?
العدد الأول
جمادى الآخرة/ 1424هـ
أهمية رصد حركة الفرق والطوائف.
1-…كلمة لا بد منها.
2-…النصيرية.
3-…حزب الله.
4-…صلاح الدين الأيوبي.
5-…إيران والمعارضة العراقية.
6-…الثورة الإيرانية وجيلها الثالث.
7-…الحوزة والأمة ومستقبل فلسطين.
8-…الموقف الإيراني من الحرب الأمريكية على العراق.
9-…مقاربة ثقافية لسياسة إيران الخارجية.
10-…أهل السنة في إيران.
?
فاتحة القول
أهمية رصد حركة الفرق والطوائف
أيها القارئ الكريم يسعدنا أن نضع بين يديك جهداً نراه ضرورياً في رصد حركة الفرق والطوائف المخالفة لمنهج أهل السنة والمسلمين , والداعي لهذا ما تشهده أوضاع المسلمين اليوم في كافة أرجاء الأرض من انبعاث لفكر هذه الطوائف أولاً وتشكيل هذه الفرق والطوائف دولاً وقوى سياسية فاعلة , وأهم من هذا أنها بدأت بالتسرب إلى أهل السنة والمسلمين وافتراس الكثيرين من أبنائهم وقادتهم .
إن الصراع في عالمنا اليوم هو بين القوى المتدينة سواء قلنا بصراع الحضارات أم لم نقل فإن سيطرة القوى المتدينة ظاهر لكل مراقب , وتعمل هذه العقائد على فرض المواقف والسياسات على العديد من الدول والقوى بصرف النظر عن صحة وصواب هذه الأفكار .
وإن أعداءنا واليهود تحديداً منهم ومن القديم حاربونا من خلال إنشاء ورعاية وتوجيه الفرق الضالة والمبتدعة والتحالف معها، واليوم الساحة مهيأة أكثر من أي وقت مضى لرعاية وإنشاء ودعم العديد من القوى البدعية والطائفية لتكون سلاحاُ بيد أعداء الإسلام لكن باسم الإسلام ! .
وإن نظرة على خارطة العالم الإسلامي مع وضع أسماء القوى الطائفية والفرقية المؤثرة فيها ليوضح بشكل لا نقاش فيه هذا الخطر الزاحف من داخلنا دون أن يعيره الكثير من المسلمين الانتباه الكافي .(1/1)
ومن أجل هذا كانت هذه المجلة التي تهدف إلى تبصير أهل الاسلام بخطر الفرق والطوائف على مستقبل الدعوة الاسلامية وبلادهم، وتوضح لهم حقيقة الأدوار التي يقومون بها مع التحذير من الخطط القادمة وكيفية العمل على مقاومتها .
والله من وراء القصد .
كلمة لا بد منها
إن الحديث عن الفرق والطوائف ليس فتحاً لجروح مندملة, بل حديث في قضية مهمة نعايشها وتكاد تكون محور استراتيجيات متعددة تجاه أمننا.
وهذا لا يعني أن جميع هذه الفرق والطوائف في مستوى واحد من العداء والمكر للأمة فضلاً عن أنها جميعها تريد ذلك.
وأيضاً فإن كثير من أفراد هذه الفرق والطوائف هم من الغافلين عن حقيقة مذاهبهم وعقائدهم ولذلك لا نتهم كل من انتسب لهذه الفرق والطوائف بالعمالة والتآمر, بل قد كان لبعض هذه الفرق والطوائف وفئة من أبنائها مواقف تشكر لهم, لكن كان سبب ذلك بشكل أساسي هو ضعف تأثرهم في مراحل معينة بمذهبهم وفكرهم!.
وتقريباً للصورة نقول هناك العديد من المتصوفة مثلاً لا يعرف عن الصوفية سوى ذكر الله -ولو كان بصورة مبتدعة- وهو يظن أن هذا هو غاية التصوف ويكون له بلاء حسن في الدفاع عن الاسلام وقضاياه, فدفاعه وبلاءه مع الاسلام ليس نابعاً من تصوفه بل هو نابع من جهله بالتصوف, فلو تعمق بالتصوف واعتقد عقائد الصوفية لتحالف مع أعداء الاسلام المتغلبين بحجة أن هذا قدر الله ولا بد من الأخذ به والحب له!!.
ولذلك فإن الخطر والبلاء يأتي الاسلام دائماً حين يقوم بعض أصحاب المذاهب البدعية بالدعوة لها والعمل من أجلها فعندها تنزل بالمسلمين الكوارث, كما هو حادث في يومنا هذا.
فرق ومذاهب
النصيرية
التعريف:(1/2)
النصيرية حركة باطنية ظهرت في القرن الثالث للهجرة, أصحابها يعدون من غلاة الشيعة الذين زعموا وجود جزء إلهي في علي وألهوه به, مقصدهم هدم الإسلام ونقض عراه, وهم مع كل غاز لأرض المسلمين, ولقد أطلق عليهم الإستعمار الفرنسي لسوريا اسم (العلويين) تمويهاً وتغطية لحقيقتهم الرافضة.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
-مؤسس هذه الفرقة أبو شعيب محمد بن نصير البصري النميري (ت 270هـ) عاصر ثلاثة من أئمة الشيعة وهم علي الهادي (العاشر) والحسن العسكري (الحادي عشر) ومحمد المهدي " الموهوم " (الثاني عشر).
-زعم أنه الباب إلى الإمام الحسن العسكري, والحجة من بعده, وأنه وارث علمه, والمرجع للشيعة من بعده, وأن صفة المرجعية والبابية بقيت معه بعد غيبة الإمام المهدي.
-ادَّعى النبوة والرسالة, وغلا في حق الأئمة إذ نسبهم إلى الألوهية.
-خلفه على رئاسة الطائفة محمد بن جندب.
-ثم أبو محمد عبد الله بن محمد الجنان الجنبلاني (235-287هـ) من جنبلا بفارس, وكنيته العابد والزاهد والفارسي, سافر إلى مصر, وهناك عرض دعوته على الخصيبي.
-حسين بن علي بن الحسين بن حمدان الخصيبي: المولود سنة 260هـ جاء مع استاذه من مصر إلى جنبلا, وخلفه في رئاسة الطائفة, وعاش في كنف الدولة الحمدانية بحلب كما أنشأ للنصيرية مركزين أولهما في حلب ورئيسه محمد علي الجلي والاخر في بغداد ورئيسه علي الجسري.
-انقرض مركز بغداد بعد حملة هولاكو عليها.
-انتقل مركز حلب إلى اللاذقية وصار رئيسه أبو سعيد الميمون سرور بن قاسم الطبراني (358-427هـ).
-اشتدت هجمات الأكراد والأتراك عليهم مما دعا إلى قيام الأمير حسن المكزون السنجاري (583-638هـ) ومداهمة المنطقة مرتين فشل في الأولى ونجح في الثانية حيث أرسى قواعد المذهب النصيري في جبال اللاذقية.
-ظهر حسن عجرد من منطقة أعنا, وقد توفي في اللاذقية سنة(836هـ/ 1432م).(1/3)
-نجد بعد ذلك رؤساء تجمعات نصيرية من مثل الشاعر القمري محمد بن يونس كلاذي (1011 هـ / 1602 م) قرب أنطاكية, وعلي الماخوس وناصر نيصفي ويوسف عبيدي.
-سليمان أفندي الأذني: ولد في أنطاكية سنة 1250هـ وتلقى تعاليم الطائفة لكنه تنصر على يد أحد المبشرين وهرب إلى بيروت حيث أصدر كتابه (الباكورة السليمانية) يكشف فيه أسرار هذه الطائفة, استدرجه النصيريون بعد ذلك وطمأنوه فلما عاد وثبوا عليه وخنقوه وأحرقوا جثته في إحدى ساحات اللاذقية.
-عرفوا تاريخياً باسم النصيرية, لكن فرنسا أقامت لهم دولة أطلقت عليها اسم (دولة العلويين) وقد استمرت هذه الدولة من سنة 1920 إلى سنة 1936م.
-محمد أمين غالب الطويل: شخصية نصيرية, كان أحد قادتهم أيام الاحتلال الفرنسي لسوريا, ألّف كتاب (تاريخ العلويين) يتحدث فيه عن جذور هذه الفرقة.
-سليمان الأحمد: شغل منصباً دينياً في دولة العلويين عام 1920 م.
-سليمان المرشد: كان راعي بقر, لكن الفرنسيين احتضنوه وأعانوه على ادعاء الربوبية, كما اتخذ له رسولاً (سليمان الميده) وهو راعي غنم, ولقد قضت عليه حكومة الاستقلال وأعدمته شنقاً عام 1946م.
-جاء بعده ابنه مجيب, وادعي الألوهية, لكنه قتل أيضاً على يد رئيس المخابرات السورية آنذاك سنة 1951م, وما تزال فرقة (المواخسة) النصيرية يذكرون اسمه على ذبائحهم.
-ويقال بأن الإبن الثاني لسليمان المرشد اسمه (مغيث) قد ورث الربوبية المزعومة عن أبيه.
الأفكار والمعتقدات:
-جعل النصيرية علياً إلهاً, وقالوا بأن ظهوره الروحاني بالجسد الجسماني الفاني كظهور جبريل في صورة بعض الأشخاص.
-لم يكن ظهور (الإله علي) في صورة الناسوت إلا إيناساً لخلقه وعبيده.
-يحبون (عبد الرحمن بن ملجم) قاتل الإمام علي ويترضون عنه لزعمهم بأنه قد خلص اللاهوت من الناسوت, ويخطئون من يلعنه.
-يعتقد بعضهم بأن علياً قد سكن القمر بعد تخلصه من الجسد الذي كان يقيده ويعتقد آخرون بأن مسكنه في الشمس.(1/4)
-يعتقدون بأن علياً قد خلق محمداً, وأن محمداً قد خلق سلمان الفارسي وأن سلمان الفارسي قد خلق الأيتام الخمسة الذين هم:
1-المقداد بن الأسود: ويعدونه رب الناس وخالقهم والموكل بالرعود.
2-أبو ذر الغفاري: الموكل بدوران الكواكب والنجوم.
3-عبد الله بن رواحة: الموكل بالرياح وقبض أرواح البشر.
4-عثمان بن مظعون: الموكل بالمعدة وحرارة الجسد وأمراض الإنسان.
5-قنبر بن كادان: الموكل بنفخ الأرواح في الأجسام.
-قال ابن نصير بإباحة المحارم, وأحل (اللواط) بين الرجال.
-لهم ليلة يختلط فيها الحابل بالنابل كشأن باقي الفرق الباطنية.
-يعظمون الخمرة, ويحتسونها, ويعظمون شجرة العنب لذلك ويستفظعون قلعها أو قطعها لأنها هي أصل الخمرة التي يسمونها " النور ".
-يصلون في اليوم خمس مرات لكنها صلاة تختلف في عدد الركعات ولا تشتمل على سجود وإن كان فيها نوع من ركوع أحياناً.
-لا يصلّون الجمعة ولا يتمسكون بالطهارة من وضوء ورفع جنابة قبل أداء
الصلاة.
-ليس لهم مساجد عامة, بل يصلون في بيوتهم, وصلاتهم تكون مصحوبة بتلاوة الخرافات.
-لهم قدّاسات شبيهة بقداسات النصارى من مثل:
•…(قدّاس الطيب لكل أخ حبيب).
•…(قدّاس البخور في روح ما يدور في محل الفرح والسرور).
•…(قدّاس الأذان وبالله المستعان).
-لا يعترفون بالحج, ويقولون بأن الحج إلى مكة إنما هو كفر وعبادة أصنام
-لا يعترفون بالزكاة الشرعية المعروفة لدينا –نحن المسلمين- وإنما يدفعون ضريبة إلى مشايخهم زاعمين بأن مقدارها خمس ما يملكون.
-الصيام لديهم هو الامتناع عن معاشرة النساء طيلة شهر رمضان.
-يبغضون الصحابة بغضاً شديداً, ويلعنون أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم أجمعين.
-يزعمون بأن للعقيدة باطناً وظاهراً وأنهم وحدهم العالمون بباطن الأسرار, ومن ذلك:
•…الجنابة: هي موالاة الأضداد والجهل بالعلم الباطني.
•…الطهارة: هي معاداة الأضداد ومعرفة العلم الباطني.(1/5)
الصيام: هو حفظ السر المتعلق بثلاثين رجلاً وثلاثين امرأة.
•…الزكاة: يرمز لها بشخصية سلمان.
•… الجهاد: هو صب اللعنات على الخصوم وفُشَاة الأسرار.
•… الولاية: هي الإخلاص للأسرة النصيرية وكراهية خصومها.
•… الشهادة: هي ان تشير إلى صيغة (ع.م.س).
•… القرآن: هو مدخل لتعليم الإخلاص لعلي, وقد قام سلمان " تحت اسم جبريل " بتعليم القرآن لمحمد.
•… الصلاة: عبارة عن خمسة أسماء هي: علي وحسن وحسين ومحسن وفاطمة, ومحسن هذا هو (سر الخفي) إذ يزعمون بأنه سقطٌ طرحته فاطمة, وذكر هذه الأسماء يجزئ عن الغسل والجنابة والوضوء.
-اتفق علماء المسلمين على أن هؤلاء النصيرين لا تجوز مناكحتهم, ولا تباح ذبائحهم, ولا يُصلّى على من مات منهم ولا يدفن في مقابر المسلمين, ولا يجوز استخدامهم في الثغور والحصون.
-يقول ابن تيمية: " هؤلاء القوم المسمون بالنصيرية –هم وسائر أصناف القرامطة الباطنية- أكفر من اليهود والنصارى, بل وأكفر من كثير من المشركين وضررهم أعظم من ضرر الكفار المحاربين مثل التتار والفرنج وغيرهم... وهم دائماً مع كل عدو للمسلمين, فهم مع النصارى على المسلمين, ومن أعظم المصائب عندهم انتصار المسلمين على التتار, ثم إن التتار ما دخلوا بلاد الإسلام وقتلوا خليفة بغداد وغيره من ملوك المسلمين إلا بمعاونتهم ومؤازرتهم "
-الأعياد: لهم أعياد كثيرة تدل على مجمل العقائد التي تشتمل عليها عقيدتهم ومن ذلك:
1-…عيد النوروز: في اليوم الرابع من نيسان, وهو أول أيام سنة الفرس.
2-…عيد الغدير, وعيد الفراش, وزيارة يوم عاشوراء في العاشر من المحرم ذكرى استشهاد الحسين في كربلاء.
3-…يوم المباهلة أو يوم الكساء: في التاسع من ربيع الأول ذكرى دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لنصارى نجران للمباهلة.
4-…عيد الأضحى: ويكون لديهم في اليوم الثاني عشر من شهر ذي الحجة.(1/6)
يحتفلون بأعياد النصارى كعيد الغطاس, وعيد العنصرة, وعيد القديسة بربارة, وعيد الميلاد, وعيد الصليب الذي يتخذونه تاريخاً لبدء الزراعة وقطف الثمار وبداية المعاملات التجارية وعقود الإيجار.
5-…يحتفلون بيوم (دلام) وهو اليوم التاسع من ربيع الأول ويقصدون به مقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه, فرحاً بمقتله وشماتة به.
الجذور الفكرية والعقائدية:
-استمدوا معتقداتهم من الوثنية القديمة, وقدّسوا الكواكب والنجوم وجعلوها مسكناً للإمام علي.
-تأثروا بالأفلاطونية الحديثة, ونقلوا عنهم نظرية الفيض النوراني على الأشياء.
-بنوا معتقداتهم على مذاهب الفلاسفة المجوس.
-أخذوا عن النصرانية, ونقلوا عن الغنوصية المسيحية, وتمسكوا بما لديهم من التثليث والقداسات وإباحة الخمور.
-نقلوا فكرة التناسخ والحلول عن المعتقدات الهندية والآسيوية الشرقية.
-هم من غلاة الشيعة مما جعل فكرهم يتسم بكثير من المعتقدات الشيعية وبالذات تلك المعتقدات التي قالت بها الرافضة بعامة والسبئية (جماعة عبد الله بن سبأ اليهودي) بخاصة.
الانتشار ومواقع النفوذ:
-يستوطن النصيريون منطقة جبال النصيريين في اللاذقية, ولقد انتشروا مؤخراً في المدن السورية المجاورة لهم.
-يوجد عدد كبير منهم ايضاً في غربي الأناضول ويعرفون باسم (التختجية والحطابين) فيما يطلق عليهم شرقي الأناضول اسم (القزل باشيه).
-ويعرفون في أجزاء أخرى من تركيا وألبانيا باسم البكتاشية.
-هناك عدد منهم في فارس وتركستان ويعرفون باسم (العلى إلهية).
-وعدد منهم يعيشون في لبنان وفلسطين.
في السياسة والتاريخ:(1/7)
و وقائع التاريخ تؤكد ما ذهب إليه ابن تيمية رحمه الله من أنهم مع كل عدو للمسلمين, فقد كان هؤلاء الباطنيون دوماً و ما زالوا ضد المسلمين, ويناصرون الكافرين عليهم, ففي سنة 803هـ, توجه تيمور لنك إلى الشام وخرّب معالمها ودك حصونها, وأذل رجالها, معبراً عن حقد شعوبي خبيث, مغطى بدعوى الولاء لآل البيت, فقام النصيرية يناصرونه ويغرونه بالفتك بأهل الشام, وكان نائب حلب هو الأمير (النصيري) تمور طاش الذي اتصل بتيمور لنك خفية واتفق معهم على أن يدهم تيمور لنك حلب, فهاجمها بالفعل ودخلها عنوة, وأمعن في القتل والنهب والتعذيب.
ولما تصدّى الظاهر بيبرس لصد حملات التتار عن الشام, كان النصيريون مع التتار, ولما تمكن بيبرس من القضاء على التتار, توجه إلى جبال النصيرية, وعاقبهم, ثم أحسن الظن بهم وبنى لهم المساجد علّهم يعودون على الاسلام, فاستجابوا مدة حتى أمنوا, ثم أهملوها وجعلوها زرائب للماشية.
واما في عهد الهجمة الصليبية, فإن الصليبيين لم يدخلوا بلاد المسلمين إلا عن طريقهم ومن مناطق سكناهم في طرطوس وأنطاكية وغيرها من مناطق نفوذهم, بل إن مدينة أنطاكية سقطت في يد الصليبيين بفعل الاتفاق الذي وقع بين الزعيم النصيري (فيروز) وبين قائد الصليبيين (بوهمند), كما أن النصيريين أرشدوهم إلى القلاع والوديان والمسالك.(1/8)
وفي زمن الحرب العالمية الأولى, أعان النصيريون الفرنسيين على احتلال سوريا, وسعوا لإقامة دولة خاصة بهم, وقد أقامت لهم فرنسا دولة في بداية أيلول سنة 1920, ويقول الجنرال الفرنسي غورو في تلك الفترة (وأفيدكم بهذا الصدد أن النصيريين الذين يستيقظ حسهم " الإقليمي الذاتي " منذ لم يعد الاتراك هنا لتذويبهم مع المسلمين, قد ساعدوني كثيراً في قمع الفتنة التي أثارها الشريف (فيصل الأول) في منطقة تل كلخ, فقد تلقيت برقية تفيدني بأن ثلاثة وسبعين زعيماً نصيرياً يتحدثون باسم جميع القبائل يطالبون بإنشاء اتحاد نصيري مستقل تحت حمايتنا المطلقة).
وفي عام 1919 أطلق الفرنسيون على النصيريين اسم (العلويين) لترفع عنهم تلك الوصمة من ذلك الاسم البغيض (النصيرية), وفي عام 1936 أرسل زعماء الطائفة النصيرية في سوريا عريضة يطالبون فيها بعدم إنهاء الانتداب الفرنسي لسوريا, ويذكّرون المسؤولين الفرنسيين بأنهم شعب يختلف في معتقداته الدينية وعاداته وتاريخه عن الشعب المسلم السني, وأبدوا تعاطفهم مع اليهود الذين كانوا يتكاثرون في فلسطين –آنذاك- تحت رعاية ودعم الاحتلال البريطاني, وفي العام ذاته رفض زعماء الجبل (النصيريون) في سوريا وحدة سوريا, وأعلنوا العصيان المسلح سنة 1946.
وفي سنة 1975 دخل الجيش السوري لبنان ليقف مع المسيحيين الموارنة ضد المسلمين, ويرتكب في العام التالي مذبحة مروعة في تل الزعتر بحق الفلسطينيين الأبرياء, وسوريا كما هو معروف تحكمها الطائفة النصيرية منذ عام 1970 وحتى الآن, كما أن النظام السوري النصيري اقترف عدة مجازر مروّعة ضد مواطنيه السوريين السّنة في مدينة حماة وغيرها أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات.
للإستزادة:
1-…طائفة النصيرية تاريخها وعقائدها – د. سليمان الحلبي
2-…الخمينية وريثة الحركات الحاقدة والأفكار الفاسدة – وليد الأعظمي
3-…رؤية اسلامية في الصراع العربي الاسرائيلي – محمد عبد الغني
النواوي.(1/9)
4- مدخل إلى المذهب العلوي النصيري – جعفر الكنج الدندشي
حزب الله من الحلم الايديلوجي
إلى الواقعية السياسية
هذا كتاب مهم في بابه للدكتور غسان العزي أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية صدرت طبعته الأولى عن دار قرطاس للنشر في الكويت في 105 صفحات من الحجم المتوسط سنة 1998, والمؤلف د. غسان العزي هو أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية.
وأهمية الكتاب تتمثل في أن حزب الله في لبنان أشبه بقصة غامضة يتداخل فيها البعدان الخارجي والداخلي, قصة تثور حولها التساؤلات الكثيرة ومنها حقيقة الانسحاب الاسرائيلي من جنوب لبنان المحتل والدور الغامض لحزب الله.
لذلك كان حزب الله موضوعاً جديراً بالدراسة, رغم صدور عدد وافر من الكتب والأبحاث حوله, لكن معظم هذه الدراسات بحسب المؤلف د. غسان عزي ينظر إلى الحزب من زوايا ضيقة نسبياً, فهو إما مجرد حركة عسكرية وجدت لمقاومة الاحتلال الاسرائيلي وبالتالي تزول بزواله, وإما رأس حربة للنفوذ الإيراني في لبنان, وإما ورقة ضاغطة لسوريا في مفاوضات السلام, وإما تعبير عن " حالة إسلامية شيعية أصولية "... إلخ.
وبين هذا الرأي وذاك, يحاول المؤلف الخروج بتحليل يتوخى القدر الأكبر الممكن من الموضوعية والتوازن, وتدور إشكالية البحث حول رصد مسار حزب الله والتوفيق بين الخطاب الايديولوجي والممارسة الواقعية, أو بالأحرى تحوله التدريجي من الثورية المثالية إلى الواقعية السياسية, فالأنظمة القائمة في العالم العربي والاسلامي التي يدعو حزب الله لتغييرها, هو اليوم يعيش في أحضان بعضها ويمثل جزءًا من نظامها ويرفع أعلامها وشعاراتها!
نشأة حزب الله:-
يذكر المؤلف الظروف التي نشأ فيها حزب الله وخاصة البيئة الاجتماعية والسياسية, حيث الجنوب والبقاع المحروم مقابل بيروت الغنية, وكانت الطائفة الشيعية اللبنانية(1/10)
الأكثر عدداً من بين الطوائف في الجنوب والبقاع خاصة, ثم جاء تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية سنة 1964 وانطلاق عملياتها من الجنوب اللبناني, وقد دفع هذان السببان باتجاه الهجرة من الجنوب والبقاع, وفي هذا الجو راحت تنمو الأحزاب السياسية ويتكاثر عددها, وكانت الطائفة الشيعية تغذي صفوف الأحزاب اليسارية والقومية العربية عموماً المتحالفة مع الثورة الفلسطينية.
وفي ظل هذه الظروف, قدم إلى لبنان شيعي إيراني هو موسى الصدر, وأخذ يعمل على تنظيم صفوف الشيعة وإقامة المشاريع لهم, ثم أنشأ حركة أمل الشيعية المسلحة سنة 1975, وسرعان ما تم منحه الجنسية اللبنانية .
وساهمت المنظمات الفلسطينية مساهمة فعالة في التأطير العسكري والسياسي لحركة أمل وفي تسليحها ودعمها, وبعد اختفاء الصدر الذي كان في زيارة إلى ليبيا تولى رئاسة الحركة حسين الحسيني ثم نبيه برّي الذي وجهها وجهة سورية, واختار تحالفاً لا حدود له مع سوريا التي كانت تعيش صراعاً على النفوذ مع منظمة عرفات في لبنان, وبالرغم من الدعم الفلسطيني الكبير لحركة أمل الشيعية إلا أن الفلسطينيين كانوا ضحايا الحركة, فقد اقترفت ضدهم مذابح مروعة وفرضت حصاراً على مخيماتهم وهو ما عرف لاحقاً باسم (حرب المخيمات) وهذا يدل على طيبة أهل السنة تجاه الآخرين.(1/11)
في بداية عام 1979, انتصرت الثورة الايرانية في إيران, فدب الحماس في نفوس المقاتلين الشيعة, الذين سارعوا إلى تشكيل " لجان دعم الثورة الاسلامية في إيران " واختار بعض رجال الدين الايرانيين المنفيين في لبنان البقاء في لبنان, والعمل كجسر لإيران في لبنان, وتمكن الحرس الثوري الايراني من إدخال أكثر من ألف عنصر إلى جنوب لبنان, وعملوا في صفوف أمل ومنظمة التحرير, وتكثفت الاتصالات بين الشيعة اللبنانيين والايرانيين, وتمركز علماء دين إيرانيون في الجنوب وضاحية بيروت الجنوبية, وصارت السفارة الايرانية تكثف نشاطاتها الدعائية والاجتماعية والثقافية وتقدم المساعدات وتنظم التجمعات والمهرجانات الداعية للثورة, وتساهم في خلق الظروف المؤاتية لمشروع تصدير الثورة.
ومع تصاعد الغزو اليهودي ضد لبنان عام 1982 م, تم تشكيل هيئة انقاذ وطني من مختلف الفصائل ومن بينها حركة أمل, لكن طلبت إيران من رئيس الحركة نبيه بري عدم المشاركة! و اعتراضاً على مشاركة بري انشق عنه بعض الأعضاء الموالين لإيران و أسسوا " حركة أمل الاسلامية ", وفي الوقت الذي كان فيه حسين موسوي نائب رئيس حركة أمل يهاجم هيئة الانقاذ والمشاركين فيها ويعلن ولادة " أمل الاسلامية " قام بخطف عدد من رجال الدين المسيحيين في مدينة زحلة, وسرعان ما تحولت " أمل الإسلامية " إلى " حزب الله ", و في عام 1984 تم اعتماد التسمية الثابتة والشعار المركزي للحزب, وفي عام 1985 م أصدر "حزب الله" الرسالة المفتوحة التي تحتوي على برنامجه السياسي ورؤيته للواقع المحلي والاقليمي والدولي, وهكذا فقد نشأ وولد حزب الله من رحم الاحتجاج على انضمام نبيه بري إلى لجنة الانقاذ للتصدي للعدوان الاسرائيلي!!!.
التصورات والمنهج :(1/12)
شكلت الرسالة المفتوحة خطوطاً عريضة لمنهج حزب الله, فقد أكدت على الولاء لإيران وللإمام الخميني الولي الفقيه والالتزام بقيادته, ورفض النظام اللبناني القائم, ورفض و معارضة كل من يتحرك في إطار المحافظة على الدستور ومعارضة كل حكومة تمثل جزءاً من النظام اللبناني الظالم.
وجعل حزب الله من أهدافه :
-…إخراج إسرائيل من لبنان نهائياً تمهيداً لإزالتها من الوجود, وتحرير القدس وعدم الاعتراف بالهدنة مع اسرائيل إلا أنه سرعان ما عقد الهدنة والاتفاقات كما هو الحال في هدنة نيسان سنة 1996 م.
-…إخراج أمريكا وفرنسا من لبنان, وسائر القوى الاستعمارية.
-…محاكمة الكتائبيين على الجرائم التي اقترفوها بحق اللبنانيين.
-مهاجمة الأنظمة العربية كالعراق ومجلس التعاون الخليجي ومحور الأردن ومصر والمنظمة العرفاتية, في إشارة إلى الدول التي كانت تقف ضد إيران في حربها على العراق.
البنية التنظيمية والمؤسسات :
حيث أن حزب الله يتبنى نظرية ولاية الفقيه, فإن مرشد الثورة الايرانية هو قائد الحزب وزعيمه أما الذي يدير شؤونه فهو الأمين العام, ويتألف الحزب من مجلس للشورى ومكتب سياسي ومكتب مركزي, والكوادر القيادية للحزب إما من العاملين في حزب الدعوة أو من الذين عملوا مباشرة مع الثورة في إيران.
وجرت أول انتخابات للحزب سنة 1989, وقد راح منذ ولادته يجمع بين المنظمة السرية الأمنية وبين الحركة الأهلية الجماهيرية.
ومن الأسباب التي تدفع الحزب إلى هذه السرية وجود عضوين إيرانيين في القيادة الحزبية العليا, ويعتمد حزب الله على جهاز أمني شديد التعقيد والفعالية.(1/13)
بلغت موازنة الجهاز الأمنى 70 مليون دولار سنة 1992, وقد تم إنشاء هذا الجهاز بمساعدة حرس الثورة الايرانيين ( الباسدران) الذين وفدوا إلى لبنان سنة 1982, وكان يشرف سابقاً على المعتقلات وموضوع الرهائن الاجانب الذين تمكنت إيران من خلال المساومة عليهم من عقد عشرات الصفقات السرية مع الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا لاستيراد السلاح الذي احتاجت إليه في حربها ضد العراق ( إيران غيت مثلاً ).
وسمح للحزب بامتلاك الآلة العسكرية والإعلامية والدينية والأمنية واستطاع أن يفرض نفسه على الساحة عسكرياً ثم سياسياً, واحتفظ بسلاحه في حين تخلت الأحزاب والميليشيات الأخرى عن سلاحها أو جردت منها.
وفي ظل غياب الدولة, لجأ حزب الله إلى إنشاء عشرات المشاريع الخيرية من مدارس ومستشفيات وحفر آبار... وإنشاء مؤسسات تتبع هيئات إيرانية كمؤسسة الشهيد, وإنشاء وسائل إعلام مثل تلفزيون المنار, ومركز دراسات وتوثيق, كما اهتم الحزب بإنشاء المدارس الدينية والحوزات, الأمر الذي يثير التساؤل عن موارد الحزب خاصة إذا أضيف لها كلفة الجهاز الأمني والعسكري للحزب, لذلك فالدعم الإيراني أكثر من حيوي, وقد عيّن مرشد الثورة الإيرانية خامنئي اثنين من قادة الحزب هما حسن نصر الله ومحمد يزبك وكيلين له في لبنان لاستلام أموال الخمس وغيرها.
وقدّر دخل الحزب عام 1993 بـ 160 مليون دولار وقد اعتبر عيسى طبطبائي رئيساً لـ "مؤسسات الجمهورية الاسلامية الايرانية " في لبنان وهو من قدامى الدعاة الخمينيين في لبنان, وقد اضطلع بدور بارز في إعداد كوادر حزب الله الخميني واختيارهم وترقيتهم على غرار ما كانت تصنع "دائرة الكوادر" في الأحزاب الشيوعية والسوفيتية.(1/14)
وطريقة عمل حزب الله المؤسساتي هي طريقة الأحزاب الشيوعية والهدف منها خلق مجتمع نقيض للمجتمع العام والظاهر, لا يترك للدولة أي مكان فيه أو دور, والأصل هو "الثورة الاسلامية" أو " المقاومة الاسلامية " أي الحرب, وما الأساليب المختلفة (رعاية الأيتام وما شابه ذلك) إلا فروع متفرعة عن هذا الأصل, " تخفف " بعض نتائج الحرب أو تمدها بوقود جديد.
المقاومة:
ارتبط حزب الله في أذهان الناس بالمقاومة في جنوب لبنان, وصارت تثار التساؤلات حول حقيقة الدور الذي يؤديه ومدى ارتباطه بلبنان أو أدائه لأدوار نيابة عن الآخرين وفعالية المقاومة وسبب السماح له وحده بامتلاك السلاح.
ومن أجل أن يعطي الحزب الانطباع بأنه لبناني, أعلن أمين عام حزب الله حسن نصر الله في أحد أيام 1997 عن إنشاء (السرايا اللبنانية لمقاومة الاحتلال الاسرائيلي) في محاولة لاتجاه الحزب حول "اللبننة" ورفع تهمه إستئثاره بالمقاومة, ولم نر أي تطبيق عملي لهذه الخطوة سوى إلهاب المشاعر والإيهام بأن الحزب يعمل لمصلحة لبنان وأنه ليس طائفياً والأرجح أن إيران ليست بعيدة عن توجه الحزب نحو "اللبننة", خاصة بعد عودة حسن نصر الله من طهران حيث قابل رئيسها المنتخب قريباً محمد خامنئي.
تمدد الحزب: -
سبق القول أن حزب الله ولد من رحم حركة أمل التي أخذ من كوادرها ومقاتليها الكثير, ودخل الحزب في صراعات مع فصائل عديدة من بينها حركة أمل والحزب الشيوعي, وسيطر على عدة مناطق في لبنان, وارتبطت بالحزب عدة عمليات لخطف رهائن غربيين والمساومة عليهم, كما امتد الصراع بين حزب الله وخصومه خارج لبنان في أوروبا, والكويت وغيرها, حيث شهدت سنوات الثمانينات في الكويت حوادث مروّعة نفذها حزب الله بسبب وقوفها مع العراق في حربها ضد إيران, شملت تفجير سفارات ومنشآت حيوية ومرافق عامة واختطاف طائرات ومحاولة اغتيال أمير الكويت سنة 1985.
حزب الله وإيران وسوريا :(1/15)
بالرغم مما يؤكده قادة الحزب بأنه لبناني ونشأ لبنانياً وجاء الدور السوري والإيراني لاحقاً, إلا أن المعطيات تؤكد أن إيران لعبت دوراً أساسياً في ولادته ونشأته ونموه, وتصريحات قادة الحزب وميثاق الحزب تؤكد دوماً التبعية للثورة الايرانية ومرشدها, وصور قادة إيران وعلمها تسيطر على مرافق وفعاليات الحزب.
يقول حسن سرور أحد قادة الحزب " نعلن للعالم أجمع أن إيران هي أمنا وديننا وكعبتنا وشراييننا " ويزيد عباس موسوي :" كلنا أخوة ونقاتل من أجل القضية نفسها, وكل من يحاول التفرقة بينا وبين اخوتنا الايرانيين أو بين المسلمين عموماً فإنه يرتكب جريمة ".
الدعم المادي والعسكري والسياسي والاعلامي الايراني لحزب الله واضح لا لبس فيه, وإن كان يصعب تحديد حجمه, وهناك جهات إيرانية عديدة تعمل في حزب الله: حراس الثورة, وزارة الخارجية, مؤسسة الشهيد, وزارة الإرشاد الاسلامي, وزارة الداخلية, الأجهزة الأمنية الاستخباراتية...
لقد كلف حزب الله إيران الكثير من الجهد والمال, لكن إيران تمكنت من خلاله بالدخول بقوة إلى أزمة الشرق الأوسط, ورفع عبء العقدة القومية الفارسية عنها وعقدة الصراع التاريخي بين الفرس والعرب التي برزت خلال حربها الطويلة مع العراق, وأظهرها بمظهر البلد الذي يواجه اسرائيل والولايات المتحدة.
لكن النفوذ الايراني يظل محكوماً بالسقف السوري وغياب الإجماع عليه سواءً الشيعي أوغير الشيعي, وإذا كان الحزب قد نشأ بإشراف ورعاية إيرانية, فإنه قد نشأ في مناطق النفوذ السوري, وقد استفادت سوريا منه في محاربة فصائل لبنانية معادية لها, وبقيت العلاقة بين سوريا والحزب حتى سنة 1987 منحصرة بالجانب الأمني دون أن تتطور إلى مستوى التنسيق السياسي.(1/16)
وبعد حدوث اشتباك بين سوريا وحزب الله في بداية 1987, حدث منعطف خطر في العلاقة بينهما, ومنذ ذلك الوقت يتحاشى الحزب الخلاف المعلن مع السياسة السورية, وسعى إلى مزاوجة ولاءيه: الإيراني من جهة والسوري من جهة أخرى من غير انفصال, فالولاء السوري صار " شرط بقاء الجهاز الخميني المادي (بقاءً مادياً) بلبنان واستمراره على خطه ونهجه.
ومع انطلاق مفاوضات السلام العربية الاسرئيلية سنة 1991 توثقت العلاقات بين دمشق والحزب, فالمقاومة الإسلامية في جنوب لبنان صارت أثمن الأوراق الداعمة للموقف التفاوضي السوري, وصارت سوريا توجه من خلال الحزب رسائل إلى تل أبيب, وتحرك الجبهة الشمالية على إيقاع المفاوضات المرتبكة.!!!
حزب الله في الانتخابات :
أثارت مشاركة الحزب في انتخابات سنة 1992 اندهاشاً واستغراباً لدى الكثيرين الذين تساءلوا عن مشاركة الحزب في سلطة يعتبرها جائرة, وبموجب ولاية الفقيه التي يعتنقها الحزب التي لا تجيز أن يخضع المسلم لحكم غير المسلم والشيعي لغير الشيعي, وقد فسّر هذا التحول بأنه اتباع الخطط المرحلية من خلال التحرك في كل فرصة تهيئها الظروف الموضوعية, لإثبات نفسه وفرض وجوده في الساحة اللبنانية و كما أن دخوله المعترك النيابي فرصة لإبعاد صفة الإرهاب عنه.
وخاض الحزب الانتخابات اللاحقة سنة 1996 وحصل على العدد نفسه من المقاعد (8 للحزب و 4 لحلفائه أمل والشيوعيين والقوميين).
وخلال تلك الفترة وافق نواب الحزب على التمديد ثلاث سنوات أخرى لرئيس الجمهورية اللبنانية الهراوي, الأمر الذي يشكل قمة الانخراط في لعبة براغماتية تبتعد ابتعاداً واضحاً عن المواقف الايديولوجية المعلنة, ومن بين هذه المواقف الموقف المعلن للمرجع الشيعي محمد حسين فضل الله الذي يعتبر المرشد للحزب والذي يعده البعض من (المعتدلين) عندهم حيث يرفض العملية الديمقراطية العددية من أساسها كما جاء في كتابه (الاسلام ومنطق القوة).(1/17)
الخلافات البينية الشيعية :
كان لا بد لحزب الله أن يتأثر بالخلافات داخل القيادة الإيرانية, خاصة تلك التي برزت بعد وفاة الخميني, ويوجد أربعة تيارات شيعية بارزة تتنازع النفوذ على الطائفة فهناك: أ-حزب الله الذي يعتمد المرجعية الايرانية وولاية الفقيه. ب-حركة امل ج-المرجع الشيعي محمد حسين فضل الله وهناك المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى الذي يرأسه محمد مهدي شمس الدين.
وتتمحور معظم الخلافات حول المرجعية, وولاية الفقيه, والحصص في الدولة وفي أموال الخمس والمساعدات لكنها تبقى محكومة بسقف سوري.
خلاصة عامة : حزب الله من الايديولوجية إلى الواقعية :
في ختام كتابه يضع المؤلف خلاصة عامة لتحول مسيرة حزب الله من الايديولوجية الثورية إلى الواقعية والبعد اللبناني. وسقوط شعاراته التي كانت تدغدغ الجماهير.
فالحزب نشأ في ظل الاجتياح الاسرائيلي للبنان وانتصار الثورة الإيرانية, وقد ساهم ذلك في تبني الحزب لشعارات ثورية, وكان يتبنى تكفير ورفض النظام اللبناني ورفض اتفاقية الطائف التي وضعت حدّاً للحرب الأهلية, وكان الحزب يمارس عمليات الاغتيال وخطف الرهائن وتحول إلى حزب سياسي لبناني يساهم في الحكم ويعتبر نفسه جزءاً من لبنان, وينسق مواقفه مع مواقف الدولة التي كان بالأمس يرفضها ويكفرها.
وإذا كان تعثر مسيرة السلام يصب في مصلحة الحزب مباشرة, وهو الذي نشأ كرد فعل مباشر على عدوان اسرائيل, لكن كيف سيكون الوضع إذا أثمرت مفاوضات السلام تسوية ما وافقت سوريا عليها, عندها لن يملك الحزب سوى الانكفاء إلى العمل السياسي والاجتماعي, والتخلي عن البندقية.(1/18)
هذا فيما يتعلق بسورية أما إيران, فإنها أعلنت أنها تحترم مواقف الأطراف العربية ولن تعمل على إعاقتها, وهي تسعى إلى علاقات جيدة مع الدول التي وقعت اتفاقيات سلام مع اليهود مثل الأردن ومصر, وقد جاءت نصيحة إيران لحزب الله بأن يتحول من مقاومة اسلامية إلى حزب سياسي فاعل في الحياة السياسية اللبنانية لتضمن لحليفها مكاناً على الطاولة الرسمية في لبنان.
لقد كانت إحدى أهم ايديولوجيات الحزب المعلنة هي تحرير كل فلسطين "من البحر إلى النهر " وإزالة إسرائيل من الوجود, وتحولت هذه الايديولوجية إلى واقعية جسّدها أمين عام الحزب حسن نصر الله في 2/5/1996 عندما صرّح... "إن هدف المقاومة الاسلامية هو تحرير المنطقة اللبنانية المحتلة وإن وقف عملياتها رهن بانتهاء الاحتلال الاسرائيلي لأجزاء من لبنان ".
وبعد هذا العرض لأهم أفكار الكتاب لا بد أن يتضح أن بوصلة الحزب هي باتجاه مصالحه الطائفية وتحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب السياسية باسم المقاومة المزعومة والحزب يمارس الآن سياسة تهيئه لترك المقاومة تحت غطاء مصلحة المقاومة!!
?
سطور من الذاكرة
محاولة قتل صلاح الدين الأيوبي
571هـ
صلاح الدين الأيوبي نموذج مميز للحاكم والقائد المسلم, وارتبط اسمه بالجهاد وتحرير القدس, وكان خليفاً بالإمارة, مهيباً, شجاعاً حازماً, مجاهداً كثير الغزو عالي الهمة, تقياً ورعاً.
كردي, ولد في تكريت سنة 532 هـ, وتوفي رحمه الله بدمشق سنة 589 هـ.
سيرته:
قضى صلاح الدين حياته من غزوة إلى غزوة, يسارع للجهاد في سبيل الله ويهبّ لنجدة المسلمين وتطهير أراضيهم ومقاتلة المعتدين من الكفار, وهو أيضاً يهتم بجبهته الداخلية, ويوصي أنصاره بتقوى الله ويحثهم على الصبر والطاعة واجتناب المحرمات, وكان يوقن أن طاعة الله هي الطريق إلى النصر وأن مخالفة أوامره هي الطريق إلى الهزيمة.
نقل الذهبى عن الموفق عبد اللطيف أحد معاصري صلاح الدين قوله:(1/19)
" أتيت, وصلاح الدين بالقدس. فرأيت ملكاً يملأ العيون روعة, والقلوب محبة, قريباً بعيداً, سهلاً, محبباً, وأصحابه يتشبهون به, يتسابقون إلى المعروف كما قال تعالى: (ونزعنا ما في صدورهم من غلٍّ إخوانا), وأول ليلة حضرته وجدت مجلسه حفلاً بأهل العلم يتذاكرون, وهو يحسن الاستماع والمشاركة... "
وارتبط اسم صلاح الدين بالقدس, فهو الذي حرّرها من الصليبيين بعد معارك ضارية, وكانت معركة حطين سنة 583هـ (1187م) التي قادها إحدى معارك المسلمين الخالدة.
محاولة قتله:
لم ترق هذه السيرة وهذا الجهاد لأعداء الله من الباطنية الاسماعيلية الذين كان دأبهم محاربة المسلمين وخذلانهم, ونصرة الكافرين وإعانتهم, وبدلاً من أن يوجهوا سهامهم إلى أهل الكفر والإلحاد, يوجهونها إلى أهل الإيمان والصلاح كما فعلوا ذلك بقتل الوزير السلجوقي نظام الملك عام 485هـ وولده عام 500هـ.
وهذا ما أرادوه للسلطان صلاح الدين كذلك في أحد أيام سنة 571هـ وأثناء حصار عزاز (وعزاز بلدة تقع شمالي حلب وفيها قلعة حصينة, وحاصرها السلطان ثمانية وثلاثين يوماً).
و ينقل الإمام الذهبي في السير(ج21ص281) عن ابن واصل مؤلف كتاب "مفرج الكروب" في وصف المؤامرة التي انبرى لتنفيذها ثلاثة من الباطنيين جاءوا لقتل السلطان أثناء وجوده في خيمة أثناء حصار عزاز, وبدا عليهم الإصرار لتنفيذ جريمتهم فيقول :(1/20)
" كانت لجاولي خيمة كان السلطان يحضر فيها, ويحض الرجال, فحضر باطنية في زي الأجناد, فقفز عليه واحد ضربه بسكين لولا المغفر الزرد الذي تحت القلنسوة, لقتله فأمسك السلطان يد الباطني بيديه, فبقي –الباطني- يضرب في عنق السلطان ضرباً ضعيفاً, والزرد تمنع, وبادر الأميربازكوج فأمسك السكين فجرحته، وما سيبها الباطني حتى بضعوه. و وثب آخر، فوثب عليه ابن منكلان فجرحه الباطنى في جنبه فمات, وقتل الباطني, وقفز ثالث فأمسكه الأمير علي بن أبي الفوارس, فضمه تحت إبطه, فطعنه صاحب حمص ناصر الدين ابن أسد الدين شيركوه, فقتله, وركب السلطان إلى مخيّمه, ودمه يسيل على خدّه, واحتجب في بيت خشب, وعرض جنده, فمن أنكره أبعده ".
لقد أجاد ابن واصل في وصف هذا المشهد لهؤلاء الباطنيين المستميتين لقتل السلطان, وأجاد في وصف شجاعة السلطان صلاح الدين.
ولم تفل تلك الحادثة من عزم صلاح الدين كما روى ذلك القاضي ابن شداد المعاصر لصلاح الدين رحمه الله, بل إنه بعد أن وثب عليه الاسماعيلية, ونجّاه الله منهم استمر في جهاده وغزواته.
ويستمر الغدر:
وهذا الغدر والإغتيال لأبطال الإسلام لا يزال يتكرر دوما ًمن هولاء الزائغين بأصنافهم كلها من باطنية و ملاحدة وشيعية و مبتدعة.
ففي لبنان كم قتل الأحباش من أهل السنة وهم ساجدون لله في بيوته؟!
والشيخ إحسان إلهى ظهير في باكستان قتلته الشيعة!
ومسرحية إهدار دم سلمان رشدى الذى عجزت عنه إيران للآن مع أنها قتلت إمامين سعوديين في بلجيكا فى نفس الوقت الذى صدرت فيه الفتوى!!!
وأخيرا ً الغدر و الإجرام الذى لم يكشف كاملاً بعد تجاه المقاتلين العرب في بغداد .
للاستزادة:
1-…سير أعلام النبلاء – الإمام الذهبي ج21 ص278.
2-…سيرة صلاح الدين الأيوبي – القاضي ابن شداد .
3- هكذا ظهر جيل صلاح الدين – د. ماجد الكيلاني .
إيران والمعارضة العراقية: حدود التأثير وأهداف العلاقة
خالد السرجاني " صحفي بجريدة الاهرام "(1/21)
يحاول هذا المقال عرض الموقف الإيرانى من الحرب الأمريكية على العراق، وقد كتب قبل اندلاع الحرب، وقد بات واضحا ً أن إيران تسعى إلى أن يكون لها موطئ قدم في العراق مستغلة بعض الفصائل الشيعية والكردية, ولذا فإنها تقدم لها الدعم والمساعدة ضد بلدهم العراق........................المحرّر.
خلال الأسابيع القليلة الماضية كانت إيران محور اهتمام المراقبين المعنيين بالمسألة العراقية, ليس فقط بحكم جوارها للعراق, التي تواجه تهديدات امريكية تستهدف شن عملية عسكرية لإسقاط النظام العراقي الحاكم, ولكن بحكم دورها المحوري في الاتصالات التي أجرتها حركات وفصائل المعارضة العراقية بهدف عقد مؤتمرها في لندن, أو تلك التي جرت بهدف تأمين عقد الاجتماعات التنسيقية في مناطق الإدارة الذاتية الكردية في أي من أربيل أو صلاح الدين, وهذه الاتصالات فضلاً عما تؤكده من امتلاك إيران لمفاتيح مهمة ذات صلة بالمسألة العراقية, فهي تعني أيضاً أن لديها تأثيراً مهماً على بعض فصائل المعارضة العراقية الرئيسية, فأكبر التنظيمات العراقية في الوقت الراهن وهو " المجلس الأعلى للثورة الاسلامية " يقيم زعيمه محمد باقر الحكيم في إيران, ويمثل الشيعة العراقيون الذين تبلغ نسبتهم 60% من السكان حسب معظم التقديرات, وهذا التنظيم المعارض الوحيد الذي يملك قوات نظامية هي " فيلق بدر " وبالتالي هو الوحيد الذي يملك إمكانية عملية للمشاركة في إسقاط النظام العراقي الحالي, كذلك فإن مقاطعة هذا التنظيم وزعيمه لأية أنشطة أو اجتماعات تعقدها أو تقوم بها المعارضة العراقية تعني أن هذه الأنشطة والاجتماعات محكوم عليها بالفشل, أو لا تمثل المعارضة الحقيقية, من هنا نستطيع أن نفهم الزيارات المكوكية التي قامت بها قيادات من فصائل المعارضة قبيل مؤتمر لندن من أجل إقناع باقر الحكيم بالحضور وبمشاركة تنظيمه فيها, كذلك يمكن لنا فهم الأسباب التي جعلت من إيران قبلة للمعارضة(1/22)
العراقية, حيث استقبل مسئولون إيرانيون كبار أقطاب المعراضة العراقية واحداً تلو الآخر بحفاوة غير عادية, فضلاً عن ذلك أعلنت إيران عن اتخاذها الاجراءات التي تجعل طريق الوصول إلى مؤتمر المعارضة في أربيل أو صلاح الدين مفتوحاً أمام الوافدين من الخارج من رجال المعارضة إلى شمال العراق.
التنسيق الإيراني الأمريكي
يضاف إلى ذلك كشف بعض وسائل الإعلام الأمريكية عن اتصلات تمت بين إيران والولايات المتحدة أسفرت عن إتفاق بين الجانبين على إقامة قناة مفتوحة بينهما خلال تعامل الولايات المتحدة مع المسألة العراقية, وشمل الاتفاق حسبما ذكرت هذه الوسائل, إزالة القيود الإيرانية عن تحرك المجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العراق وقواته العسكرية " فيلق بدر " والسماح بإشراكه بشكل مؤثر وفعال في الحرب على العراق, وذلك مقابل اعتراف الولايات المتحدة بدور للمجلس وزعيمه في رسم خريطة الحكم المستقبلي في العراق.
ولكي نفهم رهانات إيران الحالية على المعارضة العراقية, هناك بعض النقاط الجديرة بالتناول, وفي مقدمتها, جذور العلاقات الإيرانية مع المعارضة العراقية بفصائلها المختلفة, وموقع علاقات إيران مع المعارضة العراقية في السياسة الإيرانية الخاصة بالمسألة العراقية, وما هي أهداف إيران من هذه العلاقات وما يسعى إلى تحقيقه منها.
1-العلاقات مع فصائل المعارضة العراقية:(1/23)
يقسم باقر ياسين أحد رموز وقيادات المعارضة العراقية مراحل المعارضة العراقية إلى ست مراحل هي: المرحلة السورية, المرحلة الليبية, المرحلة الإيرانية, المرحلة الخليجية, المرحلة الأمريكية, ثم مرحلة انعدام الوزن, وإن كنا نرى أن هذه المعارضة, ومنذ أشهر قليلة مضت, عادت إلى المرحلة الأمريكية, خاصة في ضوء سياسة الإدارة الجمهورية الحالية إزاء المسألة العراقية, وفيما يتعلق بالمرحلة الإيرانية فهي في رأينا تشكل جذور علاقة إيران الاسلامية, وليس الشهنشاهية بالمعارضة, ففي رأي باقر ياسين أن انتصار الثورة الاسلامية في إيران شكل نقلة نوعية كبيرة في مستوى الأنشطة التنظيمية والسياسية وعلاقاتها بالعالم الخارجي.
وخلال ذلك نمت عدة حركات وأحزاب دينية جديدة وظهر قادة دينيون سياسيون حزبيون وغير حزبيين برزوا كقادة ومجاهدين شعبيين أخذت أسماؤهم تلمع سريعاً في الأوساط السياسية وتتردد على نطاق واسع, وقد ساعدت أخطاء النظام في بغداد وإجراءاته القمعية العلنية في مطاردة واضطهاد وسحق أتباع هذه الأحزاب على انتشارها ونموها السريع واتساع شهرتها وتطور استعداداتها الدفاعية في مواجهة تطورات المرحلة السياسية والعسكرية التي شملت دخول العراق في حرب نظامية مع إيران, وقد ركزت السلطات العراقية ضغوطها ومطارداتها الدموية ضد هذه الحركات والأحزاب من دون تفريق واعتبرتها أحزاباً عميلة ومدانة وخائنة يجب تصفيتها بالكامل وإبادة أعضائها خاصة أتباع حزب الدعوة الاسلامية الذي قام أحدهم بمحاولة فاشلة لاغتيال طارق عزيز في بغداد بما أدى إلى إصدار الحكومة قانوناً استثنائياً خاصاً يتعلق بالعقوبات الصارمة الواجب فرضها على أعضاء هذا الحزب التي تصل إلى عقوبة الإعدام على كل من يثبت انتماؤه إليه أو من يقدم مساعدة لأحد المنتمين إليه.(1/24)
وقد أخذ الصراع بين السلطة والأحزاب الدينية, بعداً طائفياً بعد تنفيذ حكم الإعدام في الإمام محمد باقر الصدر الإمام المقلد لعموم الشيعة, وعدد آخر من رجال الدين الشيعة من عائلة الإمام الحكيم التي تحظى باحترام ونفوذ واسع بين شيعة العراق, وكان طبيعياً في ظل هذه الأوضاع أن تحظى هذه الأحزاب العراقية الاسلامية بالاهتمام والرعاية من قبل الثورة والدولة الإيرانية الاسلامية فضلاً عن مساندتها للأحزاب الكردية العراقية والتيارات الدينية الاسلامية الكردية.
وقد ظنت بعض أطراف المعارضة العراقية أن الوضع في إيران لا يختلف عن باقي الحكومات والدول التي استطاعت المعارضة سابقاً التقرب بسهولة وإقامة علاقات معها أو خداعها واختراقها بشكل من الأشكال, ولكن أثبت الإيرانيون أنهم محنكون, فقد وضعوا مقاييس واعتبارات شديدة ودقيقة وصارمة تحدد نوع العلاقة التي يمكن أن تقيمها إيران مع هذا الطرف أو ذلك.
وكان التقسيم الإيراني يوزع الأحزاب والكتل السياسية إلى أحزاب إسلامية وأخرى علمانية, ولكن على الرغم من ذلك نجح بعض العراقيين من رموز المعارضة في انجاز بعض الصفقات الخاصة ببيع النفط العراقي أو المساعدة في تنفيذ بعض صفقات السلاح لإيران والحصول على العمولات عنها في الخارج.(1/25)
ولم يكن الأمر يخلو, حسب قول ياسين, من بعض المواقف الغامضة وغير المفهومة التي اتخذها الإيرانيون تجاه بعض العراقيين, وقد كانت تتذبذب بين التشكيك بهم إلى حد الخيانة وبين الثقة المطلقة فيهم خلال فترة قصيرة من الزمن, وبعد توقف خط ليبيا من العمل والنشاط بدأت المعارضة العراقية تستخدم الخط الذاهب إلى طهران حتى صار يعج بالمسافرين السياسيين المعارضين العراقيين من كل الأشكال ذهاباً وإياباً, ووضع كثير من الأشخاص والحركات السياسية أنفسهم تحت تصرف الإيرانيين بكل المستويات الإيرانية, وكسب رضاهم وثقتهم ومودتهم والحصول منهم على الدعم الإداري والإجرائي والسياسي والمالي.
الأحزاب الكردية(1/26)
وفي بداية المرحلة الإيرانية سادت الفوضى السياسية وقلة الخبرة لدى المسئولين الإيرانيين المعممين واستطاع بعض العراقيين استثمار عدم معرفة بعض المسئولين في إيران بالشئون السياسية ودفعهم إلى مواقف وآراء خاطئة بل ومضحكة بعد تزويدهم بمعلومات كاذبة ومختلقة, ولكن هذا الوضع لم يستمر طويلاً وأصبحت علاقات إيران بالمعارضة العراقية تقتصر على الأحزاب الكردية خاصة الاتحاد الوطني الكردستاني والحركة الاسلامية الكردية, وكان هذا الموقف يأتي انطلاقاً من موقف إيراني ثابت تجاه الشعب الكردي, وأصبحت إيران من خلاله تلعب دور الطرف الأكثر تأثيراً على حركة الشعب الكردي التاريخية بصورة مطلقة, والطرف الأكثر قرباً وتماسكاً مع الأكراد في العراق بغض النظر عن اعتبارات أخرى, وتحاول إيران على الدوام, وعلى الرغم من التطورات المرحلية التي بدت بعد ذلك, أن يكون موقفها منسجماً ومتوافقاً مع الموقف الإيراني التاريخي الثابت تجاه الأكراد منذ بضعة قرون ماضية وحتى اليوم, ويستطيع المتتبع لعلاقة الأكراد العراقيين بإيران أن يجد تواصلاً ودياً وتوجهاً عاماً قد يزيد وينقص في الدرجة لكنه ثابت يستند إلى الحرص على استمرار الصلة وتوفير الحماية والدعم بجميع الأشكال والمستويات للشعب الكردي إزاء ما يواجه من أزمات وأخطار منذ القرن السابع عشر وحتى اليوم.
المجلس الأعلى(1/27)
أما الطرف الآخر الذي يحظى بدعم ورعاية إيران فهو " المجلس الأعلى للثورة الاسلامية " وهو التنظيم الشيعي الرئيسي, وعلى الرغم من استمرار حزب الدعوة إلا أن هامشيته دفعت إيران إلى تركيز جل دعمها على هذا التنظيم, ولعل من بين الأسباب التي لعبت دوراً في هذا الأمر العلاقات الروحية التي تجمع بين شيعة العراق وإيران, فضلاً عن الصلات المباشرة بين الحوزات العلمية لكلا البلدين, إضافة لما تتمتع به عائلة الحكيم التي يتزعم أحد أفرادها هذا التنظيم من احترام في إيران, خاصة لدى القيادات الدينية والسياسية الحاكمة, وكانت إقامة الحكيم في إيران أيضاً أحد أسباب تمتين العلاقة بين إيران وهذا التنظيم العراقي المعارض, وقد حظي المجلس بتمثيل قوي في اجتماع لندن وما اسفر عنه من مؤسسات وهيئات تنسيقية, الأمر الذي دفع بعض التنظيمات الهامشية في المعارضة العراقية إلى الانسحاب من المؤتمر احتجاجاً على معاملة الولايات المتحدة لهذا التنظيم واعتبرت أن هذه المجاملة هي من نتائج المغازلة الأمريكية لإيران لكي تسهل الأخيرة للولايات المتحدة العملية العسكرية المنتظرة ضد العراق مثلما فعلت بشأن عمليتها في أفغانستان, ولكن من البديهي أن إعطاء " المجلس " هذا الدور ناتج عن عدة عوامل في مقدمتها تماسكه وامتلاكه ميليشيات عسكرية, فضلاً عن حجم السكان الشيعة بالنسبة إلى سكان العراق, وتدرك الولايات المتحدة أن الدور الرئيسي للمجلس سوف يقوي من الوزن الإقليمي لإيران بعد العملية العسكرية وهذا الأمر لا تريده الإدارة الأمريكية في ظل استهدافها عزل إيران ومحاصرتها إقليمياً.
2-السياسة الإيرانية الحالية إزاء العراق:(1/28)
حتى هذه اللحظة لا نستطيع القول أن هناك سياسة إيرانية متماسكة إزاء التطورات الراهنة للمسألة العراقية بل إن المتأمل للتصريحات الإيرانية الخاصة بها سوف يلاحظ الازدواجية المعهودة, والانقسام الواضح بشأنها, بما يعبر عن الصراع السياسي الضاري بين جناحي السلطة: المحافظين والإصلاحيين.
اتجاهات
ففي الوقت الذي تتخذ فيه إيران إجراءات على الأرض يعتبرها بعض المراقبين أنها تتكيف مع مطالب الضربة الأمريكية والاستعداد لمرحلة ما بعد صدام, نلاحظ تصعيداً شديداً في لهجة المرشد الأعلى للثورة السيد علي خامنئي المعارضة للولايات المتحدة الأمريكية على خلفية موقف الأخيرة من المسألة العراقية واستعداداتها لشن عملية عسكرية تستهدف إسقاط النظام الحالي وإحلال نظام موال للولايات المتحدة بديلاً عنه, وهذه الازدواجية تفتح الباب أمام تأويلات وتساؤلات متعددة في مقدمتها ما إذا كانت تعبر عن انقسام في رأس السلطة الإيرانية او على عدم حسم السياسة الإيرانية إزاء هذه التطورات, أو أنها تعبير عن توزيع للأدوار بهدف تحقيق أكبر فائدة ممكنة لإيران في حال غزو الولايات المتحدة للعراق, وأيضاً في حال التراجع عن هذا الغزو.
تيار خاتمي(1/29)
والمتابع للسلوك الايراني إزاء العراق لن يجد صعوبة في اكتشاف أن هناك رؤيتين بشأن الحملة العسكرية الأمريكية ضد العراق, يعبر عن كل رؤية جناح من أجنحة السلطة, فالإصلاحيون يرون أن الادارة الأمريكية الحالية عاقدة العزم على إنهاء المسألة العراقية خلال وقت قصير, وسوف تنهيها بالطريقة التي أعدت لها, وبالتالي فإن إيران ليست في وضع يمكنها من الوقوف في وجه السياسة الأمريكية, فضلاً عن أن العراق ونظامه البعثي الحالي ليسا هما اللذين يمكن التضحية من أجلهما وفي رأي بعض أنصار هذا الرأي فإن الحملة الأمريكية ضد العراق تمثل فرصة ذهبية لإيران من أجل فتح حوار مع الإدارة الأمريكية الحالية, بما يسمح لها بإزالة العقبات التي تحول دون تطبيع العلاقات بين الجانبين ويفتح المجال أمام علاقات بناءة بينهما في المستقبل وبما يحول دون قيام الولايات المتحدة باستهداف النظام الإيراني بعد العراق, وفي رأي هؤلاء أن هناك مكاسب عديدة سوف تعود على بلدهم من هذا الموقف, في مقدمتها أنها سوف تلعب دوراً رئيسياً في تحديد شكل الحكم العراقي في المستقبل, بما يحول دون أن تكون العراق مصدر تهديد دائم لإيران, أما إذا وقفت إيران في وجه السياسة الأمريكية فإن ذلك سيعطي الولايات المتحدة مبرراً لأن تأتي بحكومة عراقية موالية بصورة كاملة لها, وبالتالي فإن هذا النظام سوف يكون معادياً لإيران.
تيار خامنئي(1/30)
أما وجهة نظر المحافظين فهي ترفض هذا الرأي جملة وتفصيلاً وتحذر من مخاطر وجود دولة أخرى بعد أفغانستان على الحدود مع إيران موالية تماماً للولايات المتحدة لأن هذا الأمر يغري الأخيرة باستهداف إيران من أجل اسقاط نظامها الاسلامي, خاصة وأن هناك أصوات في الكونجرس الأمريكي, وأوساط على صلة بالادارة الأمريكية تطالب بهذا الأمر, والعملية العسكرية في العراق سوف تسهل على الولايات المتحدة حصار إيران واستهدافها, ويذكر هؤلاء أن العاملين المصلحي والأيديولوجي يجعلان الولايات المتحدة تسعى إلى حصار إيران وعزلها وإسقاط نظامها الاسلامي, فأيديولوجياً يحكم الولايات المتحدة عصبة من اليمين المتشدد تسعى إلى فرض الهيمنة الأمريكية سياسياً واقتصادياً وثقافياً على العالم, ومصلحياً اصبحت الولايات المتحدة تستورد 50% من استهلاكها من النفط. ولما كانت العراق وإيران من كبريات الدول التي تملك احتياطياً كبيراً من النفط فإن السيطرة عليهما أصبح أمراً ملحاً من اجل مستقبل الاقتصاد الأمريكي.
الربح والخسارة
وبالتالي يمكن القول أن الاتصلات التي تتم بين إيران وأركان المعارضة العراقية تتناغم مع آراء تيار الاصلاحيين الخاصة بالمسألة العراقية وتطوراتها الراهنة, يضاف إلى ذلك أن هناك معلومات تتردد بأن تحركات باقر الحكيم ولقاءاته تتم بالتنسيق مع الرئيس الإيراني محمد خاتمي أو بعض كبار معاونيه, ولكن هذا الأمر لا يعني أن إيران قد حسمت خياراتها بشأن المسألة العراقية, بل يبدو أنه ما زالت لدى النخبة الإيرانية الحاكمة حسابات معقدة ومركبة لمسألة المكسب والخسارة, خاصة في ظل التحركات الإقليمية التي تستهدف منع الحرب الأمر الذي قد يجعل إيران معزولة إقليمياً في حال ما إذا أخذت مواقف لا تتناغم مع بقية دول المنطقة و خاصة وأن الدولة الوحيدة التي تؤيد الحرب هي إسرائيل(1/31)
وبالتالي فإن اللقاءات التي تتم بين إيران ورموز المعارضة تأتي في إطار الاستكشاف ودراسة حسابات المكسب والخسارة, وأيضاً لتأكيد مركزية الدور الإيراني في إنجاح أو افشال أية سياسة امريكية تجاه العراق, ولتأمين جانب معظم فصائل المعارضة العراقية, خاصة وأن إيران تملك خطوط اتصال متعددة بمعظم هذه الفصائل, وتضع خطوطاً حمراء على بعض هذه المسائل, وفي هذا الصدد لا بد من الاشارة إلى قيام أحمد الجلبي زعيم ما يسمى بالمؤتمر الوطني العراقي والذي يعتبر بمثابة حامد قرضاي المنتظر في العراق, لما يتمتع به من علاقات قوية مع الإدارة الأمريكية, لأن تنظيمه يعتبر الأكثر قرباً وتبعية للولايات المتحدة, بزيارة لإيران لكنه فشل في لقاء محمد باقر الحكيم, الأمر الذي يعطي مؤشرات حول أن هناك حدوداً لا يستطيع الحكيم أن يتخطاها أو حدوداً لا تستطيع إيران أن تضغط على الحكيم بأكثر منها, وحول تمتع الأخير باستقلالية وحرية في الحركة لا تجعله ورقة ضغط او لعب في أيدي السياسة الإيرانية.
3-ماذا تريد إيران من المعارضة العراقية؟(1/32)
إضافة إلى العلاقات التقليدية التي تجمع إيران بكل من المعارضة الشيعية والكردية, التي لا يمكن لها بأي حال من الأحوال أن تتخلى عنها في الوقت الراهن, خاصة في ظل حسم المعارضة العراقية خياراتها حول المشاركة بصورة أو بأخرى في عملية اسقاط نظام صدام حسين واستثمار العملية العسكرية الأمريكية المنتظرة ضد العراق لتحقيق هذا الهدف, هناك العديد من الأهداف الأخرى التي تسعى إيران إلى تحقيقها من جراء علاقتها الحالية مع معظم فصائل المعارضة العراقية, ولكن وقبل ذكر هذه الأهداف لا بد من الاشارة إلى نقطة غاية في الأهمية وهي أن علاقات إيران مع المعارضة العراقية في الوقت الراهن وهي وإن كانت تركز أساساً على المجلس الأعلى للثورة الاسلامية ويأتي بعده الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال طالباني, إلا أنها منفتحة على معظم الفصائل ما عدا تلك التي لا تمتلك قواعد سياسية على الأرض, أي شديدة الهامشية, أو تلك التي تعتبرها إيران بمثابة أداة في يد السياسة الأمريكية وهذا الانفتاح يستهدف تحقيق أمرين, الأول تأمين جانب النظام الحاكم في عراق المستقبل الذي سوف يكون تعددياً يشارك فيه معظم هذه الفصائل, وبالتالي فإن إيران ترى أن هناك خطورة في أن تلقى بكل ثقلها وراء تنظيمات محددة قد تستبعد في المستقبل, أو قد يكون لها دور هامشي, فضلاً عن أن تركيز إيران على تنظيمين فقط قد يدفع الولايات المتحدة إلى استبعادهما من اجل تقليل النفوذ الإيراني على عراق المستقبل, ويمكن أيضاً ان يستفز بقية التنظيمات والفصائل المعارضة.
أما الأمر الثاني فهو أن هذا الانفتاح يستهدف معرفة كافة التطورات المطروحة من كافة الفصائل, بما يساعد إيران على رسم سياسة واضحة ومتماسكة خاصة بالعراق, أي أن عدم حسم هذه السياسة حتى الآن هو أحد اسباب انفتاح إيران على جميع فصائل المعارضة العراقية.
إيران والمعارضة العراقية: الأهداف(1/33)
أما عن اهداف علاقات إيران بفصائل المعارضة العراقية في الوقت الراهن فهي متعددة ولكن يأتي في مقدمتها 1-تقليل مخاطر إسقاط الولايات المتحدة للنظام العراقي, لأن هذا الأمر وإن كان يمثل سابقة خطيرة في المنطقة قد تغرى الولايات المتحدة بتكرارها في إيران, خاصة باستخدام الذريعة نفسها التي استخدمت ضد العراق وهي امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل, إلا أن وجود حكومة عراقية تعددية للمشاركين فيها علاقات مباشرة سابقة مع إيران يعطي للأخيرة الشعور بأنها شاركت في هذا الحدث, وبالتالي لن تعاني من تأثيرات سلبية له, 2-أما الهدف الثاني فهو استخدام هذه التنظيمات للحصول على تطمينات أمريكية غير مباشرة تتعلق بعدم استهداف إيران في المستقبل وفي هذا الصدد يمكننا الاشارة إلى ما نقلته وسائل الإعلام حول قيام محمد باقر الحكيم بنقل رسائل متعددة بين الولايات المتحدة وإيران حول تطورات المسألة العراقية والاشارة أيضاً إلى أن جلال طالباني زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني عندما زار إيران في منتصف شهر يناير الماضي عقب زيارة قام بها للولايات المتحدة الأمريكية, قال أنه يحمل تطمينات أمريكية واضحة لإيران حول عدم استهدافها مستقبلاً, وحول تجنيبها النتائج السلبية للعملية العسكرية للعراق.(1/34)
3-أما ثالث أهداف إيران من علاقتها بالمعارضة العراقية فيتعلق بأن إيران تريد أن تلعب دوراً ما في رسم مستقبل العراق بما يحقق مصالحها الوطنية من جهة ومصالح سكان العراق من الشيعة من جهة أخرى, وكلا الأمرين مرتبطين وغير منفصلين, وترى إيران أن علاقتها بالمعارضة العراقية سوف تمكنها من هذا الأمر, ولكن السؤال المطروح حالياً هو: هل تستطيع إيران بعدما ثبت خطأ تصوراتها بشأن أفغانستان, وبعدما سيطرت الولايات المتحدة تماماً على أفغانستان, بما يشكل تهديداً للمصالح الإيرانية في آسيا الوسطى, هل تستطيع الرهان مرة اخرى على السياسة الأمريكية, وعلى التطمينات الأمريكية الزائفة؟ نعتقد أن الإجابة على هذا السؤال قد تفرض على إيران إعادة ترتيب أولوياتها بشأن سياستها الخاصة بالعراق, وأيضاً بشأن رهاناتها حول المعارضة العراقية.
الثورة الإيرانية وجيلها الثالث(1/35)
احتفلت إيران هذا العام بذكرى انتصار ثورتها الإسلامية وسط علامات استفهام كبيرة تشغل بال قادتها ومثقفيها. بل وجموع الشعب بمختلف طوائفه وفئاته وأحزابه, وتتركز علامات الاستفهام حول مستقبل قضايا الثورة والنظام بقدر أكبر من مستقبل المنطقة وأحداثها الملتهبة, ورغم أنه من البديهي أن تؤثر أحداث المنطقة والحرب الأمريكية على العراق في مجريات الأمور داخل إيران إلا أن هذا التأثير يحدث نوعا من المراجعة للقضايا الكبيرة التي تحتاج إلى حسم على الساحة السياسية في إيران في إطار المناداة بالوحدة الوطنية في مواجهة المستجدات الخارجية, ويأتي على رأس القضايا المثارة موقف الجيل الثالث للثورة من تطوير النظام السياسي وتوجهاته التي ستنعكس بالضرورة على الوضع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي, ومن ثم فان الجيل الأول الذي قام بالثورة قلق من إنحراف الثورة عن مسارها الذي أفرز الجمهورية الإسلامية بعد عهود طويلة من الملكية الشاهنشاهية ودعم نظام ولاية الفقيه وقيادة علماء الدين للمسيرة, كما أن الجيل الثاني الذي قاد حركة الإصلاح السياسي قلق من أن يؤدي عجزه عن إتمامها إلى تطرف الجيل الثالث الذي يتطلع لقيادة الثورة في المرحلة القادمة, يقول المحلل السياسي علي رضا أحمد يان: بالنظر إلى الغضب الكامن بين أغلبية الجيل الثالث من عدم تطور البرامج الإصلاحية التي وعد خاتمي مرتين بتنفيذها, يمكن أن يؤدي إلى اتساع المظاهرات والاعتراضات الطلابية واتجاهها إلى العنف أو القيام بحدث غير متوقع (همشهري في 22/11/2002).
جماعة فدائي الإسلام(1/36)
من الواضح عودة ظهور جماعات ثورية متشددة كحزب الله, كانت قد أوقفت نشاطها مثل منظمة فدائي الإسلام التي نزلت الساحة بكل ثقلها لقيادة الجيل الثالث للثورة كما وضح من عنوان أول عدد لصحيفتهم منشورالأخوة (منشور برادري) التي عادت للصدور بعد توقف طويل لتقول في أبرز عناوين الصفحة الأولى أن الجيل الجديد من فدائي الإسلام قد أمسك براية الجهاد وهو ما يعني وفق ما جاء
* مختارات إيرانية العدد 33 ابريل 2003
في مقالات الصحيفة أنه ينوي قيادة الجيل الثالث للثورة متخذا أسلوب الجهاد.
منظمة مجاهدي خلق(1/37)
وفي المقابل, شجع نجاح كل من بهزاد نبوي محمد باقر ذو القدر ومرتضى الويري (قادة منظمة مجاهدي الثورة الإسلامية التي كانت تضم سبع جماعات جهادية مسلحة عند قيام الثورة) بوصول الأول إلى مقعد نائب رئيس السلطة التشريعية، والثاني إلى مقعد نائب قائد حراس الثورة الإسلامية، والثالث إلى مقعد رئيس مجلس العاصمة. شجعهم هذا النجاح على إحياء منظمة مجاهدي الثورة الإسلامية لتتخذ مكانها على الساحة السياسية وتضع جيلها الثالث على منصة القيادة تحت مظلة الإصلاحيين. وعندما سئل زعيمها بهزاد نبوي عما يقصد بقوله إننا مستمرون في طريقنا، أجاب بان عيون الأجنحة المنافسة للمنظمة مسلطة عليها, وهم يروجون دائما أن المنظمة لم تعد صالحة للقيام بدور مستقبلي، وأن المنظمة لم تعد شرعية بعد إن طلب ممثل الإمام الخميني في المنظمة في ذلك الوقت بحلها. وان الصدام مع المنظمة ليس أمراً جديدا، ونحن ندركه جيدا ونعتقد أن بعض العناصر المعارضة للإصلاح تعتبر المنظمة حجر عثرة في طريقها وحائلا دون وصولها لأهدافها، ولكننا لن نسمح لها بالضغط علينا. إن وجود منافسين كثيرين على الساحة هو رد فعل لحركتنا الإصلاحية وهم يشعرون أن ثبات موقف الإصلاحيين ومطالبتهم بزيادة صلاحيات الرئيس وتعديل قانون الانتخابات قد أوجد المجال لصدام أشد ولرد فعل أعنف مما يعني حركة مماثلة من جانب الإصلاحيين وتوقعات بإعلان حالة الطوارئ, ولكنني أؤكد أنها مجرد شائعات لإحراج الإصلاحيين ووقف حركتهم ولكننا مستمرون في طريقنا. (همشهري في 18/1/2003).
حزب التضامن(1/38)
وعندما سئل إبراهيم أصغر زاده أمين عام حزب التضامن (وهو الحزب الذي انسلخ عن حزب المشاركة وتكتل الثاني من خرداد) عن سر عودته من جديد للساحة السياسية بعد فترة اعتكاف. أجاب بأنه رأى أن الوقت قد حان لجعل الحركة الإصلاحية حركة في إطار لا يسمح بسقوط النظام. ولقد رفعنا ثلاثة شعارات أساسية هي الحرية والمساواة والاخوة في مواجهة محاولات بعض الجنرالات والقادة للسيطرة على الساحة. لا يجوز للنخبة السكوت واللامبالاة فقد ولى زمن التسكين تحت دعوى الخروج من الأزمة. إنني لست محرضا للطلاب ولكني مدافع عن حقوق الناس ولا أقبل بالسكوت أمام تضييع الحقوق ولا أقبل بالراديكالية الأصولية ولا بالتطرف وان كنت أقبل بالراديكالية الدستورية. (إيران في 19/1/2003).
مكتب دعم الوحدة
أما مكتب دعم الوحدة (دفتر تحكيم وحدت) وهو يمثل التيار القوي بين الجماعات الطلابية الإسلامية وهو تيار قومي ديني يميل إلى المثقفين الدينيين في فكره السياسي ويسعى للتواؤم مع حزب المشاركة في أغلبه. لكن أقليته أكثر ميلا لمجمع علماء الدين المناظرين (روحانيون مبارز). وتسعى حركة هذا المكتب إلى أحياء الحركة الطلابية كقوة مؤثرة على الساحة. وقد أثبتت قوتها مع الأحداث خاصة مع صدور حكم إعدام اغاجري أستاذ الجامعة وأحد زعماء منظمة مجاهدي الثورة مما جعل الطلاب يطلقون على المكتب (قيادة خلق التوتر في الجامعات)، وقد قامت قوات الأمن باعتقال عدد من زعمائه. ثم أطلق سراحهم بأمر من الزعيم. ولعل توجههم الآن ينحصر في التفكير في كيفية تجاوز مرحلة خاتمي الإصلاحية (همشهرى في 30/11/2002).
ولاية الفقيه(1/39)
لقد حاول أية الله خامنئى زعيم الثورة الإسلامية إن يلفت النظر إلى خطورة هذه القضية لأنها لا تهدد مستقبل النظام فحسب. بل تهدد المؤسسة الدينية والمذهب الشيعي في إيران. لان عملية دمج الدين بالسياسة نظرية راهن علماء الدين الشيعي بمستقبلهم عليها واخذوا بكل حزم على يد كل من عارض هذه النظرية حتى ولو كان منهم. وجعلتهم ثقتهم في هذه النظرية يقدمون الأماني والحلول لجماهير الشعب التي غامرت معهم بقبولها. وقد نجحوا في بادئ الأمر في تحقيق وحدة وطنية بين أعراق شتى لم تتحقق بهذا الشكل من قبل ولا في عصر الدولة الصفوية التي جعلت المذهب الشيعي مذهبا رسميا لأول مرة في إيران وأقامت المؤسسة الدينية على نحو لم يكن له شبيه في العالم الإسلامي. وقد أتاحت تلك الوحدة الوطنية للنظام الصمود أمام الضغوط الأجنبية المعادية خاصة إبان الحرب العراقية الإيرانية التي كان يمكن إن تعصف به. ورغم إن القيادة الإيرانية قد نجحت اكثر من مرة في تطوير النظام السياسي من الداخل مع إعطاء الجيل الثاني الفرصة للتعبير عن نفسه. والحصول على نصيب من القيادة سواء من خلال السلطة التنفيذية أو السلطة التشريعية إلا أن مفاتيح التطوير الحقيقي ظلت في يد القيادات التي تتمركز حول الولى الفقيه في محاولة للإبقاء على عناصر النظرية ورموزها. ومن هنا ظل التطوير حلقة مفقودة في ظل الصراع القائم بين ممثلي الجيلين الأول والثاني ومع سعي الجيل الثاني للاستعانة بالجيل الثالث لمناصرته ظهرت قضية خطورة موقف خاص يتخذه الجيل الثالث وقد انتقد خامنئى خلال لقائه مع العاملين في أجهزة الإعلام (4/2/2003) ضمن الاحتفال بذكرى الثورة أولئك الذين يحاولون تغيير ذوق الشباب في حين أن الجيل الثالث يتمتع بأنه طموح ولديه الطاقة والحيوية ومصمم على المطالبة بالعدالة, مؤكدا أن الثورة رغم ما لها من سلبيات هي حركة مستمرة من اجل تغيير جميع الأسس الخاطئة في المجالات السياسية(1/40)
والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. لذلك طالب بزيادة قيم العدالة بين الناس والإبقاء على قيم الثورة في أذهانهم والمحافظة على الهوية الدينية والثورية وفضح تهديدات الأعداء ودعم الروح المعنوية للمسؤولية والإدارة وتحديد العدو الأصلي وترك الأعداء الوهميين ودعم التفاهم الاجتماعي وإيجاد الأمن النفسي للناس وتقوية الأمل في المستقبل وزيادة حساسية الناس تجاه محاولات الأعداء إيجاد الفوضى في المجتمع. كما حذر هاشمي رفسنجاني رئيس مجمع تحديد مصلحة النظام من أن العدو يسعى لإضعاف مكانة علماء الدين وولاية الفقيه وصرف الناس عن منجزات الثورة (همشهري في 2/2/2003م).
وفي هذا الإطار أكد خاتمي أن من الضرورات الهامة لنجاح نموذج القيادة الشعبية الدينية الإجابة على التساؤلات والاحتياجات الملحة للجيل الثالث, وليس الحل في إنكار هذه التساؤلات والاحتياجات, بل السعي لتلبيتها. فإذا رأينا أننا لا نملك القدرة على ذلك فإن علينا أن نعيد النظر في مرئياتنا (اطلاعات في 2/7/2002). ويقول عبد الواحد موسوى لارى وزير الداخلية: إن إقرار الصلة بين الجيل الأول والثاني والثالث يخلق مجالاً لدعم النظام, وإن القيم والمفاهيم التي يحترمها الجيل الأول تنتقل بشكل ما إلى الجيل الثاني الذي لم يشارك في صنع أحداث الثورة. وهي الآن ما يطالب به الجيل الثالث (كيهان في 20/6/2002).
التأثر بنواب صفوي وعلي شريعتي(1/41)
لقد كان حوار الصحف التي تعبر عن انتماءات الجيل الثالث للثورة مثار قلق القيادات والنخبة السياسية, حيث أثارت الجرأة التي اتسمت بها صحيفة (منشور الأخوة) التي تتحدث بلسان منظمة فدائي الإسلام مجلتين إصلاحيتين هما مجلة المصابيح الأربعين (جلحراغ) وهو لقب لأحد أبناء أئمة الشيعة أيضاً وضريحه في مدينة شيراز الناطقة بلسان الجيل الثالث لحزب المشاركة الإسلامي أكبر الأحزاب الإصلاحية وصحيفة روضة إيران (كلستان إيران) التي يرأس تحريرها أصغر رئيس تحرير إيراني وتتحدث بلسان تكتل الثاني من خرداد الإصلاحي فقامتا بالرد على موقف الجيل الثالث لفدائي الإسلام واتهمتاه بالتناقض لأنه يجعل قدوة له رائدين مختلفين فكراً وسلوكاً أحدهما (نواب صفوي) صاحب الفكر الثوري المتطرف المعادي لليبرالية وصاحب السلوك الثوري العنيف والذي قام باغتيال رئيس وزراء الشاه (حسين علي منصور) وقد قبض عليه وأعدم, أما الثاني فهو الدكتور علي شريعتي أستاذ علم الاجتماع والمفكر الثوري المتزن صاحب النظرية الإصلاحية التي دخلت ضمن الفكر العام للثورة الإسلامية ضد نظام الحكم الملكي الرأسمالي المستبد.(1/42)
كانت الإثارة واضحة في افتتاحية منشور الأخوة (5/9/2002) التي تقول: لقد جئنا لنقول أيها المتحصنون اللصوص, أيها المتحفزون المجرمون, أيتها الثعالب القذرة هاهو الجيل الجديد لفدائي الإسلام قد أمسك راية الجهاد مثل (نواب صفوي) مبايعاً مع أبناء الخميني الكبير من جنود التعبئة العامة (الباسيج) زعيمه وقائده تحت ظل ولاية إمام الزمان, ومستعداً لاقتلاع الظلم والفجور في العالم, كما حفلت الصحيفة بالعديد من العناوين المثيرة, مثل: البرنامج الثوري لفدائي الإسلام يستهدف إدارة دولة إسلامية فلتقطع يد السارق بدلاً من أن يستريح في سجن المجون, ترويج سفور النساء في فندق الحرية بطهران, سندافع عن حقوق الفقراء حتى آخر قطرة دم, وقد أكدت المحللة السياسية بروين إمامي أن ما حدث في يوم الطالب بلور حقيقة هامة وهي أن الحركة الطلابية تعترض على كل نوع من المطلق السياسي وأنها تمضي نحو الاستفادة من تجارب السلف, وأن الجيل الثالث من أجل تحقيق أمانيه يطالب بآلية من نفس نوع وعيه وعقلانيته, ويحبو نحو تقعيد الأصالة الفكرية في هيكل حركته النشطة في مواجهة مع ثقافة العنف, فضلاً عن إعادة بناء وتوسيع قواه الداخلية في إطار ممارسة الفكر والابتعاد عن المواجهة مع الحركة الإصلاحية (همشهري في 7/12/2002).(1/43)
كان من الممكن أن ينظر قادة النظام لحركة الجيل الثالث على أنها اندفاعة شباب إلا أن ما أزعجهم هو تبني الجناح اليميني المحافظ لشباب فدائي الإسلام رغم تطرفهم الثوري الذي يقترب من اليسار المتطرف وذلك في مواجهة الإصلاحيين وجيلهم الثالث مما زاد الأمر تعقيداً لأن هذا الجيل سوف يستقل عاجلاً أو آجلاً وسوف يسحب خلفه الجيلين السابقين, ولن يكون الصراع بين اتجاهين في الجيل الثالث فحسب, بل سيكون متعدد الأطراف أي بين أجيال تمثل الثورة بجناحيها المحافظ والإصلاحي, وقد دفع هذا الأمر قيادات النظام إلى محاولة إيجاد منافذ للخروج من هذا المأزق مثل إعادة التأكيد على ضرورة التوحيد بين الحوزة الدينية والجامعات لمواجهة التحركات الطلابية التي تستهدف هتك قيم النظام, كما سماها آية الله جنتي رئيس هيئة الرقابة على القوانين في خطبة الجمعة (20/12/2002).
الحوزة والجامعات(1/44)
كانت الدعوة إلى التوحيد بين الحوزة والجامعات كأساس إستراتيجي من أسس النظام وكنقطة التقاء لتثبيت قيم الثورة قد ظهرت منذ الشهور الأولى لقيام الثورة وخطت خطوات كبيرة نحو التطبيق ولكنها اصطدمت بدعوى الانطلاق والحرية من قبل الجيل الثالث, وقد قاد آية الله خامنئى هذه المرة بنفسه إحياء هذه الدعوة مؤكداً أن الحوزة والجامعة هما منبر تشجيع وتقعيد الحركة الفكرية للشباب والإجابة على التساؤلات ودعم المناظرات العلمية وتنظير الأساليب, ودعا خامنئى الحوزة والجامعة إلى تحويل النظرية والفكر إلى قيمة عامة, مؤكداً أن حرية الفكر والقلم والبيان ليست شعارات دعائية وإنما هي من الأهداف الأساسية للثورة الإسلامية وأن الحرية والأخلاق والمنطق إذا اجتمعوا على صعيد واحد فتلك بداية دورة جديدة للابتكار العلمي والفكر الديني السامي في المجتمع، وقد أيد خامنئى مطلب الجيل الثالث بإنشاء ثلاثة كراسي علمية حرة لجمعيات علمية محايدة ومتخصصة في كل الحوزات والجامعات، أحدها للتنظير والثاني، للرد على التساؤلات والشبهات, الثالث للنقد والمناظرة, مضيفاً إلى هذا الاقتراح أن لا يقتصر إنشاء هذه الكراسي على بعض الفروع الفكرية الدينية أو العلوم الاجتماعية والإنسانية, بل يشمل كافة العلوم النظرية والعملية وحتى العلوم الأساسية, وأنه يجب التمهيد والإعداد الجيد ووضع الأسس لهذه الكراسي حتى لا يهبط مستواها أو أن تصبح إعلامية, كما طلب من إدارة الحوزة العلمية الدينية في قم أن تعطي الفرصة للمراجع وآيات الله العظام والأساتذة والباحثين البارزين في الحوزة للمشاركة في هذا الأمر، كذلك طلب من المجلس الأعلى للثورة الثقافية ورئيسه إدراج تنفيذ هذا المشروع على رأس جدول أعماله، معرباً عن أمله في ألا يتعرض المشروع في مراحله التنفيذية لمعوقات بيروقراطية على أن يؤتي ثماره في الذكرى الخامسة والعشرين لانتصار الثورة الإسلامية ومطالباً هذا الجيل بالحرص على(1/45)
الطرح المنطقي للمثل العليا بلا يأس أو تعجل حتى تثمر وتزدهر لأن الجيل الثاني عانى من الإفراط والتفريط في حين أن سبيل التلاقى والتكامل هو في النشاط الاجتهادي والإنتاج الفكري العلمي والديني وليس في الجمود والتحجر، ولا في العمالة والتقليد، وإن اتجاه الجيل الثالث لهذا السبيل في حد ذاته انتصار وإنجاز وينبغي أن نقدره ونشجعه. فعندما تدرك النخبة نقطة التعادل بين الفوضى والدكتاتورية وتؤكد عليها نكون قد بدأنا عهداً جديداً، لا ينبغي أن نخشى الحرية أو أن نهرب من المناظرة أو أن نحول النقد إلى سلعة مهربة أو تشريفات للمجاملة، كما ينبغي ألا تنزلق إلى تحويل المناظرة لجدال ومراء، والحرية إلى شراك الفضيحة والتهرب من المسؤولية فالثورة ينبغي أن تبقى وأن يثمر برنامجها التاريخي والعالمي. (همشهري في 6/2/2003) وقد عاد خامنئي ليؤكد هذا المعنى في كلمته إلى الحجاج موضحاً أن القيادة الشعبية الحقيقية هي القيادة الشعبية الدينية التي تستند إلى الإيمان والمسؤولية الدينية, وهي أكثر أماناً وصدقاً وشعبية من أمثال الديمقراطية الأمريكية التي تريد أن تفرضها على العالم العربي والإسلامي والتي تجلب الخسارة بقدر ما يجلب رصاصها وقنابلها وصواريخها.(كيهان في 10/2/2003).
تطوير ولاية الفقيه(1/46)
إذا كانت قيادة الثورة الإسلامية الحالية باستجابتها لبعض مطالب الجيل الثالث قد قدمت بعض التنازلات من أجل استمرار نظام ولاية الفقيه في الحكم فإن هذا يأتي في إطار محاولة التفاعل مع المستجدات وتطوير نفسها مع الوقت والأحداث، فمن الواضح أن شعار القيادة الشعبية الدينية الذي رفعه الرئيس محمد خاتمي كأسلوب لعمل القيادة التنفيذية في فترة رئاسته الثانية ليس إلا تطويراً لنظرية ولاية الفقيه وإلباسها ثوباً عصرياً ولعلها الصفقة التي عقدها خاتمي مع قيادة الثورة عند ترشيحه لفترة رئاسة ثانية والتي عبرت عنها دموعه أمام عدسات التلفزيون بعد أن قدم أوراق ترشيحه، وتأتي استجابة خامنئي المباشرة لمطالب الشباب الآن تطويراً جديداً لأسلوب التعامل الشعبي مع ولاية الفقيه، فالكراسي التي وافق عليها هي بمثابة قنوات اتصال متقدمة فتحها لهذا الغرض، فإذا نجحت التجربة فهذا معناه استمرار النظام مرحلة أخرى بدعم من الجيل الثالث للثورة.
الحوزة والأمة ومستقبل فلسطين
حوار مع الإمام الشيرازي
•…أجرى الحوار: الشيخ زكريا داوود
•…تاريخ الحوار: 14/5/1422 هـ
•…مكان الحوار: منزل سماحة آية الله العظمى السيد محمد مهدي الشيرازي في قم المقدسة.
•…أعده للنشر: الشيخ صالح جاسم آل عيد (عالم دين – السعودية)
أجرت مجلة البصائر الشيعية مقابلة مع المرجع الشيعي محمد مهدي الشيرازي قبل موته, نضعها أمام القارئ كي يتعرف على بعض جوانب التخطيط الشيعي وسعيهم لنشر مذهبهم بشتى الوسائل من خلال الكتب والمنشورات وإنشاء الجمعيات.... كما تظهر المقابلة منهج " اللاعنف " الذي يتبناه الشيرازي حيث يرى أن التصدي لليهود وظلمهم في فلسطين يكون بالاحتجاج! والمقابلة ننشرها كما هي على الرغم من ركاكتها وضعف لغتها وأسلوبها..........................................................المحرّر.
مقدمة (توطئة)(1/47)
الإمام آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي(1347 – 1422هـ) قمة من القمم الشامخة, وشخصية عظيمة ساهمت بشكل كبير ليس في تطوير الواقع الشيعي أو المرجعي فحسب, بل شخصية ساهمت بشكل كبير في تطوير الفكر الاسلامي في جميع اتجاهاته الاصلاحية والتغييرية ومدرسته الفكرية وما تحمل من تنوع عظيم وكبير في الرؤى رائدة التطوير والعمل, وخصوصاً في واقعنا ومجتمعنا, حيث خرّجت هذه المدرسة الفكرية جيلاً مؤمناً بالتغيير والاصلاح, وأخذ هذا الجيل ينمو حتى اصبح شريحة واسعة من النخب الفكرية والسياسية والدينية والفقهية, فتأسست المدارس العلمية, والنوادي الثقافية.
* مجلة البصائر – العدد 27 – السنة الرابعة عشرة ربيع 1424 هـ 2003م.
والمراكز التي تمارس أنشطة توعوية متعددة, وكانت " مجلة البصائر " إحدى ثمار هذه المدرسة الفكرية العريقة, وقد كان لنا هذا اللقاء مع سماحة الإمام الشيرازي, في بيته المتواضع وفي تلك الغرفة المتواضعة, في تاريخ 14/5/1422هـ, اي قبل وفاته بما لا يزيد عن خمسة أشهر, وقد كان لقاءً ودياً, وكنا نشعر بتعامل الأب الموجه الذي غمر أبناءه بالعطف والمحبة, وقد تخلّل حديثنا المسجّل, بعض التقطعات التي غمرنا سماحة الإمام فيها بالكثير من التوجيه والمعلومات المفيدة, وها نحن نقوم بنشر هذا اللقاء لقرائنا الكرام, وتعبيراً منا بالوفاء والعرفان لمرجعنا العظيم.
البصائر: سماحة الإمام:يعتبر سماحتكم من رواد النهضة الحضارية, ومن الشخصيات المؤثرة في نشر الوعي الاسلامي داخل الأمة, وأنتم كذلك مرجعية دينية رائدة, وقد كانت الحوزة هي المحطة الأولى في تكوين شخصيتكم وتوجهاتكم النهوضية, فكيف تنظرون للحوزة خصوصاً بعد التحولات السياسية التي حدثت ونشوء دولة يقودها العلماء؟.(1/48)
سماحة الإمام: في تصوري إن حوزاتنا لا تتمكن من فعل شيء إلا بشرط شورى المرجعية, مثلاً خمسة من المراجع في قم وثلاثة مراجع في أصفهان وأربعة في النجف يكوّنون مجلساً للشورى بينهم, يقود هذه الأمة في الأمور السياسية والاقتصادية والاجتماعية, أما الأمور العبادية الفردية فكل واحد واجتهاده فيها, هذه الشورى ضرورية لقيادة الحوزة للأمة, اما أن يحضر المرجع إلى مجلس الشورى بنفسه أو يحضر وكيله.
أنا أتذكر قبل خمسين سنة أن (البابا) ومؤسساته كانت في الدرجة الثالثة من حيث عدد المبلغين, والأزهر كان ثانياً من حيث مبلغيه وعدد علمائه, والنجف كانت الأولى, اليوم انعكست الآية فالصحف تتحدث عن ستة ملايين مبشر مسيحي تحت سلطة (البابا), بينما الأزهر يمتلك مئتي ألف روحاني, وقم القوية بالحوزات الشيعية لديها أربعون الف عالم فقط, يعني خلال نصف قرن انعكس الوضع تماماً, ولذا ترى أن (للبابا) التأثير الأكبر.
وشخصياً قرأت في مجلة العالم الاسلامي (السعودية) السنة الماضية أن (البابا) تمكن من تحويل ستين ألف إنسان إلى المسيحية يومياً, ستون ألفاً عدد هائل!
وقبل مدة جاءني ثلاثة أشخاص, سألتهم: من أين أنتم؟
قالوا: من طاجيكستان.
فسألتهم عن أوضاعهم.
قالوا: إن كل شيء سيء.
فسألتهم لماذا؟.
قالوا: إن خمسين ألف شيعي تحولوا إلى المسيحية.
من يجب أن يخطط لحفظ هذا الكيان وصيانته؟.
مراجع التقليد بدون شك... وكيف ذلك؟.
باتحادهم, فإن في الاتحاد قوة, والدعوة إلى الاتحاد والشورى, ليست في الأحكام العبادية الشرعية, فهذا يقول: الكر أربعين شبراً, أو ثلاثة وأربعين, لا كلٌّ على رأيه في هذه المسائل, أما ما يهم الأمة من قضايا السياسية والاقتصاد والاجتماع, وتبليغ الدين, والوقوف امام الكفار ومخططاتهم وألاعيبهم, كل ذلك يحتاج إلى شورى, وإلا فإن الحوزة ليست حوزة وهي كذلك اليوم!.(1/49)
العراق الذي كانوا يخافون منه أشد الخوف, العراق الذي أخرج الإنجليز على يد الميرزا محمد تقي قائد ثورة العشرين... وقد سمعتم به.
العراق اليوم تقتل مراجعه, في يوم قتلوا الشيخ البرجودي وهو مرجع تقليد ويوم آخر قتلوا الشيخ الغروي وهو مرجع تقليد كذلك, ويوم آخر قتلوا السيد بحر العلوم وكذلك السيد الصدر.
ومن يطالب بدماء هؤلاء المراجع؟!.
غاية ما نفعل أن نقيم مجلس فاتحة, ونبرق برقية تعزية... وهذا كل شيء!
الآن العالم في النجف الأشرف لا يتمكن أن يخرج من بيته, كيف كنا؟! وكيف صرنا؟! هذا هو شأن المرجعية.
كل ذلك وشورى المرجعية مفقودة والله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم قال ((وأمرهم شورى بينهم)) ,والرسول أمر بالشورى, وكان يستشير الناس, وكان يستشير حتى النساء في موارد متعددة.
قد تقول أن الشورى غير ممكنة ولكن على العكس هي ممكنة ولكن نحتاج إلى نشر ثقافة الشورى بين الناس, يعني أن تبيّن الشورى لألف إنسان, أو عشرة آلاف إنسان والآخر لألف ولعشرة آلاف, وأنا لألف إنسان ولعشرة آلاف وهكذا.
البصائر: في ظل التطور الكبير الذي حدث في العالم, وخصوصاً في العشرين سنة الماضية أصبحت المجتمعات متقاربة جداً كيف يقرأ سماحة الإمام مسيرة الحوزة العلمية, وهل قدمت ثقافياً وعلمياً ما كان يؤمل منها؟
سماحة الإمام: لم تقدم ولا عشرة بالمئة, وهذا الواقع, وكل جماعة بقائدها ولا يوجد قيادة....
البصائر: منذ السبعينات ونحن نسمع أصواتاً كثيرة داخل الحوزة العلمية وخارجها تدعو إلى تجديد المناهج بحيث تتلاءم مع العصر والتطورات التي حدثت ما هي نظرة سماحة الإمام حول هذه الدعوة؟ وهل الحوزة حقيقة بحاجة إلى تجديد المناهج؟ أم بحاجة إلى شيء آخر؟
سماحة الإمام: في نظري تحتاج الحوزة:
أولاً: إلى شورى المرجعية.(1/50)
ثانياً: أنا أذكر حينما كنت طالباً في العراق قرأت الطب شخصياً وكتبت في الطب, وقرأت الفلك, وقرأت الحساب, وقرأت الهندسة, وكانت كل المناهج موجودة في الحوزة.
فإذا كنت تقصد بتجديد المناهج أن تأتي بمناهج أقوى من المطول وأحسن وأفضل من المغني, أو افضل من الشمسية, فجئ بها, أما أن تأتي بكتاب لمجرد أنه جديد, أو مؤلفه جديد, فلا, يجب أن يكون المنهج البديل أفضل من القديم حتى يستبدل.
البصائر: سيدنا في داخل الحوزة العلمية وخصوصاً في إيران تيارات فكرية متعددة كالمدرسة الفلسفية, ما وجهة نظركم سيدنا حول هذه المدارس؟.
سماحة الإمام: فيها أخطاء كبيرة في الحقيقة.
وفي أيامنا في العراق لم يكن أحد يقرأ للمدرسة الفلسفية أبداً, صحيح أن شرح الباب الحادي عشر كان متعارفاً عليه, لكن الفلسفة لم تكن أبداً في بلادنا, وحتى في قم في زمن السيد البرجوردي (1292 – 1380 هـ) لم تكن تدرّس الفلسفة, فقد كان تدريسها محرماً, فقد قام السيد البرجوردي بسد الأبواب التي كانت تدرّس الفلسفة.
وفي تصوري أن تطور تدريسها اليوم هو أمر مؤقت لأن المرجعية مخالفة للفلسفة.
البصائر: الحوزة تعتبر من اهم القنوات التي تربي الشخصيات العلمية وخصوصاً داخل الإطار الشيعي, لكن ما نراه في القرن الأخير أن الحوزة لم تنجب شخصية قوية تؤثر بشكل كبير فيها وبالأخص في الجانب العلمي فما هي اسباب ذلك؟.
سماحة الإمام: سبب ذلك أن الحوزة العلمية في المائة سنة الأخيرة أبتليت بالاستعمار, الميرزا الكبير (1230- 1312هـ) حارب الاستعمار البريطاني في إيران وهذا يأخذ من فكره وجهده ووقته, والإنسان ليس له وقتان, مرة يحارب ومرة يعمل, وهكذا كان الوضع بالنسبة لبقية العلماء والمراجع, بعد ذلك جاء الآخوند الخراساني (1255-1329هـ) صاحب الكفاية, وحارب الاستبداد في إيران في قصة مشهورة ومعروفة بالمشروطة.(1/51)
الميرزا محمد تقي (ت1321هـ) حارب الاستعمار البريطاني في العراق أما العلماء الذين جاؤوا بعدهم مثل السيد الحكيم (ت1390هـ) والسيد المرعشي (1315-1411هـ) ما كان عندهم وقت واقعاً, نفس السيد أبو الحسن الأصفهاني (ت 1365هـ) حارب, ولكن رأى أنه لا يتمكن فترك, السيد الحكيم كان من المحاربين وقد قال لي بنفسه: إنه كان من المحاربين, السيد المرعشي قال لي بنفسه: أنه من المحاربين.
تشكيل الأحزاب
البصائر: سماحة الإمام أنتم من الداعين وبشكل كبير إلى تشكيل التنظيمات والأحزاب في الأمة الاسلامية وتعتبرون هذا الأمر أحد عوامل النهضة, لماذا لم تتجه الحوزة العلمية هذا الاتجاه النهضوي والعصري؟
سماحة الإمام: الخوف من الأحزاب – وقد تحدثت عن هذا الأمر - كانوا يخافون من الأحزاب بكثرة,لأنهم رأوا الحزب الشيوعي في العراق, ورأوا الحزب البعثي, فخافوا من الأحزاب.
شيوعي, بعثي, قومي, ديمقراطي منحرف, ولهذا خافوا من الأحزاب.
أنت إذا رأيت خياطاً يسيء, وخياطاً ثانياً يسيء, وثالثاً يسيء, تقول: إن كل الخياطين هكذا.
هذا هو الواقع... الأمثلة التي كانت في الساحة من الأحزاب كانت سيئة للغاية.
البصائر: سيدنا إذا كان هذا واقع الحوزة العلمية تجاه الأحزاب, فما هو السبيل لتوجيه الحوزة لتنشىء أحزاباً دينية نهضوية تحمل همّ الأمة وتسعى لقيادتها؟.
سماحة الإمام: أولاً يجب أن تتكوّن جماعة من المؤمنين الصالحين يتولون أمر الحزب, ويجب أن يعرف الناس انهم مستقيمون مستمرون في الاستقامة, عند ذلك تؤمن الحوزات, لأن الناس لا تؤمن بالأفكار المجردة, الناس يؤمنون بالأشخاص... هذه قاعدتهم.
الكنيسية في الغرب قامت بمفاسد تعرفونها... مائة ألف إنسان في كل أوروبا كتبوا كتباً حول الأحزاب الحرة... مائة ألف إنسان, أنا قرأت عن هذا, بعدها تكوّنت الأحزاب.
الوحدة الإسلامية(1/52)
كم قتلوا؟ وكم سجنوا؟ وكم عذّبوا؟ وكم شرّدوا حتى تكوّنت الأحزاب؟ لقد حدثت مآسٍ حتى آمن الناس بضرورة الأحزاب.
الآن أنا دائماً أدعو لتكوين الأحزاب حتى في مجالسي الخاصة.
البصائر: سماحة الإمام أنتم تعتبرون من أهم الشخصيات المرجعية البارزة التي دعت وتدعو للوحدة الاسلامية, وهذا ما نلاحظه في مجمل خطابكم الموجه للأمة ودعاتها, فهل قمتم سماحة السيد بمد الجسور مع علماء السنة لتقوية هذا الاتجاه خصوصاً في العراق والكويت؟
سماحة الإمام: نعم قمنا بمادرات في العراق, ذهبنا للسنة, وعلماء السنة أتوا إلينا.
كما أذكر كان هناك احتفال كبير في مدرسة أبي حنيفة, ذهبنا لهذا الاحتفال وأنا شخصياً ذهبت لهذا الاحتفال, ولما كان عندنا احتفال للإمام أمير المؤمنين عليه السلام في كربلاء دعونا السنة, فشاركنا علماؤهم.
أفكاري في مسألة الوحدة ليست جديدة, بل هي قبل خمسين سنة, لأنني أطالع كثيراً وأظن حتى الآن أني قرأت في حدود ستة آلاف كتاب من الكتب الاجتماعية والسياسية, والاقتصادية والثورية والفقهية, وغيرها, و كل كتاب أراه أقرأه سواء كان حوزياً أم لا وإلى الآن انا أطالع.
وفي الكويت نفس الشيء, السنة أصدقائي نذهب إليهم ويأتون إلينا.
والأخ السيد حسن ذهب إلى السنة, وذهب إلى شيخ الأزهر, وذهب إلى لبنان, وذهب إلى كل مكان, أما في إيران فظروفي لا تسمح... لكن هذه الأشياء لا تحدث بسرعة بل تطول, وتحتاج إلى زمن طويل.
البصائر: سماحة الإمام كان هذا داخل الإطار الاسلامي العام, أما إذا تحدثنا عن الوحدة داخل الإطار الاسلامي الخاص (الشيعي) فأنتم تدعون لشورى المرجعية وشورى الفقهاء, في هذا الاتجاه سماحة السيد هل تحدثتم مع المرجعيات الشيعية لتطبيق هذه النظرية على الواقع الشيعي؟.(1/53)
سماحة الإمام: أنا دائماً أتحدث عن هذه القضية, وقد تحدثت مع الشيخ المنتظري عندما جاء لزيارتي هنا في هذه الغرفة, وتحدثت مع السيد صادق الروحاني, والسيد المرعشي, والسيد الكلبيكاني, عندما جاء كلٌّ منهم لزيارتي, وكذلك عندما كنت أذهب إليهم, لكني اقول: إن الواقع يتغير, ولكن ذلك الأمر لا يحدث بشكل سريع, وكان ردهم أن هذا الأمر لا يحدث, بدِّل فكرتك: لأن هذا لا يمكن أن يحدث وهو مستحيل.
فلسطين
البصائر: سماحة السيد ندخل في محور آخر, وهو قضية التعامل مع الدولة الغاصبة أو ما يسمونها بـ (اسرائيل) فنحن نلحظ تياراً سياسياً واسعاً داخل الأمة وفي الدوائر الغربية يدعو للتطبيع مع (اسرائيل) ما هو رأيكم في مثل هذه الدعوات؟ وكيف تنظرون إليها؟.
سماحة الإمام: في الحقيقة هذه الدعاية كتبت حولها كتاباً (هل يدوم الصلح مع اسرائيل) هل رأيتموه؟.
والآن عندي كتاب جديد اسمه (الأقصى المبارك) يطبع إن شاء الله.
أتصور أن امريكا هي الضاغطة فقط, والله سبحانه وتعالى يقول: ((ضُربت عليهم الذلة أين ما ثُقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس)) .
أما الحبل الذي من الله إذا أصبحوا (خوش أوادم) أي آمنوا بالله واتقوه.
أما الحبل الذي من الناس فهو اليوم أمريكا التي تسندهم, هذا نص القرآن.
في الحقيقة ضغط أمريكا هو المؤثر أما الدول العربية فهم خائفون ومشتتون بتفرقهم وكل ذلك بسبب حكامهم.
والكل ضد التطبيع واقعاً إلا أنهم يخافون من أمريكا, حتى أني سمعت قبل مدة في محطة الجزيرة الفضائية محاضراً اسمه (عبد الله النفيسي) كان عنده لقاء في الجزيرة حول التطبيع, وكانت كلمته جميلة, وقد أرسلت له خبراً أن يطبع هذه الكلمة حتى يراها الناس.(1/54)
وكتبت في كتبي وهذا تصوري, أن اسرائيل ستزول من هنا, والدليل أن الصليبيين لما جاءوا إلى هنا بعد مائتين سنة أزيلوا, هؤلاء كذلك سيزولون, لكن الآن يحتاج إلى وقت: لأن امريكا معهم, سابقاً بريطانيا كانت مع اليهود والآن أمريكا بقوتها العارمة.
البصائر: سماحة السيد نلاحظ أن الذين يسعون للتطبيع يسعون في ذات الوقت لمسخ عقلية الأمة, فهل يمكن لهؤلاء أن يحققوا أهدافهم؟ وهل يمكن للأمة أن تقبل بعملية التطبيع؟
سماحة الإمام: ليس من المعقول حدوث ذلك, وأتصور غير ممكن. لاحظوا الشاة صنع في طهران – وأنا قرأت ذلك – أربعة عشر ألف مخمر في طهران وحدها, أربعة عشر ألف محل لبيع الخمرة الشاه أنشأها.
لكن هل بقيت؟!
كلا... في يوم واحد أزالوها, وأي شيء خلاف الأمة لا يمكن أن يحدث.. هذا غير معقول, فقط امتحان يمتحن الله به الناس هؤلاء وهؤلاء ثم يذهبون.
الشاه صنع في كل مدن إيران ما عدا قم, في كل مدينة مبغى أي (فاحشة خانة) باللسان الفارسي, صنع ذلك في كل مدينة, في شيراز, في رشت, في أصفهان, في طهران, في بروجرد, في يزد, وفي يوم واحد كلها أزيلت: لأنها خلاف إرادة الأمة... هذا واقع.
الاستعمار الفرنسي احتل الجزائر مائة وعشرين سنة وبقي فيها وجلب مليون فرنسي للجزائر, لكنه ذهب لأن الشيء الذي هو خلاف إرادة الأمة لا يبقى لكنه يطول ويقصر. هذا هو الأمر لا أكثر ولا أقل.
البصائر: سماحة السيد الإمام يطرح الإعلام الغربي وكذا الإعلام العربي تبعاً له مسألة تدويل مدينة القدس وتقسيمها باعتبار أن القدس – كما يقولون – لا تخص ديناً بعينه, بل هي لكل الديانات, ما هو رأيكم في هذه القضية؟.
سماحة الإمام: هذا كذب... كذب..., لأن القدس للمسلمين أكثر من ألف سنة فكيف يقسمونها, مثل ذلك مطروح لتقسيم العراق إلى وسط وشمال وجنوب هذا كله كذب, لأن البلاد بلاد اسلامية ونحن عندما كانت القدس بأيدينا هل كنا نمنع اليهود؟
كلاّ.
هل كنا نمنع النصارى؟
كلاّ.(1/55)
اللاعنف
فالقدس كونها للجميع صحيح لكن عنوان التقسيم غير صحيح, هذا كذب واضح لأنها بلاد اسلامية.
البصائر: في ظل الهجمة الشرسة التي تشنها آلة الحرب والبطش والإرهاب الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني بجميع فئاته, كيف تنظرون لمستقبل الشعب الفلسطينيي المظلوم؟
سماحة الإمام: ياسر عرفات كان يعتمد على السلاح, وفي كل شيء يعتمد على السلاح في خطاباته في كلامه, بندقية... بندقية, أنا أرسلت له خبراً قلت له: هذا غلط, لن تتمكن من فعل ذلك بالسلاح, بعد مدة تنازل عن البندقية, بعدها اعتمد على الحجارة, كذلك أرسلت له خبراً جديداً, أي قبل سنة, قلت له: هذا غلط كذلك, لأن السلم هو الذي يقدّم.
شخصياً رأيت في التلفزيون, أن الفلسطينيين يرمون الإسرائيليين بالحصاة, ويقيناً أنتم رأيتم ذلك, فيأتون بهم ويكسرون أيديهم ويقطعونها بالساطور.. هل هذا صحيح؟.
" اللاّعنف " هو الحل: مظاهرات, وإضرابات, هذا هو الذي يقدّم أمّا الحصاة غلط.
البصائر: سماحة السيد لكن كيف يمكن مواجهة إسرائيل وهي تستخدم الدبابات والأسلحة الفتّاكة المتطورة, ضد شعب أعزل, كيف يمكن مقاومة كل ذلك بالمظاهرات والإضرابات فقط؟
سماحة الإمام: لا, هذا أمر مؤقت استخدامه, انظر عندنا مثالان, المهاتما غاندي في مقابل بريطانيا, والثاني مانديلا, وكلاهما في مقابل أعتى قوة.
الواقع أن اللا عنف هو الذي يتقدّم, لأن اللا عنف هو العقل, والسلاح منطلقه البدن, والعقل مقدّم على البدن, وقد ذكرت هذا الأمر في واحد من كتبي .
الإعلام
البصائر: سماحة السيد كيف يمكن لنا كشعوب ونخب وحركات إسلامية مواجهة عملية التطبيع؟
سماحة الإمام: اطبع مليون كتاباً وأنشرها, بيّن مفاسد التطبيع وأنه خطر جداً.(1/56)
أنا شخصياً رأيت اليهود في العراق, لأنهم كانوا في العراق قبل خمسين سنة, في النجف كانوا, في كربلاء كانوا, في بغداد بكثرة كانوا, في العمارة بكثرة هائلة كانوا, أنا رأيتهم وعرفت أساليبهم ونفسياتهم, اليهودي يبيع زوجته وأولاده في سبيل المال.
وعدم التطبيع يحتاج إلى إعلام, هل عندك شبكة إنترنت بخمسين أو مائة لغة؟ لا.
عندك محطة فضائية؟ كلاّ.
أما هم فكل شي عندهم.
عندك مجلة أو جريدة؟
وحتى هذه (البصائر) كل ثلاثة أشهر تصدر, كم شخصاً يقرأها؟!
هناك امرأة في الغرب اسمها أجاثا كريستي, هذه المرأة طبعت من كتبها مليارين, اطبع أنت ملياري كتاب ووزعها, ملياران...! وأنا اشتريت كتبها حتى أنظر ماذا كتبت فيها...
البصائر: سماحة السيد على الساحة العربية نلحظ تغيراً طفيفاً نحو إصلاحات ديمقراطية ومجيء قيادات شابة لسدة الحكم والسلطة وقد قامت ببعض الإصلاحات, فما هو رأيكم في ذلك, وهل يمكن لهذه الإصلاحات أن تبقى؟.
سماحة الإمام: هذا كله كذب, وهذه الاصلاحات تبقى فترة وتزول, في نظري أنها فترة وتزول, وبالفارسي يقولون: " استخون بندي " يعني أن الانسان عنده شكل خاص من العظام, وتنظيم العظام للبلاد الاسلامية كله كذب, حتى يأتي غاندي ويخلصها أو فكر غاندي هذا هو الواقع.
الموقف الإيراني من الحرب الأمريكية على العراق
أحمد منيسي
مر الموقف الإيراني من الأزمة العراقية بتطورات متعددة ومتناقضة منذ دخلت هذه الأزمة مرحلتها الدقيقة بعد تصاعد التهديد الأمريكي بغزو العراق, إلى أن وقعت الحرب الأمريكية بالفعل على العراق في العشرين من مارس الماضي.(1/57)
فبعد أن كانت إيران قد أعلنت أكثر من مرة أنها ترفض الغزو الأمريكي للعراق, وكان هناك نهج متشدد شديد الوضوح ضد هذا الغزو في السياسة الخارجية الإيرانية, عادت إيران لتلتزم الصمت حيال التطورات الأخيرة في تلك الأزمة, وقبل أن تقع الحرب, الأمر الذي تم تفسيره على أنه تراجع في هذا النهج, على خلفية توافق ربما يكون قد حدث بينها وبين الولايات المتحدة استناداً إلى توافقها السابق في الحرب الأمريكية ضد أفغانستان. ثم جاءت المبادرة الأخيرة التي أعلنتها طهران في أوائل الشهر الماضي لتعود بالموقف الإيراني مرة أخرى إلى قلب الأحداث.
هذا الغموض والتناقض في الموقف الإيراني يجد تفسيره في طبيعة الإشكاليات القائمة في العلاقات الإيرانية العراقية من جهة, وإشكاليات العلاقات الإيرانية الأمريكية من جهة أخرى.
إشكاليات العلاقات العراقية الإيرانية:
مثلت إيران والعراق إضافة إلى السعودية ثلاثة محاور متنافسة على زعامة النظام الإقليمي الخليجي, وقد حاول العراق أكثر من مرة خلال النصف الثاني من القرن الفائت تكريس وضعه كقائد لهذا النظام على حساب القوتين الأخريين, وظل هذا الهدف أحد أهم أولويات السياسة الخارجية العراقية برغم تغير شخوص من يحتلون قمة النظام السياسي في بغداد, وقد انبثق هذا المسعى العراقي عن شعور عميق لدى الدولة العراقية بأحقيتها وجدارتها في تبوء هذه المكانة استناداً إلى جملة
*مختارات إيرانية: العدد 33 ابريل 2003.
من الحقائق الموضوعية على الأرض ترجح كفة العراق بالمقارنة مع دول الخليج الأخرى, وهو الشعور الذي تصاعد بعد أن انتقل العراق من نظام ملكي محافظ إلى آخر ثورى في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي.(1/58)
فبعد تأسيس النظام الثورى في العراق عام 1958 على خلفية الثورة التي أطاحت في ذلك العام بالنظام الملكي – الذي كان قد طالب في أواخر عقد الثلاثينات هو الآخر بضم الكويت – عمل العراق على توسيع نفوذه الإقليمي في منطقة الخليج التي كانت دولها ما زالت ترزح تحت الاستعمار البريطاني, وقد جاءت محاولة العراق لضم الكويت في العام 1961 ضمن هذا المسعى العراقي.
انقلاب جزب البعث
وفي العام 1968, وعندما شهد العراق الانقلاب الذي قام أحمد حسن البكر ضد حكم الرئيس عبد الرحمن عارف, جاء في البيان الأول لقادة الانقلاب في صدد تحديد سياساتهم الخارجية: " إن حزب البعث لديه مسئولية تاريخية في الانطلاق بالوحدة العربية الشاملة من منطقة الخليج, والانقضاض على رموز التبعية والعمالة وكل من تسول له نفسه الوقوف في وجه المشروع النهضوى البعثي, وأن على أنظمة الخليج أن تتهيأ للتعامل مع عراق آخر غير الذي درجت عليه ". وكان هذا النهج الجديد في السياسة الخارجية العراقية يحمل في الوقت نفسه تهديداً للدولة الإيرانية التي كانت في ذلك الوقت تمثل مرتكزاً قوياً للنفوذ الأمريكي في المنطقة.
ومن هنا, فقد دخل العراق الثورى في مصادمات قوية مع كل من السعودية وإيران, الأمر الذي جعله في مواجهة مع الولايات المتحدة التي طرحت نفسها كوريث شرعي للنفوذ البريطاني في المنطقة بعد اضمحلال هذا الأخير منذ نهاية الستينات, واختفائه تماماً مع مطلع السبعينيات تاركاً المجال للولايات المتحدة الأمريكية.
وقد حاول العراق في مطلع السبعينيات استغلال حالة الفراغ الأمني التي نجمت عن الانسحاب البريطاني من الخليج, لتمديد نفوذه خارج حدوده الإقليمية, الأمر الذي أدخله طيلة عقد السبعينيات في صراع مع السعودية وإيران, وحاول كل طرف من هذه الأطراف الثلاثة توسيع رقعة نفوذه الإقليمي, على حساب الطرف الآخر.
التمدد الإيراني(1/59)
وانتهى هذا العقد بتفوق كفة الجانب الإيراني, الذي استطاع – بعد أن فشلت مطالباته بضم البحرين – أن يمدد نفوذه في مناطقه الحدودية مع العراق بموجب اتفاقية الجزائر الموقعة بين الطرفين عام 1975, بعد أن كانت إيران قد احتلت الجزر الإمارتية الثلاثة: طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسي, وعمقت نفوذها في منطقة المدخل الجنوبي للخليج بعد أن كانت قد ساعدت سلطنة عمان في القضاء على ثوار ظفار.
وقد كان هذا التفوق الإيراني يصب في صالح تدعيم النفوذ الغربي في المنطقة, باعتبار أن إيران كانت في هذا الوقت حليفاً للغرب, ومن ثم, فإن هذا التفوق الإيراني لم يسبب إزعاجاً لهذا النفوذ, بيد أنه ومع قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979, والتي كانت بمثابة الزلزال في منطقة الخليج, خرجت إيران من تحالفها مع الغرب, وقد ظلت في نفس الوقت بعيدة عن أي ارتباط بالسوفييت, حيث رفعت الثورة شعار " لا شرقية ولا غربية " وقد اعتبرت الولايات المتحدة أن إيران, حليفتها السابقة، قد أصبحت مصدر خطر كبيراً على مصالحها في الخليج, خاصة بعد أن رفع الإمام الخميني شعار تصدير الثورة إلى الخارج.
وهنا, وجد العراق الفرصة سانحة للانقضاض على الجمهورية الإسلامية الطامحة، بدعم من الولايات المتحدة وبتأييد من دول الخليج التي خشيت تمدد النفوذ الإيراني إليها, ولكنه خرج من حرب الثماني سنوات ضد إيران منهك القوة بعد أن كان قد أنهك أيضاً القوة الإيرانية, ولكن توازن القوة بين الطرفين ظل قائماً وظل العراق طامحاً لتوسيع نفوذه الإقليمي.
مجلس التعاون
وقد خرج العراق من حربه مع إيران ليجد دول الخليج الست قد أسست فيما بينها ومنذ العام 1981 مجلس التعاون الخليجي, وقد تجاهل العراق أو لم يدرك حقيقة كون مجلس التعاون يقف ضد طموحاته الإقليمية وحصره داخل حدوده إبان تفرغه للحرب مع إيران والدعم الكامل الذي لاقاه من دول الخليج لصد المد الثورى الإيراني.
غزو الكويت(1/60)
وعاد العراق مع مطلع التسعينيات, ليمارس مغامرة أخرى بغزوه للكويت من أجل تزعم النظام الإقليمي الخليجي. وهنا وجدت إيران نفسها مرة أخرى أمام تحدي توسع النفوذ الإقليمي للعراق. ولكن لأن المتضرر الأكبر من هذا التوسع كانت الولايات المتحدة فإن إيران لم تجد نفسها في حاجة حتى للمشاركة في التحالف الدولي لتحرير الكويت, فاكتفت بجانب الحياد, وتكفل هذا التحالف برد النفوذ العراقي وحصره داخل حدوده.
وعلى الرغم من أن العراق وفي غمار الحصار الذي فرض عليه عقب حرب الخليج الثانية قد حاول تطبيع علاقاته مع إيران, وخطى البلدان خطوات ملموسة في هذا الاتجاه، فإن الملفات الموروثة عن الحرب بينهما, قد حالت دون المضي بعيداً في هذا الاتجاه.
ملفات عالقة
ويأتي في مقدمة هذه الملفات الرؤية الإيرانية لتطبيع العلاقات استناداً إلى القرار رقم 598 الذي ترى طهران أن العراق لم يطبق إلا أجزاء قليلة منه.. فالقرار ينص على دفع تعويضات تقدرها طهران بـ تريليون دولار, وتقدرها الأمم المتحدة بـ 116 مليار دولار, وفي هذا السياق نجد أن طهران تعتبر الطائرات العراقية التي لجأت إليها خلال حرب تحرير الكويت جزءاً من التعويضات, بينما يطالب العراق بعودتها إليه. أما الملف الثاني فهو ملف الحدود المشتركة بين البلدين, حيث تريد إيران العودة إلى اتفاق الجزائر عام 1975 وترسيم الحدود لتشمل مناطق كثيرة تعتبر أنها ضمن حدودها مثل سيف سعد أو تلك المناطق الغنية بالنفط وجزء منها في جزر مجنون. والملف الثالث هو ملف الأسرى لدى العراق حيث تقدر طهران عدد الأسرى الموجودين حالياً في العراق بخمسة آلاف أسير. ومن جانبه يقدر العراق عدد أسراه في إيران بـ 29 ألفاً منهم غير مسجلين " فيما يقدر عدد المفقودين بستين ألفاًُ تقريباً ". ويؤكد في المقابل أن عدد المفقودين الإيرانيين في سجونه لا يتجاوز الـ 400 أبلغوا اللجنة الدولية للصليب الأحمر برفضهم العودة إلى إيران.(1/61)
وبالإضافة إلى هذه الملفات هناك ملف شائك يتمثل في أن كلا من العراق وإيران يؤوى تنظيمات معارضة للنظام في البلد الآخر حيث تؤوى بغداد منذ عام 1986 منظمة مجاهدى خلق التي يصل عدد مقاتليها إلى حوالي 30 ألف عنصر تدعمهم دبابات وطائرات هليوكوبتر, بينما يوجد في إيران أهم حركات المعارضة الشيعية العراقية ممثلاً في المجلس الأعلى لثورة الشيعة في العراق.
إيران الخاسر الأكبر:
هذه الإشكاليات التي تغلف العلاقات العراقية الإيرانية كانت تدفع بالضرورة في سبيل تبنى موقف داعم للإطاحة بنظام صدام حسين, أي تأييد الحرب الأمريكية على العراق للتخلص من هذا العدو اللدود ولكن ومن ناحية أخرى, فإن إيران تدرك أنها من أكبر الخاسرين من هذه الحرب, حيث أن ضرب العراق وإن كان هدفاً بذاته للولايات المتحدة إلا أنه سوف يؤدي إلى استكمال عملية حصار إيران غرباً على النحو الذي تسعى إليه واشنطن بعد أن أحكمت الولايات المتحدة حصارها لإيران من الجهات الثلاث الأخرى, ففي الغرب والجنوب ترسو حاملات الطائرات الأمريكية في مواجهة السواحل الإيرانية, وفي الشرق استطاعت الولايات المتحدة بعد الإطاحة بحركة طالبان تكريس نفوذها في الأراضي الأفغانية وبالقرب من الحدود الأفغانية الإيرانية,ومن الشمال ثمة نفوذ أمريكي كبير من خلال تغلغل الولايات المتحدة في دول آسيا الوسطى.(1/62)
وفي السياق نفسه, فإن إيران – وعلى الرغم من عدم ارتياحها لوجود صدام حسين عدوها اللدود على رأس السلطة في العراق – تشعر بالقلق الشديد لحدوث أي تغيير في العراق في الوقت الحاضر لأنه حتى في حالة إذا ما أدت الحرب الأمريكية على العراق إلى تفكيكه, فإن ذلك لن يعني تحقيق الحلم الإيراني بدولة شيعية في جنوب العراق تناصر نظامها, لأن الولايات المتحدة لن تسمح بتمدد النموذج الإيراني خارج حدوده, ناهيك عن أن العراق يتخذ الموقع الأول في " محور الشر " الذي رتبته الولايات المتحدة, وإيران المرتبة الثانية, ما يعني أنها الهدف المقبل للولايات المتحدة, حال أنجزت مهمتها في العراق.
وبالإضافة إلى ذلك, فإن الولايات المتحدة وفي سياق رغبتها في التمكين للتفوق الإسرائيلي في المنطقة, وبعد أن تتخلص من القوة العراقية, من المتوقع أن ينصب اهتمامها على إيران, لتسييد إسرائيل, بما يمكن من فرض شروطها للتسوية وإيجاد حل للصراع العربي الإسرائيلي.
كل هذه العوامل المعقدة دفعت طهران إلى اتخاذ موقف متشدد في بداية الأمر تجاه الحملة الأمريكية ضد العراق, ولكن هذا الموقف المتشدد التزم الصمت في مرحلة لاحقة كما سبقت الإشارة ما فهم ضمناً على أنه تأييد لهذه الحملة جاء على خلفية توافق لابد أن يكون قد حدث بين طهران وواشنطن.
المبادرة الإيرانية:
وفي الواقع, فإنه كانت هناك عدة مؤشرات تدعم مثل هذا التكهن, حيث شاركت المعارضة الشيعية التي تحتضنها طهران مع باقي فصائل المعارضة العراقية المدعومة من قبل الولايات المتحدة في عدة اجتماعات, بعضها عقد في واشنطن, وربما كانت إيران تسعى إلى أن تتعامل مع الولايات المتحدة هذه المرة بالطريقة نفسها التي تعامل بها الطرفان في الحرب الأمريكية على أفغانستان, أي أن يتم تنحية الخلافات جانباً لتحقيق هدف الطرفين في الإطاحة بنظام صدام حسين دون أن يعني ذلك حصار إيران في مرحلة ما بعد صدام.
السياسة البراغماتية(1/63)
ولكن يبدو أن هذه الصيغة لم يكن من الممكن تطبيقها من جديد, فالولايات المتحدة ليست في حاجة إلى الدعم الإيراني بشدة كما كان حالها في الحرب ضد طالبان, حيث كانت تتمتع بنفوذ قوى في أفغانستان غير متوافر لها في العراق, كما أن القوات الأمريكية التي تنوي غزو العراق لديها جبهات أخرى لشن الحرب على العراق أكثر أهمية من الجبهة الإيرانية التي سوف تقدم في نهاية المطاف دعماً لا يقارن بالمميزات الهائلة التي توفرها تلك الجبهات. ومن ناحية أخرى, فإن الولايات المتحدة تخشى بالفعل من أن تنجح إيران في استغلال حالة الفراغ الذي قد ينجم عن الإطاحة بصدام حسين لتدعيم نفوذها في العراق والخليج معتمدة على الطائفة الشيعية, هذا على جانب الرؤية الأمريكية, أما فيما يتعلق بالبعد الخاص بالرؤية الإيرانية نفسها, فإنه وعلى الرغم من غلبة الطابع البراجماتي على السياسة الخارجية الإيرانية, فإن ملف العلاقة مع الولايات المتحدة مازال محل شد وجذب بين الإصلاحيين والمحافظين, وهذا من شأنه أن يعرقل من إمكانات إقدام إيران على فتح حوار مع الولايات المتحدة, أضف إلى هذا أن الولايات المتحدة قد أعلنت بشكل صريح في الأسابيع التي سبقت الغزو أنها تعتزم حكم العراق بعد صدام بشكل عسكري مباشر, ما يعني العدول عن خيار تنصيب المعارضة بالسلطة, وما يعني أيضاً أن المعارضة الموالية لطهران سوف يتم تهميشها.
ومن هنا فقد جاءت المبادرة الإيرانية التي تم طرحها على لسان وزير الخارجية كمال خرازى كمؤشر على تحول لافت في الموقف الإيراني, جاء بالضرورة على خلفية فشل واشنطن وطهران في الاتفاق على صيغة للتعاون الثنائي.
وقد تمحورت هذه المبادرة حول إجراء استفتاء تشرف عليه الأمم المتحدة بشأن انتقال السلطة في العراق في إطار خطة لتجنب شن حرب على بغداد ودعوة المعارضة العراقية للمصالحة مع الرئيس صدام حسين لتجنب إراقه الدماء.(1/64)
ويمكن القول أنه كانت هناك عدة عوامل قد دفعت طهران إلى إطلاق هذه المبادرة, فضلاً عن فشلها في التوصل إلى صيغة للتعاون بينها وبين واشنطن كما حدث في أفغانستان وتتمثل أهم هذه العوامل فيما يلي:
1-أرادت إيران الخروج من العزلة التي يمكن أن تفرض عليها بسبب تأييدها للحرب أو حتى التزامها الصمت في ضوء وجود توجه عربي وإسلامي ودولي مناهض للحرب.
2-ضغوط الرأي العام الداخلي, فالتوجه العام في إيران كما في غيرها من الدول العربية والإسلامية هو ضد الحرب الأمريكية المحتملة على العراق،وما يذكى هذا التوجه موروث العداء الشديد بين طهران وواشنطن.
3-انحسار الموقف الدولي المؤيد للحرب بعد التعاون الجيد الذي أبداه العراق مع القرار رقم 1441, وهو ما أفرغ الحجج الأمريكية لهذه الحرب من مضمونها, وكشف في الوقت نفسه عن الأجندة الخفية للولايات المتحدة من حربها ضد العراق, ومثل هذا الأمر يعد مقلقاً جداً لإيران.
وقد تلى هذه المبادرة إقدام إيران على مجموعة من الخطوات لها مغزاها الهام, في مقدمتها استضافتها لمؤتمر للقوى الشيعية العراقية المعارضة عقد في 6 مارس الماضي, على الرغم من أن الإعلام الإيراني أكد أن هذا المؤتمر لا يعقد بضوء أخضر من إيران. وتزامن مع هذه الخطوة تحرك قوات لواء بدر إلى شمال العراق, حيث تمركزت في هذه المساحة الواقعة ضمن مناطق شمال العراق الكردية التي تتمتع بالحكم الذاتي, وتتشكل هذه القوات من عناصر من شيعة العراق الذين تدعمهم إيران والتي تعهدت بمقاومة نظام الرئيس صدام حسين, فقد ظل أفراد هذا اللواء ينتظرون منذ عقدين, وعلى وجه الخصوص منذ الانتفاضة التي شهدتها مناطق الشيعة في جنوب العراق ضد صدام حسين عقب حرب عام 1991. تلك الانتفاضة التي سحقتها قوات بغداد، بينما لم تحرك الولايات المتحدة ساكناً.(1/65)
وفي سياق هذه المرحلة الجديدة لتقلب الموقف الإيراني, عملت الولايات المتحدة على إرسال مجموعة من الإشارات المتناقضة إلى إيران. ففي الوقت الذي جددت فيه واشنطن اتهاماتها لطهران بامتلاك أسلحة نووية, على لسان وزير الخارجية كولن باول، أعلن في 9 مارس الماضي أن الولايات المتحدة والدول الأخرى اكتشفت فجأة أن إيران متقدمة في برنامجها لتطوير أسلحة نووية أكثر مما كان العالم يعتقد, وكان باول يعلق على مقال نشرته صحيفة تايمز جاء فيه أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية ترى أن إيران استخدمت اكزافلورور اليورانيوم في محركات الطرد لديها لاختبار قدرة هذه المحركات. في هذا الوقت أعلنت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا أن عراق ما بعد صدام حسين لا مكان فيه لمنظمة مجاهدى خلق.
وهذا الموقف الذي يبدو متناقضاً أيضاً من قبل الولايات المتحدة تجاه إيران, هدفه تطمين هذه الأخيرة لكسب جانبها, أو بمعنى أدق تأمين جانبها عن طريق سياسة العصا والجزرة, وهو ما يضع الجانب الإيراني في التحليل الأخير في ورطة حقيقية حيال التطورات الحالية والمستقبلية للأزمة العراقية.
رد الفعل على الحرب:
وفي سياق هذا الموقف الإيراني الرافض للحرب الأمريكية على العراق, جاء الإعلان عن رفضها حينما اندلعت فعلاً في العشرين من مارس الماضي, فعقب بدء هذه الحرب مباشرة أعلن وزير الخارجية كمال خرازى أن هذه الحرب تفتقد إلى أي شرعية دولية ولا يمكن تبريرها بأي حال من الأحوال وأكد أنها يجب أن تتوقف فوراً وقال خرازي أن تلك الحرب سوف تضيع جهود نصف قرن بذلتها كافة شعوب العالم لتعزيز دور الأمم المتحدة، مؤكداً على أن بلاده لن تدعم أياً من الطرفين المتصارعين.(1/66)
أما المرشد الروحي للثورة الإسلامية السيد علي خامنئى, فقد أكد على أن الهدف من هذه الحرب هو احتلال العراق والسيطرة على المنطقة, والهيمنة على مصادر النفط فيها, والحفاظ على الكيان الصهيوني غير المشروع وشدد على ضرورة الوقف الفوري لهذه الحرب وضرورة يقظة الشعب الإيراني حيال الأساليب التي تعتمدها الولايات المتحدة وبريطانيا.
ومن ناحيته قال الرئيس محمد خاتمي أن الولايات المتحدة تجد نفسها وحيدة وممارساتها لا تتمتع بأي شرعية وهي المسئولة عن تهديد السلام الدولي.
مقاربة ثقافية لسياسة إيران الخارجية
رحمان قهرمانبور(باحث في مركز البحث العلمي والدراسات الاستراتيجية الشرق أوسطية)
المؤلف: محمود سريع القلم
اسم الكتاب: السياسة الخارجية للجمهورية الاسلامية الايرانية تجديد نظري ونموذج في الإئتلاف.
الناشر: (طهران, مركز البحوث الاستراتيجي 2000) 172 صفحة.
يعرض رحمان قهرمانبور كتاباً للباحث والكاتب الشيعي محمود سريع القلم - وهو رئيس تحرير مجلة إيران والعرب –, والكتاب حول سياسة إيران الخارجية من منظور إيراني إصلاحي, وذلك لنتعرف على طريقة عملهم وفلسفتهم...........................................................المحرّر.
يقول المؤلف ان هذا الكتاب ليس أكاديمياً فحسب, فهو نتاج حواراته ومناظراته مع أكثر من 85 شخصية من صانعي السياسة المحترفين, وكذلك مشاركته خلال الأعوام الثلاثة المنصرمة في مؤتمرات محلية ودولية مختلفة, وهكذا فإن الكتاب يمثل خطوة أخرى في تجسير البون التاريخي بين النخبتين الفكرية والعلمية في إيران المعاصرة.(1/67)
يقع الكتاب في ثمانية فصول, الفصل الأول عبارة عن مقدمة يتبعها سرد للنصوص النظرية حول السياسة الخارجية, والإطار النظري للمؤلف, وأربعة فصول عن مشاكل وإمكانات النجاح الكامنة لإئتلاف إيران مع دول في الجنوب, وفي الشمال, ومع الكتلة الاسلامية, وشرق آسيا, وفصل ختامي موجه سياسياً. ويستخدم المؤلف تقديرات إحصائية في بعض الفصول لإثبات ادعاءاته, وقد تكون هناك بعض الصعوبات في فهم الفروقات الدقيقة للمقترحات بالنسبة لمن ليس لديهم إطلاع وافٍ على آراء المؤلف الثابتة, وإلى حد ما يكمن ما يظهر أنه غموض في الإطار النظري في انعدام ذلك الاطلاع الوافي, لهذه المراجعة أربعة أقسام, القسم
* شؤون الأوسط العدد 110 ربيع 2003
الأول مخصص للإطار النظري الذي يسميه المؤلف "عرضية السياسة الخارجية" والقسم الثاني مكرس لمستويات التحليل والميثودولوجيا, أما القسم الثالث فيتألف من الافتراضات والافتراضات المسبقة, والقسم الأخير يتضمن التوصيات المتعلقة بالسياسة, والإشارة إلى أعمال المؤلف الأخرى قد تساعد القارئ على إدراك دقة الكتاب.
تفوق الثقافة السياسية
التفوق الفعلي للثقافة السياسية والجيوبوليتيكا الإيرانيتين هو لب مفهوم الإطار النظري الذي له قاعدتان:
القاعدة الأولى هي المتغيرات الثابتة للسياسة الخارجية والثانية هي طبيعة النظام السياسي ورجال الدولة, والأخيرة تعتمد على نوع الدولة.(1/68)
فئات القاعدة الأولى هي: تركيبة النظام الدولي: النظام الاقتصادي والمواصفات الجغرافية, الثقافة العامة والسياسة, وتتكون القاعدة الثانية من: تحديد المصالح، نظام المعتقد، صنع القرار ومعالجة المعلومات, ومن وجهة نظر المؤلف فإن المتغيرات الثابتة أكثر أهمية وتأثيراً في السياسة الخارجية من طبيعة النظام السياسي, فلا تستطيع أي حكومة تجاهل هذه المتغيرات, والجمهورية الاسلامية الايرانية ليست استثناءً, على أن عناصر عدة تجعل من إيران بلداً دولياً, موارد إيران للطاقة والجيوبوليتيكا الخاصة بها, والتوجه الغربي الأساسي في بنيتها الاجتماعية والاقتصادية يقود السياسة الخارجية لطهران نحو التعاون مع القوى العظمى.
وبدلاً من افتراض تفاعل بين مجموعتي المتغيرات, يعتقد المؤلف ضمناً بعلاقة أحادية تكون للمتغيرات الراسخة فيها اليد العليا, وينتج عن هذه النظرة الغائية مبالغة حول الثقافة السياسية والجيوبوليتيكا الايرانيتين, وكأحد أبناء الجيل السياسي الإيراني الناشىء, لا زلت أشك بتفوق الثقافة السياسية الإيرانية مقارنة بدول كتركيا أو مصر في منطقة الشرق الأوسط وفيما يرى المؤلف أن الأحداث السياسية الأكثر ضخامة في تاريخ إيران المعاصر, وهي الثورة الدستورية وطموح الشاه محمد رضا في أن يتحول إلى القوة الخامسة في سياسة العالم, والصحوة السياسية الاسلامية, والخصخصة الاقتصادية وتطور المجتمع المدني والسياسي, هي تجليات للمثالية في النظام السياسي الإيراني, إلا أن ثمة شك في وجود مظاهر ثقافة سياسية إيرانية.(1/69)
في الواقع, من الصعوبة بمكان معرفة الدليل الذي ارتكز عليه في طرحه, وماهية التجليات الحقيقية لذلك التفوق لسوء الحظ, إن الدليل السياسي لا يؤكد هذا التفوق على الإطلاق, وكما يقول المؤلف نفسه في عمل آخر فإن الأسس القبلية لهذه الثقافة السياسية هي المصدر الأساس لفقدان الإجماع بين النخب, وحتى في الأمة وهكذا, فإن تفوق الثقافة السياسية الايرانية في " عرضية السياسة الخارجية" تشبه النموذج الفيبري (Weberian) المثالي.(1/70)
ورغم أن المبادىء الثابتة يفترض بها أن تكون قوى محركة للسياسة الخارجية الإيرانية, فإن هذا لايكفي لتفسير المبادىء الموجودة في الكتاب, فالمؤلف يحقق في طموحات مختلفة – وحتى متناقضة – للسياسة الخارجية لجمهورية إيران الاسلامية, بيد أنه من المفترض أن تلك الطموحات مقتصرة على النظام السياسي في مرحلة ما بعد الثورة, وليس لها سابقة تاريخية, ويمكن الزعم أن بعض الطموحات هي نتاج الجمهورية الاسلامية, إلا أن بعضها الآخر كالعداء لإسرائيل والتمسك بالإستقلال والحرية, ليس كذلك, ويتوقع القارىء المتخصص أن يقرأ شيئاً حول دور الأمن أو الجماعات الإثنية في السياسة الخارجية, ولكن بسبب التركيز على المتغيرات غير الراسخة, تم تجاهل هذين العاملين التاريخين, أخيرا, فإن الإطار النظري للمؤلف موجّه اقتصاديا بشكل غائي, وهو يلمّح إلى أن النظرة العالمية للغرب على أنه مركز النفوذ في العالم تتشكل بفعل عوامل اقتصادية وليس عوامل ايديولوجية أو أخلاقية, وعلى هذا الأساس على الثقافة ان تعبد الطريق لانبثاق هذا النوع من النظرة العالمية, ففي المجتمع الدولي, تشكل الثقافة أداة وليس غاية, والهدف الأسمى لمعظم الدول في عالم اليوم هو تحسين نوعية المعيشة, وعليه, فإن السياسة الخارجية ينبغي أن تُرتب للسعي لهذا الهدف, وأعتقد أن هذا لا ينسجم مع مقارنة المؤلف السيكو-ثقافية التي تسلم بهيمنة العوامل الثقافية في المستقبل المنظور, والعلاقة الوثيقة بين النفط والاسلام تعزز هذا الاتجاه.
إذا ما تم اعتماد مقاربة المؤلف الثقافية, فعليه أن يقدر تركيز الرئيس محمد خاتمي على المسائل الثقافية الداخلية, بيد أن سريع القلم يعتقد أنه " في ما يختص بالجوهر فإن السياسة الخارجية الإيرانية لم تتغير كثيراً " منذ انتخابات العام 1997 ".
مستويات التحليل(1/71)
القسم الثاني من المراجعة يتضمن مستويات التحليل والميثودولوجيا, ومع أن المؤلف لا يذكر مستويات التحليل صراحة, إلا أنه يمكن استنتاج وجود أربعة مستويات تحليل في " عرضية السياسة الخارجية " هذه المستويات هي الدولي والإقليمي والقومي والدون قومي أو الفردي ومقاربته الخاصة تقوده إلى أخذ المستوى القومي في الاعتبار, وهذا يؤثر على كل من طبيعة النظام السياسي الإيراني والآراء الثابتة لصانعي القرار فيه, لأن الثقافة الإيرانية جزء من الثقافة الشرق أوسطية, وربما يمكن القول إن الثقافة الشرق أوسطية القديمة هي البنية الثقافية الأكثر تميزاً في العالم لدى مقارنتها بالنماذج الغربية الأساسية.
في الكتاب رأي لافت, وهو أنه يعتبر الثقافة الشرق أوسطية عاملاً مهماً في التعامل مع السياسة الخارجية الإيرانية, لقد أهمل العديد من العلماء خصوصيات هذه المنطقة إلى حد بعيد, على الرغم من أهمية كونها المصدر الأول للنفط والغاز في العالم.
النقطة الثانية مكرسة للدور الذي يقوم به الفرد في السياسة الخارجية الإيرانية, فرغم أن بعض النقاد يلاحظون أن هذا الجانب متأثر بنموذج روزينو (Rosenau) يبدو للمراجعة أنها نتاج للحوارات المذكورة آنفاً والتي أجراها المؤلف, وليس نتاج المنظور النظري, وعلى هذا النحو, القادة -وخصوصاً الكاريزميون منهم –مهمون للغاية في الشرق الأوسط وعلى الرغم من هذا, ليس واضحاً كثيراً أي موقع يشغل الأفراد في " السياسة الخارجية العرضية " هل هم صانعو نظام المعتقد أو الثقافة السياسية".
إيران والغرب(1/72)
لدى الإجابة على هذا السؤال: لماذا على إيران ضبط مشاكلها مع الغرب, يذكر المؤلف علاقة النفوذ – الهوية في النظام الدولي, والذي يعني ضمناً هيمنة الهوية الغربية, وبحسب المؤلف, ثمة ميل طبيعي للغرب لدى الإيرانيين, هم من يمكن أن يقبل ويُعجب بالغرب العلمي الصناعي, بيد أن هناك ميلاً قوياً لمقاومة اختراق الثقافة الغربية, وبالتالي اخلاقياتها وقيمها, هذا الميل المتناقض متجذر في الثقافة السياسية والهوية القومية الإيرانيتين, وهنا يمزج المؤلف المستويين الإقليمي والقومي.
إن مقاومة الثقافة الغربية هي – إلى حد ما – مجازفة سياسية شرق أوسطية وهي أقوى في أوساط العرب مما هي لدى الإيرانيين والأتراك, برأيي الغرب كل واحد وفصل جوانبه المختلفة بهدف ضبط المشاكل ممكن نظرياً فحسب, فالسوق الحرة والديموقراطية وحقوق الإنسان متلازمة بشكل متزايد, وكل هذه مظاهر مختلفة للهوية والتنوير –في الواقع- الغربيين, واليوم علينا أن نؤكد بقوة أكبر تخطي الحدود القومية – وحتى عولمة – هذه الهوية وأثرها في الهوية القومية لدول الشرق الأوسط (قد يجادل البعض أنه في السرد المستقبلي للهويات القومية سواء كان ذلك من قبل الدولة النخب في هذه المنطقة كدور تقسيم العمل والثقافة القوية الغربية – وخصوصاً الأمريكية).
وظيفة الثقافة كمصدر للمصالحة والتضامن ستتغير في الأعوام القادمة, وهذا قد يكون مؤشراً على ثقافة سياسية متحولة قد تؤدي دور مبدأ راسخ, إني أوافق المؤلف رأيه بأن العلاقة الوثيقة بين النفط والاسلام هي السبب الرئيسي لعزل الشرق الأوسط بالمقارنة مع المناطق الأخرى,بيد أني أجد أنه من الصعب اعتبار القوى الأجنبية, وخصوصاً الوجود الأمريكي في المنطقة, بداية واعدة تبعها فشل, هذا يعني أن النفوذ المتعاظم للغرب في القرن الحادي والعشرين سيؤثر على المستوى الإقليمي بطريقة مختلفة.(1/73)
صحيح أن سياسة الشرق الأوسط, وبالتالي ثقافته السياسية ستتغير, إلا أن هذا لا يعني أن المقاربة المتكاملة والمثيرة التي قدمها المؤلف لا علاقة بها بالحاضر. عوضاً عن دمج المقاربة الثقافية –التاريخية البريطانية بتلك الأمريكية العلمية, انتجت هذه إطاراً شاملاً يقول العلماء البريطانيون إن السلوك المتعلق بالسياسة الخارجية يتشكل ثقافياً, أن على المرء أن يكون عالماً بتاريخ وتقاليد ثقافة معينة كي يتمكن من فهم سلوكها في السياسة الخارجية. مقاربة السياسة الخارجية المقارنة في الولايات المتحدة تسعى لتوليد نظرية حول صنع السياسة الخارجية يمكن أن تستخدم عندئذ لفهم –وحتى توقع- السلوك المتعلق بالسياسة الخارجية لدول مختلفة.(1/74)
ومع أن العديد من الافتراضات والافتراضات المسبقة للمؤلف مثيرة للجدل ومفتوحة أمام التحدي إلا أنه من الصعب للغاية رفضها كلياً والعلماء الذين ينتقدون آراء المؤلف المتشائمة حول السياسة الخارجية بعد الانتخابات الرئاسية عام 1997 يقبلون أن فقدان الإجماع في أوساط النخب, ودور الأفراد وتفوق الأيديولوجية والمثالية, ولا فاعلية الآلة الديبلوماسية, وإهمال العوامل الإقتصادية والاتكال الاستثنائي على الثقافة وخصوصاً الثقافة الشيعية, لم تتم إزالتها, وهي قد ضعفت, ويبدو أن علينا ان نعترف أن العديد من الافتراضات المسبقة للمؤلف ليست نظرية فحسب, بل تجريبية وإلى حد ما يمكن ملاحظتها. وعلى الرغم من أنه كي يتم تأكيد هذه الافتراضات بشكل كامل من الضروري أن نتكهن, ولكن إذا ما أخذنا في الحسبان تطورات العقد الماضي من السياسة الخارجية, فقد نؤكد انتصار الماهيويين (أنصار الماهية) الذين يعتقدون أن التغيير الراديكالي في السياسة الخارجية للجمهورية الاسلامية أمر مستحيل قد يكون الافتراض الأكثر أهمية هو التمييز بين الداخلي (السياسي) والخارجي (الدولي) وقد يجادل البعض بأن العولمة قد جعلت الحدود بينهما مبهمة, ويجادل البعض أيضاً بأن هذه هي نتيجة التحول في نموذج الدولة –الأمة الوستفالية. وإذا لم نقبل بهذا الافتراض, بمقدورنا أن نشك في دور القوى العظمى في السيطرة على المخيلة في الشرق الأوسط, وأيضاً في انعزال هذه المنطقة, ويبدو للمراجع أنه من الأفضل استخدام مفهوم المقاومة, وخصوصاً المقاومة الثقافية, التي ليست بالضرورة ضد عولمة اقتصاد السوق الحرة النيوليبرالي. هذه المقاومة متعمدة إلى حد معين, فيما قد يكون الانعزال غير مقصود. من الصعب أن نتجاهل تدخلية القوى الكبرى في المنطقة منذ الحرب العالمية الثانية وخصوصاً بعد الغزو العراقي للكويت, فكيف يمكن أن نقلل من شأن البعد الثقافي لهذه القطبية الأحادية بعد الحرب الباردة.
التوصيات(1/75)
أخيراً, تبدو توصيات المؤلف حول السياسة طموحة, مع الأخذ في الاعتبار الاتجاهات العامة للنظام السياسي الإيراني الحالي. التوصيات الرئيسة للكتاب هي: التعامل مع الاتجاهات المتضاربة في دستور الجمهورية الاسلامية, إيجاد تسوية حول الهوية القومية الإيرانية, ضبط المشاكل ازاء الغرب, وخصوصاً الولايات المتحدة وإسرائيل, جعل النظرة العالمية الدينية معتدلة, وإدراك دور الاقتصاد في المجتمع الدولي الحالي من قبل نخب الدولة, ومن الصعب إثبات امكانية, بل وحتى إحتمالية, هذه التوصيات في الأعوام القادمة, كما أن غموض جعل المسائل نظامية واضح إلى حد ما, ما هي خاصيته الرئيسة؟من هم داعموه؟ أي من جوانبه فاعلة؟ والأهم: هل يمكن لدولة قوتها وسطى كإيران ضبط مشاكلها مع مصدر القوة المتعاظمة في النظام الدولي الفوضوي, برأيي, ما هو موجود في لب هذا الكتاب هو دعوة لإعادة التركيز على السياسة الخارجية كميدان متخصص.
السياسات الخارجية في دول العالم الثالث وإيران غير حصينة, والسبب في ذلك يعود إلى حد ما لإهمال هذه النقطة المنهجية, معظم صانعي السياسة الخارجية ليس لديهم إطلاع كاف على تعقيد هذا الميدان, وهذا قد يكون ناجماً عن إضعاف الطبقة الوسطى في إيران ما بعد الثورة, وبسبب الصلة الوثيقة بين السياستين الخارجية والداخلية في إيران, يتسم هذا الأمر بأهمية بالغة وينبغي أن ينظر إليه كأحد أصول الديبلوماسية سريعة الاستجابة في الأعوام الأخيرة, وليس من المبالغة الزعم أن هذا الكتاب هو أول عمل أكاديمي وموجّه تطبيقياً حول السياسة الخارجية للجمهورية الاسلامية باللغة الفارسية وبقلم باحث معروف.
أهل السنة في إيران
تحديات الواقع وآفاق المستقبل
عصام عبد الشافي
باحث في شؤون الأقليات الإسلامية(1/76)
بالرغم من أن أهل السنة في إيران عانوا ويعانون الظلم والاضطهاد والتهميش على يد الحاكمين الشيعة, إلا أننا قلّما نجد من ينبري لبيان هذه القضية, ويسلط عليها الأضواء بالرغم من استفحالها.
الباحث المصري عصام عبد الشافي يوضح لنا هذه المعاناة التي يتعرض لها المسلمون السنة في إيران, والوعود التي يمنحها لهم الحكام, ولا تترجم إلى واقع............... المحرّر.
تحتل إيران موقعاً مهما في الخريطة السياسية والاستراتيجية إقليمياً وعالمياً فهذا البلد المتسع المترامي الأطراف والغني بموارده كان مركزاً لحضارة وامبراطورية عظيمة, ولم تتوقف دورة الحضارة في ايران عبر عصور التاريخ المختلفة, وإنما ظلت إيران مركز تأثير في العالم والأقاليم المحيطة بها مثل شبه القارة الهندية وآسيا الوسطى والخليج العربي والوطن العربي وتركيا, وقد كان لموقعها الجغرافي دور محوري في بقاء إيران على صلة بالأحداث والتفاعلات في العالم.
فإيران تقع في قلب القارة الآسيوية, يحدها من الشمال دول الاتحاد السوفييتي (سابقاً) ومن الشرق أفغانستان وباكستان ومن الغرب العراق وتركيا ومن الجنوب خليج عُمان والخليج العربي, وتبلغ مساحتها 1.648 مليون كم مربع منها 1.636 مليون كم مربع يابسة و 12000 كم مربع مياه, ويبلغ طول حدودها البرية
* من مجلة مختارات ايرانية التى تصدر عن مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية. العدد 31 فبراير (شباط) - 2003
5440 كم, كما يبلغ طول شريطها الساحلي 2440كم على طول الخليج العربي وخليج عُمان وقرابة 740 كم على بحر الخزر(قزوين).(1/77)
وقلب إيران الجغرافي هو الهضبة الإيرانية التي ترتفع عن سطح البحر ارتفاعات تتراوح ما بين 1000 و 1500 متر يحيط بها مجموعة جبال شاهقة أهمها مجموعة زاجروس التي تتمدد مكونة مجموعة من الوديان والسهول, وداخل هذه الهضبة وجد العنصر الفارسي الذي ظل طوال التاريخ يمثل المجموع الأساسي من سكان فارس ومنه عرف الاسم القديم لإيران وذلك على الرغم من وجود جماعات سكانية متميزة عبر التاريخ في الهضبة كالأذربيجانيين والأتراك والأكراد والعرب وأقلية صغيرة من الهنود.
وقد بلغ عدد سكان إيران 70.3 مليون نسمة في يونيو 2000, ويتوزع السكان بين عدة جماعات عرقية وأهمها (وفقاً لبيان رسمي صادر عن وكالة الأنباء الإيرانية): الفارسي 51% والأذري 24% والجيلاكي والمازاندراعي 8% والعربي 3% والكردي 7% واللور 2%, والبلوش 2%, والترك 2%, وعناصر أخرى 1%, كما تتنوع الأديان والمذاهب وتتوزع بين: الشيعة 80% والسنة 10% والطوائف اليهودية والنصرانية والبهائية والزرادشتية 10%.
والمسلمون السنة في إيران حسب الإحصاءات شبه الرسمية تتراوح أعدادهم بين 10 و 15 مليون مسلم يشكلون نسبة تتراوح بين 15 و 20 % من الشعب الإيراني, وهم مقسّمون إلى 3 عرقيات رئيسية هي الأكراد والبلوش والتركمان, ويسكنون بالقرب من خطوط الحدود التي تفصل إيران عن الدول المجاورة ذات الأغلبية السنية مثل باكستان وأفغانستان, والعراق وتركمانستان, أما المسلمون السنة من العرق الفارسي فوجودهم نادر.
إيران السّنّيّة(1/78)
لقد كانت إيران دولة سنية حتى القرن العاشر الهجري, وفي الفترة التي كانت فيها على عقيدة أهل السنة والجماعة قدّمت إيران, بسبب ظروفها الإجتماعية والتاريخية والثقافية وقربها لمهبط الوحي, المئات من الفقهاء والمحدّثين والمؤرخين والمفسّرين والعلماء في كل فن وعلم, ويكفي تدليلاً على ذلك أن أصحاب الكتب الستة كلهم إيرانيون إلى أن تشيّعت فأصبحت بؤرة اصطدام ومركزاً للصراع ضد أهل السنة, لأن الدولة الشيعية الصفوية, كانت تتعاون مع قوى الاستعمار لوقف المد السني الاسلامي, كما بُنيت تلك الدولة على آلاف الضحايا من العلماء السنة وفقهائهم وقضاتهم في إيران, وكان ذلك سبباً في إخلاء المدن الكبرى التي كانت مراكز للعلم والفقه والسنة في العالم, كتبريز وأصفهان والريّ وطوس (التي بنيت بقربها مدينة مشهد) وغيرها الكثير, وكان ذلك سبباً لإخلائها من أهل السنة الذين إما قتلوا أو استشهدوا أو تشيّعوا جبراً أو انسحبوا إلى المناطق الجبلية التي يصعب الوصول إليها, فأصبحوا يقطنون المناطق الحدودية الجبلية كبلوشستان وكردستان والمناطق الحدودية الأخرى (فيسكن الأكراد في غرب إيران على الحدود العراقية والتركية, ويسكن التركمان في شمالي إيران على الحدود التركمانية, كما أن العرب يسكنون في حاشية الخليج العربي, أما عرب خوزستان وهم معظم العرب الإيرانيين فهم من الشيعة بسبب مجاورتهم لعرب جنوب العراق الذين هم من الشيعة, ويسكن البلوش في الجنوب الشرقي لإيران على الحدود الباكستانية والأفغانية), ليصبحوا بعد ذلك على هامش الحياة السياسية الإيرانية بسبب استمرار العداء الطائفي والقومي لهم.(1/79)
ونظراً لأن أهل السنة في إيران من شعوب غير فارسية فقد عاشوا في ظل النظام الملكي السابق أوضاعاً سيئة, فكانوا مواطنين من الدرجة الثانية, أولاً بسبب بعدهم عن المدن الكبرى والعاصمة, ثم بسبب اعتقادهم المخالف للفرس الشيعة, لأن الشاه كان يرفع لواء المجوس والقومية الفارسية, وبما أن الأكراد والبلوش والعرب وغيرهم من السنة لم يكن لهم إسهام في القومية الفارسية الوثنية, فلم يكونوا ينالون حظهم من القسط الاجتماعي والإداري والوظيفي والمساواة مع الفرس.
