق العرض الطقسي الذي يستغرق الأيام العشرة الأُول من المحرم. ولهذا الأمر مغزاه الهام.فقد حلت عناصر الأسطورة ـ بما تحمله من تكثيف وترميز لواقعة كربلاء ـ محل الوقائع التاريخية لها. فشعائر الذكرى تركز على دلالة الحدث ومعناه، مما يتطلب وقتا أطول لاستيعاب المعاني التي تشير إليها الأسطورة. ويسهم الإسهاب في ذكر البطولات والمآسي وسرد الإضافات التي أسبغت على قصة الحسين وأدمجت بالوقائع التاريخية، يسهم في وصف وتعداد المحرمات التي انتهكها جند يزيد بن معاوية.ولهذا، يجد المتتبع لوقائع الذكرى، أن للشعائر والعناصر الأسطورية وظيفة تعبوية. فهي تشحن مشاعر الحاضرين باستحضار مظلمة تاريخية، وتوظف ذلك ضد سلطة الحاضر، خاصة في أوقات الاضطراب السياسي أو الاجتماعي. ففي أوقات كهذه تصبح الذكرى إطار لصياغة المعارضة الضمنية أو الاحتجاج الصريح، حسب ما تمليه الظروف السائدة وقت حلول الذكرى.(19/58)
في الأيام الثلاثة الأُول من عاشوراء، تستهل الذكرى، في كربلاء ذاتها بالشؤون السياسية والاجتماعية العامة وبالقراءات الشعرية. وفي اليوم الرابع، يبدأ تشبيه موت أحد أبناء آل البيت، العباس أو القاسم أو علي الأكبر، بتلاوة سيميائية لقصته.مثلا في اليوم الذي تكرس فيه الذكرى لمقتل القاسم، تتلى قصائد عن الحب والجمال والتغزل بالشباب، إشارة إلى أن المقتول من آل البيت ـ المحتفى بذكراه في ذلك اليوم ـ كان عريسا في مقتبل العمر. وفي يوم التاسع من المحرم، أي ليلة العاشر منه، وهي ليلة مقتل عبد الله ـ الابن الرضيع للحسين ـ يوزع الحليب على الأطفال، للدلالة على أن المقتول، المحتفى بذكراه في تلك الليلة، كان طفلا رضيعا.
أما يوم عاشوراء، أي عاشر المحرم، فيكرس في كربلاء وفي عموم بلدان الشيعة، لتشبيه مقتل الحسين.وهو يوم عطلة رسمية تبدأ فيه الاستعدادات للاحتفال الكبير منذ الفجر، حيث تتجمع في ليلة عاشوراء مواكب رجال يلبسون الأكفان البيضاء ويضربون رؤوسهم الحليقة بقطع خشبية حتى الفجر لتخديرها، تمهيدا للاحتفال الرسمي الذي يبدأ مع خروج مواكب "اللطّيمة" و "الضريبة" في الصباح. عندئذ، يضرب هؤلاء رؤوسهم بالمدى وصدورهم بالأيدي وظهورهم بالجنازيل. ويرافق موكب "اللطّيمة" بوق تنطلق منه الصيحات وفريق من المشاركين يدعى "الشواقيف" ـ أي حملة القطع الخشبية. ومسؤولية الشواقيف هي مد القطع الخشبية كحاجز يحول بين الرؤوس والمدى وذلك لمنع "الضريبة" من تجاوز حدود المعقول في الضرب على رؤوسهم، حتى لا تتأذى من المدى. ثم ينهي "الضريبة" مسيرتهم ما بين التاسعة والعاشرة صباحا، ويذهبون إلى الحمَّام بالتناوب وبعد ذلك تلتقي جموع المواكب في الحسينية، حيث يقام المأتم الرئيسي ثم تختتم المراسيم بتشبيه مقتل الحسين.(19/59)
يتم انتقاء الممثلين لتشبيه المقتل على أساس من تراتبية دينية ـ اجتماعية، كما هو الحال في تنظيم المواكب فشبيه الحسين يتم اختياره من الأسياد (الذين يعتقد بانتسابهم لسلالة النبي). ويمثل دور أنصار الحسين أشخاص من عامة الناس عرفوا بالتدين والتقى. أما دور عسكر يزيد بن معاوية، فيقوم به أشخاص عرفوا بالانحطاط المسلكي أو التشوه الخلقي، كالخرسان والعوران.ورغم أن دورا كهذا هو إمعان في الحط من شأن هؤلاء، إلا أنهم يتمثلون الدور بحماس، اعتقاداً منهم بأن المشاركة من جانبهم في إكمال مشاهد مقتل الحسين تطهر حالهم وتعلي من شأنهم. ويستمر تشبيه المقتل ثلاث ساعات أو أربعا. وفي تلك الأثناء، يقوم ممثلو دور أبناء مسلم بن عقيل (ابن عم الحسين ومبعوثه إلى الكوفة) بالدوران حول حلقة الشبيه وهم يصرخون: "العطش العطش يا جداه"، إشارة إلى مقتل الحسين وهو عطشان، عندما حالت قوات ابن زياد بينه وبين ماء الفرات.
ولا تختلف تفاصيل الشعائر كثيراً في البحرين أو لبنان أو إيران، عنها في كربلاء ذاتها. ففي البحرين، مثلا، تعقد ثلاثة مآتم يوميا في الصباح والظهيرة والمساء، وتتلى فيها وقائع كربلاء وسيرة شهداء آل البيت، وذلك حتى السابع من المحرم، حيث تبدأ المواكب الرسمية بالخروج إلى الشوارع. وتخرج المواكب عادة في الليل ما عدا يوم عاشوراء، حيث تخرج صباحا وعصرا فقط، والبحرين هي الدولة الخليجية الوحيدة التي تخرج فيها مواكب اللطم إلى الشوارع، فيما يمارس اللطم داخل الحسينيات في الدول الخليجية الأخرى.( ) ويخرج كل مأتم أو حسينية موكبا وكما هو الحال في كربلاء، تتبع مواكب البحرين تراتبية الأحياء والمهن. ففي مدينة المحرق، مثلا تسمى الأحياء بمهن سكانها، وهناك مأتم خاص بالبنائين وآخر بالصاغة وثالث بالحدادة إلخ...، كما توجد مآتم للجماعات الإثنية المختلفة، فمثلا، للشيعة من أصل إيراني مأتم يخرج موكبه الخاص به.( )(19/60)
في اليوم السادس من المحرم، تبدأ في حسينيات البحرين التلاوات التي يترافق معها تشبيه مقتل أحد أبناء آل البيت، بعد أن تكون التلاوة قد سردت فضائله. والشائع أن يتم تشبيه مقتل خمسة من آل البيت، خلال الأيام الأربعة أو الخمسة الأخيرة من الذكرى، وهؤلاء هم: العباس، القاسم، علي الأكبر، عبد الله الرضيع والحسين. ووقائع سير الشهداء الخمسة، مستقاة ـ أو مستوحاة ـ من مبالغات وردت في رواية أبي مخنف في تاريخ الطبري، ومن إضافات أسطورية لاحقة، وردت في كتابات الشيعة الشعبية .
ومن أبرز قصص الشبيه في عاشوراء البحرين، مثلا قصتا العباس والقاسم (ابن الحسن، الشقيق الأكبر للحسين)، فضلا عن قصة الإمام الحسين، الذي تستقى الذكرى معناها من شهادته. وأحيانا تشتمل قصص الشبيه على بعض أنصار الحسين البارزين مثل الحر الرياحي، الذي ترك قوات الكوفة وانضم للحسين وقاتل ببسالة منافحاً عنه إلى أن استشهد بين يديه. وقد تشتمل المشابهات أيضا على مشهد دفن الشهداء في منطقة الغاضرية.( )(19/61)
يلقب العباس في قراءات السيرة الحسينية بقمر بني هاشم، لما ذكر عن وسامته وعلو همته. إذ تروي كتابات الشيعة، عن العباس أنه لم يحتمل رؤية الحسين والعيال عطشى أثناء المعركة، فخرج لإحضار الماء، فإذا بسهام الخصم تنال منه فتقطع كفيه، فيحتوي إناء الماء بذراعية، ثم يقتل وهو في طريق العودة إلى الخيمة قبل أن يتمكن من إيصال الماء للعطشى. في شبيه العباس البحرين، تلعب كفه المقطوعة دوراً في الإشارة إلى حمية الشهيد. وقصة العباس ـ كما تحكيها السيرة ـ هي مقاربة لما ذكر في التاريخ عن جعفر بن أبي طالب ـ أحد أبناء عمومة النبي وابن عم الإمام علي، وأحد أوائل شهداء الإسلام في معركة مؤتة.( ) فقد عرف جعفر بسمات الشخصية المنسوبة للعباس، واشتهر عنه أنه عندما بترت كفاه في مؤتة، احتوى علم المسلمين بذراعيه وأسنده إلى صدره ليحول دون سقوطه على الأرض، ولهذا لقب بالطيار وبذي الجناحين.
ويتخذ شبيه القاسم ـ الذي لم تثبت قصته تاريخيا كما ترويها الأسطورة ـ يتخذ تقليد زفة عريس في مشهدين: المشهد الأول، يلبس فيه الشبيه بدلة العريس، وتطفأ الأضواء فيما تحمل الشموع ويزف الشبيه تحف به الشموع في عتمة الليل من كل جانب. وفي المشهد الثاني، يشاهد الفتى العريس محمولا على الأكتاف ومزملا بكفن ملوث بالدماء، إشارة لعودته شهيدا في ليلة عرسه.(19/62)
في هذه القصة أيضا محاكاة لأسطورة بابلية قديمة، هي أسطورة تموز الذي يقتل، فيما الحبيبة عشتار تظل تبحث عنه وتحزن العمر على فراقه. وعشتار، في شبيه القاسم (ابن الحسن)، هي سكنية (بنت الحسين)، التي تذكر قراءات عاشوراء أنها خطبت للقاسم عشية المعركة. ومحاكاة أسطورة تموز تبدو أوضح ما تكون في شعائر عاشوراء عند شيعة لبنان، حيث "العرس ـ المأساة" يأخذ مكانه في مآتم النساء اللواتي يقمن باختيار فتى وفتاة للقيام بشبيه العروسين وسط الندب والبكاء وتخضيب الأكف بالحناء (تخضيب الأكف بالحناء تقليد تمارسه النساء البدويات والريفيات في عموم العالم العربي، وهو مرتبط بمناسبات الفرح لا الحزن، إلا أن التخضيب بالحناء في شبيه القاسم، تقصد منه الإشارة إلى أن القاسم قد عاد في ليلة عرسه مزملا بدمائه بدلا من الحناء، الذي يشترك مع الدم بخاصية اللون الأرجواني القاني). وفيما القارئة تروي سيرة القاسم وسكينة، تردد النسوة خلفها مرثاة باللهجة المحكية لشيعة الجنوب اللبناني. تقول المرثاة: "من عظم المصاب سكينا (سكينة بنت الحسين)/ وين جدي (النبي) وين حيدر (الإمام علي) وينا (أينه) / وين جبرائيل وملوك السما/ ينظرون حسين لمن (لما) ارتمى / جاسم العريس حنوه بالدما/ وليش يا زهرة (أم الحسين ـ فاطمة بنت النبي ـ الملقبة بالزهراء) ما تحنينا".( )(19/63)
للمآتم في لبنان تراتبية اجتماعية لها صبغة سياسية واضحة. فرغم وجود حسينية في كل قرية شيعية تمارس فيها الشعائر بصيغتها الدينية والفلكلورية، إلا أن مآتم من نوع خاص تقام في منازل الشخصيات المتنفذة من الطائفة. فمثلا، كان كامل الأسعد، رئيس مجلس النواب الأسبق يحرص على إقامة مأتم في منزله، رغم أنه لم يعرف عنه التدين.( ) ويحرص نبيه بري، رئيس حركة أمل والرئيس الحالي لمجلس النواب، على عقد مأتم في منزله كذلك. ويعتبر عقد المآتم في منازل وجهاء الطائفة، مقياسا لنفوذهم في الأوساط المحسوبة عليهم في مناطقهم الانتخابية، خاصة إذا ما كان الوجيه زعيم تنظيم سياسي، أو يجمع في شخصه بين الوجاهة الاجتماعية التقليدية، والنفوذ السياسي أو الاقتصادي في الحاضر.
أما المثقفون الشيعة، فيشغلون الحسينيات كنواد تعقد فيها المحاضرات الثقافية، فضلا عن الاجتماعات العامة في المناسبات السياسية الهامة. وقد برز هذا الدور الثقافي ـ السياسي للحسينيات إبان الحرب الأهلية في السبعينات والثمانينات، حيث كان كتاب شيعة بارزون من اليسار اللبناني، مثل حسين مروة ومهدي عامل،( ) يعقدون ندواتهم الثقافية في الحسينيات.( )
تجدر الإشارة إلى أن خريطة التوزع السياسي لشيعة لبنان ظهرت خلال العقدين الأخرين، في ثلاثة مآتم كبرى( ) هي: المأتم الحاشد الذي يعقده حزب الله في مناطق البقاع والنبطية والضاحية الجنوبية من بيروت، ويشارك فيه عشرات الآلاف، وهو أكبر المآتم عددا وأكثرها تشددا في ممارسة الشعائر، ويليه من حيث الحجم، المأتم الذي تقيمه حركة أمل في حسينيات الضاحية الجنوبية من بيروت.(19/64)
أما المأتم الثالث، فتعقده المؤسسة العاملية، التي يشرف عليها المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى برئاسة الشيخ محمد مهدي شمس الدين. وهذا الاحتفال أقرب إلى مناسبة وطنية عامة منه إلى مأتم. إذ يأخذ هذا الاحتفال، طابع تجمع لبناني عام يحضره مندوبون رسميون عن الدولة والطوائف الإسلامية والمسيحية وأعضاء من البعثات الديبلوماسية. ويعقد هذا المجلس في العاشر من المحرم فقط، ويقتصر على الخطبة الرسمية التي يلقيها الشيخ شمس الدين، وخطب الوفود من رجال الدولة وزعماء الطوائف الإسلامية والمسيحية. وتتضمن الخطب في العادة شؤون الساعة من قضايا سياسية واجتماعية، وبعضها يعرج على ما يجب تعلمه من ثورة الإمام الحسين ضد الظلم.( )
وكما هو الحال في البحرين والعراق، تتلى السيرة الحسينية في لبنان موزعة على عشرة أيام، في المآتم التي تقام في الحسينيات والجوامع.وقد تروى في اليوم الأول قصة "مفاوضات" مسلم بن عقيل، مبعوث الحسين إلى الكوفة، رغم أن الرواية التاريخية لمقتل مسلم لا تذكر حصول مفاوضات، بل تذكر مقتل مسلم بعد الإيقاع به عن طريق مخبر دسه ابن زياد بين أنصاره، لكشف خطته وكشف مناصريه من أهل الكوفة .
تلي المآتم المسيرات (أو المواكب، كما تسمى في العراق والبحرين). ولم يكن في لبنان قبل الحرب الأهلية في سبعينات هذا القرن، سوى موكب واحد هو موكب بلدة النبطية في الجنوب اللبناني. وقد تكاملت في عاشوراء النبطية مشاهد الفولكلور الشعبي وطقوس الأعياد الدينية والمناسبات الموسمية. ففي تجاوب مع احتياجات الذكرى، تنشط في البلدة حركة بيع وشراء، حيث يشتري الناس الأقمشة السوداء والأحذية والحناء والمأكولات، مثل الهريسة (فطيرة محلاة بالسكر) والحلويات والمرطبات.وقبل الحرب الأهلية اللبنانية اقتصر تشبيه مقتل الإمام الحسين على النبطية، حيث كان العرض يقام في ساحة البلدة، إلى أن تمت إقامة مسرح في الثمانينات لهذا الغرض.(19/65)
في تشبيه المقتل في النبطية، يظهر شبيه الحسين ممتطيا جواده، الملقب بذي الجناح، وهو يتلقى طعنات جند الكوفة. ثم لا يلبث أن يسقط عن حصانه تحت وطأة الطعن. بعد ذلك يقوم شخص بحركة يفهم منها قطعه رأس الشهيد، فيدرك الحاضرون أن ذلك الشخص هو شمر بن ذي الجوشن، الذي تذكر الروايات التاريخية على أنه كان قاطع رأس الحسين في المعركة. ثم تظهر خيل تضرب جسد شبيه الحسين بحوافرها إشارة إلى إمعان جند الكوفة في التمثيل بجثة الشهيد. وفي المشهد الختامي، يظهر فرس الحسين وهو عائد إلى خيمة النساء وحيدا، في إشارة إلى سقوط فارسه في ساحة القتال.
بعد تشبيه المقتل، يبدأ اللطم على الصدور وضرب الرؤوس. والمنذورون للإمام الحسين، هم أكثر من يشارك في اللطم والضرب. وهناك اعتقاد بأن الملائكة تشارك في العزاء وتساعد على بلسمة جراح "الضريبه".( ) وكان اللطم وضرب الرؤوس يقتصران على بلدة النبطية قبيل الحرب الأهلية اللبنانية، غير أن هذه الممارسات امتدت لمناطق الوجود الشيعي في ضاحية بيروت الجنوبية ومنطقة بعلبك في البقاع اللبناني، إثر صعود حزب الله وتصاعد حركة المقاومة الإسلامية في جنوب لبنان ضد الاحتلال الإسرائيلي. وتشهد المناطق المذكورة تجمعات حاشدة في الذكرى السنوية لعاشوراء، ترفع فيه صور الخميني وموسى الصدر، ومؤخرا رفعت صور لخامنئي، الزعيم الروحي الحالي لإيران.
تجدر الإشارة إلى أن النساء غالبا ما لا يشاركن في تشبيه مقاتل آل البيت في الساحات العامة أو الحسينيات، رغم أن الوقائع التاريخية للمعركة تذكر وجود خيمة لنساء وأطفال من آل البيت رافقوا الحسين في رحلته إلى الكوفة، ولابد أن هؤلاء شهدوا وقائع المعركة ومقاتل رجالهم. ومع ذلك تقتصر مشاركة النساء في عاشوراء على مآتم نسوية تعقد في البيوت، حيث تقرأ إحدى النسوة مآتم الحسين وسيرة عذاباته. وفي المواكب تشارك النساء كمشاهدات فقط.(19/66)
غير أن لزينب ـ شقيقة الحسين التي رافقته إلى كربلاء ـ حضورا رئيسيا في قراءات عاشوراء. إذ تلعب زينب في السيرة الحسينية "{...} الدور الذي تلعبه مريم بالنسبة للمسيح. لكن الفارق الأساسي يمكن في انتقال العلامة من إطار الجنس والحب في أسطورة أدونيس وعشتروت إلى الأمومة التي تحتضن الشهادة في سيرة المسيح، وإلى إطار الأخوة التي تلعب الدور نفسه في واقعة كربلاء، ذلك أن الفكر الديني المثالي أعطى للمرأة دورا يتجاوز العشق الجنسي ليضعه في إطار أكثر {...} تساميا وحوَّلها من حبيبة إلى أم في المسيحية وإلى أخت في الإسلام الشيعي. والسيرة الحسينية ترسم لزينب إطارا يكاد يكون خارقا من حيث شجاعتها وقدرتها على الاحتمال. إنها الشخصية الرئيسية الثانية في كربلاء، فهي التي تستقبل ببسالة جثث أهلها المستشهدين واحداً إثر آخر، وهي الخطيبة المفوهة التي تقف أمام يزيد برباطة جأش وإمعان في التحدي ومتابعة المواجهة بعد انفضاض المعركة".( )(19/67)
يلحظ المتتبع لوقائع الذكرى أن ممارسة الشعائر تتسم باللاتراتبية. فأبناء الطائفة من مختلف فئات السلم الاجتماعي يشاركون فيها على نحو ما من المساواة ـ على مستوى الوجدان الديني. وهذا ما يعزز التماسك الداخلي للطائفة ويعيد إنتاج وحدتها. إلا أن المرء يلحظ بالمقابل، بأن هذه المناسبة الحيوية لتماسك الطائفة، تنطوي من جانب آخر، على تراتبية تدل عليها الرموز والإشارات العلامية التي تزخر بها شعائر الذكرى. فالوقائع الواردة فيما تقدم تشير إلى تراتبية إجتماعية في مواكب المهن ( في ذكرى كربلاء ذاتها ) وتراتبية اجتماعية ـ إثنية (في مواكب البحرين) وتراتبية اجتماعية ـ سياسية (في مجالس العزاء في لبنان) وتراتبية دينية بين آل البيت وعامة الشيعة (في تلاوة السيرة وشعائر الشبيه في عموم البلدان التي تمارس فيها هذه الشعائر). تبدو التراتبية الدينية، أيضا، في إيماءات عدة بتضمنها أداء الشبيه. فشبيه آل البيت تسند عادة لأشخاص يعتقد بانتسابهم لآل البيت، ويتصفون بالوسامة وجمال الصوت (لصوت المنشد في عاشوراء دلالات أخلاقية وجمالية تميز الشخصيات الخيرة، أي آل البيت وأنصارهم). وتسند أدوار أنصار آل البيت لأشخاص من عامة الناس عرفوا بالورع والتقى، فيما تسند أدوار جند الكوفة للمنبوذين بسبب شذوذ مسلكي أو تشوه خلقي. وتنطوي المرثاة بمجملها على ما أسماه الشاعر اللبناني شوقي بزيع، بـ "تراتبية التفجُّع" بين آل البيت وأنصارهم،( ) فتأجيج المشاعر يبدأ عندما يشرع القارئ في رواية مقاتل آل أبي طالب، ثم يتواصل التصعيد الوجداني مع مقتل علي الأكبر والعباس والقاسم وعبد الله الرضيع، إلى أن يبلغ ذروته عند سقوط الحسين، فادي الجماعة وشفيعها يوم القيامة. على أن ذروة التأسي على الحسين تعكس مجددا توحد الجماعة وإعادة إنتاج تكافلها على أرضية الإيمان بإمامة الشهيد.(19/68)
وهكذا في كل عام، تتكرر شعائر الذكرى مرئية ومسموعة ومشبهة. وللشبيه فيها ـ كما للشعائر ـ مضامين وإيماءات معروفة سلفا لجمهور المشاهدين/ المشاركين. والشبيه هو عرض مسرحي يشير إلى المضامين الدينية والسياسية للشهادة، أكثر بكثير مما يهدف إلى تمثيل دور الشهيد. ورغم الاعتقاد السائد بأن تمثيل المقتل يقتصر على الحسين دون باقي الشهداء، إلا أن الشبيه يحصل في حالات أبرز شهداء آل البيت، والأكثر تميزا بين أصحاب الحسين.
وفيما تتسم الشعائر بالثبات النسبي من حيث الشكل، فإن مضامين قراءتها تتغير من عام لعام، تبعا للظروف السياسية المحلية في البلد المعني، أو تلك الظروف الدولية التي تمس عموم العالم الإسلامي ومنطقة الشرق الأوسط.وقد تتطرق الخطابات لأوضاع بلاد في العالم الثالث يتماثل حالها مع حال العرب والمسلمين.وغالبا ما يتم ربط مضمون ما يجري في الحاضر ـ محليا أو عالميا ـ بالمعاني التي حملتها كربلاء الحسين،( ) فلكل عصر ولكل بلد حسينه ويزيده.
في العام 1967، العام الذي اندلعت فيه حرب حزيران بين العرب وإسرائيل (وهي الحرب التي احتلت فيها إسرائيل باقي أراضي فلسطين ـ الضفة الغربية وقطاع غزة ـ فضلا عن الجولان من سوريا وسيناء من مصر)، في ذلك العام تمحورت قراءات عاشوراء في كربلاء ذاتها حول الحرب، وقورنت عذابات الفلسطينيين في تلاة السيرة الحسينية بعذابات آل البيت، فكان شعب فلسطين نظير الإمام الشهيد، فيما كان الاحتلال الإسرائيلي نظير يزيد بن معاوية وجنده الملعونين. وفي العام 1968 (العام الذي اغتيل فيه إرنستوتشي غيفارا) كان غيفارا في قراءات السيرة الحسينية، في كربلاء أيضا، صنو الإمام الشهيد، ورمزا من رموز التضحية والفداء للإنسانية جمعاء. وأما الاستخبارات الأميركية الـ CIA (التي ذكر بأنها كانت وراء اغتياله)، فماثلت في القراءات جند يزيد بن معاوية.( )(19/69)
كذلك شهد العالم كله على شاشات التلفزيون، كيف أن ذكرى عاشوراء في إيران في العام 1978، حفزت على الثورة ضد النظام الشاه، وبينت كيف أن الأمة الإيرانية بمختلف فئاتها الدينية والعرفية كانت تعيش أزمة وطنية عامة استحال معها استمرار النظام السياسي في ذلك البلد على حاله، واستحال معها استمرار الإيرانيين على المنوال نفسه. وقد لاحظت الكاتبة هغلاند HEGLAND في حينه، التغير الذي طرأ على مضمون عاشوراء في قرية علي آباد الإيرانية. ففي عاشوراء ذلك العام، تحول الحسين من شفيع intercessor ترجى شفاعته عند وقوع مرض أو حلول مصيبة، إلى نموذج أعلى للثائر الشهيد، الذي فضل الشهادة على العيش الذليل.( ) كما لاحظت الكاتبة المذكورة، أن مواكب عاشوراء لذلك العام، لم تقتصر على الشيعة، بل شارك فيها الإيرانيون من مختلف الطبقات والإثنيات والطوائف، مستلهمين حس الثورة من المناسبة. أي أن منطق الثورة revolution في ذلك العام، غلب منطق الكمون concealment of faith فحلت الثورة بذلك، محل التقية، التي لجأ لها الشيعة طويلا في عهد الشاه محمد رضا بهلوي.(19/70)
في لبنان، شهدت احتفالات عاشوراء تكثيفا ملحوظا واتخذت مضامين جديدة إبان العقود الثلاثة الأخيرة التي شهدت الحرب الأهلية والاجتياحات الإسرائيلية المتكررة، فما نتج عن الحرب من تهجير جماعي وسقوط مئات الآلاف ما بين قتلى ومفقودين، اتخذ طابعا دراميا صارخا، تماثل في دراميته مع عاشوراء من حيث تعدد وجوه المأساة. وقد عبر الشيعة عن تفاعلهم مع هذه الأحداث باستلهام المعاني الكفاحية من كربلاء الحسين. ففي معالجة الشؤون الداخلية اللبنانية، مثلا، تركزت خطابات عاشوراء على حقوق المحرومين (أي أبناء الطائفة الشيعية التي كانت تحس بالغبن ضمن تركيبة التوازنات الطائفية في لبنان). وفي مواجهة تبعات الحرب الأهلية الطاحنة، دعت الخطابة في ذكرى عاشوراء إلى الوحدة الوطنية وسيادة القانون على جميع المواطنين بالتساوي. وفيما يتعلق بالاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على قرى الجنوب ذي الكثافة الشيعية، ركزت الخطب على وحدة الشعب اللبناني في مواجهة الاحتلال، أي أن الذكرى في سياق المواجهة مع إسرائيل، كانت مناسبة لمخاطبة اللبنانيين بمختلف أطيافهم السياسية لا الشيعة وحدهم وإثر اجتياح إسرائيل لجنوب لبنان في العام 1978، خرجت مسيرات عاشوراء متراصة الصفوف يدا بيد وكتفا إلى كتف، في إشارة إلى التماسك الوطني في مواجهة الاحتلال، فيما لوحظ أن الصفوف لم ترص بهذا الشكل عندما كان الوجود الفلسطيني المسلح في جنوب لبنان موضع انتقاد بعض اللبنانيين.( )(19/71)
لقد أعطت أسطورة الإمام الشهيد للطائفة الإمامية العنصر العقائدي اللازم لبلورة شخصيتها كطائفة في إطار الدين الإسلامي. ويبين تكرار الشعائر في كل عام، كيف توظف الرموز الدينية للتعبير عن مشاغل دنيوية. فكان التكرار الطقسي لكربلاء ـ عبر أداء شعائر التعزية ـ هو الجسر الذي يصل الأسطورة بالتاريخ، والمقدس بالدنيوي. ومع مرور الزمن، غدت شعائر التعزية وعاء أيديولوجيا لإمامة الشهيد، وصارت الشهادة هي الوسيط الرمزي لتفسير علاقات السلطة السائدة، فالشهيد في حال الجماعات المهمشة سياسيا، ليس إلا مقولة عقائدية تعكس الموقع السياسي الهامشي لتلك الجماعات. بذا، تُرَسِّمُ إمامة الشهيد عند الشيعة، الحد الأيديولوجي، الذي به، ومن خلاله، تميز الطائفة الإمامية نفسها عن أهل السنة والجماعة في مجتمعها الأوسع.
كتاب الشهر
من قتل الحسين؟
غني عن القول أن أهل السنة يوقرون النبي صلى الله عليه وسلم وآل بيته الأطهار، ويعترفون لهم بالفضل، ومنهم الحسين بن علي رضي الله عنهما، الذي تأتي ذكرى استشهاده في شهر محرم، الأمر الذي يجعل من الضرورة بمكان الحديث عن ظروف مقتله، حيث جعل الشيعة ذلك الموضوع مادة للطعن في أهل السنة، والادّعاء بأن من قتل الحسين هم أهل السنة، وقد ألّف الشيعة الكثير من المؤلفات في ذلك الموضوع،قابل ذلك إهمال من أهل السنة، ولعلّ هذا ما دفع الأستاذ عبد الله عبد العزيز إلى تأليف كتاب "من قتل الحسين" الذي نحن بصدد تناوله في هذا العدد. وقد قسم المؤلف كتابه الذي صدر عن دار الأمل في القاهرة ويقع في 129 صفحة إلى ستة فصول، تحت كل فصل عدد من المباحث.
الفصل الأول: أهل السنة وآل البيت رضي الله عنهم
وفيه يسرد المؤلف ما سطره علماء أهل السنة في مؤلفاتهم عن فضائل آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ومنهم على وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم، وكذلك الأئمة الذين يدّعي الشيعة الانتماء إليهم.(19/72)
أما الحسين رضي الله عنه ـ موضوع كتابنا هذا ـ فإن المؤلف ينقل كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما جاء في مجموع الفتاوى، وهو يلخص ما عليه أهل السنة تجاه هذه المسألة، حيث يقول ابن تيمية عن الحسين رضي الله عنه: "وقد أكرمه الله بالشهادة وأهان بذلك من قتله أو أعان على قتله، أو رضي بقتله، وله أسوة حسنة بمن سبقه من الشهداء، فإنه وأخوه سيدا شباب الجنة، وقد كان قد تربيا في عز الإسلام لم ينالا من الهجرة والجهاد والصبر والأذى في الله ما ناله أهل بيته، فأكرمهما الله بالشهادة تكميلاً لكرامتهما ورفعاً لدرجاتهما، وقتله مصيبة عظيمة".
الفصل الثاني: ماذا تعرف عن الكوفة
ارتبط استشهاد الحسين بالكوفة، تلك المدينة التي كانت مهداً للشيعة، والتي طلب أهلها من الحسين القدوم إليهم لمبايعته ثم نكثوا عهودهم. وإزاء إلحاح أهل الكوفة خرج الحسين من المدينة إلى الكوفة لتتوالى الأحداث كما سنرى في فصول قادمة من الكتاب وتؤدي إلى استشهاد الحسين.
فالمؤلف يؤكد بناء على أقوال كبار علماء الشيعة أن الكوفة أولاً كانت مهد الشيعة وعقر دارها كما قال باقر شريف القرشي في كتابه "حياة الإمام الحسين" "إن الكوفة كانت مهداً للشيعة، وموطناً من مواطن العلويين وقد أعلنت إخلاصها لأهل البيت في كثير من المواطن".(19/73)
ويذكر المؤلف ثانياً أن الكوفة اشتهرت بكونها موطناً للغدر ونقض العهود، وهو يتقل هنا قولاً للشيخ جواد محدثي في "موسوعة عاشوراء" إذ يقول: "اشتهر أهل الكوفة تاريخيا بالغدر ونقض العهد..." ويقول أيضا: "ومن جملة الخصائص النفسية والخلقية التي يتصف بها أهل الكوفة يمكن الإشارة إلى ما يلي: تناقض السلوك والتحايل والتلون والتمرد على الولاة والانتهازية وسوء الخلق والحرص والطمع وتصديق الإشاعات والميول القلبية، إضافة إلى أنهم يتألفون من قبائل مختلفة. وقد أدت كل هذه الأسباب إلى أن يعاني منهم الإمام علي عليه السلام الأمرّين، وواجه الإمام الحسن عليه السلام منهم الغدر، وقتل بينهم مسلم بن عقيل مظلوماً، وقتل الحسين عطشاناً في كربلاء قرب الكوفة وعلى يد جيش الكوفة".
الفصل الثالث: الشيعة وآل البيت
وفي هذا الفصل يحدثنا المؤلف عن الكتب التي كان يرسلها الشيعة من أهل الكوفة إلى الحسين ليقدم إليهم لينصروه، وكيف نقضوا عهودهم، وهو الأمر الذي كان مألوفاً أن يقوموا به، وكيف أن الشيعة تحولوا إلى الجيش الذي قاتل الحسين.
وإن غدر الشيعة بأئمة آل البيت كان نهجاً مألوفاً، لذلك جاء في كتاب نهج البلاغة أن الإمام علي رضي الله عنه كان يشتكي من شيعته ويقول: "ولقد أصبحت الأمم تخاف رعاتها وأصبحت أخاف ظلم رعيتي... أتلو عليكم الحِكم فتنفرون منها، وأعظكم بالموعظة البالغة فتتفرقون عنها، وأحثكم على جهاد أهل البغي، فما آتي على آخر القول حتى أراكم متفرقين أيادي سبأ، ترجعون إلى مجالسكم، وتتخادعون عن مواعظكم، أقوّمكم غدوة، وترجعون إلى عشية كظهر الحية... يا أهل الكوفة منيت بكم ثلاث واثنتين: صُم ذوو أسماع، وبُكم ذوو كلام، وعمي ذوو أبصار، لا أحرار صدق عند اللقاء ولا إخوان ثقة عند البلاء..".(19/74)
هكذا كان تعاملهم مع الإمام علي، أمّا مع ابنه الحسن رضي الله عنه فيذكر أحمد راسم النفيس في كتابة على خطى الحسين" تعليقاً على ما لاقاه الحسن من إيذاء شيعته: "إن الهزيمة النفسية قد أصابتهم، ولم تعد بهم رغبة في جهاد، ولا بذل، ولا تضحية، فقد جربوا الدنيا وحلاوتها، وباتوا يريدونها، وهم لن يجدوا ما يطمعون فيه، وخاصة رؤساؤهم في ظل العدل، وإنما اشرأبت نفوسهم إلى بني أمية قادة المرحلة القادمة".
وبلغ غدر القوم بأئمتهم مبلغاً شديداً إذ يقول المرجع الشيعي الكبير محسن الأمين العاملي: "فبويع الحسن... وعوهد ثم غدر به، وأسلم، ووثب عليه أهل العراق حتى طعن بخنجر في جنبه". ونقل إدريس الحسيني في كتابه "لقد شيعني الحسين" قول أمير المؤمنين الحسن لشيعته: "يا أهل العراق إنه سخي بنفسي عنكم ثلاث: قتلكم أبي وطعنكم إياي وانتهابكم متاعي".
وإذا كان هذا التعامل الشيعة مع الإمامين علي والحسن، فان الحسين لم يكن بعيداً عن ذلك الغدر، ويخصص المؤلف عدداً من مباحث هذا الفصل لوصف الأجواء التي سبقت واقعة الطف سنة 61 هـ التي استشهد فيها الحسين، وخذلان الشيعة في الكوفة له وهم الذين طلبوا من الحسين أن يقدم إليهم ليبايعوه، وليت الأمر اقتصر عند هذا الحد، بل إن هؤلاء الشيعة تحولوا إلى المعسكر الأخر الذي حارب الحسين.
ولعلّ البداية في قصة استشهاد الحسين رضي الله عنه تعود إلى ذلك الكم الكبير من الكتب التي كان يرسلها الشيعة من أهل الكوفة إليه يعلنون فيها له الولاء، فيقول المحدث الشيعي عباس القمي في كتابه منتهى الأمال: "وتواترت الكتب حتى اجتمع عنده في يوم واحد ستمائة كتاب من عديمي الوفاء أولئك، وهو مع ذلك يتأنى ولا يجيبهم، حتى اجتمع عنده اثنا عشر ألف كتاب".(19/75)
ويقول محمد كاظم القزويني الشيعي في كتابه "فاجعة الطف" أن أهل العراق كاتبوا الحسين وراسلوه وطلبوا منه التوجه إلى بلادهم ليبايعوه بالخلافة إلى أن اجتمع عند الحسين اثنا عشر ألف كتاب من أهل العراق وكلها مضمون واحد كتبوا إليه: قد أينعت الثمار واخضر الجناب، وإنما تقدم على جند مجند. إن لك في الكوفة مائة ألف سيف، إذا لم تقدم إلينا، فإنا نخاصمك غداً بين يدي الله".
وإزاء هذا الإلحاح، لم يجد الحسين بدّاً من إرسال ابن عمه مسلم بن عقيل، إلى الكوفة ليستطلع الأمر، "وأقبلت الشيعة يبايعونه حتى بلغوا ثمانية عشر ألفاً، وفي حديث الشعبي بلغ من بيعه أربعين ألفا" كما جاء في كتاب الشيعة وعاشوراء لرضا حسين الحسين.
وتذكر روايات الشيعة أن مسلم بن عقيل لم يكن متفائلاً في سفره لما يعرفه من تقلب أهل العراق ومواقفهم الملتوية.. لكن الحسين أصرّ عليه بالمضي إلى الكوفة، فمضى حتى دخلها واستقبله أهلها بالترحاب فنزل ضيفاً على المختار بن أبي عبيدة الثقفي، وأمير الكوفة آنذاك هو النعمان بن بشير، وقد وصفة المؤرخون بأن كان مسالماً يكره الفرقة ويؤثر العافية.
ومن دار المختار، أخذ مسلم بن عقيل يستقبل الناس وينشر الدعوة إلى الحسين، وعلم بذلك والي الكوفة النعمان، لكنه لم يتعرض له بسوء.
وعندما رأى مسلم بن عقيل إقبال الآلاف من شيعة الكوفة على مبايعته، أرسل إلى الحسين يخبره باجتماع أهل الكوفة على طاعته وانتظارهم، ويقول له: "الرائد لا يكذب أهله، وقد بايعني من أهل الكوفة ثمانية عشر ألفاً".
توجه الحسين بعد ذلك إلى الكوفة، وكان قد سأل الشاعر الفرزدق عن الناس( أهل العراق) فقال له : قلوبهم معك وأسيافهم عليك، فقال الحسين : صدقت لله الأمر وكل يوم هو في شأن.(19/76)
وتولى عبيد الله بن زياد إمارة الكوفة ،واستطاع هذا الوالي الجديد أن يفرق الناس عن مسلم بن عقيل ، فقد أرسل إلى رؤساء العشائر والقبائل يهددهم بجيش الشام ، ويطمعهم ، إلى أن بقي مسلم وحيدا ، ثم أسر ثم قتل بعد أن نقض الشيعة في الكوفة بيعته.
وحين جاء للحسين خبر غدر أهل الكوفة بمسلم ، جمع الناس وقال: " فإنه قد أتانا خبر فظيع قتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة وعبد الله بن يقطر، وقد خذلتنا شيعتنا ، فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف..". وقد ورد هذا القول للحسين في كتاب منتهى الآمال لعباس القمي وغيره.
وقد نقل غير واحد من علماء ومؤرخي الشيعة محاولة الحسين الرجوع إلى المكان الذي جاء منه بعد تخاذل الشيعة وخيانتهم ، بل وطلب من الجيش الذي التقاه أن يذهب - أي الحسين- إلى يزيد بن معاوية خليفة المسلمين بالشام ليضع يده في يده. إلا أن المواجهة فرضت على الحسين وقتل رحمه الله شهيدا مظلوما وسط من بايعوه وأعلنوا له الولاء ، ودعوه للقدوم إليهم.
وقد جاء في " مقتل الحسين " لمرتضى عياد أن الإمام زين العابدين علي بن الحسين رأى أهل الكوفة ينوحون ويبكون ، فزجرهم قائلا :" تنوحون وتبكون من أجلنا فمن الذي قتلنا!".
ويقول الشيعي كاظم الإحسائي النجفي في كتابه عاشوراء " إن الجيش الذي خرج لحرب الإمام الحسين عليه السلام ثلاثمائة ألف كلهم من أهل الكوفة ليس فيهم شامي ولا حجازي ولا هندي ولا باكستاني ولا سوداني ولا مصري ولا أفريقي، بل كلهم من أهل الكوفة، قد تجمعوا من قبائل شتى".
من قتل مع الحسين من أهل البيت؟
من حب أمير المؤمنين علي رضي الله عنه للخلفاء الثلاثة أن سمى أبناءه بأسمائهم ، وقد قاتل هؤلاء مع أخيهم الحسين في كربلاء . والملاحظ هنا تعمد خطباء الشيعة عدم ذكر هذه الأسماء الطيبة حتى لا يعيد رواد الحسينيات النظر في مواقفهم من الخلفاء الثلاثة رضي الله عنهم، رغم أن هذه الأسماء وردت في عدد من أهم كتبهم.(19/77)
فممن استشهد مع الحسين : أبو بكر بن علي بن أبي طالب ، عمر بن علي بن أبي طالب ، عثمان بن علي بن أبي طالب، وكذلك استشهد أبو بكر بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وعمر بن الحسن بن علي.
الفصلان الرابع والخامس
وفي هذين الفصلين يشير المؤلف إلى عدد مما أحدثه الشيعة من بدع في ذكرى استشهاد الحسين في عاشوراء ( العاشر من محرم) ، ويبين أن تلك البدع التي أطلق عليها " الشعائر الحسينية" بحجة الحزن على الحسين لم تكن على عهد الأئمة. وقد كان للدول الشيعية التي قامت فيما سبق مثل البويهيين والعبيديين الفاطميين والصفويين دور في نشر هذه البدع وتعميمها.
ومن هذه البدع يجدر الإشارة إلى ما يسمى المواكب الحسينية والمأتم الحسيني ، وإعلان الحداد الرسمي يوم عاشوراء ، ومجالس التأبين ، وإنشاد الشعر في رثاء أهل البيت.
وفي عاشوراء ترتكب المحرمات أيضا ، ومن ذلك اللطم والنياحة ,وإسالة الدم. ويدعي الشيعة أنه لا صحة لصوم يوم عاشوراء إذ يقولون أنه بدعة أموية.
الفصل السادس : زيارة الحسين
يشير المؤلف في الفصل الأخير من الكتاب ضلال آخر يمارس وهو شد الرحال إلى قبر الحسين، والاعتقاد بأن الزيارة أفضل من الحج والعمرة ! فقد جاء في " المزار" للمفيد عن أبي عبد الله قال : "من زار الحسين عليه السلام كتب الله له ثمانين حجة مبرورة" وغير ذلك من الروايات المكذوبة.
كما يرتكب محرم آخر بحجة محبة الحسين والأئمة ، وهو البناء على القبور ، حيث يقول إمامهم الشيرازي في " الفقه العقائد " : الشيعة تعتقد أن بناء الأضرحة والقباب على مراقد الأنبياء والأئمة والشخصيات الإسلامية من أفضل المقربات إلى الله سبحانه ". هذا بالرغم من روايات تنهى عن ذلك إذ روت الشيعة عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وآله أن يصلى على قبر أو يقعد عليه أو يبنى عليه.
قالوا العدد 19
ولي صوفي أمريكي(19/78)
قالوا: طلب البروفسور كارل إرنست أحد الباحثين المهمين في الدراسات الإسلامية والمتخصص بالحركات الصوفية للشهادة في محكم نزاعات حقوقية في كاليفورنيا كخبير في الصوفية للفصل في نزاع إرث لولي صوفي متوفى في كاليفورنيا تنازع أبناؤه على مزاره أمام محاكم أمريكا وانقسم أتباعه بين أبنائه.
الغد 9/12/2004
قلنا: نعم هكذا يكون الزهد في الدنيا والخروج عن المطامع الشهوانية.
الصوفية تجلب السلام للعالم
قالوا: يقول العالم الإيراني الصوفي الكبير المتخصص في الفكر الصوفي الفارسي داريوش شاييفان
ـ إن القرآن الظاهري قابل لسبعة آلاف تأويل أمكنها أن تحدث حروباً قاتلة بينما توصي المعرفة الروحية ـ الصوفية ـ بإسلام متسامح يرفض العنف رفضا!
ـ لقد رجعت في كتابي لأربعة متصوفة ينتمون لحضارات ثقافية مختلفة:
اـ ألماني من القرن الثالث عشر وهو إيكار.
2ـ هندي من القرن التاسع وهو شنكار.
3ـ مسلم أندلسي من القرن الثاني والثالث عشر وهو ابن عربي.
4ـ صيني من القرن الرابع قبل الميلاد وهو شوانغ تسو.
هؤلاء الرجال رغم اختلاف عصورهم وبيئاتهم فإنهم يرون الأشياء بنفس الكيفية.
الدستور 7/ 1/ 2005
قلنا: وهذا يؤكد أن التصوف هو دين عابر للأديان السماوية حيث أنه في الحقيقة دين الشيطان الأول القائم على وجدة الوجود.
ونعم المهدي!
قالوا: قتل ظاهر الفصلي (45 عام) وهو شيعي كويتي زوجته بدرية (38عام) وابنه البكر وليد (21عام) وابنته نيداء (16عام) بناء أوامر الإمام المهدي في الحلم.
الرأي 11/12/2004
قلنا: وماذا سيفعل المهدي المزعوم إذا جاء إلى الدنيا؟(19/79)
سيفعل النبوءة اليهودية في كتب الشيعة "إذا قام قائم آل محمد عليه السلام حكم بحكم داود وسليمان" وفي نبوءة يهودية أخرى "لو يعلم الناس ما يصنع القائم إذا خرج لأحب أكثرهم ألا يروه مم يقتل من الناس، أما إنه لا يبدأ إلا بقريش فلا يأخذ منها إلا السيف ولا يعطيها إلا السيف حتى يقول كثير من الناس: هذا ليس من آل محمد ولو كان من آل محمد لرحم".
لعبة سمجة
قالوا: تجري على الحدود اللبنانية مع فلسطين حرب سرية بين حرس الحدود الإسرائيليين وأفراد حزب الله حيث يتسلل الجنود الإسرائيليون ليلاً إلى مراكز المقاومة المضاءة ليلاً فيجدونها خالية فيعبث بها الجنود فيقوم أفراد حزب الله بقص الشريط المكهرب ويدخلون فلسطين ويعودون دون إطلاق رصاصه واحدة!
الوطن العربي 7/1/ 2005
قلنا: يا لها من بطولات نادرة سوف تحرر العالم من قبضة اليهود!
مؤتمر فريد من نوعه
قالوا: سيكون هناك حدث مهم هذا العام وهو مؤتمر لإلحاد العالم وسيقام في فيجاياوادا بالهند في أوائل يناير.
الوطن 5/1/2005
قلنا: لن يطول الأمر للأسف حتى يطالب الملحدون عندنا بإقامته في المنطقة العربية.
عبادة الشيطان!
قالوا: يوجد 468 ألف موقع مختص لعبادة الشيطان منها "الموقع الرسمي لكنيسة الشيطان" وموقع "عبادة الشيطان".
الدستور 3/1/2005
قلنا: هذا يدلنا على حاجة الإنسانية لنور الوحي الذي أنعم الله به علينا ويدلنا كم هي الهجمة شرسة أيضاً علينا فهل نأخذ اهبتنا لهذه المذاهب والعقائد الفاسدة.
كيف جرى إنقاذ المخيمات في لبنان؟(19/80)
قالوا: ما زلت أذكر تلك الليلة من شهر أيار 1985 التي كان مقرراً فيها سقوط مخيمات صبرا وشاتيلا وبرج البراجنة .... بعد أنهى أبو عمار اتصالاته مع سفرائه ورجالاته في المخيمات.... أستكمل في تلك الليلة التاريخية اتصالاته مع القادة الإيرانيين فاتصل بأية الله منتظري.... فأصدر أية الله منتظري في تلك الليلة الفتوى المشهورة باسم مجلس العلماء الإيراني التي اعتبرت المعتدين على مخيمات اللاجئين الفلسطينيين خارجين عن الإسلام وأنهم عملاء ينفذون المخطط الصهيوني.
عرفات حجازي مستشار عرفات في الثمانينات
الدستور 1/1/ 2005
قلنا: وماذا كان سيحدث لو لم يتصل عرفات؟ هل كان منتظري لا يرى كفر حركة أمل في اعتدائها على المخيمات. لكنها السياسة الانتهازية والتقية الشيعية.
الدروز في الأردن
جهاد جبارة الرأي 25/1/2005
" الكاتب مسيحى أردنى ، والمقال تعريف دعائى للدروز استقاه من مصادر درزية " الراصد
يبلغ تعداد «الموحدين» الملقبين بالدروز نحو مليون نسمة في أحسن التقديرات، وتتركز هذه المجموعة في جبل العرب في سوريا، وفي لبنان وفلسطين، واعداد قليلة في الاردن .. وهناك بعض المجموعات الصغيرة في اميركا، واميركا اللاتينية التي هاجرت اصلاً من سوريا ولبنان...
«عاهد سليم قنطار» نائب رئيس تجمع ابناء بني معروف (الدروز) في الاردن قال «للرأي» انه ليس لديهم في حقيقة الامر احصائيات رسمية عن اعداد الدروز على الرغم من قلتهم فهم يشكلون ما نسبته 3-4 بالمائة من سكان سوريا، وحوالي 8 بالمائة من سكان لبنان .(19/81)
ويوضح «قنطار» ان الذين بقوا متمسكين بالدعوة الدرزية كان معظمهم يسكنون في مناطق جبلية لا يسهل الوصول اليها ومن تلك المناطق واهمها واقدمها «جبل لبنان»، ووادي «التيم» عند جبل الشيخ.. اما حالياً فإن اكبر تجمع لهم في لبنان، وفي جبل العرب في سوريا علماً أن استيطانهم في جبل العرب يعتبر قريب العهد، ويعود الى العقد الثاني من القرن السابع عشر في الوقت الذي بقيت فيه جماعات صغيرة من الدروز قرب الجبل الاعلى بجانب حلب، وغوطة ودمشق ، وصفد، والجليل في فلسطين.
دروز الاردن
وعن تواجد «الدروز» في الاردن فان «قنطار» يعتبر ان تحديد ذلك لا يتم بمعزل عن التواجد الدرزي في جبل العرب، مضيفاً ان الحديث عن مراحل استقرار الدروز في الاردن يستدعي الحديث عن تداخل الحدود بين الاراضي الاردنية، واراضي جبل الدروز (العرب)، هذا التداخل الذي سببته اتفاقية سايكس بيكو، حسب قنطار، واستمر طيلة فترة الانتداب الفرنسي على سوريا ولبنان.
ويفصل بأن «التكوين الجغرافي لمنطقة تواجد الدروز كانت تمتد بين ما يعرف حالياً بجبل الدروز امتداداً حتى منطقة الازرق في شمال الاردن، لقربها من اراضي جبل العرب حيث كانت تتبع له، وتشير الوثيقة المقدمة من «مصطفى الاطرش» شيخ «متان» في جبل العرب، والمؤرخة في الخامس عشر من رمضان عام 1325 للهجرة، الى ان منطقة الازرق هي اراض تقع جنوب قرية متان في جبل الدروز وتتبع لها، وقد تم تصديق هذه الوثيقة من السلطات التركية آنذاك، موضحاً ان الاراضي الواقعة بين الازرق والمنطقة الجنوبية لجبل الدروز كانت تعتبر جزءاً من اراضي الجبل الى ان اصابها التعديل الحدودي في عهد الانتداب.
شخصيات مشهورة(19/82)
وعن الشخصيات الدرزية التي كان لها دور مميز في الاردن منذ التأسيس يقول قنطار: ان اول حكومة اردنية شكلت في 11 نيسان عام 1921 كانت برئاسة «رشيد طليع» وهو درزي من لبنان والذي كان ايضاً رئيساً لحزب الاستقلال، الوريث الشرعي «للجمعية العربية الفتاة» كما عاد «طليع» وشكل الحكومة الثانية في الخامس من تموز عام 1921..
ويشير الى ان رجال حزب الاستقلال آنذاك قدموا من دمشق بعد انتهاء الحكم الفيصلي وكان هدفهم الثورة ضد الفرنسيين وطردهم من سوريا واعادة توحيد الوطن السوري في حكومة وحدة وطنية واحدة، ومن اهم رجالات حزب الاستقلال من الدروز الذين وفدوا الى الاردن اضافة الى «رشيد طليع»، «فؤاد سليم» الذي شغل منصب رئيس هيئة اركان الجيش الاردني، والامير «عادل ارسلان» الذي عُين رئيساً للديوان الاميري، و«عجاج نويهض» الذي عين مديرا للاذاعة ثم مديرا للمطبوعات والنشر، والدكتور سليمان النجار الذي شغل منصب مدير الخدمات الطبية، ثم فريد طليع الذي تسلم مهام مدير الخدمات الطبية مباشرة بعد سليمان النجار.
وحول استقرار الدروز في الاردن، يؤكد قنطار ان بداية استقرارهم كانت في واحة الازرق القريبة من جبل العرب والتي كانت تعتبر جزءا من اراضيه، موضحا ان بداية الاستقرار في الازرق كانت عام 1918 عندما وصل ما مجموعه 22 عائلة درزية من جبل العرب بعد خروج الاتراك من المنطقة وسكنت قصر الازرق «وهو قصر اموي مبني من الحجارة البازلتية السوداء» ولان تلك المنطقة كانت موحشة مما كان يدعو هذه العائلات لاغلاق ابواب القصر الحجري خوفا من الغزوات والحيوانات الكاسرة والمفترسة.
غير ان اول سكن للدروز سُجل خارج القصر كان عام 1937 عندما قام احد الدروز ببناء بيت له يبعد عن القصر مئتي متر فقط.
الاندماج(19/83)
ويبين قنطار ان علاقة الدروز مع بلدة الازرق ترسخت وقويت عندما اصبحت هذه البلدة احدى محطات الثورة العربية الكبرى وانتقلت اليها قيادة الامير فيصل بن الحسين قائد الجيش المتوجه شمالا.
ويستذكر قنطار هنا ما ذكره المؤرخ سليمان الموسى في كتابه لورنس العرب: «ان الازرق كانت واسطة الاتصال بين فيصل وانصاره من السوريين ومنهم الدروز، حيث اخذ الكثير من مؤيدي الثورة بمغادرة سوريا كي ينضموا الى جيش الثورة».
ويضيف: لقد استمرت حركة الدروز وتنقلهم من والى داخل الامارة الناشئة آنذاك حيث كانت تلك التحركات تتم اما على شكل عائلي، او فردي، ولاسباب عديدة منها:
1- مجموعات اتت لتسكن الازرق او القرى المحاذية للجبل مثل قرية ام القطين او لزراعة اراض مملوكة لسكان قرى جبل الدروز.
2- مجموعات اتت طلبا للرزق والعمل.
3- مجموعات قدمت قسرا بسبب ظروف الثورة ضد المستعمر الفرنسي وبعدها ظروف الثورات ضد الحكومات المحلية، مثل الثورة ضد «اديب الشيشكلي».
ولم ينته عام 1932 حتى كان الدروز يشكلون جزءا يتنامى ضمن المجتمع الاردني وتوزعوا في مناطق عديدة اهمها الازرق، العاصمة عمان، الزرقاء، الرصيفة، ام القطين،العقبة والمفرق. وعن اعداد الدروز في الاردن يوضح قنطار: لان الدروز يندرجون ضمن العرب المسلمين في الاردن فان تعدادهم لا يتم ضمن احصاء منفرد غير التقديرات الموجودة لدى تجمع ابناء بني معروف تشير ان العدد لا يتجاوز 15 الف نسمة موزعين كالتالي : الازرق «6200»، عمان «6000»، الزرقاء «1500»، ام القطين «450»، الرصيفة «400»، العقبة «100»، المفرق «100».
الأزرق
اكبر تجمع للدروز بالاردن هو في الازرق ورغم ان الاعداد القاطنة في مدينة عمان تكاد تتساوى مع الاعداد المقيمين في الازرق الا ان تواجدهم في عمان يتوزع على مناطق مختلفة داخل مدينة يفوق عدد سكان 5ر1 مليون نسمة اما في الازرق فانهم يشكلون الغالبية المطلقة.(19/84)
وبعد استقرار اول العائلات الرئيسية الدورز في الازرق عام 1918 لجأت اليها اعداد اخرى من الدروز عام 1924 بعد ان ازداد الوضع في جبل الدروز سوءا.
ويعتبر استخراج ملح الطعام وتكريره من اهم مصادر الدخل لسكان الازرق، فقد تم اكتشاف الملح عام 1924 مصادفة هناك فبعد ان قام احد الصيادين بحفر حفرة ليكمن فيها للصيد تفاجأ بتدفق الماء وامتلائها لكنه عندما عاد بعد عدة ايام وجد الحفرة قد جفت من الماء الذي تحول الى ملح ومنذ ذلك الوقت اصبح استخراج الملح هو العمل الرئيسي للسكان وهو اهم مصدر من مصادر الدخل، وبعد معاناة على مدار 60 عاما، اصبح يستخرج ويكرر بطرق حديثة الى ان تم بناء مصنع لتكرير الملح عام 1987 تملكه جمعية الازرق التعاونية.
لقد شملت النهضة الاردنية منطقة الازرق بطبيعة الحال فبعد ان كانت منطقة مغلقة شبه معزولة اصبحت الآن نقطة تلاقي الطرق الدولية البرية التي تربط الاردن بالعراق، وسوريا، والسعودية مما ادى الى ازدهار الخدمات الصناعية، والتجارية، والسياحية وخلق فرص عمل واستثمارات جديدة لسكان المنطقة.
اضافة الى كل ذلك فقد اتجه العديد من السكان الى العمل بالزراعة المروية وانشاء مزارع الزيتون، والعنب.
عمان
كان النجاح الذي حققه الدروز الاوائل في عمان وراء اقبال المجموعات المتتالية للقدوم اليها ولم ينحصر ذلك في منطقة جبل الدروز ولبنان، بل جاءها دروز من فلسطين ومع النمو العمراني والاقتصادي الكبير الذي حققته عمان كانت اعداد الدروز تزداد حيث ساهموا في المجالات كافة، وعمل قسم منهم في قطاع الانشاءات والتعهدات وحققوا نجاحا كبيرا.
مؤسسات اجتماعية(19/85)
ساهم الدروز كبقية مواطني المملكة في انشاء، وتأسيس مؤسسات المجتمع المدني، وبرز دور الجمعيات الخيرية كأطر مؤسسية تنظم العمل الاجتماعي والخيري وتوظفه في تنمية المجتمع المحلي، ولما كانت هذه الجمعيات تمثل اطر المجتمع المدني المتوفرة والمرخصة فقد نشط «بنو معروف» ومنذ مراحل مبكرة في تأسيس جمعيات خيرية شأنهم في ذلك شأن الشعب الاردني فهناك على سبيل المثال.
جمعية الفقير الدرزي
تأسست هذه الجمعية في مدينة حيفا في فلسطين وبدأت عملها عام 1939، وكان دروز الاردن يمارسون انشطتهم الاجتماعية من خلال هذه الجمعية قبل تأسيس الجمعيات الاخرى وقد تم نقل جزء من نشاط هذه الجمعية الى عمان بعد عام 1948 واستمرت طيلة عقد الخمسينات غير انه لم يتم تسجيلها رسميا في الاردن.
جمعية الازرق الخيرية
وقد تأسست عام 1967 في الازرق ومارست انشطة اجتماعية فعالة حيث كانت تشرف على كافة البرامج والمساعدات المخصصة للمجتمع المحلي مثل تقديم وجبة غذاء يوميا لطلاب وطالبات المدارس.
الجمعية الخيرية العربية
وقد تأسست في عمان عام 1969 وكان لهذه الجمعية دور بارز في ممارسة انشطة مختلفة تعنى بالمجتمع المحلي مثل تدريب الفتيات على مهن مختلفة وكذلك انشطة رياضية وثقافية واجتماعية تهدف الى تفاعل الدروز مع المجتمع المحلي اسوة بالكثير من الجمعيات في محافظة العاصمة كما تملك هذه الجمعية مبنى مؤلفا من اربعة ادوار في واحد من جبال عمان.
وهناك ايضاً، جمعية الحكمة الخيرية في الزرقاء ومثلها في الرصيفة بالاضافة الى جمعية سيدات الازرق للتنمية الاجتماعية.(19/86)
اما فيما يتعلق بالجمعيات التعاونية فيوضح قنطار ان «بني معروف» يعتبرون العمل التعاوني صيغة متقدمة للعمل المتبع الذي يوظف الجهود، ويوحد ويخلق من وحدات الانتاج الصغيرة قوة انتاج تستطيع ان تقف في منافسة متكافئة مع عوامل المنافسة في اقتصاد السوق فهناك العديد من الجمعيات التعاونية التي قام بتأسيسها الدروز في الاردن واهم تلك الجمعيات جمعية الازرق التعاونية، جمعية سيدات الازرق التعاونية. جمعية آل معروف التعاونية
وهناك ايضاً العديد من النوادي الثقافية والرياضية مثل نادي الازرق الذي تأسس عام 1971، ومنتدى الازرق الثقافي الذي تأسس عام 1996 وهو الذي يقوم بتنظيم مهرجان الازرق للثقافة والفنون والذي يجري سنوياً في قلعة الازرق الاثرية.
وعن التكافل الاسري والروابط الاجتماعية لبني معروف: اوضح قنطار انه بتاريخ 12/ 12/ 1990 اصدر دروز الاردن وثيقة اجتماعية ترسم الخطوط لأطر العلاقات الاجتماعية بين ابناء بني معروف المقيمين في الاردن لما يكفل التآخي، ويحقق التعاون فيما بينهم، وقد جاء في هذه الوثيقة «اننا كجزء لا يتجزأ من الامة العربية نجد انفسنا معنيين بالتراث، عادات وتقاليد، نحترمه ونجله، ونضعه من مشاعرنا المكان الذي يستحق فهو ربط للماضي بالحاضر، يعطي للمجتمع وسائل الاستمرارية والتطور وهو كجزء اساسي من الهوية المميزة لكل مجموعة من الناس، وان اية محاولة للخروج عن هذه الاطر الاجتماعية تحمل فيها بذور فنائها.
وقد تطرقت هذه الوثيقة الى تحديد السلوك وتمتين الروابط الاجتماعية، والابتعاد عن مظاهر الاسراف فيما يتعلق بعادات الخطوبة والزواج والاعياد والتعزية مؤكدة على العادات العربية الاصيلة التي اعتزت بها عشائر بني معروف عبر تاريخها.
الآن وليس غداً!
صالح القلاب الرأي 11/1/2005(19/87)
معظم الدول العربية، إن ليس كلها، تعرف أن هناك تحديات ومخاطر فعلية تنتظرها خلف المنعطف المقبل وأن مرحلة ما بعد الانتخابات العراقية، المقررة آخر هذا الشهر، ستشهد عواصف وأنواء سياسية عاتية أكثر فتكاً من الفيضانات الطبيعية التي شهدتها بعض الدول الآسيوية قبل فترة.
إن قول هذا الكلام ليس من قبيل التهويل ولا التخويف فالإنذارات المبكرة تشير إلى أن القادم أعظم وأن وراء الأكمة ما وراءها وأن هناك استعدادات وتحضيرات لنقل القلاقل إلى الكثير من الدول العربية وأن ما يجري الآن في العراق سيكون مزحة ومجرد نزهة دموية قياساً بما سيترتب على ما يجري التخطيط له لهذه المنطقة.
وبمزيد من الصراحة فإن ما يمكن لمسه وبوضوح هو أن النزعة القومية الآرية ـ الفارسية بدأت تخترق القشرة الدينية للثورة الإيرانية وأن التيار المتشدد، الذي يعلن غير ما يبطن، سينقل معركته وعلى الفور بمجرد حسم المعركة الداخلية وإقصاء التيار المعتدل الذي يمثله الرئيس محمد خاتمي، إلى دول عربية مستهدفة يعتقد "المعممون" الذين يقودون هذا التيار أن لهم فيها مواطئ أقدام تستجيب لطموحاتهم ومخططاتهم.
إن المسألة ليست مسألة شيعية أو سنية إن المسالة أن هناك من يضع العمامة السوداء فوق رأسه ليغطي نزعته القومية الآرية ـ الفارسية وليحقق من خلال هذه العمامة السوداء أهدافاً سياسية وينفذ مخططات توسعية إن ليس بالاحتلال العسكري المباشر فبإيجاد بؤر نفوذ في العديد من هذه الدول العربية المستهدفة باسم "ولاية الفقيه".(19/88)
وهنا فإنه لابد من القول أن هذه التوجهات القومية الآرية ـ الفارسية التي تضع فوق رأسها العمامة السوداء تستهدف الشيعة العرب بمقدار إستهدافها لبعض الدول العربية فالهدف ليس دينياً ولا مذهبياً.. إن الهدف قومي وعنصري ولذلك فإن ما هو مؤكد ولا مجال للشك فيه أن الشيعة العرب سيكونون الأشد مواجهة، وهم الآن الأشد مواجهة، لهذا المخططات والتطلعات التي ظاهرها النعمة وباطنها العذاب.
إن هناك مارداً قومياً يستفيق في إيران وأن التيار المتشدد الذي يرفع الراية الشيعية من قبيل "التقية" هدفه "إيوان كسرى" في سلمان باك قرب بغداد وهدفه استعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية ونفوذها وتجديد تطلعات الدولتين "الصفوية" والقاجارية" في اتجاه عدد من دول الخليج الذي يصر هؤلاء على أنه خليج "فارسي" وإلى "قاهرة" المعز لدين الله الفاطمي.
لقد بدأت ألسنة النيران تقترب من أطراف أصابع دول المنطقة بعد أن إشتعلت في الثوب العراقي ولذلك وبما أن المثل العربي الشهير يقول: "أكلت يوم أكل الثور الأبيض" فإنه على هذه الدول العربية المستهدفة فعلاً أن تستعد إستعداداً حقيقياً، وليس بمجرد النوايا والكلام، للاستحقاقات المقبلة وأنه عليها أن تبادر الآن.. الآن وليس غداً إلى بناء الجبهة السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية أيضاً المتينة لمواجهة الأخطار قبل أن تصل إلى حدودها.. وهذا هو الدفاع الإيجابي.
الخليج العربي بين العروبة والفارسية
د. سليمان ابو سويلم الرأي 9/1/2005
في زمن التردي العربي اضاعت العراق حضارة بلاد ما بين النهرين، وقبلها ضاعت فلسطين وامعن الاسرائيليون قتلا وتدميراً في اهلها، وفوق ذلك لا زالت الامم تتداعى علينا من ضعفنا وفرقتنا كما تتداعى الأكلة على قصعتها، ونحن في غفلة من امرنا.(19/89)
ان تصريح المسؤولين الايرانيين المفاجىء من ان الخليج العربي هو خليج فارسي وتهديدهم بأنهم سيقاطعون كل نشاط او مناسبة في محيطهم الاقليمي، ومهما كان نوع هذا النشاط او المناسبة سياسياً ام ثقافياً ام رياضياً، اذا اشار المنضمون لمثل هذه النشاطات من قريب او بعيد الى عروبة الخليج، يجيء ايضاً في سياق هذا الوضع العربي المتردي، في الوقت الذي لم يقل العرب انفسهم مثل هذا القول، حينما غيرت ايران تسمية عربستان التي كانت الى وقت قريب يسميها الايرانيون انفسهم بعربستان - اي بلاد العرب - الى خوزستان، فهم بهذا التصريح يقطعون اكثر الجسور امتداداً مع جيرانهم العرب والمتأصلة منذ القدم بأواصر الدين والتاريخ.
ان هذا الاعلان المفاجىء من قبل ايران حول فارسية الخليج هو مقدمة اولى لما يجري من محاولة لطمس الهوية العربية في العراق، والذي وفر لنا الرؤية الواضحة للأهداف والنيات والمخططات الايرانية التي تجري وفقها هندسة اوضاع المنطقة برمتها الآن. والتي كرسها احتلال القوات الاميركية للعراق، والذي استشعره بفراسة جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين ونبه اليه بكل صراحة ووضوح حينما اشار الى انشاء هلال اقليمي تحت نفوذ شيعي يضم العراق وايران وسوريا ولبنان.(19/90)
ان من يقرأ التاريخ يجد ان الارض دائماً هي التي تكسب الشعب المقيم عليها الجنسية، وليش الشعب الذي يكسب الجنسية على الارض، وهذا ما اكده المؤرخ الانجليزي «رودريك اوين» الذي زار الخليج العربي واصدر عنه كتاباً عام 1957 بعنوان «الفقاعة الذهبية - وثائق الخليج العربي» والذي يقول فيه، انه زار الخليج العربي وهو يعتقد بأنه خليج فارسي، لانه لم يرَ على الخرائط الجغرافية سوى هذا الاسم، ولكنه ما كاد يتعرف عليه عن كثب حتى ايقن بأن الواقع والانصاف يقتضيان بتسميته الخليج العربي، لأن العرب يسكنون شاطئيه الشرقي والغربي، وان الفرس لم يركبوا البحر حتى في اوج عظمتهم فاذا ما انشأوا في الخليج اسطولاً كان بحارته من غير الفرس.
اذا كانت ايران التي نحب في الاردن ان نسميها بالشقيقة لنا كلما ورد ذكرها في اعلامنا، تريد ان تغير اسم الخليج العربي الى الخليج الفارسي وقد فعلت في العديد من الاطالس المشتراة، فالاولى لها وهي دولة اسلامية ان تحوله الى خليج اسلامي يجمعنا ويجمعها، بعد ان تحرر بره، وبحره، وجوه.
على الايرانيين الذين يتطلعون الى ثقافة احادية لاحتكار الماء والارض والتاريخ والمستقبل، ان يعلموا ان القياس الذي تستعمله الولايات المتحدة الاميركية والدول الغربية المتحالفة معها في المنطقة برمتها، قياس واحد بغض النظر عن التسمية وهو اشبه بالمسطرة التي يضعها مهندسو ومساحو الارض في حالة تعاملهم مع الشكل الهندسي وهي مسطرة القتل والتدمير، والاحتلال ونهب الثروات، التي جاءت بها الولايات المتحدة والتي لن تفرق بينهما سواء اسمي بالخليج الفارسي ام بالخليج العربي لأن الاسلام يجمعهما وهو الهدف الواحد بالنسبة لهم .
الرقص مع إيران
غسان شربل الحياة 4/1/2005(19/91)
لم يخف وزير الخارجية الإيراني كمال خرازي فرحته بـ "الانتصار" الذي حققته بلاده حين وافقت مجلة "ناشونال جيوغرافيك" على سحب تعبير الخليج العربي من أطلسها لتعتمد من الآن فصاعداً عبارة "الخليج الفارسي". واحتفلت وكالة الأنباء الإيرانية بـ "تصحيح التسمية" ورأت في الخطوة "انتصاراً لكل إيراني" وأزالت المجلة عن موقعها في الإنترنت الإشارة إلى الخلاف الإيراني ـ الإماراتي حول الجز الثلاث في الخليج.
لنترك جانباً مسألة المجلة والتسمية، ونلتفت إلى الحقائق في المنطقة. في المثلث الإيراني ـ العراقي التركي المستند إلى توازنات تاريخية وذاكرة مثقلة بالحروب الإمبراطورية يمكن القول إن الضلع العربي قد سقط فعلاً ولا شيء يشير إلى ترميم موقعه في المدى المنظور. لا نقول ذلك من باب حراسة "البوابة الشرقية" عن طريق الاشتباك مع إيران، وهو ما فعله صدام حسين، بل من باب قراءة التوازنات الجديدة التي أنجبتها عوامل عدة بينها النكبة التي ضربت العراق. فتركيا المقيمة تحت قبعة الأطلسي في عهدة حزب ذي جذور إسلامية يتعامل بواقعية مع إرث أتاتورك، انتزعت لنفسها موعداً لبدء المفاوضات لدخول النادي الأوروبي، فيما وحدة العراق مهددة وأرضه مستباحة.
في المقابل، نجحت إيران في إعادة بناء ترسانتها العسكرية في ظل نظام مستقر تسرب الانتخابات اختناقاته. ولم تكتف طهران بالترسانة التقليدية، بل تزايدت الشكوك حول استعداداتها للتسلل إلى النادي النووي أسوة بالهند وباكستان وإسرائيل.(19/92)
صحيح أن العلاقات بين طهران وواشنطن لم تستأنف، وأن الإدارة الأميركية لا تبخل على النظام الإيراني بالضغوط والحملات، لكن الصحيح أيضاً أن إيران أظهرت براعة في الرقص مع الأميركيين فوق المسرحين الأفغاني والعراقي، وشهدت تهاوي نظامين معاديين لها من دون خسارة نقطة دم واحدة. في الوقت ذاته نجحت في الاحتفاظ بعلاقات صداقة وتشاور مع سورية على رغم اختلاف الحسابات في عدد من الملفات.
أما أخطر ما حققته إيران حتى الآن فهو تحولها لاعباً مقرراً في المستقبل العراقي، وهي تمتلك على الأقل القدرة على منع قيام عراق معاد لها. وسيكون الأمر بالغ الخطورة إذا تحولت إيران جزءاً من النسيج العراقي الداخلي وبدت في صورة الداعم لشيعة العراق أو الحامي لهم أو العراب لفوزهم بالقسط الأكبر من السلطة.
لا مصلحة للعرب في العداء لإيران أو التحريض عليها. لكن من حقهم الالتفات إلى تقدم موقعها في الإقليم فيما يتراجع موقعهم بفعل الانهيارات المتلاحقة، ثم أن من حقهم الالتفات إلى أن امتلاك إيران ترسانة نووية يجب أن لا يقرأ فقط من زاوية التوازن مع إسرائيل، لأنه يضاعف الخلل أيضاً في ميزان القوى بين إيران والدول العربية.
للعرب مصلحة في أوثق علاقات التعاون مع إيران، لكن من حقهم أن يفكروا في موقعهم المقبل في إقليم الشرق الأوسط خصوصاً إذا اختارت واشنطن الاعتراف لإيران ببعض ما تسعى إلى تكريسه بعد انهيار "البوابة الشرقية" وسيكون ذلك الانتصار أهم بكثير من احتفال خرازي بعبارة "الخليج الفارسي" في المجلة الأميركية.
العلاقات العربية ـ الإيرانية: حدود الانفراج.. وآفاق المستقبل
محمد عز العرب مختارات إيرانية العدد 53 - ديسمبر 2004(19/93)
قام الرئيس الإيراني محمد خاتمي بجولة عربية، في مطلع أكتوبر الماضي شملت أربعة بلدان، استهلها بالجزائر ثم السودان وعُمان واختتمها بسوريا، على رأس وفد وزاري رفيع المستوى يضم وزراء الخارجية كمال خرازي، والدفاع على شمخاني، والصناعة والمعادن أسحق جهانجيري، ومدير إدارة أفريقيا في وزارة الخارجية على سبحاني وعدد آخر من كبار المسئولين الإيرانيين. وتأتي هذه الجولة في إطار سياسة "الانفتاح" الإيراني على الدول العربية التي دشنها خاتمي مع وصوله إلى سدة الحكم في عام 1997، في الوقت الذي يمر فيه المشروع الإصلاحي بفترة صعبة في الداخل الإيراني، خصوصاً بعد استقالة محمد أبطحي مساعد رئيس الجمهورية للشئون القانونية من منصبه بسبب الصدام بين السلطة التنفيذية ممثلة في رئيس الجمهورية والحكومة، والسلطة التشريعية ممثلة في مجلس الشورى السابع.
ويمكن تناول واقع العلاقات العربية ـ الإيرانية وحدود الانفراج التي شهدتها كالتالي:
1ـ العلاقات الإيرانية ـ الجزائرية
تأتي زيارة خاتمي إلى الجزائر بعد مرحلة من الجفاء وقطع العلاقات الدبلوماسية طيلة ثماني أعوام ولم يعد التحسن إليها إلا بعد اللقاء الذي جمع الرئيس الإيراني محمد خاتمي والرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة عام 2000 في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة الأمم المتحدة. وهو اللقاء الذي دشن مرحلة جديدة في مسار العلاقات بين طهران والجزائر والتي ترسخت بعودة التمثيل الدبلوماسي المتبادل، إلى جانب تبادل الزيارات والبعثات الرسمية (دبلوماسيون،واقتصاديون،وبرلمانيون، ومثقفون) وكذا توقيع عدة اتفاقيات تعاون في المجالات الاقتصادية والعسكرية.(19/94)
وقد تطرقت محادثات الجانبين للعلاقات الثنائية وخاصة التعاون العسكري بينهما وسبل تطويره وطرحت الحكومة الجزائرية مشروعاً كبيراً للاستثمار الأجنبي في مجال الكهرباء والماء والري بقيمة مليار دولار أمريكي. وتم على هامش الزيارة التوقيع على خمس اتفاقيات تعاون في مجالات الصحة الحيوانية، المالية، التعليم العالي، الصناعات الصغيرة واتفاق حول التعاون القضائي. ويهدف الجانبان الإيراني والجزائري إلى تطوير النشاط الاقتصادي بالناطق الصناعية فيهما ومشاريع الاستثمار المشترك في قطاع البتروكيماويات.
وعلى صعيد آخر أبرزت الزيارة أيضاً تطابق وجهتي نظر إيران والجزائر حول القضايا الإقليمية والدولية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية والمسألة العراقية (وخصوصاً ما يعلق بتدهور الوضع الأمني) وغيرها.
2ـ العلاقات الإيرانية ـ العُمانية
تناولت زيارة خاتمي إلى سلطنة عمان ـ التي تعد الأولى من نوعها لرئيس إيراني منذ 34 عاماً ـ التعاون الثنائي ومستجدات الوضع في المنطقة، خصوصاً التطورات المتعلقة بالمسألة العراقية والقضية الفلسطينية، بالإضافة إلى موضوع الإرهاب الدولي وإخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل.
وتنظر عمان إلى إيران والدور الإيراني في الخليج بوصفه إحدى الحقائق التي لا يمكن التصرف بدون أخذها في الاعتبار. فإيران ليست دولة مصنوعة أو مستحدثة أو مقامة على أنقاض حقوق الآخرين، مثل دول كثيرة أقيمت في أعقاب الحرب العالمية الثانية، لكنها بلد ذو تاريخ وحضارة.(19/95)
وتنظر عمان إلى إيران بوصفها دولة مسلمة تشارك عمان في الجزء الأعظم من روافدها الثقافية والحضارية، فالإسلام انتقل من الجزيرة العربية إلى إيران عبر عمان، وبالتحديد عبر مضيق هرمز حيث الروابط المباشرة بين شرق عمان وجنوب غربي إيران. كما تنظر عمان إلى إيران بوصفها إحدى القوى التي لعبت دوراً هاماً في التاريخ العماني. ففي القدم شاركت القبائل الفارسية في استيطان الأجزاء الشمالية من عمان مع القبائل العربية التي نزحت من الجنوب (القحطانيون)، أو من نجد والشمال (العدنانيون). وفي العقود الأخيرة شهدت العلاقات الإيرانية العمانية ازدهاراً ملحوظاً، خصوصاً حينما استعانت عمان بإيران لتصفية التمرد في ظفار وإعادة الاستقرار إلى البلاد.
ومن ثم فإن عمان تنظر إلى العلاقات مع إيران على هذا الأساس بوصفها "علاقات تاريخية قديمة ووطيدة تحكمها سياسة الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية". وفي هذا السياق فإن سقوط الشاه وتغير النظام السياسي في إيران لم يؤثر سلبياً على هذه العلاقات.
وقد شهدت العلاقات الإيرانية العمانية على مر التاريخ فترات من الصراعات أو التعاون المشترك. ودخل كل منهما في تحالفات متنوعة إما لضمان التفوق في مواجهة الآخر أو للتخلص من سيطرته. وتتجاوز الروابط التاريخية بين عمان وإيران، خصوصاً المناطق الجنوبية الغربية من إيران مجرد صراعات المنافسة أو التعاون للسيطرة على الخليج، وتمتد إلى علاقات نسب ودم على جانبي مضيق هرمز حيث اختلطت القبائل على الجانبين بعلاقات المصاهرة التي تعززت خصوصاً بعد مجئ الإسلام واعتناق الإيرانيين له.(19/96)
كما ترتبط إيران وعمان بروابط الدين الإسلامي وتقارب الحضارتين العربية والفارسية عبر مضيق هرمز، إلى جانب روابط المصاهرة التاريخية على جانبي المضيق. وتعتبر هذه الأسس هي مرتكزات السياسة العمانية تجاه إيران، سواء فيما يتعلق بالموقف من التحولات الداخلية في عمان أو بالموقف من الدور الإقليمي لإيران، أو فيما يتعلق بالحرب العراقية ـ الإيرانية.
وفيما يتعلق بالحرب العراقية ـ الإيرانية على وجه الخصوص فإن الموقف العماني من هذه الحرب ينطلق من القناعات المشتركة لمجلس التعاون الدول الخليج والتي تقوم على أساس الحياد ورفض الحرب والمطالبة بوقفها والدخول في مفاوضات سلمية لحلها، وذلك عن طريق الحرص على استمرار الحوار وتكثيفه مع جميع الأطرف وعلى رأسهم الطرفان المعنيان.
