لقد تنبه عدد من علماء المسلمين لما يريده الشيعة من دعوة التقريب فهم يريدون من خلالها إدخال عقائدهم وأفكارهم إلى مجتمعاتنا, وألا يتطرق السنة إلى عقائد الشيعة بحجة الوحدة الإسلامية ورص الصفوف, يحدث هذا في الوقت الذي يصر الشيعة على ما في مذهبهم من باطل, ويتمسكون بما في أمهات كتبهم من الأفكار والعقائد المنحرفة المصادمة لأصول الإسلام.
وفي المقابل يسير البعض…وراء هذا الوهم, وتضع "مجلة الأزهر" هذا المقال لتزين للناس وللبسطاء من المسلمين مذهب التشيع, والغريب هنا أن تدّعي المجلة أن المذهب الشيعي القائل بأن عليّاً قد حل فيه جزء من الإله, وأن جبريل إنما بعث بالرسالة إلى عليّ فأخطأه ونزل بها على محمد, قد انقرض! ولم يعد له وجود, وأن التشيع الحالي لا يختلف بشيء عن مذاهب السنة, ولهذه المجلة نقول أين أنتم مما يكتب الآن, ومما سطره علماء الشيعة المعاصرون كالخميني والخوئي وغيرهما الكثير, إنه نبع واحد وفكر واحد.
ومن حسنات التكنولوجيا ووسائل الاتصال الحديثة أنها نقلت لنا بالصوت والصورة عقائد وأفكار الشيعة الإثنا عشرية اليوم من كافة البلدان ومن أراد المزيد فعليه مراجعة موقع البرهان وأنصار الحسين مثلاً.....................................................الراصد(8/27)
يسير السيد الرئيس حسني مبارك في خضم التيارات السياسية على هدى وبصيرة, لذلك كانت مواقفه المتعددة في هذه الأزمات الحالكة التي تتخبط فيها الأمة الإسلامية تمثل موقف الربان الذي يصارع الموج ليصل إلى شاطئ النجاة ومن هذه المواقف التي صادفت ارتياح العالم الإسلامي جميعه لقاؤه الخطير مع سماحة السيد محمد خاتمي رئيس الدولة الإسلامية بإيران, حيث لمس الزعيمان الكبيران نبض العالم الإسلامي في هذه الأزمات, وعرفا قيمة التعاون الجاد بين الدول الإسلامية في مهب الأعاصير, ولكليهما نظرته الفاحصة, وإخلاصه المتقد وشعوره بالجراح الناغرة في الصدور, وقد أدى اللقاء إلى تفاهم تام سيعقبه –إن شاء الله- ما نشتهي من الثمار عن قريب.
لقد بدأت إيران من قبل خطوة حميدة, فدعت الأزهر الشريف إلى إحياء ما قام به المصلح الكبير الإمام محمود شلتوت من التقريب بين المذاهب الإسلامية في الفقه, ومن بينها الفقه الشيعي حيث كان صوته أعلى الأصوات في هذا المجال متابعاً ما دعا إليه الأئمة: محمد مصطفى المراغي وعبد المجيد سليم ومصطفى عبد الرازق من قبل, وأن أمراً يجمع عليه هؤلاء الكبار فقها ودراية وألمعية لجدير أن يسكت من تحدثه نفسه بإثارة بعض أوجه الخلاف بين السنة والشيعة جرياً وراء اتجاهات استعمارية تتجه إلى قطع الوشائج الملتحمة بين الدول الإسلامية, ولكن الواقع الخطير الذي يعيشه العالم الإسلامي يلجم هؤلاء! فماذا عسى أن يقولوا اليوم في التقاء دولتين كبيرتين تتزعمان العالم الإسلامي أمام الفجور الإسرائيلي, والطغيان الأمريكي, وقد تجاوزا كل حد بحيث أصبحت أمريكا تابعاً خاضعاً لشهوات إسرائيل, واتخذت من الفيتو سلاحاً لدعم الباطل دون حياء فإذا حاول الزعيمان الكبيران أن يكثفا الجهود المخلصة لإنقاذ المسلمين من هذا الطغيان فتلك خطوة حقيقية في سبيل النجاح المرتقب بإذن الله.(8/28)
إن التقارب بين مصر وإيران الذي نباركه الآن هو أساس وطيد للوحدة الإسلامية المنشودة والوحدة الإسلامية أمل عزيز دعا إليه جمال الدين الأفغاني في ظروف مشابهة لما تعانيه البلاد الإسلامية اليوم من أهوال, فقد كان الاستعمار الغربي لعهد جمال الدين يبسط سلطانه على أكثر بلاد الإسلام محاولاً أن يجعل تقدمه المادي سبيلاً للطعن في الإسلام, فانطلقت ذيوله لا تعلن أن الإسلام هو السبب الأول في التخلف الحضاري, ووجدوا من البلهاء من يصغون إلى أقوالهم في غفلة مؤلمة وما أشبه اليوم بالأمس حيث أخذ دعاة العولمة ينتقصون شريعة الإسلام في المؤتمرات السكانية التي ظهر خداعها للعيان, ثم جاء احتلال أمريكا للعراق كاشفاً النقاب عن النيات المدخولة, والطمع الشره في ثروات البلاد! وقد أثبتت الوقائع أن جنود إسرائيل يأخذون موقعهم الإجرامي في اغتيال أبناء العراق, وكان السكوت الإسلامي عن هذه المخازي موضع تساؤل أليم, لذلك نرجو أن يكون التواصل التام بين إيران ومصر, مقدمة لنصر مأمول بإذن الله, وأرجو من الذين لا يزالون يتصيّدون بعض الخلافات الفقهية بين المذهبين السني والشيعي أن يرجعوا إلى ما سجله كبار علماء الأزهر ممن يعملون على جمع الكلمة, ووحدة الصف أمام العدو الغاشم, وكان الأستاذ الكبير الشيخ محمد محمد المدني في طليعة هؤلاء البررة من ذوي النظر الثاقب والإخلاص الأكيد وقد جمّع في سطور معدودة خلاصة لما يذاع ثم شفعها بالرد الحاسم, ونحن ننقل ما قاله بمجلة الأزهر الصادرة في جمادى الآخرة سنة 1379هـ ليقرأه من لا يزال يصدق كل إرجاف.
يقول الأستاذ محمد محمد المدني –رحمه الله- ببعض التصرف:
نرى بعض الناس يقول: كيف تدخلون فقه الشيعة في الأزهر, مع أن هذا المذهب هو مذهب الذين يعتقدون أن جبريل إنما بعث بالرسالة إلى علي فأخطأه ونزل بها على محمد, وأن علياً قد حل فيه جزء من الإله.(8/29)
وهؤلاء نقول لهم: (إن الشيعة تطلق على عشرات المذاهب التي تنسب إلى الإسلام حقاً, أو باطلاً وبعض هذه المذاهب ضال منحرف عن الأصول الإسلامية وبعضها مهتد مستمسك بما يجب الإيمان به مثله في ذلك كمثل مذاهب أهل السنة وإن خالفهم في بعض الفروع الفقهية, أو النظريات أو المسائل التي هي من قبيل المعارف الكلامية, والفريق الأول من المسمين باسم الشيعة وهم الضلال المنحرفون لا يعدّون من أهل الإسلام وإن ادّعوه, لأن العبرة في ثبوت الإسلام إنما هي بالإيمان بأصول العقائد الإسلامية, وعدم إنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة وهم ليسوا كذلك, وليسوا منا ولسنا منهم, وقد انقرضوا ولم يعد لهم أثر في العالم الإسلامي, وهم كفار خارجون على ملة الإسلام, ملعونون من أهل السنة ومن الشيعة معاً.
أما الشيعة الذين نقرر إدخال فقههم, فهم الزيديّة, ولا يكادون يختلفون عن أهل السنة في شيء, ومثلهم الشيعة الإمامية الإثنا عشرية, وقد لقبوا بالإمامية وهم يسكنون إيران والعراق وسوريا ولبنان والباكستان والهند, وغيرها من البلاد الإسلامية, ويؤمنون بأصول الإسلام كلها, ولا يستطيع أحد من أهل القبلة أن يحكم بكفرهم, وكل ما بينهم وبين السنة من خلاف إنما هو وراء الأصول التي يجب الإيمان بها لتحقق مفهوم الإسلام, وينسب فقههم إلى أئمتهم من أهل البيت النبوي واشتهر باسم الفقه الجعفري نسبة إلى أحد الأئمة وهو جعفر الصادق, وهؤلاء الشيعة الإمامية يلعنون أهل المذاهب المنسوبة إلى الشيعة من الغلاة في شأن علي, ويتبرأون منهم, ولهم كتبهم في العقائد والفقه والأصول, وأسرار الشريعة والتصوف وعلوم اللغة العربية, وقد نبغ منهم كثير من الفقهاء وأهل الحديث والرواية والأدباء والمتكلمين, ولهم أثر واضح في ثراء الفقه الإسلامي.(8/30)
لقد هتف جمال الدين بالوحدة ودعا إليها في جريدة العروة ووجد من المسلمين من شاركه في هذا الاتجاه وكانت تركيا المريضة أضعف من أن تقف في وجه المد الاستعماري بل أضعف من ان تحمي نفسها من شراسة أوروبا التي أحكمت الحلقات حول عنقها فأدت بها إلى الاختناق! ونحن لا نقول الآن بالوحدة السياسية, ولكن نقول بوحدة الصف أمام شراسة الأعداء, إذ أن هذا الوضع الأليم الذي نعيشه الآن لا سبيل إلى الخروج من وطأته إلا بالتكاتف والالتئام, وإيران ومصر هما أمل المسلمين في اجتماع الشمل ووحدة الصف, وقد تلاقت القلوب في البلدين على الآمال والآلام, وعبّر رئيساهما بلقائهما المخلص عن الشعور السائد في الأمتين, وليس لنا إلا أن ندعو بلاد الإسلام في الشرق والغرب إلى تأييد كل دعوة إلى الاتحاد السريع, إذ هو معجزة الإنقاذ.
العلاقات المصرية – الإيرانية ... فتح آفاق جديدة
يسري أحمد عزباوي( )
باحث في العلوم السياسية
يلقي المقال الضوء على مسيرة العلاقات الحالية بين إيران ومصر, ويبدو الكاتب متحمساً للتقارب بين البلدين, وهو الأمر الذي يوجب الحذر فقد جاء في المقال أن الرئيس الإيراني خاتمي اتفق مع نظيره المصري مبارك على تحسين العلاقات وتطويرها بينهما خاصة في المجال الثقافي! فالمجال الثقافي الآن هو ما يعول عليه الإيرانيون, وهذا يوضح خطر غياب الوعي العقائدي عند الباحثين السياسيين السنة!..........................الراصد.(8/31)
شهدت العلاقات المصرية الإيرانية تحسناً ملموساً, بعد لقاء الرئيس مبارك بالرئيس الإيراني محمد خاتمي خلال القمة العالمية لمجتمع المعلومات بجنيف مفاجأة للجميع, ووصف نائب الرئيس الإيراني محمد علي أبطحي اللقاء بأنه "مهم جداً, لأنه بحث في عدد كبير من الموضوعات الإقليمية والتنائية". وقال "إنني اعتبر هذا اللقاء هو الأول بين رئيسي البلدين خاصة وأن التعاون بين دولتين إسلاميتين كبيرتين مهم للمنطقة وللعالم الإسلامي". واعترف أبطحي أنه تم التخطيط لعقد اللقاء مرات عديدة في الماضي, إلا أن غياب أحد الرئيسين عن جلسات الأمم المتحدة أو عن منظمة المؤتمر الإسلامي منعت انعقاده.
وجاء هذا اللقاء بعد 25 عاماً ليطوي صفحة القطيعة بين مصر وإيران, وكان اللقاء أبرز أحداث هذا المؤتمر المهم, كما شكل اللقاء الذي استمر خمسين دقيقة حدثاً استثنائياً إذ أن قادة مصر وإيران لم يلتقوا منذ انتصار الثورة الإسلامية في طهران في عام 1979, وتوقيع مصر اتفاقية كامب ديفيد, ثم تراكمت بعد ذلك أسباب الخلاف والقطيعة بعد أن استضافة القاهرة شاه إيران محمد رضا بهلوي بعد انهيار نظامه, ثم اتهمت القاهرة طهران بالسعي إلى "تصدير الثورة" ودعم مجموعات مصرية متشددة وتوفير ملاذ آمن لبعض رموزها.
وبالرغم من عودة العلاقات منذ سنوات وافتتاح مكاتب رعاية مصالح متبادلة في طهران والقاهرة فإن ذيول سنوات القطيعة لم تسمح بعودة كاملة للعلاقات الدبلوماسية, وكان من بين الأسباب التي أخرت هذه العودة مطالبة مصر إيران بإلغاء قرارها إطلاق اسم خالد الإسلامبولي قاتل الرئيس السادات عام 1981 على أحد شوارع طهران.(8/32)
ويلاحظ أن هذا اللقاء جاء بعد ارتفاع وتيرة اللقاءات التي يعقدها وزيرا الخارجية المصري والإيراني بصورة دورية والرسائل المتبادلة بينهما لتبادل وجهات النظر حول سبل تطور العلاقات الثنائية بالإضافة إلى التشاور حول القضايا الإقليمية والدولية, ومن ثم فإن الجهات الرسمية والسياسية في البلدين متفقون على أهمية عودة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية إلى طبيعتها التي كانت عليها قبل نحو ربع قرن بين الطرفين.
وأيضاً على الرغم من تصريحات الرئيس خاتمي عقب اللقاء بأنه ما زالت هناك خلافات في وجهات النظر بينه وبين الرئيس مبارك, إلا أنه اتفق معه على تحسين العلاقات وتطويرها خصوصاً في المجال الثقافي التي قطعت بين البلدين بعد الثورة الإسلامية.
وقال خاتمي إن إيران ومصر تؤيدان تعزيز العلاقات لكن لكل من طهران والقاهرة اعتبارات خاصة, وأن هناك تقارباً شديداً في وجهات النظر بين القاهرة وطهران في مسائل مثل العراق وفلسطين, وشدد على التفاهم المتبادل بين البلدين والسير قدماً في تطوير العلاقات بينهما.
وكان من الطبيعي أن يثير لقاء مبارك –خاتمي الكثير من التكهنات حول دوافعه المصرية الإيرانية وتوقيته وآثاره المحتملة على مستقبل العلاقات المصرية الإيرانية, ولعله من الطبيعي أن نشير بشكل مختصر إلى أسباب التقارب ودوافعه في الظروف الحالية.
أسباب التقارب:
بالنظر إلى العلاقات المصرية الإيرانية نجد أن هناك ثلاثة أبعاد لهذا التقارب, فالبعد الأول يتعلق بالعلاقات الثنائية بين الدولتين, والبعد الثاني, يتعلق بالقضايا الدولية, أما الثالث, فيتعلق بالقضايا الإقليمية.
أولاً: العلاقات الثنائية:(8/33)
لم تتأن مصر وسط ترحيب إيراني في تقديم مساعدات عاجلة لمنكوبي الزلزال الإيراني, الذي ضرب مدينة بام في أسوأ كارثة بشرية في عام 2003, الذي راح ضحيته 40 ألف شخص و50 ألف مصاب و 100 ألف مشرد, وقامت وزارة الصحة المصرية بالتنسيق مع الجهات الصحية الإيرانية المعنية لتلبية احتياجاتها من المؤن والفرق الطبية والأدوية الطبية اللازمة, كما بعث الرئيس مبارك فور علمه بالحادث رسالة إلى نظيره الإيراني أعرب فيها عن مواساته وعزائه ووقوف الشعب المصري إلى جانب الاشقاء في إيران في هذا الظرف الأليم, كما أمر على الفور بإقامة جسر جوي بين البلدين لتقديم المعونات الطبية اللازمة.
وفي ظل التطورات الجديدة شهدت العلاقات المصرية الإيرانية نمواً متزايداً في مجال التعاون الاقتصادي تمثل في اشتراك مصر في معرض طهران الدولي بعد انقطاع استمر 20 عاماً, واشتراك طهران في معرض القاهرة, ورفع سقف التبادل التجاري بين البلدين, ومن الممكن أيضاً رفع هذا السقف خاصة وأن البلدين بينهما مجالات حيوية مشتركة سواء فيما يتعلق بالاستثمار أو بالتجارة والترانزيت أو بالبحوث المشتركة, كما أن البلدين ليس لديهما إمكانيات تحقيق الاكتفاء الذاتي وإنما لجميع دول المنطقة أيضاً, فيمكن أن تمتد المشاركة والتعاون في ميادين متنوعة ومختلفة.(8/34)
كما شهدت العلاقات الثقافية طفرة تمثلت في حضور الدكتور أحمد كمال أبو المجد ممثلاً للرئيس مبارك في الندوة الدولية التي دعا إليها الرئيس خاتمي تحت عنوان "حوار الحضارات". وعلى المستوى السياسي كانت الزيارات المتبادلة التي قام بها وزيري خارجية البلدين وإقامة الندوات بين المراكز البحثية في البلدين أثرها الكبير في خلق مناخ طيب, زاد من إيجابيته إعلان طهران عزمها على ترشيح شخصية مصرية لمنصب سكرتير عام اتحاد البرلمانات الإسلامية اعترافاً بمكانة مصر في العالم الإسلامي, لكن هذا التحسن بلغ ذروته في اللقاء الذي تم في طهران قبل عامين بين علماء الأزهر الشريف وآيات الله الكبرى والعظمى من علماء الحوزة الدينية سواء كانوا من الإصلاحيين أو المحافظين واعتبره علماء إيران أهم حدث ثقافي في تاريخ الإسلام منذ الفتنة الكبرى التي مزقت العالم الإسلامي قبل أربعة عشر قرناً وباعدت بين السنة والشيعة.
وأعلنت وزارة الثقافة المصرية, على لسان وزير الثقافة, بأن الخبراء الأثريين في الوزارة على أهبة الاستعداد لتقديم الدعم الفني للمساعدة في الحفاظ على ما تبقى من أجزاء قلعة بام التاريخية والحي الأثري الملاصق لها اللذين يعتبران علامة مميزة في تاريخ وثقافة إيران, واللذين تضررا من الزلزال, وأكد وزير الثقافة أن حضارة الشرق تتكامل مع بعضها البعض وأن تنوعت فيما بينها خاصة وأن هذه القلعة شيدت منذ أكثر من 2500 سنة على طريق الحرير القديم, ورحب الدكتور مصطفى محقق مدير الشئون الدولية بالهلال الأحمر الإيراني بهذه التصريحات معبراً عن إمكانية مساهمة هيئة الآثار المصرية في عملية ترميم القلعة, لما تمتلكه الهيئة المصرية من خبرات ضخمة في هذا المجال.(8/35)
بيد أن القرار الإيراني الذي جاء بتغيير اسم شارع خالد الإسلامبولي وتسميته شارع "الانتفاضة", عبر عن وجود إرادة إيرانية حقيقية للمضي قدماً في تذليل كل العقبات الصغيرة والكبيرة التي تعترض عودة العلاقات الكاملة بين الدولتين القائدتين في العالم الإسلامي والمنطقة, حيث لم يعد هذا الشارع عقبة في طريق عودة العلاقات الكاملة بين الدولتين. وجاءت هذه المبادرة الإيرانية عقب الموقف الرسمي المصري المساند لإيران في مواجهة محنة الزلزال, والذي عبر بعمق عن مشاعر الود والتضامن التي يكنها كل من الشعبين لبعضهم البعض, وعبر عن ذلك أيضاً قيام الرئيس الإيراني بإرسال برقية تعزية في حادث الطائرة المصرية المنكوبة قبل سواحل شرم الشيخ.
ثانياً: البعد الدولي:
وبالنسبة للقضايا العالمية فقد تماثلت الرؤية المصرية الإيرانية في مواجهة ظاهرة الإرهاب الدولي, وأيدت إيران دعوة الرئيس مبارك بشأن عقد مؤتمر دولي لمكافحة الإرهاب. وشدد الجانبان على ضرورة مواجهة جذور الإرهاب تحت رعاية الأمم المتحدة, بما لا يشمل المقاومة المشروعة ضد الاحتلال, وذلك في اللقاء الذي تم بين الرئيس مبارك وكمال خرازي وزير الخارجية الإيراني عقب أحداث 11 سبتمبر, وكان هناك توافق تام مصري – إيراني بشأن أسلوب معالجة الأزمة الناجمة عن الهجمات التي تعرضت لها الولايات المتحدة, وأهمية تحديد مفهوم الإرهاب بحيث لا يشمل المقاومة المشروعة للشعوب ضد الاحتلال, في حين يغض الطرف من جانب العالم الغربي عن عمليات الإرهاب التي تمارسها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني.(8/36)
وثمة تقارب مصري إيراني آخر في قضية هامة شغلت العالم أجمع وهي قضية صراع الحضارات, فقد أكدت مصر وإيران على ضرورة "تجنب الصدام بين الحضارتين الغربية والإسلامية". ومن الشواهد على حدوث التقارب بين البلدين, تحذير الدولتين للولايات المتحدة بشأن استمرار العمليات العسكرية الأمريكية ضد أفغانستان لأنها سوف تزيد من الفجوة بين العالم العربي والإسلامي والولايات المتحدة, وأن العمليات العسكرية لن تنجح بالضرورة في القضاء على الإرهاب.
والشيء اللافت للنظر ما قامت به إيران من إدانة في 17/8/2002 على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية حميد رضا اصفي لقرار إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش بعدم تخصيص مساعدات إضافية لمصر احتجاجاً على سجن الدكتور سعد الدين إبراهيم بقوله إن "هذا تدخل فاضح في شؤون مصر الداخلية".
ومما يؤكد إصرار الجانبين على استمرار توطيد علاقاتهما ما صرح به السيد أحمد ماهر وزير الخارجية المصري بأن الاتصالات بين مصر وإيران مستمرة باعتبارهما أهم دولتين في المنطقة, وأن العلاقات بينهما تسير في الطريق الصحيح بعد أن شدد على أهمية أن يتخذ البلدان خطوات إضافية وتمهيدية من الجانبين لتطبيع العلاقات موضحاً أن المشاورات المصرية الإيرانية ستستمر في كل مناسبة يتاح فيها التشاور.(8/37)
وكان محمد على أبطحي نائب الرئيس الإيراني قد أعلن, في وقت سابق, أن مصر وإيران قررتا استئناف العلاقات الدبلوماسية الكاملة خلال أيام, وتكررت كثيراً الدعوة لعودة العلاقات المصرية الإيرانية, ولكنها كانت عادة تصطدم بنقاط تفصيلية يتم تضخيمها باعتبارها قضايا جوهرية من جانب المحافظين في إيران أو أجهزة الأمن في القاهرة. فقد تعامل التيار المحافظ في إيران مع قرار قطع العلاقات مع نص وكأنه نصر مقدس لا يجوز المساس به لمجرد أنه صدر عن الإمام الخميني, ولم يتم التعامل معه كقرار سياسي أملته الظروف الدولية والإقليمية, قابل للتطور أو للتغيير. اما الأجهزة الأمنية المصرية فقد تعاملت مع قضية العلاقة مع إيران انطلاقاً من مخاوفها من محاولات "تصدير الثورة" دون أن تدرك أن المجتمعات لا يمكن أن تظل في حالة ثورة دائمة فضلاً عن أن تصدير الثورة لا يتم بالضرورة عبر دعم الإرهاب. وما زالت السلطات الأمنية في مصر تنتظر الرد من جانب السلطات الإيرانية بشان قائمة تضم أسماء وأرقام هواتف وعناوين عدد من المتطرفين المصريين الهاربين من العدالة والموجودين في العاصمة الإيرانية, وهو ما يزال يحول دون صدور إعلان تاريخي مشترك من القاهرة وطهران باستئناف علاقتهما الدبلوماسية.
ثالثاً: البعد الإقليمي:(8/38)
وبالرغم من أن اللقاء الذي تم بين الرئيسين جاء متأخراً باعتراف المحللين السياسيين في البلدين, إلا أنه يمثل ضرورة قصوى لمواجهة متغيرات استراتيجية كبيرة تتعرض لها المنطقة بكاملها, خاصة أن الجانبين يتعرضان لضغوط من أجل إجراء إصلاحات ديمقراطية. لذلك لم يضع الرئيسان وقتاً في مناقشة الظروف التي أدت إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين واتفقا على أهمية أن تستعيد العلاقات المصرية الإيرانية زخمها لصالح البلدين, واستجابة لعوامل ثقافية وحضارية عديدة تربط بينهما, ودعماً لمواقفهما الإقليمية والدولية المشتركة, خصوصاً أن انقطاع العلاقات الدبلوماسية لم يحل دون تعاون البلدين على مستويات عديدة منذ وصول الرئيس خاتمي إلى الحكم. كما اتفق الرئيسان على أن يتركا لوزيري الخارجية مناقشة المشكلات العالقة وصولاً إلى استئناف العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين البلدين, كي يكرسا وقتهما لمناقشة قضيتين أساسيتين يتعلق بهما أمن الشرق الأوسط واستقراره ومستقبله.
فبالنسبة للقضية الأولى وهي القضية العراقية, توافقت آراء الرئيسين في رفضهما للحرب والتدخل الأمريكي في العراق, كما رفض التعامل بشكل سريع مع مجلس الحكم العراقي, وطالبت مصر وإيران مجلس الحكم بتشكيل حكومة وطنية عراقية منتخبة, وجاء إدراكهما مشتركاً في أهمية الإسراع بتسليم السلطة إلى العراقيين وإنهاء الاحتلال لإعادة الاستقرار والأمن في العراق, كما اتفق على أن إطالة أمد الاحتلال سوف يساعد على زيادة حدة المقاومة واتساع نطاقها, وتخوفاً من أن تنجح جهود الفتنة في تمزيق وحدة الشعب العراقي خصوصاً مع زيادة النعرات الطائفية أو تؤدي أي فتنة إلى احتمالية المواجهة بين الطوائف المختلفة خاصة بين السنة والشيعة.(8/39)
ومن ثم فإن قضية احتلال العراق, نتيجة حسابات خاطئة من قبل نظامه السابق, الذي دخل مع إيران في حرب ثماني سنوات دون قضية, عمقت من الجراح العراقية الإيرانية لبعض الوقت, إلا أن العراق سيظل جاراً لإيران, وفي هذه المسألة تستطيع إيران أن تتعاون مع مصر خاصة وأن كل الشواهد تؤكد على أن إيران لها دور ما في مستقبل العراق الجديد, وأن مصر تضع ضمن أولوياتها ما يجري في العراق للوصول إلى عودة السيادة إلى الشعب العراقي, ليعيش وينعم كباقي الدول العربية في استقرار سياسي وتعاون مع باقي دول العالم.
ولا شك أن قدوم الولايات المتحدة الأمريكية إلى المنطقة غيّر الكثير في الاستراتيجية الإيرانية في التعامل مع الدول العربية, حيث كانت إيران تفضل دائماً أن تتعامل مع الدول العربية على حدة وفق ثوابت تحددها الأيديولوجية الإيرانية, ومتغيرات تحددها أولويات السياسة الخارجية الإيرانية, مما وضع الدول العربية في تصنيفات تندرج من الحميمية إلى العدائية, ومن الأيديولوجية إلى المصلحة, وكان مبدأ محاربة الاستكبار ومناصرة الاستضعاف محدداً واضحاً لسلوكيات إيران تجاه الدول العربية شعوباً وحكومات, مما يشير إلى اعتبار إيران نفسها كياناً منفصلاً عن دول الجوار متصلاً بعوامل الضرورة والمصلحة, ومن أجل ذلك سعت إيران منذ بداية الأزمة العراقية لإقامة حزام أمني جديد لها حيث تبينت أن موقف الحياد الفعال الذي اتبعته خلال الأزمة الأفغانية, ثم بداية الأزمة العراقية قد استنفد أغراضه, وأصبحت في حاجة إلى موقف جديد أكثر فعالية تستثمر فيه عدداً من الإيجابيات التي تحققت, فضلاً عن رصيد لها باتت تنميه خلال تلك الفترة عند بعض دول المنطقة وخارجها.(8/40)
أما بالنسبة إلى القضية الثانية فهي القضية الفلسطينية, فقد أكد خاتمي مساندة إيران لجهود مصر في لم شمل الفلسطينيين, كي تكون هناك رؤية استراتيجية واحدة تلتزم بها كل الفصائل في العمل الفلسطيني, كما أكد خاتمي دعم طهران لجهود السلام العادل التي يبذلها الرئيس مبارك, وإن كان خاتمي إبدى تشككاً كبيراً في إمكان أن يستجيب شارون لجهود السلام, ويطبق على نحو أمين التزامات إسرائيل في بنود خارطة الطريق.
وقد بدا الاهتمام الإيراني الكبير بالقضية الفلسطينية واضحاً بشدة خلال العقد الأول للثورة الذي امتد حتى رحيل الإمام الخميني في عام 1989. ومع فشل المفاوضات المتتالية واندلاع انتفاضة الأقصى, ترسخ في القناعة الإيرانية عدم جدوى طريق المفاوضات, وأن البديل هو مشروع المقاومة على غرار تجربة حزب الله في الجنوب اللبناني. وفي هذا السياق نشير إلى ما قاله خامنئي في خطبة الجمعة التي ألقاها في 5 أبريل 2002, حيث قال: "إن المفاوضات مع النظام الصهيوني, الذي لا يبالي تماماً بالقوانين, سبيل خاطئ وأن المنظمات الفلسطينية المناضلة هي السبيل الحقيقي لإنقاذ فلسطين".( )
وعلى الرغم من ثبات الموقف الإيراني طوال معظم سنوات عقد التسعينيات على ترجيح خيار المقاومة ورفض المشاريع التفاوضية لحل القضية الفلسطينية, إلا أن المرونة التي أبداها خاتمي بعد وصوله للحكم خفت من حدة الانتقادات الإيرانية لعملية التسوية على الرغم من تعثرها, وبات انتقاد هذه العملية يظهر فقط في المناسبات, ولم يعد كما كان خطاً ثابتاً في السياسة الخارجية الإيرانية.(8/41)
وأفرزت هذه المرونة تحولاً في الموقف الإيراني, بقبول طهران للمرة الأولى خلال الربع الأول من العام الحالي بفكرة دولتين: فلسطينية وإسرائيلية تعيشان جنباً إلى جنب, وقد جاء هذا التحول في ظل تنامي طابع الواقعية في السياسة الخارجية الإيرانية, خاصة بعد أن أعلن العرب جميعاً من خلال قمة بيروت التي عقدت في مطلع العام 2002 موافقتهم التامة على تطبيع العلاقات مع إسرائيل مقابل إقامة الدولة الفلسطينية, ولم يعد من بينهم من يؤيد تشدد إيران في موقفها تجاه القضية الفلسطينية.
وإيران قادرة على أن تمد يدها مع مصر لاستكمال الحوار الفلسطيني – الفلسطيني, خاصة وأن إيران تتمتع بعلاقات طيبة وقوية مع الفصائل الفلسطينية, بل وفرض أجندة عربية إسلامية يحترمها المجتمع الدولي للوصول إلى دولة فلسطينية عاصمتها القدس.
بعد إقليمي جديد:
دلت التجارب التاريخية على أنه عندما كانت المشاركة بين مصر وإيران علاقة بين قطبين فاعلين على مختلف المستويات خاصة المستوى الإقليمي كانت المشاركة عامل ضبط وتوجيه لنشاط كل منهما في قيامه بدوره وواجبه وتنفيذ تعهداته في المنطقة, ويمكن لهذه المشاركة في الوقت الراهن أن تقوم بهذا الدور خاصة في ظل الوضع الموجود في المنطقة, وكثرة مشكلاته, وحاجته إلى جهود فعالة بين هذين القطبين, ومن بين الأمور التي يمكن أن تحققها هذه الجهود منع انتشار الإرهاب الفردي والجماعي, ونزع سلاح الدمار الشامل والسلاح النووي, وإعادة بناء البنية السياسية في المنطقة وإصلاح النظام العالمي الجديد وآثاره على المنطقة. مع الاستثمار في المناطق المتنازع عليها وتحويل مناطق التوتر إلى مناطق تجارية حرة.(8/42)
ومع اعتراف الجميع في البلدين بأن أسباب الخلاف بينهما لم تكن تستدعي هذه القطيعة, إضافة إلى ما شهدته السنوات الأخيرة من تقارب تدريجي بين البلدين بعد سلسلة من الأخطاء والشكوك المتبادلة, أحجم الطرفان عن تبريرها بسبب تباعد في المواقف السياسية إزاء القضية الفلسطينية وجهود السلام مع إسرائيل والأمن في الخليج, إلا أن التغيرات التي طرأت على العالم وعلى المنطقة كلها, بظهور قوة عظمى وحيدة تضع أقدامها الثقيلة فوق أرض المنطقة مهددة كل دولة فيها, ثم اختفاء دولة عربية مهمة مثل العراق من موازين القوى الحاكمة في الشرق الأوسط, فضلاً عن التحديات التي يواجهها عالم إسلامي ضعيف وممزق, كل ذلك لابد أن يكون حافزاً على إعادة النظر في العلاقات ليست فقط بين مصر وإيران ولكن أيضاً بين إيران وباقي الدول العربية خاصة بعد أن طلبت إيران الانضمام إلى جامعة الدول العربية بصفة مراقب, مما جعل الكثير من التساؤلات تدور بين السياسيين والمتخصصين الآن من قبيل هل تقبل الدول العربية بطلب انضمام إيران للجامعة العربية؟ وهل يمكن إعادة النظر في العلاقات العربية الإيرانية بشكل جديدة, وعلى أسس واحدة من جانب الطرفين؟ وهل يمكن اعتبار انضمام إيران للجامعة العربية بعداً جديداً في الشرق الأوسط؟ وما هو التخوف من انضمام إيران للجامعة العربية؟(8/43)
كل تلك التساؤلات لا تدور في أذهان المصريين والإيرانيين فقط, بل تدور على لسان حال أغلب شعوب دول المنطقة لإدراك الجميع أن مصر وإيران قادرتان معاً على تغيير أو تعديل معادلات التوازن الإقليمي, وبمقدورهما معاً ضبط إيقاع كثير من الأحداث أو التطورات. أما التخوف من مطالبة بعض الدول الأخرى للانضمام إلى الجامعة –مثل تركيا على سبيل المثال- الذي أبداه المعارضون لانضمام إيران للجامعة العربية والذي قد يشجع تركيا على تقديم طلب آخر للانضمام ومن بعدها إسرائيل ثم بعد ذلك الدول الواقعة في الدائرة المحيطة بالشرق الأوسط سواء كانت الجمهوريات الإسلامية السوفيتية السابقة أو الدول الأفريقية المطلة على الصحراء الكبرى, فيمكن الرد عليه بالقول أن الوضع مختلف بالنسبة لإيران وتركيا, لأننا العرب في حاجة ماسة الآن لليد الإيرانية والتركية سواء كان ذلك في العراق أو في ظل الوضع الإقليمي الجديد الذي فرضته علينا الولايات المتحدة الأمريكية بغزوها للعراق, والتفوق المادي والمعنوي لإسرائيل على باقي الدول العربية.
وهناك الكثير من المنظمات الإقليمية التي تضمنت أنواعاً مختلفة من العضوية منها على سبيل المثال منظمة الآسيان وهي تعتبر من أنجح تجارب التعاون الإقليمي, فقد خلقت أنواعاً عديدة من العضوية, فخلقت عضوية واحدة مفتوحة للدول التي تنتمي جغرافيا إلى إقليم جنوب شرق آسيا, ثم إلى جانب ذلك قنوات مختلفة للمشاركة والتعاون والحوار, وذلك في إطار سعيها لمزيد من الشفافية ومد يدها إلى العالم الخارجي وإشاعة جو من الثقة والتفهم لما تقوم به الآسيان. فما الذي يضيرنا من ذلك, مع الأخذ في الاعتبار أن الجامعة العربية ستظل دائماً جامعة للدول العربية فقط, وما هذه القنوات إلا أذرع للتعاون مما يضفي على أنشطة الجامعة الكثير من الحيوية ويدعم الثقة الدولية فيما تفعله.(8/44)
أما الذي يفقد الجامعة العربية هويتها فهو التوسع في العضوية الأصلية دون ضوابط وروابط محددة, فقد كان هناك من قبل معارضة لانضمام كل من الصومال وجيبوتي وجزر القمر إلى العضوية الكاملة نظراً لأنه لا يوجد تعريف لكون دولة ما عربية إلا أن تكون لغتها الأم هي اللغة العربية, وهذه الدول الثلاث تفتقر إلى هذا العنصر, وإذا عقدنا مقارنة بنيهما وبين إيران لرجحت كفة إيران فهذه الدول الثلاث هي دول مجاورة للمنطقة العربية ويتحدث بعض سكانها اللغة العربية إلا أن للسكان لغاتهم المحلية واللغة العربية ليست اللغة الرسمية في البلاد, وهذا هو وضع إيران تماماً, بل على العكس فإن الكفة الإيرانية ترجح لأهمية الروابط التاريخية والسياسية والاقتصادية والثقافية والفعلية والجيوبوليتكية.
وربما فعلت منظمة المؤتمر الإسلامي الشيء نفسه مع الفلبين حيث منحت الفلبين "المسيحية" العضوية بصفة مراقب, كما أن الاتحاد الأوروبي يبحث اقتراحاً باعتبار إيران دولة عربية وذلك لأسباب برجماتية محضة, ولا يخفى علينا أن حلف الناتو يدرس قراراً بتوسع الحلف ليشمل دول شرق أوسطية مثل مصر والعراق الجديد وإسرائيل.
نظرة مستقبلية:
مما لا شك فيه أن المتغيرات العالمية قد أدخلت البلدين مرحلة جديدة في علاقاتهما مع العالم, واكتسب دورهما في المنطقة أهمية خاصة, جعلت من الأهمية بمكان إعادة النظر في موقفهما تجاه الآخر, لذلك قرر الرئيس مبارك الذهاب إلى حيث مقر خاتمي, فتصافحت الأيدي لتطوي ربع قرن من سوء التفاهم بين أكبر دولتين, ليست إسلاميتين فقط, وإنما أهم دولتين حضاريتين في الشرق الأوسط, وقد آن الأوان لإبعاد شبح في حالة خصام سياسي في ظل الظروف الحالية التي تمر بها المنطقة.(8/45)
وفي الوقت نفسه حرصت إيران على ألا تضيع فرصة هذا اللقاء, فقد أعلنت وزارة الخارجية الإيرانية أنها وجهت الدعوة إلى الرئيس المصري حسني مبارك للمشاركة في قمة اقتصادية لثماني دول إسلامية (بنجلاديش – مصر – اندونيسيا – إيران – ماليزيا – نيجيريا – باكستان – تركيا) تعقد في طهران في فبراير المقبل, وعلى الرغم من أن الحكومة المصرية لم ترد بعد على هذه الدعوة فإنه من المتوقع أن تلقى استجابة من الرئيس مبارك إذا سمحت له الظروف خاصة بعد إزالة جدارية خالد الإسلامبولي التي تمهد الخطوة الأولى في الطريق نحو قيام الرئيس مبارك بزيارة تاريخية إلى إيران تكون هي الأولى له منذ توليه السلطة.
وإذا كان الرئيس الإيراني قد أعلن بعد انتهاء مباحثاته مع الرئيس مبارك توافق رؤى القاهرة وطهران على الخطوط العريضة لمشكلتي العراق وفلسطين, فإن أبواب التعاون بين البلدين قد أصبحت مفتوحة على مصراعيها, لا يعوقها شيء.
ومن المنتظر أن تشهد العلاقات المصرية – الإيرانية خلال الأسابيع القادمة نشاطاً غير مسبوق كإحدى النتائج المباشرة للقمة التاريخية التي عقدها مؤخراً الرئيسان مبارك وخاتمي, حيث سيقوم عدد من وزراء البلدين بتبادل الزيارات واللقاءات في محاولة لتعزيز حجم التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين.
ويجب التأكيد على أن العلاقات المصرية الإيرانية هي الأساس لأي محاولة جادة وصادقة لتنظيم صفوف العالمين الإسلامي والعربي, خاصة وأن العالمين لن يستطيعا فعل شيء منفردين. وحان الوقت الذي ندرك فيه بوضوح مجمل العوامل الموضوعية التي تؤهل مصر وإيران لتشكيل قاطرة قادرة على جر عربات كل الراغبين في إعادة ترتيب البيتين العربي والإسلامي سواء من الداخل أو في علاقتهما بالخارج.(8/46)
وأخيراً, ومع التقاء المصريين والإيرانيين عند نقاط كثيرة, فقد رحبت الدولتان بالمبادرة الليبية للتخلص من برنامجها النووي, لذلك يجب التنسيق المتبادل بين الدولتين لإخلاء المنطقة من السلاح النووي بما فيها إسرائيل, ومحاربة الإرهاب في المنطقة وإدانة الإرهاب الإسرائيلي والمحافظة على حقوق الشعبين العراقي والفلسطيني. لذلك يجب على البلدين إعادة التواصل الحضاري والثقافي, وإقامة مشاركة اقتصادية تمتد إلى ميادين متنوعة مثل الزراعة والثروة الحيوانية, والطاقة الكهربائية وغيرها من المجالات المختلفة. ومن الممكن أيضاً إعادة أكبر خط تجاري في العالم يمتد من طريق الحرير القديم ماراً بإيران إلى قناة السويس, ويسمح بالتجارة بين مناطق الثروة في آسيا وأفريقيا وبين الشمال والجنوب. ويبرز هنا دور التنسيق المشترك بين الجهات المعنية لدعم العلاقات الثنائية تجارياً واقتصادياً وعلمياً وثقافياً, وأيضاً يبرز دور رجال الأعمال ومؤسسات المجتمع المدني ورجال الدين في تفعيل تلك المجالات لفتح آفاق جديدة للتعاون بين الدولتين.
عضوية إيران في جامعة الدول العربية: الأبعاد والنتائج
رضا محمد هلال( )
باحث في العلوم السياسية
يطرح المقال آفاق انضمام إيران المحتمل إلى جامعة الدول العربية والفوائد التي ستجنيها من وراء هذه الخطوة, واستفادتها من المتغيرات الإقليمية لتثبيت نفسها في المنطقة, وممارسة تصدير الثورة ولكن بأسلوب مختلف, ويكشف الكاتب المكاسب التي ستجنيها إيران من خلال سياسة الانفتاح بدل الإرهاب!.............الراصد.(8/47)
أثار قرار الخارجية الإيرانية في أوائل ديسمبر الماضي بشأن انضمام إيران إلى جامعة الدول العربية كعضو مراقب, وترحيب الجامعة العربية على لسان أمينها العام عمرو موسى بالطلب الإيراني العديد من ردود الفعل السلبية والإيجابية على هذه الخطوة غير المسبوقة في مسار العلاقات بين الطرفين, ويمكن تحليل تطورات وأبعاد هذا القرار الإيراني, وطرح بعض الرؤى الاستشرافية لمستقبل العلاقات بين الدول العربية وإيران ومدى إسهام إيران في دفع العمل المشترك بجامعة الدول العربية, من خلال النقاط التالية:
أولاً: تطور العلاقات السياسية الإيرانية-العربية من الهيمنة والعداء إلى التهدئة والمصالحة:
مرت السياسة الإيرانية تجاه المنطقة العربية بعدة مراحل تميزت كل واحدة بسمات فارقة عن المرحلة السابقة والمرحلة اللاحقة عليها, ويمكن تقسيم هذه المراحل على النحو التالي:(8/48)
1-مرحلة العداء للمد القومي العربي: شهدت هذه المرحلة التي بدأت في أوائل الخمسينات وانتهت في أوائل السبعينيات تطوراً كبيراً في علاقة إيران بإسرائيل من جانب, ومحاولة محاصرة المد القومي العربي والنفوذ السوفييتي من خلال مشاركتها في حلف بغداد من جانب آخر. فقد أدى استمرار المد القومي العربي بزعامة جمال عبد الناصر بعد عام 1956, والوحدة المصرية السورية في عام 1958, والثورة العراقية وسقوط حلف بغداد إلى حدوث مواجهة سياسية ودبلوماسية ودعائية مع حركة القومية العربية نجم عنها مزيد من التنسيق التركي-الإيراني, والإيراني-الأمريكي, والإيراني-الإسرائيلي, وتصاعدت مستويات التعاون بين الأطراف الأربعة سواء فيما يتعلق بالتنسيق بين أجهزة استخبارات هذه الدول, أو تدعيم العلاقات التجارية فيما بينها. ثم توج التعاون الإيراني الإسرائيلي في عام 1962 بفتح مكتب اتصال إسرائيلي على مستوى السفارة في طهران, وهو ما أدى إلى قيام مصر بقطع العلاقات الدبلوماسية معها, ودخل التيار القومي العربي بزعامة عبد الناصر مرحلة صدام سافر مع إيران بسبب موقفها من الصراع العربي-الإسرائيلي.
2-مرحلة فرض الهيمنة الإيرانية: بدأت هذه المرحلة في أوائل السبعينيات واستمرت حتى قيام الثورة الإسلامية الإيرانية في عام 1979. فعقب هزيمة الدول العربية في يونية 1967 ووفاة الرئيس عبد الناصر في عام 1970, وتراجع التيار القومي الثوري في المنطقة, وبروز التيارات المحافظة في الوطن العربي التي ازداد دورها بعد جلاء الاستعمار البريطاني وحصول إمارات الخليج على استقلالها, انطلقت إيران من تصور وجود فراغ للقوة –مع تراجع دور مصر الإقليمي- يسمح لها بأن تكون القوة الإقليمية العظمى في المنطقة بالمعنى السياسي والعسكري وفي إطار التحالف الغربي. ومن هذا المنطلق, قامت إيران بمجموعة من الإجراءات أهمها:(8/49)
-قيام شاه إيران بتنمية القدرات الذاتية لإيران سواء في جانبها الاقتصادي أو جانبها العسكري مستفيداً في ذلك من الارتفاع المحسوس والكبير في أسعار النفط خلال السبعينيات.
-إيمان إيران الشاه بضرورة اضطلاعها بالدور المحوري في حفظ أمن الخليج واستقراره, وتحويل هذه القناعة إلى واقع عملي من خلال فرض الهيمنة الإيرانية على المنطقة بعدة خطوات عملية منها:
المسارعة بالإستيلاء على الجزر العربية الثلاث: طنب الصغرى وطنب الكبرى وأبو موسى قبل يوم واحد من انسحاب بريطانيا من الخليج, وترديد دعاوى حقها في امتلاك إمارة البحرين حتى وصل الأمر إلى حد اختيار ممثل للبحرين في البرلمان الإيراني, واشتراك قواتها في قمع حركة ظفار الثورية في عمان.
-البدء في القيام بدور حلقة الوصل بين الدول الغربية والقيادات المحافظة في الدول العربية وإسرائيل, ولعب دور الوسيط بين الأطراف الثلاثة ومساندة واشنطن على الانفراد بعملية تسوية الصراع العربي-الإسرائيلي من خلال اتفاقيات الفصل بين القوات على الجبهتين المصرية والسورية في عامي 1974 و 1975, ومعاهدة كامب ديفيد في عام 1978.
3-مرحلة الصدام مع الدول العربية: امتدت هذه المرحلة طوال عقد الثمانينيات من القرن العشرين, حيث جاءت الثورة الإسلامية الإيرانية لتشكل أحرج وأصعب مراحل العلاقات بين الطرفين, وقد اعتمدت إيران فيها على أيديولوجية دينية عابرة للقوميات تستهدف "تغيير كل الأنظمة في المنطقة بدافع إقامة نظم حكم إسلامية شبيهة بالنظام الإيراني, والقضاء على القوى المناوئة لها في المنطقة".(8/50)
وعمدت الدولة الإيرانية إلى تنفيذ مجموعة من السياسات التي تشكل مواجهة مع الأقطار العربية منها: الحرب مع العراق والتي استمرت طوال الفترة من عام 1980 وحتى عام 1988, وقد وضعت إيران تغيير نظام الحكم في العراق شرطاً لإنهاء الحرب, ومدت نطاق المواجهة مع العراق إلى باقي أقطار الخليج العربية حيث قامت بضرب ناقلات النفط, والتأكيد على أن جزر الإمارات الثلاث جزءاً من إيران ومد يد العون والمساعدة للمنظمات والجماعات الأصولية الراديكالية في البلدان العربية كنوع من تصدير الثورة الإيرانية إلى الوطن العربي, وتصديع الصف العربي وخاصة بعد البيان الثلاثي مع سوريا وليبيا في 22 فبراير 1983, ومساندة إيران لموقفهما من الصراع العربي-الإسرائيلي, وتشجيع الجماعات الإسلامية الأصولية على العبث باستقرار دول الخليج ومصر.
4-مرحلة الاعتدال والتصالح مع الدول العربية: عقب انتهاء الحرب الإيرانية العراقية, ووفاة آية الله الخوميني وانتخاب علي أكبر هاشمي رفسنجاني رئيساً للدولة في 28 يوليو 1989 الذي ينتمي للجناح المعتدل, تخلت الجمهورية الثانية في إيران عن آلية تصدير الثورة( ) وبدأت تسعى حثيثاً لمد جسور الثقة بينها وبين المحيط الدولي والإقليمي لمحاولة كسر حاجز العزلة الدولية والإقليمية الذي فرض عليها منذ قيام الثورة الإسلامية عام 1979.(8/51)
ولقد أتاحت حرب الخليج الثانية في عام 1991, والخليج الثالثة في عام 2003 فرصة ذهبية استثمرتها الجمهورية الإيرانية باتباعها سياسة حياد نشط لتكريس الآلية الجديدة التي اختارتها لتخدم مصالحها في المنطقة العربية وهي العمل على استمالة دول الخليج بتأكيد حرصها على احترام مبادئ حسن الجوار وعدم التدخل في شئون الغير وكذا محاولتها تحسين صورتها في المحيط الدولي باتباع سياسات واقعية معتدلة منها: رفض القيادة الإيرانية مساندة العراق في احتلال الكويت عام 1990, ورفض معاونتها وتأييدها في الحرب مع الولايات المتحدة وبريطانيا في عام 2003, وعدم انصياعها لضغوط الجناح المتشدد في هذا الشأن, وقد ساعدت المواقف الحيادية لإيران الدول العربية عامة والعربية الخليجية خاصة على حسم موقفها من إعادة تجسير العلاقات مع إيران فاستؤنفت العلاقات الدبلوماسية الإيرانية –على مستويات مختلفة- مع كل من الكويت والسعودية والأردن وتونس, وهو ما اعتبره بعض المحللين مؤشراً على استعادة إيران في المستقبل قدرتها على التأثير في المنطقة من جديد, هذه المرة بترحيب من دول المنطقة العربية التي شهدت فترات الأزمات والحروب العربية البينية فيها تسابقاً للإعلان عن ضرورة التوصل إلى صيغة لإشراك إيران في الترتيبات والتكتلات السياسية والأمنية والاقتصادية في المنطقة.
ثانياً: دور أجهزة صنع القرار في إيران في التوجه نحو الدول العربية:(8/52)
يتوزع اتخاذ القرار في السياسة الخارجية الإيرانية بين ثلاث مراكز رئيسية يقف وراء كل منها قاعدة تأييد ومساندة معينة. أول هذه المراكز هو المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي الذي يعطيه الدستور الإيراني السلطة العليا في تحديد السياسات العامة للبلاد, وهو الحكم الأعلى والأخير الذي وإن كان فوق الخلافات السياسية إلا أنه يظل في لحظة ما قادراً على حسم خلاف ما بتدخله لصالح طرف دون الآخر. الطرف الثاني في صنع قرارات السياسة الخارجية الإيرانية هو الرئيس محمد خاتمي الذي يرأس السلطة التنفيذية ويخوض حالياً معركة لإعادة تعريف صلاحيات رئيس الجمهورية بما يمكنه من القدرة على اتخاذ قرارات إصلاحية داخلية وخارجية. الطرف الثالث هو شخص الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني الذي يشغل موقع رئيس مجمع تحديد مصلحة النظام, هذا المجلس الذي يمتلك وفق الدستور الإيراني القدرة على حسم أي صراع ينشأ بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية.
يمتلك كل من الأطراف الثلاثة السابقة قاعدة سياسية واقتصادية واجتماعية تسانده ولا يمكن الاستهانة بها. فالرئيس خاتمي فاز في انتخابات عام 1997 بسبب تأييد غير مسبوق من جانب قطاعات الشباب والنساء, وحمل معه أجندة لضرورة فتح النظام داخلياً وإعطاء القطاعات المختلفة في الشارع الإيراني القدرة على المشاركة في صنع القرار السياسي بعد أن ظل هذا المجال حكراً على ما يمكن أن نسميهم الحرس القديم, وقد مكنت هذه الأجندة الإصلاحية الرئيس خاتمي من توسيع قاعدة التأييد لتضم إلى جانب الشباب والنساء قطاعات من المثقفين الإيرانيين الذين وإن اتفقوا في الخطوط العامة لبرنامج الإصلاح إلا أنهم اختلفوا في بعض الأحيان حول طريقة تنفيذه أو مداه.(8/53)
وقد شجعت هذه القاعدة الكبيرة من التأييد والمساندة الرئيس خاتمي على تنفيذ سياسته الخارجية الرامية إلى نزع التوترات وتغليب علاقات التعاون على علاقات الصراع,( ) وبدأ في السعي بجد إلى تحجيم الدور الأمريكي في الخليج من خلال تقوية العلاقات مع الدول العربية عموماً ودول مجلس التعاون الخليجي خصوصاً وبالذات مع السعودية التي أمكن توقيع اتفاق أمني معها في عام 2001, وذلك بعد إدراكه أن الاحتلال الأمريكي البريطاني للعراق سيؤمن وجوداً عسكرياً أمريكياً شبه دائم في العراق, وسيكون مقدمة لترتيبات إقليمية جديدة تسمح لإسرائيل بالوجود في العراق بالقرب من إيران, لذا يتعين على إيران زيادة اندماجها في أطر إقليمية جديدة مثل الجامعة العربية تكون منفذاً بديلاً لإيران على الأطر الإقليمية المحاصرة فيها مثل: آسيا الوسطى وأفغانستان والخليج, حيث قامت الولايات المتحدة من خلالها بمحاصرة وتقويض التغلغل الإيراني فيها.(8/54)
أما هاشمي رفسنجاني رئيس مجمع تحديد مصلحة النظام ورجل النظام القوي, والذي يمتلك خبرة سياسية عميقة حيث أنه تلميذ مخلص للإمام الخميني ورئيس البرلمان لثماني سنوات هي الأعنف في عمر الثورة, ثم رئيس الجمهورية لفترتي رئاسة أعقبت غياب الإمام الخميني من الساحة السياسية, ورائد تطبيع العلاقات الإيرانية العربية, فقد توصل في ظل التحديات المحيطة بإيران من خطر الوجود العسكري الأمريكي والنفوذ الإسرائيلي في الخليج واختلال موازين القوى الإقليمية لغير صالح إيران, وكذلك تزايد احتمالات العدوان المباشر على إيران سواء كان العدوان أمريكياً-إسرائيلياً, أم كان أمريكياً فقط أو إسرائيلياً فقط لتدمير المنشآت النووية الإيرانية على غرار تدمير المنشآت النووية العراقية, بالإضافة إلى وقوف الدول الأوروبية وروسيا بجانب سياسة الولايات المتحدة ضد السياسة النووية الإيرانية توصل رفسنجاني إلى قناعة مفادها أنه يتعين على إيران زيادة الاندماج والتعاون والتنسيق مع الدول العربية وخاصة على مستوى المنظمات الإقليمية مثل جامعة الدول العربية, مما يحفظ لإيران احتياطياً استراتيجياً في مواجهة الضغوط الخارجية الواقعة عليها, ويجنبها احتمالات التعرض للمواجهة العسكرية المباشرة مع الولايات المتحدة.
لذا نادى رفسنجاني بضرورة حث وزارة الخارجية الإيرانية على التقدم بطلب عضوية إيران في الجامعة العربية بصفة مراقب, مما يمكن إيران من الاستفادة بالدعم السياسي العربي في المحافل الدولية, وكانت دعوة رفسنجاني السابقة حيوية للتيار الإصلاحي بزعامة خاتمي ودافعاً له للمضي في تنفيذ سياسته للتقارب مع الدول العربية.(8/55)
وعلى الجانب الآخر من الطرفين السابقين, نجد شخص المرشد الأعلى علي خامنئي الذي يتمتع بتأييد قطاعات المحافظين حيث إنه يمثل رمز الثورة, ويتبنى عدة مواقف في مجال السياسة الخارجية الإيرانية منها: تعزيز العلاقات مع الشعوب الإسلامية والعربية بما يكفل الوقوف في وجه التهديدات الأمنية التي تتعرض لها من جانب "قوى الاستكبار العالمي", ورفض التعاون أو التنسيق مع الولايات المتحدة والغرب ضد شعوب إسلامية مجاورة مثل الشعب العراقي,( ) وكذلك رفض التوافق مع سياسات بعض الدول العربية المهادنة لإسرائيل, وإعلاء القومية الإيرانية على ما عداها من قوميات أخرى منافسة, والحفاظ على القيم الثورية "الإسلامية" الإيرانية في التعامل مع دول العالم الخارجي.
وانطلاقاً من الاعتبارات والتوجهات السابقة لتيار المحافظين الذي يدعمه خامنئي انتقدت صحيفة "شرق" وهي إحدى الصحف المعبرة عن توجهات أنصار تيار المحافظين, تصريحات حميد رضا آصفي المتحدث باسم الخارجية الإيرانية في أوائل ديسمبر 2003 بشأن انضمام طهران إلى جامعة الدول العربية كعضو مراقب, واصفة هذه الخطوة بأنها تخل طوعي عن الهوية القومية الإيرانية, وذكرت الصحيفة في معرض توضيح حيثياتها لانتقاد التحرك الإيراني صوب الجامعة العربية, بأن جامعة الدول العربية منظمة أنشئت لاتخاذ القرارات التي تهم الأمة العربية, ولا علاقة لها باستقلال إيران أو هوية شعبها, وذهبت الصحيفة إلى القول إن الهوية العربية رفيعة جداً ولكن لا شأن لها بهويتنا أو شخصيتنا القومية كإيرانيين, وأكدت الصحيفة أهمية تعزيز التعاون مع الدول العربية في جميع المجالات لا سيما ما يخص قضايا المنطقة أو المسائل التي تمس الأمن القومي والمصالح الوطنية الإيرانية, لكن لا أحد يستطيع الزعم بأن هذا التعاون لا يمكن تحقيقه إلا بتنازل جوهري من أحد الطرفين.(8/56)
ويجدر التنويه إلى أن مساحة الخلاف بين التيارين الإصلاحي والمحافظ في إيران تتقلص في قضايا السياسة الخارجية مقارنة بالقضايا والمسائل الداخلية, ويتزايد التوافق بين التيارين بشأن العلاقات الإيرانية مع الدول العربية, في حين يتضاءل التوافق بينهما بالنسبة للعلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل, لذا تعد إدارة إيران للأزمات والقضايا المرتبطة بالولايات المتحدة مصدر انقسام وتباين داخلي كبير بين التيارين المحافظ والإصلاحي, مما يعرض الحكومة الإيرانية بقيادة الرئيس محمد خاتمي لضغوط داخلية شديدة من قبل رموز التيار المحافظ بمساندة المرشد علي خامنئي, لذلك تضع حكومة الرئيس خاتمي في اعتبارها ردود الفعل الداخلية على ما تتخذه من مواقف وسياسات خارجية تجاه الدول العربية والولايات المتحدة أو القضايا والمشكلات التي تكون طرفاً فيها.(8/57)
ومن حيث الأجهزة الرسمية المنوط بها صنع القرارات في السياسة الخارجية الإيرانية, فقد حددها الدستور الإيراني في عدة مؤسسات وأفراد وأجهزة هي: المرشد الأعلى أو القائد علي خامنئي, ورئيس الجمهورية محمد خاتمي, ووزارة الخارجية التي باتت أقرب لتبني رؤى وتوجهات الإصلاحيين في ظل تولي كمال خرازي وزارة الخارجية خلفاً لعلي أكبر ولا يأتي الذي كان محسوباً على التيار المحافظ, بالإضافة إلى المجلس الأعلى للأمن القومي الذي يعد الهيئة صاحبة كلمة الفصل في المحطات المهمة في السياسة الخارجية الإيرانية خاصة تلك المتصلة مباشرة وعلى نطاق واسع بالأمن الإيراني والمصالح الاستراتيجية للجمهورية الإسلامية, والأمثلة على ذلك عديدة من بينها على سبيل المثال حرب الخليج الثانية والحرب الأمريكية على أفغانستان والغزو ثم الاحتلال الأمريكي للعراق, بل أن بعض القضايا الأقل أهمية أيضاً تخضع للمناقشة في هذا المجلس الذي يحدد الخطوط العريضة للسياسة الإيرانية تجاهها وتتولى الأجهزة الدبلوماسية تنفيذها بعد ذلك مثل النزاع مع دولة الإمارات حول الجزر الثلاث وتحسين علاقات إيران مع الدول العربية المحورية خاصة مصر.
قامت المؤسسات والأجهزة الإيرانية المنوط بها اتخاذ قرارات السياسة الخارجية, بدراسة التطورات والضغوط الدولية والإقليمية المحيطة بإيران, والتي من أبرزها:(8/58)
-تبلور نظام دولي جديد قوامه هيمنة الولايات المتحدة على عمليات صنع القرار الدولي السياسية والأمنية, مما عجّل ببزوغ ظاهرة أو موجة العولمة التي تسعى إلى خلق مزيد من تداخل علاقات ومصالح الدول بعضها ببعض, وإن كان ذلك –حسب خبرة السنوات العشر الماضية- قد تم بطريقة تفتقر إلى العدالة والإنصاف والإجحاف بمصالح الدول الصغرى وتهميشها, مما جعل كثيراً من الدول الصغرى والمتوسطة تعمل على تصحيح هذه الحالة الدولية, ومن الواضح أن كلا من إيران والدول العربية تشعر بمسؤولية خاصة باعتبارها من الدول الإقليمية الفاعلة كل في محيطه المباشر بشأن تصحيح أوجه الخلل المتزايدة في عملية التوافق مع العولمة في مساراتها المختلفة الاقتصادية والثقافية والسياسية, وهو الأمر الذي تبلور في تنسيق رفيع المستوى بين الطرفين العربي والإيراني في العديد من المؤتمرات الدولية لمؤتمر القاهرة للسكان والأسرة ومؤتمر السياحة العالمي والمؤتمر البرلماني الدولي ومؤتمرات منظمة التجارة العالمية, كما شارك الطرفان في مؤتمرات الحوار بين الأديان والحوار بين الحضارات والتي عقدت بناء على مبادرة إيرانية.
-ترسيخ الولايات المتحدة لحقائق جديدة في منطقة الخليج بعد إنهاء غزو العراق للكويت واحتلال الولايات المتحدة وبريطانيا للأراضي العراقية في مارس 2003 وإسقاط نظام صدام حسين, ولعل أبرز تلك الحقائق أن أمن الخليج بات مرهوناً لفترة طويلة قادمة بالوجود العسكري الأمريكي البريطاني المكثف, مما يدفع إلى خلق واقع أمني جديد في المنطقة يقتضي تهميش الخلافات بين الجانبين العربي والإيراني حول أمن الخليج والتي وصلت إلى أقصاها في الفترة التالية مباشرة لتحرير الكويت.(8/59)
-تعرض إيران لمواجهة شبه صريحة مع الولايات المتحدة, التي أثارت عدة قضايا أو خلافات حادة بينها وبين الحكومة الإيرانية, ومن أبرز هذه القضايا: القدرات العسكرية الإيرانية التي اتجهت للتعاظم في إطار سعيها لامتلاك أسلحة دمار شامل خاصة الأسلحة النووية, مما صعّد من حملة الاتهامات الأمريكية لإيران بتهديدها دول الجوار الجغرافي, بالإضافة إلى استمرار الخلافات التقليدية بين إيران والولايات المتحدة حول إمداد إيران لسوريا وقوات حزب الله في جنوب لبنان بالعتاد والأسلحة مما يزكي من استمرار الصراع العربي-الإسرائيلي وهو ما تعارضه الولايات المتحدة خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 واحتلالها للعراق في عام 2003, علاوة على ممارسة الولايات المتحدة الضغوط على إيران لكي تعدل من مواقفها في الشأن العراقي بما يتوافق ورغبات الإدارة الأمريكية.
ومن الضغوط والتحديات السابقة توصل المرشد الأعلى أو القائد ووزير الخارجية كمال خرازي والرئيس محمد خاتمي بالإضافة إلى أعضاء المجلس الأعلى للأمن القومي, توصلوا جميعاً إلى قناعة مؤداها تطوير العلاقات مع الدول العربية جميعاً وخاصة مصر, والموافقة على اقتراح وزير الخارجية كمال خرازي بضرورة السعي للحصول على اقتراح وزير الخارجية كمال خرازي بضرورة السعي للحصول على عضوية "المراقب" بالجامعة العربية, وسرعة تطبيع العلاقات مع مصر, والموافقة على طلب مصر بشطب اسم قاتل الرئيس المصري الراحل أنور السادات من أحد الشوارع في شمال طهران.(8/60)
وبناءً على ما سبق, نستطيع أن نخلص إلى أن هناك ضرورة أدركتها جميع التيارات والمراكز المؤثرة في صنع السياسة الخارجية الإيرانية تفرض تعزيز التعاون والتنسيق مع الدول العربية في جميع المجالات خاصة فيما يتعلق بقضايا المنطقة والمسائل التي تمس الأمن القومي الإيراني, لكن الخلاف بينها يتركز حول شكل وإجراءات تعزيز التعاون الإيراني العربي, فالتيار الإصلاحي يؤكد على ضرورة استخدام جميع الوسائل والإجراءات بما فيها الانضمام إلى الجامعة العربية, في حين يتفق التيار المحافظ مع التيار الإصلاحي حول الهدف من التعاون والتنسيق, إلا أنه لا يتفق مع خطوة الانضمام إلى الجامعة العربية إلا بعد التوصل والتشاور معه في هذا الشأن وبما يكفل تحقيق الإجماع القومي حول هذا القرار.
ثالثاً: رؤية استشرافية لمستقبل العلاقات الإيرانية-العربية بعد انضمام إيران للجامعة العربية:
تتزايد التوقعات الإيجابية بنمو وتطور العلاقات الإيرانية العربية بعد ترحيب الجامعة العربية بعضوية إيران في الجامعة بصفة مراقب, ويمكن استشراف التطور في عدة مجالات ومحاور منها:(8/61)
1- تعزيز ودفع العلاقات التجارية الإيرانية العربية البينية: فإذا كان من الملاحظ ارتباط حجم ونشاط العلاقات التجارية عامة بحدود قوة وأثر العلاقات السياسية عليها فإن هذا الافتراض يكتسب قبولاً واسعاً في حال تطبيقه على العلاقات التجارية الإيرانية العربية التي تأثرت بمراحل تطور العلاقات السياسية بين الطرفين. ففي مرحلة الصدام الإيراني مع الدول العربية والتي استمرت طوال عقد الثمانينات من القرن العشرين, لم يتعد حجم التجارة البينية مبلغ المليار دولار, وكانت حركة التجارة الإيرانية تتركز مع دول الخليج, وهي الإمارات والكويت وقطر والبحرين وسلطنة عمان –والتي فصلت علاقاتها التجارية مع إيران عن موقفها السياسي من الحرب العراقية الإيرانية- بالإضافة إلى أربع دول عربية أخرى هي: سوريا والأردن واليمن الديمقراطي ولبنان, في حين فضلت الدول العربية الأخرى الابتعاد عن إبرام صفقات للتبادل التجاري مع إيران بسبب حربها مع العراق, وكذلك بسبب دعمها للمنظمات الإسلامية الأصولية التي هدمت استقرار مصر والسعودية والجزائر.
ولكن مع دخول العلاقات الإيرانية العربية في إطار مرحلة الاعتدال والتصالح في عقد التسعينيات, ارتفعت معدلات التجارة البينية في جانب الصادرات من 1.5% في عام 1985 إلى نحو 9.4% في عام 1990, وقفز معدل الواردات من 5.75% في عام 1985 إلى 5.83% في عام 1995, وحققت أرقام الصادرات العربية لإيران طفرة كبيرة خلال هذه المرحلة حيث ارتفعت من مبلغ 162.1 مليون دولار في عام 1985 إلى مبلغ 1235.8 مليون دولار في عام 1990.(8/62)
وقد تواصلت زيادة معدلات التجارة البينية الإيرانية العربية في النصف الثاني من عقد التسعينيات, خاصة واردات الدول العربية من إيران حيث قفزت أرقام الواردات من 720 مليون دولار في عام 1995 إلى 2184 مليون دولار في عام 1999 ثم إلى 2792 مليون دولار في عام 2000 وبدأ الميزان التجاري يميل للجانب الإيراني في عامي 1999 و 2000 حيث حقق فائضاً لصالح إيران قدر بمبلغ 1149 مليون دولار في عام 1999, زاد في عام 2000 ليصل إلى نحو 1464 مليون دولار بعد أن كان هذا الميزان يميل لصالح الدول العربية طوال الفترة من عام 1990 إلى عام 1998 بمبلغ يتراوح بين 400 مليون دولار ومليار دولار كما في أعوام 1990 و 1995 و 1997 و 1998 وهو ما يشير إليه الجدولان التاليان:
ويتضح من إحصاءات التجارة العربية – الإيرانية في الفترة من عام 1985 وحتى عام 2000 استئثار دولة الإمارات العربية بحوالي 50% من إجمالي حجم التجارة العربية مع إيران سواء في شق الصادرات أو الواردات, تليها دولة الكويت بنسبة تتراوح بين 15 و 18%, ثم سلطنة عمان بمعدل تراوح بين 12 و 17% في عقد الثمانينيات و 20 و 25% في عقد التسعينيات, وتشير معدلات التجارة السابقة إلى رغبة الإمارات وإيران في عدم الزج بخلافهما السياسي الحدودي حول الجزر الثلاث على التجارة بينهما, وهو المبدأ الذي تبنته دولة الكويت وسلطنة عمان ثم أخيراً السعودية في علاقاتها مع إيران, لذا فمن المتوقع أن تزداد معدلات التجارة الإيرانية العربية مع دخول دول أخرى في مضمار هذه العلاقات بكثافة مثل مصر والجزائر والسعودية, مع انضمام إيران للجامعة العربية والبدء في تنفيذ المقترحات الإيرانية والعربية بإنشاء منطقة للتجارة الحرة بينهما, تمهيداً لإقامة سوق اقتصادية مشتركة بينهما على غرار التجربة الأوروبية وتجربة دولة رابطة الآسيان.
2- تحجيم الخلافات والنزاعات السياسية بين الدول العربية وإيران:(8/63)
فمن المنتظر مع انضمام إيران لعضوية الجامعة العربية, كذلك مع سعي الدول الأعضاء نحو تطوير أداء مؤسسات وهياكل الجامعة –سواء من حيث إصلاح نمط التصويت, أو إنشاء مؤسسات جديدة مثل منتدى الأمن أومجلس الأمن ومحكمة العدل العربية, وهي الاقتراحات التي سيقرها مؤتمر القمة العربية القادم في تونس في مارس 2004, وتقننها حالياً لجنة من المتخصصين والقانونيين العرب برئاسة عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية –أن تنتقل الخلافات والنزاعات الإيرانية مع دول مثل الإمارات بشأن احتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاث إلى الجامعة العربية- بحكم انتماء وعضوية الطرفين المتنازعين فيها- للنظر فيها وتسويتها سلمياً إما من خلال الوساطة التي من المتوقع أن تقوم بها بعض الدول العربية ذات الوزن مثل السعودية ومصر وسوريا والمغرب, أو من خلال طرح هذا النزاع على محكمة العدل العربية التي ستتولى بحثه ودراسته بعد الاستماع لآراء وحجج الطرفين, ومن ثم تحكم فيه بأغلبية أصوات قضاة المحكمة.(8/64)
3- تأمين الاستقرار السياسي الداخلي لنظم الحكم الإيرانية والعربية: لا شك أن قبول عضوية إيران بالجامعة العربية سيرتبط ضمناً بوقف إيران لدعمها للحركات والمنظمات الإسلامية الأصولية في الدول العربية المحيطة وهو ما تحقق منذ منتصف التسعينيات, وكذلك وقفها لتدريب وتمويل جماعات المعارضة العراقية وهو ما التزمت إيران بتنفيذه بعد انهيار حكم صدام حسين في مارس 2003 حيث ألزمت هذه المنظمات بالخروج من إيران والتوجه نحو العراق, بالإضافة إلى تسليمها السعودية عدداً من أعضاء تنظيم القاعدة الفارين من أفغانستان والمتهمين بتدبير عدة عمليات إرهابية داخل الأراضي السعودية. وفي المقابل تعهدت عدة دول عربية بالحفاظ على استقرار وأمن إيران في مواجهة التهديدات المحيطة من جانب الولايات المتحدة, ولعل من أبرز المواقف الحديثة في هذا الشأن هو ما قامت به سلطة الحكم في العراق في 10 ديسمبر 2003 من تحديد مهلة شهر تنتهي في أوائل يناير 2004 لخروج عناصر منظمة مجاهدي خلق المعارضة لإيران والتي قامت بعدة عمليات مسلحة ضدها انطلاقاً من الأراضي العراقية طوال الفترة من بداية الثمانينيات وحتى ديسمبر 2003, وكذلك موافقة مصر على تطوير وتنمية علاقاتها الثنائية مع إيران في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية, وقد جاءت هذه الموافقة بعد اللقاء التاريخي بين الرئيسين المصري حسني مبارك والإيراني محمد خاتمي على هامش مؤتمر مجتمع المعلومات الذي عقد في سويسرا في الفترة من 9 – 11 ديسمبر 2003, وبذلك تكتمل أهم حلقة في التواصل الإيراني مع الدول العربية والتي تتمثل في تطبيع العلاقات مع دولة عربية كبرى مثل مصر والحرص على القضاء على كافة المعوقات والعراقيل التي تعوق عودة العلاقات الطبيعية والحميمية بينهما إلى سابق عهدها في ظل حكم الشاه, وهو ما يبشر بتكثيف التشاور والتنسيق السياسي بين إيران والدول العربية فيما يخص قضايا الأمن والاستقرار(8/65)
في المنطقة عامة وأمن الدول العربية وإيران خصوصاً في المستقبل المنظور.
قراءة في النبوءات
(المسيح الدجال)
الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله, وعلى آله وصحبه أجمعين.
أهميّة هذا الموضوع ليست علمية ذهنيّة فقط, بل هي تحمل جدّيتها لكونها خطيرة على واقعنا ومستقبلنا, فالطّوائف المفارقة لأهل السنة, والمنتسبة للإسلام لها تاريخ حافل بالدم والجرائم معنا, وعقيدة اليوم امتداد لعقيدة الأمس, وما عمل تيمور لنك عندما دخل دمشق سنة 803هـ, وقتل كلّ من فيها من المسلمين المنتسبين لأهل السنة (الشيعي الصوفي)؛ وهي أنّ قتل أهل الشام قربة إلى الله, وقصاص من قتلة الحسين بن علي رضي الله عنه( ), فالإيمان هو المؤثر الأهم في حركة الإنسان, ودولة إسرائيل وإنشاؤها مبني على دين واعتقاد, وكذلك دولة إيران الشيعية مبنية على اجتهاد؛ مصدره عقيدتهم في المهدي المنتظر وأنه لا بدّ له من نائب.
فالاهتمام الجادّ بعقائد الناس والتعرف عليها مهم جداً, وهو سبيل قرآني في كشف عقائد الآخرين, وسبيل نبويّ كذلك, فقد روى الإمام أحمد رحمه الله في ((مسنده)) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعديّ بن حاتم: ((أسلم تسلم)), فقلت (عديّ بن حاتم): إنّي على دين, قال: ((أنا أعلم بدينك منك)), قلت: أنت أعلم بديني مني؟!! قال: ((نعم)) قال هذا ثلاثاً, قال: ((ألست ركوسيّاً؟))( ), قلت: بلى, قال: ((ألست ترأس قومك؟)) قلت: بلى, قال: ((ألست تأخذ المرباع؟))( ) قلت: بلى, قال: ((فإنّ ذلك لا يحلّ لك في دينك))( ) .
فها أنت ترى علم النبي صلى الله عليه وسلم بدين رجل من أهل الجزيرة, وهو دين مغمور قليل الشهرة, وهذا يدلّك على ما نحن فيه في هذا الباب.(8/66)
ولأنني أعتقد أن الطوائف والفرق هي قنابل موقوتة في منطقتنا, وجزء كبير من معارك الغد ستكون معها, وهي إحدى خيارات الدول الشيطانية من يهود ونصارى في طرحها كبدائل عن الإسلام السّنّي الصحيح, فإننا مدعوّون وبقوّة إلى فهم هذه الفرق عقدياً, والاطّلاع الواعي على السّبل العملية المتبناة في تطبيق هذه العقيدة, وليت الذين يزعمون الفهم والتّحليل والذّكاء السياسي أن يهتمّوا بدراسة آليات عمل الطّوائف في فرض نفسها وتمرير نبوءاتها ومعتقداتها في داخل مجتمعاتنا بدل اهتمامهم بلوك الكلام الفارغ من كلّ إفادة, والذي مبناه على التأمّل الذاتي, والاستشراف الوهمي, والتبجّج بمعرفة أسماء الكتب السياسية.
في حين أن جزءاً من معركة الغد ستفرض علينا من خلال هذه الفرق والطّوائف, ووجودهم في منطقتنا جزء من الامتحان المفروض علينا قدريّاً في سعي المسلم الجادّ لإقامة حكم الله في الأرض.
ولعلّ بعض الإشارات التي وقعت في باكستان عند دعوة ضياء الحق لتطبيق الشريعة, ثم الحال الآن في أفغانستان مع الفرق البدعية, وواقع أهل السنة والجماعة في إيران ومحاولة إفنائهم وتغيير عقائدهم, ووضع الدروز في إسرائيل, في كونهم رأس الحربة العسكرية والأمنية ضد المسلمين هناك: كافية لإيقاظنا من غفوة الجهل والتزوير الذي مارسه قادة الحركات الإسلامية في إسقاط الفروق بين أهل السنة وبين الطوائف المبتدعة الضالة.(8/67)
فهؤلاء القادة كانوا الممهّد الأول في إزالة الحواجز الدينية ثم النفسية عند أهل السنة من أهل البدعة, ثم مهّدوا الطريق في تنصيبهم رؤوس أهل البدعة أئمة على الشباب الإسلامي, ولذلك ليس غريباً أن نرى الانهيارات المتواصلة بسقوط العديد من الشباب المسلم السنّي في حبائل هذه الفرق المنحرفة, وتبنّيهم لمعتقدات أهل البدع, وهؤلاء القادة في هذه الحركات يجهّزون شبابنا للانخراط في معتقداتهم تحت دعوى وجود القواسم المشتركة بين أهل السنة وبين المبتدعة في وجود عدوّ خارجي واحد...
فالخطوة الأولى أن الشباب يلتقي معهم ضد أمريكا وينتهي إلى سبّ أئمتنا وخيارنا, وتكفير أبي بكر وعمر وعثمان وخيار الصحابة رضي الله عنهم, وهذا واقع منتشر انتشاراً واسعاً, فإن هناك الكثير من المناطق السنّية والتي كانت مغلقة عليهم ولا يوجد فيها غيرهم قد بدأ تحوّلها وبصورة مذهلة إلى عقائد التشيع الرافضي, مثل المغرب العربي وسوريا الشام وفلسطين ومصر والسودان وماليزيا وأندونيسيا, ومناطق متعددة من العالم الإسلامي.
فالاهتمام بهذا الموضوع يجب أن يلقى عناية من كلّ مسلم مخلص غيور على السنّة وأصحابها.
أثر النبوءات في الأديان على أتباعها(8/68)
دارسو حضارات التاريخ تبينوا أن أي حضارة كان مبناها الأول على أسس دينية وإيمانية( ), يقول برقسون: (إنّه وإن وجدت حضارات بغير بناء وعمار إلا أنه لم توجد حضارة بغير معابد), ويؤكد هذا أن حركة الإنسان لا يمكن أن تنطلق إلا من أساس إيماني, سواء كانت العقيدة حقيقة أو وهماً, صحيحة أو باطلة, وهذا القول ليس تقليلاً للجوانب الإنسانية الأخرى كحاجته للمال والطعام وحبّ الغلبة والسيطرة, ولكن لا يمكن أن تعطي هذه الأمور آثارها في حركة الإنسان إلا إذا اكتست بثوب الدين والإيمان, ولذلك كان قوّاد المعارك دائماً بحاجة إلى معتقد ليدفعوا الناس إلى محاربة خصومهم, أو الانتقال إلى السيطرة خارج الأرض, وكلّ المحاولات التي قامت لإلغاء التفسير الديني لحركة التاريخ باءت بالفشل( ).(8/69)
وهناك اتجاه قوي لترسيخ مبدأ الصراع على أساس علماني, وأنّ الحياة قد استقرّ أمرها على تبني الحريّة الإنسانية –الليبرالية- في كلّ شؤون الدنيا ولا دور للأديان فيها, وقد انتهى عصر العقائد –الإيديولوجيا- ومن هذه الكتب التي أحدثت أصداء واسعة في هذا الاتجاه كتاب الياباني الأمريكي فرانسيس فوكوياما المسمّى ((نهاية التاريخ)), الذي يعلن فيه سقوط العقائد (ويستثني الإسلام ببعض بقاياه الدينية والخُلقية) والانتصار النهائي لليبرالية –حرية الاختيار في السياسة والاقتصاد والاجتماع- وقد صدر العديد من الكتب التي تنعى العقائد والتمسّك بالهويّة منها: كتاب ((النفس المبتورة –هاجس الغرب في مجتمعاتنا)) للمستغرب الإيراني داريوش شايغان, وله في هذا الاتجاه نفسه كتاب ((أوهام الهويّة)), وهذان الكتابان يمثّلان صورة نموذجية لجهود المستغربين في إسقاط الهويّات في داخل مجتمعاتنا, ومن المؤسف أنّ المعمّمين في داخل إسلامنا يمارسون –صوت سيّده- في ترديد شعارات تتبنّى هذه المعاني مثل قولهم: إنّ الحرب بيننا وبين اليهود ليست دينيّة ولكنّها حرب على حقوق ذاتيّة...فحسبنا الله ونعم الوكيل..
ثم نحن نرى أنّ العقائد لها الدور الأكبر في التّحالفات والتقارب بين الدول والشعوب على الرغم من تبنّي العالم اليوم العلمانية واللّيبرالية, والأمثلة على ذلك كثيرة جداً في تاريخ البشرية ولكنّي سأقتصر ها هنا على ما يخصّنا في هذا الباب:
أ-دولة إسرائيل:(8/70)
دولة إسرائيل تقوم على أساس ديني إيماني, وكذلك أهمّ الأحزاب السياسية والدينية فيها ترتكز على اجتهادات دينية عندهم, ومما ينبغي التذكير به أنّ مناحيم بيغن بعد اعتزاله السياسة تحوّل إلى نبيّ يهودي (حبر من أحبارهم) وفسّر بعض نصوص التوراة, وأدخلت هذه التفسيرات في التلمود عندهم, ومعلوم أن بيغن أصيب بحالة نفسية سيئة بعد معاهدة كامب ديفيد, لأنه اعتبر ما قام به يخالف النبوءات التوراتية, وذلك بوجوب التقدم إلى الأمام وليس التّراجع, ولكن مجرّد التّراجع ولو الجزئي يخالف ما يؤمن به اليهودي اليوم من أنّ أعداءهم يجب أن يولّوا الأدبار دائماً كما تقول التوراة: ((تنطقني قوة القتال وتصرع القائمين عليّ تحتي وتعطيني أقفية أعدائي ومبغضيّ فأفنيهم, يتطلّعون فليس من مخلص إلى الرب فلا يستجيبهم, فأسحقهم كغبار الأرض, مثل طين الأسواق أدقّهم وأدوسهم, وتنقذني من مخاصمات شعبي وتحفظني رأساً للأمم))( ). وقد كان بيغن يعتقد في موشى دايان أنّه الملك المنتظر( ) وكان مفتوناً به, ولكن سقط هذا الاعتقاد في دايان بعد الخسارة الجزئية في حرب 73 ضدّ العرب( ), وللذّكر فإن النّصّ المتقدّم من التوراة قامت مجموعات نصرانيّة سبتيّة وطوائف يهودية بتوزيعه في الغرب بعد حرب 1967م, لتثبت صحّة التوراة ولإثبات ربّانية دولة إسرائيل, وأنّها من أبنيته التي يجب أن يدعمها المؤمنون بها. ومن النبوءات التي ترتكز عليها الدّولة اليهودية في إقامة الملك الكامل من النّيل إلى الفرات هو وجوب الحركة خطوة خطوة وليس دفعة واحدة, ففي سفر التّثنية تقول التّوراة: ((ولكنّ الرّب إلهك يطرد هؤلاء الشعوب من أمامك قليلاً قليلاً, لا تستطيع أن تفنيهم سريعاً لئلا تكثر عليك وحوش البريّة))( ). والدولة اليهوديّة تسير باتّجاه قوي إلى سيطرة الأصوليّة اليهودية هناك, وذلك بعد انتخاب حزب اللّيكود بقيادة نتنياهو لرئاسة الحكومة. وقد استلم اليهود المتديّنون أهمّ مراكز القوى(8/71)
في الدولة.
أمّا الارتباط بين اليهود في دولة إسرائيل وبين النّصارى البروتستانت في أمريكا فهو ارتباط مبني على نبوءات توراتيّة ويراجع في ذلك كتاب ((النّبوءة والسّياسة)) فهو خير كاشف لحقيقة هذه العلاقة, وأنّ إيمان مراكز القرار في أمريكا بعقيدة هرمجدّون (جبل المجد)( ) هو الدّافع الذي جعل قادة أمريكا من أشد الناس وفاءً لهذه الدّولة المسخ, هذا بالنّسبة إلى النّصارى السّبتيّين, وقد زادت الصّورة وضوحاً عندما تولّى اليهود الأصليين أقوى المراكز في الحكومة الأمريكية, فوزارة الخارجيّة بيد أولبرايت اليهوديّة, ووزارة الدّفاع بيد كوهين اليهودي, وكذلك وارن ميلر مسؤول التخطيط السّياسي في الخارجية الأمريكية, ومارتن أنديك مسؤول الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي ومرشّح مساعد لوزيرة الخارجية في شؤون الشرق الأوسط, ومبعوث الحكومة الأمريكية للشرق الأوسط دينيس روس كلّهم من اليهود الأصليين.
وأمّا مجلسا القرار –مجلسا الشّيوخ والكونغرس- فقرارهما الأخير باعتبار القدس عاصمة أبديّة لإسرائيل هو قرار يهودي أشد من قرارات اليهود العلمانيين.
ب-جزر الطّوائف في العالم الإسلامي!!(8/72)
الطّوائف المفارقة لأهل السنة والجماعة تعتمد في وجودها وحركتها على النبوءات الدّينية في كتبها, ولعلّه يجب علينا أن نذكر ولا ننسى إيمان الدّروز( ) في وقت من الأوقات أنّ جمال عبد الناصر هو الحاكم بأمر الله الفاطمي, فالدّروز يعتقدون أنّ الله جلّ وعلا في أدوار زمنيّة معيّنة ينزل عن عرشه ويظهر بصورة إنسان (يتأنّس), وقد كان كمال جنبلاط الدّرزي( ) ممن يعتقدون في عبد الناصر ذلك, وقارئ مقدمة كتاب ((جمال عبد الناصر: من حصار الفالوجة إلى الاستقالة المستحيلة)) يستطيع أن يلمح هذه العقيدة في طيّات كلامه, وللذّكر فإن جنبلاط هو الذي أعطى للعقيدة الدرزية فعاليتها والكثير من تفسيراتها, حيث ربطها بعقائد الهنود وأديان الشرق ومذاهب الإشراق الغنوصية, وهو بنفسه الذي كتب ((المصحف المنفرد)) والذي كان يعتقد الدروز وجوده مع عدم اطّلاعهم عليه على مدار تاريخهم, حتى أظهره جنبلاط من كتابته هو والدّروز يدخلون في خدمة الدولة اليهودية ضد المسلمين لعقيدة عندهم, فإنّ من مبادئ دينهم خدمة الظّاهر والتذلّل له وإظهار موافقته.
أما النصيريّون فما تسليمهم الجولان في سوريا لليهود إلا بناء على نبوءة كتابهم الأسوس ص213 تقول: (عندما يبلغ المريخ إلى مرتبة الأوتاد الأربعة ويكون بهرام في الطالع يظهر من الجنوب وحيد العين الذي يكون مجتمعاً من حدث الميم وقدم الدال عندما يصبح بهرام في الوتد بمقدار عشر درجات يكون وارو الوقت وحيد العين قد ظهرت أعلامه الخضراء من الشرق راكباً الميمون وبيمينه ذو الفقار المسنون فيطهر البلاد ويقضي على الفساد..).
فقد كان وزير الدّفاع في تلك الفترة إبّان حرب 1967م النّصيري حافظ الأسد, وقد ذكر هذه النبوءة بطولها رئيس وزراء الأردن يومها سعد جمعة( ).(8/73)
واستغلال السياسيين للنبوءات الكاذبة عند العامة من جهلة المسلمين وغيرهم أمر معروف ومستشر في مجتمعاتنا بحجم كبير, ففي حرب الخليج انتشر بين الناس في العالم العربي حديث ((صدام)), وهو الشخص الذي سيقضي على أعداء الأمّة, وقد وزّعت في الأردن منشورات جاء فيها أن في كتاب الجفر للإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه حديثاً ((يجتمع بنو الأصفر والفرنجة ومصر في البيداء على رجل اسمه صادم, ولا يرجع منهم أحد. قيل: متى يا رسول الله؟ قال: بين جمادى ورجب وترون فيه العجب)).
ثمّ ذكروا رواية ثانية وهي: ((يجتمع الرّوم والبرابرة والإفرنجة, ومعهم المصريّون على رجل اسمه صادم, فيبيدهم في بيداء, ولا يرجع منهم أحد. قيل: متى يا رسول الله؟ قال: بين جمادى ورجب وترون فيه العجب))( ).
وهذا الكلام وإن بدا سخيفاً الآن بعد انتهاء أحداث الخليج ولكنّه كان في وقته يعمل عمل السّحر, فهذا السّخف نشرته جريدة إسلامية !! في الأردن وبعض الجرائد العلمانية, بل صرّح يومها نائب برلماني من الإخوان المسلمين في أحد المساجد بأن هذا الحديث يشهد ويدلّ على صواب وإسلام صادم وأنه المنصور في المعركة.
وفي تلك الأثناء التقيت بدكتور في كليّة الشريعة وجرى بيننا حوار حول قضية الخليج وما صارت إليه من دمار للأمة, فأقسم لي بالأيمان أنّ صدّاماً سينتصر, وأنّ معركة أخرى ستقوم بعد أيّام بين صدّام وأمريكا, وسيدمّر صدام أمريكا ولمّح إلى هذا الحديث... ولا حول ولا قوة إلا بالله.(8/74)
ومن النبوءات التي يعتقدها بعض متصوفة أهل السنة وجهلتهم هي اعتقاد مشايخ جماعة التبليغ أنّ المهدي المنتظر هو الذي سيتولى قيادة الجماعة بعد وفاة شيخهم إنعام الحسن (حضرة جي!!), وهذا بناءً على نبوءة في كتاب السّحر: ((شمس المعارف الكبرى)) فقد ذكر البوني فيه أنّ الإمام جعفر الصادق أخبر في جفره نبوءات الزّمن القادم وهي كثيرة جداً ثم قال تحت عنوان: (فصل في معرفة الجفر الذي ذكره الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه): وذلك أسماء والقصد بهذه الأسماء إنّما هو عددها ومعرفة تكسيرها في ضرب المبادئ بالأصول, أوضح لك أكثر من ذلك, وإنما ذكرت هذه الرموز ليكمل كتابي هذا ويفوق غيره من الكتب والطّريق إلى مكّة كما بينّا, وهذه الرموز الجفرية الموضوعة الأصلية بس ال ال ه الرحمن الرحي م شعيب سميع شيت حرقيل قابيل طوس دمياط نابلس طرابلس طرسوس حلب حمص ودمشق تفارقا أحر مواد محمد أحمد موسى إلياس يوسف محمد المهدي الملك المبين الله وكيل.... ثمّ قال في آخرها وكلّ هذه قواعد كليّة ولو أبصرت كلّ فتنة أو واقعة وقعت لوجدتها على هذا الحساب وهذا المعنى, لا يختلف أبداً( ). اهـ.
وتفسيرهم لهذه النبوءة أنّ: إلياس هو الشّيخ محمد إلياس الكاندهلوي مؤسّس جماعة التبليغ في الهند, ثمّ يوسف وهو الشيخ محمد يوسف ابن المؤسس وخليفته في إمارة الجماعة, ثمّ محمد وأنّه الشيخ إنعام الحسن وبعده يأتي المهدي الذي ينتظرونه.
ثمّ توفي إنعام الحسن ولم يظهر المهدي, فرفضوا تعيين أمير بدلاً منه تصميماً على هذا الاعتقاد, ولذلك عيّنوا مجلساً استشارياً جماعياً مكوّناً من مجموعة من مشايخهم خلفاً لإنعام الحسن, انتظاراً للمهدي الصّوفي التبليغي المنتظر( ).
ولهم ممارسات كثيرة غير هذه تدلّ على هذا الاعتقاد لا حاجة لذكرها هنا.
حقيقة المنتظر(8/75)
من الثابت عند أهل السنة أن النبي ? بشّر بوجود رجل من أهل بيته سيخرج في آخر الزمان وهو من علامات القيامة الكبرى لقبه المهدي, وعلى يديه سينتصر أهل الإسلام على خصومهم من يهود ونصارى وغيرهم, وهو رجل سيملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً. وقد أخبر النبي ? عن وجود علم آخر من أعلام الساعة ألا وهو المسيح الدّجّالل, وأنّ ما قاله رسول الله ? عن وصف الدّجّال هو عين حقيقة الرّجل الذي ينتظره الشيعة الرّوافض ويسمّونه المهدي, وهو كذلك نفس الرجل الذي ينتظره اليهود ويعتقدون فيه الخلاص والذي سيرفع أمرهم.
فنخن أمام حقيقتين تختلط فيهما الأسماء هما:
الحقيقة الأولى: -المهدي عند أهل السنة والجماعة- وليس هو عيسى بن مريم عليه السلام, الذي سينزل في آخر الزمان في زمن المهدي أثناء قتاله مع الدّجال.
الحقيقة الثانية: -المهدي عند الشيعة الرّوافض, والمسيح الدجال عند أهل السنة, وملك اليهود المنتظر وأنّ أوصاف هؤلاء الثلاثة تنطبق على شخص واحد فهي ثلاثة أسماء لشخص واحد –هذا قرره شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى-.
والحديث لن يكون عن مهدي السنة, ولا عن عيسى عليه السلام, ولكن سيكون في الحديث عن الحقيقة الثانية إن شاء الله تعالى.
من هو مهدي الشيعة الروافض؟
موقظة(8/76)
ارتباط المذهب الشيعي بالعقيدة اليهودية اكتشافه ليس وليد اليوم ولا هو من إفرازات الفكر التآمري الذي صار مصدر هزء عند أكثر الناس, بل إن الأئمة الأوائل قد كشفوا هذا الارتباط وتحدّثوا عنه, قبل وجود تهمة الفكر التآمري, والتي صارت كافية عند البعض في إسقاط أي معلومة أو أي استنتاج, وكأنّ معاداة أعداء الله تعالى من يهود ونصارى وأذناب لهما قد توقّفت عند زمن شعارات الإنسانية, ولعلّ الهجوم الذي لاقاه كتاب ادوارد سعيد ((الاستشراق)) هو نوع من هذا الهجوم لإسقاط المعلومات عن النّفسية الحاقدة والنّيّة الخبيثة عند المستشرقين في دراستهم لأمتّنا, بل لقد صار التزام الرّجل بمركز دراسات ما وهو جزء من دولة أجنبية لا يعدّ جريمة وخيانة وذلك كلّه تحت دعوى العلمية المجرّدة أو العلم من أجل وجه العلم, بل وتحت دعوى المصالح المشتركة لم يعد يستنكف أحد أن يؤجّر نفسه في عمل إعلامي لدولة كافرة, ويرى في هذا قمة الفذلكة السّياسية.(8/77)
الإمام الشعبي رحمه الله, (عامر بن شراحيل المتوفى سنة 104هـ ثقة تابعي ومن أهل الكوفة), كان هذا الإمام خشبيّاً –والخشبيّة طائفة من الشّيعة كانت ترفض القتال بالسيف, ويحمل أتباعها سيوفاً من خشب- ثم تاب من بدعتهم, وكان من أخير الناس بهذه الطائفة, وقد حدّث أصحابه عن صلة العقيدة بين الشيعة واليهود( ). قال مالك بن مغول: -قلت للشعبي: -ما ردّك على هؤلاء القوم, وقد كنت منهم رأساً؟ قال: -رأيتهم يأخذون أعجازاً لا صدور لها, ثمّ قال لي: يا مالك لو أردت أن يعطوني رقابهم أو يملؤوا لي بيتاً ذهباً أو يحجّوا إلى بيتي هذا على أن أكذب على عليّ رضي الله عنه لفعلوا, ولا والله لا أكذب عليه أبداً. يا مالك إني قد درست الأهواء فلم أت فيها أحمق من الخشبية, فلو كانوا من الطّير لكانوا رخماً, ولو كانوا من الدّواب كانوا حمراً... يريدون أن يغمصوا دين الإسلام كما غمص بولس بن يوشع ملك اليهود دين النصرانية... منهم عبد الله بن سبأ يهودي من يهود صنعاء... يا مالك: إنّ محنتهم محنة اليهود( ).
وقد حاول بعض الشيعة المعاصرين وهو مرتضى العسكري في كتاب له سمّاه ((عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى))( ) أن ينفي وجود هذه الشخصية, وذلك بتعليق جميع الرّوايات الواردة في حق عبد الله بن سبأ اليهودي على راو ضعيف وهو سيف بن عمر الضّبّي التّميمي, وقد استخدم منهج أهل السنة في تضعيف سيف بن عمر من أجل عقيدته, والرّدّ على مرتضى العسكري له ذيول مطوّلة ولكني سأكتفي هنا بذكر رواية واحدة لا مطعن فيها من جهة سندها لإثبات وجود عبد الله بن سبأ اليهودي, وهي رواية صحيحة على منهج المحدّثين الصّارم, فكيف على منهج المؤرخين المتساهلين في هذا الباب, وليست هي من طريق سيف هذا( ).(8/78)
قال أبو طاهر الذهلي: حدثنا محمد بن عباد قال: حدّثنا سفيان قال: حدثنا عبد الجبار بن العباس الهمداني عن سلمة بن كهيل عن حجيّة بن عديّ الكندي قال: رأيت عليّاً عليه السلام وهو على المنبر وهو يقول: من يعذرني في هذا الحميث( ) الأسود الذي يكذب على الله عزّ وجلّ وعلى رسوله ? -يعني ابن السّوداء- لولا أنه لا يزال تخرج عليّ عصابة تنعى عليّ دمه, كما ادّعيت عليّ دماء أهل النّهر, لجعلت منهم ركاماً( ).
مهدي الشيعة المختفي في سرداب في سامراء
الشيعة الإثني عشرية (تمييزاً عن الشيعة الزّيدية وعن الشيعة الإسماعيلية السبعية) يقولون أن الإمامة هي ركن الإسلام العظيم, وأنّ الإمامة ثبتت بالنّصّ في عليّ وبنيه رضي الله عنهم إلى اثني عشر إماماً هم: عليّ بن أبي طالب والحسن والحسين (ابناه) ثمّ في ولد الحسين البِكر( ) وهو علي السّجّاد (زين العابدين) ثمّ ولده البِكر محمد الباقر ثمّ ولده علي الهادي ثم ولده الحسن العسكري ثم آخرهم وهو المهدي المنتظر محمد بن الحسن العسكري.
ومحمد المهدي هذا يقولون أنه ولد سنة 255هـ, وبسبب خوف أهله عليه من حكام زمانهم ذهب وتخفى في سرداب في مدينة سامرّاء (مدينة العسكر) وهو صغير, فكانت غيبته الصّغرى التي كان من خلالها يرسل إرشاداته وأوامره ونواهيه إلى أتباعه عن طريق رسل, ثم انقطعت آخر الرسل سنة 329هـ أي وعمر المهدي الشيعي 74 سنة هجرية, ثمّ بدأت الغيبة الكبرى, وهو ما زال في سردابه إلى اليوم, ينتظر الشيعة خروجه ويدعون عند ذكره وفي احتفالاتهم أن يعجّل الله فرجه, وقد ربطوا أعمال الإمامة العظمى له حتى يخرج, ابتداءً من صلاة الجماعة إلى الجهاد وإقامة الحدود.(8/79)
هذا هو معتقد أغلب الشيعة الإثني عشرية فيه وقد خالف في ذلك البعض قديماً وحديثاً, فممّن رفض فكرة المهدي العسكري الشيعي عندهم من المعاصرين أحمد الكاتب الذي بيّن من خلال نشرته (الشورى) الصادرة في لندن ثم في كتابه المهم (تطور الفكر السياسي الشيعي) أن الحسن العسكري مات ولم يعقّب, وأنّ المهدي لم يولد قطّ وأنّ اعتقاد الشيعة بوجود هذا الإمام مبناه على التّجويز العقلي فقط, ولا حجّة لهم في أي مستند خبري في ذلك... وقد ردّ عليه أصوليو الشيعة ردوداً كثيرة... وقوله هذا هو قول الكثير من قدماء الشيعة الأوائل حيث أنكر بعض معاصري الحسن العسكري أن يكون قد عقّب ولداً, بل إن أخا الحسن العسكري واسمه جعفر من هؤلاء الشّهود النّافين, وجمع شهادات لجيرانه أنه مات ولم يعقّب, وقد سمّى الشيعة جعفراً هذا بجعفر الكاذب, تمييزاً له عن جعفر الصّادق.
واعتقاد الشيعة الإثني عشرية بوجود المهدي وبرجعته مبني على روايات منسوبة في كتبهم لأئمتهم منها ما نقلوه عن جعفر الصادق قوله: ((ليس منا من لم يؤمن بكرّتنا –أي رجعتنا- ويستحل متعتنا))( ) ... وهو من ضروريات المذهب عندهم حتى قال الحر العاملي: ((فلا يظهر منهم مخالف يعتد به من العلماء السابقين واللاحقين, وقد علم دخول المعصوم في هذا الإجماع))( ), وقال محمد ابن النعمان الملقب بالمفيد: ((اتفقت الإمامية على وجوب رجعة كثير من الأموات إلى الدنيا قبل يوم القيامة))( ).
وللمهدي هذا عند خروجه أوصاف كثيرة لن نأتي إلا على ما يهمّنا في بحثنا هذا, وهي السّمات اليهودية لهذا المهدي الشيعي المنتظر.
السمات اليهودية لمهدي الشيعة المنتظر
أ-مهدي الشيعة سيحكم بشريعة داود وآل داود وبتوراة موسى:
في كتاب الحجة من الأصول في الكافي( ) قال الكليني:
((باب في الأئمة عليهم السلام أنهم إذا ظهر أمرهم حكموا بحكم داود وآل داود ولا يسألون البينة عليهم السلام والرّحمة والرضوان)).(8/80)
1-علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن منصور عن فضل الأعور عن أبي عبيدة الحذّاء قال: كنّا زمان جعفر عليه السلام حين قبض نتردّد كالغنم لا راعي لها, فلقينا سالم بن أبي حفصة فقال لي: يا أبا عبيدة من إمامك؟ فقلت: أئمّتي آل محمد, فقال: هلكت وأهلكت أما سمعتُ أنا وأنت أبا جعفر عليه السلام يقول: من مات وليس له إمام مات ميتة جاهليّة؟ فقلت: بلى لعمري, ولقد كان قبل ذلك بثلاث أو نحوها دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فرزق الله المعرفة, فقلت: لأبي عبد الله عليه السلام: إنّ سالماً قال لي كذا وكذا, قال: يا أبا عبيدة إنه لا يموت منّا ميت حتى يخلف من بعده من يعمل بمثل عمله ويسير بسيرته ويدعو إلى ما دعا إليه, يا أبا عبيدة إنه لم يمنع ما أعطي داود أن أعطي سليمان. ثمّ قال: يا أبا عبيدة إذا قام قائم آل محمد عليه السلام حكم بحكم داود وسليمان ولا يسأل بينة.
2-محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن محمد بن سنان عن أبان قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ((لا تذهب الدنيا حتى يخرج رجل منا يحكم بحكومة آل داود ولا يسأل بينة, يعطي كلّ نفس حقّها)).
3-محمد عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن هشام بن سالم عن عمار الساباطي قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: بم تحكمون إذا حكمتم؟ قال: ((بحكم الله وحكم داود, فإذا ورد علينا الشيء الذي ليس عندنا تلقّانا به روح القدس)).
4-محمد بن أحمد عن محمد بن خالد عن النّضر بن سويد عن يحيى الحلبي عن عمران بن أعين عن جعيد الهمداني عن عليّ بن الحسين عليه السلام قال: سألته بأيّ حكم تحكمون؟ قال: ((حكم آل داود, فإن أعيانا شيء تلقانا به روح القدس)).(8/81)
5-أحمد بن مهران رحمه الله عن محمد بن عليّ عن ابن محبوب عن هشام بن سالم عن عمّار السّاباطي قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما منزلة الأئمة؟ قال: ((كمنزلة ذي القرنين وكمنزلة يوشع وكمنزلة آصف صاحب سليمان)) قلت: فبما تحكمون؟ قال: ((بحكم الله وحكم آل داود وحكم محمد ? ويتلقّانا به روح القدس))( ).
موقظة
درج الشيخ محمد حسين فضل الله الشيعي الإمامي اللبناني أن يفسّر نصوص الشيعة تفسيراً عقلانياً قريباً مما يرضاه العامة, كما فعل مع مصحف فاطمة, فإنه من المعروف في المذهب الشيعي أنّ مصحف فاطمة هو أحكام وأخبار مستقبلية (نبوءات) وأخبار ماضية وتطمينات نفسية ألقاها جبرائيل عليه السلام –يزعمون- عليها بعد أن منعها أبو بكر رضي الله عنه حقّها من ميراث النبي ? في فدك, وبعد أن ضربها عمر بن الخطاب رضي الله عنه على بطنها فأجهضت جنيناً في بطنها اسمه محسن (مزاعم الشيعة), فالتجأت إلى بيتها حزينة, فكان ينزل عليها جبريل عليه السلام فيسلّيها بهذا الحديث وهي تلقي على عليّ رضي الله عنه ما يلقيه جبريل عليه السلام عليها فتجمّع لديها ما يسمى بمصحف فاطمة, فهذا هو معتقد الشيعة في مصحف فاطمة... ولكن الشيخ محمد حسين فضل الله (باعتباره شيعيّاً متنوّراً) يفسّر مصحف فاطمة أنّه مجموعة فتاوى وأحكام ومواعظ كانت تلقيها فاطمة رضي الله عنها على بنات جنسها, هذا التفسير من الشيخ فضل الله لم يقبله الشيعة ولا أئمتهم فراحوا يردّون عليه تفسيره( ).(8/82)
أقول: ربّما يذهب هذا الشيخ فضل الله في تأويل هذه الأحاديث على معنى إقامة العدل وإصابة الحق, كون حكم آل داود هو الحق والعدل, ولكن هذا التفسير ستجابهه نصوص شيعية كثيرة في هذا الباب, ومنها ما هو صريح أنه يحكم بما يسمّى (الجفر الأحمر) كما في ((بحار الأنوار)) للمجلسي: عن جعفر أنه قال: ((إنّ القائم يسير في العرب في الجفر الأحمر)), قال (رفيد): قلت: جعلت فداك وما الجفر الأحمر؟ قال: ((فأمر إصبعه على حلقه وقال: هكذا يعني الذّبح))( ).
والجفر الأبيض عند الشيعة في كتبهم هو ما رواه الكليني في ((الكافي))( ) قال أبو عبد الله عليه السلام: ((إنّ عندي الجفر الأبيض)), قال: قلت: فأيّ شيء فيه؟ قال: ((زبور داود وتوراة موسى وإنجيل عيسى وصحف إبراهيم عليه السلام والحلال والحرام)).
وواضح من هذه النصوص الشّيعية أن حكم المهدي الشيعي سيكون بشريعة داود عليه السلام, هذا مع حكمه بشريعة محمد ? كذلك, وهو ردّ على زعم أنّ مقصد الكلام هو إقامة الحق فقط لا شريعة داود عليه السلام, والمغايرة بين شريعة محمد ? وبين شريعة آل داود عليه السلام معلومة واضحة قال تعالى: ?لكلّ جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً? [المائدة:48], وقد وردت روايات صريحة تبين هذا المعنى: ففي ((بحار الأنوار)) لمحمد باقر المجلسي: ((وأنّه يحكم بينهم مرّة بحكم آدم ومرة بحكم داود ومرة بقضاء إبراهيم وفي كلّ واحد منها يعارضه بعض أصحابه))( ).
إذا علمنا هذا, ثم رأينا أنّ القرآن المزعوم الذي سيعلّمه المهدي الشيعي القادم لأتباعه ليس فيه حرف من القرآن, وهو ثلاثة أضعاف مصحفنا, علمنا أنّ المقصود بذلك هو التّلمود وليس القرآن الكريم.
روى المفيد في كتاب ((الإرشاد)) بإسناد إلى جابر الجعفي عن أبي جعفر أنه قال: ((إذا قام قائم آل محمد ? ضرب فساطيط ويعلّم الناس القرآن على ما أنزل الله عزّ وجلّ فأصعب ما يكون من حفظه اليوم لأنّه يخالف فيه التّأليف))( ).(8/83)
وروى النّعماني في ((الغيبة)) بإسناده إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: ((كأنّي بالعجم فساطيطهم في مسجد الكوفة يعلّمون الناس القرآن كما أنزل)) قلت: يا أمير المؤمنين أو ليس كما أنزل؟ ققال: ((لا, مُحي منه سبعون من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم, وما ترك أبو لهب إلا إزراء على رسول الله ? لأنه عمّه))( ).
ولذلك قال الجزائري: وقد روي في الأخبار أنّهم عليهم السلام أمروا شيعتهم بقراءة هذا الموجود من القرآن في الصلاة وغيرها, والعمل بأحكامه حتّى يظهر مولانا صاحب الزّمان فيرتفع هذا القرآن من أيدي الناس إلى السماء ويخرج القرآن الذي ألّفه أمير المؤمنين فيقرأ ويعمل بأحكامه( ).
وقد روى الكليني في ((الكافي)) عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام: أنّ القرآن الذي جاء به جبرائيل عليه السلام إلى محمد ? سبعة عشر ألف آية( ).
وروى الكليني بإسناده عن أبي الحسن عليه السلام قال: قلت له: جعلت فداك إنّا نسمع الآيات في القرآن ليس هي عندنا كما نسمعها, ولا نحسن أن نقرأها كما بلغنا عنكم, فهل نأثم؟ فقال: ((لا, اقرؤوها كما تعلّمتم فيجيبكم من يعلّمكم))( ).
وقد أقرّ الخوئي –المرجع السابق للشيعة في العراق- دعوى وقوع التّحريف والنّقص في القرآن, يقول: إنّ كثرة الرّوايات على وقوع التّحريف في القرآن تورث القطع بصدق بعضها عن المعصومين, ولا أقلّ من الاطمئنان بذلك وفيها ما روي بطريق معتبر( ).
وفي ((الكافي)) للكليني: ((وإنّ عندنا لمصحف فاطمة... مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات, والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد))( ).
ب-مهدي الشيعة المنتظر يتكلم العبرانية:(8/84)
في كتاب ((الغيبة)) للنعماني: ((إذا أذّن الإمام دعا الله باسمه العبراني (فانتخب) له صحابته الثلاثمائة والثلاثة عشر قزع كقزع الخريف, منهم أصحاب الألوية, منهم من يُفقد عن فراشه ليلاً فيصبح بمكة, ومنهم من يرى يسير في السحاب نهاراً باسمه واسم أبيه وحليته ونسبه...))( ).
جـ-اليهود من أتباع المهدي الشيعي المنتظر:
روى الشيخ المفيد في ((الإرشاد)) عن المفضل بن عمر عن أبي عبد الله قال: يخرج مع القائم عليه السلام من ظهر الكوفة سبعة وعشرون رجلاً من قوم موسى, وسبعة من أهل الكهف ويوشع بن نون وسليمان وأبو دجانة الأنصاربي والمقداد ومالك الأشتر فيكونون بين يديه أنصاراً( ).
وواضح من النص أن القصد هم قوم موسى وأما البقية ممّن ذكروا فمن أجل التّمويه فقط, وحين خروجه ليس من الصعب أن يزعم أحدهم أنه سلمان الفارسي أو أبو دجانة الأنصاري أو أنه من أصحاب الكهف.
وبهذا نخلص إلى أن مهدي الشيعة:
1-يحكم بشريعة آل داود, وبقرآن جديد ليس هذا الذي بين أيدينا, ولو سأل سائل فأين شريعة آل داود لوجد الإجابة ولا شكّ أنه التلمود, ولذلك يبايع الناس على كتاب جديد, ففي كتاب ((الغيبة)) للنعماني عن أبي جعفر أنّه قال: ((فوالله لكأنّي أنظر إليه بين الرّكن والمقام يبايع الناس بأمر جديد شديد, وكتاب جديد, وسلطان جديد من السّماء))( ).
2-لسان المهدي هو العبرانية.
3-أتباعه من اليهود.
أعداء المهدي الشيعي
1-فعن جعفر أنه قال: ((لو يعلم الناس ما يصنع القائم إذا خرج لأحب أكثرهم ألا يروه مما يقتل من الناس, أما إنه لا يبدأ إلا بقريش فلا يأخذ منها إلا السيف, ولا يعطيها إلا السيف, حتى يقول كثير من الناس: هذا ليس من آل محمد ولو كان من آل محمد لرحم))( ).(8/85)
2-وفي ((الغيبة)) كذلك للنعماني عن جعفر أنه قال: ((إذا قام القائم من آل محمد أقام خمسمائة من قريش فضرب أعناقهم, ثمّ أقام خمسمائة فضرب أعناقهم, ثم خمسمائة أخرى حتى يفعل ذلك ست مرّات)), قلت: ويبلغ عدد هؤلاء هذا؟ قال: ((نعم منهم ومن مواليهم))( ).
3-وعن جعفر أنّه قال: ((يخرج موتورا غضباً أسفاً... يجرّد السّيف على عاتقه ثمانية أشهر يقتل هوجاء. فأوّل ما يبدأ ببني شيبة فيقطع أيديهم ويعلّقها في الكعبة وينادي مناديه: هؤلاء سرّاق الله, ثم يتناول قريشاً فلا يأخذ منها إلا السيف ولا يعطيها إلا السيف))( ).
فأعداؤه هم أهل السنة, وستهدى إليه دماؤهم.
حقيقة ملك اليهود كما هو عندهم (المخلص)
التّوراة( ) عند اليهود خمسة أسفار هي: التكوين والخروج واللاويين والعدد والتّثنية. ويزعمون أن موسى عليه السلام قد كتبها بيده( ) وبقية العهد القديم تتكون من 39 سفراً من الأسفار المنسوبة بالاسم إلى الأنبياء...
والتوراة خليط من الأخبار التاريخية والأحكام الشرعية والنبوءات المستقبلية( ) والأناشيد الدينية. ولعلّ النبوءات التوراتية هي أهم موضوع في التوراة عند أهلها, ومن الأسفار التي امتلأت بالنبوءات ((سفر حزقيال)), وهذا السفر كالأسفار التي تسمّت بأسماء كتبة هذه الأسفار.
وقد ذكر المخلّص ملك اليهود المنتظر في الكثير من الأماكن والأسفار( ), إلا أنّ اقتصاري على ذكر ((سفر حزقيال)) سببه أنّ فيه نبوءات أخرى مهمّة وهي ذات قيمة في العقيدة اليهودية مع أنّ المخلّص ورد ذكره أكثر في غير ((سفر حزقيال)).
نبوءات مهمة
أ-تدمير مصر:
وقد توزّعت النبوءة في هذا السفر (حزقيال) في الإصحاح التّاسع والعشرين والإصحاح الحادي والثلاثين وفي هذه النبوءة يقول:
1-وأتركك في البرية أنت وجميع سمك أنهارك على وجه الحقل تسقط فلا تجمع ولا تسلم, بذلتك طعاماً لوحوش البرّ وطيور السّماء.(8/86)
2-وتكون أرض مصر مقفرة وخربة فيعلمون أنّي أنا الرّب لأنه قال النّهر لي وأنا عملته لذلك ها أنذا عليك وعلى أنهارك وأجعل أرض مصر خرباً خربة مقفرة من مجدل( ) إلى أسوان إلى تخوم كوش.
3-ولا يكون بعد رئيس من أرض مصر( ).
4-وأشتّت المصريّين بين الأمم وأذريهم في الأرض فيعلمون أنّي الرّبّ.
5-حين أجعل أرض مصر خراباً, وتخلو الأرض من ملئها, عند ضربي جميع سكّانها يعلمون أنّي أنا الرّبّ. هذه مرثاة يرثون بها بنات الأمم ترثو بها على مصر وعلى كلّ جمهورها ترثو بها يقول السّيد الرّبّ( ).
ب-تدمير صور اللبنانية:
وهذه النبوءة توزّعت على الإصحاح السادس والعشرين والإصحاح السابع والعشرين والإصحاح الثامن والعشرين, وفيها يقول:
1-ها أنذا عليك يا صور فأصعد عليك أمماً كثيرة كما يعلي البحر أمواجه فيخربون أسوار صور ويهدّمون أبراجها وأسحي ترابها عنها.
2-وتكون غنيمة للأمم وبناتها اللواتي في الحقل تقتل بالسّيف.
3-حين أصيّرك مدينة خربة كالمدن غير المسكونة حين أصعد عليك القمر فتغشاك المياه الكثيرة.
4-يا ابن آدم ارفع مرثاة على ملك صور وقل له هكذا قال السّيّد الرّبّ.
في النبوءات يرفع حزقيال من معنويات شعبه الأسير بأن تنبّأ بموت كلّ أعدائه وبقرب انتصاره ورأى كيف ستكون أورشليم المستقبل فقد سار به في شوارع المدينة وبصّره المعبد المبني حديثاً وطلب منه أن يمعن النظر ويحفظ ما يراه ليحدّث به شعبه في أرض باب (الأسر اليهودي) وبشّرهم حزقيال بأن ملك الأرض سيكون من نسلهم وأنّ هذا الحاكم سيحكم باسم الرّبّ يهوه بالعدل والسّلام.
يقول حزقيال: يقول السّيّد الرّبّ:
1-حين أتقدّس فيكم قدّام أعينهم وآخذكم من بين الأمم وأجمعكم من جميع الأرض وآتي بكم إلى أرضكم وأرشّ عليكم ماءً طاهراً فتطهرون.
2-وتسكنون الأرض التي أعطيت آباءكم إيّاها وتكونون لي شعباً وأنا أكون لكم إلهاً.(8/87)
3-ها أنذا آخذ بني إسرائيل من بين الأمم التي ذهبوا إليها وأجمعهم من كلّ ناحية وآتي بهم إلى أرضهم وأصيّرهم أمّة واحدة في الأرض على جبال إسرائيل وملك واحد يكون ملكاً عليهم كلّهم. اهـ.
افتتن اليهود وأولعوا بقدوم الملك المخلّص, ففي كتاب ((اليهود الحسيديم)) للدكتور جعفر هادي حسن, يلاحظ النّاظر أنّ الكثير من أحبار اليهود قد أصابهم الخبل والجنون وهم ينتظرون الملك المخلّص. يقول الدكتور جعفر: فممّا نقل عن الصديقيم ليفي إسحاق بردلشيف (اسم حبر حسيديمي) أنّه كان يتوقّع ظهور المسيح المخلّص كلّ يوم, وكان يضع ملابس يوم السّبت جاهزة معه استعداداً لاستقباله... وقد وقف يوم التاسع من آب (يوم صيام اليهود) إلى جانب شبّاك في بيته وهو يتطلّع إلى الخارج بقلق, وكان كلّما سمع صوتاً يرهف سمعه ويتنصّت ليعرف مصدر الصوت( ).
وذكر صديقيما آخر كان دائم التّطلع إلى ظهور المخلّص اسمه موشة تيتلباوم, فقد كان ينتظره كلّ يوم ويترقّب خروجه... وكان في كلّ ليلة عندما ينام يهيّء ملابس السّبت ويذكّر حاجبه أن يوقظه في اللحظة التي يسمع فيها بظهور المخلّص( ).
الصديقيم إسحاق هروفتش (الرّائي) توفي سنة 1815م: هذا الصديقيم اتّفق مع ثلاثة من الصّديقيم على التّعجيل بظهور المخلّص أيّام احتلال نابليون لروسيا بالطّرق الباطنية( ).
تيتلباوم كان يقول: أنا لا أفهم لماذا لا يحاول الصديقيم في العالم الآخر التّعجيل بظهور المخلّص, إنّهم يجب أن يطبقوا السّماوات على الأرض من أجل ذلك, ولكنّهم ربّما نسوا ما يحدث في عالمنا الأرضي عند دخولهم الجنّة( ).
وكان الصديقيم موس بن زفي (ت1841م) يقول لأهله كلّ ليلة: لو كنت أعلم بأنّ شعر رأسي سيكون أبيض ولا ترى عيناي المسيح المخلّص لما بقيت حيّاً, يا رب أنت الذي أبقيتني وحفظتني بهذا الأمل وهذا الاعتقاد, إنك ضحكت عليّ فهل هذا شيء جيّد, وهل هذا شيء جيد أن تضحك على رجل مثلي؟( ).(8/88)
وبعضهم هيّأ غرفة خاصة في بيته وأسماها غرفة المسيح, وقد وضع فيها كلّ غال ونفيس عنده ولم يكن يسمح لأحد بالدخول إليها( ).
بل إنّ بعضهم وعد أنّه لن يدخل الجنّة عندما يموت حتّى يجبر المخلّص على الظّهور( ).
وفي سنة 1992م قامت طائفة من اليهود بتوزيع مناشير تبشّر الناس بقرب ظهور المخلّص, حتّى إنّه قد ذكر بأنّهم قد بنوا له دارة قرب مستوطنتهم ((حبد))( ).
وقد تقدّم معك اعتقاد بعض اليهود كمناجيم بيغن في موشي دايان أنه هو المخلّص( ).
موقظة
يعتقد النصارى أنّ المخلّص المذكور في التّوراة هو عيسى عليه السلام, وكثير من شرّاح التوراة يفسّرون بعض النبوءات أنّ المعني بها هو المسيح الدجّال, واليهود والنصارى يعتقدون بنبوءة قدوم المسيح الدجّال, وهم يؤمنون أنه سيكون خصم مسيحيّهم القادم, وأكثر الأسفار ذكراً لهذا المسيح –حسب تفسيرات الشرّاح- هو سفر دانيال( ), وعلى مرّ التاريخ كانوا يستخدمون هذه النصوص ضد المسلمين, وأكثر المؤمنين اليوم بعقيدة هرمجدّون (جبل المجد) يعتقدون أنّ المسيح الدّجّال هو من المسلمين (المحمدييّن حسب تعبيرهم).(8/89)
في الحروب الصليبية احتجّ البابا أوربان الثاني (سنة 489-1095م) بنصوص من العهد القديم (التوراة) وخاصة من المزامير, وبعض نصوص الإنجيل كذلك لاستثارة الحميّة النصرانية ضد المسلمين (الوثنيّين حسب تعبيره) تقول بني كول( ): يقول غبير (مؤرخ صليبي عاصر الحملات الصليبية): إنّ البابا ارتقى مراتب لاهوتيّة وعاطفية عالية, إذ وصل بين فكرة الرّد القسري المقدّر للأتراك الوثنيّين من فلسطين, وخصوصاً من القدس, واعتقاد الكنيسة فيما يتعلق بالمسيح الدجال ونهاية العالم وذلك كان اعتقاداً ألهب الخيال في العصور الوسطى إذ أنّ الكشف عمّا يقع من أحداث في أيّام العالم الأخرية, حيث يشتبك الإله مع المسيح الدجال, عدوّه الشّرير, في معركة كونيّة رهيبة, كان موضوعاً أثيراً في الفن الديني والكتابات اللاهوتيّة وفي المسرح, وإنّما جعل موضوع المسيح الدّجّال ملائماً هذه الملائمة لفكرة طبيعة الوجود التّركي المقدّر في فلسطين هو الاعتقاد أنّ هذا الصراع الخطر سيكون مسرحه مدينة القدس( ).
وكان النّصارى يعتقدون يومها أنّه قبل قدوم المسيح الدجال يجب أن تكون القدس خاضعة للمسيحيين, وكان هذا دافعاً لدى الرّهبان يومها لإشعال الحروب الصليبية, أمّا اليوم فقد تحوّلت العقيدة إلى أنّ خضوع فلسطين ينبغي أن يكون لليهود, وهو التفسير الصحيح للنبوءة كما يقولون, وهو يفسّر لك بعض التفسير لماذا يدعم النصارى الأصوليون الدّولة اليهودية في فلسطين( ).
سمات الدجال اليهودية
كما وردت في السنة النبوية
جاءت الكثير من الأحاديث التي تحذّر الأمة من الدجال, وذكرت الكثير من أوصافه وأخباره, وسنقتصر هنا على ذكر الصفات التي تبيّن التقاءه مع الوصف المتقدّم لمهدي الشيعة ومخلّص اليهود.(8/90)
وأما الأوصاف والأخبار الأخرى فسنتركها مع أهميتها لأنها لا علاقة لها بموضوعنا, وسنختصر هذا الباب لأنّ شرحه سيكون موسعاً إن شاء الله في تفسير آيات العلوّ الثاني لبني إسرائيل في سورة الإسراء, وهي جزء من دراسة تتعلّق بفقه الفتن, وأقصد بفقهها: حقيقتها, كيف يفهمها المسلم؟ كيف وظّفها رسول الله ?؟ وما هي أهميتها؟ وصور من الاستغلال الباطل لها.
1-يهودية الدّجّال:
عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ?: ((يمكث أبو الدّجّال وأمّه ثلاثين عاماً لا يولد لهما ولد, ثم يولد لهما غلام أعور, أضرّ شيء وأقلّه منفعة, تنام عيناه ولا ينام قلبه)), ثمّ نعت لنا رسول الله ? أبويه, فقال: ((أبوه طوال ضرب اللّحم( ) كأن أنفه منقار, وأمّه فرضاخيّة( ) طويلة الثّديين)). قال أبو بكرة: فسمعت بمولود في اليهود بالمدينة, فذهبت أنا والزبير بن العوّام, حتّى دخلنا على أبويه, فإذا نعت رسول الله ? فيهما. قلنا: هل لكما ولد؟ فقالا: مكثنا ثلاثين عاماً لا يولد لنا ولد, ثم ولد لنا غلام أعور أضرّ شيء وأقلّه منفعة, تنام عيناه ولا ينام قلبه. قال: فخرجنا من عندهما, فإذا هو منجدل في الشّمس في قطيفة, وله همهمة, فكشف رأسه, فقال: ما قلتما؟ قلنا: وهل سمعت ما قلنا؟ قال: نعم تنام عيناي ولا ينام قلبي( ).
موقظة
هذا الحديث فيه ذكر ولادة الدجال وأنّه هو ابن صيّاد, وقد كان بعض الصحابة رضي الله عنهم يعتقد أنّ ابن صيّاد هو المسيح الدجّال, ومات رسول الله ? وهو شاك فيه, والحق أن ابن صياد ليس هو المسيح الدجال لمغايرته للكثير من صفاته, ولكنّنا أخذنا من هذا الحديث أنّ الصحابة رضي الله عنهم كانوا يعتقدون بيهودية الدّجال وهذا هو المهم والمقصود.
2-أتباعه من اليهود:
1-عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنّ رسول الله ? قال: يتبع الدّجال من يهود أصبهان سبعون ألفاً عليهم الطّيالسة( ).(8/91)
2-عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله ? ذكر الدّجّال فقال: ((يكون معه سبعون ألفاً من اليهود على كل رجل منهم ساج وسيف))( ).
3-مكان خروجه:
عن النّواس بن سمعان رضي الله عنه أن النبي ? قال: ((إنّه خارج في خلّة بين الشّام والعراق))( ).
خاتمة
بهذا تكتمل لدينا هذه الحقيقة إن شاء الله تعالى, ونرجو من الله النفع بها, والبحث لا يكون تاماً إلا بوجود دراسة واسعة مهمة في كيفية عمل طوائف البدع والشّرك والكفر في تحقيق نبوءات كتبهم الباطلة حتى تبدو منطقية ولا دور لعمل فوقي قهري فيها, وهذا الأمر في الحقيقة هو أحد الامتحانات المهمة للعقلية المسلمة في هذا الوقت, وهي تحتاج إلى طريقة علمية مبناها على العمل وجمع المفردات من مظانّها ودراسة مناطق وقوع النبوءة والكشف عن التيارات الظاهرة والخفية من سياسية ودينية واجتماعية ومراكز إشاعة وإعلام, وأنا أنصح إخواني الذين لهم اهتمام بهذا الباب أن يبتعدوا عن التّوهّم وإرسال النظر من وراء الجدر في دراسة أيّ ظاهرة سياسية أو اجتماعية أو دينية, ولا يغترّوا بجمال الأفكار على حساب الحقيقة.(8/92)
وللذكر فإن هذا النوع من الأعمال والتي مبناها على التّوهّم والاستشراف والتّحليل عن بعد وإتقان عدّ الاحتمالات هو من مضحكات الأعمال عند الذين يحترمون أنفسهم, وما مراكز الدراسات التي تصنع القرار أو تطبخ القرار في أي بلد أو تجمّع إلا مجموعة من الجامعين العمليّين لحيثيّات القضية, وليس مجموعة من أصحاب التّوهم والتحليل عن بعد ومن وراء جدر, ولذلك نرى أن الغرب بنى أساس تعامله مع مجتمعاتنا من خلال دراسات ميدانيّة عن طريق الرّحلات الاستكشافية في داخل أمتنا, وقاموا بدراسة كلّ ظاهرة وبتجميع كتب التراث ومعرفة القبائل ومعرفة واقع العلاقة بين الناس....الخ. ثمّ بعد ذلك وعلى ضوئها استطاعوا أن يصنعوا أعمالاً حقيقية دام أثرها علينا وإلى يومنا هذا, ولكن لأن البعض ظنّ أنه إن استطاع عدّ الاحتمالات الوهمية لقضية ما فإنه يستحق أن يسمّى خبيراً استراتيجياً.
والدّراسات الموضوعية الميدانية صياغة قرآنية وسنّية, وقد نهى القرآن عن اتّباع الوهم, قال تعالى: ?ولا تقف ما ليس لك به علم إنّ السمع والبصر والفؤاد كلّ أولئك كان عنه مسؤولاً? [الإسراء:36], والكليّات والمطلقات لا وجود لها إلا في الأذهان, وهي سبيل غير علمي وغير حقيقي, والغرب الكافر لم يتقدّم في ميدان العلوم إلا بعد تحطيم أغلال الفلسفة القائمة على التّوهّم الذّاتي, وممّن أرسى هذه القواعد عندهم فرانسيس بيكون, واقرأ إن شئت كتاب كانت: ((نقد العقل المجرّد))... قال تعالى: ?قل سيروا في الأرض فانظروا?..
والحمد الله رب العالمين(8/93)
العدد التاسع
غرّة ربيع الأول / 1425هـ
متى تتحكم العقول بالعواطف؟
1-…فرق ومذاهب (الدروز).
2-… سطور من الذاكرة (حقيقة ما نقموا على عثمان).
3-… كتاب الشهر (الحقائق الغائبة بين الشيعة وأهل السنة).
4-…قالوا.
5-…جولة الصحافة (الدور الإيراني الأسود في العراق – أصبح علنياً).
6-…جولة الصحافة (الطائفية في العراق .. تنزل إلى الشارع).
7-…جولة الصحافة (تعاون بين حزب الله وأمل للسيطرة على مساجد السنة في لبنان).
8-…جولة الصحافة (في مهادات شيعية).
9-…جولة الصحافة (لعبة طهران المزدوجة).
10-…جولة الصحافة (مناورات الصدر ومردودها).
11-…دراسات (فرق الهند المنتسبة للإسلام - الإسماعيلية).
فاتحة القول
متى تتحكم العقول بالعواطف؟
إن العواطف الجياشة لدى المسلمين هي أهم الموارد التي يجب المحافظة عليها وتنميتها ذلك أنها من الدوافع الهامة والرئيسة للعمل والبذل والتضحية في سبيل الله, ولكن يجب أيضاً أن نضبط هذه العواطف بالشرع والعقل حتى لا تصبح تهوراً يضر ولا ينفع من جهة أو انخداعاً بالمنافقين والمندسين الذين وصفهم لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنهم (دعاة على أبواب جهنم.. يتكلمون بألسنتنا)!!
وسبب هذا التكرار لموضوع ترشيد العواطف السنية هو مقالان يتعلقان بالأمل الخادع والحمل الكاذب الذي تحمله تحركات الشاب مقتدى الصدر في وجه الاحتلال الأمريكي حيث أشار المقال الأول إلى نتائج استطلاع قام به موقع إسلام أون لاين يومي 7 – 8/4/2004 فكان رأي غالبية المشاركين أن مقتدى هو مثيل لحسن نصر الله وأن حركته ستكون عاملاً في التقريب بين السنة والشيعة, وكانت الأرقام كالتالي: من 8489 شخصاً شارك كان هناك 72.51% وافقوا على أن مقتدى يماثل حسن نصر الله. ومن 8445 شخصاً رأى 84.7% منهم أن حركته ستعمل على التقارب.(9/1)
ولكن هذه العواطف الجياشة بعد 10 أيام تغيرت وكان من أوضح من عبر عن ذلك الدكتور كمال رشيد وهو شاعر وصحفي بارز ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن وكان رئيس تحرير صحيفة الرباط التابعة للإخوان في بداية التسعينيات. ومدير المدارس العمرية, وننقل مقاله كاملاً الذي نشره في صحيفة الدستور في 17/4/2004م:
أمريكا وإيران: تهديد وتوسيط
لا ندري أهي سياسة وكياسة وفراسة أم عباطة وبلاطة ذلك التعامل الذي تتعامل به الإدارة الأمريكية مع إيران, ولا ندري أهو ذكاء وإخاء وولاء, أم دفع للشر.
الإدارة الأمريكية تطلب الوساطة الإيرانية في مشكلة مقتدى الصدر الذي قالت عنه أنه مطلوب لها حياً أو ميتاً.
ولا ندري كيف اعتدل مزاج الشيخ مقتدى الصدر, فأخذ يطلق التصريحات المعتدلة, أو التي تحمل كثيراً من التقية أو التنازل, ولا ندري كيف استجابت إيران للمطلب الأمريكي, ثم كيف نجحت, حيث أخذ الظلام المتلبد في الموقف ينقشع شيئاً فشيئاً, ونخشى أن يفضي إلى ليلة قمراء, وربيع ممرع.
التهديد الأمريكي لإيران قائم منذ قيام الثورة الإيرانية, وقد صنفت أمريكا إيران في حلف الشر, ولقد ازداد التهديد وتصاعد في الأشهر القليلة, وكان المهماز والذريعة الأسلحة النووية والمفاعل النووي الإيراني, كما كانت أسلحة الدمار الشامل هي الذريعة لاحتلال العراق وتدميره.
وفي أسبوع التأزم الأمريكي العراقي الفائت تجدد التهديد الأمريكي لإيران, واتهمت الأخيرة بانها وراء الأحداث.
وما كان لأحد أن يتوقع أن تلجأ أمريكا إلى الوساطة الإيرانية بينها وبين مقتدى الصدر وجيش المهدي, ولا ندري إن كانت الهجمة الأمريكية على الفلوجة مشمولة في تلك الوساطة أم أن أمريكا تريد أن تسكت مقتدى الصدر لتتفرغ للفلوجة أو تريد أن تسكت الشيعة لتتفرغ للسنة.(9/2)
وفي سرعة البرق نجحت الوساطة الإيرانية, وتغير الموقف الشيعي الصدري, وتراجع الشيخ الشاب عن كثير من طروحاته وشروطه, وأعلن أنه لا يتجاوز المرجعية الشيعية الأم التي يمثلها السيستاني الذي يلجأ للتهدئة, والذي له ارتباط وحظوة مع إيران ومرجعية قم.
أما وساطة الحزب الإسلامي بين أهل الفلوجة والقوات الأمريكية وقوات التحالف فقد فشلت, حيث لم تلتزم القوات المحتلة بأوقات الهدنة وشروطها, وربما لم يحسم الأمر حتى الآن, وقد يحسم مستقبلاً.
وهكذا نفهم أنه لا رهان في السياسة, لا عند الدول ولا عند الأفراد, فالموقف الأمريكي والموقف الإيراني والموقف الشيعي الصدري أصبحت كلها متغيرات ومفاجآت, وجاءت على عكس المعلن والمتوقع تماماً.
أمريكا تطلب من عدوها إيران –إن جاز التعبير- وإيران تستجيب, وتنجح, والصدر يستجيب ويرجع للمربع الأول, وإذا ضممنا الصدر إلى السيستاني, فمعنى ذلك إن الموقف الشيعي أصبح مضموناً وإلى أشعار آخر, "ويصفى الميدان لحميدان" تبقى المواجهة بين السنة وقوى الاحتلال.
نقول هذا ونحن مشدوهون متألمون, ونرجو أن نكون مخطئين, وليس من العدل أن يعتبر الشيعة أنفسهم الأكثرية في العدد, من غير أن يكونوا الأكثرية في زحزحة كابوس الاحتلال.
وإذا تكون كريهة ادعى لها وإذا يحاس الحيس يدعى جندب
وبعد هذا المقال ما هو سبب هذه الحيرة عند دكتور وشاعر وصحفي ورجل حركي؟
الجواب واضح إذا كانت المقدمات صحيحة جاءت النتائج سليمة ولذلك:
-إذا لم نفهم الأفكار المحركة للقادة والتيارات فإن كل توقعاتنا ستكون خاطئة.
-إذا لم نعرف المتغيرات والثوابت لدى أصحاب الصوت العالي سنضل الطريق.
-إذا لم نعرف التاريخ الحقيقي لهذه الجهات سنمشي خلف السراب.
-إذا لم نر الواقع بأعيننا وتقليص الفارق بين التصريحات والأعمال سنبقى في الإوهام.
ومفتاح ذلك كله سلامة المنهج والاعتقاد تنير لنا الدرب وتكشف الحائدين عن الصراط.?
فرق ومذاهب
الدروز(9/3)
التعريف والتأسيس:
فرقة باطنية تؤله الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله الذي يمثل محور العقيدة الدرزية, وقد أخذت جلّ عقائدها عن الإسماعيلية(1). وتنسب فرقة الدروز إلى محمد بن إسماعيل الدرزي(2) المعروف بنوشتكين وهو من أصل فارسي جاء إلى مصر سنة 408 ه واتصل بالحاكم, وكان أول من أعلن ألوهية الحاكم.
وشاركه في جريمته هذه رجل فارسي أيضاً اسمه حمزة بن علي من أهالي زوزن بإيران. وقد جهر الدرزي بهذه العقيدة أمام الناس في الجامع الأزهر في القاهرة دون انتظار أوامر حمزة مما ألّب عليه الناس, وهموا بقتله بسبب القول بألوهية الحاكم, فهرب الدرزي إلى بلاد الشام, وظل يدعو إلى عقيدته هناك حتى هلك سنة 410 ه.
وهمّ الناس بقتل حمزة أيضاً لولا تدخل الحاكم. وحمزة الزوزني هو المؤسس الفعلي لعقائد الدروز.
أهم العقائد:
1-…يعتقدون بألوهية الحاكم بأمر الله وهو التجلي الأخير للألوهية عندهم , ولما مات قالوا برجعته آخر الزمان.
2-…إنكار الأنبياء والرسل ونسبتهم إلى الجهل, وتلقيبهم بالأبالسة.
3-…لا يعترفون باليوم الآخر, ولا بالثواب والعقاب في ذلك اليوم, بل يرون أن الثواب والعقاب يكون عن طريق تناسخ الأرواح.
4-…نبيهم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو سلمان الفارسي الذي تناسخت روحه في زمن الحاكم في شخص حمزة.
5-…يعتقدون أن المسيح هو داعيتهم حمزة.
6-…ينكرون القرآن الكريم ويقولون إنه من وضع سلمان الفارسي, ولهم مصحف خاص بهم يسمى المنفرد بذاته.
7-…يعتقدون أن الحاكم أرسل خمسة أنبياء هم حمزة وإسماعيل ومحمد الكلمة وأبو الخير وبهاء.
8-…التستر والكتمان من أصل عقيدتهم, والوقوف مع القوي والمتمكن.
9-…نقض الشريعة, فإن أركان الإسلام وفرائضه استبدلوها بطلاسم كما سيأتي بيانه.
شعائرهم:
تقوم الشريعة عند الدروز على نقض أركان الإسلام وفرض " سبع دعائم تكليفية " بدلاً منها, وهذه الدعائم هي:
1-…سدق (صدق) اللسان وجعلوها عوض الصلاة.(9/4)
2-…حفظ الإخوان: وهذا لا يعني الأخوة الإنسانية, بل " الأخ" عندهم هو من يشاطرهم هذه الخصال. وجعلوها عوض الزكاة.
3-…ترك ما كان عليه الموحدون وما اعتقدوه من عبادة العدم والبهتان: أي أن كل عبادة تقدم لسوى الحاكم لا تصادف إلاّ عدما. وجعلوها عوض الصيام.
4-…البراءة من الأبالسة والطغيان – ويقصدون الأنبياء – وجعلوها عوض الحج.
5-…التوحيد للمولى في كل عصر وزمان وجعلوها عوض الشهادتين.
6-…الرضا بفعله كيفما كان وجعلوها عوض الجهاد.
7-…التسليم لأمره في السر والحدثان وجعلوها عوض الولاية.
ويصرف الدروز أحكام وشعائر الدين عن مرادها,ويدّعون أن للدين ظاهراً وباطناً ومن أجل توضيح الدعائم السابقة,جاء في بعض رسائلهم أن:
1-…الشهادتين في نظر الدروز تدلان على عبادة الحاكم وعلى أئمة دعوة الدروز, ولا يقصد بها ما يقصده أهل السنة ولا الاسماعيلية.
2-…الصلاة هي صلة قلوب الدروز بعبادة الحاكم على يد خمسة حدود, وهذه هي الصلاة الحقيقية في نظرهم.
3-…الزكاة عندهم هي عبادة الحاكم, وتزكية قلوبهم وتطهيرها وترك ما كانوا عليه.
4-…الصوم هو صيانة قلوبهم.
5-…الحج أيضاً صار له معنى مختلف وهو توحيد الحاكم.
6-…أما الجهاد فقد أسقطوه عن الناس, لأن الجهاد الحقيقي – كما يزعمون – هو السعي والاجتهاد في توحيد الحاكم ومعرفته وعدم الإشراك به.
وهكذا فإن هدم الشريعة الإسلامية هو الهدف الأول والأخير لجميع الفرق الباطنية, وفي مقدمتهم الدروز, لذلك ليس بمستغرب أن يقول حمزة الزوزني زعيمهم في رسالة "التحذير والتنبيه": ((أنا ناسخ الشرائع ومهلك أهل الشرك والبدائع, أنا مهدم القبلتين, ومبيد الشريعتين ومدحض الشهادتين)).
الزواج والطلاق والوصية:
الزواج:
توجب التعاليم الدرزية على الرجل أن يساوي المرأة بنفسه إذا أراد الزواج منها, وينصفها من جميع ما في يده.
الطلاق:(9/5)
وإذا اضطر الدرزي إلى الطلاق, فينبغي أن يعرف من منهما المقصر في معاملته للآخر, فإذا كانت الزوجة هي التي ترغب في الطلاق فيكون لزوجها نصف ما تملكه, بعد أن يشهد عدول أنها هي المقصرة في حق زوجها, وأنه كان يعاملها معاملة حسنة, وإذا شهد الشهود بأنه كان يهينها ولا يعاملها بالمساواة فلها أن تأخذ معها كل ما هو لها دون أن يسمح له بأن يأخذ منها شيئاً, وإذا شاء الرجل أن يطلق زوجته من تلقاء نفسه دون أن تكون قد أذنبت, يكون لها نصف ما يملكه من بيته وأثاثه وأمواله ودوابه.
وإذا طلق الدرزي زوجته فلا يجوز له أن يتزوجها مرة أخرى, سواء بمحلل أو غير محلل, فهم لا يميزون بين الطلاق الرجعي, والطلاق البائن بنوعيه بينونة صغرى وبينونة كبرى, بل الطلاق عندهم طلاق واحد, ولا يجوز بعده أن يرجع الرجل إلى مطلقته.
ويرى بعض الدروز كما جاء في كتاب "الدروز والثورة السورية" لكريم ثابت أن المقصود من الزواج هو إيلاد البنين فقط, لا اقتضاء الشهوة, ومتى صار للرجل من زوجته أربعة أولاد إذا كان غنياً, وإذا كان فقيراً حتى لا يكون ضيق عليه في تقديم لوازم المعيشة, فيجب عليه حينئذ أن يبتعد عن زوجته بقية العمر.
لكن سعيد الصغير في كتابه (بنو معروف – الدروز) يقول: وهذه القاعدة لا يحافظ عليها إلاّ أفراد قلائل من عقالهم الذين يعتبرون أن الزواج لحفظ النسل فقط.
ولا يجوز عندهم زواج الدرزية من غير الدرزي. ولا زواج الدرزي من غير الدرزية, فإن حدث فإنه يكون باطلاً, ولا يجوز عندهم أيضا تعدد الزوجات، بل يجب الاقتصار على زوجة واحدة.
الوصية:(9/6)
الوصية عند الدروز تجوز بجميع المال لوارث ولغير وارث, فللدرزي أن يوصي قبل موته بأملاكه لمن يشاء, ولكن بشرط أن تكون الوصية بالمال الذي اكتسبه بسعيه هو نفسه, أما إذا كان قد ورثه فلأولاد الموصي أن يطلبوا القسمة إن كان قد ورث ما في يده عن آبائه, لأن ذلك – ما للبيت – تستوي فيه الأصول والفروع, فإن كان قد اكتسبه بسعيه لم يكن لهم ذلك, لأن مال الشخص ينفرد فيه بنفسه.
ويطلب من الدروز أن يوصوا بجزء من أموالهم, وخاصة الموسرين منهم, لعقّالهم ومساكينهم.
تواجدهم:
أ- فلسطين: لئن ذكر الدروز في فلسطين, فإنه لا بد من الحديث عن مساندتهم لنابليون في حصاره لمدينة عكا, حيث كانوا يستغلون كل فرصة من أجل إقامة دولة درزية.
وقد جاء في كتاب "الدروز في ظل الاحتلال الإسرائيلي" لمؤلفه الدرزي غالب أبو مصلح ص222 أن نابليون بونابرت امبراطور فرنسا وجّه في 20 آذار 1798 رسالة إلى الدروز وأميرهم بشير( ) ... جاء فيها:
((بعد السيطرة على مصر دخلت صحراء سيناء في سوريا, فأتيت إلى قلعة العريش ثم إلى غزة, ثم إلى يافا بعد أن التقيت جيوش الجزار( ) وسحقتها ومنذ يومين وصلت إلى عكا, وأنا أحاصره هناك.
وأسرع إلى إعلامك بكل ذلك, لأنني لا أشك أنك تفرح لهزائم هذا الطاغية الذي سبب الكثير من الذعر إلى الإنسانية عامة والدروز الأباة بشكل خاص, ورغبتي المخلصة هي أن أقيم للدروز استقلالهم وأعطيهم مدينة بيروت ذات المرفأ كمركز تجاري لهم.
لذلك فإني أرغب في أن تأتي شخصياً لمقابلتي, أو ترسل حالاً من يمثلك لرسم خطة للتغلب على عدونا المشترك, ويمكنك أن تذيع في جميع القرى الدرزية, أن كل من يأتي لنا بالمؤن, وخاصة الخمر, سيكافأ بسخاء)).
ويقول الكابتن بورون أن الأمير بشير لم يجب على رسالة نابليون ولكن قوة من الدروز والموارنة انضمتا إلى جيوش نابليون الذي كان يحاصر عكا.
ويعلق الكاتب الدرزي فريد أبو مصلح على موقف الدروز هذا فيقول :(9/7)
((لا شك أن الأمير بشير كان مشدوداً إلى نابليون لولا شكه بفرص انتصاره, لأعطى الامبراطور الفرنسي, من كل قلبه دعمه النشيط)).
وفي سنة 1948, أوفد الدروز زعيمهم الأمير حسن الأطرش على رأس وفد درزي إلى أمين عام جامعة الدول العربية أثناء زيارته إلى سوريا في الأيام التي سبقت الحرب وعرض عليه –حسب ما يذكره الكاتب الدرزي فؤاد الأطرش في كتابه "الدروز: مؤامرات وتاريخ وحقائق"- أن ينفرد الدروز بحرب إسرائيل شريطة أن تسمح لهم الأنظمة العربية بالاستيطان في الأراضي التي يتم تحريرها, وبشكل أكثر صراحة أن تسمح لهم الحكومات العربية بإقامة وطن خاص بهم.
ويتواجد الدروز حالياً في الجليل في شمال فلسطين وجبل الكرمل, وهي جزء من المناطق التي احتلها اليهود سنة 1948. ويقدر عددهم بـ 90 ألفاً.
وغني عن القول أن العلاقات التي تربط اليهود بالدروز في فلسطين هي علاقات وثيقة, ولا يجد الدروز حرجاً بانتمائهم إلى (إسرائيل) وهذا ما جعل اليهود يجندون الدروز في الجيش الإسرائيلي,لأنهم يعلمون ولاءهم. وهذا ما تدل عليه مجريات الانتفاضة حيث كثيراً ما يكون قمع المواطنين الفلسطينيين المسلمين على أيدٍ درزية, وقد مات بعض الجنود من الدروز في الجيش الإسرائيلي في مواجهات الانتفاضة.
ب- الأردن
يتركز الدروز في منطقة الأزرق غرب الأردن, وهي منطقة صحراوية قليلة السكان, كما أنهم يتواجدون في مناطق الزرقاء والرصيفة وعمّان وأم القطين. ويقدر عددهم بـ 12 – 15 ألف شخص.
وبدأ ارتباط الدروز بالأردن في العقود الأخيرة للقرن التاسع عشر باعتبار أن المنطقة –جغرافيا – لم تكن مجزأة, وكانت منطقة الأزرق لقربها من أراضي جبل الدروز تتبع له.
وكان توافد الدروز إلى الأردن يتزايد بسبب سوء الأوضاع في ظل الاستعمار الفرنسي لسوريا ولبنان حيث موطن الدروز.
ج-لبنان(9/8)
يتركزون في جبل الدروز (جبل حوران) ويقدر عددهم بـ 200 ألف شخص. ومن عائلاتهم البارزة آل أرسلان وآل جنبلاط وآل يزبك.
د-سوريا
يتواجدون بشكل خاص في هضبة الجولان المحتلة وفي محافظة السويداء وجبل الدروز ويقدر عددهم بـ 300 ألف. ومن عائلاتهم البارزة آل الأطرش في جبل الدروز وآل كنج في الجولان.
ووجود الدروز في سوريا يعود إلى قدومهم من لبنان, حيث يقول المؤرخ الشهير محمد كرد علي في الجزء الثالث من "خطط الشام" فيما ينقله عنه محمد عبد الغني النواوي:
((فلما وقع ما وقع في حوادث لبنان عام 1860 قضت الطبيعة على بعض رجال طائفة الدروز أن يهاجروا إلى جبل حوران, فرحلوا إليه في فريق من إخوانهم أهل وادي التيم والجبل الأعلى وصفد وعكل وغوطة دمشق وإقليم البلان, وكان منهم طائفة فروا من وجه القضاء في الأصقاع الأخرى, وآخرون أتوا حوران بدافع الحاجة, فكثروا سواد من قد حلوا في هذه الربوع أيضاً من أبناء مذهبهم, وأول نزول الدروز في حوران بعد وقعة عين دارة المشهورة في لبنان سنة 1710م (1122هـ) فتألفت كتلة منهم هناك وقويت عقيب حوادث الشام.
إذاً وجودهم في جبل حوران يعود إلى ما بعد سنة 1710م (1122هـ), حيث بدأوا يستللون إلى الجبل ويعتدون على أهل حوران, وذكر المؤرخ محمد كرد علي أنه منذ نزول الدروز في حوران ما برحوا يناوشون النصارى والسنيين من أهل القرى والبادية للقتال, حيث استقلوا به استقلالاً تاماً, وذكر من جرائمهم في الجبل هجومهم على أهل بُسر الحرير سنة 1296هـ وقتلهم ثمانية أو عشرة من أهلها, وفي سنة 1298هـ هجموا على قريتي الكرك وأم ولد وذبحوا سكانهما عن بكرة أبيهم.
وقد حاولت الدولة العثمانية تأديبهم أكثر من مرة لكنها فشلت وتراجعت أمام ضغوط الإنجليز.(9/9)
ويزعم الدروز أنهم سكنوا حوران هرباً من الاضطهاد الذي كانوا يتعرضون له في لبنان, وبالرغم من أنهم تعرضوا لشيء من الاضطهاد إلا أن هجرتهم كانت تخطيطاً من أجل إقامة دولة خاصة لهم.
وعند دخول المستعمرين الفرنسيين إلى سوريا سنة 1920م رحب الدروز بالغزاة, وقد ذكر الدرزي ذوقان قرقوط أنه عندما عين الجنرال غورو مفوضاً سياسياً وقائداً عاماً لجيوش فرنسا في الشرق اختار حرسه الخاص من الدروز بمعرفة متعب الأطرش, وخص الجبل بأكثر من ثلاثة آلاف صورة من صوره وهو في زيه العسكري ويحيط به حرسه الدروز بثيابهم العربية المزركشة وسيوفهم المتوهجة.
وقويت علاقة الدروز مع الفرنسيين المحتلين, وجرت اتصالات بين الطرفين من أجل استقلال الجبل عن سوريا, وقد وضعوا برنامجاً لاستقلال الجبل, وفيما يلي رسالتهم إلى رئيس البعثة الفرنسية في دمشق:
"بناء على بلاغاتكم المتكررة للرؤساء الروحانيين, لنا الشرف, أن نقدم لسيادتكم بالنيابة عن الشعب الدرزي في جبل حوران, برنامج الاستقلال المدرج أعلاه الذي يطلبه الشعب لكي تتكرموا بتقديمه لحضرة صاحب الفخامة المندوب السامي راجين أن يتوسل بالتصديق عليه من قبل حكومة الجمهورية الفرنسية المعظمة".
أبرز شخصياتهم المعاصرة:
أ- في فلسطين
1-…الشاعر سميح القاسم: عضو في الحزب الشيوعي الإسرائيلي "ركاح".
2-…مصباح الحلبي: صحفي, صاحب كتاب "الدروز في إسرائيل".
3-…النائب صالح طريف: الذي كان وزيراً بلا وزارة أو وزير دولة في حكومة شارون التي تشكلت سنة 2001, وهو ينتمي إلى حزب العمل الإسرائيلي, وقد خرج من الحكومة بسبب فضائحه الجنسية والاتهامات التي وجهت له بالرشوة.وقد عمل في الجيش الإسرائيلي ضابط مظلات وكان رئيساً للمجلس المحلي في منطقته.
4-…النائب أيوب قرا: يرفض أن يوصف بأنه عربي ويفتخر بأنه شارك شارون في زيارته وتدنيسه للمسجد الأقصى التي فجرت الانتفاضة, كما يفتخر بحبه ((لدولة إسرائيل الصهيونية)).(9/10)
5-…موفق طريف:
6-…عزام عزام: الجاسوس الشهير الذي اعتقلته مصر, وكان يعمل لحساب الكيان الصهيوني, ويبذل اليهود جهوداً كبيرة لإطلاق سراحه.
7-…كمال قاسم: أول قاضٍ درزي في الكيان الصهيوني.
8-…يوسف مشلب: ضابط برتبة لواء, يشغل الآن منصب منسق الأنشطة الإسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزة. وكان قبل ذلك قائد الجبهة الداخلية في الجيش الإسرائيلي.
9-…د. نجيب صعب: رئيس المجلس المحلي في قرية أبو سنان في الجليل الغربي. وقد تم اختيار ابنته رغدة لإشعال النار في المشاعل خلال الاحتفال بقيام ((دولة إسرائيل)) حسب التقويم العبري في 16/4/2002.
10-…المحامي: أسامة حلبي: صاحب كتاب من طائفة إلى شعب.
11-…جمال معدي: رئيس حركة النهضة الدرزية ورئيس حركة المبادرة الدرزية المستقلة.
12-…محمد نفاع: سكرتير الحزب الشيوعي الإسرائيلي.
ب- في الأردن
1-…الكاتب تيسير أبو عاصي: يكتب عن الدروز من وقت لآخر في صحيفة الرأي الأردنية.
2-…الكاتب تيسير أبو حمدان صاحب كتاب (بنو معروف في واحة بني هاشم) و"الدروز مسلكاً ومعتقداً".
3-…الكاتب جمال أبو حمدان له رواية قطف الزهرة البريّة.
4-…شكيب السومري: مؤسس فرقة الأزرق للفنون الشعبية سنة 1992.
5-…رشيد طليع: أول رئيس وزراء للأردن في عهد الإمارة, وهو لبناني درزي.
ج- في لبنان
1-…كمال جنبلاط: زعيم سياسي لبناني أسس الحزب التقدمي الاشتراكي وقتل سنة 1977.
2-…وليد جنبلاط: ابن كمال, ورث والده في رئاسة الحزب والزعامة السياسية للطائفة. يشير دائماً إلى تربيته ونشأته العلمانية.
3-…الوزير غازي العريضي: كان وزيراً للإعلام, وهو يشغل الآن منصب وزير الثقافة في حكومة الحريري.
4-…أبو حسن عارف حلاّوي: الزعيم الروحي للطائفة, وقد مات في شهر ديسمبر (كانون الأول) من عام 2003 عن 104 سنوات.
5-…الأمير طلال أرسلان: وزير دولة في حكومة الحريري.
6-…الأمير فيصل أرسلان: شقيق طلال.(9/11)
7-…سمير القنطار: أقدم أسير لبناني لدى الكيان الصهيوني. ينتظر الإفراج عنه في صفقة تبادل الأسرى بين حزب الله وإسرائيل.
8-…الشيخ بهجت غيث, وهو شيخ عقل الطائفة في لبنان.
9-…الشيخ مرسل نصر رئيس المحكمة الاستئنافية الدرزية العليا.
د- في سوريا
1-…الشيخ شبلي الحناوي شيخ الطائفة في سوريا, وتوفي في شهر مايو (أيار) سنة 2001.
2-…سلمان فخر الدين, ناشط في حقوق الإنسان في الجولان المحتل.
3-…زيد علي سكيكر, صاحب كتاب ((الموحدون عرب مسلمون.. لا دروز)).
شخصياتهم التاريخية:
- سلطان باشا الأطرش: ولد سنة 1891 في سوريا, وتوفي سنة 1982. وقد أرسل رئيس وزراء الكيان الصهيوني –آنذاك- مناحيم بيغن برقية تعزية إلى دروز الجولان وفلسطين بوفاته.
وبدأت شهرته تنتشر منذ بداية الحرب العالمية الأولى, وكان قد أعلن تأييده للإنجليز ضد الدولة العثمانية, وكان في طليعة الذين استقبلوا جيش لورنس عند دخوله إلى سوريا.
وقد كتب سلطان في 19 ذي الحجة سنة 1336هـ رسالة إلى ابن عمه سليم الذي كان قائداً للجيش التركي في الجبل سجل فيها موقفه من بريطانيا بكل صراحة وجاء فيها: نحن أعلنا الحرب المقدسة على بواقي جيوش الترك الجائعة وننصحك أن تعود إلى جادة الصواب لئلا تندم بعد قليل حيث لا ينفع الندم.
وأن الأخبار التي سمعناها عن سقوط بلاد نابلس والناصرة وطبريا بيد دولة العالم وسيدة البحار بريطانيا العظمى صديقتنا القديمة وخاصة دمار طائفة الدروز هي حقيقة وليست أخباراً مصنوعة في ألمانيا....
وقد جاء في صحيفة التلغراف اللبنانية سنة 1950م أن رئيس بلدية حيفا الإسرائيلي أرسل سيفاً كهدية رمزية له, وفي سنة 1953م أرسل حاكم سوريا العسكري أديب الشيشكلي قوات عسكرية لتأديب الدروز الذين تمردوا عليه في جبل حوران, وأدت هذه القوات مهمتها, ووضعت يدها على كميات كبيرة من الأسلحة التي استخدمها الدروز في ثورتهم, وكانت هذه الأسلحة قد دخلت الجبل عن طريق إسرائيل.(9/12)
- الأمير شكيب أرسلان يلقب بأمير البيان, ولد سنة 1869 في الشويفات في لبنان, صاحب مؤلفات كثيرة.
- الأمير مجيد أرسلان.
المجتمع الدرزي
ينقسم المجتمع الدرزي من الناحية الدينية إلى قسمين:
روحاني: هو الذي بيده أسرار الطائفة. وينقسم إلى:
أ-رؤساء: بيدهم مفاتيح الأسرار العامة.
ب- عقال أو عقلاء: بيدهم مفاتيح الأسرار الداخلية.
ج- أجاويد: بيدهم مفاتيح الأسرار الخارجية.
2- جثماني: الذي لا يبحث في الروحانيات, إنما يعتني بالأمور الدنيوية وينقسم إلى:
أ -…أمراء: هم الذين بيدهم مفاتيح الأسرار الخاصة.
ب- جهال: ويكون بيدهم قبضة السيف والزعامة.
والعقال يجتمعون في أماكن العبادة التي تعرف بالخلوات لسماع ما يتلى عليهم, وبعد تلاوة المقدمات, يخرج من الخلوة الطبقة الدنيا من العقال, ثم بعد تلاوة بعض الرسائل البسيطة التي ليس بها تأويلات تخرج الطبقة الثانية بحيث لا يبقى إلاّ رجال الدرجة الأولى الذين لهم وحدهم الحق في سماع الأسرار العليا للعقيدة, أما الجهال فلا يسمح لهم بحضور هذه الخلوات, أو سماع شيء من كتبهم المقدسة إلاّ في يوم عيدهم الوحيد, الذي يوافق عيد الأضحى عند المسلمين.
ولا يسمح لطبقة الجهال بالانتقال إلى طبقة العقال إلاّ بعد امتحان عسير شاق يقوم على ترويض النفس وإخضاع شهواتها مدة طويلة. وقد يستمر الامتحان أكثر من سنة حتى يثق الشيوخ بأحقية الطالب قبل أن ينتقل من طبقة الجهال إلى طبقة العقال.
والعقال في المجتمع الدرزي يعرفون بعمائمهم ولبس القباء الأزرق الغامق, ويطلقون لحاهم.
والنساء ينقسمن أيضاً إلى عاقلات وجاهلات مثل الرجال, والنساء العاقلات يلبسن النقاب وثوباً اسمه (صاية).
وإذا وجدت هناك عاقلة زوجة لأحد الجهال, فلا يجوز لها أن تخاطبه بشيء من أمور الديانة, ولا تطلعه على شيء منها.(9/13)
وللدروز رئيس ديني يلقب بـ ((شيخ العقل)) ويتولى منصبه بالانتخاب أو الاتفاق بين الزعماء وكبار رجال الطائفة, ولشيخ العقل أعوان في كل قرية وبلد.
ومن الناحية الاجتماعية, يسود النظام الإقطاعي الديني, وهم عليه منذ عدة قرون, فالقرى خاضعة لشيخ القرية الذي يختاره الأمير, وشيوخ القرى خاضعون للأمراء الذين يتوارثون الإمارة, لذلك يأبى الدروز منذ عصورهم الأولى الخضوع إلاّ لمشايخهم فقط, ولا يعترفون بسلطة أحد سوى أمرائهم.
للاستزادة:
1-…الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة – الندوة العالمية للشباب الإسلامي في الرياض, طبعة سنة 1989 ص 223-227.
2-…دراسات في الأديان والفرق ص127 – د. سعيد البيشاوي وآخرون.
3-…الموحدون عرب مسلمون … لا دروز – زيد علي سكيكر.
4-…الأديان والفرق والمذاهب الإسلامية ص85 – عبد القادر شيبة الحمد.
5-…عقيدة الدروز عرض ونقد – الدكتور محمد أحمد الخطيب.
6-…رؤية إسلامية في الصراع العربي الإسرائيلي – محمد عبد الغني النواوي (الجزء الأول: مؤامرة الدويلات الطائفية).
7-…بنو معروف في واحة بني هاشم ص262 – تيسير أبو حمدان.
سطور من الذاكرة
عصر عثمان بن عفان رضي الله عنه
23 هـ ـ 35هـ
(الفتنة أواخر عصره ـ حقيقة ما نقموا عليه به)
كان عصر الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه مليئاً بالفتوحات والرخاء وسعة العيش, وهو الأمر الذي أثار حنق أعداء الإسلام فأخذوا بإثارة الشبهات على عثمان, وتأليب الأعراب والغوغاء عليه, حتى انتهت هذه الحملة المريبة باستشهاد خليفة المسلمين رضي الله عنه.
واللافت في هذه الحملة أنها كانت منظمة تنظيماً دقيقا كما سنرى, وكان وراءها كمّ كبير من التخطيط والكيد وأتباع الوسائل الغير مشروعة من أجل شق صف المسلمين وتحطيم إنجازاتهم, وساعدهم في ذلك ما كان يتحلى به عثمان رضي الله عنه من تسامح وصبر وحلم, وعفو عند المقدرة.(9/14)
وبعد هذا العصر الزاهر حدثت الفتنة في أواخر عهده الفتنة والتي أدت إلى استشهاده
ويرجع الشيخ عثمان الخميس في كتابه (حقبة من التاريخ ص42) أسباب الفتنة إلى:
1-اليهودي عبد الله بن سبأ. وهو الذي تولى كبر الفتنة.
2-الرخاء الذي أصاب الأمة زمن عثمان مما أورث البطر وعدم القبول وعدم الشكر.
3-الاختلاف بين طبع عثمان وطبع عمر الذي سبقه, فكان عمر شديداً, وكان عثمان حليماً غير أنه لم يكن ضعيفاً كما يتوهم, لذلك قال عبد الله بن عمر: والله لقد نقموا على عثمان أشياء لو فعلها عمر ما تكلم منهم أحد.
4-استثقال بعض القبائل لرئاسة قريش, خاصة تلك التي ارتدت عن الإسلام وعادت بقوة السيف.
وأما عبد الله بن سبأ فهو يهودي من اليمن يعرف بـ "ابن السوداء" أظهر الإسلام ثم انتهج التشيع لعلي وتنقل في بلدان المسلمين يريد إضلالهم, وهو أول من وضع مبدأ الرجعة, وأنّ محمداً ? أحق بالرجوع من عيسى عليه السلام, وهو أول من قال بالوصية وأن لكل نبي وصيّاً, وقال: علي وصي محمد, ومحمد خاتم الأنبياء, وعلي خاتم الأوصياء.
وإليه تنسب فرقة السبئية الذين قالوا بألوهية علي, وقد أظهر بعض العقائد اليهودية كالقول بالرجعة والوصي وأن الإمامة تكون في بيت واحد, كما أنه استخدم الأعراب فأخذ يشيع عندهم الأكاذيب مدّعياً أن عثمان فعل كذا وكذا, وكتب ابن سبأ كتباً مزورة هو ومن ساعده على أصحاب النبي ? كالزبير وطلحة وعائشة وعلي وغيرهم, فيها الإنكار على عثمان والتذمر من سياسته.(9/15)
واستهدف ابن سبأ وأنصاره الولاة الصالحين, وصاروا يختلقون التهم لهم, بينما نصّبوا أنفسهم قائمين على مصالح الناس آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر, ونجحوا بعد عمل دؤوب من المكر والكذب والخداع أن يشكلوا ما يشبه الرأي العام الساخط على عثمان وعلى ولاته, وسار هؤلاء السبئية ومن معهم من الخوارج والغوغاء والأعراب من مصر والبصرة والكوفة إلى مدينة رسول الله ? يريدون قتل خليفة المسلمين عثمان, وكان لهم ما أرادوا, فقد تمكنوا في ذي الحجة من السنة الخامسة والثلاثين للهجرة من قتله وهو شيخ كبير في الثانية والثمانين من عمره وكان في تلك اللحظة يقرأ القرآن رضي الله عنه.
وكان عثمان رضي الله عنه حريصاً على ألا تراق دماء المسلمين من أجله, وكان يطلب من الصحابة ألا يواجهوا هؤلاء المفسدين, وكان يصرفهم عن داره المحاصرة من قبل هؤلاء الغوغاء الذين استغلوا ذهاب الصحابة والمسلمين إلى الحج والأمصار.
واختلف المؤرخون في عدد هؤلاء المفسدين, فمنهم من قال كان عددهم ألفين, وقيل من مصر ألفان ومن الكوفة ألفان ومن البصرة ألفان. وبرغم الاختلاف في العدد, إلا أنهم في الراجح لا يقلون عن ألفين, ولم يكن عدد الصحابة المتواجدين آنذاك في المدينة يساوي عددهم, إضافة إلى أنهم لم يتخيلوا أن الأمر يصل بهؤلاء إلى قتل خليفة المسلمين, ولعلّ هذا ما يفسر عجز الصحابة رضي الله عنهم عن حماية الخليفة رغم أنهم بذلوا جهدهم, إضافة إلى نهي عثمان للصحابة بالقتال رغبة منه في حقن دماء المسلمين ورحمة بهم, مع حرصه على عدم إجابة المفسدين على ما طلبوه من أن يترك الخلافة, وان ينزع القميص الذي قمصه الله إياه.
وفي هذه المرحلة لم يكن قد اخترع ابن السوداء فكرة التشيع التي نشرها بعد أن آلت الأمور لعلي بن أبي طالب وكان يظن أن تنتهي دولة الإسلام بقتل الخليفة, فلما فشل بدأ في بدعة جديدة وهي بدعة التشيع لعلي.(9/16)
ولقد أثار هؤلاء الغوغاء والمفسدون الناس ضد عثمان وولاته مستغلين بعض سياسات ومواقف عثمان, وجعلوها مادّة للخلاف, ونقموا عليه أشياء بعضها مكذوبة, وبعضها حسنات له جعلوها سيئات, وبعضها أخطاء مغفورة, وغير ذلك, وأهم هذه الأمور هي:
1-أنه ضرب عبد الله بن مسعود ومنعه عطاءه, وضرب عمار وفتق أمعاءه. يقول الإمام ابن العربي في العواصم من القواصم (ص49) عن هذه القضية أنها زور وإفك, ولو أنه فتق أمعاء عمار لما عاش أبداً.
2-نفى الصحابي أبا ذر الغفاري إلى الربذة وهي منطقة بينها وبين المدينة ثلاثة أميال, والصحيح أن أبا ذر هو الذي اختار الذهاب إلى هناك والبعد عن الناس عندما وجد أن العيش كما يريد أمر صعب, ووافقه عثمان, وقد كان أبو ذر رضي الله عنه ينكر على الناس الاحتفاظ بأموالهم والعيش في رخاء, وكان يعتقد أنه لا يجوز للمسلم أن يحتفظ بمال زائد عن حاجته حتى لو أخرج زكاته, فلمّا اجتمع بعثمان في المدينة نصحه عثمان بالعزلة إذ أنه لا يمكن إجبار الناس على حياة التقشف مثل أبي ذر, وعندما ذهب أبو ذر إلى هناك أعطاه عثمان إبلاً ومملوكين, وكان أبو ذر رضي الله عنه يتعاهد المدينة.
3-أنه كان يولّي أقرباءه, وهذا أمر يحتاج للوقوف عنده طويلاً, فقد كان لعثمان 18 والياً, خمسة منهم من أقاربه هم معاوية بن أبي سفيان وعبد الله بن سعد بن أبي السرح والوليد بن عقبة وسعيد بن العاص وعبد الله بن عامر.
ولم يكن هؤلاء الخمسة ولاة في وقت واحد, فقد ولّى الوليد بن عقبة ثم عزله, وولّى مكانه سعيد بن العاص, وأيضاً لم يُقتل عثمان إلا وقد عزل أيضاً سعيد بن العاص, فإذاً عندما قتل عثمان لم يكن من أقاربه من بني أمية إلا ثلاثة من الولاة هم معاوية وابن أبي السرح وعبد الله بن عامر.(9/17)
والأهم من ذلك أن نذكر أن هؤلاء الولاة كانوا من أهل الكفاءة والتقوى, لا سيّما وأن النبي ? كان يولي بني أمية أكثر من غيرهم. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في (منهاج السنة 6/192): لا تعرف قبيلة من قبائل قريش فيها عمال لرسول الله ? أكثر من بني أمية لأنهم كانوا كثيرين وفيهم شرف وسؤدد.
وكان عثمان رضي الله عنه يرى أنهم يستحقون الولاية, وكذلك كانوا, فإن معاوية كان من خير الولاة, وكان أهل الشام يحبونه, كما أن معاوية كان قد ولاه عمر بن الخطاب ولاية الشام, والذي فعله عثمان هو أنه ثبته على الشام وزاده ولايات أخرى.
وعبد الله بن سعد بن أبي السرح كان من أصحاب رسول الله ? ثم ارتد عن الدين, لكنه تاب ورجع وبايع النبي ? فبايعه, وهو الذي فتح إفريقية. يقول عنه الإمام الذّهبي: (لم يتعدّ ولا فعل ما ينقم عليه, وكان أحد عقلاء الرجال وأجودهم).
وسعيد بن العاص كان من خيار أصحاب رسول الله ? حتى قال الذهبي عنه في (سير أعلام النبلاء 3/445), كان أميراً شريفاً جواداً ممدحاً حليماً وقوراً ذا حزم وعقل يصلح للخلافة.
وعبد الله بن عامر بن كريز هو الذي فتح بلاد كسرى وخراسان, وانتهت دولة فارس في زمن عثمان على يديه, وفتح سجستان وكرمان وغيرهما من البلاد وقال عنه الذهبي في (سير أعلام النبلاء 3/21) كان من كبار أمراء العرب وشجعانهم وأجوادهم.
والوليد بن عقبة كان صاحب فتوحات كثيرة, ونقم عليه الناس شيئين:
الأول: أنه نزل فيه قول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبيّنوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) سورة الحجرات الآية.
والآخر: أنه صلّى بالناس الفجر ذات يوم وهو سكران.(9/18)
وأما الأمر الأول فكان بسبب أنه قد أرسله النبي ? ليجبي صدقات بني المصطلق, فلما ذهب إليهم وأخبرهم قد قدموا عليه فظن أنهم قادمون لقتاله, فعاد وأخبر النبي بذلك, فهمّ النبي ? بقتالهم, إلى أن جاء الأمر إلى النبي ? بالتثبيت والتبين, وقال بنو المصطلق إنا لم نأت لنقاتل, وإنما جئنا بصدقاتنا لما تأخر علينا رسول رسول الله ?.
وأما صلاته وهو سكران, فقد جاء شاهدان إلى عثمان يشهدان بأن الوليد شرب الخمر, فما كان من عثمان إلا أن جلده ثم عزله عن الولاية, رغم أن بعض العلماء يشكك في شهادة الشاهدين, وهذا العمل يحسب لعثمان رضي الله عنه لا عليه لإنه لم يحاب قريبه, بل جلده وعزله.
4-أحرق المصاحف وجمع الناس على مصحف واحد, وهذا من مناقبه رضي الله عنه, فإنه أكمل ما كان قد بدأ به المسلمون في عهد أبي بكر من جمع القرآن في كتاب واحد بعد أن استشهد الكثير من الصحابة من حفظة القرآن في الفتوحات وحروب الردّة, وبعد أن رأى الاختلاف في القرآن فجمع عثمان الناس على قراءة واحدة.
والمصاحف التي أحرقها فيها أشياء من منسوخ التلاوة, وقد أبقاه بعض الصحابة, وترتيب السور على غير الترتيب الذي في العرضة الأخيرة التي عرضها جبريل على النبي ?, وفي بعض المصاحف تفسيرات لبعض الصحابة, لذلك أمر عثمان بإحراق تلك المصاحف, وكتب المصحف الوحيد وفيه القراءات ولم يلغ القراءات الثابتة عن النبي ?.
5-زاد في الحمى أي المحمية الخاصة لإبل الصدقة, حيث وضع عمر بن الخطاب رضي الله عنه منطقة خاصة لا يرعى فيها إلا إبل الصدقة حتى تسمن ويستفيد منها الناس. فلما جاء عثمان وقد زادت الإبل, فوسّع الحمى.
6-أتمّ في السفر ولم يقصر الصلاة كما كان يفعل النبي ?, إنما صلى أربعاً. والجواب على هذا أن القصر في السفر سنة مستحبة, فيكون عثمان قد فعل الجائز أو ترك الرخصة وفعل العزيمة.
ويرجح العلماء أن عثمان أتمّ الصلاة ولم يقصرها لأحد سببين:(9/19)
أ-أنه تزوج في مكة, فكان يرى أنه في بلده في مكة, ولذلك أتمّ هناك.
ب-أنه خشي أن يفتن الأعراب ويرجعون إلى بلادهم فيقصرون الصلاة, فأتم حتى يبين لهم أن الأصل أربع ركعات.
7-لم يحضر بدراً وفرّ يوم أحد ولم يشهد بيعة الرضوان. أما فغيابه عن بدر فكان بإذن من النبي ? بسبب مرض زوجته رقية, بنت النبي ?, وبقي بجانبها يعتني بها, وقد قال له النبي ? إن لك أجر رجل ممن شهد بدراً و سهمه, وأعطاه النبي ? من الغنائم.
وأما فراره يوم أحد, فقد غفر الله له ولغيره كما جاء في قوله تعالى (إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور رحيم).
وأما تغيبه عن بيعة الرضوان, فإن هذه البيعة ما قامت إلا انتقاماً لعثمان عندما أشيع أن قريش قتلته لمّا ذهب إليها موفداً من قبل النبي ? ليخبرها أن رسول الله ? جاء معتمراً إلى مكة, ولم يأت غازياً.
8-زاد الاذان الثاني يوم الجمعة, ولم يكن هذا في زمن النبي ? وأبي بكر وعمر, وقد فعل عثمان هذا بسبب اتساع المدينة وانشغال الناس, وكان يرسل مؤذنه إلى السوق ليؤذن هناك ثم يؤذن للأذان الثاني في المسجد في موعده, وقد قاس عثمان الأذان الثاني في الجمعة على أذان الفجر.
والرسول ? يقول: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي).
9-ردّ الحكم وقد نفاه الرسول ?, وهذه القصة لم تثبت بسند صحيح, إضافة إلى أن الحكم كان من الطلقاء الذين أسلموا في فتح مكة, وهؤلاء لم يسكنوا المدينة وبقوا في مكة, فكيف ينفيه النبي ? من المدينة وهو ليس من أهلها, كما أن النفي أقصاه عام, وعلى فرض صحة هذه القصة, وعلى فرض أن عثمان قد ردّه فإن هذا يكون بعد وفاة النبي ? وبعد خلافة أبي بكر وعمر أي بعد أكثر من 15 عاماً.(9/20)
10-لم يقتل عبيد الله بن عمر بن الخطاب عندما قتل الهرمزان الذي كان مجوسياً وأسلم, حيث ظن عبيد الله أنه مشارك لأبي لؤلؤة المجوسي في قتل أبيه عمر, واعتبر الصحابة أن عبيد الله كان متأولاً كما هو حال أسامة بن زيد الذي قتل المشرك بعد أن قال لا إله إلا الله, واعتبر بعضهم أن الهرمزان كان متواطئاً مع أبي لؤلؤة.
للاستزادة :
1-حقبة من التاريخ للشيخ عثمان الخميس.
2-الإنصاف للدكتور حامد الخليفة.
3- العواصم من القواصم القاضي أبو بكر بن العربي.
الحقائق الغائبة بين الشيعة وأهل السنة
تأليف: سالم البهنساوي
مقدمة:
إن حقيقة الخلاف بين السنة والشيعة ليس حول الولاء لعلي رضي الله عنه أو آل البيت, إذ لا يختلف في ذلك أحد من المسلمين.
وإنما الخلاف يكمن في ادعاء الشيعة بأن القرآن محرف ومغير, وأن العصمة ثابتة لأئمتهم والتي بها أعطوهم الحق في تخصيص عموم القرآن ونسخ أحكامه ورد الأحاديث النبوية والطعن في الصحابة.
والأدهى من ذلك قولهم بأن الوحي نزل بخلافة أئمتهم بعد النبي صلى الله عليه وسلم وأن الصحابة خانوا ذلك وكتموه.
ولقد تعالت صيحات بعض الغيورين على الأمة والذين ينادون بالتقريب على إثر الثورة الإيرانية والتي أعلن قادتها تحاكمهم إلى القرآن والسنة وعمل الخلفاء الأربعة, ولما برزت مقالة "نجتمع على ما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً على اختلافنا عليه" – إن كان في الفروع- جاء كتاب "الحقائق الغائبة بين السنة والشيعة" لمؤلفه سالم البهنساوي, موضحاً أن الحوار من أجل الوصول إلى الحقائق يأتي من إيضاح المسائل التي اختلف فيها الفريقان والتي قام بعرضها في فصول كتابه السبعة ضابطاً للمصطلحات وحقيقة المسميات.
الفصل الأول: حديث الغدير هو أصل الخلاف بين الشيعة والسنة:(9/21)
يزعم الشيعة كما يروي إمامهم كاشف الغطاء في كتابه "أصل الشيعة وأصولها", ويفصل ذلك محمد الموحد القزويني في كتابه "عيد الغدير" بأن النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع من حجة الوداع وفي منطقة (خم) نزل جبريل فأخبره أن الله يأمره بأن يقيم علي بن أبي طالب إماماً على الناس وخليفة من بعده ووصياً له, ثم إن الإمامة في ولده من صلبه إلى يوم القيامة.
ويشير القزويني إلى أن هذه الواقعة لا مجال للتشكيك في سندها أو إنكار صحتها وأن الصحابة شهدوها وقد كان عددهم في مائة وعشرين ألفاً, منهم العشرة المبشرون بالجنة وغيرهم.
وعند الرجوع إلى المصادر التي اعتمد عليها القزويني والروايات الموجودة في أمهات كتب الحديث والتاريخ نلحظ أنه ليس ثمة رواية فيها وصاية علي وحصر الخلافة والإمامة في أولاده الاثنى عشر من صلب فاطمة.
بل غاية ما هو موجود فيها أن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يُعلم الأمة بقرب أجله وأنه تارك فيهم الثقلين: كتاب الله وأهل بيته ويذكرنا بحقهم وذلك لقرابتهم من نبينا صلى الله عليه وسلم.. حتى جاء سؤال حصين لزيد بن أرقم –راوي الحديث- أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم من أهل بيته, وكذلك من حرمت عليهم الصدقة وهم آل علي وآل جعفر وآل عباس. وهي في مسلم والموطأ والترمذي.
وفي رواية المسند ومستدرك الحاكم قال صلى الله عليه وسلم: ((من كنت مولاه فعلي مولاه, اللهم وال من والاه وعاد من عاداه)). وهي كغيرها لا تتعلق بالخلافة أو الإمامة أو الوصاية.
وقد أكد الإمام موسى الموسوي كما في كتابه "الشيعة" أن نص الحديث هو الوارد في كتب السنة, وأن روايات الشيعة لم تظهر إلا بعد غيبة الإمام الثاني عشر, وبهذا فالقزويني ومن روى عنهم يدلسون على الأمة.(9/22)
بل جاء في البخاري أن علي بن أبي طالب سُئل: هل عندكم شيء من الوحي, مما ليس في القرآن؟ فقال: لا, والذي فلق الحبة وبرأ النسمة, إلا فهماً يعطيه الله رجلاً في القرآن, وما في هذه الصحيفة. قلت –أي وهب الراوي للأثر- وما في هذه الصحيفة؟ قال: العقل وفكاك الأسير, وألا يقتل مسلم بكافر. والعقل يعني الديات.
وأما رواية الحديث في كتب الشيعة فهي غير متصلة بل مقطوعة وهناك قرون بين رواتهم وبين الرسول صلى الله عليه وسلم. وفضلاً عن أن في مراجع الشيعة أنفسهم ما ينفي صحة ما ادّعوه.
فقد روى أبو إسحاق الأصبهاني الشيعي في كتابه "الغارات", وكذا الميرزا تقي في "ناسخ التواريخ" وروى علي البحراني في كتابه "منار الهدى".. عن علي أنه قال: مشيت إلى أبي بكر فبايعته وتولى أبو بكر فيسر وسدد وقارب واقتصد, فصحبته مناصحاً وأطعته فيما أطاع الله.
وبايعت عمر كما بايعتموه, فوفيت له بيعته حتى لما قتل جعلني سادس ستة فدخلت حيث أدخلني.. وكذا بيعته لعثمان.. كما ذكر الطوسي في كتابه الأمن.
ومن هنا فإن من اعتمد على رواية الشيعة لحديث (خم) فإنه يطعن في الخلفاء الراشدين ويرميهم بالخيانة بل بالكفر كما تفعل الشيعة... والحقيقة أنهم ما انتبهوا أن ذلك طعن في آل البيت إذ كيف يتنازل علي لو كان صاحب الحق والأمر السماوي, ويقبل بالتحكيم بينه وبين معاوية وقد كان معه غالبية المسلمين..
وكيف الحال بإمامهم الثاني (الحسن بن علي) لما تنازل بالخلافة لمعاوية وهو يعلم أن نصاً جاء من الوحي بخلافته وأولاده من بعده.. فأين كان النص؟!!!
ثم كيف لم يكن في كل الصحابة أو آل البيت من يقف ويقول بهذا النص..
ثم كيف اختلفت الشيعة بعد مقتل الحسين إلى طوائف كل يدعي خلافة إمامه من بعده؟!
الفصل الثاني:
كيف نقرب بين الشيعة والسنة وهم يقولون:
-بتحريف القرآن ووجود مصحف فاطمة.
-وسبهم للصحابة وتكفيرهم.(9/23)
أ-جاء في الأصول من الكافي للكليني أنه قال: عن عدة من أصحابنا... عن أبي عبد الله جعفر بن محمد قال: وإن عندنا لمصحف فاطمة عليها السلام, وما يدريك ما مصحف فاطمة؟ مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات, وما فيه من قرآنكم هذا حرف واحد.
وفي رواية أخرى أن ملكاً نزل من السماء –وسمي في رواية بأنه جبريل- يأتي فاطمة ويحدثها وعلي يكتب ذلك.
وفي رواية كذلك يخبرها بما يكون بعدها في ذريتها. بل وفيها (وليس من ملك يملك الأرض, إلا وهو مكتوب فيه باسمه واسم أبيه)
وفي مراجع أخرى للشيعة ينصون فيها أن القرآن محرف وهاك مثلاً:
1-النوري الطبرسي وهو المسمى عندهم الثقة الصدوق ألف كتاباً سماه "فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب".
2-وشيخهم الملقب بالمفيد (محمد النعمان) الذي يوثقونه يقول: (إن الأخبار قد استفاضت عن أئمة الهدى من آل محمد, باختلاف القرآن, وما أحدثه بعض الظالمين فيه, من الحذف والنقصان). ويقولون عنه أنه أوثق أهل زمانه وأعلمهم وإليه رئاسة الإمامية.
3-ويأتي نعمة الله الجزائري ويقول: (إن الأخبار متواترة عند الشيعة بوقوع التحريف في القرآن, كلاماً ومادة وإعراباً).