ولمواجهة الأوضاع قام الشيخ أحمد مفتي زاده (الزعيم الروحي لأهل السنة في إيران), هو ومولاي عبد العزيز البلوشي بتأسيس مجلس لشورى أهل السنة سمّي اختصاراً بالشمس تخفيفاً " لمجلس الشوري المركزي للسنة ", وكانت الدولة ضعيفة آنذاك وكانت مشغولة بحربها مع أعدائها الألدّاء من المنشقين والمعارضين واجتمع أول مجلس سنوي لشورى السنة في طهران, وعقد الثاني في بلوشستان.
والأقلية السنية في إيران اليوم, ليست أقلية دينية تعيش في مجتمع مغاير لها في عقيدتها, ولكنها أقلية مذهبية تعتنق مذهباً إسلامياً مخالفاً للمذهب الفقهي الذي تتبناه الدولة, وبالرغم من كونهم يمثلون أكبر أقلية مذهبية في البلاد, إلا أن مستوى تمثيلهم في البرلمان والتشكيل الوزاري لا يتناسب مع نسبتهم العددية.
أسباب الأزمة:(1/80)
المشاكل والقيود التي يتعرض لها أهل السنة في إيران شديدة التداخل, ومرجعها ليس المذهبية وحدها وإن كانت أكبر العوامل, فجزء منها يعود لأسباب عرقية في دولة متعددة العرقيات مثل إيران, فجميع المسلمين السنة في إيران ليسوا من أصول فارسية فهم إما أكراد أو بلوش أو ترك, أو لأسباب جغرافية فمعظم أهل السنة يقيمون على أطراف الدول التي تصل بينها وبين دول سنية هي على خلاف مع إيران مثل العراق أو أفغانستان أو باكستان, وزاد من مشكلتهم البعد السياسي الذي تمثل في عدم انخراطهم في الثورة الإيرانية منذ بدايتها, واكتفائهم بدور المراقب في الوقت الذي شاركت فيه كل فئات الشعب في الثورة.
وكانت هذه الأسباب وغيرها مبرراً لإثارة الشك تجاههم فهم في نظر النظام الإيراني ليسوا مجرد فصيل يختلف مذهبياً معه, ولكنهم عرق مشكوك في انتمائه إلى جسد الدولة الإيرانية, وكثيراً ما يتهمون بالقيام بعمليات التهريب أو الاتصال بالجهات المعادية, وهي مبررات كافية للنظام الإيراني للتنكيل بهم, وإن كان النظام أنكر مراراً أنه يقوم باضطهادهم أو تعذيبهم إلا أنه اضطر أخيراً وتحت ضغط الصحافة إلى الاعتراف بأن عدداً من رجال النظام قاموا بأعمال عنف ضد المسلمين السنة وغيرهم من المعارضين, ولكن السلطات قالت أن ذلك لم يصدر بأوامر من القيادة أو من الولي الفقيه.
أهل السنة – تحديات الواقع:
وأمام هذا الاعتراف, تكشفت العديد من الحقائق, وتعددت التقارير حول العديد من مظاهر التحديات التي يعاني منها أهل السنة في إيران, ومن بين هذه المظاهر:
1-تقييد حرية بناء المساجد الخاصة بهم: حيث لا يوجد مسجد سني في المدن الكبرى التي يمثل الشيعة فيها الأغلبية, مثل أصفهان وشيراز ويزد, وكذلك في العاصمة طهران التي يوجد فيها نصف مليون سني, حيث تصطدم الأقلية السنية برد الحكومة بأن المساجد الشيعية مفتوحة أمامهم ويمكنهم الصلاة فيها, ولا داع لبناء مساجد خاصة بهم .(1/81)
وكان الإمام الخميني قد وعد وهو في باريس بتساوي حقوق السنة مع الشيعة الذين كانوا بحاجة ماسة إلى تأييد أهل السنة ضد الأحزاب اليسارية وأنصار الشاه فاضطروا إلى ممالأة السنة, وحاول بعض علماء السنة من جميع المناطق السنية الوقوف مع النظام الجديد ضد الشيوعيين والحصول على حقوقهم السياسية قدر المستطاع عبر القنوات الحكومية التي كانت تعدهم بكل شيء, ولكن ما لبثت الأوضاع أن اضطربت في كردستان وتركمان, -قيل أنها- بمؤامرة من النظام نفسه حيث أخرج اليساريون من المدن المركزية إلى هذه المدن الحدودية.
وكان الشيخ عبد العزيز البلوشي النائب المنتخب في مجلس الخبراء الذي عهد إليه صياغة الدستور الإيراني بعد الثورة, والشيخ مفتي زاده قد طلبا من الخميني أرضاً لمسجد أهل السنة في طهران فوافق تحت الضغط الداخلي والخارجي (قامت به رابطة العالم الاسلامي) وعرضت الحكومة عدة أراض مما كانت قد استولت عليها من أنصار الشاه وصادروها, فرفضها أهل السنة فتم تخصيص عشرة آلاف متر مربع من الأراضي الحكومية بجوار فندق الاستقلال للمسجد, وعندما أراد أهل السنة البناء قامت السلطات الحكومية بمصادرة الأراضي وحسابات المسجد بحجة أن مفتي زاده وهابي المذهب وكان في وقته مؤتمر الطائف منعقداً فربطوا مفتي زاده به.(1/82)
2-هدم المساجد والمدارس: مثل مدرسة ومسجد الشيخ قادر بخش البلوشي ومسجد كيلان في هشت بر وآخر في كتارك جابهار بلوشستان, ومسجد في مشهد ومسجد الشيخ فيض في شارع خسروي في محافظة خراسان الذي صار حديقة, ومسجد أهل السنة في مدينة يزد, وفي الأهواز وعبادان حيث استولى عليهما حرس الثورة كما أن مسجد آبان في مشهد صودرت الأرض المخصصة له وتم الاستيلاء عليه بعد السماح ببنائه, كما أن مسجد شيخ فيض الكبير في مشهد والذي مضى عليه أكثر من قرنين هدم عام 1994 ومسجد طوالش ومدرستها الدينية لأهل السنة سجن بانيهما ومديرهما, ثم استولوا عليهما, وأما مسجد نغور والمدرسة الدينية فيها فقد تم هدمهما أيضاً في بلوشستان عام 1987, ومسجد قباء والمسجد الجامع الكبير في تربت جام, الذي استولى عليه الحرس الثوري لسنوات عديدة ومسجد الحسنين في شيراز أعدم خطيبه وحولوه إلى محل لبيع الأفلام لسنوات عديدة, هذا فضلاً عن هدم كثير من المساجد الصغيرة الأخرى حيث تعتبر الحكومة الإيرانية تلك المساجد إما مساجد ضرار (بنيت لغير أهداف العبادة الخالصة) أو بنيت بغير إذن من الحكومة أو أن أئمة تلك المساجد لهم ولاءات مع جهات معادية.
3-الاعتقالات والاغتيالات, فحسب العديد من الروايات والتقارير فقد تعرض المسلمون السنة للعديد من مظاهر الاضطهاد منذ الأيام الأولى للثورة الاسلامية في إيران حيث انقلب آية الله الخميني على من عاونه من علماء السنة في الثورة وهو الشيخ أحمد مفتي زاده, فكان مصيره الاعتقال الذي استمر طيلة عقدين من الزمان, كما تعرض كثير من علماء السنة للاعتقال والتعذيب والقتل والاغتيالات في الشوراع, كما عانوا من التضييق في ممارسة الشعائر وفي المدارس وإقامة الصلوات, وما يتعرض له علماء الدين السنة يتعرض لمثله الطلاب والشباب من المسلمين السنة في المدارس والجامعات بل وأثناء أدائهم للخدمة مثل أقرانهم من الشيعة في الجيش الإيراني .(1/83)
وقد نشرت منظمة العفو الدولية في تقريرها السنوي لعام 1993:(أدى التوتر بين الحكومة والمسلمين السنة من قبيلة نروى في مقاطعة سيستان بإقليم بلوشستان جنوب شرقي إيران إلى نشوب عدد من المصادمات المسلحة واعتقال عشرات من أفراد قبيلة نروى وقد أسيئت معاملة بعض هؤلاء المعتقلين وحكم على آخرين بالسجن أو الإعدام بعد محاكمات مباشرة وتردد أن كثيرين من المقبوض عليهم كانوا لا يزالون معتقلين دون تهمة أو محاكمة بسجن زاهدان في نهاية عام 1992).
4-تلغيم أراضي أهل السنة: حيث قامت الحكومة الايرانية بتلغيم مساحات كبيرة من الأراضي البلوشية المتاخمة لأفغانستان, وتحديداً عند مرتفعات سلسلة جبال بير سوران, ودره غلاب, وغابة غزو, وآبار آب شورك, بحجة أنها مناطق لتهريب المخدرات واتخذت الحكومة من ذلك فرصة لتشويه سمعة المسلمين السنة وفرض المزيد من القيود والتضييق الاقتصادي عليهم فقد كانت هذه الأراضي مناطق رعي للمسلمين من البدو السنة, وأدى هذا التصرف إلى تعرض عشرات منهم ومن مواشيهم للموت بشكل منتظم نتيجة انفجار الألغام.
5-التحدي السياسي: ويأخذ هذا التحدي العديد من الأبعاد من بينها:
(أ )…البعد التمثيلي: يتمثل في عدم منح أهل السنة تمثيلاً في البرلمان يتناسب مع حجمهم الحقيقي إذ لا يمثلهم في البرلمان سوى 12 نائباً فقط يمثلون ما بين 10إلى 15 مليون نسمة, في حين يمثل الشيعة في البرلمان نائب عن كل 200 ألف تقريباً, كما يتهم السنة في إيران الحكومة بإنجاح العناصر السنية الموالية لها وليست المعبرة عن مطالبهم.
(ب )…التناقض بين النصوص الدستورية والواقع المعاش فعلياً والممارسات التي تقوم بها السلطات الحكومية ضد أهل السنة: فقد نص الدستور على العديد من الحقوق والحريات لمختلف الأقليات ومن ذلك:(1/84)
-الاحترام وحرية أداء المراسم والشعائر الخاصة, حيث نصت المادة (12) على أن " الدين الرسمي لإيران هو الاسلام والمذهب الجعفري هو الإثنى عشري, وهذه المادة تبقى إلى الأبد غير قابلة للتغيير, وأما المذاهب الاسلامية الأخرى والتي تضم الحنفي والشافعي والمالكي والحنبلي والزيدي فإنها تتمتع باحترام كامل, وأتباع هذه المذاهب أحرار في أداء مراسمهم المذهبية حسب فقههم ولهذه المذاهب الاعتبار الرسمي من مسائل التعليم والتربية الدينية والأحوال الشخصية, وما يتعلق بها من دعاوى في المحاكم, وفي كل منطقة يتمتع أتباع أحد هذه المذاهب بالأكثرية, فإن الأحكام المحلية لتلك المنطقة في حدود صلاحيات مجالس الشورى المحلية تكون وفق ذلك المذهب. هذا مع الحفاظ على حقوق أتباع المذاهب الأخرى ".
-حرية استخدام اللغات الخاصة: حيث نصت المادة (15) على أن "اللغة والكتابة الرسمية والمشتركة: هي الفارسية لشعب إيران والكتب الدراسية بهذه اللغة والكتابة, ولكن يجوز استعمال اللغات المحلية والقومية الأخرى في مجال الصحافة ووسائل الاعلام العامة, وتدريس آدابها في المدراس إلى جانب اللغة الفارسية " كما نصت المادة (16) على أن " بما أن لغة القرآن والعلوم والمعارف الاسلامية هي العربية وأن الأدب الفارسي ممتزج معها بشكل كامل لذا يجب تدريس هذه اللغة بعد المرحلة الابتدائية حتى نهاية المرحلة الثانوية في جميع الصفوف والاختصاصات الدراسية".
-حرية تشكيل التنظيمات والهيئات المختلفة: حيث نصت المادة (26) على أن " الأحزاب والجمعيات والهيئات السياسية والاتحادات المهنية والهيئات الاسلامية والأقليات الدينية المعترف بها, تتمتع بالحرية بشرط ألا تناقض أسس الاستقلال والحرية والوحدة الوطنية والقيم الاسلامية وأساس الجمهورية الاسلامية, كما أنه لا يمنع أي شخص من الاشتراك فيها, أو إجباره على الاشتراك في إحداها".(1/85)
ولكن من القراءة الدقيقة لهذه النصوص نجد أنها تقيم حالة من الصدام والصراع مع قسم كبير من الشعب (يمثله أهل السنة) وخاصة أنها سوف توجه التصرفات الحكومية وتعطيها غطاء من المحاسبة, نظراً لأن المذهب الجعفري يسقط كل المذاهب الاسلامية الأخرى ولا يقيم لها وزنا, وتركيز هذه الصبغة الطائفية في الدستور الإيراني تتكرر في مواد أخرى متعلقة مثلا بمجلس الشورى أو الجيش وقسم الرئيس, وهذا القلق في الدستور تجاه الهوية الطائفية من خلال تكرار النص على مذهب الشيعة هو في الحقيقة خوف من المستقبل الذي لا يكون فيه الملالي في الحكم!
6-التحدي الديني: فنظراً لأن أهل السنة يعتبرون أنفسهم مخالفين في بعض المسائل الفقهية للشيعة الايرانيين الذين يغلب عليهم المذهب الإثنى عشري, فإن كل طرف يحاول الدعوة إلى إفكاره التي يؤمن بها وسط الطرف الآخر, وهنا تقول الأقلية السنية إنها تتعرض لفرض الأفكار الشيعية بالقوة في حين تمنعها الحكومة من تعليم مذهبها.
فالإيرانيون من السنة والشيعة يحملون فوق كاهلهم ميراثاً من الخلافات والعداء التاريخي والمذهبي, ويزيد من حالة المذهبية أن النظام الايراني لم يفعل إلا ما يؤدي إلى تدعيمها رغم ظهوره في السنوات الأخيرة بمظهر المتسامح,فأحد المزارات الرئيسية في إيران قبر أبي لؤلؤة المجوسي, ورغم أنه من عبدة النار إلا أنهم يحتفون به لمجرد أنه قاتل عمر, كما أن من عقائدهم سب الصحابة وتجريح كبرائهم, وغير ذلك من الأمور التي لا يمكن أن يقبلها المسلمون السنة.(1/86)
وفي إطار التحدي الديني أيضاً, تأتي اتجاهات التقريب بين السنة والشيعة التي يدعو إليها عدد من علماء المذهبين, وتتبناها العديد من المؤسسات والجهات الرسمية والعلمية في عدد من الدول العربية والاسلامية, وعن هذه الدعوة يقول رئيس رابطة أهل السنة في إيران: " إن الإتجاه نحو التقريب بين المذهبين هو اتجاه خطير ومدمر بصورة تدفع إلى التفكير في أن وراءه مخطط تآمري ضخم على العالم الاسلامي, ويترتب على السير في هذا الطريق عدد من النتائج الخطيرة على الاسلام والمسلمين وخاصة أهل السنة منهم ".
7-الإهمال والتجاهل: فمناطق أهل السنة هي الأقل استفادة من الخدمات التي تقدمها الدولة, ومساجدهم القليلة تتعرض لرقابة صارمة, وملاحقة مستمرة ولا يسمح لهم بإقامة مدارس, وفي الوقت الذي يوجد فيه معبد للزرادشتية في قلب طهران, فإن المسلمين السنة ممنوعون من إقامة مسجد يؤدون فيه شعائرهم رغم أنه مطلب يلحون عليه منذ سنوات.
أهل السنة, آفاق المستقبل:
حقيقة التقارب
إذا كان هذا عن التحديات التي يعاني منها أهل السنة في إيران, فإن السنوات الخمس الأخيرة وخاصة مع بدايات حكم خاتمي, شهدت نوعاً من التحسن في أوضاعهم, فالمسلمون السنة الآن ممثلون في البرلمان ب 14 نائباً, كما شكل الرئيس خاتمي لجنة لمتابعة شئونهم مشكلة من رئيس شيعي (ابن شقيقة الرئيس خاتمي, والذي كان مديراً للمخابرات قبل ذلك في أحد الأقاليم ذات الأغلبية المسلمة) واثنين من المسلمين السنيين, وهؤلاء النواب يطالبون باستمرار بتحسين أحوال المسلمين السنة ويسعى خاتمي لذلك في حدود قدراته كرئيس للجمهورية, وهذه المؤشرات وغيرها تنبئ بمستقبل أفضل لأهل السنة في إيران, إلا أن تحقيق ذلك يبقى رهناً بعدد من الاعتبارات:(1/87)
-أنه إذا كان هناك حوار واسع بين العديد من الباحثين والمفكرين للتقارب بين السنة والشيعة, فإنه ما لم يكن الحوار حول أصول النزاع بين السنة والشيعة والوصول إلى اتفاق واضح فيما يحق الحق ويبطل الباطل ستكون العملية عملية خداع يراد بها جر السنة إلى مواقف الشيعة!! وإلا لماذا لا نرى تطبيقاً عملياً للتقارب بين السنة والشيعة في إيران؟ ولماذا لا يسمح بمساجد للسنة في العاصمة طهران؟ ولماذا لا يسمح لأهل السنة أن يمارسوا نشاطهم الديني بحرية حتى لو خالف الشيعة؟ ولماذا لا يحصل السنة على حقوق سياسية مساوية للأسف لحقوق اليهود في إيران؟.
-لقد بيّن واقع التجربة السياسية في إيران الأدوار المزدوجة التي يمكن أن يلعبها الدين الواحد, بل والمذهب الواحد, فبينما يستند المحافظون إلى قراءة مغلقة لأساسيات المذهب الشيعي, مستظلين بقدسية الولي الفقيه, فإن الاصلاحيين الإسلاميين يستندون إلى ذات العقيدة الإسلامية, وذات المرجعية الشيعية الجعفرية مؤكدين على علوية القانون والمساواة بين المواطنين وعلى دور إرادة الشعب في إفراز المؤسسات والأشخاص.
ولعله من المطلوب اليوم من الاسلاميين الايرانيين (محافظين واصلاحيين) أن يتأملوا التجارب التي سبقتهم, سواء داخل إيران نفسها أو في محيطهم الاسلامي والدولي, فليس بمقدور المحافظين إيقاف عجلة التاريخ أو احتكار السلطة تحت عباءة الشعارات ومبادئ الثورة, أو الاكتفاء باستخدام غطاء الولي الفقيه, كما أن الاصلاحيين يخطئون خطأًًً جسيما ًً إذا فهموا أن عملية الاصلاح ستؤثر على مرتكزات النظام الاجتماعي والسياسي.(1/88)
-إذا كان الدستور يختار الطائفية وينص عليها للأبد فهل من أمل في التقارب أو الوحدة؟ وإذا كان جزء من الشعب الإيراني يظلم لأنه سني فكيف سيكون التعامل مع السنة من الدول الأخرى؟ وإذا كان الدستور يعلي من القومية والشعوبية والعرقية من خلال إعلاء اللغة الفارسية علي لغة القرآن؟ وإذا كانت السياسة الخارجية تصب دائماً في العداء لأهل السنة؟ فكيف ستكون هذه الوحدة والأخوة الاسلامية؟!.
إن الوحدة الاسلامية تتطلب التخلي عن الهوية الطائفية للدولة الايرانية وعن المظاهر الفارسية, وإعطاء أهل السنة حقوقهم, وترك السياسات العدائية تجاه العرب والمسلمين, وتبني سياسات متسامحة تجاه نشر المذاهب الاسلامية في إيران, وإقامة مؤسسات للوحدة الاسلامية والتقارب بين المذاهب في إيران يقوم عليها نخبة من أتباع المذاهب الأخرى يرشحهم الأزهر الشريف ومجمع الفقه الاسلامي في مكة, وغيرهما من المؤسسات الاسلامية التي تلقى قبولاً واتفاقاً بين عموم المسلمين.
-إن أوضاع المسلمين السنة مرشحة لمزيد من التحسن خلال السنوات القادمة وخاصة بعد أن أظهروا في الانتخابات الأخيرة بمجلس الشورى الإيراني حضوراً لافتاً في دعمهم للاتجاه الاصلاحي, حيث ظهرت لأول مرة قائمة النواب الاصلاحيين قالوا إنها مدعومة من المسلمين السنة في البلاد, وكان ذلك بالتنسيق مع محمد رضا خاتمي شقيق الرئيس وزعيم الاتجاه الاصلاحي في الانتخابات.(1/89)
-إن تطورات الأحداث والسياسات الخاصة بأهل السنة في إيران تطرح سؤالاً مهماً مفاده: " هل يستطيع مشروع الوفاق الوطني –الذي طرحته " جبهة الثاني من خرداد "(التكتل الذي قاد الرئيس محمد خاتمي إلى السلطة عام 1997) في 7/4/2002 أن يجعل عام 2002 عاماً للوفاق الوطني تناقش فيه جميع القضايا الخلافية بين التيارات السياسية المختلفة للخروج بمشروع ميثاق وطني أو ميثاق شرف بين القوى السياسية والتغلب على حالات الانقسام السياسي والاجتماعي التي يعاني منها المجتمع الايراني؟ وأين الأقليات الدينية والقومية من هذا المشروع؟.
إن نجاح مشروع خاتمي الاصلاحي يبقى مشروطاً بوجود قاعدة إجماع واسعة تميز بين دائرة الثوابت المفترض أن يتفق حولها, ودائرة الاجتهاد المسموح بالاختلاف فيها, وتضم مختلف القوى السياسية والاجتماعية, التي تعترف بثوابت وشرعية النظام الاسلامي حتى تكتمل صورة النظام الديمقراطي الإسلامي.(1/90)
العدد الثاني
غرّة شعبان/ 1424هـ
قيادات أهل السنة وقيادات الفرق والطوائف.
الشيعة الإثنا عشرية.
الصفويون يحالفون الصليبيين.
الخمينية.
قالوا.
الملامح العامة للسياسة الخارجية الإيرانية.
إخلاء النجف وكربلاء من الوجود السني بداية تطهير عرقي.
الأزمة العراقية ومستقبل العلاقات الإيرانية - الأمريكية.
الإيرانيون السنة في الدستور الإيراني.
التقرير الإستراتيجي الإيراني.
الثورة الإيرانية بين التجديد أو الانفجار.
العرب السنة في العراق.
العلاقات البحرينية الإيرانية بين أزمات الماضي وآفاق المستقبل.
ترف لا تحتمله مصالح الأمة.
هل تعيد إيران حساباتها مع إسرائيل.
كلمة النجف.
من هم رجال بشار الأسد؟
فاتحة القول
قيادات أهل السنة وقيادات الفرق والطوائف
مما لا يخفى على أي مراقب أن الفرق والطوائف يتصدر قيادتها غالباً من يعتز بانتمائه الطائفي والعقدي أو على الأقل يتلقى الدعم والتأييد من القيادات الدينية لطائفته وفرقته وهذه بعض الأمثلة: الشيعة في إيران أو العراق, الدروز في لبنان, العلويون في سوريا, الإباضية في عُمان وهكذا.
لكن الغريب أن الأكثرية السنية في عالمنا الإسلامي والعربي لا يتصدر قيادتها من يعتز بانتمائه لها أو من يكون حريصاً على تلقي الدعم والمساندة من العلماء والعاملين لخدمة المذهب السني, بل نجد للأسف أن الوضع عند الأغلبية السنية مقلوب, فالقيادات الدينية التي تحظى بالشرعية الشعبية غالباً هي مبعدة عن الواجهة والصدارة, والذين يتصدرون أمرهم هم من يأخذون شرعيتهم من الزعيم والحاكم السياسي.(2/1)
ولنأخذ لبنان مثالاً لذلك, فالقيادة المسيحية لا تستطيع تجاوز الكنيسة؛ والشيعة سواء أمل أو حزب الله هم من ممثلي الشيعة, لكن السنة يمثلهم الحريري أو الحص أو غيرهما لكن ما مدى حرصهم على المذهب السني أو دعمه؟ وهل هم حقاً يمثلون المذهب السنّي أم لهم اتجاهات أخرى تتوافق أو تتصالح مع المذهب السني وتتقاطع وتتعارض في أحيان كثيرة.
ولذلك لا تراعى في الأكثر الضوابط والمعايير السنية في القرارات والتصرفات بينما تكون العقائد والأفكار الطائفية هي المحرك الفاعل لمعظم القرارات الطوائفية والتي يقوم الزعماء السنة السياسيون بمجاراتها ومجاملتها بحجة المواطنة والوحدة الشعبية.
ومن آخر الأمثلة ما جرى في افتتاح مؤتمر التقريب بين المذاهب الإسلامية في البحرين 20/9/2003م من تصريح حسن الصفار –من زعماء شيعة المنطقة الشرقية في السعودية-: أن الشيعة لا تزال تنتظر من الحكومة السعودية "الخطوات العملية" وهي في رأيه "مجلس شورى منتخب ومساواة فعلية بين المواطنين وتوسيع الحريات. ولكن هل طالب أحد في المقابل بحقوق أهل السنة في بلدان الأغلبية الشيعية مثل إيران أو المسيطر عليها شيعياً مثل العراق أو لبنان؟
هل طالب أحد بحق السنة في إيران في بناء مسجد لهم؟
هل طالب أحد بحق السنة في إيران في افتتاح مدارس لهم؟
هل طالب أحد بحق السنة في أن يكون لهم صحف ومجلات في إيران؟
هل طالب أن تحترم حقوقهم السياسية؟
(انظر مقابلة مسؤول أهل السنة الإيراني الموالي للحكومة الإيرانية في جولة الصحافة)
في العراق قُتل شباب أهل السنة في البصرة؟ استولى الشيعة على مساجد أهل السنة في بغداد؟ المسجد الوحيد للسنة في النجف استولى عليه الشيعة؟ من يطالب بحقوقهم؟
لابد أن تكون قيادات أهل السنة حريصة على حقوق أهل السنة, وعدم التفريط فيها, متى تتوحد الرؤية السياسية والشرعية لقيادات أهل السنة في ظل الهمجية الطوائفية الشرسة على السنة وأهلها؟
الشيعة الإثنى عشرية(2/2)
فرقة الشيعة الإثنا عشرية من أكثر الفرق انتشاراً وتنظيماً وعداء لأهل السنة, وقد نجحت في إقامة عدة دول تابعة لها لفرض هذا المذهب على المسلمين وحمايته, وتتبنى الجمهورية الإيرانية اليوم هذه المهمة.
نشأتها:
تبلورت هذه الفرقة بعد الفتنة التي حدثت بين علي ومعاوية رضي الله عنهما بشكل منظم, وإن ظهرت بعض أفكارها قبل هذا الوقت, ولا سيما القول بالوصي والرجعة.
ويذكر أن اليهودي عبد الله بن سبأ الذي أسلم ظاهراً وأبطن الكفر هو الذي أخذ ينادي بفكرة الوصي والرجعة, ويطعن في أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنه ويبالغ في مدح علي حتى اقترب من تأليهه, وتنامت هذه الفرقة فيما بعد حتى أصبح لها فكر عقدي وفقهي وسياسي.
اسمها وسببه:
إذا أطلقت كلمة الشيعة فإننا تقصد بها الشيعة الإمامية الإثنى عشرية, وسموا بذلك لأنهم يعتقدون أن الإمامة (وهي من أصول الإيمان عندهم) أو رئاسة الدولة قد حصرها الله سبحانه وتعالى في اثني عشر إماماً ابتداءً بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وانتهاءً بمحمد بن الحسن العسكري الذي يزعمون أنه مختبئ في سرداب منذ عام 261 هـ, ويعتبرونه الإمام الغائب والمهدي المنتظر, وتسمى هذه الفرقة بالجعفرية, لأنهم نسبوا مذهبهم الفقهي إلى الإمام جعفر الصادق (83 – 148 هـ) وهو أحد أئمتهم الإثنى عشر.
ويطلق عليهم اسم " الرافضة " لأنهم رفضوا زيد بن علي بن الحسين لما ترحم على أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم فرفضه بعض أتباعه فقال لهم رفضتمونى فسموا رافضة, والشيعة لا يعترفون بأصحاب النبي أبداً وعلى رأسهم أبي بكر وعمر, ويعتبرونهم غاصبين للإمامة من علي بن أبي طالب, وينعتونهم بنعوت وأوصاف قبيحة.(2/3)
خالف الشيعةُ الروافضُ عموم المسلمين في أصول كثيرة من أساسيات وبديهيات الإسلام, فقد اعتبروا الإمامة ركناً من أركان الإيمان, وبالغوا في مدح أئمتهم حتى أوصلوهم إلى مرتبة الربوبية, واعتقدوا بأنهم يخلقون ويرزقون ويعلمون الغيب ويسيرون الكون وأنهم أفضل من الملائكة والأنبياء وأنهم الواسطة بين الله وخلقه, واعتقدوا بأحقية علي بالنبوة والخلافة, وأنه لا دولة ولا حكم إلا في بنيه وذريته.
ويعتقد الشيعة بكفر صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وردتهم إلا ثلاثة أو أربعة, وينتقصون من قدرهم ومن قدر أمهات المؤمنين وزوجات النبي الطاهرات, وبالتالي يرفضون كل ما جاءنا من النبي صلى الله عليه وسلم عن طريق هؤلاء الأخيار فأدى ذلك إلى رفضهم للدين وإنكارهم للسنة النبوية, فالأحكام لا تؤخذ عندهم إلا عن طريق أئمتهم, أو بما نسبوه هم لأئمتهم.
كما يعتقدون بتحريف القرآن الكريم, وأن الصحابة قد بدّلوا وغيّروا, ويزعمون أن المصحف الحقيقي الذي سيحضره المهدي المنتظر آخر الزمان هو ثلاثة أضعاف المصحف الحالي المتداول بين أيدينا الآن, ويؤمنون بأن للقرآن معاني باطنة تخالف الظاهر.
ويؤمنون بأن يوم عاشوراء الذي استشهد فيه الحسين بن علي رضي الله عنهما أفضل من يوم عرفة, ويتعاملون مع المسلمين بالتقية, وهي أن يظهر الشيعي خلاف مذهبه تودداً للمسلمين وإخفاء لبعض شعائرهم كي لا ينفر منه المسلمون.
ويؤمن الشيعة بكفر أهل السنة الذين يسمونهم (النواصب) ويبيحون أموالهم وأعراضهم ودماءهم, ويحرمون أخذ العلم عنهم أو التحاكم إلى قضاتهم, ويعتبرون أن الدول السنية ومنها دولة الخلافة الراشدة, دول كافرة طاغوتية وليست شرعية.(2/4)
وقد أثرت هذه النظرة إلى أهل السنة كثيراً في مسيرة الشيعة, وفي علاقاتهم مع المسلمين من أهل السنة, فقد كانت الدول الشيعية الحاكمة انعكاساً حقيقياً لهذا المبدأ, ولهذه العداوة المتجذرة للمسلمين من أهل السنة, وقد عملت بجد لنشر الأفكار والعقائد الشيعية ومحاربة دين التوحيد والاتباع.
ولعل استعراض بعض الحوادث التاريخية كفيل ببيان الحقد الذي يكنّه الشيعة الروافض للمسلمين من أهل السنة, حيث أدّى ذلك إلى الإفساد وإراقة الدماء, والغدر بالمسلمين وإعانة الكفار ومساعدتهم للتخلص من المسلمين, كما أدّى البغض الشيعي لأهل السنة إلى تشتيت جهود المسلمين وإعاقتهم عن تبليغ رسالة الدعوة الإسلامية والجهاد في سبيل الله.
فها هو الرافضي ابن العلقمي وزير الخليفة العباسي المستعصم يكاتب التتار ويحث زعيمهم هولاكو على غزو بلاد المسلمين, ويغدر بالخليفة, ويتسبب في تدمير بغداد و قتل مئات الآلاف من أهلها السنة , حيث كان يحلم هذا الوزير الرافضي بإنهاء الخلافة الإسلامية, وإقامة دولة شيعية على أنقاضها.
وقبل ذلك كانت الدولة البويهية الشيعية التي ظهرت في العراق وقسم من إيران سنة 334 هـ تجسد الحقد الشيعى على أهل السنة , حيث يقول شيخ الإسلام ابن تيمية عن هذه الفترة: " حصل لأهل الإسلام في أيامهم من الوهن ما لم يعرف, حتى استولى النصارى على ثغور الإسلام, وانتشرت القرامطة في أرض مصر والمغرب والمشرق وغير ذلك ".
وقال أيضاً عن دولة خدابندة (وهو من ذرية هولاكو وقد تبنّى المذهب الشيعي), وانظر ما حصل لهم في دولة السلطان خدابندة وكيف ظهر فيهم من الشر الذي لو دام وقوي لأبطلوا به عامة شرائع الإسلام, لكن يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون ".(2/5)
وكذلك كان أمر الدولة الشيعية الصفوية التي حكمت إيران بدءاً من سنة 906 هـ, بعد أن قضت على أهلها السنة, الذين كانوا يشكلون ثلاثة أرباع السكان. فارتكبت بأهلها السنة أفظع المجازر, وأرغم من بقي منهم على اعتناق التشيع ولعن الشيخين أبي بكر وعمر.
ولم تكتف الدولة الصفوية الشيعية بقتل واضطهاد المسلمين من أهل السنة في إيران وإجبارهم على اعتناق التشيع, بل انطلقت لمحاربة دولة الخلافة العثمانية وإضعاف شوكتها, في الوقت الذي كان فيه العثمانيون ينطلقون نحو أوروبا النصرانية فاتحين وناشرين للإسلام, إلا أن غدر الصفويين الرافضة بالعثمانيين وتحالفهم مع النصارى أسهم في إضعاف العثمانيين ووقف فتوحاتهم في أوروبا.
وإذا جئنا إلى العصر الحديث, فإننا نجده استمراراً لما مضى, حيث كانت الدول الشيعية وكذلك المسؤولون والهيئات الشيعية, كل هؤلاء يضعون نصب أعينهم محاربة المسلمين واضطهادهم والتحالف مع الكفار من الشيوعيين واليهود والنصارى لإيذاء المسلمين, فها هي باكستان الشرقية (بنغلادش) تنفصل عن باكستان الأم بخيانة أحد الشيعة وهو يحيى خان, الذى تعاون مع الهندوس لتقسيم باكستان المسلمة.
وإيران اليوم التي يحكمها رجال الدين هي امتداد لمسيرة الحقد والبغض, حيث اضطهاد أهل السنة, ومنعهم من بناء المساجد والمدارس في الوقت الذي يسمح فيه لغير المسلمين من اليهود والزرادشت بإقامة شعائرهم وبناء معابدهم, كما أن علماء وشباب أهل السنة كانوا دوماً عرضة للقتل والحبس والتعذيب.
وليس لبنان منا ببعيد, حيث كانت الساحة اللبنانية مجالاً خصباً لتحالف الأحزاب الشيعية مع النصارى ضد المسلمين اللبنانيين والفلسطينيين السنة.(2/6)
ولقد كانت دول الخليج العربي والعراق مسرحاً للتدخل والتخريب الإيراني المباشر ومن خلال عملائها, فقد خاضت إيران حرباً مدمرة مع العراق استمرت ثماني سنوات, كانت إيران تهدف من خلالها إلى تصدير ثورتها وفرض مذهبها الشيعي, كما عانت الكويت والبحرين بشكل كبير من هذا التخريب.
ووصلت قمة الإفساد والتخريب إلى بيت الله الحرام, حيث سعى الإيرانيون مرات عديدة إلى الإفساد والتخريب في مكة المكرمة والمدينة النبوية لمحاولة صرف الناس عن بيت الله, وبلغ التخريب أوجه سنة 1987.
للاستزادة:
أصول مذهب الشيعة – د. ناصر عبدالله القفاري
الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة – الندوة العالمية للشباب الإسلامي.
حتى لا ننخدع – عبدالله الموصلي.
حركات فارسية مدمرة – د. أحمد شلبي.
بروتوكولات آيات قم حول الحرمين الشريفين – عبد الله الغفاري.
تعريف بمذهب الشيعة الإمامية – د. محمد أحمد التركماني.
الخميني وتزييف التاريخ – محمد مال الله.
8- موقف الخميني من أهل السنة – محمد مال الله.
سطور من الذاكرة
الصفويون يحالفون الصليبيين
لئن ذكرت الدولة الصفوية الشيعية التي تأسست في إيران قبل خمسة قرون فإنه يذكر فوراً تلك التحالفات التي كانت تعقدها هذه الدولة مع الدول الصليبية في أوربا وهي موجهة أساساً ضد الدولة العثمانية المسلمة السنية التي كانت تذود -آنذاك- عن حمى الإسلام و تقف سداً منيعاً أمام الأخطار والأطماع الأوربية الصليبية.
تأسست الدولة الصفوية سنة 907هـ الموافق 1502م, على يد الشاه إسماعيل بن حيدر الصفوي, الذي أقام كيانها وأرسى قواعدها وبنيانها وفرض فيها المذهب الشيعي بالقوة.
وينسب الصفويون إلى الجد الخامس للشاه إسماعيل, وهو صفي الدين الأردبيلي وهو أحد أقطاب التصوف المولود سنة 650 هـ.(2/7)
وفي سنة 907هـ توج الشاه إسماعيل نفسه ملكاً على إيران بعد انتصاره على القبائل التركمانية الحاكمة, وما أن تم له ذلك حتى أعلن فرض المذهب الشيعي مذهباً رسمياً في مختلف أنحاء إيران دون مقدمات, وقد كان أكثر من ثلاثة أرباع إيران من السنة, وكل من عارض هذا الأمر لقي حتفه, فانقاد الناس له.
وبعد استتاب الأمر للصفويين, كان من المنطقي أن تتوجه بعدائها إلى دولة الخلافة العثمانية السنية بسبب العقائد الشيعية المعادية لكل المسلمين وخاصة أهل السنة, وكانت الدولة العثمانية قد قامت في القرن السابع الهجري في وقت كان المسلمون فيه متفرقين متناحرين, وكان قيام دولة العثمانيين قوة للإسلام وحماية للدول الإسلامية من الاستعمار الصليبي.
لم يرق للصفويين الشيعة أن يروا المسلمين متوحدين تحت خلافة واحدة وخليفة واحد, وأن تعود راية الجهاد إلى المسلمين بعد أن خمدت في النفوس أمداً طويلاً, فبادر هؤلاء الصفويون إلى توجيه أحقادهم وسهامهم إلى دولة الخلافة التي كانت منهمكة في فتوحاتها وفي الذود عن الإسلام والمسلمين.
كانت الخلافة العثمانية الممثلة لدولة الإسلام تقاتل أعداءها من الصليبيين الحاقدين على عدة محاور, فالروس من الشمال والنمسا من الغرب والإمارات الإيطالية وفرنسا وانجلترا والبرتغاليين في البحار والمحيطات والكل يحقد على هذه الدولة التي قضت على الدولة البيزنطية إحدى قواعد الدول النصرانية, وتوغلت في أوروبا كما أنها حالت دون انتشار النصرانية ودون امتداد النفوذ الاستعماري الصليبي وطلائعه من البرتغاليين, ومنعت وصولهم إلى القدس وسيطرتهم عليها.(2/8)
وفي الوقت الذي كان العثمانيون فيه ينطلقون شمالاً وغرباً في فتوحاتهم ودفاعهم عن الإسلام, بدأ الصفويون ومنذ عهد المؤسس الشاه إسماعيل بعمل اضطرابات على الحدود الشرقية للدولة العثمانية, وباغتوهم من الخلف, الأمر الذي جعل السلطان العثماني سليم الأول يخرج لملاقاة الصفويين بعد أن شعر بخطرهم, واستمرت الحروب بين الخلافة العثمانية وبين الصفويين الروافض زمناً طويلاً, وبالرغم من انتصار العثمانيين في معظمها إلا أن هذه المعارك استنزفتهم وأنهكتهم وأعاقت فتوحاتهم ونشرهم للإسلام في أوربا.
وبعد وفاة الشاه إسماعيل خلفه ابنه طهماسب, واستمر على نهج أبيه, واتصل بملك المجر (هنغاريا) ليعاونه على العثمانيين العدو المشترك, فصمم الخليفة العثماني آنذاك سليمان القانوني على توجيه حملة إلى إيران لقتال الصفويين, لكنه حول قواته ضد المجر نظراً لحيوية هذه الجبهة وأهميتها في مواجهة الصليبيين, وفي هذه الأثناء يقوم طهماسب الصفوي بغزو بغداد واحتلالها و بدأت المحاولات لفرض المذهب الشيعي على أهل العراق الأوسط والجنوبي, فاستغاث أهل السنة هناك بالسلطان سليمان.
وظلت الحرب بين العثمانيين والصفويين سجالاً وحدثت عدة معاهدات صلح, لكن الجانب الصفوي كان دائم النقض لهذه المعاهدات لأنه كان يشعر بضعف الدولة العثمانية في ذلك الحين.
لقد أدت هذه الحروب إلى أن يرجع القادة العثمانيون من فتوحاتهم في أوربا ليوقفوا الزحف الصفوي على الأراضي السنية, كما حدث مع سليم العثماني, وكما حدث مع السلطان سليمان حينما حاصر النمسا عام 1529م وكان يدك أسوارها لمدة ستة أشهر وكاد ان يفتحها و لكن طارت إليه أنباء من الشرق جعلته يكر راجعاً إلى استانبول, لقد كانت نذر الخطر الصفوي.(2/9)
لقد كانت التحالفات مع القوى الصليبية سمة مميزة للدولة الصفوية الرافضية التي ترى أن التقارب مع الصليبيين وأهل الكفر أفضل من تقاربهم مع المسلمين من أهل السنة, وفي حين كانت الدولة العثمانية رافعة راية الإسلام غازية في أوربا فاتحة للقسطنطينية مدافعة عن الدول الإسلامية من الهجمات الصليبية, وتخشاها جميع دول وممالك أوربا, كانت الدولة الصفوية تحيك المؤامرات ضدها وتدخل في اتفاقيات مع دول أوربا الصليبية للقضاء على القوة العثمانية الإسلامية, وبشهادة الجميع كان عهد الصفوية هو عهد إدخال قوى الاستعمار في منطقة الخليج حيث مهدت له الطريق بعقد التحالفات العسكرية والتجارية مع البرتغاليين والهولنديين والإنجليز.
ولقد شهد التاريخ كثيراً من تلك المؤامرات وخاصة في عهد الشاه إسماعيل الصفوي, فبعد الهزيمة المرة التي لحقت به في موقعة جالديران عام 920هـ أمام السلطان سليم, تحرك للتحالف مع البرتغاليين لتغطية الهزيمة, فأقام العلاقات معهم, وكان البرتغاليون أنفسهم يبحثون عن هذه العلاقات, فقد كانوا جزءاً من أوربا التي فرحت بظهور الدولة الصفوية حين لاحت لهم بظهورها فرصة انفراج الضغط العثماني عليهم وعلى تجارتهم, ولذلك سعت الدول الأوربية إلى إسماعيل تعرض عليه تثبيت عرى الصداقة والمودة وتحثه على إيجاد علاقات سياسية واقتصادية.
وعقدت اتفاقية بين الشاه إسماعيل الصفوي والبوكرك الحاكم البرتغالي في الهند نصت على ما يلي:
تصاحب قوة بحرية برتغالية الصفويين في حملتهم على البحرين والقطيف.
تتعاون البرتغال مع الدولة الصفوية في إخماد حركات (التمرد) في
بلوجستان ومكران.
تتحد الدولتان في مواجهة الدولة العثمانية.
4- تصرف حكومة إيران (الصفوية) النظر عن جزيرة هرمز, وتوافق أن يبقى حاكمها تابعاً للبرتغال.(2/10)
وأما اتفاقاتهم مع جمهورية فينيسيا (البندقية) فكانت مخزية كذلك, فقد كانت فينيسيا من الدول المتأثرة تجارياً بسبب قضاء العثمانيين على الدولة البيزنطية وإغلاقها الطريق الرئيسي للتجارة بين أوربا وآسيا, فأرسل الشاه إسماعيل السفراء إلى بلاط فينيسيا طالباً الهجوم على العثمانيين عن طريق البحر وأن يقوم هو بالهجوم من ناحية البر بشرط أن تسترد فينيسيا قواعدها التي فقدتها في البحر الأبيض المتوسط.
ومن الدول التي كانت تسعى إيران لإيجاد علاقات معها للتخلص من الدولة العثمانية إسبانيا والمجر, حيث بعث الشاه إسماعيل برسالتين إلى إسبانيا والمجر طلب فيها عقد معاهدة صداقة وتعاون بينهم وعرض فكرة اتحاد بغرض سحق الأتراك العثمانيين.
كانت للشاه عباس كذلك اتصالات ومؤامرات مع الجانب الصليبي, فقد قدّم عباس عروضاً للإسبان عن طريق البنادقة كي يتقاسما أراضي الدولة العثمانية, فتحصل الأولى على الجزء الأوربي, وتستأثر الثانية بالآسيوي, ولم يكن هذا العرض سوى واحد من عروض كثيرة حملها سفراء إيرانيون و كانوا يقطعون المسافة بين أوروبا وإيران مجيئاً وذهاباً.
كما أن عباس جعل إيران تتحالف مع قوة انجليزية في الخليج, وشجع البرتغاليين والهولنديين على التجارة في بندر عباس.
كان هذا هو المنهج الذي نهجه الصفويون في تعاملهم مع دول السنة, منهج كيد وتآمر, ولقد أثر ذلك في كثير من مجريات الأمور, واستفادت منه الدول الأوروبية أعظم استفادة.(2/11)
وفي الوقت الذي كان فيه حكام الصفوية فظين غليظين على أهل السنة, كانوا رقيقين لينين مع النصارى كما يعترف بذلك ويقره الكاتب والمؤرخ الشيعي عباس إقبال حيث يقول: " ولم يكن الشاه عباس فظاً على غير أهل السنة من دون أتباع سائر المذهب لذا فقد جلب أثناء غزواته لأرمينية والكرج نحو ثلاثين ألف أسرة من مسيحيي هذه الولايات على مازنداران وأسكنهم بها كما رحّل إلى أصفهان خمسين ألف أسرة من أرامنة جلفاء وإيران وبنى لهم مدينة جلفا على شاطئ نهر زاينده رود وأنشأ لهم فيها الكنائس وشجعهم على التجارة مع الهند والبلاد الخارجية بأن أعطاهم الحرية الكاملة ".
ويذكر شاهين مكاريوس (تاريخ إيران ص 154) أن الشاه عباس أصدر منشوراً إلى رعاياه يقول فيه: إن النصارى أصدقاؤه وحلفاء بلاده, وأنه يأمر رعاياه باحترامهم وإكرامهم أينما حلّوا, واستطراداً لهذه السياسة, فتح الشاه موانئ بلاده لتجار الإفرنج و أوصى ألا تؤخذ منهم رسوم على بضائعهم, وألا يتعرض أحد من الحكام أو الأهالي لهم بسوء, ويقول مكاريوس: إن الشاه إسماعيل كان أول من فعل هذا مجاهراً من سلاطين المسلمين.
للاستزادة:
الصفويون والدولة العثمانية – أبو الحسن علوي عطرجي.
حركات فارسية مدمرة - د. أحمد شلبي.
الخمينية وريثة الحركات الحاقدة - وليد الأعظمي.
4- التشيع العلوى والتشيع الصفوى - علي شريعتى.
كتاب الشهر
الخمينية شذوذ في العقائد
شذوذ في المواقف(2/12)
عندما انتصرت الثورة في إيران, وأصبح الخميني زعيماً لها سنة 1979, ظن الكثير من أبناء الأمة أن "الخمينية" إرجاع للأمر في نصابه في حب آل البيت وتحرير التشيع من العقائد الزائفة والمواقف الخائنة, خاصة وأن الخميني أعلن في الأيام الأولى من انتصاره أن ثورته إسلامية وليست مذهبية, وأن ثورته لصالح المستضعفين ولصالح تحرير شعوب الأمة الإسلامية عامة ولصالح تحرير فلسطين خاصة, ثم بدأت الأمور تنكشف للمخلصين, فإذا بالخميني هذا يتبنى كل العقائد الشاذة للتشيع عبر التاريخ, وإذا بالمواقف الخائنة للشذوذ الشيعي تظهر بالخميني والخمينية, فكانت نكسة كبيرة وخيبة أمل كبيرة.
والتنبيه على العقائد الشيعية الباطلة التي يؤمن بها الخميني ويطبقها ويحكم بموجبها هو الذي جعل المؤلف الأستاذ سعيد حوّى رحمه الله يكتب هذه الرسالة المختصرة الواقعة في 72 صفحة من الحجم الصغير, وقد صدرت عن دار عمار في الأردن سنة 1987.
ويذكر الأستاذ حوّى في مقدمته أن أعداء الإسلام اجتمعوا لضرب الصحوة الإسلامية المباركة وتشويهها وحرفها عن مسارها, فسلطوا عليها من المتظاهرين بالإسلام قوماً, وهكذا كان الأمر وجاءت الخمينية المارقة تحذو حذو أسلافها من حركات الغلو والزندقة التي جمعت بين الشعوبية في الرأي والفساد في العقيدة.
وبالرغم من مرور سنوات عدة على وفاة الخميني, فإننا مطالبون الآن وأكثر من أي وقت مضى بالعودة إلى عقيدته وفكره ومواقفه, فما أشبه الليلة بالبارحة, وها هي إيران اليوم تسير على نفس النهج الذي رسمه لها الخميني بالأمس, وتنشر التشيع الباطل وتعادي المسلمين من أهل السنة وتوالي الكافرين وتعينهم على المسلمين, وتعادي العرب وتعلي من شأن الفرس والقومية الفارسية.
ويقسم المؤلف كتابه إلى فصلين :
الأول: عن بعض العقائد الشيعية الشاذة التي تبناها الخميني.
الآخر: في المواقف الشاذة للخميني.
العقائد الشاذة :(2/13)
أولاً : الغلو في الأئمة, حيث أجمع كل الشيعة أن الإمام معصوم عن الخطأ والسهو والإسهاء والنسيان عن قصد أو غير قصد, وأن الإمامة مرتبة أعلى من النبوة, وأن الأئمة لهم حرية الاختيار في التحليل والتحريم, وجعلوهم آلهة يخلقون ويرزقون ويشاركون الله عز وجل في إدارة الكون.
ثانياً : قولهم بتحريف القرآن الكريم, وقد أورد هذا غلاة متقدميهم ومتأخريهم ومنهم "الكليني" و "المجلسي" الذي أورد رواية نسبها إلى جعفر بن محمد الصادق يقول: " إن عندنا مصحف فاطمة عليها السلام, وما يدريهم ما مصحف فاطمة... مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد ".
ثالثاً : موقف الشيعة من السنة النبوية المطهرة, والمجمع عليه عند الشيعة أن الصحابة ارتدوا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ثلاثة أو أربعة, وبذلك فإنهم لا يأخذون الأحاديث التي وردت عنهم بأسانيد صحيحة, بل يتهمون الصحابة بوضع الحديث, وهم لا يعترفون بالسنة النبوية, وينقضون الأساس الثاني لهذا الدين, ويعتمدون بدلاً من السنّة روايات عن أئمة الكذب والوضع.
رابعاً : الموقف من الصحابة, يؤمن الشيعة بكفر و ردّة الصحابة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم, ويتعبدون الله بسبهم ولعنهم وخاصة أبي بكر وعمر وعائشة رضي الله عنهم.
خامساً : انتقاصهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم, من خلال الطعن في أزواجه وأصحابه وكمال رسالته, بل والانتقاص من شخصه صلى الله عليه وسلم.
سادساً : مخالفتهم الإجماع, فهم لا يأبهون به, كانتشار نكاح المتعة الذي هو زنى صريح أجمعت الأمة على تحريمه ومنهم علي بن أبي طالب, ومع ذلك فإنه ما زال قائماً اليوم في إيران. وبدلاً من العودة إلى ما أجمع عليه المسلمون, يعتمد الخميني مذهب الإثني عشرية مذهباً وحيداً في البلاد وإلى الأبد, ويجعل هذه المادة في الدستور غير قابلة للبحث والتعديل.(2/14)
سابعاً : الموقف من أهل السنة والجماعة, يعتبر الشيعة أن كل من لا يؤمن بالأئمة وعصمتهم ناصبياً تحرم عليه الجنة, ويرون وجوب مخالفتهم ومعاداتهم.
ثامناً : غلوهم في فاطمة رضي الله عنها, يرى الشيعة بأن الوحي كان ينزل على فاطمة بعد وفاة أبيها صلى الله عليه وسلم بينما أهل السنة يحبون ويجلّون فاطمة لكن دون غلو وإطراء, ووضعها بمنزلة فوق منزلتها.
وإذا كان ما سبق ذكره جانباً من عقائد الشيعة الباطلة, وقد أورد الأستاذ حوّى نقولات عديدة للخميني تؤكد هذه العقائد, وإذا كان الخميني يؤمن بتحريف القرآن وبطلان السنة, وكفر الصحابة ووجوب مخالفة أهل السنة, فلا عجب أن تأتي مواقفه وسياساته منسجمة بل مطابقة لهذه الأصول المعتمدة عندهم, وهذا ما يتحدث عنه في الفصل الثاني من الكتاب.
يقول الخميني في كتابه الحكومة الإسلامية ص52 : " إن للإمام مقاماً محموداً ودرجة سامية وخلافة تكوينية تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرات هذا الكون, وإن من ضرورات مذهبنا أن لأئمتنا مقاماً لا يبلغه ملكٌ مقرب ولا نبي مرسل ".
وفيما يتعلق بالقرآن الكريم, فإنه يؤكد القول بتحريفه وتبديله, ويقول في كتاب كشف الأسرار ص 114 : " لقد كان سهلاً عليهم (يعني الصحابة الكرام) أن يخرجوا هذه الآيات من القرآن ويتناولوا الكتاب السماوي بالتحريف ويسدلوا الستار على القرآن ويغيبوه عن أعين العالمين. إن تهمة التحريف التي يوجهها المسلمون إلى اليهود والنصارى إنما تثبت على الصحابة ".
وفي نفس الكتاب (كشف الأسرار) يتهم الخميني الصحابة ومنهم أبو بكر الصديق وسمرة بن جندب بوضع الحديث (ص 112,71), كما يتهم الشيخين أبا بكر وعمر رضي الله عنهما بمخالفة القرآن والتلاعب بأحكامه وتحريم حلاله وإحلال حرامه, وأنهم حمقى وأفّاكون وجائرون.(2/15)
وأما موقفه من أهل السنة, ووجوب مخالفتهم فيؤكده في كتابه التعادل والترجيح (ص81,80), حيث أورد روايات مختلقة منسوبة إلى آل البيت عن وجوب مخالفة العامة (أهل السنة) ويقول : " فتحصل في جميع ما ذكرنا من أول البحث إلى هنا أن المرجح المنصوص ينحصر في أمرين: موافقة الكتاب والسنة ومخالفة العامة.
وانتبه إلى أن الكتاب الذي يؤمنون به هو كتاب محرّف, والسنة عنده هي ما تناقله الشيعة وحدهم.
أولاً : روح السيطرة على العالم الإسلامي ومحاولة تشييعه :
فما (كان) يجري في تركيا ولبنان وسوريا وبلاد السند والحرب العراقية الإيرانية هو مقدمات لسيطرة الشذوذ الشيعي على الأمة الإسلامية, فها هي "حركة أمل " و " حزب الله " يتعاونان على القضاء على الفلسطينيين في لبنان بمساعدة سوريا, وها هي أمل بالتعاون مع سوريا تصفي الوجود السني في بيروت وها هي النصيرية في طرابلس متعاونة مع النظام السوري تصفي شوكة السنيين في طرابلس, وها هي سوريا بنظامها الباطني تعمل على تقويض سلطان السنة في تركيا فتمد اليسار والأرمن وتدفع بالنصيرية نحو التغلغل في الأحزاب المتطرفة, وها هي سوريا تتحالف مع إيران مساعدة كل منهما الأخرى في كل شيء, وها هم الشيعة في السند يركبون موجة بعض الأحزاب ليقوضوا استقرار باكستان.... إنها مقدمات لانتشار دولة شيعية على أنقاض السنة تشمل جزءاً كبيراً من العالم الإسلامي.
ثانياً : تحالفات إسرائيلية مرفوضة :(2/16)
كان لا بد للتطلعات الخمينية من تحالفات تحقق بها مآربها ومطامعها, ومن هنا وجدنا تحالفاً عجيباً بين إيران وليبيا وبين إيران وسوريا وأمل من جهة وإسرائيل من جهة أخرى, ووجدنا تحالفاً بين إيران والغرب, ووجدنا وفوداً من إيران تذهب إلى الاتحاد السوفييتي, وكل ذلك يتناقض مع كل ما صرح به الخميني ابتداءً, وإنما جرّه إلى هذا التناقض الذي أفقده مصداقيته تطلعاته للسيطرة على الأمة الإسلامية, ولو كان ذلك على حساب جهة معادية للإسلام والمسلمين.
ثالثاُ : تنمية الأمة الإسلامية وأموالها في خطر :
ساهم تهديد الخميني لأمن العراق والخليج إلى تعطيل التنمية في هذه البقعة من العالم الإسلامي, إضافة على بقية الأمة الإسلامية التي تتطلع إلى دول الخليج في تنميتها, وتسبب الخميني في سلب الأمة أموالها وتطويرها.
رابعاً : انتكاس الصحوة الإسلامية :
جاء التطبيق الخميني للإسلام أسوأ تطبيق, وخاطب العالم بخطاب غير معقول, مسبباً انتكاساً للصحوة الإسلامية النقية التي بدأت ثمارها تظهر, ومما فعله الخميني أن جعل المذهبية مادة دستوره, وحرم الأقلية السنية في تطبيق أبسط حقوق الانسان,
فإذا عرفت أن طهران كلها ليس فيها مسجد واحد لأهل السنة والجماعة, عرفت مدى ما يمكن أن ينظر إليه العالم إلى ضيق الأفق في التطبيق الإسلامي... وإذا عرفت أن الخمينية جددت عادة الصفويين في زج من هم دون سن البلوغ في مقدمة الجيش المقاتل, عرفت إلى أي حدٍ لا تراعي الخمينية الطفولة البريئة... وإذا علمت كيف تصم الخمينية آذانها عن كل نداء للسلام ووقف الحرب مع العراق, عرفت كم سينظر الناس بازدراء إلى تطبيق الإسلام.
خامساً : التقية والبندقية :(2/17)
كان الناس يتصورون أن انتصار الخميني في إيران سيجعل الشيعة يتجاوزون التقية, لكن ثبت من خلال الواقع أنهم يستعملون التقية مع البندقية, ويتحالفون مع إسرائيل ويتظاهرون بعكس ذلك, ويحاربون حرباً طائفية في كل مكان, ويتظاهرون بشعارات سوى ذلك ويلبسون لكل حالة لبوسها.
الخاتمة
يوجه الأستاذ سعيد حوّى المسلمين إلى معرفة منهج الفرقة الناجية والتمسك به ونبذ ما سواه, والحذر من خطر الخمينية التي تبنت ما يخالف الإسلام, وعادت المسلمين وجرّت عليهم الويلات. الخمينية التي هي خيانة كخيانة ابن العلقمي والطوسي اللذين مهدا لاحتلال التتار لبغداد وإنهاء الخلافة العباسية وإبادة أهلها المسلمين, وما أشبه الليلة بالبارحة.
قالوا...
مكافحة الدعارة بالدعارة!
"ارتفاع نسبة زواج المتعة في إيران بمعدل 122% خلال ستة أشهر من عام 2002, والمشكلات الاقتصادية والاجتماعية وخصوصاً الفقر, هي الأسباب الرئيسة لارتفاع نسبة هذا النوع من الزواج".
مهدي رضواني, المسؤول في المكتب
الوطني للكتاب العدول في إيران
قلنا: انتشار الفقر في بلد نفطي كبير, ويزخر بالموارد والخيرات أمر يدعو للاستغراب, خاصة في ظل الأماني العريضة التي علقها البسطاء على ثورة الملالي لانقاذهم من الفقر والفساد.
أما زواج المتعة فانتشاره يعود أساساً إلى إباحته من قبل علماء الشيعة وجعله من القربات, فبدلاً من محاربة هذا النوع من "الدعارة المقنَّعة" يجعلونه تلبية للحاجات الطبيعية للإنسان ووسيلة لمكافحة الدعارة التي تشهد انتشاراً كبيراً في إيران.
والمنابر الأخرى!
"مجلة المنبر لم تمنح ترخيصاً من قبل وزارة الإعلام, وإن سياسة الوزارة تعتمد على عدم السماح بدخول أي مطبوعة إلى البلاد تمس ثوابت الأمة".
الشيخ فيصل المالك وكيل وزارة
الإعلام الكويتية, الوطن 7/9/2003(2/18)
قلنا: للذين لا يعرفون مجلة المنبر, هي مجلة كتب عليها "تصدر من لبنان", والحقيقة أنها تابعة لجماعة الشيرازي في الكويت, تخصصت في الطعن في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمهات المؤمنين ونشر فكر التشيع, وخطوة وزارة الإعلام الكويتية تستحق الإشادة, ونرجو من بقية الدول الإسلامية أن تحذو حذوها في حماية مواطنيها من هذه الأفكار, ومن هذه المنابر.
إيران واختفاء موسى الصدر
"لقد آن الأوان بعد ربع قرن لكي تكشفوا أمام عائلة الإمام القائد (موسى الصدر) وأبنائه وأحفاده في لبنان عن تلك المعلومات التي نقلها إليكم نظام القذافي".
منظمة ألوية الإمام موسى الصدر في رسالة
موجهة إلى المرشد والرئيس الإيرانيين خامنئي وخاتمي
الشرق الأوسط 11/9/2003
قلنا: هل تريد هذه الألوية الحديث عن دور إيراني في مقتل أو اختفاء إمامهم موسى الصدر سنة 1978 في ليبيا, لأن الخميني أحس (ولم يكن قد أصبح مرشداً لإيران) أن الصدر قد يشكل خطراً عليه وعلى مرجعيته؟ من يدري!
شيعي بحريني: لا لقوانين إسلامية داخل البرلمان.
"نرفض أن تطرح جماعات الإسلام السياسي على اختلاف توجهاتها السياسية والعقائدية والفكرية, القضايا الدينية في مجلس النواب, بسبب الاختلاف الكبير في التفاسير بين المذاهب الإسلامية الخمسة حول الكثير من المسائل والموضوعات حتى وإن كانت فرعية فرعية.
إذا تمكن الإسلاميون من تسييس الدين في المجلس النيابي, فذلك يعني أننا اقتربنا من مجلس تنظيم القاعدة وحركة طالبان؟!
المعارض الشيعي البحريني جاسم مراد
الوكالة الشيعية للأنباء 26/10/2002
قلنا: هل فوز الإسلاميين السنة في مجلس النواب البحريني يثير كل هذا الخوف في نفوس شيعة البحرين, لدرجة المطالبة بعدم فرض قوانين إسلامية, إلا إذا وافقت هواهم ومذهبهم, وحسناً ما أشار إليه جاسم هذا من الاختلاف الكبير في مذهب السنة ومذهب الشيعة.
95% من الحزب الشيوعي شيعة.(2/19)
"... والطريف كذلك أن 95% من أعضاء الحزب الشيوعي العراقي من الشيعة".
تقرير مجموعة الأزمات الدولية
في بروكسل. الدستور 17/9/2003
قلنا: قد يكون ذلك طريفاً, لكنه ليس مستغرباً, أن يكون معظم أفراد وقيادات الأحزاب الشيوعية في العراق ولبنان من الشيعة, فالأصل اليهودي للشيوعية ممثلاً في شخص ماركس, والأصل اليهودي للشيعة ممثلاً بشخص عبد الله بن سبأ يجعل الالتقاء بينهما أمراً ميسّراً وعاديّاً.
دسائس شيعية
"بعد مقتل أحد القيادات العراقية الشيعية محمد باقر الحكيم, تم تأجيج المشاعر والنفخ في نار الفتنة, وتصوير الأمر على أنه فتنة طائفية يقف وراءها أهل السنة في العراق ومن الخارج من أجل تصفية القادة الشيعة في العراق وإضعاف دورهم.
كل ذلك التأجيج والتوعد بالانتقام والاتهامات تمت حتى قبل أن يتم الحصول على دليل واحد لمن كان وراء ذلك التفجير والاغتيال، وقبل أن يتم القبض على المنفذين الفعليين والحصول على اعترافاتهم.
ويأتي السؤال: ما مصلحة أهل السنة في اغتيال رموز الشيعة وتأجيج نار الصراع معهم وهم يعانون الأمرّين من سوء أوضاعهم وتدهور معيشتهم وهضم حقوقهم, ولماذا لم يفعلوا ذلك عندما كانت لهم الغلبة سابقاً؟ وهل ستعطيهم تلك الجرائم الحظوة عند الأمريكان أو الأطراف المؤثرة في العراق؟
افتتاحية مجلة الفرقان الكويتية
8/9/2003
قلنا: لكن السؤال الأهم: إلى متى يظل الشيعة يستغلون كلّ حادث لتوجيه سهامهم إلى أهل السنة والإساءة إليهم, وإلى متى يظل أهل السنة غافلين عن مؤامرات الشيعة ودسائسهم؟.
العلاقات الإيرانية – اللا إسلامية(2/20)
"ربما كان من المفيد أن نأمل أن تكون إيران المستقبل أقرب إلى الهند منها إلى باكستان وتركيا, ففي الهند تجربة ديمقراطية على مجتمع تقليدي بينما انحصرت باكستان في أطر انقلابية عسكرية قاعدتها دينية متزمتة, في حين انفلتت تركيا إلى فضاء علماني قوامه عسكرة للدستور والسلطة متناقضة إلى حد بعيد مع دينية المجتمع ومدنيته".
عبد الحسن الأمين
مجلة النور الشيعية الصادرة في لندن
يونيو (حزيران) 2003
قلنا: ليس من المفيد, لكن من الطبيعي أن تكون لإيران الدولة الشيعية علاقات مميزة مع الدول غير الإسلامية في مواجهة الدول الإسلامية السنية, وهذا ما يفسر العلاقات المتميزة لإيران مع الهند الهندوسية في مواجهة باكستان المسلمة, ومع أرمينيا المسيحية ضد أذربيجان المسلمة, ومع اليونان ضد تركيا, ومع روسيا ضد المجاهدين الشيشان, والأمثلة كثيرة جداً توضح الارتباط العضوي بين الدول الشيعية والدول الكافرة المعادية للمسلمين شرط أن يكون هؤلاء المسلمين من أهل السنة, وإذا كانت إيران لا تقيم علاقاتها إلا مع الدول الديمقراطية فما هو سر علاقاتها المميزة مع سوريا التي يحكمها النظام العلوي البعثي القادم من الحكم من خلال الانقلاب, ومع نظام القذافي الذي لا يعرف مذهبه والذي جاء إلى الحكم بالطريقة ذاتها التي جاء بها رفيقه السوري؟
الملامح العامة للسياسة الخارجية الإيرانية
المقدمة:(2/21)
إيران دولة لها أهمية لافتة بحكم تاريخها وموقعها الجغرافي و ومساحتها وثقلها السكاني وقوتها العسكرية, ومواردها وثرواتها خاصة النفطية وقيادتها للمذهب الشيعي, وتستطيع وفقاً لذلك تبوء مكانة إقليمية ودولية بارزة, وأن تكون مؤثرة في العالم الإسلامي وفاعلة, إلا أن سياسات إيران الداخلية والخارجية أدت إلى دخولها في نزاعات وصراعات مع الكثير من الدول الإسلامية وغيرها ودول الجوار خاصة حيث أدى هذا إلى جعل منطقة الخليج العربي أو " الفارسي " كما تسميه إيران منطقة توتر واضطراب.
وحيث إن سياسة إيران الخارجية يتولد عنها غالباً آثار سلبية وسيئة للهوية الإسلامية التي تدعيها, فإننا مدعوون لدراسة هذه السياسة ومعرفة منطلقاتها والعوامل المؤثرة فيها, ومدى تاثير العقيدة الشيعية فيها لتكوين صورة واضحة وشاملة نستطيع من خلالها فهم الواقع ومجريات الأحداث.
كما أننا مدعوون إلى معرفة طبيعة النظام السياسي الإيراني, ومصادر اتخاذ القرار, معتمدين في ذلك كله على الأفعال لا الأقوال, فدراسة سياسة بلد ما لا تكون من خلال ما يصدر عن هذا البلد من خطب وتصريحات وإنما بدراسة مسلكها وتصرفاتها وخطواتها العملية, ومقارنة الأقوال بالأفعال.
كما أنه قد ترد شبهة أن ما نتحدث عنه إنما هو ضرب من الماضي, وأن سياسة إيران الخارجية قد تغيرت بوفاة الخميني عام 1989م, وبدأت تنحى منحى إيجابياً, وقد يكون لهذا الادّعاء جزءاً من الصحة في الظاهر إلا أن السياسات الإيرانية منذ بداية الثورة وحتى الآن – كما سيتضح من ثنايا هذا البحث- تسير باتجاه واحد لكن الفرق هو في فجاجة الأسلوب!.
سيطلع القارئ على السياسات والمبادئ الشيعية الجعفرية التي تنطلق منها سياسات إيران, وعلى مبدأ تصدير الثورة, والإرث الفارسي وخذلان المسلمين في قضاياهم, وغير ذلك مما هو في هذا البحث, بخلاف الدعاية التي تروجها إيران من أنها تسخر سياستها وقوتها لخدمة الإسلام والمسلمين.(2/22)
" والله الموفق "
إيران في سطور:
تقع إيران في جنوب غرب آسيا بين بحر قزوين في الشمال والخليج العربي وخليج عُمان في الجنوب, وتعتبر إحدى حلقات الوصل البرية بين أوروبا وبين الشرق الأقصى.
وسطح إيران معقد بوجه عام, حيث تتكون الأراضي الإيرانية في معظمها من هضبة واسعة تحيط بها سلاسل جبلية عالية ووعرة تشكل حدوداً طبيعية تفصل بين إيران وبين جيرانها.
وتبلغ مساحة إيران 1,648,000 كم مربع, وعدد سكانها 65 مليون نسمة(1)
وعاصمة البلاد هي طهران, وأهم المدن: أصفهان, تبريز, قم, مشهد.
والدول المحيطة بإيران هي: باكستان, أفغانستان, تركمانستان, أذربيجان, أرمينيا, تركيا والعراق.
والقسم الأعظم من دخل البلاد يأتي من الثروة النفطية الكبيرة.
ومنذ عام 1979, أصبح الحكم في إيران جمهورياً بعد الإطاحة بالنظام الملكي للأسرة البهلوية الذي بدأ منذ عام 1925, وتبنت الجمهورية المذهب الشيعي الجعفري مذهباً رسمياً للبلاد(2).
النظام السياسي الإيراني:
يتركب النظام الإيراني من عدة مؤسسات غير تقليدية في الأنظمة السياسية, وهذا التركيب المعقد هو بهدف إحكام قبضة رجال الدين على السلطة لكن بصورة ديمقراطية!!.
ويوجد في إيران عدة هيئات تؤثر في السياسة الداخلية والخارجية, حيث النظام السياسي متعدد الأقطاب, وثمة قوى فاعلة عديدة ترسم سياسة البلد يمكن أن يطلق عليها " مصادر اتخاذ القرار ", وأهم هذه المؤسسات:
المرشد أو القائد:
__________
(1) عام 2001 بحسب تصريح نائب رئيس مصلحة الأحوال المدنية شهاب الدين شاووس.
(2) المصدر: الوجيز في جغرافية العالم الإسلامي – د. محمد محمود السرياني.(2/23)
وهو أعلى سلطة ومقام في الدولة, وصاحب القرار والصلاحيات الكبرى, وينبع ذلك من نظرية " ولاية الفقيه ", وهي نظرية سياسية شيعية حديثة أفسحت المجال لتولي رجال الدين الشيعة الحكم في إيران, وكان الخميني مرشد إيران السابق أول من جسّدها عملياً, بعد أن ألبسها لباس الدين, ووضح الخميني تصوره لهذه النظرية قائلاً: " إذا نجح شخص جدير ومتصف بصفتي العلم بالقانون وبالعدالة في إقامة الحكومة, وأصبح له ما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم من الولاية بشأن إدارة المجتمع وجبت طاعته على جميع الناس " (1)
ويعتبر الخميني أن الامام له نفس الصلاحيات التي كان يتمتع بها الرسول صلى الله عليه وسلم من: " إعداد الجيش وتعبئته وتنصيب الولاة وتحصيل الضرائب وإنفاقها على المسلمين... " (2).
وتطبيقاً لهذه النظرية المرتدية لباس الدين, أعطى الدستور الإيراني -الذي تمت صياغته بعد الثورة – المرشد أو القائد صلاحيات واسعة أهمها:
حق تعيين السياسات العامة لنظام الجمهورية والإشراف عليها, وإصدار الأمر بالاستفتاء العام, وقيادة القوات المسلحة, وإعلان الحرب والسلام والنفير العام.
كما أعطاه حق عزل رئيس الجمهورية، وتعيين وعزل قادة مجلس صيانة الدستور ومسؤول السلطة القضائية, ورئيس مؤسسة الإذاعة والتلفزيون, ورئيس أركان القيادة المشتركة, وإصدار أحكام العفو والتخفيف عن عقوبات المحكوم عليهم(3).
ويذهب د. بيزن ايزدي استاذ العلوم السياسية بجامعة طهران إلى أن ما ذكره الخميني عن حدود سلطة الولي الفقيه أوسع مما حدده لها الدستور, حيث اعتبر ولاية الفقيه ولاية مطلقة تسري على جميع أمور المسلمين, مثلها مثل سلطة الوحي المطلقة والكاملة على الطفل القاصر(4).
__________
(1) الحكومة الإسلامية – ص 63
(2) المصدر السابق – ص 63
(3) الدستور المادة 110
(4) مدخل إلى السياسة الخارجية لجمهورية إيران الإسلامية ص 89.(2/24)
والمرشد الحالي لإيران هو علي خامنئي, وتولى منصبه هذا عام 1989م.
رئاسة الجمهورية:
رئيس الجمهورية هو أعلى منصب رسمي في الدولة بعد منصب القيادة, وهو المسؤول عن تطبيق الدستور ورئاسة السلطة التنفيذية, باستثناء الشؤون التي ترتبط بالقيادة (1).
ورئيس الجمهورية هو المسؤول أمام الشعب والقائد ومجلس الشورى الإسلامي, في حدود صلاحياته ووظائفه بموجب الدستور أوالقوانين العادية (2).
ومن ضمن ما يختص به الرئيس هو ما نصت عليه المادة 128 من الدستور: " يتم تعيين السفراء باقتراح من وزير الخارجية وتصديق رئيس الجمهورية, ويقوم رئيس الجمهورية بالتوقيع على أوراق اعتماد السفراء كما يتسلم أوراق اعتماد سفراء الدول الأخرى.
ويلاحظ من المواد السابقة الذكر, أن الدستور قد خصص جانباً من مهام رئاسة الجمهورية للسياسة الخارجية, بعضها بروتوكولي, والبعض الآخر تنفيذي (3).
ورئيس الجمهورية الحالي هو محمد خاتمي: وقد انتخب في هذا المنصب عام 1997 وأعيد انتخابه لدورة ثانية عام 2001.
3- مجلس الوزراء أو الحكومة:
والمجلس يتبع سلطات رئيس الجمهورية, بعد إلغاء منصب رئيس الوزراء الذي كان يتمتع بسلطات كبيرة, وقد فوّض الدستور لمجلس الوزراء بعض الصلاحيات المباشرة بشأن السياسة الخارجية حيث نص على ما يلي:
حكومة جمهورية إيران الإسلامية مكلفة بـ:
طرد الاستعمار تماماً ومكافحة النفوذ الأجنبي.
تنظيم السياسة الخارجية للبلاد طبقاً للمعايير الإسلامية, والالتزام الأخوي تجاه جميع المسلمين والعمل على الحماية الكاملة لمستضعفي العالم...."
4- مجلس الأمن القومي, والذي يرأسه رئيس الجمهورية, ويعد مصدراً للسياسة الخارجية ومراقباً لتحركاتها ومواقفها, وقد نصت المادة 176 من الدستور على ما يلي: -
__________
(1) الدستور الإيراني المادة – 113 -
(2) المصدر السابق المادة – 122 -
(3) مدخل إلى السياسة الخارجية د. بيزن ايزدي ص 97(2/25)
" يتم تأسيس مجلس الأمن الوطني برئاسة رئيس لجمهورية بهدف تأمين المصالح الوطنية وحراسة الثورة الإسلامية ووحدة أراضي البلاد والسيادة الوطنية.. للقيام أيضاً بالمهمات التالية:-
تعيين السياسات الدفاعية الأمنية للبلاد في إطار السياسات العامة التي يحددها القائد.
التنسيق بين الأنشطة السياسية والمخابراتية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية ذات العلاقة بالخطط الدفاعية الأمنية العامة.
الاستفادة من الإمكانيات المادية والمعنوية للبلاد لمجابهة التهديدات الداخلية والخارجية ويتكون أعضاء المجلس من رؤساء السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية ووزراء الخارجية والداخلية والمخابرات ومسؤولي الأجهزة العسكرية والأمنية.
مجلس الشورى:
وهو مجلس تشريعي ورقابي يمارس دوراً هاماً في السياسات الخارجية.
والمجلس الحالي المنتخب عام 2000م هو المجلس السادس في عمر الجمهورية, وتسند إلى المجلس مهام عديدة منها: -
1-سن القوانين في كافة القضايا ضمن الحدود المقررة دستورياً.
2-شرح القوانين العادية والتدقيق والتحقيق في كافة شؤون البلاد.
3-التصديق على المواثيق والعقود والمعاهدات والاتفاقيات الدولية.
4-البت في التعاملات المالية الخاصة بأخذ القروض أو تقديمها أو تقديم
المنح سواء الداخلية أو الخارجية.
5-منح الحكومة الثقة, وطرحها عنها واستجوابها.
6-إجراء أي تعديل جزئي على حدود البلاد لا يكون إلا بموافقته(1).
وتصطدم أعمال مجلس الشورى بمجلس آخر هو مجلس صيانة الدستور الذي يمثل سلطة رقابية حاكمة على أعمال المجلس وممارساته(2).
والرئيس الحالي لمجلس الشورى هو مهدي كروبي.
6-مجلس صيانة الدستور:-
__________
(1) الدستور – المواد 71-78 –79 –80 -125
(2) مدخل إلى السياسة الخارجية ص 23(2/26)
المهمة الرئيسة للمجلس هي مطابقة ما يصادق عليه مجلس الشورى مع الأحكام الإسلامية والدستور (1), والمجلس رقابي على أعمال وممارسات مجلس الشورى, وإذا رأى مجلس صيانة الدستور أن ما يصدره مجلس الشورى من قرارات لا يتوافق مع أحكام الإسلام والمذهب الشيعي الرسمي في البلاد, فإنه يقوم بإعادتها إليه, كما أن المجلس هو الجهة الوحيدة المؤهلة لتفسير مبادئ الدستور (2).
وأضاف الدستور إلى المجلس مهام الإشراف على انتخابات مجلس خبراء القيادة وانتخابات رئاسة الجمهورية والانتخابات التي تجري لمجلس الشورى, وعلى الاستفتاءات العامة (3).
ويتكون مجلس صيانة الدستور من اثني عشر عضواً: يعين المرشد ستة منهم مباشرة, ويوقع على تعيين الستة الآخرين الذين يرشحهم رئيس السلطة القضائية ويوافق عليهم مجلس الشورى (4).
7-مجمع تشخيص مصلحة النظام:
ويقوم بفض النزاعات بين مجلس صيانة الدستور ومجلس الشورى إذا رفض الأول توصيات الثاني, وشريكاً للمرشد في اتخاذ القرار ومستشاراً له, كما أن الدستور أناط به " حل كافة مشكلات النظام التي لا يمكن حلها بالطرق العادية "(5).
ويقوم المرشد بتعيين جميع أعضاء المجمع الدائمين والمؤقتين (6).
ويتولى رئاسة المجمع منذ عام 1997, رئيس الجمهورية الأسبق رفسنجاني, الذي أدخل عليه تعديلات أشمل وصلاحيات أوسع جعلت منه المؤسسة الأولى في ترسيم السياسات العامة للدولة, ومن رفسنجاني رجلاً ثانياً في هرم السلطة في إيران, والذي يضطلع بدور مهم في السياسة الخارجية أيضاً, كما اتضح ذلك من خلال زيارتيه للسعودية والبحرين سنة 1998 (7).
8-مجلس الخبراء:
__________
(1) الدستور – المادة - 91
(2) المصدر السابق - المادتان - 94, 97.
(3) المادة 99
(4) الدستور – المادة – 91
(5) المصدر السابق – المواد – 110, 111, 112
(6) المصدر السابق – المادة - 112
(7) مدخل إلى السياسة الخارجية لجمهورية إيران الإسلامية – ص25(2/27)
يعد مجلس الخبراء من أهم المؤسسات السياسية لاتصاله المباشر مع مرشد الثورة, حيث يعهد الدستور إلى المجلس بوظيفتين أساسيتين هما:
1-تحديد صلاحية القائد وترشيحه للقيادة, ومتابعة قيامه بمهامه.
2-عزل القائد إذا رأى الأعضاء أنه انحرف عن المسار الدستوري أو افتقد لأي من الشروط اللازمة (1).
ويؤثر المجلس على السياسة الخارجية بشكل غير مباشر من خلال تعيينه للمرشد (2).
9-وزارة الخارجية:
وتقوم بتنفيذ ما يصدر عن المصادر السابقة من قرارات ورؤى, كما أن هناك بعض الجوانب التخطيطية في عملها, إضافة إلى تجميع الأخبار والتحليل وتقديم الخبرة (3)
ووزير الخارجية الحالي هو كمال خرازي, ويتولى منصبه منذ عام 1997 م.
الملامح العامة للسياسة الخارجية الإيرانية
أولاً: تخبط وتذبذب المواقف والسياسات:
سبق القول أنه يوجد في إيران عدة مؤسسات لاتخاذ القرار, مما ينعكس سلباً على المواقف والسياسات, بل يذهب فرهانغ رجائي, أستاذ العلوم السياسية في جامعة كارلتون الكندية في مقالة " الدين والسياسة في إيران " إلى أن نظرية ولاية الفقيه المعتمدة في إيران أنشأت دولة برأسين (4) في إشارة إلى المرشد ورئيس الجمهورية.
ولا يتوقف الأمر عند تمتع المرشد بصلاحيات واسعة جداً, بل إن المرشد الحالي خامنئي يمتلك مؤسسة خاصة به موازية لمؤسسة الدولة تطيعه طاعة عمياء ومطلقة, ولم يمنع نفسه من استخدامها منذ وصول خاتمي لموقع الرئاسة (5) ومن هذه المؤسسات رابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية التي يرأسها محمد علي التسخيري مستشار المرشد خامنئي لشؤون العالم الإسلامي.
__________
(1) المادة 111
(2) مدخل إلى السياسة الخارجية د. بيزن ايزدي – ص 91.
(3) المصدر السابق – ص 100, 101.
(4) شؤون المتوسط – صيف 2001 – العدد 103
(5) إيران: تحديات العقيدة والثورة د. جواد بشارة ص 75(2/28)
في حكومة الرئيس خاتمي الأولى, واجه وزيران فيها متاعب جمة من قبل أتباع المرشد: الأول وزير الداخلية عبد الله نوري, الذي لم يسمح له بممارسة سلطته على قوات الشرطة إلا بعد فترة من الزمن وعلى مضض وسرعان ما أزيل من منصبه وسحبت الثقة منه, والآخر وزير الثقافة مهاجراني الذي وجد أنه ووزارته بموازاة منظمة الثقافة والإرشاد التي تتبع المرشد الذي يشرف أيضاً على مؤسسة الإذاعة والتلفزيون(1).
في أثناء الأزمة بين الولايات المتحدة والعراق, كان الرئيس خاتمي وأنصاره يرون الانفتاح على الولايات المتحدة وفتح حوار بينهما, حتى لو وصل الأمر إلى الوقوف معها ضد العراق, لأن هذا –برأيهم- سيحول دون استهداف إيران, في حين يرفض المرشد خامنئي وأنصاره الحوار مع أمريكا جملة وتفصيلاً ويرون أن إيران مستهدفة بعد العراق, "ويجرّمون" من يدعو للحوار والتقارب مع الولايات المتحدة, وهذا نموذج على التخبط الذي يحدث لدى صانعي السياسة الإيرانية.
وهذا يعيد إلى أذهاننا قضية احتجاز الرهائن الامريكيين في إيران عام 1980, حيث وقف رئيس الجمهورية آنذاك بني صدر موقف النقيض مع رجال الدين الحاكمين في كيفية التعامل مع هذه القضية (2).
وعلى الصعيد العربي تعتبر العلاقة الإيرانية المصرية مؤشراً من مؤشرات هذا التذبذب, فالرئيس خاتمي يرحب بعودة العلاقات, والمرشد خامنئي لا يتحدث عن شيء من هذا ويلتزم الصمت حياله, مما حدا بـ د. محمد السعيد إدريس أن يعتبر إعادة إيران لعلاقاتها الدبلوماسية مع مصر " مشكلة إيرانية إيرانية " (3) بينما يخرج رأي ثالث يعتبر أن تنمية العلاقات بين إيران وكل من السعودية ومصر تأتي في المقام الأول (4).
__________
(1) المصدر السابق ص 75
(2) تاريخ إيران السياسي بين ثورتين ص 248
(3) افتتاحيةرشهرية مختارات إيرانية– العدد 30 (يناير 2003) ص 5
(4) سيد حسين الموسوي – فصيلة إيران والعرب, العدد صفر ص 10(2/29)
ومن مظاهر هذا التخبط الاستياء الذي أبداه العديد من النواب الإيرانيين في مجلس الشورى في طلب إحاطة وجّهوه إلى وزير الدفاع بسبب تدخل العسكريين المتزايد في الشؤون السياسية, وإصدار الحرس الثوري –التابع للمرشد- بيانات تعارض توجهات الخارجية الإيرانية حول الأوضاع السياسية الراهنة في إيران والمنطقة (1).
وقبيل شن الولايات المتحدة حربها على العراق في 20/3/2003, اقترح وزير الخارجية الإيراني كمال خرازي تنظيم استفتاء في العراق بإشراف الامم المتحدة لتحديد مستقبل الحكم, الأمر الذي جعل زميله في الحكومة وزير الدفاع علي شمخاني -الذي ينتمي إلى تيار آخر- يسخر من هذا الاقتراح.
وفي عام 2001 جرت عدة محاولات من عناصر من حزب الله اللبناني التابع لإيران وجهات إيرانية لإدخال أسلحة إيرانية الصنع إلى الأراضي الفلسطينية عبر الأردن, ومحاولة فتح جبهة أردنية, ولدى اعتراض العاهل الأردني الملك عبدالله وإبلاغه الرئيس خاتمي بذلك, أجاب خاتمي بعدم علمه بذلك و أن جهات لا تتبع له, هي التي ربما قامت بذلك, واتهم التيارات المتشددة بمحاولة تخريب جهوده لتغيير السياسة الخارجية لإيران (2).
ومع استلام خاتمي للرئاسة عام 1997, كثر الحديث عن وجود تيارين رئيسين في الحكم في إيران:
الأول: محافظ متشدد يتزعمه المرشد خامنئي.
الآخر: إصلاحي معتدل يتزعمه الرئيس خاتمي.
رغم أن خامنئي يحاول التقليل من شأن الانقسام هذا, ليصف التيارين بـ " جناحي عصفور " لا يستغني أحدهما عن الآخر للطيران والتحليق.
وقد كان تيار خاتمي عرضة للإقصاء من تيارات أخرى في الحكم, بل تعرض العديد من الكتاب والمثقفين المؤيدين لخاتمي للاغتيال, ووجهت أصابع الاتهام إلى جهاز الاستخبارات ووزيره وقياداته, وامتنع مجلس الشورى الذي كان يسيطر عليه المتشددون آنذاك عن استجواب الوزير.
__________
(1) صحيفة الرسالة الإيرانية 11/1/2003
(2) صحيفة الشرق الأوسط 5/2/2003(2/30)
لقد أدّى هذا الوضع المضطرب إلى أن يلجأ الرئيس خاتمي إلى مجلس الشورى لسن قانون بتوسيع وتحديد صلاحياته, وإلا فإنه قد يلجأ إلى الاستقالة أو الاستفتاء العام, فهو يكشف عن التباين والازدواجية في السلطة, حيث يرغب خاتمي بوضع حد لذلك.
وفي الوقت ذاته, لا تعدو بعض المواقف المتناقضة في السياسة الإيرانية من كونها تبادلاً للأدوار تهدف إلى تبني موقفين أحدهما يعطي رسالة إلى الداخل بأن إيران ملتزمة بمبادئها وثورتها ولن تحيد عنها, والموقف الآخر موجّه إلى الخارج بأن إيران دولة متسامحة وتسعى لعلاقات تعاون واحترام مع الدول الأخرى, فالقادة الإيرانيون خرجوا من رحم واحد حيث يقول محمد علي التسخيري – مستشار المرشد خامنئي- " إن كلا الخطين يؤمنان بالثورة الإسلامية ويؤمنان بمبادئ الإمام الخميني ويؤمنان بالدستور ويؤمنان بأهم مادة في هذا الدستور وهي لزوم أن يكون القائد فقيهاً أو ما يعبر عنه بولاية الفقيه و إنهما معاً يؤمنان بهذه المبادئ ويختلفان في أساليب التطوير وآلياته " (1).
ثانياً: الإرث الفارسي وامتداد سياسات الشاه:
ليس غريباً أن تصر إيران على تسمية الخليج الذي تطل عليه بـ " الفارسي" رغم أن أغلبية الدول المطلة عليه عربية إسلامية, وقد جاورته القبائل العربية منذ زمن بعيد, فالإرث الفارسي إرث متجذر في إيران اليوم رغم دخولها في الإسلام في صدر الإسلام, وفي زمن الخلافة الراشدة تحديداً.
__________
(1) صحيفة اللواء الأردنية 25/4/2001(2/31)
والوجود الفارسي لا يقتصر على اللغة الفارسية الرسمية, بل إن مظاهر عديدة وسياسات كثيرة تهدف إلى تعزيز الوجود الفارسي وتكريسه, والأمر هذا ليس وليد اليوم بل كان للدولة الصفوية الشيعية (906 هـ) السبق في ذلك, فقد أشار المفكر الإيراني الشيعي د. علي شريعتي, إلى أن الدولة الصفوية قامت على مزيج من القومية الفارسية والمذهب الشيعي, حيث تولّدت آنذاك تيارات تدعو لإحياء التراث الوطني والاعتزاز بالهوية الإيرانية, وتفضيل العجم على العرب, وإشاعة اليأس من الإسلام, وفصل الإيرانيين عن تيار النهضة الإسلامية المندفع وتمجيد الأكاسرة... (1).
وحافظت إيران في عهد الثورة على هذا الإرث ورعته, فالعنصر الفارسي في إيران اليوم هو العنصر الحاكم والمسيطر على مقاليد الأمور رغم وجود عرقيات أخرى كثيرة, وتؤكد الدكتورة آمال السبكي أنه في بداية الثورة ازدادت الخلافات العرقية بين الإيرانيين (الفرس) والأقليات الأكراد والتركمان والعرب والبلوش الذين لم يشاركوا في مكاسب الثورة(2).
ويصل التعصب الإيراني للعنصر الفارسي ذروته في سعي إيران حصر المرجعية الشيعية فيها, وعدم ذهاب المرجعية إلى مناطق أخرى كالنجف في العراق أو جبل عامل في لبنان, بالرغم أن "جبل عامل" كان له الدور الأكبر في إرساء المذهب الشيعي في إيران أثناء حكم الصفويين, وتصر إيران على أن تكون قبلة الشيعة مدينة قم الإيرانية, ولا يكون للعرب هذه الوضعية, وهذا يفسر تعرض المرجع الشيعي اللبناني محمد حسين فضل الله المقايضات والتشكيك بمرجعيته, ذلك أن عنصراً غير العنصر الفارسي لن يكون بوسعه أن يكون المرجع الأعلى للشيعة, وإن مدينة غير إيرانية لن يكون بوسعها أن تكون "حوزة" الشيعة وقبلتهم.
__________
(1) التشيع العلوي والتشيع الصفوي 119-122
(2) تاريخ إيران بين ثورتين (1906-1979) ص 241(2/32)
ويعترف الدستور الإيراني رسمياً بالديانات القديمة التي هي متواجدة في بلاد فارس قديماً كالزردشتية ويعترف بحقوق أفرادها, ويعطيهم مقاعد في مجلس الشورى منصوص عليها, في الوقت الذي لا يحصل أهل السنة هناك على اعتراف رسمي حقيقي وملموس بمذهبهم أو على حرية في ممارسة شعائر الإسلام
وفي الوقت الذي أبطل فيه الإسلام جميع الأعياد الجاهلية, يحظى عيد النيروز الفارسي بأهمية خاصة في إيران, كما أن الشهور الفارسية تحل محل الأشهر الهجرية الإسلامية التي أجمع المسلمون على استخدامها والتي ترتبط بالشعائر والمناسبات الإسلامية ارتباطاً وثيقاً.
وإذا كان الفرس قد أقاموا في السابق دولة قوية, واحتلوا أجزاء من بلدان عربية, وحاربوا الإسلام, فإن هناك في العصر الحديث في إيران من اقتفى هذا الأثر, وحلم بإنشاء دولة قوية, ولو على حساب الآخرين.
كان شاه إيران المخلوع محمد رضا بهلوي يعتبر نفسه قوة كبرى أمام كيانات صغيرة وكان يرى بلاده القوة الرابعة في العالم, وكان التسليح يستهلك الجزء الأكبر من ميزانية الدولة, ومن أجل الوصول إلى هذه الغاية قام الشاه باحتلال ثلاث جزر إماراتية عام 1971 بتواطئ مع بريطانيا, وكان دائم التهديد للبحرين ومطالباً بضمها إلى إيران, ولم يتوقف عن مطالبته إلا عام 1970, رضوخاً للأمر الواقع والضغط البريطاني, كما أن الشاه أرسل حملة عسكرية إلى عُمان لدحر ثوار ظفار وإخماد ثورتهم وحماية النظام البوسعيدي.
ولم يكن العراق بعيداً عن الإساءات والأطماع الإيرانية, فقد دعم الشاه في عام 1968 الفصائل الكردية للثورة والتمرد في شمال العراق, وإضعاف الحكم في العراق.
وعلى منوال الشاه سارت الثورة, رغم العداء الذي ناصبته للشاه, فقد أعادت إيران في ظل الثورة احتلال جزر الإمارات الثلاث أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى بداية التسعينات مدّعية ملكيتها لها, وحتى اللحظة ترفض إيران الوساطة أو مناقشة القضية مع الامارات.(2/33)
وكانت البحرين مسرحاً للتخريب الإيراني منتصف التسعينات عندما أثارت طهران مجموعات بحرينية شيعية معارضة ضد نظام الحكم, كما أن العراق كان هو الآخر إحدى محطات التخريب الإيراني, فقد استمر الدعم الإيراني للأكراد لإضعاف الحكم في العراق, ودخلت إيران في حرب مع العراق (1980-1988) أكلت الأخضر واليابس, وظلت إيران خلال تلك الفترة ترفض وقف الحرب, وترفض الوساطات, ولم تقبل إيران بوقف لإطلاق النار إلا بعد بروز التفوق العراقي.
وتذكر الباحثة نيفين مسعد أن اتفاقاً بين مختلف الأجنحة والتيارات في إيران مفاده (ما حصل عليه الشاه لا تتنازل عنه الجمهورية الإسلامية) (1)
ثالثاً: العقيدة الشيعية المسيطرة:
ينص الدستور الإيراني على أن المذهب الشيعي الإثني عشري هو المذهب الرسمي في البلاد (2), كما ينص على أن نظرية " ولاية الفقيه " الشيعية الحديثة هي المرجع والمنظم لأمور الحكم في إيران (3), كما أن الدستور يشترط اعتناق هذا المذهب لتولي المناصب الهامة وعلى رأسها المرشد ورئيس الجمهورية (4), وتأثير العقيدة الشيعية في الحياة الإيرانية يتجاوز هذه المواد الدستورية بكثير, فالمذهب الشيعي يحكم ويوجه جميع جوانب الحياة الدينية والسياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية.
وإذا علمنا أن العقيدة الشيعية - كما تنص على ذلك كتب علمائهم ومراجعهم- (5) تعتبر المسلم السني العدو الأول, فإننا نستطيع تفسير العداء الذي تكنّه إيران للمسلمين السنة, وللدول السنية, والتحالفات المشبوهة مع غير المسلمين من اليهود والنصارى والشيوعيين, وكذلك التحالف مع أتباع الفرق الباطنية.
__________
(1) المستقبل – العدد 279, ص 92.
(2) المادة 12.
(3) المادة الخامسة والمادة 107.
(4) المادة 115.
(5) انظر صفحة 19 من هذا البحث.(2/34)
والعداء الإيراني للمسلمين من أهل السنة في الخارج ليس أمراً مستغرباً إذا كانت إيران تمارسه في الداخل وعلى مواطنيها, ولم يعد يخفى ما تمارسه إيران ضد مواطنيها السنة من ظلم وتهميش, وهدم للمساجد والمدارس, واعتقال للعلماء والشباب...(1), حتى أن العاصمة طهران التي يعيش فيها أكثر من نصف مليون مسلم سني لا يسمح فيها حتى الآن ببناء مسجد للسنة.
والعداء للسنة هو الذي جعل إيران تقوم بخذلان المسلمين في قضاياهم المصيرية كما برز ذلك في فلسطين والشيشان وافغانستان وكشمير.., وتقوم عوضاً عن ذلك بإقامة علاقات سياسية وعسكرية واقتصادية متميزة مع الدول التي تحارب الإسلام وتضطهد المسلمين كما هو حال علاقات إيران مع روسيا والهند.
ففي غمرة الاجتياح السوفييتي لأفغانستان, تعقد إيران صفقات كبيرة مع الاتحاد السوفييتي الذي احتل أرضاً إسلامية وشرّد أهلها, واستمر التعاون مع وريث الاتحاد السوفييتي روسيا التي ما زالت تحتل أرضاً إسلامية هي الشيشان, وترتكب أبشع المذابح بحق الشعب المسلم هناك, في الوقت الذي لا تحرك إيران فيه ساكناً, بل تلجأ إلى وصف المجاهدين هناك بالتطرف والتمرد.
والهند بلد يضطهد الأقلية المسلمة هناك, ويغض الطرف عن ممارسات الهندوس الإجرامية بحق المسلمين, كما أنه يحتل أرضاً إسلامية هي جامو وكشمير, ومع ذلك تدخل إيران في تحالف مع الهند موجّه أساساً ضد دولة باكستان المسلمة.
ويتكرر الأمر مع كوريا الشمالية, هذه الدولة الشيوعية التي كانت تزود إيران بالمستشارين العسكريين, في بداية الثورة (2).
وتقف إيران مع أرمينيا المسيحية التي تحتل 20% من أراضي أذربيجان المسلمة نكاية بتركيا التي تؤيد أذربيجان ضد أرمينيا المعتدية.
__________
(1) أحوال أهل السنة في إيران – عبد الله الغريب.
(2) الثورة البائسة – د. موسى الموسوي ص(2/35)
وتؤيد إيران اليونان المسيحية في صراعها مع تركيا المسلمة, وتعارض إيران التدخل التركي في شمال قبرص الذي جاء حماية للمسلمين من التطهير العرقي والمجازر التي كانت ترتكب ضدهم, كما أنها ترفض أن يكون للمسلمين دولة في قبرص بحجة معارضتها تقسيم هذه الجزيرة (1).
وإذا انتقلنا إلى قضية المسلمين الأولى فلسطين, فإننا نجدها مثالاً آخر على خذلان المسلمين والتحالف مع أعداء المسلمين, ففي ذروة الاجتياح الإسرائيلي للبنان سنة 1982, يطلب الخميني من الإيرانيين عدم الالتفات إلى هذه الحرب الصغيرة, التي تلهيه عن الحرب الكبيرة ضد العراق, ولم يكن الموقف الإيراني منسجماً مع العقيدة الإسلامية, وازدادت الأمور سوءاً عندما عقدت إيران اتفاقاً مع الكيان الصهيوني الغاصب لأرض المسلمين لتزويده بأسلحة وقطع غيار بلغت قيمتها 100 مليون دولار, وهي الفضيحة التي اشتهرت باسم (إيران غيت) (2).
إذاً: التحالفات مع الدول غير المسلمة التي تضطهد المسلمين, وتحارب الإسلام سمة مميزة للسياسة الإيرانية التي تتبنى العقيدة الشيعية القائمة على أن المسلم السني هو العدو الأول, وتقلل من شأن الكافرين, حيث يقول الرئيس الأسبق رفسنجاني مبرراً اللجوء إلى هذه الدول الكافرة: " يجب ألا نفرض على أنفسنا قيوداً تجاه الدول التي نستفيد منها علمياً, ولا ضير أن نتعامل مع أي دولة لسد حاجة بلدنا " (3).
__________
(1) د. السيد عوض عثمان (مختارات إيرانية – العدد 25, ص 80-82).
(2) الثورة البائسة ص125
(3) فصيلة إيران والعرب – العدد صفر – ربيع 2002.(2/36)
وفي الوقت الذي تحرص فيه إيران على علاقات متينة وتحالفات قوية مع الدول غير الإسلامية المعادية للمسلمين, تحتفظ إيران بسجل سيء لعلاقاتها مع الدول الإسلامية, خاصة تلك التي تتبع المذهب السني, وتجعل إيران نفسها ممثلاً للشيعة في العالم ووصيّه عليهم, كما أنها تسعى لجعلهم ورقة في يدها تحركهم ضد بلدانهم لإحداث القلاقل والفتن في هذه البلدان, وهذه الوصاية تشبه إلى حد كبير الوصاية التي يمارسها الكيان الصهيوني تجاه اليهود في العالم بغض النظر عن جنسياتهم وأصولهم.
والمسلك الذي تسلكه إيران تجاه الدول الإسلامية سلكته فيما سبق الدول الشيعية التي حكمت بعض بلاد المسلمين, كالفاطميين والبويهيين والصفويين, حتى أن الصفويين انقضّوا على الدولة العثمانية المسلمة في الوقت الذي كان العثمانيون يفتحون البلاد الأوروبية وينشرون الإسلام شرقاً وغرباً, ويقفون سداً منيعاً أمام الهجمات والمطامع الأوروبية.
وبالعودة إلى عقيدة أن المسلم السني هو العدو الأول, فإننا نستطيع تفسير العلاقات المتوترة التي كانت تميز علاقات إيران بالدول الإسلامية, واستغلال الأقليات الشيعية المتواجدة هناك للإضرار ببلدانها, فالكويت كانت في سنوات الثمانينات مسرحاً للتخريب الإيراني وإثارة الشيعة ضد حكم آل الصباح, وتجلى ذلك في حرق بعض آبار النفط والاعتداء على السفارات الأجنبية, ومحاولة اغتيال أمير الكويت سنة 1985, والاعتداء على ناقلات النفط الكويتية, وإسقاط الصواريخ الإيرانية على المياه الاقليمية الكويتية.
وفي البحرين تدعم إيران الشيعة هناك لإحداث القلاقل في سنوات التسعينات وخاصة في منتصفها لقلب نظام الحكم, وربما احتلالها أو ضمها إلى (الوطن الأم).(2/37)
وبنفس المنوال كانت تسير علاقات إيران بالسعودية حتى وصل الأمر إلى إرسال إيران لعشرات الآلاف من عناصر الحرس الثوري إلى أرض الحرمين الشريفين في موسم الحج لعام 1407هـ (1987م) وقاموا بتنظيم المظاهرات, والتخريب في مكة المكرمة وصرف الناس عن مناسك الحج.
وكانت إيران تدعم بشكل منقطع النظير حزب الوحدة الشيعي في أفغانستان, ومعه بقايا الشيوعيين المنضوين تحت تحالف الشمال ضد الحكم أيام حركة طالبان, حتى برز التحالف مع الولايات المتحدة لإسقاط حكم طالبان, في حين لم نجد ذلك الحماس الإيراني لدعم المجاهدين الأفغان أيام كانوا يقاتلون السوفييت الشيوعيين.
والعلاقة بين إيران وتركيا, وصراعهما الإقليمي ليس بعيداً عن حروب الصفويين الشيعة مع العثمانيين السنة, وكما كانت إيران الصفوية تقف مع الدول النصرانية الأوروبية ضد العثمانيين, تقف إيران اليوم في عهد الثورة مع إرمينيا واليونان المسيحيتين في صراعهما مع تركيا.
ومن نفس المنظار وانطلاقا من فهم عقيدة أن المسلم السني هو العدو الأول نستطيع تفسير ذلك التعاون والتحالف الذي يربط إيران وسوريا التي تحكمها الطائفة النصيرية منذ عام 1970م.
وثمة أمر محل استغراب وهو مهاجمة إيران المستمر وتكفيرها لحزب البعث العراقي, وأنه حزب خارج عن الإسلام, في الوقت الذي لا تصدر مثل هذه الأقوال تجاه حزب البعث الحاكم في سوريا الذي يتطابق في فكره وأدبياته مع البعث العراقي, وإذا علمنا أن رأس الحكم في سوريا ينتمي إلى حزب البعث, فإنه في الوقت نفسه ينتمي إلى طائفة النصيرية أو العلوية التي تشترك مع الشيعة الإثني عشرية في كرهها للمسلمين السنة.
وقد برز هذا التحالف الإيراني السوري أو الشيعي النصيري مع اندلاع الحرب العراقية الإيرانية سنة 1980, حيث وقفت سوريا بجانب إيران ضد العراق الجار العربي والبعثي.(2/38)
وفي تلك الأثناء, يقترف النظام السوري المذابح المروّعة بحق مواطنيه المسلمين الأبرياء, في مدن حماه وحمص, ويهرب الآلاف من السوريين خارج وطنهم, وتغض إيران الطرف عن هذه المأساة التي يستبب فيها حليفه السوري النصيري.
وفي عام 1991, تدخل سوريا شأنها شأن الأردن ولبنان ومنظمة التحرير الفلسطينية مسيرة السلام مع الكيان الصهيوني, فتصب إيران جام غضبها على منظمة التحرير, واصفة إيّاها بالخيانة والتفريط وتتغاضى عن سوريا التي ما زال المسؤولون الإيرانيون يصرحون بأنهم يتفهمون أسباب وظروف مشاركة سوريا في العملية السلمية.
وكما ارتكب السوريون النصيريون المذابح بحق المسلمين الأبرياء من أبناء الشعب السوري, فإنهم ارتكبوا مذابح أخرى بحق المسلمين الفلسطينيين واللبنانيين في لبنان, وفي كلتا الحالتين لا تحرك إيران ساكناً, فالمعتدى عليهم هنا هم مسلمون سنة.
ويبلغ التحالف الإيراني السوري مداه في رعاية ودعم حزب الله اللبناني الشيعي الذي أنطيت به مهام عديدة من بينها تصفية الوجود السني في جنوب لبنان والضغط على لبنان والتحكم بقراره وتهديد سيادته, وما زال الدعم المشترك لحزب الله أحد القواسم المشتركة, والعناوين الهامة للتحالف الإيراني السوري أو الشيعي النصيري.
رابعاً: تصدير الثورة:
ترى إيران بأن ثورتها هي الدولة الإسلامية التي طال انتظارها كما أنها ترى نفسها نموذجاً للمسلمين, ومثلاً للإسلام, ولا بد لها من قيادة العالم الإسلامي.
يقول الرئيس محمد خاتمي: " والإسلام الذي بقي في الأذهان قروناً عديدة بهيئة مجموعة من الأفكار والقيم – نزل اليوم ببركة الثورة الإسلامية إلى الميدان لإدارة الحياة وتأسيس النظام, وقد أقام دولة, ومن ثم دعا منافسيه ومعارضيه إلى النزال, ليس في ميدان العقل والأفكار فحسب, بل وفي ميدان العمل وواقع الحياة "(1).
__________
(1) تحديات العقيدة والثورة – ص186.(2/39)
وانطلاقاً من هذا المفهوم المغلوط, وهو أن إيران هي التي جسّدت الحكم الإسلامي الذي كان مفقوداً, وتصفية لبعض الحسابات, تبنت إيران منذ وقت مبكر من الاطاحة بالشاه مبدأ " تصدير الثورة ", وهو أن تلجأ إيران إلى القوة لنشر عقيدتها ومذهبها إلى الخارج الذي اعتبرته متعطشاً لهذا الثورة, واعتبرت أنه لا بد من قتال حكام المسلمين المتكبرين الذين يحولون دون وصول أنوار هذه الثورة إلى المسلمين المستضعفين من شعوبهم!(1).
وبتبنيها لهذا المبدأ, بدا واضحاً أن إيران تدخل مستنقعاً أشبه بالذي دخلته فرنسا التي تكبدت خسائر جسيمة أثناء تصدير الثورة الفرنسية وحروبها الفاشلة في أوروبا (2).
وجاءت الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) لتشكل الحلقة الأولى في مسيرة التصدير, لتشمل بعدها دولة أخرى, الأمر الذي جعل الدول الخليجية تتوجس من المشروع الإيراني, وتلجأ إلى دعم العراق في حربه ضد إيران, ومع فشل إيران بإلحاق الهزيمة بالعراق, والولوج إلى دول أخرى لتصدير الثورة توقف هذا الاسلوب مؤقتاً ليحل محله أساليب أخرى.
مع انتهاء الحرب العراقية الإيرانية ثم وفاة مرشد الثورة الخميني سنة 1989, صارت إيران تلجأ إلى " الغزو الناعم " من خلال إنشاء مراكز ثقافية وطبية, وتقديم منح دراسية لطلاب من العالم الإسلامي لدراسة العلوم الدينية والعقيدة الشيعية, كما أنها تقوم بتوزيع الكتب والنشرات التي تدعو إلى المذهب الإمامي وتحاول تحسين صور إيران, وتنظم معارض للكتاب الإيراني وأسابيع ثقافية إيرانية في الخارج.
كما اعتمدت إيران أسلوب ترميم الأضرحة, حيث تبدي رغبتها بترميم وقبور بعض الصحابة والأئمة في بعض الدول, ومن ثم قدوم حجاجها إلى هذه الدول لتبدو المنطقة بفعل المال الإيراني والحجاج الإيرانيين كما لو أنها جزء من إيران.
__________
(1) تصدير الثورة كما يراه الامام الخميني.
(2) تاريخ إيران السياسي بين ثورتين ص 243.(2/40)
ومن الأساليب التي تعتمدها إيران في تصدير ثورتها, هو ما عبر عنه الرئيس الأسبق رفسنجاني بأمل إيران، بأن تعتمد السعودية على اليد العاملة الإيرانية والبضائع والمنتجات الإيرانية, كي يتم إيجاد تكتل بشري إيراني يشبه إلى حدٍ كبير ما كانت تمارسه إيران من تصدير مواطنيها إلى مناطق مختلفة من دول الخليج ليسهل فيما بعد المطالبة بها بحجة أن معظم سكانها إيرانيون, كما تهدف هذه الخطوة على المدى البعيد إلى ربط اقتصاد السعودية بالاقتصاد الإيراني(1).
خامساً: توريط الآخرين:
في عام 2001م, اعتقلت السلطات الأردنية عناصر من حزب الله الشيعي اللبناني التابع لإيران لقيامهم بمحاولة تهريب أسلحة إيرانية الصنع إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة بحجة دعم الانتفاضة هناك, وهذا مثال واضح على الصراع الذي تحاول إيران دائماً إلى نقله للآخرين, وأن تجعل من بلادهم جبهة مفتوحة في الوقت التي تغلق هي وحلفاؤها جبهاتهم, ففي الوقت الذي سعت فيه إيران إلى اشعال الجبهة الأردنية, فإنها تقوم بالعمل على تهدئة الجبهتين السورية واللبنانية بل إن الجبهة السورية تشهد شبه تجمد منذ 1967م.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا لم تبادر إيران إلى دعم الفلسطينيين واللبنانيين ضد البطش الصهيوني أيام كانت الجبهات مفتوحة؟ في عام 1982, وعندما كان المسلمون الفلسطينيون في لبنان يعانون الأمرّين من الحصار والظلم الصهيوني, كان الخميني يطالب الإيرانيين بعدم الالتفات إلى هذه الحرب التي أسماها (الصغيرة) لأنها تلهيهم عن الحرب (الكبيرة) ضد العراق, فقتال العراق – بنظر الخميني- أهم من قتال اليهود (2).
__________
(1) فصيلة إيران والعرب – العدد صفر – ربيع 2002.
(2) الثورة البائسة – ص 125(2/41)
وأمر آخر جدير بالتساؤل وهو احتضان إيران لبعض الفصائل الفلسطينية المعارضة لمنظمة التحرير الفلسطينية وللمسيرة السلمية ورعايتها وتخريب الاتفاقيات التي عقدها الفلسطينيون مع الكيان الصهيوني, واعتماد التوقيت الخاطئ أحياناً, الأمر الذي كان ينعكس سلباً على الشعب الفلسطيني وجهاده, ويظهر المجاهدين بمظهر المرتمي بأحضان إيران, وفي النهاية تعلن إيران أنها تقبل بما يقبل به الفلسطينيون (1).
الأصول الشيعية التي تستند عليها السياسة الإيرانية
وبعد أن عرضنا الملامح العامة للسياسة الإيرانية والتي هي لا تصب في صالح الإسلام وأهله لا بد من التعرف على تأثير العقيدة الشيعية على هذه السياسات المعادية لمصالح الإسلام والمسلمين.
وإن استعراض بعض الأصول التي قام عليها مذهب الشيعة, وما كتبه وأصّله علماؤهم المعتبرون حديثاً وقديماً كفيل بتفسير هذه المواقف وفهمها فهماً صحيحاً.
أولاً: تكفير جميع المسلمين ما عدا الشيعة:
فأحد أصول الشيعة هو تكفير جميع المسلمين وجميع الفرق ما عدا الشيعة, وبخاصة أهل السنة الذين يسمونهم (النواصب), يقول رئيس محدثيهم محمد بن علي القمّي الملقب عندهم بالصدوق في رسالة الاعتقادات ص103 ما نصه:
" واعتقادنا فيمن جحد إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام والأئمة من بعده عليهم السلام أنه كمن جحد نبوة جميع الأنبياء, واعتقادنا فيمن أقر بأمير المؤمنين وأنكر واحداً من بعده من الأئمة أنه بمنزلة من أقر بجميع الأنبياء وأنكر نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وآله ".
وينقل القمي حديثاً منسوباً إلى الإمام الصادق أنه قال: " المنكر لآخرنا كالمنكر لأولنا " رسالة الاعتقادات ص103.
__________
(1) تصريح المتحدث باسم وزارة الخارجية.(2/42)
ويقول شيخهم ومحدثهم يوسف البحراني في موسوعته المعتمدة عند الشيعة (الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة ج 18 ص 153: " وليت شعري أي فرق بين من كفر بالله سبحانه وتعالى ورسوله وبين من كفر بالأئمة عليهم السلام مع ثبوت كون الإمامة من أصول الدين ".
ويسير معاصروهم على نفس المنوال بالاعتقاد بكفر جميع المسلمين الذين لا يؤمنون بولاية الأئمة, فيقول الخميني معقّباً على قول الله تعالى: " فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً " ما نصه:
" ومن المعلوم أن هذا الأمر يختص بشيعة أهل البيت ويحرم عنه الناس الآخرون, لأن الإيمان لا يحصل إلا بواسطة ولاية علي وأوصيائه من المعصومين الطاهرين عليهم السلام, بل لا يقبل الإيمان بالله ورسوله من دون الولاية... " الأربعون حديثاً ص511.
ثانياً: إباحة دماء أهل السنة وأموالهم:
وحيث أن الشيعة يحكمون بكفر المسلمين من أهل السنة –كما تبين- فإنهم وبناءً على هذا الأصل عندهم يبيحون دماءهم وأموالهم, وقد روى شيخهم القمي في كتابه علل الشرايع(ص601) عن داود بن فرقد قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام ما تقول في قتل الناصب؟ قال: حلال الدم ولكني أتقي عليك, فإن قدرت أن تقلب عليه حائطاً أو تغرقه في ماء لكيلا يشهد به عليك فافعل, قلت: فما ترى في ماله؟ قال: توّه ما قدرت عليه ", وذكر هذه الرواية الخبيثة شيخهم الحر العاملي في وسائل الشيعة (18/463) ونعمة الله الجزائري في الأنوار النعمانية (2/307) إذ قال: " جواز قتلهم (أي النواصب) واستباحة أموالهم.
وعندما غدر الوزير الشيعي الطوسي بالمسلمين في بغداد وتسبب في إبادتهم على أيدي التتار, وإلغاء الخلافة, تترحم عليه علماء الشيعة من بعده, واعتبروا عمله هذا خدمة للإسلام والمسلمين.(2/43)
يقول علامتهم الميرزا محمد باقر الموسوي الخونساري الأصبهاني في روضات الجنات في أصول العلماء والسادات (الجزء الأول ص300-301) في ترجمة المجرم الطوسي ما نصه: " هو المحقق المتكلم الحكيم المتبحر الجليل ومن جملة أمره المشهور المعروف المنقول حكاية استيزاره للسلطان المحتشم في محروسة إيران هولاكو خان بن تولي خان بن جنكيز خان من عظماء سلاطين التتارية وأتراك المغول ومجيئه في موكب السلطان المؤيد مع كمال الاستعداد إلى دار السلام بغداد لإرشاد العباد وإصلاح البلاد, وقطع دابر سلسلة البغي والفساد وإخماد دائرة الجور والإلباس بإبداد دائرة ملك بني العباس, وإيقاع القتل العام من أتباع أولئك الطغاة إلى أن أسال دماءهم الأقذار كأمثال الأنهار فأنهار بها في ماء دجلة, ومنها إلى نار جهنم دار البوار ومحل الأشقياء والأشرار ".
والخميني أيضاً يبارك عمل الطوسي (قتل المسلمين السنة) ويعتبره نصراً للإسلام إذ يقول في كتابه الحكومة الإسلامية (ص142): " وإذا كانت ظروف التقية تلزم أحداً منا بالدخول في ركب السلاطين فهنا يجب الامتناع عن ذلك حتى لو أدّى الامتناع إلى قتله, إلا أن يكون في دخوله الشكلي نصر حقيقي للإسلام والمسلمين مثل دخول علي بن يقطين ونصير الدين الطوسي رحمهما الله ".
وإضافة إلى إباحة دماء أهل السنة, والترحم والترضي فيمن يقتلهم, فإن الشيعة يبيحون أخذ أموالهم, حيث يروون عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: " خذ مال الناصب حيث ما وجدته وادفع إلينا الخمس " وقد أخرج هذه الرواية شيخ طائفتهم أبو جعفر الطوسي في تهذيب الأحكام (4/122) والفيض الكاشاني في الوافي (6/43) ونقل هذا الخبر شيخهم الدرازي البحراني في المحاسن النفسانية (ص167).(2/44)
وبمضمون هذا الخبر أفتى مرجعهم الخميني في تحرير الوسيلة(1/352) بقوله: " والأقوى إلحاق الناصب (السني) بأهل الحرب في إباحة ما اغتنم منهم, وتعلق الخمس به بل الظاهر جواز أخذ ماله أين وجد وبأي نحو كان ووجوب إخراج خمسه ".
ويقول فقيههم ومحدثهم يوسف البحراني في كتابه (الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة) 12/323-324 ما نصه: " إن إطلاق المسلم على الناصب وأنه لا يجوز أخذ ماله من حيث الإسلام, خلاف ما عليه الطائفة المحقة سلفاً وخلفاً من الحكم بكفر الناصب ونجاسته وجواز أخذ ماله بل قتله.
ثالثاً: نجاسة أهل السنة عند الشيعة:
يؤمن الشيعة بنجاسة أهل السنة كما استفاض ذلك في كتب متقدميهم ومتأخريهم, فيقول علامتهم الحلي في كتابه نهاية الأحكام في معرفة الأحكام (1/274): " والخوارج والغلاة والناصب, وهو الذي يتظاهر بعداوة أهل البيت عليهم السلام أنجاس ".
وروى شيخهم القمي الملقب عندهم بالصدوق عن الإمام الصادق في عقاب الأعمال ص252: " إن المؤمن ليشفع في حميمه إلا أن يكون ناصباً ولو أن ناصباً شفع له كل نبي مرسل وملك مقرب ما شفعوا ".
ويقول مرجعهم الأسبق محمد كاظم الطبطبائي في كتابه العروة الوثقى (1/68): " لا إشكال في نجاسة الغلاة والخوارج والنواصب ".
ويقول الخميني في كتابه تحرير الوسيلة (1/118): " وأما النواصب والخوارج لعنهم الله تعالى فهما نجسان من غير توقف ".
ويضيف في نفس الكتاب ص119: " غير الإثنى عشرية من فرق الشيعة, إذا لم يظهر منهم نصب ومعاداة وسب لسائر الأئمة الذين يعتقدون بإمامتهم طاهرون, وأما مع ظهور ذلك منهم فهم مثل سائر النواصب.
رابعاً: جواز اغتياب أهل السنة ولعن موتاهم:(2/45)
يقول آيتهم عبد الحسين دستغيب في كتاب الذنوب الكبيرة (2/267): " ويجب أن يعلم أن حرمة الغيبة مختصة بالمؤمن أي المعتقد بالعقائد الحقّة ومنها الاعتقاد بالأئمة الإثنى عشر عليهم السلام, وبناءً على ذلك, فإن غيبة المخالفين ليست حراماً ".
ويؤكد الخميني هذا المعنى في كتابه المكاسب المحرمة (1/249): "ثم إن اختصاص الحرمة بغيبة المؤمن, فيجوز اغتياب المخالف إلا أن تقتضي التقية وغيرها لزوم الكف عنهم".
كما أن الشيعة يجيزون بل يحثون أتباعهم على لعن موتى أهل السنة إذا حضرت جنائزهم, حيث يقول شيخهم محمد بن محمد بن النعمان الملقب بالمفيد في كتاب المقنعة ص85: " ولا يجوز لأحد من أهل الإيمان أن يغسل مخالفاً للحق في الولاية ولا يصلي عليه إلا أن تدعوه ضرورة إلى ذلك من جهة التقية فيغسله أهل الخلاف ولا يترك جريدة, وإذا صلّى عليه لعنه ولم يدع له فيها ".
ويقول الميرزا حسن الحائري الأحقافي في كتابه أحكام الشيعة (الجزء الأول ص186): " لا يجوز الصلاة على الكافر بجميع أقسامه كتابياً أو غيره, وكذا المخالف إلا لتقية أو ضرورة فيلعن عليه عقيب التكبيرة الرابعة ولا يكبر للخامسة ".
خامساً: تكفيرهم خلفاء المسلمين وحكوماتهم وبلدانهم:
يؤمن الشيعة بأن كل حكومة غير حكومة الإثنى عشرية باطلة, وصاحبها ظالم وطاغوت يُعبد من دون الله, ومن يبايعه فإنما يعبد غير الله, ويعتقدون أن كل خلفاء المسلمين ما عدا عليّاً والحسن طواغيت, ذلك أنهم يقولون: " كل راية ترفع قبل راية القائم (مهديهم المنتظر) رضي الله عنه صاحبها طاغوت " وقد ورد هذا في الكافي للكليني بشرحه للمازندراني 12/371 وبحار الأنوار للمجلسي 25/113.
ويقول شيخهم محمد باقر المجلسي في بحار الأنوار عن الخلفاء الراشدين (4/385): " إنهم لم يكونوا إلا غاصبين جائرين مرتدين عن الدين, لعنة الله عليهم وعلى من اتبعهم في ظلم أهل البيت من الأولين والآخرين".(2/46)
كما يصرح الشيعة بتكفير بلاد المسلمين وكفر أهلها كما جاء في أصول الكافي (2/409): " أهل الشام شر من أهل الروم (يعني شر من النصارى), وأهل المدينة شر من أهل مكة, وأهل مكة يكفرون بالله جهرة ".
وقال شيخهم المجلسي في بحار الأنوار (60/208): " أبناء مصر لعنوا على لسان داود عليه السلام, فجعل الله منهم القردة والخنازير ".
ويعتبر الشيعةُ قضاةَ المسلمين طواغيت لا يجوز التحاكم إليهم, فقد جاء في أصول الكافي للكليني (1/67) عن عمر بن حنظلة قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى السلطان وإلى القضاة, أيحل ذلك؟
قال: من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلى الطاغوت, وما يحكم به فإنما يأخذ سحتاً, وإن كان حقاً ثابتاً له, لأنه أخذ بحكم الطاغوت, وقد أمر الله أن يكفر به, قال تعالى: (يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به) النساء الآية 60.
ويعقب الخميني بعد أن ساق الرواية السابقة في كتابه الحكومة الإسلامية ص87 قائلاً: " تحريم التحاكم إلى حكام الجور: لقد نهى الإمام في مقام جوابه عن سؤال السائل, عن الرجوع إلى حكام الجور في المسائل الحقوقية أو الجزائية نهياً عامّاً... ".
سادساً: تحريم الجهاد:
يحرم الشيعة الجهاد إلى حين خروج إمامهم الثاني عشر, لذا لم يسجل التاريخ للشيعة ولن يسجل جهاداً ضد الكفار.
يروي ثقتهم الكليني في الكافي (8/295) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " كل راية ترفع قبل قيام القائم فصاحبها طاغوت يعبد من دون الله عز وجل ", وذكر هذه الرواية شيخهم الحر العاملي في وسائل الشيعة (11/37).(2/47)
وقد قرر مرجعهم الخميني أن البدأة بالجهاد لا تكون إلا لقائمهم إذ يقول في تحرير الوسيلة (1/482): " في عصر غيبة ولي الأمر وسلطان العصر-عجل الله فرجه الشريف- يقوم نوابه العامة وهم الفقهاء الجامعون لشرائط الفتوى والقضاء مقامه في إجراء السياسات وسائر ما للإمام عليه السلام إلا البدأة بالجهاد"
وروى الملا محسن الملقب بالفيض الكاشاني في الوافي (9/15) والحر العاملي في وسائل الشيعة (11/21) ومحمد محسن النجفي في جواهر الكلام (21/40): " عن عبد الله بن سنان قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك ما تقول في هؤلاء الذين يقتلون في هذه الثغور؟ قال: الويل يتعجلون قتلة في الدنيا وقتلة في الآخرة والله ما الشهيد إلا شيعتنا ولو ماتوا على فراشهم".
سابعاً: اعتبار الكفار أفضل من المسلمين:
وفي كتاب الوشيعة: " وفي الكافي (2/396) وفي كتاب التهذيب (2/15) أن بعض الناس قال للصادق أحد أئمة الشيعة: أأنزل مكة؟ قال: لا تفعل, أهل مكة يكفرون بالله جهرة, قال: أأنزل في حرم النبي؟ قال هم شر منهم, أهل المدينة أخبث من أهل مكة سبعين ضعفاً, عليك بالعراق بالكوفة, أهل الشام شر من الروم, والمخالف شر من سائر الكفار, لعنة الله عليهم وعلى أسلافهم ".
ختاماً
تعرضنا في هذا البحث إلى أهم ملامح السياسة الخارجية الإيرانية منذ قيام الثورة سنة 1979, وبينا أنها سياسات مستمرة, وإن كان ثمة تغير في الأسلوب, وربطنا هذه السياسات بالعقيدة الشيعية التي تنطلق منها إيران, فمعرفة الأسس والأفكار الشيعية يسهل لنا تفسير المواقف, وربط الأحداث بعضها ببعض, وهنا قد تزول الدهشة عند كثير من المسلمين, الذين يرون التخاذل الإيراني تجاه قضايا المسلمين كفلسطين والعراق وأفغانستان, كما أنهم يرون العلاقات الوثيقة التي تربط إيران بالدول الكافرة المعادية للإسلام والمسلمين على عكس ما تعلنه إيران عن الوحدة الإسلامية, ونصرة المسلمين.(2/48)
بيان سياسة إيران الخارجية قد لا يبدو أحياناً بالأمر السهل وسط جبال الخطب والتصريحات الإيرانية التي يتم تضليل المسلمين بها, لكن العودة إلى الأفعال والممارسات وعلى مدى 24 سنة من عمر الثورة هو الكفيل بإصدار حكم دقيق, كما أن إيران ليست استثناءً من الدول الشيعية التي حكمت بعض بلاد المسلمين في فترات سابقة, فالمسلك واحد والمنهج واحد (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون).
إخلاء النجف وكربلاء من الوجود السني بداية تطهير عرقي
قال الدكتور عبد السلام الكبيسي الناطق باسم علماء السنة المسلمين في العراق أن المرجع الشيعي الشاب مقتدى الصدر, المتهم بتسهيل اغتيال عبد المجيد الخوئي, اتخذ مواقف "مشككة" من السنة, واتهم الكبيسي في حديث لوكالة الصحافة الفرنسية التيار المتشدد في إيران بقيادة مرشد الجمهورية علي خامنئي بالتدخل في الشؤون العراقية عبر تحريض مقتدى الصدر ضد السنة.
وقال الكبيسي: "حافظنا على الحد الأدنى من التنسيق مع مقتدى الصدر لكنه تغير بعد ذهابه منذ نحو أربعين يوماً إلى إيران واجتماعه بخامنئي".
وتابع الكبيسي: "إيران دخلت على الخط ويسوؤها أن يلتقي الشيعة مع السنة" وأشار إلى أن الطائفة السنية في إيران تشكل 30% من مجموع السكان وليس لها إلا مسجد واحد في طهران أقيم في فندق".
وأضاف أن صدام لاحق الحوزة ليس لأنها شيعية, وإنما لأنها تتمتع بقوة, ولها ثقل وارتباطات خارجية, لأن معظم قادتها عاشوا في إيران خلال الحرب العراقية الإيرانية ولم يكن نظام صدام يسمح بوجود مرجعية سنية قوية يمكن أن تقف بوجهه.
وقال إن هيئة علماء الدين –التي شكلت بعد أيام قلائل من سقوط نظام صدام- تمثل المرجعية السنّيّة, ولم تبرز لكي تغلب طائفة على طائفة وأن يكون لنا مرجعية سنيّة مقابل المرجعية الشيعية, إنما لكي نضبط أفراد السنة فلا يستفزهم بعض الشيعة.(2/49)
وأدرج الكبيسي سكوت العلماء عن وضع الشيعة يدهم على عدد من الجوامع السنّيّة في إطار التهدئة. وقال: قررنا عدم الرد على استيلاء الشيعة على 18 مسجداً في العراق, 12 منها في بغداد, وكذلك استولوا على جامع وحيد لنا في النجف هو جامع الحمزة, وجامع وحيد في كربلاء هو جامع الحسن بن علي. وأضاف الكبيسي قائلاً: "إن إخلاء النجف وكربلاء من الوجود السنّي ظاهرة خطيرة تشبه التطهير العرقي, وتعني بلقنة العراق, وقد طلبنا من أنصارنا السكون. لسنا على عجلة, لا نستعيدها الآن, إنما نستعيدها بعد شهر أو بعد سنة.
وانتقد الكبيسي بشدة مجلس الحكم الانتقالي الذي تم تشكيله على أساس طائفي وعرقي, وشكّل حكومة على مثاله, وقال: "إن ديكتاتورية أحمد الجلبي وإبراهيم الجعفري رئيسي المجلس في دورتيه لشهري آب وأيلول, جعلتنا ننسى ديكتاتورية صدام حسين.
الدستور 3/9/2003
الأزمة العراقية ومستقبل العلاقات الإيرانية – الأمريكية
عصام عبد الشافي(1)
يلقي الكاتب الضوء على المواقف الإيرانية من قضية العراق وحيادها المزعوم من الحرب الأمريكية, والدور الذي لعبته إيران في إسقاط الحكم العراقي واستمالتها للمعارضة العراقية.......................المحرّر.
من الطبيعي أن تكون إيران معنية بأي تطور عسكري أو سياسي في العراق شأنها في ذلك شأن باقي دول المنطقة. لاسيما دول الجوار الجغرافي, وذلك أمام العديد من الاعتبارات من بينها: ما يتعلق بمستقبل المنطقة بعد الحرب الأمريكية على العراق, هذا من ناحية. ومن ناحية ثانية, تشير التناقضات التي تعوق حدوث تقارب حقيقي بين إيران والعراق إلى قوة أثر العامل الأمريكي في رسم مسار العلاقات المتعثرة بينهما بعد حرب الخليج الأولى, كما تكشف عن تداخل الاعتبارات الجغرافية والتاريخية في تشكيل وتحديد طبيعة التفاعلات الجيوبوليوتيكية بين الجانبين.
__________
(1) مختارات إيرانية العدد 33 إبريل 2003.(2/50)
ومن ناحية ثالثة, فإنه ومنذ وصول الرئيس محمد خاتمي إلى السلطة في إيران عام 1997, بدا وكأن العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران تسير نحو التحسن, فشروط اللقاء بينهما تضاعف وجودها, ولكن نظراً لأن هذه العلاقات تدخل ضمن دائرة الصراع الداخلي بين المحافظين والإصلاحيين, فإن المحاولات التقاربية التي أبداها الإصلاحيون سرعان ما تم إجهاضها.
ومن ناحية رابعة, فإنه مع وجود عدة تيارات تؤكد أن إيران هي الحلقة المقبلة في مسلسل إعادة تشكيل العالم الذي تقوده الولايات المتحدة, وأن احتلال أمريكا للعراق يعني زيادة الطوق على النظام الإيراني الذي لا تخفي الإدارة الأمريكية رغبتها في سقوطه, فإن السؤال الأساسي فيما يتعلق بإيران هو معرفة ما إذا كانت الحرب الأمريكية ضد العراق بإمكانها أن تغير التوازنات الداخلية, وتعطي دعما لجناح على حساب جناح آخر, أم أنها ستذهب إلى حد تشكيل خطر فعلى على النظام الإيراني برمته.
في إطار هذه الاعتبارات وغيرها -والتي لاتخفى على صانعي القرار في النظام الإيراني - جاءت توجهات الإدارة الإيرانية للأزمة العراقية الحالية, الأمر الذي يدفع إلى أهمية تناول هذه الإدارة, وبيان تأثيرها على مستقبل العلاقات الإيرانية الأمريكية, وهو ما يمكن تناوله وفق الأبعاد والمحاور التالية:
المحور الأول: محددات الإدارة الإيرانية للأزمة العراقية:
في توجهاتها لإدارة الأزمة العراقية وفي تحديد السياسات والآليات التي اعتمدت في هذه الإدارة, انطلقت إيران من عدة محددات أو اعتبارات أساسية وهي:
أولاً: محددات نابعة من علاقاتها بالعراق:(2/51)
إن العلاقات الإيرانية-العراقية شأنها شأن الكثير من العلاقات الثنائية في المناطق الحيوية, ذات الطبيعة الساخنة أو المتوترة, محكومة بقاعدة عدم التعاون والتطور أو النزاع والتصادم, وإذا توافرت الإرادة السياسية لدى الطرفين في العمل على خلاف هذه القاعدة فسرعان ما تعود الأمور إلى ما كانت عليه, بسبب أحداث وتطورات سياسية ربما تكون كبرى عند أحد الطرفين, لتعيد ضبط إيقاع علاقاتهما الثنائية في سياق هذه القاعدة.
وفي هذا الإطار لم تشهد العلاقات الإيرانية-العراقية أي تطور أو تحسن منذ قيام الدولة العراقية الحديثة (1932) باستثناء فترة قصيرة أثناء الحكم الملكي في العراق والتي أعقبت توقيع الطرفين على اتفاقية عام 1937 والتي رسمت الحدود المائية بينهما في منطقة شط العرب, وكذلك وجود نوع من التفاهم بينهما حول مسألة تشكيل مجلس التعاون الخليجي في منتصف السبعينيات وبعد التوقيع على اتفاقية الجزائر. إلا أن قيام الثورة الإسلامية, قوض هذا التفاهم ودفع بعلاقاتهما الثنائية إلى حرب طاحنة بين عامي 1980 و 1988.
وجاءت حرب الخليج الثانية عام 1991 لتضيف تعقيدا آخر وملفات جديدة إلى علاقاتهما, فتداعيات هذه الحرب كان لها العديد من الانعكاسات على هذه العلاقات, من ابرزها الخلاف حول الطائرات العراقية التي تم نقلها إلى إيران لحمايتها وانقاذها من الهجوم الأمريكي, وكذلك اتهام بغداد لطهران بتورطها في الأحداث الداخلية العراقية التي تحركت على شكل انتفاضة شعبية في مارس عام 1991.(2/52)
وفي ظل هذه الخلفيات الصراعية فإن طهران لا تنظر بثقة أو اطمئنان إلى صدام حسين وإنما تتعامل معه على قاعدة الشك والريبة, فهو في نظرها الذي وقع اتفاقية الجزائر عام 1975 ثم عاد ليلغيها عام 1980 ويعلن الحرب على إيران, أما العراق فتحركه مخاوف من طموحات إيرانية في القوة والنفوذ لما وراء الحدود في منطقة الخليج بصورة عامة وفي العراق بشكل خاص. ولذلك لا يتوقع المراقبون أن يلتقي الطرفان على خيار استراتيجي في العمل على تسوية وتصفية ملفات علاقاتهما الثنائية.
أما ما يثار بين الحين والآخر عن الإعراب المتبادل عن الرغبة والاستعداد لتطبيع العلاقات المشتركة بين الجانبين وتبادل الزيارات والاجتماعات واللقاءات, فهي مجرد وسائل مرحلية في إدارة عامة لملفات عالقة وأزمة مستديمة على أمل حدوث تطور جذري في الدولتين قد يساعد في حدوث اختراق حقيقي لتلك الملفات.
وفي هذا الإطار يمكن القول بأن إيران لا يهمها في التهديدات الأمريكية ضد العراق إسقاط نظام الرئيس صدام حسين أو تشكيل عراق ضعيف البنية, وإنما الذي يهمها بالدرجة الأولى هو ألا يكون المشروع الأمريكي الراهن لضرب العراق مرحلة أولية, ما إن تنتهي حتى ينطلق إلى إيران لإقصاء نظامها السياسي أيضاً و لتحجيمه, وفك ارتباطه مع الحلقات الفاعلة في الصراع العربي الإسرائيلي وخاصة على الجبهتين اللبنانية والفلسطينية.
ثانيا: محددات نابعة من علاقاتها بالولايات المتحدة:(2/53)
إذا كان البعد الأيديولوجي قد هيمن على السياسية الخارجية الإيرانية في بداية الثورة وفي ظل وجود آية االله الخميني, فإن الرئيس هاشمي رافسنجاني (1989-1997) قد تبنى سياسة براجماتية أكثر واقعية في حكم إيران خلال سنوات حربها مع العراق, وخفف من تأثير البعد الأيديولوجي في هذه السياسة, وعندما جاء الرئيس خاتمي للحكم عام 1997 تبنى الاتجاه الإصلاحي وألمح إلى الرغبة في التقارب مع الولايات المتحدة, وحاولت الإدارة الأمريكية في عهد كلنتون تطبيع العلاقات مع إيران رغم القيود التي فرضتها عام 1995 على شركات النفط الأمريكية الكبرى من الاستثمار في قطاعات النفط الخام والغاز الطبيعي الإيرانية.
وخلال فترة التسعينيات وحتى أحداث سبتمبر, يمكن القول بأن الولايات المتحدة قد مرت في علاقاتها مع إيران بثلاث مراحل أساسية اعتمدت في كل منها على سياسيات وآليات مختلفة للتعامل مع إيران, وذلك على النحو التالي:
مرحلة ما عرف باسم السياسات العمياء ضد إيران (1991 – 1993).
فقد حاولت الولايات المتحدة في هذه الفترة أن تحبط كل مساعي إيران السلمية حتى تعزلها, واستمرت في تصنيف إيران في المحافل الدولية والإقليمية بأنها دولة توسعية تتبنى الأصولية الإسلامية وحذرت من نفوذ إيران واختراقها لدول الجوار الجغرافي, والإدعاء بأن إيران تسعى من أجل تصنيع قنابل نووية لتسيطر على المنطقة, وأنه ينبغي على دول المنطقة أن تعمل على الحد من النفوذ الإيراني.
مرحلة الاحتواء المنظم لإيران (1993 – 1996):(2/54)
فمع اكتشاف مصادر ضخمة للنفط في آسيا الوسطى, وتزايد أهمية الدور الإيراني باعتباره البوابة المهمة للمنطقة, فقد ازدادت رغبة الولايات المتحدة في عرقلة نفوذ جغرافية إيران السياسية, وذلك عن طريق عدد من الإجراءات منها: اقرار قانون احتواء إيران والذي عرف باسم (قانون داماتو) عام 1996, (رغبة منها في حرمان إيران من المشاركة في مشاريع الطاقة ومنع مرورها عبر أراضيها) والضغط على روسيا وغيرها من الدول التي لها علاقات مع إيران لمنعها من تطوير علاقاتها وخاصة ما يتعلق منها بالتسلح النووي.
مرحلة الاحتواء المتخبط (1997 –2001).
وبدأت هذه المرحلة مع انتخاب السيد محمد خاتمي لرئاسة إيران. وأصبحت معارضة الولايات المتحدة لإيران بلا حجة مؤثرة, وخاصة مع التحركات الإيجابية للسيد خاتمي (حيث قام بتوجيه عدة رسائل ودية إلى الشعب الأمريكي وطرح فكرة حوار الحضارات, وأعلن عن تبني سياسة خارجية هادفة إلى إزالة التوترات الإقليمية) وبجانب هذه التحركات ظهرت حركة جديدة في المحافل الاقتصادية والسياسية في أوربا تدعو إلى تحسين العلاقات مع إيران.
ولكن في مقابل هذه التحركات ظل هناك عاملان أساسيان وقفا عائقاً أمام تحرك إيران في المنطقة, هما: أن الولايات المتحدة ترغب في أن يكون لها الدور الأول في منطقة الشرق الأوسط وهو ما يتعارض مع الأهداف الإستراتيجية الإيرانية. وكذلك سعي الولايات المتحدة من أجل حرمان إيران من استغلال موقعها الاستراتيجي, وذلك عن طريق وضع المعوقات أمام إيران في أهم مصادر دخلها القومي وهو البترول في مراحل استخراجه وانتاجه وبيعه, وكذلك حرمان إيران من التقنية المتقدمة في استخراجه وانتاجه وخطوط نقل الطاقة.(2/55)
ثم جاءت أحداث 11 سبتمبر 2001, والموقف الإيراني المعلن منها والدور الإيراني في الحرب التي شنتها الولايات المتحدة على أفغانستان, فكانت هذه الأحداث بمثابة فرصة مناسبة لتطبيع العلاقات الأمريكية الإيرانية, وفتح باب الحوار أمام تفعيلها, إلا أن أمريكا لم تكن راغبة في فتح باب الحوار كما اعتقد الساسة في إيران, لكنها كانت في حاجة إلى تأمين وضعها العسكري في الحرب ضد طالبان, فما كان لها إلا أن تلجأ لإيران وروسيا وباكستان كقوى إقليمية أكثر إدراكا للوضع الأفغاني, هذا بجانب وجود أقلية شيعية في أفغانستان والعلاقة الوثيقة بين تحالف الشمال وإيران, فكانت هذه الأمور عوامل أدت للتحالف المؤقت بين أعداء الأمس.
إلا أنه ومع تزايد الاتهامات الإسرائيلية لإيران انتهزت الإدارة الأمريكية الفرصة, واتهمت إيران بايواء مجموعة من أعضاء القاعدة الفارين من أفغانستان, كما أعربت عن قلقها من محاولات إيران الانتهاء من تطوير صاورخ " شهاب 3 " الذي يصل مداه إلى 1300 كلم وكذلك القول بأن إيران اشترت " صواريخ ستنجر " الأمريكية الصنع من أفغانستان عام 1994.
هذا بالإضافة إلى أن أمريكا تراقب بحذر البرنامج النووي الإيراني, وتغلق على إيران شتى طرق التعاون مع أي قوى نووية خاصة روسيا والصين وكوريا الشمالية حتى لا يكتمل البرنامج النووي, إضافة إلى رغبة أمريكا في فرض عقوبات اقتصادية وسياسية على إيران حتى تقلل من قوتها الإقليمية وتحد من معارضتها الوجود الأمريكي في المنطقة.(2/56)
وأمام هذه التوجيهات تتعدد التفسيرات داخل إيران حول الأهداف الحقيقية للإدارة الأمريكية من هذه الاتهامات للسياسة الإيرانية. فهنالك من يجزم بجدية واشنطن في توجيه ضربة عسكرية إلى إيران قد تستهدف مفاعل بوشهر النووي ويدعو على ضوء ترجيح هذا الاحتمال إلى تعبئة قوى الداخل وإنهاء المنازعات السياسية بين التيارات المتنافسة, مع الاستمرار في الوقت ذاته في اعتماد سياسة إزالة التوتر في حركة الدبلوماسية الإيرانية, فيما ترى بعض أوساط النخبة السياسية أن التهديدات والتحذيرات الأمريكية المتواصلة تستهدف في المقام الأول تحييد الدور الإيراني ومنعه من التأثير في مخططات واشنطن لإعادة رسم الخارطة السياسية في المنطقة.
وهنا يرى عدد من المراقبين أن رحلة العودة للعلاقات الإيرانية- الأمريكية الطبيعية قد تكون قد بدأت بالفعل من خلال التحول النوعي الذي طرأ على القراءة الأمريكية الجديدة للتحولات الإيرانية. إلا أن هذه الرحلة أمامها معوقات كثيرة لابد أن يستعد لها الطرفان قبل أن تفاجئهم عوامل التحول المتسارعة في الاستراتيجيات والسياسات الإقليمية والدولية.
وعلى الجانب الآخر, يرى البعض أن مسألة العلاقة بين البلدين ليست مشكلة إيرانية بقدر ما هي مشكلة أمريكية, فما زالت مراكز أمريكية داخلية وبعض نواب الكونجرس الموالين لإسرائيل تقف عقبة أمام تحسين العلاقات مع إيران وبالنظر إلى الخسائر التي تتكبدها إيران خاصة على المستويات الإقليمية سواء في الخليج أو آسيا الوسطى من جراء الحصار الأمريكي. يمكن للنظام الإيراني أن يكون أكثر مرونة في عودة العلاقات خاصة وأن إيران في مجال علاقاتها مع بريطانيا أثبتت أنها قادرة على إزالة العقبات التي تواجه هذه العلاقات كلما استلزمت المصلحة ذلك.
ثالثا: محددات نابعة من علاقاتها الإقليمية:(2/57)
تعاني إيران في تفاعلاتها الإقليمية من العديد من مصادر التوتر, هذه المصادر تنعكس بدرجة كبيرة على قدرتها على إدارتها للأزمات التي تواجهها, ومن بينها الأزمة العراقية الراهنة, ومن مظاهر هذه التوترات:
التوتر على الجبهة الشمالية: حيث تجد إيران نفسها وقد جاورتها عدة دول تحيط ببحر قزوين, وتلك الدول اختلفت أوضاعها وحساباتها, والنفوذ الأمريكي والإسرائيلي يتوغل فيها على نحو يقلق إيران, وقد اضطرت طهران للتدخل في عدة مناسبات دفاعا عن أمنها ومصالحها الوطنية, فوقفت إلى جوار أرمينيا في صراعها ضد أذربيجان (رغم أن الأخيرة ذات أغلبية مسلمة وشيعية) خوفا من تنامي نفوذ أذربيجان وسعيها لاحتواء القومية الأذرية في إيران, وبسبب العلاقات الأذربيجانية الأمريكية الوثيقة التي تقلق إيران.
التوتر على الجبهة الغربية: حيث توجد تركيا ، وارتباطاتها القوية بالولايات المتحدة وإسرائيل ، ووجود قناعة إيرانية بأن الولايات المتحدة تدعم تعاوناً استراتيجياً بين مثلث يضم تركيا وإسرائيل وأذربيجان ، يعمل على منع مد أنابيب النفط والغاز من بحر قزوين إلى العالم الخارجي عبر إيران ، والهدف من ذلك هو الضغط على طهران وعزلها عن الترتيبات المستقبلية في القوقاز وقزوين وآسيا الوسطى لإحكام الحصار حولها.
التوتر على الجبهة الجنوبية: وينبع القلق من الأساطيل الغربية والقواعد الأمريكية في المنطقة ، وخاصة أنه من الجنوب يصدر النفط إلى مختلف أنحاء العالم، وهو سبب كاف لتمسك الأمريكيين بالبقاء في المنطقة, وفي ظل العلاقات غير الودية القائمة بين الجانبين ، فإن إيران تشعر بمزيد من القلق من هذا الوجود.
فإذا أضيف إلى ذلك وجود أمريكي كثيف في العراق ، فإن الجبهة الغربية لإيران ستصبح الأكثر سخونة والأشد خطراً ، خصوصاً مع وجود حدود مشتركة بين البلدين بطول 1630 كيلو مترا ، ونظراً لأن الولايات المتحدة لها طموحات أخرى تتجاوز إسقاط نظام صدام حسين.(2/58)
رابعاً: محددات نابعة من رؤيتها لأمنها ومصالحها القومية:
فاعتبارات الأمن والمصالح القومية تشكل في المرحلة الراهنة جوهر التحركات الإيرانية ، وعن ذلك يقول مصطفى تاج زاده أحد مهندسي حركة الإصلاحيين في إيران:" من حيث المصالح القومية ليس في صالحنا بأي وجه من الأوجه انتصار أمريكا.. ذلك أن انتصار أمريكا في العراق يعنى محاصرة الجمهورية الإسلامية وتطويقها بالكامل من قبل أمريكا ، حتى إن لم تحدث هذه المحاصرة وكان الهجوم في مكان آخر وعلى بلد آخر لا يجاورنا من قريب ولا بعيد ، علينا أن نرفض ذلك ،لأننا استراتيجياً نرفض الحرب لاعتقادنا بوجوب حل مشكلات عالم اليوم عبر الحوار والطرق السلمية ، وكذلك لاعتقادنا أن تدخل أمريكا أمر غير مشروع. إلا أن هذا لا يعني عدم التقدم لحل الكثير من مشاكلنا مع أمريكا ".
ومن جانبه قال حميد رضا آصفى المتحدث باسم الخارجية الإيرانية:" أنه في حالة اندلاع حرب تقودها الولايات المتحدة على العراق فإن إيران ستبحث عن أمنها ومصالحها القومية ، وستسعى لتجنب أي تقسيم لأراضي جارتها التي تضم جماعات متباينة عرقياً ودينياً وستدرأ أي تدفق للاجئين عبر حدودها ".
وفي إطار هذه الرؤى كان طبيعياً أن تراعي إيران في إدارتها للأزمة العراقية حسابات المكاسب والخسائر المحتملة ، فمن بين المكاسب التي قد تجنيها إيران من هزيمة العراق: الإطاحة بنظام صدام -عدوها اللدود- والتخلص من برامج الأسلحة التي قد تكون لديه ، وكذلك القضاء على بضعة آلاف من مقاتلي جماعة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة المقيمين في العراق.(2/59)
ولكن في مقابل هذه المكاسب فإن نصرا أمريكياً سيثير مخاوف إيران من خطر التطويق الذي أثاره بالفعل النشاط الأمريكي في أفغانستان على حدودها الشرقية ، ووجود قواعد جديدة لها في وسط آسيا ، هذا إلى جانب استمرار الوجود الأمريكي لفترات طويلة في دول الخليج العربية ، كما أنه إذا كان الغزو سريعا وحقق نجاحاً يؤدي إلى حكومة مستقرة في بغداد فإن إيران ستواجه عدة مخاطر:
-اقتصادية (حيث ستواجه منافسا قويا على الاستثمارات الغربية في قطاع الطاقة لديها).
-ودينية (حيث ستفقد مدينة قم الإيرانية الدينية سيطرتها المؤقتة كمركز للشيعة مع عودة كبار رجال الدين الإيرانيين والعراقيين المنفيين إلى مدن عراقية مثل النجف وكربلاء).
-وسياسية (حيث سيحفز أي تحول ديمقراطي في العراق سرعة المطالبة بإصلاح النظام السياسي القائم في إيران).
-وسكانية (حيث ستجد إيران نفسها في مواجهة موجات من اللاجئين العراقيين).
-وأمنية (حيث قد تتعرض إيران لموجة من صواريخ الغاز السام التي قد يطلقها حاكم العراق كضربة أخيرة للانتقام من أعدائه ، إذا ما انحرف الهجوم الأمريكي على العراق عن طريقه المرسوم ، كما أن تعرض العراق لحرب أهلية تهدد الشيعة ، و وجود طلب للمساعدة سيفرض أزمة على إيران ذات الأغلبية الشيعية).
إن إيران يمكن أن تلعب دورا فاعلاً في عراق ما بعد الحرب ، فوزنها الإقليمي إلى جانب نفوذها لدى شيعة العراق قد يساعد في تحقيق استقرار العراق بعد الإطاحة بصدام.(2/60)
يضاف إلى ذلك القناعة الإيرانية بأن الولايات المتحدة في حربها ضد العراق إنما تحاول تغيير الجغرافيا السياسية في منطقة الخليج ، كما تحاول أيضاً إضعاف القوى الإقليمية فيها، لذا تشعر إيران باستهداف مباشر وأنها ستكون الهدف التالي إذا حققت أمريكا أهدافها في العراق ، ومجيء نظام عراقي موال للولايات المتحدة يمكن أن يسهل للأخيرة مهمة العمل من أجل إسقاط النظام الإيراني خاصة وأن هناك أصواتاً علنية تطالب الإدارة الأمريكية بالعمل على إسقاط النظام الإسلامي ولو بالقوة ، كما أشارت عدة مصادر إلى أن الجيش الأمريكي سيذهب إلى العراق ليبقى هناك مدة طويلة من أجل القضاء على " بؤر التطرف " المساندة أو التي توفر مأوى للإرهاب وأسلحة الدمار الشامل ولا شك أن المقصود بذلك هو إيران.
كما أن الإدارة الأمريكية قد شكلت لجنة خماسية لتحديد الاستراتيجية الأمريكية الواجب اتباعها في بعض المناطق ومنها منطقة الخليج العربي. وقد قدمت هذه اللجنة عدة توصيات من بينها العمل على منع إيران من الحصول على أسلحه دمار شامل وضرورة إسقاط حكومة الثورة الإسلامية وإيجاد حكومة حليفة للولايات المتحدة.
كما أن إيران تتخوف من إقدام الولايات المتحدة على ضرب مفاعل بوشهر لاسيما في ضوء النوايا الأمريكية للعمل على منع إيران من حيازة سلاح نووي, وتثور المخاوف من تعرض المفاعل للدمار وادعاء أن ذلك تم بطريق الخطأ. وتنبع تلك المخاوف من وجود القوات العسكرية الأمريكية على مقربة من الأراضي الإيرانية حال توجيه ضربة للعراق, وهذه القوات قد تضطر إلى التقدم في المياه الدولية وربما دخول المياه الإقليمية الإيرانية للقيام بعملياتها, الأمر الذي يعني أن النجاح في السيطرة على الأراضي العراقية يسهل على الولايات المتحدة ضرب المفاعل النووي الإيراني.(2/61)
ومن جانب آخر. وفي إطار حسابات الأمن القومي الإيراني فإن المواقف الإيرانية من العدوان الأمريكي على العراق ترتبط ارتباطا قويا بالمصالح الإيرانية في الخليج, ومجمل الرؤى الخاصة بالعلاقات الإقليمية, حيث يتعارض هذا الغزو مع سعي إيران لدعم وجودها ونفوذها في إقليم الخليج, عبر نزع أسباب التوتر مع العراق وتقوية العلاقات مع دول الخليج, وعبر الحد من النفوذ الأمريكي, وخاصة وضع إيران ضمن دول محور الشر مع العراق وكوريا الشمالية.
فإيران تدرك أن الغزو سيؤسس وجوداً عسكرياً أمريكياً في العراق, وسيكون كذلك مقدمه لترتيبات إقليمية تسمح لإسرائيل بالوجود في العراق بالقرب منها, ومن ثم فإن معادلة العلاقات الإقليمية في الخليج سوف تشهد اختراقا إسرائيليا غير مسبوق في ظل رعاية وحماية أمريكية لهذا الاختراق.
وأمام هذه المحددات وتلك الاعتبارات يمكن القول أن معالم الموقف الإيراني في إدارته للأزمة العراقية تتركز حول: الرفض المطلق لأي غزو أمريكي للعراق أو التدخل في شئونه الداخلية من ناحية, ومن ناحية ثانية تجنب أي مواجهة مع العراق, والالتزام بدرجة عالية من ضبط النفس للحيلولة دون التورط في أي مواجهة سياسية أو إعلامية مع العراق, رغم الاتهامات الشديدة التي يطلقها بعض المسؤولين العراقيين من وقت لآخر (من ذلك قول نائب الرئيس العراقي طه ياسين رمضان بأن الأطماع الإيرانية في المنطقة لا تقل عن الأطماع الأمريكية والبريطانية كما اتهم الإيرانيين بأنهم حلفاء للصهاينة), ومن ناحية ثالثة التنسيق مع دول مجلس التعاون في الموقف من الأزمة, ثم الحرص على تجنب المواجهة مع أمريكا من خلال اتباع سياسية الحياد الإيجابي, بالالتزام بموقف سياسي معارض لضرب العراق وموقف عسكري غير منحاز لأي طرف من الأطراف المتصارعة.
المحور الثاني: آليات الإدارة الإيرانية للأزمة العراقية:(2/62)
وأمام هذه التوجهات فقد تعددت الوسائل والسياسات التي اعتمدت عليها إيران في إدارتها للأزمة العراقية, وفي إطار هذه الوسائل وتلك السياسات يمكن التمييز بين:
أولا: سياسة الحياد الإيجابي:
فالسياسة الإيرانية إزاء الأزمة العراقية تتجاذبها ثلاثة اتجاهات.
الأول: يدعو إلى التعاون مع المخطط الأمريكي للإطاحة بنظام الرئيس صدام حسين عبر تقديم دعم سياسي ولوجستى لقوى المعارضة العراقية وميليشياتها المسلحة بما يكفل للإيرانيين حصتهم في اللعبة الدائرة على الأرض العراقية.
الثاني: يرفض أي شكل من أشكال التعاون مع المخططات الأمريكية على مستقبل العراق ويرى أن مصداقية الجمهورية الإسلامية في العالم الإسلامي ستتأثر سلبا فيما لو حدث ذلك, ومن وجهة نظر أصحاب هذا الرأي فإن المخطط الأمريكي لا يقتصر على العراق وإنما يهدف إلى إعادة رسم خارطة المنطقة بما يعزز الوجود الأمريكي فيها ويحفظ أمن الكيان الصهيوني.
الثالث: يدعو إلى أن تتخذ إيران موقفا حياديا مما يجرى على مسرح الحدث العراقي عند انطلاق الحملات الأمريكية المرتقبة كما فعلت عند اندلاع حرب عام 1991.
وقد ترجمت سياسة الحياد الإيجابي في أفغانستان إلى دخول إيران في اللعبة عبر مساندتها للتحالف الشمالي, واشتراكها في إسقاط نظام طالبان, حتى أن بعض عناصر الحرس الثوري كانت مع قوات التحالف في أثناء دخولها إلى كابول, وقد قنن السيد علي خامنئى مرشد الثورة مفهوم الحياد الإيجابي, حيث أعلن في أصفهان في 30/10/2001, أننا نشجب الإرهاب, بكل أشكاله ونعارض الحملة الأمريكية على أفغانستان ونرفض الدخول في أي تحالف تقوده أمريكا.
وبمقتضى هذه السياسة فان إيران قد أدانت الحرب وفكرة تغيير الأنظمة بالقوة. وقررت ألا تعترض طريق القوات الأمريكية ولا تعرقل عملياتها, ولا تشارك في أي أنشطة عسكرية ضد العراق.
ثانيا: التنسيق مع المعارضة العراقية:(2/63)
من بين الأهداف التي تسعى إليها القيادة الإيرانية في إدارتها للأزمة العراقية, أن تلعب دوراً جوهريا في اتخاذ أي قرار يخص عراق ما بعد صدام, وان تعزز مكانتها في المنطقة وتعمق علاقاتها مع أوربا, وإذا تحققت لها هذه الأهداف فإنها ستقوي علاقاتها مع دول صديقة للولايات المتحدة, يمكن أن تدافع عن موقفها إذا قرر الصقور بالإدارة الأمريكية استهدافها بعد نهاية الحرب على العراق, وحتى تحقق هذا الهدف, وبما أنها لا تملك ما تقدمه للولايات المتحدة أكثر من الوعد بأنها لن تسبب شيئا من المتاعب, فإنها حاولت تعزيز موقفها عن طريق تقوية علاقاتها بالمعارضة العراقية, واتجهت إلى التنسيق مع عدد من فصائل المعارضة العراقية, وقد أخذ هذا التنسيق عددا من المظاهر الأساسية.
1- اللقاءات والمشاورات: فهناك تحرك إيراني باتجاه المعارضة العراقية استعدادا لمواجهة ما وصفه مساعد وزير الأمن (محمد شفيعي) بمرحلة تطبيق سيناريو في العراق شبيه بما تنفذه الولايات المتحدة وحلفاؤها في أفغانستان الآن, وهذا التحرك الإيراني بدأ بعد زيارة وزير الخارجية البريطاني إلى طهران ثم زيارة شفيعي (المكلف بملف العراق في المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني) إلى لندن, واجتماعه بشخصيات عراقية معارضة وتركزت محاورها على ضرورة تشكيل جبهة موسعة من ممثلي كافة فصائل المعارضة العراقية بغية تشكيل حكومة انتقالية للحيلولة دون مجيىء الولايات المتحدة ببديل مرتبط بها في مرحلة تغيير القيادة في العراق.
2- المشاركة في المؤتمر عقدته المعارضة العراقية بلندن في يناير 2003, حيث كانت إيران القوة الوحيدة الحاضرة بجانب الولايات المتحدة وساعد على بروز الدور الإيراني انعدام النفوذ العربي على المعارضة العراقية ككل من ناحية, وباعتبارها راعية المجلس الأعلى للثورة الإسلامية بالعراق الذي ستكون لمساهمته أهمية خاصة في إضفاء الشرعية على الحكومة الانتقالية من ناحية أخرى.(2/64)
والعلاقة بين إيران والمجلس الأعلى تبدو طبيعية خاصة وأن المجلس يعلن أنه يمثل الشيعة الذين يشكلون نحو 50% من سكان العراق ويؤكد أن المقصود بتحركاته في شمال العراق,هو ضمان أتاحة الفرصة لوجهة نظر شيعة العراق بشأن ما قد تشهده البلاد متى ما تمت الإطاحة بحكومة صدام البعثية, إضافة إلى ضمان عدم تجاهل مصالح إيران في الترتيبات المحتملة.