وفي إطار هذه القناعات انتهجت عمان سياسة ثابتة قامت على المحددات الآتية:
(*) تنمية العلاقات العمانية مع كل من العراق وإيران وعدم إهمال الحوار مع أي منهما في أي وقت من الأوقات.
(*) رفض كل الدعوات المتشددة لقطع العلاقات مع إيران أو فرض عقوبات حادة عليها أو اتخاذ إجراءات إقليمية أو عربية ضدها.
(*) محاولة إنهاء حدة الحرب وتخفيف المضاعفات الناتجة عنها في إطار قبول إقليمي ودولي واضح لمثل هذا الدور.
وبناء على ذلك، يمكن تفسير موقف سلطنة عمان الرافض للدعوة إلى مقاطعة إيران وعزلها دبلوماسياً واقتصادياً خلال اجتماعات المجلس الوزاري لجامعة الدول العربية في أغسطس وسبتمبر عام 1987 وكذلك رفض مسقط قبل ذلك إصدار بيان تنديد بإيران بسبب أحداث المسجد الحرام خلال موسم الحج في العام نفسه، ورفض عمان السماح للعراق باستخدام أراضيها أو تسهيلاتها العسكرية في شن هجمات على الجزر العربية التي تحتلها إيران في مدخل الخليج (أبو موسى وطنب الكبرى والصغرى) أو المشاركة في التخطيط لمثل هذه الهجمات.(19/97)
ورغم تصاعد حدة الحرب في الخليج وامتداد رذاذها إلى بعض الدول المجاورة فإن السلطان قابوس أعاد التأكيد على أهمية الحوار حيث قال في هذا الصدد: "لا أظن أن هناك بديلاً آخر عن ضرورة التمسك بفكرة الحوار. ومهما بدا لنا الآن أن الطرف الآخر لا يريد الإصغاء. فلاشك أن هناك في طهران من يتوقون أيضاً إلى السلام".
وقد لعبت سلطنة عمان دوراً مهما لحفظ التوازن في منطقة الخليج،وتوفير قناة للحوار بين دول الخليج وإيران. وكان للدبلوماسية العمانية دور حيوي في استمرار الحوار المباشر وغير المباشر بين مصر وإيران خلال فترة انقطاع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين منذ العام 1979 وحتى استئناف هذه العلاقات في 26 مارس 1991 وساهمت عمان بنجاح في العمل على إطلاق سراح البحارة والصيادين المصريين الذين كانت إيران قد احتجزتهم خلال سنوات الحرب العراقية ـ الإيرانية، كما ساهمت كذلك بنجاح في العمل على إطلاق سراح الأسرى المصريين الذين احتجزتهم إيران خلال الحرب مع العراق. فقد كان موضوع الإفراج عن الأسرى المصريين في مقدمة الموضوعات التي بحثها يوسف بن علوي عبد الله وزير الدولة العماني للشئون الخارجية مع المسئولين الإيرانيين في أغسطس 1988، لاسيما وان هؤلاء الأسرى غير عسكريين وإنما هم مدنيون من المصريين العاملين في العراق، كما أسهمت عمان في إعادة العلاقات بين إيران والسعودية التي استؤنفت بالفعل عام 1991.(19/98)
كما عملت إيران على تدعيم علاقتها بسلطنة عمان وخاصة في مجال استثمارات الطاقة ويذكر في هذا الإطار إن شركة إدارة مشروعات الكهرباء التابعة لوزارة الطاقة الإيرانية قد فازت في أغسطس 1998 بعقد بناء محطة كهرباء "صلالة" بجنوب عمان بمبلغ 15 مليون دولار يتضمن أعمال التخطيط والإنشاء والتجهيز والصيانة وإنشاء المباني وتشغيل محطة الكهرباء، كما تم إبرام عقد قيمته 150 مليون دولار لاستيراد وتركيب وتشغيل وحدة طاقتها 30 ميجاوات بمحطة كهرباء قرب صلالة.
وتمثل اجتماعات اللجنة العمانية الإيرانية المشتركة تتويجا لجهود البلدين لتكوين الرؤية المشتركة لدعم مختلف مستويات التعاون الثنائي سواء في المجال الاقتصادي أو السياسي أو الثقافي أو الأمني (مكافحة المخدرات والتهريب بكافة أنواعه) وإن كان الحوار يتسع أيضاً ليشمل التنسيق في إطارات أوسع مثل منظمة المؤتمر الإسلامي الذي تنضوي كل من عمان وإيران في عضويتها.(19/99)
وعلى مستوى اللجان المشتركة بين عمان وإيران فإنه إلى جانب لجنة الصداقة العسكرية العمانية الإيرانية المشتركة واللجنة السياسية بين وزارتي الخارجية في البلدين والتي تجتمع سنوياً بالتناوب في كل من مسقط وطهران هناك اللجنة الاقتصادية العمانية الإيرانية المشتركة. وقد أدت أنشطة هذه اللجان إلى إبرام عدة اتفاقات منها على سبيل المثال اتفاقية تبادل الاستثمارات واتفاقية تجنب الازدواج الضريبي واتفاقية التعاون العلمي والفني والبحثي بين البلدين. وفي الثامن من يوليو عام 2003 تم في مسقط التوقيع على الاتفاقية التجارية بين البلدين، وتعمل هذه الاتفاقية من أجل إزالة المعوقات غير الجمركية وتنظيم المعارض المشتركة وتطوير التعاون بين القطاع الخاص وغرف التجارة الصناعية في البلدين لتطوير التبادل التجاري فيما بينهما, مع الأخذ في الاعتبار أن حجم التبادل التجاري بين البلدين لا يزال يقل عن طموحاتهم في هذا المجال فضلاً عن أنه لا يتواكب مع الإمكانات الكبيرة المتوافرة على صعيد التعاون والتبادل التجاري ومجالات الاستثمار وغيرها حيث بلغت المبادلات التجارية بين البلدين 208 ملايين ريال عماني (543 مليون دولار) في عام 2003 مقابل 192 مليون ريال (500 مليون دولار) في عام 2002.
وقد سبق للجنة أن وافقت عام 1997 على تقديم التسهيلات اللازمة لرجال الأعمال الإيرانيين خاصة فيما يتعلق بالتأشيرات التجارية وكذلك للقوارب الإيرانية في ميناء السلطنة "قابوس" وإقامة مشروع مشترك لاستخراج النحاس في إيران وتطوير حقل "هنجام" البحري الواقع في مضيق هرمز والذي يحتوي على احتياطي غاز يقدر بـ (30) مليار متر مكعب، وتسهيل طهران "تجارة العبور" ـ الترانزيت ـ للسلع العمانية عبر الأسواق التجارية الحرة للبلدان المجاورة وآسيا الوسطى ورغبة طهران للمشاركة في المناقصة الخاصة بمشروع تمديد الغاز إلى المنازل في مسقط.(19/100)
وتتحرك إيران بسرعة كبيرة نحو تطوير الحقول النفطية التي تقتسمها مع دول الخليج، وفي هذا الإطار جرت مفاوضات خلال عام 2000 بين حكومتي إيران وعمان بشأن تطوير حقل "بوخا هينجام" البحري لمكثفات الغاز والذي يقع على بعد 21 كم من ساحل شمال عمان على ممر هرمز الاستراتيجي بين البلدين، ويتم تقسيم الإنتاج حسب حصة كل طرف في الحقل بنسبة 80% لإيران مقابل 20% لعمان.
3ـ العلاقات الإيرانية ـ السودانية
رغم أنه لا توجد روابط مشتركة بين إيران والسودان، سواء في الميراث التاريخي والموقع الجغرافي والنظام السياسي والواقع السكاني، إلا أن العامل المشترك بينهما هو خضوعهما لحصار سياسي واقتصادي دولي ووضعهما على لائحة الدول الراعية للإرهاب في تقارير الخارجية الأمريكية. وكان من أبرز الاتهامات التي وجهت للبلدين معاً، ما نشرته صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية حول إرسال تنظيم القاعدة وحركة طالبان شحنات من الذهب خلال شهر أغسطس 2002، وذلك نقلاً عن محققين أوروبيين وباكستانيين وأمريكيين قولهم أن الذهب أرسل عن طريق البحر من باكستان إلى إيران ونقل من هناك بطائرات مؤجرة إلى الخرطوم. ونفى وزير الداخلية السوداني عبد الرحيم محمد حسنين صحة هذا التقرير، ونفت إيران أيضاً أن تكون قد لعبت دور الوسيط في العملية أو قامت بإيواء أثنين من مسئولي القاعدة، علاوة على ذلك، ما كشفته مصادر غربية ـ فرنسية بالأساس ـ عن تورط منظمة تطلق على نفسها "الكفاح من أجل البناء" في بداية عقد التسعينيات تابعة للحكومة الإيرانية في تدريب الإرهابيين في السودان، وتتولى إدارة المساعدات الإيرانية المتنوعة للنظام السوداني والتي تشمل البترول والمواد الغذائية وقطع الغيار والأسلحة.(19/101)
والواقع أن حكومة الجبهة الإسلامية (الإنقاذ) في الخرطوم لم تكن أول من فتح الباب أمام إيران للوجود على الساحة السودانية، فقد كان للعلاقات السودانية ـ الإيرانية سوابق أهمها بعد سقوط جعفر نميري عام 1985 حيث تم استئناف العلاقات الدبلوماسية التي كانت مقطوعة بينها، وسمح بدخول صحيفة "كيهان" الإيرانية الناطقة باللغة العربية، وتعززت العلاقات بين البلدين بزيارة الصادق المهدي لطهران في ديسمبر 1986، وذكر بيان إيراني ـ سوداني مشترك أن إيران تعهدت بتغطية الاحتياجات البترولية السودانية، غير أن طبيعة هذه العلاقات وحدودها قد اختلفت في ظل حكم الجبهة القومية الإسلامية التي جاءت إلى السلطة مع انقلاب عمر البشير في 1989،حيث اتجه السودان إلى توثيق علاقاته مع إيران على عدة مستويات اقتصادية وسياسية وعسكرية، ورغم الشك الذي أبدته إيران تجاه ثورة الإنقاذ في البداية ومن توجهاتها الخارجية. ومن خلال مؤشر الزيارات المتبادلة بين البلدين يتضح أن هناك تكثيفا في الروابط السودانية ـ الإيرانية.
وقد وصل هذا التنسيق ذروته مع زيارة الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني للعاصمة السودانية الخرطوم في ديسمبر 1992 على رأس وفد كبير، تلك الزيارة التي تم خلالها توقيع عدد من اتفاقات التعاون بين البلدين في مجالات التسليح والتدريب العسكري والقضائي، كما تم توقيع بروتوكول للتعاون بين أجهزة المخابرات في البلدين، والتي كانت رداً على زيارات سابقة لمسئولين سودانيين إلى طهران.(19/102)
ويمكن تحديد أهم الأهداف الإيرانية التي تكمن وراء هذا التحرك في رغبة طهران في إيجاد موطئ قدم لها في أفريقيا، خصوصاً إذا كان ذلك في القرن الأفريقي، أو في بلد كالسودان، وقد رأت أن الفرصة مواتية من ناحية، وأن ثمة ضرورة استراتيجية لمثل هذا التحرك من ناحية أخرى، فقد كانت الفرصة مواتية من حيث أن الدول العربية التي كانت تتمتع ببعض النفوذ السياسي والثقافي على جزء من القارة الأفريقية قد انشغلت بالآثار المترتبة على حرب الخليج الثانية، أو أصبحت قيد المعاناة من نتائجها فضلا عن أنها انكفأت على شئونها الداخلية، وكان مثل هذا التحرك بمثابة ضرورة استراتيجية لإيران.وكان السودان بالطبع بحكم توجهاته الإسلامية، ومعاناته الاقتصادية وظروف الحرب الأهلية فضلاً عن عزلته، كان هو الطرف المناسب لإقامة مثل هذه العلاقة.
ومن الناحية الأخرى فربما تكون الحكومة السودانية قد استهدفت من وراء توثيق علاقاتها بإيران الخروج من العزلة الإقليمية والدولية، وخلق توازن جديد ـ حينذاك ـ في المنطقة بعد تدهور علاقاتها مع المملكة العربية السعودية ومصر.
وربما كان من أهدافها أيضاً تعزيز موقفها في الحرب الدائرة في الجنوب من خلال الحصول على الأسلحة من إيران بعد أن توقفت المساعدات العراقية، وفتح مجالات للتعاون الاقتصادي مع إيران بما يخفف من حدة الأزمة الاقتصادية في الداخل ويساعد على تنفيذ سياسة السودان تجاه الدول الأفريقية المحيطة بها والرامية إلى خلق حزام متعاون مع الاتجاهات الإسلامية في السودان، أو على الأقل غير مناوئ لها.(19/103)
وقد كان من الطبيعي أن تثير هذه العلاقات السودانية ـ الإيرانية قلق العديد من دول المنطقة، إذ أن وجود قوى إقليمية مثل إيران في منطقة القرن الأفريقي وعلى شواطئ البحر الأحمر وفي المدخل الشمالي لإفريقيا وعلى التخوم الجنوبية لمصر قد يفتح الباب أمام تداعيات سياسية وأمنية في المنطقة العربية والقارة الأفريقية، ويزداد هذه القلق بالنظر إلى النوايا الإيرانية في إقامة نظم موالية لها في المنطقة عن طريق مساندة الحركات الأصولية الإسلامية. وكانت مصر أكثر حساسية بالنسبة لهذا الوضع حيث رأت في المساعي الإيرانية تهديداً لثوابت علاقاتها مع السودان وتهديداً استراتيجياً للأمن القومي المصري.
يرى بعض المراقبين أن الحكم العسكري في السودان بقيادة الجبهة القومية الإسلامية قد اضطلع بمهمة تغيير المجتمع عن طريق إقامة دولة أيديولوجية على شاكلة النموذج الإيراني، ولعل في هذه المقولة ما يشير إلى أهمية العلاقات الإيرانية ـ السودانية من حيث انعكاساتها على طبيعة النظام السياسي السوداني .صحيح أنه لا يجب أن تؤخذ هذه المقولة على علاتها، لكن وبنفس المنطق لا يمكن تجاهل مغزاها، ومن ثم فالمطلوب أن توضع في حجمها الصحيح دون تهويل أو تهوين.
الفكرة لجوهرية في هذه المقولة هي أن المكون الديني هو المدخل الأساسي لتصور إمكانية تأثير إيران على النظام السوداني، فالحقيقة أن المكون الديني في النظام السوداني أسبق من هذه العلاقات. بعبارة أخرى يمكن القول أن التوجه الإسلامي له جذوره في النظام السوداني ومن ثم فقد نشأ مستقلاً عن العلاقات مع إيران وسابقاً عليها.
كما أن الأزمات الحالية التي يشهدها النظام السوداني والتي تتمثل في: أزمة الجنوب، أزمة الديمقراطية، أزمة التنمية، أزمة دارفور، لم يكن للعلاقات مع إيران دور في صنعها. ومعنى ذلك، أنه من الصعب القول بوجود أثر للعلاقات مع إيران على سياسات النظام السوداني في الداخل.(19/104)
لكن ذلك لا ينفي أن ثمة تداعيات تمخضت عن العلاقات الإيرانية ـ السودانية هي:
(*) التأييد العسكري الإيراني للنظام السوداني، فقد رفع النظام شعار "الجهاد"، ضد التمرد في الجنوب واعتبر الصدام "حرباً دينية"، وسواء كان ذلك وسيلة للحصول على الدعم العسكري الإيراني أو كان نتيجة لهذا الدعم، فإن ذلك لا ينفي الدور الإيراني في هذا الشأن.
(*) مساهمة إيران في بناء جهاز أمني في السودان، هذا الجهاز الذي تشكل من قوات الدفاع الشعبي، وشرطة الأمن، والجناح العسكري (السري) للجبهة القومية الإسلامية، والذي إلية تعزى أغلب حالات القمع وممارسات العنف وانتهاكات حقوق الإنسان، التي شهدتها السودان على مدار عقد التسعينيات، فقد مكنت المساعدات الفنية والتدريبية والأسلحة التي قدمتها إيران للحكومة السودانية، من قمع العديد من الانتفاضات، والتي يذكر منها على سبيل المثال ما حدث في الشمال بسبب ارتفاع معدلات التضخم وما حدث في جبال النوبة.
(*) المساعدات المالية.
وتعد المبادرة الإيرانية للتوسط بين السودان وأوغندا من أبرز المعالم السياسية في علاقات البلدين وذلك انطلاقاً من حرص القيادة الإيرانية على استقرار السودان. ففي 9 سبتمبر 1996وقع السودان اتفاقاً مبدئياً مع أوغندا ـ ساد التوتر في العلاقات بين السودان وأوغندا بسبب نقطتين بالأساس: التدخل في الشئون الداخلية والرغبة في تسويق المشروع السوداني الإسلامي في أوغندا، والثانية تتعلق بالاستفادة من ورقة المعارضة الأوغندية لهز نظام الرئيس يورى موسيفني لتحقيق الهدف الأول والضغط عليه لوقف دعمه للمعارضة السودانية كما تدعي حكومة الخرطوم ـ في الخرطوم برعاية إيرانية خلال زيارة للرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني للعاصمتين. ورغم الوساطة الإيرانية وعقد الاتفاق السابق بيد أن العلاقات الدبلوماسية ظلت مقطوعة بين السودان وأوغندا.(19/105)
ورغم أهمية هذه العلاقات للطرفين السوداني والإيراني، فإن ثمة تحفظات بشأنها، من أهم هذه التحفظات أن الجانب الإيراني قد انتهج في السنوات الأخيرة أسلوباً براجماتياً، وتعني هذه السياسية البراجماتية أمرين: أولهما تبني منهج التكيف مع المتغيرات وقد نجد ترجمة ذلك في تنشيط قنواتها الدبلوماسية مع كثير من الدول، وذلك في معنى عدم الاعتماد على ركيزة واحدة أو طرف واحد من ناحية، وأنها لم تعد تعطي أهمية محورية لعلاقاتها بطرف ما من ناحية أخرى. وثانيهما، التخلي عن التشدد، وهنا نلاحظ أن سياستها قد اتسمت بقدر كبير من التريث تحسباً لأي تفسير خاطئ لحركتها أو انتظار لما ستؤول إليه الأوضاع.
أيضاً يأتي ضمن التحفظات أن العلاقات بين إيران والسودان لم تصل إلى حد التعاون الاستراتيجي، وأن إيران تنحو دائما إلى تغليب الحذر في علاقاتها مع السودان، كما أن هناك قيودا كثيرة ترد على هذه العلاقات منها التباين المذهبي كالثورة الإيرانية شيعية المذهب بينما الجبهة القومية الإسلامية سنية الانتماء. ومنها أيضاً عدم وثوق إيران في الجبهة الإسلامية في السودان كحليف رئيسي في المنطقة، فضلاً عن علاقة الجبهة مع العراق (في عهد صدام حسين).(19/106)
وهناك لجنة وزارية مشتركة بين إيران والسودان تنعقد كل عامين بهدف تأطير التعاون المشترك وقد عقدت أولى دوراتها في طهران عام 1990 فيما عقدت الدورة الثانية بالخرطوم 1991 وعقدت الدورة السابعة في يوليو 2003 بطهران تم خلالها توقيع عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم فيما عقدت الدورة الثامنة بالخرطوم في الفترة من 5 ـ 9 سبتمبر 2004 تم في ختامها التوقيع بالأحرف الأولى على اتفاقيات الحجر الزراعي والتبادل المصرفي ومنع الازدواج الضريبي وقد شملت الدورات الثماني للجنة المشتركة معظم مجالات التعاون في العمران، والطاقة، واستكشاف وإنتاج البترول، السدود، الطرق والجسور، النقل، السكة الحديد، الزراعة وصيانة التربة ومكافحة التصحر، الصناعة والتجارة والاستثمار بالإضافة للتعاون بين وزارتي الداخلية في البلدين. كما أن هناك لجنة سياسية مشتركة للتنسيق والتشاور بين وزارتي خارجية البلدين تعقد اجتماعاتها كل عام بالتناوب، وقد عقدت اللجنة آخر دوراتها السادسة في إبريل 2004 وإبان زيارة الدكتور مصطفى عثمان وزير الخارجية السوداني إلى طهران في أبريل 2002 طرح على نظيره الإيراني إمكانية قيام مشروعات مشتركة بين السودان وإيران وأثيوبيا، وقد بدأ العمل في إعداد الدراسات الفنية لهذه المشروعات إلا أنها لم تر النور حتى الآن.
أما فيما يتصل بالعلاقات التجارية، فقد شملت واردات السودان من إيران المنسوجات والكيماويات والمواد الغذائية ووسائل النقل والمواصلات كما كانت تشمل المنتجات البترولية حتى عام 1991 بينما اقتصرت صادرات السودان لإيران على السمسم الأبيض فقط.(19/107)
وفي نوفمبر 1997 تم افتتاح مشروع "إيران غاز" برأسمال قدره 8 ملايين دولار، كما تم التوقيع على مذكرة تفاهم عام 2000 بين الخطوط البحرية السودانية والشركة الإيرانية للملاحة إلى جانب التوقيع على اتفاقية في مجال التعاون الزراعي بينما يجري الإعداد للتوقيع على اتفاقية تعاون في مجال النقل النهري. أما في مجال التعاون بالنسبة للقطاع الخاص، فقد تم افتتاح مصنع "الأقصى" للزيوت بمدينة "الجديد الثورة" في نوفمبر 1999 فضلا عن تبادل الزيارات بين رجال الأعمال في البلدين والتي توجت بالتوقيع على إنشاء مجلس مشترك لرجال الأعمال. وتم التوقيع خلال زيارة خاتمي الأخيرة للسودان على اتفاقية للتعاون المصرفي بين قطاعي البنوك الإيرانية والسودانية وتم توقيع مشروع جديد بإنشاء محطة كهربائية في السودان بطاقة 25 ميجاوات، بالإضافة إلى الاستعانة بخدمات الشركات الإيرانية الفنية والهندسية للعمل في السودان.
4ـ العلاقات الإيرانية ـ السورية
اختتم الرئيس خاتمي جولته العربية بزيارة دمشق، والتي لم تكن مقررة لدى بدئه الجولة وأن اتصالات جرت قبل يومين لترتيب الزيارة. وتعتبر العلاقات الإيرانية ـ السورية "نموذجاً" لما يجب أن تكون عليه العلاقات الإيرانية ـ العربية، ولعل ما يؤكد ذلك وصف خاتمي في تصريحات للتليفزيون السوري العلاقات الثنائية بأنها "ذات روابط قوية وأساسية" وتأكيده على وقوف بلاده إلى جانب سوريا في كل "الظروف والأحوال" وقد بحث الرئيسان الإيراني محمد خاتمي ونظيره السوري بشار الأسد التهديدات الأمريكية للبلدين، خاصة بعد كشف النقاب عن وجود قاعدتين عسكريتين أمريكيتين في العراق، بالقرب من حدود إيران وسوريا.(19/108)
وقد استحوذت "المسألة العراقية" على حيز كبير من الوقت أثناء مباحثات الطرفين من أجل التنسيق بشأن المؤتمر الذي استضافته القاهرة في نوفمبر الماضي بشأن العراق. كما تطرقت إلى التطورات التي شهدتها الساحة الفلسطينية واللبنانية بما في ذلك القرار 1559 الذي يدعو إلى "حل جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية".
وتطرقت الزيارة أيضاً إلى إيجاد وسائل لتطوير المبادلات التجارية وتفعيل الاتفاقيات الموقعة ومذكرات التفاهم في المجالات الزراعية والصناعية والمصرفية والنقل والكهرباء والثورة المعدنية، بالإضافة إلى تعاون مشترك في مجال التنقيب والاكتشاف في مجال النفط والغاز في سوريا.
وفي مايو الماضي، وقع وزير الصناعة والمناجم الإيراني اسحق جهانجيري ونظيره السوري محمد صافي أبو دان في طهران على اتفاقية تعاون في إطار الاجتماع الثالث للجنة التنسيقية للصناعة والمعادن بين البلدين. ووفقاً لهذه الاتفاقية تقوم إيران بإنشاء مصانع للسيارات والزجاج في سوريا، بالإضافة إلى التعاون في مجال الصناعات البتروكيماوية، حيث تمتلك إيران خبرة واسعة في هذا المجال ولعل التعاون الحاصل بين الشركات الأوروبية والأمريكية والشركة الإيرانية المعنية بهذه الصناعة هو دليل واضح على أهمية هذا القطاع.(19/109)
وفي النهاية يمكن القول أنه في الوقت الذي شهدت فيه العلاقات العربية ـ الإيرانية تحسناً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة عبر العديد من الظواهر والمؤشرات مثل الزيارات المتبادلة (الرسمية وغير الرسمية) والاتفاقيات المشتركة (في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية) واللجان الثنائية والمعارض التجارية، إلا أنه لا يمكن إحداث نقلة في مسار هذه العلاقات إلى في إطار مؤسسي، ومن هنا طرحت فكرة استحداث كيان جديد وليكن "جامعة الدول الشرقية" مثلا ليضم الدول العربية الراغبة بالانضمام وإيران وربما تركيا في وقت لاحق، وهو ما يتطلب قرار سياسي ومجهودات قانونية لإخراج هذه الصيغة إلى حيز التنفيذ، وقبل ذلك الاتفاق على حدود الإطار الجديد وآلياته.
وبرغم العوائق الموضوعية والذاتية أمام مشروع "جامعة الدول الشرقية" فإن التجارب التاريخية في أقاليم مختلفة قد برهنت على أن التعاون الإقليمي لابد له من كيانات مؤسسية ليرتكز عليها، كما برهنت هذه التجارب أن الإرادة السياسية لو توافرت لكان من الممكن الوصول إلى أعلى درجات التنسيق والتعاون في كل المجالات مثل الاتحاد الأوروبي، الذي يربط بين بلدانه أقل بكثير مما يجمع بين الدول العربية وإيران.
ثروة الإيرانيين بالخارج
صحيفة إيران 6ـ 7/9/ 2004
تعدد إيران من جملة الدول النامية التي تعاني من ظاهرة هجرة النخب والكوادر العلمية المتخصصة إلى الخارج، الأمر الذي يمثل إهدار كبيرا للموارد البشرية والمالية الإيرانية، وتتنوع أسباب هذا الهجرة ما بين أسباب اقتصادية خاصة بتطلع هذه النخب للحصول على ثروات مالية من خلال استثمار أموالهم في الدول المتقدمة، وبين أسباب سياسية تتعلق برغبتهم في الابتعاد عن ساحة الصراعات السياسية في إيران.(19/110)
وقد أعلن على يونسي وزير الاستخبارات في لقاء مع كبار رجال الأعمال والتجارة الإيرانيين في الغرفة التجارية الإيرانية أن متوسط قيمة رؤوس أموال الإيرانيين المقيمين بالخارج تتراوح بين 600ـ 800 مليار دولار.
هذا الرقم يثير تساؤلا هاما مفاده: ما هو معدل رأس المال الحقيقي الذي خرج من الدولة؟
يمكن التعرف على أحوال الإيرانيين في خارج كالتالي:
1ـ الولايات المتحدة:
يبلغ عدد الإيرانيين المقيمين الآن في الولايات المتحدة أكثر من 3 ملايين نسمة منهم 50% على الأقل ولدوا بها وتصل ثروات الإيرانيين المقيمين في الولايات المتحدة إلى 400 مليار دولار.
هذه الإحصاءات أعلنت منذ ثلاث سنوات في اجتماع ضم وزير الشئون الاقتصادية والمالية السابق مع رجال الصناعة وأصحاب رؤوس الأموال الإيرانيين المقيمين في واشنطن، وهي الإحصاءات التي ثبتت مصداقيتها من جانب هيئة الخريجين الإيرانيين في الولايات المتحدة التي تعرف بـ "ام. آى. تى" فوفقا لهذه الإحصاءات أسس الإيرانيين المقيمون بالولايات المتحدة 280 شركة أخرى، هذا بخلاف توليهم رئاسة أو إدارة ألف شركة أخرى نافذة في المجالات المختلفة.
وتصل نسبة الحاصلين على درجة الليسانس من الإيرانيين المقيمين بالولايات المتحدة 26% ليحتلوا بذلك المرتبة الأولى من بين جملة المهاجرين إلى الولايات المتحدة بالنسبة للتعليم العالي وما فوقه.
من ناحية أخرى، يعمل 43% من الإيرانيين المقيمين في الولايات المتحدة في مواقع مهنية وإدارية مختلفة، ويعمل 25% في القطاعات الفنية والتنفيذية و10% منهم يعملون في قطاع الخدمات.
2ـ الإمارات العربية المتحدة:(19/111)
تفيد الإحصاءات الموثقة أن الإيرانيين المقيمين في دولة الإمارات العربية المتحدة يشكلون 23% من إجمالي عدد سكان الإمارات من الأجانب، و90% منهم يقيمون في دبي، وبذلك يحتلون المرتبة الثانية بعد العنصر القادم من جنوب آسيا الذي يشغل 50% من الأجانب المقيمين في الإمارات. كما أن أكثر من 40 ألف شركة إيرانية مسجلة في دبي وحدها.
وبافتراض أن الحد الأدنى لرأس مال كل شركة من هذه الشركات هو 100 ألف دولار فإن النتيجة المباشرة هي أن اجمالي ثروة هؤلاء الإيرانيين هي 4 مليارات دولار.
3ـ ألمانيا:
يبلغ حجم رؤوس أموال المقيمين في ألمانيا سواء المنقولة أو الثابتة نحو 43 مليار دولار، أي نحو 50% من جملة ثروات الإيرانيين في بالخارج.
4ـ بريطانيا:
تعد بريطانيا من الدول الرئيسية التي يقيم فيها إيرانيين مهاجرون ويمتلكون ثروات ضخمة، ويبلغ إجمالي ثروة الإيرانيين المقيمين في بريطانيا في أقل تقدير لها 40 مليار دولار.
في الوقت ذاته يوجد إيرانيون آخرون يعيشون في دول أخرى متعددة يمتلكون قدرات مالية كبيرة، حيث يبلغ إجمالي الثروات المالية للإيرانيين المقيمين في كندا، ونيوزيلاندا واستراليا، وفرنسا، وتركيا، بل واليابان عشرات المليارات من الدولارات.
وتكشف هذه التصريحات الأخيرة لعلي يونسي وزير الاستخبارات عن اهتمام خاص من جانب كبار المسئولين في الدولة للعمل على إعادة الثروة المالية والبشرية الإيرانية المهاجرة، وهو الأمر الذي إن أخذ بجدية ـ بالفعل ـ من جانب الحكومة سوف يهيئ المناخ اللازم لعودة الإيرانيين المهاجرين، والمستثمرين، والخبراء، والمتخصصين إلى إيران ووفقاً لقول وزير الاستخبارات فإن عدداً يتراوح بين 200 إلى 300 ألف عقل إيراني ممن ينتمون إلى النخب المختلفة الفكرية والمالية يوجد خارج إيران.(19/112)
من المؤكد أن طرح هذه القضايا من جانب أحد كبار مسئولي الدولة يعد مؤشراً دالاً على انتهاج سياسة جديدة للتعامل مع قضية هجرة الإيرانيين وضرورة الاستفادة من جميع قدرات الدولة بهدف تدعيم عملية التنمية في المجالات المختلفة خاصة الاقتصادية.
ووفقاً للإحصاءات الصادرة من الإدراة العامة لجمرك إيران فإن حوالي مليون و374 ألف فرد قد غادروا إيران خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الإيراني الحالي (مارس ـ يوليو 2004) بزيادة بلغت 19.1% تقريباً عن عدد المسافرين خلال نفس الفترة من العام الماضي.
هذا الأمر يكشف عن اهتمام عدد كبير من الإيرانيين بالسفر إلى الخارج خلال السنوات الماضية. لكن الظاهرة اللافتة للانتباه في هذا الصدر أن عدداً من هؤلاء يفضلون عدم العودة ويظلون خارج الدولة كمهاجرين سواء تم ذلك بشكل قانوني أو في إطار عمليات التهريب المنظمة.
إن الهجرة لا تعتبر ظاهرة حديثة، بل هي موجودة منذ قديم الزمان، لكن ما صار حديثاً الآن هو أن المسيرة التي بدأت منذ زمن طويل زادت وتيرتها الآن وصارت أكثر حدة خاصة وأنها قد أخذت تجذب العقول والنخب الإيرانية.
ويعيش حوالي 3 ملايين إيراني الآن خارج الوطن، حيث اتخذوا من الخارج مأوى لهم، هذه الهجرة لم تقتصر على طبقة خاصة مثل المستثمرين، المتخصصين والخبراء ولكنها طالت طبقات أخرى أيضاً.
أتباع الطريق العصامى:(19/113)
وفقا لما ذكرته مجلة صانداي تايمز البريطانية التي نشرت قائمة بأغنى أغنياء بريطانيا يأتي المهاجر الإيراني جاك دلال المعروف بجاك سياه (أي جاك الأسود) في المرتبة الرابعة والستين في تلك القائمة، وهو أغنى إيراني في بريطانيا، حيث قدرت ثروته بـ 590 مليون جنية استرليني ويبلغ من العمر 90 سنة، وهو يهودي الديانة، وقد بدأت ثروته في النمو منذ سبعينيات القرن الماضي وكان جاك دلال قد باع بنك دالتون بارتون الذي كان يملكه بـ 58 مليون جنيه استرليني ثم أخذ يستثمر هذه النقود في شراء العقارات، ومن أنجح صفقاته في هذا المجال شراؤه عمارة بوش هاوس حيث باع هذا العقار بعد ستة أشهر فقط من شرائه في عام 1978 بزيادة في السعر تقدر بـ 75 مليون جنيه استرليني.
وعندما تصل إلى المرتبة رقم 101 في قائمة الصنداي تايمز سوف نجد الأخوين جنكيز أصحاب شركة راتش وتبلغ ثروتهما 400 مليون جنيه استرليني، وهما من أسرة يهودية إيرانية وبعد الثورة هاجر كلاهما مع الأب والأم إلى بريطانيا وغيرا إسميهما إلى روبرت ووينسنت واختارا لنفسيهما اسم جنكيز كإسم رسمي لأسرتيهما.
أما ناصر داود خليلي وهو إيراني يهودي آخر هاجر إلى بريطانيا فيحتل المرتبة 143 في القائمة وتشكل مجموعة من الآثار الفنية الإيرانية ـ الإسلامية الجزء الرئيس من ثروته والتي يقيمها هو بنفسه بأكثر من مليار جنيه استرليني. لكن الصنداي تايمز تؤكد أنه لو باع كل مجموعته الأثرية فإن نصيبه فيها لن يزيد عن 250 مليون جنيه استرليني بعد استبعاد العجز الضريبي الذي يعاني منه. بالإضافة إلى هذا فإن بقية ممتلكاته عبارة عن أملاك وممتلكات نفيسة.
ووفقاً لتقرير الصانداي تايمز فإن جاك دلاك، والأخوان جنكيز وناصر داود خليلي كلا من هؤلاء منفرداً أغنى من ملكة بريطانيا لأن ثروتها لا تتجاوز بأي حال من الأحوال 250 مليون جنية استرليني.(19/114)
ويحتل السير داود أكيانس المرتبة 198 في القائمة وتبلغ ثروته حوالي 218 مليون جنيه استرليني. ويلاحظ هنا أنه الإيراني الوحيد الذي حصل على لقب سير لأنه استثمر ثروته في صناعة النسيج واختار الإقامة في مانشستر.
مراحل الهجرة من إيران:
يقول الدكتور محمد على زاده أستاذ الدراسات الاجتماعية بجامعة طهران أن "إحدى مراحل الهجرة من إيران (في العصر الحديث) ترتبط بفترة ما قبل الثورة وكذلك بدايات الثورة نفسها ولكنها مختلفة من حيث ماهيتها وطبيعتها بشكل كامل. آنذاك ـ كما تبين الوثائق ـ فإن عملية الهجرة ضمت التكنوقراطيين، والأقليات الدينية، وأصحاب رؤوس الأموال وهم من الذين كانوا على رأس السلطة في الدولة. آنذاك أيضاً كانت الهجرة تشمل جميع أفراد الأسرة وربما العائلة وقد ظل هذا الوضع قائما حتى بداية الحرب المفروضة (الحرب العراقية ـ الإيرانية)، وأثناء الحرب، تقلص عدد المهاجرين وكانت معظم حالات الهجرة فردية. في هذه المرحلة ظهر نوع جديد من الهجرة. فبسبب الرغبة في الهروب من الصراعات السياسية، الحرب والمخاطر... خاصة الذكور منهم ـ والذي كان يطلب للمشاركة في مراحل القتال المختلفة ولهذا السبب نفسه تراوحت أعمار معظم المهاجرين من 15 ـ 30 سنة. وقد استمر الأمر بهذا الشكل حتى نهاية الحرب".(19/115)
أما الدكتور محمد همايون فيقول: "مع بداية الثورة حدثت هجرة داخلية وأخرى خارجية، بالنسبة للنوع الأول يمكن القول أن هجرة القرويين أخذت في التصاعد بهدف التوجه نحو المدن وهو ما أفرز أبعاداً ونتائج مختلفة على صعيد القضايا الاجتماعية. طوال هذه الفترة والتي استمرت ربع قرن ـ أي من بداية الثورة وحتى الآن ـ انخفض عدد القرى من 60 ألف قرية إلى 40 ألف قرية فقط، كما انخفض عدد الشباب بالقرى بسبب رغبتهم في الهجرة إلى المدينة الأمر الذي كاد أن يقضي على المجتمع القروي بأسره. أما فيما يتعلق بالنوع الثاني والمتمثل في الهجرة الخارجية فينقسم إلى قسمين رئيسيين القسم الأول خاص بهجرة النخب أو الدارسين، أما القسم الثاني فيتعلق بهجرة عامة الشعب. المؤكد أن هجرة العوام من الشعب ليست خطيرة للغاية، لأنهم ذهبوا إلى الدول الأخرى بقدرات علمية وتخصصات متوسطة فقط بهدف البحث عن فرصة عمل. لكن الأمر المهم هنا يتعلق بهجرة النخب التي تذكر إصطلاحاً بقرار العقول، وقد بدأت هذه القضية تدرس من جانب المجلس السادس بحساسية كبيرة. وقد بلغ الأمر ذروته عندما قام صندوق النقد الدولي في العام الماضي بنشر اسم إيران ـ في إحصاءاته السنوية ـ على رأس قائمة الدول النامية التي تعني من هجرة العقول، ونشر الصندوق في هذا الصدد نفسه إحصائية مفادها أن "القيمة الدولارية للموجة الأولى من هجرة العلماء الإيرانيين في عام 1985 تبلغ الآن 400 مليار دولار".(19/116)
في هذا الصدد يقول الدكتور على زاده الذي يعد أحد المتابعين الدائمين لعملية هجرة العلماء والنخب: "وفقاً لما نشره بنك المعلومات العلمية للمتخصصين في مكتب الهجرة بالولايات المتحدة فإن 37 ألفا و362 فرداً من الجيل الأول من المهاجرين إلى الولايات المتحدة هم من الإيرانيين الحاصلين على ليسانس فما فوق، وقد وصل هذا الرقم إلى 220 ألفا في عام 1995، ومن المؤكد أن هذه الأرقام موضع شك لأن أكثر من 230 ألف إيراني كانوا يقيمون في كاليفورنيا وحدها في ذلك العام. لكن إذا سلمنا بهذا التقييم الرقمي الأمريكي فإن ذلك يعني أن 70% من هذا الرقم ـ أي 220 ألف إيراني ـ هم من الحاصلين على تعليم فوق المتوسط فما فوق وهو ما يعد في حد ذاته إهداراً للثورة البشرية الإيرانية لأن تكلفة الفرد وتعلميه في الدول النامية لا تقل بأي حال من الأحوال عن 20 ألف دولار. ووفقاً للمعلومات والإحصاءات الأمريكية ذاتها فإن 5500 طبيب إيراني و 650 متخصصاً في العلوم البحتة والتطبيقية، يعملون ويقيمون في الولايات المتحدة. من المسلم به أن الأعداد التي تذكر في الصحف بشأن هذه القضية تعد في جزء كبير منها جزافية، كما أن هناك تقديرات أخرى تكشف عن هجرات تتم بشكل غير قانوني. لكن استناداً لما ذكر فعلاً من جانب المصادر الدولية في هذا الصدد فإنه من كل خمسة إيرانيين يعيشون في الولايات المتحدة يدخل واحد منهم على الأقل في فئة النخبة أو أحد الكوادر المتخصصة والنادرة وهو معدل يفوق المعدلات الخاصة ببقية الجنسيات المهاجرة إلى الولايات المتحدة، ومما لاشك فيه أن تكلفة العقول الإيرانية المهاجرة إلى الخارج لا تقل عن 200 مليار دولار".
نقلا عن مختارات ايرانية
عدد 52 نوفمبر 2004
مصر وإيران: من التوتر إلى التوتر.. إلى متى؟ !!
د. محمد السعيد إدريس مختارات إيرانية العدد 53 – ديسمبر 2004(19/117)
القاعدة هي التوتر في العلاقات بين مصر وإيران،على الأقل ابتداء من منتصف القرن الماضي، باستثناء سنوات معدودة أعقبت التحولات التي حدثت في السياسية الخارجية المصرية نحو الولايات المتحدة عقب حرب أكتوبر 1973، تبعها تحسن وتطور في العلاقات المصرية ـ الإيرانية، هذا التحسن كانت له نتائجه على صعيد تطور العلاقات المصرية ـ الإيرانية. وبتوقيع مصر معاهدة السلام مع إسرائيل، التي أعقبت سقوط نظام الشاه في إيران وقيام نظام الجمهورية الإسلامية، عاد التوتر وبعنف إلى هذه العلاقات بعد أن أصدر الإمام الخميني قراره بقطع العلاقات مع مصر، بناء على طلب مباشر من الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، عقابا لمصر على توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل.
أتصور أن لغزا بهذا المستوى يستلزم البحث والتفكير بدلا من الركون إلى قدرية المآل المأساوي للعلاقات بين بلدين إسلاميين شقيقين تجمعهما روابط ووشائج قوية يجب عدم التفريط فيها.
أتصور أيضا أن الأوان قد آن لنسأل: لماذا بقيت العلاقات المصرية ـ الإيرانية مقطوعة ومتوترة طيلة تلك السنوات؟
فمصر هي الدولة العربية والإسلامية الوحيدة التي ليست لها علاقات دبلوماسية كاملة مع إيران، ولكي يستقيم منطق الكلام يجب أن نقول أيضا أن إيران تكاد تكون هي الدولة الوحيدة في العالم الإسلامي وربما في العالم التي ليست لها علاقات دبلوماسية كاملة مع مصر. كيف يمكن أن يستقيم هذا الحال الأعوج وإلى متى؟ هل ما بين إيران ومصر من الصراع وتناقض المصالح والعداء يتساوى مع ما بين إيران والولايات المتحدة وإسرائيل؟(19/118)
فالدول تتقارب وتتعاون، وربما تتحالف إما بدافع من وجود منافع ومصالح مشتركة، وإما بدافع من درء المخاطر ومواجهة الأخطار. وقد يحدث التعاون بدافع من تعظيم المنافع والمصالح ودرء ومواجهة الأخطار معا. وهنا نسأل: ألا توجد منافع ومصالح مشتركة بين مصر وإيران تغريهما بتطوير وتحسين العلاقات لدرجة التعاون والتنسيق، ولا نقول التحالف؟ وألا توجد أخطار وتهديدات مشتركة تواجه مصر وإيران تحفزهما للتعاون المشترك لمواجهة هذه الأخطار؟
من الصعب على أي باحث منصف أن يقطع بنفي وجود أي مصالح مشتركة بين مصر وإيران، ومن المستحيل على أي باحث محايد أن يقطع بنفي عدم وجود تهديدات وأخطار مشتركة تواجه مصر وإيران، لكن القضية ليست بهذه البساطة، فالمنافع والأخطار ليست في الدوافع والحوافز للنهوض بعلاقات دولتين أو عدد من الدول إلى مستوى التنسيق والتعاون، هناك عوامل أخرى جانبية لا تقل أهمية، منها مثلا مدى التوافق والانسجام بين النظم السياسية والأيديولوجيات الحاكمة، فالتوافق والتجانس بين النظم السياسية والأيديولوجيات يشجع على انتهاج سياسات خارجية متقاربة، ومنها أيضا التحالفات والارتباطات الخاصة بكل دولة من الدول فهذه التحالفات قد تضع قيودا على الدول للتقارب رغم تجانس أنظمتها السياسية، ورغم وجود منافع وأخطار مشتركة.
توجد إذن حزمة من العوامل تدفع دولا بعينها إلى التعاون والتنسيق وتوجد أيضا حزمة من العوامل تمنع مثل هذا التعاون والتنسيق، وأحسب أن الأوان قد آن لنسأل مجددا: ما الذي يمنع مصر وإيران من وضع نهاية لتوتر العلاقات فيما بينهما؟(19/119)
السؤال ليس جديدا علينا، وربما نكون في مركز الأهرام للدراسات لسياسية والاستراتيجية قد طرحناه على أنفسنا مبكراً ضمن مجمل اهتمامات المركز بالمصالح الاستراتيجية المصرية، والفكر الاستراتيجي المصري، لكننا طرحناه بقوة منذ أن تأسست وحدة الدراسات الخليجية التي تعاملت مع نظام إقليمي خليجي يتكون من ثلاثة كتل رئيسية هي: إيران والعراق ومجلس التعاون الخليجي، ومنذ أن تقرر إصدار مجلة مختارات إيرانية كمجلة شهرية صدر عددها الأول في أغسطس 2000، واستهدفت خلق وتطوير ثقافة علمية عربية بالمجتمع والدولة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ومنذ أن تم التوقيع على بروتوكول التعاون الأكاديمي بين مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ومعهد الدراسات السياسية والدولية التابع لوزارة الخارجية الإيرانية عام 2000، وهو البروتوكول الذي أرسى قاعدة عقد ندوة سنوية لمناقشة تطوير العلاقات المصرية ـ الإيرانية تعقد بالتبادل بين القاهرة وطهران، وقد عقدت الندوة الرابعة في القاهرة منذ أيام قليلة (27ـ 28 نوفمبر2004) تحت عنوان: التحديات الإقليمية للاحتلال الأمريكي للعراق.
رغم ذلك هناك دوافع أخرى مستحدثة لتجديد طرح السؤال أبرزها تطورين متناقضين أولهما كان عليه أن يشجع على تطوير العلاقات والآخر أساء إليها بدرجة كبيرة وربما يكون قد انتكس بها لحدود يصعب تصورها.
التطور الأول الإيجابي تمثل في مشاركة إيران بوفد على مستوى عال في مؤتمر شرم الشيخ حيث ترأس الوفد الإيراني الدكتور كمال خرازي وزير الخارجية، كما تمثل في مشاركة مصر، بعد أسابيع قليلة، في اجتماع وزراء داخلية دول الجوار للعراق الذي عقد في العاصمة الإيرانية،وترأس الوفد المصري السيد حبيب العادلي وزير الداخلية في زيارة هي الأولى من نوعها منذ انقطاع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين عام 1980.(19/120)
في مؤتمر شرم الشيخ تبين بوضوح أهمية الدور الإيراني في إنجاح المؤتمر، كما تبين وجود تنسيق مصري ـ إيراني ضمن مجموعة الدول المجاورة للعراق، وكان توقيع مصر وإيران على البيان الختامي لمؤتمر شرم الشيخ مؤشراً على وجود توافق مصري ـ إيراني على بنود هذا البيان. وتأكد التطور في العلاقات عندما تعمد المسئولون المصريون في هذا المؤتمر ترتيب جلوس وزير الخارجية الإيراني بجوار وزير الخارجية الأمريكي كولن باول في حفل عشاء بدعوة من وزير الخارجية المصري السيد أحمد أبوالغيط وبالطبع لم يتم ذلك دون علم الوزيرين. وفي اجتماع وزراء داخلية دول الجوار للعراق الذي عقد في طهران، تم التوافق أيضاً على دور تقوم به هذه الدول في دعم الأمن والاستقرار في العراق، ومن بين هذه الدول مصر وإيران بالطبع.
وبرز، من مجمل تفاعلات هذين التطورين، أن ثمة فكراً يتخلق في المنطقة، وأن هناك تطوراً نحو جعل صيغة الدول المجاورة للعراق وأجندة اجتماعات هذه الدول بداية تأسيسية لمنظومة علاقات إقليمية جديدة، ربما تتطور أجندتها، وربما تتسع عضويتها، لكنها يمكن أن تكون بداية لصياغة نظام إقليمي أو نواة لنظام إقليمي في المنطقة في وقت تسعى فيه الولايات المتحدة إلى تأسيس مثل هذا النظام.
مشاركة مصر وإيران في مجمل هذه الجهود اعتبر خطوة مهمة في مسار تطوير العلاقات المصرية ـ الإيرانية خصوصاً وأنه توافق مع هذا كله معلومات تحدثت عن قيام إيران بتسليم مصطفى حمزة المتهم بتدبير المحاولة الفاشلة التي استهدفت الرئيس حسني مبارك في أديس أبابا عام 1995، لكن حميد رضا أصفى المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية بادر بنفي هذه المعلومات، مؤكداً عدم وجود مصطفى حمزة على الأراضي الإيرانية في أي وقت من الأوقات.(19/121)
التطور الثاني والسلبي، هو إعلان النائب العام المصري أن القاهرة ستحاكم دبلوماسياً إيرانياً ومواطناً مصرياً قبض عليه في اتهامات بالتجسس وتنظيم هجوم على موقع للبتروكيماويات في مدينة ينبع السعودية في مايو 2003، والإعداد لاغتيالات وتفجيرات تستهدف قطع العلاقات بين القاهرة والرياض.
النائب العام المصري كشف أن الدبلوماسي الإيراني هو ضابط في مخابرات الحرس الثوري الإيراني واسمه محمد رضا دوست. الإعلان عن هذه القضية الاستخباراتية أربك كل توقعات تحسين العلاقات المصرية ـ الإيرانية، واحتمال عودة العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين البلدين في وقت قريب خصوصاً بعد تصريحات حميد رضا آصفى المتحدث باسم الخارجية الإيرانية التي وصف فيها الاتهامات المصرية للدبلوماسي الإيراني بأنها "لا أساس لها من الصحة"، وزاد على ذلك بالقول بأن "هذا السيناريو أعد بتأثير من أعداء إيران"، وأن "الاتهامات الموجهة لدوست تأتي في إطار مؤامرة على دول في الشرق الأوسط بما يتمشى مع سياسيات إسرائيل العدائية في المنطقة".
هذه التصريحات متسرعة من ناحية لأن لا أحد يملك تأكيد أو نفي الاتهامات إلا القضاء المصري، وهي من ناحية ثانية تكرار مرفوض لتفسيرات إيرانية ترى أن تعثر تطوير العلاقات المصرية ـ الإيرانية يرجع لضغوط أمريكية.
مثل هذه التفسيرات تتجاوز حدود اللياقة في اتهام القرار السياسي المصري بالتبعية للولايات المتحدة، الأمر الذي يزيد من تأزم العلاقات.(19/122)
هذه التطورات الإيجابية والسلبية باتت تفرض ضرورة البحث الجاد في أسباب استمرار حالة التوتر الدائمة في العلاقات المصرية ـ الإيرانية، خصوصاً مع وجود قناعة لدى الطرفين بوجود منافع ومصالح متبادلة تشجع على تطوير هذه العلاقات، ووجود مخاطر وتهديدات تحفز أيضا من الإسراع في هذا التطوير وبالذات المستقبل الغامض للعراق في ظل الاحتلال الأمريكي، والأوضاع الصعبة التي يعيشها الشعب الفلسطيني، وجدية مطالبة مصر وإيران بجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل.
تدرك مصر وإيران أن المستقبل المأمون للعراق يفرض تعاوناً مصرياً إيرانياً، وأن صياغة نظام أمن إقليمي جديد لا يمكن أن يتم دون تفاهم مصري إيراني، وأن الأوضاع الأمنية في الخليج وبالذات النظام الأمني الجديد في ظل الاحتلال الأميركي للعراق سوف تكون على حساب الجميع وبالذات مصر وإيران ودول الخليج العربية.
والبداية المنطقية هي ضرورة الإسراع بتشكيل لجان مشتركة للحوار بين البلدين لبحث كافة القضايا دون انتظار للعودة الكاملة للعلاقات الدبلوماسية ،لجان أمنية مشتركة ولجان سياسية واقتصادية وثقافية مشتركة، مناقشات وحوارات هذه اللجان سوف تبني جسوراً من الثقة المتبادلة،وسوف تضع حدوداً لسوء الظن الذي يبقى التوتر دائماً في العلاقات بين البدلين ويمنح الفرصة لتأويل الأحداث على شاكلة الربط بين كشف أجهزة الأمن المصرية لقضية التخابر تلك والإفراج المصري عن الجاسوس عزام عزام، الذي أتصور أنه أساء كثيراً للعلاقات بين البلدين.
اتهام الجلبي بالخيانية العظمى لتهريبه
أسلحة الجيش العراقي إلى إيران وإسرائيل
احمد صبرى الغد 25/1/2005
بغداد ـ (الغد) ـ انتهت وزارة الدفاع العراقية من وضع لائحة الاتهام القانونية بحق أحمد الجلبي رئيس المؤتمر الوطني تمهيدا لعرضها على الجهات القانونية واستصدار أمر بتوقيفه كما تعهد حازم الشعلان قبيل العيد.(19/123)
وابلغ مصدر مطلع في الدائرة القانونية بوزارة الدفاع العراقية (الغد) أن المستشار القانوني في الوزارة انتهى من إعداد لائحة شاملة تستند إلى عدة اتهامات بحق الجلبي سيقدمها إلى وزارة العدل العراقية والمحكمة الجنائية لاستحصال موافقتهما على مذكرة لتوقيفه ومثوله أمام قاضي التحقيق في بغداد.
وقال المصدر الذي رغب عدم نشر اسمه أن أبرز التهم الموجهة لأحمد الجلبي هي القدح والتشهير بوزارة سيادية واتهامها بالتصرف بالمال العام إضافة إلى اتهامه بالتخابر مع دول أجنبية هي إيران والترويج لسياستها في العراق فضلا عن استلامه ملايين الدولارات من إيران لقاء خدماته لها.
واوضح المصدر أن اللائحة تضمنت اتهامات بالاستيلاء على المال العام وممتلكات ودوائر وزارة الدفاع المنحلة خلافا للقانون ومن دون تخويل من جهة رسمية.
وبين أن من أخطر التهم الموجهة للجلبي تهريب أسلحة ومعدات عراقية ذات قيمة استراتيجية وذات تكنولوجيا عالية تركها الجيش العراقي في معسكراته إلى إسرائيل وإيران مباشرة أو عن طريق الشمال الكردي لقاء مبالغ طائلة ما اعتبرته لائحة الاتهام يرتقي إلى الخيانة العظمى.
وتوقع أن يواجه الجلبي إذا أخذت لائحة الاتهام ضده مجراها الاعتيادي أياما صعبة ومحرجة خصوصا وهو يواصل انتقاداته لرئيس الحكومة العراقية اياد علاوي ويحملها مسؤولية تردي الأوضاع الأمنية.
ورجح المصدر أن يصدر قاضي التحقيق في بغداد مدعوما من وزارة العدل العراقية قرارا باستدعاء الجلبي للمثول أمام قاضي التحقيق للإجابة على الاتهامات الموجهة إليه.
واستنادا إلى الإجراءات القانونية في مثل هذه الحالة قان قاضي التحقيق سيأمر بتوقيف أحمد الجلبي على ذمة التحقيق لأيام أو أسابيع ما سيحرمه من المشاركة بالانتخابات وربما إسقاط اسمه من لائحة الائتلاف الشيعي.(19/124)
ويرى مراقبون بأن تصعيد وزير الدفاع حازم الشعلان حملته على الجلبي ربما جاءت من إشارات وتشجيع من قوى فاعلة في المجتمع العراقي وأيضا من أطراف في الإدارة الأميركية.
ولم يستبعد المصدر أن تثير لائحة الالتهام لأحمد الجلبي مسؤوليته عن سرقة أموال بنك البتراء الأردني إلى حد المطالبه بتسليمه إلى السلطات الأردنية التي تطالب به على خلفية سرقته ملايين الدولارات من البنك.
المرجعية الشيعية تميل إلى تأييد فيديرالية في الجنوب
البصرة - جعفر الأحمر الحياة 29/1/2005
بدأت دعوة زعيم «المؤتمر الوطني العراقي» أحمد الجلبي إلى إقامة حكم ذاتي في جنوب العراق، تستدرج ردود فعل مؤيدة، لكن أهم المواقف موقف المرجعية الشيعية في النجف.
وأبلغ مصدر مطلع «الحياة» أن المرجعية «تميل ضمناً إلى تأييد الفكرة» طالما أنها تحظى بتأييد سكان الجنوب والأحزاب والقوى الإسلامية الشيعية الرئيسية (المجلس الأعلى وحزب الدعوة)، فضلاً عن المستقلين الذين يحبذون الفكرة أيضاً ويعبرون عن ذلك بخجل، وأحياناً ينتقدونها في محاولة لاحتواء ردود الفعل عليها، في ما يشبه «توزيع الأدوار».
وتركز الجدل حول توقيت الفكرة التي أطلقها الجلبي عشية الانتخابات باعتبارها مناورة، لكن الشيخ منصور الكنعان المرشح المستقل على لائحة «الائتلاف الموحد» أكد أن «من حق الجنوب إقامة فيديرالية على أساس جغرافي وفقاً لما جاء في قانون إدارة الدولة الموقت الذي يجيز لأي ثلاث محافظات إقامة تحالف»، وعبر عن أمله بأن «تساهم هذه الفيديرالية بتحسين مستوى معيشة المواطنين وتوفير الخدمات في الجنوب الذي عانى من حرمان وظلم كبيرين»، مشيراً إلى انه «على رغم ان معظم انتاج النفط يأتي من الجنوب، فإن المواطنين يعانون الفقر والحرمان من الخدمات الاساسية»، مؤكداً «عدم النية على الانفصال أو تقسيم العراق».(19/125)
إلى ذلك، نفى الكنعان وجود ضغوط من الاسلاميين في البصرة للتأثير في الناخبين أو محاولات لتزوير الانتخابات، ووصفها بأنها «حملة من القوى التي تفتقر الى القاعدة الشعبية لحفظ ماء الوجه استباقاً للنتائج التي قد تأتي معاكسة لرغباتها». وقلل من أهمية المقاطعة، وكشف أن «الحزب الاسلامي» الذي أعلن المقاطعة، يريد المشاركة في لجنة صوغ الدستور والحكومة المقبلة، ولفت الى ان هاتين المسألتين هدف الانتخابات.
وفي المقابل، عبرت قوى وشخصيات سياسية عن رفضها طرح الفيديرالية باعتبارها «مدخلاً لتقسيم العراق». وقال رئيس محكمة الاستئناف في البصرة القاضي ليث عبدالصمد إن الدعوة «سابقة لاوانها، إذ لا يمكن الانتقال فجأة من نظام ديكتاتوري شديد المركزية كان يسيطر على مقدرات الدولة الى نظام فيديرالي». وأضاف ان العراق «في حاجة الى خمس سنوات على الأقل لبناء مؤسساته وعندها يمكن طرح موضوع الفيديرالية، على أن يتم بناء مؤسساتها بالتدريج».
الموصل ولاية الأزمات والأقليات...
زحف يزيدي و«شبكي» الى الصناديق... ومقاطعة عربية
محمد مظلوم الحياة 29/1/2005
ولاية الموصل حكاية أخرى في تاريخ الأزمات الداخلية والإقليمية المتداخلة في العراق. يمتد عمرها إلى ما قبل قيام الدولة العراقية، وهو ما يعزز القناعة بإن الدولة العراقية قامت وسط أزمات عدة كما هي حال إعادة تشكيلها اليوم.
فبعدما استكمل البريطانيون احتلال بغداد، في آذار (مارس) عام 1917، واصلوا زحفهم شمالاً فكانت المدن تسقط في أيديهم تباعاً وبسهولة. وعلى رغم انهيار الجيوش التركية إلا انهم أوقفوا هجومهم لفترة ليست وجيزة عند منطقة الفتحة قرب الشرقاط على مشارف الموصل.(19/126)
ولم تكن لذلك التوقف أسباب تتعلق بالوقفة التعبوية أو بإعادة التنظيم أو تجديد الزخم الهجومي الذي لم يكن في حاجة إلى المزيد من الإدامة أمام الانهيار الشامل للجيش التركي في العراق. ففي جزيرة «مردوز» في بحر إيجهة كانت ثمة مفاوضات تدور لاستسلام الجيش التركي. وفي أكثر من مكان كانت الإجتماعات السرية التي تتم بين دول «الوفاق الأوروبي» خلال الحرب العالمية الأولى، تسرع في توزيع غنائم المنهزمين الأتراك، كلما تأكدت لقادتهم بشائر النصر.
لكن البريطانيين دخلوا الموصل في نهاية الأمر على رغم هدنة بحر إيجه، وعلى رغم إنها كانت في الأساس تتبع فرنسا أي ضمن المنطقة (أ) كما نصت عليه معاهدة سايكس بيكو، وليس ضمن المنطقة (ب) أو المنطقة الحمراء كما اصطلح على مناطق الغنائم البريطانية - الفرنسية في المعاهدة.
غير ان الأمر لم يقف عند حدود الأبجدية الحروفية والتقسيمات اللونية لحل المشكلة فقد أرسلت عصبة الأمم المتحدة فريقاً خاصاً زار المناطق الواقعة بين الخطوط الحمراء والزرقاء ومكث طويلاً قبل أن يرفع تقريره الخاص بوجوب ضم الموصل الى العراق على أن يبقى الإنتداب البريطاني لخمسة وعشرين عاماً من تاريخ بدء الإحتلال.
ومن اللافت هنا ان العديد من مواطني الضفتين الزرقاء والحمراء آنذاك نقلوا للأجيال اللاحقة مأثورات شفاهية لا تخلو من دلالة عن طبيعة عمل فرق عصبة الأمم في ترسيم الحدود بين الجانبين، والتي كانت تعتمد في ما تعتمده: تقصي ثقافة الطبخ لدى التجمعات البشرية على الجانبين، فكانت تلحق المناطق التي يعتمد سكانها في شكل رئيس على القمح المجروش (البرغل) في المنطقة (أ) أي سورية، فيما تلحق المناطق التي تعتمد في غذائها على الرز في المنطقة (ب) أي العراق.(19/127)
لكن هذا التقسيم «الغذائي» لم يتطابق تماماً مع خرائط النفط لدى البريطانيين، الذين أرادوا ولاية الموصل (المعروفة بميل نمط غذائها الأساسي إلى القمح) مهما غلا ثمنها حتى وإن دفعوا بالمزيد من مدن الرز نحو المنطقة الزرقاء (سورية) لينتهي الجدل الاقتصادي الاجتماعي بتنازل فرنسا نهائياً عن الموصل لصالح بريطانيا، وذلك في مؤتمر سان ريمو عام 1920. أما تركيا فرأت أن مجرد احتلال القوات البريطانية للموصل بعد هدنة مدروز، يتيح لها المطالبة بالولاية التي ينبغي أن تلحق بتركيا الجديدة وريثة الحكم العثماني.
من هنا تبرز جذور المعضلات السياسية لهذه الولاية التي لا يمكن اختزالها اليوم في الموصل المدينة، بل بالولاية التي تضم أيضاً مناطق إقليم كردستان ذات الغالبية الكردية التي لا تخلو من مشكلات هي الأخرى.
ومنذ قيام الدولة العراقية مثلت الموصل ذات الغالبية العربية الساحقة رافداً أساسياً لقيادة لقوات المسلحة العراقية وأركانها منذ تأسيسها، ويتسم الضباط الموصليون بمسلكية طيبة وانضباط عال وتاريخ مهني جيد، على غير ما جرت عليه الأمور فترة حكم صدام في تعيين ضباط لقيادة القوات المسلحة ينحدرون من تكريت من دون ان يكون لهم مثل هذا التاريخ.(19/128)
واليوم تعد عشيرة شمر واحدة من أكبر القبائل العربية في تلك المناطق، وهي تطمح إلى دفع احد أبنائها لمنصب رئيس الجمهورية. فإضافة إلى غازي الياور، دخل شيخ آخر من العائلة نفسها دائرة التنافس على المنصب الأول، وهو يحمل الكنية العربية، وليس اللقب التركي لهذه العائلة. ففواز الجربا الذي انضم إلى قائمة الأئتلاف العراقي الموحد يبدو المرشح السني في القائمة لمنصب رئيس الجمهورية، على إن الهيئة الرئاسية المتوقعة سيجري انتخابها بنظام القائمة الواحدة أيضاً، وليس بترشيح شخصية واحدة عن كل قائمة، ومن هنا لا يمكن الركون تماماً إلى قوة أي قائمة أو نفوذها في تحديد الملامح الدقيقة للتشكيلة الرئاسية المقبلة.
لكن المخاوف من انحسار الإقبال على التصويت في المحافظة تبقى قائمة بوصفها من بين أكثر الأماكن خطورة في الوقت الحالي. من هنا فإن أي إقبال محتمل على التصويت لن يتركز على الأرجح في مركز المحافظة الثانية من حيث تعداد السكان في العراق، بل سيتناثر في الأطراف، حيث الأقضية والنواحي ذات التجمعات البشرية التي تمثل طيفاً واحداً متماسكاً.
وبما إن الإنتخابات العراقية كما هو واضح، في ملمحها الأساس، تقوم على أساس تمثيل الكتل الإجتماعية، وليس على أسس التنافس الحزبي، فإن هذا الأمر يستدعي إلقاء نظرة تقريبية على تلك الجماعات العرقية والطائفية التي لا تتمتع بتمثيل سياسي ضمن أحزاب وتنظيمات سياسية واضحة المعالم مما جعلها تشتبك وتتداخل مع كتل اجتماعية أخرى قوية لها تنظيماتها التاريخية.(19/129)
ولعل «الشبك» الذين يتفرقون في أطراف قرى الموصل المتداخلة مع اقليم كردستان يمثلون النقطة الغامضة في فرز تلك الجماعات او إلحاقها عرقياً وقومياً وفئوياً، بهؤلاء القوم أو أولئك. فهم كما تشير تسميتهم جماعة «مشتبكة الأصول» وملتبسه لدى الباحثين المختصين. ولنا أن نتصور الحال عندما يتعلق مثل هذا الأمر بالأحزاب السياسية التي تتطلع إلى استدراج الجميع نحو شباكها؟. فهذه الجماعة التي تعتنق في غالبيتها المذهب الجعفري الإثني عشري، يقدر عددها بمئة ألف نسمة، على أن أعدادها «المستترة» لا تبدو ممكنة الإحصاء نتيجة القمع الذي تعرضت لها خلال مراحل الصراع الصفوي - العثماني والعنف المتواصل الذي مارسته السلطات المتعاقبة على حكم العراق. ولا يكاد «الشبك» ينتظمون في أي توصيف عرقي او قومي او طائفي، أو حتى عشائري، وفي العودة لتسميتهم النمطية سنجد إنها التوصيف الأمثل المتاح لهذه الجماعة الغامضة ليس في أصلها الأنثروبولوجي فحسب، وإنما في مقدار الظلم الذي واجهته كذلك.
فثمة من يلحقهم بالإيرانيين وثمة من ينسبهم إلى السلاجقة وبقايا القبائل التركمانية التي سيطرت على العراق في النصف الأول من القرن الخامس عشر، وثمة من يربط وجودهم في المنطقة بفترة حكم الصفويين الذين احتلوا العراق بعد ذلك. لكن ثمة من يعيدهم أيضاً إلى أصول عربية صريحة تنتهي إلى قبائل طي، بيد أن لسانهم الذي ينطق بلغة تتداخل فيها كل هذه الثقافات، يضفي مزيداً من الغموض والتشابك على القضية برمتها.
ويبدو العسف الذي تعرضوا له متناسباً مع هذا الغموض، فحملات الأنفال التي طالت العديد من القرى الكردية عام 1988، شملت أغلب الشبك، وبالقياس إلى تعداد نفوسهم فإن ما تعرضوا له خلال تلك الحملات يمكن وصفه بنوع من سياسة الإبادة لجماعة بشرية.(19/130)
كما إن إصدار صدام لقراره الشهير بتغيير القومية إلى العربية في السجلات المدنية سلط بشكل أساسي على «الشبك» في محاولة لحسم النقاش الأنثروبولوجي حول هذه الجماعة معللاً قراره «بوجود حالات موروثة من العهد العثماني».
ومثلما هو حال هؤلاء الشبك، فإن «اليزيدية» هم الجماعة الأخرى التي تسكن المناطق الشمالية وتتركز بشل أساس في قضاء سنجار وقرية شيخان، والتي لا تتمتع بأي واجهة تمثيلية بل نراها اليوم منخرطة كأفراد في قوائم أساسية تحاول إظهار الملامح التعددية للأقليات في تشكيلها. ومثلما هي الحال مع الشبك ايضاً تعرض اليزيديون للكثير من التشنيع العقائدي والتاريخي بدءاً من وصفهم بعبدة الشيطان، وصولاً إلى تهمة معاداتهم للشيعة. ووقوع مثل هذه الأقليات وسواها بين نفوذ قوميتين كبيرتين (العرب والكرد) أدى إلى ذوبان هذه الهويات الضيقة تحت شعارات الوطن الواحد والقومية مما أدى هجرة الآلاف من أبناء الأقليات إلى الخارج، وتوديع فكرة الوطن بمفهومه الجغرافي نهائياً، ولعل هذا واحد من أسباب عدة تفسر انحسار الإقبال على الاقتراع بين العراقيين المقيمين في بلدان أخرى على رغم أن ظروف معظمهم نموذجية تماماً للمشاركة في ممارسة ديمقراطية اعتادوها من حولهم، بل أن كثيرين منهم مارسوها فعلاً في أوطانهم الجديدة!.(19/131)
وإذا كانت الموصل واحدة من الساحات الدموية في البلاد، والمنطلق لموجات العنف ( الثوري) خلال مراحل الصراع السياسي في العراق، فإنها لن تكون اليوم على الأرجح مكاناً نموذجياً للعملية «الديمقراطية» التي تسمح للأقليات في التعبير عن نفسها، وينطبق الحال ذاته على الأكثرية العربية فيها، إذ لن تجد نفسها معزولة عن امتداداتها وفروعها القومية والطائفية في أماكن أخرى في رفضها الانخراط في هذه العملية. وليس من باب التنبؤ القول أن ثمة عاصفة ما قد ترافق الانتخابات ستطيح بالأوراق الانتخابية وأشياء أخرى. عندها يكون للديمقراطية ثمنها برأي البعض، أو تكون عرساً من نوع آخر لدى البعض الآخر.
•…كاتب وباحث عراقي.
تصريحات خطيرة
عبدالله أبو رمان الرأي 8/ا/2005
التصريحات المفاجئة التي أدلى بها رجل الدين الشيعي اياد جمال الدين، لمحطة "العربية" الفضائية، كانت أكثر من خطيرة وأكثر من مداهمة، إلى الحد الذي اضطر معه مقدم البرنامج إلى تذكير الشيخ بخطورة أقواله، وتنبيهه إلى الضجة السياسية والإعلامية التي ستنتج عنها لا محالة.
والحقيقة أن الشيخ جمال الدين، وهو المفكر الشيعي صاحب الطلة المألوفة على الفضائيات منذ احتلال بغداد.. كان هادئا جدا ومتزنا وهو يدلي بهذه الآراء، وبما أعطى الانطباع بأن حديث الرجل لم يكن "فشة غل" وإنما كان يمثل إصرارا عميقا وواعيا بضرورة "تعليق الجرس"، وتحذير الإيرانيين أنفسهم من مغبة "اللعب" في العراق، وتحويل مأساة الشعب العراقي إلى ورقة سياسية للتفاوض مع الأميركان، وربما لتوظيفها في سياق "مكاسرة الارادات" التي تشهدها المنطقة. وقد أكد الشيخ تحذيره العلني، مستخدما صيغة واضحة جدا عندما قال: إن الإيرانيين "يشترون غضب وحقد العراقيين عموما والشيعة العراقيين خصوصا"!.(19/132)
ولعل أخطر ما جاء في حديث رجل الدين الشيعي، هو في نفيه صفة الدولة الدينية عن إيران مؤكدا أن النظام الإيراني هو نظام براغماتي، يجيد وعن احتراف أصول اللعب السياسي، ويغلب مصالح بلاده على أي مصلحة أخرى.. وبالتالي، فإن معيار الربح والخسارة هو ما يحكم أداء الدولة الإيرانية وسياساتها وعلاقاتها الإقليمية والدولية.
هذا المستوى من الحديث الصريح والمباشر وعلى السان رجل دين شيعي عراقي كبير وحاضر في الحياة السياسية في بلاده، هو بالضرورة حديث جدير بالقراءة والتحليل، ومحاولة إعادة رسم الصورة للخارطة الانتخابية والسياسية في العراق على ضوئه، خصوصا وان الرجل يتحدث عن دور إيران رئيس ومباشر في الانتخابات العراقية القادمة، وهناك إرادة سياسية إيرانية ترى ضرورة التدخل وحسم النتائج لصالح حلفائها، والهيمنة على الشيعة العراقيين أنفسهم، الذين يتبعون تقليديا إلى مرجعية محلية مستقلة وسيدة، وليست تابعة لأي مرجعية أخرى.. بل طالما كان التنافس صريحا بين المرجعيتين في "النجف" و "قم" على قيادة وتمثيل شيعة العالم.
وعلى كل حال، فإن هذه التصريحات لا تعد اكتشافا جديدا بحد ذاتها، وإنما هي تأكيد لتحليلات ومعلومات سبق وأن تناولها سياسيون ومحللون، حذروا من خطورة الدور الإيراني في العراق، في حين تكمن أهمية هذه التصريحات والآراء بالنظر إلى شخصية صاحبها ومكانته داخل أوساط الشيعة العراقيين.. وربما هي المرة الأولى التي نسمع فيها صوتا شيعيا عراقيا بمثل هذه الجرأة والصراحة في نقد الأداء الإيراني إزاء القضية العراقية، بما يعني أن ثمة ما هو جديد وخطير دفع الشيخ لاطلاق صيحته.. وعلى قاعدة "طفح الكيل".(19/133)
وبعد، فربما سيجد الأستاذ حسنين هيكل في لقائه الجديد على فضائية "الجزيرة" فرصة ثمينة للرد على الشيخ جمال الدين، واتهامه بالعمالة للاميركان والتواطؤ على تدمير العراق، وسيكون حريا بالأستاذ هيكل، أن يعيد قراءة موقفه ويعيد النظر بآرائه، وقد يكون لدية متسع كاف للتراجع.. أو مواصلة الهجوم على كل من يحذرون من خطورة إفقاد العراق لعروبته وسيادته الوطنية.
جهاد القرن الحادي والعشرين
سميح المعايطة - الغد 21/01/2005
مدهش وعجيب ذلك التفسير الذي قدمه احد المحسوبين والمقربين من المرجعية الشيعية السيستاني لموقف المرجعيات من الاحتلال الامريكي للعراق, واعتبر ان الصمت وعدم مقاومة المحتل يستند الى سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام الذي لم يقاتل المشركين في مكة, وقدّم هذا المقرب هذا التبرير معتقدا ان الناس على درجة من السطحية لتنضم الى معسكر مهادنة الاحتلال, وكأن دخول قوات العدوان والاحتلال الامريكي الى العراق وقتلهم الناس وتدمير البيوت ونهب المقدرات يشبه موقف الرسول الاعزل في مواجهة حالة شرك اجتماعية في مكة, ونسي ان سنوات مكة كانت لدعوة اهلها ومحاولة استنفاد الوسائل الدعوية لاهل بلدته, ولم تكن احتلالا عسكريا بإطار عقائدي من التيار المسيحي المتصهين في الولايات المتحدة.
وحتى لو سمحنا بهذا المنطق وقبلنا مبدأ عدم المقاومة فكيف نفسر المشاركة السياسية والدعم السياسي الذي قدمته المرجعيات بثقلها للاحتلال, وأضفت شرعية على مؤسسات الاحتلال, وحتى لو تجاوزنا هذا الامر فكيف نفسر المشاركة العسكرية من قوات ميليشيا المرجعيات للقوات الامريكية في عدوانها على الفلوجة او ما مارستها بحق اهلها المجاهدين من قتل وتشويه وحرق وتشريد لآلاف العائلات العراقية.(19/134)
وهذا الشخص المقرب الذي كان يتحدث على احدى الفضائيات يمثل تيارا دينيا سياسيا يبرر التحالف العسكري مع قوات الاحتلال لمحاربة من يسميهم الارهابيين, وهؤلاء الارهابيون هم من يمارسون المقاومة الحقيقية للاحتلال الامريكي, ويثبتون للعالم ان في العراق قوى حية ترفض ان تتحول الى كومبارس سياسي لقوة تحتل ارضها وتقتل شعبها, وانها لا تمارس مقايضة المصالح وطنية عليا مقابل مكاسب فئوية او للتنفيس عن احقاد يختلط فيها السياسي بالطائفي والعرقي.
ومدهش ان يستمر البعض في شتم نظام صدام على ما يسمى المقابر الجماعية بينما لا نسمع من هذه الاطراف ادانة للمجازر الجماعية التي ارتكبتها قوات الاحتلال الاميركي وشركاؤها ضد اهل الفلوجة, وما قرأه الناس عن مئات الجثث التي تم حرقها وتدمير البيوت عليها, فهل مجازر صدام التي مضى عليها سنوات وسنوات امر مخالف للقانون ومجازر امريكا واصدقائها تجد التبرير والقبول لدى المتباكين على مجازر محل خلاف؟! وهل من يقاوم الاحتلال ارهابي بينما من يخرج على نظام حكم دولته بإيعاز من دول اخرى شهيد وصاحب حق؟!
لعل من اهم ما كشفته واكدته سنوات الاحتلال للعراق ان الدين لدى بعض الفئات ليس اكثر من اطار لخدمة اهداف فئوية وطائفية, وان التعصب لهذه الاهداف اهم بكثير من الالتزام بالثوابت الدينية الاساسية التي في ادناها رفع الظلم ومقاتلة المحتل, والقصة الاساسية ليست لدى التنظيمات العراقية ذات المرجعيات بل لدى ايران التي ثبت انها دولة براغماتية فارسية وليست حاملة مشروع اسلامي.
مستقبل العراق ... ومستقبل السُنة
خالد أبو ظهر الوطن العربي ـ العدد 1452ـ 31/12/2004
الانتخابات العراقية صارت على الأبواب، وكلما اقتربت ترتفع وتيرة العنف ومستواه. ومهما قلنا، فإن الإصرار الأميركي على إجراء الانتخابات في موعدها له هدف وحيد، وهو إظهار أن العملية السياسية في العراق تتقدم، رغم الواقع الموجود على الأرض.(19/135)
وفي الحقيقة أن الأوضاع غير مناسبة إطلاقاً الآن لإجراء الانتخابات فمن الواضح أن التدخل الخارجي قائم، كما أنه من الصعب ـ بوجود قوات احتلال ـ أن يتمكن العراقيون من التعبير عن إراداتهم الحقيقية بحرية. فالأميركيون يحتلون العراق، وهذه حقيقة لا يمكن تجميلها، والإيرانيون يتدخلون في العراق، وهذه حقيقة لا يمكن إنكارها. وفي هذا الوضع الشائك، يزداد الانقسام بين فئات الشعب العراقي، وخطوة بعد خطوة تعتمد كل فئة على قوة خارجية تدعمها.. وهكذا يتحول العراق تدريجياً إلى ساحة لحروب بالوكالة بين أطراف خارجية.
والسؤال الذي يجب الإجابة عنه قبل إجراء الانتخابات هو: هل هناك إرادة لتحميل السُنة العرب في العراق مسؤولية الممارسات التي حصلت تحت حكم صدام حسين؟ ومع اقتراب موعد محاكمة الرئيس المخلوع، فإن الانتخابات إذا جرت في ظل إرادة تميل إلى تحميلهم المسؤولية، فإنها لن تكون انتخابات بمقدار ما ستكون محاكمة للسُنة العرب ككل. ونحن نعرف أن بعض القيادات الشيعية أطلقت تصريحات تدعو إلى استغلال الظروف حتى يتمكن الشيعة من الاستئثار بحكم العراق على حساب السُنة، بحجة تعويض سنوات القهر السابقة. ونحن نعرف أن نظام صدام ارتكب أعمالاً شنيعة بحق الأكراد والشيعة، ولكن هذه الأعمال لا تبرر إرادة استبعاد السنة من أن يكون لهم صوت قوى في حكم العراق فالنتيجة لن تكون لصالح الاستقرار في العراق.
والمطلوب من رئيس العراق ورئيس وزرائه أن يوضحا هذه النقطة جيداً، وأن يتبنيا طريقة لإتاحة الفرصة لكل العراقيين، بمن فيهم المقاتلون السنُة الذين يحملون السلاح، وذلك حتى يتأكد هؤلاء المقاتلون أنهم يملكون حصة في مستقبل العراق الجديد.