ويقول (خالف هذا التواتر المرتضى والصدوق والشيخ الطبرسي, والظاهر إنما صدر منهم لأجل مصالح كثيرة, منها سد باب الطعن عليها).
ونحن نقول: إذا كانت هذه الروايات مكذوبة فما مصدر كذبها؟ وهل هناك من أوردها في كتبه؟
أم أنها نسبت إلى كتابه بعد موته؟ ومن فعل ذلك؟ وإذا كان مصدر الكذب هو صاحب الكتاب الذي أورد التحريف, فكيف يصبح من الثقات؟ ولماذا تظل هذه الكتب تتداول بين شباب المسلمين دون أن يتصدى علماؤهم لبيان ذلك؟!
وبعد هذا كله أين يذهبون من قول الله تعالى (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) [الحجر/15].(9/24)
ب-يذكر الأستاذ هاشم معروف الحسيني في كتابه دراسات في الحديث والمحدثين الآيات التي ورد فيها تزكية الصحابة وذكر عدالتهم.. بأنها وردت في مجموعة قليلة من الصحابة, ويقول أن الشيعة تمسكت بقول الله تعالى (الأعراب أشد كفراً ونفاقاً) [التوبة/97]... وغيرها من الآيات التي ذكرت المنافقين وبينت أوصافهم... ثم يستخلص ويقول: (يتضح أن أكثر الصحابة قد خالفوا الرسول ولم يتبعوا سنته وسيرته, ومع ذلك فالجمهور من السنة يقفون منهم موقف المغالي ويصفونهم بالعدالة والاستقامة, والرسول يصفهم بالارتداد).
أين هذا الأستاذ من قوله سبحانه (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً) [الأحزاب/23].
فهؤلاء هم الذين شهدوا غزوة الأحزاب وهم أكثر الصحابة وفيهم أبو بكر وعمر وكبار الصحابة وقوله سبحانه (للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون) [الحشر/8].
والشيعة يحتجون بإخبار القرآن عن بعض المنافقين ويتوصلون بهذا إلى تجريح أبي بكر وعمر وكل من بايعهم ويتهمونهم بخيانة وصية الله –التي لا وجود لها-.
إن المنافقين قد حدد القرآن صفاتهم ووضح أعمالهم في التوبة والمنافقين والأحزاب ولقد أسر النبي صلى الله عليه وسلم لحذيفة بأسمائهم.. هؤلاء هم الذين ارتدوا بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم وحاربهم أبو بكر وكان معه الأغلبية من الصحابة.
والشيعة يصرون على سب وتكفير أبي بكر وعمر, وفي هذا يقول نعمة الله الجزائري –المحدث الشيعي- (إن مولانا صاحب الزمان إذا ظهر وأتى المدينة أخرجهما –يعني أبا بكر وعمر- من قبريهما فيعذبهما).(9/25)
وعجيب أمر الشيعة لما سئلوا كيف يزوج علي ابنته أم كلثوم لعمر.. فأتوا بقصص من الخرافات مثل تهديد عمر لعلي أن يتهمه بالسرقة أو حد الرجم بالزنا.. حتى وصل الأمر بكذبهم أن علياً دعا يهودية نجرانية فتمثلت بأم كلثوم فزوجه هذه, وحجبت أم كلثوم, فلما قتل عمر ظهرت.
وهذا العاملي في كتابه "الصراط المستقيم" يكفر عائشة وحفصة رضي الله عنهما بالقول المنسوب إلى الصادق عليه السلام أنهما كفرا بقولهما (من أنبأك هذا) وقال الله فيها وفي أختها عائشة: (إن تتوبا إلى الله فقد ضعت قلوبكما) قال: أي زاغت والزيغ الكفر.
قال العاملي وفي رواية: أن النبي صلى الله عليه وسلم أعلم حفصة أن أباها وأبا بكر يليان الأمر, فأفشت إلى عائشة فأفشت إلى أبيها, فأفشا إلى صاحبه. فاجتمعا على أن يستعجلا ذلك بسقيه سماً, فلما أخبره الله بفعلهما, هم بقتلهما, فحلفا له أنهما لم يفعلا. فنزل قول الله تعالى (يا أيها الذين كفروا لا تعتذوا اليوم إنما تجزون ما كنتم تعملون) [التحريم/7].
فأي سب وتكفير وإساءة لأبي بكر وعمر بعد هذا.. بل لأزواج الرسول صلى الله عليه وسلم, وسورة التحريم إنما جاءت كما ذكر أهل التفسير –بما فيهم الطبرسي في التبيان- بسبب ما حرمه الرسول صلى الله عليه وسلم على نفسه من أكل العسل في بيت زينب زوجته وغيرة عائشة وحفصة من ذلك.
واسمع إلى دعاء صنمي قريش الموجود في بعض كتب الشيعة وفيه (اللهم العن صنمي قريش وجبتيهما وطاغوتهما, اللذين خالفا أمرك, وأنكرا وحيك, وحرفا كتابك) وهو موجود في كتاب مفتاح الجنان ص114, وتحفة العلوم الذي يمثل فتاوي ستة من أئمة الشيعة منهم: أبو القاسم الخوئي, والخميني والحسيني الشايرودي, وشيريعتمداري وعلامة سيد علي النقودي, والمقصود بالصنمين أبو بكر وعمر كما صرحوا بذلك.
يكفرون أهل السنة, بل يكفرون كل من لم يكن رافضياً:(9/26)
1-يقول الخميني (أما النواصب والخوارج لعنهم الله فهما نجسان من غير توقف) كتاب تحرير الوسيلة.
ويقول (لا تجوز الصلاة على الكافر بأقسامه, حتى المرتد, ومن حكم بكفره ممن انتحل الإسلام, كالنواصب والخواج) تحرير الوسيلة.
2-ويعرف المامقاني –الملقب بالعلامة الثاني- فيقول: (كتب إلى محمد بن علي بن عيسى أسأله عن الناصب, هل احتاج في امتحان إلى أكثر من تقديمه الجبت والطاغوت واعتقاد إمامتهما؟ فرجع الجواب: من كان على هذا فهو ناصب, يجري حكم الكافر على من لم يكن إثنا عشرياً) تنقيح المقال.
3-وروى محمد بن بابويه الملقب بالصدوق بسنده عن داود بن فرقد قال:
(قلت لأبي عبد الله: ما تقول في قتل الناصب؟ قال: حلال الدم, ولكني أتقي عليك, فإن قدرت أن تقلب عليه حائطاً, أو تغرقه في ماء, لكيلا يشهد به عليك, فافعل.
قلت: فما ترى في ماله؟ قال: حلال ما قدرت عليه) علل الشرائع للصدوق.
4-يقول الشيخ حسين بن محمد الدرازي: (إنه ليس الناصب إلا عبارة عن التقديم على علي عليه السلام غيره... وهو ما يقال له عندهم سنياً) المحاسن النفسانية.
الحقيقة الغائبة:
لقد غاب عنهم أن علياً لم يقل بكفر الخوارج الذين قاتلوه, ولهذا رفض سبي نسائهم وأطفالهم. بل ولم يثبت عن أحد من أئمة أهل البيت أنهم كفروا أهل السنة.
وغاب عنهم أن هذه الروايات التي تقطع بكفر من لم يكن من الجعفرية ليست روايات صحيحة متصلة إلى هؤلاء الأئمة.
بل يجوز عندهم نقل الأحكام برواية مجهولة, فيمكن أن ينسب قول إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو أحد الأئمة المعصومين دون ذكر الراوي –بسبب قولهم بالعصمة واتصال الوحي إلى السماء إليهم- وهنا المصيبة؟! ففي الوقت الذي يؤكد فيه بعض علماء الشيعة المعاصرين على عدم قبولهم أي كتاب إلا القرآن, نراهم يقولون بأن عدم إسناد الرواية إلى من رواها لا تقدح في صحة الرواية.(9/27)
وعندما يأتي أهل السنة ليحاجوهم بتلك الروايات المروية في كتبهم عن أئمتهم القائلة بتحريف القرآن وكفر الصحابة... وغيرها, نجد أن معاصري الشيعة يردون بقولهم أنها مزيفة وليس لها إسناد صحيح متصل..
والعجيب منهم أنهم يوثقون من يروي هذه الروايات في كتبه؟!!
ونحن نطلب رأيهم في الأمور التالية الواردة في كتبهم:
1-عدم جواز الصلاة خلف أهل السنة, إلا تقية.
(أنظر التقية للخميني 198, الاستبصار للطوسي 1/428, الوافي 5/164-181, جامع أحاديث الشيعة 6/410 وما بعدها, من لا يحضره الفقيه للصدوق 1/318, الخلل في الصلاة للخميني 9, مصباح الفقيه 1/145, مسالك الأفهام 38, المعتبر للمحقق الحلي 242, مستدرك الوسائل النوري 1/489, الوسائل للحر العاملي, أبواب: صلاة الجماعة, استحباب حضور الجماعة خلف من لا يقتدي به للتقية, والقيام في الصف الأول معه, غنائم الأيام للقمي 236).
2-نجاسة أهل السنة.
(انظر مسالك الإفهام 3-4, مفتاح الكرامة للعاملي 143-144, مصباح الفقيه 4/19-31-45-35, غنائم الأيام 65-66-87-88 المعتبر للحلي 89, الوافي 5/443, الرسالة الصلاتية للبحراني 21, الأنوار النعمانية 2/306, الوسائل للحر العاملي باب نجاسة أصناف الكفار, وباب كراهة الاغتسال بغسالة الحمام, الاستبصار للطوسي 1/18, الأصول من الكافي 2/65, الروضة البهية للشهيد الثاني 1/49, تحرير الوسيلة للخميني 1/118, الفصول المهمة للعاملي 92).
3-عدم صحة الصلاة, على موتى أهل السنة, وعدم دفنهم في مقابر الشيعة, وإن دفنوا وجب نبش قبورهم.
(انظر مسالك الأفهام 12, مصباح الفقيه 3/24-25-73, غنائم الأيام 296, مستدرك النوري 1/112, الوسائل للعاملي باب كيفية الصلاة على المخالف, تحرير الوسيلة للخميني 1/79-89, زبدة الأحكام للخميني 44).
4-أن الإمامية, هم الفرقة الناجية لا غير, لأن دخول الجنة, يكون بالإقرار بالشهادتين, وبولاية أهل البيت.
(نقل البحراني في كتابه الكشكول ج1 ص169).(9/28)
5-القول بكفر من خالف الشيعة الإثنا عشرية.
(المحاسن النفسانية للدرازي ص139, وعلل الشرائع لشيخ الشيعة محمد بن علي بن بابويه الملقب بالصدوق ص601).
6-القول بالزيادة والنقص في القرآن الكريم, والذي ورد في ثمانية مراجع, لدى علماء الشيعة (منها الأصول من الكافي للكليني وتفسير القمي, وتفسير الصافي للكاشاني, والاجتماع للطبرسي والأنوار النعمانية لنعمة الله الجزائري).
الفصل الثالث: دعوة التقريب بين السنة والشيعة ضوابط وأحكام:
يظن البعض أن التعاون بين السنة والشيعة دعوة يهودية في ظنه القائم على أساس أن الشيعة الجعفرية ليسوا من المسلمين! وأن التقريب معناه تنازل كل فئة عن معتقداتها؟!
بينما التقريب معناه الأخذ بما ورد في القرآن الكريم وبما ثبت في السنة النبوية التي رواها الصحابة وذلك قبل أن تنشأ المذاهب والفرق.
كما أن التقريب يغلق باب الفتنة التي أشعلت نار الحرب بين الطرفين, وهو الذي تسعى إليه الصهيونية العالمية وحلفاؤها.
إننا وإن قلنا بالتقريب ولكننا نقول أن القول بتحريف القرآن كفر, وأن من قال بعصمة الأئمة حتى تخولهم بنسخ القرآن وتخصيصه وغير ذلك أقوال كفرية..
1-وإن أول شيء يدعو للتقريب هو عدم تكفير الشيعة كما قال ابن تيمية والإمام أحمد بن حنبل وابن مبارك وغيرهم وإنهم من أهل البدع.
2-رد أقوال الشيعة القائلة بالتحريف والسب بيد الشيعة أنفسهم كما فعل محمد مهدي الأصفي فهو يقول (ليس لدينا –عدا كتاب الله- كتاب صحيح.. فنحن لا نأخذ كل ما في كتبنا, مهما كانت وثاقة المؤلف).
وعن كتب الحديث والمدونات الأربعة المعروفة عندهم (الكافي, الاستبصار, التهذيب, من لا يحضره الفقيه) قال الأصفي: (إن كانت هي أفضل المدونات, والأصول الحديثية عندنا, فلم يلتزم أصحابها رحمهم الله بصحة كل ما في مدوناتهم, ولم نلتزم نحن بصحة كل ما فيها).
3-ليس التشيع كله كفر!(9/29)
فالتشيع بدأ بموالاة الإمام علي, والإقرار بأحقيته في الخلافة, وهم يختلفون بعد ذلك فمنهم من يرى أن أحقية الإمام علي نزل بها جبريل فهي حق إلهي كالنبوة يختار الله من بين عباده كما يختار الأنبياء ويعصمهم من الخطأ, وهذا هو اعتقاد الشيعة الإمامية الجعفرية, ومن الشيعة من يرى أنها ليست حقاً إلهياً, فلا يعين الأئمة بوحي من الله, بل يتعينون بالصفات, فكل مجاهد ومجتهد من ذرية فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم تنعقد له الإمامة وإن تولاها من دونه صحت إمامته مع الكراهة, وهؤلاء هم الزيدية.. وهم يرون صحة خلافة أبي بكر وعمر للمصلحة, مع أن علياً أفضل عندهم.
فأصل التشيع ليس هو تحريف القرآن وتكفير الصحابة حتى يقال إنه يلزم البراءة من التشيع, لكي نقبل رواتهم, وحتى يجوز التقريب معهم.
4-إن التقريب ليس بدعة يهودية بل أخذ الأزهر بها وأنشأت دار للتقريب بالقاهرة ودعا إليها عدد من شيوخه.
إن محو الطائفية والحقد, يجب أن يكون غاية مقصودة, لأن الخلاف الطائفي نزعة عنصرية, والطوائف الإسلامية يجب أن تتلاقى على محبة الله ورسوله, وتحت ظل كتابه تعالى والسنة الصحيحة. والقواعد الإسلامية التي عملت من الدين بالضرورة.
ويجب أن نعلم أن الخصومة في الدين غير الاختلاف المذهبي.. وحسبك أن تعرف العلاقة والصلة العلمية بين الأئمة أصحاب المذاهب وبين أئمة آل البيت.
5-إن موالاة آل البيت والاقتداء بهم واجب على كل مسلم, وذلك طبقاً لمفهوم آل البيت في القرآن والسنة, وفي هذا وغيره يكون التقريب بين المسلمين.(9/30)
6-ترك الاستمرار في الطعن بالخلفاء الثلاثة أبي بكر وعمر وعثمان, وترك تحريم أسمائهم, إذا الأئمة وأولهم علي رضي الله عنه سمى أولاده بأسماء هؤلاء الخلفاء, وعلي زوج ابنته أم كلثوم لعمر بن الخطاب... وكذا فعل الحسن بن علي في تسمية أولاده, والحسين وابنه علي زين العابدين. ويتضح خطأ من افتعل الخصومة بين الخلفاء الثلاثة وعلي رضي الله عنهم, بأن علياً اعتمد على المصحف المجموع في عصر عثمان رضي الله عنه فلا يوجد مصحف آخر!!
-وكذا اعتماده قرار أبي بكر في عدم توريث زوجته فاطمة في أرض فدك مما تركه النبي صلى الله عليه وسلم من أموال الفيء, تنفيذاً لقوله صلى الله عليه وسلم: (نحن معشر الأنبياء لا نورث, ما تركناه صدقة).
-ولم يعلن شيئاً عن حديث غدير خم, بالوصاية لعلي رضي الله عنه والأئمة الإثنى عشر, والأولى أثناء خلافه مع معاوية أن يبرز هذه الوصية لو كانت صحيحة.
7-ترك مخالفتهم للمسلمين وذلك بتركهم إضافة الشهادة الثالثة في الأذان, وهي الخاصة بولاية علي والأئمة, مع علم علماء الشيعة أن الذي أضافها إلى الأذان هو الشاه إسماعيل الصفوي.
8-ترك استمرارهم في نكاح المتعة التي حرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي من بعده.
الفصل الرابع: الشيعة وبراءة الأئمة:
يرى الشيعة أن إمام المسلمين لا يعينه إلا الله, ويفوض في أمور الدين, وهذا ما جعلهم يقولون بعصمة الأئمة (ولكن من الذي يتصف بالعصمة؟).
وتثبت الإمامة لدى الشيعة بنص صريح متواتر أو بالمعجزة, وهذا النص هو حديث (خم)؟! وإن الخلاف في معنى العصمة خلاف حاد, بعضه يمكن أن يسمح بالتقارب بين السنة والشيعة ومنه خلاف يؤدي إلى الكفر.(9/31)
فمن الشيعة من يقول بأن قول الإمام وفعله وتقريره وتركه حجة... ولا يجوز عليه الخطأ (وهو قول المطهر الحلي) حتى قالوا أنه يلهم بالقوة القدسية.. فلو قال قولاً يخالف القرآن أو الحديث النبوي لا يرد قوله بل يعمل به, لأنه في عقيدتهم يملك تخصيص القرآن والسنة ونسخ أحكامها.
وهذا القول يجعل للأئمة خصائص الربوبية كالتحليل والتحريم...
تحديد آل البيت:
إن سند علماء الشيعة في عصمة الأئمة –كما ذكر الأصفي وغيره- ينحصر في قوله تعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً). فمن هم أهل البيت؟
يرى علماء الشيعة حصر آل البيت في علي وفاطمة وابنيهما, أما زوجات النبي صلى الله عليه وسلم فقد أخرجوهن من أهل البيت, بينما القرآن قد خصهن بوصف أهل البيت.
ولو اقتصر الشيعة على هذا –أي حصر العصمة- في علي وفاطمة والحسن والحسين لما حدثت الفتنة والخلافات, بل هم يستمرون في القول بالعصمة لبقية الأئمة الإثنى عشر.
ولم يقل أحد من الأئمة بهذه العصمة لا لنفسه أوفي روايته من غيره.
الخاتمة:
بداية ونهاية الخلاف:
لم تكن بداية التشيع في عصر النبي صلى الله عليه وسلم فلم يكن بين الصحابة مراكز قوى وجماعات.
ولم تكن بدايته كذلك في سقيفة بني ساعدة, بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم, فقد كان علي في بيت النبي صلى الله عليه وسلم بجوار جثمانه ولم يحضر مؤتمر السقيفة... فتبين بطلان قول الشيعة بأن النبي صلى الله عليه وسلم نص على إمامة علي وأولاده الأحد عشر من نسل فاطمة. وإنما وضعت الروايات بعد الحسن العسكري..
ولقد بدأ التشيع كرد فعل لمن خرجوا على علي, فشايع قوم علي رضي الله عنه.
ولكن هذا التشيع ليس له صلة بهذا المذهب الشيعي المعاصر.(9/32)
ولو فرضنا –جدلاً- بصحة عقيدة الشيعة الإمامية, فإنه ينتهي الخلاف حول الإمامة بين السنة والشيعة بموت الإمام الحادي عشر الحسن العسكري, لأن عقيدة الشيعة أنهم ينتظرون ابنه محمد المهدي الذي اختفى وهو طفل في الرابعة من عمره, فإنهم وحتى يظهر فهم يتركون أمر اختيار الحاكم للناس شورى بينهم, وهو ما يقوله أهل السنة. وبالتالي يصبح الخلاف تأريخياً فقط.
-لقد لجأ الخميني إلى نظرية ولاية الفقيه في أمر الإمامة والحكم لأنه لا جدوى من انتظار الإمام الغائب فلا تبقى أحكام الإسلام معطلة –فوضع الخميني كتابه الحكومة الإسلامية-.
فالشيعة كانوا لا يصلون الجمعة والجماعة في المسجد حتى يظهر غائبهم لأنها من خصائص الإمام عندهم, ومن باب أولى فلا يطالبون بحاكم أو حكم إسلامي.. وهكذا هم طوال ألف عام, حتى جاء الخميني بولاية الفقيه.
-ولقد تبنى الدستور الإيراني نظرية الخميني بشروط يجب توفرها في الفقيه أو الإمام الذي ينوب عن المهدي المنتظر توفرت في الخميني قائد الثورة الإيرانية.
وإذا لم يوجد شخص تتوفر فيه هذه الصفات التي نص عليها في الدستور فإنه ينص على تحمل مجلس القيادة المركب من الفقهاء جامعي الشروط هذه المسؤولية (مما يعني العودة إلى نظام الشورى).
وتؤكد المادة (57) على أن السلطات الحاكمة (التشريعية والتنفيذية والقضائية) تعمل مستقلة ممارسة عملها تحت إشراف ولاة الأمر وإمامة الأمة, ويتم التنسيق فيما بينها بواسطة رئيس الجمهورية –والذي يختار بالانتخاب بعد عرض الإسماء على مجلس المحافظة على الدستور- ونعود إلى أن الإمام علي رضي الله عنه كان يلتزم نظام الشورى, وأن حق الشورى بالدرجة الأولى هو من اختصاص المهاجرين والأنصار, ولذلك رفض –بعد مقتل عثمان- الاستجابة للثوار الذين دعوه لتولي السلطة وقال لهم (ليس هذا إليكم.. هذا للمهاجرين والأنصار من أمّره أولئك كان أميراً). ثم مشى إلى طلحة والزبير يعرض عليهما البيعة.(9/33)
لقد دخل الناس على علي رضي الله عنه بعد مقتله على يد ابن ملجم وطلبوا منه أن يستخلف ابنه الحسن فقال: (لا, إنا دخلنا على رسول الله فقلنا: استخلف, فرفض وقال: لا آمركم ولا أنهاكم أنتم أبصر) روضة الكافي للكليني وبحار الأنوار للمجلسي.
?
قالوا
صور مقتدى في الأعظمية
قالوا: "…وفي شوارع الأعظمية الذي يطلق عليه سكانه "فلوجة بغداد" لوحظ تعليق صور للزعيم الشيعي مقتدى الصدر على أحد جدران المباني, في واقعة غير مسبوقة بالحي ذي الأغلبية السنية"
ملحق العرب اليوم 12/4/2004
قلنا: إلى متى يظل أهل السنة مخدوعين بمقتدى وأمثاله, بالأمس اندفعوا وراء حزب الله اللبناني الشيعي واليوم يندفعون وراء مقتدى صاحب المواقف المنفعلة والمتلونة.
قالوا: "…لا بد من الإسراع في تفعيل التعاون والتنسيق في مختلف المجالات, وهنا نشير إلى أهمية التعاون بين مختلف المؤسسات الرسمية وغير الرسمية.. بما يشكل حافزاً للوصول إلى مرحلة التنسيق والتكامل لتحقيق الأهداف المشتركة.. وبما يخدم مصلحة الأردن وإيران…"
د. نبيل العتوم
الرأي 12/4/2004
قلنا: لماذا لا تتنبه الحكومات إلى الذين تزرعهم إيران في المجتمعات الإسلامية للترويج لها, وتغدق عليهم الأموال والمنح الدراسية للدعوة إبى سياستها.
قالوا: "إن على المسؤولين الأميركيين أن يدركوا جيداً أن القبض على مقتدى الصدر لا يمكن أن يتم إلا بإذن من المؤسسة الدينية الشيعية, وعلى الرغم من أن التخلص من مقتدى الصدر قد يصب في صالح آيات الله التقليديين مثل السيد علي السيستاني, فإن هؤلاء الآيات يعلمون أن المصدر الوحيد لسلطتهم الدينية هو ولاء أتباعهم لهم.
ويقلق هؤلاء الآيات حالياً من أن تقودهم معارضة الصدر المشحونة بالعاطفة الوطنية للاحتلال الأمريكي إلى أن يتخذوا مواقف أكثر عداءً للأميركيين من أجل الاحتفاظ بتأييد أتباعهم"
ساندرا ماكاي
لوس أنجلوس تايمز
ترجمة: العرب اليوم 14/4/2004(9/34)
قلنا: لقد شعر الكثير من الشيعة في العراق أن مقتدى الصدر خطر عليهم, ويهدد مرجعياتهم, فرأوا أن التعاون مع الاحتلال هو السبيل الوحيد لوقف زحف مقتدى.
وإذا كان هذا هو حال الشيعة فيما بينهم, فلماذا يستغرب بعض السنة الأخبار التي تتحدث عن ظلمهم لأهل السنة وإيذائهم.
الصدر مستعد لكل شيء
قالوا: "أعلن قيس الخزعلي المساعد المقرب من رجل الدين المتشدد مقتدى الصدر.. أن الأخير يتخلى عن جميع شروطه في المفاوضات مع قوات الاحتلال ويضع نفسه تحت تصرف المرجعية الشيعية.
وأكد الخزعلي أن الصدر على استعداد لتحويل "جيش المهدي" الميليشيا التابعة له إلى تنظيم سياسي ليس له أي نشاط عسكري"
وكالة الصحافة الفرنسية
14/4/2004
قلنا: إذا كان مقتدى الصدر بعد ثلاثة أو أربعة أيام من حركته مستعداً لكل شيء فلماذا هذه الضجة المفتعلة, ولماذا يظل المسلمون السنة كالغريق يتعلق بقشة.
الشيوعية ربيبة اليهودية
قالوا: "وقد لا تعرف المجموعة الوطنية الشيوعية في الأنبار ولا قواعد الحزب في بقية المحافظات أن قيادتهم متورطة من رأسها حتى أخمص قدميها في المؤامرة الأميركية- الإسرائيلية على العراق, وأن موقفها المذكور ترافق مع ما نشره الدكتور مهدي الحافظ من أنه لم يكن شريكاً مع نوري عبد الرزاق وفخري عبد كريم (قادة الحزب الشيوعي العراقي) في اتفاقيات –سرية وقعها المذكوران- وكشف عنها الحافظ مع رابطة الدفاع اليهودي, وأنه أي الحافظ رفض الاشتراك في المجلس العراقي للسلم والتضامن بسبب هذه الاتفاقيات.
ذلك يعني ويفسر صمت الحزب الشيوعي الرسمي المشارك في مجلس بريمر.. فأي انسحاب من المجلس تضامناً مع العراق وشعبه وقواه الوطنية يعرضهم لابتزاز المخابرات الأميركية حيث نتذكر أن جانباً من أموال دار المدى ومجلتها وجريدتها التي يديرها فخري كريم جاءت من الأموال التي خصصتها هذه المخابرات لإسقاط نظام الرئيس صدام حسين.."
موفق محادين
العرب اليوم 17/4/2004(9/35)
قلنا: موفق محادين كاتب شيوعي أردني ما زال ينظر للفكر الشيوعي, وهنا يكشف عن العلاقات السرية بين الحزب الشيوعي العراقي ورابطة الدفاع اليهودي لتؤكد الاتصال الوثيق بين اليهودية وربيبتها الشيوعية منذ ماركس والتعاون الوثيق لا يتوقف عند تعاون الشيوعيين مع اليهود, إنما يتجاوز ليصل إلى تعاون شيوعي أمريكي, وهي التهمة التي ظلت الأنظمة الشيوعية ومن سار في فلكها تلصقها بالحركات الإسلامية.
الدور الإيراني الأسود في العراق – أصبح علنياً
ناهض حتر
العرب اليوم 15/4/2004
يكشف الكاتب جانباً من التعاون الإيراني مع الاحتلال الأمريكي للعراق من أجل مصالحها الطائفية. وهذا التعاون يظهر زيف التصريحات النارية التي تطلقها الإدارة الإيرانية......................................................................الراصد.
لم يعد التواطؤ الأميركي – الإيراني في العراق سراً فقد أعلن وزير الخارجية الإيراني كمال خرازي أن الولايات المتحدة الأميركية طلبت من طهران مساعدتها في "تسوية الأزمة العراقية" وقد أرسلت الأخيرة, بالفعل, وفدا إلى العراق وبدأ يقوم بجهود تهدف إلى التأثير على الشيعة العراقيين باتجاه "التهدئة" أي في الحقيقة, حل "الأزمة الأميركية في العراق".
منذ الاحتلال الأميركي للعراق في نيسان 2003 لعبت إيران دوراً انتهازياً أسود في المسألة العراقية, وسعت بانتظام إلى مقايضة دعمها للمحتلين الأميركيين بتحسين علاقاتها مع واشنطن.
غير أن السياسة الإيرانية في العراق المحتل لها ثلاثة أهداف استراتيجية تتطابق مع السياسة الأميركية, موضوعياً وتؤسس للتحالف الإيراني – الأميركي في المنطقة, وهذه الأهداف هي:(9/36)
1-تصنيع الطائفة أي تحويل الشيعة العراقيين من مواطنين إلى طائفة مغلقة, وهو ما يضمن, نسبياً, تحويلهم إلى امتداد إيراني وتستخدم إيران في تحقيق هذا الهدف, وسائل دينية وإعلامية أي إن وسيلتها الأهم تتمثل بالوجود الأمني الكثيف في جنوب العراق, تحت يافطة "المجلس الأعلى للثورة الإسلامية" فيلق بدر ويشارك قادة هذه الهيئة التابعة للمخابرات الإيرانية, في "مجلس الحكم" والهيئات السياسية الأمنية الأخرى التي أنشأها المحتلون الأميركيون بينما تقوم ميليشيا بدر بعمليات إرهابية منظمة ضد المواطنين العراقيين الشيعة, مستخدمة كل الوسائل بما فيها القتل والاعتقال وإرهاب المدنيين وترويع ومطاردة الوطنيين العراقيين, من التقدميين والقوميين الشيعة, بحيث تتم تصفية كل الخارجين عن مشروع تصنيع الطائفة. وتغدق طهران الأموال بكثافة لخدمة هذا المشروع.
2-ضمان عدم نهوض الدولة الوطنية العراقية. وهي التي تشكل تهديداً استراتيجياً للنفوذ الإقليمي الفارسي, وتعرقل الأطماع الفارسية في أرض الرافدين ومما لا شك فيه أن تصنيع الطائفة وتدعيم المشروع السياسي الأميركي في العراق يصبان في طاحونة تدمير الدولة الوطنية العراقية.
3-ضمان النفوذ الإيراني في بغداد, بحيث يكون لطهران رجالها المؤثرون في الهياكل السياسية العراقية, ولذلك كانت إيران هي الدولة الإسلامية الوحيدة التي اعترفت رسمياً بـ "مجلس الحكم الانتقالي" الذي أسسه الغزاة, وسقط سياسياً, في انتفاضة ربيع بغداد.
ولا يريد الإيرانيون من العراق فقط, تحقيق أهداف سياسية وأمنية وطائفية فهم يريدون أيضاً, المشاركة في نهب العراق, وما يزال العراقيون يذكرون بدهشة كيف أن عبد العزيز الحكيم وهو رجل طهران في العراق, دعا خلال رئاسته لمجلس الحكم إلى تدفيع الشعب العراقي مئة مليار دولار تعويضات حرب لإيران.
الطائفية في العراق
تنزل إلى الشارع!
عدنان حسين
الشرق الأوسط 21-3-2004(9/37)
هذا المقال هو جزء بسيط من الحقيقة في الشارع العراقي ويظهر بوضوح التصرفات الطائفية للقوى الشيعية والكاتب صحفي لا يعرف عنه الحرص على مصالح القوى السنية لكن بشاعة ما يجري أجرت قلمه.....................................................الراصد.
كذبة كبيرة القول بأن العراق غير مهدد بخطر الصراع الطائفي.
والكذبة الأكبر نفي وجود الطائفية, فكراً وممارسة, في العراق.
والأكثر ترديداً لهاتين الكذبتين هم أكبر الطائفيين, وهم يفعلون هذا في مسعى غير موفق للتعمية على طائفيتهم, تماماً كما يسعى مرتكبو الإجرام إلى التمويه والتضليل والتستر على جرائمهم.
الطائفية كانت دائماً موجودة في العراق, بيد أنها ظلت في الماضي البعيد محصورة في أوساط ضيقة, هي المؤسسات والمرجعيات الدينية الشيعية والسنية على السواء, (كان هناك العديد من الاستثناءات, فبعض الشخصيات الدينية المرموقة كانت رموزاً وطنية من أرفع طراز من أمثال محمد جعفر أبو التمن ومحمد رضا الشبيبي وعبد الكريم الجزائري, والوطنية في بلد كالعراق هي بالضرورة غير طائفية فيما الطائفية مناهضة تماماً للوطنية).
لم تستطع الطائفية أن تخرج من أوساطها الضيقة إلى الشارع, ربما بسبب حيوية الحركة الوطنية العراقية في النصف الأول من القرن الماضي, لكنها منذ منتصف القرن أخذت بعداً سياسياً مع تشكيل الأحزاب الدينية التي قامت على أسس طائفية (حزب التحرير وحزب الأخوان المسلمين السنيان أولاً ثم حزب الدعوة الشيعي).(9/38)
ومع هذا لم تستطع الأحزاب الدينية أن تكوّن لها قاعدة ذات شأن بين العراقيين الذين أظهروا تمسكاً قوياً بهويتهم الوطنية, ربما لإدراكهم طبيعة مجتمعهم ذي الأعراق والأديان والطوائف المتعدد, لكن منذ العام 1963 بدأت الأمور على هذا الصعيد تتغير, فانقلاب شباط (فبراير) البعثي – الناصري وتوابعه التي استمرت حتى إطاحة نظام صدام حسين منذ عام, دشنت عهد التصفية الدموية للحركة الوطنية والممارسة الطائفية على مستوى الدولة, وعمّقت "الصحوة الإسلامية" التي كانت الثورة الإيرانية إحدى تجلّياتها من الظاهرة الطائفية في العراق, كما في بلدان أخرى, وتردى العمل السياسي إلى مستويات وضيعة لم نألفها من قبل.
والآن, بعد إطاحة نظام صدام, نلحظ تفاقماً في الممارسة الطائفية, خصوصاً من الأحزاب وبعض المرجعيات الشيعية مستفيدة من دعم إيراني سابق ولاحق مالي وسياسي وتسليحي واستخباراتي. فقد أنشئت ميليشيات مسلحة, علنية وسرية, بذريعة حفظ الأمن والنظام المفقودين, بيد أن هذه الميليشيات أخذت القانون بأيديها وراحت تعمل على فرض حكم هذه الأحزاب على فرض حكم هذه الأحزاب والمرجعيات (المتنافسة والمتصارعة في ما بينها هي أيضاً) على نطاق المدن والقرى والأحياء السكنية, معتبرة المجتمع كله تابعاً لطائفتها بل لحزبها أو مرجعيتها. وفي هذا الإطار صودرت مساجد للسنة في مدن ذات غالبية شيعية وحورب أبناء ديانات أخرى في أرزاقهم.(9/39)
ومن أسوأ الممارسات الطائفية التي شهدناها أخيراً هو أن عدداً من الوزراء المنتمين إلى أحزاب شيعية أخذ يحول وزارته إلى مؤسسة طائفية, بل حزبية, فالموظفون والعمال الجدد, بمن فيهم الذين كانوا قد فصلوا في عهد صدام لأسباب سياسية, لا بد أن يكونوا شيعة, بل لا بد أن تكون عرائض طلبات تعيينهم مرفقة بتزكية من حزبه او أحزاب قريبة, لكي يحصلوا على الوظائف المطلوبة, فيما بدأ البعض يفرض "مباشرة أو مداورة, لبس زي معين والقيام بممارسات معينة لا علاقة لها بطبيعة العمل المؤدى.
الآن فقط. عشية الانتقال المفترض للعراق إلى العهد الديمقراطي تتسابق الأحزاب وبعض المرجعيات الدينية, خصوصاً الشيعية, على إخراج طائفيتها إلى الشارع وشق المجتمع العراقي على أساس طائفي, وفي هذا كما يعرف العقلاء, بل حتى أنصاف العقلاء, خطر عظيم على الشعب العراقي, من واجب الوطنيين العراقيين التصدي له بعزم وحزم لإنقاذ بلادهم من هوة سحيقة يمكن أن تندفع إليها رغم أنفها, ربما تكون أكثر هلاكاً من الهوة التي ألقى صدام حسين العراق فيها.
تعاون بين حزب الله وأمل للسيطرة على مساجد
السنة في لبنان !!
الفرقان – العدد 284 – 15 مارس 2004
هذه صرخة من لبنان للمخدوعين من أهل السنة بنقاء وبراءة حزب الله من الطائفية والغلو المذهبي. والواجب على أنصار حزب الله من الجماعات السنية المطالبة بصوت واضح وقوي أن يكف عن هذه الممارسات البذيئة, مع تحفظنا على إطلاق كلمة انتصار حزب الله التي أوردها الكاتب................................................الرصد.
أغرب من الخيال... وشيء لا يصدق... هو ما يقوم به حزب الله في هذا الوقت بالذات... حيث يقف أهل السنة والجماعة في الأقطار العربية كافة وراء حزب الله, يشجعونه ويصفقون له بعد انتصاره في قرى الجنوب على الجيش الإسرائيلي.(9/40)
هذا الانتصار على ما يبدو دفع بعض شباب حزب الله لمحاولة السيطرة على مساجد أهل السنة والجماعة في الجنوب وفي جبل لبنان, فقد تكررت المحاولات, وآخرها محاولة السيطرة على مسجد النبي يونس في الجية.
وفي بلدة الجية يتعاون حزب الله مع حركة أمل, مع الشيخ عبد الأمير قبلان على اغتصاب أوقاف السنة, حيث أصدر المجلس الشيعي الأعلى قراراً بتأليف لجنة لأوقاف الشيعة في الجية, ثم ادّعت هذه اللجنة على المديرية العامة للأوقاف الإسلامية السنية في بيروت بأنها صاحبة حق في أوقاف الجية.
والقضية تعرض أمام القضاء اللبناني, في الوقت الحاضر, حيث وضعت إشارة على هذه العقارات, ومن خلال هذه الإشارة يحاول المتعصبون من المنتمين إلى اللجنة الشيعية إيذاء أهل السنة في أوقافهم وفي مسجدهم, حيث كان أهل السنة يعملون على ترميم مسجدهم وبنائه من جديد, فرفع هؤلاء قضية بحجة تخريب المسجد, وعملوا على إيقاف عمليات الترميم.
وهكذا تحولت القضية إلى قضية مذهبية لجأ فيها شيعة الجية إلى استفزاز أهل السنة والجماعة بوضع مكبرات الصوت على سطح المسجد, وإعلان الأذان الذي يتضمن كلمة "وأن علياً بالحق ولي الله" لأول مرة في تلك البلدة تجاوزوا حدود اللياقة والأدب في تناول مركز الإفتاء والأوقاف, وأخذوا يكيلون الألفاظ البذيئة ويعبرون عن مشاعر الحقد والكراهية بأسلوب سوقي يعمل على إثارة الفتنة والضغينة بين المسلمين.
في مهادات شيعية:
أسئلة وحوارات ساخنة
حسين الرواشدة
الدستور 8/4/2004
هذه شهادة حية ساخنة عن حقيقة اتجاهات شيعية من كاتب متعاطف من السنة مع الشيعة.
الكاتب حسين الرواشدة كاتب أردني شارك في العديد من اللقاءات مع الشيعة وهو من الداعية لقوة للتقارب مع الشيعة لكن لم يتمكن من إخفاء قلقه من حقيقة التوجهات لدى تيارات شيعية تحمل بكل ما تستطيع من أجل استئصال الآخرين وإفنائهم.(9/41)
ومع كل هذا لا يزال يظن الكاتب أن حركة الصدر ستزيل حقد الشيعة على السنة وتوجهه نحو الأمريكان وهذه سذاجة مفرطة ناتجة عن الخلل في فهم العقلية الشيعية………………………… الراصد.
من قتل السيد عبد المجيد الخوئي؟
هذا السؤال لم يطرح في الندوة التي دعت إليها مؤسسة الإمام الخوئي الخيرية في لندن إحياء للذكرى الأولى لرحيله, وشارك فيها على مدى يومين (2, 3 نيسان) عدد كبير من المراجع الشيعية من مختلف أنحاء العالم ومن المفكرين والأجانب الذين وفدوا إلى لندن وأبّنوا السيد الخوئي بأكثر من أربعين كلمة... وبندوة فكرية تناولت محاور التقريب بين السنة والشيعة, وفكر السيد الخوئي ومواقفه وقضية العولمة ومستقبل الشيعة في العراق.
أثناء إحياء المؤسسية لذكرى أمينها العام السابق الذي قتل على عتبات النجف الأشرف بعد يومين فقط على دخول عساكر الاحتلال إلى بغداد, لم تكن انتفاضة السيد مقتدى الصدر قد بدأت, ولا كانت القوات الأميركية أعلنت عن إشهار مذكرة اعتقال مساعده السيد اليعقوبي بتهمة الاشتباه في اغتياله للسيد عبد المجيد الخوئي... لكن أحد المقربين للسيد أسر بأن الذين قتلوه كانوا من جماعة السيد مقتدى الصدر.. وروى قصة الاغتيال ابتداء من انخراط خمسة آلاف "معمم" للدراسة في الحوزات بترتيب من النظام السابق عشية انتفاضة الشيعة في بداية التسعينيات وانتهاء بمحاولة السيد الخوئي "الالتجاء" إلى بيت السيد مقتدى الصدر عند تهديده بالقتل من قبل الأشخاص الذين داهموا المسجد الذي كان فيه ثم رفض الصدر لهذا الطلب, مما يعني –كما يقول الراوي- أن ثمة رغبة أن لم يكن يداً محرضة ومساهمة من قبل السيد مقتدى في استئصال السيد الخوئي وقتله.(9/42)
وسألت: هل ثمة رغبة مقابلة لدى أهل الفقيد أو أتباعه.. أو لدى المرجعية التي يمثلها السيد السيستاني في "الثأر" من الجهة التي قارفت هذه الجريمة, وهل سيكون ذلك –إذا تم- بداية لانشقاقات –إن لم نقل- حروب بين أتباع المذهب الشيعي ذاته؟
أحد الذين تحدثوا في الندوة وهو من كبار العاملين في مكتب السيد السيستاني أجاب بشكل غير مباشر, فقد أكد أن المرجعية العراقية الكبرى أسرّ إلى بعض أعضاء المجلس الانتقالي الذين زاروه قبل يومين بأن "العنف" مهما كانت أسبابه, ومع أي جهة مرفوض إطلاقاً, ولو حدث أن مدينة شيعية قد دمرت بالكامل –والراوي ينقل عن السيستاني- وتأكد بأن الفاعلين من السنة, فإن موقفنا هو التسامح معهم, وعدم الجنوح إلى الثأر أو القتل وستكون المدينة فداء للعراق.
وسألت نفسي: هل يشكل موقف السيستاني قاسماً لمواقف غيره من الشيعة؟ وجاء الجواب في اليوم الثاني من خلال المناقشات التي دارت بين المفكرين الشيعة حول مستقبل العراق, وعلاقة السنة بالشيعة, وما يريده الشيعة وما يستوجب أن يفعلوه.
واعترف أن بعض الإجابات قد صدمتني فعلاً... فالذين جنحوا إلى "المجاملة" كرروا ذات المقولات التي نعرفها عن الوحدة الوطنية وعن الانصهار بين الطوائف والمذاهب.. الخ, لكن أصواتاً أخرى ارتفعت ووجدت أصداء الاستحسان بين الجمهور.. وهذه أعلنت وبدون مجاملات أن على الشيعة أن ينتزعوا حقهم وأن يردوا لذاتهم اعتبارهم.. فقد كانوا الضحية الأولى لأكثر من خمس وثمانين سنة, وبالتحديد منذ ثورة العشرين وقد حدث –وبالاحصائيات الدقيقة- أن من بين إحدى الوزارات العراقية لم يكن إلا وزيرين شيعيين من أصل عشرين وزيراً.. واثنين وستين موظفاً كبيراً من بين نحو سبعمائة موظف... وأن عدد ضحايا الشيعة في الحروب والمواجهات مع النظام (دعك من الذين حكموا بالإعدام) بلغ أضعاف ضحايا الطوائف الأخرى.. الخ الخ.(9/43)
الكلام خارج إطار المجاملات كان مؤلماً وصارخاً.. لا لواحد مثلي تعوّد أن يسمع مثل هذا الكلام داخل الندوات والجلسات المغلقة.. ولكن لكثير من المراقبين –لا سيما من خارج الشيعة- الذين أدركوا عمق الفجوة التي تفصل بين أتباع الطيف العراقي, لا بل بين داخل الطيف الشيعي ذاته, حيث لم يبرز حتى الآن أي موقف يجتمع عليه أتباع هذا المذهب الذين أثروا –كما يبدو- الانتظار لحين ينجلي مشهد الاحتلال.. ومعه توازنات الواقع الجديد.
لكن انتفاضة السيد مقتدى الصدر خلطت أوراقاً كثيرة.. وصار بوسع الذين انتظروا أن يحسموا أمرهم.. فإما مع المقاومة التي تتقدم على حسابات المحاصصة واجترارالأحزان.. إما مع "السياسة" التي يلوح بها الأمريكان لغرض أجندتهم على العراق.. واستعباده إلى الأبد.
لعبة طهران المزدوجة
عريب الرنتاوي
الدستور 16/4/2004
يبين الكاتب وجهة نظره في السياسة الإيرانية في العراق والتي تتقاطع مع الاحتلال الأمريكي ضد المصالح العراقية الوطنية....................................الراصد.
على خطين متوازيين, تتحرك السياسة الإيرانية في العراق وحياله.
فهي من جهة, تحشد القوى المؤيدة, وترسل برجالاتها بعشرات الألوف إلى العراق, كما تقول التقديرات العراقية والأمريكية, وتصدر عن مرجعياتها الدينية العليا, إشارات غاضبة ضد الاحتلال وممارساته, ومواقف متماهية مع قوى المقاومة والانتفاضة في العراق, وبصورة تدعو للاعتقاد بأن الجمهورية الإسلامية قد دخلت معركة "كسر عظم" مع الولايات المتحدة, بدءاً من العراق.
بيد أنها من جهة ثانية, تفتح وعلى أوسع نطاق, قنوات الاتصال الديبلوماسية الخلفية, وتهب لمد يد العون للولايات المتحدة, بصرف النظر عن هوية الطرف الذي تقدم بالطلب إلى طهران للقيام "بمساعيها الحميدة" في هذا الصدد, وإذا كانت الولايات المتحدة ذاتها, أم بريطانيا وإيطاليا بالإنابة عنها.(9/44)
لكأنها تريد ضرب عدة عصافير بحجر واحد: تعزيز نفوذها في العراق ميدانياً وسياسياً... إبقاء قنوات التعاون مفتوحة مع واشنطن لتفادي الأسوأ في مختلف الظروف.. طمأنة الغرب عموماً إلى حقيقة أن فوز المحافظين في الانتخابات الأخيرة, لن يغير أو يبدل في مضامين السياسة الخارجية الإيرانية وأهدافها.
والحقيقة أن الدور الإيراني في العراق القديم المتجدد, يستعير بعض فصول وقصص الدور الإيراني في أفغانستان, حيث اعتمدت طهران مقاربة مزدوجة في التعامل مع الحرب الأمريكية على طالبان والقاعدة, فهي كانت تعارض الحرب وتطلق التصريحات النارية ضد الغطرسة الأمريكية, بيد أنها في واقع الحال, قدمت خدمات جليلة للأمريكان, لم تقو دول صديقة تقليدياً لواشنطن على تقديمها.
الولايات المتحدة التي تواجه مأزقاً صعباً في رمال العراق المتحركة, تبحث عن "الترياق من خارج العراق", وهي لا تمانع من شرائه, حتى وإن كان إيراني المنشأ, ولهذا سارعت إلى الترحيب بالدور الإيراني الجديد, ضاربة مؤقتاً على الأقل صفحاً عن قضايا التسلح وبرامج الدمار الشامل وحقوق الإنسان في الجمهورية الإسلامية!
وإيران, التي تشتهي رحيل اليمين المسيحي والمحافظين الجدد عن البنتاغون والبيت الأبيض, تتحسب كما يبدو لمقبل الأيام, وهي تفترض من بين فرضيات أخرى, احتمال عودة الجمهوريين لولاية ثانية, فتقرر ترك الباب مفتوحاً على مصراعيه على شتى السيناريوهات.
وأيا يكن من أمر, فإن الحركة الإيرانية الأخيرة, يراد بها البرهنة على أن طهران, هي قوة استقرار إقليمي, وهي وحدها تمتلك الكثير من المفاتيح "الحل والعقد" في الخليج والعراق والشرق الأوسط والجمهوريات الآسيوية, ولا يجوز بحال من الأحوال, تجاهلها أو تغييب دورها تحت شعار أنها "دولة مارقة".(9/45)
بيد أن ما يفوت صانع القرار الإيراني استذكاره واستحضاره, أن خدمات جليلة قدمت سابقاً للولايات المتحدة, من قبل إيران وغيرها, لم تفلح في "زحزحة" واشنطن عن مواقفها من هذه الدول, إذ سرعان ما كانت تعود لمزاولة "عادتها القديمة" عندما ينتهي أثر الخدمة المطلوبة, وتعود الدول المتبرعة بها لواشنطن للاصطفاف من جديد في خانة "محور الشر".
مناورات الصدر ومردودها!
طارق مصاروة
الرأي 6 نيسان 2004
وجهة نظر في حقيقة الدوافع لمقتدى الصدر من وراء تحركاته, ورغم أن الكاتب نصراني! وقد كتب رأيه مبكراً إلا أن تداعيات حركة مقتدى لم تخرج عن وجهة نظره أنها مناورة تجاه الأمريكان والقوى الشيعية الأخرى للحصول على قطعة أكبر من الكعكة العراقية!......................................................................الراصد.
واضح للذين يتابعون التفاعلات العراقية الداخلية هذه الأيام, أن آية الله العظمى السيستاني, هو غير عبد العزيز الحكيم والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية, وأن مقتدى الصدر غير السيستاني وغير الحكيم وأن للمرجعية الدينية الشيعية أكثر من رأس في اللعبة السياسية!
وفي مراجعة للحسابات الطائفية – العرقية لدى قوات الاحتلال يتضح أن مقتدى الصدر لم يرتب أوضاعه معها بعد, فهناك اعتقالات لبعض وكلائه بين الآونة والأخرى, وقد أغلقت صحيفته ((الحوزة)) ولهذا فهو يناور تارة بعدم الاعتراف بمجلس الحكم أو بالدستور المؤقت وهو يهدد ويتراجع لكنه تقدم خلال الأيام الثلاثة الجمعة والسبت والأحد خطوة أوسع فأطلق قواه الجماهيرية في مدينة الثورة –صدام-الصدر- وفي الكوفة والنجف والعمارة والناصرية والبصرة, بدأت بمظاهرات احتجاجية وانتهت بإطلاق النار والصدام المسلح مع الأميركيين والاسبان والإنكليز, ومقتل وجرح جنود ومواطنين زادوا عن المائة وسبعين قتيلاً وجريحاً!!(9/46)
ولأن المشهد مشهد مناورة فقد كان من الطبيعي أن يأمر آية الله السيستاني بوقف التظاهر وأن يجد الصدر الشاب نفسه يردد وراءه بوقف التظاهر, لكن الواضح أن الصدر ينتظر ردة الفعل الأميركية ومردودها السياسي عليه وعلى منظماته وأن السيستاني يشعر أن الزعيم الشاب يهدد صورة آية الله العظمى ونفوذها, ولا بد له من التدخل وأن الحكيم ومجلسه الأعلى ليس سعيداً بكل هذا الذي يجري!!
أين تنتهي مناورة مقتدى الصدر وهل يستطيع أن يجد مكانه المريح في تركيبة العلاقات الطائفية العرقية التي تحكم هذه المرحلة الصعبة من تاريخ العراق؟
الذين يعرفون حجم الغباء السياسي الأميركي لا يراهنون على استيعاب مقتدى الصدر وطموحاته السياسية داخل الأمكنة المريحة الدافئة, كما أن السيستاني غير قادر على احتوائه في مواجهة الحكيم وميليشياته لأن إلزام الشاب الجموح بحسابات تقوم على الصبر غير وارد, فقد تم اغتيال آية الله الخوئي لمجرد وصوله من لندن إلى العتبات "المقدسة", وذهب نسياً منسياً وكأنه لم يكن, فلا يمكن لآية الله أن يحب آية الله رغم كل مظاهر الاحترام والتوقير!
نتحدث عن المناورات السياسية لكن الأكيد أن كل العراقيين سيجدون أنفسهم في خندق واحد هو خندق المقاومة لأن الحرية والكرامة مصلحة!!
?
فرق الهند المنتسبة للإسلام
في القرن العاشر الهجري
وآثارها في العقيدة
?
فرق الشيعة في الهند( )
أولاً: الإسماعيلية
هذا مبحث نفيس في تاريخ دخول التشيع للهند, والتشيع في الهند ينقسم إلى الإسماعيلية بفرعيها المستعلية (البهرة) والنزارية (الخوجة), والإمامية الاثنى عشرية, والنور بخشية, والتشيع في الهند وما حولها سبب للعديد من البدع والأفكار المنحرفة, ويتميز الوجود الشيعي في بلاد الهند وما حولها باستخدام العنف ضد أهل السنة بشكل واضح وصريح.
هو إطلاع أهل السنة على أساليب الشيعة في التغلغل في البلاد الإسلامية من أجل مزيد من الوعي...................الراصد.(9/47)
دخول الشيعة إلى شبه القارة الهندية
بداية انتشار التشيع في البلاد الهندية:
كانت البداية الأولى لانتشار التشيع في القارة الهندية أيام الخليفة المنصور العباسي, وذلك أن إقليم السند كان لا يزال تحت حكم الخلافة العباسية بعد الأموية, ولما تولى المنصور الخلافة, بعث عمر بن حفص( ) والياً على هذا الإقليم. وكان هذ الوالي الجديد –الذي عرف بحسن تدبيره وحزمه- على مذهب التشيع في الخلفاء دون الجهر, حتى رحب في السند بأحد دعاة الشيعة حين جاء إليها هرباً من وجه العباسيين, وهذا الداعية هو عبد الله العلوي( ) . وهذا أول داعية وطئت أقدامه البلاد الهندية, وكان ذلك في منتصف القرن الثاني الهجري, فكان عهد بداية انتشار التشيع في إقليم السند من البلاد الهندية( ) .
خاف عمر بن حفص من نقمة الخليفة إن هو آوى داعية الشيعة في حمايته, فأنزله مع أتباعه عند أمير هندوكي في أحد البلاد المجاورة, موالياً رعايتهم, والعناية بشؤونهم في الخفاء, ومضت على هذا الحال عشر سنوات, ولما علم الخليفة بالأمر, كتب إلى عامله في السند يأمره بغزو بلاد الأمير الهندوكي, ومطاردة الداعية الشيعي, وما إن أحس الخليفة مماطلة عمر في تنفيذ ما أمره نقله إلى شمال إفريقية وبعث مكانه هشام بن عمر( ) , وحرضه على القضاء على الشيعة وأنصارها في السند, وفي عهده لقي الداعية عبد الله بن محمد العلوي وعدد من أتباعه مصرعهم, وبعث هشام برأسه إلى الخليفة في بغداد( ) .(9/48)
ثم نزح إلى السند في فترات مختلفة أعداد من القرامطة من البحرين وبلاد فارس, كما قدم في مطلع القرن الرابع الهجري دعاة إسماعيليون من بلاد شتى, واستقروا في السند, حتى جاءها داعية من كبار دعاتهم يسمى جلم بن شيبان وما إن وصل هذا الداعية حتى التف حوله القرامطة الذين كانوا قد نفذوا إليها من البحرين وبلاد فارس, ووحدوا صفوفهم. وكان إقليم السند في ذلك الوقت تسوده الاضطرابات من جراء النزاعات القبلية بين العرب –إذ كانت هذه القبائل تطالب بتقسيم هذه البلاد إلى ثلاثة أقسام: قسم لقريش, وثان لربيعة, وثالث لقيس- فاستغل جلم بن شيبان الإسماعيلي هذه الأوضاع, وتمكن آخر الأمر من الاستيلاء على مقاليد الحكم فيها. فكانت حكومته هذه أول دولة إسماعيلية تشهدها شبه القارة الهندية( ) .
تولى حكومة الدولة الإسماعيلية من بعد جلم رجل آخر يدعى حُميد, وهو الذي وجده السلطان سبكتكين الغزنوي في غزواته بالملتان, فهزمه وقتل. وتولى بعده الحكم فيها حفيده أبو الفتح داود القرمطي. ولما حمل السلطان محمود بن سبكتكين الغزنوي راية الجهاد لنشر الإسلام, والقضاء على الفرق الضالة, كان داود القرمطي يدخل في المعاهدات مع السلطان على دفع مبالغ مالية, ويتحالف في الخفاء مع أمراء هنادك لصد السلطان محمود عن الدخول في البلاد الهندية, ويتآمر ضده, وآخر الأمر ضاق محمود ذرعاً بمؤامرات داود القرمطي فخرج إليه من جديد عام (401هـ), فما زال به حتى أوقعه في الأسر, وحبسه في أحد الحصون, ولم يرجع عن الهند إلى بعد أن قضى على الدولة الإسماعيلية قضاءً تاماً, وخرب عاصمتهم المنصورة وضم هذا الإقليم إلى الدولة الغزنوية, وبهذا انتهت أول دولة قامت للإسماعيلية في البلاد الهندية, وهربت فلول هذه الطائفة إلى بلاد كجرات الغربية التي غدت بؤرة للنّحل الضالة فيما بعد( ) .(9/49)
تبين مما سبق, أن أول فرقة وطئت أقدامهم أرض الهند هم الإسماعيليون, وتكونت لهم دولة في إقليم السند في القرن الرابع الهجري, وانقرضت في القرن الخامس الهجري على أيدي السلطان محمود بن سبكتكين الغزنوي, وهرب الإسماعيليون من السند إلى بلاد كجرات الساحلية الغربية, وانضموا إلى بني نحلتهم الإسماعيليون الذين وصلوا إليها من اليمن ومصر وسموا بالبهرة أو البوهرة كما سيأتي بعد قليل( ).
وإذا لاحظ الباحث طرق دخول طوائف الشيعة إلى البلاد الهندية من القرن الخامس الهجري حتى القرن العاشر الهجري يجدها كالآتي:
أولاً: طريق اليمن ومصر:
دخل عن هذا الطريق الشيعة الإسماعيلية –الفرع المستعلي وهم البهرة- إلى البلاد الهندية, حيث كان يصل الدعاة الإسماعيليون من مصر واليمن إلى بلاد كجرات الساحلية في زي التجار, وازداد نشاط هؤلاء الدعاة لما انقرضت دولتهم في مصر ثم في اليمن. وقد بلغ وصول الإسماعيليين –من الفرع المستعلي- إلا بلاد كجرات ذروته في القرن العاشر الهجري لما انتقلت دعوتهم من اليمن إلى الهند( ) .
ثانياً: طريق بلاد فارس:
قدمت بقية طوائف الشيعة إلى البلاد الهندية عن طريق بلاد فارس, وهم كالتالي:
1-الإسماعيلية النزارية:
وهو الخوجات أو الآغاخانيون: بدأ وصول دعاة هذه الطائفة من الشيعة إلى البلاد الهندية بعد منتصف القرن السابع الهجري, وذلك لما قام هولاكو خان بنسف قلعة ألموت والقلاع الإسماعيلية الأخرى في فارس عام (654هـ), تشتت الإسماعيليون في البلاد المختلفة, كما توجه عدد كبير منهم إلى البلاد الهندية( ) .(9/50)
وكان وصول النزاريون –من الإسماعيلية- إلى البلاد الهندية مستمراً دون انقطاع حتى القرن العاشر الهجري, وفي هذا القرن تولى الصفويون مقاليد الحكم في بلاد فارس, وكانوا ينتمون إلى الإمامية الاثنى عشرية, ويضربون كل فرقة يرون فيها تهديداً لمذهبهم ودولتهم, فاضطر الإسماعيلية في فارس أن يعيشوا متسترين تحت التقية والكتمان, مما أدى إلى تدفقهم إلى المناطق الهندية التي انتشرت فيها النزارية( ) ( ) .
2-الإمامية الاثنا عشرية:
بدأ قدوم الدعاة الاثنى عشريين منذ القرن الثامن الهجري من بلاد فارس إلى البلاد الهندية( ) . وفي مستهل القرن العاشر الهجري لما انهزم همايون من بابر المغولي أمام شير شاه السوري الأفغاني لجأ إلى إيران مستنجداً بالشاه طهماسب الصفوي ومؤكداً له فتح أبواب البلاد الهندية لدعاة الشيعة الاثنى عشريين, فأمده الشاه بالجيش والعتاد, وتمكن الملك همايون من استعادة مملكة الهند للمرة الثانية, وبدأ بذلك تدفق الدعاة الاثنى عشريين من إيران إلى البلاد الهندية( ) . وبعد تولي أكبر بن همايون زمام الأمور في الدولة المغولية زاد نفوذهم في الدولة عن أي وقت مضى.
كما قامت للشيعة الاثنى عشرية دويلات مستقلة في منتصف القرن العاشر الهجرية في غرب البلاد الهندية وجنوبها, والتي كانت تستقطب الدعاة الاثنى عشريين وعلماءهم من إيران, مما أدى إلى قدوم كثير منهم إلى هذه البلاد( ) .
3-النور بخشية:
انتشرت النور بخشية في وادي كشمير والمناطق المجاورة لها من البلاد الهندي على يد داعية يدعى مير شمي الدين العراقي, قدم من خراسان الإيرانية في نهاية القرن التاسع الهجري( ) .
وستأتي التفاصيل عن هذه الفرق في المبحث القادم, بإذن الله تعالى.
* * *(9/51)
إن الدارس لتاريخ المذاهب العقدية في شبه القارة الهندية إبان القرن العاشر الهجري, يستطيع أن يجد من بين هذه المذاهب مذهب الشيعة الذي انتشر بقوة في هذه الأصقاع من خلال وسائل الاتصال التي تحدثت عنها في كيفية دخول الشيعة إلى شبه القارة الهندية. ومن أهم فرق الشيعة في القرن العاشر الهجري في الهند الفرق التالية:
أولاً: الإسماعيلية وتتمثل في فرقتين:
أ-البهرة المستعلية.
ب-النزارية (الآغاخانية).
ثانياً: الإمامية الاثنا عشرية.
ثالثاً: النور بخشية.
وفيما يلي أقدم دراسة موجزة لكل فرقة من تلك الفرق:
أولاً: الإسماعيلية( ) :
ترتبط الفرق الإسماعيلية في البلاد الهندي بفرعيها –المستعلية والنزارية- بالعبيديين أو الفاطميين بمصر, وبعد المستنصر بالله الفاطمي (427هـ-487هـ) انقسمت الإسماعيلية إلى فرقتين: المستعلية, والنزارية.
وذلك أن المستنصر نص على أن تكون الإمامة من بعده لابنه نزار, ولكن وزيره الأفضل بن بدر الجمالي انتهز فرصة وفاة المستنصر وأعلن إمامة المستعلي الابن الأصغر للمستنصر وابن أخت الوزير, ويقال: إن الجمالي بعد حروب مريرة بينه وبين نزار وأتباعه قيض نزار وابنه وقتلهما, ولكن عدداً كبيراً من الدعاة وأتباع المذهب الإسماعيلي –من أشهرهم الحسن بن الصباح- رفضوا البيعة للمستعلي ونادوا بإمامة نزار وأبنائه من بعده. وهكذا أصبح للشيعة الإسماعيلية فرعان: المستعلي والنزاري( ) . تنتمي بهرة الهند إلى الفرع المستعلي, والآغاخانية إلى الفرع النزاري من الإسماعيلية.
وقد استمر الإسماعيلية المستعلية في حكم مصر إلى أن استطاع القائد السني صلاح الدين الأيوبي أن ينهي وجودهم السياسي في مصر عام (567هـ)( ) .(9/52)
وقد واكب ضعف الفاطميين في مصر ظهور فرع جديد للشيعة المستعلية في اليمن عرفوا باسم الإسماعيلية الطيبية( ) , واستطاعوا إقامة دولة لهم على يد أحد دعاتها يسمى علي بن محمد الصليحي( ) , وعرفت بالدولة الصليحية. وقد استمرت هذه الدولة ملتزمة بتعاليم الشيعة الإسماعيلية حتى وفاة الملكة أروى بنت أحمد( ) عام (532هـ).
وبعد وفاة الملكة أروى بدأ أمر الدولة الصليحية يضمحل حتى انقرضت عام (563هـ)( ) . وقد ظلّت البهرة في الهند مرتبطة بالدعوة في اليمن حتى انتقلت الدعوة من اليمن إلى الهند.
وفيما يلي تفصيل ذلك بإيجاز:
أ-البهرة المستعلية:
كلمة البهرة:
كثرت آراء المؤرخين والباحثين في اشتقاق كلمة البهرة, ومعناها, وتتلخص هذه الآراء فيما يأتي:
أولاً: أن هذه الكلمة هندية الأصل. وقيل: في اشتقاقها احتمالات كثيرة أشهرها كالآتي:
1-أن ((بوهرة)) أو ((بُهرة)) بمعنى التجار على اللغة الكجرانية.
2-أنها مشتقة من ((بوه راه)) أي: الطريق السوي.
3-أنها جاءت من ((بهو راه)) أي: الطرق الكثيرة.
4-أنها جاءت من ((بهر)) بمعنى صفوف الإبل.
5-أنها جاءت من ((بهراج)) بمعنى البصير بعواقب الأمور.
6-أنها جاءت من كلمة ((ووهرا ويه ورو)) على اللغة السنسكريتية, بمعنى التعامل, ثم تطورت إلى ((ويه وهاري)), وبدأ الناس ينطقونها ((بيو باري)) بمعنى التاجر؛ لأن مخرج ((الواو)) و ((الباء)) متقارب في اللغات الهندية.
وفي هذه الحالات ترجع مادة هذه الكلمة إلى أصول هندية.
ثانياً: يحتمل أن ترجع مادة هذه الكلمة إلى أصول عربية, يقال: إن البهرة مأخوذة من كلمة بهراء وهي اسم قبيلة كانت تسكن بنواحي المدينة واليمامة.
قال ابن منظور: ((بهراء: حي من اليمن. قال كراع: بهراء –ممدودة- قبيلة))( ) .
قال الجوهري: ((بهراء قبيلة من قضاعة))( ) .
وتزعم عائلات كثيرة من البهرة المقيمين حالياً في ولاية كجرات أنهم قدموا من الطائف والمدينة المنورة.(9/53)
ويحتمل أيضاً أنها مشتقة من البياسرة, والبياسرة كما قال ابن منظور: ((قوم بالسند. وقيل: جبل من السند يؤاجرون أنفسهم من أهل السفن لحرب عدوهم, ورجل بيسري))( ) .
فمن المحتمل أن تجار العرب كانوا يطلقون هذه الكلمة على العمال الذين يرافقونهم في سفنهم, ثم شاعت هذه الكلمة لكل من يصل من العرب إلى البلاد الهندية قاصدين للتجارة, ويقيمون في المناطق الساحلية, ثم بدأ إطلاقها على أولادهم جيلاً بعد جيل, ثم تطورت الكلمة في النطق والكتابة, وأصبحت البوهرة أو البهرة( ) .
يؤخذ مما تقدم أن استخدام هذه الكلمة اشتهر في معنى التاجر سواء أكانت هندية الأصل أم عربية, وسواء أكان التجار من العرب أم من الهند, كما يفهم أن هذه الكلمة وثيقة الصلة بإسلام القوم, إذ كانت بداية إطلاق هذه الكلمة على المسلمين فقط, سواء أقدموا من قبائل العرب, أم أسلموا من السكان المحليين.
نشأة البهرة الإسماعيلية وتاريخها:
تعددت الروايات عن نشأة طائفة البهرة الإسماعيلية في البلاد الهندية, وأشهرها كما يلي:(9/54)
الأولى: تذكر كتب البهرة رواية طويلة عن وصول الدعاة الإسماعيليين إلى البلاد الهندية, وملخصها: أن ((الإمام المستنصر بالله)) الفاطمي بعث أحد أتباعه يدعى مولائي أحمد إلى الهند لينشر الدعوة هناك, ونزل في كهنبايت –من بلاد كجرات- وبدأ يتجول في زي الهندوس, ورأى يوماً أن نفراً من الفتيان يلعبون في أحد الميادين, فكان يذهب كل يوم هناك وينظر إليهم, ويلاحظهم حتى أقام علاقة صداقة مع اثنين منهم, وهما: رام جي وروب جندو ودعاهما إلى الذهاب معه إلى مصر, فرضياً بذلك. فلما مثل –أي مولائي أحمد- أمام المستنصر اعتذر قائلاً: بأنه لم يتمكن من أن يفعل شيئاً لعدم معرفة لسانهم, وقدّم له هذين الفتيين, وطلب منه إرسالهما إلى الهند بعد تعليمهما مبادئ الدعوة الإسماعيلية, فسرّ الإمام بذلك, وسمى الأول عبد الله والثاني نور الدين وأحسن تربيتهما, فلما أكملا تحصيلهما العلمي, وبرعا في علم البحث والمناظرة, والتأويل والحقائق, بعثهما الإمام المستنصر إلى الداعي مولانا لملك( ) –داعي اليمن- يرافقهما مولائي أحمد, وبعد أن تلقوا منه التوجيهات اللازمة توجهوا جميعاً إلى الهند ونزلوا في كهنبايت –من بلاد كجرات- واختفوا في مزرعة بعيدة عن المدينة, وهناك استمالوا صاحب المزرعة الهندوسي وزوجه إلى الدعوة إذ كان عبد الله ونور الدين يعرفان اللغة الكجراتية فقبلا الدعوة, وأسلما على أيديهم بعد أن شاهدا خارق نبع الماء من بئر المزرعة التي نضب منذ فترة؛ ولما أيقنوا من إذعانهما وإخلاصهما للدعوة كشفوا عن حقيقتهم وسألوهما عن كيفية نشر الدعوة في البلد كله, فدلاهم على برهمي يعتقد فيه وزير الملك بهار مل فإذا أسلم البرهمي, فسوف يسلم الوزير, وبالتالي الملك وبقية الناس.(9/55)
فتوجه مولائي عبد الله إلى البرهمي فحاوره وناظره حتى أقنعه بقبول الدعوة, وعلّمه مبادءها, ولما رآه مخلصاً يوثق به بدأ يشجعه لاستمالة الوزير إلى دينه, فكلّما يأتي إليه الوزير يزوره يذكر له فضائل الإسلام, ويبين عيوب عبادة الإصنام, فقال له الوزير: إذا كنت قد غيرت دينك فافصح عنه, وأنا أتبعك فيه, فكشف له البرهمي عن حاله, وأخذه إلى مولائي عبد الله فأسلم على يديه, وبدأ يأخذ عنه آداب الإسلام, وعلوم أئمة آل محمد ? حتى رآه يوماً أحد خدمه وهو يصلي, فأبلغ الملك بذلك –وكان شديداً على المسلمين- فقال الملك: إذا رأيت بعيني وهو يصلي أنزل به عقاباً شديداً, وبدأ الخادم يراقبه عن كثب, فلما رآه يصلي أبلغ الملك فوراً, فوصل على وجه السرعة, ورآه يركع ويسجد, ولما عرف الوزير أن الملك قد حضر في بيته, توجه إليه وأدى مراسم التحية فسأله الملك عما يفعل؟ فأجاب: أنه رأى ثعباناً اختفى تحت الصندوق, فكان يبحث عنه واقفاً, ولما لم يجده انحنى ثم وضع رأسه على الأرض باحثاً عن ذلك الثعبان, فأمر الملك رجاله نقل الصندوق والبحث عن الثعبان, فرأى ثعباناً كبيراً يخرج من تحت الصندوق, فصدق الوزير, ورجع من حيث أتى.
بعد هذا الحادث بدأ الداعي مولائي عبد الله يلح على البرهمي لاستمالة الملك ((سدهـ راج سنكَهـ)) إلى الدعوة, وكان –أي الملك- يأتي مرة كل سنة إلى معبد البرهمي, يقدم القرابين للصنم الكبير, ثم يتبرك بالفيل المعلق –الذي معلقاً على الهواء في حجرة من المعبد- ويتحف البرهمي بالهدايا.(9/56)
فلما وصل الملك –كعادته- طلب مولائي عبد الله من البرهمي أن يخبر الملك بأنه رأى في المنام أن الفيل المعلق يقول له: أنه سئم من طول الوقوف في الهواء ويرغب الآن في وضع إحدى أرجله على الأرض, وذهب مولائي عبد الله إلى الفيل في الليل, ولاحظ أنه مصنوع من الحديد, ونصبت إزاء كل رجل قطعة كبيرة من المغناطيس في السطح وهي تجذب الفيل إليها, فظل معلقاً على الهواء, فاقتلع قطعة مغناطيس, ونزلت إحدى أرجل الفيل على الأرض, وكرر هذا العمل ثلاث ليال متوالية, فنزل الفيل من الهواء ووقف على الأرض.
ولما بلغ الملك هذا الخبر تحير كثيراً, وركبه هم شديد, واشتهر الأمر بين الناس, وعلم الملك أن البرهمي قد غيّر دينه على يد أحد العرب, فبعث رجاله لإلقاء القبض عليهما, وعندما رأى مولائي عبد الله عساكر الملك ظهر على مدرج المعبد, وقرأ بعض الآيات والأدعية فتوقف العساكر عن السير, كلما يحاولون التقدم إلى الأمام يرجعون متقهقرين إلى الوراء, وحينما سمع الملك ذلك تحرك بنفسه بجيش كثيف, وعند وصولهم على مقربة من المبعد, ساخت أقدامهم في الأرض, واشتعلت النيران فيها, فاستأمن الملك من مولائي عبد الله وتعهد أن يدخل في دينه, فأشفق عليهم وأنقذهم مما هم فيه, فاقترب منه الملك وسأله عن حاله, فقال له: أيها الملك, إذا كان الصنم الكبير –الذي تعبده- يمتثل أمري فهل تدخل في ديني؟ قال: نعم. فقال للصنم: أيها الملعون قم, وخذ هذا الدلو, واملأه ماء من الغدير, فذهب الصنم يهرول, وملأ في الدلو ماء الغدير كله حتى ترك الأسماك تضطرب, فأمر –أي مولائي عبد الله- لإعادة الماء إلى الغدير, ففعل ذلك, ولما رأى الملك هذه الخارقة, أسلم هو ومن معه جميعاً, ووصل وزن زنانير البراهمة الذين أسلموا في ذلك اليوم إلى أكثر من منّ واحد؛ ثم بدأ هؤلاء المسلمون الجدد عمل بيوهار أو بيوبار أي التجارة مع العرب ومن هنا أطلق عليهم –أي العرب- كلمة البهرة أو البوهرة( ) .(9/57)
الثانية: خلاصة ما جاء في هذه الرواية أن داعياً إسماعيلياً يدعى يعقوب وصل إلى الهند في عهد الإمام المستنصر عام (533هـ). ولما وصل إلى مدينة كهنبايت آوى إلى بيت بستاني, وأقنعه بقبول الدعوة, وكان أول شخص اعتنق مبادئ الإسماعيلية من الهند وبعد مضي فترة أسلم البرهمي الذي كان يعتقد فيه الملك ((سدهـ راج سنكهـ)) ووزيراه بهار مل وتارمل فأسلموا جميعاً وعم الإسلام أرجاء هذه البلاد إلى آخر القصة كما وردت في الرواية الأولى( ) .
الثالثة: ذكر القاضي نور الله الشستري في كتابه مجالس المؤمنين أن داعياً إسماعيلياً يدعى ملا علي وصل إلى أرض كهنبايت في القرن السابع الهجري, ونتيجة جهوده انتشرت الإسماعيلية في هذه البلاد, والذين سموا بالبهرة, وكانوا قبل ذلك من الهندوس( ) .
الرابعة: تقول هذه الرواية أن القائد صلاح الدين الأيوبي لما قضى على وجود الفاطميين في مصر عام (567هـ) هاجر عدد كبير منهم إلى اليمن ومن هناك توجهوا إلى الهند.
وبعد استيلاء الزيود على اليمن عام (946هـ) لم يبق في أيدي الإسماعيليين إلا تلال حراز وجبالها, غادر معظمهم بلاد اليمن ووصلوا إلى بني نحلتهم في إقليم كجرات من البلاد الهندية, حيث الملجأ الآمن, والمرتع الخصب لنشر عقائدهم, كما انتقلت الدعوة من اليمن إلى الهند في هذا القرن –أي العاشر- الهجري أيضاً( ) .
الخامسة: يرى الأستاذ محمد سعيد مرزا أن التجارة كانت قائمة بين بلاد اليمن والهند منذ القديم, ولما استولى الفاطميون على مصر وتكونت لهم دولة موالية في اليمن والتي وسميت بالدولة الصليحية وصار لها دعاة وأتباع, كان هؤلاء الدعاة يصلون إلى السواحل الهندية من بلاد كجرات في زي التجار, وكان هدفهم الأساسي هو نشر العقائد الإسماعيلية بالإضافة إلى ممارسة مهنتهم التجارية, وازداد نشاط هؤلاء الدعاة لما انقرضت دولتهم من مصر ثم من اليمن( ) .(9/58)
إذا نظر الباحث في هذه الروايات والحكايات نظرة فحص وتمحيص يجد أن الرواية الأولى من وضع البهرة أنفسهم لإضفاء المجد والكرامة على الدعوة الإسماعيلية ودعاتها, ولا تثبت صحتها أمام الحقائق التاريخية, إذ أنها تدل على أن أسلاف البهرة كانوا كلهم من الهندوس, فأسلموا على الأصول الإسماعيلية, وليس الأمر كذلك؛ لأن المستنصر بالله توفي عام (487هـ) أي في أواخر القرن الخامس الهجري, وقد وصل الإسلام إلى هذه البلاد الساحلية من الهند قبل ذلك بكثير. وقد قام هشام بن عمرو التغلبي عامل الخليفة المنصور العباسي في إقليم السند بغزو إقليم كجرات في القرن الثاني الهجري, واستولى على بهروج ميناء بحر العرب, ووجد بها جالية إسلامية كبيرة( ) .
ثم إن من سمي بالبهرة ليس كلهم من الشيعة الإسماعيلية, بل فيهم عدد غير قليل من السنة( ) .
وأما الرواية الثانية فهي شبيهة بالرواية الأولى, إلا أن وجود الأخطاء فيها واضحة؛ لأن المستنصر الفاطمي توفي عام (487هـ) فلم يكن موجوداً في عام (533هـ) حيث وصل داعي الإسماعيلية إلى الهند, ثم إن القول: إن البستاني المذكور كان أول من اعتنق الإسلام على مذهب الإسماعيلية من الهند عام (533هـ), فذلك غير صحيح؛ لأن الإسلام قد دخل الهند قبل ظهور الإسماعيلية –كما قدمت-, كما أن القرامطة الإسماعيلية كانوا موجودين على أرض الهند من القرن الرابع الهجري, وأسسوا أول دولة لهم في السند, وقد تمكن السلطان محمود بن سبكتكين الغزنوي في هجماته على الهند من القضاء على هذه الدولة, ونسف عاصمتها المنصورة( ) .
وأما الرواية الثالثة فهي مثل الأولى والثانية, لا يخفى عدم صحتها؛ لأن الإسماعيليين وطئت أقدامهم هذه البلاد قبل القرن السابع بكثير –كما تقدم- كما يلاحظ الخلط في أسماء الدعاة.(9/59)
وأما الرواية الرابعة والخامسة فلعلهما أقرب إلى الصواب, حيث أن البهرة لم يكونوا جميعهم من المسلمين الجدد الذين أسلموا من الهندوس, كما أنهم ليسوا كلهم من العرب, بل بعضهم أسلم قديماً ثم اعتنق الإسماعيلية, والبعض الآخر أسلم من الهندوس على الأصول الإسماعيلية نتيجة نشاط الدعاة الإسماعيليين, ويوجد فيهم عدد قليل من العرب الذين وصلوا من بلاد مصر واليمن, كما انضم إليهم القرامطة الذين طردهم السلطان محمود الغزنوي من مراكزهم في ملتان والسند, وكلهم سموا بالبهرة سواء أكانوا يتاجرون أم لا؟ وأصبح هذا اللقب علماً مميزاً على الفرع المستعلي من الإسماعيلية( ) .
ومما يجدر بالذكر هنا أن جميع طائفة البهرة لم يعتنقوا عقائد الإسماعيلية, بل فيهم من هم من أهل السنة من القديم, كما أن بعض الدعاة من البهرة الإسماعيلية هداهم الله إلى السنة فقام بدعوة البهرة إلى أهل السنة, ومنهم جعفر بن أبي جعفر الكجراتي( ) . وقد برز من البهرة السنة علماء كباء, منهم المحدث الشهير في القرن العاشر الهجري الشيخ محمد بن طاهر الفتني( ) ( ) .
انتقال الدعوة من اليمن إلى الهند:(9/60)
ومع أن إمامة الدعوة الإسماعيلية كانت مستقرة في مصر أيام الدولة الفاطمية, إلا أن الدعوة في الهند كانت مرتبطة باليمن أكثر من مصر, خاصة بعد انفصال الدولة الصليحية باليمن عن الشيعة الفاطميين في مصر, وأصبحت الدولة الصليحية هي التي تحمي الدعوة الإسماعيلية المستعلية وتنشرها. ولما توفي الداعي علي بن محمد الصليحي عيّن مكانه ((لمك)) داعي قلم, ثم عين بعده ابنه يحيى بن لمك( ) , وهكذا تسلسلت الدعوة في اليمن, حتى جاء عهد الداعي إدريس بن حسن آخر داع في اليمن وفي عهده اختلت أمور الدعوة, وضعف شأن الإسماعيلية في اليمن وتمكن الزيود من الاستيلاء على أماكنهم, ولم يبق عندهم إلا حراز وجبالها, وذلك عام (946هـ). ومن هنا شعروا بالضرورة الملحة لنقل مركز الدعوة إلى مكان آمن, واختاروا لذلك إقليم كجرات من البلاد الهندية حيث مركز بني نحلتهم, واستدعي لهذا الغرض أربعة نفر من الهند, وهم: يوسف بن سليمان وجلال الدين وداود بن قطب شاه وداود بن عجب شاه, وبعد تعليمهم أصول الإسماعيلية وتربيتهم لحمل أعباء الدعوة نص الداعي إبراهيم بن حسن على يوسف بن سليمان لحمل واجبات الدعوة من بعده, وأمره بالتوجه إلى الهند, وبهذا انتقلت الدعوة من اليمن إلى الهند, وعهد يوسف بن سليمان من بعده لجلال الدين, وهو لداود بن عجب شاه وهو لداود بن قطب شاه, وهكذا تسلسلت الدعوة حتى أيامنا هذه( ) .
فرق البهرة الإسماعيلية:
لم يقع خلاف بين البهرة الإسماعيلية في مسألتي الإمامة والعقيدة, ولكنهم اختلفوا في الدعاة وطاعتهم, فقد افترقوا على اختلافهم في الدعاة إلى الفرق التالية:
الأولى-داودية:(9/61)
نسبة إلى الداعي داود بن قطب شاه رابع الدعاة الأربعة الذين استدعوا إلى اليمن لنقل الدعوة إلى الهند, وذلك أن الداعي داود بن عجب شاه عينه داعياً قبل وفاته, فتسلم مهام الدعوة بعده, وأطاعه معظم البهرة في الهند, ولهذا سموا بالداودية, وهم السواد الأعظم في هذه الطائفة, ومركزهم مدينة سورت في إقليم كجرات حيث مقر الداعي الدائم, ويوجد عدد كبير منهم في مدينة بمبئي الهندية, وفي مدينة كراتشي الباكستانية, كما يوجد أعداد منهم في شرق إفريقيا, خاصة في تنزانيا ومدغشقر وكينيا( ) .
الثانية-السليمانية:
نسبة إلى سليمان بن يوسف ابن أخ زوجة الداعي المتوفى داود بن عجب شاه, وذلك أن سليمان هذا كان عاملاً في اليمن عن طريق الداعي داود بن عجب شاه, فلما توفي, وتولى منصب الدعوة داود بن قطب شاه رفض ذلك سليمان وادعى أنه هو الداعي بعد داود بن عجب شاه, وأبرز وثيقة مكتوبة في هذا الشأن مختومة بختم الداعي داود بن عجب شاه فأطاعه أكثر من في اليمن من هذه الطائفة, ثم سافر سليمان إلى الهند, وادعى أنه هو الداعي, وليس داود بن قطب شاه, فأطاعه البعض ورفضه آخرون, وجرت بين الداعيين أحداث معاداة وتناحر يطول ذكرها.
يوجد أتباع السليمانية في مدينة بمبئي وبرودة وحيدر آباد والدكن الهندية, ويوجد كثير منهم في اليمن في منطقة حراز والجبال المحيطة بها, ويعرفون بالمكارمة( ) .
الثالثة-العلوية:
نسبة إلى علي بن إبراهيم بن الشيخ آدم صفي الدين وهي فرقة منشقة من الداودية الرئيسية, وذلك أن داود بن قطب شاه المذكور, عهد بمنصب الداعي من بعده إلى الشيخ آدم صفي الدين وهو إلى عبد الطيب زكي الدين فخرج عليه حفيد آدم صفي الدين, علي بن إبراهيم –كما عمل سليمان مع داود بن قطب شاه من قبل –وادعى- أي علي –أنه هو الداعي فاتبعه جماعة فاستقل بهم وانشق من الداودية( ) .
الرابعة-نكوشية:(9/62)
نسبة إلى كلمة ((نه)) بمعنى ((لا)) و ((كوشت)) بمعنى اللحم, أي: ((لا للحم)), وهذه الفرقة هي الأخرى المنشقة من الداودية أيضاً, وذلك في أواخر القرن الثالث عشر الهجري, وقالوا: إن صلاحية شريعة محمد ? قد انتهت بانتهاء ألف وثلاثمائة سنة من مجيئها فلا يجوز أكل اللحوم( ) ( ) .
الخامسة-ناكبورية:
نسبة إلى بلدة ناكبور المجاورة لمدينة بمبئي, وانشقّت هذه الفرقة أيضاً من الداودية, وكان سبب ذلك أن احد رؤوس الداودية من كجرات يدعى ملا عبد الحسين وصل إلى مدينة بمبئي وادعى أنه حجة من الإمام المستور, وذلك عام (1314هـ), فاتبعه عدد كبير من الداودية, منهم خمسة عشر من كبار علمائهم, وجرت بين الفرقتين مناظرات وخصومات, واتخذ ملا عبد الحسين من ناكبور مقراً له واستقل بأتباعه.
يوجد أتباع هذه الفرقة في بمبئي وناكبور وأجيّن وغيرهما من المدن الهندية, توفي ملا عبد الحسين عام (1320هـ), وعهد بالدعوة بعده إلى أحد أتباعه يسمى حافظ غلام حسين( ).
هذه أشهر الفرق التي انقسمت إليها طائفة البهرة الإسماعيلية الطيبية, بالإضافة إلى تلك الفرق يوجد هناك فرق أخرى صغيرة, أمثال: فرقة هجومية وفرقة هبتية وغيرهما( ) .
عقائدهم:
عقائد البهرة هي عقائد الإسماعيلية بشكل عام, وفيما يلي أعرض السمات البارزة للبهرة في العقيدة والشريعة والسلوك الاجتماعي.
الإمامة:
تدين البهرة بفرقها المتعددة بإمامة المستعلي بعد المستنصر بالله الذي توفي عام (495هـ), ثم الآمر بأحكام الله الذي اغتاله النزاريون عام (524هـ), ثم أبو القاسم الطيب الذي دخل دور الستر عن الأعين في مهده, وتجري الإمامة من بعده في أعقابه, ولا يخلو زمان من إمام مستور( ) .
مكانة الداعي:(9/63)
يعتبر الداعي عند البهرة بمثابة همزة الوصل بين الإمام المستور وبين أتباعه, ولهذا يتفانون في خدمته وإرضائه. والداعي المطلق هو الحاكم الفعلي لجميع أفراد البهرة الإسماعيلية, له الأمر والنهي مطلقاً, فلا يصح من بهري أن يؤم المصلين إلا بإذنه, ولا يحق له أنه يعمل عملاً خيراً من بناء مستشفى, أو مدرسة إلا بأمره. ولا ينعقد نكاح البهرة إلا إذا عقده الداعي, أو من أذن له من عماله.
يعتقد البهرة أن الداعي بمتابعته للإمام المستور يصل إلى مرتبته, فمن أخلص في تصوره وخدمته يتشرف بزيارة الإمام( ) .
كما يعتقدون أن الدعوة الإسماعيلية حبل أحد طرفيه بيد الله تعالى. والثاني بيد الداعي. يقول: ملا طاهر سيف الدين –أحد الدعاة- في كتابه: ضوء نور الحق المبين وهو يتحدث عن مكانة الداعي فيقول: ((...لأنه حبل الله الذي طرف منه بيد الله, وطرف منه بيد العباد. وأنه لا نجاة لأحد دون معرفة عاليهم ودانيهم في المعاد. قال الله تعالى: ?واعتصموا بحبل الله جميعاً?( ) وإذا عرفتم هذا بالوجيز من المقالة؛ لأن الرسالة لا تحمل الإطالة, فنقول إن الحبل الذي ندبكم الله إلى الاعتصام به أحد طرفيه بأيديكم هو أخوكم, وأقل عبيد إمامكم, الذي دعوكم إليه ويهديكم. والطرف الآخر الذي بيد الله هو منتهى حدود عالم النفس, وهو رسول ربكم المؤيد بروح القدس الحال من عالم الدين محل الشمس. وإن إمام زمانكم محله من الدين محل الرسول, فهو في وقته منتهى حدود عالم الطبيعة, ومطرح أشعة عالم العقول. فمن زعم أن معرفته لنبيه, أو وصي نبيه, أو إمام زمانه تكفيه دون معرفة داعي أوانه, ضل عن قصد السبيل, وباء من عذاب الوبيل وكانت شهادة (هكذا) لله غير مقبولة؛ لأن أسبابه بجميع الحدود غير موصولة))( ) .(9/64)
يبدو واضحاً من هذا الكلام أن من لم يعرف داعي وقته فشهادته بالتوحيد مردودة عليه, ولو عرف النبي ووصيه وإمام زمانه –على حد زعمه-, كما يتضح مدى تأثرهم في فكرهم العقدي بالفكر اليوناني القديم, وآراء فلاسفته.
الإخفاء والكتمان:
وإن كان الكتمان أو الإخفاء صفة ملازمة للدعوة الإسماعيلية في العصور الغابرة خوفاً من مخالفيها, إلا أنه ظهرت معلومات كثيرة في الآونة الأخيرة, خاصة عن الفرع النزاري منها, وذلك في كتابات المستشرقين والباحثين( ) , بينما بهرة الهند يسلكون حتى الآن مسلك من يقول: المذهب كالذهب يجب إخفاؤه, فلا يتباحثون مع غيرهم في الأمور الدينية, ولا يسمحون للاطلاع على كتبهم وتراثهم, وأمور الدعوة عندهم كلها ستر وأسرار لا يكشفون لأحد حتى الطالب الإسماعيلي من البهرة لن يتلقى علم التأويل إلا بعد عهود ومواثيق. أما علم الحقيقة فلا يصل إليه إلا الشاذ والنادر منهم, لذا لا يسهل النفوذ إليهم, والوصول إلى ما عندهم( ) .
صحيفة الموتى:
إذا مات أحد البهرة الإسماعيلي توضع في يده صحيفة بعد غسله وتكفينه. وهذه الصحيفة هي الشهادة من داعي الوقت أن الميت كان على عقيدة الإسماعيلية الطيبية, يقوم عامل الداعي أو مأذونه بوضع هذه الصحيفة على يد الميت نيابة عنه. ولما كانت هذه الصحيفة تساعد في الكشف عن جوانب عديدة عن عقيدتهم, كما تبين ترتيب أئمتهم وترتيب المسؤولين الآخرين عن الدعوة استحسنت أن أسوق عبارتها هنا وهي كالآتي:(9/65)
((أعوذ بالله العظيم, وبوجهه الكريم من الشيطان الرجيم. اللهم هذا عبدك الضعيف الفقير المحتاج إلى رحمتك, جاءته أوقات التي ختمتها عليه, الله فتلقه بالروح والريحان, والتجاوز عن سيئاته بالإحسان إليه, وارفع روحه مع أرواح النبيين والصديقين والشهداء والصالحين, وحسن أولئك رفيقاً. ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليماً. الله ارحم جسمه اللابث في التراب, وأسر إليه من سواري لطفك ما يكون ضميناً له بالتخلص من العذاب, وقاضياً بكريم الرجعي وحسن المآب, بحق ملائكتك المقربين وحججك الروحانيين, وملائكتك النورانيين, وأنبيائك المرسلين الخيرة والصفوة من خلقك أجمعين. وبحق نبيك المصطفى, وأمينك المجتبى محمد خير من مشى على الغبراء, وأظلته الخضراء. وبحق وصيه علي بن أبي طالب أبي الأئمة النجباء, والحامل عن نبيك ثقل الأعباء. وبحق مولاتنا فاطمة الزهراء الإنسية الحوراء. وبحق الأئمة من نسلها, والصفوة من نجلها الحسن والحسين سبطي نبيك. وبعلي بن الحسين, ومحمد بن علي, وجعفر بن محمد, وإسماعيل بن جعفر, ومحمد بن إسماعيل, وعبد الله المستور, وأحمد المستور, والحسين المستور, ومولانا المهدي, ومولانا القائم, ومولانا المنصور, ومولانا المعز, ومولانا العزيز, ومولانا الحاكم, ومولانا الظاهر, ومولانا المستنصر, ومولانا المستعلي, ومولانا الآمر, ومولانا الإمام الطيب أبي القاسم أمير المؤمنين. وبحق أبوابهم وحججهم ودعائهم. وبحق قائم آخر الزمان وحجته, وأئمة دوره صلوات الله عليهم أجمعين. وبحق داعي الوقت والأوان سيدنا ومولانا... ومأذونه سيدي... ومكاسره سيدي.... وحدوده الفضلاء الذي يقضون بالحق وبه يعدلون. حسبنا الله ونعم الوكيل, ونعم المولى ونعم النصير, ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم))( ) .
ولا يخفى أن هذه الصحيفة تقدم لنا صورة أخرى من صكوك الغفران التي مارسته الكنيسة في العصور الوسطى.
ميثاق:(9/66)
يقيم البهرة أفراح العيد كل عام يوم (18) من شهر ذي الحجة بمناسبة إحياء ذكريات غدير خم فيصومون هذا اليوم, ويغتسلون, ويصلون ركعتين عند الغروب, ويأتي عامل الداعي لأخذ العهد والميثاق من كل بهري للاستمرار على عقائد المذهب, واجتناب مخالفتها, ثم يقوم كل فرد منهم بتقديم ما يستطيع من النذور والصدقات إليه –أي إلى العامل- فكل ما يتجمع عنده من الأموال يترك منها الربع لنفسه, وترجع ثلاثة أرباعها لصندوق الداعي( ) .
الصلاة:
يصلي البهرة الصلوات الخمس في ثلاث مرات: الأولى: صلاة الفجر في وقتها, والثانية: صلاة الظهر عند الساعة الثانية عشرة والنصف بعد منتصف النهار, ثم يصلون العصر الساعة الواحدة. والثالثة: صلاة المغرب بعد غروب الشمس. ثم يصلون العشاء بعد ذلك مباشرة.
والبهرة لا يصلون الجمعة, ولا يخطبون, بل يصلون الظهر بدلاً من الجمعة, كما يؤدون صلواتهم في مساجدهم الخاصة التي يسمونها جماعت خانه ولا يصلون في مساجد المسلمين, كما لا يسمحون لغيرهم أن يصلوا في مساجدهم.
لا يحق لأحد أن يؤم البهرة في صلواتهم إلا عامل الداعي أو مأذونه, وإذا صلى بهم أحد بدون إذن الداعي تجب إعادة صلاة الجميع( ).
فهم يصلون كما يصلي المسلمون, ولكنهم يقولون: إن صلاتهم تلك للإمام الإسماعيلي المستور من نسل الطيب بن الآمر, وهم يذهبون إلى مكة للحج كبقية المسلمين, ولكنهم يقولون: إن الكعبة هي رمز للإمام( ) .
وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على اعتناقهم الأفكار الباطنية, وقطعهم أشواطاً طويلة في عقائدها.
الصوم والحج:
يعتمد الصوم والحج عند البهرة على تقويمهم الخاص, وعمدة هذا التقويم إتمام شهر محرم بثلاثين يوماً, ونقصان صفر, وإكمال الربيع الأول, ونقصان الثاني, وإتمام جمادى الأولى, ونقصان الآخرة, وإتمام رجب, ونقصان شعبان, وإتمام رمضان, ونقصان شوال, وإتمام ذي القعدة, ونقصان ذي الحجة, وينسبون هذا التقويم إلى الإمام جعفر الصادق.(9/67)
وينبني على هذا التقويم تقديم يوم أو يومين عن عامة المسلمين في صيام رمضان, وعيد الفطر, والوقوف بعرفة. ينقل الشيخ محمد نجم الغني عن أحد البهرة طريقة أداء مناسك الحج فيقول: قال لي أحد البهرة: إنا وصلنا عرفات قبل الناس كما وصل إليها إسماعيلية اليمن... وقد قمنا بأداء مناسك الحج قبل الناس بيومين, وحين وقفنا في عرفات تحت قيادة عالم يمني, أحاط بنا جمع من أهل السنة, وسألونا عما نعمل هنا قبل الوقفة, فأجبناهم بقراءة بعض الأدعية, فانصرفوا بعد سماع هذا الجواب الساذج, ثم انصرفنا إلى مزدلفة وبتنا فيها ليلتها جوار طريق الطائف الذي يسلكه الحجاج القادمون من الطائف, وكلما سألنا القادمون إلى عرفة عن سبب انصرافنا عنها أجبناهم بأننا قادمون من الطائف سننزل مكة ثم نقدم منها إلى عرفة, وهكذا قضينا تلك الليلة, ثم عدنا إلى عرفة وأصبحنا شركاء لجميع الحجاج كالعادة( ) .
السلوك الاجتماعي عند البهرة الإسماعيلية:
يلتزم البهرة بالصلاة والصوم والحج حسب معتقدهم, ويتفانون في الولاء والطاعة لداعيهم, وهم يتركون اللحى, ويحلقون الرؤوس, لا يشربون السجاير ولا الشيشة. يلتزمون بزي خاص للرجال والنساء, ونساؤهم لا يلتزمن بالحجاب الشرعي, بل يتجولن في الأسواق متبرجات. والبهرة كاليهود لا يسمحون لأحد باعتناق مذهبهم ما لم يولد من أصل بهري, وأينما حلوا أقاموا في حي واحد, ولا يسمحون لغيرهم بالسكن معهم. تكون مساجدهم (جماعت خانه) ومقابرهم خاصة بهم, لا يصلون في مساجد عموم المسلمين, ولا يدفنون موتاهم في مقابر غيرهم. ومن عادة البهرة عند الفراغ من دفن الميت أنهم ينثرون الزهور على قبره ثم يقبّلون وسط القبر ويسمونه الزيارة, ثم يعانقون أهل الميت بدون أن ينطقوا كلمة في العزاء.(9/68)
لا يشارك البهرة غيرهم في مناسبات الأفراح والأحزان, وأواصر النكاح تدور بينهم كالحلقة المفرغة, لا يتزوجون مع غيرهم, وفي أفراح الزواج لا يقيمون حفلات الرقص والغناء, بل يضربون الدفوف, ويستعملون الألعاب النارية.
ومن السلوك الذي درج عليه بهرة اليوم هو إباحة التعامل بالربا, فهم يتعاملون بالربا علانية أخذاً وعطاء, ومن الصعب تعيين الداعي الذي أباح لهم هذا التعامل, غير أنه لم يبرز على الساحة علناً كظاهرة تعامل إلا في عهد الإنجليز.
يتعصب البهرة كثيراً في التزام عقيدتهم وشعائرهم المذهبية, مع ذلك تأثروا في سلوكياتهم بتقاليد الهندوس, فهم يقيمون حفلات الأفراح في مناسبة ديوالي –أحد أعياد الهندوس- يزينون فيهم بيوتهم ومحلاتهم التجارية, ويعتبرون هذا اليوم بداية للسنة المالية الجديدة حيث يقفلون فيه دفاتر الحسابات القديمة, ويفتحون دفاتر جديدة, ويمر عليهم عامل الداعي, أو مأذونه, ويكتب عليها –أي الدفاتر- كلمة بسم الله تيمناً ثم يقبض العطايا والهدايا( ).
أشهر دعاة البهرة الإسماعيلية في القرن العاشر الهجري:
تقدمت الإشارة إلى أن الدعوة الإسماعيلية المستعلية انتقلت في القرن العاشر الهجري من اليمن إلى الهند, والذين استدعوا من الهند لهذا الغرض هم الذين تولوا رئاسة الدعوة في هذا القرن, حيث ساروا إلى اليمن وأخذوا علم التنزيل والتأويل (؟) عن الداعي عماد الدين إدريس بن الحسن ثم رجعوا إلى الهند.
أولهم: يوسف بن سليمان السدهبوري الكجراتي( ) (000-000), نص له بالدعوة عماد الدين إدريس بن الحسن من بعده.
والثاني: جلال الدين بن الحسن الكجراتي( ) (000-000) عينه يوسف بن سليمان داعياً من بعده.
وثالثهم: داود بن عجب شاه الكجراتي( ) (000-997هـ), تولى رئاسة الدعوة بعد جلال الدين.(9/69)
ورابع أربعتهم: داود بن قطب شاه( ) (000-000), عهد إليه منصب الدعوة ابن عجب شاه, وفي عهده انقسمت البهرة الإسماعيلية إلى فرقتين: داودية وسليمانية, كما سبقت الإشارة إلى ذلك.
ب-النزارية (الآغاخانية):
تاريخها ونشأتها:
أما الإسماعيلية النزارية, فقد كانت أكبر شأناً وأجل خطراً من المستعلية البهرة. وقد تكونت هذه الفرقة النزارية على يد الحسن بن الصباح الذي ذهب إلى مصر في عهد المستنصر الفاطمي, وعلم منه أمره باستخلاف ابنه نزار ثم عاد إلى فارس كداعية إسماعيلي( ) . ولما علم بما أحدثه الوزير الأفضل بن بدر الجمالي وتحويله الإمامة إلى المستعلي بدلاً من نزار, انتصر الحسن بن الصباح لنزار وصار يدعو له ولأبنائه, وجعل نفسه نائباً للإمام المستور من ولد نزار. ورغم أن نزاراً وابنه قد قتلا على يد الوزير الأفضل –كما تقدمت الإشارة إلى ذلك- غير أن النزارية تزعم بأن الإمام نزار قد تمكن من مغادرة الإسكندرية سراً أثناء الحصار, واتجه إلى بلاد فارس متخفياً في زي التجار, واستقر به المقام في جبال الطالقان حيث قلعة ألموت, وعمل مع الداعي الحسن بن الصباح على تأسيس الدولة النزارية, وبعد أن تم له ذلك, أصابه مرض شديد, استدعى على أثره دعاته ونص على إمامة ابنه علي وذلك سنة (490هـ), وتوفي في اليوم الثاني, ودفن في قلعة ألموت. ومن هنا انتشرت الدعوة النزارية في البلاد المختلفة, ومنها البلاد الهندية( ) ( ) .(9/70)
وإذا نظر الباحث إلى طائفة النزارية في البلاد الهندية في القرن العاشر الهجري, يجدهم خليطاً من السكان المحليين الذين اعتنقوا الإسماعيلية, ومن النازحين من البلاد الفارسية التي كانت تحت هيمنة الإسماعيلية, وذلك أن هولاكو خان لما نسف قلعة ألموت والقلاع الإسماعيلية الأخرى في فارس عام (654هـ) تبعثر الإسماعيليون في البلاد المختلفة, وتوجه قسم منهم إلى البلاد الهندية, وكان أمام النزارية في ذلك الوقت شمس الدين خور شاه( ) يتعهدهم بإرسال الدعاة, وتزويدهم بالإرشادات والتعليمات اللازمة( ) .
كانت النزارية منذ أن حلت بهم الكارثة على يد هولاكو خان –مما أدى إلى تشتتهم في البلاد- تبحث عن أرض بكر تفرخ فيها, وتكون في مأمن من هولاكو وأمثاله في المستقبل, ولما أن البلاد الهندية أرض الملل والنحل منذ القديم فإنهم قد اختاروها لهذا الغرض, ولمّا تولى إسلام شاه( ) إمامة الطائفة عُني بالدعوة في الهند عناية خاصة, وركّز على الدعوة في منطقة ملتان وإقليم السند –لأنهما قد شهدتا ظهور القرامطة من قبل- وإقليم البنجاب ووادي كشمير والمناطق الساحلية الغربية؛ لكونها بلاد نائية عن أنظار الحكومة المركزية في دهلي, وبعث دعاةً مشهورين إلى الهند, وفي مقدمتهم بير( ) صدر الدين وبير شمس الدين تبريزي وبير حسن كبير الدين.(9/71)
وقد لعب أول الذكر دوراً نشطاً في نشر الدعوة النزارية في ربوع البلاد الهندية, ونجح في مهمته نجاحاً باهراً. وكان قد تعلم اللغة الهندية, وسمى نفسه باسم هندي, وصنف كتاباً سماه دسا أوتار أي الرسل أو النواب العشرة, وذكر فيه أن علياً ? كان مظهراً من مظاهر الألوهية, وهو العاشر من تلك المظاهر. كما صنف كتاباً آخر سماه: كنان, واتبعه خلق كثير من كفار الهند, وسمى بير صد الدين هؤلاء الناس الذين اتبعوه على الطريقة الإسماعيلية النزارية بـ الخواجة( ) –أي الرجل الشريف أو المكرم أو التاجر- ثم خففت هذه الكلمة فأصبحت تنطق بـ الخوجة, وهذا الداعي اتخذ مدينة كوتري بالسند مركزاً لدعوته النزارية, ومات في بلدة أج البنجابية عام (819هـ), ودفن بها. كما عمل إلى جانبه الدعاة الآخرون لنشر النزارية في البلاد الهندية, وكان ذلك في الربع الأخير من القرن الثامن, والنصف الأول من القرن التاسع الهجريين( ) .
وما إن أطل القرن العاشر الهجري على بلاد فارس, وقد وصلت فيها الدولة الصفوية أوج مجدها, وكان الصفويين ينتمون إلى الإمامية الاثنى عشرية ويضربون كل حركة يرون فيها تهديداً لدولتهم, فاضطر الإسماعيلية في فارس أن يعيشوا متسترين تحت التقية والكتمان, مما أدى إلى تدفقهم إلى المناطق الهندية التي انتشرت فيها النزارية, وكان من عادتهم أن ينتقلوا في البلاد في زي الدراوشة والمشائخ الصوفية ومع القوافل التجارية, وبنشرون عقائدهم حتى صار لهم مراكز مهمة في إقليم السند وجنوب البنجاب, وفي إقليم كجرات وبمبئي( ) .
ولما تولى إمامة النزارية غريب ميرزا( ) قام بزيارة عمل للهند متخفياً في زي الدراويش, وذلك لنقل مركز إمامته إليها, واستقر مدة عام تقريباً في السند والبنجاب يجري المباحثات والترتيبات اللازمة لنقل مقر إمامته إلى الهند, وبعد أن أعد العدة عاد إلى فارس فأصابه مرض شديد توفي على أثره( ) .(9/72)
وبعد وفاة هذا الإمام يكتنف تاريخ الفرقة النزارية في البلاد الهندية كثير من الغموض والخفاء –كما كان الحال في فارس أيضاً- إذ لم تكن لهم دولة تجمعهم, ولا قوة تحميهم, فكانوا منتشرين في أماكن وجودهم يعملون تحت ستار التقية والكتمان أحياناً, وتحت شعار المتصوفة حيناً, وكل ما تشير إليه المصادر النزارية أن الإمام في فارس كان يتعهدهم بإرسال دعاة إليهم من وقت إلى آخر( ) , ولكن لا يوجد لهؤلاء الدعاة أي ذكر في تاريخ هذه الفرقة حتى ظهور آغا خان الأول في الساحة, ودخوله الهند عام (1257هـ), وذلك أن الإسماعليين بعد أن فقدوا السيطرة على قلعة ألموت وغيرها من القلاع في شمال إيران نزحوا إلى غربها, ولا سيما في مقاطعة كرمان, ولما اغتيل إمامهم شاه خليل الله علي( ) –والد آغا خان الأول- عام (1233هـ) ثارت الإسماعيلية في البلاد, وعاثوا في مقاطعة يزد المجاورة فساداً, كما أعلن حسن علي شاه –آغا خان الأول- الثورة في كرمان ضد شاه إيران, وبعد فشل الثورة تمكنت السلطات في إيران اعتقال آغا خان, ووضعه في السجن, ثم أطلق سراحه بتدخل من الإنجليز( ) .
عاد آغا خان إلى كرمان وجمع رجاله وعتاده وتوجه إلى أفغانستان ليساعد الإنجليز في القضاء على الثورة في قندهار وبعد تمكين الاحتلال في قندهار, وجه آغا خان إلى إخضاع السند عن طريق أتباعه, وكان النزاع على أشده بين الإنجليز وأهل السند حول تسلم مدينة كراتشي –ميناء السند-, شارك آغا خان في الحرب في صفوف الإنجليز( ) .(9/73)
وقد كافأه الإنجليز مقابل هذه الخدمات مادياً ومعنوياً, حيث وفّر له المال والقصور في مدينة بمبئي لتكون مقره, وسهّل له سبل الاتصال والالتقاء مع الإسماعيلية النزارية في البلاد الهندية مهما بعدت مناطقهم, وأماكن وجودهم, كما دعم إمامته لما انحرف عدد من طوائف الخوجة عن زعامته, وحاولت الانفكاك من الالتزامات المالية لآغا خان شاكين في إمامته ونسبه, وكانت قد أحيلت إلى محكمة بمبئي الإنجليزية كثير من القضايا, دعم فيها الإنجليز طرف آغا خان في كل قضية وغرّم خصومه بدفع تكاليف القضية كلها( ) .
يقول أحد الإسماعيليين في هذا الشأن: ((....اعترفت المحكمة المذكورة في هذا الصدد بقرارها التاريخي العظيم الذي سردت فيه تاريخ حياة أسرة آغا خان منذ عهد علي بن أبي طالب ? حتى وصول آغا خان إلى الهند. أقول: اعترفت بزعامة آغا خان الروحية للإسماعيلية, واعتبر أتباعه الذين كانوا يسمون (الخواجات) من الإسماعيلية النزارية, ومنحتهم المحكمة الحرية التامة في مزاولة نشاطهم الديني كبقية الطوائف والفرق في بلاد الهند؛ وقد أقر مجلس اللوردات البريطاني هذا القرار, ومنح آغا خان لقب صاحب السمو الملكي, وأرفع وسام في المملكة البريطانية للسلام))( ) .
وهكذا عمل الإنجليز لتثبيت إمامة آغا خان الأول, واستمرت الإمامة في أعقابه حتى هذه اللحظة( ) . ومن الامتيازات التي منحتها الحكومة البريطانية لآغا خان أن يطلق له إحدى عشر مدفعاً عند مقدمة إلى الحفلات الرسمية التي تقيمها الحكومة( ) .
ويتمركز النزارية حالياً في بمبئي وكجرات وكجهـ وكاتهياوار وكلكته وكشمير في الهند. وفي كراتشي ولاهور وملتان وكلكت وجنرال وهونزا وغيرها من المناطق في باكتسان.
كما يوجد لهم بعض المراكز في داكا وشيتاغونغ من بنغلادش.
عقائد الخوجة:(9/74)
عقائد طائفة الخوجة (الإسماعيلية النزارية) في البلاد الهندية هي عقائد الفرقة الإسماعيلية الباطنية, فهي الوارثة لعقائد أصحاب قلعه ألموت. والمعروف أنهم –أي أصحاب ألموت- منذ عهد الحسن بن محمد الثاني( ) الذي خطب أصحابه بعيد القيام, نسخ فيها الشريعة الإسلامية, وأعلن قيامة الموتى, ونهاية الدنيا, وأن الذين استجابوا لدعوته قد بعثوا الآن للحياة الباقية, ومن لم يستجيبوا له قضى عليهم بالفناء, وذلك عام (559هـ)( ) .
واتفق الإسماعيليون على تسمية هذا اليوم بعيد القيام, فمنذ عيد القيام أعفي الإسماعيلية النزارية من التكاليف الشرعية, فلم يعودوا في حاجة إلى الصلاة والصوم والحج.... لذا نجد فرع النزارية –الخوجة- في البلاد الهندية لا يقومون بالأعمال الشرعية الظاهرية ويدعون أن معرفة الإمام محبته والولاء له كافية لنجاة الإنسان في الآخرة, ولذا أحلّوا (جماعات خانه) مقام المسجد, وعوضوا الصلاة والصوم.... بتقديم هدايا عينية, أو مالية إلى الإمام( ) .
هذا, وقد مزج الدعاة النزارية في البلاد الهندية مبادئ الدعوة الإسماعيلية بالمعتقدات الهندوسية والتقاليد الوثنية, فيما يلي أعرض لأهم السمات البارزة لهذه العقائد.
التوحيد والرسالة:
يعتقد الخوجة في البلاد الهندية أن النبي محمداً ? كان براهما في الدور الأول, وآدم عليه السلام سيفا, كما كان علي ? الإله وشنو. وحسب الأساطير الهندوسية أن الإله وشنو سيظهر في الزمن المستقبل في مظهر أوتار أي رسول. ولما وصل بير صدر الدين إلى البلاد الهندية وتعرف على هذه العقيدة الهندوسية مزجها بالمبادئ الإسماعيلية وقال: إن علياً ? كان وشنو في الدور الأول هو الذي ظهر في مظهر أوتار أي رسول, وهو –أي بير صدر الدين- نائب عنه, وصنّف في ذلك كتاباً سماه دسا أوتار -أي الرسل العشرة-( ) .(9/75)
ويعتقد الخوجة –وهم الآغا خانية المعاصرة- ان مكانة علي ? أعلى وأرفع من مكانة النبي ?؛ لأن علياً كان هو الإله, وكان محمد ? رسوله, ولذا نجدهم يرددون كلمة التوحيد هكذا: ((أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله, وأشهد أن علي الله))( ) .
ويشرحون ذلك بقولهم: ((أشهد أنه لا معبود بحق سوى الله, وأشهد ان محمداً رسوله, وأشهد أن رئيس المتدينين علياً حل فيه نور الإله, أي أن علياً من الله عز وجل))( ) .
ويعتقد الخوجة أن جمع أئمة النزارية هم أوتار علي ?, فلهم تلك المكانة من الألوهية التي كان يتمتع بها علي ?( ) فهم ينسبون إلى آغا خان –الذي يسمون بـ حاضر إمام- هذه المكانة من الألوهية وهو يرضى بها.
ذكر الدكتور محمد كامل حسين في ذكرياته مع آغا خان الثالث محمد الحسيني شاه: ((إني كنت أناقشه في بعض المسائل الفلسفية الخاصة بتطور عقيدة الإسماعيلية, وطالت المناقشة, وتفرعت من موضوع إلى موضوع مما جعلني أعجب به أشد الإعجاب بعقليته وثقافته وسعة اطلاعه, وإحاطته بكل ما يتعلق بالإسماعيلية إحاطة تامة, فاستأذنته في توجيه سؤال ربما أغضبه, فلما وعدني بعدم الغضب قلت له:
-لقد أدهشتني بثقافتك وعقليتك, فكيف تسمح لأتباعك أن يدعوك إله؟.
-فضحك طويلاً, وعلت قهقهاته, ودمعت عيناه من كثرة الضحك ثم قال:
-هل تريد الإجابة عن هذا السؤال, إن القوم في الهند يعبدون البقرة, ألست خيراً من البقرة))( ) .
ويؤكد هذا الآغا خان ادعاء ألوهيته في خطابه لزوجته الفرنسية, فمما قال لها غداة يوم زواجهما: ((أنت لا تجهلين, ولا ريب بأني أمير شرقي كبير, وأعتقد بأنك تجهلين بأن آلافا وآلافاً من البشر يعتقدون بأن الإله متجسم فيّ تقريباً. نعم, إن هذا لا أهمية له هنا, وأما في الهند وسوريا وإيران والباكستان وبورما وسيلان له أهمية كبرى...)).(9/76)
ومما جاء فيه أيضاً: ((... إن علياً كان يعلم معنى وحيه السامي الخفي, ومع هذا فقد قتله أولئك المجانين, ولكن الوحي الذي جاء به لم يتوقف بل سار في الخفاء حتى وصل إليّ..))( ) .
هكذا آغا خان زعيم طائفة الخوجة –الإسماعيلية النزارية- الذي يزعم أن في عروقه يجري دم الرسول ? يضفي على نفسه صفة الألوهية التي هي من أخص خصائص الرب –سبحانه وتعالى-, كما لم يبرح حتى ادعى نزول الوحي عليه.
التناسخ والإيمان باليوم الآخر:
يؤمن الخوجة بالتناسخ, وفي نفس الوقت يؤمنون بوجود الجنة والنار, ويعتقدون أن من كان سلوكه قويماً يكون مصيره إلى الجنة بدون حساب, ومن كان سلوكه عكس ذلك يكون مصيره إلى النار بدون حساب أيضاً. ومن كان بين ذلك يبعث إلى الدنيا مرة ثانية حتى يكون مؤهلاً للجنة بالأعمال الصالحة, أو يكون مستحقاً للنار بالأعمال السيئة( ) .
موقفهم من القرن الكريم:
يعتقد الخوجة أن القرآن الكريم آخر الويدا( ) الموثوق به والمعتمد عليه. ولكن المصحف الموجود لدى الأمة الإسلامية, لا يوثق به, ولا يعتمد عليه( ) . وقد أصدر آغا خان الثالث فرماناً في يوم (30) من شهر يوليو لعام (1899م) في زنجبار قال فيه: ((إن الخليفة عثمان قام بحذف أجزاء من القرآن الكريم, وإن بدأت أنسخ القرآن يستغرق ذلك ست سنوات. وأبعث لكم هذه النسخة, فترون فيها ماذا حذف –أي عثمان- وماذا غيّر وبدّل))؟( ) .
الصلاة:
الخوجة لا يصلون, بل يجتمعون للدعاء في جماعت خانة ثلاث مرات في اليوم, وفي كل دعاء يتكرر اسم الإمام الحاضر سبع عشرة مرة, وكلما يذكر اسمه يقعون له ساجدين, وبعد قراءة الدعاء يرتلون ((كنان))( ) . وأضاف الإمام الحاضر –كريم خان الحسيني- قراءة سورة الفاتحة والإخلاص بعد الدعاء( ) .
الكتب المقدسة:(9/77)
يعد كتاب دسا أوتار وكتاب كنان كتابين مقدسين لدى طائفة الخوجة يعملون بما جاء فيهما, ويرتلونهما بعد الدعاء وفي المناسبات الأخرى, وعند رأس المحتضر, وهما من تأليف: بير صدر الدين, وباللغة الكجراتية الهندية( ) .
علي جي كا مندر:
عمل الداعي ((بير صدر الدين)) بناء معابد خاصة لطائفة الخوجة سماها ((علي جي كا مندر)) –أي معبد السيد علي- ووضعت فيها تماثيل لعلي –أعاذنا الله منها- وذلك حفاظاً على تقاليد الهندوس الوثنية, وكان الخوجة يجتمعون فيها, ويرددون الأناشيد في مدح علي ?( ).
البطاقة السرية:
توجد في معابد الخوجة –جماعت خانة- بطاقة مكتوبة عليها أسماء خمسة: محمد ? وعلي وفاطمة والحسن والحسين –رضي الله عنهم أجمعين-, يضع الخوجة هذه البطاقة على رؤوسهم, ويتبركون بها( ) .
ليلة الغفران:
تعتير ليلة الثالث والعشرين من شهر رمضان ليلة الغفران لطائفة الخوجة. وفي هذه الليلة يتحسرون على ما صدر منهم من ذنوب وأخطاء, فتغفر لهم, وبعد انصراف آغا خان من جماعت خانة –إن كان قد حضر بهذه المناسبة- يرتلون كتاب دسا أوتار( ) .
آب شفا (ماء الشفا):
وهو عبارة عن ماء مزج بتربة كربلا يحصل عليها الخوجة في مقابل مبلغ كبير من المال الذي يقدم إلى الإمام الحاضر, ويعتقدون أن شرب هذا الماء يطهرهم من الذنوب والاثام( ) .
طريقة التحية:
يتبادل الخوجة التحية بينهم بقولهم: يا علي مدد, ويردون عليها بقولهم: مولى علي مدد( ) ( ) .
أشهر الدعاة في القرن العاشر الهجري:(9/78)
لم أجد في الطائفة النزارية دعاة مشهورين في القرن العاشر الهجري في البلاد الهندية, كما وجد في القرن الثامن والتاسع الهجريين, أمثال: بير صدر الدين وغيره. وكان الإمام غريب ميرزا قد عزم على نقل مركز الإمامة من فارس إلى الهند, وقام بزيارة خفية في مناطق نفوذ النزارية لهذا الغرض, وذلك في مطلع القرن العاشر الهجري ولكنه لم يتم بسبب موته المفاجئ( ) . والذين تولوا الإمامة من بعده فضلوا القيام في إيران حتى جاء عهد آغا خان الأول الذي انتقل إلى الهند. كما تقدم.
الفروق البارزة بين البهرة والخوجة:
بعد دراسة طائفتي الإسماعيلية في البلاد الهندية يمكن تلخيص الفوارق البارزة بين الطائفتين في النقاط الآتية:
الأولى: في الإمامة:
يسوق البهرة الإمامة بعد المستنصر بالله الفاطمي إلى ابنه المستعلي (ت495), ثم في أعقابه؛ ومن هنا سموا المستعلية. بينما الخوجة يسوقونها بعد المستنصر بالله إلى ابنه نزار وفي أعقابه فسموا بالنزارية.
الثانية: في الستر والظهور:
يعتقد البهرة أن الإمامة انتقلت بعد المستعلي إلى ابنه الأمر بأحكام الله ثم إلى ابنه أبي القاسم الطيب الذي دخل دور الستر, ولا يخلو زمان من إمام مستور من أعقاب الطيب هذا؛ ولهذا سموا بالطيبية أيضاً, بينما يعتقد الخوجة أن الإمامة استمرت في أعقاب نزار في الظهور حتى وصلت إلى آغا خان الحالي, ولذا يسمونه حاضر إمام. وأما البهرة فيسمون زعيمهم داعي.
الثالثة: في الالتزام والانحلال:
يلتزم البهرة بفرائض الإسلام –حسب معتقدهم- من صلاة وصيام وحج, بينما الخوجة لا يلتزمون بفرائض الدين, كما يلاحظ أن الثانية أشد تأثيراً بالمعتقدات الوثنية, والتقاليد الجاهلية.
الرابعة: في الانغلاق والانفتاح:(9/79)
إن البهرة أمة محصورة, ومنغلقة على نفسها, لا يسمح لغير البهرة باعتناق مذهبهم ما لم يولد من أصل بهري, كما أنهم يتميزون عن غيرهم بزيهم الخاص, وسلوكهم الخاص –كما تقدمت الإشارة إلى ذلك-, وأما الخوجة فتحاول فرض سيطرتهم لتحويل المسلمين إلى الإسماعيلية النزارية, وتبعية آغا خان عن طريق القروض المالية لتطوير القرى وتنميتها, ولهم في ذلك مشاريع أشهرها مؤسسة آغا خان لمنطقة جنرال الباكستانية, حيث أكبر تجمع للخوجة( ) , كما أنهم –أي الخوجة- يسلكون مسلك من يقول: ((در بالليالي كما تدور)) ففي كل بلد ينزلون بندمجون مع أهله, وهذا آغا خان الثالث يوصي أتباعه في بورما أن يندمجوا إلى أقصى حد ممكن بالحياة الاجتماعية والسياسية في بورما وأن يتخلوا عن أسمائهم الهندية الإسلامية, وعن عاداتهم وتقاليدهم, وأن يتخذوا بصورة دائمة أسماء أولئك القوم وعاداتهم وتقاليدهم الذين يعيشون بينهم( ) .(9/80)
العدد العاشر
غرّة ربيع الثاني / 1425هـ
خيانة الشيعة لبغداد مرة أخرى
فرق ومذاهب (الصوفية).
سطور من الذاكرة (الجمل وصفين).
كتاب الشهر (الصديق بين السنة والشيعة).
قالوا.
جولة الصحافة (الشيخ التميمي: المد الإيراني يقمع أهل السنة في جنوب العراق).
جولة الصحافة (الشيعة في سلطنة عُمان).
جولة الصحافة (الفتوى العجيبة).
جولة الصحافة (زحف البهرة ... من الخفاء إلى العلن).
جولة الصحافة (هل ولى عهد الإصلاحيين في إيران).
جولة الصحافة (المجلس الأعلى للثورة الإسلامية .....).
جولة الصحافة (انتخابات بعلبك تكرس الافتراق السياسي ....).
صحافة سنية (الدكتور محسن عبد الحميد....).
صحافة سنية (ديوان الوقف السني يرعى احتفال.....).
صحافة سنية (ذكرى استشهاد الإمام الحسين رضي الله عنه).
صحافة سنية (صباح الخير...).
صحافة سنية (غزو بشري إيراني منظم...).
صحافة سنية (هيئة علماء المسلمين تحذر...).
صحافة سنية (وثيقة الزرقاوي).
صحافة سنية (وحدة الكلمة).
صحافة شيعية (شركات السياحة العراقية...).
صحافة شيعية (عاشوراء والوائلي أمانة في عنقي..).
صحافة شيعية (مسودة وثيقة حقوق الشيعة في العراق).
دراسات (فرق الهند المنتسبة للإسلام - الإمامية).
دراسات (إيران- معضلة التعايش بين نظرية ولاية الفقيه...).
فاتحة القول
خيانة الشيعة لبغداد مرة أخرى
لا يزال كثير من المسلمين يرفض أن يصدق أن ابن العلقمي الوزير الشيعي السابق في بغداد عام ( 656 ) هجرية خان الخليفة وتحالف مع التتار وعمل بتلذذ على تدمير بغداد.
ولكن ما نراه اليوم لحظة بلحظة من "المراجع العظام" للشيعة في العراق من الخيانة والتخاذل ليس لبغداد والعراق بل لبني مذهبهم! لا يمكن أن ينكره عاقل, لذلك يجب أن نأخذ العظة والعبرة مما يجري للمستقبل في هذه الوقفات:(10/1)
الوقفة الأولى: إن التخاذل الواضح عن نصرة الصدر من مراجع الشيعة في العراق ودعم أهل السنة رسالة واضحة عن انتهازية هذه المراجع وطمعها وطائفيتها حيث أنها لا تخفي العداء للسنة من ناحية عقائدية ومذهبية وهي أيضاً تعلن العداء للصدر من منطلق مصالح ذاتية على الزعامة والخمس.
فلذلك لابد أن يعرف أهل السنة حقيقة هذه المرجعيات (السيستاني) وإيران من خلفه وكذلك الأحزاب الشيعية الأخرى (الدعوة, المجلس الأعلى....). وأنها تبحث عن مصالحها ولو على حساب دماء وجماجم السنة والشيعة على حد سواء.
وأن سكوتها هذا هو من أجل التخلص من الآخرين دون تحمل مسؤولية ذلك ليكون لهم الأمر في نهاية المطاف.
الوقفة الثانية: إن الصدر ليس صادق النية في حرب الأعداء ولذلك يتراجع كل يوم خطوة ويتوسل الصلح ويربط مصيره بقرار المرجعيات!! هذه المرجعيات التي ملء الدنيا صراخات بأنها مرجعية صامتة! وساكنة! وأنها لا تعلن الجهاد و.. و.. الخ.
فكيف بعد هذا يجعل الأمر لها وبيدها أن تأمره بحل الجيش ووقف المقاومة! هذا يدلنا على أن الصدر كان في تحركة ينطلق من أغراض شخصية لتحسين وضعه في الترتيبات الجديدة للعراق لكن لم يحسن الحساب فجاءت الأمور على عكس ما كان يظن, وبذلك لجأ للمرجعيات مرة أخرى يحاول الإفلات من المأزق.
ومن هنا يجب أن نعلم أن الشيعة مع عدائهم لبعضهم البعض إلا أنهم دوماً صفاً واحداً أمام السنة!!
الوقفة الثالثة: المواقف المسالمة للشيعة في العراق وإيران وحزب الله في لبنان تعكس حقيقة شعارات القوم من الثورية والبطولة واالفداء وأنها أكاذيب يضحكون بها على عقول البسطاء.
وهم يصدرون هذه الأفكار للسنة من أجل العداء مع حكوماتهم وشعوبهم ليقوموا بالإطاحة بالأنظمة السنية في المنطقة بدلاً منهم, كما كان الحال في الثمانينيات.
وهذا تطبيق للخطة السرية التي نشرت من سنوات عن الأسلوب الجديد للشيعة في اختراق السنة دولاً وأفراداً.(10/2)
الوقفة الرابعة: مع كل هذا التخاذل في مواجهة الأعداء نجد أن النشاط الشيعي الإيراني والعري يقوى في البلاد الخليجية!
فهذه الأنباء تحمل لنا عن اجتماعات في السفارة الإيرانية لحزب الله الكويتي!! وكيفية زيادة نفوذه وقوته في الشارع الكويتي!
وكذلك المطالبات الشيعية في البحرين تعلو بالمطالبة بالمشاركة في الحكم! وهذا كله والشيعة لم يستتب لها الأمر في العراق فكيف لو كان ذلك؟!
في هذا العدد نقدم هدية لقرائنا بالاطلاع على شيء من الصحافة العراقية السنية والشيعية ليكتمل المشهد للمراقب.
الوقفة الرابعة: هذه الأحداث تأكد مرة أخرى على ضرورة الارتكاز والانطلاق من عقيدتنا في فهم الأحداث الجارية وتوقع مسار الأمور.
ولذلك كان السنة دوماً تضيع بوصلتهم لعدم فهم عقيدتهم أولاً وعدم معرفة عقائد الأطراف الأخرى.
فمعرفة الأصول العقيدية والفكرية يوضح لنا كثيراً من الأمور التي تصدر عن الشيعة وغيرهم وتخالف ما كنا نظن منهم.
فهل نفيق من الغفلة عن هذا الأصل الهام...؟
فرق ومذاهب
الصوفية
الصوفية فرقة تظاهرت بالزهد والبعد عن ملذات الدنيا وتداخلت طريقتهم مع فلسفات هندية وفارسية ويونانية.
قيل أن تسمية الصوفية جاءت من رجل يقال له صوفه واسمه (الغوث بن مر) ظهر في العصر الجاهلي, وهذا ما ذهب إليه ابن الجوزي.
وذهب البيروني إلى أن الصوفية إنما هي اشتقاق من (سوفيا) اليونانية التي تعني الحكمة, وهذا رأي يدعم موقف القائلين بأن التصوف هو وليد الفلسفة الأفلاطونية.
وقيل الصوفية من الصوف لاشتهارهم بلبسه.
أهم عقائدهم:
أ-عقيدتهم في الله سبحانه وتعالى:
يعتقد المتصوفة في الله عقائد شتى منها الحلول كما هو مذهب الحلاج ومنها وحدة الوجود حيث لا انفصال بين الخالق والمخلوق وهذه هي العقيدة التي انتشرت منذ القرن الثالث وإلى يومنا هذا وأطبق عليها أخيراً كل أعلام التصوف مثل ابن عربي وابن سبعين.
ب-عقيدتهم في الرسول صلى الله عليه وسلم:(10/3)
هناك عقائد شتى, فمنهم من يعتقد أن علمائهم تفوقوا على الأنبياء في العلم والمنزلة, ومنهم من يعتقد أن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم هو قبة الكون وهو الله المستوي على العرش, وأن السماوات والأرض والعرش والكرسي وكل الكائنات خلقت من نوره.
ج-عقيدتهم في الأولياء:
يفضلونهم على الأنبياء, وعامتهم يجعل الولي مساوياً لله في كل صفاته فهو يخلق ويرزق ويحيي ويميت ويتصرف في الكون.
د-عقيدتهم في الجنة والنار:
يعتقدون أن طلب الجنة منقصة عظيمة, وأنه لا يجوز للولي أن يسعى إليها, وإنما الطلب عندهم والرغبة في الفناء المزعوم في الله, والاطلاع على الغيب والتصريف في الكون, هذه هي جنة الصوفي.
وأما النار فيعتقدون أن الخوف منها لا يليق لأن الخوف طبع العبيد.
هـ-اعتقادهم في إبليس وفرعون:
يعتقد عامة الصوفية أنه أكمل العباد وأفضلهم توحيداً لأنه لم يسجد إلا لله بزعمهم, وكذلك فرعون عندهم أفضل الموحدين لأنه قال ((أنا ربّكم الأعلى)) فعرف الحقيقة لأن كل موجود هو الله في زعمهم من آمن ودخل الجنة.
العبادات:
يعتقد الصوفية أن الصلاة والصوم والحج والزكاو هي عبادات العوام, وأما هم فيسمون أنفسهم الخاصة, لذلك فإن لهم عبادات مخصوصة ويعتقدون أن الله أسقط التكاليف عن خواصهم.
الطرق الصوفية:
1-القادرية: تنسب إلى عبد القادر الجيلاني (470-561هـ) المدفون في بغداد حيث تزوره كل عام جموع كثيرة من أتباعه للتبرك به.
2-الرفاعية: تنسب إلى أحمد الرفاعي من بني رفاعة قبيلة من العرب, والمتوفى سنة 580هـ, وجماعته يستخدمون السيوف والحراب في إثبات الكرامات, انتشرت طريقته في غرب آسيا.
3-الأحمدية: تنسب إلى أحمد البدوي أكبر أولياء مصر عند الصوفية (596-634هـ) ولد بفاس, حج ورحل إلى العراق, واستقر في طنطا حتى وفاته, له فيها ضريح مقصود, وأتباعه منتشرون في جميع أرجاء مصر ولهم فيها فروع كالبيومية والشناوية وأولاد نوح والشعبية, وشارتهم العمامة الحمراء.(10/4)
4-الدسوقية: تنسب إلى إبراهيم الدسوقي (623-676هـ).
5-الأكبرية: تنسب إلى شيخهم الأكبر محيي الدين بن عربي, وتقوم طريقته على الصمت والعزلة والجوع والسهر.
6-الشاذلية: تنسب إلى أبي الحسن الشاذلي (593-656هـ) ولد بقرية مرسية, وانتقل إلى تونس, انتشرت طريقته في مصر واليمن وبلاد العرب, وفي مراكش وغرب الجزائر وفي شمال أفريقيا وغربها بعامة.
7-البكداشية: كان الأتراك العثمانيون ينتمون إلى هذه الطريقة وهي ما تزال منتشرة في ألبانيا كما أنها أقرب إلى التصوف الشيعي منها إلى التصوف السني, وقد كان لهذه الطريقة دور بارز في نشر الإسلام بين الأتراك والمغول, وكان لها سلطان عظيم على الحكام العثمانيين ذاتهم.
8-المولوية: أنشأها الفارسي جلال الدين الرومي المتوفى سنة 672هـ والمدفون بقونية, يتميزون بإدخال الرقص والإيقاعات في حلقات الذكر وقد انتشروا في تركيا وآسيا الغربية, ولم يبق لهم هذه الأيام إلا بعض التكايا في تركيا وفي حلب, وفي بعض أقطار المشرق.
9-النقشبندية: تنسب إلى الشيخ بهاء الدين محمد بن محمد البخاري الملقب بشاه بقشبند (618-791هـ) وهي طريقة سهلة كالشاذلية, انتشرت في فارس وبلاد الهند وآسيا الغربية.
10-الملامتية: مؤسسها أبو صالح حمدون بن أحمد بن عمار المعروف بالقصار توفي سنة 271هـ, وقد ظهر الغلاة منهم في تركيا حديثاً بمظهر الإباحية والاستمتار وفعل كل أمر دون مراعاة للأوامر والنواهي الشرعية.
11-التيجانية: تنسب إلى أحمد بن محمد بن المختار التيجاني المولود سنة 1150هـ (1737م), ونسبته إلى بلدة تسمى (بني توجين) وهي قرية من قرى البربر في المغرب, وينسب نفسه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم كما هي عادة كل من أسس طريقة صوفية.(10/5)
ادّعى التيجاني أنه خاتم الأولياء جميعاً, والغوث الأكبر في حياته وبعد مماته, وأن أزواج الأولياء منذ آدم وإلى آخر ولي لا يأتيها الفتح والعلم الربّاني إلا بواسطته هو, وأنه أول من يدخل الجنة هو وأصحابه وأتباعه, وأن الرسول أعطاه ذكراً يسمى صلاة الفاتح يفضل أي ذكر قرئ في الأرض ستين ألف مرة بما في ذلك القرآن.
وقد ألّف أحد تلاميذه ويدعى علي حرازم كتاباً في فضل شيخه وكراماته وأخلاقه وأذكاره وأحواله وطريقته سمّاه "جواهر المعاني وبلوغ الأماني في فيض سيدي أبي العباس التيجاني".
أهم شخصياتهم التاريخية:
1-الحلاج: حسين بن منصور الحلاج, عاش في العصر العباسي, ولد في بلدة الطور قرب مدينة البيضاء في بلاد فارس سنة 857م وصلب سنة 922م, في عهد الخليفة المقتدر بالله لآرائه الشركية.
ولد بفارس حفيداً لرجل زرادشتي, ونشأ في أواسط العراق وهو أشهر الحلوليين والاتحاديين.
2-ابن عربي: يلقبه الصوفيون "بالشيخ الأكبر" ولد سنة 560هـ (1165م) وتوفي سنة 638هـ (1240م) وصاحب مؤلفات عديدة أهمها: روح القدس, الفتوحات المكيّة, نصوص الحكم.
وهو رئيس مدرسة وحدة الوجود, يعتبر نفسه خاتم الأولياء, ولد بالأندلس, ورحل إلى مصر وحجّ وزار بغداد, واستقر في دمشق حيث مات ودفن, وله فيها إلى الآن قبر يزار, وله كتب يقول البعض أنها تصل إلى 400 كتاب ورسالة فيما يزال بعضها مخطوطاً.
3-أبو يزيد البسطامي المتوفى سنة 243هـ وقيل 261 هـ, كان جدّه مجوسيّاً وأبوه من أتباع زرادشت, وهو صاحب العبارة الشهيرة (خضنا بحراً وقف الأنبياء بساحله).
4-ابن العارض:
5-رابعة العدوية:
6-جلال الدين الرومي:
أبرز شخصياتهم المعاصرة:(10/6)
1-حازم أبو غزالة مواليد 1933م, يقيم في الأردن ويدير جمعية دار القرآن الكريم التي تأسست سنة 1964م, وقد نشرت صحيفة البلاد الأردنية بتاريخ 30/10/2002 مقابلة مطولة معه أشار فيها إلى أنه كان يتردد على الزوايا الصوفية في نابلس بفلسطين التي تنحدر منها وقد درس الشريعة في سوريا, ومن أساتذته عبد القادر عيسى الحلبي ومحمد الهاشمي التلمساني.
وهو شيخ الطريقة القادرية الشاذلية, وقد ذكر في المقابلة أن أتباعه في العالم يقدرون بعشرة ملايين صوفي في سوريا والعراق وتركيا ونيجيريا وجنوب أفريقيا ودول المغرب وأميركا وهولندا والدنمارك وتايلند... وغيرها, وله أكثر من أربعين كتاباً.
2-علي الجفري: يمني كان يقيم في مصر ويقيم الآن في السعودية, وله دروس في بعض الفضائيات يجاهر فيها بعقيدته الصوفية ويقول أن له مذهباً صوفياً في منطقة حضرموت اليمنية.
الصلة بين التصوف والتشيع
المطلع على حقيقة مذاهب الصوفية, وعلى حقائق مذاهب التشيع يجد أن الفرقتين تنبعان من أصل واحد تقريباً, ويهدفان في النهاية إلى غاية واحدة, وثمة أوجه تلاق كثيرة بين التصوف والتشيع مما حدا ببعض العلماء اعتبارهما وجهين لعملة واحدة.
وأهم أوجه التلاقي هي:
1-ادّعاء العلوم الخاصة:
حيث يدّعي الشيعة أن عندهم علوماً خاصة, وينسبونها تارة إلى الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه, وتارة إلى الأئمة من أولاد علي وفاطمة ويدّعون أن هؤلاء الأئمة يعلمون الغيب ولا يخطئون ولا ينسون, ولا يستطيع أحد فهم الإسلام إلا على طريقتهم.
ودرج المتصوفة على المنوال نفسه حيث احتقروا ما عند المسلمين من علم وافتخروا بأن لديهم علوماً لا يطلع عليها إلا هم, حيث قالوا: "خضنا بحراً وقف الأنبياء بساحله" كناية عن تفوقهم على أنبياء الله.(10/7)
وجعل المتصوفة مصدر علومهم الخاصة التأويل الباطني للقرآن والحديث, حيث يزعمون تارة أنهم تلقوا هذا التأويل من الله, وتارة يزعمون أنه من الملك وأخرى بالإلهام..
2-الأمامة الشيعية والولاية الصوفية:
بني مذهب التشيع على أن الأئمة أناس مختارون من الله لقيادة الأمة, واعتبروهم معصومين وكذلك الصوفية أخذوا هذه العقائد وأطلقوها على من سموهم بالأولياء وجعلوهم متصرفين في الكون وأن مقامهم لا يبلغه الأنبياء والملائكة.
3-القول بأن للدين ظاهراً وباطناً:
واتفق الشيعة والصوفية أيضاً على الزعم بأن للدين ظاهراً وباطناً: ظاهراًُ قالوا يفهمه العامّة وباطناً عندهم هو العلم الحقيقي المراد من النص, وهذا لا يفهمه ولا يعلمه إلا الأئمة والأولياء.
4-تقديس القبور وزيارة المشاهد:
الشيعة هم أول من بنى المشاهد على القبور والمساجد عليها في الإسلام وعظموا قبور أئمتهم, وكذلك جاء المتصوفة فجعلوا أهم مشاعرهم هو زيارة القبور وبناء الأضرحة, والطواف بها والتبرك بأحجارها, والاستغاثة بالأموات.
5-العمل على هدم الدولة الإسلامية:
فكما كان للشيعيين الطوسي وابن العلقمي الدور الكبير في هدم دولة الخلافة الإسلامية العبّاسية, كان لبعض أقطاب التصوف الدور البارز في دعم الدول الباطنية كالعبيدية الفاطمية ودولة القرامطة, وعلى رأس هؤلاء الحلاّج.
للاستزادة:
1-الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة – الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق.
2-الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة – الندوة العالمية للشباب الإسلامي في الرياض – طبعة 1989م.
3-مجلة الفرقان الكويتية – العدد 285 – 22/3/2004.
4-دوريات ومجلات وصحف.
سطور من الذاكرة
الجمل وصفين(10/8)
بعد مقتل عثمان رضي الله عنه, تولى الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه الخلافة في السنة الخامسة والثلاثين للهجرة, والمشهور أنه قد بايعه جميع من كان في المدينة في ذلك الوقت, فإن المسلمين يعرفون مكانة علي وفضائله وقرابته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجدارته.
وكان عهد الإمام علي مضطرباً بفعل المؤامرات التي حاكها أعداء المسلمين, وحدث الاقتتال بين المسلمين في معركتي الجمل وصفين, وكانت الخلافات تدور حول الموقف من قتلة عثمان, فقد كان علي رضي الله عنه يرى تأجيل الاقتصاص منهم حتى تهدأ الأحوال, وتستتب أمور الخلافة خاصة وأن هؤلاء قد لجأوا إلى قبائلهم, بينما كان يرى جزء من الصحابة وعلى رأسهم عائشة أم المؤمنين والزبير وطلحة ومعاوية, أن هؤلاء القتلة شر مستطير, وأنه لا يجوز تركهم خاصة وأن بعضهم اندس في جيش علي, ولذلك فلابد من البدء بالاقتصاص منهم.
وترجع قصة معركة الجمل إلى اجتماع عدد من الصحابة وعلى رأسهم الزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وأم المؤمنين عائشة واتفاقهم على الأخذ بثأر عثمان والاقتصاص من قتلته, فخرج هؤلاء من مكة إلى البصرة يريدون قتلة عثمان الذين توجهوا إلى هناك فمنعهم عثمان بن حنيف والي البصرة المعيّن من قبل أمير المؤمنين علي من الدخول.
ثم خرج أحد الذين شاركوا في قتل عثمان ويقال له جبلة في سبعمائة رجل لقتال هؤلاء الصحابة ومن معهم, فانتصر عليهم جيش الصحابة وقتلوا من هؤلاء عدداً كثيراً, وهنا يسمع أمير المؤمنين علي بأن قتالاً نشب بين جيش يقوده الزبير وطلحة, وبين واليه على البصرة عثمان بن حنيف, فجهّز الإٌمام علي جيشاً قوامه عشرة آلاف لقتال طلحة والزبير.
وأرسل الإمام علي المقداد بن الأسود والقعقاع بن عمرو ليتكلما مع طلحة والزبير, وبيّن كل طرف وجهة نظره فيما يتعلق بقتلة عثمان, ورغم اختلاف وجهات النظر إلا أن طلحة والزبير تفهّما موقف علي, واتفق الطرفان على عدم القتال.(10/9)
وبعد الاتفاق نام الجيشان بخير, ونامت السبئية بشر, وهؤلاء هم الذين قتلوا عثمان وأجّجوا الخلاف بين المسلمين, فما كان منهم إلا أن هاجموا جيش طلحة وهم نائمون وفرّوا, فظن هذا الجيش أن جيش علي قد غدر بهم, فقاموا يهاجمون جيش علي الذي ظن أن جيش طلحة قد غدر ونكث عمّا تم الاتفاق عليه بين الطرفين من عدم القتال.
وكان هؤلاء السبئية والغوغاء يعلمون أن اتفاق المسلمين وتوحد كلمتهم سيعجّل بإقامة الحدّ عليهم, فوجدوا أن عليهم إنشاب القتال بين المسلمين, وكذلك كان الأمر.
واندلع القتال وكبار الصحابة يحاولون وقفه دون جدوى, واعتزل الزبير بن العوام رضي الله عنه القتال وهمّ بالرجوع إلى المدينة وتبعه في مسيره ذلك عمرو بن جرموز وغيره, وقتلوه غدراً رضي الله عنه, وعندما جاء ابن جرموز القاتل هذا إلى الإمام علي وأخبره بأنه قتل الزبير قال له الإمام علي: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "بشّر قاتل ابن صفية (أي الزبير) بالنّار" رواه البخاري.
وأما ما اصطلح على تسمية "معركة الجمل" في السنة السادسة والثلاثين للهجرة فقد اشتد فيها القتال من الظهيرة إلى غروب الشمس, واستشهد فيها طلحة بسهم وهو يحاول منع الناس من القتال, وقتل ابنه محمد بن طلحة المعروف بالسّجاد, واستبسل الناس في الدفاع عن جمل السيدة عائشة لأنها كانت تمثل لهم رمزاً.
وبعد المعركة كان الإمام علي يتفقد القتلى فرأى بينهم طلحة رضي الله عنه, فأخذ يمسح التراب عن وجهه ويقول: "رحمة الله عليك أبا محمد, يعزّ عليّ أن أراك مجدولاً تحت نجوم السماء, ثم قال: إلى الله أشكو عُجري وبُجري –أي سرائري وأحزاني التي تجول في جوفي- والله لوددت إني كنت مت قبل هذا اليوم بعشرين سنة".
وأعاد الإمام علي السيدة عائشة أم المؤمنين إلى المدينة معززة مكرّمة, وهذا من سمو أخلاقهم.(10/10)
وقد ثبت أن خروج طلحة والزبير وعائشة إلى البصرة لم يكن لمقاتلة علي أو النكوث عن البيعة, إنما للإصلاح ومعاقبة المفسدين الذين قتلوا عثمان, وقد حققوا جزءاً من هذا الهدف إلى أن وقع القتال في الجمل.
معركة صفين
وبعد الفراغ من "الجمل" صمم أمير المؤمنين علي على أن يحمل معاوية –والي الشام-وأهل الشام على البيعة, وكان معاوية يرفض مبايعة عليّ حتى يسلمه قتلة عثمان للاقتصاص منهم لأنه وليه وابن عمّه, وكان الإمام علي يرفض هذا الشرط, ويشترط عليه المبايعة أولاً.
وسار الإمام علي في السنة السابعة والثلاثين للهجرة إلى صفين (بين العراق والشام) يريد قتال معاوية, ولم يكن معاوية يعتبر نفسه خليفة ولا يرى نفسه أفضل من علي, إنما وضع شرطاً لمبايعة عليّ وهو أن يتم تسليمه قتلة عثمان, حيث كان بعضهم في جيش علي, كما أن معاوية رفض قرار عزله.
وبرز السبئية من جديد وأخذوا يحثون الإمام علي والناس على قتال أهل الشام, فخرج الإمام علي لقتال معاوية, وقتل من المسلمين عدد كثير, إلا أنه دون ما ذكرته بعض الكتب التاريخية التي بالغت حتى أن أحدها ذكر أن قتلى الشام بلغوا تسعين ألفاً في الوقت الذي لم يتجاوز الجيش خمسة وثمانين ألفاً!
وكان أغلبية الصحابة يحذرون من الفتنة, وقد اعتزل أكثرهم القتال, ومع اشتداد القتال تنادى المسلمون إلى الصلح ووقف القتال, ورفعت المصاحف على الرماح, لتبدأ مرحلة جديدة بعيداً عن القتال وتم الاتفاق على التحكيم.
للاستزادة :
1-حقبة من التاريخ ـ الشيخ عثمان الخميس.
2-الإنصاف ـ الدكتور حامد الخليفة.
3- العواصم من القواصم ـ القاضي أبو بكر بن العربي.
كتاب الشهر
الصديق بين السنة والشيعة
تأليف: أحمد كمال شعث(10/11)
كتابنا لهذا الشهر قراءة في سيرة الصديق أول من أسلم وأول الخلفاء وأول العشرة المبشرين بالجنة وهو كتاب (الصديق بين السنة والشيعة) للدكتور أحمد كمال شعث الذي طبع بمطابع الأهرام بالقاهرة في بداية الثورة الخمينية وذلك ضمن سلسلة من السيرة للكاتب.
والكاتب له جهود متنوعة في هذا المجال منها الجزء الثاني في هذه السلسلة بعنوان (الفاروق بين السنة والشيعة) وكتاب آخر بعنوان (بين السنة المحمدية والشيعية الخمينية عقائد وتاريخ).
ويتناول الكاتب الدكتور كمال شعث في كتابه هذا نظرة الشيعة لسيرة الصديق بالنقد والتحليل فيبين أن الشيعة تحقد على الصديق حقداً عظيماً يستند على الكذب والزور والدس ويخلو من العدل والإنصاف. وسوف نحاول ذكر الملامح العامة للقضايا التي وضحها الدكتور كمال وبيان أمثلة من نظرة الشيعة لتاريخ الصديق المشرق.
المقدمة:
تاريخ الصحابة تناوله الكتّاب كل حسب اتجاهه وتحليله للأحداث بما يتبناه من عقيدة ومنهج وفق وجه هذه الأحداث.
وعلى إثر الثورة الإيرانية ظهرت الأفكار الشيعية بصورة نشطة بين المسلمين أهل السنة, ولأن هذا الفكر يمس الصحابة بصورة أساسية أراد المؤلف في كتابه أن يستعرض سيرة أبي بكر الصديق لبيان الاختلاف بين أهل السنة, ونظرة الشيعة الخمينية الرافضة.
[هي نظرة مقارنة هدفها فهم الأحداث التاريخية والدينية بين كل من أهل السنة والشيعة والهدف هو توضيح المفهوم الإيماني العقائدي والشخصي والنفسي للصديق من خلال تناولنا لسيرته وأعماله المتفق عليها والمتواترة..].
محطات في سيرة أبي بكر تدل على صدق إيمانه في المرحلة المكية:
إن الإيمان برسالة جديدة ودين جديد هو حدث, وخطوة في الحياة قد تقلب حياة الفرد رأساً على عقب, وسوف تؤثر بالضرورة على علاقاته بمجتمعه وآله وأصحابه..(10/12)
وأبو بكر كان مهيئاً للإسلام بل وانقلب داعية فور إسلامه, فدخل على النبي صلى الله عليه وسلم في اللقاء الثاني وفي صحبته خمسة من أشراف قريش أقنعهم بالإسلام, وهم: عثمان بن عفان والزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وطلحة بن عبيد الله.
وسبب إسلام أبي بكر -عند الشيعة- أنه كان لديه صديق كاهن –وفي رواية شيعية: يهودي عالم- ذكر له أن نبياً سيظهر في مكة وستكون له عزة وحكومة, فساعده تحل محله حين يفارق هذا العالم كما ذكر ذلك الكاتب "باذل إيراني" صاحب كتاب "حملة حيدري" وعلامة الشيعة "محمد باقر المجلسي" في رسالته "رجعية".
وهنا يثور التساؤل: هل كان لأبي بكر علامات تصفه وترجح أنه سوف يخلف النبي صلى الله عليه وسلم؟! وتروي أخبار الشيعة بأن أبا بكر كان يصلي خلف النبي صلى الله عليه وسلم والصنم معلق في عنقه وسجوده له. كما في (الأنوار النعمانية 1/53)!!
وهذا يخالف ويعارض شهادة النبي صلى الله عليه وسلم في إسلام أبي بكر حيث قال: ((ما عرضت الإسلام على أحد إلا كانت له كبوة, عدا أبا بكر, فإنه لم يتلعثم)), وكيف يكون أبو بكر مخادعاً للرسول صلى الله عليه وسلم وهو الذي فاجأ المشركون –في حادثة الإسراء والمعراج- الذين حاولوا تشكيك وزعزعة إيمانه, ولكنه يفاجئهم بقوله: إن كان محمد قال ذلك فقد صدق, وإنه ليأتينا بخبر السماء ونصدقه.
والشيعة يحاولون دائماً الزج بعلي بن أبي طالب في كل حادثة, وفي حادثة الإسراء أطراف أشخاصها هم: النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وجبريل والمشركون... لكنهم ادعوا –الإمامية- مشاركة علي للنبي صلى الله عليه وسلم في المعراج.. بل منهم من قال: أن علياً رأى وهو في الأرض ما رآه النبي صلى الله عليه وسلم على العرش؟!(10/13)
وكيف يكون أبو بكر مخادعاً وهو الذي انصرف بكل كيانه وماله لنصرة الدين وتأييد الدعوة بنفسه وماله... فكل ما مر بعبد يعذب لإسلامه اشتراه من سيده وأعتقه تقرباً لله حتى اشترى وأعتق: بلال بن رباح ونزل فيه قوله سبحانه: ((وسيجنبها الأتقى. الذي يؤتي ماله يتزكّى..)), وأعتق أم بلال واسمها حمامة, وعامر بن فهيرة, وأبا فكيهة وزهيرة.. والشيعة تروي عن علي بن الحسين قوله (من لعن الجبت -أي الصديق- والطاغوت -أي عمر- لعنة واحدة كتب الله له سبعين ألف ألف حسنة, ومحا عنه ألف ألف سيئة!! ورفع له سبعين ألف درجة!! ومن أمسى يلعنهما لعنة واحدة كتب له مثل ذلك: كما "أجمع الفضائح" للملا كاظم و"ضياء الصالحين ص113".
وتأتي حادثة الهجرة, فيقول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر (إن الله أذن لي بالهجرة) فيقول أبو بكر (الصحبة يا رسول الله؟) فيجيب الرسول صلى الله عليه وسلم (الصحبة يا أبا بكر), واستأجر عبد الله بن أريقط هادياً أميناً واتجه النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه إلى غار ثور, ولم يكن يعلم بمخبئهما في الغار سوى عبد الله بن أبي بكر وأخته عائشة وأسماء ومولاهم عامر بن فهيرة.. وقد كان عبد الله بن أبي بكر يقضي نهاره بين قريش يستمع لما يبيتونه للنبي, ليخبر أباه والنبي صلى الله عليه وسلم بما يجري.. وأما عامر فكان يرعى غنم أبي بكر ثم يروح بها ليلاً إلى الغار فيشربا ويذبحا.. وأنزل الله ((إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا...)) [التوبة:40].(10/14)
والشيعة لها مفهومها في أحداث الهجرة والغار.. فهم يقولون أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ أبا بكر معه حتى لا يدل المشركين على مكانه ولذلك أخذه معه. (البرهان للبحراني2/127) والعياشي يذكر عن عبد الله الجمال قال: كنت عند أبي الحسن الثاني ومعه الحسن بن الجهم, فقال له الحسن: إنهم يحتجون علينا بقول الله (ثاني اثنين إذ هما في الغار) فقال: وما لهم في ذلك فوالله لقد قال الله ((فأنزل سكينته على رسوله)) وما ذكره فيها بخير. قال: قلت له: جعلت فداك وهكذا تقرؤنها؟ قال: هكذا قراءتها. [وهكذا يثبتون تحريف القرآن] ونص الآية (فأنزل الله سكينته عليه).
ويجدر بنا أن نشير إلى أن تناقضاً واقعاً بين آل البيت والشيعة الذين ينتسبون إليهم.. فهذا إمامهم الحادي عشر الحسن العسكري –المعصوم بحسب شريعتهم- يقول وهو يسرد حادثة الهجرة: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن سأل علياً عن النوم في فراشه, قال لأبي بكر: أرضيت أن تكون معي تطلب ما أطلب, وتعرف بأنك أنت الذي تحملني على ما أدعيه.. فتحمل عني أنواع العذاب؟ قال أبو بكر: أما أنا لو عشت الدنيا أعذب في جميعها أشد العذاب وكان ذلك في محبتك لكان ذلك أحب إليّ من أن أتنعم فيها.. وهل أنا ومالي وولدي إلا فداك. فقال صلى الله عليه وسلم: لا جرم إن اطلع الله على قلبك ووجده موافقاً لما جرى على لسانك جعلك مني بمنزلة السمع والبصر, والرأس من الجسد, والروح من البدن) تفسير الحسن العسكري / 164.
من مواقف أبي بكر في المدينة حتى وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم:
ومن مآثر الصديق في المدينة شهوده بدر وأحد والمعارك والغزوات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.. بل كان حامل لواء المهاجرين في عدة مواقع, وكذا تزويجه ابنته عائشة الصديقة المطهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم التي كانت أحب نسائه إليه, وأبوها أحب الرجال إليه.(10/15)
وأسماء بنت عميس زوج أبي بكر كانت زوجة لجعفر بن أبي طالب شقيق علي, فلما مات عنها تزوجها الصديق.. بل وكانت هي التي تُمرّض فاطمة بنت محمد حتى توفاها الله.
وصلة المصاهرة توالت حتى أن الصديق هو الذي سعى في زواج علي من فاطمة, بل استعد أبو بكر أن يساعد علي بماله ليتزوج فاطمة, ويذكر الطوسي في روايته: أنّ علياً باع درعه ثم أتى بثمنها للنبي صلى الله عليه وسلم فقبضها ثم دفعها لأبي بكر وقال: ابتع لفاطمة ما يصلحها من ثياب وأثاث بيت, فذهب أبو بكر ومعه عمر وبعض الصحابة فكانوا يعرضون الشيء مما يصلح, فلا يشترونه حتى يعرضوه على أبي بكر, فإن استصلحه اشتروه) الطوسي. وكان محمد بن أبي بكر من أحب الناس لعلي بن أبي طالب حتى ولاه على مصر.
وعندما توفي أبو بكر الصديق تزوج علي أسماء بنت عميس زوجة أبي بكر, وولدت له ولداً أسماه يحيى, (مجالس المؤمنين), وأما في حادثة الإفك المشهورة فقد برّأ الله سبحانه السيدة عائشة أم المؤمنين مما رماه بها رأس المنافقين ابن أبي سلول, ومسطح وحسان بن ثابت, من تهمة الزنا, حتى نزل حد قذف المحصنات ثمانين جلدة وجلدوا.
ولكن الشيعة ومنهم البحراني الذي يقول (إن الذين جاؤا بالإفك) نزلت في عائشة وحفصة وأبي بكر وعمر لما قذفوا مارية القبطية وجريحاً. (البرهان للبحراني).
وفي الحديبية كان أبو بكر ممن بايع الرسول صلى الله عليه وسلم على الثبات حتى الموت... وسميت تلك البيعة بـ (بيعة الرضوان) وفيها نزل قوله سبحانه وتعالى ((لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً)).(10/16)
وفي غزوة تبوك كان أبو بكر يؤم الناس في الصلاة عند غياب النبي صلى الله عليه وسلم, وبعدها انطلق أبو بكر في ثلاثمائة مسلم قاصداً الحج, فجعله النبي صلى الله عليه وسلم أميراً عليهم.. وأنزل الله سورة براءة وفيها: ((والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم)) [التوبة:100].
وفي حجة الوداع يسير النبي صلى الله عليه وسلم بالمسلمين وهم قرابة المائة ألف إلى منى وهو قد أهل بالحج وساق الهدي.. ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم من معه أن يتحللوا بعد نيتهم بفعلهم العمرة ثم يتمتعوا إلى الحج.. وكان قليل من الصحابة ممن ساق معه الهدي كأبي بكر وعمر والزبير وطلحة.
ولم يستجب بعض الصحابة لأمر التحلل وذلك لحرصهم على متابعة النبي صلى الله عليه وسلم ومشاركته في المناسك كما يفعل.. وممن ساق الهدي ونوى على نية النبي صلى الله عليه وسلم علي لما قدم من اليمن.
وبعد أن انتهى الرسول صلى الله عليه وسلم من المناسك وأراد الرجوع إلى المدينة وصل وهو في الطريق إلى محل يقال له (غدير خم) بقرب دابغ.. وعندها جمع الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابة وخطب بهم قائلاً: (إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وسنتي, ولن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض.. ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: نعم. فرفع يد علي بن أبي طالب وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه...) وكان هذا إثر مجيء بريدة ليشكو علياً للرسول صلى الله عليه وسلم.(10/17)
والشيعة تبني أعظم أدلتها على فهم خاطئ لحوادث حجة الوداع وخطبة الوداع وخطبة الغدير.. فهم يزعمون أن علياً هو الوحيد الذي شارك النبي صلى الله عليه وسلم في أعمال الحج –وهذا باطل فقد شاركه غيره كما مر- فالسيد صادق الصدر يزعم أن ذلك مقصوده إظهار فضل علي على بقية الناس وهو الوصي الذي سيتولى أمر الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم. (حياة الإمام-الصدر).
وهذا الخميني يقول (إن من ضروريات مذهبنا أن لا ينال أحد المقامات المعنوية الروحية للأئمة لا ملك مقرب ولا نبي مرسل, كما روي عندنا بأن الأئمة كانوا أنواراً تحت ظل العرش قبل تكوين هذا العالم, وأنهم قالوا أن لنا مع الله أحوالاً لا يعيها ملك مقرب ولا نبي مرسل, وهذه المعتقدات من الأسس والأصول التي قام عليها مذهبنا) [ولاية الفقيه/ الخميني].
وتزعم الشيعة النبي صلى الله عليه وسلم نص في غدير خم على خلافة علي وأنه الوصي بعده.. وأن هذا النص قد كتمه الصحابة!! فأين هذا الزعم؟! وكيف يسكت كل الصحابة بما فيهم صاحب الحق؟!
وأما مرض موته صلى الله عليه وسلم فكان لما أرسلت زينب بنت الحارث شاة مشوية مسمومة للرسول صلى الله عليه وسلم فتناول صلى الله عليه وسلم قطعة فلاكها ثم لفظها ولم يسغها, فاعترفت الشاة بأنها مسمومة, واعترفت زينب, فمرض صلى الله عليه وسلم أثر ذلك. وهذا هو سبب مرض النبي صلى الله عليه وسلم لا كما تقول الشيعة, فقد ادّعى المجلسي في (حياة القلوب) في حديث عن الإمام الصادق أنه قال: (إن عائشة وحفصة لعنة الله عليهما وعلى أبويهما, قتلتا رسول الله بالسم, دبرتاه) فانظر إلى حقدهم –قاتلهم الله-.(10/18)
وفي مرض موته يجهز النبي صلى الله عليه وسلم جيشاً بقيادة أسامة بن زيد ويوجهه إلى الشام (الروم) حتى تتوطد سلطة المسلمين ولا يستطيع اليهود الرجوع للمدينة. وكان أسامة شاباً في العشرين تقريباً, وتحت إمرته كبار الصحابة وفيهم أبو بكر وعمر, فخرج أسامة بجيشه إلى الجرف بقرب المدينة يتجهزون للسفر إلى فلسطين, وإنهم لفي جهازهم فإذا بهم يسمعون بمرض النبي صلى الله عليه وسلم فكان من المنطق أن يتأنى الجيش ليطمئن على الرسول صلى الله عليه وسلم.
ويشتد المرض مع النبي صلى الله عليه وسلم ويطلب أن يُمرّض في بيت عائشة, وبينما هو كذلك وصل إلى أذنه همس بعض الصحابة في إمرة أسامة على الجيش مع حداثة سنه.. فيقوم صلى الله عليه وسلم ويدخل المسجد ويخطب ويأمر بإنفاذ جيش أسامة وأنه خليق بالإمارة. ويقول (عبد خير بين الدنيا ولقاء ربه, فاختار ما عند الله) فبكى أبو بكر, لأنه فهم أنّ المقصود هو النبي صلى الله عليه وسلم.
ينعى نفسه وأنه مرتحل, فأشار النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وقال (على رسلك, إني لا أعلم أحداً أفضل في الصحبة عندي يداً منه.. وإني لو كنت متخذاً من العباد خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً, ولكن صحبة وإيمان حتى يجمع الله بيننا عنده). ثم دخل صلى الله عليه وسلم بيت عائشة وازدادت وطأة المرض فلم يستطع أن يصلي بالناس وقال صلى الله عليه وسلم (مروا أبا بكر فليصل بالناس) فتقول عائشة وتراجعه, بل وتطلب من حفصة كذلك أن تراجع الرسول صلى الله عليه وسلم بقولها (إن أبا بكر رجل أسيف وأنه متى يقم مقامك لا يسمع الناس, فلو أمرت عمر). وهنا صاح الرسول صلى الله عليه وسلم مكرراً مقالته الأولى (مروا أبا بكر فليصل بالناس).. (انكن صويحبات يوسف)... وصلى أبو بكر بالناس عدة ليال.(10/19)
ثم هبط أسامة بجيشه إلى المدينة فرآه النبي صلى الله عليه وسلم وأخذ يدعو له, حتى جاء على النبي صلى الله عليه وسلم يوماً خف فيه من الحمى فخرج إلى المسجد معتمداً على علي بن أبي طالب والفضل بن عباس, وكان أبو بكر يصلي بالناس.. فكاد المسلمون أن يفتتنوا من شدة الفرح, وأحس أبو بكر بالناس وأيقن أنهم ما فعلوا ذلك إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتراجع عن مصلاه –يريد أن يترك المكان للرسول صلى الله عليه وسلم- فدفعه وقال: صل بالناس, وجلس بجانبه صلى الله عليه وسلم, وصلى قاعداً.
وهنا أحس المسلمون بتحسن حال رسول الله صلى الله عليه وسلم فانطلق جيش أسامة, واستأذن أبو بكر في أن يأتي امرأته (بنت خارجة) فهذا يومها, فأذن له, وخرج علي وعمر وبقية المسلمين لشؤونهم. ورجع الرسول صلى الله عليه وسلم لبيت عائشة, ولما كان رأسه في حجرها, شخص بصره وقال (بل الرفيق الأعلى)...
ولنا مع ما مضى من الأحداث وقفات مع الشيعة:
1-ادعت الشيعة أن إنفاذ جيش أسامة بما فيه أبو بكر وعمر إنما مقصوده حتى تخلو المدينة ويستطيع الرسول صلى الله عليه وسلم –بزعمهم- أن يعطي البيعة لعلي, وكأنهم يشيرون إلى ضعف النبي صلى الله عليه وسلم في مواجهة أصحابه وإعلانه للحق –كما يزعم القوم-.
2-الشيعة يرون أن صلاة أبي بكر بالناس لم تكن بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم!! وكيف هذا والرسول أمر في عدة مرات بقوله (مروا أبا بكر فليصل بالناس) وخرج عليه وهو يصلي بالناس عدة ليال, ويقول الشيعة بأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يريد علياً ليصلي بالناس.. فهل كان الأمر –أي الصلاة- مرة ومرتين ويوماً ويومين.. بل هي أيام حتى توفي الرسول صلى الله عليه وسلم في صبيحة يوم الاثنين.(10/20)
3-وترى الشيعة إن تأخر أبي بكر لما خرج الرسول صلى الله عليه وسلم للمسجد لم يكن إلا لأنه –كما تزعم الشيعة- تقدم للإمامة من غير إذن النبي صلى الله عليه وسلم!! وهذا باطل, بل من تواضعه (رضي الله عنه), فإنه قال: ما كان لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم. فلماذا لم يقدم النبي صلى الله عليه وسلم علياً في الصلاة وقد خرج من بيته صلى الله عليه وسلم متكئاً عليه إذا كان هو أحق بالإمامة كما تزعم الشيعة؟!!
الشيعة وأحداث السقيفة وخلافة الصديق:
دخل الصديق بعد رجوعه من السنح –في زيارته لزوجته- إلى بيت عائشة وقبل الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: (طبت حياً وميتاً).. وانطلق إلى المسجد ورأى عمر من شدة الأمر يتكلم بكلام مفاده أن محمداً ما مات وأنه سيرجع كما هو حال عيسى وموسى.. فاجتذبه أبو بكر وخطب مذكراً الناس بأن الرسول صلى الله عليه وسلم بشرٌ وقد مات وتلا آيات.. فهدأت الفتنة وسلّم عمر والناس بذلك.(10/21)
ثم انحاز جماعة من الأنصار واجتمعوا إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة يناقشون الأمر بالخلافة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وذكر سعد فضل الأنصار وحالهم. وهنا يدخل أبو بكر وعمر وأبو عبيدة فيقوم أبو بكر ويتحدث ويشيد بدور الأنصار في خدمة هذا الدين, ويوضح قبل هذا مكانة المهاجرين وسبق القرآن لهم بفضلهم, بل ويلتفت إلى سعد ويذكره بقول الرسول صلى الله عليه وسلم (قريش ولاة هذا الأمر...) منا الأمراء ومنكم الوزراء.. وهنا يصدّق سعد مقالة أبي بكر وأن هذا هو قول النبي صلى الله عليه وسلم.. وهنا يأخذ أبو بكر بيد عمر ويأخذ بالأخرى بيد أبي عبيدة ويقول: (رضيت لكم أحد هذين الرجلين) ولكن عمر يصيح: بل ابسط يدك يا أبا بكر أبايعك.. وأبو عبيدة يقول: (لا والله لا نتولى هذا الأمر عليك.. فإنك أفضل المهاجرين وثاني اثنين إذ هما في الغار, وخليفة رسول الله في الصلاة, فمن ذا ينبغي له أن يتقدمك أو يتولى الأمر عليك! ابسط يدك أبايعك.. وهنا صاح الأنصار لا نريد سواك يا أبا بكر فبايعوا...
ولا شك أنه من الطبيعي أن يحدث خلاف في الأمر لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينص بالخلافة لأحد بعينه وكل واحد من الصحابة كان يجتهد لصالح الأمة في وضع الأصلح للخلافة... ولكن الله حسم الأمر لأبي بكر فاجتمعت كلمة الأمة عليه.
وأما علي والعباس فقد كانا منشغلين بتجهيز النبي صلى الله عليه وسلم للدفن, ولم يشهدا ذلك الاجتماع, غير أن العباس خاف على الأمة من الاختلاف فقال لعلي ابسط يدك لأبايعك.. فرفض علي وقال لنا شغل في رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرض أبو سفيان كذلك البيعة لعلي وقال: أما والله لئن شئت لأملأنها خيلاً ورجالاً!! فيقول علي: لا حاجة لي بخيلك ورجالك.(10/22)
وغضب علي لما سمع بالأمر أنه لم يستشر أو يؤخذ رأيه وهو يعلم أن أبا بكر أحق بالخلافة حتى قال (ما غضبنا إلا في المشورة, وإنا لنرى أبا بكر أحق الناس بها, وإنه لصاحب الغار, وإنا لنعرف له سنه, ولقد أمره الرسول صلى الله عليه وسلم بالصلاة بالناس وهو حي) شرح نهج البلاغة 1/132.
وفي صلاة الفجر في اليوم التالي في المسجد يقوم عمر وأبو بكر جالس فيدعو الناس للبيعة العامة فيبايع الناس... وبعد أيام يأتي علي بن أبي طالب فيتوجه للصديق, فيقول أبو بكر: (أيها الناس هذا علي بن أبي طالب لا بيعة له في عنقي, وهو بالخيار من أمره, ألا وأنتم جميعاً بالخيار من أمركم في بيعتكم, فإن رأيتم لها غيري فأنا أول من يبايعه).. فقال علي مقولته (وإنا لنرى أبا بكر أحق الناس بها) (أمدد يدك وبايع الصديق).
فانظر إلى حكمة علي رضي الله عنه وحرصه على مصلحة الأمة, ومواقفه بعد ذلك مع الصديق ومؤازرته ومشاركته في الجهاد والمشورة والنصح... هذه مواقف ثابتة في علاقة الصديق بآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وهذه هي الصورة الأوضح المنسجمة مع القرآن والسنة والإيمان في قلوب الصحابة والحرص على مصلحة هذا الدين بعيداً عن الأهواء والتعلق بالدنيا... وهذا هو ما يليق بحالهم.
غير أن الشيعة لهم نظرتهم السوداء المظلمة تجاه تلك الحادثة وما يتبعها.. فتعال واسمع إلى الخميني ماذا يقول (بل وحتى الخلافات الموجودة بين المجتهدين الشيعة إنما مردها إلى يوم السقيفة, ذلك أن الاختلاف في الآراء ناشئ من اختلاف الأخبار, وفي الغالب ناشئ من الأخبار الخاصة بالتقية.. ولو كانت الإمامة قد أعطيت لأهلها لما كان للتقية ثمة احتياج, إذا فإن كل ما يعاني منه المسلمون اليوم إنما هو من آثار السقيفة) كشف الأسرار للخميني.
والخميني يعترف هنا بأن التقية التي اخترعتها الشيعة هي السبب الرئيسي لاختلاف الأخبار ومنها اختلاف الآراء.. وضاع منهم الفهم بسبب الكذب وتضارب الآراء.(10/23)
[لقد اتخذت الشيعة من موقف السقيفة ذريعة عملية ليقولوا ما يشاؤون, كما إنهم اتخذوا من حديث الغدير ذريعة لإثبات ما يقولون].
ولقد طعنوا في الصحابة بناءً على كذب تصوروه وحاولوا أن يقنعوا به الناس ألا وهو بزعمهم: (نص النبي صلى الله عليه وسلم بخلافة علي) الذي خالفه الصحابة!! بل وصل بهم أن قالوا: إن الناس كلهم ارتدوا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم غير سلمان وأبو ذر والمقداد بن الأسود.. فمن بقي على الإيمان بعد أولئك –على زعمهم حتى علياً أصبح مرتداً!!!- كفروا الصحابة وطعنوا في القرآن وحرفوه واختلقوا الأحاديث, بل وكذبوا على آل البيت بتلفيقاتهم المزيفة.
واسمع إلى كذبهم على علي بن أبي طالب وادّعائهم أنه قال لسليم بن قيس (الكذاب): تدري من أول من بايع أبا بكر حين صعد المنبر؟
قلت: لا. ولكن رأيت شيخاً كبيراً يتوكأ على عصاه بين عينيه سجادة شديدة التشمير صعد المنبر أول من صعد وهو يبكي ويقول: (الحمد لله الذي لم يمتني حتى رأيتك في هذا المكان, ابسط يدك, فبسط يده فبايعه, ثم قال: يوم كيوم آدم, ثم نزل فخرج من المسجد)
فقال علي بن أبي طالب: أتدري من هذا؟
قلت: لا. ولكني ساءني مقالته, كأنه شامت بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال علي: فإن ذلك إبليس.. إلى أن قال: ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقاً من المؤمنين) كتاب سليم بن قيس/82.
أبو بكر الصديق بعد تسلمه الخلافة:
1-انفاذ جيش أسامة:
يقول أبو بكر (والله ما أرد جيشاً وجهه رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولا حللت لواء عقده, والله لئن تخطفني الطير أحبّ إليّ من أن أبدأ بشيء قبل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم).(10/24)
بهذا المفهوم تقدم جيش أسامة, بعد مراجعات من أسامة نفسه وعمر والأنصار, كل ذلك حرصاً على مصلحة الأمة وحماية للخليفة ممن ارتد من القبائل.. ولكن الصديق ودع أسامة وجيشه وأوصاه بوصايا عظيمة فيحقق نصراً عظيماً وخافت القبائل وارتدع الروم ومُكّن للأمة.
فهذه خطوة صحيحة للخليفة بتثبيت دعائم الدولة, والشيعة يتهمون أسامة بتواطئه مع أبي بكر, وأنه سمح لعمر بأن يتخلف عن الجيش, وإن كان هذا بأمر الخليفة ولمصلحة الأمة, إلا أنه –في نظر الشيعة- مخالفة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم...
2-حروب الردة والفتوحات:
جاء رجال من بني عبس وذيبان وكلموا الصديق في إقامة الصلاة وترك الزكاة.. فتشاور القوم الصحابة ورأى بعضهم –ومنهم عمر- أن يوادعوا القوم لحساسية الموقف.. أما الصديق فقد كان حازماً وقال (لأقاتلن من فرق بين الزكاة والصلاة, لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه).. يقول عمر (فما رأيت إلا أن شرح الله صدر أبي بكر للقتال) فقاتلهم الصديق بنفسه ثم كتب للقادة وأمرهم ودفع بجيوشهم لمحاربة المرتدين من القبائل, حتى قدم جيش أسامة فوجهه كذلك للعون, وقاتل مدعي النبوة..
وتوجه المثنى بن حارثة –بعد مشورة الصديق وموافقته- للعراق, ثم أرسل خالد بن الوليد في أثره ثم القعقاع بن عمرو... ثم انتقلت الحروب للشام في اليرموك أمام الروم وكان نصراً محققاً بقيادة خالد بن الوليد.
والشيعة بالطبع لهم تفسيرهم للأحداث بسبب سوء طوية وحقد, فيقولون مثلاً في قوله سبحانه ((قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون فإن تطيعوا يؤتكم الله أجراً حسناً وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذاباً أليماً))(10/25)
يقول ابن المطهر الحلي الشيعي في تفسير هذه الآية: (إن الداعي هو الأمير –يعني علياً- فقد دعا إلى قتال الناكثين والقاسطين والمارقين) مع أن المخاطب بهذه الآية بهذه الآية بعض قبائل العرب ممن تخلفوا عن الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديبية لغير عذر قاهر, وقد أجمع السنة والشيعة أنه لم يقع بعد نزول هذه الآية إلا غزوة تبوك, وفيها لم يقع قتال ولا إسلام.
والداعي إلى ذلك الخليفة الصديق في قتاله لمانعي الزكاة والمرتدين ومدعي النبوة...
ففي الآية إشارة إلى الزعامة والإمامة وإشارة إلى ردة العرب بل هي إشارة إلى إمامة الصديق, وهذا اليعقوبي في تاريخه يضع باباً بعنوان (بيان كفر أبي بكر وعمر) كتب فيه: (ومن المعلوم أن حضرة فاطمة والإمام –يعني علياً- كانا يعدان أبا بكر وعمر منافقين ظالمين غاصبين, كما كانا يعدانهما كاذبين مدعين خلاف الحق وعاقين للإمام) [2/158].
3-الصديق وجمع القرآن:
خاف أبو بكر أن يموت حفاظ القرآن بسبب كثرة الحروب, فأمر بجمعه, فاستدعى زيد بن ثابت وكان ممن يكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم, فأمره بتتبع القرآن وأن لا يعتمد على حفظه, ثم جمع القرآن وحفظ عند أبي بكر ثم عمر ثم عند حفصة ثم أخذه عثمان ونسخ من النسخ للأمصار, ولقد كان الهدف هو الحفاظ على نصوص القرآن من أن تذهب بموت الذين يحفظونه, ولأن الله سبحانه قد تكفل بحفظه كما في عدة آيات.
أما الشيعة فيدعون أن القرآن الذي بين أيدينا قد زيد فيه وأنقص منه, وذكر ذلك في أمهات كتبهم وصدق على ذلك الخميني.. ولم يخالف في ذلك سوى ثلاثة أو أربعة منهم (المرتضى-الصدوق-الطبرسي-الطوسي) والمتأخرون من علماء الشيعة قالوا: إن ما قاله أولئك الأربعة المخالفين إنما كان تقية وخداعاً.
ونحن نسأل: أين القرآن الأصلي؟ حتى نعرف المحرف؟(10/26)
يزعم الشيعة أن القرآن جمعه علي وحده ثم عرضه على أبي بكر وعمر فلم يأخذاه, فقال علي: (لن تروه بعد هذا اليوم, ولا يراه أحد حتى يظهر ولدي المهدي)!! والأعجب أن علياً لما كان خليفة ما أظهره ولم يقدر على ذلك –كما تقول الشيعة-[فصل الخطاب].
4-الصديق وموقفه من فدك والخمس:
فاطمة لم تسمع بحديث النبي (لا نورث. ما تركناه صدقة), وهي لما سمعت في آيات كثيرة من وراثة الابن لأبيه كقوله تعالى (وورث سليمان داوود).. وغيرها ظنت أن لها حقاً فيما تركه الرسول صلى الله عليه وسلم من الميراث. ولكنها تذكرت أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أردن أن يبعثن عثمان بن عفان إلى أبي بكر ليسألنه ميراثهن.. فقالت عائشة: أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا نورث. ما تركناه صدقة).
وجاءت فاطمة تطلب ميراثها فلم يعطها الصديق بناءً على فعل النبي صلى الله عليه وسلم, فذهبت وهي مغضبة بسبب عدم علمها بحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم. ولم تطلب ذلك حتى ماتت (رضي الله عنها).
والشيعة لهم في ذلك قصص وخرافات بل واختلاقات:
فمنهم من يزعم أن الحديث مكذوب وهو من وضع أبي بكر كالخميني, ومنهم من قال إن فدك كانت هبة ومنحة وليست ميراثاً كالصدر, وغيره قال كانت ميراثاً والحديث مؤول على أن المورث العلم والدين. والعجيب أن كل الشيعة متفقون على إدانة الصديق وهذا هو الهدف من إثارة هذه المسألة.
والأعجب أن تعلم أن في كتب الشيعة أنفسهم أن فاطمة قد رضيت بكلام الصديق وتقريره في فدك!!! فهل منكم من يعطينا الحق أيها الشيعة؟!
وما رأيكم يا معشر المسلمين إذا علمتم أن الشيعة لا يورثون المرأة أصلاً!!!!
والخمس ثابت لله ورسوله من غنائم الحرب كما في قوله تعالى ((واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل...)) [الأنفال/41](10/27)
والعجيب أن الشيعة يوجبون الخمس ليس فقط في غنائم الحرب بل في كل فائدة تحصل للإنسان من المكاسب وأرباح التجارة وفي الكنوز والمعادن.
والخميني جعل حق الله ورسوله للإمام الغائب والذي انتقل بدوره لمن ينوب عنه في مهامه, وأما بنو هاشم أو الهاشميون فهم قلة وسوف يُصابون بالذهول من جراء هذا المال فالحق أن الخمس يعطى للملالي رجال الدين, حتى ينتشر مذهب الشيعة ليس إلا!!!!
الخاتمة:
لو أردنا التدليل على صدق أبي بكر الصديق قبل إسلامه لتأكدنا جميعاً من صدقه وحسن إسلامه, فقد كان بذرة صالحة, ما إن مرت رياح الإيمان حتى أنبتت زهوراً وتشبثت جذوراً عميقة لا تلين.
ثم كان أثر الرسول صلى الله عليه وسلم عليه عظيماً, فعظمت سيرته فوق الآخرين, ونال منزلة عظيمة (لو وزن إيمان أبي بكر بهذه الأمة لرجحت كفة أبي بكر) (لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً...) فأحبه قوم... ومن الطبيعي أن ينال حسد وكره آخرين.
ثم تتابعت الحوادث في زمن الصديق حتى وفاته بطريقة ديناميكية سريعة متوالية على نحو كانت كفيلة في مواقفها الحادة وأوقاتها الحرجة أن تظهر النيات وتوضح النفوس –لكن أبت بكر ثبت.
وقصدنا من تناول سيرة الصديق مع نظرة الشيعة محاولة معرفة الحقيقة بين الطرفين, والواضح أن البون في النظرة والفهم بين الطرفين واسع شاسع.
فالشيعة في حقيقة الأمر قد جعلوا أساسهم ما يمس الدين من قرآن وسنة, وفي سبيل ذلك نالوا من أعلام الإسلام.
وجميع تأويلات الشيعة معتمدة على سوء الظن, فهم وضعوا سوء النية كأساس ثابت في سيرة الصديق وبنوا عليه نظرتهم وتحليلهم لمواقفه.. والقرآن في نظرهم مجروح مستور عند الغائب كما هو رأي الخميني ورأي أولهم... والسنة غيروها واستبدلوها بسنة اثنى عشر إماماً –معصومين بزعمهم- آخرهم طفل موهوم اختفى في سرداب...(10/28)
سيرتهم عبر التاريخ مشهورة من تعاون مع التتار, وتعاون مع الحملات الصليبية, وفكرهم هذا يوضح نفسيتهم غاية الوضوح... هذه هي صورة التنافر المذهبي الشيعي.
وهكذا نصل لنهاية الرحلة مع صورتين متغايرتين للصديق, صورة نقية طاهرة وصورة مظلمة قاتمة تعكس سوء قلوب أصحابها.
قالوا
وماذا عن الممارسات الإيرانية؟!
قالوا: "وزارة الخارجية الإيرانية تعد حالياً شكوى ضد صدام حسين بتهمة ممارسة التعذيب ضد أسرى الحرب الإيرانيين بصورة لا إنسانية ومخالفة للقانون الدولي"
الجنرال عبد الله النجفي
رئيس لجنة اسرى الحرب الإيرانية
ا.ف.ب 22/4/2004
قلنا: ومن سيتقدم بشكوى ضد إيران على ما ترتكبه من مظالم ضد مواطنيها, وضد المسلمين في أنحاء مختلفة, ألم يعتبر الخميني في يوم ما مخالفيه بأنهم "أئمة الكفر" وطالب بأن تطبق عليهم الآية فقاتلوا أئمة الكفر؟!
نهج أم استطاعة؟
قالوا: "حزب الله دائماً يقول إن كل فلسطين وقف إسلامي! سبحان الذي أسرى...! والأرض التي باركنا حولها..! لأن أرض بلاد الشام أرض مقدسة؛ الأردن وسوريا ولبنان, باركنا حولها, ومع ذلك فحزب الله بالأيديولوجيا يقول هذه أرض وقف إسلامي! لكن كل نضاله كان بحدود جنوب لبنان في إطار القرار رقم 425.
نايف حواتمة – الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
محاضرة ألقيت في عمان 17/2/2004
قلنا: إذا كان هذا ما يراه ويشعر به حواتمة وهو أحد المعجبين والمؤيدين لحزب الله, فكيف سيكون الحال لو كان المتأمل في حقيقة مسيرة حزب الله لديه إلمام بالعقيدة الشيعية وتاريخهم الأسود والخيانة الشيعية للإسلام والمسلمين قديماً وحديثاً.