3-الدعم العسكري, فقد قامت إيران بالإشراف على تدريب قوات من المجلس الأعلى للثورة الإسلامية (المعروفة باسم لواء بدر) الذي يخطط حاليا لنشر قوات ربما تصل إلى 5000 جندي بشمال العراق, وتشير التقديرات الإيرانية إلى أن قوام " لواء بدر " يتراوح بين 5 آلاف و 30 آلف مقاتل. وهذه القوات مهما كانت أعداد أفرادها وجاهزيتهم, وقد لا تشكل قوة عسكرية حاسمة في الحملة التي تتزعهما الولايات المتحدة للسيطرة على العراق, إلا أنها يمكن أن تثير حالة من القلق, وتمثل تحديا تواجهه القوات الأمريكية وهي تسعى للإطاحة بنظام صدام حسين. (يقول أسد الله آثاري ماريان, مستشار بوزارة الدفاع الإيرانية, مشيرا إلى تحركات قوات بدر في العراق: " يجب عليهم الذهاب إلى هناك, وإذا لم يشاركوا في الإطاحة بصدام حسين فانهم سيكونون خاسرين). وقد تسببت الأنباء المتعلقة بنشر قوات بدر في شمال العراق في تجدد التحذيرات التي أطلقتها وزارة الخارجية الأمريكية, من أنها ستعارض أي وجود تدعمه إيران في العراق وأن نشر قوات بدر سيمثل تطورا خطراً للغاية وسببا لزعزعة الاستقرار.
4-تنظيم اجتماع المعارضة الشيعية العراقية في طهران 6/3/2003 تحت شعار " ترتيب البيت الشيعي العراقي" بحضور نحو 250 ممثلا عن عدد من التنظيمات الشيعية العراقية, أبرزها المجلس الأعلى للثورة الإسلامية.(2/65)
وإذا كان هناك من يرى أن الحكومة الإيرانية لا تقف وراء المؤتمر, وأن الإعلام الإيراني الرسمي لم يهتم بالمؤتمر ولم يبرزه فإنه يمكن القول بأن الحكومة الإيرانية لو لم تكن راضية عن المؤتمر ومرحبة بنتائجه لحالت دون عقده, فإيران أرادت من خلال المؤتمر, أن تبعث إلى واشنطن برسالة مفادها إن ورقة الشيعة لا ينبغي تجاهلها, وأنها من الأوراق المؤثرة التي تسيطر عليها إيران.
وفي مقابل هذه التحركات, وبما يعكس جانبا من عدم الوضوح في السياسة الإيرانية, أعلنت إيران (12/12/2002) أنها لن تسمح لأي قوة بما فيها فصائل المعارضة العراقية باستخدام أراضيها لشن هجوم على بغداد, وقال الناطق باسم الحكومة الإيرانية عبد الله رمضان زاده لن نسمح لأحد باستخدام الأراضي الإيرانية ضد أي من الدول المجاورة لأغراض عسكرية.
كما أعلن الناطق باسم الخارجية الإيرانية حميد رضا آصفى أن بلاده لن تلعب أي دور في المحادثات الجارية على أراضيها بين زعماء المعارضة العراقية, كذلك نفت إيران أن تكون استضافتها لعدد من قيادات المعارضة العراقية تغيرا في موقفها من الأزمة العراقية, وقال علي رضا معبري نائب وزير الخارجية الإيراني (10/12/2002) أن موقف طهران الرافض لأي تدخل عسكري في العراق لم يتغير. و وصف زيارة المعارضين العراقيين للعاصمة الإيرانية بأنها ليست شيئا جديداً.
كما أنه ومع أن إيران ظلت تستضيف فصائل المعارضة العراقية, إلا أنها تركت الأبواب مفتوحة للاتصالات المباشرة مع العاصمة العراقية بغداد, بدعوى إقناع صدام بالالتزام بقرارات مجلس الأمن الدولي تفاديا للحرب.
ثالثاً: التصريحات:
فقد تعددت التصريحات الصادرة عن المسؤولين الإيرانيين على مختلف المستويات حول الموقف من العراق, ومن الولايات المتحدة والتي تكشف -في جانب منها-عن أبعاد الإدارة الإيرانية للأزمة العراقية,ومن أهم هذه التصريحات:
1-تصريحات المرشد العام السيد علي خامنئي:(2/66)
قال (9/1/2003) إن الدول الإسلامية لن تترك الولايات المتحدة " تلتهم بهذه السهولة العراق وآباره النفطية " و أضاف أن الحرب الأمريكية المحتملة على العراق تهدف إلى الاستيلاء على آبار النفط والهيمنة على المنطقة والدفاع عن إسرائيل وفرض الرقابة على إيران, واتهم الولايات المتحدة بمحاولة إشعال التوترات الداخلية في إيران, مؤكدا أن طهران لن " تستسلم في مواجهة هذه الحرب النفسية ".
وقال في (31/1/2003) رداً على إدراج إيران ضمن ما عرف باسم
" محور الشر: " إن لهجة بوش هي لهجة رجل متعطش للدماء يتهم دول وشعوب العالم بأسره بأنها شيطانية ويهددها في حين أن الأمريكيين هم الذين دعموا خلال هذه الأعوام الماضية الأنظمة المعادية للشعوب وباعوا أسلحة فتاكة ونهبوا ثروات الشعوب". وأضاف أن " الجمهورية الإسلامية في إيران تفتخر بأن تكون هدفا لغيظ وحقد الشيطان الأكبر في العالم". وقال أن واشنطن تدعم علنا " النظام الصهيوني الظالم وجرائمه ضد الشعب الفلسطيني, وأثبتت مجددا أن الاتفاقات والمجموعات الدولية ما هي إلا وسائل تستعملها من أجل الوصول إلى أهدافها.
2-تصريحات الرئيس الإيراني محمد خاتمي:
شكك الرئيس خاتمي في (11/10/2002) في حقيقة الخطر العراقي, وقال " يتحدثون عن تدخل قوات أجنبية وهجوم على العراق بحجة القيام بحملة ضد الديكتاتورية وتدمير أسلحة للدمار الشامل ". وتساءل: " هل بغداد هي النظام الاستبدادي الوحيد وهل هناك تهديد حقيقي بان يستخدم العراق أسلحة كيمائية أو أسلحة الدمار الشامل ", و أضاف " لماذا إذاً دعموا العراق عندما غزا بلادنا؟ وأي قوى زودته بأسلحة كيميائية استخدمها ضدنا وضد شعبه؟
3- تصريحات رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني:(2/67)
- اعتبر رفسنجاني أن الوجود العسكري الأمريكي المتزايد في المنطقة يهدد استقرارها و أمنها, وقال أن تدخل الولايات المتحدة في شؤون المنطقة سيسمح " للنظام الصهيوني بتحويل انتباه الرأي العام العالمي عن المجازر وعمليات القمع التي يرتكبها بحق الفلسطينيين".
4- تصريحات وزير الخارجية الإيراني كمال خرازي:
قال خرازي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في (16/9/2002) أن بلاده تريد أن ينفذ العراق قرارات مجلس الأمن الدولي ويوافق على إعادة مفتشي الأسلحة التابعين للأمم المتحدة للسماح برفع العقوبات التي فرضت عليه بسبب اجتياح قواته للكويت عام 1990, و أكد معارضة بلاده لأي إجراء منفرد أو تدخل عسكري في العراق مطالبا بدور للأمم المتحدة في هذا الشأن, كما دعا إلى أن يترك مستقبل العراق السياسي للشعب العراقي وحده.
-قال في (5/1/2003) أن السياسة الأمريكية غير محصورة في هذا البلد و إنما تسعى إلى تغيير العديد من الأنظمة في المنطقة لإفساح المجال أمام إسرائيل لتوسيع هيمنتها, و أضاف انه يتعين على كل دول المنطقة منع الولايات المتحدة من شن هجوم عسكري على العراق ومحاولة حل الأزمة عبر وسائل دبلوماسية.(2/68)
-اتهم خرازي الرئيس الأمريكي في (29/1/2003) بالعمل على نشر أجواء من التوتر في الشرق الأوسط والتدخل في شؤون طهران الداخلية, بعد تصريحاته بأن طهران تسعى لتطوير أسلحة دمار شامل وتدعم الإرهاب, واعتبر أن الاتهامات الموجهة لإيران التي وردت في خطاب بوش لا أساس لها من الصحة, وأعلن خرازي أن ما قاله بوش عن الشعب الإيراني يشكل تدخلاً في الشؤون الداخلية لدولة أخرى, وهو أمر ندينه, وأن تصريحاته تثبت أن الولايات المتحدة ماضية في سياستها الخاطئة, بسعيها لنشر أجواء من التوتر الأمني داخل الولايات المتحدة وخارجها, وخصوصاً في الشرق الأوسط, معتبراً أن واشنطن تريد بهذه الطريقة ضمان هيمنتها العالمية, وأكد أنه حيال الأزمة العراقية فإننا حياديون, لكن هذا لا يعني أننا غير مبالين, مشيراً إلى أن طهران تنتهج سياسة حياد نشط بشأن هذا الملف.
-أعلن خرازي في (7/2/2003) أن الحرب مع العراق ستكون لها آثار في إيران, وإيران مستعدة لاستقبال اللاجئين العراقيين والسماح لهم بالإقامة مؤقتاً على الحدود مع العراق, وقد عرضت إيران, أثناء الحملة العسكرية على أفغانستان الجارة الشرقية لإيران بالمشاركة في عمليات البحث والإنقاذ المتعلقة بالجنود الأمريكيين, وأكد على أن إيران تقف ضد الحرب, ولن تنحاز إلى أي من الطرفين.
-أعرب عن قلق بلاده حيال أي حرب تستهدف العراق وحذر من انعكاسها على إيران, حيث يرى أن الخطر من احتمالات استعمال أسلحة كيماوية يمتد أثرها لإيران يظل قائماً ويتوجس منه الإيرانيون خيفة, كما أن أي حرب تشن على العراق من شأنها أن تفرز أعداداً من اللاجئين الذين يفرون من جحيمها وستكون إيران من أقرب الوجهات بالنسبة لهم.
5-تصريحات وزير الدفاع الإيراني علي شمخاني:(2/69)
-أكد شمخاني (29/10/2002) على أن " القوى الشعبية والقوات المسلحة في حالة استعداد تام والقدرات العسكرية الهائلة سترد على أي عدوان أجنبي " وقال إن " الاستقرار الداخلي في البلاد والصورة التي كونها العالم وخاصة أوربا عن إيران أفهمت بالتأكيد الولايات المتحدة بأن جمهورية إيران الإسلامية ليست أفغانستان ولا العراق ".
6-تصريحات الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني حسن روحاني:
-أكد روحاني في (15/1/2003) أن بلاده تدعم الولايات المتحدة في سعيها لنزع أسلحة الدمار الشامل العراقية وليس لتغيير نظام الرئيس صدام حسين, وقال " إذا كان هدف الأمريكيين نزع أسلحة الدمار الشامل في العراق فإن جميع بلدان المنطقة تؤيد ذلك, ولكن إذا كانوا يريدون تغيير النظام فإن ذلك يخالف شرعية الأمم المتحدة وجميع بلدان المنطقة ترفض ذلك ", وأضاف: أن على العراق أن يمتثل لقرارات الأمم المتحدة, لكنه شدد على ضرورة منح المزيد من الوقت لمفتشي الأسلحة الدوليين لكي يتمكنوا من إنجاز مهمتهم, وأشار إلى أن قلق إيران ودول المنطقة بشأن الهجوم الأمريكي نابع من الخوف من " تعرض الأبرياء للمجازر وتدفق اللاجئين وزعزعة الأمن في البلدان المجاورة للعراق, وسيطرة الولايات المتحدة على منابع النفط العراقي وتنصيب سلطة تعمل لحساب الأمريكيين في العراق ".
7-أعلن نائب وزير الداخلية الإيراني لشؤون اللاجئين في (26/1/2003) أن بلاده مستعدة لتوفير المأوى لنحو 200 ألف لاجئ عراقي كحد أقصى موزعين على عشر مخيمات بدلا من 19 مخيماً كانت إيران تخطط لها سابقاً, وأوضح أن المخيمات التي يستوعب كل منها 20 ألف لاجئ ستقام عند الخط الفاصل بين الحدود الإيرانية العراقية, وفي القسم الجنوبي منها بالتحديد, حيث يتوقع أن يكون عدد النازحين المتدفقين منها أكبر.(2/70)
وقال إن النازحين العراقيين لن يعبروا الحدود وسيقيمون في مخيمات داخل الأراضي العراقية تديرها منظمات معونة دولية, وأشار إلى أن وزارة الداخلية الإيرانية تجري مباحثات مع المسؤولين العراقيين لمساعدتهم على تمركز اللاجئين داخل العراق نفسه, وقال " اقترحنا إرسال بعثات إلى المناطق الغربية والجنوبية من العراق لإيجاد أماكن يتم إنشاء مخيمات للاجئين فيها تقع ضمن مسؤولية العراقيين أنفسهم ".
رابعاً: سياسة سد الذرائع:
والتي في إطارها كان قرار إيران بالقبول بدولة إسرائيل بجانب دولة فلسطينية وليدة, حيث يرى البعض أن التعديل في الموقف الإيراني من إسرائيل لا يخرج عن كونه تكتيكاً مؤقتاً يرتبط بتصاعد وتيرة التهديدات الأمريكية ضد العراق وتصميم الإدارة الأمريكية على إحداث التغيير والتعديل المطلوبين في خريطة الشرق الأوسط, وبالتالي رغبة الإيرانيين في النجاة من يد التعديل والتغيير الأمريكي مع التمسك بسياسة المواجهة من جديد مع إسرائيل.
خامساً: التلويح باستخدام سلاح النفط:
فقد لوحت إيران في (4/2/2003) باستخدام سلاح النفط في مواجهة التهديدات الأمريكية المتصاعدة ضد الجمهورية الإسلامية, وحذرت الخارجية الإيرانية من أن هجوماً أمريكياً على الأراضي الإيرانية سيكون خطأ كبيراً لا يمكن إصلاحه, كما حذر الرئيس الإيراني السابق هاشمي رفسنجاني من أن أي هجوم امريكي محتمل على إيران سيتسبب في " أزمة طاقة خطرة في العالم وسيتجاوز سعر برميل النفط الخمسين دولاراً ".
سادساً: الاتفاقات الأمنية:
تسعى القيادة الإيرانية إلى استكمال مسلسل الاتفاقات الأمنية مع دول المنطقة ضمن تحركها لتأمين نفسها في مواجهة التهديدات الأمريكية حتى تضمن موقفاً محايداً من هذه الدول على أقل تقدير, فلا تقدم أي تسهيلات للولايات المتحدة الأمريكية أو غيرها إذا ما فكرت في ضربها.(2/71)
فالاتفاقات الأمنية التي عقدتها إيران مع كل من السعودية والبحرين وعُمان وقطر والكويت ولبنان والعراق والأردن وتركيا وباكستان وأفغانستان تؤكد على أن إيران تعطي أمنها القومي الأولوية في هذه المرحلة, بغض النظر عن مبادئها الثورية, أو تعهداتها للحركات الثورية في المنطقة, وتشير إلى خط تحركها السياسي والعسكري وحجمه.
سابعاً: طرح مبادرة لتجنيب العراق الحرب المحتملة:
فقد أعلنت إيران في (4/3/2003) رفضها للمبادرة الإماراتية الداعية لتنحي الرئيس صدام حسين عن السلطة, واقترحت في المقابل إجراء استفتاء في العراق ومصالحة وطنية بين النظام الحالي والمعارضة برعاية الأمم المتحدة لتجنب حرب ضد هذا البلد, وقال وزير الخارجية الإيراني إن الشعب العراقي يجب أن يختار ممثليه الحقيقيين في استفتاء بإشراف الأمم المتحدة, ودعا القادة العراقيين لتبني مبادرة المصالحة الوطنية والسماح بمشاركة العراقيين المعارضين في الحكم.
وأعلن أن خطة من هذا النوع تمثل الحل الوحيد لتغيير الحكم سلمياً في العراق وتفادي حرب في المنطقة, وأضاف " لم نبحث بعد في هذه الخطة مع دول أخرى إذ لا يجوز لأي خطة مفروضة من الخارج أن تحدد النظام المقبل في العراق ", وأعرب عن أمله في أن يدرس القادة العراقيون الخطة التي تقترحها بلاده ويتخذوا المبادرة بأنفسهم.
المحور الثالث: رد الفعل الأمريكي:
يمكن التمييز في إطار رد الفعل الأمريكي على السياسات والتوجهات الإيرانية في إدارتها للأزمة العراقية بين عدد من الأبعاد الأساسية:
أولاً: التصريحات: فقد تعددت التصريحات الصادرة عن المسؤولين الأمريكيين حول إيران وموقفها من الأزمة العراقية وكيفية التعامل مع إدارتها للأزمة ومن بين هذه التصريحات:(2/72)
-اتهم وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد في (4/2/2003) إيران بالسماح لعدد من أعضاء تنظيم القاعدة وحركة طالبان بعبور حدودها مع أفغانستان هرباً من الملاحقة الأمريكية, كما اتهمها بتسليح عناصر داخل أفغانستان, وقال إن الولايات المتحدة تلقت تقارير مفادها أن إيران تسهم بشكل مباشر في زعزعة الاستقرار في أفغانستان, لكنه رفض الكشف عما إذا كانت واشنطن ستعمل على إغلاق الحدود الأفغانية الإيرانية أم لا.
وأضاف: " لا يساورني أدنى شك في أن الحدود الوعرة بين إيران وأفغانستان قد استخدمت من قبل القاعدة وطالبان للدخول إلى إيران طلباً للملاذ, وأن الإيرانيين لم يفعلوا ما فعلته الحكومة الباكستانية وهو نشر قوات على طول الحدود ومنع الإرهابيين من الهرب من أفغانستان إلى بلادهم ".
-تصريح وزير الخارجية الأمريكي " كولن باول " في (9/3/2003): " نكتشف فجأة أن إيران قطعت أشواطاً في برنامجها النووي أكثر مما كان الجميع يعتقد, واعتبر أن ذلك يظهر لنا كيف أن دولة عازمة على تطوير أسلحة نووية يمكنها أن تبقي عملية تطوير هذا البرنامج طي الكتمان بعيداً عن أعين المفتشين والخارج ".
-تصريح مستشارة الأمن القومي كونداليزا رايس في (9/3/2003): " لايفاجئنا بتاتاً أن إيران تحاول امتلاك أسلحة نووية وتخصيب اليورانيوم " وأضافت " تم الترويج له على أنه برنامج سلمي, لكننا كنا منذ فترة طويلة من الأصوات الوحيدة التي شددت على أن الإيرانيين يطرحون مشكلة ".
ثانياً: محاولة اكتساب إيران (التطمينات والضمانات):(2/73)
فقد حاولت الإدارة الأمريكية إرسال عدة رسائل لإيران, لتطمينها ومحاولة اكتسابها إلى صفها في الأزمة العراقية, وخلاصة هذه التطمينات أن إيران ليست مستهدفة في الحرب المحتملة, وأن مصالحها في العراق وأمنها القومي لن يمسا بأي سوء ومن ثم فليس هناك ما يبرر القلق أو التوجس في طهران, وقد استقبلت هذه الرسائل وغيرها بحذر في إيران, كما أثارت جدلاً واسعاً حولها, وذلك لعدة اعتبارات منها:
-أن الشكوك متجذرة بين البلدين على نحو أقنع القيادة الإيرانية بأن هدف هذه الرسائل هو تهدئة مسرح العمليات, كي يحقق الأمريكون أهدافهم في العراق دون معوقات.
-أن تجربة أفغانستان أكدت للإيرانيين أن واشنطن تريد استخدام الورقة الإيرانية, وليست مستعدة لأن تقيم مع طهران علاقة تعاون مشترك, فإيران برغم الدور الذي قدمته لإنجاح الحملة العسكرية ضد نظام طالبان, إلا أن الإدارة الأمريكية أدرجتها في النهاية ضمن ما سمي محور الشر.
وفي نفس الإطار نظر كثير من المراقبين إلى مشاركة أحمد الجلبي رئيس المؤتمر الوطني العراقي في مؤتمر الفصائل الشيعية بطهران, على أنه رسالة صريحة عكست رغبة واشنطن في إبلاغ طهران بعدم وجود توجه إمريكي لإبعاد القوى المعارضة المرتبطة بإيران من التركيبة المستقبلية للنظام في العراق بعد إطاحة صدام حسين, والتأكيد على أن واشنطن قامت بإعادة النظر في سياستها حيال طهران بعد زيارة محمد رضا خاتمي, نائب رئيس البرلمان الإيراني, إلى روما ولقائه رئيس الوزراء الإيطالي سليفيو برلسكوني, وكذلك قيام واشنطن بمنح المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق برئاسة آية الله محمد باقر الحكيم أكثر التنظيمات الشيعية ولاء لإيران, دوراً في التشكيلة المستقبلية للحكم العراقي.(2/74)
وفي مواجهة هذه المؤشرات تم إعلان عن أن إيران وافقت بشكل مبدئي على مجموعة من الطلبات الأمريكية التي نقلت إليها عبر دولة أوروبية, وأبرزها مساعدة الجنود الأمريكيين الذين يضلون طريقهم في الوصول إلى مواقعهم والسماح لفرق الإنقاذ الجوية بإجلاء الطيارين وحطام الطائرات في حالة سقوطها داخل الأراضي العراقية, وذلك مقابل ضمانات بعدم تعرضها لأي تهديد خلال الحرب أو بعدها, ومساعدتها على إقامة مخيمات داخل الأراضي العراقية على غرار ما فعلته خلال الحرب الأفغانية لإيواء اللاجئين العراقيين.
كما تلقت إيران تأكيدات بأن الولايات المتحدة تنظر إلى منظمة مجاهدي خلق بنفس المنظار الذي تنظر به إلى النظام العراقي, وأن مصير زعيم المنظمة مسعود رجوي وأنصاره لن يكون مختلفاً عن مصير النظام العراقي, وأن مواقع ومعسكرات مجاهدي خلق ستكون ضمن الأهداف العسكرية للهجمات الأمريكية فور انطلاق الحرب.
ثالثاً: السياسات المضادة:
رغم التطمينات التي حاولت الولايات المتحدة تقديمها لإيران, فإنها سعت في الوقت نفسه إلى تبني عدد من السياسات المضادة, والتي من شأنها, من وجهة النظر الأمريكية, الحد من التحركات الإيرانية حيث بدأت بتسريب أنباء عن انتهاكات حقوق الإنسان في إيران, والحديث عن اقتراب إيران من إنتاج أسلحة نووية تهدد جيرانها, ومن هنا فقد نظر إلى زيارة رئيس وكالة الطاقة الذرية إلى طهران أواخر فبراير 2003, على أنها تشكل بداية الالتفاف نحو إيران, وخطوة على طريق تدمير أسلحة الدمار الشامل التي يعتقد أنها تمتلكها.(2/75)
كما تم الترويج لفكرة أن الحشود الأمريكية الضخمة التي تتدفق إلى المنطقة لا يمكن أن تكون من أجل هزيمة النظام العراقي المنهك المدمر, وإنما من أجل نزع جميع أسلحة الدمار الشامل الإيرانية والسورية والباكستانية, كما أن احتلال الولايات المتحدة للعراق سيجعل إيران بين فكي الكماشة, قوات أمريكية في أفغانستان وحاملات طائرات وقوات في العراق والخليج, وحائط عسكري تركي صلب في الشمال.
كما تزايد التحرك الأمريكي باتجاه تطبيق " مبدأ التطويق " كمبدأ بديل لمبدأ "الاحتواء المزدوج" في التعامل مع إيران, ويهدف هذا المبدأ إلى تضييق الباب الأفغاني وامتداداته الآسيوية أمام إيران, وتقييد إيران بحزام من القواعد العسكرية والمدارات العربية الأمريكية, وكبح محاولات تطبيع العلاقات العربية الإيرانية وتحديداً مع الدول الخليجية.
وكذلك حصر التأثير الأيديولوجي والسياسي في الداخل الإيراني, وذلك من خلال الدعوات الأمريكية المطالبة بتفكيك علاقة طهران بكل من حزب الله (لبنان) وحركتي " حماس " و " الجهاد الإسلامي " (فلسطين) وحزب الوحدة (أفغانستان) فضلا عن الاعتراض الأمريكي على أي دور إيراني في العراق, سواء على مستوى المشاركة في صياغة مستقبله السياسي, أو على مستوى العلاقة مع فصائل المعارضة وأحزابها, وخاصة مع " المجلس الأعلى " ذي الخاصية الشيعية, والعمل على تحجيم العلاقات الإيرانية الروسية والإيرانية الأوروبية.
هذا بالاضافة إلى التصدي لأي تطور في العلاقات الإيرانية مع العراق, لأن احتمال تفعيل العلاقات الإيرانية العراقية وإزالة رواسب حرب الخليج الأولى يجعل من العراق حلقة الوصل الجغرافي بين سوريا وإيران ولبنان وفلسطين, مما يعني خلق واقع " جيو استراتيجي " يعيد مفهوم " الجبهة الشرقية " بعمق إسلامي يتجاوز الجغرافيا العربية.
المحور الرابع: مستقبل العلاقات الإيرانية الأمريكية:(2/76)
في إطار المحاور السابقة (المحددات, والسياسات, وردود الفعل) يكون التساؤل المهم هو, كيف سيكون مستقبل العلاقات الإيرانية الأمريكية؟
وفي إطار الإجابة على هذا السؤال يمكن القول بأن حدود المواجهة بين إيران والولايات المتحدة لا تعني حتمية الاصطدام المباشر, وخاصة في ظل توافر العديد من البدائل غير المباشرة التي يمكن من خلالها للولايات المتحدة إدارة الصراع مع إيران, وكذلك لغياب الإجماع الأمريكي الداخلي, وافتقاد الولايات المتحدة للحلفاء المناسبين لإدارة الصراع المباشر, لتبني إيران لسياسة تفويت الفرصة على الأمريكيين, هذا بالاضافة إلى تعدد التحديات الأمريكية الخارجية الأكثر إلحاحاً من التحدي الإيراني.
ومن هنا فليس من السهل تصور إمكان نشوب حرب شاملة ومباشرة بين الولايات المتحدة وإيران في ظل العديد من نقاط القوة التي تميز الجانب الإيراني ومن أبرزها:
-عسكرياً: امتلاك إيران لقوات الحزب الثوري التي تناهز نصف مليون مقاتل, فضلاً عن جيش نظامي يزيد تعداده على 800 ألف جندي, كما تمتلك إيران صواريخ بعيدة المدى من طراز "شاهين3" التي يمكنها الوصول إلى قلب إسرائيل.
- استراتيجياً: فموقع إيران الجغرافي يعطيها مزايا استراتيجية عديدة, فهي تشغل رقعة برية واسعة وبالتالي فإن إمكانية تدمير الأهداف الاستراتيجية ستواجه صعوبة للانتشار الكبير لهذه الأهداف, كما أنها قادرة على غلق مضيق هرمز وإيقاف حركة ناقلات البترول عبره.
-تنظيمياً: فهي ليست كأفغانستان أو حتى العراق, حيث يصعب تكوين تحالفات معادية للنظام الحاكم على غرار التحالفات الأفغانية, كما أن أجهزة الدولة ومؤسساتها تسيطر على الوضع الداخلي تماماً, في وجود حكومة قوية لديها قدرة كبيرة على تعبئة الجماهير وشحنها معنوياً.(2/77)
وأمام هذه الاعتبارات وغيرها فإن سيناريو الحرب الأمريكية الإيرانية المباشرة غير مكتمل العناصر, على الأقل في المرحلة الراهنة, ولذلك ستشهد المرحلة القادمة, تزايد الاعتماد الأمريكي على أشكال أخرى من وسائل إدارة الصراع مع إيران ومن ذلك:
-التشدد في تطبيق " مبدأ التطويق ".
-فرض ضغوط مكثفة على إيران من أجل السماح باستخدام أراضيها منطلقاً لعمليات أمنية هادفة لملاحقة عناصر مشتبه بانتمائهم إلى " القاعدة " أو " طالبان " واشتراط تسليمهم للسطات الأمريكية, أو المشاركة في التحقيق معهم إذا ثبت تورطهم في شبكة " الإرهاب ".
-الضغط على طرفي الواقع المذهبي والعرقي في إقليمي سيستان وبلوشستان الإيرانيين, حيث يوجد الإيرانيون السنة, بدعوى أن أفراداً من " القاعدة " و "طالبان " فروا إلى هذه المناطق, وأن بعض التيارات السنية الإيرانية (تنظيم الفرقان المحظور) مرتبطة بتنظيم " القاعدة " وهذا يستوجب تشدداً أمنياً إيرانياً.
-إثارة الحساسيات الناشئة عن الخلافات العرقية والمذهبية في المجتمع الإيراني.
وفي المقابل هذه التوجهات الأمريكية, يمكن القول إن قدرة الإدارة الإيرانية على مواجهة التحديات التي تفرضها هذه التوجهات, تتوقف بدرجة كبيرة على نجاحها في التعامل مع الأزمة العراقية, وتعظيم المكاسب التي يمكن الحصول عليها من هذه الأزمة هذه من ناحية, ومن ناحية ثانية مدى قدرة إيران على الحد من الضغوط والتوترات الداخلية واحتواء الانقسامات التي تبرز بين الحين والآخر بين التيارات السياسية والفكرية الإيرانية, ومن ناحية ثالثة مدى نجاح إيران في تسويق نفسها كقوة إقليمية قوية وقادرة على ضبط وإدارة الصراعات الإقليمية بكفاءة وفاعلية.
الإيرانيون السنة في الدستور الإيراني
حوار مع مستشار الرئيس الإيراني لشؤون أهل السنة
أجرى الحوار: طالب الأحمد
مجلة المجلة(2/78)
بالرغم من دفاع الشيخ مدني المستميت ومحاولة تبرئة ساحة القادة الإيرانيين من تهمة الإساءة إلى أهل السنة في إيران, إلا أن المقابلة –رغم ذلك- حوت في طياتها هموماً عديدة يبثها شخص في موقع رسمي, فهو وبالرغم من هذا الموقع الذي يقيده يتحدث بصراحة عن الإهمال الذي تعيشه المناطق السنية, وعن منعهم من إقامة مسجد في العاصمة طهران برغم أن عدد أهل السنة في المدينة يتجاوز نصف مليون شخص, وينتقد اشتراط الدستور المذهب الجعفري فيمن يتولى رئاسة البلاد, والأهم من ذلك أنه يتحدث عن الوعود التي لا تترجم إلى واقع.
وسبب نشر هذه المقابلة هو المقارنة بين ما يطالب به الشيعة في الدول العربية كما حدث مؤخراً في مؤتمر التقريب في البحرين، وبين الحقوق المهضومة للسنة في إيران التي لا تجد من يطالب بها ويدافع عنها.
وبالرغم أيضاً من أن الشيخ محمد اسحاق مدني هو مستشار الرئيس خاتمي فهو بالتالي شخص رسمي لا يمثل أهل السنة إلا أن الحق أنطقه, وباح بما يختلج في صدره فكان هذا الحوار.......................................................المحرّر.
الشيخ محمد إسحاق مدني, مستشار الرئيس الإيراني لشؤون أهل السنة وعضو مجلس خبراء القيادة من كبار علماء الدين في إيران. أتم دراسته الجامعية لعلوم الشريعة في المملكة العربية السعودية وباكستان وله عدة مؤلفات وترجمات في مجالات الفقه الإسلامي أبرزها موسوعة "الفقه الحنفي".
انتخب الشيخ مدني لدورتين متتاليتين في مجلس الشورى الإسلامي "البرلمان", عن منطقة بلوشستان –شرق إيران- كما انتخب لعضوية مجلس الخبراء في دورته الأولى, وهو أعلى هيئة قيادية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية تتولى مهمة انتخاب الولي الفقيه (المرشد) والإشراف على سياساته, وأعيد انتخابه بأكثرية شعبية للدورة الحالية.
التقيت به في مكتبه بطهران وحاورته حول مختلف القضايا المتعلقة بأوضاع أهل السنة في إيران وهنا نص الحوار:(2/79)
-هل هناك تقديرات متباينة لعدد أهل السنة في إيران, وهل توجد إحصاءات رسمية لذلك وكم تبلغ نسبتهم إلى مجمل عدد السكان؟
-لا توجد إحصاءات رسمية عندنا لأتباع المذاهب, فالإحصاءات العامة للسكان لا تتضمن إشارة إلى الانتماء المذهبي, سواء في العهد الملكي أو العهد الجمهوري الحالي. وأعتقد أن أهل السنة لا يقل عددهم عن سبعة ملايين ونسبتهم بمجموع سكان إيران تبلغ 10% أو أكثر قليلاً.
-هل يتناسب وجود أهل السنة في الحياة السياسية وحضورهم في مؤسسات الدولة المهمة مع نسبتهم؟
-لا.. إلى الآن ليست مناسبة, لكن بدأت الأمور تتجه إلى التحسن ونأمل أن تكون أفضل بما يتناسب مع حجمهم السكاني.
-هل تقصد أن هذا التحسن بدأ مع عهد الرئيس خاتمي؟
-قبل مجئ خاتمي كان هناك اهتمام بمتابعة مشاكل ومطالب أهل السنة لكنه كان دون مستوى الطموح. ومع بداية ولاية خاتمي الرئاسية الأولى أخذت الأمور تتحسن بسرعة ونجد الآن أن منهم من يحتل مناصب مهمة في إدارات الدولة مثل رئاسة المجالس البلدية في المحافظات التي يقطنون فيها وإدارة الأقضية والنواحي. وعلى الرغم من ذلك, لا يوجد محافظ للأقاليم من أبناء السنة, ونأمل أن تشهد الأمور مستقبلاً تحسناً أكبر.
نسبة التمثيل:
-هل يتناسب تمثيل أهل السنة في البرلمان حالياً, مع حجمهم السكاني؟
-الأمر متعلق بقانون الانتخابات ونسب التمثيل النيابي الذي يتجدد مع كل زيادة في عدد السكان. فحالياً يوجد في البرلمان 18 نائباً من أهل السنة, وهذا رقم لا بأس به, علماً بأن الترشيح والانتخاب في عموم مناطق إيران, بما في ذلك المناطق التي يقطنها أتباع المذاهب السنية لا يتم لاعتبارات مذهبية, فمثلاً تجد في الدورة البرلمانية الحالية نائباً سنياً ترشح عن منطقة تقطنها غالبية شيعية كما في مدينة أرومية –شمال غرب إيران- وبالعكس تجد نائباً شيعياً انتخبه أهل السنة في منطقة إيرانشهر, التي يشكلون أغلبية سكانية فيها.(2/80)
-هل يعني ذلك أنه لا توجد حساسيات مذهبية في المناطق التي يسكنها السنة والشيعة معاً؟
-دعني أقول لك بصراحة أن المجتمع الإيراني لم يعرف حساسيات أو صراعات ذات طابع مذهبي والجميع ينصهر في بوتقة الانتماء إلى إيران. على الصعيد الاجتماعي تجد أن هناك علاقات وصلات وطيدة بين السنة والشيعة. وفيما يتعلق بالترشيح للانتخابات فإن الناس لا تضع الاعتبارات المذهبية في المقام الأول, إنما تنظر إلى توجه وكفاءة المرشح وقدرته على تنفيذ مطالبهم.
محاكم خاصة:
-هل يضمن لكم الدستور الإيراني الحالي حقوقاً متساوية مع الأكثرية الشيعية؟
-الدستور يضمن لنا حقوقاً جيدة, من قبيل أن للسنة الحق في إقامة محاكمهم الشرعية الخاصة بهم وأن يكون لمناطقهم قضاة من أتباع المذاهب السنية وكذلك ما يتعلق بقوانين الأحوال الشخصية وإنشاء المدارس والمعاهد الدينية.
-هل يمكن أن يرشح أحد من أهل السنة نفسه لمنصب رئاسة الجمهورية؟
-لا, لأنه تبعاً للدستور لابد أن يكون الرئيس من أتباع المذهب الجعفري.
-في رأيكم لماذا ينص الدستور على هذا الشرط, وهل لديكم اعتراض عليه؟
-طبيعي أن يكون الأمر كذلك لأن الأغلبية شيعية, فالنظام السياسي في الدولة قائم على نظرية فقهية شيعية, ومن وجهة نظرنا فإنه كان من الأفضل أن لا يشير الدستور صراحة لهذا الشرط علماً بأنه لم تذكر بقية بنود الدستور أموراً من هذا القبيل. وعلى أية حال نحن ملتزمون بالدستور.
-هل شارك علماء السنة في تدوين دستور الجمهورية الإسلامية الحالي, وهل صوت له أبناء المناطق السنية بالإيجاب في الاستفتاء العام عليه عام 1979؟
-عند الشروع بتدوين الدستور بعد انتصار الثورة الإسلامية وزوال العهد الملكي كانت هناك نخبة من علماء أهل السنة اشتركت مع علماء الشيعة في تدوين بنود الدستور, وفي الاستفتاء لم يختلف السنة عن سواهم في التصويت بالإيجاب على الدستور.
-وهل شاركت في انتخاب الولي الفقيه؟(2/81)
-نعم, أنا عضو في مجلس خبراء القيادة الذي يتولى مهمة انتخاب الولي الفقيه والإشراف على سياساته.
-وكم يبلغ عدد العلماء السنة في مجلس الخبراء؟
-ثلاثة أعضاء حالياً.
-بصفتك أحد الأعضاء, هل خبراء المجلس يمارسون بصورة فعلية حقهم الدستوري في الإشراف على سياسات المرشد والتدقيق بها كما يفعل نواب البرلمان مثلاً مع رئيس السلطة التنفيذية؟
-طبعاً, هذا الحق مكفول لكل الأعضاء بنص الدستور, وهذه هي أصلاً مهمة مجلس الخبراء. فمن يتولى منصب ولاية الفقيه يكتسب مكانة روحية خاصة وينظر إليه على أنه الأكفأ في العلم والعمل بين العلماء.
-هل أعطيت صوتك لصالح السيد خامنئي في أول انتخابات أجراها مجلس الخبراء بعد رحيل الخميني عام 1988م؟
-نعم, وكل الأعضاء صوتوا له باستثناء عضو واحد.
-نظرية ولاية الفقيه التي طرحها الشيعة, هل لعلماء السنة في إيران اعتراضات عليها؟
-هذا الاصطلاح "ولاية الفقيه", غير موجود عند أهل السنة, لكن من حيث المبدأ فإن السنة لا يختلفون عن الشيعة في الاعتقاد بأن الخليفة أو أمير المؤمنين أو صاحب المقام الأعلى في البلاد الإسلامية ينبغي أن يكون من أعلم الناس وأفقههم في أمور الشريعة وأن يتسم بالعدالة والصلاح ومجاهدة النفس, لذلك نحن متفقون على هذا الأصل وإن اختلفت التسميات.
-صرح بعض النواب السنة أن الثورة الإسلامية لم تحقق طموحات أهل السنة في إيران وأن هناك مشكلات يعانون منها.(2/82)
-هذه المشكلات ليست مقتصرة على المناطق السنية, وهذه الظاهرة لا صلة لها بالانتماءات المذهبية, فعلى سبيل المثال المناطق النائية لإخواننا الشيعة تعاني من مشكلات عدة كما هو الحال في المناطق النائية لأهل السنة. وكما تعلمون فإن وجود غالبية السنة الإيرانيين هو في المناطق الحدودية البعيدة عن المركز, الأمر الذي يجعل حظهم من الخدمات والمشاريع الحكومية أقل من سواهم في مناطق المركز, وهذا لا يبرر التقصير في أداء الجهاز الحكومي. ونحن والنواب نسعى دائماً لحل هذه المشكلات وندعو الحكومة لأن تبدي اهتماماً أكبر بتحسين مستوى الحياة الاقتصادية لسكان تلك المناطق سواء كانوا من الشيعة أو السنة.
-لكن النواب تحدثوا عن مشكلات وواقع أهل السنة تحديداً وانتقدوا الحكومة بسبب ذلك, فهل يعني ذلك أن الحكومة لا تنظر بجدية لمطالب أهل السنة؟
-على صعيد الحكومة أو الدولة عموماً لا توجد سياسة تضييق على أهل السنة أو تجاهل لهم, فهي تتعامل مع جميع المواطنين على أنهم إيرانيون أولاً.
-عدم وجود مسجد لأهل السنة في طهران رغم المطالب المتكررة لسكان العاصمة من أتباع المذاهب السنية بذلك, ألا يشير إلى مشكلات ذات طابع مذهبي؟
-هذه المشكلة قديمة وقد سعينا باستمرار لحلها لكننا لم نوفق بذلك للأسف.
-بصفتك مستشاراً لرئيس الجمهورية, هل طرحت هذه المشكلة على خاتمي؟
-نعم, تكلمت معه حول هذا الأمر منذ فترة طويلة ووعدنا خيراً لكن حتى الآن لم يسمح للسنة ببناء مسجد خاص بهم في طهران.
-المعروف عن خاتمي أنه صاحب توجهات انفتاحية والإحصاءات تشير إلى أنه انتخب بأغلبية ساحقة في مناطق أهل السنة في الدورتين الرئاسيتين. فلماذا لم يستجب لمطلبكم حتى الآن؟(2/83)
-لعلكم تعرفون أن الأمور ليست كلها بيد شخص واحد. نظرياً تبدو الأمور هكذا, لكن على أرض الواقع فالأمر مختلف, فهناك تعددية في القوى السياسية النافذة في إدارات الدولة والبعض ممن يملكون القدرة والنفوذ لديهم وجهات نظر مختلفة عن توجهات خاتمي وهذا الوضع يعكس نفسه بطبيعة الحال على أداء الرئيس.
-بعض المسئولين في الدولة يقولون أن بوسع السنة الصلاة في المساجد الشيعية!
-هذا التبرير غير مقبول, لأن هناك اختلافاً في أوقات الصلاة ونوعية الخطب في صلاة الجمعة, وفي شهر رمضان توجد للسنة صلاة التراويح فضلاً عن أشياء خاصة بكل مذهب. الحكومة لم تقل لنا صراحة أنها لا تسمح ببناء المسجد, لكنها تعد من دون تنفيذ. وأعتقد أن السبب الأساسي هو الخوف لدى بعض الأوساط من إثارة حساسيات مذهبية.
-تردد في الآونة الأخيرة أن عناصر من طالبان وتنظيم القاعدة تسللوا إلى الأراضي الإيرانية, هل تعتقد أن بوسعهم التخفي عن أنظار الحكومة الإيرانية؟
-الحدود الغربية لإيران مع باكستان وأفغانستان طويلة ووعرة ومن الصعوبة بمكان السيطرة عليها بصورة تامة, وحكومتنا تعاني منذ فترة طويلة من حركة المهربين وتجار المخدرات عبر هذه الحدود. وربما يستعين عناصر من طالبان أو القاعدة بالمهربين للتسلل إلى الأراضي الإيرانية, لكن الحكومة, بتعاون أهالي المنطقة الواعين, لا يمكن أن تسمح بوجود هذه العناصر المتطرفة. وقبل فترة تم إلقاء القبض على عدد من المتسللين وأعتقد أن ذلك يجعل من الصعوبة بمكان تصور أن يغامر آخرون من القاعدة أو طالبان بالفرار إلى الأراضي الإيرانية.
-هل هناك من شباب إيران من إقليم بلوشستان, من التحق بتنظيم القاعدة قبل الأحداث الأخيرة؟
-بحسب اطلاعي لا يوجد ولم ألحظ في بلوشستان من يؤيده علناً حتى قبل أحداث سبتمبر.(2/84)
-أشارت بعض المصادر المحلية مؤخراً إلى وجود صور لأسامة بن لادن وأشرطة مدمجة وصوتية لخطبه بين أوساط أهالي منطقة (بلوشستان) التي يقطنها أتباع المذاهب السنية, فهل يشير ذلك إلى وجود تعاطف مع توجهات طالبان والقاعدة؟
-أنا شخصياً لم أر ذلك, وأستبعد وجود صور لابن لادن في بلوشستان أو غيرها من المناطق المحاذية لأفغانستان. ربما توجد أشرطة صوتية يتم تداولها بين الناس, لكن حتى هذا لا يدل على وجود تعاطف شعبي مع القاعدة أو طالبان, لأن الإيرانيين سنة وشيعة لا يستسيغون التطرف من دون أن يعنى ذلك بطبيعة الحال عدم وجود بعض المتطرفين المتعصبين من أتباع هذا المذهب أو ذاك.
التقرير الإستراتيجي الإيراني
عمر راشد (باحث مصري)
يمثل إصدار التقرير الاستراتيجي الإيراني (1) السنوي السابع في تشرين الأول / أكتوبر 2002 حدثاً مهماً في تطور الدراسات المهتمة بالعلاقة الإيرانية –العربية من ناحية, والمصرية من ناحية أخرى, فالتقرير – كما حدد دوره من قبل – يهتم برصد وتحليل المتغيرات والمستجدات والتفاعلات الإيرانية على الصعيدين الداخلي والخارجي وذلك من خلال العديد من المحاور التي تشمل الشؤون الداخلية والخارجية على حد سواء.
وهذا التقرير هو الأول في مصر والوطن العربي الذي يهدف في الأساس لمتابعة إحدى الدول الإقليمية الكبرى في المنطقة والعالم والتي لا يتوقف الإهتمام بها عند حد دول الجوار الجغرافي بل يتجاوز إلى حد ما وراء هذا البعد الجغرافي بكثير.
__________
(1) شؤون الأوسط العدد 110 ربيع 2003
التقرير الاستراتيجي الإيراني السنوي (2001- 1421 هـ)(2/85)
يأتي إصدار التقرير بعد العديد من الأحداث التي مرت بها المنطقة على المستوى الإقليمي والعالمي على حد سواء, والتساؤل الذي طرح نفسه كيف تفاعلت المنطقة مع هذه الأحداث المتمثلة في الحادي عشر من أيلول / سبتمبر 2001, والانتخابات الإيرانية, وانتخاب الرئيس محمد خاتمي في فترة ولاية ثانية كشفت عن الكثير من المتغيرات الجديدة في السياسة الإيرانية تجاه المجتمعات العربية والخليجية على حد سواء, بل وتجاه العالم بصورة شاملة, وكما اهتم التقرير بدوائر العلاقات الإيرانية مع دول الجوار من آسيا الوسطى والدول الخليجية, كما يرصد التقرير أهم المتغيرات في السياسة الإيرانية –الأوروبية في الفترة الحالية والمستقبلية, والواقع أن هذه الأحداث قد أعادت تشكيل جزء مهم من السياسة الإيرانية, وكأنها قبلت بممارسة الحياد الإيجابي عن اقتناع وإدراك حقيقيين, كما أفرزت هذه الأحداث توجهاً جوهرياً إيرانياً –شبه متوازن ومعتدل- صوب جميع دول الجوار الجغرافي لإيران, فعلى سبيل المثال -لا الحصر- لم تعد إيران غير مهتمة بحدودها مع باكستان مثلما هو الحال في العراق, وذلك لأن أمريكا الموجودة في الخليج منذ زمن باتت مجاورة لها في باكستان وكذلك في أفغانستان, وعلى الرغم من الأمان النسبي الذي كانت تتمتع به إيران على – وفي – حدودها الشمالية حيث دول آسيا الوسطى, لكن الأمر قد بات مختلفاً بعد الحادي عشر من أيلول / سبتمبر, وكأن هذه الأخيرة لها فضل استنفار إيران على طول حدودها, وهو أمر لا يخلو من المزايا بقدر ما يتضمن من أعباء وتكاليف قد ترهق أو تعرقل عملية التنمية القائمة في إيران, وهناك أمر آخر أشار إليه التقرير وهو أن أحداث الحادي عشر من أيلول / سبتمبر قد أوجدت تآلفاً بين القوى السياسية داخل إيران نحو التوافق والتصالح أو ما يمكن تسميته بالوحدة الوطنية, وقد رسخت هذه الأحداث عدداً من المفاهيم القائلة بأن أمريكا تريد إجهاض أو تطويق النظام(2/86)
الإسلامي الإيراني, وقد كان لهذا الوضع الأثر الكبير في توحد الصف الإيراني في مواجهة القوى الخارجية المعادية للثورة وعلى رأسها أمريكا.
وقد تعرض التقرير للعديد من القضايا في قسمين رئيسيين هما:
أهم القضايا والملفات الداخلية والعلاقات الخارجية الإيرانية وقد تناول القسم الأول الأمن القومي الإيراني وسياسة الدوران الأمريكي حول إيران كما تناول أيضاً التوجهات الجديدة للرئيس الإيراني محمد خاتمي في سياسة الإحتواء السلمية لدول الجوار الجغرافي كما تناول قضية حوار الحضارات والرؤية الإيرانية لها.
وفي القسم الثاني تناول التقرير العلاقات الخارجية الإيرانية وذلك في إطار العلاقات الإيرانية العربية وفي إطار علاقات إيران مع دول المواجهة مع إسرائيل وقد تناولت البحوث أيضاً ضمن التقرير العلاقات الإقليمية والدولية من خلال العلاقات الإيرانية بالقوى الآسيوية والعلاقات الإيرانية بدول آسيا الوسطى كما تناول التقرير العلاقات الإيرانية الأفغانية قبل وبعد الحادي عشر من أيلول / سبتمبر 2001, بالإضافة إلى علاقات إيران بكل من أوروبا وتركيا وأمريكا وإسرائيل.(2/87)
في القسم الأول من التقرير تناول الدكتور مصطفى الفقي في الورقة البحثية التي أعدها حول " آفاق التعاون بين مصر وإيران " العلاقات المصرية-الإيرانية من منظور مختلف يشهد بتعقد هذه العلاقات وتشابكها بين الأطراف الفاعلة في المنطقة حيث تمر المنطقة حسب قوله – بمنعطف خطير على مستوى العلاقات الثنائية أو المتعددة الطرف حيث أن هناك حركة ترقب, ولا يستطيع القارىء أو المحلل أن يجزم وبشكل قاطع التصور القادم للمنطقة, ومن الواضح أن الولايات المتحدة الأمريكية تعيد ترتيب الأوضاع في المنطقة, وعلى الجميع –من وجهة نظرها- أن يرتب أوضاعه طبقاً للظروف الدولية الجديدة, وفي نظره أن آفاق التعاون المصري – الإيراني رغم ما شهده من تطور على المستوى العملي والنظري في الآونة الأخيرة إلا أنه يمر بمنعطف خطير للغاية حيث أن إيران دولة مرشحة للمواجهة مع الولايات المتحدة الأمريكية, تكاد تكون تالية للعراق وذلك لكون إسرائيل تقوم بأداء دور أساسي في منطقة الشرق الأوسط خصوصاً ما يتعلق بالسياسات الأمريكية تجاه دول المنطقة, وليس بخاف على أحد أن إسرائيل لديها قلق تاريخي من دولة إيران منذ قيام الثورة وحتى الآن, ومن الواضح أن إسرائيل تستشعر هذا الخطر من تبني الثورة الإيرانية لمفاهيم إسلامية مثل الجهاد ومواجهة أعداء المنطقة وأعداء الإسلام, وهو أمر من شأنه أن يشكل خطراً واضحاً على إسرائيل, بالإضافة إلى البرنامج النووي الإيراني, ويرى الدكتور مصطفى الفقي أن العلاقات المصرية-الإيرانية يجب أن تكون إضافة للطرفين خصوصاً وأن الأمور المعلقة بين العرب وإيران محدودة.(2/88)
وفي هذا الإطار تسعى مصر وبكل قوة إلى بناء ثوابت قوية وغير منفصلة مع الجانب الإيراني في الظروف العادية والاستثنائية على حدٍ سواء, ويبدو أن الظروف شديدة التعقيد التي تمر بها المنطقة تدعونا جميعاً إلى التكاتف والتآزر لبناء هذا الجسر التعاوني بين البلدين, ومن الأوراق البحثية العامة جاءت ورقة د. مدحت حماد حول " الأمن القومي الإيراني " وكيف أن أمريكا أدت –ولا تزال- دوراً كبيراً في الدوران حول إيران منذ سقوط الشاه في عام 1979 وقيام الثورة الإسلامية التي أخذت الموقف الرافض من السياسات الأمريكية في إيران بصورة خاصة والمنطقة بصورة عامة, وقد أخذت أمريكا تعيد ترتيب أوراقها في دول آسيا الوسطى والدول الخليجية حيث قامت:
-بإلغاء الحظر الأمريكي على تصدير الأسلحة إلى طاجيكستان وذلك لرغبة أمريكا في تقليل الإعتماد الطاجيكي على روسيا في المجال العسكري.
-العمل على مد حلف الناتو إلى آسيا الوسطى بهدف فصل إيران من الشمال والشمال الشرقي عن كل من روسيا والصين.
-الإندفاع نحو أذربيجان و أوزبكستان بعد الحادي عشر من أيلول سبتمبر لخلق فرص حقيقية للتواجد الأمريكي بالمنطقة.
وقد عملت أمريكا على تدعيم تواجدها العسكري من خلال أسطولها الخامس والذي يضم ثمان قواعد جوية وقاعدتين بحريتين وذلك كما يلي:
-في الكويت: قواعد برية, 22 قاعدة جوية (علي سالم وأحمد الجابر)
-في البحرين: قاعدة المنامة البحرية, 2 قاعدة جوية.
-قطر: قاعدة جوية.
-الإمارات: قاعدة جبل علي البحرية, 3 قواعد جوية
-عُمان: قاعدة جوية.(2/89)
يهدف التواجد الأمريكي إلى دعم الاستراتيجية الأمريكية الهادفة إلى عدم تحقيق أي تقارب مع الدول الحيوية في المنطقة مثل التقارب مع إيران والتقارب مع العراق, وذلك لأن هذا التقارب سوف يؤدي إلى ابتزاز الولايات المتحدة والغرب فضلاً عن إمكان التهديد المباشر للمصالح الغربية, وأكد الباحث على أن أمريكا تمثل أكبر مهدد للأمن القومي الإيراني حالياً وفي المستقبل المنظور أيضاً وقد استطاعت أمريكا أن تستغل الأحداث التي شهدتها المنطقة خلال العقدين الأخيرين في تطويق إيران عبر سياسة الدوران الجغرافي حولها, فدعمت وجودها في جنوب إيران أي في الخليج بدوله السبع وكذلك ركزت وكثفت وجودها في غرب إيران كما وظفت أحداث الحادي عشر من أيلول / سبتمبر في إحكام قبضتها حول إيران من ناحية الشرق حيث ركزت على كل من أفغانستان وباكستان, وخلقت فرصاً للتواجد المباشر والإستراتيجي في الشمال حيث آسيا الوسطى.
وقد جاءت نتائج الإنتخابات الرئاسية في إيران تدعيماً للنهج الاصلاحي داخل المؤسسة السياسية في إيران وذلك بعد نجاح الرئيس محمد خاتمي لفترة رئاسية ثانية بصورة تدل على رغبة المجتمع الإيراني في التغيير والتطوير.(2/90)
وقد كان ذلك موضوع الورقة البحثية التي أعدها الأستاذ حماد أحمد حماد والتي توصل فيها إلى أن النهج الإصلاحي كان في تصادم شبه مستمر مع التيار المحافظ وقد استعاض الرئيس خاتمي في نهجه الإصلاحي لفترة رئاسية ثانية بمفهوم جديد يعتمد بالأساس على تقليل معاناة الشعب وتحسين مستوى المعيشة, والإهتمام بقضايا الشباب وقضايا الأمن العام وخلق فرص عمل جديدة وهي موضوعات كانت تأتي في المرتبة الثانية خلال فترة الرئاسة الأولى, لقد أدى تجاهل الرئيس خاتمي البعد الإقتصادي خلال فترة رئاسته الأولى إلى ارتفاع معدل البطالة من 11.7 في المئة عام 1997 إلى 16.2 في المئة في عام 2000 ومن المرجح أن تصل هذه النسبة إلى 38.7 في المئة عام 2008 وذلك في حال استمرار التباطؤ في معدلات النمو الإقتصادي.وقد وصل متوسط معدلات التضخم إلى 17,5 في المئة في مقابل متوسط نمو إقتصادي 13,5 في المئة, ومن هنا جاء مفهوم الإصلاح الإقتصادي ليحل محل المفهوم السائد في فترة الرئاسة الأولى ويعتمد الإصلاح الإقتصادي على حزمة اقتصادية تشتمل على إعطاء دفعة أكبر للقطاع الخاص في المجال الاقتصادي والعمل على إصدار العديد من التشريعات الإقتصادية التي تدفع بالعمل الإقتصادي قدماً إلى الامام.
وحول " الرؤية الإيرانية لحوار الحضارات " جاءت الورقة البحثية التي أعدها الباحث أحمد محمد طاهر والذي يرى أن الرؤية الإيرانية جاءت مختلفة تماماً عما طرح من مفاهيم حول حوار الحضارات حيث كانت إيران من الدول الأولى التي دعت لحوار الحضارات.(2/91)
فقد دعا الرئيس محمد خاتمي من خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الثالثة والخمسين عام 1998 إلى إقرار مبدأ حوار الحضارات والشعوب وذلك كبديل عن الصراع والتصادم, وقد قوبل بحفاوة بالغة من أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة حيث اعتبرت أن عام 2001 هو عام الحوار بين الحضارات ويؤكد الرئيس الإيراني على أن التوصل إلى السلام العالمي الدائم الذي يحتاج إليه البشر لن يكون إلاّ من خلال الحوار والمناقشات وتحكيم المنطق في العلاقات ونبذ التعصب والتزمت, ومن هنا يرى الباحث أن الحوار أصبح واقعاً اجتماعياً يحكم المؤسسة الإيرانية ويمكن إدراكه من خلال مظهرين هما:
المظهر الأول: حركة التأثير والتأثر لمصدقات الثقافات والحضارات المختلفة مع بعضها وما للعوامل الخارجية المحيطة من أثر عليها على مر الزمان.(2/92)
المظهر الثاني: لا بد أن يكون حوار الحضارات من خلال نواب عن هذه الحضارات كالعلماء والفنانين والفلاسفة ومن هنا يكون الحوار نشاطاً قائماً على المعرفة والإرادة لا على قهر العوامل التاريخية والجغرافية. وفي " القسم الثاني " يتناول التقرير الفرعيات في العلاقات الإيرانية ومنها العلاقات العربية –الإيرانية ولا سيما العلاقات الإيرانية-الخليجية حيث تمحورت العلاقات الكلية بين إيران والدول الخليجية العربية في بعدين يرتبط كل منهما بالآخر, الأول هو طبيعة العلاقات الثنائية بين إيران وكل دولة خليجية عربية والمحصلة النهائية لهذه العلاقات والبعد الثاني هو قضية الأمن في الخليج, حيث أن محصلة العلاقات الثنائية والتي إما أن تكون علاقات متوترة تعبر عن تفاعلات تعاونية هي في حد ذاتها دالة في أمن الخليج, حيث أن التوتر أو الاستقرار في الأمن إنما يعكس مستوى العلاقة بين الجانبين ويشير الباحث حسام حسن معد الورقة البحثية إلى أن العلاقات بين الجانبين تحولت من نمط الصراع إلى نمط التعاون والدليل على ذلك حجم التبادل التجاري بين الجانبين خلال أعوام 1997 و 1998 و 1999 حيث أن واردات إيران وصلت إلى أكثر من مليار ونصف المليار دولار, فيما زاد حجم الصادرات الإيرانية والتي تتنامى عاماً بعد عام ليصل إلى ما يفوق ملياري دولار, وحول العلاقات الإيرانية مع دول المواجهة مع إسرائيل أوضح الباحث "خليل عرنوس" أن العلاقات الإيرانية مع دول المواجهة شهدت تطوراً فاعلاً ونمواً متزايداً فإذا كانت هذه العلاقات قد شهدت بعض التذبذب في عام 2000 نتيجة موقف إيران من عملية التسوية للصراع العربي-الإسرائيلي فإن عام 2001 شهد تحولاً بارزاً بشأن علاقات إيران مع دول المواجهة, ساعد في ذلك طبيعة الأحداث السياسية الإقليمية والعالمية, حيث جاء على المستوى الإقليمي تولي أرييل شارون رئاسة الوزراء في إسرائيل وسعيه إلى نسف مسار التسوية السلمية والتصعيد(2/93)
العسكري المتواصل من جانب إسرائيل الذي أدى إلى وصول المفاوضات إلى طريق مسدود, كل هذا وغيره أدى إلى الدفع نحو تقوية العلاقات الإيرانية مع دول المواجهة مع إسرائيل وقد شملت هذه العلاقات كافة أوجه التعاون بين إيران ودول المواجهة, والدور الإيراني في الدفاع عن القضية الفلسطينية يتزايد خصوصاً مع دخول الإنتفاضة عامها الثاني وهو ما كانت تهدف إليه إيران, حيث تراهن على الإنتفاضة كخيار استراتيجي اساسي لمقاومة الإحتلال, ومن خلال قيام إيران بطرح القضية الفلسطينية كقضية محورية في العلاقات الإيرانية-العربية بصفة عامة وحيث استطاعت إيران أن تؤدي دوراً أكثر حيوية في نطاق العالم العربي والإسلامي.
وحول العلاقات الروسية-الإيرانية وكذلك العلاقات اليابانية-الإيرانية والتي جاءت كأحد مؤشرات الإنفتاح الإيراني لإقناع العالم بأن إيران " خلعت رداء تصدير الأيديولوجية الدينية وأنها دولة تريد تحقيق السلام الدولي " فإنها تمثل أيضاً مؤشراً قوياً وأحد مفردات سياسة إيران للتحول نحو آسيا خصوصاً نحو القوى الآسيوية البارزة.
ويرى الباحث رشاد منير الذي أعد ورقته البحثية حول العلاقات الإيرانية بكل من روسيا واليابان أن شكل هذه العلاقة اعتمد بشكل كبير على عدد من المتغيرات أهمها: تدخل الولايات المتحدة الأمريكية في العلاقات بين البلدين بالضغط على اليابان لعدم تطوير تعاونها مع إيران بشكل كبير خصوصاً بعد زيادة حدة التصريحات بين البلدين بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر وإصرار الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش على اتهام إيران برعاية الإرهاب والسعي للحصول على أسلحة الدمار الشامل.(2/94)
وحول علاقة إيران بدول آسيا الوسطى أكدت الباحثة خديجة عرفة محمد, على أن أحداث الحادي عشر من أيلول / سبتمبر كانت فرصة ذهبية لإعطاء مبرر وغطاء شرعيين لتواجد الولايات المتحدة في المنطقة, وكان رفض إيران هذا التواجد واضحاً في أكثر من موقف, أهمها موقفها من التصريح الذي أدلى به مساعد وزير الخارجية الأمريكي في 24 آب أغسطس 2001 حول دعم واشنطن لأذربيجان في خلافها مع إيران حول نفط بحر قزوين, وكان لهذا أثره البالغ لاحتواء دول المنطقة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً منذ هذه الأحداث وحتى الآن. وحول العلاقات الإيرانية – الأفغانية أكدت الباحثة ولاء البحيري على أن أحداث الحادي عشر من أيلول / سبتمبر 2001 قدمت فرصة ذهبية لا نظير لها كي تتمكن الحكومة الإيرانية عن طريق إدانتها الصريحة القاطعة لكل الأطراف المشتبه في ضلوعها في هذه الجريمة حتى يتم تهيئة الأجواء لترميم العلاقات مع أمريكا في وقت ملائم, وحول العلاقات الإيرانية بالاتحاد الأوروبي يرى الباحث أحمد طاهر أن هذه العلاقات اتسمت بالتوتر بشكل واضح بسبب الخلافات الجوهرية من وجهة نظر الجانبين إلا " أن إدراك الطرفين للأهمية المتبادلة لكل منهما دفع كل طرف إلى مزيد من الإهتمام بالطرف الآخر خصوصاً منذ عام 1997 مع وصول الرئيس محمد خاتمي إلى السلطة والذي لقي ترحيباً أوربياً بسياساته الانفتاحية وعلاقاته الخارجية القائمة على التقارب وإزالة التوتر, وتسعى إيران كذلك للاستفادة من الدور الأوروبي اقتصادياً وعلى المستوى الدولي وتسعى إيران بجدية إلى ملء الفراغ الاستراتيجي في الخليج وآسيا الوسطى والقوقاز والاستعداد لاحتمالات المواجهة مع قوى كبرى وإقليمية خصوصاً في ضوء التغلغل الإسرائيلي في آسيا الوسطى من البوابة التركية, كما تسعى لتقويض أو تقليل الهيمنة الأمريكية على المنطقة, والعمل على بناء تحالفات قوية مع دول آسيا الوسطى والدول الخليجية ودول الشرق الأوسط.(2/95)
الثورة الإيرانية.. بين التجديد أو الانفجار!
عبد المالك سالمان – باحث في العلوم السياسية(1)
يتعرض المقال إلى الكهنوت الذي يمارسه رجال الدين الشيعة في إيران, ويذكرنا بالحُكم الذي أصدره القضاء الإيراني ضد أستاذ جامعي انتقد رجال الدين الذين يوجهون سيوفهم وألسنتهم ضد كل من ينتقدهم أو يحاول إثارة قضية ولاية الفقيه أو سلطة رجال الدين.....................المحرّر.
احتدم الصراع السياسي بين المحافظين والإصلاحيين في إيران خلال الفترة الأخيرة ووصل إلى مفترق طرق حاسم, وقد أدى تطوران سياسيان إلى تصعيد هذا الصراع ووضعه على شفا المواجهة.
التطور الأول: هو اتجاه الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي إلى تقديم مشروعين قانونيين إلى البرلمان (مجلس الشوري) لتدعيم صلاحيات رئيس الجمهورية, والحد من صلاحيات القوى الدينية المحافظة في النظام وخاصة مجلس صيانة الدستور.
ويسعى خاتمي إلى تقليص صلاحيات مجلس صيانة الدستور في الإشراف على الانتخابات حيث يتولى هذا المجلس الذي يهيمن عليه المحافظون من رجال الدين ورجال القانون تحديد من يصلح لخوض الانتخابات ومدى أهليته لذلك.
ويرى المحافظون أن مجلس صيانة الدستور قد تغاضي في انتخابات السنوات الماضية عن ممارسة صلاحياته حيث سمح لمرشحين إصلاحيين كثيرين مؤيدين لخاتمي بخوض الانتخابات الأمر الذي مكن الإصلاحيين من تحقيق انتصارات مدوية على التيار المحافظ.
ويخشى الاصلاحيون من أن يعود مجلس صيانة الدستور إلى التشدد أمام المرشحين الإصلاحيين في الانتخابات القادمة فلا يسمح لهم بالترشيح من الأصل, لكي يتمكن المحافظون من العودة للهيمنة على البرلمان والهيئات التشريعية مما يوجه ضربة قاصمة للإصلاح الديمقراطي والدستوري في إيران.
__________
(1) مختارات إيرانية العدد 32 مارس 2003(2/96)
وهنا يرى المحافظون أن السماح بتقليص صلاحيات مجلس صيانة الدستور سينذر بأضعاف نفوذ القوى المحافظة والتمكين للإصلاحيين من توسيع نفوذهم وتأثيرهم مما يهدد سلطة المحافظين من علماء الدين, وقد يمهد تاليا إلى انقلاب عليهم ووضع حد لسيطرتهم على مقاليد الحكم في إيران لأول مرة منذ انتصار ثورة الأمام الخميني عام 1979.
وفي ذات الوقت, فإن الرئيس خاتمي يشعر بأن فشله في إقرار هذه الإصلاحات والتعديلات الدستورية سوف يعني تكريس عجزه عن تحقيق الإصلاحات التي طالما وعد بها ناخبيه ومؤيديه خلال حملتين انتخابيتين ومدتين رئاسيتين.
ولهذا لم يخف خاتمي عزمه على الاستقالة في حال نجاح المحافظين عبر مجلس صيانة الدستور, أو عبر مجلس تشخيص مصلحة النظام في إجهاض محاولته لإقرار هذه الإصلاحات الدستورية, وذلك حتى يبقى على شيء من المصداقية أمام أنصاره ومؤيديه وخاصة في أوساط الشباب والطلبة والنساء الذين عقدوا على توجهاته آمالا كبارا في إحداث الإصلاح المنشود.
وهناك اعتبار آخر يتعلق بهذه المسألة وهو أن خطاب خاتمي الداعي إلى الإيمان بإمكانية إحداث التغيير في بنية نظام الجمهورية الإسلامية من الداخل وعبر الوسائل السلمية والديمقراطية والقانونية, سوف ينهار تماما ويفقد أي مصداقية لأن إخفاق خاتمي في إقرار هذه الصلاحيات المنشودة والموعودة سوف يعزز الآراء المنتقدة لهذا التوجه والقائلة بأنه من الصعب زحزحة هيمنة رجال الدين المتشددين والمحافظين على مقاليد الحكم بوسائل سلمية وأن طريق التغيير لابد أن يمر بوسائل عنيفة أو ثورية ودامية وانقلابية.
والتطور الثاني: هو إصدار محكمة في همدان بغرب إيران في 9 نوفمبر الماضي حكما بإعدام الكاتب الأكاديمي الإيراني الإصلاحي هاشم اغاجاري بتهمة الإساءة إلى الإسلام والأنبياء وكان اغاجاري قد ألقى محاضرة انتقد فيها سلطة علماء الدين وهيمنتهم على شئون الدين والسياسة.(2/97)
وقد فجر الحكم على اغاجاري بالإعدام موجة احتجاجات عارمة وخاصة في صفوف الحركة الطلابية التي نظمت سلسلة من المظاهرات المطالبة بإلغاء الحكم والمنددة بسيطرة التيار المحافظ على جهاز القضاء وهو الأمر الذي أفضى في النهاية إلى مطالبة مرشد الجمهورية على خامنئي بمراجعة الحكم الذي تم إلغاؤه من قبل القضاء مؤخرا, كما أن خاتمي قد انتقده واعتبره غير مناسب.
لكن التظاهرات الطلابية عكست نوعا من التململ واليأس في صفوف الطلاب وفقدان الأمل في إحداث أي إصلاحات جذرية في النظام السياسي الإيراني, واتهموا سيطرة علماء الدين بأنها تشبه نظام طالبان المتشدد في أفغانستان كما وجهوا انتقادات صريحة إلى دور المرشد أو الولي الفقيه وما يتمتع به من صلاحيات واسعة.
ورفع الطلاب شعارات من قبيل على بينوشيه, إيران لن تتحول إلى شيلي, وفي طهران وفي كابول.. الطالبان واحد ولتسقط الديكتاتورية.
كما عكست شعارات ومطالب الطلبة يأسهم من قدرة الرئيس خاتمي على إجراء إصلاحات سياسية في النظام, وطالبوه صراحة بالاستقالة وهو الأمر الذي دفع خاتمي إلى عدم حضور احتفال طلاب الجامعة بيوم الطالب في 7 ديسمبر الماضي, على غير عادته في السنوات الماضية حيث كان يتحدث إليهم في كل عام في ذكرى المذبحة التي راح ضحيتها 3 من طلاب كلية الهندسة عام 1953 في عهد الشاه في أول تظاهرة بعد الإطاحة بمحمد مصدق آنذاك, وكانت تلك التظاهرة احتجاجا على زيارة نائب الرئيس الأمريكي حينئذ ريتشارد نيكسون إلى طهران حيث كانت الاتهامات الشعبية قوية لأمريكا وبريطانيا بالوقوف وراء الإطاحة بمصدق ذي الخط الإصلاحي والاستقلالي عن الغرب.(2/98)
ولم يكتف الطلبة باستقالة خاتمي, بل ذهبوا إلى حد المطالبة بإجراء استفتاء شعبي لإقرار الإصلاحات الديمقراطية والدستورية المطلوبة للحد من هيمنة علماء الدين على الحكم وأجهزة السلطة ووضع نهاية لعرقلتهم للمحاولات الإصلاحية. إن حركة الاحتجاج في صفوف الطلبة تحتل أهمية بالغة, فرغم نجاح النظام الإيراني عام 1999, في إجهاض وإخماد حركة الطلبة آنذاك التي كانت تحتج على إغلاق الصحف الإصلاحية حيث تم إغلاق مالا يقل عن 20 صحيفة ومجلة إصلاحية وكذلك على قمع المثقفين والمفكرين الإصلاحيين وحبسهم واغتيالهم في ظروف غامضة فإن ذلك لا يمنع من القول بأن دور الطلاب يظل حاسما في التعبير عن اتجاهات التغيير في إيران.
فقد لعب الطلاب دورا حاسما في إسقاط شاه إيران, وفي إنجاح ثورة الإمام الخميني عام 1979 كما خاضوا واحدة من أشهر معارك الثورة الإسلامية الإيرانية أمام أمريكا, عندما احتلوا السفارة الأمريكية في طهران واحتجزوا الدبلوماسيين داخلها كرهائن, وهي العملية التي وظفتها الثورة الإيرانية في إظهار تحديها للاستكبار الأمريكي.
ويشكل تراجع المرشد خامنئي عن حكم إعدام اغاجاري بعد احتجاجات الطلبة العاصفة اعترافا بقوة تأثير الاحتجاجات الطلابية.
لكن ما يلفت الانتباه في طبيعة الصراع الدائر حاليا في إيران بين القوى المحافظة والتيارات الإصلاحية على خلفية قضية اغاجاري, والإصلاحات الدستورية التي يسعى الرئيس خاتمي إلى إقرارها, هو هذه اللهجة بالغة الحدة وغير المسبوقة والتي تتسم بلغة قريبة إلى التحدي السافر بين الفريقين المحافظ والإصلاحي على نحو يشير إلى أن إيران مقبلة على معركة كسر عظام بين الجانبين لتحديد من ستكون له الغلبة خلال السنوات القادمة.(2/99)
وقد تجدد الجدل حول نظرية ولاية الفقيه التي استند إليها الإمام الخميني في التأسيس لنظام الجمهورية الإسلامية, والتي تعطي لمرشد الثورة أو القائد سلطات واسعة وشبه مطلقة في الهيمنة على مقاليد الحكم, وهي سلطات تلغي موضوعيا أي دور للرئيس المنتخب ديمقراطيا من قبل الشعب لأن أي قرارات أو إجراءات يتخذها الرئيس المنتخب أو البرلمان المنتخب لا يتم اعتمادها إلا إذا أقرتها أجهزة الحكم التي يهيمن عليها علماء الدين المحافظون مثل مجلس الخبراء والجهاز القضائي وصدّق عليها مرشد الجمهورية, وبدون ذلك فإن أي قرارات أو تشريعات تقرها الهيئات المنتخبة تعتبر كأن لم تكن, الأمر الذي ينزع صفة الشرعية الشعبية أو الديمقراطية على ممارسات نظام الحكم في إيران, وتظل السيادة للولى الفقيه المرشد وليس للشعب.
ونتيجة لذلك فقد تعرضت نظرية ولاية الفقيه لانتقادات حادة حتى من داخل كبار علماء الدين أنفسهم وعلى رأسهم آية الله منتظري النائب السابق للإمام الخميني, والذي تم عزلة ووضعه تحت الإقامة الجبرية في قم مدينة الحوزة العلمية الدينية.
وشهد عام 2002 استقالة واحد من كبار علماء الدين الإصلاحيين المعتدلين الذين تتوافق آراؤهم مع توجهات منتظري, وهو آية الله جلال الدين طاهري إمام مسجد أصفهان, الذي وجه انتقادات قاسية لنظام الحكم لدرجة أنه وصف رجال الأمن وأنصار حزب الله بالفاشيين المنبوذين والصعاليك الذين يقتحمون الحرم الجامعي وينتهكون المقدسات, ويذبحون الكتاب والشخصيات السياسية, ويمارسون التعذيب والقمع على أبناء الشعب.(2/100)
والملاحظ في هذا السياق أن محاضرة المفكر الإصلاحي اغاجاري عن التجديد في الإسلام في فكر علي شريعتي المفكر الإصلاحي الذي كانت ترفع صوره في مطلع الثورة الإيرانية بجوار صورة الإمام الخميني في المظاهرات, هي محاضرة اتسمت بالجرأة الشديدة في نقد هيمنة علماء الدين والملالى على الحكم في إيران مطالبا بما أطلق عليه بروتستانتينية إسلامية ومعروف أن البروتستانتينية, كانت دعوة أطلقها مارتن لوثر وكالفن للإصلاح الديني بالتمرد على هيمنة الكنيسة الكاثوليكية على حياة الناس في أوروبا في القرون الوسطى وامتلاكهم صكوك الغفران ومناهضتهم للحداثة والعلم.
وقد أعاد اغاجاري استلهام تلك الأفكار مشبها هيمنة رجال الدين على الحكم في إيران بهيمنة البابا ورجال الكنيسة من الكرادلة والأساقفة على المجتمعات الأوربية في العصور الوسطى, ولعل هذا ما أثار ثائرة الملالي على اغاجاري في إيران ودفعهم إلى اتخاذ الحكم المشدد ضده بإعدامه.(2/101)
إذ قال اغاجاري في محاضرته واستنادا إلى أفكار علي شريعتي: إنه لم يكن لدينا في الإسلام طبقة باسم الروحانية (علماء الدين), إن الروحانية طبقة جديدة في تاريخنا, فأصبح لدينا الكثير من هذه العناوين الجديدة, بحيث أن عمرها لا يتجاوز الخمسين أو الستين عاما, فمتى كانت لدينا سلسلة المراتب الدينية هذه قبل الصفوية, إن سلسلة المراتب كانت فقط في النظام الكنسي, كانت تبدأ من الأعلى (البابا) وتنحدر إلى الأساقفة والكرادلة والأساقفة المحليين. لقد وقعت مرحلتنا تحت تأثير هذه الثقافة وتحت تأثير الظروف الاجتماعية ودوائر النفوذ في إيران طبقا لسلسة المراتب هذه, يأتي شخص في أولها باسم آية العظمى في العالمين والسماوات والأرضين, والى آخر ذلك, هذا في الرأس وبعد ذلك تأتى سلسلة المراتب آية الله, حجة الإسلام, ثقة الإسلام وكذا وكذا الإسلام, وفي السنوات الأخيرة تحولت حوزتنا إلى مؤسسة حكومية و أصبحت المسألة حساسة بقدر ما, فهل يوجد في الجامعة من يفرق بين حجة الإسلام وآية الله؟
ودعا اغاجاري في محاضرته إلى عدم طاعة علماء الدين بشكل أعمى, أو الاستناد إليهم و حدهم في فهم القرآن واتخاذهم وسيطا لذلك.
وتعكس ردود الفعل من علماء الدين المحافظين على ما جاء في محاضرة اغاجاري مدى الغضب من هذه الانتقادات المتزايدة في صفوف الإصلاحيين والليبراليين لنفوذ ودور رجال الدين في النظام.
فقد اتهم آية الله محيى الدين حائري شيرازي إمام الصلاة في شيراز الإصلاحيين بشق صفوف الشعب والرغبة في الترويج للنفوذ الأمريكي والعلمنة.
واعتبر شيرازي أن انتقاد قرارات مجلس صيانة الدستور يعني انتقادا لتعاليم الإسلام وشكّاً في الله.(2/102)
وأضاف: إن أعضاء مجلس صيانة الدستور(ستة من علماء الدين وستة قانونيين يعينهم مرشد الجمهورية آية الله على خامنئي) يرتبطون بالتعاليم الدينية عبر علاقاتهم بالمرشد (خامنئي) وأن رفضهم بالتالي لهذا المجلس أو اتهامه أو حتى انتقاد مندوبين يعني رفضا للمرشد الأعلى وهذا يعني في الواقع رفض الله.
هذا في حين شن محمود هاشمي شهرودي رئيس السلطة القضائية (أحد أقوى الأجهزة التي يهيمن عليها علماء الدين المحافظون) هجوما حادا على كل من ينتقد نظرية ولاية الفقيه التي تعطي سلطات واسعة شبه مطلقة لمرشد الجمهورية حيث قال شهرودي:
ليس من الإنصاف أن ينال أشخاص من هذا الأصل المهم (ولاية الفقيه) وهو الأساس لعزة وشرف وشوكة وعظمة هذه الثورة من جراء مسائل وأغراض ومصالح خاصة ومبتذلة جدا ورخيصة جدا, ونتيجة أمراضهم النفسية, وأن الذين استهدفوا هذا الأساس وشككوا فيه و أساءوا إليه بعيدون عن الإنصاف والضمير.
أضاف شهرودي: أن الدفاع عن هذا الأصل (ولاية الفقيه) في هذا اليوم واجب شرعي وفرض إسلامي على الجميع, وأن أي تشكيك في ذلك ينطلق في الواقع من الجهل, ومن جراء تلك الأهداف الرخيصة والأمراض النفسية. ولا تكون النتيجة إلا الطعن في الإسلام وفي هذا النظام وولاية الفقيه.(2/103)
وهكذا, نلاحظ تعاظم درجة الحدة في الانتقادات بين المحافظين والإصلاحيين على نحو يشير إلى أن النظام الإيراني يقف في مفترق طرق, فإما يتم تبني خطاب التجديد والتغيير على نحو يمكن إيران من بناء نظام مدني ديمقراطي يحظى بقدر من الرعاية والتوجيه من قبل الأئمة وعلماء الدين وبالتالي يمكن فض الاشتباك الراهن بين الإصلاحيين والمحافظين سلميا, أو في المقابل من الممكن أن يتشدد المحافظون في الدفاع عن تركيبة النظام الراهنة استنادا إلى نظرية ولاية الفقيه ورفض أي تعديلات أو تغييرات جوهرية بما يقود إلى الصدام مع القوى الإصلاحية ويضع إيران على أعتاب أوضاع الفوضى والانفجار والاضطراب, وهو سيناريو سيكون بالغ الخطورة والقتامه على المستقبل الإيراني, ويتوقف الأمر على مدى قدرة النظام على تجديد نفسه من الداخل واحتواء اتجاهات الإصلاح والتغيير المتصاعدة خاصة في أوساط الأجيال الجديدة, وذلك عبر سياسات حكيمة وسلمية وحضارية.
العرب السنة في العراق:
الطرف المهزوم والمقاوم
ياسر أبو هلالة
الرأي الأردنية 4/9/2003
المنتصرون الأميركيون في العراق, ومن شايعهم, حاولوا التأكيد بأن المهزوم في الحرب كان نظام صدام حسين, بوصفه نظاماً إرهابياً يعبر عن أقلية حاكمة لا تمثل طائفة أو جهة. هذه المحاولة فشلت كما فشلت محاولة التأكيد بأن القوات الأميركية قوات تحرير. واقع الحال أن الطرف المهزوم هو طائفة السنة مهما حاول السنة إثبات قطيعتهم مع النظام السابق, ومهما حاول الأميركيون إثبات حيادهم تجاه الطوائف والإثنيات.(2/104)
الولايات المتحدة تعاملت مع السنة, عملياً, بوصفهم امتداداً للنظام السابق, وعملت بقصد أو بدونه, على تهميشهم وحولتهم بين عشية وضحاها من عصبة حاكمة إلى أقلية مضطهدة. صحيح أن النظام السابق كان نظام البعث وليس السنة, إلا أنهم ظلوا عصبيته الفاعلة في بيروقراطية الدولة سواء في الجيش أم الأجهزة أم غيرهما. وإن كان هذا سمت الدولة العراقية الحديثة إلا أنه تكرس في عهد البعث وخصوصاً بعد انتفاضة الشيعة في التسعين(1).
تشكيلة الحكومة العراقية الأولى في مرحلة ما بعد صدام عبرت عن وزن العرب السنة في المكيال الأميركي, وهو وزن بخس لا يعبر عن حضورهم الديموغرافي أو السياسي, فضلاً عن وزنهم التاريخي في البيروقراطية العراقية منذ نشأة العراق الحديث ولا في مرحلة حزب البعث. فقد منحوا خمس وزارات مقابل ثلاث عشرة للشيعة وإذ تقاسم الشيعة والأكراد الوزارات السيادية (الداخلية, الخارجية, التخطيط..) حصل السنة على وزارة المالية لكن بمشاركة كردية تحت عنوان مستحدث: وزارة الموارد المالية, وهذا تهميش معلن مخالف للمنطق السياسي. لكن ما هو أخطر التهميش الخفي الناتج عن الممارسات اليومية للأطراف التي شاركت الأميريكيين انتصارهم.
مثال بسيط على تلك الممارسات ما شهدته كركوك عقب دخول الأكراد, فمع أنها مدينة مختلطة من العرب والأكراد والتركمان والمسيحيين, إلا أن الأميركيين وهبوا المدينة لحكومة السليمانية بزعامة جلال طالباني, وغدا الأكراد الحاكمون الحقيقيون للمنطقة, وعندما أجروا انتخابات مركبة استبعد الأميركيون العرب, ففي قائمة المستقلين التي توازي قوائم القوميات وتختار بعيداً عن الحسابات القومية والمذهبية اختار الأميركيون اثنين من العرب مقابل مئة وأربعة عشر من الأكراد.
مناخات كهذه تعبر عن استكمال شروط الحرب الأهلية, لكن الحرب لم تحدث لماذا؟.
__________
(1) كانت في مارس (آذار) 1991.(2/105)
الأسباب تعود لأكثر من طرف ولأكثر من سبب: السنة ابتداء اختاروا المقاومة بديلاً للحرب الأهلية بقدر ما هي هروب محسوب للأمام. وهي في الوقت نفسه تعبر عن إجماع وطني خفي. فحتى أحمد الشلبي, في مقابلته الأخيرة مع الجزيرة, لم يصفها بالإرهاب بعدما وصف بذلك عملية اغتيال الحكيم. والمقاومة بحسابات سياسية طائفية ترفع من سعر السنة في ظل غياب المنطق لدى الأميركيين. وإذ يجنح الرأي العام لدى السنة إلى التصعيد مع الاحتلال يميل إلى التهدئة مع كل إشكال طائفي أو إثني كما حدث في كركوك والبصرة.
السبب الثاني يعود إلى الشيعة: فالمرجعية الدينية ممثلة بالحوزة التي يقودها السيد علي السستاني كان لها موقف رافض لإراقة الدماء وهذا الموقف تكرر لدى القيادات السياسية ممثلة بتيار مكتب الصدر (الحوزة الناطقة) والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية. والشيعة إجمالاً يرون أن استقرار الأوضاع سيكون في صالحهم, وفي المقابل فإن الحرب الأهلية ستبعد عنهم لقمة الحكم بعدما وصلت إلى الفم.
السببان السابقان لا يُقللان من أهمية العامل الأميركي, فالواقع يؤكد أن الدبابة الأميركية بقدر ما ترمز للاحتلال فإنها تمنع الحرب الأهلية وتحافظ على وحدة الأراضي العراقية, وبعيداً عن الأساطير التي يرددها بعض خصوم أميركا فإنه لا مصلحة لها بإشعال حرب أهلية ومصالحها لا تتحقق إلا باستقرار الأوضاع في العراق.
الأسباب السابقة التي تمنع الحرب الأهلية ليست ثابتة, فالحرب الأهلية مستبعدة لكن ليست مستحيلة. وفي اغتيال الحكيم نذير كاف خصوصاً أنه جاء من سياق استهداف مراجع شيعية.(2/106)
اللافت في العراق هو الغياب الشامل للدور العربي, ففي الوقت الذي تتصرف فيه إيران بوصفها حامية للشيعة لا يجد السنة العرب من امتدادهم العربي غير صالح الدعاء والمواعظ السياسية المملة, لذلك يظل خيار المقاومة هو المرجح لديهم إن لم يكن الوحيد, وفي ذلك دليل جديد على عبقرية الإدارة الأميركية في صناعة الأعداء.
العلاقات البحرينية الإيرانية بين أزمات الماضي
وآفاق المستقبل
أحمد منيسي
يسلط المقال الضوء على الأطماع الإيرانية في البحرين, واستغلال إيران للجالية الشيعية هناك لتنفيذ مخططتها الإيرانية...........المحرّر.
تحظى العلاقات البحرينية الإيرانية بخصوصية شديدة تنبع من طبيعة العلاقات التاريخية بين البلدين, ومن طبيعة التكوين المذهبي لكل منهما حيث أن حوالي 65 بالمائة(1) من إجمالي سكان البحرين هم أتباع المذهب الشيعي, الذي يمثل المذهب السائد في إيران.
__________
(1) مختارات إيرانية العدد 31 فبراير 2003
هذه بالنسبة غير دقيقة (المحرر).(2/107)
وفي الواقع فإن العلاقات البحرينية الإيرانية تعود إلى بداية القرن السابع عشر, حيث أنه بعد نهاية الاحتلال البرتغالي للبحرين عام 1601 سيطرت الدولة الصفوية على البحرين بعد انقطاع دام قرون وقد دام الحكم الإيراني الصفوي للبحرين بشكل متقطع في الفترة ما بين عامي 1601 و 1783, وقد كان هذا الحكم ذا طبيعة خاصة, حيث كانت إدارة البحرين في يد البحارنة, وهو الاسم الذي يطلق على من يسكن البحرين قبل مجيء آل خليفة إليها, وهم ينتمون إلى قبائل عربية كعبد القيس وبكر بن وائل, وكانوا يحكمون البحرين لقرون عديدة حتى مجيء الاحتلال البرتغالي في 1521, أما الحاكم فكان يتم تعيينه من قبل الدولة الصفوية, وفي العام 1700 بدأ الضعف يدب في أوصال هذه الدولة وتعرضت البحرين في ذلك العام لهجوم بقيادة قبائل العتوب (آل خليفة أحد فروع العتوب), إلا أن ذلك الهجوم فشل بعد أن استعان البحارنة بجيش من " الهولة " ثم تعرضت البحرين بعد ذلك للحصار والدمار على أيدي العُمانيين عدة مرات, ومع وصول نادر شاه للحكم (1736-1747م) في إيران عاد الهدوء للبحرين بعد أن استعادت إيران سيطرتها, إلا أن الوضع لم يستقر كثيراً وعادت الهجمات على البحرين التي كانت مستهدفة كونها من أغنى مناطق الخليج بسبب اللؤلؤ والزراعة والتجارة, مما مكن آل خليفة من الهجوم على البحرين والسيطرة عليها في العام 1783م, غير أن العمانيين عاودوا الهجوم على البحرين واستولوا عليها ما بين 1799-1801م, مما أدى لأن يتحالف آل خليفة مع الوهابيين والهجوم على البحرين مرة أخرى, إلا أن الوهابيين استأثروا بالحكم حتى عام 1811, وعندها تحالف آل خليفة مع العمانيين ضد الوهابيين وعاودوا الهجوم مرة أخرى (وهذا الهجوم الرابع منذ 1700) والاستيلاء على البحرين, إلا أن البحرين لم تهنأ بالاستقرار مما حدا بحاكم البحرين آنذاك إلى التوقيع على المعاهدة البريطانية في 1820م ومنذ ذلك الوقت ضَمِنَ الوجود(2/108)
البريطاني حماية لآل خليفة من أي اعتداء خارجي, وقد استمرت البحرين تحت الاحتلال البريطاني حتى العام 1971, حين تم استقلالها في ذلك العام.
وقد مرت العلاقة بين الطرفين بالعديد من المحطات المهمة منذ حصول البحرين على استقلالها في العام 1971, فقد عارضت إيران استقلال البحرين بعد رحيل الاستعمار البريطاني وأصرت على تبعيتها لها, وانتهت هذه المشكلة بإجراء استفتاء شهير على استقرار البلاد صوتت لصالحه الأغلبية الكاسحة من الشعب البحريني, بما فيه الشيعة الذين أخذوا ضمانات من قبل آل خليفة بتأسيس نظام سياسي عصري يتيح الفرصة لمشاركة كافة فئات الشعب, ولعل ذلك كان أحد الأسباب الرئيسية في هذه التجربة الديمقراطية الرائدة التي عرفتها البحرين بعد الاستقلال, والتي سرعان ما انهارت بعد قرار الأمير الشيخ عيسى بحل المجلس الوطني المنتخب عام 1975 قبل أن يعقد دورته السنوية الثانية.
وكانت المرحلة الأهم من تاريخ العلاقة بين البلدين قد بدأت بعد قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979, حيث كان للثورة وبحكم علاقات الطرفين تأثيرات كبيرة على الوضع في البحرين وخاصة بالنظر إلى شعار تصدير الثورة الذي رفعته الجمهورية الإسلامية الإيرانية خلال العقد الأول من الثورة, والتي كانت البحرين أول هدف له, ومنذ هذا الحدث الضخم مرت العلاقات البحرينية الإيرانية بالكثير من العواصف.(2/109)
وفي البداية نشير إلى أن الشيعة في البحرين قد انقسموا إلى تيارين: تيار صغير محافظ لم يطالب سوى ببعض الإصلاحات لتحسين وضعه الطائفي, أما التيار الثاني, وهو الأكبر فقد اتخذ من الثورة نموذجاً يمكن تطبيقه في البحرين, وذلك من خلال الإطاحة بالنظام الحاكم وإقامة نظام جمهوري إسلامي بدلاً منه, وقد نظم هذا التيار في الثالث والعشرين من فبراير 1979 مظاهرات ضمت عدة آلاف لتأييد الثورة الإسلامية رفعت شعارات التنديد بالولايات المتحدة والنظم الموالية لها, وكنتيجة مباشرة للثورة الإسلامية الإيرانية, تقدمت عدة شخصيات شيعية كبيرة بعريضة إلى الحكومة, كان من أهم مطالبها إقامة نظام إسلامي في البحرين على غرار النظام في إيران.
وقد كان أهم ما طرحته الثورة الإسلامية الإيرانية من تأثيرات على الوضع السياسي في البحرين قد تمثل في قيام العديد من المنظمات السياسية مثل الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين وحركة أحرار البحرين الإسلامية, ومع إندلاع أحداث العنف المعارض للحكم في البحرين في منتصف التسعينات من القرن الماضي بلغ تدهور العلاقات بين البحرين وإيران مداه, حيث تم اتهام إيران بمساعدة القوى الشيعية, وفي الواقع, فإن هذه الإتهامات لم تكن مجانية, حيث كانت هناك عدة وقائع تؤكد هذا التورط الإيراني في التدخل في الشئون الداخلية للبحرين.(2/110)
بيد أنه مع وصول خاتمي إلى السلطة واتساع رقعة المشروع الإصلاحي في إيران بدأت العلاقة بين البلدين تشهد انفراجاً واضحاً, وذلك بعد أن تخلت إيران عن شعاراتها الخاصة بتصدير الثورة وبدأت في انتهاج سياسة فض الاشتباك مع دول الجوار, لكن التطور الأهم في هذه المرحلة الجديدة جاء مع تولي الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة الحكم في مارس عام 1999 خلفاً لوالده الشيخ عيسى بن سلمان وإطلاقه للمشروع الإصلاحي الذي كان من أهم نتائجه لجهة العلاقة مع إيران حدوث انفتاح سياسي سمح لكافة التيارات السياسية بأن يكون لها تنظيماتها الشرعية وبحق العمل العلني على الساحة السياسية, الأمر الذي انتفت معه ادعاءات اضطهاد النظام للشيعة الذين يمثلون أغلبية السكان في البحرين, وقد أفرز المشروع الإصلاحي وربما للمرة الأولى اعترافاً كاملاً بشرعية حكم آل خليفة للبحرين, حيث من المعروف أن هذا الإعتراف في فترة ما قبل المشروع الإصلاحي كان غير موجود أو ناقصاً في أحسن الأحوال.
وفي سياق هذه المرحلة الجديدة من العلاقات بين البحرين وإيران جاءت الزيارة التي قام بها الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البحرين إلى إيران في أغسطس الماضي لتدخل في إطار هذا الصنف من الزيارات الموصوفة بالتاريخية وذلك استناداً إلى عدة اعتبارات, يأتي في مقدمتها أنها الزيارة الأولى التي يقوم بها حاكم البحرين إلى إيران منذ اندلاع الثورة الإسلامية بها في عام 1979, إضافة إلى طبيعة العلاقة بين الدولتين والتوقيت الذي تمت فيه هذه الزيارة سواء فيما يتعلق بالتطورات الإقليمية الحالية أو التطورات الداخلية التي تشهدها كلا البلدين.(2/111)
وقد جاءت زيارة الشيخ حمد لإيران في توقيت بالغ الأهمية, وذلك بالنظر إلى عدة اعتبارات هامة, منها: تصاعد المخاوف الخليجية من توجيه ضربة أمريكية للعراق, بعد التأكيد الأمريكي المتواصل على ضرورة الإطاحة بنظام الرئيس صدام حسين, وتنبع هذه المخاوف من طبيعة التداعيات المحتملة لمثل هذه الضربة على حالة الاستقرار الإقليمي في المنطقة, حيث تخشى دول الخليج أن تسفر هذه الضربة عن قيام الولايات المتحدة بتفكيك العراق وإعادة صياغة خريطة المنطقة بما يكرس نفوذها بها وإقامة نظام عميل للولايات المتحدة في العراق على غرار ما حدث في أفغانستان, يكون شوكة في خاصرة هذه الدول.
وفي هذا السياق تخشى البحرين كغيرها من باقي دول مجلس التعاون من مثل هذه السيناريوهات, وذلك على الرغم من متانة علاقاتها مع الولايات المتحدة حيث من المعروف أن المنامة تستضيف الأسطول الأمريكي الخامس في الخليج العربي, أما إيران فتبدو الخاسر الأكبر من هذه الضربة, بالنظر إلى تخوفها من امتداد الهجوم الأمريكي إليها في مرحلة لاحقة, حيث تشغل إيران المرتبة التالية للعراق في محور الشر, وثمة اتهامات أمريكية متواصلة لها بدعم الإرهاب وإيواء أعضاء " تنظيم القاعدة " الهاربين من أفغانستان المجاورة, وتطوير أسلحة دمار شامل.(2/112)
ومن ناحية اخرى, فقد جاءت هذه الزيارة في أعقاب زيارة كل من الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي, ويوسف بن علوي بن عبد الله وزير الدولة العُماني للشئون الخارجية لطهران, والتي أكدا خلالها رفض بلديهما لتوجيه ضربة أمريكية للعراق, وهنا يمكن القول أن البحرين قد سعت عبر زيارة ملكها لطهران إلى محاولة الانضواء تحت لواء إيران والسعودية القوتين الإقليميتين الكبيرتين في الخليج والرافضتين لضرب العراق: الأمر الذي يضفي عنصر توازن في علاقات المنامة مع الولايات المتحدة, وفي الواقع, فإن زيارة الشيخ حمد لإيران قد كان لها أبعاد أخرى خاصة بالجانب الذي يتعلق بالعلاقات الثنائية بين البلدين بشكل صرف, حيث جاءت هذه الزيارة في سياق الأزمة التي شهدها المشروع الإصلاحي في البحرين بين الحكومة والمعارضة الشيعية على وجه الخصوص من جانب آخر على خلفية التعديلات الدستورية التي أجريت في فبراير الماضي ونصت على منح المجلس المعين في السلطة التشريعية صلاحيات تشريعية متساوية مع المجلس المنتخب مع مساواة عدد الأعضاء في كل منهما بواقع أربعين عضواً لكليهما, قد اعتبرتها القوى السياسية المؤثرة في البلاد بمثابة ردة عما جاء في الميثاق الوطني الذي تم التصويت لصالحه في فبراير 2001 بأغلبية كاسحة والذي كان ينص على أن المجلس المعين سوف يكون دوره استشارياً فقط, وفي سياق هذه الأزمة التي خلفتها التعديلات الدستورية قاطعت جمعيتا الوفاق والعمل الإسلامي وكلاهما تمثلان القطاع العريض من الطائفة الشيعية فضلاً عن جمعية العمل الوطني الديمقراطي وجمعية التجمع القومي وكلاهما تمثلان القطاع المتنفذ من القوى اليسارية الانتخابات البرلمانية التي أجريت في أكتوبر الماضي.(2/113)
ومن هنا, فقد هدفت الزيارة إلى إبعاد تأثير العامل الإيراني عن مجريات الأمور الداخلية في البحرين, بكونها أكدت على أن علاقة الحكومة البحرينية بالقوى الشيعية داخل البحرين هي شيء مختلف عن علاقة البحرين بإيران.
وفي الواقع, فإن المزيد من الإصلاحات السياسية في البحرين وأيضاً في إيران التي بدا النظام السياسي فيها يعاني من أزمة كبيرة خلال السنوات الأخيرة يمهد لتمتين العلاقات بين المنامة وطهران, حيث أن المزيد من الإصلاحات في البحرين يمهد الطريق أمام تكريس مبدأ المواطنة والمساواة بين كافة طوائف المجتمع بما يعني انصهار الشيعة في المجتمع البحريني, الأمر الذي ينفي وجود الادعاءات باضطهاد الشيعة, ويكرس في الوقت نفسه ولاء الشيعة للنظام الحاكم في البحرين, ومن ناحية أحرى, فإن تواصل عملية الإصلاح في إيران من شأنه أن يساهم في خلق سياسة متوازنة تجاه العالم الخارجي بما فيه بالطبع البحرين.
ترف لا تحتمله مصالح الأمة
د.محمد السعيد إدريس(1)
في الوقت الذي تتظاهر إيران فيه برغبتها بتحسين علاقاتها مع دول العالم الإسلامي, إلا أن ثمة سياسات إيرانية تقف عائقاً أمام هذا الهدف, حيث تلجأ إيران عادة إلى رمي الكرة في مرمى الخصم, وهذا المقال يبين التخطيط الإيراني فيما يتعلق بإعادة علاقاتها مع مصر ويوضح لنا موقف الحكومة المصرية تجاه إيران, ويمكن اعتباره نموذجاً لمواقف دول عربية أخرى, ومن المهم فهم المنطق الذي يتعامل به الإيرانيون مع الحكومات العربية حتى نستطيع فهم حقيقة التحركات السياسية بينها, وكاتب المقال هو الدكتور محمد السعيد إدريس رئيس تحرير مجلة مختارات إيرانية التي يصدرها مركز الأهرام في القاهرة.
__________
(1) مختارات إيرانية عدد 30/يناير 2003(2/114)
استطاع مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية بالتعاون مع معهد الدراسات السياسية والدولية التابع لوزارة الخارجية الإيرانية أن يرسي قاعدة مهمة في العلاقات بينهما وفق بروتوكول للتعاون المشترك, هي الندوة السنوية التي تعقد بين طهران والقاهرة بالتبادل بهدف محدد هو البحث في كيفية تطوير العلاقات المصرية-الإيرانية والنهوض بها, آخذين في الاعتبار الآثار التي يمكن أن تحدثها التطورات الدولية والإقليمية في هذه العلاقات.
وكان واضحاً منذ اللحظة الأولى للمسؤولين في الجانبين أن هدف الندوة السنوية ليس مجرد إعادة العلاقات الدبلوماسية على مستوى السفراء بين البلدين, بل والاستمرار في بحث سبل تطوير هذه العلاقات بعد عودة العلاقات الدبلوماسية. فعودة العلاقات ليست غاية, بل هي وسيلة مساعدة لتطوير العلاقات, ومن ثم أمكن تأمين استمرارية انعقاد هذه الندوة السنوية.
وقد شهدت طهران أعمال الندوة الثالثة في الفترة من (10-11 ديسمبر2002) وكانت الندوة الأولى قد عقدت في طهران أيضاً (يوليو 2000), ثم عقدت الندوة الثانية في القاهرة (يوليو 2001) وظهرت أعمالها في كتاب صدر عن مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية تحت عنوان "تطوير العلاقات المصرية-الإيرانية", ومن المقرر أن تصدر أعمال الندوة الثالثة في كتاب أيضاً.(2/115)
كانت أوراق ومناقشات ومداخلات الندوة الثالثة في طهران والأجواء التي عقدت فيه هذه الندوة شاهداً على صواب فكرة انعقاد هذه الندوة السنوية, فقد تم تجاوز حاجز التوجس بين الطرفين وتعمقت مشاعر الثقة, وزادت القناعة بصواب الطريق الذي تم اختياره, وأصبح كل طرف أكثر فهماً وإدراكاً لمواقف الطرف الآخر وللقضايا الخلافية, والأهم من ذلك هو الوصول إلى قناعة بأنه مهما كانت هناك خلافات في الرؤى ومهما كانت هناك قضايا خلافية فإنها لا تبرر بأي حال من الأحوال التقاعس عن الاستمرار في هدف النهوض بالعلاقات خصوصاً إذا قورنت هذه الخلافات بالمكاسب التي يمكن أن تتحقق في إطار التعاون المشترك, حتى وإن كان هناك إدراك للمخاطر والتهديدات الناتجة عن تطورات البيئة الدولية والبيئة الإقليمية للعلاقات بين البلدين, وهي تطورات تهدد المصالح الوطنية والأمن الوطني والسيادة الوطنية للبلدين, فضلاً عن تهديد الأمن والاستقرار الإقليمي بما ينعكس سلبياً على مصالح البلدين.
فعلى مستوى فهم الطرفين للتطورات الدولية كشفت الحوارات والمناقشات عن وجود تقارب كبير في فهم مغزى تداعيات ونتائج أحداث 11 سبتمبر الأمريكية على النظام العالمي والاستقرار الدولي الذي بات خاضعاً لجنوح أمريكي مبالغ فيه نحو استخدام القوة المفرطة لمحاربة ما تسميه الولايات المتحدة بـ "الإرهاب الدولي".
فقد ابتدعت واشنطن مبدأً جديداً لسياستها الخارجية هو مبدأ "الحرب الوقائية" تتحرك بموجبه لشن الحرب ضد أي مصدر تعتقد أو تشك أو تتخوف من أنه يمكن أن يمثل تهديداً للمصالح الأمريكية, وفق هذا المبدأ أبدت الولايات المتحدة استعدادها لشن حربين ناجحتين في وقت واحد, واتجهت إلى تقسيم العالم إلى قسمين الأول مع أمريكا وضد الإرهاب, والثاني ليس مع أمريكا ومن ثم فهو مع الإرهاب.(2/116)
كما أدرك الطرفان المصري والإيراني وجود انحراف في الحرب الأمريكية ضد الإرهاب التي تحولت إلى حرب ضد الإسلام ورموزه والمسلمين بقدر كبير من الإسراف في توجيه التهم والتهديدات, وممارسة الضغوط ضد دول عربية وإسلامية والتدخل في شؤونها الداخلية بدعوى الحرب ضد الإرهاب, وعلى المستوى الإقليمي أدرك الطرفان المصري والإيراني وجود ارتباط قوي بين العدوان الذي تعتزم الولايات المتحدة شنه ضد العراق, وحرب الإبادة التي تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني, وتجاوز هذه القوات لكل ضوابط ونصوص الاتفاقيات الموقعة بين الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية فقد استطاع اريئيل شارون رئيس الحكومة الإسرائيلية أن يقنع الأمريكيين بأن حربه ضد الانتفاضة هي حرب ضمن الحرب الأمريكية ضد الإرهاب, و أن الإرهاب " الفلسطيني " هو أصل البلاء الذي فجر كل أشكال الإرهاب الأخرى, وأن حربه ضد الفلسطينيين هي الحرب الحقيقية ضد الإرهاب.
كما أدرك الطرفان أن الغزو الأمريكي المزمع ضد العراق سوف تتجاوز نتائجه السلبية وتداعياته حدود الأرض العراقية, وأن الحديث الأمريكي عن تغيير الخرائط السياسية في المنطقة لا ينفصل بأي حال من الأحوال عن الجرائم التي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني على أيدي قوات الاحتلال الاسرائيلي ولا عن مشروع السلام الإسرائيلي للشرق الأوسط, فحرب الخليج الثالثة يراد بها تحقيق الأهداف التي عجزت واشنطن عن تحقيقها عقب حرب الخليج الثانية خصوصاً ما يتعلق بالنظام الأمني الجديد للشرق الأوسط وإقامة نظام إقليمي شرق أوسطي جديد بديل للنظام العربي القائم, وإحداث تغييرات داخلية في أنظمة الحكم العربية ربما يكون نظام الحكم الجديد في العراق بعد إسقاط نظام حكم صدام حسين نموذجاً للتغيرات المطلوبة في الدولة العربية, وقد يكون مخطط تقسيم وتفتيت هذه الدول مطروحاً في حالة فرضه ونجاحه في العراق.(2/117)
إدراك كل هذه التطورات كان دافعاً للطرفين للمطالبة بتعاون مصري – إيراني حقيقي لمواجهة أخطارها:
-فقد طالب الطرفان بدور مصري-إيراني تشارك فيه دول عربية وإسلامية أخرى للدفاع عن الإسلام أمام ما يواجهه من تهديدات, وذلك بالدعوة إلى عقد مؤتمر دولي لصياغة مفهوم متفق عليه للإرهاب يميز بين الدفاع المشروع عن النفس من أجل الحرية والاستقلال كما أقره ميثاق الأمم المتحدة, وبين عمليات العنف العمياء التي لا تحمل هدفاً سوى الانتقام الأعمى من الخصوم السياسيين أو الأيديولوجيين.(2/118)
-كما طالب الطرفان بدور مصري-إيراني للدفاع عن روح الإسلام السمحة التي اختطفتها جماعات ظلامية لا ترى " الآخر " إلا مجموعة من الكفار والفسقة لا يستحقون الحياة, ووضعت الأمة الإسلامية في صدام مع كل أمم العالم, فالفجوة بين العالم الإسلامي وشعوب العالم الأخرى لم تكن كما هي الآن بين المسلمين والهندوس, ولا بين المسلمين والبوذيين, ولا بين المسلمين والأرثوذكس في روسيا ولا بين المسلمين والغرب في أوربا وأمريكا, ولذلك لا بد من استعادة المبادرة بجهد مصري-إيراني للدفاع عن الإسلام والمسلمين ومراجعة مسؤولية المجتمعات الإسلامية عن إفراز المنظمات والجماعات الإرهابية, وتصحيح مسار هذه المنظمات والجماعات وامتلاك قدرة عالية على نقد الذات ضمن أدوار وأنشطة ثقافية وفكرية والحوار مع الآخر حول قضايا التعايش والتعاون بين الثقافات والحضارات المتختلفة, كما اتفق الطرفان على دعم نضال الشعب الفلسطيني والانتفاضة والوقوف بقوة أمام المخططات الإسرائيلية, ورفض العدوان الإمريكي على العراق, وتشجيع العراق على التعاون مع الأمم المتحدة وعدم تمكين الولايات المتحدة من اختلاق أية ذريعة لشن العدوان, ورفض أي تعاون مع الولايات المتحدة إذا تورطت في مثل هذا العدوان, والتعاون المصري- الإيراني المشترك للحد من خطر هذه الحرب على الشعب العراقي وتخفيف ويلاتها, والحيلولة دون تقسيم العراق, والتصدي لأي محاولة للعبث بالخرائط السياسية لدول المنطقة أو التدخل في شؤونها الداخلية تحت أية ذرائع سواء كانت محاربة الإرهاب أو الإصلاح الديمقراطي.(2/119)
اتفق الطرفان المتحاوران في ندوة طهران " الثالثة " حول كل هذه القضايا, لكن كانت هناك قضايا خلافية أخرى يصعب تجاهلها, لكن الاتجاه العام الذي ساد الندوة هو الاتفاق على إعطاء أولوية للقضايا المتفق عليها والمضي قدماً في طريق تعميق التعاون على كافة المستويات مع العمل الجاد على حل القضايا الخلافية, ولكن دون ترك تلك القضايا تؤثر سلباً على هدف النهوض بالعلاقات المشتركة. هنا بالتحديد كان مأزق ندوة طهران, كما جسدته ورقة الدكتورة جميلة كاديفار عضو مجلس الشورى الإيراني.
والمأزق الذي أعنيه هو كيف يمكن لمصر وإيران أن تقوما بكل المهام المطلوبة لمواجهة أخطار التطورات الدولية والإقليمية ولتطوير العلاقات المشتركة في ظل غياب العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين البلدين؟.
المأزق تأكد عندما ركزت ورقة الدكتورة جميلة وأعلنت هي ذلك صراحة وأيدها عدد لا بأس به من الطرف الإيراني في موقفها الذي ألقى على مصر وحدها مسؤولية التقاعس عن إقامة العلاقات, والتأكيد على أن مشكلة عدم عودة العلاقات هي في الأصل مشكلة مصرية– مصرية وليست مشكلة إيرانية –مصرية وأن العامل الخارجي وبالذات العلاقات المصرية مع الولايات المتحدة يلعب دوراً رئيسياً في عرقلة عودة العلاقات, ووضع مصر مع كل من " إسرائيل " والولايات المتحدة من بين كل دول العالم التي ليس لها علاقات دبلوماسية مع إيران.
هنا بالتحديد يجب أن تكون لنا وقفة مع الصديق.
-فأولاً: المشكلة ليست مصرية – مصرية, بل هي, وللحقيقة إيرانية – إيرانية. فإيران هي التي قطعت العلاقات مع مصر عام 1979 بقرار من الإمام الخميني, وهي المعنية –إن أرادت- بالتراجع عن هذا القرار, وستجد –وقتها- أن مصر لن ترحب فقط, بل ستكون في قمة السعادة والاعتزاز بعودة العلاقات.(2/120)
-وثانياً: أنه إذا كان هناك فريق إيراني يؤيد ويطالب بعودة العلاقات يقف الرئيس محمد خاتمي على رأسه, فإن الفريق الآخر المحافظ ما زال رافضاً, أو على الأقل صامتاً على الدعوة لعودة العلاقات, إذ لم يسمع عن السيد علي خامنئي المرشد العام ورجل إيران الأول أنه تحدث عن أهمية أو ضرورة عودة علاقات بلاده مع مصر, وهو الذي يملك مفتاح قرار عودة هذه العلاقات.
فقبول مصر بعودة العلاقات دون وجود توافق إيراني على عودتها يجعل هذه العودة مهددة بالارتداد, ويضع مصر في موقف لا تقبله ولا ترضى عنه.
-ثالثاً: أن الجناح المتحفظ على عودة العلاقات مع مصر يريدها عودة مشروطة وهذا أمر مرفوض, لا تقبله مصر, ولا تقبله أي دولة في العالم, هناك من يطالب مصر بالتبرؤ من اتفاقية كامب ديفيد كشرط لعودة العلاقات. وبغض النظر عن رأي مصر في اتفاقية كامب ديفيد, وواقع الحال المطلب مرفوض لأنه تدخل في شأن سيادي مصري, والعلاقات بين الدول لا تقوم بشروط مسبقة.
-رابعاً: أن الحديث المستمر عن الدور الأمريكي في عرقلة عودة العلاقات بين مصر وإيران يزيد المشكلة تعقيداً, لأنه يتعرض لحرية القرار السياسي المصري, وهذا أيضاً أمر مرفوض, فضلاً عن أن الدور الأمريكي لم يعرقل العلاقات بين السعودية وإيران أو بين الكويت وإيران والبلدان وقعاً على اتفاقيات للأمن (السعودية والكويت) وللدفاع المشترك (الكويت) ولم تعترض أمريكا وكان الأولى أن تعترض إذا كانت لها اعتراضات على عودة العلاقات بين مصر وإيران.
مطلوب أن تعود العلاقات في أسرع وقت ممكن وهذا مطلب لا يمكن التراجع عنه, ولكن الآمال تتحقق بالجهود والمثابرة وهذه مسؤولية مشتركة للبلدين, ولكل المؤسسات الحكومية والأهلية والبرلمانية وغيرها. مطلوب عودة قوية ومؤمنة ومؤتمنة للعلاقات بين مصر وإيران, ليس عبر الشروط المسبقة, ولكن عبر الثقة المتبادلة والتراضي وانتفاء أي رغبة للتدخل في الشؤون الداخلية.(2/121)
لقد خرجت ندوة طهران بنتيجة محددة من بين كل ما توصلت إليه من نتائج هي أن بقاء العلاقات بين مصر وإيران على ما هي عليه ترف لا تحتمله مصالح البلدين ولا مصالح الأمة الإسلامية.
هل تعيد إيران حساباتها مع اسرائيل؟
محمد أبو الفضل
باحث وصحفي بجريدة الأهرام(1)
العلاقات الإيرانية الإسرائيلية في ظل الثورة لا تخفى على أحد كما جسّدتها فضيحة " إيران غيت ", والمقال الذي بين أيدينا وإن كان يعيدنا إلى شيء من الماضي القريب, إلا أنه يلفت انتباهنا إلى النقلة النوعية الحالية التي تشهدها إيران تجاه إسرائيل, ومنها قبول إيران بدولة إسرائيلية إلى جانب فلسطين.........................................المحرّر.
شهدت العلاقات بين إيران وإسرائيل الكثير من المطبات السياسية, لكن صدور بعض الإشارات الإيجابية من طهران حيال تل أبيب أخيراً أثار مجموعة من التوقعات والتكهنات والتخمينات, خاصة أن هذه التلميحات لامست القضية الفلسطينية وما تنطوي عليه من أهمية مركزية في الخطاب الإيراني الموجه إلى إسرائيل, باعتبارها واحداً من الملفات الحيوية التي تتعلق بمقدسات إسلامية, فقد اتخذت طهران موقفاً ثابتاً يرفض التفاوض الفلسطيني مع إسرائيل, تساقاً مع رفضها السابق لاتفاقية السلام التي وقعتها مصر مع إسرائيل, وذلك استناداً على مقولة رددتها الكثير من الدوائر في إيران, عمادها أن " المفاوضات مع النظام الصهيوني الذي لا يبالي تماماً بالقوانين والقرارات الدولية سبيل خاطئ ولا نتيجة ترجى منه "
__________
(1) مختارات إيرانية عدد 30 يناير 2003(2/122)
وبالتالي بدت المقاومة في مكونات الخطاب الإيراني, بغالبية تنويعاته, هي السبيل الوحيد لإنقاذ فلسطين, لذلك فإن التصريحات التي أشارت مؤخراً إلى إمكان القبول بدولة إسرائيلية إلى جانب دولة فلسطينية تحتوي على معان كثيرة ومضامين كبيرة, حيث جاءت في ظل تطورات سياسية مثيرة وأجواء إقليمية دقيقة. وعلى الرغم من التنصل الإيراني. إلا أن تزامنها مع بدء إذاعة " صوت دافيد " بثها أخيراً من إيران بالعبرية يعزز من أهميتها, وقد استضافت الإذاعة منذ البداية رئيس إسرائيل موشيه كاتساف (من أصل إيراني) الذي عبر عن أمنيته في عودة علاقات بلاده مع إيران المقطوعة منذ عام 1979.
وتضاعفت الأهمية السياسية لهذه النوعية من التطورات, في ظل ترافقها مع عدد آخر من الملامح, منها وصف الإذاعة في إحدى برامجها الانتفاضة الفلسطينية بـ " التخريبية " واستخدام بعض المفاهيم والتقديرات الإسرائيلية في التعامل مع الأحداث الفلسطينية, أضف إلى ذلك قيام(2/123)
المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي بإصدار عفو عن ثلاثة يهود إيرانيين, في مناسبة ذكرى مولد الإمام المهدي المنتظر في شهر اكتوبر الماضي. وقد تم العفو عن 742 سجيناً في هذه المناسبة أيضاً. وقال زعيم الطائفة اليهودية الإيرانية هارون يشائي أنه تم الإفراج عن اليهود الثلاثة, وهم جويد بن يعقوب (42 عاماً) وفرامارز كاشي (32 عاماً) وشهروخ بكنها (24 عاماً) بعد أن كان قد حكم عليهم بعقوبات حبس تتراوح بين ثماني سنوات وتسع سنوات بتهمة التجسس لحساب إسرائيل, مما أثار احتجاجاً في معظم أنحاء العالم وقد أوقف 13 يهودياً وثمانية مسلمين في عام 1999 في مدينة " شيراز " بتهمة التجسس. وخلال محاكمة جرت في جلسات مغلقة في يوليو عام 2000 حكم على عشرة يهود ومسلمين اثنين بالسجن ما بين 4 و 13 عاماً مع النفاذ. وفي سبتمبر عام 2000 خففت محكمة الاستئناف العقوبات وأفرجت عن اثنين من اليهود العشرة الذين أمضوا عقوبتهم, هذا الوضع أثار علامات استفهام متعددة إزاء هذه الجملة من التطورات, وجعل بعض المراقبين يرجحون احتمال حدوث تحولات في العلاقات بين إيران وإسرائيل, تأخذ في حسبانها البيئة الإقليمية المحيطة بطهران وما تموج به من أحداث متلاحقة.
في قلب الخطاب الديني:
كانت فلسطين تأتي في قلب الخطاب الديني والسياسي للإمام الراحل الخميني منذ بداية ظهوره في عام 1963 وعلى الرغم من البعد الجغرافي, إلا أنه تعامل معها كقضية داخلية أو قضية حدودية, فطول سنوات صراعه مع الشاه كان الخميني يربط بينه وبين إسرائيل وكأنهما شيئان متلاصقان ووجهان لعملة واحدة, وبعد نجاح الثورة الإسلامية بدت كل إيران بمثابة العمق الاستراتيجي للانتفاضة الفلسطينية, وتعد فتوى الخميني بجواز صرف الحقوق الشرعية لصالح العمل الفدائي المجاهد من المواقف البارزة تجاه القضية الفلسطينية.(2/124)
وفي إبريل الماضي قال آية الله خامنئي " إن المنظمات الفلسطينية المناضلة مثل فتح وحماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وسائر الجماعات الجهادية, هي السبيل الحقيقي لإنقاذ فلسطين لأنها أدركت معنى الفداء والتضحية وأدركت حقيقة أن العدو عاجز أمام العمليات الاستشهادية وأن الشعب الفلسطيني باختياره طريق الاستشهاد يجعل المسؤولين في قيادة الحكم الذاتي (الفلسطيني) يصمدون في مواقعهم ولا يسلمون ", ووصلت المسألة إلى حد اعتبار بعض القيادات الإيرانية, خامنئي ورفسنجاني, تطبيع العلاقات مع إسرائيل خيانة عظمى للإسلام والعرب والفلسطينيين وعلى هذا الأساس جرى الكثير من المياه وعارضت طهران عملية التسوية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين, لذلك فإن أي تغيير في آليات التعاطي الإيراني مع إسرائيل يثير الانتباه ويفرض قراءة مفرداتها بصورة تتلاءم مع المجريات الإقليمية الراهنة.(2/125)
والواقع أن بعض الدراسات العربية تفرق بين عنصرين, هما اليهودية والصهيونية في التعامل الإيراني مع إسرائيل, حيث يقوم الرأي الرسمي حول اليهودية على الأساس نفسه الذي وضعه الإمبراطور قورش الأول مؤسس أول امبراطورية فارسية عند تحريره اليهود من " السبي " البابلي, وهو يقوم على أن اليهود جنس له شبه كبير بالجنس الآري, ويمكن الاستفادة منهم بمزيد من الإغراء بالمصالح, وعلى هذه القاعدة استفادت طهران من اليهود خلال الحرب مع العراق, كوسطاء يعقدون الصفقات مع الدول الغربية لإمداد إيران بما تحتاجه من المؤن والعتاد, ففي عام 1980 باعت تل أبيب لطهران صفقة أسلحة قيمتها 500 مليون دولار, شملت قطع غيار لطائرات الفانتوم A4 وفي العام التالي لعب تاجر السلاح يعقوب نموردي دوراً في صفقات الأسلحة بين الجانبين بموجبها تسلمت إيران شحنات من صورايخ " الهاون " وكان نموردي هو أحد أبطال الفضيحة المعروفة " إيران جيت " بين واشنطن وطهران خلال عهد إدارة الرئيس رونالد ريجان, ولم يقف الحال عند هذا الحد, بل تسلمت إيران في عام 1982 شحنات أسلحة جديدة من خلال صفقة مع إسرائيل, عقدها تاجر يهودي من أصل إيراني يدعى فاروق عزيزي, وفي العام نفسه اشترت طهران صوايخ جوية من نوع (سايدو نيدر), ونشرت صحيفة " التايم " في 25 يوليو 1983 أن طهران تسلمت ألف جهاز تليفون للاتصالات العسكرية من إسرائيل, وفي عام 1986 باعت إسرائيل لها2800 صاروخ W.O.T. وما يزيد على ألفي صاروخ مضاد للطائرات.(2/126)
وقالت بعض الأوساط السياسية أن شحنات الأسلحة الإسرائيلية التي تلقتها الجمهورية الإسلامية خلال حربها مع العراق جاءت في إطار صفقة نجحت من خلالها تل أبيب في تهجير حوالي 55 ألف يهودي إيراني على إسرائيل... وتمت عمليات التهجير برعاية ووساطة نمساوية ولم تحل الثوابت الإسلامية دون تحقيق المصلحة الإيرانية أثناء حربها مع العراق, الوضع الذي يلفت الانتباه إليه حالياً بعض المراقبين, حيث أشاروا إلى عدم استبعاد حدوث اتصالات جديدة بين الجانبين, إذا استشعر النظام الإيراني وجود ضرورة أو مصلحة سياسية أو درء مخاطر معينة, في ظل بيئة إقليمية جديدة, أما الصهيونية فهي العدو الحقيقي لإيران, لأن مضمونها الاستراتيجي يتعارض تماماً مع استراتيجية النظام الإيراني كما تتقاطع أنشطتها الفعالة مع نظيرتها الإيرانية في مختلف أنحاء العالم وفي نظر كثير من الدوائر الإيرانية تمثل إسرائيل بؤرة النشاط الصهيوني مما يجعلها قطباً متنافراً مع إيران, لا سيما أن التحديات الأكبر تكمن في الشق الأمني وقد حرصت النخب الإيرانية الحالية على نفي اتهام بلادهم بالارهاب ورمي الكرة في فناء إسرائيل, إذ اعتبر الرئيس محمد خاتمي أن " النظام الصهيوني أكبر مظهر للإرهاب الدولي والعنصرية العالمية ".
مصدر تهديد الأمن:(2/127)
وفي المقابل, تنظر إسرائيل إلى إيران باعتبارها واحدة من الدول التي تشكل تهديداً أمنياً لها, بحكم إيديولوجيتها الظاهرة وإمكاناتها التسليحية واستعداداتها العسكرية, فضلاً عن البعد الجغرافي, وإذا أخرجنا مصر من المعادلة الاستراتيجية بسبب التزامات التسوية السياسية ومعاهدة السلام مع إسرائيل, واستبعدنا سوريا بسبب جملة من الحسابات المعقدة, داخلياً وإقليمياً ونحينا العراق جانباً بسبب ظروفه الراهنة, فإن إيران تبدو هي الدولة الأكثر تأهيلاً لتشكل خطراً مباشراً على إسرائيل, لذلك راجت خلال الأشهر الماضية حملة منظمة في بعض الأروقة الإسرائيلية طالبت باستهداف طهران, ربما قبل بغداد, وتم تسويق معلومات مختلفة بشأن قدراتها النووية والعسكرية, والاشارة من حين لآخر لمفاعل " بوشهر " والدور الروسي في تطويره, ليكون مستعداً لإنتاج أسلحة نووية واستفاد الإعلام الإسرائيلي من التوجيهات الأمريكية حيال إيران التي تضعها واشنطن ضمن دول ما يسمى " محور الشر" مع العراق وكوريا الشمالية.
وفي هذا السياق لا تألو إسرائيل جهداً في الربط بين إيران والفصائل الإسلامية في الاراضي الفلسطينية المحتلة, حيث تروج لاتهامات كبيرة إزاء قيام طهران بتقديم السلاح لها الذي تحارب به إسرائيل وتحض علناً على المزيد من العمليات الاستشهادية, وإذا كانت طهران تنكر الأولى فإنها لا تنفي الثانية, تأسيساً على منهج يحض قتال الإسرائيليين بكل ما أوتي الفلسطينيون من قوة. وفي هذا المضمار تستغل إسرائيل الارتباط المعنوي بين إيران وحزب الله لشن حملة أكاذيب موسعة حول دورها في التفوق الذي ظهر عليه الحزب طوال السنوات الماضية, وبالتالي تطالب دوما بتفكيك الارتباط بينهما من خلال مواصلة الضغط على طهران للكف عن إية محاولات لاستمرار أو تطوير التعاون والتنسيق بينهما.(2/128)
وقد حرك الخطاب الذي ألقاه الرئيس بوش في شهر يوليو الماضي وما أعقبه من تعليقات الكثير من المياه تجاه إيران, حيث أشار فيه إلى أنه تخلي عن الآمال في أن الرئيس خاتمي وجماعته يمكن أن يتقدموا في الإصلاحات ويشرعوا بحوار مع واشنطن " وذلك كطريق لإحداث تغيير كبير في العراق, في ظل تزايد الممانعات الإقليمية والدولية لضرب بغداد في ذلك الوقت, ودفعت إشارة بوش التيار المؤيد لخيار إيران أولا للتحرك على الصعيد الإعلامي, حيث تولت الدعاية الصهيونية الترويج عبر مقالات وتصريحات بشأن مخاطر النظام الإيراني على المصالح الإمريكية وأنه يعوق حدوث أية تحركات جادة نحو العراق وأن الجمهورية الإيرانية في حالة أزمة وتتجه إلى انفجار اجتماعي وسياسي يمكن استثماره بصورة جيدة.
وتعمد بعض المسؤولين في إسرائيل التضخيم من هواجسهم بشأن تكوين تحالف –غير معلن- بين الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات وإيران باعتبار أن ذلك يمنح الفلسطينيين رادعاً تسليحياً جيداً, وقد تجدد هذا الحديث عقب إعلان إسرائيل في أوائل عام 2002 عن ضبط سفينة تحمل 50 طناً من الأسلحة الإيرانية, من بينها أسلحة مضادة للدبابات وصواريخ يمكن أن تصل إلى المدن الإسرائيلية, وزعمت إسرائيل أيضاً أنها قبضت على ثلاثة أعضاء من حماس تلقوا تدريباً خاصاً لمدة سنتين في دورة خاصة لتدريب ضباط الحرس الثوري في منطقة " دار قزوين " خارج طهران, لكن المسئولين قالوا أنه ليست لديهم أدلة على أن نشطاء المخابرات الإيرانية يعملون مباشرة في الضفة الغربية وغزة.(2/129)
ونفت السلطة الفلسطينية أية علاقة مع إيران في مجال الصراع ضد إسرائيل وعدم معرفة الرئيس عرفات أية معلومات عن شحنة الأسلحة, واعتبرتها السلطة محاولة إسرائيلية للإساءة للفلسطينيين وتبرير العمليات العسكرية, كما نفت طهران تورطها مع الفلسطينيين أو تقديم شحنات أسلحة,وقال علي شمخاني وزير الدفاع الإيراني " ليست لدينا أية علاقات مع عرفات ولم تتخذ خطوات من جانب أية منظمة إيرانية لشحن أسلحة للأراضي المذكورة ".
واستمرت الدعاية الإسرائيلية في حرصها على تبرير إخفاقات حكومة شارون بالربط بين إيران والمقاومة الفلسطينية, فقد زعمت بعض الصحف الإسرائيلية أخيراً مثل " هآرتس " أن طهران عمقت أخيراً نفوذها في أوساط التنظيمات الفلسطينية في المناطق المحتلة, عبر إقامة صلة مباشرة مع ناشطين في الذراع العسكرية لفتح " كتائب شهداء الأقصى " وحضها على تنفيذ عمليات تفجيرية, وادعت مصادر إسرائيلية أن التعليمات الإيرانية تصدر عن طريق عناصر " حراس الثورة الإيرانية " التي أشارت إلى وجودها في لبنان عن طريق حزب الله وحركة فتح في لبنان وأن هذه التعليمات توجه أساساً لناشطي فتح في نابلس, وبفعل هذه العلاقة نفذت فتح عمليات استشهادية كانت في السابق قاصرة على تنظيمات إسلامية.
نقلة... ولكن:
فهل بعد كل هذه التقديرات يمكن أن تحدث نقلة نوعية كبيرة في اتجاه تطوير العلاقات بين إيران وإسرائيل؟.
على الرغم من صعوبة الحصول على إجابة قاطعة حول هذا السؤال إلا أن المؤشرات الحالية التي رصدناها من بعض المصادر المتابعة للمشهد الإيراني انقسمت إلى اتجاهين:(2/130)
الأول, يعتقد أن القبول بدولة إسرائيلية إلى جانب فلسطين يتناقض مع الخطاب الرسمي الذي تتبناه طهران منذ اندلاع الثورة الإسلامية. وحتى لو كانت هناك تباينات مع السلطة الفلسطينية, فإن إيران تعول كثيراً على حركات المقاومة المختلقة, من الجهاد إلى حماس مروراً بالجبهة الشعبية وغيرها. ومعنى القبول رسمياً بإسرائيل التأثير بقوة على بعض الثوابت الأساسية لأن السؤال الكبير الذي يطرح نفسه يخص قضية القدس الشريف التي تزعم إسرائيل أنها عاصمتها الأبدية كما أن الكونجرس الأمريكي وافق أخيراً على قرار نقل السفارة الأمريكية إليها باعتبارها عاصمة إسرائيل المزعومة, المهم أن هذا التيار من المراقبين يشكك في جدوى تصريح آية الله أصفى بشأن دولة إسرائيلية بجانب فلسطين, ويقلل من مسألة إنشاء إذاعة عبرية وإطلاق سراح يهود من السجون الإيرانية, ويلخص أهدافها في توصيل رسالة طهران الإعلامية إلى الداخل الإسرائيلي وليس العكس والتي تطالب باسترداد الحقوق الفلسطينية وتاكيد ديمقراطية الجمهورية الإيرانية.(2/131)
أما الاتجاه الثاني, فيرى أن هذه التطورات تنطوي على أبعاد دقيقة, وأنها جاءت من رحم حسابات عميقة فرضتها طبيعة الأجواء الحرجة التي تخيم على سماء طهران حالياً, وهي عملياً تنهي فرضية وجود دور إيراني قوي في مجابهة إسرائيل. وقد كانت هذه النوعية من المواقف الإيرانية المتوقعة من جانب بعض الأوساط السياسية, في ضوء خطوات الرئيس محمد خاتمي التي تتسم بالبرجماتية السياسية ومحاولة إصباغ خطواتها بشيء من المرونة التي تأخذ في اعتبارها حسابات المكسب والخسارة على الدولة الإيرانية, وينظر هذا الفريق من المراقبين إلى التهديدات الأمريكية والتحذيرات الإسرائيلية المتواصلة لطهران بأنها دفعت إيران لاتخاذ مجموعة من الإجراءات التي تبدو متوافقة مع حصيلة التوجهات الأمريكية, من أفغانستان وحتى العراق ومروراً بمفردات الخطاب الأمريكي ضد " الإرهاب " حتى يتسنى تفويت الفرصة على استهدافها بعد العراق.
فهناك عدد كبير من المؤشرات لا يستبعد وضع إيران على قائمة الدول المطلوبة, أمريكياً وإسرائيلياً, تصفية بعض المسائل السياسية معها, إذ لا تستقيم أية ترتيبات في المنطقة دون تسكين هذه الجبهة بصورة مرضية, من ثم على طهران إعادة صياغة أوجه علاقتها مع حزب الله الذي تتعامل معه بحسبانه واجباً مذهبياً وثورياً, وكذلك مع حركتي الجهاد وحماس في الأراضي الفلسطينية, لا سيما أن هذه التنظيمات المقاومة للاحتلال تأتي في مقدمة الجهات الموضوعة على اللوائح الأمريكية والإسرائيلية " للإرهاب " واستمرار العلاقة معها يستوجب تحمل تكاليف سياسية باهضة.
وبغض النظر عن قبول طهران بدولة إسرائيلية رسمياً أم لا, فإن هناك الكثير من معالم التغيير في الخطاب الإيراني حيال عدد من القضايا والملفات, بشكل يسهل توقع حدوث هذا الاختراق عملياً في المستقبل, لأن إعلان آية الله أصفى يرمي إلى:(2/132)
أولاً: جس نبض الشارع الإيراني, الذي جاءت حصيلة رده متحفظة وليست معترضة, كما كان متوقعا من جانب بعض الدوائر, وبالتالي يمكن المضي في خطوة من هذا النوع,
ثانياً: التخفيف من وطأة الادعاءات الإسرائيلية, بأن طهران لديها بعض الأوراق المؤثرة في لعبة التوازنات الإقليمية لذلك فالأيام المقبلة قد تكشف لنا عن معالم خريطة جديدة لتلك المعادلات والتوازنات الإقليمية.
كلمة النجف
سمير عطا الله
منذ مقتل السيد محمد باقر الحكيم في النجف مع حوالي مائة من مناصريه ورفاقه، ساد مناخ من الصمت والترقب والغموض، حول ما كان يقال انه صراع حول الزعامة الدينية الشيعية في العراق. وكان بين ابرز الاسماء المطروحة ثلاثة يجمع بينهم ان اباءهم ذهبوا ضحية النظام السابق. اي محمد باقر الحكيم نفسه، والسيد عبد المجيد الخوئي، والسيد مقتدى الصدر، نجل السيد محمد صادق الصدر الذي اغتاله النظام العام 1999 في عملية ترك عليها بصماته وتوقيعه في صورة معلنة ومتعمدة.(2/133)
قتل الخوئي غداة عودته من لندن طعناً بالسكاكين وهو يؤدي الصلاة في مسجد الامام علي. وقد سحبت جثته الى الخارج حين اطلقت عليها «رصاصة الرحمة». وعوملت المسألة على انها قضية سياسية داخلية. ولم يخف كثيرون امتعاضهم من عودة الخوئي ولا ارتياحهم لمقتله. وبعد مقتل باقر الحكيم، ذي الارجحية السياسية والدينية والشعبية، ظل في الصف الامامي السيد مقتدى الصدر، الزعيم الاكثر شباباً وتشدداً وكذلك اعتراضاً على «المرجعية» ومكانتها ودورها. ويتميز الصدر بالاصرار على طروحات اجتماعية وسياسية لا تقبل مهادنة او مراجعة. وقد اتصلت به شبكة تلفزيونية دولية من اجل مقابلة فوافق. ولدى اعداد الترتيبات للبث رفض التحدث (بالهاتف) الى السيدة التي كلفت اعداد النقل لأنها امرأة. وقدمت له كرسي في الاستديو، فرفض الجلوس عليها واقتعد الارض. وحاول الفنيون ان يعلقوا في صدره «المايكروفون»، فرفض قائلاً انها آلة شيطانية. ثم طلب منه ان يضع السماعة في اذنه لكي يصغي الى الاسئلة التي سيطرحها المذيع عبر الاثير فرفضها باعتبارها، ايضاً، آلة شيطانية. وفي النهاية تم الاتفاق على ان يطرح المذيع الاسئلة على مساعد للسيد الصدر (بواسطة السماعة والمايكروفون) ثم يقوم هذا بدوره بنقلها، فيرد السيد الصدر عليها.
وتشكل هذه الالآت الشيطانية مسألة مهمة في دعاوى الزعيم الشاب. ويقود الرجل حركة سياسية شعبية في بغداد حيث سميت «مدينة صدام» «مدينة الصدر» فور سقوط النظام.(2/134)
وقد سيطرت الحركة التي يقودها الزعيم الشاب على جميع المرافق فيها ومؤسسات ومكاتب حزب «البعث». غير ان الرجل لا يتمتع على ما يبدو، بالولاء نفسه في النجف وبقية الجنوب. ففي وقت تحتشد «الحوزة العلمية» بالعلماء الكبار والمتقدمين، لم يبلغ هو بعد الثلاثين. وتقول «الديلي ستار» انه عندما يقتضي الامر وتفرض المناسبة، يأتي المؤيدون بالباصات من «مدينة الصدر» الى النجف من اجل اظهار التأييد والقوة. ويلاحظ ايضاً ان زعيم «جيش المهدي» يميل الى استخدام اللغة المحكية فيما يحرص العلماء والفقهاء عادة على النطق الفصيح والخطاب البليغ حتى في اليوميات الصغيرة. ومن المبكر طبعاً الآن تمييز اي اتجاه ارجحي في موضوع الزعامة، حتى في غياب باقر الحكيم نفسه. فالمسألة طبعاً تتعدى الفرد الى التيار الروحي والسياسي. وشكل مقتل الحكيم في «الصحن الحيدري» هزة كبرى في الطائفة الشيعية وطرح اسئلة كثيرة في العمق. ولم يخرج من «الحوزة» الى الآن اي مؤشر في اتجاه البدائل المطروحة وطبيعة الاتجاه الوطني الذي ستختاره الاكثرية، برغم اندفاع الصدر الشديد ومعه «جيش المهدي».
من هم رجال بشار الأسد؟
تقارير أميركية بالأسماء والمواقع
هذا التقرير أعدته مراكز أبحاث أميركية, ويتناول تركيبة النظام السوري, والسؤال البديهي الذي يتبادر إلى الأذهان هو: لماذا صدور هذه التقارير الآن في هذا التوتر في العلاقات السورية-الأميركية؟ وإذا كنا لا نرغب في الحديث عن مخططات في هذا السياق, فإننا ننشر ما ورد في هذه التقارير بحذافيره, ليطلع قراء العربية على ما يكتب عن بعض دولنا في الغرب والولايات المتحدة خاصة. ومع أن هذه التقارير تضمنت عبارات وكلمات معينة لا نحب التركيز عليها, إلا أننا لم نشأ حذفها أو تغييرها, حتى يتمكن القارئ من فهم اتجاهات هذه التقارير على حقيقتها, لأن لبعض الكلمات دلالات معينة, وهذا ما ورد في تقارير مراكز أبحاث أميركية.(2/135)
يقول تقرير في معهد أبحاث أميركي:
خلال فترة الثلاثين عاماً لحكم حافظ الأسد في سورية, فإن الأقلية العلوية وطبقة السياسيين ذوي الامتيازات والكبار من العسكريين والتجار, كل هؤلاء طوروا لأنفسهم فوائد مكتسبة في ظل نظامه. والخوف الواضح الذي نشره النظام بين معظم السوريين, كان مرتبطاً بشكل وثيق بمؤيدي الأسد, مما جعل هناك إجماعاً واضحاً بين هؤلاء الكبار البارزين بأن الرئاسة يجب أن تنتقل إلى شخص آخر من نفس العائلة ليحفظ لهم الجو لاستمرار مصالحهم. ولكن هؤلاء الكبار لا يؤيدون بشاراً ضرورة على غيره من أفراد عائلة الأسد الطموحين, إن الألحان العسكرية التي تعزف في سورية تشير فقط إلى استمرار "جو" النظام السابق, وأنه موضع تقدير فوق الجميع. أما إذا حاول بشار إجمالاً حرمان كبار النظام البارزين من امتيازاتهم, أو أثبت أنه غير قادر على حماية هذه الامتيازات, فإنهم سينقلبون عليه بسرعة, ويرفعون شخصاً آخر من العائلة إلى سدة الرئاسة, حتى لو كان ذلك الرئيس رئيساً صورياً. (ولهذا يرفض بشار تسمية الحرس القديم بل سماهم أصحاب المصالح في مقابلته الأخيرة).
يعد بشار سياسياً مبتدئاً بالمعايير السورية, فحتى عمر 28, كان يدرس بهدوء مهنة الطب, بخلاف أخيه الأكبر باسل الأسد, الطموح سياسياً الذي كان الوريث الظاهر لدكتاتورية سورية. ولكن كل هذا تغير في 1994, عندما قتل باسل في حادث سيارة, بسبب السرعة العالية, حيث نقل بشار عندها بسرعة من دراسته لطب العيون في مستشفى سانت ماري في لندن, وبدأ تدريبه السياسي. وتخرج بعجلة في الأكاديمية العسكرية السورية في نفس السنة, ورقي إلى رتبة رائد في الحرس الرئاسي بعد شهرين. لقد أصبح بسرعة مكسواً تماماً بكل الحلية الرسمية للقوة السياسية, ولكنه لم يثبت نفسه بعد.(2/136)
أكبر تحد صريح لسلطة بشار من خلال العائلة, جاءت من عمه المبعد خارج سورية, رفعت الأسد. لعقدين من الزمن قاد رفعت مؤسسة دفاع كبار البارزين (سرايا الدفاع) الحرس الرئاسي لنظام الأسد, والتي كانت وسيلة قمع المتمردين الإسلاميين في سورية (1980-1982). ونفي بعد إطلاقه محاولة انقلاب فاشلة في 1984, بالرغم من بقائه محتفظاً اسمياً بلقب نائب الرئيس حتى العام 1998. وقد انتظر رفعت فرصة لتسلم الرئاسة لنفسه أو لابنه خريج السوربون سومر 30 عاماً, والذي يدير محطة أخبار فضائية في لندن.
"ما يحدث في سورية مهزلة ومسرحية غير دستورية... الحقيقة الدستورية الشرعية الوحيدة تتجسد في الدكتور رفعت الأسد" قال حافظ قاهر, المتكلم باسم رفعت في إسبانيا. كرر قاهر ادعاء رفعت بأن صرفه كنائب للرئيس في 1998, كان غير شرعي. وقال "في الوقت المناسب سوف يعود رفعت إلى سورية ويتسلم مسؤولياته حسب رغبة الشعب" وأصر قاهر على أن رجوعه سيكون سلمياً, ولكنه أضاف بأن "قوة الشعب والجيش" هي وراء رفعت. وقد أصدر رفعت بياناً أذيع على شبكة الأنباء العربية (شبكة سومر) يعد فيه بأن: "الحرية والديمقراطية ستؤسس في سورية, وسيشارك المدنيون في بناء الأمة واختيار ممثليهم".(2/137)
أخذ قادة بشار تهديد رفعت بشكل جدي جداً. حسب مصدر رسمي سوري فقد شكلت لجنة من خمس رجال فوراً بعد موت الأسد مسؤوليتها مقصورة على مراقبة واعتقال رفعت في حال دخوله سورية متنبئين مسبقاً بأن رفعت سيحاول العبور من لبنان, فإن القوى السورية زادت من الإجراءات والتدابير الأمنية في مطار بيروت الدولي. وموانئ لبنان, ونقاط العبور المختلفة على طول الحدود السورية اللبنانية, كما أقنع الرسميون السوريون أيضاً واحداً من أبناء رفعت المقيمين في سورية (مضر 27 عاماً) ليعلن انفصاله عن والده بالظهور على شاشة التلفزيون والتصريح: "ليس لنا أب آخر غير حافظ الأسد" ابن آخر لرفعت, فراس, أدلى أيضاً بإفادة علنية لدعم بشار.
لماذا القلق؟
بشار ورجاله قلقون من تحدي رفعت لعدة أسباب. أولاً: أن رفعت لا يزال يمتلك شبكة سرية من المؤيدين في سورية, بينما اعتقلت الحكومة السورية معظم أصوله في وحول اللاذقية في السقوط الأخير. يقدر نطاق ثروته السائلة بـ 2-4 مليار دولار أميركي, وهي أكثر من كافية ليحتفظ بشبكة مناصرين ذات خطر في المجتمع العلوي. وفوق هذا يمتلك رفعت روابط عائلية من خلال تعدد زوجاته (له أربع زوجات), من عائلات بارزة وعشائر في سورية, بالإضافة إلى أبنائه وبناته الـ 17.
بالإضافة إلى ذلك, فإن رفعت طور علاقات حميمة مع الحكومات الأخرى من المنطقة, أكثرها أهمية صداقته الحميمة مع (....). ففي الواقع أن الاثنين مرتبطان عبر الزواج من إحدى أخوات زوجات رفعت الأربع.
حليف آخر مهم لرفعت الأسد: ياسر عرفات, الذي التقى برفعت عدة مرات منذ نفيه من سورية, عرفات أغضب الحكومة السورية كثيراً عندما عامل سومر بن رفعت معاملة البساط الأحمر خلال زيارته للضفة الغربية.
أحد أسباب دعوة عرفات إلى جنازة الأسد كان إبعاده عن رفعت.(2/138)
ولرفعت أيضاً علاقات شخصية حميمة بالأسرة المالكة في المغرب وقد حضر رفعت جنازة الملك الحسن الثاني, بينما تغيب عنها الرئيس الأسد.
في الوقت الحاضر يبدو أن أياً من الدول العربية ترحب بدعم سري لقوة رفعت الأسد, ولكن هذا ممكن الحدوث فيما إذا تغيرت ظروف المنطقة الإقليمية.
النظام السوري كان دائماً مخيفاً أكثر منه محترماً من قبل الدول المجاورة, معظمها كان عليها أن تقنع برئيس سورية الجديد, حسب ترتيب دولي. وسيكون معظمهم أكثر ترحيباً بلعب ورقة رفعت, في حالة تدهور علاقتهم مع سورية. ولعل هذا ما يدفع رفعت إلى الاحتفاظ بوقاره, في ظل الصمت بانتظار ساعة الصفر.
تفيد بعض التقارير أن رفعت قد طلب مؤخراً مساعدة إسرائيل, حسب "مصادر رسمية" استشهد بها راديو إسرائيل, وأن رفعت أرسل عدة رسائل للدولة اليهودية عبر مبعوثها في الأمم المتحدة, يهودا لانكري, طالباً من إسرائيل دعم مزايدته على السلطة, في مقابل تنازلات غير مفصلة, اكثر من مرة طلب الرئاسة, وقد اتصل بالإسرائيليين في الأشهر الأخيرة لولاية رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو, من خلال مستشاره السياسي ولكن تم صده بوضوح بمشورة أميركية.
جميل الأسد(2/139)
فرد آخر من عائلة الأسد, أظهر دعمه لبشار, ولكن من المتصور أنه يمكن تطويعه لمعارضته في حالة تجسد مجموعة وجهاء معارضين. أخ آخر للرئيس السوري, جميل الأسد (ولد في 1933) لم يلعب دوراً سياسياً ذا شأن في السنوات الأخيرة, فيما عدا قيامه بمهام في البرلمان, ليس مثل أخويه, جميل ليست لديه أرضية عسكرية. خلال عقد الثمانينات جمع ثروة معتبرة, وترأس جمعية دينية علوية في اللاذقية وبقية المدن السورية, تدعى المرتضى وحسب أحد المصادر, فإن جمعية المرتضى لها جناح عسكري مسلح, عن طريق شبكات دفاع رفعت الأسد, وتسعى بفاعلية ونشاط إلى دعوة البدو السوريين في الجزيرة, وحمص وحماة إلى مذهب العلويين, والذي يتعارض ويتضارب مع آيديولوجية حزب البعث اللاديني "ظاهرياً", مما يثير غضب المسلمين السنة. حلّ الأسد الأب الجمعية في 1983, وصودر الكثير من مصادر قوة جميل الأسد في 1984, بسبب علاقاته الحميمة برفعت, ومع ذلك فإن جميل وابنه فواز ما زالا يمتلكان منزلة رفيعة حقيقية, ومؤسسات تجارية, ويستطيعان ممارسة التأثير عبر شبكة مناصرين في اللاذقية. وتقول التقارير إن جميل أمضى معظم وقته في أوروبا خلال السنتين الأخيرتين, ولكنه على خلاف رفعت, سمح له بالعودة لفترات محدودة إلى سورية في وقت فراغه, وكان حاضراً في جنازة أخيه الأسد. وقد تقبل بشار كوريث شرعي لدكتاتورية الأسد, إلا أنه بالتأكيد يشعر بالغيظ لأنه حرم من أي منصب سياسي أو عسكري مهم خلال مدة حكم النظام.
إذا قرر الجنرالات العلويين أنهم بحاجة إلى شخصية مدنية راسخة الإيمان لدعم ذوي الامتيازات العلويين, فإن جميل سيكون مرشحهم رقم واحد.
أخوان صغيران
ولبشار أيضاً أخوان أصغر منه, لكنهما ليسا معتبرين ليكونا سياسيين ملائمين من قبل معظم المطلعين.(2/140)
ماهر الأسد: 33 سنة, ضابط بارز في الحرس الجمهوري, رفع مؤخراً إلى رتبة عقيد أو كولونيل, ولكنه يعتبر انفعالياً سريع الاهتياج مما لا يؤهله ليكون حاكماً: في أكتوبر "تشرين أول" من 1999 انزعج من ملاحظات ازدرائية عن عمه رفعت, صدرت من آصف شوكت زوج شقيقتهم الكبرى بشرى وحليف رئيسي لبشار فأطلق عليه النار في معدته.
-أخوه الآخر: مجد, مهندس كهربائي, يعاني من تاريخ مشاكل عقلية, نتيجة إدمانه على المخدرات. (وقد أرسله أخوه عدة مرات للعلاج في ألمانيا).
من الجدير بالذكر أن أقرباء كثيرين آخرين لبشار, خارج نطاق العائلة المباشر, يحتلون مواقع مهمة في النظام.
آصف شوكت على سبيل المثال, يقال إنه صاحب القرار الحقيقي في دائرة الاستخبارات العسكرية والتي تقع اسمياً تحت قيادة الجنرال حسن خليل الذي أحيل على التقاعد مؤخراً.
شخص آخر مهم: الجنرال عدنان مخلوف, ابن عم والدة بشار (أنيسة مخلوف), والذي يقود الحرس الجمهوري المكون من ثلاثين ألف جندي, حسن التجهيز, وأبناء أخ الرئيس حافظ: عدنان ومحمد الأسد يقودان سرايا دفاع مكونة من 5 آلاف جندي كقوة أمن وحماية في دمشق.
من يحكم سورية حقاً؟
الانتقال المرتب للسلطة بعد وفاة حافظ الأسد والذي تم تكييفه وفقاً لآليات الخلافة في الدستور السوري, قد ألقى الضوء على دور قواعد القوى الرسمية: الرئاسة, مجلس الوزراء, مجلس الشعب, وفوق الجميع حزب البعث.
قد أخفى كذلك الدور الحاسم الذي لعبته قواعد القوة غير الرسمية تحت كبار العلويين الذين يحتلون مراكز هامة في الجيش والمراكز الأمنية, في وصول بشار الأسد إلى السلطة.(2/141)
رغم أن قواعد السلطة الرسمية تصبغ النظام بهالة من الاحترام الجمهوري, إلا أن أعضاء السلطة غير الرسمية وحدهم الذين يؤمنون استمراريته. وقد لعب كبار العلويين بشكل عام دوراً ضئيلاً في صناعة القرار اليومي تحت رئاسة حافظ الأسد, الذي كان يفضل الاعتماد على مستشارين مدنيين, وعلى وزراء المجلس –معظمهم من البعثيين- فيأخذ رأيهم في القضايا الداخلية والخارجية السياسية والاقتصادية. ومع ذلك فقد لعب كبار العلويين دوراً بارزاً في قتال المعارضة الإسلامية بين العام 76 وإلى العام 82, وفي إحباط محاولة انقلاب رفعت الأسد في العام 84, وفي ضمان انتقال آمن للسلطة بعد موت الرئيس. ومن المرجح أن يستمروا في لعب دور هام في المراحل المقبلة, في تعزيز قوة النظام, وربما في محاولة الإبقاء على طريقة الأب, أو لعلهم يرسمون طريقة جديدة في الحكم تحت قيادة بشار, إن الطريقة التي يدير بها بشار علاقته مع رؤساء الجيش والقوات الأمنية ستكون مفتاح بقائه واستقرار سورية في السنوات المقبلة.
قواعد قوة النظام غير الرسمية
بعد موت الوريث السابق باسل الأسد في العام 1994, بدأ الرئيس حافظ الأسد في تمهيد الأرضية لوراثة بشار للحكم. وبدأ بالتدريج بإزاحة الضباط الذين يعتقد معارضتهم لانتقال وراثي للحكم, أو الذين –بسبب أسبقيتهم- يحملون طموحات خاصة بهم. ولهذا فإن معظم الأعضاء في قواعد السلطة اللارسمية هم اليوم رجال تم اختيارهم من قبل الأسد الأب في السنوات الست الماضية, إلا أنه ليس من الواضح فيما إذا كانت هذه العملية قد استنفدت كامل خطواتها قبل موته.
القوات الأمنية....
لدى النظام أربعة أجهزة أمنية رئيسية تقوم بمراقبة أية إشارة تعبر عن معارضة, أو انشقاق, بينما تحتفظ بعين مفتوحة على نشاطات القوات الاستخبارية الأخرى.(2/142)
المخابرات العسكرية: ويرأسها: اللواء حسن خليل, وهو علوي خلف رئيس المخابرات العسكرية على دوبا الذي بقي في هذا المركز لفترة طويلة, وهو علوي أيضاً وذلك بعد استقالته. وأخيراً حل محل حسن خليل آصف شوكت زوج بشرى بعد أحالة حسن خليل على التقاعد.
اللواء غازي كنعان (أبو يعرب) علوي: رئيس الاستخبارات العسكرية في لبنان, وهو يلي خليل في الرتبة, ويتولى حالياً قيادة الاستخبارات العسكرية.
وعلى كل فإن اللواء "آصف شوكت" –علوي- يعتبر الرئيس الحقيقي للاستخبارات العسكرية رغم كونه أدنى رتبة من خليل وكنعان, فهو مقرب من بشار, ومتزوج من أخته الكبرى بشرى. وتقول الأنباء إن شوكت يستمتع بالوصول إلى السلطة اعتماداً على روابطه العائلية بعائلة الأسد. ويرأس علي حواري (الإسماعيلي) إدارة الاستخبارات العامة إلا أن السلطة الفعلية هي بيد رئيس فرع داخلي: اللواء بهجت سليمان (علوي), ورئيس فرع داخلي اللواء إياد محمد (علوي) أما اللواء محمد ناصيف والذي كان يعد الرئيس الفعلي لإدارة الاستخبارات العامة, رغم كونه موجوداً تحت سلسلة من المديرين غير العلويين, في عقد التسعينيات, والذي كان يعد إحدى دعامات النظام تحت قيادة حافظ الأسد, أصبح الآن نائب رئيس إدارة الاستخبارات العامة, رغم كون تأثيره يبدو مستهدفاً. (وتعززت مكانته أخيراً بعد العديد من الإحالات على التقاعد, أو التنقلات).
ويرأس استخبارات القوات الجوية اللواء إبراهيم حجاوي (علوي), خلفاً لسلفه محمد الخولي (علوي) في العام 1987, وكان ذلك على إثر محاولة فاشلة لوضع قنبلة في طائرة إسرائيلية في لندن في 1986. إن طبيعة علاقة حجاوي مع بشار لا تزال غير واضحة, رغم أن استخبارات القوات الجوية تبدو أقل تأثيراً مما كانت عليه تحت قيادة الخولي.(2/143)
وأخيراً, فإن عدنان بدر حسن (علوي) يرأس الأمن السياسي, وقد تم تكليفه في المحادثات الأمنية الأخيرة مع تركيا. ولا يعرف شيء كذلك عن علاقته مع بشار, ونقلت الأنباء أخيراً خبر إحالته على التقاعد.
الحرس العائلي....
هناك عدة وحدات عسكرية قرب دمشق, لها أدوار أضافية في النظام. ويعتبر الحرس الجمهوري أكثر هذه الوحدات أهمية, وهي عبارة عن فصيل مسلح, وهو الوحدة العسكرية الوحيدة المسموح بوجودها في العاصمة. ويرأسها اللواء علي حسن (علوي) خلفاً لسلفه اللواء عدنان مخلوف (علوي) في 1995, وذلك بعد حدوث مشاحنة بينه وبين بشار. (مخلوف ابن عم زوجة الرئيس حافظ الأسد) ويحتل ماهر الأسد, شقيق الرئيس التالي رتبة عقيد في الحرس الجمهوري, كما يترأس فرقة فيه باعتباره لواء كما كان بشار قبل أن يصبح رئيساً, يرأس الحرس الجمهوري سكرتير بشار الشخصي اللواء عبد الفتاح القدسي.
الوحدة (549)
تعرف أيضاً بسرايا الصراع ويرأسها عدنان الأسد, (ابن عم الرئيس بشار الأسد), وتمثل حلقة دفاع خارجي للعاصمة, وتتقاطع مع الفصيلتين الثالثة والرابعة. (الأخيرة هي وحدة رفعت سابقاً-وحدة 569. والتي كانت معروفة بسرايا الدفاع).
وأخيراً, القوات الخاصة والتي تتألف من 8-10 فرق مستقلة, وفرقة الـ 14 (سلاح الجو).. وهم منتشرون قرب العاصمة, وفي لبنان يرأسهم اللواء علي حبيب (علوي) خلفاً لسلفه علي حيدر في 1994, بعد أن نقلت الأنباء عن الأخير أنه عبر عن معارضته لانتقال وراثي للحكم.
لقد لعبت عدة من هذه الوحدات أدواراً رئيسية في قمع الثورات المضادة للنظام في حلب 1980 وحماة 1982, كما شاركت في الصراع على الحكم بين رفعت الأسد ومنافسيه في أوائل 1984.
ضباط آخرون رئيسيون: رئيس الأركان: اللواء علي أصلان (علوي) ويعتبر ضابطاً سياسياً متخصصاً, وموالياً لبشار, (أحيل على التقاعد ولكنه ما زال لديه سلطات استشارية كبيرة).
والفيالق الثلاثة الذين يقودون القوات:(2/144)
-في الجولان: فيلق (1).
-وفي لبنان: فيلق (2).
-وفي وسط سورية: فيلق (3).
حلقة بشار الداخلية
في السنوات الأخيرة تم استبدال الكثير من أعضاء "الحرس القديم" بضباط أصغر, يدينون بمراكزهم لاستلام بشار للحكم. ويعد أكثر الأعضاء أهمية في حلقة بشار الداخلية "الضباط الصغار" وهم في الثلاثينيات وأوائل الأربعينيات من مثل آصف شوكت, بهجت سليمان, إياد محمد, عبد الفتاح القدسي, ماهر الأسد, فراس طلاس (ابن وزير الدفاع). وتضم الحلقة الداخلية كذلك عدة "أعمام" من الحرس القديم رجال في الستينيات من مثل: علي أصلان, مصطفى طلاس, وربما محمد ناصيف, وكلهم علويون باستثناء طلاس وابنه, ولقد عقد بعض الأعضاء في الحلقة الداخلية علاقات زواج, وروابط عمل مع أعضاء من المجتمع السني, بهدف توسيع القاعدة الاجتماعية للنظام.
إن وضع بعض رجال الحرس القديم مثل علي دوبا ومحمد الخولي وعلي حيدر لا يزال غير واضح. تقول الأنباء إن دوبا وحيدر عارضا رئاسة بشار وهما على الأرجح تحت المراقبة الدقيقة. ومن المحتمل أنهما مع عم بشار المنفي رفعت يستطيعان التسبب في إثارة الإزعاج في حال ما إذا رغبا في ذلك.