وإذا لم يتحقق ذلك، فإن الانتخابات ستكون حكماً على السنة العرب في العراق، مما يعني حكماً استمرار العنف وتصاعده، وتوسعه إقليمياً إلى حدود لا يمكن تصورها.
البحرين: اعتصامات ومسيرات لمعالجة الوضع الدستوري(19/136)
مهدي ربيع الحياة 6/1/2005
أرسلت «جمعية الوفاق الوطني» الإسلامية، كبرى جمعيات المعارضة والواجهة الرئيسية للتيار الإسلامي الشيعي في البحرين، إشارات جديدة إلى السلطة بشأن استخدام التحالف الرباعي المعارض «وسائل ضغط جديدة» تتمثل في عريضة شعبية واعتصامات ومسيرات «لمعالجة الوضع الدستوري».
وكانت «الوفاق» عقدت أمس مؤتمرها الثاني حول «التنمية المستدامة في البحرين» بمساندة حكومية، ومشاركة رئيس وزراء لبنان الأسبق سليم الحص والمفكر الكويتي محمد الرميحي، وحضور عدد من سفراء وممثلي سفارات دول عربية وغربية في مقدمها أميركا وبريطانيا وفرنسا.
ولوحظ حضور رسمي بارز في المؤتمر، تمثل في وزير العمل والشؤون الاجتماعية مجيد العلوي وشخصيات رفيعة من الديوان الملكي وديوان ولي العهد.
غير ان ذلك لم يمنع رئيس الوفاق الشيخ علي سلمان من التذكير بأن المؤتمر الأول في العام الماضي واجه «حملة رسمية لمنع إقامته»، مضيفاً ان «الهدف الذي كنا نتبناه أضحى موضع قبول لدى غالبية المؤسسات الرسمية والأهلية».
وأشار إلى ان جمعيته وبقية أطراف التحالف الرباعي المعارض نجحوا في إبراز المشكلة الدستورية، وفرض الحوار حولها، مؤكداً «سنبذل مزيداً من الجهد في هذا الشأن مستخدمين كل وسائل الضغط، بما في ذلك ورقة العريضة الشعبية، للوصول إلى توافق وطني حول الدستور».
وكشف ان قراراً بخصوص آلية تسليم عريضة وقعها نحو 70 ألفاً من جمعيات التحالف الرباعي حول التعديلات الدستورية، سيتخذ خلال الأشهر القليلة المقبلة، مشيراً كذلك إلى ان المعارضة قد تتبنى آليات سلمية أخرى كالاعتصامات والمسيرات بعد المؤتمر الدستوري الثاني في العاشر من شباط (فبراير) المقبل. وهي المرة الأولى التي يتحدث فيها الشيخ سلمان عن إمكان اعتماد المعارضة خيار الاحتجاجات في الشارع.(19/137)
ولاحظ سلمان انه «رغم الكثير من الإخفاقات والتراجعات في المشروع الإصلاحي لعاهل البحرين، فان هناك قناعة بأن المؤمنين بالإصلاح قادرون على تصحيح المسيرة ودفعها إلى الأمام عبر مزيد من النقلات السياسية الواعية، ومن خلال القوى التي تمد يدها لتصافح من يؤمن ويعمل لتحقيق شعارات جلالة الملك الخاصة بإنشاء ملكية دستورية على غرار الملكيات العريقة».
وطالب المعارضة بمزيد من العمل للتصدي لقضايا البطالة والفساد المالي والإداري والتجنيس السياسي والتمييز ، كما دعا إلى الضغط المستمر «بمختلف الوسائل على صانعي القرار لتصحيح السياسات الخاطئة».
من جانبه اعتبر رئيس وزراء لبنان السابق سليم الحص الذي حلّ ضيفا على المؤتمر ان «مطالبة الحكام العرب بالإصلاح، هي بمثابة مطالبتهم بالانتحار»، وبّرر ذلك بصعوبة تنازلهم عن صلاحياتهم. وشدّد على إصلاح بـ«مشاركة وإرادة شعبية وليس من خلال مزاح الحاكم».
واعترض الحص على منطق اليأس الذي تحدث به بعض المشاركين، داعيا إلى عدم الاستسلام للواقع، والتحلي بـ«الأمل» في خصوص الإصلاح.
وتحدث عن العراق قائلاً إنه «في محنة إنسانية جامحة تتوالى فصولها وسط غيبوبة عربية وفجور دولي تدار دفته تحت راية الحرية والديموقراطية، وتحت ذريعة مكافحة الإرهاب»، مضيفاً: «قضيتنا هي تحرير فلسطين من الاستعباد الصهيوني وتحرير العراق من رجس الاحتلال الغاشم».
حركة الردة في البحرين بين الأهداف
الدينية المحضة والطابع السياسي
راجعه ـ زياد العناني الغد 18/1/2005
"هذا المقال نموذج للتفسير الجديد للتاريخ الإسلامى على أسس طائفية شيعية وهو يأتى ضمن تيار القراءات المنحرفة للتاريخ الإسلامي كالقراءة الماركسية للتاريخ الإسلامى" الراصد(19/138)
يتساءل الباحث البحريني حسن سعيد سيد مرزوق في كتابه "حركة الردة في البحرين" الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر بالاشتراك مع مركز الجلاوي للدراسات والبحوث وهو بصدد البحث في الردة بعد رسول الله هل كان جميع الخارجين آنذاك مرتدين؟ وهل وراء حروب الردة أهداف ذات طابع سياسي؟ أم أنها أهداف دينية محضة؟ وهل للصحابة مواقف متباينة إزاء هذه الحروب؟ وما دلالة ذلك؟
ويرى الباحث مرزوق أن هذه التساؤلات تستحق الطرح ومحاولة الإجابة عنها خصوصا أن معظم الكتابات التاريخية التي نقلت أحداث الردة لم تجهد نفسها بالسعي إلى الإجابة عن مثل هذه التساؤلات فنقلت أحداث الردة دون غربلة أو تمحيص وكانت تنتصرـ غالباً ـ لرأي فريق في الصراع دون اعتبار للرأي الأخر.
كما يرى الباحث مرزوق أن حروب الردة تحتاج إلى دراسات علمية تستجلي حقائقها وتسعى للتعرف إلى طبيعة ما جرى فيها. ويتطرق الباحث مرزوق إلى الردة لغة واصطلاحا حيث جاء في تاج العروس: الردة "بالكسر: الاسم من الارتداد وقد ارتد وارتد عنه: تحول ومنه الردة عن الإسلام أي الرجوع عنه معدداً ما ورد في الموسوعة الفقهية حول الردة في الإصلاح وهي: كفر المسلم بقول صريح أو لفظ يقتضيه أو فعل يتضمنه ومقسماً إياها إلى أربعة أقسام هي: ردة في الاعتقاد: كالشرك بالله أو جحده أو نفي صفة ثابتة من صفاته. وردة في الأقوال: كسب الله أو سب الرسول. وردة في الأفعال كالسجود للشمس أو القمر وردة في الترك: كترك الصلاة أو الزكاة جحوداً لها لأن ذلك من المجمع عليه المعلوم من الدين بالضرورة.
كما يتطرق الباحث مرزوق إلى ثبوت الردة بالإقرار أو بالشهادة حيث تثبت الردة عن طريق الشهادة بشرطين: شرط بشاهدين في ثبوت الردة وتفصيل الشهادة حيث يجب التفصيل في الشهادة على الردة بأن يبين الشهود وجه كفره نظراً للخلاف في موجباتها وحفاظا على الأرواح.(19/139)
ويبحث مرزوق في أسباب الردة مشيرا إلى أنه لمن التبسيط المخل بالحقيقة الادعاء بأن حركة الردة انطلقت نتيجة لعامل وحيد وهو الارتداد عن الدين والرغبة في العودة إلى أيام الجاهلية الأولى على الرغم من أن هذا الدافع كان له دوره في جزء معين من هذه الحركة مبيناً أنه قد كان لهذه الحركة عوامل عدة تضافرت جميعها وساهمت في إرباك هدوء الواقع المسلم وسكينته آنذاك.
ورغم أن عنوان الردة أطلق على جميع المساهمين في هذه الحركة إلا أنه كان من الواضح اختلاف دافع كل فئة عن الأخرى فهناك من كفر بالصلاة وهناك من منع الزكاة أما من كفر بالصلاة فوصفه بالردة لا جدال فيه لأنه كفر بمسلمة من مسلمات الدين وأما من منع الزكاة فهناك من منعها ظنا من أنها علامة للتبعية والضعف حيث الضعيف يعطي أمواله للقوي وهناك من منعها رفضا لما آلت إليه سقيفة بني ساعدة من إعطاء الخلافة لأبي بكر وحجبها عن علي بن أبي طالب اللاحق بها. ويستشهد الباحث مرزوق بما قاله د. إبراهيم بيضون: أن لحركة الردة اكثر من خلفية لا تبدو بالضرورة متجانسة ولكنها تضافرت مع بعضها وأدت إلى تفجير الوضع وحدوث ما حدث وهذا يعني أن الردة "الكلمة المتداولة" لا تأخذ بعدها الشمولي لدى جميع القبائل الرافضة لسيادة المدينة لأن بعضاً منها كانت تحركه دوافع سياسية أو اقتصادية لم تصب مطلقاً جوهر العقيدة ولكن غالبية القبائل قد ثارت على الأرجح تحت ضغط عوامل إيمانية موصولة في الوقت نفسه وبشكل باطني بعوامل سياسية.(19/140)
ويشير الباحث مرزوق إلى أن التنوع في أسباب الحركة واضح المعالم لدى أبي بكر ولكنه رغم ذلك لم يشأ أن يميز بين دافع وآخر بين الكفر بالصلاة ومنع الزكاة ووصف الجميع بوصف واحد وهو الارتداد مشيراً إلى أن أبا بكر كان على علم بوجود قسمين لهذه الحركة وهما من كفر بالصلاة ومن منع الزكاة ومبينا أن عمر بي الخطاب ورغم تميزه بالشدة إلا أنه استطاع أن يلحظ الفرق بين الفريقين في الدوافع وبالتالي في أسلوب المواجهة ولم يستوعب فكرة المواجهة المسلحة لكليهما من التمايز في الدوافع في أسلوب آخر للضغط على أبي بكر جاء عمر بن الخطاب بحديث للرسول يؤيد مدعاة عله بذلك يستطيع ثني أبي بكر عن المواجهة المسلحة مع مانعي الزكاة.
ويؤكد الباحث مرزوق على أن إصرار أبي بكر على المواجهة المسلحة رغم المؤاخذات عليها كان دافعها ـ كما يبدو ـ القضاء على كل تمرد قد يشم منه الاعتراض على تنصيب أبي بكر خليفة للمسلمين أولا وشغل الرأي العام المدني بحادثة خارج المدينة تخفف من وطأة النقاش حول شرعية الخليفة الجديد وأهليته وتوجه الناس نحو مشكلة أهم في نظرهم وهو الإسلام كدين ثانيا.
فريد اياز: "القوالي" موسيقي روحانية تجعلك تستشف أعماقك
مدني قصري الدستور 30/ 1/ 2005
تحت رعاية السفارة الباكستانية في عمان أحيت أول أمس فرقة "القوالي" للغناء الصوفي بفندق راديسون ساس حفلا غنائيا حضره عدد كبير من المدعوين والمدعوات تخلله حفل عشاء وانتهى بتوزيع عدد كبير من الجوائز على الفائزين في السحب على البطاقات.
إن عبقرية أغاني فرقة القوالي الصوفية أنها تغرق السامع في روحانية تلقائية لما تجمله من معان ربانية سامية يتأثر بها كل واحد حتى وإن لم يفهم كلماتها.(19/141)
لذلك فقد لقيت الأغاني العشر التي عزفتها على مدى قرابة الساعتين الفرقة الباكستانية المكونة من تسعة أعضاء ـ وكلهم من عائلة واحدة ـ بقيادة فريد أياز قوال، تجاوبا عميقا من الحاضرين الذين أطربتهم أغاني الفرقة التي كانت أقرب إلى المديح الديني منها إلى الغناء رغم إيقاعاتها السريعة، فتناغموا معها كثيرا وصفقوا لها بلا انقطاع!
وقد تناولت هذه الأغاني الروحية التي اختلط فيها الشعر الإسلامي العربي بالشعر الباكستاني الأوردي مواضيع روحية صرفة وابتهالات في مدح الرسول عليه الصلاة والسلام والإمام علي كرم الله وجهه وابنيه الحسن والحسين رضي الله عنهما.
وقد التقينا رئيس فرقة القوال فريد اياز بعد انتهاء الحفل الساهر وكان لنا معه هذا الحوار.
•…هل ارتبط إحياء هذا الحفل بمناسبة خاصة؟
ـ لقد جاء هذا الحفل في سياق تقاليد سفارتنا الحريصة على توطيد التواصل والإخاء بين الباكستان والأردن الشقيقين، وبين الباكستان وأبنائها في هذا البلد الجميل.
•…ما هو غناء القوال؟
ـ إنها موسيقى صوفية خالصة تجعلك تغوص في أعماق روحك وصفائها لتقربك بخالقك وتطهر روحك وتوقظ القيم السامية فيك.
•…من هو مؤسس هذا الفن؟
ـ مؤسس فن القوالي الأول في الهند هو الشاعر "أمير خوسرو" وقد نقل هذا الفن إلى تلميذه "صامت بن إبراهيم" الذي يعتبر رائدا في نشر هذه الموسيقى الروحية في الهند منذ أكثر من 950 عاما. وقد ورث عنه هذا الفن رضي الدين أحمد. ومن أبرز رواد القوال المعاصرين منشي رضا الدين الذي تبنى فرقة القوال لأكثر من 65عاما.
•…الشعر الديني هو أساس أغنية القوالي الصوفية قديما وحديثا. هل الأغنية الصوفية تستمد روحها من الشعر القديم وحده أم أن ثمة تجديدا؟(19/142)
ـ الفرقة تغني القديم والجديد معا.من الشعراء القدماء "عبد الرحمن الجامي" و"الخسرو" و "السعدي" و" عبد القادر حافز" ومن المعاصرين "الدكتور علامة إقبال" و"الزهين شاه التاجي" و "أسد الله خان" و " خواجة مير درد" و "فياز قادري" وغيرهم كثيرون.
•…ما اسم الآلات الموسيقية التي تستعملونها؟
ـ إننا نستخدم بشكل رئيسي آلتين رئيسيتين هما الطبلة والهارمونيوم. لكننا أحيانا وللضرورة نطعم الألحان بآلات تقليدية أخرى كالمزمار مثلا. وتشتمل أغانينا الدينية على 16 طريقة غناء تشمل الطبوع الباكستانية والهندية والإيرانية والتركية.
•…ما معنى الأغنية الصوفية وما هدفها؟
ـ القوالي موسيقى روحية خالصة تجعلك تغوص في أعماق روحك لتستشف المعاني الربانية الكامنة في جوانيتك وتقترب من قيم التوحيد التي زرعها الخالق فينا. فالكلمات مستوحاة كلها من الشعر الصوفي ومن كلمات السلف الصالح.
•…ملاحظ أن غناء القوالي كثير الإيقاع.. هل الرقص جزء مكمل للأغنية الصوفية الروحية؟
ـ أجل، لكن الروح هي التي ترقص وليس الجسد. وإن تحرك الجسد فبإيقاعات روحية صرفة. هذا ما يحس به كل من يستمع إلى غناء القوال. إنه الإنجذاب والنشوة، وإن شئت فإنه الرقص بالذكر.
•…ما هو موقف رجال الدين في باكستان من أغاني القوالي؟
ـ إنهم يعشقون هذا اللون من الغناء ويقبلون عليه بحماس كبير ويشجعونه كثيرا، ناهيك عن أن إقبال عامة الناس عليه منقطع النظير لما يجدون فيه من نشوة روحية وراحة نفسية عميقة. لأن القوالي حديث الروح أولا وأخيرا.
•…ما مدى انتشار القوالي في العالم؟
ـ القوالي فرق منتشرة كثيرا في أكثر من موطن، لا سيما في باكستان والهند وأفغانستان وتركيا وإيران وغيرها. والقوالي فن ينتقل من شخص إلى شخص وبالوراثة ولذلك فهو لا يعتمد على مدارس أو معاهد. وتظل فرقتنا هي الأصل والمرجعية في انتشار هذا الفن الروحي العريق عبر العالم.
•…أين غنت فرقتكم؟(19/143)
ـ لقد أحيت فرقتنا سهرات في كثير من بلدان العالم، في كافة البلدان العربية شرقها وغربها بلا استثناء ومنذ سنوات طويلة وإلى الآن. وتجد أغانينا صدى عميقا في بلدان الخليج خاصة، وهنا يسعدني أن أذكر أن تلفزيون العربية السعودية قدم يوم وفاة المرحوم جمال عبد الناصر مقطوعات من أغاني القوالي.
•…ما انطباعاتك عن جمهور الأردن الذي شهد عروضكم في هذه الليلة؟
بكل الصدق أقول إنني وأنا أنشد مقطوعاتي رأيت أرواحهم وهي ترقص على أنغام وإيقاعات الفرقة. لأن القوالي رسالة إلى ابن آدم من أجل السلام ومحبة الله ورسوله الكريم.
•…هل يفهمكم الناس وانتم تغنون بلغات لا يفهمونها؟
ـ أغنيتنا روحية وكل الناس يستوعبونها، لأنها تخاطب قلوبهم وأرواحهم وليس عقولهم. فقد عشنا التجربة مع أشخاص من ديانات مختلفة. وكان التأثير واحدا عليهم جميعا. فالكل يشهد أن روحهم قد ارتجت وأن نفوسهم قد اقشعرت لسماع أغنية القوالي، والكل أحس بالنشوة الروحية العميقة. هذه هي أغنية القوالي، وهذه هي رسالتنا في المحبة والسلام وإيقاظ الروح الربانية الكامنة في أعماق كل واحد منا. ونحن سعداء بذلك أيما سعادة.
لمصلحة من الشائعات بأن أبو مازن بهائي؟!
غازي السعدي الرأي 6/1/2005
" تابعت الراصد موضوع بهائية أبو مازن ولم تصل لأدلة تثبت ذلك ، وكل ما نشر في الموضوع ليس فيه للحقيقة دليل على ذلك ! ولكن تبقى لدينا قضيتان تحتاجان مزيد من التوضيح هما : ما هي المصلحة الإسرائيلية في ترويج بهائية أبو مازن ؟ والثانية ما مدى صلة أبو مازن بمدينة صفد ؟ هل هو من أبنائها أم من ساكنيها ؟ من أي عائلة أبو مازن ؟ من هم أهله و أقاربه ؟؟ " الراصد(19/144)
الحرب النفسية، وحرب الشائعات، التي تشن بين دولة وأخرى، خاصة أثناء الحروب أو الحرب الباردة، وحتى في الصراعات السياسية، هي جزء من المعركة، فكل جانب يحاول كسب المعركة، سواء كانت عسكرية أم سياسية، وهناك حرب الشائعات، التي تستهدف الأشخاص أو الشخصيات، التي تتبوأ اتجاهات سياسية أو مواقع قيادية في المجتمع.
منذ سنوات، تروج شائعات للنيل من السيد محمود عباس "أبو مازن" بصفته الرجل الثاني في منظمة التحرير الفلسطينية، والتهمة الرائجة تتلخص بالادعاء بأن "أبو مازن" ينتمي إلى الطائفة البهائية، والمقصود من وراء هذه الترويج، النيل من شخصيه، وضرب قاعدته السياسية والاجتماعية، بعد أن عجزوا على وجود تهمة للنيل منه.
"أبو مازن" الذي يعتبر الرجل الثاني في القيادة الفلسطينية وأصبح وسيصبح الرجل الأول بعد وفاة الرئيس الراحل "أبو عمار"، وتعزيز قيادته بعد الانتخابات لرئاسة السلطة الفلسطينية، فإنه لا يكترث ولا يبدي اهتماما بهذه الشائعات المغرضة، لأنه واثق من نفسه، ومن انتمائه العربي والإسلامي، لكن هذه الشائعات تتكرر حاليا في أحلك الظروف السياسية التي تتعرض لها القضية الفلسطينية في محاولة للنيل من شخصيته في معركة الرئاسة.
إنه رجل صريح وصادق مع نفسه، يقول ما يؤمن به في الحاضر وفي الماضي، وأثناء المعركة الانتخابية، فإنه لا يخفي موقفه بأنه ضد عسكرة الانتفاضة، وضد فوضى السلاح، التي تمس بالفلسطينيين أيضا.(19/145)
الحرب النفسية، والشائعات التي تستهدف "أبو مازن"، لم تقتصر على خصومه السياسيين من أبناء جلدته، بل سبق أن شارك بها رئيس الشاباك السابق "شبتاي شبيط" بصورة فعلية في الحملة على "أبو مازن"، واتهامه بالبهائية، ففي مقابلة صحفية أجرتها جريدة "يديعوت أحرونوت" مع "شبيط"، قال بأن احتمالية خلافة "أبو مازن" للرئيس "ياسر عرفات" تشبه احتمالية إسناد رئاسة الدولة الإسرائيلية، لأحد أبناء الطائفة السامرية، ومع أن شبيط سبق أن وعد بالاعتذار لقراء الجريدة، وليس "لأبي مازن"، إذا كان قد ضلل هؤلاء القراء، إلا أنه لم يعتذر.
جريدة "هآرتس" قامت بإجراء تحقيق حول اتهام "أبو مازن" بالبهائية، ونشرت هذا التحقيق على صفحاتها بعد أن تبين لها، بعدم وجود أية أدلة في شعبة الاستخبارات الإسرائيلية، ولا في شعبة الأبحاث التابعة لوزارة الخارجية حول بهائية "أبو مازن".
في اتصالات بين شخصيات إسلامية مع مركز البهائيين في حيفا، وهو المركز الرئيسي لهذه الطائفة، نفى المسؤولون في هذه المركز بهائية "أبو مازن"، كما أفادوا بان ليس له أية قيود تشير إلى انتمائه للطائفة البهائية.
البروفيسور موشية شارون المتخصص في الديانه البهائية أكد أنه لا يمكن ولا يجوز لسياسي فلسطيني أن يكون بهائيا، وأن المجلس البهائي لا يقبل بضم سياسي فلسطيني إلى الطائفة البهائية.
"أبو مازن" الذي لا يكثر الحديث في هذا الموضوع وهذه الافتراءات، كان لا بد له من إرسال رسالة شكر، لكاتب مقال في جريدة "هآرتس" الذي دحض اتهامات "شبيط" فكتب له أبو مازن: "أود أن أعبر لك عن امتناني لمقالك ونفيك للأكاذيب المتعلقة بانتمائي للديانة البهائية، وأن مقالك أثار الرضا في نفسي سواء كشخص، أو كشخصية عامة، وأشكرك لكشفك النقاب عن الكذب الذي يقف وراء المحاولات الشريرة، لإثارة الشكوك حول انتمائي الديني".(19/146)
محمود عباس "أبو مازن" من مواليد عالم 1935 في مدينة صفد الفلسطينية الواقعة في الجليل الأعلى غادر صفد عام 1948 متجها إلى عزة إثر النكبة وأقام في عزة، ثم أنتقل للإقامة في الضفة الغربية ومنها تنقل إلى عدد من البلدان العربية منها قطر ودمشق، وهو من مؤسسي حركة فتح وعضو لجنتها المركزية، عضو في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وأمين سرها، قبل أن يتم اختياره رئيسا لها بعد رحيل الرئيس عرفات، وقد حصل أبو مازن على شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية، وهو من مهندسي اتفاق أوسلو، ومن صناع القرار في المسيرة الفلسطينية، ومن مؤيدي الحوار مع القوى التقدمية الإسرائيلية، عاد إلى الوطن بتاريخ 11/9/1994 في أعقاب اتفاق أوسلو، ألف عددا من الكتب السياسية وخاصة في الصراع العربي ـ الإسرائيلي، فماضي وحاضر "أبو مازن" يتكلم عن نفسه بنفسه، الله يعينه على الحمل الثقيل الذي سيضطلع به، إنه ينادي بالسلام، في مرحلة تعتبر إسرائيل بأن السلام يضر بها، قبل استكمال مشروعها الصهيوني، إنه ملتزم بالثوابت الفلسطينية، ولا استبعد اعتباره من قبل إسرائيل بأنه غير شريك في عملية السلام، كما سبق واعتبرت "أبو عمار" بذلك فمسار أبو مازن السياسي سيحرج إسرائيل، لكن السلام الشامل والعادل غير قائم على جدول الأعمال للحكومة الإسرائيلية، فالصراع ما زال طويلا، وأنه في أحسن الأحوال من الممكن التوصل إلى تهدئة وإلى حلول جزئية لا أكثر، وذلك في ظل وضع عربي منهار، وحماية أميركية مطلقة لإسرائيل.
مسجد قايتباى... وحكايات آثار أقدام الرسول "صلى الله عليه وسلم"
وسيدنا إبراهيم "علية السلام" يتردد عليه الكثيرون للتبرك
محمد شعبان صحيفة القاهرة ـ 4/1/2005(19/147)
في منطقة شعبية هادئة بقرافة المماليك بالقاهرة يوجد مسجد قايتباى الذي يحوى حجرين عليهما آثار أقدام يقال إنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم وسيدنا إبراهيم عليه السلام.. الأمر الذي دفع الكثيرين للترك بهما أملا في أن يجدوا مرادهم.
يقول على إسماعيل مدير إدارة شرق القاهرة للآثار الإسلامية: قايتباى هو أحد سلاطين دولة المماليك حيث جلبه الخواجة محمود تاجر المماليك وباعه للأشرف برسباي بخمسين ديناراً ثم اشتراه الملك الظاهر جقمق واعتقه فتقلب في عدة وظائف حتى صار ملكا سنة 872هـ ومكث في عرش مصر ثمانية وعشرين عاما إلى أن توفى سنة 901هـ.
ويشير إسماعيل إلى أن قايتباى يعتبر من أشهر ملوك دولة الجراكسة الذين عنوا بالعمارة الإسلامية حيث ينسب إليه كثير من الآثار التي ما تزال باقية حتى اليوم مثل مسجده بالقرافة وجامعه بقلعة الكبش ووكالة قايتباى بشارع الأزهر وجامع الروضة وغيرها.
ضريح قايتباى
وعن مسجد قايتباى بالقرافة يقول إسماعيل: إنه بنى سنة 877هـ وهو يتكون من صحن مربع الشكل تقريبا تحيط به أربعة أيوانات معقودة تحيط بعقودها كتابات قرآنية واسم المنشئ وتاريخ الإنشاء.
والمسجد ملحق به مجموعة من المباني تشمل مدرسة وضريحا وسبيل وكتابا وملحقات أخرى خاصة بإسكان المشرفين والقائمين على خدمة تلك المنشآت.(19/148)
ويوضح إسماعيل انه بجوار الإيوان الشرقي يوجد ضريح قايتباى الذي يتكون من مربع تعلوه قبة مرتفعة جدا نقشت من الخارج بزخارف نباتية وهندسية محفورة في الحجر حفراً بارزاً وزخرفت من الداخل بزخارف زيتية ملونة ومذهبة وفتح في رقبة القبة مجموعة من النوافذ المملوءة بالزخارف الجصية المعشقة بالزجاج الملون وبجوار قبر تايتباى توجد قبة صغيرة من النحاس المذهب تحتها حجر أسود به أثر لقدمين يقال إنهما لقدمي الرسول عليه الصلاة والسلام.. كما توجد قبة أخرى على شكل مسلة بها حجر أسود عليه أثر قدم يقال إنه قدم الخليل إبراهيم عليه السلام.
الترك بالآثار
ويشير محمد الصريطي حارس المسجد إلى أن كثيرا من الناس يأتون للتبرك بآثار هذه الأقدام سواء من أهل المنطقة أو خارجها حيث يضعون أيديهم عليها ويقومون بالدعاء سرا.
ويقول محمد زكريا ـ بقال ـ منذ ولادتي بالمنطقة وأنا أسمع عن أن الآثار الموجودة بالمسجد هي لقدمي الرسول وسيدنا إبراهيم عليهما السلام وكنت أرى الكثيرين يأتون للترك بها من مختلف الفئات والطبقات بغرض الشفاء من مرض ما أو الزواج أو النجاح أو أي شيء آخر.. ورغم أنني لست متأكداً من أن هذه الآثار لأقدام الرسول وسيدنا إبراهيم عليهما السلام إلا أنني أحيانا أذهب إليها وأتبرك بها.
سند تاريخي
كانت د. سعاد ماهر أوردت في كتابها "مساجد مصر واولياؤها الصالحون" أن الإمام السيوطي سئل عن هذه الأحجار التي تحتوي آثار الأقدام فأجاب بأنه لم يقف في ذلك على أصل ولا سند من كتب الحديث... وقد أنكره كثير من العلماء واثبته بعضهم.
وقد جاء في كتب "الآثار النبوية" لأحمد تيمور أنه إذا صح شراء السلطان قايتباى لهذين الحجرين أو أحدهما فلا يستبعد أن يكونا من الأحجار التي قيل إنها أحضرت من أرض خيبر بالمدينة المنورة ليجعلها في بناء مدرسته التي شرع في بنائها بشاطئ بولاق.. لذا يحتمل أن السلطان اختار منها هذين الحجرين ونقلهما إلى قبته.(19/149)
ويقول د. أحمد الزيات أستاذ الآثار الإسلامية بجامعة طنطا: هناك رأيان في هذا الجانب.. الأول يرى أن الآثار الموجودة بمسجد قايتباى وغيرها من المساجد الأخرى هي فعلاً لقدمي الرسول منطلقا من أن الرسول كانت له كرامات من بينها أن قدميه كانت تطبع على الأحجار التي يمر عليها... أما الرأي الثاني فيرى أن هذه الآثار ليست لقدمي الرسول وذلك لعدة اعتبارات أهمها اختلاف المادة الخام الموجود عليها آثار الأقدام في كل مكان موجودة به هذه الأحجار عن الأمكنة الأخرى سواء في مسجد قايتباى أو مسجد أثر النبي أو مسجد المرسي أبو العباس أو السيد البدوي فقد تكون مادة الحجر من الحجر الرملي أو الحجر الجيري أو البازلت... هذا بالإضافة إلى اختلاف حجم القدم في كل مسجد عن باقي المساجد الأخرى.
ويميل د. أحمد إلى الرأي الثاني حيث يرى أنه الأقرب إلى العقل والمنطق خاصة في ظل عدم وجود سند تاريخي يؤكد أنها آثار أقدام الرسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويضيف د. أحمد: إن هذه الأحجار جاءت إلى مصر من خلال بني إبراهيم الذين ارسلوا في العصر الأيوبي إلى ينبع لإحضار مخلفات الرسول... مشيراً إلى أن المخلفات الحقيقية كانت عبارة عن شعيرات من رأس وذقن الرسول الشريفة وعصاه وقميصه المصنوع من نسيج القباطي كانت أهدته له السيدة ماريا القبطية إضافة إلى المرود والمكحلة... وقد وضعت هذه المخلفات في منطقة الرباط ونقلت بعد ذلك إلى كثر من مكان إلى أن استقرت بجوار المشهد الحسيني... ولم يأت أي سند تاريخي يثبت أن الأحجار الموجودة بمسجد قايتباى وكانت من بين المخلفات ولو كانت هذه الآثار هي فعلاً لقدمي الرسول وسيدنا إبراهيم لحفظت مع المخلفات النبوية في مكانها الحالي.
آثم ومقصر(19/150)
وعن الوجهة الدينية في هذه القضية يقول د. محمود يوسف كريت رئيس قسم الدعوة بكلية أصول الدين جامعة الأزهر... الإسلام يرفض التبرك بمثل هذه الأحجار لأمور عديدة منها أنه لا يوجد دليل على أنه الآثار الموجودة عليها هي لقدمي الرسول أو سيدنا إبراهيم عليهما السلام... كما أن العبادة وحدها والاجتهاد في طاعة الله هي العامل الأساسي الذي يقرب الإنسان من ربه وليس مثل هذه الأفعال، وقد أشار النبي إلى ذلك حين قال لابنته فاطمة "يا فاطمة اعملي فإني لا أغني عنك من الله شيئا" لذا فإن من يفعل ذلك فهو آثم ومقصر في حق ربه ودينه، فالمسلم يجب عليه أن يعبد الله لوجهه الكريم وأن يتقرب إليه بالعمل الصالح وقد قال تعالى "إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين ألا لله الدين الخالص".(19/151)
مجلة الراصد الإسلامية
العدد العشرون – غرة صفر 1426 هـ
1-…فاتحة القول: أهل السنة ومنعطفات في الطريق.......................4
2-…فرق ومذاهب: الشبك................................................7
3-…سطور من الذاكرة: مسيحية زعيمة للطريقة التيجانية .............16
4-…دراسات: 1- موقف مفكري الإسلام من الشيعة 6.................23
5-… 2-الوحدة الإسلامية والتقريب بين أهل المذاهب..........34
6-…كتاب الشهر: الحركات الباطنية في العالم الإسلامي.................41
7-…قالوا...............................................................44
8-…جولة الصحافة:
-…القضية العراقية في الوعي الدعوي....................................48
قراءة في نتائج انتخابات العراق
-…إيران بعد الانتخابات العراقية...........................................52
-…الإفراز الديمقراطي للعراق..............................................56
-…الحرس الثوري الإيراني ودورة في تصدير الثورة.......................59
-…العرب السنة والعملية السياسية في العراق..............................62
-…الفائز الأكبر.............................................................64
-…الهلال الشيعي...........................................................66
ايران
-…روليت العلاقات المصرية ـ الإيرانية..................................70
-…شكاوي أهل السنة من حكام طهران!...................................77
وأيضاً
-…رسالة الى اعيان شيعة لبنان...........................................81
-…أخطاء إحصائية لعدد سكان لبنان والناخبين.............................83
-…شيعة البحرين والسيستاني..............................................85
-…أيار جديد...............................................................86(20/1)
-…تحريك الأقليات..........................................................88
-…انتخابات ساخنة للمجلس الأعلى للطرق الصوفية......................100
-…الملتقي الأول للصوفية في غرب افريقيا...............................102
فاتحة القول
أهل السنة ومنعطفات في الطريق !!
اخبرنا الله عزوجل في محكم التنزيل عن مدى دهاء الكفار واعوانهم تجاه المسلمين فقال تعالى : " وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال " و لكن الله عز وجل قد بين لنا أنه لن يترك أولياءه فقال : " إنهم يكيدون كيدا ً و أكيد كيداً " .
ولكن هل يعنى هذا الركون إلى القدرة الربانية، و ترك الحذر و العمل ؟؟
كلا لم يكن هذا من سنة النبي صلى الله عليه وسلم فقد كان يوقن بالنصر الرباني لكنه كان يدرك أهمية القيام بالواجب الممكن و العمل المخطط للوصول للنصر والتمكين، وهذا واضح في سيرته صلى الله عليه وسلم في الهجرة أو في غزواته: بدر واحد و الخندق وسائر الغزوات .
ولما كنا نمتثل أمر ربنا : " لقد كان لكم في رسول أسوة حسنة " فعلينا التبصر بهذا الكيد و الحذر منه والعمل على رده في قلب من كاده لنا ، وهذا لا يكون إلا إذا عرفنا ما يعده لنا عدونا ومن يعينه عليه من بني جلدتنا و كيف نحسن التخلص من أفخاخه المنصوبة في منعطفات طريقنا .
ومن الأفخاخ المنصوبة في طريق أهل السنة في هذه الفترة من الزمن فخ الوقيعة بينهم وبين حكوماتهم، و جرهم لمعركة خاسرة للطرفين لا يستفيد منها سوى أعداؤهم في الخارج والداخل . و العجيب أن هذا الفخ المنصوب لأهل السنة معلن ومذاع على الملأ وقد نشر تحت عنوان " الخطة السرية للآيات " من سنوات فهل يكرر أهل السنة الخطأ القاتل الذي أخرج من أيديهم فلسطين ليد اليهود حين نشر موشيه ديان خطة حرب 67 قبل شنها بأشهر، ولما سئل عن ذلك قال : العرب لا يقرأون و إذا قرأوا لا يفهمون وإذا فهموا لا يعملون .(20/2)
فها نحن نلدغ من نفس الجحر مر ات و قد بين لنا النبي صلى الله عليه وسلم : " إن المؤمن لا يلدغ من جحر واحد مرتين " فهل يدل هذا على تقصيرنا في معرفة عدونا وكيده لنا مما يوقعنا في فخاخه مرات عديدة ؟
وهل يكون هذا حافزا لنا على أن نعيد النظر في آلية فهمنا وحركتنا السياسية حتى لا نسجل الأهداف في مرمانا بدل مرمى الخصم ؟
لقد ذكروا في خطتهم ما يلي : " وفي النصف الثاني من هذه الخطة العشرية يجب ـ بطريقة سرية وغير مباشرة ـ استثارة علماء السنة والوهابية ضد الفساد الاجتماعي والأعمال المخالفة للإسلام الموجودة بكثرة في تلك البلاد، وذلك عبر توزيع منشورات انتقادية باسم بعض السلطات الدينية والشخصيات المذهبية من البلاد الأخرى، ولا ريب أن هذا سيكون سبباً في إثارة أعداد كبيرة من تلك الشعوب، وفي النهاية إما أن يلقوا القبض على تلك القيادات الدينية أو الشخصيات المذهبية أو أنهم سيكذبون كل ما نشر بأسمائهم، وسوف يدافع المتدينون عن تلك المنشورات بشدة بالغة وستقع أعمال مريبة، وستؤدي إلى إيقاف عدد من المسؤولين السابقين أو تبديلهم، وهذه الأعمال ستكون سبباً في سوء ظن الحكام بجميع المتدينين في بلادهم؛ وهم لذلك سوف لن يعملوا على نشر الدين وبناء المساجد والأماكن الدينية، وسوف يعتبرون كل الخطابات الدينية والاحتفالات المذهبية أعمالاً مناهضة لنظامهم، وفضلاً عن هذا سينمو الحقد والنفرة بين العلماء والحكام في تلك البلاد؛ وحتى أهل السنة والوهابية سيفقدون حماية مراكزهم الداخلية ولن يكون لهم حماية خارجية إطلاقاً. "
يمكن الاطلاع على الخطة كاملة على هذا الرابط ....................................
يمكن الاطلاع على دراسة على الخطة على هذا الرابط ...............................(20/3)
فهل ينتبه أهل السنة إلى أن الصدام مع السلطات ليس من أصل منهجهم أولا ً، بل هو خطة للعدو وليس هذا يعنى الركون و الجلوس بل إن منهج أهل السنة الصدع بالحق دون تهييج أو تضييع للمكاسب وانجرار للفتن .ومن تدبر سيرة الإمام احمد و شيخ الإسلام ابن تيمية عرف أن السكوت عن الحق لا يجوز ولكن دون أن نضيع ما هو أهم من عزة الإسلام و وحدة المسلمين في البلد الواحد إذا تعذر في كافة البلدان .
وهل تتنبه الحكومات إلى حقيقة دور علماء ومنهج أهل السنة كونهم النصير الحقيقي لهم إذا جدت الأمور لأن أهل السنة وعلمائهم كما كان يقول شيخ الإسلام عن نفسه : " أنا رجل ملة ولست رجل دولة " . أي نحن نريد أن ترتفع راية الحق لا أن نجلس محل الحكام .
وفخ آخر هذه الأيام قل من ينجو منه وهو التوحد والتعاون والتحالف مع المخالفين لأهل السنة بحجة التعاون ضد الإمبريالية و السطوة والأمريكية وهذا باطل .
وذلك أن هذا الباب هو الذي دخل منه التشيع على كثير من بلاد السنة فكان المتبصرون من أهل السنة لهم بالمرصاد , لكن الشيطان الذي حذرنا الله عز و جل من خطواته فقال : " ولا تتبعوا خطوات الشيطان " قد استزلهم من هذا الباب ، فأصبحت ترى رؤوس الشيوعية واليسار تخطب وتنظر لخاصة أهل السنة والجماعة !!!في مجلاتهم ومواقعهم و تقاريرهم السياسية !
بل أصبح البعض يتساهل في التعاون مع إيران بنفس الحجة حرب أمريكا و هو يري خيانة إيران في أفغانستان و العراق و سكوتها عن الصدام مع أمريكا لتحصل على مكاسب أكبر !!
هاهي الأخبار تنقل لنا المفاوضات بين أمريكا وبعض فصائل المقاومة في العراق وستكشف الأيام عن تخلى هؤلاء المخالفين لأهل السنة عنهم كما حدث كثيرا ً في تاريخنا المعاصر ، كان أهل السنة القطار الذي يوصل هؤلاء إلى الكراسي ومن ثم يواصل اهل السنة طريقهم إلى المنافي إن لم يكن المشانق والسجون .(20/4)
إن الناظر في إنتاج هؤلاء يرى مسيرة متواصلة من الفشل و الإخفاق في تحليل الأحداث وفهم الأمور فكم سمعنا منهم عن خطط سرية لحرب أمريكا في حرب الخليج الثانية ولم نر سوى الانسحاب المخزي، وبعدها بشروا بهزيمة أمريكا على جبال أفغانستان وللأسف فشلوا مرة أخرى و بعدها كان الصياح بانتظار معركة المطار و أسوار بغداد فلم نر إلا الاختباء في جحر !!
وحال من سار معهم وسيبقى سائراً كما قال الشاعر :
وإذا كان الغراب دليل قوم فليس يمر بهم إلا على جيف الكلاب
فمتى يتخلص أهل السنة من آليات قد ثبت بالرؤية الشرعية فشلها و إخفاقها في الفهم السياسي والعمل العام ؟؟؟
فرق ومذاهب
الشبك
مقدمة:
لا خلاف على أنه يعيش في العراق اليوم الكثير من المذاهب والديانات والطوائف والأعراق، وخاصة في شماله. ويختلف الباحثون والمؤرخون والكتاب اختلافا كبيرا عند تناول هذه الفرق، وتتضارب المعلومات حولها تضاربا كبيرا، بالرغم من أنها فرق معاصرة، ما زال لها وجود في العراق.
والشبك الذين نتناولهم في هذا العدد ليسوا بعيدين عن هذا الاختلاف، ومع ذلك فإننا نحاول أن نقدم للقارئ الكريم لمحة عن هذه الجماعة أو هذا الكيان المتواجد في شمال العراق، مع الإشارة إلى هذه الاختلافات،ومحاولة ترجيح الذي نراه أقرب إلى الصواب، يدفعنا إلى ذلك قلة المصادر وتضاربها، فأحد المصادر الذي يعتمد عليه كثيرون في هذا الموضوع هو كتاب "الشبك" لأحمد الصراف الصادر في بغداد عام 1954، إلا أن كتابا آخر صدر عام 2003 بعنوان " الأديان والمذاهب بالعراق" للكاتب العراقي رشيد الخيون يعارض كل ما جاء في كتاب الصراف تقريبا ، ويكاد لا يتفق معه على معلومة واحدة.
ولعل جزءا من الخلاف في ذلك يعود إلى ما يكتبه الشبكيون أنفسهم، فالبعض منهم مثلا يؤكد على أن الشبك عرق مستقل ليسوا عربا و لا كردا، في حين يعتبر البعض الآخر أنفسهم أكرادا وإن اختلفت لهجتهم بعض الشيء مع لهجة أكراد العراق الآخرين.(20/5)
والذي نرجحه أن الشبك مجموعة عرقية تقطن شمال العراق في محافظة نينوى، في القرى المتناثرة شرق و غرب مدينة الموصل. وتعتبر أراضيهم من الأراضي المنبسطة الزراعية ذات الطابع الريفي. ويجاورون مناطق اليزيدية والمسيحيين .
وهي جماعة"مشتبكة الأصول" وملتبسة لدى الباحثين المختصين.وتعتنق في غالبيتها أو جزء كبير منها المذهب الشيعي الإثني عشري .
ومن الصعوبة الوصول الى الاعداد الحقيقية للشبك في الوقت الحاضر لغياب أي احصاء حديث موثّق عنهم، ولعل رقم مائة الف نسمة يقترب من الصحة كما ذكره عدد من الباحثين. وهم موزعون على حوالي ستين قرية حول الموصل متفرقة الى جانب بضعة آلاف يسكنون مدينة الموصل نفسها. وقد اوردت الحكومة العراقية اعدادهم ضمن الاحصاء السكاني لعام 1960 فبلغت بهم خمسة عشر الف نسمة ضمن خمسة وثلاثين قرية والإنكليز أوردوا رقما يقارب العشرة آلاف نسمة سنة 1925 .وفي إحصاء عام 1977 تراوح عددهم بين 58 – 75 ألفا.
أما الشبك فإنهم يدعون أن نسبتهم 4% تقريبا من نسبة سكان العراق ، أي حوالي مليون نسمة حاليا من أصل 25 مليونا، وهي مجافاة واضحة للواقع.
وأهم قراهم هي: دراويش، قره تبه، باجربوعة (التي تسمي محليا باجربوغ) بازواية (بيت زاوا) ، طوبرق زياره، خزنة تيه، منارة شبك، يتراوه (طهروا)، علي رش، طونراوه (طوبز آوه)، كورغريبان، كبرلي، باشبيثه، تيس خراب، ينكيجه، خرابة سلطان، بدنة، باسخره، شيخ امير (شيخ مير)، وبعويزه.
وفي عهد صدام حسين تم ترحيل ثلاثة آلاف عائلة الى مجمعات سكنية حديثة المنشأ في سهل حرير بمحافظة اربيل وكذلك الى منطقة بازيان ومنطقة جم جمال التابعة لمدينة كركوك.(20/6)
ويوصف رجال الشبك بأنهم طوال القامة شقر الوجوه تميل شقرتهم الي السمرة لا يحلقون اللحى ولا يحفون الشوارب ، يتكلمون بلسان غريب هو خليط من الفارسية والكردية والعربية والتركية وليس لهم من عمل يعملونه غير" ازدراع الزرع ومري الضرع " كناية عن الزراعة وتربية الماشية.
ويسكن الشبك مع قوم يسمون بالـ(باجوان) و(اصلها باجلان). وهي عشيرة كردية كبيرة ينتشر أبناؤها في ثلاث محافظات هي الموصل وديالى وكركوك، وتنتشر ضمن ثلاث دول هي تركيا والعراق وإيران وهؤلاء فيهم سنة وشيعة، ويتحدثون لهجة الماجو الكورانية وهي لهجة في اللغة الكردية.
أصولهم:
ويختلف الباحثون في أصل الشبك، وقد أورد أحمد حامد الصراف في كتابه" الشبك" أن هناك خمسة احتمالات في اصولهم:
الأول ان يكون الشبك احدى العشائر الكردية المتوطنة في العراق منذ زمن لا نعرفه.
والثاني ان يكونوا من الاتراك الذين نزحوا الى العراق في عهد السلطان طغرل بك السلجوقي.
أما الاحتمال الثالث ان يكون الشبك من عشائر "القره قوينلو" او "الاق قوينلو"، وهما عشيرتان تركيتان سكنتا شمال العراق وكانتا متشيعتين( القرة قوينلو حكمت العراق من 1410 – 1468 م).
والرابع ان يكونوا من الاتراك الذين جاء بهم السلطان مراد الرابع سنة 1047 م فاسكنهم شمال العراق.
والاحتمال الخامس ان يكون الشبك اتراكا جاءوا الى العراق مع عقيدتهم ومذهبهم في عهد الصفويين الشيعة ( حكمت الأسرة الصفوية أيران من 1500 – 1750 م ) .
وفي رسالة للدكتور داود الجلبي وردت في كتاب الصراف يقول ان الشبك جاءوا من جنوب ايران وان لسانهم خليط بين الفارسية والكردية والعربية وقليل من التركية وان لهجتهم اقرب الى لسان البلوش.(20/7)
أما الدكتور ميشيل ليزيرك الأستاذ المتمرس في قسم الفلسفة بجامعة أمستردام بهولندا فقد قدم بحثاً في الدراسات السكانية ترجمه د. إسماعيل سلطان ورد فيه أن الشبك ظاهرة سكانية متميزة في شمال العراق ظهرت بوضوح في القرن السادس عشر الميلادي على خلفية التنافس العثماني الصفوي في المنطقة .
ويعتبر أهل الموصل بأن الشبك هم من"جماعة نادر شاه". و تعود الأحداث إلى سنة 1743م حين حاصر نادر شاه الصفوي(1)الموصل وأمر الوالي العثماني عليها انذاك حسين بك الجليلي الدفاع عنها، وعدم الاستسلام للجيش الصفوي الغازي، وأمر بجمع الناس داخل اسوار الموصل ليسهل الدفاع عنها و تكون المقاومة اكثر جدوى وتأثيرا. ولكن الشبك رفضوا الانصياع لذلك و استقبلوا جيش الغزاة .
وكان الكثير من جيش نادر شاه و خاصة اولئك الذين كانوا قد اصطحبوا عوائلهم، قد اندسوا في قرى الشبك و استقروا فيها و بدأوا بالدعوة الى التشيع فتشيع معظم الشبك على ايديهم.
تنظيمهم الاجتماعي:
يبدو ان تنظيمهم الاجتماعي يقترب من مراتب الطرق الصوفية حيث يسمى رجل الدين الناشئ " المريد " وهو يرتبط روحياً بشخص اعلى منه مرتبة يسمى "المرشد " وهنالك عدة مراتب للمرشدين وهم جميعاً يرتبطون بمرجع اعلى يسمى" البير ". ومن الناحية النظرية يحق للأفراد تزكية احدهم واختياره لمنصب البير ولكن عمليا تم توارث هذا المنصب بين عائلات معينة على مدى عقود من الزمن .
أهم عقائدهم:
يغلون في علي غلوا عظيما فقد وصفوه ونعتوه باوصاف ونعوت لا يقرها الاسلام. والشبك كالبكتاشيه(2) يكررون في اجتماعاتهم لفظة "الف الله م محمد ع علي" تكرارا مستمرا متواليا في جميع اذكارهم واورادهم وادعيتهم. ويكررون بان حب علي حسنة تمحو كل سيئة.(20/8)
ويعتبر "بويورق" أي المناقب أهم الكتب الدينية عند الشبك ويعرف عندهم بـ (البرخ) ويتضمن حواراً في اداب الطريقة الصوفية بين الشيخ صفي الدين بن اسحق الاردبيلي وبين الشيخ صدر الدين وهما من رؤساء الصفويين ، يحض علي التقوى والتمسك بالولاء لآل البيت.
وللأعداد اهمية خاصة في الاجتماعات التي يعقدها الشبك، حيث يكثرون من الالتماس والاستغاثة في اذكارهم واورادهم باعداد: الثلاثة، الخمسة، السبعة، الاثني عشر، الاربعة عشر، والاربعين، وكل عدد من هذه الاعداد ترمز عندهم الي امور دينية مقدسة عندهم:
فالثلاثة هم الله ومحمد وعلي.
والخمسة هم الرسول محمد صلي الله عليه وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين ويسمون باصحاب الكساء.
ويرمز العدد سبعة الي درجات ومراتب اهل الطرق الصوفية وهي: المنتسب، المريد، الدرويش، المرشد، البير ــ البابا، القلندر، الرند، والقطب.
والاثنا عشر ويرمز الي الائمة الاثني عشر وهم الامام علي المرتضي والحسن المجتبي، والحسين الشهيد بكربلاء، وعلي بن الحسين زين العابدين (السجاد) ومحمد الباقر، وجعفر الصادق، وموسي الكاظم، وعلي النقي (الهادي)، وحسن العسكري، ومحمد المهدي.
ويرمز العدد اربعة عشر الى الائمة الاثنى عشر يضاف اليهم اسم الرسول صلى الله عليه وسلم واسم ابنته فاطمة الزهراء.
والاربعون وهم الابدال او الواصلون وهؤلاء لا يعرفهم الناس ولا يرونهم لانهم رجال الغيب او رجال الله وجند الله وان الله منحهم قوة وزودهم قدرة علي حفظ نظام الدنيا وفي مقدمة ذلك اغاثة الملهوف ومعاونة المظلوم كما يعتقد الشبك .(20/9)
وفي معرض حديثه عن مبدأ التقية عند الشبك الشيعة يقول الصراف "وقد ظهر لي ان التكتم من اولي شعائر الشبك وان الطريقة طلسم من الطلاسم والنحلة سر من الاسرار والانكار والتقية درع ومجن يتقي بها الشبكي الخطر ولم اشك لحظة في ان الكتمان عند الشبك احد واجبات الايمان المفروضة عليهم وهو من مستلزمات العقيدة الاسماعيلية الباطنية التي كانت تبالغ في التستر".
ويشير في مقدمة الكتاب الي أن "الشبك غصن من الشجرة الامامية ..لهم اذكار واوراد وصلوات مثل الطرق الاخري كالنقشبندية والرفاعية والقادرية ولهم رسوم وعادات خاصة بهم وقد تبدلت بتسلط الجهلة عليهم فأبعدهم هؤلاء عن الاسلام وانسوهم الفرائص والسنن، وحللوا لهم المحرمات واقحموهم في الكبائر والموبقات".
عباداتهم وأعيادهم:
وفي باب العبادات يشير الصراف ان الشبك لا يؤدون فريضة الصلاة كسائر المسلمين ويكتفون بصلاة واحدة في ليلة الجمعة وهم قعود علي شكل حلقة ويكون الاجتماع في دار البير الذي يبدأ بتلاوة ما يستظهره علي قلبه من (الكلبنك) (3). ومن ثم يأمر البير الحاضرين ان يسجدوا فيسجدون.. الخ. كما ان الشبك لا يصومون شهر رمضان الا انهم يصومون تسعة ايام من العشرة الاولي من شهر محرم الحرام.
والشبك لا يزكون اموالهم كسائر المسلمين، الا انهم يعطون من حاصلاتهم الزراعية ما يسمونه خمس الجد لاناس يعتقدون انهم سادة من صلب النبي. والشبك لا يحجون الي بيت الله الحرام ولكنهم يقصدون العتبات المقدسة بالنجف وكربلاء ويشرعون بالاتصال بمجتهدي الشيعة والحج لا يتم عندهم الا لسبع مرات.
وللشبك مواسم دينية خاصة يحتفلون بها صارت من عاداتهم وتقاليدهم التي لا تخرج عن حظيرة عقيدتهم، وهذه المواسم هي:(20/10)
1 ــ ليلة رأس السنة، وهي من الليالي المقدسة وتكون في الليلة الاولي من شهر كانون الاول (يناير) من كل سنة ولهم احتفال خاص بها، ويجوز ان يكون الاحتفال به في العشر الايام الاولي او العشر الثانية منه.
2 ــ ليلة التعاذر او ليلة التغافر التي يعقد فيها الشبك اجتماعات خاصة في ليالي الجمعة ويقولون أنها لازالة الاحقاد والبغضاء من قلوب الشبك واحلال الحب والسكينة فيها يغفر المتباغضون بعضهم لبعض ويصطلحون فيها، ولها مراسم خاصة يقوم بها اثنا عشر شخصا برئاسة البابا البير.
ويعتبر الاجتماع في ليلة التعاذر من الاجتماعات المقدسة، والاثنتا عشر شخصا هم رمز الاثني عشر معصوما من ائمة الشيعة وهم: البير، البابا اي الشيخ وهو الرأس عند الشبك، الرهبر وهو الدليل وله مقام ادني من مقام البير، حامل الجراغ اي حامل المصباح او الشمعة، حامل المكنسة ويتولي كنس دار البير المعد للاجتماع السقاء الموكل بسقاية المجتمعين، اربع خدام وبوابان يلازمان باب دار البير.
3 ــ ليلة الاعتراف، وهي الليلة التي يتقدم بها الشبكي الي البابا فيعترف له بخاطياه وذنوبه وفيها ينشد البابا (الكلبنك) الخاص بالاعتراف وقد يجاريه في الانشاد الرهبر. وقد اقتبس الشبك عادة الاعتراف بالذنوب من البكتاشية فصارت جزءا من تعبدهم.
4 ــ مراسم الدخول في الطريقة وهي مراسم خاصة يقوم بها البابا ويساعده علي ذلك الرهبر. وكل من اراد الدخول يجب عليه ان يفتش عن شخص آخر ليعيش معه هو وزوجته ليكونا اربعة مدة اربعين يوماً او سبعين يوما.
5 ــ زيارات مراقد الأئمة حيث يقدس الشبك الائمة الاثني عشر الذين يقدسهم الشيعة الامامية ويعدونهم ائمتهم المكرمين المعصومين فينذرون لهم النذور ويقدمون باسمائهم القرابين ويتغنون بالقصائد (كلبنك) بمآثرهم وكراماتهم ومعجزاتهم تقربا اليهم وطلبا للشفاعة منهم.(20/11)
وللشبك مواسم عامة ومواسم خاصة لزيارة المراقد والعبات المقدسة عند الشيعة، ومواسمهم العامة هي عين مواسم الشيعة الامامية كيوم عاشوراء ويوم مرد الرأس، ويوم الخامس عشر من رجب وكذلك الخامس عشر من شهر شعبان يوم ذكري مولد الامام المهدي الغائب المنتظر. اما مواسمهم الخاصة فهي زيارة مرقد العباس في قرية العباسية ومرقد حسن فردوش في قرية الدراويش ومرقد زين العابدين في قرية علي رش، ورجم قبر عبد الله بن زياد في موقع شرقي الموصل.
6ــ العشرة الاولى من محرم حيث يقيم الشبك المناحات والمآتم فيبكون وينوحون ويلطمون ولهم في ذلك اهازيج خاصة وتسمي مراسيم عاشوراء حزنا علي الحسين ، ويرتدي فريق منهم السواد ويصومون تسعة ايام عاشورا الاولي، وبعد انتهاء اليوم العاشر يحرمون اكل اللحم علي انفسهم مدة ثلاثين يوما اخري، وفي اليوم العاشر يهيئ الموسرون منهم طعاما لفقرائهم فاذا طلع اليوم العاشر عليهم وقفوا في قراهم او في المزارات المقدسة في علي رش وبير حلان صفوفا رجالا ونساء واطفالاً يلطمون وينوحون ويبكون.
ولشيوخ الشبك اعلام ترفرف علي بيوتهم ويرفع العلم الاسود في شهر محرم الحرام مشيرا الي المآتم والحزن وبيدهم اكف مصنوعة من البرونز والحديد يجولون بها في الضياع في ايام معدودة فيتهافت عليها الشبك يقبلونها ويتبركون بها، ويسمي الكف (كف العباس) يقصد به الشهيد ابو الفضل العباسي حامل راية الامام الحسين في واقعة كربلاء وهذه العادة موجودة في الفرات الاوسط ايضا.
أبرز هيئاتهم في العراق:
1- رابطة المثقفين الشبك.
2- رابطة الطلبة والشباب الشبك.
3- اتحاد نساء الشبك.
4- رابطة شيوخ وأعيان الشبك.
5- التجمع الديمقراطي الشبكي (حركة سياسية).
أبرز أنشطتهم:(20/12)
1- عقد المؤتمر الأول لمنظمات المجتمع المدني للإيزيديين والشبك والكلدوآشوريين في محافظة نينوى على قاعة نادي الموصل الاجتماعي في 25/ 8 /2004 تحت شعار" ضمان حقوق الايزيديين والشبك والكلدواشوريين، تجسيد لتحقيق العدالة والحرية والديمقراطية"، وبحضور اكثر من 150 شخصا. وأقر المؤتمر عدة توصيات منها :
أ- تكثيف الجهود لبناء عراق موحد ديمقراطي فيدرالي تعددي حر ،واحترام دور العبادة والأماكن المقدسة.
ب- الإقرار بالوجود القومي للأيزيديين والشبك دستورياً .وتخصيص حقل لكل من الأيزيديين والشبك في استمارة التعداد السكاني العام.
ج- ضمان العمل بحرية دون تدخل الجهات الأخرى وفرض الوصاية . والمطالبة بتمثيل هذه الفئات في كافة مفاصل إدارات الدولة ، وحسب نسبتها السكانية بما في ذلك السفراء والدبلوماسيين والبعثات الدراسية والقضاة .
د- مساهمة منظمات المجتمع المدني والمستقلين من هذه الفئات ، في الإدارات المحلية والمجالس البلدية بما لا تقل عن 25% من مجموع الممثلين .
هـ - دعم منظمات المجتمع المدني ورعايتها وتمويلها من قبل الدولة بما يخدم تطلعاتهم . وتخصيص جزء من نشاطات الوزارات المختلفة لصالح هذه المنظمات وحسب اختصاصات المنظمات وتوافق عملها مع عمل هذه الوزارات .
2- توجيه رسالة باسم عشائر ومنظمات المجتمع المدني للشبك في صيف عام 2004 إلى رئيس جمهورية العراق غازي الياور ونائبيه إبراهيم الجعفري و روز نوري شاوبس ورئيس الوزراء إياد علاوي ورئيس المجلس الوطني ونوابه وأعضاء المجلس ،اعتبروا فيها أن الشبك رابع أكبر قومية بعد العرب والأكراد والتركمان وأنهم يعانون الظلم والتهميش.(20/13)
وجاء في الرسالة :"على الرغم من مرور عام ونصف تقريباٍ على احتلال العراق وتغير النظام فيه ولم نلمس ما كنا نتأمله من الأحزاب والحركات السياسية وبالذات ( الأحزاب الشيعية ) التي أوعدت الشبك بوعود غير صادقة وكأنهم هم الذين حرروا العراق مع الأحزاب الكردية والأمريكان وغيرهم غير معني بشئونه ومستقبله".
واعترضوا لأن المجلس الوطني ( البرلمان) المؤقت لم يكن فيه ممثل لهم إنما تم انتخاب شخص تركماني الأصل ويسكن محافظة أربيل الكردستانية في المؤتمر الوطني الذي عقد في 16/ 8/2004 ببغداد ليمثل الشبك في محافظة نينوى .
وجاء في رسالتهم أيضا: إننا مثقفو الشبك وكل الشبك .. من الممكن أن نكون شركاء في العملية السياسية إذا كانت النيات سليمة والمصالح مشتركة ولكن أن نكون الضحية بدون منافع فهذا لا يمكن قبوله أبدا و نطالب كذلك بعقد مؤتمر رسمي من مثقفي الشبك ومكتب عشائر الشبك والقيادات الكردية وبأشراف الأمم المتحدة وقوات التحالف والحكومة الحالية بانهاء هذا التدخل القومي فإذا كنا لحد الآن لم نكسب الدرجة القطعية في عراقيتنا إلا في الواجبات فإنا نرى بأنه قد حان الوقت الأن التفكير بها
3- اعتراضهم الواسع بسبب حرمان مناطق الكلدوآشوريين واليزيدين والشبك في مناطقهم من الانتخابات بسبب عدم فتح مراكز،وقد قدموا شكوى الى المفوضية العليا المستقلة للانتخابات لعدم ارسال الصناديق الى هذه المنطقة في انتخاب ممثليهم الى الجمعية الوطنية.
هوامش:
1- نادر شاه هو مؤسس دولة الأفشار (والتي استمرت من 1148 – 1210 هـ) و قامت على انقاض الدولة الصفوية الشيعية وبالرغم من أنه قضى جزءا من حياته في محاربة أهل السنة والدولة العثمانية ،إلا أنه أراد في آخر حياته التقارب مع السنة ، وعقد مؤتمر النجف الشهير حول هذه الغاية عام 1156 هـ (1743م) لكنه قتل على يد جيشه الذي لم يرق له التقارب الحقيقي مع السنة.(20/14)
2- البكتاشية فرقة صوفية شيعية تنسب إلى الحاج بكتاش، وقد نشرنا عنها مقالا مفصلا في العدد 18، باب فرق.
3-…الكلمة مركبة من كلمتين (كل) اي زهر و (بنك) صوت من الفارسية وتتصحف هذه الكلمة احيانا في كتب العرب الي (كلبند)، و الكلبنك هي القصائد التي نظمها شعراء الشبك وشيوخهم باللغة التركمانية الجفكائية في مدح آل البيت.
أهم المصادر:
1-…الشبك _ أحمد حامد الصراف
2-…الأديان والمذاهب بالعراق _ رشيد الخيون
3-…موقع بحزاني على شبكة الانترنت bahzani.net
4- مقال " الموصل ولاية الأزمات والأقليات – محمد مظلوم- الحياة 29/1/2005
سطور من الذاكرة
مسيحية زعيمة للطريقة التيجانية !
إحسان إلهي ظهير
خدمات كثيرة أسدتها الطريقة التيجانية في الجزائر ، وهي إحدى الطرق الصوفية، للاستعمار الفرنسي أثناء احتلاله لبلد المليون شهيد ، وقد ذكر بعضا منها العلامة الشيخ إحسان إلهي ظهير (1941- 1987م) رحمه الله في كتابه "دراسات في التصوف" .ثمة موضوع لا يخلو من الغرابة ورد في ثنايا ما كتبه الشيخ ظهير - وهو الخبير بأحوال الفرق والأديان - وهو تولي امرأة مسيحية رئاسة الطريقة التيجانية في الجزائر.
لندع الشيخ إحسان رحمه الله هو من يكتب زاوية "سطور من الذاكرة" لهذا الشهر:
.. ونريد أن نذكر في آخر هذا المبحث الخدمات الجليلة التي أداها التجانيون لدعم الاستعمار الفرنساوي الصليبي الكافر الغاشم، الغازي لتلك البلاد المسلمة التي يقطنها التجانيون، فلقد ذكر المؤلف التجاني صاحب الفتح في الباب السابع تحت عنوان "ذكر كرامات شيخنا رضي الله عنه" منها: أخباره باستيلاء فرنسا على بلاد الجزائر، وكان كثيراً ما يشير إلى ذلك بما يفيد التحقق بوقوعه تصريحاً وتلويحا(ً ).(20/15)
وعلى ذلك قام التجانيون في الجزائر والمغرب بالدفاع عن الاستعمار الفرنسي، وتحريض المسلمين على الخنوع والخضوع أمامهم، وتسليم البلاد بأيديهم بدون قتال ولا جدال، ومنعهم عن المحاربة والوقوف أمامهم ففي خطبة ألقاها محمد الكبير شيخ التيجانية في وقته يذكر فيها بعض تلك الخدمات بكل اعتزاز وافتخار، فيقول كما نشرتها مجلة الفتح العدد 257 القاهرة يوم الخميس 16 صفر سنة 1350هـ السنة السادسة بعنوان "صاحب السجادة الكبرى يلقي بين يدي فرنسا خطبة الإخلاص"، وهذا نصه:
اعترافات خطيرة
صاحب السجادة الكبرى يلقي بين يدي فرنسا "خطبة الإخلاص" الجزائر في 23ـ 1ـ 1350 لمراسل الفتح.
نشرت جريدة La Presse Libre وهي جريدة فرنسية استعمارية يومية كبرى تصدر في عاصمة الجزائر في عددها الصادر يوم السبت 16 مايو (28 ذي الحجة: خطبة طويلة ألقاها الشيخ "سيدي" محمد الكبير صاحب "السجادة الكبرى"ـ أي: رئيس الطريقة الصوفية المسماة بالطريقة التجانية ـ بين يدي الكولونيل سيكوني "الفرنسي" الذي ترأس بعثة من الضباط قامت بنزهة استطلاعية في الجنوب الجزائري، ومهدت "لابريس ليبر" للخطبة بكلمة جاء فيها.(20/16)
وبعد ما طافت هذه البعثة العسكرية في مدينة الأغواط، سافرت إلى عين ماضي المركز الأساسي للطريقة الصوفية الكبرى "التجانية" ملبين دعوى رئيس هذه الطريقة المحترمة المبجلة الشيخ سيدي محمد الكبير، وبعدما تفرجوا على المدينة ـ يعني قرية عين ماضي ـ وعلى الزاوية ذهبوا إلى القصر العظيم الذي شيد بإيعاز من السيدة الفرنسية مدام أوريلي التجاني "أيّم التجاني"، وفي ردهات هذا القصر الرائعة الجميلة أقيمت مأدبة فخمة فاخرة كبرى لهؤلاء الضباط ولنواب الحكومة العسكرية المحلية بالأغواط وعين ماضي، وفي أثناء شرب الشاي قام حبيبنا حسني سي أحمد بن الطالب، وتلا باسم المرابط سيدي محمد الكبير صاحب السجادة التجانية الكبرى خطبة عميقة مستوعبة للخدمات الجليلة الصالحة التي قامت بها الطائفة التجانية لفرنسا وفي سبيل فرنسا في توطيد الاستعمار الفرنسي، وفي تسهيل مهمة الاحتلال على الفرنسيين، وفي إشارات التعقل كانت تسديها هذه الطريقة لمريديها من "الأحباب"...
ثم قالت الجريدة: وحيث طلب منا نشر هذه الخطبة القيمة فإننا ننشرها فيما يلي: وهنا أوردت الجريدة جانباً كبيراً من الخطبة ـ نصفها أو ثلثيها ـ كله ثناء لا يحصى ولا يعد على فرنسا المستعمرة، فوصفها الخطيب بأنها "أم الوطن الكبرى" وانهال عليها مدحاً وشكراً بما لا يخرج عن معنى ما نسمعه دائماً من دعاتها المأجورين، إلا أنه قال: "حتى اعترفوا لفرنسا بالمدنية والاستعمار، وبأنها حملت عنا ما كان يثقل كواهلنا من أعباء الملك والسيادة، وحملة الأمن والثروة والرخاء والسعادة والهناء...
ولكن المهم من الخطبة هو الجانب الأخير منها، لأنه يحوي اعترافات خطيرة مثبتة بتواريخها، ونحن ننقل هذه الاعترافات حرفياً، ونعرضها على صفحات "الفتح" المجلة التي يثق بها المسلمون جميعاً، ولكل مسلم أن يحكم على هذه الاعترافات بما يشاء.(20/17)
قال الشيخ سيدي محمد الكبير صاحب السجادة الكبرى "التجانية"، وهو "خليفة" الشيخ أحمد التجاني الأكبر مؤسس هذه الطريقة، وهذا "الخليفة" يسيطر على جميع أرواح "الأحباب" المريدين التجانيين في مشارق الأرض ومغاربها:
... إنه من الواجب علينا إعانة حبيبة قلوبنا مادياً وأدبياً وسياسياً، ولهذا فإني أقول لا على سبيل المنّ والافتخار، ولكن على سبيل الاحتساب والتشرف بالقيام بالواجب... أن تصل بلادنا وقبل أن تحتل جيوشها الكرام ـ كذا ـ ديارنا.
ففي سنة 1838 كان جدي سيدي محمد الصغير ـ رئيس التجانية يومئذ ـ أظهر شجاعة نادرة في مقاومة أكبر عدو لفرنسا، الأمير عبد القادر الجزائري، ومع أن هذه العدو ـ يعني الأمير عبد القادر ـ حاصر بلدتنا عين ماضي، وشدد عليها الخناق ثمانية أشهر، فإن هذا الحصار تم بتسليم فيه شرف لنا نحن المغلوبين، وليس فيه شرف لأعداء فرنسا الغالبين، وذلك أن جدي أبى وامتنع أن يرى وجهاً لأكبر عدو لفرنسا، فلم يقابل الأمير عبد القادر!
وفي سنة 1684 كان عمي سيدي أحمد ـ صاحب السجادة التجانية يومئذ ـ مهّد السبيل لجنود الدوك دوماك، وسهل عليهم السير إلى مدينة بسكرة، وعاونهم على احتلالها.(20/18)
وفي سنة 1870 حمل سيدي أحمد هذا تشكرات الجزائرين للبقية الباقية من جنود "التيرايور" الذين سلموا من واقعه "ريش ـ هوفن" وواقعه "ويسانبور"، ولكي يظهر لفرنسا ولاءه الراسخ وإخلاصه المتين، وليزيل الريب وسوء الظن اللذين ربما كانا بقياً في قلب حكومتنا الفرنسية العزيزة عليه ـ يعني: من حيث كونه مسلماً ولو بالاسم فقط ـ برهن على ارتباطه بفرنسا ارتباطاً قلبياً، فتزوج في أمد قريب بالفرنسية الآنسة أوريلي بيكار (مدام أو أيّم التجاني بعدئذ)، وبفضل هذه السيدة ـ نعترف به مقروناً مع الشكر ـ تطورت منطقة كوردان هذه ضاحية من ضواحي عين ماضي من أرض صحراوية إلى قصر منيف رائع، ونظراً لمجهودات مدام أوريلي التجاني هذه المادية والسياسية فإن فرنسا الكريمة قد أنعمت عليها بوسام الاحترام من رتبة "جوقة الشرف".
المراسل: وسيدي أحمد هذا لما تزوج في سنة 1870 بهذه المرأة الفرنسية، كان أول مسلم جزائري تزوج بأجنبية،وقد أصدرت هي كتاباً فرنسياً في هذه الأيام أسمته "أميرة الرمال" تعني نفسها، وقد ملأته بالمثالب والمطاعن على الزاوية التجانية، وذكرت فيه أن سيدي أحمد هذا إنما تزوجها على يد الكاردينال لافيجري على حسب الطقوس الدينية المسيحية، وذلك لأن قانون الزواج الفرنسي كان دينياً مسيحياً لا مدنياً، ولما توفى عنها سيدي أحمد هذا خلفه عليها وعلى السجادة التجانية أخوه سيدي علي!...
ولما أنعمت فرنسا بوسام الشرف على هذه السيدة منذ أربعة أعوام، قالت الحكومة في تقريرها الرسمي ما نصه: لأن السيدة قد أدارت الزاوية التجانية الكبرى إدارة حسنة كما تحب فرنسا وترضى، ولأنها كسبت للفرنسيين مزارع خصبة ومراعي كثيرة، لولاها ما خرجت من أيدي العرب الجزائريين "التجانيين"، ولأنها ساقت إلينا جنوداً مجندة من "أحباب" هذه الطريقة ومريديها، ويجاهدون في سبيل فرنسا صفّاً كأنهم بينان مرصوص...(20/19)
واليوم تعيش هذه السيدة (أيّم التجاني) في مزرعة لها كبرى في ضواحي مدينة بالعباس ـ وهران عيشة المترفين ذوي الرفعة والنعيم، وهي الآن لم تقطع علاقاتها بالزاوية التجانية، بل لا تزال تسيطر عليها، وتقبض على أزمتها، ومع أن الأحباب التجانيين يتبركون بهذه السيدة ويتمسكون بآثارها ويتيممون لصلواتهم على التراب الذي تمشي عليه، ويسمونها "زوجة السيدين"، فإنها لا تزال مسيحية كاثوليكية إلى هذه الساعة، ومن العجيب أن إحدى وستين سنة قضتها كلها في الإسلام وبين المسلمين من (1870 إلى الآن 1930) لم تغير من مسيحيتها شيئاً، وهذا دليل على ما كانت عليه تكنه في قلبها لهؤلاء "الأحباب" الذين حكموها في رقابهم وأموالهم!!.
ولنرجع إلى نقل الاعترفات فنقول: ثم قال سيدي محمد الكبير: وفي سنة 1881 كان أحد "مقاديمنا" سي عبدالقادر بن حميدة مات شهيداً مع الكولونيل فلانير حيث كان يعاونه على احتلال بعض النواحي الصحراوية.
وفي سنة 1894 طلب منا جول كوميون والي الجزائر العام يومئذ أن نكتب رسائل توصية، فكتبنا عدة رسائل، وأصدرنا عدة أوامر إلى أحباب طريقتنا في بلاد الهكار (التوارق) والسودان نخبرهم بأن حملة فوولامي الفرنسة هاجمة على بلادهم، ونأمرهم بأن لا يقابلوها إلا بالسمع والطاعة، وأن يعاونوها على احتلال تلك البلاد، وعلى نشر العافية فيها!!.(20/20)
وفي سنة 1906ـ 1907 أرسل المسيو جونار والي الجزائر العام يومئذ ضابطه المترجم مدير الأمور الأهلية بالولاية العامة سيدي مرانت برسالة إلى أبي المأسوف عليه سيدي البشير، فأقام عنده في زاوية كوردان شهراً كاملاً لأداء مهمة سياسية، ولتحرير رسائل وأوامر أمضاها سيدي البشير والدي ـ رئيس التجانية يومئذ ـ. ثم وجهت ـ أرسلت ـ إلى كبراء مراكش ـ المغرب الأقصى ـ وأعيانها وزعماء تلك البلاد وجلهم ـ أو قال: وأكثرهم ـ تجانيون من أحباب طريقتنا نبشرهم بالاستعمار الفرنسي، ونأمرهم بأن يتقبلوه بالسمع والطاعة والاستسلام والخضوع التام، وأن يحملوا الأمة على ذلك، وأن يسهلوا على جيوش فرنسا تلك البلاد.
وفي الحرب العالمية الكبرى أرسلنا ووزعنا في سائر أقطار شمال أفريقية منشورات تلغرافية وبريدية استنكار لتدخل الأتراك في الحرب ضد فرنسا الكريمة وضد حلفائها الكرام، وأمرنا أحباب طريقتنا بأن يبقوا على عهد فرنسا وعلى ذمتها ومودتها.
وفي سنة 1913 إجابة لطلب الوالي العام للجزائر أرسلنا بريداً إلى المقدّم الكبير للطريقة التجانية في السنغال سيدي الحاج مالك عثمان ساي نأمره بأن يستعمل نفوذنا الديني الأكبر هناك في السودان لتسهيل مأمورية كلوزيل الوالي العام للجزء الشمالي من إفريقية الغربية ـ أي: لكي يسهل عليه احتلال واحة شنقيط.
وفي سنة 1916 إجابة لطلب المريشال ليوتي عميد فرنسا في مراكش كان سيدي علي ـ صاحب السجادة الرئيس الذي كان قبلي ـ كتب مئة وثلاث عشرة رسالة توصية، وأرسلها إلى الزعماء الكبار وأعيان المغاربة يأمرهم بإعانة فرنسا في تحصيل مرغوبها وتوسيع نفوذها وذلك بواسطة نفوذهم الديني!...(20/21)
وفي سنة 1925 في أثناء حرب الريف أرسلت أنا ـ حبيبنا ـ المخلص ومريد طريقتنا ومستشارنا المعتبر حسني سي أحمد بن الطالب ـ الذي قرأ هذه الخطبة بلسان سيده ـ إلى المغرب الأقصى، فقام بدعاية كبرى ـ وبروباغندا ـ واسعة في حدود منطقة الثوار، وتمكن من أخذ عناوين الرؤساء الكبار والأعيان الريفيين "والمقاديم" وأرباب النفوذ على القبائل الثائرة، وكتبنا إليهم رسائل نأمرهم فيها بالخضوع والاستسلام لفرنسا، وقد أرسلنا هذه الرسائل إلى "مقدّمنا" الأكبر في فاس، فبلغها إلى المبعوث إليهم يداً بيد.
وبالجملة فإن فرنسا ما طلبت من الطائفة التجانية نفوذها الديني إلا وأسرعنا بكل فرح ونشاط بتلبية طلبها وتحقيق رغائبها، وذلك كله لأجل عظمة ورفاهية وفخر حبيبتنا فرنسا "النبيلة".
والله المسؤول أن يخلد وجودها بيننا لنتمتع برضاها الخالد!. ثم لما ختم خطبته هذه بالثناء العاطر على الموظفين الفرنسيين وعلى الضباط العسكريين واحداً واحداً، ومدح الوالي العام الحالي ووصفه بأنه "المستعمر الأكبر".
وما إن انتهى الشيخ من خطبته حتى نهض ليوتنان كولونيل سيكوني رئيس البعثة العسكرية وشكر الشيخ وأثنى عليه، ثم قال له: "من كمال مروءتك وإحسانك يا سيدي الشيخ (المرابط) أنك لم تذكر ولا نعمة واحدة من النعم التي غمرتني بها، فأنت الذي أنجيتني من التوارق الملثمين، وأنقذتني من أيديهم... وهكذا جعل الكولونيل يذكر مناقب أخرى للشيخ كثيرة.
ونلفت نظر القراء إلى شيئين إثنين: أحدهما: أن الرئاسة الروحية في هذه الطريقة التجانية هي موحدة في يد الخليفة، وليس لأحد منهم أن يستقل عنه. وأما الثاني: فهو أن دعاة الإصلاح الإسلامي في المغرب (الجزائر وتونس ومراكش) هم اليوم يقفون موقفاً حرجاً للغاية، فهم يحاربون، ويحاربهم دعاة الإباحية والإلحاد، وأهل الجمود والخرافات، ويقاومون في هؤلاء وهؤلاء الاستعمار الغاشم، وما فيه من قسوة وطغيان أ هـ .
ويقول بول أودينو:(20/22)
"خلال السنين الستين الأخيرة كانت التيجانية تقدّم لنا العون، ومنذ سنة 1911م ونحن نستغل نفوذها القوي في جنوبي الغرب وموريطانيا والريف"( ).
ويقول روم لاندو:
"وقد خبر الفرنسيون قضية الطرق الصوفية والدور الذي تلعبه مرات متعددة من قبل، وثمة وثيقتان قلما يعرفها الناس تزودنا بالمعلومات الطريفة: أولاهما رسالة بعث بها قبل قرن من الزمن المارشال (بوجو) أول حاكم للجزائر، إلى شيخ التجانية ذات النفوذ الواسع، إذ أنه لولا موقفها المشبع بالعطف لكان استقرار الفرنسيين في البلاد المتفتحة حديثاً أصعب بكثير مما كان.
ويقول المارشال في نهاية الرسالة: عند ما تشعر بحاجة إلى شيء ما أو إلى خدمة من أي نوع كانت فما عليك إلا أن تكتب إلى مرافقي الذي سيسرّه أن يبلغني رغباتك.