وإيران غيت
قالوا: "تسلح إيران بأسلحة نووية سيشكل تهديداً لا يمكن احتماله للسلام والاستقرار في الشرق الأوسط وخطراً مميتاً على دولة إسرائيل, وإن أي تهديد من هذا القبيل سيتعين على الولايات المتحدة وحلفائها أن يتعاملوا معه"
الرئيس الأمريكي جورج بوش(10/29)
وكالات الأنباء 22/3/2004
قلنا: يبدو أن بوش لا يعلم عن "الطبخة" فمتى كانت إيران تشكل خطراً على اليهود... فإيران غيت ليست منّا ببعيد.
ولعل إيران هي الدولة الإسلامية الوحيدة التي ينص دستورها على مقعد لليهود في برلمانها الإسلامي!!!
ومتى سيفتي حائري بالجهاد
قالوا: "لم يعلن آية الله حائري ولا أي زعيم ديني عراقي الجهاد لذلك لا يمكننا مهاجمة قوات الاحتلال إلا إذا هاجمت عراقيين يحق لهم عندها الدفاع عن أنفسهم.
حتى نوافق على نشاطات مقتدى الصدر عليه أن ينسقها مع مكتبنا في النجف وهو لا يفعل ذلك"
محمد حسين حائري – الناطق باسم المرجع الشيعي
كاظم الحائري
ا.ف.ب 29/4/2004
قلنا: ليس غريباً أن لا يدعو حائري ولا أي زعيم ديني شيعي للجهاد, فالأوضاع الحالية في ظل الأمريكان تحمل الكثير من الفوائد للشيعة, إن الجهاد –حسب أئمة الشيعة- لن يكون ضد الأمريكان, فهو للأسف مطبق وموجه ضد السنة ومساجدهم ومذهبهم.
ومتى سيكون هناك تعريف؟
قالوا: "لا يوجد لدينا أي معتقلين سياسيين في إيران لأن عبارة الجريمة السياسية لم يتم تعريفها في قانوننا"
رئيس السلطة القضائية الإيرانية
محمود هاشمي شاهرودي
الرأي 3/5/2004
قلنا: ومتى ستضع إيران تعريفاً للجريمة السياسية حتى تضع حدّاً لانتهاكاتها.
وأين حزب الله منهم؟!
قالوا: "هل تعلم أنه في لبنان وعلى علم من كل القوى الوطنية اللبنانية من حزب الله إلى وليد جنبلاط, وكل القوى الأخرى في لبنان, أن هناك 73 مهنة محرمة على التجمع الفلسطيني في لبنان؟!... وهل تعلم أنه في لبنان ممنوع فقط على الفلسطيني أن يكون عنده بيت.. أين هذه القوى الوطنية التي نتحدث عنها؟!
نايف حواتمة – الأمين العام للجبهة
الديمقراطية لتحرير فلسطين
محاضرة ألقيت في عمان 17/2/2004(10/30)
قلنا: هذا جزء بسيط من حال اللاجئين الفلسطينيين في لبنان الذين يعانون الأمرين من الظلم والحرمان والتضييق الشديد في العيش في لبنان بعامة والمخيمات بخاصة وعلى يد وحراسة حزب الله وأمثاله من القوى "الوطنية" كجنبلاط (الدرزي) أو القوات السورية (النصيرية) فضلاً عن النصارى.
ومن يصدق أن حزب الله يدافع عن الفلسطينيين وفلسطين فهو من الأغبياء.
الشيخ التميمي: المد الإيراني يقمع أهل السنة
في جنوب العراق!!!
الفرقان العدد 287 – 5 إبريل 2004
سقط الطاغية… ودخل المحتل أرض الرافدين فاتحاً!! وما أن انكسر قيد البعث حتى حلّ قيد القهر والاستعمار وسلب الحريات على يد المحتل.. وبين هذا وذاك يذبح إخواننا أهل السنة في العراق بخنجر الأحزاب الشيعية المتطرفة.. ويتعرضون في الجنوب لأبشع المجازر بغية إجلائهم عن أرضهم ليتسنى للدولة الساسانية في إيران مدّ نفوذها!!
حول واقع أهل السنة في العراق وما يمر بهم من أحداث ومحن بعد مرور عام على الحرب هناك, وحول المرجعية والمقاومة وانفلات الوضع الأمني والوجود اليهودي يدور حوارنا هذا مع الشيخ عبد الله بن خلف التميمي أحد أقطاب أهل السنة في محافظة البصرة.
الفرقان: هل من نبذة تفصيلية عن الوضع في العراق لا سيما أنكم تعيشون فيه وتشهدون ما يحدث؟
التميمي: في الحقيقة لا يسعني إلا أن أشكر لكم إتاحة تلك الفرصة للحديث عن أحوال العراق وأهله وحتى يسهل تسيلط الضوء على الأوضاع هناك سأجعلها على محاور:
الوضع الاجتماعي
الوضع هناك ليس جيداً وتعيش الأسر في هموم كثيرة ولا يجتمع الناس إلا في المناسبات في ظل جو يسوده الحذر والترقب والخوف في ظل عدم وجود سلطة مركزية وجهاز أمني يضبط الأمور ويحفظ الأمن.
الوضع الاقتصادي(10/31)
يعيش الشعب العراقي وضعاً مزرياً لا سيما أهل السنة أصحاب الهدي الظاهر فإنهم للأسف لا يستطيعون ممارسة أعمالهم التجارية.. فهم غالباً يعملون في الأعمال الحرة ولم ينخرطوا في مؤسسات الدولة نظراً للدخل الضعيف الذي كان يتقاضاه العاملون في الدولة في عهد صدام البائد.
ولا شك أن الاستثمار وأصحاب رؤوس الأموال لا يقيمون مشروعاتهم إلا إذا توافر الأمن والأمان.
الوضع الصحي
الوضع الصحي مرير حقيقة, حيث تتفشى الأمراض وتركت المستشفيات دونما إدارات متخصصة.. وإن كثيراً منها يديرها أشخاص من الحركات الشيعية ممن هم ليسوا أهلاً لتلك الإدارة وليس لهم تخصص يناسب المهن الطبية, الأمر الذي أدى إلى عدم انسيابية العمل بشكل جيد يضاف إلى ذلك عدم توافر الأدوية والعلاجات والمستلزمات الطبية.
الوضع الأمني
يعاني أهل السنة في العراق معاناة شديدة من الانفلات الأمني كما ذكرت لا سيما في مناطق الجنوب, حيث يغلب الوجود الشيعي, وقد سمعتم بلا شك عن تلك الحوادث المؤسفة والاغتيالات لبعض أهل السنة على أيدي بعض الحركات الشيعية المتطرفة, ففي عمادة كلية الطب اغتالوا د. عبد الله الفضل الذي يدرّس الطب وقد عرف بكفاءته, واتفق الطلبة عليه بشتى أطيافهم ولذلك تم اغتياله خشية أن يصبح ذا شأن وذلك بعد المغرب بدقائق.
كما اغتيل عميد كلية الهندسة وهو من عائلة الشريدة وجرى له الشيء ذاته.
وكذلك العوائل الأصيلة من أهل السنة يضايقونهم ثم يتهمونهم بأنهم من أزلام النظام السابق, كما سجنوا زعماء بعض القبائل أمثال الشيخ كمال سعدون وكذلك الشيخ أحمد الغانم.
ولا شك أن الحركات الشيعية المتطرفة سبب قوي في الانفلات الأمني والاغتيالات.
ومن الطريف أن أحد الإخوة الأفاضل من أهل السنة جاؤوا إليه بسيارات الشرطة ثم قتلوه في مكان بعيد, ولكن مشيئة الله اقتضت أن تسقط البطاقة التعريفية للقاتل في مكان الحادث, وهكذا أمكن التعرف عليه وعلى فعلته النكراء.(10/32)
والمشكلة الحقيقية تكمن في أن الجاني هو الحكم في هذا البلد وأن حوادث الاغتيالات لا تطال أشخاصاً معينين بل تطال الأبرياء ودونما تمييز.
الوضع السياسي
يعيش العراقيون عموماً في حالة سخط ورفض للاحتلال وأطماعه, حيث أن المؤسسات التي يقوم المحتل بإنشائها لا سيما مجلس الحكم العراقي أمر لا يرضي الشعب العراقي, فهذا المجلس صنيعة المحتل وغايته امتصاص نقمة الفرد العراقي وإشعاره بأن هنالك حكماً عراقياً وهذا أمر زائف فضلاً عن أن الطروحات السياسية لهذا المجلس لا تخدم أهل السنة, والسياسة في العراق في أيدي الشيعة وأتباعهم.
وهاهم يطالبون بإجراء انتخابات سريعة, وما ذلك إلا لما يجدونه من دعم ومدّ إيراني قوي في المناطق الجنوبية والوسطى في العراق… والحدود مع إيران لا ضابط لها.. كما أن إيران دفعت بالكثير من المهجرين وعناصر مخابراتها إلى العراق لزيادة كثافتهم ونسبة تمثيلهم لا سيما في الجنوب.
أضف إلى ذلك تدخلات قوات بدر منذ فترة, وحزب الدعوة بتنظيماته وتلك الحركات الغريبة التي تم تشكيلها بأسماء مختلفة منها: الطليعة-ثأر الله- الشعبانية- مكتب الصدر…الخ, حيث تصب جام غضبها على أهل السنة ويهدفون بذلك إلى إجلاء أهل السنة وإفراغ منطقة الجنوب منهم بالتضييق عليهم.
لو نظرنا إلى طبيعة المناداة بإجراء الانتخابات لوجدنا أنهم أرادوها قوميات لإبعاد الطيف المذهبي عن الساحة, ونحن نعلم أن المناداة بقوميات من العرب والأكراد والأرمن والصابئة والتركمان والأشوريين وما إلى ذلك من شأنه تجزئة وحدة أهل السنة في العراق وتشتيت كلمتهم وهذه غايتهم, وهاهم يعترضون على منح الأكراد حق النقض في مجلس الحكم من هذا الباب.
تفجيرات
وماذا عن التفجيرات التي تحصل من حين لآخر.. من الذي يقوم بها؟ وما الهدف منها؟(10/33)
الحقيقة أن التفجيرات أمر لا يستطيع ضبطه فرد, ولا يتهم فيه شخص بعينه فالساحة مفتوحة والحدود كذلك لا ضابط, وكثيراً ما تكون الدوافع انتقامية أو ثأرية نظراً لتجاوزات المحتل المتكررة في الكثير من المناطق, فما ذنب طفل عمره شهران أن يتعرض للدهس من قبل الأمريكان في العراق؟!
ولا ننسى أن هنالك الكثير من العناصر المدسوسة والدخيلة من خارج العراق.
كثرت الاتهامات بشأن تفجيرات كربلاء فهل من تحديد للجهة التي تقف وراءها؟
هذه مسألة مفتعلة وأهل السنة منها براء, وقد سمعت بأذني وكيل وزارة الداخلية حينما صرح بأنه تم القبض على عناصر متهمة كانت في صفوف المواكب الإيرانية!
كما أنه ليس من المنطقي أن يقوم بمثل تلك الأفعال الشنيعة أحد من أهل السنة فلا جدوى منها ولا نفع لهم بها.
وفي لقاء صحافي مع الربيعي عضو مجلس الحكم سئل عن ممانعة بعض مواكب الشيعة المتطرفة واعتراضها على التفتيش وخوفها من ذلك فكانت إجابته تنم عن الرغبة في التعتيم على هذا الأمر!!
وكذلك في أعقاب انفجار اسطوانة غاز في أحدى الحسينيات في منطقة ديالا ببغداد عرض التلفزيون أحدهم يخرج من الحسينية ويسبّ إيران ويقول أما آن لإيران أن ترفع يدها عنا؟! ولا يمنع أن يستبب في مثل تلك الحوادث الشيعة المتطرفون أنفسهم لخلافات بين فرقهم كالفرقة الإخبارية والأصولية وما يدور بينهما من مساجلات وخلافات.
وقد صرح بذلك مسؤول إحدى الحسينيات عندما قال في خطبة الجمعة إن تفجيرات كربلاء لا تعدو إيران لرغبتها في إشاعة البلبلة.
أيهما أفضل؟
هناك من يقول إن العراق الآن يعيش حالاً أفضل مما كان عليه سابقاً وأن ممارسات المحتل لا ترقى إلى ذلك الرعب والفساد اللذين كانا سائدين في عهد الطاغية صدام فما رؤيتكم لذلك؟
النظام البعثي أذاق المسلمين الويلات كما ذكرتم, وهذا أمر معلوم, أما ما يحصل الآن في العراق فإنه أشد ضرراً وسوءاً عما كانت عليه الحال أيام الطاغية.(10/34)
وهذا موافق لمنهج السلف الذي يرى أنه لابد من إمام براً كان أم فاجراً لحماية الأمن.. ففي ظل غياب السلطان ووجود المحتل والانفلات الأمني يشيع الفساد والكل يصول ويجول ويقتل من يشاء.
وأهل السنة مقصودون ومعنيون بمثل تلك الفواجع أكثر من غيرهم لا سيما في الجنوب, وهدف الشيعة المتطرفين في ذلك إنشاء دويلة مرجعيتها تبعيتها للدولة الساسانية في إيران.
فهم يعلمون جيداً أن زعزعة الأمن في البصرة حلقة الوصل ومن شأنها أن تمكنهم من نشر ثورتهم في الدول المجاورة.
في السابق كان المسلم يأمن على ماله وعرضه وقد لا يتطاول الطاغية إلا على البعض نتيجة لتراكم التقارير الإخبارية والكتابات الباطلة ضد أهل السنة على يد الشيعة في الجنوب.
وقد رأينا كيف عاث هؤلاء في مكاتب أهل السنة وأدبياتهم فساداً وكيف أحرقوا المكتبة الوطنية ومكتبة الأوقاف وجامعة البصرة وبغداد, وكيف غدوا مطايا بأيدي المحتل.
وجود يهودي
وماذا عن الوجود اليهودي في العراق وقد سمعنا أن هناك حوالي 100 شركة يهودية عاملة؟
اليهود لا يتركون مثل هذه الفرص السانحة, حيث امتدت مخالبهم للإفساد والنيل من المسلمين.
فعناصر الموساد موجودة وقد ذكر أحد زعماء القبائل أن رجلاً يهودياً يدعى "ليفي" التقى في البصرة بزعماء ثلاث من الحركات الشيعية المتطرفة وأنه يقدم لهم التمويل والدعم.
وصدق شيخ الإسلام ابن تيمية حين قال: "ما قامت دولة لليهود إلا والرافضة أعوان لهم".
وهناك محاولات لإعادة خط الموصل – حيفا ويكون دخولهم من الشمال غالباً ولا يقتصر تدخلهم على الجانب الاقتصادي فحسب بل إن لهم رؤية وخططاً للمنطقة ككل, ولا يغيب عن أذهانهم أن تصبح "إسرائيل" كيانهم المصطنع من النيل إلى الفرات كما ورد في بروتوكولاتهم.
احتلال
ما مدة بقاء المحتل في العراق برأيكم وهل من بوادر لانسحابه؟(10/35)
الأحداث الجارية والانتهاكات المستمرة تؤكد أن المحتل لم يدخل لإرساء الديمقراطية وتحقيق الرفاهية للفرد العراقي كما يزعم, والكل حانق على ذلك الاحتلال الذي يصادر إرادة الشعب ويملي عليه ما يريد ولا يؤيده إلا من اتبع هواه ودنياه.. ولا أظن أنهم جاؤوا ليخرجوا فهاهم يبنون قواعد عسكرية ضخمة في البصرة والناصرية ويؤمنون خطوط النفط.
أمن
هناك من يزعم أن الأمن في سبيله لأن يستتب والفوضى مصيرها إلى زوال وأن المحتل بدأ يخرج دفعات الجيش والشرطة لهذا الغرض ما حقيقة ذلك؟
هذا كلام زائف بلا شك, فالمتابع لشؤون الأمن في الداخل يجد أن الشرطة خرّجوا دفعات ويتولى أمرها ويدير شؤونها على أرض الواقع الحركات نفسها وليس هناك انصياع لأوامر القيادة العليا بل إنها تشبه الميليشيات.. والشواهد على ذلك كثيرة.
وها هو المحتل يشكل نواة لجيش هزيل برداء هزيل أفراده من غير ذوي القدرة والكفاءة… وما هو إلا مسمى وصورة, والمفارقة أنه في لقاء مع الحاكم الأمريكي أعلن عن تشكيلة لوزارة الدفاع ثم ما لبث مجلس الحكم العراقي, على لسان بحر العلوم, أن أعلن عدم علمه بذلك مصرحاً بأن مسألة الدفاع لم تناقش مع الحاكم الأمريكي, فانظر إلى مدى التضارب وكيف يملي المحتل ما يشاء في ظل الفوضى والأطماع الاستعمارية ولا شك أن هذا يؤكد وجود فجوة بين مجلس الحكم والمحتل وبين الشعب.
ولتعلم أن الأصل في ولاءات السلطات الأمنية منصرف إلى الأحزاب التي ينتسب إليها أفرادها.
ولعلكم رأيتم أن سيارات الشرطة رفعت الأعلام الحمراء والسوداء والخضراء في ذكرى عاشوراء وكذلك سيارات الشرطة كانت تحمل شعاراتهم ورموزهم الدينية.. ولم يرفع علم العراق على أي منها في عموم البصرة على الأقل!! وهذا على مرأى المحتل وسمعه…
مقاومة
من يقوم برأيكم بأعمال المقاومة ضد المحتل وما مستقبل تلك المقاومة؟(10/36)
الحقيقة أن الدوافع لتلك الأعمال كثيرة, والقائمون عليها كذلك قد يكونون من عامة الشعب انتقاماً من المحتل.
وقد تكون من منطلقات عشائرية وقبلية لا سيما في غرب العراق ورفضاً لذلك الاحتلال خصوصاً بعد التجاوزات التي ارتكبها أفراد الاحتلال حيث كانوا يصعدون عراة على أسطح مراكزهم ينظرون إلى البيوتات وينتهكون حرماتها.
وقد تكون هنالك عناصر تقوم بمثل تلك العمليات بدعوى الجهاد, وقد يقوم بها بعض بقايا النظام البائد ممن لم يتمكنوا من الفرار.
مرجعية
هل وحدت تلك الأحداث أهل السنة وهل من مرجعية لهم؟
الحقيقة المؤسفة أن النظام السابق لم يدع لأهل السنة مرجعية ولم يترك عالماً ربانياً بل طالتهم الاغتيالات والمضايقات والتهديدات, وشجع النظام البائد على التصوف وكان عزت الدوري يشرف عليه بنفسه, أما في الوقت الراهن وفي ظل المحتل فقد تم تشكيل بعض الهيئات المعنية بتمثيل أهل السنة مثل:
1-هيئة علماء المسلمين: وتقوم على رفض الاحتلال ويديرها د. حارث الضاري.
2-الحزب الإسلامي: ويشرف عليه محسن عبد الحميد عضو مجلس الحكم على الرغم من أنه لا قبول له في أوساط العامة لأنه في نظرهم انسلخ مع المحتل.
3-الإئتلاف العشائري في البصرة وقد انضوى تحته 100 من القبائل السنية وأصدروا ميثاقاً بذلك.
والحقيقة أن للسلفية حضوراً بارزاً في الجنوب على وجه الخصوص, ويشكلون نسبة لا يستهان بها, وتتم بينهم المشاورات ولهم دور كبير ويؤخذ برأيهم, ودعوتهم قائمة على نشر الكتاب والشريط الإسلامي ومراكز تحفيظ القرآن ورعاية الأسر المتعففة والأيتام وبناء المساجد, إلا أن الصلاة لا تقام إلا في ظل حراسات أمنية مشددة نظراً للتهديد الشيعي المتطرف الذي يتعرض له أهل السنة.
أما في بغداد فهناك حضور جيد لأهل السنة, ولكن الكثير من الخلافات تعتري تلك الجماعات.
ويركز الشيعة المتطرفون على تفريق السنة وتشتيت كلمتهم حتى يسهل عليهم تصفيتهم.
عام مضى(10/37)
عام مضى على الحرب في العراق ولا يزال المحتل جاثماً على صدر العراق.. ما رؤيتكم لمستقبل العراق؟
يعيش العراقيون في المرحلة الراهنة في نفق مظلم لا يرون فيه بصيص نور أو أمل والأمة للأسف الشديد تنحدر نحو الأسوأ.
بعد سقوط النظام البائد لوحظ بعض الانفتاح أما الآن فالأمور تسوء والأبواب توصد دون أهل السنة, ولا يكاد المسلم يتمكن من الخروج لجني رزق عياله, والمعاناة شديدة ودورنا في الجنوب تثبيت العوائل السنية وإبقاؤها في مساكنها حتى لا يخلو الجو للشيعة المتطرفين, وحتى لا يتحقق حلمهم في الدولة الشيعية في الجنوب, وهذا الأمر بلا شك يحتاج إلى أموال ودعم لتلك العوائل.
والواجب حيال ذلك على الأمة الإسلامية والعربية تقديم العون والمساعدة لإخوانهم في العراق حتى يتغلبوا على البطالة والوضع الاقتصادي الخانق, وهذا الواجب لا يقع على كاهل الأفراد فحسب بل على الحكومات.
ولا بد من تدويل قضية أهل السنة في الجنوب وأن تنال حظها من الإعلام, ولا بد من تسليط الضوء على جرائم الرافضة في الجنوب واعتداءاتهم على أهل السنة... حتى يظهر للعالم أجمع أنهم يقولون ما لا يفعلون وأنهم يتشدقون بأنه لا فرق بين السنة والشيعة ثم تكون المذابح على أيديهم!!
انتهاكات وجرائم
إن التوتر الحاصل بين الشيعة المتطرفين والسنة الذي وصل إلى مرحلة الانفجار بإصدار الفتاوى المعلنة من قبل ساداتهم بقتل أهل السنة والجماعة من خلال مسميات ابتدعوها لتصفية أهل السنة والجماعة باسم المؤيدين لصدام والبعث, وكذلك باسم الوهابية حيث ينسبون إلى الوهابيين أنهم معادون لأهل البيت والمذهب الشيعي من خلال ما يطرح من عقائد أهل السنة والجماعة ومن جرائمهم:
1-إرسال التهديدات من خلال المنشورات التي يرسلونها إلى الأئمة والخطباء والدعاة المخلصين.(10/38)
2-تعرض بعض الدعاة لمحاولات اغتيال من قبل متشددي الشيعة وإرسال رسائل باسم طوائف وهمية الغرض منها تشتيت نسبة الاغتيال لغيرهم وهذا معلوم للجميع.
3-الاعتداء الصريح على بعض الإخوة وقتلهم شر قتل بطريقة الغادر الجبان كقتل الأخ محمود النعيمي والأخ أحمد والحاج ياسين المشهداني والأخ أحمد المشهداني وثلاثة آخرين من منطقة الشعلة وغيرهم كثير, كما قاموا بإجلاء أهل السنة في المحافظات الجنوبية وطردهم من بيوتهم كما حصل للإخوة في محافظة السماوة.
4-قتل العلماء البارزين في هذا البلد, وهذا القتل صادر من أناس أشرار يبتغون القضاء على كوادر هذا البلد الخيرة, كقتل الدكتور محمد عبد الله الراوي رئيس جامعة بغداد والدكتور سعد الوتري (البروفسور المعروف) مدير مستشفى الجملة العصبية وغيرهم ممن لا أتذكر أسماءهم الآن.
5-قام أصحاب هذا المذهب بالاستيلاء على سبعة عشر مسجداً في بغداد ما عدا المحافظات الجنوبية التي وصل عدد المساجد التي استولوا عليها إلى عشرة مساجد تقريباً.
6-قام أصحاب هذا المذهب بإصدار فتاوى تنص على التعاون مع الأمريكان ضد أبناء السنة وذلك للقضاء عليهم كما حصل في القرن السابع الهجري, حيث تعاونوا مع التتر كما لا يخفى على الجميع أيضاً.
7-وكذلك نضيف أنهم اختطفوا ابن أحد كبار الأطباء في البلد (الطبيب البروفيسور خليفة الشرجي).
8-وتم من قبلهم اغتيال الداعية الكبير الأخ محمد عودة في مدينة بغداد / المواصلات في مسجد حذيفة بن اليمان عند صلاة العصر.
9-وتم إطلاق الرصاص على بعض المساجد ومنها مسجد محمد فندي الكبيسي في الشرطة الخامسة, مسجد قباء في مدينة الشعب.
10-مقتل محمد سالم داود الزوبعي وحرق بيته وتشريد عائلته في منطقة الشعب بتاريخ 20 اغسطس 2003.
11-اختطاف صاحب محلات السيد الجليب في حي المنصور / 14 رمضان وأطلقوا سراحه بمبلغ 60000 دولار.(10/39)
12-محلات الميزان للتبريد في نفق الشرطة, اختطاف ولده الوحيد (حسام) وتمت إعادته بفدية.
13-رمي جامع الهدى بالسيدية بالرصاص يوم الجمعة 12 سبتمبر في بغداد.
14-محاولة اغتيال بثلاث رصاصات في الرأس للأخ نمير عباس أبو نبأ في مسجد عبد الله مظعون في حي أور / الرصافة – بغداد 18/9/2003.
15-اغتيال مصلي في الدورة – حي الميكانيك شقيق محمود أبو مصطفى يوم 25/9/2003 قبل الفجر.
16-اغتيال ثلاثة إخوة في حي أور يوم 25/9 الساعة التاسعة ليلاً بعد صلاة العشاء قرب فوج الطوارئ.
17-الهجوم على مسجد إبراهيم الخليل في الشعب بالرشاشات وقتل ثلاثة مصلين وجرح 23 آخرين بعضهم إصاباتهم خطرة يوم الخميس 24/9.
18-في مدينة الشعب اغتيال اثنان من الإخوة الدعاة في صلاة العشاء 3/10.
19-اختطاف أبناء الطائفة السنية فقط دون الاخرين؟!
20-محاولة اغتيال أبو حنين في منطقة إسكان غربي بغداد – حي الزهور – صائغ ذهب وداعية للسنة في 4/10 وهو الآن معوق والله المستعان.
21-اغتيال الداعية الشيخ أحمد خضير وأخيه أبي عمار مع الأخ تيسير في الأول من رمضان في مدينة الوشاش بغداد.
22-محاولة اغتيال الداعية وائل بثلاث رصاصات في رأسه قرب المسجد في مدينة الحرية في بغداد.
23-قتل خمسة عوائل من أهل السنة وتشريدهم في البصرة والتمثيل بهم وحرقهم.
24-تشريد عوائل أهل السنة في المحافظات الجنوبية وترحيلهم إلى المناطق الوسطى والشمالية.
25-اعتقال أكثر من أربعمئة شخص من أهل السنة من أهالي أبي الخصيب في البصرة نتيجة وشاية الأحزاب الشيعية المتطرفة بهم إلى قوات الاحتلال.
26-اغتيال أبو شهد رعد في منطقة بغداد الجديدة / نواب الضباط بعد صلاة المغرب في سبتمبر 2003 قرب مسجد الإسراء والمعراج.
27-محاولة اغتيال الأخ سنان الراوي في جامع ملا حويش في منطقة حي الجامعة في بغداد يوم الاثنين 16/11/2003 الموافق 23 رمضان 1424 بعد صلاة العصر.(10/40)
28-الاعتداء الوقح على جامع أحباب المصطفى في مدينة الحرية في بغداد يوم الثلاثاء 9/12/2003 بعد صلاة الفجر بعبوة ناسفة وصواريخ "RBG7" وأدى إلى استشهاد ثلاثة إخوة من أهل المسجد وجرح اثنين آخرين.
29-اغتيال ثلاثة أطباء في زيونة ومنطقة الشعب في بغداد منهم الدكتور الصيدلي محمد زيدان في يوم 15/12/2003 قرب مساجدهم.
30-اغتيال أحد المصلين في جامع السامرائي في حي العامل بغداد يوم الأربعاء 17/12/2003 بعد صلاة العصر.
31-وفي عملية غادرة وجبانة تم إطلاق النار على أحد بيوت الله في مدينة الوشاش بعد خروج المصلين من الصلاة من يوم الاثنين 22/12/2003 ما أدى إلى استشهاد أربعة منهم.
هذه آخر إحصائية لعام 2003م من الاعتداءات على أهل السنة والجماعة.
فالواجب ملقى على عموم المسلمين لنصرة إخوانهم في العراق والله المستعان.
الشيعة في سلطنة عُمان
سيد قاسم ميرصفى
مختارات إيرانية – العدد 44 مارس 2004
على الرغم من أن الوجود الشيعي في سلطنة عمان ذو تاريخ طويل, إلا أنه لم يحظ باهتمام المؤرخين, ومن ثم فإن الشخص الذي يريد أن يبحث في تاريخ شيعة عمان عليه أن يقوم بالرجوع إلى الكثير من المصادر للوصول إلى المعلومات الصحيحة والدقيقة, لأن تاريخ عمان قد دون على المذاهب الأخرى غير المذهب الشيعي, وقد اهتم هؤلاء المؤرخون في الغالب بتاريخ الأسر الحاكمة وزعمائهم المدنيين الذين كانوا في بعض الأحيان أصحاب سلطة سياسية, ولهذا أهمل تاريخ الشيعة في هذه البلاد كأقلية دينية, ولم يرد لهم أي ذكر, ويجب الاعتراف بأن الشيعة لم يتركوا تاريخاً مكتوباً يمكن الاستناد إليه, لكن على أي حال, وردت إشارات مختصرة في كتب تاريخ عمان وبعض الكتب الأجنبية يمكن الاستفادة منها كمصادر في الوقت الحاضر.(10/41)
وقد جاء في الكتاب الذي أصدرته وزارة الثقافة والتراث الوطني العماني: يوجد كثير من الشيعة بين سكان المدن الساحلية وبين تجار المدن العمانية, وتعرف جماعة من هذه الطائفة بالخوجيين واللواتيين.
وترجع جذور هذه الجماعة إلى الشيعة الذين جاءوا من منطقة حيدر آباد بالهند, وقد عاشوا منذ عدة أجيال في منطقة مطرح, ويعيش معظم أفراد هذه الجماعة في مدن منعزلة ومناطق خاصة بهم داخل منطقة مطرح ولهم مسجد خاص بهم يقع إلى جوار الساحل, ويلاحظ في هذا الكتاب أن المعلومات الخاصة بالشيعة قليلة, وأنه قد تحدث عن شيعة مطرح واللواتية فقط.
توزيع الشيعة في عمان:
ينقسم الشيعة في عمان إلى ثلاث جماعات كبيرة يمكن تناولها كالآتي:
أ-الشيعة اللواتية:
تتسم هذه الجماعة بتعدادها الكبير, وهم من أثرى طبقات المجتمع العماني, ويتولون الكثير من المناصب الحكومية, كما أن كبار التجار من اللواتية أيضاً, وهناك روايات عديدة حول أصلهم ونسبهم فيرى البعض أنهم عمانيون نزحوا إلى الهند على إثر صدامهم مع سائر المذاهب الأخرى وبعد أن أقاموا فترة طويلة في الهند عادوا إلى عمان مرة ثانية, بينما يرى فريق آخر, أن أجداد هذه الجماعة قد جاءوا إلى مسقط منذ ما يقرب من 50 عاماً كتجار من الهند وسكنوا في هذه المدينة.
ويرجع البعض أصل ونسب اللواتية في عمان إلى هجرة الشيعة من حيدر آباد بالهند مع سائر الهنود الآخرين أثناء الاستعمار البريطاني وقد رحل بعضهم إلى مسقط بجوازات سفر بريطانية, وقد كون هؤلاء الشيعة فيما بينهم مجتمعاً خاصاً منفصلاً عن الآخرين وأنشأوا قلعة في منطقة مطرح ونظراً لأن الخوجيين كانوا ملمين باللغة البريطانية ومبادئ التجارة الحديثة فقد أحرزوا تقدماً سريعاً وسيطروا على جزء مهم من أسواق مسقط وعمان.(10/42)
كذلك أيضاً شق عدد منهم طريقه لتولي أعمال إدارية في بلاط السلطان قابوس, ومن الواضح أن الوضع المالي الذي تتميز به هذه الجماعة هو الذي هيأ لها هذه الإمكانية, ونتيجة لترددهم على أهليهم في الهند وزيارتهم للعتبات المقدسة في العراق والأماكن الدينية في إيران, اتسعت مداركهم ووقفوا على قضايا العالم والأوضاع الراهنة, وتكونت منهم طبقة مثقفة فاعلة, وقد أدى صغر المجتمع العماني وقرب اللواتية من البلاط والأسرة الملكية في مسقط إلى وجود علاقة خاصة بين الطرفين, وقد أثبتت التطورات الاجتماعية والسياسية ومن بينها الحرب الداخلية بين السلطة القائمة والإمامة المذهبية الدينية أن كلا الطرفين قد قام بمساندة الآخر, وربما كان السبب الرئيسي وراء مساندة اللواتية للسطان هو كسب تأييد السلطان في مواجهة الصراعات القبلية والدينية.
ب-الشيعة البحرينيون:
على مدى التاريخ تعرض كثير من المناطق لظلم وجور السلاطين والحكام وخاصة الخلفاء العباسيين, الأمر الذي أدى إلى اضطرار الشيعة في منطقة الخليج (الفارسي) إلى الهجرة من المناطق الشمالية إلى المناطق الجنوبية.(10/43)
وقد تمت هذه الهجرة في الغالب من مناطق البحرين والإحساء والقطيف وخوزستان والبصرة, وانتشر الشيعة في مناطق بعيدة عن ظلم الحكام, ومن المؤكد أن الشيعة قد فطنوا إلى اختيار المناطق الساحلية بحيث لا تصل إليهم أيدي الظالمين, ويستطيعون في الوقت نفسه تدبير شؤون حياتهم عن طريق التجارة البحرية وصيد الأسماك والزراعة, ومن أهم الأماكن التي استوعبت عدداً كبيراً من هؤلاء المهاجرين سواحل قطر والإمارات وسواحل الباطنة في عمان, ويتحدث كتاب "سيرة السادة البوسعيديين" –الذي دوّن فيه ابن زريق تاريخ عمان- عن الشيعة البحرينيين المقيمين في منطقة خليج (فارس) فيقول: توجه الإمام سلطان بن أحمد بن سعيد بالجيش نحو البحرين وفتحها, ثم عين ابنه سالم بن سلطان والياً عليها, ولأن سالماً كان صغير السن في ذلك الوقت, فإن سلطان بن أحمد قد جعل الشيخ محمد بن خلف البحريني الشيعي إلى جانب ابنه وولاه الإمارة, لكن جماعة عتوب التي كانت تكن حقداً دفيناً للشيعة نقضت العهد, وحاصروا سالماً وأنصاره في قلعة عراد واشترطوا أن يخرج الشيخ محمد البحريني وأتباعه من البحرين, حتى يفكوا الحصار, وخرج الشيخ محمد وسالم من البحرين وقصدوا عمان.
ومع أن البحرينيين يمثلون أقل الجماعات الشيعية في عمان, ولكنهم نظراً لشهرة تجارهم فإنهم يتمتعون بمكانة طيبة مثل الشيعة اللواتية.
وقد جاء في كتاب تاريخ عمان, أن أول سفير لعمان في الولايات المتحدة كان من الشيعة البحرينيين.
ج-الشيعة العجم:
وهم مجموعة من الشيعة وفدوا من إيران إلى هذه البلاد, ويطلق على هؤلاء الأفراد بصفة عامة العجم حيث ترجع جذورهم إلى أصول إيرانية.
ومن المؤكد أن قرب السواحل الإيرانية والعمانية قد سهل الهجرة المتبادلة بين كلا البلدين.(10/44)
والعجم الذين يعيشون في منطقة عمان وسواحل الخليج (الفارسي) الجنوبية هم أهل حضارة وثقافات عدة, ومعظم الشيعة الذين يقيمون في عمان هم من مناطق اللور وبندر عباس واوندورودون وبعضهم من منطقة البلوش, جدير بالذكر أن الهجرة العجمية إلى عمان كانت مرتبطة بعلاقات البلدين في ذلك الوقت فكانت تتأرجح بين الكثرة والقلة تبعاً لتذبذب العلاقات, ويعيش الشيعة العجم في عمان في مناطق مسقط عاصمة البلاد, ومطرح وضواحيها, وفي مناطق الباطنة, وقليل منهم يعيش في مسندم ومدينة صور الساحلية.
ويقال إن السبب في هجرة الشيعة العجم إلى عمان يرجع إلى عدم اهتمام النظام البهلوي بالمناطق المحرومة في إيران وخاصة الجنوب, إلى جانب سياسة الخدمة العسكرية الإجبارية.
والشيعة العجم لهم الآن مساجدهم الخاصة بهم والمؤسسات الخيرية مثل صناديق ربما القرض الحسن ومساعدة الأيتام وأبناء السبيل وإدارة الأوقاف الجعفرية, وقد أصبحوا الآن أحد أهم قبائل الشيعة في عمان ومنهم مسؤولون يتولون المناصب الحكومة.
الوضع الاقتصادي للشيعة في عمان:
على الرغم من قلة عدد الشيعة في عمان إلا أنهم يأتون على رأس الهرم الاقتصادي في هذه البلاد, فكثير منهم يمتلك مشروعات صناعية وتجارية واقتصادية كبيرة, ويساهم الشيعة في كثير من المشروعات القومية العملاقة, ويعد اختيار وزير التجارة والصناعة من بين الشيعة دليلاً على أهمية دورهم في اقتصاد البلاد.
ويعد الشيعة إحدى القوى الفاعلة والمؤثرة في المجتمع العماني, ويتمتع زعماء المجتمع الشيعي بنفوذ كبير في سوق العمل والاقتصاد والصناعة.
وفي بداية عقد السبعينات لم يكن هناك أي أثر للحضارة أو النظام المدني في عمان, وكانت كل شؤون المواطنين العادية تتم بموجب إذن كتابي من السلطان في ذلك الوقت (السلطان سعيد) فكان التدخين والصيد والرماية وصيد الأسماك بل والسباحة كلها أمور تتم بموجب إذن.(10/45)
كان السفر إلى الخارج ممنوعاً, ولم يكن المواطنون يحملون أي أوراق هوية أو جواز سفر, ولم يكن مسموحاً لأحد دخول البلاد إلا بإذن من السلطان, ولم يكن هناك شيء يعرف بالإدارات الثقافية أو الصحية, ولم تكن هناك وسائل مواصلات أو اتصالات.
لكن بعد وفاة السلطان سعيد ظهر نوع من الحرية المحدودة, وأصبح مسموحاً إلى حد ما للشعب بأن يحتك بالتطورات التي طرأت على الساحة الدولية.
أما عمان اليوم فتمتلك بنية تحتية حديثة, ومع أنها لا زالت محتفظة بهويتها القديمة فإن السلطان قابوس قاد البلاد نحو مسيرة الدولة الحديثة العصرية فيقول: إنني يوم توليت الحكم وعدت بأن أؤسس دولة حديثة لكنني أعتقد أن هذا الأمر سيتحقق رويداً رويداً, مستوى تعليم الشعب.
يمكن القول أن الشيعة في عمان مثقفون حريصون على المشاركة في كافة شؤون المجتمع, وعلى الرغم من تعداد الشيعة المحدود والذي يبلغ 100 ألف إلا أن هناك عدداً لا بأس به من الشباب سافر إلى الولايات المتحدة وبريطانيا وكثير من الدول الأوروبية لاستكمال دراستهم, وتسود علاقات الود والإخاء بين الشيعة وبين باقي المذاهب الأخرى فالكل يعيش في سلام وأمان وحرية.
الفتوى العجيبة
حمد عبد الرحمن الكوس
الفرقان – العدد 288 – 12 ابريل 2004
محمد المهري هو أمين عام تجمع علماء الشيعة في الكويت, ووكيل بعض مراجع التقليد الشيعية, وقد صرّح لصحيفة الرأي العام الكويتية بأن كل من يحرم فيلم "آلام المسيح" بأنه ساذج وقشري وأنهم لم يبلغوا درجة الاجتهاد, ويخدمون الصهيونية!
وفيما يلي توضيح لهذه الفتوى حول الفيلم الذي أثار ضجة كبيرة.............الراصد.(10/46)
تلكم الفتوى العجيبة كانت من أحد وكلاء مراجع الشيعة, عندما دعا الناس إلى مشاهدة فيلم "آلام المسيح" كما نشرت جريدة الوطن, والرأي العام, وذكرت الأخيرة يوم الأربعاء 31 مارس خبراً مفاده "أن محمد المهري اتصل بوزير الإعلام مطالباً إياه بتطبيق فتوى كبار فقهاء الأمة الإسلامية, كالإمام السيستاني, الذي أفتى بجواز تمثيل دور الأنبياء, والأئمة المعصومين".. وحسب علمي أن هذا الفيلم وحسب معتقد النصارى يتعرض للمسيح بأنه إله يؤذى ويضطهد من قبل طغمة اليهود, ثم يصلب ويقتل!! تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً, وقد سألني بعض تلاميذي في المدرسة عن رأيي في مشاهدة ذلكم الفيلم, ولي ثلاث وقفات مع فتوى المهري أختصرها بالتالي:
أولاً: هذا الفيلم يصوّر المسيح النبي الكريم عليه أفضل التسليم بأنه إله وابن إله, وهذه قضية خطيرة وداهية أشد, والله سبحانه وتعالى بيّن شناعة هذا القول, وأنه كفر كما قال سبحانه: ((لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة)) وبين أن هذا القول تكاد السماوات العظيمة تنفطر منه, والأرض تنشق والجبال الراسية تنهد من شناعته ((وقالوا اتخذ الله ولداً لقد جئتم شيئاً إدّاً تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدّا أن دعوا للرحمن ولداً وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولداً إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبداً)) [مريم: 88-91].(10/47)
ثانياً: يعالج الفيلم قضية خطيرة أخرى اختلف فيها اليهود والنصارى وبيّنها القرآن, وهي: هل قُتل المسيح كما زعم النصارى, وكما يدعي اليهود؟ والجواب: إن هذه المقولة يكذّبها القرآن, قال تعالى: ((وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم)) [النساء:157], والله تبارك وتعالى ألقى شبه المسيح على يهوذا الخائن فقتله اليهود ظانين أنهم قتلوا المسيح, قال تعالى: ((بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزاً حكيماً)) [النساء:158], وهو الآن في السماء ينتظر الإذن بالنزول, فينزل قرب قيام الساعة, يكسر الصليب ويقتل الخنزير, ويضع الجزية ويحكم بحكم الإسلام.
ثالثاً: إذا كان الأنبياء والصالحون من الصحابة وغيرهم لا يجوز تمثيلهم كما أفتى علماء أهل السنة والجماعة المحققون, فكيف يعقل أن نبيح فيلماً يصور فيه النصارى المسيح بأنه إله؟! ويمثل هذا المشهد أحد كفار النصارى تعالى الله علواً كبيراً, قال سبحانه: ((فلا تضربوا لله الأمثال)) ويقول أيضاً: ((ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)), فلا يجوز تصوير المسيح على أنه ابن الله تعالى الله عن ذلك!
والآراء الشاذة لا تمثل الأمة الإسلامية ولا يجوز إلزام الناس بها, لأن هناك الكثير جداً من العلماء لا يرضى بخس الأنبياء والصالحين بتصويرهم بصورة مشوهة, وكلكم يعلم فتنة الصور التي تعلق الناس بها, وكانت بداية نار الشرك بتعلق الناس بالصور بعد موت الصالحين من قوم نوح وزين لهم الشيطان أعمالهم حتى تعاقبت الأجيال على عبادة الأوثان والعياذ بالله.
رابعاً: على أولئك الذين يتصدون للفتوى أن يتقوا الله وألا يفتوا إلا بالحق والبصيرة من العلم النافع, وعليهم اجتناب الهوى والتجرد للحق والرجوع للصواب إذا ثبت أنهم مخطئون وأن لا يضللوا الناس باجتهادات تخالف النصوص.. فلا اجتهاد مع النص.
زحف البهرة... من الخفاء إلى العلن!!
الفرقان العدد 286 – 29 مارس 2004م(10/48)
نرى عشية احتفال البهرة بعاشوراء بعض المناطق تضج بحجاج البهرة يتوجهون إلى إحدى العواصم الخليجية, ويثير مشهدهم البدعي شجون المسلمين الذين يشعرون كما لو أنهم قد أضحوا أغراباً بين أصحاب ملة غريبة عنهم.
إنهم يأتون بأعداد كبيرة "ثلاثون ألفاً من مختلف دول العالم" يؤدون شعائرهم بحرية, ويلقي زعيمهم ترحاباً رسمياً لافتاً, فالرجل يؤتى ولا يأتي!! وترسل إليه طائرة خاصة لاستجلابه بما لا يلقاه أحد من كبار علماء الإسلام السنة, ويتم منحه وطائفته المثيرة للجدل قطعة أرض لبناء مقر دائم للطائفة.
ولعل هذا الترحاب وهذا الاحتفاء؛ يثير اندهاشاً كبيراً لدى المسلمين يحدوهم إلى البحث عن ماهية هذه الطائفة وحقيقة عقائدها, ويدفع إلى التساؤل عن دور البهرة الحقيقي, وماذا يخططون؟ وأماكن انتشارهم.. ويثير استغراب الجميع عن سر الثراء الظاهر عليهم رغم كونهم محسوبين على الهنود المسلمين ومعروف المستوى المادي لهؤلاء.. وتلك أسئلة عديدة سنحاول الإجابة في هذا التقرير.
طائفة البهرة:
فهي طائفة تمثل إسماعيلية الهند واليمن, وتتخذ لها اسماً هندياً يعني التاجر البهرة, أما الإسماعيلية ذاتها, فهي فرقة!! باطنية تنتسب اسماً إلى إسماعيل بن جعفر الصادق, ظاهرها التشيع لآل البيت, وحقيقتها هدم عقائد الإسلام, تشعبت فرقها وامتدت عبر الزمان حتى وقتنا الحاضر.
وأصل نشأتهم كانت بالعراق, ولاحقهم المسلمون ففروا إلى فارس وخراسان وما وراء النهر كالهند وتركستان, فخالط مذهبهم آراء من عقائد الفرس القديمة والأفكار الهندية, وقام فيهم ذوو أهواء زادوا في انحرافهم بما انتحلوا من نحل.
فرق البهرة وكأي فرقة ضالة انقسمت الإسماعيلية إلى فرق متعددة, هي:
1-الإسماعيلية القرامطة: حكموا في فترة من الفترات الجزيرة وبلاد الشام والعراق وما وراء النهر, وارتكبوا مجازر بحق المسلمين وهم الطائفة الوحيدة التي تجرأت على سرقة الحجر الأسود من الكعبة المشرّفة.(10/49)
2-الإسماعيلية الفاطمية: وهي أهم الفرق الإسماعيلية التي بدأت سرية (وتسمى تلك الفترة بدور الستر) وتمتد مذ نشأت وحتى عبيد الله المهدي الذي نقلها من السرية إلى العلنية وأقام لدعوته الضالة دولة في غرب إفريقيا وحكمت الشمال الإفريقي والشام إلى أن أزالها صلاح الدين الأيوبي رحمه الله, بالتزامن –التقريبي- مع دولة شكلوها في اليمن.
3-إسماعيلية الشام: امتلكوا قلاعاً وحصوناً في طول البلاد وعرضها فيما مضى, وما تزال لهم بقايا في سلمية والخوابي والقدموس ومصياف وبانياس والكهف.
4-الإسماعيلية الحشاشون: عرفوا بالحشاشين لأنهم كانوا يكثرون من تدخين الحشيش, تواجدوا قديماً بالشام وفارس وبلاد الشرق, ولا زالت لهم مناطق مستقلة إلى الآن.
5-الإسماعيلية الآغاخانية: يسكنون نيروبي ودار السلام وزنجبار ومدغشقر والكنغو والهند وباكستان وسوريا ومركز القيادة الرئيسي لهم مدينة كراتشي.
6-الإسماعيلية الواقفة: وهي فرقة إسماعيلية وقفت عند الإمام محمد بن إسماعيل وهو أول (الأئمة المستورين)! وقالت برجعته بعد غيبته.
7-إسماعيلية البهرة: وهم إسماعيلية الهند واليمن, وعملوا بالتجارة فوصلوا إلى الهند واختلط بهم الهندوس, وكمعظم الشيعة يجمعهم الاعتقاد بالأئمة, لكنهم خلافاً للإمامية يعتقدون بأئمة مستورين لا يعرف عنهم أحد شيئاً ولا علماء البهرة ذاتهم.
عقائد لا إسلامية:
وللبهرة عقائد لا إسلامية: تحملهم على عبادة الإمام الإسماعيلي إذ يتوجهون إليه في صلاتهم لا إلى الواحد القهار, وهم يستعيضون عن الصلاة في مساجد المسلمين بأخرى خاصة بهم, وحجهم كصلاتهم سقيم إذ الكعبة عند القوم هي رمز علي بن أبي طالب رضي الله عنه الذي يعتقدون بأنه هو المفسر لكلام الناطق محمد صلى الله عليه وسلم!!
وعلي الجانب الاجتماعي: يتمايز البهرة بملابسهم الموحدة للرجال, وتلك المخصصة للنساء والتي تشبه لحد بعيد ملابس الراهبات.(10/50)
وللقوم مظهر مسالم, لكنه يخفي وراء تقيته تاريخاً عريقاً من سياسة الاغتيال المنظم وبناء القلاع والتحصن بها.
واحتفالاتهم بدأت تنذر بأخطار تتهدد أهل السنة والجماعة, يلمح من ورائه تنظيماً محكماً وإرادة واعدة للعودة لدول الحشاشين والصفويين وغيرهم.
وقد دأبت المراجع القديمة والحديثة عند تناول طائفة البهرة وغيرها من الطوائف الباطنية الضالة على الحديث عن سريتهم وعن تقيتهم ولكن المفاجأة التي لم تكن على بالنا أن القوم –وخصوصاً البهرة- انتقلوا إلى مرحلة جديدة من العمل الشيطاني وهي مرحلة في معظمها علنية, وقد نبهت رابطة أهل السنة في إيران / مكتب لندن منذ مدة للأمر عن طريق نشر رسالة موجهة من شورى الثورة الثقافية الإيرانية إلى المحافظين في الولايات الإيرانية تحتوي هذه الرسالة على خطة عمل مفصلة في نشر الثورة وتصديرها ولكن بأسلوب جديد دون حرب أو إراقة دماء.
مراحل التغلغل:
وتتحدث الخطة عن مراحل منها:
مرحلة التأسيس ورعاية الجذور وذلك بالقيام بالخطوات التالية:
1-إيجاد السكن والعمل لأبناء المذهب المهاجرين في هذه الدول.
2-إنشاء العلاقة والصداقة مع أصحاب رؤوس الأموال والمسؤولين الإداريين في الدولة.
المرحلة الثانية وهي العمل من خلال القانون القائم وعدم محاولة تجاوزه ومحاولة الحصول على إذن للأنشطة وتعتبر فيما بعد وثائق رسمية ومحاولة التسرب إلى الأجهزة الأمنية والحكومية والسعي للحصول على الجنسية للمهاجرين منهم وهذا يكون في النصف الأول, أما في النصف الثاني فيركز على الوقيعة بين علماء السنة والدولة من خلال تحريض العلماء على المفاسد القائمة وتوزيع المنشورات باسمهم! ووقوع أعمال مريبة! وإثارة الاضطرابات بسبب ذلك, ثم تحريض الدولة عليهم.
وبغض النظر عن مدى مصداقية الرسالة أو صحتها فإن الواقع يأتي كأنه ترجمة حية لها.(10/51)
لقد وصل القوم إلى أماكن كثيرة كنا نظنهم بمنآى عنها بما في ذلك مكة والمدينة ودول الخليج بالكامل ومصر وسوريا ولبنان ومعظم دول قارة إفريقيا حتى أستراليا وكندا وأمريكا وغيرها لم تكن بعيدة عن نفوذهم.
كما أن الصور المنشورة على الموقع مضحكة ومبكية معاً تظهر زعيم القوم يستقبل استقبال الملوك ورؤساء الدول بل إن بعض المسؤولين الكبار جداً في بعض دول الخليج ظهروا يرتدون زي البهرة!
من أين ينفق البهرة على أنشطتهم؟
اشتهرت البهرة بالتجارة والاستثمار العقاري والصناعي والصرافة, وتعد من أكثر الطوائف الإسماعيلية ثراء وتولى د. محمد برهان الدين رئاسة الطائفة خلفاً لوالده د. طاهر سيف الدين تـ 1385هـ 1960م.
ويعد محمد برهان الدين من كبار أثرياء الهند, إذ يقدر دخله في السنة بنحو 220 مليون دولار, ويفرض على أفراد طائفته إتاوات ضخمة "خمس الأموال" من خلالها استطاع شراء وإنشاء أكثر من عشرين مصنعاً كبيراً في الهند وباكستان وغيرهما, وله فنادق ضخمة مثل فندق أمبيسدر أتيل, وفندق سند زهاوس, اشترى مشروع المياه الغازية "كوكا كولا" في بومباي.
يطلق محمد برهان الدين على نفسه اسم "السلطان" وعلى أبنائه اسم "الشاه زاده" أي: الأمراء, وعلى بناته "الشاه زادي", أي: الأميرات, ويسمى مبعوثه الهندي الذي ينوب عنه في إدارة شؤون أتباعه في الأقطار الأخرى بالأمير.
يؤكد محمد برهان الدين عند زيارته للدول الإسلامية على ضرورة مقابلة رئيس الدولة وكبار الحكومة, وقد كان الاستعمار البريطاني يستقبل والده بواحد وعشرين طلقة مدفع كما يستقبل الملوك والرؤساء, كما يصر الداعي على أن تصحبه المواكب الضخمة وسيارات الرئاسة في البلد المضيف والموسيقى العسكرية التي تعزف بالنشيد البهري الخاص.
العودة إلى مصر(10/52)
هناك إشارات تاريخية تؤكد أن كثيراً من الشيعة الذين كانوا في مصر إبان عهد الدولة الفاطمية الضالة الذين فروا من وجه صلاح الدين اتجهوا إلى الهند وأقاموا فيها, ولم يتخل القوم أبداً عن حلم العودة إلى مصر.. وكان من أشهر الآثار الفاطمية التي قام البهرة بتجديدها في مصر مسجد الحاكم بأمر الله المسمى بالجامع.
ولا تقتصر مهمة البهرة في مصر على آثار الفاطميين وحدهم بل امتدت لتشمل مراقد آل البيت في مصر.
بين جلد أهل الباطل وتخاذل أهل الحق:
لا يمكن من خلال تقرير واحد مهما طال أن يحيط بكل شيء, ولكن اللافت للنظر هو جلد هؤلاء القوم واستماتتهم في نشر عقيدتهم الباطلة وتسخيرهم كل الإمكانات المالية للترويج لبدعتهم, فها هو زعيم البهرة على سبيل المثال يحمل سنوات عمره التي جاوزت الثانية والتسعين على ظهره ويطوف العالم بلا كلل نشراً لباطله وها هم قد أصبحوا ملء السمع والبصر كما يقال, فماذا فعل أهل السنة في مقابل ذلك؟ وأين أموال أثريائنا التي تتوجه غالباً إلى وجهات إن لم تكن خاطئة فهي في غير موضعها؟ وماذا فعلنا لإنقاذ هؤلاء الجهلة من عوام المسلمين الذين يتساقطون كالفراش في نار هؤلاء المبتدعة, ولقد آن الأوان لأهل السنة أن يدركوا أن معركتهم معركة وجود… وجود لعقيدتهم في المقام الأول وما لم نتحرك بسرعة لإصلاح الرتق الذي يتسع بفعل جلد أهل الباطل المتناغمة أدوارهم قد نفاجأ بتحول أهل السنة إلى أقليات في دول كثيرة كانوا يصولون فيها ويجولون.
هل ولّى عهد الإصلاحيين في إيران؟!
د. وائل الحساوي
الفرقان العدد 281 – 23 فبراير 2004(10/53)
لا يمكن وصف ما يجري اليوم في إيران إلا بأنه انتقال إلى مرحلة جديدة من تاريخ الثورة الإيرانية سبقتها مراحل عدة, فبعد سيطرة المحافظين ردحاً طويلاً من الزمن على مقاليد الحكم في إيران, تعالت الأصوات مطالبة بالإصلاح, وما أن تولى الإصلاحيون زمام الأمور حتى اكتشف الشعب الإيراني أن تلك السلطة سلطة منقوصة لا تستطيع تحقيق طموحاتهم الكبيرة, وأن مقاليد الأمور تظل بيد المحافظين بحسب تركيبة الدستور الإيراني ونظام ولاية الفقيه, وها هم المحافظون يعودون بقوة ويولي عهد الإصلاحيين بقيادة خاتمي.
ومروراً بمراحل تاريخ الثورة الإيرانية نجدها كما يلي:
المرحلة الأولى:
وهي مرحلة الثورة التي قادها الخميني عام 1979 وتطلبت الاستعانة برموز إيرانية معتدلة من أجل إقناع الشعب الإيراني بانفتاح الثورة على الجميع.
المرحلة الثانية:
وهي مرحلة التخلص من الرموز المعتدلة وسيطرة العناصر الدينية المتشددة على كل شيء, وقد رافق تلك المرحلة انغلاق شديد على العالم الخارجي وعزلة إيرانية تسببت لإيران في كثير من المصاعب لاسيما في أوج حربها المدمرة مع النظام العراقي ووقوف كثير من دول العالم ضدها, كما أنها تسببت في التذمر الشديد للشعب الإيراني وتمرده على قياداته بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية وغياب هامش الحرية والتدخل الشديد من القيادات الدينية في جميع شؤونه وسياسة القمع التي مارستها السلطة ضده.
المرحلة الثالثة:(10/54)
وهي مرحلة الانفتاح على الشعب والسعي لتحقيق بعض الإصلاحات التي ينشدها فيما تسمى بمرحلة وصول الإصلاحيين بقيادة الرئيس خاتمي عام 1997 إلى سدة الحكم والبرلمان ورفع شعارات براقة للإصلاح. ورافق تلك الفترة انفتاح على العالم الخارجي وتحسن للعلاقات الإيرانية مع جميع دول الجوار وتخفيف لهجة التشدد تجاه الولايات المتحدة وأوروبا وغيرها. والتعاون الاستراتيجي مع الدول الكبرى في العديد من القضايا مثل قضية غزو أفغانستان والتصدي للثورة الشيشانية, والقبض على قيادات تنظيم القاعدة, وقد انتهت تلك المرحلة بالرضوخ للضغوط الأمريكية فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني والقبول بفرق التفتيش.(10/55)
لكن تلك المرحلة الثالثة لم تسر على منوال واحد حيث اكتشف الشعب الإيراني بأن الرموز الإصلاحية التي كانت خياره الوحيد للتصدي للتيار المتشدد لم تكن تملك زمام الأمور في البلاد بسبب النظام الإيراني المعقد الذي يجعل السلطة في يد الإمام الفقيه بحسب نظرية "ولاية الفقيه" ويعطيه صلاحيات دستورية شبه مطلقة في رفض ما يراه متعارضاً مع توجه الدولة الديني سواء أكانت قرارات لمجلس النواب أم الحكومة, كما أن الدستور يضع صلاحيات السيطرة على الجيش والحرس الثوري والقضاء على الإعلام وكثير من المرافق المهمة في يدي الإمام الفقيه وبالتالي في يد المحافظين, وقد شاهدنا كيف صدرت الأحكام القاسية من القضاء بحق العديد من النشطاء الإيرانيين وأصحاب الصحف والمجلات, كما أن الجيش قد تدخل عدة مرات لقمع المظاهرات الطلابية واقتحام الجامعات, لم يكتف الدستور الإيراني بوضع زمام الأمور في يدي الإمام الفقيه وإعطائه تلك الصلاحيات شبه المطلقة بل أعطاه كذلك الصلاحية في تعيين أعضاء "مجلس صيانة الدستور" وهو مجلس مهمته استعراض أسماء المرشحين للانتخابات البرلمانية والرئاسية واختيار من يراه مناسباً منهم ورفض من لا يراه مناسباً بحسب معايير يضعها المجلس نفسه, وهو ما فجر القنبلة الأخيرة حيث رفض ذلك المجلس أسماء ما يزيد عن 3600 مرشح معظمهم من الإصلاحيين للترشيح للانتخابات البرلمانية, ثم عاد وسمح للقليل من هؤلاء بالترشيح بعد الضغوطات الأخيرة وتفجر الخلافات التي هزت المجتمع الإيراني.(10/56)
العديد من الشباب الذين لم يعاصروا الثورة الإيرانية ولم يقتنعوا بشعاراتها, بل جاؤوا في ظل ظروف مختلفة فقدوا الأمل من الإصلاح, ثم بدؤوا بالتمرد على كل شيء, حتى التيار الإصلاحي عدوّه نوعاً من الإبر المخدرة التي أراد منها النظام الإيراني إقناعهم بانفتاحه وسعيه نحو المزيد من الحريات, فقامت المظاهرات الصاخبة التي شهدتها الجامعات الإيرانية خلال العام الماضي وما قبله والتي تطالب بمزيد من الإصلاحات والانفتاح, وبدأت بانتقاد الرئيس الإيراني محمد خاتمي واعتبار ما يقوم به من إصلاحات لا يتناسب والمطلوب.
لذلك نستطيع القول بأن ثورة الإصلاحيين في إيران على المحافظين قد شهدت ثورة جديدة على الإصلاحيين أنفسهم, وقد تمثلت في الاضطرابات الكثيرة التي شهدتها الساحة الإيرانية منذ سنوات وما زالت.
المرحلة الرابعة:
وهي المرحلة التي نشهدها في تلك الأيام وقد مهدّ لها تحسن الأوضاع الخارجية المحيطة بإيران وعدم وجود ما يهدد أمنها واستقرارها, فبسقوط النظام المجرم في بغداد زال التهديد العراقي لإيران واستطاعت إيران أن تؤدي دوراً كبيراً في التغلغل في العمق العراقي عن طريق إدخال الكثير من أنصارها في الجنوب العراقي والسعي لتجنيسهم والسيطرة شبه التامة على الجنوب العراقي تحت مسمى "قوات بدر" التابعة للمجلس الأعلى للثورة الذي يقوده عبد العزيز الحكيم وعن طريق حزب الدعوة وغيرهم, وذلك التغلغل الإيراني في العراق يمهد الطريق لسيطرة الشيعة على مقاليد الأمور في العراق عند إجراء أي انتخابات عامة وتأمين النفوذ الإيراني القوي في العراق.
كذلك فإن تعاون إيران مع الولايات المتحدة الأمريكية مهد لها تصفية عناصر حزب "مجاهدي خلق" الإيراني المعارض وقفل جميع قواعده في العراق.(10/57)
أما تلك المرحلة الرابعة فقد تمثلت في إصرار القيادات الحاكمة في إيران على أن مرحلة التيار الإصلاحي قد انتهت وأدت دورها المطلوب إليها, وأن المرحلة القادمة لابد لها من إحكام السيطرة على الأوضاع الداخلية وعدم التساهل مع التيار الإصلاحي أو السماح له بالسيطرة على البرمان الإيراني.
بداية الأزمة:
بدأت الأزمة النيابية الأخيرة في إيران بعدما قرر مجلس تشخيص النظام الذي يسيطر عليه 12 عضواً من المحافظين المعينين يقودهم هاشمي رفسنجاني الرئيس الإيراني السابق, والذي يدقق بمدى إسلامية القوانين والترشيحات للانتخابات, قرر منع أكثر من 3600 شخص من بينهم 80 نائباً تقدموا للترشيح من بين 8000 مرشح, مما شكّل صدمة رهيبة للإصلاحيين الذين بنوا آمالاً عريضة على تلك الانتخابات من أجل إكمال مسيرة الإصلاح في إيران, وبدأ الإصلاحيون على إثر ذلك بالاحتجاج على ذلك القرار والتهديد بمقاطعة الانتخابات وعلى رأسهم الرئيس محمد خاتمي, كما وجه خاتمي خطابات ناقدة للقيادات الدينية واتهمهم بشتى التهم مثل قوله: "إن الممسكين بزمام السلطة التي لم يستحقوها عن طريق الشعب بل يستخدمونها ضد الشعب نفسه ويشوهون التاريخ ويستخدمون الدين والعلوم وحتى الثقافة لتعزيز سلطاتهم وإذلال الآخرين, هؤلاء سيحاسبهم التاريخ بلا رحمة.. إن سلاطين القمع والمتشبثين بالسلطة سيغيبون ذات يوم لكن الذين يقاتلون من أجل الشعب وظروف حياته هم من سيبقون والتاريخ سينصف خطاهم ومآثرهم الثقافية ونزعتهم الإصلاحية وهو ما لم يستحقه المدّعون الأنانيون من أصحاب السلطة أبداً خلال حياتهم القصيرة المليئة بالخزي".(10/58)
وقد تطورت معارضة الإصلاحيين لتلك القرارات الجائرة إلى اعتصام للعديد من النواب الإصلاحيين في البرلمان ومظاهرات طلابية كبيرة إلى أن تدخل مرشد الثورة "علي خامنئي" بثقله وهدد المعارضين بأن فعلهم هذا محرم وأنه سيهدم الثورة الإيرانية, وحث مجلس صيانة الدستور على إعادة النظر في قرارات رفض الترشيح لكن تلك المراجعة لم تسفر إلا عن السماح لـ 1160 مرشحاً لخوض الانتخابات, كما رفض المرشد تأجيل وقت الانتخابات.
خاتمي يتراجع:
بعد تدخل خامنئي وتهديده للإصلاحيين انقسم الإصلاحيون إلى قسمين, القسم الأول قرر أن يخوض الانتخابات بالرغم من عدم رضاه عن استبعاد مئات المرشحين الإصلاحيين, وعلى رأس هؤلاء الرئيس الإيراني خاتمي والتيار الذي ينتمي إليه وهو جمعية علماء الدين المقاتلين (روحانيون مبارز), وكذلك العديد من التجمعات والأحزاب والشخصيات الإصلاحية مثل "مهدي كروبي" رئيس مجلس الشورى الإيراني, بينما رفضت عدة جمعيات وأحزاب وأكثر من 40 نائباً الدخول في الانتخابات احتجاجاً على هذا القرار مما زاد من شقة الخلاف بين الإصلاحيين وبرزت اتهامات كثيرة لخاتمي بالتخلي عن منهجه الإصلاحي من أجل البقاء على سدة الحكم.
ويخوض الإصلاحيون الانتخابات تحت اسم "الائتلاف من أجل إيران" بالمشاركة مع عدد من الأحزاب الصغيرة (26 مرشحاً في طهران و 192 في بقية المدن), ومن المتوقع أن يضعف نفوذهم في البرلمان القادم وأن يسيطر المحافظون على غالبية مقاعد البرلمان, ولا نستبعد انتهاء مرحلة الإصلاحيين ودورهم في إيران.
الأسباب الحقيقية للأزمة:(10/59)
لقد شخص كثير من المحللين معضلة النظام الإيراني بأنها نابعة من دستوره ونظام الحكم فيه الذي حاول المزج بين النظام الديمقراطي في بناء المؤسسات الدستورية والانتخابات وبين نظام ولاية الفقيه الذي يناقض النظام الديمقراطي بل ويلقى الانتقادات الحادة من كثير من رجال الدين الشيعة في العالم وعلى رأسهم "منتظري" الذي يراه ضد روح الدين والحرية والشورى, وقد ناله بسبب معارضته الشيء الكثير من النظام الإيراني, وسبب التعارض هو أن مبدأ ولاية الفقيه يركز السلطة بيد أشخاص قلائل ويعطيهم السلطة الإلهية لفعل ما يرونه صواباً بالرغم من أن القانون الإيراني يضع آليات لمراقبة أعمال الولي الفقيه عبر مجلس معين هو مجلس خبراء القيادة المعني بعمل المرشد وانتخابه وربما عزله.
كذلك فإن الدستور الإيراني مبني على أساس طائفي حيث لا يعطي الحق لغير الشيعة بتولي رئاسة الحكم في إيران وفي الوقت نفسه تأتي الممارسات باسم الدين لتهميش الفئات الأخرى لاسيما أهل السنة في إيران الذين يعانون الويلات من بطش النظام بهم وتهميشه لدورهم وسلبه لأبسط حقوقهم, وطبيعي أنه في ظل ذلك الخلل الواضح في فهم الدين وتطبيقه أن تنقلب الدائرة على القاعدة العريضة من الإيرانيين وتزداد الاحتجاجات مطالبة برفع المظالم إلى أن تؤدي إلى انهيار النظام من الداخل أو بروز حركة تصحيحية حقيقية تعيده إلى صوابه.
المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق
يصف مقاومة الاحتلال بالخيانة
الدستور – 11/5/2004
دعا مسؤول في المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في النجف أمس أهالي المدينة المقدسة, لليوم الثاني على التوالي, إلى التظاهر ضد ما أسماه "الفوضى والكذب والاحتلال" وانتقد بطريقة غير مباشرة مسلحي مقتدى الصدر المنتشرين في النجف.
وقال الشيخ صدر الدين القبانجي الذي يشارك حزبه في مجلس الحكم الانتقالي في مؤتمر صحافي "هناك عملية خيانة بعنوان مقاومة الاحتلال".(10/60)
واعتبر "أن البعثيين والوهابيين هم الذين وراء هذه الخيانة وليس الطيبون الذين ضاعت عليهم الحقيقة" في إشارة إلى عناصر جيش المهدي التابع للزعيم الشيعي المتشدد مقتدى الصدر.
وقال "يستهدفون عناصر الشرطة العراقية بحجة أنهم عملاء ويتهمون أعضاء مجلس الحكم بأنهم خونة وينتقدون المرجعيات الدينية على أنها صامتة".
ودعا القبانجي بحضور زعماء العشائر وأتباع آية الله العظمي علي السيستاني, أبرز المراجع الدينية الشيعية, الأهالي إلى التظاهر يوم الجمعة المقبل تحت شعار "لا فوضى ولا احتلال بل استقرار واستقلال".
وكان القبانجي أعرب أمس الأول عن أمله بانسحاب جيش المهدي من النجف خلال الأسبوع الجاري.
وأكد في مؤتمر صحافي عقده بعد اجتماع مع عدد من ممثلي أهالي النجف وشخصياتها أن "هذا الأسبوع سيشهد انسحاب جيش المهدي من النجف وفق ميثاق نسعى لتحقيقه".
وطالب الأهالي بالنزول إلى الشوارع "لتسلم زمام الأمور من جيش المهدي" مؤكداً أن الاتفاق يقضي "عدم دخول الدبابات والقوات الأمريكية إلى النجف".
وأضاف بنبرة غير استفزازية تجاه ميليشا جيش المهدي "لا نريد أن نوجه لوماً ولا عتباً إلى هؤلاء الشباب بل نريد أن نتسلم زمام الأمور منهم لأنهم تعبوا من حمل السلاح مدة شهر كامل".
وفي بيان مكتوب وزع خلال المؤتمر لخص القبانجي نقاط حل أزمة النجف بـ "عدم السماح لمواقع قتالية, رفض الاقتتال الداخلي, معالجة الأزمة من خلال الحوار ونزول الناس إلى الشارع".
انتخابات بعلبك تكرس الافتراق السياسي بين حركة "أمل"
و"حزب الله" في لبنان
ثائر عباس
الشرق الأوسط – 10 أيار 2004(10/61)
كرّست مدينة بعلبك في البقاع اللبناني الافتراق الانتخابي بين القوتين الشيعيتين الرئيسيتين, "حزب الله" وحركة "أمل" وسقطت محاولات الائتلاف بين الطرفين في ثاني مراحل الانتخابات البلدية التي أجريت أمس, فتأكد افتراقهما مع ما يحمله ذلك من مؤشرات تدل على سقوط الاتفاق الانتخابي الذي عقد بين رئيس الحركة, رئيس البرلمان اللبناني نبيه برّي, والأمين العام لـ "حزب الله" الشيخ حسن نصر الله وأوصى بالائتلاف في كل المناطق قبل أشهر من الانتخابات.
وقد خاض "حزب الله" المعركة في مدينة بعلبك تحت عنوان عريض هو "الثأر" بعد خسارته الانتخابات البلدية في المدينة عام 1998 في مواجهة تحالف "أمل" ورئيس الحكومة رفيق الحريري الذي يتجاوب معه تسعة آلاف ناخب سني في بعلبك (ذات الغالبية الشيعية). وقد أدت هذه المواجهة آنذاك إلى اختلال في "التوازن الطائفي" في هذه المدينة البقاعية.
وتختلف انتخابات بعلبك, عاصمة البقاع الشمالي والتي تحتضن أهم المعالم السياحية اللبنانية, هذه السنة عنها في عام 1998 والحال إن التحالفات تغيرت وثمة عوامل عدة تلعب دورها فيها. وتتنافس على بلدية بعلبك لائحتان رئيسيتان هما لائحة "أبناء بعلبك" المدعومة من "حزب الله" وحزب البعث العربي الاشتراكي الموالي لسوريا, ولائحة "قرار بعلبك" المدعومة من حركة "أمل" والحزب الشيوعي اللبناني والحزب السوري القومي الاجتماعي وجمعية المشاريع الخيرية الإسلامية (الأحباش).
وقد حملت هذه التحالفات الكثير من علامات الاستفهام في المدينة, خصوصاً لجهة الموقف السوري من "أمل" التي تعتبر حليفاً رئيسياً لدمشق. وقد تردد الكثير من الكلام في بعلبك عن ضغوط مورست على بعض المرشحين اعتبرها الرئيس بري موجهة ضده, وقيل حينها أنه "فكر" بالانكفاء عن الانتخابات برمتها.(10/62)
ومنذ ساعات الصباح الأولى, دفع "حزب الله" بقوة استعراضية كبيرة في شوارع المدينة التي اصطبغت باللون الأصفر المميز لماكينة "حزب الله" الانتخابية, ووضع الحزب مراكز لماكينته الانتخابية ومراكز استقبال أمام كل أقلام الاقتراع. وانتشر عناصره بين الناخبين يروّجون للائحته بشعارات الحزب المعروفة التي تركز على الجمع بين "الجهاد والإنماء" فيما حاول أنصار لائحة "أمل" مجاراة خصومهم ودفعوا بعناصرهم في محاولة للتقليل من طغيان اللون الأصفر.
وقد أدت حماوة التنافس إلى إقبال كبير على صناديق الاقتراع وصل إلى نحو 40 في المائة في بعض المراكز ظهراً, لكن "حزب الله" اختار عدم الدفع بقوته الانتخابية المنظمة قبل الظهر, مفضلاً الانتظار لمعرفة صورة المعركة لتحديد وجهة أوصاته "المضمونة" بناء لما يرده من معلومات عن تشطيب في اللوائح.
ومخاوف التشطيب كانت في محلها في الكثير من المرات, إذ مارسه بعض أعضاء اللائحتين ضد زملاء لهم في اللائحة نفسها, ما قد يؤشر إلى حدوث اختراقات واسعة في اللائحة الفائزة إذا كان التشطيب حالة عامة.
ويبلغ عدد ناخبي مدينة بعلبك 24750 ناخباً غالبيتهم من الطائفة الشيعية (14450 ناخباً) والطائفة السنية (8500 ناخب), مع أقلية مسيحية تبلغ (1825 ناخباً) موزعين على ثلاث طوائف رئيسية.
ويعتبر الصوت السني في بعلبك مرجحاً إلى حد كبير, وهو ما تنبه إليه المرشحون الذين عمدوا إلى مخاطبة الشارع السني في المدينة. وقد عمل "حزب الله" خلال السنوات الست الماضية على محاولة اختراق الشارع السني, ويعتبر مسؤولوه أنهم حققوا تقدماً كبيراً في هذا المجال, كما قال أحدهم لـ "الشرق الأوسط" وبدا واضحاً أن لائحة "حزب الله" أقوى شيعياً, بينما لائحة "أمل" أقوى سنياً.(10/63)
وقد يكون لتوزيع المقاعد دوره في تحديد الاتجاه العام للمقترعين, فلائحة "أمل" ضمت 11 شيعياً و 8 سنة وعضوين كاثوليكيين, فيما ضمت لائحة "حزب الله" 13 شيعياً و7 سنة ومسيحياً واحداً.
وينطلق "حزب الله" في مفهومه هذا –كما يقول أحد مسؤوليه- من أن السنة ينالون ما نسبته 6.7 مقعد وفقاً لعدد الناخبين (33 في المائة) أما المسيحيون فقد اقترع 100 منهم فقط لـ "حزب الله" عام 1998 من أصل 700 أدلوا بأصواتهم, ففضل الحزب وضع مرشح مسيحي واحد على لائحته.
وبدا واضحاً حذر "حزب الله" حيال الحركة في الشارع السني, وقد شكا أحد نواب كتلته إبراهيم بيان من "المال الذي يغدق على بعض أبناء المدينة" ملمحاً إلى دور بعض القريبين من رئيس الحكومة.
وكان المال حديث الشارع البعلبكي أمس ووصلت "تسعيرة" الصوت إلى نحو 100 دولار, وفقاً لبعض المصادر, وقد تبادلت "أمل" والأمين القطري لحزب البعث وزير الدولة عاصم قانصوه الاتهامات حول الرشاوى الانتخابية, وقال الأخير إن المال السياسي "يأتي من بيروت".
وتعتبر مدينة بعلبك موقع ثقل في المعركة التي يخوضها الطرفان بشراسة, فيما تميل الدفة بشكل واضح في القرى لمصلحة "حزب الله" الذي كان قد اكتسح معظم بلدياتها عام 1998.
يشار إلى أن الاتهامات والهجمات الإعلامية المتبادلة بين "أمل" وحزب البعث لم تمنعهما من الائتلاف انتخابياً في بعض قرى منطقة الهرمل.
الدكتور محسن عبد الحميد الأمين العام للحزب الإسلامي
يرفض تطبيق نظرية (ولاية الفقيه) في العراق
البصائر – العدد 20 – 24 شوال 1424هـ
رفض الدكتور محسن عبد الحميد عضو (مجلس الحكم) والأمين العام للحزب الإسلامي العراقي العمل بمبدأ (ولاية الفقيه) في العراق كما هو معمول به في إيران.
وأكد الدكتور محسن عبد الحميد أننا نحترم آراء العلماء ورأي السيد السيستاني ولكننا لا نعلق مستقبل العراق السياسي على رأي عالم من العلماء سواء كان سنياً أو شيعياً.(10/64)
ووصف تمسك بعض أعضاء (مجلس الحكم) بما تمليه المراجع الدينية بأنها (بادرة خطيرة) وأنها تؤدي إلى تطبيق نظرية (ولاية الفقيه) في العراق وأضاف أن السيد السيستاني مرجع من مراجع الشيعة وليس مرجعاً للعراق سنة وشيعة.
ونوه الأمين العام للحزب الإسلامي الدكتور محسن عبد الحميد على أن الوضع الحالي لا يسمح بإجراء انتخابات ويعد (أمراً شبه مستحيل) مشدداً على أن الانتخابات تحتاج إلى عمل إحصاء سكاني شامل للعراقيين وهذا لا يتم في غضون ستة أشهر فقط ولكي يكون موثوقاً به.
ديوان الوقف السني يرعى الاحتفال المركزي السنوي
بحلول العام الهجري الجديد
من الهجرة المباركة نستلهم عظم المبادئ السامية وبها نعتصم بحبل الله المتين
البصائر – العدد 29 – 4 محرم 1425هـ
بمناسبة حلول السنة الهجرية الجديدة (1425) وحلول محرم الحرام, أقام ديوان الوقف السني مساء السبت الماضي حفلاً دينياً بهذه المناسبة العطرة التي تتجلى فيها النفحات الإيمانية الشذية بعطر النبوة الخالد, ونستذكر فيها عظم المبادئ السامية للهجرة المباركة التي أذن بها الله سبحانه وتعالى لنبيه الكريم صلى الله عليه وسلم بالهجرة من أم القرى إلى طيبة المدن المدينة المنورة التي أنارت الأرض بنور نبيها صلى الله عليه وسلم ورسالة الإسلام الخالدة.
وقد استهل الحفل بآيات عطرة من الذكر الحكيم, ثم بكلمة لرئيس ديوان الوقف السني الدكتور عدنان محمد سلمان الدليمي, حيث نعى في مستهلها (شاعر الدعوة الإسلامية وليد الأعظمي –رحمه الله-) الذي وفاه الأجل عصر ذلك اليوم داعياً له بالرحمة والغفران, ثم شدد على الاعتصام بحبل الله المتين الذي يدعو إلى المحبة والتضامن والوحدة لبناء العراق ونبذ الفرقة والتطرف وكل ما يؤدي إلى هدر دماء العراقيين وتلي ما أصدرته هيئة علماء الأنبار من فتوى تدعو إلى التلاحم ووحدة الصف.
الإسلام خيارنا(10/65)
وألقى كلمة هيئة علماء المسلمين الشيخ عبد الستار عبد الجبار جاء فيها:
في يوم نصرته صلى الله عليه وسلم تتجلى ثمار النصر المبين من الله عز وجل لدينه ونبيه, فإذا كنا ننظر إلى الهجرة نظرة أولية على أنها هزيمة من أجل النجاة بالنفس فنحن واهمون, فهذا وهم يجب أن يصحح لأن الصحابة وبين ظهرانيهم نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم لم يخالفوا ولم يهنوا كما قال سبحانه وتعالى, وهم الأعلون أبدا المؤيدون بنصر الله, وأضاف أن الهجرة لبنة لبناء الإسلام ونحن اليوم في إعادة بناء العراق لابد أن نسير على الطريقة والأسس ذاتها التي استند عليها البناء الأول ليكون دستور العراق كما هو دستور المدينة, ومهما حل النزاع والصراع فحكمه إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ومهما تعددت الواجهات. فالإسلام هو خيارنا الذي يجب أن يصاغ عليه دستورنا.
شعراء الهجرة
وشدى الشاعر الدكتور رشيد العبيدي بأبيات جميلة لقصيدة طويلة قال في مطلعها:
على رأس الزمان بدا الرقيّ
إذا انطلقت بموكبك النجيّ
تغادر مكة وتضم بيتاً
بطيبة فيه يعضدك القويّ
لتبدأ دولة القرآن فيها
وتحكم بالذي حكم العليّ
ثم جاء دور الشاعر صالح هايس البيابي ليلقي قصيدة رائعة جاء في مستهلها:
هجر الحبيب حبيبة العمر
فتوادعى في السر والجهر
وقف الرسول على ذرى بلد
مهد الصبا وقرارة الأمر
وتحدث في هذا الحفل المبارك الشيخ مؤيد الأعظمي إمام جامع الإمام الأعظم مؤبنا ابن الأعظمية وشاعرها أبا خالد, ثم أكد على هذا اليوم المبارك بكل ما يحمل من تجليات روحية عطرة ليجعل من النفوس المؤمنة الصادقة مع الله تسمو إلى استذكار عبق النبوة الخالد بكل ما يحمل من معان سامية.
النغمات الشجية(10/66)
ثم عطرت فرقة التواشيح الدينية لمدرسة الشيخ معروف الكرخي أسماع الحاضرين بأناشيد إسلامية رائعة على وقع الدفوف والنغمات الشجية فألهبت حماس الحاضرين بالصلوات وسمو الإيمان الخالص بوحدانية الله عز وجل في يوم الهجرة الذي كان القرار الفيصل المؤيد من الله عز وجل الآمر به لإقامة دولة الإسلام وتثبيت أركانها على أسس متينة والشروع في بنائها لتمتد وتكون دولة مترامية الأطراف تنقل نور الإسلام إلى مشارق الأرض ومغاربها.
ذكرى استشهاد الإمام الحسين رضي الله عنه
أبو أحمد الموصلي
البصائر – العدد 31 – 18 محرم 1425هـ
مرت علينا في العاشر من محرم ذكرى استشهاد الإمام الحسين رضي الله عنه وهي ذكرى لها مكانتها الخاصة في قلوب المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها, وقبل التطرق إلى المعاني من وراء استشهاد هذا الإمام الجليل الذي قال الرسول صلى الله عليه وسلم فيه وفي أخيه الإمام الحسن رضي الله عنهما أنهما سيدا شباب أهل الجنة أود أن أذكر روايتين تبينان مكانة الإمام الشهيد في قلوب الصحابة رضوان الله عليهم.
الأولى ما روي أن الصحابي عبد الله بن عمر رضي الله عنه كان غائباً عن المدينة المنورة في حاجة خاصة به عندما توجه الإمام الحسين رضي الله عنه إلى العراق, فلما علم عبد الله بذلك لحق بالإمام الحسين على مسيرة ثلاث ليال من المدينة فقال له:
-أين تريد؟
قال الإمام: العراق, وأخرج إليه كتباً وطوامير وقال هذه كتبهم وبيعتهم.
فقال عبد الله: نشدتك الله أن ترجع وذكره بموقف العراقيين من أبيه الإمام علي (كرم الله وجهه), ولكن الإمام الحسين أبى.(10/67)
فقال عبد الله: أما إني سأحدثك حديثاً أن جبريل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم مبلغاً عن الله تعالى فخيره الدنيا والآخرة فاختار الآخرة وإنكم بضعة من النبي صلى الله عليه وسلم والله لا تليها أنت ولا أحد من أهل بيتك وما صرفها الله عنكم إلا لما هو خير لكم فارجع, فأبى الحسين فاعتنقه عبد الله وبكى وقال:
-استودعك الله من قتيل.
والثانية, ما روي أن الإمام الحسين رضي الله عنه كان يسير وراء جنازة أحد الصحابة فأعيا وقعد في الطريق يستريح فاقترب منه أبو هريرة رضي الله عنه وجعل ينفض التراب والغبار من على قدميه بطرف ثوبه فقال له الحسين:
-يا أبا هريرة وأنت تفعل هذا!
فقال أبو هريرة: والله لو يعلم الناس منك ما أعلم لحملوك على رقابهم.
إن المكانة العالية للإمام الحسين في قلوب المسلمين كانت وما زالت وستبقى إلى يوم القيامة, فالإمام الحسين ضرب باستشهاده مثلاً رائعاً خالداً في الدفاع عن المبدأ ومحاربة ومقارعة الظلم والظالمين لجعل كلمة الله هي العليا.
إن الأهداف والمثل التي استشهد من أجلها الإمام الحسين يجب أن تكون نبراساً وهدياً لكل أصحاب المبادئ والأهداف النبيلة.. لكل الذين يعملون ويكافحون من أجل العزة والكرامة والحرية الحقيقية.
إن الطريق الذي سار عليه الإمام الحسين ينبغي أن يسير عليه كل الذين يريدون محاربة الطواغيت في الأرض..
إن الإمام الحسين كان المثال للمجاهد الذي يسعى لنيل الشهادة والفوز برضوان الله تعالى.
ونحن أبناء العراق من المسلمين شيعة وسنة عرباً وأكراداً وتركماناً وكل من تظله راية الإسلام وتجمعه شهادة لا إله إلا الله محمد رسول الله توحدنا في هذه الذكرى الخالدة مدى الدهر حب النبي صلى الله عليه وسلم وحب آل بيته الأبرار رضوان الله عليهم.. تجمعنا في هذه الذكرى المبادئ والأهداف والمثل التي استشهد من أجلها الإمام الحسين.(10/68)
أن كل الأئمة الأطهار من آل البيت الشريف ساروا على طريق الذي سلكه الإمام الشهيد, قاوموا الظلم والظالمين, قاوموا طواغيت الأرض, حاربوا البدع والمنكرات لتكون العبودية خالصة لله جل جلاله, كانت أرواحهم رخيصة في سبيل إعلاء كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله وجاهدوا في الله حق جهاده فما أحرانا اليوم أن نسير على هداهم ونقتفي آثارهم خاصة وعراقنا اليوم محتل من قبل أجنبي غادر يعمل بكل مكره ودهاءه وبكل الوسائل الخبيثة واللئيمة وبمساعدة الصهاينة البرابرة والعملاء من كل حدب وصوب ليثيروها فتنة طائفية لا تبقي ولا تذر ليسهل عليه سرقة خيراتنا وثرواتنا وإرساء قواعده العسكرية على أرضنا.
فوالله الذي لا إله إلا هو الواحد الفرد الصمد لو أن الإمام الحسين رضي الله عنه معنا الآن لرص الصفوف وجمع ووحد الكلمة ونبذ كل من يسعى لبذر الشقاق بين أهل الملة الواحدة ولرفع راية الله أكبر عالية خفاقة منادياً بأعلى صوته... صوت الإيمان الهادر.. بالمبادئ التي نادى بها آل البيت الأبرار الأطهار وكل الذين ساروا على هديهم.
اللهم هل بلغت... اللهم فاشهد.
صباح الخير … خان جغان
حسن العاني
الصباح – بغداد 1/3/2004(10/69)
قلبي يعتصر من الألم وأحاول التردد عن الوصف ولكن من غير جدوى, فقد آل الحال إلى هذه الصورة, وأصبح العراق مثل "خان جغان" يدخله الناس ويغادرونه على هواهم من دون حسيب ولا رقيب ولا إحم ولا دستور!! الحدود مفتوحة على مصاريعها, وكان بالإمكان أن تكون مغلقة آمنة لا تفتح منافذها إلا للقادمين بجوازات سفر وقلوب نظيفة ونوايا سليمة, لو لم يقم المحتلون بحل حرس الحدود والجيش والأمن والمخابرات… وإذن فلا فائدة اليوم من النبش في الماضي وتذكير سلطة الائتلاف بالخطأ الذي لا يغتفر, فقد حصل الذي حصل وتعرت حدودنا كما تتعرى بنات الليل حتى عن ورقة التوت وصرنا إنموذجاً للانفلات الحدودي وصارت مدن العراق ملتقى لآلاف الجنسيات العربية والإسلامية والأجنبية ومجمعاً للألسن والألوان والنوايا الطيبة والخبيثة على حد سواء.
المهم في الأمر هو أن نقف قليلاً لنتسائل: مذا فعلنا لوقف هذا الزحف المشبوه, وما هي الإجراءات القادرة على وضع حد للمزيد من الانتهاكات السيادية والسياسية والأمنية على الوطن في حدود متابعاتي صدر أكثر من نداء عراقي إلى دول الجوار يناشدهم بالحسنى مرة لضبط حدودهم ومنع المتسللين من دخول العراق, وبلغة التحذير مرة أخرى من مغبة التهاون أو التقاعس في هذه المسألة.
إن مثل هذه النداءات جيدة ولا غبار على سلامتها ولكن العرب كانت تقول "ما حك جلدك مثل ظفرك" وأعتقد بأن حماية حدود العراق هي مسؤوليتنا بالدرجة الأولى, وما دام إخواننا في العروبة أو الإسلام أو التاريخ أو حسن الجوار على ما يبدو غير مبالين إلى ضبط حدودهم, فلابد أن تكون لنا وسائلنا الأخرى للتعامل مع هذا الموضوع بما يضمن منع الوافدين إلى العراق بمصالحهم ومخدراتهم وأمراضهم وأهدافهم اللئيمة.(10/70)
نشرت إحدى الصحف العراقية الرزينة خبراً مفاده "إن إحدى باصات الأجانب توقفت أمام محل لبيع المشروبات الكحولية وأفرغته من الويسكي فيما كان الركاب يبيعون المخدرات ونشرت أكثر من صحيفة عراقية تحقيقات عن تحول هذه المدينة العراقية أو تلك إلى مقاطعة إيرانية إلى الحد الذي يجري فيه تبادل العملة بالتومان وأجزائه ومضاعفاته, وإلى الحد الذي تعطلت فيه اللغة العربية واللهجة العراقية لتحل محلها اللغة الفارسية أو إلى الحد الذي تحولت فيه المطاعم والفنادق والدور السكنية والأسواق والدكاكين إلى أماكن إيرانية يحكمون ويسيطرون على مجريات الحياة, والغريب الوحيد فيها هو العراقي!(10/71)
وهكذا تبدو النداءات إلى دول الجوار على أهميتها الاعتبارية غير ذات نفع, فما هو الحل؟ أنا اعتقد بأن ظرفاً صعباً واستثنائياً كالذي نمر به يقضي أن تتولى وزارة الداخلية إعلان حالة طوارئ قصوى ضد أي وجود أجنبي, ولما كان الأجانب بشتى مسمياتهم عرباً أو إيرانيين أو أتراكاً أو كويتيين أو إسرائيليين كما يؤكد البعض أو أية جنسية أخرى, موجودين علانية في المدن العراقية ويتجولون بحرية كما لو كانوا يتجولون في بلدانهم, فإن على الوزارة إلقاء القبض على كل من دخل بصورة غير شرعية أو مخالفة للقانون أو طاب له المكوث بعد انتهاء مدة الإقامة, واتخاذ الإجراءات التالية بحقه "مصادرة البضائع التي اشتراها من العراق بقصد الإيذاء باقتصاده أو تراثه الثقافي / إجباره على تناول المخدرات التي بحوزته بالقوة / إستيفاء غرامة مالية مجزية منه / إجراء التحقيق الأصولي معه للتعرف على أسباب قدومه إلى العراق / تسفيره إلى وطنه الأم وعلى نفقته الخاصة / تكون العقوبة أشد على من يثبت تسفيره وعودته ثانية", ولا أشك لحظة واحدة بأن وزارة الداخلية التي أثبتت جدارة عالية في مواجهة الهجمة العدوانية الشرسة على المواطنين وعلى منتسبيها, تمتلك حلولاً أنفع وأجدى لإعادة هذه البضائع الرديئة الواردة إلينا من شتى المناشئ والتي أصبح من المؤكد بأنها غير صالحة للبقاء!!
غزو بشري إيراني منظم.. بغطاء ديني وبصمت أمريكي
لماذا تسعى إيران إلى صب الملح على الجرح العراقي النازف؟
البصائر – العدد 32 – 25 محرم 1425هـ(10/72)
بدأت تظهر في صحافتنا المحلية, إشارات وتقارير هنا وهناك, عن وجود شكاوي بشكل واضح وصارخ تارة, أو بشكل متردد وخجول تارة أخرى من دخول موجات من الإيرانيين داخل القطر وصفتها إحدى الصحف المحلية بـ (المرعبة), بهدف ظاهرهُ المعلن زيارة العتبات المقدسة, لكن دون أية ضوابط أو مراقبة عدد الداخلين أو اعتراض من قبل قوات الاحتلال رغم سعة تواجدها وانتشارها, وهذه الزيارات إن كانت تحقيقاً لهدف الزيارة فهي كسياحة دينية لا غبار عليها وإذا كانت تحمل في ثناياها المفاجآت غير السارة فهي محط ريبة وتوجس وتحسب.
روى أحدهم أن الشرطة العراقية ألقت القبض على ثمانية إيرانيين في بغداد وأحيلوا إلى القضاء بتهمة دخول العراق دون الحصول على موافقات مسبقة, والملفت للنظر في هذا الموقف, قيام السفارة الإيرانية, خلافاً لكل الأعراف والتقاليد الدبلوماسية, بمخاطبة المحكمة المعنية مباشرة, دون أن تمر هذه المخاطبة من خلال وزارة الخارجية, حسب ما تقتضيه طبيعة التعاملات الدبلوماسية, بل الأدهى من ذلك أن تطلب السفارة الإيرانية إطلاق سراح المعتقلين بسرعة (وبلهجة تفتقد إلى الدبلوماسية) وبررت دخولهم بأنه جرى وفق إتفاق أبرم بين الحكومة الإيرانية مع رئيس (مجلس الحكم) في حينها يقضي بدخول الإيرانيين دون الحصول على موافقات مسبقة ودون تحديد للعدد المسموح دخوله (حسب إدعاء السفارة).(10/73)
ويعد ذلك الاتفاق إن صحت روايته انتهاكاً صارخاً للسيادة الوطنية العراقية المجروحة لعدم وضع آليات متابعة الداخلين والخارجين من الحدود, وغطاء ألبس لبوس القانون وهو يفتقد إلى الشرعية القانونية, لهدف أبعد من حدود زيارة العتبات المقدسة, وإمعاناً في إنزال الأذى بقطاعات واسعة من شعبنا وتنفيذاً لإملاءات خارجية في الوقت نفسه يعد تجاوزاً وتخطياً لحدود الصلاحيات الممنوحة لرئيس (مجلس الحكم) أو أحد أعضائه إن كانت لديهم صلاحيات مع عدم التحسب للانعكاسات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية على دخول ذلك الطوفان البشري على مناطق محددة معروفة بإمكانياتها الخدمية والإسكانية المحدودة, خاصة إذا جرى الأمر دون تخطيط أو ضوابط.
وما يستدعي الوقوف عنده هو أن جهات معنية أخرى وافقت من جانبها, ولا ندري كيف أعطيت هذه الموافقة وكيف ستحقق المصلحة الوطنية فيها, على تسهيل إجراءات دخول الإيرانيين بل الأخطر من ذلك هو موافقتها على دخولهم إلى العراق بجواز سفر جماعي (وفق ما نشرته صحيفة الصباح بتاريخ 29/2/2004) وهذا الإجراء لم يتم العمل به حتى قبل الاحتلال وعليه تحفظات كثيرة حيث إن الوضع الأمني منفلت ولا يتحمل هذا الطوفان البشري, والحدود مستباحة مع عدم وجود أي ضرورة ملجئة لقبول الجواز الجماعي الذي يمكن إن تحصل فيه خروقات كثيرة في الأوضاع المستقرة وعندما تكون العلاقات بين البلدين لا يسودها التربص وتصفية الحسابات والنيات المبيتة فكيف إذا كان الحال كذلك؟
ويتضح من هاتين الموافقتين اللتين أعطتهما جهتان مختلفتان في السلطة الحالية إن التنسيق بين أعضاء (مجلس الحكم) والوزارات المعنية ضعيف جداً (أو معدوم) مع عدم وجود خطط واضحة تهتدي بموجبها هذه الوزارات, وإن وجدت فلا توجد متابعة لها من قبل مجلس الحكم.(10/74)
الإيرانيون هم مسلمون وإخوة لنا في الدين, "إنما المؤمنون إخوة" المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحتقره, كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم, ولا يفرقنا إلا الإحساس بوجود ما تضمره إيران لنا من سوء (كما تقول صحيفة الشرق .. عدد 46 في 12/2/2004) حيث أنها تريد أن تطمس عن عمد وبإصرار وسابق ترصد وتخطيط متقن وباتجاهات مختلفة الهوية العربية والتقاليد العربية والولاء لما كل هو عربي والانتماء لتاريخه. واتخذت من مراقد الأئمة رضوان الله عليهم مسرحاً لذلك حيث أخذت هذه الجموع برفع العلم الإيراني في الباحة التي تفصل بين ضريحي الإمامين الحسين والعباس عليهما السلام في سابقة خطيرة وهدف معلن وسافر وغير مسبوق حيث إن ذلك يمثل استهانة بالمجتمع العراقي والشعب العراقي وكل سلطة تمثله, مهما كانت درجة الاعتراف بها حيث إن هذه الباحة هي أرض عراقية وليست إيرانية ثم أين (مجلس الحكم) من ذلك؟! ألم يردد ألف مرة ومرة أنه يمثل جل أطياف الشعب العراقي وبالمحصلة مصالح الشعب العراقي.. أم أن الاعتراض على ذلك يمثل خطوطاً حمراء يجب عدم الاقتراب منها؟؟؟؟ ثم أين حقوق شعبنا المحتل وفق الاتفاقيات والمعاهدات الدولية أمام سلطات الاحتلال؟!(10/75)
لقد وصل مستوى وعدد الجموع الواصلة في كربلاء والنجف إلى درجة أصبحت فيها لغة التخاطب والكلام والحديث بين أهالي كربلاء والنجف بالفارسية وأن يروج الباعة المتجولون من الصبية العراقيين لبضاعتهم باللغة الفارسية, حتى أن كثيراً من الإيرانيين يحاولون تهريب الثروات العراقية والآثار العراقية والموروث الحضاري والإنساني والغذاء العراقي ويشهد مثلث العمارة –السماوة- البصرة نشاطاً محموماً لتهريب الأغنام والذهب والوثائق والكتب والمخطوطات الأثرية وحتى المواد الغذائية والأجهزة الطبية والأجهزة الدقيقة وأجزاء الطائرات والمعامل والسيارات ومعدات مختلفة من الجانب العراقي (النهضة العدد 94 في 16/2/2004) ألا يعد ذلك احتلالاً ثقافياً وغزواً بشرياً مشبوهاً وإيذاء لشعب جريح.
ولم يقتصر الأمر على ذلك بل امتد إلى أن إيجارات العقارات في محافظتي النجف وكربلاء وصلت إلى أرقام خيالية يدفعها الإيرانيون.. مما دفع قسماً من العراقيين في هاتين المدينتين بحكم طول المعاناة ووطأة البطالة إلى تأجير دورهم إلى الإيرانيين كاستثمار يغطون به حاجتهم ومعيشتهم ويقوم هؤلاء باستئجار دور لهم في أطراف المدينة بدلاً عنها.. فمن هو الذي يدفع هذه الأجور, وكيف ستكون الأسعار لاحقاً؟ بل إن الأنباء المتوافرة تفيد بقيام الإيرانيين بشراء الأراضي في المقابر لدفن موتاهم في النجف. مما دفع السيد علي السيستاني أن يصدر فتوى بتحريم دخول الإيرانيين الأراضي العراقية بصورة غير شرعية, وحرّم كذلك تهريب السلع والمتاجرة بها بطريقة غير مشروعة (صحيفة الصباح, الصادرة في 8/3/2004).(10/76)
ولم يقتصر ذلك التواجد الكثيف والواسع على الهدف الديني المعلن, بل إن الأدهى من ذلك قيام البعض منهم وبمساعدة أو بتنسيق مع أحزاب تدعي أنها "إسلامية" بممارسات وأنشطة مشبوهة, ومسلحة, كالمداهمة والخطف والتعذيب وحرق الأجساد بالتيزاب, كما حصل في فاجعة أبي الخصيب في البصرة التي حصدت أرواح خمسة أبرياء بأيدي مجموعة من الرجال كانوا بقيادة المدعو محتشمي (البصائر العدد 10 في 27/1/2003) فمن هو هذا الذي يفتقد الاحتشام, ومن يقف وراءه؟! ولماذا هذه القسوة البالغة والإمعان في قتل خمسة فلاحين في منطقة فلاحية لكونهم من طائفة أهل السنة والجماعة؟ هل هي دعوى للانتقام والانتقام المضاد, ومحاولة لجر أقدام المسلمين إلى عنف طائفي يصاحبه رد فعل أعنف منه؟
والحادثة الأخرى تعرض موفد (إسلام أون لاين) ومن معه إلى اعتقال قامت به الشرطة العراقية في البصرة ونقلتهم إلى (مقر أحد الأحزاب الإسلامية).. وليس إلى (أحد مراكز الشرطة)؟! وتعرضهم فيه للتعذيب بالكهرباء والتعليق بالمروحة السقفية والضرب بمقامع من حديد والطعن بالحراب ولمدة أربعة أيام على أيدي أناس يتكلمون العربية بلكنة أعجمية يحققون معهم وكأنهم رجال أمن رسميون (البصائر العدد 19 في 11/1/2003).(10/77)
واللافت للنظر أن هذا المكتب الذي سلمت الشرطة العراقية إليهم موفدي (إسلام أون لاين) في الحادثة الثانية والمكتب الذي راجعه ذوو الضحايا في الأولى هما لأحد الأحزاب التي تصف نفسها بـ "الإسلامية" والمعروف بداهة أن جهاز الشرطة واحد من الأجهزة الوطنية السيادية, يتعامل مع دوائر رسمية أقرها القانون أو تشكلت بموجبه ونظم علاقته بها ولا يتعامل مع مكاتب للأحزاب أو الجمعيات التي فرضت نفسها في ظل الفوضى وغياب القانون وليس صفة قانونية ولم تكثف إيران بما جندته ودربته من العراقيين وأشباه الفرس وممن وظفتهم وأرسلتهم إلى القطر بل نزلت برجالها وحرسها إلى أرض الوطن... وهذا يفسر لنا سر تواجد رجال (المخابرات الإيرانية) في مكاتب تلك الأحزاب وقيامهم وبصلاحيات مطلقة (دون حرج أو تحسب) بالتصرف بحجز المواطنين والتحقيق معهم, وإلصاق التهم ورمي الشبهات, حتى وصلت إلى درجة إصدار أحكام بالإعدام, فهم قضاة ومحققون وسجانون وهم الأداة التنفيذية لها, وانقلبت مكاتب بعض تلك الأحزاب أو احتوت على زنزانات تعذيب شبيهة بتلك التي كانت في سجون وقلاع القرون الوسطى.
كشفت مصادر عراقية أن بعض الأحزاب السياسية العراقية دفعت بمسلحين منها إلى الحدود مع إيران وجعلت منهم شرطة للرقابة عليها يقومون بإدخال عشرات الآلاف من الإيرانيين إلى الأراضي العراقية دون أن يحملوا وثائق سفر, وتقوم بمنح الجنسية العراقية لهؤلاء الإيرانيين باستخدام طرق وأساليب مزورة.
واكتفى أحد أعضاء مجلس الحكم بالتحذير من مغبة الاستمرار في منح الجنسية العراقية للإيرانيين بشكل غير شرعي وتثبيتهم في سجلات القيد لدائرة الأحوال المدنية بطريقة مزورة (موقع إيلاف – الانترنت).(10/78)
وتتسع أنشطة أجهزة المخابرات الإيرانية في جنوب العراق فهي معروفة ومكشوفة ولا يتكلف الإيرانيون في إخفائها, فهي بالنسبة لهم فرصة لا تعوض للتوغل في العمق العراقي, فليس ثمة مصدات ولا حواجز أمنية ولا رقابة ولا متابعة. وينشط هؤلاء في وسط يعتبرونه صديقاً لهم ويمارسون ضد من لا يرغب في التعاون معهم ضغوطاً بأساليب غير مباشرة إذا لم تنفع معه المغريات من بينها الخطف إلى داخل إيران, وقد سبق وأن نشرت تقارير عن عبور عدد من السيارات الإيرانية من مدينة طهران محملة بالأسلحة والذخائر وأجهزة السيطرة عن بعد (الريموت كونترول) وأجهزة الاتصال وانفجرت إحداها بركابها وتولى سكان المنطقة دفن الموتى, يقول سبحانه وتعالى ((ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله)) [فاطر:43], ((قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد)) [النحل:26].
وقد نجح العديد من هؤلاء في إنشاء مراكز تمويل ومعلومات ونقاط تحرك وانطلاق في العديد من المدن والقرى العراقية تحت واجهات حزبية وسياسية ومنظمات اجتماعية وإنسانية كما نجحوا في شراء عناصر عراقية في مواقع مهمة مثل أجهزة الأمن والشرطة.(10/79)
وتذكر تقارير المعارضة الإيرانية إن أكثر من 14000 عميل إيراني زرعتهم إيران في مناطق جنوب بغداد, وهناك معلومات يتداولها السكان حول بناء عدد من (المخازن السرية) في بعض من مدن الجنوب بالتنسيق مع جهات سياسية تحتوي هذه المخازن على قطع من السلاح الثقيل والمتوسط والمتفجرات, (صحيفة النهضة العدد 94 في 16/2/2004) بل إن أنشطة هذه الأجهزة وصلت إلى الفلوجة حيث ألقت الشرطة القبض على أحد المشتبه بهم في الهجوم الذي شنته مجاميع مسلحة وذهب ضحيته عدد كبير من رجال الشرطة والمدنيين الأبرياء وهو إيراني الجنسية ويتكلم العربية بصعوبة (الساعة العدد 79 في 17/2/2004). وبعد الانفجار الكبير الذي حدث في مدينة النجف وأودى بحياة السيد محمد باقر الحكيم وعدد كبير أنصاره سارعت جهات متعددة إلى اتهام تنظيم القاعدة وأنصار صدام حسين بذلك لتتوافق مع الاتهامات الأمريكية المتكررة حتى قبل انتهاء التحقيق وبعضها اتهم من وصفوهم "بالوهابية" في محاولة تبدو وكأنها مقصودة –في التعمية والتضليل عن القاتل الحقيقي..
وكشفاً للحقيقة قام السيد عبد العزيز الحكيم بتقديم وثائق للمسؤولين الإيرانيين تثبت تورط (الحرس الثوري الإيراني) في تدبير عملية الاغتيال حيث وضعت خطة من قبل قائد (فيلق القدس) الجنرال قاسم سليماني والجنرال علي آغا محمدي وتم تنفيذها على يدي أربعة من ضباط استخبارات (الحرس الثوري) الذين دخلوا إلى العراق بصفة فريق عمل تلفزيوني. وأوعزت مصادر إيرانية سبب الاغتيال إلى تمرد السيد الحكيم على القيادة الإيرانية وتنسيقه المباشر مع قوات الاحتلال الأمريكي والبريطاني دون الرجوع إلى القيادة الإيرانية.
وذكرت المصادر أن أحد الضباط الأربعة استطاع الهروب وسلم نفسه لإحدى المنظمات الدولية بينما دبرت عمليات اغتيال للثلاثة الآخرين (مجلة النور العدد 15 في 10/12/2003 نقلاً عن صحيفة الاتجاه الآخر الصادرة يوم 8/11/2003).(10/80)
إن سباق الأحداث السالفة الذكر يوحي أن بلدنا أمام انتهاك صارخ وخطير لسيادته وأمنه وشعبه ولوحدته الوطنية وتركيبته السكانية ويرمي إلى هدف بعيد وعميق لا يمكن لفرد أو مجموعة أفراد أو جمعية أو حزب أن تقوم به, بل هو جهد وإمكانيات دولة تركز وبشكل مخطط وتتطلع من خلاله إلى إحراز نتائج ميدانية وتنفذ خطة معدة مسبقاً تستهدف إحداث تغييرات سكانية واجتماعية واقتصادية وطائفية فما هي علاقة إيران السابقة مع العراق؟ وماذا تهدف حكوماتها المتعاقبة في علاقات الشد والجذب في الاختراق والتسلل والتجسس وإحداث الفتن والاضطرابات؟ وهل إيران تريد فعلاً استقرار العراق أم أن لها أجندتها الخاصة التي تريد تنفيذها؟ وهل ما زالت "أمريكا" في نظر الإيرانيين "الشيطان الأكبر"؟
هيئة علماء المسلمين تحذر من خطورة رواج بعض
الملصقات التي تسيء إلى الإسلام وإلى شخص الرسول صلى الله عليه وسلم
البصائر – العدد 29 – 4 محرم 1425هـ
أصدرت هيئة علماء المسلمين بياناً حول خطورة رواج بعض الملصقات المشبوهة التي تسيء إلى الإسلام وشخص الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يلي نصه:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:
فإن هيئة علماء المسلمين في العراق, ترى من الضرورة بمكان تنبيه أبناء الشعب العراقي على ما ينجم عن الاحتلال –يومياً- من تداعيات خطيرة, تمس الثوابت الدينية, فقد انطلقت حملة محمومة للتنصير وبدأت تدخل القطر كل يوم, آلاف المنشورات التي تبشر بالنصرانية, بطباعة أنيقة ومعلومات مبسطة, ترد إلى الناس عن طريق البريد, من غير معرفة مسبقة لهم بالأمر, وأحياناً تترك عمداً في أماكن تجمعات الناس وغير ذلك من الأساليب التي تبدو عفوية ولا يخفى على اللبيب أنها مقصودة.(10/81)
وفي الوقت نفسه تحدث خروقات كبيرة تطال الدين ورموزه العظام, ومن أخطر هذه الخروقات ما عرضته إحدى دور النشر الإيرانية (مؤسسة المبين الثقافية) في معرض أقامته الجامعة المستنصرية –للأسف الشديد- من صورة لشاب أمرد ذي سحنة غربية, وسجلت محاذاته القول: صلى عليك الله يا رسول الله, وثبتت في الجزء الأدنى من الصورة رسماً لمسجده الشريف, في إيحاء واضح بأن الصورة المثبتة هي لسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام, وقد ذيّل المشهد بصورة وردة حمراء معروف أنها تمثل رمزاً لما يسمى (عيد الحب). وبقليل من التأمل يبدو أن قرن الوردة مع صورة شاب أمرد لا تخلو من دسيسة مقصودة. والذي نريد أن نسجله هنا إن استغلال ظروف العراق, وغياب السلطة الشرعية فيه, وانعدام الرقابة القانونية عن متابعة ما يجري في البلد من أنشطة غير مشروعة, لتحقيق أهداف من هذا النوع, سيدفع بالناس إلى استهجان هذا العمل واحتقار فاعليه, لأنه اصطياد في الماء العكر, وهذا أمر لا يفعله إلا ضعاف الناس.
وإننا ندعو أبناء شعبنا إلى اليقظة وأخذ الحذر من وقوع هذه التجاوزات بأيدي أبناءنا حرصاً عليهم من التلوث بهذه السموم, حتى يأذن الله لهذه الغمة بالزوال, وحينئذ لكل حادث حديث.
وثيقة الزرقاوي.. مسرحية أمريكية؟! ..
أم تهيأة لحرب طائفية..؟!
عماد القيسي
البصائر – العدد 29 – 4 محرم 1425هـ
كثر الحديث في وسائل الإعلام الغربية منها والأمريكية عن عثور قوات الاحتلال وليس غيرها, على وثيقة نسبتها للمدعو أبو مصعب الزرقاوي وهو من تنظيم القاعدة, حسب ادعائها, كتبها ووجهها حسب المصادر الأمريكية إلى أسامة بن لادن والظواهري, يتحدث فيها عن خطته في ((قتال طوائف الردة)) حسب ما يسميها, ويطلب الموافقة على مفرداتها, وتهدف إلى إحداث فتنة طائفية بين السنة والشيعة تجر الأمة كلها إلى الحرب (لا سمح الله).(10/82)
وقد وصفت الوثيقة التركيبة الاجتماعية للعراق بأنه فسيفساء سياسية وخلطة عرقية وتباينات مذهبية طائفية لا تنقاد إلا لسلطة مركزية قوية وألقت عليها بأوصاف ونعوت غير واقعية بتعميم مجحف ركزت فيه على الجوانب السلبية فقط, ووضحت الخطة في استهداف إخواننا الشيعة وضربهم في العمق الديني والسياسي والعسكري لغرض جرهم إلى ساحة الحرب الطائفية على أهل السنة, ففي قتالهم تجرئة لهمم ضعاف أهل السنة في مناطقهم ليقفوا مع المجاهدين, وهذه الحرب –حسب الوثيقة- هي السبيل لجر الأمة إلى الحرب وخلط الأوراق, (نص الوثيقة على موقع جريدة الحياة اللبنانية في الانترنت).
تقول صحيفة الأوبزيرفر إن كل المعلومات والتقارير عن أبي مصعب الزرقاوي لا تستند إلى مصادر محددة أو أدلة واضحة أي أنها من صنع الخيال, وقد بولغ بدوره فيها من أجل إضفاء صورة من الأهمية على الأجندة التي تحاول جهات قد تكون أمريكية أو بريطانية الترويج بها, وتضيف الصحيفة أن الأهمية التي أضيفت لسيرة الزرقاوي ربما جاءت من الأردن الذي أراد من خلالها التغطية على قيامه بحملة اعتقالات ضد عناصر إسلامية.
وهناك حقيقة واضحة في أن الوثيقة سالفة الذكر لا يوجد فيها ما يشير إلى كاتبها أو معدّها أو الجهة المرسلة إليها وإنما رجحت مصادر أمريكية أن يكون أبو مصعب الزرقاوي هو الذي كتبها ووجهها إلى بن لادن والظواهري ولا دليل محسوس على ذلك (موقع القدس العربي على الانترنت).
ومما يجدر ذكره أن سلطات الاحتلال عمدت إلى رفع سقف المكافأة المخصصة لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى القبض على أبو مصعب الزرقاوي من خمسة ملايين إلى عشرة ملايين لإبراز الموضوع وإيلاءه أهمية كبرى تساوي هذه المكافأة مكافأة القبض على عزت الدوري.(10/83)
وقد سبق الاهتمام بهذه الوثيقة تصريح لأحد القادة العسكريين في قوات الاحتلال من احتمال حصول مواجهات طائفية دموية بين السنة والشيعة (لا سمح الله) في العراق وأن هذه المواجهات قادمة لا محالة؟!
ولا ندري عن الأسس والحيثيات والشواهد التي اعتمدها ذلك القائد العسكري في تقييم الموقف والحكم قدوم هذه الفتنة وتأكيد حدوثها.
ورغم اعتياد قوات الاحتلال أو بعضاً ممن انتدبتهم من السلطة الحالية على تخديش مسامع الشعب العراقي بين الفينة والفينة بكل ما هو غريب وغير متوقع وغير مسبوق وغامض ومفاجئ ومفبرك لتتركه أمام حيرة وتناقض وصعوبة فهم ما يجري وتفسير وربط الأحداث بعضها مع بعض وترميه في غياهب المجهول وما يصاحب ذلك من خوف وقلق ويأس تريد زرعه في النفوس لتجني ثماره لاحقاً, إلا أن المراقب بدقة لما يحدث يصل إلى نتيجة إن هذه المواقف القافزة غير المستقرة لم تبن على الخيال, وليست عبثية بدون غاية حيث إنها تحمل في ثناياها خيوط التخطيط المسبق والإعداد المتقن نحو شيء ما يستهدف الشعب العراقي بكل أطيافه السياسية والعرقية والطائفية وتحاول النيل من تلاحمه وعلاقاته الداخلية ووحدته أرضاً وشعباً. (وقد اعتادت الإدارة الأمريكية على تغيير خطابها السياسي والإعلامي بعد كل فشل تناله أجهزتها الاستخبارية والعسكرية والإعلامية). فبعد أكذوبة أسلحة الدمار الشامل العراقية التي فبركتها لتبرر الحجج وتدفع الذرائع التي ما انفكت تصم آذان العالم من كثرة تردادها لها ورغم محاولاتها المحمومة والمتلاحقة مع مجموعة من العلماء والباحثين العراقيين, من خلال تقديمها الإغراءات السخية لهم تارة, والوعيد تارة أخرى, لغرض تشويه وتزوير بعض الوثائق وتدوين بعض الاعترافات ذات الصلة ببرامج التسامح العراقية السابقة لغرض استخدامها وعرضها على المجتمع الدولي لتأكيد صحة ادعاءاتها في امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل وتبرير شنها الحرب على العراق رغم معارضة(10/84)
الأمم المتحدة لها. ولما تأكدت من خلو العراق من أسلحة الدمار الشامل بعد مرور عشرة أشهر على الاحتلال وانتشار قواتها في أنحاء القطر كافة اتجهت نحو تغيير النغمة وتحويل خطابها السياسي باتجاه أن صدام حسين نفسه كان يشكل خطراً على الولايات المتحدة الأمريكية وأن العالم بدونه أضحى الآن أكثر امنا وسلاماً وبعد هذا التحول والتغيير استخفافاً بالعقل البشري واستهانة بالمجتمع العربي والدولي.
وأعقب ذلك الحديث عن نوايا صدام حسين السابقة في انتاج وتطوير الأسلحة والمخاطر التي تترتب على هذه النوايا في صنع أسلحة متطورة ومحظورة لتعد الرأي العام في المجتمع الدولي لتقبل أهدافها حيث لا يمكن التأكد عملياً أو استخبارياً من حسن أو سوء نوايا جهة معينة ولا يوجد نص قانوني, لا في القانون المدني ولا الجنائي ولا الدولي ولا في أعراف أهل الحضر أو البادية يحاسب الإنسان على نيته المجردة, يقول هنري كيسنجر في تضخيم حالة الفشل الأمريكي في العراق والنفخ في تداعياته على أوروبا لغرض أن تقف مع الولايات المتحدة أن الفشل الأمريكي في العراق كارثة على الغرب, ويستدر عطف الغربيين بقوله من هنا تنبع أهمية التعاون بين أوروبا وأمريكا في العراق ومن واقع إحساس قوات الاحتلال بحجم وهول الكارثة التي تنتظرها في العراق تبحث دائماً بعد كل فشل عن شماعة تعلق عليها مسؤوليته, وتعتمد في سياساتها في اللعب والتلاعب, في الإضافة أو الحنف, في الشد والجذب أو في المرونة والتراخي على التوازنات الطائفية والعرقية بين الأكراد والشيعة والسنة فتغازل هذه الطائفة وتطلق لها اليد في حين تقمع بآلتها العسكرية وتعتقل وتشرد أبناء طائفة أخرى, ومن خلال ممارساتها وإجراءاتها هذه توفر المناخ الملائم لاحتكاكات طائفية تدفع جموع الناس دفعاً لها, بشكل مباشر أو غير مباشر, بحيث تنامى العنف بكل أشكاله وتعددت ألوانه وازدادت افرازاته وقد ظهر ذلك جلياً من خلال ترك قوات(10/85)
الاحتلال أبواب الحدود مشرعة على مصاريعها أمام من هب ودب واهتمامها المفرط بأمنها على حساب أمن وسلامة وراحة بل وحياة المواطن العراقي.
فالسياسة الأمريكية في العراق اعتمدت أسلوباً مجحفاً وماكراً في توزيع الحصص الطائفية والعرقية في (مجلس الحكم) وانعكس ذلك بحدة على توزيع الحقائب الوزارية, بل شمل ذلك حتى المدراء العامين في بعض الوزارات ورؤساء الأقسام والشعب فيها, تسببت في أوسع حملة في تاريخ العراق الحديث والقديم لتطهير البلد وتنظيفه من الكفاءات العلمية والخبرة الإدارية المتراكمة تحت أي عذر كان, تلك الخبرات التي صرفت عليها الدولة في حينها ملايين الدولارات, ويمثل ذلك توجهاً خطيراً يسعى إلى إفراغ القطر من كفاءاته العلمية وخبراته الإدارية.
واستمراراً لهذا النهج وتعميقاً لأبعاده تصرح الإدارة المدنية لقوات الاحتلال من أنها تريد إنشاء ميليشيات من الشيعة والأكراد لحماية الأمن في العراق, وتحدد نسب الحصص الطائفية في الجيش العراقي, وفي الوقت عينه تخطط لتأسيس جهاز مخابرات عراقي من الشيعة والأكراد فقط دون غيرهما.
إن هذه التشكيلات في حالة اكتمال إنشائها تعد جهازاً حقيقياً لمقومات الدولة لطبيعتها الطائفية والعرقية ولتغييب مؤسسات الدولة الدستورية السياسية والتشبث بميليشيات الحالة الشاذة التي تدربت وعملت على أساس ولائها للطائفة أو العرق دون ولائها للوطن والوطنية وتنفذ بعضاً من استحقاقات المرحلة السابقة, وتخضع بشكل مباشر أو غير مباشر للإملاءات الخارجية, ولا تمثل إرادة ورغبة أطياف الشعب العراقي وتطلعاته المشروعة.(10/86)
إن من تسميه قوات الاحتلال بمصعب الزرقاوي لا يملك القدرات الخارقة لتفجير فتنة طائفية وإحداث حرب أهلية دون أن تكون هناك المناخات الملائمة لمثل هذه الفتنة. وممارسات قوات الاحتلال في العراق هي التي توفر المناخات الملائمة لهذه الحرب وتدفع في اتجاهها, وهي التي تعمق الطائفية وتفرق بين أبناء البلد الواحد بتقريب طائفة واضطهاد أخرى.
لقد حصلت حوادث متعددة في مناطق بغداد المختلفة استهدفت رموزاً دينية للسنة والشيعة وكادت أن تشعل فتيل فتنة في تلك المناطق وقد فزع العقلاء من الطرفين وانتدبوا مجاميع لمراقبة هذه الرموز وحراستها لغرض القبض على منفذي تلك الاعتداءات, ولقد بهت الطرفان عندما علموا أن من يقوم بهذه الاعتداءات هم جنود قوات الاحتلال أو تحت رعاية هذه القوات, كما حصل في البياع وشارع فلسطين والشعب. لقد مزقت السياسة الأمريكية العراق ونسيجه الاجتماعي ووحدته الوطنية, وباتت تمهد لظاهرة غير مسبوقة في هذا البلد وهي الحرب الطائفية, فقد استبعدت الطائفة السنية وتعاملت معها كطائفة إرهابية, لأن صدام حسين كان سنياً, وقربت الطائفة الشيعية وأبناءها, بهدف نسف تراث هذه الطائفة وتشويهه وتحويلها في أنظار العالم إلى طائفة مأجورة ومتعاونة مع الاحتلال تحت ذريعة أن صدام حسين كان يضطهدها, وهي في تلك السياسة تدمر الطائفتين معاً وتضعهما في مواجهة بعضهما البعض, فكيف يمكن أن تكون مقاومة الاحتلال الانجليزي من خلال ثورة العشرين المجيدة جهاداً, ومباركة الاحتلال الأمريكي في القرن الواحد والعشرين والتعاون معه أخلاقياً؟ إن تنظيم القاعدة لم يكن في العراق قبل الحرب, والأحاديث عن وجوده, وقيام علاقات بينه وبين نظام البعث كان يتردد في واشنطن ولندن فقط, وما الوثيقة التي قيل أنه تم العثور عليها مع الرئيس العراقي أثناء القبض عليه, ويحذر فيها أنصاره من التعاون مع تنظيم القاعدة إلا تأكيداً إضافياً على الأكاذيب الأمريكية(10/87)
المستمرة.
يقول الملا كريكر زعيم تنظيم أنصار الإسلام في تصريح لصحيفة لوس أنجليس تايمز أنه يملك كل الوثائق التي ترى عكس ما تدعيه أمريكا عن وجود علاقة بين تنظيم القاعدة والنظام العراقي (القدس العربي – لندن على الانترنت).
لقد سعت قوات الاحتلال من خلال نشر هذه الوثيقة وإبرازها بهذا الشكل المضخم التأكيد على اتهاماتها السابقة حول علاقة النظام العراقي السابق مع تنظيم القاعدة في تبريرها غزو العراق وهي بذلك تضرب عصفورين بحجر واحد: أولهما تربط بين النظام العراقي السابق مع الإرهاب ممثلاً بتنظيم القاعدة, وثانيهما أن تهيء المناخ الملائم لزرع بذور الفتنة والفرقة والتناحر بين فئات وأطياف الشعب العراقي لتمرير بقاءها أطول مدة ممكنة وتنفذ أغراضها في نهب ثروات العراق وتفتيته.
إن الاحتلال هو كبيرة الكبائر.. وهو إرهاب دولي بثوب جديد.. لا يدانيه إرهاب تحت أي عنوان كان وتحت أي غطاء تغطى.
إن ما نتوقعه أن تقوم مجاميع ممن انتدبتهم قوات الاحتلال أو ممن دربتهم أجهزة المخابرات الأجنبية المتواجدة على الساحة العراقية بالقيام بأعمال عدوانية أو استفزازية في مناطق أهل السنة والجماعة تعطي انطباعاً أن إخواننا الشيعة قد قاموا بها وتعكس الحالة في المناطق التي يسكنها الشيعة, أو قد تحاول اغتيال أو الاعتداء على أي رمز من الرموز الدينية والوطنية المهمة في هذه المرحلة من هذه الطائفة أو تلك مما يمهد الأرضية المناسبة لحدوث ردود أفعال عنيقة وفرض احتكاكات طائفية تجر إلى مواجهات دموية (لا سمح الله) والغطاء جاهز وهو رسالة (أبي مصعب الزرقاوي) المختلقة لتبرير هكذا مؤامرة, وهنا يبرز دور عقلاء الأمة في توعية وتوضيح مسالك المغرضين وأهدافهم من الآن, وضرورة التحلي بضبط النفس والنظر بعمق للأهداف الدينية للمحتلين بعيداً عن ردود الفعل المتشنجة.(10/88)
إن المستفيد الوحيد من أي مواجهة أو احتكاك عرقي أو طائفي هي قوات الاحتلال ومن لف لفها وعمل بخدمتها, والخاسر الوحيد فيها هو الشعب العراقي وحده بكل طوائفه وأديانه وأعراقه وتأكل من جرف وحدته وتآلفه وتآخيه وتسامحه.
في الوقت عينه تتحمل قوات الاحتلال, وهذه مسؤوليتها, وفق اتفاقية جنيف, حماية وأمن البلد والشعب, وهي مسؤولة عن كل قطرة دم عراقية تسال.
اللهم احفظ بلدنا آمناً مطمئناً رخياً سعيداً بأهله وعشائره وعلمائه ورموزه الوطنية من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب ومن أقصى الشرق إلى أقصى الغرب.
* والصحيفة قيد الطبع... قامت مجموعة غادرة باغتيال رمز من رموزنا الوطنية السنية ألا وهو الشيخ ضامر الضاري بأيدي آثمة مجرمة.. ولم تكتف بذلك بل حاول مجهولان رمي قنابل يدوية (أمريكية الصنع وحسب شهود العيان) على المشيعين المجتمعين قرب جامع الشيخ ضاري. ولولا حفظ الله وعنايته لحصل ما لا يحمد عقباه. إنا لله وإنا إليه راجعون.
وحدة الكلمة
عبد الله الحلبوسي
البصائر – العدد 25 – ذي القعدة 1424هـ
يطرق أسماعنا هذه الأيام كلام مفاده أن أهل السنة والجماعة ليس لهم مرجعية في بلاد العراق وأنهم مشتتون في المواقف التي يتخذونها تجاه هذه القضية أو تلك, وتضخم وسائل الإعلام هذه الدعاية لتكون أقرب للتصديق, فيصبح غير أهل السنة ممن يدفعون شعار التمسك بالمرجعية الأقرب إلى الصواب بناء على هذا الطرح.
ثم تأتي الدعوات من هذا الظرف أو ذاك من جماعات أهل السنة لإنشاء (مرجعية), ومن ثم التمسك بها, وكان أهل السنة ليس لهم أي مرجع يستندون إليه على مدار التاريخ, لعدم وجود مثل هذه المرجعية.(10/89)
لذا ينبغي علينا جميعاً أن نضع النقاط على الحروف في معالجة هذا الجانب المهم من حياتنا الإسلامية المعاصرة, ولسنا بصدد انتقاد محاولات الجمع وتوحيد الصفوف بقدر ما أردت أن أبين قضية استيراد المصطلحات وتأثير ذلك على واقعنا الدعوي ومسيرتنا الإسلامية التي هي بأمس الحاجة إلى الجهود الكبيرة لدفعها نحو الأمام حيث قيادة الناس كما أراد لنا ديننا الحنيف, فأقول وبالله التوفيق:
1-أن أهل السنة والجماعة ترتبط مرجعيتهم بمصدرين (الكتاب والسنة) اللذان يعصمان من الزلل حيث تمسك المسلم بهما على الوجه الصحيح, فنحن نقرأ قوله تعالى: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم), الذي استشهد به أبو بكر الصديق أثناء خطبته في المدينة عقب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ثم أكد لهم أن المسلم يرتبط بالإسلام أولاً وأخيراً, فقال: (من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات, ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت).
2-إن أهل السنة لا يعبدون الأشخاص, بمعنى آخر إن الحلال والحرام لا يقرره أو يبتدعه العلماء, كما كان يفعل الأحبار والرهبان, وحينما التبس هذا الفهم على (عدي بن حاتم) سأل بسرعة ما عبدناهم يا رسول الله! فبين له النبي صلى الله عليه وسلم أن العبادة بمفهومها الواسع لا تقتصر على السجود والركوع وإنما يدخل فيها إحلال الحرام وتحريم الحلال (فتلك عبادتهم) فأصبحوا أرباباً لهم من دون الله تعالى.
3-إن أهل السنة يطيعون علماءهم وأمراءهم ما أطاعوا الله ورسوله, فإذا عصوا الله ورسوله فلا طاعة لهم عليهم, لكن الإسلام لا ينتهي باستشهاد أو فقد هذا العالم والقائد, نعم قد يحدث ثلمة في حياة المسلمين لكن منهجهم الرباني القائم على الأصل الثابت الذي تعهد الله بحفظه لا يمكن أن ينتهي أبداً, مهما تعرض المسلمون إلى نكبات أو هزائم.(10/90)
4-يحتاج أهل السنة إلى رفع شعار التمسك بالمنهج الإسلامي بدلاً من كلمة المرجعية التي تحمل دلالات أخرى بعيدة عن الفهم الذي يريده علماء السنة وقادتهم, وكي نجنب الناس سوء الفهم أو الشعور بالنقص علينا أن نبتعد كثيراً عن هذا الطرح, يقول صلى الله عليه وسلم: (تركت فيكم ما أن تمسكتم به فلن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وسنتي) وهنا تتضح المرجعية أعني (المنهج الأصيل).
إننا أيها الأخوة بحاجة إلى (وحدة الكلمة) بدلاً من وحدة الكلام, لأن الألفاظ والعبارات لا يمكن أن تتواجد أو تصاغ وفق قوالب تحمل الدلالات والمعاني المشتركة لدى الجميع.
وأرى أن الاتهام الذي يوجه لأهل السنة حول فقدهم المرجع والأصل الذي يستندون إليه, عار عن الصحة, وأنه من الظلم الذي نغبن فيه أربعة عشر قرناً هجرياً من العمل الدؤوب والدعوات المتكررة لتوحيد الكلمة والتمسك بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم, فوحدة الكلمة هي الشعار الذي يجب أن يرفع, ونعني بها (الكلمة) التي وجه فيها القرآن الكريم النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته للنصارى بأن يأتون إلى كلمة سواء بينهم وبين المسلمين لا يُعبد من خلالها إلا الله.
إذاً أهل السنة يستندون إلى مراجع وأصول مهمة وراسخة وهم بحاجة إلى التمسك بها بدلاً من الدعوة إلى إنشاء مرجعيات جديدة يقلدون فيها غيرهم فيظلموا بذلك المنهج الإسلامي وأهله الذي ظل كل هذه القرون ثابتاً على الرغم من وفاة كثير من العلماء والمصلحين والدعاة والقادة الذين لم يمت بموتهم منهجنا وأصولنا.
إننا بحاجة إلى الاعتصام بحبل الله جميعاً كي نتمكن من بناء جماعتنا وبلدنا في ظلال كتاب الله العزيز وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ومن دون ذلك تبقى الشعارات غير مجدية إذا لم تلامس الواقع, والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
شركات السياحة العراقية: الإيرانيون يتدفقون عشوائياً
الإقتصادي – بغداد – 9/3/2004(10/91)
بغداد (ش.أ): أكد قحطان العزاوي رئيس الاتحاد العراقي لشركات السياحة والسفر في تصريح للصحفيين أن دخول الزوار الإيرانيين إلى البلد عشوائي ويفتقر إلى التنظيم, مشيراً إلى قيام بعض الاشخاص بالسيطرة على الفنادق وتأجيرها لفترة طويلة الأمد وخصوصاً في كربلاء والنجف في مسعى للاستفادة من الفوضى.
وقال العزاوي تعقيباً على فتوى المرجع الشيعي الأعلى آية الله علي السيستاني بعدم جواز دخول غير العراقيين إلى العراق من غير المنافذ الرسمية, إن دخول الزوار الإيرانيين إلى العراق سائب حيث لا توجد سيطرة على المنافذ الحدودية. وذكر أن المراجع الدينية أصدرت كتباً تطالب بتحجيم عدد الزوار, ولكن عدد الزائرين الإيرانيين ما يزال مرتفعاً حيث يقدر بأكثر من 10 آلاف شخص يومياً. وأشار العزاوي إلى أن الاتحاد العراقي لشركات السياحة قام بإجراء لقاء مع ممثل وزارة الداخلية بحضور ممثل وزارة المالية والصحة ووزارة الخارجية وقيادات قوات الحدود, للبحث في وضع ضوابط دخول وخروج السياح.
وأكد أن الجانب الإيراني لم يلتزم بتحديد عدد الوافدين وما يزال يرسل آلاف الزوار يومياً بعيداً عن أي تنسيق مع الجانب العراقي.
وأوضح العزاوي أن هناك شركات وهمية تقوم بإدخال الزوار الإيرانيين إلى العراق, حيث تقوم بسرقة أموالهم والتخلي عنهم. ودعا العزاوي الجانب الإيراني إلى التعاون من أجل تنظيم عملية دخول وخروج الزوار إلى العراق, كما طالب بتعاون مماثل مع وزارة الثقافة العراقية المتمثلة بهيئة السياحة ووزارة الداخلية للبحث عن الشركات الوهمية وتقديم أصحابها للقضاء.
عاشوراء والوائلي أمانة في عنقي
البينة – بغداد – 1/3/2004(10/92)
ونحن نمر بأيام هي الأقرب إلى الله... لأن فيها استباح دم سبط الرسول الأعظم محمد (ص).. وفي هذه الأيام الخوالد هذت عروش الظالمين بانتصار الدم على السيف... ومن كرامات هذه الأيام أذكر حادثة لي وقعت في الكويت عندما كنت أعمل بصفة محرر النشرة الإخبارية في إذاعة الكويت.. حيث هددت بالفصل وقطع راتبي لأنني كنت محكوماً بالسجن في العراق ولا أمتلك عدم محكومية وحينها ضاقت الدنيا علي.. وبهدي إلهي وجدت نفسي في حسينية الكاظمي في الكويت حيث خطيب المنبر الحسيني الشيخ الراحل د. أحمد الوائلي ووجدت جنبه السيد عدنان عبد الصمد وكيل وزارة الإعلام الكويتية والملياردير المعروف وهو يفترش الأرض وقد أجهش بالبكاء.. حينها وجدت قلبي مطمئناً وروحي تتناغم مع الكلمات العظيمة التي كانت تخرج من فم اختصه الله بخدمة أهل البيت عليهم السلام.. وعندما فرغ المرحوم الوائلي.. سألني عن سبب حيرتي فقدمت له نفسي وأخبرته بما جرى لي في عملي وبسرعة البرق سحب ورقة من محفظته وكتب رسالة إلى السيد عدنان عبد الصمد وقال لي خذ هذه الرسالة يا ولدي ستار ولا تخشى شيئاً.. استلمت الرسالة وأنا بين مصدق ومكذب عن ما ستسفر عنه النتائج مع السيد الوكيل.. وبينما أنا أدور في دوامة هذه الهواجس وإذا بالسيد الوكيل يصرخ بي فرحاً أنت مبعوث من الوائلي؟ فقلت له: نعم.. بعد ذلك مسكني من يدي وذهب بي إلى غرفة مدير الإذاعة الذي أمر بصرف رواتبي ومنحني درجة أعلى في وظيفتي.. وقال لي بالحرف الواحد.. سيكون المكتب في خدمة كل عراقي معارض... هذه كرامة بسيطة من كرامات أبي عبد الله الحسين (عليه السلام).
مسودة وثيقة حقوق الشيعة في العراق
محرم 1425 – جريدة الحوزة العلمية التابعة لجماعة مقتدى الصدر(10/93)
إن هذه الوثيقة صادرة عن حركة مقتدى الصدر ونشرتها جريدة الحوزة. والتي تبين بوضوح الدافع الطائفي خلف حركته, نقدمها هدية لمن يحسنون الظن به وهي مع بداية الأحداث وليست قديمة…………………………………………..الراصد.
بسم الله الرحمن الرحيم
تشكل العقيدة مع التاريخ أهم عاملين في تكوين الجماعات والأمم فهي العنصر الأهم في الوحدة الروحية لتلك الجماعة أو الأمة والقطب الذي تدور عليه رحى وجودها وتكوينها الذي يلعب التاريخ سواء كان عرقياً أو سياسياً أو اجتماعياً دوراً مهماً في بلورته ووصوله إلى الحالة التي يمكن النظر فيها إلى تلك الجماعة على أساس أن لها وجوداً مستقلاً متمايزاً عن غيره وعلى أساس تبني تصورات مستقبل وحقوق وواجبات تلك الجماعة.
على هذا الأساس فإن الشيعة عموماً وشيعة العراق خصوصاً يمتلكون مقومات الوجود الواحد المتمايز المستقل الذي يحمل من الهم ما لا يحمله غيره ومن التطلعات ما ليس لأحد فيها غيرهم ناقة ولا جمل وبالتالي من الحقوق والواجبات المبينة على أساس وجودهم المستقل ما لا يشاركهم فيها أحد.
بل يمكن القول بجرأة أن شيعة العراق (خصوصاً) يشكلون أمة لها خصوصياتها التي بقيت رغم أنف التاريخ المزيف والقهر والاستلاب والاقصاء والتنكيل وتوابعها والقاءاتها إذ كانت هذه العوامل وغيرها هي المبلور الرئيسي لهذا الوجود الواحد ولعبت وحدة المكان (أرض العراق) دوراً مهماً في هذا التشكيل (فهي الأرض المقدسة) مدفن من دارت عليه فكرة التشيع (أمير المؤمنين. ع) هي عاصمة ما ستؤول إليه فكرة التشيع من عقيدة الإمام المنتظر (عج) وكل هذا لا يمنع من وجود عوامل وهموم وتطلعات مشتركة بينهم وبين غيرهم.(10/94)
إن وعي هذه المقومات متجذرة في نفوس أبناء الطائفة وهو جوهر وجودهم الحقيقي وفي سبيله سالت الدماء الطاهرة على مدى ألف وأربعمائة سنة, دماء الشيعة الذين كانت عقيدة الإمامية نوراً توهج في نفوسهم فهانت دونه الحياة وقبل ذلك سالت دماء أئمتهم عليهم السلام.
بعد فهم ما تقدم أصبح لشيعة العراق حقوقاً ليست لغيرهم من المسلمين وغيرهم وعليهم واجبات ليست على غيرهم ولطبيعة الظرف التاريخي الذي يمر به العراق خصوصاً والعالم عموماً صار الحديث عن لائحة أو وثيقة حقوق الشيعة في العراق أمراً حتمياً.
هذه الحقوق التي يعتبر التفريط بها مقابل حفنة من الشعارات والمكاسب المتوهجة خيانة لعقيدة الإمام ولدماء الأئمة الأطهار والشهداء ولكل العذابات التي توالت على مدى الألف وأربعمائة عام ولكل الأرامل والمستضعفين الذين كانت مقصلة الاقصاء الطائفي المتعمد هي العامل الأهم في كل ما نالوه من هدايا اخوانهم في الدين حكاماً ومحكومين.
وقبل الحديث عن (اللائحة أو الوثيقة) لا بد من القول أنها مطروحة على قياداتنا الدينية والسياسية وهي مشفوعة بمطالبتهم بتحمل مسؤولياتهم التاريخية تجاه إمامهم وعقيدتهم وأبناء جلدتهم وأن يرتقوا ولو لمرة واحدة لمستوى, وتحمل هذه المسؤولية الجسيمة.
وفيما يلي ما يمكن أن نسميه مسودة لوثيقة حقوق الشيعة في العراق.
1-الحقوق السياسية:
بما أن شيعة العراق يشكلون أغلبية كبيرة من العراق ولذا يكون من حقهم الذي يجب أن يسعون إلى تحقيقه هو حكم أنفسهم.(10/95)
يكون لهم التمثيل السياسي الذي يوازي نسبة وجودهم ولن تنفع مقالة الوطن الواحد والوطن للجميع في سلبهم هذا الحق إذ أن الوقائع التاريخية أثبتت أن مثل هذه المقولات يراد بها تبرير فرض السيطرة على مقدرات الشيعة إذ لو كانت صحيحة وكان الوطن للجميع وواحد فلم يتول الشيعة الحكم ولو لمرة واحدة ويمكن أن يتوصل الشيعة إلى حكم أنفسهم وأخذ حقهم السياسي تبعاً لشكل الحكم الذي سيؤول إليه وضع العراق وكما يلي:
أ-الدولة الواحدة ذات السلطة المركزية (حكم مركزي).
في مثل هذه الحالة يجب أن يكون للشيعة باعتبارهم يمثلون أغلبية سكان البلد المنصب السياسي الأول للبلد سواء كان ملكاً أو رئيساً وأن لا يكون هذا المنصب اعتبارياً بل حقيقاً أي أن من يشغله يعتبر الرأس الحقيقي للسلطة في البلد وإذا كان النظام برلمانياً كما هو المتوقع فتكون حصة الشيعة في البرلمان المنتخب بحسب نسبة وجودهم في العراق وتكون نسبتهم في الجيش خصوصاً والوزارات عموماً بحسب تلك النسبة وهذه النسبة تكون محفوظة في الوظائف الحاكمة والوظائف الأخرى.
ب-الدولة الفيدرالية:(10/96)
يجب أن يسعى الشيعة كما الأكراد إلى أن تكون الفيدرالية مبنية على أساس عرقي أو أساس (طائفي) إذ أن ذلك هو الضمان الوحيد لكي لا يسلط على رقابنا من لا يقيم وزناً لعقيدتنا ودمائنا وثقافتنا إذ لمقتضى ذلك تكون المحافظات الشيعية محكومة من أشخاص ومؤسسات شيعية ويكون فرز المحافظات على أساس الأغلبية السكانية وفق إحصاء سكاني دقيق ويتبع الأفراد للمحافظات على أساس وجود بطاقتهم التموينية وبذا تكون كل محافظة ذات أغلبية شيعية تابعة للفدرالية الشيعية. وربما يثار اشكال بأن هذه الفيدرالية سوف تؤدي إلى تقسيم العراق إذا ما أخذ بنظر الاعتبار ما يطالب به الأكراد, ورداً على ذلك نقول إن مصير العراق يجب لا يقرر من وراء الحدود وأن لا تقرره أقلية من سكان العراق (مقابل الشيعة والأكراد) اتخذت من شعار الوحدة الوطنية والخوف على مصير البلد وسيلة لفرض سيطرتها على مقدرات تلك الأغلبية.
2-الحقوق الاقتصادية:
أ-يجب أن يكون للشيعة الحق الأول في ثروات البلاد باعتبار كونهم أغلبية ولا أقل من أن تكون مردودات الثروات المرتكزة في مناطق تواجدهم لهم ولو بنسبتها الأكبر إن لم تكن بكاملها.
ب-بالنسبة لمردودات السياحة الدينية الشيعية فهي من الحق الخالص الذي لا يمكن التنازل عنه لغيرهم.
ج-أن يعوض الشيعة عما فقدوه من فرص للاستثمار والنماء الاقتصادي بسبب السياسات الطائفية السابقة.
د-أن يعوض كل أصحاب رؤوس الأموال والأملاك الشيعة عن ما تم مصادرته من أموالهم وممتلكاتهم.
3-الحقوق الثقافية والدينية والاجتماعية وغيرها:
أ-للشيعة الحق الكامل في ممارسة كافة شعائرهم الدينية وبلا أدنى تحديد وأن لا يكون إعطاء هذا الحق لهم في اعتبار كونه هبة أو منة من جهة تريد بإعطاءه التغطية على سلب الحقوق الأخرى.(10/97)
ب-للشيعة الحق في نشر الثقافة الشيعية في كل المجالات وخصوصاً في التربية والتعليم إذ يجب أن تغير مناهج التاريخ والتربية الإسلامية في مدارس المناطق الشيعية أو في كل العراق إذ ليس من المعقول أن يتعلم أبناء الأغلبية في بلد ما ما يخالف عقيدتهم وتسفه هذه العقيدة بالتصريح أو بالتلميح في مدارسهم.
ج-للشيعة الحق في أن تكون محاكم الأحوال الشخصية وقوانين الأحوال الشخصية وتوابعها على وفق مذهب أهل البيت.
د-للشيعة الحق في أن تكون كامل الأوقاف الشيعية تحت أيديهم سواء كانت في مناطق شيعية أو سنية وغيرها كما لغيرهم الحق في وضع اليد على الأوقاف العائدة إليه, ويجب النظر إلى أصل الوقف فإن كان شيعياً سلم للشيعة وإن كان سنياً سلم للسنة, وبالنسبة لأماكن العبادة التي بنتها الدولة فتكون عائديتها بحسب الأغلبية السكانية إذ أن الجميع هم أبناء الدولة والشيعة كغيرهم في ذلك.
هـ-للشيعة الحق في أن تكون مناسباتهم الدينية وأعيادهم مناسبات رسمية لهم وتكون المناسبات المهمة كعيد الغدير وولادة أمير المؤمنين ويوم استشهاده عطلاً رسمية وأن يعتمد التاريخ الهجري لحوزة النجف في تحديد أيام المناسبات الدينية.
وعلى الدولة أيا كانت أن تعتبر الرموز الشيعية رموزاً وطنية فالأشخاص والتسميات الشيعية يجب أن تكون معتمدة في تسميات المؤسسات والمدارس والشوارع والجامعات الرسمية وغيرها.
وبعد: هذه ما يمكن أن نسميها رؤوس أقلام لمسودة وثيقة حقوق شيعة العراق نضعها أمام زعماء الشيعة سياسيين ودينيين, ونحملهم المسؤولية الكاملة عن التفريط بمصلحة أبناء الطائفة, فمن العجب حقاً أن يتحدث الأكراد بكل إصرار عن حقوقهم ويتباكى السنة لأنهم فقدوا في الثواني الأخيرة من عمر هذا الزمن الطويل سطوتهم بينما لا يوجد زعيم ديني او سياسي شيعي واحد له الجرأة على المطالبة علناً بحقوق أبناء جلدته أبناء طائفة أمير المؤمنين (ع) وكفى به عنواناً وذخراً.(10/98)
والحمد لله رب العالمين.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
فرق الهند المنتسبة للإسلام
في القرن العاشر الهجري
وآثارها في العقيدة
(الجزء الثاني)
هذا مبحث نفيس في تاريخ دخول التشيع للهند, والتشيع في الهند ينقسم إلى الإسماعيلية بفرعيها المستعلية (البهرة) والنزارية (الخوجة), والإمامية الاثنى عشرية, والنور بخشية, والتشيع في الهند وما حولها سبب للعديد من البدع والأفكار المنحرفة, ويتميز الوجود الشيعي في بلاد الهند وما حولها باستخدام العنف ضد أهل السنة بشكل واضح وصريح.
هو إطلاع أهل السنة على أساليب الشيعة في التغلغل في البلاد الإسلامية من أجل مزيد من الوعي...............الراصد.
فرق الشيعة في الهند
ثانياً: الإمامية الاثنا عشرية(1)
تعد الاثنا عشرية إحدى فرق الشيعة الإمامية التي لها وجود معاصر حتى يومنا هذا. وهؤلاء يحصرون الأئمة في اثنى عشر إماماً من آل البيت, وهم على الترتيب كالآتي:
1- علي بن أبي طالب (000-40هـ).
2- الحسن بن علي (3هـ-50هـ).
3- الحسين بن علي (4هـ-61هـ).
4- علي زين العابدين بن الحسين (38هـ-95هـ).
5- محمد الباقر بن علي (57هـ-114هـ).
6- جعفر الصادق بن محمد (83هـ-148هـ).
7- موسى الكاظم بن جعفر (128هـ-183هـ).
8- علي الرضا بن موسى (148هـ-203هـ).
9- محمد الجواد بن علي (195هـ-220هـ).
10- علي الهادي بن محمد (212هـ-254هـ).
11- الحسن العسكري بن علي (232هـ-260هـ).
12- محمد المهدي بن الحسن (256هـ-000).
__________
(1) وتعرف أيضاً باسم (الرافضة) و(الجعفرية) نسبة إلى الإمام جعفر الصادق.(10/99)
وبهذا يتم لهم اثنا عشر إماماً, ولهذا سموا بالاثني عشرية, فهم يشاركون الإسماعيلية في الستة الأول, ويخالفونها في السابع, فيقولون: إن الإمامة انتقلت بعد جعفر الصادق إلى ولده موسى الكاظم, ويقررون أن إسماعيل قد مات في حياة أبيه, فانتقلت الإمامة بعده إلى أخيه موسى. أو أن إسماعيل لم يمت –كما يزعم الإسماعيلية- ولكن صرفت عنه الإمامة لاتصافه بما ينافيها من السلوك إلى آخر المجادلات التي اشتهرت بين الفريقين.
ويعتقد الاثنا عشرية بأن الإمام الثاني عشر دخل سرداباً في دار أبيه بسامرا وأمه تنظر إليه, واختفى, وأنه يخرج في آخر الزمان, فيملأ الدنيا قسطاً وعدلاً(1) .
نشأتها في البلاد الهندية:
أول من وطئت قدماه أرض الهند من الفرقة الاثنا عشرية هو الشيخ علي الحيدري القزويني(2) الذي وصل إلى كهنبايت –من بلاد كجرات- في القرن الثامن الهجري, أسلم على يديه كثير من الهندوس على أصول الاثنى عشرية, كما تشيع عدد كبير من المسلمين(3) .
__________
(1) انظر: الملل والنحل (169, 173). -دراسة عن الفرق (179, 180, 265, 266, 267).
(2) هو: علي الحيدري الهمداني القزويني (000-000).
أحد القادمين من إيران إلى الهند, دخل كجرات ولازم أحد أحبار الهنود, واخذ عنه علوم الهند, لعب دوراً في نشر الاثنى عشرية في ربوع الهند. انظر: نزهة الخواطر (2/83, 84).
(3) انظر: الثقافة الإسلامية في الهند (217, 218).(10/100)
وكان وصول الدعاة الاثنى عشريين من إيران مستمراً من وقت إلى آخر إلى البلاد الهندية حتى تولى مملكة الهند همايون بن باير المغولي(1) بعد وفاة أبيه في مطلع القرن العاشر الهجري, وفي أيامه قويت شوكة شير شاه السوري الأفغاني(2) واستولى على إقليمي بهارة والبنغال, ولم يتمكن الملك همايون من الصمود أمام هجماته بعد أن انهزم في معركة فنوج فغادر دهلي متوجهاً إلى إيران واستنجد بالشاه طهماسب الصفوي(3) هنا وجد الشاه –الذي يعتبر نفسه داعي الاثنى عشرية والمدافع عن حوزتها- فرصة ثمينة لرفع راية عقيدتها في بلاد الهند والأفغان(4) , فعرض على الملك همايون اعتناق هذا المذهب مقابل مساعدته لاسترداد مملكة الهند والأفغان إلى الحكم المغولي من جديد, وهنا يختلف المؤرخون فيما إذا كان هذا الملك قد استجاب لطلب الشاه طهماسب أو لم يستجب.
ولكن الأمر الذي لا شك فيه هو أن الملك همايون أكد للشاه طهماسب فتح أبواب البلاد الهندية لدعاة الشيعة الإيرانيين, ونشر التشيع بين سكانها السنيين بدون عائق, فأمده الشاه بأموال وجنود كان من بينهم ابنه محمد ميرزا بن الشاه طهماسب وأمراء قزلباش, واستطاع همايون استعادة مملكته للمرة الثانية بمساعدة الجيش الإيراني, وبهذا فتحت أبواب الهند أمام الوافدين من إيران, وسمح الملك همايون لعلماء الشيعة الاثنى عشرية القادمين من إيران بنشر التشيع بين السنيين الهنود(5) .
__________
(1) تقدمت ترجمته.
(2) تقدمت ترجمته.
(3) تقدمت ترجمته.
(4) إذ كانت بلاد الأفغان تتبع للحكم المغولي في دهلي آنذاك.
(5) انظر: نزهة الخواطر (4/379-392). -تاريخ الصفويين وحضارتهم (134, 135). الإمام السرهندي حياته وأعماله (38, 39).(10/101)
وما إن تولى الملك أكبر بن همايون عرش مملكة الهند عام (963هـ), وبدأ ينحرف عن جادة الصواب, ويرحب بكل شاردة وواردة, زاد الشيعة نفوذهم في البلاط الملكي, فكان الملك أكبر يحتفي بعلماء الشيعة القادمين من إيران ويجعلهم من خواصه وحاشيته, ويقلدهم المناصب العليا. وكان هؤلاء الشيعة أبرز من يشاركون في المباحثات الدينية في عبادت خانة أمام الملك أكبر ويطعنون على الخلفاء الراشدين الثلاثة رضي الله عنهم ويسبون جميع الصحابة والتابعين, والسلف الصالحين, ويحكمون عليهم بالكفر والفسق, وتمكنوا من إفهام الملك أن الفرق كلها باطلة ما عدا الشيعة مما صعّد من نفوذهم في البلاد(1) .
وقد تزامن انتشار التشيع الاثنى عشري في البلاد الخاضعة للدولة المغولية انتشاره في الأقاليم المستقلة الغربية والجنوبية البعيدة عن الحكومة المركزية في دهلي, فقد شهدت منطقة بيجابور –من بلاد الدكن- انتشاراً ملحوظاً للتشيع الاثنى عشرية, إذ تشيع يوسف عادل شاه(2) –حاكم هذه المنطقة- وخطب للأئمة الاثنى عشر, وبذل قصارى جهده لنشر مبادئ هذا المذهب في ربوع الهند(3) .
__________
(1) كما كان من الشيخ يزدي وغيره في البلاط الملكي الأكبري, وقد سبق الكلام عليه في المبحث الأول من الفصل السادس.
(2) ستأتي ترجمته في أشهر الدعاة.
(3) انظر: تاريخ فرشته (2/104). -نزهة الخواطر (4/398).(10/102)
كما اعتنق برهان نظام شاه(1) حاكم ولاية أحمد نكر –من بلاد الدكن الجنوبية- تحت تأثير الشيخ طاهر بن رضي القزويني(2) وغلا برهان نظام شاه في مذهبه الجديد, حتى أمر الناس بسبّ الخلفاء الراشدين الثلاثة رضي الله عنهم علناً وجهراً في المساجد, والشوارع, والأسواق. وعين رواتب مغرية لمن يقوم بهذه الخدمة, وقام بقتل كثير من أهل السنة والجماعة, كما أسر كثيراً منهم(3) .
وهكذا تشيع السلطان قلي مير علي الهمداني(4) حاكم منطقة تلنكانه –من بلاد الدكن الجنوبية- بعد أن استقل بهذه المنطقة عام (950هـ), وقد وصل إليه الداعي طاهر بن رضي القزويني من منطقة أحمد نكر لتهنئته على تولية السلطان في هذه المنطقة, وقد تشيع هو الآخر تحت تأثيره, كما كان من عادل شاه –حاكم أحمد نكر- وأمر بالخطبة للأئمة الاثنى عشر, وحذف أسماء الخلفاء الثلاثة رضي الله عنهم, كما أمر الخطباء أن يذكروا اسم شاه إيران إسماعيل الصفوي قبل اسمه, وأن يدعوا له. وكان الشيعة في هذه المنطقة أيضاً يقومون بسبّ الخلفاء الراشدين الثلاثة رضي الله عنهم جهراً وعلناً في الأماكن العامة, كما كان الحال في منطقة أحمد نكر المجاورة(5) .
__________
(1) ستأتي ترجمته في أشهر الدعاة.
(2) ستأتي ترجمته في أشهر الدعاة.
(3) انظر: نزهة الخواطر (4/53, 54). -الإمام السرهندي (38).
(4) كان من الأتراك, وقائد قوات السلطان محمود شاه البهمني, في منطقة تلنكانة, فاستقل بها عام (950هـ), وأعلن عن قبوله للمذهب الشيعي الاثنى عشري. انظر: تاريخ فرشته (2/457, 458).
(5) انظر: تاريخ فرشته (2/458, 459). -الثقافة الإسلامية في الهند (218).(10/103)
وهكذا قامت للشيعة الاثنى عشرية دويلات مستقلة في غرب البلاد الهندية وجنوبها في القرن العاشر الهجري, ولعبت هذه الدويلات دوراً مهماً في نشر العقائد الاثنى عشرية في البلاد التابعة لها, كما كان لعلماء الشيعة دور بارز في البلاط المغولي في دهلي, خاصة في عهد الملك أكبر وخلفه الملك جهانكيز, وفي عهد الأخير زادت شوكة الاثنى عشرية في الدولة المغولية لمكانة زوجة الملك جهانكير نور جهان التي كانت شيعية, حتى أن كبير دعاة الشيعية نور الله الشوشتري(1) عين رئيساً للقضاة(2), إلى أن تولى زمام السلطة في الدولة المغولية الملك الصالح عالمكير(3) الذي ندب نفسه لمحاربة جميع البدع والمنكرات, فقضى على البقية الباقية من بدع المذهب الأكبري(4) , كما أخذ على عاتقه محاربة الدويلات الشيعية التي استقلت, فتوجه بنفسه بجيش كثيف إلى بيجابور وقضى على هذه الدويلة, وأعادها إلى الحكومة المركزية, وذلك عام (1097هـ), وهكذا أعاد كولكندة –تلنكانه- وأحمد نكر من بلاد الدكن, واستغرقت هذه الحروب قرابة ستة عشر عاماً, حتى وضعت أوزارها في مطلع القرن الثاني عشر الهجري, وبهذا صارت شبه القارة الهندية كلها في حوزة الملك عالمكير ما عدا أماكن قليلة عند الساحل الشرقي والغربي كانت بأيدي المستعمرين الأوربيين(5) .
__________
(1) ستأتي ترجمته في أشهر الدعاة.
(2) انظر: تاريخ الدعوة الإسلامية في الهند (91).
(3) هو: أبو المظفر محيي الدين محمد أونك زيب عالمكير بن شاهجهان المغولي (1028هـ-1118هـ). ملك صالح, تولى على السلطة عام (1068هـ), بعد أن غلب على إخوته في معركة التولي على السلطة, قضى حياته في خدمة الإسلام, ومصلحة الرعية.
انظر: نزهة الخواطر (6/122-135).
(4) انظر: إصلاحاته في هذا الصدد في تاريخ الدعوة الإسلامية في الهند (122-128).
(5) انظر: تاريخ المسلمين في شبه القارة الهندية وحضارتهم (2/214, 217, 229, 237, 241).(10/104)
وكان الاثنا عشرية منذ ذلك الوقت متفرقين في بلاد الهند, لم تكن لهم جامعة تجمعهم, ولا دولة تدعو إلى مذهبهم حتى نهض الشيخ محمد علي الشيعي أيام آصف الدولة –أمير بلاد أودهـ- وحرض على أن يجمعهم في الصلوات, وألف في ذلك رسالة, فرضي آصف الدولة بذلك, وأمر السيد دلدار(1) –مجتهد الشيعة بالإمامة في الصلوات وكان ذلك في شهر رجب عام (1200)(2) .
وقد بذل الشيخ دلدار المذكور أقصى جهده لإحقاق المذهب الاثنى عشري, وإبطال أهل السنة والجماعة, وألّف في ذلك كتباً كثيرة, أشهرها عماد الإسلام في مجلدات كبار, كما كان آصف الدولة وأخلافه يبذلون العطايا, وإقطاع الأراضي على المتشيعين, فتشيع كثير من الناس طوعاً أو كرهاً. وكانت فتنة عظيمة بين الناس, فنهض الشيخ عبد العزيز المحدث الدهلوي(3)
__________
(1) هو: دلدار علي بن محمد معين عبد الهادي الشيعي (1116هـ-1235هـ). أول من ادعى الاجتهاد من علماء الشيعة في البلاد الهندية. انظر ترجمته في: نزهة الخواطر (7/166-168).
(2) انظر: الثقافة الإسلامية في الهند (218, 219). -رود كوثر (632-633).
(3) هو: عبد العزيز بن ولي الله بن عبد الرحيم الدهلوي (1159هـ-1239هـ).
أحد كبار العلماء في تاريخ الهند: أخذ العلم عن والده وكبار علماء عصره. له مؤلفات كثيرة, منها: تفسير القرآن الكريم المسمى بفتح العزيز, وتحفة اثنا عشرية وبستان المحدثين والعجالة النافعة وغيرها. توفى في دهلي بعد مرض طويل. انظر: نزهة الخواطر (7/267-274).(10/105)
لصد هذا السيل الجارف, وألّف كتابه الشهير تحفة اثنا عشرية(1) الذي هزّ إيوان المذهب الاثنى عشري في البلاد الهندية, وتصدى علماء الشيعة للرد على هذا الكتاب, وألفوا في ذلك كتباً كثيرة(2) .
وهكذا ازداد نشاط الاثنى عشري في كثير من البلاد الهندية أيام انحطاط الدولة المغولية, وبعد انتقال السلطة إلى الأيدي الإنجليزية عام (1275هـ) عمل المستعمر –كعادته- لإضرام النزاع بين أهل السنة والاثنى العشرية حيث اعتبر مدينة لكهنئو مدينة شيعية بحتة لا مكان فيها لأهل السنة, يتعرض فيها أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للسب والشتم علناً, ويحرم على أهل السنة تعظيم الصحابة رضي الله عنهم, وكم من دماء سنية أريقت دفاعاً عن عقيدة أهل السنة, وما زالوا يكتوون بنار فتنة الاثنى عشرية في هذه البلاد حتى أيامنا هذه, وخاصة في المناسبة المحرمية عند إخراج المحمل العزائي يوم عاشوراء(3) .
أماكن وجودهم:
يتمركز الاثنا عشريون حالياً في مدينة لكهنئو, ومرشد آباد, وعظيم آباد, وأودهـ, وبيجا بور, وكولكندة, وتلنكانة وغيرها من البلاد في الهند, وفي مدينة لاهور, وملتان, وكراتشي, وإسلام آباد في باكستان, كما يوجد عدد ضئيل منهم في مدينة داكا في بنغلادش(4).
عقائدهم:
__________
(1) وهو كتاب ضخم باللغة الفارسية, في الرد على الشيعة الإمامية, وترجم إلى لغات أخرى هندية. يوجد له مختصر باللغة العربية, اختصره السيد محمود شكري الألوسي وطبعته المطبعة السلفية في القاهرة, عام (1373هـ), بتحقيق من محب الدين الخطيب, كما أعادت الطبع مكتبة أيشيق في إستنابول بتركيا, عام (1399هـ).
(2) انظر: الثقافة الإسلامية في الهند (219, 220).
(3) انظر: أثر الفكر الغربي (296, 297).
(4) انظر: رود كوثر (616-618).(10/106)
عقائد الإمامية الاثنى عشرية في البلاد الهندية عقائدهم في البلاد الأخرى من الاعتقاد في الإمامة, وخصائص الإمام, ووقوع التحريف في القرآن الكريم, وعدم الاعتماد على السنة النبوية المطهرة, والطعن على جميع الصحابة ولعنهم إلا النادر منهم, والتقية والرجعة, والمهدي المنتظر, وما إلى ذلك(1) .
وفيما يلي بعض السمات البارزة التي اتسمت بها عقائد الاثنى عشرية في البلاد الهندية.
الأولى: عقيدة الولاء والبراء:
أهم عقيدة برزت في أوساط الشيعة الاثنى عشرية في البلاد الهندية هي عقيدة الولاء لأئمتهم الاثنى عشرية, والبراء من الخلفاء الراشدين الثلاثة: أبي بكر, وعمر, وعثمان رضي الله عنهم ووصفهم بأقبح الصفات؛ لأنهم –كما يزعمون- اغتصبوا الخلافة من علي - رضي الله عنه - الذي هو أحق منهم بها, وهم ينالون كذلك من كثير من الصحابة, وأم المؤمنين عائشة –رضي الله عنهم أجمعين-.
ويجد الباحث في تاريخ المذهب الاثنى عشري في البلاد الهندية أنهم كلما وجدوا نفوذاً في مكان, أو استولوا على بلاد, فأول شيء قاموا به هو حذف أسماء الخلفاء الراشدين الثلاثة من الخطبة في الجمع والأعياد, وإحلال أسماء أئمة الاثنى عشر محلهم, وأقدم بعضهم على خطوة أخرى حيث وظّف أناساً على حساب الدولة لسب الصحابة وللطعن واللعن عليهم رضي الله عنهم أجمعين وأما دعاة الاثنى عشرية وعلماؤهم فكان سب الصحابة شعارهم.
كما حصل ذلك في بلاد الملك أكبر من علماء الشيعة القادمين من إيران من لعن وطعن على الخلفاء الراشدين, ولكثير من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
__________
(1) انظر عقائد الاثنى عشرية في: دراسة عن الفرق في تاريخ المسلمين (182-244).(10/107)
وكما كان من برهان نظام شاه –حاكم أحمد نكر- ومن يوسف عادل شاه –حاكم بيجا بور- ومن السلطان قلي مير علي الهمداني –حاكم تلنكانة- ومن حكام الشيعة وعلمائهم في مدينة لكهنئو(1) . وما زال الاثنا عشريون ينالون من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مناطق نفوذهم في الهند وباكستان حتى هذه الأيام(2) .
الثانية: الحسينيات:
جمع الحسينية نسبة إلى الحسين بن علي رضي الله عنهما. ويسميها الشيعة إمام بازه –أي بيت الإمام- ويقصدون بالإمام الحسين - رضي الله عنه -.
وقد دأب الشيعة في البلاد الهندية على اتخاذ الأضرحة من الثياب والقضبان كل سنة في شهر محرم, ويعملون التماثيل من القرطاس والخشب والقماش, كما يصنعون تمثالاً يسمونه بالبراق ويضعون هذه الأشياء في بيت يبنونه لذلك, ويسمونه إمام بازه –أي بيت الإمام-, وهو المعروف بالحسينية.
وفي شهر محرم يجتمعون في هذا البيت للاحتفال, فيزينون البيت أحسن زينة, ويوقدون فيه الشموع, فيذكرون قصة كربلاء نظماً ونثراً ويبكون ويلطمون وجوههم, ويقدّون جيوبهم, ثم يطوفون بالأسواق والشوارع بالطبول والأعلام, وينشدون المراثي, فيبكون ساعة ثم ينادون بأعلى صوتهم حسين حسينو ويضربون أيديهم على صدورهم بشدة وقوة وغير ذلك من الخرافات التي يطول ذكرها(3) .
__________
(1) سبق الحديث عنهم قبل قليل.
(2) توجد في باكستان حالياً منظمتان للشيعة الاثنى عشرية: إحداهما: باسم سباه محمد –أي جند محمد-, والثانية: باسم تحريك جعفري –أي الحركة الجعفرية- تهتم هاتان المنظمتان بإثارة الشغب, وإشاعة القلاقل في البلاد عن طريق اللعن والطعن على الصحابة, ونشر العنف, وقد ذهب كثير من علماء السنة ضحايا عنف هاتين المنظمتين, خاصة في مدينة كراتشي وملتان ولاهور.
(3) انظر: الهند في العهد الإسلامي, للشيخ عبد الحي الحسني (464), تحقيق: الدكتور عبد العلي الحسني, طبعة (1392هـ), دائرة المعارف العثمانية, حيدر آباد, الدكن – الهند.(10/108)
من هذه الحسينيات المشهورة في البلاد الهندية الحسينية الكبيرة التي بناها آصف الدولة –أمير بلاد أودهـ- في مدينة لكهنئو عام (1207هـ), وأنفق في بنائها أموالاً طائلة, وهي عبارة عن ثلاث عمائر ضخمة تحتوي على أضرحة وتماثيل وأشياء أخرى.
ومنها حسينية حسين آباد بناها محمد علي شاه –أمير بلاد أودهـ- عام (1258) في مدينة لكهنئو أيضاً.
ومنها حسينية نجف بناها غازي الدين حيدر عام (1243هـ), وسماها باسم النجف.
ثم انتشرت هذه الحسينيات في كبرى المدن في البلاد الهندية التي يوجد فيها الاثنا عشريون(1) .
أشهر الدعاة:
برز دعاة كثيرون في البلاد الهندية في القرن العاشر الهجري من العلماء والحكام الذين أدوا دوراً مهماً في نشر عقائد المذهب الاثنى عشري في ربوع هذه البلاد, وأشهرهم:
1- يوسف عادل شاه:
هو يوسف عادل شاه البيجا بوري (000-916هـ). يقال: إنه ينحدر من العائلة العثمانية, وكان من أبناء مراد بن بايزيد اليلدرم (ت854هـ), خرج من تركيا بعد وفاة أبيه خوفاً من القتل, ثم دخل الهند واستقر في أحمد آباد –من بلاد كجرات- وخدم سلطانها حتى أصبح والياً على منطقة بيجا بور واستقل بها عام (895هـ), ثم توسع ملكه إلى البلاد المجاورة, ولقب نفسه بـ (عادل شاه)(2) .
وفي عام (908هـ) عقد مجلساً دعا إليه كبار علماء الشيعة آنذاك, وقال لهم: إنه كان في بداية حياته لما كان لما كان طريداً عن البلاد, يتجول في الأسواق, رأى في المنام أن الخضر جاءه وبشّره بأن الله سبحانه وتعالى سيرفع عنه هذا الذل, ويمكنه من الجلوس على عرش السلطنة, وأوصاه أن لا ينسى الله تعالى حين يمسك زمام الأمور بيده, ويظل محباً لأئمة آل البيت, ويبذل قصارى جهده لنشر مذهب الشيعة في الدنيا كلها(3) .
__________
(1) نفس المصدر (465, 466).
(2) انظر: نزهة الخواطر (4/397).
(3) انظر: تاريخ فرشته (2/104).(10/109)
وأخذ يوسف عادل شاه على عاتقه نشر عقائد المذهب الاثنى عشري, ففي شهر ذي الحجة من العام (908هـ) أصدر أمراً لإضافة كلمة علياً ولي الله في الأذان, كما أمر حذف أسماء الخلفاء الراشدين الثلاثة رضي الله عنهم من الخطبة, وأن يخطب للأئمة الاثنى عشر(1).
وقد استخدم يوسف عادل شاه قوته وسلطته في نشر الفرقة الاثنى عشرية, فاعتنق كثير من الأمراء, وقادة الجيوش مبادئ هذه الفرقة, كما عزل آخرين من مناصبهم ممن رفضوا هذا الاتجاه للحاكم.
ثم أقدم يوسف على خطوة أخرى بأن بعث بعض كبار أمرائه إلى الشاه إسماعيل الصفوي –شاه إيران- بهدايا ثمينة, وتحف غالية, وقدم ولاءه للشاه على إعلان المذهب الاثنى عشري في إيران كما بشره بأن منطقة بيجا بور أصبحت منطقة اثنى عشرية, يخطب فيها للأئمة الاثنى عشر(2) .
2- الشيخ طاهر بن رضي:
هو طاهر بن رضي الدين بن مؤمن شاه الهمداني القزويني (000-956هـ).
قدم الهند من إيران وسكن أحمد نكر عام (928هـ). وكان يلقي الدروس في مختلف العلوم والفنون, ويشتغل بالدعوة إلى التشيع الاثنى عشري. ولما مرض عبد القادر بن برهان نظام شاه –حاكم أحمد نكر- وعجز الأطباء عن علاجه, قلق السلطان من أجل ذلك, فقام طاهر رضي الدين وبشره بالشفاء العاجل إن هو قبل المذهب الاثنى عشري, وأخذ على ذلك العهد والميثاق, فلما شفي الولد, اعتنق برهان شاه المذهب الاثنى عشري فلقّنه الشيخ طاهر رضي الدين أصول المذهب, وطريقة الولاء والبراء, كما أمره أن يخطب للأئمة الاثنى عشر على المنابر في الجمع والأعياد, وبنشر مذهب الإمامية في البلاد. وتشيع مع برهان شاه أهل بيته, وخدمه, وعساكره(3) .
__________
(1) نفس المصدر (2/105).
(2) المصدر نفسه (2/106, 110).
(3) انظر: نزهة الخواطر (4/163-165).(10/110)
وله مصنفات كثيرة, منها: شرح الجفرية في فقه الإمامية وحاشية على تفسير البيضاوي وحاشية على الإشارات والمحاكمات والمجسطي والشفاء وغيرها(1) .
3- برهان نظام شاه:
هو برهان بن أحمد بن الحسن الأحمد نكري (000-961هـ). قام بالملك بعد وفاة والده عام (914هـ), تشيع على يد طاهر بن رضي الدين القزويني, وتلقن منه طريقة الولاء والبراء, وأصول المذهب, وأمر بالخطبة باسم الأئمة الاثنى عشرية في الجمع والأعياد, وحذف أسماء الخلفاء الراشدين الثلاثة رضي الله عنهم(2) .
وقد بالغ برهان شاه في الدعوة إلى المذهب الاثنى عشري, ويعينه في ذلك الشيخ طاهر بن رضي القزويني والشيخ أحمد النجفي, وقد استُدعي آخر الذكر من إيران لمناظرة علماء أهل السنة وإفحامهم, وكان من نتيجة ذلك أن تشيع عدد كبير من الأمراء والعساكر وعامة المسلمين, ولما رفض علماء أهل السنة التشيع أمر بقمعهم بدون رأفة, فقتل عدد كبير من أهل السنة, كما أسر كثير منهم(3) .
وقد أصدر الملك برهان شاه أوامره لمصادرة جميع أوقاف أهل السنة, وتحويلها لنشر المذهب الاثنى عشري. وفتح مطعماً عاماً باسم الإمام الثاني عشر لإطعام جميع الناس الذين قبلوا المذهب المذهب الاثنى عشري, ووقف لمصاريف هذا المطبخ مدناً بأكملها(4) . ثم أقدم على خطوة أخرى –وهي أخطرها- أن أمر الشيعة أن يسبوا الخلفاء الراشدين الثلاثة رضي الله عنهم, ورتّب للسابين مكافآت ضخمة من خزانة الدولة(5) .
ولما علم شاه إسماعيل الصفوي –شاه إيران- جهود الملك برهان شاه في نشر المذهب الاثنى عشري بعث إليه نديمه الخاص آقا سليمان طهراني لتهنئته على قبول هذا المذهب مع هدايا غالية من الجواهر الكريمة(6) .
__________
(1) نفس المصدر (4/165).
(2) انظر: تاريخ فرشته (2/312, 313).
(3) انظر: تاريخ فرشته (2/314, 315).
(4) المصدر نفسه (2/315).
(5) انظر: نزهة الخواطر (4/54).
(6) انظر: تاريخ فرشته (2/318).(10/111)
توفي برهان شاه في أحمد نكر عام (961هـ), بعد أن قضى سبعة وخمسين عاماً في مؤازرة المذهب الاثنى عشري, بكل ما يملك من قوة(1) .
4- قاضي نور الله شوشتري:
هو نور الله بن شريف نور الله الحسيني المرعشي الشوشتري (956هـ-1019هـ).
ولد في مدينة شوشتر الإيرانية, طلب العلم في المشهد, ثم قدم الهند, ولاه الملك أكبر القضاء في لاهور, وفي أيام الملك جهانكير أصبح رئيساً للقضاة. كان من كبار علماء الإمامية ودعاتهم, ويخفي مذهبه عن أهل السنة تقية, ويقضي على مذهبه الإمامي. وإذا اعترض عليه أحد يرد عليه بأنه يقضي على المذاهب الأربعة إذا ظهر له الدليل. وهكذا كان يحتال ويقضي بأحكام المذهب الإمامي(2) .
كان القاضي نور الله يؤلف الكتب في التشيع, ويشنع فيها على أهل السنة تشنيعاً بالغاً, وكان يخفي مصنفاته من غير الشيعة, ويبالغ في الإخفاء حتى وصل كتابه مجالس المؤمنين إلى بعض العلماء, فعرضه على الملك جهانكير, ولما ثبت لدى الملك أنه رافضي إمامي أمر أن يضرب بالدرة, فهلك من ساعته, ولقبه الشيعة بالشهيد الثالث(3) .
وله مصنفات كثيرة, أشهرها: مصائب النواصب ومجالس المؤمنين والصوارم المهرقة في رد الصواعق المحرفة وإحقاق الحق وإزهاق الباطل(4) وغيرها.
من الفروق البارزة بين الإسماعيلية والاثنى عشرية:
فيما يلي بعض الفروق البارزة بين فرقتي الإسماعيلية والاثنى عشرية:
__________
(1) نفس المصدر (2/325).
(2) انظر: نزهة الخواطر (5/425). -رود كوثر (400).
(3) انظر اردو دائرة معارف إسلامية (22/490). -نزهة الخواطر (5/426).
(4) انظر: تذكرة علماء هند (532). -نزهة الخواطر (5/427).(10/112)
1- يعتقد الإسماعيلية أن الإمامة انتقلت بعد جعفر الصادق إلى ابنه الأكبر إسماعيل؛ ولهذا سموا بالإسماعيلية, بينما يعتقد الاثنا عشرية أن الإمام بعد جعفر الصادق ابنه موسى الكاظم, وهو الإمام السابع عندهم, ويسوقون الإمامة فيمن بعده حتى الإمام الثاني عشر, ولهذا سموا بالاثنى عشرية.
2- يعتقد الاثنا عشرية أن الإمامة قد انتهت بالإمام الثاني عشر, وهو محمد بن الحسن العسكري ويلقبونه بالحجة القائم المنتظر. ويعتقد الإسماعيلية أن الإمامة تستمر إلى يوم القيامة؛ لأن الكون لا يستطيع البقاء لحظة دون إمام, فلو فقد ساعة واحدة, لماد الكون, وتبدد. والإمام بما أوتيه من معرفة خارقة للعادة يعرف أي أبناءه قد نالها بالنص(1) .
3- خاضت الإسماعيلية الفلسفة كاملة حتى أصبحت من صميم عقائدها, داخلة في الدور الباطني المخيف. وأما الاثنا عشرية لم تخض في الفلسفة كالإسماعيلية(2) .
4- يعرف الإسماعيلية بالباطنية أيضاً, ويعرف الاثناء عشرية بالرافضة والمذهب الجعفري(3) .
5- ومن الفروق بين الإسماعيلية والاثنى عشرية ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية: ((... والإمامية الاثنا عشرية خير منهم –أي: من الإسماعيلية- بكثير, فإن الإمامية مع فرط جهلهم وضلالهم فيهم خلق مسلمون باطناً وظاهراً, ليسوا زنادقة منافقين, لكنهم جهلوا وضلوا واتبعوا أهواءهم. وأما أولئك فأئمتهم الكبار العارفون بحقيقة دعوتهم الباطنية زنادقة منافقون, وأما عوامهم الذين لم يعرفوا باطن أمرهم فقد يكونوا مسلمين))(4) .
إيران: معضلة التعايش بين نظرية ولاية الفقيه
والديمقراطية
د. طلال صالح بنان
كلية الاقتصاد والإدارة – جامعة الملك عبد العزيز
__________
(1) انظر: الحركات الباطنية في الإسلام, لمصطفى غالب (100), دار الكتاب العربي.
(2) انظر: دراسة عن الفرق في تاريخ المسلمين (272).
(3) انظر: دراسة عن الفرق في تاريخ المسلمين (180, 181).
(4) انظر: منهاج السنة النبوية (2/452, 453).(10/113)
السياسة الدولية – العدد 155 يناير 2004
تعيش إيران هذه الأيام مرحلة مخاض سياسي كبيراً.. وتفاعلات سياسية داخلية عميقة تطال حركة الدولة والمجتمع ومستقبل نظام القيم الذي أتت به الثورة الإسلامية في إيران وحكمت بموجبه البلاد طوال ما يقرب من ربع قرن, هذه التحولات التي تتفاعل (ظاهرياً) في حركة لصراع سياسي بين ما يسمى بالإصلاحيين والمحافظين تعكس –في حقيقة الأمر- التحدي الكبير الذي تواجهه إيران في محاولة التحول نحو الديمقراطية مع الإبقاء على دور قوى للإسلام في حركة مؤسسات النظام السياسي الإيراني كأهم مرتكزات نظام القيم الذي يحكم الدولة والمجتمع في إيران بعبارة أكثر تحديداً: مشكلة التعايش بين الإسلام نظرية ولاية الفقيه على وجه الخصوص والديمقراطية(1) .
وسيترتب على كيفية تعامل النظام السياسي الإيراني مع هذه المشكلة ليس فقط مستقبل نظام الثورة في إيران ومستقبل الاستقرار السياسي في البلاد بصفة عامة… بل نتائج كبيرة في العديد من الدول الإسلامية التي تواجه ولو بدرجات مختلفة مشكلة التحول الديموقراطي بها سواء بسبب ضغوط محلية أو خارجية مع محاولة الاحتفاظ ببعض مظاهر الاتجاهات التقليدية ذات الخلفية الدينية في تلك المجتمعات(2) .
__________
(1) Startfor Foundation, Where is Iran Headed? Startfor Foundation, Iran Expert, September 2002.
(2) هناك 50% من سكان الدول الإسلامية من الشباب تحت سن 30 سنة يعيشون في عصر السماوات المفتوحة ويتعرضون لكافة مظاهر الحياة في المجتمعات الديموقراطية المتقدة ويتطلعون نحو المزيد من المشاركة السياسية في مجتمعاتهم. أنظر: Radwan Massoudi, "Islam and Democracy Between The Past, The Present, and the Future": International Conference on Islam and Democracy, Algeria, March 20-22, 2002.(10/114)
نتيجة لذلك طرحت في هذا الشأن تساؤلات وإشكاليات حول قدرة الفكر السياسي الإسلامي والنظرية السياسية الإسلامية بشكل عام على التجاوب مع اتجاهات الليبرالية السياسية والديمقراطية, كأحد مظاهر تطور المجتمعات الحديثة والتحول نحو العولمة على صعيد حركة النظام العالمي.
تجربة نظام الثورة الإسلامية في إيران لا يوفر فقط الحركية اللازمة لملاحظة التطور في النظرى السياسية الإسلامية بل إن تعقيدات البيئة الداخلية للمجتمع الإيراني في إطار تعقيدات أوسع على مستوى البيئة الخارجية للنظام الدولي تفرض مثل هذا التطور في النظرية السياسية الإسلامية, مما يزيد من تعقيدات معضلة العلاقة بين الإسلام والديمقراطية في إيران كما هو الحال في معظم المجتمعات الإسلامية وبنسب متفاوتة هناك أكثر من نصف السكان بها ممن أعمارهم تحت 25 سنة.. وهناك 24 مليوناً في مراحل الدراسة ما يقرب من ثلث سكان البلاد مما يفرض ضغوطاً مستقبلية على النظام السياسي للتعامل مع مشكلة البطالة.. وتلبية الحاجات المتزايدة الاقتصادية للمواطنين.. وتكريس المزيد من الحريات الفردية.. والمطالبة باتساع نطاق المشاركة السياسية(1) .
__________
(1) هناك من يرى وجود ثلاثة أجيال في إيران الآن: جيل قام بالثورة وشارك في الحرب مع العراق.. وجيل ثان قام بإعادة بناء ما دمرته الثورة والحرب معاً.. وجيل ثالث (يمثل ثلثي سكان إيران) تمتع بمنجزات الثورة وعانى من سلبياتها ويتطلع إلى التغيير وبدأ –بالفعل- بمحاسبة رموز الثورة التقليديين ويتطلع لتحقيق طموحاته السياسية في الحرية الفردية والمشاركة السياسية في عالم يتطور بعنف من حوله. يؤيد هذا التيار الأخير الرئيس محمد خاتمي ويعتمد عليه الرئيس خاتمي في مواجهته للتيار التقليدي المحافظ انظر: بيزن إيزدي مدخل إلى السياسية الخارجية لجمهورية إيران الإسلامية ترجمة سعيد الصباغ (القاهرة: الدار الثقافية لنشر 2000) ص14.(10/115)
لقد مثلت نظرية ولاية الفقيه كأطروحة بنيوية في الفكر الإسلامي الشيعي إحدى القضايا الهامة في الجدل حول التجربة السياسية الإيرانية في عهد الثورة.. وهذه النظرية في ظل إفرازاتها التطبيقية في تجربة عهد الثورة الإسلامية في إيران خلقت مجالات كثيرة للنقاش حول أبعادها وإشكالياتها السياسية.. هل أصبحت ولاية الفقيه مطية لرجال الدين في مسعاهم لاحتكار السلطة.. وفرض شرعية حكمهم اعتماداً على ما يدعونه من تفويض إلهي وبالتالي: حرمان الجمهور من ممارسة السلطة أو التحكم في مصير حركتها بصورة مباشرة أو غير مباشرة؟ وقد برز من خلال هذا الجدل في إيران منهجان مختلفان.
الأول: منهج يؤيد بشدة ولاية الفقيه: ويرى أنها ولاية تقترب من إرادة ولاية الإمام الغائب وتحضر المجتمع والدولة لعودته المنتظرة وهي لذلك تتمتع بقدسية دينية جليلة خاصة ولا تجب معارضة نظامها وليس هناك حرية للأمة في محاسبة ولي الأمر (الفقيه) والخروج عليه أو محاولة عزله أو حتى دور في اختياره.
الثاني: يناهض بقوة ولاية الفقيه ويعتبرها مرادفاً للاستبداد والديكتاتورية وفساد الحكم واحتكار السلطة بيد الملالي ويراها أنصار هذا المنهج بمثابة عودة لعهود الظلام حيث كانت تسيطر الكنيسة في العصور الوسطى على مجتمعات الغرب(1) .