التحديات المستقبلية
مع أنه لا يزال عديم الخبرة نسبياً, إلا أن بشار مبتدئ في السياسة السورية فقد حصل على ست سنوات من التحضير للرئاسة.. كما أنه محاط بالمستشارين المتمرسين, رغم كونهم صغاراً. يتبقى أن نرى فيما إذا كان بشار يمتلك رباطة الجأش الكافية لحكم سورية, إلا أن هناك عدة رجال حوله... ماهر وشوكت على الخصوص يعتقد أنهما يمثلان النوعية المطلوبة, في حال ما إذا تطلب الوضع, ليلعبا دور القاسي الذي لا يرحم وهو الدور الذي لعبه رفعت في الماضي. على كل الأحوال, فإن تقلد بشار السلطة قد أحبط الصراع على السلطة بين الحرس القديم. أما منع حصول صراع على السلطة في حلقته الداخلية, فسيكون أحد أكبر التحديات التي يواجهها.(2/145)
ويحتل بشار الآن محور الجهاز الأمني الضخم الذي أنشأه والده, والذي يديره بمساعدة عدة رجال ممن يظهر أنهم مخلصون من رؤساء هذا الجهاز, وليضمن استمراريته يجب أن يصبح سيداً شديد البراعة لهذا النظام, بحيث يثير رؤساء جهازه الأمني أحدهم ضد الآخر, ويضمن في نفس الوقت, ألا يصبح واحد منهم أقوى مما يجب, او يخرج تنافسهم عن سيطرته. وهذا يتطلب رعاية دائمة, ودبلوماسية شخصية أنيقة, ولمسة ميكافيلية. إن الانشقاقات في قواعد السلطة غير الرسمية ستتطور حتماً من التنافس على ما يهم حقاً في عمليات سفك الدماء... السلطة والمال. بينما سيبني التكافل والتضامن على أسس من الصداقات الشخصية, علاقات الزواج والعمل, وضرورات البقاء والاستمرار.
ومنذ الآن انتشرت شائعات عن وجود متاعب: حيث تقول الأنباء إن ماهر يكره شوكت, كما تقول إنه قد اطلق عليه النار خلال مشادة كلامية, وأخيراً فإن على بشار أن يحبط أي تحالفات ممكنة بين الجيش وبين الطاقم الأمني, حيث إن كلا منهما لا يملك الوسائل للقيام بانقلاب بمفرده, ولكنهما معاً, قد يؤلفان اتحاداً يكون مصدراً للتهديد بالنسبة له. كما أن عليه أن يقلق حيال هؤلاء الذين يشعرون أنه قد تم تجاهلهم باستلام بشار للسلطة, إذ قد يحيكون المؤامرات ضده, وعلى الأخص الأعضاء الساخطين من الحرس القديم الذين تم ترحيلهم إلى المنتجع.
آصف شوكت الشخصية الغامضة(2/146)
اللواء آصف شوكت ولد في مدينة طرطوس الساحلية 1950 ونشأ في بيئة متواضعة. في العام 1968, رحل إلى دمشق ليتابع تعليمه العالي في حقل القانون. تخرج في 1972, عندما وجد نفسه مشدوداً إلى الآداب, فقد سجل في كلية التاريخ في جامعة دمشق, وكانت اطروحته عن الثورة السورية الكبرى في 1925, ورؤساء الفلاحين الذين قادوها ولأسباب غير معروفة, فقد اهتمامه بالموضوع, واستأجر عوضاً عن ذلك خبيراً ليكتب له اطروحته, واكتشف أساتذته ذلك مما أدى إلى رسوبه, وعندما وجد أنه لا خيار أمامه, أعاد كتابة أطروحته, وحصل على درجته في 1976.(2/147)
بالعودة إلى الحياة الواقعية, وجد شوكت فرصاً قليلة متوافرة لخبير في التاريخ والقانون, وبقي لعدة سنوات غير موظف, يعيش على نفقة والده المتواضعة, وفي أواخر عقد السبعينيات وجد خلاصه في الجيش السوري وتطوع للخدمة "ووصل إلى العمل كسكرتير لحكمت الشهابي رئيس الأركان السوري", حيث لم يواجه مشكلة في قبوله, فقد كان بعد كل شيء علوياً بعثياً, وهما الشرطان الأساسيان للنجاح. ورحب به رؤساؤه في الجيش, وأثبت أنه داهية ومتفان. مع الوقت كسب احترام كل هؤلاء الذين عرفوه, غالباً كان دمثاً ومؤدباً, لكنه مع ذلك لم يحرز رتبه رسمية في الدولة بعد, وكرجل طموح انتظر فرصة ليتحرك, وكانت هذه عندما تعرف إلى بشرى ابنة حافظ الأسد الأصغر منه بعشر سنوات, والتي عرفت كفتاة ذكية ولامعة بطريقة استثنائية, والتي كانت تدرس الصيدلة في ذلك الوقت في جامعة دمشق, والتي جذبها إلى شوكت بقي غامضاً, فبعد كل شيء كانت أكثر فتاة مؤهلة في دمشق, وكانت تستطيع الحصول على أي شاب مؤسس تستحق, ولكنها اختارت ضابطاً صغيراً بإمكانات متواضعة, مصدر قوته الوحيد كان تعليمه الجامعي. كيف وأين التقيا؟؟ لم يكشف أبداً "يقال عبر مرافقته لحكمت الشهابي إلى بيت الرئيس الأسد؟. المعروف أن باسل شقيق بشرى الأكبر عارض بقوة علاقتهما, حيث اعتبر شوكت كبيراً بالنسبة لها, وشهوانياً لثروتها. ووضح صراحة أنه بالرغم من كونه علوياً فقد كان من طبقة دنيا, ولا ينبغي أن يصاهر عائلة الأسد. وعندما أصر شوكت, اعتقله باسل, حيث وضع خلف القضبان أربع مرات لمنع الاثنين من اللقاء. في 21/1/1994 انتهت مخاوف شوكت بمقتل باسل في حادث سيارة في طريقه إلى مطار دمشق وأصبح الطريق مفتوحاً أمامه ليقوم بتحركه.(2/148)
ويقال إنه بعد سنة واحدة هربت بشرى مع شوكت, وتزوجته وأخذوا سكناً في المزة, ولم تحصل على مباركة والدها ولا على موافقة العائلة. بعد عدة أيام وضع لهم الرئيس حافظ الأسد حارساً على الباب, قد يكون لحمايتهم, وعندما بدأت الشائعات تنتشر عن زوجهما, قرر الأسد وضع حد للكلام, واستدعاهم للقصر وأعطاهم موافقته حيث أصبح شوكت صهر الأسد الوحيد. وليكافئ متطلبات وضعه الجديد فقد رقي إلى رتبة لواء.
خلال هذه المدة وبينما كان شوكت يحاول رفع شعبيته في العائلة, ليصبح صديقاً لشقيق بشرى أي بشار طبيب العيون الذي عاد من لندن ليحل محل أخيه الراحل, أصبح آصف صديقاً جيداً لبشار. وبدأ بشار مع الوقت يعتمد على صهره آصف لمرافقته وأمنه واثقاً بقدراته. في هذه الأثناء بارك الرئيس حافظ الأسد هذه العلاقة وطلب من آصف أن يدعم بشاراً وأن يلازمه, فقبل آصف المهمة ووعد أن يقوم بها بصدق وإخلاص ومع العام 1998 أشيع بأن آصف شوكت أقوى رجل في سورية. وقد زاد من تدعيم موقعه احتلال صديقه أصلان رئاسة الأركان وذلك بعد إحالة الجنرال حكمت الشهابي السني إلى التقاعد في 1/1998.
فضيحة داخلية
في العام 2000 وخلال الصراع بين رفعت الأسد وأخيه حافظ, وجه آصف شوكت انتقاداً غيابياً حاداً لرفعت بوجود ماهر الولد الثالث لحافظ الأسد الذي بادر بدوره بتوجيه كلمات نابية لآصف, طالباً منه السكوت وعدم التدخل في شأن عائلي يخص آل الأسد. ولكن آصف أجابه بحدة مماثلة بأنه أصبح جزءاً من العائلة. فأصر ماهر على موقفه قائلاً لآصف بأنه لم يكن ولن يكون كذلك ولو كان باسل حياً لكان له شأن آخر. ثم سحب مسدسه وأطلق النار عليه فأصابه في معدته.
قصة الخلاف انتشرت عبر دمشق ووصلت أخيراً إلى صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية, التي حررت تقريراً ذكرت فيه الواقعة, وأن آصف يعالج في باريس من جراحه.(2/149)
وتحت وساطة الأسد الأب تمت المصالحة بين ماهر وآصف, وعين آصف نائباً لرئيس الاستخبارات العسكرية حسن خليل حيث يقال إنه صانع القرار الحقيقي وإن حسن هو الرئيس الفخري للدائرة.
في 10/6/2000 توفي حافظ الأسد, فكان آصف شوكت أحد الأشخاص الرئيسيين الذين تقبلوا العزاء باسم العائلة, ومنذ ذلك الوقت اعتمد بشار على شوكت لتقوية النظام, ولفترة طويلة لا تزال هناك شائعات بأن شوكت يحتل موقع الرجل القوي خلف الستار.
القضية الأساسية
إن قوة شوكت مستقاة من عائلة الأسد فهو لا يملك قاعدة لسيتند إليها, وبما أنه ينتمي إلى أسرة علوية متواضعة فإنه لا يستطيع الاعتماد على الطائفة العلوية لدعمه.
وفي الحقيقة فإنه لا شك في أن هناك بعض الذين اغتاظوا من تقدمه السريع عليهم وأنهم يتربصون به. إن فرصته الوحيدة في استمرار الوجود السياسي عبر اتحاده مع الرئيس بشار ومهادنته للشقيق الصغير ماهر. سيظل شوكت في مركز التطورات السياسية والأمنية في سورية مادام محتفظاً بهذه الموازنة, وإلى أن تنشأ موازنات ومعادلات جديدة قد لا تغيب عنها أنيسة مخلوف زوجة الرئيس الراحل, ووالدة بشرى والتي يقال إنها تتمتع من خلال أخوال الرئيس بشار بقدر لا يستهان به من التأثير والتوجيه.(2/150)
العدد الثالث
غرّة رمضان/ 1424هـ
الوحدة الحقيقية للأمة.
اليزيدية.
الإمام الرضا.
الحاكم بأمر الله وأسرار الدعوة الفاطمية.
قالوا.
من الذي قتل الحكيم.
ملاحظات على نقاط ضعف السياسة الخارجية الإيرانية في عهد خاتمي.
الانتفاضة الطلابية في إيران.
المرجعية الشيعية في إيران والعراق.
خميني جديد: الحفيد مثل الجد.
نقد آراء أبطحي حول ولاية الفقيه.
الطفيلي: ورثة الخميني يقفون إلى جانب سارقي المال العام.
التجمعات الشيعية في العالم العربي – البحرين.
الوحدة الحقيقية للأمة
الناظر في أحوال المسلمين اليوم يتفطر قلبه لِما يشاهده من مظاهر الضعف والهوان, والهزائم المتكررة التي تحيق بالأمة الإسلامية.
ويكاد يجمع كل المخلصين لهذا الدين العظيم على أن الفرقة والتشتت والانتقام هو سبب رئيسي لما يعانيه المسلمون, ومن هنا أصبح معالجة هذه الفرقة وتقريب الأمة من بعضها البعض علاجاً هاماً ودواءً لا غنى للأمة عنه, وكذلك فإنّ محاربة كل ما يؤدي إلى الفرقة هو عمل هام يصب في مصلحة الإسلام والمسلمين.
ولأجل هذا فنحن نشجع كل المحاولات الجادة لجمع الأمة على كلمة التوحيد, كي تتوحد كلمتها وتعلو رايتها, لكن ما يدمي القلب أن تقلب الحقائق فيصبح الساعون بكل قوتهم إلى فرقة المسلمين هم أصحاب الصوت العالي في الدعوة إلى الوحدة والتقريب ويكون العاملون المخلصون للوحدة هم الموصوفون بالفرقة والخلاف, وهذا من عجائب الزمان.
ولنضرب أمثلة عملية على ما نقول:
1-إيران صاحبة الدعوة إلى التقريب بين المذاهب السنية والشيعية والتي أنشأت مجمعاً كبيراً لذلك, ولا تزال تصدر الكتب والمجلات لهذا الغرض وتحث المؤسسات الإسلامية العالمية على السعي معها في هذا المجال لفتح القنوات من أجل النفوذ الشيعي في البلاد السنية والسماح بوصول الكتب والمطبوعات الشيعية للأسواق, وفتح المجال للسياحة الدينية وغير ذلك من المطالب.(3/1)
وقد تكون هذه المطالب عادية في نظر الكثيرين وهي قد تكون كذلك, لكن لننظر إلى الموضوع من زاوية أخرى وهي: هل إيران تمثل النموذج في الوحدة والتقارب مع السنة من أبنائها أولاً ومع غيرهم ثانياً؟؟
فأين هو الدور السني في إيران مع أنهم يبلغون قريباً من ثلث السكان؟
وهل يسمح للبلاد والمؤسسات السنية بالدعوة وتوزيع الكتب السنية ومناقشة الأفكار والمفاهيم الشيعية في إيران؟
وهل يسمح للسنة ببناء المساجد والمراكز الخاصة بهم؟
وهل يراعي الشيعة في إيران عقائد وحرمات أهل السنة؟
لماذا لا تكون إيران نموذجاً يحتذى في الانفتاح والتقريب, فتدرس العلوم السنية في جامعاتها على يد السنة من العالم السني؟!
ولماذا لا تفسح إيران المجال لعلماء السنة بمخاطبة جمهورها الشيعي عبر القنوات الإعلامية الرسمية؟
نعم نريد من إيران أن تكون القدوة للآخرين في الوحدة والتقريب والتفاهم حتى تكون أول من يسن سنة حسنة وهي الوحدة والتقارب!!
2-شيعة الخليج
لا تزال تتصاعد أصوات الشيعة في الخليج بالمطالبة بالسماح لهم بالمشاركة في المؤسسات العامة وعدم مهاجمة عقائدهم وشخصياتهم والسماح لهم بطبع كتبهم وغيرها من أجل ترسيخ الوحدة والتقارب مع السنة.
ولكن غيّر الشيعة في الخليج من موقفهم تجاه عقائد السنة وشخصياتهم, ألم تشتد الهجمة هذه الأيام على عقائد السنة وشخصياتهم.
لماذا لا يجوز للسني أن يقول عقيدته وفكره تجاه الشيعة ويعد هذا ضرباً للوحدة أما الشيعي فله أن يهاجم الصحابة والخلفاء والعلماء والحكام والقرآن ثم هو مظلوم يسعى للوحدة!؟!
لماذا يحق لهم المطالبة بطبع كتبهم ولا يحق للسنة ذلك؟
ولماذا لهم الحق في عدم مراعاة الأغلبية السنية في البلاد؟؟!
3-المواقف الشيعية من قضايا الأمة:
إن أهم وصف لوحدة المسلمين هو قوله صلى الله عليه وسلم: (المسلمون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى).(3/2)
فأين هي المواقف الشيعية من قضايا الأمة؟ في أفغانستان والعراق وغيرها؟
أين الوقوف مع مصالح الأمة تجاه أعدائها؟
لماذا هذا الاصطفاف مع الأعداء رغم "جبال" الخطب والمقالات المليئة بالسب والشتم للأعداء؟ أم أن هذه الحقيقة بعد أن جاء الصيف وذاب الثلج!
وفي الختام لا بد من العمل لوحدة الأمة على كلمة التوحيد بالأفعال والأعمال الصادقة وليس بالشعارات الفارغة.
فرق
اليزيدية
ظهرت في السنوات القليلة الماضية في عدد من الدول الإسلامية كالمغرب ولبنان والأردن ومصر طوائف من " عبدة الشيطان " معظمهم من الشباب المنحرف الذين يعتقدون بمباديء وأفكار غريبة ويقدسون الشيطان ويلبسون ملابس غريبة, وحاول البعض أن يربط بين أفكار هؤلاء الشباب مع الطائفة أو الديانة اليزيدية التي تنتشر منذ زمن طويل في عدد من البلدان كالعراق وسوريا, خاصة أنهم يشتركون في تقديس الشيطان, وهو أصل من الأصول العقائدية والفكرية للجماعتين.
الديانة أو الطائفة اليزيدية من الطوائف المنتشرة في كردستان العراق وإيران وتركيا وسوريا وجمهوريات الإتحاد السوفييتي السابق مثل أرمينيا وجورجيا وأتباعهم من الأكراد المنتشرين في هذه الدول.
وفي البداية كانت اليزيدية طريقة صوفية تعرف بالطريقة العدويّة, وكانت طريقة مستقيمة وسليمة من الإنحرافات في عهد مؤسسها الشيخ عديّ بن مسافر الأموي (467-557هـ) والذي قدم من قرية يقال لها بيت فار من أعمال بعلبك في لبنان. وكان الشيخ عدي بن مسافر على منهج أهل السنة, وعندما مات خلفه ابن أخيه واسمه صخر بن صخر بن مسافر ويكنّى بأبي البركات, وكان محباً لأهل الدين شديد التواضع حسن الأخلاق, وبعد موته خلفه ابنه عدي (عدي الثاني) وكان على شاكلة أبيه صخر وعم أبيه (الشيخ عدي الأول).
ويمكن القول أن الطريقة العدوية سارت على منهج سليم طوال فترة تولّي هؤلاء الثلاثة مشيخة الطريقة.(3/3)
ولكن بعد وفاة الشيخ عدي والشيخ صخر والشيخ عدي الثاني بفترة تولّى مشيخة الطريقة الشيخ حسن وهو ابن عدي الثاني, وفي عهده تحولت الطريقة إلى حزب سياسي معارض للحكم العباسي, وقد حاول بسط نفوذه على المنطقة ولكن تم القضاء عليه وعلى أنصاره من قبل صاحب الموصل بدر الدين لؤلؤ, فالشيخ عدي بن مسافر كما هو معروف من الأمويين, وينتهي نسبه إلى مروان آخر الخلفاء الأمويين.
ولما رأى حسن هذا كثرة الأتباع حوله, والذين كانوا دوماً رهن إشارته, ألقى هالة من القداسة حول نفسه, وانعزل عن أتباعه ست سنوات زاعماً أنه سوف يأتي بشيء جديد للملّة, فجاء لهم بكتاب " الجلوة لأهل الخلوة " وأحاط أفكاره بسياج من السريّة والكتمان, كما أمرهم بالإبتعاد عن التعلّم والقراءة والكتابة, كي يسهل انقيادهم له والتحكم في مصائرهم, وبدأت العدوية أو اليزيدية بالإنحراف شيئاً فشيئاً, ومن الذين أثروا على الشيخ حسن وغيروا أفكاره وعقيدته ابن عربي (550-638هـ) أثناء تردد الشيخ حسن إلى الموصل حيث كان يقيم ابن عربي.
إذاً فاليزيدية في البدء كانت طريقة صوفية, ثم تحولت إلى حركة سياسية, وأخيراً أصبحت ديانة مستقلة عن الإسلام, حيث يظنون أن يزيد دخل في دينهم.
سبب التسمية:
وردت في سبب تسميتهم باليزيديين أقوال عديدة أهمها:
1-نسبة إلى الخليفة الأموي يزيد بن معاوية, حيث يظنون أنه دخل في دينهم, وهذا يعني أنهم كانوا مسلمين في يوم من الأيام, إلا أنهم ابتعدوا عن الإسلام شيئاً فشيئاً إلى أن صاروا طائفة مستقلة عن الإسلام.
2-نسبة إلى يزيد بن أنيسة الخارجي, كما ورد في " الملل والنحل " للشهرستاني حيث أن هناك فرقاً عديدة سميت باليزيدية مثل أتباع يزيد الجعفي, ويزيد بن أنيسة الخارجي وغيرهما, وقد خلط البعض بين هذه الفرق وبين اليزيدية التي تقدس الشيطان والتي نحن بصد الحديث عنها.(3/4)
3-نسبة إلى مدينة (يزد) الإيرانية, حيث يعتقد البعض بظهور اليزيدية للمرة الأولى في تلك المدينة.
4-نسبة إلى كلمة (يزدان) أو (إيزدان) التي تعني " الله " في اللغة الكردية, وأن هذه الديانة كانت موجودة قبل مجيء الإسلام واليهودية والمسيحية, وأنها تتبع نبي الله إبراهيم وإسماعيل.
5-هناك من يربط بين اليزيدية والمثرائية, تلك الديانة القديمة التي انتشرت في مناطق من إيران قبل ميلاد المسيح بفترة من الزمن, حيث أنهم قد وجدوا طقوساً مشتركة بينهما.
والراجح في الأدلة أن اليزيديين ينتسبون إلى يزيد بن معاوية, حيث كان عدي بن مسافر يرى أن يزيد من أئمة الهدى والصلاح, وغرس هذا المفهوم في نفوس أصحابه, وقد أدّى ذلك إلى محبة هذه الطائفة ليزيد, وكان الغلو والإطراء يزداد يوماً بعد يوم إلى أن وصل ببعضهم إلى ما يشبه تأليه يزيد.
أماكن إنتشارهم وأعدادهم:
حيث أن اليزيديين من الأكراد, فهم بالتالي موزّعون على ست دول هي العراق, سوريا, إيران, تركيا, أرمينيا, وجورجيا بالإضافة إلى هجرة الكثير منهم إلى الدول الأوروبية وغيرها.
وتعيش الغالبية العظمى من اليزيديين في كردستان العراق في منطقتي الشيخان وسنجار التابعتين إدارياً لمحافظة نينوى (الموصل).
وقد نشأت هذه الطائفة في أول أمرها في منطقة الشيخان ومنها انتشرت في باقي المناطق.
وبالرغم من عدم وجود إحصائيات دقيقة لليزيديين لأسباب عديدة, فإن التخمينات تجعل أعدادهم كما يلي: في العراق 40 ألف نسمة, في سوريا 25 ألفاً, في تركيا 50 ألفاً, في أرمينيا 55 ألفاً, في جورجيا 45-50 ألفاً, وبذلك فإن عددهم في العالم يتجاوز 200 ألف يزيدي.
أصول الإعتقاد لدى اليزيدية:(3/5)
يدّعي اليزيديون أنهم على التوحيد الخالص وبأنهم يتبعون أبا الأنبياء إبراهيم ويفتخرون بذلك, إلا أن لهم معتقدات تخالف التوحيد كاعتقادهم بآلهة موكل إليها شأن من شؤون الدنيا, ومن ذلك (بري أفات) وهو إله الفيضانات والطوفان و (خاتونا فخران) وهي إلهة الولادة عند النساء... الخ, وكاعتقادهم بوجود أنصاف آلهة مثل (مم شفان) وهو إله الغنم و (العبد الأسود) إله الآبار, و (ميكائيل) إله الشمس... الخ.
وفيما يتعلق بالشيطان الذي ارتبطت به الديانة اليزيدية, فإنهم يقدسونه ويحترمونه ويحلفون به, ويعتبرونه رمزاً للتوحيد بزعمهم لرفضه السجود لآدم عليه السلام, ويسمون الشيطان (طاووس ملك) أي طاووس الملائكة.
ولليزيدية سبعة طواويس لكل منها اسمه الخاص, وقد صنعوا لكل طاووس تمثالاً خاصاً, وسبب ذلك هو عدم كفاية طاووس واحد لجميع اليزيدية لأنهم منتشرون في أقاليم متباعدة جداً.
ويعتقدون أن أصل الملائكة من نور الله سبحانه, وأنهم قد شاركوا الله في خلق الكون, وأما الكتب المقدسة لديهم فهناك " مصحف رش " وينسبونه إلى الشيخ عدي بن مسافر ويتحدث عن بداية خلق الكون ومراحل تكوينه وخلق آدم, وامتناع عزازيل (الشيطان) عن السجود لآدم, كما أنه يحتوي على بعض الأوامر والنواهي وذكر بعض المحرمات.
والكتاب الآخر هو " الجلوة لأصحاب الخلوة " وينسبونه إلى الشيخ حسن, ويعتقد اليزيديون أن الله خاطبهم فيه, ويتكلم عن قدم الله تعالى وبقائه والوعيد لمن يقاوم الله سبحانه, ويوجد كذلك بعض الوصايا الخاصة للطائفة اليزيدية.
أما موقفهم من كتب الأديان الثلاثة, فإنهم يؤمنون بها ويقدسونها ويقرأونها ولكنهم يتجنبون التلفظ بالكلمات التي تأباها عقيدتهم مثل: شيطان, التعوذ, إبليس اللعنة...., وتقدس اليزيدية سوراً وآيات خاصة من القرآن الكريم ويولونها اهتماماً مثل يس والفاتحة والإخلاص وأية الكرسي....(3/6)
واليزيدية وبالرغم من تقديسهم للكتب السماوية, إلا أنهم يعتقدون أن أصحاب هذه الكتب قد حرّفوها وغيّروا فيها أشياء كثيرة, وبعضهم يعتقد أن القرآن الكريم هو من صنع محمد صلى الله عليه وسلم, وأن أحد القساوسة قد كتبه له في بلاد الحجاز !.
ويؤمن اليزيديون بالأنبياء ويدّعون الإنتساب إلى شريعة إبراهيم وأنهم يسيرون على نهجه, ولا يعتقدون أن الله أرسل إليهم رسولاً خاصاً بهم.
وفيما يتعلق باليوم الآخر, فإنهم يؤمنون ببقاء الروح وأنها لا تفنى, بل الذي يفنى هو الجسد فقط, ولا يؤمنون بحصول البعث وإعادة إحياء الجسد.
وحيث أن اليزيدية كانت في البدء طريقة صوفية, فإن العديد من عقائد الصوفية المنحرفة ما زالت باقية عندهم كعقيدة الحلول, ويعتقدون أن روح الله قد حلّت في خواصهم وصالحيهم, كما أنهم يقدسون أقطاب التصوف, ولا سيما الذين دافعوا عن إبليس, مثل الحلاج وابن عربي والبسطامي.
عبادتهم:
لليزيدية عبادات عديدة بعضها يَومِي وبعضها موسمي, كما أن بعضها يتشابه مع عبادات المسلمين, وليس لهم مكان خاص للعبادة, بل يجوز عندهم التعبد في كل مكان, إذ أنهم يعتقدون أن الله موجود في كل مكان, وعندهم الوضوء والصلاة والأدعية, ويتجهون في صلاتهم إلى الشمس إلا في صلاة الظهر فإنهم يتجهون إلى وادي لالش المقدس عندهم والذي يضم قبر عدي بن مسافر.
وعندهم الصدقات التي يدفعها الغني والفقير على حد سواء, وتعطى للشيخ, ولديهم ثلاثة أنواع من الصوم, أهمها (صوم يزيد) وهو ثلاثة أيام, ويبدأ من يوم الثلاثاء الأول من شهر كانون الأول (ديسمبر) حسب التقويم الشرقي, ويستمر يومي الأربعاء والخميس أيضاً, ويكون يوم الجمعة يوم عيد, وإضافة إلى صوم يزيد, لديهم صوم خضر إلياس ويستغرق ثلاثة أيام وصوم الأربعينية أو الجلخانة, وهو شاق طويل, ويصومه الخاصة.(3/7)
ويحجون الآن إلى مرقد الشيخ عدي بن مسافر في وادي لالش في كردستان العراق, ويطوفون بقبره 7 مرات, واتخذ يزيديو كل منطقة فترة معينة لأداء الحج فيه.
ولليزيدية عدد كبير من الأعياد, أخذوا اثنين منها عن المسلمين, وأخذوا أعياداً أخرى من بعض الأديان والطوائف الأخرى, وبعضها من أبتكارهم هم أنفسهم, ومنها عيد رأس السنة الشرقية وعيد صوم يزيد وعيد الجماعية وعيد المربعانية, والقربان وخضر إلياس.
مجتمع اليزيديين:
مجتمع اليزيديين مبني على النظام الطبقي, ويتكون من طبقتين سياسية ودينية.
أولاً: الطبقة السياسية:
وتتمثل في " الأمير " وهو صاحب أعلى سلطة في الطائفة, و " البسمير " وهم أبناء عمومة الأمير, ثم " العوام " وهم من سواد الشعب, ويقع عليهم تنفيذ ما يُملى عليهم من أوامر وواجبات من قبل الأمير وحاشيته.
والأمير الحالي لليزيدية هو الأمير تحسين بك ابن سعيد بك ابن علي بك.
ثانياً: الطبقة الدينية:
وعلى رأسها " البابا شيخ " ومنها الشيخ والبير والقوّال والفقير والكوجك والمريد.
من مؤسساتهم:
أنشأ اليزيديون في عدد من البلدان عدة مؤسسات ثقافية واجتماعية منها:
1-مركز لالش الثقافي الاجتماعي في مدينة دهوك (العراق) وتأسس سنة 1993 م.
2-المكتب الأموي للدعوة العربية في شارع الرشيد في بغداد.
3-المركز الديني لليزيدية الزرادشتية في بون (ألمانيا), وقد تأسس بعد الهجرة المتزايدة لليزيديين إلى أوروبا وخاصة من تركيا.
للإستزادة:
1-اليزيدية من خلال نصوصها " المقدسة " – آزاد سعيد سمو.
2-اليزيديون: واقعهم, تاريخهم, معتقداتهم – د.محمد التونجي.
3-الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة – الندوة العالمية
للشباب الإسلامي.
سطور من الذاكرة
الإمام الرَّضِي وليّاً للعهد
201 هـ(3/8)
دأب الشيعة على تصوير أنفسهم ضحايا للحكم السني ودول الخلافة التي نشأت هنا وهناك, وكانوا دائماً يدّعون أنهم مضطهدون ومهمّشون من قبل جميع الدول السنيّة التي حكمت, لكننا اليوم وفي هذه السطور أمام حدث تاريخي هام, يفنّد بعضاً من ادعاءاتهم ويلقي الضوء على جانب مهم من سيرة أئمة آل البيت, وتدحض الشبهات التي كان ينسجها الشيعة, والافتراءات التي كانوا يلصقونها بالأئمة, والأئمة منها براء.
في سنة 201هـ, عيّن الخليفة العباسي المأمون الإمام علي بن موسى (الرضى) وليّاً للعهد, ونقل ولاية العهد من البيت العباسي الذي ينتمي إليه إلى بيت آخر وإلى واحد من أبناء الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
ولد الإمام علي الرَّضِي بالمدينة سنة 148هـ(1) واشتهر بالعلم والورع, ولم يكن له اشتغال بالسياسة, وهو عند الشيعة الإثني عشرية الإمام الثامن, وفي عام 201هـ, خلع الخليفة العباسي المأمون أخاه المؤتمن, وعيّن الإمام الرَّضِي وليّاً للعهد, واختلفت الآراء حول هدف خطوة المأمون هذه, فالإمام السيوطي يقول أن المأمون كان معروفاً بالتشيع, وهذا هو ما حمله على تولية الرَّضِي, ومنهم من يجعل السبب المعتزلة الذين كان المأمون محاطاً بهم, ومنهم من يجعل السبب انتصار النزعة الفارسية على النفوذ العربي, وآخرون يرون تأثير وزير المأمون الفضل بن سهل, كما أن آخرين رأوا في هذه الخطوة مناورة سياسية رغب المأمون من خلالها إلى كشف بعض شخصيات آل البيت, وإظهار عزوفها عن الخوض في غمار السياسة ومعترك الحياة, كما رغب في إظهارهم إلى العلن بدلاً من عملهم في السر.
وأيّا كان هدف المأمون من هذه البيعة التي استمرت عامين وانتهت بموت الإمام الرضى رحمه الله سنة 203هـ إلا أننا نجد أنفسنا مضطرين للوقوف أمامها كثيراً كونها تلامس أصلاً من أصول الشيعة وهو " الإمامة ".
__________
(1) وقيل سنة 151هـ أو سنة153هـ.(3/9)
فأهل السنة لم يكونوا يكرهون آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم, بل كانوا يحبونهم ويوقرونهم ويثنون عليهم, ولذلك لم يعترض على توليته أحد من علماء السنة ولم يعمل أحد على عزله وإبعاده, ولولا قدر الله بوفاة الرَّضِي قبل المأمون لاستلم الخلافة رجل من آل البيت ولبايعه المسلمون من أهل السنة وهذا يدحض مزاعم الشيعة أن الأئمة من آل البيت كانوا على مذهبهم في التشيع!, كما أن جلّ آل البيت لم يكونوا منعزلين رافضين للحكم والخلافة ولم يكونوا يعتقدون "بالإمامة الإلهية" التي جعلها الشيعة الإثني عشرية أصلاً من أصولهم, وكفّروا من لم يؤمن بها, وهي أن الإمام منصوص عليه من الله, ويشكّل تولّي الرَّضِي هذا المنصب في سلطة المأمون إقراراً بشرعية هذا الحكم, وبطلان "الإمامة الإلهية".
يقول الباحث الشيعي أحمد الكاتب في كتابه (تطور الفكر السياسي الشيعي) ص87: "ومهما اختلف المؤرخون في تحليل موقف المأمون, فإن مبايعة الإمام الرَّضِي له وقبوله بولاية العهد يكشفان عن موقف أيديولوجي ظاهر بشرعية خلافة المأمون وواقعية إمامة الرَّضِي بعيداً عن نظرية (الإمامة الإلهية) الخاصة في أولاد علي والحسين, وقد أصبح التحالف بين البيتين الهاشميين: العباسي والعلوي, سمة المرحلة التالية, وعقيدة دولة الخلافة العباسية الرسمية لبضعة عقود, وقد تمثلت بعد المأمون في موقف الخلفاء العباسيين الإيجابي من أبناء الرَّضِي كمحمد الجواد وعلي الهادي والحسن العسكري, حيث كان الخلفاء يتخذون منهم رموزاً للشرعية الدستورية, ويقدمون لهم كامل الإحترام والتقدير.
لا ننكر أن إقصاء أحد أبناء آل العباس, وتعيين الإمام الرَّضِي محله, لا بد أن يثير امتعاض البعض الذين فقدوا سلطتهم, مما أدّى إلى تنصيب خليفة بدلاً آخر من المأمون, لكن الوضع سرعان ما عاد إلى طبيعته, وعاد المأمون إلى بغداد خليفة للمسلمين.
للاستزادة:
1-تاريخ الخلفاء – الإمام السيوطي – ص307.(3/10)
2-المدخل إلى تاريخ آل البيت – فاروق عمر فوزي – ص136.
3-تطور الفكر السياسي الشيعي – احمد الكاتب – ص86.
4-شذرات الذهب – أبو الفلاح الحلبي / الجزء الثاني – ص2+6.
الحاكم بأمر الله وأسرار الدعوة الفاطمية
كتاب الشهر تاليف: د. محمد عبد الله عنان.
الدولة الفاطمية التي حكمت مصر حينا من الزمن (358هـ-567هـ) جديرة بالدراسة بسبب ما أحيطت به من غموض, وما يحيق بأصولها وإمامتها من الريب, ويعتبر عصر الحاكم بأمر الله الفاطمي أغرب فترة في هذه الدولة وأعجبها, وهذا ما شجّع المؤلف الدكتور محمد عبد الله عنان للبحث في هذه الدولة التي نسبت نفسها إلى فاطمة بنت الرسول صلى الله عليه وسلم وسميت بـ (الفاطمية) في حين أنها تبنت عقائد الإسماعيلية الباطنية.
في الفصل الأول يبين د. عنان الأهمية التي كانت تتمير بها مصر من بين الولايات التي كانت تتبع الخلافة سواءً الراشدة أو الأموية أو العباسية, بسبب موقعها الجغرافي وثرواتها الطبيعية, وأهميتها العمرانية, وهذا ما جعلها مطمع الزعماء المتغلبين. ولما اضمحل سلطان الدولة العباسية, وضعفت قبضتها في النواحي, غدت مصر طعمة لطائفة من الحكام الأقوياء يحكمونها باسم الخلافة ولكن ينشئون بها دولاً مستقلة, كما ظهر ذلك من خلال قيام الدولة الطولونية, ثم الدولة الأخشيدية.
احتلال الفاطميين لمصر:
ولم تكن المقومات والميزات التي تتمتع بها مصر والتي تجعلها صالحة لتكون مركز دولة مستقلة, خافية على الفاطميين الذين كانوا يحكمون أجزاء في الشمال الأفريقي, ويقيمون فيها دولتهم التي أقاموها على أنقاض ملك الأغالبة, ومن ثم اتجهت أنظارهم إلى مصر.(3/11)
وكانت للفاطميين في عهد حاكمها الأول عبيد الله المهدي ثم القائم بأمر الله محاولات عديدة لاحتلال مصر لكنها باءت بالفشل في أول الأمر, وكانت الدولة الأخشيدية الفتية تحكم مصر آنذاك, ولما ضعفت الدولة الأخشيدية, وساءت الأحوال بمصر, كانت الفرصة سانحة للفاطميين, فدخلوا مصر سنة 358هـ, وفي الحال أمر القائد الفاطمي جوهر الصقلي الذي احتل مصر بقطع الدعاء للخليفة العباسي, وبدأت الدعوة (للخليفة) الفاطمي, وأمر بتغيير الآذان وإضافة حي على خير العمل.
ولم تكن مصر للفاطميين غنماً سياسياً فقط, ولكنها غدت أيضاً معقلاً للدعوة الشيعية, وقد كان الفاطميون الذين يدّعون نسبتهم إلى فاطمة الزهراء يختصون إمامتهم بالصفة الشرعية, ويعتبرون الدولة العباسية على هذا النحو غاصبة للإمامة والخلافة, ويتخذون من هذه الدعوى دعامة لإمامتهم الدينية وملكهم السياسي, فهم طبقاً لدعواهم أبناء فاطمة, وهم ورثة علي وبنيه, وهم الشرعيون في إمامة المسلمين ورياسة العالم الإسلامي.
وحيث أن الفاطميين هم من الشيعة الإسماعيليين, فقد كان عليهم أن ينسبوا أنفسهم إلى آل البيت طبقاً لنظرية الإمامة المعتمدة لدى الشيعة, التي تقول لا يجوز أن يحكم من ليس من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم. وقبل الدخول في التفاصيل المتعلقة بالدولة الفاطمية وبعصر الحاكم بأمر الله فقد رأى المؤلف أن يتناول هذه المسألة الخطيرة (الإمامة) ويناقش مسألة انتساب الخلفاء أو الحكام الفاطميين إلى آل البيت, وهي التي تعتبر دعامة إمامتهم الدينية ورياستهم السياسية.
الإمامة:(3/12)
وفيما يتعلق بنظرية الإمامة الشيعية يقول د. عنان أن فقهاء الشيعة ودعاتها منذ عصر مبكر حاولوا أن يخلقوا جواً قدسياً حول الإمامة, ومن هؤلاء فقيه الدولة الفاطمية الأول, وصديق المعز لدين الله وداعيه الأكبر القاضي أبو حنيفة النعمان القيرواني في كتابيه (دعائم الإسلام) و (الهمة في آداب اتباع الأئمة) وادّعى فيهما أن الولاية أو الإمامة خصّت بعلي وبأبنائه من آل البيت, وأنه يجب التسليم لهم في جميع الأمور, وذكر فيهما الحث على تعظيمهم, وأن السجود لهم ليس بمنكر.
وعلى منوال القيرواني سار العديد من فقهاء الدولة الفاطمية الشيعية كالداعي حميد الدين الكرماني في كتابه (راحة العقل) وكالداعي ثقة الإمام في (المجالس المستنصرية).
وللشيعة على اختلاف فرقهم كتب عديدة أخرى في مسألة الإمامة, والولاية على أهميتها, واعتبارها أساساً من أسس العقيدة الدينية, وانحصارها في علي وبنيه من آل البيت, ويبدو منها جميعاً أن الإمامة هي دعامة الدعوة الشيعية كلها ودعامة دعاويهم في الرياسة الدينية والزمنية.
وقد قامت الدولة الفاطمية متسمة بسمة الإمامة قبل كل شيء, وكان المعز لما قدم مصر سنة 362هـ يحرص أشد ما يحرص عليه الإمامة, وكان الحكام الفاطميون يوسمون في الدعاء على المنابر بما يقرب من النبوة, بل إن الإمامة لتقرن في بعض المصادر الإسماعيلية بمرتبة النبوة ذاتها.(3/13)
ودأب فقهاء الفاطمية على أن ينسبوا إلى خلفائهم المعجزات والكرامات, ومن ذلك ما رواه الداعي عماد الدين إدريس في كتابه (زهر المعاني) واصفاً المهدي " بأنه ولي الأمر صاحب المعجزات ومبين الآيات, المهدي بالله صلوات الله عليه الذي طلع من الغرب وقام قيام النبي صلى الله عليه وسلم مهلكاً لمن ناصبه الحرب... " وما رواه في (عيون الأخبار) عن الحاكم: " وظهرت لأمير المؤمنين الحاكم بأمر الله عليه السلام فضائل لم يسمع بمثلها, ودلائل ظاهر بيان فضلها ومعجزات بهرت الألباب, وآيات لا يشك فيها إلا أهل الزيغ والارتياب ".
نسب الخلفاء الفاطميين:
بعد بيان مسألة الإمامة لدى الشيعة والفاطميين, استعرض المؤلف الأقوال المختلفة في حقيقة نسب الخلفاء الفاطميين, وهذا الأمر أساسي وجوهري, تبنى عليه أحكام أخرى تتعلق بشرعية حكم الفاطميين وفقاً لمنظورهم هم, فإذا كانوا لا ينتسبون لآل البيت فهم –وفقاً لمبادئهم- غاصبون غير جديرين بالحكم.
ويتساءل المؤلف في بداية هذا الفصل عن أولئك الفاطميين, وهل يرجع أصلهم حقاً إلى علي وفاطمة ؟ وهو لا ينكر أن هذه المسألة يحيط بها الخفاء والغموض, وموضع خلاف وجدل, ففريق من المؤرخين يؤيد الفاطميين في دعواهم وفي شرعية إمامهم, ويرجع نسبة إمامهم, ومؤسس دولتهم عبيد الله المهدي إلى الحسين بن علي وفاطمة بنت الرسول, وهذا الفريق هو القلة, ولكن فريقاً آخر ينكر عليهم هذه الدعوى, ويرى أنهم أدعياء لا يمدون بصلة إلى علي وهذا الفريق هو الأغلبية.
وهذا الفريق من العلماء والمؤرخين يرجع نسبة الفاطميين إلى عبيد الله بن ميمون القدّاح بن ديصان البوني, وكان ابن ميمون هذا يرجع إلى أصل مجوسي من الأهواز, وكان يدعو سراً إلى مذهب فلسفي إلحادي لإنكار الأديان والنبوة, صاغه في تسع مراتب سرية, تنتهي بإنكار جميع العقائد والشرائع, ومن دعوته هذه صنعت دعوة القرامطة, وبعثت ثورتهم الإباحية المروّعة, وكان يتستر بالتشيع.(3/14)
وممن قال بهذا الرأي وهو أن هؤلاء الفاطميين يرجعون إلى عبيد الله بن ميمون القداح, القاضي أبو بكر الباقلاني, وأبو حامد الأسفرايني وأبو الحسين القدوري, والأبيوردي, وعبد القاهر البغدادي وابن شداد وابن خلكان والنويري وابن حجر العسقلاني وابن حزم الأندلسي, وقد فصّل المؤلف في فصل خاص قوة هذا الرأي (انظر صفحة 7 من موضوعنا هذا).
وفي الفصل الرابع من الكتاب يذكر المؤلف المعارك المتتالية بين الفاطميين الذين احتلوا مصر للتو وبين القرامطة بقيادة الحسن الأعصم الذين يطمحون للسيطرة على مصر, وكيف أن المعز الفاطمي بعث بكتاب إلى الأعصم ذكّره فيه بمكانته ومكانة بيته, وأن دعوة القرامطة نشأت في الأصل عنهم, وأن الدعوة واحدة, ويعاتبه على انشقاقه, وينصحه بالعودة إلى رشده, وينذره بسوء المصير.
عصر الحاكم بأمر الله:
وفي الفصل الخامس اختار د. عنان أن يتحدث بالتفصيل عن عهد أحد الحكام الفاطميين والذي جاء بعد المعز والعزيز, ألا وهو الحاكم بأمر الله, وعن اختياره لشخصية الحاكم يقول المؤلف: "... وإذا كان للعصر الفاطمي سحره الخاص, فإن عصر الحاكم بأمر الله هو بلا ريب أغرب مراحله وأعجبها, وقد غاض بها العصر الفاطمي في تلك الفترة نوعاً, ولكن ما تمتاز به تلك الفترة من الأحداث العجيبة, والنوادر الشائقة وما يمازجها من الخفاء والغموض, وما تمتاز به شخصية الحاكم من الأطوار والخواص المدهشة, والنزعات والأهواء المروّعة, والنواحي الفلسفية والإنسانية أحياناً... ".
ولي الحاكم بأمر الله (ابن العزيز) الخلافة حدثاً دون الثانية عشرة, وكانت أمه جارية روميّة نصرانية, وكان لها أيام العزيز نفوذ كبير في الدولة, وكان لهذا النفوذ أثره بلا ريب في سياسة التسامح الواضح التي اتبعها العزيز تجاه النصارى, وفي تقوية جانبهم ونفوذهم.(3/15)
وتنقل المصادر التاريخية لنا أن الحاكم كان سيء الإعتقاد, كثير التنقل من حال إلى حال, وكان مؤاخِذاً بيسير الذنب, حاداً, لا يملك نفسه عن الغضب, فأفنى أمماً وأجيالاً, وأقام هيبة عظيمة وناموساً.
وكان رديء السيرة, فاسد العقيدة مضطرباً في جميع أموره, يأمر بالشيء ويبالغ فيه ثم يرجع عنه فيبالغ في نقضه.
وكانت خلافته متضادة بين شجاعة وإقدام وجبن وإحجام, ومحبة للعلم وانتقام من العلماء, وميل إلى الصلاح وقتل الصلحاء.
افتتح عهد حكمه بقتل وصيّه ومدبر دولته برجوان, ثم أمين الدولة السابق الحسن بن عمار وكان يسرف في القتل, فيقتل وزراءه وغلمانه تباعاً, دون حكمة ظاهرة إلا ما كان من نزعة مؤقتة أو سخط فجائي.
وشغف الحاكم بالطواف بمدينة القاهرة وضواحيها, طوال حياته, وكان يصدر الأوامر المدهشة, ففي محرم سنة 395هـ, أصدر سجلاً يمنع الناس من أكل الملوخية والترمس والجرجير, وحرّم ذبح الأبقار السليمة إلا في يوم النحر, وحرّم صيد السمك الذي لا قشر له, وكذلك بيعه, وحرّم دخول الحمام بلا مئزر وحرّم على الناس أن يخرجوا من منازلهم إلى الطرقات من الغروب إلى الفجر, وحرّم بيع الزبيب, وأمر ألا يجتمع الناس في الصحراء, ومنع الاجتماع على شاطىء النيل للتفرج, وركوب النساء مع الرجال, وحرّم لعب الشطرنج.
وأصدر الحاكم أوامره بهدم كنائس النصارى, وطارد أتباعها, ثم أعطاهم الأمان وأعطاهم الحرية في إقامة شعائرهم و إعادة بناء كنائسهم.(3/16)
ولم تقتصر سياسة الحاكم الدينية على هذه الناحية من اضطهاد النصارى واليهود, ولكنها كانت تتناول الناحية الإسلامية أيضاً بكثير من الأحكام والأوامر الشاذة, وقد كان الفاطميون يحكمون في مصر شعباً لا يتبعهم من الوجهة المذهبية فأهل مصر هم على مذهب أهل السنة بينما الفاطميون شيعة إسماعيلية, وكان العمل على تدعيم هذه الصبغة المذهبية أهم عناصر سياستها الدينية, وقد حذا الحاكم حذو أبيه العزيز وجده المعز, وعمل لبث الدعوة الفاطمية في قوة وجرأة, ففي سنة 395هـ, أمر بسب السلف (أبي بكر وعمر وعثمان وعائشة ومعاوية وغيرهم من الصحابة) وكتب ذلك على أبواب الجوامع والمساجد, ولا سيما جامع عمرو وعلى أبواب الحوانيت والمقابر والدور وأرغم الناس على المجاهرة به ونقشه في سائر الأماكن, وكان يصدر الأوامر الغريبة, ففي رجب سنة 394هـ, منع الناس من صلاة الضحى والتراويح, وقبض بالفعل على أناس وضربوا وشهروا, وفي المحرم سنة 395هـ, قرىء سجل بأن يؤذن لصلاة الظهر في الساعة السابعة, ويؤذن لصلاة العصر في الساعة التاسعة, لكنه عاد وأباح صلاة الضحى وصلاة التراويح في رمضان سنة 398هـ أو سنة 399هـ, لكن في أواسط سنة 401هـ, صدر سجل جديد بترك " الصلاة خير من النوم " من آذان الفجر, وأن يؤذن بـ " حي على خير العمل " وأن تمنع صلاة الضحى والتراويح.
وجاء في بعض الروايات أن الحاكم حاول أن يعدّل بعض الأحكام الجوهرية كالصلاة والصوم والحج, ولقد كان الحاكم في أواخر عصره يذهب إلى أبعد مدى من الغلو والإنحراف, فيؤيد الدعوة السرية إلى فسخ أحكام الإسلام, وإلى الدعوة بألوهيته وقيامه.
الدعوة السرية الفاطمية:(3/17)
تعتبر الدعوة السرية الفاطمية من أخطر نواحي عصر الحاكم, وأخطر نواحي العصر الفاطمي كله, فقد قامت الدولة الفاطمية على أسس الدعوة الشيعية في ظروف غامضة, واتشح الخلفاء الفاطميون بثوب الإمامة الدينية, وردّوا بنسبتهم إلى علي بن أبي طالب, وفاطمة ابنة النبي صلى الله عليه وسلم, ومساق إمامتهم إلى إسماعيل بن جعفر الصادق, ومن ثم كانت تسميتهم أيضاً بالإسماعيلية.
وكان الخلفاء الفاطميون يحرصون كل الحرص على صفة الإمامة وعلى توطيدها ونشر لوائها بمختلف الوسائل, إذ هي شعارهم الأسمى, وعماد سلطانهم الروحي, ومعقد مطامعهم السياسية, وقد استطاع الفاطميون أن يجنوا ثمار كفاحهم, فبسطت الدولة ظلها بعد شمال أفريقيا على مصر والشام والحرمين, وكان هذا الانضواء تحت لواء الخلافة الفاطمية يتخذ قبل كل شيء لون الظفر السياسي, بَيْد أنها كانت تحرص على أن تحقق ظفرها المعنوي إلى جانب ظفرها المادي, وأن تغزو عقائد المجتمعات التي يدفعها أو تحملها السياسة على الانضواء تحت لوائها ومن ثم كان نشاط الفاطميين في بث دعوتهم المذهبية, وفي العمل على توطيد دعائمها.
ولما استقر الفاطميون بمصر, شعروا بالحاجة إلى مضاعفة جهودهم لنشر مذهبهم الإسماعيلي الباطني وذلك أنها لم تجد في مصر مهداً خصباً لدعوتها, فكان عليها أن تتوسل لغزوها بكافة السبل, واعتمدت على الدعاية السرية وغزو الأذهان بطريقة منظمة, وكان لهم دعاة في سائر الأقطار.(3/18)
وليس أدل على ما كانت ترتبه الفاطمية من عظيم الأهمية على بث دعوتها المذهبية, واتخاذها وسيلة نافذة لحشد المؤمنين والكافة تحت لوائها مما ورد في كتاب المعز الفاطمي إلى الحسن الأعصم أو الأعظم زعيم القرامطة من تلك العبارة القوية التي يشير فيها المعز إلى عناية الدولة الفاطمية ببث دعوتها في مختلف الأقطار: " فما من جزيرة في الأرض ولا إقليم إلا ولنا فيه حجيج ودعاة يدعون إلينا, ويدلون علينا, ويأخذون تبعتنا, ويذكرون رجعتنا, وينشرون علمنا وينذرون بأسنا, ويبشرون بأيامنا... "
وعيّن لهذا الغرض عالم كبير عندهم كان يطلق عليه (داعي الدعاة) .
مراتب الدعوة
نستطيع القول أن الدولة الفاطمية كان لها دعوة مذهبية خاصة, وقد أولتها الدولة عناية فائقة, ومن الطبيعي أن تكون مادتها الأولى ما تقوم عليه الدعوة الشيعية الفاطمية من الأصول والمباديء وكانت الدعوة تجري على نسق الجمعيات السرية, في مراتب متدرجة من الأهمية والخطورة, ومراتبها تسع, يعرضها الدعاة بالتعاقب, طبقاً لاستعداد التلاميذ وأهليتهم لتلقيها, فلا يصل إلى مراتبها العليا إلا من كان موضع الثقة والإفضاء, حريصاً على السر, وفيما يلي ملخصاً لهذه الدعوات التسع:
الأولى: يسأل الداعي المدعو عن بعض المسائل الدينية والشرعية, فإذا كان عارفاً بما سُئل أقرّه الداعي, وإلا فإنه يعرضها عليه للبحث والتأمل, ثم يلقنه أن الدين أمر مكتوم يجهله السواد والكافة, وأن انصراف الناس عن أئمتهم هو أصل الشر والخلاف.
الثانية: إذا وثق الداعي بالمدعو وأنس فيه قبولاً, ووثق بحرصه وكتمانه, عندئذ يلقنه أن الله لا يقبل أن يأخذ الناس الدين والشريعة إلا عن طريق أئمة نصبهم الناس.
الثالثة: يلقنه أن الأئمة سبعة رتبهم الله كما رتب السماوات والأراضين, وأن السابع هو القائم صاحب الزمان وهو محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق, ويلقي إليه أن عند الإمام علم المستور وبواطن الأمور.(3/19)
الرابعة: يلقن الداعي المدعو أن الأنبياء المعتبرين الناسخين للشرائع سبعة كعدد الأئمة, وكل منهم لا بد له من صاحب يأخذ عنه دعوته, ويحفظها على أمته, ويكون له ظهيراً في حياته ثم يخلفه بعد وفاته.
الخامسة: أنه لا بد مع كل إمام في كل عصر حجج متفرقون في الأرض, وعددهم إثنا عشر رجلاً في كل زمان.
السادسة: يحدثه عن شرائع الإسلام وفرائضه كالصلاة والصيام والزكاة, وأن لها معانٍ باطنة غير ظاهرة, وأنها وضعت على سبيل الرموز لمصلحة عامة. وينتقل به إلى ميدان الفلسفة ونظريات الفلاسفة مثل أفلاطون وأرسطو, ويعلمه أن منطق العقل هو المعوّل عليه في الأمور, لا الأخبار والأشياء المنقولة.
السابعة: أن صاحب الشريعة لا يستغني بنفسه, وأنه لا بد من صاحب معه يعبر عنه ليكون أحدهما الأصل, والآخر يصدر عنه, وهذا إنما هو إشارة العالم السفلي لما يحويه العالم العلوي.
الثامنة: أن مدبر الوجود والصادر عنه, إنما هو تقدم السابق على اللاحق, والسابق عندهم (الله عز وجل) لا اسم له ولا صفة, ولا يعبر عنه ولا يحدد, فلا يقال هو موجود ولا معدوم, ولا عالم ولا جاهل.
التاسعة: الانتقال إلى ميدان العلوم الفلسفية والطبيعية, وما بعد الطبيعة, وأن ما ذكر من الحدوث والأصول, إنما هي رموز إلى معاني المباديء وتقلب الجواهر, وأن الوحي إنما هو صفاء النفس, فيجد النبي في فهمه ما يلقى إليه ويتنزل عليه, فيبرزه إلى الناس, ويعبر عنه بكلام الله, الذي ينظم به النبي شريعته حسبما يرى من المصلحة في سياسة الكافة, ولا يجب العمل بهذه الشريعة إلا بحسب الحاجة في رعاية مصالح الدهماء, وليس على العارف المستنير أن يعمل بها.(3/20)
وفي تعليقه على عناصر الدعوة المذهبية الفاطمية, ومراتبها السرية يقول د. عنان: " إننا نجد أنفسنا أمام دعوة فلسفية حرة, ترمي إلى هدم العقيدة الدينية العادية", ويقول في موضع آخر من كتابه: " من المسلم به إذاً أن الدعوة الفاطمية, كانت لها ناحية سرية, يُضنّ بها على الكافة, ولا يُفضى بها إلا إلى الصفوة من الناس, وأن هذه الدعوة السرية كانت تتضمن مبادىء فلسفية إلحادية ".
نشأة الدعوة وتطوراتها
وفي فصل خاصٍ من الكتاب, يتحدث المؤلف عن أصل الدعوة السرية الفاطمية التي نشأت ونظمت مبادؤها على يد جماعة من الثوريين الملاحدة بزعامة أبي شاكر ميمون بن ديصان البوني المعروف بالقداح. وكان ميمون القداح هذا داعية ملحداً تفقه في دروس الأساطير الدينية, والبحوث الكلامية والجدل الفلسفي, ومتآمراً وافر الإقدام والجرأة, وكان فارسياً مجوسياً من سبي الأهواز, ثم تظاهر بالإسلام والتشيع.
وقد بدأ ميمون حياته مولى لجعفر بن محمد الصادق, وسُجن في عهد المنصور, وفي السجن وضع ميمون وأصحابه دعوتهم, ولمّا خرج من السجن, انضم إليه كثير من غلاة الرافضة والحلولية وادّعى أنه من ولد محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق, وانتشرت دعوته في جنوب فارس وفي جنوب العراق والبحرين, وانبث دعاته في كل مكان يتسترون ظاهراً بالتشيع, ويعملون في الخفاء لبث مبادئهم الإلحادية, وكانوا يتوسلون للتأثير في الناس بأعمال التنجيم والسيمياء, وبعض التجارب الكيميائية التي كانوا يتقنونها.
وحمل الدعوة بعد ميمون ولده عبد الله, وكان مثل أبيه براعة وتبحّراً في المباحث الفقهية والكلامية والنظريات الفلسفية, وكان يدعو لإمامة آل البيت الذين كان يزعم الانتساب إليهم, وكان يدّعي العلم بالغيب والأسرار الروحيّة والعلوم الخفيّة.(3/21)
وكانت هذه الدعوة الإلحادية ترمي إلى نشر المجوسية بالتأويلات التي يتأول بها دعاتهم على القرآن والسنة, ويستدلون بذلك على أن إمامهم وزعيمهم الأول, ميمون بن ديصان كان مجوسياً, ويستدلون أيضاً بما قاله البرذهي, وهو من زعمائهم في بعض رسائله: " إن المبدع الأول أبدع النفس, ثم إن الأول والثاني دبرا العالم بتدبير الكواكب السبعة والطبائع الأربع, وهذا ما يطابق قول المجوس أن اليزدان خلق أهرمن, وأنه مع أهرمن مدبران للعالم, غير أن اليزدان فاعل الخيرات, وأهرمن فاعل الشرور.
ولم يبحث ابن ميمون عن أنصاره الحقيقيين بين الشيعة الخلّص, ولكن بين الوثنية والوثنيين وطلاب الفلسفة اليونانية, وإليهم وحدهم استطاع أن يفضي بسره وعقيدته وهو أن الأئمة والأديان والأخلاق ليست إلا ضلالاً وسخرية.
وهكذا حمل عبد الله دعوة أبيه, ونظمها ببراعة مدهشة, واتخذ بلدة ساباط, جنوب الفرات, مركزاً لدعوته, ولمّا شعرت السلطات العباسية بخطورة هذه الحركة, نشطت إلى إخمادها, وفرّ عبد الله أولاً إلى البصرة, ومعه الحسين الأهوازي من أقطاب شيعته, فلما جدّت السلطات في مطاردته فرّ الحسين إلى الشام, ونزل ببلدة "سلمية" من أعمال حمص, واتخذها مركزاً للدعوة.
وحمل الدعوة من بعده ولده أحمد, وسيّر الحسين إلى العراق, وهناك استطاع أن يمهد لإضرام الشرارة الأولى في تلك الثورة الملحدة, ونعني ثورة القرامطة التي ابتدأت في جنوب العراق سنة 280هـ, على يد الفرج بن عثمان الفاشاني المعروف بذكرويه, وحمدان بن الأشعث المعروف بقرمط, وهو الذي تنسب إليه القرامطة, وكانت الدعوة قد اجتاحت جنوب فارس كله, وانسابت إلى البحرين والإحساء, وعاش القرامطة حيناً في جنوب العراق وغزوا الشام غير مرّة, واستقرت دولتهم بعد ذلك في البحرين في أواخر القرن الثالث الهجري, وعصفت مبادؤهم الإلحادية الإباحية بالعالم الإسلامي.(3/22)
وخلف أحمد بن عبد الله بن ميمون في حمل الدعوة الباطنية ابنه الحسين ثم أخوه محمد المعروف بأبي الشلعلع, وكانت الدعوة قد ثبتت واستقرت, وقويت شوكة أئمتها ودعاتها, وكثرت أموالهم ورسلهم, وبعث محمد بدعاته إلى المغرب وعلى رأسهم أبو عبد الله الحسين بن أحمد المعروف بالشيعي, فنشر الدعوة هناك, وأخذ يبشر بظهور المهدي المنتظر, ثم قام بالدعوة سعيد بن الحسين, ويقول بعض المنكرين لنسب الفاطميين أن سعيداً هذا ليس ولد الحسين, وإنما هو ولد زوجته اليهودية, ربّاه ولقنه أسرار الدعوة, واختاره للزعامة والإمامة من بعده.
وسعيد هذا هو الذي فرّ إلى المغرب, حينما همّت السلطات بالقبض عليه وإخماد دعوته, ففرّ إلى مصر ومنها إلى إفريقيا, وهناك زعم أنه من ولد إسماعيل بن جعفر الصادق, أو بالأحرى من ولد علي وفاطمة, وتسمى بعبيد الله المهدي أبي محمد, وزعم أنه المهدي المنتظر, وكان أبو عبد الله الشيعي قد مهّد له سبيل الدعوة, واجتذب إليه عدداً من القبائل البربرية القويّة, فاستطاع عبيد الله بعد خطوب وأحداث جمّة أن يجتني لنفسه ملك الأغالبة, وأن يؤسس دولة العبيديين أو الدولة الفاطمية بأفريقيا (296هـ - 909م), وتوطدت دعائم الدولة الجديدة بسرعة, ولم تلبث أن غلبت على المغرب كله, ثم افتتحت مصر, واتخذتها مستقراً ومنزلاً (359هـ - 363هـ).
العبيديون الفاطميون والقرامطة
هكذا نشأت الدعوة الباطنية وتطورت, وظهر وجود صلة قوية بين الدعوة الباطنية والدعوة السرية الفاطمية, بل يمكن القول بأن الدعوة الفاطمية السرية إنما هي الدعوة الباطنية بذاتها.(3/23)
وإن هنالك في المصادر الإسماعيلية ذاتها ما يدل على أن الدعوة السرية الفاطمية, تمت بصلة وثيقة إلى الدعوة التي يعتنقها القرامطة في البداية, فلقد نشأ القرامطة في أكناف الدعوة الشيعية, وتحت ظل أئمة سلمية المستورين. وقد استظل القرامطة في بدء أمرهم بلواء الخلافة الفاطمية, ودعوا لها مذ قامت بأفريقيا, واستمد زعماؤهم منها العهد.
النظريات والرسائل الإلحادية
سبق القول أن الفاطميين اعتمدوا الدعوة السرية لنشر أفكارهم ومبادئهم الإلحادية, وقد وصلت إلينا بعض هذه الوثائق وهي من إنشاء كبير الدعاة وزعيمهم حمزة بن علي, ويستعرض فيها كثيراً من أصول دعوته, ويؤيدها بمختلف الشروح والمقارنات, ونستطيع أن نلخص مذهب حمزة بن علي في نقاط جوهرية ثلاث:
الأولى: التناسخ, والاعتقاد بأن مذهبهم أو دينهم ينسخ جميع الأديان والشرائع السابقة, ويقول بأن الحاكم بأمر الله هو " ناطق النطقاء " جاء بعد النطقاء الستة الذين تقدموه, وكان آخرهم محمد, وهو قائم الزمان جاء بعد السبعة الصامتين الذين جاءوا بعد محمد صلى الله عليه وسلم.
الثانية: الحلول أو حلول الروح, فروح آدم أصل البشر قد انتقلت إلى علي بن أبي طالب, ثم انتقلت روح علي إلى الحاكم بأمر الله.
الثالثة: ألوهية الحاكم بأمر الله, فالحاكم ليس إنساناً كباقي البشر, ولكن الروح الإلهية حلت به واتخذت صورته, وهذا هو في الواقع أساس المذهب وعماده الجوهري.
ختاماً(3/24)
حرصنا في عرضنا لأحد الكتب المتميزة للدكتور عنان على تسليط الضوء على الدولة الفاطمية التي تنبت العقائد الإسماعيلية, وبيّنا عقائدها التي خالفت ما عليه أمة الإسلام, كما حرصنا على إيضاح بعض الجوانب الغامضة في مسيرة هذه الدولة التي نسبت نفسها زوراً إلى آل البيت وإلى الإمام جعفر الصادق, حيث بين المؤلف بما لا يدع مجالاً للشك حقيقة انتساب العبيديين أو الفاطميين إلى ميمون بن ديصان الفارسي المجوسي وفنّد مزاعمهم بانتسابهم إلى الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
كما خصّ المؤلف عصر الحاكم بأمر الله بمزيد من التفصيل والبيان لغرابته وشدة انحرافه وخروجه عن المألوف وادعائه الألوهية, وإصدار التعليمات الغريبة المتناقضة.
كما حرص المؤلف على بيان أسس ومراحل الدعوة السرية التي تبنتها الفاطمية, والتي هي في حقيقتها دعوة إلحادية منحرفة, أدخلت على الإسلام وثنيات المجوس, وأباطيل المنحرفين.
ولم يفت المؤلف بيان الصلة الوثيقة التي كانت تجمع الفاطميين بالقرامطة الإسماعيلية الذين حاربوا المسلمين, وقتلوا حجاج بيت الله الحرام, واقتلعوا الحجر الأسود, لكن مطامعهم التي لا حدود لها, ومنافستهم على البلاد التي كان يحتلها الفاطميون سببت القطيعة بين الجماعتين.
إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت
قالوا: "شخصياً لا أستطيع السيطرة على أعصابي عندما يتحدث عمرو خالد عن أرذل خلق الله, ومشكلة عمرو خالد أنه يقدم الإسلام من خلال تجارب القتلة والأفّاكين والدمويين وكتّاب التاريخ المزوّر (خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وأبي هريرة ومعاوية بن أبي سفيان...), إن هؤلاء الذين يدافع عنهم (الشاب خالد) مغمورون في الأرض, ملعونون في السماء".
أحمد حسين إبراهيم
موقع إباء الشيعي 21/9/2002.
قلنا: ما نقلناه عن أحمد هذا غيض من فيض, بل لقد اخترنا أكثر العبارات تهذّباً, من بين تلك التي درج الشيعة على استعمالها في حق صحابة النبي صلى الله عليه وسلم.(3/25)
لقد صبّ هذا الموقع المشبوه جام غضبه على عمرو خالد؛ لا لأنه ألّف كتاباً عن عقائد الشيعة, ولا لأنه انتقد شخصية شيعية مثلاً, بل لأنه يتحدث عن صحابة النبي الكرام وزوجاته الطاهرات, ولقي حديثه هذا قبولاً كبيراً في أوساط المسلمين الذين يعرفون منزلة الصحابة وفضلهم وقربهم من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
لقد بلغت الوقاحة بهذا الموقع إلى أن يتهموا سيف الله المسلول خالد بن الوليد بالزنى من زوجة مالك بن نويرة "المرتد, الذي يعتبره الشيعة صحابياً جليلاً! ويتهموا أبا هريرة رضي الله عنه بأنه علماني كانت مهمته الافتراء على الله ورسوله, ويكفي هذا الغيض من الفيض كفانا الله شرّه.
الحق أنطقهم
قالوا: "الظلم الديكتاتوري الذي أرخى بظله على العراق المضطهد عبر عشرات السنين الماضية أريد له أن يلبس الثوب الطائفي والمذهبي من خلال تركيز النظام السابق على استهداف وضرب البيئة الشيعية المتحركة بما يوحي أن هذا الظلم الذي كان قائماً هو ذو بُعد مذهبي بعيداً عن حقيقة النظام العلمانية المتزمتة فكراً قومياً اشتراكياً خالياً من أي اعتبار ديني, هذا مع العلم أن أشنع مجازر النظام كانت في مدينة "حلبجة" الكردية السنيّة والتي اعتبرت حدثاً إجرامياً كبيراً في التاريخ الحديث لهذه المنطقة...".
مصعب حيدر
مجلة الوحدة الإسلامية الناطقة بلسان تجمع علماء الشيعة في لبنان
العدد 22 رجب- شعبان 1424هـ/ سبتمبر- أيلول 2003م
قلنا: دأب الشيعة على نسبة جرائم صدام إلى السنة واستغلوا ذلك في ظلم أهل السنة في الحكم الجديد وتهميشهم والإساءة إليهم, ورغم ذلك, فإن واحداً من المنابر الشيعية "مجلة الوحدة الإسلامية" أنطقها الحق, وليت الشيعة الآخرين يتعظون.
ملايين أم آلاف؟
قالوا: "توقع وصول ثلاثة ملايين شيعي إلى كربلاء في ذكرى المهدي, والسلطات المحلية تتوقع وصول خمسة ملايين زائر"
الرأي 12/10/2003(3/26)
قلنا: "لقد فات واضعو هذا الخبر أن يقولوا وصول "مليار" شيعي أو مليارين, فتضخيم الأرقام صار أمراً مألوفاً لدى الشيعة, فهم يريدون أن يقنعونا بأنهم الأغلبية الساحقة في العراق, والسبب معروف: الاستئثار بالحكم وتهميش السنة واضطهادهم.
ونحن نتساءل: كيف يمكن لهذه المدينة الصغيرة أن تستوعب هذه الملايين الخمسة, وهي بهذا المستوى من ضعف الإمكانيات والتجهيزات, وقلة المرافق في الوقت الذي لا تستطيع مدينة مثل مكة المكرمة هي قبلة جميع المسلمين من استضافة أكثر من مليوني حاج أو معتمر برغم الخدمات والبنية التحتية الهائلة التي تمتلكها والتوسعات المستمرة!
أهكذا هو العداء مع الشيطان الأكبر!
قالوا: "س: بريمر والإدارة الأميركية يعتبران المقاومة العراقية ضد الاحتلال إرهاباً, فمع من أنتم؟
ج: قتل آية الله محمد باقر الحكيم مع ثمانين من رفاقه وجرح أكثر من 200 من الأبرياء الذين أنهوا صلاة الجمعة في مرقد الإمام علي, أليس هذا إرهاباً؟ واغتيال ممثل الأمم المتحدة دي ميللو, أليس هذا إرهاباً؟!
س: وهل قتل الجنود الأميركيين إرهاب؟
ج: تفجير السفارة الأردنية.. أليس هذا إرهاباً, وإذا كان هذا ليس إرهاباً, فما هو الإرهاب في نظر الإعلام العربي؟
س: ماذا عن قتل جنود الاحتلال الأميركي.. هل يعد إرهاباً؟
ج: غالبية الشعب العراقي تؤمن بأنه لا بد من اتباع الأسلوب السلمي في مقاومة الأميركيين وليس شن هجمات عليهم.
س: أي ترشقونهم بالزهور؟ وكيف تقاومونهم سلمياً؟
ج: بين الصفر والمائة هناك 90 درجة وبين رش الورود والرصاص هناك 99 درجة.
س: هل يمكن مقاومة الاحتلال بدون رصاص؟
ج: العمليات العسكرية تستهدف منشآت النفط والكهرباء والماء.
س: ولكن لم تجبني, هل قتل الجنود الأميركيين إرهاب؟ وأنتم كنتم تقاومون حكم صدام بالسلاح وليس بالورود, فكيف هذا التحول السلمي المذهل لديكم؟(3/27)
ج: من قال ارموهم بالزهور؟ وأنت تنسب لي كلاماً لم أقله. الصحف العربية تكيل بمكيالين, فمجلس الحكم يجب –من وجهة نظر هذا الإعلام- أن يكون منتخباً بينما لا يطالب الحكام العرب بأن يكونوا منتخبين؟
بالنسبة للمقاومة, فنحن نقاوم سلمياً ونتبع أسلوب الحوار.. والمقاومة بالسلاح ليست لصالح الشعب العراقي في هذه المرحلة".
حامد البياتي
ممثل المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق
الوطن العربي 3/10/2003
قلنا: لقد أعادت المجلة سؤالها ست مرات لمعرفة رأي الشيعة في الاحتلال الأمريكي للعراق هل يعد عندهم إرهاباً أم لا, والجواب كان الكثير من الهروب من هذا السؤال المحرج الصعب, والكثير من الدبلوماسية.
المتشيعون والصوت العالي
قالوا: "إن هؤلاء السادة (الإخوان المسلمين) لا يعرفون شيئاً لا عن الإسلام ولا عن الفقه, وإن سلاحهم المعرفي الأساسي هو المسدس والقنبلة فضلاً عن التزييف الإعلامي.
نحن أمام وجوه متعددة لشيطان واحد يرتدي مسوح الرهبان والقديسين.. قاتل وشاعر وطابور خامس من المفتين الذين يلبسون الحق بالباطل ويكتمون الحق وهم يعلمون, ولا يبالون بحرمة الدماء ولا مسؤولية الكلمة.."
الكاتب المصري المتشيع
أحمد راسم النفيس
القاهرة 9/9/2003
قلنا: لقد أطلق هذا الكاتب المصري المتشيع العنان لنفسه لمهاجمة أكبر تيار إسلامي وهو جماعة الإخوان المسلمين, بالرغم من أن المتشيعين جسم طارئ وغريب على المجتمع المصري, ويحدث هذا في الوقت الذي يعقد فيه الشيعة مؤتمراً في البحرين للتقريب بين الشيعة والسنة.
فإذا كان هذا هو تعاملهم مع الهيئات والشخصيات السنية التي تحابي الخط الشيعي, فكيف سيكون حال هؤلاء المتشيعين إذا ما صاروا أكثرية؟
ومتى يتنبه أهل السنة إلى حقيقة موقف الشيعة منهم؟
من الذي قتل الحكيم؟
معلومات عن انشقاق عسكري في فيلق بدر(1)
__________
(1) السبيل, 7/10/2003(3/28)
أكدت مصادر عراقية مطلعة أن انشقاقاً حصل في فيلق بدر الجناح العسكري للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق قبل أقل من شهر من عملية اغتيال زعيم المجلس محمد باقر الحكيم في النجف, وأضافت المصادر أن الانشقاق في "بدر" قاده مسؤول عسكري كبير في الفيلق يدعى "حاجم" بحيث أصبح هناك تياران في فيلق بدر, الأول تابع للحكيم, والآخر تابع لـ "حاجم" الذي قالت تلك المصادر إن التحقيقات ترجح مسؤولية جناحه عن اغتيال الحكيم.
وقالت المصادر العراقية إن فيلق بدرالذي كان موجوداً في إيران قبل العدوان الأمريكي على العراق, هو المسؤول عن حراسة قادة المجلس الأعلى للثورة وتوفير الحماية لهم, حيث لوحظ أن قوات من الفيلق تابعة لـ "حاجم" لم تتواجد في موقع عملية اغتيال الحكيم, وكان المكان دون حراسة من قوات بدر, مما سهل تنفيذ عملية التفجير المروّع في النجف.
وقال المصادر العراقية إن انشقاق "حاجم" وخروجه على الحكيم تم بدفع من دولة مجاورة قالت إن "حاجم" محسوب عليها. وأضافت أن "حاجم" له ميول باتجاه الزعيم الشيعي البارز مقتدى الصدر. وبينما تعد النجف المكان الرئيس لوجود جناح الحكيم في فيلق بدر, فإن "حاجم" يتركز في الناصرية جنوبي العراق.
وأشارت المصادر العراقية إلى أن جماعة الحكيم أبدوا تسرعاً في توجيه الاتهامات لأطراف عراقية ولعناصر من دولة عربية مجاورة, فور عملية الاغتيال, وحاول البعض إضفاء بعد طائفي على العملية, وهو ما أثار مخاوف شديدة من احتمال تفجير فتنة طائفية واسعة, لكن المفاجئ –وفق المصادر العراقية المطلعة- أن نتائج التحقيق دخلت طي الكتمان بعد ذلك, ولم يعد يطرح أي حديث عن هوية الجهة المسؤولة عن اغتيال الحكيم بعد مرور ستة أسابيع على العملية, وهو ما أثار الكثير من الشكوك.(3/29)
يذكر أن زعيماً دينياً كبيراً هو عبد المجيد الخوئي كان قد تعرض لعملية اغتيال داخل المسجد في النجف نتيجة خلافات داخلية, ولم تحظ تلك العملية في حينه باهتمام إعلامي واسع رغم أن الخوئي كان يعد شخصية رئيسية لا تقل مكانتها عن مكانة الحكيم, وقتل معه عدد من الأشخاص داخل المسجد.
ملاحظات على نقاط ضعف السياسة الخارجية
الإيرانية في عهد خاتمي(1)
أحمد نجيب زاده
أستاذ العلوم السياسية-جامعة طهران
يبين المقال أن إيران برغم امتلاكها لعناصر كثيرة إيجابية يمكن أن تسخرها في سياستها الخارجية, إلا أن هذه العناصر كالنفط والبيئة والسكان والموارد والقوة العسكرية, كانت وبالاً عليها بسبب سوء الاستخدام والأطماع وتصدير الثورة والاصطدام بالآخرين ........المحرّر.
إن السياسة في جوهرها هي علم البراعة والحسابات الدقيقة حيث الحكمة والعقل والقيادة. وكما قال أحد الحكماء فإن " إدارة شؤون البلاد تتطلب التفكير العميق والحكمة " ومن الممكن القول بأن الحكمة يمكن أن تستخدم في كل مناحي الحياة وليس فقط في السياسة, وقد يقول القائل أنه من الممكن أن تسود الحكمة كل شيء إلا العلاقات الخاصة والمشاعر الإنسانية, ومن المؤكد أن عالم السياسة لم ينفصل عن المشاعر والأحاسيس وربما يكون من الخطر أن يبتعد. فقد ذكّر ألكسندر سولزينشتين قادة الكرملين في خطابه الذي انتقد فيه سياساتهم, أن الذي جلب للاتحاد السوفييتي انتصاراته في الحرب العالمية الثانية, ما كان إلا المشاعر الوطنية والدينية وليس الأيديولوجية اللينينية – الماركسية .
__________
(1) مختارات ايرانية العدد 32 2003(3/30)
كل هذه العوامل لا بد أن تؤخذ بعين الاعتبار عند وضع منظور التخطيط الاستراتيجي لكن قيادة التخطيط والتنفيذ لا بد أن تكون في أيدي حكماء, فليس من خطر أشد على الأمم في السياسة – خاصة الخارجية – من التوجهات الرومانسية, فالخبرات التاريخية تؤكد أن مثل هذه التوجهات مكتوب لها الفشل لا محالة, ففي نهاية القرن الثامن عشر وفي فترات التطرف العقلاني, كان الناس ينحون نحو العاطفة والإلهام والشعر, كانت الرومانسية تسود كل أشكال الأدب وتخترق كل المجالات بما في ذلك السياسة, كانت هذه الأوضاع من بين الأسباب التي أدت إلى فشل العديد من الحركات الوطنية رومانسية التوجه, مثل حركة الإحياء في إيطاليا.
لكن الموجات التالية للرومانسية كانت أشد خطراً, ففي بداية النصف الأول من القرن العشرين, سادت هذه التوجهات وظهرت النازية والفاشية, في هذه الأوقات وبعد فترات طويلة من الفوضى وفترات أطول من اليأس اتخذ الناس من الأساطير ملجأ لهم, سادت الأساطير والسخرية اللاذعة حتى أصبحتا هما الحقيقة والمصباح المنير للناس, ومن بين الأساطير التي لا زالت موجودة حتى يومنا هذا أسطورة القومية, القومية الطورانية, القومية التركية, القومية الإسلامية والقومية الإيرانية, وفي عصر سيطرة العديد من النظم الاستعمارية على الدول الإسلامية, لم تكن أسطورة القومية الإسلامية في إطار الأمة الموحدة, إلا إغفال للحقائق, فقبل هذا كانت هناك تجربتان فشلتا فشلاً ذريعاً, التجربة الناصرية التي دعت إلى دولة عربية موحدة, والتجربة البعثية التي دعت إلى أمة عربية موحدة, فلو كانت فكرة الأمة والعالم الإسلامي الموحد قد بقيت مثل " التحالف المقدس " لقيصر الروس الكسندر الأول في عام 1815 لكانت مقبولة, لكن كيف ذلك, وفي هذه المنطقة تعيش أربعون أقلية إثنية ودينية وتوجد أنظمة تتراوح ما بين الرجعية والثورية, في كل هذه الأوضاع فإن موضوع الوحدة ما هو إلا حلم من أحلام اليقظة.(3/31)
منذ بداية القرن التاسع عشر, أصبحت السياسة الخارجية الناجحة هي التي تقبل بحقائق الحكومات والدول وتعرف عن كثب التركيبة الهرمية للقوى في العالم وعلى هذا الأساس يمكن للقائمين على السياسة الخارجية أن يعملوا على إعداد السيناريوهات التي تتوافق مع موقفهم الخاص, والبيئة السياسية العالمية, ولا بد لصانعي السياسات أن يأخذوا بعين الاعتبار قواعد اللعبة في العلاقات الدولية, حيث العلاقة المنطقية بين أهدافهم والأدوات العملية التي يملكونها.
وربما نستدعي هنا مقولة كورت ليوين, ومفادها أن ما يشكل السياسة الخارجية لبلد ما هو المعادلة التالية :
F=(A,E)C حيث يمثل الطرف الأول للمعادلة السياسة الخارجية التي تستدعي نوعاً من الأداء يتكون من الفاعلين لهذه السياسات والبيئة المحيطة بهم, وحسب هذه المعادلة فإن السياسة الخارجية هي النتيجة الطبيعية لأداء القائمين عليها والبيئة المحيطة بهم, وسوف نستخدم هذه المعادلة كمرشد لنا لنرى الأدوات التي تمتلكها إيران كفاعل على الساحة الدولية والعوامل التي تؤثر في سياستها الخارجية, بعد ذلك سنتطرق للموقف الدولي في الثمانينات والتسعينات, سيبدو –عند ذلك – أن الأداء والأهداف والبرامج التي وضعت أي الخطط والأهداف – لم تكن متجانسة, ومما لا شك فيه أن المصالح الوطنية هي الأساس الذي نستطيع أن نحكم من خلاله, على الرغم من أنه من الصعب أن نحدد ماهيتها وقد تختلف الآراء حولها.
ولعلنا نستطيع أن نحسم هذه الإشكالية بسؤال بسيط : هل يحق للأب محدود الدخل والإمكانات أن يتجاهل رفاهية ومستقبل أبنائه ؟ هل يحق له أن يتصرف بشكل لا يتناسب ومصالح العائلة ؟ هل يعطي الأولوية لرخاء ومصالح الآخرين مثل الأصدقاء والجيران ؟ ثم بعد ذلك علينا أن نتساءل : ما هو السبيل إلى الأداء الذي يؤمن مصالح العائلة … قد يكون ذلك موضعاً للاختلاف.
1-إيران كفاعل :(3/32)
عدد ريمون هارون, عالم وأستاذ العلوم السياسية الفرنسي في رائعته عن " الحرب والسلام بين الأمم " العوامل التي تؤثر على السياسة الخارجية لدولة ما وهي البيئة, والمكان والسكان والموارد, والنظام السياسي والقوة العسكرية والبعثات الدبلوماسية والأيديولوجية والشعور الوطني, إن إيران بلد واسع, لكن اتساعها لا ينعكس بالضرورة على قدراتها كقوة كبرى, وبسبب اتساع حدودها وانتشار سكانها, فإن الدولة تحتاج دائماً إلى قوة عسكرية كبيرة كانت هذه هي الأسباب التي دعت إلى ظهور الحكومات العسكرية والديكتاتورية حسب نظريات الاستبداد الشرقي.
وبعد تأسيس الجمهورية الإسلامية ونشوب الحرب بين إيران والعراق, تأكد للجميع أن حماية الحدود الايرانية ليست بالأمر الهين فلا بد من وجود جيش قوي وكبير, وبغض النظر عن أن اتساع رقعة إيران قد يعد نقطة ضعف أو قوة, فإنها تعتمد على عوامل كثيرة منها رجال الدولة, إن الموقع الاستراتيجي لإيران والذي يربط آسيا بالشرق الأوسط ووسط آسيا بالخليج (الفارسي) هو الذي يجعلها تعمل كنقطة التقاء لأربع مناطق في العالم, لكن لأن إيران غير قادرة على استغلال هذا الموقع, فإن قوى أجنبية بدأت تتناحر وتعمل على وضع حكومات حليفة في سدة الحكم, وهذا ما يدعو إيران إلى التفكير جدياً في أهمية استغلال هذا الموقع وإلا فإن الأهمية الاستراتيجية ستتحول إلى نقطة ضعف.(3/33)
أما سكان إيران, فقد كان تعدادهم قليلاً, لكنه بدأ في التزايد بشكل غير منتظم مما أدى إلى ظهور العديد من المشاكل, واليوم تعد كفاءة السكان وليس تعدادهم هو المقياس الأهم, لكننا نرى فجوة كبيرة بين الأغنياء والفقراء, وفجوة أكبر بين المتعلمين وغير المتعلمين, وفشلاً كبيراً في تخطي الحواجز الإثنية التي أصبحت تشكل عاملاً من عوامل عدم الاستقرار السكاني, فإذا ما كانت هناك حكومة حكيمة وذات نظرة ثاقبة في شؤون التخطيط, لكانت قد دعمت أسس الوحدة الوطنية وبسطت نفوذها في الدول المجاورة, ومثال على ذلك الإيرانيون العرب يستطيعون القيام بدور كبير في الدول الإسلامية, كذلك الحال مع الإيرانيين من أصل تركي.
ومن المفترض أن تكون الموارد الطبيعية عاملاً هاماً لدعم السياسات الخارجية, إلا أن البترول في إيران أصبح عاملاً سلبياً في هذا المجال وأضعف اقتصادها وسياساتها الخارجية التي أصبحت تعتمد على منتج واحد لقد تحولت العقوبات الاقتصادية إلى موقف تراجيدي معقد بدلاً من أن تحفزنا على دعم البنية التحتية لصناعاتنا, فالدول تقاس قواها الآن بمدى التقدم الصناعي والتكنولوجي الذي يمكنها إحرازه.(3/34)
وكانت القوة العسكرية في فترة حكم الشاه تقوم على أسس كلاسيكية, وبمقاييس ذلك الزمان, فإن الجيش كان مرتبطاً بنظام التسلح الأمريكي, لذا كان لدى إيران جيش قوي وتعتمد عليه, ومن جهة النظر هذه, فلا بد أن نؤكد أن على إيران أن تملك جيشاً قوياً مثل فرنسا وليس مثل سويسرا, لقد كان الشاه محقاً عندما عمل على بناء جيش قوي, لكن اعتماد الجيش على الخارج في التسليح يعني أيضاً التبعية السياسية وهو ما حدث في حالة تركيا, وبنفس المقاييس فإن استقلالية إيران السياسية خلال فترة الجمهورية الإسلامية تستدعي الاستقلالية العسكرية, لكننا نعرف أن الصناعات العسكرية في إيران ليست في المستوى الذي يسمح لها بالمواجهة مع دول مثل تركيا أو باكستان اللتين تسلحان جيوشهما حسب النظم الغربية المتقدمة الشيء الوحيد الذي استطاعت إيران أن تقوم به هو تنويع مصادر السلاح, لكن لا بد من أخذ المبادرة بتطوير صناعة الأسلحة لمواجهة استفزازات دول مثل تركيا وإسرائيل, وحتى ذلك الحين, على إيران إما أن ترجئ بعض سياساتها أو تعمل على تأكيد عناصر أخرى في سياستها الخارجية.(3/35)
أما البعثات الدبلوماسية لإيران فقد كانت في غاية الضعف, حيث لم تقم بدورها في وضع السيناريوهات المحتملة ولم تعمل على المشاركة الإيجابية في المحافل الدولية, وفي بعض الحالات يكون من الأفضل عدم وجود مثل هذه البعثات, فمنذ عهد الصفويين, كانت المشاعر الوطنية للإيرانيين هي الطريق الأوحد لحركات المقاومة, وقد نجحت الثورة الإسلامية في إيران عندما خرجت الملايين إلى الشوارع لتؤكد هذا الاختيار وتضيف ثقلاً كبيراً لإيران بين الشعوب الإسلامية, لكن ذلك أثار الرعب بين الحكومات خاصة عندما أصبح الإسلام هو العامل المحدد للسياسة الخارجية الإيرانية, لم يكن معروفاً في ذلك الوقت كيف سيكون الإسلام موجهاً للسياسة الخارجية الايرانية, مما أثار الكثير من الشكوك بين جيراننا, وفي هذا السياق كان هناك عاملان أساسيان يثيران التساؤل :
الأول كان وحدة الشعوب الإسلامية والثاني كان تصدير الثورة وهو ما دعا صدام حسين إلى الدخول في حرب ضد إيران بمساندة الأنظمة العربية ويفسر ذلك أيضاً الحملة الدعائية التي بدأت في ذلك الوقت ضد إيران في روسيا, كانت هناك نظريتان تقفان في المواجهة, الأولى كانت نظرية تروتسكي حول الثورة العالمية والثانية كانت تدعو إلى احتواء الثورة في روسيا وتقوية أسس الاشتراكية, النظرية الثانية التي دعا إليها لينين هي ما اعتقده ستالين واستطاع من خلاله أن يبسط نفوذ نظامه على حساب فقدان مساحات شاسعة من روسيا.(3/36)
أدت هذه الواقعية في النهاية إلى استعادة روسيا كل الأراضي التي فقدتها أثناء الحرب العالمية الثانية, بالإضافة إلى أنهم استطاعوا أن يبسطوا نفوذهم على ما يقرب من نصف دول أوروبا, لكن الاعتماد على نظرية الثورة العالمية أو على الأقل الثورة على أراضي المسلمين وهو ما اعتبره العديد من الدول تدخلاً في شؤونها الداخلية, فقد كبّل إيران بالعديد من المشاكل التي لا زالت تعاني منها منذ عشرين عاماً, لقد تحول الاتحاد السوفييتي خلال عشرين عاماً منذ اندلاع الثورة البلشفية إلى قوة عظمى, بينما تزايدت المصاعب التي تواجه إيران بسبب الفشل في فهم – والاعتراف – بالنظام الدولي وموقع هذه الدولة من هيكلية هذا النظام, وبلمحة سريعة حول العوامل المؤثرة في السياسة الخارجية لإيران, سنصل إلى نتيجة مفادها أنها ليست في موقع القوة الرئيسية في العالم ولا تستطيع القيام بدور قيادي في منطقة هامة منه, إن إيران تعد قوة إقليمية هذا إذا ما كان لديها حكومة تستطيع استغلال كافة الإمكانات المتاحة.
2-البيئة :(3/37)
عندما قامت الثورة الإسلامية في إيران كان النظام الدولي ثنائي القطبية لا زال قائماً, على الرغم من وجود بعض الانشقاقات التي ظهرت في بنيته وفي عام 1979 عندما قامت الثورة وبدأت الحرب الباردة الثانية بدخول القوات السوفيتية في أفغانستان أصدر كارتر قراره ببدء تصنيع صواريخ إم إكس, في الوقت الذي كان فيه الاتحاد السوفييتي مشغولاً ببناء صواريخ اس اس 20, وفي أماكن أخرى من العالم كان هناك تطور سريع باتجاه تدعيم السوق الأوروبية المشتركة وظهور الصين كقوة عسكرية وانطلاق اليابان كقوة اقتصادية بارزة, كما ظهرت بعض الحكومات في ليبيا وسوريا لتمثل تحدياً للنظام ثنائي القطبية, في هذا المناخ ظهرت الثورة الإسلامية بشعارها " لا شرق ولا غرب ". قبل ذلك التاريخ لم يكن ممكناً لدول العالم الثالث أن تعمل بعيداً عن التقاليد التي وضعتها إحدى القوتين العظميين, فقد استفادت النظم الحاكمة في كوبا وفيتنام وسوريا وليبيا من مساعدة الكتلة الشرقية.
وربما كان من الممكن خلال الفترة من 1979 – 1985 أن تقع ثورة مستقلة عن الكتلتين, فقد لاحظنا أن القوتين العظميين قد توصلا إلى نوع من الاتفاق وظهر ذلك واضحاً في صدور القرار 598 ضد إيران, وكيف قامت أمريكا بقصف طائرة ركاب إيرانية, ووقف الاتحاد السوفييتي صامتاً حيال ذلك, في نفس الوقت, كان لدى إيران مساحة للمناورة وهو ما لم يعد متاحاً بعد تفكك وسقوط الاتحاد السوفييتي حيث سادت أجواء أقرب إلى الأجواء التي عرفها العالم عام 1919.(3/38)
وكنتيجة لذلك واجهت إيران القوة الوحيدة العظمى التي بقيت على المساحة الدولية، دون أن تستفيد من إمكانية مساعدة قوة أخرى. وهكذا فرضت الكثير من القيود على إيران الإسلامية، وكان لابد من الاختيار بين طريقين، إما أن نصل إلى اتفاق مع أمريكا. وكان ذلك يستدعي وجود بعثات دبلوماسية قوية بالإضافة إلى تقديم تنازلات… أو اتباع نفس السياسة التي اتبعها الصينيون منذ عقدين وهي إغلاق الأبواب وبناء دولتهم من الداخل. حتى هذا الخيار كان لابد له من وجود الاتحاد السوفيتي لكي يساعد في بناء البنية التحتية الصناعية كما فعل ستالين مع الصين.
الطريق الثالث، والذي اقترحه البعض، كان إقامة تحالف مع قوى أخرى مثل الصين وروسيا واليابان وأوروبا. وكانت هذه نظرة ثبت عدم جدواها. ففي مجال التعاون الخاص بالصواريخ والمفاعلات النووية, نجد أن الصين ليست مستعدة لاتخاذ أية مواقف قد ينشأ عنها مشاكل خطيرة. وعندما تجد الصين أنها ستواجه مأزقاً في علاقتها بالولايات المتحدة فإنها عادة ما تضحى بإيران. على الجانب الآخر، كانت روسيا المنافس الطبيعي لإيران في وسط آسيا بينما اليابان لا تستطيع أن تتخذ أية مواقف مناقضة لوجهات النظر الأمريكية. ولقد كانت وجهة نظر إيران مخطئة أيضاً فيما يتعلق بأوروبا. فعلى الرغم من المنافسة الاقتصادية القائمة بين أوروبا وأمريكا إلا أنهما يشتركان في بعض المصالح الإستراتيجية. لذا، لم تستطع أوروبا أن تقوم بدور الشريك الاقتصادي لإيران. هنا لابد لنا أن نقول أن سقوط الاتحاد السوفيتي قد أدى إلى تفوق الغرب وزيادة قوته بشكل منفرد وقلل من الأهمية الإستراتيجية للعديد من الدول بما في ذلك تركيا وإيران بالنسبة للكتلة الغربية. كان هناك عاملان يجب العمل من خلالهما لتخطي هذا الموقف المعقد : الأول هو البراجماتية والمرونة والثاني هووجود مجموعة قديرة ومحترفة من العاملين في السلك الدبلوماسي. وكلاهما لم يكن موجوداً.(3/39)
وفي الوقت الذي نؤكد فيه على أن الإقليمية هي عامل من عوامل الوقف الدولي، لابد لنا أن نضع في الاعتبار نقطتين متوازيتين، الأولى هي القوى الإقليمية المنافسة ومواطن التأثير الحقيقية والمتوقعة. ومواطن التأثير هذه قد تكون اقتصادية أو سياسية أو ثقافية. وفي بداية الثورة واجه الاقتصاد الإيراني العديد من المشاكل، لذا لم يكن من الممكن أن يصبح عاملاً مؤثراً.
وفي المجال السياسي كانت إيران خلال فترة حكم الشاه وبمساندة القوة الأمريكية تستطيع أن ترتدي لباس قيادة منطقة الخليج (الفارسي). ولفترة بعد الثورة، كان لإيران هذا التأثير في المنطقة. ولأن الثورة الإسلامية كانت بالأساس ثقافية فقد كان من المتوقع أن تنحو هذا النحو. كانت الأداة المتوقعة في هذا السياق هي أولاً الثقافة الوطنية التي امتدت من الشرق إلى الشمال الشرقي. مثل وسط آسيا، وثانياً العقيدة التي تضم العالم الإسلامي كله. لكن الخلافات بين السنة والشيعة لم تكن بالشيء البسيط الذي يمكن حله. لذا، كان التأثير العقائدي لإيران ذا طبيعة ثنائية لكن الطريق لم يكن مسدوداً باتجاه التأثير الثقافي في وسط آسيا. في هذا الوقت لم يكن لدى إيران أية نظرة ثاقبة وفضلت العمل باستخدام الإسلام. هنا أيضاً، ظهر الخلاف بين السنة والشيعة وبالطبع كان من المتوقع أن تضع الحكومات العلمانية العراقيل في وجه التأثير الإيراني. بالإضافة إلى ذلك، فقد واجهت إيران المنافسين الطبيعيين لها مثل تركيا والمملكة السعودية وباكستان وقد ظهر نوع من تقسيم العمل فيما بينهم؟! حيث اهتمت تركيا بأسواق المنطقة، واهتم السعوديون بالتأثيرات الدينية ونشر المذهب الوهابي؟؟!! في حين ركزت باكستان على القوة العسكرية. كل هذه التطورات ظهرت لأن طهران كان عليها أن تدعم، واقعياً، موقفها كحكومة وأمة وعندما تصل إلى مرحلة التجانس الداخلي وتمتلك أدواتها الدبلوماسية والاقتصاد القوي، كان يمكنها حينئذ أن تمارس(3/40)
تأثيرها وأن تقوم بدورها. كان من الأهمية بمكان أن يتأكد موقع إيران في السياسة الدولية أولاً. لقد حصلت تركيا على الكثير من تنازلاتها وربما خضوعها للولايات المتحدة وإسرائيل في حين لم تجن إيران أي شئ من استقلالها. هذه الحقيقة توضح أن اللجوء إلى طرق الصراع قد تكون مكلفة، لذا على المرء أن يحاول مرة أخرى.
3-السياسة الخارجية الإيرانية منذ الثورة وحتى 1997 :
أ-الإطار النظري:
تشكلت الثورة الإسلامية في إطار اعتقاد بأن الثورة ستجتاح العالم الإسلامي بأسره. لذا، فإن إيران يمكنها أن تقود العالم الإسلامي أو المستضعفين في العالم لتضع نهاية للنظام القائم على الظلم والاحتلال والاستغلال والامبريالية. وقد اعتمدت في ذلك على استراتيجية لم يكن للقوى العظمى أن تتبعها, وفي السابق قام نابليون بونابرت وأدولف هتلر, اللذان لم يروقهما النظام القائم في ذلك الوقت بوضع سياسيات خارجية ثورية, وكان مقدراً لهما الفشل الذريع.
إن الفرق بين بونابرت وإيران الإسلامية يتضح في حقيقة أن كلاً منهما تحرك في إطار طموحاته, حيث اعتبرت إيران نفسها حامياً للعدالة وبالتالي انطلقت موجة عارمة من الدعم على المستوى الدولي, لكن الإيرانيين لم يدركوا أن القوى العظمى سوف تقود حملة إعلامية مناهضة لإيران, لم تستطع آلية العلاقات العامة الإيرانية أن تواجهها, لقد عملت إيران على أن تقود حركة دولية لنصرة المستضعفين في مواجهة المستكبرين, كان عليها أن تسرع بالاستجابة لكل مسلمي العالم وأن تمد يد العون والصداقة لكل الحكومات الثورية في العالم الإسلامي وتدعم الجماهير التي تعمل على الإطاحة بالأنظمة الفاسدة.
وهكذا, انقسمت الدول إلى قسمين : الأول, المستكبرون والثاني: المستضعفون.(3/41)
مجموعة المستكبرين تنقسم بدورها إلى قسمين : الأول يتكون من الدول التي لا تعمل على القضاء على الإسلام والثورة الإسلامية مثل السويد وسويسرا والتي من الممكن لإيران أن تقيم معها علاقات جيدة, أما الثاني, فهو يتكون من المجموعة التي تعمل على القضاء على الإسلام مثل أمريكا وبريطانيا, وبالتالي فسوف تناصبهم إيران العداء, لكن الحقيقة كانت شيئاً آخر, فعندما فرضت الولايات المتحدة العقوبات الاقتصادية على إيران, لم تعرها أي من الدول المستكبرة اهتماماً, في حين أن الدول المستضعفة من غير الدول الإسلامية مثل دول أمريكا اللاتينية, لم تهتم بكل المقولات الانسانية التي تشدقت بها طهران, أما الدول الإسلامية فكانت من أولى الدول التي ناصبت إيران العداء.
فالعراق الدولة المسلمة هاجمت إيران بدعم من كل الدول العربية فيما عدا سوريا وليبيا, وعلى الرغم من أن نظرية المستضعفين لم تكن سوى سراب, وأن الحرب العراقية الإيرانية قد أضعفت المشاعر الوطنية فإن السياسة الرسمية بقيت متمسكة بنفس الأسطورة, إن الرغبة في الإطاحة بالنظم الفاسدة قد أدت إلى وحدة هذه النظم في مواجهة إيران, ثم كانت الجهود العقيمة لتحرير القدس على رأس الأولويات التي تحولت من خلالها إيران إلى كبش فداء حتى يحصل البعض على قدر من التنازلات من الولايات المتحدة, الأكثر من ذلك امتلكت دول المنطقة الأسلحة الحديثة في حين عوقبت إيران بالحظر حتى تتوقف برامج تطوير الإقتصاد والصناعة.
ب-التأثيرات الحقيقية :(3/42)
كنتيجة لهذه التوجهات فقدت إيران قواعدها التقليدية والثقافية, فالهند التي كان من الممكن أن تكون حليفاً قوياً أصبحت عدواً حساساً, أما باكستان وهي دولة غير مستقرة بدون أية هوية, فقد نعمت بدعم إيران, وبعد عشرين عاماً, كانت النتيجة المتوقعة هي زيادة نفوذ السعودية في باكستان ومواقف في غاية الوحشية تجاه الشيعة وقتل للدبلوماسيين الإيرانيين في هذا البلد, هذا بالإضافة إلى مناهضة المصالح الإيرانية في أفغانستان, لقد كانت باكستان هي الدولة التي ساعدت طالبان على توليها السلطة في أفغانستان, وكانت السياسة الإيرانية التي توافقت مع الموقف الإيراني المهين في طاجيكستان ودول أخرى في وسط آسيا, قد ساعدت على فتور العلاقات مع هذه الدول وفتح الطريق للنفوذ الاقتصادي والثقافي التركي.
أما على المستوى الدولي, فقد واصلت إيران سياستها العدائية تجاه الولايات المتحدة, الأمر الذي جاء في صالح إسرائيل وتركيا ودولاً أخرى كثيرة, كانت تركيا قد فقدت أهميتها الإستراتيجية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي, وفي بحثها عن موقع جديد تستطيع من خلاله أن تحصل على دعم أمريكا, حاولت أنقرة ملء الفراغ الذي خلفته إيران, ووضعت قواعدها العسكرية تحت إمرة الولايات المتحدة وربحت من ذلك الكثير.
اما إسرئيل, فتحت دعاوى الخوف على نفسها من إيران, واستطاعت ان تسلح نفسها بأحدث نظم الأسلحة التي تستطيع استيعابها, في الوقت ذاته قام السعوديون والخليجيون بدعم علاقاتهم مع الغرب, وأصبحت دبي وأبو ظبي اليوم تبتلعان رؤوس الأموال الإيرانية حيث يذهب الإيرانيون لشراء سلع غربية بأسعار مضاعفة.(3/43)
وبعد سنوات الحرب حاولت إيران في صراعها مع أمريكا أن تستفيد من علاقتها بأوروبا, لكنها نسيت أنه على الرغم من الصراع القائم بين أوروبا وأمريكا, إلا أن الأولى لا تستطيع أن تتحرك باستقلالية كاملة عن الولايات المتحدة, فقد كانت العلاقات بين دول مثل ألمانيا وإيطاليا قد نمت في إطار المسموح به أمريكياً, أما روسيا واليابان والصين فهم لا يستطيعون مقاومة الإغراءات أو التهديدات الأمريكية, وكان من نتائج هذه التوجهات في عصر العولمة, أن خرجت إيران باقتصاد ضعيف, خالية الوفاض, فليس باستطاعتها أن تقاوم الصراعات الدولية وليست قادرة على ممارسة نفوذها داخلياً ضد الآثار المترتبة على العولمة.
الحل الوحيد لمشاكل الإيرانيين سواء الداخلية أو الخارجية هو العودة إلى منطق المصالح الوطنية والأمة الموحدة, إن قادة إيران عليهم أن يدركوا أن مصدر قوتهم يقبع في إيران نفسها, فكلما توحدت وتدعمت أواصر المجتمع الإيراني كلما ازداد النفوذ الوطني, إن الوحدة الوطنية واتخاذ مواقف في إطار المصالح الوطنية سيحمي الدولة.
ويرى مايكل إيشنستاد أن التحدي الذي يواجه السياسة الخارجية الإيرانية هو الصراع بين القومية الإسلامية والإسلام الدولي من ناحية, والقومية الإيرانية من ناحية أخرى لكنني أعتقد أن هذا الصراع يمكن تخطيه بقبول مبدأ الأولويات.
4-ما الذي تمليه الحقائق :
في بعض مراحل العمر قد ينحو بعض الناس باتجاه اتخاذ مواقف متطرفة, لكننا لا ندري إن كان ذلك سيصل بهم إلى بر الأمان, فلم ينسَ الناس بعد, جمال عبد الناصر وشعاراته الطموحة, لكننا نذكر أيضاً ديجول, الذي عندما فشل في الحصول على قنبلة نووية, فكر في المشاركة في قيادة العالم الحر مع الولايات المتحدة, وفيما بعد, قبل جورج بومبيدو القيادة الأمريكية وساعد في العمل من أجل بناء السوق الأوروبية المشتركة باعتبارها وحدة مستقلة عن فرنسا.(3/44)
فإذا استطاع الفرد أن يحسب نقاط قوته ونقاط ضعفه, فإنه سيرتكب القليل من الأخطاء, من هذه الزاوية فإن إيران تعد بلداً غنياً ثقافياً وتاريخياً ولديها حكومة وطنية مستقلة, هذه العناصر ستؤدي إلى دعم الهيمنة الوطنية, وإيجاد استقرار اجتماعي وثقافي ومكانة سياسية موجهة, إن إيران تملك أرضاً شاسعة وموارد غنية وموقعاً استراتيجياً يمكن من خلاله أن تصل إلى موقف سياسي محسوب و رؤية أوسع لاتخاذ موقع أفضل كقوة إقليمية مقارنة بدول مثل تركيا والسعودية وباكستان, لذا فإن إيران لا بد لها أن تعمل من أجل الوصول إلى أهدافها, مثل هذه السياسة تستدعي تأكيد إيران على نفوذها الثقافي والاقتصادي والسياسي كل على حدة, فحتى عام 1970 كانت كل الأبواب مغلقة في وجه سياسة إيرانية فاعلة, ففي الشمال قامت الستارة الحديدية وفي الجنوب كانت بريطانيا تقود دول الخليج (الفارسي), كما كانت مواقف العراق وأفغانستان غير واضحة, المجال الوحيد الذي كان متاحاً من خلال تركيا وباكستان وكلاهما كان موالياً للغرب.(3/45)
وقد أفسح رحيل بريطانيا المجال أمام النفوذ الإيراني العسكري والسياسي في الخليج (الفارسي) لكن قوة منافسة ظهرت وهي الناصرية التي اعتمدت على القومية العربية واتخذت موقفاً معادياً لإيران, وكانت استعادة العلاقات الدبلوماسية بعد وفاة عبد الناصر, قد ساعد في تخطي أزمة عنق الزجاجة بين الدولتين إلى حد ما, لكن أنظمة يسارية مثل تلك التي قامت في اليمن الجنوبي والبعث في العراق, كانت لا تزال قائمة, ومن جانب آخر كان هناك نوع من المنافسة الخفية بين إيران والسعودية أدت إلى نوع من تقسيم العمل, هذا التقسيم كان مطلوباً لتخفيف حدة التوتر, فقد كانت العلاقات بين إيران والعرب متوترة لقرون طويلة, وكان هناك تنافس – لا زال قائما – حول قيادة المنطقة بين الرياض ودمشق والقاهرة وبغداد, كما لا تزال هناك مشاكل حدودية وصراعات سياسية لا تسمح لطرف ثالث باتباع سياسة محددة ومستقرة فيما يتعلق بالعالم العربي.(3/46)
وهناك منطقة أخرى في ذات الأهمية وهي وسط آسيا, كان على إيران أن تنظر بجدية أكبر إلى مشاكل وسط آسيا, فهذه المنطقة تعد الساحة الطبيعية للنفوذ الثقافي الإيراني, وإن لم تعمل إيران بشكل متوازن فسوف تسقط المنطقة في أيدي أعداء أشداء, وقد كانت حكومة طالبان في أفغانستان نموذجاً لمثل هذه الأخطاء التي ارتكبتها إيران, ويعد هذا النموذج حقيقياً خاصة أن إيران محاطة بعدد من الأنظمة غير المستقرة مثل باكستان والعراق, وعلى إيران ألا تسمح لهم بمد نفوذهم إلى مناطق مثل آسيا الوسطى والقوقاز, إن جماعات القومية التركية تعد قوية وفاعلة في تركيا وتعمل على جذب المؤيدين من بين إيران وأذربيجان, بالإضافة إلى ذلك فإن التركيبة العملية لتركيا تفرض مخاطر شديدة باتجاه إيران فالأتراك يعانون أزمة هوية منذ انهيار الإمبراطورية العثمانية, فهم مترددون لا يعرفون إن كان عليهم الاتحاد مع الغرب أو مع العالم الإسلامي أو يميلون مع القومية التركية, إن دخولهم الناتو وتحالفهم مع إسرائيل قد يغريهم باللجوء إلى القوة للخروج من هذا المأزق, ويبدو أن باكستان تمر بنفس المأزق.
في مثل هذه الحالات يتعين على إيران أن تتعامل مع قوى أخرى خارج المنطقة, وهناك شائعات كثيرة حول التحالف الإيراني بين إيران والهند, والصين وروسيا, والحل الآخر الذي اقترحه البعض هو دعم الموقف الأوروبي في مواجهة أمريكا, فإذا ما تحالفنا معهم, فإن ذلك سيخلق نوعاً من الرابطة العضوية يمكن أن تحقق مصالحنا جميعاً.
الانتفاضة الطلابية في إيران
هل تكون بداية لثورة "شعبية"؟
يزيد المتوكل(1)
__________
(1) مجلة الشريعة (الأردن) أغسطس 2003 – العدد 452.(3/47)
هذا المقال يبين جانباً من الوضع الداخلي في إيران, ويوضح القمع الذي يُمارَس باسم الدين ضد الشعب الذي انخدع بشعارات الثورة الخمينية, إلا أن المقال –برغم ما احتواه من معلومات عن القمع والظلم- يسير وراء الرأي السائد بوجود معسكرين في إيران أحدهما إصلاحي معتدل والآخر محافظ متشدد, في الوقت الذي يرى آخرون أن الجناحين المشار إليهما هما وجهان لعملة واحدة.
الانتفاضة الطلابية المفاجئة التي عمت الشارع الإيراني في منتصف حزيران/ يونيو 2003, كانت أضخم بكثير وأشد خطورة على النظام القائم, بما فيه رئاسة محمد خاتمي المعتدلة, من تظاهرات تموز/ يوليو 1999 التي خلخلت جدار التشدد وأحدثت فيه ثغرات واسعة وعميقة, استطاع الاصلاحيون النفاذ منها لتسلم مقاليد الحكم الظاهرية, فيما استمر في حقيقته واقعاً تحت رحى جماعات قم والمدارس الدينية المتشددة التي ترفض إدخال أي إصلاحات على مفاهيمها القديمة, في الوقت الذي يشهد العالم أجمع انفتاحية جذرية في أسلوب وممارسات الحكم.
الطلاب في إيران؟
يمثّل الطلاب في إيران منذ 1979 قوة فاعلة كبرى, تدعم اليوم الرئيس محمد خاتمي. لكنهم يزدادون إحباطاً, مع الأيام, نظراً إلى تعثر الاصلاحات وتصفية المثقفين, على أيدي المتطرفين الدينيين من دون محاسبة, وغياب الوظائف للخريجين, الأمر الذي نشر البطالة في البلاد, بشكل غير مسبوق. ويتهم الطلابُ المحافظين في أجهزة الأمن والقضاء ومجلس الشورى بممارسة الضغوط والعنف, لفرض السيطرة الصارمة على الجامعات والمؤسسات والحياة, وأكد مدافعون عن حقوق الإنسان.. أن عشرات من الطلبة أعدموا بلا رحمة, في غير مناسبة وبدون محاكمة.
ملاحقات مستمرة!(3/48)
يلاحق أفراد "الباسيج".. وهم متشددون, الطلاب في جامعاتهم, ويعملون باستمرار على جذب الإصلاحيين إلى صفوف المحافظين, مستخدمين التهديد حيناً, والإغراءات أحياناً. وبدا المجتمع الإيراني منقسماً على ذاته, في كل المجالات: من ساحة الطلاب, إلى عنابر القضاء, إلى حوزات الدين, ووسائل الإعلام, وغيرها. وكثيراً ما تهاجم الميليشيات الإسلامية تجمعات الطلاب, التي تنادي "ليرحل المتطرفون من إيران" وهدد خامنئي" الإصلاحيين باللجوء إلى القوة المفرطة لمواجهة التوتر المتزايد في الجامعات, الذي بدأ رداً على حكم الإعدام بحق المثقف الاصلاحي "هاشمي آغاجاري", وقد أُعيد النظر في هذا الحكم, تحت الضغط الطلابي العارم.
النفق المظلم
رئيس الميليشيا "الباسيج" قال: إنه سيملأ الشوارع بالملايين من العناصر المتطرفة, ورد الإصلاحيون, على لسان جاسم شهيد زادة: "إذا كانت المسألة إنزال الشعب إلى الشارع, فنحن أيضاً قادرون على القيام بذلك".
ومن عادة الطلاب الثائرين على (الثورة الخمينية) أن يرددوا: "الموت للطغيان" و"إيران أصبحت فلسطين". وغالباً ما يهاجمون السلطة القضائية, والرئيس السابق "رفسنجاني". وذهب بهم اليأس إلى حد مطالبة "خاتمي" بالاستقالة, بعد سلسلة إخفاقات في تعديل القوانين لمزيد من الديمقراطية, أو في الحد من تأثير الميليشيات المتزمتة, والتي وصفها أحد الإصلاحيين بـ "المافيات السرية".
الحرية أو الموت(3/49)
طالما هتف الطلاب, وهم يُقاومون "أنصار حزب الله" و"الحرس الثوري" والأشباح الأخرى: "الحرية أو الموت", ولحظ عبد الله نوري (رئيس المجلس البلدي في طهران) أن المحافظين, ومنذ انتخاب "خاتمي" وهم يمارسون أعمال العنف ضد تجمعات الطلاب, وضد شخصيات تمثل الأفكار الجديدة.. الحوارية المنفتحة وتوجه الطلاب إلى "خامنئي" مرشد الجمهورية, بمجموعة أسئلة تشكك في سلطته, وأرسل الإصلاحيون رسائل يحذرون فيها من "ثورة جديدة" ويدعون المسؤول الأول في النظام إلى لجم الأصوليين, ومحاولة فهم التهديدات الأميركية الجدية, بعد الحرب على العراق. وكانت ردات الفعل مزيداً من التشدد والتوعد, سواء بالنسبة إلى إصلاحيي الداخل, أو بالنسبة إلى المتغيرات الدولية والإقليمية!
استقالات احتجاجية
كرر الطلاب المتظاهرون, وهم يحملون صور الرئيس خاتمي: "أنصار حزب الله ارتكبوا جرائم والمرشد يؤيدهم". ومعروف أن رئيس جامعة طهران, ومدراء 18 كلية في الجامعة, كانوا قد قدموا استقالاتهم احتجاجاً على القمع الذي تعرض له الطلاب في طهران ومشهد وأصفهان وتبريز وغيلان, وغيرها.
ومن عادة "الباسيج" تكرير ما يقوله "طالبانيو إيران" عن كون الانفتاح والحوار, بإزاء الغرب, يعنيان الإرتهان للخارج, وعلى الثورة (الإسلامية!) أن تتخلص من أعداء الداخل الراغبين إلى تغيير في مسارات الثورة (الخمينية). ومن هنا العبثية الإيرانية واستحالة تحقيق الإنجازات والإصلاحات داخل الدولة والنظام, خصوصاً بعد الحملة الشرسة التي شنها التيار المحافظ لإسقاط مشروع قانون تحديد صلاحيات رئيس الجمهورية الدستورية, وتعديل قانون الانتخابات.
نظرية المؤامرة!
إن أبرز ما شغل الطلاب, منذ عامين, تمثل في الأمور التالية: عمل مراكز القوى غير المُنتخبة, أهلية النظام وإمكان إصلاحه تغيير الدستور, العلاقة مع أمريكا, النظام السياسي المطلوب.(3/50)
ولكن, كل اجتهاد فكري, إصلاحي, عقلاني, خارج حدود رجال الدين, يوصم بأنه حركة "مخدوعة من قبل أمريكا" وقد شكا "رفسنجاني" في إحدى خطبه, من الإفراط في الأسئلة, التي يطرحها الشباب, لشعوره بأن النظام لا يملك دائماًَ أجوبة عليها! وفي إيران اليوم فئات طلابية ثلاث: أولى تقبل بالسلطة الدينية وتؤمن بولاية الفقيه وبالنظام السياسي القائم, وثانية لا تعترف بالنظام, وثالثة إصلاحية تنتقد السلطة السياسية وتتطلع إلى مستقبل علماني.
ما بين الأمس واليوم
لقد كان شعار رفض الأجنبي هو السائد بين الطلبة, عندما احتلوا السفارة الأميركية في طهران, لكن سرعان ما صدموا عندما غيّرت السلطة سياستها الخارجية, حيال الغرب, ودول على علاقة متينة بالولايات المتحدة, وعندما نشأ حوار بين إيران وأمريكا, ونما كثيراً, في السر خصوصاً, بعد سقوط (طالبان) في أفغانستان.
وتضم الفئة المتعاطفة مع النظام الديني: "الجامعة الإسلامية للطلبة", "الجمعيات الإسلامية للطلبة الجامعيين", "الباسيج الطلبي", أما الذين لا يعترفون بالنظام السياسي فمعظمهم من المثقفين المنفصلين عن نظام الجمهورية الإسلامية, إضافة إلى القوى الطلابية الجديدة المنتمية إلى الأوساط الفكرية والثقافية, العلمانية والإسلامية ويضم القسم الثالث الطلبة الجامعيين العاملين تحت شعار الديمقراطية والحرية, ويُعرفون بتيار الثاني من خرداد (وخرداد هو الشهر الإيراني الذي انتخب فيه "خاتمي" للرئاسة الأولى عام 1997) ويطالب هؤلاء بإطلاق السجناء, وحرية التعبير, وبحرية المطبوعات, ويريدون حرياتهم الثقافية, وحق الاجتماع وإلقاء المحاضرات وممارسة النشاطات الفكرية مهما كان لونها, كما ألحّوا دائماً على حظر دخول قوى الأمن إلى الجامعات, والسماح للطلاب بالتحرك في مجالات السياسية والاجتماع.
مجابهة.. مجابهة...(3/51)
غالباً ما اتبع الإصلاحيون الطرق القانونية في عرض مطالبهم لكنهم جوبهوا دائماً بالقمع من جانب الميلشيات وأجهزة الأمن والقوات الحكومية المتمركزة في الجامعات وآخرها كان هجوم 1999, ثم تكرر في غير مناسبة, وبدا أن الزمان لم يعمل لصالحهم بعد الحرب على الإرهاب, واعتبار إيران محوراً للشر, وتهديد "خامنئي" بإقصاء مسؤولين يدعمون الليبراليين ويشجعون الانفتاح على الأمريكيين, أضِف أن المحافظين نجحوا في شق مكتب تعزيز الوحدة (المؤسسة الطلابية), وفي زعزعة التوافق الداخلي فيه, وبالتالي اختراقه, والتمكن من الفوز في مدينة شيراز (جنوب إيران), حيث انسحب الإصلاحيون ومع أن وزير العلوم والبحث والإبداع, اعترف بقيادة التيار الإصلاحي للحركة الطلابية, فإن التيار المحافظ يملك السلاح والقوة, في مقابل الكلمة الحرة التي يملكها الآخرون.
تكميم الأفواه وكسر الأقلام
عندما حملت "الطروحات الإصلاحية" محمد خاتمي إلى كرسي رئاسة الجمهورية, استبشر أرباب الصحافة وأصحاب الفكر, واعتبروا "نجاح" خاتمي بمثابة الانتصار للشعب الإيراني المتعطش للحرية والديمقراطية.(3/52)
بيد أن أعضاء "جمعية الائتلاف الإسلامي" وهي جمعية دينية-سياسية تحكم إيران من وراء الكواليس وتسيطر على كل الجهاز المتشدد بمن فيهم المرشد "علي خامنئي" نفسه, شمّروا عن سواعدهم لصد أية رياح للحرية الفكرية يمكن أن تهب على إيران, فعمدوا إلى إغلاق العديد من الصحف ذات النهج الليبرالي وزجّوا بكتّابها في السجون, حتى أن الحملة لم توفر صحيفة "زان" التي تملكها النائبة فائزة رفسنجاني (الابنة الصغرى للرئيس السابق هاشمي رفسنجاني), فلقد أغلقت الصحيفة وقدمت نائبة طهران "فائزة رفسنجاني" للمحاكمة لأنها تجرأت على نشر سطرين من رسالة وجهتها الأمبراطورة "فرح ديبا" إلى الشعب الإيراني لمناسبة رأس السنة الإيرانية (في 21/4/1999), وفي هذه الرسالة عبّرت "فرح ديبا" عن قناعتها بانتصار الشعب وخصوصاً الشباب الإيراني!!!
بل ونشطت "ماكينة" المحافظين في محاولة تشويه صورة النائبة رفسنجاني, فقامت الصحف التابعة للتيار المتشدد بالادعاء, بأن السيدة "فائزة رفسنجاني" استغلت إحدى زياراتها للقاهرة للصلاة على قبر الشاه في مسجد الرفاعي! واضطرت ابنة رفسنجاني لتصحيح المعلومة مشيرة إلى أنها لم تقم سوى بزيارة للمسجد الكبير في القاهرة ضمن برنامج رسمي.
هذا غيض من فيض مما نال أرباب الفكر وأصحاب الصحافة من جور التيار المتشدد.
تأخذهم العزة بالإثم!
وعودة إلى موضوع "انتفاضة الطلبة" وتداعياتها, فقد أفادت الأنباء بأن قاضي طهران "سعيد مرتضوي" نقل مكتبه إلى مقر استخبارات السلطة الفضائية داخل سجن (آيفين), بعدما كلفه مرشد الثورة "علي خامنئي" بمعاملة الطلبة المحتجين على (حكم رجال الدين) بقسوة.
وكان "مرتضوي" قد عين قبل فترة وجيزة مدعياً عاماً لطهران, وسط احتجاج العشرات من القضاة الذين يعتبرونه غير مؤهل لتولي منصب قضائي هام كهذا.(3/53)
"مرتضوي" انتقل إلى نفس الغرفة التي كان يجلس فيها أسد الله لاجوري المدعي العام الثوري المعروف الذي أغتيل قبل أربعة أعوام على أيدي حركة "مجاهدي خلق" انتقاماً لدوره في حملات الإعدام التي طالت عشرة آلاف شخص بين العامين 1981-1989.
وفي خرق للدستور الإيراني الذي يلزم القضاء بالإفراج عن المعتقلين بعد 24 ساعة من حبسهم, أو توجيه اتهام محدد إليهم بحضور محاميهم... أمر "مرتضوي" بمواصلة اعتقال ما يزيد عن 390 طالباً ومتظاهراً ممن اعتقلوا خلال المظاهرات التي بدأت في طهران وتوسعت رقعتها ووصلت إلى مدينة "قم" العاصمة الدينية لإيران ومركز الثورة الخمينية قبل 25 عاماً.
ومما تجدر الإشارة إليه بأن سكان مدينة (همدان) يعيشون أجواء متوترة منذ أكثر من خمسة شهور, عقب صدور حكم إعدام الدكتور هاشم آغاجري (المفكر والأستاذ الإسلامي) بسبب خطاب ألقاه للطلبة في (همدان) أعلن فيه أن الشعب الإيراني ليس قرداً كي يقلد من يعطي لنفسه لقب "مرجع التقليد", وانطلقت المظاهرات الصاخبة في جامعة بوعلي, ردد خلالها الطلبة شعارات عنيفة المضمون ضد "الولي الفقيه".. أي "علي خامنئي" ورجال حكمه, كما طالبوا "محمد خاتمي" بالاستقالة لنزع "ورقة توت الشرعية عن جسد النظام المتعفن".. حسب إحدى الشعارات.(3/54)
وخلال انتفاضة الطلبة, قام حوالي 150 من أنصار "حزب الله" مدعومين من قبل عناصر الفيلق الخاص (الكوماندوس) للحرس الثوري, بمهاجمة المجمع السكني لطالبات جامعة (تبريز), وتعرضت الطالبات لممارسات عنيفة.. حسب ما جاء في كلمة النائبة "فاطمة حقيقت" أثناء الجلسة العلنية لمجلس الشورى الإسلامي (البرلمان), التي وصفت أعمال أنصار "حزب الله" بأنها كانت أسوأ من جرائم جنكيز خان وجيشه, وقالت النائبة وسط ضجيج نفر من أعضاء تكتل النواب المحافظين: "لقد شرح لنا بعض الطلبة الأعمال الوحشية التي قام بها بلطجية أنصار حزب الله والأوباش الذين كانوا يضربون الطلبة ويطعنونهم بالسكاكين ويرددون: يا حسين يا زهراء... لنحول الجامعة إلى كربلاء!!!
التقية.. في السياسة
في وقت سابق من العام المنصرم 2002 عمدت إيران –بحذر- إلى المس بعقيدة ولدت مع ولادة الجمهورية نفسها, إذ أعلنت رسمياً أنها لا تعارض تعايش دولتين فلسطينية وإسرائيلية.. مدفوعة إلى ذلك بقلقها من أن تجد نفسها معزولة بفعل حرب ضد العراق.
لقد قال الناطق باسم الخارجية الإيرانية (يوم 16/10/2002): "نؤمن بدولة فلسطينية ولكن إذا اتفق الفلسطينيون والإسرائيليون على حل آخر فلن نعارض, بل سنوافق على مشاركة اليهود الإسرئيليين في تقرير مستقبل المنطقة".
إن هذا "التليين" في الموقف الإيراني ليس هو الوحيد أو الأخير فها هي طهران تتقزّم أمام تهديدات أمريكا التي سبق ووصفها "الخميني" بالشيطان الأكبر, وقال بأنه تجرع السم عند قبوله قرارات الأمم المتحدة بوقف الحرب ضد العراق, أفليس عجيباً –اليوم- أن يصبح شرب السم –عند خلفاء الخميني- مثل شربة الماء.
في المقابل فإن الإدارة الأميركية تصف إيران بأنها أحد أضلاع محور الشر, ومخاوف أمريكا من إيران ترجع إلى أمور رئيسية ثلاث:(3/55)
أولها الخوف على إسرائيل من المفاعل النووي الإيراني في منطقة "بوشهر", وثانيها تورط إيران في دعم جماعات عراقية "شيعية" متطرفة لاستلاب الحكم وجعله صورة عن مثيله في إيران, وثالثها إيواء جماعات إسلامية متشددة تابعة لتنظيم "القاعدة".
تصدير الثورة
لقد استبشر العرب خيراً في ثورة 1979 التي أطاحت بالشاه, وتوقعوا أن تبني الجمهورية الإيرانية أحسن العلاقات مع الدول العربية, وانتظروا بادرة حسن نية في حل قضية الجزر الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى) بإعادتها لدولة الإمارات العربية المتحدة, بعد أن جرى اغتصابها في زمن العهد البائد(1), وكذلك معاملة العرب "السنة" في إقليم عربستان "الأحواز" بالحسنى إن لم نقل إعطاء هذا الإقليم المسلوب استقلاله.
بيد أن الحكام الجدد أبقوا على التعسف الذي كان, وزادوا عليه التدخل في شؤون الدول العربية ومحاولات زعزعة الاستقرار فيها, لا سيما دول الخليج, من خلال ما عرف بشعار تصدير الثورة.
وإن الحديث في هذا المجال يطول ويطول وينكأ الجراح سيما أن ذكرت الشواهد, وهي كثيرة, وقد انكوى بنار المخابرات الإيرانية أكثر من قطر عربي, وتعرضت تركيبته الاجتماعية للقلاقل والاضطرابات منهم.
واليوم.. تتعرض إيران لحملة إعلامية قد تليها هجمة عسكرية من قبل الولايات المتحدة والدول التي ستتحالف معها, فحري بالجمهورية الإيرانية أن تتخلص من كل الذرائع التي جعلتها في مرمى سهام الاتهامات.
الانفجار... آت
__________
(1) تم احتلال هذه الحزر وغيرها من الأراضي العربي سنة 1971, وأعادت إيران في ظل الثورة احتلالها سنة 1992, وحتى الآن! –المحرر-.(3/56)
إنها حالة إيرانية قابلة للانفجار, ولا سيما في أوساط الجيل الجديد, الذي لم يعد يثق بما قدمته (الثورة) بعد سقوط الشاه, عام 1979. فالجيل الأول أسقط الشاه, وأقام النظام الديني بواسطة العنف والسلاح, وجاء الجيل الثاني في ظل الحرب العراقية-الإيرانية (1980-1988) وسط 270 ألف جثة و50 ألف جريح في الجانب الإيراني, وهو مُحبط, خائب, يائس. أما الجيل الثالث فيتراوح عمره ما بين 16 و 30 سنة, فهو نشأ وكبر في ظل نظام حكم (الملالي), ويزيد عدد المنتمين إليه عن 18 مليوناً, مليونان في الجامعات و4 ملايين لم يُكملوا دراساتهم الجامعية, ومعظم هؤلاء لا يُحبّذ (ولاية الفقيه) وليس معجباً برجالات الدين الذين يديرون سياسة البلاد بشكل لا يتفق مع الديمقراطية.
ويقول المراقبون: إن الجيل الثالث, هذا, هو الذي يقرر مستقبل البلاد, وهو يُعاني اليوم.. البطالة والعزلة, ويرغب في الانفتاح على العالم الخارجي.
إن هذا الجيل لا يستعدي الدين, لكنه غير راغب في لعب دور الغنم. وهذا الأمر كان أشار إليه الإصلاحي "هاشم أغاجاري" عندما نصح بعدم السير وراء (الملالي) بشكل أعمى. وهذا الجيل ينقل إيران إلى مزيد من الليبرالية, وإلى أضعاف الثيوقراطية. ولكي يتم له ذلك لا بد من أن يواجه التطرف بالحكمة والوعي, مستفيداً من المتغيرات الدولية والإقليمية, فهل ينجح؟ أم أن التيار المحافظ مقدم على تطبيق شعار "عليّ وعلى أعدائي".. ومهما كانت النتائج؟
لقد نصح 163 نائباً, ومعهم أكثر من مئة مثقف, ومدرس حوزة, وصحافي, وكاتب.. نصحوا مرشد الثورة الإيراني علي خامنئي بترك سياسة القمع, واحترام آراء الـ 20 مليون الذين انتخبوا محمد خاتمي والعمل على ردع الخطر الأميركي, باعتماد نظام قائم على الحرية والديمقراطية, وحسن الجوار مع الآخرين بدلاً من سلبهم أراضيهم وحقوقهم.
ولكن..... هل نقول يوماً: على نفسها جنت براقش؟!
المرجعية الشيعية في إيران والعراق
(الماضي والحاضر)(3/57)
رسول جعفريان(1)
يلقي المقال الضوء على تطور المرجعية لدى الشيعة, والصراعات التي تنشب في إطارها بين الحين والآخر, ويعرض كاتب المقال –وهو شيعي إيراني- لعلاقة المراجع والحوزة بالأنظمة الحاكمة, وعلاقاتهم بالمواطنين, وكيف أنهم يلجأون إلى التلاعب بفتاواهم من أجل كسب المزيد من الأنصار.
وفي الجزء الأخير ينبه إلى الظروف الدولية الحالية التي تساعد على انتشار المد الشيعي, وضرورة الاستفادة منها لنشر المذهب الشيعي, وهو الأمر الذي ينبهنا إلى أن فكرة تصدير الثورة ما زالت حاضرة في وجدان الشيعة وفي تفكيرهم.....................المحرر.
تعتبر المرجعية الدينية في إيران والعراق من القضايا التي حظيت باهتمام المفكرين والعلماء المسلمين. وحقيقة الأمر أن مذهب التشيع قد انتقل في القرن الأول والثاني من العراق إلى إيران, ففي القرن الثاني كانوا يطلقون على قم الكوفة الصغرى, وفيما بعد أصبحت قم رويداً رويداً مركزاً علمياً هاماً, وكانت مدينة الري هي المركز التالي, لكن ظهر مرة ثانية كبار مراجع الشيعة في بغداد ثم في النجف.
وقد جمع الشيخ الطوسي المتوفى عام 1039م والذي كان يعيش في البداية في العراق ثم انتقل إلى النجف شمل المرجعية الشيعية, فقد كان تلاميذه متفرقين في كل مكان, ثم تولى بعده ابنه أمر هذه المرجعية, وفي ذلك الوقت كان الشيعة الإيرانيون يذهبون للدراسة في النجف ثم يعودون إلى مدينة الرى, ومنها يتم ضخ الدماء الجديدة في جماهير الشيعة الإيرانيين, وقد كانت مدينة الرى واقعة تحت السيطرة العلمية لمدينة النجف وذلك حتى القرن الحادي عشر الميلادي.
__________
(1) مختارات إيرانية – العدد 37 اغسطس 2003 / نقلاً عن بازتاب (صدى) 8/7/2003.(3/58)
وفي القرن الحادي عشر الميلادي عرفت رويداً رويداً مدينة الحلة كمركز للشيعة, ويرجع الفضل في تمتع الحلة بصفة المرجعية التقليدية للمحقق الحلي ثم خلفه العلامة الحلى, وقد كان للعلامة الحلي تلاميذه من الطلبة الإيرانيين الذين كانوا يروجون كتبه الفقهية في إيران, وهكذا ظلت مدينتا الحلة والنجف مركزاً للتشيع الفقهي حتى عصر الصفويين.
الصفويون والقاجاريون:
ومع بداية العصر الصفوي وهجرة الفقهاء العرب تدريجياً إلى إيران حظيت إيران بالمركزية الشيعية, لكن الأمر استغرق قرناً من الزمان حتى تحولت أصفهان إلى قاعدة للتشيع والمرجعية, وفي هذا الوقت لم تكن أهمية النجف تقارن بأهمية أصفهان.
وقد أدى انتهاء العصر الصفوي واضطراب الأوضاع في إيران إلى انتقال المرجعية مرة ثانية إلى العراق, وكان السبب الرئيسي وراء هذا الانتقال هو وجود العتبات المقدسة, وكان من الطبيعي أن تجتذب العراق الطلاب والعلماء.
وفي العصر القاجاري تم تقسيم المرجعية بين العراق وإيران, وحتى عهد ميرزا شيرازي, كانت هناك إمكانية الاستفسار الفقهي عن المرجعية المطلقة, لكن بعد ذلك أصبح من الصعوبة بمكان الحديث عن المرجعية المطلقة, وكان المراجع المحليون موجودين حتى نهاية العصر القاجاري. لكن على أية حال كانت المرجعية قد أصبحت متمركزة في العراق خلال العصر القاجاري, وربما لم يوجد مرجع ذا أهمية في إيران بعد ميرزا قمي الذي كان فقيهاً من الطراز الأول وظل الأمر كذلك حتى عهد آية الله بروجردي.
وكان صاحب الجواهر والشيخ الأنصاري وميرزا شيرازي ثم المرحوم آخوند خراساني وسيد أبو الحسن الأصفهاني قد استقر بهم المقام في النجف, وكان يوجد عدد قليل من المراجع المحليين في المدن الإيرانية.(3/59)
واستمر هذا الأمر حتى بعد وفاة آية الله الأصفهاني إلى أن عرف آية الله بروجردى كمرجع في إيران, وظل صاحب المرجعية المطلقة حتى عام 1340, وكان هذا بعد حوالي قرنين من الزمان على خروج المرجعية من إيران, ويعد هذا الأمر تطوراً هاماً بالنسبة للأخيرة.
وبعد وفاة آية الله بروجردي, عمل الشاه على أن يوجه الشعب نحو آية الله حكيم الذي كان في العراق, وكان هناك في النجف مراجع آخرون أيضاً, لكن عمل عدد من صفوة الطلاب في قم على أن يحافظوا على المرجعية كأداة لمواجهة الشاه في إيران.
العرب والعجم:
وكان الجدل على أشده في هذه الفترة بين العرب والعجم, وكان الشاه يعمل على إذكاء هذا الجدل, وأدى هذا الأمر إلى أن يصر الإيرانيون على أن تكون لهم مرجعية إيرانية, ومن المؤكد أنه بسبب صغر سن الأشخاص الإيرانيين الذين كانوا مرشحين للمرجعية لم يصل أحد منهم إلى حد المرجعية المطلقة, وكانوا عدداً كبيراً إلى حد ما, ولم يتهيأ المجال للتركيز على شخص واحد, وكان كثير من الشعب يقلد مراجع النجف, خاصة وأن أحد المراجع الذي كان مطروحاً في هذا الصدد, أي آية الله الخوئي كان يقيم في النجف وهكذا كانت النجف تتمتع بأهمية خاصة لدرجة أن حلقة درس آية الله الخوئي كانت تضم عدداً كبيراً من الطلاب والفضلاء, حتى أنه كان يتصور أنه أعلم من المراجع الموجودين في قم, ومن المؤكد أن الطلاب كانوا يلعبون دائماً الدور الأول في انتشار المدارس الفقهية.(3/60)
ومع بداية الثورة الإسلامية وتولي الإمام الخميني منصب الزعامة, ترسخت مرجعيته بشكل قاطع في إيران, لكن رجال الدين التقليديين الذين كانوا يمثلون آية الله الخوئي مع بعض المراجع المحليين, مع أنهم واقعون تحت الضغط, قد قاوموا في كثير من الأحوال تلك التطورات, وتشهد قوافل حج العشرة المباركة بعد الثورة أن 90% من الزائرين كانوا من مقلدي الإمام الخميني, وفي هذه الفترة كانت معارضة آية الله الخوئي بين الثوار واسعة النطاق وقد ظل الشعب المتأثر بالثورة واقعاً تحت هذا التأثير.
من المؤكد أن الحرب قد زادت من اتساع الهوة بين إيران والعراق, ومما لا شك فيه أن مقلدي آية الله الخوئي لم يعيروا هذه الهوة أي اهتمام, لكن كان واضحاً أن هذه الهوة كانت آخذة في الازدياد.
جذور إيرانية:
وفي هذا الوقت حدث تطور آخر في العراق وهو أن المراجع الذين كانوا في العراق كانوا بالأساس ذوي جذور إيرانية, وقد عمل حزب البعث بعد آية الله الخوئي على أن يقضي على المرجعية الإيرانية التي كانت قائمة في العراق, وقدم مرجعاً عربياً يدعى سيد محمد باقر الصدر وكان يوجد معه مراجع آخرون مرشحون للمرجعية بعد آية الله الخوئي من بينهم آية الله سيد مرتضى بروجردي, ميرزا علي غروي, بهشتي, وسيستاني.
الخوئي والسيستاني:(3/61)
وفي العقد الماضي توجه المقلدون والأتباع التقليديون لآية الله الخوئي ومدرسة النجف إلى خليفته, أي آية الله سيستاني, وفي هذا الوقت توفي آية الله كلبايكاني وآية الله آراكي اللذان كانا يعدان آخر حلقة في حلقات المراجع الإيرانيين بعد آية الله بروجردي, وأصبح الطريق ممهداً أمام المراجع التاليين, وقد طرح بعض هؤلاء المقلدين وبتوجيه عدد من رجال الدين التقليديين الذين كانوا يريدون أن تكون المرجعية في داخل إيران, اسم سيد محمد روحاني تلميذ آية الله الخوئي الذي كان يقيم في قم, والواقع أنه في هذا التوقيت طرح نوع من الاختيار بين إيران والعراق, ومن المحتمل أنه كانت هناك أسباب سياسية لذلك, ومع وفاة سيد محمد روحاني توجه هؤلاء الأشخاص أيضاً إلى آية الله سيستاني.
ومما لا شك فيه أنه مع وفاة آية الله كلبايكاني وآية الله آراكي ولأنه لم يكن هناك مرجع قوي داخل إيران فقد تهيأ السبيل إلى حد ما لانتقال المرجعية من إيران إلى العراق, وفي هذا الوقت ومع تقديم ثمانية وجوه مرة واحدة من جانب جمعية مدرسي قم فقد حدث ثراء في المرجعية الداخلية خاصة وأن كل الأفراد كانوا معروفين في إيران.
وعلى الرغم من نشاط مكتب آية الله سيستاني في إيران واجتذابه عدداً من القوى المتدينة التقليدية فقد زاد تدريجياً عدد المقلدين لبعض المراجع في قم, وتوجه عدد كبير إلى آية الله تبريزي وخاصة آية الله فاضل وصافي الذين كان لهم وجود مشرف في الأعمال الثورية والحكومية, وتوجهوا أيضاً إلى آية الله مكارم. وإلى جانب المكانة التقليدية لهؤلاء المراجع, توجه عدد كبير من مؤيدي الثورة الإسلامية في الداخل والخارج إلى زعيم الثورة كمرجع لهم.
وقد ظل الوضع قائماً حتى احتلال العراق والقضاء على صدام, والأهم من كل هذا أن المرجعية المطلقة لم تتبلور لا من مراجع العراق ولا من مراجع إيران.(3/62)
ثمة نقطة جديرة بالاهتمام في هذا الصدد, وهي أن النجف على مدى الثلاثين عاماً الماضية كانت تستفيد من ثرائها السابق, وكانت قد فقدت شخصين أو ثلاثة تقريباً من هذا الرصيد الذي كانت تملكه, والواقع أن الأشخاص الذين كانوا في مرتبة المرجعية كانوا قلة قليلة, ومن بين المراجع الأساسيين في العراق اليوم يمكن ذكر آية الله سيستاني وآية الله حائري وآية الله مدرسي, ومع هذه الحالة فإن مستقبل مرجعية النجف غير واضح, فعلى مستوى العلماء الفضلاء قتل عدد كبير وهاجر آخر إلى بلاد أخرى, بينما عاد عدد محدود من هؤلاء الذين خرجوا من العراق, وقد أصبح عدد الطلاب بسيطاً جداً, ووضح أنه لا يمكن بسهولة إعداد طلبة متميزين, وعقد الأمل على أن يخرج من بينهم مرجع, والواقع أن النجف تستطيع بمفردها ويجب أن تعتمد على ماضيها في أن تضع برنامجاً لإعادة بناء نفسها على مدى عقدين أو ثلاثة عقود من الزمان.
المكانة التقليدية للمرجعية الشيعية:
بلورت وطورت المرجعية الشيعية مكانتها في المجتمع الشيعي على مدى فترة من الزمان تصل إلى 1200 عام, وإذا لم نقف على حقيقة هذا التطور, فلن يكون بالإمكان الوصول إلى الجذور الأساسية لهذه المكانة أو التخطيط لها مستقبلاً.
الاجتهاد والمجتهد:
ربما يعد أهم منعطف في هذا الملف هو الرؤية التي تطرح بخصوص موضوع الاجتهاد والتقليد في الفقه الشيعي. وهذا الأمر على الرغم من أن له أصولاً في النص القرآني والأحاديث النبوية, لكن قام العلامة العلي المتوفى عام 1305 بوضع النظرية التي أصبحت أساساً للتطبيق, وطبقاً للضوابط التي وضعها تحول مفهوم الاجتهاد والمجتهد والذي كان على مدى عصور طويلة غير مستساغ إلى مفهوم مقدس, وكان من المتعين على المقلدين اتباعه.(3/63)
لم تكن هذه التبعية في الجوانب العلمية فقط, بل إنها وطبقاً للمبادئ التي تم الاتفاق عليها فيما سبق بخصوص نيابة المجتهد عن الإمام المعصوم اتخذت الجانب الأكثر عملياً, النقطة الأهم تتمثل في أنه لا يجب فقط على المقلد أن يتبع المجتهد بصفة عامة, بل إنه يجب أن يعمل برأي وعقيدة المجتهد, وقد أدى هذا الأمر إلى أن تصبح العلاقة بين المجتمع الشيعي والمجتهد أكثر قوة.
أما المنعطف الثاني فهو التطور الذي حدث في العصر الصفوي, ففي بداية هذا العصر وضع المحقق الكركي المتوفى عام 1519 أسساً جديدة لإحداث تطور في مكانة المرجعية الشيعية في المجتمع الشيعي وربما كانت هذه هي الخطوة الأولى لبحث إقامة صلاة الجمعة التي وطدت مكانة المجتهد كنائب عن إمام الزمان "ع" على مستوى المجتمع, لأنه منذ القدم كان شرط إقامة صلاة الجمعة هو استئذان الإمام المعصوم, وكان هذا الأمر في عهد الغيبة هو من اختصاص المجتهد.
وبالإضافة إلى المحقق الكركي الذي كان يتبع مدرسة الحلة طرحت مسألة ضرورة اتباع وتقليد المجتهد الحي من قبل فقهاء مثل الشهيد الثاني المتوفى عام 1544.
وفي نهاية العصر الصفوي تم استحداث لقب "مجتهد الزمان" وكان يستخدم بدلاً من آية الله العظمي, وكان المقصود به الشخص الذي ينوب عن الإمام. وفي العصر الصفوي أيضاً وبشكل عملي تم وضع وتحديد المناصب الدينية بالنسبة للعلماء, وقد أصبحت هذه المكانة أكثر قوة.
عودة المرجعية إلى العراق:
وفي العصر النادري الأفشاري ومع الاضطرابات التي وقعت في هذا العصر حدث تغيير في الأوضاع الدينية الجارية في المجتمع الشيعي, فقد تحولت المرجعية من إيران إلى العراق, وترتب على ذلك أن انفصل واستقل المجتهدون عن الحكومة.
تمويل الحوزات:(3/64)
النقطة الأهم هو أنه منذ ذلك الوقت وما تلاه أصبح مصدر تمويل المجتهدين والطلبة لا يعتمد على الأوقاف, بل حل محلها وبشكل جاد سهم الإمام وكان هذا المصدر مستقلاً, قبل ذلك كان يتم تأمين دخل العلماء من الدخل الذي كان يحصل عليه الصفويون نتيجة لاستيلائهم على دخول الأوقاف, وفي النصف الأول من العصر القاجاري توقف هذا الدخل وحل محله بشكل فعلي سهم الإمام, ومنذ ذلك الوقت والحوزات العلمية تدار من خلال ميزانية مستقلة ليس للحكومة أي نوع من السلطة عليها.
وفي نهاية العصر القاجاري ومع كل هذه العلاقات التي كانت بين المرجعية والحكومة كان هناك مبدأ هام هو أن المرجعية ترتبط ارتباطاً مباشراً بجماهير الشعب. من المؤكد أنه بسبب التعارض الذي حدث بين مصالح طبقات الشعب المختلفة وخاصة طبقة دافعي سهم الإمام والحكومة القاجارية التي تتحرك باتجاه منح الامتيازات للأجانب, مما يؤثر سلباً على الاقتصاد الوطني, اتسعت الهوة بين رجال الدين والحكومة.
وقد ازدادت هذه الهوة اتساعاً مع بدء تيار الحداثة في المطالبة بالحياة النيابية, لأنه في هذه المرة لم تمنح الحكومة امتيازات اقتصادية للدول الأجنبية فقط, بل إنها عملت على الترويج للعادات والتقاليد والثقافة الجديدة التي هي من وجهة نظر العلماء غير دينية.
ومن هنا كان لجوء رجال الدين إلى الشعب قد اتخذ شكلاً أكثر وضوحاً, وفي المقابل لم يجد معارضو الحكومة والحداثة أيضاً ملجأ إلا رجال الدين, ولم يكن هؤلاء المعارضون من بين المثقفين, بل كانوا من بين عامة طبقات المجتمع والتجار الذين كان انفصال أبنائهم عن رجال الدين يتزايد يوماً بعد يوم.
عهد رضا خان:(3/65)
وكان عصر رضا خان هو قمة الانفصال بين رجال الدين والحكومة, فكان التشدد الذي يمارس مع رجال الدين سببه المساوئ التي حاقت برجال الدين على مدى فترة طويلة, ومن ناحية أخرى, أصبح الظلم الذي جعل الطبقة المظلومة تنتفض وتحدث تغييراً وتطويراً في إيران في صالح هذه الطبقة بعد ذلك.
ومع ذهاب رضا خان أصبح هناك متنفساً, فأعلن رجال الدين مرة ثانية عن نشاطهم, الأهم من كل هذا أن المرجعية كانت قد عادت إلى إيران واستأنفت قم نشاطها, وتمكنت من الاستفادة من الإمكانات الجديدة الموجودة بين جيل الشباب والتي لم تستطع الحكومة البهلوية الاستفادة منها, وكان المثقفون غير الدينيين أيضاً قد عجزوا إلى حد كبير عن استغلال هذه الإمكانات.
وقد أدى فشل البرامج الإصلاحية الغربية إلى تبلور نوع من الحركة المنادية بالعودة إلى الذات التي كان يتولى زعامتها أكثر طبقات المجتمع تقليدية وهم رجال الدين, وفي هذه الفترة تواءمت المرجعية وإلى حد كبير مع هذه الأوضاع. فرجال الدين هم الذين كانوا حلقة الوصل بين المرجعية والشعب ولعبوا دوراً أساسياً في هذا الصدد.
ومع انتصار الثورة الإسلامية فإن المرجعية التي كانت قد عملت على مدى 37 عاماً على استعادة مكانتها حصلت على هذه المكانة بدعم الشعب الذي تجاوز الحكومة البهلوية والتيارات التابعة لها, ومن المؤكد أنه مع طرح وجهات نظر جديدة ظهرت التحديات الجديدة التي لا زلنا حتى اليوم نعمل للخلاص منها.
مكانة المرجعية بعد الثورة الإسلامية:
تكمن مشروعية المرجعية في كونها نيابة عن إمام الزمان ولم يحدث تغيير يذكر في هذا الأمر بعد الثورة.(3/66)
والواقع أن كل الواجبات والمهام التي كان ينهض بها المجتهد قبل الثورة من الممكن تصورها في المجتهدين الحاليين, ومن المؤكد أنه على صعيد السلطة السياسية حدث تطور أساسي مع بداية طرح نظرية ولاية الفقيه حيث تقرر أن تصبح السلطة السياسية تحت إمرة مجتهد خاص, وقد كانت هذه السلطة قبل وقوع الثورة تحت إمرة السلطان أو الشاه, ومن المتوقع أن يحدث هذا الأمر تغييراً جذرياً في موضوع المرجعية.
إن الأمر المهم من وجهة نظر قاعدة المرجعية في المجتمع الشيعي, هو تعريف وتوضيح المشروعية التي طبقاً للتوجيهات الفقهية القديمة تم توزيعها بشكل عام بين كبار المجتهدين, وفي هذا التعريف لم يسلب منها امتلاك السلطة السياسية التي فيها جزء اقتصادي وهو جمع سهم الإمام, بل أصبح ينفذ فقط على أساس المبدأ الذي كان موجوداً في القضاء, أي عندما يصدر قاضٍ حكماً فليس من حق قاضٍ آخر إصدار حكم في نفس القضية. فالولاية السياسية تكون من حق المجتهد الذي يعاون الحكومة ويكون مشغولاً بالحكم, ومع هذا فإن الفصل بين المرجعية الولائية والمرجعية الأساسية هو شديد الأهمية بالنسبة للكثيرين, وهو في اعتقاد هؤلاء الأفراد يشبه الفصل السابق بين العرف والشرع أو بين رجل الدين والسلطان.
المرجعية بعد الثورة شهدت نماذج جديدة وتبلورت هذه النماذج في المقام الأول في الإمام الخميني الذي كان مجال رؤيته الفقهية أكثر رحابة مما كان في الماضي, وعندما كتب إلى أحد الفقهاء أن هذا الأسلوب في التفكير لا يكفي حتى لإدارة قرية كان يقصد أنه حتى تبقى المرجعية في ساحة إدارة الدولة فمن الضروري أن تعمل على تطوير آفاقها الفكرية, وهذا الأمر من أكثر الأشياء بداهة والذي يجب الاعتراف به.(3/67)
ويجب التأكيد على أنه بالرغم من أن الولاية السياسية قد انفصلت إلى حد ما عن المرجعية, لكن على أية حال, لا زال هذا الفكر قائماً وبقوة في بنية النظام الفقهي, ومفاده أنه يجب على المرجعية العامة أن تجيب على الكثير من النقاط المتعلقة بأداء الحكومة والتي تحتاج إلى استنباط فقهي, ففي الماضي كانت المرجعية تقتصر فقط على نقد قرارات مجلس الشورى الوطني, لكنها لم تكن ترى أنه لزاماً عليها أن تقدم البديل لهذه القرارات, وفي الوقت الحاضر يدور كثير من الأسئلة الفقهية إلى حد ما حول إدارة شئون الدولة.
ويجب القول أن الشعور باحتياج النظام إلى وجهات النظر الفقهية يتلاشى يوماً بعد يوم والسبب في هذا هو عدم التوافق بين الخطوات التنفيذية التي تتخذها الحكومة وبين القوانين الفقهية المدروسة في المحافل العلمية, وهذا الاختلاف سببه الظروف التي تبلورت على إثر الهوة الكائنة بين العرف والشرع في العصر البهلوي, والواقع أن تخلف الفقه عن مواكبة القضايا المعاصرة وذلك على مدى فترة طويلة قد زاد من اتساع هذه الهوة, كذلك أيضاً ساهم في اتساع هذه الهوة الاعتماد على العرف والتوجه الجمهوري في الحكومة والذي كان يتزايد يوماً بعد يوم.
النقطة الجديرة بالملاحظة الآن هي أن كبار مراجع التقليد يكتفون بالمباحث التقليدية, علاوة على رد فعلهم إزاء بعض الرؤى الإصلاحية, والذي يجعلهم يعودون إلى الوراء ولا يعيدون النظر فيما هو قائم.
التحديات التي تواجه المرجعية الشيعية داخل إيران:(3/68)
من المسائل الهامة بالنسبة لفكرة المرجعية ارتباطها بالولاية والزعامة, وقد دار الحديث حولها قبل هذا, ولم تكن هذه المسألة مطروحة قبل الثورة, لأنه في ذلك الوقت كان يتم اعتبار حكومة الشاه حكومة غاصبة, وبالنسبة للمتدينين فإن المشروعية تتأتى فقط من المراجع الدينية, لكن في الوقت الراهن ليس مطروحاً إطلاقاً اللقب السابق (الاغتصاب) على حكومة يديرها جماعة من رجال الدين, في مثل هذه الظروف ما العلاقة التي من الممكن أن تنشأ بين المرجعية والولاية؟
إن توافق ومسايرة رجال الدين للحكومة ليس بدرجة واحدة, فأحياناً يتبنى البعض موقفاً نقدياً, لكن هذا الاختلاف ليس له كبير أهمية, والمهم أيضاً أنه لا توجد أي نظرية لترسيم هذه الحدود, ولا تتجاوب النظريات السابقة مع هذه المسائل, وهي على الأكثر تحدد بعض حالات الاختلاف في الاتجاهات والنظريات حول القضايا الدينية أو المذهبية بين ولي الفقيه وبعض المراجع, حتى أن الأشخاص الذين لهم ولاء لهذه الحكومة ليست لهم نظرية محددة.
هل من الممكن أن تتحول المراجع الدينية إلى مراجع علمية, وأن تخرج من دائرة ولي أمر المسلمين؟ هذه المسألة من الصعوبة إبداء الرأي فيها, لكن مما لا شك فيه أنه حتى لو أمكن حدوث هذا الأمر داخل البلاد –وهو احتمال ضعيف- لا يمكن أن يتحقق بين الشيعة الذين يعيشون في أقليات خارج البلاد.
السؤال المثير للجدل على صعيد الحوزة يتعلق بدور المرجعية في إدارة الحوزة في الظروف الراهنة, في الواقع هناك نقطة هامة هي أن دخل المرجع الذي يستطيع إلى حد ما إدارة حوزة بهذه السعة ومساعدتها في النمو والتطور ليس كافياً, علاوة على أن قدرة المرجعية الإدارية على تنفيذ المهام التعليمية والإدارية ليست جديرة بالاهتمام. بالإضافة إلى ذلك فإن تعدد المراجع يحول دون المركزية في التعليم والتربية, الأمر الذي يعتبر ضرورياً جداً ولا يمكن اجتنابه في الظروف الحالية.(3/69)
كل هذه القضايا أدت إلى خلق مركزية إدارية في الحوزة العلمية وإنشاء ممثليات لتأدية الخدمات للطلبة بدعم من المرجعية الولائية, وكان من الطبيعي أن يخرج هذا الأمر المرجعية من وضعها السابق ويجعلها محدودة.
التمويل الحكومي وانحسار نفوذ رجال الدين:
والواقع أن المراجع كانوا في الماضي المصدر الوحيد لتلبية احتياجات الطلاب من الناحية التعليمية ومن الناحية المالية, لكن اليوم أصبحت المبالغ التي تنفق على قسم الإدارة وقسم الخدمات بالحوزة ومن بينها التأمين على الطلاب وسائر الأقسام الأخرى تعادل عشرات أضعاف المبالغ التي كان المراجع يدفعونها كمنحة شهرية للطلاب, وقد أدت هذه المسألة بشكل طبيعي إلى خفض نفوذ مراجع التقليد في الحوزة الذين هم أصلاً جزء من نفوذها العام بين المؤمنين والمجتمع الشيعي.
علاوة على أنه يوجد العديد من المؤسسات العلمية –البحثية في قم لا تقوم على تمويل المراجع, بل إنها ترتبط بشكل ما بالأجهزة الحكومية المختلفة, بناءً على هذا, من الآن فصاعداً لن يتمكن المراجع من إعمال نفوذهم في مؤسسة الحوزة بشكل كامل.
جيل الشباب:
ومن التحديات الأخرى التي تواجه المرجعية ظهور طبقة من رجال الدين الشباب الذين لا يعرف كثير منهم الأساليب التقليدية, هؤلاء الأفراد الذين قد أتموا بعض الدراسات الجامعية على الرغم من وفائهم لمجتمع رجال الدين ونظام الحوزة, يفكرون في تطويرها. هؤلاء النفر من الطلاب كتبوا رسالة إلى زعيم الثورة من أجل التطوير, واعتبروا أن النظام الفعلي للحوزة بشكل أعم من جهاز المرجعية أو الإدارة التي يجب أن تتم بحذر شديد, لا يمكن أن يكون ملبياً لهذا الإحساس.(3/70)
ويعتقد الكثير أن هذا الجيل التالي الذي سيدخل هذه الساحة بشكل أكثر جدية هو من العوامل الهامة للتطور في الحوزة, في حين أن المرجعية بالنظر إلى ظروفها التقليدية وبالنظر للبنية التقليدية التي قلما تلين إزاء وجهات النظر المختلفة لا يمكن أن تقبل هذا التوجه.
من المؤكد أنه يوجد بين المراجع أشخاص لهم تاريخ مضيء بسبب نشاطهم الثقافي العام, لكن حتى هؤلاء أيضاً عندما يدخلون في قالب المرجعية, ينسون نشاطهم السابق ولا يذكرونه.
إلى جانب هؤلاء الشباب الذين توجهوا إلى البحث في الفقه وسائر العلوم الدينية, يجب الإشارة إلى الفقهاء العظام الذين نفضوا أيديهم من الضجة السياسية واتجهوا إلى تحديث الفقه إلى حد ما, وهؤلاء الفقهاء لا يجب أن يطلق عليهم محدثون, بل إنهم يقومون بالاستنباط في المواضع الواقعة خارج الفقه المتداول, وتحظى آراء هذا النوع من المراجع بمكانة خاصة بين الجيل الجديد, وإذا لم يخرج هؤلاء المراجع عن حد الاعتدال ويتحركوا بشكل أكثر هدوءاً ودقة في إطار الفقه التقليدي, فمن المحتمل أن يحصلوا على مكانة أفضل في المستقبل القريب.
إن التوقعات الجديدة التي ينتظرها مجتمع الشباب من المرجعية لا تتناسب مع جهود المرجعية في إطار القوالب القديمة التي تحافظ على القوى التقليدية والأشخاص الذين هم فوق سن الأربعين, هذا العمل يحتاج إلى التخطيط الجديد بالاستفادة من الفرص المتاحة في هذا الزمان, وهناك إمكانية لطرحها وهي ليست أمنية بعيدة عن التحقيق, لكنها في المقام الأول تحتاج إلى مرونة.
تسهيل الفتاوى:
يستغل البعض من مراجع التقليد نفوذه بين مواطنيه, ويحدث تسهيلاً في فتاواهم الجديدة لزيادة الأتباع.(3/71)
إن مسألة تقليد الأعلم هي من الصعوبات التي قلما تم التغلب عليها بسنبة 100% في العصور الماضية, حتى في عصرنا, من المؤكد أنه عندما يزداد عدد المراجع, ويرون أنهم الأعلم, يتضح مدى الفوضى التي تحدث, وربما تمكنت شهادة العدول من العلماء من حل هذه المشكلة.
من المؤكد أن هناك أشخاصاً مثل المرحوم آية الله المرعشي لم يكونوا يؤمنون بمبدأ تقليد الأعلم, لكن الآخرين وبشكل خاص الذين يعتبرون أنفسهم آية الله العظمى –أي الأكبر من الآخرين- يختلقون مشكلة صعبة لحل مسألة الاجتهاد والتقليد بشكل نهائي, وفي هذه الأثناء لم تتمكن عملية التقسيم في الاجتهاد من إحراز أي نجاح. بالإضافة إلى أن هذا الأمر هو مصدر كثير من الصعوبات التي تؤدي إلى عدم استقرار الوضع الراهن.