ثم قال (روم لاندو): ووثيقتنا الثانية تلقي ضوءاً على طريقة الإقناع أنها إعلان بعث به خليفة التجاني الذي تلقى رسالة المارشال (بوجو) إلى أتباعه بمناسبة الحرب بين فرنسا والأمير عبد الكريم سنة 1925م يدعو فيه إخوانه إلى مؤازرة الدولة المسيحية ضد مواطنيهم من المسلمين. ويقول الشيخ التجاني محمد الكبير بن البشير في هذا الإعلان: أن فرنسا تكافئ على الخدمات التي تقدّم لها... وفرنسا قد انتصرت مؤخراً في حرب (1914م ـ 1919) على واحدة من أعظم دول أوربا وأقواها. ألا ينصر سبحانه ويمنح عباده من يشاء"( ).
وينقل عن جوليان أنه أثنى على الحكومة الفرنسية قائلاً:
"لقد عرفت الحكومة الفرنسية كيف تجمع المتصوفة الذين سوّلتهم وحمتهم"( ).(20/23)
فهذه هي إحدى الطرق الصوفية المشهورة في شمال أفريقيا والغرب وبلاد المغرب العربي فصلنا القول فيها لما لها من أهمية ومكانة عند المغفلين والسذج من الناس، ولا زال كثير من الذين أعياهم العلم، وأعماهم التعصب، واستولى عليهم الجهل، وأقعدهم الكسل والبطالة أو أكل أموال الناس بالباطل يعتنقونها ويروجون أباطيلها وينشرون أضاليلها ويؤولون مقولاتها مبتعدين عن الحق حائرين متحيرين، ومن يضلل الله فما له من هاد.
من كتاب " دراسات في التصوف " ص 273 .
دراسات : موقف مفكري الإسلام من الشيعة - 6 -
تاريخ المذاهب الإسلامية
الإمام محمد أبو زهرة
هذه سلسلة من البحوث كتبها مجموعة من المفكرين والباحثين عن عقيدة وحقيقة مذهب الشيعة من خلفيات متنوعة ومتعددة ، نهدف منها بيان أن عقائد الشيعة التي تنكرها ثابتة عند كل الباحثين ، ومقصد آخر هو هدم زعم الشيعة أن السلفيون أو الوهابيون هم فقط الذين يزعمون مخالفة الشيعة للإسلام .
هذا البحث كتبه الإمام محمد أبو زهرة في كتابه تاريخ المذاهب الإسلامية .
الراصد
الشيعة
التعريف الإجمالي بهم:
44ـ "الشيعة" أقدم المذاهب السياسية الإسلامية، وقد ذكرنا أنهم ظهروا بمذهبهم في آخر عصر "عثمان" ـ ?ـ، ونما وترعرع في عهد "علي" ـ ?ـ، إذ كان كلما اختلط بالناس ازدادوا إعجاباً بمواهبه، وقوة دينه وعلمه فاستغل الدعاة ذلك الإعجاب، وأخذوا ينشرون آراءهم فيه، ما بين رأي فيه مغالاة، ورأي فيه اعتدال.
ولما اشتدت المظالم على أولاد علي في عهد الأمويين، وكثر نزول الأذى بهم ثارت دفائن المحبة لهم وهم ذرية رسول الله ?، ورأى الناس فيهم شهداء الظلم فاتسع نطاق المذهب الشيعي، وكثر أنصاره.
45ـ وقوام هذا المذهب هو ما ذكره "ابن خلدون" في مقدمته:(20/24)
"إن الإمامة ليست من مصالح العامة التي تفوض إلى الأمة، ويتعين القائم فيها بتعيينهم، بل هي ركن الدين وقاعدة الإسلام، ولا يجوز لنبي إغفالها، وتفويضها إلى الأمة، بل يجب عليه تعيين الإمام لهم، ويكون معصوماً عن الكبائر والصغائر".
ويتفق "الشيعة" على أن "علي بن أبي طالب" هو "الخليفة المختار" من النبي ?، وأنه أفضل الصحابة رضوان الله ـ تبارك وتعالى ـ عليهم.
ويرى أن من الصحابة من يرى رأي الشيعة في تفضيله على كل الصحابة، وقد ذكر "ابن أبي الحديد" الشيعي المعتدل أن من الصحابة الذين فضلوا عليا عن كل الصحابة "عمار بن ياسر"، و "المقداد بن الأسود"، و "أبا ذر الغفاري" و"سلمان الفارسي" وجابر بن عبد الله" و"أبي بن كعب"، و"حذيفة" و"بريدة" و"أبا أيوب الأنصاري" و"سهل بن حنيف" و"عثمان بن حنيف" , و"أبا الهيثم بن التيهان"، و"أبا الطفيل عامر بن وائلة"، و"العباس ين عبد المطلب" وبنيه و"بني هاشم" كافة، ويقول "ابن أبي الحديد": و"ابن الزبير" كان من القائلين به في بدء الأمر، ثم رجع عنه، كما يذكر أن بعض "بني أمية" كانوا يرون هذا الرأي ومنهم "سعيد بن العاص".
46ـ ولم بكن الشيعة على درجة واحدة، بل كان منهم الذين غالوا في تقدير علي وبنيه، ومنهم المعتدلون المقتصدون، وقد اقتصر المعتدلون على تفضيله على كل الصحابة من غير تكفير أحد، ومن غير أن يضعوه في درجة التقديس التي يعلو بها على البشر، ولقد قال "ابن أبي الحديد" في المعتدلين منهم:(20/25)
"وكان أصحابنا أصحاب النجاة والخلاص والفوز في هذه المسألة لأنهم سلكوا طريقاً مقتصداً، قالوا: إنه أفضل الخلق في الآخرة، وأعلاهم منزلة في الجنة، وأفضل الخلق في الدنيا، وأكثرهم خصائص ومزايا ومناقب، وكل من عاداه أو أبغضه فإنه عدو الله ـ سبحانه وتعالى ـ، وخلد في النار مع الكفار والمنافقين، إلا أن يكون ممن ثبتت توبته، ومات على توليه وحبه، فأما الأفاضل من المهاجرين الذين ولوا الإمامة قلبه, فلو أنكر إمامتهم وغضب عليهم وسخط فعلهم، فضلا عن أن يشهر عليهم السيف أو يدعوهم إلى نفسه، لقلنا أنهم من الهالكين كما لو غضب رسول الله ? وآله، لأنه قد ثبت أن رسول الله ? قال: "حربك حربي، وسلمك سلمي" وأنه قال: "اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه"، وقال له: "لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق"، ولكنا رأيناه رضي إمامتهم وبايعهم، وصلى خلفهم، وأنكحهم وأكل فيأهم، فلم يكن لنا أن نتعدى فعله ولا نتجاوز ما اشتهر عنه، ألا ترى أنه لما برئ من معاوية برئنا منه، ولما لعنه لعناه، ولما حكم بضلال أهل الشام، ومن كان فيهم من بقايا الصحابة كـ "عمرو بن العاص" و"عبد الله" ابنه وغيرهما، ـ حكمنا أيضاً لهم، والحاصل أننا لم نجعل بينه وبين النبي ? إلا رتبة النبوة، وأعطيناه كل ما عدا ذلك من الفضل المشترك بينه وبينه، ولم نطعن في أكابر الصحابة الذين لم يصح عندنا أنه طعن فيهم( ).
المواطن الذي نشأوا فيه وزمان نشأتهم:
47ـ قامت الشيعة ظاهرة كما قلنا في آخر عصر الخليفة الثالث "عثمان" وقد نمت وترعرعت في عهد علي ـ ? ـ، من غير أن يعمل على تنميتها، ولكن مواهبه كما قلنا هي التي دعت إليه، ولما قبضه الله ـ تعالى ـ إليه، تكونت الفكرة الشيعية مذاهب، منها ما كان فيه مغالاة ومنها ما كان فيه اعتدال كما نوهنا، وهي في كلتا حاليها قد اتسمت بالتعصب الشديد لآل البيت النبوي.(20/26)
وقد كان العصر الأموي محرضاً على المغالاة في تقدير علي ـ ? ـ، أن معاوية سن سنة سيئة في عهده وفي عهد ابنه ومن خلفه من الأمويين حتى عهد "عمر بن عبد العزيز"، وتلك السنة هي لعن إمام الهدى علي بن أبي طالب ـ ? ـ عقب تمام الخطبة، ولقد استنكر ذلك بقية الصحابة ونهوا معاوية وولاته عن ذلك، حتى لقد كتبت "أم سلمة" زوج رسول الله ? إلية كتاباً تنهاه وتقول فيه "إنكم تلعنون الله ورسوله على منابركم، ذلك أنكم تلعنون علي بن أبي طالب ومن أحبه، وأشهد أن رسول الله ? أحبه" وفوق ذلك فإنه في عهد يزيد قتل "الحسين بن علي" الذي هو وأخوه سيدا شباب أهل الجنة... كما ورد في الأثر ـ قتلة فاجرة، وذهب دمه عبيطاً، من غير أن ترعى حرمة دين. وأخذت بنات "الحسين" وبنات "علي" سبايا إلى يزيد بن معاوية، وهم بنات ابنة النبي ?، والعترة النبوية الطاهرة...
رأي الناس ذلك، ولم يستطيعوا تغييراً ولا تحويلا، فكظموا غيظهم وكبتوا نفوسهم واشتد ألمهم، فاندفعوا إلى المغالاة في تقدير أولئك الذين غالى الأمويون في إيذائهم، وهكذا يدفع الكبت العقلي والنفسي دائما، فإنه يدفع المبالغة في التقدير، إذ العطف والإشفاق يدفعان إلى الإكبار والتقدير.
48ـ والشيعة نشأت في مصر ابتداء في عهد "عثمان" إذ وجد الدعاة فيها أرضاً خصبة، وعمت العراق، واتخذته لها مستقراً ومقاما، فإذا كانت "المدينة" و"مكة" وسائر "مدائن الحجاز" مهداً للسنة والحديث، و"الشام" مهداً لنصراء الأمويين فقد كان العراق "مقاماً للشيعة"...(20/27)
ولماذا كان العراق مهد الشيعة؟.. لقد تضافرت عدة أسباب فجعلته كذلك، فـ "علي بن أبي طالب" أقام به مدة خلافته، وفيه التقى بالناس ورأوا فيه ما أثار تقديرهم، ولم يعلنوا الولاء بقلوبهم للأمويين قط، فرماهم "معاوية" في خلافته "بزياد ابن أبيه" فقضى على المعارضة أن تظهر، ولكنه لم يقتلع جذورها من النفوس، ولما مضى "زياد" استمر ابنه على حكمه من بعده في عهد "يزيد بن معاوية" وصار "العراق" أول المنتقضين على الأمويين حتى استقر الأمر "لبني مروان" في عهد "عبد الملك بن مروان" فرماهم "بالحجاج" فاشتد في القمع، وكلما اشتد قمعه اشتد "المذهب الشيعي" في نفوس معتنقيه.
والعراق فوق تلك ملتقى حضارات قديمة، ففيه علوم (الفرس) وعلوم (الكلدان) وبقايا حضارات هذه الأمم وقد ضمت إلى هذا فلسفة اليونان، وأفكار الهنود، وقد امتزجت هذه الحضارات وتلك الأفكار في (العراق)، فكان المنبت الذي ينبت أكثر الفرق الإسلامية: وخصوصاً ما يتصل فيه بالفلسفة، ولذلك امتزجت بالشيعة آراء فلسفية تتلاءم مع بيئة العراق الفكرية.
وفوق ذلك فإن العراق كان مهد الدراسات العلمية وفي أهله ذكاء، وفيهم تعمق. وقال فيه "ابن خلدون":
"ومما ينقدح لي في الفرق بين هؤلاء القوم وبين العرب الذين حاصروا رسول الله ? وآله، أن هؤلاء من العراق، وساكني الكوفة، وطينة العراق مازالت تنبت أرباب الأهواء، وأصحاب النحل العجيبة والمذاهب البديعة، وأهل الإقليم أهل بصر وتدقيق ونظر وبحث عن الآراء والعقائد، وشبه معترضى المذاهب وقد كان منهم أيام الأكاسرة مثل "ماني" و"ديصان" و "مزدك" وغيرهم، وليست طينة الحجاز هذه الطينة، ولا لأذهان أهل الحجاز هذه الطينة، ولا لأذهان أهل الحجاز هذه الأذهان".
ونرى من هذا أن العراق كان مزدحم الآراء والمعتقدات من قديم، فكان لا بد أن تنشأ فيه المذاهب السياسية والمذاهب الاعتقادية، فلا غرابة أن تنمو الأفكار الشيعية في بيئته...(20/28)
أثر الفلسفة القديمة في المذهب الشيعي:
49ـ لا شك أن الشيعة فرقة إسلامية إذا استبعدنا مثل (السبئية) الذين ألهوا "عليا" ونحوهم، لا شك أنها في كل ما تقول تتعلق بنصوص قرآنية أو أحاديث منسوبة إلى النبي ?، ولكن مع ذلك اشتملت آراءها على أفكار فلسفية أرجعها علماء العراق والغرب إلى مصادرها من المذاهب الفلسفية والدينية السابقة على الإسلام، والحضارة الفارسية التي انتهت بظهور الإسلام.
فبعض العلماء الأوربيين، منهم الأستاذ "دروزى" يقرون أن أصل (المذهب الشيعي) نزعة فارسية، إذ أن العرب تدين بالحرية، والفرس يدينون بالملك وبالوراثة في البيت المالك، ولا يعرفون معنى الانتخاب للخليفة، وقد انتقل النبي ? إلى الرفيق الأعلى ولم يترك ولدا، فأولى الناس بعده ابن عمه علي بن أبي طالب، فمن أخذ الخلافة كأبي بكر وعمر وعثمان، فقد اغتصب الخلافة من مستحقها، وقد اعتاد الفرس أن ينظروا إلى الملك نظرة فيها معنى التقديس، فنظروا هذا النظر نفسه إلى علي، وذريته، وقالوا إن طاعة الإمام واجب، وطاعته طاعة الله ـ سبحانه تعالى ـ ( ).
وقرر بعض العلماء الأوربيين أن "الشيعة" أخذت من اليهودية أكثر مما أخذت من الفارسية، مستدلا بأن عبد الله بن سبأ، أول من أظهر الدعوة إلى تقديس علي كان يهودياً، وقرر هؤلاء أنه مع تلك الآثار اليهودية في المذهب الشيعي فالمذهب الشيعي كان مباءة للعقائد الأسيوية القديمة كالبوذية وغيرها( ).
50ـ ولعل هذا القول الذي قرر أن هذا المذهب الشيعي استقى من اليهودية بعض مبادئه، قد استفاده الأوربيون من أقوال "للشعبي" وكلام "لابن حزم الأندلسي" فقد كان "الشعبي" يقول عن "الشيعة" أنهم يهود هذه الأمة، وقال "ابن حزم" في الفصل:(20/29)
سار هؤلاء الشيعة في سبيل اليهود القائلين: إن إلياس ـ عليه السلام ـ وفنحاس ابن ألعازار بن هرون عليه السلام أحياء إلى اليوم، وسلك هذا بعض الصوفية، فزعموا أن "الخضر" و"إلياس" عليهما السلام حيان إلى الآن( ).
وفي الحق، أنا نعتقد أن الشيعة قد تأثروا بالأفكار الفارسية حول الملك والوراثة، والتشابه بين مذهبهم ونظام الملك الفارسي واضح. ويزكي هذا أكثر أهل فارس إلى الآن من الشيعة، وأن الشيعة الأولين كانوا من فارس.
وأما اليهودية فإذا كانت توافق بعض آرائهم، فلأن الفلسفة الشيعية اقتبست من نواح مختلفة، وكان المنزع فارسياً في جملته وإن استندوا إلى أقوال إسلامية.
والشيعة الحاضرون وأكثر المعتدلين ينكرون أن يكون مثل عبد الله بن سبأ منهم، لأنه ليس مسلماً في نظرهم فضلا عن أن يكون شيعيا، ونحن نوافقهم كل الموافقة.
الإمامية "الاثنا عشرية":
65ـ هذه الطائفة التي تحمل اسم "الشيعة الإمامية" يدخل في عمومها أكبر مذاهب الشيعة القائمة الآن في العالم الإسلامي في إيران والعراق وما وراءها من باكستان وغيرها من البلاد الإسلامية، ويدخل في عمومها طوائف لم تنحرف اعتقاداتها إلى درجة أن تخالف نصاً من نصوص القرآن الكريم أو أي أمر علم من الدين بالضرورة، وطوائف أخرى أخفت اعتقاداتها، وأعمالها لا تدخل في الإسلام على انحراف شديد، وسنشير إشارات موجزة إلى هذه المذاهب.(20/30)
66ـ والجامع لهؤلاء هو ما تدل عليه التسمية بعبارة "الإمامية" فإنهم يقولون إن الأئمة لم يعرفوا بالوصف كما قال الإمام زيد بن علي ـ ? ـ بل عينوا بالشخص، فعين الإمام علي من النبي ?، وهو يعين من بعده بوصية من النبي ?، ويسمون بالأوصياء، فقد أجمع الإمامية على أن إمامة على ـ ? ـ قد ثبتت بالنص عليه بالذات من النبي ? نصاً طاهراً، ويقيناً من غير تعريض بالوصف، بل بإشارة بالعين قالوا: "وما كان في الدين أمر أهم من تعيين الإمام حتى يفارق ـ عليه الصلاة والسلام ـ الدنيا على فراغ قلب من أمر الأمة، فإنه إذا كان قد بعث لرفع الخلاف وتقرير الوفاق، فلا يجوز أن يفارق الأمة ويترك الناس هملا يرى كل واحد منها طريقاً، ولا يرافقه عليه غيره" بل يجب أن يعين شخصاً هو المرجوع إليه، وينص على واحد هو الموثوق به والمعمول عليه( )، وعلي هو الذي عين بنص نبوي بذلك.
ويستدلون على تعيين علي ـ ? ـ بالذات ببعض آثار عن النبي ? يعتقدون صدقها، وصحة سندها، مثل: "من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه" ومثل "أقضاكم علي" ومخالفوهم يشكون في نسبة هذه الأخبار إلى الرسول ?.
ويستدل الإمامية أيضاً باستنباطات استنبطوها من وقائع كانت من النبي ?، ومنها أن النبي ? لم يؤمر على "علي" أحداً من الصحابة قط، حينما انفرد عن رسول الله في غزوة أو سرية كان هو الأمير. بخلاف أبي بكر وعمر وغيرهما من كبار الصحابة، فإنهم كانوا أحياناً أمراء وحياناً تكون الإمرة لغيرهم، وليس أدل على ذلك من جيش أسامة الذي أوصى به النبي ? من بعده فقد كان فيه أبو بكر وعمر، وأنهم يعتقدون أن النبي ? قد بعثهما في جيش "أسامة" لكيلا ينازعا عليا في الخلافة التي أوصى بها في اعتقادهم.
ويقولون أيضاً عندما جعل أبا بكر أميراً للحج، ونزلت سورة براءة أرسل عليا ليتلوها على الناس في موسم الحج، ولم يجعل ذلك لأبي بكر، مع أنه كان الأمير.(20/31)
67ـ وهكذا يستدلون على تعيين علي بالذات بأخبار اعتقدوا صحتها، وبأعمال قد اعتقدوا أنها في معنى النص على إمامته ـ ? ـ، وخالفهم الجمهور في صحة الأخبار، كما قد خالفوهم في صحة استنباطهم من الوقائع المجمع عليها.
وكما اتفق الإمامية فيما بينهم على أن عليا وصي النبي ?، بالنص، قرروا أن الأوصياء من بعد علي هم أولاده من فاطمة، الحسن ثم الحسين ـ ? ـ وهؤلاء هم المجمع عليهم، وقد اختلفوا من بعد ذلك على فرق مختلفة في الأئمة بعد هؤلاء، بل أنهم قد اختلفوا من بعد ذلك على أكثر من سبعين فرقة، وأعظمها فرقتان، "الاثنا عشرية" و"الإسماعيلية".
68ـ يرى الاثنا عشرية أن الخلافة بعد الحسين ـ ? ـ لعلى زين العابدين، ومن بعده لمحمد الباقر ثم لأبي عبد الله جعفر الصادق بن محمد الباقر، ثم لابنه موسى الكاظم، ثم لعلى الرضا، ثم لمحمد الجواد ثم لعلى الهادي، ثم للحسن العسكري، ثم لمحمد ابنه، وهو الإمام الثاني عشر، ويعتقدون أنه دخل سرداباً في دار أبيه "بسر من رأى" ولم يعد بعد، ثم اختلفوا في سنه وقت اختفائه، فقيل كانت سنه إذ ذاك أربع سنين وقيل ثماني سنوات، وكذلك اختلفوا في حكمه، فقال بعضهم إنه كان في هذه السن عالماً بما يجب أن يعلمه الإمام، وأن طاعته كانت واجبة، وقال آخرون: كان الحكم لعلماء مذهبه. وأن هذا الرأي الأخير هو الذي يسير عليه الاثنا عشرية في هذا الزمان.
69ـ والاثنا عشرية يوجدون الآن في العراق، فالشيعة في العراق، وهم عدد كثير يقارب النصف، يسيرون على مقتضى المذهب الاثنا عشري في عقائدهم، ونظمهم في الأحوال الشخصية والمواريث والوصايا والأوقاف والزكوات والعبادات كلها، وكذلك أكثر أهل إيران، ومنهم من ينبثون في بقاع من سوريا ولبنان وكثير من البلاد الإسلامية، وهم يتوددون إلى من يجاورونهم من السنيين ولا ينافرونهم.(20/32)
وإن الإمامية الاثنا عشرية كسائر الإمامية يفرضون في الإمام سلطاناً مقدساً يأخذه بإيصاء عن النبي ?، فكما أن ولايته أمر الأمة كانت بالوصاية، فتصرفاته كلها مشتقة من صاحب هذه الوصاية، وهو النبي ?، لذلك يجب أن نذكر سلطانه وحدوده في القوانين والأحكام.
70ـ منزلة الإمام عند "الأمامية":
يقر الأمامية ـ بالنسبة لسلطان الإمام في التشريع والتقنين ـ أن الإمام له السلطان الكامل في التقنين وكل ما يقوله من الشرع، ولا يمكن أن يكون منه ما يخالف الشرع، ويقول في ذلك العلامة الشيخ محمد حسين آل كاشف العطاء:
يعتقد الأمامية أن لله ـ تعالى ـ في كل واقعة حكماً... وما من عمل من أعمال المكلفين إلا ولله فيه حكم من الأحكام الخمسة. الوجوب، والحرمة، والكراهية، والندب ، والإباحة... وقد أودع الله ـ سبحانه ـ جميع تلك الأحكام عند نبيه خاتم الأنبياء، وعرفها النبي بالوحي من الله، أو بالإلهام... وبين كثيراً منها، وبالأخص لأصحابه الحافين به، الطائفين كل يوم بعرش حضوره ليكونوا هم المبلغين لسائر المسلمين في الآفاق {لتكونوا شهداء على الناس، ويكون الرسول عليكم شهيدا}. وبقيت أحكام كثيرة لم تحصل البواعث لقيامها ... وإن حكمة التدرج اقتضت بيان جملة من الأحكام وكتمان جملة، ولكنه ـ سلام الله عليه ـ أودعها عند أوصيائه، كل وصى يعهد بها إلى الآخر لينشرها في الوقت المناسب لها حسب الحكمة من عام مخصص أو مطلق مقيد، أو مجمل مبين، إلى أمثال ذلك، فقد يذكر النبي لفظاً عاماً ويذكر مخصصه بعد برهة من حياته وربما لا يذكره أصلا، بل يودعه عند وصيه إلى وقته( ).
هذا كلام السيد الجليل الذي اقتبسناه منه، ويستفاد من هذا الكلام ومن غيره أمور ثلاثة بالنسبة للتقنين والأحكام:(20/33)
أول هذه الأمور: أن الأئمة وهم الأوصياء استودعهم النبي ? أسرار الشريعة، وأن النبي ? ما بينها كلها بل بين بعضها، فبين ما اقتضاه زمانه وترك للأوصياء أن يبينوا للناس ما تقتضيه الأزمنة من بعده، وذلك بأمانة أودعها إياهم.
وثانيها: أن ما يقوله الأوصياء شرع إسلامي لأنه تتميم للرسالة فكلامهم في الدين شرع، وهو بمنزلة كلام النبي ? لأنه من الوديعة التي أودعهم إياها، فعنه صدروا، وبما خصهم به نطقوا.
وثالث هذه الأمور: أن للأئمة أن يخصصوا النصوص العامة، ويقيدوا النصوص المطلقة.
71ـ وإذا كان الإمام له هذه المنزلة بالنسبة للتقنين، فقد قرروا أنه يكون معصوماً عن الخطأ والنسيان والمعاصي، فهو طاهر مطهر لا تعلق به ريبة، وقد أجمع على ذلك "الأمامية"، وصرحت بذلك كتب "الإثنا عشرية" وقد قال "الشريف المرتضى" في كتابه الشافي:
"قد ثبت عندنا مخالفينا أنه لا بد من إمام في الشريعة يقود بالحدود وتنفيذ الأحكام... وإذا ثبت ذلك وجبت عصمته. لأنه لو لم يكون معصوماً وهو إمام فيما قام به من الدين لجاز وقوع الخطأ منه في الدين، ولكنا إذا وقع الخطأ منه مأمورين باتباعه فيه، والاقتداء به في فعله، وهذا يؤدى إلى أن نكون مأمورين بالقبيح على وجه من الوجوه، وإذا فسد أن نكون مأمورين بالقبيح وجبت عصمة من أمرنا باتباعه والاقتداء به في الدين"( ).
ويقررون أن عصمته ظاهرة وباطنة، وأنها قبل أن يكون إماماً، وبعد توليه الإمامة، ويقول في ذلك "الطوسى" وهو شيخ من شيوخهم: "إنه لا يحسن من الحكيم ـ تعالى ـ أن يولى الإمامة التي تقتضى التعظيم والتبجيل من يجوز أن يكون مستحقاً اللعنة والبراءة في باطنه، لأن ذلك سفه، وكذلك إنما يعلم كونه معصوماً فيما تقدم من حاله قبل إمامته، بأن يقول إذا ثبت كونه حجة فيما يقوله، فلا بد أن يكون معصوماً قبل حال الإمامة، لأنه لو لم يكون كذلك لأدى إلى التنفير عنه، كما نقول ذلك في الأنبياء ـ عليهم السلام ـ "( ).(20/34)
72ـ وإن الأمامية يجوزون أن تجري خوارق العادة على يد الإمام، لتثبت إمامته، ويسمون الخارق للعادة الذي على يديه معجزة، كما يسمى الخارق الذي يجري على يدي أنبياء الله تعالى معجزة.
ويقولون: إنه إذا لم يكن نص على إمامة الإمام من الأئمة وجب أن يكون إثبات الإمامة بالمعجزة. ويقول "الطوسي" شيخ الطائفة في عصره: العلم به (أي بالإمام) قد يكون بالنص تارة وبالمعجزات أخرى، فمتى نقل الناقلون النص عليه من وجه يقطع العذر فقد حصل الغرض، ومتى لم ينقلوه وأعرضوا عنه، وعدلوا إلى غير، فإنه يجب أن يظهر الله ـ تعالى ـ على يديه علماً معجزاً يبينه من غيره ويميزه عمن عداه ليتمكن الناس من العلم به والتمييز بينه وبين غيره( ).
73ـ والإمام عند الأمامية قد أحاط علماً بكل شئ يتصل بالشريعة كما أشرنا، وبالحكم الذي عهد به إليه، ويقول في ذلك الطوسي "إنه قد ثبت أن الإمام إمام سائر الدين، ومتولي الحكم في جميعه، جليله ودقيقه، وظاهره وغامضه، وليس يجوز ألا يكون عالماً بجميع الأحكام، وهذا صفته لأن المتقرر عند العقلاء قبح استكفاء الأمر وتوليته من لا يعلمه".
وإن ذلك العلم المحيط ثابت بالفعل لا بالإمكان، ولا بالاجتهاد، أي أنه علم لدني ثابت، لا أنه ممكن أن يعلم ويقضي أو يجتهد فيعلم ويقضي، كما هو الشأن عند غيره من العلماء، وذلك لأن إمكان العلم الاجتهادي هو من قبيل العلم الناقص، فهو جهل في الابتداء ثم تعلم وعلم في الانتهاء، والإمام لا يجوز أن يكون جاهلا بشيء من أمور الدين والشريعة في وقت من الأوقات.
والحكم بان علمهم علم إحاطة نتيجة حتمية لقولهم: إن الأوصياء أودعوا العلم من لدن الرسول بما يكفل بيان الشريعة، فعلمهم وديعة نبوية، وهم معصومون من الخطأ.(20/35)
74ـ وإن الإمام ليس وجوده ضرورياً فقط لبيان الشريعة وتتميم ما بدأ الرسول ببيانه، بل هو أيضاً ضروري لحفظ الشريعة وصيانتها من الضياع فهو يتمها ويحميها، وهو القوام على الشريعة بعد النبي ـ ? ـ ويحافظ عليها ويصونها. ويمنع عنها التحريف والزيغ والضلال، وأن تتحكم فيه الآراء المردية. إذ هو حجة الله القائمة إلى يوم القيامة، كما قال علي بن أبي طالب، ـ كرم الله وجهه ـ: "لا يخلو وجه الأرض من قائم بحجة إما خفياً مغموراً، وإما ظاهراً مستورا" والوصي عندهم هو القائم بحجة الله وإنه بعصمته التي توجب طاعته والاقتداء به ـ يكون الدين محفوظاً إلى يوم القيامة.
وإن النبي ? يقول: "لا تجتمع أمتي على ضلالة". وعدم اجتماع الأمة على الضلالة هو الذي يجعل الدين محفوظاً إلى يوم القيامة. ويقولون إنه من الجواز العقلي يجوز أن تجتمع الأمة على الضلال، ولكن المعصوم وهو الإمام الوصي عندهم ـ هو الذي يرشدها، ويهديها ويقيها من أن تجتمع على الضلالة، فأهل الأديان الأخرى قد اجتمعوا على ضلالة لعدم وجود المعصوم عندهم، ولأن شريعتهم ليست خاتم الشرائع، أما شريعة محمد فهي خاتم الشرائع، ولابد من وجود المعصوم ليحميها ويقيها من الضلالة إلى يوم القيام( ).
75ـ هذه إشارات موجزة إلى منزلة الإمام عند الأمامية فاثنا عشرية، ويظهر أن الأمامية جميعاً على رأيهم في هذا النظر، وليس الإمام ومقاربته لمقام النبي عندهم موضع خلاف، فإنهم يصرحون تصريحاً قاطعاً بأن الوصي لا يفرقه عن النبي إلا شيء واحد، وهو أنه لا يوحى إليه.
وإن القارئ لهذا الكلام الذي اشتمل على دعاوى واسعة كبيرة لشخص الإمام لم يقم دليل على صحته والدليل قائم على بطلانه، لأن محمدا أتم بيان الشريعة فقد قال ـ تعالى ـ: {اليوم أكملت لكم دينكم} ولو كان قد أخفى شيئاً فما بلغ رسالة ربه وذلك مستحيل، ولأنه لا عصمة إلى لنبي، ولم يقم دليل على عصمة غير الأنبياء.
دراسات
الوحدة الإسلامية(20/36)
والتقريب بين أهل المذاهب
الأستاذ زهير الشاويش
هذه تجربة أحد الذين اهتموا بالتقريب بين المذاهب ، صدرت من شخصية سنية سلفية سياسية معاصرة . إن الشيخ زهير الشاويش وعلى الرغم من علمه بعقائد الشيعة نجده يشارك في مؤتمرات التقريب بذهن منفتح، راغب في التقريب والتقارب الحقيقي ولكنه مع ذلك لا ينخدع بالشعارات.
وهو في هذه الدراسة _ وهي محاضرة ألقيت في مركز البيان الثقافي في بيروت وطبعها المركز فيما بعد في كتاب عام 1998بعنوان ( الوحدة الإسلامية و التقريب بين أهل المذاهب ) _ يقدم رؤية سنية للتقريب تستند إلى " بقاء أصحاب كل مذهب على مذهبهم ، إلا ما يجدوه هم بأنفسهم غير مبني على دليل شرعي" .
كما تطالب هذه الرؤية كل فريق " بعدم استفزاز الآخر ، وأن تكون دعوته له بالحكمة والموعظة الحسنة ".
وثمة ملاحظات هامة يثيرها الشيخ الشاويش وهي إقصاء أهل السنة في إيران من المشاركة في هذه المؤتمرات التي تستضيفها بلادهم ؟! وعدم دعوة علماء وفقهاء من أهل السنة والاكتفاء بمن وصفهم بـ " رجال فكر وزعامات سياسية وإصلاح اجتماعي" من خارج إيران ! ونبه على الإهمال الشديد الذي تعاني منه مناطق السنة التي قام بزيارتها مع وفد رسمي إيراني وهو الأمر الذي ما زال على ما هو عليه رغم مرور سنوات طويلة على زيارة الشيخ الشاويش لإيران ( كما يظهر ذلك من رسالة "النواب السنة" في البرلمان الإيراني حول أوضاع أهل السنة في إيران المنشورة في هذا العدد من الراصد في جولة الصحافة ).
وفيما يلي نص حديث الشيخ الشاويش الذي لا يخلو من اللغة الهادئة والدبلوماسية، لكنها لا تخفى مراميها على المتابع المتخصص الذي يستطيع قراءة ما بين السطور.
الراصد
.. أجد أن علي أن أطرح سؤالاً على نفسي وعلى من ينادي بالوحدة الإسلامية مثلي، ويريدها بأقرب وقت. وهو:
كم هو الأمل عندك في حصول الوحدة؟؟(20/37)
فأقول: إن تفرقنا كان على مراحل، وسوف نعود أيضاً على مراحل وخطوات.. ويوم أن تفككت وحدتنا أصابتها عوامل متعددة دينية، وسياسية، داخلية، وخارجية... واستمر الانشقاق، وارتفعت الخصومات، وأحياناً اشتعلت الحروب.
واليوم ورثنا هذا الركام من الخلافات المنوعة أيضاً.
كما ورثنا رغبات صادقة من الآباء وممن سبقنا للوحدة والتقارب بعد أن أحسوا جميعاً بالخسارة العامة، وقد استجاب نفر كريم من علماء الأمة ومفكريها إلى هذا المؤتمر، الذي انعقد في إيران.
وكان قد سبقهم إلى الدعوة إلى تلك الوحدة بين المذهبين عدد كبير من المصلحين في السير على هذا الطريق، ومنهم المسرع ومنهم المتئد... مع اختلاف الوسائل وسبل عرض الموضوع( ).
وأحب ـ الآن ـ أن أغلب حسن الظن عندي على سواه، حتى في الذين كتبوا ودعوا إلى التقارب بأسلوب نبش الماضي، وإثارة الخلافات... ظناً منهم أن ذلك من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن أقوالهم وكتبهم تجعل التقارب على قواعد سليمة مبنية ـ على ما فهموا ـ من الكتاب والسنة وأقوال العترة.. أو ما تقتضيه الحكمة والعقل والوحدة المتينة.
وقد كان في المؤتمر بعض هؤلاء.
بل قد توسع بعضهم ـ في المؤتمر وقبله ـ إلى الدعوة لجعل المسلمين كلهم مذهباً واحداً في الدولة، والحكم، والعقائد، والفقه، ومختلف الأمور. وكانت له حجته، وهي حق في أصلها، ولكنه ابتعد عند الواقع فذهبت دعوته مع الريح.
ونحن اليوم ندعو إلى بقاء أصحاب كل مذهب على مذهبهم. اللهم! إلا ما يجدوه هم بأنفسهم غير مبني على دليل شرعي، وليس فيه أي نفع حسي لهم في دينهم ودنياهم، فيقلعوا عنه وهذا عائد لهم، وفيه الخير لهم.
وعلى هذا مشى الذين عرفناهم في مجال التقريب ودعاته السابقون مع تعدد أقوالهم والاختلاف الجزئي فيها، أمثال:(20/38)
السيد محسن الأمين، والسيد رشيد رضا، والمجتهد الحكيم النجفي، والشيخ كامل القصاب، والشهيد نواب صفوي، المرشد حسن البنا، والمشايخ: محمد التقي القمي، وعبد المجيد سليم، وعلي المؤيد، وأمجد الزهاوي، والبشير الإبراهيمي،والسيد موسى الصدر، والحاج أمين الحسيني ـ رحمهم الله ـ .
وذكر هؤلاء مني على سبيل المثال، وإلا فهناك العشرات غيرهم.
وكلنا يعلم بأن المسلمين اختلفوا وتقاتلوا، منذ عهد الصحابة رضي الله عنهم جميعاً، ولكن كانت دولتهم واحدة، سوى فترات قصيرة، والفتوى بينهم على طريقة واحدة، وهذه كتب الحديث والفقه والتاريخ شاهدة على ذلك.
واليوم نحن ندعو ونكرر إلى عدم طلب: ذوبان فريق في الفريق الآخر.. لأن هذا مستحيل الآن، وفي المستقبل المنظور.
ولكن الممكن: أن يترك كل فريق منا استفزاز الفريق الآخر، وأن تكون دعوته بالحكمة وبالتي هي أحسن.. فلا نرى ـ بعد الآن ـ التحرش من أحدنا بالآخر، ولا نسمح بالطعن بمن يعظمه بعضنا، ولا نبش الماضي.
وللصوفية كلمة جميلة نافعة: "ذكر الجفا، وقت الصفا، من الجفا".
وسؤال آخر أطرحه على نفسي وهو:
كيف يمكن توحيد الأمة، وتقريب المذاهب، وهذه الكتب والمقالات، والمواقف تملأ الساحة، وفيها من عرض وجهات النظر المختلفة ما فيها... وأكثرها ـ إن لم أقل كلها ـ مشبهة بالمنفر من القول؟؟
فأقول: والله ! ما طرقت هذا الموضوع، إلا عندي منذ زمن بعيد مئات الكتب ـ أو الألوف ـ من كتب الفريقين.. وفيها المكفر، والمضلل، والمجهل، والشاتم، واللاعن، لكل ما عند الطرف الآخر، أو بعض ما عنده من: رجال، وكتب، وحديث، ومواقف.. إلخ.
وما اطلعت عليه منها وجدت في بعضه الحق، أو شبهة حق تمسك فيها من نقلها.. بعد أن أضاف إليها مما عنده من موروثات، وما دفعته إليه العصبية والهوى( ).
ولكن هل تبقى المواقف البائدة تتحكم فينا، فنكون أحياء يحكمهم الأموات والقبور.(20/39)
لا والله!! ما هذا اللائق بالعقلاء، وأهل الإيمان، والغيرة على الإسلام والمسلمين.
ومما شجعني على الدخول في هذا المشروع الخطير ما عرفته من كلام ربنا جل شأنه، وحديث رسولنا صلى الله عليه وسلم، وكلام علمائنا من الصحابة الكرام ـ ومنهم آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ـ ومن تبعهم بإحسان إلى يومنا هذا.
وآخره ما سمعته من مرشد الجمهورية الإسلامية وقائدها الخامنئي عقب المؤتمر من خطبته الوداعية للوفود.
فقد تكلم بما ماثل وشابه ما قُدم للمؤتمر، من دعاة التقريب، وما بحث وأقر في المؤتمر.
ولقوله أهمية كبرى عند أحد قسمي الأمة التي نريد توحيدها، وتقريب مذاهبها.
وفي كلام رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية الشيخ هاشمي رفسنجاني في افتتاح المؤتمر. فقد كان كلامه عن الوحدة والإشادة بكل دول العالم الإسلامي، وإعذاره لهم عن مواقفهم ـ مع الاختلاف معهم ـ ودعوتهم للوحدة والاتحاد، كان كلام رجل دولة، يعرف ما يقول، وكانت كلمته معبرة عما يجيش في صدر كل مؤمن بوجوب وحدة المسلمين.
وأقول: بأن كل كلام يمكن أن يؤول، أو يحمل على خلاف ما يريد صاحبه.. أو يحرف من الناقلين، أو يساء فهمه من السامعين!
ولكن ما لنا ولهذا، نحن نريد دفن الماضي... والبناء من جديد على السليم من عقائدنا، والمتفق عليه فيما بيننا.
والمؤتمر مع أنه مؤتمر شعبي فقد لقي التأييد الواضح من القائد الخامنئي، ومن رئيس جمهورية إيران، وبعض الرسميين.
وقد حمل مندوب سورية الدكتور الشيخ إبراهيم حسن النقشبندي تحيات سورية قيادة وحكومة وشعباً، كما حضر حفل الافتتاح السفير السوري.
وحضر ممثلون عن كبريات الجماعات الإسلامية في العالم مثل الباكستان، والهند، والمملكة الأردنية الهاشمية، والمملكة المغربية، والجاليات في أوروبة وأمريكا.(20/40)
ومثل الجماعة الإسلامية في لبنان سعادة الدكتور النائب فتحي يكن، وكان لمذكرته ومداخلاته وكلمته باسم كل المشاركين في المؤتمر الأثر الطيب النافع الهادف. كما حضر من لبنان القاضي الدكتور مصطفى الرافعي، وحال مرضه دون متابعة المناقشات بما هو مأمول منه لعلمه واطلاعه.
وفي المؤتمر جرت المداولات بحرية حول النقاط الكبرى، ولم يُدخل في التفاصيل لضيق الوقت، وللرغبة في اللقاء على الأهداف ما أمكن.. غير أن بعض الحضور أدخل في كلامه جزئيات أوجبت الرد عليها وتوضيح المواقف منها.
وهذه الجزئيات كانت ـ في حقيقتها ـ من التاريخ الماضي الذي كلنا شكونا منه، ونراه سبب تفرقنا وتقطيع إخوتنا الدهور الطويلة!! وكان في كلام ومداخلات الدكاترة فتحي يكن، وفاروق النبهان، وعدنان البخيت، محمد القيسي، والشيخين النقشبندي والمدني( )، وفي مشاركتي ردُّ الحق إلى نصابه، ووضع الأمور في مجراها الطبيعي.
وكان الفضل في أكثر ذلك إلى القيادة الحكيمة التي تولاها الأمين العام لمجمع التقريب سماحة الشيخ محمد واعظ زاده الخراساني، وسماحة الشيخ التسخيري.
وقد لاحظنا غياباً سنياً رسمياً، وانعدام علماء وفقهاء المذاهب، المراد التقارب معها!!، مما دعاني للبحث مع المسؤولين عن المؤتمر في ذلك الأمر، فتقرر إقامة مؤتمر فرعي في منطقة أذربيجان الغربية في بلدة (أورمية) الحدودية. وضم هذا المؤتمر عدداً كبيراً من علماء الأكراد (الشافعية) والأتراك، والبلوخستان، والتتار، والتركمان (الحنفية) والعجم (الشيعة). ووجدت هناك بين المشاركين والزوار بعض السلفيين الأثريين من خريجي المعاهد في سورية، والجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة( ).(20/41)
وفي هذا المؤتمر الفرعي كانت الأبحاث أوضح وأصرح لمشاركة أهل البلاد فيها، ومعرفتهم بأمور بعضهم بعضاً. وكان من نتيجة ذلك، أن رافقنا إلى طهران عدد كبير من أهل السنة والجماعة، وشاركونا في جلسات المؤتمر. وفي نهاية المؤتمر استقبلهم مرشد الجمهورية الإيرانية بحضور رئيس الجمهورية ورئاسة القضاة وعدد من القيادات، وبحث معهم شؤون مناطقهم ومذاهبهم( ).
وكانت الرحلة إلى أذربيجان موفقة بفضل الله، ذهبت إليها مع مفتي الحسكة، والشيخ آية الله معرفتي، وهو من أعقل الناس، ورغبته في تقريب المذاهب واضحة جلية صادقة، والدكتور محمد حسن عميد كليات الإلهيات، ومعنا الشيخ آية الله جنابيتي وكانت الآراء التي طرحها ـ باللغة الفارسية وقصور في الترجمة، مع أنه ورفاقه يحسنون العربية ـ محل ردات فعل عاجلة وسريعة من علماء تلك المناطق.
ثم كان في كلامي المتواضع تصويب المسار، وتصحيح ما أثاره والتقريب بين وجهات النظر، ولكلمة فضيلة الشيخ النقشبندي الصدى المستحسن، والحمد الله.
وقد وجدنا من العلامة الشيخ الموسوي مندوب القائد في المنطقة ومن سعادة المحافظ وباقي علماء الشيعة، التجاوب الكبير.
وحضر معنا نواب المنطقة في البرلمان الإيراني ومجلس الشورى، من الأكراد طوال الوقت، وكان لهم المشاركة والرأي في كل القضايا التي جرى تداولها.
الأمر الذي دعاني لعقد الأمل على تجمعهم ووحدتهم في تلك المناطق التي أخرجت بطل الإسلام الكبير السلطان الفاتح صلاح الدين الأيوبي الكردي الذي حرر القدس وأكثر فلسطين، ووحد الأمة. وأستاذه الممهد له الحاكم العادل التقي نور الدين محمود زنكي التركي .. لأقول لهم من كلام طويل:
أنتم يا سكان هذه المنطقة عليكم الأمل معقود معكم في تحرير فلسطين مجدداً، كما حررت على أيديكم سابقاً.
ودعوتهم إلى التمسك بمذاهبهم، والتعاون مع إخوانهم، فإن الذوبان يضيع المقومات. ودعوتهم إلى العلم والتعلم في العقائد والفقه، وجميع العلوم( ).(20/42)
بقي أن أقول لكم: بأن مناطقهم ما زالت مناطق حربية، فالطرقات مخربة، والمطار منسوف، والسلاح ظاهر مكشوف!!
وانتقلنا من طهران إلى مطار حربي قرب مدينة تبريز بطائرة حربية من مطار حربي قريب من طهران، ثم قطعنا مسافة 100 كيلومتر في سيارات وعبر طرقات شبه معبدة، وركبنا بعد ذلك في عبارة بالبحيرة لمدة نصف ساعة، وهي بحيرة كبيرة طولها (125) كيلومتراً، وماؤها ملح أُجاج ولا حياة فيها، تشبه البحر الميت. وبعدها مشينا في طرق ترابية (60) كيلومتراً.
ومن واجبي ـ الآن ـ أن أشكر الحكومة الإيرانية على ما أتاحته لنا في هذه الزيارة من الاجتماع بإخواننا أهل السنة والجماعة في مناطقهم الأصلية، والحديث معهم بحرية وصراحة.
وأقول لكم: إن المقررات لا تشمل تماماً كل ما جرى في المؤتمر! فإن بعض الأبحاث لم نتوصل فيها إلى نتائج تصاغ في فقرات( ) ولكنها بُحثت، وسمع كل فريق ما عند الفريق الآخر، وما لم يقبله ويتفق عليه أخذ بعين الاعتبار.
ووجدت آراء كل فريق مؤيداً بل مؤيدين لها من الفريق الآخر ـ السني أو الشيعي ـ وهذه القضايا اجتمع لها ما لا يقل عن خمسين عالماً إخصائياً بعلم ما من إخواننا الشيعة الكبار، وكل واحد منهم بمنزلة (مجتهد) و( حجة) في العلوم الشرعية( )
أما الذين شاركوا فيها من أهل السنة فهم ـ في الغالب ـ رجال فكر، وزعامات سياسية، وإصلاح اجتماعي( ) .
كتاب الشهر
الحركات الباطنية في العالم الإسلامي
د . محمد أحمد الخطيب
هذا الكتاب في الأصل أطروحة دكتوراة من جامعة الإمام محمد بن سعود، وهو من الكتب القيمة والعزيزة الوجود، صدرت الطبعة الأولى منه عام 1984م عن مكتبة الأقصى بعمان .
والكتاب يقع في 480 صفحة من القطع الكبير ويتكون من تمهيد حول التأويل الباطني وكيفية دخوله على الإسلام، وأربعة أبواب .(20/43)
وأهمية الكتاب جاءت من كونه بحثا متخصصا،صاحبه من القلة المتخصصة بالفرق والمذاهب، فرسالته في الماجستير كانت عن فرقة الدروز، وله عدة أبحاث أخري في عقائد الشيعة كالعصمة وهذا الكتاب الذي نتناوله بالعرض بحث مستوعب لحركات الغلو الشيعي التي اعتمدت السرية في عقائدها وهي :
- الإسماعيلية و القرامطة حيث خصص الباب الأول لدراستهما .
- الدروز وخصص لهم المؤلف الباب الثاني من كتابه .
- النصيرية التي استغرقت الباب الثالث .
أما الباب الرابع فكان عن أثر الحركات الباطنية في واقع العالم الإسلامي .
وسبب اهتمام المؤلف بالموضوع هو كما عبر عنه : " لم يكن أحد يتوقع أن يأتي يوم يجهل فيه المسلمون حقيقة هذه الحركات وتتغير مفاهيمهم حولها فاذا بالكثير من المسلمين – جهلا منهم – ينظر بعين الود إلى هذه الحركات على أساس أنها من جملة المذاهب الفقهية وإذا ببعض هذه الحركات قد أصبح مع الأسف تتولى مقاليد الأمور في بعض البلاد الإسلامية.
بل اضحت بعض هذه الحركات – في مثل هذه البلاد – نموذجا يقتدى به و يدعى اليه فيلقن تاريخ القرامطة و الحشاشين للنشىء الجديد على أنه تاريخ يعتز به ومثل يفتخر به ."
وسنستعرض أهم النتائج التي خلص لها الدكتور محمد أحمد الخطيب في التمهيد حول الباطنية وكيفية تسربها للجسد الإسلامي :
•…الفكر الباطني هو الإفراز الطبيعي للعداء اليهودي للإسلام والذي لا يمكنه أن يواجه بوضوح وصراحة .
•…لجأ الفكر الباطني لكل الأفكار الوثنية والفارسية والنصرانية واليهودية بحسب إنتماء ودين المؤسس .
•…ليس الفكر الباطني بجديد بل هو قديم عرف في اليهودية حين أولوا التوراة على أسس الفلسفة الافلاطونية الحديثة وقالت بها أيضا طائفة القبالة اليهودية .(20/44)
•…من رؤوس الباطنية ابن سبأ و المختار بن أبي عبيد و أبو هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية و بيان بن سمعان والمغيرة بن سعيد العجلي و أبو منصور العجلي و أبو خطاب الأسدي والمفضل الجعفي وميمون القداح وغيرهم .
•… كان لحركة الترجمة من اليونانية إلى العربية زمن المأمون العباسي أثر كبير في انتشار الباطنية لأن الأفلاطونية الحديثة كانت هي المصدر الأساس للتأويل الباطني للنصوص في الكتب السماوية .
•…من المصادر الهامة للفكر الباطني في الفكر الإسلامي أيضا ً الباطنية العرفانية كالصابئة و الثنوية و المانوية والديصانية و الهرمسية .
•…هناك صلة قوية بين التقية و الباطنية القديمة منذ زمن افلاطون الذي كان يعتمد السرية في فكره، فقد كان يورد الفكرة الواحدة بعدة عبارات مختلفة أو متناقضة وسار على ذلك من بعده الباطنيون القدماء .
هذه أهم النتائج التي توصل لها الدكتور محمد الخطيب في التمهيد .
وأما في الباب الرابع والذي كان بعنوان : أثر الحركات الباطنية في واقع العالم الإسلامي فقد خلص فيه الدكتور الخطيب إلي ما يلي :
1.…كان هدف الحركات الباطنية هو هدم الخلافة الإسلامية واعلان الإمامة الشيعية .
2.…لفشل هذه الحركات في الوصول إلى هدفها تسترت بغطاء فكري ديني يعتمد التأويل والتحريف للإسلام .
3.…تطور الغطاء الفكري للباطنية حتى شمل الفلاسفة والصوفيين ووصل للقول بوحدة الأديان .
4.…لا يزال الكثير من دور النشر تنشر الكتب الباطنية وكذلك مؤسسات الإسماعيلية وغيرها في أمريكا وأفريقيا .
5.…كان للباطينية أثر هدام في المجتمع الإسلامي بنزع الثقة من بين الناس ونشر الخوف والتحسس من أقرب المقربين مما أعاق مقاومتهم .
6.…عملت الباطينية على نشر الإنحلال في المجتمع الإسلامي ليسهل اختراقه .
7.…سعت الباطينية لقتل العلماء حتى يمكن لها الإنتشار .(20/45)
8.…بتمكن الباطنية من اقامة دول حصل انقسام في القوة الإسلامية تجاه الأعداء مما سهل للأعداء من الإستيلاء على كثير من أراضى الإسلام .
9.…كان التحالف مع الأعداء ضد المسلمين هو الوضع الطبيعي للباطنيين.
وهذا العرض الموجز لا يغني عن قراءة الكتاب ً لما فيه من الفوائد، والترتيب في عرض عقائد الباطنية بطريقة مميزة .
قالوا
فرنسا حزينة لـ "آلام الحلاّج"
قالوا: "بدعم من وزارة الخارجية الفرنسية والسفارة الفرنسية في لبنان... صدر حديثاً الجزء الأول من كتاب "آلام الحلاّج" للباحث الجهبذ لويس ماسينيون. أصبح الحلاج في الأسطورة الإسلامية، عند الشعراء العرب والفرس والترك والهندوس والماليزيين نموذجاً لـ "العاشق الكامل" لله بعد أن حكم عليه بالصلب لسكرته في صيحة الحال: "أنا الحق".
صحيفة الدستور 15/2/2005
قلنا: ليست هذه المرة الأول التي تنبري فيها دولة غير إسلامية لنشر فكر الصوفية. أمر غريب أن تحزن فرنسا لـ "آلام الحلاج".وأمر غريب أن يبادر الراعي الروحي للجمعيات التنصيرية الفرنسية في مصر لويس ماسينيون إلى نشر تراث الصوفية والإسماعيلية ، أم أن ثمة علاقة خفية بين التصوف والتنصير.
كذّاب جديد يدّعي النبوة
قالوا: "ذكر تقرير إخباري أن السلطات اعتقلت رجلاً يدعي ذكر الله في إقليم سولاويسي بوسط أندونيسيا لادعائه أنه نبي مسلم متهمة إيّاه بانتهاك القانون الجنائي الذي يحظر إثارة الفتنة والبلبلة بين المؤمنين بالأديان.
وكان (ذكر الله) بنى أيضاً نسخة من الكعبة في منزله، وقال لمريديه إنه يمكنهم أداء مناسك الحج في منزله بدلاً من التوجه إلى مكة".
وكالة الأنباء الألمانية 17/2/2005
قلنا: موضة المدّعين للنبوة أصبحت رائجة، فكلما هلك كذاب، جاء آخر.
منشد صوفي في "هلا فبراير"(20/46)
قالوا: أعلنت شروق عبد الرزاق الصانع، رئيسة اللجنة الثقافية لمهرجان (هلا فبراير) 2005 الذي انطلقت فعالياته بالكويت عن مشاركة المنشد العالمي سامي يوسف، وهو مواطن بريطاني من أصول أذربيجانية في فعاليات المهرجان، حيث إنه سيحيي ليلة مليئة بالإنشاد الروحي والفكري في الكويت".
الأهرام العربي 5/2/2005
قلنا : ما هو القاسم المشترك الذي يجعل هذه المهرجانات تتسابق على"المنشدين" والفرق الصوفية في برامجها السياحية!؟
مخدرات وزيارة العتبات
قالوا: "ألقت قوات شرطة الحدود العراقية في محافظة العمارة... القبض على خمسة متسللين إيرانيين في محاولة لاجتياز الحدود العراقية والوصول إلى مركز المحافظ. وذكر مصدر مخول في قيادة شرطة العمارة.. أن المجموعة المتسللة مؤلفة من ثلاثة رجال وامرأتين يحملون معهم كمية من الحشيشة، وأفادوا خلال التحقيق الأولى بأنهم يرمون لزيارة العتبات المقدسة في كربلاء".
الشرق الأوسط 23/2/2005
قلنا: هل لأن زوار العتبات زبائن مهمون لهذا الصنف!؟
أول الغيث قطرة
قالوا: لا قدسية لصحابي ولا عصمة له ومن حقنا أن نقيم تصرفاتهم السياسية سلباً أو إيجاباً"
د. عبد الحميد الأنصاري
العميد السابق لكلية الشريعة في قطر
الراية القطرية 30/1/2005
قلنا: نخشى أن تكون هذه الأفكار مقدمة للانتقاص من الصحابة أو سبهم، وحينها يكون الأنصاري وأمثاله قد وقعوا في الشباك الشيعية.
خدعة التقريب مرة أخرى
قالوا: "ندوة التقريب بين المذاهب تختتم فعالياتها.. وهدفت الندوة التي استمرت يومين بمشاركة عدد من الدول العربية إلى ترسيخ مفهوم التقارب بين المذاهب الإسلامية وتأكيد وحدة الأمة الإسلامية"
وكالة بترا 30/1/2005
قلنا: إلى متى يظل أهل السنة مقتنعين بأن هذه المؤتمرات ستحقق التقريب المنشود. إن عقوداً طويلة مرت على مؤتمرات التقريب دون أن تؤدي بالشيعة إلى ترك ما هم عليه من باطل.
السنة لا بواكي لهم(20/47)
قالوا: "تمثيل السنة في العراق هو أساسي لتحقيق الأمن ولاستقرار"
الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية
العرب اليوم 15/2/ 2005
قلنا: يبدو أنه لا حياة لمن تنادي، فالبعض رأى أن إقصاء السنة من أن يكون لهم دور في وطنهم حلماً قد حان وقت تطبيقه.
المنخدعون بحزب الله
قالوا : "حذر الإخوان من خطورة تأثير التداعيات التي تشهدها الساحة الداخلية للبنان على حركة المقاومة، وأكدوا على ضرورة الحفاظ على أوراق حزب الله الذي يمثل أحد الدروع الواقية في مواجهة الآلة العسكرية الصهيونية".
بيان أصدره النائب الأول لرئيس جماعة الإخوان المسلمين محمد حبيب
وكالة الصحافة الألمانية 1/3/2005
قلنا: إلى متى تظل بعض هيئات وجماعات أهل السنة تعتقد بأن حزب الله أحد الدروع الواقية في مواجهة الصهاينة. وهل من الصعب لهذا الحد معرفة الدور الحقيقي الذي يقوم به الحزب؟!
صور خامنئي في البحرين
قالوا:" السيد خامنئي مرجع ديني لكنه أيضا في الوقت نفسه زعيم سياسي والقائد الأعلى للقوات المسلحة في إيران. وأن يرفع مواطنون بحرينيون صوره على هذا النحو، فإن هذا يطرح تساؤلات عميقة حول مسألة الولاء".
مسؤول بحريني
وكالة الصحافة الفرنسية 8/3/2005
قلنا : هذه لحظة صدق مع الذات عبر فيها شيعة من البحرين عن حقيقة ولائهم السياسي تجاه إيران حامية المذهب وليس تجاه بلدهم الذي ينتمون إليه! فهل يعي المعنيون هذه الحقيقة؟
القضية العراقية في الوعي الدعوي
محمد أحمد الراشد ، مجلة الإسلام اليوم العدد الأول - ذو القعدة 1425 هـ(20/48)
يستطيع الداعية المسلم المخضرم ـ وبنظرة بسيطة ـ أن يسمح لنفسه بالتفاؤل العريض بعد دهر طويل من استيلاء أنواع من مشاعر الأسف عليه، فرضتها أفعال أعداء الإسلام تجاه الدعوة والتضييق الذي مورس عليها في العالم أجمع، ومبعث هذا التفاؤل أن الدعوة استطاعت ـ بحمد الله تعالى ـ أن تجتاز المصاعب، ونجحت في تثبيت جيل واسع من الدّعاة على الدّرب، وأجّجت فيهم معاني التحدي الذي هو أساس التربية الدعوية، ثم يلمس المتتبع لحال الدعوة الآن أنها انعطفت باهتمامات جيل الصحوة انعطافاً إيجابياً مهماً نقلته من التعميم إلى التخصيص، ومن الارتجال إلى التخطيط، وصارت القناعة تاّمة في جيل الصحوة الحاضرة بأن الفوضوية يجب أن تضع لنفسها حداً لصالح المنهجية، وأن الرؤية المرحلية المحدودة ينبغي أن توغل في النظر الاستراتيجي البعيد الذي يصل إلى عمق المستقبل واستشرافه، وبات من المؤكد أن بقاء الدعوة الإسلامية في حلبة الصراع الشديد في العصر الحاضر متعلق بتحقيق نقلة تربوية وتخطيطية، ونقدية تفي بحاجاتنا، تستطيع الدعوة بوساطتها أن تشغل الطاقات الشبابية الزاخرة المضيئة بمعاني الخير والإيجاب والحيوية، وأن تضع القيادات الواعية في أيادي هذه الطاقات مجموعة من الرؤى النقدية التربوية والسياسية، وما يكمل من ضمان الاستثمار المالي الاقتصادي المعين على تحقيق الآمال.(20/49)
ومثل هذه الخلجات النفسية التي تراود أنفس الدعاة القدماء وما يوازيها من خلجات أنفس الصاعدين الجدد كانت تجد نفسها في كثير من الأحيان في حالة ترقب المبادر مبدع يبدأ ترجمة الآمال إلى واقع وإلى وصايا،وإلى دراسات متخصصة، ونظرات متكاملة تتخذ لها من الثوابت حارساً، ومن طموحات مناهج الإبداع وسيلة لامتلاك قلوب جيل الصحوة، وحلمة على التفاعل مع هذه الطموحات، وإني لأجزم بأن الذي ينقص جيل الصحوة هو التوغل البعيد في دراسة المعاني الأصولية والتقعيد، وفي استلال التجارب ونقد الواقع والتاريخ، ثم في استعارة أنواع من القواعد الإدارية والتخطيطية من التراث العالمي، وتضيف ذلك في منهجية مرنة تمنح التربية الدعوية في المرحلة القادمة فائدة أكثر وتأثيراً أكبر، وتستطيع أن تجد للمعضلات السياسية والموازنات المصلحيّة تأويلا شمولياً ينتقل بالنظرات الفردية إلى صياغة موازين يتواطأ الدعاة على الاعتراف بها، ثم الالتزام بها وتحكميها، وجعلها أقرب إلى أن تكون ثوابت ملحقة بالثوابت الشرعية.
ومن الأمثلة الواضحة حالياً على حاجة الدّعاة لدراسات متعمقة متأنية عقلانية غير عاطفية فهمُ سلوكيّات الدعوة الإسلامية في العراق في مرحلة الاحتلال الأمريكي أمام حشد من المتناقضات التي تعج بها الساحة، فواضح أن العراق يعيش حالة انقسام مذهبي وقومي، وأن التيارات السياسية فيه عديدة ومتعادية بعنف أحياناً، وأن الطبيعة الثورية في السياسة العراقية جعلت لجوء الأطياف المتصارعة إلى استعمال السلاح والاغتيال أمراً مألوفاً، فوق ما هنالك من تأثيرات إقليمية من دول مجاورة تقدم نشاطات مخابراتها في الأرض مقام أحزاب، وأطياف تزيد الوضع إشكالاً وغموضاً وصراعاً، فمثل هذه الحالة المتشابكة لا يفهمها غير عراقي فهماً يستطيع أن ينافس فهم الداعية العراقي الذي يعمل في الساحة ويتعامل مع أشياء ومؤثرات لا تُكتب، ولا يُصرح بها يجهلها من هو خارج العراق.(20/50)
ومن هنا فإن التقدير الصحيح للموقف يحتاج مقادير من تفويض الدعاة في أقطار الأمة الإسلامية لإخوانهم داخل العراق أن يختاروا ما يناسبهم، وأن يحسنوا الظن بهم، وبموازنتهم المصلحية وبتقديراتهم للضرورات التي تُلجئهم في ظاهر الأمر إلى خلاف ما يرغب به كل داعية مسلم، ومثل هذا الحال من استغراب غير العراقي للاختبارات الدعويّة العراقية يثير ألماً في نفوس دعاة العراق الذين يكتوون بنيران متعددة داخلية هي أشد حمأة من نيران المستعمر الأمريكي، بل أتاحت مواقع الإنترنت وسهولة الدخول إليها مجالاً خصباً لكل ناشئ لم ينضج بعد أن يكيل التهم الجُزاف ـ وربما المسبة ـ لدُعاة العراق الذين يناورون ويحاولون الالتفاف الذكي على منغصات اجتماعية وسياسية تواجههم، وقد يزايد هؤلاء الشباب المستعجلون على قدماء الدعاء العراقيين، ويتقدمون لهم بمواعظ تدعوهم إلى توبة وإلى رؤية بدهيات تجاوزها الداعية من أول سنة من سنوات تربيته الدعوية، وفي مثل بيئة نجد والحجاز حيث تسود العقيدة السلفية النقية، يكون استغراب السلوك الدعوي العراقي أكثر وأقوى تبعاً لظاهر النصوص التي يلجأ إليها التوجه السلفي، لكن لو علم هذا التوجه السلفي بطبيعة التوجه الدعوي العراقي لكان أقرب إلى حسن الظن، وإلى التأول لدعاة العراق، وذلك لأن التوجه الغالب في الطبيعة الدعوية العراقية هو التوجه السلفي أيضاً، وإن سُمّيت المجموعة الدعوية الكبرى باسم آخر غير اسم السلف، مما هو امتداد للدعوة العالمية الواسعة.(20/51)
فمنذ نشأة هذا التوجه الدعوي العراقي بعد الحرب العالمية الثانية كان سلفي المعتقد، واتخذ له من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية ثم ابن القيم منهجاً تربوياً واضحاً، وتتلمذ جيل التأسيس ـ آنذاك ـ الذين هم قادة الدعوة اليوم على مشايخ السلف العراقيين كأمثال فضيلة الشيخ عبد الكريم الصاعقة، وعبد الوهاب ملوكي في بغداد، وعلى مشايخ آخرين في (الزبير) من أصول نجدية، وعلى أفاضل من علماء السلف في الموصل أودعوا في مثل شخصية محمد محمود الصواف ـ رحمه الله ـ ميلاً سلفياً واضحاً، ثم ما كان من أثر الدكتور محمد تقي الدين الهلالي المغربي ـ رحمة الله ـ في ترويج المفهوم السلفي في العراق والتفاف الجيل الدعوي الأول حوله لسنين طويلة خلال مدة إقامته في العراق، ولهذا فإن قادة الدعوة اليوم في العراق حين يتخذون مواقفهم السياسية يكون منهم استحضار للنصوص الشرعية ولاختيارات أئمة السلف القدماء يتوازى تماماً مع استحضار جيل السلف الحاضر في نجد والحجاز، وما هو ببعيد عنه، والفرق ينحصر في أن العراقي تحيطه ضرورات يكتوي بنارها، وتقوم عنده موازنات يذهل عنها غير العراقي، فيفتي العراقي نفسه بشيء مغاير لرغبات من هو بعيد عن الساحة.(20/52)
فماذا نقول ـ مثلاً ـ في جهاز الدولة الذي يُعاد تأسيسه في زمن الاحتلال؟! أيليق بجمهرة الدعاة أن تقاطع الوظيفة الحكومية ليحتكرها المنافس فقط؟ وهل يليق بمثل هذا التعفف أن تُترك القوات المسلحة من جيش وشرطة واستخبارات ليحتكرها المنافس أيضاً؟ فالقول بالمفاضلة والتعالي على التعامل مع المثل الأمريكي يجعل الطاقات الواسعة المتاحة عبر الوزارات والقوات المسلحة والجامعات موظفة توظيفاً كاملاً ضد التوجه الإسلامي النقي في العراق، ويجعل لإيران مكانة واسعة في الانتفاع من هذا الصدود والعمل بحرية، ويتيح للأفكار المتطرفة أن تهزم أصحاب الكفر الإسلامي الصحيح، وفي هذه النتائج السلبية ما يحمل دعاة الإسلام على التفاؤل والرضى بأقل الشرين عند العامل من أجل الالتفاف على المصاعب. ويزداد ذلك وضوحاً إذا علمنا أن الإدارة الأمريكية جاءت إلى العراق بدون تصور واضح عن طبيعة المجتمع العراقي وتناقضاته، وترى فيها أكثر من مدرسة وأكثر من تأوّل وهو ما جعل هذه الإدارة تتخبط أول مجيئها عبر ظنها وجوب الاقتراب والتعاون مع خطوط ترتضيها إيران، من اجل كسب إيران أيضاً وتحييدها والشعور بعدم الحاجة إلى الدخول في صراع معها إذا رضيت بهذه الخطة الأمريكية، ولكن ما حدث وآل إليه الآمر بعد سنة من الاحتلال أودع قناعة أخرى لدى الأمريكان بأن هناك حقائق عراقية تدعو إلى ضرورات الموازنة وحفظ حقوق العراقيين جميعاً، وزادت المقاومة العراقية العنيفة من هذه القناعة في نفوس صناع القرار الأمريكي، وأنهم لا يستطيعون تجاوز حقائق الصراع العراقية، فماذا عسى داعية له ظاهر الأمر يعيش خارج العراق أن يدرك من هذه التحولات وأسبابها وحجم تأثيرها في المعادلات العراقية؟(20/53)
نحن نزعم أنه لا يفهم الكثير من ذلك مهما بلغ من علم أو اطلاع على تصريحات السياسيين ومن نُقُول إعلامية، فهناك دائماً وراء التلال مالا يراه إلا شخص محلي أو معرفة ما كان وراءها في الماضي البعيد والقريب، فيشرع بتخمينات عن طريق القياس تقربه من معرفة ما لا يراه، وهذه صنعة يحتكرها العراقي، وما هو بمبتكر ولا زاهد في وصايا إخوانه، وفي تحليلات يمكن أن يهديها له دعاة يعيشون في العالم الواسع، ولكن إهداء هذه التحليلات يعين ويقرب لدى العراقي الرؤية الكاملة الشاملة، ولا تستطيع أن تحمل هذه التحليلات العراقية، إذ هي ظن فقط، على أن يلغي ما تراه عينه أو تلمسه يده أو ما قارب الدقة من قياساته التي يبنيها على تراثه التجريبي الخاص.
إن هذا المثل للقضية العراقية وملابساتها ولحاجة الوعي الدعوي العام إلى قول عراقي فيها، يعطينا قناعة بأن صنعة إتقان اكتشاف الوعي الدعوي والسياسي بخاصة في مرحلة ما بعد التعميم إنما هي صنعة مهمة لا يزال ينتظرها الكثير من التفصيل والقول التخصصي، وكذلك هي بحاجة إلى ثقة بقدماء الدعاة وقولهم، ثم بحاجة إلى أن يفوض جيل الصحوة قادتهم مساحة كبيرة من القول يكون فيها تأوّل المخضرمين نافذاً، وكل ذلك هو ما أرجو أن يتيحه صدور مجلة (الإسلام اليوم) وأنها ستكون نافذة للاطلاع على مكنون تراث تجريبي واسع تحويه صدور المشايخ والمربين وساسة المسلمين، وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: "إذا حدثتم عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حديثاً فظنوا به الذي هو أهيأ، والذي هو أتقى، والذي هو أهدى".(20/54)
ولرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ المثل الأعلى ولكن هذا الميزان الصائب يتيح لنا أن نقول لدعاة الإسلام كافة: إنكم إن بلغكم عن دعاة الإسلام في العراق شيء وموقف ترون فيه غموضاً أو تنازلاً أو تميعاً، فظنوا بهم الذي هو اتقى وأهدى، فإنهم ـ إن شاء الله ـ على نصيب من العلم، ويتقدم في مناصب الرئاسة فيهم مشايخ أفاضل وأساتذة لهم من علم الأصول نصيب، ومن التجريب مقدار، والعلماء ورثة الأنبياء، فيسوغ إجراء مثل هذا القياس، ولا نزكي أنفسنا ولا أحداً من إخواننا تزكية مطلقة، وإنما أردنا الإشارة إلى أن أمرنا يقوم على اجتهاد تعترف به القواعد الشرعية، فإن أصبنا فذلك فضل من الله، وإن أخطأنا فمن أنفسنا ومن الشيطان، لكن يحب دعاة العراق أن يسمعوا من إخوانهم ـ وهم في المرابطة وفي الخندق وتحت وطأة النازلة الأمريكية الكبرى ـ كلمات التشجيع وحسن الظن والدعاء.
إيران بعد الانتخابات العراقية.. إلى حصار أم انفراج؟
د. محمد السعيد إدريس ، مختارات إيرانية العدد 55 فبراير 2005
انتهت الانتخابات النيابية العراقية وأعلنت النتائج وأكدت أنه ليس هناك من هو فائز بالمطلق في هذه الانتخابات إلا العراق. هنا يفرض سؤال مهم نفسه هو: هل يمكن اعتبار إيران شريكة في هذا الفوز وإلى أي حد؟
هذا السؤال يفرض نفسه لأن هناك وجهة نظر أخرى ترى أن احتمال سيطرة أصدقاء إيران على السلطة في بغداد قد لا يكون خيراً بالمطلق لإيران بل يمكن أن يفتح أبواب الشرور مجتمعة خصوصاً وأن أحد هذه الأبواب أضحى مشرعا بالكامل ونقصد باب، إن لم يكن بوابة، العداء الأمريكي ـ الإسرائيلي لإيران.
لقد أعلنت النتائج وكشفت عن فوز أصدقاء إيران في العراق من الشيعة والأكراد معا بالأغلبية النسبية (48% + 26% = 74% أي أكثر من الثلثين بكثير بل أقرب إلى ثلاثة أرباع المجلس الوطني المنتخب)، نتيجة هائلة؟!(20/55)
ربما لكن التدقيق في النتائج وفي مجمل الوضع السياسي العراقي يطرح الكثير من التحديات التي من شأنها التقليل من أهمية هذه النتائج. ويمكن رصد بعض النقاط المهمة التي تؤكد هذا الاستنتاج هي:
1ـ أن اللائحة الشيعية التي يدعمها المرجع الشيعي الأعلى في العراق السيد علي السيستاني (الائتلاف العراقي الموحد) لم تستطع الحصول على الأغلبية المطلقة (50%+1) بل حصلت على 48% وهو ما سوف يحد كثيرا من قدرتها على توجيه العراق نحو السياسات التي تريدها بل إن هذه السياسات ستكون حتما محصلة مساومات مع الكتل والأحزاب الأخرى.
2ـ أن مشاركة حوالي 59% فقط ممن لهم حق الانتخاب في العملية الانتخابية التي قاطعها السنة العرب وشارك فيها بكثافة كل من الشيعة والأكراد في ظل حالة غير مسبوقة من التحفيز والإثارة تكشف أن نسبة الـ 41% التي لم تصوت يمكن إرجاعها إلى السنة العرب بل ربما تكون نسبة السنة العرب أكبر من ذلك لأن أعدادا منهم شاركت فعلا في الانتخابات وكانت أدنى مشاركة انتخابية للسنة هي 2% في محافظة الأنبار.
وإذا كان الأكراد حصلوا على ما يقرب من 26% من الأصوات وهؤلاء أغلبهم من السنة فإن نسبة السنة العراقيين قد تتجاوز وفقا لتلك الإحصائيات 65% من أبناء العراق بما يعني أن الشيعة العراقيين (سواء من العرب أو الأكراد "الفيليين") لا يزيد عددهم عن 35% فقط وليس كما تروج إحصائيات أخرى أنهم 60% من أبناء العراق.(20/56)
هذه النسبة التي كشفها التصويت في الانتخابات قد لا تكون دقيقة تماما بالنسبة لعدد السكان ولكنها مؤشر مهم ينفي ما يروج بأن الشيعة العراقيين هم أغلبية السكان في العراق بل إن السنة هم الأغلبية إذا أخذنا في الاعتبار أن الأكراد ينتمي أكثر من 90% منهم إلى السنة ولكن للأسف ولأسباب سياسية يقسم العراق على أساس طائفي وعرقي معا لإظهار أن السنة هم الأقلية فيقال أن غالبية العراقيين من: الشيعة والسنة والأكراد. والأصح أن العراقيين أغلبهم من المسلمين السنة والشيعة أو نقول أن العراقيين أغلبهم من العرب (سنة وشيعة) والأكراد (سنة وشيعة) إضافة إلى الأقليات الأخرى: الآشورية والتركمانية والكلدانية والمسيحية.
هذه الحقائق تقول أن الانتخابات الأخيرة جاءت لتضع النقاط فوق الحروف بالنسبة للتركيبة السكانية للعراق وجاءت أيضاً لتضع حدودا لمسائل سياسية مثل مسألة الولاء السياسي أو التوجه السياسي الخارجي الذي حاول البعض أن يقول: إذا تركت حرية الاختيار للشعب العراقي فإنه سوف يختار أن يكون حليفا وصديقا لإيران نظر لأن الشيعة هم الأغلبية. صحيح الشيعة نسبة كبيرة من أبناء الشعب العراقي وصداقات إيران لا تقتصر عليهم بل تمتد إلى الأكراد أيضاً لكن ليس كل الشيعة منخرطون في أحزاب دينية شيعية وليست كل الأحزاب الشيعية الدينية تسعى لإقامة نظام حكم ديني على غرار نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية لسبب رئيسي هو أنها ليست قابلة لمبدأ ولاية الفقيه فضلا عن أن التركيبة السكانية للشعب العراقي لن تسمح بفرض مثل هذا النظام إذا أراد الشيعة ذلك.
3ـ أن مستقبل العراق لن يقرره الذين شاركوا في الانتخابات وحدهم بل سيكون للسنة حق الفيتو على الدستور الجديد الذي يعتبر المهمة الرئيسية للمجلس الوطني الذي انتخب دون مشاركة من العرب السنة.(20/57)
هذا الفيتو اكتسبه السنة بمحض الصدفة رغم أنف الأمريكيين الذين وضعوا الدستور المؤقت في عهد حكم بول بريمر للعراق والذي يتضمن نصا يفرض موافقة ثلثي الناخبين في 16 محافظة من أصل 18 محافظة يتكون منها العراق على الدستور الجديد وكان الغرض هو منح الأكراد حق الفيتو على أي دستور لا يرضون عنه حيث أنهم يتركزون في ثلاث محافظات شمالية. والآن بات في مقدور السنة الذين يتركزون في محافظات كثيرة أن يحولوا دون إقرار دستور لا يقبلونه بالتصويت ضده في محافظاتهم ومن ثم لا يحصل ذلك الدستور على موافقة الـ 16 محافظة التي هي الشرط الأساسي لإقراره.
4ـ أن الصراعات السياسية ستكون عنيفة في الأيام القادمة لصعوبة الشروط الموضوعة في الدستور المؤقت لاختيار مجلس الرئاسة (الرئيس ونائبيه) حيث تفرض موافقة ثلثي المجلس الوطني على أي اختيار للمجلس وفي ظل الصراعات الراهنة حول منصب رئيس الجمهورية حيث يطالب الأكراد بهذا المنصب لشخص جلال طالباني متجاوزين ما تم التوافق عليه في التجربة السابقة التي جعلت رئيس الجمهورية عربيا سنيا ورئيس الوزراء عربيا شيعيا ورئيس المجلس الوطني كرديا. الصراع الأعنف سيكون حول منصب رئيس الحكومة حيث يتنافس إبراهيم الجعفري رئيس حزب الدعوة مع مرشح المجلس الأعلى للثورة الإسلامية ومع أحمد الجلبي.
هذه الصراعات سوفي تسئ كثيرا إلى علاقات التحالف الانتخابية وتؤثر سلبا على وحدة مواقف هذه القوى بما يضعف موقف الجميع وهو ما سوف ينعكس حتما على الحليف (الإيراني).(20/58)
5ـ أنه على الرغم من كل من يقال عن ضرورة إشراك العرب السنة في وضع الدستور فلم تتحدد بعد كيفية ولا آليات تحقيق هذه المشاركة خصوصا في ظل الشرط الذي وضعته هيئة كبار العلماء السنية لمشاركة السنة وهو وضع جدول زمني لانسحاب قوات الاحتلال من العراق وهو شرط لا يقدر عليه فرقاء الانتخابات وربما لا يوافق أغلبهم عليه الأمر الذي يزيد من تعقيد الأوضاع. هذه النقاط تؤكد على حقيقة مهمة وهي أنه لا مستقبل للعراق دون وفاق وطني حول هذا المستقبل بين كل أبنائه.
والوعي بهذه الحقيقة سوف ترتب عليه نتيجة مهمة وهي أن يعود القرار العراقي ليصبح وطنيا عراقيا عندها لن يكون أمريكيا ولن يكون إيرانيا.
أتصور أن هذه النتيجة ستكون في صالح إيران لأنها سوف تهدئ من روع كل الذين هالهم الحديث عن "فورة" شيعية في العراق سوف تفيض على كل الدول المجاورة وبالذات دول مجلس التعاون الخليجي المجاورة التي توجد بها أقليات شيعية قوية وفورا تم تجيير هذه الفورة لصالح إيران وبدأ البعض يتحدث عن هلال شيعي تقوده إيران يمتد من إيران إلى شاطئ البحر المتوسط مرورا بسوريا ولبنان.