__________
(1) مرتضى معاش "حقيقة العلاقة بين ولاية الفقيه والحرية" مجلة النبأ العدد 41 شوال 1420 يناير 2000ص3.(10/116)
وبعد ما يقرب من ربع قرن على الثورة الإسلامية في إيران هناك متغيرات كثيرة جرت على الساحة الإيرانية لعل من أبرزها هذا الجدل حول ولاية الفقيه التي أراد نظام الثورة أن تشكل أيديولوجية متماسكة ومتكاملة لممارسة الإسلام السياسي… وتسلل أفكار حول المجتمع المدني والحكومة المدنية التي جرى استخدامها في حركة الصراع السياسي على السلطة في نظام الثورة الإسلامية في إيران من قبل المعارضين من داخل النظام أو خارجه إما لمواجهة رجال الدين الذين يسيطرون على المؤسسات التي تمتلك عناصر القوة والقهر في المجتمع والدولة (الحرس الثوري – قوات الأمن).. أو بغرض أسلمة المفهوم (ولاية الفقيه) بمعنى: البحث عن مجتمع مدني إسلامي.. أو بهدف تكريس المعنى الغربي خارج نطاق الخلفية التقليدية للمفهوم بمعنى: الحفاظ على حقوق المواطن والدفاع عن الحريات المدنية وخلق مؤسسات سياسية تقوم على أسس التعددية السائدة في المجتمع الإيراني من أجل المزيد من المشاركة السياسية والديمقراطية.
هذه الدراسة تهدف لتأصيل هذه المتغيرات التي تتفاعل على مستوى الدولة والمجتمع وحركة السلطة في إيران لمعرفة ما إذا كانت تمثل مرحلة جديدة مقدمة عليها تجربة عهد الثورة الإسلامية في إيران قد تفقد ذلك النظام أهم خصائص خلفيته الإيدلوجية كما تقول بها نظرية ولاية الفقيه.. أم أن نظام الثورة الإسلامية في إيران يتجه نحو محاولة للتكيف (Adaptation) داخل نطاق حركة مؤسساته السياسية مع الإبقاء على السمات الرئيسية لخلفيته الأيدلوجية (ولاية الفقيه) لتكريس سيطرة مستمرة لرجال الدين.. وما إذا كانت تجربة نظام الثورة الإسلامية في إيران تمثل إضافة منهجية وفلسفية لتطور النظرية السياسية الإسلامية.
أهمية الدراسة:(10/117)
تعد إيران من دول الجوار العربي التي تؤثر على محيطها, حيث تتأثر مجتمعات وأنظمة الدول المجاورة لإيران بما يحدث فيها من تحولات بصورة مباشرة أو غير مباشرة. وليس أدل على ذلك من قيام الثورة الإسلامية في إيران في أواخر السبعينات من القرن الماضي وما صاحبه من محاولة قادة إيران تصدير الثورة إلى الدول المجاورة.. واندلاع حرب إقليمية بين إيران والعراق استمرت ثماني سنوات كرد فعل لمحاولة تصدير الثورة للمجتمعات المجاورة كذلك من المحتمل أن يتمخض عن الصراع السياسي الدائر في إيران هذه الأيام بين الإصلاحيين والمحافظين تداعيات سياسية لا تقتصر على المجتمع والدولة في إيران بل قد تمتد إلى مجتمعات إسلامية مجاورة حيث قد تؤثر على شكل العلاقة بين الإسلام وحركة السلطة والقيم التي تستند عليها شرعيتها في عدد من دول العالم العربي والإسلامي المجاورة لإيران. ويزداد الأمر أهمية وتأثيراً عند معرفة مدى الامتدادات العرقية والمذهبية لإيران الفارسية والشيعية في عدد من مجتمعات دول العالم العربي المجاورة لإيران ودول آسيا الوسطى الإسلامية التي قد ترى في النموذج الإيراني تطوراً في النظرية السياسية الإسلامية التقليدية لمفهوم السلطة في المجتمع المسلم ومكانتها الأمر الذي يوفر احتمالاً لقابلية المحاكاة والتطبيق في تلك المجتمعات الإسلامية وغيرها. فإيران تتداخل مع دول الجوار عرقياً ولغوياً ومذهبياً: جزء من سكان أفغانستان شيعة ويتحدثون الفارسية.. وفي طاجكستان أقلية شيعية.. وتتداخل إيران مع أذربيجان من الناحية العرقية والمذهبية.. وفي العالم العربي هناك عدد من الدول العربية خاصة على الخليج العربي توجد بها أقليات شيعية.. يوضح الجدول التالي هذا التداخل بين إيران ودول الجوار عرقياً ومذهبياً ولغوياً.(10/118)
كانت الثورة الإيرانية مصدر إلهام للنخب الحاكمة في جمهوريات آسيا الوسطى بعد تفكك الاتحاد السوفييتي في بداية عقد التسعينات من القرن الماضي التي رأت في نظام إيران الثورة نموذجاً قابلاً للتطبيق في دولهم ومجتمعاتهم بعد الاستقلال. أما في العالم العربي وبحكم الجوار الجغرافي والامتدادات المذهبية والعرقية في مجتمعات بعض الدول العربية وبصفة خاصة دول الخليج العربية يلاحظ تأثير إيراني بشكل أو بآخر حيث شهدت العلاقات العربية الإيرانية فترات متواصلة من الجزر تراوحت بين مطالبة الشاه بضم البحرين عند استقلالها عام 1971 والاستيلاء على الجزر الإماراتية طنب الكبرى والصغرى وأبو موسى عند مدخل الخليج العربي.. وزاد من التوتر قيام الثورة الإسلامية عام 1979 وتبني نظام الملالي الجديد في إيران لشعار تصدير الثورة مما قاد إلى الحرب العراقية الإيرانية 80-1988 وكانت أبرز مظاهر التوتر مع دول الخليج العربية بعد قضية احتلال الجزر الإماراتية في الخليج أحداث الحرم الشريف بمكة المكرمة 1980, وقطع العلاقات مع المملكة العربية السعودية عام 1988... وأحداث البحرين 94-1996.. واتهام البحرين لإيران بمحاولة قلب نظام الحكم عام 1996(1) .
__________
(1) أحمد سعيد عبد المؤمن البحرين وإيران: صفحة جديدة في صيف ساخن إسلام أون لاين 25/8/2002.(10/119)
ولعل أبرز مثال على التأثير الإيراني في العالم العربي نشأة حزب الله في لبنان عام 1983 بعد الثورة بأربع سنوات مباشرة عقب الغزو الإسرائيلي للبنان واحتلال جنوب لبنان عام 1982.. وقد كانت لبنان قبل الثورة الإسلامية في إيران من أهم مراكز المعارضة الشيعية لحكم شاه إيران التي اندلعت عقب اعتقال الإمام الخميني عام 1963 حيث قاد المعارضة لحكم الشاه الإمام موسى الصدر وحتى اختفائه 1978 في ليبيا وقد أصبح حزب الله في لبنان رقماً مهماً في معادلة حركة الصراع العربي الإسرائيلي بعد اجتياح إسرائيل لجنوب لبنان عام 1982(1) .
إلا أنه كان هناك دور إيجابي للإصلاحيين في إحداث نقلة نوعية في علاقات إيران بدول الجوار العربية بعد رحيل الخميني, تطورت بشكل مطرد بتولي الرئيس خاتمي السلطة في إيران. بدأت هذه الحقبة الإيجابية في علاقات إيران بالدول العربية باستئناف العلاقات الدبلوماسية مع المملكة العربية السعودية عام 1991 ثم مع الكويت 1999 وتهدئة الوضع حول ترسيم الحدود البحرية مع الكويت والمملكة العربية السعودية حول حقل الدرة البحري للغاز الطبيعي.. ووقعت اتفاقية أمنية مع المملكة العربية السعودية في أبريل 2001.. وقام الرئيس خاتمي بزيارة للرياض في 14 سبتمبر 2002 واستقبل الشيخ حمد بن عيسى ملك البحرين في طهران في أغسطس 2002(2) .
وتتناول هذه الدراسة التطورات الأخيرة في إيران لعلاقتها بموضوع الدراسة الأساسي الخاص بمعضلة التعايش بين نظرية ولاية الفقيه والديمقراطية من خلال معرفة:
أولاً: حقيقة هذه التطورات المتفاعلة على الساحة الإيرانية.
ثانياً: أسباب هذه التطورات.
ثالثاً: تأثير هذه التطورات على مستقبل النظام السياسي الإيراني.
فروض الدراسة:
__________
(1) شمعون شابيرا حزب الله بين لبنان وإيران (بيروت: مركز الإعلام الفلسطيني 2000).
(2) رمضان عويس "إيران والخليج": نقلة نوعية في العلاقات إسلام أون لاين 20/9/2002.(10/120)
تنطلق الدراسة من عدد من الفروض
1-أن المجتمع الإيراني يمر بتحولات كبيرة تكاد تكون جذرية تتعدى مسألة الصراع على السلطة بين المحافظين والإصلاحيين لتشمل تهديداً حقيقياً للسلطة الدينية للملالي التي تعبر عنها نظرية ولاية الفقيه.
2-أن شخصية الإمام الخميني الكارزماتية طوال فترة حكمه منعت الجدل بين التيارات والقوى السياسية حول السند الشرعي لولاية الفقيه وأذنت وفاته بإدخال تعديل على نظرية ولاية الفقيه بفعل تنامي دور القوى الاجتماعية الجديدة على الساحة الإيرانية.
3-أن التطورات المتفاعلة على الساحة الإيرانية تعدت مرحلة المساومة السياسية على الحلول الوسط بين التيارين الإصلاحي والمحافظ في سبيل المحافظة على الوضع الراهن إنما ستدفع التطورات بفئة ناشئة جديدة من أجل المزيد من الديمقراطية لتغليب كفة التيار الإصلاحي.
الدراسات السابقة:
نظراً لما لهذه التطورات على الساحة الإيرانية من تأثير مباشر على تيارات الفكر السياسي الإسلامي المختلفة وتطور النظرية السياسية الإسلامية بشكل عام أوجدت التطورات السياسية في تجربة نظام الثورة الإسلامية في إيران اهتماماً ملحوظاً بين الدارسين المهتمين بالشأن الإيراني وبهذه التطورات عبرت عنه دراسات شتى يمكن تصنيفها كالتالي:
النوع الأول: دراسات تاريخية حول الثورة الإيرانية وجذورها النظرية والفكرية وتأثيراتها من أهمها: دراسة فتحي عبد العزيز "الخميني: الحل الإسلامي والبديل". ودراسة إبراهيم الدسوقي شتا "حول الجذور الفكرية للثورة الإيرانية".
النوع الثاني: دراسات حول الانتخابات الإيرانية والظواهر التي صاحبتها والقوى التي أفرزتها أبرزها: دراسات الدكتور حسن أبو طالب وأحمد بهي الدين حول انتخابات عام 2000 ماذا بعد فوز الإصلاحيين ضمن سلسلة كراسات استراتيجية.. ودراسة بولنت أراس وأحمد منيسي حول مؤشرات الانتخابات الإيرانية ضمن نفس السلسلة.(10/121)
النوع الثالث: دراسات حول التحولات في إيران وعلاقة ذلك بالتحولات في العالم مثل: دراسة محيي الدين قاسم "إيران والعولمة" ودراسة بولنت أراس "التحولات في النظام السياسي الإيراني" مجلة الشئون الدولية للشرق الأوسط عام 2000.
منهج الدراسة:
سوف تعتمد الدراسة على عدد من المناهج الأكاديمية البحثية:
المنهج التاريخي التفسيري: لرصد التيارات السياسية في سياق حركة العملية السياسية في إيران وليس مجرد سرد الأحداث بعيداً عن المنطلقات الفكرية لنصوص وأدبيات نظرية ولاية الفقيه. بمعنى آخر: ربط التطورات السياسية على مسرح الحياة السياسية في إيران قبل وبعد الثورة الإسلامية وما تطور بعد ذلك من توجهات وتطورات بعيداً عن المنطلقات الفكرية والجذور النظرية لعهد الثورة الإسلامية في إيران بما يقود إلى ربط التطورات السياسية بتطور النظرية السياسية لمزيد من الفهم والاستيعاب للحدث وصولاً لرفع كفاءة النظرية السياسية الإسلامية على وجه الخصوص في فهم الواقع.. وتوقع نمط سلوك وحركة الظاهرة السياسية المستقبلية.
المنهج القانوني المؤسساتي: بالتركيز على الأوضاع الدستورية في إيران ومدى استجابة حركة المؤسسات السياسية في علاقتها ببعضها البعض في ما يخص اختصاصاتها ووظائفها بقيم الممارسة السياسية التي جاءت في الدستور(1) .
المنهج التحليلي: خاصة منهج دراسة النظم كما طورته المدرسة السلوكية ومرحلة ما بعد المدرسة السلوكية وفق رؤية ديفيد إيستون الوظيفية الهيكلية(2) .
__________
(1) انظر: محمد نصر مهنا الوجيز في مناهج البحوث السياسية والإعلامية (القاهرة: دار الفجر للنشر والتوزيع 1996) ص 9-30.
(2) انظر: محمد أحمد مفتي "المنهجية السياسية الغربية تحليل نقدي" مجلة العلوم الاجتماعية المجلد الخامس عشر العدد الثاني صيف 1987 (الكويت: جامعة الكويت 1987) ص 65-82.(10/122)
بالإضافة إلى المنهج التحليلي الكمي الإحصائي لرصد التحولات في النظام الإيراني والتطورات الاقتصادية التي حفزت ذلك من خلال تتبع المؤشرات الإحصائية وقراءة مدلولات تلك التحولات.
تقسيم الدراسة:
لدراسة التحولات المتفاعلة في نظام الثورة الإسلامية في إيران وأثر ذلك على مصير مستقبل الخلفية الأيدلوجية للنظام كما صاغتها نظرية ولاية الفقيه تم تقسيم الدراسة إلى عدة أجزاء:
الأول: معالم الظواهر الجديدة في الساحة السياسية الإيرانية.
الثاني: نظرية ولاية الفقيه ومؤسسات الحكم في إيران.
الثالث: مغزى التحولات الجديدة في إيران.
القسم الأول
الظواهر الجديدة في إيران(10/123)
رغم نجاح الثورة الإسلامية في إيران في إسقاط نظام الشاه واستيلاء الملالي على الحكم في أكثر دول الشرق الأوسط علمانية ليستبد المذهب الشيعي بنظريته في ولاية الفقيه الملامح العامة للدولة في إيران (كما سيأتي تفصيله في القسم الثاني من هذه الدراسة) إلا أن المعارضة لولاية الفقيه كأساس أيديولوجي لعقيدة نظام الثورة الإسلامية في إيران ظهرت مبكراً في زمن الإمام الخميني رغم ما كان يتمتع به من شخصية كارزماتية عبر عن هذا الاتجاه المعارض لنظرية ولاية الفقيه في زمن الإمام الخميني آية الله شريعة مداري(1) الأمر الذي وسع الفجوة بين هذا الأخير والإمام الخميني فأبعده الخميني عن الحياة السياسية بعد اتهامه في المشاركة في مؤامرة قلب نظام الحكم عام 1983 حتى مماته في الإقامة الجبرية بمنزله عام 1986.
__________
(1) مشكلة آية الله شريعة مداري أنه كان الوحيد من بين المرجعيات الدينية في قم الذي عارض ولاية الفقيه التي يقول بها الإمام الخميني من منطلق فقهي ومذهبي ولم يتحرج من تسجيل معارضته علناً وهو أمر لم يجرؤ عليه أحد غيره من المرجعيات الدينية الأخرى في قم, رغم معارضتهم لنظرية ولاية الفقيه من أمثال آية الله مرعشي نجفي وآية الله محمد رضا كلبكاني الذين يمثلون مع آية الله شريعة مداري قمة المرجعيات الدينية في قم ويتقدمون من حيث المرجعيات العلمية على الإمام الخميني مما أثار نقمة الخميني على آية الله شريعة مداري وفرض عليه الإقامة الجبرية حتى وفاته بزعم اتهامه في مؤامرة قلب نظام الحكم عام 1983. انظر فهمي هويدي إيران من الداخل مركز الأهرام للتنمية والنشر (القاهرة 1988) ص 142-146.(10/124)
بعد أن تمكن الإمام الخميني من الإجهاز على معارضي نظريته في ولاية الفقيه خبا الخلاف مؤقتاً حول النظرية حتى وفاة الخميني ثم عاد بعد (القائد)(1) الجديد (الحالي) علي خامنئي لتتسع دائرة الخلاف حول ولاية الفقيه من خلاف فقهي وسياسي حول النظرية إلى خلاف على شخص القائد الجديد علي خامنئي نفسه ليتولد صراع سياسي في داخل مؤسسات الحكم في إيران كان كامناً منذ البداية بسبب شخصية الإمام الخميني الكارزماتية القوية. بعد وفاة الخميني ظهر اتجاه لم يكن معارضاً للحد من صلاحيات القائد الدستورية والدعوة لانتخابه أسوة برئيس الجمهورية فحسب بل وتعديل نظرية ولاية الفقيه نفسها(2) .
ولم يقف رد فعل النظام العنيف عند مطاردة المعارضين لولاية الفقيه بل لكل توجه إصلاحي يطالب بمزيد من الحريات على حساب نظام القيم الصارم الذي فرضه نظام الثورة, ففي 5 أغسطس 2000 اعتقلت السلطات رجل الدين الإصلاحي حسن يوسف أشكفاري عقب عودته إلى طهران قادماً من فرنسا بتهمة تهديد الأمن القومي لنشره دعاية مضادة لإيران خلال مشاركته في ندوة بألمانيا نادى فيها بحق ارتداء المرأة الزي الذي تريده في الوقت الذي كانت فيه السلطات قد أفرجت في 20 يوليو 2000 عن رجل دين إصلاحي آخر هو محسن قادقار بعد أن أمضى في السجن 18 شهراً بسبب تشكيكه بنظام ولاية الفقيه.
__________
(1) سوف تأخذ هذه الدراسة بالمصطلح الذي جاء لهذه المؤسسة السياسية والدينية الرفيعة في الدستور وهو القائد إذا ما رمز إلى شخص القائد والقيادة إذا ما رمز إليها كمؤسسة سياسية ودينية تفضيلاً عن ما هو متداول من استخدام مصطلح المرشد العام أو المرشد الأعلى للثورة لأسباب تتعلق بطبيعة الدراسة الأكاديمية التزاماً باستخدام المصطلحات الصحيحة والدقيقة.
(2) بيزن يزدي "مرجع سابق" ص6.(10/125)
في الآونة الأخيرة زادت المعارضة لولاية الفقيه مما اضطر القائد للمهادنة إزاء تنامي المطالبة بالإصلاحات طمعاً في الدفاع عن مؤسسة القيادة والصلاحيات التي يتمتع بها. وفي 30 يناير 2003 تم الإفراج عن آية الله حسين منتظري بعد أن كان رهن الإقامة الجبرية منذ 1997 بسبب مواصلته لانتقاده العلني للإمام الخميني ونظريته في ولاية الفقيه(1) .
آية الله منتظري كان متوقعاً له أن يخلف الإمام الخميني إلا أنه استبعد في حينه بسبب انتقاده للخميني بانتهاك حقوق الإنسان(2) .
وقد وقف عبد الله نوري حين كان وزيراً للداخلية بجانب منتظري وتعرض للإطاحة به كوزير للداخلية من قبل تيار المحافظين المتشدد دخل السجن بسبب موقفه المعارض لولاية الفقيه وقيامه بإدخال تغييرات إصلاحية على الأجهزة الأمنية عندما كان وزيراً للداخلية(3) .
__________
(1) آية الله منتظري كان منتقداً لمفهوم الولاية المطلقة للفقيه التي يقول بها الإمام الخميني مؤكداً أن الولاية المطلقة لله وحده. ويجب أن لا تتعدى ولاية الفقيه صلاحيات النظارة والإشراف والمراقبة على سير الحكومة المنتخبة التي تكون مسئولة أمام الشعب لا أمام القائد الذي عليه أن لا يتدخل في شئون الحكومة. المفترض في رأي منتظري أن يكون القائد مع الحكومة لا ضدها. نظرية ولاية الفقيه بالنسبة لمنتظري وحسب فهمه لما جاء بشأنها في الدستور تقود إلى قيام الجمهورية الإسلامية وليس لتنصيب حكومة إسلامية. انظر نص خطاب آية الله منتظري المفتوح للقائد علي خامنئي الذي تسبب في وضعه رهن الإقامة الجبرية في منزله عام 1997 جريدة الحياة العدد: 12697 في 12 أبريل 1997.
(2) إذاعة البي بي سي في 30/1/2003.
(3) بيزن إيزدي "مرجع سابق" ص15.(10/126)
ومن الشخصيات المعروفة التي عارضت ولاية الفقيه الأكاديمي المعارض هاشم آغا جاري الذي صدر عليه حكم بالإعدام في أواخر عام 2000 بعد أن نادى بإصلاح المؤسسة الدينية.. وأدى صدور الحكم إلى مظاهرات عارمة في نوفمبر 2000 حيث طالب المتظاهرون باستقالة رئيس القضاء الإيراني الذي حمله المتظاهرون مسؤولية صدور حكم الإعدام على آغاجاري(1) وزاد الضغط الشعبي على القائد علي خامنئي من أجل الإفراج عن زعماء التيار الإصلاحي وإلغاء الأحكام الصادرة بحقهم وما كان له إلا أن يمتثل لتوجه الشارع الإيراني المتعاطف مع التيار الإصلاحي ليستقيل جلال الدين طاهري رئيس القضاء الإيراني من منصبه القضائي الرفيع ويلغي القائد خامنئي حكم الإعدام على آغاجاري في 14 فبراير 2003(2) .
ما كان القائد علي خامنئي يقدم على هذه التنازلات الكبيرة في مواجهته للتيار الإصلاحي لو كان يتمتع بنفس القدر من إمكانات الزعامة الكارزماتية التي كان يتمتع بها زعيم الثورة الإسلامية في إيران الإمام آية الله الخميني بالإضافة إلى انحسار مد التيار المحافظ في النخبة الدينية الحاكمة في عهده مقارنة بذلك الذي كان يتمتع به هذا التيار في عهد الإمام الخميني.
__________
(1) إذاعة البي بي سي في 8/12/2002.
(2) إذاعة البي بي سي في 14/2/2003.(10/127)
لم يقتصر الخلاف بين تياري الإصلاح والمحافظة على قضية ولاية الفقيه فهناك مطالب من الإصلاحيين بالديمقراطية والمزيد من الحرية. لقد تظاهر 15 ألف عامل في 16 يوليو 2002 أمام مؤسسة الضمان الاجتماعي للتعبير عن سخطهم على مستويات الفقر المتدنية وسوء الأوضاع الاقتصادية في دولة من أهم الدول المصدرة للنفظ خلال عام 2002 حققت إيران نسبة نمو بلغت 5.6% إلا أن تلك الزيادة لم تغط الزيادة المطردة في السكان كما أن معدل البطالة في نفس السنة بلغ 13% وهناك تقديرات ببلوغ البطالة نسبة 20-25% في السنوات القليلة القادمة وذلك وفقاً للإحصاءات الرسمية. بالإضافة إلى وجود مشكلات عرقية لملايين الآذريين والأكراد والعرب في إيران يطالبون بالمزيد من الحريات السياسية واستيعاب نظام الثورة الإسلامية في طهران لمدخلاتهم في حركة النظام السياسي.
إلا أنه يمكن ملاحظة تطورات إيجابية في نظام الثورة الإسلامية في إيران تعكس قابليتة, ولو في نطاق محدود للتأقلم مع متطلبات عقلانية الدولة بعيداً بعض الشيء عن مثاليات منطق الثورة. لقد كشفت انتخابات 1997-2001 النقاب عن تحولات مهمة في النظام الإيراني ويمثل نجاح الرئيس محمد خاتمي لتولي الرئاسة فترتين متتاليتين بتوجيهاته الإصلاحية تجديداً من الداخل لنظام الثورة الإسلامية في إيران. لقد نجحت الثورة في الحفاظ على تماسك الحكم تحت لواء رجال الدين حتى الآن بالرغم من فشل نظام الثورة في مواجهة مطالب الجماهير الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. إلا أن نجاح الرئيس خاتمي في الاستمرار في الحكم في حد ذاته بعد استجابة من قبل النظام ولو محدودة لمطالب جيل الشباب الذي يمثل أغلبية ساحقة تتطلع إلى مراجعة جذرية لمسار الثورة(1) .
__________
(1) إسماعيل حامد خليل إيران بين المحافظين والإصلاحيين (القاهرة: الهيئة العامة للاستعلامات 2001) ص2.(10/128)
إن الخلاف على قضية ولاية الفقيه يمثل قمة جبل الجليد الذي يخفي تحته خلافات سياسية جذرية بين التيارين المحافظ والإصلاحي حول قضايا سياسية مهمة تتعلق بهوية النظام السياسي الإيراني.. ومكانة المؤسسة الدينية في أسس شرعيته وحركة مؤسساته.. ونظام القيم العام الذي يحكم سلوك وأخلاقيات أفراد الشعب.. ومدى كفاءة نظام الثورة الإسلامية في إيران في التجارب مع مطالب البيئتين الداخلية والخارجية وتوقعات أفراد الشعب خاصة من فئة الشباب لمزيد من التنمية والحرية كل ذلك لا يمكن فصله عن الأيديولوجية السياسية لنظرية ولاية الفقيه والاتجاه صوب التساؤل حول مدى جدارتها السياسية في تمثيل الأساس الشرعي لدولة عصرية في إيران تستطيع أن تتعامل بكفاءة وفاعلية مع متطلبات التطور العصري للمجتمع المدني الحديث نحو مزيد من الديمقراطية والحرية والمشاركة السياسية لكافة فئات المجتمع الإيراني وطوائفه.
القسم الثاني
ولاية الفقيه ومؤسسات الحكم
تدور نظرية ولاية الفقيه حول قضية من يمتلك المبرر الشرعي والأساس الفلسفي لتولي الإمامة (ممارسة الحكم) في المجتمع الشيعي في فترة الغيبة الصغرى للإمام التي بدأت بغيبة المهدي عام 620 هـ, وقد أثير جدل في المذهب الشيعي حول مسألة الولاية للفقيه.. وأثير السؤال: هل الولاية الممنوحة للنبي والإمام على النفوس قد منحت للفقيه.. أم أن ولاية الفقيه في غيبة المعصوم لا تتعدى الأمور الحسبية (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر).. بصفة عامة دار الجدل في الفقه الشيعي حول مسألة ولاية الفقيه في ثلاث نظريات:
1-نظرية إنكار ولاية الفقيه: وهذه النظرية تذهب بتجريد الفقيه من الولاية المطلقة مع الإقرار بنفوذ تصرفاته في الأمور الحسبية من أصحاب هذه النظرية جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري المعروف بالفاضل المقداد وهو صاحب كتاب التنقيح الرائع في شرح الشرائع وقد توفي عام 826هـ.(10/129)
2-نظرية الولاية المحدودة للفقيه: قال بها الشيخ مرتضى الأنصاري (توفي عام 1281هـ) والشيخ النائيني (توفي عام 1255هـ) وفقاً لهذه النظرية تنحصر ولاية الفقيه في الأمور الحسبية والقضاء والإفتاء والتصرف في الأموال والأنفس للغيب (الغائبين) والقصر وليس في إقامة الحدود.
3-نظرية الولاية المطلقة للفقيه: تقول هذه النظرية بولاية الفقيه الجامع للشرائط من باب ثبوت الولاية له بمعنى: أن تكون له الإرادة والقدرة على إقامة الحدود وتنظيم الحقوق وإدارة القضاء بل عموم الولاية في إدارة المجتمع الإسلامي زمن الغيبة. ومن أشد المتمسكين بهذه النظرية أحمد التراقي المتوفى سنة 1245هـ والحسين المراغي (توفي 1250هـ) والشيخ محمد حسن النجفي صاحب كتاب الجواهر (توفي 660هـ) والإمام الخميني (توفي 1409هـ-1989م).
ويستند أنصار هذه النظرية الأخيرة إلى أدلة لغوية وشرعية وتتمثل الأدلة اللغوية في لفظ ولي وولاء وتوالي.. فالولاية هي تولي الأمر وتدور المعاني كلها حول السلطان والنصرة بمعنى سلطان الولي ونصرة الموالي.. أما الولاية الشرعية فلها بعدان. الأول: التنصيب من أجل الإدارة والإشراف.. وهذا يتطلب لياقة علمية وكفاءة عملية إضافة إلى شروط العدالة والتقوى والطهارة من الذنوب. أما البعد الثاني: يتمثل في توفر الطاعة من قبل الناس وفق نص القرآن بضرورة طاعة ولي الأمر: (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) [النساء:59](1) .
__________
(1) سيد زهير الأعرجي, نظرية ولاية الفقيه والإدارة الاجتماعية موقع الولاية على الانترنت.(10/130)
من المعروف أن نظرية ولاية الفقيه اكستبت موقعاً على مستوى النظرية والممارسة عند الشيعة قبل 150 سنة على يد الشيخ أحمد التراقي صاحب كتاب: عوائد الأيام في بيان قواعد الأحكام لينتصر القائلون بالولاية المطلقة للفقيه على ما نادى به السيوري قبل ذلك بنحو أربعة قرون من إنكار ولاية الفقيه.. أو القول بنظرية الولاية المحدودة للفقيه التي قال بها كل من الشيخين الأنصاري والنائي المعاصرين للشيخ التراقي القائل بالولاية المطلقة للفقيه كما سبق ذكره. إلى أن طبقها الإمام الخميني بنفسه لأول مرة في نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية بعد نجاح ثورته على نظام الشاه عام 1409هـ-1979م بعد ما يقرب من قرن ونصف من نظرية ولاية الفقيه التي قال بها الشيخ التراقي.
وقد شكلت هذه النظرية القائلة بالولاية المطلقة للفقيه بعد نجاح تجربة نموذجها على أرض الواقع في نظام الثورة الإسلامية في إيران الذي أقامه الإمام الخميني تطوراً كبيراً في نظام المرجعية الدينية الذي نشأ عند الشيعة الإمامية نظراً لتاريخية سلبيتهم السياسية التي تجلت في مقاطعتهم للأنظمة السياسية المختلفة وممارسة السياسة بشكل عام طوال غيبة الإمام الثاني عشر (المهدي المنتظر) في الوقت الذي أخذ بالولاية الفقهية (المرجعية الدينية للفقهاء) ونيابتهم عن الإمام الغائب منذ القرن الخامس الهجري وإن كانت فكرة ولاية الفقيه قديمة قدم الاهتمام الشيعي بالسياسة وضرورات الاهتمام بها.(10/131)
في القرن العاشر الهجري قلد علي بن علي الكركي (النائب الفقيه) أحد ملوك الصفويين طهماس بن إسماعيل الصفوي إجازة للحكم باسمه باعتباره النائب الفقهي عن الإمام ونشأ بذلك ما يسمى بنيابة الملوك في مقابل ما كان متعارفاً عليه من نيابة الفقهاء وكان ذلك اكتمالاً لما تطور من خمسة قرون في ما سمي بنيابة الفقيه المرجعية ليكون للمرجعية الدينية بعداً سياسياً يتناول الجانب الاجتماعي والسياسي في الحياة العامة للشيعة إلى جانب البعد الديني. أثار هذا التطور السياسي في ما يسمي في ذلك الوقت بالنيابة العامة للإمام جدلاً بين الفقهاء مثل ما أثارت ولاية الفقيه بعد مائتين وخمسين سنة في فكر الشيخ أحمد التراقي. وبعد إحيائها مع محاولة تطبيقها على يد الإمام الخميني في الوقت الحاضر بعد مائة وخمسين سنة أخرى.
ومن أشهر من اعترض على نظرية ولاية الفقيه في عهد الإمام الخميني من المرجعيات الدينية الشيعية السيد الخوئي (المتوفى عام 1412هـ) بعد ثلاث سنوات من نجاح ثورة الإمام الخميني الإسلامية وإقامة نظامها الإسلامي في إيران. وقد جاء انتقاد الإمام الخوئي لنظرية ولاية الفقيه في كتابه: الاجتهاد والتقليد حيث جاء قوله: إن ما أستدل به على الولاية المطلقة للفقيه يقصد قول الخميني بها وتطبيقه إياها غير قابل للاعتماد عليه. ومن هنا قلنا (يعني فتواه): بعدم ثبوت الولاية المطلقة للفقيه يقصد التي جاء بها الإمام الخميني قاصرة السند والدلالة(1) .
__________
(1) ولاية الفقيه بين الشورى والاستبداد, صحيفة الحياة في: 8/12/1997.(10/132)
ويواجه القائلون بنظرية ولاية الفقيه الاعتراض عليها والانتقاد لها بسبب ضعف الروايات التي يستندون إليها والمنسوبة إلى الإمام الغائب, إلا أنهم يتشبثون بها كأدلة مساعدة بعد تقريرهم لضرورة إقامة الحكومة الإسلامية في عصر الغيبة والتخلي عن نظرية التقية والانتظار للإمام الغائب, نظراً لسلبيتها, وقد مثل القول بولاية الفقيه ثورة في الفكر الديني الشيعي يتعلق بعقيدة مذهب الإمامية الاثنى عشرية, يتجاوز الجدل السياسي حول نظرية ولاية الفقيه.. حيث يشترط هذا المذهب العصمة والسلالة العلوية الحسينية, كأهم شروط الإمامة التي جاءت في أصول ذلك المذهب من مذاهب الشيعية, ولا يأخذ بها القائلون بولاية الفقيه.
ورغم تطبيق النظرية في عهد الثورة الإسلامية, الذي أقامه الخميني في إيران, إلا أن النظرية ظلت غامضة خاصة فيما يتعلق بحدود الولاية وعلاقة الفقيه بالأمة.. وأصبحت عرضة لجدال طويل, على النحو سالف الذكر(1) .
__________
(1) نظرية ولاية الفقيه لم تشكل خطراً سياسياً على التيارات السياسية غير الدينية والقوى الليبرالية فحسب بل وعلى المرجعيات الدينية نفسها. القول بولاية الفقيه المطلقة تسلب المرجعيات الدينية حق إصدار الفتاوى خاصة تلك التي قد تعارض توجهات الدولة والقائد (الوالي الفقيه) على وجه الخصوص. كما أن الخلط بين وظيفة الدولة الجبائية وما اعتاد عليه تقاليد المرجعيات من جباية الأخماس الزكاوات وتوزيعها على الفقراء والمساكين وطلبة العلم ورعاية المشاريع الخيرية يأتي على حساب نفوذ المرجعيات الدينية الاجتماعي والسياسي في المجتمع الشيعي. ولعل هذا ما دفع أحد كبار الحوزة العلمية في قم الشيخ آذري قمي أن يطالب صراحة القائد علي خامنئي وهو أحد أنصار الولاية المطلقة للفقيه أن يحتفظ بالقيادة ويترك ساحة المرجعية للفقهاء التقليديين. أنظر: أحمد الكاتب الوجه الآخر للصراع بين المرجعية والقيادة السياسية في إيران, جريدة الحياة 10/2/1996.(10/133)
وعند محاولة تضمين النظرية في دستور الجمهورية الإسلامية في إيران ثار الخلاف من جديد حول السلطات التي تمنح للفقيه هل تقتصر على الإرشاد الروحي فقط.. أم يكون للولي الفقيه سلطات دينية وزمنية في التشريع والتنفيذ. وقد عارض البعض صراحة الإمام الخميني عند الدعوة لولاية الفقيه مثل أبي القاسم الخوئي وآية الله شريعة مداري حيث طالب الأخير بنظام حكم ذي طبيعة تمثيلية واسعة تعكس جميع القوى السياسية والاجتماعية الفاعلة في إيران. وقد انتصرت وجهة النظر التي تقول للولي الفقيه سلطات دينية وزمنية كبيرة(1) .
__________
(1) ولاية الفقيه بين الشورى والاستبداد, "مرجع سابق".(10/134)
وعند البحث في صلاحيات الولي الفقيه في الدستور الذي وضع لاستفتاء عليه سنة 1989 بعد وفاة الإمام الخميني حسب ما جاء في المادة الخامسة لن نخرج بنتيجة حاسمة لتلك الصلاحيات ولكن يمكن الاستدلال على هذه الصلاحيات من رسالة وجهها الإمام الخميني في 31 ديسمبر 1988 إلى الإمام علي خامينئي الذي كان رئيساً للجمهورية آنذاك أظهر فيها الخميني امتعاضه في إحدى خطب الجمعة من إجازة الرئيس خامينئي لوزير العمل تطبيق بعض القوانين التي لم يصادق عليها مجلس المحافظة على الدستور. وقد تضمنت رسالة الخميني لخامنئي ضمن ما تضمنت أن الولي الفقيه له دون سواه أن لا يلتزم بالقوانين البشرية ومن جملتها الدستور.. وأن أوامره مقدمة على جميع القوانين(1) .
__________
(1) أصبح علي خامنئي أكثر تشدداً في التمسك بشرعية ولاية الفقيه بعد أن أصبح قائداً لنظام الثورة وبالسلطات الدستورية التي يتمتع بها القائد حتى في مواجهة المرجعيات الدينية التي تعارض الولاية المطلقة للفقيه في أجوبة الاستفتاءات يقول خامنئي في المسألة رقم 65: يجب على كل المسلمين إطاعة الأوامر الولائية الشرعية الصادرة من ولي أمر المسلمين (الولي الفقيه) والتسليم لأمره ونهيه حتى على سائر الفقهاء العظام, فكيف بمقلديهم (يعني عامة الناس) ولا ترى الالتزام بولاية الفقيه قابلاً للفصل عن الالتزام بالإسلام وبولاية الأئمة, أحمد الكاتب, "مرجع سابق".(10/135)
وبعد وفاة الخميني أدخلت ولاية الفقيه في الدستور وفاء للإمام الخميني بعد أن كانت الولاية للإمام الخميني نفسه في دستور 1980 زمن حياة الخميني. (قارن المادة 107 من دستور 1980 ودستور 1989). ونصت المادة الخامسة على أنه: "في زمن غيبة الإمام المهدي (عجل الله فرجه) تكون ولاية الأمر وولاية الأمة في جمهورية إيران الإسلامية بيد الفقيه العادل البصير بأمور العصر القادر على الإدارة والتدبير وذلك وفقاً للمادة 107 من الدستور"(1) .
ثم جاءت المادة: 108 لتنص على طريقة انتخاب القائد بواسطة الخبراء. وحددت المادة: 108 الشروط الواجب توافرها في الخبراء وكيفية انتخابهم. أما المادة 109 من الدستور فقد نصت على الشروط الواجب توافرها في القائد (الولي الفقيه) وهي:
__________
(1) يبدو أن مسألة القائد الحاكم الفعلي في إيران الثورة ورمز مؤسسة ولاية الفقيه كانت مثار جدل حتى مع وجود الإمام الخميني نفسه. في دستور 1980 مع وجود الإمام الخميني تتحدث المادة 107 عن احتمال وجود هيئة جماعية مجلس للقيادة في حال فشل مجلس الخبراء في اختيار أحد للقيادة وتقديمه للشعب بوصفه القائد دون أن يكون واحداً منهم بالضرورة, أما نفس المادة في دستور 1989 فإنها وإن أبقت صلاحية اختيار القائد لمجلس الخبراء إلا أنها لم تتحدث عن القيادة الجماعية لمؤسسة القيادة وإن كانت قد تحدثت عن احتمال أن يكون القائد من فقهاء مجلس الخبراء, إلا أن كلتا المادتين تحدثتا عن دور لمجلس الخبراء في انتخاب القائد الأمر الذي يختلف في حالة قيادة الإمام الخميني الذي كانت عملية اختياره تعكس إرادة مباشرة من الشعب أمراً لا يتسنى لأحد من بعده..! وقد أكدت هذه الخاصية الفريدة لقيادة الإمام الخميني بوصفه تعبيراً مباشراً عن إرادة الأمة المادة الخامسة من دستور 1980 بصورة لم تتضمنها نفس المادة دستور 1989. قارن المادتين الخامسة والسابعة بعد المائة في دستوري 1980 – 1989.(10/136)
1-الكفاءة اللازمة للإفتاء في مختلف أبواب الفقه.
2-العدالة والتقوى اللازمتان لقيادة الأمة(1) .
3-الرؤية السياسية الصحيحة والكفاءة الاجتماعية والإدارية والتدبير والشجاعة والقدرة والكفاية على القيادة.
__________
(1) لم تتضمن هذه الفقرة في نفس المادة من دستور 1980, ربما لأن هذه الصفة متأصلة في شخصية الإمام الخميني التي يجب أن يتحرى عنها في أي قائد يأتي بعده كأساس في المفاضلة من قبل مجلس الخبراء بين من يستحقون القيادة ويتنافسون عليها وتتوافر بينهم الشروط الأخرى. وربما لأن اختيار الإمام الخميني كان يعكس إرادة الأمة بصورة مباشرة في اختياره مما يفوق أي تقدير لهيئة أخرى (مجلس الخبراء) مع وجوده بأحقية الإمام الخميني للقيادة. وفي النهاية فإن الولاية عن الإمام الغائب (ولاية الفقيه) في بعدها الغيبي لن تتحقق في أية شخصية قيادية أخرى عدا الإمام الخميني مما يجعل الخميني نفسه ونهجه أساساً للشرعية في نظام الجمهورية الإسلامية في إيران حتى بعد رحيله عقبة لا يمكن الاستهانة بها أمام أي تطور إصلاحي للنظام.. وواحد من أمضى الأسلحة السياسية في ترسانة المحافظين.(10/137)
أما المادة 110, فقد نصت على صلاحيات ووظائف القائد وهي(1) :
1-تعيين السياسات العامة للجمهورية بعد التشاور مع مجمع تشخيص مصلحة النظام.
2-الإشراف على حسن إجراء السياسات العامة.
3-إصدار الأمر بالاستفتاء العام.
4-القيادة العامة للقوات المسلحة.
5-إعلان الحرب والسلام والنفير العام.
6-تنصيب وعزل وقبول استقالة الآتين:
أ-فقهاء مجلس صيانة الدستور.
ب-أعلى مسؤول في السلطة القضائية.
__________
(1) الفقرات 1, 2, 3, 7, 8 من دستور 1989 لم تكن واردة في نفس المادة من دستور 1980, وهذا راجع لتطور مؤسسة القيادة وتأكيد هيمنتها على نظام الجمهورية الإسلامية في إيران بعد أن كان الأمر في عهد الإمام الخميني يعتمد بصورة أساسية على شخصية الإمام الخميني "الكارزماتية".. وجزء من شرعيته السياسية بوصفه مفجر الثورة ومؤسس نظام الجمهورية الإسلامية في إيران. والتجسيد العملي لتطبيق نظرية ولاية الفقيه. ولعل أهم تطور هنا هو: جعل مؤسسة القيادة مرجع جميع السلطات الفقرتان: 7, 8 وإنشاء ما يسمى بمجمع تشخيص النظام للتأكد من ممارسة سلطات الدولة لمهامها وفقاً لأسس الشرعية الدينية للدولة خاصة ما يتعلق بعملية سن القوانين أيضاً لمقاومة أي تطور إصلاحي في مجلس الشورى يمكن أن يحد من سلطات وصلاحيات مؤسسة القيادة ولتأكيد هيمنة مؤسسة القيادة على العملية التشريعية تم ربط مجمع تشخيص النظام مباشرة بالقائد من حيث تشكيله ومن حيث مرجعيته مباشرة للقائد حتى في الفصل بينه وبين مجلس الشورى تأكيداً للفقرة 8 من المادة: 110, انظر المادة 112 من دستور 1989.(10/138)
ج-رئيس مؤسسة الإذاعة والتلفزيون(1) .
د-رئيس أركان القيادة المشتركة.
هـ-قائد الحرس الجمهوري.
و-قادة القوات المسلحة وقوات الأمن.
7-حل الخلافات بين السلطات الثلاث.
8-حل مشكلات النظام من خلال مجمع تشخيص مصلحة النظام.
9-إمضاء حكم تنصيب رئيس الجمهورية.
10-عزل رئيس الجمهورية مع ملاحظة مصالح البلاد بعد صدور حكم المحكمة العليا.
11-إصدار العفو العام.
كل ذلك يعني أن القائد هو أعلى سلطة في إيران وقد منحه الدستور السيادة الزمنية (السياسية) والدينية.. وأن ولاية الفقيه في فترة استتار الإمام تؤول إلى أتقى وأعلم وأعدل رجل في الأمة ليدير شئون البلاد وفق ما جاء في المادة 107 من الدستور التي حددت شروط الإمام..!
__________
(1) يحس نظام الثورة الإيرانية بأهمية وخطورة الأداة الإعلامية لخلفيتها الاتصالية الاستراتيجية واحتمال استخدام المعارضة لها لاستمالة توجهات الجماهير وتعبئتها ضد النظام. في هذا يرى خامنئي كما جاء في المسألة رقم 61 من أجوبة الاستفتاءات: يجب أن تكون وسائل الإعلام تحت أمر وإشراف ولي أمر المسلمين (الولي الفقيه). أحمد الكاتب, "مرجع سابق".(10/139)
وعلى ذلك فإن القائد هو الشخصية القوية في الجمهورية إلا أنه ينتخب من هيئة الخبراء التي بدورها تنتخب من الشعب ولها أيضاً خلعه حيث نصت المادة: 111 من الدستور على أنه: "عند عجز القائد عن أداء وظائفه القانونية.. أو فقده أحد الشروط المذكورة في المادة الخامسة والمادة 109. وعند فقدان بعضها منذ البدء فإنه يعزل من منصبه.. ويعود تشخيص هذا الأمر إلى مجلس الخبراء... وفي حالة وفاة القائد أو استقالته أو عزله من منصبه فإن الخبراء مكلفون بالقيام بأسرع وقت بتعيين القائد الجديد وإعلان ذلك. وحتى يتم إعلان القائد الجديد فإن مجلس شورى مؤلف من رئيس الجمهورية ورئيس السلطة القضائية وأحد فقهاء مجلس صيانة الدستور منتخب من قبل مجمع تشخيص مصلحة النظام يتحمل جميع مسئوليات القيادة بشكل مؤقت كما أن القائد له الكلمة الفصل في الشؤون الداخلية وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة.. ويعين رئيس الأركان ويقيله(1) .
__________
(1) “How Iran’s Political System Works”, Reuters, 19 Septemper 2002, P.1.(10/140)
في ما يخص مؤسسات الحكم الأخرى في النظام الإيراني نجد أن الشخصية الثانية في نظام جمهورية إيران الإسلامية هو رئيس الجمهورية الذي ينتخب طبقاً للدستور من الشعب في انتخابات حرة مباشرة (المادة 114) وقد انتخب الرئيس محمد خاتمي لأول مرة عام 1997 ثم أعيد انتخابه لفترة حكم ثانية عام 2001. وبجانب القائد ورئيس الجمهورية هناك مجلس المحافظة على الدستور الذي يتكون من 12 من رجال الدين من بينهم ستة يعينهم القائد والستة الآخرون من القضاء يعينهم البرلمان من قائمة يعدها رئيس القضاء الذي يعينه في منصبه القائد بموجب الفقرة السادس ب من المادة 110 من الدستور ولمجلس المحافظة على الدستور الاعتراض على القوانين المقدمة للبرلمان.. وإذا رفضها البرلمان مرتين تعرض على مجلس تشخيص مصلحة النظام الذي يرأسه الآن رئيس الجمهورية السابق علي أكبر هاشمي رافسنجاني, وهو مجلس مكون من 30 شخصاً يعينهم القائد وحكمه في هذه الحالة نهائي.. وإذا رفض مجلس تشخيص مصلحة النظام القانون يمكن لرئيس الجمهورية أن يعرضه على استفتاء عام(1) .
__________
(1) المرجع السابق, ص2, ولكن إجراء الاستفتاء يحتاج إلى ثلث أعضاء مجلس الشورى المادة 59, كما أن الاستفتاء لا يجري إلا بأمر من القائد. المادة: 110 فقرة: 3, بالإضافة إلى أن الاستفتاء يشرف عليه مجلس صيانة الدستور المادة 99 الذي يسيطر عليه القائد. المادة: 91, 110 فقرة: 6 أ ب, وإذا أضفنا إلى ذلك ما يتمتع به القائد من هيمنة على النظام عن طريق مجمع تشخيص النظام بالإضافة إلى المكانة الروحية التي يتمتع بها بموجب نظرية ولاية الفقيه نتلمس محدودية خيار الاستفتاء العام بالنسبة لرئيس الجمهورية أو أية مؤسسة سياسية أخرى منتخبة من الشعب بما فيها مجلس الشورى, كل ذلك يعكس ضيق حيز المناورة الذي يوفره النظام لتطور أي حركة ديموقراطية حقيقية.(10/141)
أما مجلس الشورى (البرلمان) فيبلغ عدد أعضائه 290 عضواً(1) ينتخبون جميعاً من الشعب مباشرة لمدة أربع سنوات يتمتع بسلطات دستورية تشريعية واسعة هي: مناقشة خطط وجدول أعمال الحكومة للمصادقة عليها.. ومناقشة أي جدول أعمال مقدم من 15 عضواً على الأقل.. ومناقشة المسائل القومية.. والمصادقة على المعاهدات والبروتوكولات والعقود والاتفاقيات مع الجهات الخارجية.
إلا أن سلطات مجلس الشورى (البرلمان) التشريعية هنا لا تتناسب مع طريقة اختيار أعضائه عن طريق الانتخاب الحر المباشر التي تبدو للوهلة الأولى ديمقراطية إلا أنه تسبقها خضوع الترشيحات لموافقة مجلس صيانة الدستور (المادة: 99). كما أن سلطة البرلمان التشريعية هنا ليست مطلقة كما هو شأن البرلمانات الأخرى التي تأخذ بأسلوب الانتخاب لاختيار أعضاء السلطة التشريعية. وذلك نظراً لما يتمتع به القائد من صلاحيات عن طريق دور مجلسي صيانة الدستور ومجلس تشخيص مصلحة النظام في العملية التشريعية (المواد: 110-112).. واحتمال تجاوز رئيس الجمهورية لسلطة مجلس الشورى التشريعية بل وتجاوز المجلس في وظيفته التشريعية عن طريق اللجوء للاستفتاء الذي لا يتم بدوره إلا بأمر من القائد (المواد: 59-110 فقرة:3).
__________
(1) كان 270 عضواً عند بداية وضع الدستور. لمعرفة كيفية تحديد نصاب المجلس بالنسبة لعدد السكان مواكبة للزيادة السكانية المطردة بمعدل عشرين نائباً كل عشر سنوات انظر المادة: 64 من الدستور.(10/142)
يلاحظ على هذه التركيبة المعقدة لمؤسسات الحكم في جمهورية إيران الإسلامية أن نظرية الولاية المطلقة للفقيه تلقي بظلالها ليس على نظام القيم الخاص بالنظام السياسي الإيراني فحسب بل وعلى حركة مؤسساته أيضاً. الولي الفقيه (القائد) يحتل مكانة محورية في النظام السياسي الإيراني. فهو يبقى في السلطة مدى الحياة حيث لا يحدد الدستور فترة زمنية لقيادته مثل ما هو الحال بالنسبة لرئيس الجمهورية ما لم يطرأ ما يوجب عجزه وتخضع هذه الحالة لعملية مؤسساتية معقدة يصعب معها تفعيل عملية العزل في حالة ما عكس ذلك صراع حقيقي على السلطة في إيران(1) .
كما أن القائد يتمتع بنفوذ على مؤسسات الحكم الأخرى بما فيها رئاسة الجمهورية والبرلمان عن طريق سيطرته على أهم مؤسستين لا يوجد مثيل لهما في أي نظام سياسي: مجلس صيانة الدستور.. ومجلس تشخيص مصلحة النظام اللذان يرجعان مباشرة للقائد نظراً لسلطته الكبيرة في تعيين أعضائهما وعزلهم(2) .
__________
(1) قارن المادة 111 في كل من دستور 1980, 1989 خاصة ما جاء في دستور 1989 في ما يخص ملء فراغ القيادة في حالة شغرها بسبب العزل أو الوفاة أو عدم القدرة في ممارسة مهام القيادة, أمر لا نجده في دستور 1980 بالرغم من نصه على احتمال عزل القائد مع عدم التعرض لمسألة ملء فراغ القيادة حتى تتم عملية اختيار القائد الجديد بواسطة مجلس الخبراء. دليل آخر على المكانة الروحية للإمام الخميني.. وتكريس شرعية النظام في شخصه طبقاً لنظرية ولاية الفقيه.
(2) القائد يعين أعضاء مجمع تشخيص النظام الدائمين والمؤقتين بأمر منه (المادة:112) من دستور 1989, ويعين نصف أعضاء مجلس صيانة الدستور (ستة أعضاء من الفقهاء) والنصف الآخر يعينهم القائد من قائمة يقدمها له رئيس السلطة القضائية الذي يعين مباشرة من قبل القائد المواد: 91 أ ب من الفقرة 6, مادة: 110.(10/143)
هذا بالإضافة إلى خضوع سلطة القضاء مباشرة للقائد الذي له أن يعين ويعزل من يتقلد أعلى سلطة قضائية في البلاد الذي بدروه يتحكم في نصف نصاب مجلس المحافظة على الدستور الذي يعين النصف الآخر بصورة مباشرة القائد.
هذا التعقيد في المؤسسات الرسمية لنظام الجمهورية الإسلامية في إيران الذي تتصل خيوط حركته بالقائد لا يفشل في إظهار تأثيره على حركة الصراع على السلطة الدائر بين المحافظين والإصلاحيين طبعاً لصالح التيار المحافظ الذي يحظى بتأييد القائد ومباركته. مثلاً: مجلس صيانة الدستور يرتبط بصورة وثيقة بالقائد لا يتورع من استغلال سلطاته الدستورية في عرقلة وصول الإصلاحيين إلى البرلمان عن طريق التحكم في عملية الترشيح للانتخابات وعند المرحلة النهائية لسن التشريعات في البرلمان يقف مجلس تشخيص مصلحة النظام الذي يرأسه علي أكبر هاشمي رافسنجاني بالمرصاد لعرقلة أية قوانين إصلاحية في حالة ما إذا فشل مجلس صيانة الدستور من الحيلولة دون ذلك ليكون حكم مجمع تشخيص النظام الذي يسطير عليه كلية القائد نهائياً في مرحلة الصياغة النهائية للقوانين. (المواد: 91, 93, 94, 96, 99, 112).
ولكن من جانب آخر تعكس الحركة السياسية النشطة للإصلاحيين في مخاطبة الرأي العام وإدارة العملية السياسية بما في الدستور من قيم ليبرالية تحترم ولو بشكل متواضع مبدأ السيادة الشعبية في اختيار رموز النظام وفعالياته بما فيها اختيار القائد نفسه وليس انتخاب رئيس الجمهورية وأعضاء البرلمان فقط إنجازاً متواصلاً للإصلاحيين في مواجهة تحيز دستوري ومؤسساتي واضح للمحافظين. ولعل نجاح الإصلاحيين بقيادة الرئيس محمد خاتمي في الاحتفاظ بمؤسسة الرئاسة لفترتين متواصلتين.. وقبل ذلك في مرحلة رئاسة هاشمي رافسنجاني لهو أكبر مؤشر على زخم التحولات الليبرالية في النظام السياسي الإيراني.(10/144)
هذا التحول شجع الإصلاحيين لتعزيز مواقعهم في حركة النظام السياسي وشجعهم على خوض معركة التعديلات الدستورية للحد من سلطات القائد في ظل قيم ولاية الفقيه وما يتمتع به من سلطات واسعة في مؤسسات النظام السياسي الإيراني.. في 26 سبتمبر 2002 قدم الإصلاحيون لمجلس الشورى (البرلمان) لائحتين لتعديل الدستور تتضمن اللائحة الأولى بالصلاحيات المخولة لرئيس الجمهورية بحيث تنقل سلطات تنظيم العلاقة بين السلطات من القائد لرئيس الجمهورية عن طريق قيام الأخير بتشكيل لجنة لتحديد الخروقات التي تحدث للدستور بسبب هذا التركيز للسلطة في يد القائد.. أما اللائحة الثانية فتتضمن اقتراحاً بتعديل النظام الانتخابي بحيث تمنع تدخل مجلس صيانة الدستور في إبعاد مرشحين معينين للانتخابات بسبب توجهاتهم السياسية. وقد اعتبر المحافظون الائحتين بمثابة محاولة لنزع سلطات المحافظين.
القسم الثالث
مغزى التحولات الأخيرة في إيران
أسفرت التحولات السياسية في إيران منذ الثورة عن سمتين أساسيتين. الأولى: إقامة نظام أيديولوجي تحكمه مؤسسات سياسية عقائدية يقودها رجال الدين(1) .
إلا أن هذا لا يعني قيام دولة إسلامية في إيران بقدر ما يعني سيطرة سياسية لرجال الدين على الدولة والمجتمع في إيران.. فالطابع الأيدلوجي للحكم مكن رجال الدين في إيران من أن تكون لهم اليد الطولى في مؤسسات الحكم دون أن يعكس ذلك مشاركة سياسية حقيقية تعكس واقع التعددية السياسية للمجتمع الإيراني عن طريق حركة حزبية حقيقية وفعالة في البلاد(2) .
__________
(1) انظر Bulent Aras, "Information of The Iranian Political System", Journal of Middle East Review of International Affairs. Vol. 5 No: 3, September, 2001.
(2) Khlifa Adul Karim, Islam and Democracy (Pakistan: The Institute of Islamic Culture, 1987), P.5.(10/145)
هذا من شأنه وضع قيود فعلية على تطور ممارسة ديموقراطية حقيقية في إيران تأخذ بقيم وحركة المجتمع المدني الحديث لتصبح الديموقراطية في نظام جمهورية إيران الإسلامية مجرد طقوس وشكليات ليس فيها من الديموقراطية إلا حركة مقيدة بإجراءات صارمة لانتخاب رموز مؤسسات الحكم المختلفة بما فيها رئيس الجمهورية وأعضاء مجلس الشورى الإسلامي ومجالس الشورى المحلية دون أن يعكس ذلك بالضرورة تفعيل إرادة حقيقية لخيارات الهيئة الناخبة السياسية من خلال مشاركة سياسية متسعة فاعلة ونشطة في عملية صناعة القرار (ممارسة السلطة) تعكس واقع التعددية السياسية السائدة في المجتمع الإيراني. السمة الثانية لنظام الثورة الإسلامية في إيران ظهور وسيطرة مؤسسات بيروقراطية ترتبط مصالحها بمصالح النخبة الدينية العامة الأمر الذي يساهم في إعاقة أية حركة تقدمية للإصلاح.
ويمكن تقسيم تطور النظام السياسي في إيران منذ الثورة إلى ثلاث مراحل رئيسية تعكس في تاريخ تطورها حركة متواصلة من الصراع بين المحافظين: دعاة التمسك بقيم الثورة الأيدلوجية الصارمة وتكريس فرضها على مؤسسات الدولة وحركة المجتمع.. والإصلاحيين: الداعين إلى التغيير (الإصلاح) نحو قيم الدولة وعقلانية حركة مؤسساتها.. والمزيد من الحرية لأفراد المجتمع من خلال مؤسسات وقيم المجتمع المدني الحديث.
المرحلة الأولى: مرحلة الإسلام الثوري (منطق الثورة) 79-1988.
المرحلة الثانية: مرحلة البناء (الجمهورية الثانية) 88-1997(1) .
المرحلة الثالثة: مرحلة البحث عن مجتمع أكثر انفتاحاً منذ عام 1997 إلى الآن.
__________
(1) Bulent Arass, Op-cit, P.1.(10/146)
المرحلة الأولى: في بداية نظام الثورة حاولت أن تثبت أنها أكثر ليبرالية مما كان يعتقد.. وأنها ليست معادية لقيم عقلانية الدولة كما يخشى الكثير من مؤيديها الليبراليين الذين تحالفوا معها بسبب معارضتهم لحكم الشاه. وأنه ما كان هناك توجه ديني طاغ لدى زعامة الثورة ممثلة في فكر وفلسفة الإمام الخميني فإن ذلك لا يعني أن الثورة تريد أن تأخذ بحركة مؤسسات الدولة بعيداً عن روح العصر ومعطياته المدنية الحديثة. إلا أنه بعد ثلاث تجارب مع رؤساء وزارات ليبراليين من خارج مجموعة الثورة الدينية مهدي بازرجان.. أبو الحسن بني صدر ومحمد رجائي(1) .
__________
(1) في البداية لم يشأ الإمام الخميني لرجال الدين أن يمارسوا السلطة بصورة مباشرة من خلال مؤسسات الدولة خاصة مؤسسة الرئاسة ويكتفوا فقط بما سمي بولاية الفقهاء لضمان توجه الدولة وتمسكها بقيم الثورة الإسلامية عن كثب من خلال سيطرتهم على السلطة التشريعية ورقابة مجلس صيانة الدستور ربما بسبب المعارضة الشديدة من قبل المرجعيات الدينية لنظرية ولاية الفقيه.. وربما حتى يعطى الانطباع الخارجي عن تسامح نظام الثورة الإسلامية في إيران وليبراليته. ولكن ما لبث الإمام الخميني أن رفع الحظر المفروض عن رجال الدين لتقلد المناصب العامة خاصة في مؤسسة الرئاسة بعد اغتيال علي رجائي ليكشف النظام عن تحيزه السياسي لصالح النخبة الدينية ويكون الحسن بني صدر ومن قبله رئيس الوزراء مهدي بازرجان ثم علي رجائي آخر عهد الجمهورية الإيرانية الأولى من رؤساء الوزراء, ورؤساء الجمهورية غير المنتمين للنخبة الدينية ليأتي عصر الجمهوريات الدينية بتقلد رجال دين من أمثال علي خامنئي وعلي أكبر هاشمي رافسنجاني وأخيراً محمد خاتمي لرئاسة الجمهورية لتسيطر النخبة الدينية في نظام الثورة الإسلامية على مؤسسات الحكم في إيران بصورة مطلقة.(10/147)
ظهرت توجهات نظام الثورة الحقيقية في عدم تسامحه بالمساومة على منطق الثورة وأن حركة مؤسسات الدولة والمجتمع يجب أن تخضع لمنطق الثورة وقيمها الدينية.. سرعان ما سيطرت على حركة مؤسسات الدولة والمجتمع والفعاليات الدينية الموالية للإمام الخميني مثل الحرس الجمهوري واتحادات الطلاب والمحاكم الثورية (الشرعية) المتجولة تطبيقاً لنظرية ولاية الفقيه في الحكم إلى أن نجحت هذه الفعاليات في إزالة أي مظهر عصري أو ليبرالي لنظام الثورة حاولت الثورة أن تتزين به في البداية.
وسرعان ما أبدت الثورة الإسلامية في إيران بعد نجاحها في الاستيلاء على السلطة وتهميش العناصر الليبرالية التي استخدمتها في بداية عهدها طموحات على المستوى الإقليمي والدولي وقالت بأهمية فكرها وعالمية ثورتها وعكست مسؤولية نظامها في ما سمي بمشروع تصدير الثورة.. ومعاداة الأمبريالية الأمريكية بقيادة الولايات المتحدة التي حملتها مسؤولية استبداد حكم الشاه للشعب الإيراني.. وإفشالها لثورة مصدق في الخمسينات.. واستغلالها لثروات إيران النفطية في عهد الشاه لتمويل مشاريعه التوسعية الإقليمية.
ولم تمض سنة على الثورة إلا ودخلت إيران في حرب ضروس مع العراق استمرت ثمانية أعوام في ما كان تطبيقاً عملياً لمبدأ تصدير الثورة بمستوى العنف الذي تفاعل من قبل الثورة في داخل إيران بحجة دك أسس نظام الشاه العلماني وبناء مجتمع يقوم على النقاء الثوري.. ويؤمن بسيادة قيم الإسلام كما جاءت في نظرية ولاية الفقيه.(10/148)
ويلاحظ في هذه الفترة سواء في حركة نظام الثورة الداخلية أو الخارجية اعتماد ما يعرف في الأدبيات السياسية بقيم الشرعية الثورية من أجل حشد تأييد الجماهير الراغبة في التغيير وكانت قد خرجت لتوها من ربقة حكم الشاه الاستبدادي وراء فعاليات الثورة المتحمسة والمشبعة بروح النقاء الثوري للتجاوب مع تطلعات وآمال الجماهير التي كانت لا زالت تحت تأثير فرحة التخلص من حكم الشاه العارمة.
إلا أن كل ذلك لم يدم طويلاً نظراً لعدم كفاءة وفاعلية نظام الثورة المغرق في أيدلوجيته الصارمة في التعامل بإيجابية مع ثورة التطلعات لدى الجماهير بتحسين أوضاعهم مقارنة بما كان عليه الحال وقت حكم الشاه.. ليس على مستوى تلبية الحاجات المعاشية اليومية بل على مستوى الحريات حيث أظهرت فعاليات نظام الثورة عداء للحريات الفردية السياسية والاجتماعية لا يختلف عن ذلك التي كانت تعاني منه في عهد الشاه.. مما أفقد نظام الثورة مع الوقت هيبته وبدأ التساؤل حول مدى الحكمة في تأييده والرضاء به نتيجة لثورة الاحباطات التي ولدتها عدم قدرة النظام للاستجابة مع ثورة التطلعات التي خلقها عند قيامه.
المرحلة الثانية: حاول فيها النظام من خلال رئاسة هاشمي رافسنجاني إعادة البناء لعلاج الاقتصاد المنهار بسبب الحروب والزيادة السكانية والعزلة الدولية نتيجة للسياسة الخارجية المتطرفة والعدائية لبعض القوى والفعاليات الدولية خاصة الولايات المتحدة نتيجة التوجه في العشر سنوات الأولى من عمر الثورة نحو سياسة تصدير الثورة والعداء لما هو غير إسلامي.. في بداية ما سمي بالجمهورية الثانية (1988-1997) حدث تطور على مستوى حركة النظام الدولي بانهيار ما كان يسمى بالكتلة الشيوعية بزعامة الاتحاد السوفيتي مما كان له أثر اقتصادي داخلي في إيران التي اعتمدت الثورة عند بدايتها أسلوب الاقتصاد الموجه والأخذ بمنهجية التخطيط لتفعيل برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.(10/149)
بانهيار الكتلة الشيوعية انهارت معها المدرسة والفكر الاشتراكي في التنمية الاقتصادية والاجتماعية وبدا أن الحل للمشكلة الاقتصادية في إيران لا ينفك عن حل معضلة المشكلة السياسية فيها فأخذ تيار الإصلاح الليبرالي يتنامى في مواجهة مقاومة شديدة من قبل التيار الديني المحافظ الذي شعر بما كان يسميه بإرهاصات الثورة المضادة التي كان يمثلها التيار الإصلاحي المتنامي الذي اتهم من قبل المحافظين بمحاولة عودة عقارب الساعة إلى الوراء بإحياء فلسفة وفكر وسلوك الخيار العلماني بهدف إعاقة جهود التيار الديني في إعادة البناء بعد الحرب وحل المشكلة الاقتصادية في البلاد.
وكانت إدارة رافسنجاني تميل إلى التغيير والبعد عن القوالب الأيدلوجية الجامدة لفكر وحركة الثورة والاقتراب أكثر وأكثر نحو تأسيس شرعية براجماتية للنظام تقوم على منطق الدولة وليس على شرعية الثورة خاصة بعد رحيل الإمام الخميني الذي كان حجر الزاوية ومصدر الشرعية الوحيد لنظام الثورة الإسلامية في إيران.(10/150)
لم ينفتح النظام في عهد رافسنجاني على الداخل فحسب بل على الخارج أيضاً باتباع سياسة خارجية أكثر براجماتية بعد تخلي نظام الثورة عن القوالب الأيدلوجية الدينية الجامدة التي كانت تتحكم في حركة السياسة الخارجية لجمهورية إيران الإسلامية وفي مقدمتها شعار تصدير الثورة. وتحسنت علاقات إيران مع جيرانها خاصة دول الخليج العربية في هذه الفترة وكذلك مع الكثير من الدول الأوروبية التي وصلت العلاقات معها في بداية الثورة إلى مرحلة قطع العلاقات. إلا أن العداء للولايات المتحدة لم ينته وإن كانت لهجة التطرف تجاه الولايات المتحدة في تلك الفترة قاصرة على المنتمين للتيار المحافظ المتشدد دون أن ينعكس في الخطاب السياسي الرسمي لإدارة الرئيس رافسنجاني بصورة واضحة ولكن حتى ذلك الوقت كان التيار المحافظ على درجة كبيرة من القوة.. إلا أن ذلك لم يحل دون تطور حركة إصلاحية من داخل رحم فعاليات النظام الدينية بدأها رافسنجاني.. وترسخت في عهد محمد خاتمي.
المرحلة الثالثة: تبدأ هذه المرحلة مع انتخاب الرئيس محمد خاتمي في مايو 1997 في مواجهة منافسة شديدة من مرشح المحافظين آية الله ناطق نوري. بانتخاب محمد خاتمي بدأت مرحلة جديدة يمكن وصفها بأنها مرحلة الانتقال من عهد القائد "الكاريزمي" إلى عهد الإرادة الشعبية. لأول مرة تواجه النخبة الدينية بتحد حقيقي بإعطاء خاتمي الأولوية لقضايا المجتمع المدني.. وحكم القانون.. واحترام التعددية.. والحوار مع الغرب.
لم يحاول خاتمي وضع قضية الحرية في مواجهة المحافظين لتمرير الإصلاحات.(10/151)
ولكنه يحاول التأسيس لقضية الحرية من خلال وجود مؤسسات رسمية وغير رسمية فاعلة وكفؤة تحميها تتفاعل في داخل النظام السياسي الإيراني. هذا التطور في حركة وقيم النظام السياسي الإيراني الذي أتت به حكومة خاتمي يمكن الجدال من أنه تطور نحو مزيد من الديموقراطية ليقترب أكثر نحو حل معضلة العلاقة بين الديموقراطية والإسلام هذا من ناحية من ناحية أخرى يمكن ملاحظة أن إيران في عهد خاتمي خطت خطوة كبيرة نحو الديموقراطية أبعدت النظام عن سيطرة القيم الدينية.. وضعت التيار المحافظ في موقع الدفاع. لكن لم يحدث التحول بعد في التجربة الإيرانية. التحول قد يكون في بدايته ولكنه لم يكتمل بعد. لا يمكن القول باكتمال عملية التحول دون توفر ثلاثة عناصر أساسية.
العنصر الأول: تطوير القوانين الانتخابية الجامدة وغير المتسامحة.
العنصر الثاني: دعم مؤسسات المجتمع المدني.
العنصر الثالث: وجود نظام حزبي قوي.
تطوير القوانين الانتخابية:
هناك غموض في دستور جمهورية إيران الإسلامية حول قضية السيادة في الدولة والمجتمع الفقرة الأولى من المادة الثانية من الدستور تقول: أن الله هو المتفرد بالحاكمية والتشريع. والمادة الثامنة والخمسون أكدت بأن السيادة المطلقة لله إلا أنها قالت: أن الله أعطى الإنسان السيادة على مصيره الاجتماعي. وفي ما يعتبر تفسيراً لمعنى السيادة الاجتماعية للإنسان نصت المادة السادسة من الدستور: يجب أن تدار شؤون البلاد في إيران بالاستناد إلى رأي الشعب الذي يتجلى بانتخاب رئيس الجمهورية.. وأعضاء مجلس الشورى الإسلامي ونظائرها.. أو عن طريق الاستفتاء العام في الحالات التي نص عليها الدستور.(10/152)
نظام جمهورية إيران الإسلامية إذاً أخذ بمبدأ تجزئة السيادة بين الله والأمة وإلى حد ما الإمام (القائد) اتباعاً لنظرية ولاية الفقيه في الوقت الذي أخذ بآلية الانتخاب كتعبير عن سيادة الإنسان على مصيره الاجتماعي لاختيار رموز مؤسسات النظام السياسية خاصة التنفيذية والتشريعية بل أنه حتى في حالة اختيار القائد فإن آلية الانتخاب هنا هي التي تحدد شخصية القائد كجزء من السيادة وكتعبير عن استمرار الإمامة والقيادة كأهم ضمان لاستمرار نظام الثورة(1) .
عدم الحسم هنا في مسألة السيادة ومصدرها بسبب ولاء النظام لنظرية ولاية الفقيه حال دون الشعب والتعبير عن خياراته السياسية بالصورة التي تتفاعل في الأنظمة الديموقراطية التي تأخذ بقيم وحركة النظرية الليبرالية في الحكم. خيارات الناس السياسية بفعل أخذ النظام بنظرية ولاية الفقيه لابد أن تنحصر في نخبة دينية تعكس في توجهها ونهجها السيادة المطلقة لله ومؤسسة الإمامة (ولاية الفقيه) بوصف الأخيرة أهم ضمان لنظام الثورة الإسلامية في إيران على أساس الكتاب وسنة المعصومين (الفقرات 51 و أ من 6 المادة الثانية من الدستور).
__________
(1) انظر ما جاء بشأن مجلس الخبراء في ما يخص انتخاب القائد وعزله المواد: 107, 108, 111. كذلك في ما يخص القائد من السيادة انظر: الفقرة الخامسة من المادة الثانية من الدستور.(10/153)
لهذا نجد المادة: 91 من الدستور تعطي ما يسمى بمجلس صيانة الدستور(1) الإشراف على سائر الانتخابات في جميع مراحل العملية الانتخابية للتأكد من أن المرشحين وأن كانوا يتنافسون على خيارات الناخبين السياسية إلا أنهم لابد أن تتوفر فيهم مؤهلات ذلك الجزء من السيادة الخاص بالله ومتطلبات الإمامة مما يعني بالتبعية أن تقلد المناصب العامة في نظام الثورة الإسلامية في إيران يتوقف على مدى أهلية المرشحين من قبل مجلس صيانة الدستور الذي يفاضل بينهم على أسس دينية وإن كانت غير بعيدة عن المصلحة السياسية لمن يعتبرون أنفسهم حامين للشرعية الدينية للنظام الأمر الذي يمثل قيداً حقيقياً على الديموقراطية وإن كان النظام راعي شكليات آليات الانتخاب لتقلد المناصب العامة في الدولة وترجم هذا القيد في استبعاد من يرى النظام عدم أهليته لخوض غمار الانتخابات العامة والمحلية.. وممن لا ترغب النخبة الدينية الحاكمة (المحافظون على وجه الخصوص) مشاركته في الانتخابات بسبب توجهاته الإصلاحية.
__________
(1) مجلس صيانة الدستور (12 عضواً) يهيمن عليه القائد الذي يعين نصفهم بصورة مباشرة (6 أعضاء من الفقهاء) ويصادق عليه ترشيح رئيس السلطة القضائية للستة الآخرين.. وبيده عزلهم أيضاً.. وإذا ما عرفنا أن القائد هو الذي يعين رئيس السلطة القضائية فإن السيطرة على مجلس صيانة الدستور تكون للقائد. أي للتيار المحافظ في النخبة الدينية الحاكمة في نظام الثورة الإيرانية. انظر المواد: 191 و ب من الفقرة 6 مادة 110 من الدستور.(10/154)
ولكن الإصلاحيين ركزوا على حق الهيئة الناخبة الدستوري في اختيار مرشحيهم وإن حاولوا الالتفاف على تمسك المحافظين بأسس الشرعية الدينية للنظام الخاصة بالحاكمية المطلقة لله ومكانة الإمامة الرفيعة في النظام السياسي الإيراني عن طريق التزامهم بالحدود الدنيا من شروط مجلس صيانة الدستور. لهذا تجد أنه منذ عام 1979 ذهب الشعب الإيراني في ظل نظام الثورة إلى صناديق الاقتراع 24 مرة بين استفتاءات انتخابات رئاسية وبرلمانية ومجالس محلية استطاع الإصلاحيون أن يستثمروا حركة الانتخابات ليحققوا مواقع متقدمة في بعض جبهات مؤسسات الحكم مثل مؤسسة الرئاسة.. ومواقع صامدة في مجلس الشورى وحتى اختراق جبهة مجلس الخبراء. فحدثت تحولات هامة في مزاج الشارع الإيراني استغلها الإصلاحيون لتدعيم مراكزهم في مواجهة المحافظين.. وبروز جماعات وأحزاب مؤيدة للديموقراطية كما أن هذا الاحتكار للنخبة الدينية المحافظة المعبرة عن نظرية ولاية الفقيه جوبه برد فعل سلبي من جانب الشعب الإيراني انعكس في خفض مستوى المشاركة السياسية في الانتخابات الرئاسية عام 1993 بعد أن فاز رافسنجاني بـ 15 مليون صوت في انتخابات 1989 فاز في انتخابات 1993 بـ 8 ملايين صوت فقط لم يكن مقصوداً بذلك الرئيس رافسنجاني بقدر ما كان الأمر يعكس امتعاضاً من دور المحافظين في مجلس الشورى ومجلس صيانة الدستور لمشاريع رافسنجاني الإصلاحية التي أدت إلى تفاقم المشكلة الاقتصادية وزيادة حجم الديون الخارجية إلى 30 مليار دولار.(10/155)
ورغم الزخم الذي شهدته المشاركة الشعبية في انتخابات 1997 ربما تأييداً لتيار الإصلاح الذي استلم لواءه الرئيس محمد خاتمي إلا أن المشاركة في الانتخابات على مستوى المرشحين ظلت محصورة في التيارات الدينية رغم ما بداخلها من تنوع.. ولم تشمل المشاركة التيارات غير الدينية حيث استبعد المثقفون من الترشيح للانتخابات من ضمنهم أعضاء في التنظيمات الدينية أو قريبين منهم بسبب الوضعية الدستورية المتميزة لولاية الفقيه التي يمثلها مجلس صيانة الدستور(1) .
__________
(1) قناة الجزيرة المشاركة السياسية في إيران, ملف خاص عن إيران في 6/5/2001.(10/156)
حتى أن خيار الإرادة العامة السياسية لا يعتد بها عند ممارسة فعاليات النظام ورموزه المنتخبة لوظائفهم السياسية التي انتخبوا من أجلها. نواب الشعب في مجلس الشورى (البرلمان) على سبيل المثال ليسوا بعيدين عن تسلط مؤسسة القيادة المباشر التي تمتلك سلطة الحكم بدستورية القوانين التي تصدر من مجلس الشورى من خلال وظيفة مجمع تشخيص النظام الذي يخضع مباشرة لمؤسسة القيادة(1) .
وضع مؤسسات المجتمع المدني:
__________
(1) انظر المادة 112 من دستور عام 1989, هذه المادة من أهم المواد التي أضيفت لدستور 1989 ولم يكن لها ولا للمؤسسة السياسية التي تتحدث عنها (مجمع تشخيص النظام) وجود في دستور 1980 الذي صدر في بداية الثورة وفي عهد الإمام الخميني.. وتعكس هذه المادة أيضاً تكريساً دستورياً ومؤسساتياً لنظرية ولاية الفقيه وهو أمر لم تدعو الحاجة إليه في عهد الإمام الخميني ربما بسبب شخصية الإمام الخميني الكارزماتية الطاغية.. أو بسبب المعارضة الشديدة من قبل المرجعيات الدينية لنظرية ولاية الفقيه في بداية عهد الثورة حتى مع وجود الإمام الخميني في كل الأحوال تجسد هذه المادة في الدستور الإيراني التوجه الثيوقراطي لنظام الثورة الإسلامية في إيران وسيطرة النخبة الدينية الحاكمة مما يقف عائقاً أمام أية محاولة حقيقية للإصلاح حتى ولو جاءت من النخبة الدينية الحاكمة نفسها وهذه واحدة من أشد العقبات وعورة التي تواجه التيار الإصلاحي الذي يقوده الرئيس محمد خاتمي هذه الأيام.(10/157)
لا يمكن الأخذ بمشاركة شعبية نشطة وفاعلة بعيداً عن حركة حقيقية لمؤسسات المجتمع المدني التي تعمل في جانب مدخلات النظام السياسي بصورة غير رسمية تكتيلاً لمصالح الجماعات السياسية المختلفة.. وتجنيداً لرموز النظام السياسي وقياداته. ودعماً لآليات الاتصال بين فعاليات النظام السياسي المختلفة انعكاساً لظروف التعددية السياسية السائدة في المجتمع.. وضماناً لتحكم أكثر لمؤسسات السلطة في الدولة من قبل القاعدة العريضة للأمة.
تتمثل مؤسسات المجتمع المدني في الأحزاب السياسية وجماعات الضغط والمصالح من نقابات عمال ونقابات مهنية واتحادات طلبة ووسائل اتصال ورأى عام وجماعات رجال الأعمال وأصحاب رؤوس الأموال والتنظيمات النسوية وجماعات حماية البيئة. وجود هذه المؤسسات غير الرسمية للمجتمع المدني ضرورية لأي نظام سياسي لكسر احتكار السلطة من قبل النخبة الحاكمة وتوفير نظام أكثر إحكاماً للسيطرة في المجتمع حتى لا تحيد السلطة عن الغاية من وجودها وتجنح للاستبداد.
إيران لا زالت تفتقد مثل هذه النوعية لمؤسسات المجتمع المدني بسبب الخلفية الأيدلوجية للنظام الذي يعتمد على سيطرة النخبة الدينية الحاكمة التي تتمتع بامتيازات دستورية واسعة وبسيطرة فعلية كاملة على حركة مؤسسات النظام السياسي الإيراني بغض النظر عن تعددية التيارات السياسية في داخل هذه النخبة الدينية الحاكمة سواء كانت إصلاحية (تحريرية) أو محافظة (متشددة).(10/158)
إلا أنه خلال عقدين من الزمن منذ تفجر الثورة الإسلامية في إيران فإن حركة النظام السياسي للثورة من خلال شكليات الممارسة الديموقراطية التي تتفاعل بدورها من خلال آلية الانتخاب لرموز مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية وما كفله الدستور من هامش للحرية في مجالات الصحافة وحرية تشكيل الأحزاب والجمعيات والهيئات السياسية والأقليات الدينية والعرقية وإن كان كل ذلك مشروطاً بأن لا يتناقض مع أساس الدولة الديني قاد إلى إنشاء طبقة وسطى عريضة. ومجتمع من المهنيين والمثقفين عبروا عن آرائهم من خلال الصحف وعن مصالحهم وميولهم السياسية من خلال النشاطات النقابية.
ولكن كل ذلك لا يعني وجود حركة نشطة وفاعلة لمؤسسات المجتمع المدني في النظام السياسي الإيراني يمكن أن تتحكم بصورة فعلية في حركة مؤسسات السلطة الرسمية تجاوباً مع وضع التعددية السياسية السائدة في المجتمع الإيراني.
هذا الفراغ المؤسساتي غير الرسمي في جانب مدخلات النظام السياسي الإيراني انعكس في تفاعل معارضة ضعيفة مشتتة وغير منظمة لفئات محبطة من المجتمع مثل الشباب والعمال والطلبة والمرأة والفنانين في مواجهة وجود مؤسسات قوية ومنظمة مؤيدة للنظام تعمل في البيئة الداخلية للنظام السياسي بصورة شبه رسمية مثل الحرس الثوري ومؤسسة المفقودين ومؤسسة الشهيد تخضع للدولة(1) .
__________
(1) Ali Abootalebi, “The struggle Democracy In The Islamic Repuplic of Iran”, Journal of Middle East Review of International Affairs. Vol. 4. No: 3, September, 2000.(10/159)
ولم يكتف النظام بوجود مؤسسات شبه رسمية تتمتع بامتلاك آليات قسرية مثل الحرس الثوري.. أو جمعيات يغدق عليها النظام من موارد الدولة مثل مؤسسة المفقودين ومؤسسة الشهيد لتعمل من خلال البيئة الداخلية لتأييد النظام بل أن النظام طور جمعيات أخرى محافظة تعكس ولاء عقائدياً لنظرية ولاية الفقيه والمؤسسة الدينية المحافظة في النظام السياسي الإيراني بعضها ترتبط مباشرة بالقائد مثل: جمعية المؤتلفة الإسلامية التي تسيطر على بازار طهران وتتكون من أشخاص عاديين وعلماء دين وأنضم إليها أعضاء جمعية الحجتية المعادلة للبهائية بعد إيقاف أنشطتها عام 1983 وهذه مؤيدة للقائد. وهناك أيضاً رابطة الأطباء الإسلاميين.. ورابطة أرباب العمل بازار طهران.. والرابطة الإسلامية للجامعيين الإيرانيين.. والرابطة الإسلامية للمعلمين.. والرابطة الإسلامية للموظفين.. ورابطة وعاظ طهران.. ورابطة زينب النسائية.. والرابطة الإسلامية لأطباء الأسنان والأطباء البيطريين وغيرها وكل تلك الجمعيات الأهلية مؤيدة للمحافظين(1) .
نظام حزبي منغلق:
كما أنه لا يمكن تصور ممارسة حقيقية للديموقراطية بدون مؤسسات فاعلة للمجتمع المدني لا يمكن تصور ديموقراطية بدون نظام حزبي حر يعكس حركة حقيقية للمشاركة الشعبية في عملية صناعة القرار. حتى مع توفر آليات لانتخاب رموز مؤسسات السلطة المختلفة من قبل أفراد الجماعة السياسية فإن النظام الديموقراطي لا يكتمل بدون منافسة حقيقية على تولي المناصب العامة في الدولة تعكس وضعية التعددية السائدة في المجتمع.. والأفكار السياسية المختلفة تجاه القضايا المثارة سواء على مستوى البيئة الداخلية أو الخارجية للنظام السياسي.. وتطور حلول متضاربة لمشاكل التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية لجني أكبر عائد ممكن لموارد المجتمع الحقيقية والمحتملة.
__________
(1) إسماعيل حامد خليل, مصدر سابق, ص13.(10/160)
هذا كله لا يتآتى من غير تفاعل نظام حزبي حر وحقيقي يجمع مصالح الأمة بأسرها عن طريق تحقيق مصالح من ينتمون إلى حزب سياسي بعينه أو عن طريق مشاركة أكثر من حزب في السلطة إذا ما رأت الهيئة الناخبة ذلك (الشعب) وصولاً لتداول سلمي للسلطة بعيداً عن أي احتكار لها يتفاعل بعيداً عن إرادة الجماهير وذلك عن طريق منافسة حزبية سلمية.
هذا لا يمكن أن يتوافر في نظام عقائدي (ديني) مثل نظام الثورة الإسلامية الذي يربط شرعية الممارسة السياسية فيه ومن ثم مصير حركة السلطة بقيم أيدلوجية تستمد أصولها من الاعتقاد بالإمكانات المبتافيزيقية لشخص القائد طبقاً لنظرية ولاية الفقيه.. أو مراعاة خط أيدلوجي (ديني في حالة النظام الإيراني) معين عند اختيار رموز مؤسسات السلطة المختلفة. حتى ولو كانت عملية الاختيار هنا تعتمد على آليات الانتخاب من قبل الجماهير طالما أن المنصب السياسي نفسه لا يعكس حقيقة التعددية السائدة في المجتمع وبدلاً عن ذلك يعكس احتكاراً للسلطة من قبل نخبة دينية غير متسامحة مع تطور أي شكل من أشكال الخلاف السياسي معها وإن كان بالفعل له صدى لدى الجماهير.(10/161)
تاريخياً: شهدت إيران تنظيمات حزبية منذ وقت مبكر قبل قيام الثورة الإسلامية بقيادة الإمام الخميني.. وشهد نظام الشاه معارضة حزبية رغم قمع النظام لها مما دفعها إلى خيار العمل السياسي السري في الوقت الذي كان هناك حزب واحد يعمل في العلن حزب السلطة رستاخير (البعث). وشملت أحزاب العمل السري في عهد الشاه تيارات دينية وقومية وماركسية. ولم يختلف الوضع كثيراً في عهد نظام الثورة الإسلامية في طهران. لقد عمد نظام الثورة الإسلامية إلى حظر جميع الأحزاب غير الإسلامية. ولم تستطع بقية الأحزاب غير الدينية أن تشق طريقها للبرلمان بسبب عدم توفر شروط أهليتها للاشتراك في انتخابات مجلس الشورى أو مجالس شورى الأقاليم وأهمها الإيمان الأيديولوجي بالإسلام ونظام ولاية الفقيه.. وهي الشروط التي تراقب مدى توفرها في المرشحين ما يسمى بـ "لجنة أهلية المرشحين" في وزارة الداخلية وهي لجنة منبثقة عن مجلس صيانة الدستور الذي يهيمن عليه القائد.(10/162)
منذ البداية أبدى نظام الثورة عدم تسامحه مع أي حركة حزبية غير إسلامية وإن كان غض الطرف عن عمل بعض الأحزاب غير الإسلامية التي تفاءلت بقيام الثورة وحتى يظهر نظام الثورة خلافاً جذرياً عن مرحلة حكم الشاه خاصة أن الثورة في بدايتها كانت في حاجة لدعم كل القوى السياسية التي كانت تعمل في الخفاء في عهد الشاه لذا نجد هناك نشاطاً حزبياً متنوعاً في العالم الأول من الثورة جذب أحزاباً غير إسلامية وعلمانية بل وشيوعية وماركسية مثل حزب تودة الشيوعي.. وحركة مجاهدي خلق.. ومنظمة فدائيان خلق حتى اصطدمت هذه الأحزاب مع السلطة وتم اعتقال عدد كبير من أعضائها ولم تكتمل الثورة عامها الأول بعد.. وعند إقالة بني صدر 1981 تم رسمياً إزاحة التيار الليبرالي التي كانت حركة الحرية بزعامة رئيس الحكومة المؤقت مهدي بازرجان.. وبعد ذلك اضطرت تلك الأحزاب وغيرها إلى اللجوء إلى خيار العمل السياسي السلبي في ما ظلت الأحزاب السياسية الدينية فقط هي التي على الساحة.
وبعد انتهاء الحرب مع العراق عام 1988 برزت إرهاصات التيار الإصلاحي من داخل النخبة الدينية الحاكمة بفعل التطورات التي حدثت على ساحة الشارع الإيراني مطالبة بالمزيد من الحرية وتحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية بعد أن عانى الشعب الإيراني كثيراً بسبب الحرب. وبدأ مفكرون ليبراليون من أمثال البروفيسور عبد الكريم سروش في طرح نظريات حول المجتمع المدني وعلاقة الدين بالدولة وانتهى الأمر بطلب الرئيس رافسنجاني من محمد خاتمي (وزير الثقافة آنذاك) الاستقالة لأنه أفسح المجال لمثل هذه الأفكار التي تتعارض مع شرعية النظام كما تحددها نظرية ولاية الفقيه.(10/163)
إلا أن ذلك لم يمنع المد الإصلاحي خارج سيطرة التيار المحافظ المتشدد في النظام السياسي الإيراني من أن يزحف بقوة وثبات منذراً بتحولات كبيرة في قيم النظام وحركة مؤسساته. وبدأت تيارات سياسية كانت تعمل في الخفاء أو كانت مجمدة نشاطاتها بسبب ظروف الحرب وبسبب شدة وطأة التيار الديني المحافظ على النظام تخرج للعمل السياسي في العلن وتشكل نواة التيار الإصلاحي في مواجهة التيار الديني المتشدد المسيطر على مجلس الشورى ومجالس شورى الأقاليم بدعم مباشر ومباركة من القائد.(10/164)
نشطت من جديد حركات وتنظيمات سياسية مثل: كوادر البناء وحركة مجاهدي خلق انقلاب إسلامي التي كانت نشطة أيام حكم الشاه وحزب جمهوري إسلامي الذي كان قد تأسس بأمر الخميني عام 1981 وأوقف نشاطه بسبب توجهاته اليسارية. في عام 1997 في بداية الفترة الأولى من حكم الرئيس خاتمي الذي جاء إلى السلطة بسبب توجهاته الليبرالية حيث كان للتنظيمات اليسارية دور في حشد الجماهير لدعمه في مقابل مرشح المحافظين طارق نوري أخذت الجماعات والقوى الليبرالية في تنظيم نفسها من جديد والانخراط في مرحلة جديدة يمر بها نظام الثورة الإسلامية في إيران يقترب فيه أكثر من عقلانية الدولة بعيداً عن منطق قيم الثورة التي تمثلها نظرية ولاية الفقيه. فعادت منظمة انقلاب إسلامي اليسارية من جديد وبقوة هذه المرة.. وانضم تجمع كوادر البناء والإعمار الذي أسسه رافسنجاني إلى التيار الإصلاحي الصاعد إضافة إلى اندماج عدة تيارات تندرج تحت تيار خرداد (نسبة إلى شهر خرداد في التقويم الإيراني الذي انتخب فيه خاتمي إشارة إلى بداية لعهد جديد تمر به إيران بعد الثورة الإسلامية التي قادها الخميني بعيداً عن قيم وتعاليم نظرية ولاية الفقيه). على رأس هذه التنظيمات الإصلاحية الجديدة التي تنضوي تحت تيار خرداد: منظمة انقلاب إسلامي. وجبهة المشاركة.. وحزب التضامن.. وتجمع روحانيون مبرز إضافة إلى التنظيم الطلاب وحركة الحرية وكلها أقرب لنهج الرئيس خاتمي الإصلاحي(1) .
ويمكن أن يضاف إلى القوى السياسية الجديدة في إيران التي كان للتيار الإصلاحي دور في بروزها تيار المستقلين الذي اكتسب أهمية بعد أول انتخابات بلدية شهدتها إيران منذ الثورة عام 1999 إذ أكدت النتائج أن 45% من الفائزين في تلك الانتخابات البلدية من المستقلين الذين باتوا يشكلون شريحة جديدة في المجتمع الإيراني بعيداً عن خط الثورة الأيدلوجي كما تحدده نظرية ولاية الفقيه.
__________
(1) قناة الجزيرة, مصدر سابق.(10/165)
طبيعة التحولات السياسية ومستقبلها:
يمكن تلخيص التحولات التي يشهدها نظام الثورة الإسلامية في إيران هذه الأيام بعيداً عن الخط الأيدلوجي للثورة كما تحدده نظرية ولاية الفقيه وكما كان الأمر قبل ظهور التيار الإصلاحي بقوة في عهد رئاسة خاتمي في النقاط التالية:
أولاً: كان نظام الثورة في بدايته يركز على حكم القانون الديني (الشريعة) والتنمية الاقتصادية ولكن تحولت الاهتمامات في الفترة الأخيرة إلى التخطيط الشامل.. والعلاقات الخارجية.. والاهتمام بقضايا الحريات السياسية والفردية.. مثل ذلك إرهاصات لتطور قيم للمجتمع المدني في شكل ممارسة لجمعيات وتنظيمات سياسية واجتماعية بعيداً عن الخط الديني المتشدد. وإن كانت السيطرة لا زالت بيد النخبة الدينية التي تطور من خلالها التيار المحافظ الذي لا زال متمسكاً بقيم ومنطق الثورة مقاوماً أي انفتاح من قبل النظام في ما يخص قضايا الحريات السياسية والانفتاح على الخارج وإن لم يعد غير متحمس لشعار تصدير الثورة في علاقاته الخارجية وإن ظل متمسكاً بخطه المتشدد تجاه الولايات المتحدة. بالإضافة إلى هذين التيارين هناك مؤشرات إلى ظهور تيار ثالث ضعيف تعبر عنه فئات شعبية تخوض مرحلة انتقالية نحو عملية تنظيمية من خلال محاولة دعم الاتجاه لتطوير مؤسسات المجتمع المدني.
ثانياً: من هذه القوى التي تشكل تياراً ثالثاً مستقلاً وتقف بين التيارين الرئيسيين مثل حزب التضامن الإسلامي وجماعة مكافحة الملالي وحزب المشاركة. وهناك منها من يتخذ موقفاً قريباً من الإصلاحيين مثل حركة الحرية. ومنها من يبحث عن التحول الراديكالي للمجتمع الإيراني إلا أن كل تلك القوى التي تمثل التيار الثالث هذا تتجه لتغليب التيار الإصلاحي ووضع المحافظين في موقع الدفاع.(10/166)
ثالثاً: أثبت نظام الثورة الإسلامية في إيران أنه حل معضلة الديموقراطية في ما يخص طقوس شكليات حركتها بأخذه بآلية الانتخابات لاختيار رموز مؤسسات الحكم في البلاد على مستوى السلطة التنفيذية والتشريعية بل وعلى مستوى اختيار القائد من خلال انتخاب مجلس الخبراء الذي ينتخب ويعزل القائد. وقد كسبت إيران في هذا الأمر مكانة عالمية خاصة مقارنة بمستويات التنمية السياسية القائمة في كثير من الدول الإسلامية التي لم تتطور إلى مستوى الأخذ بآليات الممارسة الديموقراطية كما هو الحال في إيران الثورة الإسلامية.
ولكن هذا التطور لم يطل جوهر الديموقراطية وإن اهتم بمظهرها. لا زال نظام الثورة الإيرانية متخلفاً من ناحية القيم ولا زال يعكس في قيمه وحركة مؤسساته نموذج الدولة الثيوقراطية التي يحدد الدين شرعية الحكم فيها ويسيطر رجال الدين على مؤسسات الحكم في النظام السياسي على مستوى الحركة لم يكن نظام الثورة الإيرانية أحسن حالاً. آلية الانتخابات عند مشاركة سياسية حقيقية إن هي تحكمت في حركة الانتخابات عند المنبع وقيدت الممارسة السياسية لتعكس مصلحة نخبة دينية عند المصب بعيداً عن ظروف التعددية السياسية السائدة في المجتمع.(10/167)
كما أن حركة النظام بأسره تتحكم فيها مؤسسة ثيوقراطية قوية ومهيمنة. القائد بوضعه الثيوقراطي المتميز على رأس النظام يتحكم في حركة الانتخابات عن طريق سيطرته على مجلس صيانة الدستور الذي بدوره يضع شروط الترشيح للمناصب العامة في الدولة كما أنه حتى عند ممارسة الأعضاء المنتخبين لمهامهم السياسية ليسوا بعيدين عن هيمنة القائد السياسية. عن طريق مجمع تشخيص مصلحة النظام(1) على سبيل المثال يمارس القائد عن طريق مجمع تشخيص النظام سلطة الفصل بدستورية القوانين التي يجيزها مجلس الشورى بالرغم من ميوله الدينية وبالرغم من مرحلة التصفية السابقة للمرشحين من خلال مجلس صيانة الدستور.
لذلك من الصعب القول بديموقراطية نظام الثورة الإيرانية لأنه يأخذ بآليات الانتخابات لاختيار رموز وفعاليات مؤسسات السلطة في الوقت الذي يخضع النظام بأسره لقيم وتعاليم ولاية الفقيه سواء من حيث السلطات الواسعة التي يتمتع بها القائد ويهيمن بواسطتها على مؤسسات النظام السياسي الرسمية. أو من حيث الخلفية الثيوقراطية للنظام الذي يجعل السلطة حكراً على نخبة دينية حتى ولو برزت بينها تيارات إصلاحية تظل شرعية النظام مرتبطة بالقيم الدينية التي تنادي بها نظرية ولاية الفقيه.
__________
(1) كما جاء في هامش رقم 38 من أهم الإضافات التي جاء بها دستور 1989 المعدل إنشاؤه لما يسمى بمجمع تشخيص النظام الذي أعطى القائد هيمنة مباشرة على مجلس الشورى الإسلامي تتعلق بوظيفته التشريعية عن طريق ممارسة رقابة دستورية على ما يصدره من قوانين وتشريعات بالإضافة إلى ما يتمتع به القائد من صلاحيات لتحديد نوعية ومواصفات المرشحين عن طريق مرجعية مجلس صيانة الدستور له. انظر المادة: 112 من دستور 1989.(10/168)
عندما نتحدث عن الديموقراطية فإننا نتحدث عن مجموعة قيم سياسية تتحكم في حركة الممارسة السياسية في المجتمع نتحدث عن: تداول للسلطة على أساس سلمي يأخذ بمبدأ المشاركة السياسية من خلال انتخابات حرة... وتوازن فعلي بين السلطات.. ورقابة متبادلة بينها خاصة على السلطة التنفيذية.. وحركة نشطة لمؤسسات المجتمع المدني غير الرسمية.. مع وجود صحافة حرة مستقلة وإيران لازالت تمر بمرحلة مخاض في كل هذه الأمور وإن كانت مكانة نظرية ولاية الفقيه كأساس لشرعية النظام تظل أهم عقبة في إحداث تحول ديموقراطي حقيقي في إيران.
إلا أن هناك من يرى إمكانية التعايش بين الإسلام والديموقراطية دون المساومة في منطلقات نظرية ولاية الفقيه الفكرية والفلسفية وذلك بجعل مؤسسات الحكم التي تمثلها خاضعة لإرادة الجماهير أكثر منها خاضعة لكارزمية القائد أو إمكاناته الفقهية ومرجعيته الدينية مع الحد من هيمنة القائد على بقية مؤسسات الحكم في الدولة. الإصلاحات التي ينادي بها هذا البعض تقول بانتخاب القائد من قبل الشعب مثله مثل رئيس الجمهورية لا عن طريق مجلس الخبراء الذي يهيمن عليه القائد عن طريق التحكم في اختيار مرشحيه من خلال عمل مجلس صيانة الدستور. كما لابد أن تكون ولاية القائد محدودة ولا تخضع عملية عزلة لتعقيدات إجراءات ذلك التي جاءت في الدستور(1) , وعلى أن يخضع القائد لآلية محاسبة رقابية تعكس الإرادة العامة للأمة.
__________
(1) انظر المادة 111 من الدستور.(10/169)
يجادل هذا الفريق القائل بإصلاح مؤسسة القيادة أن تلك المطالب يمكن تحقيقها طالما أن الأسانيد الشرعية لولاية الفقيه لازالت أسانيد عامة ومثيرة للجدل وليست حاسمة وجرى انتقادها دينياً وفقهياً كما قال بذلك شريعة مداري ومنتظري وغيرهما كما سبق ورأينا. وإن كانت هذه الإصلاحات ليس من المحتمل الأخذ بها في عهد خامنئي المرشد الحالي لافتقاره القدرة والشجاعة والنية والرغبة لفعل ذلك فإن ذلك من المحتمل الأخذ به إذا جاء قائد جديد يميل للإصلاح حيث الكثيرون من دعاة الإصلاح يأملون أن يحدث ذلك إذا ما تولى المنصب علي أكبر هاشمي رافسنجاني الرئيس الحالي لمجمع تشخيص النظام(1) .
__________
(1) بيرن أيزدي مصدر سابق, ص6-7.(10/170)
مشاكل إيران ليست سياسية في مجملها. هناك أبعاد اقتصادية واجتماعية لمعضلة التعايش بين الإسلام والديموقراطية في إيران. عدم كفاءة النظام وفاعليته في التعامل مع مشاكله السياسية بسبب خلفيته الدينية الجامدة انعكس على قدرته في احتواء مشاكله الاجتماعية والاقتصادية. إيران تعاني من مشكلة اقتصادية متفاقمة تعجز موارد البلاد عن الوفاء بالحاجات المتزايدة للسكان الذين ينمون بمعدلات قياسية. إيران رغم ثروتها النفطية الهائلة حيث تمتلك 90 بليون برميل من النفط في باطن أرضها يمثل 9% من احتياطي العالم المعروف من النفط.. وتنتج 3.6 مليون برميل يومياً.. كما تمتلك 812 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي(1) تعتبر دولة متوسطة النمو بسبب الزيادة السكانية المطردة حيث يبلغ سكانها 68 مليون نسمة ينمون بنسبة 2% سنوياً 53% منهم تحت مستوى خط الفقر.. ويبلغ مستوى التضخم 30% سنوياً.. وتبلغ ديونها الخارجية 22 مليار دولار (إحصاءات 1996) في الوقت الذي يبلغ إنفاقها العسكري 5787 مليون دولار سنوياً يمثل 2.7% من دخلها القومي(2) .
__________
(1) تعتبر إيران ثاني دولة منتجة للنفط في منظمة الأوبك بعد المملكة العربية السعودية. وثالث دولة في العالم تمتلك احتياطياً نفطياً بعد المملكة العربية السعودية والعراق.. وثاني دولة في العالم من حيث احتياطاتها من الغاز بعد روسيا.
(2) قناة الجزيرة, مصدر سابق.(10/171)
ورغم التوجه الإصلاحي لرئاسة خاتمي الذي كان وراء شعبيته وانعكس في فوزه بفترتين رئاسيتين متتاليتين (1997-2001) إلا أن عهده شهد أكبر مظاهرات طلابية في اكتوبر 2001 بسبب تفاقم المشكلة الاقتصادية في البلاد. بالرغم من زيادة أسعار النفط إلا أن معدلات التضخم بلغت عام 2000 – 20% كما أن هناك نصف مليون عامل ينضمون إلى قائمة العاطلين عن العمل سنوياً.. وترتفع البطالة إلى 60% بين النساء وفقاً لما صرحت به زهرة شوجاري مستشارة الرئيس خاتمي لشئون المرأة في تقرير لها أصدرته في فبراير 2001(1) .
إيران من ناحية أخرى دولة متعددة القوميات والأعراق واللغات. 51% من سكانها فرس, 24% أذاريون, 7% أكراد, 3% عرب, 2% من البلوش.. وبها تعدد لغوي بجانب الفارسية هناك اللغات التركية والعربية والكردية والبلوشية.. مذهبياً: يمثل الشيعة 89% من السكان والسنة 10%(2) .
ولذلك تشكل قضية التكامل القومي قضية سياسية هامة في إيران تزيد من تعقيدات نظامها السياسي وتفاقم من مشاكلها الاجتماعية والسياسية.. وإن كانت إيران تستفيد من هذا التعدد العرقي لخريطتها الديموغرافية في خدمة مصالحها بالدول الإسلامية في وسط آسيا(3) .
الخاتمة:
__________
(1) Michael Rubin, What Are Iran’s Domestic Priorities, Journal of Middle East Review of International Affairs, Vol. 6 No: 2, June, 2002.
(2) الدستور الإيراني لا يخفي الخلفية الدينية للدولة فحسب بل نراه يفصح عن تحيزه للمذهب الشيعي الجعفري الاثنى عشري باعتبار ما يخص هذه المسألة غير قابل للتغيير للأبد..! عقبة دستورية كأداء في مواجهة أي تحول حقيقي نحو الديموقراطية .. وترسيخاً لشرعية نظرية ولاية الفقيه. انظر المادة: 12 من دستور 1989.
(3) Oil Survey On line.(10/172)
في العقد الأول من عهد الثورة الإسلامية في إيران حاول النظام السياسي الحفاظ على تماسكه من خلال أيدلوجية الإمام الخميني في ولاية الفقيه.. وساعدت الحرب مع العراق التي استمرت ثماني سنوات في عدم نقاش ولاية الفقيه بالإضافة إلى ما كان يتمتع به الإمام الخميني من زعامة سياسية وروحية كاريزماتية. بعد وفاة الإمام الخميني عمد النظام إلى التمسك بشرعية ولاية الفقيه وترسيخ قيمها بتأصيل مؤسسة القيادة دستورياً ومؤسساتياً بعيداً عن شرعية زعامة الإمام الخميني التي كانت طاغية زمان عهده.
ولكن بالرغم من هذا التحيز القيمي والمؤسساتي لنظرية ولاية الفقيه من قبل النظام السياسي الإيراني إلا أن ذلك لم يمنع ظهور تيارات سياسية من داخل النخبة الدينية الحاكمة في طهران مستغلة آليات الممارسة الديموقراطية على مستوى اختيار رموز وفعاليات مؤسسات النظام الرسمية مطالبة بالإصلاح.. والمزيد من الحريات.. والاقتراب أكثر من عقلانية الدولة.. بل والبعد عن منطق الثورة مع تنامي المطالبة بتحديد صلاحيات وسلطات وطريقة اختيار القائد لتقترب من تلك التي يتمتع بها رئيس الجمهورية مع محاولة استيعاب كل التيارات السياسية المتفاعلة في الشارع السياسي الإيراني لكسر احتكار النخبة الدينية للسلطة في جمهورية إيران الإسلامية.. هذا بالإضافة لجعل نظام الثورة الإسلامية في إيران أكثر كفاءة وفاعلية لمواجهة مطالب البيئة الداخلية والخارجية من حركته.. خاصة تلك التي لها علاقة بالمشكلة الاقتصادية وحركة السياسة الخارجية الإيرانية.(10/173)
لذا نجد هناك ثلاثة تيارات أساسية تطورت من تجربة نظام الثورة الإيرانية تتجاذب في ما بينها حول قضية شرعية النظام التي تمثلها نظرية ولاية الفقيه ومتطلبات التحول نحو نظام أكثر عصرية وفاعلية وكفاءة في تحقيق الغاية من حركته في مواجهة ضغوط من البيئتين الداخلية والخارجية للإصلاح والاقتراب أكثر نحو قيم الممارسة الديموقراطية.. وهذه التيارات هي:
الأول: تيار براجماتي (إصلاحي) يركز على عقلانية الدولة بعيداً عن منطق الثورة. يتجاوب بمرونة مع مدخلات البيئتين الداخلية والخارجية.. ولا ينظر لشرعية النظام من منظور أيدلوجي ضيق كذلك الذي تفرضه نظرية ولاية الفقيه. بل ينادي بقيم أكثر عصرية لتحديد شرعية النظام بربطها بإرادة الشعب بعيداً عن أية اعتبارات غيبية أو "ميتافيزيقية".
الثاني: تيار راديكالي يتمسك بقوة بنظرية ولاية الفقيه كأساس لشرعية النظام.. ويعارض كل توجه من شأنه تقليص سيطرة النخبة الدينية خاصة المحافظة على مؤسسات النظام السياسي الرسمية وغير الرسمية.. ويعتمد هذا التيار على دعم رجال الدين المتشددين المدعومين من قوى تمتلك أدوات القسر والعنف في النظام مثل: الحرس الثوري.. وقوات الأمن.. والطلبة المؤيدين للثورة.. ويعارض هذا الاتجاه التقارب مع الغرب ولازال يتمسك بمبدأ تصدير الثورة.
الثالث: تيار محافظ يتخذ موقفاً وسطاً بين الاتجاهين وإن كان يميل إلى التيار الراديكالي في ما يخص شرعية النظام المرتبطة بولاية الفقيه وإن كان يتجاوب مع مطالب البيئة الداخلية للنظام الاقتصادية ولا يتحمس لمطالب الحريات السياسية خاصة تلك التي تقود إلى كسر احتكار النخبة الدينية للسلطة.. ويؤيد هذا التيار البازار التقليدي والطبقة الوسطي(1) .
__________
(1) انظر: "Revolution At Crossroad: Iran Domestic Politics And Regional Ambitions", Washington Institute For Near East Policy, 2002.(10/174)
هناك ميل متزايد في الشارع الإيراني نحو التيار البراجماتي الإصلاحي على حساب التيارين الآخرين خاصة التيار المحافظ الذي يعتبر المنافس الرئيسي للتيار الإصلاحي. رئاستاً كل من هاشمي رافسنجاني ومحمد خاتمي أثبتتا أن هناك تزايداً لتأييد التيار الإصلاحي متى ما توافر حد أدى من مدخلات الهيئة الناخبة في اختيار رموز وفعاليات مؤسسات النظام بعيداً عن سيطرة النخبة الدينية المحافظة على العملية الانتخابية. وقد أثبتت تجربة نظام الجمهورية الإسلامية في إيران أن ولاية الفقيه لا تعكس شرعية النظام الحقيقية كما أنها عاجزة عن جعل النظام أكثر فاعلية وكفاءة في أداء وظائفه أو الاستجابة لتوقعات الجماهير من حركته بالإضافة إلا أنها مسئولة عن بقاء تيار راديكالي متطرف يعيق أية محاولة للإصلاح متمسكاً بقيم الثورة وتهورها رافضاً لعقلانية الدولة ومنطقها.
ولاية الفقيه لم تعد نظرية تؤسس لشرعية النظام السياسية بقدر ما أضحت أداة لإدارة حركة الصراع من قبل الراديكاليين والمحافظين للإبقاء على نفوذهم السياسي في مواجهة تهديد حقيقي لمصالحهم يمثله التيار الإصلاحي الذي خرج هو الآخر من رحم النخبة الدينية الحاكمة التي أفرزتها تجربة نظام ولاية الفقيه.
إذا ما حدث انفتاح فعلي من قبل نظام الثورة الإسلامية في طهران على واقع التعددية السياسية في المجتمع الإيراني فإن النظام السياسي الإيراني سيتجه إلى المزيد من الديموقراطية على حساب مصالح النخبة الدينية الحاكمة في طهران ومعها كل مظاهر الشرعية التي تفرضها قسراً نظرية ولاية الفقيه.(10/175)
" المتحولون ".... فقاعة الصابون!
اطلعت مؤخراً على أوراق بلغت ثلاثة مجلدات! حول حكايات ومقابلات " لمتحولين " وذلك ضمن ماينشره التبشير الشيعي بين أهل السنة. والشيعة يحاولون تضخيم هذه الظاهرة بعدة وسائل منها:
إطلاق عدة أسماء لهذه الظاهرة مرة متحولون ومرة مستبصر وأخرى متشيع...
إنشاء صفحات خاصة بهم في الإنترنت.
إجراء المقابلات ونشرها في المواقع والمجلات الشيعية.
إصدار كتب عن قصة تحولهم.
ولنا وقفات سريعة مع هذه الفقاعة الصابونية:
قائمة المتحولين التي يكررون نشرها ومع كل المبالغة والتجاوز العلمي والموضوعي لاتكاد تصل قائمتهم مئة شخص فقط رغم أنها تشمل فترة تمتد أكثر من سبعين عام؟!
الافتراء على بعض الشخصيات بأنهم قد تشيعوا ولا يمكن لهم إثبات ذلك مثل الشيخ سليم البشري شيخ الأزهر السابق و الصحفي فهمى هويدى.
هؤلاء المتشيعون من هم وما هو وزنهم؟؟ فليس فيهم عالم نحرير ولا داعية موفق، بل أغلبهم من العوام و السذج الذين تشيعوا طمعاً في الشهرة والمال.
من طالع الحكايات المفبركة عن تحول هؤلاء على التشيع يكاد يجزم بأنها قصة واحدة لكن يتم مطها وتعديل بعض الفقرات حتى تناسب المتحول الجديد.
وهذه الحكاية قائمة على أن المتحول كان سنيا ً معادياً للتشيع تعصبا ً وجهلاً وفجأة يقابل شيعياً أومتشيعاً أو كتاباً شيعياً ويدور نقاش وجدال يعجز فيه السني (الشيعي لاحقا ً) عن الصمود حتى حين يستعين بالعلماء السنة فإنهم
لا يستطيعون الصمود بل يلجأون للهرب والتنصل من النقاش، وعندها (تنكشف الحقيقة) ويتحول للتشيع.
* مما يتوقف عنده العاقل أن هؤلاء المتحولين أصبحوا كتاب وعلماء كبار في التشيع والذين ناقشوهم من الشيعة ودعوهم للتشيع ليس لهم كتب ولا ذكرمثل (عبد المنعم مع التيجاني المغربي، دخل الله مع هشام قطيط السوري ، وعبد المنعم مرة أخرى مع معتصم سيد السوداني) !! فهل هم من أذكياء العالم أم كذبة محترفين؟؟(11/1)
حين ظهر التيجاني في المناظرة عام 2002 كان يظنه بعض الناس طالب علم فإذا هو(كلب) آل البيت كما وصف نفسه – حاشاهم من الحاجة للكلاب -.
يحاول هؤلاء المتحولون تصوير علماء السنة جهلة وجبناء عن مناظرة الشيعة، لكن الحقيقة ظهرت في مناظرات قناة المستقلة ومناظرات مواقع الإنترنت من الجهل المركب الذي يتصف به علماء الشيعة وفي المناظرة الأخيرة شاهد جديد على جهلهم.
هذه بعض الوقفات السريعة حول فقاعة الصابون التي يسمونها المتحولون وكتبهم والتي لو وضعت مجتمعة في ميزان مع كتاب واحد وهو (لله ثم للتاريخ) أو (سياحة في عالم التشيع) لرجح بهم وألقاهم بعيد اً وهذا واضح في موقفهم الهائج من كتاب (لله ثم للتاريخ) حيث أنكروا وجود المؤلف ثم حرضوا الحكومات على مصادرته بدل مناقشته.
ولكن (أما الزبد فيذهب هباء).
فرق ومذاهب
الزيدية
التعريف والتأسيس:
تنسب الزيدية إلى الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبى طالب (80 - 122 هـ) وقد تلقى العلم عن والده زين العابدين بن علي بن الحسين، ثم عن أخيه الأكبر محمد بن علي الباقر. وتنقل في البلاد الشامية والعراقية بحثا عن العلم أولا، وعن حق آل البيت في الإمامة ثانيا، وكان تقيّا شجاعا، وقد اتصل برأس المعتزلة واصل بن عطاء، وتدارس معه العلوم، فتأثر به وبأفكاره التي نقل بعضا منها إلى الفكر الزيدي، وبالمقابل تتلمذ أبو حنيفة على الإمام زيد وأخذ منه العلم.
لم يكن فقه الإمام زيد قد دوّن في حياته، ومع ذلك فالزيدية ينسبون إليه كتابين يعتبران عماد الفقه الزيدي: الأول " المجموع في الحديث " والآخر " المجموع في الفقه "، وهما مجموعان في كتاب واحد اسمه " المجموع الكبير" وراوي هذين الكتابين عن الإمام زيد تلميذه أبو خالد عمرو بن خالد الواسطي، وقد اتهمه أهل الحديث بالوضع والكذب.
أهم العقائد:(11/2)
تعتبر الزيدية إحدى فرق الشيعة، وتتشابه بعض عقائدهم مع عقائد الشيعة الإثنى عشرية الذين يشكلون العدد الأكبر من الشيعة اليوم(1) فالزيدية يتفقون مع الشيعة في زكاة الخمس وفي جواز التقية إذا لزم الأمر، وأحقية أهل البيت في الخلافة، وتفضيل الأحاديث الواردة عنهم على غيرها، وتقليدهم، ويقولون " حي على خير العمل " في الأذان، ويرسلون أيديهم في الصلاة،ويعدون صلاة التراويح بدعة، ويرفضون الصلاة خلف الفاجر،....
الإمامة:
يجيز الزيدية أن يكون الإمام في أولاد فاطمة، سواء من نسل الحسن أم الحسين. والإمامة عندهم ليست بالنص، وليست وراثية بل تقوم على البيعة، ويتم اختيار الإمام من قبل أهل الحل والعقد.
ويجيزون وجود أكثر من إمام واحد في وقت واحد في بلدين مختلفين، وتقول الزيدية بالإمام المفضول مع وجود الأفضل، إذا لا يشترط عندهم أن يكون الإمام أفضل الناس جميعا، ومعظمهم يقرّون بصحة خلافة أبي بكر وعمر وعثمان مع مؤاخذته على بعض الأمور.
الاعتزال:
ويميل الزيديون إلى الاعتزال فيما يتعلق بذات الله، والجبر، والاختيار، ومرتكب الكبيرة يعتبرونه في منزلة بين المنزلتين كما تؤمن المعتزلة، ولكنه غير مخلد في النار، إذ يعذب فيها حتى يطهر من ذنبه ثم ينتقل إلى الجنة، وقالوا بوجوب الإيمان بالقضاء والقدر مع اعتبار الإنسان حرا في طاعة الله أو عصيانه، ففصلوا بين الإرادة وبين المحبة أو الرضا، وهو رأي أهل البيت من الأئمة.
__________
(1) - ينتشر الشيعة الاثنى عشرية بشكل أساسي في إيران والعراق ولبنان ودول الخليج والهند وباكستان وأفغانستان، ويطلق عليهم أيضا: الإمامية، الجعفرية....(11/3)
ونتيجة للأوضاع التي عاش بها الإمام زيد أسس مذهبا فقهيا يجمع بين فقه أهل البيت والاعتزال، وأسس قاعدة مشروعية الخروج على الحاكم الظالم، وهي القاعدة التي طبقها الزيدية جيلا بعد جيل. وقد قاد الإمام زيد ثورة ضد الأمويين، زمن هشام بن عبد الملك سنة 122هـ، مدفوعا من أهل الكوفة الذين سرعان ما تخلوا عنه عندما علموا انه لا يتبرأ من الشيخين أبي بكر وعمر ولا يلعنهما، وقد التقى بالجيش الأموي وما معه سوى 500 فارس، وقيل 200 فقط، حيث أصيب بسهم قضى عليه.
إذا الملامح الشيعية واضحة في المذهب الزيدي،رغم اعتدالهم ومخالفتهم للإمامية في كثير من الأصول والفروع، كما أن فكر المعتزلة أيضا له وجوده كما سبق ذكره.
فرق الزيدية:
خرجت عن الزيدية ثلاث فرق طعن بعضها في الشيخين، كما مال بعضها عن القول بإمامة المفضول، وهذه الفرق هي:
1ـ الجارودية: أصحاب أبي الجارود زياد بن أبي زياد.
2ـ السليمانية: أصحاب سليمان بن جرير ويقال لها أيضا الجريرية.
3 ـ البترية: أصحاب النوى الأبتر والحسن بن صالح ويقال لها الصالحية.
نظرة الإثنى عشرية إلى الزيدية
رغم أن الزيدية تشكل إحدى فرق الشيعة، شأن الإثنى عشرية والشيخية والإسماعيلية، إلاّ أن الزيدية كان لها نصيب وافر من كره وحقد الإمامية والإفتاء بكفرهم، واعتبارهم نواصب (1)، ذلك أن الشيعة يؤمنون بكفر كل من لا يؤمن بالأئمة الاثنى عشر.
__________
(1) - الناصبي هو لقب تطلقه الشيعة الاثنى عشرية على أهل السنة، لأن الشيعة تزعم أن السنة يناصبون آل بيت النبي صلى الله علية وسلم العداء، وجاء في رواياتهم أن الناصبي (السني) كافر، حلال دمه وماله.(11/4)
وروى الكليني في الكافي (8/235) حديث رقم 314 عن عبد الله ببن المغيرة، قال: " قلت لأبي الحسن علية السلام: إن لي جارين أحدهما ناصب والآخر زيدي، ولا بد من معاشرتهم، فمن أعاشر؟ فقال: هما سيّان، من كذب بآية من كتاب الله فقد نبذ الإسلام من وراء ظهره، وهو المكذب بجميع القرآن والأنبياء والمرسلين، وقال إن هذا نصب لك وهذا الزيدي نصب لنا ".
ويقول أحد علمائهم, وهو محمد الموسوي الشيرازي الملقب بـ (سلطان الواعظين) في كتاب ليالي بيشاور ص129-130: "إني لم أذكر في الليلة الماضية أن الشيعة على مذاهب, وإنما الشيعة مذهب واحد, وهم المطيعون لله وللرسول محمد صلى الله عليه وسلم والأئمة الاثنى عشر (ع), ولكن ظهرت مذاهب كثيرة بدواعٍ دنيوية وسياسية زعمت أنها من الشيعة, ونشروا كتباً على هذا الأساس الباطل من غير تحقيق وتدقيق.
وأما المذاهب التي انتسبت إلى الشيعة عن جهل أو عمدٍ لأغراض سياسية ودنيوية, فهي أربعة مذاهب أولية, وقد اضمحل منها مذهبان وبقي مذهبان: تشعبت منها مذاهب أخرى, والمذاهب الأربعة هي: الزيدية, الكيسانية, القداحية, الغلاة".
نظرة الزيدية إلى الاثنى عشرية:
في المقابل كان علماء الزيدية –إلا من شذّ منهم- يعرفون ضلال الشيعة الروافض ويحذرون منهم, ويتساوى في ذلك الاثنا عشرية والجارودية, وهم قسم من الزيدية عرفوا بالغلو والميل إلى الرفض والتشيع. وجاء عن الإمام زيد في رسائل العدل والتوحيد 3/76 نقلاً عن التحف شرح الزلف ما نصّه: "اللهم اجعل لعنتك ولعنة آبائي وأجدادي ولعنتي على هؤلاء القوم الذين رفضوني, وخرجوا من بيعتي, كما رفض أهل حرواء علي بن أبي طالب عليه السلام حتى حاربوه".
وسبب هذا اللعن هو أن الشيعة في الكوفة طلبوا منه أن يتبرأ من أبي بكر وعمر حتى ينصروه ضد الجيش الأموي, فأبى ذلك فرفضوه فقال: أنتم الرافضة, وقال أيضاً: الرافضة مرقوا علينا.(11/5)
وكان الإمام الهادي يحيى بن الحسين يقول: "هؤلاء الإمامية الذين عطلوا الجهاد وأظهروا المنكر في البلاد" الأحكام في الحلال والحرام 1/454.
أما الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة المتوفى سنة 614هـ فقد رد عليهم بمئات الصفحات في كتابه العقد الثمين. وفنّد أساطيرهم, وربطهم بعبد الله بن سبأ, وغير ذلك.
ومن المعاصرين, يقول مجد الدين المؤيدي (التحف شرح الزلف ص68) وهو يشرح خروج زيد على الأمويين: "ولم يفارقه إلا هذه الفرقة الرافضة التي ورد الخبر الشريف بضلالها".
أهم الشخصيات:
-الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.
-الإمام يحيى بن الحسين بن القاسم المعروف بالهادي (245-298هـ), ويعود نسبه إلى الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب, وولد في المدينة المنورة, وهو حفيد الإمام القاسم بن إبراهيم صاحب الطائفة "القاسمية" بالحجاز.
الانتشار:
تعتبر اليمن أهم مكان لوجود المذهب الزيدي, ويرتبط دخول الزيدية إلى اليمن بالإمام الهادي, الذي عكف على دراسة الفقه على مذهب زيد, ومذهب أبي حنيفة, ورحل إلى اليمن سنة 280هـ, فوجدها أرضاً صالحة لبذر آرائه الفقهية, لكن الإمام الهادي عاد بعد ذلك إلى الحجاز, ولم يكن قد دعا إلى إمامته في هذه الرحلة, وأحس أهل اليمن بالفراغ الذي تركه, فراسلوه ليرجع إليهم فأجابهم, وعاد إلى اليمن سنة 284هـ, واستقر في صعدة شمال اليمن, وأخذ منهم البيعة على إقامة الكتاب والسنة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
واستمر حكم الأئمة الزيديين لليمن حتى قيام الثورة اليمنية سنة 1382هـ (1962م) على أنقاض المملكة المتوكلية اليمنية, وهي أطول فترة حكم في التاريخ لآل البيت استمرت أحد عشر قرناً من الزمان.(11/6)
ورغم عدم وجود إحصاء رسمي دقيق عن نسبة الزيدية في اليمن إلا أن بعض المصادر تشير إلى أنهم يشكلون حوالي 30-35% من سكان اليمن الموحد, حيث أن الزيديين يتركزون في المحافظات الشمالية من اليمن الشمالي مثل صنعاء وصعدة وحجة وذمار, بينما ينتشر السنة الشافعية في المحافظات الوسطى والجنوبية مثل تعز وإب والحديدة ومأرب وعدن وحضرموت, بل الجنوب بأكمله, حيث أن ما كان يعرف باليمن الجنوبي سكانه سنة على مذهب الإمام الشافعي.
وكانت بعض المصادر تشير إلى أن نسبة الزيدية تشكل 45% من اليمن الشمالي, وباحتساب عدد السكان في الشمال والجنوب تكون نسبة 30-35% في اليمن الموحّد هي نسبة واقعية ومقبولة, مع ملاحظة أن الجنوب بالرغم من كبر مساحته هو أقل سكاناً من الشمال, وأن المحافظات السنيّة هي في الغالب أكثر سكاناً من المحافظات التي يكثر فيها الزيدية, خاصة محافظة تعز التي يصل عدد سكانها إلى حوالي مليوني نسمة من أصل 20 مليوناً أو أكثر قليلاً هم سكان اليمن شماله وجنوبه.
وبالإضافة إلى الوجود التاريخي للزيدية في اليمن, فإنه كان هناك دعوات زيدية في طبرستان والجبل والديلم, وأسست لهم دول لكنها لم تعمر طويلاً, ومنها حركة الحسن بن زيد بن محمد الملقب "الداعي إلى الحق" والذي ظهر سنة 250هـ في طبرستان, ثم احتل آمل وساري والري وجرجان وقومس هازماً بني طاهر ثم توفي سنة 270هـ, واستمرت تلك الدولة 95 عاماً (250-345هـ).
نشاط الزيدية في اليمن:
جدير بالقول أن الزيدية ظلت لسنوات طويلة زيدية صرفة يحارب أئمتها التشيع والرفض, إلا أن قيام الثورة الإيرانية سنة 1979 شكل بارقة أمل لقادة العمل الزيدي في اليمن, خاصة وأن إيران مدّت يدها لهؤلاء في خطتها لتصدير الثورة ونشر التشيع في العالم ومنه اليمن.
وصارت الكثير من الهيئات والمؤسسات والمطبوعات الزيدية تنحى منحى إمامياً اثنى عشرياً, وللزيدية في اليمن الكثير من المؤسسات والأنشطة منها:(11/7)
أولاً: الأنشطة التعليمية والدينية
1-تقريب الزيدية إلى الإمامية, والترويج للفكر الإمامي.
2-إدارة عدد من المساجد والمراكز العلمية ومدارس تحفيظ القرآن, مثل الجامع الكبير, ودار العلوم العليا, ومركز بدر العلمي, ومركز ومسجد النهرين في صنعاء, ومركز الإمام القاسم بن محمد في مدينة عمران, ومركز الهادي في صعدة.
ثانياً: الأنشطة الإعلامية والثقافية
1-طباعة الكتب والنشرات وتوزيعها بالمجان أحياناً مثل كتاب "الوهابية في اليمن" لبدر الدين الحوثي, أو "ثم اهتديت" للتيجاني.
2-إصدار بعض الصحف والمجلات خاصة في ظل أجواء الانفتاح التي عاشها اليمن بعد تحقيق الوحدة اليمنية سنة 1990م ومنها صحيقة الشورى الناطقة باسم اتحاد القوى الشعبية, وصحيفة الأمة الناطقة باسم حزب الحق, وحصيفة البلاغ التي يصدرها إبراهيم بن محمد الوزير.
3-الترويج لعدد من وسائل الإعلام الشيعية التي تصدر خارج اليمن مثل مجلة النور التي تصدرها مؤسسة الخوئي في لندن, ومجلة العالم التي تصدرها إيران.
ثالثاً: الأنشطة السياسية:
بادر الزيدية في اليمن إلى دخول المعترك السياسي بعد السماح بإنشاء الأحزاب سنة 1990م, ومن أحزابهم:
1-حزب الحق, ويرأسه أحمد محمد الشامي, وهو من علمائهم المعاصرين.
2-اتحاد القوى الشعبية, ويرأسه إبراهيم علي الوزير, وهذان الحزبان ليس لهما وزن يذكر على الساحة اليمنية.
رابعاً: الاحتفالات:
ازدادت في الآونة الأخيرة الاحتفالات التي لم تكن مألوفة عند الزيدية في اليمن مثل:
إحياء ذكرى استشهاد الحسين, وإقامة المجالس الحسينية, وإحياء وفاة بعض الأئمة مثل جعفر الصادق ومحمد الباقر وعلي زين العابدين, واتخاذ بعضهم جبلاً في مدينة صعدة أسموه (معاوية) يخرجون إليه في يوم عاشوراء ويطلقون عليه نيران أسلحتهم, والاحتفال بيوم الغدير.
خامساً: الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية(11/8)
إنشاء "جمعية الإيمان الخيرية", ومما يجدر ذكره أن الجمهورية الإيرانية تقدم مساعدات مالية للشيعة في اليمن مثل تقديم المنح الدراسية للطلاب اليمنيين لدراسة العلوم الدينية في إيران, وإنشاء المركز الطبي الإيراني في صنعاء.
للاستزادة
1-الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة –الطبعة الثالثة- الندوة العالمية للشباب الإسلامي.
2-نظرة الإمامية الاثنى عشرية إلى الزيدية – محمد الخضر, تقديم محمد المهدي.
3-الزيدية نشأتها ومعتقداتها – القاضي إسماعيل الأكوع.
4-التجمعات الشيعية في العالم العربي (اليمن) – الراصد, العدد السابع باب: دراسات.
سطور من الذاكرة
من جرائم العبيديين في شمال أفريقيا
لم يكن قيام العبيديين الفاطميين بقتل الفقيهين ابن هذيل وابن البردون إلاّ مثالا بسيطا على ما اقترفه العبيديون الإسماعيليون بحق أهل السنة في الشمال الأفريقي وفي مصر.
في أواخر القرن الثالث الهجري استطاع أبو عبد الله الشيعي(1)
__________
(1) - تناولنا في الراصد عدة مرات موضوع الفاطميين، وخاصة حكمهم لمصر. والعبيديون الفاطميون هم من الشيعة الإسماعيلية وهي فرقة باطنية ادعت أن للإسلام ظاهرا وباطنا: ظاهرا يؤمن به الناس، وباطنا زعموا أنه لا يعرفه إلاّ خواصهم وعلمائهم، وبذلك صرفوا أركان الإسلام وواجباته عن مرادها.
وأبو عبد الله الشيعي أحد دعاة الإسماعيلية وقادتهم المحنكين وهو شيعي من أهل صنعاء اختاره رستم بن حوشب الذي كان زعيما للإسماعيلية في اليمن لنشر الدعوة في الغرب لأنه رآها بيئة خصبة لذلك. ويعتبر أبو عبد الله الشيعي المؤسس الفعلي لدولة العبيديين الإسماعيلية في المغرب.(11/9)
من تأسيس دولة للإسماعيلية في الشمال الأفريقي، حيث كانت البداية في مكة المكرمة سنة 288 و سنة 289 هـ عندما تعرف على وفود الحجيج القادمة من بلاد المغرب، وتقرب إليهم وأظهر الزهد والتقوى، وتمكن هذا الداهية المراوغ من قلوب شيوخ كتامة وهي أكبر القبائل هناك.
ونزل الشيعي في القيروان في تونس ليبحث عن مواضع الضعف في دولة الأغالبة(1) وأخذ يوجه لها الضربات مستعينا ببعض القبائل بعد أن أثار ما كان بينها وبين الأغالبة من خلافات سابقة. ودخل الشيعي إلى القيروان عاصمة البلاد السياسية سنة 296 هـ (909) م.
وأعلن أبو عبد الله الشيعي إثر هذا النصر الحاسم على الأغالبة أن الإمام الحقيقي للمسلمين هو أبو عبيد الله المهدي، وأنة سيصل إلى بلاد المغرب قريبا، ويظهر العدل والمساواة فانضم إليه بعض قادة الأغالبة، وأصبح جيشه مائتي ألف مقاتل لكي يدافعوا عن المذهب الشيعي الإسماعيلي والدولة الجديدة.
وحاول أبو عبد الله الشيعي أن يعتمد في نشر مذهبه على الدعاية والمناظرة لإقناع علماء السنة مثل أمثال عثمان بن سعيد الحداد، إلا أنه فشل، فاستخدم أسلوب القمع والشدة، ومارس هو وأخوه أبو العباس مختلف صنوف التعذيب بحق علماء السنة.
__________
(1) - دولة الأغالبة: دولة نشأت في شمال أفريقيا (تونس) أثناء حكم الدولة العباسية وكانت على خلاف معها، وكان الأغالبة يمارسون الظلم على الناس وينغمسون في الترف، مما عجل بسقوط دولتهم على يد العبيديين سنة 297هـ.(11/10)
ونجح أبو عبد الله الشيعي في تثبيت دعائم الحكم في القيروان بواسطة زعماء قبيلة كتامة، وأرسل إلى عبيد الله المهدي(1) وابنه القاسم للمجيء إلى القيروان وبدأت الدولة العبيدية الوليدة تسعى للقضاء على الخلافة العباسية خاصة بعد أن تمكنوا من القضاء على دولة بي مدرار في سجلماسة، ودولة بني رستم في تاهرت، ودولة الأغالبة في تونس. وكانت بيعة عبيد الله المهدي في القيروان عام 297 هـ /910 م، و أنتهت ولاية أبى عبدالله الشيعي بعد أن دامت عشر سنوات على قول بعض المؤرخين.
وبرغم مما بذلة أبو عبد الله الشيعي من جهد جبار لتثبيت الحكم وتقديمه على طبق من ذهب إلى عبيد الله المهدي، ألاّ أن الأخير تخلص من أبى عبد الله الشيعي وأخيه أبي العباس، وسيد كتامة غزوية بن يوسف بمؤامرات متتالية وكل من كان من أنصارهم.
ويرى بعض المؤرخين أن الخلاف الذي دّب بين الرجلين كان بسب شك أبي عبد الله في عبيد الله وأنه ليس المهدي كما يزعم، في حين رأى البعض أنه كان خلافا بسبب الأموال التي أستأثر بها عبيد الله .
__________
(1) 1 – عبيد الله الهدي: هو أول حكام دولة العبيديين الإسماعليين التي قامت أولا في المغرب العربي ثم انتقلت فيما بعد إلى مصر . وعبيد الله هو سعيد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن ميمون القداح وهو فارسي مجوسي ادّعى أنه من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ومن نسل علي وفاطمة رضي الله عنهما، ومن ذرية جعفر الصادق، ويكاد يجمع علماء الإسلام على بطلان نسبهم إلى آل البيت وجعفر الصادق، وقد ولد في الكوفة سنة 260 هـ وهلك عبيد الله سنة 322 هـ.
وحفيده المعز هو الذي استطاع الاستيلاء على مصر فيما بعد.
قال عنه الإمام الذهبي في" سير أعلام النبلاء ج 15/141 " : (عبيد الله أبو محمد أول من قام من الخلفاء الخوارج العبيدية الباطنية وبثوا الدعاة يستغوون الجبليّة والجهلة).(11/11)
لقد ارتكب هؤلاء العبيديون الرافضة في أهالي الشمال الأفريقي من أهل السنة بعد أن استتب لهم الأمر مالا تصدقه العقول، ومن ذلك:
أنه عندما ادّعى عبيد الله النبوة و الرسالة أحضر فقيهين من فقهاء القيروان وهو جالس على كرسي ملكه وأوعز إلى أحد خدمه، فقال للشيخين: ((أتشهدا أن هذا رسول الله؟ فقالا بلفظ واحد: والله لو جاءنا هذا والشمس عن يمينه والقمر عن يساره يقولان: إنه رسول الله، ما قلنا ذلك. فأمر بذبحهما)). وهذان الشيخان المغربيان هما ابن هذيل وابن البردون. وقد قال الذهبي في السير عن ابن بردون: ((هو الإمام الشهيد المفتي، أبو إسحاق، إبراهيم أبن البردون الضبي مولاهم الإفريقي المالكي،تلميذ أبي عثمان الحداد)).
لم يكن قتل هذين الفقيهين من فقهاء بلاد المغرب العربي الجريمة الوحيدة من جرائم العبيديين في تلك البلاد السنية، إنما كانت جريمة لطالما تكررت.
كانوا كثيرا ما يجبرون الناس على الفطر قبل رؤية هلال شوال، بل قتلوا من أفتى بأن لا فطر إلا مع رؤية الهلال كما فعلوا بالفقيه محمد بن الحبلي قاضي مدينة برقة، الذي قال الذهبي في ترجمته: ((الإمام الشهيد قاضي مدينة برقة، محمد بن الحبلي)).
فلقد أتاه أمير برقة، فقال: غدا العيد، قال: حتى نرى الهلال، ولا أفطر الناس وأتقلد إثمهم،.. فأصبح الأمير بالطبول والبنود وأهبة العيد فقال القاضي: لا أخرج ولا أصلي.. فما كان منهم إلاّ أن علقوا القاضي في الشمس إلى أن مات وهو يستغيث من العطش، فلم يسق، ثم صلبوه على خشبه .
منعوا علماء أهل السنة من التدريس في المساجد، ونشر العلم، والاجتماع بالطلاب، فكانت كتب السنة لا تقرأ إلا في البيت. وأتلفوا مصنفات أهل السنة، ومنعوا الناس من تداولها كما فعلوا بكتب أبي محمد بن أبي هاشم التجيبي (المتوفى سنة 346 هـ) توفى وترك سبعة قناطير كتب، كلها بخط يده فرفعت إلى سلطان بني عبيد فأخذها ومنع الناس منها كيدا للإسلام وبغضا فيه.(11/12)
حرّموا على الفقهاء الفتوى بمذهب الإمام مالك، وهو مذهب الناس في المغرب العربي، واعتبروا ذلك جريمة يعاقب عليها بالضرب والسجن أو القتل أحيانا.
شنوا حربا نفسية على أهل السنة، وذلك بتعليق رؤوس الأكباش والحمير على أبواب الحوانيت والدوّاب وكتبوا عليها أسماء الصحابة.
كان شعراء الدولة العبيدية يمدحون خلفاءهم إلى درجة الكفر البواح وينشرونها بين الناس، كما ظهر ذلك في شعر ابن هانئ الأندلسي الذي يعتبر شاعر الدولة العبيدية الفاطمية. يقول أحد شعرائهم في مدح عبيد الله:
حلّ برقادة المسيح حل بها آدم ونوح
حل بها الله ذو المعالي فكل شيء سواه رايح
زادوا في الأذان ((حي على خير العمل))، واسقطوا من أذان الفجر ((الصلاة خير من النوم)) ومنعوا الناس من قيام رمضان، ومنعوا صلاة الضحى، وقدموا صلاة الظهر لفتنة الناس، أما خطبة الجمعة فقد أظهروا فيها سب الصحابة وضروبا من الكفر، فتركها الناس وأقفرت المساجد في زمانهم. وكان بعض أئمتهم يصلون إلى رقادة فلما أنتقل عبيد الله إلى المهدية صلوا إليها.
للاستزادة :
1- الدولة العبيدية الفاطمية ـ د. علي محمد الصلاّبي
2- سير أعلام النبلاء ـ الإمام الذهبي
3- الراصد : ـ العدد الثالث: كتاب الشهر (الحاكم بأمر الله وأسرار الدعوة الفاطمية ).
ـ العدد الخامس : فرق (الإسماعيلية ).
ـ العدد السادس: كتاب الشهر (جهود صلاح الدين التربوية لتغيير واقع المجتمع المصري).
فرق الهند المنتسبة للإسلام
في القرن العاشر الهجري
وآثارها في العقيدة
(الجزء الثالث)
هذا مبحث نفيس في تاريخ دخول التشيع للهند, والتشيع في الهند ينقسم إلى الإسماعيلية بفرعيها المستعلية (البهرة) والنزارية (الخوجة), والإمامية الاثنى عشرية, والنور بخشية, والتشيع في الهند وما حولها سبب للعديد من البدع والأفكار المنحرفة, ويتميز الوجود الشيعي في بلاد الهند وما حولها باستخدام العنف ضد أهل السنة بشكل واضح وصريح.(11/13)
هو إطلاع أهل السنة على أساليب الشيعة في التغلغل في البلاد الإسلامية من أجل مزيد من الوعي...............الراصد.
فرق الشيعة في الهند
ثالثاً: النور بخشية
تاريخها ونشأتها:
تعد النور بخشية إحدى فرق الشيعة(1)
__________
(1) من الصعب تحديد الفرقة الأم التي تنتمي إليها النور بخشية؛ إذ كان مؤسس المذهب السيد محمد نور بخش يؤكد أن الله تعالى أمره برفع الخلاف من بين هذه الأمة في الأصول والفروع.
ويزعم مؤرخ الآغاخانية محمد علي جنارا أن محمد نور بخش هو أحد دعاة الإسماعيلية, اشترك معه كمال الدين الثاني في وضع الأسس المذهبية النور بخشية, ومن هنا ينتسب هؤلاء إلى الإسماعيلية.
ويرى الأستاذ محمد سعيد مرزا أن الفرقة النوربخشية تعد من تلك النماذج التي ظهرت فيها الفرقة الإسماعيلية الباطنية في مظهر التصوف, لهدف تقريب عامة الناس إلى العقائد الإسماعيلية. وقد قدم كثير من الدعاة الإسماعيليين من إيران إلى الهند في زي المتصوفة, وخلطوا عقائدهم بتعاليم الصوفية, ومن هنا وقع الخلط في الفرقة النوربخشية, هل هي فرقة شيعية أم طريقة صوفية.
قال الأستاذ إحسان إلهي ظهير: ((لقيني كثير من علماء الشيعة في باكستان فسألتهم عن النوربخشية فالأكثر قالوا بأنهم ليسوا من الاثنى عشرية, ولكنهم يدعون التشيع الاثنى عشري لجلب الأموال وحصول المنافع من شيعة الخليج والدول العربية الاثنى عشريين, وشيعة إيران أيضاً, ولقد رضي علماء الشيعة الإيرانيون بادعائهم هذا لاستكثار عدد الشيعة, وإلا فهم ليسوا من الإمامية الاثنى عشرية.
وقال البعض: إنهم من الشيعة الاثنى عشرية, ولكنهم من الفرقة التي ابتعدت عن الاثنى عشرية الخلص بنزعاتها الصوفية, وبأفكارها المناوئة المختلفة للتشيع الاثنى عشري".
انظر: نزهة الخواطر (4/142). - مذهب إسلام اور باطني تعليم (328). - نور مبين حبل الله المتين (515), نقلاً من أثر الفكر الغربي (40). -الشيعة والتشيع (319, هامش رقم: 1).(11/14)
التي انتشرت في إقليم كشمير والبلاد المجاورة لها في القرن العاشر الهجري.
تنسب هذه الفرقة إلى المدعو السيد محمد بن محمد بن عبد الله, المعروف بـ نور بخش. ولد أبوه في القطيف وجده في الحسا(1) ومن هنا يكنى نفسه الحسوي. هاجر أبوه إلى مدينة قائن من منطقة كوهستان –الإيرانية-, وهناك ولد محمد نوربخش عام (795هـ). ويلتقي نسبه بالإمام موسى الكاظم في الجد السابع, ولهذا كان يلقب نفسه بـ الموسوي(2) .
كان محمد نور بخش يتمتع بالحافظة القوية, والذكاء الخارق حيث استظهر القرآن الكريم وهو في السابعة من عمره, وبايع على يد الشيخ إسحاق الختلاني الذي كان مريداً للسيد علي الهمداني وفي فترة وجيزة قطع جميع مراحل السلوك الباطني والتزكية الروحية, وبناءً على رؤيا رآها السيد إسحاق الختلاني منح تلميذه لقب نور بخش –أي: واهب النور- فاشتهر بهذا اللقب, كما أنعم عليه بخرقة علي الهمداني –شيخ إسحاق الختلاني- وأجازه في أخذ البيعة من الناس, وأمر أتباعه ومريديه أن يجددوا البيعة على يد تلميذه محمد نور بخش ومدّ هو يده قبل الجميع, وبايع تلميذه ثم بايعه الآخرون.
__________
(1) القطيف والأحساء منطقتان في شبه الجزيرة العربية, وهما الآن في المنطقة الشرقية للمملكة العربية السعودية.
(2) انظر: طبقات نورية در أحوال مشائخ نور بخشية (ص121, 122).(11/15)
ومن هنا بدأ دور جديد في حياة محمد نور بخش حيث ادعى أنه المهدي؛ لكونه ينحدر من سلالة الإمام موسى الكاظم كما لقب نفسه بأنه إمام وخليفة لجميع المسلمين(1) (2) . وزعم أنه جامع الكمالات الإنسانية, ويحوز كافة العلوم الدينية والدنيوية, وأنه يستطيع أن يعلم أفلاطون الرياضيات, ودعا أهل زمانه إلى أن يعتدوا بمثل هذا المعاصر, وأن يبدوا نشاطاً في سبيل نصرته(3) .
وأحسّ السلطان شاه رخ بن تيمور(4) خطراً من نفوذه المتزايد حيث أعلن نفسه إماماً وخليفة لجميع المسلمين, وتحصن في قلعة كوه هرتي في منطقة ختلان يأخذ البيعة من الناس, ويدعو إلى نفسه, فأمر بإلقاء القبض عليه, فقبض عليه با يزيد –حاكم ختلان- وبعث به إلى هرات حيث مقر السلطان شاه رخ, ومن هناك وُجه إلى شيراز حيث أطلق سراحه حاكمها إبراهيم سلطان(5) فتوجه محمد نور بخش إلى شوشتر والبصرة وبغداد.
__________
(1) انظر: مقال: فرقة نور بخشي (الفرقة النور بخشية) بقلم: مولوي محمد شفيع لاهوري, في أورينثل كالج ميكزين (مجلة الكلية الشرقية) (ص4, 5), عدد فبراير ومايو لعام (1925م), لاهور.
(2) يبدو هنا واضحاً تناقضه مع عقيدة الإمامة الاثنى عشرية, لأن المهدي عندهم محمد بن الحسن العسكري الذي اختفى في سرداب سامرا, ويظهر في آخر الزمان, وهو المهدي المنتظر وصاحب الزمان –على حد زعمهم-.
ويبدو –والله أعلم- أن نور بخش كان يرى أن المهدي سيظهر من سلالة الإمام موسى الكاظم وهو ينسب نفسه إلى هذه السلالة, ولا يرى أنه محمد بن الحسن العسكري بالتعيين.
(3) انظر: اردو دائرة معارف إسلامية (22/491).
(4) كان شاه رخ حاكماً على إيران وأفغانستان والهند والعراق من عام (850هـ) حتى عام (870هـ).
انظر: مقال: فرقة نور بخشي في أورينثل كالج ميكزين (ص5).
(5) انظر: طبقات نورية در أحوال مشائخ نوربخشية (125, 126).(11/16)
وبعد رحلات قام بها إلى المشاهد الشيعية وصل إلى كردستان, وهناك أقبل عليه الناس وبايعوه, ونودي به خليفة من جديد, وضربت باسمه النقود, وألقيت باسمه الخطب, فأمر السلطان شاه رخ بإلقاء القبض عليه للمرة الثانية, وأحضر إلى أذربيجان مقيداً بالسلاسل, ولكنه تمكن من الهروب, ووصل إلى منطقة خلخال بعد أن عبر الجبال الثلجية في ثلاث ليال متوالية, وعانى الكثير, ولكن حاكم خلخال كان له بالمرصاد حيث قبض عليه, وأعاده إلى السلطان شاه رخ في أذربيجان, فحبسه السلطان في جب مظلم, وبعد ثلاثة وخمسين يوماً بعث به إلى هرات حيث أجبر على اعتلاء المنبر يوم الجمعة وإعلان تخليه عن دعوى الخلافة, ثم أطلق سراحه حسب الشروط الآتية:
1-ألا يجتمع إليه الناس.
2-أن يتخلى عن العمامة السوداء.
3-ألا يتحدث عن مذهبه في حلقات الدرس.
4-أن تقتصر دروسه على العلوم المتداولة(1) .
إلا أنه رغم الالتزامات التي التزم بها تجاه السلطان فإن الناس لم يتركوه, بل اشتد إقبالهم عليه من كل حدب وصوب, وتجمع لديه في فترة قصيرة من مؤيديه ما قدّر بمائة ألف رجل, فشعر السلطان بالخطر الحقيقي القادم من قبل نور بخش, فأصدر أوامره بالقبض عليه للمرة الثالثة, حيث بعث به مقيداً بالسلاسل إلى تبريز, ومنها إلى شروان, ومنها إلى جيلان ثم أطلق سراحه بعد وفاة السلطان شاه رخ عام (850هـ), فأقام في قرية تسمى سلفن في جوار الري(2) , ومات هناك عام (869هـ)(3) .
مؤلفاته:
ترك محمد نور بخش العديد من المؤلفات في الأصول والفروع والشعر فقد أكثرها, وأشهر ما بقي من مؤلفاته ما يلي:
1- الفقه الأحوط:
__________
(1) نفس المصدر (126-128).
(2) الري مدينة قريبة من طهران, انتسب إليها كثير من العلماء, والنسبة إليها (الرازي) على غير قياس.
(3) انظر: طبقات نورية در أحوال مشائخ نور بخشية (128, 132, 135).(11/17)
وهو في الأصول والفروع, قال فيه مؤلفه: ((إن الله أمرني أن أرفع الاختلاف من بين هذه الأمة في فروع سنن الشريعة المحمدية, كما كانت في زمانه من غير زيادة ولا نقصان. وثانياً: في الأصول من بين الأمم, وكافة أهل العالم باليقين))(1) .
2- الاعتقادية: وهي رسالة صغيرة في المسائل الاعتقادية(2) .
3- سلسلة الذهب أو أخبار الأولياء(3) .
4- نجم الهدى.
5- إنسان نامه.
6- صحيفة أولياء.
7- مجموعة غزليات.
8- رسالة أخلاقية وغيرها(4) .
النور بخشية في بلاد الهند:
انتشرت النور بخشية في حياة مؤسسها في بلاد كثيرة, خاصة في منطقة هرات وبدخشان من أفغانستان وفي منطقة ختلان من إيران وكردستان من العراق. وأول من قدم بهذه الفرقة إلى البلاد الهندية مير شمس الدين محمد العراقي من خراسان, وكان سبب ذلك أن العراقي المذكور كان مريداً لشاه قاسم فيض بخش ابن السيد نور بخش, ورافقه إلى خراسان لعلاج حاكمها حسين مرزا, وهناك بعثه شاه قاسم إلى إقليم كشمير سفيراً من حاكم خراسان لإحضار بعض الأدوية والعقاقير, ونشر مبادئ الفرقة النور بخشية, فتوجه العراقي ودخل قندهار, ثم وصل إلى ملتان, حتى قدم كشمير عام (888هـ), واستقبله حاكمها السلطان حسن شاه بحفاوة وتكريم لكونه مبعوثاً من حاكم خرسان, واشتغل مير العراقي بدعوة الناس إلى عقائد النور بخشية, وكان فصيحاً بليغاً يأخذ بألباب الناس, ويسحرهم بقوة بيانه, ويعيش حياة الزهد والتقوى, فأقبل عليه الناس, وبدأوا يبايعونه.
__________
(1) هذا الكتاب باللغة العربية, وطبع في مطبعة إعجاز حيدري, متهرا –الهند عام (1333هـ), بعنوان: سراج الإسلام مع الترجمة الفارسية.
(2) أصل هذه الرسالة باللغة العربية, وطبعت ترجمتها بالفارسية في لاهور عام (1342هـ).
(3) مطبوع في مطبعة أحمدي في دهلي عام (1370هـ).
(4) انظر: مقال: فرقة نور بخشي في أورينثل كالج ميكزين (ص64-66). -طبقات نورية (137). -نزهة الخواطر (4/142).(11/18)
وكان يعمل بالتقية والحيلة, حيث كان يذهب إلى مشائخ كشمير وعلمائها, ويظهر لهم المودة والولاء, ويدعو أتباعهم إلى مذهبه في الخفاء حتى نجح في جذب كثير من الناس إلى مذهبه؛ وبعد أن قضى ثماني سنوات في كشمير استدعاه السلطان حسين إلى خراسان, فغادر كشمير متوجهاً إلى خراسان عام (896هـ), وقد بلغت تصرفات العراقي وآراؤه الباطنية إلى السلطان حسين فعزله عن منصبه, فترك العراقي الذهاب إلى خرسان وتوجه إلى العراق حيث مقر شيخه شاه قاسم بن محمد نور بخش(1) .
أقام العراقي مع شيخه بضع سنوات, ثم قرر العودة إلى كشمير للمرة الثانية لمواصلة الدعوة النور بخشية, فغادر العراق متوجهاً إلى كشمير ووصلها في شهر محرم لعام (902هـ), وهذه المرة وجد الأرض خصبة, والظروف مواتبة, حيث كانت تسود إقليم كشمير اضطرابات سياسية لضعف حاكمها فتح شاه, وتسلل رجال القبائل إلى المناصب العليا, وهبّ زعماء قبيلة جك التي تنتمي إلى الفرقة النور بخشية وصاروا وزراء وأمراء في حكومة فتح شاه, واستفاد شمس الدين العراقي من هذه الأوضاع أيما استفادة, حيث أعلن أنه خليفة السيد محمد نور بخش, وأوصى أتباعه ببناء زوايا, فبنى له موسى رينه –أحمد الأمراء- زاوية كبيرة, وكثّف العراقي جهوده في نشر آرائه, والرد على المخالفين, والسلطة الحاكمة تساعده, وتقف بجانبه. وبالغ العراقي في الدعوة, وقتل كثيراً من أهل السنة, وأخرج بعضهم إلى بلاد أخرى, فتشيع خلق كثير حتى قيل: إن أربعة وثلاثين ألفاً من الهندوس تشيعوا فضلاً عن المسلمين.
__________
(1) انظر: طبقات نورية (188, 189, 199). -مقال: فرقة نور بخشي, في أوريثل كالج ميكزين (ص13).(11/19)
ووصل دعاة النور بخشية إلى منطقة لدّاخ وبلتستان(1) وغيرهما من البلاد المجاورة لإقليم كشمير, ونشروا عقائد النور بخشية على نطاق واسع(2) .
وبعد عمل دؤوب وكفاح مستمر دام ثمانية وثلاثين عاماً, توفي مير شمس الدين العراقي في كشمير عام (932هـ). وأصبح قبره مزاراً لدى أتباع هذه الطائفة(3) .
كان النور بخشيون في أوج مجدهم في كشمير وضواحيها, إذ تمكن ميرزا حيدر من الاستيلاء عليها عام (950هـ), وكان من أهل السنة, فأحضر نسخة من كتاب الفقه الأحوط للسيد محمد نور بخش –والذي يعتبر كتاباً مقدساً لدى أتباع هذه الطائفة-, وبعثه إلى كبار علماء الهند يستفتيهم حول الآراء والمضامين التي وردت في هذا الكتاب, فأفتى العلماء جميعاً أن هذا الكتاب يضر بعقائد المسلمين, ومؤلفه ملحد وزنديق, خارج عن دائرة الإسلام, ويجب على كل مسلم قادر أن يتلف نسخ هذا الكتاب, وينصح أتباع هذه الفرقة أن يتوبوا من العقائد الباطلة, فإذا تابوا يخلى سبيلهم, وإلا يقتلون.
ولما وصلت هذه الفتوى إلى ميرزا حيدر المذكور عرض التوبة والإنابة على النور بخشيين فقبل بعضهم وتابوا, ورفض البعض فقتلهم, وأخفى الآخرون عقائدهم تقيه, وأعلنوا أنهم من المتصوفة والدراوشة, ولا علاقة لهم بالفرقة المذكورة. وظل الأمر هكذا حتى تآمر عليه رجال قبيلة جك فقتلوه عام (957هـ), واستولوا على السلطة, وبهذا عاد للنور بخشية دور جديد وصلوا فيه إلى غاية مجدهم, واستمر وجود النور بخشيين في كشمير والدّاخ وبلتستان والمناطق المجاورة لها عبر العصور حتى أيامنا هذه(4) .
عقائدها:
__________
(1) تقع هاتان المنطقتان حالياً في باكستان, وهما تابعتان لـ كشمير الحرة, في الإدارة.
(2) انظر: نزهة الخواطر (4/141). -مقال: فرقة نور بخشي, في أوريثل كالج ميكزين (ص14, 15).
(3) انظر: طبقات نورية (234).
(4) انظر: تاريخ فرشته (2/933-935).
-مقال: فرقة نور بخشي, في أورينثل كالج ميكزين (ص14).(11/20)
لقد أصاب عقائد الفرقة النور بخشية كثير من الاضطراب حسب الظروف التي مرت بها الفرقة, ومن هنا ذكر بعض الباحثين(1) أن عقائد النور بخشية مرت بأدوار ثلاثة:
الدور الأول: في حياة مؤسس الفرقة السيد محمد نور بخش.
الدور الثاني: في عهد الدولة الصفوية الإيرانية التي كانت متسامحة مع هذه الفرقة.
الدور الثالث: في كشمير حيث كان نماء هذه الفرقة وازدهارها.
فكان مؤسس الفرقة السيد محمد نور بخش قد ادعى في حياته أنه المهدي, وصاحب الزمان, وخاتم الولاية, وكان يعبر عن نفسه بأنه مظهر موعود ومظهر جامع ويقول لأهل زمانه: أن يفتخروا بمعاصرة إمام الأولياء. ويلقي نداءً إلى الملوك والسلاطين لكي يسابقوا الآخرين في نصرته. ويقول لأهل العلم أن ينبذوا التقليد, ويأخذوا علمهم من هذا المعين الصافي, كما يطلب من أهل المعرفة أن يحصلوا على الحق اليقين من ذاته... وهكذا, وينهي كلامه مطالباً الجميع أن يبايعوا على يديه حتى لا يموتوا ميتة جاهلية, فهو يعتبر نفسه جامع الكمالات الإنسانية, وحاوي العلوم والفنون الدينية والدنيوية, لا يوجد نظيره في الدنيا, ولا يظهر مثله إلا بعد قرون(2) .
__________
(1) وهو: مولوي محمد شفيع لاهوري, كاتب مقال: فرقة نور بخشي, في أورينثل كالج ميكزين (ص49).
(2) انظر تفاصيل كلامه في مقال: فرقة نور بخشي, في أورنثل كالج ميكزين (ص49-52).(11/21)
إذا نظر الباحث إلى عقائده ودعوته يجد أنه ينطلق من عقائد الشيعة, وفي الوقت ذاته يؤكد على أهميته الشخصية؛ لأنه كان يعارض حاكماً قوياً في ذلك الزمان, وهو السلطان شاه رخ بن تيمور, وجاء في إحدى الروايات أن السيد نور بخش بعد أن أعلن مهديته وخلافته لجميع المسلمين, أعلن الخروج على السلطان في قلعة كوه هرتي في منطقة ختلان(1) . فكان يحاول دائماً جذب الجماهير إليه, ويظهر من نفسه أنه وحيد عصره, وفريد دهره, يضن الزمان بمثله, وبعد وفاته, ووفاة السلطان شاه رخ وانتقال السلطة في إيران إلى الأسرة الصفوية التي تعاطفت مع الفرفة النور بخشية(2) تغير كثير من مفاهيم هذه الفرقة, حيث لا تصادم مع السلطة الحاكمة, ولا سعي للاستيلاء على الحكم, فتوجه أتباعه إلى ممارسة الرياضيات, والجلوس في الخلوات, وعمل الأربعينيات وغيرها من الأعمال التي اشتهرت في الأوساط الصوفية. ولما قدم مير شمس الدين محمد العراقي بالدعوة النور بخشية إلى إقليم كشمير خلط بين الاثنين, المعتقد الشيعي, والعمل الصوفي, وهكذا مرت عقائد النور بخشية في ثلاثة أدوار(3) .
فيما يلي أقدم أهم عقائدها وأعمالها التي استقرت في المرحلة الأخيرة في كشمير:
1- المهدية:
كان السيد محمد نور بخش يدعي المهدية في حياته, فأتباعه يعتقدون أنه هو المهدي الموعود(4) .
2- السجدة:
يسجد أتباع هذه الفرقة بعضهم لبعض ويقولون: نحن أهل الطريقة, وليس هناك أية علاقة بين الطريقة والشريعة(5) .
3- مقصود الكون:
__________
(1) انظر: مقال: فرقة نور بخشي, في أورينثل كالج ميكزين (ص5).
(2) ربما كان هذا التعاطف لأسباب عقدية أو سياسية –والله أعلم-.
(3) المصدر السابق (ص49, 50).
(4) انظر: نزهة الخواطر (4/143).
(5) انظر: تاريخ فرشته (2/934, 935).(11/22)
يزعم محمد نور بخش أن مقصود خلق الكون, وعلة وجوده هو ظهور الإنسان الكامل في هذا الكون(1) (2) .
4- مسألة البروز:
يزعم محمد نور بخش أن شخصاً ما يأتي في بروز –أي ظهور- شخص آخر في الدنيا. ويزعم أنه اجتمع فيه روح النبي والولي, وهو كان يوسف وموسى وعيسى عليهم السلام وعلياً - رضي الله عنه -, وتنور بأنوار هؤلاء, وظهر في صورة نور بخش زمان –أي: واهب النور لأهل زمانه-(3) .
ولا يخفى أن هذه عقيدة التناسخ بعينها.
5- مسألة النور:
كان محمد نور بخش يتحدث دائماً عن لقبه نور بخش –أي واهب النور-, فيقول: إنه نور من الله تعالى, فكما أن الشمس تنور الدنيا بنورها, وهكذا هو ينور قلوب العارفين, بل وينور الدنيا أيضاً. وهذا نور الولاية فاز به عن طريق علي - رضي الله عنه - بصفته مظهراً موعوداً(4) .
6- حب علي - رضي الله عنه -:
كان محمد نور بخش يمدح علياً - رضي الله عنه - لكونه شجاعاً, ومنبعاً لنور الولاية. ويذكر في كتابه الفقه الأحوط, أن من شروط الإمامة يجب أن يكون الإمام من نسل علي وفاطمة رضي الله عنهما, وهذا يكفي للجهاد الأصغر, ولكن يجب من أجل الجهاد الأكبر أن يكون ولياً كاملاً الذي قطع جميع مقامات هذه المرتبة. كما يحث أتباعه أن يكونوا زاهدين في الدنيا مثل علي - رضي الله عنه - ويردد هذا البيت:
طلّق الدنيا ثلاثاً يا فقير اتباعاً اقتداء بالأمير(5)
7- سب الصحابة:
يسب النور بخشيون الخلفاء الثلاثة الراشدين وعائشة الصديقة رضي الله عنهم أجمعين(6) .
8- وحدة الوجود:
__________
(1) يبدو واضحاً غرض نور بخض من هذه الدعوة, وهو التأكيد على أن ذاته إنسان كامل.
(2) انظر: مقال: فرقة نور بخش, في أورينثل كالج ميكزين (ص53).
(3) نفس المصدر (ص54).
(4) المصدر نفسه (ص55).
(5) انظر: اردو دائرة معارف إسلامية (22/492). -فرقة نور بخشي (ص56).
(6) انظر: نزهة الخواطر (4/143).(11/23)
من العقائد التي دعا إليها السيد محمد نور بخش عقيدة وحدة الوجود, وكان يردد في قصائده قولته المشهورة: ((لقد محونا كلمة غير من لوح الوجود, ورأينا أن العالم كله صفاته وعين ذاته))(1) .
9- إطاعة الشيخ:
ألزم السيد محمد نور بخش أتباعه بإطاعة الشيخ؛ ولهذا نرى النور بخشيين يطيعون مشائخهم طاعة عمياء, لا يحيدون عنها قيد أنمله(2) .
10- الجلوس في الخلوة وعمل الرياضة الأربعينية:
من أهم أعمال النور بخشية الجلوس في الخلوة, وعمل الرياضية الأربعينية. وقد دعا مير شمس الدين العراقي أتباعه في كشمير لبناء زوايا للقيام بالرياضة الأربعينية, ويستمر العمل بهذه الرياضة حتى أيامنا هذه(3) .
11- أجاز النور بخشيون نكاح المتعة.
12- يرددون دائماً كلمة ((يا علي مدد)).
13- يضيفون في الأذان كلمة ((حي على خير العمل)) و ((محمد وعلي خير البشر)).
14- يقيم النور بخشيون حفل مأتم في تاريخ وفاة كل إمام من أئمتهم, ويكتفون غالباً في هذه الحفلات على شرب الشاي, وقراءة المراثي بالصوت الجماعي.
15- يقرأون دعاءً خاصاً لهم في الصباح يسمونه بـ ((أوراد فتحية))(4) .
16- يعتبر النوربخشيون أن الزواية الكبيرة التي بنيت في عهد مير شمس الدين العراقي في كشمير مكانتها أعلى من مكانة الكعبة المشرفة, وأن طوافاً واحداً لهذه الزاوية يساوي سبع مرات من الطواف بالكعبة المشرفة, ولهذا يطوف النور بخشيون حولها ليل نهار(5) .
أشهر الدعاة:
__________
(1) انظر: اردو دائرة معارف إسلامية (22/492).
(2) انظر: مقال: فرقة نور بخشي (ص53).
(3) نفس المصدر (ص55).
(4) انظر: مقال: فرقة نور بخشي (61-63).
(5) انظر: طبقات نورية (336).(11/24)
لم تنتشر النور بخشية في كشمير في حياة مؤسسها السيد محمد نور بخش, وانتشرت على يد الداعية مير شمس الدين العراقي تلميذ قاسم شاه بن نور بخش. وساعده دعاة محليون من كشمير أمثال: بابا علي النجار, وموسى رينة, وكاجي جك, وغازي جك, وكانوا من الأمراء والوجهاء في كشمير(1).
وتولى قيادة الفرقة بعد وفاة العراقي ولده دانيال بن مير شمس محمد العراقي (900هـ-957هـ). قدم دانيال إلى كشمير مع والده عام (902هـ), وعمره آنذاك سنتان. تعلم أصول النور بخشية, وطريقة الرياضة الأربعينية على يد والده, وتولى قيادة الفرقة بعد وفاة والده عام (932هـ), وكان في الثانية والثلاثين من عمره.
ولما تولى مرزا حيدر السلطة في كشمير وطلب التوبة من النور بخشيين –بعد أن استفتى علماء الهند في عقائدهم وأعمالهم- هرب دانيال إلى إقليم التبت, ولكن رجال ميرزا حيدر قبضوا عليه في الطريق, وأحضروه إلى كشمير فقتل هناك عام (957هـ)(2) .
نسبة السنة والشيعة في العراق
بغداد - خدمة قدس برس (الموفد الخاص - نور الدين العويديدي)
12/2/2004
شكك أكاديميون عراقيون، سنة وشيعة، في صحة الإحصاءات، التي تجعل من شيعة العراق أغلبية بين العراقيين. في حين أظهرت إحصاءات لعدد نفوس سكان المحافظات العراقية، أعدتها منظمة إنسانية دولية موثوق بها، تفوقا غير كبير لعدد السنة في العراق، على أشقائهم من أتباع المذهب الشيعي.
__________
(1) لم أجد لهم ترجمة مفصلة, وردت أسماؤهم في طبقات نورية (ص191, 207). -نزهة الخواطر (4/141).
(2) انظر: ترجمته في طبقات نورية (235-238).(11/25)
وتتباين الإحصاءات المعلن عنها بشكل غير رسمي في العراق، بشأن نسبة أبناء الطائفتين المسلمتين، من بين العراقيين. إذ تذهب الإحصاءات الشيعية، التي باتت من الأمور المسلم بها، بعد أن روجها الإعلام بكثرة، إلى كون الشيعة يمثلون ما بين 60 إلى 65 في المائة من العراقيين. في حين تذهب إحصاءات شيعية أخرى إلى كون أتباع مذهب الأئمة وآل البيت يتجاوزن 73 في المائة من نسبة العراقيين.
في المقابل تذهب الإحصاءات السنية إلى نقيض ذلك تماما. وتمضي بعضها إلى كون نسبة أهل السنة تتجاوز 65 في المائة. لكن إحصاءات أخرى أقرب إلى الواقعية تجعل نسبة أهل السنة تتراوح بين 53 و58 في المائة من العراقيين، على اعتبار أن الشيعة يمثلون نحو 40 في المائة، ويمثل أتباع باقي الأديان والمذاهب غير الإسلامية نحو 2 في المائة.
وشكك الأكاديمي "الشيعي" محمد جواد علي، رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة بغداد، على هامش حديث مع المبعوث الخاص لوكالة "قدس برس" إلى العراق، في كون الشيعة يمثلون أغلبية العراقيين. وذهب إلى كون نسبتهم تتراوح بين 40 و45 في المائة، في حين يمثل السنة نحو 53 في المائة، و2 في المائة للعراقيين من غير المسلمين.
كيف انتشرت إحصاءات خاطئة؟
في حين اعتبر الأكاديمي العراقي المعروف الدكتور مازن الرمضاني، عميد جامعة النهرين العراقية سابقا، وأستاذ العلوم السياسية في نفس الجامعة حاليا، أن نسبة السنة تفوق نسبة الشيعة، مشيرا إلى أن أول من أطلق المزاعم بكون الشيعة يمثلون أغلبية كبيرة في العراق هو الكاتب اليهودي حنا بطاطو. ومما ساعد في رواج هذه الإحصاءات المغلوطة، قدرة التعبئة الهائلة لدى الشيعة، وكثرة عدد المحافظات الشيعية، بالقياس لعدد المحافظات السنية، مما جعل البعض يجنح به الظن الخاطئ إلى كون الشيعة يمثلون أغلبية ساحقة، بالنظر لكثرة عدد محافظاتهم، متناسيا الانتباه للكثافة السكانية لكل محافظة.(11/26)
ويتعذر الوصول إلى إحصاءات دقيقة لأعداد أبناء الطائفتين، من العراقيين، بسبب كون الإحصاءات السابقة في العراق لم تكن تعتمد التصنيف الطائفي. لكن هناك مؤشرات عديدة يمكن اعتمادها وسيلة لمعرفة النسب التقريبية لأبناء الطائفتين. وتصلح البطاقات التموينية، الصادرة عن وزارة التجارة العراقية، والتي تعتبر اليوم بمثابة بطاقة هوية عائلية، لإعطاء صورة تقريبية عن الوضع.
لكن بعض الأكاديميين العراقيين يشككون في دقة تلك البطاقات، بالنظر لكون بعض العائلات قد تزيد من أعداد أبنائها للحصول على كميات أكبر من الغذاء ومتطلبات الحياة الأخرى من الوزارة. غير أن تلك الزيادة المحتملة تظل جزئية، ويمكن أن تصدر من أبناء الشيعة، كما قد تصدر من أبناء السنة، وهو ما يلغي أو يخفف من دواعي الاعتراض على معطيات البطاقة التموينية، التي يطالب بعض العراقيين بتنظيم الانتخابات على ضوئها، باعتبارها تصلح أن تكون مؤشرا تقريبيا لنسب التوزيع السكاني، على أساس طائفي بين العراقيين.
إحصاءات محايدة
وأكثر إحصائية تتسم بالحياد هي إحصائية المنظمة الإنسانية الدولية "هيومانيتارين كوردينيوتر فور إيراك" (Humanitarian Coordinator for Iraq)، التي وضعت أصلا لتوجيه العمل الإنساني في العراق في ظل الحصار. وتتعلق بإحصاء أنفس سكان المحافظات العراقية، وذلك عام 1997. وتورد هذه الإحصائية الأرقام التالية لعدد السكان في المحافظات العراقية الثماني عشرة (من الشمال نزولا إلى الجنوب):
عدد سكان محافظة دهوك: 402970 نسمة.
- عدد سكان محافظة نينوى: 2042852 نسمة.
- عدد سكان محافظة أربيل: 1095992 نسمة.
- عدد سكان محافظة التأميم: 753171 نسمة.
- عدد سكان محافظة السليمانية: 1362739 نسمة.
- عدد سكان محافظة صلاح الدين: 904432 نسمة.
- عدد سكان محافظة ديالى: 1135223 نسمة.
- عدد سكان محافظة الأنبار: 1023736 نسمة.
- عدد سكان محافظة بغداد: 5423964 نسمة.(11/27)
- عدد سكان محافظة كربلاء: 594235 نسمة.
- عدد سكان محافظة بابل: 1181751 نسمة.
- عدد سكان محافظة واسط: 783614 نسمة.
- عدد سكان محافظة القادسية: 751331 نسمة.
- عدد سكان محافظة النجف: 775042 نسمة.
- عدد سكان محافظة المثنى: 436825 نسمة.
- عدد سكان محافظة ذي قار: 1184796
- عدد سكان محافظة ميسان: 637126 نسمة.
- عدد سكان محافظة البصرة: 1566445 نسمة.
ويبلغ العدد الجملي للعراقيين بحسب هذه الإحصائية 22046244 نسمة، وذلك في العام 1997. لكن عدد السكان حاليا، بعد نحو 7 أعوام من إجراء الإحصاء المشار إليه آنفا، يتجاوز 27 مليون نسمة. ولا يقلل شيء من قيمة هذه الإحصائية قدمها، إذ لم يعرف العراق زيادة دراماتيكية لدى أبناء الطائفتين من السنة أو الشيعة، بما من شأنه أن يقلب المعادلة.
ومن خلال إحصاء بسيط يقوم على قاعدة اعتبار سكان المحافظات الواقعة شمال وغرب العاصمة بغداد من أهل السنة، والمحافظات الواقعة جنوب بغداد من أبناء الطائفة الشيعية، مع اعتبار بغداد مناصفة بين أبناء الطائفتين، يمكن التوصل إلى النتيجة التالية:
أبناء السنة ينتشرون في ثماني محافظات هي دهوك ونينوى وأربيل والتأميم والسليمانية وصلاح الدين وديالى والأنبار (مع وجود شيعي قليل). ومن ثم يبلغ عددهم التقريبي في هذه المحافظات 8721115 نسمة. ومع زيادة نصف سكان بغداد لهم، ويبلغ عدد هذا النصف 2711982 نسمة، يصبح عددهم التقريبي 11433097 نسمة.
أما أبناء الشيعة فينتشرون في تسع محافظات هي كربلاء وبابل وواسط والقادسية والنجف والمثنى وذي قار وميسان والبصرة (مع وجود سني قليل). ومن ثم يبلغ عددهم في هذه المحافظات 7901165 نسمة. وإذا أضفنا إليه نصف عدد سكان بغداد يصبح عددهم 10613147 نسمة. وهو ما يعني أن عدد أبناء السنة يزيدون بـ819950 نسمة.
محاولة أخرى للاقتراب من الحقيقة(11/28)
الإحصاءات السابقة بسيطة جدا، واعتمدناها بشكل أولي للحصول على نتيجة تقريبية فقط. ومن أجل الاقتراب أكثر من الصورة الحقيقية للوضع العراقي المعقد، بالنظر لتداخل سكان البلاد بين الشيعة والسنة، إذ يوجد في محافظات الشمال بعض الشيعة، كما يوجد في محافظات الجنوب سنة، يمكن اعتماد إحصائية أخرى تقريبية، تستند على البطاقة التموينية، وإحصاءات وزارتي التجارة والتخطيط، وإحصاء سلطة الحكم الذاتي الكردية في الشمال.
وتذهب هذه الإحصائية، وهي صادرة في العام 2003، وتعتمد مراجع لها إحصاءات وزارتي التجارة والتخطيط، في عهد الرئيس العراقي السابق، فضلا عن إحصاءات سلطة الحكم الذاتي الكردية، إلى تسجيل المعلومات التالية، وهي تقريبية، لكنها قريبة من الوثوق:
عدد سكان محافظة نينوى: 2473727 نسمة، ونسبة السنة فيها تقدر بـ91 في المائة، في حين تقدر نسبة أبناء الشيعة بـ1 في المائة، و8 في المائة من غير المسلمين.
عدد سكان محافظة السليمانية: 2159803 نسمة، 98 في المائة منهم سنة و1 في المائة شيعة، و1 في المائة من غير المسلمين.
عدد سكان محافظة أربيل: 1845166 نسمة. 98 في المائة من السنة، و1 في المائة من الشيعة، و1 في المائة من غير المسلمين.
عدد سكان محافظة التأميم: 839121 نسمة، 90 في المائة منهم سنة، و10 في المائة شيعة.
عدد سكان محافظة دهوك: 616609 نسمة، 98 في المائة سنة، و1 في المائة شيعة، و1 في المائة من غير المسلمين.
عدد سكان محافظة صلاح الدين: 1077785 نسمة، نسبة السنة 99 في المائة، ونسبة الشيعة 1 في المائة.
عدد سكان محافظة الأنبار: 1280011 نسمة، نسبة السنة 99 في المائة، ونسبة الشيعة 1 في المائة.
عدد سكان محافظة ديالى: 1373862 نسمة، نسبة السنة منهم 65 في المائة ونسبة الشيعة 35 في المائة.
عدد سكان محافظة بغداد: 6386067 نسمة: 61 في المائة من السنة، و35 في المائة من الشيعة، و4 في المائة من غير المسلمين.(11/29)
عدد سكان محافظة كربلاء: 755994 نسمة، نسبة السنة 5 في المائة و95 في المائة من الشيعة.
عدد سكان محافظة بابل: 1444372 نسمة، نسبة السنة 25 في المائة، ونسبة الشيعة 75 في المائة.
عدد سكان محافظة واسط: 941827 نسمة، نسبة السنة منهم 15 في المائة، ونسبة الشيعة 84 في المائة، و1 في المائة من غير المسلمين.
عدد سكان محافظة القادسية: 866695 نسمة، نسبة السنة منهم 1 في المائة، ونسبة الشيعة 99 في المائة.
عدد سكان محافظة النجف: 946251 نسمة، نسبة السنة منهم 1 في المائة، ونسبة الشيعة 99 في المائة.
عدد سكان محافظة المثنى: 636264 نسمة، نسبة السنة منهم 2 في المائة، ونسبة الشيعة 97 في المائة، و1 في المائة من غير المسلمين.
عدد سكان محافظة ذي قار: 1427220 نسمة، نسبة السنة منهم 5 في المائة، ونسبة الشيعة 94 في المائة، و1 في المائة من غير المسلمين.
عدد سكان محافظة ميسان: 743409 نسمة، نسبة السنة منهم 1 في المائة، ونسبة الشيعة 98 في المائة، و1 في المائة من غير المسلمين.
عدد سكان محافظة البصرة: 1760984 نسمة، نسبة السنة منهم 35 في المائة، ونسبة الشيعة 61 في المائة، و4 في المائة من غير المسلمين.
وبحسب هذه الإحصائية يقدر عدد الشعب العراقي في العام 2003 بـ27475167 نسمة، عدد أبناء السنة منهم 15922337 نسمة، وذلك بنسبة 58 في المائة. ويقدر عدد الشيعة بـ10946347 نسمة، وذلك بنسبة 40 في المائة. و2 في المائة من غير المسلمين. ويتوزع غير المسلمين، بحسب هذه الإحصائية، على النحو التالي: 334488 مسيحيا، و281984 يزيديا، و194 يهوديا.
محاولة ثالثة لمقاربة الحقيقة(11/30)
في حين تذهب إحصائية أخرى، أقيمت بالاستناد إلى معطيات التقرير السنوي للجهاز المركزي للإحصاء العراقي (نسخة دائرة الرقابة الصحية) التابعة لوزارة الصحة العراقية، وإلى دراسة الأكاديمي العراقي الدكتور سليمان الظفري، إلى أن نسبة السنة، من مجموع أبناء العراق المسلمين تبلغ 53 في المائة، في حين تبلغ نسبة الشيعة 47 في المائة.
ومما يزيد من تأكيد مصداقية الإحصاءات المشار إليها آنفا، بخصوص كون السنة يمثلون أغلبية الشعب العراقي، ما حصل بالنسبة لقوائم توزيع أعداد الحجاج على المحافظات، بحسب تعداد النفوس، إذ فاق عدد الحجاج من السنة عدد الحجاج من الشيعة، بناء على إحصاء نفوس المحافظات، وجاءت نسب توزيع الحجاج قريبة من النسب المذكورة آنفا، بحسب مصادر من الأوقاف العراقية.
وبالرغم من محاولة رسم صورة تقريبية لأعداد أبناء الطائفتين، ونسبتهما، من بين أبناء الشعب العراقي، بالاعتماد على إحصاءات ومؤشرات عديدة، إلا أن هذه الإحصاءات تظل تقريبية، وتحتاج إلى المزيد من التدقيق، من خلال إحصاء يعتمد، من ضمن ما يعتمد التصنيف المذهبي. وهو الوحيد القادر على حسم النزاع بشأن لمن له الأغلبية في العراق. ويظل ما سوى ذلك من تصريحات وإحصاءات تطيرها وسائل الإعلام، دون دليل ولا برهان، سوى أقوال أصحابها، مجرد مزاعم بعيدة عن الحقيقة، حتى يثبت العكس.
هذه بعض الإحصائيات عن نسبة أهل السنة في الوطن العربي استقيناها من أطلس معلومات العالم العربي المجتمع والجغرافيا السياسية الصادر عام 1994 عن دار المستقبل العربي (بيروت / القاهرة)
وهو ترجمة لكتاب ATLAS DU MONDEARABE
نسبة أهل السنة في الوطن العربي:(11/31)
أغلبية المسلمين في القارات الثلاث سنيون وبخاصة في البلدان العربية حيث نجد أن تسعة من كل عشرة مسلمين من أهل السنة, والأمر كذلك في شمال أفريقيا, ففي المغرب ليس هناك من غير السنيين سوى ثلاث طوائف صغيرة من الخوارج في مزاب بالجزائر, وفي جزيرة جربة التونسية, وفي جبل نفوسة بليبيا.
الحجم الحالي للطوائف الإسلامية في البلدان العربية
السكان بالمليون 1990 ... البلدان الرئيسية
السنيون ... 185 ... كل البلدان
الشيعة الاثنا عشريون ... 11 ... العراق, لبنان, الكويت, البحرين
الزيديون ... 4 ... اليمن
العلويون ... 1.4 ... سوريا
الخوارج (إباضية) ... 0.8 ... عُمان, الجزائر, تونس
الدروز ... 0.6 ... سوريا, لبنان
الإسماعيليون ... 0.1 ... سوريا
اليزيديون ... 0.1 ... العراق, سوريا
أطلس معلومات العالم ص28
المذاهب الأربعة
هناك أربع مذاهب يرجع إليها في ذلك, وهي جميعاً تستمد حكمها من القرآن والسنّة, ولا تختلف فيما بينها, إلا بقدر ما تمنحه للفقهاء من حرية للتفسير وفقاً لتطورات المجتمع.
وأكثر هذه المذاهب تحرراً في تفسير مصادر الشريعة, هو المذهب الحنفي الذي اتخذه العثمانيون مذهباً لهم, وما زال سائداً في بعض الدول التي كانت تابعة للدولة العثمانية. وإننا نجد آثار ذلك المذهب بخاصة في تونس والجزائر؛ رغم أن أفريقيا الشمالية والسودان تتبعان في أغلبيتهما المذهب المالكي, ويميل هذا الأخير إلى إيثار فكرة الإجماع بين علماء الدين لتفسير الشريعة, أما في بلدان المشرق والخليج, فيسود المذهب الشافعي. أما المذهب الرابع فهو المذهب الحنبلي, ويتميز بتشدده والتزامه بالنصوص.
P.Balta, Letat du monde, La Decouverte Paris 1986.
نقلاً عن أطلس معلومات العالم العربي ص29
خريطة تبين أعداد وانتشار الفرق في الوطن العربي(1)
__________
(1) ملاحظة: أغفل الأطلس الإشارة إلى الفرق الموجودة في فلسطين ولبنان؟!(11/32)
R. Deval, Carte des musulmans dans le monde, Brill Leiden, 1984, M. H.
Nasser, Journal of South Asian and Middle East Studies, 1985, J.-M. Cuoq, Les Musulmans en Afrique, Maisonneuve et Larose, Paris, 1985, L. et A. Chabry, Politique et minorites au Proche-Orient, Maisonneuve et Larose, Paris, 1984
جدول نسبة السنة والشيعة
اسم الدولة ... نسبة العرب ... نسبة السنة ... نسبة الشيعة ... فرق أخرى
الإمارات ... 99% ... 87% ... 13%
البحرين ... 60% ... 40%
السعودية ... 99% ... 97% ... 2.5%
سوريا ... 89% ... 75% ... 11%علويين
3% دروز
8%إسماعيلية
العراق ... 72% ... 47% ... 49% ... 0.5%يزيديون
عُمان ... 99% ... 40% ... 60%إباضية
قطر ... 99% ... 90% ... 10%
الكويت ... 100% ... 79% ... 21%
لبنان ... 98% ... 22% ... 25%
اليمن ... 99% ... شمال 54%
جنوب 99% ... شمال 45% زيدية
المصدر أطلس معلومات العالم العربي
المجتمع والجغرافيا السياسية ص122
نسبة المسلمين غير السنيين
بالنسبة إلى مجموع المسلمين
R. Deval, Carte des musulmans dans le monde, Brill Leiden, 1984, M. H. Nasser, Journal of South Asian and Middle East Studies, 1985, J.-M. Cuoq, Les Musulmans en Afrique, Maisonneuve et Larose, Paris, 1985, L. et A. Chabry, Politique et minorites au Proche-Orient, Maisonneuve et Larose, Paris, 1984
عرب أو سنيون !
العروبة والسنية تهيمنان على كل أرجاء الوطن العربي, ولكن هناك تعارضاً ملحوظاً في توزيعهما المكاني, كما تظهر ذلك هاتان الخريطتان.(11/33)
ففي المغرب وفي القرن الأفريقي, نجد أن 99% من السكان سنيون, ولكن الأعراق غير العربية ممثلة تمثيلاً كبيراً. أما في الشرق الأدنى, وفي شبه الجزيرة العربية فالسكان جميعاً تقريباً عرب, ولكنهم ليسوا دائماً سنيين, ولو رجعنا قليلاً إلى التاريخ, لوجدنا أنه على أبواب الأماكن المقدسة, كانت هناك جيوب وثنية في جبال عسير, ولم تعتنق الإسلام إلا في الستينيات من هذا القرن, تحت حكم الملك فيصل.