إن المواجهة غير المباشرة من جانب بعض العائلات التي تتمتع بنفوذ تقليدي ملحوظ على الرغم من أنها لا يمكن أن تصل إلى نوع المعارضة السياسية المنظمة للحكومة مع النظام الولائي هي الأمر الذي يخلق العديد من الصعوبات المحتملة, وقد اتخذ كثير من هذه العائلات موقفاً ضد ولاية آية الله منتظري, لكن فيما بعد عزل آية الله منتظري, قامت أسرته –على اعتبار أنها أسرة أحد المراجع- مستفيدة من نفس الأدوات التي كانت لها فيما مضى بمواجهة ضد النظام. من المؤكد أن هذه المعارضة تختلف عن معارضة بعض العائلات الأخرى التقليدية, ولهذا السبب لم يشهد أي نوع من التضامن فيما بينهم.
تحديات المرجعية في العالم الشيعي والعلاقات الدولية:
يرجع أحد التحديات الأساسية إلى الحدود الجغرافية-السياسية الكائنة, وعلى الرغم من أنها لا تمثل صعوبة خاصة للمرجعية الدينية في مجال وظائفها التقليدية, لكنها تعد مانعاً كبيراً في العلاقة بين المرجعية الولائية والزعامة.(3/72)
من الواضح أن الشيعة يعيشون في أنحاء العالم كأقليات, وليست لهم القدرة على ممارسة نفوذ سياسي في تلك البلاد التي يقيمون فيها. بناءً على هذا يتوجهون نحو الأشخاص القريبين منهم, ومن ثم يستطيعون حل مشكلاتهم.
وحتى لو كان هذا المقلد متبعاً للمرجعية الولائية الإيرانية, فإنه يجب عليه أن يرجع إلى ممثليها في الدولة, ومن المؤكد أن كثيرين يفضلون هذا الخيار, وتتميز لبنان بشكل أساسي بهذه السمة.
هناك مشكلة أخرى وهي الاختلاف العرقي بين الشيعة من ناحية, ومراجع التقليد من ناحية أخرى, وبالنظر إلى التاريخ السياسي للحكومات, التي تعاقبت على حكم إيران والعراق, فقد كانت سبباً في نشوب الصراعات بينهم, وقد تصاعدت حدة هذه الأزمة في عهد الشاه وزعامة حزب البعث.
ومن المؤكد أنه لم يكن هناك أي نزاع أو تنافس بين قم والنجف, لكن الدعايا التي كان يروجها حزب البعث وسلوكياته في التعامل مع المرجعية وتقسيم الشيعة إلى عرب وعجم كان له تأثيره البالغ على مسألة المرجعية, فقد حاول العراق أن يختار مرجعاً عربياً للشيعة, وفي المستقبل ستكون هذه المسألة مشكلة صعبة. وسيزيد من حدة هذه المشكلة انتشار الدعايا التي تروج للأفكار القومية, ومع هذا فإن التعاطف الموجود بين الشيعة على اعتبار أنهم أقلية بالنسبة لإجمالي العالم الإسلامي من الممكن أن يلعب دوراً مهماً في خلق التحالف والتوافق بين الشيعة العرب والعجم.
الأميركان يعقدون الأمل على الشيعة:(3/73)
إن طرح مسألة العراق كقضية دولية ووقوعها في بؤرة القضايا السياسية العالمية سيجر قدم المرجعية, فربما لم يحدث في أي وقت أن تحدثت وسائل الإعلام الغربية عن المرجعية الشيعية بهذا الشكل الذي نشاهده الآن ولا يجب إغفال أن مجمل القضايا المرتبطة بأهل السنة المناهضين للولايات المتحدة قد خلقت تصوراً مفاده أن الشيعة كانوا على مدى العقد الماضي يتحركون بشكل أكثر هدوءاً, وأن هذا الأمر قد يجعل الأمريكيين يعقدون الأمل على الشيعة. ومن الطبيعي أن يقيم الأمريكيون هذه القضايا في إطار مصالحهم القومية وأن يحاولوا الوصول إلى نقطة يلتقي فيها السنة والشيعة حتى يحصلوا على الامتيازات التي يسعون لها.
تناقض المرجعية في العراق:
وربما كان هذا هو السيناريو المحتمل, فقد قبل سيد عبد المجيد الخوئي وعدد آخر من صغار زعماء الشيعة المقيمين في لندن التحالف بشكل ما مع الولايات المتحدة. ومن المؤكد أنه مع اغتيال الخوئي فقد ذهب أمل الولايات المتحدة وبريطانيا مع أدراج الرياح, ولكن لا زال الأمريكيون في العراق عاجزين عن التعلق بقشة.
لكن ثمة نقطة إيجابية في صالح الأمريكيين, فلم يقم مراجع التقليد في النجف أو العائلات الموجودة في العتبات المقدسة بأية إجراءات معارضة لهم.
وبهذا الشكل أصبحت المرجعية الدينية في العراق في مأزق, فأمامها من ناحية, تجربة مراجع التقليد على مدى المائة عام الأخيرة الذين قاوموا الاعتداء الأجنبي, ومن ناحية أخرى, هناك الخوف من العودة إلى حكومة البعث "التي من المؤكد أنها أصبحت أثراً بعيداً, ولكنها بالنسبة للعراقيين تمثل كابوساً" وكذلك أيضاً فإن عدم وجود الثقة في تشكيل حكومة شيعية قد هيأ السبيل لبديل آخر. إن هذه القضية ترجع إلى نظرتهم إلى القضايا الدولية ويتوقف على مدى فهمهم للعالم الراهن وعلاقاتهم القائمة, وماهية المكانة التي يريدونها لأنفسهم وسط هذا الخضم.
الظروف الدولية المهيئة للمد الشيعي:(3/74)
ولا يجب إغفال أن التشيع يعيش في الظروف الراهنة مرحلة ثرية إذ لم تتوافر له مثل هذه الفرصة قبل ذلك, والواقع أنه بعد هجوم الولايات المتحدة على تنظيم القاعدة والقيود التي أصبحت مفروضة على الحركة الوهابية والدعايا السعودية في العالم الإسلامي, وكذلك أيضاً الشعبية التي حققها حزب الله بالنسبة للتشيع, قد خلقت المجالات المناسبة لانتشار المد الدعائي الشيعي. كما أن المسألة العراقية تمثل هي الأخرى فرصة لإظهار مدى ما يتحمله الشيعة من ظلم ومعاناة, ولأن تتعرف شعوب العالم على المرجعية الشيعية وعادات وتقاليد المذاهب.
هل سيستغل الأمريكيون هذه الفرصة لبث الفرقة بين الشيعة والسنة؟ وإذا كان الأمر كذلك فما هو الحل حتى يمكن استغلال هذه الفرصة في نشر المذهب الشيعي والحيلولة دون وقوع نزاع شيعي سني؟ وقد تبلورت تجارب مفيدة جداً بعد الثورة الإسلامية في خلق الوحدة فهل ستتم الاستفادة من هذه التجارب؟
إننا في العالم المعاصر لا نشاهد فقط صراعاً بين الحضارات, بل إننا نشاهد أيضاً صراعاً بين الأديان والمذاهب, وستترك هذه الأزمة إن عاجلاً أو آجلاً عواقب على العالم. لكن رسالة المرجعية الشيعية تتطلب ألا نقف عند حد الخلافات بل يجب أن نعمل على تفعيل العلاقات الإيجابية التي تؤدي في الوقت نفسه إلى شعبية أكثر للشيعة ورواج أفضل عن طريق الآليات الثقافية.
خميني جديد: الحفيد مثل الجد
أمير طاهري(1)
هناك ساكن جديد للقصر الفخم ببغداد الذي كان ذات يوم منزلاً لعزت إبراهيم أحد أتباع صدام حسين المقربين, إنه حسين موسوي الخميني أحد الملالي متوسطي المكانة, 45 عاماً, وقد قدم حسين إلى بغداد قبل أسبوعين فقط, ومنذ ذلك الحين صار الصحافيون الغربيون يصطفون صفوفاً لكي يحصلوا على مقابلة مع القادم الجديد الذي قال إنه قدم إلى بغداد ليستجدي الولايات المتحدة كي "تحرر" إيران بالقوة إن لزم الأمر.
__________
(1) الشرق الأوسط 15/8/2003(3/75)
بالطبع, هناك في إيران أعداد كبيرة من الملالي, ووفقاً لآخر إحصاء نشر عام 1988 فإن هناك نحو 300 ألف من الملالي في الجمهورية الإسلامية, مما يجعل إيران أكثر مجتمع يعج برجال الدين في التاريخ المعاصر بعد الكبت في ظل الدالاي لاما. والملالي الإيرانيون يوجدون بوفرة, بكل شكل وحجم, ويعبرون عن العديد من الآراء المختلفة التي توجد في المجتمع العريض.
إذن لماذا جذب رجل الدين المحدد هذا الانتباه؟
الإجابة هي أن حسين الخميني هو حفيد الراحل آية الله روح الله موسوي خميني الذي بصعوده على موجة الثورة عام 1978, 1979 برز بوصفه رجل الدين الأول الذي يحكم إيران.
لقد أظهر آية الله الخميني استيلاءه على السلطة كحدث يمثل "إحياء الإسلام", وذلك من بين دعاوى أخرى عديدة, لكن حفيده قال إن إيران اليوم هي بمثابة سجن كبير وأن ثورة جده لم تجلب سوى "المآسي" للشعب الإيراني.
في مقابلة مع صحيفة (الغارديان) اللندنية دعا حسين خميني الولايات المتحدة لإرسال قواتها لتحرير إيران, وفي مقابلة أخرى قال لصحيفة (جيروسليم بوست) إن الولايات المتحدة كانت "جالبة للحرية في العالم المعاصر" وبوصفها هذا فإن عليها واجباً أخلاقياً بـ "حماية الشعب الإيراني الذي يتعرض للمعاناة" بنفس القدر الذي أنقذت به شعوب أفغانستان والعراق.
وقد استقبلت ملاحظات حسين خميني بخليط من الصدمة والفزع في الغرب, لكن, نظر إليها في إيران وفقاً لفلسفة آية الله الخميني.
في الثمانينات قضيت أربع سنوات أعمل على السيرة الذاتية للخميني.
هناك ملمحان أساسيان في شخصية خميني جذبا انتباهي.
الأول: هو رفضه لمفهوم الوطنية, فقد زعمت أسرته أن له دماً عربياً ممتداً إلى موسى بن جعفر, الإمام السابع عند الشيعة الإثني عشرية.
جزء من العائلة أمضى عشرات السنين في كشمير ومن ثم فإن الاسم العائلي الأصلي للخميني هو "هندي" (غير روح الله الخميني اسمه العائلي عام 1930, لكن شقيقه الأصغر احتفظ به).(3/76)
عندما وطأت قدما آية الله الخميني مطار مهرباد في طهران, بعد 16 عاماً في المنفى في تركيا والعراق وفرنسا, في فبراير 1979 سأله مراسل صحافي فرنسي كان قد صحبه على متن طائرة الخطوط الفرنسية عن شعوره عند عودته للوطن؟ أجاب روح الله قائلاً "لا شيء".
بالنسبة للخميني فإن إيران ليست سوى قطعة أرض, أما ما يهمه فهو ما إذا كان سيستطيع أن يحكمها أم لا.
منذ أن ذهب روح الله الخميني إلى المنفى عام 1964 ظل يسعى لكسب الدعم الأجنبي لحملته ضد الشاه, وفي عام 1965 كتب إلى الدكتاتور المصري جمال عبد الناصر يطلب منه تزويده بالمال والسلاح لـ "تحرير إيران", وفيما بعد بعث بابنه الأكبر مصطفى, والد حسين إلى لبنان لإقامة صلة مع الفلسطينيين هناك, وقد أنشأ مصطفى علاقة مع ياسر عرفات زعيم منظمة التحرير الفلسطينية الذي درب وسلح العشرات من رجال حرب العصابات المعادية للشاه.
وفي عام 1977 أرسل الخميني ابنه الثاني أحمد إلى ليبيا سعياً وراء المال والدعم من العقيد معمر القذافي, وفي نفس العام أقام صلة مع الاستخبارات الفرنسية من خلال عميل تنكر في شخصية صحافي.
وحينما انتقل روح الله الخميني إلى باريس التقى سراً باثنين من المبعوثين الأميركيين. وفي آخر أطوار الثورة لعب روح الله الخميني الورقة الأميركية ببراعة, وقد ضمت الحكومة الأولى التي ترأس مجلس وزرائها مهدي بازرجان خمسة من حاملي الجنسية الأميركية, أما الرجلان اللذان كلفهما بإنشاء الحرس الجمهوري الإسلامي, إبراهيم يازدي ومصطفى تشامران, فكلاهما حاصل على الجنسية الأميركية, في ذلك الوقت (تخلى يازدي عن جنسيته الأميركية).
لم يكن روح الله الخميني يمانع في تدخل أي قوة أو منظمة في إيران ما دامت تناسب طموحاته ولم يتبن روح الله الخميني اللهجة المعادية للأميركيين حتى نهاية عام 1970 عندما وعي أنه سيكتسح من جانب اليسار الراديكالي.(3/77)
أما الملمح الثاني من شخصية روح الله الخميني فهو إيمانه بأن الغايات تبرر الوسائل.
ففي عام 1970 أقام تحالفاً مع تيمور بختيار وهو جنرال سابق هارب كان في وقت من الأوقات رئيساً لجهاز السافاك, الشرطة السرية للشاه, ودكتور رادمانيش وهو عميل لجهاز (كي جي بي) كان يقود حزب تودا الشيوعي في المنفى. وقد أظهر "الحلف الثلاثي" الذي تم التفاوض حوله في النجف أن روح الله الخميني كان مستعداً للتحالف مع الشيطان من أجل الوصول إلى أهدافه.
وفيما بعد وسع تحالفه لضم منظمة مجاهدي خلق الإرهابية ومنظمات فدائي الشعب الماركسية-اللينينية. ومنذ عام 1977 وما تلاه أمر بحرق دور السينما والمكتبات ومدارس الطالبات والمقاهي والمطاعم وغيرها من "أماكن الفحشاء" في إيران لتصعيد الإرهاب.
في إحدى الحوادث في سينما ريكس في عبدان احترق 400 شخص أحياء بعد أن أشعل الخمينيون النار وأغلقوا المنافذ.
وبعد أن تسلم السلطة أمر بالإعدامات الجماعية التي كثيراً ما كانت تتم بعد محاكمات صورية. ومزق روح الله الخميني الشعار الوطني الإيراني مع أنه كان يحمل رمز علي بن أبي طالب أول أئمة الشيعة واستبدله بشعار يشبه الحرف أوميقا اليوناني الذي هو من علامات الجمعيات السرية الفيثاغورثية. إن الغاية دائماً تبرر الوسائل, والغاية بالنسبة للخميني كانت هي تأسيس حكمه الطغياني والمحافظة عليه.
ولتمكين قاعدته في إيران استورد روح الله الخميني آلاف المتشددين العرب من لبنان وإيران ومنحهم هويات تجنس إيرانية, وكان هؤلاء الإيرانيون الجدد مستعدين للكذب والخداع والقتل لحماية نظام أعطاهم حياة جديدة ومنافع جديدة.(3/78)
والآن فلنعد إلى الخميني الأصغر: إن حسين يتصرف مثل جده, وهو لا يهتم إذا كان سيعيش في إيران أو العراق الذي قضى فيه 14 عاماً من طفولته وشبابه المبكر. لقد عاش في إيران في فيلا كانت تتبع لأحد وزراء الشاه السابقين, غلام رضا كيامبور. وفي بغداد يعيش في قصر كان منزلاً لأحد كبار مساعدي صدام, لقد كان روح الله الخميني أيضاً يعيش في أنواع مختلفة من المساكن المصادرة وهو مثال حذا حذوه كل أفراد عشيرته الممتدة.
إن حسين, مثل جده, يدعو القوى الأجنبية خصوصاً الولايات المتحدة لـ "تحرير إيران", ومن ثم وضعه في السلطة.
لكن الإيرانيين تعلموا من المأساة على امتداد 25 عاماً, إنهم يدركون أن الحلول لمشاكل إيران يجب أن تأتي من داخل إيران, وهم يعلمون أن الغاية لا تبرر الوسيلة لكنها تتحدد بها.
وبعيداً عن حسين الخميني وسكان العواصم الكبرى (الكوزموبوليتيين) أمثاله فليس ثمة إيراني يود أن يرى بلاده يغزوها الأميركيون أو أي جيش آخر حتى لو كان ذلك يعني التخلص من نظام الطغيان الفاشل. وأهم من ذلك ليس هناك إيراني يرغب في خميني آخر, فكارثة واحدة مثل هذه تكفي لآلاف السنين.
نقد آراء أبطحي حول ولاية الفقيه
برويز إسماعيلي(1)
تشن إحدى الصحف الإيرانية المتشددة (الإختيار) هجوماً عنيفاً على مستشار ومساعد الرئيس خاتمي الذي ينتمي إلى تيار آخر, لأنه اعتبر أن نظرية "ولاية الفقيه" المبتدعة لم تكن من أولويات مرشد إيران السابق الخميني, وتدافع هذه الصحيفة من خلال مقال لبرويز إسماعيلي عن هذه النظرية, وتهاجم كل من ينتقدها بل تهاجم أبطحي لأنه قال فقط بأن ولاية الفقيه لم تكن من أولويات الخميني, وهذا يسلط الضوء على بداية حدوث تغيرات جذرية في الفكر السياسي الشيعي المعاصر ولكن بأي اتجاه ؟ لا أحد يعلمه.........المحرّر.
__________
(1) مختارات ايرانية , العدد 32 – 2003 )) نقلاً عن : صحيفة انتخاب (الاختيار) 9/1/2003(3/79)
أجرى محمد علي أبطحي مستشار رئيس الجمهورية حواراً صحفياً مع إحدى الصحف حول مؤسسة ولاية الفقيه وحدود سلطاتها.
ونظراً لأن سيادته قد عمد في حديثه وفي عرض آرائه إلى عقد مقارنة بينه وبين رؤية الإمام الخميني لولاية الفقيه من جانب, وبسبب الاختلاف الحقيقي بينه وبين الإمام الخميني لصالح الإمام من جانب آخر تلزم الإشارة إلى مقتطفات وأجزاء من كلامه والرد عليها.
يقول أبطحي: " إن ما أتذكره عند بداية الثورة أن الإمام الخميني لم يكن مصراً على هذا الأمر, أي أن الدستور الأول الذي كان قد وضع وأصر عليه الإمام لم يكن قد أدرجت فيه " ولاية الفقيه " لتطرح في الاستفتاء, والمؤكد أن ذلك لا يعني أن الإمام كان معارضاً لولاية الفقيه, ولكن أعتقد أنها لم تكن من الالتزامات الأولية القطعية بالنسبة له. إن نظرية ولاية الفقيه المطلقة تتبنى عنصر المصلحة,فإذا كان في شيء ما مصلحة للشعب فلا بد أن يكون هذا الشيء موافقاً للدين ولكن ليس من الضروري أن يطابق الفقه أو أن يتطابق معه ".
وقد كان من الأفضل أن يرتوي أصدقاء وأحباب الإمام من نبع كلامه وأحاديثه وفقهه وذلك من أجل رد الإجحاف والظلم الذي نشر حول مؤسس الثورة الإسلامية. ويمكن الرد على حديث أبطحي فيما يلي:(3/80)
أ-معروف أن آخر 10 سنوات من عمر الإمام والتي شهدت تأسيس الجمهورية الإسلامية كانت تمثل نتيجة كفاح نصف قرن على الأقل للإمام, وعلى الأشخاص العاديين – على اختلاف آرائهم – ألا يظهروا آراءهم أو يعلنوها – تجاه الأسس النظرية لفكر الإمام بشأن النظام الإسلامي لأن هذا الفكر يعود أساسه إلى 4 عقود ماضية, أي في بداية الستينات من القرن العشرين في الوقت الذي كان جناب السيد أبطحي يعيش فيه أيام الطفولة, ففي ذلك الوقت كان الإمام الخميني يطرح نظرية " ولاية الفقيه " بوصفها النظرية الرئيسية للحكومة الإسلامية حتى أن حضرته قدّم لنا كتابه العظيم " ولاية الفقيه والحكومة الإسلامية " عندما كان في النجف الأشرف.
واستناداً لهذا, وكذلك لما سوف يرد بعد ذلك بشكل مختصر, فإن إصرار الإمام على ولاية الفقيه – لم يكن موضع اهتمام منه عند قيام الثورة فحسب, ولكن ظهر ذلك بوضوح قبل الثورة بعقود طويلة, وانطلاقاً من هذا يكون نفي الشيء الذي لا نتذكره جيداً والذي لا نبذل الهمة الكافية للتحقق منه, مثل هذا الأمر والسلوك يكون نفيه غير منصف وغير عقلي, فنقول – دون تذكر أو تحقق – إن ولاية الفقيه لم تكن قطعية بالنسبة للإمام؟!
ب-السيد أبطحي لا نعرف من أين وكيف أتى وجاء بقوله وبسلوكه وادعائه القائل بأن الإمام لم يكن مصراً على ولاية الفقيه وهو يعلم جيداً – طالما أن له ذاكرة وحافظة قوية وشابة – أنه وفقاً للوثائق الموجودة بالفعل – وليس الذاكرة – واستناداً عليها فإن المحور الأصلي لمواقف الإمام هو إصراره على تثبيت وترسيخ دور ولاية الفقيه في الجمهورية الاسلامية وذلك على مدار العامين الأول والثاني من عمر الثورة, هذا من جانب, ومن جانب آخر فإن 95% من البحوث والدراسات الفقهية النظرية للإمام في شأن ولاية الفقيه قد كتبها خلال عامي 1978 و 1979 أي في ذروة الثورة الإسلامية.(3/81)
ج-يقول السيد أبطحي: إن تصور ولاية الفقيه من وجهة نظر الإمام كان وليد الساعة, بمعنى أن ذلك قد ارتبط وتزامن مع الثورة وبعدها وهو ما يعني أنها حديثة العهد.
في حين أن الإمام يقول: " إن ولاية الفقيه لا تعد شيئاً استحدثه مجلس الخبراء, بل هي الولاية التي قد وضعها الله تبارك وتعالى والتي خص بها رسوله (صحيفة الإمام ج/10-ص 308).
ويستمر حضرة الإمام في حديثه فيقول مؤكداً على الأمر نفسه: " إن هذا الشكل والتوصيف الذي ورد في الدستور بشأن ولاية الفقيه كان موجوداً منذ الأزل وحتى الآن منذ عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولكن الأشخاص غير المطلعين على الفقه وغير المطلعين على مجريات الأمور يشوهون الأذهان بهذا الكلام الذي يتحدثونه ". (المرجع السابق – ص 352) كما يقول أيضاً: " إن ولاية الفقيه تعد هبة إلهية للمسلمين منحها الله تبارك وتعالى لهم ". وقد أكد في 8/2/1980 على أن الولي الفقيه هو خليفة الرسول والأئمة حتى يظهر الإمام الغائب. (صحيفة الإمام ج/11-ص22).
د-إن حضرة الإمام مع تأكيده الصريح بأن " أولئك الذين يعددون الصور لولاية الفقيه لا يفهمون ما هو الإسلام " وهو ما جعله يعتبر أن رضا شاه كان أسوأ من أي شخص بالنسبة للإسلام (صحيفة الإمام ج/10-ص308) ولهذا كان يردد ويقول دوماً: " إلهي نجِّني من الأصدقاء الجاهلين " (صحيفة الإمام ج/10-ص 221).
إن الغافلين والمنافقين يتحدثون عن " ولاية الفقيه " بتظاهر ورياء وهم يخالفون – في وجوههم – ولاية الفقيه ويعارضونها, من هنا نجد أتباع نظرية " المسجد ملك البابا والسياسة ملك القيصر " نجدهم يعتبرون أن الحكومة الإسلامية خطر عليهم, (المرجع السابق, ص70).
ولهذا نجد الإمام مصراً على أن يوصي الأمة الإسلامية بأن كلام مثل هؤلاء يخالف الإسلام وأنهم يظنون أنفسهم مفكرين ولا يريدون أن يقبلوا بولاية الفقيه ولهذا لا يجب على المسلمين أن يهتموا بهؤلاء.(3/82)
والحقيقة أن من يقولون ويلقون الشبهات حول ولاية الفقيه هم الأشخاص الذين " يخافون من رقابة الولي الفقيه في الشؤون المختلفة ".
هـ-كثيراً ما كان يحذر وينصح حضرة الإمام أولئك الذين يرفضون ولاية الفقيه من أنهم إذا لم يتبعوها فسوف يمحون لأن ولاية الفقيه تابعة ونتيجة للإسلام, وربما كانت أخلد وصايا الإمام التي قالها ونصح بها منذ ذلك الوقت هي " أنه طالما ظلت أمور وشؤون الدولة تحت رقابة الولي الفقيه فإن ضرراً لن يلحق بهذه الدولة " (نفس المرجع, ص221).
و-فيما يخص عنصر المصلحة وعلى العكس مما قاله السيد أبطحي فإن " الولي الفقيه " فقط هو الذي يبقى مفتاح المصلحة في يده.
وفي رأي الإمام فإن الولي الفقيه, فضلاً عن أنه لا يقوم بأي عمل من شأنه أن يكون على عكس مصلحة الدولة فإنه أيضاً يسيطر على(1) – يتصدى لجميع الأعمال التي تريد الحكومة أن تنجزها وتقوم بها والتي يمكن أن تكون ضد مصلحة الدولة. (نفس المرجع, ص 221) كما أن سلطة وصلاحية الولي الفقيه بشأن " مصلحة النظام الإسلامي " تصل – عند الإمام – إلى حد أنه يستطيع أن يعتبر الملكية المشروعة للأفراد " غير مشروعة " من باب " مصلحة النظام ".
يقول حضرة الإمام: " حتى الملكية التي احترمها المشرع المقدس والتي نص عليها يستطيع الولي الفقيه أن يعتبرها ملكية محدودة, و أن يحد منها عندما يرى أنها في غير مصلحة المسلمين فيحددها بإطار معين أو أن تصدر عنه فتوى في ذلك ". (نفس المرجع, ص 481).
ز-وعلى عكس وجهة نظر السيد أبطحي الذي ادعى وجود إبهامات وغموض بشأن نظريات واعتقادات الإمام حول كيفية ظهور " ولاية الفقيه " في الدستور, يجب القول بأن حضرة الإمام لا يرى أي شيء يضاهي ولاية الفقه في أي موضع وذلك إذا ما قورن الدستور الإيراني بالدساتير الغربية.
__________
(1) هكذا في الأصل .(3/83)
لقد كان يتحدث سيادته مع " حامد الغار " الكاتب الأمريكي المسلم حول الحكومة في الإسلام فقال له: " إن وجود ولاية الفقيه في الدستور هو ضمان لعدم ظهور الديكتاتورية, وأن أفضل مادة في الدستور هي المادة المرتبطة بولاية الفقيه ".
وما دام الأمر هكذا, فليس معلوماً كيف ولماذا عمد مساعد رئيس الجمهورية إلى التشكيك في عقيدة الإمام بشأن ولاية الفقيه, على الرغم من أن الإمام قد تحدث حول سلطات وصلاحيات " الولي الفقيه " بشكل صريح فقال: "في هذا الدستور (دستور إيران) لو أن هناك موضوعاً فيه نقص ما وله مكانة وقداسة روحية في الاسلام وقصّر بشأنه أولئك الذين عملوا واجتهدوا, لو وجد مثل هذا النقص الذي يتضمنه الدستور فإن ما ورد في الدستور بشأن ولاية الفقيه يعد بعضاً من شؤون ولاية الفقيه وليس كل شؤونها " (نفس المرجع, ص464).
ولهذا كله, فإن الأثر العظيم الذي ظل محكماً والذي خلفه لنا ذلك الرجل الكبير (الإمام الخميني) هو أن ولاية الفقيه وإدارتها لشؤون الدولة من المبادئ الأولية والبديهية (صحيفة الإمام ج/20-ص457) وأن " ولاية الفقيه" تطبق على جميع شؤون الأمة والدولة ولا يجب أن يخرج شيء عن إطارها ". (صحيفة الإمام – ج/10 – ص 308).
ح-أخيراً يجب القول بأن الإمام أوصى الأمة بألا تنتخب لشؤون الحكومة والمجلس سوى أولئك المخلصين والأوفياء للمادة / 110 من الدستور (1)
__________
(1) تنص المادة /110 من الدستور على الآتي :
وظائف القائد وصلاحياته :
1-وضع السياسات العامة لنظام جمهورية إيران الإسلامية بعد التشاور مع مجمع تشخيص مصلحة النظام .
2-الإشراف على حسن إجراء السياسات العامة للنظام .
3-إصدار الأمر بإجراء الاستفتاء العام .
4-تولي القيادة العامة للقوات المسلحة .
5-إعلان حالة الحرب والسلام والتعبئة العامة .
6-نصب وعزل وقبول استقالة كل من :
أ) فقهاء مجلس صيانة الدستور .
ب) أعلى مسؤول في السلطة القضائية .
ج) رئيس مؤسسة الإذاعة والتليفزيون في جمهورية إيران الإسلامية .
د) رئيس أركان القيادة المشتركة .
هـ) القائد العام لقوات حرس الثورة الإسلامية .
و) القيادات العليا للقوات المسلحة وقوى الأمن الداخلي .
7-البت في الخلافات وتنظيم العلاقة بين السلطات الثلاث .
8-حل مشكلات النظام التي لا يمكن حلها بالطرق العادية من خلال مجمع تشخيص مصلحة النظام .
9-إصدار قرار تنصيب رئيس الجمهورية بعد انتخابه من قبل الشعب , أما بالنسبة لصلاحية المرشحين لرئاسة الجمهورية من حيث توافر الشروط المعينة في هذا الدستور فيجب أن تحصل قبل الانتخابات على موافقة مجلس صيانة الدستور وفي الدورة الأولى يجب أن تحصل على موافقة القيادة .
10-عزل رئيس الجمهورية مع مراعاة مصالح البلاد وذلك بعد صدور حكم المحكمة العليا بتخلفه عن أداء وظائفه القانونية أو بعد رأي مجلس الشورى الإسلامي بعدم كفاءته السياسية على أساس المادة 89 .
11-العفو أو تخفيف عقوبات المحكوم عليهم في إطار المبادئ الإسلامية بعد اقتراح رئيس السلطة القضائية, ويستطيع القائد أن يوكل شخصاً آخر لأداء بعض وظائفه وصلاحياته .(3/84)
الطفيلي: ورثة الخميني يقفون إلى جانب
سارقي المال العام(1)
نشرت صحيفة الشرق الأوسط في عددها الصادر بتاريخ 25/9/2003 مقابلة مع أحد المؤسسين لحزب الله عام 1982 وانتخب عام 1989 كأول أمين عام للحزب واستمر في موقعه حتى عام 1991.
وقد كشف فيها صبحي الطفيلي أموراً خطيرة جداً عن حقيقة دور حزب الله حالياً.
والذي جعله يتحدث بهذه الحقائق هو الصراع الداخلي في المذهب الشيعي أولا ً، وعدم التبعية الكاملة لإيران وأيضاً هو بدافع الحرص على الشيعة من مغبة السياسات الإيرانية التى بدأت تظهر للناس، وهذا يدخل في قوله تعالى (تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى).
وسوف نورد أهم الحقائق التي كشفها في المقابلة دون تعليق منا.
**فوجئت بورثة الخميني (حزب الله) يقفون الى جانب سارقي المال العام وناهبي ثروات الدولة والمعتدين على الشعب ضد شعبنا وأمهات الشهداء والفقراء. وذلك بذريعة أن دعم المقاومة لا يجعلهم قادرين على الخوض في المواضيع الاقتصادية والحياتية. وهذا منطق سخيف، والأسخف منه أن لا مقاومة الآن. فأين نصرة الضعيف والمسحوق؟ وللمفارقة أن بعض المسؤولين الإيرانيين - في مواجهة حركتي - وعدوا بأن لديهم مشاريع ستنفذ خلال ستة أشهر وستغير أوضاع المنطقة بشكل كبير، لكن السنوات مرت وهذه المشاريع لم تبصر النور.
**لقد بدأت نهاية هذه المقاومة مذ دخلت قيادتها في صفقات كتفاهم يوليو (تموز) 1994 وتفاهم إبريل (نيسان) 1996الذي أسبغ حماية على المستوطنات الإسرائيلية وذلك بموافقة وزير خارجية إيران.
__________
(1) الشرق الأوسط 25/9/2003.(3/85)
**كما أن العمليات الفولكلورية التي تحصل بين حين وآخر لا جدوى منها لأن الإسرائيلي مرتاح، وهل هناك فرق بين الإسرائيلي في مزارع شبعا وال÷سرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة؟ هذا اعتراف بالاحتلال، أنا أرى أن الخيام (بلدة حدودية لبنانية) هي مثل عكا وحيفا. وما يؤلمني أن المقاومة التي عاهدني شبابها على الموت في سبيل تحرير الأراضي العربية المحتلة، تقف الآن حارس حدود للمستوطنات الإسرائيلية، ومن يحاول القيام بأي عمل ضد الإسرائيليين يلقون القبض عليه ويسام أنواع التعذيب في السجون.
**أي سجون؟
ـ لقد حدثت أكثر من حالة، وقد سلم الذين قاموا بمحاولاتهم إلى السلطات اللبنانية التي أخضعتهم للتحقيق والتصنيف.
*وأنا أوجه كلامي إلى أبنائي في المقاومة لأقول لهم أن ما تفعلونه حرام وخدمة للعدو وخيانة للقضية. القوا سلاحكم وارحلوا أو تمردوا وأطلقوا النار على عدوكم ولا تجعلوا أحداً يخدعكم تحت عنوان أي فتوى أو ولاية فقيه، فلا فقيه في الدنيا يأمرني بأن أخدم عدوي. أنا آسف كيف أن المقاومة التي صنعناها بدماء شهدائنا تختطف وتحول إلى خدمة أعدائنا.
**لكن بعد التحول الذي حصل في الموقف من المقاومة وتحول إيران إلى منسق للشؤون الأميركية في المنطقة رأيت أن أخرج عن صمتي.
**إن هناك سياسة في إيران بدأت تبرز بعد رحيل الإمام الخميني، وكان واضحاً ان هذه السياسة ستصطدم بفهمنا للإسلام.
**من يقول في لبنان أن إيران لا تتدخل كاذب. القرار ليس في بيروت وإنما في طهران.
**نعم، حتى خلال ولايتي كان لـ(القيادة) المركزية في إيران موقعها في القرار.
**القرى والمدن الشيعية في جنوب لبنان استقبلت الإسرائيلي بالورود والأرز جراء بعض الممارسات التي قامت بها فصائل فلسطينية.(3/86)
**حتى أن أحد كبار خطباء الجمعة في العاصمة الإيرانية قال في خطبة صلاة الجمعة أنه لولا إيران لغرقت أميركا في وحل أفغانستان. فالإيرانيون سهلوا للأميركيين دخول أفغانستان ويسهلون بقاءهم الآن. أما القول عن اعتقال سفير سابق هنا أو حديث عن سلاح نووي هناك فهو يدخل من باب السعي الاميركي لتحسين شروط التعاون الإيراني. التشيع يستخدم الآن في إيران لدعم المشروع الإميركي في أفغانستان. ومن هنا أقول لكل الشيعة في العالم أن ما يجري باسمهم لا علاقة له بهم. وهذه أعمال المتضرر الأكبر منها الإسلام والتشيع.
ـ ولد الشيخ صبحي ملحم الطفيلي في بلدة بريتال (جنوب مدينة بعلبك) في نهاية العام 1947.
ـ درس الفقه في العراق من أوائل الستينات إلى أواسط السبعينات عندما خرج هرباً من العراق بسبب ملاحقة النظام العراقي له بتهمة الانتماء إلى حزب الدعوة.
ـ مكث فترة في لبنان وعاد إلى إيران لمتابعة الدرس والتدريس في حوزات قم، حتى انتصار الخمينيين على نظام الشاه حيث شارك في التحركات المناهضة لهذا النظام وتعرض للاستجواب والتوقيف.
ـ عاد الى لبنان نهائياً عام 1979 وساهم عام 1982 في تأسيس "حزب الله" وكان أبرز أعضاء مجلس الشورى الذي كان يقود الحزب.
ـ عام1989 انتخب كأول أمين عام للحزب واستمر في موقعه حتى العام 1991 عندما خرج من الحزب.
ـ عام 1997 أطلق "ثورة الجياع" احتجاجاً على تردي الأوضاع الاقتصادية والحياتية في البقاع. وأنشأ مجلساً للأعيان (يوازي البرلمان) وهدّد بمنع الوزراء والنواب من زيارة المنطقة.
ـ عام 1998 اعتصم وأنصاره في حوزة دينية تابعة لـ"حزب الله" في بلدة عين بورضاي (جنوب بعلبك), وانتهى الأمر بمعركة قتل فيها ضابط في الجيش وبعض أنصار الطفيلي، لتبدأ الملاحقة القضائية بحقه.
التجمعات الشيعية في العالم العربي
البحرين
مقدمة(3/87)
يستحق الوجود الشيعي في العالم العربي, وفي دول الخليج العربي على وجه أخص, أن نفرد له مساحة كبيرة, وتخصص له الدراسات والأبحاث, خاصة وأنّ هذا الوجود يكتنفه الغموض, وتثور حوله التساؤلات, ويتم استغلاله استغلالاً سيئاً من أجل الإساءة إلى أهل السنة وإقصائهم من الحياة السياسية والاجتماعية كما حدث في العراق مؤخراً.
ولعلّ ما جرى في العراق من تضخيم لنسبة الشيعة هناك, والهجوم المتعمد على السنة وتصويرهم بأنهم أنصار صدام, وتحميلهم وزر جرائم صدام حسين قد مهّد لأن يقوم الشيعة وبالتعاون مع الأمريكان بالانقلاب على أهل السنة وتهميشهم, وإعطائهم ما لا يناسب عددهم من المقاعد الوزارية والتواجد في الحكم, كل ذلك كان يتم استناداً إلى أسس خاطئة وتضخيم للوجود الشيعي, وتقليل لعدد السنة هناك, وهو ما جعلنا نخصص دراسة مستقلة بعنوان "الشيعة والعراق", تم نشرها في العدد الأول من "الراصد", تناولت الوجود الشيعي هناك, وأصوله, وفنّدت قضية الأكثرية الشيعية, التي قام البعض برفعها في خيالاتهم إلى 80%, وأوهموا البسطاء بها, حتى غدت في أنظار الكثيرين كالحقائق المسلم بها.(3/88)
وفي هذا العدد نفتح ملفاً آخر, نخصصه لدولة خليجية صغيرة في مساحتها, كبيرة في أحداثها, حيث يلعب الوجود الشيعي في دولة البحرين دوراً خطيراً في رسم الأحداث التي تدور في هذه الجزيرة, فقد لعبت قضية "الأكثرية" الشيعية في البحرين دوراً في أعمال العنف والتخريب التي طالتها من قبل الشيعة, وبلغت حدَّ المطالبة بإلغاء النظام الملكي واقتفاء النموذج الإيراني, كل ذلك تم بفعل انتشار مقولة "الأكثرية" وترويجها لأغراض سياسية واضحة, وهو الأمر الذي نحن بصدد مناقشته ودراسته حيث أننا سنتطرق إلى الوجود الشيعي في البحرين وكيفية دخول التشيع إليها, والهيئات والتيارات الشيعية العاملة هناك, وعلاقة هذه التجمعات بإيران, وأثر العلاقات البحرينية الإيرانية على شيعة البحرين, وستشمل سلسلة "التجمعات الشيعية" دولاً خليجية وعربية أخرى كالكويت والسعودية واليمن ولبنان..., وفيها نعرض تواجدهم والاختلاف الذي طرأ على أحوالهم وصعودهم المستمر ونظرتهم إلى بلدانهم.
لمحة تاريخية:
في قديم الزمان, كان يطلق على البلاد الواقعة على الساحل الغربي للخليج العربي كلها اسم "البحرين", أو بالأحرى المنطقة الواقعة بين مسقط والبصرة, ثم اختزل الاسم, وصار مقصوراً اليوم على تلك الجزيرة الرابضة في قلب الخليج العربي, وقد كانت فيما سبق تسمى "أوال", وهو صنم لبكر بن وائل وأخيه تغلب, فسميت الجزيرة باسم صنم أوال, لأن بني وائل مع عبد قيس كانوا يسكنونها في ذلك الزمان.
وقد كانت البحرين, أي البلاد التي على الساحل من البصرة إلى مسقط مستعمرة فارسية قبل الإسلام وفي السنين الأولى من البعثة النبوية, فقد بسطوا نفوذهم عليها سنة 615م ولكنّ حكامها كانوا غالباً من أمراء العرب, وكان سكانها من المجوس واليهود والنصارى ومن عرب نجد, وأكثر هؤلاء من عبد قيس ووائل وتميم.(3/89)
وفي السنة الثامنة للهجرة, أرسل النبي صلى الله عليه وسلم أحد أصحابه الكرام وهو العلاء بن الحضرمي ليدعو أهل هذه البلاد إلى الإسلام, ودخل في دين الله خلق كثير, إلا أنهم ارتدوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم, فانطلق العلاء الحضرمي والجارود بن عبد القيس لتأديب المرتدين وانضم إليهما خالد بن الوليد رضي الله عنه, وعادت بلاد البحرين إلى الإسلام.
وأما هذه الجزيرة فقد دالت للخلفاء الراشدين ثم لبني أمية ومن بعدهم لبني العباس, ولكنها لم تخلص من الاغتصابات, ومن هؤلاء الخوارج وصاحب الزنج والقرامطة وغيرهم.
ونظراً لموقعها المميز, وأهميتها لخطوط الملاحة وانتشار الزراعة وصيد اللؤلؤ, فقد تسابق إليها الفاتحون في قديم الزمان(1).
وفي العصور الحديثة, سيطر العمانيون والبرتغاليون عليها ويعود سبب الوجود الاستعماري الغربي في هذه المنطقة إلى الاتفاقيات المشبوهة التي عقدتها الدولة الصفوية الشيعية مع الدول الاستعمارية وعلى رأسها البرتغال وأسبانيا والمجر والبندقية من أجل القضاء على الدولة العثمانية, ووقف فتوحاتها في أوروبا, وقد كان عهد الدولة الصفوية بشهادة الجميع هو عهد إدخال قوى الاستعمار في المنطقة حيث مهّدت لها الطريق, وفي نفس الوقت أعاقت فتوحات العثمانيين, وشغلتهم عن مهامهم الكبرى(2).
__________
(1) أمين الريحاني, ملوك العرب, الجزء الثاني ص720 وما بعدها. و د. عبد الله الغريب, وجاء دور المجوس ص 301-302
(2) أبو الحسن علوي عطرجي, الصفويون والدولة العثمانية, ص48.(3/90)
كانت الدولة الصفوية الشيعية التي حكمت إيران بدءاً من سنة 906هـ (1500م) يقلقها أن ترى دولة الخلافة العثمانية منطلقة في فتوحاتها شرقاً وغرباً لنشر الإسلام وتوسيع رقعته, فبدأت بمناوشة العثمانيين واستفزازهم, وتوجيه الطعنات لهم من الخلف, وحياكة المؤامرات, وخاصة في عهد الشاه إسماعيل الصفوي, ونشب القتال بين العثمانيين والصفويين في موقعه جالديران سنة 1514م, وانتهت المعركة بهزيمة نكراء للصفويين, إلا أنها لم تنه الوجود الصفوي, فأخذ الشاه إسماعيل الصفوي يقيم العلاقات مع الدول الغربية من أجل القضاء على العثمانيين, وتمت بينه وبين البوكرك, الحاكم البرتغالي في الهند اتفاقية نصّت على أربع نقاط:
1-تصاحب قوة بحرية برتغالية حملة إيران على البحرين والقطيف.
2-تتعاون البرتغال مع إيران في إخماد حركات "التمرد" في بلوشستان ومكران.
3-تتحد الدولتان في مواجهة الدولة العثمانية.
4-تصرف حكومة إيران (الصفوية) النظر عن جزيرة هرمز, وتوافق على أن يبقى حاكمها تابعاً للبرتغال, وأن لا تتدخل في أمورها الداخلية(1).
ونتج عن ذلك أن احتل البرتغاليون البحرين من سنة 1521م إلى سنة 1602م, ثم استولى عليها بعد ذلك الإيرانيون الفرس وحكموها بشكل متقطع حتى سنة 1783 عندما تمكن عرب عتبة من طرد الإيرانيين منها, وعائلة آل خليفة الحاكمة تنحدر من قبيلة عتبة, وقد دخلوا في اتفاقيات حماية مع بريطانيا حتى إعلان الاستقلال سنة 1971(2).
سكان البحرين:
دأب الشيعة على رفع نسبتهم في جميع البلدان التي يقيمون فيها لأسباب سياسية لا تخفى على أحد, ومن تلك الدول البحرين التي بالغ البعض بالقول بأن الشيعة العرب منهم ذوي الأصول الإيرانية يشكلون 60 إلى 65% من إجمالي السكان!
وقد جاء في تقرير مركز ابن خلدون حول الأقليات لسنة 1993 أن سكان البحرين ينقسمون إلى ثلاث مجموعات:
__________
(1) المصدر السابق ص49.
(2) وجاء دور المجوس ص301-302.(3/91)
العرب الشيعة ونسبتهم 45% من مجموع السكان, والعرب السنة ونسبتهم كذلك 45% أما الإيرانيون 8%, وثلثهم سنة والثلثان من الشيعة, وبذلك يصل الشيعة العرب والإيرانيون إلى حوالي 52%, أما السنة العرب والإيرانيون البلوش فنسبتهم 48%(1).
إلا أن تقرير ابن خلدون ذاته الصادر سنة 1999(2) قام برفع نسبة الشيعة في البحرين إلى 70%, وهي نسبة غير واقعية ومنافيه للواقع السكاني في البحرين, ولم يذكر التقرير الأسس التي استند عليها لرفع نسبة الشيعة من 52% إلى 70% خلال 6 سنوات, على الرغم من أنه لم يحصل ما يدعو إلى ارتفاع النسبة بهذا الشكل وخلال هذه الفترة القصيرة, سوى ما عزاه التقرير إلى أن الشيعة معظمهم ريفيون يكثر عندهم الإنجاب وتعدد الزوجات. بالرغم من صحة هذا الأمر الذي يتم بدعم وتشجيع القيادات الطائفية مع التكفل بالمصاريف اللازمة وذلك من أموال الخمس!
والأمر يدعو للغرابة أيضاً إذا علمنا أن المركز قام بالشيء نفسه عند تناول قضية الشيعة في العراق(3) .
__________
(1) ص302.
(2) ص 195.
(3) انظر التفاصيل في بحث "الشيعة والعراق" المنشور في العدد الأول من (الراصد).(3/92)
وقد نقل د. خالد العزي في كتابه: "الخليج العربي في ماضيه وحاضره" نداءً وجّهته صحيفة السياسة الكويتية في 5/12/1971 إلى شعوب وحكومات الدول العربية إلى اتخاذ كافة السبل لردع خطر التسلل الإيراني في الأرض العربية, وقالت الصحيفة بأن المتسللين يشكلون طابوراً خامساً ينبغي التقليل من أهمية خطره خاصة بعد احتلال الجزر العربية (الإماراتية), وصفت خطر التسلل الإيراني بأنه لا يقل خطورة عن التسلل الصهيوني الذي يعتبر أحد أسباب ضياع فلسطين واغتصابها(1), وقبل ذلك كان مجلس الجامعة العربية, وفي دورته الحادية والأربعين 31/3/1964 بحث موضوع الهجرة الأجنبية إلى إمارات الخليج وطلب من الدول المعنية تقييدها والتبصر بالأخطار التي تواجهها(2).
إذاً لا يخفى أن زيادة عدد الشيعة في الخليج عامة والبحرين خاصة كان بسبب الهجرة الإيرانية المتزايدة إلى بلدان الخليج أثناء الحكم البريطاني, في ظل غفلة أهلها وتساهل شيوخ الخليج, بل إن بعض الذين زاروا البحرين أو كتبوا عنها في بدايات هذا القرن يذكرون صراحة أن الوجود الشيعي هو وجود أجنبي, يقول أمين الريحاني في كتابه "ملوك العرب" الصادر سنة 1924 ص721 ما يلي: وهي (البحرين) على صغرها عامرة بمئتي ألف من العرب والأعاجم من الشرق والغرب, بيد أنها لا تزال عربية الأصل والحكم, عربية اللغة والروح, لأن أكثر سكانها من العرب الأصليين, عرب نجد, وفيهم من المذاهب الإسلامية المالكي والشافعي والحنبلي والجعفري, أما الجعفريون فهم مثل الهنود يعدون من الأجانب لأنهم إيرانيون أو إيرانيو التبعية.
__________
(1) ص243.
(2) الخليج العربي دراسة موجزة ص61.(3/93)
وقد جاءت نتائج الانتخابات البلدية والنيابية سنة 2002, وحصول الشيعة في الأولى على 23 مقعداً من 50 وعلى 13 مقعداً من أصل 40 مقعداً في الثانية, لتعطي صورة تقريبية عن حجم الشيعة في البحرين, فإذا كان حصولهم على أقل من ثلث مقاعد المجلس النيابي بسبب مقاطعة بعض تنظيماتهم للانتخابات يبدو مفهوماً بعض الشيء, فإن حصولهم على أقل من نصف مقاعد البلديات في الانتخابات التي شارك فيها جميع قطاعاتهم تبطل نظرية الأغلبية الكاسحة أو المطلقة.
العلاقات البحرينية الإيرانية وأثرها على شيعة البحرين
عند الحديث عن علاقات البحرين بإيران وأثرها على شيعة البحرين نقف عند حقيقتين هامتين هما:
1-أن إيران بعد ثورة الخميني سنة 1979 أصبحت قبلة الشيعة في العالم, ووضعت نفسها وصيّة على الطوائف الشيعية في كل مكان, وكذلك الطوائف الشيعية جعلت من إيران نموذجها وقدوتها, وهذا لا يمنع وجود تيارات وهيئات شيعية تعادي إيران أو لا تعترف بولايتها لأسباب ترجع للتنافس على الزعامة مع الخميني بالدرجة الأولى, وهذا هو أيضاً سبب انشقاق مجاهدي خلق على الثورة الخمينية وغيرها من التيارات والشخصيات الشيعية, ولم تكن المشاعر الشيعية تجاه إيران محصورة بدولة الخميني, إنما كانت الدولة الصفوية التي حكمت إيران بدءاً من سنة 906هـ (1500)م تمارس الدور ذاته.
2-أن الجاليات الشيعية في العالم وفي دول الخليج خاصة تتأثر سلباً وإيجاباً بعلاقات بلدانهم مع إيران, خاصة وأن هذه الجاليات تستخدم من قبل إيران لتنفيذ مخططاتها في هذا البلد أو ذاك.
ولقد كانت العلاقات الإيرانية البحرينية مثالاً للتوتر والشكوك في معظم فتراتها, بسبب أطماع إيران في هذه الجزيرة واعتبارها جزءاً من أراضيها, وعدم الاعتراف بجوازات السفر التي كانت تصدرها البحرين, واعتبارها إحدى المحافظات الإيرانية..., بل واحتسابها من إرث ممكلة فارس التي ورثتها إيران اليوم.(3/94)
ولا يقتصر النهج العدائي هذا على جزيرة البحرين, بل قامت إيران باحتلال ثلاث جزر تتبع دولة الإمارات العربية المتحدة هي طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى, سنة 1971 وسنة 1992, وما زالت إيران تحتلها حتى اليوم وترفض التخلي عنها.
ولعلّ تصريح رئيس وزراء إيران سنة 1944 حاجي ميرزا أغاسي ما يوضح حقيقة النظرة الإيرانية إلى الخليج فيقول: ((إن الشعور السائد لدى جميع الحكومات الفارسية المتعاقبة بأن (الخليج الفارسي) من بداية شط العرب إلى مسقط بجميع جزائره وموانيه بدون استثناء وبدون منازع ينتمي إلى فارس))(1).
وهذا خلاف ما يذكره المستشرق الفرنسي لويس ماسينيون فيقول: "إن البحرين كانت مرتبطة مصيرياً بالإحساء, فهي لا تبعد أكثر من 24كم, بينما يتجاوز بعدها عن إيران 200كم"(2).
وقد حكم الإيرانيون البحرين بشكل متقطع من سنة 1601 إلى سنة 1783 عندما تمكن آل خليفة من طردهم من بلادهم, والحكم الصفوي يشكل مرحلة من مراحل الأطماع الإيرانية في هذه الجزيرة, وقد سارت إيران في عهد البهلويين على المنوال نفسه, فقد كان شاه إيران محمد رضا بهلوي دائم التهديد للبحرين, ويعتبرها جزيرة إيرانية, وقد هدّد بضمها إلى بلاده, إلا أن بريطانيا التي كانت تحتل البحرين آنذاك ساهمت في وقف المخطط الإيراني, مقابل غض الطرف عن استيلاء إيران للجزر الإماراتية الثلاث, إلى أن جاء الاستفتاء الشهير سنة 1971, والذي أيّد فيه معظم البحرينيين الاستقلال.
__________
(1) وجاء دور المجوس ص302.
(2) نقلاً عن كتاب (الخليج العربي دراسة موجزة) ص51.(3/95)
ومع قدوم ثورة الخميني سنة 1979, تبنت إيران مبدأ تصدير الثورة, وهو أن تنشر مذهبها وفكرها بالقوة, واصطدمت بالعراق ودخلت معه في حرب مدمرة استمرت 8 سنوات, وأما دول الخليج العربية فقد نالها من الأذى والتخريب الإيراني الشيء الكثير, وكان الخميني يقول: ((إن العرب حكموا المسلمين وكذلك الأتراك وحتى الأكراد, فلماذا لا يحكم الفرس وهم أعمق تاريخاً وحضارة من كل هؤلاء؟))(1) .
وفي بداية الثورة الإيرانية انقسم شيعة البحرين إلى قسمين:
الأول: صغير محافظ, كان يطالب ببعض الإصلاحات وتحسين أوضاع الشيعة.
الآخر: كبير, كان يطالب بالإطاحة بالنظام الملكي وتشكيل جمهورية تسير على النهج الإيراني(2).
ويذكر ريتشارد دكمجيان أن شيعة البحرين بسبب أصلهم الفارسي(3) أحسوا بشيء من الغربة في البحرين, وفي نفس الوقت آثروا الاقتراب من إيران, وقد حاول الخميني –خلافاً لجهود الشاه في ضم البحرين- أن يثور الشيعة للقضاء على آل خليفة, وكانت الأداة الرئيسة "الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين", وكان من قادتها هادي المدرسي الذي أبعدته السلطات البحرينية, وبعد إبعاده اشتغل ببث التطرف وسط شيعة البحرين واتهم بأن له دوراً في محاولة انقلاب سنة 1981(4) .
__________
(1) انظر مقال: خطط الشيعة لحكم قطر, الوطن العربي 26/7/2002.
(2) مجلة مختارات إيرانية , فبراير 2003 ص91.
(3) شيعة البحرين خليط من أصول عربية وفارسية وينحدر معظم العرب من الإحساء, في شرق الجزيرة العربية –المحرر-
(4) الأصولية في العالم العربي, ص213 وما بعدها.(3/96)
والشيعة في البحرين يفتخرون بأنهم وقفوا مع استقلال البحرين سنة 1971, ويذكرون هذا دليلاً على ولائهم لبلادهم وعدم تبعيتهم لإيران, كما جاء في مقابلة مع المعارض البحريني الشيعي عبد الوهاب حسين(1) , إلا أن ذلك الحماس للبقاء مع البحرين, كان الدافع إليه هو الصراع القائم بين رجال الدين الشيعة والشاه, والعداء المتبادل فمن غير المعقول لدى الشيعة آنذاك أن يطالبوا بإلحاق البحرين إلى إيران الشاه وهم يسعون في الوقت نفسه إلى إزاحته, فقد كان الاستفتاء في أيام الشاه, وقبل قدوم ثورة الخميني بثمان سنوات, وهي الثورة التي رآها الشيعة في مختلف أنحاء العالم النموذج والقدوة, وسرعان ما أثارت هذه الثورة الشجون في نفوس شيعة الخليج, وفي شيعة البحرين على وجه الخصوص وأثارت فيهم الرغبة بالتبعية للوطن الذي صار قبلة لشيعة العالم, وتجسّد ذلك في أعمال العنف والتخريب التي مارسها شيعة الخليج طيلة سنوات الثمانينات وجزءاً من عقد التسعينيات, حيث باتت أعلام إيران وصور قادتها خميني وخامنئي وأعلام حزب الله اللبناني التابع لإيران مشهداً مألوفاً في أنشطة وتظاهرات شيعة البحرين.
وكانت المعارضة الشيعية قد بدأت في تنظيم صفوفها في وقت مبكر, خاصة عقب قيام الثورة الإيرانية سنة 1979 ونشرها لفكرة تصدير الثورة, حيث تشكلت أولى حركات المعارضة الشيعية في البحرين "الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين" في سبتمبر (أيلول) من العام نفسه, ثم تشكلت بعدها كل من "حركة أحرار البحرين الإسلامية" التي تتخذ من لندن مقرّاً لها, و"حزب الله-البحرين" الذي كانت السلطات البحرينية تنظر إليه بوصفه تنظيماً سياسياً شيعياً تابعاً لسلسلة تنظيمات أنصار الثورة الإيرانية في الخارج "منظمات حزب الله"(2).
__________
(1) الوطن العربي 6/12/2002.
(2) شفيق شقير – الجزيرة نت 24/10/2002.(3/97)
وبعد الأحداث الدامية التي اندلعت في سنوات التسعينات, وكان أشدها سنة 1994 بين الشيعة والسلطات البحرينية, هدأت الأمور سنة 1999 مع استلام الشيخ حمد بن عيسى مقاليد السلطة خلفاً لوالده عيسى بن سلمان.
ودخلت البحرين مرحلة جديدة, فتم تحسين الأوضاع الداخلية والعفو عن المعتقلين السياسيين وإطلاق الحريات, وأخذ الشيعة يستفيدون من الوضع الجديد, ومن ذلك تأسيسهم للجمعيات, وهي تمارس العمل السياسي, حيث لا يسمح في البحرين بتشكيل الأحزاب.
وبالرغم من تبعية الكثير من شيعة البحرين لإيران, إلا أنه جدير بالذكر أن هناك قطاعاً هاماً يرتبط بحكام البحرين ارتباطاً كبيراً, ولا يدينون لإيران.
المؤسسات الشيعية في البحرين:
1-جمعية الوفاق الوطني الإسلامية:
وهي امتداد ووريث لحركة أحرار البحرين المعارضة خارج البحرين, ويرأس الجمعية الشاب علي سلمان ونائبه هو حسن مشيمع, وتعتبر الجمعية التيار الرئيس في أوساط شيعة البحرين, وقد اعتبرت المحرّك الأساسي لصدامات 1994-1998 مع السلطة, كما أن الجمعية كانت هي المحرك الرئيس لمقاطعة الانتخابات النيابية سنة 2002 على الرغم من أن البرلمان المنتخب كان دوماً من أبرز مطالبها.
وفي لقاءات صحفية, ينفي رئيس الجمعية وجود علاقة بين الحركة الشعبية في البحرين, وبين النظام القائم في إيران, كما أنه قال في افتتاح المؤتمر الأول للجمعية بأنها تعمل ضمن النظام القائم في البحرين, مما يوحي بولاء شيعة البحرين لدولتهم.
وهذا ينسجم مع تحويل إيران لسياستها الخارجية من تصدير الثورة إلى الانفتاح الثقافي, والذي كان صداه لدى التجمعات الشيعية هو المناداة بالوطنية والحقوق للمواطنين المظلومين من الآخرين!
2-جمعية العمل الإسلامي:(3/98)
تيار شيعي محدود, وتعد امتداداً للجبهة الإسلامية لتحرير البحرين, ويرأسها محمد علي المحفوظ, الذي كان قد شنّ هجوماً على الجمعيات السنيّة مثل المنبر والشورى والأصالة واصفاً إيّاها بأنها تحقق النتائج المرجوّة منها, وقد قامت الجمعية بمقاطعة الانتخابات النيابية سنة 2002.
3-جمعية الرابطة الإسلامية:
شيعية مقربة من الحكومة, فاز منها عضوان في الانتخابات النيابية الأخيرة.
4-جمعية أهل البيت:
شيعية, تم الاحتفال بافتتاح مقرها الجديد في 20/5/2003 في مدينة المحرق, من مسؤوليها عبد الله حيدر ومحمد الفردوسي, ولها موقع (أهل البيت نت).
5-جمعية الرسالة الإسلامية:
تتبع خط المدرسي والشيرازي, وقد عقدت في نهاية اكتوبر سنة 2002 المؤتمر النسائي الأول, واتصلت خلاله بهادي المدرسي وهو من مؤسس النشاطات الرسالية في البحرين منذ السبعينات, كما أنها أصدرت بياناً شديداً ضد منظمة مجاهدي خلق لاحتجازهم لفترة من الوقت المرجع الشيعي محمد تقي المدرسي أثناء وجوده في العراق, كما أنها قامت بحملة لجمع التبرعات مع جمعية أهل البيت أثناء الحرب الأمريكية على العراق.
6-جمعية التوعية الإسلامية:
يرأسها عبد الوهاب حسين, وتعتبر بمثابة الجناح الثقافي والاجتماعي لجمعية الوفاق, كون هذه الأخيرة أقرب ما تكون إلى حزب سياسي, كانت تعتبر امتداداً لخط "حزب الدعوة" وأغلقتها السلطات سنة 1982.
وإضافة إلى تأسيس الجمعيات وممارستها للعمل السياسي والثقافي والاجتماعي, فإن مظاهر أخرى بارزة تشير إلى ممارسة الشيعة لدور كبير في البحرين, منها:
1-تأسيس وصدور صحيفة الوسط اليومية التي يرأس تحريرها المعارض الشيعي السابق منصور الجمري, وهو نجل رجل الدين المعارض عبد الأمير الجمري.
2-المشاركة الحكومية في المناسبات الشيعية كعاشوراء والمآتم, ودعمها وتسهيل دخول المشاركين فيها من دول أخرى كإيران والعراق وسوريا.(3/99)
3-عودة المعارضين الشيعة من الخارج, وممارستهم لحياتهم الاعتيادية داخل البحرين, ومنهم الجمري والعلوي وعلي سلمان.
4-القرار الحكومي بتدريس المذهب الشيعي الجعفري في المدارس, وتعيين مدرسين لذلك في مختلف المراحل.
5-تطور العلاقات بين البحرين وبعض الهيئات الشيعية في الخارج كمؤسسة الخوئي في لندن التي استطاعت تنظيم مؤتمر للتقريب بين الشيعة والسنة في البحرين في شهر سبتمبر (أيلول) 2003.
الانتخابات البلدية والنيابية:
في ظل الأجواء الانفتاحية التي شهدتها البحرين بدءاً من سنة 1999, تم في العام 2002 إجراء انتخابات المجالس البلدية في 9/5/2002, وانتخابات المجلس النيابي في 24/10/2002.
في الانتخابات البلدية حصل السنة على 27 مقعداً من أصل 50, فيما حصل الشيعة على 23 مقعداً.
وفي الانتخابات النيابية التي قاطعها جزء من الشيعة بسبب عدم أخذ الحكومة لبعض اقتراحاتهم ومنها: بعض التعديلات الدستورية التي سلبت السلطة التشريعية صلاحياتها وتعيين مجلس موازٍ للمجلس المنتخب له نفس الصلاحيات, ومنع الجمعيات من ممارسة العمل السياسي, وهذا المطلب الأخير تراجع عنه ملك البحرين وسمح للجمعيات فيما بعد بطرح مرشحين وممارسة العمل السياسي, حصل السنة على 27 مقعداً من أصل 40, فيما حصل الشيعة على 13 مقعداً, في المجلس المنتخب, أما الشق الثاني من المجلس, وهو المجلس المعيّن, فقد تمّ تعيين 38 سنيّاً وشيعياً مناصفة, فيم تم تعيين مسيحي ويهودي في المقعدين المتبقيين من أصل 40 مقعداً.
وفي الحكومة التي شكلت بعد إجراء الانتخابات النيابية, عين العديد من الشخصيات الشيعية فيها وأبرزها:
1-مجيد العلوي وزيراً للعمل والشؤون الاجتماعية.
2-محمد علي الستري وزيراً لشؤون البلديات, وكان قبلها مديراً للأوقاف الجعفرية.
3-خليل حسن وزيراً للصحة.
4-عبد الحسين ميرزا وهو أول وزير بحريني من أصل إيراني.
أهم المراجع(3/100)
1-الأصولية في العالم العربي......................................ريتشارد دكمجيان.
2-وجاء دور المجوس............................................ د. عبد الله الغريب.
3-ويل للعرب: مغزى التقارب الإيراني مع الغرب والعرب..........عبد المنعم شفيق.
4-أطلس الإسلام..................................................... د.حسين مؤنس.
5-ملوك العرب........................................................أمين الريحاني.
6-الصفويون والدولة العثمانية.............................أبو الحسن علوي عطرجي.
7-هموم الأقليات..........التقرير السنوي الأول لمركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية
في مصر سنة 1993.
8-الملل والنِّحل والأعراق.....التقرير السنوي السادس لمركز ابن خلدون سنة 1999.
9-الخليج العربي , دراسة موجزة ................... مكتب الدعاية والنشر والإعلام.
10-الخليج العربي في ماضيه وحاضره ............................. د. خالد العزّي.
دوريات ومواقع:
1-مجلة مختارات إيرانية.
2-مجلة الوطن العربي.
3-مجلة النور.
4-الوكالة الشيعية للأنباء.
5-الجزيرة نت.(3/101)
العدد الرابع
غرّة شوال/ 1424هـ
هل يُقدم شيعة السعودية على خطوة جريئة للوحدة الإسلامية؟.
الإباضية.
قصة التحكيم.
تاريخ إيران السياسي بين ثورتين (1906-1979).
قالوا.
هكذا حاول مقتدى الصدر إطاحة السيستاني لحساب خامنئي والحائري.
مصادر مصرية وإيرانية تعترف بصعوبات تعترض تطوير العلاقات بين البلدين.
حفيد الخميني: أدعو إلى دولة علمانية في إيران.
حديث الغدير وأصل الخلاف مع الشيعة.
البهرة في قلب القاهرة.
أطروحات المهري محور تأزيم.
الشيخ العودة: الخلاف مع الشيعة أصولي.
الجماعات الشيعية في العراق.
التجمعات الشيعية في العالم العربي – السعودية.
هل يُقدم شيعة السعودية على خطوة جريئة
للوحدة الإسلامية؟
في مقال صريح لفؤاد الإبراهيم نشره أحد المواقع الشيعية في الانترنت, وضع الإبراهيم يده على المحك وهو أن (المنطقة الشرقية كانت سوقاً رائجة للنتاج الثقافي الشيعي بصفته السجالية, وهو نتاج يشتمل على تعريض بالخلفاء الراشدين –رضي الله عنهم- وبأمهات المؤمنين وبخاصة عائشة وحفصة –رضي الله عنها- إضافة إلى ما تحمله بعض الأدعية غير المسنودة من عبارات هابطة مخلّة, ولا تقترب من بعيد أو قريب من روح التشيع كما صاغه الإمام جعفر الصادق عليه السلام).
وهذا اعتراف واضح بما تحمله كتب القوم وبما يتدارسونه بينهم, والإبراهيم يدعو عقلاء القوم لترك هذه الكتب وتجاوز هذه العقلية والاستفادة من "أجواء الانفتاح الثقافي في المملكة" فهل سيكون لصرخته صدى؟ وهو ما يدخلنا في موضوع مهم هو الكتب السنية والشيعية التي تتعرض للفكر الآخر هل هما في مستوى واحد من الطائفية والتخوين والتكفير؟
والمغالطة التي يلجأ الشيعة لها دائماً وهي أن يتخلى الطرفان عن كتبهم ولكن ماذا في الكتب السنية من تصادم مع أساسيات الشريعة وكليات العقيدة؟
هل في الكتب السنية التي تهاجم أو تحذر أو تكشف حقيقة عقائد الشيعة من طعن في عقائد الإسلام؟ أو أحد من آل البيت؟
كلا.(4/1)
نعم فيها حكم بالكفر والردة على من يعتقد عقائد باطلة مثل تحريف القرآن وكفر الصحابة وألوهية آل البيت وغيرها.
فهل الشيعة (الحقة) لا ترى كفر من يقول بهذه الأمور؟؟!
لكن كتب القوم ماذا فيها؟
فيها الطعن بالقرآن الكريم وأنه ناقص محرف!
فيها الطعن بالخلفاء الراشدين وأمّهات المؤمنين والصحابة الكرام!
فيها تأليه البشر!
فيها الحث على الرذائل!
فهل تستوي هذه الكتب في ميزان واحد؟!
إن مقال فؤاد الإبراهيم صرخة عاقل فهل يستجيب له قومه فيتركوا هذه الطامات ويسلكوا طريق آل البيت, ويعدلوا من مسارهم المعوج؟
وكما يقول الإبراهيم (لا تكفي النوايا الحسنة ولا الظروف المؤانية لإنجاح خيار المسامحة الدينية).
لا بد من ترك كل ما يصادم أساسيات الدين ويهدم حقيقة الإسلام من خلال خطوات واضحة محدّدة ليس فيها التواء ولا مخادعة, ومن ذلك:
البراءة من هذه الأفكار ومحاربتها بإتلاف الكتب التي تحتويها وكتابة ما يضادها, وتدريس فضائل الصحابة والخلفاء وأمهات المؤمنين في مجالس الشيعة ومدارسهم.
الإنكار على الشيعة الإيرانيين لما يفعلونه عند البقيع من سب الصحابة وتكفيرهم وبيان حكم من يفعل ذلك.
ترك الانعزال عن مساجد المسلمين ومخالطتهم في الصلاة والصيام وعدم التقوقع والانزواء.
هذه بعض الخطوات المنتظرة من شيعة السعودية ليصدق سعيهم في الوحدة وإنا لمنتظرون.
الإباضية
الإباضية هي إحدى فرق الخوارج الكبرى, وقد رأينا تقديمها بشكل مستقل كون هذه الفرقة ما زالت منتشرة بنفس هذا الإسم ولها تواجد في أنحاء مختلفة من العالم الإسلامي وخاصة في سلطنة عُمان.(4/2)
والحديث عن الإباضية يدفعنا للحديث قليلاً عن الفرقة الأم وهي الخوارج, والتي تفرَّعت منها الإباضية, فالخوارج هم الذين يكفّرون بالمعاصي, ويخرجون على أئمة المسلمين وجماعتهم, ويشمل ذلك الخوارج الأولين, ومن تفرّع عنهم من الأزارقة والصفرية والنجدات (وهذه الثلاث قد انقرضت) والإباضية (وهم باقون إلى اليوم).
كما يشمل اسم الخوارج كل من أخذ بأصولهم وسلك سبيلهم, كجماعات التكفير والهجرة في هذا العصر ونحوهم, وتعتبر الخوارج أول الفرق ظهوراً في التاريخ الإسلامي.
التسمية والنشأة:
وعودة إلى الإباضية التي هي إحدى فرق الخوارج رغم أن أصحابها والمنتسبين إليها ينفون عن أنفسهم هذه النسبة إذ يعدون مذهبهم مذهباً اجتهادياً فقهياً سنيّاً يقف جنباً إلى جنب مع الشافعية والحنفية والمالكية والحنبلية.
وسميت هذه الفرقة بالإباضية نسبة إلى عبد الله بن إباض, أحد بني مرة بن عبيد من بني تميم, ويُعُّد عبد الله بن إباض من طبقة التابعين, ولم تذكر المصادر الموثوقة تاريخ ولادته ووفاته, لكنها تجمع على أنه عاصر عبد الملك بن مروان المتوفى سنة 86هـ, وأنه أحد رؤوس الخوارج, وقد أجمعت الإباضية قديماً وحديثاً على إمامته فيهم وانتسابهم إليه.
الأفكار وأبرز الشخصيات:
نشأت الإباضية على أصول الخوارج, وتلتقي معها على أغلب الأصول.
ومما يؤمن ويعتقد به الإباضيون ويخالف منهج أهل السنة والجماعة قولهم بأن مرتكب الكبيرة كافر, ويفسرون بأن معناها كفر النعمة, هذا في الدنيا أما في الآخرة فيرونه مخلداً في النار, وينكرون رؤية المؤمنين لربهم في الجنة بأبصارهم, ويقولون إن صفات الله هي عين ذاته, وأن الاسم والصفة بمعنى واحد, كما أنهم يؤولون صفات الله الخبرية كالاستواء والنزول والمجيء, وكاليد والوجه والعين والنفس.(4/3)
ووقعت الإباضية في صحابة النبي صلى الله عليه وسلم, وطعنت في عدد من أجلاّء الصحابة كعثمان وعلي وعمرو بن العاص ومعاوية وطلحة والزبير وأصحاب الجمل.
ومن أبرز شخصياتهم جابر بن زيد (21-96هـ), وأبو عبيدة مسلمة بن أبي كريمة, والربيع بن حبيب الفراهيدي صاحب (مسند الربيع) الذي جمع فيه الأحاديث, ويعتبره الإباضية أصح كتاب بعد كتاب الله, ومن أبرز شخصياتهم كذلك الإمام الحارث بن تليد وأبو الخطاب عبد الأعلى بن السمح, وأبو حاتم يعقوب بن حبيب وحاتم الملزوزي, ومنهم سلمة بن سعد الذي قام بنشر مذهبهم في إفريقيا أوائل القرن الثاني الهجري.
وفارق الإباضية جماعة المسلمين كغيرهم من الخوارج, ورأوا أن الإمام إذا ارتكب كبيرة حل دمه, ولا يقرون لأئمة المسلمين – من غيرهم – بإمامة شرعية عدا أبا بكر وعمر وعمر بن عبد العزيز.
وتعتبر مسائل مرتكب الكبيرة, والنظرة إلى الصحابة، والخروج على الأئمة، ومفارقة جماعة المسلمين من الفوارق الرئيسية بينهم وبين أهل السنة, ومن الأصول الكبرى التي أخرجتهم عن منهج السلف وجعلتهم في عداد الفرق والأهواء.
تاريخ الإباضية:
بما أن تاريخ الإباضية لا يتجزأ من تاريخ الخوارج, فإنه يمكن تقسيمه إلى مرحلتين:
المرحلة الأولى: مرحلة ما قبل تمييز الإباضية عن بقية الخوارج, أي المرحلة التي بدأت فيها حركات الخوارج الغلاة الذين قاتلوا عليّاً وواجهوا الصحابة, ثم واجهوا الدولة الأموية في عهد معاوية ومن بعده, وانضموا إلى ابن الزبير وكان منهم عبد الله بن إباض مؤسس الإباضية مع رؤوس الخوارج كنافع بن الأزرق وابن الصفار وأبي بيهس ونجدة الحنفي.(4/4)
المرحلة الثانية: المرحلة التي صاحبت ظهورها ثم تلت بعد ذلك, وفيها استقل ابن إباض عن بقية الخوارج حين خالفهم في مسألة حكم المخالفين لهم في عهد عبد الملك, وفي هذه الحقبة (القرن الأول للهجرة) لم يكن للإباضية دولة ولا مواقف مشهورة إلا أنهم كانوا يشكلون جبهة معارضة عقدية وسياسية إمامة لإمامة بني أمية.
وكما نشأ مذهب الإباضية في القرن الأول في البصرة وخراسان ثم عُمان وحضرموت في جزيرة العرب, فقد امتد مع بداية القرن الثاني إلى الشمال الأفريقي.
تاريخها:
1-تاريخها في عُمان:
أول نشأة للإباضية بدأت في البصرة وما حولها ثم في عُمان وخراسان تبعاً لفلول الخوارج في عهد الدولة الأموية, ولكنها تركزت فيما بعد في عُمان.
وفي أول الدولة العباسية وأيام المنصور عقد الإباضية البيعة لأول إمام لهم بعُمان عام (134هـ) اسمه (الجلندا بن مسعود) وهم يعدون ذلك –الخروج على أئمة المسلمين وجماعتهم– من مفاخرهم ومواقفهم الدينية والسياسية والتاريخية التي يبنون عليها أصولهم وأمجادهم.
وظلت الإباضية في صراع طويل مع أئمة المسلمين, وكانوا في أثناء ذلك ينصبون إماماً تلو آخر, وفي سنة 1161هـ بايع الإباضية (أحمد بن سعيد) حيث انتقلت الإمامة إلى آل سعيد, ولا تزال دولتهم قائمة حتى اليوم في عُمان.
2-تاريخها في الشمال الأفريقي:
أول حركة للإباضية عُرفت في التاريخ بجهة المغرب العربي ظهور (الحارث وعبد الجبار) الإباضيين ومواجهتهما للدولة الأموية أيام آخر خلفائها مروان بن محمد, وانتزعا طرابلس وسيطرا على تلك الناحية حيناً من الدهر وقتلا سنة 121هـ.(4/5)
وفي سنة 140هـ, بايع الإباضيون هناك (عبد الأعلى بن السمح) في ليبيا, ودانت له طرابلس ثم القيروان وبرقة وفزان, وأعلن الخروج على الدولة العباسية, وبعده التف فريق منهم حول (عبد الرحمن بن رستم) من سلالة كسرى ملك الفرس, الذي تمكن في النهاية من إقامة دولة (بني رستم الإباضية) وعاصمتها تاهرت، وتولى بعده ابنه عبد الوهاب الإمامة سنة 171هـ, ثم توالت إمامتهم في عقبه.
وفي سنة 269هـ تقريباً انتهت الدولة الإباضية الرستمية بالمغرب العربي على يد الفاطميين, وبعدها صاروا يقيمون إمارات صغيرة ومشيخات طائفية إقليمية تنزع إلى الاستقلالية خاصة في (جبل نفوسة) وقد تتوسع أحياناً إلا أنه لم تقم لهم دولة ذات سلطان نافذ أو مدة طويلة في المغرب العربي بعد الدولة الرستمية.
وما يزال لهم في الوقت الحاضر وجود في عُمان وحضرموت واليمن وليبيا وتونس والجزائر وفي واحات الصحراء الغربية.
للاستزادة:
1- الفرق بين الفرق – الإمام عبد القاهر البغدادي – ص103.
2- الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة – الندوة العالمية
للشباب الإسلامي – ص15.
3- الخوارج – الدكتور ناصر عبد الكريم العقل – ص45.
4- الأديان والفرق والمذاهب المعاصرة – عبد القادر شيبة الحمد –ص138.
5- دراسات في الأديان والفرق – د. سعيد البيشاوي وآخرون – ص103.
سطور من الذاكرة
قصة التحكيم
وإعادة قراءة التاريخ (37هـ)
يعتبر التاريخ مصدراً هاماً من مصادر حفظ كيان الأمم والشعوب, لذلك كانت كتابة التاريخ أمراً ذا حساسية وخطورة بالغتين, لما لكتابة التاريخ من أثر بالغ في تشكيل القليّات وإقناع الناس, وادّعاء الحقوق, وليس اليهود في فلسطين عنّا ببعيد, فقد امتدت أيديهم إلى التاريخ تحريفاً وتزويراً وهم يخرجون لنا النصوص والوثائق التي يحرفونها أو يحرفون مدلولاتها ليقولوا للعالم أن فلسطين أرض يهودية منحها الله لهم.(4/6)
والتاريخ الإسلامي شأنه شأن تاريخ الأمم والشعوب الأخرى لم يسلم من هذا التحريف والتزوير, الذي أصبح –للأسف- كالحقائق المسلّم بها عند الخاصة والعامة على حدّ سواء, وأصبحت كتب التاريخ والأدب تعج بالأباطيل والأكاذيب, ويقدم هذا كله على أنه "التاريخ الإسلامي".
والمؤرخون والباحثون على أنواع:
الصنف الأول: لا يسرّه أن يرى راية الإسلام مرتفعة خفّاقة, ويحب أن يشوّه هذا التاريخ المليء بالجهاد والتضحية ونصرة الإسلام, ولا يرى التاريخ إلا مجموعة من الغاضبين للسلطة المعادين لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم.
الصنف الثّاني: الذين يخلطون بين الغث والسمين, وينقلون الروايات بلا تمحيص أو تثبيت, وبعضهم يرغب في إشباع موضوعه بغض النظر عن الروايات المنقولة.
الصنف الثالث: هم الذين يؤمنون بنصاعة تاريخنا الإسلامي وخاصة في عصوره المتقدمة, ويرون عدالة الصحابة, ويتثبتون مما ينقلونه, ويعرضون عن الروايات المكذوبة والمختلفة.
نقول هذا عن التاريخ لنعرج على حدث من أحداث التاريخ الإسلامي في عصوره المتقدمة, وتحديداً زمن الخلافة الراشدة, ألا وهو حادثة التحكيم التي جرت سنة 37هـ في أعقاب حرب صفين التي دارت رحاها بين جيش العراق الذي قاده الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وجيش الشام بقيادة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه.
لقد كانت حادثة التحكيم نموذجاً للتحريف الذي أصاب كتابة التاريخ بحيث تم تصوير الرغبة في حقن دماء المسلمين وإنهاء الحرب بأنها مثال للغدر والخديعة.(4/7)
ولعل الحديث عن التحكيم يعيدنا للأحداث التي سبقتها خاصة معركة صفين سنة 37هـ حيث انطلق خليفة المسلمين الإمام علي بن أبي طالب من الكوفة في العراق(1) يريد قتال أهل الشام الذين امتنعوا عن مبايعته, حيث كان معاوية يرى أن تسليمه قتلة عثمان لأنه وليه يجب أن يتم قبل مبايعته لعلي, أما علي فكان يرى أن مبايعة معاوية –وكان آنذاك والياً على الشام- يجب أن تتم أولاّ, ثم ينظر في شأن قتلة عثمان بحسب المصلحة والقدرة.
واندلع القتال بين الطرفين, وقتل من المسلمين عدد كبير, وحلّت بالمسلمين فاجعة سرعان ما دفعت العقلاء والمخلصين من الطرفين للدعوة لوقف هذه الحرب وحقن الدماء, وكانت الرغبة بالصلح رغبة عامة, ورفعت المصاحف على الرماح رغبة في أن يتم التحاكم إلى كتاب الله.
وانتدب الإمام عليّ أبا موسى الأشعري من طرفه حكماً, وانتدب معاوية من طرفه عمرو بن العاص في محاولة منهما لنزع فتيل الأزمة ووقف الحرب.
يقول الإمام أبو بكر بن العربي في كتابه العواصم من القواصم: "وكان أبو موسى رجلاً تقيّاً ثقفاً فقيهاً عالماً, أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن مع معاذ, وقدّمه عمر وأثنى عليه بالفهم". وكذا كان عمرو بن العاص ذكيّاً فطناً صاحب رأي ومشورة. واتفق الطرفان على إنهاء الحرب, وأن يرجع كلّ منهما إلى بلده, ولم يتطرقا إلى الأمور الشائكة وهي مبايعة معاوية لعليّ, وتسليم علي قتلة عثمان إلى معاوية, وركّزا على التهدئة وترك الأمور التي سببت النزاع جانباً.
__________
(1) كان الإمام علي رضي الله عنه يتخذ الكوفة عاصمة له.(4/8)
وبالرغم مما بذله الحكمان, أبو موسى وعمرو, من جهد لتسوية النزاع, وبالرغم من الأثر الإيجابي للتحكيم, إلا أن فئة من الناس لم يَرُق لها أن يضع المسلمون حدّاً لاقتتالهم, فإن في ذلك خطراً عليهم وعلى مصالحهم, ومن بين هؤلاء الخوارج الذين كفروا المسلمين عامة ومن رضي بهذا التحكيم خاصة, مدّعين أن تحكيم الرجال تعدٍّ على حكم الله وشرعه, وممن رفض هذا الصلح تلك الفئة المثيرة للفتن من أنصار عبد الله بن سبأ الذي تولى كبر فتنة عثمان رضي الله عنه, حيث كان أبرز الذين ألبّوا الناس على عثمان, وبالغوا في عليّ حتّى ألّهوه.
لم يرق لهؤلاء وغيرهم أن تتوقف الحرب بين هاتين الفئتين من المسلمين, فلفّقوا ما استطاعوا تلفيقه, وصوّروا أبا موسى الأشعري رضي الله عنه بصورة المغفل الساذج مقابل عمرو بن العاص الغادر المخادع, إذ قدّموا لنا رواية عن التحكيم بطلها وراويها هو أبو مخنف لوط بن يحيى, وهو رجل لا يوثق به, مبغض للصحابة, وأعرضوا عما رواه الإمام البخاري, فقد روى أبو مخنف هذا أن عمرو بن العاص اتفق مع أبي موسى الأشعري على عزل علي ومعاوية, فصعد أبو موسى المنبر وقال: أني أنزع عليّاً من الخلافة كما أنزع خاتمي هذا, ثم نزع خاتمه, وقام عمرو وقال: وأنا أنزع عليّاً كذلك كما نزعه أبو موسى كما أنزع خاتمي هذا, وأثبت معاوية كما أثبت خاتمي هذا.
وهذه الرواية لا يعتمد عليها لأسباب:
أولاً: السند ضعيف فيه أبو مخنف الكذاب.
ثانياً: خليفة المسلمين لا يعزله أبو موسى ولا غيره, إذ لا يعزل الخليفة عند أهل السنة بهذه السّهولة, والذي وقع في التحكيم هو أنهما اتفقا على أن يبقى علي في الكوفة وهو خليفة المسلمين, وأن يبقى معاوية في الشام أميراً عليها.
ويضيف د. حامد الخليفة في كتابه (الإنصاف) معلّقاً على رواية أبي مخنف:
((فالمغالطة هنا أن معاوية لم يكن يومئذ خليفة, ولم يكن يطالب بالخلافة, فكيف يخلع عن شيء لا يمتلكه))؟.(4/9)
ولا يخفى ما تنطوي عليه هذه الروايات من قدح وذمّ في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم واتهام بعضهم بالغدر والخيانة, وما يخالف هذا امتداح الله ورسوله لهم.
للاستزادة:
الإنصاف فيما وقع في تاريخ العصر الراشدي من الخلاف – الدكتور حامد محمد الخليفة ص533.
حقبة من التاريخ – الشيخ عثمان الخميس ص84.
العواصم من القواصم – القاضي أبو بكر بن العربي ص117.
كتاب الشهر
تاريخ إيران السياسي بين ثورتين
(1906 – 1979)
تأليف: د. آمال السُّبكي
عن سلسلة عالم المعرفة الصادرة في الكويت, تتعرض د. آمال السّبكي في كتابها (تاريخ إيران السياسي بين ثورتين 1906-1979) إلى جانب من تاريخ إيران الحديث, حيث كانت تلك الفترة مليئة بالأحداث الجسام, داخلياً وخارجياً, وكانت إيران تؤثر وتتأثر بها.
وكانت الكثير من الأحداث في إيران انعكاساً للمشهد العالمي وسياسة الاستقطاب من القوى الكبيرة, وشهدت الفترة المشار إليها أحداثاً عالمية كبرى كالحرب العالمية الأولى سنة 1914-1918, والثانية سنة 1939-1945, والثورة الشيوعية في روسيا سنة 1917, حيث تأثرت إيران بهذه الأحداث وغيرها تأثراً كبيراً.
في بداية الكتاب تتحدث المؤلفة عن الأوضاع من سنة 1906 إلى سنة 1914, أي من الثورة الدستورية إلى اندلاع الحرب العالمية الأولى, وكان يحكم إيران –آنذاك- الدولة القاجارية التي فتحت الباب على مصراعيه للنفوذ الأجنبي والاستثمارات الأجنبية وخاصة البريطاني والروسي, الأمر الذي أثار الطبقة الوسطى(1) في إيران الساعية لبناء اقتصاد رأسمالي, وعطّل طموحاتها في المشاركة في النفوذ والثراء.
__________
(1) الطبقة الوسطى تتشكل من تجار المدن, وملاّك الأراضي الصغار, وأصحاب حوانيت البازار والمشاغل الحرفية, وتأتي في المرتبة الثانية بعد الطبقة الارستقراطية الواسعة الثراء.(4/10)
وتعد هذه الطبقة مصدر التمويل الأساسي للمؤسسة الدينية الشيعية, من خلال ما تمنحه لرجال الدين من رواتب, وما توقفه على مساجدهم ومدارسهم من أوقاف, وما تمنحه إيّاهم من الخمس(1) , لذلك ارتطبت هذه الطبقة برجال الدين ارتباطاً وثيقاً, وصار من الصعب فصل السوق أو البازار عن المسجد.
العداء الشيعي للقاجاريين:
وتوجهت سهام العداء إلى الأسرة القاجارية, خاصة أن الآثار السلبية لسياسة الاستدانة والامتيازات الاقتصادية للأجانب انعكست على مصالح الرأسمالية الإيرانية, ممّا قلل من عائدات الخُمس والتكايا, والأوقاف الموجهة من الأغنياء للإنفاق على المدارس والحوزة العلمية في "قم" وغيرها.
وذهب أئمة الشيعة بعيداً في عدائهم للقاجاريين, فروّجوا بأن القاجاريين كانوا منخرطين في الجيش الأموي في معركة كربلاء, وادّعوا وجود الخنجر الذي استخدم في قطع رأس الإمام الحسين بحوزة حاكم طهران! ومن أجل تحقيق ذلك, كان أئمة الشيعة يستغلون المناسبات العديدة كالتعزية(2) لتوجيه الرأي العام نحو أهدافهم, ومنها إقناع الناس بعدم جواز ولاية الإمام الظالم.
__________
(1) الخمس: ضريبة مالية تعتبر من الأركان والفرائض في المذهب الشيعي تقضي بأن يسلم الشيعي إلى شيخه أو إمامه خمس (20%) ما يملك كل عام.
(2) التعزية: المناسبة السنوية لإحياء ذكرى كربلاء واستشهاد الإمام الحسين بن علي بالتمثيليات والأشعار المشجونة بعواطف البكاء على الحسين, ومن ثم توجيه المشاعر الغاضبة الحزينة ضد من يخالفون المذهب الشيعي أو رجال الدين الشيعة.(4/11)
وعن هذا المسلك لرجال الدين الشيعة تقول المؤلفة ص23: "إن بنية العقيدة الشيعية الإثنى عشرية تخلق لدى المجتمع المتشيع –طبقاً لمفاهيم أئمة الدين وكذا تحريضاتهم- نوعاً من العداء العملي تجاه الدولة المدنية, وتترك فراغاً نفسيّاً لدى المتدينين يقوم بملئه رجال الدين خصوصاً وهم المسؤولون عن الفتوى في القضايا الشرعية والمسائل الدينية, مما أتاح لهم فرصة إصدار فتاوى وبيانات قد تتعارض مع صلاحيات السلطة الحاكمة عمليّاً".
واندلعت في عهد القاجار سنة 1906 ثورة أطلق عليها "الثورة الدستورية" كانت تطالب بإصلاحات سياسية, وفي سنة 1925 انتهت هذه الدولة على يد رضا بهلوي الذي كان قائداً للجيش ورئيساً للوزراء, وأسس على انقاض القاجار نظاماً ملكيّاً جديداً.
البهلويون:
وفي عهد الدولة البهلوية (1925-1979) كانت إيران مسرحاً للتدخلات الخارجية والتنافس الغربي, خاصة من قبل الاتحاد السوفييتي وبريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة.
كما أنه تم في بداية عهدهم احتلال إمارة عربستان(1) وضمها إلى إيران نهائياً تحت اسم "خوزستان", وهو الإسم الذي ما زالت تطلقه إيران على هذه المنطقة العربية.
وقاد رضا بهلوي جملة من الاصلاحات الاقتصادية وأطلق العديد من المشروعات, إلا أنها لم تؤثر بشكل كبير على محاربة الفقر والأمّيّة.
__________
(1) عربستان: المنطقة الواقعة إلى الشرق من شط العرب, وتعد تتمة لمنطقة السواد في العراق, وتصل إلى سفوح جبال زاغروس والتي تحيط بها من الشمال والشرق.
يروي المنطقة نهرا (قارون) و (الكرخة), وتبلغ مساحتها ما يزيد على 185 ألف كيلو متر مربع, ويسكنها ما يزيد على ثلاثة ملايين إنسان, وقد كانت قبيلة (كعب) العربية هي المهيمنة على المنطقة منذ القرن الثاني عشر الهجري.(4/12)
واصطدم بهلوي بالمؤسسة الدينية عندما سمح بخلع الحجاب, وأنشأ محاكم مدنية لسحب البساط من تحت أقدام رجال الدين في القضاء الذي منعهم من ممارسته إلا بعد الحصول على شهادة الحقوق من جامعة طهران أو أي جامعة أوروبية.
كما أنه فرض الملابس الغربية على الرجال, وألغى بعض المناسبات الدينية الشيعية, وأصبح الذهاب للحج بتصريح خاص, وقلّص عدد المدارس الدينية, وصادر ممتلكات وأوقاف المؤسسة الدينية.
وتميز عهد بهلوي بطمس هوية القوميات غير الفارسية, وإذابة هويتهم داخل إطار القومية الفارسية, وانصبت الجهود بشكل أساسي على منطقة عربستان التي تقطنها عناصر عربية, فقد ألغى بهلوي تداول اللغة العربية في المعاملات الرسمية, ومنع الغناء العربي في المقاهي, وأطلق على المحلات العربية أسماء فارسية, واستبدل الملابس العربية بالفارسية, وجرد القبائل العربية من السلاح, والأمر نفسه تم تطبيقه على المناطق الكردية(1) حيث تم منع تداول اللغة الكردية, وتحريم ارتداء الأزياء الخاصة بهم, وتحويل أسماء القرى والمدن إلى أسماء فارسية, وتهجير عدد كبير من القبائل الكردية في كردستان إلى مناطق أخرى سنة 1935, حيث تعرضت أعداد غفيرة للموت في الطريق, كما أن المناطق الكردية لم تحصل على نصيب معقول من مراكز التصنيع التي تم إنشاؤها.
وفي عام 1941 تم عزل رضا بهلوي من قبل القوات الأجنبية المتواجدة في إيران ونفيه, وتنصيب ابنه محمد مكانه.
واستمر محمد رضا بهلوي في سياسة والده من حيث هدر ثروات البلاد وقمع المعارضين واضطهاد علماء الدين, رغم بعض الفترات التي كانت تشهد انفراجاً محدوداً, وكان من الطبيعي أن تزداد القوى المعارضة لحكم الشاه بهلوي, سواء تلك التي كانت تطالب بإلغاء الملكية وإقامة نظام جمهوري, أو تلك التي كانت تفضل ملكية دستورية وصلاحيات أوسع لمجلس النوّاب.
__________
(1) الأكراد كانوا يشكلون اثني عشر مليون كردي يقطنون أذربيجان وهم من المذهب السنّي.(4/13)
وشهد العامان السابقان لثورة الخميني (1977-1979) جهوداً محمومة لإسقاط نظام الشاه اشترك فيها غالبية الأحزاب والقوى في المجتمع الإيراني, حيث اندلعت المظاهرات في عموم إيران, وازدادت المعارضة له في الداخل والخارج على حدّ سواء.
ثورة الخميني:
وتشير د. السّبكي إلى ما صاحب الثورة الإيرانية سنة 1979 من ضجّة إعلامية ضخّمت من قدرتها, وأضفت هالة من التقديس والقدرة التنظيمية الفائقة على قياداتها والقائمين عليها, كما تفنّد المؤلفة وجود تكاتف وتلاحم بين عناصر المؤسسة الدينية بكل درجاتهم مع زعامة الثورة, حيث أن واقع الحال قد كشف عن وجود تباين واضح وخلاف جوهري بين أعضاء المؤسسة الدينية في إيران من جهة, وأعضاء المؤسسة ورموز الثورة الدينية من جهة أخرى, كما أنه بدا على السطح أن التحالف بين رموز الثورة كان مؤقتاً, لأن خطوط الالتقاء لهذا التحالف كان اسقاط الحكم الملكي, فما لبثت الخلافات أن تفجرت بإلغاء الملكية, وتسلمهم الحكم في إيران مع مطلع سنة 1979, وهكذا هو شأن الثورات, تساهم فيها تيارات عديدة, ثم يطغى تيار على التيارات الأخرى, ويفرض نفسه ويبدأ بإقصاء الآخرين.(4/14)
وبلغ الاختلاف مداه بين رجال الدين, وتركزت في المقام الأول حول مفهوم ولاية الفقيه(1) التي كان الخميني من أهم الذين نظروا لها وتبنوها, وهو أوّل من جسّدها عمليّاً, واعتبرت تلك الولاية الأولى من نوعها في تاريخ إيران الحديث, وثارت التساؤلات حول مدى التلاقي والخلاف حول حدود الولاية من الوجهة الدينية والسياسية, ومدى صلاحية الإمام لقيادة الدولة سياسياً.
وظهرت بين مختلف التيارات الدينية في الثورة الإيرانية خلافات سياسية, ودينية واجتماعية شديدة الحدة في الشارع الإيراني, ولم تكن الخلافات التي برزت مقتصرة على الجانب الفكري والنظري فحسب, بل تعدته إلى وسائل وتفاعلات الممارسة العملية وسط الجماهير الإيرانية, لأن الثورة استعانت بأجهزة الدولة المدنية وأجهزة الثورة المستحدثة أيضاً.
ولم يكن يخطر على بال مراجع "قم" أن ينجح الخميني في تفجير الثورة وقيادة الدولة في آن واحد, وعليه نشأت حساسية شخصية وعلمية بينه وبين المراجع الآخرين, وخصوصاً أن ولاية الخميني السياسية تؤدي إلى صيغة المرجع الأوحد, كما ستؤدي إلى سيادته المرجعية عليهم, إضافة إلى عدم إيمان الكثير منهم بولاية الفقيه, وفضل هؤلاء انتظار الإمام الغائب!.
واصطبغت الثورة بالصبغة الدينية بعد عامين من الصراع وتحديداً سنة 1981, تم فيها تصفية المعارضة بأجنحتها المختلفة.
المواقف الغربية:
__________
(1) ولاية الفقيه: نظرية سياسية شيعية جاءت تعالج خللاً في المعتقد الشيعي, وهو غياب المهدي عندهم, حيث يؤمنون أنه لا يجوز ممارسة الحكم وإقامة الدولة في غيابه, فهذا حق له وحده, وتقضي النظرية بأن يتولى الفقيه جميع مهام الإمام المهدي أثناء غيابه ومن ذلك إقامة الدولة. وكان أول من قال بها النائيني (1273هـ-1355هـ) ولكن الخميني هو الذي دعا إليها وجسدها عملياً.(4/15)
وإزاء الاحتضار الذي كان يعيشه نظام الشاه, أعلنت الخارجية الأمريكية أنها لن تتدخل في شؤون إيران, وحرصت الولايات المتحدة على إبعاد الجيش عن التدخل في الصراع الدائر أو الانحياز لنظام الشاه.
أما في بريطانيا, فقد ساندت هيئة الإذاعة البريطانية الخميني بشدّة, وكانت تبث الدعوة لقلب نظام الشاه بصورة مباشرة, إضافة إلى إذاعة بيانات الخميني وخطبه لتحريض الشعب ضد الشاه.
كما أن فرنسا استقبلت الخميني سنة 1978 بعد خروجه من العراق, حيث رغبت فرنسا في استثمار مرحلة ما بعد الشاه لصالحها اقتصادياً.
أما الاتحاد السوفييتي فقد اعترف على الفور بالخميني زعيم الثورة الإيرانية وبالنظام الجديد.
وجاء التطبيق العملي لمنهج الثورة في إدارة الحكم والسياسة ليفرز على الساحة الإيرانية ست مجموعات دينية متميزة, وكان لكل مجموعة مصالحها الخاصة, وأيديولوجيتها ورؤاها المستقلة, وهذه المجموعات هي:
أولاً: الثوريون الراديكاليون:
وكان الخميني على رأس هذه الجماعة التي ضمّت أعداداً غفيرة من تلاميذه السابقين الذين تحركوا بصورة فاعلة بعد أن هدأت الثورة بين أوساط صغار التجار ورجال الدين البسطاء, وكانوا ينشرون خطب الخميني, وقد شكلوا لجاناً من الشباب المسلح لتعقب المعارضين, وكانت الجماعة تهدف إلى إقامة حكم رجال الدين بدلاً من نظام الشاه.
ثانياً: المتدينون المعتدلون:
وعلى رأسها رجل الدين الشيعي شريعتمداري, وكان لا يرى بولاية الفقيه كما أصّلها الخميني حيث كان يرى ضرورة عدم تدخل رجال الدين في إدارة الأمور المدنية إلا عند الضرورة كحالة عدم وجود حكومة.(4/16)
وكانت الجماعة تطالب بالإبقاء على نظام الشاه مع تحويله إلى ملكية دستورية, وقيل أن مطلبها هذا كان من باب "التقية"(1) , وكان الكثير من رجال الدين الشيعة يؤيدون شريعتمدراي سرّاً خوفاً من بطش الخميني وأنصاره.
ثالثاً: المثقفون الليبراليون:
وعلى رأس هذه الجماعة مهدي بازركان رئيس الوزراء الذي عينه الخميني فور وصوله, وقد تشكلت هذه الجماعة بعد استقالة بازركان من رئاسة الحكومة التي شغلها تسعة أشهر قضاها في شقاق مستمر مع رجال الدين وعلى رأسهم الخميني, حيث صرّح ذات مرّة بأن إيران سائرة نحو الخراب, وأن الخميني يتخذ قراراته دون علم أحد, كما ندد بازركان بالمحاكمات السرية التي كانت تعقدها الثورة وطريقة معاملة السجناء, وبممارسات اللجان الثورية التي كانت منتشرة في طول البلاد وعرضها.
رابعاً: الإصلاحيون:
وهم بالأساس من المتأثرين بالمفكر الشيعي علي شريعتي الذي كان دائم الانتقاد لممارسات رجال الدين الشيعة وممارستهم للكهنوت ومحاولة الحجر على عقول الناس.
خامساً: الوطنيون التقليديون:
وتمثل هذا التيار الجبهة الوطنية وهي من أقدم الأحزاب السياسية في إيران, وبرز منها محمد مصدّق الذي تولى رئاسة الحكومة في الخمسينات, وقام بتأميم صناعة النفط الإيراني.
سادساً: اليسار الإيراني:
وعلى رأسها حزب توده الشيوعي وجماعات الفدائيين: "فدائي خلق" و "مجاهدي خلق" وكانت تتبنى الأفكار الشيوعية والاشتراكية كالمطالبة بتأميم الصناعات الثقيلة ومصادرة أموال الأغنياء وتوزيع الأراضي الزراعية على الفلاحين, كما أنها طالبت بقطع صلات إيران بدول الغرب عدا الاتحاد السوفييتي.
__________
(1) التقية: إظهار الشيعة لعقائد وأفكار خلاف ما يبطنونه حرصاً في كسب المخالفين أو دفع ضررهم, أو إيهام البسطاء أن عقائد الشيعة لا تخالف عقائد المسلمين, والتقية عند الشيعة تسعة أعشار الدين كما جاء في مصادرهم.(4/17)
وتستخلص المؤلفة مما سبق أن زعامة الخميني لم تكن زعامة للشعب بلا منازع, بل إن معارضة رجال الدين الشيعة لولاية الفقيه كانت أكبر مما تصوره الباحثون, ناهيك عن المعارضين لمبدأ ولاية الفقيه من الجماهير الإيرانية المثقفة.
وبالرغم من أن المواطنين رحّبوا بالثورة, إلا أن ذلك لم يكن حباً في رجال الدين أو ثقة في قدرتهم على إدارة الدولة بقدر ما كان ترحيباً بالقوى التي استطاعت تخليصهم من النظام البهلوي, إضافة إلى غياب الزعامة السياسية المناظرة للخميني, حيث تلوثت سمعة السياسيين الإيرانيين بسبب تعاونهم مع الشاه.
وتضع د. السّبكي أسباباً خمسة لتفوق تيار الخميني على التيارات الأخرى وبالتالي إقصائه لهم:
إهمال الشاه لقوة رجال الدين, فكانت الفرصة مواتية له لشحن أنصاره ضد الشاه علىعكس الأحزاب السياسية والنقابات والجمعيات التي قام الشاه بحلّها.
تأجيج الشاه للميول الثورية من خلال استعماله القوة لإخماد التظاهرات, فساهم ذلك في رفع أسهم الخميني, الذي اشتهر برفضه للحلول الوسط, كما أن بطش الشاه ساهم في دفع المعارضة المعتدلة إلى الانضمام إلى الخميني.
لم يجد العلمانيون والليبراليون فرصة لنشر أفكارهم في ظل احتكار رجال الدين للمنابر, الذين كانوا يهاجمون العلمانيين ويصفونهم باتباع الغرب.
حياة الخميني في المنفى جعله يبتعد عن البازارات والأموال التي كانت تلوث رجال الدين.
ذكاء الخميني وقدرته على جذب المستمعين.
توطيد الحكومة الدينية:
يتحدث الفصل الأخير من الكتاب عن الحكومة التي شكلها مهدي بازركان في بداية الثورة التي كانت تعد ائتلافاً جمع الكثير من الرموز السياسية الموجودة على الساحة الإيرانية, حيث كان الخميني يحرص على عدم كشف أوراقه دفعة واحدة.(4/18)
ولم يكن رئيس الوزراء بازركان ورفاقه يتمتعون بالسلطة المطلقة لإدارة الدولة, لأن الخميني عمل على وجود سلطتين متوازيتين منذ اللحظة الأولى: سلطة رسمية تمثل واجهة مقبولة للنظام أمام العالم وهي الحكومة, وسلطة فعلية تباشر شؤون الدولة مكونة من اللجان الثورية المحلية, ومحاكم الثورة, واللجنة المركزية لرجال الدين, والمجلس الثوري, ومجلس الخبراء الذي أسندت إليه مهمة إعداد الدستور.
أما الوزارات والوكالات المركزية للإعلام, والإدارات التابعة لمناطق الريف والجيش وشرطة الريف وشرطة المدن فكانت تتبع فعلياً اللجان الثورية, أما رسمياً تتبع رئاسة الوزراء.
ولذلك شعر بازركان ورفاقه بمأساوية الأوضاع والخطر على حياتهم, وعدم القدرة على إنجاز أعمالهم, الأمر الذي جعل بازركان يردد مقولته الشهيرة: "لقد أعطوني سكيناً بلا نصل بينما وضع النصل في أيدي الآخرين".
واستمر الخميني في سياسته الداعمة لثنائية السلطة, فأخذ يشكل اللجان الثورية ومحاكم الثورة, ومصادرة ممتلكات الأسرة البهلوية والأثرياء, ويعين أئمة الشيعة لإلقاء خطب الجمعة في المدن الرئيسة, وكي يراقبوا في الوقت نفسه أعمال محافظي الأقاليم, ثم أنشأ مجلس قيادة الثورة الذي كانت مهمته الرئيسة الإشراف على الحكومة المؤقتة نفسها.
بني صدر في الرئاسة:
في يناير من سنة 1980 تولى رئاسة الجمهورية أبو الحسن بني صدر, ولم يكن بعيداً في معاناته عن بازركان الذي منذ اللحظة الأولى لتوليه مهامه بأنه قد جرّد من صلاحياته, بعد أن أعطى الدستور الجديد الخميني صلاحيات إقالة رئيس الجمهورية وإعلان الحرب.
وتمحورت الخلافات بين بني صدر والمؤسسة الدينية في الأمور التالية:
الرهائن الأمريكيين المحتجزين في إيران حيث كان يرفض بني صدر استمرار احتجازهم.
استمرار الحرب العراقية الإيرانية.
الاقتصاد المنهار, وزيادة الاسعار 50% خلال عام واحد, وزيادة عدد العاطلين عن العمل إلى أربعة ملايين.(4/19)
التزايد السريع للمنظمات الماركسية مثل المنظمة الإسلامية للفدائيين التي تعتبر وريثاً لحزب توده الشيوعي(1) .
ختاماً
ارتبط التاريخ الحديث لإيران بالثورات ارتباطاً وثيقاً, ذلك أن الأوضاع المتردية سياسياً واقتصادياً وأمنيّاً دعت الناس للتفكير بالخروج من أوضاعهم الحالية والبحث عن حكم جديد أو على الأقل إصلاح الحكم الموجود دون الدعوة إلى إسقاط ذلك الحكم.
ولم تكن ثورة الخميني سنة 1979 وهي الفترة التي انتهى عندها الكتاب استثناءً من الثورات التي اندلعت في مختلف أنحاء العالم, وادّعت أنها جاءت لخير البشرية, في حين أنها مارست شتى صنوف الظلم والقهر بعد نجاحها.
فثورة الخميني التي ادّعت أنها جاءت لإقامة الإسلام أو الدولة الإسلامية وحماية المستضعفين في العالم, وانخدع بها البسطاء من المسلمين كشفت عن وجهها الحقيقي من خلال ما مارسته من ظلم للإيرانيين واضطهاد الأقليات غير الشيعية وغير الفارسية, كما أن الاعتقالات والإعدامات الجماعية سمة ميزت هذه الثورة خاصة في بدايتها, وكذلك إهدار موارد الدولة والدخول في حرب مدمرة مع العراق, كان الخميني يرفض خلال سنواتها الثمان كل النداءات لوقفها.
__________
(1) وهذه النقطة بحاجة للوقوف عندها مليّاً, حيث من غير الطبيعي أن تنشأ هذه المنظمات الشيوعية في دولة تدّعي أنها إسلامية فضلاً عن تكاثر هذه المنظمات والسماح لها بالعمل والانتشار واصدار صحف خاصة بها دون غيرها, وهذا يدل على الجذور الماركسية للخميني والتي بدأ يتناولها الباحثون حديثاً, انظر مجلة مختارات إيرانية عدد 30 (يناير 2003) ص13, وانظر بحث الثورية الماركسية للخميني في موقع www.ansar.org/arabic/marksi.htm , كما أننا بحاجة إلى الوقوف على السياسات الاشتراكية التي تبناها الخميني مثل التأميم ومصادرة الأراضي, وتحديد عدد المساكن المملوكة للفرد بالمدن الإيرانية.(4/20)
كما أن تصدير الثورة الذي تبنته إيران الخمينية وهو يعني أن تنشر تجربتها ومذهبها بالقوة, حيث كان العراق أولى محطات هذا التصدير. كان لهذا التصدير الأثر السيء في توتر علاقات إيران بجاراتها ومختلف دول العالم, ذلك أن تصدير الثورة طال دولاً عديدة -وإن كان بنسب متفاوتة- وبخاصة الكويت والسعودية والبحرين والعراق ولبنان.
وبالرغم من أن حكماً جديداً حلّ في إيران سنة 1979, إلا أن السياسات الإيرانية في الداخل والخارج لم تختلف اختلافاً جوهرياً, وظلت إيران الثورة تمشي على هدى البهلويين والقاجار في كثير من الجوانب والسياسات.
فعلى الصعيد الداخلي استمرت إيران في ظل الخميني في إعلائها للعنصر الفارسي والحط من شأن بقية القوميات, بالرغم من كونها مسلمة, كما أنها قصرت الحكم والسياسة والمجتمع على المذهب الشيعي الاثني عشري, وترافق ذلك مع حملة منظمة لاضطهاد وتهميش أهل السنة في إيران, وهو الأمر الذي لم يكن بهذا السوء خلال حكم القاجار والبهلويين.
وعلى الصعيد الخارجي استمرت إيران الخميني في عدائها للعرب والمسلمين ومحاولة السيطرة على أراضيهم كما قام رضا خان من قبل واحتل منطقة عربستان, فقد قامت إيران باحتلال جزر إماراتية سنة 1992, وحتى الآن ترفض إيران إعادتها أو التفاوض بشأنها مدّعية ملكيتها لها.
وحيث أن ثورة الخميني سنة 1979 أو تلك الثورات المحدودة التي نشأت قبل ذلك كانت تندلع بسبب الظلم والفساد والفقر, فإن المتابع للأحداث في إيران يجد أن الظروف التي استدعت قيامها ما زالت قائمة, فالاضطهاد الفكري ما زال قائماً, فقد حُكِم على الأستاذ الجامعي هاشم آغاجاري بالإعدام لأنه انتقد سلطة رجال الدين في إيران, والأمثلة بهذا الصدد كثيرة, وإغلاق الصحف وتكميم الأفواه والاعتداء على الصحافيين والمثقفين أمور يومية لا تخفى على أحد.(4/21)
كما أن إيران –بالرغم من ثرواتها وخيراتها- تئن من الوضع الاقتصادي السيء حيث انتشار الفقر والبطالة مما أدى لانتشار البغاء والتفكك الاجتماعي.
وما زالت ثورات الطلاب في إيران ماثلة أمامنا, حيث الجامعات في إيران هي الوقود والمحرك والمعوّل عليها في التغيير.
بقي أن نشير إلى أن مؤلفة الكتاب الدكتورة آمال كامل السّبكي من مواليد مصر وهي حاصلة على الدكتوراة في التاريخ من جامعة القاهرة سنة 1969, وتعمل رئيساً لقسم التاريخ بكلية آداب بنها, ولها العديد من المؤلفات عن التيارات السياسية في مصر والعلاقات الأمريكية العراقية والوجود السوفييتي في أفغانستان, وغيرها.
وقد صدر كتابها (تاريخ إيران السياسي بين ثورتين: 1906-1979) عن سلسلة عالم المعرفة التي يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت في جمادى الآخرة 1420هـ, اكتوبر (تشرين الأول) 1999 في 294 صفحة من القطع المتوسط, وقد قسمت الكتاب إلى تسعة فصول تناولت عصري القاجار والبهلويين ثم عصر ثورة الخميني, وما تبع ذلك من توطيد لهذه الثورة أثناء حياة الخميني أو بعد موته سنة 1989.
قالوا...
أين حسن الجوار؟
قالوا: "إيران تطلب من الكويت الامتناع عن تطوير حقل الدّرة في مياه الخليج العربي, وهذا الحقل الذي تطلق عليه إيران اسم "أراش" مثار خلاف بين إيران والكويت منذ الستينات من القرن الماضي, وتصر إيران على إشراكها في تطويره, غير أن وزراة الطاقة الكويتية متحفظة بشأن ضرورة التوصل لاتفاق مع إيران وتؤكد أن أغلبية الحقل تقع على الحدود الكويتية السعودية".
وكالة رويترز 27/10/2003
قلنا: متى ستكف إيران عن لعب دور الشرطي في المنطقة, وتتبع حسن الجوار, وتمتنع عن تهديد الدول الصغيرة؟(4/22)
مطالبة إيران بأن تشارك في حقل نفطي يقع أغلبه على الحدود الكويتية السعودية في زمن الانفتاح والتعاون! لا يختلف كثيراً عن احتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاث, ومطالبتها الدائمة بضم البحرين إليها, واحتلالها للأهواز العربية, فإيران هي إيران.
حزب الله "يمون" على إسرائيل!
قالوا: "هل لحزب الله "مونة" على دولة إسرائيل أكثر منّا؟
وزير الخارجية الأردني مروان المعشر
الدستور 31/10/2003
قلنا: لقد كان الوزير الأردني يعلّق على امتناع إسرائيل الإفراج عن معتقلين أردنيين تطالب بلادهم بالإفراج عنهم, في الوقت الذي تسير صفقة الإفراج المتبادل عن الأسرى بين حكومة شارون وحزب الله على قدم وساق, وهو الأمر الذي جعل الوزير يستغرب أن يتم حرمان الأردن من هذا الإنجاز وهي الدولة التي تقيم علاقات سياسية واقتصادية مع إسرائيل, في الوقت الذي يتم إهداء هذا الإنجاز إلى حزب الله اللبناني الشيعي.
ونحن بدورنا نشارك الوزير تساؤله: ما الذي يجعل دولة اليهود ترفع من شأن حزب الله, وتساهم في تلميعه وزيادة شعبيته بين المسلمين السنة.
ثوب جديد لتصدير الثورة
قالوا: "إن إيران تفكر في إرسال حوالي مئة ألف سائح إيراني وحاج إلى العتبات المقدّسة شهريا, مما سيؤدي إلى عائدات سنوية بقيمة 500 مليون دولار للعراق".
وزير الخارجية الإيراني كمال خرازي
الرأي 29/10/2003
قلنا: ما زال بعض البسطاء يظن أن إيران توقفت عن فكرة تصدير الثورة وأنها الآن تلتزم حسن الجوار وعدم التدخل في شؤون الآخرين.(4/23)
إنّ إرسال هذا العدد الكبير ممن اعتبروهم سيّاحاً وزائرين يعيد إلى أذهاننا الطريقة التي سيطرت فيها إيران والشيعة على بعض مناطق الخليج من خلال إغراقها بالعمالة الإيرانية, الأمر الذي أدّى إلى أن يصبح الشيعة أكثرية في بعض دول وإمارات الخليج, كما أنه يعيد إلى أذهاننا قصة حوالي 150 ألف إيراني جاءوا إلى موسم الحج في مكة المكرمة سنة 1407هـ (1987م) بزي الحجاج, تبين أن منهم حوالي 20 ألفاً من قوات الحرس الثوري الإيراني, جاءوا إلى بيت الله الحرام للإفساد والتخريب وصد الناس عن بيت الله.
القوات الأمريكية ضيوف على مقتدى الصدر
قالوا: "صدام حسين وأتباعه هم أعداء العراق وليس الأميركيين, والشعب العراقي لا يريد إلا خيراً بالأميركيين.
ندعو القوات الأمريكية إلى حقن الدماء والبعد عن الاعتداءات والحروب والإرهاب ليكون التوحد والإخاء بين الشعبين والملتين, وندعو إلى أن يكون شهر رمضان المبارك اجتماعاً للعراقيين والأميركيين في محافل السلم والسلام.
التواجد الأميركي في العراق تواجد ضيوف, وأدعوهم إلى فتح المجال لي لحضور مجالسهم وندواتهم ومعسكراتهم وكنائسهم, فأنا لذلك متشوّق ومشفق!!
الشيعي العراقي مقتدى الصدر
بيان نشرته صحيفة الصباح العراقية
الرأي 3/11/2003
قلنا: ماذا بقي كي نتيقن أن الشيعة يؤمنون بأن خطر السنة أشد عليهم من اليهود والنصارى, فلقد تحول الأمريكي المحتل إلى ضيف لدى الشيعة, في الوقت الذي يتم فيه التضييق على أهل السنة وإيذاؤهم ومصادرة مساجدهم وأوقافهم من قبل مقتدى الصدر وأنصاره, وقد استولى الشيعة على 18 مسجداً لأهل السنة, 12 منها في بغداد, واستولى أنصار مقتدى على دائرة الأوقاف السنّية في البصرة, واعتدى أنصار حزب الدعوة الشيعي في البصرة أيضاً على مجموعة من الشباب السّني, وغير ذلك من الحوادث والمآسي المروّعة.(4/24)
فإذا كان هذا موقف الشيعي (المعارض) لأمريكا في العراق, فماذا بقي كي يقتنع بعض الناس بأن مقاومة الأمريكي ليست على أجندة الشيعة, وليست في مذهبهم حتى يخرج مهديهم, فلقد ظل بعض المتوهّمين يظنون أن مقتدى وأمثاله سيعلنون الجهاد ويحررون العراق, لكن الرياح تأتي بما لا تشتهي سفن هؤلاء الذين أصبحوا كالغريق الذي يتعلق بقشة.
الرذيلة شفعت له عند الصفويين
قالوا: "وقد سبق للشعب الإيراني –كباقي الشعوب- أن لقي على يد علمائه وحكامه نظير هذه المجازر كثيراً, منها: حملة الإبادة التي شنّها الشاه عباس الصفوي على المشتغلين في المكاتب والجمعيات الفلسفية –بإشارة الشيخ محمد باقر المجلسي وغيره من رجال الدين- فقد قام بعملية قتل جماعي للعلماء وتلامذتهم, وهي الوقعة المعروفة بـ "نكبة النقطوية والحروفية", وكان بعض الفلاسفة قد عمد إلى فتح مكاتب وتأسيس جمعيات للتعليم في أواخر القرن العاشر الهجري والتفّ حولهم عدد كبير من طلاب العلم, وفي سنة 1002هـ/1785م هاجمت قوات الشاه تلك المقرات فدمّرتها وقتلت من كان فيها كافة.
ومن غرائب ما سجّله التاريخ عن تلك المجزرة: أنّ شاعراً من أهل كاشان اسمه "باقر خرده ئي" كان من تلاميذ محمود النقطوي رئيس أحد تلك المكاتب الفلسفية, وقد تذرّع بعذر قبيح طلباً للسلامة, ذلك أنّه ادّعى امتهان اللّواط والهيام بغلام أمرد من تلامذة النقطوي, وأنه كان يتردد إلى المكتب ليحاول الفسق بالغلام لا طلباً للعلم. وقد شفع له بعض علماء خراسان وأيّدوا ادعاءه فعفي عنه ونجا من الموت.
ومن الخزي أن يسجل التاريخ في حكم عباس الصفوي هذه المثلبة, وأنّ الانحراف الخلقي والشذوذ الجنسي أهون لديه من طلب المعرفة".
كتاب الشيخية – محمد حسن الطالقاني - ص336-337(4/25)
قلنا: نعم من الخزي أن تشفع جريمة اللواط لأحد بني جلدتهم, وإذا كان الصفويون الشيعة يرتكبون هذه المذابح بحق طائفة من الشيعة, فكم يا ترى اقترفوا من مذابح بحق أهل السنة؟
يهاجمون عمرو بن العاص على التلفزيون
قالوا: "حلقات (رجل الأقدار) التي يعود بها نور الشريف للمسلسلات التاريخية ضربت الرقم القياسي في التسويق حيث اشترت 14 دولة عربية حق عرضها مع مصر في شهر رمضان لأهمية الموضوع الذي تناقشه وهو يتناول صفحات من حياة عمرو بن العاص الذي يعتبره كثير من المؤرخين شخصية خلافية في التاريخ الإسلامي.
ويقول نور الشريف أنه ظل لسنوات طويلة يحلم بتقديم شخصية عمرو بن العاص, بحسب صحيفة "الزمان" اللندنية, على شاشة التلفزيون لأنها من الشخصيات الثرية درامياً".
الرأي 2/11/2003.
قلنا: لقد ملأ الشيعة في مصر الدنيا ضجيجاً حول مسلسل عن عمرو بن العاص الذي فتح مصر, وادّعوْا أن نور الشريف قد اعتذر عن أداء الدور, وقام مجلسهم المسمّى "المجلس الأعلى لرعاية آل البيت" بإصدار الكثير من البيانات, من بينها بيان باسم "لجنة الفنانين المحبين لآل البيت في مصر", يهاجمون فيه عمرو بن العاص, ويطلبون بإلغاء هذا المسلسل.
وجاء تصريح نور الشريف وإصراره على المضي بهذا المسلسل كدليل على الكذب الذي يمتهنه الشيعة ويقتاتون من ورائه, وتقويل الناس ما لم يقولوه (مع تحفظنا على المسلسل والقائمين عليه).
هكذا حاول مقتدى الصدر إطاحة
السيستاني لحساب خامنئي والحائري!
الوطن العربي 24/10/2003
هل هي "مجرد حادثة" كما وصفها عبد العزيز الحكيم عضو مجلس الحكم الانتقالي وزعيم المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق, أم بداية حرب أهلية تبدأ شيعية-شيعية وتنتهي إلى أفغنة هذا البلد بحروب مذهبية وإثنية كما يجمع الخبراء والمحللون العراقيون والعرب والغربيون؟!(4/26)
ففي قناعة هؤلاء أن الحكيم هو أول وأكثر من يعلم خلفيات وانعكاسات حرب الشوارع والمقامات الدينية التي اندلعت الأسبوع الماضي في كربلاء عندما حاول العشرات من ميلشيا الإمام الشاب مقتدى الصدر السيطرة على مقامي الحسين والعباس في هذه المدينة الشيعية المقدسة فاصطدموا بحراسها من أتباع الحوزة العلمية أنصار المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني. فالحكيم يعرف جيداً من هو مقتدى الصدر وما هي مشاريعه, كما يعرف سوابقه ودوره في تصفية المراجع الشيعية من الإمام عبد المجيد الخوئي داخل مسجد الإمام علي في النجف إلى شقيقه محمد باقر الحكيم الذي كشفت آخر التحقيقات عن علاقة تعاون بين قوات القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني وجماعة مقتدى في إعداد عملية الاغتيال وتنفيذها.
وفي معلومات الوطن العربي أن التحقيقات في عمليات الاغتيال ومحاولات الاغتيال التي تعرض لها مراجع الشيعة في العراق قادت كلها إلى ما وصفه تقرير استخباراتي بـ "صفقة مقتدى الصدر الإيرانية" وفي هذه المعلومات أن الزيارة التي قام بها مقتدى الصدر إلى طهران في يونيو "حزيران" الماضي بمناسبة الاحتفالات بذكرى وفاة الخميني تضمنت اتصالات ومفاوضات حسمت أمر الاختراق الإيراني لشيعة العراق وجعلت من مقتدى الصدر رجل إيران في العراق بلا منازع و "البديل" عن خسارة محمد باقر الحكيم الذي فاجأ طهران, بل صدمهم عندما استغل عودته إلى النجف للتخلي عن دور "خميني العراق" ونموذج الجمهورية الإسلامية الإيرانية مما تسبب في تصفيته.
ويقول المتابعون لزيارة مقتدى الصدر الأخيرة لطهران إن ملالي تيار المرشد تعهدوا إحاطة الشاب العشريني "وليس الثلاثيني كما يزعم" بهالة من الترحاب والتقدير والاهتمام وقاموا بإغرائه بالزعامة والمستقبل الباهر الذي ينتظره حتى إن المرشد خامنئي حرص على الإعراب عن إعجابه بمقتدى الصدر, وقال له: أرى فيك حسن نصر الله العراق!(4/27)
وفي معلومات المصادر المطلعة أن الإغراء الإيراني الأهم حصل في اللقاءات السرية التي شملت رئيس السلطة القضائية العراقي الأصل محمود قاسم شهرودي وأحد أبرز المسؤولين عن "ملف العراق" في إيران, إضافة إلى المسؤول العسكري في هذا الملف قاسم سليماني قائد "قوات القدس" التي تعتبر الجناح الخارجي لوحدات كوماندوس الحرس الثوري.
20مليون دولار...
بعد عودته من طهران بدأت تظهر خصوصية "الحالة" التي يمثلها مقتدى الصدر, وخصوصاً داخل المعادلة الشيعية وتحديداً في مركز ثقله مدينة الصدر "مدينة صدام سابقاً" التي يعيش فيها أكثر من مليوني شيعي من الفقراء. ولوحظ أن صور الخميني بدأت تنتشر في ضاحية بغداد للمرة الأولى بكثافة لافتة, فيما بدأت تظهر مؤشرات عملية تصحيحية إيرانية في الحركة الصدرية بحيث بات أقرب المستشارين لمقتدى من مؤيدي إيران ومرجعية خامنئي وتبين أن بعضهم من "ملالي" المخابرات الإيرانية لبسوا عمائم رجال دين شيعة عراقيين, وبعدها بدأت تتكشف تفاصيل الصفقة الإيرانية حتى بأبعادها المالية, حيث تحدثت مصادر مطلعة عن ميزانية عشرين مليون دولار وصلت إلى الصدر من طهران لصرفها على تنفيذ المخطط السياسي والأمني لفرض نفوذ إيران وهيمنتها داخل الطائفة الشيعية على مستوى المرجعية والمواطنين الشيعة ومواجهة رموز الشيعة المعتدلين سواء في مجلس الحكم أو الحكومة أو المرجعية والاستعداد لشن حرب جهاد ومقاومة ضد الاحتلال الأميركي.(4/28)
وتؤكد المصادر أن الخطة السرية التي حملها مقتدى الصدر من طهران وينفذها بتعاون وثيق ومباشر مع مستشارين من مكتب خامنئي وقوات القدس يحيطون به ليست أقل من تكرار لمشروع الجمهورية الإسلامية الإيرانية وذلك عبر خطة متكاملة لملء الفراغ السياسي والأمني والديني عبر سلطات بديلة ورديفة, وفي إطار هذا المشروع بدأ مقتدى الصدر بصرف مليوني دولار على المساعدات الاجتماعية لاستمالة الأنصار والمؤيدين وقام بصرف مليوني دولار –حتى الآن- على تجنيد قوات "جيش المهدي" وهي قوات بدأت مجموعات من الحرس الثوري بتجنيدها وتدريبها على طريقة "أنصار حزب الله" والحرس الثوري في إيران مقابل مرتبات شهرية تفوق ما تحصل عليه قوات الشرطة العراقية من الأميركيين... وحتى ما تتلقاه عناصر "فيلق بدر" التي كان عبد العزيز الحكيم يجد صعوبة في تمويلها بينما الملايين الإيرانية تتدفق على مقتدى الصدر!
في هذا الوقت بدأ الصدر العمل على إنشاء ما اسماه "حكومة ظل" رديفة لمجلس الحكم الانتقالي المعين من الاحتلال. لكن المعلومات وتصريحات مقربين من الصدر كشفت أن المشروع يهدف لإنشاء حكومة إسلامية على الطريقة الإيرانية.
ولكن قبل ذلك كان على الصدر أن يحسم أمر المرجعية الدينية وتحديداً إطاحة مرجعية النجف التي ما زالت بيد السيستاني ومراجع تقليدية معروفة باعتدالها مثل بشير النجفي وإسحق فياض ومحمد سعيد الحكيم لحساب مرجعية ما يسميه "الحوزة الناطقة".
و"الحوزة الناطقة" التي يعمل لها تيار الصدر تنطلق فقهياً من معارضة "الحوزة الصامتة" أي الحوزة التقليدية التي مرجعها السيستاني وتدعو إلى مرجعية محمد صادق الصدر "والد مقتدى" الذي اغتالته المخابرات العراقية العام 1999, التي تحبذ التعاطي المباشر لكل قضايا المجتمع والشؤون السياسية ولا يقتصر دور المرجعية فيها على إصدار الفتاوى, وهي مرجعية انتقلت بعد الصدر إلى كاظم الحائري.(4/29)
والعارفون بخفايا المخطط الإيراني الذي تحول مقتدى الصدر إلى أداة أساسية لتنفيذه في العراق يعتبرون أن دور مقتدى هو فقط الترويج لمرجعية كاظم الحائري المقيم في "قم" في مواجهة مرجعية النجف التي يتخوف ملالي طهران من استعادتها لموقعها السابق كمركز عالمي للمرجعية الشيعية.
وفي معلومات "الوطن العربي" أن الاحتفاظ بمرجعية "قم" وقطع الطريق على عودة مرجعية النجف مازالا الهاجس الأساسي لأصحاب المخطط الإيراني في العراق, ومن هذا المنطلق تمحورت التعليقات والقراءات الأولية لمواجهات كربلاء الأخيرة على التأكيد على أنها عملية تصعيد خطيرة لحرب المرجعيات الشيعية، وبالتالي رسالة إيرانية ليس فقط للمراجع الدينية والزعماء السياسيين الشيعة, بل لجميع شيعة العراق مفادها أن الاستقلال عن إيران خط أحمر وأن طهران تعتبر أن دورها المستقبلي في العراق وتحديداً عبر الشيعة هو ورقة استراتيجية مهمة جداً لمصلحتها الوطنية وحتى لاستمرار الجمهورية الإسلامية.
محاولة انقلابية...
وكشف مصدر شيعي عراقي لـ "الوطن العربي" أن معارك كربلاء هي في الواقع رسالة تهديد إيرانية ليس فقط للأميركيين, بل لشيعة العراق ورموز الطائفة. وخطورة هذه الرسالة التي ترجمت عمداً حرب شوارع دموية في أماكن مقدسة (عند الشيعة) هي في أنها تصعيد مقصود من أسلوب اغتيالات ومحاولات اغتيال المراجع الدينية إلى إفهام رموز الشيعة الدينيين والسياسيين بأن استقلالية شيعة العراق عن إيران غير مقبولة، وأن طهران مصممة على الاختراق وفرض الهيمنة والنفوذ حتى على حساب حرب شيعية – شيعية واقتتال دموي بين أبناء الطائفة الواحدة, وأضاف هذا المصدر: إن ما بدأ في كربلاء ليس صراعاً بين السيستاني ومقتدى الصدر, بل بين طهران والسيستاني.(4/30)
وأكثر من ذلك, كشفت جهات شيعية مطلعة عن معلومات تشير إلى أن السيطرة على الأماكن الشيعية المقدسة "النجف وكربلاء" هي بالنسبة لطهران –ومقتدى الصدر- هدف أهم من السيطرة على بغداد ومدينة الصدر. ولم يكن من قبيل المصادفة أن يستبق مقتدى الصدر معارك كربلاء بالإعلان عن رغبته في نقل العاصمة من بغداد إلى النجف. وفي معلومات هذه الجهات أن خطة السيطرة على مقامي الحسين والعباس في كربلاء كانت ضمن خطة أوسع تستهدف أيضاً السيطرة على مقام الإمام علي في النجف ونقل كل الأماكن الشيعية المقدسة إلى "سلطة مقتدى الصدر" عبر ما يمكن تسميته "خطة انقلاب ديني" كانت تهدف إلى إطاحة مراجع شيعة العراق التقليديين ولجوء مقتدى الصدر إلى دعوة كاظم الحائري للانتقال من "قم" إلى النجف. وفي رأي هذه المصادر أن خامنئي وجماعة "قم" أدركوا أخيراً أن أفضل وسيلة لحماية "حوزة قم" كمرجعية هي تحويل النجف إلى "فرع" لها والسيطرة عليها عبر وضعها تحت سلطة مراجع مؤيدة لقم وبالتالي تحويلها إلى حوزة ناطقة, بالخط الإيراني السياسي وليس فقط الفقهي وتحت غطاء مقتدى الصدر وتياره.
وتضيف هذه المصادر أن طهران أدركت أن مقتدى الصدر ليس بمستوى وحجم محمد باقر الحكيم –ولا حتى حسن نصر الله- إن على المستوى الفقهي أو السياسي أو حتى التأثير الشعبي داخل الطائفة رغم ملايين مدينة الصدر قرب بغداد, ويعرف الإيرانيون أن غالبية شيعة العراق يرفضون أن يمثلهم هذا الشاب صغير السن رغم احترامهم لوالده الراحل وعائلته. وكذلك يعرفون أن غالبية الشيعة يرفضون اعتبار "مدينة الصدر" التي تضم أكثر من مليوني شيعي فقير تشتهر بأعمال الشغب والعنف وبأنها تؤوي لصوصاً وقطاع طرق وتنعكس سمعتها على سمعة الصدر وطموحاته.(4/31)
وينقل خبراء عراقيون أن طهران أدركت أن مقتدى الصدر رغم شعبيته في "مدينة الصدر" ليس مؤهلاً لأكثر من قيادة حركة محرومين أو "ثورة جياع" على طريقة صبحي الطفيلي في لبنان ولن يستطيع أن يكون حسن نصر الله أو زعيماً شيعياً عراقياً ما لم يحصل على تكريس المرجعيات ويفرض نفسه في كربلاء والنجف والجنوب لينطلق في تسويق تتمة المشروع الإيراني "جيش المهدي" ثم الحكومة الإسلامية.
حرب شيعية – شيعية .....
من هنا جاءت مواجهات كربلاء كحركة انقلابية في أخطر رسالة إيرانية من نوعها لشيعة العراق والعراقيين والأميركيين, فقد كشفت تلك المعارك أولا أن الحرب الشيعية – الشيعية ليست مجرد تهديدات وحرب نفسية, وفي قناعة المراقبين المطلعين أنه مهما كانت نسبة الوعي لدى الشيعة وزعماء الطائفة لتحاشي الاقتتال الأخوي إلا أن هذا الخطر بات أكثر من احتمال قائم وما حصل في كربلاء مؤشر لتحول خطير جداً, وخصوصاً بعد أن كشف مقتدى الصدر عن طموحاته ومشروعه الذي يتناقض كلياً مع حسابات المراجع الدينية والسياسية الشيعية في العراق الذين يبدون مخاوف حقيقية من انفجار الوضع في شكل أكثر دموية بين لحظة وأخرى, نظراً لحجم خلفيات الصراع القائم بوضوح على زعامة الطائفة الشيعية والمرجعية. وقد اتضح ذلك عندما وصل الأمر بأنصار الصدر إلى اعتبار أنصار السيستاني "غير شيعة وغير مسلمين" محللاً دماءهم مما أرغم تيار السيستاني على الخروج عن صمته, فقام أحد مساعدي المرجع محمد خاقاني بالكشف عن "حقيقة" مقتدى الصدر فوصفه بأنه "شخص بلا أية قيمة علمية أو اجتماعية مدفوع من جهات خارجية رسمت له سلفاً خطواته, ويتحلق حوله لصوص وقطاع طرق وبعثيون ورجال استخبارات يلبسون عمائم".(4/32)
وهذه المخاوف سرعان ما انتقلت إلى الأطراف العراقية الأخرى التي تعيش أصلاً حالة ترقب وخشية من أن يكون السيناريو المقبل خلق حالة فوضى وحروب دموية عراقية-عراقية واللافت أن اعتراف هذه الفئات بأهمية الوعي الشيعي الذي نجح حتى الآن في نزع فتيل الانفجار الداخلي أكثر من مرة يزيد درجة الحذر لدى بعض المراقبين من أن تضطر بعض الفئات الشيعية أو غيرها لإبعاد الحرب الشيعية-الشيعية عبر فتح جبهات من مذاهب أخرى كتفجير صراعات سنية-شيعية أو كردية-عربية.
أما الأميركيون الذين تجاهلوا في البداية ظاهرة مقتدى الصدر وهمشوه لحساب فئات أعلى شأناً وأكثر اعتدالاً فإنّهم اضطروا لإعادة كل حساباتهم بعد التصعيد المفاجىء الذي انتهجه تيار الصدر في "مدينة الصدر" وانتقاله إلى المواجهة المسلحة المحدودة مع قوات الاحتلال ولكن دون أن يدعو علناً إلى المقاومة الشاملة.
وفي معلومات "الوطن العربي" أن احتمال دخول الشيعة على خط المقاومة المسلحة للاحتلال كان يعتبر منذ أشهر السيناريو الأسود والأكثر خطراً الذي يمكن أن يتعرض له الأميركيون. وتضيف هذه المعلومات أن البنتاغون وضع عدة سيناريوهات لمواجهة هذا الاحتمال الأسوأ وهي كلها سيناريوهات تنتهي بحمامات دم ولا يخرج فيها منتصر سواء من العراقيين أو من الأميركيين وحتى في إيران.
وحسب هذه المعلومات فإن واشنطن أدركت منذ "انتفاضة الصدريين" الأخيرة أن الرسالة الإيرانية المصدر والعنوان ليس في مدينة الصدر ولا في النجف, بل في طهران المصممة على استخدام ورقة شيعة العراق للمقايضة دون أن تسألهم رأيهم أو رؤيتهم لمصلحتهم ومستقبلهم.. لكن الأميركيين يراهنون حتى الآن على أن تنتهي مغامرة الصدر الإيرانية بتأليب شيعة العراق عليه بدل تأليبهم على الأميركيين مما يوفر الفرصة المناسبة لتصفية هذا الخطر بحجة حماية الزعامة الشيعية العراقية والمرجعية والطائفة والعراقيين.. قبل حماية الأميركيين.(4/33)
مصادر مصرية وإيرانية تعترف بصعوبات
تعترض تطوير العلاقات بين البلدين
القاهرة: خالد محمود
على الرغم من ارتفاع وتيرة اللقاءات التي يعقدها وزيرا الخارجية المصري والإيراني بصورة دورية والرسائل المتبادلة بينهما لتبادل وجهات النظر حول سبل تطوير العلاقات الثنائية بالإضافة إلى التشاور حول القضايا الإقليمية والدولية, فإنّه ما زال من المبكر كما تقول مصادر ديبلوماسية مصرية وإيرانية متطابقة لـ "الشرق الأوسط" الحديث عن احتمال استئناف العلاقات الدبلوماسية المقطوعة بين القاهرة وطهران منذ عام 1979 وبدا من حديث المصادر أمس أن المسؤولين المصريين والإيرانيين متفقون على أهمية عودة العلاقات إلى طبيعتها التي كانت عليها قبل نحو ربع قرن بين الطرفين, غير أنّهم في المقابل اعترفوا بوجود صعوبات عديدة تعترض تطوير الجانب الديبلوماسي من العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية بين مصر وإيران.
وقال مسؤول مصري إن بلاده تتطلع إلى مرحلة جديدة في علاقاتها الإقليمية مع إيران, معتبراً أن طهران لاعب أساسي في العديد من الأوراق الإقليمية لا يجب تجاهله, كما أن هناك مصالح اقتصادية وسياسية مشتركة معها, وأوضح المسؤول الذي طلب عدم تعريفه أن القاهرة حريصة على التشاور مع إيران والتعرف على مواقفها حيال الوضع الراهن في العراق وعلاقتها بمختلف الأطراف العراقية بالإضافة إلى بحث مستقبل هذا البلد المجاور لإيران والذي يدخل في إطار المصالح الحيوية المصرية, وأوضح أن هناك شبه اتفاق بين القاهرة وطهران على ضرورة تسليم السلطة للشعب العراقي ووضع جدول زمني لانسحاب القوات الأميركية والبريطانية من العراق, مشيراً إلى أنّ الطرفين أكدا حرصهما على استقرار العراق وسلامته الإقليمية.(4/34)
ونقل السفير شوقي إسماعيل رئيس مكتب رعاية المصالح المصرية في طهران أول من أمس رسالة خطية من أحمد ماهر وزير الخارجية المصري إلى نظيره الإيراني كمال خرازي تتعلق بالعلاقات الثنائية والعراق.
ويرى خسرو شاهي رئيس شعبة رعاية المصالح الإيرانية في القاهرة لـ "الشرق الأوسط" أن التشاور المستمر بين القاهرة وطهران أمر طبيعي في ضوء التطورات الإقليمية المتلاحقة والحرص المشترك على تبادل وجهات النظر بين الجانبين في مختلف الموضوعات والقضايا ذات الاهتمام المشترك.
الشرق الأوسط 1/11/2003
حفيد الخميني: أدعو لدولة علمانية في إيران
الوطن العربي 10/10/2003
حاوره في واشنطن: تمام البرازي
بُعيد سقوط النظام العراقي, ظهر في العراق نجم جديد, هو ليس عراقياً إنما إيراني جاء من إيران إلى العراق وسرعان ما انتقل إلى الولايات المتحدة, وأخذ ينتقد النظام الإيراني بشدة, ويطالب بإسقاط نظام الملالي وتأسيس دولة علمانية في إيران.
ولم تصدر هذه التصريحات من رجل عادي إنما المتحدث هو أحد رجال الدين الشباب, وهو في نفس الوقت حفيد الخميني الذي أسس دولة الشيعة في إيران.
هل يمثل حسين مصطفى الخميني – الذي كان مقرّباً من جدّه – خطّاً مغايراً للثورة ونهجاً معادياً لها, أم أن الأمر لا يعدو كونه مناورة جديدة للنظام الإيراني, بتقديم شخصيات في ظاهرها الاعتدال والمعارضة, لكنها تفتقد للتأثير والصلاحيات كما هو الحال مع الرئيس خاتمي, الذي أظهره النظام وقرّبه إلى رئاسة الجمهورية من أجل إظهار النظام بمظهر المعتدل والمنفتح.(4/35)
وفي ظل الضغوط التي تتعرض لها إيران من جانب الولايات المتحدة, وما ينتج عنها من احتمالية تكرار ما جرى في العراق, قد يجد النظام الإيراني أن فقدان جزء من السلطة أفضل من فقدانها بالكليّة, وهو ما قد يهدف إليه مشروع الخميني الحفيد, استلام هؤلاء للسلطة باسم المعارضة, وفي جميع الحالات يبقى الحكم لرجال الدين, وتبقى إيران تحت سيطرة الملالي.
في الحوار مع حفيد الخميني, يسلط الضوء على بعض ما يجري في إيران من ظلم وتغييب للحريات, وإلى الممارسات الخاطئة والظالمة للثورة, لذا فإنه يقول بأن الشعب الإيراني سيرحب بأي قوة تخلصه من الوضع الحالي.
وفيه يدعو إلى إنشاء دولة علمانية وإلى عدم دعم الفلسطينيين ماديّاً وعسكرياً .......................المحرر.
من أنت يا حسين مصطفى الخميني؟
بسم الله الرحمن الرحيم, لقد ولدت في 1958 في إيران ومنذ العام 1965 أقمت في العراق ودرست الابتدائية في العراق ودرست الثانوية حتى الثالثة المتوسطة وبعدها دخلت الحوزة العلمية في النجف الأشرف ودرست المقدمات في الحوزة إلى أن حضرت دروس الخارج في بحث السيد الخوئي والإمام الخميني جدي والشهيد محمد باقر الصدر, وقد توفي والدي مصطفى في 1977 في النجف الأشرف, وفي 1979 وبعد نجاح الثورة الإسلامية في إيران, كنت في الساحة السياسية في بداية الثورة ولكن في العام 1981 خرجت من الساحة السياسية.
ماذا كان نشاطك الأساسي في بداية الثورة؟
كنت من مساعدي السيد الجد الإمام الخميني وكنت معه في النجف وباريس وفي إيران إلى أن توفي, ولكن بعد العام 1981 أوقفت نشاطي السياسي.
لماذا أوقفت نشاطك السياسي؟
لاختلاف مواقفي مع مواقف الثورة.
وهل قلت لجدك الخميني هذا الكلام؟
نعم، وهو طبعاً ما كان يرتاح لهذه المواقف ولكن في بعض الموارد اعترف بصحة مواقفي، وفي مورد اعترف باشتباهات ولكن بصورة عامة، طبعاً مواقفي كانت تختلف عن مواقفهم ومواقف الحكومة والدولة.(4/36)
علام اختلفتم بالضبط؟
حول الإعدامات وحول ممارسات أفراد منتمين للثورة، ومداهمة البيوت، واعتقال الناس من دون مبرر، وكثير من الإعدامات كلها مخالفة لهذا الشيء، وهناك سلب وقمع للحريات في إيران. وكانت الثورة الإيرانية تدعو للحرية وكان الناس يتوقعون منها الحرية وحقوق الإنسان وعدم الاستهتار بالدين، ولكن رأينا الكثير من الأحكام والممارسات كانت تخالف الإسلام وشعور الناس.
عندما قلت لجدك الخميني ما تقوله ماذا كان رد فعله؟
كثير من أمثالي كانوا يقولون هذا وآخرون يريدون شيئاً آخر ونحن نريد شيئاً آخر.
ولكن ماذا كان رد فعله لتخليك؟
هو وافقني ويرى أن أعكف على الدروس أحسن, وبالفعل انصرفت إلى الدراسات فقط في "قم" ومارست نشاطي العلمي.
وأصبحت آية الله؟
أنا عندما كنت في النجف كنت على مستوى عالٍ من الدراسات, وفي "قم" داومت على الدراسات وكنت مقبولاً في الأوساط العلمية وعند عظماء المدرسين الكبار من أمثال الشيخ وحيد الخراساني وميرزا جواد التبريزي ودرست عند علماء آخرين.
متى أصبحت تلقب آية الله؟
لا يوجد شيء رسمي أو كتاب رسمي لذلك بل في الأوساط العلمية من يصل إلى مستوى عال من الدراسات يقولون له آية الله ومنذ عدة سنوات أصبحوا يطلقون عليّ لقب آية الله.
ما رأيك بمقولة إن الخميني جدك كان يريد تصدير الثورة للعراق والدول في الجزيرة العربية وكان هدفه دخول مدينة النجف؟(4/37)
في كل ثورة هناك جانب أممي، وتصدير الثورة كان موجوداً ومطروحاً, وهذه هي روح الثورة ولكن كان يجب أن تتحقق قوة عسكرية تساند هذه الروح. وبما أن العراق كان يعاني نظاماً دكتاتورياً قاسياً وصلات الشعب العراقي مع الشعب الإيراني صلات قديمة فكانت إيران بعد نجاح الثورة تشاطر العراقيين في مأساتهم وقضاياهم وفيما يرونه من الظلم من النظام العراقي ووقفت معه بالدعاية والإعلام وشجب ممارسات الحكومة العراقية ضد الشعب. ولكن لم يكن هناك توجه إلى غزو العراق لأن إيران في ذلك الوقت كان جيشها ضعيفاً ولديها مشاكل داخلية كثيرة.
كان جدك يقول إنه تجرع السم في وصفه لوقف الحرب؟
نعم قال ذلك في نهاية الحرب لأن إيران كانت تريد أن تحارب حتى يسقط النظام العراقي أو يتجاوب مع ما تريده, لأن العراق هو الذي هاجم وبدأ الحرب وإيران قاومت وأرادت إسقاط النظام العراقي, ولكن إيران أجبرت على وقف الحرب.
من أجبر إيران على وقف الحرب؟
القضايا والمشاكل الداخلية في إيران ومشاكل الاقتصاد وفي الميدان العسكري لم يتحقق النجاح والعالم كان ينتقد إيران وأسقطت طائرة إيرانية مدنية.. وهذه المسائل دفعتها لوقف الحرب. وقلت لجدي إن الشباب في الجبهة لا يريدون وقف الحرب ولكنه قال لي ماذا نعمل؟ وإنه مجبور ولا نستطيع على دوام الحرب.
إذن على الرغم من ابتعادك عن السياسة كان جدك الخميني يطلب مشورتك؟
نعم.. نعم, ولكن ليس بشكل رسمي ونذهب إليه مرة في الأسبوع وننقل له ما يقوله الشعب. وكان موقفي واضحاً خصوصاً في السنوات الأخيرة ولم أكن مع الحكم الديني وكان يعلم موقفي ولا يقبل بكلامي ويطالب بأدلة, ولكنني كنت مقتنعاً بعدم جواز ومشروعية الحكم الديني.
لماذا وأنت حفيد الخميني الذي أسس الدولة الشيعية في إيران أوليس هناك تناقض؟
معلومات الناس يجب أن تزيد حتى يعرفوا ويقدروا على فهم ما أقوله.
اشرحه لنا؟(4/38)
نحن لا نقبل بولاية الفقيه الذي يريد أن يحكم. وولاية الفقيه تعني حكومة الفقيه ونحن لا نعترف بحكومة الفقيه وهم يعترفون بحكومة الفقيه وحتى الإمام الخميني لم يكن يعترف في البداية بذلك لكن اجتهاده ورأيه كانا قبل ذلك في فترة لاحقة. ولم يقبل بمفهوم حكومة الفقيه في الخمسينيات وقبل ذلك لم يعتقد بها.
لماذا غيّر رأيه؟
بسبب بعض الدراسات التي درسها ولكن هذه القضية لا تزال خلافية في الفقه الشيعي.
هل تحدد لنا ماذا تعني بولاية الفقيه بالضبط؟
ولاية الفقيه تحتاج إلى شرح كبير ولكنني ألخص لك أن للفقيه ولاية على أمور جزئية كولاية على الأيتام وعلى المحجورين والمجانين ومجهول المالك للمال.
أي مثل وزارة الأوقاف عند غالبية السنة؟(4/39)
تقريباً نعم, ولكن هذا معنى أول للولاية والمعنى الثاني للولاية هي حكومة الفقيه وهي ذات معان خلافية وأكثر علماء الشيعة لا يقبلون بها ولا يعترفون بحكومة ولاية الفقيه ولكن هناك روايتين عند الشيعة الأولى رواية عن عمر بن حنظلة والثانية رواية صحيحة عن ابن أبي خديجة وهاتان الروايتان يستدل بهما على ولاية الفقيه, والإمام الخميني وبعض الفقهاء يستدلون على ولاية الفقيه بهاتين الروايتين ولكن هاتين الروايتين عند الكثير من العلماء مخدوشتان وهذه مسألة خلافية والإمام الخميني لم يعتقد بها ولكن في الخمسينيات غيّر رأيه. وسمعت من الشيخ المنتظري عندما قلت له: إنك تقول إنه هناك إمام حق غير الأئمة الاثنى عشر وبانتخاب من الناس وهذا لا ينسجم مع الفكر الشيعي؟ فقال منتظري لي منذ عشر سنوات: قبل أربعين سنة تكلمت مع الإمام الخميني وقلت له هذا الشيء وأجابني بأن كلامي لا ينسجم مع ضرورة المذهب الشيعي. ورد عليه الشيخ المنتظري: يجب أن نصبر حتى تأتي الحجة ونخلي إيدنا على إيدنا، فأجابه الإمام الخميني: نعم وروحوا طيبوا أنفسكم واصنعوا نفوسكم وصيروا ناس خوش طيبين ولماذا تبغون تسوون حكومة! هذا ما قاله الخميني قبل 50 سنة عندما كان لا يرغب بولاية الفقيه. ولكن رأيه تبدل وصار من مؤيدي ولاية الفقيه. وفي الأوساط الشيعية الدينية كان الرأي السائد هو عدم ولاية الفقيه, ولكن بنجاح الثورة الإيرانية وبقدرة وهيمنة الفكر الخميني على الشعب الإيراني والمجتمع الإسلامي الشيعي في إيران والعراق صار هذا الفكر هو الفكر الرائج.
بعد وفاة جدك لماذا لم ترثه كعالم؟
أنا شخصياً لا أؤمن بحكومة دينية حتى أكون له خليفة وقد طلب مني ورفضت لأنني لم أقبل ولو بوظيفة جزئية فضلاً عن وظيفة كبيرة في دولة لا أؤمن بمشروعيتها.
هل أكلت الثورة أبناءها؟ أين حركة مجاهدي خلق وزعيمها مسعود رجوي الذي أسهم مساهمة كبرى في الإطاحة بالشاه وأين بنو صدر وغيره؟(4/40)
كل ثورة يحدث فيها مشاكل وانشقاقات وتشعبات, وطبعاً الكل في الثورة الإيرانية اشتركوا ومجموعة صغيرة حكمت ومجموعات أخرى طردت, وبهذا: نعم أكلت الثورة الإيرانية أولادها.
عندما استلم رفسنجاني صاحب فضيحة "إيران غيت" والتي حصلت إيران خلالها على صواريخ هوك وتاو قبل إنه براغماتي فما حدث, وهل كان الخميني يعرف بالعلاقة مع أمريكا؟
الحكومات الثورية والأيديولوجية تعيش على الشعارات, والحكومة الإيرانية غير مستثناة من هذا الشيء. وهذه الشعارات في كل زمان ويأتون بشعار حتى يعززوا موقفهم في ذلك الوقت وهذه هي بعض شعارات تلك الفترة.
بعد وفاة الخميني لماذا لم يعيدوا النظر في الدولة الإسلامية والتمسك بولاية الفقيه؟
لأن روح الاستبداد تتحكم بالحكومات الأيديولوجية حتى إذا كان هناك واحد له رأي متفتح, فإنه لا يقدر على التفتح مع الآخرين لأن روح الاستبداد هي الحاكمة في الأنظمة الأيديولوجية ولا يمكن لتلك الأنظمة أن تتفتح مع الآخرين ومثل النظام الشيوعي في روسيا كان خروتشوف وهو رجل متفتح ولكن لأنه زعيم الحزب الشيوعي لا يمكنه المفاتحة مع الآخرين.
بما أنك عارضت منذ 1981 هل سمح لك بالحديث والكتابة؟
لا. .. كنت في أجواء علمية بحتة في "قم" وأمارس الدراسة والبحوث لبحث ولاية الفقيه, هناك حصر وقمع للأفكار التي تخالف الحكومة الإيرانية.
لماذا جئت للعراق, هل حتى تستطيع أن تعبر عن المعارضة في إيران؟
جئت للعراق للزيارة بعد شهر من سقوط النظام أي في مايو "آيار".
هل سمحوا لك بالخروج بسهولة من إيران للعراق؟
نعم, بسهولة خرجت من إيران.
إلى أين ذهبت في النجف؟
لدي في العراق الكثير من الأصدقاء وهناك بلدي طبعاً.
نلاحظ أن هناك أربع جهات قوية في الساحة الشيعية في العراق وهي: جماعة الحكيم والصدر والسيستاني والخوئي وقد قتل الأخير الحكيم الذي قتل أيضاً عاش في ظل الثورة الإيرانية عقدين من الزمن ومجلسه يسمى بالثورة الإسلامية في العراق؟(4/41)
حسب علمي هؤلاء لا ينادون بالحكم الإسلامي وهم إسلاميون ولكن السيستاني لا يدعو لإقامة دولة إسلامية والسيد محمد باقر الحكيم, رحمه الله, ما كان يدعو لإقامة دولة إسلامية في العراق وآخرون لم أسمع أنهم يريدون إقامة دولة إسلامية.
ألا يكفي اسم مجلس الثورة الإسلامية في العراق؟
ولكن مواقفهم تقول إنهم يريدون حكومة غير إسلامية أي دستورها ليس الإسلام بل دستور عادي لأني سمعت هذا من الحكيم وغيره بأن العراق فيه أقوام وأقليات أخرى ولا يمكن أن يكونوا مثل إيران.
هل يرضي هذا الكلام الحكم الإيراني الذي دعمهم لعقود أم أن هذا تكتيك؟
على كلٍّ مواقف إيران قد تتغير ولا علم لي بعلاقات مجلس الثورة مع النظام الإيراني.
لكنك كنت تقرأ أدبيات المجلس؟
لم ينادوا بقيام دولة إسلامية وعبد العزيز الحكيم الآن عينته أميركا في مجلس الحكم في العراق.
ماذا عن حزب الدعوة إذن وهل لم تطلع على أدبيات الحزب؟
نعم كان يدعو في أدبياته السابقة لإقامة الدولة الإسلامية ولكن الآن لا ينادون ويجب أن تسألهم عن ذلك.
اجتمعت مع هذه الجماعات أم ابتعدت عنك؟
لا لم أجتمع معهم.
لماذا؟
لأنني لا أتدخل في الشؤون الداخلية للعراق, ونظرتي للعراق كمراقب عادي ولا أريد التدخل في الشؤون الداخلية وهذا أمر غير مقبول.
نسب إليك في الصحافة الغربية أنك قلت إنك تبارك الغزو الأميركي للعراق وتتمنى أن يحدث ذلك في طهران.. فكيف تبرر هذا؟
قلت إن الإطاحة بصدام حسين والغزو الأميركي للعراق شيء جيد وبالنسبة لإيران فإن الإيرانيين يريدون الحرية وحتى لو أتت الحرية من دولة أجنبية مع سوئها فإنهم سيقبلون بهذا الشيء.
ماذا كان رد فعل النظام الإيراني؟
طبعاً المؤسسة الحاكمة لم يعجبها هذا الكلام ولكن هذا هو موقف الشعب وسيصل إلى نقطة الذي يريد الخلاص وهذا الخلاص من أي مكان يأتي هم يقبلونه.
هل احتجت الحكومة الإيرانية على ما قلته بكونك حفيد مؤسس الدولة الشيعية في إيران؟(4/42)
الحكم في إيران عندهم موقف سلبي لمواقفي ولكن لم يخبروني بذلك رسمياً.
هل يوجد خطر عليك إذا عدت لإيران ومتى ستعود؟
قلت متى أرى العودة لإيران عندما يكون الأمر فيه صلاح وليس هناك شخص يقرر لي أن أعود أو لا أعود وأنا أقرر... إذا رأيت الصلاح بالعودة فسأعود.
لا يوجد خطر في إلقاء القبض عليك إذا عدت؟
يمكن أن يكون هناك خطر ولكن عندما أريد سوف أدرس كل جوانب القضية ثم أقرر.
لماذا لا تنشىء حركة أو حزباً في إيران؟
أحسن شيء توعية الناس والشعب وهذا ما نقوم به وإذا فهموا ووعوا ما ضاع منهم من حقوق وما قمع منهم من حريات وحقوق وعندما يعرفون ذلك يصبح كل فرد حركة وهذا أهم من تنظيم وتأسيس حزب أو جبهة... وأهم شيء بالنسبة لي لأن كلامي له صدى عميق عند الشعب وخصوصاً في أوساط الشباب الثوريين الذين كانوا في الجبهة والآن مشغولون في بعض أنظمة الثورة وهؤلاء الناس يفهمون ما ضاع منهم من حقوق ويعون ما هم يريدونه وما هم فاقدون له.
ألا تخشى أن تفسر أقوالك وزيارتك لواشنطن ونيويورك وكلامك بأنك "جلبي" إيراني ثان, أي تريد أن تدخل طهران على ظهر دبابة أميركية؟
يمكن أن تفسر هذه الأشياء ولكنني أصرح بمواقفنا وما يصير موكولاً على أهلها. ونقول إن الحرية في إيران من أوجب الواجبات والحرية قبل الخبز لشعبنا والحقوق التي ضاعت راحت في إيران تجعلنا مصممين على هذا الموقف وإذا أميركا أو غير أميركا تساعد الشعب الإيراني فبها فإذا لم تساعده فغير مهم. ونحن مع هذا الموقف.
إذن لا تمانع إذا غزت الدبابات الأميركية طهران؟
طبعاً لا أريد هذا الشيء والشعب الإيراني وحده وبقدراته هو الذي يتكفل بهذا الموضوع, فالشعب واصل إلى نقطة والنظام الإيراني يجب أن يفهم أن هذه النقطة وهي أن النظام الإيراني يمارس هذه الممارسات ويستمر بها, فالشعب سيقبل بالتدخل الأجنبي مهما كان ومن أية جهة أتت.(4/43)
قال لمجلتنا زعيم من "مجاهدي خلق" إن هناك عملاء للنظام الإيراني في العراق يفوق عددهم الـ 15 ألفاً, فهل تخاف أن يغتالوك؟
هناك مخاوف, وليس من هناك فقط بل من غيرهم ومن قوات مختلفة ومخابرات عالمية وشرقية وغربية والمخاطر موجودة وإذا أردنا أن نحسب هذه الحسابات لا يمكننا أن نعمل أي شيء والحياة كلها خطر وإذا أردنا أن نعمل يجب ألا نبالي بهذه المخاطر.
هل تجتمع بالإيرانيين الذين يزورون العتبات الشيعية في العراق؟
طبعاً وألتقي في كربلاء وكانوا متجاوبين معي بشكل كبير وهتفوا لي.
هل ترسل كاسيتات كما فعل جدك؟
هناك وسائل إعلام كافية وفي ذلك الوقت لم تكن كافية, ولم تكن الفضائيات موجودة.
الإدارة الأميركية تصر على مواجهة إيران عبر الملف النووي والإرهابي الأمني وإنه في نهاية شهر أكتوبر "تشرين الأول" على إيران أن تمتثل حول الملف النووي, فهل تعتقد أن أميركا والغرب سيدخلون إلى إيران مثلما حدث في العراق بحجة أسلحة الدمار الشامل؟
هذا أمر يعود لأميركا وإيران ولكن حسبما أرى أن هناك ليونة في الموقف الإيراني أمام أميركا إيران تقترح على أميركا المفاوضات في جوانب مختلفة للخروج من الأزمة ويريد النظام الإيراني علاقات مع أميركا في الواقع, لأن أميركا يمكن أن تخلص مشاكلها مع الحكومة الإيرانية ولكن موقفنا يبقى موقفنا إن كانت أميركا مع النظام الإيراني أم لا.