هذا المناخ بدأ ينعكس سلبيا على الموقف الإقليمي لإيران وزاد من مخاوف دول الجوار إزاء السياسات الإيرانية في وقت تواجه فيه إيران خطر عدوان أمريكي ـ إسرائيلي.(20/59)
في الأيام الأخيرة من شهر يناير الماضي قام جون بولتون مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشئون ضبط التسلح بجولة في عدد من دول مجلس التعاون شملت البحرين والكويت والإمارات كان الهدف منها تحريض دول المنطقة ضد إيران من خلال ترويع هذه الدول من خطر التفوق التسليحي الإيراني وعزم إيران على امتلاك أسلحة نووية. بولتون صرح في المنامة (20/1/2005) قائلا بالنص: "على الرغم من أن إيران لا تمثل تهديداً مباشرا للولايات المتحدة ولا تستطيع أن تشن هجوماً على الولايات المتحدة لكنها تستطيع مهاجمة أصدقائنا وحلفائنا في المنطقة". وأوضح بولتون أن الهدف من جولته هو "تبادل وجهات النظر في التهديد الذي يعتقد أن طهران تشكله بسبب برنامجها النووي وصواريخها بعيدة المدى القادرة على حمل رؤوس نووية.
في ظل هذا المناخ التحريضي الأمريكي ضد إيران في المنطقة لن يكون من مصلحة إيران أن يتم الترويج بأن الانتخابات العراقية سوف تحول العراق إلى قاعدة انطلاق شيعية في المنطقة فحدوث ذلك معناه وضع إيران ضمن حصار إقليمي لا تقبله ولا تريده بل هي تريد العكس وفق ما عبر كمال خرازي وزير الخارجية الإيراني لميشال بارنييه وزير الخارجية الفرنسي أثناء جلوسهما متجاورين في قمة شرم الشيخ وقبالة كولن باول وزير الخارجية الأمريكي (السابق). فقد قال خرازي وفقا لبارنييه أن "إيران ترغب في أن يتم الاعتراف بها كشريك مهم في المنطقة".
هذه الرغبة لن تتحقق في ظل تورط إيران في سياسات استفزازية ضد دول المنطقة والعراق أهم بؤر الاستفزاز الإيرانية ولحسن الحظ جاءت نتيجة الانتخابات متعادلة ودافعة للوفاق الوطني العراقي ويصعب تصويرها على أنها اختراق إيراني للعراق وهذا بدوره مصلحة إيرانية في مقدورها تحقيق انفراج في العلاقات الإقليمية الإيرانية.
الإفراز الديمقراطي للعراق
أسامة سرايا
الاهرام العربي 5 قبراير 2005(20/60)
أعترف بأنني مازلت في موقف محير أو ملتبس , فهل الانتخابات العراقية هي أول تحرك إيجابي للعراقيين لفرض وجودهم منذ الاحتلال؟ أم أنها العقدة الأخيرة التي ستفك النسيج الديني والعرقي في العراق وتبدأ الأمور بعدها في الانزلاق نحو حرب متبادلة؟ !
أعتقد جازما بأنه لا سبيل إلي الإجابة عن هذا السؤال , مهما ملكت من أدوات التحليل وعمق الرؤية , ولا سبيل أمامنا مع كل ما يلف أحداث العراق من مخاوف وآلام إلا أن نتماسك , ونترقب , ونجعل كل عيوننا مفتوحة ترنو إلي ما بعد الانتخابات .
مع الاعتراف والرد السريع والحاسم علي كل المقولات بأننا أمام الديمقراطية الأولي في منطقتنا . فإننا نقول لأصحاب هذا الرأي اهدأوا تماما , فنحن أمام ديمقراطية من نوع خاص لا نعرف كنهها أو حقيقتها , فهي ديمقراطية غامضة .
فلأول مرة تجري انتخابات لا يستطيع الناخبون أو الأغلبية العظمي منهم التعرف إلي أسماء المرشحين , خوفا من اعتداءات المتمردين والرافضين للعملية الانتخابية , فاضطر بعض المرشحين إلي الاختفاء وكأنهم مرشحون بلا وجوه , أو أسماء , أو برامج أو أهداف محددة , فبدت وكأنها حالة غائمة .(20/61)
فنحن نعرف أن الديمقراطية هي إحدي مفردات وآليات الدولة الحديثة , تستخدم لبنائها , لكننا وجدناها هنا تستخدم لبناء دولة طائفية , وندرك أن ديناميات العملية الانتخابية هدفها تحقيق الالتحام الوطني , وأنها وسيلة للاختيار الحر , لكنها في الحالة العراقية الراهنة تستخدم للتأسيس لدولة تقوم علي أسس طائفية , وبدلا من استخدامها كوسيلة لاختيار القيادات والتحام النسيج الاجتماعي , فقد جرت هنا للطلاق بين التحالفات , وبدلا من الالتحام بين فسيفساء المجتمع العراقي , إذا بالانتخابات ( ربما أكون مخطئا وأتمني من قلبي ذلك ) تصبح قطار الغرب السريع للتقسيم وربما تفتيت وطن موحد , بين عراق للأكراد ( كردستان ) وعراق للشيعة ( فيدرالية الجنوب ) وسنة محاصرون في مثلث الموت الدموي .
وقد سألني سائل : كيف تسقط مخاوفك علي يوم العراق الديمقراطي؟ وكيف يكون تاريخيا وحاسما؟ فقلت علي الفور : الإجابة سوف تؤجل إلي ما بعد الانتخابات وكيف سيتصرف المنتصرون؟ فهم يتحولون من حكومة مؤقتة إلي حكومة تحت الاختبار , ومن حكومة بلا شرعية سوي شرعية الاحتلال إذا جاز التعبير , إلي حكومة ربما تبحث عن الشرعية .
ولن تجدها إلا بخمسة شروط :
أولها : احتواء كل أبناء العراق والحفاظ علي هويته العربية .
ثانيها : إنهاء الاحتلال وعودة السيادة .
ثالثها : عدم تقسيم العراق بحجة احترام الفيدراليات والحد من اتساع الانقسام الطائفي والإثني .
رابعها : وضع حد لعمليات الإرهاب والتطرف والقضاء علي الزرقاوي وما يمثله بأيد عراقية وإنهاء تدخل الاحتلال في الشأن العراقي الداخلي .
خامسها : محاكمة النظام السابق ـ بعدالة وسيادة القانون ـ لتكون هذه المحاكمة خاتمة عادلة للظلم والبطش والاستبداد في التاريخ العراقي الحديث .(20/62)
وحتي لا نكون مبالغين , فلنعترف بأن الوضع العراقي الداخلي بعد سنوات الديكتاتورية والحروب والحصار ثم الاحتلال , لا يمكن أن يفرز الوضع الديمقراطي المنشود أيا كان شكله , أو توقعاتنا عنه , إلا أن هذا المولود في كل الحالات صعب القراءة , غير معروف الجنس , أو اللون أو الطعم , أو المستقبل الذي يمثله .
ولكن بما أن الانتخابات أسعدت شعبا وأخرجته من حالة الكآبة والخوف لساعات أو لأيام , فيجب أن نحترمها , فبالرغم من فوضويتها , إلا أنها تشير إلي جذب العراقيين أو حتي محاولتهم إخراج بلدهم المنهار من جهنم .
وتبقي هناك تساؤلات عديدة : ماذا سيفعل الحكام الجدد؟ فهل يكون الشيعة تابعين لشيعة إيران وتحقق الأخيرة أهدافها في المنطقة بالحرب الأمريكية في العراق , وهو ما عجزت عن تحقيقه في حربها هي مع العراق؟ ثم ماذا سيفعلون مع السنة في العراق أولا؟ !
نحن ـ إذن ـ أمام حالة جديدة دولة شيعية عربية لأول مرة منذ انهيار الفاطميين في القاهرة عام .1171
وتستمر التساؤلات : هل يركب شيعة وملالي إيران قطار أو حصان شيعة العراق . لتبديد استقرار المنطقة ويكونون جناحا آخر لتطرف بن لادن والزرقاوي لتصرخ المنطقة من الحالة الجديدة؟ كل شيء ممكن في هذا العالم الصعب , ومتاح , ولا نعرف جميعا ماذا ينتظرنا فالمخاوف ليست قليلة , ماذا سيكشف العراق لنفسه وللعرب في المرحلة القادمة؟ !
ما الذي تخفيه المتغيرات والأوضاع الجديدة للعالم , فالاستخدام الأمريكي الطائش للقوة في العراق لم يكشف عن كل أخطائه بعد , هل يدفع الغرب والأمريكيون ثمن الخطأ الكبير بتسليم المنطقة للدولة الدينية والمتطرفين معا ويهربون بجلدهم من الجحيم الذي ينتظرنا جميعا؟
الواقع يقول لنا إنه عندما تدفع القوة المجتمعات والدول عنوة للسقوط والارتداد من دولة استبدادية إلي دولة دينية فإنها بذلك تفتح المجال للإرهاب والتطرف .(20/63)
ماذا سيحدث في العالم وفي المنطقة الحاضنة للبترول؟ كنا نتصور أن الانتخابات سوف تقلل من حجم التساؤلات والمخاوف فجاءت النتيجة عكسية تماما , زاد كل شيء وقل الأمن والأمان , ولايزال العراق لم يصدر الديمقراطية ولا نعرف ما الذي نستورده منه حتي الآن , أو ما تداعيات الحرب الأمريكية في العراق؟
يارب استر .
الحرس الثوري الإيراني ودورة في تصدير الثورة
مختارات إيرانية العدد 54 يناير 2005
اتهمت نيابة أمن الدولة العليا الحرس الثوري الإيراني بتجنيد محمود دبوس المواطن المصري من مدينة السويس لإرسال معلومات عن مصر والسعودية، والإعداد للقيام بعلميات تخريبية في مصر والسعودية، من خلال محمد رضا حسين دوست الموظف الإداري بمكتب رعاية المصالح الإيرانية بالقاهرة، مما يجعل من الضرورة بمكان التعريف بحراس الثورة الإيرانية ودورهم في تصدير الثورة الإسلامية.
يقول الخميني عن حرس الثورة: لو لم يكن حراس الثورة ما كانت الدولة، إني أوقر الحراس وأحبهم وعيني عليهم، فلقد حافظوا على البلاد عندما لم يستطيع أحد. ومازالوا، إنهم مرآة تجسم معاناة هذا الشعب وعزيمته في ساحة العركة وتاريخ الثورة (جمهوري إسلامي في 15/ 1/ 1984) ويقول هاشمي رفسنجاني رئيس مجمع تحديد مصلحة النظام الإيراني في بيان دور الحرس الثوري: إن جيش حراس الثورة الإسلامية الذي تشكل من أكثر الأشخاص تجربة ونضجا، عليه مسئولية المحافظة على منجزات الثورة ودستورها، لقد كان دور الحراس مؤثرا في إحباط كل مؤامرات القوى الاستكبارية ضد الثورة، سواء في أعمال التخريب أو التضليل أو جبهات القتال، كما قاموا بدور كبير في رفع الروح المعنوية للجماهير، وكان دورهم الفني أهم من دورهم العسكري، وقد غطى جهازهم الإعلامي الاحتياجات الإعلامية، كذلك كان لهم دور كبير خارج البلاد في تصدير الثورة الإسلامية، فأثبتوا أنهم جهاز يمكن الاعتماد عليه. (كيهان في 7/12/1984).(20/64)
وترجع أهمية حراس الثورة إلى أسلوب إنشائه عندما تم تدريب الشباب المتحمس في معسكرات الثوار في مختلف أنحاء العالم على أداء المهام القتالية من الالتحام إلى حرب المدن وحرب العصابات ، ثم كلفوا بحماية قادة الثورة فكان ولاؤهم المطلق للثورة ومبادئها وأهدافها، وتم تحويلهم إلى جيش له قواته البرية والبحرية والجوية فضلا عن وحدات الصواريخ والمصانع الحربية، في 21/ 4/1979م من خلال إدارة عقائدية سياسية على أساس أيديولوجية النظام، فلا يقف واجبه عند حد الدفاع عن البلاد، إنما يتخطاه إلى إقرار الأمن وتعقب أعداء الثورة وتعمير البلاد والدعاية للثورة وتصديرها إلى الخارج. وقد تم إلحاق قوات التعبئة العامة (بسيج) به لإكمال دوره، وقد أكد الخميني على ضرورة تعميم نظام البسيج في العالم الإسلامي،ونشر خلايا مقاومة البسيج في المنطقة والعالم الإسلامي بإدارة صحيحة وتخطيط سليم وتشكيل أصولى لتأكيد استمرار الثورة ورسالتها. (اطلاعات في 23/ 11/ 1993).
ويبدو نشاط جيش الحراس الثقافي بارزا فيما يصدره من مجلات وصحف نوعية ومتخصصة كثيرة، فضلا عن محطة إذاعة خاصة، ومطبعة خاصة لطبع الكتب والنشرات والصور والملصقات، إضافة إلى مساحة كبيرة في محطات الاذاعة وقنوات التليفزيون، وفي مجال التعليم أنشأ جامعة خاصة باسم جامعة الإمام الحسين تضم عددا من الكليات الهندسة والطب والعلوم والإعلام والعلوم الإنسانية والعلوم الإدارية والعلوم الأساسية فضلا عن كليات أكاديمية للعلوم العسكرية مثل القيادة والأركان والحرب الكيماوية وكلية ضباط الحراس وكلية الدراسات العليا.(20/65)
كانت بصمات الحراس واضحة على النشاط الخارجي للنظام بعد حصول اثنين من قادته وهما على محمد بشارتي على منصب تائب وزير الخارجية، وحسين شيخ الإسلام على منصب وكيل وزارة الخارجية، فاستفاد من الغطاء الدبلوماسي في تصدير الثورة الإسلامية إلى دول العالم، كما كان محسن رضائي قائد الحراس يتمتع بحق الاتصال المباشر بالزعيم منذ أن كان حارسا خاصا للخميني. وقد بدأت الجهود الجدية للحراس في تصدير الثورة عن طريق العنف في سبتمبر 1982م عندما شاركت وحدة منهم حزب الله في لبنان ضد القوات الإسرائيلية، ثم توالت أعمالهم العنيفة في شكل أعمال تخريبية في دول الخليج خاصة في المملكة العربية السعودية والبحرين، كما استطاعوا تكوين شبكة من العملاء في أوروبا.
وقد تنوعت أعمال الحراس في هذا المجال بين التدخل السياسي أو العسكري غير المكشوف لمساندة الثوريين الإسلاميين في الدول الأخرى، وأعمال عنف موجهة للمصالح الأمريكية والغربية في مناطق متفرقة، وعمليات سرية ضد الحكومات العربية المحافظة، واغتيال خصوم النظام في الخارج، وتجنيد العناصر المحلية الغاضبة على حكوماتها، وتدريب المتشددين الإسلاميين، والتدريب على خطف الطائرات التجارية، وإمساك الرهائن والمفاوضة حول إطلاق سراحهم، والاستيلاء على شحنات الأسلحة. وقد لقيت أعمال الحراس العنيفة في الخارج معارضة من بعض القادة السياسيين ومنهم الرئيس رفسنجاني الذي سحب بشارتي من وزارة الخارجية وعينه وزيرا للداخلية كما سحب حسين شيخ الإسلام من وكالة وزارة الخارجية.(20/66)
لم يمنع اتخاذ الرئيس خاتمي سياسة إزالة التوتر عملية دعم حراس الثورة, وقد كان متصورا مع تأكيد الرئيس خاتمي على سيادة القانون وتثبيت المؤسسات الدستورية والالتزام بدولة المؤسسات أن يقوم بمراجعة أوضاع المؤسسات الثورية وعلى رأسها جيش الحراس، وقد أثار الإصلاحيون الجدل حول وضع هذا الجيش ومدى دستوريته، وطالبوا بحله أو دمجه في الجيش النظامي، وقد رفض الحراس بعد الدور الكبير الذي قاموا به في الحرب العراقية الإيرانية الاندماج مع الجيش العامل، وأصدروا بيانا شديد اللهجة، جاء فيه: إن حراس الثورة والبسيج قد عقدوا ميثاق الدم مع ربهم وشعب بلادهم على أن لا يكون في إيران زقاق بلا شهيد أو منزل بلا بسيجي، وسوف ينفذون قانون الثورة والحسم الإسلامي لحراسة الحق والعدل دون تردد. (همشهري في 18/4/ 2000) .
وقد ساعد ارتباط الحراس بقيادات النظام على زيادة نفوذهم في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية فضلا عن المجال الأمني والعسكري، وقد استطاعوا بذلك أن يحددوا عمل وزارة المعلومات (المخابرات العامة) في إطار الأمن الداخلي لينفردوا بعملية تصدير الثورة في الخارج، وإن كان قد غلب عليها الطابع الثقافي.
وإذا كان جيش حراس الثورة سوف يظل لفترة قوة ذات توجه أيديولوجي، مع ذلك فإن قوة الحراس ونفوذهم المرتبط بالتوجه الأيديولوجي للنظام الحاكم سوف يضعف مع توخي النظام الاعتدال لتحقيق أهداف براجماتية.
العرب السنة والعملية السياسية في العراق
ياسر الزعاترة الدستور 2/3/2005(20/67)
طمأننا السادة الأعضاء في الائتلاف العراقي الموحد بعد لقائهم بالسيد علي السيستاني، بأن الرجل قد أوصاهم خيراً بإخوانهم من العرب السنة، من حيث ضرورة إشراكهم في العملية السياسية الجارية في العراق. ولم يقل لنا السادة إياهم ما إذا كان (السيد) قد أوصى بـ "كوتا" معينة يتفضلون بمنحها للعرب السنة، كأن تكون العشرين في المئة التقليدية، أم أن ذلك لم يعد ممكناً في هذه المرحلة وحيث يقتتل الإخوة في الائتلاف على المناصب الكبيرة والصغيرة، الأمر الذي سيصعب مسألة توزيع الصدقات على الآخرين. لكن (السيد) ربما ذكرهم بقوله تعالى "وإذا حضر القسمة أولي القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولاً معروفا"!!
نتذكر ذلك في سياق التصريحات الكثيرة التي ترد يومياً على ألسنة مسؤولين كثر في قائمة الائتلاف العراقي الموحد بشأن العرب السنة وضرورة إشراكهم في العملية السياسية، وبالطبع بعد الفوز الساحق للقائمة المذكورة في الانتخابات ومن ثم مساعيها الحثيثة لتشكيل الحكومة.
ما يمكن قوله على هذا الصعيد هو أن التصريحات المشار إليها إنما هي محاولة للإيحاء بأن العرب السنة قد مثلوا دور المتخلف عن المعركة والمحروم تبعاً لذلك من الغنيمة، فيما يمكن لمن حضروا وغنموا أن يتفضلوا بمنحه بعض الصدقات من حصصهم الخاصة من باب الكرم والشهامة.
غير أن واقع الحال يقول غير ذلك، ومخطئ من العرب السنة من تنطلي عليه هذه المعركة النفسية المبرمجة، ذلك أن مشاركة هذه الفئة في العملية السياسية (الحكومة ولجنة صياغة الدستور) ليست من النوافل بحال من الأحوال، بل ضرورة بالنسبة لقائمة الائتلاف، وكذلك الحال بالنسبة للأكراد، ومن وراء الجميع ذلك المحتل الذي يسعى إلى إدارة اللعبة على نحو يقلل خسائره ما أمكنه ذلك.(20/68)
الحكومة الجديدة لا يمكن أن تكون شرعية من دون العرب السنة، الأمر الذي ينسحب على أي دستور يصاغ أو يقر بغيابهم، ولا يحدث ذلك لأنهم المكون الثالث من مكونات الشعب العراقي، وحيث أثبتت أرقام التصويت في الانتخابات أنهم أكثر من ربع السكان في أقل تقدير، بل أيضاً، وهذا هو الأهم، لأنهم يقودون مقاومة شرسة ضد الاحتلال يدرك سادة الائتلاف أنها هي التي منحتهم فرصة التمتع بالانتخابات ومن بعدها الفوز الساحق، وهي بالمناسبة مقاومة لا يمكن أن تتوقف باعتقال الزرقاوي أو اغتياله كما يتردد منذ أيام، والسبب هو أنها مقاومة نابعة من ضمير العراقيين الشرفاء وليست مستمرة بقرار من الخارج، مع أن مساعدة أي عربي أو مسلم لهم لست عيباً بل شرف وفضيلة إذا ما انسجمت مع خطهم العام في مقاومة الاحتلال.
من هنا يمكن القول ان القوى المهمة في العرب السنة، وعلى رأسها هيئة علماء المسلمين والحزب الإسلامي ستكون مخطئة إذا ما تعاملت بإيجابية مع اللعبة الجديدة، ذلك أن فعلاً كهذا سيكون بمثابة اعتراف بخطأ مقاطعة الانتخابات، وهو أمر ليس صحيحاً بحال، بل لا بد من المضي قدماً في تكريس الخطاب الرائع الذي تبناه مؤتمر القوى المناهضة للاحتلال الذي عقد مؤخراً بمشاركة سنية وشيعية وحدد سبعة مبادئ للتعامل مع المرحلة الجديدة، أهمها جدولة انسحاب قوات الاحتلال من العراق والاعتراف بحق الشعب العراقي في مقاومة المحتلين، ورفض مبدأ المحاصصة الطائفية في بناء العراق الجديد.(20/69)
خلاصة القول أن إشراك العرب السنة في العملية السياسية ليست منّة من ائتلاف السيستاني عليهم، بل استدراج لهم لمنح الشرعية لانتخابات مرفوضة لا تملك الحد المقبول من الشرعية، ومعها لمسار سياسي يرفض مطالبة قوات الاحتلال بالرحيل بدعوى الحاجة إليها، مع أنها هي سبب التدهور الأمني، بل سبب كل المصائب التي تحل بالعراق وأهله، اللهم إلا إذا كان هناك من يعتقد أن جورج بوش رئيس جمعية خيرية وليس دولة إمبريالية يدرك معظم البشر في الكون حقيقتها.
"الفائز الأكبر" و "الخاسر الأكبر"!
جواد البشيتي ، العرب اليوم 15/ 2/ 2005
بحسب النتائج النهائية، المعلنة رسمياً، كانت نسبة المشاركة في انتخابات "الجمعية المؤقتة" في العراق 59% فمن بين "الناخبين المسجلين"، الذين يقدر عددهم بنحو 14 مليون ناخب، شارك في الانتخابات نحو 8.5 مليون ناخب. وينبغي لنا أن نتذكر أن عدد " الناخبين المسجلين" يقل عن عدد الذين "يحق لهم الاقتراع" من العراقيين. هناك نحو 5.5 مليون ناخب من "الناخبين المسجلين" قاطعوا الانتخابات، فإذا علمِنا أن الغالبية العظمى من الناخبين المسجلين من الشيعة والأكراد قد شاركوا في الانتخابات فإن الناخبين المسجلين من السنة العرب الذين قاطعوا يؤلفون الغالبية العظمى من المقاطعين، الذين يقدر عددهم بنحو 5.5 مليون ناخب. هاذ يعني أن السنة العرب كانوا سيأتون في المرتبة الثانية بعد الشيعة العرب لو أنهم شاركوا في الانتخابات، أما الآن فلا حصة تذكر لديهم من مقاعد "الجمعية" التي ستتولى كتابة دستور دائم للعراق، يجب أن يقر في استفتاء شعبي، فتجرى وفقه انتخابات عامة جديدة، تنبثق منها حكومة دائمة شرعية.(20/70)
الائتلاف الانتخابي الشيعي العربي، الذي أقامه ودعمه السيساني، والمسمى "الائتلاف العراقي الموحد"، نال حصة الأسد من المقاعد (نحو 140 مقعداً) تلاه الائتلاف الانتخابي الكردي (المؤلف من الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني) الذي نال نحو 75 مقعداً، أما لائحة رئيس الوزراء المؤقت إياد علاوي فحلت في المرتبة الثالثة بنيلها 40 مقعداً، ويدعي قادة هذه اللائحة أن حزبهم (حركة الوفاق الوطني) المؤلف لها جاء في المرتبة الأولى بين "الأحزاب" في "الجمعية" بينما جاءت لائحة السيستاني في المرتبة الأولى بين "القوى الائتلافية"، اللائحة التي مُنيت بفشل ذريع كانت لائحة الرئيس المنتهية ولايته السني غازي الياور، فوزنه العشائري القوي (الافتراضي) لم يُترجم إلا بوزن انتخابي في منتهى الضآلة، إذ نالت لائحته 5 مقاعد، هذا يؤكد أن البعدين القومي والطائفي في "المقاطعة السنية" قد تغلبا، في حالة الياور، على العصبية العشائرية التي كان يأمل في جعلها قوة انتخابية له.
إذا صحت "الأرقام" و "النسب" المنشورة في الصحافة فإن 24 لائحة ستنال نحو 288 مقعداً من مقاعد "الجمعية" التي لا يزيد عدد مقاعدها عن 275!
وهذا الخطأ الكبير في"الأرقام" و "النسب" (الفوز بنحو 13 مقعدا إضافيا) يقترن بخلل سياسي (برلماني) كبير، فهناك نحو 20 لائحة لم ينال كل منها أكثر من 3 مقاعد، والغالبية من هذه للوائح نال كل منها مقعداً واحدً.
الفوز الانتخابي "العظيم" للائحة السيستاني، والذي جاءت به قوة العصبية الطائفية المنافية لجوهر التطور الديمقراطي للعراق، حمل أحد أبرز قادة هذه اللائحة وهو إبراهيم الجعفري على تشويه وتزوير بعض الحقائق السياسية المهمة إذ اعتبر مشيداً بالنتائج الانتخابية أن هذا "الإنجاز الانتخابي والديمقراطي"، والذي سيترجم بقيام حكومة جديدة، قد تم تحت مظلة الأمم المتحدة.(20/71)
الآن ستبدأ "لعبة المقايضة" بين "الفائزين" و "المقاطعين"، فالمقاطعون السنة يملكون حق النقض (الفيتو) الذي قد يستخدمونه في "الاستفتاء الشعبي" لمنع إقرار الدستور الذي كتبته "الجمعية" غير الممثلين فيها بسبب مقاطعتهم للانتخابات، فإذا استخدموه فلا مفر، عندئذ من انتخاب جمعية مؤقتة جديدة، والدوران، بالتالي، في حلقة مفرغة. وعليه، لا بد لكتبة الدستور من النواب الشيعة والأكراد من كتابته في طريقة ترضي السنة العرب، فتحملهم، بالتالي، على المشاركة في إقراره في الاستفتاء الشعبي.
في هذه اللعبة تكمن بذور "الحرب" و "السلام" فإما تتمخض "لعبة المقايضة" تلك عن صراع طائفي مدمر وإما تتمخض عن صلح طائفي، يؤدي إلى قيام عراق، يملك من "الوحدة" و "الديمقراطية" و " الاستقلال" و "السيادة" ما يسمح به "التصالح" و "التوازن" بين ممثلي "الجماعات العراقية" المختلفة التي لا يمكنها تأكيد وجودها إلا على أنقاض "الوحدة القومية الديمقراطية" للشعب العراقي، الذي كان الخاسر الأكبر في انتخابات 30 كانون الثاني المنصرم!
"الهلال الشيعي" بين الحقيقة والوهم
محمد أبو الفضل ، باحث وصحفي بجريدة الأهرام
مختارات إيرانية العدد 54 يناير 2005(20/72)
يبدو أن حديث المثلثات السياسية يقتصر على العراق، حيث يكون الضلع الرئيسي فيه، فبعد ابتداع المثلث السني أضيفت للأدبيات السياسة الجديدة المثلث الشيعي، كعبارة موجزة تنطوي على دلالات كبيرة، لاسيما أنها استمدت زخمها من تطورات الأزمة العراقية وما يكتنفها من تعقيدات على مستويات مختلفة، وهي تكشف في جوهرها عن شعور بعدم الارتياح من هيمنة الشيعة في العراق على الحياة السياسية هناك، بعد عقد طويلة من الإقصاء والتهميش، فإذا أجريت الانتخابات التشريعية في الثلاثين من يناير 2005 بصورة حيادية، فمن المتوقع أن يتبوأ الشيعة ـ الأغلبية ـ مكانة كاسحة في النظام العراقي الجديد، خاصة أن المؤشرات الراهنة تؤكد وجود مقاطعة سنية (جزئية) لهذه الانتخابات، التي انتبهت لأهميتها إيران وبدأت عملية طويلة من ترتيب أوراقها لصعود أغلبية موالية أو متعاونة معها، الأمر الذي أثار هواجس مختلفة لدى عدد من الدوائر الإقليمية والدولية، خشية تمدد الطموح الإيراني لما وراء العراق، أي إلى لبنان وسوريا، حيث تسكنها جماعات شيعية تتمتع بعلاقات وثيقة مع طهران، فضلا عن الحرارة المتصاعدة في صفوف شيعة دول الخليج، لذلك من حق دولة مثل الأردن أن تقلق من هذه البوادر، التي يمكن أن تحمل تغيرات واضحة في خريطة المصالح السياسية والاقتصادية لبعض دول المنطقة، وتجذب الترتيبات الاستراتيجية لبعض الدول الكبرى بعيدا علن أهدافها.(20/73)
والواقع أن الحديث عن المثلث أو الهلال الشيعي جاء على لسان العاهل الأردني أثناء زيارته للولايات المتحدة في أوائل شهر ديسمبر عام 2004، عندما حذر في تصريح نشرته "الواشنطن بوست" في الثامن من ديسمبر من وصول حكومة موالية لإيران إلى السلطة في بغداد تعمل بالتعاون مع طهران ودمشق "لإنشاء هلال يخضع للنفوذ الشيعي يمتد إلى لبنان ويخل بالتوازن القائم مع السنة". وهو ما يعزز الاستنتاجات الرائجة حول مركز العراق في المنظومة الإقليمية. وفي إشارة لافتة قال الملك عبد الله الثاني "أن إيران تجد مصلحتها في إقامة جمهورية إسلامية في العراق، وهي تمول نشاطات خيرية عدة في هذا البلد لتحسين صورتها، وشجعت أكثر من مليون عراقي على عبور الحدود للتصويت في الانتخابات العامة وفقاً لرغبتها". وفي تصريحات أخرى من القاهرة أكد هاني الملقي وزير الخارجية الأردني في الثاني والعشرين من ديسمبر 2004 أن لدى بلاده أدلة كافية "تبين أن هذا الخطر قائم وأن عروبة العراق في خطر". وبالتالي فالمسألة تتعلق بضرورة ابتعاد طهران عن التأثير في العملية السياسية داخل العراق، وحض الدول العربية الأخرى على دعم المخاوف الأردنية.
اشتباك سياسي(20/74)
الحاصل أن تصريحات الملك عبد الله الثاني ووزير خارجيتة تتناغم مع التهديدات التي أطلقها كبار المسئولين في الحكومة العراقية المؤقتة (الرئيس غازي الياور ورئيس الوزراء اياد علاوي ووزير الدفاع حازم الشعلان والداخلية فلاح النقيب)، وهي تأتي أيضا استكمالا لدعوة مروان المعشر وزير الخارجية الأردني السابق في تصريح لشبكة "ان.بي .سي" في 27 أبريل عام 2003 حض فيه الولايات المتحدة على ضرورة الحرص على عدم استبعاد أي فئة في المجتمع العراقي المدني حتى لا تتولى الحكم "سلطة دينية على غرار النموذج الإيراني المجاور". وتذكر هذه التحذيرات بوثيقة سبق أن وضعها حزب الدعوة الشيعي العراقي في بداية الثمانينيات، عندما انتصرت ثورة الخميني في إيران، أشار فيها إلى ما وصف في ذلك الوقت بالهلال الشيعي الممتد من شمال أفغانستان حتى جبل عامل في جنوب لبنان.
وبرغم الفارق الظاهر بين مكونات "الهلالين" إلا أنهما يعبران عن قلق بالغ من الأمنيات الخارجية في الأجندة الإيرانية، وأن العقلانية التي تتصف بها سياسية طهران حاليا بقيادة الرئيس محمد خاتمي بداخلها محتويات غير مهضومة لدى عدد من الأوساط الإقليمية. ما يشير إلى أن الخطوات الإيجابية التي سلكتها إيران تجاه دول الجوار معرضة للاهتزاز، على ضوء ما بدا من ارتياح في بعض الدوائر العربية للتحذيرات الأردنية، وحاول حميد رضا آصفي الناطق باسم الخارجية الإيرانية في رده (12 ديسمبر 2004) دحض هذه الاتهامات قائلا أن ملاحظات العاهل الأردني "غير واقعية وغير مسئولة وتتضمن إهانة واضحة للشعب العراقي، وتأتي في وقت يضغط فيه النظام الصهيوني على العالم الإسلامي".(20/75)
واللافت للانتباه أن هذا الاشتباك السياسي الحاصل حاليا يتزامن مع بعض التطورات التي تعكس خوفا زائدا من تصاعد حدة الانفلات في العراق، فالاستعداد لإجراء الانتخابات العراقية يتم وسط ارتفاع حجم المشكلات التي تعانيها القوات الأمريكية، والتي درجت على توجيه الاتهام للأصابع الخارجية، تحديدا إيران وسوريا، دون الاعتراف بإخفاقها في تحقيق الأمن والاستقرار في العراق. كما تترافق مع إعلان غالبية الطائفة السنية مقاطعة الانتخابات. من هنا تحمل جملة التصريحات والتحذيرات المتناثرة رسالة لدفع السنة للمشاركة بفعالية في الانتخابات، لأن المقاطعة من وجهة نظر العاهل الأردني، قد يترتب عليها استبعاد مصالح جزء من المجتمع العراقي في الدستور الجديد، هو العلم الأحمر بالنسبة لمستقبل العراق، وإذا استبعد تمثيل طائفة السنة في كتابة الدستور، فإن هذا قد يدفع إلى تمزيق العراق مع خطر اندلاع حرب أهلية، وتتضافر هذه التقديرات مع ما نشرته الصحافة الأمريكية أخيرا بشأن تكهنات بوجود سيناريو أمريكي لغزو إيران على ثلاث مراحل خلال أسبوعين، لكن عائقه الوحيد العراق، ويقوم على ضرب معسكرات الحرس الثوري والمفاعلات النووية ثم الزحف من خمسة اتجاهات نحو طهران، وبصرف النظر عن الأهداف الدعائية وراء هذا السيناريو، فإنها تؤكد أن الملف الإيراني يمكن أن يصبح حالة إقليمية ودولية في آن واحد.(20/76)
وفي محاولة للتدليل على صواب كلام الملك عبد الله أشار صالح القلاب وزير الإعلام الأردني السابق (الشرق الأوسط 15/12/2004) إلى أن الهلال السياسي الشيعي يعني في نظر الأردن، حراس الثورة وبعض الفئات التنظيمات العراقية التي يتعاون معهم، وتشكل لهم ولتطلعاتهم وخططهم رأس جسر نحو دول عربية أخرى، ومن بين هؤلاء جيش محمد البعثي وتنظيم القاعدة وأبو مصعب الزرقاوي والعديد من قادة فروع حزب البعث الذين أصبحوا أعضاء في بعض أجهزة المخابرات الإيرانية، والتي بات يسيطر عليها المحافظون والمتطرفون الذين يرفعون شعار تصدير الثورة الخمينية علنا، ويسعون لأن يشمل ظل الولى الفقيه عددا من الدول العربية.
ومع أهمية هذا الكلام وغيره، إلا أنه يفتقر إلى الأدلة والبراهين التي تعزز صوابه، علاوة على أن وجود علاقة بين طهران والمعارضة العراقية بأطيافها المختلفة لا يمثل خروجا على النص فغالبية الدول تحتفظ بشكل أو بآخر بعلاقات مع معارضين في دول أخرى، وبحكم التداخل الكبير والحسابات المتشابكة من الطبيعي أن يدافع كل بلد عن مصالحه بالطريقة التي يراها مناسبة، دون تدخل في جدول أعمال الآخرين.
هواجس أردنية وعربية:(20/77)
على ضوء المعطيات السابقة يقدم التركيز على ما يوصف بالهلال السياسي الشيعي أربعة محددات رئيسية: الأول، تنامي دور الشيعة في المنطقة الذي سيتزايد عقب اتساع نطاق تأثيرهم في الحكم العراقي وظهور نظام ضمن مكوناته أغلبية شيعية عراقية. والثاني، صعود نموذج حزب الله الشيعي في جنوب لبنان أضحت تقلق دوائر اقليمية كثيرة، في مقدمتها الأردن وهي في منتصف نموذجين قريبين منه حيث من الراجح أن يدغدغ هذا الصعود مشاعر شيعة جنوب الأردن. الثالث، عدم إخفاء طهران دعمها للمقاومة في لبنان وفلسطين يمثل قلقا بالغا للحكومة الأردنية التي أعلنت اعتراضها أكثر من مرة لاستضافة طهران قيادات إسلامية متشددة، ما يعطي دعما للتيار الإسلامي الحاضر في الساحة الأردنية. والرابع يتعلق بهواجس عمان من زيارة آلاف الإيرانيين الشيعة لمحافظة الكرك بجنوب الأردن سنويا، في رحلات سياحية لإحياء يوم عاشوراء إلى جانب أضرحة الصحابة الذين استشهدوا في معركة "مؤته" ويحرصون كذلك على زيارة مؤسسة وجامعة "آل البيت" التي أنشأها الأمير الحسن بن طلال، وتحوي عددا من أقدم مخطوطات وكتب الشيعة والكثير من الدراسات التي تهدف للتقريب بين المذهبين السني والشيعي.
ويمكن القول أن هناك عدة دلالات للقلق الأردني لخوض معركة سياسية طويلة للحد من أي طموحات إيرانية كبيرة في المنطقة، وقد تؤدي إلى تغييرات جيو ـ استراتيجية. وبالتالي المساعدة، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، في تهيئة المسرح لمزيد من تطويق إيران، بما يؤثر سلبا على العلاقات الطيبة التي كانت سائدة بين طهران وعمان والتي عكستها زيارة العاهل الأردني لإيران في الثاني من سبتمبر عام 2003، فبموجبها طويت الصفحة القاتمة التي طغت على علاقاتهما إبان حكم صدام حسين.(20/78)
ومن الواجب الاعتراف بأن للأردن مصالح حيوية في العراق يصعب تجاهلها، ويبدو الاهتمام بالحد من الدور الإيراني في العراق حيث أنه يعطي ميزة للأردن، وحيث يجري تصوير المشهد باعتبار عمان هي الحامية للأغلبية السنية في المنطقة، لكن الخطورة أن تؤثر المخاوف الأردنية وتداعياتها العملية على العلاقات مع سوريا التي تتسم بالتطور الإيجابي، ومع لبنان التي تظهر على قسماتها علامات هدوء واضحة.
وتتعاظم الصعوبات الإقليمية أمام إيران، ويمكن بلورة تحديات أساسية أولاها التحفظ والرفض العربي لأي دور إقليمي لإيران، والذي ظهرت تجلياته الأخيرة في فرملة علاقاتها مع مصر، بعد الإعلان عن وجود شبكة للتجسس يقودها إيراني مسئول في مكتب رعاية المصالح بالقاهرة وآخر مصري، والخوف الخليجي من البرنامج النووي الإيراني الذي كشفته مؤخرا مجموعة من الكتابات والتصريحات. وثانيتها تأثيرات القضايا السورية المعلقة مع الولايات المتحدة وما يمكن أن ترخيه من ظلال سلبية على العلاقات مع إيران، بالإضافة إلى ظهور ملامح لتوجهات لبنانية بعيدة عن دمشق.وثالثتها، أن الوجود الأمريكي في المنطقة الغربية من إيران يساهم مباشرة في تعطيل أي سناريو للتمدد الإيراني وتصبح التقديرات المتعاظمة لما يسمى بالهلال السياسي الشيعي أمنيات أكثر منها توقعات، وهو ما يسمح باتخاذها ذريعة لمزيد من تطويق إيران، ومدخل يحدد قسمات التوازنات المطلوبة في المنطقة.
روليت العلاقات المصرية ـ الإيرانية
أ.د.محمد السعيد عبد المؤمن ، أستاذ الدراسات الإيرانية بجامعة عين شمس
مختارات إيرانية العدد 54 يناير 2005(20/79)
أصبح مفهوم العلاقات المصرية ـ الإيرانية أكثر تعقيدا من المعنى المتعارف عليه لمفهوم العلاقات، بل لعله أصبح أقرب للعبة (الروليت) بقواعدها المعروفة منه للعبة السياسة بأصولها المتداولة، أنا لا أقصد ـ بطبيعة الحال مسألة العشوائية في هذه اللعبة ـ لكن عناصر اللعبة التي لا تتحد في انتظار نتيجة يأتي بها الحظ أو الغش، إن هذه المفارقة ـ في نظري ـ ترجع إلى افتقاد الخصوصية التي ينبغي أن تكون للعلاقات المصرية ـ الإيرانية، حيث يسيطر عليها ويوجهها لاعبون من الخارج أو المناخ الخارجي المرتبط بأحداث المنطقة والعالم، ومن ثم أصبح علينا أن ندرس هذه العلاقات من خلال المؤثرات الخارجية قبل أن ندرسها من خلال المؤشرات الداخلية الخاصة بطرفيها، حيث أن تحديات هذه العلاقات أصبحت إقليمية في المقام الأول، ثم عالمية في المقام الثاني، ثم داخلية في المقام الثالث، وهو أمر لا يدعو للاستغراب والدهشة مع متابعة الأحداث المتلاحقة التي تدخل في إطار رسم خريطة جديدة لمنطقة الشرق الأوسط، وتطبيع النظام العالمي الجديد فيها.(20/80)
إن تراجع العلاقات المصرية ـ الإيرانية في الفترة الأخيرة والتي أكدها ما نشر حول قضية التخابر الإيراني ضد مصر، ليس محصلة طبيعية للمساعي المبذولة من الطرفين للتقارب والتنسيق وإعادة العلاقات الدبلوماسية، وقد كانت تدعو للتفاؤل إلى الحد الذي بات البعض يتوقع عودة هذه العلاقات بين ليلة وضحاها، حتى ذلك الجو من التفاؤل الذي ساد اللقاءات بين الجانبين مثل اشتراك الدكتور عثمان محمد عثمان وزير التخطيط المصري على رأس وقد اقتصادي مصري في الدورة التاسعة والعشرين لبنك التنمية الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي والتي عقدت في العاصمة الإيرانية طهران، حيث لقي الوفد المصري اهتماما كبيرا في طهران سواء من جانب المسئولين الإيرانيين التنفيذيين والتشريعيين، أو من جانب الأحزاب المحافظة والإصلاحية، أو من جانب أجهزة الإعلام والصحافة والأجهزة الشعبية. ورغم أن الدكتور عثمان محمد عثمان وزير التخطيط المصري لم يكن أكثر من ممثل لبلاده في اجتماعات البنك، إلا أن الرئيس الإيراني محمد خاتمي قد حرص على لقائه، واستقبله استقبالا رسميا في مكتبه برئاسة الجمهورية، وعندما سأله الصحفيون الإيرانيون عقب اللقاء ما إذا كان يحمل رسالة من الرئيس محمد حسني مبارك إلى الرئيس محمد خاتمي حول العلاقات بين مصر وإيران، اضطر إلى القول بأنه يحمل رسالة شفوية، باعتبار أنه ليس وزيرا للخارجية الذي يحمل الرسائل الرسمية المكتوبة. كما داعب الصحفيين بقوله: إنه سوف يقابل الرئيس خاتمي نيابة عن الرئيس مبارك.(20/81)
وقد استضافت الصحيفة الإصلاحية الواسعة الانتشار شرق (الشرق) الوزير المصري وأجرت معه حوارا نشرته في صدر صفحتها الأولى تحت عنوان: "رسالة مبارك لخاتمي" قام رئيس التحرير بسؤال الوزير المصري عددا من الأسئلة الذكية التي يتحسس بها الموقف المصري من العلاقات مع إيران، وقد بدأ أسئلته بما دار في اللقاء الذي تم بين الوزير المصري والدكتور صفدر حسيني وزير الاقتصاد الإيراني، حيث أكد الدكتور عثمان على نمو العلاقات بين البلدين في مختلف المجالات الاقتصادية، وقال إنه رغم تدني مستوى ميزان التبادل التجاري بين البلدين إلا إن المسئولين قد قروا التوسع في العلاقات الاقتصادية، مشيرا إلى أن إيران في ظل حكم الرئيس خاتمي قد حققت تقدما اقتصاديا ملحوظا خلال السنوات السبع الماضية، بمعنى أنها بدأت تحولا اقتصاديا هاما، وإن مصر مهتمة بالاستفادة من التجارب الإيرانية في هذا القطاع، وأكد الدكتور عثمان أن عصر العولمة الذي نعيش فيه قد ساهم في وجود تكتلات اقتصادية كبيرة، وهو ما يجعل مصر وإيران في حاجة إلى مزيد من التنسيق للوجود المنسجم والأكثر فعالية في الساحات الإقليمية والدولية.
وقد أكد الوزير المصري أيضا أن مصر بلد ناجح في مجال الإنتاج الغذائي وأن السوق الاستهلاكية الإيرانية هدف مناسب لتصدير هذه الإنتاج، وأن مصر في نفس الوقت تواجه مشكلة في إنتاج القمح، ويمكن القضاء على هذه المشكلة بالاستفادة من التجربة الإيرانية في تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح. كما أكد الدكتور عثمان أن من المسائل الهامة التي تباحث فيها مع زير الاقتصاد الإيراني هي دعم علاقات القطاع الخاص في البلدين، كما أشار إلى أنه دعا الوزير الإيراني لزيارة مصر لاستكمال المباحثات وأن الدكتور صفدر حسيني قد وعد بزيارة مصر، مؤكدا على أن دعوة المسئولين الإيرانيين لزيارة مصر توفر لقاءات متتابعة للنقاش والبحث التقييم، وهو ما يدعم العلاقات بين البلدين.(20/82)
ومن الأسئلة الاختبارية التي وجهها رئيس التحرير للدكتور عثمان سؤال يتعلق بإمكانية دعم السائحين الإيرانيين للسياحة المصرية، مشيرا إلى وجود موانع تعترض حصول السائحين الإيرانيين على تأشيرات دخول إلى مصر، وما يمكن للوزير المصري بذله من جهود لتذليل هذه العقبة، فأجاب الدكتور عثمان بأنه سيطلب من السفير المصري في طهران سرعة العمل على إزالة مشكلة إصدار تأشيرات دخول مصر للتجار والمنتجين والسائحين الإيرانيين.
كما سئل الوزير عثمان عن موقف الرئيس مبارك من إيران منذ لقائه مع الرئيس خاتمي على هامش قمة المعلومات التي انعقدت في جنيف في 10 ديسمبر عام 2003 فأجاب بأنه التقى مع الرئيس مبارك قبل سفره إلى إيران، حيث اتضح له في هذا اللقاء اهتمام الرئيس مبارك الخاص بدعم العلاقات مع إيران في المجالات السياسية والاقتصادية، مبديا سعادته بهذه الفرصة، وأنه طلب منه شفويا دعوة الرئيس خاتمي لزيارة مصر.
وحول سؤال آخر عن الموانع التي تعترض عودة العلاقات السياسية بين البلدين، قال الوزير عثمان: "لقد كان عدم وجود إحساس طيب من المسئولين المصريين تجاه تسمية أحد شوارع طهران باسم خالد الإسلامبولي الذي اغتال الرئيس أنور السادات أحد هذه الأسباب، وإزاء تغيير اسم الشارع فقد زال هذه الشعور، كما أن سائر المعوقات ليس من النوع الذي يمكن أن يعوق دعم العلاقات بين مصر وإيران، إضافة إلى أن ديون مصر لإيران يمكن تسويتها من خلال مباحثات ثنائية".(20/83)
ولقد كان اشتراك السيد حبيب العادلي وزير الداخلية المصري في مؤتمر وزراء داخلية دول الجوار للعراق أمرا باعثا على التفاؤل، خاصة مع محادثاته مع وزير الداخلية الإيراني عبد الواحد موسوي لاري، ولقائه بالرئيس الإيراني خاتمي، إلى الحد الذي جعل الإيرانيين يعدون مشروعات مشتركة في مجال المياه والري انتظارا لزيارة الدكتور محمود أبو زيد وزير الري المصري لطهران بدعوة من وزير الطاقة الإيراني، حيث صرح الدكتور رضا أردكانيان وكيل وزارة الطاقة لشئون المياه أن هناك علاقة وثيقة بين مصر وإيران في مجال المياه عبر التعاون الإقليمي والدولي، وأن علاقة رفيعة المستوى خططت بين المركزين الإقليميين لإدارة المياه وتبادل الخبرات في مصر (rctws) وإيران (rcuwm).
كذلك المؤتمرات الإقليمية التي عقدت مؤخرا، واشترك فيها ممثلون عن الجانبين المصري والإيراني، سواء في شرم الشيخ أو في طهران، ثم الندوة الرابعة للعلاقات المصرية ـ الإيرانية التي عقدها مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام بالتعاون مع معهد الدراسات السياسية والدولية التابع لوزارة الخارجية بطهران تحت عنوان: "التداعيات الإقليمية للاحتلال الأمريكي للعراق"، واشترك فيها نخبة من معهد الدراسات السياسية والدولية بوزارة الخارجية الإيرانية وخبراء وباحثو مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، ونخبة من مفكري المركز والجامعات المصرية، ورغم الخلافات التي بدت واضحة بين وجهات النظر المصرية والإيرانية، فيما احتوته الأوراق المقدمة، والتي اتخذت طابعا أصوليا، إلا أن الرغبة كانت واضحة للتقدم نحو فهم مشترك وتقدير للمنطلقات والمواقف، بل لعل هدف الوصول إلى حلول للتحديات التي تعوق تطبيع العلاقات في المجالات المختلفة السياسية والاقتصادية والثقافية كان مشتركا بين الفريقين.(20/84)
ربما يلقي الإيرانيون باللائمة على الجانب المصري لأنهم يريدون العودة للأصولية كأساس للنقاش والتفاهم، بينما يرجح المصريون التعامل بواقعية مع ظروف المنطقة، ومن ثم فإن الإيرانيين يرجعون تأخير التلاقي إلى الجانب المصري بسبب مشكلة خلافية بين أجنحته السياسية، والتي يرون أنها لن تحل إلا بإرجاعها إلى الفكر الأصولي، وهم يقصدون بذلك الأصولية الإسلامية المتحركة من خلال اجتهاد فقهي يتطور بها عبر الأحداث والظروف.
كما يؤكد الإيرانيون أن تقييم المصريين لعنصر المصلحة الناتج عن العلاقات بين البلدين تقييم سطحي يقوم على متغيرات وليس على ثوابت، وأن تجاهلهم العمق الحضاري لهذه الروابط في مختلف أبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، يفقدهم قاعدة أصولية في تقييم هذه العلاقات، فضلا عن القدرة على استقراء مستقبلها. وهذا الرأي الإيراني في نظري هو جوهر الخلاف الذي يؤدي إلى سوء الفهم وإلى الاستنتاجات الخاطئة، ويعتبر عرض قضية التخابر الإيراني ضد مصر ورد الفعل الإيراني عليها خير شاهد على ذلك.
وإذا كانت القضية قد عرضها الجانب المصري في ثوب قانوني مع صراحة اتهام أحد العاملين الإيرانيين في مكتب رعاية المصالح، فقد حاولت الصحف القومية أن تفرق بين الحكومة الإيرانية التي يسيطر عليها الإصلاحيون، وبين الحرس الثوري الذي تم التخابر لصالحه، والذي يسيطر عليه المحافظون ويخرج عن سيطرة الحكومة، بغض النظر عن مدى دقة الصحف في هذا العرض إلى أنه يبدو متعارضا مع الرسالة التي تصورها الجانب الإيراني عن هذه القضية،وهو ما يعكس سوء الفهم والاستنتاج الخاطئ.(20/85)
وإذا كان السفير أحمد العمراوي رئيس جمعية الصداقة المصرية ـ الإيرانية قد حاول أن يخفف وقع الصدمة بقولة: ليس معنى قيام إيران بذلك العمل أن إيران توافق رسميا على الأنشطة المضادة لمصر، فهذا ما لا يتفق مع وجهة نظر بعض المحللين، فقد قالت صحيفة الشرق الأوسط: هذه القضية تجعل العلاقات بين البلدين تعود من جديد إلى نقطة الصفر،وربما تكون الدلائل الظاهرة متفقة مع رأي صحيفة الشرق الأوسط، وربما أيضا يشاركها الرأي كثير من المحللين ومنهم إيرانيين، حيث يعتقد كثير من الإيرانيين الرسميين أن سيناريو هذه القضية رغم كونه متداخلا وغير منسجم، وتبدو فيه آثار أصابع صهيونية أمريكية، إلى أنه يمثل رسالة واضحة إلى إيران تفيد عدم رغبة الجانب المصري في تطبيع العلاقات معها في الوقت الحالي على الأقل، ورغم امتناع رئيس مكتب رعاية المصالح الإيرانية بالقاهرة عن التعليق أو الحوار عبر وسائل الإعلام، ورغم حرص المتحدث الرسمي الإيراني على نفي الاتهام مع عدم مهاجمة الجانب المصري، ورغم حرص الصحف الإيرانية حتى المتشددة منها على عدم إبداء رأي صريح في القضية، إلا أن من الواضح وجود دهشة واستنكار لدى الإيرانيين، نتيجة لرؤيتهم عدم جدوى إبراز هذه القضية في الوقت الراهن، لأنها لا تخدم مسيرة التنسيق والتفاهم بين الجانبين، ولا تحقق فائدة للجانب المصري، ولن يكون لها مقابل عند الولايات المتحدة الأمريكية أو إسرائيل وستؤدي إلى إحداث جرح لدى الرأي العام الإيراني لن يبرأ لوقت طويل.(20/86)
وقد نشط المسئولون وأجهزة الإعلام الإيرانية وخاصة الصحف في متابعة هذه القضية، ولكن بحذر شديد ومن خلال التلميح لا التصريح، وكان أبرز التصريحات هو ما صدر عن وزارة الخارجية الإيرانية، فقال حميد رضا آصفى المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الإيرانية عن القضية: إنها سيناريو مملوء بالتحريض والحقد خطط له تحت تأثير أعداء إيران، وليست هناك أية مستندات تدعمها، وأن إيران نفسها ضحية للإرهاب،وموقفها من الإرهاب واضح وصريح تماما، وسياسة إيران أصولية، ومثل هذا الادعاء يخدم السياسات الصهيونية على حساب مصالح دول المنطقة.
أكد وزير الخارجية الإيراني كمال خرازي هذه المعنى في تصريحه عقب لقاء وزير خارجية جنوب أفريقيا في طهران، عندما قال: إن هذا الاتهام لا أساس له، وهو تحرك مشبوه وعلى المصريين أن يقدموا الأدلة والمستندات، وأن مثل هذا النوع من الادعاءات يسمم مناخ المنطقة في الوقت الذي تواجه فيه التحديات، ومن المؤسف أن يلعب المصريون هذا الدور.
وقال مسئول في وزارة الخارجية الإيرانية: سوف ندرس الموضوع بجدية في انتظار تفاصيل أكثر من مصر.
وقال داريوش صولت رئيس مكتب رعاية المصالح الإيرانية بالقاهرة: لا تعليق، وأكتفي ببيان المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية، فهناك مسائل وأمور أكثر أهمية ينبغي أن ننشغل بها.
وقال علاء الدين بروجردي رئيس لجنة الأمن والشئون الخارجية بمجلس الشورى الإسلامي: إنني أعتبر هذا الادعاء في إطار استراتيجية أمريكية صهيونية لإثارة ضجة مستمرة حول إيران، بعد حل قضية الملف النووي الإيراني وطرح سيناريو دعائي جديد لاستمرار اتهام إيران.(20/87)
وقد دعمت الصحف الإيرانية هذا التحليل والاستقراء، فقد نشرت صحيفة شرق الإصلاحية في عددها بتاريخ 11/12/2004 تقريراً عن الموضوع مشيرة إلى أن خبر قضية التجسس نشر بعد بضعة أسابيع من إدلاء كمال خرازي وزير الخارجية الإيراني بتصريح في شرم الشيخ عند حضوره مؤتمرا حول العراق، قال فيه: إن إيران لديها الاستعداد الكامل لتطبيع علاقاتها مع مصر، مؤكدا تعجبه من أنه كلما تقاربت الدولتان قامت أيادي خفية بإيجاد التوتر في الأمور بينهما، وهذا التصريح يعني عدم وجود موانع جادة للتطبيع.
وأكدت الصحف تزامن القضية المصرية مع اتهامات وجهت لإيران بحماية الإرهاب، منها ما وجهه الملك عبد الله الثاني ملك الأردن، وقد ردت عليه صحيفة اطلاعات في افتتاحية عددها الصادر بتاريخ 12/12/ 2004م بأن قول ملك الأردن عن رغبة إيران إنشاء منطقة للشيعة على شكل هلال بدفع مليون شيعي إيراني للنزوح إلى العراق للاشتراك في الانتخابات القادمة من أجل إقامة حكومة شيعية هناك، يمثل عدم فهم من الملك عبد الله لظروف العراق، فضلا عن أنه بهذه التصريحات يثير الفتنة والشقاق بين الشيعة والسنة في العراق، وهو ما يخدم الولايات المتحدة الأمريكية والصهيونية، وسخرت الصحيفة من أن الملك عبد الله يبدي رأيه في مستقبل العراق دون أن يدين الاحتلال الأمريكي.
كما قامت الصحف الإيرانية بمهاجمة مؤسسة ناشيونال جيوجرافيك العالمية لوضعها اسم الخليج العربي بدلا من الخليج (الفارسي) في اكبر دوائر المعارف العالمية. (شرق في 11/12/2004).(20/88)
كذلك قام سيد محمد صحفي وكيل وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي لشئون الصحافة بالرد على تقرير للجنة حقوق الإنسان الدولية في حديث بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان، مؤكدا أن في إيران نظام يقوم على نفي الطاغوت والاستبداد عن طريق محاولة دعم الهيئات العاملة من أجل حرية الرأي والقلم مثل الصحافة والجمعيات الأهلية لتقوية مفهوم حقوق الإنسان في الشرق الأوسط مشيرا إلى أن الثورة الإسلامية قد هيأت فرصة ثمينة لقراءة معنوية لوثيقة حقوق الإنسان وتنمية معناها ومفاهيمها في جوهرها الديني، ومنينا التناقض الواضح في الشرق الأوسط بين الإعلام عن حماية حقوق الإنسان للدول الكبرى مقترنا بالعمل الظالم، كما ألمح إلى الفهم الخاطئ للقوانين أو بعض الأعمال المشبوهة وتفسيرها على أنه تجاهل من النظام الإيراني لحقوق الإنسان. (إيران في 12/12/2004).
وكان الاتحاد الأوربي من خلال سفارة هولندا في طهران قد ابدى اعتراضه على اعتقال عدد من الصحفيين والمعترضين ونشطاء حقوق الإنسان مثل هادي قابل وحسين عبدالله بور عضوي جبهة المشاركة الإصلاحية في قم، وعدد من طلاب جامعة أمير كبير، وتفتيش مقر جبهة المشاركة في قم، ومنع خروج عماد الدين باقي ومحمد ملكي وأعظم طالقاني ومحمد علي دادخواه ومحمد سيف زاده.
كما أعلنت إيرائيل عن اعتقال محمد غانم في قرية البقاع الغربية بشمال إسرائيل بتهمة التجسس لحساب إيران، وفي مقابل ذلك نشرت صحيفة اطلاعات في ملحق عددها بتاريخ 11/12/2004 تقريرا عن العلاقات الباردة والصعبة بين مصر وإسرائيل، وذلك نقلا عن وكالة رويتر من القدس.
على كل حال فارتباك رد الفعل الإيراني أمام تعثر العلاقات المصرية ـ الإيرانية يؤكد أن هذه العلاقات تحكمها قواعد لعبة الروليت وليس مفهوم العلاقات الثنائية بين الدول.
شكاوي أهل السنة من حكام طهران!
الوطن العربي ـ العدد 1457ـ الجمعة 4/2/2005(20/89)
بعد الاحتلال الأميركي للعراق، وجه النواب السنة في البرلمان الإيراني رسالة هي الأولى من نوعها إلى أربعة من المراجع الشيعة الكبار نددوا فيها بما وصفوه بـ "التمييز الفاضح" ضد أهل السنة في إيران من قبل أجهزة الحكم، وقد وجهت الرسالة إلى اثنين من المراجع المعارضين، وهما آية الله حسين على منتظري وآية الله عبد الكريم موسوي أردبيلي، واثنين آخرين من المرتبطين بالسلطة العليا في طهران وهما آية الله فاضل القوقازي، الملقب بلنكراني، وناصر مكارم الشيرازي.
ذكرت الرسالة أن أهل السنة يشكلون ما يزيد على عشرين في المائة من سكان إيران حسب تقديرات غير رسمية، بينما تقول السلطات الرسمية إنهم لا يشكلون أكثر من تسعة في المائة من السكان البالغ عددهم 65 مليون نسمة، وتساءل النواب السنة، عما إذا كان تولى أصحاب الكفاءة والمؤهلات العلمية من السنة الوظائف القيادية والمسؤوليات الكبرى كالوزارة ونيابة الوزراء والسفارة فضلا عن قيادة القوات المسلحة والمسؤوليات الرئيسية في القضاء، أمرا مخالفا للمذهب الشيعي المسيطر على البلاد، وأشاروا إلى أن أهل السنة محظور عليهم تولي تلك المناصب حيث لا يوجد سني واحد في مجلس الوزراء والمناصب الرئيسية في الوزارات والمؤسسات الكبرى، كما أن المحافظين ورؤساء الدوائر الرسمية في المدن والمحافظات التي يشكل أهل السنة الأغلبية المطلقة فيها مثل كردستان وبلوشستان وطالش وبندر عباس والجزر الخليجية وبوشهر وتركمن صحرا وشرقي خراسان، هم جميعا من الشيعة.(20/90)
واشتكى النواب الإيرانيون السنة من عدم موافقة السلطات العليا على إقامة مسجد لأهل السنة في طهران رغم انتماء ما يزيد على نصف مليون من سكان العاصمة إلى المذهب السني، وقالوا في رسالتهم: "بينما هناك معابد وكنائس للأقليات الدينية مثل الزرادشتيين واليهود والنصارى في العاصمة، تواصل السلطات الحاكمة رفضها لبناء مسجد لأهل السنة في طهران"، وكشفت الرسالة أن النظام أقام مركزا في كردستان تحت اسم "المركز الإسلامي الأعلى" يديره رجل دين شيعي معين من قبل السلطة العليا لكي يشرف على كافة الأمور الدينية وغير الدينية الخاصة بأهل السنة، وبينما الشيعة قادرون على مراجعة من يقلدونه من مراجع التقليد حيث هناك نوع من التعددية في الآراء الفقهية ومصادر التشريع الديني لدى الشيعة فرضت على أهل السنة قيوداً صارمة بربط مدارسهم ومناهجهم الدراسية، وأمورهم الشخصية والحسبية بالمركز الإسلامي الأعلى.
ولا توجد في إيران إحصائية دقيقة توضح عدد الذين ينتمون إلى أهل السنة والجماعة، لكن على الرغم من كل ذلك نستطع أن نجزم بأن عددهم يقدر بأكثر من 18 مليون نسمة من إجمالي سكان إيران البالغ عددهم حوالي 65 مليوناً وهذا العدد يعادل أكثر من 25% من سكان إيران، ويشكل الشعب الكردي حوالي نصف أهل السنة في إيران حيث يعيش في إيران أكثر من 8 ملايين من أبناء الشعب الكردي وأكثر من 95% منهم من أهل السنة، ويأتي الشعب البلوشي في المرتبة الثانية من أهل السنة في إيران.(20/91)
ووفقا لما ذكرته مصادر أهل السنة في إيران فإن أوضاعهم تذبذبت بشدة خلال الثلاثين عاما الأخيرة، فحين اندلعت الثورة المليونية في إيران عام 1979 شارك أبناء أهل السنة بكل أطيافهم في تلك الثورة وكان علماء وشباب أهل السنة في مقدمة المؤيدين لإقامة الجمهورية الإسلامية، لكن بعد انتصار الثورة وسقوط نظام الشاه بأشهر قليلة بدأ الخميني وتلاميذه بالخداع والنفاق لاحتكار السلطة وسيطروا على الحكم وحولوا آمال الشعب في إقامة جمهورية إسلامية إلى إقامة جمهورية طائفية شيعية، واستعملوا السلطة لقمع الأقليات المذهبية والقومية.
أدلة الاضطهاد
ويقول المصدر الكردي، الذي خشي من ذكر اسمه، إنه منذ بداية الثورة وحتى اليوم تمارس الحكومة الإيرانية أبشع أنواع الظلم والتمييز ضد علماء ودعاة وشباب ومثقفي وأبناء أهل السنة وخاصة ضد الشعبين: الكردي والبلوشي، وروى المصدر الكردي بعض الحقائق حول الأوضاع المأساوية التي يعيشها أهل السنة في إيران، ومن بينها:
1ـ أن الشيعة أحرار في نشر عقائدهم وممارسة طقوسهم وتأسيس الأحزاب والمنظمات في حين أنه ليس لأهل السنة شئ من هذه الحقوق بل هم يظلمون ويطردون ويسجنون ويقتلون.
2ـ منع أئمة وعلماء أهل السنة من إلقاء الدروس في المدارس والمساجد والجامعات ولا سيما إلقاء الدروس العقائدية، بينما لأئمتهم ودعاتهم الحرية المطلقة في بيان مذهبهم بل التعدي على عقيدة أهل السنة.
3ـ وضع مراكز ومساجد أهل السنة تحت المراقبة الدائمة، وتجسس رجال الأمن وأفراد الاستخبارات على جوامع أهل السنة لا سيما أيام الجمعة ومراقبة الخطب والأشخاص الذين يتجمعون في المساجد.
4ـ جميع وسائل الإعلام والنشر كالإذاعة والتلفزيون والكتب والجرائد والمجلات شيعية المذهب ولا يملك أهل السنة أيا من تلك الوسائل بل تستعمل هذه الوسائل لضربهم وإضعافهم.(20/92)
5ـ حرمان شباب وأبناء أهل السنة لاسيما المثقفين منهم من تنظيم ندوات واجتماعات خاصة بهم مهما كان نوعها أو حجمها.
6ـ منع بيع وشراء الكتب العقائدية لأهل السنة، ومنع كتب العلماء البارزين مثل كتب الإمام ابن تميمة وابن القيم ومحمد بن عبد الوهاب وعلماء آخرين.
7ـ منع دخول أي كتب أو مجلات إسلامية من الدول العربية أو الإسلامية إلا بعد موافقة وزارة الإرشاد.
8ـ أهل السنة في إيران محرومون من بناء المساجد والمراكز والمدارس في المناطق ذات الأكثرية الشيعية، فمثلا يعيش في طهران حوالي مليون شخص من أهل السنة ولكن ليس لديهم أي مسجد أو مركز يصلون أو يجتمعون فيه، بينما توجد كنائس للنصارى واليهود ومعابد للمجوس، وذلك يتم تحت ذريعة الحفاظ على وحدة المسلمين السنة والشيعة وتجنب التفرقة بينهم، في حين للشيعة مساجد وحسينيات ومراكز في المناطق ذات الأكثرية السنية، وبالإضافة إلى طهران فإن هناك مدناً كبيرة ليس فيها أي مسجد لأهل السنة مثل أصفهان، يزد شيراز، ساوة، وكرمان.
9ـ هدم وإغلاق المساجد والمدارس والمراكز الدينية لأهل السنة مثل هدم مسجد (جامع شيخ فيض) الواقع في شارع خسروى في مدينة مشهد بمحافظة خراسان في 18 يوليو "تموز" 1994 وتحويله إلى حديقة للأطفال، بالإضافة على إغلاق عشرات المساجد والمركز الدينية مثل مدرسة ومسجد نور الإسلام في مدينة جوانرو في كردستان، ومسجد ومدرسة شيخ قادر بخش البلوشي محافظة بلوشستان، ومسجد لأهل السنة في هشت ثر في محافطة جيلان، ومسجد حاج أحمد بيك في مدينة سنندج مركز محافظة كردستان، ومسجد في كنارك في ميناء ضابهار ببلوشيتان، ومسجد في مدينة مشهد في شارع 17 شهريور، ومسجد الإمام الشافعي في محافظة كرمانشاه في كردستان، ومسجد أقا حبيب الله في مدينة سنندج بكردستان، ومسجد الحسنين في شيراز، ومسجد ومدرسة خواجة عطا في مدينة بندر عباس بمحافظة هرمزكان، ومسجد النبي في مدينة ثاوة في كردستان.(20/93)
10ـ اعتقال وسجن عدد كبير من الشيوخ والعلماء البارزين وطلبة العلم والشباب الملتزمين دون أني ذنب أو ارتكاب أية جريمة فقط لأنهم متمسكون بعقيدتهم الإسلامية ويدافعون عن الحق ويطالبون بحقوقهم الشرعية.
11ـ اغتيال أو اختطاف ثم إعدام العشرات من العلماء والدعاة البارزين والمئات بل الآلاف من المثقفين وطلبة العلم والشباب الملتزمين من أهل السنة ومنهم الشيخ العلامة ناصر سبحاني، والشيخ عبد الوهاب صديقي، الشيخ العلامة أحمد مفتي زادة، الشيخ الدكتور على مظفريان، الشيخ الدكتور أحمد ميرين سياد البلوشي.
رسالة الى أعيان الشيعة في لبنان:
«نؤمن بأن المقاومة كانت قوة للبنان ولا نريدها أداة إقليمية للتخويف»...
يحيى جابر ويوسف بزي الحياة 21/2/2005
وُلدنا، حسب وثيقة الولادة، تحت خانة المذهب: مسلم شيعي.
شاءت الأقدار اننا أصبحنا، وبقناعة، خارج طوائفنا وطوائف الآخرين، مواطنين فخورين بمواطنيتنا، نؤمن بانتمائنا الى الكيان اللبناني وبنظامه الديموقراطي. وكنا على خلاف، وما زلنا، مع كل الطائفيين وايديولوجيات الطوائف. مع ذلك نعلم اننا حين نموت سندفن حسب المذهب الشيعي شئنا أم أبينا.
وعليه، بصفتنا المعنوية، ككتّاب وعاملين في الحقل الثقافي والاعلامي، يتوجب علينا، في هذه اللحظة التاريخية، أن نوجه رسالتنا هذه، بحبر المصارحة والمكاشفة، الى الطائفة الشيعية وأعيانها:
- نؤمن بأن لبنان وطن نهائي لجميع ابنائه، وما يصيب جميع ابنائه يصيبنا.
- نؤمن بأن اغتيال الرئيس رفيق الحريري يشكل استهدافاً لكل لبنان ولكل اللبنانيين، وهو عمل إجرامي يتحدى فينا توقنا للاستقلال والتحرر وإنجاز سيادتنا الكاملة.
- نؤمن انه لا يجوز ان تغيب الطائفة الشيعية، أو تحضر بخفر، في لحظة جنازة رجل قدم للبنان وللجنوب تحديداً الكثير الكثير، وهي ذاتها لحظة انتفاضتنا الاستقلالية وصرختنا لصوت كرامتنا الوطنية.(20/94)
- من غير المقبول لهذا الغياب ان يتكرر كما حصل عام 1920 وعام 1943.
- نؤمن ان العزاء الوحيد لمقتل الرئيس الحريري ليس فقط في الكشف عن الجناة ومعاقبتهم، ولكن ايضاً في تحقيق طموحات اللبنانيين وتطلعاتهم في ان يروا وطنهم سيداً حراً، خالياً من كل الاحتلالات.
- نخشى ان يأتي يوم وتكون نخبة من المواطنين (الشيعة) في جانب و"قادة الطائفة" السياسيين والروحيين في جانب آخر، كما حصل في الكثير من الأحيان.
- نخشى أن تستمر سياسة الاستتباع والقطيعية التي طالما أودت بأهل الجنوب وأرضه فداءً للآخرين وويلاً على لبنان.
- نؤمن بأن "المقاومة" كانت قوة للبنان، طالما أجمع عليها اللبنانيون، ولا نريدها أداة إقليمية للتخويف أو التخوين أو لتنفيذ سياسات الآخرين.
- لقد وقف اللبنانيون جميعهم مع أهل الجنوب واحتضنوهم لكي ينجزوا معاً تحرير الأرض، فلا يجوز أن نتردد في الوقوف مع كل لبنان لتحرير انسانه ودولته.
- نؤمن بأن زمن المحاصصة والانتفاع والريعية الحزبية يجب أن ينتهي في السياسة وفي شتى مناحي الحياة الادارية والاقتصادية.
- نؤمن بلبنان العضو المؤسس لجامعة الدول العربية فلا حاجة بنا لاستيراد العروبة من احد، ونحن مصدّروها الأوائل.
- نؤمن بلبنان العضو المؤسس لمنظمة الأمم المتحدة واننا جزء لا يتجزأ من هذا العالم الذي نشترك معه بكل قيمه وشرعاته ومبادئه الانسانية، ولن نقبل ان نجد أنفسنا على تعارض مع العالم ومع العصر.
- نؤمن كلبنانيين اننا بلغنا سن الرشد، منذ اتفاق الطائف، على الاقل، ولا حاجة بنا الى أي وصاية أمنية أو دينية أو ايديولوجية... لا إقليمية ولا دولية.
- نؤمن بدولة عصرية لجميع مواطنيها، وكل حسب كفاءته، وهذا أقل ما نستحقه وأقل ما نرضى به لنا ولأولادنا وأحفادنا.
كاتبان لبنانيان
أخطاء إحصائية لعدد سكان لبنان والناخبين
الوطن العربي العدد 1458 الجمعة 11/2/2005(20/95)
يتبين من خلال لوائح الشطب التي نشرتها وزارة الداخلية عن مجموع الناخبين في لبنان للعام 2005، أن هناك في جميع الدوائر الانتخابية الـ 26 ثلاثة ملايين ومائتين وستة وخمسين ألف ناخب في سن الـ 21 وما فوق، أي بدون ناخبي سن الـ 18، وهذا الرقم يدل على أمرين: إما أن يكون هناك خطأ في لوائح الشطب، وهذا مستبعد، وإما أن تعداد مجموع سكان لبنان فاق الستة ملايين نسمة، خلافا لما يتردد عن أن عدد السكان لا يتجاوز الثلاثة ملايين ونصف المليون نسمة، خصوصا أن وزارة الداخلية تقول بحسب إحصاءاتها الدقيقة إن عدد المسلمين في لبنان هو ما يقارب مليون وثلاثمائة ألف نسمة. وهذا ما يعني أن المسلمين يشكلون 59% والمسيحيين 40%.
وإذا تم اعتماد إحصاءات وزارة الداخلية يتبين أن عدد سكان لبنان لا يتجاوز الثلاثة ملايين ومائتي ألف نسمة. وهذا ما يتعارض مع مجموع عدد الناخبين في كل الدوائر الانتخابية. لذلك فإن مسؤولي الإحصاءات في وزارة الداخلية لم ينتبهوا إلى هذا الفارق بين عدد سكان لبنان وعدد الناخبين الذي يتساوى مع العدد الأول.
وقد أثارت هذه الإحصاءات موجة من التساؤلات في صفوف عدد كبير من المرشحين للانتخابات النيابية المقبلة الذين طالبوا وزارة الداخلية بالتدقيق في هذه الإحصاءات التي تشكل نوعا من "الفضيحة" نظرا للخطأ غير المتعمد في مجموع عدد سكان لبنان قياسا على عدد الناخبين. لذلك فإن وزير الداخلية سليمان فرنجية الذي تلقى سلسلة مراجعات في هذا الموضوع، طلب من مصلحة الإحصاءات إعادة النظر في الأرقام خصوصا أرقام عدد الناخبين تفاديا للوقوع في أي خطأ بشان مجموع عدد سكان لبنان بما فيها عدد المجنسين الذين لا يتجاوز عددهم الـ 120 ألف مجنس.(20/96)
ولو كان مجلس الوزراء قد اعتمد اقتراح الوزير سليمان فرنجية في قانون الانتخاب بالسماح للمواطنين من سن الـ 18 بالانتخاب، فإن عدد هؤلاء الناخبين من الشباب والشابات 350 ألف ناخب منهم 280 ألفاً من المسلمين و70 ألفاً من المسيحيين، وهذا هو السبب الأساسي لرفض مجلس الوزراء هذه الاقتراح الذي يستلزم تعديلا دستوريا للمادة 21 التي تحدد سن الاقتراع لمن أتم الواحد والعشرين من عمره إضافة إلى أن مثل هذا الاقتراع يوسع الفارق بين الناخبين المسلمين والمسيحيين. لذلك وتفاديا لأي خلل ديموغرافي واسع، فقد ارتأى بعض الوزراء إلغاء هذا البند في قانون الانتخاب، على الرغم من مطالبة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله والرئيس نبيه بري باعتماده، طناً منهما أن عدد الناخبين الشيعة يرتفع بنسبة 10% على الأقل ويحدث خللا في التوازنات مع الطوائف المسيحية والطائفة السنية.
وبسؤال إلى أحد مسؤولي مصلحة الإحصاءات عن هذا الخطأ، والتفاوت بين نسبة عدد سكان لبنان ونسبة عدد الناخبين، فأجاب أن هذه الأرقام غير صحيحة ويبدو أن بعض الصحف قد التبس عليها الأمر مع أن عدد سكان لبنان الحقيقي لا يزيد على أربعة ملايين ونصف المليون نسمة.. من الطبيعي في هذه الحال أن يصبح عدد الناخبين حوالي ثلاثة ملايين ناخب.
على أية حال، فإن مصلحة الإحصاءات قد تعيد النظر بهذه الأرقام وتدقق فيها تمهيدا لتصحيح نتائج هذه الإحصاءات على وسائل الإعلام، لأنه في حال كان عدد سكان لبنان ستة ملايين نسمة لكانت الدولة قد اضطرت إلى رفع عدد النواب من 128 إلى 140 نائبا، بحيث يكون تمثيل الشعب في مجلس النواب تمثيلا حقيقيا بدون أي غبن أو إجحاف بحق ملايين من هذا الشعب. لذلك يردد هذا المسؤول أن الخطأ ليس من مصلحة الإحصاءات ودوائر النفوس ووزارة الداخلية، بل هو خطأ إعلامي سيتم تصحيحه بالسرعة الممكنة لتنوير الرأي العام وإزالة أي التباس في عدد السكان وعدد الناخبين.(20/97)
موقف السيستاني من احتلال العراق يهدّد بانشقاق التحالف الرباعي
مهدي ربيع الحياة 21/2/2005
تفاقمت ردود فعل الشارع الشيعي ضد ما يسمّيه «تطاولاً» على المرجع الديني آية الله علي السيستاني، وطرحت أمس خيارات اللجوء إلى القضاء ومقاطعة المؤسسات ذات التوجه القومي، ما أثار مخاوف من تداعيات ذلك على المعارضة واحتمال ان تطاول «التحالف الرباعي» المعارض، الذي يشكل «التجمع القومي الديموقراطي» أحد أركانه الاربعة، وتهدد بنيته.
وقال عضو مجلس إدارة «جمعية الوفاق الوطني الإسلامية» (الواجهة الرئيسة للتيار الاسلامي الشيعي) الدكتور عبدالجليل السنكيس لـ«الحياة» ان الشارع الشعبي أصبح يطالب بعدم التعاطي مع «نادي العروبة» و«جمعية التجمع القومي» المحسوبين على التيار القومي ومحل تجمع القوميين والناصريين، داعياً هاتين المؤسستين إلى إعلان موقفهما من الكتابات التي انتقصت من شخص السيستاني ومرجعيته الدينية، «وإلا فإنهما تؤيدان هذه الكتابات».
وكانت الكاتبة في صحيفة «أخبار الخليج» سميرة رجب أثارت احتجاجات في الشارع الشيعي بعدما وصفت السيستاني بـ«الجنرال المشرع للاحتلال الأميركي» للعراق، بيد ان الصحيفة ذاتها نشرت أول من أمس مقالا لعضو «نادي العروبة» عضو مجلس إدارة «جمعية التجمع القومي الديموقراطي» محمود القصاب، اعتبره الشيعة هجوماً غير مباشر على السيستاني بعدما قال: «لم نسمع في ثورة 1918 ضد الاحتلال البريطاني فتاوى من قبيل الوقوف على الحداد، أو المقاومة السلمية، ولم تصدر دعوات انتهازية مثل ضرورة اغتنام الفرصة لتمكين الطائفية من السيطرة على مقاليد الحكم».(20/98)
ولفت السنكيس إلى «مطالبات» بإقالة القصاب من الأمانة العامة للمؤتمر الدستوري بسبب تعرضه للمرجعية الدينية وتجريحها، ومطالبات أخرى ما تزال قيد الدرس لإقامة دعوى قضائية ضده وضد سميرة رجب، وتنظيم اعتصام احتجاجي أمام مبنى «أخبار الخليج» يمتد إلى وزارة الإعلام القريبة منه. واضاف ان ملف التطاول على المرجعية الدينية ستبحثه «جمعية الوفاق» في اجتماعها مساء غد، وشدّد على ضرورة اتخاذ موقف، مذكّراً بأن «ثوابت» جمعيته «فوق أي تحالفات سياسية».