R. Deval, Carte des musulmans dans le monde, Brill Leiden, 1984, M. H. Nasser, Journal of South Asian and Middle East Studies, 1985, J.-M. Cuoq, Les Musulmans en Afrique, Maisonneuve et Larose, Paris, 1985, L. et A. Chabry, Politique et minorites au Proche-Orient, Maisonneuve et Larose, Paris, 1984
نقلاً عن أطلس المعلومات ص36
الفاروق بين السنة والشيعة
مقدمة:
الأستاذ الدكتور أحمد كمال شعث لبناني, عاصر أحداثاً عظام ومعارك متتالية, أبرزها ثورة الخميني والحرب العراقية الإيرانية.. والتي يرى الكاتب أنها عكست تسرباً للآثار والأفكار الشيعية على المنطقة العربية خاصة.. فخدع الجهلة من المسلمين.
ولذلك يستعرض المؤلف سيرة الخلفاء بدءاً بالصديق –الذي استعرضنا كتاب المؤلف حوله في الشهر الماضي- في مواقفه ومآثره, مبيناً حال الشيعة –بحقدهم- في التعامل مع تلك المآثر.
وفي كتابه الثاني هذا (الفاروق بين السنة والشيعة) ضمن هذه السلسلة مستعرضاً سيرة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه بين أهل السنة والشيعة الإمامية, مبيناً أنه لا فرق بين الشيعة قديماً وبين رافع لواء التجديد عند الشيعة وهو نسلهم وحفيدهم الخميني.(11/34)
غير أن الجدير بالذكر هنا أن الكاتب وضع أساساً استقاه من تتبعه لأفكار الشيعة وعقائدهم في مراجعهم المعتمدة عندهم وهو: "أن الشيعة ترى أن الأمة الإسلامية قد ارتدت وكفرت بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم إلا ثلاثة أو أربعة!! فانطلقوا على هذا الأساس فاسقطوا تاريخ الصحابة كلهم, فطرحوها واعتبروها ساقطة مكذوبة".
ولكن ماذا يفعلون بآيات القرآن التي زكتهم وأثنت على الصحابة؟
ثم ماذا هم فاعلون تجاه السنة النبوية والسيرة المليئة بمدح وثناء النبي صلى الله عليه وسلم على صحابته؟! قالوا أن هذا القرآن الذي بين أيدينا محرف قد زيد فيه ونقص, وأن قرآنهم وهو مصحف فاطمة الذي أخذه الإمام الغائب واختفى في السرداب –زعماً- فكل آية فيها تزكية ومنقبة لصحابي فهي محرفة –بل هي من وضع أبي بكر الذي جمع القرآن ومن وضع عمر-!!
وأما السنة النبوية فهي عند الشيعة ما روي عن أئمتهم, مع أن معظمهم لما يعايش النبي صلى الله عليه وسلم ولم يشهد أحداث الدعوة!! بل أضافوا إليها أقوال وآراء أئمتهم الاثنى عشر والتي منها أقوال الطفل –الإمام ابن العشر سنوات- الذي اختفى في السرداب –عجل الله فرجه عند الشيعة؟؟-
فكان من لوازم الفكر الشيعي الذي قام على هذا الأساس أن يلطخ سيرة أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين –فحللوا الأحداث والمواقف على خبث طوية وحقد دفين- فتعالوا بنا للدكتور أحمد وهو يستعرض سيرة عمر بن الخطاب, وكيف تعاملت الشيعة الإمامية الخمينية مع هذه السيرة العطرة.
وسوف نقتصر على صفحات يسيرة من كتاب الدكتور أحمد شعث نظن أنها تقدم فكرة واضحة عن صورة الفاروق عند الشيعة.
يقول الدكتور أحمد شعث:
العبقرية الزاخرة:(11/35)
المدقق الدارس لشخصية الفاروق قبل إسلامه.. وبعده يجد نفسه أمام شخصية فذة أطرافها متكاملة قوية جمعت العبقرية من أطرافها… كان رضي الله عنه يتحمل المسئولية كاملة. وكان يشعر شعوراً عميقاً بثقل تبعة ما يسعى إليه وتبعية العمل وإخراج الأمر على أكمل وجه يستطيعه.
قبل إسلامه كان أعنف من واجه التيار الإسلامي والدعوة المحمدية.. وهو القائل بعد إسلامه.. للنبي صلى الله عليه وسلم: ألسنا على حق؟ ففيم الاختفاء؟!
كان أول من حث المسلمين على الخروج علناً والدعوة جهراً… "فأصابت قريش كآبة لم يصبهم مثلها"(1) .
كان على رأس المسلمين عندما جلسوا علناً حلقاً حول البيت وطافوا به..
كان إسلامه منعطف الفرقة بين إعلان الحق من الباطل.. فسماه النبي صلى الله عليه وسلم الفاروق, وفي إسلامه وعلى طول سيرته مع النبي كان له رأيه المستقل النابع من نفس صافية عالية وشخصية مؤمنة قيادية.
أبدى الفاروق رأيه في اتخاذ مقام إبراهيم مصلى.. فنزل القرآن مؤكداً.. كان مقام إبراهيم لاصقاً بالكعبة.. فقال عمر: "إني لأعلم ما كان موضعه ههنا ولكن قريش خافت عليه من السيل فوضعته هذا الموضع"(2) … ثم إنه وضعه موضعه الأول.
كما أبدى رأيه في أمر الحجاب على نساء النبي … فنزلت آية الحجاب.
وأبدى رأيه في إجتماع نساء النبي على الغيرة.. فنزل القرآن محذراً.
وأبدى رأيه في تحريم الخمور.. فنزل القرآن ناهياً عنها.. محرماً لها.
وأبدى رأيه في أسارى بدر... فنزل القرآن مؤيداً نظرته ومفهومه.
وكان موقف الفاروق في سقيفة بني ساعدة –بعد وفاة الرسول... المحور الذي التف عليه المهاجرون والأنصار فاختاروا واتفقوا على الصديق خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنع الفرقة وأخمد الفتنة ولم الشمل والرأي.
__________
(1) تاريخ الخلفاء 78.
(2) تاريخ عمر 42 : 43.(11/36)
وعلى عهد الصديق أبدى رأيه صريحاً واضحاً بكل إخلاص في أمر بيعة أسامة.. وفي قتال أهل الردة.. وفي رغبته عزل خالد.. وفي أمور أخرى كثيرة.. لكنه كان يقف عند حدود إبداء الرأي.. كما كان أول من يسمع فيجيب.. ويؤمر فيطيع وعلى عهده كانت الشورى سبيله كما أبدى رأيه في كثير من الأمور.
كان أول من كتب التاريخ في شهر ربيع الأول سنة ستة عشر من هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم وهو أول من ضرب في الخمر ثمانين جلدة بعد أن استشار الإمام علي وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهو أول من عس في عمله بالمدينة متفقداً أحوال الرعية بنفسه... حانياً عليهم رؤوفاً بهم.
وهو أول من حمل الدرّة وأدب بها.
وهو أول من استقضى القضاة في الأمصار.
وهو أول من دون الدواوين... وكتب العطايا.. وحصر الرعية.
وهو أول من منع الصدقات عن المؤلفة قلوبهم فقال: إن الله أعز الإسلام وأغنى عنكم فإن تبتم إليه وإلا فبيننا وبينكم السيف.
وهو أول من درأ الحد بالضرورة.. وقرر مبدأ المساواة أمام القضاء.
كان رضي الله عنه إذا عرضت له مشكلة نظر في كتاب الله فإن وجد لها حلاً قضى به دون تردد .. وإن لم يجد نظر في سنة رسوله المصطفى.. فإن وجد قضى به دون تردد أيضاً.. فإن لم يجد اجتهد في تفضيل ما لم يرد عنه نص أو سنة.. واستشار مستشاريه وكانوا من خيرة صحابة رسول الله.. فإن اجتهدوا على رأي قضى به.
كان أميراً يعرف عظم مسئوليته وضخامتها.. وكانت حقوق الرعية وأحوالهم نصب عينيه.. هدفاً يرمي إليه ويهدف.
كان رضي الله عنه أيضاً أول من أنشأ البريد.. ومرابط الثغور.. ومصنع السكة لضرب النقود.. ودار الحبس للعقاب.
*خرج الفاروق ذات يوم في سواد الليل.. فلمحه طلحة.. فدخل عمر بيتاً.. أصبح طلحة فذهب إلى ذلك البيت فإذا عجوزاً عمياء مقعدة.. فقال لها: ما بال هذا الرجل يأتيك؟! قالت: إنه يتعهدني منذ كذا وكذا.. يأتيني بما يصلحني ويخرج عني الأذى.(11/37)
فقال طلحة لنفسه: ثكلتك أمك يا طلحة.. أعترات عمر تتبع؟!
فانظر إلى الشيعة ماذا يقولون:
*مثل هذا الوالي يقول عنه الخميني: "إن مثل هؤلاء الأفراد الجهال الحمقى والأفاقون الجائرون غير جديرين بأن يكونوا في موقع الإمامة وأن يكونوا ضمن أولي المر"(1) .
غير أن الإمام عليّ يروى عنه أنه قال: "لا أوتي بأحد يفضلني على أبي بكر وعمر إلا جلدته جلد المفترى"(2) .
*قدمت رفقة من تجار المدينة المنورة.. فنزلوا المصلى.. فقال عمر لعبد الرحمن ابن عوف: هل لك أن تحرسهم الليلة من السراق؟!
فباتا يحرسانهم.. ويصليان ما كتب الله لهما.. وفي الليل سمع الفاروق بكاء صبي صغير... فتوجه ناحية الصوت ثم قال لأم الصبي: إتق الله وأحسني إلى صبيك.. ثم عاد إلى مكانه.. فلما كان آخر الليل سمع بكاء الطفل فقال لأنه: ويحك.. إني لأراك أم سوء.. ما لي لا أر ابنك لا يقر منذ الليلة؟!
فقالت: يا عبد الله!! قد أبرمتني منذ الليلة.. إني ازيغه عن الفطام فيأبى عليّ قال: ولم؟! قالت: لأن عمر لا يفرض إلا للفطيم. فقال: وكم له؟! قالت: كذا وكذا شهر. فقال: ويحك.. لا تعجليه.
ثم صلى عمر الفجر بالناس ما يتبينون قراءته من غلبة بكائه.. فلما سلم قال: "يا بؤساً لعمر!! كم قتل من أولاد المسلمين؟!.. " ثم إنه أمر منادياً فنادى: "أن لا تعجلوا صبيانكم على الفطام فإنا نفرض لكل مولود في الإسلام"(3) .
مثل هذا الوالي الذي يخشى الحرام والظلم في كل فعل من أفعاله يضع الشيعة الأحاديث ويؤلفوا الروايات ويصورونه كأن الحرام رفيقه. والظلم ظله!!
__________
(1) كشف الأسرار... للخميني.
(2) المنتقى للذهبي ص 360: 361 ط. القاهرة.. تحقيق السيد / محب الدين الخطيب.
(3) تاريخ عمر 48: 49.(11/38)
عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر (ع) قال: "يبعث الله يوم القيامة قوماً بين أيديهم نور كالقباطي.. ثم يقال له كن هباءاً منثوراً... ثم قال: أما والله يا أبا حمزة كانوا ليعرفون ويعلمون ولكن كانوا إذا عرض لهم شيء من الحرام أخذوه!! .. وإذا عرض لهم شيء من فضل أمير المؤمنين أنكروه"(1) .
ويقول أحد علمائهم: "إن الصحابة على ثلاثة أقسام: معلوم العدالة ومعلوم الفسق.. ومجهول الحال.. أما معلوم العدالة: كسلمان والمقداد وممن لم يمل عن أهل البيت طرفة عين"(2) ... وليس من أحد من جميع الصحابة معلوم العدالة إلا ثلاثة ذكرهم وسماهم أما بقية الصحابة فقال: "فهؤلاء نتقرب إلى الله تعالى ورسوله ببغضهم وسبهم وبغض من أحبهم.. فهم الذين بقوا بعد رسول الله فتقربوا إلى أئمة الضلالة والدعاة إلى الضلالة بالزور والكذب والبهتان فولوهم الأعمال وحملوهم على رقاب الناس وأكلوا بهم أموال الدنيا.. وإنما الناس مع الملوك والدنيا إلا من عصمه الله"(3) ..
وطالما أن العاملي قد حكم منظاره ووضع قواعده فلم يتبق له إلا أن يحكم بالإيمان والكفر.. فقال العالم الشيعي المؤدب عن أبي بكر وعمر: "إنهما لم يكن عندهما ذرة في الإسلام"(4) .
فليتذكر العاملي قول المولى في محكم تنزيله: ((فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى)).
وقال عز من قائل: ((ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلا)).
وقال جل شأنه: ((ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبداً ولكن الله يزكي من يشاء والله سميع عليم)).
فهل هناك منهاج بعد منهاج المولى يا أيها العاملي؟!
__________
(1) تفسير القمي 2/112 ط. مطبعة النجف.. العراق 1386هـ.
(2) وصول الأخيار إلى أصول الأخبار ص93 ط. الخيام قم 1401هـ.
(3) وصول الأخيار إلى أصول الأخبار. للحسين العاملي ص162 وما بعدها.
(4) أيضاً ص81.(11/39)
*قال نافع العبسي: "دخلت حيّز الصدقة مع عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب فمجلس عثمان في الظل يكتب.. وقام على رأسه عليّ يُملي ما يقول عمر.. وعمر في الشمس قائم في وم حار.. شديد الحر.. عليه بردان أسودان.. متزرراً بواحد وقد لف الآخر على رأسه يعد إيل الصدقة.. يكتب ألوانها وأسنانها. فقال عليّ لعثمان: في كتاب الله ((يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين))... ثم أشار بيده إلى عمر فقال: "هذا القوي الأمين"(1) .
خطب عمر يوماً فقال: "والذي بعث محمداً بالحق لو أن جملاً هلك ضياعاً بشط الفرات خشيت أن يسأل عنه آل الخطاب".
وقال الشعبي: "كان عمر يطوف في الأسواق.. ويقرأ القرآن ويقضي بين الناس حيث أدركه الخصوم!!"(2) .
وقال الفاروق: "... فوالله ما أستطيع أن أصلي وما أستطيع أن أرقد.. إني لأفتح السورة فما أدرى في أولها أنا أو في آخرها من همي بالناس منذ جاءني هذا الخبر".. "أي منذ توليت أمر الناس"(3) .
مثل هذا الوالي الذي أفنى عمره وأعطى جهده لخدمة رعيته يقول عنه الشيعة ما يفضح سريرتهم ويظهر نفسياتهم قبل أن يصيب عمر برذاذ الجهل والحقد الأعمى.
يروي الكشي عن الورد بن زيد قال: قلت لأبي جعفر (ع): جعلني الله فداك؛ قدم الكميت.. فقال: أدخله.. فسأله الكميت عن الشيخين.. فقال له أبو جعفر (ع): ما أهريق دم ولا حكم بحكم غير موافق لحكم الله وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وحكم عليّ!!! إلا وهو في أعناقهم.
فقال الكميت: الله أكبر.. حسبي حسبي(4) .
... وفي رواية أخرى...
__________
(1) الطبري 3/271.. ابن الأثير 3/21.
(2) ابن الأثير 3/23.
(3) تاريخ عمر لابن الجوزي 52.
(4) رجال الكشي ص 179-180.(11/40)
عن داوود بن العضمان قال: قال "الباقر": "يا كميت بن زيد!! ما أهريق في الإسلام محجة من دم ولا اكتسب مال من غير حلة.. ولا نكح فرج حرام إلا وذلك في أعناقهما إلى يوم يقوم قائمنا.. ونحن معاشر بني هاشم نأمر كبارنا وصغارنا بسبهما والبراءة منهما"(1) .
رغم كل هذا فإن المجلسي.. مروج مذهب الشيعة العلامة المدقق المحقق...الخ يروي عن الطوسي رواية موثوقة عن عليّ بن أبي طالب إنه قال لأصحابه: "أوصيكم في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسبوهم فإنهم أصحاب نبيكم وهم أصحابه الذين لم يبتدعوا في الدين شيئاً... ولم يوقروا صاحب بدعة... نعم أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم في هؤلاء"(2) .
فإن لم يكن أبو بكر وعمر وعثمان من أصحاب رسول الله؟! فمن يكون إذاً؟!
عمر ومواقفه لجمع القرآن:
*كانت حروب الردة على عهد الصديق من الشدة والعنف حتى إنه قتل فيها الكثير من الصحابة ومن حفاظ القرآن.. ثم لم تنتهي الحرب بل اشتعلت على جبهتي الشام والعراق.
كانت حرب اليمامة هي الباعث أن يشير الفاروق عمر على الصديق بجمع القرآن.. أحجم الصديق بادئ الرأي.. على أن عمر أعاد عليه.. فقال الصديق: كيف أفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم.. ودار حديث وحوار بين الصاحبين اقتنع الصديق على أثره بوجاهة الفكرة فأرسل إلى زيد بن ثابت.. فتردد زيد بدوره.. وما زال به الشيخان حتى أقنعاه بوجاهة الأمر.
قال زيد بن ثابت: "أرسل إليّ أبو بكر بعد مقتل أهل اليمامة وكان عنده عمر فقال: إن هذا أتاني فقال: إنا القتل قد استحر بالقراء.. وإني لأخشى أن يستحر القتل بالقراء في سائر المواطن فيذهب القرآن وقد رأيت أن تجمعوه فقلت لعمر: كيف نفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!
__________
(1) رجال الكشي ... تزحت ترجمة الكميت بن زيد الأسدي ص 180.
(2) حياة القلوب... للمجلسي 2/621.(11/41)
فقال عمر: هو والله خير.. فلم يزل يراجعني في ذلك حتى شرح الله صدري للذي شرح الله له صدره.. ورأيت فيه الذي رأى"(1) .
وراح زيد يتتبع القرآن ولا يعتمد على حفظه.. بل كان يجمعه من الرقاع والأكتاف والعسب وصدور الرجال حتى جمع زيد القرآن كما أنزل.
كانت الفكرة لعمر.. وكان الفضل والثواب للجميع.
هذه هي أسس الحقد الدفين:
من أهم الخلافات بين السنة والشيعة هي نظرة الشيعة للقرآن.
يؤمن الشيعة بأن القرآن المتداول بين أيدينا قد أصابه نقص.. وقد وضع القوم منذ نهاية القرن الثالث الهجري إلى الآن آلاف الروايات والكتب التي تدل على وجهة نظرهم(2) وحتى إمامهم الخميني أشار إلى ما يؤمن به القوم من مصحف فاطمة في كتابه كشف الأسرار... أما في رسالته "التعادل والتراجيح" فيقول "ولعل القرآن الذي جمعه "يقصد الإمام علي" وأراد تبليغه على الناس بعد رسول الله هو القرآن الكريم مع جميع الخصوصيات الدخيلة في فهمه المضبوطة عنده بتعليم رسول الله وبالحملة أن رسول الله وإن بلغ الأحكام وضبط جميعها كتاباً وسنة هو أمير المؤمنين عليه السلام في حين فات القوم "يقصد الصحابة" الكثير منها لقلة اهتمامهم بذلك!!"(3) .
__________
(1) كتاب المصاحف.. للسجستاني ص6.
(2) يراجع كتاب الصديق بين أهل السنة... والشيعة الخمينية... للكاتب.
(3) ص 26.(11/42)
إن الإحاديث التي تدل على رأي القوم كثيرة لكنا على سبيل المثال لا الحصر سوف نذكر منها ما رواه "الطبرسي" في كتابه "الاحتجاج" وفيه يقول: "وفي رواية أبي ذر إنه لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع عليّ القرآن وجاء به إلى المهاجرين والأنصار وعرضه عليهم لما قد أوصاه بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما فتحه أبو بكر خرج في أول صفحة فتحها فضائح القوم.. فوثب عمر فقال: يا علي.. إردده فلا حاجة لنا فيه!! فأخذه علي بن أبي طالب عليه السلام وانصرف.. ثم أحضر زيد بن ثابت وكان قارئاً للقرآن فقال له عمر: إن علياً جاءنا بالقرآن وفيه فضائح المهاجرين والأنصار!!.. وقد رأينا أن نؤلف القرآن ونسقط منه ما كان فيه من فضيحة وهتك للمهاجرين والأنصار.. فأجابه زيد إلى ذلك!!.. ثم قال: فإن أنا فرغت من القرآن على ما سألتم واظهر عليّ القرآن الذي ألفه.. أليس قد بطل كل ما عملتم؟! قال عمر: فما الحيلة؟ .. قال زيد أنتم أعلم بالحيلة.. فقال عمر: ما حيلة دون أن نقتله ونستريح منه.. فدبر في قتله على يد خالد بن الوليد فلم يقدر على ذلك.. فلما استخلف عمر سأل علياً أن يرفع إليهم القرآن فيحرفوه فيما بينهم فقال عمر: يا أبا الحسن.. إن جئت بالقرآن الذي كنت جئت به إلى أبي بكر حتى نجتمع عليه.. فقال: هيهات.. ليس إلى ذلك سبيل إنما جئت به إلى أبي بكر لتقوم الحجة عليكم ولا تقولوا يوم القيامة ((إنا كنا عن هذا غافلين)).. أو تقولوا ما جئتنا به.. إن القرآن الذي عندي لا يمسه إلا المطهرون والأوصياء من ولدي. فقال عمر: فهل وقت لإظهاره معلوم؟!
فقال عليه السلام: نعم إذا قام القائم من ولدي يظهره ويحمل الناس عليه!!"(1) .
.... وأخرى....
__________
(1) الاحتجاج للطبرسي ص 76: 77 ط. إيران 1302هـ.(11/43)
السيد / نعمة الله الحسيني يقول في كتابه "الأنوار": "قد استفاض في الأخبار أن القرآن كما أنزل لم يؤلفه إلا أمير المؤمنين"(1) .
ومثل تلك الآراء كثير وكثير.. وهذا رأي القوم ونظرتهم إلى القرآن الكريم المتداول بين الناس منذ أيام عثمان شهيد القرآن إلى يومنا هذا.
ونسي العلماء الأفاضل الفاهمون قول المولى عز وجل:
((إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)).
((إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه)).
((لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد)).
أولا يمثل رأي الشيعة وعلمائهم النجباء نقصاً في قدرة المولى عز وجل؟! ثم كيف يبرر الشيعة الأفاضل موقف الإمام علي من الخلفاء الراشدين إذا كانوا كما شبههم؟! ومن أي قرآن كان يقرأ علي في أيام خلافته؟!
إن عدم الإيمان بحفظ القرآن يجر إلى إنكاره ومن ثم تعطيل الشريعة كلها.
فالإيمان الكامل لا يكون إلا باليقين بالقرآن... ويبدو أن هذا هدف القوم.
تباً للمشككين الوضاعين الكذبة.
وهل كان الفاروق إلا رحيماً بالرعية:
من المعروف عن الفاروق شدته في أداء الحقوق.. وخشونته في مظهره.. على أن المدقق المحقق يجزم إن ذلك إلا الإطار الخارجي لشخصية الفاروق عمر.. فقد كان الرجل عاطفة فياضة من الحسن والرحمة والعطف والرقة على رعيته ولن يقدر ذلك مثل رعية عمر أنفسهم فقد أضفوا عليه جميعاً من الحب والاعجاب والتقدير ما اطمأنت إليه أنفسنا في تقييمنا لهذه الشخصية الفذة التي لا تتكرر.. تلك الشخصية السوية التي ملكت القوة والعدل في كفة... والرحمة والعطف في كفة أخرى فوازت وتوازنت على المنهاج الشرعي القويم فهي العبقرية الفذة.. والأداء المثالي.
__________
(1) الأنوار النعمانية في بيان معرفة النشأة الإنسانية.(11/44)
سأل الفاروق الفاروق عن رجل كان يعرفه.. فقيل له إنه يتابع الشراب فكتب إليه: "إني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو... غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب... ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير".
فلم يزل الرجل يرددها ويبكي حتى صحت توبته.
وعندما بلغ عمر ذلك قال لأصحابه: "هكذا.. فاصنعوا إذا رأيتم أخاً لكم زل فسددوه ووفقوه.. وادعوا الله أن يتوب عليه ولا تكونوا أعواناً للشيطان عليه".
كما أن الفاروق كان أول من حمل الدرّة وأدب بها.. فهو أيضاً أول من درأ الحد بالضرورة.. فقد تكرر منه إعفاء الزانيات من الحد لشبهة القهر والعجز عن المقاومة... كما درأ الحد في وقت الشدة مثل عام الرمادة وغيرها.
رأى الفاروق ذات يوم شيخاً يهودياً يسأل عن الباب.. فقال له: ما ألجأك إلي هذا؟ قال: أسأل الجزية والحاجة والسن. فأخذ الفاروق بيده وأعطاه من بيته ما يكفيه وأمر بإعطائه من بيت المال ورفع الجزية عنه وعن أمثاله.. وهكذا شملت رحمة الفاروق حتى من خالفه في الدين.
رأى الفاروق رجلاً يحمل حملاً ما لا يطيق.. فأخذته الرحمة بالحيوان.. وعاقب الرجل لقسوته على الحيوان.. بل كان وهو أمير المؤمنين يدخل يده في جرح البعير ويداويه ويقول: إني لخائف أن أسأل عما بك!!.
.. لم تقف رحمة الفاروق عند حد... ولم يحدها دين ولا جنس... بل امتدت فشملت كل مظهر من مظاهر الضعف الإنساني.. بل وحتى الحيواني.. كانت رحمة الفاروق تنبع من قلب كبير وروح عظيمة فطرت على حب الخير والشعور بالمسؤولية.. كان قوياً في نفسه.. أمينا على رعيته.. نقياً في معدنه.. ورعاً في دينه عادلاً بين شعبه... أمينا لحقوقهم.. غيوراً على مصالحهم.. وفياً لأماناتهم شجاعاً متواضعاً كريماً عزيزاً.. كان رحمة الله... "نسيج وحده".
أساس الفكر الشيعي:(11/45)
يقوم الفكر الشيعي منذ نهاية القرن الثاني الهجري على فلسفة أن الخلفاء الأول قد ارتدوا عن الإسلام عندما نازعوا علياً أمر الإمامة؟! وقد أثر ذلك المنطلق الأساسي العقائدي للقوم على نظرتهم لخلفاء رسول الله البررة فكانت نظرتهم إليهم من خلال منظار أسود كسته الكراهية حمقاً وعفونة.. فلم يرى القوم في كل تاريخ الخلفاء إلا كل سوء... وتفنن القوم في التأويل والتحوير ونسج الروايات والأساطير بما يناسب حالتهم وشعورهم وجعلوا من تلك النظرة مسألة إيمانية بحتة يجب على الشيعة أن يؤمنوا بها إيماناً أعمى... ونظرة سريعة إلى "الزيارات" التي يقرأها القوم على مقابر أئمتهم يوضح كل شيء...
من الطبيعي أن يتوازى منهاج الشيعة مع عظمة الشخصية التي يتناولونها.. لذا.. فقد نال منهم الفاروق الحظ الأوفى.. فبذل القوم جهداً كبيراً في محاولة تلطيخ سيرته وتاريخه وأعماله.(11/46)
يقول العياشي في تفسيره: "لما قبض نبي الله صلى الله عليه وسلم كان الذي كان لما قد قضى من الاختلاف .. وعمد عمر فبايع أبا بكر ولم يدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد.. فلما رأى ذلك عليّ عليه السلام ورأى الناس وقد بايعوا أبا بكر خشى أن يفتتن الناس ففرغ إلى كتاب الله وأخذ يجمعه في مصحف.. فأرسل أبو بكر إليه أن تعال فبايع.. فقال علي: لا أخرج حتى أجمع القرآن. فأرسل إليه مرة أخرى فقال: لا أخرج حتى أفرغ.. فأرسل إليه الثالثة ابن عم له يقال له قنفذ.. فقامت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تحول بينه وبين عليّ عليه السلام فضربها!! فانطلق قنفذ وليس معه عليّ!! فخشي أن يجمع عليّ الناس فأمر بحطب فجعل حوالي بيته.. ثم انطلق عمر بنار فأراد أن يحرق على عليّ بيته وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم. فلما رأى عليّ ذلك خرج فبايع كارهاً غير طائع"(1) .. فأين عليّ أسد بني هاشم الشجاع المقدام وسط الأهازيج والأكاذيب هذه؟!...
أو ليس هذا هو الإمام الذي ادعى عليه القوم أنفسهم فقالو: كان علياً من القوة حتى أن علياً ركض يوماً فتزلزلت الأرض!!"(2) وهو أيضاً الإمام الذي كذب عليه "الصافي" فقال: "إن الأرض تزلزلت يوماً فركضها حتى سكنت!!"(3) وهو من روى عنه ابن بابويه أنه: "قد صرع إبليس يوماً بقوته الجبارة"(4) .. فكيف يقبل هذا مع ذلك؟!
تباً للكذابين المغترين الوضاعين.. ونحن لهم إلى آخر رمق.
__________
(1) تفسير العياشي 2/307... أيضاً "البحار" 8/47.
(2) مقدمة تفسير البرهان ص74.
(3) الصافي 571.
(4) عيون أخبار الرضا 2/72.(11/47)
العياشي بذكر في تفسير سورة براءة فيقول: ... عن أبي حمزة المثالي إنه قال: "قلت للإمام: ومن أعداء الله؟!. قال: الأوثان الأربعة. قال: قلت: ومن هم؟. قال: أبو الفصيل ورمع ونعثل ومعاوية.. ومن دان بدينهم... فمن عادى هؤلاء فقد عادى أعداء الله"(1) فهذه هي المحصلة النهائية... ومرمى الشيعة النجباء... هو هدم الإسلام وكسر أعلامه وتاريخه.
هذا رغم أن الآتي من أحاديث أئمة القوم "المعصومين في عرفهم": يقول الإمام محمد الباقر – الإمام الخامس المعصوم عند القوم – في جواب من سأله: هل ظلماً كما من حقكم شيء؟!.. يقول: لا والذي أنزل القرآن على عبده ليكون للعالمين نذيراً.. ما ظلمانا من حقاً حبة خردل"(2) وشهد إمام من أئمتهم.
وقال الإمام في الشيخين: "وكان أفضلهم في الإسلام كما زعمت وأصحهم لله ورسوله الخليفة الصديق والخليفة الفاروق. ولعمري أن مكانهما في الإسلام لعظيم وأن المصاب بهما لجرح في الإسلام شديد.. رحمهما الله وجزاهما بأحسن ما عملا"(3) ... فهذه نظرة آل البيت الكرام.. وتلك نظرة شيعتهم اللئام وصدق الإمام الصادق جعفر ابن الباقر عندما قال:
"لقد أمسينا وما أحد أعدى لنا مما ينتحل مودتنا"(4) .
إيمان كالجبال:
__________
(1) تفسير العباسي 2/116... أيضاً بحار الأنوار للمجلسي 7/37.
(2) شرح النهج لابن أبي الحديد الشيعي.
(3) شرح النهج للميثم... ج1 ص 31 ط. طهران.
(4) رجال الكشي ص259 تحت ترجمة ابن الخطاب.(11/48)
كان الفاروق في منهاجه كخليفة للمسلمين نموذجاً يحتدى به في الفهم والعلم والإيمان فشا طاعون عمواس.. وعمر في طريقه إلى الشام... فلقيه أبو عبيدة وأصحابه عند تبوك.. وأخبروه خبر الطاعون.. فاستشار المهاجرين والأنصار فاختلفوا بين ناصح بالمضي وناصح بالقفول.. ناصح بالمضي في طريقه يقول: إنه خرج لأمر ولا يرى له أن يرجع عنه.. وناصح بالقفول يقول إنه بغية الناس وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يرى أن يقدمهم على وباء.. ثم إنه دعا مشيخة قريش من مهاجرة الفتح فلم يختلف عليه رجلان وأشاروا جميعاً بالرجوع.
قال أبو عبيدة: افرار من قدر الله؟!
قال عمر: نعم.. نفر من قدر الله إلى قدر الله... أرأيت إن كان لك إبل هبطت وادياً له عدوتان... إحداهما خصبة.. والأخرى جدبة.. أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله.. وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله؟!... وما رام مكانة حتى جاءه عبد الرحمن بن عوف فحسم الخلاف برأي النبي في الخروج من أرض الطاعون والقدوم إليها حيث قال صلى الله عليه وسلم: "إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها".
كان إيمان الفاروق إيمان العلم والفهم.. كان إيماناً بصيراً يأخذ بالحيطة ويلم بالأسباب.. ويعلو بالعمل.
أما إيمان الشيعة.. فهو آية في مفهومه..!!
في كافيهم.. يكذبون على عليّ بن أبي طالب إنه قال: "لقد أعطيت خصالاً لم يعطهن أحد قبل –وحتى الأنبياء- علمت المنايا والبلايا والأنساب وفصل الخطاب فلم يفتني ما سبقني ولم يعزب عني ما غاب عني"(1) .
هذا... والمولى عز وجل يقول في محكم تنزيله: ((لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله)).
وقال المولى على لسان عيسى معجزة الله: ((تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب)).
وقال على لسان خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم: ((ولا أقول لكم إني ملك إن أتبع إلا ما يوحى إليّ)).
__________
(1) الأصول من الكافي 19/197.(11/49)
وهكذا تتواتر الآيات مجزمة بقدرة حتى الأنبياء والرسل.
وتتواتر أيضاً أحاديث الشيعة مجزمة بجنوح القوم وخروجهم عن الجادة.
كذب القوم على الإمام الصادق الأمين العالم جعفر إنه قال:
((إني أعلم ما في السماوات والأرض وأعلم ما في الجنة وما في النار وأعلم ما كان وما يكون))(1) .
سبحانك ربي.. إن هذا إلا بهتان عظيم.
وكذبوا على "محمد الباقر" حيث يروي أبو بصير أنه قال: "قلت لأبي جعفر عليه السلام. أنتم تقدرون على أن تحيوا الموتى وتبرؤا الأكمة والأبرص؟! قال: نعم. بإذن الله.. ثم قال لي: إدن مني يا أبا محمد. فدنوت منه. فمسح على وجهي وعلى عيني.. فأبصرت الشمس والسماء والأرض والبيوت وكل شيء في البلد!!.. ثم قال لي: أتحب أن تكون هكذا أو بك ما للناس وعليك ما عليهم يوم القيامة.. أو تعود كما كنت ولك الجنة خالصاً.. قلت: أعود كما كنت. فمسح على عيني فعدت كما كنت"(2) .
هذا والمولى يقول في محكم قرآنه: ((وعنده مفاتيح الغيب لا يعلمها إلا هو)). ويقول: ((عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحد)).
ويقول: ((ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون)).
هذا... وأهل السنة البررة يروون عن الفاروق أنه كان ينظر إلى الحجر الأسود فيقول كلما استلمه: إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك.
ويروون عنه أنه سمع الناس يأتون الشجرة التي بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحتها بيعة الرضوان فيصلون عندها ويتبركون بها.. فأوعدهم.. وأمر بها أن تقطع مخافة أن تسرى إلى الإسلام من هذه المناسك وأشباهها لوثة من الوثنية والتوكل على الجماد.. فأي الفريقين أهدى سبيلاً؟!!
لله در عمر ما أفقهه:
__________
(1) الأصول من الكافي ... كتاب الحجة 1/261.
(2) أيضاً 1/227.(11/50)
روى أبو هريرة... عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه أنفده إلى رهط من المسلمين فقال له: إذهب إليهم فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة.. فكان أول من لقي عمر.. فصده وعاد به إلى النبي يسأله: يا رسول الله بأبي أنت وأمي.. أبعثت أبا هريرة من لقي يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه بشره بالجنة؟! قال النبي: نعم.
فقال عمر: فلا تفعل يا رسول الله.. فإني أخشى أن يتكل الناس عليها فخلهم يعملون.. فوافقه عليه السلام وقال: فخلهم.
تلك نظرة أهل السنة للإيمان الكامل وما يستلزمه من عمل.
أما الشيعة فرأيهم عجيب غريب!!.
يكذب القوم على جعفر الصادق إنه قال عن شيعته: "أما والله لا يدخل النار منكم إثنان.. لا والله ولا واحد"(1) .
وإنه قال أيضاً: "إن الرجل منكم لتملأ صحيفته من غير عمل!!"(2) .
وأيضاً: "بل كان مع النبيين في درجتهم يوم القيامة"(3) كل هذا المقام فقط لأنهم إسماً شيعة.. وفعلاً أذاقوا آل البيت المر والعلقم.
كذب القوم على أبي الحسن الرضا... الإمام المعصوم الثامن.. إنه قال: "رفع القلم عن شيعتنا.. ما من أحد من شيعتنا ارتكب ذنباً أو خطأ إلا ناله في ذلك عما يمحص عنه ذنوبه ولو إنه أتى بذنوب بعدد القطر والمطر وبعدد الحصى والرمل وبعدد الشوك والشجر"(4) .
__________
(1) الروضة من الكافي ... للكليني 8/78.
(2) نفس المصدر 8/315.
(3) مقدمة البرهان ص 21.
(4) عيون أخبار الرضا – لابن بابويه القمي 2/236.(11/51)
ويروون عن أبي سعيد المدائني أنه قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما معنى قوله تعالى في محكم كتابه ((وما كنت بجانب الطور إذ نادينا)).. فقال (ع): كتاب لنا كتبه الله يا أبا سعيد في ورق قبل أن يخلق الخلائق بألفي عام.. صيره معه في عرشه أو تحت عرشه.. فيه: يا شيعة آل محمد غفرت لكم قبل أن تعصوني.. من أتى غير منكر بولاية محمد وآل محمد أسكنته جنتي برحمتي"(1) .
القوم إذاً لم يكتفوا بعصمة الأئمة.. بل شاركوهم العصمة كذلك فقط لأنهم شيعة.. ومن ثم فقد غفر الله لهم قبل ارتكابهم المعاصي.. ومن كان هذا شأنه كان معصوماً.. !! ومن كان هذا شأنه فعلام الجد والكد والعمل.. فهل هذا المفهوم هو ما قعد بالشيعة عن مناصرة أئمتهم المظلومين بهم يا ترى؟!
في خطبة الوداع بين الرسول طريق النجاة فحث على العمل والإيمان فهما طريق النجاح فخاطب عامته في خاصته فقال:
"يا بني عبد المطلب, يا بني عبد مناف؟ يا فاطمة بنت رسول الله, يا عباس بن عبد المطلب.. يا صفية عمة رسول الله.. افتدوا أنفسكم من النار فإني لا أغني عنكم من الله شيئاً"(2) .
وفي روية أخرى: "اعملوا اعملوا وسلوني من مالي ما شئتم فإني لا أغني عنكم من الله شيئاً"(3) .
والمولى سبحانه يقول: ((فمن يعمل مثال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره)).
وفي الختام
__________
(1) البرهان 3/288.
(2) تفسير منهج الصادقين 6/488.
(3) نفس المصدر.(11/52)
إن حكم العقل السليم على فترة معينة من الزمن إنما يتعين أن توضع له القواعد والضوابط والأسس.. فإذا مس الأمر رسالة سماوية خالدة وجب الاعتناء والتمسك بقواعد وضوابط هذا الحكم... هذه القواعد والضوابط لابد وأن لا تحكم بالعاطفة والميول.. بل عليها بمبادئ الفصل وميزان الحق.. والإلتزام من ناحية الدين والعقيدة ثم الالتزام والتطبيق العملي لكل ذلك.. إن نجاح أي رسالة.. أو رسول إنما ينطبع على التطبيق العملي والصورة الميدانية للمبادئ والأسس التي نادى بها الرسول في رسالته.
من الواضح أن العامل الإنساني ملازم لهذه الحركة, بل هو محورها ومركزها.. ومن هنا فإن نجاح أي دعوة إنما هو انطباع تلك الدعوة واسسها على مريديها في أعمالهم وحركتهم في الحياة..
والتاريخ –كما اتفقنا- غير ثابت.. نظراً لتناوله من وجهات نظر متباينة متعارضة.. أما العمل أو الفعل.. فهو الثابت.. أو هذا ما نأمله في اعتمادنا على هذا التاريخ.
عند الحكم على فترة الخلفاء الراشدين وعلى المجتمع الإسلامي الأول الذي قام على مبادئ الصحبة النبوية والتعاليم الإيمانية فإن الجميع –مسلمين وغير مسلمين- قد شهدوا بمثاليتها وعظمتها ومدى اخلاقياتها, سلم بذلك وأقر الأعداء قبل الخلفاء.. بل إن بذرة الإيمان في ذلك العهد الفريد هي التي نشرت الدين ورفعت راية الإسلام في بقعة عريضة من الأرض نعيش عليها.. فبصمة الخلفاء ما زالت إلى الآن.. وما نحن جميعاً إلا أثر من آثارها.
كانت هذه الحقبة الزمنية القصيرة في حكم الزمن نشطة وديناميكية وصحية إلى أقصى مدى وأبعد حد, وإذا رفع بعد المدعين ما وقع بين أعلام الصحابة من خلافات عابرة فالرد على ذلك إنما يتأتى من غرض الاختلاف.. فلم يرمي هؤلاء الأعلام إلا لتثبيت الدين وتقوية صلبه وإعلاء شأنه.. لذا فقد نجحوا في هدفهم.. ثم أن اختلاف الآراء علامة صحية بين أفراد المجتمع ما دامت في حدود الإطار السليم للمنهج القويم.. وقد كانت..(11/53)
فمع الحركة.. هناك التغيير.. ومع التغيير هناك الاختلاف.. غير أن الخلاف حتى مقتل الإمام عثمان وحكم عليّ كان مقبولاً.. بل كان مطلوباً فهو إشارة إلى حيوية المجتمع ونشاطه.. وقد ساعد ذلك على ازدهار تلك الفترة ونجاحها.. غير أن الحياة ليست فقط للناجحين.. بل هي أيضاً للمهزومين..
من الطبيعي إذاً أن تختلف النظرة في تقييم الحدث بالنسبة إلى أطرافه المختلفة فإذا جاء من يشكك في إيمان أعلام الصحابة وأصدقاء ومستشاري رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن الواجب أن ننظر إلى التهم ووجهة النظر.. ونحللها ونفندها.. كما أنه من الواجب كذلك أن ننظر إلى صاحب هذه التهم ورافع هذه الادعاءات.. بل وتقيم مكانة من الحدث الإسلامي كله.. ومن اللازم الإلتزام في كل ذلك بالقواعد والضوابط في مختلف أحكامنا.. ولا نحكم العاطفة والميول والنزعات الفردية.
من المنطقي أن النجاح كما يعتمد على الزعماء والرؤساء.. فإن يعتمد أيضاً على الصورة العامة للرعية.. فنجاح الطرفين مكمل للآخر.. ولازم له.. فلا نجاح لطرف دون طرف.
عندما ينادي الشيعة أن جميع الصحابة قد ارتدوا عن الإسلام بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم مباشرة إلا ثلاثة أو أربعة فإنهم يهدمون الركن الإيماني والأساس العقائدي للعاملين أو الطرفين المشار إليهما.. والنجاح في الحركة في هذه الحالة لا يمكن تفسيره إلا بالقوة المجردة والقدرة الذاتية عند طرفي النزاع.. والأمر لم يكن كذلك عند وفاة الرسول..(11/54)
كان العالم عند وفاة الرسول يقتسمه أكبر امبراطوريتين في العالم في ذلك الوقت وهما امبراطورية فارس.. ودولة الروم بل لقد ارتد أكثر العرب عقب وفاة الرسول في أطراف الجزيرة.. وشهدت الدولة الإسلامية الناشئة موجة من التفسخ والردة هددت كيانها والدين ذاته.. فإذا نظرنا بعد وفاة الرسول بعشرة سنين فقط وجدنا أن الإسلام قد انتشر في الأرض انتشاراً عظيماً فاق كل الحدود.. وعلى أنقاض الامبراطوريتين.. مما يثير دهشة وتعجب المؤرخين إلى وقتنا هذا واجتهد المؤرخون والمحللون لاستنباط السبب الأساسي لذلك النجاح المدهش.. واختلفوا.. غير انهم جميعاً اشتركوا حول عامل العقيدة الجديدة وأثرها في نفوس العرب.. وأجمعوا جميعاً على أن ذلك هو أقوى حافز وأمض دافع لهؤلاء العرب من المسلمين حتى يفتحوا للعالم بأسره وينشروا تعاليم ربهم.. ففي الحقيقة لا يوجد سبب عقلي غير ذلك.. حتى مع احترام التفسخ في كلتا الامبراطوريتين الفارسية والرومانية.. غير اننا –مع كل هذا- لا يمكننا قبول هذا الأساس دون دراسة تاريخية تحليلية لتلك الفترة.. ويستلزم ذلك دراسة سيرة روادها وأعلامها البارزين من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.. هنا ظهر الاختلاف واضحاً بين السنة والشيعة. بل وكانت درجة الاختلاف واسعة شاسعة منفرجة حتى أنه لا يمكن تفسيرها إلا بتوضيح الأحداث لكلا الطرفين.
عندما تقدم الشيعة الإمامية صورة قائمة للمجتمع الإسلامي وأعلامه وتحاول جاهدة أن تهدم المجهودات التي بذلها النبي صلى الله عليه وسلم في تربية وتهذيب رواد ذلك المجتمع الفريد وهم أصحابه ووزرائه ومستشاريه فإنما ترمي ضمناً أو صراحة إلى إخفاق النبي صلى الله عليه وسلم كمصلح أو مربي أو رائد.. وقد أشار الخميني إلى ذلك المعنى في كتابه كشف الأسرار.. وذلك منتهى اللامعقول.(11/55)
التعمق في الفكر الشيعي يوضح الحقيقة.. فمع تسليمنا أن الاختلاف في وجهات النظر ناحية الأشخاص والبشر قد لا تجد لها دواء فعالاً.. غير أن النظر إلى الأسس والحكم إلى المبادئ الإيمانية هي المحك في الحكم القسط.. والفصل في القضاء فإذا تسلسل الأمر من نظرة إسقاط لرواد المدرسة المحمدية أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نال من القرآن ... ثم السنة فبدل في أساسها ومفهومها.. وغير في أقوالها ومبادئها.. وظهرت البدع نتيجة كل ذلك عن عصمة البشر –إلى زيارات حسينية... إلى سجود على تربة حيدرية- إلى فلسفات وتأولات يحار فيها العاقل ويضل معها المهتدي.. وتساءلنا: هل كان ذلك على أيام الرسول.. ومن ثم من سنته؟! لسمعنا من القوم من الفلسفة والتخبط ما يقف له شعر الرأس دهشة وعجباً.. حتى ليحق للباحث أن يستاءل: هل هذا هو إسلام القوم؟!
عرفنا أن القوم قد نالوا من القرآن.. وعندهم مصحف فاطمة أو هو عند إمامهم الغائب المستور خوفاً من عمه.. مع تشكيكهم في قرآن عثمان.
أما عن السنة.. فقد وضعوا الأحاديث عن أئمتهم وجعلوها أحكاماً إلهية مثل أحكام القرآن أو أشد.. وجعلوها صالحة في كل عصر ومصر حسب رأي إمامهم روح الله العظمى وآيته الكبرى الخميني!!
فإذا كان هذا هدف القوم ومرماهم وغاية آمالهم فليس من عجب أن نتفهم موقفهم من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه.. الذين عضوا على القرآن وتمسكوا بسنة نبيه ورفضوا ما عداها..
فذاك هو الفهم... وذاك هو الرأي..(11/56)
قد نختلف في نظرتنا وتقييمنا لبعض الأحداث حتى لهؤلاء الأعلام الأجلة فهم بشر لا تدعي لهم عصمة.. ونحن أيضاً بشر خطاؤون.. لكن الصحابة كانوا بشراً توابون.. مؤمنون صالحون.. وحكمنا عليهم إنما كان تقييماً لأفعالهم ومواقفهم وإنجازاتهم.. والأحداث على عهدهم كانت سريعة متوالية ديناميكية فاصلة.. وأحداث على هذا النحو كفيلة بإظهار حقيقة إيمان أبطالها.. فقد كانوا يمتحنون كل يوم.. ويختبرون كل ساعة..
عاش هؤلاء الرواد.. وكانت لهم أعمالهم وإنجازاتهم.. وماتوا على حال يعلمه الطرفان ويقران به.. أو ليس بعد ذلك في الدراسة المتأنية البعيدة عن الهوى لسيرتهم كل دليل وإشارة لحسن إسلامهم وعميق إيمانهم؟!
إن مواجهة الواقع والوقائع هي ما نستند عليه في حجتنا وفهمنا... غير أنا نلاحظ بسهولة اعتماد كتاب الشيعة على التأويل والفلسفة والكذب في مناولتهم أي حديث وحدث.. فليتذكر القوم إذاً أن هذه الأحداث ونتائجها ثوابت.. وإن ما عداها من تأويل وادعاءات غير ذلك..
وإذا ركزنا في نظرتنا على سيرة الفاروق فمن السهولة ملاحظة أن الشخصية العمرية وتركيبتها سهلة كل السهولة.. واضحة كل الوضوح. لم تبن حركتها منذ أسلمت حتى توفاها الله إلا على الصراحة والوضوح معتمدة على قوة ذاتية وشخصية قيادية وإيمان عميق زان كل ذلك حتى أنها نبذت في أحوال كثيرة السياسة والدهاء حيث تجب.. فلم ترض هذه الشخصية السوية أن ينال من تعاليم الإسلام ومبادئه حتى وإن كانت لمصلحة قريبة تستوجب ذلك.. ومن هنا كان التعبير الشائع في أن إسلام الفاروق كان منعطفاً في نظرة المشركين إلى الإسلام والمسلمين عامة.. بل في نظرة المسلمين إلى أنفسهم وإمكانياتهم خاصة.
ثم تأتي الدراسة المتأنية المتزنة للعلاقات بين الفاروق والنبي وآل البيت لتفي وتهدم أي شبهة رمي إليها القوم.. فهل هناك أقوى من علاقات النسب والصهر بين الفاروق.. والنبي .. وعليّ .. فماذا بعد ذلك..؟!.(11/57)
عاش الفاروق .. وفتح البلدان.. وقوض الإمبراطوريات .. ورفع راية الدين خفاقة.. فماذا كسب من كل ذلك..؟! وماذا اكتسب؟!..
سؤال يرفعه محبي الفاروق وعشاق عبقريته..
ونحن بدورنا نتسائل كذلك.. بل ماذا خسر الفاروق..؟!
خسر حياته الدنيا.. وعاش عيشة الفقراء.. ضيق على نفسه وآله.. ومات مديوناً لبيت مال المسلمين.. كل ذلك بعد أن ترك رعية قوية .. وأمة عظيمة.. ودين رايته خفاقة في السماء.. ومجتمع غني متكامل.. فهل كل ذلك نتاج نفس خبيثة كما يدعي الشيعة النجباء؟!! أهل الرأي والعلم والنجابة كما يدعون لأنفسهم ويتنادون..
إن الأمر في حقيقته إذاً ليس أمر الفاروق بل ما يمثله الفاروق.. فليس على الرجل أي غضاضة في حياته.. وسيرته وأفعاله, بل له كل الفخر والإعزاز وعند الله حسن مآب.. وعظيم ثواب.. إن الأمر أدهى وأخطر وأمر.. هو أمر الدين نفسه ومبادئه.. فإذا كان الأمر يمس الدين والعقيدة فهو يمس حياتنا وأرواحنا أجمعين.. فليس للعرب حياة بلا إسلام..
إن المدقق لمواقف الشيعة ونظرتهم إلى التاريخ الإسلامي ورواده ليكاد يجزم أن القوم على دين آخر.. فنظرتهم إلى القرآن والسنة تكفي.. ونظرتهم لأهل السنة أبعد ما تكون إلى الإنسانية.. وليس إلى الأخوة.
ولنراجع في التاريخ أعلام الشيعة ومواقفهم في مآساة وكارثة سقوط بغداد تحت جحافل المغول المشركين.. خان وزراء الشيعة الخليفة المعتصم وعاونوا أهل الشرك.. وحدث ما حدث مما يهتز له القلم ويرتعش له النفس حتى الآن لما حل بالمسلمين.. غير أن أهم ما يهمنا في موقفنا هذا أن نعرف ما هم هؤلاء الأعلام الشيعيين؟! وما هي نظرة الشيعة إليهم حتى وقتنا هذا؟!
وذلك ما قرأه من تبجيل وتعظيم القوم وخمينيهم للطوسي.. وابن العلقمي وابن الحديد.. والطاؤس وغيرهم, ولا من معقب ولا محلل..(11/58)
إن الفكر الشيعي واجب التحليل والفهم والدراسة.. كما يجب أيضاً فهم دوافعهم وأهدافهم.. وتحليل كل ذلك على الضوابط الإيمانية والقواعد الربانية.. والأحكام القرآنية..
يومئذ تنهار قواعد المدعين.
ويومئذ تعلو راية الدين.
((وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون)). صدق الله العظيم.
قالوا
وماذا عن فظاعات إيران في مكة؟
قالوا: "أعلن مرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية آية الله علي خامنئي أمس حداداًُ وطنياً على "تدنيس" العتبات الشيعية "والفظاعات" التي يرتكبها الأميركيون في العراق. وذكرت وكالة الأنباء الإيرانية أن مرشد الجمهورية كتب في رسالة إلى "الأمة الإسلامية جمعاء" أن الطابع المقدس لجامع السهلة (في الكوفة) ومرقد الإمام علي أمير المؤمنين (في النجف) تعرضا للتدنيس خلال الأيام الأخيرة وهاجمتهما قوات الاحتلال مجدداً"
وكالة الصحافة الفرنسية 27/5/2004
قلنا: "وماذا عن الفظاعات التي ارتكبتها إيران في الحرم بمكة المكرمة وإفساد موسمي الحج سنة 1407هـ وسنة 1409هـ لكنها عقيدة تعظيم كربلاء على الكعبة, وماذا عن المساجد السنيّة التي هدمتها السلطات الإيرانية داخل إيران, ولماذا صمت الشيعة عن الجرائم التي يقترفها الأمريكيون ضد السنة في العراق في الفلوجة وبعقوبة وبغداد, ولم ترتفع عقيدتهم بالصراخ إلا عندما هاجم الأميركان بعض مدنهم وعتباتهم؟
إيران دفعت إميركا لغزو العراق عن طريق الجلبي
قالوا: "ذكرت صحيفة الغارديان البريطانية أمس أن مسؤولين في الاستخبارات الأميركية يشتبهون بأن إيران دفعت الولايات المتحدة إلى غزو العراق بنقل معلومات خاطئة إليها عن طريق رئيس المؤتمر الوطني العراقي أحمد الجلبي.
وكتبت الصحيفة في مقال من واشنطن أن بعض ضباط الاستخبارات الأمريكية يعتقدون أن إيران دسّت معلومات خاطئة إلى صقور البنتاغون والبيت الأبيض للتخلص من جار معادٍ (صدام حسين) وتمهيد الطريق لعراق يقوده الشيعة"(11/59)
الوكالة الفرنسية 25/5/2004
قلنا: ليس بغريب على أحفاد ابن العلقمي والطوسي اللذين فتحا أبواب بغداد السنيّة أمام المغول ليعثوا فيها الفساد, أن يقوموا اليوم بتحريضها الأمريكان لغزو العراق وإقامة دولة شيعية وإقصاء السنة, فمن أجل هذا الهدف يمكن أن تقوم إيران بأي شيء من الكذب والغش والخداع حتى لو كان التعاون مع الشيطان الأكبر.
35 ألف مصاب بالإيدز في إيران
قالوا: "نقلت وكالة أنباء الطلبة الإيرانية عن مسؤول بوزارة الصحة أن عدد المصابين بمرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) في إيران وصل إلى 35 ألف شخص. وقال محمد مهدي جواد أن 65 في المئة من المصابين كانوا من المدمنين الذين أصيبوا بسبب تلوث المحاقن المستخدمة فيما أصيب أقل من 10 في المئة بسبب الاتصال الجنسي.
وأضاف أنه ربما توجد أعداد أخرى لم تشخص بعد أو لم تلجأ إلى مركز علاج المرضى.
وكالة الأنباء الألمانية 1/6/2004
قلنا: إن كلام محمد جواد عن هذه النسبة العالية من قتلى الإدمان فهي مصيبة وإن كان كاذباً للتغطية على آثار زواج المتعة فهي مصيبة أكبر, فمتى سيقتنع الشيعة بخطر زواج المتعة, وما يجره من مصائب ليس أقلها مرض الإيدز. ومتى سيقل عدد المدمنين في الجمهورية الفاضلة. وما خفي كان أعظم!
الشيعة يقولون: أنصار الصدر إرهابيون وبعثيون
قالوا: "قيادة جيش المهدي اخترقها بعثيون وإرهابيون ولدينا لائحة بأسمائهم. هذه المجموعة خططت لمحاولة اغتيال صدر الدين القبانجي, وهي المجموعة نفسها التي قتلت السيد محمد باقر الحكيم والسيد عبد المجيد الخوئي..."
قاسم الهاشمي الناطق باسم المجلس الأعلى
للثورة الإسلامية في العراق
وكالة الصحافة الفرنسية 30/5/2004
قلنا: إذا كان الشيعة أنفسهم يتهمون مقتدى الصدر بأنه صار مرتعاً للعناصر البعثية, وبأنه وراء اغتيال قادة الشيعة, فلماذا يبادر البعض بتحميل السنة جرائم حزب البعث وتوجيه الاتهامات إليهم عند كل حادث يتعرض له الشيعة.(11/60)
هكذا المواقف وإلا فلا
حزب الله كان المؤسسة الدينية الوحيدة في العالم الإسلامي كله التي قالت بصوت واضح .... أن نصر أبو زيد أيا ً ما كان يقوله فله أجر المجتهد .
نصر حامد أبو زيد في تعليق له
على زيارته لمحمد حسين فضل الله
جريدة الدستور الأردنية 25/5/2004
لماذا أبو زيد يكفره العلماء في الأزهر وغيره على تجديفه وطعنه في الإسلام والإمام الشافعي ثم يصبغ عليه حزب الله لقب " المجتهد " ولسنا نعرف مجتهد في ماذا ؟
فهل هذا يلقي الضوء على حقيقة نهج حزب الله!!.
الدعم الإيراني العسكري للعراق ؟!
أصبحت قرية قشنية على طريق أربيل مركز للتجار والمهربين الإيرانيين الذين يهربون أسلحة الجيش العراقي من الدبابات والصواريخ والطائرات ، وذلك تحت نظر سلطات الحدود العسكرية الإيرانية وفي أثناء محاولة نقل إحدى قطع المروحيات انفجرت وقتلت شخص وخمسة جرحي .
جريدة الزمان العراقية
22/5/ 2004
هذا هو الدعم الذي يحتاجه العراق في مقاومة الاحتلال سرقة الأسلحة !!
من حق المسلم على المسلم التعزية فيه !
عبر خرازي عن تعازي طهران لمقتل رئيس جمهورية الشيشان أحمد قادر يوف وأكد أن وتائر العلاقات بين البلدين تتطور بشكل إيجابي
خرازي في زيارة الاخيرة لموسكو
الوطن الكويتي
18/5/2004
أليس من حق المسلم على المسلم العزاء فيه ! ولكن أين موقف إيران من المسلمين الشيشان الذين يقتلوا على يد الروس ؟؟!
ولماذا العلاقات الروسية الإيرانية تتطور دوما ولكن العلاقات الإيرانية مع أفغانستان والشيشان لا تتطور ؟!
أحلاهما مر
أن مقتدى الصدر ليس إلا واجهة يختفي وراءها عدد من الاستخبارات النظام والمجرمين الهاربين من العدالة
حجة الإسلام علي الشيرازي
الدستور 22/5/ 2004
إن كان الشيرازي صادق فإن المقاومة الشيعية كاذبة ، إن كان الشيرازي كاذب فالصدر في طلبه رضا المرجعية خائن !!
ما هو موقف الشيعة من مقاومة المحتل ؟(11/61)
إن حركة السيد مقتدى تفتقد الشرعية بالمعنى الأخص فلا السيد السيستاني ولا بقية مراجع النجف يؤيدها
بيان من علماء النجف ردا على حسن نصر الله في تأييده لمقتدى
الزمان 22/5/2004
إذا كانت المرجعية الشيعية ترفض مقاومة الصدر فكيف نسميها مقاومة شيعية ؟
وكيف نحترم الصدر في استجدائه موافقة الحوزة الصامتة ؟
وما موقف نصر الله من مراجع النجف ؟
من الكذاب ؟
لا توجد علاقة بين حزب الله والجيش السوري ، إن الجيش السوري لا يتواجد في جنوب لبنان . ولا تقدم سوريا أي دعم عسكري لأي حزب في لبنان ولا يتدخل الجيش السوري في السياسات اللبنانية .
بشار الأسد في مقابلة مع مجلة نيوزويك
5/2004
حاول السوريون العمل بشكل مكثف لتحقيق الاتفاق بين حزب الله وأمل ، إن السورين عملوا جاهدين لتثبيت الحالة الأمنية وأعطوها الأولوية .
نعيم قاسم نائب أمين عام حزب الله
مجلة المصور 21/5/2004
أرنبة وتأكل لحم !
بقلم محمد عبد القادر
الوطن 19/5/ 2004…
هذه صورة للأداء السياسي الشيعي " المعمم " فكيف بالآخرين ؟؟... الراصد
يوم الاثنين الماضي أثناء جلسة مجلس الأمة ذكر النائب حسين القلاف اسمي شخصيا وشبهني ((بمسيلمة الكذاب)) وهو بصدد التعليق على عنوان الوطن في اليوم التالي لاستجوابه لوزير الصحة، وقد كان العنوان ((الجار الله يطرح الثقة في القلاف)).
والعنوان يشير إلى فشل القلاف في استجوابه وتألق وزير الصحة في ردوده عليه.
ومن الواضح أن القلاف قد تأذى كثيرا من عنوان الوطن فاستغل جلسة الاثنين للهجوم علي شخصيا.
وكما يقال ((الصراخ على قدر الألم)) وهذا ما شهد به أحد النواب حين قال ((القلاف مكتوي ومحروق قلبه من أسبوعين يبي يرد)).
إن الخلاف في وجهات النظر شيء وقلة الأدب شيء آخر، والحصانة النيابية لا تعني أن يتحلل النائب من الأخلاق ويطلق العنان للسانه.(11/62)
وأود لو يتمعن القلاف فيما قاله الدكتور عثمان عبد الملك الصالح – رحمه الله – ففي ذلك القول فائدة له: ((أن مكامن الحرية ثلاثة: ضمائر حية، وقلوب زكيه، وعقول ذكية، فان خمدت روحها في مكامنها فلا دساتير تنفع ولا قوانين تردع ولا محاكم تمنع.. فينكمش الصدق وترتفع هامات الكذب وتتوارى الشجاعة ويسود الجبن وينزوي الوفاء فتنشط الخيانة وينكس العدل رأسه ويعم الظلم وتتعالى الخيانة الشخصية)).
إن أقوال ومواقف القلاف تكشف عن حقيقته، ويكفي أن نقرأ ما يلي لمعرفة تلك الحقيقة:)) أكد النائب حسين القلاف أن لدى التكتل الشعبي الذي ينتمي إلية نقاطا ومعلومات مؤثرة لم يتم الكشف عنها إلي الآن في شأن استجواب وزير المالية يوسف الابراهيم)).
(الدستور 22/5/2002)
وعن الاستجواب نفسه قال القلاف:
((أنا شخصيا أعتقد أن المحور الأساسي في الاستجواب هو المحور الأول المتعلق بخروج أموال من البنك المركزي. أتصور أن هذه المسألة لا يمكن السكوت عليها بأي حال من الأحوال)).
(الوطن 3/6/2003)
وعن الاستجواب نفسه قال القلاف:
((مادة الاستجواب ما هي إلا شكوك وظنون لا ترقى إلى أن تشكل استجوابا. ومادة الاستجواب يعتريها كثير من الضعف)).
(الحدث 13/7/2002)
وعندما سئل عن سبب تغيير رأيه في الاستجواب ووقوفه مع الوزير وضد المستجوبين قال: ((رأيي لم يتغير))!!
(الحدث 13/7/2002)
وعندما استقال من المجلس بعد الاستجواب قال القلاف:
((إنني اعتقد والله جل شأنه شاهد على ما أقول إن البقاء في هذا المجلس هو اشتراك مني صريح في الغش على الناس والتلون وتغليب مصلحتي الشخصية))!!
(كتاب الاستقالة 26/12/2002)
إن عددا قليلا من الناس يعرفون كيف ولماذا ((تلون)) موقف القلاف من استجواب وزير المالية السابق.
وبعد القلاف هذا نكتفي بأن نختم بقول الشاعر ابن الرومي:
بما أهجوك يا أنت
أليس أنت الذي أنت ؟
خطة خامنئي لإقامة إمبراطورية شيعية من باكستان إلى لبنان(11/63)
لندن – سعيد القيسي
الوطن العربي – العدد 1422 4/6/2004
هذا تقرير يوضح جانب من التحركات الشيعية في الشهر الماضى وما يمكن أن يحدث قريباً من أعوان إيران في العالم وذلك بحسب المصلحة الإيرانية . وتظهر الإنتهازية الإيرانية في سياستها الخارجية في توقيت التحركات والممارسات التى تأمر بها أعوانها في سبيل " إيران الكبري "! ............ الراصد
هل هي مجرد صدفة أم أنها فصل جديد من المسلسل الذي بات يعرف في الأوساط الدبلوماسية والاستخبارية المطلعة بالحرب السرية الدائرة بين واشنطن وطهران في العراق وحول العراق؟!
هذا السؤال طرحه خبير أمني أوروبي وهو يفاجأ بأخبار التظاهرات التي نفذها يوم الجمعة في الحادي والشعرين من مايو "أيار" مئات ألوف الشيعة في إيران ولبنان والبحرين وباكستان باسم الدفاع عن العتبات الشيعية المقدسة, في كربلاء والنجف والكوفة حيث تدور حرب طاحنة بين قوات مقتدى الصدر "جيش المهدي" وقوات الاحتلال الأمريكي والبريطاني.(11/64)
ولم يكن هذا الخبير في حاجة إلى الكثير من التأمل والتحليل لفهم خلفيات وأبعاد ما وصفه بـ "انتفاضة الأممية الشيعية", فالجهاز الذي ينتمي إليه كان يملك أكثر من تقرير في هذا الصدد تتمحور كلها حول وجود مخطط إيراني متكامل لاستغلال حرب إطاحة صدام حسين وإزاحة حكم البعث والسنة لتعزيز نفوذ إيران وهيمنتها في العراق وتكريس موقعها في قيادة شيعة العالم والدفاع عنهم حتى إن أحد التقارير المتداولة تحدث عن خطة إيرانية سرية يجري تنفيذها بصمت لاختراق الدول ذات التواجد الشيعي والعمل على بناء ما وصفه بـ "إمبراطورية شيعية تمتد من باكستان إلى لبنان" وفي معلومات هذا التقرير أن مشروع استعادة الهيمنة والنفوذ الإيراني عبر الشيعة في العالم العربي أقر منذ ما قبل الغزو الأمريكي للعراق في اجتماع استراتيجي وسري جداً لمجلس الأمن القومي برئاسة المرشد علي خامنئي. وتضيف هذه المصادر أن كل معارك الكر والفر والمفاوضات السرية والعلنية بين الأمريكيين والإيرانيين وأساليب الإرهاب والترهيب والترغيب التي يمارسها الطرفان هي جزء من المخطط التنفيذي لاستراتيجية التوسع الإيراني في العراق والخليج وعلى امتداد العالم العربي.
وكشف هذا الخبير أن ما حصل يوم الجمعة 21 مايو "أيار" كان يشكل رسالة واضحة للأميركيين هي تهديد إيراني بإخراج الصراع من دائرة العراق وتعبئة العالم الشيعي ضد الأميركيين مع ما يحمل ذلك من مخاطر زعزعة استقرار وقلب معادلات في أكثر من دولة.(11/65)
وفي رأي هذا الخبير أنه من الواضح أن تحديد موعد التظاهرات في يوم واحد واختيار تظاهرات الأكفان "كما حصل بالتوازي في تظاهرة حزب الله في لبنان وتظاهرة المعارضة الشيعية في البحرين" كانا رسالة مكشوفة بأن كلمة السر جاءت من طهران وتحديداً من المرشد علي خامنئي, وثمة معلومات عن أن فحوى الخطب التي ألقيت والصور التي رفعت في التظاهرات "صورتا المرجع الشيعي العراقي السيستاني وآية الله الخميني" كانت من ضمن خطة معدة سلفاً بكل تفاصيلها. وتسائل هذا المصدر: "وإلا كيف يمكن فهم التوافق المفاجئ لشيعة إيران ولبنان والبحرين وباكستان على تحديد ذلك اليوم "الجمعة" للدفاع عن المقدسات الشيعية العراقية علماً بأن الحرب في هذه المدن بين جيش المهدي والأميركيين مندلعة منذ أكثر من شهر ونصف الشهر وأن ضحاياها الشيعية كانوا يسقطون بالعشرات يومياً وسط صمت شيعي عراقي وإيراني. والجدير بالذكر أن هذا الصمت اعتبر في بعض التقارير نتيجة "صفقة" أدت إلى مباركة مسبقة من إيران والمراجع والأحزاب الشيعية العراقية لحسم قضية مقتدى الصدر وطرده من العتبات المقدسة.
من لبنان إلى البحرين
وبالفعل أثارت التظاهرات المفاجئة لشيعة إيران في لبنان والبحرين وباكستان تساؤلات مثيرة عندما حصلت في وقت كان "أصحاب العلاقة المباشرة" أي شيعة العراق بمراجعهم الدينية والسياسية وعشائرهم ينددون بالسيد مقتدى الصدر وجماعته ويتظاهرون مطالبين بخروجهم من كربلاء والنجف والكوفة.(11/66)
وهنا تكشف المصادر الأمنية أن تحولاً طرأ على الموقف الإيراني دفع بطهران إلى إعادة حساباتها على ضوء تحولات على الساحة العراقية أوحت باستبعادها أو بإسقاط استراتيجياتها وسحب الورقة العراقية الشيعية منها رغم حرص الإيرانيين على الإيحاء بتأييدهم لمرجعية السيستاني ولصفقة بيع مقتدى الصدر, وفي معلومات "الوطن العربي" أن الإيرانيين فوجئوا بتحول جذري في توجهات الإدارة الأمريكية في مرحلة نقل السلطة وخياراتها للحكومة العراقية الجديدة واعتبروا أن ما يجري منذ "حل قضية الفلوجة" يصب في خانة إعادة الاعتبار للسنة وبعض جماعات حزب البعث وبالتالي يهدد المشروع الإيراني للدفع في اتجاه تكريس الهيمنة الشيعية على الحكم الجديد في العراق أي يهدد كل الاستراتيجية الإيرانية للتحول إلى القوة الإقليمية الأكبر في المنطقة عبر تحويل الوجود الأميركي في العراق إلى ما يشبه "الرهينة" في أيدي المخططين الإيرانيين وإمساك إيران بورقة إخراج الأميركيين من العراق أو طريقة بقائهم فيه. وعلى ضوء ذلك, تؤكد المصادر أن آية الله علي خامنئي اتخذ قرار تحريك "الورقة الشيعية العربية والدولية" وتهديد الأميركيين والمنطقة بثورة شيعية تمتد من باكستان إلى البحرين ولبنان وإفهامهم أن امتلاك ورقة شيعة العراق لا تكفي وفي قناعة هذه المصادر أن طهران تعمدت أن تكون أكثر التظاهرات عدداً هي تظاهرة "حزب الله" في لبنان أكثر من 300 ألف وذلك في رسالة واضحة تذكر بقدرات هذا الحزب وتاريخه في الجهاد والمقاومة وبأنه مازال ورقة إيرانية نموذجية وجاهزة للدفاع عن العتبات المقدسة ومقاومة الاحتلال.(11/67)
وإذا لم تكن الأجهزة الأمنية والجهات الدبلوماسية تشكك في استمرار قدرات طهران على تحريك "حزب الله" اللبناني إلا أنها تعاملت بجدية وقلق أكبر من تظاهرات البحرين ورصدت التحركات التي جرت على خط شيعة الكويت. والواقع أن أكثر من جهة غربية كانت ترصد منذ أشهر ما تصفه بأكبر عملية إعادة اختراق إيرانية لدول الخليج والمنطقة منذ مرحلة تصدير الثورة في الثمانينات, وحسب تقارير هذه الجهات أن الأشهر الأخيرة شهدت نشاطات إيرانية مثيرة للشبهات في أكثر من بلد عربي وإسلامي, وفي معلومات هذه المصادر أن المتشددين الإيرانيين المسيطرين على السلطة والأجهزة في إيران استغلوا اهتمام الأجهزة بخطة الاختراق الإيرانية للعراق عبر إرسال الآلاف من عناصر الحرس الثوري وقوات القدس ورجال الدين وعناصر استخباراتية أخرى وتكريس ميزانية تقدر بعشرات الملايين لاختراق كل التنظيمات الشيعية على الساحة العراقية بإشراف وحدة خاصة أنشأها مجلس الأمن القومي وتتبع مباشرة مكتب المرشد.
اختراق إيران لشيعة العالم
في موازاة ذلك, سجلت التقارير الأخيرة أن النظام الإيراني أعد ونفذ خطة اختراق لعدة دول عربية وإسلامية تعتبر نسخة طبق الأصل عن خطة تصدير الثورة. وفي هذه التقارير أن سفارات إيرانية كثيرة منها سفارات لبنان والكويت والبحرين "والعراق" قد جرى "تفعيلها" مؤخراً بسلسلة تعيينات ومناقلات, ولوحظ أن معظم "الدبلوماسيين" الجدد هم من ضباط الحرس الثوري وضباط الاستخبارات التابعين للمرشد بمن فيهم المشرفون على الملحقيات الثقافية التي تميزت بنشاط مكثف لا يتوافق مع الظروف الأمنية والسياسية التي تشهدها المنطقة.(11/68)
وفي الأسبوع الماضي توقف المراقبون الذين كانوا يرصدون نشاطات وزير الخارجية الإيراني السابق علي أكبر ولاياتي بصفته مستشار المرشد للشؤون الخارجية ويعتبرونه وزير الخارجية الفعلي, توقفوا عند تطور آخر حصل في مكتب المرشد عندما تم تعيين الرئيس السابق للإذاعة والتلفزيون علي لاريجاني ممثلاً شخصياً لخامنئي في مجلس الأمن القومي وعضو المجلس الأعلى للثورة الثقافية والذي يتولى ما يمكن وصفه تفعيل تصدير الثورة والاتصال بالحركات والتنظيمات الخارجية.
وفي الإطار نفسه لاحظت بعض التقارير تزايد الوفود الإيرانية الدينية والاقتصادية, لعدد من الدول الخليجية ذات الأقلية الشيعية وبشكل خاص ارتفاع نسبة رجال الأعمال والسياح الإيرانيين الذين يقصدون دولاً مثل الكويت والبحرين والعراق ويسعون للاستقرار فيها وبعضهم يطلب جنسيتها.(11/69)
ولفت تقرير أمني أوروبي وضع على خلفية تظاهرة البحرين أن تحركات المعارضة الشيعية البحرينية وتزايد الدعوات للتظاهر والنزول إلى الشارع تبدو مثيرة للشبهات, وخصوصاً في مرحلة تبدي فيها السلطات البحرينية استعداداً كبيراً للحوار وانفتاحاً على المطالب والإصلاحات وأشار التقرير إلى التناقض الصارخ بين انفتاح السلطة ولجوء المتظاهرين في كل مرة إلى إثارة أعمال شغب اعتبر أن أهدافها مثيرة للشبهات وتبدو معدة للاستفزاز وزعزعة الاستقرار وتمهيد الأجواء لاضطرابات أخطر وأكثر دموية. ولوحظ أن هذا التقرير الغربي ربط في شكل جلي بين المستجدات على الساحة العراقية وتحديداً الحسابات الإيرانية لما بعد العراق والظهور المفاجئ لمطالب وتحركات شيعية ذات أبعاد مذهبية لم تكن معروفة سابقاً لا في الكويت ولا في البحرين. واعتبر أن هذه التحركات تبدو معدة لتتجاوز أبعادها المحلية وتدخل في إطار استراتيجية إيرانية على مستوى شيعة المنطقة تهدف إلى استقطابهم لحساب فرض نفوذها وهيمنتها وتعزيز أوراقها في مواجهة الاحتلال الأميركي الذي يطوقها من أفغانستان والعراق أكثر من الدفاع الفعلي عن مصالحهم وحقوقهم.
حسابات طهران(11/70)
وما حصل يوم الجمعة قبل الماضي جاء بخلفياته وأبعاده تأكيداً لحسابات إيرانية بحتة. فلم تكد الأجهزة المتابعة تنتهي من رصد مصدر "كلمة السر" للتظاهرات المفاجئة في لبنان والبحرين وباكستان وتنسبها لضباط الحرس الثوري في السفارات الإيرانية في هذه الدول حتى طرحت تساؤلاً مريباً آخر حول توقيت الحسابات الإيرانية للتهديد بتفجير "مقاومة شيعية عالمية" قبل ساعات فقط من التوصل إلى هدنة وحل لقضية الصدر والعتبات المقدسة!! فبين ظهر الجمعة تاريخ التظاهرات وصباح السبت كانت مدينة كربلاء قد أخليت من جيش المهدي واستعادت هدوءها في مقدمة واضحة للإعلان عن صفقة تسوية مع الأميركيين تنقذ العتبات المقدسة وتوحي لمقتدى الصدر بأن إيران التي سبق أن "باعته" هي التي نجحت في إنقاذه أخيراً من الاعتقال أو القتل أو الإلغاء النهائي لحساب جماعات شيعية أخرى وذلك بعدما تغيرت الحسابات الإيرانية في المعادلة العراقية الجديدة واضطرت طهران إلى التهديد بالورقة الشيعية الإقليمية و"حزب الله" لاستعادة أورقاها التفاوضية على خلفية دورها ونفوذها في عراق ما بعد 30 يونيو "حزيران".
والواقع أن شهر يونيو "حزيران" كان قد شكل موعداً حاسماً لإيران في شكل مزدوج أولاً لكون يونيو "حزيران" هو موعد الحسم مع قضية البرنامج النووي والرقابة الدولية وثانياً في شقه العراقي, حيث يقال إن خامنئي استشاط غضباً عندما بلغه خبر اجتماع الحاكم الأميركي بول بريمر مع أكثر من ثلاثين من ضباط صدام حسين في قاعدة الحبانية و"الحل البعثي" لقضية الفلوجة وما تبعه من تسريبات عن إعادة الاعتبار لبعثيين سابقين وآلاف من عناصر الجيش العراقي السابق.(11/71)
وفي هذا الوقت كانت التقارير الإيرانية تحذر من مخاطر اللعب بين التيارات الشيعية العراقية وصل إلى خط أحمر ينذر بحرب شيعية – شيعية. وهي الورقة التي هدد بها مقتدى الصدر في الأيام الأخيرة عندما نسب إلى جماعته إطلاق رصاصة على قبة ضريح الإمام علي وإطلاق النار على مكتب السيستاني وعلى منزل المرجع الشيعي بشير النجفي. وتفيد معلومات "الوطن العربي" أن هذه التطورات قادت بـ "آية الله السيستاني" إلى التهديد بإصدار فتوى تكفيرية ضد مقتدى الصدر, وتخوين جماعته مما سرّع في عملية الهدنة, أما إيران فوجدت فجأة أن مشروع استراتيجية الإمبراطورية من باكستان إلى لبنان بات مهدداً في شقه العراقي علماً أنها بنت هذه الاستراتيجية – حسب بعض التقارير- على قناعة بتوافق مشروعها هذا مع مشروع المحافظين الجدد وصقور البيت الأبيض والبنتاغون الذين بنوا خطة تدمير العراق على أساس جعله مستقبلاً خط فصل وتقسيم ليس فقط على مستوى العراق, بل على مستوى دول المنطقة الإسلامية وجاءت عملية إلغاء أحمد الجلبي حليف إيران واللوبي الليكودي المتشدد الأميركي لتوجه حسب العارفين ضربة أخرى للمشروع الإيراني وتدفع طهران إلى إعادة النظر باستراتيجيتها وحساباتها والتهديد باستخدام ورقة "شيعة العالم" وفي معلومات الخبراء أن التهديد الإيراني الأول من نوعه لم يكن سوى "بروفة" ورسالة للأميركيين لكنهم يؤكدون أنه لن يكون التهديد الأخير من الآن وحتى الانتخابات الرئاسية الأميركية ولعل خطورته في أن جماعة المرشد خامنئي كشفت أن صراعها مع الأميركيين حول العراق لم يعد يقتصر على الساحة العراقية ولا الإيرانية.
سورية تستخدم الانتخابات البلدية لإعادة فرز حلفائها
لبنان: التمديد لـ "لحود"
ورئاسة البرلمان لـ "نصر الله"!
رياض علم الدين (بإختصار)
الوطن العربي – العدد 1422 4/6/ 2004(11/72)
هل نحن على أعتاب مسرحية جديدة للثنائى ( العلوى – الشيعي ) تنقل الراية السياسية من أمل لحزب الله ؟ لتكون نموذج يحتذى للقوى الشيعية الأخرى في إنتهاج الدبلوماسية بدل الثورية ؟؟.............. الراصد
الخيار السوري الرئيسي الذي أخرج إلى العلن عبر صناديق الاقتراع هو محور لحود – نصر الله, ويبدو للخبراء واضحاً أن دمشق اختارت أضمن حليفين لها للمرحلة المقبلة وهي بذلك خذلت الحريري علناً عندما استخدمت الانتخابات البلدية لتمهد للاستحقاق الرئاسي عبر العودة للترويج للتمديد أو التجديد للحود, بل وضعه على السكة.
وفي رأي العارفين أن هذه الرسالة السورية تعتبر رداً غير مباشر على لجوء بوش إلى فرض مسلسل العقوبات, وذلك بإفهام الأميركيين بأن هذه العقوبات, ومداخلات مسؤولين أميركيين كبار من وزن كونداليزا رايس وكولن باول وريتشارد أرميتاج وغيرهم حول الدعوة إلى احترام الدستور وانتخاب رئيس جديد للبنان, أي رفض التمديد والتجديد, لن تثني دمشق عن السير حتى النهاية في خيار لحود, وإن القيادة السورية تعتبر منذ الآن أن الظروف الإقليمية ستتدهور خلال فصلي الصيف والخريف المقبلين إلى حد يدفعها إلى مواجهتها بالتجديد أو التمديد للرئيس اللبناني الحالي.. وذلك طبعاً عبر احترام الدستور وعبر لجوء الحكومة بالطلب من المجلس النيابي تعديل الدستور.(11/73)
وأكثر من ذلك, لوحظ أن المراقبين توقفوا ملياً عند قراءة الحرص السوري على اكتساح "حزب الله" للساحة الشيعية ولو على حساب إفساح المجال أمام الحديث علناً عن أن دمشق تخلت عن نبيه بري لصالح نصر الله, وفي معلومات جهات لبنانية مطلعة أن حرص دمشق على تنصيب "حزب الله" بطل المقاومة كبطل شعبي على الساحة السياسية اللبنانية يحمل في طياته رسالة مزدوجة للأميركيين, فهي أولاً تنذر باستخدام ورقة "حزب الله" ذي الرصيد الوطني والعربي والإسلامي على خط المقاومة, وفي الوقت ذاته تتحدى وتتصدى لأية محاوية أميركية للمطالبة برأس "حزب الله" على قائمة لائحة الإرهاب وتفتح الطريق واسعاً أمام خيار يعتبره كثيرون أنه قادم آجلاً أم عاجلاً وهو خيار مستقبل "حزب الله". وفي هذه الرسالة يكشف السوريون "الحل البديل" أو الرد الجاهز على طلب نزع سلاح "حزب الله" وتحويله إلى حزب سياسي عبر التمهيد بانتصار بلدي شعبي واسع لمكافأة الحزب بتحويله ليس لمجرد حزب سياسي من بين الأحزاب اللبنانية, بل إلى الحزب السياسي الأول والأكثر شعبية وانتشاراً وتمثيلاً في لبنان, وثمة من يرى في هذا الخيار تسريباً لبنود صفقة مقايضة سياسية تكون في مستوى الحجم الجديد لـ "حزب الله" وتشكل تبريراً كافياً لمنحه الموقع السياسي الذي يستحقه, وخصوصاً مكافأة أمينه العام, وهذه المكافأة هي تسجيل اسم حسن نصر الله على أنه المرشح الأوفر حظاً وأكثر كفاءة وجدارة و "المفضل" لرئاسة المجلس النيابي العتيد وخلافة نبيه بري في البرلمان بعد خلافته في الهيمنة على الساحة الشعبية الشيعية وبهذا تكون الانتخابات البلدية اللبنانية الأخيرة قد أعادت رسم معادلة جديدة على أنقاض سقوط معادلة الترويكا التقليدية هي معادلة "الدويتو" الأكثر تفضيلاً وثقة بالنسبة لدمشق وهو "دويتو" لحود – نصر الله.
في حوار مع نائب الأمين العام لـ "حزب الله"
الشيخ نعيم قاسم: إيران الحضن الدافئ لشيعة العراق(11/74)
نادية شريم ( بإختصار )
الوطن العربي – العدد 1420 أيار 2004
نعيم قاسم يضع النقاط على الحروف في حديثه هذا:
إيران مرجع الشيعة حتى في البلاد الأخرى(كما لإسرائيل مرجع اليهود في العالم؟؟؟
ليس على إيران مقاومة الإحتلال الأمريكى؟!
مقاومة السنة ليس لها وزن في العراق ولاعنوان؟!
وهذا يؤكد أن الطائفية هي ما يحكم حزب الله وإن تظاهر بغير ذلك ........ الراصد
وعن الموقف بالنسبة لإيران قال قاسم: الموقف الأميركي منها كان معادياً منذ نشوء الدولة الإسلامية وانتصار الثورة, ولم يتغير الموقف العدائي لحظة واحدة, وإيران مصنفة بالمنطق الأميركي كإرهابية, وبالتالي فإن مساعي أميركا في الماضي كانت حثيثة في اتجاهين: الأول: محاولة تغيير النظام الإيراني من الداخل تحت عنوان تشجيع القوى التي تريد تغيير النظام.
الثاني: استدراج إيران لعدة مواقف تؤيد السياسة الأميركية. وعلى أساس هذين الأمرين يمكن لأميركا أن تنظر لعلاقتها مع إيران.
إذن هناك مجموعة عناوين تحاول أميركا أن تنفذها بوجه إيران كجزء من الضغط المتواصل عليها, لكنه لا يرقى إلى حالة حرب أو عدوان عسكري شامل, بحسب الظروف الموضوعية الواضحة والبارزة الموجودة أمامنا ومنها الوحل العراقي الذي وقع فيه الأميركيون.
وحول مجيء وفد إيراني للوساطة بين الأميركيين ومقتدى الصدر, قال: كما سمعت وقرأت فإن إيران نفت أنها وسيطة في هذا الموضوع, وإنما لإيران علاقات مع قيادات عراقية, وحاولت أن تعرف آراءهم وتناقش معهم بعض القضايا, لكن الأمر لم يرق إلى مرحلة الوساطة.(11/75)
وعن حقيقة العلاقة بين إيران ومقتدى الصدر, قال قاسم: السيد مقتدى الصدر كان في العراق منذ نشأته وزار إيران زيارة واحدة منذ أقل من سنة, أي بعد الاجتياح الأميركي للعراق, وإيران تحرص على العلاقة الوثيقة مع الشعب العراقي بأطرافه المختلفة, أي مع الشيعة والسنة بحكم الجوار والحدود الطويلة والمصالح المشتركة الموجودة بين البلدين, ومن الطبيعي أن يجد شيعة العراق حضناً إيرانياً دافئاً, وأن تفكر إيران بتطورات العراق لكن لا أعتقد أنها علاقة تنظيمية.
وحول حقيقة ما تريده إيران التي غضت الطرف عن الاجتياح الأميركي للعراق في بغداد وهل وعدت بدور معين مقابل ذلك قال: لم يكن بوسع إيران أصلاً أن تمنع الاجتياح الأميركي للعراق, الحديث عن دور إيراني من النظام السابق من آلام ومرارة إذن هي بين خيارين مرين: بين نظام صدام الطاغي والاحتلال الأميركي صاحب الأطماع الواسعة وقد عبرت إيران مراراً عن رفضها للاحتلال الأميركي, لكن ما يتعلق بمستقبل العراق, فهل أمر يمس إيران والشعب العراقي الذي تربطه علاقات معها ومن الطبيعي أن تبحث إيران عن دور يتوافق مع رؤيتها السياسية وهو ما تمارسه يومياً وتقوم به ولا أعتقد أنه يرقى إلى درجة التنسيق مع الأميركيين بسبب التنافر الموجود على المستوى السياسي والموقف العدائي من إيران, لكن هناك قواسم تفرض نفسها بحكم الخصوصية الإيرانية التي لا تستطيع أميركا أن تتجاهلها, خصوصاً مع الكثافة الشيعية الموجودة في العراق وهو أمر حساس لإيران.
وعن إرادة إيران دوراً سياسياً أساسياً للشيعة في العراق, أكد قاسم أن إيران تريد دوراً سياسياً متوازناً وواقعياً انسجاماً مع النسبة المئوية السكانية في العراق وأن يكون الاختيار خاضعاً لقناعات الشعب وليس أمراً مفروضاً من الخارج.(11/76)
وحول ضرورة التنسيق مع أميركا من أجل هذا الدور للشيعة في العراق, قال: أعتقد أن الحديث عن دور سياسي وتنسيق يحتاج لكثير من الدقة, والسبب هو عدم وجود القنوات المباشرة التي تساعد على القيام بلقاءات وحوارات, ربما كانت هناك أمور غير مباشرة, يفهم كل طرف من خلالها الآخر ويعرف الحدود والضوابط, لكن بحسب معلوماتي ليس هناك تنسيق مباشر أو اتفاقات مباشرة, إضافة إلى ذلك فإن أميركا تحاول استبعاد الجميع, بما فيهم الأوربيون والأمم المتحدة.
وحول بداية المقاومة العراقية من السنة وعدم تحرك الشيعة والحديث عن أن إيران ستضبط الشيعة, وهل ستكون هناك مقاومة شيعية منظمة في العراق, أكد قاسم أن التفصيل الذي يعطي التطورات في العراق, ومحاولة رسم معادلة لعلاقة إيرانية – عراقية, ولسيطرة إيران على شيعة العراق هو تفصيل غير متوازن, لأن هناك شعباً عراقياً كان يعيش في ظل نظام قمعي خرج منه إلى واقع الاحتلال.
فالكل لا يريد الاحتلال في العراق, لكن التعبير عن ذلك يختلف بين فئة وأخرى, وعندما تحركت حركة السيد مقتدى الصدر, إنما كانت ترفض الاحتلال, كانت ردة فعل واضحة على الأداء الاستفزازي للاحتلال الذي يريد أن يلغي هذه الفئة التي لها حضورها ودورها.
فإذا كان الأمر يرتبط باختيار الشعب فسوف يعبر عن خياراته, لكن ليس لإيران علاقة بما يجري من تحركات يقوم بها الشعب العراقي.(11/77)
وحول إمكانية اعتبار أن جيش المهدي مقاومة شيعية, قال قاسم: استطيع أن أصف حركة السيد مقتدى الصدر بأنها حركة اعتراضية على المشروع الأميركي بوتيرة ازدادت بسبب القمع الأميركي, لكن لا أعلم إذا كانت ستصل في المستقبل إلى حالة من المقاومة المسلحة المنظمة في مواجهة الاحتلال, إنما لها فعاليتها وأساليبها التي تختلف عما يحصل في الفلوجة وغيرها, وإن كانت تتقاطع معها في بعض العناوين, برفض الاحتلال وصياغة العراق الجديد, لكن في الواقع السني العمل العسكري مربتط بأعمال سرية أكثر مما هي علنية, إنما حركة السيد الصدر حركة ظاهرية لها تعبيرها السياسي والاعتراض الواضح.
وحول المخاوف المثارة من نشوب حرب شيعية سنية, أكد قاسم أنه مع وجود المواجهة مع الأميركيين, فإن كل الاحتمالات مفتوحة, لكن المساعي قائمة لمنع هذه الحرب, والشعب العراقي يعي جيداً خطورة هذا الموضوع وهذا ما يساعد على منعه.
وحول ما يقال بأننا أصبحنا في عالم تتلخص فيه الحلول بالحركات الأصولية, وأننا أمام أحد الخيارين: أميركا أو الإرهاب, أميركا أو بن لادن, أكد قاسم أنه يرفض هذا التقسيم الشمولي بوضع كل الحركات الإسلامية في سلة واحدة, لأن مضمونها ليس واحداً في مقابل الهجمة الأميركية, لأن بين الحركات الأصولية تمايزاً واختلافاً فأداء "حزب الله" في لبنان يختلف عن حركات إسلامية أخرى, ويوجد تمايز بين أداء حماس في فلسطين وأداء آخرين.
ماذا بعد أن صارت إيران وطناً "قومياً" للشيعة؟
د. مدحت أحمد حماد
مدرس الدراسات الإيرانية بآداب سوهاج
مختارات إيرانية – العدد 46 مايو 2004 ( بإختصار )
هذا المقال يسلط الضؤ على العلاقة بين " التشيع " و " النزعة الفارسية " وأن هذه العلاقة علاقة استراتيجية تطمح للسيطرة على المنطقة المحيطة بها بداية لتعم العالم كله ! وهذه الإستراتيجية الإيرانية لا يقابلها للأسف أي إستراتيجية سنية ؟! ...... الراصد(11/78)
ستظل الدولة الصفوية التي أعلن إسماعيل الصفوي قيامها في عام 1486 تمثل نقطة تحول رئيسية في تاريخ إيران على الإطلاق, فقد شكلت تلك الدولة الإطار الذي كان الإيرانيون يسعون إلى تحقيقه لكي تكون لهم شخصيتهم ومكانتهم الإقليمية والدولية خاصة بعد إقرارهم وتسليمهم بحتمية الدور الإسلامي الناتج عن إقرار إيران بقبولها الدين الإسلامي ديناً رسمياً لها بعد الفتح العربي الإسلامي لها في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب. فمنذ تلك اللحظة التاريخية التي دخل الإسلام فيها إيران والإيرانيون في سعي دائم لبلورة نمط جديد, ورؤية جديدة وفكر جديد يكون من أهم نتائجه المحافظة على "التميز" النوعي. النسبي الذي تتمتع به "الهضبة الإيراينة" منذ ما قبل الميلاد في إطار الحضارة البشرية.
الترحيب الإيراني بالإسلام ظل ينقصه دوماً هدف يتوازى مع هذا الترحيب فقد ظلت إيران طوال تسعة قرون تلهث أو تمضي من أجل بلورة شخصية ذات ملامح وخصائص وسمات مستقلة تتفق كما سبق القول مع المكانة الإقليمية والدولية التي كانت تتمتع بها إيران قبل الإسلام.
عندما وقعت حادثة كربلاء في عام 642هـ أدرك المسلمون فعلياً أن مذهباً جديداً قد تشكل في رحم الإسلام إن جاز لنا هذا التشبيه أو الوصف, وهو المذهب الذي ظل يمثل جدلية دينية فقهية مذهبية منذ ذلك الوقت وحتى الآن.
لقد مثل المذهب الشيعي منذ ولادته وتشكله رسمياً هذا النمط من الجدلية المركبة في عناصرها وتوجهاتها وطموحاتها بل وفي طبيعتها وعناصرها المكونة لها.
لم تكن حادثة السقيفة التي شهدت مبايعة بعض أفراد النخبة للخليفة أبو بكر الصديق أحد ثاني اثنين سوى البذرة التي غرست من جانب المبايعين من دون قصد في رحم الإسلام, وهي البذرة التي أخرجت وأنتجت لنا المذهب الشيعي ومنذ تبلور "الرؤية" داخل مؤسسي وأصحاب هذا المذهب وجدناهم في حالة من السعي الدائم من أجل تحقيق:
أ-الاستقرار الجغرافي.(11/79)
ب-إدراك المشروعية من جانب عامة المسلمين.
فمنذ بلورة هذا المذهب وهو يعاني حالة من التشرد الجغرافي بسبب السياسات الأموية والعباسية من بعدها هذه واحدة والثانية ان هذا المذهب ظل يعاني من فقدان "المشروعية" بين عامة المسلمين وكلا العنصرين شكلاً معاً الدوافع الحقيقية من أجل تحقيق الهدف المقدس لهم الذي يمكن بلورته في السعي من أجل تحقيق وإيجاد وطن قومي للشيعة.
وطوال قرون تسعة عانى الشيعة من حالة التذبذب الجغرافي والشرعي رغم نجاحهم النسبي في اتخاذ مصر وطناً قومياً لهم في فترة الفاطميين.
ولكن نظراً لأن تقديراً إلهياً آخر كان قد قدر في الكتاب ومنذ الأزل بأن إيران هي التي ستصبح وطناً قومياً للشيعة فقد تبدلت المقاعد وصارت مصر قلعة لأهل السنة عبر بوابة الأزهر الذي أسسه قائد فاطمي شيعي ثم أصبحت إيران وطناً قومياً للتشيع بعد أن كانت أرضاً صالحة ومنتجة لفقهاء المذهب السني طوال قرون تسعة.
من هنا فإنه عندما خرج إسماعيل الصفوي حفيد الشيخ صفي الدين الأردبيلي مؤسس الأسرة الصفوية ليعلن اتخاذ المذهب الشيعي الاثنى عشري مذهباً رسمياً إيران كانت إيران هي الأخرى قد أعلنت عن استعدادها لاحتضان هذا المذهب ولأن تصبح بالفعل وطناً قومياً للشيعة.
في ظل هذه الثنائية والمزاوجة المتبادلة تعيش إيران منذ أكثر من خمسة قرون وانطلاقاً من أرض إيران نجح الاستعمار الحديث طوال القرون الماضية في تغذية العداء التاريخي بين السنة والشيعة وهو العداء الذي أراق دماءً إسلامية كما نعتقد أكثر مما سببته العناصر الخارجية الأخرى.
لن نخوض في حديثنا في غياهب الفقه السني والشيعي ولكن هذا لا يمنعنا من التقاط عدد من المفردات الاستراتيجية التي ترسم من خلالها وعلى أساسها الرؤى والسياسات والممارسات خاصة فيما يتعلق بالمذهب الشيعي.(11/80)
في البداية أكاد أجزم بأن "طموحاً استراتيجياً" هو الذي يميز المذهب الشيعي عن المذهب السني بعبارة أخرى أعتقد بأن المذهب الشيعي لديه رؤية واضحة المعالم والحدود ترتبط بكل عناصر المستقبل وتحدد أو تشكل في الوقت نفسه طموحاً استراتيجياً يسعى الشيعة إلى تحقيقه ونظن أن كلمة السر أو المفتاح الرئيسي في هذا الطموح يتمثل في عقيدة الإمامة التي تمثل ركناً ركيناً في الفقه الشيعي حيث توجب وتفرض على الشيعي ضرورة الاعتقاد في الإيمان بـ الإمامة.
والإمامة في أبسط تعريف لها تعني ضرورة وجود إمام للأئمة يقوم على أمرها ويتولى شأنها ويحقق طموحاتها ويرسم سياساتها مهما كانت طبيعة الزمان أو المكان والإمامة أيضاً تعني نوعاً أو مستوى من التفويض الإلهي للإنسان - أي الإمام - لكي يخلفه على الأرض بوصفه خليفة الله في أرضه وفي البدء كان الرسول صلى الله عليه وسلم هو الإمام وكان له ما لـ "خليفة الله" في الأرض وقد حدد الله تعالى ما للإمام أي الرسول صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم.
وبوفاة الرسول عليه الصلاة والسلام انتقلت مهام "الإمام" إلى خليفته وهو يعد أول الأئمة الحقيقيين بعد الرسول والمقصود به الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه, ثم انتقلت بعد وفاته إلى أبنائه وأحفاده الذين يرى الشيعة بأنهم هم الأئمة المهديون المعصومون الأطهار.
الإمامة في المذهب الشيعي يبدو أنها ذات طبيعة ثلاثية فهي غاية وهدف ووسيلة وقبل هذا وبعده هي عقيدة أساسية حتمية تعني أن هناك إطاراً عقائدياً محدداً ومرسوماً هو الذي يقود الحركة الإنسانية حتى تصل في نهايتها إلى الهدف المنشود ألا وهو ملء الأرض بالعدل بعد أن كانت أو تكون قد امتلأت بالظلم والزور.(11/81)
نحن إذاً أمام هدف استراتيجي حدوده الجغرافية هي الأرض أي "كل الكرة الأرضية" لسبب بسيط وهو أن الدين الإسلامي آخر الديانات وهو دين خاص بالناس كافة وهو دين عالمي إذن الكرة الأرضية كلها هدف استراتيجي للعقيدة الإمامية لست أنا الذي يقول بهذا بل يقوله فقهاء الشيعة أنفسهم.
من هنا يتضح لنا في قفزة نوعية في حديثنا هذا أن "ولاية الفقيه" ما هي إلا "مرحلة انتقالية" ذات طبيعة تكتيكية من أجل الوصول إلى وتحقيق الهدف الاستراتيجي الذي تسعى إلى تحقيقه عقيدة الإمامية.
لقد كانت إيران إحدى الدولتين اللتين كانتا تقتسمان العالم طوال قرون طويلة, وهي أيضاً واحدة من أهم المناطق الجغرافية على طول الرقعة الجغرافية الإسلامية التي شهدت تشكيل امبراطوريات ممتدة الأطراف كما يحلو للمؤرخين أن يستخدموا مثل هذه الأوصاف الامبراطورية العثمانية, الامبراطورية الصفوية والدولة التيمورية في الهند كانت هذ الدول أو الأسر الثلاث التي تحكم وتتحكم في أمر المسلمين بداية من القرن التاسع الهجري وحتى الربع الأول من القرن العشرين.
هل اتضحت لنا أوجه الشبه أو العلاقة بين إيران وبين المذهب الشيعي؟ القاسم المشترك الأول والرئيسي بين هذين العنصرين إيران والمذهب الشيعي يتمثل فيها أسميناه وأطلقنا عليه الطموح الاستراتيجي.
نعم إن الطموح الاستراتيجي هو الذي زوّج بين هذين العنصرين وهو الذي يشكل أهم سمات وخصائص تلك الرقعة الجغرافية .
نكاد نجزم أيضاً بأن هذا الطموح الاستراتيجي هو العامل الوحيد الذي سهل ويسر من أن تصبح إيران وطناً قومياً للشيعة.(11/82)
تساؤلات عدة تطرح نفسها في هذا الصدد وهي ما مدى التسليم من جانب الآخرين بهذا الطموح الاستراتيجي؟ ومن هم هؤلاء الآخرون؟ وما موقف كل فئة منهم؟ وإلى أي مدى يمكن استثمار هذا الطموح الاستراتيجي لخدمة قضايا المنطقة ولخدمة التطور الإنساني والبشري؟ وهل يرى هؤلاء أن هذا الطموح الاستراتيجي مشروعاً أم لا؟ وهل يرون أنه يمثل إضافة أم قد صار عبئاً؟ وإن كان إضافة فلصالح من؟ وإن كان عبئاً فعلى من؟ وما هي آليات التعامل في كلا الاحتمالين؟
أتصور أن هناك خططاً استراتيجية قد باتت جاهزة للتطبيق الفعلي من جانب "إيران" في هذا الصدد وهي الخطط التي بدأ الإفراج عنها بما أطلق الإيرانيون عليه الخطة العشرينية لتنمية وتحديث إيران.
لكن هل لدينا إدراكاً حقيقياً بهذا "الطموح الاستراتيجي" القائم وفق ما ذكرناه على عنصري "التشيع" و"إيران"؟
وإن كان لدينا إدراك بهذا فهل قمنا نحن أيضاً بتحديد "طموحنا الاستراتيجي" وإن لم نكن قد قمنا بهذا فإن السؤال الأهم والأخطر هو: إلى متى سنظل الوحيدين بلا طموح استراتيجي؟
منهج في دراس التصوف
لطف الله خوجه
عضو هئية التدريس بقسم العقيدة – جامعة أم القرى
مجلة البيان – العدد 199 – ابريل 2004
إن للإسلام أصولاً وأحكاماً معلومة متميزة من التزم بها فهو كامل الإسلام؛ فإن أخل بشيء من أحكامه نقص من إسلامه بقدر ذلك، من غير أن ينتفي عنه وصف الإسلام، وإن أخل بأصله عامداً عن علم ورضى وأظهر ذلك انتفى عنه الوصف كلياً، فإن لم يُظهر فهو منافق له اسم الإسلام الظاهر.
ومنه يتبين أن الإسلام في أصوله وأحكامه وخصائصه ثابت لا يتغير، والمنتسبون إليه يتغيرون ويختلفون؛ فمنهم الكامل، ومنهم دون ذلك، ومنهم المفرط، ومنهم من ليس له من الإسلام إلا الاسم.
وهكذا كل ملة ونحلة قد ثبتت أصولها واستقرت: قد لا تتغير كما يتغير أهلها ويتفاوتون بحسب تطبيقهم لأصولها وفروعها.(11/83)
والتصوف فكرة ونحلة وملة قديمة، موجودة قبل الإسلام، أصولها وأحكامها معروفة مستقرة ثابتة، بإقرار كافة الباحثين، من متصوفة وغير متصوفة ومستشرقين، والمنتسبون إليه منهم المتحقق بالتصوف، ومنهم دون ذلك، ومنهم من ليس له إلا الاسم دون الحقيقة.
وبناء على هذا: إن أردنا التعرف على دين أو نحلة أو فكرة ما، فعلينا أن نعتمد مصادرها التي منها نبعت وظهرت واستقرت، وبذلك نفهم حقيقة الفكرة كما هي، ولا يصح أن نلجأ إلى المنتسبين فنعتمدهم مصدراً؛ إذ يتفاوتون في الالتزام والتحقق، كما يندر أن تكون جميع حركاتهم مردها اتباع قواعد الفكرة:
- فالإسلام مثلاً: لا تُعرف حقيقته كما هي إلا من خلال القرآن والسنة. أما محاولة معرفة ذلك من خلال ما يصدر من المسلمين فهو محض الخطأ؛ فليسوا كلهم يطبقون الإسلام كما هو، وليس كل ما يصدر منهم يكون ـ بالضرورة ـ عن تطبيق لتعاليم الإسلام؛ إذ الإنسان في طبعه اقتراف الحسنة والسيئة.
- وكذلك التصوف لا يمكن معرفة حقيقته كما هي إلا بالوقوف على مصادره الأصلية، وهو الذي نشأ وتأسس واستقر في الثقافات القديمة، بشهادة كافة الباحثين. أما الاعتماد على المنتسبين المقلدين من المسلمين فخطأ منهجي؛ فليسوا كلهم يطبقون التعاليم كما هي، وليس كل ما يصدر منهم يكون ـ بالضرورة ـ عن التزام بالتصوف.(11/84)
إن من الخطأ في دراسة التصوف: أن يُنظر إلى الإمام الصوفي في الإسلام على أنه فكرة صوفية في كل ما يصدر عنه!!.. إن معنى ذلك أن يلصق بالتصوف ما ليس منه، مما قد يناقضه، كقولهم: «علمنا مقيد بالكتاب والسنة»(1)، فهذه المقولة توافق الإسلام؛ لأن المعرفة في الإسلام مصدرها من خارج النفس، من الوحي، لكن لا توافق التصوف؛ لأن المعرفة في التصوف مصدرها من داخل النفس، من الذوق والكشف والمنام؛ فعندما يطلق أحد الصوفية هذه المقولة فمن الجناية نسبة هذا الأصل في التلقي إلى التصوف؛ لأنه يتناقض معه كلياً، والواجب هنا: وضع كل تصرف يصدر من الصوفية في سياقه الخاص به الموافق لأصوله، بدون أن تحشر جميعها في سياق واحد ولو تشتتت أصولها؛ فالقائل: «علمنا مقيد بالكتاب والسنة» إنما يتمثل الإسلام بقوله هذا، فلا تجوز إذن تزكية التصوف به، نعم! قد يكون باباً لتزكية قائله، أو دفع تهمة عنه، أو إحسان ظن به، أو الاعتذار له، لكن دون زيادة. ولذا فإن المنهج الصحيح هو التفريق بين الفكرة والمنتسبين إليها؛ فالفكرة الصوفية باطناً وظاهراً مخالفة للإسلام، أما المنتسبون فمنهم كذلك، ومنهم دون ذلك، ومنهم ليس كذلك، معذور بجهل، أو قلة بصيرة وإدراك، أو شبهة، ونحو ذلك.
وعلى هذا فلا يصح الاحتجاج بأحوال المتصوفة لتزكية التصوف، كأن يقال: هذا إمام صوفي كان مجاهداً، وهذا كان محدِّثاً، وهذا نصر الله به الإسلام، وهذا قال كذا من الحق.. إلخ؛ فكيف تذمون التصوف؟!
فكل هذه الأخبار صحيحة، وفي الطوائف الأخرى أمثلة مثلها، لكن ليس هذا هو محل النزاع، إنما النزاع في الفكرة ذاتها؛ فهل الإسلام يقبل أن يضم إلى أصوله القول بالحلول والاتحاد والوحدة، تحت أي ظرف كان؟
__________
(1) من قول الجنيد. انظر: الرسالة القشيرية، 1/ 117 ـ 118.(11/85)
فما يكون من متصوفة الإسلام من أعمال صادقة فمردها إلى تعاليم الإسلام، لا للتصوف، وهم في ذلك مسلمون مستنون بسنة نبيهم -صلى الله عليه وسلم-، ليسوا متصوفة؛ فالتصوف لا يأمر بجهاد، ولا بطلب علم، ولا يجادل في هذا إلا من لا يعرف حقيقة التصوف كما هي، ولذا كان من الخطأ الفاحش نسبة هذه الأعمال ذات المقامات العالية إلى التصوف.
هذا هو المنهج العلمي: (معرفة حقيقة الفكرة من المصدر، لا من المنتسبين).
غير أن طائفة من الباحثين في التصوف لم تراعِ هذا المنهج، فاختل تقويمها وتحقيقها، ذلك أنها عمدت إلى أئمة التصوف في الإسلام فجعلتهم مصدراً لمعرفة صورة الفكرة الصوفية، فنسبت إلى التصوف كل ما صدر منهم، ولما كان أئمة التصوف يمزجون، في أقوالهم وأفعالهم، بين تعاليم التصوف الذي استمدوه من الثقافات القديمة، وتعاليم الإسلام الذي استمدوه من محيطهم، اختلط الأمر على هؤلاء الباحثين، فظنوا ذلك المزيج هو الصورة الحقيقية للتصوف(1)، وقد كان هذا خطأ ظاهراً؛ إذ بذلك جمعوا بين النقيضين؛ حيث إن أصل الإسلام التوحيد، وأصل التصوف الوحدة، وتوحيد الله ـ تعالى ـ ووحدة الوجود نقيضان لا يجتمعان، وهذا مما حمل المستشرق نيكلسون على إظهار تعجبه من تقبل المسلمين للمتصوفة وهذه عقيدتهم(2)
__________
(1) كان هذا سبيل كل من قسم التصوف إلى: إسلامي، وفلسفي. وهو تقسيم فاسد؛ لأنه يجعل من الفكرة الواحدة جامعة للنقيضين، وهو محال، فإما إيمان وإما كفر. أما الجمع بينهما فمحال.
(2) قال: «ولعله أن يقال: كيف يمكن لدين أقامه محمد على التوحيد الخالص المتشدد أن يصبر على هذه النحلة الجديدة، بله أن يكون معها على وفاق؟ وإنه ليبدو أن ليس في الوسع التوفيق بين الشخصية الإلهية المنزهة، وبين الحقيقة الباطنة الموجودة في كل شيء، التي هي حياة العالم وروحه، وبرغم هذا فالصوفية بدل أن يطردوا من دائرة الإسلام، قد تقبلوا فيها. وفي تذكرة الأولياء شواهد على الشطحات الغالية للحلولية الشرقية». [الصوفية في الإسلام، ص 31]. مع ملاحظة أن هناك تجاوزات في تعبيرات المستشرق كقوله «التوحيد المتشدد»، وقوله «الشخصية الإلهية».(11/86)
.
وقد ترتب على ذلك: الخطأ في تصوير الإسلام نفسه؛ حيث أُلحق به ما ليس منه مما يناقضه، وكذلك الخطأ في تصوير التصوف كما هو؛ حيث أُدرجت أصوله قسراً تحت معاني النصوص الشرعية المخالفة لها، ولما كانت مناقضة التصوف للإسلام واضحة لا تخفى، فقد اضطر طائفة من الباحثين ـ كانوا أمثل طريقة من غيرهم، محاولة للتوفيق والجمع ـ أن يجعلوا التصوف على قسمين: إسلامي، وفلسفي.
فنسبوا إلى الفلسفي كل ما يناقض الإسلام، من الحلول والاتحاد والوحدة، وما عدا ذلك من الزهد والذكر والمجاهدة جعلوه من الإسلام، وهكذا قسموا الفكرة الواحدة إلى نقيضين، مخالفين بذلك العقل والواقع(1).
وعلى ذلك: فالمنهج الصحيح لدراسة التصوف يكون وفق الطريقة التالية:
1 - حصر المنتسبين لهذه الطريقة، ممن عرف بالتصوف وأقر على نفسه بالانتساب إليه، دون من لم يقر بذلك؛ إذ قد أُلحق بالتصوف من لم يعرفه أصلاً.
2 - جمع ما نسب إليهم من أقوال وأفعال، سواء في كتبهم أو مما نقل على ألسنتهم، لأجل فحصها وتحليلها ومعرفة ما تدور عليه من معنى أو معانٍ.
3 - بعد تحديد المعاني واتجاهات كل إمام صوفي، تعقد مقارنة بينها وبين أصول الإسلام وأحكامه؛ فما وافق الإسلام فيلحق به، وما خالفه في شيء عزل جانباً.
4 - ينظر في هذا المعزول، للدراسة والتحليل، لمعرفة حقيقته أو حقائقه، ووسائله وغاياته، ولا بد في هذه العملية من الدقة والتمهل، لتمييز الأفكار والأصول منها خاصة، حتى لا تختلط بغيرها لمجرد شبه جزئي أو عارض.
5 - إذا عرفت حقيقة الفكرة ومعانيها، حينذاك تعرض على أدلة الشريعة، لمعرفة موقفها، وحكمها، ودرجة ردها، وهل هي من المكروهات؟ أو من الكبائر؟ أو من الكفر؟
__________
(1) انظر مثلاً كتاب: «مدخل إلى التصوف الإسلامي» لأبي الوفا الغنيمي.(11/87)
6 - هنا نصل إلى الحكم على الفكرة؛ فبعد معرفة حقيقتها، وعرضها على الأدلة الشرعية نخلص إلى الحكم النهائي على الفكرة. أما المنتسبون إليها فيؤجل إصدار الأحكام عليهم بالتعيين، للحاجة إلى معرفة تحقق الشروط وانتفاء الموانع.
7 - بعد ثبوت أجنبية الفكرة عن الإسلام، تأتي المرحلة الأخيرة في الدراسة وهي: البحث عن مصادر هذه الفكرة الدخيلة، فينظر في كتب المقالات المتعلقة منها بمقالات أهل الأديان والملل القديمة قبل الإسلام تحديداً، لمعرفة موضوعها وأصولها، ويتم ذلك عن طريق ما يلي:
أ - حين تتردد في تلك الثقافات كلمة «صوفية» أو اشتقاقاتها، فالبحث يقتضي تتبع هذه الكلمة ومعرفة كل ما ورد فيها من معانٍ، فهي المقصودة بالبحث أصالة.
ب - بعد حصر تلك المعاني والأصول، تعقد المقارنة بينها وبين الأفكار التي وردت عن أئمة التصوف في هذا المعنى لمعرفة مدى موافقتهم لأصول وفروع الفكرة في القديم، وما زادوا فيه وما نقصوا.
8 - بهذا تتم الدراسة من جميع جوانبها: عرضاً، ونقداً، ورداً إلى المصادر والجذور.
تلك مسألة، وأخرى تتعلق بنسبة الأقوال الغالية إلى أئمة التصوف..
فقد كان لثناء الإمام ابن تيمية على بعض أئمة التصوف أثراً في المعظمين لعلمه وجهاده، حملهم على التشكيك في صحة نسبة الأقوال المنحرفة إلى أولئك الأئمة، وترجيح عدالتهم وصحة طريقتهم، وبنوا على ذلك صحة تقسيم التصوف إلى:
- معتدلٍ: وهم رجال القشيري والغزالي ونحوهم، على حد قول أبي الوفا التفتازاني(1).
- وغالٍ: يمثله الذين ثبت عنهم القول بالحلول.
وقد استفاد المتصوفة من موقف الإمام ابن تيمية لتخفيف حدة النقد، وبعضهم جعله من المتصوفة لأجل موقفه هذا، وبالغ آخرون فزعموا أنه لا خلاف بين التصوف والسلفية!!.. فهنا مسألتان جديرتان بالبحث:
- المسألة الأولى: التحقيق في نسبة الأقوال الغالية إلى أئمة التصوف.
__________
(1) انظر كتابه: «مدخل إلى التصوف الإسلامي»، ص 19.(11/88)
- المسألة الثانية: تحليل موقف الإمام ابن تيمية من التصوف.
* المسألة الأولى: التحقيق في نسبة الأقوال الغالية إلى أئمة التصوف.
الأقوال المنسوبة إلى أحد أئمة التصوف: إما أن تكون واردة في كتاب للإمام نفسه، أو نقله عنه أحد المصنفين. فإن كانت في كتاب له، فإما أن يكون الكتاب صحيح النسبة إليه فالقول ثابت، وإلا فلا.
وإن كان نقله عنه أحد المصنفين في التصوف، فإما أن يكون تلقاه منه مباشرة فالقول ثابت حينئذ، إذا كان المصنف ثقة، أو بوساطة، فإن كانوا ثقات فالقول ثابت، وإلا فلا، وكذا إن رواه بغير سند.
فالحاصل أن نسبة القول إلى أحد الأئمة تعتبر ثابتة:
إذا كان في كتاب له، قاله على سبيل التقرير. أو إذا كان الناقل ثقة، أو النقلة ثقات.
- فيما يتعلق بالحالة الأولى: فقد صنف الأئمة القدماء في التصوف، كأبي سعيد الخراز، والحلاج، والطوسي، والكلاباذي، والقشيري، والسلمي، وأبي طالب المكي، والحكيم الترمذي، والهروي ـ على تفاوت بينهم ـ كتباً ورسائل لم يشكك أحد في نسبتها إليهم، لا من المتصوفة ولا غيرهم، فيها كل الأقوال والأفكار الغالية التي تمثل أصول التصوف؛ فهي إذن وثيقة صوفية تثبت أن مصنفي تلك الكتب يعتقدون بكل تلك الأقوال والأفكار المنحرفة؛ فإنهم ما علقوها على سبيل الحكاية، كلاَّ، بل على سبيل التقرير والتأصيل، ما لم يرد ما يخالفه.
ومعلوم أن مقام التقرير والتأصيل ليس كمقام الإخبار والنقل المحض؛ فالذي ينقل الأقوال في حالة التأصيل والتقرير لفكر ما، وهو منتسب إلى ذلك الفكر، لا شك هو مؤمن معتقد بتلك الأقوال.(11/89)
- فيما يتعلق بالحالة الثانية: فإن الملاحظ أن كثيراً من أقوال الصوفية ليست بأسانيد أصلاً، وما كان منها بأسانيد قد يكون البحث في صحتها مفيداً، من حيث تبرئة بعض الأئمة مما نسب إليهم من القول الغالي في حال بطلان السند؛ غير أنه لا يفيد في تبرئة الفكر الصوفي من الانحراف، بعدما امتلأت مصنفات التصوف بهذه الأقوال على جهة التقرير والتأصيل؛ وذلك كافٍ في الحكم على التصوف، ووصفه بالوصف الذي يستحقه بحسب ما في تلك الأقوال من معانٍ.
غير أن مما قد يحتج به من لا يبرئ الأئمة أنفسهم مما نسب إليهم من الأقوال الغالية: ما جاء في تراجمهم من تعرضهم لإنكار العلماء، حتى لا تكاد تجد إماماً صوفياً إلا وقد تعرض للإنكار عليه من أهل العلم. أفلا ينم ذلك عن صدق ما نسب إليهم؟(1).
وفي كل حال نقول: إن الحكم والوصف إنما هو في حق الفكرة لا الأشخاص؛ فالفكر الصوفي ليس من الإسلام في شيء، وما عليه الفكر الصوفي من حق:
- إما أن يكون حقاً متفقاً عليه عند جميع العقلاء، سواء كانوا مؤمنين أو كافرين، كالصدق وعدم الكذب، وتوقير الكبير والضعيف، وعدم الغش، أو السرقة، أو الخيانة، ونحو ذلك..
- وإما أن يكون أصله مما جاء به الإسلام، كالاجتهاد في العبادات..ثم إن الصوفية زادوا فيها.
لكن ذلك لا يسوغ تصحيح التصوف وقبوله؛ فإن الاشتراك في الوصايا الإنسانية، أو في بعض ما جاءت به الشريعة لا يلزم منه التصحيح والقبول، إلا بشرط الاشتراك في الأصول الأساسية، وأصل دين الإسلام هو التوحيد الخالص لله وحده في: ربوبيته، وإلهيته. ومخالفة أية طائفة لهذا الأصل يقطع ما بينها وبين الإسلام من صلة، ولو اشتركت معه في أصل الزهد والذكر والمجاهدة.. إلخ.
* المسألة الثانية: تحليل موقف ابن تيمية من التصوف.
__________
(1) انظر اللمع للطوسي، باب: ذكر جماعة المشايخ الذين رموهم بالكفر، ص 497.(11/90)
في تحليل موقف ابن تيمية لا بد من ملاحظة أن ثناءه لم يكن على الفكرة الصوفية، بل على بعض الأئمة، وليس كلهم، ثم لم يكن ثناؤه عليهم بإطلاق، بل بكلمات صدرت عنهم تؤكد وجوب التقيد بالكتاب والسنة، ومن موقف كهذا لا يمكن انتزاع تزكية للفكرة والمذهب؛ فالثناء على الأشخاص لا يلزم منه تصحيح المذهب، وقد كان هذا منهجه، فردوده على المتصوفة وغيرهم من الفرق لم يكن يمنعه من التنويه والإشادة بما أصابوا فيه.
وهذا مفيد لعامة المتصوفة الذين جعلوا من الشيخ إماماً لا يخالفونه في شيء، ولو خالف الشرع؛ فاستثمار مثل هذه الكلمات لهدم هذا الصنم الصوفي المسمى بالشيخ، والعود بالمتصوفة إلى التقيد بالكتاب والسنة مكسب كبير، يدل على فطنة هذا الإمام، حيث استطاع نقض هذه الفكرة الغالية من الداخل؛ فالأتباع لا يسمعون إلا للمشايخ، فلِمَ لا تستثمر كلماتهم في نقض مذهبهم؟
ومما يؤكد أن ابن تيمية لم يقصد بثنائه على بعض الأئمة تزكية المنهج الصوفي: ردوده على البسطامي والحلاج وابن عربي وابن الفارض وابن سبعين والتلمساني وغيرهم، من الذين بينوا حقيقة التصوف؛ فالفكرة الصوفية كانت محل نقد الإمام، في قولهم: بالتشبه بالإله، والفناء، والحلول، والاتحاد، والوحدة(1). حتى الهروي صاحب (منازل السائرين) كان محل نقد الإمام؛ هذا مع كونه من كبار أئمة المتصوفة، ومواقفه في باب الصفات معروفة(2).
وبعد: فإن أهمية نقد الفكر الصوفي تأتي من جهتين:
الأولى: تتعلق بأصل الدين الأعظم الذي به أرسلت الرسل، وأنزلت الكتب، ولأجله خلق الجن والإنس: ألاَّ يعبد إلا الله وحده لا شريك له، والإعراض عن عبادة ما سواه؛ فالرد على المتصوفة في هذا الباب تحقيق لهذا الأصل، الذي خالفوه وعارضوه.
__________
(1) انظر: المجلد الثاني، والعاشر، والحادي عشر. من مجموع الفتاوى. فأما الثاني فقد خصص للرد على الغلاة.
(2) انظر: الفتاوى، 5/ 485.(11/91)
الثانية: الحضور الكبير للتصوف في العالم الإسلامي؛ فما من بلد إلا ولهم فيه وجود، وهم في بعضها السواد الأعظم، ونعني بذلك كل من انتسب إلى التصوف ولو ظاهراً بالاسم؛ فإن من المتيقن أن الذين يدركون حقيقة هذا الفكر من الصوفية أنفسهم قليلون. وأما أكثرهم فلا يعرفون منه إلا الموالد والذكر، دون القضايا الفلسفية التي تمثل أصول الفكرة.
إن كل واحد من هذين الأمرين، منفرداً، سبب كافٍ للكلام في التصوف عرضاً ونقداً؛ فكيف إذا انضم بعضهما إلى بعض؟
ومن هذا كانت العناية بدراسة التصوف، ومعرفة المنهج الصحيح لذلك، ولعلي أسهمت ولو يسيراً في فتح هذا الباب. والله الموفق
هدنة بين النظام وقيادات الإخوان السوريين
الأسد والإخوان ... معركة المفاوضات
محمود الصادق
الوطن العربي – العدد 1422 4/6/2004
هذه صفحة جديدة من الخداع النصيري العلوى تجاه أهل السنة ، في زمن ينخدع فيه الكثير من السنة بالإعلام النصيرى الذى ينطبق عليه المثل"أوسعتهم شتماً وأودو بالإبل"....الراصد
تشير كل الدلائل إلى أن المفاوضات غير المباشرة بين الإخوان المسلمين السوريين الموجودين في الخارج وبين نظام دمشق قد دخلت في مرحلة هدنة بعد أن وصلت إلى طريق مسدود, بسبب الشروط المبتادلة وبسبب خلفية الشكوك وذكريات التعذيب التي مازالت تعوق بناء الثقة بين الجانبين. وقالت مصادر مطلعة على مجريات الاتصالات التي جرت, إن النظام السوري يعتقد أن قيادات "الإخوان" تناور لاكتساب أكبر قدر من المكاسب مستغلين مأزق العلاقات السورية – الأميركية, بينما يرى قادة الإخوان أن النظام السوري يناور لزرع الفرقة بين صفوف المعارضة السورية بصفة عامة, وأنه يضع شروطاً مجحفة لإحراج "الإخوان" دون أن تكون هناك نوايا واضحة بطي صفحة الماضي الحافل بالأحداث المؤلمة.(11/92)
وكانت الأوساط الإخوانية قد تكتمت على أخبار الوساطة الدائرة بين النظام السوري والمعارضين من الإخوان الموجودين بالخارج, التي يسعى فيها عدد من الشخصيات الإسلامية المصرية والخليجية, إلى ضمان عودة الملاحقين بالخارج من الإخوان بشرط عدم اعتقالهم أو محاكمتهم قضائياً.
بدأت المحاولات مع توافد عدد من الشخصيات الإخوانية على العاصمة دمشق للمشاركة في ندوة إسلامية حول تجديد الخطاب الديني, وكان من بين هذه القيادات أعضاء في التنظيم الدولي كفنجي يكن وكامل الشريف بالإضافة إلى حمزة منصور أمين عام جبهة العمل الإسلامي التابعة لحركة الإخوان بالأردن, وعلى هامش الندوة التقى الدكتور يوسف القرضاوي بالرئيس بشار الأسد حيث تناقشا في إمكانية فتح صفحة جديدة في التعامل مع أعضاء جماعة الإخوان بسورية, وكان لهذا اللقاء أثر بالغ في تحسين علاقة النظام مع إخوان الداخل والمعارضين بالخارج, وذلك وفقاً لما ذكرته مصادر الإخوان.
وأشارت المصادر إلى أن الرئيس بشار الأسد أكد عدم ممانعته في بدء صفحة جديدة مع الجماعة على اعتبار أن الفترة الحالية تشهد انفتاحاً ديمقراطياً وحواراً تشارك فيه جميع ألوان الطيف السياسي, واشترط الرئيس السوري أن يصدر بيان واضح عن الجماعة تنبذ فيه العنف وتعلن انتهاجها العمل السلمي كأسلوب وحيد لتحقيق الهدف المنشود.
قانون الإعدام
وعلمت "الوطن العربي" أنه بعرض نتائج اللقاءات على أقطاب المعارضة الإخوانية وخصوصاً المقيمين في لندن, رفضوا تقديم أي تنازلات من جانبهم نظير العودة إلى بلادهم التي اعتبروها حقاً أصيلاً لا يوجب تقديم أي تنازلات, بل إن النظام هو المفترض أن يقدم مثل هذه التنازلات لحاجته إلى الوفاق الوطني في مواجهة الهجمة الأميركية المرتقبة والعقوبات التي بدأ فرضها تدريجياً, واشترطت قيادات الإخوان بالخارج أن يكون عفو النظام عاماً ليشمل جميع المعارضين وليس فقط المنتمين لفصيل الإخوان المسلمين.(11/93)
وتساءل أحد قياديي الإخوان في لندن عن جدوى مثل هذه المصالحة إذ لم تبن على اسس صحيحة يأتي في مقدمتها إصدار الرئيس السوري بشار الأسد تعليماته بضرورة إلغاء القانون الصادر في يوليو "تموز" 1980 والذي يقضي بإعدام كل من ينتسب إلى جماعة الإخوان المسلمين, وإذا ألغى هذا القانون فسوف نتأكد وقتها من جدية النظام في التعامل مع هذا الملف.
كان الدكتور محمد حبش رئيس مركز الدراسات الإسلامية, عضو مجلس الشعب السوري (البرلمان), المنتخب عن التيار الإسلامي قد أكد وجود هذه الاتصالات, واعتبرها "مرحلة تمهيدية لإجراء المصالحة, وعودة الشخصيات الإسلامية المعارضة للبلاد" وقال في تصريحات خاصة لأحد المواقع الإخوانية على الشبكة العنكبوتية: "إن سورية أطلقت إشارات واضحة في الشهور الأخيرة باتجاه قيادات التيار الإسلامي في الخارج؛ وهو ما أظهر أن القيادة السورية متجهة لبناء جسور حقيقية مع الشارع الإسلامي".
تسريبات حكومية
وفي مواجهة هذه التصريحات اعتبر الشيخ علي صدر الدين البيانوني المراقب العام للإخوان المسلمين بسورية أن كل ما جاء على لسان الدكتور محمد حبش عضو مجلس الشعب بسورية عن وجود هذه الاتصالات "مجرد تسريبات من الحكومة السورية للاستهلاك الإعلامي, وليست مبادرة أو حتى طرحاً لمبادرة جادة", كما نفى وجود أي اتصالات مع الحكومة السورية من أجل تسوية الخلافات بين الجانبين, مشدداً على حرص الإخوان على أن تشمل أي خطوة انفتاح أو إصلاح سياسي من جانب دمشق كافة قوى المعارضة السورية المتحالفة مع الإخوان.(11/94)
كما طالب البيانوني السلطات السورية بإثبات رغبتها الجادة في الإصلاح عن طريق المبادرة أولاً إلى حل المشكلات المرتبطة بحقوق الإنسان, خاصة ما يتعلق منها بأوضاع "آلاف المعتقلين والمهجرين" السوريين. وشدد البيانوني على رفض إخوان سورية "لمبدأ الاجتزاء والإقصاء الذي تلوح به الحكومة السورية من وقت لآخر؛ في محاولة لجذب هذا الفصيل أو ذاك من قوى المعارضة". واعتبر أن "أي جهود للإصلاح كي تكون جادة لابد أن تشمل الجميع".
هل يلغي بشار قانون إعدام الإخوان؟
حين توجهت "الوطن العربي" إلى قيادات الإخوان بسورية تستطلع آراءهم بشأن إمكانية المصالحة بين جماعتهم والنظام, كان الجميع يسأل: وإذا صدقنا ووافقنا هل يلغي الرئيس السوري بشار الأسد قانون إعدام الإخوان الصادر في 7 يوليو "تموز" 1980, ومازال ساري المفعول حتى الآن, ويقضي بإعدام كل المنتسبين إلى جماعة الإخوان المسلمين, مع كون القانون صدر وقتها بأثر رجعي بموجب المادة الخامسة منه حيث يعدم الذين انتسبوا بهذه الجماعة حين كانت شرعية بموجب القانون, وحتى لو أعلنوا انسحابهم منها, إذا كانوا قيد التوقيف حين صدور هذا القانون الذين تحوي نصوصه ما يلي:
المادة 1- يعتبر مجرماً ويعاقب بالإعدام كل منتسب لتنظيم جماعة الإخوان المسلمين.
المادة 2- أ- يعفى من العقوبة الواردة في هذا القانون, أو أي قانون آخر, كل منتسب إلى هذه الجماعة, إذا أعلن انسحابه منها خلال شهر واحد من تاريخ نفاذ هذا القانون.
ب-يتم إعلان الانسحاب بموجب تصريح خطي يقدّم شخصياً إلى المحافظ أو السفير, لمن هم خارج القطر, بتاريخ صدور هذا القانون.
المادة 3- تخفض عقوبة الجرائم الجنائية التي ارتكبها المنتسب إلى تنظيم جماعة الإخوان المسلمين, قبل نفاذ هذا القانون, لمن هم داخل القطر, وخلال شهرين لمن هم خارجه, وفقاً لما يلي:(11/95)
إذا كان الفعل يوجب الإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة, أو الاعتقال المؤبد, كانت العقوبة الأشغال الشاقة خمس سنوات على الأكثر.
إذا كان الفعل يؤلف إحدى الجنايات, كانت العقوبة الحبس من سنة إلى ثلاث سنوات.
المادة 4- يعفى من عقوبة الجرائم الجنحوية المرتكبة قبل نفاذ هذا القانون, تحقيقاً لأهداف تنظيم جماعة الإخوان المسلمين, كل منتسب إلى هذه الجماعة, إذا سلم نفسه خلال شهر واحد من تاريخ نفاذ هذا القانون لمن هم داخل القطر, وخلال شهرين لمن هم خارجه.
المادة 5- لا يستفيد من التخفيض والعفو الواردين في هذا القانون الذين هم قيد التوقيف أو المحاكمة.(11/96)
الأسرة الصفوية ونشر التشيع في إيران
جمشيد معظمى صحيفة (الاختيار الإيرانية) 8/4/2004
هذا مقال إيراني شيعي يشرح حقيقة استيلاء الشيعة على إيران بعد أن كانت سنية وما هي الممارسات التي قاموا بها لتحويل السنة إلى شيعة في إيران وأن ذلك كان بالقوة والقمع ولا يخلو المقال من بعض الأخطاء مثل عدد السنة في إيران في بداية القرن الثامن هجري.
ويتضح من المقال النزعة التوسعية عند الدول الشيعية......................الراصد.
يعرف الشيعة بأنهم مؤيدو وتابعوا الإمام علي وأولاده. ولقد حاول الشيعة على مدى عدة قرون أن يجعلوا المذهب الشيعي مذهباً رسمياً داخل الدول الإسلامية، ولكنهم لم يستطيعوا القيام بذلك نظراً للبداية الضعيفة لهم بدءاً من معركة كربلاء وعدم قدرتهم على نصرة الإمام الحسين، ومروراً بالدولة الأموية التي مارست ضغوطا شديدة على الشيعة لدرجة أن أتباع الإمام الحسين بن علي لم يتمكنوا صراحة من النهوض بأداء الدعوة أو ممارسة أي أنشطة سياسية، وانتهاء بالدولة العباسية التي مارست هي الأخرى ضغوطاً كبيرة على الشيعة ومنعتهم من ممارسة مذهبهم بحرية.
وعلى الرغم من ذلك ظهرت مجموعة من الأسر والتي حاولت نشر وترويج الأفكار الشيعية مثل آ ل بوية في إيران، العلويين في طبرستان، الفاطميين في مصر والإسماعيليين في إيران إلا أنها لم تتمكن من إضفاء الصفة الرسمية على المذهب الشيعي ليكون مذهباً رسمياً.(12/1)
ومع بداية الهجمات المغولية على العالم الإسلامي ونجاحها في القضاء على الدولة العباسية أخذ الشيعة يتمتعون بحرية نسبية حيث سعى الشيعة إلى تشكيل حكومة شيعية في إيران تكون منطلقاً لنشر المذهب الشيعي في دول الجوار. وخلال القرنين السابع والثامن الهجري انتشر المذهب الشيعي في إيران وجميع المناطق الواقعة بين شمال سوريا والأناضول وحتى شمال العراق ، وبدأت أفكاره تتبلور تدريجياً ولكنه في الوقت نفسه ظل بعيداً تماماً عن أجهزة ومؤسسات الحكم والخلافة. بعد القرن الثامن الهجري دخل كثير من مؤيدي المذهب الشيعي ضمن أتباع أسرة الشيخ صفي الدين الأردبيلى (مؤسس الأسرة الصفوية).
ولقد انتشر المذهب الشيعي خلال تلك الفترة بصورة كبيرة، وهو ما استوجب بالضرورة ظهور أشخاص معارضين لهذا المذهب من الناحية الفكرية والعقائدية والسياسية.
يأتى على رأس هؤلاء الأشخاص ابن تيمية الذى كان معارضاً للفلسفة والتصوف والتشيع ايضاً، حيث كانت له حركة واسعة في هذا الصدد. وعلى الرغم من أن تأثير ابن تيمية كان محدوداً بسبب توجهاته التي جاء بها إلا أنه ترك تأثيرا عميقاً في الأجيال التالية.
في القرن التاسع الهجرى استولى العثمانيون على السلطة في جزء من بلاد العالم الإسلامي. ومثلت المشكلة الرئيسية التي واجهتهم آنذاك في الفرق الصوفية التي كانت تعمل بهمة عالية من اجل تشكيل وتكوين حركة سياسية خاصة بها. وفي أواخر القرن التاسع الهجري كان من أهم الأحداث الخاصة بالتصوف هو ذلك الحدث المرتبط بأسرة الشيخ صفي الدين الأردبيلى حيث غلبت عليها النزعة إلى الحرب ونهضت ــ بمساعدة أتباعها وأشياعها ــ للاستيلاء على السلطة، وهو ما جعلها تدخل في صراعات وصدامات مع الأقوام المتفرقة آنذاك.(12/2)
وبعد وفاة الشيخ صفي، تولى أمر هذه الأسرة كل من: خواجه على، الشيخ مفيد والشيخ حيدر. وقد قتل الأخيران – مفيد وحيدر – في الحرب مع الشروانشاهيين وبعد ذلك تمكن اسماعيل بن الشيخ حيدر من الوصول إلى السلطة بمساعدة أتباعه الذين توجوه ملكاً رسمياً في تبريز.
بعد أن تمكن الشاه اسماعيل من الوصول إلى السلطة، أعلن أن المذهب الشيعي الإثنى عشرى هو المذهب الرسمي في إيران، وقد حذره أتباعه من معارضة السنة لوجود ملك شيعي، الأمر الذي جعله يتجه لاستخدام القمع ضد المعارضين من السنة الذين كان بتراوح عددهم بين 200 ألف 300 ألف مسلم سني.
ولذلك هاجر الكثير من علماء أهل السنة في عصر الشاه إسماعيل الصفوى من المناطق المركزية الإيرانية إلى ما وراء النهر، وكذلك ناحية نهر جيجون.
بعد الشاه اسماعيل وجه الملوك الصفويون من بعده الدعوة لرجال الدين والعلماء الشيعة الذين كانوا يعيشون في جبل عامل في لبنان للإقامة في الدولة الصفوية، وإقامة نظام إداري حديث.
من جملة الأنشطة والممارسات الأخرى التي حدثت في إيران على يد الحكومة الصفوية بهدف ترويج ونشر المذهب الشيعي نذكر ما يلي:
ــ إقامة صلاة الجمعة وفقاً للمذهب الشيعي.
ــ إسناد المناصب الرئيسية إلى علماء الشيعة مثل منصب شيخ الإسلام.
ــ حماية ورعاية الحوزات العلمية الشيعية التي تقوم على تربية وتنشئة الطلاب، ورعاية العلماء ذوى الاستعداد الخاص في هذا الصدد.(12/3)
وفي عصر الشاه عباس الكبير (أعظم ملوك الأسرة الصفوية) حظيت مراقد الأئمة باهتمام خاص بهدف ترميمها، وفي هذا الصدد يذكر ترميم حرم الإمام على بن موسى الرضا، وتوسعة حرم فاطمة المعصومة, كما كان الشاه عباس الكبير يحمي ويدعم مستشاريه من علماء ورجال الدين الشيعة الذين كان يختارهم وكانت الحنكة السياسية وكذلك التسامح والتساهل من جانب الشاه عباس الكبير تجاه جميع المذاهب بل وحتى الأديان الأخرى مثل المسيحية، اليهودية والزرادشتية.. سبباً في تهيئة المناخ الملائم للانتشار والنمو الطبيعي للمذهب الشيعي.
وقد تميزت الدولة في ذلك الوقت بوجود نظام سياسي موحد، وتوفير الرفاهية للشعب وزيادة نمو الأفكار الفلسفية، وارتفاع معدل المعرفة، وقد كان كل ما سبق دليلاً على انتشار المذهب الشيعي في إيران
وعلى الرغم من أن إيران عاصرت ظروفاً صعبة مثل التعرض للهجمات المغولية ومظاهر الخراب والتدمير التي ارتكبها التيموريون فإن وجود علماء مثل الشيخ بهائي، وميرداماد، وملا صدر الشيرازي كان له دور هام في بسط ونشر الفكر ولمذهب الشيعي في إيران.
نقلاً عن مختارات إيرانية – العدد 47 يونيو 2004
التيار الصدري... إلى الخلف در
عريب الرنتاوي
الدستور 27/6/2004
قضى الزعيم الشيعي الشاب مقتدى الصدر الأشهر الأخيرة في قيادة تياره صوب المواجهة مع الولايات المتحدة, وبدا للحظة من اللحظات أننا أمام مشروع "حزب الله-2" أو "حماس-2" في العراق... بيد أن الأسابيع القليلة الماضية, تكشفت عن ميول أخرى للزعيم الشيعي, لا تنسجم أبداً مع الأردية الجهادية الفضفاضة التي حاول التدثر بها, وليس مستبعداً أبداً, أن تبدأ ظاهرة الصدر بالأفول, وتياره بالتراجع.(12/4)
خلال الأيام القليلة الماضية, حرك الصدر أنصاره في تظاهرات ضد صدام حسين ونظامه المخلوع.. لكأن الرئيس العراقي المعتقل وأركان حزبه ما زالوا جاثمين على مقاعد السلطة الوثيرة.. ولم يكتف المرجع الديني- المشكوك في قدرته المرجعية أصلاً- بذلك, بل وضع نفسه وأنصاره وجيشه المسمى "جيش المهدي" في خدمة الحرب على الإرهاب, وهي الخدمة التي رفضها الأمريكيون في موقف مهين للصدر وللمكانة التي حاول تبوءها.
وقبل ذلك, وفي زمن الهجوم الأمريكي على النجف, ارتضى زعيم جيش المهدي بصفقة مذلة, قوامها حل ميليشياته واقعياً, والتسليم لأجهزة الأمن التي بناها الاحتلال كما كان يقول, والعودة لمظلة المرجعية السيستانية الأولى, مقابل أن يحظى برضى "البيت الشيعي" وأن تطوى أوراق القضية المرفوعة ضده على خلفية اغتيال الشيخ عبد المجيد الخوئي... لكأن الرجل يبحث عن خلاص شخصي, وعن زعامة بأي ثمن وتحت أي مظلة وشعار.
لقد خدع الصدر الكثيرين بشعاراته "الفوق ثورية".. وجاءته القبائل والفصائل السنية مبايعة من الفلوجة حتى أنصار الإسلام مروراً بتفريخات القاعدة ومن هم على شاكلتها.. بل أن بعض المتشددين من حرس الثورة والمحافظين في إيران, لم يترددوا في تبني ظاهرة الصدر وإبداء الاستعداد لمده بالمال الوفير والرجال الذين عاهدوا الله والحوزة على الشهادة.
فإذا بكل هذا المشروع يرتد على عقبيه عندما لاحت في الأفق أول إشارة من واشنطن عن استعدادها لإبرام صفقة مع المجاهد الشاب... فأخذ يصدر الفتاوى والتوجيهات التي تعطي الأولوية لمحاربة بقايا نظام صدام والإرهاب المستورد على مقاومة الاحتلال والاستكبار, وهي الأولوية ذاتها التي يبشر مجلس الحكم والحكومة الانتقالية في هذه المرحلة.(12/5)
وحتى عندما دعى الصدر للمشاركة في المؤتمر الوطني العراقي الموسع الذي سيعقد الشهر المقبل, لم يبد رفضاً مبدئياً, برغم أن المؤتمر ذاته, وفقاً لمنطق الصدر, هو صنيعة احتلالية, وكل ما أزعج الرجل أنه لن يحظى بالتمثيل الذي يعتقده مناسباً في المؤتمر, وهذا ما دفع برئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر الدكتور فؤاد معصوم للتعبير عن تفهمه واحترامه لوجهة نظر التيار الصدري.
نحن أمام ظاهرة نشأت بسرعة, وليس من المستبعد أن تنتهي بسرعة, لا سيما بعد التقلبات المزاجية الحادة في الممارسات والسياسات المواقف, والتي كلفت الشيعة والتيار الصدري على الخصوص, ألوف القتلى والجرحى وملايين الدولارات من الخسائر المادية, وها نحن نكتشف الآن, وعلى لسان الصدر ذاته, أن الأمر لا يتعدى لعبة الصراع على الكراسي والمحاصصة التي أصبحت عنواناً مميزاً للنظام العراقي الجديد.
اليمن: صراع على السلطة أم حرب شيعية؟!
الحوثي يؤسس دولة "حزب الله" شمال صنعاء!
محمود صادق
الوطن العربي – العدد 1427 – 9/7/2004
الأوضاع في اليمن مركبة, معقدة تبدو للوهلة الأولى وكأنها صراع بين حكومة تريد بسط نفوذها وسلطتها على الأرض والسكان, وطائفة تسعى لتقوية نفوذها والحصول لأتباعها على مزيد من الحقوق والمزايا حتى ولو كان ذلك سيؤدي إلى تفكيك الدولة وتفتيت السلطة, وفي أحيان أخرى يعتقد المتابع أن أيادي خارجية تحرك أطراف الصراع. يساعده في ذلك الاتهام المتبادل بين الطرفين بأن هناك من يحرضه من الخارج!(12/6)
والحكومة المركزية تتهم المتمردين الذين ينتمون إلى طائفة الشيعة الزيدية بأنهم رفعوا أعلام حزب الله اللبناني بما يعني أنهم يتلقون الدعم من شيعة الخارج ويسعون لاستنساخ التجربة في اليمن, بينما يتهم زعيم الطائفة الشيخ بدر الدين الحوثي الحكومة بانسياقها وراء المطالب الأمريكية التي تستهدف نزع السلاح من اليمنيين الذين يعارضون التوجه الأمريكي وينددون دوماً بسلوكها تجاه السكان المحليين, ويتهم الحوثي الرئيس اليمني علي عبد الله صالح بأنه بدأ حملته العسكرية في صعدة بعدما تلقى التعليمات من واشنطن خلال زيارته الأخيرة!
ومن المؤكد أنه لا يمكن حصر ما يدور باليمن في إطار محلي, فالواضح أن ثمة أيادي تعبث باستقرار المنطقة وتذكى نار الفتن الطائفية ولعل الشواهد التاريخية السابقة خير دليل على أن للصراع أبعاداً إقليمية ودولية, قد تبدأ من إيران ولا تنتهي في الولايات المتحدة الأمريكية بل تؤثر فيها أيضاً مصالح دول أخرى.
ودور إيران واضح كما تقول المصادر, ويهدف إلى توسيع دائرة القلاقل أمام أمريكا ونقلها إلى مناطق أخرى, في نطاق استراتيجية "تصدير الثورة" وهذا واضح من الشعارات التي رفعها الحوثي.(12/7)
ومن الناحية الجغرافية فإن مناطق الصراع الحالي هي مناطق نائية ربما لم تفكر الحكومة المركزية يوماً في بسط نفوذها عليها وكانت تفضل دوماً تسيير أمور سكانها بواسطة الشيوخ الذين كانوا يتولون إدارة شؤون الحكم في الإقليم دون رقابة الدولة أو تدخلها المباشر في تسيير الأمور الحياتية, ومنطقة مران الوعرة بمحافظة صعدة الشمالية, التي تشهد صراعاً بين سكانها المحليين والحكومة المركزية, هي من المناطق الجبلية شمال اليمن وتبعد نحو 250 كليو متراً شمال صنعاء, كما تشتهر المحافظة بسوق الطلح وهو اهم وأكبر أسواق بيع السلاح في اليمن مما سيجعل المواجهة صعبة للغاية أمام قوات الأمن والجيش ويزيد من ارتفاع عدد الضحايا الذي تقدر بعض المصادر بأنه تجاوز حالياً الأربعمائة ما بين قتيل ومصاب.
أما من ناحية التركيبة السكانية فيقول د. سعد الدين إبراهيم إن اليمن ينقسم إلى جماعتين, الشيعة الزيدية, والسنة الشافعية, وكانت الجماعتان متساويتين في الحجم السكاني, حوالي 49% لكل منهما, ومع جيوب صغيرة من الإباضية (إحدى فرق الخوارج) واليهود الذين نزح معظمهم إلى إسرائيل بعد عام 1948, ومع الوحدة بين شطري اليمن تغيرت المعادلة السكانية لصالح السنة الشافعية, حيث كان معظم سكان اليمن الديمقراطي من السنة, فأصبحت النسبة المئوية لهذه الطائفة أكثر قليلاً من 58% وينتهي الدكتور سعد الدين إبراهيم إلى توقع تصعيد حدة المواجهة نظراً لكون اليمن يعاني أصلاً من القلاقل المذهبية.
المهدي المنتظر
وقد انفجر الوضع في منطقة مرّان بمحافظة صعدة اليمنية بين القوات العسكرية الحكومية وأنصار زعيم قبلي شيعي معارض للنظام في صنعاء بعد يومين من ضرب قوات عسكرية حصاراً شاملاً على معقل المعارض الشيعي حسين بدر الدين الخوثي حيث نشبت مواجهات مسلحة بين أنصار الحوثي والقوات العسكرية, واستخدم الطرفان أسلحة ثقيلة في المواجهات.(12/8)
والحوثي هو أحد زعماء الطائفة الزيدية الشيعية وكان عضواً في البرلمان في السابق عن حزب الحق الموالي لإيران, ويتزعم حالياً مجموعة تطلق على نفسها "الشباب المؤمن" يردد أفرادها شعارات معادية لأميركا وإسرائيل داخل المساجد اليمنية.
وتقول مصادر مقربة من الزعيم الشيعي حسين بدر الدين إنه متأثر بأفكار حزب الله في لبنان, ويرى فيه أنصاره زعيماً ملهماً مثل حسن نصر الله ومقتدى الصدر في العراق, ومنهما يستلهم أفكاره المناهضة للاحتلال الإسرائيلي لفلسطين والاحتلال الأمريكي- البريطاني للعراق.
وكان الشيخ حسين بدر الدين الحوثي, الذي يدير معهداً دينياً في محافظة صعدة قد أعلن أنه "المهدي المنتظر" ونصب نفسه أميراً للمؤمنين, وذلك بعد أسابيع قليلة من إعلان ثريا منقوش نفسها المرسلة الجديدة المخلصة للبشرية!
ورغم أن الإيمان الفكري ليس شرطاً لحدوث تدخل خارجي في الأحداث الأخيرة, إلا أن البرلمان اليمني ناقش أبعاد هذا التدخل وحقيقة وجود دعم خارجي لبدر الدين الحوثي, ويسعى النواب حالياً لمعرفة هذه الجهات التي تتدخل في أمن واستقرار اليمن, وإن كانت التقارير المبدئية تشير إلى ضلوع جهات شيعية بدعم من إيران وأحزابها الخارجية في تمويل الأحداث الأخيرة التي اندلعت في محافظة صعدة.(12/9)
واتهمت الحكومة اليمنية رجل الدين الشيعي بتحريض المواطنين على عدم دفع الزكاة الواجبة للسلطة المحلية واقتحام المساجد بقوة السلاح والاعتداء على خطباء المساجد وأئمتها والإساءة إلى دور العبادة وإثارة الفتن المذهبية والطائفية وإنزال علم البلاد من المباني والمنازل ورفع أعلام حزب الله اللبناني والترويج لأفكار مضللة ومتطرفة وهدامة والدفع ببعض العناصر من الشباب المغرر بهم دخول المساجد اثناء صلاة الجمعة وترديد شعارات تتنافى مع رسالة المسجد ودوره في الوعظ والإرشاد وتسيء إلى اليمن وتلحق الضرر به بدوافع ودعم خارجي يهدف إلى زعزعة الأمن والاستقرار الذي تنعم به اليمن.
وفي اتصال هاتفي, ذكر مصدر أمني لـ "الوطن العربي" أن بعض العناصر التي تغذي تمردات الحوثي كانت شريكة في إثارة فتنة الحرب والانفصال التي شهدتها البلاد صيف عام 1994 كما كان لها دوماً موقفها العدائي من الثورة والجمهورية, وقال إن تلك العناصر تكرر نفس الموقف المعادي للنظام الجمهوري والوحدة اليمنية بدعمها لتمرد الحوثي, كما وجه المصدر تهمة جديدة إلى الحوثي وهي العمل على تشكيل تنظيم سري يعمل على تقويض الأمن في البلاد, الأمر الذي يعني أن المواجهة مع الحوثي لن تتوقف إلا بتسليم نفسه إلى السلطات الرسمية.
كسر العظم(12/10)
من جانبه نفى الشيخ حسين الحوثي في تصريح خاص أن يكون قد نصب نفسه إماماً على اليمن كما تدعي السلطات الرسمية, وقال إن السبب وراء استهدافه عسكرياً هو تمسكه بشعار (الله أكبر, الموت لأميركا, الموت لإسرائيل, النصر للإسلام والمسلمين), وقال إن الرئيس علي عبد الله صالح تلقى تعليمات باستهدافه حينما كان في زيارته الأخيرة للولايات المتحدة لحضور قمة الثماني, كما هاجم الحوثي تحركات السفير الأميركي في صنعاء إدموند هول وقال إنه يتحرك بحرية نادرة في كل أنحاء اليمن من صعدة وحتى مأرب مروراً بالجوف لجمع وشراء الأسلحة من المواطنين بغرض تجريد اليمنيين من سلاحهم تمهيداً للاحتلال, على حد تعبيره.
وكان التوتر بين الأهالي في محافظة صعدة والأجهزة الرسمية قد بدأ منذ أشهر إثر اعتقالات واسعة في صفوف المواطنين بخاصة في المناطق التي يتمتع فيها الحوثي بشعبية كبيرة, إذ مثل في السابق المواطنين في المنطقة المتوترة حالياً كنائب عنهم في البرلمان, وظلت وسائل الإعلام تتناقل أخبار الاعتقالات التي تتم في العادة كل يوم جمعة وتشمل المصلين الذين يخرجون في مظاهرات شبه أسبوعية تهتف ضد الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل.
وقد نفت السفارة الأميركية في صنعاء أن يكون هناك أي دور للسفير الأميركي في سير الأحداث في منطقة صعدة, وقال بيان للسفارة: إن الهدف من زيارة سفير الولايات المتحدة الأميركية السيد إدموند هول مؤخراً لمحافظة الجوف, شمال شرق اليمن, كان وبصورة بحتة لغرض افتتاح مشاريع تنموية في المحافظة ولم يكن لها علاقة بأي حال من الأحوال بشراء أي أسلحة من المواطنين في المحافظة أو الحملة العسكرية في محافظة صعدة كما تردد مؤخراً.(12/11)
وفي إطار سياسة "كسر العظم" التي تستخدمها السلطات اليمنية ضد الشيخ الحوثي المعروف بعدائه للولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل يبدو أن التطورات المتصلة بمكافحة الإرهاب ليست لها هذه المرة أية صلة بما يحدث, إذ أن صعدة ظلت طوال السنوات الماضية بعيدة عن دائرة العنف الذي طال الأجانب, كما حدث في محافظات ملتهبة أخرى مثل مأرب والجوف وصنعاء وحضرموت وعدن, حيث تعرضت المصالح الأميركية إلى الكثير من الهجمات التي نفذها تنظيم القاعدة, المواجهة هذه المرة مع حسين الحوثي مختلفة, فهي في نظر السلطة مواجهة ضرورية لإحباط مخطط إثارة فتن دينية وطائفية, أما بالنسبة للحوثي فإنها استهداف لأنصاره الذين يهتفون في المساجد بالموت لأميركا وإسرائيل.
الخط الأحمر
ويبدو الأمر أكثر اتساعاً من مسألة الهتاف ضد أميركا, فالسلطات اليمنية التي تتهم الرجل بأنه بدأ يدعو لمبايعته إماماً وأميراً للمؤمنين على اعتبار أن الإمامة لأهل البيت فقط, تتعامل معه على أساس أنه يثير نعرات طائفية ومذهبية وأفكار تهدف إلى إحداث فتن دينية في البلاد وتعمل على عدم استقرار الأوضاع فيها, ويريد الرئيس علي عبد الله صالح أن يثبت للجميع أن اللعب بالورقة الدينية يمثل خطاً أحمر لا يمكن تجاوزه, فاليمن بدأت تتعافى خلال السنوات القليلة الماضية من العبث بهذه الورقة, خاصة فيما يتصل بـ "الزيدية والشافعية" اللذين يتعايشان بشكل طبيعي ولا يشعر المواطن اليمني بأي فرق بين المنتمين إلى هذا المذهب أو ذاك, وهو ما يريد الرئيس صالح تثبيته لشعوره بأن بروز مثل هذه النعرات ستزداد تأثيراتها فيما لو غضت السلطات الطرف عنها, وسيصار إلى مواجهة شاملة وفي أكثر من منطقة.(12/12)
ويشير مراقبون إلى أن أحداث صعدة ما لم تجر السيطرة عليها واحتوائها بصورة سريعة فإنها ستترك آثارها على مناطق مجاورة للمناطق التي يتحصن فيها الحوثي وأنصاره, وخاصة أن مصالح الكثير من غير أنصار الحوثي تضررت من جراء القصف الذي قامت به قوات الجيش, والأكثر من ذلك فإن إطالة أمد المواجهة مع الحوثي سيكسبه الكثير من الأنصار وسيدفع بالبعض منهم إلى مهاجمة منشآت حكومية وإدارية وأخرى خدمية وهو ما سيضر بالعملية التنموية في البلاد التي تواجه أزمة حقيقية, فالبلد يعاني من ظروف اقتصادية صعبة وتعويض الخسائر سيكون مكلفاً جداً.
على كاتيوشا
ومما يؤكد احتمالات تصاعد المواجهة الحالية أن كثيراً من أطياف المجتمع اليمني قد عبرت عن رفضها لسياسات الحكومة المركزية في صعدة, ويتضح ذلك من خلال متابعة ردود فعل هيئات المجتمع المدني وما يصاغ في وسائل الإعلام المحلية حيث شنت الصحف هجوماً على العميد علي محسن الأحمر قائد الفرقة الأولى مدرع, ووصف مقال للكاتب الصحفي عبد الكريم الخيواني بعنوان (علي الكيماوي.. علي كاتيوشا) أن العميد الأحمر الذي تربطه صلة قرابة وثيقة بالرئيس علي عبد الله صالح يتقن العمل بسياسة (الأرض المحروقة) كما اتهم المقال القائد العسكري الأشهر في اليمن من خلال حملته العسكرية في صعدة بأنه يكمل تصفية حساباته الشخصية مع العلامة حسين بدر الدين الحوثي منذ اندلاع الحرب الأهلية عام 1994.
وكانت أحزاب اللقاء المشترك قد انتقدت تعامل السلطات مع أحداث صعدة, داعية مجلس النواب للتحقيق في القضية وإجلاء الحقائق وبيانها للشعب وتصحيح هذا المسار المعوج الذي تنتهجه الحكومة تجاه القضية الأمنية وإطلاع الرأي العام على حقيقة ما يجري والكشف عن كافة التجاوزات للدستور والقانون من أي طرف كمقدمة لإحالة مرتكبيها إلى العدالة.(12/13)
واعتبرت أحزاب اللقاء المشترك تعامل السلطة مع القضية يشابه الأسلوب الذي يتم التعامل به مع كافة القضايا الأمنية بهدف استخدامها كورقة سياسية لتصفية الحسابات والثارات السياسية وتقليص مساحة الحريات العامة, واستمرار لغة التخوين والتشكيك في وطنية الآخرين, ومحاكمة نواياهم بعيداً عن التوجه الديمقراطي المنشود وروح الدستور.
وذكرت أحزاب اللقاء المشترك, التي تضم كلا من: التجمع اليمني للإصلاح, الحزب الاشتراكي اليمني والتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري وحزب الحق, حزب البعث العربي الاشتراكي القومي واتحاد القوى الشعبية, في بيان لها أن ما جرى ليس سوى امتداد لنهج اعتمدته السلطة في تعاملها مع القضايا الوطنية والقضية الأمنية التي تهم كل مواطن يمني والذي من حقه الحصول على المعلومات الصحيحة التي تمكنه من القيام بواجبه الوطني واتخاذ الموقف الصحيح تجاه الأحداث التي تمس أمنه واستقراره, ودعت السلطة إلى ترك هذا الأسلوب الضار والذي يزيد من تعقيد القضايا والمشكلات ويصعب الحلول.
كما أدانت الهيئة الوطنية للدفاع عن الحقوق والحريات "هود", استخدام القوة ضد أهالي مديرية حيدان واستخدام الأسلحة الثقيلة والطائرات المقاتلة ضد مواطنيها في سابقة خطيرة في معالجة مثل هذه الأحداث, وناشدت قوات الأمن والجيش بوقف الأعمال العسكرية وتطالب بمحاسبة من قاموا بها, وأكدت على ضرورة الالتزام بالقواعد والإجراءات التي ينص عليها الدستور والقانون في الادعاءات التي نسبتها الحكومة للمواطن حسين الحوثي وأنصاره وأن الأجهزة الأمنية لا تملك الحق في إحلال نفسها محل السلطة القضائية حتى تقوم بتوجيه الادعاءات, وتنفيذ العقوبات في آن واحد وبدون مسوغات قانونية أو قضائية.
حل الأحزاب(12/14)
ورداً على هذه المواقف من هيئات المجتمع المدني, عبر مصدر مسؤول في لجنة شؤون الأحزاب والتنظيمات السياسية عن دهشته واستنكاره للموقف الغريب وغير المسؤول لأحزاب اللقاء المشترك إزاء الفتنة التي أثارها حسين بدر الدين الحوثي وأتباعه, وقال إنه كان من المتوقع أن تقف هذه الأحزاب مع الدستور والنظام والقانون وإلى جانب الدولة في التصدي لمثيري الفتنة والمخلين بالأمن والخارجين على الدستور والنظام والقانون والساعين في الأرض فساداً بإثارتهم النعرات العنصرية المذهبية والطائفية الضارة بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي.
وقال إن موقف تلك الأحزاب قد انطوى على تشجيع واضح لرأس الفتنة المتمرد الحوثي وأتباعه على الاستمرار في تمردهم وتحديهم للدستور والقانون وتقديم التبريرات والمسوغات للجرائم التي ارتكبتها عناصر تلك الفئة الضالة بحق الوطن والمواطنين, ومن المؤكد أن ذلك الموقف يضع تلك الأحزاب تحت طائلة المساءلة القانونية التي تفرض المحاسبة الحازمة أمام القضاء بما في ذلك الإجراءات القانونية التي تضعهم تحت طائلة الحل لتواطئهم في الجريمة الشنعاء التي ترتكب بحق الوطن والمواطنين وخيانة دستور الجمهورية اليمنية والمساس بالوحدة الوطنية وباعتبار أن ما قامت به تلك الأحزاب يمثل تجاوزاً للدستور والديمقراطية وانحرافاً خطيراً يشجع على العنف والفتنة ويهدد أمن المجتمع وسلامة الوطن.(12/15)
ويبقى السؤال عن الدور الذي تلعبه الأطراف الخارجية في هذه المواجهات خاصة مع التهم التي يوجهها بدر الدين الحوثي إلى الولايات المتحدة الأميركية ووقوفها وراء الحملة التي يقودها الجيش اليمني ضده, واتهام الحكومة للحوثي بأنه يقوم بالجباية وأخذها بدلاً من أن تعطى للدولة, وأنه يتلقى دعماً مادياً ودينياً من إيران, وقد يكون الطرفان محقين في اتهاماتهما لكن ذلك سيوقع المنطقة بلا شك في كثير من المواجهات الدامية التي ستحصد أكثر مما وقع من قتلى وجرحى سواء في صفوف المتمردين على سلطة الدولة أو المؤيدين لها من رجال الجيش.
تحالف بين اليهود والزيدية في اليمن
الدمام: إبراهيم المطوع
المجلة – العدد 1273 – 4-10/7/2004
خففت أجواء الوساطة من حدة المواجهات بين الحكومة اليمنية, ورجال القبائل المناصرين "للمنشق" حسين بدر الدين الحوثي, في منطقة ضيحان, بمحافظة صعدة. وذلك بعد أن وجه الرئيس اليمني علي عبد الله صالح, بتشكيل وفد يضم عدداً من شيوخ القبائل وعلماء الدين, للوساطة بين الحكومة والزعيم الزيدي حسين الحوثي ليسلم نفسه ويجنب المواطنين ما قد ينتج من أضرار في حال الاستمرار بتصعيد الوضع: ذلك بعد مواجهات عنيفة بين القوات اليمنية وأنصار الحوثي شهدتها محافظة صعدة طوال الأسبوع الماضي, تجاوز عدد ضحاياها الخمسين قتيلاً من الجانبين.(12/16)
وتأتي هذه الخطوة بعد أن اتهمت السلطات اليمنية الحوثي بإثارة الفتنة من خلال تأسيس تنظيم أطلق عليه اسم (الشباب المؤمن) وتجنيد أنصاره لترديد شعارات (الموت لأمريكا, الموت لإسرائيل, النصر للإسلام) بعد كل صلاة جمعة في المساجد اليمنية, مما أدى اعتقال ما يقرب من 700 شخص من أنصار التنظيم في حملات تشرف عليها السلطات اليمنية منذ ما يقارب العام. إلا أن الوضع تدهور بعد أن قررت الحكومة اليمنية القبض على حسين الحوثي أو قتله لوقف نشاطاته التي تصفها الحكومة بالمتطرفة والخارجة على القانون. وبحسب المصادر الرسمية اليمنية فقد تمثلت الاتهامات الموجهة للحوثي بالهجوم على نقاط أمنية وقطع الطرق واقتحام المساجد وترديد شعارات سياسية تتنافى مع رسالة المسجد ودوره, في الوعظ والإرشاد إلى جانب إثارة الفتن المذهبية والطائفية, والترويج لأفكار مضللة ومتطرفة وهدامة.
وأشارت مصادر أمنية يمنية إلى وجود تحالف بين اليهود المقيمين في المنطقة وبين أنصار الحوثي حيث قاموا بتعطيل مصادر المياه التي كانت القوات اليمنية تستخدمها للحصول على إمداداتها.
يذكر أن الحوثي كان عضواً في مجلس النواب اليمني عام 1994 ويبلغ من العمر 45 عاماً وحصل على الماجستير من إحدى الجامعات السودانية.
عصمة الأئمة وتقديس الأضرحة قضايا تحتاج إلى إعادة النظر
ممدوح الشيخ
القاهرة 22/6/2004
قضية عصمة الأئمة التي يؤمن بها الشيعة كانت ولا تزال العقبة الأكبر في طريق التقارب المذهبي, وأنا شخصياً شكلت لي هذه الفكرة صدمة لم أستطع تجاوزها حتى الآن لكون القول بعصمة غير الأنبياء المرسلين تتجافى مع الفطرة السوية ومفهوم التوحيد النقي.(12/17)
تشهد مصر منذ سنوات صخباً يتجدد كل عام مع ذكرى ميلاد "أبو حصيرة" هذا اليهودي المغربي الذي تحيط بسيرته قصص أسطورية, فبعد قليل من توقيع اتفاقية "كامب ديفيد" بدأ اليهود يفدون إلى قبره كل عام لإحياء ذكراه فيما عرف باسم "مولد أبو حصيرة" وبطبيعة الحال لم يعدم تحول الصخب إلى صداع, فخرج أحد حسني النية باقتراح طريف هو أن ندعو حكومة إسرائيل لنقل قبره إلى إسرائيل ليحتفلوا كما يشاؤون, غير أن بعض العقلاء رأوا أن "أبو حصيرة" الذي عاش في مصر قبل قرون جزء من تاريخ مصر, وأن نقله يعني الإقرار بالمنطق الصهيوني القاتل بأن إسرائيل دولة يهودية وأنها "الوريث الشرعي" ليهود العالم!!
وقد تذكرت هذه القصة على خلفية المشهد المذهبي الإيراني الذي أفرزه القتال في النجف وكربلاء, فبعد عقود من التغييب يعود الشيعة في العراق لواجهة المشهد السياسي العراقي بعد تغييب متعمد لسنوات طويلة مارسه نظام البعث المقبور, وقد كانت هذه العودة تبشر المتفائلين أمثالي من أهل السنة بعهد جديد من الوفاق السني الشيعي يمسح من الذاكرة لدى الجانبين ذكريات مريرة من السجال وأحيانا الصراع لكن افتتاح هذا الفصل الجديد من العلاقة بين الجانبين, بهذا الغضب والوعيد الشيعي, وبخاصة من القيادات الإيرانية بسبب المزارات والمشاهد الشيعية كانت له دلالاته السلبية التي مازالت مرشحة لمزيد من التصاعد.
عصمة الأئمة(12/18)
أولاً لأن قضية عصمة الأئمة التي يؤمن بها الشيعة كانت ولا تزال العقبة الأكبر في طريق التقارب المذهبي, وأنا شخصياً شكلت لي هذه الفكرة صدمة لم أستطع تجاوزها حتى الآن لكون القول بعصمة غير الأنبياء المرسلين تتجافى مع الفطرة السوية ومفهوم التوحيد النقي. من ناحية أخرى فإن التبرك بالقبور والأضرحة شكل من أشكال الوعي البدائي يفترض أن يتجاوزه شيعة اليوم, وبخاصة أن كثيرين من عقلائهم يطالبون منذ سنوات بتخفيف العنف الذي يحدث في الاحتفال بذكرى استشهاد الحسين رضي الله عنه, ما يعني أن التجديد في المذهب ممكن, ليس بهدف الاقتراب من المذهب السني, بل لتنقية التشيع من شوائب تسيء إليه, فلماذا لا يخفف الشيعة من غلواء تقديس المراقد والمشاهد التي يضيفون إليها دائماً صفة "المقدسة"؟
المزايدات الإيرانية
ومع التوتر الذي شهدته الكوفة وكربلاء والنجف مؤخراً, فوجئنا بنغمة نشاز تصدر من أعلى مستويات المسؤولية السياسية والدينية في إيران, كما لو كانت هذه المشاهد والمراقد فوق الزمان والمكان لا تقع على أرض دولة أخرى يجب احترامها, وهذا المشهد يعيد للأذهان مشهداً مختلفاً نوعياً هو الموقف الإيراني من معاناة المسلمين تحت الحكم الروسي, بخاصة في الشيشان, حيث اعتبر النظام الإيراني أن الحفاظ على مبدأ السياسة المطلقة للدولة على أرضها أهم من عصمة دماء المسلمين –خاصة أنهم ليسوا شيعة- فانحازت للقول بأن مأساة المسلمين شأن داخلي روسي, وهو ما ضمن لها علاقات إيرانية / روسية دافئة, والأمر نفسه ينطبق على موقفها من مسلمي الصين الذين قدمت دماءهم ثمناً لعلاقات إيرانية/صينية دافئة, رغم أنها تعلن أنها تنتهج سياسة خارجية لها صفة المبدئية بناء على ثوابت "إسلامية".(12/19)
وإذا كان من الممكن أن نفهم كل ما مر, وهو بالقطع غير ممكن, فلماذا قررت فجأة أن تتعامل مع قضية المراقد والمشاهد بوصفها قضية "خطوط حمراء", ومن الذي أعطى الشيعة الإيرانيين حق تحديد الخطوط الحمراء للآخرين؟
إن تصور بأن بالإمكان ملء فراغ السلطة في العراق من خلال مد شيعي مدعوم خارجياً معناه فتح أبواب الجحيم في العراق, فالشيعة العراقيون حاولوا خلال حكم صدام إزالة النظام بثورة مسلحة, وانتهت المحاولة بسقوط عشرات الآلاف من القتلى, فبأي حق يطمح البعض لبناء "جمهورية إسلامية شيعية" على أنقاض نظام أزالته قوة أجنبية؟
وما الذي يمكن أن تنتجه مثل هذه الطموحات في بلد متعدد الهويات؟
إنني أخشى أن تؤدي مثل هذه الممارسات, لأن ترتفع أصوات منا نحن أهل السنة رافعة شعار "أيها الإيرانيون خذوا مشاهدكم ومراقدكم واتركونا نعيش في بلدنا بسلام" وإذا حدث هذا فلا يلومن الشيعة إلا أنفسهم.
واشنطن تفجر حرب ولاية الفقيه
والمرجعية بين خامنئي والسيستاني
نيقوسيا – رياض علم الدين
الوطن العربي – العدد 1424 – 18/6/2004
بعد يوم واحد من الهجوم الذي شنه مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي على السلطة العراقية واصفاً أعضاءها بأنهم دمى في أيدي الأميركيين, سربت جهات مرتبطة بالتيار المتشدد في طهران معلومات خطيرة جداً تؤكد على إقامة مراكز تجنيد لكتائب انتحارية من الشباب الإيراني تستعد للانتقال إلى العراق لمحاربة قوات الاحتلال باسم الدفاع عن العتبات الشيعية المقدسة.
وفيما كانت الجهات الدبلوماسية والاستخبارية تسعى جاهدة للتأكد من مصداقية هذا التهديد الإيراني أطلق ملالي طهران مؤشراً أوضح عندما قامت قيادة الحرس الثوري بإرسال أربعين متطوعاً انتحارياً مسلحين بالرشاشات والقنابل عبر نقطة حدود مكشوفة, بحيث لم تجد القوة الأوكرانية أية صعوبة في اعتقالهم.. ونشر الخبر الذي يؤكد التهديد الإيراني.(12/20)
في هذا الوقت كانت عدة أجهزة استخبارية غربية تتداول أحدث تقرير عن الحملة الإيرانية لتجنيد الانتحاريين. وكشف هذا التقرير أن إحدى ضواحي العاصمة "طهران" شهدت لمناسبة الاحتفالات بذكرى وفاة الإمام الخميني ما اعتبر أكبر تجمع من نوعه منذ سنوات لجماعات إسلامية متشددة جاءت من عدة دول عربية وإسلامية بدعوة من مكتب المرشد وتحديداً من "مركز أركان شهداء النهضة الإسلامية العالمية" وهو التسمية الجديدة للمكتب الذي كان يعرف أيام "تصدير الثورة" في الثمانينات وأوائل التسعينيات بـ "دائرة الحركات التحررية والثورية" وتؤكد المعلومات أن هذا المؤتمر استمر ثلاثة أيام "من 2 إلى 5 يونيو (حزيران)", وشهد على هامشه عمليات التجنيد وتسجيل أسماء الانتحاريين التي بلغت حسب آخر الأرقام أكثر من عشرة آلاف في إيران وحدها. ولاحظ المراقبون أن السلطات الإيرانية حرصت هذه المرة على تسريب أخبار الكتائب الانتحارية ومشاركة تنظيمات إسلامية وعربية طلب منها فتح مكاتب تطوع سرية.. بينما كانت في السابق تعقد هذا التجمع في سرية تامة.(12/21)
ولهذا كانت التهديدات الإيرانية العلنية والمباشرة لشن حرب انتحارية دفاعاً عن العتبات المقدسة في النجف وكربلاء محور رصد معمق من الخبراء الذين وجدوا فيها تعبيراً عن أزمة عميقة تعيشها طهران وخصوصاً المرشد الولي الفقيه على خلفية المفاجآت التي حصلت في عملية نقل السلطة والسيادة إلى العراقيين. وفي رأي هؤلاء الخبراء أن المفاجأة التي حملتها تركيبة السلطة الجديدة المؤقتة في العراق بشخصي الرئيس السني غازي الياور ورئيس الحكومة الشيعي إياد علاوي وبصيغة الحكومة التي استبعدت رجال الدين لم تكن كما ظهرت أولاً ضربة لمرجعية السيستاني ومفهوم نقل السلطة للشيعة, بل حملت في أبعادها هزيمة للمشروع الإيراني في العراق ونكسة لمخططات المرشد وتياره الراديكالي الذي كان يعد لاستغلال الورقة الشيعية لتكريس النفوذ الإيراني في العراق والمنطقة.
وتؤكد مصادر أميركية لـ "الوطن العربي" أن تركيبة السلطة الجديدة في العراق جاءت تعكس استراتيجية أميركية أساسها إسقاط الرهان السابق والمسبق على علاقة متميزة مع الشيعة والعودة إلى توازنات الساحة العراقية وخصوصاً التراجع عن اجتثاث البعث وعزل السنة, وعلى ضوء ذلك ولدت معادلة سياسية شيعية جديدة شكلت في البداية تحدياً لمرجعية السيستاني عبر تجاهل بعض مطالبه.
حرب كردية – شيعية(12/22)
لكن المصادر نفسها تضيف أن السيستاني المعروف باعتداله وصبره وصمته أجاد التعامل مع الواقع الجديد بحيث اتخذ قرار مباركة الحكم العراقي الجديد قبل تكرار بعض الشروط والتحفظات عليه. وبذلك تحول السيستاني من الخاسر الأكبر إلى الرابح الأكبر على الساحة الشيعية, وخصوصاً بعد قرار مجلس الأمن الدولي الإجماعي لمرحلة ما بعد يوليو "تموز" وقبول الأميركيين بتعديل القرار لمنح أكبر قدر من السيادة للحكم العراقي الجديد. لكن فوز السيستاني كان هذه المرة على الأكراد, حيث كانت رسالته للأمين العام للأمم المتحدة معدة لمواجهة رسالة البارزاني والطالباني لبوش مطالبين بتكريس الحكم الذاتي الكردي في القرار الدولي.
وقبل أن يتحول الخلاف بين السيستاني المطالب بحكومة مركزية قوية والأكراد المطالبين بحكم ذاتي موسع, إلى مشروع حرب كردية – شيعية كما يتخوف المراقبون, كانت الساحة الشيعية في العراق وإيران محور قلق بالغ من المتابعين لمخططات خامنئي.
والواقع أن المعادلة العراقية الجديدة لم تفجر صراعاً سنياً – شيعياً كما تخوف البعض, بل أسهمت أولاً في تفجير صراع شيعي – شيعي أو بالأحرى شيعي عراقي وشيعي إيراني. وفي معلومات "الوطن العربي" من مصادر شيعية عراقية وثيقة الاطلاع أن الساحة الشيعية كانت تغلي بهواجس حرب داخلية منذ إبريل "نيسان" الماضي على ضوء حرب المقاومة التي أعلنها مقتدى الصدر وجيش المهدي بدون العودة إلى مرجعية السيستاني وبدون تأييد المراجع الشيعية العراقية التي كانت تعرف حجم اختراق إيران وجماعة خامنئي لتيار الصدر ولقواته. وتضيف هذه المصادر أن أول رد فعل للمراجع الشيعية بعد مفاجأة إعلان الحكم الجديد كان في تحمل مقتدى الصدر وإيران مسؤولية ما اعتبرته "غبناً وتراجعاً عن وعود أميركية بنقل سريع للسلطة إلى الشيعة".(12/23)
وبالفعل شهدت الساحة الشيعية بداية تصفية حسابات حال الإعلان عن تشكيلة الحكم الجديد. وبسرعة انتقل الصراع إلى مشروع حسم بين مرجعيتي قم والنجف وبين مرجعية خامنئي والسيستاني طرح خلاله مجدداً مصير نظرية ولاية الفقيه التي يصر عليها خامنئي ويرفضها السيستاني نموذجاً في العراق.
وما حصل في مسجد النجف يوم الجمعة الفائت كان أبرز تعبير عن إفراز المعادلة السياسية والدينية الجديدة على الساحة الشيعية وعن تدهور غير مسبوق في العلاقات بين الزعامات الشيعية في العراق وإيران.
وكانت المفاجأة على لسان حجة الإسلام صدر الدين قبانجي أحد مساعدي عبد العزيز الحكيم رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق والذي كان معروفاً بأنه أكثر التنظيمات ارتباطاً بإيران وعلاقات مع خامنئي وتياره. فقد اختار الشيخ القبانجي خطبة الجمعة ليوجه انتقادات لاذعة بل اتهامات لتلفزيون "العالم" الإيراني الذي يبث بالعربية ويعتبر ناطقاً باسم المرشد, وأخذ القبانجي على تلفزيون "العالم" وصفه مقاتلي الصدر بالمقاومة قبل أن ينتقل إلى اتهام ملالي طهران بالصمت على أحداث العراق وعلى ما يفعله الصدر وذلك في أعنف هجوم يشنه رجل دين شيعي ضد سياسة الجمهورية الإسلامية في العراق.
...وحرب مرجعيات(12/24)
وكان واضحاً أن الشيخ القبانجي كان يعبر عن شعور عام بات سائداً لدى السلطات الشيعية العراقية تجاه سياسة ملالي طهران في العراق ودعمهم الذي لم يتوقف لجيش المهدي بالسلاح والمال والرجال وتحميل هؤلاء الملالي مسؤولية المعادلة الجديدة التي نجحت واشنطن في فرضها في العراق بمباركة دولية. ولعل أهمية خطبة القبانجي في أنها تأتي من مسؤول ديني في تنظيم تأسس في إيران وحصل على مساعداتها المالية واللوجستية والعسكرية "فيلق بدر" لعشرات السنين مما يوحي بأن المجلس الأعلى بات في صدد قطع العلاقات مع طهران. وفي معلومات "الوطن العربي" أن هذه العلاقات بدأت تتدهور منذ أغسطس "آب" الماضي على خلفية لغز اغتيال زعيم "المجلس الأعلى" آية الله محمد باقر الحكيم لدى خروجه من صلاة الجمعة في النجف بسيارة مفخخة تراوحت الاتهامات فيها بين المخابرات الإيرانية وجماعة مقتدى الصدر. وفي قناعة بعض الخبراء أنه قد لا يكون من قبيل الصدفة أن تشهد بغداد, بعد يومين من إعلان التوتر بين المجلس الأعلى وإيران, جريمة اغتيال أحد كبار ضباط "فيلق بدر" اللواء الركن شاهر فيصل شاهر ضمن ما ظهر كبداية مسلسل اغتيالات وأعمال تفجير شملت في يوم واحد مخزن أسلحة في مسجد الكوفة واغتيال الشيخ خليل المشهداني عضو هيئة علماء المسلمين وانعكست بداية سقوط للهدنة مع جماعة الصدر في النجف.(12/25)
وفي معلومات المصادر أن التدهور المفاجئ على الساحة الشيعية – الشيعية على خط العلاقة بين شيعة إيران وشيعة العراق ينذر بتطورات خطيرة لكونه يأتي على ضوء مرحلة جديدة تتميز بكونها مرحلة إعادة حسابات من جانب كل من السيستاني وخامنئي. وتؤكد المعلومات أن هذه المرحلة تفرض ظهور تحالفات شيعية جديدة تؤسس للمرحلة المقبلة وتأخذ في الاعتبار القوى السياسية الشيعية الجديدة التي ظهرت وتلك التي خرجت من المعادلة. وبعد خروج أحمد الجلبي وظهور تقارير عن استعداد زعيم حزب المؤتمر لسلوك الخط التصعيدي على أمل وراثة جماعة مقتدى الصدر أو التحالف معه, أطلق الحاكم الأميركي في العراق إحدى آخر مفاجآته عندما أعلن تحريم إدخال مقتدى الصدر في اللعبة السياسية ومنع السماح له بخوض الانتخابات المقبلة والمشاركة في المؤتمر الوطني الموعود. وفي رأي هؤلاء أن الاستراتيجية الأميركية مازالت تلحظ حسم مسألة الصدر رغم مساعي السيستاني لإعادة الاعتبار له وأنها تعكس وجود مخطط لمواجهة مخطط خامنئي في العراق ودفع شيعة العراق نحو الانخراط في مشروع وطني مستقل عن إيران وحسم الخيار لصالح مرجعية السيستاني المتأقلمة مع المعادلة السياسية الشيعية الجديدة في العراق والمراهنة على انتخابات أوائل العام المقبل.(12/26)
لكن ما يثير تساؤلات المراقبين أكثر في المرحلة الحالية وعلى المدى القصير ليس موقف السيستاني, بل موقف خامنئي. وفي رأي هؤلاء أن الاستراتيجية كسب وقت واقتطاع هدنة انتخابية تمتد حتى نوفمبر "تشرين الثاني" المقبل وتسمح للرئيس باستخدامها للفوز بولاية ثانية. وعلى ضوء ما حصل في الأسبوعين الماضيين في العراق وفي مجلس الأمن عاد مستشارو بوش إلى التفاؤل لكن السؤال الأبرز يبقى في رصد الموقف الإيراني والموقف من إيران وكيفية تعامل طهران مع عملية إبعادها عن الساحة العراقية ومواجهتها بمعادلة شيعية عراقية جديدة تحمل في طياتها تهديداً لمرجعية خامنئي وسلطة ولاية الفقيه. ويبدو واضحاً للمراقبين أن طهران خسرت الرهان على مجيء حكم عراقي مؤيد لها وذي هيمنة شيعية واضحة تفتح أمامها طريق فرض نفوذها على المنطقة بمعادلة استراتيجية جديدة لصالحها برضى الأميركيين. وفي تحليل هؤلاء أن هذه المعادلة الجديدة ستفرض معادلة جديدة بين شيعة العراق وإيران وتدفع إلى الفرز بينهما من جهة وحسم مسألة قدرة ملالي طهران على السيطرة على الزعامة الشيعية العراقية وتحديداً المرجعية ومن جهة أخرى دفع مرجعية السيستاني إلى الكشف عن خياراتها وخلافاتها ليست فقط على واشنطن بل معه طهران أيضاً. ويرى هؤلاء المراقبون أن السيستاني بدعمه حكومة علاوي وبالتجاوب الدولي مع رسالته إلى الأمم المتحدة اقترب أكثر من موعد كشف خياره العراقي في شقه المستقل عن إيران دينياً وسياسياً. وهو موقف يتوقع أن ينسحب على عشائر الزعامات الشيعية في العراق من حزب الدعوة إلى المجلس الإسلامي الشيعي وغيرهما كما يتوقع أن يتطور حتماً إلى إعادة الصراع على المرجعية بين النجف وقم إلى العلن.(12/27)
وعلى ضوء هذه المعادلة يؤكد الخبراء أن خامنئي يجد نفسه أكثر إحراجاً من السيستاني, بل ثمة من يرى أن ملالي طهران مهددين بعقوبات دولية بسبب البرنامج النووي, يجدون أنفسهم أمام مأزق لا سابق له إلى حد يدفعهم إلى التهديد باستخدام كل أوراقهم دفعة واحدة وبعدما خسروا –حسبما كان ظاهراً في الأيام الأخيرة- ورقة التلاعب بالتنظيمات والزعامات الشيعية العراقية المعروفة والنافذة, فإنهم سارعوا إلى إخراج أوراق أخرى أبرزها: ورقة محاولة استخدام الطالباني حليفهم التقليدي بتأليب الأكراد ولو ضد الشيعة وهي ورقة تذكر بدعم طهران لأرمينيا ضد أذربيجان. وورقة إعادة تحريك جيش المهدي لنقل التفجير إلى قلب بغداد ومدينة الصدر. وورقة "القاعدة" التي مازالت تؤويها بعض أجنحة الحرس الثوري في إيران وتؤكد تقارير استخبارية أن طهران قادرة على تحويلها إلى محور مقتدى الصدر – الزرقاوي... وفي النهاية ورقة آلاف الانتحاريين الذين أضحوا جاهزين لتشكيل "جيش شهداء الحركة الإسلامية العالمية". والذي تقول آخر المعلومات الإيرانية إن مهمتهم لن تقتصر على النجف وكربلاء ولا حتى العراق فقط.