التقرير السنوي للخارجية الأميركية حول الإرهاب وضع إيران على لائحة الإرهاب فهل تعتقدون أن دعم إيران لحزب الله ولحماس والجهاد في عمليات ضد إسرائيل هو إرهاب, ما هو موقفك؟(4/44)
أنا ضد مساعدة أية حركة إرهابية وحركة تريد العنف في العالم, وشعب وإيران الآن محتاج لهذه الأموال التي ترسل من إيران إلى جبهات مختلفة ومنظمات مختلفة والإيرانيون أحوج لهذه الأموال وكثير من الإيرانيين فقراء ويعانون من مشاكل والمستشفيات الإيرانية تعاني والأحرى بهذه الأموال أن تصرف على الشعب الإيراني لا على أشياء من هذا القبيل.
جدك الخميني عمل يوم القدس ودعم هؤلاء لتحرير القدس.. إذن لا تدعمهم؟
أنا مع الشعب الفلسطيني في قضيته ولكن قضيتنا في إيران هي الأولى لنا ولكني كإنسان لا أؤيد إرسال أموال من إيران إلى فلسطين وإلى لبنان.
وضد الدعم العسكري؟
نعم, ضد الدعم العسكري وضد المساعدات المالية.
تقول بعض التقارير إنه إذا ضعفت الدولة الإيرانية فإن صراع القوميات سيفتت إيران فماذا عن الأكراد والأذربيجانيين والبلوش وغيرهم؟
أكثر شيء يجلب التفتت هو هذا الظلم الذي يجري في إيران على كل القوميات ومن ضمنهم الإيرانيين أي الفرس والاضطهاد هو الذي يوجب تفتت المجتمع. وإذا جاءت الحرية وذهبت هذه الممارسات القمعية فهذا أحسن شيء لحفظ البلد وحفظ إيران وعدم تفتتها إلى دويلات وقوميات.
إذن تريد قيام دولة علمانية ديمقراطية على النموذج الغربي؟
نعم نريد دولة علمانية ديمقراطية, يكون الدين مفصولاً عن الدولة وتكون الدولة دولة خدمات وليست دولة تعلم الناس الأخلاق والدين. والدولة يجب ألا تتولى على الناس وليعمل الشعب ما يريد. أما في مجال الخدمات والأمن والدفاع والسياسة الخارجية فهذا من اختصاص الدولة. وأما في مجال الدين والأمور الأخلاقية والثقافية يجب أن يتبعوا الناس وليس الدولة لتعليم الناس الدين والأخلاق وهذه من معالم الدول الشمولية والأيديولوجيات الشمولية مرفوضة بتاتاً عندنا.
أي إنسان لن يصدق أن حفيد الخميني يتكلم هذا الكلام ويدعو إلى دولة لا إسلامية؟(4/45)
العلمانية أمر فيه سوء فهم خصوصاً في العالم العربي ولا نقف عند الكلمات.
هل هي نفس الكلمة في الفارسية؟
لا. نسميها "سوكيولار" أي مأخوذة من الإنكليزية ولا تعني أن الدولة ضد الدين, بل لا تطبق الدين ونحن لا نريد دولة ضد الدين كما أفهمها بل دولة لا تحمل صبغة دينية إن كان ديناً إسلامياً أو دينا شيعياً أو ديناً سنّياً. وحتى يكون الناس في إيران في راحة والشيعة ترتاح والسني والمسيحي واليهودي يرتاحون يجب ألا تحمل الدولة اسم دين خاص.
هل تخشون من الأكراد الذين يبلغ عددهم في إيران حوالي 12 مليون نسمة و16 مليوناً في تركيا و6 ملايين في العراق وحوالي 2 مليون في سورية من أن يطالبوا بانفصالهم؟
طالما هذا الظلم والقمع مستمران في إيران فإن هذا سيدفع القوميات إلى التفتت ويخلق دولة كردية. ولهذا نطالب بوقف هذه الممارسات بأسرع وقت وبإقامة دولة عادلة ديمقراطية تعترف بحقوق كل الشعب من عرب وكرد وسنة وشيعة ويهود ومسيحيين ولا يكون هناك فرق بين أي إنسان إيراني سواء كان يحمل ديناً خاصاً أو قومية خاصة.
أتذكر أنني أجريب لقاء في الثمانينات مع مسعود رجوي زعيم مجاهدي خلق وقال نفس كلامك ومؤخراً أجريت حواراً مع ابن الشاه رضا وقال نفس كلامك فهل تقبل أن تتحالف علناً مع مجاهدي خلق وابن الشاه؟
لا, أنا لست مع الملكية ولا أفكار مجاهدي خلق ولكن يمكن أنهم قالوا بعض الكلام الذي نقوله وهذا ليس معناه التحالف ومن حقهم أن يقولوا هذا الكلام ومن حقي أن أرى ما قلته. وأنا ضد أي فكر أيديولوجي سواء كان فكراً إسلامياً أو غير إسلامي والذي يريد أن يدير الحكومة والبلد يجب ألا يكون له صبغة أيديولوجية بل يقدم خدمات للشعب. فمثلاً يأتي حزب إسلامي ويصل للحكم بالديمقراطية ثم يضرب الديمقراطية وهذا يجب ألا يسمح به.
هل ترى ما يجري في ظل الاحتلال الأميركي للعراق يمكن أن ينتج ديمقراطية للشعب العراقي؟(4/46)
إن شاء الله ولكن في العراق الآن توجد مشاكل وأنا متفائل, وأرى بعض العراقيين المتفائلين كثيراً وهم من المثقفين والعقلاء.
أميركا تعتبر المقاومة العراقية للاحتلال إرهاباً وجريمة فماذا تعتبرها أنت؟
إلى الآن لا أعتبر ما أسمع به مقاومة عراقية والعراقيون أناس أبطال إذا شكلوا مقاومة عراقية يكون من الصعب للأميركان البقاء في العراق, ولا يسمى الشيء الموجود الآن في العراق مقاومة عراقية ولكنها أعمال مشتتة ومدفوعة الأجر من قبل الذين لا يريدون استقرار الحرية في العراق.
أميركا تقول إن هناك جهاديين يتدفقون من سورية وإيران ومن الخليج بالإضافة لأتباع الرئيس صدام حسين بالإضافة لما سمّته أميركا المثلث السّني المقاوم فهل هذه أمور واقعية وهل تسمح إيران بتسللهم؟
لا علم لي وبالنسبة للقضايا العراقية معلوماتي غير كاملة وأعرف أن دولاً مثل إيران وسورية والدول المستبدة في المنطقة لا تريد استقرار الوضع في العراق, ولا أريد أن أتدخل في الشؤون الداخلية العراقية. والشعب العراقي شعب واع ويعرف كيف يتصرف.
لقد سمعنا نفس المطالب من الإمام الخوئي لأنه طالب بفصل الدين عن الدولة فقتل فوراً في الأيام للاحتلال الأميركي للعراق؟
أنا كلامي موجه لإيران والإيرانيين, والشعب الإيراني سوف يحاسبني وأرجو أن تكون محاسبتي يسيرة إن شاء الله, وما حدث للخوئي حدث في العراق.
ما رأيك فيما يقوله مقتدى الصدر عن المرجعية الناطقة التي لم نسمع بها من قبل؟
هذا شأن عراقي داخلي.
هل يأتي العراقيون لاستشارتك كآية الله؟
لا.
نعرف أن النظام السوري تحالف مع النظام الإيراني وأعطاه الأسلحة فلماذا رفض الخميني استقبال الرئيس الراحل حافظ الأسد في طهران؟(4/47)
حسب ما عرفت من جدي فإن الرئيس الأسد كان يريد أن يستقبله الخميني بشكل حار وجيد, ولكن الخميني تعود ألا يستقبل الآخرين بالشكل الذي يريدونه وكانت المشكلة في الاستقبال يقعد ولا يقوم ولا يصافح وهذا شيء يسيء لرئيس دولة.
هناك من يقول إن هناك خلافاً في العقيدة بين الشيعة والعلويين فهل هذا صحيح؟
هذا يرجع إليهم لكن الشيء الذي نعلم به يمكن أن الإيرانيين لا يعرفونه, وهو أن هؤلاء من الشيعة الاثنى عشرية الإمامية وعندنا شيعة إمامية في سورية ولكن لا نعرف إذا كان العلويون من الإمامية الإثنى عشرية وعندنا في إيران العلى الإلهية والعلويون لا نعلم إن كانوا من جماعة العلى الإلهية. وأنا عندما ذهبت إلى سورية لم أجتمع مع العلويين.
الإمام موسى الصدر أفتى بأن العلويين شيعة قبل اختفائه أو قتله؟
في لبنان الشيعة هم إثنى عشرية إمامية, مثل شيعة العراق وفي دمشق هناك شيعة وفي حلب ولكن العلويين لا نعلم أنهم من الشيعة الإثنى عشرية.
لماذا تحالفت إيران الشيعية مع نظام علماني مثل النظام السوري؟
كان موقف إيران ضعيفاً عالمياً وكان النظام السوري يساندها ويساعدها وهذا شيء مهم بالنسبة لإيران وخاصة أن بعض الأسلحة كانت تأتي من سورية لإيران دعماً في حربها ضد العراق.
ماذا عن الجزر الثلاث طنب الكبرى والصغرى وأبو موسى التي احتلتها إيران وأبقت العلاقة مع دول الخليج متوترة؟
كل هذه المسائل إذا قامت دولة ديمقراطية في إيران ودولة قانون تعكس مواقف الشعب الإيراني يمكن حلها. وطنب كانت من وقت الشاه.
نفهم منكم أنه إذا قامت دولة ديمقراطية في إيران فستحل قضية الجزر الثلاث العربية؟
عندما تقوم مفاوضات, لأن إيران ترفض حتى الآن إجراء مفاوضات, وبعد المفاوضات يمكن الحق أن يتبع قبل أي شيء آخر.
بعد الهجمات في 11 سبتمبر "أيلول" صار الإسلام مرادفاً للإرهاب والعنف فهل لاحظت ذلك خلال زيارتك للغرب؟(4/48)
لقد أكدت أن الإسلام ليس فيه إرهاب وهو دين سلام ولا يبرر جرح شخص لشخص من دون دليل فضلاً عن إعدامه ولكنني ركزت في مؤتمر الإرهاب الذي دعتني إليه النرويج في نيويورك على هامش الأمم المتحدة بأن لدينا كثيراً من النفوس غير المتوازنة وعدم التوازن النفسي هذا يأتي من التوتر والتشنج الاجتماعي الذي نعيشه, وأكثره يأتي من الاستبداد الحاكم في بلداننا, والمجتمع المتوتر والمتشنج تخرج منه نفوس مريضة ولا تريد إلا الكراهية والعنف وهذه النفوس كما كانت سابقاً تتستر باسم القومية واليسارية والأحزاب الشيوعية فهي الآن تتستر بأفكار الإسلام والدين أحسن شيء تتستر به, وهي التي تقوم بالإرهاب باسم الدين لتغطي مرضها, وإذا ذهب الاستبداد من بلادنا إلى القبر إن شاء الله وتمتعنا بمجتمعات متوازنة ومتعادلة لا يوجد فيها قمع للحريات ساعتها تسترد النفوس في بلداننا توازنها الروحي والنفسي ولا يكون هناك إرهاب.
نسمع أن القاعدة تتحالف مع نظام الملالي في إيران فكيف ذلك, فطالبان حليفة القاعدة كفرت الشيعة وقتلتهم؟
هذا الإشكال يجب أن تسأل عنه الدولة الإيرانية وكيف يتعاملون مع من كانوا ضد إيران وضد الشيعة والمذهب, ولعلهم يريدون الأزمة لأن الدول المستبدة والتي تقمع الحريات لا يفيدها التوازن والهدوء العالمي, ومنظمة القاعدة وتيارات مثل طالبان هؤلاء لا يفيدهم الهدوء والثبات الروحي بل يفيدهم التأزم والتوتر. ولهذا كلهم من إيران المستبدة وطالبان المستبدة والقاعدة, وهذا هو العامل المشترك بينهم.
لكن في النهاية سيطرح هذا السؤال دائماً: ماذا يعمل حسين مصطفى الخميني حفيد آية الله الخميني في واشنطن ولن يصدقوا أنك لست مدعواً من قبل الاستخبارات الأميركية فكيف جئت حقاً إلى أميركا؟(4/49)
لقد دعتني الدولة النرويجية للمشاركة في مؤتمر الإرهاب الذي عقد على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك ووجه الدعوة رئيس الوزراء النرويجي شخصياً وحضرت المؤتمر في نيويورك وألقيت خطاباً فيه ومواقفنا صريحة لا تحتاج إلى مخابرات أو غير شيء ونحن نطالب بالحرية في إيران والخلاص من الحكم الديني الذي يضر بالدين والحكومة. ويجب إطلاق سراح الدين لتحريره والدولة. ودور أميركا وغيرها إذا ساعدت لتحقيق ذلك وتكون معنا فمرحباً بها, ويمكن للدولة الأميركية أن تتعامل مع إيران وهذا أيضاً لا يهمنا ونحن لسنا مطمئنين من موقف أميركا. وأميركا مع مصالحها. ولكن موقفنا هذا أرادت أميركا أم لا.
اجتمعتم مع مايكل ليدين وهو من جماعة ريتشارد بيرل اليميني وألقيتم محاضرة في "الأميركان انتربرايز انستيتيوت" حضرها الكثير من الإيرانيين فهل يعطي هذا الانطباع أنكم تتوددون للصقور في الإدارة الأميركية؟
هذا ليس له معنى وهناك مؤسسات وحرية ولم نجتمع مع ريتشارد بيرل. ولا يدل هذا على تأييد.
هل أنت مستعد للاجتماع مع الإدارة الأميركية؟
إذا أرادوا الاجتماع معنا فنحن لا نفرض أي اجتماع حتى مع أناس لا نعتبرهم جيدين. كل شخص يريد أن يطرح معنا كلاماً نجتمع به سواء وافقنا على أقواله أم لا, والنبي صلى الله عليه وسلم الذي كان أعظم شخص كان يجتمع مع أبي سفيان ويقول له كلاماً وسواء أيده أم لا. ونحن نجتمع مع كل الناس. ولكن لا نطلب الاجتماع. ونحن منفتحون على أي شخص.
هل تريد العودة للعراق أم إيران؟(4/50)
هذا سأقرره في المستقبل والآن أنا سأرجع إلى العراق. ولم تصلني أية تهديدات من الحكومة الإيرانية. وإن شاء الله تتخلص المنطقة من الوضع الاستبدادي الذي تعيشه منذ قرون. وعندما تتحرر قوانا عندها نصبح أقوياء, ويمكن أن نتحدى العالم ونكون مستقلين ونكتفي بذاتنا. والقوة تأتي عندما يذهب الاستبداد وتسود الحرية وفي مجتمعاتنا كل شخص هو صدى للآخرين ويعكس ما يريدون.
حديث الغدير وأصل الخلاف مع الشيعة
المستشار سالم البهنساوي
مفكر وكاتب اسلامي
الأهرام العربي 10/5/2003
لقد طالعت بمزيد من الشغف, ذلك الملف الرائع الذي نشرته الأهرام العربي في عددها 318, حول « الشيعه » وأوضاعهم الآن , خاصه في ظل ذلك الظرف الجديد في العراق الذي قد يتيح لهم ولأول مرة منذ زمن بعيد , فرصة الحصول على حقهم في التمثيل السياسي , ذلك الحق الذي حرموا منه في ظل نظام صدام حسين , على الرغم من كونهم أغلبية !
وأود أن أذكر هنا بعضا من النقاط التي لم يذكرها هذا الملف الشامل , وهو جوهر الخلاف بين الشيعة والسنة , والذي يرجع إلى رواية الغدير , التي تقول أن الله قد أمر نبيه , بإعلان وصاية الإمام علي من بعده , فلم يفعل , خشية أن يقال أن النبي قد يحابي أقاربه , كما يرويه الإمام كاشف الغطاء , في كتابه "أصل الشيعة وأصولها" .(4/51)
وقد فصله الشيخ محمد إبراهيم الموحد القزويني في كتابه "عيد الغدير" , حيث قال: إنه أثناء عودة النبي من حجة الوداع , وهو في طريقه إلى المدينة , وصل إلى أرض تسمى خم , وهي المنطقه التي تتشعب منها الطرق إلى المدينة والعراق ومصر واليمن , وكان وصولهم في اليوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة , وكانوا مائه وعشرين ألف مسلم عدا من انضموا إليهم في الطريق , والتحقوا بهم من اليمن ومن مكة , فنزل جبريل على رسول الله بالآية الكريمة : "يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ان الله لا يهدي القوم الكافرين". المائدة:67 وأبلغ جبريل النبي أن الله يأمره , أن يقيم علي بن أبي طالب إماماً على الناس , وخليفة من بعده , موصياً له , فتوقف النبي عن المسير , وأمر أن يلحق به من تأخر عنه , ويرجع من تقدم عليه , فاجتمع المسلمون جميعا حوله , وأدركتهم صلاة الظهر فصلى بهم , وخطب فيهم وأبلغهم ما أنزل إليه من ربه , وأن الأئمة بعد النبي اثنا عشر شخصا أولهم علي بن أبي طالب وآخرهم محمد المهدي بن الحسن العسكري .
ويوجد من يقول بصحة حديث الغدير , الذي قيل: إنه اشتمل على وصية النبي للأئمه الإثني عشر , ومن يعتقد ذلك يطعن في الخلفاء الراشدين , وكبار الصحابة , بل ويرميهم بالخيانة والكفر , وهو لا يجهل أن هولاء قد اتخذهم النبي صلى الله عليه وسلم رسلاً له ووزراء وقوادا , وكان القرآن يتنزل على النبي صلى الله عليه وسلم , وكان يكشف المنافقين , ويلغي أي اجتهاد شخصي من النبي صلى الله عليه وسلم , سواء تعلق بأشخاص من المنافقين أو بأعمال لله فيها حكم آخر .(4/52)
فلو كان كبار الصحابه من المنافقين أو خانوا النبي صلى الله عليه وسلم , ما نسي الخالق العليم , أن ينبه النبي إلى ذلك , ليعزلهم ويحذر منهم , ولنزل القرآن بذلك أيضاً , وبالتالي فلا حجة لمروجي هذه الأكاذيب , بل إن الوصية التي قيل أنها نص في إمامة الإثني عشر , وعلى رأسهم الإمام علي رضي الله عنه , هذه الوصية , قد جاء في بعض مصادر الشيعه ما ينقضها , فقد روى اليعقوبي : "الأئمة من قريش خيارهم على خيارهم وشرارهم على شرارهم"
ويثبت الدكتور علي سامي النشار في كتاب "نشأة الفكر الفلسفي" أن كلمة الشيعة , لم يرد ذكرها على الإطلاق في عصر الخلفاء الراشدين , وحتى مرحلة خلافة الإمام علي , فلم يذكرها اليعقوبي أو المسعودي وهما مؤرخان شيعيان.
بل إن الإمام علي قد نقل عنه ما ينفي هذه الوصيه , إذ يقول : أما أن يكون عندي عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم , فلا والله , ولكن لما قتل الناس عثمانا نظرت في أمري , فاذا الخليفتان اللذان أخذاها من رسول الله قد هلكا , ولا عهد لهما , وإذا الخليفه الذي أخذها بمشورة المسلمين قد قتل , وقال : أترككم كما ترككم رسول الله صلى الله عليه وسلم , كما قال : "أنا وزير لكم , خير لكم مني أمير "
ثم إننا نجزم بأن مسألة الإمامة , لو كان فيها نص من القرآن أو الحديث لتواتر واستفاض , ولم يقع فيها ما وقع من الخلاف , ولتصدى الإمام علي وحمل الأمانة للمسلمين يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم .(4/53)
وهذا الحديث الموجود في كتب الشيعة روايته غير متصله , فالراوي بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم قرون , ويروي عنه مباشرة وحجتهم في ذلك أن أئمتهم لهم خاصية المعرفة , دون حاجة إلى تلقين الرواة , حسبما ذكر محمد رضا المظفري , في كتاب "عقائد الإمامية ص 96" والكليني في "الكافي ج 1 ص271" وفقيه الشيعه العالم المحدث الشيخ يوسف البحراني في كتابه "الكشكول" , تحت عنوان تحقيق حديث الغدير , نقل عن ابن الجوزي صحة الرواية , وهي: "من كنت مولاه فعلي مولاه" ج 2 ص 316 ط طهران , وليس فيها الخلافة لعلي ولا لغيره .
فضلا عن ذلك, فإن المراجع المعتمدة عند الشيعه ثابت فيها ما ينفي صحه حديث غدير خم , سالف الذكر .
والإمام الثاني عند الشيعه وهو الحسن بن علي , روى عنه مورخو الشيعه أنه لم يذكر هذه الوصية وتنازل عن الخلافة إلى معاوية .
إن الأئمة عند الشيعة بريئون مما نسب لهم من تحريف للقرآن الكريم أو القول بعصمة الأئمة بحيث يصبح ما يقولونه وحيا من الله تعالى. إن براءة الأئمة من خرافة تحريف القرآن , ومن ادعاء العصمة , ومن تكفير أو سب الصحابة , يراد به براءة أئمة الشيعة , بدءاً بالإمام علي وانتهاءً بالإمام الحسن العسكري , لأن ابنه الإمام الثاني عشر , وهو محمد المهدي لا وجود له , حيث مضى على انتظاره أكثر من ألف سنة , مما نتج عنه فراغ في معرفه الأحكام الشرعية عندهم حيث يرون أن الأحكام تتوقف عليه . ولقد عالج الإمام الخميني هذه الثغرة بالقول بولاية الفقيه , التي نص عليها الدستور الإيراني , فكان الخميني ممثلا للإمام الغائب ونائبا عنه , حتى لا تظل أحكام الاسلام معطلة , انتظارا لظهور محمد المهدي .(4/54)
هذا ما انتهى إليه الأمر عند الشيعة في هذه المعضلة , وهذا يؤكد ما أوردته بعض المصادر من أن الإمام الحسن العسكري , كان عقيماً ومات بغير ذرية, وبعد موته ادّعت جارية مملوكة له أنها حامل منه , فتعطل توزيع تركته , وأقام أمير المومنين حارساً عليها , بحضور بني هاشم من العلويين والعباسيين , وحضور القواد والقضاة فلما ثبت أنه حمل كاذب , ومضت عدة أشهر على الوفاة , تم توزيع تركته بين أمه وأخيه جعفر وهذا ما يؤكده علماء من الشيعة منهم الأستاذ أحمد الكاتب
ولكن الذين يتمسكون بوجود ابن للحسن العسكري , قالوا إن هذا الطفل اختفى في مدينه سر من رأى , ومازالت الأجيال من الشيعة تنتظره حتى اليوم , وقد طعنوا في جعفر لأنه وضع يده على سرداب أخيه الحسن العسكري , ونفى وجود ابن لأخيه , سواء في السرداب أم خارجة وقالوا عن جعفر أنه كاذب وفاسق .
ولكن لنا وقفه أخوية مع الشيعة الجعفرية , والمثقفين منهم خاصه لأن أهل السنة - رغم أن فيهم من اتخذ موقفا حادا من الشيعة - يتمنون جمع الكلمة , وإشاعة المودة بين الشيعة وأهل السنة , فالأستاذ محب الخطيب يقول : التقريب بين المسلمين , في تفكيرهم واقتناعاتهم واتجاهاتهم وأهدافهم من أعظم مقاصد الإسلام , ومن أهم وسائل القوة والنهوض والإصلاح , وهو من الخير لشعوبهم وجامعتهم في كل زمان ومكان, والدعوة إلى التقريب إذا كانت بريئة من الغرض , ولا يترتب عليها في تفاصيلها ضرر يطغى على ما يرجى من نفعها , فإن على كل مسلم أن يستجيب لها , وأن يتعاون مع المسلمين على إنجاحها .
ملاحظة:
كاتب مقال: "حديث الغدير وأصل الخلاف مع الشيعة":
دعا في نهاية مقاله إلى التقريب بين حسنة والشيعة وإشاعة المودة بينهما وامتدح ذلك.
البهرة في قلب القاهرة
تراب الزعيم بركة .. والصلاة لها طقوسها الخاصة
تحقيق ـ سامي كمال الدين
الأهرام العربي 9/8/2003(4/55)
"يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا لكم نورا مبيناً" هل هناك علاقه بين هذه الآية المعلقة في إطار جميل في سوبر ماركت بجوار جامع المعزلدين الله الفاطمي, الذي يملكه رجل باكستاني ينتمي إلى طائفة البهرة , ويتحدث اللغة العربية , وبين محمد برهان الدين المسئول عن البهرة في العالم الذي قال عنه إمام المسجد أنه لو أتى إلى مصر فإنه يحمل على خشب , وإن لامس طرف ثوبه الأرض فإن البهرة يجمعون هذا التراب ويلقونه على أجسادهم تبركا به .
البهرة ينتمون إلى دول عدة كالهند وباكستان وإيران , وجاءوا إلى القاهرة عام 1979 بهدف ترميم بعض المساجد الفاطمية , وقد وافق الرئيس الراحل أنور السادات على وجودهم , بل افتتح ترميم مسجد الحاكم بأمر الله معهم عام 1980.
ويدعي البهرة أنهم أحفاد الفاطميين وأن هدفهم البحث عن رفاة أجدادهم , وكلمة بهرة أطلقت عليهم نتيجة العلاقات التجارية التي تربط الهنود والشيعه بمصر واليمن, وهم ينتمون إلى طائفة الإسماعيلية التي تنتسب إلى إسماعيل بن الإمام جعفر الصادق وتعتبر الإمامة من نسله , ولا يعترفون بالإمام موسي الكاظم ابن الإمام جعفر الصادق , وهو الإمام السابع عند الشيعة الإمامية .
والشيعة الإسماعيلية قسمان : المستعلية وهم البهرة , والنزارية وهم الآغاخانية .. والذي أحدث هذا الانقسام المستنصر بالله الفاطمي عام 487 هـ .
الحكاية تقول لنا إن الخليفة المستنصر كان له عدة أولاد منهم نزار ومحمد وعبدالله وإسماعيل وحيدرة وأحمد , وكما هي العادة فقد كان وزير المستنصر بدر الجمالي ـ الذي هدم أبواب القاهرة ـ يسير أمور الدولة التي نقلها إلى ولده الأفضل من بعده , وما هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم , والغريب أن الأفضل وأباه بدر كانا ينتميان إلى مذهب يختلف عن مذهب الدولة الفاطمية وهو الإمامية.(4/56)
الموضوع شائك وغريب , والدخول في تفاصيله متعب , ففور دخولك إلى جامع المعز سوف تجد نوعين من الأسراب: سرب محلق في السماء يطير بحرية وانطلاق , وهو الحمام الآمن في المسجد , وسرب من البهرة كلما تحركت في المسجد وجدتهم يعيشون آمنين في شقق ملتصقة بالمسجد وأبوابها تفتح على صحنه , ستجدهم في حالهم يمارسون طقوسهم دون السماح لأحد بالتدخل فيها , لذا فإنهم يخشون الصحافة ويرفضون الحديث مع أحد , ولا يتزاوجون إلا من بعضهم البعض , فالرجل لا يتزوج إلا من البهرة, وهي كذلك , حتى ملبسهم يختلف عن الملابس العادية.
التقيت بأحدهم - صاحب مكتبه - وألقيت عليه السلام , فرفض أن يرد علي , ولما رحت أقترب منه أمام ورشة حدادة , أشار بيده إلى صاحب الورشة , فقلت له : يبدو أن الرجل يجهل العربية , فأجاب ببساطة وتلقائية : إنهم يخشون إقامة علاقات مع أحد , وأضاف : علاقات البهرة بالناس طيبة , وأبناؤهم يدرسون في الأزهر , ويقومون بترميم كل المساجد الفاطمية في مصر , ويهتمون بها ويسهمون في إدارتها .
يردد الناس أشياء غريبة عن البهرة وأفكارهم التي تصل إلى حد الخرافات, منها أن هذه البئر الموجودة بوسط المسجد بئر مقدسة وأن الماء الذي يخرج منها مقدس تكفي جرعة واحدة منه لشفاء جميع الأمراض , وقد استخدمت هذه الخرافات بطريقة سلبية حين روجوا أن البهرة سيغتالون السادات أثناء افتتاح المسجد وأن البئر ليس بها ماء مقدس , بل أسلحة وقنابل ومتفجرات , ووسط ترتيبات أمنية عالية افتتح السادات المسجد دون حدوث أي مشكلة , والبهرة يفرشون المسجد في كل يوم خميس من كل أسبوع مثل يوم الجمعة عند الناس .. بل إن هناك من سارع بالقول بأن البهرة لا يقرأون القرآن ولا يعتبرونه دستورهم , وهذا قول خاطىء .(4/57)
ونساؤهم يقفن وراءهم يولولن بشكل غريب, وماداموا ينتمون إلى فرقة الإسماعيلية, فهم بطبيعة الأمر يؤمنون بأن الرسالة والخلافة حق لعلي بن أبي طالب , بل وتأليف سور من القرآن يدعون فيها فضل علي بن أبي طالب , وبالتالي يحولون صلواتهم إلى مآتم للبكاء على علي والغلو الشديد في تقديسه .
أما يوم عاشوراء, يوم الصوم والبهجة للمسلمين فيحوله البهرة إلى سواد حيث يرتدون الحداد الأسود , ويضربون صدورهم ويجرحون أنفسهم تعبيرا عن الأسى لمقتل الإمام الحسين , بل يستنكرون رمي الجمرات في الحج .
في المسجد رفض العديد منهم الحديث إلى الصحافة , أما العامل المشرف على المسجد فقال : ما الذي تريدونه من البهرة؟ إنهم أناس طيبون , ولا يفعلون شيئا يغضب الله .
عامل آخر في المسجد يدعى محمود علي قال : منهم من يسكن في المسجد , ومنهم من يسكن خارجه , وبخلاف السائد عنهم فإنهم يصلون في أي مسجد , وبعد الأذان العادي , ويتحدثون اللغة العربية .
منازل البهرة ثلاثة أدوار داخل المسجد: دور أرضي به أربع دورات مياه عادية , أما الشقق فهي منظمة ومرتبة ترتيباً جيداً.
خرجت من جامع المعز لدين الله الفاطمي الذي يرجع إنشاؤه إلى عام 380 هـ , حيث بدأ الخليفة العزيز بالله في بنائه وأتمه الخليفة الحاكم بأمر الله عام 403 هـ , وأعطيت ظهري لبوابه الفتوح , وسألت التجار الذين يبيعون ويشترون أمام المسجد , فقال لي أحدهم : طقوسهم غريبة وصلاتهم أغرب منهم , يضربون صدورهم بقبضات أيديهم ولا نعرف السر في ذلك , ثم إنهم لا يصلون معنا , بل يصلون وحدهم , أما عن علاقاتهم بالناس فلا دخل لهم بأحد .(4/58)
أما أحمد محمد علي ورمضان محمد محمود , وفرج محمود , وسيد حسين , وهم يعملون في بيع البصل أمام المسجد , فقد أجمعوا على أن البهرة يتعاملون ببساطة وتلقائية في البيع والشراء , وطبيعتهم في الكلام صعبة , وقال أحمد : في صلاتهم يقبلون أرض القبلة وهم ساجدون , ويقبلون الجدران , كما أن صلاتهم سريعة جداً , ولا نعرف كم فرضا يصلون , ويمارسون طقوساً غريبة في صلاة الفجر , ودائما يذهبون إلى الحسين والسيدة زينب , وهناك شخص كبير في السن يأتي في مولد كبير يحملونه ويقبلونه في كل جسمه , وإذا لامس جزء من جسده أو ثوبه الأرض فإنهم يلمون التراب ويضعونه على أجسادهم , ويقولون إنها البركة .
كما أن هناك مكانا دائريا وسط المسجد يتوضأون منه ويقولون إنه ماء طاهر ومقدس , لأن جدهم مدفون أسفله , والماء يأتي من مجرى عميق , ويتوضأون وضوءاً تاما منه , وهو في الشتاء مياه ساخنة , وفي الصيف باردة عن طريق التحكم الكهربائي .
ويقول رمضان محمد : إذا ذهبنا مع البهرة لحمل حاجياتهم أو الاهتمام بشئونهم المنزلية , فإنهم يراضوننا بفلوس كثيرة , ولهم فنادق كبيرة ومشروعات عديدة , ومنهم من يملك بيوتا في الظاهر , وهناك الشيخ نجم وبابا عبده , ويعملان في مصنع للفطائر والكيك , ونحن نتعامل معهم على أنهم سائحون .
الرجل الذي وجدت عنده الآية الكريمة "يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا لكم نورا مبينا ", قال إنه درس الكيمياء ولا يعلم عن أمور الدين إلا أبسطها , وغير مسموح أن يتحدث في أمور الدين مع أحد , وقال : لكنك لو حضرت بعد شهر فسوف أحضر لك معلومات عن الطائفه من الهند .(4/59)
وعندما سألته عن سر كلمة "غير مسموح" تركني وعاد صامتا إلى أعماله وكأنه لا يسمعني, والشيء اللافت للنظر عند بوابتي الفتوح والنصر في باب الشعرية , أن الناس يتعاملون مع البهرة بسماحة غريبة , رغم أنهم يعرفون طقوسهم, ولا نعرف هل هو مبدأ البحث عن لقمة العيش , أم أن الشعب المصري - وهذا الأقرب للحقيقة - شعب يتعامل مع كل الديانات والطوائف ويتقبلها .
أطروحات المهري محور تأزيم
عصام الفليج
محمد باقر المهري هو الأمين العام لما يسمى "تجمع علماء الشيعة في الكويت" وقد أخذ على عاتقه نشر العقائد الشيعية, والعمل على تنظيم صفوف الشيعة في الكويت.
والمقال يشير إلى وقوف المهري في صف وزير الإعلام الكويتي الشيعي محمد أبو الحسن, الذي صار يشجع –بمجرد استلامه لحقيبة الإعلام- استقدام الفرق الماجنة وتشجيع الفساد على نحو لم يكن بهذا الحجم, ومع ذلك, فبدلاً من أن يقول المهري كلمة الحق, يدافع عن سياسات الوزير الشيعي الذي يواجه الانتقادات من قبل الجماعات الإسلامية السنيّة, ولذا فإن المهري لا يجد مانعاً من معاداة الجماعات السنّية حتى لو كان الطرف المقابل ينشر الرذيلة والفساد, وثمة ملاحظة أخرى هي تجاوز المهري لحدوده ووضعه الديني وسعيه للعب دور سياسي كما أشار الفليج..................المحرر
باعتقادي أن السيد المهري أقحم نفسه كثيراً في سجالات سياسية مع مجموعة من النواب وفي بعض القضايا التفصيلية التي كان يفترض أن ينأى بنفسه عنها حفاظاً على مكانته الدينية وانتسابه لآل البيت, فضلاً عن وضعه السياسي, بل تسببت بعض تصريحاته وتعليقاته في كشف بعض العلاقات السياسية مع بعض النواب وإحراجهم أمام ناخبيهم والمرشحين الآخرين, وتسببت أيضاً في إحراج بعض المسؤولين وعلى رأسهم معالي وزير الإعلام أ. محمد أبو الحسن.(4/60)
إن مبادرات السيد المهري بالدفاع عن وزير الإعلام –دون غيره من الوزراء- في قضايا معينة, والتعليقات والتصريحات والبيانات غير المبررة, تضفي طابعاً طائفياً مرفوضاً اجتماعياً, إلى حد أنها جعلت البعض يفسر كل قرار من الوزير بأنه بإيعاز من السيد المهري! وهذا ما لا يقبله أبو مهند ولا يرتضيه السيد.
الحكمة ضالة المؤمن أنّى وجدها فهو أحق الناس بها, وقد آن الآوان لتحكيم العقل قبل القوة, لأن العقل يحاور, والقوة لا تريد أن تحاور إلا القوة!! ولا يأنس السيد المهري بتصريحات وتأييد العلمانيين, لأنها مصالح متبادلة مؤقتة ستفقد معها مستقبلاً كل قوة سياسية... ودينية!
الوطن 30/10/2003
الشيخ العودة: الخلاف مع الشيعة أصولي
الإسلام اليوم 8/11/2003
استأثر الحوار الوطني السعودي باهتمام كبير, ذلك أنه للمرة الأولى يجلس أهل السنة والشيعة والإسماعيلية للحوار في السعودية برعاية رسمية.
أحد هؤلاء المشاركين الشيخ سلمان بن فهد العودة يعتبر من علماء أهل السنة البارزين في السعودية ومن أصحاب الاعتدال, يلقي الضوء على هذه الحوارات، واللقاء مع الشيخ العودة نشره موقع "الإسلام اليوم" وهو عبارة عن لقاء صحفي أجرته إحدى الصحف الشهيرة ولم تنشره, وفيه يتحدث عن العلاقة مع الولايات المتحدة وعن المقاومة العراقية واغتيال باقر الحكيم, وعن الأعمال التخريبية التي تشهدها السعودية بين الحين والآخر, إضافة إلى الحوار بين السنة والشيعة.
ما رأيكم في ردود الأفعال المعترضة تجاه البيان الذي صدر عنكم في موضوع اغتيال محمد باقر الحكيم؟ والذي اعتبره البعض تحولاً وانفتاحاً كبيراًَ على الآخر؟
صدر عن موقع (الإسلام اليوم) تعليق يدين فيه قتل محمد باقر الحكيم, وهذا في اعتقادي موقف حكيم؛ لأنه لا مستفيد من الاقتتال الداخلي في العراق إلا اليهود والأمريكان.(4/61)
رأيكم في الوضع الحالي في العراق... وهل ما يقوم به بعض الشباب العرب ضد القوات الأمريكية هو نوع من أنواع الجهاد؟ وكيف تقيمون المقاومة؟
من حق الشعب العراقي أن يقاوم المحتل ويطالب بالاستقلال, ونعتقد أن ما يفعله هو من المقاومة المشروعة شريطة أن يكون العمل منضبطاً موجهاً ضد القوات الغازية.
دينياً.. وسياسياً.. ما هي طبيعة العلاقة بأمريكا في الوقت الراهن؟
ترتبط الولايات المتحدة الأمريكية بعلاقات رسمية مع جميع دول العالم, بما فيها العالم الإسلامي, هذا واقع لا سبيل إلى تجاهله؛ لكن ما المانع من أن تقوم المجامع العلمية الشرعية بدراسة هذه المسألة من جديد, وتحديد موقف شرعي واضح في ظل العدوان على الشعب العراقي وتأييد المشروع الصهيوني واستهداف كل من هو إسلامي؟.
الحوار الوطني
كيف تقيمون نتائج مؤتمر الحوار الوطني؟ وما هي طموحاتكم في هذا الاتجاه؟
إذا نظرنا إلى المؤتمر باعتباره لقاءات لمناقشة مجموعة من القضايا؛ فقد حقق نجاحاً مبدئياً كحلقة نقاشية, وإن نظرنا إليه كمؤتمر للحوار الوطني كما يقال أحياناً؛ فإنه يحتاج إلى تحديد أهدافه وطريقة عمله ليمكن قياس النجاح أو الفشل.
واجه لقاؤكم الخاص بالشيخ حسن الصفار على هامش المؤتمر ضجة كبيرة... ما رأي فضيلتكم بهذا اللقاء وبالضجة التي تبعته؟
الصفار التقى في المؤتمر بجميع المشاركين, وقد زارني في غرفتي وجرى معه حوار علمي نعتقد أن النصيحة تقتضيه.
في ظل التباين والتصادم التاريخي.. كيف ترون فرصة اندماج وتعايش السنة والشيعة وكافة المذاهب في الحياة السياسية والاجتماعية في السعودية؟(4/62)
ليس هناك تصادم تاريخي حتمي فيما أحسب, لكن هناك تباين منهجي بين السنة والشيعة. والجدال بالتي هي أحسن, والدعوة الهادئة الرشيدة من القدر المتفق عليه أخذاً بقوله سبحانه وتعالى: ((ادع إلى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إنّ ربّك هو أعلم بمن ضلّ عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين)) (النحل:125).
الخلاف المذهبي
هل ترى أن بالإمكان التنازل عن بعض المعتقدات المختلف عليها في سبيل الوحدة الوطنية؛ كالتجاوب مع المطالبة الشيعية بإعادة بناء مقابر البقيع مثلاً؟
لا أرى التنازل عن أي معتقد, وتسوير المقابر قائم في البقيع وغيره, وأما بناء المساجد والقباب عليها فهو من البدع المحدثة التي حذر منها الرسول –صلى الله عليه وسلم-.
ما رأيكم فيمن يقول إن الخلاف القائم حالياً بين السنة والشيعة هو خلاف سياسي لا ديني, وإن المشكلة هي مع المذهب السلفي الوهابي فقط, بينما تتفق كافة المذاهب الأخرى؟
الخلاف بين السنة والشيعة أصولي باتفاق الطرفين؛ فليس مجرد خلاف سياسي ولا فقهي, وإن كانت السياسة قد تضخم هذا الخلاف أو تقلصه.
والتعايش لا يتم بتجاهل الخلاف؛ بل بمعرفته معرفة صادقة وتشخصيه تشخيصاُ سليماً ثم التدارس حول سبل المعالجة.
هل ترحب بوجود ممثل لكل المذاهب في هيئة كبار العلماء في السعودية؟
يمكن وجود ممثل للمذاهب الفقهية كالمالكية أو الشافعية أو الأحناف أو الظاهرية أو غيرهم.
أما المدارس العقدية؛ فإن نظام الدولة ونظام المجلس –فيما أحسب- قائم على اشتراط أن يكون أعضاؤه من أهل السنة, وأعتقد أن بعض هذه المطالبات ربما تؤجج الانتماءات المذهبية الطائفية بدلاً من معالجتها.
العلاقة مع الآخر
ما هي حدود العلاقة بالآخر (غير المسلمين أو أصحاب المذاهب الأخرى) تحت مظلة الوطن الواحد؟(4/63)
الإسلام يحفظ حقوق الناس ويمنع ظلمهم في نفس أو أهل أو مال أو عرض, حتى لو كانوا من غير المسلمين ما داموا مرتبطين بعهد أو ذمة أو أمان, وقد كتب أهل العلم في تفصيل ذلك, كما تجده في أحكام أهل الذمة لابن القيم أو حقوق الذميين للدكتور عبد الكريم زيدان أو غيرهم.
ظهور إعلامي وفوضى الفتوى
ظهوركم على أغلفة المجلات ومن خلال القنوات الفضائية كان أمراً مرفوضاً ومستحيلاً في الماضي.. ما الذي حصل الآن؟
لم يكن ظهوري مرفوضاً من قبل, ولقد كتبت قبل خمس عشرة سنة برنامجاً للتلفزيون السعودي, ونشرت في المجلات السعودية كـ "الدعوة" و "المسلمون" وغيرها, لكن لهذه المؤسسات الإعلامية سياساتها الخاصة التي تجعلها تتأخر أحياناً عن النشر لاعتبارات معينة.
ترون أن هناك فوضى في الفتوى حالياً... وما هي برأيكم الضوابط والحدود لحل هذه المشكلة؟
هناك فوضى في الفتوى فضائياً وإلكترونياً, من أهمها الفردية في القضايا الكبرى وعدم التداول الجماعي, ومنها خضوع الفتوى للمؤتمرات الخارجية كالسياسة والرغبة الاجتماعية والانتماء المذهبي.
العلاقة بالحاكم وولي الأمر... وحقوق المواطن, وبافتراض وجود ظلم أو عدم رضى أو تقصير.. كيف يجب أن تكون؟
يجب أن تقوم العلاقة على المناصحة والدعوة الملحة إلى الإصلاح واستخدام الوسائل السلمية في ذلك, وهي كثيرة, وهذا مبدأ قديم حديث كنا ولا زلنا نصر عليه, أما افتعال الصراع والمواجهة العسكرية؛ فهو مزلق خطر يستنزف جهود الأمة ويعوق مسيرة التنمية ولا يأتي بطائل, بل نتائجه نقيض ما يدعيه الذين يعتمدونه.
كيف يجب أن نتعامل مع من قاموا بالتفجيرات الإرهابية الأخيرة ومع من يؤيدهم.. هل ترى إمكانية الحوار مع هؤلاء أيضاً؟(4/64)
الحوار ممكن مع كل أحد يقبل بمبدأ الحوار, وهو لا يتناقض مع الوسائل الأخرى التي تمنع الفعل والشروع فيه, وقد حاولنا في موقع (الإسلام اليوم) مناقشة شبهات التفجيريين ورصدناها, وأجاب عنها كبار العلماء وأساتذة الجامعات, لكن لم يحظ الكتاب بموافقة وزارة الإعلام, فبقي طي الأدراج.
الجماعات الشيعية في العراق.. غموض وانقسامات وموازين راجحة
إبراهيم غرايبة(1)
يبدو أن المركزية الإيرانية في توجيه الشيعة وقيادتهم ستؤدي على الأغلب إلى حرب أهلية وصراع داخلي سيكون الشيعة من ضحاياه, وإن كان يبدو التفوق الإيراني والتنسيق مع الولايات المتحدة يعطيهم فرصة كبرى للانتقام والهيمنة لأنهم سيتخلون عن عراقيتهم ويتحولون إلى جماعات وظيفية تعتمد في قوتها واستمرارها على إيران والولايات المتحدة ومصالحهما وأوضاعهما المتغيرة والمتقلبة.
وتبدو الحركات الشيعية أنها تواجه أزمة انتقال كبرى, فهي خضعت لمرجعية سياسية وتنظيمية إيرانية طوال الثمانينات والتسعينات, وتبدو كما لو أنها تنفذ أجندة إيرانية في العراق قائمة على الحوار والتهدئة مع أميركا وربما التعاون السري, وهو ما أشار إليه تقرير لمعهد جيمس بيكر للسياسات العامة, وهي اليوم بعد الاحتلال العراقي للكويت تخوض تحدياً مستقلاً عن إيران في المساهمة في صياغة مستقبل العراق باعتبارها حركة سياسية واجتماعية عراقية وجزءاً من نسيج المجتمع والدولة في العراق, وليس حزباً تابعاً لإيران.
__________
(1) الرأي 2/11/2003.(4/65)
لقد تعرضت الحركات الشيعية لأزمة داخلية كبرى بعد سقوط النظام السياسي البعثي, وقتل فيما يعتقد أنه نزاع شيعي – شيعي عبد المجيد الخوئي ابن العلامة الخوئي, وقتل أيضاً محمد باقر الحكيم رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق, وأحد أهم قادة الشيعة ولعله أكثرهم قوة, ورجل إيران بين الشيعة والمرحلة السابقة لسقوط نظام البعث, وظهر مقتدى الصدر ابن القائد والمرجع الشيعي الكبير محمد صادق الصدر الذي قتل عام 1999, ويبدو أن مقتدى الصدر يصعد سريعاً متحدياً على نحو أساسي قيادة الحكيم للشيعة, وهيمنة المجلس الشيعي الأعلى, ومنافساً أيضاً لحزب الدعوة بقيادة إبراهيم الجعفري.
وكان سقوط نظام البعث والاحتلال الأميركي للعراق تحديين كبيرين للشيعة لا يقلان عن مرحلة المواجهة والاضطهاد والعمل السري والعمل العسكري والثوري من الخارج, ومن إيران أساساً, فقد كشفت نهاية الأحداث بالنسبة للشيعة عن فراغ كبير واختلافات اجتماعية وسياسية ومرجعية في القيادات والنخب الشيعية, وربما يكون الاتفاق الوحيد بينها هو التعاون مع الولايات المتحدة والرّهان عليها لتأجيل تسوية الخلافات أو الحصول على فرصة وتراتيب في الكعكة العراقية, أو الهروب إلى الأمام من الاستحقاقات التاريخية والسياسية القاسية التي تقتضيها مهمة بناء عراق متوازن قائم على فكرة جامعة لدولة كبيرة وغنية وعريقة تستوعب المذاهب والأعراق إن لم تتجاوزها.(4/66)
وبخلاف السنة الذين اتبعوا اتجاههم التاريخي في العمل على إقامة دولة للعراقيين جميعاً, ومقاومة الاحتلال استجابة لانتماء ينتفي معه اصطياد الفرص والمكافآت, ولهاجس محكوم بحتميات مسار عام للتاريخ يصنع المستقبل على نحو متناقض مع المخططات الراهنة التي تناطح التاريخ والجغرافيا, فقد أدار الشيعة ظهرهم للتاريخ والمستقبل مستجيبين لغرائز أولية من الانتقام, وفرص تقدمها اللحظة التاريخية للمغانم, دون اعتبار للتحول الذي يحكم به قادة الشيعة على أنفسهم ومجتمعاتهم من عراقيين يحكمهم الانتماء والمشاركة دون اعتبار آخر إلى جماعات وظيفية تغويها اللحظة القائمة, وتغريها قوى دولية وإقليمية تبدو مهيمنة, وتغرق بسياساتها وأعلامها وسلوكها المجال أمام كل محاولة لاسترجاع مبادىء بناء الدول وعلاقاتها الخارجية الإقليمية والدولية.
وتبدو الشيعة إسلامياً تتوزعها الحوزة العلمية والأحزاب والحركات القائمة عليها, أو التي تستمد قوتها وتأثيرها من مرجعيتها وتأييدها, لكنها تسمح لنفسها بالاجتهاد السياسي والعمل القائم على تفكير في جوهره علماني وبراغماتي تغطيه قشرة من المرجعية الإسلامية أو هيبة التاريخ والزعامة لقادته. وكان هذا الخلط بين الديني والسياسي والدعوي والتنظيمي مصدراً للحيرة والغموض والارتباك حتى تحول الغموض نفسه إلى سياسة عامة تتوصل بالتقية وتحمي من الحقيقة وتداري التناقض والازدواجية والأعمال والمخططات غير المعلنة والتعاون مع القوى والدول السياسية, وفي الوقت نفسه تقدم خطاباً ثورياً رومانسياً, ولعله أيضاً مأساوي.(4/67)
وربما يكون حزب الدعوة هو أول تجمع تنظيمي للإسلاميين الشيعة في العراق, ويعتبر محمد باقر الصدر المؤسس الفكري والتنظيمي لهذا الحزب عام 1957, ويتبنى الفكر التغييري ويرفض الفهم الإصلاحي. واليوم يوجد بالإضافة إلى حزب الدعوة المجلس الأعلى للثورة الإسلامية بقيادة الحكيم, ومنظمة العمل الإسلامي, وحركة الكوادر الإسلامية, وحركة الوفاق الإسلامية, وأخيراً ظهر بقوة جيش المهدي بقيادة الشاب الصاعد مقتدى الصدر.
ويغلب على أتباع الصدر الانتماء إلى الفئات الشابة والفقيرة بخلاف المجلس الذي يجتذب النخب الاقتصادية والاجتماعية للشيعة, وحزب الدعوة الذي يعتمد أساساً على النخبة العلمية, ويكشف هذا التنوع عن انقسام اجتماعي إضافة إلى النزاع السياسي والنخبوي والقيادي والمرجعي.
ويحقق الصدر بجماعته وخطابه توازناً عاطفياً وسياسياً يبدو ضرورياً لمجتمعات الشيعة, المصدومة بالتحولات الكبرى من المعارضة والاضطهاد إلى الحكم والتعاون مع الاحتلال الأميركي, الذي كان ينظر إليه على مدى ربع قرن بأنه العدو الأول والشيطان الأكبر.
وربما يكون هذا التوازن ضرورة للولايات المتحدة أيضاً, التي تحتاج إلى استقرار نسبي في الشيعة يستوعب المد الثوري المعارض وأوعية تستعرض هذا الاتجاه, على نحو يجهض احتمالات مشاركته في المقاومة الفعلية أو بتعبير أدق المقاومة المسلحة.
التجمعات الشيعية في العالم العربي
السعودية
مقدمة:
بالرغم من أن الشيعة في السعودية يشكلون أقلية صغيرة ويعيشون تحديداً في شرق المملكة, إلا أنّ أهمية تسليط الضوء عليهم يكمن في كون السعودية تحتوي الأماكن الإسلامية المقدسة, بحيث غدت السعودية اليوم قلب العالم الإسلامي.(4/68)
و"شيعة السعودية" هي جزء آخر من سلسلة "التجمعات الشيعية" التي بدأناها بالحديث عن العراق ثم البحرين, واليوم نضيف جزءاً إلى هذه السلسلة التي تهدف إلى بيان التجمعات الشيعية في العالم العربي, وفي منطقة الخليج على وجه الخصوص, وتتناول السكان الشيعة, ودخول التشيع إلى هذه البلدان, وأثر علاقات إيران مع هذه الدول وانعكاسها على الجاليات الشيعية في الخليج, كما تتناول أهم الهيئات والمؤسسات والشخصيات الشيعية, وجانباً من أنشطتها وتياراتها وتوجهاتها.
وإضافة إلى كون السعودية قلب العالم الإسلامي –وهذا ما يغضب الشيعة- فإن شيعة الإحساء في المنطقة الشرقية من المملكة, هم الأصل في التواجد الشيعي العربي في الجزيرة (من أيام القرامطة في القرن الهجري الثالث) ومنهم تكونت التجمعات الشيعية الأخرى في حيث تتشابه الأصول والنشأة.
دخول التشيع إلى السعودية:
يتركز الوجود الشيعي في السعودية في شرق البلاد في منطقة الإحساء, التي كانت تعرف قديماً ببلاد البحرين, ويعود الوجود الشيعي في هذه المنطقة إلى القرامطة(1) , وهم من الشيعة الإسماعيلية, وقد استطاعوا تأسيس دولة لهم في هذه المنطقة -إضافة إلى أجزاء أخرى من الجزيرة العربية- في أواخر القرن الثالث الهجري أثناء حكم العباسيين, إلى أن كانت نهايتهم على يد السلاجقة سنة 467هـ.
__________
(1) القرامطة: حركة باطنية هدّامة, اعتمدت التنظيم السري العسكري, وسميت بهذا الاسم نسبة إلى حمدان قرمط بن الأشعث الذي نشرها في سواد الكوفة سنة 278هـ.
انظر للمزيد من عقائدهم وأفكارهم وانتشارهم:
-الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة الصادرة عن الندوة العالمية للشباب الإسلامي ص395.
-وجاء دور المجوس للدكتور عبد الله الغريب ص69.(4/69)
وعودة إلى كلمة "البحرين", فلقد كانت تعني المنطقة الشرقية من جزيرة العرب وتشمل باصطلاحنا اليوم جزءاً من الكويت, والمنطقة الشرقية من السعودية, والبحرين وقطر, وقسماً من اتحاد الإمارات العربية(1) , وقد خضعت هذه المنطقة لسيطرة القرامطة منذ نهاية القرن الثالث الهجري, فعاثوا في الأرض الفساد, وأفسدوا العقائد, وأساءوا إلى الحياة الاجتماعية, ولمّا جاء السّلاجقة إلى حكم بغداد, وأنهوا نفوذ البويهيين (الشيعة) فيها عام 447هـ, طمع عبد الله بن علي العيوني أحد رجالات بني عبد القيس في البحرين بالقضاء على القرامطة فيها, فطلب دعم السّلاجقة له, فأرسل له ملك شاه السلجوقي أربعة آلاف مقاتل عام 467هـ, فاستطاع بذلك الدعم أن يقضي على القرامطة, وأن يؤسس دولته التي عرفت بالعيونية نسبة إليه, أو نسبة إلى بلدة العيون التي ينتمي إليها بالإحساء, واستمرت هذه الدولة حتى عام 642هـ, حيث خلفتها في الحكم أسرة بني عقيل, وكان الحكم بعد ذلك يتنقل بين الأسر والقبائل(2).
وكان للقرامطة نفوذ في منطقة أخرى في الجزيرة العربية وذلك في اليمامة وسط جزيرة العرب التي ضعف الاهتمام بها في العصر العباسي, حيث قامت هناك الدولة الاخيضرية, وهي دولة شيعية كانت تحت نفوذ القرامطة إلى حدّ ما, وأفسحت لهم المجال بالحركة في مناطق نفوذها(3) .
__________
(1) هناك من يوسّع بلاد البحرين فيرى أنها المنطقة الممتدة بين مسقط (في عُمان) والبصرة (جنوب العراق). انظر ملوك العرب لأمين الريحاني ص720.
(2) محمود شاكر, التاريخ الإسلامي – الجزء السابع ص117-118.
(3) المصدر السابق ص115.(4/70)
وقد اتخذ القرامطة البحرين والإحساء مركزاً لأعمالهم, ومن هذا المركز اجتاحوا البصرة, حيث عجز العباسيون عن حمايتها وكذلك فعلوا بالكوفة, وفي سنة 317هـ (929م) دخلوا مكة وفتكوا بحجاج بيت الله الحرام وأخذوا الحجر الأسود, ثم استولوا على عُمان بعد ذلك, وسيطروا على معظم شرق الجزيرة العربية(1) , وينحدرون من قبائل ربيعة, ومن قبائل وعشائر أخرى وفدت من نجد وغيرها لأسباب اقتصادية.
وبعد نهاية دولة القرامطة على يد السلاجقة سنة 467هـ وقيل 470هـ, لم يعد للقرامطة أثر بعد ذلك في الإحساء. أما الشيعة الذين بقوا في الإحساء بعد ذلك فهم فرع من الشيعة الجعفريين من الإثني عشرية يُسمون "الشيخيين(2)" .
وفي القرن السابع الهجري, وفي شرق الجزيرة العربية قام الصلخوري أتابك إقليم فارس –وهو صديق الشاعر الفارسي المشهور سعدي الشيرازي- بضم عدد من جزر الخليج إلى ولايته, وعبر إلى الضفة العربية "الغربية" من الخليج, وضمّ كلّ إقليم البحرين والإحساء إلى سلطانه, وهذا ما سبب تلاشي سلطان بني عيون, الذي سبق الإشارة إليه, خاصة مع منافسة قبيلة عامر بن عقيل له, والتي كانت تحظى بتأييد الأتابك(3) .
شيعة السعودية:
سبق القول أن شيعة السعودية يتركزون في شرق البلاد وخاصة في:
1-منطقة القطيف –وهي أكبر مناطقهم- كما أنهم يتواجدون في القرى التابعة لها مثل سيهات, جزيرة تاروت, العوامية, الجارودية, أم الحمام, الجش...الخ.
2-منطقة الإحساء, ومن مناطقهم فيها الهفوف, المبرز, القارة, المنصورة, البطالية.. الخ.
3-مدينة الدّمام, وخاصة في حي العنود, إضافة لأحياء أخرى كالجلوية والعزيزية والنخيل.
4-بقية مناطق الشرقية كالجبيل ورأس تنورة, والخبر والظهران.
وإضافة إلى المنطقة الشرقية فإنّهم يتواجدون بكثرة في:
__________
(1) د. حسين مؤنس, أطلس تاريخ الإسلام ص207.
(2) المصر السابق ص209.
(3) المصدر السابق ص209.(4/71)
5-المدينة المنوّرة, وخاصة في حي العوالي. ويطلق عليهم اسم "النخاولة".
6-مناطق أخرى, بدأوا بالتكاثر فيها مؤخراً كالرياض وحفر الباطن والمنطقة الغربية(1).
هذا فيما يتعلق بالشيعة الإثنى عشرية, أما الشيعة الإسماعيلية والزيديين القادمين من اليمن فإن لهم وجوداً في المنطقة الجنوبية, وفي هذا البحث يقتصر حديثنا عن الشيعة الإمامية الإثنى عشرية.
وأما نسبتهم في المملكة فمختلف فيها, خاصة وأن الشيعة دائماً ما يلجأون إلى تضخيم أعدادهم لأغراض سياسية واضحة كما هو الحال في البحرين والعراق(2) إضافة إلى عدم وجود إحصاءات رسمية تقسم السكان على أساس مذهبي, إلا أنّ مصادر غير سنّية تشير إلى أنهم يشكلون 5% من مجموع سكان المملكة, كما جاء في دراسة "سوريا وإيران والنظام الأمني الخليجي الجديد" ص67 الصادر عن مركز راند الأميركي, والتي نشرها مركز القدس للدراسات السياسية في الأردن, كما أن هذه النسبة وردت في الدراسة الصادرة عن شبكة الدفاع عن السّنة, والتي سبق الإشارة إليها.
وتعتمد هذه الدراسات عادة على عدد السكان الكلي للمملكة, واحتساب أماكن التجمعات الشيعية من هذا العدد للوصول إلى رقم تقريبي.
وبعض مراكز الدراسات تجعل نسبة الشيعة في السعودية 10%, مثل مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية في مصر في تقريره السنوي الأول الصادر سنة 1993, وهذا المركز عرف عنه المبالغة في أرقام الشيعة, فهو يجعلها في العراق 65% وفي البحرين 70% في تقريره الصادر سنة 1999, وهذه الأرقام لا يخفى على أحد عدم صحتها ومخالفتها للواقع.
__________
(1) انظر دراسة: المخطط الرافضي في المملكة العربية السعودية الصادرة عن شبكة الدفاع عن السّنة بتاريخ 25/4/2003.
(2) نشرت شبكة الراصد بحثين عن الشيعة في هذين البلدين في العددين الأول والثالث.(4/72)
كما أنّ الوكالة الشيعية للأنباء والتي تبالغ هي أيضاً في نسب الشيعة جعلت نسبة الشيعة في السعودية (10%) وعلى أي حال, فإن النسبة لا تتجاوز بأي حال من الأحوال 10%, ولا تقل عن 5%, ولا صحة لما ينشره الشيعة بين الحين والآخر من أن نسبتهم في السعودية تصل إلى 15% وربما أكثر.
أنشطتهم:
أ-الدينية: يمارس الشيعة عباداتهم وأنشطتهم الدعوية بشكل مكثف في المنطقة الشرقية, وتنقسم هذه الأنشطة إلى:
1-المساجد والحسينيات:
وفي مساجدهم في القطيف تسمع في النداء (أشهد أنّ عليّاً ولي الله) و (حي على خير العمل) ولهم مساجد كثيرة منها (الزهراء, عمّار بن ياسر , مسجد الإمام الحسين بصفوى, مسجد الإمام علي, القلعة, العباس, الإمام الحسن في القطيف), ومن الحسينيات (الزهراء, الإمام المنتظر بسيهات, حسينية الناصر بسيهات أيضاً, والزائر بالقطيف, والإمام زين العابدين, والرسول الأعظم, والراشد بسيهات, العامرة في المدينة المنورة).
وقد كانت القطيف فيما سبق يطلق عليها (النجف الصغرى) لكثرة الحوزات الشيعية فيها.
2-الدروس والمحاضرات:
وفي مساجدهم وحسينياتهم, تكثر الدروس والمحاضرات, وتوضع الإعلانات لذلك دون رقيب أو حسيب في الوقت الذي لا يسمح لجيرانهم من أهل السنة بإقامة المحاضرات إلا بإذن من الإمارة ومركز الدعوة, وهذه بعض محاضراتهم:
أهل البيت في القرآن لعلي السيد ناصر, والتشيع والولاية لعبد الله الموسوي, والتقية وحدودها لمنير الخبّاز, والندوة العقائدية لحسن الخويلدي.
3-الأعياد والمآتم:
وهم كغيرهم من الشيعة دائمو الاحتفال بمناسبات يلصقونها بآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وكثيرو الإقامة للمآتم, ومن ذلك:
-أسبوع الرسول الأعظم في ذكرى ميلاده بمسجد العباس بالعوامية, في الفترة من 12-17 ربيع الأول 1424, وإضافة إلى المحاضرات احتوى الأسبوع على معرض كتاب وأناشيد.(4/73)
-الاحتفال بالمبعث النبوي في القطيف في مسجد علي المرهون في 27 رجب 1423, وألقى المحاضرة حسن الصفّار, أحد أبرز علماء وشخصيات الشيعة في السعودية.
4-حملات وشركات الحج والعمرة:
وتكثر الإعلانات عندهم عن حملات الحج والعمرة والزيارة لقبر الرسول صلى الله عليه وسلم والعتبات المقدسة في المناسبات المختلفة, مثل الرجبية, وعطلة الربيع وأشهر الحج وغيرها.
ويرافق هذه الحملات عدد من شيوخهم للتوجيه والإرشاد ومحاولة التأثير على الحجاج, ومن حملاتهم:
-حملة الإمام زين العابدين ويشرف عليها حسني مكي الخويلدي.
-حملة علي أحمد العبد العال في الخويلدية بالقطيف ويشرف عليها حسين صالح آل صويلح.
-حملة أحمد خميس آل عطية لزيارة مسجد الرسول الأعظم والعتبات المقدسة!
5-محكمة الأوقاف والوصايا:
وهي خاصة بهم ويرأسها شيعي, رغم أنها تتبع وزارة العدل. وفي حقبة سابقة وتحديداً زمن مؤسس المملكة عبد العزيز آل سعود تم تعيين الشيخ الشيعي علي الخنيزي قاضياً أكبر في القطيف يتقاضى أمامه جميع السكان السنة والشيعة على حد سواء(1) .
ب-التربوية والثقافية:
للشيعة في السعودية تواجد تربوي وثقافي, وحضور في مختلف المؤسسات والدوائر, وفي مناطقهم الكثير من المدراس لمختلف المراحل وهي غالباً مكتظة بالطلاب, ويقبل الشيعة على العمل في سلك التعليم, وفي الوظائف الإدارية المرتبطة به, ففي منطقة المدينة النبوية التعليمية تعمل 300 مدرسة شيعية, أما في المنطقة الشرقية فالعدد كبير جداً, إضافة إلى أن المدرسين الشيعة يقومون بتدريس الطلاب من أهل السنة, ويبثون فيهم بعضاً من عقائدهم وأفكارهم.
وإضافة إلى المدارس, فلهم في الجامعات تواجد ملحوظ, وخاصة في جامعة الملك فيصل بالدمام والإحساء والملك فهد بالظهران, كما أن لهم ميولاً للعمل في الكليات والمعاهد التقنية والصناعية.
__________
(1) نجيب الخنيزي – النشاط السياسي للشيعة في السعودية.(4/74)
ويحرص الشيعة على إقامة المعارض الثقافية ومعارض الكتاب وفيها تباع الكتب المخالفة للعقيدة الإسلامية ككتاب التوحيد لابن بابويه القمي, والآيات البينات لمحمد الحسين كاشف الغطا.
كما يحرصون على الكتابة في الصحف والمجلات وإنشاء النوادي الأدبية والإصدارات الثقافية.
جـ-الاجتماعية:
يمتلك الشيعة جمعيات خيرية عديدة تلقى دعم وزارة العمل والشؤون الاجتماعية وبعض أفراد أهل السنة, ومن هذه الجمعيات: جمعية العمران الخيرية, وجمعية المواساة الخيرية بالقارة, وجمعية البطالية, وجميعها بالإحساء.
وتقوم هذه الجمعيات وغيرها بجهود كبيرة لمساعدة الشيعة في رعاية المرافق العامة في المنطقة كأماكن العبادة ومغاسل الموتى وإصلاح المقابر, وإقامة الدورات المختلفة في الحاسوب والطباعة والخياطة, والاهتمام بالمرضى ومساعدات الزواج وإقامة الأعراس الجماعية التي يعول عليها الشيعة لزيادة نسبتهم في السعودية.
د-الاقتصادية:
للشيعة نشاط اقتصادي كبير وخاصة في شرق المملكة وتواجد ملحوظ في المؤسسات النفطية وهم يمارسون مهناً ثابتة كالزراعة والصيد والحرف(1) , ومن تجارهم الكبار:
السيهاتي للنقل, وأبو خمسين وهو صاحب تجارة منوعة, والمرهون للمزادات العلنية, كما أنهم يستحوذون على تجارة الذهب في المنطقة الشرقية, وكذلك أسواق الخضار والفواكه, والأسماك والتمور, إضافة إلى المؤسسات المتنوعة في المنطقة الشرقية وكذلك في المدينة المنورة(2) .
هـ-السياسية:
وكذلك يتولى بعض الشيعة مراكز هامة في الدولة، وأيضاً كان لهم مركز معارضة في لندن وواشنطن تصدر عنه مجلة الجزيرة العربية.
__________
(1) النشاط السياسي للشيعة في السعودية – نجيب الخنيزي المنشور في الوكالة الشيعية للأنباء.
(2) انظر دراسة المخطط الرافضي في المملكة العربية السعودية المنشور في شبكة الدفاع عن السنة.(4/75)
وقد شكل الشيعة عصب التنظيمات والحركات السياسية السرّيّة التي شهدتها المملكة والتي كانت معروفة على الصعيد العربي مثل القوميين والبعثيين والشيوعيين والناصريين(1) وهذا مما يدل على التقارب الحقيقي بين كافة أبناء اليهودية العالمية (الشيعة/ ابن سبأ – الشيوعية/ ماركس)!
الشيعة في السعودية والتغيرات الداخلية والأوضاع الإقليمية:
يتأثر شيعة السعودية كغيرهم من الشيعة سلباً وإيجاباً بالأوضاع الإقليمية, وتطورات الأوضاع في بلدهم, لكن الثابت أن علاقة الشيعة بالسعودية ليست إيجابية في معظم أوقاتها, وقد بدأت المعارضة الشيعية للدولة السعودية منذ وقت مبكر, فقد أنشأ محمد الحبشي سنة 1925 جمعية شيعية اعتبرتها السلطات غير قانونية, وفي سنة 1948 وصلت القلاقل الشيعية إلى حد الانفجار في مظاهرات واسعة النطاق وفوضى عمّت "القطيف" بقيادة محمد بن حسين الهراج, حيث كان المتظاهرون يطالبون بالانفصال عن المملكة, وكان من أسباب الدعوة إلى الانفصال ظهور النفظ في شرق المملكة, وتعاظم أهميتها الاقتصادية.
وفي سنة 1949 اكتشفت الحكومة وجود جماعة ثورية(2) بالقطيف تعمل تحت اسم جمعية تعليمية, فقامت بحل الجمعية ومات أحد زعمائها وهو اليساري عبد الرؤوف الخنيزي في السجن, وامتدت هذه الحركة إلى الجبيل سنة 1950.
وظلت الاضطرابات والمصادمات مستمرة بين شيعة المنطقة الشرقية والسلطات السعودية في أعوام 1953 و 1970 و 1978(3) .
إيران:
__________
(1) النشاط السياسي للشيعة في السعودية.
(2) لاحظ انتشار الأفكار الثورية دائماً بين الشيعة، وهذا يؤكد الصلة بين التشيع والشيوعيين؛ لأنهم من مصدر يهودي!
(3) ريتشارد دكمجيان, الأصولية في العالم العربي ص204.(4/76)
ومع قدوم ثورة الخميني في فبراير سنة 1979, كان شيعة السعودية على موعد مع الأمل, إذ أن هذه الثورة التي انقاد لها معظم الشيعة في العالم أوجدت لديهم الرغبة في الحكم وتأملوا بصعود نفوذهم, ففي أواخر سنة 1979, اندلعت الاضطرابات الواسعة في القطيف وسيهات وجاءت متزامنة مع أيام الحداد الديني لدى الشيعة (عاشوراء) واحتجاز الرهائن الأمريكيين في طهران, وأحداث جهيمان في مكة المكرمة(1) , كما أنها جاءت استجابة لنداء الخميني لشيعة السعودية بالثورة على آل سعود, وفي 19 نوفمبر سنة 1979 سحق الحرس الوطني السعودي المظاهرات الشيعية واستمرت الاضرابات حتى نهاية ذلك العام.
وبالرغم من التأثير الكبير للثورة الإيرانية على شيعة السعودية, إلا أن هذا التأثير بدأ بالنزول بسبب تجاوزات نظام الخميني في الداخل وعجزه عن إحراز نصر حاسم على العراق(2) .
وظلت علاقات السعودية بشيعتها غير ودية, وكانت علاقة المملكة المتوترة مع إيران إحدى أسباب هذا "اللاود", حيث كانت دول الخليج ومن ضمنها السعودية مسرحاً للتخريب الإيراني, والاعتداء على السفارة السعودية في طهران, وبلغ التخريب أوجه في محاولة الاعتداء على بيت الله الحرام, وإفساد موسم الحج عامي 1987 و 1989م.
__________
(1) أصدر شيعة السعودية كتاباً في الثناء على جهيمان وتمجيد ثورته بعنوان "دماء في الكعبة!" وذلك لأنهم يرون أن نجاح جهيمان في القضاء على الدولة السعودية يفتح لهم باباً واسعاً للقضاء عليه فيما بعد.
(2) المصدر السابق ص206.(4/77)
إلا أنّ سنوات التسعينات وبعد وفاة الخميني وانتهاء الحرب العراقية الإيرانية شهدت تقارباً إيرانياً مع معظم دول العالم(1) , ومنها السعودية, حيث توقفت الحملات بين البلدين, وتوثقت العلاقات الاقتصادية, وتوالت الزيارات لكبار المسؤولين من كلا البلدين, ووقّع البلدان اتفاقية أمنية سنة 2001م تعتبر علاقة مميزة في العلاقات بين البلدين.
وكان من الطبيعي أن ينعكس هذا التقارب بين السعودية وإيران على شيعة السعودية, ومن ذلك الاتفاق الذي تم بين الحكومة السعودية والمعارضة الشيعية في الخارج وعلى أثره أغلقت مكاتبها وعادت إلى السعودية دون ملاحقات.
العراق:
وجاءت الأحداث المتسارعة في العراق, وسقوط نظام صدام حسين, والصعود الكبير للشيعة لتنعش آمال شيعة السعودية, حيث قام 450 شخصية شيعية في المملكة فور انتهاء الحرب على العراق, وبدء الظهور الشيعي هناك بتوجيه عريضة إلى ولي العهد السعودي عبد الله بن عبد العزيز يطالبون فيها بتحسين أوضاعهم، وأن تتاح أمامهم الفرص, وباستلامهم لمناصب عليا في مجلس الوزراء، والسلك الدبلوماسي، والأجهزة العسكرية والأمنية، ورفع نسبتهم في مجلس الشورى.
كما طالبوا في العريضة بالتوقف عن وصف مذهبهم بالكفر والشرك والضلال, والسماح بإدخال الكتب والمطبوعات الشيعية إلى البلاد, واستحداث جهة رسمية للأوقاف تابعة إدارياً لوزارة الأوقاف كما هو الحال في البحرين والكويت.
__________
(1) وذلك بسبب السياسة الشيعية الجديدة (الانفتاح الثقافي) ولاحظ أنها جاءت بعد السياسة الشيوعية البيروسترويكا الإصلاح!! وكيف أن إيران والشيعة في الدول العربية قد حصلوا على مكاسب بالدبلوماسية لم يستطيعوا الحصول عليها بالثورة والعنف, ثم للأسف بعض أهل السنة الآن يتخذ العنف الوسيلة الوحيدة للعمل؟!(4/78)
وقد عبّرت هذه العريضة عن مختلف الأطياف الشيعية, إذ أنها لم تقتصر على رجال الدين, فقد وقّع عليها علمانيون وشيوعيون وشخصيات عادية, كما أنّها شهدت للمرة الأولى مشاركة شيعة المدينة المنورة في العرائض, حيث ولّد الوضع عندهم وعند غيرهم ثقة بالغة بالنفس.
كما طالبوا بأن تحترم الحكومة السعودية جميع المذاهب ومنها المذهب الشيعي, كما طالبوا بأن يكون لهم تمثيل في المؤسسات الإسلامية التي ترعاها المملكة كرابطة العالم الإسلامي والندوة العالمية للشباب الإسلامي وهيئة الإغاثة الإسلامية العالمية والمجلس الأعلى للمساجد.
البحرين:
وفي البحرين التي حقق فيها الشيعة إنجازات هامة مع قدوم الشيخ حمد بن عيسى 1999 كإطلاق سراح المعتقلين، وعودة المبعدين، وإنشاء الجمعيات السياسية، وإصدار الصحف والمنتديات، والدخول إلى المجلس النيابي ومجالس البلديات.
والتغيرات التي حدثت في البحرين والعراق والتي ترتبط ارتباطاً كبيراً بالمنطقة الشرقية تؤثر في شيعة السعودية.
ومن أبرز الذين وقّعوا على هذه العريضة: محمد سليمان الهاجري قاضي محكمة الأوقاف والمواريث بالإحساء, وعلي ناصر السلمان وحسن الصّفّار وهاشم السلمان وهم من رجال الدين, وزكي الميلاد رئيس تحرير مجلة الكلمة, ومن رجال الأعمال جعفر الشايب وحسين النمر وأحمد النخلي ورضا المدلوح…(1) .
الحرب على الإرهاب
وعملت المتغيرات العالمية والحرب على الإرهاب في الضغط على الحكومة السعودية وتم تحميلها المسؤولية أو جزءاً منها في أحداث نيويورك وواشنطن سنة 2001, وبدأ القادة الأميركيون يوجهون هجومهم نحو السعودية وسياستها ومنهاجها التعليمية, وكانت الورقة الشيعية إحدى الأوراق التي تهدف إلى الضغط على الحكومة السعودية وإظهارها بمظهر المعادي لحقوق الإنسان.
__________
(1) انظر القدس العربي 1/5/2003.(4/79)
واستغل الشيعة هذا الأمر وبدءوا يعلنون مطالبهم ويكثرون من الشكوى, وأدى هذا إلى قيام الدولة السعودية بعقد الحوار الوطني السعودي لأول مرة بين علماء السنة وممثلين عن الشيعة والإسماعيلية وغيرهم.
وقد كان لهذا الحوار أصداء كبيرة لم تظهر للآن النتائج المترتبة عليه, لكن الشيعة سعياً لتحقيق المزيد من المكاسب يستخدمون سياسة تصعيد المطالب والاستمرار فيها من أجل إرباك الدولة والاستفادة من حاجة السعودية للأمن لتحسين صورتها في الإعلام العالمي بالتصريح لوسائل الإعلام أنهم مظلومون وأنهم مقموعون وهكذا.
المراجع
الأصولية في العالم العربي – ريتشارد دكمجيان.
هموم الأقليات – التقرير السنوي الأول لمركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية في مصر لسنة 1993.
تاريخ الجمعيات السرية والحركات الهدّامة – د. محمد عبد الله عنان.
وجاء دور المجوس – د. عبد الله الغريب.
أطلس تاريخ الإسلام – د. حسين مؤنس.
التاريخ الإسلامي – الجزء السابع – محمود شاكر.
ملوك العرب – أمين الريحاني.
دوريات ومواقع
القدس العربي.
شبكة الدفاع عن السّنة.
الوكالة الشيعية للأنباء.(4/80)
العدد الخامس
غرّة ذو القعدة / 1424هـ
الشيعة وقضية التكفير... مظلومون أم ظالمون؟؟
فرق ومذاهب (الإباضية).
سطور من الذاكرة (عام الجماعة.. الحسن بن علي يصالح معاوية 40هـ).
كتاب الشهر (الفساد في سوريا).
قالوا.
جولة الصحافة (مقتدى الصدر يعلن عن تأسيس جمهورية زفتى..!).
جولة الصحافة (مستقبل العراق والإقليم).
جولة الصحافة (دولة داخل الدولة).
جولة الصحافة (إيران: قتلى في مواجهات بين متظاهرين والحرس الثوري)
جولة الصحافة (أميركا والشيعة.. تحالف محتمل أم حقيقي؟).
جولة الصحافة (المصالحة الأميركية مع إيران).
جولة الصحافة (العراك في العراق).
جولة الصحافة (الحضور الإيراني في ترتيبات الملف الأفغاني).
دراسات (التجمعات الشيعية في العالم العربي – الكويت).
الشيعة وقضية التكفير
مظلومون أم ظالمون؟
في حوارات جديدة في قناة المستقلة حول الدعوة السلفية, طرح الأستاذ أحمد الكاتب أن الدعوة السلفية قد ظلمت الشيعة بتكفيرها إياها.
والعجيب أن الأستاذ أحمد الكاتب وهو من الباحثين الشيعة قد تعرض لهجوم حاد جداً وصل إلى تكفيره بسبب كتابه "تطور الفكر السياسي الشيعي" الذي توصل فيه إلى عدم وجود أساس لوجود الإمام الثاني عشر وقبل ذلك عدم ثبوت نظرية الأئمة الإثنى عشر, ذلك أن الشيعة تكفر كل من أنكر الأئمة الإثنى عشر وخاصة من عرف ثم أنكر!! مثل أحمد الكاتب.
وإليك ما يقرره الشهيد الثاني تجاه من ليس شيعياً (إن القائلين –من الشيعة- بإسلام أهل الخلاف –من ليس من الشيعة- يريدون صحة جريان أكثر حكام المسلمين عليهم في الظاهر, لا أنهم مسلمون في نفس الأمر, ولذلك نقلوا الإجماع على دخولهم النار) ... بحار الأنوار 8/368.
وأيضاً هذا آيتهم محمد حسين فضل الله حين تنازل عن بعض الفرعيات في المذهب الشيعي من أجل مكاسب أكبر وطعن في شيعيته ودينه! حتى ألف الكتب في الدفاع عنه وأنشئت بعض المواقع في الانترنت للهجوم عليه!(5/1)
والعجيب أن الشيعة يدّعون أن أهل السنة يظلمونهم حين يطلقون عليهم وصف الكفر والشرك ولا يجدون غضاضة في تكفيرهم هم لأهل السنة بل وتكفير من لا يكفر أهل السنة من الشيعة!
يقول الشيخ حسين العصفورفي كتابه أجوبة المسائل الخراسانية ص139(فالذي يظهر لنا من الأخبار هو كفر كل مخالف (للشيعة) وشركه وأنهم شر من اليهود والنصارى وأن من اعتقد أن لهم في الإسلام نصيباً فهو كافر).
ولو أردنا أن نعمل مقارنة بين الأسباب التي جعلت أهل السنة يكفرون بها الشيعة وبين الأسباب التي يكفر بها الشيعة أهل السنة لكانت ما يلي:
أسباب أهل السنة في تكفير الشيعة:
1-طعنهم في القرآن الكريم والادّعاء بأنه محرف.
2-تكفيرهم للصحابة ووصفهم لهم بالردة.
3-طعنهم في زوجات النبي صلى الله عليه وسلم وخاصة عائشة.
4-صرف العبادة والدعاء وعلم الغيب لغير الله عز وجل.
5-تفضيلهم الأئمة على الأنبياء والمرسلين.
أسباب الشيعة في تكفير أهل السنة:
1-عدم الإيمان بحقيقة الأئمة الإثنى عشر في الحكم والخلافة.
2-إنكار عصمة الأئمة الإثنى عشر.
3-إنكار حياة الإمام الثاني عشر من أكثر من ألف عام وحتى الآن.
نترك لكل عاقل الموازنة بين الطرفين ليعرف الحكم الأصوب, ومن الذي يهدم أركان الدين والإسلام!
هذا مع أننا لا نرى كفر كل شيعي وشيعية لكن من اعتقد هذه العقائد الباطلة وهو يعرف بطلانها فهو كافر من أي جهة كانت.
ونهاية القول أن الشيعة تزعم أنها مظلومة بتكفير السنة لها, والحقيقة أنها ظالمة لنفسها باتباع عقائد باطلة ثم تكفير أهل السنة ثانية دون وجه حق وبعد ذلك الافتراء على أهل السنة والقول: أنهم ظالمون لهم.
فرق
الإسماعيلية
تمهيد:(5/2)
الإسماعيلية هي إحدى الفرق الباطنية المنتشرة اليوم. و"الباطنية" لقب عام مشترك تندرج تحته مذاهب وطوائف عديدة, الصفة المشتركة بينها هي تأويل النص الظاهر بالمعنى الباطن تأويلاً يذهب مذاهب شتى, وقد يصل التباين بينها حد التناقض الخالص, فهو يعني أن النصوص الدينية المقدسة رموز وإشارات إلى حقائق خفيّة وأسرار مكتوبة, وأن الشعائر, بل والأحكام العملية هي الأخرى رموز وأسرار, وأن عامة الناس هم الذين يقنعون بالظواهر والقشور, ولا ينفذون إلى المعاني الخفية المستورة التي هي من شأن أهل العلم الحق, علم الباطن.
ويدخل تحت مسمى الباطنية فرق عديدة أهمها: الاسماعيلية والقرامطة والنصيرية والدروز.
إذاً الاسماعيلية هي إحدى الفرق الباطنية, التي تزعم أن للدين ظاهراً وباطناً: ظاهراً يظنه عامة الناس, وباطناً لا يعلمه إلا الخاصة والعلماء, وهو المراد والمطلوب من العقائد والأحكام الشرعية, وبذلك صرفوا أحكام الإسلام عن مرادها, وأوّلوها تأويلات باطلة.
النشأة وسبب التسمية:
سميت هذه الفرقة بهذا الاسم نسبة إلى اسماعيل بن جعفر الصادق الذي يعتبرونه أحد أئمتهم وقد توفي في حياة أبيه, وهنا افترقت الاسماعيلية مع الشيعة الاثنى عشرية, فالاسماعيلية اعتبروا إسماعيل الأحق بوراثة أبيه في الإمامة كونه الإبن الأكبر وأنكروا موته, أما الإثنى عشرية فقد نقلوا الإمامة بعد جعفر الصادق إلى ابنه موسى (الكاظم), وهو الإمام السابع عندهم.
وهنا افترقت الاسماعيلية إلى فرقتين:
الأولى: منتظرة لإسماعيل بن جعفر, رغم موته في حياة أبيه, ونفوا موته, وادّعوا أن أباه خاف عليه فغيبه.
الأخرى: نقلوا الإمامة بعد جعفر الصادق إلى حفيده محمد بن اسماعيل بن جعفر.
أهم عقائدهم :
1- ضرورة وجود إمام معصوم منصوص عليه من نسل محمد بن إسماعيل على أن يكون الابن الأكبر, وقد حدث خروج على هذه القاعدة عدة مرات.(5/3)
2- من مات ولم يعرف إمام زمانه, ولم يكن في عنقه بيعة له مات ميتة جاهلية.
3- يضفون على الإمام صفات ترفعه إلى ما يشبه الإله, ويخصونه بعلم الباطن, ويدفعون له خمس ما يكسبون.
4- يؤمنون بالتقية والسرية, ويطبقونها في الفترات التي تشتد عليهم فيها الأحداث.
5- الإمام هو محور الدعوة الاسماعيلية, ومحور العقيدة يدور حول شخصيته.
6- الأرض لا تخلو من إمام (ظاهر) مكشوف أو (باطن) مستور, فإن كان الإمام ظاهراً جاز أن يكون حجته مستوراً, وإن كان الإمام مستوراً فلا بد أن يكون حجته ودعاتهم ظاهرين.
7- يقولون بالتناسخ, والإمام عندهم وارث الأنبياء جميعاً ووارث كل من سبقه من الأئمة.
8- ينكرون صفات الله أو يكادون لأن الله عز وجل –في نظرهم- فوق متناول العقل, فهو لا موجود ولا غير موجود, ولا عالم ولا جاهل, ولا قادر ولا عاجز, وليس بالقديم وليس بالمحدث, فالقديم أمره وكلمته والحديث خلقه وفطرته.
يقول الإمام الغزالي عنهم في كتابه "فضائح الباطنية": (المنقول عنهم الإباحة المطلقة ورفع الحجاب, واستباحة المحظورات واستحلالها, وإنكار الشرائع, إلا أنهم بأجمعهم ينكرون ذلك إذا نسب إليهم).
جذورهم العقائدية والفكرية:
نشأ مذهب الاسماعيلية في العراق, ثم فروا إلى فارس وخراسان وما وراء النهر كالهند وتركستان, فخالط مذهبهم آراء من عقائد الفرس القديمة والأفكار الهندية.
واتصلوا ببراهمة الهند والفلاسفة الإشراقيين والبوذيين, وبقايا ما كان عند الكلدانيين والفرس من عقائد وأفكار حول الروحانيات والكواكب والنجوم, وقد ساعدتهم سريتهم على مزيد من الانحراف.
وبعضهم اعتنق مذاهب مزدك وزرادشت في الإباحية والشيوعية كالقرامطة مثلاً.
وبالعموم فإن عقائدهم ليست مستمدة من الكتاب والسنة, فقد دخلتهم فلسفات وعقائد كثيرة أثّرت فيهم وجعلتهم خارجين عن الإسلام.
دولهم وجماعاتهم:(5/4)
قامت فيما مضى للاسماعيلية دول وجماعات عديدة, بعضها ما زال موجوداً إلى وقتنا الحاضر.
أولاً: الاسماعيلية القرامطة:
كان ظهورهم في البحرين والشام بعد أن شقوا عصا الطاعة على الإمام الاسماعيلي نفسه ونهبوا أمواله ومتاعه فهرب من "سلمية" في سوريا إلى بلاد ما وراء النهر خوفاً من بطشهم, ومن شخصياتهم:
-عبد الله بن ميمون القداح الذي ظهر في جنوبي فارس سنة 260هـ.
-الفرج بن عثمان القاشاني (ذكرويه) في العراق وأخذ يدعو للإمام المستور.
-حمدان بن قرمط الذي ينسب إليه القرامطة, ونشر الدعوة قرب الكوفة سنة 278هـ.
-أحمد بن القاسم الذي بطش بقوافل التجار والحجيج.
-الحسن بن بهرام, الذي ظهر في البحرين, ويعتبر مؤسس دولة القرامطة.
-سليمان بن الحسن بن بهرام, وقد حكم ثلاثين سنة, وفي عهده حدث التوسع والسيطرة, وقد هاجم الكعبة سنة 319هـ وسرق الحجر الأسود لأكثر من عشرين سنة.
-الحسن الأعصم بن سليمان, الذي استولى على دمشق سنة 360هـ.
ثانياً: الاسماعيلية الفاطمية:
وهم قد نسبوا أنفسهم زوراً إلى فاطمة ابنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم, وقد أسس عبيد الله المهدي أول دولة اسماعيلية فاطمية في شمال أفريقيا سنة 297هـ وادّعى أنه المهدي, ثم جاء بعده المنصور بالله ثم المعز لدين الله, وفي عهده تم احتلال مصر سنة 358هـ, ثم العزيز بالله, ثم الحاكم بأمر الله الذي ادّعى الألوهية والذي كان يصدر الأوامر الغريبة والمتناقضة وكان يبالغ في القتل وسفك الدماء, واستمرت دولتهم حتى سنة 567 هـ (1172م) حيث زالت على يد القائد صلاح الدين الأيوبي رضي الله عنه, الذي أعاد مصر إلى مذهب أهل السنة والجماعة الذي كانوا عليه قبل احتلال الاسماعيليين الفاطميين لمصر, وأعاد الدعوة إلى الخليفة العباسي.
ثالثاً: الاسماعيلية الحشاشون:(5/5)
وهم طائفة اسماعيلية انشقت عن الفاطميين, أسسها شخص فارسي اسمه (الحسن بن صباح) الهالك سنة 528هـ وانتشروا في إيران, وقد تميزت هذه الطائفة باحتراف القتل والاغتيال وسموا بالحشاشين لأنهم كانوا يكثرون من تدخين الحشيش, وكان شعارهم في بعض مراحلهم (لا حقيقة في الوجود وكل أمر مباح).
من دعاتهم-إضافة إلى الحسن بن صباح- كيابزرك أميد, والحسن الثاني بن محمد, وركن الدين خورشاه الذي كان آخر حكام دولتهم التي أسقطها جيش هولاكو المغولي.
رابعاً: إسماعيلية الشام:
بالرغم من جهرهم بعقيدتهم, إلا أنهم ظلوا طائفة دينية ليست لهم دولة, ولا يزالون إلى الآن في "سلمية" وفي القدموس ومصياف وبانياس والخوابي والكهف.
ومن شخصياتهم (راشد الدين سنان) الملقب بشيخ الجبل.
خامساً: الإسماعيلية البهرة:
وهم إسماعيلية الهند واليمن, تركوا السياسة وعملوا بالتجارة, فوصلوا إلى الهند واختلط بهم الهندوس الذين أسلموا وعُرِفوا بالبهرة.
وقد اتقسمت البهرة إلى فرقتين:
1-البهرة الداودية: نسبة إلى الداعي قطب شاه داود, وهم في الهند وباكستان منذ القرن العاشر الهجري, وداعيتهم يقيم في بومباي في الهند.
2-البهرة السليمانية: نسبة إلى الداعي سليمان بن حسن, وهؤلاء مركزهم في اليمن حتى اليوم, ويسمون أيضاً (المكارمة) ويتركزون في منطقة "حراز".
سادساً: الاسماعيلية الأغاخانية:
وظهرت في إيران في الثلث الأول من القرن التاسع عشر الميلادي ومن دعاتهم: حسن علي شاه وهو الأغاخان الأول, وآغا علي شاه وابنه محمد الحسيني وكان يفضل الإقامة في أوروبا, وكريم وهو الآغاخان الرابع منذ 1957م. وقد مات مؤخراً.
للاستزادة:
1-الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة-الندوة العالمية للشباب الإسلامي ص45.
2-الفرق بين الفرق – الإمام عبد القاهر البغدادي ص62.
3-مذاهب الإسلاميين – د. عبد الرحمن بدوي – الجزء الثاني ص87.(5/6)
4-الأديان والفرق والمذاهب المعاصرة – عبد القادر شيبة الحمد ص77.
سطور من الذاكرة
عام الجماعة
الحسن بن علي يصالح معاوية (40هـ)
الحسن بن علي رضي الله عنهما إمام من أئمة آل البيت الكرام, كيف لا, وهم الذين تربوا في بيت النبوة, ونهلوا من معين النبي صلى الله عليه وسلم, وتأسوا به واقتدوا بهديه.
وفي هذه السطور نستعرض سيرة أحد هؤلاء العظام ونعرض لموقف من مواقفه العظيمة, التي كان لها الأثر العظيم في التاريخ الإسلامي.
وُلد الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب في السنة الثالثة للهجرة (625م), ونشأ في بيت أبيه علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأمه فاطمة بنت الرسول صلى الله عليه وسلم, وكان جدّه النبي صلى الله عليه وسلم يحبه هو وأخاه الحسين حبّاً جمّاً, وكان يقول فيهما:
((من أحبّ الحسن والحسين فقد أحبّني, ومن أبغضهما فقد أبغضني)) أخرجه ابن ماجه.
وقال فيهما صلى الله عليه وسلم أيضاً: ((الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما)) أخرجه ابن ماجه.
وخصّ النبي صلى الله عليه وسلم الحسن بحديث عظيم, أخرجه الإمام أحمد في مسنده, يقول فيه صلى الله عليه وسلم عن الحسن: ((إن ابني هذا سيّد, وسيصلح الله تبارك وتعالى به بين فئتين من المسلمين)).
وفي رواية البخاري ((إن ابني هذا لسيد, ولعلّ الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين)).
وقد حقق الله على يد الحسن ما بشّر به النبي صلى الله عليه وسلم من أن حفيده الحسن سيكون سبباً في الإصلاح بين طائفتين عظيمتين من المسلمين, وحدث ذلك سنة 40هـ عندما بايع المسلمون الحسن بعد استشهاد أبيه الإمام علي رضي الله عنه, وكان الحسن يشعر بالأسى لِما حلّ بالمسلمين من خلاف, وما دار بينهم من قتال, وكان يأمل بتوحيد كلمتهم ورصّ صفوفهم, وإن تطلب الأمر تقديم تضحيات جسيمة كالتنازل عن الخلافة.(5/7)
وكان ميل الإمام الحسن إلى الصلح ظاهراً منذ يوم بيعته, إذ كان يقول: تبايعون لي على السمع والطاعة, وتحاربون من حاربت, وتسالمون من سالمت.
وقيل إن أوّل من بايعه قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري, وكان قيس في حياة الخليفة الإمام علي رضي الله عنه يقود أربعين ألفاً من المقاتلين, وكان الحسن رضي الله عنه يعتقد أن قيساً لا يرى مصالحة معاوية, فخشي أن لا يوافقه إن أقدم على الصلح, فقدم عليه في قيادة ذلك الجيش عبد الله (عبيد الله) بن العباس, وكان ذلك من علامات إرادته للصلح.
لم يكن ميل الحسن نحو الصلح وحقن الدماء ناتجاً عن ضعف أو قلة عدد, بل لقد قال الحسن: كانت جماجم العرب بيدي, يسالمون من سالمت ويحاربون من حاربت, فتركتها (أي الخلافة) ابتغاء وجه الله وحقن دماء المسلمين.
وبعد استشهاد علي رضي الله عنه, سار معاوية بعساكر الشام حتى نزل مسكن, وسار الحسن بعساكر العراق حتى نزل المدائن فالتقيا بمنزل من أرض الكوفة وهي النخيلة, فلما نظر الحسن إلى كثرة ما معه من الجند رغب في حقن دماء المسلمين, وبما عند الله تعالى فبادر إلى طلب الصلح, وقد جاء وصف قوة جيش الحسن رضي الله عنه في صحيح البخاري عن الحسن البصري قال: ((استقبل والله الحسن بن علي معاوية بكتائب أمثال الجبال)), وهذا يدحض مزاعم الذين قالوا أن الحسن كان ضعيفاً ومكرهاً على الصلح.
وقد جاء في البخاري أيضاً أن معاوية (والي الشام آنذاك) هو الذي بدأ بطلب الصلح عندما رأى كتائب الحسن, وقال: إن قتل هؤلاء هؤلاء, وهؤلاء هؤلاء, من لي بأمور الناس, من لي بنسائهم, من لي بضيعتهم, وبعث معاوية إلى الحسن رجلين من قريش هما عبد الرحمن بن سمرة وعبد الله بن عامر بن كريز يفاوضانه على الصلح.(5/8)
وتحقق الصلح بالفعل, وتنازل الحسن بالخلافة لمعاوية سنة 40هـ, وسمي ذلك العام عام الجماعة, إذ توحدت راية المسلمين بعد طول قتال وخلاف, وبعد الاتفاق على الصلح صعد الحسن على المنبر وحمد الله وأثنى عليه, وقال: ((فإن أكيس الكيس التقي, وإن أحمق الحمق الفجور, وإن هذا الأمر الذي اختلف فيه أنا ومعاوية, اما كان حقاً لي تركته لمعاوية إرادة صلاح هذه الأمة وحقن دمائهم, أو يكون حقاً كان لامرىء أحق به مني ففعلت ذلك (وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين).. )) رواه البخاري عن الشعبي.
إن ما قدم عليه الحسن رضي الله عنه من تنازل للخلافة ابتغاء الإصلاح وحقن الدماء يدل على سمو أخلاق, ورحمة بالمؤمنين, قلّما توجد في شخص, لكنها نبوءة النبي صلى الله عليه وسلم الذي بشّر بأن ابنه الحسن يصلح الله على يديه بين طائفتين من المسلمين, وكان ذلك بالفعل.
لكن الذي نريد أن نتطرق إليه أيضاً من خلال عرضنا لعام الجماعة وتنازل الحسن عن الخلافة هو قضية "الإمامة" التي يعتبرها الشيعة الإمامية ركناً من أركان الإسلام, لا يصح إسلام المرء إلا بالاعتقاد بها.
والإمام الحسن هو الإمام الثاني عند الشيعة الإمامية بعد أبيه الإمام علي رضي الله عنه, ويؤمن الشيعة بأن الإمامة منصوص عليها من الله, وأنّ الله هو الذي عين الأئمة وجعلهم معصومين عن الخطأ.
ولذا فإن اختيار الناس للحسن خليفة للمسلمين بنظام الشورى مثله مثل أبيه رضي الله عنهما, ثم تنازل الحسن عن الخلافة يفند ما جاء به الشيعة من نظام الإمامة الإلهية, وزعم أن الأئمة الإثنى عشر منصوص عليهم, وأن هذه العقيدة ركن من أركان الدين, إذ لا يعقل أن الإمام الحسن –إن كان منصوصاً على ولايته- أن يتنازل عنها, ويدع هذا الأمر الخطير الذي دارت عليه جلّ عقائد الشيعة, تحت أي ظرف من الظروف.
يقول الباحث الشيعي أحمد الكاتب:(5/9)
"ولو كانت الخلافة بالنص من الله والتعيين من الرسول, كما تقول النظرية الإمامية, لم يكن يجوز للإمام الحسن أن يتنازل عنها لأي أحد تحت أي ظرف من الظروف, ولم يكن يجوز له بعد ذلك أن يبايع معاوية, أو أن يدعو أصحابه وشيعته لبيعته, ولم يكن يجوز له أن يهمل الإمام الحسين (الإمام الثالث لدى الشيعة), ولأشار إلى ضرورة تعيينه من بعده. ولكن الإمام الحسن لم يفعل أي شيء من ذلك وسلك مسلكاً يوحي بالتزامه بحق المسلمين في انتخاب خليفتهم عبر نظام الشورى".
لقد كان توجه الإمام الحسن نحو الصلح هو الذي جعل الشيعة تختار أخاه الإمام الحسين إماماً ثالثاً حيث أنه اختار طريق القتال ثم تسير الإمامة إلى ذرية الحسين, بدلاً من الحسن رغم أن الإمامة منصوص على أنها تنتقل من الإمام إلى ابنه الأكبر, وهو الأمر الذي خالفه الشيعة عدة مرات بغية تحقيق أهداف بعيدة عن جوهر الدين.
لم يكن موقف الإمام الحسن هذا الوحيد من مواقف الأئمة الذين أبطلوا بسياساتهم وسلوكياتهم مبدأ الإمامة المزعوم, إذ أن الإمام علي بن موسى الرضا, وهو الإمام الثامن لدى الشيعة كان ولي عهد الخليفة العباسي المأمون سنة 201هـ وظل الرضا ولياً للعهد حتى وفاته سنة 203هـ(1) .
للاستزادة:
الذّريّة الطاهرة النبوية – الإمام أبو بشر محمد بن أحمد الدولابي.
مناقب علي والحسنين وأمهما فاطمة الزهراء – محمد فؤاد عبد الباقي.
العواصم من القواصم – القاضي أبو بكر بن العربي ص133.
الإنصاف فيما وقع في تاريخ العصر الراشدي من الخلاف – د. حامد الخليفة ص596.
حقبة من التاريخ – عثمان الخميس ص96.
تطور الفكر السياسي الشيعي – أحمد الكاتب ص17.
كتاب الشهر
الفساد في سورية
(1963-2000)
حقائق وأرقام
تأليف: د. بشير زين العابدين.
__________
(1) نشر في العدد الثالث من الراصد تحت هذه الزاوية تفصيل في هذه القضية.(5/10)
قد لا تبدو سورية في ظل البعث وأسرة الأسد خروجاً عن القاعدة في دول العالم الثالث التي ينخرها الفساد, واستغلال ثروات البلاد, إلا أن كتاب "الفساد في سورية" الصادر عن مركز الدراسات الإسلامية في برمنجهام في بريطانيا يضعنا أمام حالة من الفساد لها خصوصية, ويأخذ الفساد فيها بعداً طائفياً عقائدياً لا لبس فيه, حيث يحكم العلويون النصيريون سوريا بشكل مطلق منذ انقلاب حافظ الأسد سنة 1970, وإن كان الوجود والتأثير النصيري موجودين قبل ذلك الانقلاب.
ويشير الدكتور بشير زين العابدين في مقدمته إلى أنه بالرغم من وجود الفساد في الفترة السابقة لحكم البعث, أي قبل سنة 1963, وهي السنة التي بدأ بها الكتاب, إلا أن سياسة النظام في الفترة اللاحقة له قد أدّت إلى ترسيخ هذه الأمراض التي كانت لها نتائج وخيمة على التطور الاقتصادي لسورية.
أقسام الكتاب
يقسم المؤلف الكتاب إلى سبعة فصول, يحدد الفصل الأول الجذور التاريخية لمعتقدات النصيرية, ونمط الفساد الاجتماعي الذي نشأ كنتيجة حتمية للتوغل في طريق الغلو والانحراف.
ويعنى الفصل الثاني بتطور مؤسسات الفساد التي تحكم البلاد من خلال حزب البعث والجيش وأجهزة الاستخبارات, ويتتبع الفصل الثالث مسيرة انحراف المؤسسات الاقتصادية التي أعيد توجيهها لتشكل عصب حياة السلطة الحاكمة.
ويشكل الفصلان الرابع والخامس محاولة لتحديد أبرز المسؤولين عن الجرائم الاقتصادية والإنسانية التي ارتكبت بحق الشعب السوري, ويقدم الفصلان السادس والسابع استعراضاً تاريخياً لحملات مكافحة الفساد التي شنها النظام الحاكم ضد نفسه في معارك إعلامية مصطنعة تهدف إلى تقوية الحكم محليّاً, وكسب التعاطف الدولي.(5/11)
ويختتم المؤلف بحثه بنظرة متمعنة في الأسس التي قام عليها حكم بشار الأسد سنة 2000 وهي الفترة التي انتهى عندها الكتاب, وتركيبته الجديدة التي نشأت على عين والده, والتي تتمثل في تكريس الهيمنة الطائفية عن طريق تبني إصلاحات شكلية تسهم في تأجيل التغيير الحقيقي الذي يشكل خطراً على النظام.
جذور الفساد:
يرجع المؤلف جذور الفساد في الحكم الحالي في سوريا إلى الفساد في عقائد النصيرية التي ينتسب إليها رئيس سوريا الحالي, وينتسب إليها معظم القادة المؤثرين ورؤساء الأجهزة العسكرية والأمنية.
ويمكن تلخيص أبرز عقائد النصيريين فيما يلي:
1-عقيدة الحلول والاتحاد وتأليه علي بن أبي طالب.
2-تناسخ الأرواح ونفي البعث والحساب.
3-إسقاط التكاليف الدينية, وإهمال الفرائض والامتناع عن إقامة المساجد وعمارتها.
4-التأويل الباطن للنصوص وسرية طقوسهم وأعيادهم واستحلالهم للمحرمات كشرب الخمر وغيره.
وقد أفتى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في رسائله بأنه لا تجوز مناكحتهم ولا تباح ذبائحهم ولا يصلى على من مات منهم. وقال في موضع آخر: "وأما استخدام مثل هؤلاء في ثغور المسلمين أو حصونهم أو جندهم فإنه من أكبر الكبائر وهو بمنزلة من يستخدم الذئاب لرعي الغنم فإنهم أغش الناس للمسلمين ولولاة أمورهم, وهم أحرص الناس على فساد المملكة والدولة وهم أحرص الناس على تسليم الحصون إلى عدو المسلمين ولا ريب أن جهاد هؤلاء من أعظم الطاعات وأكبر الواجبات".
وانعزل النصيرية في بلاد الشام دينياً واجتماعياً عن المجتمع, لما لديهم من حقد وكراهية لأهل السنة, وهذه الكراهية كانت سبباً في وقوفهم مع الصليبيين ضد صلاح الدين الأيوبي, ومع التتار ضد الظاهر بيبرس, ومع الصفويين ضد العثمانيين.(5/12)
وفي فترة الاستعمار الفرنسي, تحفل المستندات الفرنسية بالمراسلات مع زعماء الطائفة الذين طالبوا بالانفصال الكامل عن أهل السنة في سوريا, وتواطؤهم مع المستعمر ضد المسلمين, ففي تقرير بعثه الجنرال غورو للحكومة الفرنسية سنة 1919 عن تعاون النصيريين معه قال:
"وأفيدكم بهذا الصدد أن النصيريين –الذين يستيقظ حسهم الإقليمي- قد ساعدوني كثيراً في قمع الفتنة التي أثارها الشريف (فيصل) في منطقة تل كلخ, فقد تلقيت برقية تفيدني بأن 73 زعيماً نصيرياً يتحدثون باسم القبائل يطالبون بإنشاء اتحاد نصيري مستقل تحت حمايتنا المطلقة".
النشأة الاجتماعية للنصيريين:
نشأ النصيريون في قرى معزولة وفي مناطق جبلية ووعرة مما أدى إلى شعور الغالبية من أبناء الطائفة بعقده النقص والقلة المحتقرة, وغدت عقائد النصيرية بحكم العزلة والجهل إلى ما يشبه عادات المجوس, حيث يبيحون إشاعة البنات والأخوات والأمهات, ولا يصلون ولا يتطهرون ولا يصومون مثل المسلمين, وإن لهم نظرة مختلفة في المحرمات مثل أكل الميتة ولحم الخنزير, بينما يشكل الخمر عنصراً رئيسياً في طقوسهم الدينية.
وقد كان العلويون يعيشون أوضاعاً اقتصادية سيئة دفعتهم للعمل في المهن المبتذلة, ويشير الكاتب البريطاني باتريك سيل وغيره إلى أنه حتى سنة 1950 كان هناك حوالي عشرة آلاف فتاة علوية يعملن كخادمات في منازل بدمشق.
وإضافة لذلك كانت المهنة الرئيسة للعلويين هي الزراعة, كما أن الكثيرين منهم انضموا إلى الجيش في الوقت الذي كان فيه أهل السنة من أبناء المدن يتجنبون هذه المهنة, وكانت النتيجة هي هيمنة العلويين على الجيش بعد فترة الانفصال.(5/13)
وحيث أن هؤلاء النصيرية بلغوا هذا المستوى من الانحراف العقائدي, والانحطاط الاجتماعي والاقتصادي, وبدافع الحقد والكراهية, فقد كان من الطبيعي بالنسبة لهؤلاء النصيرية أن يسيروا بالمجتمع السوري المسلم السني إلى الهاوية, ويوقعوه في براثن الانحطاط والفساد الديني والاقتصادي والاجتماعي والفكري.
وبناء على ذلك, قامت سرايا الدفاع والوحدات الخاصة سنة 1983 بدكّ مدينة حماه, وقتل حوالي 30 ألفاً من سكانها وهدم مساجدها, وأقام النظام على انقاض بعضها كنيسة كاثوليكية إضافة إلى معهد رياضي للبنات وبركة سباحة مختلطة, وفي نفس العام كانت القوات التابعة لرفعت أسد شقيق رئيس الجمهورية تجبر المسلمات على نزع حجابهن.
وفي أوائل سنة 1984 كان النصيريون يبذلون جهودهم –من خلال "جمعية المرتضى" برئاسة جميل أسد شقيق رئيس الجمهورية- لدعوة أهل القرى المجاورة للساحل السوري لمذهبهم حيث زعموا أن هؤلاء الأهالي كانوا أصلاً نصيريين وأجبروا على اعتناق الإسلام في فترة الحكم العثماني.
مؤسسات الفساد:
وبالرغم من وجود سلطة تشريعية وتنفيذية ظاهرية في سوريا يمثلها مجلس الوزراء ومجلس الشعب, إلا أن الدلائل تشير إلى وجود سلطة حقيقية هي الحاكم الفعلي للبلاد يمثلها الجيش وحزب البعث والمخابرات.
ومن الواضح أن النظام يضع في الواجهة دائماً شخصيات سنّية تمثل الأغلبية في البلاد, بينما يستأثر النصيريون من خلف الستار بمقاليد الحكم في سوريا, بل إن بعض المهتمين بالشأن السوري يجعل حزب البعث الذي يمسك بمقاليد السلطة في سوريا منذ سنة 1963 غير مؤثر وغير فاعل, حيث السلطة بيد النصيريين الذين يسيطرون على جميع المؤسسات الفاعلة ومن ضمنها حزب البعث, وبهذا الصدد ينقل المؤلف عن ديفيد هيرست قوله:(5/14)
"إن البعثيين لا يحكمون البلاد بأي حال, بل العلويون هم الحاكمون الفعليون, فهم يديرون البلاد نظرياً من خلال الحزب, ولكنهم يديرونها عملياً من خلال تضامنهم السري داخل الحزب والمؤسسات الهامة الأخرى, فخلف الواجهة نجد أن صلة القرابة بالرئيس العلوي هي أعظم الصفات لتقلد السلطة وذلك عن طريق الأواصر العائلية أو الطائفية أو العشائرية".
1-حزب البعث:
كان الحزب ومع تسلمه السلطة سنة 1963 وعاءً يضم الانتهازيين والنفعيين, حتى بلغ عدد المنتسبين له 540 ألفاً بحلول سنة 1985, ومن أجل بسط هيمنة الحزب على المجتمع بدأت مرحلة من التنسيب غير المنظم, وأدّت هذه السياسة (التجميع) إلى تفجر الخلاف بين أعضاء الحزب وانقسامهم إلى قوميين وقطريين, واشتراكيين ثوريين ومعتدلين, كما أن سياسة التجميع هذه أدّت إلى ضم أعداد كبيرة من أبناء الطوائف النصيرية والدرزية والإسماعيلية الذين ركبوا موجة البعث. وكان من نتائج سيطرة النصيريين على حزب البعث أن فرّ عدد من مؤسسي البعث من غير النصيريين مثل ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار, وتبين أن الحزب قد تحول إلى جهاز تستخدمه السلطة الخفيّة من أبناء الطائفة لتحقيق المكاسب والإثراء.
2-الجيش:
تعود مشكلة الطائفية في الجيش السوري إلى الفترة 1920-1945 عندما قام الفرنسيون بتشكيل "جيش الشرق" الذي يتكون من وحدات عسكرية ينتمي أفرادها إلى الأقليات الدينية ليقوم أفراده بقمع المظاهرات وضرب المقاومة الشعبية.
ونظراً لهيمنة العائلات السنّيّة على العمل السياسي بعد الاستقلال فقد وجد أبناء الطوائف داخل المؤسسة العسكرية مجالاً واسعاً لتحقيق طموحاتهم وبسط نفوذهم, مما أدى إلى انقسام الجيش على أسس طائفية وتعدد الولاءات, وانتشار الفوضى التي أسهمت في هزائم 1948 و 1967 و 1973.(5/15)
وتستهلك المؤسسة العسكرية 60% من الميزانية السنوية, ويزيد تعداد الجيش عن 400 ألف عنصر, ولا تخضع حساباته لأي رقابة أو تفتيش حكومي, إنما يخضع ويرتبط مباشرة برئيس الجمهورية.
وفي ظل الدولة النصيرية يلاحظ على الجيش أمران:
الأول: تولي النصيريين معظم المناصب القيادية بحيث تزيد نسبة الضباط النصيريين في الجيش عن 90%, وكان ذلك بالتدريج عن طريق تصفية العناصر السنيّة ثم الدرزية والاسماعيلية أولاً, وفي المرحلة الثانية تأسيس فرق ينتمي أفرادها إلى الطائفة الحاكمة, كان لها فيما بعد الدور الكبير في المذابح التي ارتكبت ضد المسلمين من أبناء الشعب السوري, كما في جسر الشغور وحلب وسجن تدمر سنة 1980 وفي مدينة حماه سنة 1982.
الآخر: تضخم هذه المؤسسة التي صارت تمارس السيطرة على الشؤون السياسية والاقتصادية وتفرض سياساتها على الحكومات بدلاً من أن تخضع لها.
ولا يخفى حياة البذخ والثراء التي يعيشها الضباط, واستغلال مناصبهم, وابتزاز المواطنين الأمر الذي حوّل هذه المؤسسة إلى جهاز ضخم يمتص خيرات البلاد.
3-المخابرات:
إن الوسيلة الوحيدة التي تستطيع بها أقلية لا تتجاوز نسبتهم 8% من المجتمع أن تحكم سيطرتها على أنظمة الحكم ومؤسسات الدولة هي تطوير أجهزة القمع, فقد تم تأسيس 12 جهازاً أمنياً مرتبطاً برئيس الجمهورية, والمناصب العليا فيها حكر على أبناء الطائفة النصيرية, حيث كان يتربع على قمتها علي حيدر ومحود الخولي وعلي دوبا, حتى استبدلوا بآصف شوكت وبهجت سليمان من الجيل الجديد وكلهم من النصيريين.(5/16)
وتتراوح التقديرات عن عدد الموظفين في هذه المؤسسة القمعية الرهيبة بين 200 و 300 ألف عنصر (أي بمعدل مخبر واحد لكل 60 مواطناً) يستخدمون 17 ألف سيارة, وقد استطاعت إحدى منظمات حقوق الإنسان أن تحصي أكثر من ثلاثين سجناً رئيساً تابعاً لأجهزة الاستخبارات في مدينتي دمشق وحلب فقط, بينما تتسع أروقة المخابرات في دمشق وحدها للتحقيق مع أكثر من ألف شخص في وقت واحد.
الارتزاق الدولي:
وهو جانب من جوانب الفساد في السياسة السورية ويقضي بتحويل المواقف الرسمية والفرق العسكرية إلى مادة أوليّة يبيعها النظام لمن يدفع له.
وتشكل هذه السياسة 60% من الميزانية السنوية لسوريا, ومن الأمثلة على ذلك:
1-الجولان: حيث أدّى سقوطها في ظروف مشبوهة إلى أن تقدم الدول العربية ملياري دولار سنوياً كدعم لصمود سوريا المفترض.
2-العلاقة مع الولايات المتحدة: التي كانت تسعى لإبعاد سوريا عن الاتحاد السوفييتي, وشجعته لتبني سياسة عدائية ضد الفلسطينيين والعراق, التوجه نحو حلف سعودي مصري, وكانت المساعدات الأمريكية تتدفق على سوريا بمعدل 60-100 مليون دولار سنوياً بموجب اتفاقيات تم إبرامها في 27/2/1975 ناهيك عن المساعدات الغربية الأخرى.
ثالثاً: الحرب العراقية-الإيرانية سنة 1980-1988, حيث وقف النظام السوري في صف إيران ضد العراق على عكس بقية الدول العربية التي ساندت العراق, واستطاع بذلك الموقف الحصول على هبة نفطية سنوية مقدارها 200 مليون دولار, إضافة إلى كميات أخرى بأسعار مخفضة, وقروض بمبلغ خمسة مليارات.
رابعاً: أزمة الخليج الثانية سنة 1990, حيث سارع حافظ أسد إلى الوقوف إلى الولايات المتحدة وتحالفها ضد العراق مستفيداً بذلك مبلغ 500 مليون دولار سنوياً ومنذ سنة 1991, كما تعهدت الدول الخليجية بدفع ملياري دولار لسوريا جراء موقفها من هذه الحرب.
دور الجيش السوري في تجارة المخدرات:(5/17)
تشير الكثير من الأدلة إلى تورط عدد من الضباط السوريين في الأجهزة الأمنية المختلفة في تجارة المخدرات حيث يتم زراعة الأفيون في سهل البقاع اللبناني, ويتولى المسؤولون السوريون تسويقه لدى شبكات التجارة العالمية, ففي شهر مايو سنة 1985 قامت السلطات الإسبانية بطرد القنصل العام والمسؤول الأمني في السفارة السورية بسبب انكشاف دورهم في شحنة هيروين تم مصادرتها.
ونقلت مجلة الاكسبرس الفرنسية عن إدارة مكافحة المخدرات الأمريكية DEA أن تجارة الأفيون وحدها قد وفرت للمسؤولين السوريين مكاسب تقدر بمليار دولار في عام 1986, ونتج عن ذلك تضاعف إنتاج هذه المادة إلى خمسة أضعاف في المناطق التي تخضع للقوات السورية في لبنان, وصارت الأرباح التي تقدر بمئات الملايين تقتسم بين المزارعين والمنتجين والمسوّقين والقوات العسكرية السورية.
التحليل الاقتصادي لظاهرة الفساد:
تشير الدراسات الحديثة إلى وجود علاقة وطيدة بين تدهور الاقتصاد في العديد من الدول النامية وانتشار الفساد المالي والإداري, ويسعى هذا الفصل من الكتاب إلى تتبع مسيرة انحراف المؤسسات الاقتصادية التي أعيد توجيهها لتشكل عصب حياة السلطة الحاكمة.
ولعلّ بعض الأرقام عن الاقتصاد السوري تبين لنا الوضع المخيف الذي وصلت إليه الأوضاع في سوريا, فمديونية الدولة تبلغ 27 مليار دولار, واختفاء بعض المواد التموينية بات يشكل ظاهرة إضافة إلى تردي الخدمات, وتبلغ نسبة البطالة 30%, ونسبة التضخم تزيد عن 100% بينما تنشط عصابات تهريب البضائع من لبنان وتركيا وغيرهما.
ويمكن إرجاع الخلل في السياسة الاقتصادية إلى عاملين رئيسين:
الأول: الطرح الاشتراكي العقيم الذي تبناه البعث, وقلب التركيبة الاقتصادية للقطر السوري بأساليب ثورية دون تقديم بدائل واقعية.
الآخر: سياسة حافظ أسد في بناء سلطة شمولية تتحكم بمقدرات الأمة, وتنشأ بمعزل عن المجتمع لتتمكن من تغييره دون الخضوع لأي تأثير خارجي.(5/18)
ومرّت المسيرة الاقتصادية المتعثرة خلال حكم البعث والنصيريين بثلاث مراحل رئيسة:
الأولى (1963-1970): وفيها تم تبني سياسات التأميم وضرب القطاع الخاص. كما تم فيها تقليص ملكية الأراضي الخاصة من 800 إلى 150 دونماً من الأراضي المروية, وبحلول سنة 1966 وضعت السلطة يدها على أغلب المنشآت الصناعية, وعملت على استبعاد رأس المال الخاص عن الصناعة, وكان من شأن هذه السياسة أن أدّت إلى ضرب القطاع الزراعي حيث هبطت المساحة المروية من 533 ألف هكتار سنة 1965 إلى 450 ألف هكتار سنة 1970.
الثانية (1971-1986): وهي مرحلة بناء سلطة شمولية ذات طابع رأسمالي على انقاض السياسة الاشتراكية السابقة, وبدأت هذه المرحلة بانقلاب حافظ أسد في تشرين الأول من اكتوبر سنة 1970 وهو ما اصطلح على تسميته "الحركة التصحيحية", وقامت فلسفتها على إنشاء سلطة قوية بعيدة عن الشعب حتى تتمكن من تغييره تدريجياً من النمط الإقطاعي البرجوازي إلى النموذج الاشتراكي, وقام النظام بفتح صفوف الدولة على مصراعيها أمام الفائض البشري المتدفق من الأرياف وذلك بتوسع أجهزة القمع إلى أوسع مدى ممكن ممّا نتج عنه تحول جذري في التركيبة الاجتماعية للشعب السوري.
وتمكنت الدولة من امتصاص أكثر من 1.200.000 شخص بحلول سنة 1979 في كوادر الحزب ومؤسسات القمع وفرق الجيش, لتشق المجتمع بطبقة طفيلية جديدة تتحكم في سياسات واقتصاديات القطر, وأدت هذه السياسة إلى ضرب القطاع الزراعي حيث انخفضت أجور المزارعين بنسبة 19%, ممّا دفع بالغالبية من أبناء الجبل إلى الالتحاق بصفوف الجيش والمخابرات بحثاً عن المكانة والكسب السريع.
وفي المقابل انحطت مكانة المثقفين من الأطباء والمهندسين وأساتذة الجامعات, وأصبحت رواتبهم في أسفل سلم الدخول.(5/19)
والملمح الآخر في هذه المرحلة هو رأسمالية السلطة واشتراكية المجتمع, وكانت الباحثة الفرنسية اليزابيث لونغونيس أول من لاحظ الازدواجية في التطبيق الاشتراكي والرأسمالي بين المجتمع والسلطة, حيث يتم تجيير القطاع العام لصالح القائمين عليه, ويتم تحويل الانتاج عن مساره الصحيح إلى العملاء في القطاع العام الخاص ليسوقوه بأسعار السوق الحرة, ونتج عن ذلك تدهور القطاع العام الحكومي, ونشوء اقتصاد "شبه خاص" مرتبط بضباط الجيش وكبار المسؤولين.
الثالثة (1987-2000): وقد شهدث نتائج التخبط الاقتصادي الذي انعكس بصورة جلية في انهيار قيمة الليرة السورية, وتوقف مشاريع التنمية وغير ذلك وقد انخفضت قيمة الليرة من 6 ل.س. إلى 50 ل.س. للدولار, وارتفعت أسعار المواد الغذائية والأساسية, واختفت الكثير من المواد الضرورية والأدوية, وصارت السلطة عاجزة عن توفير العملات الصعبة للاستيراد, وفي المقابل كانت عصابات التهريب تنشط, ويزداد فرض الضرائب والأتاوات على المواطنين.
رموز الفساد:
يشير المؤلف هنا إلى المتسبب في الفساد الذي تعيشه سوريا ويخصص له فصلين هما الرابع والخامس حيث الأول للحديث عن دور آل أسد والآخر عن دور الجيش والمخابرات.
أولاً: آل أسد(5/20)
يجرّم القانون السوري نقد رئيس الجمهورية بأية صورة, كما عملت وسائل الإعلام على تأليه الرئيس وجعله فوق مستوى النقد والشبهات, وقد ساعد هذا الوضع الرئيس في أن يحكم حكماً مطلقاً دون رقيب أو محاسبة, فهو يهيمن على الانفاق العسكري الذي يستهلك 60% من الميزانية السنوية دون أن تخضع هذه النفقات لرقابة الحكومة, كما أن مبيعات حقول النفط في دير الزور التي تدر أرباحاً سنوية بقيمة 3 مليارات تتبع رئيس الجمهورية ولا تدخل ضمن الميزانية السنوية, اضف لذلك أن إيرادات النظام السوري في عمليات بيع المخدرات اللبنانية كانت تزيد عن مليار دولار سنوياً حسب تقدير وكالة مكافحة المخدرات الأمريكية طوال فترة الثمانينات.
وصورة البذخ التي تمثلها قصور حافظ أسد وتماثيله وممتلكاته توضح صورة الفساد الذي يمثله رأس السلطة, فإن تكلفة قصره الذي تم إنجازه أواخر سنة 1990 تزيد عن 30 مليار ليرة.
ولئن ذكر الفساد في سوريا, يتبادر إلى الأذهان فوراً اسم "رفعت أسد" شقيق الرئيس الذي ارتبط اسمه بتجارة المخدرات والتهريب وفرض الأتاوات, والمشاريع الكبيرة خارج سوريا إضافة إلى سجله السيء وارتباطه بعدد من الجرائم المروعة في سوريا, وممارسة الاغتيالات للمعارضين خارجها خاصة في فرنسا وإسبانيا وألمانيا.
ويبرز من قائمة الفساد د.جميل علي سليمان أسد شقيق الرئيس وابنه فواز, ومن الجيل الجديد باسل حافظ أسد وفراس رفعت أسد ومحمد توفيق أسد, ومالك أسد, ومحمد إبراهيم أسد, وماهر حافظ أسد, ولكل من هؤلاء ألف قصة وقصة في استغلال ثروات البلاد وتسخيرها لمصالحهم, وممارسة الإرهاب والتهديد.
ثانياً: الجيش والمخابرات(5/21)
سبق القول أن هذه الفئة شكلت سلطة مستقلة تمتع أعضاؤها, ومعظمهم من النصيريين بالامتيازات الكبيرة, وكان لهم الدور الكبير في رسم مسار الأحداث حتى صاروا "سلطة خفية", وكان الضباط الكبار المتنفذون يصطدمون بالحكومة وخاصة حكومة عبد الرؤوف الكسم (سني) 1980-1987, الأمر الذي جعل رئيس سوريا حافظ أسد ينحاز إلى أعضاء المؤسسة العسكرية التي يديرها النصيريون وينقلب على رئيس وزرائه ويتهمه بالفساد.
ويبرز من هذه القائمة رفعت أسد وحكمت الشهابي ومصطفى طلاس وفؤاد عيسى وعلي حيدر وعلي دوبا ومحمد نصيف ومحمد الخولي وشفيق فياض وعدنان مخلوف وإبراهيم الصافي وعلي حبيب وعلي أصلان وآصف شوكت وعدنان بدر حسن وحسن خليل وبهجت سليمان وعلي حوري وإبراهيم حويجة.
وباستثناء الشهابي وطلاس, فإن جميع الأسماء المذكورة ومن قادة الأجهزة الأمنية, هم من النصيريين الذين أصبحوا طبقة أرستقراطية بسبب ما يحصلون عليه من امتيازات وما يسخرونه من الإمكانات لخدمتهم.
وفي تفسير لنشوء البرجوازية الطائفية الجديدة برعاية حافظ أسد, يورد المؤلف قولاً لصاحب كتاب (الأسد) باتريك سيل يقول فيه: "في سبيل حكم سوريا وتحديثها يعتقد أنه يحاجة إلى طبقة قوية ومتمولة من بين رجاله أنفسهم لتحل محل البرجوازية السورية القديمة".
وثمة تفسيراً آخر يقول بأن السلطة الطائفية ستتعرض بكاملها للانهيار في حالة إقصاء رموز الفساد الذين يشكلون العصب الرئيس للنظام.
حملات النظام ضد الفساد:
وينتقل د. زين العابدين في الفصلين السادس والسابع إلى تسليط الضوء على الحملات الوهمية للنظام ضد الفساد وبيّن أنها حملات ظاهرية جاءت لذر الرماد في العيون ولتقوية وضع النظام وتحسين مواقعه, كما أنها استعملت كباش الفداء الذين كانوا على الدوام من العناصر غير العلوية.
الحركة التصحيحية:(5/22)
وهي أول حملة في ظل حكم حافظ أسد, رفعت شعارات جميلة في الحرية وكرامة الإنسان والتعبير عن الرأي ومساهمة المواطن في الرقابة والنقد والبناء وفي حرية الصحافة إلا أن هذه الشعارات لم تترجم طيلة حكم البعث والأسد إلى واقع عملي, وأطلق أسد العنان لعصابات مخابراته الطائفية لتعتدي على أعراض المواطنين وأرواحهم وأموالهم وحرياتهم.
وانطلقت في سنة 1977, و سنة 1979-1980 و سنة 1987 و سنة 1999-2000 حملات لمحاربة الفساد كما زعموا تحت وطأة الأوضاع المتردية سياسياً واقتصادياً.
ويضع المؤلف أسباباً خمسة لهذه الحملات المزعومة:
1-محاولة امتصاص السخط الشعبي من تردي الأحوال عن طريق تخدير المواطنين بإجراءات سطحية.
2-وضع رئيس الجمهورية وضباط الطائفة فوق مستوى الأزمة, عن طريق إلقاء المسؤولية على رئيس الحكومة والوزراء ومديري شركات القطاع العام.
3-التمهيد لمواقف دولية جديدة تحتاج إلى دعم خارجي أو كلما اضطر النظام لطلب مساعدات خارجية كما في قمة بغداد سنة 1978 وعمّان سنة 1987.
4-استخدام هذه الحملات لتصفية المعارضين للترتيبات التي يقوم بها رئيس الجمهورية في تكريس هيمنة الجيش على الشؤون المحلية كما هو الحال في إقصاء حكومات الأيوبي والحلبي والكسم والزعبي.
5-ترسيخ سياسة الفساد نفسها عن طريق تأصيل وراثة الطائفة للحكم بشتى الوسائل التي تلمع أبناء الرئيس وأقاربه كرموز للنزاهة ولإبرازهم كمرشحين لا يستغني عنهم المجتمع.
البدايات الخاطئة في عهد بشار
يبدأ المؤلف بذكر قوله تعالى: (أفمن أسس بنيانه على تقوى الله ورضوان خير أمّن أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم, والله لا يهدي القوم الظالمين) [التوبة: 109].
فكيف يعقل أن هذا الشاب محدود الإمكانيات وعديم التجربة يصبح بين عشية وضحاها رائداً للتحديث وقائداً للحركة التصحيحية الثانية, ومصلحاً يقود الجمهورية في مرحلة عصيبة من تاريخها الحديث.(5/23)
إن اختيار بشار حافظ أسد رئيساً "للجمهورية الملكية" بعد وفاة والده بعد التلاعب بالدستور وتعديل المادة 83 لتناسب عمر الرئيس المرتقب, دليل على تكريس النهج الطائفي وإبقاء الحكم في الأقلية النصيرية, وبما يضمن استمرار مراكز القوى في مراكزهم.
بقي أن نشير إلى أن الكتاب يقع في 160 صفحة, واعتمد المعلومات الموثقة من مصادرها, وقد وضعنا هذه المعلومات دون ذكر مصادرها حرصاً على الاختصار, وقد صدر الكتاب سنة 2001 عن مراكز الدراسات الإسلامية في مدينة بيرمنجهام في بريطانيا, ومؤلفه هو الدكتور بشير زين العابدين.
قائمة (1): أهم النصيريين الذين تولوا مناصب بارزة في المرحلة الأولى من الدولة العلوية في سورية 1963-1970:
م ... الاسم ... المنصب
1 ... صلاح جديد ... رئيس الأركان ثم الأمين العام المساعد لحزب البعث.
2 ... إبراهيم ماخوس ... وزير الخارجية.
3 ... محمد عمران ... آمر الفرقة 70 المدرعة ثم وزير الدفاع.
4 ... عثمان كنعان ... عضو القيادة العليا للجنة العسكرية لحزب البعث.
5 ... سليمان حداد ... عضو القيادة العليا للجنة العسكرية لحزب البعث.
6 ... علي مصطفى ... قائد كتيبة في اللواء 70 المدرع.
7 ... كاسر محمود ... قائد كتيبة في اللواء 70 المدرع.
8 ... عزت جديد ... قائد كتيبة في اللواء 70 المدرع.
9 ... محمد إبراهيم العلي ... قائد الحرس الوطني.
10 ... محمد نبهان ... أحد الضباط المشاركين في انقلاب 1963.
11 ... عادل ناعيسة ... أمين عام فرع اللاذقية.
قائمة (2): أبرز النصيريين في المرحلة الثانية من الدولة العلوية, الذين تولوا مناصب داخل المؤسسة العسكرية وأجهزة الاستخبارات والحكومة السورية وحزب البعث, في الفترة 1971-2000:
م ... الاسم ... المنصب
1 ... حافظ أسد ... رئيس الجمهورية/ القائد الأعلى للقوات المسلحة/ الأمين العام لحزب البعث (سابقاً).(5/24)
2 ... رفعت أسد ... قائد سرايا الدفاع حتى عام 1984/نائب الرئيس لشؤون الأمن الوطني حتى عام 1998.
3 ... جميل أسد ... عضو مجلس الشعب عام 1973 / عضو المؤتمر القومي الثاني لمنظمة الحزب الحاكم 1975/ رئيس جمعية المرتضى (حلت عام 1984).
4 ... الرائد باسل حافظ أسد ... رئيس أمن الرئاسة/ قائد لواء مدرع في الحرس الجمهوري.
5 ... اللواء محمد توفيق الجهني ... قائد الفرقة الأولى عام 1975.
6 ... اللواء إبراهيم صافي ... قائد الفرقة الأولى/ قائد القوات المسلحة السورية في لبنان منذ 1994.
7 ... اللواء شفيق فياض ... قائد الفرقة الثالثة/ عضو اللجنة المركزية لحزب البعث.
8 ... اللواء علي ملاحفجي ... قائد القوى الجوية والدفاع الجوي (أحيل للتقاعد عام 1994).
9 ... اللواء محمد الخولي ... نائب قائد القوى الجوية ورئيس مخابرات القوى الجوية (أحيل للتقاعد).
10 ... اللواء علي الصالح ... قائد قوات الدفاع الجوي.
11 ... اللواء محمد عيد ... القائد العسكري للمنطقة الشمالية.
12 ... اللواء اسكندر سلامة ... قائد سلاح الهندسة.
13 ... اللواء علي حيدر ... قائد القوات الخاصة (أحيل للتقاعد).
14 ... اللواء علي دوبا ... رئيس شعبة المخابرات العسكرية (أحيل للتقاعد).
15 ... اللواء حكمت إبراهيم ... مدير إدارة شؤون الضباط.
16 ... اللواء علي حماد ... رئيس شؤون الضباط.
17 ... العميد عبد الحمد رزوق ... قائد فيلق الصواريخ (قتل عام 1977).
18 ... العقيد فؤاد اسماعيل ... قائد اللواء (21) الميكانيكي.
19 ... العقيد نديم عباس ... قائد اللواء (47) المدرع.
20 ... الرائد علي حيدر ... قائد حامية حماة (قتل عام 1976).
21 ... اللواء فؤاد عبسي ... رئيس المخابرات المدنية (توفي فيما بعد).
22 ... اللواء محمد نصيف ... رئيس الأمن الداخلي (استقال عام 1999).
23 ... العقيد يحيى زيدان ... رئيس المخابرات العسكرية.(5/25)
24 ... المقدم أحمد خليل ... مدير الشرطة بوزارة الداخلية (قتل عام 1978).
25 ... اللواء معن نصيف ... نائب مدير المخابرات العامة.
26 ... اللواء غازي كنعان ... رئيس الاستخبارات العسكرية السورية بلبنان.
27 ... أحمد اسكندر أحمد ... وزير الإعلام في حكومة الكسم (توفي فيما بعد).
28 ... محمد حيدر ... نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية في حكومة الكسم.
29 ... محمد سلمان ... وزير الإعلام في حكومة الزعبي.
30 ... علي حسن ... عضو المؤتمر القطري السابع عام 1980.
31 ... عبد الغني إبراهيم ... عضو المؤتمر القطري السابع عام 1980.
قائمة (3): التركيبة الجديدة للسلطة النصيرية في المرحلة الثالثة من الدولة العلوية في الحكومة والحزب الجيش, 2000-
م ... الاسم ... المنصب
1 ... الفريق بشار حافظ أسد ... رئيس الجمهورية/ القائد الأعلى للقوات المسلحة/ الأمين العام لحزب البعث.
2 ... العماد على أصلان ... رئيس هيئة الأركان/ عضو اللجنة المركزية لحزب البعث.
3 ... العماد علي حبيب ... قائد القوات الخاصة منذ عام 1994/ عضو اللجنة المركزية للحزب.
4 ... اللواء آصف شوكت ... مسؤول في الاستخبارات العسكرية.
5 ... اللواء عدنان مخلوف ... قائد الحرس الجمهوري.
6 ... اللواء بهجت سليمان ... رئيس قسم الأمن الداخلي في إدارة الأمن العام.
7 ... اللواء عدنان إبراهيم أسد ... قائد سرايا الصراع.
8 ... اللواء حسن خليل ... رئيس الاستخبارات العسكرية/ عضو اللجنة المركزية للحزب.
9 ... اللواء عدنان بدر حسن ... رئيس شعبة الأمن السياسي/عضو اللجنة المركزية للحزب.
10 ... اللواء إبراهيم حويجة ... رئيس المخابرات الجوية/ عضو اللجنة المركزية للحزب.
11 ... الرائد ماهر حافظ أسد ... قائد فرقة في الحرس الجمهوري/عضو اللجنة المركزية لحزب البعث.
12 ... عدنان عمران ... وزير الإعلام في حكومة ميرو/عضو اللجنة المركزية لحزب البعث.(5/26)
13 ... ماجد شدود ... عضو القيادة القطرية لحزب البعث.
14 ... رفيق حداد ... عضو اللجنة المركزية للحزب.
15 ... عز الدين ناصر ... عضو اللجنة المركزية للحزب.
أبرز مراكز القوى في النظام السوري قبل مارس 1984:
م ... التشكيلة العسكرية ... م ... المخابرات
1 ... الجيش النظامي: يتولى اللواء حكمت الشهابي (سني) رئاسة الأركان وينوب عنه علي أصلان (علوي) الذي يتولى كذلك منصب مدير العمليات. يشكل العلويون نسبة تزيد عن 90% من الضباط, وتلعب هذه المؤسسة الضخمة دور الموازنة بين الميليشيات الطائفية. ... 1 ... المخابرات العسكرية: يترأسها اللواء علي دوبا (علوي), وهي تابعة لقيادة حكمت الشهابي عسكرياً ولكنها تعمل سياسياً لصالح علي دوبا, وتعتبر أكثر أجهزة الاستخبارات نفوذاً, حيث تعمل على تأمين ولاء المؤسسة العسكرية للنظام. ويهيمن العلويون على هذا الجهاز بشتى فروعه.
2 ... الوحدات الخاصة: يرأسها اللواء علي حيدر (علوي) الذي يتمتع بشعبية كبيرة في صفوف الضباط العلويين, وتتكون قواته من 15 ألف من المغاوير, تشكل نخبة العناصر العسكرية تدريباً وعدة, وتتغلب المسحة العلوية على هذه القوات التي شاركت في مجازر حلب وحماة, كما كان لها دور بارز في لبنان عام 1982. وقد استعان حافظ أسد بالوحدات الخاصة لضرب قوات رفعت في محاولته الانقلابية عام 1984. ... 2 ... مخابرات أمن الدولة: ترأسها اللواء فؤاد عبسي (علوي) في فترة الثمانينات. وكانت تتبع لرفعت أسد قبل عام 1984 ومن ثم أصبحت تبعيتها مباشرة لرئيس الجمهورية. ويعتبر رئيس فرع الأمن الداخلي اللواء محمد نصيف (علوي) الرجل الأقوى في هذا الجهاز الذي يهيمن على قوى الشرطة والأمن العام. وتفرض إدارة أمن الدولة سيطرتها على جميع المدن الكبرى, ومخابراتها ناشطة جداً في صفوف المدنيين.(5/27)
3 ... سرايا الدفاع: ترأسها رفعت أسد (علوي) قبل تعيينه نائباً لرئيس الجمهورية, ويتألف هذا الجهاز من وحدات تدعى سرايا, وهي مجهزة تجهيزاً ممتازاً بالآليات والصواريخ وأحدث المعدات المضادة للدبابات. وقد وصل عدد هذه الوحدات إلى 55 ألف جندي نسبة العلويين فيهم 95%. وتتوزع وحدات سرايا الدفاع على المدن الكبرى وتتمتع باستقلالية كاملة عن سائر القوى العسكرية. ... 3 ... مخابرات القوى الجوية: يتولي اللواء محمد الخولي (علوي) قيادة هذا الجهاز الذي يتبع مباشرة لرئيس الجمهورية, وقد كان جزءاً من جهاز الأمن القومي المختص بالمخابرات خارج البلاد ولكن الجهازين انفصلا عن بعضهما فيما بعد. ويعتبر الخولي من أكثر المقربين للرئيس السوري السابق حافظ أسد.
4 ... الحرس الجمهوري: يرأسه اللواء عدنان مخلوف (علوي) ابن عم زوجة الرئيس أنيسة مخلوف, الذي كان يعمل تحت إمرة رفعت في سرايا الدفاع وتركه بعد شجار نشب بينهما ليتولى قيادة هذه القوات التي لم يكن يتجاوز تعدادها خمسة آلاف جندي يتولون حراسة القصر الجمهوري في حي المالكي السكني, وفي مركز مدينة دمشق. ... 4 ... مخابرات سرايا الدفاع: تتبع لرفعت أسد مباشرة ويتولى رئاستها العقيد سليم بركات (علوي). ويتمتع هذا الجهاز باستقلاليته الكاملة عن أي سلطة أخرى, ويقوم برصد تحركات العناصر المناوئة في كل القطاعات, ويتميز بتجهيزاته المتطورة وقدراته على التحرك السريع. وقد تم اعتقال سليم بركات في فبراير عام 1984 وسرح جميع العاملين في مخابرات سرايا الدفاع.
أبرز مراكز القوى في النظام السوري عام 2000
م ... التشكيلة العسكرية ... م ... المخابرات(5/28)
1 ... الجيش النظامي: يتولى العماد علي أصلان (علوي) ابن عمة حافظ أسد رئاسة الأركان بعد إحالة حكمت الشهابي إلى التقاعد عام 1998, وتتميز المرحلة 1987-2000 بدعم دور الجيش النظامي للقيام بدور أكبر في السياسة الداخلية لضمان انسيابية عملية الخلافة, حيث برز عدد من الضباط العلويين مثل العماد شفيق فياض, والعماد إبراهيم الصافي قائد القوات المسلحة السورية في لبنان ومحمد إبراهيم العلي قائد الجيش الشعبي كأبرز رموز تركيبة الحكم الجديدة, وجميعهم أعضاء اللجنة المركزية للحزب عام 2000. ... الأمن السياسي: يرأسه حالياً اللواء عدنان بدر الحسن (علوي) الذي كان قائداً للفرقة المدرعة التاسعة قبل عام 1984, وقد أثار تعيينه في هذا المنصب عدداً من ضباط الجيش. وكان أسد قد نقله من الجيش النظامي لهذا المنصب الأمني الهام لموازنة الهيمنة العسكرية التي كان يمارسها اللواء علي دوبا من خلال رئاسته لجهاز الاستخبارات العسكرية. وقد لعب جهاز الأمن السياسي برئاسة اللواء الحسن دوراً كبيراً في ضمان ولاء المؤسسة العسكرية لبشار, ويعتبر أحد أبرز أعضاء اللجنة المركزية لحزب البعث عام 2000.(5/29)
2 ... الحرس الجمهوري: يترأس اللواء عدنان مخلوف (علوي) هذه الفرقة التي تضخم حجمها بعد عام 1987 حيث بلغ عدد قواتها 30 ألف جندي. وكان لهذه القوات دور بارز في تحديد قوة الوحدات الخاصة في الفترة 1987-1994. جدير بالذكر أن قيادة الحرس الجمهوري هي التي تتولى إدارة مجموعة مكاتب بشار أسد, وكان من بين ضباطها باسل وماهر أسد ومناف مصطفى طلاس. ويعول النظام كثيراً على هذه القوة العسكرية لضمان استقرار الحكم لأنصار بشار. ... المخابرات العسكرية: يرأس هذا الجهاز اللواء حسن خليل (علوي) الذي خلف علي دوبا (علوي) بعد أن أبدى الأخير معارضته لخلافة بشار عام 1994. وقد تم تجديد عضوية اللواء خليل في اللجنة المركزية للحزب عام 2000 اعترافاً بدوره في تأمين نقل السلطة بعد وفاة حافظ أسد. ولا يزال جهاز الاستخبارات العسكرية من أقوى الأجهزة الأمنية التي تتولى تأمين ولاء المؤسسة العسكرية الضخمة للنظام. ويتولى آصف شوكت (علوي) زوج بشرى حافظ أسد منصباً مهماً في هذا الجهاز.(5/30)
3 ... القوات الخاصة: يرأسها العماد علي حبيب (علوي) قائد القوات السورية في حرب الخليج, وقائد أركانه اللواء تركي غورلي (علوي) وتقع قيادتهم الرئيسية في القابون. يبلغ تعداد القوات الخاصة 30 ألف جندي, أغلبهم من العلويين وتشكل هذه الوحدات القوة الضاربة في لبنان حيث تقع قيادتها في البقاع الغربي بعنجر, وتعد إحدى ركائز الحكم التي يحسب لها حساب في حماية النظام, وقد تم تغيير اسمها من الوحدات الخاصة إلى القوات الخاصة بعد عزل اللواء علي حيدر عام 1994. ... المخابرات العامة: برئاسة اللواء علي حوري (علوي) وقد كان لهذا لجهاز دور رئيس في تحريك العناصر الموالية للنظام في شتى المدن السورية في مسيرات تأييد خلافة بشار أسد. ويعتبر الشخص الأكثر تأثيراً هو اللواء بهجت سليمان (علوي) رئيس قسم الأمن الداخلي في المخابرات العامة, وهو من أبرز الموالين للحكم الجديد حيث كان يصرح بضرورة خلافة بشار منذ عام 1994, كما لعب دوراً بارزاً في لبنان عام 1982, وكان أحد ضباط سرايا الدفاع الذين رفضوا الانصياع لأوامر رفعت في محاولته الانقلابية عام 1984.
قالوا
حتى صلاح الدين لم يسلم من الشيعة.
قالوا: ((اكتشفت أن صلاح الدين محرر القدس ليس إلا سفاحاً, حول مصر كلها إلى سجون ومعتقلات تحت الأرض لضرب الشيعة وتحويل المصريين عن المذهب الشيعي. وأسعى للبحث عن رفات الشيعة الذين قتلهم صلاح الدين أو أي أثر لهم)).
المصري المتشيع صالح فرغلي
موقع "المعصومون الأربعة عشر"
7/5/2002
قلنا: ليس مستغرباً أن يوجه الشيعة سهامهم إلى القائد صلاح الدين الذي حرّر القدس وساهم في إحياء فريضة الجهاد, ذلك أن صلاح الدين هو الذي قضى على الدولة العبيدية الفاطمية الدخيلة على مصر, وأعاد مصر كما كانت إلى مذهب أهل السنة والجماعة, فالشيعة ما زالوا يحلمون بأيام العبيديين الذين كانوا من الشيعة الإسماعيلية.(5/31)
ليس غريباً أن يبغض الشيعة القائد صلاح الدين, لكن الغريب أن يدّعي فرغلي هذا أن صلاح الدين حوّل مصر كلّها إلى سجون ومعتقلات تحت الأرض لضرب الشيعة وتحويل المصريين عن المذهب الشيعي, فهذه السجون ليست موجودة إلا في خيالات الشيعة.
صور خميني وخامنئي في البحرين
قالوا: ((أشعل محتجون في البحرين النار في أعلام أميركية وإسرائيلية أثناء مظاهرة مناهضة لإسرائيل شارك فيها حوالي عشرة آلاف شخص.
وحمل المتظاهرون وأغلبهم من الشيعة صوراً ضخمة للزعيم الإيراني الراحل آية الله روح الله الخميني وخلفه آية الله علي خامنئي)).
وكالات الأنباء 22/11/2003
قلنا: ما الذي يدفع مواطنين بحرينيين إلى رفع صور رؤساء دولة أخرى؟ هل توكيد فكرة أن إيران هي مرجع الشيعة ودولتهم الأم التي لا بد من التوجه نحوها بالحب والوفاء والولاء؟
لقد رأينا اليهود في شتى أقطار الأرض يعتبرون الكيان الصهيوني دولة اليهود في جميع أنحاء العالم, ويهرعون لدعمها ماديّاً وبشريّاً ويذودون عنها. فهل الشيعة على نفس الدرب سائرون؟؟
2.5 مليون مدمن في إيران
قالوا: ((وبحسب أرقام رسمية يقدر عدد المدمنين على المخدرات حالياً في إيران بنحو 2.5 مليون بينهم 20 ألفاً بواسطة الحقن)).
وكالة الصحافة الفرنسية
10/12/2003
قلنا: إن رقماً كهذا لا يبعث على الاطمئنان, وينذر بكارثة حقيقية في هذا البلد, الذي تبذل قيادته الجهود الكبيرة من أجل الترويج لمذهبهم الشيعي, بينما لا نجد جهداً مماثلاً لحماية الأخلاق والقضاء على الظواهر السلبية.
حكومة مقتدى البديلة
قالوا: ((الموقف الأمريكي من نقل السلطة إيجابي, والتوجه الأمريكي الجديد هو ثمرة إعلاني تشكيل حكومة بديلة)).
مقتدى الصدر
الدستور 15/11/2003(5/32)
قلنا: لقد سئم الجميع كثرة المشاريع التي يطرحها مقتدى, والتي تصل في كثير من الأحيان إلى التناقض, فتارة يشكل جيش المهدي, ويهدد به الأميركيين, ثم يعلن أنه جيش بدون سلاح, وتارة أخرى يهاجم الأميركان ويتوعدهم بحكومته الموهومة التي لا وجود لها على أرض الواقع, ثم يتودد إليهم ويقول أن الشر كله هو من صدام حسين.
أموال العتبات سبب النزاع
قالوا: ((موارد العتبات المقدسة في كربلاء هائلة, ويتحتم علينا شرعاً أن نستخدمها لشؤون العتبة, وهناك أفكار ودراسات لتطوير العتبات والأبنية التابعة لها)).
أحمد الصافي عضو اللجنة العليا لإدارة العتبات في كربلاء
النور العدد 151 ديسمبر 2003
قلنا: لعل هذه الموارد الهائلة هي السبب التي جعل مقتدى الصدر وأنصاره يقتحمون ضريحي الحسين والعباسي في كربلاء بغية السيطرة عليهما, فالأموال الكثيرة التي تقدم للضريحين ويستولي عليها القائمون عليهما تغري مقتدى وأنصاره بعمل أي شيء حتى لو كان الطريق لذلك الاصطدام بالمرجعية ورجال الحوزة.
السلطة من أجل حفظ كيان الشيعة
قالوا: ((حفظ كيان الشيعة لا يتم إلا من خلال الوصول إلى السلطة)).
المرجع الشيعي محمد بحر العلوم
النور – العدد 151 ديسمبر 2003
قلنا: كان بحر العلوم يتحدث في عام 2001 خلال اجتماعات هدفت إلى تأسيس مجلس أعلى لشيعة العراق, وقضية السيطرة على السلطة عند الشيعة قضية جوهرية ذلك أنهم يعلمون أن السلطة والسيطرة والقمح هي أسرع الطرق لنشر مذهبهم, فالمذهب الشيعي لم ينتشر في إيران إلا بسياسة البطش التي مارسها الصفويون عندما حكموا إيران في بداية القرن السادس عشر الميلادي, أما إن ترك المذهب لقناعات الناس وتفكيرهم, فإن أصحاب العقول السليمة لن يختاروا التشيع والرفض على حساب المنهج الإسلامي الصافي المستمد من الكتاب الحكيم والسنة الصحيحة.
جولة الصحافة مقتدى الصدر يعلن تأسيس جمهورية زفتي
على الطريقة الصدّامية!
د. أحمد راسم النفيس(5/33)
القاهرة 4/11/2003
أحمد راسم النفيس كاتب مصري متشيع, وهو أحد الذين يرفعون لواء الشيعة في مصر الآن, وصاحب مقال أسبوعي في صحيفة القاهرة التي تصدرها وزارة الثقافة المصرية, وفي هذا المقال يتحدث عن حكومة الظل التي أعلن مقتدى الصدر رغبته في تشكيلها في العراق بموازاة مجلس الحكم الانتقالي.
وفي هذا المقال يستهزي النفيس بحكومة الظل هذه ومغامرات أخرى لمقتدى مثل تشكيله لجيش المهدي, ويهاجمه لمحاولته الاستيلاء على بعض الأماكن التي يقدسها الشيعة والسعي للاستيلاء على الهبات والنذور لتمويل حكومته, ومحاولته تهميش التيارات الأخرى.
ومع اعتراف النفيس بما تتسبب به تصرفات مقتدى من التوتر والأذى إلا أنه سرعان ما يتهم الأمريكان بذلك في محاولة إبعاد الشيعة وتيار مقتدى عن هذه التهمة.
لقد قال المتشيع النفيس جزءاً من الحقيقة بكشفه عن جزء مما يمارسه مقتدى تجاه أبناء طائفته, لكن الذي يحجم عنه النفيس وأمثاله هو بيان ما يقترفه مقتدى وأنصاره تجاه المسلمين من السنة, حيث قام في وقت سابق بالاستيلاء على دائرة الأوقاف السنيّة في البصرة, والاستيلاء على عدد من مساجد السنة وادّعى أنها كانت بالأصل مساجد شيعية وقام نظام صدام بتحويلها إلى مساجد سنيّة.
وهذا هو جزء من الصراع الشيعي الشيعي, ولذلك هو لا يكشف عن الحقيقة كاملة بل يوضح أين يختلف الفريقين, فريق الصدر وفريق السيستاني. ........................المحرر.
مقتدى الصدر حكومة في فنجان! فجأة أعلن عن تشكيل حكومة دون تشاور بين أطياف الشأن العراقي, ومن باب أولى دول الجوار, ومن دون تشاور مع قوى الاحتلال الأمريكي... لذا فهي تشكل بحق رمزاً للاستقلال والتحرر الوطني لم يسبقه من الناحية التاريخية إلا جمهورية زفتى التي أسسها الزفتاويون إبان ثورة 1919!!!(5/34)
قبل هذا أعلن هذا السيد عن تأسيس ما أسماه (جيش المهدي) لطرد الاحتلال الأمريكي وأمسكنا عن التعليق لأننا نؤيد طرد الاحتلال الأمريكي أما أن يكون جيش السيد مقتدى هو جيش المهدي المنتظر فهو ما يحتاج إلى أدلة وبراهين لا نعتقد بتوافرها لديه أو لدى غيره.
المهم هو أن التيار الصدري الذي التف حول آية الله "الشهيد" السيد محمد صادق الصدر والد مقتدى والذي أعلن نفسه حوزة ناطقة في مقابل اتهامه للآخرين بأنه الحوزة الصامتة هو تيار موجود على الساحة العراقية وله وجود بالغ الأهمية إلا أن القبول بكل ادعاءاته عن صمت الآخرين وعدم اهتمامهم بقضايا المسلمين واكتنازهم لأموال المسلمين وتبديدها هنا وهناك هي من الأمور التي لا يمكن التسليم بها من دون قيد ولا شرط خاصة وأن مرجعية آية الله السيستاني المرجع الأعلى للشيعة في العالم المتهمة من قبل هؤلاء بالصمت والتقاعس تختلف في أجهزتها وأدواتها عن مرجعية سلفه السيد أبو القاسم الخوئي ولا يمكن تحميلها المسئولية عما حدث في المرحلة السابقة ناهيك عما ارتكبه صدام حسين في حق الجميع من الصامتين والناطقين أو حتى الحالمين ناهيك عن الدور الذي تقوم به هذه المرجعية في الوقت الراهن من إمداد للشعب العراقي بما يحتاجه من غذاء وكساء وكتاب والتعاون مع الخيرين من أهل العراق.
ورداً على الاتهام الموجه لآية الله السيستاني بلزومه الصمت إزاء التطورات المتلاحقة في الساحة العراقية أجاب وكيله قائلاً: (إن سماحة السيد وعلى الرغم من اهتمامه البالغ ومتابعته المستمرة للشأن العراقي إلا أنه قد دأب على عدم التدخل في تفاصيل العمل السياسي وفسح المجال لمن ينيبهم الشعب العراقي من السياسيين لممارسة هذه المهمة ويكتفي سماحته بإبداء النصح والإرشاد لمن يزوره ويلتقي به من أعضاء مجلس الحكم والوزراء وزعماء الأحزاب وغيرهم).
مقتدى الصدر يعلن عن تغيير عاصمة العراق!!(5/35)
كان من الطبيعي بعد أن أعلن مقتدى الصدر عن تأسيس جمهوريته أنه يقرر جعل النجف عاصمة للعراق "بعد موافقة الشعب"!! على قراراته التاريخية تيمناً بالطريقة الصدامية وأن يسعى لوضع يده (الشريفة) على كل الأماكن الشيعية المقدسة باعتباره (ولي أمر المسلمين؟؟) ولا أدري من أين أتته الجرأة على اتخاذ كل هذه القرارات والعمل على تنفيذها ثم تقدم خطوة أخرى لوضع اليد على حرم أبي عبد الله الحسين فكانت تلك المواجهات المسلحة بين أنصاره ومن وصفتهم وسائل الإعلام بأتباع المرجع الأعلى آية الله السيد علي السيستاني الذي قالت "القبس" الكويتية أنه كان قد رفض استقبال الصدر في النجف.
أسفرت الاشتباكات عن طرد مجموعات الصدر من الأماكن التي احتلتها وأهمها المجلس البلدي وصحن الإمام الحسين, فيما ذكرت "القبس" أن قوات التحالف ستصدر مذكرة توقيف بحق السيد الصدر بتهمة اغتيال السيد عبد المجيد الخوئي.
وندد مجلس الحكم بمواجهات كربلاء وأكد أن للمحافظ والشرطة حق استخدام سلطة القانون "فلا قوة فوق القانون في عراقنا الجديد".
واتهم السكان مقتدى الصدر بأنه حرض رجاله للسيطرة على الضريحين من أجل الاستيلاء على الهبات الضخمة التي تجمع في هذين المقامين لتمويل ميليشيا جيش المهدي الذي أعلن ولادته وتمويل حكومة الظل التي أعلن عنها الأسبوع الماضي.
وقال سائق شاحنة من كربلاء أن رجال مقتدى الصدر كانوا يريدون السيطرة على الهبات والنذور الضخمة لتمويل إنشاء جيش المهدي وإقامة حكومته.
وشاركه عراقي آخر الرأي نفسه قائلاً بحدة أكثر إن رعاع مقتدى يريدون السيطرة على هبات المؤمنين للتسلح.(5/36)
أما السيد مقتدى الصدر فقد أصدر بياناً نفى فيه الاتهامات الموجهة إليه وإلى ميليشياته بشن تلك الهجمات واصفاً الأمر كله بأنه (حصار وهجوم متعمد على مكتب السيد "الشهيد" محمد صادق الصدر في كربلاء بمساعدة قوات الاحتلال الأمريكي مما اقتضى الرد دفاعاً عن النفس) بينما دعا آية الله السيستاني في بيانه عن الأحداث (الأقلية لاحترام رأي الأكثرية) كما دعا (الأكثرية لعدم فرض رأيها على الأقلية بالقوة) كما عزى هذه الأحداث (لوجود العديد من الأسلحة في يد بعض العناصر غير المنضبطة) كما دعا أعضاء مجلس الحكم العراقي والوزراء (لسحب تلك الأسلحة غير المرخصة وتعزيز قوى الأمن العراقية ودعمها بالعناصر الكفؤة والمعدات اللازمة وأنحى باللائمة على قوى الاحتلال التي تحول بين العراقيين والقيام بتلك المهمات مما أدى إلى وصول الأحوال إلى تلك النقطة المؤسفة), كما أكد سماحته على أنه ليس طرفاً في صراع مسلح أو غير مسلح مع أي جهة كانت وأنه قد اتخذ من الإجراءات وكلف الوسطاء لنزع فتيل تلك الفتنة.
من ناحية أخرى فقد أعلن السيد عبد العزيز الحكيم رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق (ألا أحد يريد أن تقع أمثال هذه الحوادث كما انه لا يوجد أي قرار بالقتال أو استعمال السلاح كما أكد في عبارة ذات مغزى (لن تستطيع أية جهة زرع الفتن بين أبناء الشعب العراقي مهما كانت).
ورفض أسلوب المواجهة بين أبناء الشعب العراقي مشيراً إلى أن مجلس الحكم في العراق يسعى من خلال العمل السياسي والدبلوماسي! ومن خلال الحوار إلى تثبيت الأمن داخل العراق دون تدخل أية جهة أخرى).(5/37)
إذا فربما كانت هناك بعض الجهات التي تسعى لاستثمار المناخ الفوضوي السائد في العراق والذي تسعى الولايات المتحدة لإبقائه هكذا من خلال الحيلولة بين القوى العراقية الفاعلة والقادرة على بسط الأمن وتحقيق الاستقرار والقيام بهذه المهمة الحيوية والتي ربما كانت سبباً في التعجيل بإنهاء الوجود الأمريكي في العراق وسحب ذرائعه التي يقدمها من أجل الاستمرار والبقاء وربما كان تصرفات هذا السيد واحدة من تلك الأسباب والذرائع من خلال تصريحاته الكثيرة غير المدروسة والتي يحاول من خلالها تجاوز كل القوى السياسية الفاعلة والحية صاحبة الخبرة والتجربة الطويلة في العمل السياسي داخل وخارج العراق واختزالها في إطار ما أسماه بتيار الحوزة الناطقة.