17 أيار الجديد والأجندة الخفية للقرار 1559
عريب الرنتاوي ، الدستور 7/3/ 2005
هل ثمة أجندة خفية للقرار 1559؟... وهل لبنان مقبل على "17أيار" جديد؟
سؤالان جوهريان، يستمدان مركزيتهما من كونهما محور الخطاب السوري/ اللبناني الموالي، الرافض للقرار الدولي المذكور، المستمسك فجأة باتفاق الطائف الذي انقضى على توقيعه ستة عشر عاما؟
والحقيقة أن أجندة القرار 1559 اشتملت على ثلاث أهداف: أولها مطالبة "جميع القوات الأجنبية الباقية بالانسحاب من لبنان"، وثانيها: دعوته إلى "حل ونزع أسلحة كافة الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية"، وثالثها: دعمه "بسط سلطة الحكومة اللبنانية على كامل التراب اللبناني".(20/99)
المهمة الأولى، وصفها الأسد في خطابه بالأسهل، أما المؤامرة المخفية في ثنايا القرار فتتجلى في استهداف المقاومة والتمهيد للتوطين، فحزب الله من منظور سوريا وحلفائها ليس ميليشيا مسلحة، بل حركة مقاومة مستثناة من "الطائف" والقرار 1559 معا، وتفويضها كما رسمه حسن نصر الله، ليس محددا بتحرير مزارع شبعا، بل بالدفاع "المفتوح" عن لبنان. وبهذا المعنى، فليس لدى سوريا ولا أي من حلفائها في لبنان، جدول زمني أو حتى أفق محدد، لبسط سيادة الدولة على الجميع، وإنهاء المليشيات وأسلحتها، فسوريا من قبل قالت أن قواتها باقية في لبنان إلى أن يعم السلام الشرق الأوسط، وحزب الله يقترح أن تتمدد ولايته فتصبح جزءاً من ولاية الدولة، مفتوحة إلى ما شاء الله، ملازمة لوظيفة الدولة بالدفاع عن السيادة.
أما التوطين، فليس في القرار ما يشير إليه، اللهم إلا إذا اعتبر البعض نزع أسلحة المخيمات توطينا، أو بسط سيادة الدولة عليها عملا يندرج في هذا السياق "المشبوه"، ولا ندري ما إذا كان الفلسطينيون في لبنان قبل ظهور الثورة الفلسطينية المعاصرة، جزءا من مشروع تاريخي للتوطين، لم يخرجوا منه أو عليه إلا بعد أن تسلحت المخيمات... لا ندري ما قيمة سلاح أكله الصدأ، ولم تعد له من وظيفة سوى الاحترابات الداخلية... ولا ندري ما إذا كان غياب السلاح من أيدي الفلسطينيين في مخيمات سوريا، يعني أن دمشق ضالعة في مؤامرة التوطين، لا ندري أية دولة تقبل أن تكون المخيمات على أرضها خارج نطاق السيادة.
ثم أن فزاعة التوطين في لبنان، كما في غيره، تستخدم غالباً لتصفية حسابات دالية لا أكثر ولا أقل، فكثير من اللبنانيين الرافضين للتوطين، لا يهمهم أي مصير ينتهي إليه الفلسطينيون، ولسان حالهم يقول فليذهبوا إلى الجحيم، المهم أن لا يبقوا في المخيمات، التي تحولت فعلا إلى جحيم لا يطاق بحجة مقاومة التوطين والدفاع عن المقاومة وثقافتها؟!.(20/100)
رفض التوطين وما تبعه من سياسيات وممارسات أفرغ المخيمات من خيرة أبنائها الذين اختاروا اللجوء الثاني إلى أوروبا وكندا وغيرهما، أبعدهم عن فلسطين ولم يقربهم منها، والتلويح بـ 17 أيار جديد يقرع الأبواب، ليس سوى فزاعة أخرى، هدفها هذه المرة، تجييش الأنصار والموالين، لملء الفراغ الناجم عن الانسحاب الوشيك.
تحريك الأقليات – 1 -
د . محمد عمارة
إن علينا أن نتذكر جيداً.. وأن نذكر كثيرا بأن "الآخرين" الذين لا يريدون بأمتنا خيرا، إنما يقفون منا موقفا ثابتا.
فرغم التطور الفكري الذي يدعونه.. والمواثيق الحقوقية التي يصوغونها والشعارات البراقة التي يرفعونها.. لا يزالون حتى هذه اللحظات ينكرون الاعتراف بالاخر الإسلامي... ولعل من أحدث مواقفهم هذه ذلك المؤتمر الذي عقد بالقاهرة في فندق "شيراتون هليوبوليس" في أكتوبر سنة 2001م للحوار الإسلامي المسيحي، والذي شارك فيه الأزهر الشريف ممثلا بشيخه والفاتيكان ومجلس الكنائس العالمي وشارك فيه الدكتور يوسف القرضاوي.
وعند صياغة البيان الختامي للمؤتمر تضمن البيان عبارة "الديانات السماوية الربانية" فرفض مندوب الفاتيكان ومندوب مجلس الكنائس العالمي وهما من العرب التوقيع على "البيان" لأن المؤسسات النصرانية التي يمثلونها لا تعترف حتى القرن الحادي والعشرين بالإسلام دينا سماويا ربانيا.
ورغم المواثيق الدولية لحقوق الإنسان وفي مقدمتها تقرير المصير لا يزال "الآخرون" يحرمون شعوب الأمة الإسلامية من حقها الفطري في تقرير مصيرها بينما يقرون ذلك الحق لكل الشعوب غير الإسلامية بل إنهم يمنحونه للأقليات غير المسلمة في البلاد الإسلامية على الرغم من أنها جزء من الشعوب الإسلامية وذلك لتفتيت هذه الشعوب، وتجزئة أوطانها، كما حدث مع أقل من مليون من الكاثوليك في تيمور الشرقية.. وكما هو حادث مع الوثنيين وقلة نصرانية في جنوب السودان.(20/101)
ورغم معاهدات السلام واتفاقات تطبيع العلاقات فلا تزال الصهيونية العنصرية المدعومة بالصليبية الأمبريالية الغربية، تسعى لتفتيت وطن العروبة وعالم الإسلام، وذلك بتحريك الأقليات ودفعها للتمرد على العروبة والإسلام.
وفي هذا المخطط التفتيتي الذي دعا إليه المستشرق الصهيوني "برنارد لويس" منذ قيام إسرائيل في أربعينيات القرن العشرين توالت "وثائق التخطيط" و"مراحل التطبيق".
فكتب موشى شاريت "1894ـ 1965م" رئيس وزراء إسرائيل في مذكراته سنة 1954 يقول: إننا نريد
أولا: تثبيت وتقوية الميول الانعزالية للأقليات في العالم العربي.
وثانيا: إذكاء النار في مشاعر الأقليات المسيحية في المنطقة وتوجيهها نحو المطالبة بالاستقلال والتحرر من الاضطهاد الإسلامي... فمجرد تحريك الأقليات هو عمل إيجابي لما قد ينتج عنه من آثار تدميرية على المجتمع المستقر.
إننا لسنا بإزار "نظرية المؤامرة" ولا "ذهنية المؤامرة" فالمؤامرة تدبير سري... بينما ما نحن بإزائه مخطط "معلن" وموضوع في الممارسة والتطبيق ولقد صدرت له في الكونجرس الأمريكي... قوانين.. واعتمدت له الأموال.. وعدت له مؤسسات ولجان للتفتيش والاتهام والعقاب!
فهل نفيق؟!
صحيفة القاهرة 1/ 2/ 2005
الأقليات شريكة لإسرائيل في المصير – 2 -
د . محمد عمارة
عندما نشرت المنظمة الصهيونية العالمية "استراتيجية" إسرائيل في الثمانينيات أي ثمانينيات القرن العشرين عقب معاهدة "السلام بين مصر والكيان الصهيوني عام 1979 لم تنس التركيز على ثوابت المشروع الصيهوني التي حددتها منذ إقامة هذا الكيان عام 1948.. ثوابت تفتيت الوطن العربي والعالم الإسلامي على أسس دينية.. وعرقية.. ومذهبية من المغرب إلى باكستان باعتبار ذلك التفتيت هو الضمان لأمن إسرائيل.. ولذلك جاء في هذه الاستراتيجية بالنص:(20/102)
"إن دولا مثل ليبيا والسودان والدول الأبعد منها في المغرب لن تبقى على صورتها الحالية بل ستقتفي أثر مصر في انهيارها وتفتتها فمتى تفتتت مصر تفتت الباقون! إن رؤية دولة قبطية مسيحية في "صعيد مصر" إلى جانب عدد من الدول ذات سلطة أقلية مصرية لا سلطة مركزية، كما هو الوضع الآن هو مفتاح هذا التطور التاريخي الذي لا يبدو مستبعدا في المدى الطويل.
وإن تفتيت سوريا والعراق لاحقا إلى مناطق ذات خصوصية إثنية ودينية على غرار لبنان، هو هدف من الدرجة الأولى بالنسبة لإسرائيل، ولأن العراق أقوى من سوريا وقوته تشكل في المدى القصير خطرا على إسرائيل أكثر من أي خطر فهو المرشح المضمون لتحقيق أهداف إسرائيل في التفتيت، فتفتيت العراق هو أكثر أهمية من تفتيت سوريا.
ففي العصر النووي لا يمكن بقاء إسرائيل إلا بمثل هذا التفكيك ويجب من الآن فصاعدا بعثرة السكان فهذا دافع استراتيجي، وإذا لم يحدث ذلك فليس باستطاعتنا البقاء مهما كانت الحدود.
وفي 20 مايو عام 1992م دعا مركز بارايلان للأبحاث والدراسات الاستراتيجية التابع لجامعة بارايلان الإسرائيلية إلى ندوة شارك فيها مركز الأبحاث السياسية، التابع لوزارة الخارجية الإسرائيلية ومركز ديان التابع لجامعة تل أبيب لبحث المخطط الإسرائيلي حول الأقليات في العالم العربي وخلصت هذه الندوة إلى:
أن هذه الأقليات هي شريكة إسرائيل في المصير ولابد من أن تقف إسرائيل في مواجهة ضغط الإسلام والقومية العربية، أو تبدى استعدادا لمحاربتها أو مقاومتهما، إنها حليف وقوة لإسرائيل لتنفيذ سياسة الاستيطان والدولة التي ما زالت في مرحلة التكوين.
فهل نعي دلالات هذه الثوابت المعلنة؟ وهل نعي العلاقة بينها وبين هذا الذي يحدث لوحدتنا الوطنية.. سواء من الأعداء أو الدهماء؟(20/103)
وهل تجوز الغفلة بعد هذا المعلن... والذي يوضع في الممارسة والتطبيق؟ وهل يصح ـ بعد هذا ـ ذلك الإرهاب الفكري الذي يريد لنا أن ننام عن المخطط المعلن.. وعن تطبيقاته متهما إيانا بأننا ضحايا "ذهنية المؤامرة" و "نظرية المؤامرة" وأن كل شيء في الساحة على ما يرام؟!.
صحيفة القاهرة 8/ 2/ 2005
الأقليات عنصر تأجيج أم استقرار؟ - 3 -
محمد عمارة
في 20 مايو سنة 1992م عقدت بـ "إسرائيل" ندوة ـ بجامعة "بارايلان" تحت عنون "تأييد إسرائيل للنزعات الانفصالية للجماعات العرقية والإثنية والاعتبارات الكامنة وراءه!!
ولقد خلصت أبحاث ومقررات هذه الندوة إلى أن "هذه الأقليات.. هي شريكة لإسرائيل في المصير، ولابد من أن تقف مع إسرائيل في مواجهة ضغط الإسلام والقومية العربية، أو تبدي استعدادا لمحاربتهما أو مقاومتهما، هي حليف وقوة لإسرائيل لتنفيذ سياسة الاستيطان والدولة التي مازالت في مرحلة التكوين"(32)!!
ولقد تزامن مع اشتعال الحرب الطائفية في لبنان ـ في سبعينيات القرن العشرين ـ غواية عدد من الشباب القبطي المصري بالاشتراك مع المارونية السياسية في هذه الحرب!.. واجتذبت الأصابع الصهيونية في أمريكا قطاعا من أقباط المهجر ـ خاصة في أمريكا وكندا واستراليا ـ لتكوين "الهيئات القبطية"، الداعية إلى ما تسميه "تحرير مصر القبطية من استعمار العروبة والإسلام"!!.. حتى أفضت هذه الأنشطة الطائفية، المواكبة لهيمنة العولمة الأمريكية، والمدفوعة والمدعومة من "اللوبي الصهيوني"، ومنظمات وكنائس "التحالف المسيحي" و "المسيحية الصهيونية".. حتى أفضت إلى إصدار "الكونجرس الأمريكي" في أكتوبر سنة 1999م، لقانون "الحريات الدينية الدولية"، الذي فرض الحماية الأمريكية على الأقليات الدينية ـ خاصة في العالم الإسلامي ـ وقنن لآليات إيقاع العقوبات الأمريكية على الدول التي لا ترضى عنها أمريكا في هذا المجال!(20/104)
وليس مصادفة أن صدور هذا القانون قد جاء لحملة إعلامية بدأها محام يهودي هو " مايكل هوردفيتز" Witzـ Michael Hordwitz في 5 يوليو سنة 1995م، ثم تلقفت الخيط المؤسسات والكنائس "المسيحية الصهيونية"، و "التحالف المسيحي" و "المحافظون الجدد" لتفضي هذه الحملة ـ الموجهة بالأساس إلى العالم الإسلامي ـ إلى قانون "الحماية والعقاب" ـ كما أسماه بحق الكاتب "سمير مرقس"(33).
وليس مصادفة كذلك، أن تجد هذه المخططات "مراكز أبحاث" ممولة من أمريكا والغرب، تركز على اللعب بورقة الأقليات في بلادنا.. وتدعو إلى تطبيق ذات المخطط الذي دعا إليه "برنارد لويس" و "بن جوريون" و "موشى شاريت" و "موشي ديان" و "أرييل شارون" و "المنظمة الصهيونية العالمية".. مخطط تفتيت العالم الإسلامي إلى كيانات سياسية ـ نعم! سياسية ـ على أساس الدين والعرق والمذهب.. أي تحويل التنوع من نعمة ومصدر قوة إلى نقمة ةتشرذم وتفتيت.. وتحويل الأقليات من لبنات في بناء الأمة والأمن الوطني والقومي والحضاري إلى ثغرات اختراق، وأسباب للانهيار والدمار.. فيكتب رئيس أحد أهم هذه "المراكز البحثية" يقول بالنص: "إن المجتمعات التي تتسم بالتعددية الإثنية في الوقت الحالي ينبغي أن تكون متعددة من الناحية السياسية أيضا" (34)!!
ومع هذه الغواية الأجنبية، التي استجابت لها ووقعت في شباكها جمعيات وجماعات طائفية، تعيش في المهاجر، متعاونة مع الصهيوينة وقوى الهيمنة الإمبريالية.. وقلة قليلة من غلاة العلمانيين والطائفيين في الداخل، يستخدم المخطط الأمريكي المعونات التي تقدم للمستثمرين، ليكرر تجربة الاستعمار الفرنسي مع الموارنة في لبنان: خلق أقلية حرية مع أغلبية محرومة، ليؤجج الصراع الطبقي، الذي يغذي النزعات الطائفية، وصولا إلى هز الاستقرار الاجتماعي.. وليس حبا في ثراء الأقليات أو سواد عيونها!
صحيفة القاهرة 15/2/2005
اجتماع الأئمة والحاخامات "كمين" خدم المصالح الإسرائيلية(20/105)
فهمي هويدي ، المجلة (العدد 1303) 30/1/ 2005
أسخف ما قرأت في مستهل العام الجديد خبر اجتماع مائة إمام وحاخام في العاصمة البلجيكية بروكسل، وإصدارهم بيان من أجل السلام يندد بالعنف والتطرف والكراهية المتبادلة، وإعلانهم عن التوجه لإنشاء مؤسسة للحوار المشترك بين الطرفين في مؤتمر يعقد بمدينة فاس خلال شهر يونيو (حزيران) المقبل.
أما وجه السخافة في الاجتماع فيتمثل في أن بعض الأئمة الذين قيل إنهم يمثلون الإسلام والعالم الإسلامي، وهذا ليس صحيحا، استدرجوا للقاء الحاخامات الذين كان الإسرائيليون في المقدمة منهم، للحديث في مشكلة لم يكونوا مسؤولين عنها، ولا هم طرف فيها. وحين اجتمعوا لم يتوافر لأحد منهم الجرأة لكي يشخص المشكلة. ومن ثم كان عليهم أن يقولوا كلاماً فضفاضاً ومطاطا، يرضي الإسرائيليين ويغش المسلمين.
بل إن إعلانه لا يحتاج في حقيقة الأمر إلى أئمة وحاخامات، لأن بوسع أي أحد أن يقوله. وكانت النتيجة_ أهم نتيجة إن شئت الدقة_ أن الفريقين نظموا تظاهرة مفتعلة لكي تلتقط لهم بعض الصور وهم يتضاحكون. الرسالة خاطبت أوروبا بأكثر مما خاطبت المسلمين أو الإسرائيليين، أما لماذا حدث ذلك فإليك الحكاية من أولها.
تدليس باسم حوار الأديان
الذين يتابعون الشأن الإسلامي ـ وأنا واحد منهم ـ يعرفون جيدا أن لافتة حوار الأديان لها جاذبيتها الخاصة، وان بعض منظمي مؤتمرات الحوار تلك تواطأوا مع الأطراف الإسرائيلية على ترتيب لقاءات مع علماء المسلمين تحت مظلة الحوار وباسمه، لكسر حالة المقاطعة العربية والإسلامية لإسرائيل. ولعلي أشرت من قبل في هذا المكان إلى خبرة مؤسسة مثل الأزهر الشريف في هذا المجال، والموقف الحازم منها الذي اتخذه الإمام الأكبر السابق الشيخ جاد الحق على جاد الحق.(20/106)
كان الرجل رحمه الله واعياً بمسؤوليته كشيخ للأزهر، ومدركاً للمرامي التي كان يتحراها منظمو تلك المؤتمرات المشبوهة. ولذلك فإنه كان يقول صراحة لممثلي الداعين إليها، إن الحوار مع الإسرائيليين مرفوض، لأن لهم مشكلة سياسية عويصة مع العرب والمسلمين، لم يكن أهل الأديان طرفا فيها وإنما صنعها السياسيون وأرادوا إقحام أهل الأديان في معالجة
آثارها.
أما الحوار مع اليهود فبابه مفتوح، شأنهم في ذلك شأن المسيحيين باختلاف طوائفهم ومللهم. لذلك فإنه كان لا يمانع في إيفاد من يشارك في مؤتمرات الحوار، مشترطا على من يذهب شرطين: الأول أن يذهب بصفته الشخصية، وليس ممثلاً للأزهر والثاني أن يتجنب الخوض في أي حوار سياسي، باعتبار أن التفاهم الممكن بين أهل الأديان إذا كان بريئاً، له مساحته التي لا تتجاوز التعاون والتضامن دفاعا عن الإيمان والقيم الأخلاقية والفضائل الاجتماعية.
تلك مرحلة خلت، تغيرت بعدها أشياء كثيرة في عالم السياسة، كان من أبرزها، امتداد الجسور بين السياسيين والإسرائيليين في بعض الأقطار العربية، الأمر الذي أدى إلى تهدئة جهود الساعين إلى التواصل عبر الباب الخلفي المتمثل في "حوار الأديان". وفي حالات محدودة كان الإسرائيليون يوفدون بعضاً من "حاخاماتهم" لعقد لقاءات مباشرة مع بعض الرموز الدينية، كما حدث حين التقى حاخام إسرائيل الأكبر مائير لامي مع شيخ الأزهر في شهر ديسمبر (كانون الأول) عام 1997.
يريدون تحسين الوجه القبيح
اختلف الأمر بصورة تدريجية بعد انتفاضة الأقصى، في عام ألفين، وتولى شارون رئاسة الحومة بعد ذلك واعدا ومتوعدا بسحق الانتفاضة. الأمر الذي أدى إلى ارتفاع وتيرة القمع الإسرائيلي منذ ذلك الحين. وهي الممارسات التي تابعتها الصحافة العالمية والأوروبية بوجه أخص. مسجلة عمليات القصف والاغتيال وهدم البيوت. بل وقتل بعض النشطاء الغربيين من دعاة السلام.(20/107)
وكان من الطبيعي أن يؤدي ذلك. مع استمرار القمع. إلى تشويه صورة إسرائيل لدى الرأي العام الأوروبي، الأمر الذي عبر عنه نتائج الاستطلاع الذي أجراه الاتحاد الأوروبي، وارتأت الأغلبية فيه أن إسرائيل أصبحت الخطر الأول الذي يهدد الاستقرار والسلام العالميين.
الكل يعرف ما جرى بعد ذلك. حين انزعجت إسرائيل من تلك النتيجة، وان لذلك صداه الطبيعي في الولايات المتحدة، وقيل وقتذاك إن التصويت ضد إسرائيل تجسيد لتنامي مشاعر العداء ضد السامية في أوروبا، لم يجرؤ أحد على الإشارة إلى أن ثمة جرائم ترتكبها إسرائيل أثارت الغضب والاستياء في أوروبا، ومن ثم فإن الأوروبيين صاروا هم المتهمون والجناة.
ملحوظة: في وقت لاحق. في الأسبوع الأول من شهر يناير "كانون الثاني" 2005، أصدرت الخارجية الأميركية تقريرها الأول عن معاداة السامية في العالم، وكان مدهشا أن التقرير الأمريكي ردد ذات الأفكار والاتهامات التي أطلقتها المنظمات اليهودية والإسرائيلية.واتهمت فيها الجاليات الإسلامية الموجودة في أوروبا بأن لها دورا في ارتفاع وتيرة النقد لإسرائيل فيما اعتبر عداء للسامية. وربط التقرير بين تنامي أعداد المهاجرين المسلمين إلى أوروبا وازدياد كراهية الأوروبيين لإسرائيل وسياستها، الأمر الذي اعتبر بشكل مباشر كراهية لليهود وعداء للسامية(!).
إزاء ذلك التغير في اتجاهات الرأي العام الأوروبي أصبحت عملية تحسين صورة إسرائيل هدفا يراد بلوغه بكل وسيلة، وفي هذه الأجواء طرحت فكرة اللقاء بين الأئمة المسلمين والحاخامات اليهود، تبنت الدعوة إلى اللقاء مؤسسة أهلية فرنسية باسم "رجال الكلمة".(20/108)
وكان الاقتراح المبدئي أن يعقد اللقاء في مدينة افران بالمملكة المغربية في شهر مايو(أيار) من العام الماضي، وبعد أن تمت الترتيبات، وسط احتجاجات شعبية مغربية واسعة النطاق، قامت إسرائيل باجتياح مدينة رفح، مما أدى إلى قتل 62 فلسطينيا واصابة العشرات وتدمير 150 منزلا. وبطبيعة الحال أدى هذه التطور المأساوي إلى تعكير الأجواء وإفسادها، الأمر الذي تعذر في ظله عقد المؤتمر، فاتفق على تأجيله إلى بداية العام الحالي، واتفق على عقده في بروكسل.
وشاء ربك أن يتكرر الاجتياح الإسرائيلي في ذات الأسبوع الذي عقد فيه المؤتمر، حيث استهدف هذه المرة خان يونس، الأمر الذي أدى إلى سقوط ما متوسطه 7 قتلى يوميا، خلال فترة الانعقاد (ما بين الثالث والخامس من شهر يناير) وكان ذلك من سوء حظ الإسرائيليين، لأن تكرار الاعتداء على الفلسطينيين جاء دالا على أن القمع الإسرائيلي سياسة مستمرة، وليس أحداثا عارضة.
إلا أن المؤتمر انعقد رغم ذلك لأن الغضب الذي هيج الساحة المغربية من جراء العدوان على رفح في العام الماضي وأدى إلى تأجيل المؤتمر، كان أقوى بكثير من صدى اجتياح خان يونس في بروكسل، وكان لذلك الهدوء النسبي أثره في تجاهل ما جرى في خان يونس. والمضي قدما في عقد المؤتمر بالعاصمة البلجيكية.
الإسلاموفوبيا للتمويه فقط
لوحظ هذه المرة أن المتحدثين باسم مؤسسة "رجال الكلمة" طوروا من خطابهم وأعلنوا أن الهدف من الحوار بين ممثلي الديانتين هو إعلان الرفض لظاهرة العداء للإسلام "الإسلاموفوبيا" ولتنامي المشاعر المعادية للسامية (!).غير أن ذلك التطوير كان ساذجا للغاية، وكاشفا عن أن موضوع "الإسلاموفوبيا" أقحم على جدول أعمال المؤتمر لسببين: أولهما أنه لو صح أن ثمة جدية في بحث موضوع العداء للإسلام لدعي المسيحيون إلى الاجتماع، لأن الظاهرة موجودة حقا في العالم الغربي، بوجه أخص في المجتمعات المسيحية، ولما دعي حاخامات اليهود إلى الاجتماع أصلا.(20/109)
السبب الثاني أن التقارير التي كتبت في الاجتماع والتصريحات التي صدرت عن منظميه والمشاركين فيه لم تشر إلى موضوع الإسلاموفوبيا من قريب أو بعيد، وإنما تركزت كلها على مكافحة العداء للسامية،والتقارب والتفاهم بين ممثلي الديانتين الإسلامية واليهودية.
إزاء ذلك، فقد التقت مختلف الشواهد على أن "الاجندة" الخفية للقاء تتضمن موضوعا واحدا هو تحسين صورة إسرائيل في أوروبا، وامتصاص امتعاض الأوروبيين من السياسة الإسرائيلية إزاء العرب، عن طريق إظهار الطرفين معا ضاحكين ومتفاهمين، وكأن شيئا بينهما لم يقع !
المفارقة الكبرى في المشهد أن موضوع "الإسلاموفوبيا" الذي أسقطه المؤتمر من حسابه، واستخدمه قناعا لتمرير الفكرة و "بلعها" هو المشكلة الحقيقية الراهنة في العالم الغربي، في حين أن مسألة العداء للسامية التي استأثرت بكل الاهتمام ليست سوى وهم كبير!
أثناء انعقاد المؤتمر في يوم 4 يناير "كانون الثاني" 2005 نشرت الصحف أن مسلمين مغاربة كانوا يقيمون في جزيرة "كورسيكا" الفرنسية اضطروا للنزوح عنها، نتيجة تزايد الأعمال العنصرية ضد المهاجرين المتحدرين من أصول مغربية، وفصلت التقارير في مظاهر الاعتداء التي تعرض لها أعداد من أولئك المسلمين، كما تحدث التلفزيون المغربي عن المضايقات التي يتعرض لها المهاجرون، الأمر الذي يضطر بعضهم إلى التخلص من ممتلكاته بأبخس الأثمان والرحيل من الجزيرة. وذكرت مصادر رسمية في الرباط أن السلطات المغربية فاتحت المسؤولين الفرنسيين في الموضوع بهدف تأمين حماية الرعايا المغاربة، خصوصا أنهم يقيمون هناك بطريقة شرعية.
أين العداء للسامية
هذا مجرد نموذج واحد لمظاهر العداء للمسلمين المتزايدة في أوروبا وفي الولايات المتحدة أيضا.(20/110)
وهو العداء الذي تجلى في مسألة منع الحجاب في المدارس، وفصل المحجبات من بعض الوظائف، والاعتداءات المتكررة من جانب الشبان العنصريين على المسلمين والمسلمات، التي شهدها العديد من الأقطار الأوروبية، وليس بعيدا عن الأذهان ما جرى في هولندا حين دأب أحد المخرجين على التشهير بالإسلام والمسلمين في أفلامه، الأمر الذي استفز نفرا من المسلمين فقام أحدهم بقتله، وأدى ذلك إلى ازدياد موجة العداء للمسلمين.
قل مثل ذلك في الولايات المتحدة، التي تزايدت فيه معاناة المسلمين بعد أحداث 11 سبتمبر بصورة ملحوظة، حتى انتهى الأمر بتأييد 99 بالمائة من الأميركيين لفكرة تقييد الحقوق المدنية للمسلمين، كما بين ذلك استطلاع للراي اجري هناك قبل شهرين.
هذه الممارسات ملموسة لكل ذي عينين، وهي التي دعت الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان لكي يدعو إلى حوار حول الموضوع في نيويورك، كما أن بعض الأكاديميين المخلصين في إنجلترا حذروا من تفاقم الظاهرة والاستسلام للتعبئة الإعلامية المضادة الحريصة على تشويه صورة المسلمين والتحريض عليهم.
في حين يحدث ذلك على الجانب الإسلامي فإن أحدا لا يستطيع أن يعبر في العلن عن أي عداء للسامية في أي مكان بالكرة الأرضية، حتى وأن كان معاديا بالفعل، الأمر الذي يصور المدى الذي ذهبت إلية الحكومات والمنظمات المختلفة في مراعاتها لمشاعر اليهود.(20/111)
ووصل الأمر إلى التدليل الذي شجع الدوائر الإسرائيلية على التمادي في طلب الحصانة، فانسحبت تارة على التاريخ اليهودي حتى لم يعد بوسع أي باحث أن يجادل في عدد ضحايا أفران الغاز النازية، أيا كانت حجته، إذ تقرر على الجميع رقم ستة ملايين، وإلا تعرض للمحاكمة والغرامة والحبس كما حدث مع الفيلسوف الفرنسي روجيه جارودي، بل إن تلك الحصانة جرى إضفاؤها على حكومة الليكود الإسرائيلية ذاتها بمختلف سياساتها، حيث اعتبر أي نقد للسياسة الإسرائيلية ولشخص ارييل شارون من قبيل العداء للسامية.
ورغم أن ذلك آخر ما كان يخطر على بال أي مشتغل بالعمل العام، إلا أنه يعكس مدى "الدلال" الذي تمارسه إسرائيل الذي يبطن استكبارا واستعلاء غير مسبوقين.
إن إسرائيل ما برحت تحاول التغطية على سياساتها الوحشية عن طريق اتهام الآخرين بالعداء للسامية، كما عمدت إلى تجميل وجهها عن طريق الإيحاء بالتلاقي مع المسلمين والاتفاق مع رموزهم، في محاولة مكشوفة للقفز فوق القضية الفلسطينية التي هي أصل المشكلة وبيت الداء.
الأئمة تورطوا والحاخامات فازوا
والأمر كذلك فلعلي لا أبالغ إذا قلت إن مؤتمر الأئمة والحاخامات كان كميناً منصوباً، أريد له أن يورط الأئمة في عملية التمويه على الجريمة الإسرائيلية، ويصرف انتباه الرأي العام الأوروبي عن حقيقة المشكلة وجوهرها.(20/112)
إن المجتمعين في بروكسل لم يتعرضوا لأي شيء ديني أو عقيدي، ولكنهم وضعوا على أرضية السياسة منذ اللحظة الأولى لقدومهم إلى العاصمة البلجيكية، بوعد إسقاط موضوع "الإسلاموفوبيا" تركز حوارهم حول رفض التطرف والعنف والدعوة إلى التسامح، لم يقولوا من المسؤول عن التطرف والعنف ولا من المطلوب منه أن يتسامح مع الآخر، لم يجرؤ واحد منهم من أئمة المسلمين على الأقل، على القول إن احتلال فلسطين وتشريد شعبها واغتصاب أرضها هو أعلى درجات التطرف والعنف الذي تتحمل إسرائيل مسؤوليته بالكامل،ولم نسمع صوت أحد يقول إن التسامح صار شعارا سخيفا في المواجهة التي نحن بصددها، لأن المقصود به أن يتسامح القتيل ويعفو عن القاتل..كيف؟
لقد استخدم الأئمة والحاخامات لمداراة عورة السياسيين والتستر على جرائمهم وأغلب الظن أن الحاخامات كانوا يعرفون حقيقة الهدف من لقائهم لذلك حرصوا على استخدام المفردات التي تخدم مرادهم، والعنف والتسامح في المقدمة منها، لكن القدر المتيقن أن الأئمة كانوا هم الخاسر الأكبر، لأن وجودهم أسهم في إنجاح السيناريو الموضوع وتحسين صورة إسرائيل في أوروبا، لذلك لم يكن مستغربا أن تتحدث الصحف الإسرائيلية والمشايعة لها عن النجاح الكبير الذي حققه المؤتمر وهم محقون في ذلك. إذ هل هناك ـ من وجهة نظرهم ـ نجاح أكبر من أن يلتقي الأئمة والحاخامات في حين تواصل إسرائيل اجتياح خان يونس وتقتيل شبابها ثم يصمت الأئمة عن كل ذلك ويدينون مع الحاخامات "العنف" هكذا بالمطلق، وكأن الذي يجري في إسرائيل ليس احتلالا استيطانيا بشعا من جانب إسرائيل، أدانته محكمة العدل الدولية بصراحة، ولم يشر أحد من الأئمة المحترمين إليه بكلمة؟(20/113)
إننا لسنا ضد الحوار من حيث المبدأ، لكن حين يستخدم لافتة لأهداف غير بريئة من بينها التستر على جريمة الاحتلال أو تجميل وجهه القبيح، فلا بد أن تقف بحزم ضد ذلك التوظيف، وأن نرفض ذلك النوع من الحوار الخبيث، وليت الذين يدعون إليه من المسلمين يتحرون مقاصده وتوقيته وأطرافه ومكانه، التي هي لصالح إسرائيل بالكامل في الحالة التي نحن بصددها، والأمر كذلك فإنني لا أتردد في القول إن كل تعامل مع الإسرائيليين يتجاهل القضية الفلسطينية أو يقفز فوقها سواء كان من السياسيين أو المثقفين أو الأئمة، هو اشتراك مباشر في جريمة الاحتلال، بالصمت أو الطمس، بالتالي فهو في البدء والمنتهى تصرف مدان وطنيا وقوميا وينبغي أن يتنزه عنه المخلصون والشرفاء من أبناء هذه الأمة.
انتخابات ساخنة للمجلس الأعلى للطرق الصوفية بمصر
مجلة التصوف الإسلامي المصرية – العدد 312 ذو الحجة 1425 هـ
انعقدت الجمعية العمومية للسادة أصحاب الفضيلة مشايخ الطرق الصوفية في قاعة المؤتمرات بمحافظة القاهرة يوم الثلاثاء الموافق 4 يناير الحالي لانتخاب عشرة أعضاء جدد للمجلس الأعلى للطرق الصوفية في دورته الجديدة.
حرص أغلب السادة المشايخ على حضور الجمعية العمومية 66 بينما جاءوا جميعا من كل أنحاء مصر بأصواتهم وتخلف 13 شيخا فقط ،وهي نسبة حضور عالية تظهر مدى حرص السادة المشايخ على تعميق الديمقراطية والمساهمة في اختيار المجلس لأهمية المرحلة القادمة.. وعلى الرغم من اشتعال المنافسة بين السادة المرشحين في الفترة الأخيرة إلا أن الجميع نسوا حدة هذه المنافسات والتقى الجميع بابتسامة على الشفاه وفرحة في القلوب لهذا التجمع الجميل..(20/114)
تولى سماحة شيخ المشايخ تنظيم الاجتماع وتوالى السادة المشايخ في الإدلاء بأصواتهم ثم تشكلت لجنة الفرز من السادة سماحة شيخ المشايخ والدكتور حسين المسلي واللواء سمير محمد... وقد كانت هناك 64 ورقة صحيحة واستبعدت ورقتان باطلتان لزيادة الاختيار في واحدة عن عشرة والثانية لم يتعد الاختيار فيه 6 شخصيات.
وقد انتهت لجنة الفرز وأعلنت النتائج كالتالي:
الشريف أحمد كامل ياسين الرفاعي 48 صوتا.
السيد عبد الهادي أحمد القصبي 44 صوتا.
السيد الدكتور محمد أبو هاشم 42 صوتا.
السيد علاء أبو العزائم 41 صوتا.
السيد إبراهيم التسقياني 36 صوتا.
السيد سالم الجاوزلي 36صوتا.
السيد إبراهيم سلامة الراضى 36 صوتا.
السيد محمود أبو الفيض 35 صوتا.
السيد عبد الخالق الشبراوي 34 صوتا.
ثم تساوى السيد الدكتور عصام محمد زكي إبراهيم 33 صوتا والسيد أحمد الصاوي 33 صوتا وطالب البعض بإجراء قرعة بينهما وطالبت الأغلبية بإعادة عقد الجمعية العمومية بالعدد المتوفر من السادة المشايخ لحسم الأصوات بينهما.. ووسط تبادل الآراء والرجوع إلى المواد القانونية التي تنظم الانتخابات أراح السيد الدكتور عصام محمد زكي إبراهيم الجميع وأعلن من منطلق نبيل وراق فيه حب وتضحية وإيثار تنازله عن المقعد العاشر لزميله السيد الصاوي ليحسم جدلا كان قد بدأ ولا نعرف كيف ستكون نهايته.. وكانت لفتة جميلة من السادة المشايخ حينما ذهبوا إلى الدكتور عصام لتهنئته على الموقف الشجاع والنبيل والذي حظي به على تحية وإجلال وتقدير كل الحاضرين..(20/115)
ألف مبروك للسادة الفائزين بثقة إخوانهم في الجمعية العمومية تحية تقدير إلى جميع السادة المشايخ الذين حرصوا على إظهار كل المودة والترابط والألفة وهم يشاركون في أكثر الجمعيات العمومية للطرق الصوفية سخونة وكما بدأنا وانتهينا في هذا اليوم الديمقراطي الجميل فإن مقدار الحب للجميع لن ينقص منه خردل واحد. وإذا كنا نتقدم للسادة المشايخ الذين لم يحالفهم التوفيق بالتقدير والاحترام والأمنيات لهم بالتوفيق في المرات القادمة بإذن الله.
الملتقى الأول للطرق الصوفية بغرب إفريقيا:
مجلة التصوف الإسلامي المصرية – العدد 312 ذو الحجة 1425 هـ
تحت شعار "التصوف أصالة تتجدد" افتتح الرئيس أمادو توماني تورى رئيس جمهورية مالي يوم الجمعة 17/ 12/2004 في قصر المؤتمرات بباماكو أعمال الملتقى الأول للطرق الصوفية بغرب إفريقيا بحضور أعضاء الحكومة ورؤساء الجمعيات والمنظمات الإسلامية وأعضاء السلك الدبلوماسي المعتمدين في مالي وحشد كبير من أتباع الطرق الصوفية وتلاميذ وطلاب ومدرسين وأساتذة وصحافيين دوليين ومحليين.
وقد شارك في المؤتمر سماحة الشيخ حسين الشناوي شيخ مشايخ الطرق الصوفية، والدكتور أحمد عمر هاشم رئيس جامعة الأزهر السابق،والشيخ علاء أبو العزائم شيخ الطريقة العزمية، والشيخ الحسيني أبو الحسن شيخ الطريقة الجوهرية الأحمدية، وعبد الحليم العزمي ابن الطريقة العزمية.(20/116)
وقد افتتح الحفل بتلاوة آيات من الذكر الحكيم، وتلاها كلمة رئيس المجلس الأعلى الإسلامي الذي رحب بالسادة الحضور وبالضيوف الكرام ووضح أهمية انعقاد هذا الملتقى في مالي للصلة الوثيقة بين مسلمي مالي والتصوف الإسلامي وجاء في كلمته ما يلي: (أيها السادة: إن عاصمة مالي بماكو لتفتخر اليوم بوجود أهل العلم والعرفان فيها الذين جاءوا من كل فج وجو ابتغاء مرضاته عز وجل ليخدموا دين الله تعالى دين الأمن والسلام. وأن دولة مالي قد ذاق أبناؤها حلاوة الإيمان منذ نعومة أظفار الإسلام وسجل التاريخ حياة المسلمين فيها قديما وحديثا والجهاد الأكبر من زهد في الدنيا وهجرها إلى الله تعالى وتمسك بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فإذا من الله تعالى على دولة مالي بأن عقد على أراضيها هذا الملتقى الصوفي العالمي وقد أراد بهم وبغيرهم أن تنفعهم الذكرى، ذكرى الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في رجاء الله واليوم الآخر وفي ذكر الله كثيرا قال تعالى: "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا" .فخامة الرئيس أمادو توماني تورى: إن شكر مسلمي غرب أفريقيا لفخامتكم ولفخامة أخيكم الرئيس معمر القذافي على عقد هذا الملتقى العظيم ليعجز عن تعبيره الحرف واللسان وإنما يتولاه القلب والجنان).
وتلاها كلمة الوفود المشاركة قام بإلقائها سماحة الشيخ حسن الشناوي شيخ مشايخ الطرق الصوفية لجمهورية مصر العربية ركز فيها على حسن الضيافة التي حظوا بها منذ وصولهم إلى مالي وقد أوضح الشيخ حسن الشناوي أهمية هذا الملتقى فهو يندرج في إطار الجهود الجبارة التي تبذلها جمعية الدعوة الإسلامية العالمية من التقارب الإسلامي، فالصوفية الإسلامية ترجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس مثل هذه المجهودات إلا من باب إيصال رسالة الإسلام وإيضاح معالمها التي من أهم كبرياتها التصوف الإسلامي المعتدل.(20/117)
ويلاحظ أن واضع عنوان الملتقى "التصوف أصالة تتجدد" كان بعيد النظر في اختيار هذا العنوان لأنه يدل القارئ على أن التصوف قديم لأنه مأخوذ عن القائد الأول صلى الله عليه وسلم وكان في حالة ازدهار ثم تلى فترة الإزدهار فترة ركود فأراد بهذا العنوان عودة التصوف لعهده السابق الزاهر.
ثم ألقى د. أحمد عمر هاشم رئيس جامعة الأزهر سابقاً، كلمة أكد فيها على أن التصوف كلفظ واصطلاح ظهر بعد المصطفى صلى الله عليه وسلم ولكن المعنى ظل موجودا وقائما في الواقع الإسلامي من منطلق الإحسان المعروف في العلم الإسلامي، إذن فلا بد من ضرورة تجلية بعض الجوانب من هذا القبيل، وذلك لمن يحدثون مثل هذا الشغب الفاتن، ثم ختم بالتأكيد على أهمية المؤتمر في البلاغ والإعلام مع وجود قنوات أخرى ذات أهمية لا تنكر والفضل والشكر كل الشكر لمن لهم الفضل في تنظيمه والإسهام فيه وأخيرا تقدم الدكتور أحمد عمر هاشم بقصيدة مدح وتمجيد للجمعية على محاسنها وفضائلها.
وقد قدم د. أحمد عمر هاشم بحثا بعنوان "التصوف وتوحيد الصف الإسلامي" وقد ناشد الحضور بإقامة ندوات ومؤتمرات لنشر علوم القرآن الكريم استجابة للمستجدات في حياتنا المعاصرة، وفي تعريفه للتصوف ودوره، ذكر أن التصوف يعني تصفية القلوب، من الحسد والحقد والكراهية، والاعتصام بالله، والابتعاد عن كل التيارات الهدامة، والالتفاف حول كلمة لا إله إلا الله، وأكد أن هذه الكلمة هي همزة وصل بين المؤمنين، وهي الجامعة بينهم كما ذكر نكتة لطيفة يقول فيها إن الدنيا سفينة ومن فيها مسافرون فقط.
هذا وقد قدم الشيخ عبد الحليم العزمي ورقة عمل حول شرعية الذكر والتوسل والزيارة، وأوضح أن هذه الورقة لا يمكن أن تتصدى لكل الأمور والقضايا التي تدخل تحت هذا العنوان على أهميتها نظرا لضيق الوقت والحاجة إلى طرح القضايا الأساسية التي تطرح خلال الملتقى.(20/118)
وأضاف أن الصوفية هم المعدن الأصيل في دنيا الناس، وما انتصرت الأمة في أيامها الكبرى إلا بهم، وما انتشر الإسلام في ربوع المعمورة إلا بأخلاقهم، وما تخرج الرجال إلا من زواياهم ومجامعهم، فالطريق الصوفية هي جامعة القرآن، ومدرسة النبوة، والمعهد العالي الذي ينجب للدنيا الصورة المثالية للإنسان الكامل في دينه ودنياه. والواقع أن الأمة الإسلامية في أمس الحاجة إلى تفعيل وإعادة دور الطرق الصوفية في مواجهة الاستعمار العالمي والصهيونية الدولية.
وقال عن مشروعية الذكر أنه عنوان الولاية، وبيان الوصلة، وتحقيق الإرادة وعلامة على صحة البداية ودلالة صفاء النهاية، فهو طريق الحق، ووسيلة الصدق، فما سلك المريدون طرقا أصح وأوضح من طريق الذكر.
وعن مشروعية التوسل قال: الوسيلة لغة: كل ما يتقرب به إلى الغير، توسل إلى الله تعالى توسلا: عمل عملاً يتقرب به إليه. فتتحقق منه أن التوسل لا يسمى عبادة إنما هو وسيلة للعبادة، والتوسل لا تقرب فيه للمتوسل ولا تعظيمه غاية، التعظيم حتى يكون عبادة، وإنما يرى ذلك من باب الأدب.
وعن مشروعية زيارة القبور قال: إن زيارة القبور سنة، وكان قد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها في صدر الإسلام قبل أن تشرق أنوار الحق جلية على القلوب، وتقرير أصول الإسلام، فما أن انعقدت كل القلوب على الحق، وظهر أن الخلق جميعا عبيد مقهورون وعباد مربوبون، وعلم كل مسلم أنه في حاجة إلى رحمة الله، وعفوه وفضله وكرمه اتسع الأمر بعد التشديد، وأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بزيارة القبور فقد قال صلوات الله وسلامه عليه "كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تزهد في الدنيا وتذكر الآخرة"..(20/119)
وقد ألقى الدكتور محمد أحمد الشريف أمين عام جمعية الدعوة الإسلامية العالمية كلمة جدد فيها الشكر على حسن الضيافة وأثنى على الجهود المبذولة لإنجاح هذا الملتقى العالمي، لأن هذا الملتقى لقاء للعاملين في حقل الدعوة الإسلامية والمقتدين بالقرآن الكريم ولقاء محبي السلم والسلام العالمي ولقاء للحديث عن تصوف إسلامي يرجع تاريخه إلى أبي الأنبياء جميعاً نبي الله إبراهيم عليه السلام، فالتصوف تراث إنساني شريف يجب الحفاظ عليه...(20/120)
مجلة الراصد الإسلامية
العدد الحادي والعشرون – غرة ربيع أول 1426 هـ
1-…فاتحة القول: أليس فيهم رجل رشيد..................................4
2-…فرق ومذاهب: الكاكائية..............................................6
3-…سطور من الذاكرة: الشيعة يحاولون قتل الحسن بن علي ..........16
4-…دراسات: الثورة الإيرانية في ميزان الإسلام........................20
5-…كتاب الشهر: إيران بعد سقوط الخميني.............................49
6-…قالوا...............................................................54
7-…جولة الصحافة:
العراق:
-…تيار الصدر..............................................................60
-…أكراد العراق............................................................61
-…تركمان العراق..........................................................65
-…الغالب والمغلوب........................................................67
-…السيستاني.... الصامت الأكبر...........................................70
إيران:
-…حزب الله والملف النووي ..............................................75
-…النفود الإيراني هو المشكلة وليس الطائفة الشيعية......................79
-…عندما تقرصن إيران كتباً عربية.........................................82
-…شباب يبحث عن الحرية والحب.........................................83
البحرين:
-…نواب البحرين...........................................................86
-…د. عبد اللطيف المحمود.................................................88
لبنان:
-…مساع لإطلاق صوت شيعي ثالث........................................92
اليمن:
-…الحوثي.................................................................94
مصر:
-…تفكيك فهمي هويدي.....................................................98(21/1)
-…الشيخ القرضاوي وكيلاً لله في الأرض!................................106
وأيضاً....
-…الصوفية الغنائية......................................................112
-…لقاء مع الحاخامات....................................................114
فاتحة القول
أليس فيهم رجل رشيد!!
كنا قد تناولنا في العدد الحادي عشر قضية المتشيعين من أهل السنة والذين يطلقون عليهم "مستبصرون" وأطلقنا عليهم لقب فقاعة الصابون, ذلك أن المتشيعين يشابهون فقاعة الصابون في كبر الحجم وجمال المنظر لكن اقل نسمة هواء تحيلها إلي هباء!
والذي دعانا إلى تناول موضوعهم مرة أخرى ليس أهميته عندنا وإنما تعرفنا على نموذج جديد من (فقاقيع الصابون) يدعى عبد الباقي الجزائري مقيم في قم اتصل على قناة المستقلة وعرض على الناس عقله ودينه والتشيع الذي اقتنع به!
وذلك في حلقات سيرة الخليفة العادل عمر بن الخطاب رضي الله عنه والذي شارك فيه الدكتور ناصر الحنين والدكتور محمد العريفي.
والفقاعة الجديدة (عبد الباقي) اخرج من المستودع بعد فشل الفقاعة الرئيسية (التيجاني) في المناظرات الأولى حيث قدم نفسه للناس كـ (كلب آل البيت) حاشاهم الحاجة للكلاب.
والهدف هو إيهام الناس أن التشيع ينتشر ويتوسع ولكن الحقيقة هي أن التشيع يكسب أنصاراً من فئات معينة ومحددة ينطبق عليها قول الله تعالى في المحرمات من البهائم وهي (المنخنقة و الموقوذة والمتردية والنطيحة), و(عبد الباقي) هو آخر ما كشفت عنه معامل التشييع في قم أكبر شاهد على مستوى المتشيعين.
و هذه الفقاعة الجديدة (عبد الباقي) إحدى الفقاقيع التي سبق أن شاهدنا نماذج منها (فقعت) دون أن يأبه بها كائن, مثل (هشام قطيط) في سوريا أو (أحمد يعقوب) في الأردن أوفي مصر (حسن شحاته) أو في فلسطين (محمد شحادة) إلي بقية الفقاقيع التي قيد (التفقيع) أو التلاشي.(21/2)
وفقاعتنا الجديدة (عبد الباقي) يصلح أن يكون نموذجا عمليا لما يعتنقه المتشيع من أهل السنة من عقائد فاسدة و أكاذيب سخيفة وغلو ممقوت, ومن جهة ثانية يكشف حقيقة الفكر الشيعي المعاصر في قم وغيرها وأنه فكر حاقد مبني على الكراهية بعيد كل البعد عن دعاوي الوحدة والتقريب ويظهر ما هو المقصود من النشاط الشيعي الإيراني وغيره في أوساط أهل السنة.
و (الفقاقيع) مهما تنوع تحصيلها الجامعي من عينة واحدة (المنخنقة و الموقوذة والمتردية والنطيحة) ولهذا نشرنا في باب جولة الصحافة مقالا للفقاعة المصري الدكتور أحمد راسم النفيس فراجعه تري فيه مستوى عقل ودين هؤلاء الفقاقيع المتشيعه.
و في سياق ذكرنا لحلقات سيرة الفاروق نحيي الشيخ العريفي على جمال أسلوبه الذي عرى ضلال الشيعة و مكرهم باللطافة وسعة الصدر حيث أن الحق عليه نور ويزيده نور حسن الخلق فإنه أقوي في الحجة, فبارك الله في العريفي و جعل أسلوبه طريقة تتبع.
وختاماً نسأل الشيعة ومعامل (تفقيعهم) أليس لديكم رجل رشيد تقدمونه للناس؟؟
فرق ومذاهب
الكاكائية
من فرق العراق
تمهيد:
الكاكائية هي إحدى الجماعات والفرق التي تنتشر في شمال العراق، شأنها شأن الشبك واليزيدية، ويختلف المؤرخون والباحثون حولها اختلافاً كبيراً بسبب الغموض والسرية والرمزية التي تحيط عقائدهم، إضافة إلى تداخل الأديان والمذاهب في عقائدهم.(21/3)
لذلك نود الإشارة ـ كما أشرنا عند تناولنا لموضوع الشبك في العدد الماضي ـ أننا نقدم إلى القارئ العزيز ما نراه راجحاً مما بين أيدينا من معلومات بعضها كتبها أتباع الكاكائية، وبعضها من خارج فرقتهم، محاولين إعطاء فكرة كافية عن عقائدهم وانتشارهم وأهم شخصياتهم، وأنشطتهم الحالية في العراق، خاصة وأن مرحلة ما بعد سقوط نظام صدام حسين شهدت نشاطاً ملحوظاً للأقليات، للمطالبة ببعض الحقوق والامتيازات، كما شهدت الفترة الحالية حرصاً من بعض الأحزاب والقوميات الكبيرة لاستقطاب هذه الأقليات، والاستفادة من أصواتها في الانتخابات والاستفتاءات، الأمر الذي يجعل الأنظار مسلطة أحياناً على هذه الأقليات، ومنها الكاكائية.
أصل التسمية:
الكاكائية نسبة الى كلمة (كاكه) الكردية و تعني "الأخ الأكبر" و بهذا تكون الترجمة الحرفية لكلمة الكاكائية، "الأخية".
موطنها:
الكاكائية جماعة او عشيرة كردية موطنها الرئيس هو مدينة كركوك، وعلى ضفاف نهر الزاب الكبير في منطقة الحدود العراقية الإيرانية. وتسكن اغلبها في كردستان الجنوبية و خصوصا في كركوك و خانقين و مندلي و جلولاء و هولير و السليمانية و هورامان ، و كذلك في كردستان الشرقية: في قصر شيرين و صحنة و كرماشان و سربيل زهاو. كما لهم وجودٌ ملحوظ في تلعفر. والساكنون منهم في كردستان الشرقية يسمون "أهل الحق". ويطلق عليهم أيضا: الصارلية، واليارسانية.
البداية:
الكاكائية طريقة صوفية ظهرت الى الوجود على شكلها الحالى في القرن السابع الهجري على يد فخر العاشقين سلطان اسحاق البرزنجي المولود سنة 671 للهجرة. وسلطان اسحاق هو مؤسس و مجدد هذه الطريقة الصوفية و التي ظهرت بوادرها في القرن الثاني للهجرة على يد قطب العارفين عمرو بن لهب الملقب بـ (بهلول).(21/4)
وكلمة يارسانية تتشكل من ( يار ) و( سان ) في الكردية والفارسية، وتعني الأولى صديق أو محبوب، اما الأخرى فتعني الشاه أو السلطان، فيكون معناها أتباع أو اصدقاء سلطان إسحق.
ولا يعرف لهم عدد حاليا، لكن عدّهم الكرملي العام 1928 بحوالي عشرين ألف نسمة. لهم في كركوك 60 بيتاً، وعلى نهر الزاب 480 بيتاً، وفي خانقين نحو 560 بيتاً.
وأصل مذهبهم محل خلاف واسع ،فإضافة إلى الرأي الذي ذكرناه ، هناك من يعتبرهم بقايا جماعة الفتوة وتنظيمها، التي شجعها الخليفةُ الناصر لدين الله (ت 622هـ) بعد أن جعل من نفسه الفتى الأول، ثم تقلّد رئاستها خلفاؤه. والكلمة الكردية "كاكا/الأخ" كانت وراء القول في صلة الكاكائية بالفتوة، المعروفة بالأخيّة أحياناً.
وهناك من يعتقد أنها قبيلة كردية مسلمة تأثرت بالأديان الأخرى، ودخل إليها مزيج من الأفكار والعقائد المستمدة من التصوف والتشيع الغالي والمسيحية والفارسية، وهي ليست دينا أو مذهبا خاصا ولكنها خليط من الأديان والمذاهب.
وآخرون يقولون بأنهم"اختاروا النصرانية على كل دين سواه" .كما أن آخرين يسقطون البعد الديني الإيزيدي عليها، والمتمثل بوجود مركز رئيس الملائكة في عقائدهم.وبحسب تقرير للاستخبارات البريطانية، كان سلطان اسحاق متأثراً بنِحلة دينية قديمة كانت مزدهرةً، يُدعى صاحبها بابا خوشين.
ولعل الآراء المتباينة التي ذهبت في تفسير الكاكائية، مردها ما عزاه بعضهم إلى" أنهم يخفون رأيهم الديني على كل إنسان" ، إضافة إلى تداخل الديانات في مذهبهم.
انظر ما كتبه : الأب أنستاس الكرملي في مجلة لسان العرب، وعباس العزاوي في الكاكائية في التاريخ، وعبد الرزاق الحسني في العراق قديما وحديثا، والمستشرق الروسي مينورسكي في الأكراد ملاحظات وانطباعات..
أهم عقائدهم:
يعتبرون أن طريقتهم تقوم على أربعة أركان : الطهارة، الصدق، الفناء، والعفو.(21/5)
1- الطهارة: حيث على كل واحد منهم أن يكون طاهرا، أي نظيفا في الظاهر والباطن، ويجاهد النفس بجعلها نظيفة، سواء في الجسم، أو الروح، اللباس، الفكر، أو العمل.
2- الصدق: أي السبيل الصحيح، والقيام بما امرنا الله به.
3- الفناء ( في الله ): بمعنى الابتعاد كليا عن التكبر والغرور والأنانية وهوى النفس، والرذائل الأخلاقية، لكي يتم التسامي إلى الحق تعالى.
4- العفو: أي المغفرة، والإحسان، حيث يجب على كل إنسان مد يد العون والمساعدة للمحتاجين، لكي يكسب رضى الله ومحبته.
ويقولون إن من يستند إلى هذه الأركان الأربعة في حياته، يصل الى مرحلة الفناء في الله، وتستجاب دعواته، وينال لطفه ورحمته.
وتجمع هذه الطريقة بين التصوف و بعض الافكار الفلسفية من الاديان و المعتقدات الاخرى كمثال تناسخ الارواح المقتبسة من البوذية. و بما انها تعتقد بتناسخ الارواح فإنهم يعتقدون بأن روح الامام علي بن ابي طالب تتجسّد في جسد مؤسس الطريقة السلطان اسحاق البرزنجي و لهذا فان الكاكائية يغلون في الامام علي. كما ان الكاكائية لها صلات قريبة مع العلوية و البكتاشية و اليزيدية.
وقد ذكر عباس العزاوي من عقائدهم الخاصة أنهم يحرّمون الخمرَ، ويحترمون يومي الإثنين والجمعة، ويَتْلوَن الأدعيةَ الخاصّةَ بهم، ويقرّون الطلاقَ، ولكن برضى الرجل والمرأة، فهو عندهم كعقد الزواج، لا يجوز إلا برضى الإثنين، لكنهم لا يبيحون تعددَ الزوجات، وألا يتزوج الشيخُ ابنة مريده، ولا يتزوج المريدُ ابنة شيخه (الكاكائية في التاريخ ص 70) .
المؤسس سلطان إسحق(21/6)
ولد سلطان إسحق، عام 675 هجرية، في قرية " برزنجة" التابعة لقضاء حلبجة، في محافظة السليمانية. والده هو عيسى بابا علي الهمداني، وامه خاتون دايراك رمزبار. بعد وفاة والده نشبت خلافات بينه وبين أخوته، فأنتقل إلى قرية شيخان، في منطقة هورمان، وتوفي عام 798 هجرية ، وضريحه هناك. كان له العديد من المريدين من الصين والهند، بخارى وأقاليم إيران، حيث حققت طريقته نجاحا كبيرا في عهده، وإنتشارا واسعا.
وجاء في مذكرات " كاكاردائي" المخطوطة عن سلطان إسحق: ( تلقى سلطان أسحق العلم عند الملا إلياس الشهرزوري في خانقاه ( الحجرات)، وفي شبابه، انتقل الى بغداد، ليواصل تعليمه في المدرسة النظامية، ثم في دمشق، خاتما تحصيله فيها، ليرجع الى مسقط رأسه، ويبني مسجدا، ويقوم بارشاد وتربية الأهالي هناك، وبعد فترة يحج الى بيت الله، ويعود الى قرية برزنجة. بعد وفاة والده، وبسبب عدم الوئام مع أخوته، يهاجر الى قرية شيخان في منطقة هورمان، ويؤسس طريقة " يارسان"، ويعيش هناك حتى وفاته).
إلا إن أنصار " أهل الحق " لا يقبلون بهذه الوثيقة أعلاه، مدعين بأن سلطان كان ينعم بعلم الغيب، ولم يكن بحاجة لتلقي العلم من البشر. ويمكن أن يستنتج من قصائد الملا إلياس الشهرزوري، احد كبار علماء شهرزور، ان سلطان إسحق قد تلقى العلم منه، وبسبب خلافاته مع أخوته، يتجه الى قرية شيخان، ويؤسس طريقته التصوفية الجديدة.
وقد استعان في ذلك بعناصر مهمة من الأفكار الروحانية والدينية القائمة قبل الإسلام في إيران مثل الزردشتية والمزدكية والفكر اليهودي والمسيحي، وكذلك التيارات التي ظهرت بعد الاسلام ، وخصوصا في غرب إيران. وكانت لسلطان إتصالات بالنصيرية . وقد أنشد الشعر، وقصائده مدونة في كلام الخزانة، كما كتب كتابا في تفسير القرآن، لكن ليست ثمة معلومات عن هذا التفسير.(21/7)
أما مولده فإن أنصاره يرددون قصة مختلقة لا تختلف عن ما يزعمه الصوفية في شيوخهم ، حيث تقول القصة :
..وفي يوم ما بينما كان الدراويش يعملون في الحقل، تأتي إليهم " دايراك" – أم سلطان- وتجلس عندهم، وفجأة يدوي صوت هائل في السماء، وتسقط قطعة نور حوالي " دايراك " فيحملها الدراويش إلى المنزل، وبعد فترة تلد ولدا، سموه " سان إسحق " أو " سلطان إسحق "، ويرى الدراويش بأبصارهم الداخلية، علامات الآلهية على جبين الوليد.
وعندما يتأمل داود أعمال سلطان إسحق، يدرك بأنها تجليات آلهية، وأن امامه آفاقا رحبة، ويحمل مستقبلا باهرا للمنطقة. وفي إشتداد عوده، تبدو علامات النباهة واضحة عليه، مما يثير دهشة الشيخ عيسى، فيأخذه معه إلى مكة لحج بيت الله، ويلاحظ إشارات الفيوضات الإلهية على إبنه، وعندما ينوي أن يشهد على ذلك، يفقد النطق، وفي طريق العودة يقضي نحبه، فيعود سلطان إسحق إلى مسقط رأسه ثم يبدأ بتأسيس طريقة " اهل الحق".
أبرز شخصياتهم التاريخية والمعاصرة:
الامام احمد ابن ميره بگ
و هو حفيد ابراهيم ابن محمد ابن السلطان اسحق. ولد في كركوك في القرن الثامن الهجري. كان والده قد ترك شهرزور و قصد هذه المدينة للتبشير بالكاكائية. و قد التف الكثيرون من اكراد كركوك حوله . و اشتهر بين العامة من الناس بالامام احمد، أما الكاكائية فيسمونه بـ (الخان احمد) وقد توفى في نهاية القرن الثامن للهجرة ودفن في محلة المصلى بكركوك. ضريحه و المقبرة التي تضمه تسمى باسمه أي الامام احمد. و قد دأب سادة الكاكائية بدفن موتاهم في هذه المقبرة منذ القرن الثامن للهجرة. وهناك اعتقاد سائد بين الناس و خصوصا كاكائية كركوك بان الامام يشفي المرضى، لذا فان الناس يقصدون ضريحه للشفاء من الأمراض. واليوم المفضل لزيارة الامام هو يوم الاربعاء.
العم نظر الگرمياني(21/8)
هو ابن عم قيصر ابن محمد و يعرف بـ (درويش نظر الگرمياني) ولد في كركوك سنة 1786 ميلادية. كان عالما باصول الصوفية، وكتب الكثير من اشعار التصوف باللغة الكردية. و هو جد الشاعر الكوردي المعروف هجري. توفي سنة 1875 و دفن في مقبرة ابو علوك في كركوك. وكان العم نظر ملحنا ايضا فقد كان يضع الالحان لاشعاره الدينية بنفسه و يغنيها. كان يعزف على الة الطنبور و الحانه تسمى بالنظرية.
الشيخ پير ويس سيابيم
هو ابن محمد ابن حمه امين، من عائلة خوبيله ولد في كركوك سنة 1817 ميلادية. تعلم علوم زمانه من العم نظر الگرمياني. اصبح ضابطا في الجيش العثماني و نال رتبة (بين باشي) سنة 1847، ترك صفوف الجيش ليتفرغ لشؤون الدين و التصوف و كان من علماء المتصوفة. الف مجموعة من الاشعار الصوفية باللغة الكردية في مديح الباري عز و جل، و في مديح السلطان اسحاق البرزنجي و اصحابه. توفى سنة 1892 و دفن في مقبرة المصلى في كركوك.
السيد ولد افندي
واسمه الحقيقي هو ابراهيم ادهم محمد ابراهيم اغا. ولد في كركوك سنة 1850 في محلة المصلى. عمل من 1880 لغاية 1913 كموظف في كركوك ثم كضابط في الجيش العثماني برتبة (بين باشي) ثم كعضو في مجلس بلدية كركوك و عضوا في المحكمة العسكرية. توفي سنة 1917 و دفن في مقبرة الامام احمد.
خليل اغا
هو ابن محمد بن ابراهيم بن روستم و هو من ساداة الابراهيمية و يرجع اصله الى السلطان اسحق البرزنجي. ولد في مدينة كركوك سنة 1856 للميلاد. كان رجلا متعلما، و اختير رئيسا لعشيرة الكاكائية. عين في زمن السلطان عبد الحميد عضوا في محكمة كفري. اشترك على رأس مجموعة من المقاتلين الكاكائيين في معركة الشعيبة يوم 15 نيسان 1915 ضد القوات البريطانية. توفي سنة 1932 و دفن في مقبرة الامام احمد في المصلى بكركوك. وهو والد فتاح اغا الكاكائي الذي اصبح رئيس عشيرة الكاكائية بعد وفاة والده.
هجري دده(21/9)
و اسمه محمود ابن الملا علي ابن العم نظر الگرمياني، ولد في كركوك سنة 1877. كان رجلا متعلما يكتب الاشعار باللغات الكردية و التركية و الفارسية.
عمل معلما في مدرسة السلطانية في كركوك ثم في مدرسة القلعة. وتولى رئاسة تحرير صحيفة كركوك من العدد (66) .و قد صدر العدد الأول منها سنة 1926 واستمرت في الصدور حتى سنة 1972.
وفي سنة 1960 اقيمت ندوة ادبية في بغداد للأدباء الاكراد و التركمان حضرها جمع كبير من الشعراء والمثقفين. والقى كل من محمد مهدي الجواهري و عبد الله گوران كلمتهما عن الشاعر هجري دده.
توفي هجري دده يوم 11 من كانون الاول 1952 و دفن في مقبرة ابو علوك في كركوك على جانب جده العم نظر الگرمياني.
الملا فتح الله ابن حويش
المولود في محلة المصلى في كركوك سنة 1863 و قد فتح مدرسة على حسابه الخاص في محلة بريادي بكركوك. توفي سنة 1919 و دفن في مقبرة المصلى في كركوك.
كمال طاهر عزيز
رئيس عشيرة الكاكائية الحالي في العراق.
وتعتبر مدينة كركوك مركزا مهما لتجمع الكاكائيين خصوصا بسبب وجود مرقد الامام احمد فيها و كذلك وجود القرى الكاكائية التابعة لقضاء داقوق و التابعة اداريا لهذه المحافظة ومن مشاهيرهم: الكاتب و الصحفي فلك الدين الكاكائي رئيس تحرير جريدة التاخي التي تصدر في بغداد باللغة العربية، والمخرج السيمائي سليمان فائق، والفنان التشكيلي مدحت محمد علي، الفنانون التشكيليون: خليل كاكائي، صدرالدين حمه، حسام كاكائي، الفتوگراف المشهور شمس الدين حمه و الباحث في المسائل التراثية هردويل كاكائي و غيرهم.
من أنشطتهم:(21/10)
1- استقبال جلال طالباني الأمين العام للاتحاد الوطني الكردستاني في بلدة قلاجولان في التاسع عشر من آب/ أغسطس 2004 وفداً مؤلفاً من (60) شخصية اجتماعية للطائفة الكاكائية في مناطق الموصل وكركوك والسليمانية وخانقين ومناطق اخرى من كردستان, وطالب الوفد الكاكائي الاتحاد الوطني الكردستاني وحكومة إقليم كردستان زيادة الاهتمام بأبناء الطائفة وبمناطقهم, ووعدهم طالباني بتلبية احتياجاتهم ومطالبهم وتنفيذ عدد من المشاريع الخدمية والاعمارية في مناطقهم, واقترح افتتاح مركز فكري للكاكائيين في كركوك ووعد بتوفير جميع المستلزمات له, ويكون ذلك بداية لافتتاح مراكز اخرى وفي مناطق مختلفة في كردستان, كما أشار الى ان حزبه سيدعم على ان يكون الكاكائية نواب في البرلمان الكردستاني القادم.
كما دعا ممثلو الكاكائيين في منطقة خانقين طالباني الى بذل جميع الجهود من اجل إعادة قضاء خانقين الى حدود إقليم كردستان.وانتخب في هذا الاجتماع الدكتور نوزاد صالح رفعت ممثلاً لجلال عند الكاكائييه.
2- استقبال رئيس حكومة اقليم كردستان بالوكالة عمر فتاح جماعة من المثقفين الكاكائيين.
وقد قرر بناء على طلبهم تعبيد الطريق الذي يوصل بين(7) من القرى التي يسكنها الكاكائيون وبين مقبرتهم الكبرى، اضافة الى قراره بتقديم كل الدعم لهم لبناء المركز الثقافي والاجتماعي.
3- حديثهم المتكرر عن ضرورة تمثيل القوميات العراقية في البرلمان المنتخب .(21/11)
وقدموا - هم والأقليات الأخرى- اقتراحا باقامة مجلسين للتشريع، اولها المجلس الوطني، وتتمثل كل قومية او طائفة دينية بحسب نسبتها السكانية من مجموع عدد سكان العراق، اما المجلس الاخر " مجلس الشيوخ"، فان كل قومية تتمثل بعدد متساو من الاعضاء بغض النظر عن عدد المنتمين اليها، فإذا تقرر ان يكون العدد عشرة، فيحق للعرب عشرة، وللاكراد والاشوريين والتركمان، نفس العدد، كما تكون نسبة تمثيل الشبك والصابئة واليزيدية و الكاكائية، بعدد يعادل نصف عدد تمثيل القوميات باعتبارها تشترك في الانتماء القومي مع احدى القوميات العراقية، كما ان التنافس على المقاعد، في كلا المجلسين يكون محصورا بابناء القومية الواحدة، وتكون صلاحيات المجلسين متوازنة، بحيث لا يسرى اي قانون ما لم يتم المصادقة عليه من قبل المجلسين، كما انه في حالة تغيير الدستور يحق لاكثرية ممثلي احد القوميات استعمال حق النقض ضد اي تعديل دستوري، وكل ذلك لخلق التوازن بين الاقليات والاكثرية .
4- مطالبتهم بتوسيع رقعة الاهتمام بأبناء "عشيرة الكاكه ئية" وخاصة في المجال الإعلامي ، ويوجهون كلامهم إلى حكومة كردستان ،قائلين" أننا نلاحظ أن أغلب الندوات والجلسات واللقاءات التي تقيمها بعض البرامج وحتى الأغاني التي تقدمها قناتا كردستان تخلو من مشاركة أبناء هذه العشيرة".
أهم كتبهم:
1- كلام الخزانة أو "سرانجام" المدون في القرنين السابع والثامن الهجري ويتكون من ستة أجزاء. ويعتبر في رأيهم وحيا منزلا، ويرون فيه تعاليم كاملة، ونهجا قويما، ومرشدا لهم في الحياة، يستندون إليه في حل كل مسائلهم الدينية والدنيوية.وهذا الكتاب لم يُطبع قط في أي مكان.(21/12)
وتضمنت بعض مواضيع سرانجام الحكم وتسمى ( علم الأعلى ) ، واصطلاحات فلسفية يصعب على كل إنسان إدراكها. وقد جاء في مقدمته، أنه يجب ألا يطلع على مضامين الكتاب المقدس كل من كان، وأنه يجب ترتيله برموز، ولا يجوز تداوله من قبل أناس غير أهل له، أو غير لائقين.
كما يشير سلطان إسحق البرزنجي أيضا، إلى مرموزية الحكمة، ويبين أنه يجب الحديث فيها في لبوس الرموز والأسرار والكنايات، ولا ينبغي بيانها مكشوفة للعامة، حيث يقول : " لا تكشفوا الأسرار، فبا أيها الياران ( الأنصار ) إياكم وكشف الأسرار، فالحكمة يتلقاها الأهل برموز، لئلا تحترقوا في محرقة أعمالكم ".
ويطلق البعض على أقوال وحكم عظمائهم( كلام ) أو ( دفتر )، كما يطلقون على علماء هذه الطريقة " كلام خوان " أي قارئ الكلام، وكل " كلام " موزون ومقفى، أو مكتوب في نثر بديع، وهناك كتب عديدة لهم، كُتبت في قرون هجرية مختلفة، ما بين القرن الثاني إلى الثالث عشر مثل: دوره بهلول، دور شاه خوشين، كلام ايل بيكي جاف، كلام نوروز، كلام حيدري...
ومن كتبهم المشتركة مع غيرهم "خطبة البيان" المنسوبة لـ علي بن أبي طالب. قال حاجي خليفة (ت 1067هـ): " سبعون كلمة، أولها: الحمد لله بديع السموات وفاطرها.. إلخ، قيل أنها من المفتريات، ولها شرح بالتركية في مجلّد (كشف الظنون) وقال آغا بَرْزَكْ الطهراني: "من الخطب المشهورة نسبتها إلى أمير المؤمنين (ع)، ولها نسخ مختلفة بالزيادة والنقصان.. لم يذكرها الرضيُّ في نهج البلاغة.
ومن كتبهم أيضاً "جاوَدانْ عُرفي" وهو كتاب الطريقة الحروفية الصوفية، وكتاب "حياة" و "التوحيد" لـ سلمان أفندي الكاتبي، تُضاف إلى هذه الكتب دواوينَ شعرية، تُتلى كأدعية وابتهالات.
مزاراتهم(21/13)
أما مزاراتهم، التي يشاركهم فيها العلويون أو العلي إلهيون هي: مزار سلطان إسحق في جبل هورامان، ومزار سيد إبراهيم، بين مقبرة الشيخ عمر، والباب الأوسط ببغداد. ودكان داوود، وصاحب المزار المذكور كان خليفة السلطان إسحق، ويقع بين سربيل وباي طاق، في كهفِ جبلٍ. ومزار زين عابدين في داقوق، أصل محله كنيسة. ومزار أحمد في كركوك، بمحلة المصلى. ومزار عمر مندان في كفري، وهو غير عمر مندان الواقع على طريق كركوك ـ أربيل .
للاستزادة:
1ـ الأديان والمذاهب بالعراق ـ رشيد الخيون
2ـ موقع بحزاني www. Bahzani. Org
3ـ مجلة المدار العراقي
4 ـ Nivis مجلة شهرية على الانترنت باللغتين العربية والكردية
5ـ موقع الكاتب العراقي
6 ـ موقع الاتحاد الوطني الكردستاني pukoline. Com
7ـ صحيفة الاتجاه الأخر العراقية
سطور من الذاكرة
الشيعة يحاولون قتل الحسن بن علي
رضي الله عنه
الحسن بن علي بن أبي طالب إمام من أئمة المسلمين، وسيد من سادات أهل البيت الكرام، مناقبه وفضائله أكبر من أن تحصى. وقد أشرنا في العدد الخامس من هذه الزاوية إلى واحدة من هذه الفضائل عندما تنازل الحسن رضي الله عنه عن الخلافة سنة 41هـ حقناً لدماء المسلمين، وهو ما عرف بعام الجماعة، مصداقاً لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: " إن ابني هذا سيد ولعل الله يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين". رواه البخاري.
وسيرة الإمام الحسن ودراسة عصره بحاجة إلى وقفات كثيرة، ولعلنا نقصر الحديث في هذا الشهر على جانب في غاية الأهمية هو الإيذاء الذي تعرض له الحسن من قبل الشيعة، الذين لم يرق لهم أن يترك الحسن الخلافة من أجل حقن دماء المسلمين، والإصلاح وتوحيد الجهود، ووصل ذلك الإيذاء إلى محاولة قتله!(21/14)
يعود بنا الحديث إلى شهر رمضان سنة 40هـ حيث بويع الإمام الحسن بن علي رضي الله عنهما بعد استشهاد والده، وقد كان الحسن يميل إلى مصالحة معاوية وإنهاء القتال، وكان يقول: "كانت جماجم العرب بيدي، يسالمون من سالمت، ويحاربون من حاربت، فتركتها ابتغاء وجه الله". وقد جاء في خطبته التي تنازل فيها لمعاوية عن الخلافة: "... أما ما كان حقاً لي تركته لمعاوية إرادة صلاح هذه الأمة وحقن دمائهم..".
لم يرق للشيعة وأهل الكوفة خاصة، أن يتخذ الإمام الحسن هذا الموقف النبيل، وساءهم أن يسعى لما فيه صلاح الأمة ووحدتها، فآذوه رضي الله عنه. ووصل هذا الإيذاء إلى محاولة قتله، من قبل الذين يزعمون أنهم شيعته.
والمحاولة الأولى لاغتياله رضي الله عنه وقعت بعد أن كشف عن نيته في الصلح مع معاوية، وهذه المحاولة يبدو أنها قد جرت بعد استخلافه بقليل، فقد أخرج ابن سعد في طبقاته أن الحسن بن علي لما استخلف حين قتل علي، فبينما هو يصلي إذ وثب عليه رجل فطعنه بخنجر ... فمرض منها أشهراً ثم برئ، فقعد على المنبر فقال: يا أهل العراق اتقوا الله فينا، فإنا أمراؤكم وضيفانكم أهل البيت الذين قال الله فيهم( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) الأحزاب 33... فما زال يقول ذلك حتى ما رؤى أحد من أهل المسجد إلاّ وهو يخن باكياً.(21/15)
وفي شهر صفر سنة 41هـ خرج الحسن بجيشه من الكوفة إلى المدائن ( ) وبينما الحسن في المدائن إذ نادى منادٍ من أهل العراق إن قيساً قد قتل، فسرت الفوضى في الجيش، وعادت إلى أهل العراق طبيعتهم في عدم الثبات، فاعتدوا على سرادق الحسن ونهبوا متاعه، حتى إنهم نازعوه بساطاً كان تحته، وطعنوه وجرحوه. ويشير د. عبد الشافي محمد في كتابه "العالم الإسلامي في العصر الأموي" إلى حادثه لها دلالة كبيرة، فقد كان والي المدائن من قبل عليّ ، سعد بن مسعود الثقفي، فأتاه ابن أخيه المختار بن أبي عبيد بن مسعود، وكان شاباً، فقال له: هل لك في الغنى والشرف؟ قال: وما ذاك؟ قال: توثق الحسن، وتستأمن به إلى معاوية، فقال له عمه: عليك لعنة الله، أثب على ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأوثقه بئس الرجل أنت.
فلما رأى الحسن صنع أصحابه والذين يدّعون أنهم شيعته، أيقن أنه لا فائدة منهم، ولا نصر يُرجى على أيديهم، ولعلّ هذا مما دفعه إلى الصلح.
وبعد نجاح مفاوضات الصلح بين الحسن ومعاوية، شرع الحسن في تهيئة نفوس أتباعه على تقبل الصلح، فقام فيهم خطيباً ليبين لهم ما تم بين الطرفين ، وفيما هو يخطب إذ هجم عليه بعض عسكره محاولين قتله. لكن الله سبحانه وتعالى أنجاه كما أنجاه من قبل.
وقد أورد البلاذري في كتابه "أنساب الأشراف" خطبة الحسن التي ألقاها في أتباعه، ومحاولة قتله فقال: "إني أرجو أن أكون أنصح خلقه لخلقه، وما أنا محتمل على أحد ضغينة، ولا حقداً، ولا مريداً به غائلة، ولا سوءاً، ألا وإن ما تكرهون في الجماعة خير لكم مما تحبون في الفرقة ،ألا وإني ناظر لكم خيراً من نظركم لأنفسكم، فلا تخالفوا أمري، ولا تردوا علي، غفر الله لي ولكم".(21/16)
فنظر بعض الناس إلى بعض وقالوا: عزم والله على صلح معاوية، وضعف وخار، وشدّوا على فسطاطه، فدخلوه. وانتزعوا مصلاّه من تحته، وانتهبوا ثيابه، ثم شدّ عليه عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي جعال الأزدي، فنزع مطرفه (رداءه) عن عاتقه..
لقد كان الإمام الحسن رضي الله عنه يعي معدن هؤلاء الناس، ومكرهم به وبأبيه رضي الله عنه، فلقد جمع الحسن رؤوس أصحابه في قصر المدائن، فقال: "يا أهل العراق، لو لم تذهل نفسي عنكم إلاّ لثلاث خصال لذهلت: مقتلكم أبي، ومطعنكم بغلتي، وانتهابكم ثقلي، أو قال ردائي عن عاتقي، وإنكم قد بايعتموني أن تسالموا من سالمت وتحاربوا من حاربت، وإني قد بايعت معاوية فاسمعوا له وأطيعوا.." الطبقات لابن سعد.
وبدلاً من الانصياع لما أقدم عليه الحسن من الصلح، أخذ هؤلاء ينعتونه بـ " مذل المؤمنين" أو "عار المؤمنين" فقد جاء في طبقات ابن سعد، وفي تاريخ دمشق لابن عساكر أنه لمّا قيل للحسن من بعض المعترضين على الصلح: يا عار المؤمنين قال: للعار خير من النار، وفي رواية: إني اخترت العار على النار.
وعند ما قال له أبو عامر سفيان بن الليل "السلام عليك يا مذل المؤمنين" رد عليه الحسن " لا تقل هذا يا أبا عامر لست بمذل المؤمنين، ولكني كرهت أن أقتلهم على الملك". البداية والنهاية لابن كثير.