أحوال أهل السنة في إيران ـ كتاب الخميني الوجه الآخر
نعيد نشر هذا الفصل عن أحوال أهل السنة في إيران من كتاب الخميني والوجه الآخر للدكتور زيد العيص والذي يرسم لنا صورة قاتمة عن أحوال أهل السنة في إيران في بدايات الثورة الإيرانية وذلك حتى نقارنها بالصورة الحالية لأهل السنة في إيران من خلال رسالة نواب أهل السنة في مجلس الشورى الإيراني لنجد أن الصورة لا زالت قائمة ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وهذا يكشف زيف الادعاءات الإيرانية بالرغبة بالتعاون والوحدة مع جمهور المسلمين السنة....................................................................الراصد.(12/28)
قد يثير هذا العنوان تساؤلاً لدى القارئ الذي اعتاد أن يسمع، ويقرأ عن أحوال المسلمين في الدول غير الإسلامية والتي يشكل المسلمون فيها أقلية مضطهدة، محرومة من غالبية حقوقها.
ولكن ما بال المسلمين السنة في إيران بخاصة في ظل الحكومة الإسلامية التي أسسها الخميني؟ أليسوا يعيشون في أكناف دولة إسلامية، تعرف لهم حقوقهم وترعى لهم شؤونهم، وتسهر على مصالحهم؟ !
كم تمنينا أن يكون الأمر كذلك، بخاصة أنه لا يصح غير ذلك، ولكن الواقع المؤلم اغتال هذه الأماني، حين كشف مأساة مركبة من مآسي يعيشها أهل السنة في إيران.
فقد غيبت قضيتهم عن الأنظار، وأسدل عليها الستار، فعامة المسلمين يجهلون هذه القضية، وقلة يتجاهلونها، والأعلام أغفلها تماماً وإن تعرض لها فلماماً.
عدد أهل السنة في إيران:
لقد خضع عدد أهل السنة في إيران إلى التقليل، المؤذن بالتضليل، فقد ذكر بعضهم(1) أن عددهم لا يتجاوز المليون من أصل مجموع السكان الذي يقارب الواحد والثلاثين مليون نسمة، فتكون نسبتهم 3% فقط، وقد ذكر آخرون أن عددهم قرابة سبعة ملايين ونصف(2) ويشكلون سبعة عشر بالمائة من عدد السكان والحق أنهم يشكلون 35% من عدد السكان.
إن عدد أهل السنة في إيران أكثر بكثير من هذه التوقعات، وقد ذكر الأستاذ محمود شاكر أرقاماً دقيقة معتمداً على إحصاء سنة 1399 هـ - 1979 م الذي أظهر أن عدد سكان إيران 38.660.000 موزعون على النحو التالي:-
1- الإيرانيون وعددهم 24.420000 ونسبتهم 63%
2- الأتراك وعددهم 7.820000 ونسبتهم 20%
3- العرب وعددهم 2.700.000ونسبتهم 7%
4- الأكراد وعددهم 2.316.000ونسبتهم 6%
5- البلوش وعددهم 772000 ونسبتهم 2%
6- جماعات أخرى وعددهم 632000 ونسبتهم 2% (3)
__________
(1) العالم الإسلامي المعاصر ص33 د. جمال حمدان.
(2) ذكر هذا الأستاذ فهمي هويدي في كتابه إيران من الداخل ص351.
(3) إيران ص9 – محمود شاكر – من سلسلة مواطن الشعوب الإسلامية رقم 13.(12/29)
فيكون عدد الشيعة الذين عبر عنهم بالإيرانيين 24.420000 ونسبتهم 63% مع الأخذ بعين الاعتبار أن بعض هؤلاء الإيرانيين من أهل السنة، ولا يؤثر ذلك على النسبة التي ذكرت، لأن ضمن الفئات الأخرى السنية نسبة 2% من الشيعة تقريباً، هم الأتراك، والعرب، والأكراد، والبلوش. وعددهم 13.608.000 نسمة ونسبتهم 35%، والمنتمون للديانات الأخرى عددهم 632000نسمة ونسبتهم 2% منهم 100 ألف نصراني 25 ألف يهودي و 12 ألف مجوسي، وسنرى ان لهذه الفئات القليلة حقوقاً في مجال العبادة، ليست لأهل السنة، الذين يشكلون أكثر من ثلث السكان، ويزيدون على نصف عدد الشيعة.
يتوزع أهل السنة في إيران على مناطق مختلفة، فالأتراك يسكنون أذربيجان، وخراسان، والعرب يسكنون منطقة الأهواز جنوب إيران، في حين يسكن الأكراد منطقة كردستان في الشمال الغربي من إيران، أما البلوش فيسكنون منطقة بلوشستان، على حدود الباكستان، ويسكن التركمان في شمال إيران.
ويظهر لنا أول خيوط هذه المأساة بالموازنة بين النسبة التي قدرناها لأهل السنة وهي 35%، والنسب التي ذكرها بعض الباحثين، بخاصة أولئك الذين نظروا إلى الحقوق الممنوحة لأهل السنة في ضوء هذه النسب ومنهم الأستاذ فهمي هويدي الذي يرى أن نصوص الدستور الإيراني حفظت حقوق أهل السنة بصورة مقبولة إلى حد كبير (1)، وسنراه ينقض كلامه هذا عندما يقف بنفسه على الواقع في بعض المجالات.
ومما ينبغي ذكره في هذا المقام أن أهل السنة كانوا الأكثرية في إيران إلى عهد قريب، وكان الشيعة أقلية، محصورة في بعض المدن الإيرانية، مثل قم، وقاشان أوكاشان، ونيسابور، ولما وصل الشاه إسماعيل الصفوي إلى الحكم سنة 907 هـ أجبر أهل السنة على التشيع حين خيرهم بينه، وبين الموت، وكانت وراء هذا الملك قوى شيعية كبرى تحركه.
__________
(1) إيران من الداخل ص 358.(12/30)
وقد اعترف بهذه الحقيقة عالم شيعي كبير إذ يقول: (وفي عام 907 هـ استطاع الشاه إسماعيل أن ينصب نفسه ملكاً على إيران بعد أن كانت الحروب العثمانية قد أنهكت إيران تماماً، ولا شك أنه كانت وراء الشاه إسماعيل الذي توَّج رسمياً، وهو بعد في سن الثالثة عشر قيادات صوفية(1) تحرك الملك الفتي إلى مآربها..
ولم تكن إيران شيعية عند استلام الشاه إسماعيل السلطة، اللهم إلاّ مدناً قليلة، منها قم، وقاشان ونيسابور، فأعلن الشاه المذهب الشيعي مذهباً رسمياً لإيران.
وبدأت جحافل الصوفية تتحرك بين المدن الإيرانية تنشد الإشعار والمدائح، في حق علي، وأهل بيته، وتحث الناس على الدخول في المذهب الشيعي.
وأعمل الشاه إسماعيل السيف في رقاب الذين لم يعلنوا تشيعهم، ثم قال: ومن طريف القول أن نذكر هنا أن سكان مدينة أصفهان كانوا من الخوارج، وعندما وصلهم أمر الشاه بقبول التشيع أو قطع الرقاب طلبوا منه أن يمهلهم أربعين يوماً ليكثروا فيها سب الإمام علي ثم يدخلوا في المذهب الجديد فأمهلهم الشاه كما أرادوا، وهكذا انضمت أصفهان إلى المدن الشيعية الأخرى)(2).
إن هذا النص الوارد عن عالم شيعي تؤيده أخبار تاريخية كثيرة، ويعد وثيقة لها دلالتها، وينذر بأن يعيد التاريخ نفسه، بل إن الوقائع والممارسات اليومية تشير إلى وجود هذه النية.
ورغبة مني في عرض أوضاع أهل السنة بوضوح وإيجاز، فإني سأجعل حديثي في نقاط محددة، مشفوعة بما تيسر من أدلة ووقائع.
أولاً: أهل السنة وحرية العبادة.
لقد حددت الحكومة الإيرانية موقفها من أهل السنة منذ البداية، حين نصت في دستورها في المادة الثانية عشرة على: (أن دين الدولة الإسلام والمذهب الجعفري الإثنى عشري، وهذه المادة غير قابلة للتغيير إلى الأبد).
__________
(1) وهي قيادات شعبية استغلت انتشار الصوفية وحب آل البيت فروجت للمذهب الشيعي.
(3) الشيعية ولتصحيح ص 70-71 د.موسى الموسوي(12/31)
ومع أن المادة نفسها أشارت إلى حقوق أهل السنة التي عبرت عنهم بالمذهب الحنفي، والشافعي، والمالكي، والحنبلي، إلاّ أنها من حيث الواقع لم تعترف بوجودهم أصلاً، والشواهد على هذا كثيرة.
وفي الوقت نفسه حفظ الدستور حقوق الأقليات، غير الإسلامية، واعترف بوجودها،ومنحها حق العبادة، فقد ورد في المادة الثالثة عشر (الإيرانيون الزاردشت واليهود والمسيحيون هم الأقليات لدينية الوحيدة المعروفة التي تتمتع بالحرية في أداء مراسيمها الدينية).
وقد يظن القارئ أن عدم ورود أهل السنة ضمن هذه الأقليات يعني أنهم داخلون في الأكثرية الشيعية، وهذا الظن بعيد، فإن المادة الثانية عشرة نصت على الشيعة الجعفرية في حين نصت المادة الثالثة عشرة على حقوق الأقليات غير الإسلامية، ومعلوم أن أهل السنة ليسوا من هؤلاء ولا من هؤلاء.
كأن أهل السنة في إيران هم المقصود ون بمن أشار إليه الحديث (القابض على دينه كالقابض على الجمر) فهم بحق غرباء يعانون من مضايقات كثيرة، متنوعة ومحرومون من أبسط حقوقهم، والأدلة على هذه الحالة كثيرة منها:
يعاني أهل السنة في إيران من قلة المساجد الخاصة بهم، فالدولة لا تقدم مساعدات لبناء المساجد، ولم يقتصر الأمر على هذا بل أنها قمت بهدم مساجد أهل السنة كما حصل لمسجد جزيرة قشم، وهاجم رجالا كذلك مسجد بندرلنكة التابع لأهل السنة، بسبب خطبة ألقاها د.إسماعيلي وحاولوا قتله، فحصل صدام مسلح بين الطرفين، قتل فيه عدد من الأشخاص.
وثالثة الأثافي: أنه لا يوجد مسجد في طهران، بالرغم من أن عددهم يتجاوز النصف مليون، مع أنه يوجد أماكن عبادة للأقليات جميعها في العاصمة الإيرانية.(12/32)
وقد ذكر هذا الأمر أكثر من واحد ممن زاروا إيران، منهم الشيخ محمد عبد القادر آزاد رئيس مجلس علماء باكستان، الذي وجهت له دعوتان رسميتان لزيارة إيران، الأولى سنة 1980، والثانية سنة 1982، وكان على رأس وفد يضم 18 عالماً، وقد اجتمع إلى الخميني وكبار المسؤولين الإيرانيين.
وقد كتبت بعد عودته تقريراً مفصلاً حول زيارته، ومشاهداته، ذكر فيه أنه لا يوجد في طهران كلها مسجد واحد لأهل السنة، بالرغم من وجود 12 كنيسة للنصارى، و 4 معابد لليهودية، وبعض المعابد للمجوس.
وقال في تقريره: منذ ثلاث سنوات، وعد الخميني في لقاء مع وفد أهل السنة، برئاسة الأستاذ عبد العزيز رئيس خطباء أهل السنة في زاهدان، بإعطاء قطعة أرض في طهران يشاد عليها مسجد لأهل السنة، ورغم أنهم دفعوا ثمنها إلاّ أن الخميني أصدر أمراً بالاستيلاء على الأرض وسجن القائمين على المشروع.
ثم يقول: ورغم مطالبتي للخميني في العام الماضي بإنجاز وعده لأهل السنة، فوجئت في المؤتمر الذي حضرته هذا العام بقول بعض أنصاره: لو أعطينا قطعة أرض ليقام عليها مسجد لأهل السنة، فإنه سيصبح مسجد ضرار.
وأصر الخميني على أخذ الأرض، واعتقال القائمين على المشروع، ورغم تدخل بعض سفراء الدول العربية والإسلامية، ويصلي بعض أهل السنة الجمعة في ملحق تابع للسفارة الباكستانية في طهران، ولولا ما يسمى بالحصانة الدبلوماسية لكان للسلطات الإيرانية مع هؤلاء شأن آخر، في حين يوجد لأهل السنة مساجد في كبرى العواصم العالمية كواشنطن، وموسكو، وباريس ولندن، وغيرها ولا يوجد لهم مسجد في طهران العاصمة الإيرانية !(12/33)
وقد ناقش مؤتمر الأئمة العالمي، الذي عقد في طهران سنة 1982 موضوع مسجد أهل السنة، وجاء في التوصيات التي أصدرها: التوصية الثانية أن تعطي الحكومة الإيرانية قطعة أرض التي وعدت بها أهل السنة، لبناء مسجد في طهران بعد أن سدد أهل السنة ثمنها، وقد صدرت هذه التوصية على الملأ في طهران، وعلى مسمع من الحكومة، مما يؤكد صحة الخبر وتواتره.
وكم كنت أتمنى على قادة الحركات الإسلامية الكرام الذين قاموا، ويقومون بزيارة إيران، وعاصمتها طهران مراراً أن يسألوا عن هذا الموضوع ويذكروا القادة الإيرانيين به، وليتهم عندما يكونون في طهران يسألون عن مسجد لأهل السنة للصلاة فيه بدلاً من الذهاب إلى ضريح الخميني للصلاة عنده.
ربما يقول قائل لِمَ يحرص أهل السنة على إقامة مسجد خاص بهم، في العاصمة الإيرانية، ولِمَ لم يكتفوا بالصلاة في مساجد الشيعة.
يمكن أن يكون هذا الاقتراح وجيهاً، ونتمنى أن يأتي اليوم الذي يجمع أهل القبلة الواحدة مسجد واحد، ولكن دون تحقيق هذا الأمر عقبات، أو تنازلات يتعين على أهل السنة تقديمها عند الصلاة في مساجد الشيعة.
فإن في مساجد الشيعة مخالفات شرعية عند أهل السنة منها:
إن الآذان في مساجد الشيعة يتضمن أموراً ليست منه، فقد أدخل فيه الشهادة لعلي بالولاية، والقول حيا على خير العمل، وأدخل أخيراً اسم الخميني في كثير من المساجد.
إن الشيعة يرون المسح على القدمين في الوضوء، دون غسلهما، وهذا الوضوء في رأي أهل السنة باطل، مما يعني أن يصلي السني خلف من يرى صلاته باطلة.
ج- الشيعة يصلون في مساجدهم على قطعة من التربة الحسينية، يضعونها تحت جباههم في أثناء السجود، ومساجدهم مملوءة بها، فأما أن يتابع السني الشيعي ويسجد على هذه القطعة، وإما أن يتجنبها فيكون عرضة لما لا يسره.(12/34)
د- يعقد الشيعة في مساجدهم ما يسمى بحلقات اللعن، وهي تتضمن لعن الصحابة الكرام، وبخاصة الشيخين، وبعض أمهات المؤمنين، فهل يعقل أن يدخل أهل السنة هذه المساجد، والحالة هذه..
هـ - من مبطلات الصلاة عند الشيعة وضع اليدين على الصدر، وقول آمين، وهذه الأفعال من السنن الثابتة عند أهل السنة.
فإن صلّى السني في مساجد الشيعة، فإما أن يتابعهم، ويخالف السنة الثابتة، وإما أن يلتزم بها، ويحكم ببطلان صلاته، ويظهر مخالفته لهم في مساجدهم.
و- تمارس في مساجد الشيعة أعمال يرى أهل السنة أنها من الشرك كالصلاة إلى قبور الأئمة الذين يمارسون مثل هذه الأعمال.
فأهل السنة في طهران مخيرون بين الصلاة في مساجد الشيعة ومجاراتهم بما يحدثونه فيها، أو الصلاة في بيوتهم، ولا شك أن هذه الأساليب تساعد على بعد أهل السنة عن دينهم، إما بإهماله بالكلية، وإما بالتردد على مساجد الشيعة، والتأثر بما يقال فيها ويمارس، أو ربما أدى ترددهم إلى إنكار هذه الأعمال مما يؤدي إلى حدوث فتن بينهم.
إن المخرج من هذا كله أن يكون لأهل السنة مساجدهم الخاصة بهم، يمارسون فيها عبادتهم على الوجه الذي يرون، إلى أن يفتح الله بين عباده.
ولم تسلم مساجد أهل السنة في مناطقهم من تدخل الحكومة الإيرانية، فإنها تضيق على الخطباء، وتعتقل من يخرج على نهجها، وتبذل شتى الوسائل لشراء بعض خطباء أهل السنة، وقد نجحت في استمالة بعضهم، بخاصة أن خطباء أهل السنة فقراء لأن الدولة لا تنفق على مساجدهم بحال، وهم يعيشون على تبرعات المحسنين،وهم قلة في المناطق السنية لفقرها الشديد، وإن حدث أن توجه بعضهم إلى الدول المجاورة طلباً للمساعدة اتهم بالعمالة الخارجية.(12/35)
وكثيرون أولئك الذين حكم عليهم بالإعدام، أو بالسجن المؤبد بتهمة معاداة الثورة، والتآمر مع أمريكا، وكم يكون الأمر مضحكاً ومبكياً في آن واحد عندما يتهم إمام مسجد سني في قرية سنية بأنه عميل لأمريكا ويساق للموت، ثم تتكرر هذه المأساة في أكثر من مكان وزمان، ولا يجد هؤلاء سبيل للنجاة إلا مغادرة ديارهم ليخلو الجو لعلماء الشيعة.
أهل السنة والتعليم:
لقد وضعت الحكومة الإيرانية في عهد الخميني سياسة تعليمية تؤدي إلى تجهيل أهل السنة وتضليلهم، ويمكن أن نلخص هذه السياسة في المظاهر التالية:
قامت السلطة الإيرانية بهدم بعض المدارس الدينية التابعة لأهل السنة، بحجة أن القائمين عليها عملاء لأمريكا، أو أنهم وهابيون وقد حصل هذا للمدارس في منطقة باهو، كما قامت بإغلاق عدد من المدارس السنية للحجج ذاتها، في مناطق مختلفة.
قامت السلطة الإيرانية بتغيير أسماء المدارس السنية الحكومية حيث استبدلت الأسماء الشيعية بالأسماء السنية، فقد أطلقت على مدرسة أبي بكر الصديق رضي الله عنه اسم آية لله بهشتي، وأطلقت على مدرسة عمر بن الخطاب رضي الله عنه مدرسة قنبر.
جـ - فصلت السلطة عدداً كبيراً من مدرسي الدين في المدارس السنية، بخاصة ذوي التأثير منهم على الطلاب، وأحلت مكانهم مدرسين شيعة يدرسون عقيدة أهل السنة.
د- فرضت السلطة تدريس كتب دينية، في المدارس السنية الحكومية تنفر من عقيدة أهل السنة، وتروج للتشيع.
هـ - استطاعت السلطة توظيف بعض مدرسي المدارس السنية لإقناع الطلاب من أهل السنة أن الفروق بين السنة والشيعة لا تكاد تذكر.
و- قامت السلطة بإنشاء مدارس دينية تدرس المذهب الشيعي، لطلاب أهل السنة، ووعدت من يلتحق بهذه المدارس، بالإعفاء من الخدمة العسكرية، وبتأمين عمل مناسب له، وقد استقطبت هذه المدارس أعداداً كبيرة من الطلاب بسبب هذه الإغراءات.(12/36)
ز- قامت السلطة بإنشاء مساكن خاصة بطلاب أهل السنة القادمين من القرى للدراسة في مدارس المدن لأن قراهم تخلو من المدارس الثانوية، ووضعت هذه المساكن تحت إشراف علماء شيعة، بين أيديهم إمكانات كبيرة، وبقصد تحويل هؤلاء الطلاب إلى شيعة.
ح- تنظم السلطة رحلات ترفيهية لطلاب المدارس السنية، بخاصة النابهين منهم إلى المناطق الشيعية المشهورة، وإلى مقامات الأئمة، ويوزعون عليهم الهدايا.
ط- صبغ جدران المدارس السنية بشعارات الشيعة مثل يا مهدي أدركني، وبصور مزعومة للأئمة الإثنى عشر، وبأحاديث في فضائل آل البيت المنسوبة إلى كتب أهل السنة، حتى بات بعض الطلاب يظنون أن الأئمة أنبياء لكثرة ذكرهم والحديث عنهم في كل مناسبة.
ي- أصدرت السلطة قراراً بعدم السماح لأهل السنة بإنشاء مدارس خاصة بهم، وقامت هي بذاتها بإنشاء مدراس لتدريس عقيدة أهل السنة لأبناء أهل السنة، وأطلقت على واحدة منها اسم الشيخ محمود شلتوت الذي كان من دعاة التقريب بين السنة والشيعة، وقد عينت لهذه المدارس مدراء شيعة، وقد استهجن هذا التصرف أحد أنصار الخميني(1) من أهل السنة.
ك- أقدمت السلطة على اعتقال عشرات الطلاب، والطالبات من مدارس أهل السنة وبخاصة أولئك الذين لهم نشاط واضح، وأقدمت على إعدام بعضهم، وقد ذكرت هذا منظمة العفو الدولية، وتقارير أخرى أصدرها أهل السنة في إيران، ومنظمات حقوق الإنسان التي أوردت قائمة بأسماء بعض هؤلاء الطلاب.
ولا أرى بأساً من إيراد بعض ما ورد في تقارير كتبها علماء فضلاء زاروا إيران، وبعضها كتبه علماء أهل السنة في إيران نفسها، من أجل أن تتضح الأمور بجلاء، وأود أن أقدم بين يدي هذه المقتطفات المعالم التالية:
كتب هذه التقارير علماء فضلاء، لهم مكانتهم، ولا أدل على هذا من أنهم زاروا إيران بدعوات رسمية من حكومتها، وقبلوا كبار المسؤولين، وعلى رأسهم الخميني.
__________
(1) هو فهمي هويدي في كتابه إيران من الداخل 354.(12/37)
إن هذه التقارير كتبت بتجرد، ودونما تحامل على السلطة في إيران، وقد أثنى بعض أصحاب هذه التقارير على المقابلة الحسنة التي لقيها، وشكر الحكومة الإيرانية على حسن ضيافتها.
إن هذه التقارير نشرت على الملأ، فقد نشر بعضها في مجلات معروفة وبعضها نشر في كتيبات، ومنها ما قدم إلى جهات رسمية، مما يدل على ثقة أصحابها بمضمونها، وتحملهم مسؤولية ما ورد فيها، بخاصة أنهم كتبوا هذه التقارير بعد قيامهم بزيارات رسمية إلى إيران.
إن بعض هذه التقارير كانت عبارة عن توصيات أصدرها مؤتمر الأئمة العالمي الذي عقده أهل السنة في إيران، ومن المستحيل في نظري أن تصدر عن هذا المؤتمر توصيات تتضمن مغالطات أو أموراً غير حقيقية وهو ينعقد تحت سمع وبصر الخميني، والحكومة الإيرانية ؛ بل إن الواقع يؤكد أن هذه التوصيات لم تخل من مجاملة للسلطات الإيرانية، وأنها لم تتطرق لكل مشاكل أهل السنة في إيران.
إن بعض هذه التقارير كتبه علماء أهل السنة في إيران، وهؤلاء يجدون حرجاً شديداً عند ذكرهم المشاكل التي يعانون منها، والمظالم التي يتعرضون لها فإذا صدر عنهم شيء من هذا دل على صحته واستفاضته بين الملأ.
تضمنت هذه التقارير أموراً مشتركة بالرغم من أنها كتبت في أوقات متباينة، ومن أشخاص متعددين ربما لم يلق بعضهم بعضا، ولم يتعرف بعضهم إلى بعض، وهذا مؤشر على صحة ما ورد فيها، ولهذا لم أعمد إلى حذف المعلومات المتكررة، في هذه التقارير ليعلم القارئ أنها وردت من عدة طرق.
بعد هذه المقدمة نورد بعض ما جاء في هذه التقارير، فقد جاء في تقرير كتبه مجموعة علماء أهل السنة في إيران بعنوان (ماذا يجري لأهل السنة في إيران) ونشره مجلس علماء باكستان:-(12/38)
قامت الثورة الخمينية في إيران على أنقاض دولة علمانية صريحة، وتعلقت بها قلوب المسلمين شيباً وشباباً، لعلها تعيد وجد الإسلام المشرق وترفع راية الله في الأرض وتقضي على الفساد والانحلال الخلقي، والتبعية في داخل إيران.
ولكن ما توقعه المسمون كان سراباً، فالثورة الخمينية في إيران سجلت في دستورها أن مذهبها الرسمي هو المذهب الشيعي ومن هنا أصبحت الثورة الإيرانية ثورة مذهبية، شيعية، ولم تعد ثورة إسلامية.
ولما كانت إيران ليست شيعية خالصة، حيث أن نسبة أهل السنة والجماعة فيها تصل إلى ثلث الشعب الإيراني فقد كان من المنتظر ألاّ يؤثر المذهب الرسمي للثورة الإيرانية على أهل السنة في شيء لأن أهل السنة والجماعة في النهاية مسلمون وليسوا كفاراً، ولا ملاحدة ولا أعداء للوطن إنهم مواطنون إيرانيون مثلهم مثل الشيعة تماماً.
ولكن تبين أن إعلان الوجه المذهبي للثورة الإيرانية قد ضيع حقوق أهل السنة والجماعة ضياعاً كاملاً، وحرمهم مما يتمتع به أي مواطن إيراني حتى ولم كان من النصارى، أو اليهود، أو المجوس.
ففي مدينة طهران على سبيل المثال سبعة ملايين من أهل الشيعة وأهل السنة وغيرهم وليس في هذه المدينة مسجد واحد لأهل السنة والجماعة على الرغم من وجود اثنى عشر معبداً للنصارى، وأربعة معابد لليهود وغير هذا من معابد المجوس(1).
وهكذا يتاح لهذه الطوائف غير المسلمة أن تمارس عبادتها الباطلة، في هذه المدينة، في ظل الثورة الإيرانية ويحرم أهل السنة والجماعة المسلمون من ممارسة عبادتهم في مسجد خاص بهم في العاصمة الإيرانية)(2).
__________
(1) يذكر بأن عدد أهل السنة في طهران وحدها أكثر من نصف مليون في حين أن عدد النصارى في إيران كلها لا يتجاوز مئة ألف، وعدد اليهود لا يتجاوز 25 ألف وعدد المجوس في إيران كلها أيضاً لا يتجاوز اثنى عشر ألف، وعدد أهل السنة يتجاوز 13 مليون كما ذكرنا.
(2) ماذا يجري لأهل السنة في إيران ص6-7.(12/39)
وقد تعرض التقرير لمدارس أهل السنة فقال: لم يكن مصير مدارس أهل السنة بأفضل من مصير منظماتهم، وجمعياتهم، ومساجدهم، وعلمائهم، فقد تعرضت هذه المدارس التي بنتها جهود أهل السنة للإغلاق، حتى يحرم أبناء أهل السنة من الدراسة المنظمة، التي تقوم على مبادئ أهل السنة والجماعة.
وكان الهدف ألا يبقى في ظل الثورة المذهبية الشيعية في إيران إلا تعاليم الشيعة وحدها، تدرس لجميع الطلاب على السواء، من أهل السنة، والشيعة.
وكانت لأهل السنة أكبر مدرسة إسلامية عربية في مدينة بندرلكنه، يديرها ويشرف عليها ويرأسها العالم الكبير فضيلة الشيخ سلطان العلماء وهذه المدرسة تربوية، وليست منظمة سرية، ولكن النظام المذهبي خطط لإغلاق هذه المدرسة بنفس الأسلوب الذي أغلق به الجمعيات الخيرية من قبل.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، من الحكومة مع مدارس أهل السنة، ولكن الحكومة كانت تقدم مساعدة شكلية لبعض المدارس العربية، وهي مساعدة لا تسمن ولا تغني من جوع، ومع هذا فإن حكومة الثورة أعلنت أن هذه المدارس في خدمة أمريكا العدو الأول والأكبر للثورة الإيرانية، وقطعت عنها هذه المساعدات.
ومن الطبيعي أن تسحب الحكومة مساعدتها الشكلية لهذه المدارس العميلة لأمريكا والتي تناصر الأعداء، وبهذا الأسلوب امتنعت الحكومة عن مساعدة هذه المدارس وجاء في التقرير تحت عنوان أهداف الثورة الإيرانية: أعلنت الثورة الإيرانية أنها ثورة إسلامية، وتعاطف معها المسلمون، وخاصة الشباب منهم، ثم تبين بعد ذلك أنها ثورة شيعية مذهبية ضيقة الأفق فما هي الأهداف الحقيقية لهذه الثورة؟
نحن لن نخترع أهدافاً من عند أنفسنا لنلبسها لها، ولكننا سوف نأخذ بما أعلنوه، وبينوه وأذاعوه، فقد جاء في مجلة رسمية حكومية أن الهدف النهائي أن تجعل البلوش السنيين شيعة.(12/40)
وكان تحويل تسعة أنفار من البلوش السنيين إلى شيعة عملاً عظيماً، في نظرهم تحدثت عنه الصحف الرسمية ليبتهج الشعب الإيراني به، وهذا هو بالضبط ما يفعله المبشرون النصارى حينما ينجحون في تحويل بعض المسلمين الأغرار إلى النصرانية.
وحيث أن الهدف المعلن للثورة الإيرانية أن يتحول السنيون إلى شيعة كان من الطبيعية أن تغلق المدارس، والمساجد، والجمعيات السنية، ويعتقل علماء أهل السنة، وتغلق جرائدهم ومجلاته، ويجند شبابهم في الجيش، وتمنع المساعدة عن مدارسهم، ويتهمون بموالاة الدول الخليجية، أو بممالأة أمريكا أو باعتناق المذهب الشيوعي !
ومن الطبيعي كذلك أن يقتل الرجال والنساء والأطفال وأن تنتهك حرمات البيوت، وأن يروع الآمنون، وأن يعيشوا الذعر، والفزع، والهلع في النفوس، فكل هذه الوسائل قد تؤدي في نظرهم القاصر إلى تحويل أهل السنة كلهم أو بعضهم، إلى المذهب الشيعي، فيعيشون حينئذ في بلادهم كما يعيش المواطن الإيراني الشيعي فيحصل على حقوقه، ويطمئن على حاضره ومستقبله(1).
وتحدث التقرير عن الحصار الاقتصادي المفروض على مناطق أهل السنة، فقال: لقد قامت حكومة طهران بفرض حصار اقتصادي على مناطق أهل السنة وقامت بقطع معاملاتهم مع جيرانهم في دول الخليج، وما يحدث الآن في جزيرة قشم يمثل بعض صور الحصار الاقتصادي، حيث يحاكم العديد من التجار في منطقة بندر عباس بتهمة جلب بعض أهل السنة، من دبي للإقامة في الأراضي الإيرانية(2).
علماً بأن مصادرة أموال أهل السنة قد تكررت آلاف المرات(3).
وبعد أن تحدث التقرير عن الحالة المحزنة لأهل السنة في إيران وذكر الممارسات غير الإنسانية التي يتعرضون لها، وجه نداء للمسلمين جميعا جاء فيه:
__________
(1) تقرير ماذا يجري لأهل السنة في إيران ص 15 ــ 20 بتصرف.
(2) المصدر السابق ص 49.
(3) المصدر السابق ص26.(12/41)
((أيها المسلمون في كل مكان هذا هو حال أهل السنة في إيران، وهذا هو واقعنا ونحن لا ندري متى تنقشع هذه الغمة، ولا متى تنجلي هذه الظلمة، ولا متى تنتهي هذه الكارثة؟!!.
إننا نعيش الظلم، ونتنفس الظلم، وننام به، ونصحو عليه، وظالمونا يعلنون الإسلام، ويزعمون حمايته، ويتحدثون في العالم باسمه، وصوتنا هنا لا يصل إلى أحد، فهل من صاحب جاه ينصفنا بجاهه؟ أو من صاحب كلمة مسموعة عند الثورة الإيرانية يذكرهم بحقوقنا؟
إن إنصافنا ورد الحقوق إلينا ومعاملتنا بصفتنا مواطنين ليس فيه خدمة لنا وحدنا، ولكن فيه خدمة للثورة الإيرانية ذاتها، وللوطن كله بعد ذلك.
نحن نعلن وبأعلى صوتنا أننا نعيش، في أشد أنواع الظلم، والقهر من حرس الثورة، ومن المتعصبين المذهبيين، ونحن نطالب هؤلاء، بأن يعاملونا معاملة المواطن الإيراني العادي، بلا حقد ولا ضغينة، ولا كيد، ولا ظلم، ولا قهر.
ونحن إذا اختلفنا مع أحد فلن يكون خلافنا أبداً خلاف أعداء، فلسنا أعداء للشيعة ولا أعداء للثورة الإيرانية(1).
وبسبب الظروف السيئة التي يعيشها أهل السنة في إيران، انعقد المؤتمر العالمي لأئمة الجمعة، والجماعات السنية، في العاصمة الإيرانية طهران سنة 1982، وانتهى إلى إصدار مجموعة من التوصيات والاقتراحات، وانطلاقاً من مبدأ وجوب تقديم النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين، وعامتهم، وعسى أن تستجيب لها القيادة الإيرانية، فإن استجابوا لها، فهذا من فضل الله تعالى، وإن لم يستجيبوا لها فقد أدى المجتمعون ما وجب عليهم من النصح، وتخلصوا من تبعة السكوت عن الحق.
وقد جاء في التوصيات ما يلي:
__________
(1) تقرير إذا يجري لأهل السنة في إيران ص 23 – 27 بتصرف.(12/42)
لا بد للإمام الخميني أن يعلن أن أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم مسلمون(1)،ولا بد لكل مسلم سواء من أهل السنة، أو من الشيعة أن يحترم، وأن يؤمن على حياته، وماله، وعرضه وولده، وعندئذ يرتفع الخلاف المشهور بين أهل السنة والشيعة.
أن تعطى الحكومة الإيرانية قطعة الأرض التي وعدت بها أهل السنة، لبناء مسجد في طهران، بعد أن سدد أهل السنة ثمنها.
نعد بإحراق الكتب التي طبعت في رد عقائد الشيعة في الدول الإسلامية وكذلك نريد أن يحرق الإيرانيون كتب الشيعة التي طبعت في أقطار العالم ضد عقائد أهل السنة بأمر من الإمام الخميني(2).
أعطاء أهل السنة الفرصة في إذاعة خطبة الجمعة في إيران مرة كل شهر حسب النسبة التي يشكلها أهل السنة من سكان إيران.
لا بد للإمام الخميني أن يصدر تعليماته،لإعطاء مقاعد في جميع إدارات الحكومة الإيرانية لأهل السنة حسب عددهم في الوزارات، والبرلمان ولمجالس العليا، في كل شؤون الحياة.
إذا كانت الثورة الإيرانية ثورة إسلامية فبأي دليل كتب في دستورها أن يكون المذهب الرسمي للدولة الإيرانية شيعياً، ورئيس الدولة لإيران ورئيس الوزراء من الشيعة حتماً.
__________
(1) إن هذه التوصية العلنية من مؤتمر منعقد في طهران تحت سمع الخميني وبصره تؤكد موقف الخميني من الخلفاء الراشدين، وإلاّ ملما تجرأ المؤتمرون أن يطالبوه بهذا المطلب المتضمن فقط الاعتراف بأن الخلفاء الراشدين الثلاثة مسلمون.
(2) بعد هذه التوصيات بمدة صدر في إيران كتاب بعنوان النفاق والمنافقون لشخص يدعى (ع) هاشمي تحدث فيه عن النفاق وجعل المنافقين طبقات حسب شدة نفاقهم، وعد في الطبقات الأولى الخلفاء الراشدين، وبعض أمهات المؤمنين كعائشة وحفصة ثم أبو عبيدة، وعبد الرحمن بن عوف، والزبير بن العوام، وغيرهم من الصحابة الكرام البررة.(12/43)
ومن ثم فعلى الخميني تعديل هذين البندين، وإصدار قرار بأن الدين الرسمي للدولة هو الإسلام، مطابقاً لكتاب الله، وسنة رسوله، وأن يكون رئيس الدولة والوزراء من أهل السنة، ومن الشيعة دون تفريق، أو تحديد.
لم تكتف الحكومة الإيرانية برفض توصيات هذا المؤتمر، وإنما منعت توزيعها، وقامت باعتقال بعض المشاركين، في المؤتمر من أهل السنة الإيرانيين.
وكتب الشيخ العالم محمد سعيد بانو من جنوب إفريقيا تقريراً بعنوان تسعة أيام في إيران، لخص فيه المشاكل التي تواجه أهل السنة هناك ومما جاء في هذا التقرير ما يلي:
قلة ممثلي أهل السنة في إيران ، فلهم أربعة عشرا مقعداً من مائتين وسبعين مقعداً، أي نسبة 5% مع أنهم يمثلون 25 %(1) وليس بينهم وزراء ولا نواب وزراء.
العمل بالمذهب الشيعي في القضاء.
الكبت، فأبرز علماء أهل السنة – ومنهم أحمد مفتي زاده – مع حوالي ألفي مفكر سني يعيشون داخل السجون الإيرانية.
عدم وجود مساجد للسنة في طهران، مع السماح ببناء معابد لأتباع الديانات الأخرى.
الدعوة ضد المذهب السني، في وسائل الإعلام، فالشيعة يكرهون الصحابة، وخاصة الخلفاء الثلاثة الأول.
النظام التعليمي متحيز للمذهب الشيعي.
التمييز في التعامل حيث يجد السنة صعوبة في الحصول على عمل بعكس الشيعة.
ونورد أيضاً بعض ما جاء في تقرير كتبه الشيخ زاهد الراشدي نائب الأمين العام لجمعية علماء الإسلام بباكستان الذي زار إيران ضمن وفد مؤلف من خمسة عشر عالماً ومفكراً، كانت الزيارة بدعوة رسمية من الحكومة الإيرانية وتمت في الفترة ما بين 1/1/1987 – 12/1/1987.
بدأ الشيخ تقريره بشكر الحكومة الإيرانية على حسن الاستقبال، وكرم الضيافة، وذكر بعض التصرفات المريبة التي حدثت له لي أثناء الزيارة، ثم قال:
__________
(1) أثبتنا سابقاً أن نسبة أهل السنة 35% من مجموع السكان.(12/44)
((وبعد هذا العرض الموجز اذكر تلك المصائب والمشاكل التي تواجه أهل السنة في إيران، ويظهر في ضوء ما يعامل زعماء الثورة الإيرانية أهل السنة أنه لا منفذ لحل هذه المشاكل حالياً،ويمكن أن نلخص أهم ما ورد في هذا التقرير بما يلي:
ليس لأهل السنة أي وزن سياسي، في مناطقهم لأن نظام الحكم نظام مركزي موحد.
لا يوجد لأهل السنة مسجد واحد في عاصمة إيران، مع وجود عدد كبير لأهل السنة فيها، وذلك لعدم سماح الحكومة ببناء مسجد لهم.
نسبة أهل السنة في الوظائف الحكومية المهمة، والمناصب الحساسة، ضئيلة جداً ولا تستحق الذكر، وتسعى الحكومة الإيرانية لإبعاد أهل السنة من الوظائف بشتى الطرق.
المناطق التي أكثرية سكانها من أهل السنة، يتولى المناصب العليا فيها الشيعة ومن غير سكانها.
تخطيط توسعة إسكان غير أهل السنة في المناطق التي أغلبية سكانها من أهل السنة، وقد فادنا بذلك كبار زعماء أهل السنة، وأبدوا تخوفهم الشديد من الخطة التي يطبقونها، في مقاطعتي بلوشستان، وكردستان بأنه لو استمرت الأحوال هكذا سوف تتحول المنطقتان المذكورتان من أكثرية إلى أقلية خلال عشر سنوات(1).
منحت السلطة الأقليات في إيران حق تشكيل منظمات حسب القانون الأساسي إلا أهل السنة فإنهم محرومون من هذا الحق، وقد حاول أحد كبار زعماء أهل السنة أحمد مفتي زاده إنشاء منظمة تجمع أهل السنة باسم مجلس الشورى المركزي لأهل السنة، إلاّ أنه سجن، وما زال في سجنه يعاني آلاماً شديدة(2).
كما ألقى القبض على كبار علماء السنة، مثل الشيخ دوست محمد البلوشي، والشيخ محي الدين البلوشي، والشيخ محمد البلوشي.
__________
(1) حدث هذا في مدينة زاهدان السنية حيث أصبح فيها أهل السنة أقلية بعد أن كانت تخلو من الشيعة والانتخابات البرلمانية قبل الماضية أكدت هذا الأمر بجلاء.
(2) اعتقل الشيخ أحمد مفتي يوم الاثنين 10/11/1404هـ وما زال في السجن. (قتلته الحكومة الإيرانية فيما بعد. الراصد)(12/45)
يعاني أهل السنة من مشاكل جمة في التعليم، فأبناؤهم لا يقبلون في الجامعات والتعليم الديني لأهل السنة يواجه عقبات كثيرة، ولا يسمح لأبناء أهل السنة بالدراسة في الخارج، في حين تستقبل السلطة في إيران عشرات الطلاب، من خارج إيران للدراسة فيها.
واختتم الشيخ الراشدي تقريره بنداء إلى العالم الإسلامي لنجدة إخوانهم أهل السنة في إيران قال فيه: (وإني أرى من الواجب عليّ أن ألفت أنظار العالم الإسلامي، منظمات وجمعيات، ومفكرين نحو إخوانهم الأشقاء أهل السنة في إيران.
أختتم مقالتي هذه راجياً من كرم الله عز وجل، وفضله أن يتخذ العالم الإسلامي رأياً موحداً بصوت واحد نحو إخوانهم أهل السنة في إيران، الذين حرموا حقوقهم، ويجب أن ترفع أصوات العالم الإسلامي مناشدة زعماء الثورة الإيرانية منح أهل السنة حقوقهم المشروعة حتى يعيشوا معززين مكرمين).
وتحدث الأستاذ فهمي هويدي في كتابه إيران من الداخل عن طرف من أحوال أهل السنة في إيران فقال: إن من يستعرض خريطة السلطة في إيران لا بد أن يلحظ على الفور أن ثمة غياباً كبيراً للسنة، بالأخص في قطاع السلطة التنفيذية، حيث لا وزير ول ا سفير، ولا حتى مدير من أهل السنة، وإذا كان قضاء المناطق السنية قد أنيط بهم، فإن حضورهم رمزي إلى حد كبير في مجال السلطة التشريعية، فعدد ممثليهم إثنا عشر من بين مائتين وسبعين عضواً في مجلس الشورى مما لا يتيح لهم فرصة التأثير حتى على مستوياتهم المحلية.
وقد ساق هويدي عدة مبررات للسلطة الإيرانية في موقفها من أهل السنة فذكر مراعاة الشعور العام الشيعي، ومنها موقف الحكومات العربية السنية من الثورة، ومنها مبالغة أهل السنة في مطالبهم.(12/46)
ولكنه رغم هذا التبرير المتكلف، والدفاع البارد عاد ليقول: (نستطيع أن نسوق الكثير من الأسباب والعوامل التي تساعدنا على فهم الموقف بالصورة التي آل إليها، لكن ذلك لا يغير من طبيعة النتيجة، ومن حاجة موضوع السنة إلى المزيد من العناية والانتباه، والجهد من جانب السلطة في إيران، وذلك أنه لا مجال للأعذار في العمل السياسي)(1).
كما أصدر مكتب قرآن، وهو المرآة التي تعكس آمال وآلام أهل السنة في إيران، عدة بيانات تحدث فيها عن الأحوال السيئة، التي يعاني منها أهل السنة، ووجه رئيس المكتب ومفتي أهل السنة في إيران الشيخ أحمد زاده رسائل إلى القادة الإيرانيين أمثال الخميني، وأبو الحسن الصدر، وعلي خامئني وغيرهم، حمّلها سخط أهل السنة بسبب سوء المعاملة التي يلقونها، والممارسات العدوانية التي يتعرضون لها.
وقد طالب مكتب قرآن في بياناته، ورسائله برفع الظلم، عن أهل السنة وبوقف الاعتداءات على أرواحهم، وأعراضهم وأموالهم، وبإطلاق سرح آلاف المعتقلين من أبناء وبنات أهل السنة.
ولقد باءت هذه الجهود بالفشل، بسبب تجاهل الكبار، وتجاوزات الصغار وزج بكبار أعضاء المكتب في السجون، وليس في الأفق ما يشير إلى تبدل الأحوال.
قد يسعى بعض أهل السنة من بني جلدتنا إلى تلمس الأعذار للحكومة الإيرانية في تضييقها على أهل السنة في إيران، فيدعون أن أهل السنة هناك، وقفوا من الثورة التي أطاحت بالشاه موقفاً سلبياً، وأن لهم اتصالات مع جهات أجنبية، وأن بعضهم يطالب بالاستقلال عن إيران.
ولو صحت هذه الاتهامات الموجهة لأهل السنة، لما جاز أن تتخذ ذريعة للتنكيل بثلاثة عشر مليون مسلم سني، فكيف وهي محض افتراء.
لقد أثبتت الوقائع أن أهل السنة في إيران وقفوا إلى جانب الثورة قبل بدايتها، ومن المؤكد أنه جرت اتصالات، ومشاورات بين الشيخ أحمد زاده والخميني، قبل نجاح ثورة الأخير بثمانية عشر شهراً.
__________
(1) إيران من الداخل ص 358- 359 فهمي هويدي.(12/47)
وكان زاده يسدي النصائح للخميني، ويقدم له المشورة، وقد تبادلا بهذا الشأن رسائل عدة كان يحملها أعوان الخميني، عندما كانوا يمرون بمدينة ساناندج مقر الشيخ زاده متوجهين إلى العراق لمقابلة الخميني.
وقد استطاع الشيخ زاده أن يقنع أهل السنة في كردستان، وفي غيرها من مناطق أهل السنة بضرورة الوقوف مع الثورة، ومساندتها بكل الإمكانات، وزعماء الثورة وعلى رأسهم الخميني يعلمون هذه المواقف جيداً.
ولم يكن بإمكان أهل السنة أن يقفوا غير هذا الموقف لسببين هما:
سخطهم على الشاه الذي أفسد البلاد وقهر العباد، بخاصة أهل السنة، فقد كانت مناطقهم مهملة تماماً، وتفتقر إلى كل ما يحتاج إليه الإنسان، فكانوا والحالة هذه راغبين في التغيير، ومستعدين إلى مساندة كل من يسعى لإسقاط نظام الشاه.
أنهم كانوا يحسنون الظن بالثورة وبزعمائها الذين كانوا يخفون نواياهم، ويخطبون ود أهل السنة بالوعود، ويعدون الناس بإقامة دولة إسلامية غير مذهبية، مما جعل أهل السنة يقفون مع الثورة، ويساندونها منذ بدايتها، ولكن السلطة الإيرانية تنكرت بعد أن تمكنت، وكان جزاء أهل السنة كجزاء سنمار.
أما اتهام أهل السنة في إيران بأن لهم صلات مع جهات خارجية بهدف التعاون على زعزعة الأمن، والاستقرار، في إيران فهي مقولة تدعو إلى الضحك والأسى في آن واحد.
إن السلطة الحاكمة في إيران تعلم جيداً أنه ليس من يد تمتد لأهل السنة، من خلال معرفتها بالجهات التي يمكن أن تكون عل صلة بأهل السنة، فهم إمّا صديق جاحد يقدم مصالحة، وإما أخ عاجز يسأل السلامة لنفسه، ويخشى أن تدور عليه الدوائر.
أما لحديث عن محاولات بعض مناطق أهل السنة الانفصال عن إيران فهو حديث قديم، فإن الحركة الانفصالية الكردستانية موجودة منذ عهد الشاه، وكان الحزب الكردي الديمقراطي يقاتل من أجل الانفصال قبل ظهور الثورة بسنوات.(12/48)
ولم يكن هذا الحزب ذا صبغة إسلامية، بل كان مدعوماً من الاتحاد السوفيتي الذي كان حريصاً أن يجعل له قدماً في إيران المجاورة بخاصة أنها كانت قاعدة عسكرية أمريكية.
وقد استطاع الجيش بعد الثورة، أن يقضي تقريباً على الحزب الكردي بأمر من الخميني الذي قال: إنه مستعد للذهاب بنفسه إلى كردستان إذا لمس تقصيراً من الجيش في القضاء على الانفصاليين الأكراد الذين وصفهم بأنهم كفرة ينبغي قمعهم بقسوة، وكان له ما أراد !!..
أما بالنسبة لبقية أهل السنة في المناطق الأخرى، بخاصة جماعة مكتب قرآن فلم يحدثوا أنفسهم بمقاومة السلطة، رغم الظلم الواقع عليهم، وقد صرح الشيخ زاده بأن السلطة في طهران تسعى لجرنا إلى إعلان الحرب عليها لتجد مبرراً للقضاء علينا.
وقد أكد الشيخ مرارًا لأتباعه بأن المرحلة التي يمرون بها تشبه المرحلة المكية، والتي كان يقو فيها الرسول صل الله عليه وسلم لآل ياسر: صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة.
وقال الشيخ زاده موجهاً كلامه إلى الخميني (وليعلم الذين يريدون أن يضطرونا إلى الاشتباك المسلح معهم بطريقة أو بأخرى إنهم كمن يحاول الاصطياد في عرين الأسد) (1).
وقد حاول الخميني في لقاء له مع الشيخ زاده، أن يستفزه ويدفعه إلى مقاومة السلطة حين قال له: أمامك الجبال، وأتحداك أن تعلن الجهاد، ضدنا، فرد عليه الشيخ قائلاً: لن أقاتلك، ولن أشهر السلاح في وجهك، لأنه يعي جيداً أن السلطة في طهران تتربص بهم الدوائر.
ويعي جيداً أيضاً أنهم لا يملكون من وسائل المقاومة شيئاً، وأن معركتهم مع السلطة غير متكافئة، وليس ثمة ما يدعو لها، وهناك من الوسائل ما لم يستنفذ بعد، ومن أبرزها وساطة وجهود قادة أهل السنة الذين تجمعهم صلة بالسلطة الإيرانية.
__________
(1) من بيان رقم 2 الصادر عن مكتب قرآن بتاريخ 4/11/1402 هـ.(12/49)
لو أن الظلم الواقع على أهل السنة في إيران كان نتيجة ممارسات فردية صادرة عن شواذ لهان الأمر لأن مثل هذه التصرفات قد تحدث بين الطائفة الواحدة، لكن الذي يحدث يتجاوز الممارسات الفردية من حيث التنظيم له، ودعمه من أصحاب القرار.
ولو كانت هذه المعاملة مواقف عابرة، وأحداث طارئة، وليدة ظروف خاصة، لأمكن أن يُلتمس لها عذر، ويُرجى زوالها، لأن الثورة وهي تمكن لنفسها قد ترتكب بعض الأخطاء حتى في حق أصحابها، غير أن الظلم الذي يتعرض له أهل السنة يزداد يوماً بعد يوم، وخاب من ظن أنه سحابة صيف.
ويضاف إلى ذلك أن الدستور رعى هذه التفرقة، حين هيّأ الأجواء لها بما تضمنه من بنود تنص على مذهبية الدولة، وتحدد وجهتها، فأغلق بذلك الطريق أمام من قد يسعى لرفع هذا الظلم، أو يفكر في انتقاده بحجة أنه مخالف للدستور ومعارض للقوانين.
إن الشرع الحنيف لا يقر بأية حال من الأحوال الممارسات غير المشروعة التي يقوم بها الشيعة ضد السنة، أو يقوم بها السنة ضد الشيعة، فإذا كان الشرع قد كفل حقوق اليهود والنصارى في الدولة الإسلامية، فمنحهم حرية العبادة ولم يكرههم على توجه معين، وحفظ لهم أموالهم، وأنفسهم، وحذر من ظلمهم والاعتداء عليهم، أفلا يكون من باب أولى أن يسع أهل القبلة الواحدة مراعاة هذه الحقوق فيما بينهم.
إن الظلم ظلمات، وتشتد ظلمته إذا كان بين ذوي القربى، دونما سبب يذكر، ولعل العقلاء يدركون العواقب الوخيمة التي قد تترتب على هذه التصرفات، وما زال في الوقت متسع.
الثورة الإيرانية بعد 25 عاماً... تحولات الدولة والمجتمع
سامح راشد
السياسة العربية – العدد 157 يوليو 2004(12/50)
يمر هذا العام خمسة وعشرون عاماً على قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979ويسعى هذا المقال إلى النظر بتأمل إلى التحولات والتغيرات التي شهدتها إيران خلال هذه الفترة, ومحاولة تحديد مدى اقتراب هذه التحولات أو ابتعادها بالثورة الإسلامية عن مسارها الذي بدأته قبل ربع قرن, دون انزلاق في سرد حصري لما جرى في إيران منذ قيام الثورة ودون اقتصار على سمات وخصائص ثابتة في المجتمع الإيراني.
إن الغاية الرئيسية المرجوة من هذه السطور ليست مجرد الوقوف على الأسباب المباشرة للتحولات الإيرانية, وإنما بالأحرى التعرف على عوامل وخلفيات قد لا تبدو ظاهرة للعيان, لكنها قائمة وفاعلة. فالهدف ليس مجرد رصد التحولات وإنما النظر لما وراءها.
هل حقاً إيران نموذج فريد من نوعه؟
شأن أي دولة, هناك عدد من المحددات والعوامل الحاكمة تؤثر في توجيه دقة الأمور في إيران. ومن الطبيعي أن تشترك إيران في بعضها مع كثير من بلدان العالم لكنها تحتفظ بخصوصية في البعض الآخر, ومن تلك المحددات والعوامل طبيعة النظام السياسي الإيراني, الذي يمزج بين العقيدة والسياسة, حيث تلعب القيم الدينية والتعاليم الفقهية دوراً رئيسياً في تحديد التوجهات والسياسات نتيجة التداخل بين رجال الفقه والسياسة, أو بمعنى أدق اختفاء الحدود الفاصلة بينهما, فالمدارس الفقهية (الحوزات) هي المورد الأكبر للساسة ورجال الحكم انطلاقاً من إعمال مبدأ ولاية الفقيه كجوهر لنظام الحكم.(12/51)
ولابد من الإشارة إلى أن تلك الخصوصية لا ترتبط بالمبدأ في حد ذاته وإنما في كيفية تطبيقه وما يعكسه عند الممارسة السياسية العملية من تعاليم وأفكار دينية وروحية. فالدولة الإسلامية على وجه العموم لا تفرق بين الدين والسياسة وتجعل التعاليم الدينية هي الموجه والمحرك للممارسات السياسية, كما تمثل معيار تقييمها, والأمر ذاته ينطبق على حالات أخرى غير دينية فتركيا على سبيل المثال تتخذ من العلمانية عقيدة لها وتمثل المحرك والمقياس لتوجهات الدولة. وما يتفق وتعاليم الإسلام وفق المذهب المتبع في إيران, يحظى بموافقة رجال الفقه وبالتالي تكسبه الشرعية الدينية. ومن ثم السياسية تماماً كما هو مصير كل ما لا يتفق ومبادئ العلمانية حسبما يؤمن بها رجال الجيش والحكم في تركيا ففقدان الروح "العلمانية" يؤدي بالضرورة إلى غياب الشرعية السياسية. المغزى هنا أن السياسة الخارجية الإيرانية لا تختلف عن غيرها من الدول في المنطلقات والأسس لكنها تختلف في مضامين هذه المنطلقات وتفصيلات تلك الأسس.
وعلى هذا الأساس ليس صحيحاً أن ما يطلق عليه النموذج الإيراني هو حالة فريدة من نوعها في العالم وأن طهران تقدم للعالم مثالاً ناجحاً وحيداً للدولة الإسلامية, فحقيقة الأمر أن الدولة الإيرانية القائمة حالياً ليست إلا أحد أشكال نظم الحكم المتعارف عليها في أدبيات علم السياسة والمعروف بالدولة الدينية (الثيوقراطية) حيث القيمة العليا للمبادئ والتعاليم الدينية, وبالتالي فإن الغلبة في موازين القوى لمن هم أقرب إلى تلك التعاليم وأدرى بها وهم علماء الدين ورجال الفقه.(12/52)
لكن هذا لا يعني أنه لا يوجد فارق حقيقي بين الحالة الإيرانية وغيرها, فهناك بالطبع فوارق واضحة فالتأكيد على أن طهران ليست حالة فريدة أو غير مسبوقة ينسحب على الأساس الذي تقوم عليه تركيبة النظام السياسي وليس على مضمون ومفردات هذا النظام, وهنا يأتي التميز الإيراني بمعنى أن الاختلاف يأتي من تفاصيل مبدأ حكم رجال الدين وهي مترتبة بالضرورة على أحكام المذهب الشيعي الإثنى عشري الذي تتبعه إيران حالياً وإعلاء مكانة الولي الفقيه على غيرها من ركائز الحكم.
التغير في المواطن والمجتمع:
نجمت موجة التغير التي تجتاح طهران عن تطورات تراكمت في مسارين يبدوان في الظاهر متعارضين, الأول: أن هذه التحولات نتيجة غير مباشرة للوضع الذي ساد عقب قيام الثورة قبل خمسة وعشرين عاماً أي نتيجة التراكم التدريجي في أساليب إدارة الحكم وترسيخ أنماط معينة من ممارسة السلطة على مدى ربع قرن, وجوهر هذه الأنماط إخضاع جميع أوجه الحياة في الدولة والمجتمع لمقتضيات مرحلة تثبيت الثورة والقضاء على أعدائها, وأدت هذه العوامل إلى إيجاد مجتمع تواق إلى الحرية في حالة ترقب دائم للمستقبل يعاني من معضلات هيكلية في معظم مناحي الحياة اليومية, تشمل البطالة وانخفاض مستوى الدخل وتقلص القاعدة الاقتصادية بصفة عامة, أي بإيجاز حالة من الجمود والتكلس في شرايين الدولة وأوردة المجتمع.(12/53)
المسار الثاني هو النقلة الهائلة التي تجتاح العالم في مجال الاتصالات, مما يحد تماماً من قدرة أي نظام حاكم على حرمان مواطنيه من متابعة ما يجري في العالم أو العكس, مما من شأنه أن يجعل النظرة للأوضاع في المجتمعات الأخرى دائماً نظرة مقارنة بما يؤدي بدوره إلى اختراق أنماط الثقافة والفكر الخارجية للنسيج الاجتماعي, خاصة إذا صوحبت هذه العملية بتغير في تركيبة المجتمع وتكوينه وهو ما ينطبق تماماً على المجتمع الإيراني. فقد شهد تغيرات هيكلية أبرزها التغير في التركيبة السكانية خاصة بالنسبة للعمر والجنس فنتيجة سنوات الحرب الطويلة مع العراق وتجنيد أعداد ضخمة من الرجال والشباب, خرجت نسبة كبيرة منهم من نسيج المجتمع بالقتل أو الأسر أو الاختفاء في الحرب, مما أدى إلى اختلال التوازن بين الجنسين حيث تزايدت نسبة النساء بين أفراد الشعب عما كانت عليه قبل الحرب, مما يفسر بدوره بعض أسباب صعود دور المرأة في السنوات التالية للحرب.
وكذلك بالنسبة للشرائح العمرية حيث يمثل الشباب دون سن الخامسة والعشرين الغالبية العظمى من عدد السكان وتلك الغالبية لا تعرف شيئاً عن مرحلة ما قبل الثورة ولا عن مراحلها الأولى الأشد ثورية وعنفواناً إلا ما تقدمه الملفات الوثائقية وما يدرس في مراحل التعليم كجزء من التاريخ, وهو ما انعكس بشكل واضح على التوجهات السياسية لهم.
لقد ساعد كل ذلك على تغير اتجاهات الرأي العام الإيراني بالابتعاد عن الانغلاق الجامد على أفكار ومفاهيم لا تلائم العصر, ومن الواضح أن هذا التقابل بين مدخلات الحياة السياسية والاجتماعية ساعد على تفاعلها وإفرازها للنتيجة ذاتها, فالتناقض الواضح بين حالة الانغلاق ومراوحة المكان والانفتاح الكبير الذي يجتاح العالم إعلامياً ومعلوماتياً, ساعد على اندفاع الإيرانيين للخروج من القوالب المفروضة عليهم والسعي حثيثاً إلى اللحاق ببقية الشعوب.
تغير الساسة والسياسة:(12/54)
لم يتوقف تنازع السلطة بين الإصلاحيين والمحافظين منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران قبل ربع قرن. لكن القوى والتيارات السياسية التي وجدت وقت قيام الثورة لم تكن مصنفة وموزعة بالشكل القائم حالياً, فباستثناء بعض القوى اليسارية التي تضاءل وجودها تدريجياً ظلت خريطة القوى السياسية على مدى يقترب من عقد ونصف عقد من عمر الثورة موزعة بين موقفين واضحين بينهما مسافة شاسعة: إما مع الثورة تماماً أو من أعدائها إطلاقاً وكان أصحاب الموقف المؤيد للثورة هم الأغلبية عدداً وعدة, لذا كانت المحصلة العامة أن الاختلاف والتباين في الآراء والتصورات حول كيفية تحقيق أهداف تلك الثورة ونشر مبادئها محدوداً وكانت الرؤى المخالفة تنطوي تحت عباءة الثورة, إما بالتخلي عنها أو بتصفية أصحابها دون السماح بخروجها إلى النور.
وشأن أي ثورة, شهدت الثورة الإسلامية في إيران خلافات داخلية وصراعات داخل القوى التي قامت بها فمعروف أن العداء لنظام الشاه استقطب مختلف القوى والتيارات من شيوعية إلى إسلامية إلى ليبرالية. وبعد أن نجحت الثورة وسقط النظام انعكست الاختلافات بين رؤى وتوجهات تلك القوى على خريطة الحكم والحياة السياسية, فراح التيار الإسلامي بقيادة الإمام الخميني يقصي القوى الأخرى تدريجياً ليس بإبعادها عن السلطة وحسب بل بمحاولة استئصالها من الحياة السياسية وحرمانها من شرعية الوجود الرسمي (مثال ذلك حركة حرية إيران).(12/55)
في الوقت ذاته, دبت خلافات داخل النخبة الحاكمة الإسلامية نفسها وتنوعت هذه الخلافات بدءاً من كيفية التعامل من القوى والتيارات الأخرى التي شاركت أو –على الأقل- أيدت الثورة وامتدت إلى شئون الحكم حتى وصل الأمر إلى الاختلاف حول مسائل جوهرية مثل مبدأ ولاية الفقيه الذي لم يكن مقرراً العمل به وظل محل سجال داخلي على مستوى قيادات الثورة, حتى حسم الخميني الأمر لصالح تفعيله واتخاذه منطلقاً لروح النظام السياسي للجمهورية الإسلامية.
أي أن اختلاف المشهد الحالي في إيران ليس في مبدأ وجود تباينات أو اختلافات بين رؤى وأفكار, وإنما في طبيعة تلك الأفكار من جهة وكيفية التعاطي من قبل جميع الأطراف مع ذلك التباين بعبارة أخرى التنازع السياسي قائم منذ بداية الثورة, والتحول طرأ على قضايا ذلك الصراع وكيفية إدارته مع التسليم بأن التحول في هذين الجانبين انعكس بالطبع على اشتداد حدة الصراع واتساع الفجوة بين أطرافه بدرجة كبيرة تدفع إلى الظن أحياناً بأنه جديد أو أن السنوات السابقة لم تشهد سوى توافق وانسجام بين رموز النظام والطبقة الحاكمة والمجتمع, لكن هذا غير صحيح.
ما حدث طوال العقد الأول من عمر الثورة أن الحرب مع العراق استغرقت جل قدرات وتركيز الدولة الإسلامية الوليدة وظل صوت المعركة أعلى مما عداه, حتى تواكبت وفاة الخميني وتولي علي أكبر هاشمي رافسنجاني رئاسة الجمهورية مع انتهاء الحرب ثم حرب الخليج الثانية في قتال تاريخي ترك بصمات قوية على أداء النظام الإيراني داخلياً وخارجياً.(12/56)
فقد عادت إيران داخلياً إلى مرحلة بناء الدولة وإحياء قدراتها التي استنزفتها الحرب, فأصبح التركيز على الاقتصاد أكثر من السياسة (وهو ما يتوافق أيضاً مع طبيعة رفسنجاني وخلفيته الشخصية المهنية). وخارجياً انكفأت إيران تماماً على السعي نحو تحقيق مصالحها الاستراتيجية العليا كدولة محوطة ببيئة إقليمية متحركة وقلقة وبيئة عالمية غير متوازنة ليتكرس التراجع عن تطلعات النفوذ الإقليمي وليصل مبدأ تصدير الثورة الإسلامية إلى حالة من التجمد بعد أن كان قد انحسر تماماً نتيجة الانشغال لسنوات طويلة في الحرب مع العراق.
ومن المفارقات أن هاشمي رفسنجاني –الذي يعد في حقيقة الأمر أول من دشن مرحلة الإصلاحات في إيران- لم تتح له الفرصة ليحصد نتائجها بل ولا ليكملها, فالسنوات الثماني التي قضاها في رئاسة الجمهورية (1989-1997) لم تكن كافية بالطبع لتغيير تراكمات وتطورات مفصلية تلاحقت على إيران, ثورة ثم حرب مع العراق ثم انتهاء الحرب الباردة وسقوط القطب السوفييتي وانقلاب الأوضاع عالمياً ثم حرب الخليج الثانية وانقلاب الأوضاع إقليمياً.
لذا, جاءت انتخابات الرئاسة عام 1997 في ظروف مهيأة تماماً لقيادة جديدة لمرحلة جديدة فبعد أن لعبت الاعتبارات السياسية داخلياً وخارجياً دورها وكانت لها الغلبة لما يقرب من عقدين من عمر الجمهورية الإسلامية كان الوقت قد حان لتلعب الاعتبارات الاقتصادية والاجتماعية دورها هي الأخرى, فتقدم الشعب الإيراني أخيراً لينهي في صناديق الاقتراع مرحلة من الصمت والتشبع ويرفع في الوقت ذاته الغطاء عن تململ وضيق تراكما لديه طوال هذه السنوات.
كان الشعب الإيراني ينتظر ظهور محمد خاتمي, وتوافقاً مع الحس الديني لدى الإيرانيين بدا خاتمي كأنه "الإمام الغائب" المنتظر, وساعد على إكتسابه تلك الشعبية وفوزه في سباق الرئاسة الصعب سماته الشخصية وخلفيته الثقافية والفكرية المتميزة مقارنة بمنافسين عتاة لكن تقليديين.(12/57)
وكان خاتمي على قدر من الذكاء دفعه إلى تبني خطاب سياسي موجه للشعب أولاً وأخيراً, متضمناً رسالة جديدة هي أن الاحتكام ينبغي أن يكون لمرجعية جديدة هي الشعب, وفوجئ أنصار التمسك بمبادئ الثورة وتطبيقها حرفياً (المحافظون) بأن رهان خاتمي على رجل الشارع الإيراني كان في محله وأن اللجوء إلى المواطن العادي حمل خاتمي إلى مقعد الرئاسة وتجاهل رجال الدين ورجال البازار وغيرهم من أصحاب النفوذ والسطوة تقليدياً.
من هنا, كانت محاولات المحافظين كبج جماح هذا الاتجاه فجاءت الحملة المستمرة على الصحافة والصحفيين وإحكام السيطرة على وسائل الاتصال الأخرى خاصة الإذاعة والتلفزيون إلى غير ذلك من محاولات قطع أو تقييد الاتجاه المتنامي إلى تعريف وتوعية المواطنين من خلال وسائل الإعلام.
وفي الفترة الماضية كانت الخلافات تتأجج والصراعات تنكشف أمام قضايا أو مواقف تواجه الدولة والمجتمع وتختلف التيارات المتصارعة حول أسس ووسائل تلك المواجهة وأمثلة ذلك عديدة منها تكرار أزمة الاحتجاجات الطلابية (1999 و 2003) وعمليات الاغتيال لمفكرين ومثقفين والخلاف حول الوضع الاقتصادي وكيفية الخروج من حالته المتردية وقضايا أخرى خارجية مثل العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية والعلاقة مع العراق (قبل الاحتلال) والموقف من تداعيات تفجيرات سبتمبر والحرب على الإرهاب, ثم أخيراً الموقف من احتلال العراق.(12/58)
في جميع هذه القضايا, وضح الاختلاف والتباين في التقييم والرؤية للموقف المطلوب اتخاذه, لكن ظل الخلاف محصوراً في نطاق قضايا وموضوعات تستجد على الساحة السياسية إلى أن بدأت عوامل التحول في المجتمع تتفاعل وتؤتي مخرجاتها لتؤثر جذرياً على ما يفرزه المجتمع من أفكار وقوى وقنوات للتفاعل الداخلي, فكان من الطبيعي أن تسفر مساعي كل من التيارين المتصارعين لتوظيف الوسائل المتاحة له عن نجاح التيار القادر على الاستجابة لهذه التفاعلات وضخ دماء جديدة في قنوات التواصل مع المجتمع وهو ما تجسد في نجاح الإصلاحيين في تحقيق شعبية ومساندة جماهيرية تتزايد باستمرار من خلال الصحف والمطبوعات... الوسيلة الإعلامية المتاحة أمامهم.
من هنا بدأت تزداد أهمية الصحافة كوسيلة للتعبير وبلورة اتجاهات المجتمع وردود فعله على الواقع بشتى جوانبه وكانت الصحف القناة الأوسع والأقرب لكثرتها واتساعها لتشمل كافة التيارات والأفكار وكذلك لكونها القناة الأقل إحكاماً في السيطرة عليها من قبل النظام.
ووجه الخطورة التي استشعرها قادة الرموز القدامى من الصحافة أن قدرتهم على المنافسة فيها أقل كثيراً ممن يعتبرونهم "أعداء الثورة" حيث لا قيود ولا رادع وهامش الحركة والكتابة مفتوح إلى حد كبير, الأمر الذي انعكس على رد الفعل من قبل هؤلاء المحافظين تجاه دخول الصحافة كوسيلة لإدارة الصراع. فبدلاً من استخدام الوسيلة ذاتها كان اختيارهم هو محاولة تدمير هذه الوسيلة وقطع قناة الاتصال بين القلة أصحاب الأفكار الجديدة والشعب وكانت البداية بتوجيه انتقادات ضمنية ثم علنية لبعض الصحف ثم محاولات رفع غطاء الشرعية عنها باتهامها والقائمين عليها بالعداء للثورة ومحاولة هدمها والعمالة للأعداء الخارجيين.(12/59)
ومع إخفاق هذه السياسة المحافظة في تحقيق أغراضها نتيجة عدم القدرة على التحكم في أعداد وتوجهات الصحف والمطبوعات, انتقل المحافظون إلى خطوة أبعد وهي التقييد القانوني لهذا الانفتاح, وتمثل ذلك في ممارسات تشريعية تحد من هذا التدفق في حرية الصحافة والإعلام استناداً إلى سيطرة شبه كاملة على مؤسستين من أهم المؤسسات في تركيبة النظام السياسي الإيراني هما: مجلس الشورى الخامس (1996-2000) والمؤسسة العدلية (القضاء).
وعلى هذا الأساس, وضح أن الاتجاه العام في المجتمع يسير لصالح فكر التغيير والإحلال, والدليل الأوضح على ذلك أنه بعد ثلاث سنوات من حكم خاتمي ورغم العقبات التي واجهته بدءاً بانتقادات حادة تتهمه بعدم وجود برنامج واضح لديه في بعض المجالات كالموضع الاقتصادي وانتهاء بعدم قدرته على تحقيق ما أعلنه من إصلاحات فإن الشعب الإيراني اختار أصحاب هذا الفكر التغييري في الانتخابات التشريعية لمجلس الشورى السادس (2000-2004) ليدخل للمرة الأولى في مؤسسات الدولة الرئيسة أغلبية جديدة تنتمي لهذا الفكر.
حرب المؤسسات:
لكن التطورات كشفت عن تغير جوهري في مسار الأحداث, فبعد أن كانت المواجهات تحدث حول القضايا والموضوعات محل الخلاف ثم انتقلت إلى وسائل وأدوات إدارة هذا الخلاف, راحت تنتقل إلى الأجهزة والمؤسسات وتزامنت هذه النقلة مع هيمنة التيار الإصلاحي على مجلس الشورى السادس ثم إعادة انتخاب محمد خاتمي لفترة رئاسة ثانية في مايو 2001, فمن ناحية سارع الإصلاحيون إلى محاولة الاستفادة من سيطرتهم على مجلس الشورى السادس وتقنين وتشريع أفكارهم وسياساتهم. ومن ناحية أخرى كان تراجع نسبة التأييد التي حصل عليها خاتمي في انتخابات 2001 مقارنة بانتخابات 1997 بمثابة جرس إنذار له وللإصلاحيين بضرورة تسريع وتيرة الإصلاح وتطبيق الأفكار التي حمل الشعب خاتمي إلى مقعد الرئاسة ليحققها.(12/60)
وبعد أن كان رموز التيار المحافظ يعتمدون على أغلبيتهم في مجلس الشورى –إضافة إلى سيطرتهم على مؤسسات أخرى سيادية- في تكييل الضربات للإصلاحيين اختل التوازن بالسيطرة شبه الكاملة لهؤلاء الإصلاحيين "أعداء الثورة" على مجلس الشورى السادس ليس هذا وحسب بل مضى الإصلاحيون سريعاً إلى رفع القيود التشريعية التي كان يفرضها عليهم المحافظون من خلال المجلس السابق, مما اضطر مرشد الثورة على خامنئي للتدخل واستخدام صلاحياته الدستورية التي تجب جميع السلطات الأخرى للحد من تبعات هذا الخلل في التوازن بين المؤسسات.
وبعد أن ظل هؤلاء "المحافظون" مترددين في استخدام سيطرتهم على المؤسسات الرئيسة في النظام لم يجدوا بدا من ذلك فقد ظل خاتمي ورفاقه يعانون من تسلط الحرس الثوري والقبضة الحديدية لرجال الشرطة والاستخبارات طوال العامين الأولين له في السلطة (97-99), فضلاً عن تبنيه منهج تحسس الخطى وكانت نتيجة ذلك أن صداماً قوياً لم يقع بينه وبين أركان النظام ومؤسساته الرئيسة خلال هذه الفترة.
وبمجرد اتجاهه إلى إدخال تغيير يوحي بنزعة إصلاحية تمس قناعات ومصالح رجال الحرس القديم ورموز الثورة التقليديين, سرعان ما واجه حملات عنيفة متعددة الأشكال والدرجات واعتمدت هذه الحملات إلى حد كبير على امتلاك المحافظين سلطة الأمر والنهي في أجهزة الحكم الحيوية, ونظرة سريعة على صلاحيات واختصاصات المؤسسات التالية تؤكد ذلك بسهولة: مؤسسة المرشد, مجلس الخبراء, مجلس تشخيص مصلحة النظام, مجلس صيانة الدستور, القضاء, مجلس الأمن القومي, الاستخبارات, الإذاعة والتلفاز.(12/61)
وبعد أن كان التركيز خلال فترة الرئاسة الأولى لخاتمي عليه كشخص وكقيادة جديدة بفكر جديد, وضح مع توليه الرئاسة لفترة ثانية أن الصراع أكبر من شخص خاتمي ومن منصبه كرئيس, حيث انقسمت ساحة الصراع بين جبهتين تضم الأولى الرئيس والحكومة ومجلس الشورى "السادس" والمجالس البلدية والسواد الأعظم من الآلة الإعلامية. وعلى الجبهة الثانية تقف المؤسسات المشار إليها وهي الأقوى في النظام والأشد سطوة في ساحة العمل العام, وقد دخلت أكثر من مؤسسة وهيئة حلبة الصراع الداخلي مثال ذلك هئية الإذاعة والتلفاز التي وقفت في حملة انتخابات الرئاسة عام 2001 موقفاً اعتبره أنصار خاتمي متحيزاً ضده فبادر مجلس الشورى السادس عقب الانتخابات إلى مناقشة مشروع قانون يجيز له التحقيق في أنشطة الإذاعة والتلفاز خاصة الأمور المالية لهذه المؤسسة في محاولة لاختراق هذه المؤسسة الخاضعة كاملة تقريباً لسيطرة المحافظين فضلاً عن أنها رسمياً تتبع المرشد مباشرة. المغزى هنا أن مؤسسة الإذاعة والتلفاز دخلت الصراع أولاً كطرف فيه ثم كموضوع له ثانياً, ومعروف أن تلك المؤسسة شبه منفصلة عن وزارة الثقافة والإرشاد التي تميل نسبياً إلى جانب الإصلاحيين.
ولم يكن هذا التحرك الإصلاحي الأول من نوعه, إذ كان مجلس الشورى فور انتخابه عام 2000 قد حاول إدخال تعديلات على قانون الصحافة تخفف بموجبها القيود القانونية والتنفيذية المفروضة عليها ثم حاول عشية انتخابات الرئاسة تمرير قانون يزيد صلاحيات رئيس الجمهورية وهي المحاولة التي تكررت بعد ذلك عامي 2002 ثم 2003, غير أن المحافظين استخدموا سيطرتهم على مؤسسات أقوى من مجلس الشورى وأعلى سلطة لإجهاض هذه المحاولات في مهدها.(12/62)
وكان التغير في وسائل وأدوات الصراع قد طال أيضاً المؤسسة القضائية, فنتيجة الشعبية المتزايدة لتيار التجديد والإصلاح أصبحت القيود القانونية الوسيلة الأقرب والأنجح بيد المحافظين لضرب هذه التوجهات الجديدة وليست ملاحقة الصحف والصحفيين وسجن العشرات منهم سوى مثال نموذجي على مهارة المحافظين في توظيف المؤسسة القضائية وفقاً لمقتضيات الصراع.
ورغم أن كلا من الرئيس الحالي للسلطة القضائية علي جنتي –ومن قبله محمود شهرودي- أقل تشدداً وميلاً للمحافظين من سلفه محمد يزدي لكن سلوك بقية أعضاء تلك المؤسسة والأجهزة الفرعية التابعة لها يكشف عن تحيز واضح لهذا التيار.(12/63)
وهناك مؤسسات أخرى لا تزال تحت سيطرة المحافظين معرضة في أي وقت للنزول –طوعاً أو كرهاً- إلى حلبة الصراع والانخراط في حرب المؤسسات هذه منها على سبيل المثال لا الحصر مجلس تشخيص مصلحة النظام الذي يرأسه حالياً الرئيس السابق هاشمي رافسنجاني (المختص بالفصل في النزاعات بين مؤسسات وأجهزة الدولة) وهو بطبيعته مختص بتحديد أين تكون "مصلحة النظام" عندما يحدث تعارض أو تنازع بين سلطات وأجهزة الدولة الرئيسية: الحكومة والبرلمان مثلاً أو البرلمان والسلطة القضائية. وبالتالي فإن هذه المؤسسة ستدخل حتماً إلى دائرة المواجهة آجلاً أو عاجلاً بل إنها الجهة التي كان يفترض أن تنزلق سريعاً في الخلافات بين مختلف التيارات والقوى السياسية في أجهزة ومؤسسات الدولة, لكن وجود رافسنجاني على رأسها برغبته في عدم الانحياز الكامل إلى أحد التيارين والحصول قدر الإمكان على تأييد كليهما كان سبباً جوهرياً في تأجيل انجراف تلك المؤسسة سريعاً إلى مواجهة مع هذه السلطة أو تلك. وهو ما وضح خلال أزمة الترشيحات لانتخابات مجلس الشورى السابع التي أجريت في العشرين من فبراير 2004, فرغم احتدام الأزمة وتعقدها بدرجة هددت استقرار النظام إلا أن مجلس تشخيص مصلحة النظام لم يتدخل فيها بشكل قوي وأثر النأي عن الأزمة وتداعياتها.
لكن من الصعوبة بمكان أن تستمر هذه الحيادية, لا من قبل المجلس ولا من جانب رافسنجاني شخصياً. ليس هذا وحسب فهناك مؤسسات وأجهزة حيوية تقف حتى الآن بعيداً عن دائرة الصراع (أو على الأقل الوجه المعلن منه) منها: مجلس الأمن القومي, ووزارة الخارجية, ووزارة الاستخبارات, والجيش.
وليس من المتصور بحال أن تستمر هذه المؤسسات خارج الساحة, فإن لم تجد نفسها في وقت ما مضطرة للتدخل أو اتخاذ موقف, فإن أطراف الصراع وربما المؤسسات الأخرى ذاتها قد تدفعها دفعاً إلى تحديد مواقف أو تأييد طرف دون آخر.(12/64)
إن مغزى التحولات الأخيرة يتجاوز حدود تصارع الأفكار أو القوى السياسية أو حتى مناورات وتحركات للحد من نفوذ وقوة هذا الطرف أو ذاك, فالأمر يتعلق الآن بهيكل النظام والتوازن القائم بين أجهزته ومؤسساته وهو ما أكدته عودة المحافظين إلى الهيمنة على مجلس الشورى إثر الانتخابات الأخيرة, فإضافة إلى ما لهذه "الردة" من دلالات لجهة تراجع شعبية خاتمي والإصلاحيين تظل الدلالة الأهم وهي أن ميزان القوى بين مؤسسات وأجهزة الجمهورية الإسلامية هو المحك والمؤشر على حال النظام والدولة.
دلالة أخرى مهمة حملتها التطورات الأخيرة تتعلق بدور المرشد وموقعه من النظام, فباعتبار منصب المرشد من المؤسسات العليا في النظام أو بالأحرى هو المؤسسة الأعلى فوق جميع أجهزة النظام الأخرى, فإن خطوة تدخله في مسار الصراع قد فتحت الباب أمام الحديث عن حدود صلاحيات وسلطات هذا المنصب, مما يعني أن (مؤسسة) المرشد ستصبح طرفاً مباشراً في الصراع. وما يدعو هنا للانتباه والترقب أن أحد أهم أركان الدولة الإيرانية –وهو منصب المرشد الذي يجسد مبدأ الولي الفقيه- بدأ ينغمس في مقتضيات تنازع السلطة بين بقية المؤسسات, الأمر الذي يعني بالضرورة انتقاص قدر من القدسية والحصانة التي يتمتع بها هذا المبدأ. وفضلاً عن أن خامنئي سيكون أول المتضررين من هذا الانتقاص, فإن نتيجة أخرى ستترتب على ذلك هي التشكيك في مواقفه وتدخلاته المستقبلية ولابد من الإشارة عند هذه النقطة إلى أن حدود صلاحيات "الولي الفقيه" ليست محددة بشكل قاطع مانع, أي أن الحدود والفواصل بين دوره الديني والسياسي اختلفت في الفقه الشيعي من مرحلة إلى أخرى وليست ثابتة. وبالتالي فإن وضعها الحالي يظل في التحليل الأخير معرضاً للتغير.
مستقبل مفتوح:(12/65)
اعتبر كثير من المراقبين نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة وتراجع حجم التأييد الشعبي للإصلاحيين فيها مؤشر على انحسار التيار الإصلاحي ذاته وعلى انتهاء دور الرئيس محمد خاتمي, خاصة أن عاماً واحداً يتبقى من فترة رئاسته الثانية والأخيرة وستجري انتخابات رئاسية جديدة العام القادم.
ولهذه الرؤية وجاهتها, فهذه الانتخابات مثلت جزئياً استفتاء على شخص خاتمي كما عكست موقف الشعب الإيراني (الهيئة الناخبة تحديداً) من عجزه بعد سبع سنوات عن تنفيذ أفكاره. وقد قدم خاتمي للإيرانيين ما يشبه صك الغفران عندما اعترف بأن الجزء الأعظم من وعوده الانتخابية عام 1997 لم يتحقق.
مستقبل التوجه الإصلاحي لا يتوقف كلية على ارتباط هذا التوجه بخاتمي, حيث توجد عوامل واعتبارات وأطراف أخرى تلعب دوراً جوهرياً في توجيه دفة الصراع السياسي في إيران, ومن أبرز هذه العوامل والاعتبارات موقع الرئيس في النظام السياسي فبغض النظر عن فوز خاتمي أو غيره في الانتخابات فإن حدود الصلاحيات والسلطات المخولة له تحد كثيراً من قدرته على إحداث التغيير أو إيقافه إن أراد. وبالتالي فالاستحقاق الانتخابي الرئاسي القادم لا يعني بالضرورة محطة مفصلية أو نقطة تحول جديدة في مسار نظام الجمهورية الإيرانية أو مستقبل الثورة الإسلامية, فرئيس الجمهورية في هيكل النظام السياسي الإيراني أقرب ما يكون إلى منصب رئيس الوزراء في النظم الرئاسية مع صلاحيات أوسع قليلاً فوفقاً للدستور الإيراني تعلو سلطة المرشد جميع السلطات المخولة لأركان ومؤسسات النظام الأخرى, ويشمل هذا المجالين التشريعي والتنفيذي ثم بعد ذلك تأتي مؤسسات أخرى تفوق سلطاتها أيضاً رئيس الجمهورية مثل مجلس تشخيص مصلحة النظام (يرأسه هاشمي رافسنجاني رئيس الجمهورية السابق) ومجلس صيانة الدستور ومجلس الخبراء.(12/66)
وبغض النظر عن خصوصية عمل ومجال اهتمام كل من هذه المؤسسات, فإن صلاحيات رئيس الجمهورية تأتي في مرتبة تالية لكل منها في مجالها وباستثناء مجلس الخبراء الذي يتولى اختيار المرشد ومراقبة عمله – وهي مهمة بعيدة عن نطاق عمل رئيس الجمهورية- فإن أيا من المؤسسات الأخريات تستطيع إلغاء ووقف سياسات وقرارات رئيس الجمهورية أو مجلس الشورى أو على الأقل عرقلتها وإحالة الأمر إلى المرشد ليفصل فيه نحن إذن أمام منظومة سياسية متكاملة بغض النظر عن خصوصيتها أو التوزيع النسبي للقوى والسلطات فيها. إن موقع رئيس الجمهورية فيها ليس على رأسها. إذ يأتي ترتيبه في هرم القوة ثالثاً أو رابعاً.
والنتيجة الطبيعية المترتبة على هذا التوزيع النسبي للقوة أن يظل انعكاس الانتخابات الرئاسية ونتائجها –أيا كانت- منحصراً في إطار هذا التوزيع. بمعنى أنه حتى لو كان الفائز في الانتخابات القادمة على غرار النموذج الخاتمي فإن هذا لا يعني بحال أن المرحلة القادمة ستشهد طفرة أو قفزة نوعية في مسيرة التغيير مع ثبات العوامل والاعتبارات الأخرى أي لمجرد أن الرئيس القادم من أنصار التجديد والإصلاح.
والعكس, لا يعني فوز أي ممن قد يحسبون على تيار المحافظين انتهاء النزعة الإصلاحية الغالبة على المناخ السياسي في إيران حالياً أو حتى أن يستطيع هذا الرئيس وقف عجلة تغير بدأت ولو ببطء, ذلك أن مؤسسات وهيئات أخرى تشارك بدور رئيسي في صنع واتخاذ القرار ومباركته, وبدور رئيسي أيضاً في وأد قرار آخر أو رفع الشرعية عنه.(12/67)
عامل آخر مرتبط بتحديد مستقبل سياسة الإصلاح والتجديد هو موقع خاتمي وثقله داخل هذا التيار ذاته, وهنا تساؤل يفرض ذاته. هل خاتمي وهذا التيار كل لا يتجزأ أي مجرد وجهين للعملة ذاتها لا يصلح هذا إلا بذاك؟ والعكس –وبعبارة أكثر وضوحاً ومباشرة- هل خاتمي مجرد إفراز لتصاعد الرغبة في التجديد لدى صفوف الإيرانيين أم أن هذه الرغبة ولدت على يديه؟ ولم يكن هذا التيار ليتواجد ويزدهر بالشكل القائم دون وجود شخص كخاتمي.
تحضرنا هنا المقارنة بين خاتمي وجورباتشوف صاحب "الجلاسنوست" و"البريسترويكا" في الاتحاد السوفيتي السابق, فقد رأى البعض أن الاتحاد السوفيتي كان في سبيله إلى التفكك والانهيار من الداخل, سواء كان ذلك على يد جورباتشوف أو غيره وفي هذا التوقيت أو قريباً منه سابقاً أو لاحقاً, في حين ظل الطرح المقابل وجيهاً وذا مبررات قوية ومفاده أنه لولا وجود شخصية تملك مفاتيح التغيير لم يكن باب التغيير ليفتح يوماً.
والحالة الإيرانية ليست بعيدة بحال عن هذه المناظرة, لكن أهمية استحضار مثال الاتحاد السوفيتي (روسيا حالياً) تظهر من الفارق الزمني بين الحالتين فقد شهدنا في النموذج السوفيتي ما لا يزال خافياً علينا بالنسبة لطهران فقد ذهب جورباتشوف وجاء يلتسن واستمر التحول بل تسارع حتى إن جورباتشوف نفسه تعرض للاتهام بأنه يعرقل الإصلاحات ويكبل عجلة التغيير وكأن البركان الذي رفع هو الغطاء عنه انفجر في وجهه أيضاً. ومع التسليم بوجود فوارق واختلافات بين النموذجين, فإن أمراً واقعاً لا يمكن إنكاره هو أن تبلور الدعوة إلى التغير في الحالتين تزامن تماماً مع بروز شخصية قيادية ارتبطت بها تلك الدعوة.
ونذكر القارئ هنا بمشروع "تجاوز خاتمي" الذي ما زالت اصداؤه تتردد في أوساط الإصلاحيين وهو فكرة تبناها بعض المغالين في التوجه الإصلاحي مفادها أن خاتمي ليس مدافعاً عن هذا التوجه بما يكفي وأنه لم يعد الشخص المناسب لقيادة هذا التيار.(12/68)
إن مغزى الوضع الحالي في إيران بعد ربع قرن من الثورة يتجاوز حدود تصارع الأفكار أو القوى السياسية أو حتى مناورات وتحركات للحد من نفوذ وقوة هذا الطرف أو ذاك, فالأمر يتعلق الآن بهيكل النظام التوازن القائم بين أجهزته ومؤسساته, لا بأشخاصه أو رموزه.
وبعد... قضت الثورة الإيرانية سنوات تسعى للامتداد خارج حدودها ثم اضطرت للانكفاء على نفسها والعمل على تحسين أوضاعها, فإن حصاد ربع القرن الذي مر عليها حتى الآن يشير إلى أن الإخفاق في تصدير الثورة لم يكن فقط للانشغال في حرب خارجية, وأن استمرار التعثر في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ليس وليد ضغوط خارجية أو عزلة دولية انتهت عملياً منذ سنوات, فالواضح الآن أنه في مقابل نجاحات عديدة لا تزال مشكلات وعثرات الثورة الإسلامية في إيران قائمة بفعل عوامل واعتبارات ذاتية بالأساس, وأن على قادة النظام, الخروج من نفق الصراعات الداخلية والخلافات حول تفصيلات وسياسات تبدو جزئية وربما لا تمس جوهر أو ثوابت النظام, وإلا فالمخاطر والأزمات التي هددت استقرار النظام في السنوات الماضية قابلة للتكرار بصورة أقوى كما وكيفا.
رسالة مفتوحة من نواب السنة إلى الزعيم
تحمل هذه الرسالة أهمية خاصة جداً وذلك أنها من نواب السنة في مجلس الشورى الإسلامي الإيراني وهم في الغالب من الذين على علاقات جيدة بالسلطات الشيعية في إيران.
الرسالة المكتوبة بلغة دبلوماسية لا تكشف الحقيقة كاملة عن العديد من المظالم الواقع على أهل السنة في إيران أصحاب البلد الأصليين قبل استيلاء الشيعة على إيران. وهذه وقفات سريعة مع هذه الرسالة:(12/69)
في النقطة الثالثة كشفت الرسالة عن الدور الخبيث التي تقوم به وسائل الإعلام الرسمية من إذاعة وتلفزة في التهجم على الصحابة وأمهات المؤمنين وعقائد السنة. وهذا يوضح حقيقة إدعاء الشيعة بأنهم لا خلاف بينهم وبين السنة سوى في الفروع. وكون وسائل الإعلام الرسمية هي التي تقوم بذلك يؤكد الطابع الطائفي للدولة الإيرانية وأنها ليست قضية مجموعة صغيرة هنا أو هناك بل سياسة دولة!
في النقطة الرابعة بينت الرسالة جزء من الأوضاع المأساوية التي تعيشها مناطق أهل السنة من البطالة ومنعهم من المناصب الإدارية العليا.
أشارت الرسالة في النقطة الخامسة إلى أهمية تفعيل المادة 15 و 16 من الدستور والتي تنص على أهمية اللغة العربية وذلك لأن اللغة العربية لا تنال حقها في (الجمهورية الإسلامية)!
وفي الفقرة (ج) من النقطة الخامسة ركزت الرسالة على تغيب السلطات أهل السنة عن علاج مشاكلهم وأهمية أن يكون علماء السنة هم الذين يتولون شؤونهم.
وفي الفقرة (د) أوضحت الرسالة أن مساجد السنة تتعرض للانتهاكات والاعتداء من المسؤولين وخاصة في طهران العاصمة!
هذه بعض أوضاع السنة في إيران بعد عشرين عام من الثورة الإسلامية! وبالمقارنة مع أوضاع السنة عند استلام الثورة نجدها هي هي! إن لم تكن زادت سوءاً.
فأين دعوة التقريب ودعاة الوحدة الإسلامية في إيران ولماذا لا يقدمون النموذج والقدوة للآخرين!!!..................................................................الراصد.
نص الرسالة:
إيران بيكك (صحيفة رسالة إيران ) 1/5/2004(12/70)
وجه نواب أهل السنة في مجلس الشورى الإسلامي رسالة مفتوحة إلى المرشد الأعلى للثورة الإسلامية الإيرانية على خامنئى اعتراضاً على صدور كتاب باسم " كتاب الحقيقة والوحدة في الدين "، وعلى الرغم من أنهم لم يشيروا في رسالتهم بشكل صريح وواضح إلى مضمون هذا الكتاب، إلا أنهم اعترضوا على ما جاء في هذا الكتاب من إهانة لأهل السنة وقلب الحقائق التاريخية.
فيما يلي نص هذه الرسالة:
إننا نعتقد بأن أي شخص في أي منصب أو في موقع مسئولية ويساعد على بث الفرقة والأحقاد بين أبناء الشعب الإيراني، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة تحت تأثيرات أجنبية وخاصة البريطانية منها، لا يهدف من وراء ذلك إلا إلى بث الخلافات المذهبية، وإهدار القوى الوطنية والواحدة الوطنية والدينية الإيرانية لصالح الأعداء، وإن مثل هذه الأعمال الدنيئة تؤدي إلى ظهور جيل متعصب، وتزيد من البغض والفرقة بين عناصر الوحدة الوطنية الأمر الذي يمكن أن يزيد من حدة الأخطار التي تواجه الدولة.
إن أهل السنة في إيران يعتبرون وفقاً لمذهبهم أن محبة آل بيت الرسول (ص) جزء من معتقداتهم وإيمانهم، حتى أنهم لا يجيزون توجيه الإهانات للصحابة إذ أنهم يجرمون إهانة كبار الصحابة والتابعين وأتباع الرسول (ص).
إن المرشد باعتباره رجل دين وزعيم هذا البلد وأكبر مسئول بإمكانه توجيه النصح والإرشاد، ولذا فإننا نطلب منه في هذا الوقت أن يصدر أوامره للجميع باعتبار الإساءة للسنة من الأعمال غير الأخلاقية وغير الدينية، والتي فضلا عن كونها تعارض الأمن القومي، فإنها تتعارض مع مصالح جميع المسلمين، ويأمر بتوقف وسائل الإعلام الجماعية، وخاصة مؤسسة الإذاعة والتليفزيون،عن مثل هذه الأعمال، نظراً لآثارها السلبية.(12/71)
فضلا عن أن إهانة صحابة الرسول (ص) ومعتقدات أهل السنة تخالف السيرة النبوية فإن ذلك قد يفضي أيضا إلى ترسيخ العنصرية، خاصة وأن إهمال مناطق أهل السنة وإغفال أحجام البطالة فيها ومنعهم من تقلد المناصب الإدارية العليا قد يدفع المنظمات الدولية لحقوق الإنسان إلى الدفاع عن حقوق أهل السنة في إيران سواء كان عن عمد أو بغير عمد.
إننا طبقاً لعهدكم مع الشعب والقسم الذي قطعتموه، نذكركم بما جاء في صدر برنامجكم بالمحافظة على تقديم الخدمات للمواطنين كافة والإخلاص في حماية استقلال هذا الوطن. ومن منطلق المحافظة على الوحدة والتضامن القومي نوجه عنايتكم إلى ما يلي:
أ – ينبغي العمل وفقاً لبنود ومواد الدستور وخاصة البند 15 و 16 منه.
ب – إرسال لجنة من قبل المرشد لبحث الأوضاع الثقافية ولاقتصادية والدينية لمناطق السنة المعدمة، واقتراح سبل مواجهة المشكلات الموجودة.
ج – يجب تعيين مستشارين ونواب من بين علماء ومفكرى أهل السنة حتى يمكن النظر في قضايا ومشكلات السنة بشكل مباشر وبدون وسيط، لأنه لا يوجد أي اهتمام من قبل نواب المرشد بهذه المناطق.(12/72)
د- ليس من شك في أن العدل من أهم المبادىء التي دعا إليها الدين الإسلامي، ولكن لماذا لم نشهد تطبيق مثل هذه المبادىء على أهل السنة؟ إن أي نظرة على عملية توظيف أهل السنة وخاصة في المناصب العليا ولا سيما السلطة التنفيذية والقضائية، إضافة إلى العمل في السفارات أو الجامعات أو بعض المؤسسات الحكومية الأخرى تؤكد هذا الزعم، فلماذا تظل مثل هذه النظرة من عدم الثقة في مواطني أهل السنة في إيران واستمرار عدم الاستفادة من إمكانياتهم في كافة المجالات، وإهدار خدماتهم المخلصة للدولة؟، إننا هنا لا نتعمد إثارة مثل هذا التساؤل، لكن بعد مرور أكثر من عشرين عاما على قيام الثورة الإسلامية في إيران مازال هناك إهمال لأكثر من عشرة ملايين مسلم من أهل السنة وحرمانهم من حقوقهم الطبيعية في المشاركة والمسئولية.
وفي النهاية، فإن المسئولية الدينية والقومية تقتضي اتباع المساواة والعدالة وعدم التفريق بين أبناء الوطن الواحد نظراً لأن دستور إيران قد كفل حقوق جميع المواطنين على اختلاف عقائدهم ومذاهبهم، كما كفل لهم حرياتهم، ومن هذا المنطلق، يتحتم إزالة كافة العقبات إلى تحول دون احترام هذه الحقوق والواجبات.
نقلاً عن مختارات إيرانية – العدد 47 يونيو 2004.
سطور من الذاكرة
النصيريون يطلبون من الاستعمار الفرنسي فصلهم عن سوريا سنة 1936
ويهدون الجولان إلى وحيد العين سنة 1967
ثلاثون أو واحد وثلاثون عاماً, هي المدة التي فصلت بين حدثين هامّين في تاريخ المسلمين الحديث, ما زلنا نعيش آثارهما إلى اليوم.
وبالرغم من أن ثلاثة عقود تفصل بين الحدثين اللذين نحن بصدد تناولهما إلا أن ثمة تشابهاً كبيراً بينهما فالمكان واحد, والفاعل واحد, والمبدأ واحد, إنها مؤامرات مستمرة ينفذها النصيريون العلويون ضد المسلمين على امتداد التاريخ, وخيانات يقترفونها في بلاد المسلمين, ولنا في التاريخ عبرة وعظة.(12/73)
الحادثة الأولى: عريضة يرفعها قادة النصيرية في سوريا إلى رئيس الحكومة الفرنسية ليون بلوم في 15/6/1936 يطلبون فيها عدم إنهاء الانتداب أو الاحتلال الفرنسي لسوريا.
الحادثة الثانية: تسليم النصيريين الذين كانوا يشغلون المناصب العليا في سوريا للجولان إلى اليهود في 7/6/1967. فيما عرف بحرب حزيران أو النكسة.
وحتى لا نطيل فلندع قادة النصيرية يتكلمون, ويقدمون عريضتهم الموثقة في سجلات وزارة الخارجية الفرنسية تحت رقم 3547 بتاريخ 15/6/1936 وفيها تتضح نظرتهم إلى المسلمين, والمؤامرات التي يحيكونها ضدهم, ورغبتهم في سلخ مناطقهم عن بلاد المسلمين, وإقامة كيان نصيري مستقل يقول القادة النصيريون في عريضتهم إلى رئيس الحكومة الفرنسية ليون بلوم:
((إن الشعب العلوي الذي حافظ على استقلاله سنة فسنة بكثير من الغيرة والتضحيات الكبيرة في النفوس هو شعب يختلف في معتقداته الدينية وعاداته وتاريخه عن الشعب المسلم –السني- ولم يحدث في يوم من الأيام أن خضع لسلطة من الداخل.
إننا نلمس اليوم كيف أن مواطني دمشق يرغمون اليهود القاطنين بين ظهرانيهم على عدم إرسال المواد الغذائية لإخوانهم اليهود الطيبين الذين لجأوا إلى العرب المسلمين بالحضارة والسلام ونشروا على أرض فلسطين الذهب والرفاه ولم يوقعوا الأذى بأحد ولم يأخذوا شيئاً بالقوة, ومع ذلك أعلن المسلمون ضدهم الحرب المقدسة بالرغم من وجود انكلترا في فلسطين وفرنسا في سوريا.
إننا نقدر نبل الشعور الذي يحملكم على الدفاع عن الشعب السوري ورغبته في تحقيق استقلاله ولكن سوريا لا تزال بعيدة عن هذا الهدف الشريف خاضعة لروح الإقطاعية الدينية للمسلمين.
ونحن الشعب العلوي الذي مثله الموقعون على هذه المذكرة نستعرض حكومة فرنسا ضماناً لحريته واستقلاله ويضع بين يديها مصيره ومستقبله وهو واثق أنه لابد أن يجد لديهم سنداً قوياً لشعب علوي صديق قدم لفرنسا خدمات عظينة)).(12/74)
الموقعون: محمد سليمان الأحمد, محمود آغا حديد, عزي آغا غواش, سلمان المرشد, محمد بيك جنيد, سليمان الأسد............... وثيقة رقم 3547 من سجلات وزارة الخارجية الفرنسية بتاريخ 15/6/1936.
لقد كان النصيريون وهم يوجهون هذه الرسالة إلى سلطات الاحتلال في بلادهم يشعرون من أعماق قلوبهم أن الاحتلال الجاثم على بلادهم والذي لا يدين بالإسلام أقرب إليهم من المسلمين السنة العرب السوريين, ولذلك لا غرابة أن يشكل النصيري سلمان المرشد جيشاً "نصيرياً" سنة 1938, ويعلن العصيان المسلح سنة 1946, ويرفض انضمام المناطق النصيرية إلى سوريا في عهد الاستقلال. خاصة وأن فرنسا أقامت لهم دولة في جبل في أيلول سنة 1920 اسمها "دولة العلويين".
أما الخيانة الأخرى التي نتحدث عنها –وما أكثر خياناتهم- فهي ترجع إلى شهر حزيران سنة 1967, حيث احتل الكيان الصهيوني ما تبقى من أرض فلسطين, وأجزاء من مصر وسوريا والأردن.
ولعلنا هنا نتحدث عن سقوط أجزاء من سوريا دون مقاومة, وكأن ما حدث في ذلك اليوم يشبه التسليم, واحتل اليهود الجولان السوري المنيع, وأذاع النصيري حافظ الأسد الذي كان آنذاك وزيراً للدفاع نبأ سقوط القنيطرة.
سقوط الجولان بهذه السهولة على أيدي النصيريين ليس مسألة عسكرية أو حربية بقدر ما هو نبوءة نصيرية, إنها نبوءة "وحيد العين" أي الأعور.
فلنستمع إلى ما يكشفه لنا عبد الرحمن الخير, وهو أحد مشايخ النصيرية ممن هداهم الله إلى الإسلام والدين القويم, حيث أصدر منشوراً في الخامس والعشرين من ذي القعدة لسنة 1388هـ, فضح فيه ما يقترفه زعماء سوريا النصيريون, والمؤامرة التي نفذوها في الجولان يقول الشيخ عبد الرحمن:(12/75)
((هذه النبوءة الخطيرة جداً التي أرويها ليست أسطورة خرافية يا أخي في العروبة والإسلام, كما أنها نص رمزي وإشارة باطنية موجودة في كتاب الأسوس من كتبنا التأويلية وإليك النص الحرفي: عندما يبلغ المريخ إلى مرتبة الأوتاد الأربعة, ويكون بهرام في الطالع يظهر من الجنوب وحيد العين الذي يكون مجتمعاً به حدث الميم وقدم الدال عندما يصبح بهرام في الوتد بمقدار عشر درجات يكون وارد الوقت وحيد العين قد ظهرت أعلامه الخضراء من الشرق راكباً الميمون وبيمينه ذو الفقار المسنون فيطهر البلاد ويقضي على الفساد. وينصب الخيام على العاصي, وينهي الناس عن المعاصي ويطعم الجائع, وعندما يصل بهرام إلى الغارب في تلك السنة يكون صاحب حدث الميم وقدم الدال قد وصلت راياته إلى دمشق, واتجهت جيوشه نحو الشمال لتلتقي مع جيوش وارد الوقت وحيد العين, فتتلألأ الأنوار القدسية, وتظهر الأظلة والأشباح والأيتام من خلف القباب لتؤدي الطاعة إلى وارد الوقت, سيدنا وحيد العين, ويدوم العز في رؤوس العوالي, وترفرف الأعلام فوق الجبال, مدة سبعين عاماً بالتقريب تكون كلمة وارد الوقت واحد العين هي السائدة يخدمه وحيد العين صاحب حدث الميم وقدم الدال والله أعلم...
ويقول صاحب المنشور عبد الرحمن الخير:
هذا النص الخطير موجود في كتاب الاسوس ص213, والمشايخ الآن يطبقون هذه الإشارات ويفكون رموزها بشكل يخدم الصهيونية خدمة عظيمة للغاية, ولاشك أن الأيادي الصهيونية وراء هذه الحكاية من أساسها والمشايخ يطبقون هذه النبوءة في الوقت الحاضر كما يلي:(12/76)
إن السيد أبو شعيب(1) الذي كان وحيد العين أي أعور, سيحتجب عن طريق التناسخ ويظهر من الجنوب, فيحتل دمشق, ويتجه نحو الشمال ليؤدي الطاعة إلى وارد الوقت وحيد العين أعور, وعندما يلتقي الأعوران سيدوم حكمهما 70 عاماً.
((وأبو شعيب يفسرونه مشايخنا –أي شيوخ النصيرية- هو موش دايان(2) – حدث الميم وقدم الدال)).
ولهذا السبب تنازل المقدم صلاح جديد النصيري عن جنوب سوريا لوحيد العين حدث الميم وقدم الدال تسهيلاً لالتقاء الأعورين على نهر العاصي, حيث سيدوم ملكهما 70 سنة, لأن النصوص المتعلقة بقيام دولة العلويين(3) مرهون بقيامها سيطرة وحيد العين على دمشق وحتى نهر العاصي... وبعد هذه السيطرة يكون الوقت لإقامة الدولة العلوية وظهور أبو شعيب.
لم تقتصر خيانات النصيريين الباطنيين على ما أوردناه, بل إن مسيرتهم في ذلك حافلة, وحسبنا أن نشير إلى بعض ما ارتكبه هؤلاء بحق المسلمين في سوريا وغيرها من البلدان.
-في سنة 1975 دخل السوريون تحت قيادة النصيرية لبنان لنصرة النصارى الموارنة, وتقوية نفوذهم, وفي العام التالي يرتكب السوريون مذبحة مروعة في مخيم تل الزعتر للاجئين الفلسطينيين في لبنان.
__________
(1) يوضح صاحب المنشور أن أبا شعيب بن نصير البصري النميري الملقب بوحيد العين هو الذي عكف على دراسة المبادئ والأسس لكافة الفرق الشيعية المتطرفة فصهرها جميعها في بوتقة واحدة, وصاغ منها المعتقدات النصيرية السريّة... وقد جعل أبو شعيب ألوهية علي بن أبي طالب المحور الذي تدور عليه عقيدتهم وسمّاه "أمير النحل".
(2) موشيه دايان كان وزير الحرب الإسرائيلي أثناء حرب حزيران / يونيو 1967م.
(3) العلويون هو الاسم الذي أطلقه الاستعمار الفرنسي على النصيريين.(12/77)
-لقد كانت المدن السورية مثل حماة وتدمر شاهدة على قتل عشرات الآلاف من المسلمين السنة من قبل النصيريين, وشاهدة على تشريد مئات الآلاف وخروجهم من وطنهم في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات من القرن الماضي.
ولا غرابة أن نرى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله, وهو العارف بأمر الفرق والمذاهب يقول فيهم: ((هؤلاء القوم المسمون بالنصيرية –هم وسائر أصناف القرامطة الباطنية- أكفر من اليهود والنصارى, بل وأكفر من كثير من المشركين, وضررهم أعظم من ضرر الكفار المحاربين مثل التتار والفرنج وغيرهم... وهم دائماً مع كل عدو للمسلمين, فهم مع النصارى على المسلمين, ومن أعظم المصائب عندهم انتصار المسلمين على التتار, ثم إن التتار ما دخلوا بلاد الإسلام وقتلوا خليفة بغداد وغيره من ملوك المسلمين إلا بمعاونتهم ومؤازرتهم)).
للاستزادة:
الصراع العربي الإسرائيلي – الجزء الأول (مؤامرة الدويلات الطائفية) محمد عبد الغني النواوي.
طائفة النصيرية: تاريخها وعقائدها – الدكتور سليمان الحلبي.
مجتمع الكراهية – سعد جمعة ص62-75.
دور الفضائيات في نشر التوحيد
ونحن نعيش في عصر الإعلام وثورة المعلومات لابد أن يكون لدعوة التوحيد النصيب الأكبر من مساحة هذا الإعلام لما في دعوة التوحيد من الهداية لسعادة بني الإنسان عامة لما يصلح دنياهم وأخراهم.
إن دعوة التوحيد تجعل بني الإنسان كافة سواء أمام الخالق وتجعل كذلك الخالق عادلاً منصفاً لكافة خلقه وعليه فإنه الخالق وحده هو المعبود المطاع وما عداه فهو عبد مطيع. وهذا يلغي الطبقية والاستغلال والتمييز العنصري وهو كذلك يوحد النظم والقوانين والأخلاق المقبولة والمرذولة بين كافة البشر.(12/78)
ولما كان جوهر دعوة التوحيد هو إرساء السلام والأمن والسعادة بين الناس كافة وأن تتوجه قلوبهم تجاه رب واحد هو الله عز وجل يطلبون منه العون والمدد ويسألونه التوفيق والرشاد, كان لابد أن تصل هذه الرسالة للناس كافة في عصر بلغ سكان الأرض ما يزيد على ستة مليارات من البشر, ولم يعد يكفي فيه خطبة جمعة في مسجد من إحدى زوايا العالم أو حتى مقال في جريدة أو كلمة في إذاعة محلية, وهنا يبرز دور الفضائيات في نشر وحمل دعوة التوحيد لما لها من انتشار واسع وتخطي للحدود والحواجز مع كلفة معقولة.
وبدا واضحاً الدور الهام الذي قامت به العديد من الفضائيات والبرامج الفضائية التي ركزت على نشر دعوة التوحيد في توعية كثير من المسلمين لأحل دينهم وعرّفت كثيراً من غير المسلمين بحقيقة الإسلام ودعوة التوحيد.
وكذلك من الأدوار الهامة التي قامت بها الفضائيات محاربة البدع والأفكار الباطلة المنتشرة بين عوام المسلمين ومن أبرز الأمثلة على ذلك المناظرات التي بثتها قناة المستقلة والتي كشف حقائق عديدة منها:
1-…أن كثيراً من العقائد الباطلة التي كان يزعم بعض الناس أنها ماتت لا تزال حية رآها الناس بأعينهم وسمعوها بآذانهم من شخصيات تحمل لقب دكتور! أو يلبس عمة! مثل سب الصحابة وتحريف القرآن وتكفير المسلمين من السنة والطعن أمهات المؤمنين.
2-…كشف هذه المناظرات عن قوة الحق وضعف الباطل مهما تزين بالألقاب والأشكال.
3-…قربت لإفهام الكثير من المسلمين حقيقة الخلاف بين السنة والشيعة وأنه ليس خلافاً في الفروع كما يزعم بعض الناس, بل هو خلاف عميق حول أصول الدين وأركان الإسلام.
وختاماً نكرر القول بأن المنابر الفضائية مهمة جداًَ لنصرة دعوة التوحيد فعلى القائمين عليها والقادرين على المشاركة فيها واجب عظيم في نصرة دعوة التوحيد لأهل الإسلام أولاً وللناس بعامة ثانياً وبكافة اللغات وهذا حلم بدأ يتحقق زاده الله رسوخاً وتحققاً.
فرق باطنية 1(12/79)
الباطنية تطلق على مجموعة من الفرق التي ادٌعت أن للإسلام ظاهراً وباطناً: ظاهراً يعلمه عامة الناس، وباطناً لا يعلمه إلا ٌ العلماء والخاصة، فالشهادتان والصلاة والزكاة... وسائر العبادات والفرائض لها معان ٍ ـ عندهم الخاصة ـ تختلف عن الذي عليه عموم أمة الإسلام، وبذلك صرف الباطنيون تعاليم الإسلام عن مرادها، فأوٌلوها تأويلات باطلة.
كما أن اسم الباطنية يطلق على هذه الفرق لأنها أظهرت الإسلام لكنها أبطنت الكفر. ويدخل في الباطنية فرق النصيرية والدروز والإسماعيلية والقرامطة والبهائية والقاديانية........ الراصد
القرامطة
التعريف
القرامطة فرقة باطنية إسماعيلية تنتسب إلى شخص اسمه حمدان بن الأشعث ويلقب بقرمط لقصر قامته وساقيه، وهو من الأهواز ثم رحل إلى الكوفة. وقد اعتمدت هذه الحركة التنظيم السري العسكري وكان ظاهرها التشيع لآل البيت والانتساب إلى محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق وحقيقتها الإلحاد والإباحية وهدم الأخلاق والقضاء على الدولة الإسلامية.
والقرامطة كانوا دعاة للإسماعيلية، ثم انحرفوا عنهم عندما علموا أن الدعوة في السلميٌة (إحدى معاقل الإسماعيلية) لم تعد لأولاد محمد بن إسماعيل وإنما لأولاد عبد الله بن ميمون القداح.
التأسيس وأبرز الشخصيات
- بدأ عبد الله بن ميمون القداح رأس الأفعى القرامطية بنشر المبادىء الإسماعيلية في جنوب فارس سنة 260 هـ، ومن ثم كان له داعية في العراق اسمه الفرج بن عثمان القاشاني المعروف بذكرويه الذي أخذ يبث الدعوة سراً.
ـ وفي سنة 278 هـ نهض حمدان قرمط بن الأشعث يبث الدعوة جهراً قرب الكوفة ثم بنى داراً أسماها دار الهجرة، وقد جعل الصلاة خمسين صلاة في اليوم.
ـ هرب ذكرويه واختفى عشرين عاماً ، وبعث أولاده متفرقين في البلاد يدعون للحركة.
عقائدهم(12/80)
ادٌعى القرامطة أنهم يقاتلون من أجل آل البيت، وأسسوا دولة شيوعيه تقوم على شيوع الثروات وعدم احترام الملكية الشخصية، وجعلوا الناس شركاء في النساء بحجة استئصال أسباب المباغضة.
ألغوا أحكام الإسلام الأساسية، وأبطلوا القول بالمعاد والعقاب، ويعتقدون بأن الجنة هي النعيم في الدنيا، والعذاب هو اشتغال أصحاب الشرائع بالصلاة والصيام والحج والجهاد.
ويقولون بالعصمة، وأنة لابد في كل زمان من إمام معصوم يؤول الظاهر ويساوي النبي في العصمة ومن تأويلاتهم:
ـ الصيام: الإمساك عن كشف السر.
ـ البعث: الاهتداء إلى مذهبهم.
ـ النبي: شخص فاضت عليه من الإله الأول قوة قدسية صافية.
ـ القرآن: تعبير محمد عن المعارف التي فاضت علية ومركب من جهته وسمي كلام الله مجازاً .
ويقولون بوجود إلهين قديمين أحدهما علة لوجود الثاني، وأن السابق خلق العالم بواسطة التالي لا بنفسه، ويقولون بالرجعة، وأن علياً يعلم الغيب. ويفرضون على أتباعهم الضرائب الباهظة.
وقد استمد القرامطة عقائدهم وأفكارهم من الفلسفة المادية التي جاءت من تعاليم الملاحدة والمتآمرين من أئمة الفرس، وتأثروا بمبادئ الخوارج الكلامية والسياسة ومذاهب الدهرية، وتعلقوا بمذاهب الملحدين مثل مزدك وزرادشت.
المجتمع القرمطي
للمجتمع القرمطي ملامحه المتميزة إذ تشكلت في داخله أربع طبقات اجتماعية:
الأولى:" الإخوان الأبرار الرحماء " وتشمل الشبان الذين تتراوح أعمارهم بين خمسة عشره و
ثلاثين سنة، وهم ممن على استعداد لقبول الأفكار القرمطية عقيدة وتمثلاً في نفوسهم.
الثانية: ويعرفون بـ " الإخوان الأخيار الفضلاء " وأعمارهم بين الثلاثين والأربعين وهي مرتبة الرؤساء ذوي السياسات، ويكلفون بمراعاة " الإخوان " وتعدهم ومساعدتهم.(12/81)
الثالثة: وتشمل أولئك الذين هم بين الأربعين والخمسين، ممن يعرفون الناموس الإلهي، وفق المفهوم القرمطي، ويتمتعون بحق الأمر والنهي ودعم الدعوة القرمطية ودفع خصومها، وهؤلاء هم الذين ألفوا الرسائل العقائدية القرمطية ونشروها.
الرابعة: " المريدون " ثم "المتعلمون" ثم "المقربون " إلى الله ممن تجاوزوا الخمسين من العمر، وهي أعلى المراتب القرمطية، ومن يبلغها يكون في نظر هذه الفرقة من الناموس والطبيعة، ويصبح من أهل الكشف اللدني إذ يستطيع رؤية أحوال القيامة من البعث والنشور والحساب والميزان.
دولتهم وجرائمهم
دامت حركة القرامطة قرابة قرنين من الزمان، وقد بدأها عبد الله بن ميمون القداح في جنوب فارس سنة 260 هـ، وانتقلت إلى سواد الكوفة والبصرة، وامتدت إلى الأحساء والبحرين واليمن س، وسيطرت على رقعة واسعة من جنوبي الجزيرة العربية والصحراء الوسطى وعمان وخراسان، وقد بذلوا جهداً كبيراً في محاربة دولة الخلافة العباسية، وقتل المسلمين في أنحاء عديدة.
قال الإمام ابن كثير رحمه الله في حوادث سنة 278هـ: وفيها تحركت القرامطة وهم فرقة من الزنادقة الملاحدة أتباع الفلاسفة من الفرس الذين يعتقدون نبوة زرادشت ومزدك، وكانا يبيحان المحرمات ثم هم بعد ذلك أتباع كل ناعق إلى الباطل.... وفي سنة ست وثمانين ومائتين (286 هـ) تحرك القرامطة برئاسة أبي سعيد الحسن بن بهرام الجنابي، واستولوا على هجر وما حولها من البلاد وأكثروا فيها الفساد.
وقد كان أبو سعيد هذا سمساراً في الطعام يبيعه ويحسب للناس الأثمان بالقطيف فجاء أبو سعيد.. وعاث في الأرض فساداً وأخافوا أهل العراق والشام، إلى أن هلك أبو سعيد سنة 301 هـ. ثم قام بأمر القرامطة من بعده ولده الملقب بأبي طاهر الجنابي.(12/82)
وكثر دعاة القرامطة وصار لهم دولة. وفي سنة سبع عشرة وثلاثمائة (317 هـ) اشتدت شوكتهم جداً وتمكن من الوصول إلى الكعبة، والناس يوم التروية، فما شعروا إلا والقرامطة برئاسة أبي طاهر قد انتهبوا أموالهم وقتلوا كل من وجدوا من الحجيج في رحاب مكة وشعابها وفي المسجد الحرام وفي جوف الكعبة. وجلس أميرهم أبو طاهر على باب الكعبة والرجال تصرع حوله ويقول: " أنا الله وبالله أنا، أنا أخلق الخلق وأفنيهم أنا " ولم يدع أحداً طائفاً أو متعلقاً بأستار الكعبة إلا قتلة، ثم أمر بإلقاء القتلى في بئر زمزم، ودفن كثيراً منهم في المسجد الحرام، ثم هدم قبة زمزم وأمر بقلع باب الكعبة ونزع كسوتها عنها، ثم أمر بقلع الحجر الأسود.. وأخذوه معهم فمكث عندهم اثنتين وعشرين سنة.
للاستزادة :
1- الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة ـ إعداد الندوة العالمية للشاب الإسلامي ـ الطبعة الثالثة 1418 هـ.
2- التاريخ الإسلامي (الدولة العباسية) الجزء الثاني ـ محمود شاكر.
3- الأديان والفرق والمذاهب المعاصرة ـ عبد القادر الحمد.
4- دراسات في الأديان والفرق ـ د. سعيد البيشاوي وآخرون.
5-الإسماعيلية ـ الراصد ـ العدد الخامس، باب الفرق.
قالوا
2000 إيراني يتطوعون لتنفيذ هجمات في العراق وفلسطين
قالوا: "تطوع حوالي 2000 إيراني لتنفيذ هجمات انتحارية في العراق وفلسطين. وصرح محمد صمادي المتحدث باسم مجموعة "لجنة تكريم ذكرى شهداء حركة العالم الإسلامي" أنه حتى الآن سجل 2000 شخص أسماءهم. وأكّد صمادي أن عمر أصغر المتطوعين لا يتجاوز السبع سنوات وسجل اسمه مع باقي أفراد عائلته.
وأوضح صمادي أن هذه الحملة تهدف إلى التأكيد لأصدقائنا في العراق ولجميع المسلمين أننا مستعدون للتضحية بأرواحنا دفاعاً عن شرفنا وشرف الإسلام. وقال المتحدث أن المجموعة ستنفذ العمليات إذا طلب منها ذلك المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي".
وكالة الصحافة الفرنسية
5/6/2004(12/83)
قلنا: متى ستنتهي الألاعيب التي تتقنها إيران والقصص المفبركة التي صارت مملة, وهل معنى ذلك أن خامنئي هو الذي يعارض الدفاع عن شرف الأمة والإسلام لأنه لم يأمر بتنفيذ العمليات؟
دينار شيعي في جنوب العراق
قالوا: "كشفت مصادر حدودية عراقية بأنه تم العثور على مجموعة من أوراق العملة العراقية الجديدة تختلف عن العملات الصادرة عن الحكومة العراقية الجديدة والتي تم اعتمادها عقب الاحتلال الأمريكي للعراق.
وبين المصدر الحدودي العراقي لـ "العرب اليوم" بأن العملة تم ضبطها بحوزة مجموعة من الأشخاص العراقيين, وتضمنت أوراقاً نقدية فئة 250 ديناراً ومكتوب عليها دينار شيعي وعبارة مروسة فيها "من كنت مولاه فهذا علي مولاه.. اللهم انصر من نصره واخذل من خذله" في إشارة لما يقال عن بيعة الرسول صلى الله عليه وسلم لابن عمه علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وأشار المصدر بأن المواطنين أبلغوهم بأن الورقة يتم تداولها في بعض المدن العراقية الشيعية, والتي قامت هي بنفسها بإصدار هذه العملة, موضحاً بأنه لغاية الآن لم تصل معلومات باعتماد هذه العملات في الأسواق العراقية".
يوسف المشاقبة – القادسية
العرب اليوم 12/7/2004
قلنا: حتى الدينار والدرهم لم يسلم من الطائفية, ومشروعهم الانفصالي.
ما حقيقة العلاقة بين الصدر والسيستاني؟
قالوا: "أعلن مكتب الصدر في النجف أن مقتدى الصدر قام بزيارة المرجع الشيعي الكبير علي السيستاني في منزله في النجف, وأفاد بيان صادر أن الصدر زار السيستاني فاستقبله بحفاوة بالغة, وبارك جهوده التي بذلها خلال الفترة الماضية.(12/84)
وكان مقتدى الصدر وجّه انتقادات شديدة إلى المراجع الشيعية في خطب صلاة الجمعة التي كان يؤمها في مسجد الإمام علي في الكوفة. وقال في خطبة الجمعة في 29 أيار الماضي: "يدخل العدو مرة المدينة (النجف) وانت ساكت, تضرب فيه قبة أمير المؤمنين وأنت ساكت, يدوسون رؤوس شعبك ليس فقط بالأرجل وأنت ساكت. فمتى تتكلم؟
وتساءل الصدر: "هل الخطوط الحمراء تعني مكتب المرجعية فقط"؟ في إشارة إلى السيستاني الذي حذر قوات الاحتلال في العراق بعدم تجاوز الخطوط الحمراء المتمثلة في المزارات الشيعية".
وكالات الأنباء 5/6/2004
قلنا: غريب أمر مقتدى: يشن حملة شعواء على السيستاني ثم يضع نفسه تحت تصرف المرجعية.
ولماذا في العراق
قالوا: "إن اثنين من ضباط المخابرات الإيرانية ألقي القبض عليهم في منطقة الرصافة من قبل دوريات للشرطة العراقية وهم يتهيئون لزرع عبوة ناسفة".
وكيل وزارة الداخلية العراقية
حكمت موسى سليمان
صحيفة الصباح الجديدة العراقية 6/7/2004
قلنا: لماذا تنقل إيران صراعها مع الآخرين دائماً خارج حدودها, وتجعل أراضي الآخرين ميداناً لتصفية حساباتها.
40 ألفاً من الحرس الثوري الإيراني "تسربوا" إلى العراق
قالوا: "هناك معلومات مسندة ببعض المستمسكات والأدلة تؤكد أن عدد حرس الثورة الإيرانيين الذين تسربوا خلال عام ونيف إلى العراق وتمركزوا فيه يصل إلى نحو أربعين ألفاً"
وزير الإعلام الأردني الأسبق
صالح القلاّب
الرأي 12/7/2004
قلنا: ومتى سيتنبه العراقيون لما يحيكه الإيرانيون ضدهم.
حتى بهذه أخذ الأوامر من طهران(12/85)
قالوا: "قال متحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية أمس إن المحامي العراقي الذي ينظم محاكمة صدام حسين سيزور طهران قريباً لبحث الاتهامات التي تريد طهران توجيهها إلى الرئيس العراقي المخلوع. ومضى المتحدث حميد رضا اصفي يقول إن إيران أجرت بالفعل محادثات بناءة مع أعضاء في المحكمة وأحاطتهم علماً بالاتهامات التي تنوي توجيهها إلى صدام".
وكالة رويترز – 11/7/2004
قلنا: حتى محاكمة رئيسهم المخلوع يذهب بعض الشيعة إلى إيران لأخذ التعليمات والأوامر.
حتى الآثار لم تسلم
قالوا: "أكد فتاح خليل وزير ثقافة حكومة حزب الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يتزعمه جلال طالباني أن حرس الحدود الكردي تمكن من مصادرة أكثر من ثلاثة آلاف قطعة أثرية أثناء محاولة تهريبها إلى إيران.
وكان مدير المتحف العراقي دوني جورج صرح في الأول من حزيران الماضي أن حوالي 15 ألف قطعة أثرية سرقت من المتحف العام الماضي لاتزال مفقودة مؤكداً تهريب عدد منها إلى تركيا وإيران اللتين اتهمهما بعدم التعاون في هذا المجال".
وكالة الصحافة الفرنسية
9/7/2004
قلنا: يبدو أنه حتى الآثار لم تسلم من التدخل الإيراني ومحاولة تحطيم العراق وإضعافه.
الانتخابات في العراق طريق إيران نحو دولة شيعية
قالوا: "إيران تدير في العراق سياسة باتجاهين: الأولى تأييد التغيرات التي تتم على الأرض مثل مجلس الحكم, والحكومة المؤقتة لكنها في الوقت نفسه تنقل معركتها مع الولايات المتحدة إلى الساحة العراقية, فهي تطور الموقف الشيعي المؤيد لها في العراق, للضغط باتجاه التغيير الديمقراطي, والدخول إلى حكومة منتخبة بهدف ضمان السيطرة الشيعية على العراق".
نصوح المجالي
الرأي الأردنية 8/7/2004
قلنا: واضح أن إيران لم يبق لها إلا تأييد إجراء انتخابات في العراق, لأنها تظن أن الانتخابات ستحمل الشيعة إلى الحكم وإلى دولة شيعية في العراق.
العمامة والعباءة السوداء
د. محمد السعيد عبد المؤمن(12/86)
الكتاب في سطور
العمامة والعباءة في السياسة والحكم لمؤلفه الدكتور محمد السعيد عبد المؤمن أستاذ الدراسات الإيرانية في جامعة عين شمس في جمهورية مصر العربية، والكتاب
صدر عام 1995 م وهو يقع في 295صفحة من القطع المتوسط عن دار الزهراء للإعلام العربي.
ويتناول الناشر في مقدمته استغرابه لاقتران الجمهورية الإسلامية في إيران بفكرة الثورة، وليس ((الجهاد)) رغم إن إمام ((الثورة)) الإيرانية كان فقيها دينيا ومرجعا شيعيا كبيرا يتمتع بالمصداقية والسلطة بين رجالات الحوزات العلمية داخل إيران وخارجها. وكيف أن اندفاعة الثورة الأولى في تصفية خصومها السياسيين وتغلب العاطفة المشبوبة على الحكمة والعقل روج لخلق صورة ((شعبية)) مثيرة لهذه الحركة الدينية – السياسية قد خالفت المفاهيم التي نادت بها، والتي حاولت من خلالها أن تضع لنفسها مكانة سواء في المجال الإقليمي أو المجال الدولي.
وينتقل إلى قصور التجربة الإيرانية من خلال سياستها الثورية بارتكازها على المفاهيم الداعية للتغيير الشامل على المستوى الداخلي أو الخارجي والمستمدة من ميراثها الشيعي ونظريات المذهب الإثني عشري وآراء الأئمة المحدثين واعتمادهم على تشييع الآيات القرآنية والمنهاج الشيعي الاجتهادي من التفسير والتأويل حيث خلقوا لأهل الشيعة فلكا ومدارا مغلقا من الأفكار الثابتة يدورون فيه بدلا من الانفتاح على رحابة النص القرآني حيث أدى بهم ذلك إلى خلق أصول مصطنعة استخرجوا منها فروعا جديدة متناسين تماما البدايات المصطنعة التي وضعوها بأنفسهم.ومن أمثلة ذلك رأيهم في الإمامة.
كما ويتطرق إلى ظهور شعار ((تصدير الثورة)) وما لهذا الشعار من دور في إضفاء صفات التطرف والإرهاب على العقيدة الإسلامية عموما، والاختلاف بين مفهوم هذا الشعار ومفهوم ((الدعوة الإسلامية)) من حيث التسمية أولا والأسلوب ثانيا، والهدف ثالثا.(12/87)
كما ويوضح المقصود بالحكومة الإسلامية، حيث يتفق علماء المسلمين على أن الحكومة الإسلامية هي الحكومة التي تقوم على تنفيذ شريعة الله التي أنزلها في قرآنه الكريم وستنها الرسول صلى الله عليه وسلم وسار عليها السلف الصالح من بعده. حيث إنه وعلى الرغم من اتفاق أئمة الشيعة بمن فيهم الخميني على أن التشريع الإلهي هو الذي تلتزم الحكومة الإسلامية تعاليمه، وأنها فقط ((منوطة بتنفيذه)) إلا أنها تقصر تشكيل الحكومة على ((رجال الدين)) كما يبين نص كلمات الخميني الصريح:
(إذا أردنا أن نشكل حكومة إسلامية، فينبغي أن نشكلها بهذه العباءة وهذه العمامة ـ وإلا كان ذلك مخالفا للمروءة والعدالة)
ويوضح الناشر الفرق في وجهات النظر في مفهوم مهمة الحاكم من وجهة نظر سنية حيث اقتصار مهمة الحاكم على ((تنفيذ)) تعاليم الكتاب والسنة وأحكامها التي لا محل للاجتهاد فيها ولكن يحتاج في تنفيذ هذه الأحكام توخي السياسة الشرعية، لكنها منصب إلهي يختاره الله بسابق علمه بعباده من وجهة نظر الشيعة الإثني عشرية حيث إن الأمام أفضل أهل زمانه في كل فضيلة وأعلمهم بكل علم، وهو في الكمالات دون النبي وفوق البشر. وكل هذه التوصيفات الشيعية تجنح إلى جعل الأمر في صورة تفويض إلهي لا يحتمل مناقشة أو اجتهادا أو اعتراضا.
وينتقل بعد ذلك في مقدمته إلى النظام الجمهوري والوراثي حيث إنه لربما كان للظروف التي صادفت الخميني من وجود نظام ملكي شاهنشاهي بجانب الرغبة في اكتساب شكل عصري يوحي بالحداثة والعصرية أديا لأن يكون قالب وشكل الدولة الإسلامية الجديدة جمهوري مصبوغا بتعاليم ومبادىء الشيعة الإثني عشرية يعمل على أساس ((ولاية الفقيه)) حيث ظهر الخلاف بين مذهب الأمامية الذي يقوم على(12/88)
((التوريث)) أصلا وبين معارضة الوراثة الملكية، مما دفع – غالبا – أئمة ومفكري المذهب الإثني عشري إلى وضع تصورات وأوصاف خاصة بالإمام تجعل منه معصوما ً منصوصا ً عليه من الله عزوجل للهروب من هذا التناقض في التوريث أو عدمه .
وحقيقة.. أن النظام الإسلامي لم يحدد شكلا للدولة وإنما حدد شروطا والالتزام بهذه الشروط هو الذي يحقق مفهوم الدولة الإسلامية.
والكتاب في محتواه إطلاله سريعة على مجمل حركة الثورة الإيرانية وأثر الروح الإيرانية – الفارسية في نظام الحكم الجمهوري الإسلامي الثوري وأسس نظرية ولاية الفقهية وبعض المقارنات بينها وبين نظام الحكم السني.
وفي مقدمة المؤلف للكتاب يتساءل المؤلف حول إمكانية وقابلية تصدير الثورة الإيرانية إلى دول العالم الإسلامي انطلاقا من ولاية الفقيه أو حكم العمامة والعباءة؟
و هذا الكتاب جواب لهذا السؤال، خاصة أن بعض المسلمين قد انخدعوا بالثورة الإيرانية و لم يتعرفوا على مفاسد هذه النظرية و التناقض الداخلي فيها الذي يجمع الثورة مع الولاية المطلقة للفقيه في صعيد واحد !!
ثم إن هذه النظرية هي جزئية لايمكن أن تشمل المسلمين وذلك أنها لا تتسع لغير فقهاء الشيعة من المسلمين !!
و أهمية الكتاب أنه لا ينقاش نظرية ولاية الفقيه من ناحية شرعية بقدر ما يتناولها من ناحية التطبيق العملي على أرض الواقع، والذي أظهر عيوب و قصور نظرية ولاية الفقيه وحاجتها إلى التعديل المستمر و الذى ينفي عنها أنها ولاية الفقيه صاحب الولاية التكوينية أو الإعتبارية.
ويتناول الكتاب مناح ٍوجوانب عدة نتطرق إليها كما يلي:(12/89)
المبحث الأول: وهو إطلالة على خلفيات نظرية ولاية الفقيه التي أيدها ونشرها الخميني ودور الأفكار التي دعا إليها علي شريعتي في بلورة هذه النظرية علي يد الخميني ولذلك كان لتلامذة شريعتي والذين احتضنهم الخميني والنظام الإيراني دورا كبيرا في توجيه أسلوب تطبيق نظرية الخميني من خلال الأسس التي وضعها علي شريعتي.
ولنظرية ولاية الفقيه محاور أهمها المحور الأول: ثبات حق الفقيه في الحكم عند الشيعة ويستطيع الدارس لفكر الخميني أن يدرك وضوح فكرة حق الفقيه وذلك بمحاولة الخميني تأييدها من خلال الآيات القرآنية مصحوبة بالتفسير الشيعي وتأويل الآيات واستشهادا بأحاديث للرسول صلى الله عليه وسلم منقولة من أسانيد الشيعة وكذلك أحاديث أحفاد رسول الله صلى الله عليه وسلم منقولة عن روايات الشيعة. المحور الثاني: طبيعة ولاية الفقيه أ- ولاية الفقيه اعتبارية وليست تكوينية: حيث يؤكد الخميني أن الحكومة الإسلامية لها صفة الثبات والدوام رغم أنها ليست وراثية ولا ملكية وبعض النظر عن تغير شخص الفقيه.ويرجع الخميني هذا الأمر إلى كونها حكومة إلهية أمر الله سبحانه وتعالى بها ونفذها رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم وعين لها من بعده حكامها.ويفرق الخميني بين الولاية التكوينية وما يسميه بالولاية الاعتبارية و الولاية التكوينية يقصد بها أنهم يتحكمون في ذرات الكون وسائر المخلوقات !! وكذلك مقام الخليفة في الولاية الاعتبارية يختلف عن مقام الخليفة في الولاية التكوينية . إلا أن الولايتين تتشابهان فيما يختص بالصلاحيات السياسية والإدارية والتنظيمية والتنفيذية.، كما أن الفقيه ليس وليا مطلقا بمعنى أنه لا تكون له ولاية على جميع فقهاء زمانه أو أنه يستطيع أن يعين فقيها أو يعزل آخر وأنه ليس في هذا المعنى مراتب أو درجات بحيث يكون أحد الفقهاء في مرتبة أعلى وآخر في مرتبة أدنى أو أن يكون أحدهم وليا أكثر ولاية من الأخر.وإنما يلزم بعد ثبوت(12/90)
القضية أن يشكل الفقهاء مجتمعين أو بشكل فرد منهم الحكومة الشرعية لتنفيذ الحدود وحفظ النظام والثغور وبذلك يصبح هذا التكليف واجبا عينيا على الفقيه وواجب كفاية على عامة الفقهاء وفي هذه الحالة لا تسقط الولاية لأنها تكليف إلهي..
ب- شكل الحكومة الإسلامية : وفي رأيه أن الحكومة الإسلامية ليست استبدادية ولا مطلقة بل مشروطة تماما وهي ليست نيابية بالمعنى الفعلي المتعارف عليه بحيث يكون إقرار القوانين وفقا لرأي الأغلبية بل بمعنى أن المسؤولين فيها مقيدون في السلطة والإدارة بمجموعة من الشروط التي حددها القرآن وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم , وبذلك فإن الحكومة الإسلامية حكومة قانون ((إلهي على الناس)).
وتحت عنوان ((هامش النظرية)) يضع الخميني عددا من الملاحظات على هامش النظرية توضيحا لبعض النقاط التي وردت في النظرية أو استكمالا لبعض الجوانب الهامشية فيها.ومن هذه الملاحظات أهميةالإعلام الإسلامي وضرورة ارتباط الولاية بالعمامة والعباءة حيث يجب أن يكون الولي الفقيه من علماء الدين المعممين رجال الحوزات العلمية الدينية ثم عرج إلى دور القضاء في حكومة الفقيه حيث قال الخميني في هذا السياق بأن منصب القضاء هو للفقيه العادل ….. وهذا القول جعل الخميني يخلط بين وظيفة الحاكم والقاضي عند حديثه عن طبيعة الحكومة الإسلامية وانتهى بملاحظته الخامسة حيث إن ولاية الفقيه تمهد لحكومة إمام الزمان الحتمية.(12/91)
لقد أدى اهتمام الخميني بالجانب العملي في نظريته إلى النظر في واقع المجتمع الإيراني المعاصر ومواءمة كثير من أفكاره العملية مع الظروف السياسية التي كانت تمر بها إيران في هذه الفترة مما خلق كثيرا من الثغرات في الجانب النظري من موضوع النظرية، وأحيانا كان يتناقض فكره العملي مع أسسه النظرية. ومن المرجح أن معظم الشعوب الإسلامية وخاصة العربية سوف ترفض هذه النظرية وتبطل المسعى نحو تصديرها إليها وذلك لعدة أسباب جوهرية في نظر المؤلف أهمهما.. انطلاق النظرية من الفقه الشيعي الذي يتعارض في كثير من مبادئه مع الفقه السني الذي يدين به معظم الشعوب الإسلامية.وثانيا اهتمام النظرية بالجانب العملي يفرض أسلوبا معينا في تطبيقها ربما لا يتناسب في جزئيا ته أو في بعض كلياته مع ظروف المجتمعات الإسلامية أما ثالثا فتعويل النظرية على ظروف المجتمع الإيراني قبل الثورة الأخيرة مما يفقدها شمولية النظرة إلى أحوال المسلمين عامة في مختلف البلدان الإسلامية أما النقطة قبل الأخيرة فهي محاولة النظرية دمج فكرة الثورة مع فكرة الولاية للفقيه مع ما بين هاتين الفكرتين من تناقض.وأخيرا انغلاق هذه النظرية على فكرة الإمامة الشيعية..(12/92)
وفي مبحثه الثاني تحت عنوان التطبيق العملي لنظرية ولاية الفقيه في إيران يعرج المؤلف إلى ملامح الفترة الانتقالية في التطبيق قامت الثورة الأخيرة في إيران وأعلن عن نجاحها في الحادي عشر من شباط 1979 وبذلك بدأت مرحلة اقتسام السلطة في إيران لأن الأطراف صاحبة المصلحة التي سعت إلى تغيير النظام السياسي وإسقاط نظام الشاه قد حاولت الخروج بأكبر نصيب من ثمرات الانتصار وبدا ذلك واضحا على المرجعية على المستوى التديني وعلى رأسهم الخميني أو على المستوى المؤسسي التشريعي والقضائي والإعلامي والعسكري والأمني، وقد كان الخميني في بادئ الأمر يحبذ أن تظل الحكومة في يد رجال العلم والساسة ممن لهم اتجاهات إسلامية مثل الدكتور ابو الحسن بني صدر وسانده حتى أوصله إلى رئاسة الجمهورية وصار أول رئيس لجمهورية إيران الإسلامية وما تبع ذلك من تطور في القناعات واختلاف بين الصدر وقيادته المرجعية (الخميني) من حيث قناعة الصدر بأن تكون قواعد ومقررات النظام الإسلامي هي التي تحدد أعمال الحاكم أي ان تكون الحكومة الإسلامية منفذة للعقيدة وتابعة لها وليست حاكمة عليها وألا تكون العقيدة سلاحا في خدمة السلطة بل تكون الحكومة أداة العقيدة. حيث سعى عند وصوله إلى قمة السلطة إلى محاربة الفردية واتخاذ الإجراءات التي من شأنها منع احتكار السلطة واتخاذ القرار عن طريق الاتصال بالجماعات السياسية المختلفة سواء المؤيدة للنظام أو المعارضة … مما أغضب علماء الدين المؤيدين لفكرة ولاية الفقيه.. فمورست الضغوطات عليه حتى تم توقيع مرسوم تنحيته من الخميني …(12/93)
و من الواضح أن الدستور الإيراني أو ما يسمى بدستور نظام الفقيه قد أخذ كثيرا من مبانيه الفقهية عن نظرية ولاية الفقيه فقد حرص على تثبيت الدعائم الدينية للنظام والتي هي في معظمها شركة بين جميع المسلمين على اختلاف مذاهبهم وهي التوحيد والعدل الإلهي والنبوة والمعاد فيما عدا أصلا واحدا يتعلق بالإمامة والزعامة أي الاعتقاد بحكم الإمام علي بن أبى طالب بعد الرسول , وما يتبع ذلك من الزعامة في غيبة الإمام الثاني عشر المهدي ويليها الزعامة للفقيه العادل المتقي العالم بالزمان الشجاع المدير المدبر الذي يعرفه أكثر الناس ويعترفون بزعامته.
بدأت الممارسة السياسية في ظل ولاية الفقيه في إيران بعد نجاح الثورة الإيرانية من خلال إسقاط النظام الحاكم بصورة عفوية بالإجماع على أن يكون الخميني زعيما للثورة ويمكن أن يلاحظ بأن الممارسة السياسية في هذه المرحلة كانت عفوية وكان أول شكل واضح للممارسة السياسية في إيران بعد الثورة هو الاستفتاء على نظام الحكم الجديد أما التجربة الثالثة في الممارسة السياسية فقد تجلت في عملية انتخاب أول لرئيس لجمهورية إيران الإسلامية في 25/1/1980 وقد جرت أول انتخابات لمجلس الشورى الإسلامي حيث تسابقت الجماعات السياسية لدخول هذا المجلس حيث وضع رفسنجاني أسسا وقانونا جديدا للانتخابات كذلك حدد آية الله حسين منتظري الذي كان مرشحا لخلافة الخميني ستة مبادئ للمارسة السياسية في هذه الانتخابات خلال بيان أصدره بمناسبة حلول انتخابات الدورة الثانية لمجلس الشورى الإسلامي وقد كان للنساء أيضا دور فاعل في هذه الانتخابات وقد كان الخميني عنيفا في مواجهته الجماعات السياسية المختلفة الخارجة على نظرية ولاية الفقية خلال عملية الانتخابات.(12/94)
وفيما يخص السلطة التنفيذية فقد تبلورت وجهة نظر النظام حول هذا الموضوع ومؤداها أنه لا يريد أن يشغل منصب رئيس الجمهورية إلا من هو على خط الولي الفقيه فقد كان رئيس الوزراء مير حسين موسوي على سبيل المثال حريصا على اختيار وزراء يمثلون نفس اتجاهه في التشاور مع خامنه إي رئيس الجمهورية ولكنه لم يكن يستطع أن يتجاهل أشخاصا صاروا من أعمدة النظام فكان مجبرا على أن يضمهم في تشكيله كما كان مجلس الشورى الإسلامي يحاول تخفيف اتجاهه الاشتراكي بعد إعطاء الثقة لبعض وزراءه مثالا على ذلك الوزارة التي شكلها في 7/8/1984 ويمكن الرجوع للكتاب للوقوف على تفاصيل هذا التشكيل الوزاري.
أما فيما يخص الممارسة السياسية حتى وفاة الخميني فقد استمرت عملية الممارسة السياسية على نفس الصورة طوال حياة الخميني وبنفس الملامح التي أوضحناها سابقا وقد استمر الصراع بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية أيضا حول مدى صلاحيات كل منها، ومدى نفوذ كل من رؤسائها في توجيه دفة الأحداث في إيران مع وجود الخميني الذي انحصر دوره في الفصل في نزاعات هؤلاء الرؤساء وسلطاتهم الثلاث.
ولعل من أهم القضايا التي أثارت جدلا كبيرا في إيران خلال الفترة التي سبقت مرض الخميني هي قضية صلاحية الحكومة في فرض شروط إلزامية على المواطنين وما ترتب عليه من خلاف بين الحكومة ومجلس الشورى الإسلامي حول صلاحيات الحكومة في التعامل مع القطاع الخاص بما يشير إلى عدم تنازل أي من الطرفين عن موقفه واستحالة التوصل إلى حل يرضي الطرفين.(12/95)
ويتناول المؤلف أثر ولاية الفقيه على الحرب العراقية الإيرانية عبر مرحلتين أساسيتين حيث يوضح وجهة نظر الخميني في الجهاد الإسلامي أن الجهاد عنده كمصطلح يساوي مصطلح الثورة وأن الجهاد ثورة بكل أبعادها ومعانيها.وأن الخميني لم يضع في اعتباره وهو يقدم نظريته و خلال محاولته تطبيقها في إيران أن يتعرض نظام حكمه لحرب مع دولة أخرى أو نظام آخر , حيث إن الخميني في غمرة انشغاله بتثبيت دعائم نظريته وحكمه في إيران فوجىء بالموقف العراقي ضده.وما تبع ذلك من حملة التعبئة العامة لجيش قوامه عشرون مليون مقاتل ومن ثم التحول إلى تكفير نظام الحكم في العراق واستثمر الخميني الشائعات التي تقول بظهور المهدي في الحرب مع العراق لصالح رفضه الصلح وتقوية لعزائم الشعب الإيراني المقاتل على الجبهات وبالتالي حول الخميني الحرب من مجرد حرب بسبب خلاف على الحدود إلى حرب سياسية عقائدية ومن مجرد قضية إقليمية إلى قضية جهاد إسلامي وكل هذا استنادا على ولاية الفقيه في توجيه دفة الحرب وهذا في المرحلة الأولى من الحرب أما في المرحلة الثانية من الحرب فقد تركزت الجهود حول ربط الحرب بالدين وما يستتبع ذلك من تطوير للقيادة العسكرية والعمليات والتعبئة العامة والدعم المادي واقتصاديات المجتمع وفوق ذلك كله المفهوم السياسي والعقائدي للحرب حيث أصبح المعنى العقائدي في هذه المرحلة هو الجهاد في سبيل الله بالمفهوم الشيعي ووفق شروح الخميني وتلامذته.. .(12/96)
ويستطيع الدارس للعمليات الهجومية التي قامت بها القوات الإيرانية ضد القوات العراقية لاسترداد منطقة إيرانية أو الاستيلاء على منطقة عراقية ملاحظة أثر النظرية على تخطيط المعارك لما اختصت به من أسماء ورموز دينية أو مذهبية. ومن خلالها فقط يمكن دراسة العلاقة بين هذه العلميات والمعاني الدينية والمذهبية المتعلقة بها.ويمكن من خلال دراسة العمليات الهجومية ومسمياتها الكشف عن جوانب هامة ومعقدة في الشخصية الإيرانية ونواحي القوة أو الضعف فيها.وأمثلة على ذلك العديد من العمليات منها: عمليات ثامن الأئمة وعمليات طريق القدس وعمليات مطلع الفجر وعمليات يا أمير المؤمنين وعمليات بيت المقدس وعمليات رمضان وعمليات محرم إضافة إلى أمثلة على العلاقة بين الرموز الدينية والمذهبية وبين العمليات الحربية خلال المرحلة الثانية من مراحل العمليات الإيرانية.وما نتج من ملاحظات سلبية والعلامات التي تدل على إحساس النظام الإيراني بالضعف وبكراهية الجماهير الإيرانية للحرب وفتور الهمة لدى الشعب الإيراني الذي أظهر فشل المجلس الأعلى لدعم الحرب في تحقيق الهدف المنشود وبالتالي إيكال مهام ومسؤوليات الحرب على عاتق رجل هو هاشمي رفسنجاني في مرحلة نهاية الحرب.(12/97)
ومن الدلائل على عجز ولاية الفقيه قرار وقف الحرب حيث إنه من أهم نقاط الضعف في هذه النظرية والتي يمكن اكتشافها من خلال قرار الخميني منح رفسنجاني صلاحياته كقائد عام للنظام عدم إمكانية توافر صفات العصمة بشكل مطلق في الولي الفقيه لأن النظرية إذا كانت فرقت بين الولاية التكوينية للإمام والولاية الاعتبارية للفقيه إلا إنها عند التطبيق وقفت عاجزة عن وضع حد لهذه الفروق.فمع حصول الولي الفقيه على حق أن يكون المرجع الأخير والوحيد في النظام الحاكم ـ افتقد نعمة الشورى وحرم ميزة المراجعة. والحق أن الدارس لنظرية ولاية الفقيه والأسس التي قامت عليها والمرونة التي يضعها الفقه السياسي الشيعي في متناول الولي الفقيه في تبرير كل تصرفاته وأعماله يدرك أن نظرية ولاية الفقيه كانت السند الوحيد الذي استند إليه مسؤولو النظام في إعلان موقفهم من وقف الحرب ذلك أن مبدأ المصلحة الذي تضعه النظرية أساسا لأحكام وفتاوى الولي الفقيه يجعل هذا المسؤول في حل من أن ينقض فتوى أو قرارا اتخذه من قبل كما اتضح جليا في طريقة تعامل إيران وقبولها لقرار مجلس الأمن رقم 598 ونخص بالذكر طبيعة تحركات رفسنجاني في سياق قضية إيقا ف الحرب مع العراق.(12/98)
فإذا نظرنا إلى ردود فعل قرار الفقيه في أوساط علماء الدين نجد أن صغارهم قد تعلموا الدرس الذي لقنه الخميني لخامنيء إي عند تحفظه على فتوى الخميني بمنح الحكومة حق التعزير وجعلها فوق السلطات الثلاث ، مما جعلهم يسارعون بإعلان تأييدهم لموقف الولي الفقيه والقيام بمحاولات تبرير قراره بوقف الحرب على منابر المساجد وفي خطب الجمعة ودروس الوعظ وصفوف المدارس وقاعات المحافل والمظاهرات المؤيدة لهذا الأمر.وهذا لا يعني أن الموافقة مطلقة فقد كان كلبايكاني هو المعارض الوحيد بين كبار علماء الدين في قبول وكذلك تلامذته قرار مجلس الأمن أو وقف إطلاق النار في حد ذاته.مما أدى إلى أنه الاستياء من تجاهل وعدم الأخذ برأيه أو فتواه حول أسلوب تحقيق أهداف الثورة الإسلامية عن طريق السلام، وغادر على إثرها الحوزة العلمية في قم. كما اضطر رفسنجاني أن يؤكد دعمه للحراس وقياداتهم وأن يحاول تهدئتهم واسترضائهم.
ومن هنا يستطيع الدارس أن يدرك أن المخاوف الحقيقية كانت تنبعث من ظنها بأن الظروف الجديدة التي يستتبعها وقف الحرب قد تخلق لدى الولي الفقيه طموحات في تغير كبير يطرأ على خطته واستراتيجياته والسياسات المنبثقة عن هذه الاستراتيجية.كما وأصبح النظام الحاكم في إيران يخشى التجار ومستثمري القطاع الخاص في مرحلة ما بعد الحرب لأنهم يمثلون قوة ضاغطة على النظام لإجباره على السير في طريق الانفتاح الاقتصادي أو الاقتصاد الحر. مما أدى إلى إدراك الخميني من موقع ولاية الفقيه هذا الخطر حيث حاول القيام بتغيير في نظامه الحاكم بعد وقف الحرب، حيث ظهرت جديته جلية في محاولته تعديل استراتيجية النظام من خلال تطوير نظرية ولاية الفقيه بما يتلاءم مع الخط الجديد الذي فرض عليه بعيدا عن الحلول العسكرية والعنيفة.(12/99)
محاولات تغيير شكل النظام حيث وضع الخميني ضوابط التغيير العشرة عبر رسالته الموجهة إلى السلطات الثلاثة ورئيس الوزراء والتي يحاول الخميني من خلالها الإمساك بزمام الأمور التي خرجت أو كادت تخرج من يديه.
وكانت بداية التغييرات السياسية من خلال إنشاء المجلس الأعلى لهيئة الدعوة الإسلامية ونفي الولي الفقيه الشائعات التي ترددت حول اعتزام النظام الحاكم حل الجيش النظامي ليصبح حرسا ً جمهوريا ً وتصويب القصور في الدستور الإيراني حيث عقدت أول جلسة لها بحضور السيد أحمد الخميني ورئاسة مشكيني في مقر رئاسة الجمهورية في 25/4/1989م ولكن وفاة الخميني في 3/6/1989 أوقفت عمل اللجنة بشكل مؤقت.وقد عقد مجلس الخبراء برئاسة علي مشكيني اجتماعا طارئا في الساعة الثالثة بتوقيت طهران من بعد ظهر الأحد 4/6/1989 م لإختيار خليفة للخميني، وقد قرر المجلس بأغلبية ثلثي الأعضاء الحاضرين وعددهم سبعون عضوا اختيار سيد علي خامنيء أي زعيما لنظام الجمهورية الإسلامية خلفا للخميني وفور اختيار خامنيء للزعامة أعلن كل من رفسنجاني وسيد أحمد الخميني مبايعتهما له حيث توالت المبايعات وكان أول قرار اتخذه خامنيء هو تعيين رفسنجاني نائبا للقائد العام لكل القوى وكذلك تبع ذلك إعادة تعيين أئمة الجمعة والجماعات ومندوبي الزعيم في مختلف الأجهزة والإدارات والوزارات والمرافق المدنية والعسكرية.
دلالة اختيار خامنيء للزعامة هو ما يتمتع من صفات تساعده في أن يتولى هذا المنصب الحساس لإدارة البلاد وكذلك فإن المبرر الذي استند إليه مجلس الخبراء في اختيار خامنيء هو مصلحة النظام باعتبار أن الخميني وثق فيه وجعله هو من يقرأ وصيته في حال اعتذرابنه أحمد الخميني عن قراءتها مما يجعله أقدر على تطبيق نظرية ولاية الفقيه من غيره.(12/100)
إن كتابة الخميني لوصية سياسية مستقلة بشكل مفصل تعتبر من السوابق التي أملتها نظرية ولاية الفقيه على الزعيم كواجب ديني ووطني، والوصية الرسمية التي تقع في ستة وثلاثين صفحة وتحتوي على مقدمة وبنود ثم ملاحظات وتقع البنود الرئيسية في تسع وعشرين صفحة، وكل صفحة من صفحات الوصية موقعة بإمضاء الخميني، ويرجع تاريخ كتابتها إلى 15/2/1983 وقد قرأها لأول مرة في الساعة التاسعة من صباح 4/6/1989 م على كبار المسؤولين، سيد علي خامنيء - رئيس الجمهورية.
حيث أراد الخميني أن يقلد خطبة الوداع لرسول الله صلى الله عليه وسلم في مقدمة وصيته وعرج إلى العديد من التوجيهات والوصايا الإصلاحية وعددها ثماني عشر وصية فرعية تتعلق كلها بسبل المحافظة على الإسلام والثورة الإسلامية والحكومة الإسلامية.
ومن الملاحظات حول الوصية تركيز الخميني على عدة نقاط هي إبداء خوفه على تحول النظام من بعده والانحراف بنظريته، والخوف من اللجوء إلى الشرق أو الغرب مما يؤدي إلى وقوع النظام في التبعية لأي منهما.والتأكيد على ضرورة التمسك بالوحدة والانسجام سواء بين علماء الدين بعضهم البعض أو بين المسؤولين أنفسهم أو بين علماء الدين والجامعيين والمثقفين أو بين المسؤولين وجماهير الشعب ….
ودعوة المعارضة على مختلف اتجاهاتها في الداخل والخارج حتى اليساريين والانفصاليين بانضمام إلى الشعب والتعاون مع النظام الحاكم.(12/101)
و بعد استقرار الأمور اجتمعت لجنة تعديل الدستور واللجان المنبثقة عنها بعد تلقيها آلاف الاقتراحات بالتعديلات المطلوبة من أصحاب الرأي والمحافل الجامعية والحوزات …. حيث بلغ مجموع جلساتها إحدى وأربعين جلسة توصلت خلالها إلى عدد من القرارات منها تعديل المادة 157 من الدستور والخاصة بالسلطة القضائية حيث أكدت على مركزية إدارة السلطة وتحديد صفات رئيسها.وكذلك تعديل نص المادة العاشرة بعد المائة من الدستور والتي تحدد واجبات وصلاحيات الزعيم. أما فيما يتعلق بولاية الفقيه فلم يمس التعديل مبدأ ولاية الفقيه على إطلاقه وظلت للولي الفقيه كل الصلاحيات التي كانت له في إطار المحافظة على النظام.(12/102)
ويلاحظ أن الولي الفقيه لم يعد مطلقا في رسم السياسات العام للنظام لأن التعديل الجديد للدستور ربط هذه المسألة بالتشاور مع مجمع المصلحة المشتركة.كما ويلاحظ أن التعديل الجديد قد ألغى فكرة نائب الزعيم ولم يشر إلى تعيين خليفة.ومن هنا ندرك مدى تغير شكل ولاية الفقيه بعد الخميني بحيث أصبحت ولاية الفقيه بكل أبعادها وواجباتها وصلاحياتها ونفوذها على يد الخميني أمرا استثنائيا في النظام الإيراني الحالي ولن تعود إلى ما كانت عليه على يد غيره... وقد جرى التوزيع ابتداء بالسلطة التنفيذية حيث كانت انتخابات رئاسة الجمهورية قد حان موعدها فتزامنت مع الاستفتاء على تعديل الدستور و حقق رفسنجاني عدة انتصارات في وقت واحد، فقد فاز برئاسة الجمهورية وأقرت التعديلات الدستورية التي جاءت كلها لصالحه واستطاع أن يحصل من خلالها على سلطات واسعة وأن تطلق يده في التخلص من منافسيه. ومن هنا بدأ مشوار التعديلات وإعادة التوزيع بتقديم رفسنجاني قائمة إلى المجلس فيها اثنان وعشرون وزيرا من أنصاره وأعوانه والمتعاونين معه.حتى أنه نجح في الحصول على ثقة مجلس الشورى الإسلامي بجميع أعضاء حكومته رغم أن الاقتراع كان سريا ً وحضره لأول مرة مائتان وواحد وستون عضوا من أصل مائتين وسبعين عضوا مما شكل نجاحا كبيرا لرفسنجاني في قيادته للمرحلة الراهنة حيث مد أذرع تعييناته إلى كافة المناصب الحساسة في الدولة من وزارة التخطيط ومؤسسات التلفزة والإعلام انتهاء بالشرطة واللجان الثورية والحرس الجمهوري .
وسوف تكشف الأحداث خلال الفترة القادمة عما إذا كان بمقدور رئيس الجمهورية أن يحقق الهدف الذي كان في عهد الخميني من تطبيق لولاية الفقيه بكامل صلاحياته التي وردت في اصل النظرية.
وأخيرا وليس آخرا فإن المحصلة الواضحة للأحداث خلال الفترة السابقة تشير إلى أن نظرية ولاية الفقيه قد ارتبطت بالشخصيات الحاكمة في إيران الآن.. تبقى ببقائهم وتسقط بسقوطهم.(12/103)
مجلة الراصد الإسلامية
العدد الثالث عشر – غرة رجب 1425 هـ
1-…فاتحة القول : عام مضى... وعام يقدم...!!
2-…فرق ومذاهب : الحشاشون.
3-…سطور من الذاكرة : البويهيين يتسلمون مقاليد الحكم في بغداد.
4-…دراسات : الثورات البارزة .
5-…كتاب الشهر : - اليهود في إيران .
- تاريخ مصر الفاطمية .
6-…قالوا.
7-…جولة الصحافة:
•…رؤية شيعية لدور حزب الله السياسي.
•…احترام قواعد اللعبة اللبنانية.
•…وأيضاً عن الحزب.
•…إيران والمبادرة السعودية.
•…الدعارة في إيران .
•…السفير صاحب العمامة.
فاتحة القول : عام مضى ... وعام يقدم!
هكذا انقضت سنة من عمر مجلة الراصد مرت سريعاً ولم نشعر بها وذلك أن ما واجهته الأمة الإسلامية من أحداث وتغيرات كانت سريعة جداً لم تمنح الكثيرين الفرصة لإلتقاط الأنفاس فضلاً عن صناعة الأحداث أو المشاركة فيها!
وبعد هذا العام الذي رحل بسرعة ازددنا قناعة بأهمية الدور الذي تقوم به مجلة الراصد في معالجة شئون الفرق الإسلامية من منظور أهل السنة, وذلك لما قامت به قديماً ولا تزال الفرق والطوائف من أدوار سياسية واجتماعية أثرت بشكل كبير على حركة الأمة الإسلامية.
إن ما يقوم به الشيعة الآن في العراق يشكل نموذج مثالي جداً لخطورة الدور العقائدي والفكري في حركة ومسيرة النهضة الإسلامية المعاصرة.
وذلك أن شيعة العراق لا يتحركون إلا من خلال المصالح الطائفية الخاصة بهم وحدهم على تنوع مواقفهم السياسية والقتالية فإنهم لا يسالمون أو يقاتلون لمصلحة الإسلام العامة في العراق, فلقد رأى كافة المسلمين تقاعس الشيعة عن مقاتلة الأمريكان مدة طويلة ثم ركوب موجة المقاومة وجرى تضخيم لهذه المشاركة وحين لاحت الفرصة لكسب مكاسب طائفية توقف كل شيء!
ثم لما تغيرت موازين الشيعة الداخلية والإيرانية عاد الشيعة (للجهاد)!
ولا أحد يظمن استمرار مشاركة الشيعة في القتال من جديد في حال بروز صفقة جديدة مع الأمريكان!(13/1)
وفي نفس السياق المتعلق بالدور السلبي والهدام الذي تقوم به الفرق والطوائف في جسد الأمة الإسلامية نجد التوصيات الجديدة التي قدمها قسم بحوث الأمن القومي بمؤسسة راند في شهر 3/2004 حول كيفية التصدي وضرورة تعزيز ونشر الفكر الصوفي بين المسلمين وذلك لتجاوز الحالة القائمة بين الإسلام والغرب.
وهذا استمرار لنهج قديم قام به المستشرقون من إحياء ونشر لفكر الفرق البائدة مثل الخوارج والمعتزلة ووحدة الوجود وغيرها. عبر طباعة المخطوطات الخاصة بهذه الفرق وتلميع قادتها ومفكريها.
وهذا كله يعزز الدور الذي تقوم به الراصد من كشف حركة هذه الفرق والطوائف والتعريف بهم وبالأدوار التي يقومون بها قديماً وحديثاً. والله الموفق.
فرق باطنية 2
الباطنية تطلق على مجموعة من الفرق التي ادعت أن للإسلام ظاهراً وباطناً: ظاهراً يظنه عامة الناس, وباطناً لا يعلمه إلا علماؤهم وخواصهم, فالشهادتان والصلاة والزكاة... وسائر العبادات والفرائض لها معان ٍ ـ عندهم ـ تختلف عن الذي عليه عموم أمة الإسلام, وبذلك صرف الباطنيون تعاليم الإسلام عن مرادها, وأولوها تأويلات باطلة.
كما أن اسم الباطنية يطلق على هذه الفرق لأنها أظهرت الإسلام لكنها أبطنت الكفر.
ويدخل في الباطنية فرق النصيرية والدروز والإسماعيلية والقرامطة والبهائية والقاديانية...
الحشاشون
التعريف
الحشاشون طائفة إسماعيلية فاطمية نزارية مشرقية, انشقت عن الفاطميين (1) وأسسها الحسن بن الصباح المولود بالري سنة 430 هـ, وقد جاء إلى مصر في أواخر عهد الدولة الفاطمية, حين دب فيها الضعف والانقسام ليقدم ولاءه للمستنصر بالله, وبعد موته دعا الحسن بن الصباح إلى إمامة نزار بن المستنصر ومن جاء من نسله, وقد اتخذ من قلعة آلموت في فارس مركزاً لنشر دعوته.(13/2)
وقد تميزت هذه الطائفة باحتراف القتل والاغتيال لأهداف سياسية ودينية, وكلمة الحشاشين أطلقت عليهم لإدمانهم تدخين الحشيش,وقد دخلت هذه اللفظة بأشكال مختلفة في الاستخدام الأوربي بمعنى القتل خلسة أو غدراً أو بمعنى القاتل المحترف المأجور.
أهم العقائد
تلتقي معتقداتهم مع معتقدات الإسماعيلية (2) عامة من حيث ضرورة وجود إمام معصوم ومنصوص عليه بشرط أن يكون الابن الأكبر للإمام السابق, وادّعى كل الذين ظهروا من قادة الحشاشين أنهم يمثلون الحجة والداعية للإمام المستور باستثناء الحسن الثاني وابنه فقد ادّعيا بأنهما إمامان من نسل نزار.
وقد قال إمام الحشاشين بالشام رشيد الدين سنان بن سليمان بفكرة التناسخ وادّعى علم الغيب,أما الحسن الثاني بن محمد فقد أعلن قيام القيامة, وألغى الشريعة, وأسقط التكاليف .
والحج لديهم ظاهره إلى البيت الحرام, وحقيقته إلى إمام الزمان ظاهراً أو مستوراً, وكان شعارهم في بعض مراحلهم (لا حقيقة في الوجود وكل أمر مباح).
أبرز الشخصيات
1 ـ الحسن بن الصباح, مؤسس دعوتهم في آلموت التي اتخذها عاصمة لدولته, وقد توفى سنة 518 هـ (1124 م) من غير سليل لأنه كان قد أقدم على قتل ولديه أثناء حياته.
2 ـ كيابزرك أميد حكم من سنة 518 إلى 532 هـ (1124 ــ 1138 م) وخلال فترة حكمه دخل في عدة معارك مع جيرانه السلاجقة.
3 ـ محمد كيابزرك أميد حكم من سنة 532 إلى 557 هـ (1138 ـ 1162 م) كان يهتم بالدعوة للإمام, وأقدم على قتل كثير من أتباعه ممن اعتقدوا بإمامة ابنه.
4 ـ الحسن الثاني بن محمد حكم من سنة 557 إلى 561 هـ (1162 ـ 1166 م) وقد أعلن في شهر رمضان سنة 559 هـ قيام القيامة وأنهى الشريعة, وأسقط التكاليف وأباح الإفطار, ثم ادّعى بعد ذلك بأنه من الناحية الظاهرية حفيد لكيابزرك ولكنه في الحقيقة إمام العصر وابن الإمام السابق من نسل نزار.(13/3)
5 ـ محمد الثاني بن الحسن الثاني حكم من سنة 561 إلى 607 هـ (1166 ـ 1210 م) وقد طور نظرية القيامة ورسخها, وقد ساعده على ذلك انحلال هيمنة السلاجقة في عهده وضعفهم.
6 ـ جلال الدين الحسن الثالث ابن محمد الثاني حكم من سنة 607 إلى 618 هـ ( 1210 ـ1221م) ورفض عقائد آبائه في القيامة وكفّرهم وأحرق كتبهم وجاهر بإسلامه, وقام بوصل حباله مع العالم الإسلامي.. وصار أتباعه يعرفون بالمسلمين الجدد.
7 ـ محمد الثالث بن الحسن الثالث خلف أباه وعمره 9 سنوات من سنة 1121 حتى 1225 م , وقد عاد الناس في عصره إلى المحرمات والإلحاد, وانتشرت السرقة وقطع الطريق والاعتداءات.
8 ـ ركن الدين خورشاه 1255/ 1258 م وقد قاد هولاكو زعيم المغول حملة سنة 1256 وكان هدفه قلاع الإسماعيلية, وما زال يتقدم حتى استسلم له ركن الدين وسلمه قلعة آلموت وأربعين قلعة وحصناً كلها سوّيت بالأرض, فاستقبله هولاكو بترحاب وزوجه فتاة منغولية, وفي عام 1268م انتهى منه بقتله غيلة, وبذلك انتهت دولة الحشاشين سياسياً في فارس.
الحشاشون في بلاد الشام
ظهر لهم في بلاد الشام عدد من القادة مثل بهرام الاسترابادي, والداعي إسماعيل الفارس, وقد استفادوا من استمالة رضوان بن تتش والي حلب إلى مذهبهم, فوفد إليها عدد كبير من إسماعيلية فارس مما قوٌى شوكتهم في بلاد الشام.
ــ أبرز شخصياتهم في الشام شيخ الجبل سنان بين سليمان بن محمود المعروف برشيد الدين الذي نشأ في البصرة, وتلقى علومه في قلعة آلموت, وكان زميلاً لولي العهد الحسن بن محمد الذي أمره بالرحيل إلى بلاد الشام عند ما صار الأمر إليه. وقد انتقل شيخ الجبل إلى بلاد الشام وجمع الإسماعيلية حوله وصار لهم نفوذ وسلطان, واعترف الناس بإمامته غير أنهم عادوا بعد موته إلى طاعة الأئمة بآلموت, وقد كان شخصاً مخيفاً, وهم يذكرونه على أنه أعظم شخصياتهم على الإطلاق. وقد خلفه أمراء ضعاف مما سهل على بيبرس القضاء عليهم.(13/4)
عداوتهم للمسلمين
كان وسيلة الحشاشين الاغتيال المنظم, وذلك عن طريق تدريب الأطفال على الطاعة العمياء والإيمان بكل ما يلقى إليهم, وعندما يشتد ساعدهم يدربونهم على الأسلحة, ولم يتركوا في منطقتهم مكانا مشرفاً إلا أقاموا عليه حصناً، ولم يتركوا قلعة إلا ووضعوا نصب أعينهم احتلالها.
وقد امتلكوا عدداً من القلاع,ووجّهوا سهامهم تجاه المسلمين وقياداتهم, وحاولوا اغتيال صلاح الدين الأيوبي عدة مرات, وهكذا هو حال الفرق الباطنية تتوجه بعدائها نحو المسلمين وأهل السنة, ويسلم منهم المشركون وأهل الكفر.
وينقل ابن الجوزي صورة عنهم لشدة طاعتهم لأميرهم, وتنفيذ أوامره فيقول:.. قال (أي الأمير) لجماعة من أصحابه أمام رسول ملك شاه السلجوقي إليه: " أريد أن أنفذكم إلى مولاكم في قضاء حاجة فمن ينهض لها؟ فاشرأب كل واحد منهم لذلك, وظن رسول السلطان أنها رسالة يحملها إياهم, فأومأ إلى شاب منهم, فقال له: أقتل نفسك، فجذب سكينة وضرب بها غلصمته فخر ميتاَ, وقال للآخر: أرم نفسك من القلعة, فألقى نفسه فتمزق, ثم التفت (الأمير) إلى رسول السلطان فقال: أخبره أن عندي من هؤلاء عشرين ألفاً هذا حد طاعتهم لي, وهذا هو الجواب " المنتظم في تاريخ الملوك والأمم 7 صفحة 64.
وقد أسفر خلع وقتل نزار كما سبق ذكره عن حركة أرهبت وأفزعت, طالت الفاطميين بالقاهرة, والعباسيين ببغداد والسلاجقة بإيران, يقودها الحشاشون الذين اتبعوا طريق القتل وسفك الدماء لكل من يخالفهم.(13/5)
وكانت أول عملية اغتيال مارسها النزاريون (الحشاشون) هي قتل وزير السلاجقة نظام الملك سنة 485هـ. قال صاحب حلب أبو الفداء " لما كان عاشر رمضان من هذه السنة بعد الإفطار, وهم بالقرب من نهاوند, وقد انصرف نظام الملك إلى خيمة حرمه وثب عليه صبي ديلمي في صورة مستعط, وضرب نظام الملك بسكين فقضى عليه, وأدرك أصحاب نظام الملك ذلك الصبي فقتلوه... وكان قتله بتدبير من السلطان ملكشاه.(المختصر في أخبار البشر ص 202).
وقد دلت الوقائع على تعاون الحشاشين مع أعداء المسلمين وبخاصة الصليبيين, ومن تلك الوقائع:
1ـ عدم وقوع صليبي واحد من الغزاة أسيراً في أيديهم أو مقتولاً بسلاح أحدهم.
2ـ قاتلهم حاكم الموصل السلجوقي الذي حضر إلى دمشق لمساعدة إخوانه المسلمين في رد هجمات الصليبيين.
3ـ قيامهم بتسليم قلعة بانياس, ولجوء قائدها إسماعيل إلى الصليبيين حيث مات عندهم.
4ـ اشتراك كتيبة من الإسماعيلين مع الصليبيين في أنطاكيه بعد أن احتل نور الدين زنكي حلب.
دولتهم
انطلقت دعوتهم من كرمان ويزد إلى أواسط إيران وأصفهان ثم خورستان ثم هضبة الديلم, واستقرت في قلعة آلموت, وشرقاً وصلوا مازندران ثم قزوين واحتلوا منطقة رودبار وكوهستان.. واحتلوا كثيراً من القلاع وامتدوا إلى نهر جيحون.
وصلت دعوتهم إلى سوريا, وامتلكوا القلاع والحصون على طول البلاد وعرضها, ومن قلاعهم بانياس ومصياف والقدموس والكهف والخوابي وسلمية.
وقد كان زوالهم في إيران على يد هولاكو المغولي سنة 1258م.
وفي سوريا على يد الظاهر بيبرس قائد المماليك سنة 672هـ.
ولهم أتباع إلى الآن في إيران وسوريا ولبنان واليمن ونجران والهند, وفي أجزاء من أواسط ما كان يعرف بالاتحاد السوفيتي في السابقس.
الهوامش(13/6)
(1)…الدولة الفاطمية الشيعية الإسماعيلية التي قامت في مصر والمغرب العربي هي الحركة الإسماعيلية الأصلية, وقد انقسمت بوفاة المستنصر بالله سنة 487هـ إلى نزارية شرقية ومستعلية غربية, والسبب في هذا الانقسام أن المستنصر نص على أن يليه ابنه نزار لأنه الابن الأكبر, لكن الوزير الأفضل بن بدر الجمالي نحّى نزاراً, وأعلن إمامة المستعلي وهو الابن الأصغر, كما أنه في نفس الوقت ابن أخت الوزير, وقام بإلقاء القبض على نزار, ووضعه في السجن حتى مات.
وقد نشرنا في الراصد عدة موضوعات عن الفاطميين, أنظر: كتاب الشهر العدد الثاني, كتاب الشهر العدد السادس, سطور من الذاكرة العدد الحادي عشر.
(2)…الإسماعيلية فرقة شيعية باطنية تنسب نفسها زوراً إلى إسماعيل بن جعفر الصادق أنظر باب فرق العدد الخامس من الراصد.
للاستزادة
1ـ الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة ـ إصدار الندوة العالمية للشباب الإسلامي ـ الطبعة الثالثة 1418هـ المجلد الأول صفحة 406.
2 ـ الشيعة المهدي الدروز ـ الدكتور عبد المنعم النمر ـ صفحة 168.
سطور من الذاكرة :
البويهيون يتسلمون مقاليد الحكم في بغداد سنة 334هـ
البويهيون قوم من الشيعة الذين يعودون في أصولهم إلى الفرس ،وينتسبون إلى أبيهم أبي شجاع بويه، الذي كان من صيادي السمك في بحر الخزر (قزوين) وكان له ثلاثة أبناء هم على والحسن وأحمد.
والحقبة التي نحن بصدد تناولها تتعلق بفترة من الفترات التي دب فيها الضعف إلى دولة الخلافة العباسية، بحيث تولى هؤلاء البويهيون الحكم الفعلي في عاصمة الخلافة بغداد مدة مائة وثلاث عشرة سنة, وأصبح الخليفة عاجزاَ مجرداَ من سلطاته.(13/7)
البداية في حكاية البويهيين هؤلاء تعود إلى التحاق علي والحسن وأحمد أبناء أبي شجاع بالجندية ،ودخولهم في جيش (ما كان بن كالي ) وهو أحد القادة المشهورين من أبناء الديالم، وقد أبدوا في عملهم الشجاعة والإتقان ،فدفعهم ذلك إلى أن يصبحوا في الصفوف الأولى بين الأجناد، وفي مرتبة الأمراء.
واختلف ما كان بن كالي مع مرداويج بن زياد ،فما كان من أبناء بويه إلا الانحياز إلى مرداويج عند ما رأوا قوته تميل إلى الرجحان ،فأكرمهم مرداويج وولّى علي بن بويه بلاد الكرج، ثم غضب عليهم، وأمر أخاه (وشمكير) بصرفهم، فصرف الحسن وأحمد, أما علي فلم يصرفه لما اشتهر به من الشجاعة، إلاّ أن مردوايج قرر طرده وأرسل له جيشاً بقيادة المظفر بن ياقوت، فترك علي بلاد الكرج واتجه إلى أصفهان وانتصر على المظفر، وانضم إليه عدد من الديالم، ثم سار إلى (اصطخر) وانتصر على المظفر أيضاً ،ودخل شيراز سنة 322هـ ، ثم حاول علي أن يتقرب ثانية إلى مرداويج الذي قتل سنة 323هـ ،وبقي علي في الميدان، فدانت له بلاد فارس، أما أخوه الحسن، فقد استطاع احتلال الرِّي (طهران) وأصفهان وهمذان، وكذلك أحتل أخوهم أحمد بن بويه كرمان ،ثم دعاه علي لمعاونته فترك كرمان واحتل الأهواز سنة 326هـ.
وهكذا صار الإخوة البويهيون على مقربة من العراق، وقد أصبحت سلطة علي تمتد من بلاد الكرج حتى الأهواز، وسيطر أحمد على بلاد فارس الجنوبية، على حين أن شمال فارس تحت نفوذ أخيهما الحسن وبذلك استطاعوا الاستيلاء على مساحة كبيرة من أملاك الدولة العباسية، الأمر الذي جعل الخليفة يعترف بهم.(13/8)
وفي مقابل الانتصارات التي كان يحققها البويهيون، كانت الأمور في الجهة الأخرى في العراق حيث مقر الدولة العباسية لا تسر بحالٍ ،فقد ساءت الأحوال في بغداد، وضعف المماليك وأمراء الأمراء عن تسيير دفة الأمور، وساءت العلاقة بين الخليفة المتقي وتوزون، فدعا الخليفة أحمد بن بويه لدخول بغداد، فاتجه نحوها غير أنه هزم أمام توزون سنة 332هـ، ثم طلب قواد بغداد من أحمد السير إليهم والاستيلاء على مدينتهم، فسار نحوهم، واستقبله الخليفة المستكفي سنة 334هـ، وأكرمه ولقبه "معز الدولة" وعينه "أمير الأمراء" كما لقب أخاه علياً "عماد الدولة"، والحسن لقبه "ركن الدول".
واقتسم الأخوة الثلاثة السلطان والنفوذ في المناطق الواسعة التي استولوا عليها، ولكن السلطان العام بقي في يد الأخ الأكبر علي ،وكان للحسن الجزء الشمالي من بلاد فارس ولأحمد العراق بما في ذلك واسط وبغداد. وهكذا صار لكل واحد من هؤلاء منطقة يسيطر عليها، ويتعاقب أبناؤه وأحفاده على حكمها.
وقد استمر حكم البويهيين للدولة العباسية كما أسلفنا 113 عاماً، بدأت في عصر المستكفي (333ـ334هـ)، وقد عاصر الخليفة المستكفي آخر عهود الأتراك ومطلع بني بويه، ثم المطيع (334ـ363هـ) فالطائع (363ـ381هـ) فالقادر (381ـ422هـ), أخيراً القائم (422ـ467هـ) الذي عاصر آخر عهد البويهيين ومطلع عهد السلاجقة .
أعمال منكرة
لقد كانت أسرة آل بويه شيعية ، فبدرت منهم أعمال منكرة ،ففي سنة 341هـ ظهر قوم من التناسخية فيهم شاب يزعم أن روح علي انتقلت إليه ، وامرأته تزعم أن روح فاطمة انتقلت إليها، وآخر يدّعي أنه جبريل . وما كان من معز الدولة إلاّ أن أطلقهم .
وفي سنة 351 كتبت الشيعة في بغداد على أبواب المساجد لعنة معاوية ،ولعنة من غصب فاطمة حقها من فدك ، ومن منع أن يدفن مع جده ، ولعنة من نفى أبا ذر ...(13/9)
وفي العام التالي يوم عاشوراء ، أمر معز الدولة الناس بغلق الأسواق ، ومنع الطباخين من الطبيخ ، ونصبوا القباب في الشوارع ، وعلّقوا عليها المسوح ، وأخرجوا نساء منتشرات الشعور يلطمن في الشوارع ،ويقمن المأتم على الحسين ،وهذا أول يوم نيح فيه عليه ببغداد ،واستمرت هذه البدعة سنين .
وفي ثاني عشر ذي الحجة من العام نفسه عمل عيد غدير خم ، وضربت الدبادب .
عصر مظلم وأحداث تدمير
يكاد يجمع المؤرخون على أن عصر البويهيين كان عصراً مظلماً بعيداً عن قيم الإسلام وتعاليمه ،فلقد كان الخلفاء في هذا العصر هدفاً لعدوان قاس ٍ من سلاطين آل بويه ،فعقب دخوله إلى بغداد جاء معز الدولة البويهي إلى دار الخليفة ومعه بعض الديالمة الأشداء ، ويجذب هؤلاء الخليفة وهو جالس على كرسيه ،ويضعون عمامته حول رقبته ويسحبونه ، ويصدر قرار بعزله ثم تنهب داره وتصادر أمواله.وهكذا كان التعامل مع باقي الخلفاء.
وقد حاول البويهيون إلغاء الخلافة العباسية ،ونقلها إلى العبيديين الفاطميين الذين كانوا يحكمون مصر وشمال أفريقيا ،وهم من الشيعة الإسماعيليين إلاّ أن بعض مستشاريهم نصحوهم بعدم تنفيذ هذه الفكرة ،حتى لا يضعوا في كراسي الخلفاء خلفاء لهم عليهم حقوق الطاعة.
وسرعان ما دب الوهن في هذه الدولة بعد موت الاخوة الثلاث الكبار ،رغم أن بذور فناء دولتهم زرعت مع نشأتها ،ويذكر أن معز الدولة وهو أول حاكم بويهي للعراق قدّم بعض العطايا لجنوده من الأتراك ،فحسدهم الديالم ،وتولدت عن ذلك الوحشة والصراع ،ولم تمض سنة على بغداد حتى اشتد الغلاء بها ،فأكل الناس الميتة والقطط كما أكلوا بعض الأعشاب مما سبب انتشار الأمراض وكثرة الموتى ،حتى عجز الناس عن دفن موتاهم ،وانحدر كثير من أهل بغداد للبصرة،فمات أكثرهم في الطريق ،وبيعت الدور والعقارات بالخبز (تاريخ الدولة العباسية للشيخ محمد الخضري بك صفحة 381).(13/10)
ويستطرد صاحب كتاب تاريخ الدولة العباسية واصفا ما أحدثه البويهيون فيقول:لم يكن عهد معز الدولة في بغداد إلا شراً كله ،وقد خربت العراق بعد أن كانت جنة الدنيا ،وذلك من جراء الاختلافات والحروب الداخلية وضعف هيبة السلطان. صفحة 386 .
وعن عز الدولة بختيار ابن معز الدولة يقول الخضري بك: كانت البلاد في سلطانه أسوأ حالاً منها في سلطان أبيه ،فإنه اشتغل باللهو واللعب وعشرة النساء والمغنيين.
وفي عهد البويهيين هاجم الروم البلاد الإسلامية ،واستولوا على الكثير من المدن والحصون ،ففي سنة 351هـ غزا الروم "عين زربة" وهي من أهم مدن الثغور ،وقتلوا وسلبوا ،وفي نفس العام استولوا على حلب ،وفي سنة 354 هـ استولوا على المصيصة. ولم يكد يمر عام إلاّ والهزائم تتوالى على المسلمين ،فالتاريخ يعلمنا أن الدول الشيعية كالفاطمية والصفوية وكذلك البويهية لا توجه سهامها إلا إلى المسلمين ،ويظل الكفار من الصليبين والمغول وغيرهم في منأى من شرورهم ،بل أنكى من ذلك أنه سرعان ما تقوم الأحلاف بين الدول الشيعية والدول المسلمة لقتال الدول الإسلامية السنية ( ).