إلى أين يذهب المشروع السياسي لمقتدى الصدر؟
تبدو الساحة العراقية عشية إسقاط طاغية العراق أكثر تعقيداً مما يتخيل الجميع فقد أدت الضغوطات النفسية والاقتصادية الهائلة فضلاً عن حرب الإبادة التي تعرض لها الشعب العراقي لظهور أنماط من السلوك الفكري والسياسي التي نبتت في معزل عن التفاعل الخلاف مع العالم المحيط بها ومن بين تلك الأنماط تلك الطريقة التي يتصرف بها مقتدى الصدر.(5/38)
فالعراقيون على اختلاف مللهم ومذاهبهم وأعراقهم قد أدركوا أن زمن التفردية الاستئصالية العرقية والسياسية والمذهبية قد ولى إلى غير رجعة ولا بديل عن القبول بالتعددية والمشاركة على أسس واعية يمكن لها أن تستفيد من ثروة العراق النفطية والبشرية الهائلة لصالح ذلك الشعب الذي جرى التمثيل بجثته حياً طيلة هذه العقود وتحول إلى فريسة يتناهبها المجرمون من كل حدب وصوب لأن هذا وحده هو الكفيل بتعجيل ظهور المهدي الذي ينتظره كل المسلمين على عكس ما يفعله السيد مقتدى من تسيير المظاهرات وتشكيل جمهورية زفتى الصدراوية ومحاولة وضع اليد على مقام الإمام الحسين إن لم يكن (بالذوق فبالقوة) وهو ما لم يقبل به أبناء كربلاء سواء من المنتمين إلى حزب الدعوة أو المجلس الأعلى ممن وصفتهم وسائل الإعلام بأنهم (أتباع السيد السيستاني) والمعروف أن الرجل ليست لديه لا ميليشيا ولا ميليشيات وأن أتباع هؤلاء له هو في إطار التقليد الفقهي وليس التنظيمي.
وأخيراً... فنحن نعتقد أن مصير تيار الصدر وقائده ذلك السيد مقتدى مرهون بقبوله لقواعد اللعبة التعددية السياسية بعيداً عن مفردات القداسة والتبجيل التي يطلقها على نفسه فالعراق ليس إيران والعام 2003 ليس العام 1979 ومقتدى الصدر لم ولا يمكن له أن يكون خميني العراق.
جولة الصحافة مستقبل العراق والإقليم
شاكر الجوهري(1)
مقدمة:
__________
(1) الرأي 7/12/2003.(5/39)
يضعنا كاتب المقال شاكر الجوهري أمام بعض الأسباب التي تمنع الشيعة من مقاومة الاحتلال الأمريكي في العراق, مع ملاحظة أن هذه الأسباب المشار إليها مثل الخشية من عودة نظام صدام أو أن مقاومة الشيعة للأمريكان ستؤدي إلى حرمانهم من الامتيازات التي منحها الشيعة لهم بعد إسقاط صدام, لا تعكس الصورة الكاملة, فإن رفض مقاومة الشيعة للأمريكان ينطلق من موقف عقائدي شيعي يعتبر أن أهل السنة أشد كفراً وخطراً من اليهود والنصارى, وأن راية الجهاد لا يجوز أن تقوم قبل قيام المهدي المنتظر عندهم.
وليت الأمر اقتصر على عدم المقاومة, بل إن علاقات الشيعة بالأمريكان تشهد تحالفاً حقيقياً, موجهاً في جزئه الأكبر ضد أهل السنة في العراق, فالسنة في نظر الشيعة هم العدو الأول والخطر الأكبر, وفي نظر الأمريكان هم الذين يقودون أعمال المقاومة ضدهم, وهي التي تعتبرها الولايات المتحدة تخريباً وتمرداً مسلحاً.
وفي المقال الذي ننقله إليكم بتصرف يضعنا المؤلف أمام حقيقة أن رفض الشيعة لأي حكم غير شيعي هو الذي سبب الانقسام في العراق, وقد تم تكرار هذا المبدأ في دول الخليج, حيث كان الشيعة بدعم من إيران يقاتلون حكومات وشعوبات بلدانهم, ويرفضون أن يحكمهم سني...........................................................................الراصد.
إن بعض حلقات النظام العربي أصبحت تعبر عن قناعة صحيحة, بقدر ما هي مستغربة, تقول بأن خروج القوات الأميركية من العراق الآن, من شأنه أن يدمر العراق, ويشعل فتنة داخلية تقود إلى تقسيم هذا البلد, والأخطر من ذلك, إن هذه الفتنة قابلة لأن تنتقل عدواها إلى بعض دول الجوار...!
تبدو المسألة غاية في التشابك والتعقيد, خاصة ونحن نقف أمام جملة حقائق تتصل بالوضع العراقي والإقليمي ممثلة فيما يلي:(5/40)
أولاً: إصرار الرئيس العراقي السابق صدام حسين على العودة إلى السلطة في العراق. وتنبع أهمية هذا الإصرار من حقيقة أن صدام حسين يقود القسم الأكبر من المقاومة العراقية(1)
ثانياً: أن المقاومة العراقية غير موحدة, وغير متجانسة من حيث التنظيم والعقيدة والسياسات والغايات والأهداف, فإلى جانب صدام حسين الذي يقود مقاومة حزب البعث, هناك مجموعات من المقاتلين السلفيين القريبين من فكر أسامة بن لادن, وهناك كذلك مجاميع من الإخوان المسلمين العراقيين الذين لم يرتضوا مشاركة أمين عام حزبهم الإسلامي العراقي في عضوية مجلس الحكم الانتقالي, وهم يشكلون القاعدة الرئيسية للجماعة والحزب في العراق.
ثمّ إن كل هذه المجاميع غير قابلة للتوحّد في إطار جبهة وطنية موحّدة لتحرير العراق, ذلك أن مرارات الماضي تزيد من تعقيد الأمور, إضافة إلى الاختلاف البيّن في الأهداف والغايات, إذ لا يمكن لغير البعثيين أن يؤيدوا عودة صدام حسين إلى السلطة, كما أن قطاعات واسعة من البعثيين قد لا تؤيد ذلك أيضاً, لكنها قد تكون الأقل فعلاً الآن, مقارنة بالمقاومة التي يقودها الرئيس السابق.
__________
(1) هذه وجهة نظر الكاتب... المحرر.(5/41)
ثالثاً: وعلى الصعيد الطائفي والعرقي, فإنّه يكاد يكون هناك إجماع في صفوف الشيعة والأكراد على رفض عودة النظام السّابق(1), بل إن عدم مشاركة الشيعة في المقاومة على نطاق واسع حتى الآن مرده عاملان, أولهما الخشية من أن تؤدي المقاومة إلى عودة النظام السابق, وثانيهما إن الشماتة بسقوط ذلك النظام أخذت بالتفاعل مع المزاعم الأمريكية بشأن إقامة نظام حكم ديمقراطي في العراق يعتقد –خاصة الشيعة- أنه سيؤدي بشكل تلقائي إلى توليهم السلطة في عراق المستقبل.
هذا الاعتقاد تحديداً هو ما يقف وراء إصرار آية الله علي السيستاني, المرجع الأعلى للشيعة في العراق على ضرورة إجراء الانتخابات أولاً, ومن ثم نقل السّلطة للعراقيين, لكي يضمن تأثير الدور الشيعي في صياغة نظام الحكم المقبل, وخشية من أن يؤدي نقل السلطة أولاً إلى تفصيل ديمقراطية خاصة تكون وظيفتها بالأساس تحجيم الدور الشيعي في عراق الغد.
__________
(1) هذه العبارة توحي بأن الشيعة والأكراد هم فقط من يرفض عودة الرئيس المخلوع, وأن أهل السنة يرغبون بعودته, لأنه سني وهذه مغالطة واضحة, فإن أهل السنة نالهم من أذى وبطش صدام الشيء الكثير, مثل الآخرين, وصدام لم يكن يوماً ناصراً لمذهب السنة أو مدافعاً عنه...... المحرر.(5/42)
رابعاً: المخاوف التي يعبر عنها السيستاني, وهو بالمناسبة إيراني, تقابلها مخاوف معاكسة لدى دول الجوار "باستثناء إيران" وكذلك لدى الولايات المتحدة الأمريكية. وتتمثل هذه المخاوف في أن سيطرة الشيعة على نظام الحكم في العراق من شأنه أن يكرّس لحمة التحالف الإيراني-السوري, ويوسعه ليشمل العراق, مع الأخذ بعين الاعتبار امتداد هذا التحالف في لبنان من خلال حزب الله, وعدم تجاهل التحفظ السوري -لحسابات داخلية محضة- على مسألة الانقسام الطائفي, لكن مع الأخذ بعين الاعتبار إن هذا التحفظ لم يحد من تأثيرات الثورة الإيرانية على أمن دول الجوار نهاية سبعينيات القرن الماضي, وأوائل الثمانينات, إذ لعب صدام يومها الدور الحاسم والأساس لهذه الجهة, لحسابات عدة تجدر بأن تعالج يوماً بعمق.
ولئن كان الطرف الشيعي الأبرز سياسياً في العراق ممثلاً في المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق يبدو الآن في موقع الحليف للولايات المتحدة من خلال مشاركته في عضوية مجلس الحكم الانتقالي, فإن ذلك يجب أن لا يغفل العيون عن حقيقتين هامتين:
-إن المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق هو الأقرب من بين ممثلي الشيعة الآخرين لإيران, ذلك أنه الوحيد الذي يؤمن بنظرية ولاية الفقيه, وهو الإيمان الذي يجعل من علي خامنئي المرجعية الدينية والسياسية لهذا المجلس.
-إن الحقيقة السابقة تكمن وراء العلاقات الممتازة والمميزة التي تربط المجلس بحزب الله في لبنان, على الرغم من الافتراق الشكلي بينهما لجهة طبيعة علاقة كل طرف منها بالولايات المتحدة. ذلك أن مشاركة المجلس في عضوية مجلس الحكم الانتقالي لا يجوز النظر إليها خارج عملية التزاوج ما بين "التقية" الشهيرة, وتكتيكات تضع السلطة المستقبلية في العراق باعتبارها الهدف الأول أمام المجلس.(5/43)
ثم إن الأكثر خطورة من توسع التحالف السوري-الإيراني هو تأثيراته المستقبلية المتوقعة على دول الجوار, وهي تأثيرات يجب أن تأخذ معالجتها بعين الاعتبار حقيقة أن قسوة النظام السابق في العراق لم تكن العامل الوحيد الذي أنتج الانقسامية في العراق, إذ سبقها ابتداء, ثم تفاعل معها, إصرار بعض الأطراف الشيعية في رفض ومقاومة ومعارضة أي حكم غير شيعي, وهذا يشمل العديد من دول الجوار العراقي التي سبق للثورة الإيرانية إن حركات معارضات طائفية داخلها(1).
جول الصحافة دولة داخل الدولة ((بحث في جذور تشكيل الهيئات المتوازية في الإدارة الإيرانية))
أكرم ديدارى
مختارات إيرانية – العدد 40 - نوفمبر 2003
تمهيد:
هذه الفقرات المطولة بقلم كاتب إيراني, يلقي الضوء على ظاهرة سياسية إيرانية بارزة تتعلق بالازدواجية في السلطة, وتهميش الحكومات التي برزت من بداية الثورة, وكان الهدف منها في البداية إقصاء أي حكم يخالف حكم رجال الدين.
والهدف منها الآن هو التعايش مع المجتمع الدولي والانفتاح على دور الجوار من خلال حكومة معلنة تخاطب الآخرين بما يحبون, مع وجود سلطة أخرى أقوى منها تمارس سياسات مغايرة لما هو معلق! للوصول إلى مصالحهم الذاتية على حساب الآخرين!! ........الراصد.
المسئولون والسياسيون في إيران قلقون من أن تصير حكومة الظل التي تسمى في المحافل الرسمية بالمؤسسات المتوازية أوسع نفوذاً وأضخم من الناحية الهيكلية من مؤسسات الحكم الأساسية والرسمية.
ومن بين السياسيين ورجال الدولة في إيران لا يوجد الشخص المستعد لأن يحدد تلك المؤسسات المتوازية وينهض للخوض في شئونها ويعتبر الجميع أن تدخل المؤسسات المتوازية يضع عقبات عدة أمام تحقيق الأهداف الإصلاحية لحكومة خاتمي.
__________
(1) يشير الكاتب ضمنا إلى المخططات التخريبية الإيرانية التي كانت ينفذها الشيعة في الخليج وخاصة في الكويت والبحرين ضد بلدانهم... (المحرر).(5/44)
وقد تحدث الرئيس خاتمي عن جهود تبذل للقضاء على ظاهرة الدولة داخل الدولة أو حكومة الظل، لكنه هو أيضاً تحاشى ذكر الأجهزة والمؤسسات التي تعمل بشكل متوازٍ مع المؤسسات الرسمية بالدولة على حد زعمه.
وعلى الرغم من هذا فإن هناك إجماعاً بين السياسيين الإيرانيين حول أسلوب عمل تلك المؤسسات المتوازية الذي يضع إعاقة وإفشال برامج حكومة خاتمي هدفاً رئيسياً له.
تعود بداية نشاط المؤسسات المتوازية إلى المرحلة التي تلت فتح ملف سلسلة الاغتيالات واكتشاف التشكيل المسئول عنها داخل وزارة الاستخبارات الإيرانية، هؤلاء الأشخاص المسئولون عن تنفيذ الاغتيالات متقاربون من الناحية الفكرية مع تيار المؤسسات المتوازية، ورأوا أن المجال صار ضيقاً لمواصلة نشاطاتهم الخاصة داخل وزارة الاستخبارات، فعمدوا منذ العام الماضي إلى اعتقال النشطين السياسيين, ونشطوا بشكل علني في المحافل السياسية وعلى الصعيد العام لدرجة أنهم ضغطوا على نواب مجلس الشورى الإسلامي لكي يقدموا طلب إحاطة لعلي يونسي وزير الاستخبارات أمام لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية لبحث موضوع السعى لسلب سلطة وزارة الاستخبارات ومحاولة إقصائها من الساحة، تم هذا على نحو أوضح، أن النهج الذي أدى إلى وقوع سلسلة الاغتيالات قد انتقل إلى أماكن أخرى من أجهزة الدولة على حد قول محسن ميردامادي رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بمجلس الشورى الإسلامي.
ويعتقد السياسيون أن المؤسسات المتوازية أو حكومة الظل لها أذرع طلابية وصحفية تعبر عن نفسها بشكل أوضح وتحدث أثراً أكبر على المجتمع من المؤسسات الرسمية، لدرجة أن الحديث المتداول في الساحة يدور حول أن تدخل الأذرع الطلابية للمؤسسات المتوازية هو الذي أجبر مصطفى معين وزير العلوم والتقنية على الاستقالة.(5/45)
يعتقد الناقد السياسي علي رضا رجائي أن هيكل النظام السياسي في إيران مثل كثير من الدول النامية يتكون من مؤسسات عدة تسعى كل واحدة منها إلى تحجيم مجال عمل الأخرى، وهذا الهيكل ظهر كنتيجة لتنوع البنية المحيطة في المجتمع. إن التنوع الواسع وتعقد التركيبة الطبقية في المجتمع الإيراني حّول هيكل السلطة من الناحية العملية إلى أقسام متشعبة تضم وحدات مستقلة عن بعضها البعض. في مثل هذا الوضع تتعدد مراكز السلطة وتسمى بحكومة الظل في مقابل بنية السلطة الرسمية للدولة.
إن حكومة الظل تتوازى مع الحكومة الرسمية وتضم مجموعة من مراكز السلطة غير الرسمية لكنها ذات سلطة واسعة تقف الحكومتان في مواجهة بعضهما في محاولة للتحجيم المتبادل.
من الطبيعي أن يؤدي تشكيل حكومة الظل بجوار الحكومة الرسمية إلى فشل برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية وخلق نوع من عدم الرضا العام.
إن تشكيل حكومة الظل في إيران ليس قاصراً على مرحلة خاتمي فقط، فقد كانت موجودة إلى جوار حكومة مهدى بازرجان وحكومة مير حسين موسوى وحتى حكومة هاشمى رفسنجانى، وقد واجهت هذه الحكومات تحديات صعبة من جراء تشكيل حكومات الظل، لكن في حكومة خاتمي برزت هذه القضية على نحو أوضح، والحقيقة أنه على مدار جميع سنوات ما بعد الثورة الإسلامية كانت هناك حكومة ظل إلى جوار الحكومة الرسمية.
جولة الصحافة إيران: قتلى في مواجهات بين متظاهرين
والحرس الثوري
جريدة الشرق الأوسط – 2/12/2003
جاءت الأنباء التي تحدثت عن قسوة رجال الأمن الإيرانيين في قمع المظاهرات التي اندلعت في منطقة بلوشستنان السنيّة في إيران مؤخراً لتثير مجدداً وضع أهل السنة في إيران, وما يعانونه من ظلم وتهميش على أيدي الحكام الشيعة.
البلوش في إيران هم سنة من جهة وعرب من جهة أخرى, ولعلّ هذا ما يضاعف من مأساتهم في هذه الجمهورية, عندما يجتمع التشيع الحاقد على أهل السنة والفارسية الحاقدة على العنصر العربي.(5/46)
طهران-لندن:
أعلن جعفر كمبوضيا النائب الاصلاحي عن مدينة زهدان الإيرانية أن مواجهات عنيفة جرت أول من أمس بين متظاهرين إيرانيين من الأقلية البلوشية وقوات الحرس الثوري في منطقة ساراوان التي تقع في محافظة سيستان – بوشستان على مقربة من الحدود مع باكستان مما أسفر عن مقتل وإصابة العشرات. ونقلت وكالة الأنباء الطلابية الإيرانية (ايسنا) عن كمبوضيا قوله أن المواجهات تفاقمت عندما قامت قوات الحرس الثوري بإطلاق النار عشوائياً على المتظاهرين. وأضاف كمبوضيا "أطلقت الشرطة النار وقتلت سائق سيارة رفض التوقف". وتابع المسؤول الإيراني "للأسف ورغم النصائح التي قدمتها السلطات المحلية إلى قوات الأمن بتجنب القسوة في إعادة الأمن, تدخل عدد من عناصر الأمن وأوقع إطلاق النار أربعة قتلى", موضحاً أنه لم يصب أي عنصر من قوى الأمن. ولم يوضح كمبوضيا ما إذا المتظاهرون قد أطلقوا هتافات مناهضة للسلطة خلال التظاهرة. غير أن مصادر أخرى ذكرت نقلاً عن شهود عيان أن الحرس الثوري الإيراني تصدى أول من أمس إلى مظاهرة في منطقة تسكنها الأقلية البلوشية, مما أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 30 شخصاً من الأقلية البلوشية بينهم طفل في العاشرة من عمره, وإصابة أكثر من 80 آخرين بجروح, وتبع ذلك إعلان حالة الإحكام العرفية في المنطقة. وذكر الشهود أن الاحتجاجات تأججت بسرعة كبيرة عندما وقع ضحايا مدنيون. فقام المتظاهرون بإحراق البنوك والمكاتب الحكومية والمحلات. وقال ملال ميردورا أحد شهود العيان أن المتظاهرين الذين قد عددهم بعدة آلاف تجمعوا تدريجياً مع ورود أنباء عن سقوط ضحايا من البلوشيين وحاولوا ضرب رجال الحرس الثوري ففتح رجال الحرس الثوري النار عليهم. ووصف ميردورا الأمر بـ "ثورة", حيث أحرق المتظاهرون شعارات الجمهورية الإسلامية والمكاتب الحكومية وقاموا بضرب رئيس الإدارة المحلية ورئيس الشرطة. وأضاف ان السلطات أمرت المستشفى في المنطقة بعدم معالجة(5/47)
الجرحى. وادّعى أن قوات الأمن قامت بإطلاق النار على المصابين والجرحى في المستشفى, وأنه تم اعتقال 300 شخص. وذكر أن السلطات حاوت قطع الاتصالات الهاتفية بين المنطقة والعالم الخارجي, إلا أنه تمكن من الاتصال ببعض وسائل الإعلام عبر التليفون الجوال والانترنت. ويذكر أن الأقلية البلوشية تشكل 2% من مجموع سكان إيران.
جولة الصحافة أميركا والشيعة... تحالف محتمل أم حقيقي؟
بقلم / صالح السيد باقر
الجزيرة نت.
بسقوط نظام صدام حسين في شهر أبريل الماضي وجد الشيعة في العراق أنفسهم أمام جملة من المتغيرات, وصار هذا البلد يشهد صعوداً شيعياً لافتاً.
قضية الحكم تؤرق بال الشيعة وتستدعي منهم إعادة حساباتهم ودراستها دراسة دقيقة, ذلك أن الكثيرين يرون أن الوصول إلى حكم العراق لن يكون إلا عن طريق الأمريكيين, ومن خلال الحكم الأمريكي, فالأمريكيون هم الذين أعطوا الشيعة ما لم يكونوا يستطيعون الحصول عليه زمن النظام السابق وهم الذين يهمشون أعداءهم السنة.
في المقال, يعرض كاتبه وهو شيعي للمواقف السياسية للتيارات الشيعية البارزة في العراق, وبعضاً من توجهاتها, ننقله لكم بتصرف.
أولاً: السيستانيون:
لم يرث آية الله السيد علي السيستاني مرجعية السيد أبي القاسم الخوئي وحسب وإنما ورث اتجاهه السياسي المحافظ أيضاً, غير أن الصمت السياسي بحد ذاته يعد موقفاً, وأقل ما يمكن اعتباره هو عدم تأييد أي طرف سياسي, وحتى سقوط صدام كان السيستاني مرجع الذين لا يرغبون في التدخل في السياسة ليس في العراق وحسب وإنما في كافة البلدان الإسلامية.(5/48)
وتنبغي الإشارة هنا إلى أن الشيعة المتنفذين في البلدان الإسلامية سواء كانوا رجال أعمال أو مسؤولين في السلطات يقلدون المرجع السيستاني, وغالباً ما تكون هناك علاقة حميمة بينهم وبين السلطات لأنهم يرفضون التدخل في الشؤون السياسية لحكوماتهم(1).
وأردت بقولي "حتى سقوط صدام" أن السيستاني ومن قبله الخوئي ربما اضطرا إلى عدم التدخل في الشؤون السياسية والاجتماعية نتيجة الكبت الذي مارسته حكومة صدام ضد كافة مكونات الشعب العراقي, ولكن بعد أن طوى العراق صفحة الحقبة المظلمة في تاريخه الحديث فليس من المستبعد أن يلعب السيستاني دوراً سياسياً, خاصة إذا تشكلت حكومة ذات أغلبية شيعية.
وتحدو الأمريكيون رغبة جامحة في أن يلعب السيستاني دوراً سياسياً محافظاً أو إرشادياً في العراق, وذلك ليسدوا الطريق أمام بعض التنظيمات الشيعية المتشددة, وكذلك ليكونوا في مأمن من وجود معارضين أو منافسين أقوياء, إذ لا نبالغ إذا قلنا إن نحو نصف شيعة العراق يقلدون (يتبعون) السيستاني, كما أنه سيحد النفوذ الإيراني في العراق الأمر الذي طالما رغبت واشنطن في تحقيقه(2).
ثانياً: التيار الإيراني:
__________
(1) هذا التعميم غير صحيح فإنه يوجد كثير من الشيعة المتنفذين في البلدان الإسلامية الذين يجاهرون بالولاء لإيران ويدينون بالطاعة للفقيه فيها من زمن الخميني وحتى يومنا هذا, ويكفي مثالاً على ذلك رفع صور الخميني وخامنئي وحسن نصر الله في مسيرات الشيعة في البحرين!!!... الراصد
(2) لكن لا بد من تذكر أن السيستاني إيراني أصلاً وليس عراقياً......الراصد.(5/49)
يخطئ من يتصور أن التنافس بين قم والنجف على زعامة الشيعة سيبلغ ذروته في العهد العراقي الجديد, إذ إن هذا التنافس حسم قبل أكثر من عقدين. فبعد مجيء الجمهورية الإسلامية ظهر تيار سياسي جديد في الطائفة الشيعية, لذلك فإن من كانت تحدوه الرغبة في التغيير والحركة والعمل السياسي اتبع ولاية الفقيه أو مرجعية الإمام الخميني آنذاك, ومن كان لا يرغب في التدخل بالسياسة (سواء بداعي الخشية على مصالحه أو بسبب ظروف البلد الذي يعيش فيه) فإنه اتبع السيستاني.
وتجدر الإشارة إلى أن الأحزاب الموالية لإيران كالمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق, تستمد توجهها السياسي من المعادلة السياسية التي تعيشها المرجعية الإيرانية. وبما أن هذه المرجعية محكومة بالانسجام مع المستجدات الدولية والإقليمية, فمجال المناورة لديها محدود للغاية, الأمر الذي ينعكس على الأحزاب الموالية لها وينعكس بدوره على شعبية هذه الأحزاب.
ثالثاً: الشيرازيون:
يوالي تيار الشيرازيين المرجع الديني السيد صادق الشيرازي الذي تولى قيادة التيار قبل عامين بعد وفاة أخيه السيد محمد الشيرازي الذي أرسى دعائم هذا التيار منذ الستينات. ومع أن هذا التيار ظهر كرد فعل على المرجعية الشيعية المحافظة –شأنه شأن المرجع الديني الراحل الإمام الخميني- فإنه يتميز عن التيار الإيراني بالدعوة إلى الانفتاح السياسي والاقتصادي والفكري(1).
ورغم ريادة الشيرازي في الدعوة إلى التجديد ومواكبة التطور, فإن تياره ليس ذائع الصيت.
__________
(1) كان هذا التيار قديماً يؤمن بولاية الفقيه, ولما انفرد الخميني بالزعامة, طور الشيرازي رؤيته للولاية الجماعية للفقهاء, وبعدها تبنى نظرية اللاعنف بعد أن تبين له انعدام إمكانية العمل الثوري. للمزيد راجع كتاب أحمد الكاتب (الشيرازي).... الراصد.(5/50)
غير أن الانفتاح الذي يعيشه العراق في الوقت الحالي لو استمر, فليس من المستبعد أن يكون هذا التيار هو الأبرز في الطائفة الشيعية لأنه لم تتوفر له في السابق الأجواء المفتوحة التي يطرح فيها أفكاره, وكذلك فإن تاريخ التيار خال من المساومات السياسية, فعلى سبيل المثال لم يتعاون لحد الآن مع الأميركيين. بالإضافة إلى الأفكار الجديدة التي يطرحها كنظرية اللاعنف, فإن أنصاره لديهم نشاط اجتماعي مكثف على صعيد نشر الوعي وتقديم الخدمات.
كما أن التيار يتمتع بعامل آخر من عوامل القوة, وهو انتشار أنصاره في أغلب دول العالم فأينما وجدت شيعة فستجد الموالين للشيرازي بينهم.
وتيار الشيرازي يضم العديد من الأجنحة ومراجع الدين, كمرجعية آية الله السيد محمد تقي المدرسي الموجود حالياً في العراق, وكذلك آية الله السيد مرتضى القزويني, كما يضم العديد من الأحزاب السياسية كمنظمة العمل وحركة الوفاق والجبهة الوطنية الإسلامية وحركة الجماهير, ورغم اختلاف المسميات فإن الجميع ينتهج فكر الشيرازي.
رابعاً: حزب الدعوة:
الذي يغلب عليه الطابع البراغماتي, لذا لا يمكن القول إنه حزب ديني خاصة أن مرجعيته الدينية غير معروفة, فتارة يدعو للإمام الخميني ومن ثم للمرشد الخامنئي, وتارة إلى الخوئي ومن ثم إلى السيستاني, وفي الآونة الأخيرة بدأ يروج لأفكار السيد محمد حسين فضل الله(1).
فعدم وضوح مرجعية الحزب يبين أن لديه أطروحة أوسع من حصر العمل السياسي في إطار المرجعية, الأمر الذي يعارضه أغلب مراجع الشيعة.
__________
(1) وسبب ذلك أن فضل الله أصلاً من تلاميذ محمد باقر الصدر مؤسس حزب الدعوة.(5/51)
ولا شك أن مستقبل الحزب يتوقف بشكل كبير على مدى تحركه في الوسط الشعبي, ولو استمر في التغيير السريع لمواقفه كما حدث خلال تأسيس مجلس الحكم العراقي فقد فاجأ الشارع العراقي بترؤس إبراهيم الجعفري القيادي في الحزب للمجلس بعدما كان يقاطعه.. لو استمر على ذلك فإن الشعب سيسحب ثقته به.
خامساً: الصدريون:
وهم أنصار السيد مقتدى الصدر الذي تم تهميشه بشكل متعمد في أي تشكيلة حكومية, لذلك لا ينبغي أن نستغرب إذا اتخذ مواقف متشددة إزاء قوات الاحتلال ومجلس الحكم.
فتيار الصدر يرى أن أي حزب في مجلس الحكم لا يمتلك الشعبية التي يمتلكها, وفي الوقت الذي يستأثر فيه أعضاء المجلس بالسلطة فإنه لم يمنح أي دور فيها. وبالتأكيد فإنه لا يرضى بدور يضاهي دور الذين تقل شعبيتهم عن شعبيته, من هنا فالخيار الوحيد المتاح لهذا التيار هو الاستمرار في المعارضة لحين إجراء الانتخابات العامة.
ومن أبرز ما يأخذه منافسو تيار الصدر على التيار أنه لا يمتلك إستراتيجية واضحة ولا مرجعية كفؤة, إذ لم يبلغ مقتدى الصدر حتى الدرجات الوسطى في العلوم الدينية, وقد أقر هو في أكثر من مقابلة بأنه ليس مرجعاً للشيعة.
المؤهلون لزعامة الشيعة:
اتضح مما سبق أن التيارين الإيراني والسيستاني جربا حظهما في تزعم الطائفة الشيعية وقد انحسم أمرهما منذ سنوات عديدة, فمن يريد اتباع النظرية الإيرانية فما عليه إلا أن يقلد مرشد الجمهورية الإسلامية السيد علي خامنئي, ومن لا يريد التدخل في السياسة فعليه اللجوء إلى المرجعية البارزة في مدينة النجف الأشرف (السيستاني).(5/52)
كما اتضح أن حزب الدعوة ومقتدى الصدر لم يطرحا نفسيهما على أنهما يسعيان إلى تزعم الشيعة, فيبقى التيار الوحيد الذي لم يجرب حظه في مخاطبة الرأي العام الشيعي بحرية مطلقة هو الشيرازي بما فيه مرجعية المدرسي والأحزاب المنتمية إلى هذين المرجعين. ومن المرجح أن يلعب هذا التيار دوراً بارزاً في المستقبل, ليس في العراق وحسب وإنما على صعيد الطائفية الشيعية برمتها.
المصالحة الأمريكية مع إيران لدعم نفوذ الشيعة في المنطقة العربية
د.نبيل العتوم
من خلال تحليل للأحداث والوقائع التي عصفت بالمنطقة, تبرز العديد من التساؤلات المهمة والخطيرة وهي: لماذا لم يشارك الشيعة في مقاومة الاحتلال الأمريكي للعراق وأفغانستان؟ ولماذا لم تبرز حركات مقاومة مسلحة أو حركات احتجاج تلجأ إلى العنف للتعبير عن غضبها ضد السياسة الأمريكية من رحم المذهب الشيعي على عكس المذهب السني الذي جاءت منه معظم الحركات التي هددت مصالح أمريكا والغرب وإسرائيل؟ وهل من مصلحة هذه الأطراف دعم الأقليات الشيعية والدول التي تدعمها "إيران" بهدف الحد من ظاهرة العنف التي باتت تهدد دعائم وأسس الاستقرار في المنطقة وتعديل الميزان المذهبي، وبالتالي تحقيق أهداف أمريكا والغرب في المنطقة؟ وهل من مصلحة أمريكا تبني هذه الاستراتيجية ولماذا ؟(5/53)
من الواضح للعيان أن الولايات المتحدة بدأت تسمح لإيران بممارسة استراتيجية تُسهل بموجبها لإيران التمدد مذهبياً في الدول العربية، فالولايات المتحدة الأمريكية عانت من الحركات الإسلامية المسلحة التي ولدت من رحم المذهب السني، وباتت تضرب أمريكا في عقر دارها "تنظيم القاعدة"، وتكبدت الدولة العبرية خسائر فادحة من جانب حماس، الجهاد الإسلامي"، هذا عدا ضرب مصالح الغرب في مناطق مختلفة من دول العالم، هذه الجوانب طرحت تساؤلات مهمةً، لماذا لم تنشأ حركات إسلامية مسلحة أو احتجاجية من رحم المذهب الشيعي "مع استثناء" ظاهرة حزب الله الذي كان عبارة عن ردة فعل طبيعية للاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان؟ ولماذا مارست إيران والأقليات الشيعية في العالم العربي سياسة ضبط النفس تجاه استهداف الغرب للمنطقة العربية ولم تخرج عن إطار ضبط النفس وتحاول التعبير عن نفسها عن طريق التظاهرات الاحتجاجية ؟.
ثم لماذا لم ينتفض الشيعة ضد أمريكا وبريطانيا احتجاجاً على استهداف إخوانهم وشركائهم في المذهب في كل من العراق وأفغانستان؟
وهذا الأمر يقود إلى تساؤل مهم وهو هل رسمت إيران استراتيجية للتعامل الهادئ مع هذه الملفات لتحقيق مكاسبها وبشكل ذكي، وحيدت أي نشاط للشيعة، سواء في إيران أو خارجها لجني المكاسب التي تسعى إليها؟
إن أمريكا قد أدركت بما لا يدع مجالاً للشك أهمية الدور المستقبلي للطائفة الشيعية في العالم، وضرورة تعزيز دورها داخل هذه المجتمعات، وهذا بدوره يحقق لها عدة مكاسب:
1- ستكون الطائفة الشيعية بديلاً جيداً عن أهل السنة للتعامل معها للحد من نفوذ الحركات الإسلامية السنية.(5/54)
2- لن تُمثل هذه الطوائف الشيعية خطراً حقيقياً على مصالح أمريكا ومصالح الغرب عموما،ً وهذا ما أثبتته التجارب العملية من خلال التعامل معها كطوائف كفئات شيعية أو تنظيمات، وليس لدى هذه الطوائف أية امتدادات مقاومة لتمارس من خلالها عنفاً مسلحاً ضد العرب وأمريكا على عكس الحركات السنية.
3- لتحقيق ذلك سوف تسعى امريكا الى تبني مجموعة من الاستراتيجيات:
أ - الضغط على الأنظمة والحكومات العربية بهدف منح الاقليات الشيعية الموجودة في هذه الدول مزيداً من الحريات والحقوق.
ب -توجيه هذه الحكومات لدعم مطالب الشيعة في هذه الدول لضمان مشاركتهم الفاعلة في مؤسسات الحكم ولنشر مذهبهم وتوسيع قاعدتهم الشعبية.
جـ- دعم تمثيل الشيعة في الدول التي أصبحت تشكل بشكل مباشر مناطق النفوذ الأمريكي، وهذا ما حصل بالفعل في العراق وأفغانستان، ومحاولة استرضائهم بمختلف الُسبل، من خلال إسناد وظائف مرموقة لهم في مؤسسات الحكم في كلا الدولتين بالضغط، والشروع بالضغط على حكومات دول الخليج وسائر الدول الأخرى التي يوجد فيها حضور للشيعة وهذا ما حدث فعلاً في المملكة العربية السعودية.
د- إن الضغط على هذه الدول قد أوجد حالة من المصالحة بين الولايات المتحدة وإيران، حيث نجحت الولايات المتحدة جراء ذلك في تعديل السلوك الإيراني. وإن كان هذا التصالح يقوى ويضعف بين فترة وأخرى مع الأخذ بعين الاعتبار إرضاء إيران لبيئتها الداخلية، وتفهمها لمشكلات أمريكا الأمنية ومصالحها الاستراتيجية في المنطقة على صعيد بيئتها الخارجية.
هـ- الضغط على الدول الأوربية لإعطاء هامش واسع من الحركة للأقليات الشيعية الموجودة على أراضيها، ودعم مؤسساتها الثقافية والدينية، وعلى هذا الأساس يلاحظ أن أمريكا والغرب لم يبدوا حرصهم على إخضاع هذه المؤسسات لنوع من المراقبة الدقيقة، أو تجفيف مصادر تمويلها على غرار ما حدث بالنسبة للحركات الإسلامية والجمعيات السنية.(5/55)
النتيجة أن إيران والشيعة عموماً سيحققون كثيراً من المكاسب إذا نجحوا في التعامل مع أمريكا وفق المنظور السابق، وسوف يُعزز نجاح هذا السيناريو مفهوم الطوق الشيعي الذي تحاول إيران تحقيقه، ولكنها لن تنجح إذا لم تعزز أواصر التفاهم مع أمريكا، ومن المؤكد أن إيران قد أدركت فعلاً مغزى السياسة الأمريكية، وتتبنى استراتيجية غير معلنة لتحقيق مكاسبها، وكذلك فإن تحقيق إيران لهذا الهدف هو رهن باستمرار سلوكها لدبلوماسيتها الهادئة في تعاملها مع الملفات المتفجرة في أفغانستان والعراق، وفي تعاملها مع الملفات الشائكة خصوصاً مسيرة السلام في الشرق الأوسط والتنظيمات المعارضة لها، هذا عدا عن قضايا أخرى مثل الملف النووي وحقوق الإنسان.
جولة الصحافة العراك في العراق: الأكاذيب والأساطير(1)
لا مفر من الاعتراف قبل التعامل مع ما جرى من مسخ وتشويه في العراق بأن أغلب الرموز العراقية التي أسهمت في التحريض على غزو العراق ثم عادت إلى بغداد فوق الدبابات, وعملت على تكريس وجود الاحتلال, كانت لها وما زالت حساباتها ومنطلقاتها الطائفية والعرقية. لن نتحدث عمن استخدمتهم أجهزة المخابرات الأمريكية واخترعت لهم أحزاباً وألقاباً واصطنعت لهم زعامات وهمية, فهؤلاء مكشوف أمرهم أمام الرأي العام, وقد "احترقوا" جماهيرياً. إنما الأولون هم الذين يهموننا بشكل أكبر, سواء لأنهم أسهموا بقصد أو غير قصد في إحداث التشويه الذي نعنيه, أو لأن من شأن منطلقاتهم وخطاباتهم أن تنذر بإشعال حريق كبير في البلد بأسره.
استطراداً من هذه النقطة, فإنني انبه إلى أننا نرتكب خطأ كبيراً إذا قرأنا العراق من خلال أقوال المتطرفين وحساباتهم, علماً بأن هؤلاء موجودون في كل جانب, وليس حضورهم مقصوراً على فئة دون أخرى. والمشكلة أنهم الأعلى صوتاً –في العراق كما في غيره- ثم أنّهم أقدر من غيرهم على إثارة الجماهير ودغدغة مشاعرنا.
__________
(1) فهمي هويدي العرب اليوم 16/12/2003.(5/56)
وفي ظل الهرج والصخب اللذين سادا الساحة العراقية بعد طول انحباس (هناك 150 مجموعة سياسية جديدة و 200 صحيفة ومجلة) فإن الحابل اختلط بالنابل, بحيث لم يعد يعرف الأصيل من الدخيل أو العميل, وهو ما أحدث قدراً لا يستهان به من البلبلة أسهم في تغييب وجه العراق الحقيقي, والتشويش على صوت الأغلبية الصامتة التي ما زالت مأخوذة بما جرى.
أسجل في هذا السياق أنني ما تمنيت أن أخوض في أمر الطوائف وحظوظها في العراق, وأزعم أن حديثاً من ذلك القبيل جدير بأن يوصف حقاً بأنه "أبغض الحلال" إذ تنتابني إزاءه رغبة قوية في مقاومة الاستدراج إلى ساحة هيأها الاحتلال وأعوانه, فنتجادل في شأن تضاريس العراق الطائفي, وننصرف أو نتلهى عن العراق المحتل لكني بالمقابل أجد من الضروري التصدي لحملة الشائعات القوية التي أطلقت حول وضع الطوائف في العراق, وأسهمت في إحداث التشويه الذي نريد التخلص منه, والذي لا تخطئ عين المراقب خطره في الحاضر والمستقبل.
لسنا نتحدث عن حالة افتراضية, لأننا بازاء واقع شأنه يجري تكريسه والتنظير له بحملة من الشائعات والأكاذيب. وقد كان التشكيل الطائفي لمجلس الحكم بمثابة الطلقة الأولى في الفتنة الحاصلة, ولأنه أول كيان مؤسسي أقامته سلطة الاحتلال, فقد كان باعثاً على التشاؤم والتوجس, إذ حين يصبح "أول القصيدة كفراً" والعياذ بالله, فإن استشعار الخطر يغدو واجباً, والاستنفار لمواجهته يصبح أوجب.(5/57)
حكاية اضطهاد صدام حسين للشيعة أكثر الشائعات رواجاً, وهي تضفي عليه صفة لا يستحقها, من حيث أنها تصوره زعيماً سنياً انحاز إلى أهل مذهبه ضد غيرهم. والترويج لتلك المقولة تبناه نفر من متعصبي الشيعة الذين هاجروا إلى الخارج, (بعض الباحثين الأمريكيين من اليهود خاصة لهم نفس الموقف) وقد استخدمها هؤلاء وهؤلاء في تحريض الإداراة الأمريكية وإقناعها بمظلوميتهم, كما وظفت المقولة لحث عامة الشيعة على الترحيب بالغزاة باعتبارهم مخلّصين ومحررين, الأمر الذي قدم خدمة جليلة للاحتلال, وأساء إلى موقف الشيعة أيما إساءة.
رغم أن صدام حسين من أهل السنة حقاً, لكن أحداً لا يستطيع أن يدعي أنه كان متديناً, (كان قد ادعى التدين بعد هزيمته في الكويت) وليس صحيحاً أنه كان مع أهل السنة أو إنه كان ضد الشيعة, لكنه ككل جبار في الأرض كان ولاؤه "وعقيدته" محورها طموحاته الشخصية, وإذا ذهبنا بعيداً في إحسان الظن به, فقد نقول –ببعض التحفظ- أنه كان "تكريتياً", وانحيازه لأهل تكريت واعتماده عليهم في الدائرة الضيقة التي أحاطت به لم يكن اعتزازاً بأهله وعشيرته, وإنما لأنه كان يعتبرهم من "أهل الثقة", الذين يمكن استخدامهم لتثبيت أركان نظامه والحفاظ على أمنه الخاص, أي أن انحيازه لأهل تكريت كان بقدر استفادته من ولائهم لا أكثر, بدليل أنه لم يتردد في قتل من عارضه منهم أو شك فيه, ومن هؤلاء عمه الحاج سعدون التكريتي, وشقيق زوجته الأولى الفريق عدنان خير الله وزير الدفاع السابق, والفريق حردان التكريتي, وطاهر يحيى التكريتي الذي كان رئيساً للوزراء ورشيد مصلح التكريتي الذي كان وزيراً للداخلية...الخ.
على صعيد آخر فمن المعلوم أن الذين أعدمهم من أعضاء مجلس الثورة كانت نسبة السنة فيهم أعلى من الشيعة, كما أن الذين قتلهم من علماء السنة لم يقلوا وزناً عن قتلاه من علماء الشيعة.(5/58)
الذي لا يقل أهمية عن ذلك أن صدام حسين لم يتردد في إبادة الأكراد الذين تمردوا عليه, واستخدم الغاز السام ضدهم كما حدث في "حلبجة", رغم أن أغلبيتهم الساحقة أحناف من أهل السنة. ولو كانت لديه ذرة من التحيز لهم لما عاملهم بتلك الوحشية المفرطة, علماً بأنه لم يستخدم ذلك الأسلوب في قمع انتفاضة الشيعة ضده في عام 1991.
ذلك لا ينفي أنه اتخذ عديداً من الإجراءات التي كان الشيعة ضحية لها, إلا أننا حين ندقق في تلك الإجراءات فسوف نلاحظ أنه أقدم عليها بدوافع تسلطية وانتقامية وليس انطلاقاً من دوافع مذهبية, أعني أنه عاقبهم ليس بوصفهم شيعة, ولكن لأسباب أخرى سنأتي على ذكرها حالاً.
لقد تعامل مع الشيعة باعتبارهم معارضة يجب سحقها وليس بحسبانهم اتباع مذهب مغاير لانتمائه. وتمثلت تلك المعارضة في "حزب الدعوة" الذي أسسه السيد محمد باقر الصدر, وظهر إلى حيز الوجود في عام 1969م وازدادت معارضة الشيعة له بعد توقيع اتفاق الجزائر مع شاه إيران في عام 1975 وإبعاده للإمام الخميني من مدينة النجف إلى خارج البلاد, وكان رده على تلك المعارضة شديداً وقاسياً, إلا أن التوتر بلغ ذروته مع قيام الثورة الإسلامية في إيران سنة 1979 ودخول العراق في حرب ضد إيران الخمينة في العام التالي, ثم تشكيل المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق, واتخاذه طهران مقراً له, وهو ما أزعج صدام حسين خصوصاً بعدما أدرك أن ناشطي حزب الدعوة يرددون مقولات الإمام الخميني داخل العراق, وكانت نتيجة تلك العوامل أن انقلب الرئيس السابق على الشيعة, بسبب اعتقاده أن أغلبهم موال لإيران, فعملت أجهزته على قمع الناشطين منهم وطرد ومصادرة أموال العراقيين المتجنسين ذوي الأصول الإيرانية, وأولئك الذين كانوا قد سجلوا أسماءهم كإيرانيين في الأوراق الرسمية, لكي يتهربوا من التجنيد خلال الحقبة العثمانية.(5/59)
من هذه الزاوية نقول بأن صدام حسين الذي لم تكن له مشكلة مع الشيعة قبل اتفاق الجزائر اتجه إلى قمعهم بعد ذلك لأسباب سياسية وليست مذهبية, وأن ذلك القمع تضاعف بعد الحرب التي شنها ضد الثورة الإسلامية بسبب شكه في ولاء بعض الشيعة لنظامه, علماً بأن الجيش العراقي الذي كان يقاتل ضد إيران كان أغلب جنوده وضباطه من الشيعة, ولأن الولاء عنده كان مقدماً على المذهب فإنه احتفظ في الدائرة القريبة منه بمن اطمأن إليهم من الشيعة, الذين كان منهم محمد حمزة عضو القيادة القطرية (من المطلوبين الخمسين ولا يزال مختفياً), والدكتور سعدون حمادي الذي عمل رئيساً لمجلس النواب.
ثمة أسطورة أخرى يروج لها تدعى أن الشيعة كانوا مظلومين ومغيبين في العراق منذ قامت الدولة في عشرينيات القرن الماضي, وتلك فرية لا أساس لها, لأن الحضور الشيعي في جسم الدولة وفي النسيج الوطني بشكل عام كان قوياً على نحو لا ينكره إلا جاحد, وفي ثورة العشرين التي قامت ضد الإنجليز كان مراجع الشيعة جنباً إلى جنب مع علماء السنة, على رأس الانتفاضة الشعبية التي عمت البلاد آنذاك. أما حضورهم في الساحة السياسية فقد كان بذات الدرجة من القوة, وكتاب "تاريخ الوزارات العراقية", لمؤلفه السيد عبد الرزاق الحسيني, وثيقة تشهد بذلك, وقد لاحظت أنه في الفترة الواقعة ما بين سنتي 52 و 58 تولى اثنان من السنة رئاسة الحكومة أحدهما أرشد العمري والثاني نوري السعيد بينما شغل المنصب اثنان من الشيعة هما محمد فاضل الجمالي, وعبد الوهاب مرجان, أما الأكراد فقد تولى رئاسة الحكومة ثلاثة منهم هم: جميل المدفعي وعلي جودت الأيوبي وأحمد مختار بابان.(5/60)
لقد كان أول أمين عام للقيادة القطرية لحزب البعث شيعياً, هو فؤاد الركابي, وكل قادة حركة القوميين العرب كانوا شيعة, بينهم سني واحد هو باسل الكبيسي, كما أن كل أعضاء القيادة القطرية الذين قاموا بانقلاب عام 63 كانوا من الشيعة وعلى رأسهم علي صالح السعدي وحازم جواد وهاني الفكيكي, كما أن السيد محمد مهدي كبة مؤسس حزب الاستقلال الوطني كان شيعياً, ومثل الطائفة في مجلس الرئاسة العراقي الذي شكله في عام 58 ومثل أمين الحزب الشيوعي مجيد موسى, الذي دخل مجلس الحكم الانتقالي ضمن حصة "الشيعة".
تطول القائمة ولا تكاد تنتهي إذا ما تابعنا الحضور الشيعي على مستوى الوزراء والسفراء وضباط الجيش, الأمر الذي يستغرب معه موقف أولئك الذين واتتهم جرأة الزعم بمظلومية الشيعة واضطهادهم في العراق. صحيح أن بوسع المرء أن يتحدث عن مناطق فقيرة نسبياً تواجدت في بعضها أغلبية شيعية, وبسبب وضعهم الجغرافي والاقتصادي, فمن الطبيعي أن تقل حظوظ سكانها في التعليم والنمو, إلا أن وضعاً من ذلك القبيل مشابه للحاصل في صعيد مصر مثلاً, وينبغي أن يحمل على سوء التخطيط ولا يفسر باعتباره موقفاً طائفياً.
نعم لم يخل الأمر من وقائع متناثرة حدث فيها توتر بين الشيعة والسنة, إلا أن أحداً لا يستطيع أن يدعي أن الصراع الطائفي كان ظاهرة في العراق على مدار تاريخه, فحين قام أحد المدرسين السوريين العاملين بالعراق (اسمه أنيس النصولي) بتأليف كتاب عن الدولة الأموية في الشام ودرسه لطلابه, ورأى الشيعة فيما كتب عن الإمام الحسين مساساً بآل البيت, فإنهم غضبوا وشاع بينهم التوتر, وعولج الأمر بمنع تدريس الكتاب وإنهاء عمل الأستاذ وإعادته إلى بلده, ورغم أنها كانت بمثابة زوبعة في فنجان, فإنها لندرتها أصبحت تذكر في كتب التاريخ باسم "قضية النصولي" ويشار إليها ضمن أحداث عام 1927.(5/61)
بقيت بعد ذلك حزمة من الشائعات والأغاليط الأخرى التي تنصب على الهوية الطائفية والعرقية للعراقيين وتوزيعهم في البلاد. ومن أسف أن الاحتلال وأذنابه هم الذين فتحوا ذلك الملف وعبثوا به حتى قدموا الطائفة على المواطنة, وهو ما أكرهنا على الخوض في الموضوع ومحاولة استجلاء حقائقه, التي في مقدمتها ما يلي:
1-أنه لا يوجد في تاريخ العراق إحصاء طائفي من أي نوع, وكل ما يقال في هذا الصدد هو مقاربات واجتهادات لا تستند إلى جهد إحصائي حقيقي, وكثيراً ما تكون متأثرة بالهوى السياسي أو الحسابات الطائفية, وفي غياب ذلك الإحصاء فإن كل فئة بالغت كثيراً في تصور حجمها وقللت من وزن الفئات الأخرى, آية ذلك مثلاً أن مدينة الثورة أو "الصدر" التي تعيش فيها كتلة سكانية شيعية, كان يشاع دائماً أن سكانها أكثر من مليوني نسمة, في حين أن بطاقات التموين التي صدرت في عام 96 في وقت الحصار وحصرت بدقة كبيرة عدد أفراد كل أسرة تعيش في العراق بينت أن الذين يعيشون فيها لا يزيدون على 900 ألف شخص.(5/62)
2-أن التهوين من شأن الوجود السني في العراق يمثل تغليظاً آخر مشكوكاً في دوافعه. ناهيك عن أنه يتجاهل أن العراق بلد ظل سنياً على مدار تاريخه, وأن التشيع طرأ عليه في أواخر القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر. من ثم فليس صحيحاً أن نسبتهم 25% كما تقول الموسوعة البريطانية, ولا هي 13 أو 18% كما زعم آخرون (انظر ما كتبه في صحيفة الحياة اللندنية كل من نجم والي وسامي شورش في 24 و 25/11). غير أن عقلاء الباحثين من الشيعة وغيرهم يتحدثون عن نسبة تتراوح بين 45 و 58% للسنة, شاملة الأكراد والتركمان بطبيعة الحال. وفي الوقت ذاته فثمة دراسة أخيرة أعدها باحث عراقي هو الدكتور طه حامد الدليمي اعتمدت على تحليل نتائج إحصاء المذكورين في البطاقات التموينية المسجلين في عام 96 ارتفعت بنسبة أهل السنة إلى ما بين 52 و 54% وفي غيبة تحديد للنسب يطمأن إليه, فلا سبيل إلى نزع فتيل النزاع حولها إلا بالتخلي عن فكرة التمثيل الطائفي والعرقي, وإجراء انتخابات عامة نزيهة وشفافة, تمكن المجتمع من أن يتولى من خلال التصويت الحر اختيار من يمثله بصرف النظر عن هويته الطائفية أو العرقية, وما لم يتم التعامل مع ملف التمثيل من هذا الباب, يظل النزاع حول الحصص مصدراً للفتنة وعنصراً مرشحاً للتفجير باستمرار.(5/63)
3-أن الكلام عن 3 تجمعات في العراق, مرشحة لأن تصبح قاعدة لإقامة ثلاث دويلات مستقلة يتسم بالتبسيط المخل, بل وبالجهل الشديد –أو التجاهل المتعمد- لتركيبة المجتمع العراقي, ذلك أن التداخل شديد وواسع النطاق بين مختلف المذاهب والأعراق. وفيما يتعلق بالشيعة والسنة مثلاً فثمة قبائل كثيرة نصفها سني والآخر شيعي, ومن ثم يتعذر تصنيفها في هذا الجانب أو ذاك إلا إذا قطعت أواصرها, وهو ما يسري على قبائل ربيعة والجبور وعنيزة وشمر, التي تعد من أكبر وأهم القبائل العراقية, كذلك فإن الجنوب الذي يتحدث البعض عن تشييعه يضم تجمعات سنية كثيرة, فسكان البصرة نصفهم من أهل السنة وعشائر المنتنك التي تمثل أكبر تجمع قبلي في الفرات الأسفل كلها من أهل السنة, وكذلك آل سعدون, وغيرهم وغيرهم, بل أن مصطلح "المثلث السني" لا يخلو من افتعال له أهدافه السياسية, لأنه لا وجود حقيقياً لمثلث بهذا الاسم على ارض الواقع, ولا تفسير لذلك الافتعال سوى أنه يستهدف الإيحاء بأن سنة العراق في جانب والشيعة في جانب معاكس.
جولة الصحافة الحضور الإيراني في ترتيبات الملف الأفغاني
كان سقوط حكم حركة طالبان الأفغانية السنيّة في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر سنة 2001 على أيدي الولايات المتحدة فرصة ذهبية للنظام الإيراني خلصته من جاره الذي لم تكن علاقته به على ما يرام, فوجود حكم سني مجاور لإيران الشيعية, لا يدور في الفلك الإيراني, أمر يزعج الإيرانيين كثيراً.(5/64)
وخلال حرب الولايات المتحدة على أفغانستان, كان لإيران الدور البارز في محاربة طالبان ودعم تحالف الشمال (خليط من الشيعة والشيوعيين.....) المناوئ لها, والتغاضي عن التحركات الجوية الأمريكية فوق الأراضي الإيرانية, وتقديم المساعدات الطبية للجرحى الأمريكان في حال إسقاط طائراتهم فوق إيران, الأمر الذي حدا بأحد الدبلوماسيين الأوربيين في طهران التعليق على التعاون الإيراني مع المخطط الأمريكي في أفغانستان بقوله: (إنهم يتعاونون, لكنهم لا يحبون إظهار ذلك لئلا تتأثر مكانتهم في العالم الإسلامي).
وبالإضافة إلى التخلص من طالبان, كان لإيران أهداف أخرى دينية وسياسية واقتصادية وتاريخية, لا تنفصل عن بعضها البعض.
فإيران كانت تسعى إلى تقوية نفوذ الأقلية الشيعية في أفغانستان المعروفة بالهزارة, والسعي إلى نشر المذهب الشيعي هناك, وهو الأمر الذي لم يكن متاحاً أيام طالبان, لكنه صار متاحاً في أفغانستان اليوم.
وبالرغم من تحقيق الأمنية الإيرانية بسقوط حركة طالبان, إلا أن الأماني الإيرانية لم تتوقف عند هذا الحد, فالملف الأفغاني ما يزال حاضراً بقوة في الأدبيات الإيرانية, خاصة وأن الحكم الجديد في أفغانستان أعلى من شأن الشيعة, وتودد إلى إيران.
وفي حين أن بعض أهداف التواجد الإيراني في أفغانستان داخلية, إلا أن البعد الإقليمي أيضاً حاضر بقوة, حيث تهدف إيران إلى تقويض وتهميش جارتها السنيّة باكستان, الأمر الذي يجعل إيران تتلهف لإقامة علاقات قوية مع الهند, وهي الدولة غير المسلمة والمعادية للمسلمين, وفي نفس الوقت العدو اللدود لباكستان. والطريق الإيراني لإقامة حلف مع الهند والوصول إلى جمهوريات آسيا الوسطى يمر عبر أفغانستان.(5/65)
محمد عبد الله محمد يحاول في مقالة له في صحيفة الوسط البحرينية التي يملكها منصور نجل رجل الدين الشيعي عبد الأمير الجمري, يحاول بيان بعض الأسباب الاقتصادية والجغرافية التي تجعل إيران تبدي اهتماماً كبيراً بالتواجد في أفغانستان, فيقول:
الوسط البحرينية
محمد عبد الله محمد (كاتب بحريني)
16/12/2003
أسباب الاهتمام الإيراني بأفغانستان:
1- يشكل نهر هلمند "1295 كم" وروافده الكثيرة والذي ينبع من منطقة بهسود الهزارة ليصب في إيران مسألة مهمة جدا للمناطق الزراعية والتنموية للحدود الإيرانية الغربية وخصوصا فيما يخص العمل على ترميم طريق هرات - إسلام قلعة، وإيجاد جسر على نهر هلمند وفتح ميناء جديد بالتعاون مع الهند لنقل البضائع إلى الأسواق الأفغانية من ميناء بندر عباس الإيراني بدلا عن ميناء كراتشي الباكستاني .
وكذلك العمل على بناء طريق يربط إيران بأوزبكستان وطاجيكستان عبر الشمال الأفغاني، يضاف إلى كل ذلك فإن الأرض الأفغانية لاتزال بكرا من ناحية الطبيعة الجغرافية والاقتصادية والتجارية، فالأراضي الزراعية المزروعة لا تتجاوز 22% من مجمل الأراضي الصالحة للزراعة، كما أن أرض أفغانستان غنية بخمسين نوعا من المعادن كالحديد "بها أكبر مخزون من الحديد النادر في العالم يبلغ أكثر من مليوني طن منها 63% حديد خالص" والنحاس والفحم والرصاص والذهب والكروم والأمنيوم والفضة والجير والرخام والياقوت، وبالتالي تصبح السوق الأفغانية مكانا خصبا لأي مشروعات اقتصادية وتنموية وخصوصا ما يتعلق بالوكالات والوساطات التجارية .(5/66)
لذلك فقد جاء إعلان الحكومة الأفغانية عن برنامج شامل لإعادة إعمار البلد على ستة محاور أساسية هي التعليم والصحة والمواصلات والري والتنمية الريفية وبناء المؤسسات الحكومية فرصة تاريخية للنفوذ التجاري والسياسي الإيراني في أفغانستان, إذ قامت الشركات الإيرانية بإنشاء طريق دوغارون هرات وتأهيل شبكه الكهرباء لمدينه هرات، كما بدأت تدريب قوات الأمن والدفاع وهو ما عرضه شمخاني (وزير الدفاع الإيراني) على وزير الدفاع الأفغاني الجنرال قاسم فهيم .
2- تعاني إيران كثيرا من تجارة المخدرات القادمة من حدودها الغربية عن طريق عصابات تهريب مسلحة تنشط على طول الحدود الممتدة بطول 850 كم مربعا، إذ ان خريطة الإنتاج والتوزيع مقسمة على محورين: الأول: الإنتاج وقلاعه في المثلث الذهبي الذي يتألف من لاغوس وتايلند وكمبوديا ثم المنطقة التي اشتهرت بالهلال الذهبي في باكستان وأفغانستان والمحور الثاني يتركز في التوزيع، أي نقل الإنتاج إلى مراكز الاستهلاك وأسواقه الرئيسية، وهي الولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبا الغربية التي يصلها 90 في المئة من المواد المخدرة، علما بأن أميركا وحدها تستهلك 80 في المئة من الإنتاج العالمي من الكوكايين ويأتيها عبر كمبوديا.
وفي أفغانستان يبلغ إنتاج الترياك والأفيون 2000 طن سنويا "بلغ إنتاج الأفيون العام 2002 أكثر من 3400 طن" وأمام تلك الخريطة الجغرافية الخطيرة لتهريب المخدرات باتت تلك التجارة تمثل تهديدا جديا للأمن القومي الإيراني ولمئات الآلاف من الشباب الإيراني(1) الذين تورطوا في عمليات إدمان قاتلة وخصوصا في المحافظات المتاخمة للحدود مع أفغانستان "إقليم خراسان"
__________
(1) ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية أن عدد المدمنين على المخدرات في إيران يبلغ 2.5 مليون شخص في جميع أنحاء إيران.(5/67)
3- انتبهت إيران إلى أن المستطيل الجغراسي من طوروس إلى المحيط الهندي الذي تشكل أفغانستان خاصرته الجنوبية الشرقية هو مفتاح آسيا ويتضمن مواقع تاريخية ودينية واقتصادية واستراتيجية مهمة، وقد قال شاعر باكستان الكبير محمد إقبال: "آسيا جسد من طين وماء، أفغانستان قلبه، من صلاحه تصلح آسيا كلها، ومن فساده فساد آسيا" وهي مقولة تستحق التمعن والقراءة، وأعتقد أن الإيرانيين قرأوها جيدا وخصوصا أنهم يتطلعون إلى مد ذراعهم نحو شبه القارة الهندية صاحبة الرقعة الجغرافية الضخمة "3.3 ملايين كم2" وثاني أكبر تعداد للسكان في العالم بعد الصين "1.1 مليون إنسان" وثالث أكبر اقتصاد في آسيا لإيصال الغاز المسال إليها وكذا بغرض الاستقواء بها لرفض الوجود الأميركي في منطقة الخليج بسبب تخوف الهند من أن ذلك الوجود قد يقلص حرية حركتها، وأن أي صراع قد ينشب في غرب آسيا وتشترك فيه قوى دولية عدة قد ينعكس سلبا على مصالحها وهو ما يتوافق مع سياسة إيران الخارجية ومخاوفها الأمنية، كما أن طهران تطمح إلى جعل الهند مصدرا مهما للتكنولوجيا العسكرية وتكنولوجيا المعلومات الكمبيوترية الرائجة لدى الهنود، وهو ما يحتاج إلى تأمين ممرات وطرق وأجواء يمكن الوثوق بها من قبل رؤوس الأموال وكانت الهند ساعدت إيران على إعادة برمجة الغواصات الروسية الثلاث "التي قامت إيران بشرائها من روسيا" على نظام السير في المياه الدافئة.
كما أن تقريب التعاون الهندي الإيراني جغرافيا سيساعد على ترتيب الملف الأفغاني بما يتوافق وأجندة دول جنوب شرق القارة الآسيوية، وهو ما رأيناه جليا في ندوة إعمار أفغانستان التي نظمتها الخارجية الإيرانية إذ كان الحضور الهندي واضحا وبجلاء أكثر من أية دولة أخرى .(5/68)
كما أن الإيرانيين باتوا يعتمدون بشكل استراتيجي على دول جنوب شرق آسيا ككتل نشطة في السياسة الدولية، وبالتالي فإن الاعتماد عليها في التوازنات الإقليمية له ما يبرره، وخصوصا في ظل تنافر إيراني أميركي صاعد، يضاف إلى كل ذلك أن التقارب يأتي في ظل قناعة إيرانية راسخة بأن التوجه شرقا "في عمق القارة الآسيوية" هو سياسة استراتيجية لإيران فمعدلات النمو الاقتصادي المتصاعدة في الصين والهند وفي منطقة جنوب شرق القارة وتحديدا النمور الآسيوية تعطي مؤشرات جيدة لأي شراكة اقتصادية مستقبلية، وأن القارة القديمة تمتلك ما لا يمتلكه الآخرون من مساحة هائلة تصلح لأن تكون مرتعا تجاريا محوريا لإيران وهي بالإضافة إلى كل ذلك تعتبر منبعا وافرا للعمالة الرخيصة، وخصوصا أن الهند تستورد أكثر من 70 في المئة من احتياجات مصافيها التي يمكنها معالجة 3.2 ملايين برميل يوميا ويأتي ثلثا تلك الواردات من منطقة "الشرق الأوسط".
كما أن إيران تحاول أن تلعب دورا ما عبر تلك المسالك "الأفغانية والباكستانية" والهنود يدركون ذلك جيدا، فإيران وباكستان وأفغانستان دول مسلمة ولها مصالح مشتركة وتداخل إثني وعرقي كبير، فالشيعة الباكستانيون يمثلون أكثر من 20 في المئة من السكان أي ما يعادل 28.3 مليون نسمة، وفي باكستان أكثر من 12 مليون من البلوشستان وهم من أصول إيرانية ويشكلون 8.5 في المئة من تعداد السكان، والأفغان يتكلمون الفارسية والتداخل البشتوني والطاجيكي مع حدود إيران الغربية واضح بجلاء, لذلك فإن الهند تعول على إيران في لعب دور مهم في الصراع بينها وبين باكستان وكذا الأمر بالنسبة إلى دول آسيا الوسطى وروسيا.
دراسات
التجمعات الشيعية في العالم العربي
الكويت
مقدمة:(5/69)
المتتبع لوضع التجمعات الشيعية في الكويت يلمس ملامح مشتركة مع دول الخليج الأخرى التي سبق الحديث عنها: فالأصل الشيعي في هذه الدولة يعود إلى حكم القرامطة لشرق الجزيرة العربية, ومن ضمنها الكويت.
كما أن انتشارهم وكثرة أعدادهم في العصور الحديثة كان نتيجة مخطط مدروس, لعبت فيه الهجرة الإيرانية إلى الكويت دوراً بارزاً في أن يصبح شيعة الكويت حوالي خُمس سكانها, وهو الأمر الذي تم تنفيذه في إمارات ودول الخليج الأخرى, وإن كان بنسب متفاوتة.
وقد ساعدت مجموعة من الظروف الداخلية والإقليمية والدولية شيعة الكويت في زيادة نفوذهم, وهو الأمر الذي نحذر منه, وندعو المخلصين من أهل السنة إلى الحذر ومعرفة دوافع الشيعة وأهدافهم(1) .
دخول التشيع إلى الكويت وانتشاره:
تعتبر الكويت امتداداً طبيعياً للساحل الشرقي للمملكة العربية السعودية, وكانت المنطقة الممتدة من مسقط إلى البصرة ومن ضمنها الكويت يطلق عليها "البحرين" قديماً, ويرجع الوجود الشيعي في هذه المنطقة إلى دولة القرامطة, وهم من الشيعة الإسماعيلية, وقد استولى الشيعة القرامطة على هذه المنطقة أواخر القرن الثالث الهجري حتى سنة 467هـ أثناء الحكم العباسي.
وكان القضاء عليهم زمن السلاجقة الذين استعان بهم عبد الله بن علي العيوني, وأسس دولته على أنقاضها(2) .
__________
(1) وذلك أن من عقائد الشيعة الانفصال عن بقية المسلمين واعتبارهم أعداء معتدين على آل البيت والشيعة لذلك تحاول أن تكون على شكل تجمعات صغيرة غير مندمجة مع الآخرين, وتسعى للوصول إلى مراكز السلطة والقوة وترتبط بالمرجعية الدينية أكثر من ارتباطها بالدولة التي هي فيها كما هو معروف عنهم.
(2) انظر تفاصيل هذه الحقبة في بحث: التجمعات الشيعية في السعودية, المنشور في العدد الرابع من الراصد أو انظر: محمد شاكر, التاريخ الإسلامي, الجزء السابع ص117-118.(5/70)
وفي العصور الحديثة لعبت الهجرة من إيران دوراً كبيراً في زيادة عدد الشيعة في الكويت, وكانت هذه الهجرة المنظمة والكثيفة تهدف إلى الاستفادة من الرخاء المأمول بسبب اكتشاف النفط, إضافة إلى رغبة إيران في تشكيل تجمعات شيعية كبيرة في دول الخليج, تسهّل على إيران المطالبة بهذه المناطق وادّعاء ملكيتها لها, كما حدث في جزر الإمارات الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى التي احتلتها إيران سنة 1971 وأعادت احتلالها سنة 1992, وكما حدث أيضاً في المطالبة الإيرانية المستمرة بدولة البحرين.
وبالرغم من عدم وجود إحصاء رسمي يبين عدد الشيعة في الكويت, إلا أنه يتردد في الكويت أنهم بحدود 10% من مجموع السكان, وإن عدداً من المصادر يشير إلى أن نسبتهم تقارب 20%(1) , ويتركز معظمهم في مدينة الكويت والمناطق المجاورة لها.
ونصف هؤلاء الشيعة هم من أصول عربية, والنصف الآخر من أصول إيرانية وفدت إلى الكويت وإلى دول خليجية أخرى في القرون الثلاثة الماضية, معظمهم اكتسب جنسية هذه البلاد, وما يزال يحتفظ بكثير من عناصر الثقافة الفارسية, بما في ذلك اللغة(2) .
أما هجرة الإيرانيين الشيعة إلى دول الخليج ومنها الكويت, فجاءت نتيجة جهود منظمة ومدروسة(3) , وقد أشار د. عبد الله الغريب إلى جانب من المخطط الإيراني للسيطرة على الخليج, حيث اعتبر الهجرة إحدى ركائز هذا المخطط(4) .
__________
(1) هموم الأقليات الصادر عن مركز ابن خلدون لسنة 1993 ص304, وجاء دور المجوس: د. عبد الله الغريب ص318.
(2) هموم الأقليات ص304.
(3) انظر بحث "التجمعات الشيعية في البحرين" المنشور في العدد الثاني من الراصد.
(4) وجاء دور المجوس ص311-313.(5/71)
وتدفق على الكويت, ودول الخليج الأخرى عدد كبير من الأيدي العاملة الإيرانية, كثير منهم جاء بطرق غير مشروعة, وساعدهم في الإقامة التجار الإيرانيون, الذين أصبحوا مواطنين من أهل الخليج, بل ووكلاء وشركاء لأفراد من الأسرة المالكة, وبعضهم تسلل عن طريق البحر, واستفاد العمال الإيرانيون من الفراغ الذي كان يعيش فيه الخليج العربي بعد الحرب العالمية الثانية, إضافة إلى تواطؤ الاستعمار البريطاني مع إيران.
وسعى هؤلاء الإيرانيون إلى التسلل إلى أجهزة الدولة الحساسة, خاصة تلك التي تمنح الجنسية والإقامة, حيث كان شيوخ الخليج يتساهلون في منح الجنسية, وكانت جوازات السفر تباع كأي سلعة(1) .
وقد ذكرت صحيفة الجمهورية العراقية الصادرة بتاريخ 25/5/1971, نقلاً عن صحيفة الخليج الصادرة في الكويت في 24/5/1971 أنّ إحدى الإمارت العربية (دبي) باعت أربعة آلاف جواز سفر مستوفية لجميع الشروط إلى إحدى الدول المجاورة المعادية للقضايا العربية (إيران), وقالت إن هذه الخطوة تأتي نتيجة تعامل واضح مع سلطات تلك الدول لتمهيد غزو بشري خطير للمنطقة لصالح تلك الدولة(2) .
تياراتهم:
يتوزع الشيعة في الكويت بين تيارات عديدة علمانية ودينية, فالقوى العلمانية تميل نوعاً ما إلى جانب الحكومة, وتعارض سيطرة رجال الدين على العمل الشيعي.
وأما القوى الدينية فيمكن تقسيمها إلى ثلاث تيارات:
1-التيار الإيراني: ويؤمن بولاية الفقيه والمرجعية الإيرانية, وقد برز هذا التيار بعد قيام الثورة الإيرانية سنة 1979م, وممن ينتمي إليه النائبان في البرلمان السابقان عدنان عبد الصمد وعبد المحسن جمال.
__________
(1) وجاء دور المجوس ص311-317.
(2) المصدر السابق ص317.(5/72)
2-التيار الشيرازي: وهو الذي يتبع المرجع محمد الشيرازي الذي أقام في الكويت تسع سنوات (1971-1980) قادماً من العراق, وأسس دعوة له, وأقام المؤسسات والهيئات الشيعية وكان نشيطاً في طبع الكتب(1) , كما أنه استطاع أن يكسب شريحة لا بأس بها من الكويتيين لتقليده.
واستطاع في تلك الفترة أن يخترق الجماعة (الشيخية), وأن يستصدر فتوى من زعيمها حسن الإحقاقي الأسكوئي بجواز تقليد العلماء غير الشيخيين, وأن يفتح الطريق بذلك لكسب عدد من شباب (الشيخية) لتقليده(2) .
وقد استطاع تيار الشيرازي أن يستحوذ على جزء كبير من العمل الشيعي, مثل الداعين إلى هيئة الأوقاف الجعفرية.
وينتمي إلى هذا التيار النائب صالح عاشور.
3-الشيخية: وهي فرقة انفصلت عن التيار العام للشيعة الأصولية, أي عن الاثنى عشرية في القرن التاسع عشر ميلادي على يد الشيخ أحمد الأحسائي, حيث أقام أحد شيوخها وهو الميرزا علي بن موسى الأسكوئي الحائري في الكويت سنيناً, وكان مجموعة من شيعة الكويت يقلدون والده موسى بفعل تأثر الكويت وقربها من العراق, وكربلاء خاصة, حيث أحد مقرات هذه الطائفة وإقامة شيوخها.
وكان قد حضر الكويت مرتين في حياة والده, وبعد وفاة والده صار علي موسى المرجع العام للعرب والعجم من الشيخية, وسكن الكويت, وكان يقضي أيام الصيف في كربلاء غالباً, أثناء وجوده في الكويت قام بتأسيس الحسينية الجعفرية والعباسية, وتوسيع المسجد الجامع ومسجد آخر, وهو أول من بنى مأذنة في الكويت بعد جهد كبير, وأول من سعى في إعلان الشهادة الثالثة (أشهد أن عليّاً ولي الله) على المنابر والمنائر.
__________
(1) انظر ص10 من هذا البحث.
(2) كتاب الشيرازي لأحمد الكاتب ص52.(5/73)
وقد توفي في الكويت سنة 1386هـ (1966م), ونقل من الكويت إلى كربلاء, حيث دفن هناك(1) . وإضافة إلى نشاطه في الكويت, فلقد كان له نشاط ملحوظ في الإحساء (شرق السعودية) حيث أسس حسينية الجعفرية والحسينية الحيدرية, وأحيى كثيراً من كتب علماء الشيخية فطبع العديد من مؤلفاتهم.
وبعد وفاة علي خلفه على رئاسة الطائفة حسن بن موسى الإحقافي الاسكوئي الحائري المولود سنة 1318هـ (1900م), حيث انتقل إلى الكويت بعد تشييع جثمان أخيه في كربلاء, وصار هو المرجع المقلّد للشيخية في الكويت, وقد استطاع تأسيس مكتبة عامة هناك, إضافة إلى صناديق إعانة للعرب والعجم(2) .
وفي عهد حسن هذا, استصدر محمد الشيرازي فتوى منه بجواز تقليد الشيخيين للعلماء الشيعة من غير طائفتهم.
وبعد وفاته, استلم مقاليد الطائفة في الكويت ابنه عبد الرسول, حتى وفاته قريباً في 26/11/2003 ودفن في كربلاء وبويع ابنه الميرزا عبد الله الإحقافي من وكلاء والده في الكويت والبحرين والإحساء والقطيف والدمام مرجعاً للطائفة في الكويت, ولهم الكثير من الأنشطة(3) في الكويت منها مجلس العباس, والعديد من الحسينيات.
مظاهر العمل الشيعي في الكويت:
1-الدينية:
أ-المساجد والحسينيات:
للمسجد عند الشيعة شأن آخر, فهو نادٍ وملتقى لهم يعقدون فيه اجتماعاتهم, ومكتبة ودار نشر, وفيه عدة لجان تتولى تنظيم مختلف شؤون المسجد, وتنظيم الاحتفالات والندوات الدينية.
__________
(1) الشيخية: نشاتها وتطورها ومصادر دراستها –محمد حسن الطالقاني ص199-200.
(2) المصدر السابق ص201-202.
(3) انظر جانباً من نشاط الشيخية في الكويت: الوطن الكويتية 25/2/2002, 22/5/2003.(5/74)
ومن مساجدهم في الكويت: الصحاف والحياك والغضنفري ومراد معرفي والإمام الحسين ومحمد الموسوي والمزيدي وحاج عبد البلوش وحاج أحمد الأستاذ ويوسف بهبهاني وبن نخي في منطقة الشرق, ومن مساجدهم أيضاً: الإمام زين العابدين وعباس ميرزا وسمو الأمير والإمام علي وجعفر بن أبي طالب وإبراهيم القلاف ومقامس والنقي والشيرازي وحسن سيد إبراهيم واشكناني والعمرية والبحارنة وغيرها, وهذه المساجد موجودة في مناطق السالمية والدّعية وبنيد القار والشعب والصليخات وميدان حولي والدّسمة والعمرية, وغيرها.
وهذه المساجد لا تخضع إلى سيطرة وإشراف وزارة الأوقاف كما هو الحال بالنسبة لمساجد السنة, كما أنهم يقيمون المساجد في مناطق السنة رغم قلة تواجدهم في هذه المناطق. وبالرغم من كثرة مساجدهم, إلا أنهم دائمو السعي لمساجد جديدة(1) .
ومع ذلك فإن هذه المساجد لم تشبع طموحهم, فعمدوا إلى بناء الحسينيات على شكل قلاع وفيها سراديب, وهم أحياناً يشيدون البناء قبل أن يأخذوا الرخص.
ومن حسينياتهم:
__________
(1) د. عبد الله الغريب, وجاء دور المجوس ص320-322.(5/75)
ناصر الرس وحجي حسين وجاسم الصراف وأحمد بن نعمة وعبد الله السماك وملا علي الأمير وإبراهيم سيد حسن وحسين عبد الله علي ورازيه درويش وحسيب العليان في منطقة الدّعية, وحجي أحمد تمال وأحمد حسن عاشور وسيد محمد الحسين ومحمد الأربش وعمران سيد وحجي علي حسين ومجيد عباس وطيبة سيد حسن وعلوية بيبي رباب في منطقة بنيد القار, وإبراهيم جمال الدين وعلي الشواف في ضاحية عبد الله السالم, والياسين والعباسية وعباس المطوع وعون المطوع ومحمد الأربش والهزيم وملايه زهرة وخليل فردان والشموم وعبد المحسن الحرز في منطقة المنصورية, وناصر عبد الوهاب حجي والحسينية العراقية وحسن القطان ومسجد بهشق ومسجد ششتري وبن نخي والعتبات ومرتضى سيد مرتضى ومعرفي وعسكر زمان وعباس مكي طه وأحمد علي والخزعلية والجعفرية والهندية ومحمد عبد الله الجزاف في منطقة الشرق.
ومن حسينياتهم أيضاً: محمد يوسف حجي وأبو الحسن جمال وحجي ضحي وأحمد حسن مهدي ومحيسن فهد النجدي وضيف حسن أحمد وعثمان علي السيد وعبد الله علي وإبراهيم ملا حسن وعلي حسن مشاري وإسماعيل سرور إسماعيل وصبحي حسين في منطقة الصليبيخات وعباس عبد الله في الشامية, ومحمد الشيرازي في منطقة سلوى, والكربلائية ومجلس العباس وغيرها الكثير في مناطق مختلفة من الكويت.
وفي معظم مساجد وحسينيات الشيعة في الكويت مكتبات تنشر وتوزع كتيبات ورسائل مجانية, وفيها غرف يسكنها الشيعة الوافدون إلى الكويت(1) .
ب- المحاضرات والمآتم والاحتفالات:
يستغل الشيعة المساجد والحسينيات والديوانيات لإقامة ندواتهم ومحاضراتهم ومآتمهم وشعائرهم والتعبير عن آرائهم, التي غالباً ما تأتي مخالفة لعقائد المسلمين, ولا يجد الشيعة حرجاً من المجاهرة بها, ومن ذلك:
-احتفال بذكرى الإسراء والمعراج سنة 1423 في مسجد زين العابدين, بمشاركة أبي القاسم الديباجي.
__________
(1) المصدر السابق ص323-327.(5/76)
-محاضرة في الحسينية الكربلائية بذكرى استشهاد أبي الفضل العباس في 21/3/2003.
-الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم (21/5/2003) في حسينية محمد الشيرازي في منطقة سلوى برعاية الميرزا عبد الرسول الحائري الإحقافي الذي قام خلال الاحتفال بتعميم ثلاثة من رجال الدين وهم: علي الموسى وعبد الله العشوان, ونور الدين العبد الله.
-مهرجان بذكرى استشهاد الإمام الباقر (24/2/2002) في مجلس العباس بمنطقة المنصورية, برعاية الميرزا الإحقافي, وتحدث في الاحتفال: محمد جبريل وليث الموسوى, كما أقيم احتفال مماثل في حسينية محمد الشيرازي في منطقة سلوى, وتحدّث فيه مسلم سيد فاخر.
-محاضرة في ذكرى استشهاد الإمام زين العابدين (10/4/2002) ألقاها محسن الجمري من البحرين.
-إقامة مجالس العزاء لوفاة المرجع محمد الشيرازي في عدد كبير من الحسينيات التي تتبع مرجعية الشيرازي مثل العقيلة زينب وأم البنين وأم صادق والبتول وملاية زينب الصراف والصديقة الطاهرة والقائم والسيدة خديجة والحوراء وسيد هاشم والإمام العسكري ومنتدى القرآن الكريم والسيدة سكينة وأم سليمان وأم الأئمة وحسينية بو حمد والزينبية ومؤسسة الصديقة الطاهرة.
-إقامة شعائر عاشوراء في جميع مساجد وحسينيات الشيعة في الكويت, ومطالبتهم لتلفزيون الكويت والإذاعة بنقل هذه الشعائر على الهواء مباشرة.
-محاضرة لرئيسة مؤسسة السيدة خديجة لائقة معرفي (22/9/2001) ضمن الاحتفال بيوم المرأة العالمي, وأقيمت في حسينية الرسول الأعظم الكربلائية, وتطرقت فيها إلى قصة أرض فدك, التي يستغلها الشيعة للطعن في أبي بكر الصديق رضي الله عنه واتهامه بأنه اغتصب أرض السيدة فاطمة رضي الله عنها, بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.
جـ- الوقف الجعفري:(5/77)
سعى الشيعة بكل جهدهم إلى إنشاء هيئة للأوقاف الجعفرية الشيعية, يثبتون من خلالها وجودهم ومذهبهم, وينمّون مواردهم المالية, وكانوا يحرصون على أن تكون هذه الهيئة مستقلة عن وزارة الأوقاف وعن الأجهزة الحكومية, بل وطالبوا بأن تكون تحت إشراف مراجع وعلماء مذهبهم كونهم ينوبون عن الإمام الغائب!
وقد سبب مشروع هذا القانون خلافاً بين التيارات الشيعية المختلفة, فمن قائل أن الإشراف على الأوقاف وإدارتها هما من صلاحيات المرجع الديني إلى مجيز بأن تتولى لجنة من غير المراجع إدارة هذه الأوقاف.
وخلال عامي 2001 و2002 كان الشيعة يعملون بكل جهد من أجل إنشاء هذه الهيئة, وبالرغم من قيام الحكومة الكويتية بإنشاء وحدة للأوقاف الجعفرية تتبع وزارة الأوقاف يكون أعضاؤها من الشيعة, إلا أن الشيعة وقادتهم أعربوا في تصريحاتهم المتكررة أن هذا القرار لا يلبي طموحاتهم, ذلك أنهم يريدون هيئة مستقلة عن الأوقاف والحكومة, وفي أحسن الأحوال تتبع الديوان الأميري.(1) وقد أعلن الشيخ أحمد حسين محمد نائب الأمين العام لتجمع علماء المسلمين الشيعة أن هذه الهيئة سترى النور قريباً بعد مخاطبة وزارة الأوقاف لديوان الخدمة المدنية لتحديد الهيكل التنظيمي للإدارة الجديدة(2) .
د- المطبوعات:
يقوم شيعة الكويت بجهد كبير لنشر عقائد الشيعة من خلال كافة الوسائل كالكتب والأشرطة والمجلات والنشرات والرسائل, ومن خلال توفير هذه المواد في مساجدهم ومنتدياتهم وحسينياتهم بل وتوزيع بعضها مجاناً على المنازل وهم يقومون بذلك غير آبهين بمخالفة محتويات هذه المواد لعقائد المسلمين في الكويت, ومن ذلك:
__________
(1) الوكالة الشيعية للأنباء - 21/9/2002.
(2) المصدر السابق – 29/11/2003م.(5/78)
-طباعة مجلة المنبر, وهي مجلة تصدر من الكويت, وكُتب عليها بأنها تصدر من لبنان للتمويه, وهذه المجلة التي يصدرها أتباع الشيرازي تخصصت في التطاول على صحابة النبي صلى الله عليه وسلم وزوجاته الطاهرات, وبالرغم من توفر هذه المجلة في الكويت, إلا أن وكيل وزارة الإعلام في الكويت يصرح بأن الوزارة لم تسمح لهذه المجلة بالصدور أو الطباعة داخل الكويت.
-توزيع نشرة جامعة لفتاوى الشيرازي مجاناً, والراغب بالحصول على هذه النشرة يستطيع الحصول عليها بمجرد الاتصال فقط, وتصدرها مؤسسة المستقبل للثقافة والإعلام.
-ولهم مكتبة الثقلين ودار التوحيد للنشر.
هـ- تأسيس تجمع لعلماء الشيعة:
يرأسه محمد باقر المهري, يصدر بيانات باستمرار حول مختلف القضايا الداخلية والخارجية, ويتظاهر بالحرص على وحدة الصف السني والشيعي, والمهري هذا يشرف على مسجد الإمام علي في منطقة العمرية. وبالرغم من كون التجمع غير مرخص إلا أنه أشبه بفرض للأمر الواقع, والحكومة تتغاضى عن هذا المجلس.
و- توسيع دائرة المطالب:
يتبع الشيعة أسلوب "الخطوة خطوة", ففيما سبق كانوا يكتفون بالمطالبة بإنشاء المساجد ثم اتسعت الدائرة لتشمل الحسينيات والجمعيات الثقافية والاجتماعية والمبرات, وقد نجحوا في كثير من مساعيهم.
ومع مرور الزمن وازدياد نفوذهم, وتواجدهم في المؤسسات المختلفة, اتسعت دائرة مطالبهم, فهي تشمل الآن المطالبة بأن يكون يوم عاشوراء عطلة رسمية, ونقل شعائرهم في وسائل الإعلام الكويتية على الهواء مباشرة, وقد نجحوا في المطلب الثاني, حيث أصبح التلفزيون الكويتي ينقل هذه الشعائر مباشرة, ويبدو أنهم على وشك تحقيق المطلب الأول, حيث أوصت اللجنة الاقتصادية في مجلس الأمة باعتبار يوم عاشوراء عطلة رسمية.(5/79)
ومن مطالبهم الآخذة بالتعاظم: السماح بطباعة كتبهم ومنشوراتهم, ومنع الكتب التي تتعرض لهم أو تبين عقائدهم, فقد كان لهم دور في منع كتاب (لله ثم للتاريخ) وهو من أهم الكتب الحديثة التي تبين عقائدهم, وأشادوا بقرار وزير الإعلام –آنذاك- أحمد فهد الأحمد بمنع تداوله.
ومن مطالباتهم: الوقوف ضد مشروع قانون العقوبات الشرعية الذي تقدم به بعض النواب الإسلاميين السنة, واعتبار علمائهم أنه غير قابل للتطبيق, بسبب خشيتهم من تطبيق القانون على المذهب السني.
ومحاولة اختراق إذاعة القرآن الكريم, واستبعاد برامج ومحاضرات العلماء السلفيين, وبخاصة من المملكة العربية السعودية.
ومنها تطاولهم العلني على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم, ومن أبرز من قاموا بذلك النائب صالح عاشور الذي تهجم على الصحابي الجليل المغيرة بن شعبة رضي الله عنه وطالب عاشور بتغيير اسم أحد شوارع الكويت يحمل اسم المغيرة, واعتبر ذلك حقاً للشيعة بالإضافة لمطالبته بإنشاء محكمة جعفرية, وإنشاء المزيد من المساجد الشيعية, وتعديل مناهج التربية الإسلامية لتتوافق مع عقائدهم.
وتبلغ هذه المطالب حداً غير معقول, إذ أفتى أمين عام تجمع علماء الشيعة في الكويت محمد باقر المهري بعدم جواز التعامل مع إحدى الجمعيات التعاونية (جمعية القرين) أو الشراء منها لأنها قامت بطباعة كتاب يثني على الصحابي معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه.
كما أنهم اعترضوا على المطالبة بإغلاق الحسينيات غير المرخصة التي تملأ الكويت, ردّاً على الذين طالبوا بإغلاقها أسوة بفروع لجان الزكاة والجمعيات الخيرية التي تتبع الجمعيات السنية مثل الإصلاح وإحياء التراث.
2-التربوية والثقافية:
يحرص الشيعة على إنشاء المؤسسات الثقافية والتربوية –إن استطاعوا إلى ذلك سبيلاً- والتواجد في الهيئات المختلفة, ونشر فكرهم من خلالها, ومن ذلك:(5/80)
-إنشاء جامعة أهل البيت (على الانترنت) من قبل بعض الجامعيين من الكويت والعراق وتدريس الشريعة والاقتصاد والتربية ... الخ, وتسعى من خلال هذه الجامعة لنشر الفكر الشيعي بين أوساط الجاليات المسلمة في الغرب, التي يناسبها هذا النوع من التعليم عن بعد(1).
-إنشاء قائمة طلابية في جامعة الكويت باسم (قائمة الحب والحياة) تعمل على تنظيم الطلاب الشيعة واستقطاب الطلاب السنة, وتجاهر القائمة بأفكار الشيعة, وقد تم منعها من المشاركة في انتخابات الهيئة الإدارية للاتحاد الوطني لطلبة الكويت التي جرت في شهر أكتوبر (تشرين الأول) 2002, بسبب تطاولهم على الصحابة الكرام, ونشرهم للأفكار المنحرفة في صفوف الطلاب(2) . وهذه القائمة ليست الوحيدة, إذ أن هناك قوائم وتجمعات طلابية شيعية أخرى.
-ولهم مدارس عديدة مثل مدرسة التوحيد والمدرسة الجعفرية.
-إطلاق أسماء شخصياتهم على المؤسسات التعليمية مثل صدور قرار وزارة التربية بإطلاق اسم (سيد محمد الموسوي) وهو مدير سابق للمدرسة الجعفرية الوطنية على إحدى المدارس, وعلى الفور وجّه النائب الشيعي صالح عاشور الشكر لوزير التربية على هذه الخطوة(3) .
وإن الحديث عن الأنشطة التربوية والثقافية للشيعة في الكويت يرتبط ارتباطاً كبيراً بالمرجع الشيعي الإيراني الأصل محمد الشيرازي الذي وصل إلى الكويت سنة 1971 بعد اشتداد الضغوط عليه في العراق, حيث أسس مسجداً وديوانية ومكتبة ومدرسة باسم (الرسول الأعظم), وبدأ يستقبل طلبته الهاربين من العراق.
__________
(1) اللواء الأردنية 25/4/2001.
(2) الوكالة الشيعية للأنباء 25/9 + 6/10/2002.
(3) المصدر السابق 9/5/2003.(5/81)
وكان الشيرازي فترة وجوده في العراق (حيث نسبة الشيعة هناك كبيرة) يطمح إلى أن يصبح يوماً ما المرجع الأعلى ويؤسس دولة (ولاية الفقيه), لكنه عندما جاء إلى الكويت وجد أن تلك الدولة الصغيرة التي يشكل فيها الشيعة أقلية لا تؤهله للقيام سوى بالنشاطات الثقافية, وهو ما تفرغ له, حيث أصدر (رسالة المساجد والحسينيات) ودعا فيها إلى الإكثار من بناء المساجد والحسينيات, لإقامة صلاة الجماعة والوعظ والرثاء والاحتفالات الشيعية, كما دعا إلى تأسيس المكتبات وإصدار النشرات والدعاء والزيارة والدروس والتأليف وإقامة الفواتح والإطعام وجمع المال وعقد المؤتمرات.
وألّف سنة 1392هـ في الكويت كتاب (نحو يقظة إسلامية) دعا فيه أصدقاءه ومؤيديه إلى:
1-تأسيس منظمة للدفاع عن المضطهدين والمهجرين في العالم.
2-التهيؤ الكامل للسلطة والتسلح بأفضل الأسلحة والتدرب عليها.
3-جمع المال وتكوين المصارف الإسلامية.
4-الاهتمام بالإعلام والدعاية والنشر.
5-التشجيع على طلب العلوم الدينية.
6-تكوين منظمات خاصة للشباب والنساء.
واهتم الشيرازي في الكويت بنشر المذهب الإمامي الاثنى عشري, عن طريق طبع ونشر أكثر من مائة ألف نسخة من كتاب (المراجعات) لعبد الحسين شرف الدين.
واستطاع خلال السنوات التسع التي أمضاها في الكويت أن يكسب شريحة لا بأس بها من الكويتيين لتقليده, كما أنه استطاع أن يمد دائرة تقليده إلى البحرين والسعودية.(1)
3-الاجتماعية والاقتصادية:
-إنشاء مبرّة أهل البيت, التي يرأسها النائب صالح عاشور.
-إنشاء مبرّة دشتي الخيرية في شهر مايو (آيار) 2002.
__________
(1) الشيرازي: المرجعية في مواجهة تحديات التطور – تأليف أحمد الكاتب ص51-52.(5/82)
وأما الأنشطة الاقتصادية فعديدة ومتنوعة, حيث الكثير من الشيعة من التجار ورجال الأعمال الذين يدعمون أنشطة طائفتهم, وقد ساعدهم في تبوء هذه المكانة الاقتصادية الهامّة مشاركتهم لبعض شيوخ آل الصباح في أعمالهم التجارية, وبرزت من الشيعة عائلات اقتصادية كبيرة منها: بهبهاني وقبازرد والكاظمي والهزيم وبهمن وبوشهري والوزان والمزيدي ومقامس ومكي ودشتي والصراف والنقي...الخ.
كما انهم ومنذ فترة طويلة يسيطرون على قطاعات اقتصادية هامة عديدة منها: المواد الغذائية والسجاد والذهب والمخابز.
4-السياسية:
للشيعة في الكويت نشاط سياسي ملحوظ وتواجد في مؤسساتهم الحكم المختلفة:
أ-مجلس الأمة: أجريت أول انتخابات لاختيار أول مجلس أمة للبلاد في 23/1/1963, وقانون الانتخابات في الكويت لا يحدد مقاعد للأقلية الشيعية, إنما يترك جميع المقاعد للمنافسة, وقد أولى الشيعة مجلس الأمة اهتماماً كبيراً وحرصوا على التواجد فيه منذ بداياته, وعملوا على تعزيز تواجدهم في المناطق التي يكثرون بها مثل الشرق والدسمة وبنيد القار, ومحاولة التواجد في مناطق أخرى مثل الرميثية وميدان حولي وسلوى والصليبخات والجابرية, حتى صارت بعض الدوائر حكراً عليهم.
وفي الانتخابات النيابية الأخيرة التي أجريت في شهر يوليو (تموز) 2003م فاز النواب الشيعة الآتية أسماؤهم: صالح عاشور ويوسف زلزلة في الدائرة الأولى, وحسن جوهر في الدائرة الثامنة وحسين القلاف وصلاح خورشيد في الدائرة الثالثة عشرة.
وفي المجلس السابق الذي تم انتخابه سنة 1999, كان للشيعة عدد من النواب هم: عدنان عبد الصمد, عبد المحسن جمال, حسين القلاف, صالح عاشور, حسن جوهر.
مع العلم أن الدوائر الانتخابية عددها 25 دائرة, ينتخب من كل دائرة اثنين, فيكون عدد أعضاء المجلس 50 نائباً.(5/83)
وداخل المجلس, يتبنى النواب الشيعة مطالب طائفتهم, ويتقربون من بعض النواب السنة, ويشكلون معهم تنظيمات مشتركة, مثل تجمع (نواب التكتل الشعبي) الذي شكّله الشيعة مثل عدنان عبد الصمد وحسين القلاف وحسن جوهر وعبد المحسن جمال مع بعض المستقلين.
ب-مجلس الوزراء: جرت العادة على أن يكون في كل حكومة كويتية وزير شيعي, عادة ما يحرص هذا الوزير على صبغ الوزارة بالصبغة الشيعية, والحكومة الحالية التي شكلها الشيخ صباح الأحمد سنة 2003م, يمثل الشيعة فيها محمد أبو الحسن وزير الإعلام, الذي بدأ عهده بإزالة صور الحرمين الشريفين من الآذان الذي يبثه تلفزيون الكويت وإحكام القبضة على المطبوعات التي تنتقد الشيعة وتعيين بعض الشيعة كمدراء في الوزارة, وبث برنامج لمصطفى الزلزلة, شقيق النائب الشيعي يوسف الزلزلة.
وفي الحكومات السابقة, برزت أسماء مثل: صلاح خورشيد وعبد الوهاب الوزان وعيسى المزيدي وعبد العزيز محمد بوشهري, وفي حقبة أكثر قدماً كان الوزير الشيعي هو عبد المطلب الكاظمي, الذي كان وزيراً للنفط, وما ترك الوزارة إلا بعد أن طبّعها بطابع طائفته, فجاء بشيعي ليكون أحد وكلاء الوزارة, ووضع على رأس شركة النفط أحد الشيعة إضافة إلى رؤساء الإدارات وكبار المديرين(1) .
جـ- التجمعات والتنظيمات: تمنع الكويت شأنها شأن بقية دول الخليج إنشاء الأحزاب السياسية, لذلك تقوم بعض التنظيمات تحت مسميات (تكتل – تحالف – تجمع) وتدخل الانتخابات النيابية تحت هذه الأوصاف.
وللشيعة تنظيم تحت اسم (التحالف الإسلامي الوطني) الذي حلّ بديلاً عن الائتلاف الإسلامي الوطني الذي جرى تجميده سنة 1998, وقد طرح مرشحين عديدين لانتخابات 1999 و 2003 منهم عدنان عبد الصمد وعبد المحسن جمال وناصر صرخوه, إلا أنه مُني بهزيمة كبيرة في انتخابات 2003(2) .
وهذا التحالف يتبع المرجعية الإيرانية وولاية الفقيه.
__________
(1) وجاء دور المجوس ص321.
(2) الشرق الأوسط 1/7/1999.(5/84)
وهناك تنظيم شيعي آخر باسم ((حركة أنصار الحرية))(1).
تأثرهم بالمتغيرات الداخلية والدولية:
لم يكن شيعة الكويت بعيدين عمّا يجري في الكويت والعالم, إذ أن المتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية انعكست عليهم إيجاباً وساهمت في تعزيز نفوذهم وحسّنت صورتهم, ذلك أن علاقات شيعة الكويت ببلادهم لم تكن معظم الأحيان جيدة, فمنذ اللحظات الأولى لثورة الخميني سنة 1979 توجهت أفئدة الكثيرين من شيعة الكويت نحوها, بل ووجّهوا سهامهم نحو حكومة بلادهم التي رفضت آنذاك استقبال الخميني في الكويت بعد إخراجه من العراق وقبل توجهه إلى فرنسا, وأصدر ((أنصار الإمام الخميني)) منشوراً قبل الإطاحة بالشاه وقبل انتصار الثورة, كالوا فيه السباب والشتائم لحكومة بلادهم لأنها رفضت دخول الخميني الذي اعتبره المنشور ((المرجع الأعلى للطائفة الشيعية))(2) .
ولا شك أن توزيع مثل هذا المنشور في وقت لم تكن الثورة قد نجحت وحققت أهدافها يعني أن ثورة الخميني قد أعطتهم شحنات كبيرة, وبدأوا بالعمل والتصرف بناءً على أساس انتصار الثورة, وبدأ الكثير من الشيعة ينتقلون إلى إيران للدراسة والحياة معتبرين أنه وطن جميع الشيعة بغض النظر عن جنسياتهم(3) .
حرب الخليج الأولى:
__________
(1) النورالعدد 120 ص9.
(2) وجاء دور المجوس ص340-343.
(3) انظر مقابلة الشيعي الكويتي عباس بن نخي حول الثورة الإيرانية, وهو كان قد مكث في قم بإيران 12 سنة (1981-1993) ... الوطن 2/10/2000.(5/85)
ومع اندلاع الحرب العراقية الإيرانية سنة 1980, ووقوف الكويت إلى جانب العراق, اشترك بعض الكويتيين الشيعة كمتطوعين في القتال ضد العراق(1) , وكان شيعة الكويت الورقة التي استخدمتها إيران لمعاقبة بلادهم بسبب مساعدتها للعراق, وسرعان ما نظّم الشيعة صفوفهم خلف إيران, وارتكبوا في ثمانينيات القرن الماضي ما يندى له الجبين كتفجير بعض السفارات الأجنبية سنة 1983, ومحاولة اغتيال أمير البلاد سنة 1985, واختطاف طائرتين مدنيتين كويتيتين, وتنفيذ تفجيرات في أماكن مختلفة, الأمر الذي جعل الكويت تعيش قيوداً واضحة على الحياة السياسية(2) .
وإضافة إلى التخريب الذي ارتكبه الشيعة في الكويت, فلقد كان لهم دور بارز في دعم التنظيمات الشيعية في الخليج وخاصة في البحرين للعمل ضد بلدانهم, وقد كشفت مجلة الوطن العربي في عددها الصادر بتاريخ 28/6/1996م مخططاً إيرانياً, لتوتير الأوضاع في البحرين من خلال تقديم شيعة الكويت أو ما أطلق عليه (حزب الله الكويتي) الدعم لشيعة البحرين (حزب الله البحريني) بمساهمة من حزب الله اللبناني.
وإضافة إلى البحرين, كان للشيعة في الكويت دور ملحوظ في أعمال التخريب التي شهدتها مكة المكرمة في موسم حج سنة 1409هـ (1989م), وعند إلقاء القبض على المخربين, تبين أن بعضهم يحمل الجنسية الكويتية, ذلك أن شيعة الكويت كانوا في ذلك العام (1989) يؤدون الدور نيابة عن الإيرانيين الذين كانوا قد قاطعوا موسم الحج بسبب رفض السلطات السعودية لأنشطتهم التخريبية في موسم الحج السابق.
حرب الخليج الثانية:
__________
(1) هموم الأقليات ص304.
(2) الأصولية في العالم العربي- ريتشارد دكمجيان – ص213.(5/86)
شكل غزو الكويت حرب الخليج الثانية (1990-1991) مناسبة ذهبية لشيعة الكويت للظهور والارتقاء, ذلك أن الذي قام بالاعتداء على بلادهم هذه المرة هو صدام حسين الذي كان يحارب إيران قبل سنوات قليلة, وقد استطاعت هذه الأزمة أن توحد المشاعر الكويتية تجاه العراق باعتباره عدوّاً لا مجال للوفاق معه, واتخذ السنة في الكويت والشيعة موقفاً متطابقاً تجاه العراق وصدام حسين, كما أن النظرة الكويتية بدأت تتغير تجاه إيران, فإيران التي كانت بالأمس معتدية صارت اليوم إحدى ضحايا نظام صدام, خاصة وأنها أعلنت أنها لن تقف إلى جانب صدام –عدوّها اللدود- في هذه الحرب .
وهذه التطورات تجاه إيران تزامنت مع وفاة الخميني, واستلام هاشمي رفسنجاني رئاسة الدولة, الأمر الذي ظنه العالم بأنه انتهاج لسياسة إيرانية جديدة تقوم على الحوار والاعتدال بدلاً من سياسة تصدير الثورة الصدامية التي عمل بها الخميني.
وبالرغم من أن الأيام اللاحقة أثبتت أن سياسة تصدير الثورة ما زالت سارية وإن كانت بأساليب جديدة, إلا أن دول الخليج ودولاً عربية أخرى ومنها الكويت بدأت بتحسين علاقاتها مع إيران وتطوير التعاون الاقتصادي, وتوقيع اتفاقيات في كافة المجالات, وقد كان من شأن هذه العلاقات الودّية الجديدة بين الكويت وإيران أن تؤدي إلى توسيع نفوذ شيعة الكويت, خاصة وأن إيران اتخذت موقفاً داعماً للإطاحة بالنظام العراقي سنة 2003, وإن تطلب الأمر تقديم العون والمساعدات للقوات الأمريكية وحلفائها, وهو الأمر الذي كانت تتمناه الكويت منذ سنوات طويلة.(5/87)
وجاءت بعض حوادث مهاجمة الأمريكيين من قبل جماعات سنيّة, وقبل ذلك أحداث 11 سبتمبر في الولايات المتحدة, واتهام تنظيم القاعدة بارتكابها لتعلي من أسهم الشيعة الذين استعانت بهم الحكومة الكويتية لتعذيب إسلاميين كويتيين, اعتقلتهم الحكومة الكويتية في أعقاب حوادث الاعتداءات على الأمريكان في الكويت, وقد تبين أن معظم الذين قاموا بتعذيب هؤلاء المعتقلين هم من الشيعة(1) .
خاتمة
استعرضنا في معرض حديثنا عن شيعة الكويت, أصل ذلك الوجود وأنه يعود إلى تأسيس القرامطة, وهم من الشيعة الإسماعيلية, دولة لهم في شرق الجزيرة العربية أثناء الحكم العباسي, ثم لعبت الهجرة المنظمة من إيران إلى أقطار الخليج في ظل ضعف إمارات الخليج وتواطؤ الاستعمار البريطاني دوراً كبيراً في زيادة أعداد الشيعة في الخليج, ومنها الكويت, حيث أصبحت نسبة الشيعة في هذا البلد حوالي 20% من مجموع السكان بحسب ما تذكره بعض المصادر التي تتنازل قضايا الأقليات, وإن كان الذي يتردد في الكويت أنهم بحدود 10% فقط.
ويتجاذب العمل الشيعي في الكويت تيارات عديدة, منها ما هو علماني يميل نوعاً ما إلى الحكومة, وينتقد سيطرة رجال الدين على العمل الشيعي, ومنها ما هو ديني, وهو تيار عريض يؤيد جزء منه ولاية الفقيه الإيراني, وجزء آخر يتبع المرجع الشيرازي فيما يشكل التيار الثالث طائفة الشيخية.
__________
(1) موقع مفكرة الإسلام 14/10/2002.(5/88)
وعلى اختلاف تياراتهم وتوجهاتهم, نشط شيعة الكويت في كافة المجالات الدينية والثقافية والتربوية والاجتماعية والاقتصادية, فبادروا إلى إنشاء المساجد والحسينيات والمدارس والجمعيات والهيئات وطبع الكتب وإصدار المجلات, وإقامة المآتم والاحتفالات وقد استفادوا في ذلك من جملة من المتغيرات الداخلية والخارجية, بحث أنه لم يعد هناك سقف لمطالبهم, وبات من المألوف أن تطالب الأقلية الشيعية في الكويت بما يخالف ما عليه الأكثرية السنيّة في هذا البلد, بل وممّا يثير الاستغراب أن يتحول هؤلاء فجأة إلى مواطنين صالحين حريصين على بلادهم, بعد أن مارسوا صنوف الإيذاء والتخريب ضد بلدهم ومواطنيهم, كما تجلى ذلك في حوادث خطف الطائرات وتفجير السفارات الأجنبية ومحاولة اغتيال أمير البلاد.
المراجع:
وجاء دور المجوس – د. عبد الله الغريب.
الشيرازي: المرجعية في مواجهة تحديات التطور – أحمد الكاتب.
الأصولية في العالم العربي – ريتشارد دكمجيان.
هموم الأقليات – التقرير السنوي الأول الصادر عن مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية في مصر لسنة 1993.
التاريخ الإسلامي – محمود شاكر – الجزء السابع.
الشيخية: نشأتها وتطورها ومصادر دراستها – محمد حسن آل الطالقاني.
دوريات ومواقع:
النور (لندن).
الوطن العربي.
الوطن الكويتية.
صحيفة الرأي العام الكويتية.
صحيفة الشرق الأوسط.
صحيفة اللواء الأردنية.
موقع مفكرة الإسلام.
الوكالة الشيعية للأنباء.(5/89)
العدد السادس
غرّة ذو الحجة / 1424هـ
السنة في العراق وحقائق التاريخ
فرق ومذاهب (الشيخية).
سطور من الذاكرة (سقيفة بني ساعدة – سنة 11هـ).
كتاب الشهر (أثر جهود صلاح الدين التربوية في واقع المجتمع المصري).
قالوا.
جولة الصحافة (إيران خارج محور الشر).
جولة الصحافة (إسرائيل وإيران.. تهديدات كلامية).
جولة الصحافة (الجزر العربية الثلاث بانتظار التحكيم الدولي).
جولة الصحافة (المجلس الشيعي العراقي).
جولة الصحافة (نصيحتنا للرئيس مبارك بعدم زيارة إيران).
جولة الصحافة (الشيعة العراقيون).
دراسات (التجمعات الشيعية في العالم العربي – مصر).
السنة في العراق وحقائق التاريخ
لقد اتضح للجميع أن العراق بلد سنّي تاريخاً وسكاناً, بالرغم من كل ما تحاول إثارته العديد من الجهات والطوائف, وخاصة الشيعة, فإن العراق لم يكن في يوم من الأيام بلداً شيعياً, بل كان مقر الخلافة السنية العباسية.
وكذلك اتضح للعالم أجمع أن أسطورة الأكثرية الشيعية وهم وكذب, ليست بأول كذبات الشيعة وهذا أصبح مقرراً عند السياسيين والإعلاميين وغيرهم, لكن لا يزال هناك من يروج الأسطورة. (ولمزيد من التوسع في الموضوع يمكن الرجوع إلى كتاب الدكتور طه الديلمي والراصد في العدد الأول: بحث شيعة العراق).
لكن من الأشياء التي ساعدت على رواج هذه الأسطورة والكذبة الكبرى هو تفرق السنة في العراق من جهة وقلة الهيئات والمؤسسات التي تنتمي إليهم, ومن جهة أخرى عدم توفر حليف للسنة في العراق في مواجهة النظام البعثي, كما كانت إيران حليفاً وداعمة للوجود الشيعي العراقي.
ولذلك فإن الوجود السني في العراق مطالب بالاستفادة من حقائق التاريخ التي بينتها تجارب العمل السني قديماً وحديثاً ومن ذلك:(6/1)
التجمع والتكتل كلما أمكن أو على الأقل تنسيق الجهود وعدم التضارب الداخلي في مواجهة الآخرين, وليكن نموذج الفرقة والتناحر في أفغانستان في بداية الجهاد ونهايته أمام أعين إخواننا السنة في العراق.
لا بد من تكوين المؤسسات والهيئات المتخصصة السنية لزيادة العطاء والانتاجية وإرساء الحقائق على الأرض حيث لا يمكن تجاوزها فيما بعد.
عدم الخوف من طرح المطالب العادلة للسنة بحجة الوحدة التي لا يحرص الآخرون عليها, لكن النجاح الحقيقي هو في كيفية المطالبة بها دون تأليب الآخرين أو خسارة المناصرين والمتعاطفين.
مد الجسور والتعاون مع البلاد السنية المجاورة للعراق لأنها الامتداد الحقيقي والطبيعي لسنة العراق, فلماذا يزور وينسق الشيعة (بحر العلوم وغيره والعلمانيون) مع الدول السنية المجاورة ولا ينسق السنة مع إخوانهم؟!
تهيئة الكوادر القادرة على المساهمة في بناء العراق من جديد وهذا من أهم احتياجات السنة في كل مكان, وخاصة في العراق في كافة النواحي السياسية والإعلامية والاقتصادية ولنكن جادين مع أنفسنا فإن السنة أهملوا هذا الأمر كثيراً!!
لا بد أن يكون للسنة في الجيش العراقي الجديد نصيبهم العادل, من كافة القوميات, وتكون المشاركة في كافة المستويات ولا يكونوا من المنتمين إلى السنة اسماً بل بالتبعية والانتماء كذلك, ولتوضيح الصورة: هل أتباع البرزاني أو الطالباني من سنة الأكراد يمثلون المذهب السني؟ وليتذكر إخواننا في العراق تجربة السنة في سوريا حين تركوا دخول الجيش السوري فاستولى عليه النصيريون وجرى ما تعرفون بعد ذلك!
إن الوجود السياسي السني أكثر من ضرورة الآن لأنهم هم الأكثرية, وهم صمام الاستقرار للعراق والبلاد المجاورة وهنا يظهر أن الأولوية المطلقة هي للسياسة الشرعية الحكيمة التي تتجنب تقديم القرابين مجاناً لأعدائها, وتستفيد من مراجعات وتجارب السابقين.
والله ولي التوفيق
فرق ومذاهب
الشيخية(6/2)
أولاً: التعريف والتأسيس:
الشيخية فرقة خرجت من رحم الاتجاه الإخباري(1) الذي برز في أوساط الشيعة الإمامية الإثنى عشرية منذ مطلع القرن الحادي عشر الهجري, واستمر حتى منتصف القرن الثالث عشر, حيث تغلب عليه الاتجاه الأصولي(2).
والشيخية تنسب إلى الشيخ أحمد زين الدين الإحسائي, المولود سنة 1166هـ (1752م) والمتوفى سنة 1241هـ (1825م), ويلقبه أنصاره بـ (الشيخ الأوحد). وقد تنقل في حياته بين إيران والعراق وبلاد الخليج.
وقد تتلمذ واستفاد من عدد من علماء الشيعة الإثنى عشرية في عصره منهم: جعفر كاشف الغطاء وحسين العصفوري وعلي الطبطبائي ومهدي بحر العلوم ومحمد باقر البهبهائي الشهير بالوحيد.
__________
(1) الإخباريون فرقة من الشيعة الإثنى عشرية توجب العمل بالكتاب والسنة (حسب المفهوم الشيعي للسنة الذي يدخل فيه أيضاً أحاديث الأئمة الإثنى عشر) وتسقط دليلي الإجماع والعقل (القياس) من الأدلة الأربعة المذكورة في أصول الفقه. وترى أن الاجتهاد رأي, والرأي لا يجوز في الدين, لذلك تمنع الاجتهاد في الأحكام الشرعية, وترى أن ما في الكتب الأربعة التي عليها مدار التشيع (الكافي, الاستبصار, من لا يحضره الفقيه, التهذيب) قطعي السند أو موثوق بصدوره, فلا حاجة إلى البحث عن سنده, وأوجبوا العمل بهذه الأخبار. وهم لا يرون حاجة لتعلم أصول الفقه ولا يرون صحته.
وكان بداية الإخبارية في مطلع القرن الحادي عشر الهجري على يد الشيخ محمد أمين الاسترابادي صاحب "الفوائد المدنيّة". وهم يمثلون الأقلية في الشيعة الاثنى عشرية.
ويقابل الإخباريين طائفة الأصوليين.
(2) الأصوليون هم المجتهدون, أو القائلون بالاجتهاد وبأن أدلة الأحكام هي الكتاب والسنة والإجماع ودليل العقل (القياس), ولا يحكمون بصحة كل ما في الكتب الأربعة, وهؤلاء الأكثرية.(6/3)
وقد ترك الإحسائي مؤلفات كثيرة منها: شرح الزيارة الجامعة الكبيرة, وشرح "العرشية" لصدر الدين الشيرازي, وشرح "المشاعر" للشيرازي أيضاً, والفوائد.
وبعد موت الإحسائي خلفه تلميذه كاظم الرشتي الذي يعتقد أنه ولد سنة 1205هـ (1790م) وقيل سنة 1212هـ (1797م), وكان كاظم مقرباً من شيخه الإحسائي جداً, وكان يحبه حبّاً جمّاً, وهو الذي أوصى بأن يخلفه.
وقد ترك الرشتي مثل شيخه مؤلفات كثيرة منها: مجموعة الرسائل, وشرح الخطبة التطنجية, وشرح القصيدة اللامية, وأصول العقائد.
وقد تتلمذ على يد كاظم الرشتي عدد كبير منهم علي محمد الشيرازي الملقب بـ "الباب" وهو الذي تنسب إليه فرقة البابية المنحرفة, والبابية تعرف الآن باسم "البهائية", حيث أن شخصاً اسمه البهاء كان تلميذاً للباب, صار على رأس الفرقة بعد موت أستاذه وأضاف إليها كثيراً من أفكاره المنحرفة وصارت تعرف بـ "البهائية"(1).
وبعد وفاة الرشتي أعلن الباب دعوته, والنيابة عن أستاذه وأعلن أنه المهدي المنتظر. وآمن به عدد من تلاميذ الرشتي كان أولهم حسين البشروئي, إلا أن جهات عديدة قاومت أفكار الباب منها الدولة القاجارية وبعض طلاب الرشتي وأئمة الشيعة إضافة إلى أهل السنة.
وقد أعدم الشاه القاجاري البابَ سنة 1265هـ (1849م).
ثانياً: انقسام الشيخية وتعدد الزعامات
لم يستخلف كاظم الرشتي أحداً, أو نص على من يقوم مقامه بعد موته, على عكس شيخه, لأنه كان يعتقد بقرب ظهور المهدي.
وبعد وفاته انقسم الشيخيون إلى ثلاث فرق:
الأولى: اتبعت الميرزا محمد حسن جوهر التبريزي الذي كان يسكن كربلاء.
الثانية: اتبعت كريم خان القاجاري الذي كان يسكن كرمان في إيران.
__________
(1) انظر: البابية لعبد الله صالح الحموي والبهائية للحموي أيضاً, والبهائية لمحب الدين الخطيب, والبهائية لإحسان إلهي ظهير, والبهائية لحسين ناجي محيي الدين. وسيتم تخصيص زاوية العدد القادم من الراصد لفرقة البهائية إن شاء الله.(6/4)
الثالثة: لم تمل إلى أحد هذين الشخصين, بل ذهبوا يتجولون في البلدان بحثاً عن الإمام الغائب الذي ظنوه على وشك الصدور, فإن الإحسائي والرشتي كانا يبشران بظهوره, حتى أن الإحسائي حدّد عاماً لظهوره ثبت بطلانه فيما بعد. وكان على رأس هذه الفرقة حسين البشروئي الذي عثر على شاب اسمه علي محمد الشيرازي (الباب) الذي سبق الحديث عنه, واتبعه على أنه المهدي المنتظر والإمام الغائب.
ثالثاً: عقائدهم:
سبق القول أن الشيخية هي من الفرق التي انبثقت عن الشيعة الإمامية الإثنى عشرية(1), لذا فإن عقائدهم تحمل الصبغة الإثنى عشرية, وعقائدهم مأخوذة مما كتبه أئمتهم الإحسائي والرشتي, وخاصة الإحسائي التي عبر عنها بصيغته الخاصة.
1-الاعتقاد بأن الأئمة والمعصومين الأربعة عشر(2) هم علة تكوين العالم وسبب وجوده, وهم الذين يخلقون ويرزقون ويحيون ويميتون. والاعتقاد بأن الله العزيز قد تكرم عن مباشرة هذه الأمور بنفسه وأوكلها إلى المعصومين, حيث جعلهم أسباباً ووسائط لأفعاله, فهم –كما يعتقد الشيخية- مظاهر لأفعال الله.
__________
(1) الشيخية لا يعتبرون أنفسهم فرقة من فرق الإمامية الإثنى عشرية, فقد جاء في موقعهم الرسمي www.awhad.com في صفحة الفتاوى أو الاستفتاءات ما نصه:
((الشيخية ليست فرقة من فرق الإمامية الإثنى عشرية, وليس هناك فرق بينها وبين الشيعة الإمامية, بل هي خط التشيع الواضح والعقائدي اللائح, وإن أردت الاطلاع على الأمر فانظر في مصنفاتهم وكتبهم, فهم لا يفترقون عن التشيع, وقد أشار للمسألة السيد محمد حسين الطبطبائي في كتابه "الشيعة والإسلام" ويمكنكم الاطلاع عليه)).
(2) المعصومون الأربعة عشر عند الشيعة هم النبي صلى الله عليه وسلم وفاطمة رضي الله عنها إضافة إلى الأئمة الإثنى عشر.(6/5)
2-الاعتقاد بوجود الجسد (الهورقليائي) للإنسان إلى جانب الجسد (الصوري), وقال الإحسائي بأن هذا هو الجسد الذي عرج به رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماء, والذي يعيش به الإمام الثاني عشر, وكان يعتقد أن الإمام عندما غاب نزع عنه جسده (الصوري) وبقي محتفظاً بجسده (الهورقليائي) وهذا هو سر بقائه كل هذه المدة.
3-الاعتقاد بالكشف كما يؤمن به الصوفية, حيث يقول الإحسائي أن الإنسان إذا صفت نفسه وتخلص من أكدار الدنيا يستطيع أن يتصل بأحد الأئمة من أهل البيت عن طريق الكشف والأحلام, فيوحي له الإمام بالعلم الغزير, وتكشف له الحجب, وادّعى الإحسائي أنه حصل على العلم بهذه الطريقة الكشفية.
4-التبشير الدائم بقرب ظهور المهدي, وكان الإحسائي يقول للناس في كل قرية يمر بها أن الإمام الغائب على وشك الظهور, وأنهم يجب أن يكونوا على أهبة الاستعداد لنصرته, وكان يقول لهم: إن الإمام الغائب حين يظهر سوف يبدل الكثير من العقائد والتعاليم الإسلامية الموجودة.
5-الاعتقاد بأن المعاد روحاني ولا علاقة للجسد الدنيوي فيه.
وقد نقل د. ناصر القفاري في موسوعته (أصول مذهب الشيعة) ص136 عن الألوسي رحمه الله قوله عن الإحسائي وأتباعه: ((ترشح كلماتهم بأنهم يعتقدون في أمير المؤمنين علي على نحو ما يعتقده الفلاسفة في العقل الأول)).
كما نسب إليهم القول بالحلول, وتأليه الأئمة, وإنكار المعاد الجسماني , وأن من أصول الدين الاعتقاد بالرجل الكامل وهو المتمثل في شخصه.
رابعاً: أبرز شخصياتهم:
إضافة إلى شيخهم أحمد زين الدين الإحسائي الملقب عندهم بالأوحد, وكاظم الرشتي, فإن هناك عدداً من علمائهم انتشروا في العديد من دول العالم, لكن لا بد من التنبيه إلى الانقسام الذي حصل بعد وفاة الرشتي في صفوف الشيخية, فصار قسم يعرف بـ "شيخية تبريز" تنسب إلى حسن جوهر التبريزي, والقسم الآخر "شيخية كرمان" تنسب إلى كريم خان الكرماني.
1-شيخية تبريز برز منهم:(6/6)
أ-آل المامقاني: محمد حسين بن زين العابدين, "محمد حسين" بن محمد, "محمد تقي" بن محمد, إسماعيل بن محمد, وهؤلاء الثلاثة هم أبناء محمد حسين بن زين العابدين.
وبرز كذلك: محمد حسين بن الشيخ محمد المامقاني.
ومن غير هذه الأسرة برز في تبريز كذلك علي بن الميرزا موسى التبريزي.
ب-آل الأسكوئي: وهم من منطقة أسكوء في إيران, وبرز منهم: محمد باقر الأسكوئي وابنه موسى ثم علي بن موسى الذي أقام في الكويت, وحسن بن موسى بن محمد باقر الأسكوئي وابنه عبد الرسول, ثم أخيراً عبد الله بن عبد الرسول, وهذه الأسرة تتخذ الآن من الكويت مقراً لها.
2-شيخية كرمان: ويقال بأن العائلة الكرمانية المعروفة فرع من الأسرة القاجارية التي حكمت إيران نحو قرن ونصف.
وقد برز منها:
محمد كريم خان الكرماني وابنه "محمد خان" وزين العابدين ثم أبو القاسم بن زين العابدين وابنه عبد الرضا.
خامساً: انتشارهم:
يتواجد الشيخية اليوم في العراق وإيران ودول الخليج:
ففي العراق يتواجدون بشكل بارز في مدينة كربلاء, وفي البصرة, وفي المنطقة الشرقية من السعودية وفي البحرين والكويت.
1-شيخية كرمان: يتواجدون في كرمان بإيران, ولهم مركز كبير واسع في العراق مقرّه البصرة, وكان يرأسه وكالة عن المرجعية الكرمانية عبد الله علي الموسوي المولود سنة 1317هـ (1899م).
2-شيخية تبريز: ومنهم آل الأسكوئي الذي يطلق على الواحد منهم أيضاً لقب "الإحقاقي" نسبة إلى كتاب (إحقاق الحق) الذي ألفه أحد علمائهم.
ومقرّهم الآن في مدينة كربلاء وفي دولة الكويت. ويعود وجودهم في الكويت إلى علي بن موسى الأسكوئي الذي أقام في الكويت سنيناً, حيث كان مجموعة من شيعة الكويت الشيخيين يقلدون والده موسى بفعل تأثر الكويت وقربها من العراق وكربلاء خاصة, حيث أحد مقرات هذه الطائفة وإقامة شيوخها.
وسكن علي موسى الكويت, وكان يقضي أيام الصيف في كربلاء غالباً.(6/7)
وأثناء وجوده في الكويت قام بتأسيس الحسينية الجعفرية والعباسية وأقام أول منارة ومئذنة لمسجد شيعي في الكويت وهو مسجد الصحاف, وسعى إلى الجهر بـ "أشهد أن أمير المؤمنين عليّاً ولي الله" أو ما يعرف عند الشيعة بالشهادة الثالثة في الأذان.
وكان لعلي بن موسى هذا نشاط في الإحساء حيث أسس الحسينية الجعفرية والحسينية الحيدرية, وأحيى كثيراً من آثار ومؤلفات علماء الشيخية.
وبعد وفاته أصبح شقيقه حسن بن موسى رئيساً للطائفة, وقد استطاع تأسيس مكتبة عامة وصناديق إعانة.
وبعد وفاته سنة 1966, تسلم ابنه عبد الرسول رئاسة الطائفة حتى وفاته قريباً في 26/11/2003, ثم بويع ابنه عبد الله.
وبالرغم من أن عبد الرسول أوصى برئاسة الطائفة إلى ابنه الشاب عبد الله, إلا أن الوكالة الشيعية للأنباء أوردت في الرابع من ذي القعدة 1424هـ بأن هذا الإجراء واجه معارضة من مجموعة مقلدي عبد الرسول الذين رأوا عدم جواز تقليد من لم يعرف عنه أنه بلغ مرتبة الاجتهاد, ورفضوا بأن تكون المرجعية بالوراثة أو التوصية.
ورأى هؤلاء المقلدون بأن كمال الدين الحائري هو الأحق برئاسة الطائفة.
أهم المراجع:
الشيخية نشأتها وتطورها – محمد حسن آل الطالقاني.
أصول مذهب الشيعة – د. ناصر عبد الله القفاري ج1 ص136.
الشيرازي: المرجعية في مواجهة تحديات التطور – أحمد الكاتب ص52.
مواقع ودوريات:
موقع الأوحد (www.awhad.com).
الوكالة الشيعية للأنباء.
صحيفة الوطن الكويتية.
سطور من الذاكرة
سقيفة بني ساعدة
سنة 11 هـ
سقيفة بني ساعدة, أشبه بديوان أو مجلس كان يجتمع فيها الأنصار وغيرهم في المدينة, وقد ارتبط اسم السقيفة بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم, سنة 11هـ حيث تم فيها مبايعة أبي بكر الصديق رضي الله عنه خليفة للمسلمين, وعصم الله الأمة بهذا الاجتماع الذي تبادل فيه المسلمون آراءهم حول الخلافة, فأدلى الأنصار بدلوهم, والمهاجرون كذلك.(6/8)
ويروي الإمام البخاري في صحيحه في كتاب فضائل الصحابة (حديث رقم 3668) خبر السقيفة واختيار خليفة المسلمين فيقول رحمه الله: حدثنا إسماعيل بن عبد الله حدثنا سليمان بن بلال عن هشام بن عروة قال: أخبرني عروة بن الزّبير عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: "إن رسول الله لما مات اجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة فقالوا: منا أمير, ومنكم أمير, فذهب إليهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة, فذهب عمر يتكلم فأسكته أبو بكر, وكان عمر يقول: والله ما أردت بذلك إلا أني قد هيّأت كلاماً قد أعجبني خشيت ألا يبلغه أبو بكر, ثم تكلم أبو بكر فتكلم أبلغ الناس, فقال في كلامه: نحن الأمراء وأنتم الوزراء. فقال حباب بن المنذر: لا والله لا نفعل, منا أمير ومنكم أمير. فقال أبو بكر: لا, ولكنا الأمراء وأنتم الوزراء, هم أوسط العرب داراً –يقصد قريشاً- وأعزهم أحساباً, بايعوا عمر أو أبا عبيدة. فقال عمر: بل نبايعك أنت, فأنت سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ عمر بيده وبايعه الناس".
لم يرق لأعداء الإسلام أن يروا المسلمين وقد توحدت كلمتهم فصوّروا اجتماع المسلمين في السقيفة بأنه اغتصاب للخلافة ومؤامرة على آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وعلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه خاصة, وقالوا بأن غياب علي والعباس رضي الله عنهما كان بسبب رفضهم خلافة أبي بكر, علماً بأن تغيب علي وعمّه العباس عن الاجتماع كان لانشغالهم بتغسيل النبي صلى الله عليه وسلم إضافة إلى الزبير بن العوام, وقد شاركوا المسلمين بيعتهم واختيارهم هذا فيما بعد.(6/9)
وقد أطلق أعداء الإسلام لأنفسهم العنان بما رووه إذ ادّعوا أن البيعة لأبي بكر تمت بتخويف وتهديد من عمر بن الخطاب والمهاجرين, في الوقت الذي لم يكن يتواجد فيه من المهاجرين في السقيفة إلا ثلاثة هم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة, فكيف يمكن لشخص أو اثنين أن يرهبوا مجموع الأنصار وهم أهل قوة وشدة.
كما أن هؤلاء ادّعوا أن الأنصار توعّدوا قريشاً والمهاجرين بالحرب والقتال, وأن المهاجرين لفّقوا حديث (الأئمة من قريش) لتكون لهم الزعامة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم, وهذه كلها أمور لا تصح, فإضافة إلى رواتها الوضّاعين الذين ردّ رواياتهم أئمة الجرح والتعديل, فإنها تتناقض مع عدالة الصحابة وما عرف عنهم من الإيثار والتقوى والعزوف عن الدنيا وملذاتها, فقد كان عموم الأنصار يرون أن قريشاً والمهاجرين أحق بالخلافة, كما أن الأنصار كانوا يعرفون مكانة أبي بكر الصديق رضي الله عنه, وأنه أفضل الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
وكذلك كان حال سيد الأنصار سعد بن عبادة رضي الله عنه عندما ذكّره أبو بكر بمكانة قريش قائلاً: ولقد علمت يا سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وأنت قاعد: قريش ولاة هذا الأمر فبرّ الناس تبعاً لبرّهم, وفاجرهم تبع لفاجرهم, قال سعد: صدقت نحن الوزراء وأنتم الأمراء. (مسند الإمام أحمد 1/18 بتحقيق العلامة أحمد شاكر).
هكذا كانت مبايعة أبي بكر بيعة عامة, اشترك فيها المهاجرون والأنصار ومنهم آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم, وقد ارتضى هؤلاء جميعاً خلافة أبي بكر, وأما الاختلاف الذي حدث في بادىء الأمر فلا يعدو اختلاف وجهات نظر, سرعان ما تبدد, وتوحدت الأمة خلف أبي بكر.(6/10)
وقد عصم الله الأمة بهذا الحدث, وسدد خطاها, فسرعان ما انطلقت إلى مهامها ورسالتها على عكس ما يشيعه الحاقدون من أن حادثة السقيفة سببت شرخاً في الأمة, بل إن هذه البيعة كانت هي السبب في تماسك المسلمين ووحدتهم وانطلاقهم للجهاد والدعوة, والدليل ما قام به أبو بكر بعد ذلك أن أنفذ جيش أسامة إلى تخوم الشام, وقد حقق الله على أيديهم نصراً, كما أن أبا بكر شرح الله صدره لمقاتلة المرتدين, وتوحد الصحابة خلفه في ذلك وهو الأمر الذي حفظ الله به الإسلام.
للاستزادة:
العواصم من القواصم – الإمام أبو بكر بن العربي بتحقيق العلامة محب الدين الخطيب ص37.
الإنصاف فيما وقع في تاريخ العصر الراشدي من الخلاف – د. حامد الخليفة ص105.
حقبة من التاريخ – الشيخ عثمان الخميس ص17.
كتاب الشهر أثر جهود صلاح الدين التربوية في تغير
واقع المجتمع المصري
تأليف: محمد حمدان القيسي
مقدمة:
صلاح الدين الأيوبي, شخصية فريدة أحبها المسلمون جيلاً بعد جيل لسيرته العطرة وجهاده في سبيل الله ومسارعته في نصرة المسلمين وتحرير بلادهم من الأخطار الخارجة, لا سيّما وهو محرر القدس سنة 1187م حيث ارتبط اسمه بتحرير هذه البقعة التي تعتبر من أكثر الأماكن قدسية عند المسلمين, ولعلّ الاحتلال الصهيوني الحالي الذي يقبع تحته الأقصى والقدس جعل المسلمين دائمي الحنين إلى صلاح الدين وجهاد صلاح الدين ودائمي الدراسة لسيرته وجهاده وتجربته.(6/11)
ونحن اليوم في دراسة لتجربة أخرى ثرية لهذا القائد الكبير, هذه التجربة ليست في فلسطين ولا مع الصليبيين, ولا على الجبهات الخارجية, إنّما تجربة ومشروع مفصلي خاضه صلاح الدين في مصر وضد دولة تسترت بالإسلام وهي الدولة العبيدية الفاطمية التي تنتسب إلى المذهب الشيعي الإسماعيلي, وحكمت هذا البلد المسلم حيناً من الزمن سعت خلاله إلى نشر العقائد الإسماعيلة, وكان لها الكثير من الدعاة العلنيين والسريين لنشر عقائدهم وأفكارهم في المجتمع المصري السني.
هذا المشروع الكبير الذي قام به صلاح الدين في مصر كان هو المنطلق إلى رص صفوف المسلمين وتوحيد جهودهم وبالتالي انطلاقه بعد 18 سنة من العمل الدؤوب على الساحة الداخلية, ليتمكن بعد هذه الفترة من تحرير القدس ودحر الصليبيين الغزاة.
المشروع الذي نحن بصدد تناوله ليس مشروعاً عسكرياً أو قتالياً, إنما هو مشروع تربوي تمكن خلاله صلاح الدين من تحقيق انتصارات قد لا تتحقق بالمعارك والقتال, وهذا المشروع يتناوله كتابنا لهذا الشهر, وهو في الأصل رسالة ماجستير أعدها الأستاذ محمد حمدان القيسي سنة 1992م بعنوان (أثر جهود صلاح الدين التربوية في تغير واقع المجتمع المصري) وحصل بموجبها على درجة الماجستير من جامعة اليرموك الأردنية.
ويتلخص المشروع في الجهود التربوية والثقافية والفكرية التي قام بها صلاح الدين الأيوبي عند استلامه الحكم في مصر والقضاء على الدولة العبيدية الفاطمية الشيعية التي حكمت مصر أكثر من 200 سنة, وتمكن صلاح الدين من مواجهة الفكر بالفكر والتربية بالتربية, بحيث استطاع القضاء على ما خلفه العبيديون من آثار فكرية وتربوية وأن يعيد مصر كما كانت إلى مذهب أهل السنة.(6/12)
وتحاول دراسة الأستاذ القيسي استعراض ملامح هذه التجربة, ومعرفة الأوضاع السياسية والاجتماعية والفكرية التي كانت عليها مصر قبل تولي صلاح الدين الحكم فيها ثم المؤسسات التي أنشأها: أنواعها وتمويلها, ثم المناهج التربوية التي اعتمدها والمضامين التربوية التي احتوتها توجهاته.
ويجدر بنا قبل البدء بعرض هذا الكتاب استعراض مسيرة الدولة الفاطمية العبيدية, أما فيما يتعلق بعقائد فرقة الإسماعيلية التي ينتسب إليها الفاطميون, فيمكن الرجوع إلى باب "فرق" من العدد الخامس من الراصد.
الإسماعيلية فرقة باطنية انتسبت إلى الإمام إسماعيل بن جعفر الصادق, ظاهرها التشيع لآل البيت, وحقيقتها هدم عقائد الإسلام.
وتعتبر الدولة الفاطمية الحركة الإسماعيلية الأصلية وقد مرت بعدة أدوار:
دور الستر: من موت إسماعيل سنة 143هـ إلى ظهور عبيد الله المهدي, وقد اختلف في أسماء أئمة هذه الفترة بسبب السرية.
بداية الظهور: يبدأ الظهور بالداعية الحسن بن حوشيب الذي أسس دولة الإسماعيلية في اليمن سنة 266هـ وامتد نشاطه إلى شمال أفريقيا واكتسب شيوخ كتامة, يلي ذلك ظهور رفيقه علي بن فضل الذي ادّعى النبوة وأعفى أنصاره من الصوم والصّلاة.
دور الظهور: يبدأ بظهور عبيد الله المهدي الذي كان مقيماً في سلمية بسوريا ثم هرب إلى شمال أفريقيا واعتمد على أنصاره هناك من الكتاميين.
قتل عبيد الله داعيته أبا عبد الله الشيعي الصنعاني وأخاه أبا العباس لشكهما في شخصيته وأنه غير الذي رأياه في سلمية.
أسس عبيد الله أول دولة إسماعيلية فاطمية في المهدية بإفريقيا (تونس) واستولى على رقادة سنة 297هـ وتتابع بعده الفاطميون وهم:
المنصور بالله (أبو طاهر إسماعيل) 334-341هـ.
المعز لدين الله (أبو تميم معد) 341-365هـ.
وفي عهده فتحت مصر سنة 358هـ وانتقل إليها المعز في رمضان سنة 362هـ.
العزيز بالله (أبو منصور نزار) 365-386هـ.
الحاكم بأمر الله (أبو علي المنصور) 386-411هـ.(6/13)
الظاهر (أبو الحسن علي) 411-427هـ.
المستنصر بالله (أبو تميم) وتوفي سنة 487هـ.
وبوفاته انقسمت الإسماعيلية الفاطمية إلى نزارية شرقية ومستعلية غربية والسبب في هذا الانقسام أن الإمام المستنصر قد نص على أن يليه ابنه نزار لأنه الابن الأكبر. لكن الوزير الأفضل بن بدر الجمالي نحى نزاراً وأعلن إمامة المستعلي وهو الابن الأصغر كما أنه في نفس الوقت ابن أخت الوزير, وقام بإلقاء القبض على نزار ووضعه في سجن وسد عليه الجدران حتى مات.
استمرت الإسماعيلية الفاطمية المستعلية تحكم مصر والحجاز واليمن بمساعدة الصليحيين, والأئمة هم:
المستعلي (أبو القاسم أحمد) 487-495هـ.
الآمر (أبو علي المنصور) 495-525هـ.
الحافظ (أبو الميمون عبد المجيد) 525-544هـ.
الظافر (أبو المنصور إسماعيل) 544-549هـ.
الفائز (أبو القاسم عيسى) 549-555هـ.
العاضد (أبو محمد عبد الله) من 555هـ حتى زوال دولتهم على يدي السلطان صلاح الدين الأيوبي(1).
ترجمة صلاح الدين:
يتحدث المؤلف في مقدمته عن أهمية هذا الموضوع, وكيف أن معظم الدراسات التي تحدثت عن هذا القائد اقتصرت على الجانب العسكري والإداري, دون التطرق أو الخوض في الجانب التربوي.
ثم يحدثنا قليلاً عن حياة صلاح الدين وشخصيته, فهو يوسف بن أيوب المعروف بالسلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي, وهو كردي(2) .
ولد بقلعة تكريت سنة 532هـ, ثم رحل به والده وعمه أسد الدين شيركوه إلى نور الدين زنكي بالشام, وكانوا في خدمته جميعاً.
__________
(1) الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة – طبعة 1989 ص46-47.
(2) اختلف المؤرخون في نسب الأيوبيين, فمنهم من قال أنهم عرب, وقسم قال أنهم أكراد, ويقطع أحد ملوكهم وهو الملك الأمجد الحسن بن داود الأيوبي في كتاب له, بأن الأيوبيين ليسوا أكراداً, ولكن نزلوا عندهم فنسبوا إليهم.(6/14)
وقد دخل صلاح الدين مصر سنة 559هـ, وتسلم زمام السلطة سنة 564هـ, وآل إليه الحكم وأنهى الدولة الفاطمية سنة 567هـ.
كان صلاح الدين رحمه الله كثير الذكر لله محافظاً على الفرائض والسنن, كثير التعظيم لشعائر الدين, كثير القراءة للحديث, وكان يحب العلم وأهله, شجاعاً قوي النفس شديد البأس, رحيماً, ناصراً للضعيف على القوي.
وكان لا يريد الدنيا فجاءته صاغرة, وتوفي رحمه الله سنة 589هـ.
الفصل الأول
الحياة السياسية والاجتماعية والفكرية في مصر أثناء حكم الفاطميين
سبق القول أن العبيديين الفاطميين حكموا مصر أكثر من قرنين من الزمان, وعملوا بجد لنشر مذهبهم الشيعي الإسماعيلي, وحاولوا صبغ الحياة السياسية والاجتماعية والفكرية به, وفيما يلي بيان لأهم ملامحها:
أولاً: الحياة السياسية
تذبذبت الأوضاع السياسية في مصر في عهد الفاطميين بين قوة وضعف حسب طبيعة الحاكم الفاطمي ووزيره.
1- كان للوزير اليهودي ابن كلس(1) دور بارز في المسيرة السياسية للدولة الفاطمية, وهو الذي وضع لها كثيراً من الأسس التي سارت عليها الدولة في سياستها الداخلية خصوصاً في النواحي الاقتصادية والسياسية والتي كان خبيراً بها منذ أن دخل في خدمة كافور الإخشيدي.
وعهد الخيلفة المعز لدين الله الفاطمي إلى ابن كلس بالخراج وجميع وجوه الأموال والحسبة والسواحل, وما يطرأ في مصر من أعمال... وفي عهد العزيز بالله زاد نفوذ ابن كلس – رغم تعرضه لفترة من المصاعب والإهانة – حتى استولى على حكومة وشؤون العزيز, وبذلك أرسى ابن كلس قواعد الدولة وأساس أمرها(2) .
__________
(1) ابن كلس يهودي عراقي تولى الوزارة في عهد العزيز بالله الفاطمي ويعتبر من مؤسسي الدولة الفاطمية, توفي سنة 380هـ.
(2) المعز لدين الله الفاطمي هو أول الحكام الفاطميين العبيديين في مصر وجاء بعده العزيز بالله.(6/15)
2- وبعد وفاة ابن كلس, عيّن العزيز محله النصراني عيسى بن نسطورس الذي ضبط الأمور وجمع الأموال وأثقل الأمة بالضرائب, وفي عهده تفشى الغلاء واضطرب الأمن حتى أنه لم يحج أحد في هذه الحقبة من مصر, وفي عهد الخليفة الظاهر لإعزاز دين الله, ووزيره اليازوري دخلت البلاد في مرحلة خطيرة من الفوضى والمجاعات.
3- وكانت الأمور في الغالب تخرج من يد الخليفة إلى يد الوزراء الذين كانوا يتصرفون كيفما يشاءون, ويستغلون ذلك للصراعات الداخلية, حيث قام الوزير البابلي –الذي جاء بعد اليازوري- بالإيقاع بين الأتراك والعبيد بناءً على طلب أم المستنصر, ثم حدث النزاع بين الأتراك والمغاربة, وسبّب ذلك كله اضطراب البلاد وكثرة القتل والسرقات والفواحش وخاصة في عصورها المتأخرة, وتحديداً في زمن العاضد, آخر الحكام الفاطميين في مصر, حيث ثار وزير العاضد شاور على الوزير العادل, واستولى شاور على الوزارة, وسار فيها سيرة سيئة, ثم استطاع ضرغام, وهو أحد وزراء العاضد, من طرد شاور, لكن شاور تمكن من الرجوع بمساعدة جيوش نور الدين زنكي, ثم انتزع أسد الدين شيركوه –عم صلاح الدين- الحكم من شاور, وتولى الحكم من بعده ابن أخيه صلاح الدين ثم كانت نهاية الدولة الفاطمية, وتعتبر الفترة التي ولي فيها شاور وضرغام أسوأ ما مرّ بمصر من أحداث كانت نتيجتها نهاية الدولة الفاطمية.
ثانياً: الحياة الاجتماعية
بلغت الحضارة في هذا العصر شأناً عظيماً وخاصة في مجال البناء, وبرزت ظاهرة البذخ بشكل فاق كل تصور, حيث كان في قصر الخلافة ثلاثون ألف نفس منهم اثنا عشر ألف خادم, وألف فارس وحارس...(6/16)
وكانت كثرة الأعياد السمة البارزة لهذه الدولة, وكان العبيديون الفاطميون يحاولون من خلال ذلك كسب ود المصريين وتمرير مخططاتهم, ومن هذه الأعياد: عيد رأس السنة, أول العام, عاشوراء, مولد النبي صلى الله عليه وسلم, مولد علي رضي الله عنه, مولد الحسن رضي الله عنه, مولد الحسين رضي الله عنه, مولد فاطمة رضي الله عنها, مولد الخليفة القائم بالأمر, عيد أول رجب ومنتصفه, عيد أول شعبان والنصف منه, عيد موسم شهر رمضان وغرة رمضان, وعيد جبر الخليج والنيروز والغطاس والميلاد والنصر والشهيد وخميس العهد ووفاء النيل والغدير وسجن يوسف وعيد الأحد والفطر والأضحى.
وكانت الأموال الباهظة تنفق في هذه الأعياد, ومن جهة أخرى كان الحكام الفاطميون يعيشون في ترف وبذخ, وكان لهم قاعة من الذهب الخالص, فضلاً عن مجالس الغناء واللهو وشرب الخمور, ومجالس الطعام والشراب.
إن حياة البذخ التي كان الفاطميون يعيشون فيها وامتلاء قصورهم بالأموال والذهب أدّت إلى زيادة الضرائب والتضييق على الناس وكثرة الأنظمة والقوانين لتسوء بذلك حياة المصريين.
ثالثاً: الحياة الفكرية
قامت الدولة الفاطمية ومن أهدافها القضاء على الخلافة السنيّة, ونشر المذهب الشيعي, وكان الصراع بين الخلافتين عنيفاً استعمل فيه كل سلاح ممكن.
ومن الأساليب التي استعان بها العبيديون الفاطميون وبرعوا فيها سلاح العلم والثقافة والأدب, إذ أن مذهبهم الشيعي الذي يخالف المذهب السني الذي يتبعه أهل مصر كان في حاجة إلى الدعوة وكسب المؤيدين في العالم الإسلامي ومصر خاصة, والوقوف في وجه علماء السنة الذين كانوا يبينون عقائد الفاطميين ومخططاتهم.
وكانت المعركة الفكرية هي الأساس, واستعملت فيها الأموال الكثيرة لتنفيذ هذه المآرب, فأصبحت القاهرة في عصرهم مركز إشعاع للعلوم والفنون المختلفة.(6/17)
وكان الاهتمام بالعلوم على مستوى الدولة, فقد كان للوزير ابن كلس الكثير من المؤلفات في القراءات وعلم الأبدان والفقه الإسماعيلي وآداب الرسول صلى الله عليه وسلم, وأشهر كتبه مختصر الفقه المعروف بالرسالة الوزارية ضمّنه ما سمعه من الخليفة المعز وولده العزيز.
وألّف أبو شجاع الذي تولى الوزارة سنة 457هـ في خلافة المستنصر كتاب موارد البيان في ترتيب الكتاب.
وكان الحكام الفاطميون والوزراء والقضاة يهتمون بشكل كبير بنشر مذهبهم بين مختلف طبقات الشعب, وذلك بتشجيع نسخ الكتب وجمع النادر منها وإنشاء المكتبات وإلقاء الدروس في المساجد وإنشاء المدارس, وتقديم مكافأة للذين يحفظون بعض الكتب, وكان القضاة يفتون ويعملون بما في هذه الكتب.
مؤسسات:
1- ومن المؤسسات الكبيرة التي سخرها الفاطميون لنشر مذهبهم الأزهر, إذ كان يعتبر جامعة, الدراسة فيه منتظمة, وتمّ تخصيص بعض الأوقاف له.
2- ومسجد عمرو بن العاص, الذي صليت فيه الجمعة, وخطب فيه للمعز سنة 358هـ, وتم نقل الخطبة التي دعت للمعز بعد ذلك إلى باقي المساجد في مصر.
3- ولم يكن اهتمامهم مقصوراً على المساجد, إذ أنشأ الحاكم بأمر الله سنة 395هـ دار الحكمة لتكون جامعة تضم عدة كليات وحلقات, وعيّن فيها كبار المعلمين, وجمع لها من خزائن القصر مجموعات عظيمة من الكتب في سائر العلوم والفنون, ورصدت لها الأموال الكثيرة للإنفاق عليها وعلى الأساتذة الموظفين والخدم, وأفردت للنساء مجالس خاصة للتعليم.
وألحق الحاكم بدار الحكمة المحفل الأكبر الذي كان يلتقي فيه المدعوون سر المذهب الإسماعيلي, وكان المحفل يعقد يومي الإثنين والأربعاء برئاسة داعي الدعاة, وظهر أن الدعوة الإسماعيلية تدار على نسق الجمعيات السريّة في مراتب متدرجة وبلقاءات سرية.
4- وأنشأ الفاطميون مكتبة القصر, التي احتوت على مائتي ألف مجلد.
5- وأنشأ العزيز والحاكم دور الكتب والمطالعة.(6/18)
6- وفي عصر الظاهر سنة 411هـ أخرج من كان بمبصر من الفقهاء المالكية, وتم تشديد الأمر على الناس أن يحفظوا الكتب الإسماعيلية مثل دعائم الإسلام ومختصر الوزير, وجعلوا لمن يحفظها مالاً.
وهكذا كانت الحياة الفكرية زمن الفاطميين نشطة لنشر المذهب الشيعي الإسماعيلي من خلال المساجد والمدارس والمكتبات والجامعات والحلقات المنظمة.
الفصل الثاني
المؤسسات التربوية بمصر في عصر صلاح الدين
سبق القول أن الفاطميين اهتموا خلال حكمهم لمصر اهتماماً كبيراً بالعلم والثقافة وإقامة المؤسسات التعليمية من أجل نشر المذهب الشيعي الإسماعيلي, الأمر الذي جعل صلاح الدين عند استلامه لحكم مصر يواجه العلم بالعلم والفكر بالفكر والمؤسسات بالمؤسسات.
وكان صلاح الدين يهدف من إقامة المؤسسات إلى ما يلي:
القضاء على المذهب الشيعي الذي أدخله الفاطميون على مصر.
نشر المذهب السني بمذاهبه المختلفة, وخاصة الشافعي.
حب صلاح الدين وتقديره للعلم وأهله.
ويحتوي هذا الفصل على مبحثين: الأول خصصه المؤلف للمؤسسات التربوية التي أقامها صلاح الدين أو استفاد منها أو طوّرها, والمبحث الآخر تحدث فيه حول تمويلها.
المبحث الأول: أنواع المؤسسات التربوية
1-المساجد, حيث كان يشكل المحور الهام في حياة المسلم, وقد اتخذ صلاح الدين المساجد مراكز للعلم بعد إغلاق الأزهر مباشرة لأنه كان يشكل رمزاً للدعوة الفاطمية, واهتم صلاح الدين بدور المسجد التربوي اهتماماً كبيراً.
وقد قال ابن جبير في الرحلة ص27: ((وما من جامع من الجوامع ولا مسجد من المساجد ولا مدرسة من المدارس إلا وفضل السلطان يعم جميع من يأوي إليها ويلزم السكن فيها)).
2-الكتاتيب, وذلك يعكس اهتمامه بالصغار, وقال ابن جبير أيضاً: ((كان كل تلميذ بمصر يلقى سكناً يأوي إليه ومدرساً يعلمه الفن الذي يريد تعلمه وأجرا يقوم به في جميع أحواله)).(6/19)
3-المدارس, وكانت تتميز عن غيرها من المؤسسات باستقلال البناء وتخصيص الوقف اللازم لها والنظام الداخلي من حيث الأقسام الملحقة بها وإدارتها, ورواتب المدرسين والطلبة ومعايير القبول.
وقد اهتم صلاح الدين ووزراؤه والأمراء والتجار والقضاة والعلماء بالمدارس وقدموا لها المال اللازم للبناء والتأثيث وتخصيص الوقت اللازم لها.
ومن أبرز المدارس التي تم إنشاؤها:
-المدرسة الناصرية: أنشأها صلاح الدين على المذهب الشافعي بالقرافة سنة 572هـ.
-المدرسة القمحية: أنشأها قرب مسجد عمرو بن العاص, وقد أوقفها لفقهاء المالكية.
-مدرسة يازكوج: أنشأها سيف الدين يازكوج أحد أمراء صلاح الدين بسوق الغزل.
-مدرسة العادل: أنشأها العادل شقيق صلاح الدين, وأوقفها على فقهاء المالكية.
-ومن المدارس الأخرى: الفائزية وابن رشيق والقطبية والسيوفية والفاضلية والأزكشية والفخرية والسيفية والعاشورية والصيرمية والصالحية ومنازل العز والشريفية والصاحبية وابن الأرسوفي, وعادة ما كانت تسمى المدرسة على اسم بانيها.
4-الزوايا, وكانت تقوم على إيواء الفقراء, وجاء اعتبارها مؤسسة تربوية لأن صلاح الدين أراد استقطاب جميع شرائح المجتمع نحوعملية الإصلاح والتغيير.
5-الخوانك, أو الخوانق جمع خانكاه وهي كلمة فارسية معناها البيت أو الموضع الذي يأكل فيه الملك, وهي دور جعلت لفقراء الصوفية القادمين من البلاد الشاسعة, وكان صلاح الدين يحرص على السيطرة على جميع الأماكن التي تجمع عدداً كبيراً من الناس.
6-المشاهد, وهي الأماكن التي دفن بها بعض الأنبياء والصالحين, حيث عقد بها صلاح الدين حلقات تعليمية مستغلاً تعلق العوام بهذه المشاهد.(6/20)
7-المراكز التعليمية الخاصة (البيمارستانات), حيث خصص السلطان صلاح الدين جزءاً من القصر الفاطمي لإنشاء بيمارستان (مستشفى) وعين فيه أهل المعرفة ووضع لديهم خزائن العقاقير ومكنهم من استعمالها, كما عيّن أطباء مشرفين ومدرسين يقومون بتعليم الأطباء فيه.
المبحث الثاني: تمويل المؤسسات التربوية
اهتم صلاح الدين خير اهتمام بتمويل المؤسسات التربوية وضمان بقائها واستمرارها في أداء دورها, خاصة وأن الشعب المصري أرهق من كثرة الضرائب إضافة إلى أن جزءاً من الشعب كان من المغاربة والسودانيين الغرباء والفقراء, الأمر الذي يوجب توفير قدر من الاستقرار المادي من أجل تفرغ المعلم والطالب للعلم والتعلم.
وقد جاء تمويل هذه المؤسسات من المصادر التالية:
1-التمويل من قبل الدولة (بيت مال المسلمين), حيث يقول ابن جبير عمّا انفقه السلطان صلاح الدين: "وألحق بالمسجد النظام الداخلي حيث كان مأوى للغرباء وأجرى عليهم الأرزاق في كل شيء".
2-التمويل من قبل الأمراء والوزراء والقضاة, الذين اقتدوا بصلاح الدين ومن هؤلاء القاضي الفاضل الذي أنفق علىالمدرسة الفاضلية, والأمير يازكوج والأمير العادل شقيق صلاح الدين, وكانت المدرسة في العادة تسمى على اسم من أنشأها أو أوقف عليها الأوقاف.
3-التمويل من قبل التجار وعامة الناس مثل مدرسة ابن الأرسوفي وهو من التجار, ومثل مسرور الصفدي الذي بنى المدرسة المسرورية, وهو من عامة الشعب.
الفصل الثالث
المناهج التربوية
يتضمن هذا الفصل وهو الأخير من الكتاب قضية المناهج التربوية, تلك التي كانت في عصر الفاطميين, وفي عصر صلاح الدين, والأساليب التي اتبعها لتغيير مناهج الفاطميين, والمضامين التربوية والأخلاقية التي كانت تحتويها توجهات صلاح الدين رحمه الله.
المبحث الأول: طبيعة المناهج في عصر الفاطميين(6/21)
سبق القول أن العبيديين الفاطميين اهتموا بنشر مذهبهم الإسماعيلي اهتماماً بالغاً, وكانت تعتمد في ذلك على منهجين: الأول علني والآخر سري.
فالمنهج العلني كان يقوم به الوزراء والولاة بحيث يرضي العامة جميعها, وأما المنهج السري فكان يشرف عليه الخليفة الفاطمي بنفسه.
وكان قادة الدولة يتميزون بغزارة نشاطهم الفكري وكثرة تآليفهم كابن حوشب وابن كلس والنعمان بن حيون التميمي, وأصبحت مؤلفاتهم من المناهج المعتمدة للدولة الفاطمية.
نماذج من المناهج التي اعتمدها الفاطميون:
1-المجالس المؤيدية, لداعي الدعاة هبة الله الشيرازي.
2-ديوان ابن هانيء الأندلسي شاعر الدولة الفاطمية, وفي بعض الأبيات يخاطب الشاعر الخليفة الفاطمي قائلاً:
ما شئت لا ماشاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار
وكأنما أنت النبي محمد وكأنما أنصارك الأنصار
هذا الذي ترجى النجاة بحبه وبه يحط الإصر والأوزار
3-السيرة المؤيدية لهبة الله الشيرازي, وذكر فيه مناقب أهل البيت ولزوم طاعة الإمام.
4-المجالس والمسايرات للقاضي أبي حنيفة النعمان الإسماعيلي, وهذا المؤلف يقع في ثلاثة مجلدات عن حياة الخلفاء الفاطميين, وفيه أحكام في القضاء والفقه.
5-الفترات والقرانات, وهو المسمى "الجفر الأسود" المنسوب لعلي بن أبي طالب وفيه يدّعون أن لكل آية من القرآن ظاهراً وباطناً, وأن من يؤمن بالظاهر دون الباطن فهو كافر.
6-دعائم الإسلام للقاضي أبي حنيفة النعمان الإسماعيلي, وقد اتخذه الفاطموين مرجعاً في أحكامهم, كما فعل الحاكم بأمر الله الفاطمي حينما أمر هارون بن محمد داعية اليمن بقوله: ((ولتكن فتواك للمستفتين في الحلال والحرام من كتاب دعائم الإسلام دون سواه)).
7-أسرار النطقاء لجعفر بن منصور, ويعد هذا المنهاج من كتب المناظرات الإسماعيلية الكبيرة, واتخذ أساساً في الرد على من يخالفهم في أسرار النطقاء.(6/22)
8-رسائل إخوان الصفا, وهي رسائل ألّفها المستورون والدعاة الأربعة في شتى العلوم والفنون.
امتازت المناهج عند الفاطميين بـ:
امتازت المناهج عند الفاطميين بتوجيه الناس نحو العقيدة الإسماعيلية الشيعية وأبرزها الابتعاد عن الأصل السني, وقد ظهر جليّاً في عدد كبير من المخالفات الصريحة للدين الإسلامي التي حرص الفاطميون على نشرها وتثبيتها في عقول الناس نذكر منها:
1-أن إسرار الدين متوقفة على تعاليم الأئمة من نسل فاطمة الزهراء.
2-إبطال القياس والرأي بل وإنكار الإجماع, والطعن في فتاوى بعض الصحابة وجميع أهل الرأي والحديث.
3-الادّعاء بأن للإسلام ظاهراً وباطناً, وبكفر من آمن بالظاهر دون الباطن.
4-العمل بفقه خاص بهم, فمثلاً يقرر المذهب الفاطمي أن عدد أيام شهر رمضان ثلاثون يوماً, لا ينقص في جميع السنيين, وقد تم تطبيق ذلك في مصر.
5-فسروا القرآن تفسيراً ظاهرياً وآخر باطنياً.
6-مخالفتهم لكثير من عقائد المسلمين, كقولهم أن الله لا يرى بالأبصار وأنه لا يرى بالعقول.
المبحث الثاني: أساليب صلاح الدين في تغيير المناهج السابقة
أدرك صلاح الدين عند توليه السلطة أن عليه واجباً كبيراً, وأن مسائل عديدة تقف أمامه بحاجة إلى حل جذري, ذلك أن المناهج التربوية الشيعية نخرت جسم المجتمع المصري, مع انتشار زعماء ودعاة وعلماء الشيعة ووصولهم إلى السلطة وتولي زمام الأمور.
ومن أجل القضاء على ما أحدثه الفاطميون في المجتمع المصري, وإعادته إلى مذهب أهل السنة, قام السلطان صلاح الدين ببعض الخطوات التي من شأنها تحقيق هذا الهدف, أهمها:
1-قطع الخطبة للخليفة الفاطمي العاضد, وإقامتها للخليفة العباسي السني المستضيء, وذلك في مسجد ابن طولون, وكان اختيار هذا المسجد لهذا التحول الكبير رغبة من صلاح الدين بتهميش المؤسسات الشيعية وعلى رأسها الأزهر.(6/23)
2-إغلاق المؤسسات التربوية الشيعية, وعلى رأسها الأزهر الذي جعله الفاطميون مركزاً لنشر الدعوة الإسماعيلية, وقد أغلقه صلاح الدين خوف تعلق الناس به أو أن يبقى رمزاً للدعوة الفاطمية, فقد كان الأزهر جامعة حقيقية بلغ عدد نزلائه 750 طالباً, وكان عتاة الدولة الفاطمية كأبي حنيفة النعمان وابن كلس والمؤيد لدين الله يدرسون فيه ولم يكن يدرس إلا المناهج الشيعية.
ومع إغلاق هذه المؤسسات, وفّر صلاح الدين البديل الجاهز المتمثل في مسجد ابن طولون الذي جعل فيه الخطابة والتدريس ومكاناً لسكن الطلاب.