وكان الحسن يعلم ما يحيط به من واقع، وكيف يتعامل شيعته معه، وكيف تعاملوا مع والده الإمام علي، فقد جاء في المجتبى لابن دريد أن الحسن قام بعد موت أبيه فقال: والله ما ثنانا عن أهل الشام شك ولا ندم، وإنما كنا نقاتلهم بالسلامة والصبر، فشيبت السلامة بالعداوة، والصبر بالجزع، وكنتم في منتدبكم إلى صفين دينكم أمام دنياكم فأصبحتم ودنياكم أمام دينكم، ألا وإنا لكم كما كنّا، ولستم لنا كما كنتم، ألا وقد أصبحتم بين قتيلين، قتيل بصفين تبكون عليه، وقتيل بالنهروان( ) تطلبون ثأره، فأما الباقي بخاذل، وأما الباكي فثائر...(21/17)
وقد جاء في بعض كتب الشيعة مثل "الاحتجاج" للطبرسي أن الحسن تحدث عما فعله به بعض شيعته من أهل العراق، وما قدموا إليه من الإساءات والإهانات قائلاً: "أرى والله معاوية خير لي من هؤلاء يزعمون أنهم لي شيعة، ابتغوا قتلي وأخذوا مالي والله لأن آخذ من معاوية عهداً أحقن به دمي وآمن به في أهلي، خير من أن يقتلوني فيضيع أهل بيتي وأهلي، والله لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتى يدفعوا بي إليه سلماً...".
للاستزادة:
1ـ الحسن بن علي بن أبي طالب: شخصيته وعصره ـ الدكتور علي محمد الصّلابي
2ـ الإنصاف فيما وقع في تاريخ العصر الراشدي من الخلاف ـ الدكتور حامد الخليفة
3ـ عام الجماعة (الراصد ـ العدد الخامس) زاوية سطور من الذاكرة
دراسات
موقف مفكري الإسلام من الشيعة - 6 -
الثورة الإيرانية في ميزان الإسلام
الشيخ محمد منظور نعماني
هذه سلسلة من البحوث كتبها مجموعة من المفكرين والباحثين عن عقيدة وحقيقة مذهب الشيعة من خلفيات متنوعة ومتعددة ، نهدف منها بيان أن عقائد الشيعة التي تنكرها ثابتة عند كل الباحثين ، ومقصد آخر هو هدم زعم الشيعة أن السلفيون أو الوهابيون هم فقط الذين يزعمون مخالفة الشيعة للإسلام .
هذا البحث كتبه " الشيخ محمد منظور نعماني في كتابه :الثورة الإيرانية في ميزان الإسلام " والشيخ محمد نعماني من علماء الهند المعاصرين وكانت له مناظرات قوية في الدفاع عن الإسلام تجاه خصومه وله مجموعة من الكتب منها ماهو الإسلام ؟ و الين والشريعة و ماذا يقول القرآن ؟ وكتابه الثورة الإيرانية كتبه بعد أن تقدم به السن وكان بحاجة للراحة لكنه أثر النصيحة للمسلمين على راحته الشخصية . الراصد
الشيعة
نشأتها وفرقها المختلفة
ما هي الشيعة؟(21/18)
إن الهدف من كتابتي هذه ـ كما ذكرت آنفاً ـ هو تعريف من لا يعرف بأصل الثورة الإيرانية ونوعيتها وحقيقتها، وتعريف من لا يعرف بالشخصية الحقيقة لقائدها الروحي الخميني، ومكانته الدينية الحقيقية، فالجهل بكل هذه الأمور جعل الكثير يتأثر بالدعاية التي تنفق عليها الحكومة الإيرانية بلايين الدولارات، حتى تعطي الثورة صورة إسلامية خالصة.
وكما أوضحنا قبلاً، وعلى ضوء كتابات الخميني، فإن أساس الثورة الإيرانية التي قادها هو، المذهب الشيعي أساسها وأصلها، قائم على قضية الإمامة.
ومن هنا، فمعرفة هذه النوعية من الثورة، وفهم شخصية كشخصية الخميني تتطلب الوقوف على المذهب الشيعي أيضاً.
ولهذا فسوف نحاول في الصفحات التالية تعريف القارئ بهذا الأمر، وما تقدمه في الصفحات التالية مأخوذ ومنقول من كتب المذهب الشيعي المعتمدة ومن أقوال الأئمة المعصومين.
نعرض في البداية نبذة عن تاريخ المذهب الشيعي، وبدون هذه النبذة لا يمكن فهم هذا المذهب فهماً صحيحاً.
ونشير هنا إلى أن فهم بداية أو نشأة المذهب الشيعي يسهل على أولئك الذين يعرفون تاريخ المسيحية، لهذا سنلقي نظرة سريعة على العلاقة بين الشيعة والمسيحية, ثم نعرض لفكرة الشيعة عن علي، وكذلك فكرة الشيعة عن النبي، وحكاية التنبؤ بنبوته، بالإضافة إلى التأثيرات الخارجية، وسوف يلاحظ القارئ مدى التقارب بين الشيعة والمسيحية، والله الموفق.
الشيعة والمسيحية
في "مسند" أحمد، و "مستدرك" الحاكم، و "كامل" ابن عدي، وغيرها من كتب الحديث، حديث روي عن علي ? بأن رسول الله ? قال له( ):
"مثلك ـ أي علي ـ مثل عيسى بن مريم، أبغضته اليهود، حتى بهتوا أمه، وأحبته النصارى، حتى أنزلوه منزلته ـ التي ليست له ـ، ثم قال: يهلك في رجلان: محب مفرط يقرظني بما ليس في، ومبغض يحمله شنآني على أن يبهتني"( ).(21/19)
وما نسب إلى رسول الله ? في هذا الحديث، وما نسب إلى علي ?، إنما ظهر في عهد خلافته، وقد وصل عداء الخوارج له ومعارضتهم إياه أن قالوا بأن علي بن أبي طالب ? مخرب للدين، وهو كافر، وقتله واجب، وهكذا قام أحد الأشقياء منهم بقتله، يدعى عبد الرحمن بن ملجم، وفهم هذا الشقي أن ما قام به ما هو إلا عمل من أعمال الأكبر يوصله إلى الجنة.
ثم ظهر أناس غالوا في حبهم لعلي ?، حتى أوصلوه إلى درجة الألوهية، ومنهم من قال: إن عليا كان أحق وأولى بالنبوة وبالرسالة، وإن الله أراد أن يجعله نبياً ورسولاً، وأرسل جبريل الأمين إليه بالوحي، إلا أنه اشتبه عليه، فحمل الوحي وذهب به إلى محمد ?.
وعلاوة على ذلك قال البعض: إن علياً وصي رسول الله ?، وإنه معين من عند الله إماماً وخليفة وزعيماً للأمة بعد رسول الله، وهو كالرسول معصوم، وطاعته واجبة، وهو أفضل مقاماً ومرتبة من جميع الأنبياء عليهم السلام، وهو يحمل صفات الألوهية، كالتصرف في الكائنات، ومعرفة علم الغيب.
وسوف نطلع القارئ على المزيد من تاريخ فرق الشيعة هذه من المغالين في حق علي.
والآن نعود إلى حديثنا السابق فنقول: إن فهم حقيقة الشيعة يسهل على من يعرف المسيحية وتاريخ المسيحية، ولما كان القليل من القراء على دراية بتاريخ المسيحية، فسوف نذكر هنا نبذة مختصرة عن المسيحية، ونترك القارئ يعقد المقارنة بنفسه بين المسيحية والشيعة.
المسيح والمسيحية:
لا يشاور الشك أي مسلم في أن نبي الله ورسوله المسيح ابن مريم عليه السلام كان يدعو إلى الإيمان بالتوحيد الخالص، وإلى الإيمان بالقانون الإلهي، قانون الثواب والعقاب، والإيمان بالجنة والنار، وهو ما دعا به جميع الأنبياء عليهم السلام أممهم، وأنه أعلن أنه عبد الله ونبيه ورسوله، والمصدر الذي لا يشوبه أي شك ـ أي القرآن لكريم ـ يتحدث عن دعوة المسيح وتعاليمه في سورة المائدة:(21/20)
{وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار، وما للظالمين من أنصار}( ).
وفي سورة آل عمران، يذكر الله تعالى في كتابه الكريم المعجزات التي وهبها للمسيح عليه السلام، ويذكر قول المسيح لقومه بعد أن عرض عليهم تلك المعجزات:
{وجئتكم بآية من ربكم فاتقوا الله وأطيعون إن الله ربي وربكم فاعبدوه، هذا صراط مستقيم}( ).
وفي سورة مريم يخبر المسيح عليه السلام ـ قومه عن نفسه فيقول:
{إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبياً}( ).
ثم يختم المسيح ـ عليه السلام ـ هذا الأمر قائلاً:
{إن الله ربي وربكم فاعبدوه، هذا صراط مستقيم}( ).
وفي آخر سورة المائدة يسأل الله تعالى المسيح عليه السلام في يوم القيامة ليكون حجة على المسيحيين، وبراءة للمسيح عليه السلام:
{أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله}( ).
{ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم}( ).
ومن هنا ـ وفي ضوء الآيات القرآنية ـ لا يصبح هناك أي مجال للشك أو الشبهة في أن المسيح ـ عليه السلام ـ قد دعا قومه إلى التوحيد الخالص، وليس هناك من شك أيضاً أن حوارييه قد تربوا على يديه، وتعلموا منه مباشرة تعاليمه الخاصة بالتوحيد، ونادوا بها.
ولكن، بعد فترة اتجهت الأمة المسيحية إلى المناداة بالتثليث، وبدلاً من قانون الثواب والعقاب ـ الذي جاء به المسيح وجميع الأنبياء ـ جعلوا من الكفارة عقيدة أساسية لهم، وأقاموا أساس المسيحية على العقيدتين، التثليث والكفارة، ومن لا يؤمن بهما ويؤمن بالتوحيد الخالص، وقانون الثواب والعقاب ـ الذي دعا إليه المسيح عليه السلام ـ لا يمكن أن يعد مسيحياً أو نصرانياً طبقاً لقانون أي كنيسة.(21/21)
والسؤال التاريخي الهام هو: كيف حدث هذا التحريف في دعوة المسيح وتعاليمه؟ وكيف اتفقت أمة كلها، بل اتخذ العالم المسيحي كله ـ رغم الاختلافات العقائدية والمذهبية الصغيرة والكبيرة ـ من عقيدة التثليث والكفارة عقيدة أساسية له؟
وبفضل الله وكرمه، وبعون عدد من الباحثين عن الحق، حفظ تاريخ هذا التحريف والتبديل، فمن بين علماء المسلمين من قاموا بدراسة دقيقة للمسيحية ولتاريخها، وكتبوا عن هذا الموضوع بإسهاب، وبوضوح، ومع بيان كافة الأدلة والأسانيد اللازمة، وتوثيق كتاباتهم بطريقة توضح تاريخ هذا التحريف والتبديل وضوح الشمس، وسوف نذكر نتائج هذه الأبحاث التي كتبوها باختصار شديد جدا( ).
من خلال هذه القراءات الجادة لتاريخ المسيحية نعرف أن الله تعالى قد أرسل عيسى عليه السلام نبيا ورسولاً، وقدم المسيح عليه السلام نفسه لأمته، بني إسرائيل، اليهود، كنبي ورسول، وبلغهم رسالة الله، وعرض عليهم المعجزات البينات التي ورد ذكرها في القرآن الكريم.
وفي البداية، قال علماء أمته وزعماؤها الدينيون: إنه مدع للنبوة ساحر كذاب، وإنه طبقاً لشريعة اليهود ملعون وواجب القتل، فآذوه وأذلوه، ثم قدموه إلى محكمتهم الدينية، فحكمت عليه بالإعدام صلباً، وتم التصديق على تنفيذ الحكم بالإعدام من قبل الحاكم الروماني، وذلك طبقاً لقانون الحكومة الرومانية، التي كانت تمتلك السلطة في ذلك الوقت، وتم صلب المسيح.
وطبقاً للقاعدة والتقاليد الرائجة، دفنت الجثة، واطمأن الناس إلى ما فعلوا، فقد قضوا على مدعي النبوة( ). وقطعوا جذور دعوته الدينية، إلا أن حواريي المسيح المخلصين صادقي العهد، قاموا بحمل دعوته وهديه إلى المناطق البعيدة، وأخذوا يرسلون تلاميذهم هنا وهناك، ونجحوا في إبلاغ الدعوة بجهودهم المخلصة وتضحياتهم، وظهرت بوادر نجاحهم حتى كادت تكلل بالنجاح.(21/22)
وفجأة وقعت حادثة غير عادية... إذ قام أحد العلماء اليهود المشهورين في ذلك الوقت ويدعى ساؤل وكان عدوا لدوداً للمسيحية... قام بإيذاء كل من يقبل الدعوة المسيحية الخالصة إيذاء شديداً، بكل الطرق الممكنة، وكان يسلط عليهم الآخرين، وكانت هذه هوايته المحببة لديه...
قام هذا الرجل بخطة مفاجئة، يمكن أن نقول عنها "دراماتيكية"ـ وأعلن أنه ذاهب إلى دمشق للكفاح والجهاد ضد المسيحية والمسيحيين... ويقول عن نفسه:
"في الطريق، وعند مكان معين، ظهر نور يصل ما بين السماء والأرض، وسمعت صوت المسيح قادماً من السماء، يخاطبني باللغة العبرية: يا ساؤل لماذا تؤذيني؟ ثم دعاني إلى الإيمان، وإلى خدمة دينه، وأوصاني بذلك فآمنت به بعد أن رأيت هذه المعجزة، وهكذا أوقفت نفسي لخدمة هذا الدين والدعوة إليه".
وغير الرجل اسمه، فلم يعد يدعى ساؤل، بل أصيح يدعى بولس.
وذهب بولوس إلى حواريي المسيح، فذكر لهم هذه المكاشفة، وما أصابه من مشاهدة وانقلاب، إلا أن الحواريين لم يكونوا على استعداد لتصديق ما قال بعد ما رأوا من إيذائه وظلمه للمؤمنين، وشكوا في قوله، إلا الحواري برنابة ـ حواري جليل صدق قول ساؤل، وأقنع بقية الحواريين بذلك ـ وهكذا انضم ساؤل إلى بقية الحواريين، وصار منهم، وتبع سلوكاً وطريقة جعلت عامة المسيحيين يعدونه زعيماً مسيحياً، وبهذا حقق مكانة عظيمة غير عادية، وأصبح رائداً ونموذجاً يحتذى بين العامة.
وبعد ذلك بدأ عملية التخريب والتحريف في الدين المسيحي ـ وهو ما كان يهدف إليه ويقصده ـ وقد فهم بذكائه الخارق وفراسته أن أسهل طريقة لإبعاد المسيحيين عن أصل الدين الذي جاء به المسيح هو أن يزيد من شأن المسيح إلى حد كبير، ويجعله ابن الله أو شريكاً لله أو الله نفسه.(21/23)
أما عن حقيقة واقعة صلب المسيح، فقد قال: إن المسيح قد صلب ليكفر عن سيئات جميع الناس الذين آمنوا به، ويتحمل عنهم العذاب الذي كاد أن يصيبهم ويصبح وسيلة إلى النجاة، لأنه تكفير عن كل ما ارتكبوه من ذنوب.
ومن هنا بدأ عمله، وقد أصاب سهمه الهدف تماماً، وبدأت عقيدة ألوهية المسيح، وأن المسيح ابن الله، والتثليث، والكفارة، تنتشر بسرعة بين عامة المسيحيين، لدرجة أن حواريي المسيح ممن شهدوا تلك الفترة مع تلاميذهم المتمسكين بالعقيدة الصحيحة حاولوا أن يقيموا الأمة المسيحية على الدين المسيحي الأصيل، وأن يحفظوهم من عقائد الشرك والضلال، إلا أن محاولتهم الإصلاحية لم تنجح كثيرا .
ولم يمض على ظهور المسيح قرن من الزمان حتى ترك عامة المسيحيين دين المسيح، واتخذوا من دين الشرك الجديد الذي أتى به بولس تحت عنوان المسيحية ديناً لهم، وهكذا اتخذ المسيحيون في معظمهم هذا الدين الجديد ديناً لهم، واعترفوا بالتثليث والكفارة، عقيدة أساسية للمسيحية.
كانت هذه نبذه تاريخية مختصرة عن التحريف الذي قام به بولس في الدين المسيحي، ويمكن ملاحظة التفاصيل في الكتب التي كتبت عن هذا الموضوع، وخاصة كتاب "إظهار الحق" للشيخ رحمة الله كيرانوي، وهو بعنوان: "من الإنجيل إلى القرآن"، مع مقدمة للشيخ "محمد تقي عثمان"، طبعة كراتشي.
بداية التشيع في الإسلام
تاريخ ظهور التشيع في الإسلام هو بعينه ما ذكرناه في السطور السابقة فيما يتعلق بتحريف المسيحية الحالية، وعلاقتها ـ أي الشيعية ـ بالإسلام هي نفسها علاقة مسيحية بولس ـ التي اخترعها ـ التي لا علاقة لها بالدين المسيحي الأصلي الذي جاء به المسيح عليه السلام، وهي المسيحية الحقة بلا شك.(21/24)
والنية هنا ليست معقودة على كتابة مستقلة عن الشيعة وتاريخها، بل التعريف في حدود ما يستلزمه هذا البحث ـ تعريف من لا يعرف ـ بالشيعة على ضوء كتبها المعتمدة، والتعريف بحقيقتها الأصلية، فقد أخطأ البعض نتيجة لجهلهم بها، فأصبحوا أداة في يد الداعين إليها، ووسيلة في يد زعمائها، فعملوا على تمهيد الطريق لنشرها بين المسلمين.
وما نسوقه الآن عن بداية التشيع، هو ملخص مطالعة "تاريخ الأمم والملوك" لابن جرير الطبري، و "البداية والنهاية" لابن كثير الدمشقي، و "الفصل في الملل والنحل" لابن حزم الأندلسي، و "الملل والنحل" للشهرستاني، وغيرها من كتب المصادر التاريخية.
وكما نعرف بسط الإسلام نوره على جزيرة العرب ـ تقريباً ـ في العهد النبوي، ولم يعد للمسلمين أعداء فيها، لا المشركون ولا أهل الكتاب من اليهود والنصارى ممن يستطيعون عرقلة الدعوة، وازدادت قوة المسلمين أكثر في عهد أبي بكر الصديق ?، وهو عهد قصير، إذ بدأت سلسة الفتوحات خارج حدود الجزيرة العربية، وفي عهد الفاروق? مضت الفتوحات الإسلامية بسرعة، وبدأ نطاق الدعوة الإسلامية يتزايد، ووقعت في ذلك الوقت معظم المناطق التي كانت تحتلها أكبر امبراطوريتين في ذلك الوقت ـ الرومانية والفارسية ـ تحت حكم المسلمين، وانتقل الفاروق إلى الرفيق الأعلى واستمرت الفتوحات الإسلامية في عهد خلافة عثمان ?.
وفي تلك الفترة ترك العديد من الناس من مختلف البلاد، ومن مختلف المناطق، ومن مختلف الأمم والطبقات ومذاهبهم وأديانهم القديمة، واعتنقوا الإسلام، وكانوا بصفة عامة من أولئك الناس الذين قبلوا الإسلام بقلوبهم بعد أن أدركوا أنه دين الحق ووسيلة النجاة، إلا أنه كان من بينهم أيضاً عدد كبير ممن قبل السيلام نفاقاً، وانضم للمسلمين وهو يحمل لهم بغضاً شديداً وعداوة وحقداً.(21/25)
انضم هؤلاء للمسلمين، وهو يخططون لإثارة الفتنة إن وجدوا لذلك سبيلاً، حتى يصيبوا الإسلام والمسلمين بالضرر، وكان من بين هؤلاء الناس يهودي يدعى عبد الله بن سبإ، أحد يهود اليمن، أعلن إسلامه في عهد الخليفة عثمان ?، وتقول بعض الروايات إنه حضر إلى عثمان ? بالمدينة المنورة، وأسلم على يديه.
ومن الظاهر أنه كان يود أن يحصل على مكانة خاصة لدى عثمان، وأن ينال حسن ظنه واعتماده، إلا أن عثمان ? لم يعطه مكانة خاصة أو امتيازاً خاصاً، والسلوك الذي صدر عن عبد الله بن سبإ بعد ذلك، أوضح أنه أسلم وترك اليهودية تحقيقاً لهدف خاص وخطة معينة تماماً مثلما فعل ساؤل، بولس، حين ترك اليهودية، ودخل في السيحية.
كان هدفه هو الانضمام للمسلمين، والحصول على مكانة خاصة بينهم، حتى يقوم بالتخريب والتحريف في الإسلام، وإيجاد الشقاق بين المسلمين، ليوجد بعدها الفتنة والفساد داخلهم... وخلال إقامته القصيرة في المدينة المنورة استطاع أن يدرك بذكائه الخاص أن منطقة الحجاز يسودها شعور ديني عام، وأن بها حراساً شداداً على دينهم، لا يمكن أن يسمحوا لمخططه أن ينجح، فخرج إلى البصرة ثم إلى الشام، وهناك أيضاً لم يجد فرصة للعمل طبقاً لخطته التي رسمها لنفسه، فوصل إلى مصر، وهناك قام بتدريب بعض الناس... اتخذهم عوناً له، ووسيلة للإفساد، ودرس جيداً أسلوب وطريقة نجاح بولس، وكيفية إفساده وتحريفه للمسيحية، وتلخص هذا الأمر في أن أسهل طريقة لتضليل أمة ما أو جماعة دينية هو اتخاذ أسلوب الغلو والإفراط في شخصية مقدسة ومحبوبة لديها.(21/26)
ويروى المؤرخون أنه بدأ خطته بذكاء ودهاء، فقال: إنه يتعجب لأولئك المسلمين الذين يؤمنون بمجيء المسيح مرة أخرى إلى هذه الدنيا، ولا يقولون بمجيء سيدنا محمد إلى هذه الدنيا مع أنه أفضل من عيسى، ومن جميع الأنبياء، فلا بد أنه قادم إلى هذه الدنيا مرة أخرى... وأخذ يروج لهذا الكلام بين الجاهلين من غير المتعلمين ممن يسهل تقبلهم للخرافات.
وبعد أن أدرك أنهم قبلوا كلامه ـ وهو ما يصطدم تماماً بالإسلام والتعاليم القرآنية ـ بدأ في الغلو في شأن علي بعد أن أظهر تجاهه محبة خاصة تفوق العادة، على أساس قرابته الخاصة من رسول الله ?، وأخذ ينسب إليه معجزات عجيبة غريبة، محاولاً أن يجعله شخصية تفوق في صفاتها البشر، فأوقع في شباكه طبقة البسطاء والجهلة، فصدقوا الخرافات التي يروجها عبد الله بن سبإ، الذي بدأ يسير قدماً في تنفيذ مخططه تدريجيا، فكون حلقة من المعتقدين بمثل هذه الأفكار في حق علي ?، ثم أقنعهم، بل صب في أذهانهم في مرحلة معينة أن الخلافة من بعد النبي والإمامة والحكم كانت أصلاً من حق علي، فكل نبي وصي، والوصي يحل محل النبي، فيكون رئيس الأمة من بعده، وقد كان علي هو وصي رسول الله ?، وقال عبد الله بن سبإ:
إن أمر الوصاية هذا ورد في التوراة أيضاً، لكن الناس تآمروا بعد وفاة الرسول، وغصبوا عليا هذا الحق، فعينوا أبا بكر خليفة بدلاً من علي، وقام أبو بكر فعين عمر، ثم تآمر عمر أيضاً وعين عثمان خليفة، وكانوا جميعاً بلا استثناء غير أهل لهذا المنصب، وهكذا أخطأ هؤلاء وأخطأ عمالهم أيضاً.(21/27)
ومن الملاحظ أن تلك الفترة كانت شهدت بداية سلسلة من الشكاوي ضد بعض عمال عثمان في مصر وبعض البلاد الأخرى، وقد استفاد من ذلك الأمر وتلك الظروف عبد الله بن سبإ فائدة كبيرة، فبدأ يقول: إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإصلاح الفساد الظاهر في الأمة واجب وفرض على كل مسلم، ولهذا يجب أن ننهض لنصلح هذا الفساد الذي أوجده عثمان وعماله في الأمة، ويجب أن نبذل ما في استطاعتنا وما في وسعنا للقضاء عليه.
كل هذا قام به عبد الله بن سبإ بذكاء خارق وسرية تامة وبفطرته اليهودية التي تتسم بالمكر والخداع، ومضت حركته في سرية تامة تحت باطن الأرض، وكون خلية سرية، وأوجد أتباعاً له في مصر وبعض البلاد الأخرى...
وحان الوقت الذي استعد فيه مع من معه ومع الجهلة البسطاء لرفع راية العصيان ضد عثمان ?، فخطط لبرنامج يتم تنفيذه على مراحل سرية، ينتهي بالوصول مع أصحابه في يوم معين في شكل تجمهر وفي شكل عسكري إلى المدينة المنورة، وحدث هذا بالفعل، ووصل عبد الله بن سبإ مع أتباعه من الباغين العصاة المضللين في جيش كامل إلى المدينة المنورة.
ولا ضرورة لنذكر هنا ما حدث بعد ذلك فالجميع يعرفه، ولو سمح عثمان ? الذي كان يحكم أكبر حكومة في العالم آنذاك باستخدام القوة ضد هؤلاء المتمردين لما حدث ما حدث، إلا أنه لم يشأ أن يستخدم القوة، أو أن يسكب قطرة دم واحدة ليحافظ على حياته، وفضل أن يستشهد ـ ظلماً ـ وينتقل إلى الرفيق الأعلى، فقدم مثالا على التضحية لا مثيل له في العالم( )، ? وأرضاه.
ووسط هذا الجو الدامي انتخب علي ? خليفة رابعاً للمسلمين، وكان بلا شك خليفة على حق، فلم تكن في الأمة الإسلامية شخصية تماثل شخصيته، يمكن ترشيحها لهذا المنصب، إلا أنه نتيجة لشهادة عثمان، أو فلنقل تقدير الله، انقسمت الأمة المسلمة على نفسها إلى جماعتين.(21/28)
ووصل الأمر إلى حد التقاتل والتناحر في وقعة "الجمل" و "صفين"، وكانت جماعة عبد الله بن سبإ تضم عدداً لا بأس به مع علي ?، ووجد هذا الرجل فرصته في أن يملأ رؤوس وعقول هؤلاء الناس المقاتلين، وأكثرهم من البسطاء، بفكرة حب علي والاعتقاد فيه، والغلو في قدره غلواً كبيراً، لدرجة أنه بدأ يلقن بعض البسطاء ما كان يلقنه بولس للنصارى، فقال: إن علياً هو ظل الله في هذه الدنيا، وإن الروح الإلهية قد حلت فيه، وكأنه هو الله، وأخذ يلقي في آذان بعض الحمقى فكرة: أن الله تبارك وتعالى قد اختار عليا أصلاً للنبوة والرسالة، فقد كان هو أهلاً ومستحقا لها، فأرسل الله جبريل عليه السلام له بالوحي، إلا أنه شبه إليه، فاتجه بالوحي خطأ إلى محمد بن عبد الله، أستغفر الله ولا حول ولا قوة إلا بالله".
وأوضح المؤرخون أيضاً أن علي بن أبي طالب حين علم بطريقة ما بأن مثل هذا الكلام يدور بين جنده، قرر قتل هؤلاء الشياطين، وأراد أن يلقي بهم في النار، ليكونوا عبرة لغيرهم، إلا أن ابن عمه ورفيقه ومستشاره عبد الله بن عباس، وبعض رفاقه أشارا عليه بتأجيل هذا الأمر، لأن الوقت لا يتناسب مع تلك الإجراءات( )، وعلى كل حال استفاد عبد الله بن سبإ ومن معه من أحداث وقعة الجمل وصفين، ومن الجو ـ الذي ساد آنذاك ـ استفادة طيبة لنشر ضلال الغلو والمغالاة في حق علي بين الجنود، وبعدها، وحين اتخذ علي من الكوفة بمنطقة العراق عاصمة له، وأصبحت تلك المنطقة مركزاً خاصا لنشاطات تلك الجماعة.
ونتيجة لأسباب خاصة مختلفة أوضحها المؤرخون، كان لدى أهل المنطقة استعداد وصلاحية لقبول تلك الأفكار والنظريات المضللة، وقبول فكرة المغالاة والغلو، لهذا نجحت هذه الجماعة نجاحاً كبيراً في تحقيق أهدافها.
فرق الشيعة المختلفة
ما عرضنا هنا كان نبذة مختصرة عن ظهور الشيعة.(21/29)
ولأن هذه الدعوة والحركة قد انتشرت سرا، وعن طريق نشاطات سرية، لم يكن المتأثرون بها جميعاً على نمط واحد من التفكير أو العقيدة، فالداعي إليها كان يسمح لنفسه أن يقول كل ما يراه مناسباً، فإذا قبله الآخرون كان هو العقيدة والإيمان، ومن هنا وجد بعض من قالوا بألوهية علي، أو من قالوا بحلول الروح الإلهية فيه، ومن قالوا بأحقية علي بن أبي طالب بالوحي والنبوة والرسالة، ومن قالوا إن جبريل الأمين أخطأ، ومن قالوا إن الله قد عين علي بن أبي طالب بعد النبي إماماً وأميراً ووصياً لرسول الله، وعليه فإن الخلفاء الثلاثة ـ أبو بكر وعمر وعثمان ? ـ، وجميع الصحابة الكبار ممن بايعوا الخلفاء الثلاثة بعد وفاة الرسول كافرون منافقون ـ معاذ الله ـ أو على الأقل غدارون، هذا بالإضافة إلى جماعات أخرى لها عقائدها ونظرياتها المختلفة، والعامل المشترك فيها جميعها هو الغلو في حق علي.
وقد اختلفت درجات هذه الغلو كما عرفنا، ففي الفترة الأولى لم تتفرق جماعة الشيعة إلى فرق يختلف بعضها عن بعض بطريقة متميزة، إلا أنه فيما بعد، ونتيجة لأسباب مختلفة أوضحها المؤرخون، تكونت الفرق المختلفة، وتكاثرت، حتى وصل عددها إلى أكثر من سبعين فرقة. ويمكن أن ندرك ذلك من خلال مطالعة كتاب "الملل والنحل" الذي فصل الحديث عن هذه الأمر، وقد أوضح شاه عبد العزيز أيضاً في "التحفة الاثنى عشرية" تلك الفرق وعقائدها ونظرياتها، والاختلافات التي تميز بعضها عن بعض.
كما أن الاختلافات التي دارت حول تعيين الأئمة بعد علي ? لا يمكن حصرها، والكثير من هذه الفرق ليس له وجود في دنيا اليوم، إنما تردد أسماؤها بين عدة فرق لا تزال موجودة في بعض البلاد في عصرنا هذا، ومن بين هذه الفرق احتلت الفرقة "الاثنا عشرية" مكانة خاصة وامتيازاً، نتيجة لعدد المنتمين إليها، بالإضافة إلى أسباب أخرى.(21/30)
وسوف نعرض في الصفحات التالية لهذه الفرقة، لأن "روح الله الخميني" ينتمي إلى هذه الفرقة الاثنى عشرية. وتصوره للإسلام، ومذهبه وعقائده ونظرياته هي نفسها العقائد والنظريات التي وردت في كتب الفرقة الاثنى عشرية المعتمد،وهي نفسها التي تنسب إلى أئمته المعصومين، والتي يؤمن بتعاليمها وإرشاداتها .
والمزيد من معرفة تفاصيل المذهب الشيعي تتحقق عن طريق مطالعة كتب المذهب الشيعي الأساسية.
ونحن نعرض هنا لبعض العقائد الأساسية التي تقوم عليها أسس المذهب الشيعي، وسيفهم من يطالعها كيف يختلف تصورهم للإسلام، وكيف تختلف عقائدهم عن تصور وعقائد أهل السنة للإسلام.
ونحن على يقين من أن القارئ سوف يفهم نوعية هذا الاختلاف القائم بين المدارس الفكرية للمسلمين من مثل: الأحناف، والشافعية، والمالكية، والحنابلة، وأهل الحديث، وغيرهم، فالتشبيه هنا غير وارد، وهو خاطئ، بل خطأ من وجهة النظر الدينية، كما أنه تضليل للمسلمين، يتحمل الداعي إليه مسؤولية جسيمة أمام الله، يحاسب عليها يوم القيامة.
وفق الله المسلمين إلى فهم حقيقة الأمر، وإلى تدارك ما قد يقعون فيه من أخطاء.
المذهب الاثنا عشري وأساسه
مسألة الإمامة
كما سبق أن عرضنا، فإن معظم أهل العلم لا يدركون أيضاً حقيقة مسألة الإمامة في المذهب الاثنى عشري الشيعي، ولا يدركون مقام ودرجة الإمام لدى أصحاب هذا المذهب، فهي عندهم ركن ركين من أركان الإسلام، تماماً مثل عقيدة التوحيد: "ولا إله إلا الله"، وعقيدة الرسالة: "محمد رسول الله"، وعقيدة القيامة والآخرة، أي: مثل الإيمان بالله الواحد، وبمحمد رسول الله، وباليوم الآخر.
وسبق أن ذكرنا باختصار وإجمال مسألة الإمامة، ونود أن نعرض لها الآن بقدر بسيط من التفصيل، وذلك من خلال كتب المذهب الاثنى عشري المعتمد، ومن خلال أقوال أئمة الشيعة المعصومين.(21/31)
ولكن نرى قبل أن نعرض لهذه الاقتباسات، وقبل أن نعرض لأقوال الأئمة المعصومين، أن نعرض أولاً لفكرة بسيطة من جانبنا، نشرح بها شيئاً عن حقيقة مسألة الإمامة في المذهب الشيعي، وما جاء على ألسنة أئمة المذهب الشيعي الاثنى عشري، حتى يسهل فهم تفاصيل هذه المسألة.
يعتقد أصحاب الفرقة الاثنى عشرية، بل يجب أن نقول: إنهم يؤمنون بأنه كما وضع الله تعالى سلسلة النبوة والرسالة كضرورة لازمة لعدله وحكمته ورحمته، وكما أرسل من عنده الأنبياء والرسول عليهم السلام لهداية عباده وقيادتهم إلى طريق الحق، وجعلهم معصومين واجبي الطاعة، ليكونوا حجة الله على عباده ليثابوا أو يعاقبوا، فهكذا بعد انتقال الرسول إلى الرفيق الأعلى وضع الله سلسلة الإمامة لهداية عباده وقيادتهم إلى الطريق الصحيح، حتى تكون حجة عليهم يوم القيامة.
ومن هنا تم تعيين اثنى عشر إماماً، يتولون الإمامة حتى يوم القيامة، حتى نهاية الدنيا، والقيامة تكون بالإمام الثاني عشر، والأئمة كالأنبياء عليهم السلام، حجة الله وهم معصومين واجبوا الطاعة، درجتهم تتساوى مع درجة رسول الله ?، وهم أفضل وأحسن من بقية الأنبياء.
والتسليم بإمامة الأئمة والإيمان بها شرط لنجاة هؤلاء المؤمنين، تماماً مثلما يجب عليهم التسليم بنبوة ورسالة الأنبياء عليهم السلام لتتحقق لهم النجاة في الآخرة.(21/32)
وكان أول الأئمة الاثنى عشر هو علي المرتضى، وكما ذكرنا باختصار، وطبقاً لروايات الشيعة، فقد أعلن رسول الله ? تعيينه في منصب الإمامة قبل وفاته بثمانين يوماً، أثناء العودة من حجة الوداع، وذلك بحكم تأكيدي عند غدير خم، وهكذا عين من بعده ابنه الأكبر الحسن في منصب الإمام من قبل الله تعالى، ومن بعده أخوه الأصغر الحسين، ثم ابنه علي بن الحسين، الإمام زين العابدين، وبعده ابنه محمد بن علي الإمام الباقر، وبعده ابنه جعفر، الصادق، وبعده ابنه موسى بن جعفر، وبعده ابنه على بن موسى الرضا، ومن بعده محمد بن علي التقي، ومن بعده ابنه علي بن محمد، ومن بعده ابنه الحسن بن علي العسكري، ومن بعدهم الإمام الثاني عشر والإمام الأخير محمد بن الحسن، الإمام المهدي الغائب، وهو طبقاً للعقيدة الشيعية ولد قبل ألف ومائة وخمسين سنة، أي: في سنة (255هـ) أو (256هـ)، ثم اختفى وعمره أربع أو خمس سنوات، وهو الآن لا يزال حيا في غار في مكان ما، وبهذا الإمام تنتهي سلسلة الإمامة( ).
وحيث إن وجود الإمام المعين من قبل الله تعالى في الدنيا ـ طبقاً للعقيدة الشيعية ـ أمر ضروري ليكون حجة على عباد الله، فسوف يظل الإمام حيا إلى يوم القيامة، وسوف يظهر في أي وقت قبل القيامة، ومعه القرآن الكريم الأصلي الذي ألفه علي ?، وهو يختلف عن القرآن الحالي، وسوف يحمل معه أيضاً مصحف فاطمة، وجميع متاع الهداية البشرية والعلوم المختلفة، مثل: "الجفر" وغير ذلك، وهو ميراث الأئمة السابقين.
وطبقاً لعقيدة الشيعة الاثنى عشرية، وإرشادات الأئمة المعصومين، فإن الأئمة الاثنى عشر المعينين من قبل الله هم خلفاء رسول الله ?، وهم مثل جميع الأنبياء والرسل، معصومين، وطاعتهم واجبة وفرض، تماماً مثلما فرض الله على كل أمة طاعة أنبيائها ورسلها.(21/33)
وهؤلاء الأئمة هم حجة الله على عباده بعد رسول الله ?، ومقامهم ودرجتهم عالية، إذ تقوم الدنيا بأنفاسهم، فإذا خلت الدنيا في وقت من الإمام تحطمت الأرض، وفنيت الكائنات كلها.
والأئمة كلهم كانوا أصحاب معجزات، وكانت تأتيهم الملائكة، كما كانت تأتي للأنبياء عليهم السلام، كما أنهم عرجوا أيضاً كما عرج النبي، ونزلت عليهم الكتب أيضاً من عند الله، وهم كلهم ينتمون إلى عالم "ما كان وما يكون"، وكانوا يجمعون علوم الأنبياء جمعياً، كما أن لديهم الكتب السماوية القديمة، "التوراة، والزبور، والإنجيل"، وغيرها في أشكالها الأصلية، يقرؤونها بلغتها الأصلية، وكان لديهم الكثير من العلوم التي لم تصلهم عن طريق القرآن أو الرسول، بل وصلتهم مباشرة من عند الله تعالى، أو بوسائل خاصة أخرى، ولهم حرية التصرف والاختيار في تحليل أو تحريم ما يرونه من أعمال، كما أنهم يعرفون أيضاً ميعاد موت كل شخص، ولهم سلطة اختيار الوقت نفسه.
هذا ملخص موجز لما جاء في كتب الشيعة الاثنى عشرية، وما جاء على لسان الأئمة المعصومين، وسوف نسوق في الصفحات التالية ألفاظ وإرشادات وروايات المعصومين، ليرى القارئ الكمالات العجيبة لهؤلاء الأئمة التي لا يمكن تعدادها هنا.
ونحن لا ننوي أن نبحث هنا عقائد وقضايا الشيعة وننقدها، بل نود أن نعرضها كما هي بلحمها ودمها أمام القارئ، وكما سبق أن ذكرت، فالمخاطب هنا هم أصحاب العلم والمثقفون من أهل السنة، الذين لا يعرفون الشيعة، والذين لا يشعرون أيضاً بأنهم يجهلون هذا المذهب، ولهذا فإنهم يرتكبون العديد من الأخطاء، ويضرون بالدين والعقيدة، ويلحقون بالأمة المسلمة أضراراً فادحة.
وسنعرض الآن لأقوال وإرشادات الأئمة المعصومين، التي تتعلق بقضية الإمامة، وذلك من خلال كتب المذهب الشيعي الاثنى عشري، بعد أن لخصنا ما جاء بها في السطور السابقة.(21/34)
ومن الضروري أن نشير هنا إلى أن روايات الشيعة الاثنى عشرية، وأقوال أئمتها تحتل نفس المكانة التي تحتلها كتب الحديث، كـ "صحيحي البخاري ومسلم" وغيرهما لدى أهل السنة، فالبخاري ومسلم وأحمد وغيرهم تضم مجموعة الأحاديث النبوية التي تروي إرشادات رسول الله، وتحكي عن أفعاله وأعماله برواية السند الصحيح، وهكذا أيضاً ينظر الشيعة إلى كتبهم الخاصة بالأحاديث والروايات الشيعية وما تضمنته هذه الكتب من أحاديث رسول الله ? يمثل نصيباً بسيطاً جدا، بل يمكن أن نقول: إنها شاذة ونادرة (ربما حوالي 5%)، والبقية تضم إرشادات وأعمال وأقوال الأئمة المعصومين مع سندها، كل ذلك من وجهة نظر شيعية خالصة، لأن هؤلاء الأئمة في نظرهم هم حجة الله على عباده حتى يوم القيامة، وهم ممثلوه والمتحدثون باسمه، وهم وسيلة هداية الأمة، وكما سبق أن ذكرت: فدرجتهم مساوية لدرجة رسول الله ?، وأعلى وأرفع من الأنبياء والرسل الآخرين.
ومن أكثر كتب الحديث المعتمدة لدى الشيعة الاثنى عشرية كتاب "الجامع الكافي" لأبي جعفر يعقوب الكليني الرازي، (ت سنة 328هـ)، ومن ناحية الصحة والسند فهو مثل "صحيح البخاري" عند أهل السنة( ).
والطبعة التي بين أيدينا الآن ترجع لسنة (1302هـ) منذ مائة سنة واثنتين، طبعت في مطبعة نولكشور بلكهنؤ، وكل ما ننقله هنا مأخوذ من هذه الطبعة، وهذا المصدر هو كثر مصادر الشيعة الاثنى عشرية اعتماداً ووثوقاً، وهو في أربعة مجلدات تضم خمساً وألفي صفحة، بها أكثر من (16.000رواية).
ونحن بدورنا سنقدم بعض هذه الروايات تحت عناوين مناسبة لمحتواها، حتى يسهل للقارئ فهم تلك الروايات التي أوضحت علانية وصراحة العقيدة الاثنى عشرية فيما يتعلق بمسألة الإمامة والأئمة.
أقوال الأئمة المعصومين في مسألة الإمامة
والتدليل عليها بروايات كتب الشيعة
1ـ الحجة لا تقوم لله على خلقه إلا بإمام:(21/35)
في كتاب "أصول الكافي" كتاب الحجة، باب بعنوان: "إن الحجة لا تقوم لله على خلقه إلا بإمام"، يروي عن الإمام السادس جعفر الصادق أنه قال:
"إن الحجة لا تقوم لله عز وجل على خلقه إلا بإمام حتى يعرف"( ).
وقد وردت عدة روايات بهذا المضمون بألفاظ متشابهة في هذا الباب:
"الدنيا لا يمكن أن تبقى بغير إمام".
وورد باب آخر متصل بالباب السابق بعنوان: "باب أن الأرض لا تخلو من حجة"، وفيه وردت عدة روايات بنفس المضمون وبسند كامل، نذكر منها روايتين:
"عن أبي حمزة لأبي عبد الله: تبقى الأرض بغير إمام؟ قال: لو بقيت الأرض بغير إمام لساخت"( ).
ثانيتهما: "عن أبي جعفر قال: لو أن الإمام رفع من الأرض ساعة لماجت بأهلها كما يموج البحر بأهله".
2ـ معرفة الأئمة والتسليم بهم شرط الإيمان:
في "أصول الكافي" باب بعنوان: "معرفة الإمام والرد عليه"، وردت فيه الرواية التالية:
"عن أحدهما أنه قال: لا يكون العبد مؤمناً حتى يعرف الله ورسوله والأئمة كلهم وإمام زمانه"( ).
كما وردت الرواية التالية بسند كامل في نفس الباب:
"عن ذريح قال: سألت أبا عبد الله عن الأئمة بعد النبي ? فقال: كان أمير المؤمنين ? إماماً، ثم كان الحسن إماماً، ثم كان الحسين إماماً، ثم كان علي بن الحسين إماماً، ثم كان محمد بن علي إماماً، من أنكر ذلك كان كمن أنكر معرفة الله تبارك وتعالى ومعرفة رسول الله"( ).
3ـ حكم الإيمان والأئمة وتبليغها صدر عن طريق الأنبياء كلهم والكتب السماوية كلها:
يروى في "أصول الكافي" عن الإمام جعفر الصادق أنه قال:
"ولايتنا ولاية الله لم يبعث نبي قط إلا بها".
وفي نفس الصفحة يروي عن الإمام السابع أبي الحسن موسى بن جعفر الصادق أنه قال:
"ولاية علي مكتوبة في جميع صحف الأنبياء، ولم يبعث الله رسولا إلا بنبوة محمد ?، ووصية علي ?"( ).
4ـ الأئمة هم المقصودون بالحكم الذي نزل في القرآن بالإيمان بالله ورسله والنور الذي أنزله الله:(21/36)
وفي "أصول الكافي" في باب: "إن الأئمة نور الله عز وجل" وردت الرواية التالية في أدلة:
"عن أبي خالد الكابلي سألت أبا جعفر عن قول الله عز وجل: أمنوا بالله ورسله والنور الذي أنزلنا، فقال: يا أبا خالد! النور ـ والله ـ الأئمة"( ).
وكلما جاء في آية من آيات القرآن ذكر للنور الذي أنزله الله، والذي يقصد به نور الهداية، أي: القرآن الكريم، وهو المقترن بالأمر الإلهي، أي: الإيمان بالله والرسول تقوم الروايات الشيعية ـ وهذا ما روى عن الإمام جعفر الصادق والإمام موسى الكاظم ـ بالقول بأن المقصود في الآيات من "نور من الله" ليس القرآن، بل الأئمة الاثنا عشر، أئمة الشيعة، والحكم جاء بالإيمان جنباً إلى جنب مع الإيمان بالله ورسوله.
5ـ طاعة الأئمة فرض:
جاء في "أصول الكافي"، كتاب الحجة، في باب بعنوان: "باب فرض طاعة الأئمة" هذه الرواية:
"عن أبي الصباح قال: أشهد أني سمعت أبا عبد الله يقول: أشهد أن عليا إمام، فرض الله طاعته، وأن الحسن إمام، فرض الله طاعته، وأن الحسين إمام، فرض الله طاعته، وأن علي بن الحسين إمام، فرض الله طاعته، وأن محمد بن علي إمام، فرض الله طاعته"( ).
كما يروي أيضا عن الإمام جعفر الصادق في نفس الباب في "أصول الكافي" أنه قال:
"نحن الذين فرض الله طاعتنا، لا يسع الناس إلا معرفتنا، ولا يعذر الناس بجهالتنا، من عرفنا كان مؤمناً، ومن أنكرنا كان كافراً، ومن لم يعرفنا ولم ينكرنا كان ضالا، حتى يرجع إلى الهدى الذي افترضه الله عليه من طاعته الواجبة"( ).
وهناك رواية أخرى بهذا المضمون عن الإمام محمد الباقر والد الإمام جعفر الصادق، قال الباقر بعد أن أوضح إمامة الأئمة ووجوب طاعتهم: "هذا دين الله ودين ملائكته"( ).
6ـ طاعة الأئمة واجبة كطاعة الرسل:
"عن أبي الحسن العطار قال: سمعت أبا عبد الله يقول: أشرك بين الأوصياء والرسل في الطاعة"( ).(21/37)
ويقول العلامة القزويني شارح "أصول الكافي" في شرحه لهذا الرواية: يمكن أن تكون صيغة "أشرك" صيغة أمر، كما يمكن أن تكون صيغة مجهولة للمفرد الغائب، والنتيجة في الحالتين واحدة...( ).
7ـ للأئمة حرية الاختيار في التحليل والتحريم:
في "أصول الكافي" كتاب الحجة، في باب مولد النبي ?، يروى عن محمد بن سنان أنه طلب من أبي جعفر الثاني، محمد بن علي التقي تفسير سبب وجود الاختلاف بين الشيعة في مسألة الحلال والحرام فقال:
"يا محمد! إن الله تبارك وتعالى لم يزل منفرداً بوحدانيته، ثم خلق محمداً، وعليا، وفاطمة، فمكثوا ألف دهر، ثم خلق جميع الأشياء، فأشهدهم خلقها، وأجرى طاعتهم عليها، وفرض أمورها إليهم، فهم يحلون ما يشاؤون، ويحرمون ما يشاؤون، ولن يشاؤوا إلا أن يشاء الله تبارك وتعالى"( ).
ومن الجدير بالذكر هنا أن العلامة القزويني قد صرح في شرحه لهذا الحديث أن المقصود من محمد وعلي وفاطمة، هم الثلاثة الذين ورد ذكرهم، وجميع الأئمة الذين يولدون من نسلهم( ).
وعلى كل حال، فإن ملخص رد الإمام أبي جعفر الثاني محمد بن علي التقي، وهو الإمام التاسع، هو أن للأئمة حرية الاختيار في تحليل ما يرونه حلالاً وتحريم ما يرونه حراماً، ونتيجة لحرية الاختيار هذه فإن إماماً من الأئمة يحلل شيئاً ما أو عملاً ما بينما الإمام الآخر يحرمه، ونتيجة لهذا ظهرت الاختلافات بين الشيعة فيما يتعلق بالتحليل والتحريم.
8ـ الأئمة معصومون كالأنبياء عليهم السلام:
وفي "أصول الكافي" في باب نادر جامع في فضل الإمام وصفاته، وردت خطبة طويلة للإمام الثائر علي بن موسى الرضا رضي الله عنه، وقد صرح بعصمة الأئمة عدة مرات، وهو يوضح في خطبته هذه فضائل وخصائص الأئمة، جاء في موضع منها قوله:
"الإمام المطهر من الذنوب، والمبرأ من العيوب".
ثم يقول بعد ذلك عن صفة الإمام:(21/38)
"فهو معصوم مؤيد، موفق مسدد، قد أمن من الخطإ والزلل والعثار، يخصه الله بذلك، ليكون حجته على عباده وشاهده على خلقه"( ).
9ـ حديث عجيب وغريب للإمام جعفر الصادق عن حمل ومولد الأئمة المعصومين:
في "أصول الكافي" باب بعنوان: "مواليد الأئمة ?"، وهو يحتوي على روايات عجيبة غريبة عن مولد الأئمة، وأغرب رواية تستحق أن تذكر هنا هي أول رواية، وهي طويلة، ولهذا سنكتفي بذكر ملخصها، ويمكن لمن يريد الوقوف على النص مراجعته في الأصل:
يقول أبو بصير الصديق الملازم للإمام جعفر الصادق وكاتم أسراره:
في اليوم الذي ولد فيه الإمام موسى الكاظم، الإمام السابع، نجل الإمام المذكور، قال الإمام الممدوح: تكون ولادة كل إمام ووصي هكذا، في الليلة التي يكتب فيها الله لحمله أن يستقر، ففي تلك الليلة يرسل الله ملكاً من عنده بكوب من شراب لذيذ نفيس، يحمله إلى الوالد، ويسقيه له، ويقول له: توجه الآن وجامع زوجتك، فقد استقر حمل الإمام الذي يولد في رحم الأم.
بهذه المناسبة يفصل الإمام جعفر الصادق الحديث فيقول:
لقد حث هذا مع جد جدي الإمام الحسين، وهكذا ولد جدي الإمام زين العابدين، ثم حدث معه نفس الشيء، فكان مولد والدي، وهكذا ولدت أنا أيضاً في تلك الليلة التي استقر فيها حمل وليدي الجديد، موسى الكاظم في رحم زوجتي...
في تلك الليلة حدث معي نفس الشيء فقد جاءني من عند الله ملك يحمل كوباً من الشراب اللذيذ النفيس، وطلب مني أن أجامع زوجتي، فجامعتها، فكان حملها لابني موسى هذا.
وفي هذه الرواية أيضاً أن الإمام والوصي حين يخرج من بطن أمه يأتي هكذا، تكون يده على الأرض، ورأسه مرفوعة إلى السماء( ).
ونقدم الآن آخر رواية في هذا الباب.
10ـ الخصائص العشر التي تميز الأئمة عن بقية البشر:(21/39)
الراوي هنا زرارة، يقول عن الإمام الباقر: "للإمام عشر علامات، يولد مطهراً مختوناً، وإذا وقع على الأرض وقع على راحتيه، رافعاً صوته بالشهادتين، ولا يجنب، وتنام عيناه ولا ينام قلبه، ولا يتثاءب، ولا يتمطى، ويرى من خلفه كما يرى من أمامه، ونجوه كرائحة المسك، والأرض مأمورة بستره وابتلاعه، وإذا لبس درع رسول الله صلى عليه وآله كانت وفقاً، وإذا لبسها غيره من الناس طويلهم وقصيرهم زادت عليه شبراً( ).
11ـ حمل الأئمة لا يكون في رحم الأم، بل يكون في جنبها ويولد من فخذها:
في "أصول الكافي" ورد القول السابق كواحد من الخصائص التي تميز الأئمة عن غيرهم من البشر، لكن العلامة مجلسي في "حق اليقين" يروي عن الإمام الحادي عشر، الحسن العسكري، فيقول:
"حملنا نحن ـ أوصياء الأنبياء، أي الأئمة ـ لا يكون في رحم البطن، بل يكون في الجانب، ونحن لا نأتي من خارج الرحم، بل نأتي من أفخاذ الأمهات، لأننا نحن الأئمة نور الله تعالى، لهذا فهو يضعنا بعيداً عن القذارة والنجاسة( ).
ولعل ما يقصده العلامة مجلسي من بيانه لرواية الإمام الحسن العسكري في "أصول الكافي" هي الخصوصية الأولى من خصائص الأئمة، أي: يولد الإمام مطهراً.
12ـ درجة الإمامة أعلى من درجة النبوة:
ويقول العلامة باقر مجلسي، السابق الذكر في كتابه: "حياة القلوب": إن "الإمامة أعلى من رتبة النبوة"( ).
13ـ المؤمنون (الشيعة) بإمامة الأئمة المعصومين لهم الجنة حتى لو كانوا فجرة فاسقين، والمسلمون الآخرون لهم النار حتى لو كانوا من البررة المتقين:
وردت في "أصول الكافي"، باب: "فيمن دان الله عز وجل بغير إمام من الله جل جلاله"، الرواية التالية: عن الإمام الباقر أنه قال:
"إن الله لا يستحي أن يعذب أمة دانت بإمام ليس من الله وإن كانت في أعمالها برة تقية، وإن الله ليستحي أن يعذب أمة دانت بإمام من الله وإن كانت في أعمالها ظالمة مسيئة"( ).(21/40)
وفي نفس الباب رواية عن أحد مريدي الشيعة المخلصين للإمام جعفر الصادق، ويدعي عبد الله بن أبي يعفور، قدم إلى الإمام المذكور وقال:
"إني أخالط الناس، فيكثر عجبي من أقوام لا يتولونكم ويتولون فلاناً وفلاناً، لهم أمانة وصدق ووفاء، وأقوام يتولونكم ليس لهم تلك الأمانة ولا الوفاء والصدق".
وتذكر الرواية أن عبد الله بن أبي يعفور قال:
ما إن سمع الإمام كلامي حتى جلس غاضباً وقال لي:
"لا دين لمن دان الله بولاية إمام جائر ليس من الله، ولا عتب على من دان بولاية إمام عادل من الله"( ).
14ـ درجة الأئمة تتساوى مع درجة رسول الله ?، وهم أفضل وأعلى من جميع المخلوقات والأنبياء الآخرين عليهم السلام:
في "أصول الكافي" كتاب الحجة، ورد حديث طويل للإمام جعفر الصادق عن فضل ودرجة ومرتبة الإمام علي المرتضى ومن بعده من الأئمة، جاء في بدايته ما يلي:
"ما جاء علي آخذ به، وما نهى عنه أنتهي عنه، جرى له من الفضل مثل ما جرى لمحمد، ولمحمد الفضل على جميع خلق الله عز وجل، المتعقب عليه في شيء من أحكامه كالمتعقب على الله وعلى رسوله، والراد عليه في صغيرة أو كبيرة على حد الشرك بالله، كان أمير المؤمنين باب الله الذي لا يؤتي إلا منه، وسبيله الذي من سلك غيره يهلك، وكذلك جرى لأئمة الهدى واحداً بعد واحد".
ومما يروونه عن أمير المؤمنين:
"الملائكة وجميع الأنبياء سلموا لي كما سلموا لمحمد، وأنا من أرسل الناس إلى الجنة وإلى النار".
ورد في الرواية السابقة ما يلي:
وكان أمير المؤمنين كثيراً ما يقول: "أنا قسيم الله بين الجنة والنار، وأنا صاحب العصا والميسم، ولقد أقرت لي جميع الملائكة والروح والرسل بمثل ما أقروا لمحمد"( ).
15ـ الأئمة يعلمون الغيب، وفاقوا في تلك موسى عليه السلام:
في باب بعنوان: "إن الأئمة ? يعلمون ما كان وما يكون وإنه لا يخفى عليهم شيء ?"، جاءت الرواية الأولى تقول:
إن الإمام جعفراً الصادق قال في مجلس يضم خواصه:(21/41)
"لو كنت بين موسى والخضر لأخبرتهما أني أعلم منهما، ولأنبأتهما ما ليس في أيديهما، لأن موسى والخضر عليهما السلام أعطيا علم ما كان، ولم يعطيا علم ما يكون وما هو كائن حتى تقوم الساعة، وقد ورثناه من رسول الله ? وراثة"( ).
16ـ سيشهد الأئمة على أهل زمانهم يوم القيامة:
في باب: "إن الأئمة شهداء لله عز وجل على خلقه" رواية عن الإمام جعفر الصادق حين سئل عن الآية التالية: {فكيف إذا جئنا من كل أمةٍ بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً}.
قال الإمام جعفر الصادق:
"نزلت في أمة محمد خاصة، في كل قرن منهم إمام منا شاهد عليهم، ومحمد شاهد علينا"( ).
والرواية الأخيرة في هذا الباب تقول: قال أمير المؤمنين: "إن الله تبارك وتعالى طهرنا، وعصمنا، وجعلنا شهداء على خلقه، وحجة في أرضه"( ).
17ـ جميع الكتب التي نزلت على الأنبياء السابقين كالتوراة والإنجيل والزبور وغيرها موجودة لدى الأئمة، يقرؤونها بلغاتها الأساسية:
وفي "أصول الكافي" باب بعنوان: "إن الأئمة عندهم جميع الكتب التي نزلت من عند الله عز وجل، وإنهم يعرفونها على اختلاف ألسنتها"، وهو يحتوي على عدة روايات بهذا المضمون، وتذكر أحداثاً وردت أيضاً بنفس المضمون في الأبواب السابقة، وتذكر إحدى الروايات أن الإمام جعفراً الصادق قال:
"وإن عندنا علم التوراة والإنجيل والزبور، وتبيان ما في الألواح"( ).
وفي الباب الثاني في "أصول الكافي" يروى عن الإمام جعفر أنه سئل عن قوله: "إن لدينا الجفر الأبيض"، فقال:
"زبور داود عليه السلام، وتوراة موسى، وإنجيل عيسى، وصحف إبراهيم"( ).
18ـ يمتلك الأئمة وسائل عجيبة وغريبة للعلوم، بالإضافة إلى القرآن والحديث:
في باب بعنوان: "باب فيه ذكر الصحيفة، والجفر، والجامعة، ومصحف فاطمة رضي الله عنها"، وردت الرواية الأولى، وهي طويلة جدا، ونورد ملخصها:(21/42)
"يقول أبو بصير ـ وهو طبقاً لروايات الشيعة من خواص ومن حاملي أسرار الإمام جعفر الصادق ـ: حضرت إلى جعفر الصادق ذات يوم، وقلت له: إنني أود أن أكشف أمراً خاصاً، فهل هناك من أجنبي هنا؟ فرفع الإمام الحجاب الفاصل بين مجلسنا والمجلس الآخر فلم نشاهد أحداً، ثم قال: سل ما شئت( )، فسألت سؤالاً عن علم المرتضى والأئمة، ففصل الإمام الحديث عن هذا الأمر".
ومما جاء في نهاية الرواية:
"وإن عندنا الجفر، قلت: وما يدريهم ما الجفر؟ قال: وعاء من أدم فيه علم النبيين والوصيين وعلم العلماء الذين مضوا من بني إسرائيل، ثم قال: وإن عندنا لمصحف فاطمة ـ رضي الله عنها ـ قالت: وما يدريهم ما مصحف فاطمة؟ قال: فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد"( ).
تحذير هام:
من الملاحظ هنا أن الإجابة التي نقلها راوي الوراية أبو بصير عن الإمام جعفر الصادق ذكرت القرآن مرتين هكذا: "قرآنكم"، كما قيل عن مصحف فاطمة: "إنه أكثر من قرآنكم ثلاث مرات، ولا يوجد فيه حرف من قرآنكم".
وهناك الآلاف من هذه الافتراءات التي افترى فيها أبو بصير وغيره على الأئمة أهل البيت، وهي متناثرة في "أصول الكافي"، وغيره من كتب الشيعة، ولا يمكن لأي مؤمن أن يساوره أي شك في إيمان آل البيت حتى يضعوا قرآناً غير القرآن الكريم الذي أنزله الله على رسوله.
لقد سمعنا من البوذيين والنصارى وهم يناظروننا ويقولون في "قرآنكم" هكذا أو هكذا، وجاء في "قرآنكم" هذا وذلك، ونحن على يقين أن الإمام حعفراً الصادق لم يذكر أبداً هذا الأمر عن القرآن الكريم، وتلك الروايات هي في الأصل من اختلاق هؤلاء الرواة، الذين ألفوا المذهب الشيعي، ونسبوا كل هذه الخرافات إلى الإمام جعفر الصادق والإمام الباقر وكبار أهل البيت رضي الله عنهم، وراوي الرواية السابقة أبو بصير هو واحد من أولئك الناس الذين لعبوا دوراً كبيراً في هذا الافتراء الكاذب على آل البيت.(21/43)
ومن الجدير بالذكر هنا أن أبا بصير، وزرارة، وغيرهم من رواة هذه الخرافات ـ وهم في الأصل مؤلفو المذهب ـ قد سكنوا منطقة الكوفة، بينما كان الإمام الباقر والإمام جعفر الصادق في المدينة، وكان هؤلاء الناس يذهبون أحياناً من الكوفة إلى المدينة، ثم يعودون إلى الكوفة، لينسبوا ما نسبوه إلى الأئمة داخل مجالسهم الخاصة في الكوفة، وهكذا صارت تلك الروايات هي أساس الذهب الشيعي.
ما هو مصحف فاطمة؟
ورد ذكر مصحف فاطمة في الروايات السابقة، وقد ورد حديث مفصل للإمام جعفر في الرواية الثانية لهذا الباب في "أصول الكافي"، وطبقاً لرواية أبي بصير، قال الإمام جعفر الصادق ردا على سؤال عن مصحف فاطمة:
"إن الله لما قبض نبيه عليه الصلاة والسلام، دخل فاطمة من الحزن ما لا يعلمه إلا الله عز وجل، فأرسل إليها ملكاً يسلي غمها، ويحدثها، فشكت ذلك إلى أمير المؤمنين ـ رضي الله عنه ـ فقال لها: إذا أحسست بذلك، وسمعت الصوت، قولي لي فأعلمته بذلك، فجعل أمير المؤمنين ? يكتب كل ما سمع حتى أثبت من ذلك مصحفاً"( ).
وقد عرف القارئ من الرواية الأولى أن مصحف فاطمة يعادل القرآن الكريم ثلاث مرات.
19ـ أعمال العباد تعرض على الأئمة:
في "أصول الكافي" باب بعنوان: "باب عرض الأعمال على النبي والأئمة"، وفيه رواية تقول: إن عبد الله أبان الزيات، وهو من خاصة الشيعة، طلب من الإمام الرضا ? الدعاء له قائلاً: "ادع الله لي ولأهل بيتي، فقال: أولست أفعل؟ والله إن أعمالكم لتعرض علي في كل يوم وليلة".
وتقول الرواية إن عبد الله بن أبان استعظم هذا الأمر، فقال الإمام الرضا: ألم تقرأ هذه الآية القرآنية: {فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون}؟ فالمقصود بـ: {المؤمنون} في هذه الآية هو علي بن أبي طالب"( ).(21/44)
وكتب العلامة القزويني في هذا الشرح: "إن ما قاله الإمام الرضا من تفسير كلمة: {المؤمنون} هو علي ? فقط، ذلك لأن سلسلة الإمامة مستمرة، وإن كان المقصود ليس عليا فقط، بل المراد جميع الأئمة الذين يولدون من نسله"( ).
20ـ الملائكة يتوافدون على الأئمة:
في "أصول الكافي" باب بعنوان: "إن الأئمة معدن العلم، وشجرة النبوة ومختلف الملائكة". وقد وردت فيه رواية عن الإمام جعفر الصادق، أنه قال:
"ونحن شجرة النبوة، بيت الرحمة، ومفتاح الحكمة، ومعدن العلم، وموضع الرسالة، ومختلف الملائكة"( ).
21ـ معراج الأئمة كل ليلة جمعة، يصلون إلى العرش، وهناك ينالون العلم الجديد:
يروى عن الإمام جعفر الصادق في "أصول الكافي" أنه قال:
"إن لنا في ليالي الجمعة لشأن من الشأن... ويؤذن لأرواح الأوصياء الموتى، وروح الوصي ـ الذي بين أظهركم ـ تعرج بها إلى السماء، حتى توافي عرش ربها، فتطوف به أسبوعاً فتصلي عند كل قائمة من قوائم العرش ركعتين، ثم ترد إلى الأبدان التي كانت فيها، فتصبح الأنبياء والأوصياء قد ملئوا شروراً، ويصبح الوصي الذي بين ظهرانيكم وقد زيد في علمه مثل الجم الغفير"( ).
وقد وردت عدة روايات بعد هذه الرواية بنفس المضمون.
22ـ نال الأئمة جميع العلوم التي وهبها الله للملائكة والأنبياء والرسل، ونالوا علوماً لم يهبها الله للأنبياء ولا الملائكة:
في باب: "إن الأئمة ? يعلمون جميع العلوم التي خرجت إلى الملائكة والأنبياء والرسل عليهم السلام"، ورد هذا الحديث في أوله:
"عن أبي عبد الله ? قال: إن الله تبارك وتعالى علمني علماً أظهر عليه ملائكته وأنبياءه ورسله، فما أظهر عليه ملائكته ورسله وأنبياءه فقد علمناه، وعلماً أستأثر الله به، فإذا بدأ الله بشيء منه أعلمنا ذلك، وعرض على الأئمة الذين كانوا من قبلنا"( ).
23ـ يتنزل على الأئمة من عند الله كتاب في ليلة القدر كل سنة تنزل به الملائكة والروح:(21/45)
ورد في باب "البداء" في "أصول الكافي" رواية عن الإمام جعفر الصادق أنه قال في تفسيره لآية: {يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب} {الرعد:39).
"وهل يمحو إلا ما كان ثابتاً، وهل يثبت إلا ما لم يكن"( ).
ويقول شارح "أصول الكافي" العلامة القزويني:
"المقصود بنزول كتاب منفصل في كل سنة هو الكتاب الذي تفسر فيه أحكام الحوادث التي يحتاج إليها إمام ذلك الزمان حتى العام التالي، وهذا الكتاب تتنزل به الملائكة والروح على إمام الزمان لي ليلة القدر"( ).
ويتضح أن المقصود بـ "الروح" لدى الشيعة ليس الروح الأمين جبريل، بل "الروح" لديهم عبارة عن مخلوق، هو عندهم أعظم شأناً من جبريل الأمين وجميع الملائكة.
وقد ذكر القزويني في كتابه "الصافي" ذلك الأمر بصراحة، وهناك باب آخر من "أصول الكافي" بعنوان: "باب في شأن: {إنا أنزلناه في ليلة القدر}":
"ولقد قضى أن يكون في كل سنة ليلة يهبط فيها تفسير الأمور إلى مثلها من السنة المقبلة"( ).
والمفهوم من هذه الرواية هو نفسه ما يفهم من العبارات السابقة لكتاب القزويني "الصافي"، أي: ينزل كتاب من عند الله على الإمام في ليلة القدر كل سنة، يوضح جميع الأحداث والمعاملات التي ستحدث طوال السنة، وحتى ليلة القدر القادمة.
24ـ الأئمة يعرفون ساعة موتهم، وموتهم داخل في دائرة اختيارهم:
في "أصول الكافي" باب بعنوان: إن الأئمة ـ ? يعلمون متى يموتون وإنهم لا يموتون إلا باختيار منهم( ).
وهذا المعنى يفهم من الروايات التي ترد عن الأئمة في الباب المذكور، والرواية الأخيرة في هذا الباب لها مكانتها لدى الشيعة، ومن هنا ننقلها هنا:
"عن أبي جعفر ? قال: أنزل الله عز وجل النصر على الحسين ? حتى كان بين السماء والأرض، ثم خير بين النصر ولقاء الله، فاختار لقاء الله عز وجل"( ).
ولنا أن نفكر في السلوك الذي يسلكه الشيعة في مآتمهم التي يقيمونها بمناسبة ذكرى شهادة الحسين في ضوء تلك الرواية.(21/46)
25ـ كان لدى الأئمة معجزات الأنبياء السابقين أيضاً:
في باب بعنوان: "باب مع عند الأئمة من آيات الأنبياء" وردت الرواية الأولى التي ننقل ملخصها، وهي عن الإمام الباقر، وتتعلق بعصا موسى عليه السلام، وهي معجزة موسى الخاصة التي ذكرها القرآن الكريم أكثر من مرة.
يُحكى عن الإمام الباقر أنه قال: "إن هذه العصا هي في الأصل عصا آدم عليه السلام، أخذت تنتقل حتى وصلت إلى موسى عليه السلام، وهي الآن لدينا، وسوف تنتقل إلى آخر الأئمة، المهدي ليقوم عن طريقها بما قام به موسى عليه السلام في زمانه"( ).
ويروى فيما بعد عن الإمام الباقر أن أمير المؤمنين، عليا المرتضى، خرج ذات ليلة بعد العشاء يقول:
"خرج عليكم الإمام، عليه قميص آدم، وفي يده خاتم سليمان، وعصا موسى"( ).
26ـ الأئمة يمتلكون الدنيا والآخرة، يهبون من يشاؤون ويعطون لمن يشاؤون:
في "أصول الكافي" كتاب الحجة، باب بعنوان: "باب إن الأرض كلها للإمام ?"، يروى عن أبي بصير أن الإمام جعفراً الصادق قال ردا على سؤال:
" أما علمت أن الدنيا والآخرة للإمام يضعها حيث يشاء ويدفعها إلى من يشاء"( ).
27ـ الإمامة مركبة من النبوة والألوهية:
ما نقلناه من كتب الشيعة و لأهل التشيع عن الأئمة والإمامة يكفي لنعرف ولنفهم أن الأئمة ـ من وجهة نظر المذهب الشيعي ـ لهم ما للأنبياء من صفات، وخصائص، وكمالات ومعجزات، ودرجتهم أعلى من درجة جميع الأنبياء السابقين، حتى الأنبياء أولو العزم، نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام يتساوون تماماً مع خاتم الأنبياء سيدنا محمد ?.(21/47)
وأكثر من هذا، فهم يحملون الصفات الإلهية، وهم يطلعون على عالم الغيب والشهادة، لا يخفى عليهم شيء، لا يمكن أن نتصور أن يصدر عنهم أي سهو أو نسيان أو غفلة، يحكمون الكائنات ذرة ذرة، أي لهم سلطة: "كن فيكون"، وهم يملكون الدنيا والآخرة، يهبون من يشاؤون ويحرمون من بشاؤون... والبحث في عقائد الشيعة يجعلنا ندرك مدى التقارب والتشابه بينهما وبين المسيحية الحالية المحرفة .
كتاب الشهر
إيران بعد سقوط الخميني
"الجمهورية الثانية"
د. موسى الموسوي
كتابنا لهذا الشهر كتاب سمع به الكثير ولكنهم لم يروه لقلة طبعاته ! وقد يكون السبب الطابع الخيالي للكتاب حيث أنه رواية خيالية لنهاية دولة الخمينى كما كان يتمناها الدكتور الموسوي .
ومع هذا فقد ضمن كتابه الكثير من المعلومات و الحقائق التي قد لا يجدها الباحث في الشأن الإيراني في غيره من الكتب ، ولذلك نشرنا مقدمة المترجم التي عرض فيها للكتاب و من ثم سنذكر بعض الحقائق التي وردت في ثناياه .
مقدمة المترجم : دكتور سمير عبد الحميد إبراهيم
الكتاب الذي بين أيدينا الآن، هو ترجمة عن الأصل الفارسي لكتاب بعنوان "الجمهورية الثانية.. إيران 1365"، لمؤلف ذاع صيته، ولم يعد بحاجة إلى تعريف. فقد نشرت له المطابع عدداً من الكتب ـ المترجمة عن الفارسية ـ باللغة العربية، كان آخرها كتابا بعنوان: "الثورة البائسة" ومن كتبه الأخرى: "إيران في ربع قرن"، و "من الكندي إلى ابن رشد" "فلاسفة أوربيون"، وغيرها. والمؤلف الدكتور موسى الموسوي هاجر من إيران إلى العراق، حيث عمل بجامعة بغداد، ومنها ارتحل إلى عدة عواصم، وظل مطارداً من الشاه، الذي حاول اغتياله في البصرة عام 1968، ثم استمر به الحال على الترحال في زمان الخميني...(21/48)
ويتضمن الكتاب ـ موضوع الترجمة ـ أحداثا خيالية، نسجها المؤلف بخيوط الحقيقة أحياناً، والخيال أحيانا أخرى، وخلط بين الحقيقة والخيال بدقة وبراعة، حتى يخيل للقارئ ـ من فرط الحبكة الدرامية في بعض الصفحات ـ أن ما يذكره المؤلف وقع فعلا. والمؤلف يسوق أحداثا يتخيلها، أو يقدمها كخطة لمواطنيه المطحونين، داخل رحى "ولاية الفقيه"، حتى ينفذها، وليحققوا الخلاص والنجاة للأمة.
والأحداث تبدأ بسقوط الخميني أو إسقاط نظامه، وتشكيل الجمهورية الإسلامية في إيران، وقيام نظام جمهوري جديد، أطلق عليه المؤلف اسم " الجمهورية الثانية " وهو في ذلك ربما تمثل ما حدث في فرنسا، زمان ثورة الحرية...
يعرض المؤلف ـ من خلال فصول كتابه، أو بالأدق، العناوين التي وضعها لكتابه، مولد الجمهورية الثانية، ولقاءات بين القائد الجديد والشعب، يشرح فيها أهداف الثورة والخطوات التي سيتخذها لإنقاذ البلاد من الدمار الذي لحق بها، على يدي الخميني وزمرته.
يتضمن الكتاب خمس خطب، ألقاها قائد الجمهورية في الشعب، تخللت صفحات الكتاب، ومضت ـ في مضمونها ـ مواكبة للأحداث على مر سنة من عمر الجمهورية الثانية، وحلل المؤلف على لسان القائد وضع إيران في زمان ما قبل الشاه، وزمان الشاه، ثم في زمن الخميني، وفي زمن الجمهورية الثانية، وأخيرا الخطط المستقبلية لإيران في ظل نظام ديمقراطي حيادي، يشبه نظام سويسرا داخل المجتمع الدولي. وتنتهي خطبه بإعلان موعد انتخابات رئاسة الجمهورية، ومجلس الأمة ومجلس الشيوخ، ويعلن أنه سوف يترك الساحة هو ورفاقه، ولن يرشح نفسه للانتخابات. بل سينسحبون إلى الخطوط الخلفية لخدمة المجتمع، من خلال المؤسسات الخيرية.(21/49)
ويعقد المؤلف بعد ذلك فصولا، أو عناوين تتضمن لقاءات للقائد مع الصحفيين، يرد فيها على أسئلتهم واستفساراتهم، وتكشف هذه اللقاءات عن فكر المؤلف تجاه بعض القضايا الهامة مثل: قضية أفغانستان. فهو لا يشجب التدخل الشيوعي هناك، ولا يغضب لوجود الشيوعية بها، بل اعتبر أفغانستان بلداً شيوعياً( )، ولا حرج في ذلك.
أما الفصول الأخرى التي تغطي معظم صفحات الكتاب، فهي محاكمات الخميني وأتباعه، داخل محكمة العدل الوطنية، وقد عقدت المحكمة ثماني جلسات، وتبعتها جلسة إصدار الحكم. وجاء في المحاكمات المذكورة معلومات كثيرة ـ بالطبع أكثرها مخترع، ومن نسيج خيال المؤلف ـ عن الخميني وزمرته، وكيفية إدارة دفة الحكم داخل إيران، وما ارتكبه نظام الخميني من مذابح رهيبة داخل إيران، وتخريب ومساندة الإرهاب الدولي.. الخ.
ومن الجدير بالذكر أن هذه الصفحات الخاصة بالمحاكمات، تصلح لأن تكون مسرحية أو مسرحيات فكاهية. فالمؤلف برع في سبكها، وفي إعمال خياله فيها بطريقة، تجعل القارئ يعيش أحداثا حقيقية لا خيالية.
ثم تأتي متفرقات منها: خطاب للقائد في مؤتمر إسلامي يعقد في طهران وفيه يدعو المسلمين إلى نبذ الخلافات، وإلى الوحدة الإسلامية، وعنوان آخر: القانون الأساسي الجديد، من خلال استطلاع الرأي العام، ثم ثماني عشرة ساعة مع القائد، لإلقاء الضوء على حياته، ليكون مثالا للرجل الحريص على مصلحة الوطن، وعلى مصلحة المواطنين، وعناوين أخرى صغيرة متفرقة غير ذات أهمية.
وأسلوب الكتاب في أصله الفارسي متنوع، نظراً لتنوع الموضوعات، وإذا كان المؤلف واحداً، فهو في أسلوبه الخطابي، غيره في أسلوب عرضه لما يدور في ساحة القضاء... وهو في خطبه التي ألقاها في الشعب، يسرد الأحداث التاريخية ويحللها، ويربطها، ليؤدي هدفه، وحتى في سرده لمسرحيات المحاكمة، يحاول أن يطيل، أو يورد خطابات مكتوبة من قبل مهتمين، ليصل بها إلى أداء هدفه، وإيضاح مساوئ نظام الخميني..(21/50)
والمؤلف يهدف من وراء كتابه إلى إعطاء صورة لما ستكون عليه إيران، بعد سقوط الخميني، أو بمعنى أدق، لما يجب أن تكون عليه، إن تم استبدال الخميني، أو القضاء عليه و على حكمه، وبالتالي، فهو يرسم مخططا لكيفية القضاء على حكم الخميني، وكيفية إدارة البلاد بعد ذلك للوصول بها إلى بر الأمان في ظل ديمقراطية حقيقية، وفي ظل سياسة خارجية، تجعل من إيران "سويسرا آسيا" على حد قول المؤلف نفسه.
وفي الكتاب نقاط، قد لا نتفق مع المؤلف عليها، ونقاط علقنا عليها باقتضاب شديد. فالمؤلف ـ على لسان القائد ـ لا يهتم بالدين كثيراً، ويتجه أحيانا إلى العلمانية ( )، وهذا نجده في حديثه الصحفي، الذي أدلى به لمراسلي صحف العالم، ورغم أن الأفكار مسلسلة منتظمة متناسقة، إلا أن المبالغة، قد وصلت حداً زائداً وخاصة في نهاية الكتاب، ووصلت مداها، حين تحدث عن الخميني ورفيقه في مزرعة الخنازير، أو حين تحدث عن سقوط حجر من السماء على قبر الخميني، وأخيراً حين تحدث عن "روح الخميني"،التي حضرها العلماء..
ولأن الكتاب محض خيال ـ كما قال المؤلف ـ فلا اعتراض هنا على ما ذكره من أفكار، قد تتعارض مع ما نعتقده نحن، وهي كثيرة... وكل هذا، لا ينفي أهمية الحقائق الكثيرة، التي وردت في الكتاب، والتي ساقها المؤلف نظراً لمعرفته الجيدة بما يدور داخل إيران، سواء في الماضي، أم في الحاضر، وقدرته الفذة على تخمين المستقبل.. ترى هل يصدق المؤلف في تخمينه هذا؟ هل ينجح في خططه،التي رسمها في كتابه هذا؟ وأخيراً، كيف ستكون نهاية الخميني ونظامه؟ إن الأيام ستكشف لنا ـ وهي تكشف فعلاً ـ أحداثاُ وأخباراً، لا ترد إلى ذهن الإنسان العادي، (لنتذكر إيران جيت ـ وإيران إسرائيل) ولعل ما طاف بخيال المؤلف يصبح حقيقة.. ومن يدري .. إنها إيران...
وما توفيقي إلا بالله
طوكيو: 25 من ذي القعدة 1406هـ أول أغسطس 1986م
----------
الفوائد والحقائق التي وردت في الكتاب :(21/51)
1.…التعريف بحفيد الخميني حسين مصطفي خميني ، حيث بين أنه كان على خط أبيه مصطفي الذي كان معارضا لتوجهات أبيه الخميني واتهم أحمد الخميني بقتل شقيقه مصطفي من خلال أحد أصدقائه الشيوعيين دس له السم ! وقد منع أحمد الخميني تشريح جثة أخيه مصطفي !