وإذا كانت بداية البويهين في بغداد بدأت سنة 334 هـ ،بدخولهم إلى عاصمة الخلافة واستيلائهم على الحكم ،وعزلهم للخليفة المستكفي ،فإن العام 447هـ حمل نهايتهم على أيدي السلاجقة الذين جاءوا بطلب من الخليفة القائم الذي استنهض همة طغرل بك السلجوقي لنجدة المسلمين عندما طغا البساسيري ،وهو أحد موالي بني بويه ،حتى خافه الناس جميعاً ،وثبت للخليفة أن البساسيري سيء العقيدة وأن عنده رغبة في إلغاء الخليفة. ودخل السلاجقة بغداد بطلب من الخليفة وانهوا 113 عاماً من إفساد البويهيين ،وأعادوا الأمور إلى نصابها.
للاستزادة :
1 ـ التاريخ الإسلامي ـ الجزء السادس (الدولة العباسية) ـ محمود شاكرـ صفحة 145 .
2 ـ حركات فارسية مدمرة ـ أحمد شلبي ـ صفحة 161 .
3 ـ تاريخ الدولة العباسية ـ محمد الخضري بك .(13/11)
دراسات : إيران و جماعات العنف في العالم الإسلامي
هذا هو الفصل الثالث من كتاب (إيران دراسة عن الثورة و الدولة ، تأليف د. وليد الناصر)، والذى تناول فيه الدور الإيراني في إختراق وتوجيه بعض الحركات السنية ضد بلادها ودعم شيعة هذه البلاد تجاه حكوماتها ولأهمية جمع هذه المعلومات على صعيد واحد آثرنا إعادة نشره هنا.............. الراصد
نرى في كافة الثورات البارزة في التاريخ الإنساني أن كل ثورة احتوت عل اتجاهين فيما يخص نشر أفكارها خارج الحدود، وهما:
1- اتجاه بناء الدولة النموذج Model – State من خلال محاولة الوصول ببناء الدولة إلى مرحلة الكمال من وجهة نظر أيديولوجية الثورة بما يجذب تأييد شعوب أو قوى محيطة تكون مشاركة في خصائص معينة مع شعب الدولة الذي قامت فيه الثورة.
2- اتجاه تصدير الثورة وهو يناصر فكرة دور خارجي فعال للنظام الثوري في مساندة قوى تتبنى نفس أفكاره. وإحدى حجج هذا الاتجاه هي أن أفضل وسائل الدفاع هي الهجوم، فعندئذ يعتبر الدور الخارجي الفعال والمتدخل في شئون دول أخرى إجراء وقائيا يخدم كمقدمة لاحتواء أي هجوم على الثورة من القوى الإقليمية والدولية التي تعتبرها هذه الثورة معادية لها. والحالة الإيرانية ليست استثناء من هذه القاعدة، بل إن كون الثورة الإيرانية رفعت شعارات إسلامية أعطت مبررا إضافي لأنصار الاتجاه الثاني.(13/12)
وقد تميزت الثورة الإيرانية منذ انتصارها في فبراير عام 1979بإعطاء صورة داخلية وخارجية تعكس مساراً داخلياً ودورا خارجيا شبيها بما ميز الحركتين الوهابية في القرن الثامن عشر، والمهدية في القرن التاسع عشر. وقد اعتبرت إيران تصدير الثورة ومساندة حركات المعارضة الراديكالية – خاصة ذات التوجه الإسلامي وبالذات الشيعية منها – في الدول المجاورة أسلوبا لهذا الهجوم الوقائي مستغلة البريق الأيديولوجي للثورة في سنواتها الأولى، كما هدفت من وراء ذلك إلى استخدام العامل الإسلامي الثوري كعامل توحيدي إقليمي في مواجهة العامل القومي العربي. فالوضع الأمثل لريادة إيران – إن لم نقل زعامتها – على المستوى الإقليمي هو نظام إقليمي إسلامي وليس قوميا عربيا. وبالتالي، توظف إيران دعمها للحركات الإسلامية خارج حدودها – حتى ولو كان معنويا وإعلاميا فقط – في علاقاتها مع الأطراف الإقليمية والدولية بما يخدم أهداف ومصالح سياستها الخارجية، ويلهي الحكومات المعادية لها عن محاولة التدخل في شئون إيران الداخلية واكتفائها بالحد من دور الجماعات الإسلامية لديها،وبما يحفظ الزخم الثوري في الداخل الإيراني.
ومنذ بداية انتصار الثورة الإيرانية عام 1979، طالب التيار الداعي لتصدير الثورة باعتبار تصدير الثورة إحدى سبل حمايتها في الداخل، وبعدم الاكتفاء بالدعاية الخارجية للنموذج الإيراني بل بتقديم مساعدات ودعم لقوى سياسية خارج إيران، وخاصة القوى الراديكالية المعادية للنظم القائمة في العالم الإسلامي لإنشاء حكومات على النمط الإيراني، كما أن اعتبار الخميني للولايات المتحدة بأنها العدو الأول لإيران دفع الجمهورية الإسلامية الوليدة هناك منذ البداية لدعم جماعات عنف سياسي بالشرق الأوسط وتوجيهها بشكل خاص ضد المصالح الأمريكية لكسب نقاط في المواجهة مع الولايات المتحدة، وتجد ذلك خاصة إبان أزمة الرهائن الأمريكيين في طهران.(13/13)
وقد طالب الخميني منذ البداية بتكرار ثورة إيران في البلدان الإسلامية الأخرى، كخطوة أولى نحو التوحد مع إيران في دولة واحدة يكون مركزها إيران في المواجهة مع من أسماهم بأعداء الإسلام في الشرق والغرب. والتزم بتدمير من أسماهم بالأنظمة الفاسدة التي تقمع المسلمين واستبدالها بما اعتبره حكومات إسلامية. كما ربط بين تصدير الثورة وبين مواجهة الإمبريالية وتحرير فلسطين. ورأى للثورة الإيرانية دورا عالميا لمساندة المحرومين عبر العالم. واعتبر صراحة أن الدولة الإسلامية في إيران ستمثل قائداً للمستضعفين في الأرض وأكد ضرورة تصدير الثورة لكل مكان، لأن الإسلام يدافع عن الشعوب المستضعفة ولا يعترف بالحدود بين البلدان الإسلامية. وتعهد الخميني بتصدير الثورة الإيرانية إلى كافة أرجاء الأرض، بل وعد ذلك ضمن واجبات الثورة الإيرانية. وأضفى الخميني على رؤيته قدرا من الواقعية عندما ذكر أن عدم تصدير إيران لثورتها سيضعفها أمام أعدائها. إلا أن الخميني تحدث أحيانا عن تصدير الثورة الإيرانية من خلال المثال، وتعهد بعدم مهاجمة الدول الأخرى، بل بالدعوة والدعاية للثورة في الخارج عبر استخدام وسائل الإعلام وغيرها، بينما في مواضع أخرى حرض الشعوب والتنظيمات السياسية الإسلامية على إسقاط حكوماتها التي اعتبرها ضالعة في تنفيذ ما أسماه بمؤامرات الاستكبار العالمي. وفي بيان لاحق وجهه للطلاب الإيرانيين بالخارج، أعرب الخميني عن الأمل في انتشار ثورة إيران الإسلامية للعالم أجمع حتى تتشكل حكومة عالمية تحت زعامة الإمام المهدي الثاني عشر.(13/14)
ومنذ الأيام الأولى لنجاح ثورة إيران في فبراير عام 1979، اعتبر آية الله طلقاني – أحد قادة الثورة – أن الثورة الإيرانية قد أيقظت العالم الإسلامي في مواجهة الاستعمار والإذلال واعتبر كل ثورة تقوم في أي بقعة من العالم الإسلامي ضد الاستبداد والامبريالية هي ثورة للمقهورين، وبما أن الإسلام دعا إلى نصرة المستضعفين في الأرض فهذا واجب الثورة الإيرانية لأنها الثورة الأم للمستضعفين ليس فقط في العالم الإسلامي،وإنما في العالم أجمع.
وقد اتفقت معظم الأدبيات الثورية الإيرانية عام 1979 على تصنيف حكام معظم البلدان الإسلامية – مثلهم مثل دول الغرب – بأنهم يمارسون ((الاستكبار)) ضد شعوبهم، وحث هذه الشعوب على التخلص من حكوماتها التي تخدم – حسب الرؤية الإيرانية – مصالح أعداء الإسلام. وركزت هذه الأدبيات على إبراز النموذج الإيراني بوصفه النموذج الثوري الإسلامي الوحيد، وبالتالي فهو ملزم بمساندة الحركات الإسلامية الراديكالية في بقية أنحاء العالم الإسلامي، مما يجعل تصدير الثورة واجبا دينيا وليس مجرد هدف سياسي يتمثل في جعل علاقات إيران الخارجية مع الشعوب وليس مع الدول، ويتطلب من إيران تقديم مساعدات مالية وعسكرية بالإضافة إلى التدريب العسكري والتلقين العقائدي لهذه الحركات، وعدم الاكتفاء بالدعاية الخارجية للثورة.
ولم يتوان مجلس الدفاع الأعلى في إيران في الدعوة إلى ثورة إسلامية عالمية تشكل جبهة إسلامية متحدة ضد إسرائيل في الولايات المتحدة وحلفائهما في المنطقة، ويكون قوامها الحركات الإسلامية المعارضة خاصة في العراق والسعودية ودول الخليج الأخرى.
وقد انعكست هذه الآراء في الدستور الإيراني. فقد حددت ديباجة الدستور الإيراني – ضمن أهداف الجمهورية الإسلامية – السعي مع الحركات الإسلامية والجماهيرية الأخرى لبناء الأمة العالمية، وإنقاذ المحرومين في كل مكان على الأرض.(13/15)
كما أن الدستور أعطى الحرس الثوري والجيش في الجمهورية الإسلامية مهمة النضال من أجل توسيع حاكمية قانون الله في كافة أرجاء العالم. كما أكدت المادة الثالثة من الدستور الدعم المطلق لمستضعفي العالم كهدف من أهداف الجمهورية الإسلامية. وأشارت المادة 154 إلى التزام إيران العمل على إقامة حكومة الحق والعدل في أرجاء الأرض، وحماية الكفاح الشرعي للمستضعفين ضد المستكبرين في أي مكان في العالم.
بل إن الدستور الإيراني حدد من مهام الحرس الثوري نشر حاكمية الله في الأرض، وبناء مجتمع عالمي موحد يقوم عل النضال لتحرير المستضعفين في الأرض، كما وضع ضمن أهداف السياسة الخارجية الإيرانية دعم المستضعفين في الأرض وجهادهم المشروع. ولكن – وليعكس تباين وجهات النظر وتفاوتها داخل القيادة الإيرانية – أشار الدستور في مواقع أخرى إلى عدم تدخل إيران الثورة في الشئون الداخلية للدول الأخرى.(13/16)
وقد جسد الحزب الجمهوري الإسلامي – الذي سيطر على الحكم في إيران منذ إقصاء الدكتور أبو الحسن بني صدر عن رئاسة الجمهورية في يونيو 1981حتى حل الحزب عقب نهاية الحرب مع العراق – نظرية تصدير الثورة. بل إن البعض اعتبر الخلاف بين الحزب وبين الدكتور أبو الحسن بني صدر أول رئيس لجمهورية إيران هو – في أحد أبعاده – خلاف بين المفهوم الوطني للإسلام وحركة الإسلام العالمية. فاعتبر الحزب نفسه – في برنامجه الأساسي- حزب المسلمين في كافة أنحاء العالم وليس في إيران وحدها، وذكر برنامجه أن عالمية الثورة الإسلامية ومبدأ تصدير الثورة وجهان لعملة واحدة، وبالتالي حدد مهمة إيران الثورة في إنقاذ المسلمين والبشرية بأجمعها. وقد برر الدكتور حسن آيات – أحد منظري الحزب – تدخل الثورة الإيرانية في شئون الدول الإسلامية الأخرى بأن على إيران نصرة المستضعفين في كل مكان حتى يتم ضمان استمرارية الثورة واتساع دائرة إشعاعها. وخلال مرحلة سيطرة الحزب على الحكم في إيران تبلور الصراع بين المكتبيين (الملتزمين عقائديا) وبين جماعة الحجتية الأكثر براجماتية وقربا من الغرب، خاصة حول دعم المكتبيين لتصدير الثورة خارج إيران. كما اعتبر الحزب النظم الملكية مناقضة لمنطق الثورة الإسلامية، وبالتالي يجب إسقاطها كنظم غير عادلة.(13/17)
وهناك بعض الآراء التي ترى أنه رغم أن إيران لم تخلق المد الإسلامي، فإنها تساعد هذه الموجة وتوظفها – في عدة دول – لخدمة مصالحها دوليا وإقليميا، وتدفع الحركات الإسلامية الراديكالية هناك للتضحية مستخدمة مفاهيم ((الشهادة)) و ((لقاء الله)) و ((نصرة الإسلام)) وغيرها من الرموز الدينية. وقد استخدمت إيران المؤتمرات العالمية لأئمة الجمعة وأسابيع الوحدة الإسلامية، والاحتفالات السنوية بيوم القدس ومؤسستي الشهيد والمستضعفين، ومنظمة العلماء المجاهدين، كآليات لتعبئة رجال دين وكتاب ومفكرين وقياديين إسلاميين من كافة أنحاء العالم الإسلامي، لتلقينهم عقائديا والتأثير عليهم فكريا، بما يتفق مع أفكار الثورة الإيرانية ومصالح الجمهورية الإسلامية. كما وظفت الثورة الإيرانية اللجنة الدائمة للحج، ومكتب الدعوة الإسلامية كمؤسستين حكوميتين لتصدير فكر الثورة الإيرانية وتوسيع تأثيرها الخارجي. وقد جاءت تصريحات لعدة مسئولين إيرانيين لتؤكد أن إيران لن تأمن من مؤامرات الدول الكبرى إلا إذا حدثت ثورات مماثلة في العالم الإسلامي ووعدت بمساعدة كل حركات التحرير والحركات الإسلامية الراديكالية في أي مكان في العالم.
ورغم أن إيران أعلنت في عدة مناسبات أنها لن تتدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى، وأن وزارة الخارجية الإيرانية هي الجهة المعنية بممارسة السياسة الخارجية مع الدول الأخرى، إلا أن هناك منظمات ثورية إسلامية رسمية أو شبه رسمية أو – حتى – غير رسمية في إيران تزاول اتصالات مع تنظيمات إسلامية معارضة في بلدان إسلامية أخرى مما سبب في مراحل عدة توترا في العلاقات مع هذه الدول.(13/18)
وعلى مستوى القيادات الإيرانية الأخرى، فإن رئيس الوزراء الإيراني السابق مير حسين موسوي كان يعتبر هدف السياسة الخارجية الإيرانية تحرير الإنسانية، وليس فقط العالم الإسلامي، إلا أنه عاد ليعلن أن إيران لا تنوي التدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى. إلا أن قيادات أخرى مثل وزير الداخلية السابق علي أكبر محتشمي، ورئيس البرلمان السابق مهدي كروبي، ونائب رئيس البرلمان الإيراني السابق حجة الإسلام خوئنها، أشاروا إلى تصدير الثورة خاصة إلى ما أسموه بالدول العميلة للشرق والغرب، خاصة الولايات المتحدة.
ومنذ البداية، منذ أن كان رئيسا للبرلمان الإيراني عقب عام 1981، ركز رفسنجاني على اعتبار الثورة الإسلامية قدوة ومثالا دون الإشارة إلى التدخل الخارجي، وعبرت الصحافة الموالية له عن هذه المواقف. وقد ذكر رفسنجاني عام 1989 عندما كان رئيسا للبرلمان أنه يرفض التضحية بما تحقق على مستوى بناء المؤسسات داخل الجمهورية الإسلامية، أو إعاقة استكمال تنفيذ أهداف الثورة داخلياً مقابل تصدير الثورة خارجياً. وجاء التخلص من مير حسين موسوي بإلغاء منصب رئيس الوزراء عقب انتخاب رفسن جاني رئيسا للجمهورية وتعديل الدستور ليعكس إقصاء أحد دعاة تيار تصدير الثورة الإيرانية، وكان قد سبق هذه الخطوة إقصاء مهدي هاشمي – صهر آية الله منتظري المرشح السابق لخلافة الخميني وأحد دعاة تصدير الثورة – مسئول مكتب دعم حركات التحرير في العالم عام 1986، بعد أن قام بتسريب أنباء فضيحة إيران جيت وألمح إلى دور رفسنجاني فيها. وجاء إقصاؤه متزامنا مع وقف الدور الخارجي للمكتب ثم تم إعدام هاشمي في صيف 1987. كما كررت إيران بكثرة منذ عام 1985 إدانة عمليات تخريب وخطف طائرات، كما ساهمت في الإفراج عن ركاب طائرات مختطفة. وعقب تولي رفسنجاني رئاسة الجمهورية عام 1989 قام بإقصاء علي أكبر محتشمي – أحد دعاة تصدير الثورة – من وزارة الداخلية.(13/19)
وعقب تولي رفسنجاني رئاسة الجمهورية أيضا عبر عن رفض فرض الثورة على المسلمين خارج إيران، بينما طالب الحركات الإسلامية خارج إيران باتخاذ الثورة الإيرانية قدوة ومثالا لها، وبالسعي لإيصال صوت الثورة إلى الناس. وأضاف أن إيران ستصدر أفكارها في إطار القوانين الدولية. كما تحدث المرشد الجديد للثورة سيد علي خامنئي عن الدعاية لفكر الثورة الإيرانية في الخارج بين صفوف المستضعفين وتزامن ذلك مع هزيمة الراديكاليين في انتخابات المجلس (البرلمان) في إبريل عام 1992 وفي طليعتهم الراحل أحمد الخميني، ومهدي كروبي، وأرملة الرئيس الإيراني الراحل محمد علي رجائي، وحجة الإسلام خوئنها، وعلي أكبر محتشمي وآية الله صادق خلخلي رئيس المحاكم الثورية الإسلامية سابقا، بالإضافة إلى قرار دمج وزارتي الدفاع والحرس الثوري في وزارة واحدة للقوات المسلحة في أغسطس عام 1989 مما عنى في الواقع إنهاء أي دور خارجي مستقل للحرس الثوري. وسبق ذلك قبول الخميني استقالة خليفته المعين آية الله المنتظري في 28 مارس 1989، وكان المنتظري يجسد دور راعي دعاة تصدير الثورة، وكان يميل إلى دور إيراني فعال ونشيط في تصدير الثورة، ودعم الحركات الإسلامية الراديكالية في البلدان الإسلامية الأخرى.
والواقع أن التحول نحو البراجماتية داخلياً وخارجياً قد ارتبط بانتهاء الحرب مع العراق والإحساس بالاختناق الاقتصادي وبالحاجة للانفتاح عى العالم، خاصة اجتذاب استثمارات الغرب وتكنولوجيته لإعادة تعمير إيران مما تطلب اعتدالا في السياسة الخارجية.(13/20)
ورغم خسارة الراديكاليين في انتخاباب إبريل عام 1992 البرلمانية وحصول المعتدلين على غالبية المقاعد، والتنبؤ بأن ذلك سيؤدي إلى خفوت اتجاهات دعم المد الإسلامي المتطرف في المنطقة، واتهام مرشد الثورة خامئني للغرب بتهييج دول عربية ضد إيران، واتهامها بدعم الجماعات الراديكالية الإسلامية، فإن خامنئي ذكر في إحدى خطب الجمعة أن إيران هي محور الثورة والوحدة الإسلامية، وهي وحدها الدولة الإسلامية الحقيقية. ودعا عضو مجلس الأوصياء آية الله أممي كاشاني إلى الدعاية للإسلام لمواجهة أعدائه ونشر رسالته دون استخدام العنف. كما أن طهران تستضيف حتى نهاية عام 1992 مقار 25 تنظيما إسلاميا راديكاليا عبر العالم، وتدرب كوادر إسلامية متهمة بأنها كانت رديكالية في مراكز بإيران، وتقدم دعماً مادريا وتموينيا منظمات إسلامية راديكالية، وترسل معلمين ومدربين لهم، وتتبنى عمليات عنف ومخابرات تقوم بها هذه المنظمات، وبأنها ما زالت تدعو وتستقبل قادة وأعضاء جماعات إسلامية راديكالية، أو رجال دين متشددين عبر العالم الإسلامي خاصة للمشاركة في مؤتمرات مثل أئمة الجمعة والوحدة الإسلامية. وتمسكت القيادة الإيرانية الجديدة بفتوى الخميني التي أحلت دم الكاتب الهندي البريطاني سلمان رشدي، ورصدت مكافأة لمن يقتله، رغم محاولات التخفيف من حدتها أحياناً. وتتهم إيران بأنها تجري مشاورات مع ممثلي جماعات إسلامية راديكالية من العالم الإسلامي في عواصم غربية، وأنها تتبنى عدة جمعيات إسلامية في أوروبا والولايات المتحدة، كما تقوم بتوزيع مواد دعائية سياسية وعقائدية على تلك الجماعات، بالإضافة إلى مساعدات مالية وتدريب عسكري خاصة للجماعات الثورية في العراق ولبنان. وقد دعا آية الله أردبيلي الرئيس السابق للمحكمة العليا في إحدى خطب الجمعة إلى تبني حرب عصابات لمواجهة الولايات لمتحدة،وتسديد ضربات لها. واتهم الحكومات العربية بأنها إما تابعة أو محتكرة للسلطة،(13/21)
ويجب على الشعوب عدم الاعتماد عليها لمواجهة الولايات المتحدة. كما تواصل إيران تقديم منح لطلاب من دول إسلامية أخرى للدراسة في معاهد وحوزات علمية إيرانية، ويتلقون بجانب التعليم دورات تلقين عقائدية تتصل بمبادئ الثورة الإيرانية. إلا أن قدرتها على اجتذاب طلاب سنيين يواجه منافسة قوية من جامعات العالم السني، خاصة جامعة الأزهر. وفي ربيع عام 1992، عقد اجتماع لرجال الدين من 70 دولة عبر العالم في طهران وفي مخاطبته للمؤتمر، اعتبر رفسنجاني تصدير الثورة واجب إيران تجاه المستضعفين في العالم أجمع. والثابت أن إيران ما زالت تساند عدداً من الجماعات الراديكالية الإسلامية من خلال عدة وسائل، وتحافظ على اتصالات معهم، وتعمل على ممارسة التأثير عليهم. كما أشارت مصادر إلى أن إيران ساعدت عددا من النشطين الإسلاميين الفارين من دول عربية وإسلامية اللجوء إلى دول أوروبية، وتمويل إقامتهم هناك. وما زالت صحيفة سلام – لسان حال المتشددين – وغيرها تحض على دعم إيراني فعال لجماعات الإسلام السياسي الراديكالي في الدول الأخرى، وتشير نشرات الأخبار في وسائل الإعلام الإيرانية إلى أخبار ما تسميه بالثورات الإسلامية بالخارج.(13/22)
وقد أفاد تأثير إيران على الجماعات الإسلامية الراديكالية مصالحها من حيث اضطرار دول أخرى للتعامل مع إيران والرهبة من تأثيرها مما جعل علاقاتها بهذه الجماعات عنصر ضغط على حكومات دولها. ولكن هذا لم يحدث في كل الحالات، بل أدى في بعض الحالات إلى توتر علاقاتها مع هذه الحكومات. كما أنه إذا كان تصدير الثورة الإسلامية أحد أهداف السياسة الخارجية الإيرانية، فإن هناك أهدافاً أخرى مثل حماية أمن إيران ومصالحها الاقتصادية، وهذا ما يمنح سياسة إيران الخارجية أحياناً أشكالا متناقضة، أو غير متسقة فيما بينها. كما يبدو تصدير الثورة أحيانا كأداة – وليس هدفا – للسياسة الخارجية الإيرانية. كذلك فإن توفر الموارد المالية يعتبر هاما وأساسيا لممارسة إيران دورا تدخليا في شئون الدول الأخرى.(13/23)
وعلى أرض الواقع، فإن إيران واجهت في السنوات الأخيرة صعوبة الموازنة بين الرسالة الأيديولوجية، وبين مصالحها واحتياجاتها الوطنية، كما أثبتت أن شعاراتها في السياسة الخارجية أكثر راديكالية من مواقفها العملية وسلوكها، وإن ارتفع شعار تبني نموذج النظام الإسلامي في بلد واحد قد يضعف الثورة الإيرانية وتأثيرها على القوى الإسلامية بالخارج. وتبقى المعادلة الصعبة التي يصعب التخلي عن أحد طرفيها: تحسين علاقات الحكم الإيراني بالدول الإسلامية الأخرى، واتصالاته بالتيارات الإسلامية الراديكالية المعادية للنظم القائمة بهذه الدول. ومن غير المستبعد في العلاقات الدولية أن نجد تناقضا يتولد بمرور الوقت بين التزامات عقائدية ثورية معلنة في السياسة الخارجية لدولة وبين سلوكها الفعلي، سواء جاء ذلك نتيجة صراع داخل صفوف السلطة الحاكمة، أو لتجنب مصاعب داخلية، أو اقتصادية، أو عزلة دولية وإقليمية. وبالتالي فإن التراجع عن دعم جماعات العنف السياسي في المنطقة يرتبط بتراجع النخبة الحاكمة في إيران عن هذه السياسة في حالة ما إذا تزايدت المعارضة بين صفوف القوى السياسية الفاعلة داخليا والرأي العام الإيراني ضد هذه السياسات، وبالصراع بين المعتدلين والراديكاليين، وبين الاعتبارات العقائدي واعتبارات الاستقرار السياسي. إلا أن وجود الثورة في إيران على رأس السلطة في حد ذاته يشكل قوة دفع وتشجيع للتنظيمات الراديكالية الإسلامية بما فيها تلك الداعية إلى العنف، وقلب أنظمة الحكم في البلدان الإسلامية الأخرى.(13/24)
ورغم دعوة الرئيس الأمريكي السابق بوش في 10 مارس عام 1991 إيران لتلعب دوراً رئيسياً لضمان أمن الخليج، ودعوته دول الخليج بعدم اعتبار إيران عدوا لهم، فإن الخارجية الأمريكية عادت بعد عامين، وتحديدا في 6 مارس عام 1993، لتتهم إيران بأنها أكبر مؤيد للإرهاب في العالم، بينما نفت إيران ضلوعها في الإرهاب، واتهمت الولايات المتحدة بتأييد ((رأس الإرهاب في العالم: إسرائيل)). واستمرت الولايات الأمريكية – سواء الإدارة أو الكونجرس في توجيه نفس تلك الاتهامات لإيران حتى الآن، وبشكل متصاعد.(13/25)
ويجدر بنا أن نتعرض هنا إلى قطاع معين له الأولوية في عقيدة السياسة الخارجية الإيرانية، وهو التنظيمات السياسية الشيعية في العراق ومنطقة الخليج. فمنذ بدايات الثورة، عمدت إيران إلى تحريك التنظيمات الشيعية في دول الخليج بما يدعم استقرار الحكم في طهران وممارسة الضغوط – من خلالها – على حكومات تلك البلدان. وتؤكد إيران قيادة الصيغة الفكرية للنموذج الإيراني والصلة التنظيمية بين المؤسسة الدينية الشيعية الإيرانية وبين رجال الدين والقادة الشيعة الذين يقودون هذه القوى، خاصة أن بعضهم كان من أصل إيراني. وأدى تبني الدستور الإيراني للمذهب الجعفري الاثنى عشري كمذهب رسمي لإيران إلى دعم هذه الصلات، وإن أدى إلى نفور الكثير من تنظيمات المسلمين السنة الراديكاليين من النموذج الثوري الإيراني. والواقع أن الطبيعة الشيعية للثورة الإيرانية حدت كثيرا من تأثيرها على جماعات سنية راديكالية عبر العالم الإسلامي. وتجسد ذلك في إلقاء أحزاب إسلامية سنية باكستانية تبعة المصادمات الدموية بين السنة والشيعة في باكستان عام 1987 على التحريض الإيراني للزعيم الباكستاني الشيعي عارف الحسيني وحزبه. كما انعكس أيضا في أنه خلال تظاهرات الحجاج الإيرانيين خلال بعض مواسم الحج، لم ينضم لهم شيعة باكستانيون وأفغان. يضاف إلى ذلك أن اختلاف اللغة وكون الفارسية هي لغة الكتابة لمعظم كتابات منظري الفكر الثوري الإيراني أعطيا إحساسا بالغربة لدى العديد من قواعد وكوادر التنظيمات الإسلامية الراديكالية في الدول العربية ودول أخرى، بالإضافة إلى تبني القيادات الإيرانية شعارات شيعية – أصلا بهدف تعبئة الداخل الإيراني لدعم الثورة، خاصة خلال سنوات الحرب مع العراق – مما ساهم في إبعادها عن الحركات السنية الراديكالية – خاصة في دول الخليج والعراق التي يوجد بها أعداد كبيرة من الشيعة.(13/26)
والواقع أنه طبقا لأولويات السياسة الخارجية الإيرانية، فإن دور الشيعة في إطار عموم الحركات الإسلامية مماثل لدور الطليعة. وعندما تقدم إيران بالمقابل فكرها لحركات إسلامية سنة راديكالية فإنها تقدم مبادئ عامة تدعى الثورة الإيرانية أنها تمثلها، مثل عدم الانحياز الحقيقي، ودعم ((المستضعفين في الأرض)) حتى تستطيع كسب قوى اجتماعية ذات تنشئة دينية قد تجذبها هذه المبادئ في الدول الإسلامية ذات الأغلبية السنية. وتقدم الثورة الإيرانية نفسها لهذه القوى على أنها الثورة النموذج دون تأكيد الصلة التنظيمية بتلك القوى.
وسنتعرض فيما يلي إلى مواقف إيران وعلاقاتها مع التنظيمات الإسلامية الراديكالية في مختلف أقاليم ودول العالم:
أولاً: الخليج والعراق وشبه الجزيرة العربية:(13/27)
منذ انتصار الثورة الإيرانية عام 1979، عمدت إيران للتعبئة الإعلامية لشيعة دول الخليج للتمرد على أوضاعهم، خاصة أن الشيعة شكلوا 75% من سكان البحرين، و 30-40% من سكان الكويت، و30% من سكان الإمارات وسكان المنطقة الشرقية بالسعودية. وقدمت إيران تأييداً معنوياً وإعلامياً لتظاهرات الشيعة بالسعودية في إقليم الأحساء عامي 1979 و 1980، واتهم الأمير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية السعودي الإيرانيين بأنهم إرهابيوا الخليج. كما تفجر العنف بين الحجاج الإيرانيين والموالين للخميني من جهة، ورجال الدين السعودي وأنصارهم من جهة أخرى، مما أدى إلى مصرع عشرات الحجاج في موسم الحج عام 1987. وواصلت إيران دعم منظمة الثورة الإسلامية في شبه الجزيرة العربية المعارضة للحكم السعودي، التي تبنت عمليات تفجير في مكة في موسم الحج لعام 1989، وألقت السعودية تبعيتها بشكل ضمني على إيران عند وقوعها، ومارست هجوما إعلاميا على إيران. ورغم أن عملية اقتحام الحرم المكي عام 1400 هـ ينظر إليها كتجاوب مع الثورة من جانب الشيعة وقوى سنية ساخطة ضد الحكم السعودي، فإنه لم تثبت أي صلة تنظيمية لإيران بها، رغم تأييد الخميني لحادث اقتحام الكعبة.
وقد استضافت إيران حركات معارضة سعودية، وعراقية وبحرينية، ونظمت مؤتمرات سنوية لهم، ووزعت نشرات عليهم ووجهت أجهزة الإعلام إليهم، وحضت على التظاهرات لترويج العداء للملكية كمؤسسة، واستغلت دور رجال الدين الشيعة في المنطقة بما يمنحها أوراقاً إضافية في التعامل مع الأطراف الدولية والإقليمية الأخرى.(13/28)
وقد ابتعدت إيران في الأعوام الأخيرة عن العمل لاستغلال فرصة الحج لنشر الأفكار الثورية الإسلامية الإيرانية، والدعوة لها بين بقية المسلمين الحجاج، أو لإيجاد صلات مع قوى راديكالية داخل السعودية. وفي إطار محاولة تحسين علاقات إيران مع أنظمة الحكم في دول الخليج أبلغت إيران عام 1984 حركات التحرير لدول الخليج الأخرى الموجودة في إيران بعدم السماح بأنشطة موجهة ضد دول أخرى سوى على المستوى الإعلامي فقط. وعمدت عامي 1984 و 1985 إلى محاكمة متهمين باختطاف طائرة سعودية، ورفضت هبوط طائرة كويتية مختطفة بأراضيها، رغم طرد الكويت في مارس عام 1983 لرجل دين شيعي من أراضيها بتهمة تأييد الثورة الإسلامية، واتهام إيران بالمسؤلية عن تفجيرات عام 1983 ضد منشآت أمريكية وكويتية، واتهامها بتدبير محاولة اغتيال أمير الكويت في مايو 1985 واعتقال ابن ممثل الخميني في الكويت بتهمة دعم المعارضة الداخلية. ورغم نفي إيران اتهامات الكويت هذه إلا أن آية الله المنتظري اعتبر هذه الأعمال إسلامية. كما جاء موقف إيراني تجاه الغزو العراقي للكويت عام 1990 ثم فوز الإسلاميين بعدد من المقاعد في الانتخابات البرلمانية الأخيرة في الكويت ليقلل من لجوء الإسلاميين هناك للعمل السري أو العنف. كما أن نشاط الشيعة من أصل إيراني في البحرين والكويت استعدى الجماعات الإسلامية السنية هناك أحيانا على إيران.(13/29)
وقد اتهم رئيس ورزاء البحرين إيران بتدريب مئات من شباب الخليج في معسكرات بإيران للقيام بأعمال تخريبية، وجاء ذلك عقب محاولة الانقلاب الفاشلة بالبحرين عام 1981 وتبني إيران لأنشطة الجبهة الإسلامية البحرينية. وقد أدان مجلس التعاون الخليجي محاولة الانقلاب هذه في إطار إدانة التدخل الإيراني في شئون دول المجلس. وقد قصرت إيران في مرحلة لاحقة نشاط الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين على المشاركة في المؤتمرات الإسلامية التي تنظمها إيران. كذلك تجددت الاتهامات البحرينية لإيران في يونيو 1996 بتدريب وتوجيه الجناح العسكري لتنظيم لم يعرف في البحرين من قبل باسم ((حزب الله))، وذلك في مدينة قم الإيرانية بهدف قلب نظام الحكم في البحرين وإقامة نظام موالي لإيران، وهو تطور أدى لسحب البحرين سفيرها من طهران وإعلانها اعتقال 13 بحرينيا ضالعين في التنظيم السري.
أما بشأن المعارضة الشيعية العراقية، فقد استضافت إيران المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق بقيادة آية الله محمد باقر حكيم منذ عام 1984، ومنحتها تدريباً عسكرياً على يد الحرس الثوري الإيراني، ووفرت لها ممرات للتوجه للقيام بعمليات داخل العراق من الأراضي الإيرانية. وأشارت بعض التقارير إلى معسكر تدريب للمعارضة العراقية في منظرية بشمال طهران. وبعد فترة خفوت خلال فترة الانتصار العراقي في الحرب مع إيران عامي 1980 و 1981، فإن النشاط الإيراني الخارجي في العراق عاد بقوة منذ تحول الإيرانيين للهجوم ودخول الأراضي العراقية عام 1983، والتأكيد الإيراني على شعار إسقاط الحكم في العراق وإقامة حكم إسلامي هناك.(13/30)
وقد ظل الخميني يردد فكرة إسقاط حكم الرئيس صدام حسين حتى نهاية الحرب العراقية / الإيرانية – بل ومن قبل اندلاع الحرب عام 1980 اعتبر صدام حسين كافرا يجب معاقبته دينيا. وتعاملت إيران في البداية مع حزب الدعوة ورجال الدين، وفي مقدمتهم آية الله باقر صدر حتى إعدامه هو وشقيقته في إبريل عام 1980 بواسطة الحكم العراقي، ثم في مرحلة لاحقة من خلال حزب العمل الإسلامي وتنظيم المجاهدين، حتى تأسيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية، الذي مثل توحيداً لفئات العمل السياسي الإسلامي الشيعي الراديكالي. وقد اتهم الحكم العراقي المنظمات الموالية لإيران بالمسئولية عن عدة انفجارات منذ عام 1979، بدءاً بمحاولة اغتيال طارق عزيز ووزير الخارجية حينذاك وتفجير الجامعة المستنصرية، وانتهاء بحوادث اختراق الحدود بين البلدين منذ انتهاء حرب الخليج الثانية، وحدوث انفجارات في الجنوب، وكذلك تعبئة المسلحين الشيعة في منطقة الأهوار للعمل ضد الأهداف الحكومية في المنطقة خاصة منذ انتفاضة الشيعة في الجنوب في مارس عام 1991.(13/31)
وبالإضافة إلى الشيعة، اتهمت العراق إيران بدعم المعارضة الكردية المسلحة خاصة خلال سنوات الحرب العراقية / الإيرانية، وتحديدا دعم الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي للهجوم على شمال العراق الثري بالنفط، انطلاقا من مواقع إيرانية في منطقة حاج عمران. ثم في مرحلة لاحقة اتهمتها بدعم الحركة الإسلامية في كردستان العراق. وفي يناير عام 1983 مارست إيران ضغوطا على حليفتيها حينئذ سوريا وليبيا لإصدار إعلان ثلاثي يدعم المعارضة العراقية. إلا أن قطاعا من الشيعة العراقيين حاربوا ضد القوات الإيرانية عند دخولها الأراضي العراقية دفاعا عن فكرة الدولة ورغم تماثلهم العقائدي مع الإيرانيين. ورغم استئناف العلاقات الدبلوماسية بين العراق وإيران في 14 أكتوبر عام 1990 في أعقاب الغزو العراقي للكويت، استمر نشاط المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق.
أما عن اليمن فإنه رغم قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في بداية الثورة الإيرانية، واتهام اليمن الشمالية لإيران بدعم عناصر انقلابية هناك، فإن العلاقات بين البلدين شهدت طفرة، وتشكلت لجنة وزارية مشتركة بينهما. خاصة عقب موقف إيران الداعم لقيادة الرئيس علي عبد الله صالح خلال الحرب الأهلية التي دارت ما بين مايو ويوليو 1994. كما تدعمت العلاقات الفنية والاقتصادية – بل والسياسية – مع دول الخليج بما فيها الإمارات المتحدة حتى عكرها استيلاء إيران الكامل على جزيرة أبو موسى أخيرا.
ثانيا: لبنان:(13/32)
أكدت الحكومة الإيرانية خلال حياة الخميني استعدادها لمد شيعة لبنان بالسلاح والذخائر، وتبنت كلا من حزب الله وأمل الإسلامية التي شكلت انشقاقا عن أمل عام 1982 بزعامة موسوي الذي تلقى تدريباً عسكرياً في إيران، وقيل إن إيران دفعته لإنشاء منظمته الجديدة. وقد تلقت عناصر التنظيمين تدريباً عسكرياً على يد عناصر الحرس الثوري الإيراني، خاصة بعد إرسال 3000 عنصر منهم عام 1982 إلى لبنان،تمركزوا في بعلبك تحت شعار مقاومة الغزو الإسرائيلي للبنان، كما تلقت عناصرهما دورات عقائدية من الإيرانيين. وقد تميزت لبنان لفترة طويلة بخصوصيات عدة: غياب الدولة المركزية، العلاقات التاريخية بين إيران وشيعة لبنان، التهديد الإسرائيلي المستمر للشيعة، ثم الوضع الاقتصادي والوضع الاجتماعي المتدنيين للشيعة.
وكان إرسال الحرس الثوري إلى لبنان قد جاء بدعوة من الراحل حجة الإسلام محمد المنتظري (ابن آية الله حسين المنتظري) أساسا بغرض دعم التنظيمات الموالية لإيران: أمل الإسلامية في البقاع، وحزب الله في الجنوب اللبناني والضاحية الجنوبية لبيروت، مما جسد مشاركة فعلية عسكرية إيرانية لدعم قوى موالية. وقد أضفى هذا الوجود نزعة راديكالية بشكل عام على شيعة لبنان وأضعف أمل المعتدلة نسبيا وهيمنتها على العملين السياسي والعسكري الشيعيين هناك.
وقد اتهمت أطراف غربية وإسرائيل إيران بكونها وراء تنظيمي الجهاد الإسلامي والعدالة الثورية التي بدأت عمليات اختطاف الرهائن الغربيين منذ عام 1982، ابتداء بالأمريكي دافيد دودج، وتدمير السفارة الأمريكية ببيروت في إبريل عام 1983 ومقار مشاة البحريتين الأمريكية والفرنسية في لبنان وهو ما نفت إيران مسئوليتها عنه رغم تأكيد إدانتها لوجود هذه القوات في لبنان. وقد اتهمت إسرائيل الحرس الثوري الإيراني الموجود بلبنان بمهاجمة قيادة قواتها في صور عام 1982 وردت بقصف مواقع الحرس في بعلبك في نوفمبر عام 1983.(13/33)
كذلك فقد سعت إيران إلى إنشاء حركة إسلامية راديكالية موحدة في لبنان تضم بجانب حزب الله، وأمل الإسلامية حركة التوحيد السنية في طرابلس، وذلك في مواجهة أمل التي اعتبرتها القيادة الإيرانية في الثمانينات تنظيما معتدلا. وقد كثفت وسائل الإعلام الإيرانية هجومها على أمل في النصف الثاني من الثمانينات خلال مصادمات أمل وحزب الله. وساندت إيران حزب الله صراحة، وطالبت بدور سوري لوقف حرب أمل ضد حزب الله. وسبق ذلك دفع إيران لحزب الله للعب دور فصل قوات بين أمل ومنظمة التحرير الفلسطينية خلال عام 1983 م عقب اشتباكات بين الطرفين. وطبقا لتقديرات أمريكية، فقد قدمت إيران لحزب الله ما قيمته 100 مليون دولار سنويا كدعم.
وعلى الجانب الآخر، فإنه منذ كان رفسنجاني رئيسا للبرلمان فقد أدان اختطاف طائرة TWA في بيروت، ودعا للإفراج عن ركابها، وطالب حزب الله بالعمل بما يتسق مع هذا الموقف. وعقب اشتباكات أمل وحزب الله في ديسمبر عام 1988 ويناير عام 1989 بالضاحية الجنوبية لبيروت وجنوب لبنان، ساهمت إيران – مع سوريا – في التوصل لاتفاق بين الطرفين في 30 يناير 1989 تضمن حق حزب الله في العودة للجنوب اللبناني، واستئناف نشاطيه الاجتماعي والسياسي في كافة مناطق الشيعة بلبنان. ودعت إيران حزب الله فيما بعد إلى عدم الرد على القصف السوري على بيروت الغربية حتى تحافظ على العلاقات السورية الإيرانية، وقد اضطرت إيران في مرحلة لاحقة – وبناء على ضغوط سورية إلى سحب معظم الحرس الثوري الإيراني من لبنان وبقي فقط حوالي 500 عنصر منهم. ثم ساندت لاحقا جهودا سورية للتنسيق بين التنظيمين خاصة عقب اتفاق المصالحة اللبنانية في الطائف في مطلع التسعينات.(13/34)
كذلك ذكرت تقارير أن إيران مارست ضغوطاً على حزب الله لضبط النفس عقب اختطاف إسرائيل في 29 يوليو عام 1989 للشيخ عبد الكريم عبيد، أحد قيادي حزب الله في الجنوب اللبناني، وعدم الإصرار على استبداله برهائن غربيين خلال صفقات لاحقة بين إيران والدول الغربية، وكذلك نفس الشيء بعد اغتيال إسرائيل الشيخ عباس الموسوي زعيم حزب الله في هجوم بالهيلكوبتر في فبراير عام 1992 وإن اعتبر البعض تدمير السفارة الإسرائيلية في بوينس إيريس في 17 مارس عام 1992 ردا على هذا الاغتيال، رغم أن الجهاد الإسلامي هو الذي أعلن مسئوليته عن هذا التفجير. كما ساهمت إيران في إقناع حزب الله بالانضمام للهجوم الشامل – بالتعاون مع سوريا – ضد العماد ميشيل عون في بيروت الشرقية في 14 أغسطس عام 1989.
وعمدت القيادة الإيرانية الجديدة أيضا إلى السعي لاجتذاب قوى لبنانية شيعية وغير شيعية أخرى، كما تجسد في زيارة نبيه برى زعيم حركة أمل، ووليد جنبلاط زعيم الحزب الاشتراكي التقدمي وزعيم الدروز عدة مرات إلى طهران منذ عام 1989.
إلا أن التنسيق استمر مع حزب الله الذي يزور قادته طهران في مناسبات كثيرة. وفي أكتوبر من عام 1989 زار وزير الداخلية الإيراني السابق علي أكبر محتشمي، المعروف بتشدده، لبنان والتقى مع قيادات حزب الله وأعلن في 4 نوفمبر عام 1989 – في الذكرى العاشرة لاحتجاز الرهائن الأمريكيين في طهران – استعداد حزب الله ضرب المصالح الأمريكية في المنطقة، وتزامن ذلك مع انتقاد الرئيس رفسنجاني لاتفاق الطائف في 28 أكتوبر عام 1989. إلا أن الموقف الإيراني الرسمي تغير بعد زيارة وزير الخارجية ولاياتى لدمشق وتشاور مع المسئولين السوريين حول اتفاق الطائف، وكذلك لقاءاته مع زعماء أمل، وحزب الله،ونائب رئيس المجلس الشيعي الأعلى الشيخ محمد مهدي شمس الدين.(13/35)
ومنذ عام 1986 كانت إيران قد بدأت تمارس ضغوطا على التنظيمات المسلحة الموالية لها في لبنان، للإفراج عن الرهائن الغربيين مقابل تحقيق مصالح وأهداف ((للثورة الأم)) في إيران ؛ مثل الحصول على استثمارات فرنسية في قطاع البتروكيماويات الإيراني أو طرد فرنسا لقيادات منظمة مجاهدي خلق المعارضة من أراضيها منذ يونيو عام 1986، وتسوية ديون قديمة مع فرنسا، أو الحصول على أسلحة أمريكية، أو إفراج الرئيس الأمريكي عن 570 مليون دولار ودائع إيرانية مجمدة في 7 نوفمبر عام 1989.
بل إن إيران أدانت في نوفمبر عام 1991 احتجاز الرهائن، باعتباره عملا غير إنساني، وذكرت بمطالبتها الإفراج عن 4 إيرانيين اختطفوا عام 1982. كما حرصت منذ ذلك الوقت على تكرار أدانتها للإرهاب واعتبار نفسها ضحية لعمليات إرهابية.
ورغم أن فترة رئاسة رفسنجاني لإيران شهدت تقليص المساعدات العسكرية والمالية لحزب الله، والتنظيمات الأخرى الموالية لإيران في لبنان، وممارسة مزيد من الضغوط على تلك القوى للبعد عن العمليات ذات الطابع الإرهابي، والانصياع العام لأهداف الاستراتيجية الإيرانية ومصالحها، وموافقة وزير خارجية إيران – خلال زيارته لبيروت عام 1991- على بسط سيادة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها. وتأكيد ذلك عقب زيارته لسوريا ولبنان في يونيو عام 1992، فإن عديدا من الانتقادات وجهت إلى القيادة الإيرانية من قوى داخلية معارضة لممارستها ضغوطا على التنظيمات الموالية لها بلبنان، خدمة لمصالح غربية مثل إطلاق سراح الرهائن.
وقد كرست انتخابات لبنان البرلمانية في أغسطس، وسبتمبر عام 1992 تقدّما ملحوظا لتنظيمات راديكالية مثل حزب الله، والجماعة الإسلامية، مما قد يغريها بالابتعاد عن ممارسة أعمال العنف.
ثالثا: فلسطين:(13/36)
ركزت إيران منذ انتصار الثورة على اعتبارها قضية فلسطين –خاصة القدس – قضية إسلامية ذات أولوية للسياسة الخارجية الإيرانية. وعقب فترة قصيرة بعد انتصار الثورة من العلاقات الحميمة بين إيران ومنظمة التحرير الفلسطينية ساد الفتور العلاقات بين لطرفين لعدة أسباب منها، ما ذكر عن تدريب منظمات فلسطينية لعناصر منظمتي مجاهدي خلق، وفدائي خلق المعارضتين، وموقف المنظمة المساندة للعراق في حربه مع إيران، بالإضافة لإصرار بعض القيادات الإيرانية على مطالبة القيادة الفلسطينية بإعلان إسلامية الثورة الفلسطينية. وعمدت إيران في الوقت نفسه إلى العمل على نشر مفاهيمها عن الثورة الإسلامية بين صفوف التنظيمات الفلسطينية في غزة والضفة الغربية (حماس – الجهاد الإسلامي) وتبلور ذلك خاصة عند اعتقال السلطات الإسرائيلية أفراد تنظيم يسمى الجهاد عام 1981، ثم اعتقال 30 فردا من أعضاء الجهاد الإسلامية في الضفة الغربية لاحقا. كما سعت إيران لفتح اتصالات مع قيادات طلابية في غزة وعناصر سابقة من حركة فتح. وقد ارتبطت هجمات على دور سينما ومحلات ببيع خمور في الأراضي المحتلة بشعارات الخميني وصوره. وقد اتهمت إسرائيل إيران بالعمل لبناء روابط بين التنظيمات المواليه لها في لبنان، والأراضي الفلسطينية المحتلة، بخاصة حزب الله والجهاد الإسلامي وأحيانا حماس. واستخدمت إيران الاحتفال بيوم القدس ومطالبتها بالجهاد الديني من أجل فلسطين، ودعم الكفاح المسلح بهدف إزالة إسرائيل من الوجود لدعم مصداقيتها الراديكالية بين الشعب الفلسطيني في الداخل. كما استقبلت في عدة مناسبات أحمد جبريل زعيم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة – و ((أبو موسى)) زعيم المنشقين على فتح، رغم كونهما يمثلان تنظيمين يساريين غير إسلاميين. ويفسر ذلك استضافة إيران في أكتوبر عام 1991 لمؤتمر نصرة الثورة الإسلامية في فلسطين والانتفاضة الشعبية هناك، وهو ما عمل على تجميع(13/37)
منظمات راديكالية – إسلامية أو غيرها – في المنطقة معادية لعملية السلام، التي بدأت بمؤتمر مدريد وانتقاد المؤتمر صراحة. وقد عاد آية الله خامنئي أخيرا ليدين مفاوضات السلام، ويعتبرها ((معيبة)) وينكر حق أي طرف في التفريط بحقوق الشعب الفلسطيني. إلا أن إيران عادت لإبقاء خيط مع منظمة التحرير، والتقى وزير خارجيتها بسفير فلسطين في طهران مؤكدا دعم إيران للإنتفاضة في الأراضي المحتلة.
وقد تصاعدت الإدانات الغربية – خاصة الأمريكية – والإسرائيلية لإيران واتهامها بدعم الإرهاب بعد العمليات الانتحارية المكثفة التي قامت بها حركتا حماس والجهاد الإسلامي في داخل إسرائيل في فبراير ومارس 1996 وهو ما نفته إيران وإن رحبت بهذه العمليات باعتبارها مقاومة للاحتلال.
رابعا: الأردن وسوريا:
عقب توتر العلاقات بين الأردن وإيران إبان دعم الأردن للعراق في حربه مع إيران، أعلنت الأردن في نوفمبر عام 1991 عن ضبط تنظيم إسلامي سري مسلح باسم جيش محمد، وأشارت إلى أصابع إيرانية وراءه، إلا أن نائب الرئيس الإيراني سرعان ما قدم بزيارة لعمان مسلما رسالة للملك حسين من الرئيس رفسنجاني، مؤكدا رغبة إيران في تعزيز العلاقات بين البلدين، وعدم التدخل في الشئون الداخلية للأردن.. إلا أن عام 1992 جاء بإعلان الأردن اكتشاف مؤامرة لقلب نظام الحكم ضلع فيها نائبان بالبرلمان وتنظيم إسلامي مسلح. وأشارت السلطات الأردنية من جديد إلى أدلة عن تمويل وتسليح إيرانيين لهذا التنظيم. كما اتهمت تنظيمات إسلامية فلسطينية بالضلوع في هذا المخطط.(13/38)
أما بشأن سوريا، فإنه بالموازنة مع التحالف مع سوريا – خاصة بعد اندلاع الحرب مع العراق في سبتمبر عام 1980 – وبين دعم التنظيمات الإسلامية الراديكالية المناهضة للحكم السوري، تغلبت اعتبارات المصلحة السياسية، والحسابات الواقعية، واختارت إيران سوريا الدولة مما أساء – بالطبع – لصورتها لدى معظم هذه التنظيمات ولم تتوان إيران عن اتهام الإخوان المسلمين في سوريا، بأنهم عملاء للعراق وللصهيونية. وإن كانت عناصر من الحرس الثوري الإيراني قد اعتبرت مسئولة عن اختطاف السفير السوري في طهران لعدة ساعات عام 1986 قبل الإفراج عنه، فإن التنسيق الإيراني السوري حول الكثير من القضايا مثل لبنان والعراق وغيرهما، أثبت متانته رغم مروره بعدة هزات، بما فيها مشاركة سوريا في عملية التسوية للصراع مع إسرائيل الجارية منذ عام 1991.
خامسا: مصر:(13/39)
منذ انتصار الثورة في إيران، اعتبر قادة إيرانيون الحركة الإسلامية في مصر – وخاصة جناحها الراديكالي – ابنا شرعيا للثورة الإسلامية في إيران، وأدانت إيران في الثمانينات – وفي عدة مناسبات – ما أسمته تعقب الحكومة المصرية لعناصر الجماعات الإسلامية في مصر، وما ذكرته من اضطهادها لهم. وتحدث رفسنجاني نفسه – عندما كان رئيساً للبرلمان عام 1985 – عن أوجه الشبه بين الحركات الإسلامية بمصر وبدايات الثورة في إيران. كما انتقد آخرون منع مسيرات الإسلاميين، وحرضوا علماء الدين والشباب ضد الحكومة في مصر. كما فتحت إيران صحافتها في عدة مناسبات أمام كتاب من المعارضة الإسلامية – بمن في ذلك بعض من يدعون إلى استخدام العنف – في مصر. كما عمدت إيران إلى نفي اتهام البعض للجماعة الإسلامية في مصر بالارتباط بالولايات المتحدة، بينما هاجمت وسائل إعلام إيرانية – في بعض الحالات – الإخوان المسلمين في مصر بصفتهم تابعين للسعودية ومخالفين لفكر حسن البنا. رغم سبق قيام الإخوان بمحاولة وساطة بين إيران والولايات المتحدة إبان أزمة الرهائن الأمريكيين فيطهران.
ودعت بعض هذه الوسائل الإعلامية في بعض المناسبات إلى استخدام العنف ضد الحكومة في مصر.
وبالإضافة إلى إعلان الخميني ابتهاجه عقب اغتيال الرئيس السادات عام 1981، فقد اشارت سلطات الأمن المصرية إلى وجود كتب للخميني بين ما وجد مع من قاموا باغتيال الرئيس الراحل. كما أشارت تقارير إلى اتصالات بين تنظيم الجهاد الذي تبنى عملية الاغتيال وبين إيران – من خلال عناصر فلسطينية إسلامية من قطاع غزة.
وقد أطلقت السلطات الإيرانية أسماء سيد قطب وخالد الإسلامبولي والشيخ كشك على شوارع بطهران، كما قامت بترجمة وتوزيع كتب حسن البنا وسيد قطب.(13/40)
ولا شك أن الثورة الإيرانية أثرت على الأفكار والتكتيك السياسي لعدد من الحركات الإسلامية السرية التي تبنت أعمال عنف في مصر. ويأتي في هذا السياق ما أعلن في أغسطس عام 1983 عن اكتشاف مؤامرة دبرها حزب التحرير الإسلامي، والذي أجرى اتصالات مع إيران. كما أعلن مرتين منذ أغسطس عام 1989 عن اكتشاف وضبط تنظيم شيعي يعمل لصالح إيران وعلى اتصال بعناصر أخرى في الهند وقبرص والعراق وسوريا.
وقد عمدت إيران إلى محاولة إعطاء ثقل لقيادات سياسية إسلامية في مصر عقب نهاية حربها مع العراق عندما اشترطت وساطة هذه القيادات قبل الإفراج عن الأسرى المصريين الموجودين لديها.(13/41)
ورغم تقديم مصر مساعدات ومواد غذائية لإيران في يونيو عام 1990 عقب حدوث زلزال في إيران، وتأييد رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان الإيراني سعيد رجائي خراساني في نوفمبر عام 1991 لعودة العلاقات مع مصر، خاصة أنه ذكر أن لإيران علاقات مع بقية الأطراف العربية التي حضرت مؤتمر السلام في مدريد، فإن آية الله صادق خلخلي وصحفا إيرانية هاجما هذا التوجه، وساءت العلاقات عام 1992 عندما وصفت صحيفة الجمهورية الإسلامية الإيرانية مصر بأنها ((شيطان صغير)) واتهام مصر لإيران في أغسطس عام 1992 بالاشتراك في تدريب عناصر تنظيم الجهاد في معسكرات تابعة للجبهة الإسلامية القومية بالسودان. وقامت مصر بسحب رئيس قسم رعاية المصالح المصرية في طهران في 30 نوفمبر عام 1992 عقب اتهام وزير الداخلية المصري السابق لإيران بتمويل وتدريب عناصر إسلامية متطرفة. وأعقب ذلك مطالبة وزير الخارجية المصري لإيران بعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى. وفي 18 مارس عام 1993 اتهمت مصر سودانيين حاولوا التسلل عبر منفذ السلوم بتلقي تدريب عسكري في إيران للمشاركة في تنفيذ عمليات إرهابية داخل مصر. كما جاءت زيارة الرئيس مبارك للولايات المتحدة ودول أوروبة في مارس / إبريل 1993 لتعكس اتهاما متزايدا لإيران بدعم الإرهاب في مصر والمنطقة والتدخل في شئون الدول الأخرى مع الإشارة إلى أن مصر تستطيع الرد على هذا الدور الإيراني، ويمكنها اللعب في الشئون الداخلية الإيرانية.(13/42)
إلا أنه عقب محاولة الاعتداء الفاشلة على الرئيس حسني مبارك في أديس أبابا في يونيو 1995، سارع رئيس الوزراء الإسرائيلي حينذاك اسحق رابين لاتهام جماعات متصلة بإيران بالمسئولية عن المحاولة، ودعمت أجهزة سياسية ووسائل إعلام غربية أقوال رابين. ولكن الثابت أن أيًّا من المسئولين المصريين لم يوجه اتهاما مباشرا لإيران في هذا الشأن رغم انتقاد مسئولين مصريين لإعلان بعض الصحف الأيرانية عن دعمها لتلك المحاولة. وقد حرص الموقف الرسمي المصري على عدم السماح باستدراجه من قبل أطراف ثالثة لاستعداء مصر من إيران خاصة في ظل غياب دليل قاطع على تورط إيران في محاولة الاعتداء. وعلى الجانب الإيراني، كان هناك حرص على نفي اتهامات رابين أو أي علاقة لإيران بالمحاولة وامتنعت مصادر رسمية إيرانية عن أي اشادة بالمحاولة أو نقد لها، في إطار مسعى إيراني لتطبيع العلاقات مع مصر. وجاء دعم بعض الصحف الإيرانية لمحاولة الاعتدال في إطار توازن القوى والخلافات السياسية داخل النخبة الحاكمة في إيران.
سادساً: السودان:(13/43)
بالإضافة إلى ما سبق ذكره من اتصالات وتعاون وثيق بين الثورة الإيرانية والجبهة الإسلامية القومية في السودان، وتقارير أشارت إلى تعاونهما في تدريب وتلقين عناصر تابعة لتنظيمات إسلامية راديكالية في بلدان إسلامية أخرى، فمن المؤكد أن الوجود الإيراني في السودان قد تزايد منذ تولي الرئيس البشير مقاليد السلطة هناك، وقد شهدت زيارة الرئيس رفسنجاني للخرطوم عام 1991 توسيعا لهذا التعاون الذي شمل مجالات دفاعية وأمنية، وإنشاء مكتب لوزارة جهاد البناء الإيراني في الخرطوم، بالإضافة إلى فتح قنصلية إيرانية في بور سودان على البحر الأحمر. وقد أشار مراقبون إلى أن تزايد الوجود الإيراني في السودان كان له تأثير مباشر على دعم الحركات الإسلامية المسلحة في الصومال، خاصة حركة الجهاد الإسلامي هناك، وفي بلدان أفريقية أخرى بها جاليات مسلمة كبيرة الحجم باعتبار السودان نافذة إيران على أفريقيا المسلمة.
سابعا: المغرب العربي:(13/44)
فيما يتعلق بتونس، اتهمت الحكومة هناك إيران عدة مرات في النصف الأول من الثمانينات بدعم منظمات ((خمينية)) في تونس. وفي مرحلة لاحقة أشارت السلطات التونسية إلى أدلة تشير إلى تعاون واتصالات بين حركة الاتجاه الإسلامي – النهضة فيما بعد – بزعامة الأستاذ راشد الغنوشي وبين إيران مما شكل أحد دوافع حظر نشاط الحركة عام 1987 ومنع السماح بإعطاء رخصة رسمية لعودة النهضة بعد حركة السابع من نوفمبر عام 1987. ولا شك أن النموذج الإيراني أثبت لجماعات إسلامية عديدة في تونس أنها يمكن أن تستخدم العنف في مواجهة الحكومة وتنجح في إسقاطها. إلا أن العلاقات الدبلوماسية عادت بين إيران وتونس في سبتمبر عام 1990 بعد قبول الحكومة التونسية وساطات لتحسين هذه العلاقات. كما شهدت المرحلة الأخيرة تبادل زيارات لكبار مسئولي وزارتي الخارجية في الدولتين، إلا أن بعض المصادر أشارت إلى اتصالات تجريها إيران مع رجال أعمال الشيعة في الخليج لإجراء استثمارات في تونس والمغرب بهدف دعم الحركات الإسلامية الراديكالية في المغرب العربي ودول أفريقيا الإسلامية.(13/45)
وقد تدهورت العلاقات الإيرانية الجزائرية نتيجة اتهام الجزائر لإيران بدعم الجبهة الإسلامية للإنقاذ. وقد فشلت محاولات تطبيع العلاقات بين البلدين عام 1991 وانتهى الأمر بقطع الجزائر علاقاتها مع إيران عام 1993 بناء على أدلة أشارت إلى تدخل إيران في شئون الجزائر الداخلية ودعمها لجماعات إسلامية تمارس العنف السياسي عقب فرض حالة الطوارئ وإدانة الصحافة الإيرانية لما أسمته إجهاض انتصار الإسلاميين في الانتخابات البرلمانية بالجزائر. وكان قد سبق ذلك إعلان وزير خارجية الجزائر في يناير عام 1992 أن بيانات وتوجيهات إيران تعتبر غير مقبولة بشأن الموقف في الجزائر وسحبت سفيرها من طهران في نوفمبر عام 1992 وطالبت سفير إيران في الجزائر بالعودة إلى بلاده ردا على مهاجمة إيران للحكم في الجزائر ومؤسساته الرسمية وقد واصلت الجزائر اتهام إيران بتدوير مساعدات مالية ضخمة للحركات الإسلامية الراديكالية في الجزائر وتونس والسودان – خاصة عقب استقالة الرئيس الشاذلي بن جديد. كما شنت الصحافة الجزائرية منذ عام 1992 حملة مكثفة ضد ما أسمته بمؤامرة النخبة الثيوقراطية في طهران، واتهمتها بالعمل لزعزعة الاستقرار والاستيلاء – بواسطة عناصر موالية لطهران – على السلطة في الجزائر ثم تكرار نفس الأسلوب في بقية دول المغرب العربي بل في مجمل الوطنين العربي والإسلامي. كما اتهمت الصحافة الجزائرية قيادات شيعية إيرانية دينية بتدبير اجتماعات في بعض مساجد المشرق العربي تجمع عناصر إسلامية متطرفة في لبنان والسعودية والبحرين والسودان والعراق وسوريا.(13/46)
ورغم اتهام إيران للجبهة الإسلامية للإنقاذ في مرحلة سابقة بتأييد الأفكار الوهابية، إلا أنها ليست بعيدة عن الحركة الإسلامية بالجزائر وتقديم الدعم والنصيحة إلى بعض فصائلها. كما اعتبرت إيران نجاح إقامة جمهورية إسلامية في الجزائر نموذجا سيتبع بواسطة بقية دول المغرب العربي، بل ودول جنوب الصحراء مثل مالي والسنغال والنيجر. كما اعتبرت بعض المراجع الدينية الإيرانية هزيمة الحركة الإسلامية في الجزائر هزيمة لإيران وقد أدنت إيران الانتخابات الرئاسية في الجزائر عام 1995 وما تمخضت عنه من انتخاب الرئيس الأمين زروال بحجة أنها استبعدت الحركة الإسلامية من المشاركة فيها. وبالمقابل، دعت إيران التنظيمات الإسلامية في البلدان العربية للتركيز على كون المشروع الإسلامي وحده هو القادر على حل مشكلات المجتمع.ورغم قطع العلاقات بين موريتانيا وإيران بناء على اتهام إيران بالتدخل في الشئون الداخلية لموريتانيا، فإن العلاقات عادت في 29 سبتمبر 1990 بناء على وساطات عدة.
ثامنا: الدول الإسلامية غير العربية:(13/47)
بالإضافة إلى ما ذكر في الجزء الأول من هذه الدراسة، ثم الجزء الخاص بالاتصالات مع الحركات الشيعية، فإننا نشير هنا إلى تقديم إيران مساعدات مادية ومعنوية ودعما عسكريا وتدريبا لبعض جماعات المجاهدين الأفغان ضد الوجود السوفياتي هناك، كما قدمت الدعم الإعلامي والدعائي لهذه الجماعات، خاصة حزب الوحدة الإسلامية الشيعي، والميليشيات الأوزبكية والإسماعيلية في بعض الأحيان، وحكومة الجمعية الإسلامية بزعامة برهان الدين رباني في أحيان أخرى. كما أن إيران تقاربت في مرحلة مع قلب الدين حكمتيار زعيم الحزب الإسلامي، ورحبت بإعلان حكمتيار في فبراير عام 1988 بالانتقال للعمل من إيران. ودعمت إيران التنظيمات الشيعية في أفغانستان خلال القتال مع تنظيمات أخرى في عدة مناسبات منذ 1992. ثم ساهمت مع باكستان والسعودية في الإشراف على توقيع اتفاق لاقتسام السلطة في أفغانستان والذي وقع عام 1992 في إسلام أباد، وإن لم يخرج حيز التنفيذ أبدا. كما حاولت إيران منذ نهاية عام 1994 فتح قناة اتصال مع حركة طالبان رغم مسئولية الأخيرة عن مصرع زعيم حزب الوحدة الشيعي.
وفي تركيا، اتهمت الحكومة هناك إيران عدة مرات بتمويل تنظيمات سرية تعمل على الإطاحة بالحكم هناك، وإنشاء دولة إسلامية مثلما حدث في مارس 1983.
كما اتهمت تركيا إيران بدعم أعمال المقاومة هناك ضد قرار حظر الحجاب في الجامعات وأماكن العمل. ورغم إحياء منظمة التعاون الاقتصادي بين باكستان وتركيا وإيران والتقارب الإيراني / التركي، فإن السلطات التركية اتهمت إيران بكونها تقف خلف عمليات الاغتيال التي طالت خلال الشهور الأخيرة عدداً من الكتاب والصحفيين العلمانيين واليساريين الأتراك، بالإضافة إلى شكوك تركية بشان دعم إيران لحزب العمال الكردستاني اليساري والانفصالي والذي يقوم بعمليات مسلحة داخل تركيا، خاصة في جنوبها الشرقي.(13/48)
ومنذ وجود الاتحاد السوفياتي، حرصت إيران على توجيه إرسال إذاعي لمسلمي الاتحاد السوفياتي، ثم تبع ذلك عقب سقوط وتفكيك الاتحاد السوفياتي – إقامة معسكرات للاجئين الطاجيكيين، ونظمت تياراً موالياً لها دعمته في مواجهة سلطة الرئيس إسلام كريموف الذي اتهمته بمواصلة الخط الشيوعي. وقد اتهمت حكومة طاجكستان إيران بالوقوف خلف محاولة الانقلاب الفاشلة التي قام بها الإسلاميون هناك. إلا أن إيران شاركت بعد ذلك في جهود الأمم المتحدة للوساطة بين الحكومة والمعارضة هناك. وفي أذربيجان، حرصت إيران على حشد المعارضة ضد الجبهة الشعبية الحاكمة هناك- والمدعومة من تركيا – منذ عام 1992 مع إحساس إيران بضعف مركزها هناك نتيجة عدم تعاطف رجال الدين التقليديين مع النموذج الثوري الإيراني. وإن أكدت في مرحلة لاحقة معارضتها للاعتداء الأرميني على سلامة أراضي أذربيجان.
وبينما شهدت الثمانينات اتهام السنغال، وكوت ديفوار، وكينيا، لإيران بالتدخل في الشئون الداخلية لهذه الدول، وقطع علاقاتها مع إيران، فإن بعض التحسن طرأ على هذه العلاقات، وأعيدت العلاقات بين إيران والسنغال في فبراير عام 1989.(13/49)
ورغم اتهام بعض الدول الإسلامية لإيران بتقديم النفط سرا إلى الصرب، فإن توقيف طائرة إيرانية في 11 سبتمبر عام 1992 في مطار زغرب، واكتشاف أسلحة بها مهربة إلى مسلمي البوسنة والهرسك أثار علامات استفهام حول دعم إيران لقوى أو فصائل ما في معادلة الصراع المسلح في البوسنة والهرسك. ثم جاءت الاتهامات الأمريكية خلال عام 1996 بوجود خبراء عسكريين وأسلحة إيرانية في البوسنة وحث حكومة سراييفو على إجلائهم في وقت نفت فيه طهران وسراييفو هذه الاتهامات. ولا يفوتنا هنا أن نشير إلى دعوة إيران لتظاهرات شعبية عبر العالم الإسلامي ضد هدم الهندوس مسجد بابرى بالهند، وكان ذلك تكرارا لدعوة الخميني لتظاهرات إسلامية عام 1979 عقب اتهامه الولايات المتحدة بأنها وراء اقتحام الحرم المكي، مما أدى إلى الهجوم على سفارات وقنصليات أمريكية في ستة بلدان إسلامية.
خاتمة:
نشير هنا إلى اتهام إيران بممارسة ودعم العنف السياسي لا يقتصر على لعب أدوار في دول أخرى، وبواسطة تنظيمات إسلامية راديكالية أخرى، أو ضد أنظمة حكم هذه الدول، وإنما امتدت أصابع الاتهام إلى الحكم الإيراني في شأن اغتيل عدد من المعارضين السياسيين واللاجئين الإيرانيين في دول أوروبية وأمريكية، خاصة اغتيال شهبور بختيار رئيس الوزراء السابق في أغسطس عام 1991، والدكتور كاظم رجوي في كوبيه بسويسرا، بالإضافة إلى اختيار عدة قياديين للمجلس الوطني للمقاومة الذي تقوده منظمة مجاهدي خلق فيروما واسطنبول ومدن أخرى. وقد اتهم مجاهدو خلق إيران بالمسئولية عن هذه العمليات، بينما نفت ذلك الحكومة الإيرانية واعتبرتها تصفية حسابات فيما بين فصائل المعارضة الإيرانية.(13/50)
وختاماً، فإنه رغم أن الدلائل تشير إلى اتجاه عام للبراجماتية، وتغليب المصالح الوطنية على الاعتبارات العقائدية في عملية صنع السياسة الخارجية الإيرانية منذ رئاسة رفسنجاني للجمهورية الإسلامية، فإن استمرار الصراع بين المتشددين والمعتدلين في إيران، ومواصلة المتشددين ممارسة ضغوطهم على الحكم الإيراني،ووجود من يعتبر دعم الحركات الإسلامية الراديكالية عبر العالم – بين صفوف القيادة الإيرانية – ورقة ضغط مفيدة في يد السياسة الخارجية الإيرانية خاصة في ظل استمرار العزلة النسبية لإيران تجاه الغرب في ضوء استمرار سريان فتوى إباحة دم سليمان رشدي والتخوف الأمريكي مما تعتبره الإدارة الأمريكية الجديدة جهود التسلح غير التقليدي الإيرانية ومساندتها الإرهاب عبر العالم ومعارضتها لعملية التسوية في الشرق الأوسط، كل هذه عوام تدفع باتجاه عدم القدرة على التنبؤ بقدر من التيقن حول مدى استمرارية ارتباط إيران بجماعات العنف السياسي داخل المنطقة وخارجها مستقبلا من عدمه ومدى هذا الارتباط وطبيعته ودرجته.
وحتى إذا ما امتنعت إيران عن تقديم أي دعم من أي نوع – حتى ولو كان معنويا فقط – للحركات الإسلامية الراديكالية –وهو أمر مستبعد إلى حد ما – فإن بقاء الثورة الإسلامية في الحكم في إيران في حد ذاته يمثل مصدر إلهام للعديد من الجماعات الإسلامية المتطرفة، خاصة تلك الجماعات ذات الطابع العنيف، كما أن العديد من هذه الحركات عبر العالم الإسلامي تعتبر إيران الملاذ والملجأ الأخير لها، بعد أن استعارت هذه الحركات اللغة والشعارات السياسية للثورة الإيرانية.
كتاب الشهر : اليهود في إيران
الكتاب من القطع المتوسط من تأليف الكاتب مأمون كيوان ومن نشر بيسان للنشر والتوزيع والإعلام, ويتكون الكتاب من 159 صفحة وأربعة فصول.(13/51)
ويشير الكاتب عبر فصوله الأربعة إلى التواجد اليهودي في إيران وأوضاعهم حيث يبدأ الكتاب بالإشارة إلى تغير النظم السياسية في إيران منذ ظهور الدولة الإيرانية بنظام حكمها الإمبراطوري قبل نحو 25 قرنا وانتهاء بنظام الحكم الجديد والذي سمي ((نظام الحكم الجمهوري الإسلامي)) والذي ظهر في العام 1979 وما تبع ذلك من تغير
في عوامل الدفع والجذب والتي أثرت في أوضاع اليهود المقيمين في إيران من الناحية السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية والدينية حتى نهاية التسعينيات.
تاريخ الوجود اليهودي في إيران:
ويتناول الكاتب تأريخ وجود الجماعة اليهودية في إيران والذى يعود إلى قرابة 2500 عاما حيث كانت تتسم هذه الجماعات بعدم الوضوح والتخفي حتى بداية وحلول القرن العشرين حيث بدأت تتضح معالم التواجد اليهودي في ظل حدوث متغيرات جذرية في نظام الحكم آنذاك حيث وضع دستور للبلاد في عام 1906 – 1907 وتم تشكيل مجلس نيابي, وقد بدأ أول تمثيل لليهود في أول برلمان منتخب بترشيحهم السيد عبدالله بهبهاني ويعتنق الديانة الإسلامية كممثل لهم في مطالبات اليهود البرلمانية في إيران.
وفي عهد رضا شاه في العام 1925 تحسن وضع اليهود من خلال سن مجموعة من القوانين المدنية حيث حصل اليهود على تحديد مكانتهم فقد سمح لليهود كطائفة تمثيل أنفسهم عبر مرشح برلماني ولهم مقعد واحد وجاء هذا التحديد بعد أن شهدت إيران أحداثا هامة في الفترة الواقعة بين عامي 1900-1907 تمخضت عن قيام البرلمان الإيراني لأول مرة في تاريخ إيران. حيث استثمرت من فيما بعد من الشاه رضا شاه بهلوي وبنى عليها اليهود الإيرانيين في مطالباتهم التي كانوا محرومين منها من تولي المناصب في المؤسسات والجيش وغيرها.(13/52)
أما في عهد الجمهورية الإسلامية فقد حدد الدستور رؤيته للأقليات والمجموعات الإثنية المستقرة تاريخيا في إيران عبر سن مجموعة من المواد القانونية في الدستور تحفظ للأقليات حقوقها في المعاملات والترشيح البرلماني.
ويتطرق الكاتب إلى الوضع القانوني والتنظيم الذاتي لليهودي من خلال الحركة الليبرالية الإصلاحية التي ظهرت في القرن الخامس عشر والتي نادت بتحويل إيران إلى دولة حديثة مماشاة مع الدول الأوروبية, حيث بدأ تحسن وضع اليهود في عهد الشاه ناصر الدين (1848 ـ 1896) الذي سعى إلى الإنفتاح الإقتصادي وفتح العلاقات خاصة مع اليهود الأوروبيين, وبتغير أحوال الحكم في إيران وانتقالها من العهد الأمبراطوري الشاهنشاهي إلى الثورة الخمينية تحسنت الأوضاع القانونية ليهود إيران 0
وقد كان لليهود دور سياسى في إيران الثورة عبر بعض منظماتهم مثل " منظمة المثقفين اليهود التقدميين " و " جمعية يهود طهران " و " الرابطة الثقافية و الاجتماعية اليهودية " وكان يهود طهران جسر للتواصل مابين إيران الخمينى وإسرائيل !!
والخمينى هو الذى منح اليهود في طهران وعداً بأن اليهود لن يكونوا عرضة للأعمال المعادية في استقباله لخمسة من كبار الحاخامات في أيلول من عام 1979.
ويعرج الكاتب إلى تجاذبات الأوضاع التعليمية والدور الأساسي لمدارس الإليانس إلى جانب مدارس الحاخامية في تعليم اليهود الإيرانيين 0 كما ويشير إلى نشاط الإعلامي والثقافي اليهودي في مجالات الميراث والزواج والدفن والطعام اليهودي والتعليمي 0
الفصل الثاني:(13/53)
يشير الكاتب في عنوانه صهينة يهود إيران إلى تقلب أوضاع اليهود في إيران وفقا لتقلبات أنظمة الحكم في إيران والوضع الداخلي والاقتصادي فيها بناء علىعلاقاتها مع الدول المجاورة لها, ويؤكد على وجود الجماعة اليهودية في إيران بدلالة وجود مقابر لهم فيها, وتأكيدا على ذلك يشير إيشعيا رئيس الجمعية اليهودية في طهران أن عدد يهود طهران عام 1997 يصل إلى ثلاثين ألف يهودي من أصل أربعة وستون مليون نسمة هو عدد سكان إيران 0
ويذكر الكاتب اعتزاز واعتقاد اليهود بفضل الملك كوروش حيث كان له السبق في هجرتهم وعودتهم إلى القدس عام 538 قبل الميلاد وما تبع ذلك من تسلسل تاريخي لتواجد اليهود مرورا بالفتوحات الإسلامية في القرن السابع الميلادي حيث أصبحت بلاد فارس جزءا من الإمبراطورية الإسلامية حيث ترتب على ذلك أن أصبح يهود هذه البلاد من رعايا الإمبراطورية الإسلامية بصفتهم أهل كتاب 0
وبعد ظهور الدولة الصفوية في القرن السادس عشر الميلادي ذات المذهب الشيعي كانت بداية الانقلاب في أوضاع اليهود حيث كان لليهود انتشارهم الواضح في عموم البلدان الإسلامية والعربية كذلك, وقد وزعوا على سبعة مراكز هي العراق, كردستان, إيران, أفغانستان, بخارى, اليمن, وعدن, وذلك لما لاقوه من ضائقة حيث أرغم الكثير منهم على اعتناق الإسلام وظهرت بذلك الطائفة البهائية 0
وقد كان لظهور البهائية الدور الأساسي في اندماج اليهود في المجتمع الإيراني من خلال قيام البهائية بدور الطابور الخامس في إيران, ورغم أن البهائية كانت فئة قليلة العدد إلا أنها كانت قد مركزت أعضاء منها في أكبر مناصب الدولة حيث كان لهم التأثير في احتواء تشتت اليهود وثقافتهم, وقد بدأت الهجرة من القرى والأطراف إلى طهران والتمركز فيها وذلك في بداية القرن العشرين حيث الأمان والاستقرار0(13/54)
وقد ظهر التحرك في تنوع أنشطة اليهود الاقتصادية خلال فترة القرن العشرين والذي تزايدت فيه قوة الحركة الليبرالية والتي سعت إلى تطبيق نظم الحكم العلمانية وربطها بالسلطة, حيث لم تقتصر أنشطة اليهود الاقتصادية على التجارة فقد عملوا كذلك في مجال السياحة والفندقة كما عمل الكثير منهم في مجال الطب والمحاماة والتدريس في الجامعات 0
ويعرج الكاتب إلى دور الصهيونية وتأثيرها في يهود الشرق من خلال دعوتهم لممارسة الأنشطة الصهيونية بشكل منظم من خلال اتصال مؤسسات الصهيونية العالمية وما يتفرع عنها من أنشطة وخاصة في إيران 0
يهود إيران وفلسطين:
ويبحث في هذا المساق دور مبعوثي الاستيطان اليهودي في فلسطين وجهودهم في نسج العلاقات بين الأقليات اليهودية المتواجدة في البلدان الإسلامية ودعوتهم للهجرة إلى فلسطين وبذلك أصبحت فلسطين مركزا يهوديا روحانيا مهما منذ القرن السادس عشر 0
الهجرة إلى فلسطين:
ويبين الكاتب توضيحا لعملية الهجرة اليهودية الإيرانية إلى فلسطين والتي جاءت في سياق هجرة عامة ليهود بلاد الشرق الإسلامي إلى فلسطين عبر مراحلها الخمس وهي:
[1]: الهجرة الفردية [ 1812 ـ 1880 ]
[2]: الهجرة بأعداد كبيرة [ 1880 ـ 1914 ]
[3]: الهجرة غير الشرعية [ 1915 ـ 1998 ]
[4]: الهجرة الجماعية [ 1949 ـ 1952 ]
[5]: مرحلة الهجرات اللاحقة [ 1953 ـ 1997 ]
يهود إيران في إسرائيل:
ويذكر الكاتب أن تواجد اليهود الإيرانيين في إسرائيل يتمركز في القدس وفي مستوطنة بيت شيمش وفي حيفا وتل أبيب ومدن التطوير وخاصة بئر السبع وفي العديد من المستوطنات الزراعية حيث يعملون في تجارات محدودة في تل أبيب والقدس, وعددهم وفقا لإحصائيات 1994 يقدر بنحو مئة وأربعة وثلاثين ألفا وسبعمائة يهودي 00 ولهم مشاركة محدودة في أجهزة السلطات الثلاثة 00 وعلى العموم فإن اليهود الإيرانيين يعانون بشكل عام من التمييز الطائفي بين اليهود الغربيين واليهود الشرقيين(13/55)
الفصل الثالث:
إيران وفلسطين:
ترجع علاقة إيران بفلسطين إلى أواخر القرن التاسع عشر من خلال إيجاد ممثليه لها في فلسطين خاصة بعد هجرة عدد كبير من التجار الإيرانيين إلى فلسطين 0
وهنا توضيح للمراحل الثلاث لتاريخ العلاقة بين إيران وفلسطين:
فالمرحلة الأولى: 987 ـ 1947 حيث كان التعبير عن وجود اهتمام إسلامي, وكان سلبيا في بعض الأحيان 0
أما المرحلة الثانية: 1948 ـ 1978 وهي الفترة الشاهنشاهيه, حيث كان منطق الاهتمام هو العلاقة ما بين القضية الفلسطينية والصراع العربي الصهيوني عموما 0
المرحلة الأخيرة: تبدأ بسقوط النظام الشاهنشاهي وإعلان قيام الجمهورية الإسلامية وما تلا ذلك من تغيرات جذرية على السياسة الخارجية الإيرانية 0
ويتطرق الكاتب إلى تدرج الاهتمام بفلسطين ابتداء من التغيرات الداخلية الحاصلة في إيران في القرن التاسع عشر, حيث خضعت إيران للتقسيم من قبل الروس والبريطانيين, وتلا ذلك وعد بلفور, ونتيجة للضعف السياسي في إيران كان الرد بواسطة مبادرات لتنظيم إيرانيين للجمعيات الشعبية والمنتديات, حيث تلا ذلك إنشاء عصبة الأمم التي جاءت كنتائج للأحداث والتطورات التي شهدتها الساحة السياسية الدولية خلال العقدين الأوليين من القرن العشرين.
واندلاع الحرب العالمية الأولى وقد مثل إيران في عصبة الأمم ((ذكاء الملك فروغي)) وهو ماسوني عريق لم يكن من اهتمامه طرح موضوع فلسطين في اجتماع عصبة الأمم حين ذاك.(13/56)
وأيام حرب فلسطين 1948 شهدت إيران شأن الدول العربية ودول إسلامية أخرى حملات شعبية لجمع الأموال وإرسال المتطوعين, ومن ناحية أخرى جرى تحديد موقف إيران تجاه القضية الفلسطينية حيث اعترف الشاه بإسرائيل وسمح لها بتمثيل سياسي وتجاري عام 1960 وصولا إلى انتصار الثورة الإيرانية حيث رفع الحميني شعار ((اليوم إيران وغدا فلسطين)) واستبدل سفارة الكيان الصهيوني في طهران بسفارة فلسطين في الأيام الأولى لانتصار الثورة حيث أعلن الخميني صراحة ((أن الإسلام وشعب إيران المؤمن والجيش الإيراني الأبي 000000 ويعلن عن استنكارهم وشجبهم لتحالف السلطة الملكية مع إسرائيل عدوة الإسلام وإيران 00000))
حيث تم الانسجام بين الموقفين الرسمي الحكومي والشعبي بل والانسجام بينهما دعما لنضال
الشعب الفلسطيني ومقاومة وشجبا لموقف الكيان الصهيوني, مع أنه كانت هناك تفسيرات للتوجه بإجراءات إزاء اليهود والحوار معهم, حيث قال الشيخ محمد علي التسخيري (وكيل وزارة الإرشاد والثقافة) أنه "لا مانع من ذلك الحوار إن كان هناك يهود غير مرتبطين بالمسيرة الصهيونية الحاقدة وهي بالواقع يهودية منحرفة ويهودية سلبية وحاقدة وإذا خرج العلماء من العقلية الصهيونية فهناك مجال كبير للحوار معهم" 0
وقد وصلت عمق العلاقات لدرجة أن زار رؤساء الأركان العامة في الجيش الإسرائيلي إيران عام 1961 باستثناء حابيم بارلين 0
وقد كان للعلاقات الاقتصادية والعسكرية الأثر الأكبر في زيادة تأثير إسرائيل في مواقف يهود إيران حيث حرص الإسرائيليون على تبادل الزيارات الدبلوماسية وتنسيق المواقف السياسية والتي كانت من ثمارها إقامة وكالة إسرائيلية تشتري أراضي إيرانية خصوصا للمناطق القريبة من العراق والعمل على تدريب يهود إيرانيين على الجاسوسية وتوزيعهم على دول الخليج العربي 0(13/57)
وفي أعقاب حريق المسجد الأقصى اشتركت إيران في مؤتمر القمة الإسلامية في الرباط وبدأت مسيرة التصالح بين إيران ومصر ابتداء من العام 1971 حيث أثرت على العلاقات الإسرائيلية ـ الإيرانية إلا أن ذلك لم يمنع من استمرار العلاقات بين الجانبين الإيراني والإسرائيلي حيث لم تمنع إعادة العلاقة بين إسرائيل ومصر غولدا مائير من زيارة طهران في منتصف شهر أيار 1972 وما تبعها من زيارة لدبلوماسيين يهود 0
والخشية من طرف اليهود كانت بعد التغيرات الداخلية التي طرأت وكان من نتائجها الإطاحة بالشاه وما نتج عن ذلك من خسائر سياسية واقتصادية 0
إيران والتسوية:
ويتناول موقف إيران من عملية تسوية الصراع العربي الصهيوني في إطار محددات علاقة إيران بفلسطين وقصتها من خلال مرحلتين في تاريخ الموقف الإيراني ـ من عملية التسوية.
المرحلة الأولى: وتشمل مرحلة الحكم الشاهنشاهي في إيران 1973ـ 1978 حيث أهتم الشاه بلعب دور فاعل في هذه العملية 0
المرحلة الثانية: تمتد من العام ـ 1980 وحتى العام 1997 ـ وخلالها تم تحديد المواقف السياسية للجمهورية الإسلامية في إيران إزاء محطات عديدة من محطات عملية التسوية بدءا بخطة الأمير فهد وخطة ريغان وقمة فاس الأولى مرورا بمؤتمر مدريد للسلام وانتهاء باتفاق أوسلو 0
الفصل الرابع:
إيران وإسرائيل:
يشير الكاتب إلى الاتصالات التي كانت بين النظام الشاهنشاهي في إيران وقادة الحركة الصهيونية في فلسطين وخارجها قبل عام ـ 1948 ـ ويوضح بأن المرحلة التي أعقبت حرب فلسطين وإعلان قيام إسرائيل هي المرحلة التي تم إرساء أسس العلاقات الرسمية بين إيران وإسرائيل خلالها0(13/58)
وقد أعلن في عهد حكومة رئيس الوزراء الإيراني اعتراف إيران بإسرائيل, حيث لم يدم الاعتراف طويلا, حين استدعت الحكومة الإيرانية في عهد مصدق ممثلها لدى إسرائيل في 4/7/1951 في أعقاب اغتيال رئيس الوزراء رزم أراه في 23/3/1951 تمهيدا لسحب الاعتراف بإسرائيل, حيث حلت القنصلية العامة الإسرائيلية في 8/7/1951 0
وبعد إسقاط حكومة مصدق, أعاد الشاه علاقته بإسرائيل واعترف بها وقبل السفير الإسرائيلي ـ د0 روي دوريل ـ في بلاطه وأرسل إلى تل أبيب من يمثله 0
وقد شهدت العلاقات تطورا اقتصاديا ملحوظا مع إسرائيل خاصة بعد تشريع قانون استخدام وحماية رؤوس الأموال الأجنبية الذي وضع عام 1955, حيث كان للرأسمالية الإسرائيلية الدور الفاعل في المشاريع الإنمائية في إيران ـ وفي الكتاب أمثلة عديدة تؤكد ذلك
ومن الدير بالذكر أن العام 1965 هو بداية العلاقات التجارية الرسمية الإيرانية ـ الإسرائيلية, فمن ناحية العلاقات الأمنية بين طهران وتل أبيب, فعلى الرغم من أنها كانت سرية, إلا أنها كانت متطورة في كافة المجالات الأمنية والعسكرية, ومشاركة إسرائيل في إنشاء هيئة الشرطة السرية الإيرانية السافاك عام ـ 1957 ـ عبر جهاز الموساد وتعاونه مع وكالة الاستخبارات الأمريكي C.I.A وقيام إسرائيل ببيع بعض أنواع الأسلحة إلى إيران وتبادل الخبرات العسكرية خير مثال على ذلك.
(التعاون الإيراني الإسرائيلي)
(اليوم إيران وغدا فلسطين) شعار رفعه الخميني, حيث أعلن مهدي بازركان رئيس أول حكومة في عهد الجمهورية الإسلامية عن قطع العلاقات الدبلوماسية بين إيران وإسرائيل 17/2/1979 حيث أعيد الدبلوماسيون الإيرانيون الموجودون في إسرائيل إلى إيران وطلب من الدبلوماسيين اليهود مغادرة أراضي إيران 0
ومع هذا الشعار الجميل قامت الحكومة الإيرانية بالتعاون والتعامل مع الحكومة الإسرائيلية من خلال زيارات سرية متبادلة قام بها مسؤولون إيرانيون وإسرائيليون لكلا البلدين !!(13/59)
وتأييدا لوجود تعاون اسرائيلي ـ إيراني فقد تم التفاوض على موضوع صفقات السلاح في عهد الخميني على أثر اجتماع سري بين الرئيس علي أكبر خامنئي وبين شمعون بيريس على هامش اجتماعات الأمم المتحدة في نيويورك, حيث أبدى خامنئي استعداده للإفراج عن الرهائن الأمريكيين في لبنان حينذاك كخطوة نحو تحسين العلاقات بين الطرفين الإيراني والإسرائيلي مقابل تزويد إسرائيل طهران بصفقة أسلحة تتضمن صواريخ أرض ـ جو وقطع غيار لطائرات الفانتوم الأمريكية لدى إيران لتستخدمها في حربها مع العراق.
أن إمدادات من الأسلحة الإسرائيلية توافدت على إيران, ومن المؤكد أنه تواتر الأخبار عبر مصادر مختلفة حول الاستفادة الإيرانية من الخبرات الإسرائيلية في المجال التدريبي العسكري وفي مجال الاستفادة من الأسلحة الإسرائيلية المتنوعة وما تبع ذلك من استعداد الإدارة الإسرائيلية لتطوير سلاح الجو الإيراني والبحث في إعادة تشغيل طائرات الفانتوم وما يتبع ذلك من تزويد إيران بقطع غيار لها 0
وقد كشف النقاب عن صفقات لشراء إيران أسلحة إسرائيلية مثل العوزي, وغازات سامة كيماوية من تجار يهود من خلال السوق السوداء وكذلك معدات لصنع رؤوس حربية كيماوية.
وما نشر عن موضوع الأسلحة والتعامل به بين الإيرانيين واليهود ظل بالنسبة للإيرانيين بين الإنكار والتشكيك, ولكن الواقع يشهد بأن ما تم من صفقات هو أمر واقع.
تاريخ مصر الفاطمية
تأليف: ل. أ. سيمينوفا.
ترجمة وتحقيق: حسن بيومي.
الناشر: المجلس الأعلى للثقافة - مصر .
عدد الصفحات: 393.
التصنيف: الجغرافيا والتاريخ / تاريخ العالم القديم / تاريخ مصر.
نبذة عن الكتاب(13/60)
يقوم هذا الكتاب بدارسة الفترة من منتصف القرن العاشر الميلادي حتى منتصف القرن الثاني عشر و التي تخص تاريخ الدولة الفاطمية في مصر وما تضمنته هذه الفترة من أحداث ومعلومات وأخبار عن العلامات الخاصة بالزراعة والحرف والتجارة وأيضا ما يتعلق بالناحية الاجتماعية مستنداً على الدراسات الروسية والأوربية التي تناولت دراسة هذه الفترة من تاريخ مصر علاوة على المصادر العربية
الخلاصة:
يتكون الكتاب من مقدمة للمترجم ثم مدخل وأربعة فصول ثم قائمة بأسماء الخلفاء الفاطميين و قائمة بالمصطلحات والأعلام.
أما مقدمة المترجم فيتناول فيها أهمية هذا الكتاب الذي يتناول تاريخ دولة قامت على رؤية دينية متكاملة وبرنامج اجتماعي منبثق عن هذه الرؤية ومؤسس عليها ،فيتعرض للتيارات الدينية والسياسية التي كانت في تلك الفترة وحالة وتأثير تلك التيارات على الحالة الاجتماعية وعلى مجال الفنون والعمارة الدينية والمدنية ثم يقوم باستعراض ما يقدمه هذا الكتاب من موضوعات.
أما المدخل فتعرضت فيه مؤلفة الكتاب للفترة التي تقوم بدراستها وأهم المصادر التي اعتمدت عليها في الدراسة .
الفصل الأول مصر في نظام حكم الفاطميين:
أولاً المرحلة المغربية وكيف قام المذهب الشيعى الذي تقول المؤلفة أنه يرجع إلى بعد وفاة على بن أبى طالب ثم ظهور فرقة الإسماعيلية التي ترجع إلى إسماعيل بن جعفر الصادق وانتشارهم في البحرين ثم شمال أفريقيا ونجاحهم في تكوين الدولة الفاطمية المستقلة في بلاد المغرب بفضل داعيتهم عبيد الله الشيعي ومؤسسها عبيد الله المهدى الذي قضى على الأدارسة والأغالبة وأخضع له البربر وهزم جيوش الدولة البيزنطية .(13/61)
ثانيا: المرحلة المصرية : وفيها أدرك الفاطميون وضعهم غير المستقر في المغرب وأدركوا أيضا مدى الأهمية الاقتصادية والسياسية لمصر علاوة على أن غزو مصر وامتلاكها سوف يفتح الطريق أمامهم لغزو سوريا والحجاز ومن ثم اخضاع بغداد، من هنا حاول الفاطميون غزو مصر أكثر من مرة بداية من عبيد الله الشيعى وأخيرا تم فتحها في عهد المعز 969 م حيث دخلت قوات الفاطميين الفسطاط ووصلت إلى القاهرة بعد أن أسسها جوهر الصقلى في 973 م وتم توسيع الدولة الفاطمية حتى شملت مدن كثيرة من سوريا والحجاز.
ثالثاً: الفاطميون وقرامطة البحرين :
القرامطة هم التوجه الثاني للفرع الفاطمى من الطائفة الإسماعيلية وقد اتفقوا على هدف واحد تمثل في السيطرة على سوريا تمهيداً لإخضاع الخلافة العباسية ومن ثم كل العالم ولكنهم انقسموا إلى فرقتين القرامطة والإسماعيلية وذلك بسبب الأهداف والعقائد.
رابعاً الفاطميون في سوريا : كانت سوريا حلبة للصراع بين الفاطميين والقرامطة والعباسييين والحمدانيين والبيزنطيين، وكانت كل فئة تريد السيطرة على القدس، وامتد نفوذهم ليشمل سواحل سوريا وحاول الصليبيون الهجوم على مصر ولكن الأتابكة منعوهم من السيطرة على مصر وقاموا بالقضاء على الخلافة الفاطمية على يد صلاح الدين الأيوبى.
الفصل الثاني الزراعة والعلاقات الزراعية
يتناول هذا الفصل :
1-…أنواع الملكية للأراضى الزارعية في زمن الفاطميين.
2-…إصلاح يعقوب بن كلس وزير الخليفة المعز ،والباعث الأساسى لهذا الاصلاح هدفه زيادة مواد خزانة الخليفة بعد التدهور وأهم تلك الإصلاحات هي إلغاء نظام الالتزام وإخضاع كل الأراضى لموظفى الخليفة مباشرة.
3-…تدهور الملكية الحكومية للأراضى الزراعية وخصوصا في عهد المستنصر ومن جاء بعده.
4-…يعرض فيه معدل تطور قوى الإنتاج الفلاحى من خلال عرض للشهور المصرية القديمة ومواسم الزراعة .(13/62)
5-…تصورات المؤرخين المعاصرين للعهد الفاطمى عن حقوق الفلاحين على الأرض وأهم هؤلاء المؤرخون "المقدسى" .
6-…كما يعرض الأرض المشاعة وأنواع الملكيات للأرضى الزراعية.
7-…ويعرض الفصل مدى الإرتباط الشخصى للفلاحين بالأرض والتى تتحكم فيها العوامل الاقتصادية والسياسية.
8-…ويتناول أنواع الضرائب التي تفرض على الأراضى الزراعية ومقاديرها.
الفصل الثالث : الحرف والتجارة
يدور هذا الفصل حول الحرف فيذكر منها:
أولاً الحرف المدنية : التي من أهمها حرفة النسيج المصنوع من ألياف الكتان والحرير والصوف وأهم مراكزها تنيس ودمياط وفي المرتبة الثانية من الصناعات حرفة تصنيع المعادن مثل الذهب والفضة والنحاس والبرونز والحديد ثم صناعة الزجاج والخزف والورق ودباغة الجلود.
ثانياً: الحرف القروية : بين الفصل اعتماد الفرد في ذلك الوقت على المواد الطبيعية الموجودة لديه من طمى النيل الذي كان يصنع منه الطوب اللازم لبناء المساكن ثم جذوع النخيل وأشجار الجميز ومن أصواف الأغنام والإبل حيث تصنع المنسوجات.
وأخيراً: يتناول الفصل التجارة الداخلية والخارجية وأهم الطرق التجارية بين مصر والدول الأخرى والضرائب التي كانت تفرض على التجارة والتداول النقدي.
الفصل الرابع : التناقضات الاجتماعية في العهد الفاطمي
يلقى هذا الفصل نظرة على المجموعات التي يتكون منها المجتمع وكيف كانت العلاقات بينها، و بتقسيم طوائف المجتمع إلى محاربين وأمراء وكتاب وموظفين مختلفين مثل القضاة والدعاة وعامة الشعب ثم يذكر الانقسامات المذهبية والصراع من أجل السلطة.
ويختتم الكتاب بملحق خاص يشتمل على عدد من النصوص المقتبسة من المصادر التاريخية العربية الخاصة بالدولة الفاطمية ويتناول كل منها وصفا أو موقفا أو حالة من وجهة نظر هؤلاء المؤرخين القدامى وتشمل هذه النصوص :
1-…ذكر أصل الخلفاء العبيديين .
2-…دعوة المعز لشيوخ الكتامية لنصرته في فتح المشرق.(13/63)
3-…"إعلان جوهر " وهو كتاب جوهر كاتب المعز لأهل مصر.
4-…كتاب المعز إلى الحسنى القرمطى.
5-…بيان ضد الفاطميين من الخليفة العباسى.
6-…الحياة السياسية في عهد خلفاء المعز.
7-…خلفاء المستنصر.
8-…مقتل الآمر.
9-…ذكر ولاية الحافظ لدين الله على مصر.
10-…الصراع بين أبناء الحافظ.
11-…نشاط الوزير بهرام.
12-…دسائس ابن منقذ ووزارة عباس.
13-…مرسوم بتغير طلائع بن رزيك.
14-…عن تولى العاضد للعرش.
15-…ذكر ملك صلاح الدين مصر.
16-…موت العاضد.
17-…عن كيفية إدارة المناصب العليا
18-…رئيس الطالبيين ( نقابة الأشراف).
19-…عن أوضاع الدواوين.
20-…نفقات الحجاج.
21-…في ذكر جيوش الدولة الفاطمية وبيان مراتب أرباب السيوف .
22-…أرزاق الجنود.
23-…الأسطول.
24-…النظر في المظالم.
25-…دار العلم.
26-…إصلاحات بن كلس.
27-…تدهور حالة الفسطاط.
28-…الاحتفال يوم عاشوراء.
29-…خزانة الكتب.
ثم يعرض قائمة بالخلفاء الفاطمين وبيان ترتيبهم وتاريخ توليهم الخلافة ,ثم دليل بالأسماء الجغرافية والأشخاص
إعداد موقع ثمرات المطابع.
قالوا
إيران ستمحو إسرائيل عن خريطة العالم !
قالوا: "الولايات المتحدة تعرض عضلاتها من خلال التهديد باستخدام كلبها المسعور (إسرائيل)... إنهم لن يترددوا في ضرب إيران إذا كانوا قادرين على ذلك.لكن تهديداتهم بمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية لا يمكن وضعها موضع التنفيذ وهم يدركون أن رد الفعل الإيراني سيكون قاسيا َبحيث أن إسرائيل ستختفي عن خريطة العالم، ولمصالح الأمريكية ستتضرر بسهولة".
مسعود جزائري
رئيس دائرة العلاقات العامة
للحرس الثوري الإيراني
وكالة الصحافة الفرنسية 26/7/2004
قلنا: لقد سئم الناس من كثرة التهديدات والتصريحات وانعدام الفعل، وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، فلماذا لا تبيد إيران الكيان الصهيوني الذي يرتكب من المذابح بحق المسلمين من أبناء الشعب الفلسطيني ما يندى له الجبين.
تحالف الجلبي والصدر من أجل الشيعة(13/64)
قالوا: "الصدر رجل له نفوذ قوي في العراق على قطاع كبير من المواطنين الذين جردوا من ممتلكاتهم " ... الصدر أمامه بالتأكيد دور كي يقوم به في المرحلة القادمة.أنصار الصدر من بين الذين انضموا إلى المجلس السياسي الشيعي.
أحمد الجلبي
عضو مجلس الحكم السابق في العراق
وكالة رويترز 31/7/2004
قلنا: قد لا يكون هذا الغزل بمقتدى الصدر من أحمد الجلبي الذي اشتهر باسم " لص البنوك" غريبا ، فالجلبي العلماني الذي ينتمي إلى الطائفة الشيعية وجد ضالته مع شيعي آخر هو مقتدى ، ولا يهم أن يكون الشيعي متديناًَ أو علماني لينشأ بينهما تحالف ، وفي سياق التقرير الذي بثته رويترز يقول الجلبي أن المجلس السياسي الشيعي هو تجمع من أجل المطالبة بحقوق الشيعة، وهكذا تتضح الصورة ، فمن أجل مذهبهم، فكل شيء يمكن أن يتم حتى تحالف مقتدى والجلبي.
شكل جديد لتصدير الثورة
قالوا: " حضرت السينما الإيرانية بشكل مختلف في " ملتقى أصلية السينمائي الأول لأفلام الجنوب" حيث تمثلت بثلاثة أفلام : روائيين وتسجيلي ، تجاوبت جميعها نع رغبة المهرجان في إلقاء الضوء على سينما إيرانية أنجزتها أسماء غير لامعة بعد في فضاء السينما العالمية "
وكالة الصحافة الفرنسية
30/ 7/2004
قلنا: يبدو أن إيران لا تترك فرصة ، إلا وتحاول أن تستغلها للتواجد خارج حدودها ، حتى لو كان المجال فنياً أو سينمائيا ، وحتى لو كان في أقصى العالم الإسلامي (المغرب) فالمهم أن تتواجد إيران ، وأن تتواجد ثورتها ، لا يهم هذه المرة أن تتواجد عسكرياً ،بالثورة لها أشكال عديدة.
النجف .. مدينة الشيعة
قالوا: " كتب الله منذ الأزل للنجف أن تكون مثابة علمية للعالم الإسلامي بأسره تشج إليها الرحال من جميع أقطار الأرض لتستمد الشعوب الإسلامية من ينابيعها علماً وحكمة ".
محمد عباس الدراجي
مؤلف كتاب "صحافة النجف صفحة 148 "(13/65)
قلنا: هذا غيض من فيض مما يردده الشيعة عن مدينة المجف التي لا يذكرونها إلاّ مقرونة بلفظ " المقدسة " ، والتساؤل هنا ،أين هذه الإشادة بمكة المكرمة قبلة المسلمين، أو بمدينة رسول الله صلى الله علية وسلم ، أو بالقدس مسرى النبي صلى الله علية وسلم ... أم أن هذه المدن المقدسة لا يعترف بها الشيعة؟
إيران هل هي العدو الأول للعراق
قالوا: "إيران هي العدو الأول للعراق "
حازم شعلان
وزير الدفاع العراقي
وكالات الأنباء 26/7/2004
قلنا: قد يكون الوزير العراقي هذا امتلك بعض الشجاعة لتعبير عما يدور في تفكير معظم العراقيين من أن إيران عدو للعراق ،بل هي العدو الأول : إيران تزرع عملاءها في كل مكان بالعراق ،وتدخل عناصر الحرس الثوري بحجة زيارة المقامات ولأضرحة ، إيران تستولي على آبار العراق ،... ما السبب في ذلك؟ هل هو حرب السنوات الثماني التي خاضتها ضد العراق أم أطماع الإمبراطورية الفارسية في بلاد المنآذرة؟!
?
جولة الصحافة : رؤية شيعية لدور حزب الله السياسى
هذا نص حديث الشيخ صبحي الطفيلي الأمين السابق لحزب الله لقناة الجزيرة في برنامج زيارة خاصة والذى كان بتاريخ 23/7/2004 والذي كشف فيه عن الحقائق التالية:
•… دور حزب الله الحالي في حماية الحدود الإسرائيلية !
•… تنازل الحزب عن تحرير القدس .
•… منع المجاهدين من الوصول إلى فلسطين . الراصد(13/66)
سامي كليب ( مذيع الجزيرة ) : طبعا الموضوع عن المقاومة يقودنا إلى الوضع الحالي لحزب الله حضرتك ابتعدت عن الحزب رغم أنك في تصريحات كثيرة كنت تقول إنه الحزب ما في انتساب وبطاقة وما إلى ذلك يعني يدخل في الحزب يدخل مدى الحياة ولكنك ابتعدت بسبب يعني وفق توصيفاتك الرسمية وإعلاناتك الرسمية إنه مشاركة الحزب في السلطة واتهمت نواب الحزب بالبرلمان بأنهم أصبحوا أسرى كالنواب الآخرين، يعني أود أن تختصر لنا ما هو ما هي مآخذك عن حزب الله حاليا لماذا تقف في الخط الآخر ضد المشاركة في السورية؟
صبحي الطفيلي: مختصر الدولة دائما جزء أساسي في هالمعارضة حينما تكون عندنا معارضة شريفة مراقبة دقيقة كثير من أخطاء الدولة تتقلص وتسقط وتذوب حينما لا تكن هناك معارضة تتفشى الرذيلة والفساد، الحزب دخل في الدولة وصار جزءا من جوقة التصفيق والتزمير والتهليل والتكبير والمدح والثناء يعني لا أعتقد أنه في لبنان أحد أو في خارج لبنان أحد يقول أن عندنا دور مهم داخل النظام وفي مؤسسات البرلمان ولا شيء، نحن مش أكثر ليسوا أكثر إخواننا ليسوا أكثر من جهة تغطي وتتستر على شنائع الدولة وأفعالها ومنكراتها وهذا ما لا يجوز شرعا وهذا يعتبر خيانة لأهلنا وغدر بهم.
سامي كليب: نعم بس شيخ صبحي الطفيلي يعني هناك التخوين لحزب الله يعني في بعض التصريحات إنك حتى قلت إنه تفاهمات حدود 1994..
صبحي الطفيلي: هلا خونت أه قلت خيانة لأهلنا نعم.
سامي كليب: طب يعني في تخوين حتى في الصراع مع إسرائيل إنه حتى قلت إنه اتفاق نيسان 1996..
صبحي الطفيلي: هذا موضوع آخر.
سامي كليب: إنه كان نهاية المقاومة وشرعية للمستوطنات وحماية للحدود الإسرائيلية.
صبحي الطفيلي: نعم صحيح.
سامي كليب: على إنه حزب الله وكأنك تتهم حزب الله وكأنه يحمي حدود إسرائيل.(13/67)
صبحي الطفيلي: نعم مش أتهم وهل هناك من يشك بذلك، الإسرائيليون من بعد ما انتزعوا ما عرف بتفاهم نيسان اللي اعترف حزب الله من جهته أنه بمنأى بالامتناع عن ضرب الأهداف الفلسطينية اليهودية في فلسطين إنه هو مقاومة لبنانية داخل الأرض اللبنانية إذا هناك جنود إسرائيليون في لبنان هو له حق أن يقاتلهم أما ليس له حق أن يقاتل داخل فلسطين يعني موضوع تحرير فلسطين وما شابه ذلك موضوع شطب من الخريطة وهنا كانت المصيبة يعني هنا كانت الكارثة، أراد الإسرائيلي أن ينسحب من لبنان من سنة 1996 قبل ذلك كان هو طرح هذا الأمر بطرق معينة بالثمانينات ورفضناه.
سامي كليب: طرح عليكم كحزب؟
صبحي الطفيلي: مو مباشرة من خلال بعض القنوات.
سامي كليب: بأي شروط؟
صبحي الطفيلي: لا، لا جاء بعض الناس يعني تحت عنوان صحفيين وغير صحفيين وما شابه ذلك أنه يا أخي يمكن أن ينسحب الإسرائيليون إذا أخذوا ضمانات أنكم إذا وصلتم للحدود ما يسير في مشاكل بينكم وبينهم وكان جوابنا في حينها أنه حينما دخلوا لم يستأذنوا أحدا وعليهم أن يخرجوا دون استئذان من أحد أو تفاهم مع أحد واليوم باستثناء مزارع شبعة من الحدود للمياه منطقة محروسة آمنة أكثر من الحدود الفلسطينية المصرية والحدود الأردنية الفلسطينية والحدود السورية الفلسطينية وهذا ما يشكر عليه الأميركيون حزب الله.
سامي كليب: شأن حزب الله..
صبحي الطفيلي: فأنا أعتبر بأن حزب الله.
سامي كليب: نعم.(13/68)
صبحي الطفيلي: حزب الله أنا أميز بين شبابنا المساكين الطيبين الطاهرين اللي أعدوا أنفسهم للموت وللجهاد في سبيل الله وللذين لا حول لهم ولا قوة أنا متأكد أن الكثير منهم يبكي دما وألما لهذه النهاية التي وصل إليها، لكن هنا نحن هذه المقاومة بتاريخها الجليل بدمائها الطاهرة اليوم تلعب دور مخزي تلعب دور يشكل عمليا حماية للعدو الإسرائيلي وأنا لا أريد منهم شيء وأنا طالبتهم مرارا قلت لهم بوضوح ممكن لا تستطيعوا متابعة الحرب على العدو الإسرائيلي لكن ابتعدوا عن الحدود ليحرس الحدود غيركم.
سامي كليب: شيخ صبحي الطفيلي يعني من يسمع كلامك اليوم عن حزب الله يبدو له الأمر وكأنك تضع حزب الله في مرتبة الذين يقدمون خدمات لأميركا ومن خلالها لإسرائيل أيضا من خلال حماية الحدود يعني هل وصل الأمر فعلا إلى هذه الدرجة؟
صبحي الطفيلي: هاي الحقيقة.
سامي كليب: طيب الحزب حين يسأل عن هذا الأمر يقول إنه قدم تضحيات كبيرة لأنه حتى أمين عام الحزب الحالي الشيخ نصر الله يعني قدم ابنه هادي في سبيل المقاومة وحرر لبنان وطبق القرار425 بقيت مزارع شبعة يقاوم فيها ما هو المطلوب أكثر؟(13/69)
صبحي الطفيلي: حزب الله ليس مقاومة لبنانية حزب الله مقاومة إسلامية حزب الله هدفه تحرير القدس وفلسطين قبل تحرير لخيام وبنت جبيل ومجرى عيون والنبطية، لبنان اللي حزب الله اليوم يقول أنا مقاومة في حدود لبنان أنا ملتزم بتفاهم نيسان الذي يمنعني من قتال العدو الإسرائيلي داخل أرض فلسطين، حزب الله يقول أنا أضرب في مزارع شبعة في بعض الأحيان حينما يضرب لأنها أرض لبنانية يقول له الإسرائيلي هذه أرض سورية ليس لك حق أن تضرب فيها حتى ليست فلسطينية ويعتبر أن لأنها سورية ليس له حق أن يضرب ضمن التفاهم فهناك تفاهم هل ينفي هذا أحد وحزب الله يقول أنا ألتزم به هل ينفي هذا أحد هذا التفاهم يقول يمنع على حزب الله أن يضرب في الأرض الفلسطينية ما معنى هذا هل هناك فلسفة معينة لإخراج الأمور من دائرتها الطبيعية متجهة نحو حماية الحدود الشمالية لفلسطين يعني أنا إذا أنا أو أنت أو إنسان يحمل البندقية ويريد أن يقاتل العدو الإسرائيلي اليوم يذهب إلى الحدود من يمسكه من يعتقله أليس شبابنا الطيبون الطاهرون المساكين.
سامي كليب: حصلت حالات؟
صبحي الطفيلي: كثير.
سامي كليب: هل الحزب مالكا لقراره فعلا اليوم؟
صبحي الطفيلي: ماذا تقصد بمالك لقراره؟
سامي كليب: يعني هل الحزب لو قرر الاستمرار بالمعركة والمقاومة.
صبحي الطفيلي: ممكن لا يستطيع أنا قلت، أنا قلت..
سامي كليب: يعني هناك فرق، شيخ صبحي اسمعني يعني هناك تمييز بين رغبة قيادات الحزب ومقاومي الحزب بالاستمرار يعني لا أشك ولا لي لحظة ربما يعني الشيخ نصر الله يريد المقاومة حتى تحرير القدس ولكن هل هو مالكا لقراره؟(13/70)
صبحي الطفيلي: وأنا كذلك وأنا مثلك لكن هذه الرغبة كم أقدر على الحفاظ عليها كم أقدر على الائتمان عليها هذا موضوع آخر، الحزب قد لا يستطيع الاستمرار وأنا قلت إذا لا تستطيعون الاستمرار ربما لو كنت مكانهم لا أستطيع الاستمرار ربما أنا مثلا أخير ما بين حرب داخلية مثلا أو وقف المقاومة مثلا، انسحبوا لتكن مهمة حراسة الحدود على يد غيركم وليس على يدكم هنا المشكلة هنا الداء وبالمناسبة لو أن غير شباب حزب الله هم اللي على الحدود كانت كان الأمر مختلف كان كثير من الناس يستطيعون اختراق الحدود والقيام بعمليات ضد العدو الإسرائيلي لكن الحزب بما لديه من كفاءة ومن إمكانيات وسمعة وكذا إلى النهاية هو الأقدر على الحماية هنا المصيبة وهنا الكارثة ابتعدوا عن الحدود قليلا ولو خمسمائة متر لا شأن لكم بمن يدخل ويخرج نحن جاهزون لقتال العدو الإسرائيلي حينما نستطيع أن نقاتل دون أن نزج في فتن داخلية ممكن يكون هذا صواب وممكن أصفق لهم وأرحب بهذا الأمر لكن اليوم الأمر ليس كذلك اليوم نحن نحمي الحدود نحن نحرس وهذه هي المشكلة.
احترام قواعد اللعبة اللبنانية
علي شرارة
الوطن العربي – العدد 1429 – 23/7/2004
هذه وجهة نظر شيعية في دور حزب الله . الراصد
السيد رئيس التحرير تحية طيبة وبعد...
توقفت عند تصريح السيد حسن نصر الله الذي نشر يوم 6 يونيو "حزيران" عن تأييده "دولة القانون وليس سلطة الميليشيات والكانتونات" والله لا يعلم المرء كيف يرد عليه –هل عليه أن يضحك أو يبكي؟(13/71)
يستغرب المرء إدلاء السيد نصر الله بهذا التصريح, نظراً لكونه أميناً عاماً لأكبر الميليشيات التي مازالت تعمل في لبنان, ويندهش المرء أكثر عندما يتذكر قضية منع دخول السيد وزير السياحة قلعة شمع في جنوب لبنان على يد أفراد من حزب الله. فمن الواضح لكل لبناني, بل لكل عربي أن حزب الله يعتبر ميليشيا تعمل في منطقة جنوب لبنان تعتبرها كنتونا وتتصرف حسب قوانين وقواعد خاصة بها لا تمت بأية صلة لقوانين الدولة اللبنانية.
قد يخطئ المرء عندما يقرأ هذا التصريح ويظن أن حزب الله قد بدأ بالتصرف المسؤول كأحد العناصر الوطنية اللبنانية وأنه يحمل على عاتقه المسؤولية الوطنية ويضع نصب عينيه المصالح الوطنية اللبنانية قبل أي شيء آخر, كما هو متوقع من كل حزب سياسي أو جهة رسمية تعمل لصالح الدولة اللبنانية, وأخشى ما أخشاه أن مثل ذلك التصريح تم استخدامه تحت اعتبارات الاستهلاك المحلي وبدوافع سياسية ضيقة خفية, وبالأخص على ضوء نتائج الانتخابات البلدية في لبنان وأتمنى ألا يدل هذا على فهم السيد حسن نصر الله لقيم سيادة القانون ولمفاهيم الدولة الحديثة والصحيحة بل على العكس.
على مواطني لبنان أن يدركوا خطورة هذا الأمر وأن يطالبوا حزب الله وعلى رأسه السيد حسن نصر الله ببدء التصرف كجهة رسمية لبنانية مسؤولة بما يخدم المصالح الوطنية اللبنانية وتتصرف حسب القواعد والقوانين اللبنانية, كي لا يعود بنا الزمان إلى فترة أهدرت بها كرامة المواطن اللبناني وحولت هذه الأرض اللبنانية الطيبة مداساً لكل طرف وجهة.
إذا أراد حزب الله حقاً خدمة لبنان وخدمة مصالحه, وإذا أراد حقاً أن يتمتع بقبول شعبي لبناني وبمصداقية خالصة فعلية أن يتبنى ويحترم قواعد وقوانين الدولة اللبنانية ويترك معسكراته وسلاحه ويسلمها إلى الأجهزة الأمنية المسؤولة التي تملك وحدها صلاحية ذلك بموجب اتفاق الطائف كي يتقدم الوطن اللبناني نحو الازدهار.
وأيضاً عن .. "الحزب"(13/72)
زاهر صيداوي
الوطن العربي – العدد 1429 – 23/7/2004
هذه وجه نظر أخري في حقيقة الدور الذي يقوم به حزب الله . الراصد
السيد رئيس التحرير المحترم
نشرت الصحف العربية واللبنانية الجاري في الخامس من يوليو "تموز" الحالي, نبأ عن مطالبة الشيخ صبحي الطفيلي الأمين العام الأول لحزب الله بعودته وأنصاره إلى صفوف حزب الله خلال المؤتمر العام للحزب المنوي عقده قريباً, حيث خرج الشيخ صبحي الطفيلي من صفوف الحزب قبل عدة سنوات بناء على أوامر السيد حسن نصر الله الأمين العام للحزب وتمهيداً لإحلال سيطرته الكاملة على الحزب بما يوافق أهواء قادة إيران ومنظري سياساتها.
إن ممارسات حسن نصر الله التي أقل ما يقال فيها أنها لا ديمقراطية, إضافة إلى الحملات التي يشنها حزب الله صباح مساء ضد مرجعية السيد محمد حسين فضل الله, والتي تهدد برؤية الحزب مرجعية المرشد الإيرانية السيد علي خامنئي. إن هذه الممارسات تدل على أن حزب الله لبناني بالاسم فقط, إيراني بالتوجه والأهداف والممارسات, وأن مصلحة الشيعة ومصلحة الدولة اللبنانية تأتي في المرتبة الأخيرة من أولويات الحزب ولا أدل على ذلك من إرهاصات المعركة الانتخابية الأخيرة التي أدارها الحزب بتمويل ودعم غير محدود من إيران وسورية ضد السيد نبيه بري رئيس حركة "أمل" والاتهامات التي ما فتئ يكيلها قادة الحزب ضد السيد نبيه بري على خلفية الأحداث الدامية في ضاحية السلم في بيروت قبل عدة أسابيع.(13/73)
إن حزب الله لا يعمل ضد الشيعة في لبنان فقط, بل يعمل ضد الدولة اللبنانية وضد مؤسساتها ومسؤوليها, لا بل ينتهك قوانينها جهاراً ويبني لنفسه دولة حزب الله على حساب سيادة واستقلال وصلاحيات الدولة اللبنانية التي أهانها ومرغ كرامتها عندما انبرى بعض عناصر حزب الله ليرفعوا سلاحهم في وجه وزير السياحة اللبناني والوفد الذي يرافقه ويمنعونه من تفقد قلعة شمع التاريخية في جنوب لبنان, بحجة أنها موقع عسكري, ولمن هذا الموقع؟ طبعاً لحزب الله لا للدولة والجيش اللبناني.
إيران والمبادرة السعودية
عريب الرنتاوي
الدستور 5 / 8 / 2004
الرفض الإيراني للمبادرة السعودية يستدعي وقفة تأمل في مرجعيات السياسة الخارجية الإيرانية، وتحديدا حيال العراق بملفاته الشائكة والمتفجرة.
فمن جهة، تجد إيران نفسها في قائمة المتضررين والمستهدفين ببقاء قوات الاحتلال على امتداد حدودها مع العراق، ومن مصلحتها قبل غيرها، بل وأكثر من غيرها أن ينتهي هذا الاحتلال في أقرب فرصة ممكنة.
وإيران، من جهة ثانية، كانت سبّاقة للاعتراف بالأطر والمؤسسات العراقية التي نشأت في ظل الاحتلال، فهي أول دولة أرسلت وفدا للقاء مجلس الحكم الانتقالي بعيد أيام من تشكيله، وهي رسميا على الأقل، تعترف بحكومة السيد إياد علاوي، الأمر الذي يفيد، أو يوحي على الأقل بأن لطهران مصلحة في تثبيت دعائم هذه المؤسسات وتمكينها من بسط سيطرتها على عموم الأراضي العراقية.
وحلفاء إيران العراقيون، من جهة ثالثة، لم (يتورطوا) في المقاومة ضد الاحتلال الأمريكي ... فالمرجعيات الشيعية ظلت على معارضتها السلمية للاحتلال، والتيار الصدري دخل إلى معترك المقاومة المسلحة متأخرا، وانسحب منها مبكرا، وكذا الحال بالنسبة لبقية تلاوين وأطياف المشهد الشيعي العراقي.(13/74)
ما الذي تريده طهران إذن؟...ولماذا هذا الرفض الفوري للمبادرة السعودية قبل أن تكتمل فصولها وتتضح معالمها النهائية؟... أي مستقبل للعراق تتطلع إليه طهران؟... أسئلة وتساؤلات ما زالت تبحث عن إجابات مقنعة.
أحسب أن المتتبع للسياسة العراقية لطهران، يخلص إلى الاستنتاج بأن إيران تفضل التعامل مع (العراق / الساحة) لا مع (العراق / الدولة). فالساحة توفر فرصا واختيارات وبدائل، بينما الدولة بما تمتلكه من حقوق وأدوات سيادية، ستقلص إلى أدنى حد، فرص التدخل الخارجي في شؤونها الداخلية.
)العراق/ الساحة( يمكن أن يكون منصة لتصفية الحسابات مع الولايات المتحدة، وميدانا لخوض الحرب بالوساطة وعبر الوسطاء، تماما كما كان عليه حال لبنان من قبل... و )العراق/ الساحة( يبقي الباب مفتوحا لأدوار سياسية وأمنية مباشرة وغير مباشرة، توظف باتجاهات مد السيطرة وبسط والنفوذ، وهنا يبدو الرهان الإيراني منعقدا على ورقة )الأغلبية الشيعية( التي تمكنها من هذا الهدف، سواء أتم الاحتكام إلى صناديق الاقتراع أو الالتجاء في زمن لاحق، إلى )الأدوات العنفية( لتقرير مستقبل العراق وصورته ومصائر القوات الاحتلالية الرابضة على أرضه.
والمبادرة السعودية، إذ تفترض إحلال قوات إسلامية محل قوات التحالف، وتستدعي حضورا عسكريا، واستتباعا حضورا سياسيا كثيفا للعالمين العربي والإسلامي - حيث الأغلبية السنية الكاسحة- فإنها توفر فرصة لصياغة قد تكون أكثر توازنا للنظام السياسي في العراق، وستكبح اندفاعة الدور الإيراني على الساحة العراقية.(13/75)
ثم ان طهران التي استشعرت الخطر الشديد بعد احتلال العرق، تراقب بارتياح بالغ تعثر المشروع الأمريكي وارتفاع كلفة احتلال العراق، وهي تعتقد، ومعها في ذلك الحق كله، بأن مزيدا من التورط الأمريكي في رمال العراق المتحركة، سيحد من قدرة واشنطن مستقبلا على التفكير بشن حروب أخرى، وربما لهذا السبب بالذات تتشجع طهران اليوم لمعاودة تخصيب اليورانيوم، بعد أن أظهرت من قبل مرونة لافتة حيال برنامجها النووي لا سيما في ذروة تأجج غطرسة القوة الأمريكية.
الدعارة في إيران صناعة مزدهرة!!
طهران ـ عباس كريمى
الوطن العربي - العدد 1431 ـ الجمعة 6/8/ 2004
يكشف الكاتب عن جانب مهم من الحياة الإجتماعية في إيران وهو تفشى الرذيلة! مع توفر البديل (الشرعي) الذى سموه زواج المتعة، مما يكشف عن خطأ الزعم بأن زواج المتعة فيه حل للمشاكل الإجتماعية، بل لفهم الناس حقيقته زادوا في الرذيلة بستار المتعة!!.......الراصد
برغم الجهود التي يبذلها النظام الإيراني، والإرشادات المتكررة التي يصدرها الملالي، إلا أن المراقبين لاحظوا ظاهرة خطيرة في المجتمع الإيراني، وهي ظاهرة الدعارة التي تحولت إلى مؤسسة كبيرة، وباتت علنية وتستقطب عددا ًهائلا من الفتيات من الطبقات الفقيرة، بحيث ارتفع عدد القضايا المضبوطة يومياً من 10 في عام 2001 إلى 36 في العام الماضي. وعندما قام النظام الإسلامي في إيران العام 1979، صار البغاء على قمة المحظورات في البلاد. ولكن لم يعد ممكناً تجاهل الوضع اليوم في ظل التزايد السريع للبغاء كمشكلة في البلاد. وتقول جميلة كاديفار عضو البرلمان الإيراني وعضو الفصيل النسائي في البرلمان: إن مبعث قلقنا الرئيسي يكمن في انتشار هذا الاتجاه بشكل كبير.(13/76)
وتقول تارانة "23عاماً" التي تمارس البغاء في طهران: إن والدها مدمن ودائما ما كانت هناك انتهاكات بدنية تتعرض لها في المنزل.تتابع: " في ظل عدم وجود نقود وعدم توافر الفرصة للتعليم والزواج، ماذا كان عسى أن أفعل كي أعيش؟". وتمكنت تارانة من استئجار شقة صغيرة مع أمها وشقيقتيها الأصغر سناً وتقول إنها تعمل لتوفر حياة كريمة لهن. أمي تعلم من أين تأتي النقود، ولكن كلتينا تحاول تجاهل الأمر ونتحدث دائماً عن شركة وهمية أعمل فيها، وشقيقتاي تصدقان الحكاية.
تتقاضى تارانة من زبائنها، التي تصر على أنهم من أصول اجتماعية طيبة، ما يتراوح من 60 إلى 150 دولاراً ويتجاوز دخلها الشهري 250 دولاراً أي خمسة أضعاف دخل أسرة متوسطة في إيران. ويتراوح عدد العاملات بالدعارة في إيران بين 300 ألف إلى 500 ألف طبقاً لإحصاءات غير مؤكدة.(13/77)
ومن النماذج الأخرى التي تداولتها التقارير الاجتماعية الإيرانية الأهلية قصة "فاطمة"، حيث أثارت زيارات يقوم بها غرباء لبيت فاطمة " 32 عاما " شكوك المواطنين الساكنين في أحد أحياء مدينة همدان " غرب إيران " لذلك اتصلوا بالشرطة للتحقيق فى الأمر, وتم وضع البيت تحت المجهر البوليسي, وتبين أن فاطمة وبالتعاون مع ابتها سحر "15عاما " حولت بيتها إلى مركز دعارة, حيث تقوم بعد سفر زوجها لإنجاز مأموريات إدارية إلى المحافظات الأخرى, باستقطاب الفتيات الهاربات وتقديمهن للرجال الأثرياء. وانتهت عملية الرصد بدهم المنزل من قبل عناصر الشرطة, وتم القبض على ثلاثة " عملاء " وفاطمة ةابنتها سحر, وأمرأة شابة حاولت الاختفاء وتدعى كبرى "26 عاما " ومما ذكرته كبري في إفادتها: " لم أكن مرتاحة مع زوجى, وكنا نتشاجر باستمرار, وبعد شجار حاد فى أحد الأيام قررت الهرب من البيت وذهبت إلى منتزه المدينة, وهناك التقيت فاطمة وابنتها وتحدثت لهما عن معاناتى, فاصطحبتنى فاطمة إلى بيتها زاعمة أنها ستساعدنى في تيسير أمورى, وبعد ذلك أجبرتنى على ممارسة الدعارة ولقد أذعنت للأمر مكرهة إذ لا ملاذ لي " أما فاطمة فاعترفت بذنبها وذكرت: " بما أن زوجى كان كثير السفر, استغللت هذا الأمر وقمت بالتعاون مع ابنتى بالاحتيال على النساء والفتيات الهاربات بذريعة توفير ملاذ لهن ومن ثم كنا نجرهن. إلى مستنقع الرذيلة ونقدمهن هدية للأغنياء".
ويسدل المراقبون على انتشار الفساد بواقعة وردت في سجلات الشرطة، وهي أنه في يوم واحد أوقفت الشرطة 148 شخصا بينهم 44 امرأة في مدينة مشهد "حيث تقوم واحدة من أهم العتبات المقدسة". وذلك في أكبر حملة مداهمات ضد أوكار البغاء منذ قيام الثورة الإسلامية العام 1979.
وأوضحت التقارير أن الموقوفين يشكلون أعضاء 11 شبكة " للشر والفساد والبغاء والاغتصاب "، كما قال قائد الشرطة في مشهد "شمال شرق" غاوا أكبيا.(13/78)
ووجهت إلى الرجال المعتقلين "تهمة القوادة" فيما تأكد للشرطة أن معظم المعتقلات من النساء وعددهن 44 تتراوح أعمارهن بين 15 و 30 عاماً وهن صاحبات سوابق في سلوكيات بعيدة عن الإسلام.
وأوضح قائد الشرطة في المدينة أن قوات الأمن "كشفت وأغلقت " ثمانية بيوت للبغاء وصادرت " هواتف نقالة وأسلحة بيضاء وأفلاما إباحية وكميات من الكحول". إضافة إلى سيارات ودراجات نارية.
وكان أحد سكان مشهد سعيد هنائي قد شنق في 17أبريل " نيسان" الماضي، بعد أن أدين بقتل ست عشرة مومساً في المدينة بين عامي 2000 و2001، وقام الرجل بخنق ضحاياه قبل أن يتركهن أجساداً هامدة في أماكن مختلفة من مشهد.
والواقع أن المحكمة الإيرانية تتعامل بشدة مع الموقوفين بتهم تتعلق بممارسة الدعارة أو تسهيلها, فإحدى المحاكم الجزائية أصدرت أحكاماً قوية بالسجن على سبع إيرانيات بتهمة تسهيل الدعارة وتمت إحالة بعضهن إلى محكمة ثورية، حيث صدرت بحقهن أحكام بالإعدام. فقد أصدرت محكمة يفت أباد في ضاحية طهران حكماً بالسجن مع النفاذ بحق امرأة في الخمسين من العمر، تدعى فهيمة تعتبر الرأس المدبر لشبكة بغاء، مع إقفال ثلاثين منزلا وحكم عليها أيضاً بالجلد 75 جلدة ودفع غرامة بقيمة 5و1 مليون ريال "200دولار أميركي"، كما أصدرت المحكمة أحكاما بالسجن لمدة عشرة سنوات على امرأتين أخريين في الخمسين من العمر، وجلد كل منهما بين 160 و 205 جلدات ودفع غرامات بسيطة ووجهت إليهما بالإضافة إلى ذلك تهمة إقامة علاقات جنسية غير مشروعة واقتناء كحول.وصدرت أحكام أخرى بالسجن لمدة خمس سنوات ضد خمس نساء أخريات مع جلد كل منهن وقررت المحكمة تخفيف عقوبة إحداهن بسبب تعاونها مع الشرطة.
وصدرت أحكام بجلد سبع نساء أخريات بين 75 ومائة جلدة في حين حكم على خمس بالنفي الداخلي لمدة أربعة أشهر إلى نهباندان شمال شرق إيران، وبرأت المحكمة بعض النساء الأخريات وعددهن حوالي الثلاثين.(13/79)
أما الرجال الضالعون في شبكة البغاء هذه فقد صدرت بحقهم أحكام أقسى مع الجلد أو دفع غرامات تصل إلى معدل ثلاثة ملايين ريال "380 دولاراً". وقد مثل أمام المحكمة ما مجموعه ستون شخصاً، بينهم ثلاثة من الشخصيات المهمة لم يكشف النقاب عن هويتها، بتهمة الانتماء إلى شبكة بغاء كبيرة أطلق عليها اسم " عش الشياطين ". وذلك في أهم دعوى من هذا النوع خلال السنوات العشرين الأخيرة. ويوجد بين هؤلاء ممثل كبير وعدد كبير من لاعبي كرة القدم الذين يبدو أن المحكمة قد برأتهم. وبالإضافة إلى نشاطاتها في إيران، كانت الشبكة ترسل فتيات إيرانيات لممارسة البغاء في فرنسا وبريطانيا وتركيا وفي دول خليجية.
ويعتبر الخبراء الاجتماعيون أن انتشار الدعارة أحد مظاهر فشل النظام، بحيث سرى الفساد في المجتمع الإيراني.
ويرون أن انتشار الدعارة من نتائج فشل سياسات النظام وانتشار الفساد في المجتمع، إذ أصبحت الدعارة الناجمة عن الفقر والقيود والضغوط الاجتماعية تسجل أرقاماً قياسية.
للسبب ذاته، سجل معدل سن الزواج لدى الفتيات في المدن والأرياف رقما قياسيا أيضا، حيث وصل مؤخرا حسب التقارير والبيانات الرسمية إلى أكثر من 22 سنة، كما انتشر إدمان المخدرات بشكل واسع للغاية لدرجة تحولت معها هذه المشكلة المتفاقمة إلى إحدى أخطر الآفات الهدامة في المجتمع. فوفقاً للإحصائيات الرسمية، يزيد عدد المدمنين في إيران اليوم على مليون و200 ألف، فضلا عن ذلك هناك أكثر من 800 ألف إيراني يتعاطون المخدرات للتسلية دون الوصول إلى مستوى الإدمان.
وحسب المصادر ذاتها، انخفض معدل سن المدمنين على المخدرات خلال السنوات القليلة الماضية من 36 سنة إلى 26 سنة.(13/80)
وتجدر الإشارة إلى أن التقارير التي تقدمها الجهات الرسمية في هذا الخصوص لا تعكس، لاعتبارات معروفة، عمق الأزمات الاجتماعية التي يعاني منها الشعب الإيراني في الوقت الراهن، فالإحصاءات الأقرب إلى الواقع، لا تقل عن ضعف الأرقام التي تقدمها التقارير والبيانات الحكومية.
ولكن بعض المراقبين يردون انتشار الدعارة أيضا ًإلى سوء فهم للدين، حيث يخلطون بين زواج المتعة والدعارة، حيث يدعى القائمون على شبكات الحرام أن الدعارة هي نوع من أنواع زواج المتعة, وهذا ما يحرص الملالي على نفيه والتأكيد على أن الدعارة من الكبائر، والدليل على ذلك الأحكام القاسية التي تصدر بحق المتهمين بالاشتراك في هذه الشبكات.
ويقول مسؤولون حكوميون إن ظاهرة الدعارة تسئ إلى الثورة الإسلامية وتقدم صورة قبيحة عنها, وخاصة أن هذه الشبكات تصدر فتيات إيرانيات للعمل في الدعارة في دول خليجية وفي أوروبا أيضاً وأن هذه العملية تحولت إلى نوع من الرقيق الأبيض، وأنها تشمل فتيات قاصرات.
وإذا كان يتم القبض على فتيات البغاء والقوادين والزبائن بشكل منتظم, فإن الشرطة لا تجد مكانا ًيؤوي المعتقلات. وفي ظل وجود نحو 30 ألف شخص حامل لفيروس "إتش آى في" ـ المسبب لمرض الإيدز ـ في إيران، فكرت الإدارة الاجتماعية بوزارة الداخلية في خطة للإشراف على الدعارة للحد من الأمراض التي تنتقل جنسياً، لكن الخطة أثارت احتجاجات داخل الدوائر الدينية، وكان مآلها الفشل.
وطبقاً لهذه الخطة كان من المفترض تحويل المواخير إلى "منازل للفضيلة " وإضفاء الشرعية على البغاء في صورة زواج مؤقت، وهو تقليد معروف في إيران تستطيع غير المتزوجات أو المطلقات من خلاله إقامة علاقات جنسية مع الرجال بشكل شرعي.
هادى خسروشاهى
السفير صاحب العمامة
جانب من جوانب العلاقات بين مصر وإيران(13/81)
خسرو شاهي هو السفير الإيراني السابق في مصر وهو نموذج مثالي للسفراء الإيرانيين ودورهم الرسالي في نشر التشيع في البلدان التى يعملون فيها من خلال الحرص على التواصل مع المفكرين وأساتذة الجامعات وتأليف الكتب المدافعة والمبشرة للتشيع في أوساط السنة ، وهو وجه آخر لتحركات سفراء إيران في البلاد السنية مثل ما حدث في الكويت من مدة قريبة فهل ينتبه لذلك أهل السنة حكومات وسفراء وحركات إسلامية................... الراصد
منذ بضعة أشهر ،غادر القاهرة عائدا إلى طهران السيد هادي خسروشاهى أحد كبار سفراء إيران في العالم بعد انتهاء مهمته كرئيس لمكتب رعاية المصالح الإيرانية في مصر ،وبعد أن أمضى زهاء ثلاث سنوات بمصر "الحبيبة أرض الكنانة" كما يحلو له دائما أن يسميها.
لقد غادر الرجل القاهرة في هدوء ،ودون أن تتاح للدوائر السياسية والدبلوماسية ولا لرجال الثقافة والفكر أو أساتذة الجامعات في مصر الفرصة لتوديعه ،وقد كان جديراً بنا أن نودعه ونشد على يده معربين عن الأمل في أن يتجدد اللقاء ،لكن خسروشاهى اكتفى بخطاب أرسله إلى بعض أصدقائه المصريين يستأذنهم في الانصراف ويعتذر عن عدم اللقاء بسببب ضيق الوقت ولظروف صحية ألمت به مؤخراً.
ويبدو الحديث عن الرجل،وعن نشاطه العلمي طوال فترة إقامته بالقاهرة مدخلا صالحاً للتعرف على شئ من ملامح العلاقة المتميزة التي تربط بين مصر وإيران ،مما قد يلقى ضوءاً كاشفا على مدى عمق هذه العلاقات ويعين على السعى والتمكين لعودتها،بعد اللقاء المثمر بين الرئيسين مبارك وخاتمي في الآونة الأخيرة،والجهود الدائبة المتواصلة من المسئولين في كلا البلدين لتحقيق هذا الهدف.(13/82)
يحب هادى خسروشاهى أن يلقب بالسيد،لا بالسفير صاحب السعادة ولا بالأستاذ.وكلمة السيد إذا لقب بها أحد في إيران وسائر أرجاء الشرق الإسلامي فإنما تعنى أنه ينحدر من سلالة الحسن أو الحسين ـ رضي الله عنهما ـ وينتمي إلى العترة الطاهرة وهي الأسرة النبوية الشريفة ،فإذا قيض لسيد من السادة أن ينخرط في سلك رجال الدين وارتدى زيهم فإنه لا يضع على رأسه العمامة ذات اللون الأبيض مثلهم ،بل يختص بعمامة سوداء،إشعاراً بالأصل الشريف الذي ينتمي إليه صاحبها.
ولقد ظل السيد محتفظاً بزيه التقليدي وعمامته المميزة طيلة السنوات الثلاث التي قضاها بالقاهرة،كنا نشاهده في الاحتفالات بالمناسبات العامة والاجتماعية والندوات وسط الحشود التي ترتدى الملابس الإفرنجية في زي مميز يجعله شبيهاً إلى حد كبير بالسيد جمال الدين الأفغاني.
ولا عجب،فقد هام خسروشاهى جداً بالأفغاني وعده الرائد الأول لحركات الإصلاح الفكري والسياسي في العصر الحديث ،وعكف منذ مدة طويلة على جمع كل ما كتبه الأفغاني من كتب ومقالات ورسائل بالعربية والفارسية من شتى بقاع العالم،وكان حريصاً خلال فترة وجوده بالقاهرة على زيارة دار الكتب والوثائق المصرية للبحث عن مزيد من وثائق الأفغاني النادرة،واستطاع خسروشاهى في النهاية أن يصدر من القاهرة في العام قبل الماضي (2002) موسوعته الكبيرة التي اشتملت على تسعة أجزاء في سبع مجلدات كبار،نهضت بنشرها إحدى دور النشر المصرية الكبرى بعنوان "الآثار الكاملة للسيد جمال الدين الحسيني الأفغاني" وهو عمل علمي كبير بكل المقاييس أتم به خسروشاهى ما كان قد بدأه الدكتور محمد عمارة ـ المفكر المصري المعروف ـ حين أصدر منذ سنوات مجموعته "الأعمال الكاملة للسيد جمال الدين الأفغاني".(13/83)
وقد بدا خسروشاهى طيلة فترة إقامته بأرض الكنانة أميل إلى الاشتغال بالبحث والتأليف وكتابة المقالات ونشرها بالصحف والمجلات المصرية وأقرب إلى المساهمة في المؤتمرات والندوات العلمية منه إلى المشاركة في الاحتفالات بالمناسبات المختلفة التي تستهلك في العادة وقت السفراء والدبلوماسيين ،وهو في ميله هذا إنما يمثل حلقة من حلقات السلسلة الرائعة التي ضمت عدداُ من كبار السفراء الإيرانيين الذين عملوا بمصر منذ سنة 1925،حين تم فيها تبادل السفراء بين البلدي. فقد ظلت إيران حريصة ـ في عهودها المختلفة ـ على أن تدفع بعدد من أخلص أبنائها النابهين ممن يشار إليهم بالبنان في ميدان الثقافة والعلم والفكر إلى العمل سفراء لها في مصر،تقديراً لمكانتها وإكراماً لدورها الحضاري الرائد وتعبيراً عن الإدراك الكامل لأهم الركائز التي تقوم عليها العلاقات بين البلدين،ولقد ضمت هذه السلسلة على سبيل المثال:الطبيب والأديب الكبير "الدكتور قاسم غنى" الذي أصبح وزيراً للصحة ثم وزيراً للثقافة بعد انتهاء مهمته كسفير لإيران في مصر (سنة 1948)، وقد جاء بعده الناقد والسياسي الإيراني المعروف الأستاذ على دشتى (1948ـ1951) الذي ارتبط برابطة الصداقة مع عدد من كبار الأساتذة والمفكرين المصريين وخاصة الدكتور طه حسين والدكتور عبد الوهاب عزام وغيرهما.
وقد عمل هؤلاء السفراء على تقديم البعد الثقافي والحضاري على ما عداه،ودعم التواصل الفكري والتقارب المذهبي من أجل تثبيت الأسس المتينة الراسخة التي تنهض عليها العلاقات بين بلدين في حجم مصر وإيران،والانطلاق منها لمباشرة العمل المثمر المشترك على الصعيدين الإقليمي والعلمي.(13/84)
ولم يحل العمل الدبلوماسي بين هؤلاء السفراء وبين مواصلة إنتاجهم الأدبي والعلمي، بل كان وجودهم بالقاهرة حافزاً لهم على البحث والتأليف في حماس بالغ وهمة لا تفتر،مستفيدين في ذلك بجو القاهرة الفريد المشبع بالمؤثرات المعنوية والروحية التي تحفز النفوس المستعدة على العطاء والإبداع.
وينتمي خسروشاهى إلى هذه السلسلة من السفراء الإيرانيين،لكنه يزيد عليها بسبب عنايته بجانب آخر من جوانب تلك العلاقة التي هي من نوع خاص جداً بين مصر وإيران،وهي علاقة تجعل من بيئة مصر العلمية والثقافية ـ التي تعلى من شأن الوسطية ـ مجالا خصبا لطرح آراء مذهبية وفكرية قد يكون هناك حرج في طرحها على هذا النطاق الواسع في أغلب بلدان العالم الإسلامي.
ولعنا نذكر هنا أن مصر ممثلة في كبار مشايخ الأزهر،وفي مقدمتهم المرحوم الشيخ محمود شلتوت،هي التي تبنت فكرة التقريب بين المذاهب الإسلامية وبخاصة بين المذهب الأربعة لأهل السنة ومذهب الشيعة الأمامية،وقد كان لدعوة التقريب هذه أكبر الأثر في تراجع آفة التعصب المذهبي ونبذ الكثير من الآراء المغلوطة وإعلاء جوانب الاتفاق مع الأعذار فيما ورد من اختلاف بين المذاهب بعضها البعض.
كان خسروشاهى فترة وجوده في مصر يرى نفسه بحكم تكوينه العلمي وبفضل تبحره في العربية والعلوم الإسلامية ولكونه أحد أعضاء الثورة الإسلامية في إيران ولأستاذيته بجامعة طهران وسبق عمله سفيراً لإيران في الفاتيكان وتمرسه في مجال الحوار بين الأديان والحضارات كان يرى نفسه مؤهلا للسير قدماً في سبيل تقريب المفاهيم المذهبية والرؤى السياسية بين البلدين الكبيرين في جو معبأ بمشاعر التوجس والارتياب بسبب انقطاع العلاقات بينهما،كما تعددت التهديدات والانتهاكات الصارخة للأنظمة الحاكمة في الدول الإسلامية بدعوى مجراها من دعاوى "الإصلاح".(13/85)
وقد أصدر خسروشاهى بخلاف موسوعته المذكورة ـ من القاهرة أيضاً ـ في العام الماضي ثلاثة كتب بعث إلي بنسخ منها مرفقة بخطاب التوديع بمناسبة انتهاء مهمته ،اثنان منها من تأليفه والكتاب الثالث من تأليف أستاذه آيه الله الشيخ ناصر مكارم الشيرازي ،وهو كتاب مختصر في عقيدة الشيعة الأمامية ،وقد رأى خسروشاهى في مقدمته التي كتبها له أن إعادة نشر الكتاب في مصر من شأنه أن يكسر الحواجز التي عفا علنها الزمن ويعمل على تحقيق وحدة الكلمة بين الشعوب الإسلامية.
وفي نفس الاتجاه أيضاً جاء الكتاب الثاني لخسروشاهى يتناول فيه شخصية عبد الله بن سبأ الذي دار حول دورها في نشأة التشيع خلاف وجدل كثير ،ويبين كيف أن هذا الدور الوهمي قد جرى افتراؤه في الماضي والحاضر لتفجير القضايا الخلافية بين المسلمين.
أما الكتاب الثالث فقد ألفه خسروشاهى ردا على عدد من الآراء والمقولات التي راجعت في مصر في الفترة الأخيرة حول العلاقة بين جمال عبد الناصر والثورة اٌلإسلامية في إيران ،كما يتضمن الكتاب كثيراً من المفاهيم حول طبيعة الثورة الإيرانية ودورها وأهدافها.
لقد أرد السيد خسروشاهي خلال السنوات الثلاث التي قضاها سفيرا لبلاده في مصر أن يبرهن على أن ما يربط بين البلدين من علاقات وقرابات في مجال الحضارة والثقافة والفكر أعمق من أن تعصف به أحداث جارية أو تنال منه خلافات مؤقتة عابرة.
إعداد: الدكتور محمد السعيد جمال الدين
الأستاذ بجامعة عين شمس
المصدر مختارات إيرانية عدد 48 يوليو 2004(13/86)
مجلة الراصد الإسلامية
العدد الرابع عشر – غرة شعبان 1425 هـ
1-…فاتحة القول : تحالف التشيع مع الباطل في صراعه مع الحق.......3
2-…فرق ومذاهب : الأحباش ...........................................5
3-…سطور من الذاكرة : البهائيون وهجرة اليهود إلى فلسطين.........12
4-…دراسات : التوجه الإيراني الجديد..................................15
5-…كتاب الشهر : التيارات السياسية في إيران.........................20
6-…قالوا...............................................................31
7-…جولة الصحافة:
- مقالات عن شيعة مصر:
•…من يدافع عن الشيعة في مصر؟ (مركز الدفاع)...............33
•…الحرب المقدسة..............................................37
•…مقام السيدة زينب............................................45
•…المتعة.......................................................50
-…أسئلة المشهد العراقي...........................................51
-…انشقاق في شيعة البحرين........................................55
-…بطش الدروز بالأسرى الفلسطينيين..............................57
-…البهائية تصل الكويت............................................61
-…حقيقة حزب الله – صبحي الطفيلي ج2 .........................67
فاتحة القول
تحالف التشيع مع الباطل في صراعه مع الحق
تناقلت وسائل الإعلام أخبار متفرقة عن تحركات متعددة للفرق والطوائف كان منها:
-…الصدر يعلن عن تشكيل حزب سياسي سيتمثل أولى لبنات المشاركة في العملية السياسية........... الدستور 7/9/2004.
-…صنعاء تعلن مقتل المتمرد الشيعي حسين الحوثي.... الدستور 11/9/2004.
-…تدور شكوك حول انتماء رئيس الوزراء الباكستاني الجديد للطائفة القاديانية......... المجتمع 4/9/2004.
-…لقاء لقادة الشيعة في لبنان.......... الشرق الأوسط 28/8/2004.
فهل هناك أهمية لمثل هذه الأخبار؟(14/1)
وهل هناك رابط ومغزى من كثرتها؟
إن الله عز وجل شاءت حكمته أن يكون الناس مختلفين ليتحملوا مسؤولية أعمالهم ولا يحتجوا بالقضاء والقدر, ولذلك كان الصراع والتنازع سمة مسيرة التاريخ والتحليل الحقيقي للصراع هو الصراع بين الحق والباطل وإن كان يقع الصراع أيضاً في داخل كل معسكر, قال تعالى: ((وإن فئتين من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما)) وقال تعالى عن الصراع الداخلي للمعسكر ((ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع ومساجد يذكر اسم الله فيها)).
وهذا الصراع بين الخير والشر يكون على مستويات منها ما يكون صريحاً كحرب الكفار للنبي صلى الله عليه وسلم ومنها ما يكون بالخديعة والغدر كقتل عمر رضي الله عنه ومنها ما يكون باستغلال المسلمين أنفسهم كقتل عثمان وعلي.
ولقد عرف أعداء الإسلام أن حرب الإسلام من داخله أهون عليهم من الحرب الصريحة كما هو حال الشيطان مع المسلم حين حذره ربه فقال: ((ولا تتبعوا خطوات الشيطان)) لأن المسلم لا يتبع الشيطان صراحة لكن قد يتبع خطواته.
ومن هنا اخترع ابن سبأ مذهب التشيع لمحاربة دولة الخلافة وأصبح التشيع ككرة الثلج تكبر كلما تدحرجت فنشاء عنها الكثير من طوائف الضلال قديماً كالقرامطة والإسماعيلية والدروز وحديثاً كالبابية والبهائية والقاديانية ولا نعلم ماذا ستخرج لنا في المستقبل!!
والعجيب أن كثير من قادة العمل الإسلامي فضلاً عن المسلمين لا يهتمون أبداً بهذا الدور الخفي الذي يمارسه التشيع اليوم في حرب الإسلام بصور شتى منها:
1-…تحويل أهل السنة عن عقائدهم إلى العقائد الشيعية الباطلة والمجاهرة بذلك في الفضائيات والانترنت وغيرها.
2-…التعاون مع الكافر الأصلي لتحقيق مصالح إقليمية أو طائفية لهم.
3-…توليهم قيادة بعض الدوال الإسلامية وتسخيرها لخدمة أعداء الدين.(14/2)
فهل يعقل أن لا يدرك للآن المسلمون حقيقة مذهب التشيع وبطلانه في الجانب العقائدي والسياسي مع كل ما يرونه من خذلان للمسلمين في العراق وتمرد عليهم في اليمن وتحكم فيهم في الباكستان؟؟
وطالما لم يدرك المسلمون وأهل السنة حقيقة عدوهم كيف يحققون النصر؟!
فرق باطنية 3
الباطنية تطلق على مجموعة من الفرق التى ادعت أن للإسلام ظاهراً وباطنا ً : ظاهرا ً يظنه عامة الناس ، وباطنا ً لايعلمه إلا علمائهم و خواصهم ، فالشهادتان و الصلاة و الزكاة ... وسائر العبادات و الفرائض لها معان ٍ – عندهم – تختلف عم الذي عليه عموم أمة الإسلام ، و بذلك صرف الباطنيون تعاليم الإسلام عن مرادها ، وأولوها تأويلات باطلة .
كما أن اسم الباطنية يطلق على هذه الفرق لأنها أظهرت الإسلام لكنها أبطنت الكفر .
ويدخل في الباطنية فرق النصيرية والدروز والإسماعيلية والقرامطة والبهائية والقاديانية .....
الأحباش
التعريف
بالرغم من أن فرقة الأحباش التي تنسب إلى عبد الله الهرري الحبشي حديثة التكوين، إلاّ أنها أحيت مناهج أهل الكلام والصوفية والباطنية، وقد ظهرت حديثاً في لبنان مستغلة ما خلفته الحرب الأهلية هناك من الفقر والفوضى لإفساد عقائد المسلمين، وإحياء العقائد الباطلة.
التأسيس
تنسب هذه الفرقة إلى عبد الله الهرري نسبة إلى مدينة هرر في الحبشة، وقد نشأ نشأة صوفية، وتوغل فيها وبايع على الطريفة التيجانية ثم الرفاعية. وخلال وجوده في الحبشة أثار الفتن ضد المسلمين، وتعاون مع حاكم إندراجي صهر ديكتاتور الحبشة هيلا سيلاسي ضد الجمعيات الإسلامية لتحفيظ القرآن الكريم في مدينة هرر سنة 1948م.
وتم تسليم الدعاة والمشايخ إلى الهرري وإذلالهم حتى فر كثير منهم إلى مصر والسعودية. واطلق الناس على الحبشي صفة "الفتان" أو "شيخ الفتنة".
وفي سنة 1969 جاء الحبشي إلى سوريا ثم إلى لبنان( )،وأخذ يعمل على نشر أفكاره ومذهبه.
الأفكار والعقائد(14/3)
1 ـ يزعم الأحباش أنهم على مذهب الإمام الشافعي في الفقه والاعتقاد، ولكنهم أبعد ما يكونون عن مذهب الشافعي، فهم يؤولون صفات الله تعالى بلا ضابط شرعي فيؤولون الاستواء والاستيلاء كالمعتزلة والجهمية . ويجرون وراء العض والحيد في كل المذاهب الفقهية.
2 ـ يزعم الحبشي أن جبريل عليه السلام هو الذي أنشأ ألفاظ القرآن الكريم، وليس الله سبحانه وتعالى، فالقرآن عنده ليس بكلام الله عز وجل، وهو في هذا يوافق المعتزلة .
3 ـ يؤخرون العمل عن الإيمان، ويبقى الرجل عندهم مؤمناً وإن ترك الصلاة وسائر الأركان، ويوافقون في هذا المرجئة والجهمية.
4 ـ يقللون من شأن التحاكم إلى القوانين الوضعية المناقضة لحكم الله تعالى، فيقول الحبشي: "ومن لم يحكّم شرع الله في نفسه فلا يؤدي شيئاً من فرائض الله، فهذا مسلم مؤمن. ويقال له أيضاً مؤمن مذنب" كتاب الدليل القويم، وكتاب بغية الطالب. ويقول أيضاً: "إن من لا يريدون إقامة دولة تحكم بالإسلام، وإنما يريدون إقامة دولة علمانية إنهم أناس مسلمون مؤمنون، بل إن مساعدتهم تجوز".
5 ـ يحث الأحباش الناس على التوجه إلى قبور الأموات والاستعانة بهم وطلب قضاء الحوائج منهم. لأنهم يزعمون أن الأموات يخرجون من قبورهم لقضاء حوائج المستغيثين بهم ثم يعودون إليها، كما يجيزون الاستعاذة بغير الله ويدعون للتبرك بالأحجار، وهم بذلك يتبعون الصوفية في عقائدهم.
6 ـ يرجحون الأحاديث الضعيفة والموضوعة بما يؤيد مذهبهم، بينما يحكمون بضعف الكثير من الأحاديث الصحيحة التي لا تتفق معهم، ويتجلى ذلك في كتاب "المولد النبوي".(14/4)
7 ـ وفيما بتعلق بصحابة رسول الله ? ، فقد صرح الحبشي في أكثر من موضع بعبارات فيها غلو بالإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وفي المقابل يكثر من سب الصحابة خاصة خالد بن الوليد ومعاوية بن أبي سفيان، وعائشة أم المؤمنين. ويقول إن الذين خرجوا على عليّ ماتوا ميتة جاهلية، ويحذر من تكفير الذين يسبون الشيخين أبا بكر وعمر، وهو في ذلك يوافق مذهب الرافضة.
8 ـ كفّر الحبشي العديد من العلماء، فحكم على شيخ الإسلام ابن تيمية بأنه كافر، وجعل من أول الواجبات على المكلف أن يعتقد بكفره، والإمام الذهبي عنده خبيث، كما يعتبر الإمام محمد بن عبد الوهاب مجرماً قاتلاً كافراً، وكذلك يرى كفر الإمام المحدث محمد ناصر الدين الألباني، والشيخ سيد سابق صاحب كتاب فقه السنة، والأستاذ سيد قطب عنده من الخوارج. أما الصوفي ابن عربي صاحب مذهب وحدة الوجود ونظرية الحلول والاتحاد الذي أفتى العلماء بكفره، فيعتبره الحبشي شيخ الإسلام.
9 ـ ينكر الحبشي وأتباعه كروية الأرض ويعتقدون أنها على شكل نصف برتقالة، وبناء عليه فإنهم ينحرفون في صلاتهم عن القبلة، وقد أثار هؤلاء في أمريكا وكندا فتنة تغيير القبلة نحو الشمال بتغيير مقدار 90درجة، وصاروا يتوجهون إلى عكس قبلة المسلمين.
10 ـ للحبشي الكثير من الآراء والفتاوى الشاذة مثل:
أ ـ جواز النظر والاختلاط ومصافحة المرأة الأجنبية، وأن المرأة يجوز لها الخروج متعطرة متبرجة، ولو بغير رضى زوجها.
ب ـ لا زكاة على الأوراق النقدية المتداولة اليوم، لأن الزكاة حسب الحبشي على الذهب والفضة فقط .
ج ـ إباحة القمار من المسلم في حق الكافر، ومنع الغني التعامل باليانصيب وإباحته للفقير، شريطة أن يأخذ منه حاجته، وينفق الباقي على المرافق العامة للمسلمين.
د ـ إباحة سرقة ممتلكات غير المسلمين شريطة ألاّ تؤدي إلى فتنة.
هـ إباحة شراء الصبي الحر وبيعه .. وغير ذلك الكثير .(14/5)
وقد وردت هذه العقائد المنكرة، والفتاوى الشاذة في عدد من كتبهم ورسائلهم ومجلاتهم منها:
1 ـ المقالات السنية في كشف ضلالات ابن تيمية
2 ـ التعقيب الحثيث
3 ـ النهج السوي في الرد على سيد قطب وتابعه فيصل مولوي
4 ـ الدليل القويم على الصراط المستقيم
5 ـ بغية الطالب في معرفة علم الدين والواجب
6 ـ إظهار العقيدة السنيّة شرح العقيدة الطحاوية
7 ـ كتاب المولد النبوي
8 ـ صريح البيان
9 ـ بهجة النظر
والكتب السابقة من تأليف شيخ الأحباش عبد الله الهرري
10 ـ كتاب الرسائل السبكية في الرد على ابن تيمية
11 ـ التوفيق الرباني في الرد على ابن تيمية الحراني ، وهذان الكتابان من تأليف كمال أبو المنى "كمال حوت"
12 ـ مجلة منار الهدى التي تصدر من لبنان.
الانتشار والنفوذ وأبرز الشخصيات
سبق القول أن عبد الله الحبشي مؤسس هذه الفرقة نشأ في بلاده الحبشة ومنها انتقل إلى سوريا ولينان ونشر مذهبه، كما أن لهم تواجد في الأردن وأوكرانيا، وبعض الدول الأجنبية مثل الولايات المتحدة وكندا واستراليا والسويد والدنمارك، وهي الأماكن التي يكثر فيها اللبنانيون، وفيما يلي عرض لأهم الدول التي يتواجدون وينشطون فيها:
أولاً: لبنان
وتمثلهم "جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية" ويعتبر رئيسها نزار الحلبي الذي قتل في لبنان في 31/8/1995 الرجل الثاني في الطائفة بعد الحبشي ويطلقون عليه لقب سماحة الشيخ، وكانوا يعدونه لمنصب مفتي لبنان، ويعتبرون أنه الأحق بهذا المنصب.
وللأحباش في لبنان عدد من الشخصيات العامة مثل النائب عدنان الطرابلسي، وطه ناجي الذي رشح نفسه في الانتخابات النيابية وحصل على 1700 صوت معظمهم من النصارى، حيث وعدهم بالقضاء على "الأصولية الإسلامية"، وهو أحد كبار أتباع الحبشي في طرابلس ، وقد تذرع طه هذا بفتوى شيخه بجواز إنشاء مسبح مختلط أطلق عليه اسم "ناجي بيتش" بحجة أن هذا التكشف من الصغائر تكفره الصلاة والوضوء.(14/6)
ومن شخصياتهم البارزة في لبنان حسام قراقيرة الرئيس الحالي لجمعية المشاريع، وكمال الحوت وعماد الدين حيدر وعبد الله البارودي، وهؤلاء الذين يشرفون على أكبر أجهزة الأبحاث والمخطوطات مثل المؤسسة الثقافية للخدمات ومركز الأبحاث والخدمات، وهم يتلاعبون في كتب التراث التي يحققونها تحقيقاً جهمياً أشعرياً . ومن شخصياتهم عبد القادر فاكهاني رئيس تحرير مجلة منار الهدى التي يصدرها المكتب الإعلامي في جمعية المشاريع، ويقع مركزها في برج أبي حيدر في بيروت ولها مكاتب في طرابلس والبقاع وجبل لبنان.
ويولي الأحباش في لبنان صغار السن من الذكور والإناث اهتماماً كبيراً، ويقيمون لهم الأنشطة الثقافية والاجتماعية والدينية المختلفة، ومن أمثلة ذلك:
1 ـ الدورات الصيفية المجانية التي تنظمها جمعية المشاريع بمشاركة أعداد كبيرة من الطلاب ويتلقون فيها دروساً في التفسير والفقه والعلوم الأخرى على مذهبهم إضافة إلى اللغة العربية واللغتين الإنجليزية والفرنسية، والتدريب على الإنشاد والمديح النبوي والإيقاع، ودروس في الكمبيوتر، كما تتضمن الدورات الصيفية زيارة إلى المقامات والأضرحة.
2 ـ دورة الإمام الهرري التي تعقد سنوياً. ويشارك فيها طلاب من خارج لبنان. لتدريس الطلاب الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و 15 سنة العلوم الشرعية من منظور حبشي، وشارك في الدورة طلاب من فنلندة وألمانيا والدانمارك والهند.
ثانياً: الأردن
وقد انتشر مذهبهم في الأردن، وإن لم يكن بالدرجة التي في لبنان، بسبب أجواء الانفتاح التي يعيشها الأردن، إضافة على العلاقات المتوترة بين جماعة الإخوان المسلمين و الحكومات الأردنية، الأمر الذي جعل بعض المسؤولين يتوجهون لدعم ورعاية فرقة الأحباش نكاية بالإخوان، خاصة وأن الأحباش يكنون العداء للإخوان ولقادتهم .(14/7)
ويمثلهم في الأردن جمعية تدعى "جمعية الثقافة العربية الإسلامية" نشاطها البارز هو إقامة الاحتفالات في المناسبات مثل المولد النبوي، والإسراء والمعراج، وإصدار بيانات تدعو إلى مثل هذه الاحتفالات والإفتاء بجوازها. ويرأس الجمعية المهندس مازن صالح .
وللجمعية مدرسة تتبع لها هي مدرسة الثقافة الإسلامية. حيث يحرصون في احتفالاتهم على الرعاية الرسمية من جهات متعددة مثل وزير الثقافة ومسؤولي الوزارة، وأمين العاصمة، والمحافظين .
وقد أثارت هذه الفرقة الاستياء داخل مجلس النواب الأردني ـ كما في خارج المجلس ـ حيث أعد عدد من النواب مذكرة في شهر فبراير / شباط من عام 2001 لعقد جلسة خاصة مع رئيس الوزراء ووزير الأوقاف للنقاش حول حركة الأحباش وتمويلها، ومصادر هذا الدعم، وحجم المساحة الممنوح للحركة . وطلب النواب فتح ملق جمعيتهم في الأردن "جمعية الثقافة العربية الإسلامية"، وأشار عدد من النواب إلى المخاوف من وصولهم إلى منابر الخطابة واستخدامها لتكفير عدد من العلماء والشخصيات الإسلامية، كما أبدوا مخاوفهم من تلقي توجيهات من بيروت التي يتركز فيها وجود الأحباش .
ثالثاً: أوكرانيا
وأوكرانيا هي إحدى الدول التي انفكت عن الاحتلال السوفيتي، ويعود وجود الأحباش فيها إلى رجل لبناني اسمه أحمد تميم، قدم أصلاً للتجارة وكان يعمل في شركة أمريكية لبيع أجهزة الكمبيوتر، وتغلغل في صفوف المسلمين هناك وبخاصة التتار، وأوهمهم بأنه سوف يعلمهم الدين الإسلامي واللغة العربية . كما أوهمهم بأنه بحمل شهادة جامعية في العلوم الإسلامية، وحصل أحمد تميم من مفتي أوكرانيا على شهادة وتزكية بأنه ينفع لتدريس العلوم الإسلامية، وتعامل معه المسلمون هناك على هذا الأساس .
وبدأ نجم تميم في الصعود إلى أن نصب نفسه مفتياً لأوكرانيا ، وهو يحمل الجنسية الشيشانية.(14/8)
وفي أوكرانيا جعل الأحباش تكفير علماء المسلمين على رأس أولوياتهم وفتنوا العامة بها، ويصدرون هناك صحيفة اسمها (منارات) كل همها وصف الحركات الإسلامية بالكفر والضلال.
كما عمل الأحباش على إغلاق أماكن الصلاة التي يصلي فيها الطلاب الأجانب مستغلين موقعهم في الإدارة الدينية . وقد سعى تميم إلى تشويه صورة اتحاد المنظمات الاجتماعية الإسلامية في أوكرانيا "الرائد" وحرّض عليهم الأجهزة الأمنية . وتعود هذه القضية إلى خريف عام 1998 حينما قام تميم بكتابة ملف بعث به إلى الجهات الرسمية كالمخابرات والمدّعي العام ومحافظي المناطق ادّعى فيها أن اتحاد الجمعيات يمارس الإرهاب، ويروج للفكر المنحرف، غير أن المخابرات اتخذت قراراً ببطلان الافتراءات التي وجهها تميم إلى الإسلاميين في أوكرانيا . وقد رفع "الرائد" قضية استطاع أن يكسبها ضد تميم، وأصدرت المحكمة قرارات تبطل الاتهامات، وتلزمه بإرسال كتب إلى جميع الجهات التي خاطبها تنفي جميع اتهاماته، إضافة إلى تغريمه ماديّاً .
رابعاً: للأحباش انتشار واسع في أوربا واستراليا وأمريكا خاصة في أوساط الجالية اللبنانية
كتب ورسائل في الرد عليهم وبيان ضلالهم
1 ـ موسوعة أهل السنة في الرد على أهل البدعة من تأليف الشيخ عبد الرحمن دمشقية .
2 ـ رسالة الرد على الحبشي في موضوع إعانة الكافرين على كفرهم لعدنان النقشبندي .
3 ـ الرد على الشيخ الحبشي
4 ـ الأضواء الساطعة على ما في كتاب (الدليل القويم على الصراط المستقيم) من أفكار زائفة وعقائد زائغة. والكتابان الأخيران من تأليف الشيخ عثمان بن عبد القادر الصافي
للاستزادة :
1 ـ الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة ـ الندوة العالمية للشباب الإسلامي ـ الطبعة الثالثة 1418هـ . ص430ـ435.
2 ـ صحف ومجلات : الفرقان ، المجتمع ، السبيل ، الرأي ، الدستور ، اللواء، الوطن العربي ، الهلال ، المرآة ، الشراع ، أمتي .
سطور من الذاكرة(14/9)
البهائيون يسهلون هجرة اليهود إلى فلسطين
تعرضنا في أعداد سابقة من الراصد إلى فرقة البهائية التي هي امتداد لفرقة البابية والتي نشأت في الأوساط الشيعية، وكيف أن تأسيسها تحت رعاية الاستعمار الروسي واليهودية العالمية والاستعمار الانجليزي جاء لإضعاف المسلمين، وإفساد عقيدتهم، حيث لعبت البهائية دوراً لا يستهان به في إفساد عقائد المسلمين وارتمت في أحضان اليهود، حتى باتت رعاية اليهود لأنشطة البهائيين في فلسطين أمراً ملفتاً للنظر، وقد تعرضنا إلى ذلك بالتفصيل في العدد السابع من الراصد ـ باب فرق ـ .
وحسبنا أن نشير في هذه السطور إلى دور مشبوه مارسه البابيون والبهائيون في فلسطين خدمة لليهود، وتجلى ذلك في قيام البهائيين بتسهيل هجرة اليهود إلى فلسطين، فما حقيقة هذه المؤامرة؟
كان تنفيذ تلك المهمة من خلال وجود "ميرزا حبيب الله خان آل رضا" الملقب بـ "عين الملك" ممثلاً دبلوماسياً لإيران في فلسطين!
وقد ولد ميرزا حبيب الله في مدينة شيراز سنة 1294هـ (1877م). وفي عام 1316، دخل السلك الحكومي معاوناً للحكومة في لاهيجان. وتقول الوثائق الموجودة أنه ابن "ميرزا رضا قناد" المعروف بأنه من الطائفة البهائية، والمقرب جداً من عباس أفندي( ).(14/10)
وثارت الشكوك حول دور ميرزا حبيب الله في تأييد الصهاينة في فلسطين، من خلال تسلمه الشؤون الفلسطينية من القنصلية الإيرانية في مصر، وضمها إلى مجموعة مسؤولياته، واستناداً إلى وثائق الخارجية الإيرانية فإن أحد أهداف ميرزا حبيب الله خان ـ الذي اتخذ لقب هويدا فيما بعد ـ كان تولي شؤون البهائيين في فلسطين. وتفيد الوثائق ذاتها أن المسؤولين في وزارة الخارجية الإيرانية كانون يأملون من إناطة شؤون الساحة الفلسطينية بحبيب الله. حل مشاكل الجالية الإيرانية، وتدعيم أسس السياسة الخارجية حيال الأزمة الفلسطينية، إلا أنهم لم يحققوا هذا الهدف ، بل إنهم واجهوا مشاكل جديدة . ورغم أن " هويدا " كان يتحدث للمسؤولين عن خطر الصهيونية وتناميها في المنطقة، إلاّ أنه لم يكن يفعل ذلك على سبيل الحرص على مصالح إيران، بل بدافع من المنافسة السريّة بين البهائيين والصهاينة للاستيلاء على الحكم في فلسطين( ).
ويبدو أن سلوك هويدا غير المقبول، قد أدى إلى عزله عن موضوع قنصلية فلسطين حوالي العام 1924م، إلاّ أن أيدٍ خفية تحركت لتثبته في منصبه مجدداً، وفقاً للمذكرة رقم 373 ـ 352 ـ 952 ت المؤرخة بـ 12/7/1926. والصادرة عن وزارة الخارجية البريطانية وتعلن فيها "أن السيد حبيب الله خان هويدا اعترف به من حكومة بريطانيا كقنصل عام للدولة العلية (إيران) في فلسطين" .
وبفضل "بركات" حبيب الله في تسهيل هجرة يهود إيران إلى فلسطين، شكل يهود بخارى وكردستان وإيران وأفغانستان والعراق نصف عدد المهاجرين اليهود في تلك الفترة، الأمر الذي كان له الأثر الكبير في زيادة عدد اليهود تمهيدا لإقامة كيانهم الغاصب على أرض فلسطين سنة 1948.(14/11)
ولعل مما يؤكد ارتباط البهائية باليهود أنه بعد وفاة قائدهم ميرزا شوقي رباني ـ حفيد عباس أفندي ـ اجتمع المجلس الأعلى للطائفة البهائية في فلسطين المحتلة، وانتخب يهودياً أمريكيا اسمه "ميسون" ليكون رئيساً لجميع أفرادها في العالم، وقبل ذلك كان حسين علي المعروف بالبهاء، والذي ينسب إليه البهائيون يؤلف الكتب التي تدعو للتجمع الصهيوني على أرض فلسطين( ).
وعودة إلى عباس أفندي الذي كان أحد أكبر قادة البهائية، فسيرته تدل على أنه زار سويسرا، وحضر مؤتمرات الصهيونية، ومنها مؤتمر بال سنة 1911، وحاول تكوين طابور خامس وسط العرب لتأييد الصهيونية، كما استقبل الجنرال اللنبي لمّا أتى إلى فلسطين بالترحاب لدرجة أن كرمته بريطانيا ـ التي منحت اليهود وعد بلفور المشؤوم وساهمت في إقامة كيان لهم ـ بمنحه لقب سير، فضلاً عن أوسمة رفيعة .
للاستزادة :
1ـ اليهود في إيران ـ مأمون كيوان
2 ـ الموسوعة الميسرة ـ الندوة العالمية للشباب الإسلامي
3 ـ حركات فارسية مدمرة ـ د. أحمد شلبي
دراسات
التوجه الإيراني الجديد في الخليج :المضامين والاحتمالات
حسام سويلم
لواء أ.ح متقاعد
يكشف الباحث في هذا الجزء من دراسته عن جانب من التحركات الإيرانية في المنطقة حماية لوجودها ولو كان بالتدخل في شؤون الدول الإسلامية المجاورة وفرض الوصاية على الأقليات الشيعية وكأن إيران دولة كل شيعي ! وبذلك يكون ولاء الشيعي لإيران أكثر من بلده !! ..................................الراصد(14/12)
نشبت أزمة جديدة بين إيران ودول الخليج العربية مسرحها مياه الخليج وأدواتها سفن الصيد والحراسة في هذه الدول،حيث اعترضت سفن حراسة المياه الإقليمية في كل ممن دولة الإمارات وقطر وعمان سفن صيد إيرانية تحوم في المياه الإقليمية لهذه الدول،مما أدى في بعض الاحيان إلى إطلاق النار وسقوط عدد من القتلى واعتقال أفراد من أطقم هذه السفن.ورغم حرص رئيس الجمهورية الإيرانية محمد خاتمي ،والمسئولين في دول الخليج العربية على عدم التصعيد،وحصرها في إطار أخطاء فردية من قبل سفن الصيد الإيرانية التي ضلت الطريق مما أدى إلى انتهاكها المياه الإقليمية لهذه الدول ،إلا أن بعض القوى السياسية والإعلامية في إيران حرصت على تصعيد هذه الأحداث وربطها بقضايا سياسية وأمنية معلقة منذ سنوات ،الأمر الذي دفع بالمحللين إلى البحث في خفايا هذه الأحداث ،وعلاقتها بالأهداف والمخططات الإيرانية الاستراتيجية القصيرة والبعيدة المدى في منطقة الخليج ،في إطار السيناريوهات الدائرة حاليا في هذه المنطقة.(14/13)
ومن النادر أن تفقد سفن الصيد الإيرانية المحترفة اتجاهها في هذه المياه ،إلا أن سفن المراقبة والحراسة الإماراتية رصدت انتهاك سفينة صيد إيرانية المياه الإقليمية للإمارات ،فقامت باحتجاز السفينة الإيرانية ،وكان من الطبيعي ان تفرج السلطات الإماراتية عن السفينة بعد التحقيق مع طاقمها،واخذ التعهد عليهم بعدم اقتحام المياه الإقليمية الإماراتية بعد ذلك،وينتهي الموضوع عند ذلك.إلا أن المراقبين فوجئوا بتصعيد وسائل الإعلام الإيرانية لهذا الحادث البسيط،والزعم بأن طاقم الصيد الإيراني تم احتجازه بالقرب من جزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى الإماراتية التي تحتلها إيران وتزعم ملكيتها،ويوجد نزاع قائم بين الدولتين حولها.وبجانب التصعيد الإعلامي،حدث تصعيد آخر من جانب سفن الحرس الثوري الإيراني الحربية التي قامت بمطاردة سبع سفن إماراتية واحتجازها بزعم انتهاكها المياه الإقليمية الإيرانية.ولم يقتصر الأمر على التحرش بالإمارات فقط،فقد تكرر السيناريو نفسه في توقيت متزامن في المياه الإقليمية لقطر.عندما اقتحمها زورق صيد إيراني فتعرض لإطلاق النار من قبل سفن الدورية والحراسة القطرية مما أدى إلى مقتل أحد الإيرانيين، واحتجاج طهران دبلوماسيا على قطر ومطالبتها بالتحقيق في الحادث ومعاقبة المسئولين عنه، التحذير من رد إيراني دفاعا عن رعاياها وحقوقها في مياه الخليج ،وقد اتسع نطاق هذه الاحتكاكات ،حيث وقعت حوادث مماثلة في مياه سلطنة عمان ،الأمر الذي دفع المحللين إلى الربط بين كل هذه الحوادث،ووضعها في إطار سياسة إيرانية جديدة لاستفزاز دول الخليج العربية،وتذكيرها بأن إيران وحدها هي المسيطرة على مضيق هرمز الاستراتيجي ،ومن يعترض فهي مهددة من قبل إيران بتصدير المتاعب إلى داخلها ،كما حدث مع البحرين أخيرا،وكما يحدث مع العراق يوميا ،لا سيما وأن نائب الرئيس كان قد صرح قبل هذه الأحداث مؤكدا على ملكية إيران للجزر الإماراتية(14/14)
المتنازع عليها ورفض التفاوض حولها وذلك ردا على الفقرة التي وردت في بيان القمة العربية الأخيرة بتونس ،والتي أكدت فيه القمة دعمها لحق الإمارات في استعادة جزرها الثلاث:طنب الكبرى ،وطنب الصغرى ،وأبو موسى.
استراتيجية إيرانية جديدة في منطقة الخليج :
عندما قامت الأجهزة الأمنية في دول الخليج التي احتجزت هذه السفن بتفتيشها ،فوجئت أنها لم تكن في حقيقتها سفن للصيد ،وإنما كان الصيد غطاء لتنفيذ مهام أخرى تجسسية لصالح المخابرات والحرس الثوري الإيراني ،حيث اكتشف فيها معدات تجسس سمعية وبصرية وإلكترونية ،وأن الصيادين كانوا عناصر مخابرات وحرس ثوري إيراني ،مما يدل على وجود سياسة إيرانية جديدة لتعامل مع مستجدات الموقف في منطقة الخليج خاصة إزاء الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة.(14/15)
ولم يكن غائبا عن المراقبين مغزى التظاهرات التي وقعت يوم 21 مايو الماضي ،وقام بها مئات الألوف من الشيعة في وقت واحد في المدن الإيرانية وفي لبنان والبحرين وباكستان باسم الدفاع عن الأماكن الشيعية المقدسة في كربلاء والنجف والكوفة بجنوب العراق حيث كانت تدور معارك طاحنة بين القوات الأمريكية وميليشيات جيش المهدي التابع للزعيم الشيعي العراقي مقتدى الصدر ،تلبية لدعوة مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي ، في حين أن هذه المعارك كانت مندلعة قبل هذا اليوم بشهرين في مدن العراق الجنوبية ،وسقط خلالها المئات من الشيعة العراقيين ،وقد ثبت أن من بينهم عناصر من الحرس الثوري الإيراني الذي تسلل بكثافة وسط آلاف الحجاج إلى مدن الجنوب ،مستغلين الفراغ الأمني في منطقة الحدود العراقية ـ الإيرانية ،وكانت القوات الأوكرانية التابعة لقوات التحالف في العراق قد اعتقلت في بداية شهر يونيو الماضي 40 متطوعا انتحاريا تابعين للجيش الثوري الإيراني مسلحين بالرشاشات والقنابل عند نقطة حدود عراقية مكشوفة . وكان ذلك بعد يوم واحد من الهجوم الذي شنه خامنئي على السلطة العراقية الجديدة ،واصفا أعضاءها بأنهم "دمى في أيدي الأمريكيين" وما كشفت عنه أجهزة مخابرات عربية في الخليج عن إقامة مراكز تجنيد لكتائب انتحارية من الشباب الإيراني تستعد للانتقال إلى العراق لمحاربة قوات الاحتلال باسم الدفاع عن العتبات الشيعية المقدسة ،وفي دول عربية أخرى وسط حملة استعراض عضلات مكشوفة هدد فيها أحد كبار المسئولين الإيرانيين بتفجير أهداف في الولايات المتحدة والعالم يبلغ عددها 29 موقعا حساسا جدا. كما شمل التصعيد الإيراني حشد أكثر من 25 ألف جندي إيراني بأسلحتهم الثقيلة بطول الحدود مع العراق في منطقة بطول 350 كم تمتد من ديزفول إلى الشلامجة في مواجهة المنطقة العراقية الممتدة من البصرة إلى العمارة.(14/16)
في الوقت الذي كان المسئولون الأمنيون في دول الخليج ،وكذلك في أجهزة المخابرات الغربية ،يبحثون مدى جدية هذه التهديدات ،تم رصد حدث وقع في طهران لم يخف مغزاه عن المراقبين للحملة الإيرانية لتجنيد الانتحاريين . ففي إطار الاحتفال بذكرى وفاة الإمام الخميني، شهدت طهران أكبر تجمع من نوعه لجماعات وحركات ومنظمات إسلامية متطرفة جاءت من عدة دول عربية وإسلامية بدعوة من مكتب مرشد الثورة ،وتحديدا من "مركز أركان شهداء النهضة الإسلامية العالمية" ،وهي تسمية لما كان يعرف في السنوات الأولى للثورة الإيرانية بـ "دائرة الحركات التحررية والثورية" والذي كان مسئول عن تنفيذ استراتيجية "تصدير الثورة الإسلامية" .وقد استمر انعقاد هذا المؤتمر ثلاثة أيام (من 2-5يونيو) ،وكانت أبرز وأخطر ملامحه ما جرى من عمليات تجنيد وتسجيل أسماء الانتحاريين التي بلغت أكثر من عشرة آلاف في إيران وحدها ،كما تعمد المسئولون عن هذا المؤتمر تسريب معلومات الكتائب الانتحارية ومشاركة حركات ومنظمات إسلامية و عربية تعهدت بفتح مكاتب تطوع سرية في بلدانها ،وكان هذا المؤتمر في السنوات الماضي يعقد في سرية تامة.(14/17)
ولم تكن هذه التحركات مفصلة عن جهود سياسية بذلتها طهران لتحريك الشيعة في دول الخليج العربية ،وذلك عبر سفاراتها في هذه الدول ،والتي نشطت فجأة في الأشهر القليلة الماضية ،واستقبلت ممثلين شخصيين لمرشد الثورة على خامنئي ،ومن جهاز المخابرات الإيراني وقيادة الحرس الثوري الإيراني (بازدران) ،اجتمعوا بزعماء الشيعة في هذه البلدان.سواء النافذين منهم في دوائر صنع القرار السياسي ووسائل الإعلام ،أو من زعماء القبائل والعشائر.لتبليغهم رسالة المرشد الداعية لتحريك جماهير الشيعة في هذه الدول لإثبات وجودها وثقلها الجماهيري على الساحات الداخلية والتعبير عن رفضها سياسة المهادنة التي تتبعها هذه الدول تجاه الولايات المتحدة ووجودها العسكري والمتمثلة في التسهيلات الممنوحة لها على أراضي ومياه وأجواء هذه الدول ،وإعلان تضامنها مع إيران في مواجهتها للاحتلال العسكري الأمريكي للعراق ،والاستعداد لمحاربته على أرض العراق بالاشتراك مع المقاومة العراقية.(14/18)
وإذا كانت مظاهرات حزب الله في لبنان التي ضمت أكثر من 300 ألف شيعي،قد جاءت استجابة فورية لهذا التحرك السياسي الإيراني ،لما لطهران من نفوذ معروف على هذا الحزب ،وما تحمله هذه المظاهرة من رسالة واضحة بقدرات حزب الله وتاريخ جهاده في لبنان ،وأنه لا يزال ورقة إيرانية رابحة وجاهزة للإستخدام تنفيذا للاستراتيجية الإيرانية الجديدة ، إلا أن التحركات السياسية الإيرانية لاستخدام الشيعة في البحرين والكويت أحدثت قلقا بالغا لدى الدوائر السياسية والأمنية في هذين البلدين ،لما تشكله من اختراق إيراني خطير في منطقة الخليج لم تشهده هذه المنطقة منذ مرحلة تصدير الثورة الإيرانية في الثمانينيات تعدى التدخل في شئون العراق إلى محاولة التدخل في شئون دول الخليج العربية الأخرى حيث جرى تفعيل السفارات الإيرانية في جميع دول الخليج ولبنان والأردن بتعيينات جديدة من الدبلوماسيين الإيرانيين ،هم في حقيقتهم من ضباط المخابرات التابعين لمكتب المرشد ،وضباط من الحرس الثوري ،وقد تركز نشاطهم في الملحقات الثقافية والإعلامية التابعة لهذه السفارات التي تميزت بنشاط مكثف لا يتوافق مع الظروف الأمنية والسياسية التي تشهدها المنطقة.وقد نلاحظ ارتباط هذا النشاط في السفارات الإيرانية بدول الخليج بتعيين علي لاريجانى ممثلا شخصيا للمرشد خامنئى في مجلس الأمن القومي وعضو المجلس الأعلى للثورة الثقافية ،وكان في السابق رئيسا للإذاعة والتليفزيون. وقد اعتبر هذا التعيين لواحد من المقربين للمرشد بمثابة تفعيل لاستراتيجية تصدير الثورة ،والاتصال بالحركات والتنظيمات الأخرى.(14/19)
وعلى صعيد آخرـ وفي إطار الاستراتيجية الإيرانية الجديدة نفسها في منطقة الخليج ـ رصدت الأجهزة الأمنية في هذه الدول تزايد الوفود الإيرانية الدينية والاقتصادية لعدد من الدول الخليجية ذات الأقلية الشيعية ،كما ارتفعت بشكل خاص نسبة رجال الأعمال والسائحين الإيرانيين الذين يقصدون هذه الدول ويسعون للاستقرار فيها ،وبعضهم طلب جنسيتها ،واقترن ذلك بمظاهرات شيعية اندلعت في البحرين أثارت الشبهات ،لا سيما في مرحلة أبدت فيها السلطات البحرينية استعداد كبيرا للحوار ،وانفتاحا على مطالب الإصلاح. وعلى النقيض عن ذلك لجأ المتظاهرون إلى إثارة أعمال الشغب والتخريب ،وفي الكويت سارت أيضا مظاهرات تندد بالاحتلال الأمريكي للعراق والتسهيلات التي أعطتها الكويت للقوات الأمريكية ،وتطالب بدعم ومساندة المقاومة العراقية في الفلوجة وغيرها من مدن العراق ،وهي ظاهرة ليس لها سابقة في الكويت ،الأمر الذي أثار الشبهات حول الجهة التي وراءها ،خاصة وأنها تزامنت مع احتجاجات كويتية رسمية وإعلامية على النشاط الزائد للسفارة الإيرانية في الكويت واجتماع ممثلى خامنئي الذين زارو الكويت أخيرا بزعماء الشيعة في الكويت ،الأمر الذي دفع الشيخ صباح الأحمد الجابر رئيس الوزراء إلى التحذير علنا في مجلس الأمة الكويتي من محاولات البعض إثارة الفتن بين الشيعة والسنة في الكويت ،وأنها قد تتسبب في إشعال نيران فتنة لن ينجو منها أحد.(14/20)
وقد كان واضحا للجميع أن هذا التحرك الاستراتيجي الذي لا يمكن فصل مغزاه عن سيطرة المحافظين المتشددين على مجلس الشورى الإيراني بعد الانتخابات الأخيرة التي قلصت نفوذ الإصلاحيين ،كما يرتبط ارتباطا وثيقا بما يجري على الساحة العراقية ،وتحديدا حسابات إيران لمستقبل العراق في ظل استمرار النفوذ الأمريكي هناك سياسيا وعسكريا وأمنيا خاصة في مرحلة ما بعد الانتخابات المتوقعة في نهاية عام 2005 ،ومدى تأثير ذلك على نفوذ إيران في منطقة الخليج ،الذي بالقطع يتقلص مع تزايد النفوذ الأمريكي في المقابل.لذلك جاء التحرك الإيراني الأخير في المنطقة بمثابة ضربة استباقية لما تنوي الولايات المتحدة تنفيذه ضد إيران مستقبلا ،بعد أن تستقر الأوضاع لصالحها بصورة أو بأخرى في العراق .ولم يكن في أيدي إيران من أدوات لتوجيه هذه الضربة الاستباقية إلا استغلال البعد الطائفي تحريك الشيعة في دول الخليج ،ومنها دول لم تشهد من قبل مثل هذه التحركات الطائفية مثل الكويت ،حيث تسعى الاستراتيجية الإيرانية الجديدة لاستقطابهم لحساب فرض نفوذ إيران وهيمنتها وتعزيز أوراقها في مواجهة الحصار الذي تفرضه الولايات المتحدة عليها من الشرق بوجودها العسكري في العراق ،ومن الشمال بقواعدها العسكرية في دول آسيا الوسطى الإسلامية وتركيا ،ومن الجنوب بما لها من وجود عسكري في مياه الخليج ودوله العربية.
المصدر مختارات إيرانية عدد 48 يوليو 2004
كتاب الشهر
التيارات السياسية في إيران 1981-1997
كتاب من القطع المتوسط من إصدار مركز الدراسات والبحوث الاستراتيجية ضمن سلسة دراسات عالمية تأليف سعيد برزين وترجمة علاء الرضائي ، الكتاب في طبعته الأولى يتكون من مائة وتسعة وثلاثين صفحة وثلاثة فصول وفيه ملحق من الجداول.. والكتاب ترجمة معتمدة للبحث المعنون " جناح بندي سياسي در إيران " والصادر باللغة الفارسية .(14/21)
المقدمة : يتناول الكاتب في مقدمته قضية التيارات السياسي كإحدى أهم القضايا المطروحة على الساحة الإيرانية منذ بداية الثمانينات والوقوف على خصائص ظاهرة التيارات السياسية ونتائج وتبعات هذه الظاهرة الاجتماعية 0 والبحث في ظاهرة التيارات السياسية من عدة جوانب منها معنى التيار كفكرة ، تعريف التيارات كمرحلة تاريخية ، وتأثير التيارات في مجال السياسة ، والتيارات والتنمية الاقتصادية والسياسية ، وأخيرا التيارات السياسية في الجمهورية الإيرانية 0
الفصل الأول : خصائص التيارات
التيارات والفكر المستقل :
يرى الكاتب أن الإبداع السياسي والفكري بدا من خلال مجاهدوا الثورة الإسلامية في إيران حيث طرحت هذه المنظمة أفكارها بشكل علمي ومنطقي ،مقابل الرأي السائد الذي لا يعترف بوجود تيارات سياسية ومن هنا ظهر ما نسميه بفكرة التيارات في إيران عام 1995.
وفي مقابل المنظمة المذكورة ظهر تياران فكريان مختلفان لا يؤيد الأول منهما ـ وأصحابه أكثرهم من داخل النظام ـ فكرة وجود تيارات سياسية في نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية حيث أن هيكل النظام قوي ولا يحتاج إلى تيارات تنخر فيه وتؤدي إلى ضعفه ، واعتبر بذلك فكرة وجود تيارات من المؤامرات الأجنبية ضد النظام 0
أما التيار الآخر فكان يوافق التيار الأول في الرأي ويختلف معه سياسيا من حيث معارضته لنظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية وأن فكرة التيارات السياسية هي مؤامرة تمت حياكتها وإشاعتها من أصحاب فكرة الحكومة الإسلامية فالبحث فيها لا أهمية له فهي مبنية على تصورات باطلة ، ويعتبر التياران من دعاة الاستقلال وعدم الانتساب إلى تيار معين رغم الاختلاف من حيث الدوافع 0
وقد ظهر فصيل يقول بفكرة التيارات السياسية ويؤكد أن التيارات ليست مؤامرة أجنبية وليست وصفة حكومية للتضليل وإنما هي تيارات موجودة وحقيقة سياسية قائمة 0
تعريف التيارات :(14/22)
لاتوجد دلالة متفق عليها في استخدام مفهوم التيار لدى الباحثين في العلوم السياسية والذي يهمنا في هذا السياق هو الإشارة إلى التيار على أنه التنافس داخل إطار نظام الحكم في البلاد ، وهناك مصطلحات خاصة بالتيارات يفهم منها في بعض المحافل الرسمية وغير الرسمية الفهم السلبي من مصطلحات الفرقة والفساد والنفعية 000 إلا أنها وفي المقابل لها استخدامات جديدة إيجابية في معناها يفهم من خلالها وجود الحرية والتعايش والتعددية والسلم
والمفهومان المطروحان صحيحان في وقت واحد فيمكن لقضية التيارات أن تؤدي أحيانا إلى خلخلة نظام وإسقاطه ويمكن أن تهيئ الأرضية لثباته ورقيه حيث ظهر ذلك بعد ثورة عام 1979 في إيران بشكل جلي وواضح 0
طبيعة التيارات وخصائصها :
[1] : الخصوصية الداخلية :
يستخدم مصطلح التيار للتعبير عن تعدد الأراء أو المواقف تجاه قضية أو هيئة واحدة أما إذا كان أحدهما من داخل جهاز الحكم [ الرسمي ] والآخر من خارجه [ المعارضة ] فيتعذر علينا أن نطلق على أي منهما مصطلح تيار 0
[2] : العامل الخارجي :
إن ظهور تيارات وفصائل يحدث عندما يكون النظام في حالة قوة أو ضعف فتنشأ التيارات لأيجاد أفضل الحلول أو التصورات لمزيد من المكاسب .
[3] : عدم الشفافية :
التيار لايستند لإلى شرعية قانونية ولا إلى عرف مجتمعي مما يضعف شفافيته ، ولذلك حين يصل لدرجة من النضج والتكامل بحيث يصبح له شرعية قانونية أو عرفية فإنه يتحول من تيار إلى مجموعة سياسية أو مجموعة ضغط ...ولذلك لايمكن تحديد التيار بسهولة أو تعريفه بيسر ، على عكس الحزب السياسي الذي يمكن تعريفه وتقديره بسهولة والتعامل مع فعاليته بشكل واضح 0
[4] : ثلاثة حلقات تكاملية :
يعد التيار الحلقة الثانية من الحلقات الثلاثة حيث أن الحلقة الأولى هي المحافل الرسمية والتي ينضوي عليها تشكيل التيار ، ويعتبر الحزب الحلقة الثالثة التي تنبثق عن التيار في مرحلته المتطورة 0(14/23)
[5] : الخصائص التنظيمية :
للتيار السياسي خاصية التنظيم المركزي ، الذي يرتبط عادة بإحدى مؤسسات الدولة ، ممايعكس الهوية المهنية على أعضاء التيار ولذلك يكون غالبا محصور في مدينة أو محافظة.
وبشكل عام فإن التيارات تشترك في خصائص معينة مع تميز كل واحد منها في الظروف الخاصة التي نشأ عنها حيث شكلت له خصوصيته الذاتية من حيث التنظيم والنفوذ والقدرة على التنافس والبرامج0
تأثير التيارات في المجال السياسي :
ويوضح الكاتب بأن التيارات سلاح ذو حدين في المجال السياسي وذلك على المدى البعيد فيمكن لها أن تضعف النظام حتى تصل بتبعاتها السلبية لدرجة التخريب وعلى النقيض من ذلك يمكن للتيارات أن يكون لها تأثير إيجابي في الأوضاع العامة في الدولة وبالتالي تشكل حلقة منظمة سياسية ناضجة في طريق التكوين السياسي الصحيح للحكومات 0
الائتلافات المتغيرة :
إن خروج العمل السياسي من حالة الاحتكار من دواعي وجود التيارات في المجال السياسي ويشير الكاتب إلى نماذج من الحرية التي تتمتع فيها التيارات في ائتلافها مع بعضها البعض لتشكل جبهة قوية في وجه التيار الذي يريد احتكار السلطة ، وهناك من الأمثلة ما يؤيد ذلك 0
الفصل الثاني :
التيارات ودور القادة السياسيين الكبار :
وهناك العديد من الشخصيات القوية والجذابة التى تترأس وتقود التيارات فيقومون بسد الثغرات ونواقص التنظيمات السياسية من خلال قدرتها التأثيرية الشخصية ، و يكون موقع القائد الأعلى حساساً إزاء التيارات المختلفة وهو بمنزلة الحكم بين التيارات لإيجاد نوع من الموازنة بينها وبالتالي فإنه يتوجب على القائد الأعلى أن يستعلي من خلال فهمه وإدراكه السياسي عن الخوض في صراع التيارات بصفته المرجع النهائي وموجه دفة التيارات 0
إن وجود التيارات بشكل واسع في المجتمع يحفظ سلامة الدولة وحقوق الأفراد فوجود التيارات شرط مسبق للتقليد الديمقراطي .(14/24)
ولإستمرار الحياة السياسية لابد من التعايش بين التيارات ومن العوامل التى تساعد على ذلك أن تتوفر ضروف تجعل من التيارات السياسية قوة متساوية في النظام مع عدم وجود اتفاق بينها على التعايش السلمي وعامل آخر هو الخطر الخارجي الذي يوحد الصفوف وكذلك يمكن للضرورات الاقتصادية في تقريب وجهات النظر بين الأطراف السياسية داخل الحكم 0
ويؤكد الخبراء أن النزاع الإستئصالي يتوقف عند إدراك التيارات عدم إمكانية إنتصار طرف على آخر مما يجعله يتعايشون معا ً !!
الدور السياسي للتيارات :
ويوضح الكاتب أن للتيارات والفصائل إمكانية القيام بأدوار أساسية في تحديد سياسة البلاد في مجالات متعددة منها :
الهوية ، الحوار ، الوفاق ، القاعدة ، المالية ، التشكيلات ، التنسيق ، التعليل ، الرابط، الاعتدال ، الاستبدال.
التيارات والتطور الاقتصادي :
ويوضح الكاتب أن مسؤولية الوصول إلى الأهداف الاقتصادية تقع على عاتق النظام الحاكم من خلال بث روح الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي وتعبئة إمكانيات البلاد لتحقيق ذلك من خلال مراحل ثلاثة للبرنامج الاقتصادي تتلخص في تحديد الأهداف ووضع البرامج والتنفيذ وبالتالي اعتبار إيجاد الاستقرار السياسي عنصرا أساسيا من عناصر ومقدمات المراحل الأولى ، ويشير إلى المناهج الثلاثة المتبعة وهي نهج الأنظمة اليسارية المتطرفة ونهج الأنظمة اليمينية والأنظمة المفتوحة التي تسعى لتحقيق أهداف التنمية السياسية والاقتصادية معا وضمن الإطار المرحلي ، ويجب حتى تستمر التيارات في الوجود الوصول إلى توافق بين التيارات والحرص على عدم إقصاء بعضها بعض 0
نموذج للتيارات في أجواء منفتحة أو منغلقة نسبيا :(14/25)
ويلفت الكاتب انتباهنا إلى أمثلة لظاهرة التيارات في خمس دول أوروبية هي : [ اليونان ، وإسبانيا ، والبرتغال ] بصفتها سابقا دول يمينية وشبه فاشية هذا من جهة ، ومن جهة أخرى الدول : [ هنغاريا ، وبلغاريا ] بصفتهما يسارية وشيوعية حيث مرت بها ظاهرة التيارات في مجتمع انتقلت ظروفه من حالة الانغلاق إلى حالة الانفتاح السياسي ومن الخصائص المشتركة بينها :
[1] : التجربة السياسية : حيث ترتبط سرعة تكون التيارات ارتباطا وثيقا بالتجربة السياسية التي يحملها الناس بشكل مسبق 0
[2] : دعم أصحاب المناصب : حيث أن سرعة مسار التنمية وتكون التيارات يكون مرتبطا إلى حد كبير بدعم أصحاب المناصب الرسمية وتأييدهم 0
[3] : الهوية الوطنية : في الظروف التي يخلوا فيها المجتمع من أزمة الهوية الاجتماعية يكون تكون التيارات أسرع وأكمل 0
[4] : حجم التحضر : وتتناسب سرعة التيارات طرديا مع الدول التي يكون فيها التحضر عميقا وغنيا 0
[5] : الخصوصية : إن المسار التنموي لكل واحدة من تلك العينات له هياكله ومحطاته وبنيته الخاصة 0
يعد ظهور تيارات في الحزب الشيوعي في كوريا الشمالية كنموذج لظهور التيارات في منظومة تسير نحو الانغلاق حيث بنيت التيارات فيها على أساس الاختلافات الإقليمية والجغرافية وتطورت
إلى صراع بين تيارات الحزب الواحد إلى صراع استئصالي كان ينتهي دائما بتدمير التيارات وإنهائها 0
الفصل الثالث :
التيارات في الجمهورية الإسلامية الإيرانية [ 1981ـ 1997] :(14/26)
تناول الكاتب التيارات منذ ظهورها في أواسط التسعينيات عبر دراسة كيفية تكونها من خلال ثماني مراحل حتى عام 1997 بانتخاب محمد خاتمي خامس رئيس لجمهورية إيران 0 منذ أواسط التسعينيات ظهرت عدة تيارات في نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية ، ويمكن دراسة كيفية تكونها ضمن ثماني مراحل حتى انتخاب محمد خاتمي بوصفه خامس رئيس للجمهورية في إيران عام 1997. وتجدر الإشارة إلى أن أسس هذه النظرية ظلت قائمة حتى انتخابات رئاسة الجمهورية التي جاءت بالرئيس محمد خاتمي ولا تتناول التطورات التي حصلت بعدها.
التجمع الأول، أو ظهور التيار الليبرالي(14/27)
لعل أول التيارات التي ظهرت داخل نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية هو التيار المعروف بالليبرالي بقيادة حكومة المهندس مهدي بازرجان، وقد شكل هذا التيار أول حكومة (الحكومة المؤقتة) بعد الثورة والتي استمرت تسعة أشهر تقريباً{11شباط/فبراير1979- 5 تشرين الثاني/ نوفمبر1979}. ثم اضطر التيار الليبرالي إلى استقالة حكومته والتراجع بعد جملة صراعات وصدامات سياسية مع القوى المتطرفة والثورية، وبعد يوم واحد من احتلال السفارة الأمريكية في طهران بتاريخ 4 تشرين الثاني / نوفمبر 1979.وركز نشاطه بعد ذلك داخل البرلمان وخارجه فكانت له مشاركة علنية حتى بدايات الثمانينيات، وبعد النشاط المسلح الذي قامت به منظمة مجاهدي خلق (جماعة رجوي) والذي أدى إلى نوع من الحروب الأهلية، اتجه التيار الليبرالي إلى النشاط شبه الرسمي وكذلك غير الرسمي بسبب الظروف التي جاءت تبعاً لذلك. وفي بداية التسعينيات ومع انفتاح نسبي في الأجواء السياسية، ظهر التيار الليبرالي ثانية. ففي الانتخابات البرلمانية الخامسة والتي يرى بعض المحللين أنها كانت حرة نسبياً وهادئة،استطاع التيار الليبرالي بقيادة حركة تحرير إيران إثبات وجوده وكذلك بعض الناشطين الآخرين، إلا أنهم أحجموا عن المشاركة في الانتخابات المذكورة بحجة عدم توافر ظروف وأجواء مناسبة للمشاركة.وبعد ذلك استمرت الحركة في نشاطها غير الرسمي.
التجمع الثاني، أو ظهور حزب الله(14/28)
يعتبر حزب الله من أقدم الاتجاهات السياسية في نظام الحكم، فقد ظهر مباشرة وبالتحديد بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران ضد النظام الملكي. وكان أهم ما يميزه عن سائر الاتجاهات الدينية الثورية في قيادة الثورة آنذاك، هو اعتقاده بضرورة وجود "مؤسسات ثورية خارج جهاز الدولة" وذلك من أجل ضمان سلامة النظام الجديد إزاء النظام البهلوي المنهار (مثل الجهاز العسكري الفاعل والبيروقراطية). وكان الاتجاه المعروف بالليبرالي الذي تقوده حكومة المهندس بازرجان يعارض هذا الرأي ويطالب فقط بإصلاح الأجهزة الحكومية الموجودة.
التجمع الثالث، أو تثبيت حزب الله
التجمع الذي أدى إلى تثبيت الاتجاه المتطرف وتحديد أطره عقب الصدام الذي حدث ضد ائتلاف رئيس الجمهورية آنذاك أبو الحسن بني صدر ومنظمة مجاهدي خلق. وقد ظهر عنوان "حزب الله" للوهلة الأولى فيما يتعلق بالمجموعات الدينية الشيعية التي كانت تصطدم وتشتبك مع المجموعات المعارضة. أما التيارات الرسمية لحزب الله فكانت الأجنحة المتطرفة في حزب الجمهورية الإسلامية ومنظمة مجاهدي الثورة الإسلامية. وقد دخل تيار حزب الله حرباً طاحنة ضد تيار بني صدر ـ رجوي، إثر التحرك المسلح لمنظمة مجاهدي خلق والاعتقالات والعقوبات التي نالتهم، فكانت النهاية اندحار تيار بني صدر ـ رجوي. وبعد انفجار البناية المركزية لحزب الجمهورية الإسلامية اتخذ عنوان حزب الله طابعاً رسمياً، وازداد حضوره قوة في الحكومة التي كانت تطلق على نفسها حكومة حزب الله .
4.التجمع الرابع، أو ظهور التيارين المعتدل واليمين(14/29)
حدث خلاف عام 1984 على مستوى القيادة العليا حول القضايا الاقتصادية ومن ثم حول القضايا الدولية. وفي هذا الاختلاف احتفظ تيار حزب الله (بقيادة حكومة مير حسين موسوي) بتفوقه السياسي واستطاع أن يعزل معارضيه. لكن في هذا الاختلاف نشأ تياران جديدان، فالمجموعة التي اختلفت مع حزب الله حول القضايا الاقتصادية شكلت تياراً عرف فيما بعد باليمين الذي عارض تدخل الدولة في الشؤون الاقتصادية جميعها بشكل واسع.
والمجموعة التي اختلفت مع حزب الله حول قضايا السياسة الدولية، شكلت تياراً عرف فيما بعد بالتيار الذي يعطي الأولوية للمصالح أو ما يعبر عنه بالمعتدل أو "البراجماتي". وقد اعترض التيار المعتدل على بعض السياسات المتطرفة على المستوى الدولي آنذاك واعتبرها تتعارض مع المصلحة الاستراتيجية في الحرب مع العراق.وقد أبعد التياران اليمين والمعتدل عن مركز السلطة التنفيذية، لكنهما انضما معاً للصراع السياسي.
5.التجمع الخامس، أو تثبيت الاتجاه المعتدل(14/30)
انتهت الحرب مع العراق عام 1988 وتركت الاستراتيجية العسكرية ـ السياسية الإيرانية التي كان شعارها كربلاء هي الطريق المؤدية إلى القدس. وفي مثل تلك الظروف فقد التيار المعروف بحزب الله ـ الذي كان يعدّ المحرك الأساس للاستراتيجية المذكورة ـ السلطة. بالمقابل استلم الاتجاه المعتدل السلطة فجعل استراتيجيته على أساس محورين، هما: إعادة بناء الاقتصاد، وإعطاء الأولوية للمصالح القومية في السياسة الخارجية. وكان هاشمي رفسنجاني أبرز شخصية في هذا الاتجاه، ولذي وصل إلى رئاسة الجمهورية علم 1989 ، حيث كان مجلس الشورى (البرلمان) في ذلك الحين في دورته الثالثة وكانت الأغلبية فيه للمتطرفين من حزب الله ، لكن هذا الاتجاه تنحى بعد الهزيمة التي مني بها في انتخابات الدورة الرابعة للبرلمان في نيسان/ إبريل 1992، فأصبح الطريق مفتوحاً للاتجاهات الأكثر هدوءاً وتشكلت الحكومة من ائتلاف تياري اليمين والمعتدل اللذين اتحدا ضد تيار حزب الله وتركا خلافاتهم إلى وقت آخر.
6. التجمع السادس، أو تثبيت تيار اليمين
قويت شوكة التيار المعروف باليمين أساساً خلال الدورة الرابعة للبرلمان، فقد ظهر هذا التيار في انتخابات الدورة الرابعة بشعار "دعم القائد ورئيس الجمهورية" مقابل التيار المتطرف، ودخل بقوى إلى ساحة الصراع .
لكنه وبعد سنتين من ائتلافه مع التيار المعتدل، اتخذ طريقه الخاص به. وكان اليمين قلقاً ـ بالتحديد ـ من تبعات البرنامج الاقتصادي الذي قام بتنفيذه مع المعتدلين. واستطاع تيار اليمين أن يسيطر على الأغلبية تدريجياً في البرلمان خلال دورته الرابعة. وفي انتخابات الدورة الخامسة للبرلمان عام 1996 استطاع مرة أخرى الفوز بأغلبية مقاعد البرلمان.
7. التجمع السابع، أو ظهور تيار اليسار(14/31)
ظهر التيار الذي يعرف باليسار بشكل واضح المعالم عام 1994. ويمكن اعتبار أن ظهور تيار اليسار أساساً كان نتيجة لإعادة النظر في اتجاه حزب الله. وإعادة النظر هذه انتهت إلى تغييرات أساسية، فكان اليسار بوصفه تياراً مستقلاً هو الحصيلة في ذلك. وقد تكتل تيار اليسار في البداية مقابل التيارين المعتدل واليمين. لكنه بالتدريج أصبح قريباً من المعتدلين، حيث ائتلف معهم في انتخابات الدورة الخامسة للبرلمان عام 1996 وفي الدورة السابعة لرئاسة الجمهورية عام 1997 ضد تيار اليمين (وكذلك ضد تيار حزب الله الذي كان مؤتلفاً بدوره في هذه الانتخابات مع اليمين).
8. التجمع الثامن، أو عودة التيار الليبرالي إلى المسرح
بدأ التنافس بين مرشحي الدورة الخامسة للبرلمان منذ نهاية صيف 1995، وفي ذلك الوقت شرع الليبراليون بالدخول إلى مسرح الأحداث السياسية بهدوء. وإثر الضغوط الشديدة التي مارسها تيارا حزب الله واليمين عرى التيار الليبرالي ، اضطر الأخير الإحجام عن المشاركة الفعلة في الانتخابات وأجبر على التراجع. لكن أفكار التيار الليبرالي كانت مؤثرة في القوى التنظيمية التابعة للنظام مما زاد من قدرة التيار على التأثير. وفي هذه الفترة هوجمت الأطراف جميعها التي كانت تطالب بالمحافظة على الحريات السياسية وتوسيع نطاقها على اعتبار أنها تيارات ليبرالية. وفي انتخابات الرئاسة السابعة عام 1997 أعلن التيار الليبرالي عن مشاركة فعالة فيها .
وتعتبر التيارات التالية هي التيارات النشطة :
تيار حزب الله : ويذكر الكاتب أن من أهم العناصر المميزة التي تؤثر في المضمون الفكري لهذا التيار بصفته من أقدم التيارات في نظام الجمهورية الإسلامية :
[1] :التفسير الطبقي للتاريخ الإسلامي خاصة التاريخ الشيعي في دعم الفقراء 0
[2] : أجواء المثقفين الدوليين بعد الحرب العالمية الثانية وتأييدهم لنضال القوى الشيوعية ضد الإمبريالية والطبقية 0(14/32)
كما أن حزب الله يطالب باتخاذ موقف ما إزاء الأفكار التقليدية على كافة المستويات الخاصة والمجتمعية العامة حيث يمثل الطبقة دون المتوسطة في المدن القاعدة الرئيسية للتيار وهي لسان حاله ويعارض هذا التيار إقامة حوار سياسي بين مختلف الفئات الاجتماعية خاصة المثقفين وامتاز في بداية العهد الجمهوري بميزة المناهضة للبرالية وكذلك للسياسة الخارجية هي حركة مناهضة للاستعمار ولها العديد من الصحف الناطقة باسمها بشكل غير رسمي وتتمركز نشاطات هذا التيار في مدينتي طهران ومشهد 0
وفي أواسط التسعينات انتظمت القوى الأساسية في حزب الله ضمن تنظيمات منها : " جمعية الدفاع عن الثورة " كما أن صحف : صبح وكيهان والجمهورية الإسلامية تعد المروج غير الرسمى لهذا التيار .
ومن أبرز رموزه آية الله أحمد جنتي وحجة الإسلام محمد مهدي ريشهري .(14/33)
التيار المعتدل [ الوسط ] : ظهر هذا التيار مع بداية غياب تدريجي للتيار الثوري المتطرف في بداية الثمانينيات ورحيل مؤسس الجمهورية الإمام الخميني ووصول هاشمي رفسنجاني حيث يدعو هذا التيار إلى حكومة شعبية لها صفة القاعدية في المجتمع وتدار بواسطة الخبراء والتقنيين وعلماء الدين معا ويؤمن بإمكانية تغير شكل الحكم وتحوله وإمكانية البحث في ذلك وهذا التيار يعتقد بأهمية أن تكون المؤسسة الدينية تحت سلطة الدولة ويعد هذا الاتجاه أكثر اعتدالا من غيره في سياسته وله علاقته من خلال وجوده في التشكيلات الحكومية بالقوى البيروقراطية ، ولأنه قل ما يؤكد الأساليب السياسية فإنه يعبر ذلك عن عدم نضجه بشكل كامل ولهذا السبب الذي أدى إلى إخفاق كوادره في انتخابات الدورة الخامسة للبرلمان ، ويرى هذا التيار أنه قادر على حمل فكرة التنمية والتطور الاقتصادي على عاتقه حيث وضع مفكروه الخطة الاقتصادية والتي بنوها على ثلاثة محاور وقاموا بتنفيذ سياسة [ التعديل الاقتصادي ] ومن ثم سياسة [ الاستقرار الاقتصادي ] واللتين لاقتا القبول من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ، وفي مجال السياسة الخارجة فيعتقد هذا التيار بأن العلاقات الدولية تبنى على أساس القوة كمعيار لمعرفة العلاقة بالدول الأخر وتنظيمها ومن ناحية القاعدة الاجتماعية فإن أنصار هذا التيار موجودون بين الطبقات المرتبطة بالإدارة الحكومية وضعفه يكمن في عدم إقامته علاقات تنظيمية بالمستوى المطلوب داخليا وعدم استقطاب تجمعات موالية له من خارج الحكومة ، وتعتبر جماعة كوادر البناء أبرز مجموعة منسجمة في هذا التيار وتعد صحيفتي همشري وايران معبرتان عنه .(14/34)
تيار اليمين : وتمتد جذور هذا التيار في الفكر التقليدي الشيعي الذي فصل بين المجالين السياسي والديني حتى ثورة عام 1979 ، ويعتقد هذا التيار بأن شرعية هذا النظام الجديد تبنى على أساس حكم الفقهاء وليس من سياسته الانفتاح وإقامة حوار سياسي بين القوى ويؤمن بسياسة خلف الكواليس ، ومن الناحية الثقافية فهو ذو اتجاه تقليدي معارض لمعالم التجديد الثقافي حرصا على المحافظة على أرضيته بشكل قوي في القاعدة الاجتماعية ، وله ارتباط وثيق من الناحية الاقتصادية ارتباط وثيق بسوق التجار التقليديين [ البازار ] وهذا دلالة على تأكيده لأهمية القطاع الخاص ، أما عن سياسته الخارجية فهو تيار معادي للأجنبي ، وتنظيميا فله إمتداداته في أجزاء من الحوزات العلمية وبعض النقابات والإتحادات الإسلامية ، ويشكل الأقلية في البرلمان وله صحيفة رسمية واحدة هي الرسالة ومن أبرز رموزه ناطق نوري 0
تيار اليسار : ويعد هذا التيار آخر تحول مهم في مسيرة التيارات وهو الأحدث في بداية التسعينيات علي الساحة الإيرانية ومن أهم ما يميزه حرصه على تطبيق الدستور ونظامه وحفظ حقوق الشعب وتنمية حرياته السياسية وعلى صعيد السياسة الداخلية يعمل هذا التيار على مواجهة ثلاث جبهات ممثلة في تيار اليمين وتيار حزب الله والتيار المعتدل ، وكما ويدعم القضايا الاقتصادية وتنشيطها من خلال أجهزة الحكومة وفي القضايا الخارجية وعلى عكس سياسته الداخلية فإنه يدعو في بعض الأحيان إلى الثورية في العمل وتشكل الطبقة المتوسطة ودون المتوسطة والفئات الدينية وبعض الكوادر الوسطية كالبيروقراطية القاعدة الاجتماعية له 0
ويعد مجمع العلماء المناضلين " روحانيون " الاساس الذي كون هذا التيار وتعد صحيفة سلام معبرة عنه .
جدول بياني بالتيارات(14/35)
التيار…الأسماء الغير الرسمية…التنظيمات…الصحف الرسمية وغير الرسمية…أبرز الشخصيات…السياسة الداخلية…السياسة الخارجية…البرنامج الاقتصادي…القاعدة الاجتماعية…المقاعد في البرلمانين الخامس والسادس (تقريباً)
المعتدل…المصلحي (البراجماتي)، اليمين الحديث…كوادر البناء…إطلاعات، همشهري، إيران…غلام حسين كرباسجي، عبدالله نوري، حسن روحاني، عطاءالله مهاجراني…إصلاحيون…معتدلون…حرية اقتصادية مع تأكيد على دور الدولة…الطبقة المتوسطة والبيروقراطية…100 مقعداً
30 مقعداً
اليمين…المحافظ، اليمين التقليدي…علماء الدين المناضلين (روحانيت)،الهيئات المؤتلفة، التشكيلات المنسجمة…رسالت، شماء انتخاب…ناطق نوري، محمد جواد لاريجاني، مرتضى نبوي، عسكر أولادي، بادامجيان…محافظون، تقليديون…محافظون…حرية اقتصادية مع تأكيد على دور القطاع الخاص…الطبقة المتوسطة التقليدية والبازار…150 مقعداً
130 مقعداً
اليسار…اليسار التقليدي…مجاهدو الثورة الإسلامية، علماء الدين المناضلون(روحانيون)…سلام (أقفلت)، عصرما، جامعة (أقفلت)، نشاط (أقفلت)، صبح أمروز…خوئينيها، عباس عبدي، كروبي، بهزاد نبوي، مير حسين موسوي…إصلاحيون…متطرفون…التأكيد على دور الدولة…الطبقة المتوسطة ودون المتوسطة…15 مقعداً
15 مقعداً
حزب الله…المتطرف، الثوري، اليسار الجديد…أنصار حزب الله، جمعية الدفاع عن قيم الثورة الإسلامية…صبح، كيهان، الجمهورية الإسلامية…آيةالله جنتي، محمد محمدي ريشهري…محافظون…متطرفون وثوريون…التأكيد على دور الدولة…دون المتوسطة ودونها…15 مقعداً
15 مقعداً
الوطني…الليبرالي، الوطني، الوطنيون…حركة تحرير إيران…مجلة إيران فردا (إيران الغد)…إبراهيم يزدي، عزت الله سحابي…إصلاح الدستور…إصلاحيون……الطبقة المتوسطة والبيروقراطية والقطاع الخاص…
قالوا...
شيخ علماني!(14/36)
قالوا: نعت وزارة الأوقاف السورية الشيخ الدكتور أحمد كفتارو مفتي جمهورية سوريا منذ عام 1964 حيث يصنف الشيخ كفتارو ضمن علماء الدين العلمانيين المتشددين .
الدستور
2/9/2004
السؤال هو في أين يصنف بقية مفتيي البلاد الإسلامية ضمن المتشددين والظلاميين !!
بطولات الحرس الثوري الإيراني !
قالوا :اتهم قائد حركة فتح في لبنان سلطان أبو العينين عضواً في الحرس الثوري الإيراني بأنه فتح النار على تظاهرة في مخيم عين الحلوة.
وأضاف أبو العينين أن الرائد أبو الهيجا سقط غدرا بيد عملاء الحرس الثوري الإيراني إن هناك قرار من فتح بأن لا يكون موطئ قدم للحرس الثوري الإيراني في المخيمات.
صحيفة الغد
28/8/ 2004
حلقة جديدة من حلقات المسلسل الإيراني لتغلغل في التجمعات السنية.
تيار وطني!!
قالوا: سئل موفق الربعي مسؤول الأمن الوطني العراقي عن تيار مقتدى الصدر فأجاب: تيار الصدر له تاريخ فكري وسياسي أرساه الشهيد والمفكر الإسلامي محمد باقر الصدر منذ عقود طويلة وسار على خطاه الشهيد محمد صادق الصدر... ولذا يجب ألا بحسب أو يختزل هذا التيار مجموعة محددة... لابد من اشراك هذا التيار لأنه يمثل حركة المستضعفين المحرومين .
الوطن العربي
27/8/2004
ولكن من يمثل المحرومين من السنة؟ ولمادا لا تشرك المقاومة السنية كذلك في السلطة!
دينار بحريني مزور!
قالوا: بينت التحقيقات (في مقتل هشام المنظري المعارض المغربي المنشق) أن عملية تزوير أكثر من ثمانية أطنان من العملة البحرينية من تطور جهات إيرانية أرادوا استغلال عملية التزوير لزعزعة استقرار البحرين وشق استقرارها.
الوطن العربي
27/8/2004
قلنا: هكذا تتواصل المؤمرات الإيرانية لتحسين العلاقة مع دول الجوار من احتلال جزر الإمارات إلى تزوير عملة البحرين مروراً بالنزاع مع قطر .
طهران تنكر أنها هددت إسرائيل !(14/37)
قالوا: نفت وزارة الخارجية الإيرانية أن يكون وزير الدفاع الإيراني علي شمخاني قال أن طهران يمكن أن تشن هجوماً وقائياً ضد الأمريكية أو الإسرائيلية للدفاع عن مفاعلاها .
الشرق الأوسط
22/8/2004
قلنا : حتى بالكلام لا تريد إيران أن تحارب إسرائيل!!
لقاءات شيعية
قالوا : رسم لقاء النخب والمثقفين في الطائفة الشيعية في لبنان العناوين العريضة لتطوير عروبة لبنان ودعم المقاومة.
وحضره عشرات الشخصيات من الطائفة الشيعية في لبنان وعضو المجلس السياسي لحزب الله ومدير العلاقات الخارجية لمكتب السيد مقتدى الصدر وممثل التيار الأسعدي .
الشرق الأوسط
28/8/2004
قلنا : هل بدء دور الولايات الشيعية العربية!!
هذه مجموعة مقالات متعلقة بتمشيعة مصر تظهر جزء من المواقف والأراء لمتشيعة مصر في المحاور التالية :
•…من يدافع عنهم ؟
•…حقيقة مقام السيدة زينب في مصر .
•…المتعة .
•…المجلس الأعلى لآل البيت . الراصد
مركز الدفاع عن حقوق الشواذ
يلعب بملفات الشيعة والمهمشين!!
مصطفى سليمان
جريدة الأسبوع المصرية عدد 387 9/8/2004س
منذ نحو عام وبضعة أشهر نشرت "الأسبوع" تقريراً عن مركز مشبوه لحقوق الإنسان يسمى المبادرة المصرية للحقوق الشخصية, وكشفت "الأسبوع" وقتها عن تفاصيل عمل هذه المبادرة وتوجهات المسؤول عنها وهو شاب يدعى "حسام بهجت" وما لفت الانتباه هو اسم هذا المركز ومدلولاته الخطيرة التي تهدد بتخريب المجتمع المصري سياسياً واجتماعياً ودينياًُ. فكانت أولى القضايا التي تبناها هذا المركز قضية "تنظيم الشواذ" عام 2002, حيث انضم حسام بهجت إلى هوجة الهجوم على مصر مع الجهات والمنظمات الأجنبية بسبب محاكمة هؤلاء الشواذ واستطاع هذا الشاب أن يلتقط الخيط ليدخل بالقضية حلبة السباق في سوق منظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني ليجد نفسه مكاناً في هذه السوق التي ترعاها واشنطن وتأسست تلك المبادرة في ذلك العام........(14/38)
وبعد فترة صمت طويلة خرج علينا حسام بهجت بمفاجأة.. حيث فجر يوم الثلاثاء الماضي قنبلة وصلت شظاياها إلى المجتمع الدولي في نفس يوم عقد المؤتمر. فبعد أن غير بهجت مقر مركزه من أبراج المعادي إلى قصور جاردن سيتي حيث استأجر شقة هناك وبجوار هيئة فولبرايت والسفارة الأمريكية وغير مصادر التحويل من الدولار الأمريكي إلى الفرنك السويسري.. لعب حسام بهجت على وتر الدين وحرية الاعتقاد في مصر مستلهماً خبرة مركز ابن خلدون.
ووسط حضور إعلامي من مراسلين أجانب وعلى رأسهم صوت أمريكا ووكالة رويترز أعلن بهجت عن صدور تقرير خطير بعنوان "حرية الاعتقاد وقضايا الشيعة في مصر".(14/39)
وفي هذا التقرير الذي عرضه في مؤتمر صحفي رصد بهجت الاعتقالات التي وقعت في صفوف الشيعة في ديسمبر 2003 إلى مارس 2004 وقدم توثيقاً مستقلاً للانتهاكات التي تعرض لها المقبوض عليهم في الحملات السابقة ضد الشيعة من انتهاكات هو بسبب المعتقدات الدينية للمعتقلين وأنه ليس وراء اعتقالهم أسباب سياسية أو أمنية, وهو تبرير خطير يضع مصر في مصاف الدول التي تنتهك الحريات الدينية وهو بالطبع يخدم بذلك الأهداف الأمريكية المشبوهة التي تتهم مصر بانتهاك حرية الأديان واضطهاد الأقباط وهي نفس الأجندة التي جاء بها أعضاء لجنة الحريات الدينية مؤخراً إلى مصر وقبل انعقاد هذا المؤتمر الصحفي لمركز "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" بأسابيع... خاصة أن هذه اللجنة بحثت ضمن ما بحثت قضايا الشيعة في مصر وعدم الاعتراف بهم.. ويحاول مدير هذا المركز أن ينفي أي ارتباط بين مؤتمره هذا لعرض تقريره حول قضايا الشيعة في مصر وبين زيارة اللجنة مؤكداً في المؤتمر أن الحكومة المصرية هي التي اعتقلت بعض معتنقي المذهب الشيعي في وقت زيارة اللجنة وليس هو وأن دفاعه عن الشيعة ليس باعتبارهم أقلية دينية لأن هناك مراكز حقوق إنسان أخرى تقوم بهذا العمل ولكن لأن من صميم برنامج المبادرة واهتماماتها تناول طائفة من الحقوق والحريات غالباً ما تتعرض للتجاهل أو الإهمال منها الحقوق المتصلة بالحياة الخاصة للأفراد ويدخل في نطاقها الحق في حرية المعتقد من منظور حق الفرد في أن يأتمر على ذاته وأن تحترم خصوصيته.. بما في ذلك حقه في اختيار دينه أو معتقده وممارسته دون تدخل من الدولة أو المجتمع.(14/40)
ويعتبر نشطاء هذا المركز أن الفرد لا يصح اختزاله إلى مجرد ترس ضئيل في آلة الجماعة أو الدولة, بل إن كل عضو في المجتمع يستحق كذلك أن يعامل بما يتسق مع كرامته واستغلاله وعلى هذا فإن المسئوليات والواجبات المترتبة على انتماء الفرد للجماعة والدولة يجب أن تؤكد –لا أن تلغى- حق الفرد في حد أدنى من الحريات والحقوق المتصلة بوجوده وكيانه كوحدة مستقلة.
وهذه بالطبع الرؤية الأمريكية التي تعتمد على الحرية الفردية في كل شيء.. وهو بذلك يحاول أن يفرض علينا نمط الثقافة الأمريكية وتطبيقها في المجتمع المصري وهذا ما تريده واشنطن في المرحلة القائمة وفق مشروع الشرق الأوسط الكبير.
وتبدو خطورة ما يتناول هذا الباحث وهذا المركز في أن صاحبه ينظر باهتمام إلى الأفراد المهمشين الذين يتعرضون عادة لما يسميه انتهاكات, وهؤلاء المهمشون لا تلقى أصواتهم أو معاناتهم اهتماماً كافياً بخلاف المنتمين لأقليات منظمة وظاهرة, فهؤلاء المهمشون يحتلون المرتبة الأولى في نطاق اهتمام المبادرة المصرية للحقوق الشخصية, فإذا كانت هذه المبادرة تدافع عن المهمشين بسبب ما يتعرضون له من انتهاكات فإن هناك مراكز أخرى في مصر تدافع عن أي سجين أو معتقل يتعرض للاعتداء أو الانتهاكات الجسدية أو التعذيب فما هو الدور الذي تلعبه هذه المبادرة بالضبط؟!(14/41)
الملاحظ أن القائمين على المبادرة يضعون في اعتبارهم أثناء عملهم الأسباب التي تؤدي إلى الانتهاكات التي يتعرض لها مثل هؤلاء المهمشين وإظهاراً للعالم الغربي الذي يخاطبه هذا المركز بأن في مصر مهمشين مثل الشيعة والشواذ وغيرهم ممن ليس لهم ذكر يتعرضون لانتهاكات جسدية من قبل السلطات المصرية. ونلاحظ مثلاً أن التقرير الذي أصدرته "المبادرة" تضمن إجراء عدة مقابلات مع معتقلين من الشيعة رصد فيها أسئلة سئل عنها المعتقلون في صميم معتقداتهم مثل "ما هي كيفية أدائك للصلاة؟" و"ما هو موقفك من الصحابة؟" إن صاحب المبادرة أدرك أدواته جيداً في الوصول إلى العقلية الغربية وإبلاغهم الرسالة التي يريدونها عن المجتمع المصري وما يحدث فيه دونما, بالطبع إدراك حقيقي لطبيعة الأشخاص أو طبيعة المجتمع الذي يتحدث عنه بهجت في تقريره ودونما إدراك أن مصر ليست ولاية ميتسوتا الأمريكية التي طبق فيها قانون إباحة زواج الشواذ ولن تكون كذلك ولن تكون أيضاً ساحة لعبادة البقر والشياطين مثل أمريكا تحت دعاوى الحرية.
فالشيعة الذين نتحدث عنهم يعترف بهم الأزهر وهناك مذهب فقهي للإمام جعفر الصادق يدرس في جامعة الأزهر فليست هناك حقيقة لما تدعي من انتهاكات وأن رقم 124 شخصاً وهو الرقم الذي رصدته في تقريرها أنه تم اعتقالهم والتحقيق معهم بسبب تشيعهم –لا يمثل شيئاً بالنسبة لغالبية الشعب المصري ولو تحقق بهجت جيداً سيجد أن هناك أسباباً أخرى وراء اعتقالهم.(14/42)
إن التقرير الذي أصدرته المبادرة يؤكد أن الانتهاكات التي تعرض لها الشيعة في مصر لا ترقى إلى كونها سياسة رسمية منظمة من الاضطهاد وهو اعتراف يؤكد أن هذه المبادرة تبحث عن الصيد في الماء العكر –ومع ذلك يحاول أن يثبت التقرير أن هناك نمطاً من الانتهاكات تكرر على الأقل في خمس حملات كبيرة في أقل من عشرين عاماً وتعرض له ما لا يقل عن 124 شخصاً ألقي القبض عليهم في هذه الحملات- إن الباحث يحاول أن يصنع شيئاً من لا شيء.. وحسناً اختار التوقيت –فسيادة النمط الثقافي الأمريكي وافتتاح أكثر من سوبر ماركت في سوق منظمات المجتمع المدني في مصر في هذه المرحلة بالذات هو المطلوب إثباته لتغيير الشرق الأوسط مجتمعياً وسياسياً وثقافياً.. والتغيير بالطبع لابد أن يبدأ من مصر.. وهو تغيير لا يستهدف بالطبع الأفضل بالنسبة لنا كمجتمع شرقي إسلامي وإنما يستهدف إحلال حضارة محل أخرى وذلك من منظور صراح الحضارات.
ماذا وراء الحرب المقدسة بين "نقابة الأشراف"..
و"المجلس الأعلى لآل البيت"؟!
د. عبير سلامة
القاهرة – العدد 224 – 27 يوليو 2004
تنشأ المؤسسات التطوعية بهدف تحقيق مصلحة عامة, ويشترط القانون أن تضفي الدولة هذه الصفة على مؤسسة ما, بعد التحقق من قدرتها الفعلية على النفع العام, لأن ذلك هو الدافع لكي تتنازل لها السلطة العامة عن جانب من اختصاصاتها, لذلك يشرك كثير من الدول هذه المؤسسات في تنفيذ بعض مشروعات الإدارة العامة, اعترافاً بأن رسالتها امتداد لرسالة الدولة في دعم الاستقرار الاجتماعي وسيادة القانون, وترسيخ قبول التعددية والتسامح المتبادل بين المختلفين.(14/43)
تراجع مستوى العمل الأهلي واستشراء عدم القبول العام للاختلاف في مصر, على مدى العقدين الماضيين, لابد أن يثيرا كثيراً من التساؤلات المتشككة عن جدوى ما تمارسه المؤسسات غير الحكومية, وعن دور الدولة في متابعة نشاطاتها, ومن ثم توجيهها نحو ما يكمل دورها في خدمة المجتمع وإذا بدا أن نشاط بعض هذه المؤسسات مكرس لإرساء التعصب ضد المختلفين ونشر العداء بين أبناء المجتمع الواحد, فلابد من وقفة جادة لتدارك الأمر قبل أن يستفحل خطره, وأخص بالذكر هنا الخلاف بين "السادة" في "نقابة الأشراف" و"المجلس الأعلى لآل البيت" في مصر, والذي يكشف عن طابع تنافسي عدائي للعلاقة بين مؤسستين تطوعيتين تخدمان جماعة واحدة.
لا توجد حتى اليوم إحصائية دقيقة لعدد الأشراف في مصر, وإن كانت تقديرات مختلفة تشير إلى أن العدد يتراوح من 7 إلى 10 ملايين نسمة, وقد وجدت أسر وبطون منهم منذ بدايات القرن الأول الهجري, لكن الظهور الأكبر لهم, بوصفهم قبيلة كبرى في مكان مستقر, بدأ في القرن السابع الهجري بهجرة ذرية الشريف جمال الدين جماز من الحجاز إلى مصر, كان الشريف جماز قد تولى إمارة المدينة المنورة بعد أبيه عز الدين القاسم بن مهنا, وشارك معه في الحروب الصليبية, فنشأت بينه وبين العزيز عثمان بن صلاح الدين مودة, دفعت الأخير في لقاء معه بالشام سنة 590هـ إلى أن يوقف عليه وذريته من بعده 8750 فداناً من أراضي قنا.
توفي جمال الدين جماز سنة 600هـ, ودفن بالبقيع في المدينة, ثم نشب صراع على الإمارة بين أولاده وبني عمومتهم أولاد الشريف شيحة بن هاشم بن عز الدين القاسم, فاضطروا بعد تنازلهم عن الحكم سنة 647هـ للهجرة إلى مصر, دخلوها عن طريق سيناء, لأسباب تتعلق بمراسم استقبال الأعيان ونزلوا في محافظة الشرقية قرب الزقازيق, في المكان المعروف منذ ذلك الحين بكوم الأشراف, ثم رحلوا إلى قنا عدا الشريف نائل بن جماز الذي استقر هناك مع جزء من ذريته.(14/44)
حرص الأشراف في مصر, منذ العصر الفاطمي (358 – 567هـ) ولأسباب سياسية, على تماسك هوية جماعتهم عن طريق منع زواج بناتهم من خارج القبيلة, بالرغم من أن مصادر التاريخ تؤكد أن أسلافهم كانوا يندمجون حيثما ارتحلوا مع السكان الأصليين بالتصاهر, مما أدى إلى توزعهم في قبائل كثيرة, مع احتفاظهم بنسبهم, سواء من جهة الأب أو الأم, توجد على سبيل المثال, في تاريخ القبائل العربية بمصر مرحلة شديدة الدلالة على إشكالية نقاء النسب وهي مرحلة الأحلاف السياسية, إما لمعاداة السلطة الحاكمة, وإما لمناصرتها.
بدأت ظاهرة الأحلاف منذ عصر الطولونيين حتى عصر المماليك الشراكسة (254-933هـ) أي منذ القرن التاسع الميلادي حتى أوائل السادس عشر, ونجد في المصادر التاريخية –عقب هذه المرحلة- توجهاً واضحاً للاقتصار على لفظ عرب أو عربان بدون ذكر أسماء القبائل والبطون, وهي دلالة مهمة على اختلاط الأحلاف واندماج عناصرها السلالية إلى حد أن صارت نسبتهم للعروبة عامة أيسر على المؤرخين من نسبتهم إلى أصولهم السبئية والقيسية.
وكان التحول الأهم في هذه المرحلة متعلقاً بامتداد النسب ومفهوم الشرف السلالي, إذ فضل كثير من الجماعات العربية في صعيد مصر, خصوصاً الجماعات القرشية, الامتداد بالنسب إلى الرسول أو الصحابة والخلفاء فحسب وأخذ لفظ الشريف يتسع في مفهومه أو يضيق تبعاً لاختلاف الظروف على مر الأجيال والعصور, فكان شريفاً كل من كان من أهل البيت سواء أكان حسنياً أم علوياً من ذرية محمد بن الحنفية وغيره من أولاد علي بن أبي طالب أم جعفرياً أم عقيلياً أم عباسياً.(14/45)
ثم قصر الفاطميون بمصر اسم الشريف علي ذرية فاطمة الزهراء, وفي عصور متأخرة اندرج أبناء الخلفاء الراشدين تحت لواء الأشراف, ومنهم جميعاً تتألف قبائل الأشراف في مصر الآن, مع الالتفات إلى ما كان لمرحلة الأحلاف من تأثير لا ينكر في ضياع بعض الأسباب وذوبان ما بقي منها نتيجة المجاورة والمصاهرة والتأثير نفسه تقريباً نتج بعدما استقرت وظيفة النقابة على الانتساب منذ العصر الفاطمي, وتوالت على حكم مصر عناصر عرقية مختلطة حرصت على أن تضيف لتعربها الثفافي شرفاً سلالياً.
النقابة ... والمجلس...
تأسست نقابة ذوي الأنساب في العصر العباسي, لكن تقاليدها استقرت في مصر منذ العصر الفاطمي (358-567هـ) ولم تكن وظيفتها تتجاوز التمثيل العقيدي والسياسي الذي أراده الرسول, عندما جعل من الأنصار الذين بايعوه في ليلة العقبة اثنى عشر نقيباً, يمثلون قومهم ويعرفونهم شروط الدين, "النقيب العريف وهو شاهد القوم وضمينهم, الذي يتعرف أخبارهم وينقب عن أحوالهم", لذلك كان يتم اختياره في مصر من بين أجلّ شيوخ الطائفة قدراً, كما يقول القلقشندي, وكان يخلع عليه, فيسير بالطبل والبوق والجنود مثل الأمراء, له ديوان ومشارف وعامل ونائب ومخصصات مالية, وتتمثل وظيفته في التصرف في أمور المنتسبين إلى آل البيت وحمايتهم من الأدعياء وعيادة مرضاهم والسير في جنائزهم وقضاء حوائجهم.(14/46)
النقابة على الأنساب من وظائف الخلافة التي ذهبت بذهاب ما ينظر فيه بواسطتها, حسب تعبير ابن خلدون, إذ نشأت لكي يتوصل بها إلى الخلافة أو الحق في بيت المال, وقد "بطلت لاندثار الخلافة ورسومها", وبرغم هذا الاندثار استمرت وظيفة النقابة, واستمر النزوع السياسي لنشاطها قائماً, فبلغ أوج وطنيته في عهد النقيبين عمر مكرم (1750-1822) ومحمد توفيق البكري (1870-1932), وكان اضطرابه –النزوع- أحد أسباب وقف نشاطها في عهد الرئيس جمال عبد الناصر, حتى السنوات القليلة الماضية عندما صدر قرار جمهوري بإعادتها.
أما "المجلس الأعلى لآل البيت" فقد تأسس من خلال "جمعية الحوراء الخيرية" المشهرة في وزارة الشؤون الاجتماعية, منذ أربع سنوات تقريباً, لمواجهة ما أسماه بالفساد داخل "نقابة الأشراف" وبالرغم من كثرة أخبار المجلس على شبكة الانترنت, لا تجد منشوراً منسوباً إليه يتناول أوضاع الجماعة التي يدّعي نيابته عنها, أو يعد بمشروعات تصلح أحوالها, التي لا تختلف كثيراً عن أحوال المصريين جميعاً, فعلى مدى هذه السنوات لم يبرز للمجلس نشاط عدا إصدار البيانات التي تهاجم النقابة والأزهر والتليفزيون المصري من جانب, او تساند المتهمين في قضايا تنظيمات شيعية, من جانب آخر.(14/47)
تدخل النزوع السياسي الذي ارتبط بنشاط "نقابة الأشراف" في كثير من الأحيان, ليقوض دورها في رعاية الجماعة وحفظ نسبها, مع ملاحظة ان الحفظ ليس مقصوداً لذاته, إنما هو مطلوب بقدر إسهامه في صلة الأرحام, كما يفهم من قول الرسول صلى الله عليه وسلم "تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم" واقترن تقويض الدور الأهم بإعلاء دور آخر في تثبيت قيم قبلية تجاوزها الزمن, أهم هذه القيم ما يتعلق بمفهوم الشرف, إذ تم اختزاله في مجرد الانتساب إلى آل بيت الرسول, وهو نوع من الشرف في حد ذاته, لكن أن يكون النسب وحده معياراً للشرف, ولتقييم الآخرين, فالأمر حينئذ يستحق المناقشة والنقد, خصوصاً عندما يتناقض هذا مع إرشاد الرسول نفسه, وعندما تحيط الشكوك بوظيفة مثل هذه المؤسسات ولا يسلم خطاب القائمين عليها من الريب.
استرداد الأوقاف والأزهر
اتهم "المجلس الأعلى لآل البيت" "نقابة الأشراف" باتهامين رئيسيين:
الأول: التقاعس عن استرداد ما يدعوه حقوقهم, ممثلة في الأراضي التي أوقفها عليهم "العزيز عثمان بن صلاح الدين الأيوبي" في سنة 590هـ/1194م, وآل بعضها إلى الدولة في عهد محمد علي باشا ضمن ستمائة ألف فدان من أراضي الوقف في سنة 1812, ثم وضعت الدولة يدها على البقية في سنة 1957, حين صدر قانون حل الأوقاف الأهلية الخاص باستبدال الأراضي الزراعية الموقوفة على جهات البر العام, وتسليمها إلى اللجنة العليا للإصلاح الزراعي.(14/48)
ينبغي النظر إلى هذا الاتهام والقضية المرفوعة على الدولة من قبل المجلس لتدارك تقصير النقابة في إطار قضايا أخرى رفعها المجلس, أيضاً, ضد شيخ الأزهر للمطالبة بـ "استرداد الأزهر" وإعادته تحت إشراف آل البيت, بدعوى أنه الآن ينشر منهج العنف والتطرف, و"يروج للمذهب الوهابي" وضد وزير الإعلام بسبب عرض مسلسلات تتناول حياة الصحابيين عمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان, واخيراً القضية الرقابية المتعلقة بعرض مسرحيتي عبد الرحمن الشرقاوي (الحسين شهيداً) و(السحين ثائراً), إذ في هذا الإطار كاملاً تتضح أبعاد المهمة التي تطوع المجلس للقيام بها, والتي لا تعدو اختصام الدولة وفرض فكر بعينه على المجتمع.
الوقف بين الدولة والأشراف
يمكن اعتبار شكل العلاقة العدائية بين المؤسسات الأهلية والدولة, من رواسب عصر محمد علي, حين استقر مفهوم جديد للدولة, يهدف إلى احتكار السلطة جميعها, عن طريق بناء مؤسسات تملكها الدولة وتتحكم في إدارتها, وفي الوقت نفسه إلغاء المؤسسات التي كانت تمنح المجتمع استقلالية في مواجهتها, مثل مؤسسة الحسبة, "نقابة الأشراف" مشيخة الطوائف, هيئة العلماء, والأوقاف.(14/49)
لكن هذا المفهوم اختلف حديثاً, حسب ما تؤكده قواعد تنظيم عمل المؤسسات التطوعية, في القانون المصري ويكفي شاهداً ما ورد في المذكرة الإيضاحية لقانون الجمعيات والمؤسسات الخاصة 22 لعام 1964, من أن المؤسسات الخاصة تقوم بدور أساسي في ميدان الرعاية الاجتماعية, وأن وزارة الشؤون الاجتماعية تعتمد عليها في تقديم الخدمات المختلفة للمواطنين, نظراً لما يتميز به العمل في ميدان النشاط الأهلي من مرونة تجعله أكثر ملائمة لأداء هذا النوع من الخدمات إضافة إلى دور آخر, لا يقل أهمية في نشر الثقافة السياسية وإرساء مبادئ المواطنة وحرية الاختلاف والتسامح . الوقف هو حبس الأصل وتسبيل أنفاق ثمرته أو منفعته, بمعنى جعلها سبيلاً عاماً للناس جميعاً, وهو نوعان أوقاف ذرية, يحبس بها الأصل لذرية إنسان وذرية ذريته من بعده, وأوقاف خيرية, كأن تحبس أرض لبناء مسجد أو مدرسة, أو تخصص عوائد مشروع ما للإنفاق على فقراء, إذن ثبات الأصل / حبسه وتسبيل أنفاق منفعته هو المقصود بالوقف فإذا تم الوقف بشرائطه الشرعية خرج المال الموقوف عن ملك الواقف وأصبح سبيلاً مؤيداً لا يوهب ولا يورث ولا يباع إلا في موارد معينة.
ليس هنا مجال الجدل حول الشرائط الشرعية لوقف الأشراف في مصر, إنما تكفي الإشارة إلى أن من حبس الوقف أولاً كان حاكماً ومن حله تالياً كان حاكماً أيضاً, مع فارق معتبر مفاده أن قرار الحل جلب المفعة للمواطنين جميعاً لا جماعة بعينها, مع صرف النظر عن كونها جماعة وافدة تترفع عن مخالطة أهل البلاد الفلاحين, ولا تترفع عن إنفاق محصول شقائهم في ظروف بائسة لم تتحسن نسبياً إلا في عهد سعيد باشا (1822-1863).(14/50)
تولى سعيد بن محمد علي حكم مصر في يوليو 1854, وبعد أشهر أصدر عدداً من القوانين الإصلاحية أهمها تلك المتعلقة بملكية الأراضي الزراعية أو حقوق الانتفاع بها, إذ تنازلت الحكومة عن الضرائب المتأخرة على المزارعين, وألغت مبدأ تضامن القرى في تحمل الضرائب, كما أعفت الفلاحين من سدادها, ليستفيدوا من إنتاجهم في تحسين أوضاعهم المعيشية القاسية, ثم توجت الأعمال الإصلاحية في هذا المجال بصدور اللائحة السعيدية في الخامس من أغسطس 1858 وبموجبها وزعت الأراضي على الفلاحين الذين يقومون بزراعتها.
كانت هذه اللائحة ثورة إصلاحية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي في مصر, لكن أثرها في الصعيد اختلف, إذ ألغت الامتياز الواقعي الوحيد لدى "السادة" وألهمتهم بلورة امتياز النسب الشريف مما وراء الواقع, للتعصب ضد الفلاحين وتحريم مصاهرتهم, بالرغم من أن أكثرهم اضطر لممارسة الفلاحة, وبالرغم من مرجعيتهم الدينية التي تثمن الزراعة, وتنفر من الكبر والتعصب.(14/51)
الأوقاف في الإسلام مشروعات اقتصادية خيرية تتجاوز عمر الواقف والمشرفين عليها, وفي حين يحتاج المجتمع إلى تشجيع مثل هذا النوع من العطاء, وتطوير أساليب إدارته, يخرج "المجلس الأعلى لآل البيت" بهذه الدعوى العجيبة, لإلغاء قرن ونصف من حركة مصر, البطيئة أصلاً, في اتجاه تحديث المجتمع وتفعيل حقوق الإنسان, هل نحن بحاجة إلى الربط بين توقيت إثارة هذه القضية في مصر وتلك الخلافات الحادة التي برزت في سنة 2002, في الكويت حول تبعية الأوقاف الجعفرية لإدارة الدولة, على أن نضع في الاعتبار مطالبة "المجلس الأعلى لآل البيت" بإعادة فتوى الشيخ "محمود شلتوت" للعمل بالمذهب الجعفري, التي هي في حد ذاتها فتوى مستنيرة وضرورية للتقريب بين المذاهب, أم علينا مباشرة النظر إلى ما يثار الآن حول القضية, في الدول الإسلامية عموماً, باعتباره من نتائج الضغوط المكثفة من الولايات المتحدة الأمريكية على الحكومات, لحصار الجماعات الدينية ومراقبة أوجه صرفها أموال الأوقاف والتبرعات؟!
تبقى النتيجة واحدة مهما كانت الإجابة, وهي أن الضجة التي يثيرها "المجلس الأعلى لآل البيت" في هذا الصدد تنقل القضية الفرعية مضخمة بتطرف إلى ساحة العصبية الضيقة, وتصرف انتباه المجتمعات الإسلامية الممزقة عن القضايا الأهم, والأخطر من ذلك كله أنها تحاول جرّ المجتمع المصري إلى نوع من الفتنة الطائفية لم يعهده من قبل.
تزوير الأنساب(14/52)
الاتهام الآخر الذي وجهه "المجلس الأعلى لآل البيت" إلى "نقابة الأشراف" تزوير الأنساب, عن طريق إصدار شهادات نسب لبعض الرؤساء العرب ورجال أعمال مصريين, والمفارقة هنا, بصرف النظر عن التزوير, تتعلق بذلك الحرص المبالغ فيه على اقتناء شهادات توثق النسب, وكأن هناك من يشكك فيها, كأنها صكوك وجود من جانب, ومن جانب آخر صكوك شفاعة, لكن ليس إلى الجنة في الآخرة, إنما للتميز الاجتماعي ومناصب السلطة في الدنيا, وما التزوير إلا نتيجة طبيعية لهذه المفارقة, وللنزوع السياسي المشار إليه سابقاً.
ارتبط التزوير غالباً, حسب الأخبار المتواترة في المصنفات التاريخية, بالمصالح السياسية, وكان للحكام عبر الدول الإسلامية المتعاقبة دور واضح في إقحام عناصر موالية على تجمعات خصومهم السياسيين, إما لانتهاك سريتهم وإحباط مخططاتهم, وإما لتشويه حركتهم أمام العامة, وهكذا نجد في المصريين من انتسبوا إلى آل البيت زوراً, وحصلوا على شهادات موثقة, كانت تباع وتشترى كأية سلعة غالية, ولاشك في أن كثيراً من المشترين احتفظوا ببضاعتهم المزيفة, حتى وإن عوقب البائع أحياناً, وضرب أصحابه بالمقارع, مثلما يروي المقريزي في كتاب السلوك ضمن أحداث عام 756هـ, عن قطع يد الشريف المزور, الذي كان في التزوير ومحاكاة الخطوط عجباً, وسجن بسبب ذلك مراراً.
لا يبرر وجود تزوير الأنساب منذ وجدت النقابة قبول التزوير الآن, إنما الغاية توضيح أن أسلوب مواجهة هذا التزوير سبب مهم من أسباب استمراره حتى اليوم, فأكثر الحالات مرت من دون أن ينتبه لها احد, والقليل الذي عرف ما كشف إلا لأغراض شخصية, بمعنى أن من يقع عليه ضرر مباشر من التزوير هو الذي يفضحه, ولا ضرر أشد من حجب الوظائف, خصوصاً إذا كانت مرموقة كوظيفة النقيب,هل كان يمكن –كمثال أعم, اكتشاف تزوير نسب "أبي الهدى الصيادي"-لو لم يحجب بنسبه المزعوم عبد الرحمن الكواكبي (1855-1902) عن رئاسة النقابة في حلب؟!(14/53)
لم يحل التشهير بالمزورين قديماً المشكلة, ولن يحلها اليوم سوى عودة النقابة على الأنساب إلى وظيفة المنشأ, إن جاز التعبير, بوصفها مؤسسة خدمية وتثقيفية, تقوي علاقات التراحم بين أفراد جماعتها, وبينهم وبين الجماعات الأخرى, بدلاً من استغلال أصواتهم في مواسم الانتخابات, ومشاعرهم الدينية في معارك مفتعلة تفرق بين أبناء الطائفة الواحدة, وتهدد أمن المجتمع كله بإثارة الخلافات المذهبية, بين السنة والشيعة.
الشيعة في مصر
يوجد في مصر شيعة, ولهم مثل أصحاب أي فكر آخر في المجتمع –حق التعبير عن أنفسهم, ما دام أسلوبهم في ذلك لا يخالف القانون, ولا يضر بالآخرين, لا أظن "المجلس الأعلى لآل البيت" تأسس بطريق قانوني من أجل الترويج للفكر الشيعي, إنما هو فرع عن مؤسسة أهلية تخدم أشراف مصر, وهؤلاء أكثرهم من السنة, كما أن أهل المجلس يستنكرون دائماً أية إشارة إلى هذا الأمر, ويتبرأون منه تبرأهم من سبة, لكن القول شيء والأفعال شيء آخر, ولنتأمل فحسب مغزى أن يتبنى المجلس مشروعاً سياحياً لإحياء مسار آل البيت في مصر بتمويل إيراني, أما البيانات التي تساند المتهمين في تنظيمات شيعية فتبدو كما لو كانت النشاط الأكبر للمجلس.(14/54)
يتفق هذا الأسلوب المراوغ في التعبير عن الفكر, مع موقف مؤسسة أهلية أخرى, حملت للمفارقة اسم بـ "جمعية آل البيت" وتأسست في سنة 1973, وكان التوجه الشيعي لنشاطها واضحاً, بالرغم من اهتمام القائمين عليها باستقطاب الهيئات الإسلامية الرسمية والجماعات الفكرية الأخرى كجماعة "الأخوان المسلمين" لكن الجمعية لفتت الانتباه إلى نشاطها بإصدارها بعض الكتب الشيعية, وازداد التوجس من هذا النشاط مع احتضان شخصيات خليجية وبعض علماء الشيعة العراقيين والإيرانيين لها, وكانت كل الأنشطة الإسلامية المنظمة حينذاك موضع توجس, بعد بروز تياري الجهاد والتكفير والهجرة, وقيام الثورة الإسلامية في إيران, فاتهمت الجمعية بأنها تمثل خطراً على عقائد الناس وضرراً بوحدة صفوفهم, وفي أواخر سنة 1979 صدر حكم قضائي بوقفها ومصادرة المسجد التابع لها.
بالطبع من حق من شاء أن يعتقد فيما شاء, لكن السؤال الذي يفرض نفسه هو: هل من حق "المجلس الأعلى لآل البيت" توجيه نشاطه العام لخدمة فكر معين في الوقت الذي يدّعي نيابته عن جماعة تعتنق غالبيتها فكراً آخراً؟! وهل من حقه, مثله في ذلك مثل النقابة, تمييز جماعة من المسلمين بسبب مصادفة النسب وحدها, وإغراقهم في قضايا تفريعية لا طائل منها سوى عزلهم عن بقية المسلمين وبالتالي إضعافهم جميعاً؟!(14/55)
التوحيد بين الجماعة والرمز الديني الذي تحاول الاستنثار وحدها بالانتماء إليه, يناقض مغزى رسالة الرمز نفسه, فلو كانت نبوة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم تكريماً لأرحامه, لما اعتنق الإسلام غير هاشمي, ولما وجدنا في أحاديثه الكثير مما يشبه قوله "حليف القوم منهم ومولى القوم منهم وابن بنت القوم منهم" لقد كان هاجسه حتى رحيله تجميع القبائل المتفرقة, ومحاربة ضلالاتها الناتجة عن تشويه الواقع أو الانفصال عنه, وأخطر هذه الضلالات هو الزهو المتغطرس بانتماءات ماضوية, والذي هو سمة مميزة للفكر والسلوك الخانعين لسلطة البنية العشائرية.
تشكل البنية العشائرية (برموزها وشخوصها وعلاقاتها) نسقاً تحريمياً أو "تابو" تنحصر وظيفته الاجتماعية في المحافظة على أوضاع الناس, ويصعب إن لم يكن مستحيلاً, أن تتحقق فكرة المجتمع المدني بدون تفكيك هذه البنية المسيطرة على الفكر, فهذا المجتمع نفسه لا يعني سوى هدم البنية العشائرية, سلوكاً ونظرية, لتحقيق الاندماج الاجتماعي في حيز جغرافي معين.
إن تحقيق فضل ما في الماضي, أو افتقاده ليس مبرراً لعدم البحث عن فضل آخر في الحضر, فقد ذهب الأجداد بفضلهم ولا معنى من وراء تقديسهم سوى استمرار الأعراف التعصبية, التي تحيل أية جماعة إلى بنية مغلقة على أوهامها, وهذه تستشري في خفاء العزلة, وتنهش من كيانها, وكيان المجتمع كله, في صمت.
السيدة زينب حفيدة رسول الله ليست مدفونة في مصر
بل في المدينة المنورة
فتحي حافظ الحديدي
جريدة القاهرة 27/8/2004(14/56)
قرأت في العدد الماضي من "القاهرة" مقالاً بعنوان: "السيدة زينب المصرية والسيدة زينب السورية" للدكتور أحمد راسم النفيس, حيث لخص فيه الرأي في موضوع دفن السيدة زينب في مصر بقوله: "كان للإمام علي بنت هي زينب الكبرى المدفونة في القاهرة على أرجح الأقوال". وحيث إني سبق وقمت بدراسة تاريخية مطولة لهذا الموضوع بحثاً عن الحقيقة المجردة وبدون أي أحكام سابقة.
الخلاصة التي خرجت بها من هذا البحث في أن "السيدة زينب بنت السيدة فاطمة الزهراء والإمام علي بن أبي طالب لم يكن لها في مصر أي مدفن حتى القرن العاشر الهجري (16 الميلادي) والأدلة على ذلك كثيرة (رغم أن دليلاً واحداً منها يكفي لإثبات ذلك), وهي:
1-آخر ما سجله قدامى المؤرخين عن السيدة زينب بنت السيدة فاطمة الزهراء والإمام علي بن أبي طالب هو ما أورده المؤرخ الحافظ بن عساكر في كتابه الموسوعي: (تاريخ دمشق) بأن الخليفة الأموي يزيد بن معاوية أمر نعمان بن بشر بترحيل السيدة زينب ورفاقها من الشام إلى الحجاز ويبعث معهم رجلاً من أهل الشام أميناً صالحاً في خيل وأعوان فيسير بهم إلى المدينة المنورة وقد دفنت بها كما هو ثابت في التاريخ وفي الواقع الحالي هناك, (لاحظ أن المؤرخ ابن عساكر مثل غيره من قدامى المؤرخين لم يذكر وجود شخصيتين باسم السيدة زينب).(14/57)
2-أن السيدة زينب بنت السيدة فاطمة الزهراء والإمام علي بن أبي طالب والمتوفاة في سنة 62هـ/681م, لم يكن آنذاك مكان ضريحها الحالي بالقاهرة أرضاً, بل كان جزءاً من نهر النيل, وبعد أن انتقل نهر النيل من هنا ظل مكانه مليئاً بالبرك والمستنقعات لمدة حوالي 300 سنة, فكان المكان الحالي لمسجد السيدة زينب في عصر الدولة الأموية جزءاً من بركة قارون وهي التي أخذت في التقلص, وكانت بقيتها موجودة حتى نهاية القرن 19 باسم بركة البغالة, كما أن بركة قارون كانت في موسم الفيضان تتصل ببركة الفيل, حيث كانت تسير فيهما المراكب في هذا الموسم. ولم تستعمل هذه المنطقة للسكن والمقابر إلا في عصور متأخرة نتيجة لتقوية جسور شاطئ نهر النيل, فتوقف غمرها بمياه النيل في موسم الفيضان وقد ذكر علي باشا مبارك في الجزء الأول من الخُطط التوفيقية أن خُط السيدة زينب يقع (في عصره) تحت مستوى فيضان نهر النيل بمقدار من متر إلى متر وثلث.
ومن التقاليد الثابتة في مصر منذ العصر الفرعوني وحتى العصر الحاضر أن الناس يتجنبون دفن موتاهم في المناطق الرطبة القريبة من شاطئ النيل, فكانوا يبتعدون إلى حواف الصحارى الجافة.
3-أن ثمة ضريحاً للسيدة زينب بنت السيدة فاطمة الزهراء والإمام علي بن أبي طالب لم يذكر في المراجع التاريخية, سواء في المراجع العامة (وبعضها موسوعي), والتي لن أذكرها هنا لكثرتها, ولا في المراجع المتخصصة في موضوع الخطط والمزارات القاهرية وهي (علي سبيل الحصر).
أ-كتاب: (مرشد الزوار إلى قبور الأبرار) لموفق الدين بن عثمان المتوفى سنة 615هـ/1218م.
ب-كتاب (مصباح الدياجي وغوث الراجي وكهف اللاجي) لابن الناسخ, الذي عاش في عصر السلطان المنصور قلاوون في عصر دولة المماليك البحرية في أواخر القرن السابع الهجري.
ج-كتاب: (الكواكب السيارة في ترتيب الزيارة) لابن الزيات, المتوفى سنة 814هـ/1442م.(14/58)
هـ-كتاب: (تحفة الأحباب وبغية الطلاب في الخطط والمزارات والتراجم والبقاع المباركات) لعلي السخاوي.
و-كتاب: (الكوكب السيار إلى قبور الأبرار) لعلي بن جوهر السكري.
وذلك رغم أن كتب الخطط والمزارات هذه قد أسهبت في وصف منطقة قناطر السباع (والمعروفة حالياً بحي ميدان السيدة زينب).
كما أن الرحالة المسلمين الذين زاروا مصر في العصور الوسطى كانوا حريصين على زيارة المشاهد (الأضرحة) الشهيرة سواء لغرض السياحة أو لغرض التبرك بها, ومنهم:
أ-الرحالة ابن جبير: وقد عدد في كتابه عن رحلته التي كانت في القرن السادس الهجري مشاهد الشريفات العلويات المدفونات بالقاهرة, لم يذكر بينهما ضريح السيدة زينب بنت السيدة فاطمة الزهراء والإمام علي بن أبي طالب, رغم أنه ذكر ضريحاً آخر للسيدة زينب بنت يحيى المتوج بن زيد.
ب-الرحالة محمد العبدري: وقد جاء مصر في سنة 688هـ/1289م. حيث زار مزارات: الإمام الشافعي والسيدة نفيسة والجمجمة المنسوبة للحسين بن علي.
ولكنه مثل غيره من زوار مصر لم يذكر ضريح السيدة زينب بنت الإمام علي والسيدة فاطمة الزهراء.
4-حدث في أواخر عصر دولة المماليك الجراكسة أن نشات مقولة شعبية بأن السيدة زينب بنت السيدة فاطمة الزهراء والإمام علي بن أبي طالب مدفونة بالقاهرة. وقد قام بنشر هذه المقولة طائفة الأدباتية والمداحين الذين يجوبون المقاهي والموالد للارتزاق, وهذه الطائفة كانت تقوم بتأليف المواويل التي تجذب الناس إليهم.
ولكن اختلفت الأقاويل في تحديد مكانها (مثلما فعلوا أيضاً في الأضرحة الوهمية للسيدة فاطمة النبوية) فكانت هناك مقولة بأن السيدة زينب مدفونة بقبر قرب قناطر السباع, ومقولة أخرى بأنها مدفونة بقبر في جبانة باب النصر.(14/59)
وقد أرجع هذه الأوقاويل مؤرخ المزارات المسمى ابن الناسخ إلى الرؤيا أي الحلم, فقال في صفحة 304 من كتابه المخطوط: (مصباح الدياجي وغوث الراجي وكهف اللاجي): (قبور الرؤيا من النساء مثل زينب الذي بقناطر السباع وزينب الذي بباب النصر وخديجة وعاتكة وصفية..).
5-أما أول نص مكتوب يعلن عن نسبة هذا الضريح إلى السيدة زينب بنت السيدة فاطمة الزهراء والإمام علي بن أبي طالب فقد ورد في حكاية سجلها الشيخ عبد الوهاب الشعراني (المتوفى سنة 973هـ/1565م) في بعض كتبه مثل كتاب المنن الكبرى, أي بعد حوالي تسعة قرون من وفاة السيدة زينب!!! فقد حدث في سنة 935هـ/1528م أن حلم أحد الأشخاص وهو علي الخواص بأن السيدة زينب بنت السيدة فاطمة الزهراء والإمام علي بن أبي طالب مدفونة قرب قناطر السباع, فأخبر الناس بذلك وأصبح يداوم على زيارة هذا القبر البسيط وتنظيفه والعناية به.
وهكذا بدأ هذا الضريح في الازدهار ببطء بينما أخذ الضريح المنافس له والموجود بجبانة باب النصر في الاندثار بعد أن حسم علي الخواص المنافسة بينهما.
6-بعد ذلك ابتدئ في تأليف مرويات حديثة لتتفق مع الوضع الجديد بغرض تدعيمه, وأرجعوا هذه المرويات والتي طبعت في كتيبات شعبية إلى عصور قديمة, بل حدث إدعاء بوجود مخطوط (لا وجود له) للعبيدلي, يشرح فيه رحلة السيدة زينب إلى هذه المنطقة.
علماً بأنه لم يذكر أحد من الباحثين) رغم كثرتهم في مصر وخارجها) أنه قرأ هذا المخطوط نفسه والتحقق منه, بمن فيهم المصدر الوحيد لهذا الكلام المزيف وهو حسن قاسم, وربما قد دس عليه, علماً بأن فهارس المكتبات العامة التي بها مخطوطات أصبحت معروفة ومتداولة ومتاحة تماماً لكافة الباحثين دون حاجة إلى الترحال كما كان يحدث سابقاً.(14/60)
7-منطقة حي السيدة زينب الحالي, بالإضافة إلى كونها جزءاً من نهر النيل إبان وفاة السيدة زينب فإنها كانت تتناثر حول شاطئها هنا الكنائس القبطية والتي كانت تعرف بكنائس الحمراء (مثل كنيسة الزهري الشهيرة), رغم المعروف عن العرب المسلمين في العصور الأولى من الفتح الإسلامي أنهم التزموا بالسكنى في أحياء إسلامية خاصة بهم (الفسطاط –العسكر – القطائع – القاهرة الفاطمية). كما أنه من الثابت أن دار والي مصر آنذاك مسلم بن مخلد الأنصاري كانت في مدينة الفسطاط عاصمة مصر آنذاك, والتي تبعد كثيراً عن المكان الحالي لضريح السيدة زينب. (قال مؤلفو المخطوط المزعوم إن السيدة زينب دفنت في دار والي مصر المذكور).
8-في القرن 19 لخص العلامة علي باشا مبارك هذا الموضوع, عند حديثه عن مسجد السيدة زينب في الجزء الخامس من الخطط التوفيقية, في قوله: (ثم إني لم أر في كتب التواريخ أن السيدة زينب بنت علي رضي الله عنهما جاءت إلى مصر في الحياة أو بعد الممات). والمقصود بعبارة بعد الممات هو نقل وفاتها.
والجدير بالذكر أن التاريخ قد سجل الكثير من مثل هذه الواقعة, حتى أنه لتكرارها نشات تسمية مصطلح, مشاهد الرؤيا (أي أضرحة الأحلام) وقد أخذ الناس بها لأنها تتفق مع تمنياتهم فمن مشاهد الرؤيا أيضاً:
1-ضريح الإمام جعفر الصادق, بشارع الصنادقية, قرب الأزهر, وذلك رغم وقوع المقريزي ومن بعده علي باشا مبارك في وهم أنه مدفون به, والحقيقة أنه مدفون في المدينة بالحجاز.
2-ضريح السيدة فاطمة أم الغلام بنت الحسين بن علي, بمسجد أم الغلام, بالجمالية والحقيقة أن المدفون به هو السيدة بدرية, وقد أنشأه لها ابنها محمد بن بردبك.
3-ضريح للسيدة رقية بنت الإمام علي, بشارع الخليفة.
4-ضريح لأبوأيوب الأنصاري بشارع البيومي والحقيقة أنه مدفون بالقسطنطينية (استنابول).
5-ثلاثة أضرحة للسيدة فاطمة النبوية في منطقة قسم الدرب الأحمر لوحدها:(14/61)
الأول: بحارة فاطمة النبوية, قرب السور الشرقي لمدينة القاهرة.
الثاني: بشارع تحت الريع, كما ذكر علي مبارك في الجزء الخامس من الخطط التوفيقية.
والحقيقة أن المدفون به امرأة تدعى فاطمة الشقراء, وقد أخذت بهذا الرأي مؤخراً هيئة الآثار.
الثالث: بسكة النبوية, المتفرعة من درب سعادة, شرق مديرية أمن القاهرة, هذا بالإضافة إلى أضرحة أخرى للسيدة فاطمة النبوية في قسم الوايلي وغيره, كما توجد مشاهد رؤيا أخرى كثيرة في مصر نسبت إلى شخصيات أخرى.
مفكرو الشيعة في مصر يؤيدون زواج المتعة.. حلال شرعاً !
لسان حال علماء الأزهر تجاه كتاب جمال البنا " مسؤلية فشل الدولة الإسلامية " وما ينادي به من أفكار ورؤى لا تعجب الكثير من المشايخ في معظم الأحوال لقد اعتزلنا واصل.. وفي أحوال أخرى يردد بعض العلماء "لقد تشيع الرجل" ولكن القاسم المشترك في كل الأحوال هو انحراف جمال البنا بأفكاره عن صحيح الدين ومفاهيم العقيدة.
وإذا كانت كتبه السابقة قد لاقت رفضا من الجميع إلا أنه هذه المرة قد جاء فكره منسجماً مع المذهب الشيعي الذي يبيح ويبارك وينادي بزواج المتعة المعمول به بين أتباع المذهب الجعفري وانبروا للدفاع عنه والتأكيد علة شرعية زواج المتعة.
في البداية اختار المفكر الشيعي المهندس شريف راشد الصدفي عنوانا لمداخلته نكاح المتعة بين النص والرأي قائلا بادئ ذي بدء آثرنا هذا التحديد التعريفي لمجال الخلاف: النص والرأي في تلك القضية الخلافية نظرا لكونها أقدم من التبلور البين لطائفتي المسلمين السنة والشيعة.(14/62)
أما الدكتور أحمد راسم النفيس الكاتب الشيعي فقد استهل كلامه بحماسته المعهودة قائلا: الدنيا قامت ولم تقعد عندما أصدر جمال البنا كتابا أكد فيه أن زواج المتعة هو الحل الوحيد للأقليات المسلمة حتى لا تقع في الزنا أو تدخل في زواج تخسر فيه الكثير حال الطلاق لأن الزوجة ساعتها ستتقاسم مع زوجها الثروة.. بالنسبة لموقف الأزهر يرى النفيس بأنه لا جديد، فباب الاجتهاد مغلق من الأساس ومفتاحه الوحيد ضاع في واحد من محيطات الأرض وبحارها الواسعة وليس هناك مجال للقول بغير ما قاله الأولون أصابوا أم أخطأو ولا مجال للنظر في الدليل.
مجلة الأهرام العربي 28/8/2004
اسئلة المشهد العراقي
فهمي هويدي
الفتوى التي اصدرها المرجع الشيعي بتحريم التعامل باية صورة مع الذين انتهكوا حرمة مدينة النجف تثير سؤالاً كبيراً حول موقف الفقه الجعفري من الذين انتهكوا عرض العراق كله. ليس ذلك فحسب، وانما يستدعي المشهد الدامي الذي طالعنا في العراق خلال الاسبوعين الاخيرين عديداً من الاسئلة المدببة الأخرى، التي ينبغي أن تبسط على الملأ، حتى وأن لم نعثر على إجابة مقنعة لها.(14/63)
صاحب الفتوى التي تناقلتها وسائل الأعلام يوم الجمعة الماضي (13/8) هو آية الله محمد حسين فضل الله، الذي كان قد أدان الحملات العسكرية الأمريكية على المدن العراقية الأخرى، واعتبرها "جريمة إنسانية". ولان المراجع لا يلقون الكلام على عواهنه، فقد لاحظت في تصريحاته تفاوتاً في تقييم الانتهاكات الأمريكية. إذ في حين اعتبر اجتياح النجف "الأشراف" إثماً وعدواناً على المقدس، استحق إطلاق تحريم التعامل مع مرتكبيه، فانه صنف استباحة المدن الأخرى بحسبانها "جريمة إنسانية" وسياسية تستحق الإدانة والتنديد فقط. وهذا الاختلاف مفهوم، باعتبار القداسة التي تتمتع بها النجف في الوجدان الشيعي، من جراء احتوائها على رفات الإمام علي بن ابي طالب. وهو موقف ربما كان مقبولا إذا كان الاختلاف الذي نحن بصدده في الدرجة وليس في النوع، بمعنى آن تضفي القداسة على كرامة البشر الذين يسكنون الوطن بكل مدنه، ثم يكون لتلك القداسة موقعاً متميزاً فيها يتعلق ببعض الأماكن نظراً لخصوصيتها في إطار المذهب. من ثم فليس لنا اعتراض على تشديد الحكم فيما يتعلق بالنجف الأشراف، وانما تحفظنا على عدم شمول المدن العراقية الأخرى بذلك التشديد.
ولست اخفي أنني في ذلك انطلق من المفهوم الشرعي الذي يشدد في الدفاع عن ديار الإسلام كافة إذا ما تعرضت للغزو والاحتلال، ويعلي في الوقت ذاته من شأن كرامة الانسان المنصوص عليها صراحة في القرآن، ومن ثم يضفي قداسة على تلك الكرامة، ويقدمها على أي مكان مهما كانت قيمته. واذكر هنا بما سبق أن أشرت إليه في سياق آخر حين هم النبي ? بالهجرة إلى الحبشة، فنظر إلى الكعبة ملياً وقال: ما اعظمك وما اعظم حرمتك عند الله. ثم أضاف: والذي نفسي بيده لمحجمة (إناء صغير بحجم عقلة الإصبع) من دم امرئ مسلم اعظم حرمة عند الله منك.(14/64)
هذا النص الأخير يقرر صراحة أن حرمة دم المسلم اعظم درجة عند الله من الكعبة ذاتها، التي هي اقدس مكان عند المسلمين. اكرر إنها مقدسة لا ريب، ولكن الدم المسلم أعلا درجة منها عند الله. وهو منطوق إذا قمنا بتنزيله على الواقع الذي نحن بصدده فسوف يعنى أن دم أي انسان اهدر في العراق اقدس عند الله من أي مكان مقدس آخر، تستوي في ذلك النجف مع الفلوجة والانبار والحلة والبصرة. وهي كلها من ديار الإسلام التي يظل الدفاع عنها واجباً شرعياً بامتياز.
لماذا كانت غيرة مراجع الشيعة على الطائفة ومقدساتها اكبر من غيرتهم على الوطن وناسه؟
السؤال يشغلني منذ بداية الاحتلال . حين لاحظت، ولاحظ معي كثيرون، أن مراجع الشيعة اتخذوا موقفاً مهادناً للاحتلال بدرجات متفاوتة. أو قل إن موقفهم لم يكن بالقوة والحزم المعهودين والمنتظرين منهم، على النحو الذي شهدناه ضد الولايات المتحدة في إيران وضد الإسرائيليين في لبنان. صحيح أن منهم من عبر عن الاستياء والنفور بأشكال مختلفة (آية الله علي السيستاني رفض مقابلة ممثلي سلطة الاحتلال)، إلا اننا لم نجد أحداً منهم انحاز صراحة إلى موقف مقاومة الاحتلال، باستثناء مقتدى الصدر، الذي ليس مرجعاً دينياً لكنه استطاع أن يفرض نفسه كمرجعية سياسية.
سواء كان الحذر من جانب المراجع الشيعية نابعاً من الحرص على تحقيق مكاسب سياسية للطائفة في ظل الوضع الجديد، أو كان مجاملة لإيران التي كانت لها حساباتها الخاصة في التعامل مع الوجود الأمريكي وتأييد إسقاطه للنظام السابق. فالشاهد أن موقف المرجعية ظل متراوحاً بين المهادنة والالتباس. وفي الحالتين فان موقعها في خندق مقاومة الاحتلال ظل شاغرا ًطوال السبعة عشر شهراً الماضية على الأقل .(14/65)
لعلك لاحظت انني كررت الاشارة إلى "المراجع الشيعية"، لانني ازعم أن الجماهير الشيعية اختارت موقفاً اكثر تقدماً من المراجع، بل وكانت عنصراً ضاغطاً على المراجع ليس في العراق فحسب، وانما في إيران ولبنان أيضاً . ودون الدخول في تفاصيل لا مجال للافصاح عنها الان، فإن قطاعات وهيئات تمثل تلك الجماهير، انحازت إلى المقاومة، واختارت أن تأخذ مكانها في الصف الوطني متجاوزة الحسابات المذهبية ومعادلات اللعبة السياسية. وقد وجد هؤلاء في مقتدى الصدر النموذج الذي يمثلهم، فكان الالتفاف الكبير حوله في داخل العراق وخارجه.
يقتضينا الإنصاف أن نقرر أن موقف فضل الله الذي حرم التعامل مع المسؤولين عن استباحة النجف يظل أفضل نسبياً من موقف مراجع الشيعة الاخرين الذين التزموا الصمت ازاء ما جرى . ومن تحدث منهم في الموضوع ظل يتحرك في إطار الإدانة السياسة، ويستوقف المرء في هذا الصدد البيان الذي صدر في 11/8 باسم آية الله علي السيسالني المتواجد في لندن للعلاج ، ووجه فيه الدعوة إلى "جميع الأطراف ذات العلاقة للعمل بجدية من أجل إنهاء الازمة في أسرع وقت، ووضع أسس تضمن عدم تكرارها مستقبلاً" وهو كلام دبلوماسي قد يظن لاول وهلة انه صادر عن كوفي عنان الامين العام للأمم المتحدة .
لا يفوتنا في هذا الصدد أن نذكر بأن هيئة علماء المسلمين (السنة) أصدرت في اليوم التالي مباشرة (12/8) فتوى مهمة بخصوص اجتياح النجف نصت على انه "لا يجوز لمسلم أن يتعاون مع قوات الاحتلال في قتل إخوانه وأهل بلده، سواء انتسب إلى الحكومة العراقية أو إلى أي جهة أخرى". وفهم أن الفتوى موجهة إلى رجال الشرطة والدفاع المدني الذين أرادت قيادة الاحتلال أن تستخدمهم في قمع مقاومة الجماهير العراقية في مختلف المدن.(14/66)
هل هي مصادفة، أن تختفي المراجع الشيعية من العراق،بحيث يصبح مقتدى الصدر وحيداً في مواجهة الاحتلال والحكومة التي نصبها، بحيث يغدو الاختفاء عذراً شكلياً يسقط التكليف عن المراجع في تحديد موقف من حركته وتياره؟
اختفاء المراجع يبعث على الارتياب، ورغم أن السيسالني الذي يعد المرجع الشيعي الاعلى هو الوحيد الذي أعلن عن المكان الذي ذهب إليه، إلا أن أحداً لم يعد يعرف أين يوجد الباقون .
حتى فيما يخص السيستاني فان سفره إلى الندن في الظرف الراهن تحيط به عدة علامات استفهام . ذلك أن الرجل لم تكن حالته خطيرة على النحو الذي يستدعي سفره المفاجئ بينما القوات الأمريكية تزحف نحو النجف لاقتحام أهم مقدسات الشيعة، وتصفية الصدر وحركته. ثم أنه كان مستغرباً بالنسبة لمن في مكانته أن يختار لندن لكي يعالج فيها، متجاهلا أن بريطانيا هي الحليف الرئيسي للولايات المتحدة في عملية غزو العراق وتدميره. حيث كان متوقعاً من رمز مثله ألا يضع نفسه في هذا الموقف، خصوصاً أن علاج حالة القلب التي يشكو منها ليست من النوع الجسيم أو المستعصي، ومن ثم يمكن أن يتم في أي بلد أوروبي آخر.
يعزز الرأي القائل بان حالته ليست خطرة، أنه وهو متجه إلى لندن توقف في بيروت وعقد لقاء استمر سبعين دقيقة مع نبيه بري رئيس مجلس النواب اللبناني وزعيم حركة "امل" التي اغلب أعضائها من مقلدي السيستاني وقالت الصحف البيروتية أن اللقاء الذي أحيط بسرية تامة تناول الموضوع العراقي وتداعياته. وفي أعقابه ذكرت تلك الصحف أن القيادات الشيعية اللبنانية، شكلت "خلية طوارئ" لمتابعة الأوضاع المتدهورة هناك، وأن نبيه بري بدأ بإجراء اتصالات لتسوية الأزمة.(14/67)
انك إذا وضعت غياب المراجع عن العراق، جنباً إلى جنب مع إغلاق مكتب قناة "الجزيرة" في العاصمة العراقية،ثم أضفت القرار الذي صدر بعدم التصريح للصحفيين بدخول النجف الأشراف وتقييد حركتهم في العراق. فلن تحتاج إلى جهد كبير لكي تدرك أن القيادة الأمريكية قررت أن تستفرد بمقتدى الصدر وتصفي قواته (جيش المهدي) الذي سبب لها إزعاجا خاصاً، وفي الوقت نفسه فإنها أرادت أن تحجب حقيقة الاجتياحات والمداهمات والقصف التي تقوم بها عن الرأي العام في العالم الخارجي.
إذا استبعدنا فكرة أن قيادة الحكومة الحالية تمثل الشيعة، رغم انتمائها إلى المذهب، فلماذا يحسب صدام حسين على السنة، ويقال أنه قهر الشيعة بهذه الصفة. وأن السنة احتكروا السلطة في العراق طيلة سنوات عهده؟
البحرين: بوادر انشقاق في التيار الإسلامي الشيعي
المنامة - مهدي ربيع الحياة 2004/08/23
لاحت بوادر انشقاق سياسي داخل التيار الإسلامي الشيعي في البحرين, بعدما أعلن قبل يومين عن بدء مشاورات لتأسيس جمعية سياسية جديدة باسم "العدالة والتنمية" ستشارك في الانتخابات النيابية المقبلة, وتضم شخصيات بارزة في جمعية "الوفاق الوطني" الإسلامية, كبرى الجمعيات السياسية والواجهة الرئيسية للشيعة في البحرين, والتي قادت مقاطعة انتخابات 2002 البرلمانية.
غير ان رئيس الوفاق الشيخ علي سلمان قلّل في تصريح من أهمية تشكيل جمعية أخرى ومن تأثيره على الأداء السياسي للتيار السياسي الإسلامي الشيعي, مشدّداً في الوقت نفسه على "عدم وجود حاجة سياسية ملحة لتأسيسها", ومؤكداً ان "الحركة الشيعية تتمتع بتعدد الرؤى داخلها حالياً".(14/68)
وفي حديثه إلى "الحياة" كشف الدكتور نزار البحارنة, الذي يقود السعي لتأسيس الجمعية الجديدة عن "نيتها المشاركة في الاستحقاق النيابي المقبل سنة 2006", لافتاً إلى وجود قناعة بين المؤسسين في هذا الشأن , ما لم تطرأ مفاجآت سياسية", ونافياً وجود إيعاز رسمي بتأسيس الجمعية واتخاذ موقف المشاركة في مقابل "الوفاق المقاطعة حالياً".
واستقال البحارنة من مجلس إدارة الوفاق في بداية السنة الجارية بعد زميله الشيخ عبدالنبي الدرازي, أحد القياديين السابقين لحزب "الدعوة" المنحل في البحرين, احتجاجاً على احتكار بعض قيادات ورموز الوفاق القرار السياسي وعدم التزام الشفافية والديموقراطية, في حين استقال خليل المرزوق من دون إبداء الأسباب.
ويحسب الثلاثة على الجناح الوفاقي المعتدل, كونهم ساندوا موقف المشاركة النيابية في مواجهة جناح آخر يقوده بارزون متشددون مثل عبدالوهاب حسين و نائب رئيس "الوفاق" حسين مشيمع.
ويتشكل النسيج السياسي لجمعية "الوفاق" التي تأسست في 2002, من توجهات سياسية متعددة مثل حزب الدعوة وحزب الله وحركة أحرار البحرين. وقام أتباع السيد محمد مهدي الشيرازي والسيد محمد تقي وهادي المدرسي بتأسيس جمعية خاصة بهم العام الماضي هي "العمل الإسلامي" بقيادة الأمين العام السابق للجبهة الإسلامية لتحرير البحرين الشيخ محمد علي المحفوظ, ما يعني ان "العدالة والتنمية" ستكون الثالثة في الحركة الشيعية.(14/69)
وقال البحارنة ان ما دفعه الى العمل على تشكيل جمعية جديدة "الأداء السياسي غير المقنع للوفاق", مشيراً إلى ان العشرات من داخل وخارج الوفاق أبدوا رغبتهم في الانضمام إليها. ولفت إلى انه في حال اتخذت الوفاق قراراً بالمشاركة في الانتخابات المقبلة "سندعم كوادرها", موضحاً ان جمعيته لن تكون منافسة للوفاق ولن تأخذ حجمها أو دورها. ولم يذكر تاريخاً محدداً لتقديم طلب رسمي بشأن هذه الجمعية, مبرراً ذلك بالحاجة إلى مزيد من المشاورات مع الرموز السياسية والمرجعية الدينية التي قال ان جمعيته ستلتزم قرارها السياسي في القضايا الإستراتيجية
بطش الدروز بالأسرى الفلسطنيين !!
لفت الإضراب الذي نظمه الأسرى الفلسطينيون في سجون ومعتقلات الاحتلال مؤخرا الأنظار إلى الأوضاع المأساوية التي يعيشونها ، والإذلال الذي يتعرضون له صباح مساء على أيدي سجانيهم .تهمتهم أنهم رفضوا احتلالا يهوديا بغيضا لبلادهم ومقدساتهم.
الأسرى الفلسطينيون الأبطال في سجون ومعتقلات الاحتلال لا يواجهون اليهود وحدهم، إنما هم أمام سجان آخر من بني جلدتهم، يضع في أولوياته خدمة اليهود ،والانتقام من المسلمين في فلسطين، ذلك السجان هو الدروز، تلك الفرقة التي وضعت في عداد الفرق الإسلامية ، وهي أبعد ما تكون عن الإسلام،إذ أنها تؤله الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله ، وتدعي أن للإسلام ظاهرا وباطنا،وتصرف أحكام الإسلام عن مراده.
وينتشر الدروز بشكل خاص في بلاد الشام. وفي فلسطين يتواجدون في شمالها،وهو جزء من الأراضي الفلسطينية التي احتلها اليهود عام 1948. ويخدم الدروز في الجيش الإسرائيلي إلى جانب اليهود وخصوصا في سلاح حرس الحدود وإدارة السجون . (1)(14/70)
ويتقلد العديد منهم مناصب عسكرية وأمنية كبيرة ،وليس سرا القول بأنهم من خلال وجودهم في جيش الاحتلال يقومون بمحاربة الانتفاضة والمقاومة الفلسطينية، وقد سقط عدد من الدروز في هذه المواجهة ضد أبناء بلدهم.كما أنه لم يعد سرا ما يمارسه السجانون الدروز ضد الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال من تعذيب وإيذاء ، وهو ما أشارت إليه بشكل بارز الصحف الفلسطينية التي تناولت مأساتهم ،إضافة إلى عدد من المواقع الإليكترونية.
وها نحن نقدم لمحة عما يرتكب بحق الأسرى من قبل الدروز وردود الفعل في فلسطين استنادا إلى ما نشرته الصحافة الفلسطينية:
ذكر ت صحيفة كل العرب الصادرة في مدينة الناصرة الفلسطينية المحتلة سنة 1948 تحت عنوان "شهادة حية وفظيعة من قسم 11 في سجن شطة" ما رواه أحد الأسرى الفلسطينيين في ذلك السجن، حيث تقول خلاصة روايته:
"ضباط وسجانون دروز انهالوا علينا بالضرب، نزعوا ملابسنا بالقوة وهددونا بالاغتصاب
طلب مني إنزال البنطال أيضا ففعلت، وفي النهاية طلب مني إنزال ملابسي الداخلية وقلت إنني لا أستطيع ذلك أولا لأنني صائم، وديني لا يسمح بكشف عورتي لأي كان، وثانيا ان هذه طريقة تفتيش غير قانونية .
جروني الى حمام الفورة ( ساحة السجن ) وهددوني انهم إذا لم اخلع ملابسي سيفعلون ذلك على مرأى من جميع الأسرى. رأيت الضابط الدرزي يجر الأسير( أسيرا آخر) خارج السجن وهو يمسك بعنقه ويقوم بخنقه فرفع أحد السجانين قميصي وبنطالي وهز البنطلون وقال لي سوف أقوم باغتصابك. لم استطع تمييز أحد من السجانين من شدة الضرب، خلعوا ملابسي مجددا ووضعوا تحتي دلوا وأخذت إحدى السجانات بالصراخ ..".
وتضيف الصحيفة: نشير هنا الى أننا امتنعنا عن نشر أسماء السجانين المتورطين في تعذيب الأسرى لان الأسماء في هذه الحالة غير مهمة إنما المهم الأعمال التي قام بها هؤلاء دون وازع من ضمير ورحمة.(14/71)
وفي صحيفة صوت الحق والحرية التي تصدرها الحركة الإسلامية في فلسطين المحتلة عام 48 ( 5/9/2004) كتب الشيخ كمال خطيب نائب رئيس الحركة تحت عنوان" شطة اسم على مسمى" يقول:
"انه سجن ابو غريب الاسرائيلي ، انه سجن شطة ، واذا كان سجن ابو غريب في العراق قريبا من القادسية فان سجن شطة قريبا من عين جالوت ، انها المفارقات العجيبة في هذا الزمن الذي اصبح فيه يتلذذ الموتورون واصحاب العاهات النفسية ومن تلازمهم عقدة النقص والكراهية من السجانين وهم يتفننون بتعذيب السجناء من الشرفاء من ابناء شعبنا ".
ويعدد خطيب بعضا مما يواجهه الأسرى من " التهديد بالاغتصاب ، شتم الذات الإلهية، شتم الرسول محمد صلى الله عليه وسلم .. ان يقول الضابط للسجين .. بالعبرية : (????? ?????? ??? ????? ?????? ??????) ومعناها ( السجان هو الله وما يأمر الله يجب ان ينفذ ) والويل ثم الويل لمن يخالف أوامر هذا القزم الذي يدعي الألوهية .
ويضيف خطيب "اللافت للانتباه ان اكثرية الضباط والسجانين الذين يمارسون هذه السادية والدونية في اساليب التعذيب هم من العرب الدروز طبعا اضافة الى اليهود ، وهنا سأكون واضحا جدا والى ابعد الحدود ، فأمام ما كتبته الصحف واعلنته وسائل الاعلام عن حقيقة ما يجري في سجن شطة والتأكيد ان السجانين الدروز هم اكثر وأعنف من يمارس هذه الممارسات ، فكنا بين صمت قاتل من اعيان الطائفة الدرزية ، وبين من تكلم ليقول ان عرباً مسلمين ومسيحيين يخدمون في الشرطة فلماذا اتهام الدروز فقط ، وبين قائل انهم مجرد موظفين ينفذون سياسة ، وبين قائل انها بذور للفتنة يبذرها من يتكلم عما يحصل من السجانين الدروز مثلما قالها احدهم يوم تحدثنا عن مرشد راشد الجندي الدرزي الذي قتل متعمدا الشهيد رامي درة من(قرية) جت في انتفاضة الاقصى .(14/72)
انني اقولها وبصراحة لكل رؤساء السلطات المحلية الدرزية وانني انادي الشيخ موفق طريف ، والقاضي نعيم هنو القاضي في محكمة الاستئناف الدرزية ، وانني انادي الدكتور المحامي سلمان خير رئيس جمعية ابناء التوحيد ، وانني انادي الزملاء الدروز في جاهة الاصلاح القطرية ، انني اناديهم وغيرهم بضرورة الإسراع وتفادي ما لا تحمد عقباه من نتائج وانعكاسات خطيرة على العلاقة بين ابناء الشعب الواحد سببها مجموعة من هؤلاء السجانين الهمجيين ، واننا لن نقبل ابداً بالجواب بأن هؤلاء موظفون وينفذون اوامر قادتهم" .
وتحت عنوان "معلومات متناقضة تكشفها جولة لصحافيين عرب في سجن هداريم" كتبت منى جبران في صحيفة البيادر السياسي الصادرة في القدس تروي بعض مشاهداتها في هذا السجن قائلة :
تعالت أصوات السجناء الفلسطينيين خلف القضبان على أصوات السجانين في سجن "هداريم" خلال ظهور وسائل الاعلام عليهم, وسرعان ما توجه الصحفيون الى فتحات أبواب غرفهم لمعرفة ما يجري.
وبدأت هذه الزيارة بمؤتمر صحفي عقده قائد منطقة "هداريم" نظمي زبيد, والذي نفى ما كتبته الصحف العربية مؤخراً عن سجني هداريم وشطة قائلاً: "ان سجن هداريم هو أفضل السجون في اسرائيل, ومعاملة السجناء فيه جيدة جداً .
ورداً على سؤال أحد الصحافيين حول قيام السجانين الدروز بتعذيب السجناء الفلسطينيين قال مدير السجن "ان هذا السؤال لا يستحق الرد عليه"!
ونشرت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان (17 يونيو 2004) نداء للأسرى يناشدون فيه شيوخ الطائفة الدرزية الضغط على الدروز العاملين في جيش الاحتلال لوقف ممارستهم التعسفية بحقهم.(14/73)
وجاء في البيان: نطالبكم بما نعتقد بأنه واجبكم تجاه شعبكم الفلسطيني وقضيتنا العادلة وأبنائكم في السجون الضغط على أبنائكم للاستقالة الفورية وترك العمل في مصلحة السجون وكل أجهزة الاحتلال ذات الاحتكاك المباشر بنا منعا للاصطدام فيما بيننا ودفعا للحرج ودرءا للمفاسد وتحمل المسؤولية الكاملة عما يرتكبه أبنائكم بحقنا من ممارسات لا أخلاقية لا تمت الى عادتنا وقيمنا العربية بصلة والاعتذار الرسمي والشعبي لشعبنا الفلسطيني عما حصل والقيام بخطوات عملية وإجراءات سريعة لوقف هذا التعدي السافر علينا.
وانتقل صراع الأسرى وسجانيهم إلى الكنيست ( المجلس النيابي ) الإسرائيلي حيث تنقل المنظمة العربية لمناهضة التمييز( 26/6/ 2004 ) جانبا من هذا الصراع بين عدد من النواب الدروز وغيرهم عند نقاش لجنة الداخلية بالكنيست موضوع التعذيب والإهانات التي يتعرض الأسرى في سجن شطة على خلفية ما نُشر في صحيفة "كل العرب" التي وجهت اتهاماً مباشراًً إلى السجّانين الدروز بممارسة التعذيب.
وإزاء التقارير المتواترة عن التعذيب لم يجد العضو الدرزي في الكنيست مجلي وهبة إلا أن يقول أن هذا "هجوم عنصري على الطائفة الدرزية ومحاولة مقصودة للإساءة إليها وتلويث سمعتها. وما ورد في التحقيق الصحفي مغرض وغير موضوعي.
وبشيء من الاستهزاء يقول وهبة أن الصحفي يقترح على السجانين ترك العمل والاستقالة من العمل لدى منظومة الاحتلال بالكامل، وإلا فإن الأمر سيؤدي إلى الصدام المباشر بين الطائفتين الدرزية والإسلامية.
ويقول عضو الكنيست أيوب قرا - وهو درزي أيضاً - إنه يأسف بشدة لأن الأخبار التي نُشرت قد أضرت بنسيج العلاقات مع الطائفة الدرزية. وادعى أن كل المزاعم التي طُرحت باللجنة تمت دراستها في إدارة التحقيقات مع رجال الشرطة وسوف تتم محاكمة حُراس السجن على ما ارتكبوه ولا علاقة لهذا بأصلهم الطائفي.(14/74)
أما ممثل مصلحة السجون الإسرائيلية العميد ميخائيل حلفون فيسارع إلى تبرئة السجانين الدروز قائلا إن هناك للأسف الشديد هجوماً على حراس السجن الدروز وتهديداً لهم.
(1)…لمزيد من المعلومات عن الدروز يمكن الرجوع إلى العدد التاسع من الراصد – باب فرق.
البهائية تدخل الكويت !!
منيرة الحوطي
الفرقان العدد ، 306 - 307 16 ، 23 /8/2004
منذ سنة كانت امرأة تتردد على أمي وتدعوها لحضور مجالسهم في منطقة خيطان، وكانت امرأة خلوقة وتحمل منهجاً تود أن تدعو إليه، وبدأت تتردد وكل مرة تحضر معها مجموعة من النساء عندهن وسائل إقناع ليست بالهينة، وغالبيتهن متزوجات من كويتيين أغلبهن تجنسن ولم تبق إلا عشر نساء! أعدادهن في الكويت يتراوح من 50- 80 امرأة ثم في كل زيارة تطرح موضوعاً وتوزع شريطاً، وقد أخذوا والدتي إلى مقارهن في منطقة سلوى والفروانية والعارضية، ومن حرصي على عقيدة نساء الكويت الواعيات المدركات لابد أن أبين عقيدتهن التي دفعني فضولي وخوفي على والدتي أن أتعلمها فأرجو أن يتسع المقام وأطالب اخواتي بالانتباه وعدم طي الصفحة حتى تستوعبن حقيقتهن، ويكون عندكن إلمام كامل عن هذه الطائفة قبل أن تخترق جدار العقيدة.
التعريف
أول ورقة اسبوعية قدمتها لوالدتي كانت عن التعريف بالطائفة وكان مضمونها أن البابية أو البهائية حركة وعقيدة نبعت وانبثقت من الشيعة الإمامية الإثنى عشرية سنة 4481م، ومعلوم أنها كانت تحت رعاية الاستعمار الروسي والبريطاني واليهودية العالمية والحركة الماسونية بهدف إفساد العقيدة الإسلامية وتفكيك وحدة المسلمين وصرفهم عن قضاياهم الأساسية.(14/75)
وأضافت أن موطنها الأول إيران، وسميت بالبابية نسبة لزعيمها الأول ومنشئها، الذي لقب نفسه بـ-الباب- وسميت بالبهائية نسبة لزعيمها الثاني، الذي لقب نفسه بـ -بهاء الله-، وقد ادعى كل من الباب والبهاء النبوة والرسالة، ثم زعم كل واحد منهما أن الله قد حل فيه، وزعم -بهاء الله- أنه هو الرب الذي بشرت به الديانات كلها، وهو المشرع الأعلى الذي تنبأت بظهوره البوذية، والبرهمية، واليهودية، والمسيحية، والإسلامية، وكل هذه الديانات بزعمه وزعمهم مقدمات لظهوره.
ومنذ نشأتها تبناها أعداء الإسلام كعادتهم في تغذية الاتجاهات الكافرة وإثارة الخلاف والشكوك حول الإسلام وتعاليمه.
أسباب الظهور
وعندما سألتها أمي سؤالا عفويا عن أسباب ظهورها قالت :
- غلو أهل إيران بعقيدتهم حول المهدي المنتظر.
- استقر في عقول البعض من أهل إيران مجيء نبي من العجم آخر الزمان ينسخ شريعة الإسلام.
- الفقر الشديد والظلم الذي كان يعيشه الشعب الإيراني في ظل الشاه وحاشيته وحياة البذخ والبحبوحة التي يعيشها هو وزبانيته.
- وجود حالة ترقب وانتظار إلى منقذ آت يرفع عنهم الحيف.
- تشجيع الدول الاستعمارية لمثل هذه الدعوات وبالأخص البهائية التي ساندتها روسيا، والحكومة البريطانية، واليهودية، والصهيونية، والماسونية العالمية.
التأسيس وأبرز الشخصيات
وفي أجندة الاسبوع الثاني أرادت تعريف والدتي بأئممتهم فأفتتحت بالأول:
علي محمد الشيرازي -9181 - 0581-: البابية أسسها علي محمد الشيرازي في -32 مارس 4481م-.
- تلقى تعليمه الأول على يد دعاة الشيخية من الشيعة، ثم انقطع ومارس التجارة.
- في السابعة عشرة من عمره عاد للدراسة واشتغل بكتب الصوفية، والرياضة الروحانية، وممارسة الأعمال الباطنية المتعبة.(14/76)
- وفي عام 3481م ذهب إلى بغداد وبدأ يرتاد مجلس إمام الشيخية في زمانه كاظم الرشتي ويدرس أفكاره وآراء الشيخية، وفي مجالس الرشتي تعرف عليه الجاسوس الروسي -كنيازد الغوركي-، والمدعي الإسلام باسم عيسى النكراني، والذي بدأ يلقي في روعه أن -علي محمد الشيرازي- هو المهدي المنتظر والباب الموصل إلى الحقيقة الإلهية، والذي سيظهر بعد وفاة الرشتي وذلك لما وجده مؤهلاً لتحقيق خطته في تمزيق وحدة المسلمين.
- وفي 32 مارس 4481م أعلن أنه الباب نسبة إلى ما يعتقده الشيعة الشيخية من ظهوره بعد وفاة الرشتي المتوفى في 9521هـ، وأنه رسول كموسى، وعيسى، ومحمد، فردت والدتي لا يمكن، أعوذ بالله أن يكون أفضل منهم.. سكتت برهه ثم واصلت أنه من تلاميذ الرشتي وآمن به العامة بأنه الباب للمهدي المنتظر، وكان عمره يومئذ 52 عاماً - ومعنى الباب في اصطلاحهم : الشخص الذي يكون واسطة بين الإمامية وإمامهم الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري، وتقوم عقيدتهم على أنه المهدي وهو الذي يسمونه -المنتظر- وهم إذا ذكروه يدعون الله بأن يعجل فرجه، وبذلك تكون الرجعة.
- واختار ثمانية عشر مبشراً لدعوته، أطلق عليهم حروف الحي، وقبض عليه في عام 1621هـ أي 6481م، فأعلن توبته على منبر مسجد الوكيل بعد أن عاث وأتباعه في الأرض فساداً وتقتيلاً وتكفيراً للمسلمين.
- وفي عام 6621هـ أي 0581م ادعى الباب حلول الإلهية في شخصه حلولاً مادياً وجسمانياً وحكم عليه بالإعدام هو وبعض أتباعه، وهنا تدخل قيصر روسيا للإفراج عنه، وكذلك الحكومة الإنجليزية، إلا أن حكم الإعدام قد سبق ذلك. فقالت أمي يستاهل أكثر من الاعدام.
- ثم انتقلت للتعريف بقرة العين: وهي من أتباع علي محمد الشيرازي، واسمها الحقيقي أم سلمى، ولدت في قزوين سنة 1321هـ للملا محمد صالح القزويني، أحد علماء الشيعة، ودرست عليه العلوم.(14/77)
- ومالت إلى الشيخين بواسطة عمها الأصغر الملا علي الشيخي وتأثرت بأفكارهم ومعتقداتهم، ثم رافقت الباب في الدراسة عند كاظم الرشتي بكربلاء، وكانت خطيبة مفوهة فصيحة اللسان.
- طلبت من أمي أن نجتمع عندها وأن تحرص على إحضار صديقاتها حتى أزودهن بأمور لم تتطرق إليها داعية البهائية..
حضرن إلى المنزل، وبداية أوضحت لهن أن هنالك توافقا تاما بين البهائية والحركات الماسونية والفرق الضالة:
- التوافق التام بين البهائية واليهودية والماسونية في المبادئ والأهداف والوسائل والغايات
- اسم البهائية نسبة إلى البهاء، مأخوذة من التوراة، ورد في مزامير داود ترنيمات عن بهاء الله -أن السموات تحكي عن بهاء- وقد خلعت اليهود على -ميرزا حسين علي- هذه الصفة، وزعموا أنه المقصود بما ورد في أسفار اليهود.
- شروح كتب تراث البهائية لا تختلف عن شروح اليهود، بل كأنك تقرأ في تلمود اليهود، فهي مطابقة لما جاء في شروحات اليهود لنبوءات التوراة.
- تدعو البهائية إلى تجميع الناس على دين واحد، هو البهائية، وهي بذلك كالماسونية، التي تدعو إلى إقامة مملكة موحدة، تحكم العالم، وتجمع الناس على دين واحد.
- توافق البهائية الماسونية في الدعوة إلى الجنس وممارسة الرذيلة والانحلال، وحرية التمتع والإباحية، والانطلاق من القيود والعادات والتقاليد.
- الاتفاق التام في المنهج بين البهائية والماسونية، وذلك أن منهج الماسونية هو الحرية والتدرج، وكذلك كان منهج البهائية، حيث ترتقي بأفرادها درجة تليها أخرى، وفي كل درجة تكشف لهم عن جزء من المستور.
- الدعوة إلى المساواة بين المرأة والرجل، ومكافحة نظام الأسرة، والهجوم على تعدد الزوجات، وقوامة الرجل على المرأة، وفي كل ذلك تتوافق مع ما تدعو إليه الماسونية.(14/78)
- يستخدمون، كما تستخدم الماسونية، المراوغة والنفاق واصطناع المجاملة، فهم يأتون كل واحد من أقرب شيء إلى قلبه، وأدناه إلى فهمه، ويتصرفون مع كل طائفة بما ينسجم مع أفكارها ومعتقداتها.
- علاقة البهائية باليهودية:
- وبعد قليل سألتني إحداهن عن حقيقة علاقة البهائية باليهودية فقلت لها:
- كتب بهاء الله كانت تدعو للتجمع اليهودي على أرض فلسطين.
- زار ابن بهاء الله -عباس- الملقب بـ-عبدالبهاء- سويسرا وحضر مؤتمرات الصهيونية ومنها مؤتمر بال 1911 م.
- حاول عبدالبهاء تكوين طابور خامس وسط العرب لتأييد اليهود والصهاينة.
- كرمته بريطانيا لما أتى إلى فلسطين بمنحه لقب -سير- فضلاً عن أرفع الأوسمة الأخرى.
- تولى رئاسة شؤون البهائيين في عام 1963م اليهودي الصهيوني -ميسون- وهو أمريكي الجنسية، ليكون رئيساً روحياً لهذه الطائفة في العالم كله.
- يحرم البهائيون الجهاد وحمل السلاح وإشهاره ضد الأعداء، لاسيما اليهود.
- يدعون إلى السلام مع اليهود وتقبل الأمر الواقع على أرض فلسطين.
- أيد البهائيون تجمع اليهود في فلسطين، وعدوا أن ذلك مما جاء في العهد القديم.
- كتب شوقي أفندي زعيم الحركة البهائية في 30 يونيو 1948م إلى بن غوريون أول رئيس وزراء للكيان اليهودي، يعبر له عن أطيب تمنياته من أجل رفاهية الدولة الجديدة.
- عقد البهائيون المؤتمر البهائي العالمي في سنة 1968م في رعاية الكيان اليهودي.
- جاء في المؤتمر البهائي العالمي، الذي عقد في القدس المحتلة 1967م برعاية الكيان اليهودي في حفل الختام: -إن الحركتين اليهودية والبهائية متممتان لبعضهما وتجتمعان في أكثر النقاط-.
- القرارات الصادرة عن المؤتمرات البهائية هي بعينها أهداف الماسونية والصهيونية.
- حينما مات -عبدالبهاء- لم يسر في جنازته إلا حاكم القدس الصهيوني اليهودي وعدد من اليهود.(14/79)
- الإعلام اليهودي يساند البهائية ويبرزها على أنها حركة رائدة في مجال الفكر الإسلامي، وكتب العديد من المستشرقين اليهود عن البهائية وأذاعوا عقائدها.
- أعد الكيان اليهودي بناية ضخمة في حيفا على جبل الكرمل في ابريل 1983م لتكون مقراً لمركز البهائية -بيت العدل- الذي يديره تسعة بهائيين يتم انتخابهم.
- يعامل البهائيون في فلسطين المحتلة معاملة اليهود منذ قيام الكيان اليهودي على أرض فلسطين.
- بينما يمارس العدو اليهودي سياسة الاعتداء على المقدسات الإسلامية من مساجد ومقابر ومراكز، ونجد أن محافل البهائية تراعى مراعاة خاصة، وكأنها محافل وكنس يهودية.
- يقول البهائيون: إن الفترة التي قضاها بهاء الله في السجن والمنفى الأربعين عاماً، هي الفترة نفسها التي قضاها بنو إسرائيل في التيه في صحراء سيناء؟!
- ويقول أتباع بهاء الله: إن نبوءات بهاء الله التي يزعم أتباعه على الإنترنت أنها تحققت هي ما تنبأ به بتحقيق الوعود التي جاءت في العهد القديم بخصوص إعادة تجمع اليهود في الأرض المقدسة وفي زماننا هذا.
- وتنبأ عبدالبهاء بمستقبل مشرق لليهود، الذين كانوا يعيشون في فلسطين وليس أولئك الذين كانوا يعيشون في أوروبا.
- يوجد العديد من المحافل والمراكز والأماكن المقدسة للبهائية في عكا وحيفا، والتي لها الصون والدعم الكامل، والتسهيلات المفتوحة، والترتيبات الكاملة لتهيئتها لتكون محجاً للبهائية.
- يقول البهائيون: إن الدين البهائي ظهر في عام 1848م أي قبل مائة عام من إنشاء الكيان الصهيوني على أرض فلسطين المغتصبة، وهذا التاريخ مخالف للواقع، حيث تأسست في عام 1844م .
- يصف اليهود مدينة حيفا بأبرز معالمها -مينائها الشهير- وكذلك -قبة محفل عباس- وهي كما يقولون تشبه إلى حد كبير مسجد الصخرة المذهبة في المسجد الأقصى.
حكم البهائية في الإسلام:
-وفي ختام جلستنا تلك كان لا بد لي أن أبين للحاضرات حكم البهائية في الإسلام :(14/80)
أفتى علماء المسلمين بكفر البهائيين وخروجهم على الإسلام، وأن من اعتنق مذهبهم من المسلمين، يعد في حكم المرتد يستتاب ثلاثة أيام، وإن بقي على ارتداده يقتل بحد الردة.
وقرر مؤتمر المنظمات الإسلامية في مكة المكرمة أن البهائية حركة صهيونية غير إسلامية.
وقرر كذلك مكتب مقاطعة الكيان اليهودي وضع اسم البهائية في القائمة السوداء لثبوت صلتها بالصهيونية.
فالبابية والبهائية من الفئات الضالة الخارجة عن الإسلام بحكم إنكارهم أن رسول الله هو خاتم الأنبياء والمرسلين، وادعائهم بأن روح الله عز وجل قد حلت في الباب أو البهاء، وإنكارهم للعقوبات الإلهية وموالاتهم المستمرة لليهود وسعيهم الدائب لتهويد المسلمين، وإعلانهم أن كتابهم البيان قد نسخ القرآن الكريم، وأن دينهم نسخ الإسلام وتعاليمه وشرائعه.
رؤية شيعية لدور حزب الله وحركة أمل وجمهوريةإيران الحالي .
هذا هو الجزء الثاني من مقابلة قناة الجزيرة للشيخ صبحي الطفيلي الأمين العام السابق لحزب الله وتمت هذه المقابلة بتاريخ 30/7/2004 تناولت المحاور التالية :
•…الصدام مع أمل .
•…الدور الإيراني الحالي .
•…الموقف من الفصائل الشيعية العراقية .
•…ثورة البقاع .
سبب الصدام مع حركة أمل الشيعية(14/81)
تماما كما في الحلقة الأولى كذلك في هذه الحلقة الثانية مع الشيخ صبحي الطفيلي مؤسس حزب الله اللبناني جرى اللقاء في منزل أحد مؤيدي هذا الشيخ المُلاحَّق من قبل الدولة اللبنانية بتهمة تهديد أمن الدولة وقتل عسكريين وذلك حين قاد في منطقة بعلبك ثورته الشهيرة التي عُرِفت بثورة الجياع وهو لم يبرئ إيران والقيادة الحالية لحزب الله من الضغط لإلغاء دوره وبعد أن اتهم في الحلقة الماضية حزب الله بأنه بات حاميا لحدود إسرائيل سنرى في هذه الحلقة طبيعة موقفه من إيران وشيعة العراق ولكن في البداية نعود في حديثنا مع الشيخ صبحي الطفيلي إلى سبب صدامه السابق مع حركة أمل الشيعية التي كانت تتقاسم مع حزبه النفوذ في معظم المناطق الشيعية اللبنانية.
صبحي الطفيلي: طبعا كان يسقط لنا قتلى تحرشات هنا وهناك إطلاق نار على مسجد على حسينية على كذا، أذكر كنت في بيروت قبل الحرب التي دارت بين أمل وحزب الله جاءني بعض شبابنا من الجنوب تصدت لهم بعض العناصر على جسر القاسمية كان عندنا أذكر مسيرة مظاهرة احتفال ما بصور وبعض الناس نازلين من بيروت ومن النبطية وعلى جسر القاسمية وقعت إصابات فيهم كثيرة فجاءني بعضهم ولا زالت الدماء عليه يصرخ في وجهي إلى متى تمنعونا من الدفاع عن أنفسنا؟ أنتم خونة، طبعا هو حقه غاضب مجروح إخوانه تمزقت أجسادهم قلت له لن أسمح أذكر هذا لن أسمح بالقتال الداخلي لن تسمعوا مني كلمة تمنحكم فرصة الدفاع عن أنفسكم وأنا حي هذا أمر لا تفكروا فيه وفعلا صبرنا وصبر مفيد وصبر صح إلى النهاية هذه كانت قناعتنا، كنت أدرك أن هناك رغبة من بعض الأطراف ممكن في أوساط حركة أمل ترغب فتح شر ممكن توقف هذا الزحف كان هناك بعض الأطراف فوجئنا نحن وهنا يعني مسائل جدا مهمة يأتي وقتها نتحدث عنها ليس الآن، هناك بعض الأطراف دخلت على الخط وأدخلت حزب الله في معركة ضد أمل يعني أمل مهيأة أُرغِمنا على الدخول في معركة مع أمل أرغمنا.(14/82)
سامي كليب: يعني لو كنت أنا مكان أي مشاهد سيفهم أنه هناك عملاء داخل حزب الله دفعوا الحزب للحرب ضد أمل.
”
تمكنت من إنهاء النزاع الشيعي الشيعي بين أمل وحزب الله، وفرضت صلحا يلتزم به الجميع
”
صبحي الطفيلي: هناك أطراف أنا أقول هناك أطراف لا أرى من المصلحة ذكر الأسماء والأدوار اليوم لا أرى من المصلحة ذكر الأسماء والأدوار وليسوا خفيين وكل الناس يعرفوهم وهم كانوا على رأس يعني أحدهم قال لبعض أصحابنا إذا لا تشاركون في القتال أنا أستأجر أكراد للقتال، استطعت أن أنهي النزاع الشيعي الشيعي بين أمل وحزب الله فرضت وأقول فرضت وبوضوح صُلحا يلتزم به الجميع أطلقت المقاومة من جديد اللي حررت جنوب لبنان وأسست لعلاقات شيعية بين أمل وحزب الله لا زالت تعيش إلى اليوم.
سامي كليب: طيب تقول إنك استطعت ونجحتم إلى ذلك لا شك إنه كان دورك كبير ولكن نلاحظ آنذاك أيضا إنه العامل الإيراني ساهم بدرجة كبيرة يعني وجاء مبعوثون من قِبل الدولة الإيرانية الجمهورية الإسلامية وذهب نبيه بري أيضا إلى إيران يعني إيران دخلت بكل ثقلها من أجل تصحيح هذا الخلل هل كان دور إيجابي آنذاك؟
صبحي الطفيلي: لا أنا عم بأتحدث عن دوري أنا كان دوري أساسي في تلك الفترة باعتبار أنا على رأس الحزب..
سامي كليب [مقاطعاً]: ولكن ليس الوحيد.
صبحي الطفيلي [متابعاً]: أما السوريين كان لهم دور كبير أنا كان همي الخروج من الحرب، أذكر دعانا الرئيس حافظ الأسد إبان المشكل قِيل لي بأنه الرئيس حافظ الأسد يريد أن يراكم ذهبنا إلى دمشق..
سامي كليب: هذه بالفترة التي جاء فيها محمد علي بشارة الدكتور الإيراني ولا؟
صبحي الطفيلي: لا قبل ذلك ومن هناك ذهبنا إلى كان هو على الساحل باتجاه اللاذقية مع اللواء علي دوبك أظن والتقينا الرئيس هناك، في حينها..
سامي كليب: حضرتك والأستاذ نبيه بري؟
صبحي الطفيلي: لا نحن..
سامي كليب: حزب.(14/83)
صبحي الطفيلي: كحزب والرئيس حافظ الأسد وكان اللواء علي دوبك، أذكر في حديثي معه هو قال لنا أثناء الحديث إنه أنا أسست أمل وهو كانت في ذهني أحسست أن في ذهنه إشكالات يعني حول بعض ممارستنا وفعلا كانت بعض ممارستنا لا تُفهَّم يعني يحق له أن يسأل أو يتساءل فكنت في صدد الحقيقة وللإنصاف هو توفى الآن ونحن أنا لست أمين عام حزب الله ولا شيء لكن للإنصاف أنا كنت أرغب أن أعطيه حقيقة ما نؤمن به لأنه فعلا هكذا نؤمن قلت له لا تنافي بيننا وبين أمل في لبنان ما فيه تنافي يعني ليس هناك تنافس على أمر حتى نقتتل عليه أو نتصارع دونه أو نتغالب عليه، أمل هي لا تطرح نفسها على أساس أنها هي المقاومة، أمل هي الممثل نحن في لبنان شئنا أم أبينا ممثلين للشيعة ممثلين للسُنة ممثلين للموارنة في الحكومة هي تستلم التمثيل الشيعي في النظام..
سامي كليب: ولكنها كانت مقاومة أيضا.
صبحي الطفيلي: ليس بمفهومنا نحن للمقاومة..
سامي كليب [مقاطعاً]: يعني شيخ صبحي طفيلي اسمح لي بس بالمقاطعة يعني نتذكر نحن المؤتمر الصحافي الذي عقده الرئيس نبيه البري على ظهر الدبابات الإسرائيلية التي سيطر عليها مقاتلو حركة أمل يعني كانت مقاومة واضحة آنذاك.
صبحي الطفيلي: لا أريد أن أدخل بتنافس مع أحد يعني الأستاذ نبيه بري ما طرح يوما أنه هو مقاومة لتحرير القدس، شاركت أمل بالمقاومة سقط لها الكثير من الشهداء.
سامي كليب: يعني حتى اسمها أفواج المقاومة اللبنانية.
صبحي الطفيلي: أمل بشكل أساسي هي الجناح الذي يمثل الشيعة في السلطة، نحن ليس عندنا هواية أن نكون في السلطة.
سامي كليب: هذا قبل دخول حزب الله إلى البرلمان؟(14/84)
صبحي الطفيلي: نعم نحن أولاً مقاومة ثم نحن في الشأن الداخلي معارضة ويعني لن ننافس أمل على وزارة لن ننافس أمل على إدارة لن ننافس أمل على مناصب لهذا ولابد أن يكون في لبنان من يشارك في السلطة، نحن بالداخل معارضة ونحن مع العدو الإسرائيلي مقاومة وأذكر في حينها..
سامي كليب: لا فقط بالعودة إلى كلام الرئيس الأسد بعد أن شرحت له موقف حقيقة حزب الله ماذا كان رده؟
صبحي الطفيلي: فعلا أساريره تغيرت أذكر جيدا وأحسست أن هناك مشكل زال من ذهنه وقال للواء علي يا علي روح نفذ شوف الشباب يقصد الشباب يعني اللجنة السورية المتابعة للوضع في لبنان روح ونفذه خرجت من عند الرئيس الأسد وأنا مطمأن أن يعني الرئيس خلينا نقول بدقة الرئيس بات مطمأن لنا أكثر يفهمنا أكثر واثق منا أكثر هذا الذي خرجت فيه من سوريا.
سامي كليب: كانت بداية المبايعة لسوريا بدل إيران آنذاك؟
صبحي الطفيلي: لا كان فيه مشكل فيه دم في لبنان وأمل مدعومة من سوريا حزب الله مدعوم من إيران ونحن نتذابح في الداخل وأريد أنا حقيقة أن أوصل قناعتي إلى سوريا أني لست ضدكم وليس حزب الله ضدكم وليس حزب الله ضد أمل بل بالعكس هناك أبواب واسعة للتعاون والتفاهم هذا ما أريد أن أوصله ليست مسألة مبايعات وغير مبايعات نحن لا نبايع إلا الله نحن مع إيران ومع الإمام الخميني، أي إنسان أمشي معه يجمعني وإياه الفكرة لا تجمعني وإياه التبعية أبدا ولا أقبل أن أكون تابعا لمخلوق.
سامي كليب: ولكن يقال إنه الحزب لم يكن قادرا على تنفيذ أي عملية دون استشارة مسبقة من سوريا؟
صبحي الطفيلي: ليس صحيح ليس صحيح أبدا.
سامي كليب: حتى البعض يتحدث إنه كانت تُطرح لوائح الأسلحة التي ستستخدم أيضا؟
صبحي الطفيلي: في زماننا لا.
سامي كليب: في الوقت الحالي؟
صبحي الطفيلي: اسأل الآخرين.(14/85)
سامي كليب: لكن تصريحات عديدة على مأساويتها طبعا ولكنها في بعض المرات تدعو إلى الابتسام مثلا وصفك للرئيس نبيه بري بأنه ديك والباقون دجاج يعني.
صبحي الطفيلي: مليح عم بمدحه.
سامي كليب: بس من كنت تقصد بالدجاج؟
صبحي الطفيلي: والله ناسي بأي مناسبة هذا الكلام.
انتقادات لاذعة لدور إيران
سامي كليب: الشيخ صبحي طفيلي نسي مناسبة هذه الكلام عن خصمه السابق ورئيس مجلس النواب الحالي نبيه بري أو ربما يريد تناسي ذلك وفي الحالتين لم يعد للأمر أهمية اليوم فالأهم هي علاقة شيعة لبنان بإيران والعراق والشيخ صبحي الطفيلي الذي كان الحليف الأبرز لإيران في لبنان خلال توليه زعامة حزب الله بات اليوم يناصرها العداء وينتقد دورها بشكل لاذع أكان في أفغانستان أم لبنان أو العراق.
صبحي الطفيلي: الإيرانيون في أفغانستان ماذا كان دورهم؟ هم يقولون يطالبون الأميركان أن يُعطى دور للإيرانيين في العراق كما أعطي دور لهم في أفغانستان وإنه هذا نسقنا وترتبت الأمور في أفغانستان تعالوا لنفعل الشيء نفسه في العراق هذا ليس كلامي هذا كلام المسؤولين الإيرانيين، أميركا ماذا تريد؟ من هي أميركا؟ لماذا جاءت للعراق؟ قالوا أنه فيه أسلحة وهم يعرفون ما فيه أسلحة وكانوا يتسابقون مع الأمم المتحدة قبل أن تعلن الأمم المتحدة إنه ما فيه أسلحة قالوا له علاقات بابن لادن ليس له علاقات بابن لادن أنا لا أدافع عن صدام، صدام أساسا هو حشرة أميركية..
سامي كليب [مقاطعاً]: سنتحدث شيخ صبحي طفيلي مطولا عن الشأن العراقي فقط سؤال عن موضوع إيران.(14/86)
صبحي الطفيلي: لا هنا أنا أريد.. أنا استطلت في هذا الأمر لأقول أن الأميركي لم يأت للمنطقة لا لديمقراطية ولا لحقوق الإنسان ولا للعدالة ولا لأنصاف ولا لمحاربة إرهاب جاء محتلا غازيا مستبيحا آكلا لكل شيء، أنت الإيراني تقول لهذا أن تعالى نتعاون ما هو دورك؟ منسق تتوسل بالغازي تعالي أصير في خدمتك، هذا الدور لا يمكن لعاقل أن يقبل به ولا بأي وجه من الوجوه، طبعا ما كان ليكون حزب الله في جنوب لبنان حاميا للحدود لولا الموقف الإيراني أيضا.
سامي كليب: لا طبعا نحن نسألك عن إيران شيخ صبحي الطفيلي نظرا لعلاقتك الوطيدة سابقا بإيران ما الذي تغير إذاً بإيران حتى تصبح منسق الشؤون الأميركية تغير النظام؟
”
نجحت أميركا في تجييش جنود صدام وأموال الخليج وأبواق الدعاية وحتى اللحى والعمائم لمحاربة الصوت الذي يدافع عن الإسلام الخميني
”(14/87)
صبحي الطفيلي: في أيام الأمام الخميني طيب الله نفسه الطاهرة إيران كانت تدافع عن المستضعفين في العالم إيران كانت تدافع عن المظلومين الأمام الخميني ما كان يروح واحد إلى إيران إلا ويقول له دافع عن شعبك أنصر أهلك قف في وجه الظالم اليوم ليس كذلك، أنا كنت أتمنى لو أن المجتمع الإسلامي العالم الإسلامي في أيام الأمام الخميني ما أنصاع وطاع وسمع لأميركا للأسف الشديد أميركا استطاعت أن تجيش صدام وجيوش العراق وأموال الخليج وأبواق الدعاية وحتى اللحى والعمائم تحت (كلمة غير مفهومة) سُنة شيعة لمحاربة صوت يدافع عن الإسلام، أنا أتذكر اليوم ما يحاوله الأميركان من خلال الشيعة يريد أن الأميركي يريد أن يجعل الشيعة في إطار مشروعه يخدمون مشروعه أن هناك تيار أصولي سُني وإنتوا شيعة ليس لكم علاقة تعالوا نتعاون كما فعلوا بالثمانينات أن هناك تيار شيعي أصولي خطر على المنطقة تعالوا نتعاون نحن الأميركان وأنتم في المنطقة للقضاء على هذا التيار وسمع الكثيرون من غير المسؤولين السياسيين هذا الصوت النشاز الأميركي وانصاعوا له للأسف الشديد..
سامي كليب: من يعني.. ما الذي تغير في إيران؟(14/88)
صبحي الطفيلي: أذكر لك مسألة نحن كان عندنا إجماع في شورى حزب الله عام 1992 أن لا ندخل في الانتخابات النيابية درسنا الموضوع وجدنا أنه نحن من مصلحتنا ألا نشارك في هذه الانتخابات ضمن قواعد تفكيرنا وكنا في جلسة موجودين أحد شباب الأعضاء الأساسيين في الحزب عم بيتحدث ضمن هذا التوجه إنه نحن لن ندخل هذا كذا تعرف يوجه الكلام أنه ليس من مصلحتنا المشاركة قال له إيراني في المجلس لكن رأي فلان الإيراني ليس كذلك أن رأيه مشارك رأسا هذا المسؤول اللبناني مائة وثمانين درجة غير وبدأ يتحدث عن ضرورة المشاركة وهنا كانت كالصاعقة على رأسي أنت لست دمية يا ولد لما تقبل لنفسك أن تكون دمية من يكون هذا الإيراني هذا الإيراني ما شأنه؟ أنت تطيع القرار الذي أُتخِذ حتى سألت أحدهم وأحدهم كبير جدا قلت له لما غيرت وبدلت بتعبيرنا اللبناني حدا دعس على إيجرك قال إيه نعم دعسوا على إجري، أنا مشكلتي لا أقبل أن أحد يفرض هكذا يعني موقعه يسمح له أن يفرض هذا لأسباب.
سامي كليب: رابين قال عنك تصريح لمسؤول إيراني آنذاك إنه قلت له حين تكون مصلحتكم وقناعتي على نقيض أختار قناعي ولا أقبل أن أصبح عميلا.
صبحي الطفيلي: أكيد أنا لا أقبل أن أكون عميلا لأحد أنا مع الإيرانيين شريك ومع السوري شريك ومع اللبناني شريك قضية أنا لا أقبل أن تُملئ عليا أشياء خارج دائرة قناعتي هاي حياتي أنا لا أريد أن أعبث بها.
سامي كليب: طيب بمعني آخر أنه إيران هي التي ضغطت على حزب الله ليتلبنن ليصبح أكثر عقلانية؟
صبحي الطفيلي: نعم أكثر.. لا عاقل كان حزب الله ليصبح أقل عقلانية ليصبح يعني أقل نقاء.
سامي كليب: شيخ صبحي في الموضوع الإيراني أنت قلت في حديث لصحيفة الشرق الأوسط على ما اعتقد إنه إيران باتت أيضا خطرا على التشيع في العالم؟
”
هناك محاولة أميركية في أن يلعب الشيعة دورا لصالحها في المنطقة، وجهات سنية تراقب وتعتبر الدور عمالة للكفر وجريمة ضد الإسلام
”(14/89)
صبحي الطفيلي: هذا قلته قبل تفجيرات كربلاء قبل تفجيرات الكاظمية وأتمنى أن يسمعني الشيعي والسُني بعالمنا لأنه نحن في مأساة العالم الإسلامي في مأساة وعلى كل عاقل أن يفكر مليا كيف يمكن لنا أن نُخرِج أمتنا وبلادنا من هذه المصيبة الكبيرة، اليوم هناك محاولة أميركية لأن يلعب الشيعة دور لصالح أميركا في المنطقة وهناك جهات سُنية تراقب وتعتبر هذا الدور دور عمالة للكفر وجريمة ضد الإسلام وبالتالي الشيعة يلعبون دورا قذرا، هنقول الأمور بوضوح هذا الأمر قد يتفاقم ويصل إلى درجة يصبح قتل الشيعي وقتل الأميركي سيان عند شريحة واسعة من المسلمين ويصبح إذا صدق الناقلون وإن كنت أشك بذلك ويصبح أنه قتل الناس في كربلاء في يوم عاشوراء أو في الكاظمية أمر من ضروريات العمل لتحرير الأمة الإسلامية من الوجود الأميركي وهذه مصيبة هذه، أولا على المسؤولين الشيعة وعلى رأسهم إيران أن يبعدوا أنفسهم عن القطار الأميركي لأنه مثلا أعطيك فكرة في أفغانستان كان فيه شيعة كان فيه خمسة مليون ستة مليون كم سيبقى الأميركي في أفغانستان سيرحل في يوم من الأيام إذا رحل الأميركي عن أفغانستان وبأجواء أن الشيعي كان في خدمة الأميركي..
سامي كليب: سترتد عليه.
صبحي الطفيلي: ألا تعتقد أنهم سيبادون؟
سامي كليب: طبيعي.
صبحي الطفيلي: من يتحمل المسؤولية أليست السياسة الإيرانية وكذلك في الخليج وكذلك في الحجاز وكذلك في لبنان وكذلك في أي مكان يمكن في إيران شريحة شيعية واسعة يمكن أن تحمي نفسها لكن نحن في أصقاع الدنيا ليس كذلك ولا يعني هذا يجب علينا أن نمتنع عن العمل مع الأميركان خوفا على أنفسنا لا الأميركان أعداء الأمة أعداء الإسلام يجب على كل مسلم لأي فئة انتمى أن يدافع عن دينه وعن أمته وعن بلده يجب علينا أن نقاتل وبضراوة وبكل قوة الغزو الأميركي لعالمنا الإسلامي..
سامي كليب: طب اليوم قسم من الشيعة لا بأس به في العراق يقاتل الأميركيين.(14/90)
صبحي الطفيلي: هذه نعمة هذه رحمة هذه بركة أتمنى أن تتسع وأن تنتشر وتستوعب الجميع وألا يقف أحد ضدها لكن أنت تسمع أيضا البيانات من بعض الشيعة ضدها وتطويقها بل بعضهم دعا إلى خروجها من النجف وهذه مأساة، أميركي جاء من أقصى الدنيا يُسمح له بالوجود في العراق وعراقي نجفي يُطالب بالخروج من النجف لا إله إلا الله ما هذه المصيبة؟
سامي كليب: لا شك إنه العراقيين يسمعوك ويحضرون هذه الحلقة هل لك أن تعطينا بعض الأسماء التي تود الإشارة إليها بالبنان؟(14/91)
صبحي الطفيلي: أنا أقول بصراحة إيران تمسك بأكثر خيوط العمل السياسي العراقي الشيعي على إيران إذا كانت لا تستطيع أن تساعد العراقيين في الجهاد وتحرير بلادهم ألا تمنعهم عن هذا الفعل وألا تحول دون ذلك وأنا أستنكر شديد الاستنكار دعوة بعض المسؤولين الإيرانيين الأميركان للتعاون في العراق وأعتبر هذا ضرب من ضروب العدوان على أمة المسلمين هذا أولى، على القيادات في النجف وفي غير النجف أقول وبصراحة مشروع التعاون مع الأميركان يا حالمين سيفشل وسيتبرأ كل منكم من دوره القذر الذي لطخ به جبينه في التعامل مع الأميركان من الآن اعلموا أن طريق المقاومة هو الطريق الباقي والمقاومون هم الباقون في العراق وعليه استدركوا والتحقوا بركب الجهاد والمجاهدين وقاتلوا الأميركيين وأنا متأكد وأنا أضمن لهم أيها العراقيون أن العراق يُحرر من الأميركيين خلال سنوات قليلة جدا أقصر مما تظنون، في لبنان لم يكن أحد يصدق أننا نستطيع أن نهزم الأميركيين أذكر كنت أقول لبعض شبابنا إذا قُتل بضعة أنفار من الأميركيين سيفرون قولوا لإخواننا في بيروت يكثروا الضغط على الأميركيين كانت المنطقة مقطوعة بالإسرائيليين أحدهم كان يبلغ بعض شبابنا من خلال الجبل هذا الكلام التقطه الأميركيون في حينها وقالوا أنه فيه أوامر تقول كذا وكذا وفعلا بعد فترة وجيزة هرب الأميركيون هربوا بكل معنى الكلمة بكل معنى الهروب ومن العراق سيهربون حتما سيهربون وحتما سنبني دولة محررة وبالمناسبة أنا لست يائسا ولست قانطا أنا مطمئن إلى أن فلسطين ستُحَرر أكيدا.
سامي كليب: طب خلينا في موضوع العراق.
صبحي الطفيلي: وسيُحَرر العراق أكيدا.
رأي الطفيلي في فصائل المقاومة العراقية(14/92)
سامي كليب: حين كنت أجري هذا الحوار مع الشيخ صبحي الطفيلي أحد قادة الطائفة الشيعية في لبنان حدثني الشيخ المؤسس لحزب الله اللبناني ونحن جالسين على الأريكة والسجادة العربيتين عن تاريخ شيعة المنطقة والعراق وعن سبب العلاقة الدينية والفقهية مع إيران وكان الحديث معه متزامنا مع الأسئلة المطروحة حول مصير بعض فصائل المقاومة العراقية التي يقودها الزعيم الشيعي الشاب السيد مقتدى الصدر تماما كما أن أسئلة غيرها كانت تدور حول الدور الحقيقي للزعيم الشيعي الآخر السيد علي السيستاني فسألت الشيخ صبحي الطفيلي أولا عن رأيه بمواقف السيستاني التي كانت سياسية أكثر مما دعمت المقاومة.
صبحي الطفيلي: أنصحه أن يبتعد عن الأميركيين وأنصحه أن يشجع العمل الجهادي ويمول العمل الجهادي ويدعم المجاهدين أنصحه لوجه الله.
سامي كليب: الصدر يقود المقاومة اليوم؟
صبحي الطفيلي: الصدر الحقيقة يعني هو صح معارض وله مواقف جريئة وشجاعة لكنه أُرغِم على الدخول في معركة عسكرية ولا أعتقد كان معدا نفسه لهذا الأمر وسألت بعض الناس قالوا نعم هو كذلك يعني هو ما كان في هذا الوارد والأميركان بسياستهم أدخلوا الأمور في هذا المجال.
سامي كليب: هناك خطر كبير على بعض العتبات المقدسة على الأماكن المقدسة في العراق طبعا يعني هناك المركز الأساسي والثقل الأساسي للشيعة في العالم ما الذي يمنع رجال المقاومة اللبنانية من التوجه إلى العراق والدفاع عن هذه العتبات؟(14/93)
صبحي الطفيلي: يجب على المسلمين جميعا أن يواجهوا الغزو الأميركي في العراق وفي خارج العراق من يستطيع أن يدخل العراق عليه أن يدخل ومن يستطيع أن يواجه بالكلمة عليه أن يواجه بالكلمة من يستطيع أن يوجه بالموقف كذلك هنا حرب تحتاج إلى كل الإمكانيات تحتاج إلى كل الوظائف عسكرية وأمنية وإعلامية وثقافية وإلى النهاية وعلى الجميع من المُعمم في محرابه إلى المقاتل في معركته على الجميع أن يقوم بمهمته لتحرير العالم الإسلامي من الغزو الأميركي.
سامي كليب: حاولت أن ترسل رجالا إلى هناك؟
صبحي الطفيلي: للإنصاف أول شيء العراقيين ما بأعتقد إنهم بحاجة لرجال أساسا الإسرائيليين هنا يعني على بعد أمتار يعني لما تأخذ يدك إلى غير مكانها.
سامي كليب: كان النهار قد انتصف ونحن نجري هذا الحوار مع الشيخ صبحي الطفيلي في البقاع والحديث مع مؤسسي حزب الله والقيادي الشيعي اللبناني استمر حول مائدة الغداء التي كانت مناسبة لحديثنا معه عن ثورة الجياع التي قادها قبل سنوات في منطقة بعلبك والتي انتهت بقطيعة وملاحقات من قِبَّل الدولة ضد الرجل الذي يرى أن بدفاعه عن حقوق المحرومين إنما يصحح خلل هذه الدولة، قام الشيخ الطفيلي بثورة الجياع الشهيرة معتبرا أن الحكومة تغرق لبنان بالديون منذ عام 1992 ووصل الأمر إلى ذروته عام 1997 فقامت الثورة وسقط القتلى ولُوحِق الشيخ المتمرد.(14/94)
صبحي الطفيلي: في حينها ما وجدت من المناسب أن أتفرد في هذا الأمر وقلت تفردي وكأنه يعني أنا أمين عام حزب الله سابق متفردا في هذا الأمر إذاً ماذا سيكون دور الحزب؟ قلت أحسن شيء خليني أطالب الحزب إن هو يقوم بالمهمة أفضل فقلت لهم وألحيت عليهم لفترة بالأخير أبلغوني أنه النواب سيتولون هذا الأمر وكنت أعلم أنهم لن يتولوا هذا الأمر لمعرفتي بالعقلية التي تدار بها الأمور لكن أيضا حتى لا يقال لم تصبر طويلا لم تمهل الناس إلى أن جاءت سنة 1997 وصار فيه ضغوط شديدة كل ما جئت إلى بعلبك كان باعتبار منطقتنا الأساسية في بعلبك كان تأتيني بعض الوفود وتضغط وبصراحة يقولون نحن طلبتم دما أعطينكم طلبتم شبابا أعطينكم صدقنا معكم لم نخنكم لما تخونونا لما تتخاذلون عنا لما بعتونا؟ أنا لست كذلك أنا لست ممن يخون أحدا نزلت إلى بيروت التقيت بالإيرانيين واللبنانيين تحدثت معهم مليا بالأخير أبلغتهم أنني قررت أن أتحرك ودعوت الناس إلى الحضور إلى المسجد وأبلغت قيادة حزب الله قلت لهم دعوت الناس للحضور اليوم الفلاني إما أن تذهبوا ولكم عليّ أن أكون في الباب وألا أخرج حتى لا يظن أحد أنني أسعى إلى مكان تحت الشمس وإما أن نذهب سويا ونتعاون وإما أن ننسق تبقوا أنتم وأنا اذهب فإن كان خيرا لكم وإن كان شرا أنا أتحمل قالوا انتظرنا نبلغك القرار بعد يومين أو ثلاثة أبلغوني بالحرف الواحد قالوا أذهب وحدك ونحن لسنا معك وسنعمل بمعنى ضدك.
سامي كليب: لأخرجك قليلا من الجواب الدبلوماسي قلت سابقا إنه إيران هي التي أعطت الضوء الأخضر.(14/95)
صبحي الطفيلي: هنا يعني ليس هناك في الدنيا غير إيران تستطيع أن تقول أنا اضمن لكم عدم ردة الفعل الشيعية افعلوا ما شئتم بل أكثر من ذلك هناك مسؤول سوري التقى مسؤولا إيرانيا قبل هذه الحادثة وكان المسؤول الإيراني يهدد بوقف الدعم للمقاومة وكأنه يريد أن يُحمِل السوريين مسؤولية ما جرى الحقيقة ليست كذلك المسؤولين السوريين ليس لهم علاقة بالأمر.
سامي كليب: طيب لماذا تشكل خطرا على إيران؟
صبحي الطفيلي: هم يعتقدوا أن الشريحة الشيعية ممكن أن أستقطبها أنا بتحركاتي وعليهم هذا دكانهم لا يريد أن يشاركهم فيه أحد عقلية الدكاكين ليست مسألة إنه يعني فقراء ومساكين وحق ومظلومين وناس شعب مسحوق أنت في لبنان تعرف أن الحد الأدنى ثلاثمائة ألف ليرة هذا لمن يستطيع أن يصل إلى الحد الأدنى.
اتهامات موجهة للطفيلي وقرار بالاعتقال
سامي كليب: حضرتك مُلاحَّق من قبل الدولة بتهمة الاعتداء على أمن الدولة والتسبب في قتل عسكريين ومدنيين بسبب طبعا ما حصل في خلال ثورة الجياع من الذي يحميك اليوم من الاعتقال سوريا؟
صبحي الطفيلي: أولا هذا القرار سياسي مقصود فيه إسكاتي إنه نحن نلاحق الناس نؤذي الناس إذا تابعت نشاطك وأنا لا أريد أن أؤذي أحدا أنا أريد أن أنفع الناس لا أريد أن أضرهم ومن هنا كان يعني سكوتي أنا لأني لا أريد أن أضر أحد..
سامي كليب: ولكن قرار الملاحقة قائم القرار القضائي يعني يمكن لأي سلطة أن تأتي وتنفذه ما الذي يحميك ومن الذي يحميك؟
صبحي الطفيلي: لا هم الموضوع ما هم يعرفوا أنني برئ ويعرفوا أنه ليس عليّ شيء ويعرفوا إنهم هم المجرمون لكن كل ما في الأمر هم يريدون إسكاتك فاستخدموا القوة والسلاح والرصاص والدمار لإسكاتك وهذا ما يريدون.
سامي كليب: حاولوا اعتقالك؟
صبحي الطفيلي: لا.(14/96)
سامي كليب: يقول لا ويدرك الشيخ صبحي الطفيلي أن قرار اعتقاله هو أمر سياسي كبير وأن الدولة اللبنانية لن تقدم عليه إلا بضوء أخضر سوري في منطقة بعلبك الخاضعة عمليا للنفوذ السوري أما بالنسبة لإيران التي رفعت يدها عن القضية بعد أن حاولت تهميش الشيخ صبحي الطفيلي فهي ربما لا تحبذ كثيرا اليوم تدخله في قضية دينية وفقهية حساسة جدا تتعلق بولاية الفقيه فبمعارضته الحالية لهذه الولاية إنما يعارض أيضا أن تكون إيران مرجعية للشيعة فالشيخ يعتبر اليوم أن ولاية الفقيه غير ملزمة.
”
ولاية الفقيه ليس لها دليل شرعي في القرآن والسنة، وهي فكرة أقرب إلى البدعة ظهرت متأخرة في الوسط الشيعي
”(14/97)
صبحي الطفيلي: لا مو بس ليست ملزمة لا الولاية للأمة وليست لشخص لا فقيه ولا غير فقيه ممكن أن يكون ممكن للأمة أن تختار فقيها ليتولى شؤونها وممكن أن تختار غيره الفقاهة أو عدم الفقاهة ليست الشرط في هذا الميدان أضف إلى أن الأمة قد تختار طريقة أخرى قد تختار رئاسة قد تختار وزارة قد تختار فقيها لخمس سنوات مو لطول العمر يعني ممكن الآن باعتبار الأمر أمر الأمة، الأمة تشخص مصلحتها أن يكون النظام رئاسي أو النظام برلماني مصلحتها أن تكون الولاية لعشر سنوات أو لخمس سنوات أو ما شابه ذلك ألا تتكرر ولاية الحاكم لمرتين أو لثلاث مرات هذا حسب.. طالما أنه أمر الأمة هذا نحن نتحدث فقه ونحن علينا أن نلتزم بحدود الشرع الشريف لا أن اخترع فقها من عندي واسميه إسلام لا ليس الأمر كذلك ومن هنا النظام مثلا في السعودية حينما يقال نظام إسلامي من أين هو؟ النظام وُجِد بالغلبة وبالقهر الأمة ما هو دورها في تعيين الحكام وفي عزلهم وما شابه ذلك؟ ولاية الفقيه ليس عليها دليل شرعي لا من القرآن ولا من السُنة وهي فكرة ظهرت متأخرة يعني في القرون الأخيرة في الوسط الشيعي وهي أقرب إلى البدعة منها إلى الاجتهاد لأنه حينما لا يكون لها أساس فقهي لا من القرآن ولا من غيره فكيف يمكن أن تسميه اجتهادا أضف إلى أنه القرآن الكريم والسُنة الشريفة توجه الأمور نحو صيغة أخرى وهي صيغة الشورى وأن الأمر للأمة، مسألة مهمة جدا أيضا حينما أراد الإمام الخميني أن يطبق أو أن يُسن النظام الإيراني ويجعل موقع لولاية الفقيه لم يجد صيغة إلا صيغة العودة للشعب من يُنصِب الفقيه في إيران اليوم بالقانون مجلس الخبراء مجلس الخبراء من ينصبه تنصبه انتخابات إذاً الأمر يعود للشعب الشعب يعين مجلس الخبراء ومجلس الخبراء يعين الولي الفقيه فإذاً القرار قرار للشعب وعليه من يعزل الفقيه المفترض يعزله مجلس الخبراء اللي هو وكيل عن الشعب فإذاً الشعب يعزل والشعب ينصب إذاً(14/98)
ولاية الفقيه ليس كما حتى بالقانون الإيراني ليس كما يُنظِر له بعض الفقهاء في اجتهاداتهم أنه تعيين من الإمام أو ما شابه ذلك لا القرار الأساسي حتى بالدستور الإيراني القرار الأساسي للشعب.
سامي كليب: اليوم يعترض الشيخ صبحي الطفيلي على ولاية الفقيه ولكن لماذا كان يقبلها حين كان الأمام الخميني بمثابة الفقيه الأول أو ليس في تعاطي قادة الشيعة اللبنانيين مع الأمام الراحل شيء يوحي وكأنهم رفعوه فعلا إلى مرتبة القداسة العليا؟
صبحي الطفيلي: لا استغفر الله هو رجل متدين وصادق مع نفسه ومع ربه ونحن نحترمه وكنا نعتبر أن له ولاية من هذا الباب من باب أنه إنسان صادق في خدمة الإسلام والمسلمين، مرة قال لي أحدهم في إبان وجود الأمام الخميني كنت أحاوره أحد العلماء قال أنا أقول لك أن الأمام الخميني سيصالح العدو الإسرائيلي قلت وأنت ستطيعه قلت أنا إذا كنت أطيعه لأنه يقاتل العدو الإسرائيلي أما حين يصالحه ولا أعتقد ذلك فلا أحترمه أنا أحترمه لأنه الصادق المخلص الأمين المجاهد المدافع عن الإسلام والمسلمين.
سامي كليب: من هو وريثه حاليا بإيران برأيك سياسيا يعني بمعنى طبعا السياسي وليس الروحي للكلمة؟
صبحي الطفيلي: الوريث القانوني هو الخامنئي باعتباره أنه هو القائم مكانه..
سامي كليب: أه طبعا عرفت قصدي بالمعنى المبدئي للكلمة يعني.
صبحي الطفيلي: أما من وريث الخط أنت تقول هكذا الحقيقة ليس هناك رجلا مشهورا يمكن أن يقال أنه هذا هو الوريث.
سامي كليب: بمن فيهم علي خامنئي؟
صبحي الطفيلي: بالتأكيد النهج الذي اعتمده السيد خامنئي غير النهج الذي أعتمده الأمام أكيد.
سامي كليب: حاليا طيب يعني طبعا سيسأل المشاهد إنه حضرتك تركت حزب الله البعض قال قلت البعض قال ضُغِط عليك وكذا ونحن نعرف إنك حضرتك أخذت القرار منعا لمزيد من التدهور في العلاقات الشيعية الشيعية أو لأسباب داخلية داخل الحزب يعني ما الذي دفعك إلى ترك حزب الله؟(14/99)
صبحي الطفيلي: أولا حزب الله، الله سماه حزبه أو حزب الله هو أولئك الذين ينتمون إلى الله فهذا الحزب لا يمكن لمسلم أن يستقيل منه.
سامي كليب: حركة أمل حاولت تغتالك لما كنت أمين عام الحزب؟
صبحي الطفيلي: صارت محاولة ما تبنوها محاولة يعني متواضعة لا تقصد شخصا وإنما تقصد كنا في طريق ما صارت محاولة لم يتبناها أحد.
سامي كليب: حضرتك حاولت تغتال نبيه بري رئيس حركة أمل؟
صبحي الطفيلي: لا بالعكس أنا خلصته مرة.
سامي كليب: كيف؟
صبحي الطفيلي: إبان الصراع بينا وبين أمل الشديد جاءني من همس في أذني أن سيارة تتجه وهي على بعد مئات الأمتار من مكان وجود نبيه وهناك دقائق بين أن تنفجر وتسحق من في المكان ومعهم نبيه، الحقيقة نحن ليس من مصلحتنا نحن نريد أن نوقف الدم لا نريد أن نكثر من سفك الدماء أسرعت بسرعة إلى وضع حد لهذا الموضوع وأمرت من كان على صلة مباشرة بالموضوع أن يرجع وأنقذته، أذكر أنه قال لي أنا ما كنت موجود أحدهم كان في مجلس مع نبيه ربما كان نبيه يعتب عليّ في بعض الأمور فقال له رجل من الإيرانيين قال أتعلم أن من أنقذك هو الشيخ الذي تعتب عليه يعني لولا الشيخ كنت أنت الآن مثلا ربما كنت في مكان آخر.
سامي كليب: شو كان رده؟
صبحي الطفيلي: بالتأكيد كان مرتاح.
سامي كليب: نبيه بري من على رأس حركة أمل ورئيس البرلمان اللبناني هل خدم الطائفة الشيعية في لبنان؟
صبحي الطفيلي: خدم أنصاره خدم أنصاره يعني هو ما حصل عليه من الدولة دفعه لأنصاره والوظائف لأنصاره بهذا المقدار خدمهم أينعم.(14/100)
مجلة الراصد الإسلامية
العدد الخامس عشر – غرة رمضان 1425 هـ
فاتحة القول : قراءة في خريطة القوى الشيعية.....................3
فرق ومذاهب : فرق باطنية نشأت في الولايات المتحدة ............6
سطور من الذاكرة : ألف خيانة وخيانة............................14
دراسات : موقف مفكري الإسلام من الشيعة
1- أحمد أمين صاحب كتاب ضحى الإسلام..............20
كتاب الشهر : خيانات الشيعة.......................................33
قالوا................................................................36
جولة الصحافة:
الأقليات القومية في إيران..........................................40
الإدارة الأمريكية حائرة في قضية إيران............................43
هل تكرر إيران تجربة حزب الله في العراق.........................45
انقلاب أبيض حركة أمل ...........................................48
الربيعي يغادر العراق..............................................54
هل حقاً غسل مقتدى الصدر عار الشيعة...........................56
قراءة في خريطة القوى الشيعية المتصارعة في العراق
يقف المراقب حائراً من التحركات والتصريحات والمتناقضة والمتعاكسة لقادة الشيعة في العراق وإيران والتي تصل إلى القتل والاغتيال. فلا يزال مقتدى الصدر ملاحقاً بتهمة اغتيال عبد المجيد الخوئي ولا يزال إياد علاوي صاحب الأمر في الهجوم على النجف وأما السسيتاني فقد آثر المغادرة حتى لا يكون ضمن الشهود.
حتى نستطيع فهم السياق الذي تحري فيه الأعمال والتصريحات نحتاج إلى الاستعانة بالتاريخ والذي يحوي العديد من العبر والفوائد:
فقد شهدت بلاد الشام صراعات دموية بين فروع القرامطة: قرامطة العراق وقرامطة الشام وقرامطة البحرين ومن ثم حدثت صراعات بين القرامطة والفاطميين في بلاد الشام وهم على مذهب واحد!(15/1)
وكانت هذه الفرق الشيعية في صراعها الشيعي الشيعي تتعاون مع قوى سنية ضد أعدائها من الشيعة!!
ومن يعود لأحداث القرنين الثالث والرابع هجري لبلاد الشام يجد تفصيلات هذه الصراعات.
والذي نريده من هذه الأحداث التاريخية أمور عدة:
أن القوى الشيعية ليست موحدة بسبب العقيدة الملفقة التي تؤمن بها والقابلة للتطور والزيادة والنقصان كما حدث مع الخميني حين أعلن ولاية الفقيه فقد عارضها الكثير من الشيعة.
هناك صراع حقيقي بين الفصائل الشيعة قديما وحديثاٌ.
لا مبادئ مقدسة لدى الفصائل الشيعية فبسهولة يتم التحالف مع الأعداء على الأصدقاء.
لفهم ما جرى قديماً وجرى حديثاً لا بد من أدراك خريطة القوى الشيعية و حقيقة مقاصد كل فصيل فيها .
وهنا نقدم قراءة أوليه للقوى الشيعية في العراق اليوم حتى تساهم في إدراك حقيقة الموقف والتصريحات المتناقضة لشيعة العراق :
يمكن تقسيم القوى الشيعية اليوم إلى قسمين رئيسين هما شيعة إيران وشيعة العراق.
شيعة إيران يسيطر يسيطر عليها العنصر الفارسي حتى أن الإيرانيين الشيعة من توصيات غير فارسيه يعدون شيعة من درجة ثانية أو كما يسمونهم شيعة معاوية!!
شيعة العراق ينقسمون إلى شيعة من أصل إيراني أو فارسي أو أعجمي وهم المراجع الكبرى (السيستاني ،الحائري، النجفي،...) وشيعة من أصول عربية وهم تيار الصدر والذي يتزعمه اليوم مقتدى الصدر ابن المرجع الشيعي محمد صادق الصدر.
شيعة العراق المنحدرون من أصول إيرانية لا ترغب بالخضوع لسيطرة إيران لعدة أسباب منها ـ عدم إيمانها بولاية الفقيه.
ـ أنهم أعلى في الرتبة من قادة إيران.
ـ لا يؤمنون بالخط الثوري التي تحمله إيران.
ولذلك هناك هجوم إيراني على مراجع النجف.
شيعة العرب في العراق أتباع الصدر يؤمنون بالأسلوب الثوري ولا يؤمنون بولاية الفقيه ولا بولاية مراجع النجف.(15/2)
هذا الوضع سبب تحالف بين مقتدى الصدر وإيران ضد مرجعية النجف مع العداء بين الصدر وإيران على ولاية الفقيه وعدم تبعية الصدر للعجم.
ولكنه تحالف مصالح: الصدر يحتاج دعم إيران عسكرياً ومالياً وإيران تريد إسقاط المرجعية العراقية.
ولذلك غادر السسيتاني وغيره النجف عند تصفية جيش المهدي لأنها حرب تدار بالوكالة بين إيران وأمريكا.
هناك تيار شيعي عراقي ثالث وهو التيار الشيعي العلماني. المتمثل بجماعة الجلبي وحزب علاوي وهو يعادي إيران وتيار الصدر وعلى حذر من تيار المرجعية في العراق.
هذه باختصار قراءة أولية للقوى الشيعية في العراق إدراكها يسهل فهم المواقف والتصريحات الصادرة عن شيعة العراق وتوضح سبب اندلاع صراعات ثم توقفها وتحالفات ثم انفكاكها.
والجميع يعمل لما يعتقد أن فيه مصلحة الشيعة فهذا هو القاسم المشترك بينهم .
فرق نشأت في الولايات المتحدة
ظهرت في الولايات المتحدة عدد من الفرق التي تبنت الإسلام بمفاهيمها وتصوراتها الخاصة، وانتشرت بشكل أساسي بين السود، وغلبت على بعضها الروح العنصرية.
وأهم هذه الفرق:
الفرقة الأولى أمة الإسلام في الغرب (البلاليون)
ومؤسسها هو والاس د. فارد Wallace D. Fard، وهو شخص غامض النسب، ظهر فجأة في ديترويت سنة 1930 داعياً على مذهبه بين السود، وقد اختفى بصورة غامضة سنة 1934.
أهم أفكارها وعقائدها :
لابد من ملاحظة أن أفكار هذه الحركة قد تطورت تدريجياً متأثرة بشخصية الزعيم الذي يدير أمورها، ولذا لابد من تقسيم تطور الحركة إلى ثلاث فترات:
1ـ في عهد مؤسسها فارد:
عرفت المنظمة منذ تأسيها باسم أمة الإسلام nation of islam، كما عرفت باسم آخر هو "أمة الإسلام المفقودة المكتشفة" .
وبرزت أهم أهدافها كما يلي :
أ ـ التأكيد على الدعوة إلى الحرية والمساواة، والارتقاء بأحوال الجماعة.
ب ـ التركيز على تفوق العنصر الأسود، والتهجم على البيض ووصفهم بالشياطين.(15/3)
ج ـ العمل على تحويل أتباعها من التوراة والإنجيل إلى القرآن، مع الاستمرار بالأخذ بالتوراة والإنجيل في بعض الأفكار.
وقد أنشأ زعيمها منظمتين: واحدة للنساء أطلق عليها اسم (تدريب البنات المسلمات) وأخرى للرجال اسمها (ثمرة الإسلام) بغية إيجاد جيش قوي يحمي الحركة، ويدعم مركزها الاجتماعي والسياسي.
2 ـ في عهد اليجا محمد أو اليجا بول Elija pool واليجا هو خليفة فارد، ولد سنة 1898، وتوفي سنة 1975، وفي عهده دخلت على جماعته الكثير من العقائد الشركية ومنها:
أ ـ أعلن اليجا محمد أن الإله ليس شيئاً غيبياً، بل يجب أن يكون متجسداً في شخص، وهذا الشخص هو فارد الذي حل فيه الإله، هو جدير بالدعاء والعبادة، وقد أدخل بذلك مفاهيم باطنية على فكر جماعته.
ب ـ اتخذ لنفسه مقام النبوة، وصار يلقب "رسول الله".
ج ـ حرم على أتباعه شرب الخمر والقمار والتدخين والإفراط في الطعام والزنى، وحثهم على الزواج داخل أبناء وبنات الحركة، ومنعهم من ارتياد أماكن اللهو والمقاهي العامة.
د ـ الإصرار على إعلاء العنصر الأسود، واعتباره مصدراً لكل معاني الخير، مع الاستمرار في ازدراء العنصر الأبيض، وقصر الانضمام للحركة على السود.
ه ـ لم يؤمن اليجا بختم الرسالة عند النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وأعلن أنه هو خاتم الرسل، حيث قال ما من رسول إلا وأتى بلسان قومه، وهو ـ أي اليجا ـ جاء نبياً يوحى إليه من قبل فارد بلسان قومه السود.
و ـ يؤمن بالكتب السماوية، لكنه يؤمن بأن كتاباً خاصاً سوف ينزل على قومه، وسيكون الكتاب السماوي الأخير للبشرية.
ز ـ الصلاة على عهده عبارة عن قراءة للفاتحة أو آيات أخرى ودعاء مأثور مع التوجه نحو مكة واستحضار صورة فارد في الأذهان، وهي خمس مرات في اليوم.
ح ـ صيام شهر ديسمبر / كانون الأول من كل عام عوضاً عن صوم رمضان.
ط ـ يدفع كل عضو عُشر دخله للحركة.
وقد ألف اليجا عدداً من الكتب التي تبين أفكاره، منها:(15/4)
رسالة إلى الرجل الأسود، منقذنا الذي وصل، الحكمة العليا، سقوط أمريكا، كيف تأكل لتعيش، ... كما أنشأ صحيفة أسماها محمد يتكلم Muhammad speaks .
3 ـ في عهد وارث الدين محمد
وهو ابن اليجا بول، وقد ولد في اكتوبر سنة 1933، لكنه انفصل عن الحركة، وتخلى عن مبادئ والده سنة 1964، لكنه عاد إليها قبل وفاة والده بخمسة أشهر، أملاً على إدخال إصلاحات على الحركة من داخلها. وقد كان لأدائه فريضة الحج ودراسته في الأزهر وسفره إلى البلاد الإسلامية دور في تغيير أفكاره. وقد اختار وارث الدين لمنظمته اسماً جديداً سنة 1975، هو (البلاليون) نسبة على بلال الحبشي مؤذن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ومن أبرز التعديلات التي أدخلها وارث الدين إلى فكر الجماعة:
أ ـ السماح بانضمام البيض بعد أن كان ذلك حكراً على السود.
ب ـ ضرورة صوم رمضان، والاحتفال بعيد الفطر.
ج ـ أمر بأن تكون الصلاة على الهيئة الصحيحة المعروفة لدى المسلمين خمس مرات في اليوم، وقد تم إعداد (المعابد)(1) التابعة لهم لإقامة الصلاة.
د ـ التأكيد على الخلق الإسلامي والأدب وحسن الهندام، ولبس الحشمة بالنسبة للمرأة.
ه ـ تصحيح المفاهيم الإسلامية، التي اعتنقتها الحركة منذ أيام فارد وأليجا محمد.
وقد حول اسم الصحيفة التي تصدرها الجماعة من محمد يتكلم إلى بلاليان نيوز bilalian news ثم أصبحت الجريدة الإسلامية.
كما انه اعلن سنة 1985 حل الجماعة بعد اضطراب الأمور بين قادتها، وترك كل شعبة من شعبها تعمل بشكل منفرد.
أبرز الشخصيات
إضافة إلى قادتها الثلاثة فارد واليجا محمد ووارث الدين، برزت اسماء:
__________
(1) ـ المعابد الاسم الذي كانت تطلقه هذه الفرقة على مساجدها .(15/5)
1 ـ مالكوم اكس، كان رئيساً لأحد معابد الفرقة في نيويورك، وهو خطيب ومفكر، قام برحلة إلى الشرق العربي وحج سنة 1963، ولما عاد إلى الولايات المتحدة تنكر لمبادئ الحركة العنصرية، وخرج عليها، وشكل فرقة عرفت باسم"جماعة أهل السنة" وقد اغتيل في فبراير سنة 1965.
2 ـ لويس فرخان، دخل في الإسلام سنة 1950، وخلف مالكوم اكس على رئاسة المعبد رقم 7، وهو أيضاً خطيب وكاتب ومحاضر، وهو على صلة بالرئيس الليبي معمر القذافي.
3 ـ ريموند شريف،صار وزيراً للعدل بعد أن كان قائداً أعلى لحرس الحركة المسمى ثمرة الإسلام.
4 ـ سلطان محمد، أحد أحفاد اليجا محمد، يقال بأنه كان على فهم جيد للإسلام، وكان إماماً لأحد مساجد واشنطن، ودرس الإسلام في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وقد توفي سنة 1410هـ (1990م) في الرياض.
5 ـ الملاكم المعروف محمد علي كلاي، ويقال بأن مالكوم اكس هو الذي اجتذبه إلى الحركة، كما أنه كان أحد أعضاء المجلس الذي أنشأه وارث للأمور المهمة في الجماعة.
الجذور الفكرية والعقائدية لجماعة أمة الإسلام:
قامت هذه الحركة على أنقاض حركتين قويتين ظهرتا بين السود هما:
1 ـ الحركة المورية التي دعا إليها الزنجي الأمركي تيموثي نوبل درو (1886 ـ 1929) الذي أسس حركته سنة 1913، وهي دعوة فيها خليط من المبادئ الاجتماعية والعقائدية الدينية المختلفة، وهم يعدون أنفسهم مسلمين، وقد ضعفت حركتهم إثر وفاة زعيمها.
2 ـ منظمة ماركوس جارفي المولود سنة 1887، والمتوفى سنة 1940، وقد أسس منظمته سنة 1916، وتتصف هذه الحركة بأنها نصرانية لكن على أساس جعل المسيح أسود وأمه سوداء، وقد أبعد زعيمها عن أمريكا سنة 1925.(15/6)
وتنظر جماعة أمة الإسلام إلى الإسلام على أنه إرث روحي يمكن أن ينقذ السود من سيطرة البيض، ويدفعهم إلى تشكيل أمة خاصة لها حقوقها ومكانتها. وقد تأثر المؤسس الرئيس للحركة أليجا محمد بما في التوراة والإنجيل، من أفكار إضافة إلى ما أخذه من معرفته السطحية عن الإسلام وأثرت إفرازات التمييز العنصري في الولايات المتحدة كثيراً على فكره. ولأمة الإسلام ثمانون شعبة في مختلف المدن الأمريكية ، ولهم 60 معهدا ً في مختلف أنحاء أمريكا.
الفرقة الثانية: الفراخانية
تنسب إلى لويس والكت (لويس فراح خان) الذي كان أحد الشخصيات البارزة في جماعة أمة الإسلام. لكنه همش من قبل وارث الدين، وإثر الخلافات استقال.
تركزت دعوته إلى إعادة بناء منظمة اليجا (أمة الإسلام) وإحياء تعاليمه، وفتح له معابد في نيويورك وشيكاغو ولوس انجلوس، وجعل شيكاغو مقراً لفرقته، وأصدر جريدة أسمها النداء الأخير.
وأخذ فراح خان يتجول في الولايات المتحدة لإلقاء المحاضرات، وكثر ظهوره في وسائل الإعلام . ولأنه دعا إلى إحياء دعوة أليجا محمد، فقد اتبعه معظم أفراد أسرة أليجا.
أهم العقائد والأفكار
1 ـ في سنة 1981، فرض فراح خان على الجميع أن يشهد أن لا إله إلا الله الذي جاء في صورة فارد محمد، وأن اليجا محمد رسول الله.
وأحيى بعض عقائد الأليجية منها:
2 ـ أن الله قد خلق نفسه، وأن جميع السود آلهة، ويولد بينهم إله مطلق كل 25 ألف سنة.
3 ـ أن محمد بن عبد الله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرسل للعرب فقط، وأليجا أرسله الله إلى سود أمريكا، وأنه أخر المرسلين.
4 ـ يعتقد فراح خان أنه هو المقصود بالحواري بطرس المعروف في المسيحية، ويعتقد أنه لا يملك قوة الإحياء، ولكن بواسطة صوت أليجا سوف يحيي الأمة بأسرها.
5 ـ الإنسان الأبيض شيطان، والإنسان الأسود هو الذي ألف جميع الكتب السماوية.
6 ـ معظم تعاليم القرآن موجهة إلى اليجا والسود في أمريكا.(15/7)
7 ـ لا قيامة للأجساد بعد الموت، و البعث والقيامة عبارة عن يقظة روحية لمن هم ينام من السود في قبور الأوهام.
وإضافة لذلك أضاف فراح خان بعض العقائد منها:
1 ـ تأليه أليجا، كما أله النصارى عيسى بن مريم، بل ادعى أن اليجا هو المسيح عيسى... وادّعى أن اليجا لم يمت، بل بعثه الله حيّاً مع أن اليجا أنكر البعث الجسدي إنكاراً مطلقاً.
يقول فراخان "إن المكرم اليجا محمد حي وهو مع الإله سوية وعودته وشيكة الحدوث، وأشهد أن أحد إخوانكم اليجا من بينكم قد رفع إلى مقام محمود على يمين الإله، وجعل رب العالمين فيه السلطة التامة على طاقات الطبيعة".
محاولات لإصلاح فكر فراح خان
قام فراح خان بزيارة إلى السعودية، وعقد لقاء بينه وبين المسؤولين عن الدعوة فيها، وقد وعد خيراً وأظهر لهم توجهاً للفهم والمراجعة، لكنه عندما عاد إلى الولايات المتحدة بقيت أفكاره دون تغيير يذكر، وإن كان قد أصبح أقل إعلاناً لها. ويظهر أنه يبحث عن الزعامة،وغير مخلص في نواياه.
الفرقة الثالثة: الأنصار
الأنصار فرقة باطنية عنصرية ظهرت بين السود في الولايات المتحدة في الستينات، وامتدت إلى كندا وأمريكا الوسطى والجنوبية، نظراً لقوة أنشطتها، وهو تدعي الإسلام والانتساب إلى المهدية في السودان(1)، غير أن عقائدها خليط من النصرانية واليهودية والبوذية والإسلام.
التأسيس وأبرز الشخصيات
__________
(1) ـ المهدية إحدى حركات الإصلاح التي ظهرت في العالم الإسلامي مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وهي ذات مضمون ديني سياسي شابته بعض الانحرافات العقائدية والفكرية، فقد سلك مؤسسها محمد أحمد المهدي (1845 ـ 1885م) الطريقة السمّانية القادرية الصوفية. وما يزال أحفاد المهدي وأنصاره يسعون للعب دور في الحياة الدينية والسياسية في السودان، ويجمعهم حزب الأمة.(15/8)
مؤسس هذه الفرقة دوليت يورك، المولود في نيويورك سنة 1935، وتعرف على مبادئ الإسلام في السجن الذي دخله لتعاطيه المخدرات، كما درس في السجن اليهودية والنصرانية وغيرها من الأديان والفرق.
وعن خروجه من السجن أوائل الستينات أعلن إسلامه في مسجد ستايت ستريت ، وفي عام 1973 زار السودان والتقى بعائلة المهدي وادعى أنه قد حصل على الدكتوراه في الشريعة خلال زيارته التي لم تتجاوز أربعة شهور. وقد زاره الصادق المهدي في أمريكا وخطب في معبده.
وقد أسلم، واتخذ لنفسه اسم عيسى عبد الله، واستغل الوضع الاجتماعي للسود آنذاك للدعوة للإسلام بطابع قومي، وقد أطلق على فرقته أسماء عدة منها: أنصار الصوفية الخالصة، والنوبيون، وأنصار الله.
النظام الاجتماعي والاقتصادي
ألزم عيسى أتباعه بالسكن الجماعي، حيث تتجمع النساء في وحدة خاصة منفصلة عن وحدة الرجال ووحدة خاصة للأطفال وخصص غرفة تحت اسم (الغرفة الخضراء) للاتصال الجنسي بين المتزوجين بالتناوب، وكان هو الوحيد الذي يسمح له بالتنقل بين النساء، مما جعل الكثير من النساء يحملن منه ويتركن الجماعة، إضافة إلى اتخاذه عدداً من النساء ملك يمينه. وكان يستغل نساء الجماعة بأعمال الطبخ والخياطة وغسل الثياب واعداد كتب تطبع باسمه!
وألزم أتباعه كذلك بتسليم جميع ما لديهم من أموال وممتلكات، وأمرهم بترك جامعاتهم وأماكن عملهم، وبمقاطعة أقاربهم، كي لا يكون لهم استقلال فكري أو مالي، كما فرض عليهم نظام التسول الجماعي. تأثراً بفرقة (هارى كريشن) الهندوكية التي كانت تنتشر بين البيض في أمريكا. لذلك كان ينتشر أفراد الجماعة في الأماكن العامة من الحدائق والمطارات وسكك الحديد للتسول ومن لا يحقق الحد الأدنى وهو 50 دولاراً يومياً يحرم من مباشرة زوجته!
أهم الأفكار
1 ـ ادّعى عيسى في أواخر السبعينات أنه مجدد القرن منافساً لابن اليجا محمد (المعروف بوارث دين محمد) الذي ادّعاه آنذاك.(15/9)
وفي أوائل الثمانينات تطرق إلى الألوهية حيث صرح في كتبه أنه الإله المتجسد.
2 ـ اعتقاد أن الجنس الأبيض ليسوا بشراً، إنما تلبست بأجسادهم الأرواح الشريرة، ويعتقدون أن الأنبياء جميعاً من أصحاب البشرة السوداء.
3 ـ زعم عيسى أن جبريل جامع مريم البتول، فأنجبت منه عيسى، الذي يعتقدون أن الله لم يرفعه إليه، وإنما توفاه على الأرض.
4 ـ ينكر الأنصار نسخ التوراة والإنجيل، ويقولون بعدم تحريفهما.
5 ـ زاد عيسى في الصلاة أشياء كثيرة، وحذف أشياء أخرى مثل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في التشهد معتبراً أن ذلك شرك.
6 ـ يعتقد الأنصار أن نعيم الجنة نعيم نفسي، والنار كذلك (آلام نفسية) وليست حقيقة.
7 ـ تحريم أكل لحوم الإبل والضب، وإباحة شرب الخمر لأداء الطقوس الدينية اليهودية.
8 ـ إباحة وطء المرأة في دبرها.
الانتشار
يقع مركز الفرقة في مدينة نيويورك، ولها أحياء كبيرة في واشنطن وفيلادلفيا، إضافة إلى مونتريال بكندا وجزيرة ترينيداد بأمريكا الوسطى وجورج تاون، وجمهورية غيانا بأمريكا الجنوبية، وجزيرة سانت فيسانت من جزر البحر الكاريبي. ولهم صحف ومجلات وأكثر من مائتي كتاب لمؤسس الجماعة عيسى.
للاستزادة
الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة ـ إعداد الندوة العالمية للشباب الإسلامي.
ألف خيانة وخيانة للقاديانية في القارة الهندية(15/10)