صفحات 459،319،282،232،140،115
2.…كشف نسب الخميني : حيث قدم جده من الهند قبل 120 سنة وسكن قرية خمين في إيران. ووالده هو مصطفي ابن احمد وكان سابقا يدعى سينكا، ولد سنة 1842 في كشمير من أسرة سيخية ثرية وكان والد سينكا تاجر خمر وعلى علاقة ودية بالإنجليز ، ولما تعرف على فتاة مسلمة تدعى طاهرة وهي ابنة أحد التجار المسلمين قرر الإسلام للزواج منها فهدده أهله بالقتل ففر مع طاهرة من كشمير إلى مدينة لكفؤ ، وأسلم سينكا على يد سيد حامد حسين مؤلف كتاب عبقات الأنوار.وحفيد عم الخميني يسمى ودا ويعيش بالقرب من مدينة سيريلانكا عاصمة كشمير ، وهو مسؤول عن معابد السيخ هناك . وهذه المعلومات استقاها المؤلف من علماء الشيعة في كشمير . ص 352 .
3.…ذكر الموسوي خبر زيارة الخمينى لقبر نصرانية تدعي " مادلين " مدفونة بكنيسة بباريس و صلى ركعتين على روحها . ص 366
4.…بين المؤلف قائمة بالجماعات والتنظيمات التي تدعمها الثورة الخمينية :
-…العراق : حزب الدعوة ، العمل الإسلامي ، حركة المجاهدين .
-…الحركة الإسلامية الكويتية .
-…جبهة تحرير الجزيرة بالسعودية .
-…الحركة الإسلامية لتحرير عمان .
-…الحركة الإسلامية لتحرير الإمارات .
-…الحركة الإسلامية لمهاجري المغرب .
-…جماعة التكفير والهجرة في مصر .
-…الحركة الإسلامية لتحرير البحرين .
-…الحركة الإسلامية التونسية .
-… نهضة حماة التربية الإسلامية في تركيا .
-…منظمة الإخوة بباكستان .
-…حركة الثورة الإسلامية بقطر .
-…حركة المعوزين بلبنان . ص 367
هذه بعض الحقائق التي ذكرها الموسوي في كتابه " إيران بعد سقوط الخميني الجمهورية الثانية ".
قالوا(21/52)
يحرسهم ويبصقون عليه!
قالوا: "توجه إلينا عدد من المستوطنين وتحدثوا مع زميلي في الحراسة، وهو يهودي، حول ما يجب فعله، ثم توجهوا إلي وسألوني، فقلت لهم: أنا لست يهودياً، فبصق في وجهي وقال لي: "قذارة".
لقد أتيت إلى المستوطنة لحمايتهم وحراستهم، ومقابل ذلك بصقوا في وجهي"!
عباس متعب، جندي درزي
في جيش الاحتلال الإسرائيلي
الرأي 29/3/2005
قلنا: من يهن يسهل الهوان عليه!
حلال لحزب الله حرام على المنظمات الفلسطينية
قالوا: "... حذر الرئيس السوري بشار الأسد المنظمات الفلسطينية المتشددة مثل الجهاد الإسلامي من أي عمل عسكري محظور عليها انطلاقاً من الأراضي السورية، وقال أن "ميدان تحركها هو فلسطين وليس سوريا".
وأضاف أن وضع حزب الله الشيعي اللبناني مختلف "بسبب قاعدته الاجتماعية الواسعة ونوابه الـ 12". وتساءل "كيف يمكن أن نعتبر مثل هذا الحزب على أنه حركة إرهابية".
وكالات الأنباء 28/3/2005
قلنا: ولماذا إذاً تزاود سوريا على دول الطوق الأخرى بالجهاد وحماس إذا كانت تحظر عليها الجهاد!؟
إيران لا تتدخل بالشأن العراقي!
قالوا: "إن وزيراً إيرانيا اتصل بسياسي عراقي ليقول له نحن لا نمانع أن يكون أي عراقي رئيساً للوزراء، إلاّ أننا نضع خطا أحمر للدكتور إياد علاوي ليأخذ هذا المنصب".
حسين الصدر
وكالات الأنباء 27/3/2005
قلنا: هذا دليل سياسة حسن الجوار والتعاون بين إيران والعراق أن تختار إيران رئيس وزراء العراق!!
من يقاطع من ؟
قالوا: "عندما توترت العلاقات الأميركية الإيرانية، هدد الرئيس الأميركي بمقاطعة البترول الإيراني، وهدد الرئيس الإيراني بمنع البترول الإيراني عن أميركا، وتساءلنا في حينه من يقاطع من، ومن يعاقب من؟
د. فهد الفانك
الرأي 26/3/2005
قلنا: اختلفوا فافتضحوا!
الصدر والبيات الشتوي!(21/53)
قالوا: "دعوت إلى تنظيم مظاهرة مليونية الجمعة الماضي للمطالبة بجدولة الاحتلال، واليوم أؤكد هذا المطلب، وأدعو كل القوى للمشاركة في هذه المظاهرة".
ناصر الساعدي، أحد مساعدي مقتدى الصدر
وكالة الصحافة الفرنسية 25/3/2005
قلنا: التحرير بالصراخ!
انتقاد إيران ممنوع!
قالوا: ".. لقد كانت هناك بعض العناصر في إيران في ذلك الوقت تحاول التدخل في شؤون العراق الداخلية، وشعرت بأن علينا الالتزام بمبادئ موقفنا.. إلاّ أن ذلك الموقف فسر على غير ما أردناه وما قصدناه... وقال البعض إنني أتخذ موقفاً ضد الشيعة.."
العاهل الأردني عبد الله الثاني
الحياة 26/3/2005
قلنا: يجوز لإيران والشيعة التدخل في شؤون العراق لكن لا يجوز لسنة العراق ودول الجوار الاهتمام بالعراق!!
الأنانيه!
قالوا: "سميسم تحدث للطالباني عن تهميش مرشح لائحة الائتلاف العراق الموحد لمنصب رئيس الوزراء إبراهيم الجعفري لأعضاء التيار الصدري في اللائحة والبالغ عددهم 24 نائباً".
وكالة الصحافة الفرنسية
25/3/2005
قلنا: "تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى".
الشيعة في قطر يجردون المواطنين من جنسياتهم!
قالوا: "... والذي يزيد القطري قهراً أن من يقوم بإسقاط الجنسية هم أنفسهم الذين أتوا إلى قطر بالأمس من البحرين وكانوا مشهورين بحياكة الثياب والملابس الداخلية ويصلون على أحجار كربلاء، وأصبحوا بقدرة قادر من يحاسبون أهل قطر الأصليين أين أنتم قبل العام 1920م بل أين أنت يا هذا عام 1970؟ ويسألهم عن التاريخ وجده لم يولد بعد في إيران؟
سيف الهاجري، في رسالة مفتوحة
إلى أمير دولة قطر
الوطن العربي 25/3/2005
قلنا: لم يعد سرّاً أن الشيعة يستغلون الظروف للوقيعة بأهل السنة وإيذائهم، وهاهي قطر إحدى الأمثلة، فلقد استغلوا "ظرفا ما" لتجريد قبيلة قطرية من جنسية بلادها، في حين أن الشيعة الذين جاء معظمهم من إيران إلى دول الخليج بطرق غير قانونية، صاروا "مواطنين صالحين"!(21/54)
المخابرات السورية في ضيافة حزب الله
قالوا: "ذكرت مصادر في المعارضة أن مركز المخابرات السورية الذي تم إخلاؤه وتفكيك كل أجهزته في منطقة البوريفاج في بيروت تم نقله إلى مركز جديد في ضاحية بيروت الجنوبية".
الوطن العربي 25/3/2005
قلنا: هكذا هو فن الخروج من الباب والدخول من الشباك!
فتنة "حوثية" جديدة
قالوا: "المدعو بدر الحوثي وأتباعه يقترفون أفعالهم تحت تأثير فكر عنصري ومتطرف يكن العداء للجميع"
افتتاحية صحيفة الثورة اليمنية
29/3/2005
قلنا: فتنة جديدة في شمال اليمن يقودها هذا المرة الحوثي الأب، زعيم تنظيم "الشباب المؤمن" الشيعي المدعوم من إيران، فإلى متى تظل إيران تثير أنصارها في الدول الإسلامية للتمرد وافتعال الأزمات وإزهاق الأرواح؟!
بعد الصوفية.. ادعاء العصمة والنبوة
قالوا: "قضت محكمة مصرية بسجن رجل ثلاث سنوات بتهمة ازدراء الأديان لادعائه النبوة والعصمة... وقبض على المجموعة في منتصف العام الماضي في محافظة القليوبية شمالي القاهرة، وأحيلوا للمحاكمة في آب من العام نفسه. وأفادت تحقيقات النيابة بأن أعضاء المجموعة ذكروا أن أبو شوشة (مدّعي النبوة والعصمة) انتحل لنفسه أسماء مقصورة على الذات الإلهية وأن الله يتجلى له مدعيّاً لنفسه العصمة والشفاعة"
رويترز 31/3/ 2005
قلنا: لن نحتاج إلى كثير عناء ليظهر لنا أن ما تدين به الصوفية من عصمة الأولياء والاعتقاد بقداستهم، هو الذي يجعل هؤلاء يدّعون النبوة والعصمة.
رفعت الأسد يدعو إلى الحريات والقضاء على الفساد!
قالوا: "ودعا البيان إلى تعديل الدستور بما يلائم التطورات ووقف العمل بقانون الأحكام العرفية والسماح بحرية تشكيل الأحزاب وتنظيم انتخابات عامة حرة نزيهة وضمان حرية التعبير وإصدار الصحف والقضاء على الفساد".
بيان أصدره نائب الرئيس السوري السابق رفعت الأسد
وكالة الصحافة الفرنسية 31/3/2005(21/55)
قلنا: مهزلة كبيرة أن يدعو رفعت الأسد الذي كان من أعمدة النظام النصيري في سوريا إلى إقامة الحريات والقضاء على الفساد، في الوقت الذي اقترف هو فيه أبشع المذابح بحق المسلمين من أهل السنة في حماة وتدمر و... وارتكبت قواته "سرايا الدفاع" ما يندى له الجبين.
ونزيدكم من الشعر بيتاً أن رفعت دعا في بيانه أيضاً إلى إلغاء المحاكم الاستثنائية وضمان استقلال القضاء، وحماية حقوق الإنسان السياسية والاقتصادية..
وما خفي كان أعظم!
قالوا: "إن 15 ألف سائح إيراني سيزورون الأردن هذا العام، وسيتوالى وصول الوفود السياحية الإيرانية إلى العقبة تباعاً لزيارة أضرحة الصحابة الكرام في الأردن كجزء من الاستراتيجية السياحية الدينية الإيرانية".
وزير السياحة الإيراني محمد طه خدي
الرأي 31/3/2005
قلنا: مرة أخرى تستغل إيران "السياحة الدينية" لأهداف مشبوهة وما خفي كان أعظم.
أديان وصوفية وأجراس كنائس!
قالوا: "... وألحان تدخل إلى الروح دون استئذان، ومشاعر مختلطة تنتاب كل من يستمع إلى الموسيقى التي يبدعها الأرمني هايغ يدزجيان، فهايغ قادر على أن يمزج بين الموسيقى والروحانية ببراعة، فيوظف الأديان وأجراس الكنائس والصوفية لخدمة موسيقاه، لتخرج بقالب بديع...".
سارة القضاة
الرأي 31/3/2005
قلنا: تهافت الموسيقيين على خرافات الصوفية، صار أمراً دارجاً .يبدو أن ضلال الموسيقى، وضلال الصوفية التقيا.
جولة الصحافة
تيار الصدر يتهم الأميركيين ومؤسسة الخوئي بحملة «تحريض»
بغداد ـ عبدا لواحد طعمة الحياة 28/3/2005(21/56)
اتهم تيار مقتدى الصدر، القوات الأميركية ومؤسسة «الخوئي» في لندن بـ«التحريض» ضده، وقال الشيخ عبدا لهادي الدراجي مسؤول المكتب الإعلامي للتيار في بغداد لـ«الحياة»، أن ليست هناك «إثباتات أو قرائن يمكن ان تمثل دليلاً على تورط أي من عناصر التيار باغتيال عبدا لمجيد الخوئي عام 2003»، مؤكداً أن التيار «برئ من هذا الدم». ووصف الظروف التي أحاطت بالاغتيال بـ«سيناريو» هدفه «إطاحة مقتدى الصدر، بالتالي محاولة تفتيت التيار».
وأشار الى ان المواقف الأخيرة لمؤسسة الخوئي وعائلة عبدالمجيد الخوئي في لندن «تؤكد وجود أيد خفية تعمل لاجهاض الاتصالات والمشاورات مع الحكومة والقوات المتعددة الجنسية لاطلاق المعتقلين من مجاهدي التيار وجيش المهدي». وتحدى الدراجي «أي جهة ان تثبت أي صلة للتيار بقضية مقتل الخوئي».
وكان شروان كامل الوائلي عضو الجمعية الوطنية المنتخبة، أحد اعضاء اللجنة الرباعية التي كلفتها كتلة «الائتلاف الموحد» الشيعي التفاوض مع الحكومة والقوات المتعددة الجنسية لاطلاق معتقلي تيار الصدر، أكد لـ«الحياة» ان كل البيانات التي تخص المعتقلين قدمتها اللجنة وسلمت أمس الى وزارة الأمن الوطني والقوات المتعددة الجنسية. كما أكد ان «مكتب الشهيد الصدر أكمل الاجراءات القانونية، من كفالات وتعهدات تخص الدفعة الأولى التي سيفرج عنها في الأيام القليلة المقبلة».
أكراد العراق يلعبون بالنار!
فهمي هويدي
الشرق الأوسط 30/3/2005(21/57)
لم نتصارح بشكل كاف في التعاطي مع الملف الكردي بالعراق، وصرنا نتعامل مع مفرداته بلغة دبلوماسية، فيها من الغموض أكثر مما فيها من البوح والوضوح، ومن المجاملة أكثر مما فيها من المكاشفة. وهو ما يلاحظه المرء في الاخبار والتقارير اليومية التي باتت تخرج من بغداد تارة، ومن السليمانية أو اربيل تارة اخرى، متحدثة عن تعثر مفاوضات تشكيل الحكومة العراقية، وقائمة طلبات الاكراد، التي يبدو ان ثمة تصعيدا فيها يستثمر الاجواء المواتية، المتمثلة في انهيار الدولة العراقية ووجود القوات الأمريكية، وغياب النظام العربي.
دعك الآن من الحديث عن شرعية اجراء الانتخابات في ظل الاحتلال. او شرعية الحكومة المفترضة التي من الواضح انها ستكون تمثيلا لبعض الطوائف في العراق، وليس للشعب العراقي كله، لأن ما يهمنا في السياق الذي نحن بصدده هو الموقف الكردي، الذي يعد أحد اهم معوقات تشكيل الحكومة،جراء اصراره على طلبات يتعذر قبولها من جانب اي حكومة عراقية.
ثمة لغط كثير حول تلك الطلبات التي طالت الميزانية، وعدد وطبيعة الوزارات التي ستكون ضمن حصة الشيعة، لكن ازعم ان اهمها واخطرها طلبات ثلاثة هي ضم كركوك الى كردستان، والابقاء على ميليشيات البيشمركة كجيش خاص بالاكراد، ثم اعتماد صيغة الفيدرالية للمحافظات الكردية الثلاث.(21/58)
لا يقف الامر عند ذلك الحد، وانما في الوقت الذي تمارس فيه الضغوط القوية، التي لم تخل من تهديد وابتزاز، فإن الخطوات التي يتخذها الاكراد على الارض، والتصريحات التي تصدر عن قادتهم تكرس من مشاعر الشك والارتياب، وتسحب من رصيد الثقة الذي يفترض توفره في اعقاب سقوط النظام البعثي، لصياغة العلاقات الكردية العربية على نحو ايجابي وحميم. ذلك ان عملية «اغتصاب» كركوك اصبحت تتم بصورة يومية، بدءا من تهجير سكانها العرب والتركمان او الاستيلاء على بيوتهم، وانتهاء بنقل ملكية الأراضي الزراعية، ومرورا بوضع اليد على المؤسسات والاجهزة الحكومية، وتنصيب اكراد على رأسها. وفيما يتم ذلك على الارض فإن تصريحات زعماء الاكراد تعلن رفض رفع العلم العراقي في كردستان (وكأنه علم صدام حسين وليس علم الجمهورية)، كما تحذر من دخول الجيش العراقي إلى محافظات الشمال من دون موافقة برلمان كردستان، الامر الذي يعني ان القرار في كردستان هو شأن كردي في نهاية المطاف، وليس للدولة العراقية فيه نصيب.
وهو مشهد يضعنا بازاء صورة عبثية مسكونة بدرجة عالية من المفارقة. اذ في حين يعرض منصب رئيس الجمهورية العراقية على الزعيم الكردي جلال طالباني. فإن علم الجمهورية ذاتها يمنع في كردستان، وفي حين يفترض ان يمثل الرجل بلاده في المحافل الدولية وفي اجتماعات القمة العربية، فإن تعلم اللغة العربية يمنع في المناطق الكردية. وفي الوقت الذي يرأس فيه طالباني الدولة العراقية فإن «جماعته» في الشمال تعد العدة لتقسيم الدولة وضرب وحدة التراب العراقي.(21/59)
نعم، لا تكف بعض التصريحات الكردية عن نفي فكرة الانفصال او الاستقلال، لكن ما يجري على الارض يشي بغير ذلك تماما. وهي الحالة التي ينطبق عليها المثل العربي الشهير الذي يقول «اسمع كلامك اصدقك، وأرى أمورك استعجب»، مع فارق واحد، هو ان الشكوك تكاثرت بحيث ان الكلام ذاته لم يعد قابلا للتصديق. وحتى اذا بات المرء ذات ليلة مصدقا، فإنه ما ان يفتح عينيه على صحف الصباح ويطالع اخبار العراق فيها، حتى لا يلبث الشك يعاوده بقوة.
والأمر كذلك، فلعلنا لا نتعسف كثيرا اذا قلنا ان الموقف الكردي الحقيقي لن تعبر عنه التصريحات «الوحدوية» التي تنقلها وسائل الاعلام او الوسائل التي تحمل الى زعماء الدول المجاورة، وانما لن يحسمه وينطق به سوى الممارسة الحاصلة على الأرض. ومع كل الاهتمام لما يقال، وللقائلين بطبيعة الحال، إلا ان اي كلام لن يوثق به ولن يحمل على محمل الجد، إلا اذا صدقه العمل.
انني افهم جيدا معاناة الاكراد وازمة ثقتهم في الآخرين، واكرر هنا ما سبق ان قلته من انني احد الذين عاشوا الهم الكردي ودافعوا عن مظلوميتهم، ودعوا الى انصافهم ووقف الجرائم التي ارتكبت بحقهم. لكنني ازعم ان تلك الصفحة طويت في العراق بوجه اخص.وعلى اكراد العراق ان يدركوا ذلك ومن ثم فعليهم ان يطووا بدورهم صفحة الأحزان والمرارات.
ان محاولة الاستيلاء التدريجي على كركوك عن طريق تغيير تركيبتها السكانية، باستجلاب آخرين اليها من خارجها، او تهجير بعض سكانها، مؤشر لا يعبر عن حسن النية بحال.(21/60)
وكذلك فإن الاصرار على اعتبار «البيشمركة» جيشا خاصا بالاكراد، هو المسؤول عن حمايتهم، لا يعني إلا شيئا واحدا هو ان القيادات الكردية تعتبر كردستان كيانا آخر غير العراق، وهو موقف له دلالته السلبية، ورغم ان موضوع «الفيدرالية» قد اقرته قوى المعارضة العراقية في السابق، إلا انها لم تتفق على تفاصيل مضمونه، التي يراد لها الآن من الناحية العملية ان تعطي الاكراد وضعا متميزا يعطيهم حق «الفيتو» على اي قرار سيادي عراقي، هذه الخطوة اذا تمت على النحو الذي يريده القادة الاكراد تفتح الباب لشرور كثيرة تهدد وحدة الأراضي العراقية، وتثير فيها الفوضى والاضطراب.
بكلام آخر، فإن مجمل التصرفات الكردية يعطي انطباعا قويا بأن الذي يجري الآن ليس سوى تمهيد للانفصال. واذا كان ذلك الانطباع مبالغا فيه، ويتحدث عن "السيناريو" الأسوأ، فإن تغيير ذلك الانطباع او تصحيحه لن يتأتى بإصدار تصريح صحفي، تبثه وسائل الاعلام،وانما لا سبيل الى تحقيق تلك الغاية إلا باتخاذ موقف جديد على الارض يهدئ الخواطر ويعيد الثقة التي اهتزت في الموقف الكردي.(21/61)
لقد تطرقت الى ذات الموضوع من قبل، وقلت ان امام الاكراد الآن احد حلين، احدهما حل «امثل» يوفر لهم الحق في تقرير المصير، وتأسيس دولتهم المستقلة، تمهيدا لاستعادة كيانهم الذي تفتت وتمزق في اعقاب الحرب العالمية الاولى، وحل آخر «ممكن» يبقي على الاكراد ضمن حدود الدولة العراقية، وفي ظله تتوفر لهم كل ظروف وحقوق المواطنة، ويتمتعون بنوع من الحكم الذاتي يحفظ لهم هويتهم وخصوصيتهم العرقية.وهو ما اعتبرته عملا ناقصا، ودعوت الى القبول به، لأن من شأن التعلق بالحل الامثل ان يشعل حريقا في المنطقة، ستكون آثاره وبالا عليها، وربما كان الاكراد اكثر الخاسرين بسببه، ذلك ان استقلال كردستان العراق، يمثل دعوة الى اعادة رسم خرائط المنطقة، بما يشكل تهديدا للأمن القومي لتركيا ولايران وسوريا، ولم يعد سرا ان تركيا مستعدة لأن تخوض حربا تستمر سنوات للحيلولة دون انفصال الجزء الذي يسكنه الاكراد في الأناضول، وقد اشرت الى تركيا بوجه اخص، لأن تعداد الاكراد فيها يتراوح بين 10 و 12 مليون نسمة، كحد ادنى، الامر الذي يعني في حقيقته ان القضية الكردية تركية أكثر منها عراقية.
في دفاعي عن فكرة «الحل الناقص» استشهدت بالقاعدة الاصولية والمنطقية التي تدعو الى القبول بالضرر الادنى تجنبا لضرر آخر اكبر وافدح. وهي القاعدة التي تنطبق بشدة على الملف الكردي، باعتبار ان بقاءهم في اطار الدولة العراقية لا يلبي رغبتهم في تقرير المصير الذي يطمحون اليه، لكنه اذا ما حفظ لهم كرامتهم وهويتهم، فإنه يجنبهم ويجنب المنطقة بأسرها ضررا محققا من جراء اعادة رسم خرائطها الجغرافية والسياسية، وما يستصحبه ذلك من شرور لا حدود لها.(21/62)
ما أدعو اليه ليس امرا شاذا او غريبا، فذلك هو وضع البربر في شمال افريقيا والاذريين في ايران والاوزبكيين في افغانستان. اذ بقيت تلك الجماعات كمواطنين في دول اخرى غير وطنها الأم، او توزعت على اقطار عدة، مرتضية العيش ضمن حدود الجغرافيا السياسية التي استقرت منذ عقود ولم تجد في ذلك غضاضة، طالما وفر لها ذلك الوضع حق المواطنة، وفي ظله احترمت هويتها ضمن النسيج العام.
ان ما تمارسه القيادات الكردية الراهنة ليس سوى لعب بالنار، لم تحسب عواقبه جيدا، من حيث انه يتعلق بالأماني والطموحات، متجاهلة حقائق الواقع المعقد وخرائطه، ووحدها تلك القيادات القادرة على إطفاء تلك النار.
اخيرا، يلح عليّ سؤال هو: اين الجامعة العربية من ذلك الخطر الذي يهدد دولة عضوا بها، ولماذا لا نرى سوى تركيا في الساحة تعمل جاهدة للحفاظ على وحدة العراق؟
أنقرة: التركمان ليسوا امتداداً للعثمانيين ... وكركوك أول مرشح لنار الفتنة
أنقرة ـ يوسف الشريف الحياة 2/4/2005
تستعد تركيا لدعوة دول جوار العراق الى اجتماع جديد سيعقد في اسطنبول منتصف هذا الشهر في حال شكلت الحكومة العراقية الجديدة، وذلك بالتوازي مع سياسة أكثر تقرباً من العراق تعدّ لها انقرة، ويلخصها المبعوث التركي الخاص الى هذا البلد السفير عثمان كورو ترك بالقول إن أنقرة «تحاول احتضان العراق بكل مكوناته، وترى فيه الشريك الأساسي في المنطقة لتأسيس تعاون اقليمي واسع، وذلك بعد تجاوزه الأوضاع التي يمر بها، وبعد أن يؤمن وحدته ويستعيد اقتصاده عافيته».(21/63)
وأكد كورو ترك لـ«الحياة» أن علاقات انقرة مع الحكومة العراقية الجديدة ستكون افضل من علاقاتها مع الحكومة الحالية. وعلل ذلك بأن التي ستشكل قريباً ستكون «منتخبة»، مع تحفظ تركيا عما سجل اثناء الانتخابات من تجاوزات واخطاء. واشار الى ضرورة تلافي هذه الأخطاء في الانتخابات المقبلة، وضرورة بذل الأمم المتحدة جهداً أكبر من أجل ذلك، مؤكداً استعداد بلاده للمساعدة في هذا المجال.
وحول حساسيات أنقرة تجاه بعض الملفات العراقية التي أثارت جدلاً واسعاً، قال كورو ترك ان «الحساسية الكبرى هي الحفاظ على وحدة العراق، لأنه يشكل عنصر توازن في المنطقة من الناحية الاستراتيجية، وانقسامه سيؤدي الى اختلال هذا التوازن في المنطقة».
وشدد كورو ترك على أن اهتمام بلاده بمسألة كركوك ينبع من كون المدينة «المرشح الأكبر» لاشعال نار الفتنة الطائفية أو العرقية في العراق. وزاد: «يجب ان تبقى كركوك لجميع العراقيين، مدينة الاخاء وان تكون ملكيتها لجميع العراقيين، وألا يدعي فريق ما ملكيتها أو سيادته عليها». ولفت الى ان التركمان في العراق ليسوا امتداداً للامبراطورية العثمانية أو أتراك تركيا، لأنهم «جاؤوا الى المنطقة قبل أتراك تركيا او العثمانيين، لكن ذلك لا ينفي القرابة بينهم وبين الاتراك، وهي الصلة ذاتها التي تجمع الاتراك ببقية مكونات المجتمع العراقي».
وأضاف: «التركمان عنصر اصلي في الشعب العراقي، وساهموا في بناء العراق، لكنهم اضطهدوا كثيراً، ولا نعتقد بأنهم حصلوا على التمثيل السياسي الذي يستحقونه، ولعل السبب تفرقهم وتشتتهم، لكن هناك مساعي لتوحيد صفوفهم، ونعتقد بأن ذلك سيساهم في تحسين تمثيلهم سياسياً».(21/64)
ورداً على القول إن تركيا اهملت الحوار مع شيعة العراق لحساب السنّة فيه، نفى كورو ترك ذلك قائلاً ان «لقاءات المسؤولين الأتراك بالعرب السنّة في العراق كانت اكثر سابقاً لاقناعهم بالمشاركة في الانتخابات، لكن الحوار مع الشيعة جيد ومستمر». وذكر أنه كان المسؤول الأجنبي الوحيد الذي وافق المرجع الشيعي علي السيستاني على مقابلته بالإضافة الى ممثلي الامم المتحدة.
وكانت القائمة الشيعية الموحدة رشحت فاروق عبد الرحمن رئيس الجبهة التركمانية لرئاسة الجمعية الوطنية، كما عرض جلال طالباني الأمين العام للاتحاد الوطني الكردستاني منح منصب نائب محافظ كركوك للتركمان، وكلا الحادثين يؤشران إلى بداية علاقات افضل بين انقرة والاكراد والشيعة في العراق، على عتبة مرحلة سيتم خلالها صوغ الدستور العراقي الجديد. وفي هذا المجال قال كورو ترك إن تركيا ستقبل أي نظام حكم يختاره الشعب العراقي، فيدراليا كان او غير فيديرالي
الغالب والمغلوب!
صالح القلاب
الرأي 27/3/2005
أخطر ما يمكن أن ينتظر مستقبل العراق هو أن يتم تشكيل الحكومة الجديدة وان تتم صياغة الدستور المنتظر الجديد وفقاً لمعادلة "الغالب والمغلوب"، التي أعتقد أن الذين تفاوضوا طويلاً، منذ إجراء الانتخابات الماضية التي قاطعتها شريحة عراقية رئيسية، يدركون أن الأخذ بها ستكون له عواقب وخيمة وسيكون بمثابة ألغام موقوتة.
ربما أن هناك من القوى الهامشية والثانوية من يريد صياغة مستقبل العراق على أساس أن السنة العرب هُزموا مع هزيمة النظام السابق، نظام صدام حسين، وأن الشيعة العرب ومعهم الكرد انتصروا مع انتصار الأميركيين وأن المهزوم يجب أن يدفع ثمن هزيمته وأن المنتصر يجب أن يقبض ثمن انتصاره.(21/65)
لكن الظنَّ الذي يصل إلى حد اليقين هو أن القيادات العراقية الراشدة والكفؤة والمُجربة تعرف أن التعامل مع الواقع العراقي المأزوم والمتفجر بهذه العقلية، ووفقاً لمعادلة الغالب والمغلوب والمهزوم والمنتصر، سيزيد الوضع المتأزم تأزماً وسيجعل الخروج من هذا الوضع غير سهل بل ومكلف وشبه مستحيل فالشريحة العراقية التي يجري التعامل معها على أنها مهزومة ومغلوبة وأنها لا تستحق من "الكعكة" التي يجري تقاسمها إلا الفتات لن تسكت على غبن تظن أنه ألحق بها وقد تضطر لمد يدها إلى الخارج وهذا سيزيد من تحويل العراق إلى ميدان لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية.
إنه خطأ فادح أن يتم تشكيل الحكومة العراقية الجديدة وأن تجري صياغة الدستور المنتظر على أساس أن السنة العرب هم النظام السابق وأنهم، بناءً على ذلك، لا يستحقون إلا فتات المائدة فالنظام السابق لم يكن سنياً ولا شيعياً ولا عربياً، وبالطبع، ولا كردياً... وحتى ولا بعثياً.. ولا تكريتياً.. لقد كان نظام عصابة خطفت العراق كله في لحظة انعدام التوازن وسخَّرت إمكانياته، إن في الداخل وإن في الخارج، من أجل بقائها في الحكم كل هذه السنوات الطويلة.
ثم وبالمقدار ذاته فإن القادة العراقيين، (...) يعرفون أن التركيبة المذهبية والطائفية والقومية في العراق تشبه وإلى حد بعيد التركيبة اللبنانية.. وفي لبنان، كما هو معروف، فإن المعادلة تقوم على أساس التعددية وليس على أساس العدد وأن هناك صيغة جرى إقرارها غداة الاستقلال بقيت مستمرة حتى الآن وبقيت أي محاولة للمس بها سبب كل الإهتزازات التي جرت خلال نصف القرن الماضي.(21/66)
لقد كانت الانتخابات الأخيرة خطوة حظيت باحترام العالم كله وإشادته لكن ومع ذلك فإن صياغة مستقبل العراق بكل أعراقه ومذاهبه وطوائفه،وفقاً لنتائج هذه الانتخابات التي غلبت عليها باستثناء استثناءات قليلة السمة المذهبية والأثنية الواضحة ووفقاً لمعادلة الغالب والمغلوب والمنتصر والمهزوم ستٌبقي على العراق كضرس ملتهب وستضيف إلى أزماته الحالية أزمات جديدة.
هناك شريحة عراقية أساسية ورئيسية هي شريحة السنة العرب تعمق لديها الإحساس في ضوء مفاوضات ما بعد الانتخابات الأخيرة، بأنها مستهدفة ومقصيةٌ وأن هناك من يسعى للثأر منها انتقاما من صدام حسين ونظامه الذي لم يكن نظامها ولهذا فإن ما هو منتظر من الذين يسعون لبناء عراق جديد بلا أزمات نائمة ولا ألغام موقوتة أن يأخذوا هذه المسألة بعين الاعتبار وأن لا ينساقوا وراء القوى الهامشية والثانوية ولا وراء ذوي الأجندات الخاصة والمنتفخين بأمراض التعصب المذهبي والعرقي المدمر.
مزارع شبعا ولعبة .. الحكي!
طارق مصاروة
الرأي 5/4/2005
لاحظ الكثيرون أن أحدا لم يعترض على تأكيد مبعوث الأمين العام لارسون، بأن مزارع شبعا هي ارض سورية .. وليست لبنانية!!. وقد استمر المؤتمر الصحفي الذي عقده مع وزير الخارجية السوري دون ان يفطن أحد الصحفيين إلى سؤاله أو سؤال السيد الشرع عن تأثير هذا «الحسم» في قضية ارض محتلة، على المرحلة الأكثر تعقيدا بعد الانسحاب السوري من لبنان من قرار 1559، وهي قضية تجريد الميليشيات اللبنانية والفلسطينية من أسلحتها، وانتشار الجيش اللبناني في الجنوب حتى الخط الأزرق الذي رسمته الأمم المتحدة للحدود الدولية بين لبنان وإسرائيل!!.(21/67)
عدم التنبه، او التنبه وتأجيل الكلام في قضية شبعا، قد لا يعني سوريا او حتى حكومة بيروت، فالكل يتحدث عن «الشرعية الدولية» ، ولكن تبقى «الشرعية اللبنانية». فالسيد وليد جنبلاط ويسايره حتى أمين الجميل والبطرك صفير يغيرون اسم ميليشيا حزب الله الى مقاومة حزب الله، ويقول ويقولون معه ان المقاومة ستستمر في الجنوب وسنحمي سلاحها طالما ان مزارع شبعا اللبنانية محتلة. فماذا سيقولون الآن بعد ان قبلت سوريا الحدود التي رسمتها الأمم المتحدة، وقبلت ان تكون مزارع شبعا.. سورية؟؟.
وحتى لا تبقى المخيمات الفلسطينية في ظل الكلام، فالمطلوب أيضا فتح أبوابها، وتجريدها من السلاح.. فأين صرنا؟؟ وماذا نقول لأنفسنا ونقول للسيد نصر الله، ونقول لمنظمة التحرير.. وطوائفها التي أصبحت تزاحم طوائف لبنان؟؟.
في وقت ما كنا نسمع من «حكواتية» السياسة اللبنانية ان سوريا دولة، وان زجها في مواجهة مجلس الأمن وقراراته، والشرعية الدولية هو زج للصمود العربي.. وللدولة الوحيدة الواقفة في وجه إسرائيل والهيمنة الأميركية، وللدولة التزاماتها، لكن حزب الله والمقاومة ليسا دولة، ويستطيعان رفض القرار 1559!!. لكن لبنان الآن دولة مستقلة بعد انسحاب الجيش السوري، ومزارع شبعا ليست لبنانية وليست محتلة. فهل المطلوب اذن هو زج لبنان في وجه الشرعية الدولية؟. هل على لبنان ان يرفض تنفيذ القرار 1559 ويواجه الولايات المتحدة؟؟.(21/68)
السيد وليد جنبلاط يقول الآن: ان قضية سلاح حزب الله هي قضية لبنانية داخلية يناقشها اللبنانيون وحدهم!!. والكلام ذكي. ولا يختلف عن الكلام القديم إياه، لكن على السيد جنبلاط وأمثاله من محترفي «الحكي» ان يحلوا عن ظهورنا، وأن يبدأوا «بالهرولة» ذاتها . وان يقولوا بالعلن للأونكل سام ما يقولونه وراء الأبواب المغلقة: يا عمي!!. وأن يتوقفوا عن ممارسة سياسة الأحقاد وإشاعتها في كل بلد عربي. فلم نعد نفهم - ونحن في الأردن عاقلون - كيف يدير السياسيون سياسات بلدهم اذا استمروا في «لعبة الحكي»، و«لعبة المعارضة» ، و«لعبة» المناورة على رأس الدبوس؟؟.
السيستاني... الصامت الأكبر
أبو الهول العراقي.. شيخ قديم لعراق جديد
مجلة المجلة العدد 1310
26/3/2005
الصافي سعيد
جذور العائلات الشيعية الكبرى
تعود جذور معظم العائلات الشيعية الكبرى ذات السيادة المرجعية في العراق إلى أرض فارس. ومن بين هذه العائلات الكبرى، هناك عائلتان فقط من أصل عربي عراقي وهما: عائلة الحكيم وعائلة الصدر. فالطبطبائي والشيرازي تتحدران من شيراز والخوئي تتحدر من تبريز وعائلة الحائري تنتمي إلى يزد في وسط إيران وعائلة القزويني تعود بأصولها إلى منطقة بحر قزوين. ولا شك أن السيستاني تنتمي إلى سيستان قرب مشهد بإيران.
ويمكن القول إن أبرز العائلات التي وضعت نفسها في المشهد السياسي لما بعد صدام حسين هي: السيستاني والخوئي والحكيم والصدر. وإذ اختفى عبد المجيد الخوئي من الوجود بعد أسبوع من عودته من لندن على طائرة أمريكية، فإن باقر الحكيم زعيم حزب الدعوة، العائد من إيران لحقه إلى مثواه الأخير بعد مدة قصيرة في حادث تفجير أمام العتبات المقدسة عند الشيعة.(21/69)
ولقد بدا واضحا في الإبان أن المستفيدين الأوائل من اختفاء الخوئي والحكيم، هما نجل آية الله العظمى صادق الصدر، الشاب مقتدى الصدر الذي تزعم تيار المحرومين الراديكاليين والذي امتنع عن الدخول إلى حلبة الانتخابات، ثم آية الله العظمى علي السيستاني الذي استطاع أن يدير العملية السياسية بحذق من داخل صومعته بالنجف الأشرف. وباعتباره المرجع الرئيسي الأكبر والذي لا تشق صوته أية أصوات أخرى، فقد تمكن من إقامة المعادلة الصعبة لما بعد صدام حسين. فالذي يلقب بأبي الهول الشيعي ظل يراقب الأحوال والمسارات رافضا التحدث مباشرة مع الأمريكان والإفصاح عن رأيه، واضعا شروطه على جميع الفاعلين والناشطين، باسطا جناحيه على المشهد السياسي برمته ودافعا برجاله إلى مقدمة المسرح.
جسر الخلاص أو الهلاك
منذ أن نطق السيستاني بكلمة انتخابات أمام الأخضر الإبراهيمي ثم أعقبها بكلمة " دستور" حتى بات اسمه مرادفا للديمقراطية أو رديفا للفوضى.. فقد أدرك الأمريكان مبكراً أن هذا الشيخ النحيل يمكن أن يكون جسر الخلاص إذا ما استمعوا إليه جيداً كما يمكن أن يكون جسر الهلاك إذا ما استعصوا أوامره.
ويكفي أن ينقل عنه أنصاره كلمة واحدة لتكتسح شوارع العراق الشيعي مئات الآلاف من متظاهرين في استعراض مثير للقوة وهم يلوحون بصوره إلى جانب صور علي والحسن والعباس أشهر شهداء المذهب الشيعي... ولعل موقف المرجعيات الثلاث الأخرى كفيل بإقناع من يشككون بعد في هذه الحقيقة. فقد أضطر فياض والنجفي والحكيم ثم الصدر، الواحد بعد الآخر وبصورة طوعية إلى حد ما إلى الاعتراف بالزعامة غير المرئية لهذا الرجل البالغ من العمر أربعة وسبعين عاما والذي يجسد انبعاث الحركة الشيعية العراقية من جديد.(21/70)
وعلى غرار روح الله الخميني، قبل أكثر من ثلاثة عقود، فإن آية الله السيستاني اليوم هو أيضاً قليل الكلام وأقل من كلامه استقباله للزوار. وقد دأب على أن يحيط نفسه وحياته بالغموض. فمنذ سنوات وباستثناء سفرته المفاجئة للندن في العام الماضي لم يجتز تقريباً عتبة بيته المتواضع والمحروس حراسة مشددة، والواقع بحي الرسول في مدينة النجف الأشرف حيث توجد الحوزة، أي مجلس المدارس الدينية الشيعية الذي يمارس عليه سلطة مطلقة.
خارج البيت يتكدس كل صباح العشرات من الأشخاص، ورجال دين ،رؤساء قبائل، رجال سياسة، صحفيون، فقراء عاديون في انتظار مقابلة قد تتحقق. وقد لا تتحقق(وهو حلم شبه مستحيل) لمعظم الناس إلا إذا كان طالب المقابلة يدعى موفق الربيعي أو أحمد الجلبي أو واحداً من الناطقين باسمه الرئيسيين كالشيخ عبد المهدي الكربلائي أو حجة الإسلام علي عبد الحكيم أو محمد رضا نجله الأكبر وعضده الأيمن كما يتردد. فهم وحدهم القادرون على نقل التصريحات الغامضة أحيانا لآية الله العظمى السيستاني وفك شفرتها التي دأبت الصحف اليومية في العراق، على نشرها بانتظام على شكل بيانات.
قلة الكلام وغموضه(21/71)
إذا كان كلام آية الله العظمى قليلا وغامضا أحيانا، فإن الرسالة التي يبثها من موقعه تزداد قوة يوما بعد آخر ووضوحاً. فلأول مرة في تاريخ العراق لم يدع زعماء الدين الشيعة إلى حمل السلاح ضد الغزو الأجنبي وهو هنا غزو أمريكي. وذلك لسبب بسيط: فقد توصل السيستاني وكبار رجال الدين الآخرين إلى نتيجة مؤداها بأن الغرب الذي أبقى على صدام حسين في السلطة كان قادرا على طرده منها وبعد عام من ذلك الرحيل رأى السيستاني بأن المجلس التأسيسي الانتقالي المكون من شخصيات عيّنها مجلس الحكم والجماعات المحلية لا تملك أية شرعية تذكر. وبالتالي لا بد من الانتخابات الحرة بالاقتراع العام الذي يجب أن ينظم في أسرع وقت ممكن تحت رعاية الأمم المتحدة ووفق مبدأ "رجل وصوت"، ثم بعد ذلك يتم نقل السيادة إلى العراقيين، أي بعبارة أخرى منح السلطة للأغلبية الشيعية (..) وليس لأي حكومة يعينها الأمريكان الذين عليهم أن يتركوا البلاد.
وهذا يناقض تماما مخطط بريمر، المدروس بعناية والقائم على توازن نفوذ الطوائف الثلاث: الكردية والسنية والشيعية قصد الحفاظ على وصاية واشنطن على هذا البلد الذي "استثمر" فيه دافعو الضرائب الأمريكان حوالي 200 مليار دولار في غضون عامين من الاحتلال.
بدايات السيستاني
ولد هذا الرجل الذي لا يفاوض ولا يسعى إلى المساومة وإنما يملي قوانين لا يجرؤ أي شيعي على معارضتها، سواء كان رئيس قبيلة أم عضو مجلس الحكم، في "مشهد" بإيران غير بعيد عن الحدود مع أفغانستان وتركمانستان في نهاية عام 1930 لعائلة من رجال الدين المعروفين. بدأ حفظ القرآن وهو في الخامسة من عمره ثم التحق بالمدارس الدينية في قم. وعند بلوغه العشرين سافر إلى النجف الأشرف، العاصمة الدينية والعلمية للشيعة. وقد ورث علي السيستاني من أصوله الفارسية لكنة واضحة لكن دون أي حنين أو ولاء يذكر.(21/72)
وقد تجاوز المذهب الشيعي العابر للحدود بطبيعته، أصول هذا الرجل الذي لم يبد أي تعاطف خاص تجاه إيران موطن أجداده ثم هو ليس عالم الدين الوحيد "الدخيل" الذي تعترف به، دون تحفظ، الطائفة الشيعية في العراق: فمن آيات الله الكبار الثلاثة، اثنان منهم: فياض والنجفي ولدا خارج العراق، الأول في أفغانستان والثاني في باكستان.
وعلى عكس خصمه الكبير آية الله محمد باقر الحكيم القتيل، فضل السيستاني البقاء في العراق. ظل صامتا لكنه كان حاضراً في الوقت نفسه دون أن يجازف بمجابهة النظام، فقد أراد لنفسه أن يكون حارس المعبد في انتظار نهضة الشيعة. وها هو اليوم يجني ثمار هذا الموقف.
ومنذ أبريل (نيسان) 2003، حرص الأمريكان على عدم مواجهة هذا "الحليف الموضوعي". وهكذا تجنب عسكريو التحالف التمركز داخل المناطق الشيعية الأكثر حساسية كالنجف وكربلاء والعمارة والكوت أو الكوفة، مكتفين بالدخول العابر لها. وقد سلمت السلطة في هذه المناطق إلى بعض الأعيان لتتم مراقبتهم من بعيد.
وقد لا يرغب الشيعة العراقيون في إقامة جمهورية إسلامية على الطريقة الإيرانية. فمبدأ الجمهورية الإسلامية مخالف لتقاليد النجف وكربلاء الصوفية والسياسية التي تدعو إلى فصل الدين عن السياسي. ومع ذلك فإن تداخل التيارات والطموحات والمناورات الخارجية والداخلية قد يدفع إلى العكس. فبعد رحيل صدام حسين انفجر الألم الشيعي الدفين في وضح النهار والتقى بالطموحات الأمريكية والمناورات الإيرانية من أجل بناء كيان عراقي جديد يكون فيه الشيعة هم أصحاب القرار الكبير، تكفيرا عن ذنوب ارتكبوها خلال تاريخهم القديم والحديث. فالشيعة يشعرون بذنب مزدوج:
الأول تخليهم عن الإمام الحسين بن علي ليموت عطشا في أرض كربلاء المقفرة خلال ما بعد الصراع بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان. والثاني لتخليهم عن مكاسبهم ومواقفهم أثناء تركيب العراق الحديث في سنوات العشرين.(21/73)
وقد ظل الشيعة يندبون حظهم ويطلبون الصفح ويلومون قياداتهم إلى حين ظهرت لهم فرصة القصاص من التاريخ الظالم والأليم. وقد بدا هذا الحماس الديني الجماعي سواء في الالتفاف على مشروع العراق الجديد أو في عودة المظاهر الاحتفالية ذات المنحى البكائي كنوع من تطهير النفس من التقصير والمخاوف والمعاناة الدفينة.
ولقد برهنت الحركة الشيعية، بكل تفرعاتها وحسب قراءاتها المتعددة لفوضى ما بعد صدام، وذلك في أوضاع جد معقدة بأن قدرتها على تنظيم نفسها ما زالت كاملة، بل هي أفضل من قدرات غيرهم وبأن النخب الشيعية لا تزال تنبض بالحركة والطموح رغم سياسة الاستبعاد والاقصاء التي مورست ضدهم خلال حقب طويلة.
الصوفية الشيعية
إذا كان صدام حسين قد أبقى على الزعيم الديني الكبير آية الله السيستاني فلأن هذا الأخير كان يمثل الصيغة الصوفية للمذهب الشيعي الذي يدعو إلى الفصل بين ما هو ديني وبين ما هو سياسي، ثم لأن صدام كان يحتفظ به كورقة سياسية معارضة للخميني وبالتالي لاجتهادات قم، بيد أن هذه القراءة التصوفية لمرجعية السيستاني لا تقل حيوية وأصالة عن قراءة المرجعية الخمينية.
فقد استطاعت أفكار السيستاني حول مبدأ الانتخاب والدستور والديمقراطية وعدم إقحام الشعائر والاجتهادات الدينية في السياسة أن تضع نفسها بجدارة في حركة المخاض التي يمر بها العراق الجديد. ومهما كانت مآخذ البعض على السيستاني المتهم بالصمت وحتى بالتواطؤ مع الخارج، فإن هناك من شهد له بالأصالة والالتزام بمذهبه الصوفي... وإذ وجد دائما من يحاول أن يزج باسمه أو يستظل بخيمته أو يستخدم بعض فتاويه وهي قليلة، فإن السيستاني كان حريصا جداً على الابتعاد عن كل المطبات والانزلاقات التي قد تخدم الأمريكيين وغيرهم.
حزب الله والملف النووي... قراءة في الأولويات الإيرانية
مصطفى اللباد رئيس تحرير دورية «شرق نامه».
الحياة 29/3/2005(21/74)
أطاح الانفجار الذي أودى بحياة رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، في منطقة السان جورج في بيروت، بالمعادلة السياسية اللبنانية الداخلية وتخطت آثاره الحدود اللبنانية لتطال سورية، حتى عبرت إلى إيران على ما بعد يناهز ألف كيلومتر من موقع الانفجار. وهنا بدأت خريطة التوازنات الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط بالتغير والتشكّل من جديد، إذ اختزلت الحفرة العميقة الظاهرة في منطقة السان جورج رمزية المشهد الإقليمي وليس البيروتي أو اللبناني فحسب. ولئن شهد التاريخ الحديث عددا لا يحصى من عمليات الاغتيال السياسي في أربعة أركان الكرة الأرضية، إلا أن عدداً قليلاً منها ترك تداعياته على هذا التاريخ. ومثلما أدى اغتيال أرشيدوق النمسا عام 1914 إلى نشوب الحرب العالمية الأولى وتغيير خريطة أوروبا بالتالي، فإن عملية اغتيال الرئيس الحريري عام 2005 هي واحدة من هذه الحالات التاريخية القليلة، والمؤدية إلى تغيير خريطة منطقتنا حتى من دون أعمال عسكرية مباشرة.
ضربت شظايا الانفجار – في ما ضربت - النفوذ الإقليمي لإيران، والتي ترتبط عقائدياً وسياسياً واستراتيجياً بحزب الله اللبناني، وبات واضحاً أن التوازنات الإقليمية التي قامت في المنطقة حتى لحظة اغتيال الحريري أصبحت من الماضي. نجح حزب الله، المطلوب نزع سلاحه بقرار دولي، من طريق تضحياته الهائلة، في إجبار إسرائيل على الإنسحاب من لبنان مسجلاً أول هزيمة لها في تاريخ الصراع العربي- الإسرائيلي. وساهم هذا النجاح في تمكين إيران -الداعم الحصري لحزب الله- من تثبيت حضورها على الساحة الشرق أوسطية وتسويق الانجاز التاريخي لحزب الله بوصفه انتصارا لها أيضاً، وهي التي لم تنتصر في معركة عسكرية منذ القرن التاسع عشر على الأقل. وعبر حزب الله وصموده ودماء الشهداء في الجنوب اللبناني، أفلحت إيران في مد نفوذها الإقليمي إلى العمق والمدى الذي تطاله صواريخ الكاتيوشا، في شمال إسرائيل.(21/75)
ومثلما كان الوجود السوري في لبنان ورقة تفاوضية ممتازة بيد دمشق في معمعات التسوية، جسد حزب الله، منذ قيامه وحتى لحظة اغتيال الرئيس الحريري، مثالاً حياً على الحضور الإيراني ليس في عمليات التسوية فقط، ولكن في قلب الحدث الإقليمي. وجدت إيران المهتمة بتعزيز حضورها كقوة إقليمية في المنطقة، وذلك منذ تأسيس دولتها الحديثة، وبغض النظر عن أيديولوجيات حكامها، وجدت في حزب الله ضالتها لتحقيق مصالحها الاستراتيجية. وتعزز دور حزب الله في الأولويات الاستراتيجية الإيرانية بسبب التوافق العقائدي للحزب مع الأيديولوجيا الحاكمة في طهران، إذ أن السيد علي خامنئي مرشد الجمهورية الإسلامية في إيران هو المرجع الروحي للسيد حسن نصر الله قائد الحزب، والأخير هو الوكيل الديني الشرعي للسيد خامنئي في لبنان. وعلى هذا فارتباط حزب الله بإيران ارتباط عقائدي ومذهبي في المقام الأول وليس تحالفاً مرحلياً أو إقليمياً أو حتى تبادلاً للمنافع مثلما ينطبق ذلك على علاقة سورية بإيران، ما يعني عملياً ثباتاً نسبياً في مواقف حزب الله تجاه إيران بمعزل عن تغير التوازنات في المنطقة.
تتصارع على الجهة المقابلة الأولويات الإيرانية الآن بين الملف النووي وبين حزب الله، إذ أن الضغوط الدولية المتواصلة على إيران وحزب الله، وبالأخص بسبب الديناميكية المتسارعة للأحداث في لبنان والمنطقة ستنال على الأغلب شيئاً من الأوراق الإيرانية. وبمعنى آخر يتوجب على صانع القرار الإيراني المفاضلة بين التمسك بخياره النووي الذي يتعرض لضغوط عنيفة وبين حليفه الاستراتيجي في لبنان، الذي استعرض شعبيته في مظاهرة مليونية ردت عليها المعارضة بحشد أكبر. وانزلق الحزب بالتالي في الشأن الداخلي اللبناني وأصبح طرفاً في معركة تبدو، على رغم تمثيله أكبر طوائف لبنان، خاسرة.(21/76)
وتأسيساً على ذلك لا يمكن لإيران أن تنهي مفاوضاتها القادمة مع القطب الأوحد، سواء كانت علنية أو سرية، وهي محتفظة بالورقتين معاً، رادعها النووي وذراعها العسكرية الخارجية المتمثلة في حزب الله. ولما كانت المصالح القومية هي الرافعة الأساسية لتوجيه سياسات إيران الإقليمية والخارجية، يتوجب الآن على صانعي القرار في طهران تحديد أي الأولويتين يمكن تعيينها خطاً أحمر لا يمكن التنازل عنه في المرحلة الحالية: حزب الله أم الرادع النووي؟ وكما هي السياسة حمالة أوجه، كذلك حزب الله يعد في وجه من الوجوه حزباً مقاوماً للاحتلال الإسرائيلي لبلاده وللمشاريع الأميركية في المنطقة. وهو في وجه ثان محلي ممثلاً أساسياً لأكبر الطوائف اللبنانية، ومن وجه ثالث إقليمي امتداداً فعليًا لإيران على المستوى العقائدي. وحزب الله ذلك كله معاً، ويحمل تلك السمات والقسمات الثلاث سوياً وبالترتيب: الوجه المقاوم أولاً والعمق اللبناني الشيعي ثانياً والامتداد الإيراني ثالثاً.
أما إيران التي أسست الحزب فقد خلطت من طريقه، التاريخ بالعقيدة والمذهب والحضور الإقليمي بالمصالح القومية الإيرانية، على توليفة قل مثيلها. وبمقتضى هذا الخليط نظمت إيران ارتباطها التاريخي بجبل عامل مع هدف تمثيلها للشيعة في المنطقة، بعدما أدمجت الانجاز المادي للحزب المتمثل بتحرير جنوب لبنان في مشروعها الإقليمي أيديولوجياً وتعبوياً. وعلى رغم أن هذه التراتبية وهذا الخليط قد أثبتا نجاعتهما لأكثر من عقدين، فالوضع المتغير على الأرض إقليمياً ودولياً والضغوط المنتظرة على إيران في ملفها النووي بعد اتمام الانسحاب السوري الكامل من لبنان قريباً جداً؛ يفرضان على طهران التخلي عن أحد الخيارين.(21/77)
جسد الرادع النووي ومازال الركيزة الإيرانية الأساسية في رفد دورها الإقليمي وفي تغطية نظامها أمام الضغوط الأميركية، وهو الرادع الذي أثبت في حالات الهند وباكستان وأخيراً كوريا الشمالية، أنه الورقة الأهم من أوراق القوة التفاوضية للقوى الإقليمية النووية. كما أن الدفاع عن هذه الورقة ممكن داخل الحدود السياسية لإيران وبأسانيد معتبرة من القانون الدولي واستعمال مبدأ حق الدول في امتلاك التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية في المحاججات الدولية. وإضافة إلى ذلك يمكن من المنظور العسكري الدفاع عن المنشآت النووية بشكل فاعل نسبياً وتجنيد الملايين من الإيرانيين لهذا الغرض.
وتناقش في إيران المسألة النووية في دوائر الرأي العام على مستوى «الكرامة الوطنية والاقتدار القومي»، أما دوائر صنع القرار فتنظر إليها على مستوى الأبعاد الاستراتيجية ومتطلبات الأمن القومي. وفي المقابل لم تفلح مسألة حزب الله وضرورة حمايته، على رغم رصيده الجماهيري المعتبر داخل لبنان وخارجه، في فرض نفسها على دوائر صنع القرار والنخبة الإيرانية بمستوى أكثر من الالتزام العقائدي والأغراض الدعائية والمكاسب الإقليمية. ويتجلى التوحد في النخبة الإيرانية، على اختلاف ميولها، أشد ما يتجلى في موضوع الملف النووي، إذ هناك وفي هذا الموضع بالتحديد تفقد مصطلحات «الإصلاحيين» و«المحافظين» مدلولها السياسي، وهناك أيضاً يتجلى البعد القومي الأكيد في السياسة الإيرانية.(21/78)
ولأن هذه النخبة تتوزع على حلقة ضيقة فاعلة في صنع القرار وحلقة أوسع مرتبطة بالشارع، ولأن «السياسة الإيرانية» هي نتاج التفاعل بين هاتين الحلقتين معاً، يبدو واضحاً أن طهران ستتمسك بورقتها النووية وتضعها في مرتبة تسبق حزب الله. وكانت النخبة الإيرانية، وبسوابق تاريخية عدة، قد برعت في تعيين الحد الفاصل بدقة، ذلك الذي يميز بين الارتباطات المذهبية وبين المصالح الاستراتيجية. فالأولى هي بوضوح وسيلة للثانية تصعد بمقدار تناغمها وتهبط في سلم الأولويات بقدر القوة في التصادم معها، أما وقد وقع التصادم بفعل الضغوط الأميركية وتغير الموازين بالمنطقة، فالأرجح أن تتمسك طهران بورقتها النووية.
لا يمكن القطع بأن إيران باتت تمتلك السلاح النووي فعلاً مثلما "تطنطن" إسرائيل وبعض الدوائر الأميركية، أو التسليم بأنها لا تسعى إليه أصلاً، كما يقول الإعلام الإيراني الرسمي، ولكن الحقيقة ربما كانت في الوسط بين الطرفين. يمكن القول ببعض الاطمئنان أن إيران في مرحلة وسطية مثل حال اليابان والبرازيل وجنوب إفريقيا، والتي لا تمتلك جميعها السلاح النووي، ولكنها كلها تمتلك التكنولوجيا النووية القادرة على إنتاجه في فترة وجيزة جداً، ويمكن القول باطمئنان أكبر أن الهدف الاستراتيجي النهائي لإيران في هذه المرحلة من تاريخها يتلخص بالوصول إلى وضعية «القوة النووية الافتراضية».(21/79)
وحتى تغيير النظام الإيراني لن يؤدي بالضرورة - في حال حدوثه- إلى تخلي إيران عن برنامجها النووي، لأن فكرة التسلح النووي لفرض الحضور الإقليمي ليست قاصرة على النظام الحالي، بل تشمل قطاعات واسعة من النخبة الإيرانية العلمانية بأطيافها القومية والليبرالية. ويظهر التناقض الأميركي حيال إيران واضحاً في تراوح المواقف وتضاربها في مفاصل الإدارة الأميركية بين الخارجية والاستخبارات المركزية والبنتاغون ومكتب نائب الرئيس ديك تشيني، والتي تراوح خياراتها بين مؤيد لتعاون محدود في أفغانستان والعراق، مروراً بخيار قلب النظام من الداخل وليس انتهاء بتوجيه ضربة عسكرية إليه. ويعكس هذا التراوح إفلاس «الإمبريالية الليبرالية» استراتيجياً تجاه إيران، وهو ما يزيد من أهمية حسم المفاضلة عند صانع القرار الإيراني لصالح الاحتفاظ بالقدرات النووية كخط دفاع أخير عن النظام أمام الاحتمالات المفتوحة على كل شيء. يقف حزب الله مع المليون من مؤيديه وحيداً على الساحة اللبنانية، فلا هو بقادر على الانضمام لمعارضة مرجعيتها الدولية نزع سلاحه، ولا هو راغب في الاستمرار بإسناد سلطة ساقطة شعبياً ودولياً وفاقدة للرؤى والمبادرات.
الأكيد أن باب السياسة مفتوح أمام حزب الله على احتمالات أخرى، غير ثنائيات النصر أو الشهادة، أو المعارضة والموالاة، وهي احتمالات جديرة بالبحث، مثل انضمام جناحه العسكري إلى الجيش اللبناني وقيادته إلى العمل السياسي المحلي والبرلمان، في ظل قواعد جديدة للمقارعات ليست وسيلتها الكاتيوشا بالضرورة. إن لم يحدث ذلك فلا يبقى أمام حزب الله سوى الانتظار مع التسليم بفقدان المبادرة السياسية حتى تحين لحظة نزع سلاحه، ليقاوم وحده من دون غطاء إقليمي، مخذولاً من حلفائه.
النفوذ الإيراني هو المشكلة وليس الطائفة «الشيعية»!
صالح القلاب
الشرق الأوسط 7/4/2005(21/80)
أكبر خطر يهدد التجربة العراقية الجديدة، التي يُعدُّ لها لتكون نموذجاً للأنظمة العربية كلها في القرن الواحد والعشرين، هو إضفاء الصفة والصيغة الإيرانية على شيعة العراق وجعل ارتباطهم المذهبي بهذه الدولة الإسلامية، يتفوق ويفوق ارتباطهم القومي ـ العربي بالدول المجاورة، وعلى حساب انتماء العراق القومي الذي بقي حضورهُ فاعلاً وحيوياً في قلب الأمة العربية.
عندما أطاحت الثورة الإسلامية عرش أسرة بهلوي في فبراير (شباط) عام 1979 انقسم العرب كلهم في كل أقطارهم الى فريقين، فريق أيَّد هذه الثورة التي قادها الإمام روح الله الموسوي الخميني، على اعتبار أنها قضت على واحد من أهم مرتكزات الغرب والولايات المتحدة في هذه المنطقة وفريق رفضها وقاومها ودعم، سراً أو علناً، من واجهها وتصدى لها خوفاً من إشعال نيران التغيير في منطقة كانت مؤهلة للاشتعال.
ولقد كان المفترض ألا يغلب النظام الذي أقامته هذه الثورة على أنقاض نظام أسرة بهلوي العلماني المنهار الصفة المذهبية على الصفة الإسلامية العامة، كما وكان الأفضل ان يكون الرأي للذين قالوا إنه لا يجوز الإنحياز لمذهب واحد من مذاهب المسلمين وأنه حتى تكون طهران الناطقة باسم الإسلام في كل مكان، فإنه لا يصح ان يُضمَّن الدستور الإيراني بنداً ينص نصَّاً صريحاً على أن «دين الدولة هو الإسلام وفقاً للمذهب الجعفري الأثني عشري».(21/81)
لكن الغلبة خلال النقاش، الذي احتدم حول هذه المسألة غداة انتصار الثورة الخمينية وعشية إعداد دستور الجمهورية الإسلامية، كانت للتيار الأكثر محافظة فتم إقرار البند القائل بأن دين الدولة (الجديدة) هو الإسلام على المذهب الجعفري الأثني عشري، وبهذا فقد عزلت هذه الثورة نفسها وعزلت نظامها في دائرة ضيقة، هي دائرة المسلمين الشيعة الذين يعتبر تواجدهم في غير إيران والعراق تواجداً غير أساسي من الناحية العددية، ومن ناحية الفعل والتأثير. إن معظم الاصطفاف العربي والإسلامي ضد «دولة الثورة» في إيران، كان سببه الخوف من امتداد النفوذ الإيراني الى بعض دول المنطقة وتحويل الشيعة في هذه الدول الى مراكز لهذا النفوذ ويقيناً لو أن الجمهورية الإسلامية لم تُضمِّن دستورها البند الآنف الذكر المتعلق بدين الدولة، والذي نصَّ نصاً صريحاً على المذهب الجعفري الأثني عشري، ولو أنها لم ترفع شعار: «ولاية الفقيه»، لوجدت دُولاً عربية أخرى كثيرة تقف الى جانبها ضد العدوان غير المبرر، الذي كان ظلماً ما بعده ظلم، الذي شنه عليها صدام حسين، لاغتيالها قبل ان تقف على أقدامها وتصبح قوة فاعلة على الصعيدين الإقليمي والدولي.(21/82)
إذن.. إن المسألة على هذا الصعيد وفي هذا الصدد ليست الشيعة، فالتشيع لآل بيت رسول الله كان مقبولاً وموضع تعاطف من قبل أئمة أهل السنة كلهم، أبو حنيفة النعمان وأحمد بن حنبل ومالك والشافعي رضوان الله عليهم جميعهم، إن المسألة هي الخوف والخشية من النفوذ الإيراني، الذي كان أحد أسباب الحروب التاريخية المعروفة بين الدولة الصفوية الإيرانية، ودولة الخلافة العثمانية التركية. وهنا فإن ما يعزز هذه المخاوف، هو ان أحد التيارات الرئيسية في دولة الجمهورية الإسلامية لم يخفِ لا التزاماته ولا دوافعه القومية الفارسية، وبقي منذ فبراير (شباط) عام 1979 يعمل وينظم داخل إيران وخارجها لاستعادة أمجاد دولة فارس التي امتد نفوذها من مزار شريف الى مصر، والى معظم بلاد الشام والى جزءٍ من اليونان عبر البحر الأبيض المتوسط. ولعل ما لا يعرفه كثيرون ومن بين هؤلاء بعض الذين ينفون عن دولة «الثورة الإسلامية» في إيران، الصفة القومية الفارسية ان الإمام الخميني، رحمه الله، رفض ترشحُّ جلال الدين الفارسي لرئاسة الجمهورية الوليدة في الانتخابات التي أجريت مبكراً لهذا المنصب السيادي، بحجة أنه من أصول غير فارسية وأنه، رغم أنه شيعي وانحاز في وقت مبكر للثورة الخمينية، من أصول أفغانية. لا شك في أن هناك نزعة في بعض الاوساط السنية، ليس في العراق فحسب، ولا في إيران وحدها، ضد المسلمين من الشيعة وأغلب الظن ان هذه النزعة تتكئ في جانب كبير منها على الموروث، الذي وصل الى هذه الأجيال من أدبيات عهد الخلافة العباسية وتتكئ في الجانب الآخر على ما أفرزه الصراع العثماني ـ الصفوي من مفاهيم غير صحيحة وإساءات متبادلة اعتمدت حبك الروايات المفتعلة والاتهامات الباطلة المتعمدة. لكن، وبصورة عامة، فإن المؤكد ان الخوف من النفوذ الإيراني، بعد انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية هو سبب كل هذا الحذر المستجد ضد أتباع المذهب الشيعي في الوطن العربي، الذين لا(21/83)
يشكك في عروبتهم وإخلاصهم إلا ظالم ومتجنٍ وحاقد، والذين بقيت مساهمتهم الى جانب أشقائهم من ابناء الأمة العربية رئيسية وعلى قدم المساواة وفي بعض الأحيان أكثر. ليس في مصلحة الشيعة العرب، ولا في مصلحة المنطقة كلها ان تتخذ النجاحات التي حققتها الطائفة الشيعية العراقية بعد «تحرير العراق» وانهيار نظام صدام حسين طابع امتداد النفوذ القومي الفارسي في هذه الدولة العربية، فهذه مسألة إن هي سادت، فإنها ستدفع العراق دفعاً الى التشرذم والانقسام والتمزق المذهبي والاثني، وأنها ستحول هذا البلد الذي لم يلتقط أنفاسه بعد الى ساحة لتصفية الخلافات الإقليمية وتسديد الحسابات الدولية.
لا يفهم الكثيرون من أبناء هذه المنطقة، إن على صعيد أنظمة الحكم، وإن بالنسبة للناس البسطاء العاديين، كيف ان آية الله العظمى الإمام علي السيستاني، أدام الله ظله، يتمتع بكل هذا النفوذ الكاسح في دولة العراق وهو الإيراني، الذي رفض حتى بعد الانتخابات الأخيرة، التخلي عن جنسيته الإيرانية واستبدالها بجنسية هذا البلد العربي، الذي أصبح بعد إسقاط نظام صدام حسين من قياداته الفاعلة والفعلية والرئيسية. لا يعرف معظم أبناء هذه المنطقة من أهل السنة تراتبية المرجعيات في الطائفة الشيعية، بعيداً عن الإنتماء القومي، ولذلك فإنهم اعتبروا ان الانتصار الذي حققه الشيعة في الانتخابات البرلمانية العراقية الأخيرة، التي ظللتها صورة الإمام السيستاني، انتصاراً للنفوذ الإيراني في العراق، وهذا شعورٌ لا بد من تبديده من خلال ممارسات المرحلة الجديدة، ومن خلال الإثبات بالأفعال بعد الأقوال ان الصداقة مع إيران ضرورية، لكن الالتزام بعروبة العراق هو الأساس، وهو الأكثر ضرورة.
عندما تقرصن إيران كتباً عربية
خالد المعالي
(منشورات الجمل بغداد ـ كولونيا)
الحياة 31/3/2005(21/84)
منذ سنوات والكثير من دور النشر الإيرانية منشغل بقرصنة الكتب العربية، خصوصاً تلك المهتمة بالشأن العراقي، وبعض مؤلفات الكتّاب العراقيين. وقد قامت هذه الدور بإغراق السوق العربية والعراقية أخيراً بهذه الطبعات المزورة، والتي تعرض مثل أي بضاعة مسروقة، بأسعار زهيدة!
ويجد المرء اليوم الدور الإيرانية وهي تنشر من دون أدنى وازع أخلاقي يدفعها مثلا إلى أن تتصل بذوي الشأن من مؤلفين ومترجمين وناشرين، مؤلفات كتّاب عراقيين من أمثال عباس العزاوي، علي الوردي، جواد علي أو مؤلفات حنا بطاطو، إضافة إلى القواميس والمعاجم بالطبع! وتوسع نشاط دور النشر الإيرانية غير المشروع لكي يشمل مؤلفات صدرت عن دار الساقي ودار المدى، دار الحكمة ومنشورات الجمل...
وهنا يتطلب الأمر أن ندق جرس الانذار تحذيراً من عمليات القرصنة هذه، مطالبين الجهات المعنية في إيران، بالتحرّك الفوري لمنع هذه التصرفات الشاذة والتعويض للمتضررين. ونطالب الزملاء في اتحاد الناشرين العرب، وإدارات المعارض العربية باتخاذ موقف رادع من هذه النشاطات التي تتنافى مع علاقات الجوار والوشائج الثقافية التي من المفترض أن يكون ديدنها تطوير العلاقة لا القيام بأعمال القرصنة.
ولهذا نطالب اتحاد الناشرين العرب، وإدارة المعارض العربية كافة، والجهات المعنية في كل الدول العربية بمنع دور النشر الإيرانية حتى الحصول على الجواب الشافي من جميع المعنيين بالأمر في إيران والذي يتلخص بحماية حقوق الملكية الفكرية والتعويض عن الأضرار الناجمة عن النشاط غير القانوني لبعض الناشرين الإيرانيين!
شباب يبحث عن الحرية والحب!
طهران ـ محمود قابل
الوطن العربي العدد 1463ـ الجمعة 18/3/2005(21/85)
زيارة العاصمة الإيرانية وحدها يمكن أن تبدد اختلاط صورة هذا البلد في أذهان من يقرؤون ويسمعون عن الجمهورية الإسلامية، إحدى الطالبات من جامعة طهران تشكو من الإعلام الغربي الذي يشوه كل شيء جميل في بلادها، قالت "أتمنى ألا يضع أحدهم يديه على عينيك وأن ترى حقيقة ما يحدث في بلادنا"، ومعها وغيرها من طلاب جامعة طهران نكتشف إيران من الداخل ونتعرف على أفكار شبابها الذين يشكلون حوالي 70% من تعداد السكان.
في الساعة الأولى من فترة وجودي في جامعة طهران أحسست وكأني خارج الجمهورية الإسلامية ذات الوجه العابس، ففي الجامعة شباب يضحكون وفتيات تمردن على "شادور" النساء التقليدي وتحدين عصا رجال "حزب الله" الذين يضربون كل فتاة تسير بصحبة صديق لها، والحقيقة أنه خلال السنوات الثماني الماضية من فترة حكم الرئيس محمد خاتمي أصبح من المألوف أن تشاهد تلك الثنائيات الرومانسية داخل حدائق الجامعة ووسط صالات المحاضرات وأيضاً في بعض الحدائق العامة التي أخذت شهرتها بكونها من حدائق العشاق.
وداخل مجتمع الطلاب الجامعي وجدت كل تنويعات الشعب الإيراني، الطالب المثقف المهتم بأمور بلاده والمتابع للقضايا الداخلية والخارجية، والآخر الذي لا يعرف من الذي يحكم بلاده حاليا، والفتاة المجتهدة في دراستها والأخرى الحالمة التي تعيش قصة حب أو تبحث عن قصة، لكن؛ وبكل صدق؛ كانت الغالبية من هؤلاء المحبطين الذين لا يرون إلا نصف الكوب الفارغ وقد ملأهم اليأس من مستقبلهم الشخصي أو مستقبل بلادهم.(21/86)
وعلى عكس اهتمامات الصحف التي تعكس ذلك العراك الدائم بين قطبي السلطة في إيران من إصلاحيين ومحافظين تأتي اهتمامات الطلاب بعيدة عن تلك التناحرات السياسية لتركز على البعد الاقتصادي في كل ما تشهده إيران من أزمات، وهناك قضايا يومية أكثر سخونة تشغله عن هؤلاء الساعين لامتلاك السلطة والفوز بمغانمها، وتشكل هذه الاهتمامات مكامن الخطر الذي قد يعصف بالاستقرار الاجتماعي في البلاد خصوصاً إذا عرفنا أن الذين تقل أعمارهم عن 30 سنة يشكلون أكثر من 70% من سكان إيران البالغ عددهم 60 مليوناً.
ويقر المسؤولون الإيرانيون بتنامي الإدمان على تعاطي المخدرات بأشكاله المختلفة، وزيادة نسبة البغاء وارتفاع عدد المصابين بمرض الإيدز، وكذلك زيادة حالات الهروب من العائلة في سن مبكرة، وتشير الإحصاءات الرسمية إلى وجود أكثر من مليون ونصف المليون مدمن في البلاد، بينهم نحو 700 ألف من طلاب المدارس والجامعات، في حين انخفض معدل سن مرتكبي الفحشاء عن عمر 27 إلى 14 عاماً مما حدا بالسلطات إلى منع سفر النساء إلى الخارج من دون ولي أمر، وللتأكد من تلك الظواهر يكفي الذهاب إلى زاوية "خاك سفيد"، التي تعني التراب الأبيض والمجاورة للبازار الكبير أو "خيابان مولاى"، أو مشاهدة تجار العملة الموزعين على أرصفة ميدان خيابان فردوسي، أو المرور قرب حدائق ملت في شارع ولي عصر، حتى يتبين الزائر معالم الكارثة التي تهدد المجتمع الإيراني.
ثورة الشباب
وإذا كانت إيران نموذجها الثوري خلال السبعينيات والثمانينيات، فإنها تقدم اليوم شكلاً آخر لبلد يشق طريقه بكثير من الصعوبة إزاء المتغيرات الدولية وانتزاع الأجيال المعاقبة لحقوقها الأساسية في الصراع الراهن، إن علاقة الشباب والناس عامة بالمشروع الإصلاحي الذي يرفعه بعض من ساستها أشبه برهان مسافر ضل طريقه عند تقاطع طرق، وأدرك أن بوصلته لن تسعفه إلا على المضي على آخر الطريق دون توقف.(21/87)
وإذا كان بعض المحللين السياسيين من داخل إيران يعتبرون الولايات المتحدة، أو الشيطان الأكبر كما يسميه البعض، بمثابة الخطر الأكبر على مستقبل بلادهم واستمرار "الخومينية"، فإنني؛ ومن واقع الاحتكاك بالشباب الإيراني أدرك أن الخطر الأكبر الذي قد يعصف بالنظام كله هو مطالبات الجيل الثالث من الثورة بالتغيير والإصلاح، هذا الجيل بات حلمه الوحيد هو الانفتاح على العالم، وليس مبدأ تصدير الثورة أو الإيمان بنظرية ولاية الفقيه التي ربما لا يعرفها بعض الشباب، وهناك الكثيرون يتنبأون بحدوث ثورة شبابية في القريب، أي ثورة على الثورة فالإيرانيون قد أحسوا بقيمة الحرية عندما تخلصوا من الشاه، وهم يدركون الآن أن الحرية لا تعطى ولن تكون هبة من الحاكم بل يجب انتزاعها نزعا، وما يساهم في تقوية هذا الإحساس ما تبثه الفضائيات المعارضة والتي تمولها الولايات المتحدة.(21/88)
لقد كان الشاه بالنسبة لشعبه مستبدا لا يقبل بمشاركة المواطنين في حكم بلادهم ويواجه كل نقد بقمع وحشي عنيف، وأجهزة مخابراته كانت حاضرة في كل مكان وطرق تعذيبها كانت تبث الخوف والرعب في القلوب وبالرغم من العائدات الضخمة للثروة النفطية كان جزء كبير من الشعب يعيش على الكفاف، واليوم وبعد 26 سنة وباعتراف الغرفة التجارية الإيرانية يعيش 40% من مجمل الإيرانيين دون الحد الفاصل للفقر، بينما يقدر اقتصاديون غير رسميين نسبة هؤلاء الفقراء بما يفوق 60%، ومن ناحية الحريات العامة والمشاركة في الحكم فإنه وفقا لتقارير منظمات حقوق الإنسان لا تزال دون الحد المطلوب والرقابة وغياب الحريات والتعذيب سائدة، والشعب غير راض عن النظام والهوة التي تفصل الشعب عن حكامه المحافظين بلغت حدا يكاد يكون منقطع النظير، قد ساهمت الزلازل الأخيرة التي ضربت البلاد وخصوصا زلزال بام في لعب دور إضافي في هذا التباعد حيث أرجعت معظم صحف إيران السبب في ارتفاع عدد أموات الزلازل إلى انتشار الفساد ولأن الحكام يسمحون باستغلال الشعب وتفشي سوء التصرف داخل هذه البلاد ذات الإمكانيات الوافرة. لقد أدار الشباب ظهره للطغمة التكنوقراطية الحاكمة، سبعون في المائة من الشباب دون سن الثلاثين، ليست لديهم ذكرى ما عن عهد الشاه لكنهم يعرفون أن مبادئ الثورة لم يتم إنجازها وهم يرون كل متع الحياة تحرم عليهم بينما تنعم بها فئة محدودة من الحكام والمقربين لهم، وخلال لقاء مع السيد محمد رضا خاتمي شقيق رئيس الجمهورية الحالي ذكر بشكل واضح ودون أي التواء أن الشباب الإيراني غدا متملصا من الدين بسبب التأويلات الدكتاتورية العنيفة لساسة البلاد!(21/89)
وخلال لقاءاتي المتعددة مع شباب جامعة طهران اكتشفت أن الرئيس الأميركي جورج بوش أصبح بمثابة الإمام الغائب لدى هؤلاء الشباب الثائر، وأن حلم الهجرة يراودهم ومجرد الهروب من سجن الوطن صار أملا يدفعهم إلى تكرار الحلم، ويكفي معرفة أن قرابة المليون إيراني استطاعوا تحقيق هذا الحلم خلال الستة والعشرين سنة الماضية وهي عمر الثورة الإسلامية، لقد ذكر معظمهم أن تردي الأوضاع الاقتصادية يدفعهم إلى الهروب الذي سيظل أفضل حالا من اللجوء لوسائل أخرى، فالتقارير الأخيرة تؤكد انخفاض سن ممارسة الفتيات للدعارة إلى عمر أربعة عشر عاماً فقط!، والفقر يدفع حوالي 300 ألف امرأة إلى ممارسة البغاء بحثا عن حياة افضل!، وخلال مناقشة حول الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في البلاد ذكر أحد أساتذة جامعة طهران أنه نتيجة لانتشار العلاقات غير البريئة بين الفتية والفتيات صار حكام البلاد يشجعون الشباب على زواج المتعة الذي هو مباح وفقا لمذهبهم، لقد صار معظم شباب الجيل الصاعد واحدة وواحد، وأصبحت الفتاة في إيران إما تعيش قصة حب أو تبحث عن قصة حب..! وفي إيران صارت هناك حدائق للعشاق وأخرى للمدمنين،وطبقا لإحصائية الأمم المتحدة فإن ربع المشردين في العالم يسكنون إيران، لقد اتضح أن عددهم الإجمالي 10 ملايين مشرد يعيش من بينهم 2.5 مليون في إيران، ويعتبر تردي الأوضاع الاقتصادية هو العامل الأساسي في انتشار هذه الظواهر السلبية في المجتمع الإيراني.
البحرين: النواب الشيعة يخفقون في إعاقة بيان ينتقد مسيرة «الوفاق»
المنامة - مهدي ربيع الحياة 30/3/2005
أخفق النواب الشيعة في البرلمان البحريني، أمس، في إعاقة اصدار بيان وافقت عليه غالبية النواب، يدعو إلى ضرورة الالتزام بالقانون في تنظيم المسيرات وعدم انتهاك هيبة الدولة، في إشارة إلى مسيرة «جمعية الوفاق الوطني الإسلامي» الجمعة التي طالبت بإصلاحات دستورية.(21/90)