3-عزل قضاة الشيعة
قام صلاح الدين بعزل وسجن وقتل قضاة الشيعة, حيث يعتبر القضاة أركان الدولة وأصحاب تصريف شؤون العباد, وهم المرجع للناس والمدرسون وأصحاب الفتيا, وفي المقابل فوّض القضاء لصدر الدين عبد الملك بن درباس المارداني الشافعي, الذي قام بدوره بتعيين كافة القضاة من المذهب السني.
4-حرق المناهج الشيعية وإغلاق المكتبات وهدمها, حيث كانت تحتوي المكتبات الفاطمية مئات آلاف الكتب, يقول ابن خلدون عمّا أقدم عليه السلطان: "وأحرق ما أحرق من كتبها وأبقى ما أبقى وبنى مكانها مدرسة شرعية على المذهب الشافعي, وقام كذلك بحرق مكتبة القصر الفاطمي مهدياً منها بائعاً الذي ينتفع منها" العِبَر 4/79.
5-قتل وحبس دعاة وقادة المذهب الفاطمي, ذلك أنهم أخذوا يدبرون الفتن لصلاح الدين مرات عديدة, مثل عمارة اليمني وعبد الصمد الكاتب وقاضي القضاة وداعي الدعاة.
المبحث الثالث: مضامين تربوية في توجهات صلاح الدين
مع الحرص على القضاء على المخلفات الشيعية الفاطمية في مصر وإعادة مصر إلى المذهب السني, كانت مواقف صلاح الدين ذات مضامين تربوية مستمدة من واقع عهده, ومن رسائله ومراسيمه.
1-التدين بطاعة أولي الأمر, حيث يقول صلاح الدين: ((ونحن لا نتدين إلا بطاعة الإمام ولا نرى ذلك إلا من أركان الإسلام)).(6/24)
2-تصفية المؤسسات التربوية الفاسدة ومحاربة الاتجاهات السلبية التي يروجها الشيعة.
3-الحث على الاعتصام بالكتاب والسنة, كما جاء في رسالته إلى أخيه العادل الذي كان نائباً عنه في مصر, وعندما حصل شغب من بعض الأفراد.
4-الحث على فضيلة العدل والإحسان للرعية, فقد كان يوجه إلى ولاته يقول: ((فليعدل في الرعية الذين هم عنده ودائع, وليجاوز بهم درجة العدل إلى إحسان الصنائع, فإذا أسند هذا الأمر إلى ولاته فليكونوا تقاة لا يجد الهوى عليهم سبيلاً...)).
5-الحرص على تطبيق مبادىء الشريعة, حيث يقول في حديثه إلى أخيه العادل: ((وقد فشا في هذا الزمن أخذ الرشوة, وهي محق أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بنبذه, ونهى عن أخذه وعن الرغبة في تداوله, وهو كأخذ الربا الذي قرنت اللعنة بمؤكله وآكله)).
6-الاهتمام بأمر القضاء, حيث اعتبر القضاة أوتاداً للشريعة.
7-الاهتمام بأمر الجهاد والحث عليه, ويقول: ((إن الله لمّا مكن لنا في الأرض ووفقنا في إعزاز الحق وإظهاره لأداء الفرض رأينا أن نقدم فرض الجهاد في سبيل الله, فنوضح سبيله ونقبل على إعلاء الدين...)).
8-التركيز على وحدة المنهاج كما ظهر ذلك في مرسوم أصدره ضمّنه قوله تعالى: ((فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم)) [النور:63].
جولة الصحافة إيران خارج محور الشر
د. فهد الفانك
الرأي – 24/12/2003
فهد الفانك كاتب أردني مسيحي بارز, وهو يسلط الضوء في هذا المقال على وضع إيران نفسها في خدمة المحتل في العراق, هذا المحتل الذي كان يوصف دائماً بأنه الشيطان الأكبر...............................................المحرر.
يبدو كأن إيران خرجت من محور الشر الأميركي, ليس لأن تغييراً حصل في نظام الحكم أو تطلعاته, بل لأن لإيران دوراً في مساعدة الاحتلال الأميركي للعراق, وتوجيه الموالين لها للمحافظة على أمن الاحتلال.(6/25)
كنا نعرف أن إيران -بلد الثورة العقائدية- تحولت منذ زمن إلى دولة براجماتية, ولكنا لم نكن نتصور أن تصل الأمور لدرجة تدخل معها الجمهورية الإسلامية بيت الطاعة الأميركي بهذه الصراحة.
وكنا نفهم أن تنصاع إيران لإرادة أميركا فيما يتعلق ببرنامجها الذري, خوفاً من غضب الثور الهائج الذي قد يتعامل مع إيران بنفس الطريقة التي تعامل بها مع العراق خاصة وأن إيران محاطة بالقوات الأميركية براً وبحراً, وهنا يمكن النظر إلى الخطوة الإيرانية على أنها جاءت من قبيل الواقعية والحكمة, فالعاقل من اتعظ بغيره.
لكنا لا نفهم أن تتدخل إيران في الشأن العراقي لصالح الوالي بريمر ممثل الشيطان الأكبر, بالضغط على الطائفة الشيعية والعناصر الإيرانية المندسة في قوات بدر وغيرها لوضع نفسها تحت تصرف قوات الاحتلال لدرجة دفعهم لأن يطالبوا بحق إيران في التعويض عن الحرب التي استمرت ثماني سنوات بسبب عناد الخميني وإصراره على القتال خلافاً لقرار مجلس الأمن الدولي وإرادة العالم.
عندما تعلق الأمر بالعراق لم تستطع أو لم ترد أميركا بما لها من نفوذ وقوة أن تحصل على النظام العراقي على ما تريد دون حرب, أما في الأحوال الأخرى كإيران وسورية وليبيا والسعودية فإن أميركا استردت قدرتها على تحصيل ما تريد بدون الحاجة لاستخدام القوة.
ماذا قدمت أميركا لإيران وغيرها من الدول المتعاونة؟ لا شيء تقريباً, إيران حصلت من إبعاد مجاهدي خلق عن حدودها العراقية حيث لم تعد أميركا بحاجة لاستخدامهم كأداة للضغط على إيران, أما ليبيا فقد قيل لها أن ما فعلته بأسلحة الدمار الشامل جيد ولكنه غير كاف, وما زالت سورية تحت مطرقة التهديد بالعدوان والعقوبات, وظلت السعودية مطالبة بالمزيد.
جولة الصحافة إسرائيل وإيران تهديدات كلامية
د. فهد الفانك
الرأي 1/1/2004(6/26)
موفاز وزير الدفاع الإسرائيلي, وهو من أصل إيراني, هدد إيران بضرب منشآتها الذرية إذا دعت الضرورة إلى ذلك, والأدميرال شمخاني وزير الدفاع الإيراني هدد بالرد على إسرائيل بصواريخ شهاب 3 إذا تجاسرت على الاعتداء على إيران.
التهديدات من الجانبين فارغة, وتدخل في باب الفشر العسكري والحرب الكلامية, ولو كانت إسرائيل تنوي فعلاً ضرب أهداف إيرانية حيوية لما أعلنت عن ذلك سلفاً, ففي إسرائيل يسبق الفعل الكلام, ولو كانت إيران تنوي ضرب إسرائيل بالصواريخ البعيدة المدى فماذا تنتظر, ولماذا لا تلجأ إلى الضربة الوقائية التي شرعتها أميركا؟!
حقيقة الأمر أن إسرائيل تريد أن تضع إيران تحت المزيد من الضغط لدفعها لتقديم المزيد من التنازلات, بحيث لا تكتفي بالخضوع للتفتيش الصارم, بل تقتفي أثر ليبيا في التخلي عن سلاحها وبرامجها طوعاً, ودخول بيت الطاعة الأميركي بدون تحفظ.
تستطيع طائرات إسرائيل لو شاءت أن تنطلق من مطارات عراقية تحتلها أميركا وتعود إليها, وبذلك تكون الأهداف الإيرانية في متناول طائراتها, ولو شاءت إيران أن تضرب إسرائيل فالأولى بها أن تستخدم ذراعها اللبناني –حزب الله- فصواريخها البعيدة المدى لا تشكل ردعاً كافياً طالما أنها ليست مزودة برؤوس نووية, فالمتفجرات التقليدية التي يمكن أن يحملها صاروخ شهاب 3 محدودة الأثر, ويصعب توجيهها لإصابة أهداف محددة بدقة, علماً بأن إيران تستطيع أن تضرب إسرائيل من جنوب لبنان بصواريخ أقل كلفة وأكثر فعالية.
إسرائيل وإيران قد تقفان موقفاً عدائياً تجاه بعضهما البعض من منطلق تكتيكي, ولكنهما أقرب إلى التحالف من الناحية الاستراتيجية, فهما القوتان اللتان يحسب لهما حساب على طرفي المشرق العربي الرخو, الذي يؤدي ضعفه وتفككه إلى إثارة شهية الجوار الأقوياء للمزيد من الأراضي والنفوذ, وما زلنا نذكر تزويد إسرائيل لإيران بالسلاح لتمكينها من ضرب العراق في الثمانينات.(6/27)
ما يجمع بين إسرائيل وإيران أكثر مما يفرق بينهما, والتهديدات المتبادلة ليست سوى وسيلة لتحسين المواقف التساومية بين الطرفين في اقتسام منافع الفراغ الراهن, بعد إخراج العراق من المعادلة وتحويله إلى ساحة صراع.
الجزر العربية الثلاث بانتظار التحكيم الدولي- د. خالد ابراهيم بعباع
الرأي – 4/1/2004
أعاد الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الإيرانية السيد «حميد رضا آصفي» أعاد ترديد ما تردده الجهات الرسمية الإيرانية منذ فترة بشأن "سيادة إيران الكاملة" على الجزر العربية الثلاث في الخليج العربي، والتي هي محل خلاف محتدم مع دولة الإمارات العربية المتحدة.
وقال آصفي في رده على البيان الختامي لقمة مجلس التعاون الخليجي الأخير «أن مواصلة المفاوضات الإيجابية والبناءة بين مسؤولي الجمهورية "الإسلامية" وحكومة الإمارات العربية المتحدة ستعزز علاقاتنا وتبدد سوء التفاهم بخصوص اتفاق 1971 حول أبو موسى».
وكما سلخت فرنسا لواء الأسكندرون وقدمته هدية لتركيا، كذلك فعلت أسبانيا باحتلالها لسبتة ومليلة في المغرب العربي على مرأى ومشهد من الأمة العربية. كذلك يبدو الحال مع الجزر العربية الثلاث التي احتلتها الجارة "الإسلامية الصديقة"! إيران في عهد الشاه، وكان آخرها أكبر الجزر وأهمها «أبو موسى».
وتبسيطا لتناول الموضوع بمجمله، يمكن تجزئته إلى ثلاث شرائح هي:
الأولى: أهمية الخليج والجزر، والثانية: الحق العربي في الجزر، والثالثة: ما بعد احتلال الجزر.
أولاً: أهمية الخليج والجزر
تكمن هذه الأهمية في النواحي التالية:
1- الموقع الاستراتيجي:(6/28)
تمثل منطقة الخليج نقطة التقاء طرق المواصلات بين آسيا وإفريقيا وأوربا، كما تمثل ممرا مائيا يسيطر على أهم المضائق الدولية التي تتحكم بنقل النفط «مضيق هرمز» الذي يرتبط بخليج عدن ثم البحر العربي، والذي يلتقي بالمحيط الهندي شرقا، والبحر الأحمر غربا عن طريق باب المندب. وتقع على هذا الممر المائي موانئ ومراكز بحرية. ويبلغ طول الخليج حوالي «900» كيلومتر، وعرضه في أوسعه حوالي «300» كيلومتر.
2- الأهمية العسكرية
بحكم موقع الخليج الاستراتيجي، اصبح له أهمية عسكرية مهمة استغلتها الولايات المتحدة لإقامة قواعد عسكرية فيه لتأمين مصالحها الاستراتيجية، كقاعدة الظهران، وقاعدة مصيرة في سلطنة عمان، والحفير في البحرين.
3- الأهمية التجارية والمالية
تعد منطقة الخليج، بحكم اقتصادها الأحادي الجانب، مركزا هاما للاستثمارات الأجنبية، وسوقا للبضائع الاستهلاكية، بحيث أصبح معظم ما تحصل عليه دول الخليج العربي من واردات نفطها يعود للدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة، كمدفوعات للبضائع الاستهلاكية، كما تستثمر معظم الأموال الطائلة من عائدات النفط بإيداعها البنوك الغربية لدعم اقتصاديات هذه الدول.
4- الأهمية النفطية (الطاقة)
تستورد الولايات المتحدة من النفط وحدها أكثر من «60» في المائة من دول المنطقة، كما أن اليابان تستورد قرابة «83» في المائة من احتياجاتها النفطية من نفس هذا المصدر.
أما بشأن الاحتياطي النفطي فيكفي ان نذكر بأن احتياطي العربية السعودية وحدها يعادل مجموع الاحتياطي النفطي الأميركي مضافا إليه احتياطي «جميع» دول الاتحاد الروسي مجتمعة. هذا بالاضافة إلى أن نفط الخليج العربي يمتاز بغزارته وتكاليفه المنخفضة.(6/29)
أما أهمية الجزر العربية الثلاث: فإنها تشكل مركزا للمراقبة يمكن منه رؤية سواحل السعودية والعراق وإيران. كما أن موقع هذه الجزر يفوق في أهميته موقع جزيرة «هرمز» التي تطل على ساحل المضيق المسمى بنفس الاسم. والجزر الثلاث: أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى لا تقل أهميتها الاستراتيجية عن جبل طارق في مدخل المتوسط، وعن عدن في مدخل البحر الأحمر، وهذه الجزر تمثل عنق الزجاجة للخليج العربي وجزر خليج هرمز بحكم موقعها، حيث تقف مشرفة على حركة المرور في الخليج وتتحكم فيه. وأن أي قوة تفرض سلطانها على هذه الجزر، تستطيع أن تؤثر بصورة فعالة في المجالات السياسية والعسكرية والتجارية المستقبلية للمنطقة.
ثانياً: الحق العربي في الجزر
ليس للجزر الثلاث تاريخ مميز قائم بذاته، وانما هو مرتبط بتاريخ الساحل العُماني المقترن دائما بالقبائل العربية المعروفة «بالقواسم» والتي كانت قوتها لا تضاهيها أي قوة في المنطقة. وكانت عاصمة القواسم «رأس الخيمة» لكن في عهد الشيخ السلطان بن قصر «1803 - 1856» تم نقل العاصمة إلى «الشارقة» فتبعية الجزر كانت آنذاك إلى دولة القواسم، والتي تتكون من رأس الخيمة والشارقة وإمارات الخليج العربي الأخرى التي ظهرت فيما بعد. تم قامت بريطانيا، لأسبابها الاستراتيجية بالإطاحة بحكم القواسم واحتلال رأس الخيمة وحصون القواسم، ودفعتهم إلى تقديم تنازلات أطلقوا عليها اسم «معاهدات» في أعوام 1813 و 1820 و 1838 و 1853م.(6/30)
وبعد ان تم للسلطات البريطانية الاستيلاء على قلاع القواسم وثغورهم وتشتيت أسطولهم، عملت «إيران» على احتلال ما لم تستطعه إبان حكم القواسم، فقضى الإيرانيون عام «1887» على الحكم العربي في «طنجة» الواقعة على الجانب الإيراني الغربي، والذي ينتمي إليه القواسم. كما استولوا بعدئذ على «صيري» الواقعة إلى الغرب من جزيرة أبو موسى والتابعة لإمارة الشارقة وجزيرة «هنكام» التابعة لقبيلة «بني ياس» العربية.
ورغم زحفها هذا نحو الساحل الغربي للخليج العربي لم يعرف أبدا أن إيران ادعت السيادة على الجزر العربية الثلاث، وظل حاكم الشارقة، الذي كانت رأس الخيمة جزءا من إمارته وما زال، صاحب السيادة الشرعية على تلك الجزر.
إن منافسة النفوذ الغربي لإيران في بداية القرن الماضي، دفعها لاحتلال الجزر الثلاث ورفع العلم الإيراني فوقها، لكن إيران اضطرت للانسحاب بعد ثلاثة أشهر من احتلالها للجزر، تحت ضغط القوة البريطانية، التي كانت إمارة الشارقة قد عقدت معها «معاهدة صداقة» سابقة، واستعادت الشارقة سيادتها على الجزر الثلاث، ورفعت عليها علمها غير أنه في 30 تشرين الثاني 1971 وبالتحديد عند إعلان قيام دولة الإمارات العربية، دخلت قوات شاه إيران السابق الجزر الثلاث، ووقعت قسرا مع السلطة العربية الجديدة اتفاقية عام 1971 والتي تقضي بأن يبقى سكان الجزر الثلاث خاضعين لقوانين وتشريعات الشارقة، التي انضمت لدولة الإمارات العربية.(6/31)
إن الأغلبية الساحقة من المصادر والمؤلفات الأجنبية التي أمكن لهذا الكاتب الاطلاع عليها تعترف بسيادة الشارقة على الجزر العربية الثلاث في الخليج العربي ومنها كتاب «فلوديمر» الذي وضعه بناء على طلب حكومة الهند إبان الانتداب البريطاني، والذي بقي سراً ولم ينشر قبل عام 1960, وكذلك كتاب «الخليج العربي» لمؤلفه الإميركي ديفيد لونج حيث ذكر في صفحة «17» أن "القواسم كان لهم تاريخ يفتخر به، حيث سيطروا في وقت ما على جانبي الخليج".
لقد قامت إيران "الثورة" كإحدى نتائج الوضع العربي المتردي، وتحييد وإضعاف العراق، قامت في الأسبوع الثالث من نيسان عام «1992» باحتلالها للجزر الثلاث، وخاصة جزيرة «أبو موسى» الاستراتيجية وتم طرد العمال الذين يستخدمهم مواطنون من الإمارات، وإغلاق المدرسة العربية الوحيدة، واحتلال مركز الشرطة، مما يعد خرقا صارخا لاتفاقية 1971 ولمبادئ القانون الدولي، وحاولت دولة الإمارات، صاحبة الحق الشرعي في الجزر وما زالت عن «طريق الدبلوماسية الهادئة» إعادة حقها المستلب، وذلك على الأقل إعادة مدرسين وآخرين إلى جزيرة «أبو موسى» ولكن السلطات الإيرانية رفضت نزولهم في الجزيرة وهددت بإغراق سفينتهم، وطلبت منهم الحصول على تأشيرات دخول إيرانية.
ثالثاً: ما بعد احتلال الجزر
لقد اجتذبت الجزر الثلاث على مر السنين اهتماما ملحوظا ربما أكبر بكثير من حجمها، وخلقت في الوقت نفسه خلافات ونزاعات كان من الممكن تلافيها لو أن إيران الجارة "المسلمة الصديقة"! نفذت اتفاق عام 1971 الذي اعترف لدولة الإمارات العربية بالسيادة على الجزر, بدلا من احتلالها بالقوة من قبل إيران، ولو كانت «تملكها» فعلا لما «احتلتها» في المقام الأول.(6/32)
جزيرة أبو موسى تبعد حوالي خمسين كيلومترا شرقي جزيرة «صيري» العربية، ومساحتها لا تزيد عن بضعة كيلومترات، ولها مرفأ واحد، وخلال القرن الماضي كله لم يسكنها سوى بضعة أشخاص كإقامة دائمة. أما جزيرة «طنب الكبرى» فهي صخرة كبيرة ممتدة حوالي خمسين كيلومترا جنوب «بندر النجة» وكان يؤمها صيادو الأسماك في الماضي, أما «طنب الصغرى» فليس لها مساحة تذكر، ويعرف عنها خطورتها للملاحة.
السؤال الهام هو: ماذا تعني الجزر الثلاث لإيران كي تعيرها كل هذا الاهتمام؟ لأسباب ثلاثة كما تدعي إيران: الأول: الأمن والملاحة، وثانياً: النفط، وثالثاً: السياسة الداخلية، والمقام لا يساعد على التفصيل.
في الختام يقتضي التنويه أن إيران جعلت من قضية الجزر العربية خلال القرن الماضي وهذا القرن «قميص عثمان» لدعم أغراضها وسياستها، مع أن هذه الجزر عربية. إن تشدد إيران ورفضها الموافقة على عرض القضية أمام محكمة العدل الدولية للفصل فيها، لهو دليل قاطع على وهن الموقف الإيراني وتعنته، وعدم جديته لجهة إيجاد تفاهم أوفى وعلاقات جوار ثابتة وحميمة بينها وبين الأمة العربية بعامة. نسوق كل ذلك ولا نهمل الاعتراف بأن الإعلام العربي، بما في ذلك الإماراتي والخليجي لم ينجح حتى الآن بدعم قضية الجزر، لا عربيا ولا دوليا، بدليل أن وجهة النظر الإيرانية ما زالت لها الصدارة في هذا الحق العربي المهدور، ليس لجهد منظم وثابت وذكي للإعلام الإيراني، ولكن أكثر لتقصير الإعلام العربي وربما عجزه الأزلي.
جولة الصحافة المجلس الشيعي العراقي
علاء الجوادي
النور – العدد 151 – ديسمبر 2003
تمهيد(6/33)
قبل موته في شهر إبريل (نيسان) الماضي, كان عبد المجيد الخوئي مدير مؤسسة الخوئي في لندن ونجل المرجع الشيعي السابق أبي القاسم الخوئي, يسعى خلال العامين الماضيين إلى إنشاء "المجلس الشيعي العراقي" ليكون بمثابة المرجع للشيعة في العراق. وقد قطع فيه شوطاً كبيراً, ووضعت لهذا المجلس الأهداف والهيكلية, وآلية العمل.
وبالرغم من أن وفاة الخوئي أدت إلى تعثر إنشاء المجلس, إلا أن تسلم الشيعة لمناصب هامة في عراق ما بعد صدام حسين, وهيمنتهم على جزء من مؤسسات الدولة يجعل المجال مهيئاً لإنشائه, وهو الأمر الذي يدفعنا لنشر هذا المقال للتعرف على العمل الشيعي وأساليبه وأدواته, خاصة وأن المتغيرات في العراق والمنطقة تدفع باتجاه أخذهم لدور كبير.
ويعود الاهتمام بموضوع إنشاء مجلس أعلى للشيعة في العراق إلى فترة الثمانينات حيث اجتمع مجموعة من علماء الشيعة والكتاب المهتمين لمناقشة مقترحات تقدم بها علاء الجوادي, ومرت الأيام والسنوات حتى عقد لقاء في رمضان سنة 1421هـ (ديسمبر 2000) ضم عبد المجيد الخوئي ومحمد بحر العلوم وحسن بحر العلوم وإبراهيم بحر العلوم ومحمد عبد الجبار وأكرم الحكيم وغانم جواد, وجرى النقاش حول مفهوم التنمية وكيف يتم توظيفه لخدمة جماهير الشيعة.
وفي تلك الجلسة, ركز عبد المجيد الخوئي على ضرورة القيام بعمل جدي لخدمة شيعة العراق.
ثم عقدت الجلسة الثانية في منزل محمد بحر العلوم في 6/1/2001, وكان كاتب المقال علاء الجوادي يرى أن الأهم هو التركيز على أمرين هما:
1-حفظ كيان الشيعة في العراق. 2-ضمان حقوقهم الأساسية.
وفي جلسة لاحقة بتاريخ 29/1/2001 قدم الخوئي تصوره عن طبيعة ما يؤمن به من أن العمل ينبغي أن يكون من خلال الأسلوب السلمي وليس السياسي العسكري, وأن الحكم ليس هدف الشيعة, وبيّن أن أقرب مثال لذلك هو عمل مؤسسة الخوئي الخيري في لندن, التي تقوم بنشاطاتها بعيداً عن الممارسة السياسية.(6/34)
وفي 13/2/2001 عقدت جلسة أخرى, أشار فيها محمد بحر العلوم إلى أن حفظ كيان الشيعة لا يتم إلا من خلال الوصول إلى السلطة, واستبعد إمكانية العمل بدون الوصول إلى السلطة, لكن أكرم الحكيم كان يرى أن كيان الشيعة حفظ وهم ليسوا في السلطة لقرون طويلة. أما محمد عبد الجبار فرأى أن الكيان الشيعي محفوظ بالمرجعية وليس بالسلطة, أما الحقوق فغير محفوظة إلا بالدولة والسلطة, لذلك من الضروري التفكيك بين الأهداف.
وكاتب المقال علاء الجوادي هو أحد الذين شاركوا الخوئي في الإعداد للمجلس الشيعي العراقي, وقد كتب عن مراحله المختلفة والتصورات التي عرضت فيه ننقله إليكم بتصرف.........................................................................المحرر.
تداخل السياسي بالديني:
أمام هذه الرؤى في علاقة السياسي باللاسياسي كان رأيي هو أن التداخل بين السياسية والدين وأمور الحياة الأخرى من البديهيات والمحسوسات, فعملية الفصل لا تكون سهلة وإن لكل إنسان أو مجموعة عمل اهتماماتها وإمكاناتها ولا يستطيع أي فرد أو مجموعة القيام بجميع الأعمال, لذلك فالتخصص هو العلاج. إضافة إلى أن هناك العديد من الفعاليات والممارسات المعارضة لصدام منها حقيقية مرتبطة بوضع الداخل أو لها قوتها ضمن تأثير العامل الدولي والإقليمي وهؤلاء يعملون في الساحة ولا ينتظرون الإذن من أحد ومنهم الإسلامي ومنهم العلماني ومنهم البين بين. وانطلاقاً من هذا الفهم فإنني أرى وضمن التأكيد على حفظ كيان الشيعة وضمان الحقوق أن هناك ثمة حاجة في نظري في هذه المرحلة إلى نوعين على العمل أو المشاريع هما:
1-مشروع سياسي وطني غير طائفي يتبناه الشيعة بالعراق بصفته الوطنية العراقية, يضمن حقوقهم من خلال ضمان حقوق كل العراقيين.
2-مشروع حضاري يعبر عن واقع مدرسة أهل البيت في العراق وآفاقها, وهو مشروع غير سياسي)).
في العام نفسه توصل مجموعة من الشيعة إلى صياغة أفكار حول المجلس:(6/35)
ويضيف الجوادي:
((أ-المقصود بالمجموعة: هم الأخوة الذين تعاقبوا في الاجتماعات المذكورة وأعدوا وأقروا هذه الورقة وهم: السيد عبد المجيد الخوئي والسيد محمد بحر العلوم والشيخ إبراهيم النصيراوي, وكل من السادة: أكرم الحكيم وحسن بحر العلوم وعلاء الجوادي وغانم جواد ومحمد عبد الجبار, قد تم لاحقاً إشراك آخرين ضمن المجموعة.
ب-المقصود من الكيان الشيعي في العراق: هو ذلك الوجود البشري الحضاري الاجتماعي الديني الممتد منذ صدر الإسلام الذي وضع أسسه وبذوره الأولية الرسول الأكرم محمد (ص)(1) في ضرورة اتباع الإسلام قرآناً وسنة من بعده (ص) في نهج وصيه وخليفته الإمام علي بن أبي طالب والأئمة الميامين من ولده عليهم السلام ذلك الوجود الذي طبع العراق بوجهه الحضاري وهويته الدينية لغالبية أبنائه, والمتمثل ببنيته التحتية في:
1-العنصر البشري المتمثل في الفرد والأسرة والعشيرة والوجوه والشخصيات العلمية والدينية والاجتماعية والتكتلات والفعاليات الشيعية.
2-المرجعية الدينية المتمثلة في العتبات المقدسة والمساجد والحسينيات والأوقاف العامة والمدن والآثار العمرانية والفنية.
3-الثقافة المتمثلة في الجامعات والمؤسسات العلمية والمراكز التربوية والثقافية والمنتديات الفكرية والمكتبات والكتب والشعائر الحسينية ومراسيم الاحتفال في ذكرى ولادة ووفاة الرسول الأكرم (ص) والأئمة وأهل بيته الكرام (ع) والمناسبات الإسلامية والوطنية العامة.
4-الموارد المالية متمثلة بالمؤسسات الاقتصادية والحقوق المالية الدينية وخيرات البلاد ومنافعها العامة.
ج-أهداف المجموعة:
__________
(1) لا يخفى أن هذه مغالطة كبيرة بنسبة التشيع إلى النبي صلى الله عليه وسلم, فالمعروف أن التشيع بدأ من أفكار اليهودي عبد الله بن سبأ, الذي كان له دور كبير في قتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه والتسبب في الفتنة في أواخر عهده.(6/36)
1-تنمية وعي الفرد والمجتمع بالثقافة الإسلامية الصحيحة, عبر الوسائل التعليمية والتربوية والإعلامية كالكتاب, الفيديو, الانترنت, الخطابة…الخ.
2-رفع المستوى الحياتي والتقني للفرد والمجتمع وتأهيله للقيام بالأعمال النافعة بما يتضمن ذلك من إعداد الكوادر المتخصصة في مجالاتها وعلى الأصعدة المختلفة.
3-تقريب الرؤى ووجهات النظر بين العاملين في الحقل الشيعي عموماً والتأكيد على ضرورة توجيه الأمور من خلال الأفراد المخلصين والملتزمين الساعين إلى حفظ الكيان الشيعي وتأمين حقوق أفراده.
وقد وضعت المجموعة أمامها جملة من الأفكار والأعمال لتحقيق الأهداف, وهي:
1-التأكيد على عروبة التشيع –كما هو الواقع- وإبراز الخصوصية العربية لشيعة العراق.
2-التأكيد على دور المرجعية الدينية والثقافية الشيعية في حفظ الكيان الشيعي وهوية التشيع.
3-التأكيد على الانتماء الإسلامي العام واعتباره مرتكزاً للتحرك والتكامل مع بقية المسلمين من خلال نهج التقريب بين المذاهب.
4-التأكيد على ضرورة العناية بالجوانب الثقافية والاجتماعية والتربوية والدينية والإعلامية والفنية في البناء الحضاري للمسلمين الشيعة ودور الحوار في التعايش وتكامل الحضارات.
5-السعي في سبيل إيجاد أفضل العلاقات الإيجابية والحسنة مع الأطراف الأخرى على الصعيد الوطني والقومي والإسلامي والعالمي.
6-التأكيد على ضرورة نبذ العنف واستخدام القوة والسلاح لتحقيق المقاصد, وضرورة الإيمان بالحوار والتفاهم السلمي والعمل الحضاري لنيل الحقوق لجميع الأطراف.
7-العمل على إبراز الصورة المشرقة والإيجابية للمسلمين الشيعة, والسعي لإزالة العقبات التي تقف حائلاً أم معرقلاً في طريق التطور الحضاري والتكامل الثقافي والاجتماعي مع غيرهم من قبيل الطعن في إسلامهم أو عروبتهم أو وطنيتهم أو تحضرهم.(6/37)
8-تشجيع الأطراف الأخرى من غير الشيعة في العراق ودعوتهم للحوار والقيام بالأعمال النافعة تجاه الشيعة(1), ويدخل في ذلك دعم المراكز الاجتماعية العامة ومنظمات حقوق الإنسان والدفاع عن حرية الفرد والمعتقد)).
المجلس الأعلى وباقر الحكيم:
توقفت اجتماعات اللجنة فترة من الوقت, وانشغل الناس بأحداث الحادي عشر من سبتمبر, وبعد ذلك بالإعداد لمؤتمر المعارضة العراقية في لندن.
ومع الإحساس بقرب تغيير الولايات المتحدة لنظام صدام حسين وأن الظروف الحالية باتت في صالحهم, صار المجلس الأعلى للثورة الإسلامية هو المحور الأساسي للشيعة العراقيين.
ويواصل الجوادي سرده فيقول:
__________
(1) هذه العبارة توحي بأن الشيعة حريصون على وحدة الصف مع السنة, وأن السنة هم من يقومون "بأعمال غير نافعة" تجاه الشيعة على حد تعبير الكاتب, لكن الذي تبين بعد سقوط نظام صدام وظهور الشيعة في هذا البلد مقدار ما اقترفوه من إساءات للسنة, ومقدار ما مارسه السنة من ضغط النفس.(6/38)
((اتصل بي السيد عادل عبد المهدي(1) وأخبرني أن السيد عبد المجيد الخوئي تحدث معه, معرباً عن دعمه لقيادة السيد محمد باقر الحكيم, وأن السيد الحكيم اليوم هو القائد العراقي الأبرز دولياً وإقليمياً, ودعاني لضرورة دعم هذا التوجه التوحيدي الذي ظهر عند عبد المجيد الخوئي. قلت له أنا مع أي جهد لجمع أطراف الساحة الشيعية, وخاصة الشخصيات المعروفة. بعد ذلك عقدت جلسة في مجلة النور وكان الحاضرون هم السادة الجوادي وأكرم الحكيم وعبد المجيد الخوئي وعادل عبد المهدي وممثل المجلس الأعلى الدكتور حامد البياتي وكان أخونا العزيز السيد عبد الحسن الأمين في لندن رئيس تحرير مجلة النور حاضراً بصفته المضيف وصديق كل الحاضرين. طرح الخوئي موضوعاً لم يكن هو الموضوع الذي أخبرني به عادل, بل كان عن المجلس الشيعي العراقي وقال أنه سيسافر إلى إيران لطرح الموضوع على السيدين محمد باقر الحكيم وعبد العزيز الحكيم, وكان يقول إن على السيد الحكيم أن يعتزل قيادة المجلس الأعلى وأن يحل محله أخوه السيد عبد العزيز ويكون هو القائد الاجتماعي السياسي لعموم شيعة العراق. وذكر الخوئي كذلك أنه طرح مشروع المجلس الشيعي على بعض العلماء الشيعة في لندن وعلى رأسهم العلامة السيد محمد بحر العلوم. كما صاغ السيد الخوئي ورقة خطاب مقتبسة من الأوراق المقررة للمجموعة التنموية لشيعة العراق مستبدلاً بها اسم "المجموعة التنموية لشيعة العراق" باسم "المجلس الشيعي العراقي".
__________
(1) أحد مسؤولي المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق الذي كان يقوده آنذاك محمد باقر الحكيم الذي قتل فيما بعد في انفجار النجف.(6/39)
قرأت الورقة وتم التأكيد على ضرورة بلورة رؤية واضحة حول بعض الأساسيات من قبيل أن اسم المجلس هو المجلس الشيعي العراقي وهويته هي هوية إسلامية شيعية عراقية وإن للمجلس عدداً من المكاتب وإن هذا العمل يستوعب الإسلامي والعلماني وأن للمجلس هيئة قيادية وجمعية عمومية والباب مفتوح لكل شيعي عراقي ضمن ضوابط محددة لعضوية هذه الجمعية وإن المقر المؤقت للمجلس هو لندن لكن مقر المجلس الدائم له هو العراق بعد سقوط النظام الدكتاتوري. وأن للمجلس رئيساً من علماء الدين.
في الجلسة الثالثة(1) 12/11/2003 كنت صريحاً مع الأخوة المجتمعين وقلت لهم أن المجموعة التنموية لشيعة العراق هو الأنسب في هذه المرحلة وهي البداية التي ينبغي أن نبدأ بها وقلت في اعتقادي أن الساحة لا تتحمل المجلس الشيعي الآن وإنما يجب أن نمهد لها.
كان تصور السيد الخوئي أن الوضع السياسي المستقبلي المجهول للشيعة في العراق يقتضي صيغة المجلس ليكون محوراً للشيعة. في هذا المجال قدم غانم جواد فكرة مهمة مفادها ضرورة العمل الجدي من أجل أن يكون مفهوم حفظ كيان شيعة العراق وصيانة حقوقهم واضحاً كوضوح مفهوم الفيدرالية بالنسبة للكرد في العراق. وكان اعتقاد محمد عبد الجبار أن المجموعة التنموية كانت صياغة مقبولة لمرحلة ما قبل 11 أيلول (سبتمبر) والوضع يومذاك كان يتسم بالاستقرار أما الوضع الآن فيحتاج إلى جدية وتحرك جديد وصيغة المجلس الشيعي هي الأنسب.
كما قدمت ملاحظات حول النظام الداخلي أوجزها بما يلي:
يتكون الهيكل التنظيمي من المواقع التالية:
1-رئيس المجلس وله صلاحيات بشكل معقول فلا هي مطلقة لا يمكن محاسبته عليها ولا هي مضيقة تعيقه عن ممارسة عمله بصورة جيدة وإيجابية. وتحدد واجباته وحقوقه بشكل واضح من خلال نظام داخلي. وينتخب الرئيس من خلال مجلس القرار.
__________
(1) الحاضرون في الجلسة السابقة أنفسهم.(6/40)
2-مجلس القرار يتشكل من القطاعات والأوساط المذكورة أعلاه. ويمكن الشروع به في هذه المرحلة من خلال صيغة انتخابية أو توافقية أو مزدوجة. ويحدد عدد معقول لأعضاء مجلس القرار, على أن تحدد مدة مسؤولية لجنة القرار بفترة محددة مناطة بتثبيت الأسس والأطر العامة للمشروع (المرحلة التأسيسية). وعند نهايتها تدعو إلى انعقاد الهيئة العامة لانتخاب مجلس القرار.
3-مكاتب العمل ترتبط برئيس المجلس. ويراعى في مسؤول كل مكتب الكفاءة والتخصص, ويرشح رئيس المجلس مسؤول المكاتب ويثبت ترشيحه مجلس القرار. والمكاتب المقترحة هي:
أ-مكتب العتبات المقدسة والأوقاف الجعفرية.
ب-مكتب رعاية شؤون الشعائر الدينية.
ج-مكتب رعاية شؤون المساجد والحسينيات.
د-مكتب رعاية الثقافة والتعليم والمدارس.
هـ-مكتب رعاية الشؤون الاجتماعية والقانونية.
و-مكتب شؤون التخطيط والتنمية.
ز-مكتب الشؤون الحضارية والفنية والتراثية.
ح-مكتب التوثيق والإحصاء والمعلومات.
ط-مكتب الشؤون الإدارية والإعلامية للمجلس....الخ.
4-الهيئة العامة بحدود 150-200 من شخصيات الشيعة العراقية, الذين تحدد مواصفاتهم بالنظام الداخلي. وأهم أعمالهم انتخاب مجلس القرار والمصادقة على النظام الداخلي المقدم من قبل مجلس القرار ولهم الأولوية في إشغال مواقع العمل في المجلس الشيعي العراقي وحلقة صلة مهمة مع القاعدة العامة للمجلس.
5-القاعدة العامة للمجلس الشيعي العراقي وتتكون من كل شيعي يدعم المشروع. ويتكفل النظام الداخلي ببيان مواصفاتهم العامة كذلك تحديد طبيعة العلاقة المتبادلة معهم)).
جولة الصحافة نصيحتنا للرئيس مبارك بعدم زيارة إيران
صباح الموسوي – عضو المكتب السياسي لحزب النهضة العربي الأحوازي
موقع التجديد العربي
مقدمة
لمصر مكانة كبيرة في العالم الإسلامي, وهذا ما يجعل إيران تتوجه نحوها, لإيجاد موطئ قدم في هذا البلد, خاصة وأن مصر تمثل جسراً يمكن العبور إلى دول أخرى.(6/41)
المقال التالي الذي يكتبه أحد أعضاء حزب النهضة العربي الأحوازي يرصد الأهداف الإيرانية من وراء التقريب إلى مصر, ويطلب من رئيس مصر بتوحي الحذر من المخطط الإيراني.....................................المحرر.
بعد انتصار ثورة الشعوب في إيران وما رافق ذلك الانتصار من تعاطف شعبي كبير من قبل الشارع العربي والإسلامي، حاول قادة الثورة كسب ذلك التعاطف وتوظيفه لخدمة أهدافهم السياسية في المنطقة، عبر ما عرف بمشروع تصدير الثورة.(6/42)
ولهذا قام القادة الإيرانيون الجدد آنذاك، باختلاق بعض القضايا التي يمكن أن تجلب لهم المزيد من التعاطف الشعبي العربي والإسلامي، وتزيد من تثبيت أركان حكمهم على المستوى الداخلي. ومن أجل ذلك، أصدروا أوامرهم لمجموعة من عناصر اللجان الثورية والتي كان أغلب أفرادها من الطلبة الإيرانيين العائدين لتوهم من أمريكا باحتلال السفارة الأمريكية، بعد أن طلب من السفير الأمريكي الحضور إلى وزارة الخارجية حتى لا يكون من بين الرهائن, وكانت هذه العملية، التي تم حلها بوساطة جزائرية فيما بعد، أغرت القيادة الإيرانية لاتخاذ خطوات أخرى على طريق كسب تعاطف أكبر معها من قبل أنصارا لثورة داخليا وخارجيا. وقد وجدت هذه المرة في جمهورية مصر العربية التي استضافت الشاه المخلوع، حيث كان يعيش أيامه الأخيرة نتيجة إصابته بمرض السرطان. وكانت قد دخلت أيضا لتوها باتفاقية كامب ديفيد، التي تعد أول اتفاقية سلام رسمية بين بلد عربي والكيان الصهيوني فرصة للمزايدات السياسية والإعلامية في سبيل تحقيق مشروع تصدير الثورة. لذا قامت بقطع كامل علاقاتها السياسية مع مصر. وقد أقسم الإمام الخميني حينها، أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية لن تعيد العلاقات معها إلا إذا مزقت اتفاقية كامب ديفيد، متناسيا الدعم الكبير الذي قدمته مصر لأنصاره وسائر المعارضة الإيرانية, ذلك الدعم الذي ساهم بشكل كبير في تسريع سقوط النظام البهلوي ووصول الخميني وأنصاره إلى السلطة.(6/43)
ومن الملاحظ أن قادة الثورة الإيرانية لم يتناسوا الدعم المصري فقط، وإنما تناسوا كل الدعم العربي الذي قدم لهم أيام كانوا في المعارضة والذي تمثل جانب كبير منه باحتضان العراق للإمام الخميني وأعوانه، لمدة تزيد على خمسة عشر عاما، لقي فيها جميع أنواع الدعم السياسي والإعلامي والأمني. كما تناسوا ما قدمته منظمة التحرير الفلسطينية من دعم لهم، خلال تواجدها في لبنان، حيث قامت بتدريب المئات من عناصر المعارضة الإيرانية، الذين أصبح الكثير منهم فيما بعد قادة في الحرس الثوري وباقي مؤسسات الحكم. وكان من بين هؤلاء أبو شريف أول قائد للحرس الثوري ومصطفى جمران أول وزير للدفاع في عهد الثورة ومحسن رضائي القائد السابق للحرس الثوري والأمين العام الحالي لمجلس تشخيص مصلحة النظام وجلال الدين الفارسي ومحمد المنتظري وغيرهم. ولكن ماذا كان الرد الإيراني على هذا الجميل؟ لقد تناسى القادة الإيرانيون ذلك الدعم العربي السخي وردوا عليه بمشروع تصدير الثورة الذي كان شعاره (تحرير القدس يمر عبر تحرير كربلاء) وكان العراق الهدف الأول لمشروعهم التصديري. صحيح أن الحرب التي دامت ثمان سنوات كان ظاهرها أنها بين إيران والعراق، إلا أن الإيرانيين فتحوها حربا على جميع البلدان العربية (إلا ماندر), ولم يتركوا عملا معاديا سواء سياسيا كان هذا العمل أو مخابراتيا أو عملاً إرهابيا مسلحاً إلا و دفعوا أنصارهم ومرتزقتهم لارتكابه ضد البلدان العربية. فلا أحد ينسى اختطاف الرهائن والطائرات وتفجير الأماكن العامة والمنشآت النفطية والطاقة الكهربائية ومحاولات اغتيال الرؤساء والشخصيات السياسية العربية وغيرها من الأعمال المعادية التي لم تسلم منها أقدس البقاع العربية والإسلامية، وهي مكة المكرمة والمدينة المنورة. فما زال العالم يتذكر تلك الانفجارات والمظاهرات التي قام بها الإيرانيون والتي أدت إلى مقتل المئات من حجاج بيت الله الحرام وذلك كله بدواعي(6/44)
تصدير الثورة الإسلامية.
ولم تسلم مصر من هذه الأعمال العدوانية حيث ذهب العديد من أبنائها ضحايا تلك العمليات الإرهابية التي عبثت بأمنها وألحقت الأضرار بمصالحها الاقتصادية وقد ثبت للمصريين وللعالم أن لقادة النظام الإيراني دورا في تلك الأعمال العدوانية وذلك من خلال الأدلة والشواهد التي قدمتها السلطات المصرية ومنها اعتراف العناصر التي كان يتم تدريبها في إيران أو تمول من قبل الأجهزة المخابراتية الإيرانية وترسل للقيام بأعمال إرهابية في مصر أو ضد المصالح المصرية في الخارج.
ورغم كل تلك الاعتداءات الإيرانية إلا أن مصر بقيت ضابطة لأعصابها، ولم ترد بالمثل، وهو ما جعل السلطات الإيرانية عاجزة عن إثبات تعرضها لعمل معادي واحد يثبت أن لمصر دوراً فيه.
لقد ثبت لقادة النظام الإيراني بعد تجربة طويلة أنه لا يمكن لمشاريعهم السياسية الرامية إلى فرض الهيمنة الإيرانية على المنطقة أن تمر دون عزل أو تحييد مصر عن لعب دورها وتحديدا في منطقة الخليج العربي, ولهذا وجدوا أن الدور المصري في الساحة العربية أمر واقع, وأن العرب لا يمكنهم, ومهما بلغت خلافاتهم، الاستغناء عن دور مصر في قضاياهم الداخلية والخارجية، وأن إيران مهما عملت فإنها لا تستطيع أن تحل محل مصر في المنطقة. وقد تجلى ذلك واضحا سواء أثناء أو ما بعد حرب الخليج الثانية.
كما أن إيران حاولت كثيرا أن تأخذ دور مصر في المنطقة، خصوصا بعد انسحاب قوات الاحتلال الصهيوني من جنوب لبنان، والذي أعطي الفضل فيه إلى حزب الله المدعوم من إيران. فقد حاول القادة الإيرانيون آنذاك، استغلال هذه النقطة لتكون إيران هي البديل لمصر، وفي القضية الفلسطينية تحديدا، إلا أنهم فشلوا في ذلك.(6/45)
ولهذا أصبحت العلاقات مع مصر ورقة مهمة بالنسبة للنظام الإيراني، بكل تياراته المتصارعة حيث يريد كل طرف منها أن يلعب بالورقة المصرية، حسب تصوراته وخططه السياسية، خصوصا وأن إيران مقبلة على استحقاقات سياسية كبيرة، تتمثل داخليا بإجراء انتخابات تشريعية، تعتبر الأهم في تاريخ النظام الإيراني، كونها سوف تحدد مكانة إيران من الأحداث والمتغيرات الإقليمية أولا, كما أنها ستحدد الطرف الذي سوف يكون ممسكا بزمام الأمور الداخلية ثانية. ولهذا حاول القادة الإيرانيون التقرب من مصر في هذا الوقت تحديدا.
فالتيار الذي يتزعمه رئيس السلطة التنفيذية محمد خاتمي، يحاول لعب الورقة المصرية لتحسين علاقاته الدولية، ولا سيما الأمريكية منها، على اعتبار أن مصر حليف لأمريكا. كما أنه من خلال هذه العلاقة يريد أن يبعث برسائل إلى الكيان الصهيوني أيضا ليبين له انكسار حدة ما يعرف بالعداء الإيراني (لإسرائيل) واعترافه باتفاقية كامب ديفيد التي كانت السبب في قطع العلاقات بين إيران ومصر.
هذا إضافة إلى محاولة لعب الورقة المصرية على المستوى الداخلي، حيث أن مصر تحظى بمحبة ومكانة لدى الكثير من الشعوب في إيران. فهناك عرب الأحواز الذين يبلغ عددهم أكثر من أربعة ملايين عربي، الذين يرتبطون بمصر قوميا وثقافيا وروحيا، ويكنون لمصر عظيم الود والمحبة. كما أن الأكراد الذين يقارب عددهم العشرة ملايين نسمة، وأغلبهم من أبناء المذهب السني وكذلك البلوش والتركمان وغيرهم من السنة، يكنون لمصر محبة كبيرة وذلك لما يربطهم بها من أواصر ثقافية وروحية، وهم على تواصل معها من خلال الأزهر الشريف، كونه يمثل المرجعية الدينية لعموم المسلمين السنة في إيران، كما هو للعالم الإسلامي. وهذا ما يفسر أسباب تقرب ما يسمى بالتيار الإصلاحي لمصر في هذه المرحلة.(6/46)
أما التيار المتشدد، والذي لم يبد أي حسن نية تجاه مصر لحد الآن، فإن سكوته على سياسة التقارب التي يبديها محمد خاتمي والتيار الإصلاحي مريبة وتثير الشكوك، حيث مازال هذا التيار لحد الآن يقف من مصر موقف المعادي. فمازال إعلامه يواصل شن الحملات الدعائية المعادية ضد مصر وقيادتها. لذلك لا يستبعد أن يكون سكوته على الدعوة التي وجهت إلى الرئيس مبارك من قبل خاتمي لزيارة إيران تخفي وراءها أهداف غير نزيهة. فلا يستبعد أن يستغل هذا التيار الزيارة، إذا ما تمت، للقيام بتكرار ما جرى قبل أيام في جامع الأقصى المبارك ضد وزير الخارجية المصري، سعياً منه للتطاول على كرامة الضيف، وذلك من أجل كسب تأييد المعادين لمصر واللعب مرة أخرى بعواطف الجماهير التي سبق لهم أن لعبوا بها لسنوات طويلة، عبر افتعال قضاياـ مثل احتلال السفارة الأمريكية وشعارات الموت لإسرائيل والشيطان الأكبر وتحرير كربلاء وغيرها، والتي أثبتت الوقائع والأحداث أنها ليست إلا شعارات فضفاضة أريد بها تحقيق أهداف سياسية بحتة.
لاشك أن القيادة المصرية على معرفة ودراية كاملة بالساحة الإيرانية، ومن المؤكد أنها قد وضعت في حساباتها جميع الاحتمالات المتوقعة، ولكن مع ذلك فقد وجب التذكير بأن إيران بلد تحكمه دويلات متداخلة، وما تبطنه أكبر مما تظهره. لذلك نتمنى على الرئيس مبارك عدم تلبية الدعوة الإيرانية حفاظا على ما تبقى من الكرامة العربية, وإذا كان الإيرانيون متحمسين فعلا لعلاقات طيبة مع مصر، فلماذا لا يبادر رئيسهم لزيارتها أولا، حتى يتم التأكد من حسن نوايا التيار المتشدد. وإذا كان الرئيس مبارك راغباً فعلا بهذه الزيارة فإننا نرجو أن يتم تأجيلها إلى ما بعد الانتخابات القادمة في إيران حتى لا تجير لصالح طرف ما.
جولة الصحافة الشيعة العراقيون
حول تاريخ حلفاء أميركا المحتملين
جوان كول – أستاذ تاريخ الشرق الأوسط الحديث
جامعة ميشيغان الأمريكية(6/47)
المستقبل العربي – العدد 298 – ديسمبر 2003
لا يخفى أن الظروف الحالية في العراق والمنطقة قد جعلت الشيعة في العراق لاعباً رئيساً في الأحداث, وغدوا اليوم حلفاء للولايات المتحدة ضد أهل السنة.
مقال جوان كول يتطرق إلى المخطط الأمريكي في المنطقة, والنظرة إلى الشيعة, وإمكانية الاعتماد عليهم في تنفيذ هذا المخطط.
كما يعرض للجماعات الشيعية البارزة في العراق وتطورها, ونظرتهم إلى المرجعية الدينية وولاية الفقيه وتشابه بعض أساليب عملها مع الأحزاب الشيوعية.
وسوف نعرض بتصرف أهم النقاط والأفكار الواردة في المقال بهذا الشأن من وجهة نظر أمريكية أكاديمية, مع تصحيح لبعض ما ورد في الترجمة.
الشيعة العراقيون:
حدثان رئيسان دفعا بالشيعة في العراق إلى التطرف والفظاظة:
1-الإجراءات الصارمة البعثية ضد أي نشاط سياسي شيعي في أواخر عقد السبعينات وفي عقد الثمانينات من القرن العشرين.
2-سحق انتفاضة عام 1991 وما تلاها من اضطهاد وحتى مذابح جماعية ضد الشيعة في الجنوب(1).
ونتيجة للقسوة التي مورست عليهم في التسعينات اكتسبت الأفكار الخمينية مزيداً من القابلية لدى الجيل الشاب الذي قهره الفقر واليأس, أكثر مما كان يحلم به منفيون ينتمون إلى الطبقة المتوسطة مثل الشلبي. والحقيقة أن أحمد الشلبي غادر العراق في عام 1958, وقد تزامن ذلك مع بدايات العمل السياسي الشيعي المنظم.
ترجع السياسات الدينية الشيعية في العراق إلى حد كبير إلى وقت تأسيس حزب الدعوة في عام 1957. وكان حزب الدعوة يسعى إلى إقامة دولة إسلامية في العراق. وكان بين منظريه الرئيسيين محمد باقر الصدر, وهو رجل دين ومفكر ديني بارز كرس حياته لتطوير عقيدة شيعية حديثة يمكن أن تنافس الماركسية.
__________
(1) هذا الاضطهاد كان من النظام البعثي للسنة والشيعة..... الراصد.(6/48)
وعلى الرغم من أن آية الله روح الله الخميني طور نظريته في ولاية الفقيه بينما كان منفياً في النجف (1964-1978) إلا أن هذه النظرية لم تكتسب شعبيتها بصورة فورية بين معظم رجال الدين هناك, وكانت النجف لزمن طويل مركزاً للتعليم الديني والفقه الشرعي, وكان الشيعة بوجه عام يتبعون مرجعها الفكري – الذي يوصف ببحث الخارج (المقصود خارج النصوص) – في أمور الشريعة. ويؤمن الشيعة من هذا الفرع بأن خلفاء النبي محمد أو الأئمة هم ابن عمه وزوج ابنته علي والأحد عشر المتحدرين من نسل علي وابنة النبي فاطمة. وهم يؤمنون بأن الثاني عشر بين هؤلاء الأئمة قد اختفى في عالم مفارق وسيعود منه يوماً. وفي غياب الإمام الثاني عشر, فإن التيار الرئيس للتقليد الشيعي قد انتقل تدريجياً إلى فقهاء مدربين كقادة لهم.(6/49)
وعلى الرغم من أن الشيعية الفقهية الإثني عشرية (وهي الفرع المتبع في إيران والعراق) تعتنق مثلاً أعلى يقول بأن العامة يتبعون بأحكام بحث الخارج (المقصود خارج النصوص) الفرد الأكثر علماً وبروزاً. والحقيقة أنه كان هناك دائماً متنافسون عدة على هذا المركز, وهكذا فإن السلطة الدينية متعددة. وليس للشيعة "بابا", حتى وإن كان يبدو أحياناً على منظري سلطة رجال الدين أنهم يرغبون في أن يكون لهم حبر أعظم. بالإضافة إلى هذا, فإن التقليد الشيعي الخاص بالتفكير بشأن السلطة السياسية لم يستشرف أن سيمارس رجال الدين سلطة سياسية مباشرة, وقد أفاض معظم رجال الدين في العصور الوسطى وأوائل العصور الحديثة مديحاً مفرطاً في الرياء على الملوك الشيعة الذين يدافعون عن العقيدة. أما فكر الخميني فكان ثورياً, وكان يعتقد أن الملكية لا تتواءم مع الإسلام(1), وكان يصرّ على أنه في غياب الإمام الثاني عشر الغائب يحكم رجال الدين, وعلّم الخميني نظرية "ولاية الفقيه", حيث على رأس الحكومة الإسلامية –كرئيس للدولة- ينبغي أن يقوم فقيه ديني يحمي مصالح الإسلام الشيعي, ويمكن للعامة أن يخدموا في البرلمان أو أن يتولوا حتى منصب الرئيس, أما السلطة العليا فتكون في أيدي رجال الدين. وتختلف هذه الرؤية اختلافاً عميقاً عن الصيغ العادية للأصولية الإسلامية التي تريد تفسيراً وسيطياً للشريعة الإسلامية أن يصبح قانون البلاد, ولكنها لا تفرد مكاناً خاصاً أياً كان في نظام الحكم لرجال الدين المسلمين.
__________
(1) يعزز هذا الرأي القائل بوجود جذور ماركسية للخميني.(6/50)
وفي حين أن كثيرين من رجال الدين الذين يتبعون تقاليد النجف كانوا يريدون دولة تحكمها المبادئ الإسلامية, فإنهم رفضوا فكرة الخميني القائلة بأن رجال الدين أنفسهم ينبغي أن يحكموا. بالإضافة إلى هذا, فإن المنظر العراقي للحكومة الإسلامية محمد باقر الصدر كان يتطلع إلى جمعية منتخبة لا داعي لأن تتألف من رجال دين. وهكذا, فإن الفكرة الشيعية العراقية المبدئية عن دولة إسلامية كانت تتعارض مع النظرية الخمينية التي وصلت إلى الهيمنة على إيران في عام 1979.
حزب الدعوة:
رداً على تظاهرات شيعية ضخمة في عام 1977 وعلى الثورة الإسلامية في إيران في عام 1979, قمع البعث الأحزاب الدينية الشيعية والزعماء الدينيين الشيعة بطريقة فظة. وأعدموا الصدر في عام 1980 وجعلوا العضوية في حزب الدعوة جريمة يعاقب عليها بالإعدام. وألقي القبض على عديدين من أعضاء حزب الدعوة, وتحول الحزب إلى العمل السري, وأخذ يوسع تنظيم خلاياه في الوقت نفسه الذي كان يتفرق فيه جغرافياً.
كان لحزب الدعوة في عقدي الثمانينات والتسعينيات من القرن العشرين قواعد عديدة, وقد لجأت مجموعة من أعضائه وزعمائه إلى إيران. وأقامت مجموعة أخرى في لندن. أما داخل العراق فإن التنظيم بقي قوياً في منطقة الفرات الأوسط (في جنوب العراق) وخاصة حول مدينة الناصرية. ورفض فرع البصرة –المسمى تنظيم الدعوة- المذهب الخميني. ولم تكن هناك صلات جيدة بين هذه الفروع وتطورت بصورة مختلفة من ناحية العقيدة والتنظيم.
قامت مجموعة "الجهاد الإسلامي" الموالية للخميني –والتي ترتبط بالدعوة وتقيم قواعدها في لبنان وإيران- بنسف السفارتين الأمريكية والفرنسية في الكويت في أواخر عام 1983 واختطفت طائرة ركاب كويتية بعد عام (في تلك الفترة من الحرب العراقية –الإيرانية كانت الولايات المتحدة والكويت تساندان صدام حسين).(6/51)
وربما كان الجهاد الإسلامي مجموعة منشقة, أو لعلها كانت عملية شبه عسكرية سرية لحزب الدعوة الذي يقيم قاعدته في طهران. ولكن الهدف –فيما يتعلق بمدى انخراط الدعوة نفسه في العنف وإعلانه مسؤوليته عنه- كان هو البعث في العراق.
انتهى عدد يصل إلى 200 ألف شيعي عراقي في المنفى السياسي في إيران خلال مسار عقدي الثمانينات والتسعينيات من القرن الماضي, وقد انضم كثيرون من هؤلاء المنفيين إلى الدعوة في قاعدته في إيران, وهو الذي كان يميل إلى قبول فكرة الخميني عن حكم رجال الدين. ولكن التنظيم كانت تمزقه اقتتالات داخلية على علاقة الحزب بالمرشد الأعلى. فقد بدأ الزعماء الدينيون للدعوة منجذبين بنوع خاص إلى المذهب الخميني. بينما القادة العاديون كانوا يصرون على الاحتفاظ بالاستقلال الذاتي للحزب عن المرشد الأعلى. وكانت لهذه المسألة تعقيداتها بالنسبة إلى مستقبل الدعوة. هل كان سيصبح مجرد تابع لطهران أو يبقى حزباً عراقياً له عقيدته المتميزة؟ كان بعض الأعضاء من رجال الدين في اللجنة المركزية للحزب -مثل محمد مهدي آصفي والسيد كاظم الحائري- يريدون للحزب أن يضع نفسه تحت السلطة المباشرة للخميني, وبعد ذلك لخلفه علي خامنئي. وكان من شأن هذه الخطوة أن تقضي بتذويب الحزب في حزب الله الإيراني وذكرت تقارير إخبارية أن الخميني نفسه لم يظهر حماساً لهذه الخطوة, كذلك كان الأعضاء العاديون في اللجنة التنفيذية غير مستعدين لإخضاع أنفسهم للمؤسسة الدينية. تغلغلت هذه المسألة داخل الحزب طوال أواخر عقد الثمانينيات من القرن العشرين وفي عقد التسعينيات في إيران. وفي عام 2000 أجبر آصفي على الاستقالة كزعيم للحزب بسبب محاولاته المستمرة لوضع الحزب تحت سلطة المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي.(6/52)
أما فرع الدعوة في لندن (بقيادة أبو علي وإبراهيم جعفري) فكان مؤلفاً من أكثر من فريق من الأعضاء العاديين. وكان يتمتع أيضاً بقدر أكبر من حرية الحركة, ولهذا فإن مركز جاذبية الحزب انتقل بعيداً عن إيران.
وكانت ظروف الدعوة الأسوأ في العراق. فأثناء وبعد الانتفاضة التي أعقبت حرب الخليج عام 1991 ألقي القبض على آلاف من أعضاء الدعوة أو من زعم أنهم أعضاء فيه وأعدموا ودفنوا في مقابر جماعية.
المجلس الأعلى للثورة الإسلامية:
وبطبيعة الحال, فإن الدعوة لم تكن المجموعة الشيعية العراقية الوحيدة, ففي عام 1982 وفي محاولة من جانب نشطاء شيعة في إيران لخلق حركة مظلة لإسقاط صدام حسين, أسسوا المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق, حيث كان حزب الدعوة أحد التنظيمات المكونة له. وفي عام 1982 أصبح محمد باقر الحكيم, وهو ينتمي لأسرة شيعية عراقية بارزة ومن المقربين للصدر, رئيساً لهذا المجلس. وفي السنة ذاتها قطعت الدعوة علاقتها مع المجلس الأعلى للثورة الإسلامية حتى تصون استقلالها.
وكان محمد باقر الحكيم يقبل نظرية الخميني في حكم رجال الدين, وأعلن المجلس الأعلى للثورة الإسلامية مسؤوليته عن تفجير القنابل ومؤامرات الاغتيال ضد البعث في بغداد, ونظم المجلس ميليشيا –هي لواء بدر- كانت تنظم هجمات عبر الحدود الإيرانية داخل العراق. وبمضي الوقت نمت هذه الجماعة شبة العسكرية التي دربها وسلحها الحرس الثوري الإيراني, لتصبح فيلق بدر, المؤلفة من 10 آلاف مقاتل بحلول نهاية التسعينيات من القرن الماضي. وفي التسعينيات تطورت بين المجلس الأعلى للثورة الإسلامية وحزب الدعوة منافسة فتاكة, إلى حد أن أعضاء الدعوة (حسبما تذهب الشائعات) استهدفوا محمد باقر الحكيم نفسه.
حزب المؤتمر الوطني:(6/53)
جر فرع الدعوة في لندن إلى دخول المؤتمر الوطني العراقي في الأعوام من 1992 إلى 1995. وكان رجل المال العراقي أحمد الشلبي قد أسس المؤتمر العراقي كمجموعة مظلة بعد حرب الخليج بمساعدة وأموال من وكالة المخابرات المركزية (عن طريق مجموعة ريندون)(1), وكان الشلبي قد فر من الأردن إلى لندن في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي بسبب اشتباه في ارتكابه عملية اختلاس ضخمة من البنك الذي كان يرأسه هناك. وقد عمل -وهو الشيعي غير الممارس- في لندن في التسعينيات على توحيد 19 تنظيماً تجمع الشيعة المتدينين, وأقرانهم من الشيعة غير الممارسين, والعرب السنة (بمن فيهم البعثيون السابقون) والأكراد. وقد تمكن المؤتمر الوطني العراقي في وقت من الأوقات من أن يضم كلاً من حزب الدعوة والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية الذي كان يرأسه الحكيم.
__________
(1) Rendon Group شركة للاستشارات بشأن الاتصالات الاستراتيجية العالمية, توفر سلعاً وخدمات لكل من القطاعين العام والخاص. وتشمل عملياتها التخطيط والتقويم واستراتيجية المعلومات والعمليات. ويبلغ عدد الدول التي تمارس فيها مجموعة ريندون عملياتها 80 دولة, وتقدم خبراتها للحكومات والمنظمات والمؤسسات بشأن تطوير الاتصالات والعلاقات العامة (المحرر).(6/54)
غير أن الدعوة تركت المؤتمر الوطني العراقي في عام 1995 من ناحية بسبب نزاعات مع الأكراد, الذين كانوا يريدون أن يروا العراق يحول إلى اتحاد فضفاض, فيما كان "الدعوة" يحبذ دولة مركزية قوية. وبدورهم دخل الأكراد في حرب أهلية مريرة الوقت نفسه تقريباً, وتمزق المؤتمر الوطني العراقي نتيجة لهذا التقاتل الداخلي. ونأت وكالة المخابرات المركزية (السي. آي. إي) ووزارة الخارجية بنفسيهما تدريجياً عن حزب المؤتمر الوطني, بسبب أموال لم يكن بالإمكان تحديد أوجه صرفها, على الرغم من أن المؤتمر الوطني العراقي والشلبي ظلا يتمتعان بتقدير بول وولفويتز ومحافظين جدد آخرين. وتحسنت مقادير المؤتمر الوطني حينما استرد المتشددون السيطرة على وزارة الدفاع في عام 2001. وفي أعقاب 11 أيلول / سبتمبر تمكن الشلبي من أن يعيد تشكيل ائتلاف من المجلس الأعلى للثورة الإسلامية والجماعات الكردية وغيرهما, على الرغم من أن حزب الدعوة ظل بعيداً عنه بشكل عام.(6/55)
في الوقت نفسه –وداخل العراق- بدت حكومة صدام مصممة على أن تمحو الشيعية العراقية. حاولت أن تجذب الشيعة بعيداً نحو بعثية علمانية وشنت هجمات وحشية على قرى متمردة في الجنوب. واستخدم نحو 500 ألف من عرب الأهوار من قبائل المدن –من صيادي الأسماك والمزارعين والمهربين- مناطق المستنقعات لديهم للاختباء من القوات البعثية وللقيام بعمليات كر وفر على غرار حرب العصابات ضد هذه القوات التي كان قد نظمهم حزب الله العراقي وتلقوا بعض العون الإيراني. كذلك فإنهم نسقوا لبعض الوقت مع فيلق بدر التابع للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية والتي تسللت وحداته إلى الأهوار من إيران. ورداً عليهم بنى مهندسو البعث سدوداً وأشغالاً للري جففت المستنقعات. وبحلول أوائل القرن الحادي والعشرين كانت نسبة 10% فقط من المستنقعات قد بقيت, وتحول الباقي إلى تراب. وتفرق عرب الأهوار, بعضهم في القرى والبلدات القريبة كعمال ورحّل فقراء, وغيرهم في المنفى في إيران.
مدينة الثورة:(6/56)
كذلك, فإن كثيرين من الشيعة من خلفية قروية عشائرية كانوا قد استوطنوا في مدينة الثورة في شرق بغداد, وهي المدينة التي أقامها الدكتاتور العسكري عبد الكريم قاسم في عام 1962. قطنوا فيها في فقر مذل محرومين إلى حد كبير من مزايا الازدهار الذي جاء به النفط العراقي. فكانوا كثيراً ما يتظاهرون ضد البعث, وقد تظاهروا بقوة خاصة في عام 1977 وعام 1991. وفي كل مرة كانوا يواجهون بقمع شرس. وبحلول نهاية التسعينيات من القرن الماضي كان تعدادهم قد تضخم ليصل إلى نحو مليونين(1), أي قرابة عشرة بالمئة من تعداد سكان البلد. وقد احتفظوا ببعض الروابط العشائرية وقدر من التنظيم في بيئتهم الحضرية الجديدة, وبدأوا يبتعدون عن الشيعية الشعبية نحو نظرة دينية حضرية أكثر مدرسية.
في الشيعية المدرسية يتعين على كل مؤمن أن يختار رجل دين بارز ويتبع تعاليمه في أدق أمور الشرع الدينية, مثل "حيث إن العطر يتضمن كحولاً في تركيبه والكحول محرم, هل يمكن لشيعي أن يتعطر؟" إن رجل الدين الأكثر شعبية والأوثق معرفة –أو بحث الخارج (المقصود خارج النصوص)- كان في العادة هو أهم الباحثين في مدينة النجف المقدسة ومقر علوم الدين. وفي الستينيات من القرن الماضي كان محسن الحكيم, ثم انتقلت الشعلة إلى أبي القاسم الخوئي.
السيستاني ومحمد صادق الصدر
__________
(1) هذا الرقم محل خلاف, حيث دأب الشيعة على المبالغة في ذكر أعدادهم في العراق وغيره, وقد أشار الكاتب فهمي هويدي في مقال "العراك في العراق". إلى أن سكان مدينة الثورة بحدود 900 ألف فقط..... (الراصد).(6/57)
بعد وفاة الخوئي عام 1992 حدثت فجوة أجيال, فقد مال الشيعة من كبار السن من أتباع الخوئي, إلى اتباع (آية الله العظمى) علي السيستاني الذي كان في الأصل من إيران. ولأنه كان من أنصار التهدئة, فقد رفض التدخل في أمور السياسة, ورفض نظرية الخميني في حكم رجال الدين. مع ذلك, فإن الجيل الجديد كان منجذباً إلى دارس نشط يدعى محمد صادق الصدر وهو ابن عم منظر الحكومة الإسلامية في العراق محمد باقر الصدر, وقد برز صادق الصدر كمنظم سياسي فيه لمحة عبقرية, وقد أقام شبكات من المؤمنين الموالين له في البصرة وشرق بغداد والكوفة ومدينتي النجف وكربلاء (المقدستين). وعلى الرغم من أنه لم تكن له مكانة السيستاني إلا أنه كان أيضاً يفتقر إلى حذر كبار السن, في التسعينيات تحدى الصدر الثاني –كما أصبح يعرف- صدام مرات عدة.
وكان صدام قد حاول أن يحرّم صلاة الجمعة بين الشيعة, وأصر الصدر الثاني على أن يؤمهم, وأقام شبكة من الجوامع في أزقة شرق بغداد, حيث كانت الجموع تحتشد بحماس بعد ظهر أيام الجمعة. وكان الصدر يشبّه صدام بخليفة طاغية من العصور الوسطى اضطهد الشيعة في زمانه, ونظم محاكم دينية شيعية في جميع أنحاء البلد. وحاول الصدر أن يقنع الشيعة العشائريين بأن ينضووا تحت راية الفقيه الرسمي. وقد كان يعنف النساء -بمن فيهن المسيحيات- اللاتي يجرؤن على الخروج سافرات بغير حجاب. وكان يعنّف أتباعه إذا هم ارتدوا ثياباً عليها علامات غربية, كما كان يبشر ضد إسرائيل. وقد قبل نظرية الخميني في "ولاية الفقيه", وربما كان يضع عينه على المركز نفسه في العراق.
كسب الصدر الثاني نحو مليونين من الأتباع إلى صف شيعيته المتشددة على غرار الخميني. ثم –وبعد أن أنذره صدام بالتزام الصمت- اغتالته شرطة صدام السرية واثنين من أبنائه في شباط / فبراير 1999. وانفجر الجنوب في تظاهرات أخمدت –كما يمكن التنبؤ- بأحذية العسكر.
الشيعة تحت الاحتلال(6/58)
كان نجل الصدر الثاني الأصغر –مقتدى الصدر- وريث عائلة لها تراث في "الشهادة". وتزوج من ابنة محمد باقر الصدر (الصدر الأول) التي كانت قد تيتمت, وانخرط في العمل السري في الكوفة وشرق بغداد مواصلاً شبكة والده ومنظماً بين سكان الأزقة من الشيعة الشبان. وقد أثبت الغزو الأمريكي للعراق في ربيع 2003 أنه كان كسباً غير متوقع له. فحتى قبل سقوط البعث في 9 نيسان / أبريل كان أتباعه قد طردوا الحزب من ضاحية شرق بغداد, التي اطلقوا عليها اسم مدينة الصدر. وأعاد أتباع مقتدى المخلصين من رجال الدين الشبان فتح الجوامع وغيرها من المؤسسات الشيعية وأنشأوا ميليشيات الأحياء واستولوا على أسلحة وذخائر من مستودعات البعث, وفرضوا سيطرتهم على المستشفيات, وأكدوا سلطتهم المحلية في شرق بغداد والكوفة وبعض أحياء النجف وكربلاء والبصرة. وانخرطوا في سياسات استخدام الحشود داعين كثيراً إلى تظاهرات ضد الاحتلال الانغلو –أمريكي في بغداد والبصرة والنجف, وتمكنوا في بعض الأحيان من أن يخرجوا حشوداً تتراوح بين خمسة آلاف وعشرة آلاف شخص(1).
__________
(1) كان واضحاً أن هذه الحشود للاستعراض, فمقتدى وعلماء الشيعة الآخرون يرفضون مقاومة الأمريكان ويعتبرونها إرهاباً, ويقول مقتدى أن الشر كله هو من صدام (الراصد).(6/59)
في الوقت نفسه, عاد حزب الدعوة إلى الظهور في الناصرية والبصرة وغيرهما, وإن لم يكن على نطاق يقارب كتلة الصدر الثاني. وقد برز فرع الدعوة في لندن – الذي كان راغباً في التعاون مع الأمريكيين- باعتباره السند الأكبر بما لديه من أعضاء وخلايا في الناصرية والبصرة. وقد بقي كثيرون من الأعضاء المرتبطين مع الفرع الإيراني للحزب في طهران, غير راغبين في العودة إلى عراق تحت هيمنة أمريكية. وقد أخفقت محاولة الوريث لاسم الخوئي –عبد المجيد الخوئي- للعودة لتأكيد سلطته في النجف (ربما بمساندة أمريكية) حينما قتله حشد موال للصدر في نيسان, وقد عاد زعماء المجلس الأعلى للثورة الإسلامية إلى العراق في نيسان وأيار وتسللت وحدات فيلق بدر بمقاتليها التابعين لهم إلى البلد قادمين من إيران, ووطدوا وجودهم في المدن الشرقية –مثل بعقوبة والكوت بالقرب من الحدود الإيرانية. وقد أخفقوا في أن تكون لهم شعبية في شرق بغداد أو المناطق الصدرية الأخرى. وعلى الرغم من أن المجلس الأعلى للثورة الإسلامية قد أثبت استعداده للعمل مع الأمريكين, فإن فيلق بدر غالباً ما تصادم مع القوات الأمريكية في بعقوبة وأماكن أخرى.(6/60)
لقد سعى كل من كتلة الصدر الثاني والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية إلى إقامة جمهورية إسلامية يهيمن عليها رجال الدين في العراق, وإن كان مع اختلاف بينهما في الاستراتيجيات المعلنة. فمقتدى كان واضحاً في حديثه عن الهدف ورفض التعاون مع الولايات المتحدة في بلوغه. وعلى النقيض من ذلك, فإن المجلس الأعلى للثورة الإسلامية فكر بإطار عملية من خطوتين, حين قال عبد العزيز الحكيم, قائد فيلق بدر, في مقابلة تليفزيونية, إن العراقيين سيختارون أولاً حكومة تعددية, ولكن في الأجل الطويل ستتجه الغالبية الشيعية نحو جمهورية إسلامية. وتماثل هذه الخطة مخططات الأحزاب الشيوعية في أوائل القرن العشرين, إذ كانت تتضافر مع البرجوازية الوطنية لإقامة دول في مرحلة ما بعد الاستعمار, ولكنها كانت تهدف في النهاية إلى دكتاتورية شيوعية.
الصراع الشيعي الشيعي(6/61)
لم ينه انتهاء حكم البعث المعارك التي طال أمدها بين خصومه, فقد شنّ المجلس الأعلى للثورة الإسلامية وكتلة الصدر الثاني وحزب الدعوة وأتباع آية الله العظمى علي السيستاني حرباً خفية كل منهم ضد الآخر, تصارعوا فيها من أجل السيطرة على فضاءات رمزية أساسية. كان الفضاء الرئيس بينها ضريح الإمام الحسين في كربلاء وضريح الإمام علي في النجف. وحارب أنصار الصدر أتباع (آية الله العظمى) علي السيستاني من أجل حق إلقاء المواعظ في جامع الحسين. وفي أواخر تموز / يوليو تظاهرت جموع أنصار الصدر أمام الضريح في كربلاء ضد الوجود الأمريكي في المدينة, ورد مشاة البحرية (المارينز) على إطلاق النار بإطلاق النار على الجموع, فقتلوا واحداً على الأقل وجرحوا تسعة. ولما كان أنصار الصدر يعرفون قوة ضريح الحسين كرمز للمقاومة للأجانب, فإنهم استفزوا المارينز الذين يجهلون الأمر. وفي النجف طغت أنباء كثيرة الصيف عن عصابات من أنصار الصدر هزمت مساعدي السيستاني وأقاربه ورجال الدين المحيطين به واستولت على المعاهد الدينية في المدينة. وفي تموز / يوليو اقتحم أنصار الصدر إدارة الممتلكات الدينية للسنة في البصرة, ما أثار انزعاجاً بين تلك الأقلية(1) من أنصار الصدر يعتزمون الاستيلاء على الجوامع وغيرها من ممتلكاتهم. وتظاهر نحو 1500 سني ضد هذا التهديد. كذلك تورط أنصار الصدر في إثارة الاضطرابات المناهضة للتحالف في البصرة في 9 – 10 آب / أغسطس.
__________
(1) الكاتب هنا يردد ما دأب الشيعة من إثارته من أن السنة أقلية في العراق, وقد نشرنا في الراصد دراسات ومقالات عديدة بينت كذب هذا الادعاء الذي صار كالحقيقة المسلّم بها في وسائل الإعلام للأسف الشديد (الراصد).(6/62)
لقد دعا مقتدى الصدر في منتصف تموز / يوليو لإقامة حكومة وجيش عراقيين بديلين لمنافسة الحكومة التي عينتها الولايات المتحدة. ولكن كلاً من المجلس الأعلى للثورة الإسلامية والدعوة –على الرغم من خلافاتهما العميقة- قبلا مناصب في مجلس الحكم الانتقالي الذي عينه الحاكم المدني الأمريكي بول بريمر يوم 13 تموز / يوليو. والحقيقة أن أشخاصاً مرتبطين مع حزب الدعوة حصلوا على أربعة من المقاعد الخمسة والعشرين في هذا المجلس, وبالمثل منح المجلس الأعلى للثورة الإسلامية مقعداً. وحينما يذهب العراقيون إلى صناديق الانتخاب, وإذا ما كان أنصار الصدر مستعدين للنزول بمرشحين, فإنه من المرجح أن يبلوا بلاء حسناً, إذ يبدو أن المتحمسين لكل من المجلس الأعلى والدعوة أقل, وربما يواجهون تحدياً في ترجمة تحالفهم التكتيكي مع الولايات المتحدة إلى نفوذ برلماني.
مقتل الحكيم:(6/63)
في يوم 29 آب / أغسطس أدى انفجار ضخم لسيارة مفخخة في النجف إلى قتل زعيم المجلس الأعلى للثورة الإسلامية محمد باقر الحكيم ونحو 100 شخص آخرين. وقد توجهت معظم الشكوك إلى بقايا حزب البعث وإلى المتطرفين السنة(1) الذين ينتسبون بطريقة ما إلى القاعدة. وقد خرج رجال الميليشيا من فيلق بدر إلى شوارع النجف وبعض المدن الأخرى وأصروا على تسيير دوريات مسلحة. وبغضب دعا عبد العزيز الحكيم شقيق الإمام المغدور, والذي أصبح رئيساً للمجلس الأعلى, إلى انسحاب أمريكي فوري من العراق, لأن أمريكا فشلت فشلاً ذريعاً في استعادة الأمن. وعلى الفور علّق محمد بحر العلوم –وهو رجل دين معتدل(2) على علاقة مع مؤسسة الخوئي وحزب البعث- عضويته في مجلس الحكم الانتقالي على سبيل الاحتجاج. أما زعيم المجلس رجل الدين السني, فقد اتهم أتباع مقتدى الصدر في أعقاب ذلك بأنهم يؤججون العنف ضد السنة, وبأنهم اغتصبوا الجوامع السنية في النجف وكربلاء. لهذا لا يمكن استبعاد وقوع صدامات خطيرة بين الشيعة والسنة في الفترة القادمة.
__________
(1) كثيراً ما يقوم هؤلاء بتحميل السنة مسؤولية أحداث من هذا القبيل دون تثبت (الراصد).
(2) وصف بحر العلوم بأنه معتدل ينافي الواقع, فهو متعصب لمذهبه ويكره أهل السنة (الراصد).(6/64)
والأمر المؤكد أن للشيعة العراقيين "العلمانيين" وجودهم أيضاً, وبأعداد كبيرة. ولكن سنوات الرعب التي فرضها صدام ساعدت على توليد تيار خميني قوي بين الشيعة العراقيين. فالدعوة والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية وأنصار الصدر جميعهم يريدون جمهورية إسلامية, واثنان من التنظيمات الثلاثة يتبنيان "ولاية الفقيه" الخمينية. ومن الأمور المثيرة للسخرية أن وولفويتز زار النجف وكربلاء في النصف الثاني من تموز / يوليو وأثار من غير قصد تظاهرة في النجف. وزاد مشاة البحرية (المارينز) الأمريكيون إجراءاتهم الأمنية بسبب هذه الزيارة, التي جاءت بعد يوم واحد من خطبة مقتدى الصدر الملتهبة التي دعا فيها إلى إقامة حكومة ظل وميليشيا شعبية شيعية. وقد زادت إجراءات الأمن الإضافية من المخاوف بين أنصار الصدر من أن الولايات المتحدة إنما تخطط للقبض عليه (وهو الأمر الذي كان صدام ليفعله بالنهاية). وقد أثارت الشائعة عن وقوع هذا بالفعل تظاهرات قام بها آلاف من أنصار الصدر لاحقاً في أحد أيام السبت. بعد أن كان وولفويتز قد غادر العراق. وتكررت هذه التظاهرات يوم الأحد إلى أن اقتنعت الجموع بأن مقتدى الصدر لم يتعرض لمضايقات.
ختاماً
لقد أطلقت الولايات المتحدة –بإزاحتها حكم البعث وإزالة القيود عن النزعة الإسلامية العراقية- قوة سياسية جديدة في الخليج, لا صعود تنظيم مدني وعواطف ديمقراطية تخيلها المحافظون الجدد الأمريكيون, إنما مطامح للشيعة العراقيين ببناء جمهورية إسلامية(1). وكانت نتيجة ذلك عاقبة كان من الممكن التنبؤ بها للسنوات الثلاثين الماضية من الصراع السياسي بين الشيعة وحكم البعث, ولقد توقع محللو السياسة الأمريكيين نتيجة مختلفة فقط حينما كانوا يتجاهلون التاريخ.
__________
(1) الجمهورية التي يطمح الشيعة إلى تأسيسها شيعية على المنوال الإيراني, وليست إسلامية بمعناها العام, وتكون لجميع المسلمين (الراصد).(6/65)
والأمر المؤكد أن أحلام الشيعة بجمهورية إسلامية في بغداد قد تكون غير واقعية: فالعدد الأكبر من سكان البلد من السنة(1), وقسم ما من الشيعة الذين يبلغ تعدادهم 14 مليوناً هم علمانيون. مع ذلك فإنه في الشهور التي أعقبت الغزو الأمريكي – البريطاني أظهرت الأحزاب الدينية الشيعية أوضح المهارات التنظيمية وخلقت قوة دفع سياسية. ومن المرجح أن يشكل الإسلاميون مجموعة على درجة من القوة في البرلمان قد تكفي لمنع هذا النوع من التعاون الوثيق بين الأمريكيين والعراقيين الذي كان يأمله المحافظون الجدد. إن مشهد فريق وولفويتز وهو يغادر النجف قبيل اندلاع تظاهرة كبرى من 10 آلاف من أنصار الصدر الغاضبين –وهي تظاهرة أثارها الأمريكيون عن غير قصد- قد يثبت أنه رمز دال على المغامرة الأمريكية في العراق. إن التفجير الذي وقع يوم 29 آب / أغسطس في النجف قد هز للأعماق ثقة الشيعة في القدرة الأمريكية على توفير الأمن لهم, وأثار غضباً ضد الولايات المتحدة سيستغرق بعض الوقت حتى يهدأ.
التجمعات الشيعية في العالم العربي
مصر
مقدمة
ملاحظات عديدة تستوقفنا عند تناولنا لموضوع "الشيعة في مصر" أولها أن التشيع في مصر دخيل عليها, فمصر على مذهب أهل السنة, لكن أهميتها والثقل الذي تتمتع به في العالم العربي, جعل الشيعة يتجهون صوبها, فينشرون مذهبهم هناك ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً, كما أنهم استطاعوا اختراق بعض المؤسسات الرسمية كالأزهر الذي كثيراً ما يغض الطرف عن كتبهم وأنشطتهم, بل وتصدر منه بين الحين والآخر الفتاوى التي تصحح مذهب الشيعة, وتجيز التعبد على مذهبهم!
__________
(1) هذه حقيقة تتجاهلها كثير من وسائل الإعلام (الراصد).(6/66)
وقد نتج عن هذه الجهود الشيعية, قيام أعداد من المصريين باعتناق المذهب الشيعي, وهم الآن أصحاب صوتٍ عالٍ, وسقف مطالبهم لا حدود له, وهم يسعون إلى إقامة المؤسسات الشيعية ونشر فكرهم بكل ما أوتوا من قوة, وقد ساعدهم في ذلك الانفتاح الذي تظاهرت به إيران بعد وفاة الخميني, كما أن توقف الحرب العراقية الإيرانية سنة 1988, والتي كانت مصر تقف فيها إلى جانب العراق, قد ساهم في بروز هذا التيار المتشيع, وهو الأمر الذي يوجب حذر أهل السنة من المخططات الشيعية التي لا تكتفي بالبلدان التي يوجد فيها عدد كبير من الشيعة, إنما صارت تمتد وتنتشر إلى مجتمعات سنّية صرفة.
وثمة ملاحظة أخرى تستوقفنا لدى حديثنا عن المتشيعين في مصر هي أنهم يستغلون التصوف ويعملون من خلاله مستفيدين مما يوجد في هذين المذهبين من تقارب, فليس مستغرباً أن يكون التشيع والتصوف وجهين لعلمة واحدة.
في بحثنا هذا نسلط الضوء على دخول التشيع إلى مصر وارتباطه بالدولة العبيدية الفاطمية التي احتلت مصر سنة 358هـ, وحاولت فرضه في مصر, ومع ذلك ظل أهل مصر على مذهب أهل السنة, وظل التشيع غريباً عليها, وكان للقائد صلاح الدين الأيوبي الدور الكبير في إعادة مصر إلى دينها ومذهبها وتخليصها من التشيع والانحراف.
كما أننا نعرض لأهم الهيئات التي أنشأها المتشيعون في مصر لخدمة ونشر التشيع أو الهيئات التي حاولوا إعادة بعثها, وكذلك نعرض لأهم أنشطتهم الدينية والثقافية والتربوية والإعلامية, ونعرّف بأهم شخصياتهم كصالح الورداني وأحمد راسم النفيس وحسن شحاتة ممن أغواهم الشيطان وزيّن لهم طريق التشيع والرفض وزيّن لهم سب الصحابة وأمهات المؤمنين والطعن في ثوابت الأمة.
وحيث أن المتشيعين في مصر يتأثرون سلباً وإيجاباً بعلاقات بلادهم مع إيران, فقد سلطنا الضوء على ذلك, خاصة وأن إيران تولي مصر اهتماماً كبيراً وتستخدم المتشيعين كورقة لتنفيذ مخططاتها.
دخول التشيع إلى مصر:(6/67)
يعود الوجود الشيعي في مصر لأول مرة إلى الدولة الفاطمية العبيدية, وهؤلاء العبيديون الذين نسبوا أنفسهم إلى فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم وتسموا بالفاطميين هم من الشيعة الإسماعيلية, الذين حكموا مصر من سنة 358هـ (969م) إلى سنة 567هـ (1171م), وكان احتلالهم لمصر في عهد المعز لدين الله, الذي قدم من المغرب, حيث كان هؤلاء العبيديون قد أسسوا دولة لهم هناك.
وينتسب العبيديون إلى عبد الله بن ميمون القداح بن ديصان البوني من الأهواز, وهو مجوسي ومن أشهر الدعاة السريين الباطنيين الذين عرفهم التاريخ, ومن دعوته هذه صيغت دعوة القرامطة.
وعندما هلك عبد الله قام بدعوته السرية ولده أحمد, وبعد هلاك أحمد تولى قيادة الدعوة ولده الحسين, فأخوه سعيد بن أحمد, واستقر سعيد بـ (سلمية) من أعمال حمص, واستمر في نشر الدعوة وبث الدعاة حتى استفحل أمره وأمر دعوته, وحاول الخليفة المكتفى أن يقبض عليه وأن يخمد دعوته, ففرّ إلى المغرب, ونشر له هناك دعاته, وقاتلوا من أجله حتى ظفر بملك الأغالبة وتلقب بعبيد الله المهدي, وادّعى أنه من آل البيت ومن نسل الإمام جعفر الصادق, وانتحل إمامتهم.
ومن أبرز حكام الدولة العبيدية: الحاكم بأمر الله الذي ادّعى الألوهية, وبث دعاته في كل مكان من مملكته يبشرون بمعتقدات المجوس كالتناسخ والحلول, ويزعمون أن روح القدس انتقلت من آدم إلى علي بن أبي طالب, ثم انتقلت روح علي إلى الحاكم بأمر الله.(6/68)
وكان آخر حكامهم في مصر العاضد, وكان زوال دولتهم على يد القائد صلاح الدين الأيوبي الذي قضى عليهم وأراح المسلمين من شرورهم(1) .
لقد استطاع صلاح الدين رحمه الله أن يقضي على العبيديين,(2) وأن يعيد مصر كما كانت إلى مذهب أهل السنة والجماعة, وبالرغم مما مارسه هؤلاء العبيديون من البطش والدعوة السرية لنشر مذهبهم الشيعي الإسماعيلي, إلا أنه ظل مذهباً غريباً دخيلاً, وظلت مصر سنيّة, ولم تقم للشيعة في مصر دولة بعد العبيديين.
لكن الشيعة بقيت أنظارهم متجهة نحو مصر لما لها من ثقل وأهمية, ساعين إلى إعادة بناء دولتهم العبيدية.
وبالرغم من أنّ مصر ظلت متمسكة بمذهب أهل السنة, إلا أن الشيعة استفادوا خلال القرن المنصرم من مجموعة من العوامل ساعدتهم لنشر مذهبهم وأفكارهم, واستقطاب بعض المواطنين المصريين واختراق بعض الهيئات الرسمية والشعبية.
وأهم هذه العوامل:
1-وجود بعض المقامات والأضرحة لآل البيت في مصر كالحسين والسيدة زينب ونفيسة ورقية, وهو الأمر الذي استغله الشيعة بسبب توجه المصريين نحوها, وإحيائهم للمناسبات, واستغل الشيعة حبّ المصريين لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم حيث أظهروا أنفسهم بمظهر المدافع عن آل البيت, المتبع لطريقتهم(3).
__________
(1) انظر المزيد من حقبة العبيديين وعقائد الشيعة الإسماعيلية التي ينتسبون إليها: "الحاكم بأمر الله وأسرار الدعوة الفاطمية" – د. محمد عبد الله عنان أو ملخص الكتاب المنشور في العدد الثالث من الراصد, و"الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة" (طبعة سنة 1989م) وكتاب "وجاء دور المجوس" للدكتور عبد الله الغريب ص75-76.
(2) بسبب دور صلاح الدين على القضاء على الدولة الشيعية في مصر, فإن الشيعة دائماً يحاربون صلاح الدين ومن ذلك مؤرخهم المعاصر محسن الأمين في كتابه (الوطن الإسلامي والسلاجقة).
(3) أهل البيت في مصر, قدم له هادي خسرو السفير الإيراني الأسبق في مصر.(6/69)
2-تساهل الأزهر في موضوع الشيعة الذي نتج عنه دار التقريب بين المذاهب الإسلامية التي تأسست سنة 1947م في حي الزمالك في القاهرة, وقد ساهم في تأسيسها عدد من شيوخ الأزهر مثل محمود شلتوت وعبد المجيد سليم ومصطفى عبد الرازق, وغيرهم, وعدد من علماء الشيعة مثل محمد تقي القمي –الذي كان أميناً عاماً للدار- وعبد الحسين شرف الدين ومحمد حسن بروجردي.
وبداعي التقريب, وفي ظل غفلة أهل السنة الذين أنشأوا الدار ودعموها, تحولت هذه الدار إلى مركز لنشر الفكر الشيعي.
يقول د. علي السالوس منتقداً الدور الذي كانت تؤديه: "ومع هذا فدار التقريب بالقاهرة وليست في موطن من مواطن الشيعة ومجلة رسالة الإسلام التي تصدر عن الدار جلّ ما تتناول من موضوعات الخلاف أنها تهدف إلى إقناع أهل السنة ببعض ما يعتنقه الشيعة أشبه بمحاولة لتشييع السنة"(1) .
3-الطلاب الشيعة العرب في مصر, حيث كان يؤم مصر أعداد كبيرة من الطلاب العرب, ومن بينهم الشيعة وخاصة من دول الخليج, وكانوا يعملون على نشر فكرهم في صفوف المصريين, وقد أشار الكاتب المصري المتشيع صالح الورداني إلى ذلك بقوله: "بعد خروجي من المعتقل في منتصف الثمانينات احتككت بكمّ من الشباب العراقي المقيم في مصر من المعارضة وغيرهم, وكذلك الشباب البحريني الذين كانوا يدرسون في مصر, فبدأت التعرف على فكر الشيعة وأطروحة التشيع من خلال مراجع وكتب هم وفّروها لي ومن خلال الإجابة على كثير من تساؤلاتي وقد دارت بيننا نقاشات كثيرة"(2).
__________
(1) فقه الشيعة الإمامية ص256. وانظر المزيد حول التقريب كتاب قضية التقريب بين السنة والشيعة للدكتور ناصر القفاري, وكتاب حتى لا ننخدع لعبد الله الموصلي.
(2) موقع المعصومين الأربعة عشر نقلاً عن مجلة المنبر الشيعية الكويتية.(6/70)
وممن كان له دور في نشر الفكر الشيعي من العرب رجل عراقي اسمه علي البدري ذهب إلى الأزهر لإكمال دراساته العليا, بعد أن كان قد درس الشريعة في جامعة بغداد, وكان سنياً وتشيّع وقد كلفه المرجع الشيعي السابق أبو القاسم الخوئي بأن يكون وكيلاً عنه للشيعة في مصر, وقد ترك زوجته في العراق, وتزوج امرأة مصرية أثناء إقامته في القاهرة امتدت لخمس سنوات, وخلال هذه الفترة استطاع أن يستقطب عدداً من المشايخ في الأزهر وغيرهم مثل حسن شحاتة وحسين الضرغامي ومحمد عبد الحفيظ المصري الذين أعلنوا تشيعهم على يديه(1) .
وفي المرات العديدة التي كان يتم إلقاء القبض على تنظيمات شيعية, كان يلقى القبض أيضاً على طلاب شيعة من الخليجيين.
ومن الأثر الذي تركه هؤلاء العرب ما ذكره الشيعي جاسم عثمان مرغي عن شعائر عاشوراء قائلاً: "وكادت هذه الليلة تضمحل لولا أن بعث فيها النشاط من جديد من قبل ممثل آية الله الخوئي"(2) .
4-علاقات النسب التي كانت تربط الأسرتين المالكتين في إيران ومصر, فشاه إيران محمد رضا بهلوي كان متزوجاً من إحدى أميرات مصر.
كما أن الرئيس المصري أنور السادات كان مرتبطاً بعلاقة سياسية وشخصية مع شاه إيران, واستقبله في مصر بعد فقدانه لعرش بلاده, وحال دون تسليمه إلى إيران الثورة(3) .
وفي ظل هذه الأجواء, نشأت بعض الجمعيات والهيئات الشيعية, ومارست نشاطها دون مضايقات تذكر, مثل جمعية آل البيت التي تأسست سنة 1973م أثناء عهد السادات, إضافة إلى السماح لطوائف أخرى بالعمل كالبهرة التي كان السادات يحرص على استقبال زعيمها سنوياً(4).
__________
(1) واكتشفت الحقيقة – هشام آل قطيط ص66-67.
(2) الشيعة في مصر – طبعة إيران ص49.
(3) فصلية إيران والعرب – العدد صفر ص116 – ربيع 2002
(4) تقرير مركز ابن خلدون حول الأقليات لسنة 1999, ص183.(6/71)
5-توقف الحرب العراقية الإيرانية سنة 1988, حيث عارضت مصر إيران في تصديرها للثورة, ووقفت مع العراق في حربه مع إيران (1980-1988), وبعد انتهاء الحرب ثم وفاة الخميني, بدأت الأمور تسير نحو الانفراج, وبدأ الضغط الحكومي على المتشيعين يقل(1) .
6-معرض القاهرة للكتاب, وقد شكل المعرض منفذاً شيعياً هامّاً, إذ تم ويتم من خلاله نشر الكثير من الكتب الشيعية, خاصة تلك التي تحضرها دور النشر اللبنانية, ومن أهم الكتب التي كان يتم تداولها: المراجعات لعبد الحسين شرف الدين, وأهل الشيعة وأصولها لمحمد حسين كاشف الغطاء, والبيان في تفسير القرآن للخوئي, والميزان في تفسير القرآن للطبطبائي(2) .
7-صدور عدد من الصحف باللغة الفارسية في القاهرة والاسكندرية في أواخر القرن التاسع عشر, بلغ عددها خمس صحف هي حكمت, ثريا, برورش, جهره نما وكمال.
وكانت إحدى هذه الصحف وهي ثريا تصدر بمؤازرة أحد دعاة فرقة البهائية, وهو ميرزا أبو الفضل الكلبايكاني, ثم ما لبثت هذه الصحف أن توقفت بسبب مشاكلها الداخلية وقيامها على جهود فردية, وقلة عدد الإيرانيين المقيمين في مصر(3) .
أهم المجالس والهيئات الشيعية:
1-المجلس الأعلى لرعاية آل البيت:
يرأسه المتشيع محمد الدريني, ويصدر صحيفة (صوت آل البيت), ويطالب بتحويل الأزهر إلى جامعة شيعية, ويكثر من إصدار البيانات, وهو الصوت الأعلى من بين الهيئات الشيعية. ويقع مقره بالقرب من القصر الجمهوري في القاهرة.
3-المجلس العالمي لرعاية آل البيت.
4-جمعية آل البيت
__________
(1) مقابلة مجلة المنبر مع المتشيع صالح الورداني.
(2) تقرير مركز ابن خلدون ص183.
(3) مقال "الصحافة الفارسية في مصر" للسفير الإيراني السابق في مصر هادي خسرو المنشور في صحيفة القاهرة, بتاريخ 4/11/2003.(6/72)
تأسست سنة 1973, وكانت تعتبر مركز الشيعة في مصر, واستند عملها إلى فتوى الشيخ شلتوت بجواز التعبد على المذهب الشيعي, وكان للجمعية مقر في شارع الجلاء في القاهرة, وكانت تمول من إيران, ومن شيعة مصر من أموال الخمس, وكان يتبع الجمعية فروع في أنحاء كثيرة من قرى مصر تسمى حسينيات, كان هدفها نشر الفكر الشيعي, وتنظيم التعازي والمناسبات الشيعية.
وكان آخر رئيس لها قبل أن تحلّ سنة 1979 محمد عزت مهدي, وكان مرجعه في إيران محمد الشيرازي, والمرشد الروحي للجمعية سيد طالب الرفاعي, الذي قام بالصلاة على شاه إيران (الهالك) محمد رضا بهلوي في مسجد الرفاعي في القاهرة(1) .
أهم الشخصيات المتشيعة في مصر
1-صالح الورداني
كاتب وصحفي مصري, ولد في القاهرة سنة 1952, واعتنق التشيع سنة 1981, وقد أصدر أكثر من 20 كتاباً منها: الحركة الإسلامية في مصر, الواقع والتحديات, مذكرات معتقل سياسي, الشيعة في مصر, الكلمة والسيف, مصر وإيران, فقهاء النفط, راية الإسلام أم راية آل سعود, إسلام السنة أم إسلام الشيعة, موسوعة آل البيت (7 أجزاء), تثبيت الإمامة, زواج المتعة حلال عند أهل السنة, رحلتي من السنة إلى الشيعة, الإمام علي سيف الله المسلول.
بداية التشيع لديه كانت من الاحتكاك بالطلاب العرب الشيعة في مصر وخاصة العراقيين. أسس (دار البداية) سنة 1986م, وهي أول دار نشر شيعية في مصر, وبعد إغلاقها أسس سنة 1989 على أنقاضها دار الهدف التي ما تزال مستمرة حتى الآن.
2-حسن شحاتة
صوفي أزهري من مواليد سنة 1946 بمحافظة الشرقية, عمل إماماً لمسجد الرحمن في منطقة كوبري الجامعة, اعتقل سنة 1996 في قضية التنظيم الشيعي وأفرج عنه بعد ثلاثة شهور, كان نشيطاً في استغلال خطبة الجمعة لترويج الفكر الشيعي, كما أنه يقوم بجولات كثيرة خارج مصر كالولايات المتحدة والإمارات.
3-أحمد راسم النفيس
__________
(1) تقرير مركز ابن خلدون للأقليات لسنة 1999, ص 182.(6/73)
طبيب متشيع من مواليد سنة 1952 في مدينة المنصورة, يعمل أستاذاً مساعداً لكلية الطب في جامعة المنصورة, وله مقال أسبوعي في صحيفة القاهرة التي تصدرها وزارة الثقافة, دأب فيه وفي غيره على مهاجمة الجماعات الإسلامية السنّية والمذهب السني.
انفصل سنة 1985 عن جماعة الإخوان المسلمين, واتجه نحو التشيع بعد ذلك, كان أحد الذين قبض عليهم في أحداث سنة 1996. ألف كتباً عن الفكر الشيعي هي "الطريف إلى آل البيت" و "أول الطريق, و "على خطى الحسين", اعتقل في حملة سنة 1987.
ومن المتشيعين البارزين كذلك:
محمد يوسف إبراهيم, وقد ألقي عليه القبض سنة 2002 بتهمة زعامة تنظيم شيعي في محافظة الشرقية, ومحمد الدريني رئيس المجلس الأعلى لرعاية آل البيت ومحمد عبد الرحيم الطبطبائي ومحمود عبد الخالق دحروج وهو طبيب بشري اعتقل سنة 1989 والدمرداش العقالي, الذي كان يعمل مستشاراً في وزارة الداخلية السعودية أثناء حكم الملك فيصل, سعيد أيوب وحسين الضرغامي وكيل الشيعة في مصر حالياً في القاهرة, ومحمد أبو العلا, وهو ضابط سابق وزعيم الشيعة بحي الإشارة بالزقازيق ومحمود دحروج زعيم الشيعة في قرية ميت سنقر بالمنصورة, والسيد فرغلي وأحمد هلال وهو طبيب نفساني, وإحسان بلتاجي وعبد السلام شاهين وهشام أبو شنب ومحمد أبو نحيلة.
ومن المتعاطفين مع الفكر الشيعي: الدسوقي شتا مؤلف كتاب "الثورة الإيرانية" و د. فهمي الشناوي طبيب المسالك البولية الذي قام بعلاج الخميني في بداية الثمانينات, ورجب هلال حميدة عضو مجلس الشعب والأمين العام لحزب الأحرار والذي سخّر جريدة حزبه للدعوة الشيعية.
الحكومة المصرية والمتشيعون
اتسمت علاقة الحكومة المصرية بالمتشيعين بكثير من التوتر لأسباب عديدة منها:
1- أن الشيعة يعملون ضمن تنظيم سري ويرتبطون بأحزاب وجهات خارجية تعمل على تمويل أنشطتهم وتدريب بعض أنصارهم.(6/74)
2- علاقات الريبة والتوتر التي تميز علاقات مصر بإيران عموماً, حيث تنظر الحكومة إلى هؤلاء المتشيعين بأنهم أتباع لإيران.
3- اصطدام أفكار الشيعة ومطالباتهم بعقائد الأغلبية السنيّة في المجتمع المصري, خاصة مع الجهر بها كالمطالبة بتحويل الأزهر إلى جامعة شيعية.
وقد وجّهت السلطات المصرية إلى الشيعة في مصر ضربات عديدة:
الأولى: بعد قيام الثورة الإيرانية سنة 1979, في زمن الرئيس السادات الذي أخذ منها موقفاً عدائياً, حيث تم حل جمعية أهل البيت ومصادرة ممتلكاتها, وإصدار شيخ الأزهر عبد الرحمن بيصار فتوى تبطل الفتوى التي أصدرها شيخ الأزهر الأسبق محمود شلتوت بجواز التعبد بالمذهب الجعفري(1) .
الثانية: أعوام 1987, 1988, 1989
إذ تم في عام 1987 رصد تنظيم يضم العشرات من المتشيعين, ومحاولات لاختراق أسر وعائلات كاملة في وسط الدلتا, وبصفة خاصة محافظة الشرقية, وقد تبين للسلطات الأمنية أن الشيعة, وخاصة الحركيين منهم كانوا على علاقة بالمؤسسة الدينية في طهران وقم, وحصلوا على تمويل لإدارة نشاطاتهم في مصر, ورصدت السلطات وجود التمويل حيث عثرت على ما يفيد حصول أعضاء التنظيم على مائة ألف جنيه.
وفي سنة 1988, تم القبض على 4 عراقيين من المقيمين في مصر واثنين من الكويتيين, وثلاثة طلاب من البحرين, ولبنانيين, وفلسطيني, وباكستاني, وتم إغلاق دار النشر المصرية الشيعية البداية, ووجهت إليها تهمة تمويل من إيران, وكذلك دار النشر الشيعية اللبنانية البلاغة.
وفي نفس العام تم ترحيل القائم بالأعمال الإيراني محمود مهدي بتهمة التجسس والاتصال مع شخصيات شيعية مصرية والترويج للفكر الشيعي.
وفي سنة 1989, قبض على تنظيم من 52 فرداً, بينهم 4 خليجيين وإيراني.
__________
(1) تقرير مركز ابن خلدون لسنة 1999, ص 184.(6/75)
الثالثة: سنة 1996, وتزامنت مع تردي العلاقات المصرية الإيرانية, حيث تم الكشف عن تنظيم يضم 55 عضواً في 5 محافظات, وضم أغلب المتهمين في القضايا السابقة, إضافة إلى حسن شحاتة.
وقد تزامنت هذه الحملة مع محاولات إيرانية لتأسيس مؤسسة إعلامية في أوربا برأسمال مليار دولار كان مرشحاً لإدارتها صحفي مصري معروف بميول ماركسية سابقة, قبل أن يتحول إلى أحد رموز المعارضة الدينية.
وقد أكدت المعلومات الواردة بخصوص هذا التنظيم أن المؤسسات الدينية الإيرانية التي يقف وراءها المرشد الإيراني علي خامنئي هي التي رسمت خطة لاختراق مصر من خلال الحسينيات الشيعية, وأن محمد تقي المدرسي, الموجود في قم, هو الذي أشرف على تطبيق هذه الخطة من خلال الاتصال ببعض المصريين المتشيعين, وإذا علمنا أن تقي المدرسي هو نفسه الذي لعب دوراً هاماً في تأليب المعارضة الشيعية في البحرين, نكتشف ببساطة أن مخطط الاختراق بدأ في الخليج, ووصل إلى مصر, لكن مع اختلاف أسلوب الاختراق.
وقد تمت بعض عمليات تجنيد المتشيعين, خارج مصر, كإيران والبحرين والكويت وأوربا..., ويتم التجنيد عادة أثناء زيارات يقوم بها البعض إلى إيران, أو خلال الندوات والمؤتمرات الدينية التي يحرص شيعة إيران على التواجد فيها واصطياد المصريين الذين لديهم استعدادات فكرية أو نفسية للارتباط بالمذهب الشيعي وإيران, وإن أحد هؤلاء وهو صالح الورداني كان أحد المتطرفين في تنظيم الجهاد (السني) قبل أن يسافر إلى الكويت, ويقضي فيها خمسة أعوام, عاد بعدها ليروج للفكر الشيعي عبر سلسلة كتب, صادرتها السلطات الأمنية.(6/76)
وفيما يتعلق بأعضاء هذا التنظيم الـ 55, فقد سعوا إلى مد نشاطهم في خمس محافظات مصرية, وسعوا إلى تكوين خلايا شيعية سرية تحت اسم "الحسينيات" جمعها مستوى قيادي باسم "المجلس الشيعي الأعلى لقيادة الحركة الشيعية في مصر", وقد تبين أن التنظيم برمته موال لإيران, وثبت أن ثمانية من الأعضاء النشيطين, زاروا إيران في الفترة التي سبقت حملة 1996, كما أن عدداً آخر تردد على بعض الدول العربية من بينها البحرين, والتقوا هناك مع قيادات شيعية إيرانية وعربية باعتبارها تمثل المرجعية المذهبية الشيعية.
وقد نجحت الجهات الأمنية في مصر في اختراق التنظيم والحصول على معلومات من داخله حول البناء التنظيمي, وأساليب التجنيد, والتمويل ومخططات التحرك, وحين ألقي القبض على عناصره, تم العثور على مبالغ مالية كبيرة ومطبوعات وأشرطة كاسيت وديسكات كمبيوتر مبرمج عليها خططهم, وأوراقاً تثبت تورطهم في علاقة مع إيران.
وقد تبيبن أن حسن شحاتة إمام مسجد الرحمن, على علاقة بالتنظيم.
الرابعة: في نوفمبر سنة 2002م
حيث تم القبض على تنظيم بزعامة محمد يوسف إبراهيم, ويعمل مدرساً في محافظة الشرقية, ويحيى يوسف, إضافة إلى صاحب مطبعة, اتهموا بالترويج لتنظيم شيعي يسعى لقلب نظام الحكم وكان ذلك بقرية "المنى صافور" التابعة لمركز ديرب نجم وقد تم الإفراج عنهم بعد أقل من أسبوعين من اعتقالهم(1) .
مطالبهم وجانب من أنشطتهم
- المطالبة بإنشاء مركز يحمل اسم الشيعة يحتوي مكتبة شيعية(2) .
__________
(1) انظر تفاصيل التنظيم الشيعي المصري, والحملات الحكومية ضد المتشيعين:
-مجلة الوطن العربي 1/11/1996.
-تقرير ابن خلدون لسنة 1999, ص 184.
-صحيفة الشرق الأوسط 17/11/2002 و 29/11/2002.
(2) الشيعة في مصر – جاسم عثمان مرغي ص49.(6/77)
- مطالبة السلطات الاعتراف بمذهبهم, وحريتهم في ممارسة طقوسهم, والسماح لهم بإنشاء مساجد خاصة بهم وإقامة الحسينيات والسماح لهم بإلقاء المحاضرات السياسية والدينية, وطباعة ونشر الكتب الشيعية التي تدعو السنة لاعتناق المذهب الشيعي(1).
- المطالبة بإعادة افتتاح جمعية أهل البيت, التي تم إغلاقها سنة 1979(2) .
- المطالبة بتأسيس مجلس أعلى لرعاية شؤونهم باسم "المجلس الشيعي الأعلى في مصر" شبيه بالمجلس الموجود في لبنان, ومحاولة إشهار فرع لرابطة أهل البيت الشيعية اللندنية في القاهرة(3) .
- المطالبة بتحويل الأزهر إلى جامعة شيعية, وهم دائمو الهجوم عليه وعلى قياداته ومناهجه, وبالرغم من أن الأزهر يتساهل كثيراً مع المذهب الشيعي, من حيث اعتباره مذهباً إسلامياً خامساً كالمذاهب السنية يجوز التعبد به, ومن حيث تدريس المذهب الإمامي الجعفري, وإدراجه في مناهجه الدراسية, والسماح للكثير من الكتب والمطبوعات الشيعية المخالفة للإسلام بالصدور والدخول إلى مصر, وإصدار فتاوى موافقة لمذهبهم ومخالفة للمذاهب الأربعة, ورغم ذلك كله دأب المتشيعون على الانتقاص من الأزهر, والمطالبة الدائمة بتحويله إلى هيئة شيعية بحجة أن الفاطميين الشيعة هم الذين بنوه أثناء احتلالهم لمصر(4) .
- للشيعة بعض المكتبات ودور النشر منها دار الهدف التي تأسست سنة 1989 ويديرها صالح الورداني, ومكتبة النجاح في القاهرة التي تأسست سنة 1952 وأسسها مرتضى الرضوي وطبعت كتباً شيعية كثيرة منها وسائل الشيعة ومستدركاتها ومصادر الشيعة ومستدركاتها وأصل الشيعة وأصولها والشيعة وفنون الإسلام والمتعة وأثرها في الإصلاح الاجتماعي(5) , وكذلك مكتبة الزهراء في حي عابدين في القاهرة ومكتبة حراء.
__________
(1) الشرق الأوسط 29/11/2002.
(2) المصدر السابق.
(3) تقرير ابن خلدون لسنة 1999, ص185.
(4) المجلة 22/3/2003.
(5) الشيعة في مصر ص 113.(6/78)
- الاعتراض على البرامج والأعمال الأدبية أو الفنية التي تتناول حياة الصحابة, مثل هجومهم الشديد على الأستاذ عمرو خالد كونه يتناول في برامجه على الفضائيات سير الصحابة الذين كان لهم دور في الفتوحات الإسلامية كعمرو بن العاص وخالد بن الوليد.
وقد شنوا هجمة شديدة على مسلسل "رجل الأقدار, عمرو بن العاص" الذي قام بأداء دوره الممثل نور الشريف, وزعموا أن عمرو بن العاص هو من قتلة آل البيت, في حين أن هذا الصحابي يعتبر أهم شخصية في تاريخ مصر.
كما أنهم يطالبون وبإلحاح بإنجاز مسرحية الحسين, التي منعها الأزهر لمخالفتها للأحكام الشرعية, وإثارتها للفتنة بين الشيعة والسنة(1).
- تشويه التاريخ المصري, وإنكار أي أثر لشخصياته الإسلامية العظيمة, مثل عمرو بن العاص الذي فتح مصر, أو صلاح الدين الأيوبي الذي خلّصها من شرور العبيديين الفاطميين وأعادها إلى مذهب السنة, بل إن أحد الموظفين السابقين في دائرة الآثار المصرية, وهو أحد الذين تشيعوا واسمه صالح فرغلي, أعلن أنه يسعى إلى البحث عن رفات الشيعة الذين قتلهم صلاح الدين! ويزعم هذا المتشيع بأن صلاح الدين ليس إلا سفّاحاً حوّل مصر كلها إلى سجون ومعتقلات تحت الأرض لضرب الشيعة, وتحويل المصريين عن المذهب الشيعي(2) .
__________
(1) إيرادنا بهذه الأمثلة عن هذه المسلسلات والمسرحيات لا يعني موافقتنا عليها.
(2) موقع المعصومين الأربعة عشر 7/5/2002.(6/79)
- السعي لفتح القبور والمقامات أمام السياح الإيرانيين وتسهيل دخولهم بأعداد كبيرة, والإعداد لتكوين مجلس لمشروع (العتبات المقدسة) من إيران إلى مصر برئاسة وزير السياحة المصري وعضوية عدد من شيوخ الطرق الصوفيّة والمتشيعين. ومعروف عن السياح الإيرانيين أنهم دافعوا "بقشيش" درجة أولى, ويتوقع بعض العاملين في قطاع السياحة بأن يزور مصر 3 ملايين سائح إيراني خلال عامين من فتح الباب لهم(1) , بحيث يتولى هذا المجلس مهمة توجيه الإنفاق على ترميم مراقد آل البيت في مصر, وعقد المؤتمرات والندوات التي من شأنها تنشيط سياحة العتبات(2) .
تأثرهم بالمتغيرات الدولية
لعبت العلاقات المصرية الإيرانية دوراً كبيراً في التأثير على شيعة مصر أو المتشيعين في مصر, ويمكن تقسيم هذه العلاقات وتأثيراتها إلى مرحلتين:
الأولى: قبل قيام الثورة الإيرانية سنة 1979م, وقد سبق القول أنّ الرئيس المصري السابق أنور السادات كان يحتفظ بعلاقات قوية مع شاه إيران الأمر الذي ترتب عليه إنشاء جمعية آل البيت سنة 1973م, وغض الطرف عن الأنشطة الشيعية, أما في زمن الرئيس عبد الناصر, فقد كانت علاقاته مع الشاه في مجملها متوترة, حيث دعم جمال عبد الناصر الخميني في صراعه مع الشاه.
وفي عهد النظام الملكي في مصر قبل الثورة سنة 1952م, كانت العلاقات حميمة بين مصر وإيران, وكان هناك علاقات مصاهرة تربط شاه إيران بالأسرة المالكة في مصر.
الثانية: بعد قيام الثورة الإيرانية, حيث تأزمت العلاقات بسبب استضافة السادات لشاه إيران في مصر, ورفض تسليمه إلى حكومة إيران الجديدة, ونتج عن تردي العلاقات إلغاء فتوى شيخ الأزهر السابق محمود شلتوت بجواز التعبد على المذهب الجعفري الإثنى عشري, وحل جمعية آل البيت, وملاحقة الشيعة والتضييق على أنشطتهم, ومنع دخول الكتب الشيعية إلى البلاد.
__________
(1) الوكالة الشيعية للأنباء 7/5 + 12/5/2003.
(2) الرأي 16/5/2003.(6/80)
لكن هذا الوضع المتأزم ليس هو السمة المطلقة لمرحلة ما بعد الثورة, إذ أن هذه الفترة المتوترة في مجملها كانت تشهد الكثير من فترات التقارب والتساهل, ومن ذلك الانفتاح المصري على الهيئات الشيعية مثل مؤسسة الخوئي في لندن والمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية في إيران, واستضافة مؤتمرات للتقريب بين السنة والشيعة(1) والتعاون الأزهري الإيراني في تحقيق المخطوطات ودعم المكتبات الموجودة في البلدين(2) , والسماح للشيعة بإنشاء هيئات ومؤسسات مثل المجلس الأعلى لرعاية آل البيت وإعادة افتتاح جمعية آل البيت والتوسع في تدريس اللغة الفارسية في الجامعات المصرية, والعودة إلى فتوى الشيخ شلتوت(3) .
__________
(1) مثل: 1- استضافة مصر لمؤتمر التجديد في الفكر الإسلامي من 31/5/ إلى 3/6/2001, وكان من بين المشاركين عبد الأمير قبلان ومحمد علي تسخيري وعبد المجيد الخوئي. 2- وزيارة رئيس جامعة الأزهر –آنذاك- أحمد عمر هاشم إلى مؤسسة الخوئي في لندن في شهر يوليو (تموز) من العام نفسه على هامش زيارته إلى لندن لتوقيع اتفاقية تعليمية مع الكلية الإسلامية. 3- عقد مؤتمر (حقيقة الإسلام في عالم متغير) برعاية الرئيس مبارك في مايو (أيار) 2002 وقد شارك فيه أيضاً الخوئي وقبلان. 4- زيارة السفير المصري في بريطانيا عادل الجزار لمؤسسة الخوئي الشيعية في لندن لحضور حفل تكريم أقامته المؤسسة في شهر اغسطس (آب) 2003 لرئيس بعثة الأزهر في بريطانيا والمستشار في السفارة المصرية بمناسبة انتهاء عملهما في بريطانيا.
انظر: مجلة النور التي تصدرها مؤسسة الخوئي, الأعداد 122, 123, 133, 148.
(2) الشرق الأوسط 21/8/2000.
(3) تقول فتوى شيخ الأزهر السابق محمود شلتوت (إن مذهب الجعفرية المعروف بمذهب الإثنى عشرية, مذهب يجوز التعبد به شرعاً كسائر مذاهب أهل السنة, فينبغي للمسلمين أن يعرفوا ذلك, وأن يتخلصوا من العصبية بغير حق لمذاهب معينة..).(6/81)
وقد تجسّد هذا التساهل أيضاً في التعاون الوثيق بين مؤسسة الأهرام ومركزها للدراسات السياسية والاستراتيجية وبين معهد الدراسات السياسية والدولية التابع لوزارة الخارجية الإيرانية, إذ أثمر هذا التعاون:
1-إصدار مركز الأهرام مجلة مختارات إيرانية, وهي مجلة شهرية تصدر باللغة العربية بدءاً من شهر آب (اغسطس) 2000م, وتركز على المواد العلمية والصحفية المنشورة أساساً باللغة الفارسية.
2-فتح حوار بين مركز الأهرام ومركز الدراسات السياسية التابع للخارجية الإيرانية, وقد نتج عن هذا الحوار عقد ندوة سنوية بين المركزين تعقد دورياً بين طهران والقاهرة للنهوض بالعلاقات المصرية الإيرانية كخطوة أولى, ثم توسيع الحوار في اتجاهين:
الأول اتجاه توسيع الحوار إلى حوار عربي إيراني, والآخر خلق محور خاص للحوار: مصري, إيراني, تركي.
وقد عقدت الندوة الأولى في طهران يومي 10 و 11 يوليو (تموز) سنة 2000م, وعقدت الندوة المصرية الإيرانية الثانية في القاهرة (21-22 يوليو سنة 2001م)(1) .
وشهدت العاصمة الإيرانية أعمال الندوة الثالثة في الفترة 10-11 ديسمبر (كانون الأول) 2002, وبالرغم من الدور الذي تلعبه هذه الندوات بالترويج للوجود الإيراني في المجتمع المصري, إلا أن إحدى المشاركات الإيرانيات وهي جميلة كاديفار شنّت هجوماً على مصر واتهمتها بالتقاعس عن إقامة العلاقات مع إيران(2) .
المراجع
الحاكم بأمر الله وأسرار الدعوة الفاطمية - د. محمد عبد الله عنان.
تطوير العلاقات المصرية الإيرانية – مجموعة, تحرير د. محمد السعيد إدريس.
أهل البيت في مصر - مجموعة, قدّم له سيد هادي خسرو.
__________
(1) تطوير العلاقات المصرية الإيرانية, ص7-9, تحرير د. محمد السعيد إدريس – والكتاب عبارة عن أعمال الندوة الثانية التي عقدت في القاهرة.
(2) افتتاحية مختارات إيرانية, العدد 30 يناير (كانون الثاني) سنة 2003 ص4-5.(6/82)
الملل والنحل والأعراق – التقرير السنوي السادس لسنة 1999, ص180 الصادر عن مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية في مصر.
واكتشفت الحقيقة: من بيروت كانت الهداية – هشام آل قطيط.
الحركة الإسلامية في مصر – صالح الورداني.
الشيعة في مصر – جاسم عثمان مرغي.
دوريات ومواقع:
مختارات إيرانية – مجلة شهرية يصدرها مركز الدراسات الاستراتيجية بالأهرام.
إيران والعرب – فصلية.
النور – شهرية تصدرها من لندن مؤسسة الخوئي.
المنبر – شهرية شيعية كويتية.
الشرق الأوسط – لندن.
الوكالة الشيعية للأنباء (إباء).
موقع المعصومين الأربعة عشر.
القاهرة – أسبوعية تصدرها وزارة الثقافة المصرية.
مجلة الوطن العربي – أسبوعية.(6/83)
العدد السابع
غرّة محرم / 1425هـ
وقفات مع حقيقة حزب الله مع يهود..!!
1-…فرق ومذاهب (البهائية).
2-… سطور من الذاكرة (فدك وخيبر – سنة 11هـ).
3-… كتاب الشهر (إيران في ظل الإسلام في العصور السنية والشيعية).
4-…قالوا.
5-…جولة الصحافة (الجمعيات الثقافية صلة الواصل بين الحوزة الشيعية والجمهور).
6-…جولة الصحافة (لتبيان الحقيقة لا غير).
7-…جولة الصحافة (الصدريون ومجاهدي خلق).
8-…جولة الصحافة (السيستاني وخطورة توظيف الدين في السياسة).
9-…جولة الصحافة (المأزق).
10-…جولة الصحافة (عن غياب شخصية عراقية بارزة).
11-…جولة الصحافة (مقاومة فهمي هويدي ... وليث شبيلات).
12-…دراسات (التجمعات الشيعية في العالم العربي – اليمن).
وقفات مع حقيقة حزب الله مع يهود
( حتى لا يتكرر انخداع المسلمين بأتاتورك جديد! )
بعد أن هدأت الأصوات التي علت بالتأييد والدعاء لزعيم حزب الله الشيعي في أعقاب صفقة تبادل الأسرى، لنا وقفات مع هذه الصفقة و"حزب الله " حيث أن معظم المسلمين قد انجرفوا وراءه ووراء زعيمه بتأثير الدعاية والإعلام الذي يعمل على تلميع صورته .
ولعل أبلغ وصف للعملية ما جاء على لسان عيسى قراقع رئيس نادى الأسير الفلسطينى من أن الإفراج هذا هو لتخفيف الزحام في السجون الإسرائيلية !!!!
الوقفة الأولى : تفاصيل الصفقة :
1-…بدون مقدمات أعلن الوسيط الألماني في 23 /1/2004 عن التوصل إلى اتفاق تبادل للأسرى بين حزب الله وإسرائيل ، وذلك بعد يوم واحد من إطلاق النار على جرافة إسرائيلية حاولت عبور الحدود!
2-…كادت العملية تتوقف وتفشل حين رفضت إسرائيل إدراج اللبناني الدرزي سمير قنطار ضمن المفرج عنهم !(7/1)
3-…تم الاتفاق على ما يلي : تفرج إسرائيل عن 23 لبنانياً و12 عربياً و400 فلسطيني و59 جثة مقابل إفراج حزب الله عن رجل الأعمال الإسرائيلي الحنان تننباوم الذي خطفه حزب الله في تشرين الأول سنة 2000 ، وثلاثة جنود إسرائيليين اعتبروا قتلى .
4-…كان حزب الله قد أعلن أنه أرغم إسرائيل على شمول العرب والفلسطينين في الصفقة ، وأنه بذلك حقق انتصاراً على إسرائيل !
5-…تمت العملية كالتالي : يسلم حزب الله إسرائيل رجل الأعمال والجثث أولاً ومن ثم تفرج إسرائيل عن اللبنانيين . وفي اليوم التالي يفرج عن الفلسطينين !!
6-…سيكون هناك مرحلة ثانية من الصفقة ترتكز على توفير معلومات عن الطيار الإسرائيلي آرون آراد .
7-…إتمام العملية وارتفاع شعبية حزب الله وزعيمه حسن نصر الله بين المسلمين بوصفه المنتصر الذي حقق ما عجزت عنه الدول العربية !!
الوقفة الثانية : الأسرى الإسرائيليين ؟
1- قصة خطف رجل الأعمال الإسرائيلي الحنان على يد حزب الله في تشرين الأول 2000 وهل هي حقيقية ؟
الذي يدعو للشك في هذه القصة أنها كانت للتغطية على خيانة حزب الله للشعب الفلسطيني وهو يواجه العدوان الإسرائيلي في انتفاضته الثالثة ، التي وقف حزب الله فيها متفرجاً مع إشباعنا بالشعارات والتصريحات الجوفاء دون أن يطلق رصاصة واحدة على إسرائيل وذلك بحجة الوعي السياسي وعدم السماح لشارون أن يجر حزب الله لمعركة لا يريدها الآن !!
فكانت هذه القصة من استدراج رجل الأعمال الذي يدعي حزب الله أنه ضابط مخابرات في الموساد . ولو صح هذا الكلام أن الرجل ضابط موساد وأن الحزب استدرجه وخطفه فماذا قدم هذا في حربنا وصراعنا مع إسرائيل ؟!
وما قيمة هذا الأسر أو الخطف ؟ هل أوقف العدوان ؟ هل رد شيئاً من الأرض المغتصبة ؟ هل أخرج قائداً من السجن ؟ هل قدم شيئاً ذا صلة للشعب الفلسطيني؟؟؟(7/2)
2- قصة الجنود الثلاثة القتلى . وهي كذلك حدثت في نفس الفترة، فترة العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، وأغلب الظن أنها كانت قراراً فردياً لمجموعة تابعة للحزب من كونها سياسة للحزب و مما يدلك على هذا عدم قيام الحزب بهذه العمليات بشكل دائم مع كل هذا العدوان الصارخ والذي لم يحرك في حزب الله وقيادته سوى مذيعي قناة المنار للشجب والتنديد بالدول العربية ، لكن ماذا قدم الحزب للانتفاضة الثالثة ؟ لا شيء ! ؟ ولكن يخرج علينا نصر الله وأعوانه بأن هذه استراتيجيات عليا أنتم لا تفهمونها ! ومن هذه الاستراتيجيات حالة الحياد والهدوء على طول الحدود اللبنانية وخاصة في مزارع شبعا !
والأغرب من كل هذا هو عدم قيام إسرائيل بأي انتقام أو عدوان في أعقاب هاتين القصتين !!
3 – يجرى حاليا تسريب أخبار أن حزب الله أخذ معلومات هامة عن الجيش الإسرائيلى من حنان ! وأن حزب الله قد هيأ حنان لإستجواب الإسرائيليين ! وعلى فرض صحة هذه الأخبار ، فهل يمكن أن يخبرنا أحد عن أين سيستفيد حزب الله من هذه المعلومات ؟ وحزب الله يصرح أنه لن يعمل خارج حدود لبنان ؟
وما فائدة أن تأخذ معلومة عن طرف يعرف أنها كشفت وتلقائياً سوف يعدل من وضعها ؟
يكفينا دغدغة للعواطف ولنر الحقائق .
الوقفة الثالثة : حقيقة الأسرى الفلسطينيين .
1-…بداية نحن نفرح لكل أسير يحرر من الظلم ، لكن من الظلم أن يبني حزب الله بطولاته الفارغة على أكتاف الأسرى والمجاهدين .
2-…حزب الله لديه قوائم بالأسرى الفلسطينيين في سجون إسرائيل من حركة حماس والجهاد وغيرهما ومع ذلك تجاهل هذا كله ووافق على ما تريده إسرائيل وهو كما يلي :
أ -…عدد الأحكام
عدد الأسرى المدة
60 أشهر (إداري)
57 أقل من سنة
157 سنتان
78 3 سنوات
38 4 سنوات
21 5 سنوات
4 6 سنوات
9 7 سنوات
1 11 سنة (تنتهي في 2004!)
ب-مدة انتهاء هذه الأحكام ونوعية الأحكام :
74.1% منهم تنتهي هذا العام 2004 !(7/3)
18.9% منهم تنتهي عام 2005 !
7% منهم تنتهي عام 2006 !
-…معظم الأسرى هؤلاء صدرت ضدهم أحكام بالسجن بسبب ممارسة أنشطة سياسية أو إلقاء حجارة دون التسبب بأضرار .
( المصدر الجزيرة نت ، صفقة حزب الله بين الواقع والمتوقع )
ج- الذي استثنته إسرائيل من الأسرى وافق حزب الله عليه !
-…استثناء الأسرى من القدس ومناطق الـ 48 والجولان !
-…كل أصحاب الأحكام العالية وذو الخلفيات العسكرية !
-…المرضى والنساء والأطفال !
د- معلومات عن الأسرى الفلسطينيين في سجون إسرائيل :
-…هناك 430 أسيراً اعتقلوا قبل عام 1994 محكومون بأحكام عالية ترفض إسرائيل الإفراج عنهم وفق اتفاقية أوسلو وما بعدها .
-…صرح رئيس نادي الأسير الفلسطيني عيسى قرقع أن عدد الأسرى الفلسطينيين 7500 أسير !
-…هناك العديد من الأسرى حالتهم الصحية سيئة جداً تم تجاهل أمرهم.
-…هناك العديد من الأطفال في السجون يبلغ عددهم تقريباً 350 طفلاً وطفلة .
الوقفة الرابعة : الأسرى اللبنانيون والعرب .
1-…أغلب من أفرج عنهم من تيارات ملحدة ويسارية، وكذلك الجثث غالبيتها لأعضاء الحزب الشيوعي اللبناني !!
2-…أفرجت إسرائيل عن لبنانيين محكومين بتهم جنائية في إسرائيل (ليس عن المقاومة ! ) رفض أحدهما مغادرة إسرائيل، والثاني فضل البقاء في ألمانيا على العودة إلى لبنان !
3-…هناك أحد اللبنانيين المحررين هو من المتعاونين مع إسرائيل سابقاً وكان مسؤلاً عن إحراق سوق صيدا وسجن في إسرائيل بسبب الاتجار في المخدرات !
4-…من المحررين المغربي علي سانوسي الذي اعتقل لدخوله خلسة إلى إسرائيل ثم أطلق سراحه وتزوج من إسرائيلية واعتقل مجدداً على خلفية عنف محلي ! ويرفض الذهاب إلى لبنان
5-…السودانيون مسجونون بتهمة الدخول خلسة إلى إسرائيل !(7/4)
6-…أعلن في وقت لاحق أن احدى الجثث التى سلمت لحزب الله هي ليست لبنانية ، ولكنها لشخص آخر ! والأغرب أن الجثة التى كان يفترض أن يتسلمها حزب الله هي للبنانى مهرب مخدرات !!!
وهذا أمر لم ننتبه له من قبل وهو من هم أصحاب الجثث التى أفرج عنها
حزب الله بجهاده القاهر؟؟
وليس لنا تعليق سوى ماذا تعني هذه الانتماءات ؟ وما مدى نصرها للحق والدين والإسلام ؟؟
الوقفة الخامسة : ملاحظات هامة حول الصفقة .
1-…هذه الصفقة تأتي في وقت تدنت فيه شعبية حزب الله بين المسلمين على خلفية موقفه وموقف إخوانه الشيعة من الاحتلال الأمريكي في العراق وعدم المقاومة، فكانت الصفقة بمثابة قبلة الحياة لشعبية حزب الله .
2-…ليس هناك مصلحة إسرائيلية في الصفقة الآن بل إن شارون قد عرض حكومته للخطر بهذه الصفقة ، فلماذا المغامرة والمخاطرة بذلك ؟ سوى وجود مكسب أكيد وهو حماية وجود حزب الله ؟؟؟
3-…تساءل بعض المراقبين لماذا تمنح إسرائيل دوماً حزب الله عدوها اللدود أو الصديق – لا فرق – ( مسمار جحا ) مزارع شبعا وقضية سمير قنطار الذي يعطي حزب الله شرعية ( المقاومة ) مع أن منطق الأشياء يقول بعكس ذلك ؟
4-…هذا الهجوم في الصحافة الإسرائيلية على حسن نصر الله وتصويره بصورة المنتصر العظيم هل له هدف سوى تلميع نصر الله بين المسلمين عند ترجمة ونقل المقالات كعادة الصحافة اللوبية ؟
5-…لماذا تمنح إسرائيل حزب الله وضعاً إقليمياً مميزاً في حين تسعى الإدارة الأمريكية لسحق حزب الله والضغط على سوريا وإيران من أجل تحجيم الحزب ؟ وهذا بحث حول تقاطعات السياسة الأمريكية والإسرائيلية ليس مجاله الآن .
6-…إسرائيل تعمل على إحراج وتحقير حلفائها المفترضين من الدول العربية من خلال عدم التعاون معهم في إطلاق الأسرى مثل الأردن والسلطة الفلسطينية وتمنح هذا الشرف لعدوها . فلماذا ؟(7/5)
7-…ماذا حققت إسرائيل من هذه الصفقة ؟ رجل أعمال أو مخابرات سيخضع للتحقيق بسبب ما كلف الدولة للإفراج عنه وثلاث جثث فهل هذا يساوي تلميع وتجذير حزب الله بين المسلمين في السياسة الإسرائيلية ؟
8-…الدرزي سمير قنطار ما هدف تسليط الأضواء عليه ؟ هل هذا ضمن حملة تلميع الدروز الحالية من خلال رفض بعضهم المشاركة في الجيش بعد عشرات السنين من العمالة المستمرة ! وكذلك منع وفدهم من عبور الجسر ؟ بالرغم من أن دروز الجولان لم يعرف عنهم مقاومتهم للاحتلال . وهذا ليس مجال تفصيله الآن .
9-…كيف يصرح نصر الله أنه سيخطف مزيداً من الإسرائيليين لتسليك الصفقة إذا تعثرت ولا تقلق إسرائيل من ذلك ؟
10-الإشادة الإسرائيلية بالجهود الإيرانية والسورية في عقد الصفقة ، شهادة حسن سلوك موجهة لمن ؟
11-لماذا نسمع ونرى السلاح الفلسطيني في لبنان لا يقتل إلا فلسطينياً مثله؟ وذلك تحت حراسة حزب الله وأمل في المخيمات الفلسطينية ؟
ومن الذي يمنع السلاح الفلسطيني من الوصول إلى الحدود الفلسطينية سوى حزب الله ؟!
12- الديراني وعبيد المفرج عنهما ماذا كان دورهما السابق في السجن وما هو دورهما اللاحق ؟ وخاصة بعد قصة اغتصاب الديراني ومطالبته بتعويض قدر 1.3 مليون دولار علماً أنه كمسلم فضلاً عن عالم ليس من مصلحته فضح نفسه على الملأ إلا لغاية أعظم ؟؟
13- زيادة الدور الإيراني العلني القائم في المرحلة الثانية من خلال ربط رون أراد والدبلوماسيين الإيرانيين ، وتلميع صورة إيران أمام أمريكا والغرب ، بعد أن كان عبيد والديراني مقابل أراد ، ثم قنطار ليستقر الأمر أخيراً أن الإيرانيين مقابل أراد ؟
هذا التلميع والرصيد المجاني لإيران في ظل الهجمة الأمريكية عليها ما المقصود منه ؟
14- ما معنى أن يقدم حزب الله عظاماً اعتبرت عظام رون آراد وبعد الفحص تبين خطأ ذلك ؟؟(7/6)
هذه بعض الملاحظات الهامة التي لو وقف عندها الإنسان وفكر فإنه سيعرف بوضوح أن حزب الله له وظيفة هي حراسة حدود إسرائيل باسم المقاومة وباسم الإسلام هذا أولاً ،وثانياً أنه سيكون الأداة لتطويع المقاومة السنية الحقيقية لليهود ولكن الله غالب على أمره .
من المهم ملاحظة موقف الشيعة من أفغانستان و العراق ومخيمات لبنان وحدود فلسطين ، لنعرف طبيعة وحقيقة الدور الشيعى .
إن هذه الصفقة في هذا الوقت وبهذه التفاصيل جاءت لتخفف الغضب الشعبي تجاه الشيعة بعد موقفهم في العراق والذى هاجمه حتى بعض المؤيدين لإيران مثل النائب الأردنى السابق ليث شبيلات والكاتب المصري فهمى هويدى ( أنظر مقال أحمد النفيس في جولة الصحافة هذا العدد).
فرق ومذاهب
البهائية
التعريف والتأسيس وأبرز الشخصيات:
البهائية حركة نشات سنة 1260هـ (1844م) تحت رعاية الاستعمار الروسي واليهودية العالمية والاستعمار الانجليزي بهدف إفساد العقيدة الإسلامية وصرف المسلمين عن قضاياهم الأساسية. وتعتبر البهائية امتداداً للبابية التي أسسها الميرزا علي محمد رضا الشيرازي, وهو شيعي ولد في شيراز سنة 1235هـ (1819م), وأعلن أنه "الباب", أي الواسطة بين المؤمنين وادّعى أنه المهدي المنتظر وقد أمر الشاه ناصر الدين بقتل "الباب" لما استفحل شره عند العامة.
وعلي الشيرازي هو تلامذة كاظم الرشتي في كربلاء, ويعتبر الرشتي الشيخ الثاني في الطائفة الشيخية( ) الشيعية الإثنى عشرية بعد مؤسسها الشيخ أحمد الإحسائي.
وكان علي الشيرازي (الباب) يزاول أعمالاً تجارية في حياة الرشتي وعمل في مدينة بوشهر, وبعد وفاة الرشتي, عاد الباب إلى شيراز وعمل لتهيئة نفسه لخلافة الرشتي, ثم أظهر دعوته في الخامس من جمادى الأولى سنة 1260هـ (23 مارس 1844م) واعتبره البابيون والبهائيون من بعدهم هذا اليوم "عيد المبعث", ولا يزالون يقدسونه ويحرمون تعاطي الأعمال فيه, لأنه يوم ظهور دعوة "الباب".(7/7)
وقد أعدم "الباب" سنة 1265هـ (1849م), وقد أثر إعدامه في إضعاف هذه الدعوة, إلا أنها عملت في الخفاء وأعادت تنظيم صفوفها.
وقام بالأمر بعده الميرزا حسين علي نوري بن يزرك الملقب بـ "البهاء", وسميت الحركة بالبهائية, وادّعى أنه هو الموعود الحقيقي والمسيح المنتظر وأن أستاذه "الباب" ليس إلا مبشراً به وداعياً إليه, وقد انتقل البهاء إلى بغداد وأقام بها 12 سنة, ثم أخرجته حكومة بغداد, فقصد الاستانة وقاومه شيوخها فنفي إلى أدرنة, وأقام بها خمس سنين, ثم أرسل بعد ذلك إلى سجن عكا في فلسطين عام 1868م, ثم أفرج عنه عند صدور الدستور في الأستانة الذي يمنح الحريات لأصحاب الديانات المختلفة ولو كانت باطلة, فانتقل إلى قرية "البهجة" من قرى عكا والتف حوله مريدوه, وله كتاب سماه (الأقدس) ادّعى فيه أنه ناسخ لجميع الكتب السماوية بما فيها القرآن, وقد هلك البهاء سنة 1892م ودفن في حيفا.
وانتشرت دعوة "الباب" ثم "البهاء" بسرعة كبيرة, وحصل على أنصار فيهم المثقفون والنابهون, ويرى البعض أن من أسباب ذلك أن أحمد الإحسائي مؤسس الشيخية كان يعد في مؤلفاته وخطبه بقرب موعد ظهور صاحب الزمان, وكانت الأفكار التي نشرها الإحسائي والرشتي قد أوجدت انقلاباً فكرياً وسياسياً شمل العراق وإيران وغيرها, وهيّأئها لانتظار ظهور المهدي.
أهم العقائد:
1- يعتقد البهائيون أن الباب هو الذي خلق كل شيء بكلمته, وهو المبدأ الذي ظهرت عنه جميع الأشياء, وأن دين الباب ناسخ لشريعة محمد صلى الله عليه وسلم.
2- يقولون بالحلول والاتحاد والتناسخ وخلود الكائنات.
3- يقدسون العدد 19, ويقولون بنبوة بوذا وكنفوشيوس وبراهما وزرادشت وأمثالهم من فلاسفة الهند والصين والفرس الأول.
4- ينكرون أن محمداً صلى الله عليه وسلم هو خاتم النبيين, مدّعين استمرار الوحي.
5- يوافق البهائيون اليهود والنصارى في القول بصلب المسيح.(7/8)
6- يؤولون القرآن تأويلات باطنية ليتوافق مع مذهبهم, وينكرون معجزات الأنبياء وحقيقة الملائكة والجن, كما ينكرون الجنة والنار, ويؤولون القيامة بظهور البهاء.
7- يحرمون الحجاب على المرأة, ويحللون المتعة وشيوعية النساء والأموال.
8- قبلتهم البيت الذي ولد فيه البهاء في شيراز, وبعد موته أصبح قبره في مدينة عكا هو قبلتهم.
9- يسقطون الجهاد, ويحرمون القتال تحريماً تامّاً.
10- تنص قوانينهم على الزواج بامرأة واحدة فقط.
مرجعيتهم الفكرية والعقائدية:
1- الشيعة والتراث الفارسي قبل الإسلام, حيث سبق القول أن الباب كان أحد تلامذة كاظم الرشتي أحد أئمة الشيعة في القرن الثالث عشر الهجري.
2- البوذية والبرهمية والزردشتية والمانوية والمزدكية والفرق الباطنية جملة.
3- اليهودية والنصرانية والدهرية.
انتشارهم:
- يبلغ عدد البهائيين في العالم حوالي خمسة ملايين شخص, وتقطن غالبيتهم في إيران, وقليل منهم في العراق وسوريا ولبنان وفلسطين.
- ومقرهم في المنطقة هو مدينة حيفا في فلسطين المحتلة, وتتمتع مدينة عكّا بأهمية كبيرة بوجود قبر البهاء حسين الذي نفته الدولة العثمانية إليها لمّا أحست بخطره, وبقي فيها حتى مات سنة 1892م, وقد لقي الترحيب من المستوطنين اليهود, الذين كانوا قلة آنذاك في فلسطين, وأبدى تعاطفه مع اليهود, وادّعى أنهم تعرضوا للظلم والاضطهاد على أيدي المسلمين والنصارى.
- وتعقد الطائفة البهائية في فلسطين مؤتمراً سنوياً, وتم في مدينة حيفا في مايو (أيار) سنة 2001م افتتاح معلم من معالمهم وهو "الحدائق المعلقة" على مساحة 200 ألف متر مربع, بدعم وتأييد من السلطات اليهودية.
- وتعد البهائية آخر دين تأسس في العالم, وقد اعترفت الأمم المتحدة بمذهبهم سنة 1984م, وللطائفة كثير من المواقع على شبكة الانترنت.(7/9)
- ويوجد في الأردن حوالي 800 بهائي, وبحسب التقرير السنوي الأمريكي لحقوق الإنسان, فإن الأميركيين ينتقدون أن يتبع هؤلاء البهائيون في الأحوال الشخصية للمحاكم الشرعية (الإسلامية) الأردنية, ومن آثارهم في الأردن قصر الواكد في منطقة العدسية الشمالية في لواء الأغوار الشمالية, وقد شيّده البهائيون القادمون من فلسطين, وقد أعطاهم آل الواكد شيئاً من الأراضي الزراعية ليعتاشوا منها, وقد أوجد البهائيون في هذا القصر مركز عبادة ومدرسة.
- وفي مصر اكتشفت السلطات في محافظة سوهاج تنظيماً بهائياً مطلع العام 2001م, وحاكمت أفراده, وبيّن الأزهر الحكم الشرعي في البهائيين وفساد عقيدتهم, وقرر مصادرة جميع الكتب البهائية التي تحاول بعض الجهات ترويجها في مصر مثل "العهد والميثاق" لدرويش مصطفى و"المجموعة المباركة" وهي مجموعة رسائل تعليمية لنشر البهائية من إصدار المحفل البهائي بالاسكندرية و"مفاوضات عبد البهاء" المطبوع في دار النشر البهائية في بلجيكا, ويذكر أنه كان للبهائية حتى فترة الستينات في منطقة العباسيّة في مصر محفل رسمي معروف ومعابد وممتلكات.
- ومعابد البهائية منتشرة في ولاية ويلميت في الولايات المتحدة ومدينة فرانكفورت في ألمانيا وكمبالا في أوغندا وسيدني في أستراليا.
أبرز شخصياتهم:
إضافة إلى الميرزا علي الشيرازي (الباب) والميرزا حسين علي (البهاء) هناك عدد من الشخصيات البارزة في هذه الحركة بعد المؤسس وخليفته:
1- الملا حسين البشروئي, الذي يعتبر أول من آمن بالباب لذلك سمّاه "باب الباب" واعتبره داعيته الأول, وسافر إلى كاشان وقم وطهران وخراسان للتبشير بالدعوة الجديدة.
2- الملا علي البسطامي, وقد سافر إلى العراق لنشر دعوة الباب, فجمع نجيب باشا والي بغداد علماء الشيعة والسنة من بغداد وكربلاء والنجف لمحاججته فأفحموه وأفتوا بقتله.(7/10)
3- قرة العين (1230-1269هـ) وهي امرأة منحرفة السلوك فرّت من زوجها وراحت تبحث عن المتعة, وأعلنت في مؤتمر بدشت سنة 1269هـ عن نسخ الشريعة الإسلامية, وقد أعدمها الشاه في نفس العام.
4- يحيى علي أخو البهاء, وهو الملقب بالأزل, نازع أخاه في خلافة الباب ثم انشق عنه, له كتاب سماه "الألواح" غدر به أخوه وقتله هو وأتباعه.
5- عباس ابن البهاء, وقد تسمى بـ "عبد البهاء", وعندما شعر بأن دعوته لا تنتشر كما ينبغي في فلسطين, سافر إلى مصر وأمريكا وأوربا وقام بنشرها بعد أن أعلن أن البهائية عقيدة دولية, وأنها تهدف إلى تحقيق الديانة العالمية التي لا تفرق بين جنس وجنس, فدخلها بعض اليهود والنصارى.
وعندما نشبت الحرب العالمية الأولى, كان عبد البهاء في فلسطين فخدم الحلفاء في القضاء على الدولة العثمانية, وقد منحته بريطانيا رتبة فارس مع لقب سير, وقد هلك سنة 1930م وهو في السابعة والسبعين, وأوصى أن يخلفه من بعده حفيده لابنته شوقي رباني.
6- شوقي رباني حفيد عبد البهاء, وقد مات دون أن ينجب, فاجتمع المجلس الأعلى للطائفة البهائية في فلسطين المحتلة, وتم انتخاب اليهودي الأمريكي ميسون رئيساً روحياً لهم.
للاستزادة:
1-…الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة – إعداد الندوة العالمية للشباب الإسلامي في الرياض.
2-…الشيخية نشأتها وتطورها, محمد حسن آل الطالقاني ص49.
3-…دوريات: مجلة الأزهر (مصر), الأهرام (مصر), الشريعة (الأردن), الدستور (الأردن), السبيل (الأردن), الهلال (الأردن).
سطور من الذاكرة
فدك وخيبر
سنة 11 هـ
فدك قرية بخيبر, فيها عين ماء ونخل, وهي مما أفاء الله به على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم, و"فدك" هي إحدى القضايا التي استغلها البعض للطعن في أبي بكر الصديق رضي الله عنه, والإساءة إلى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.(7/11)
تقول التفاصيل أنه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم جاءت فاطمة رضي الله عنها إلى خليفة المسلمين أبي بكر الصديق رضي الله عنه تطلب ميراثها الذي تركه والدها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أرض فدك, فما كان من الصديق رضي الله عنه إلا أن ذكّرها بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لا نورث, ما تركناه صدقة)( ) وكان ممّا قاله الصديق لفاطمة رضي الله عنها: والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إليّ من أن أصل قرابتي.
وتفهمت فاطمة رضي الله عنها ذلك, كيف لا وهي سيدة نساء العالمين, ثم طلبت فاطمة من أبي بكر أن يعيّن زوجها علي بن أبي طالب مسؤولاً عن هذا الوقف فلم يجبها وفسر ذلك بأنه لا يريد إلا ما عمل به النبي صلى الله عليه وسلم. وأكّد الصّدّيق لفاطمة أنه لا يفعل ذلك إلا ابتغاء مرضاة الله, واتباعاً لسنة أبيها صلى الله عليه وسلم فقال: (وإني والله لا أغير شيئاً من صدقات النبي التي كانت عليها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم, ولأعملن فيها بما عمل فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم).
وكان مما قاله لها: (... وأما المال فإن تريديه فخذي من مالي ما شئت).
وكذلك فعل الصديق مع العباس عمّ النبي صلى الله عليه وسلم بل وكذلك كان التعامل مع بقية الورثة كزوجات النبي صلى الله عليه وسلم, ومنهن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وابنة أبي بكر, لم تحصل على الإرث رغم أنها من الذين يرثون شأنها شأن فاطمة. بل تقول السيدة عائشة في هذا الشأن: "إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم أردن أن يبعثن عثمان إلى أبي بكر ليسألنه ميراثهن, فقالت عائشة: أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا نورث, ما تركناه صدقة".(7/12)
وهكذا كان أبو بكر يقتدي بعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم, ويعامل الجميع بالعدل, ومنهم ابنته عائشة, وهكذا كان الصديق رضي الله عنه يعطي من فدك إلى آل النبي صلى الله عليه وسلم ما يكفيهم ويقسّم الباقي متآسياً بقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يقتسم ورثتي دينار, ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة)( ) .
وبعد الصديق جاء الفاروق عمر, واقتدى بالنبي صلى الله عليه وسلم والصديق وأوكلها إلى علي والعباس ليعملا فيها ما عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر. ثم تركها العباس إلى علي, بإشارة ابنه عبد الله بين يدي عثمان, كما رواه أحمد في مسنده. ولم يفضل عمر ابنته حفصة على غيرها وهي زوج النبي صلى الله عليه وسلم وإحدى الورثة.
وكذا في عهد عثمان, ولمّا جاء عهد علي رضي الله عنه لم يكن تعامله في هذه القضية يختلف عن تعامل الخلفاء قبله, بل إنه قال: (إني لأستحي من الله أن أرد شيئاً منع منه أبو بكر وأمضاه عمر).
والمتتبع لهذه القضية يلمس كم كانت قضية صغيرة هامشية, سرعان ما تم تجاوز آثارها, على عكس ما يشيعه الحاقدون على الإسلام, من اضطهاد الخلفاء لآل البيت, وحرمانهم من حقوقهم.
حتى ادّعوا بأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ضرب فاطمة رضي الله عنها وأسقط جنيناً كان ببطنها اسمه محسن! وأن الصحابة أحرقوا دارها, ووصل الأمر ببعض هؤلاء من السخافة والتجني إلى أن يرفع أحد المواطنين الإيرانيين الشيعة قضية في إحدى محاكم مدينة سبزوار الإيرانية على أبي بكر في سنوات الستينات من القرن الماضي, ويدّعي هذا المواطن واسمه حسين الواعظي أنه من الورثة القانونيين لفاطمة الزهراء, ويطالب أبا بكر –بعد موته- بإعادة بساتين فدك مع مبالغ تأجيرها لمدة 1380 عاماً!.( )(7/13)
ولعلّ الذين يستغلون قضية فدك للطعن في الصحابة الكرام لا يعلمون أن المذهب الشيعي الجعفري لا يورث المرأة من العقار والأرض شيئاً, وهذا ما ذكره الكليني في الكافي (كتاب المواريث ج7, ص137), وذكره الصدوق في كتابه من لا يحضره الفقيه (كتاب الفرائض والميراث ج4, ص347), وهذا أمر يدعو للاستغراب حيث أن هؤلاء يقيمون الدنيا ولا يقعدونها من أجل عدم إعطاء أبي بكر الصديق فاطمة من ميراث أبيها صلى الله عليه وسلم في الوقت الذي تنص كتبهم على أن المرأة لا ترث من العقار والأرض شيئاً.
وفيما يتعلق بميراث الأنبياء. فإن هؤلاء يستدلون بقول الله تعالى (وورث سليمان داود)( ) على أن الأنبياء يورثون, والصحيح أن الوراثة في الآية هي وراثة الملك والنبوة, وليست وراثة المال لأن داود عليه السلام كان له أولاد كثيرون, فلم اقتصر القرآن على ذكر سليمان من بينهم لو كان المراد وراثة المال؟ وكذلك في قصة زكريا عندما قال الله تعالى على لسانه (فهب لي من لدنك وليّاً يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله ربّ رضياً)( ) فإن زكريا من الأنبياء الكرام والدنيا أحقر عنده من أن يسأل الله ولداً ليرثه ماله, وإنما سأل الله ولداً صالحاً يرثه في النبوة والقيام بمصالح قومه.
لذا فإن قضية فدك اجتهد فيها أبو بكر واقتدى بما كان يصنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أبو بكر في الوقت ذاته محباً لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم عارفاً لحقهم.
لقد كان أبو بكر يأخذ غلة فدك, فيدفع إلى أهل البيت منها ما يكفيهم, ويقسم الباقي للصدقات كما أوصى النبي صلى الله عليه وسلم ونفذت الوصية في عهد عمر وعثمان وعلي أيضاً.
للاستزادة:
1-…العواصم من القواصم – الإمام أبو بكر بن العربي بتحقيق العلامة محب الدين الخطيب ص39.
2-…النسب والمصاهرة بين أهل البيت والصحابة – علاء الدين المدرسي ص316.
3-…مختصر منهاج السنة – شيخ الإسلام ابن تيمية – الجزء الأول ص229.
كتاب الشهر(7/14)
إيران في ظل الإسلام
في العصور السنية والشيعية
الدكتور عبد النعيم حسنين
مقدمة
إيران دولة مسلمة, عرفت الإسلام منذ وقت مبكر عندما أرسل النبي محمد صلى الله عليه وسلم رسالة إلى كسرى ملك فارس يدعوه فيها إلى الدخول في الإسلام لكنه أبى واستكبر.
غيرأن شمس الإسلام وصلت إيران بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم, فقد بدأ الفتح الإسلامي لهذه البلاد سنة 13هـ في أواخر عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه, واستمرت عملية الفتح في عهد خليفته عمر بن الخطاب رضي الله عنه, وحقق المسلمون نصراً مبيناً في موقعة نهاوند سنة 21هـ, فسميت هذه الموقعة "فتح الفتوح" لأن دولة الساسانيين لم تقم لها قائمة بعدها, فاستكمل المسلمون فتح سائر أرجاء إيران في عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه, وقتل يزدجر آخر ملوك الساسانيين سنة 31هـ, فطويت صفحة الساسانيين وأصبحت إيران من ديار المسلمين.
والدارس لتاريخ إيران منذ الفتح الإسلامي إلى يومنا هذا يتبين له مرحلتين مختلفتين اختلافاً بيناً:
فالمرحلة الأولى غلبت عليها الصبغة السنيّة منذ الفتح الإسلامي حتى قيام الدولة الصفوية سنة 906هـ.
والمرحلة الثانية غلبت عليها الصبغة الشيعية منذ أن حكم الصفويون إيران ثم أعلنوا المذهب الشيعي مذهباً رسمياً للدولة سنة 907هـ وحتى يومنا هذا.(7/15)
وهاتان المرحلتان المتباينتان في تاريخ إيران هما محور كتابنا لهذا الشهر المعنون بـ "إيران في ظل الإسلام في العصور السنيّة والشيعية" حيث أجاد مؤلفه الدكتور عبد النعيم حسنين في وصف هذين العهدين والتحول الكبيرالذي طرأ على إيران باستلام الشيعة الصفويين الحكم, وصبغهم كافة جوانب الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية بمذهبهم الشيعي, وكيف أن استيلاء الصفويين المشؤوم على الحكم في إيران جرّ على المسلمين الويلات في إيران وكذلك العالم الإسلامي, حيث تفرّغ الصفويون لمحاربة الخلافة العثمانية السنيّة الأمر الذي أدّى إلى تفتيت الجبهة الإسلامية, وإلى أن يوقف العثمانيون فتوحاتهم في أوربا, ويتفرغوا لرد الاعتداءات الصفوية.
لقد جاء الحكم الصفوي الشيعي إلى إيران بعد أن ساهمت إيران في عصرها السني في بناء صرح الحضارة الإسلامية الراقية, التي أنجبت كثير من علماء المسلمين في مختلف الفنون( ) , لكن هذا الوضع سرعان ما تلاشى إذ تحولت إيران في عهد الشيعة الصفويين إلى بؤرة للنزاع والصدام مع العالم الإسلامي, ولم تعد إيران حينئذ مركز رفد وإمداد للحضارة الإسلامية, وهو ما سعى المؤلف إلى بيانه في كتابه في بابين مستقلين تناول الأول إيران في العصور السنية, والآخر في العصور الشيعية, وتحت كل باب عدد من الفصول.
ويقع الكتاب في 128 صفحة من الحجم المتوسط, وصدرت طبعته الأولى سنة 1988 عن دار الوفاء في مصر.
وللمؤلف, إضافة إلى هذا الكتاب, مؤلفات أخرى, مثل "وماذا بعد البصرة" و"إيران ماضيها وحاضرها".
الباب الأول: إيران في المرحلة السنية(7/16)
غلبت الصبغة السنيّة على إيران المسلمة ما يقرب من تسعة قرون من الزمان – من 21هـ إلى 907هـ, وكانت موقعة نهاوند سنة 21هـ, معركة حاسمة, فتحت بعدها أبواب إيران على مصاريعها أمام جند المسلمين, فأخذوا يسيطرون على الأقاليم الإيرانية المختلفة, إقليماً في إثر إقليم, واستغرقت السيطرة على مختلف أنحاء إيران عشر سنوات, منذ انتصار المسلمين في نهاوند سنة 21هـ وحتى مقتل يزدجر الثالث آخر ملوك الساسانيين سنة 31هـ.
الفصل الأول: الفتح الإسلامي لإيران
كانت إيران قبل الفتح الإسلامي تحت حكم الساسانيين وكانت تعاني فساد نظامهم الإقطاعي, والشعب كان مقسماً إلى طبقات, وكل فرد من أفراد الشعب يؤدي ضريبة سنوية تسمى ضريبة الرؤوس, ويؤمن بأن الملك ظل الله في الأرض, لأنه يدين بالمجوسية, التي رفع رايتها زرادشت منذ القرن السادس قبل الميلاد, وصارت الدين الرسمي لإيران حتى الفتح الإسلامي.
وكانت إيران آنذاك, هي ودولة الروم أعظم قوتين في العالم, وفي حين كان الروم يشكلون قوة الغرب, كان الفرس يشكلون قوة الشرق, ويبسطون نفوذهم على إقليم الحيرة وهو جزء من شبه الجزيرة العربية, وكانت توجد فيه دولة المناذرة, التي كان حكامها يدينون بالطاعة والولاء للملك الفارسي, ويؤدون له ضريبة سنوية ويتولون حراسة قوافل التجارة الإيرانية.
بدأ الفتح الإسلامي لإيران في عهد الخليفة أبي بكر عندما استطاع المثنى بن حارثة سنة 13هـ فتح بعض الأراضي المجاورة لمنطقة السواد, وفي عهد الفاروق عمر, حاول أبو عبيدة الثقفي غزو إيران من الجنوب الغربي عن طريق عربستان, والتقى بالفرس في موقعة الجسر سنة 13هـ, وكانت قوة الفرس كبيرة مما أدّى إلى هزيمة المسلمين وقتل قائدهم.
أكمل المسلمون فتح إيران بقيادة سعد بن أبي وقاص سنة 14هـ, إذ ألحق جيش المسلمين بالفرس هزيمة نكراء في موقعة القادسية التي كانت إحدى معارك المسلمين الكبرى.(7/17)
ثم واصل المسلمون تقدمهم في الأراضي الإيرانية, وتمكنوا من فتح الجزء الجنوبي من إيران, بينما تقهقر ملكهم يزدجر الثالث إلى منطقة أصفهان في وسط إيران, وأخذ يجمع الجند في محاولة لاسترداد ما ضاع منه, وتقابل المسلمين وجند يزدجر في معركة جلولاء سنة 18هـ انتهت باندحار يزدجر وجيشه وتقهقره صوب أصفهان, وظل يزدجر يحشد جيشاً جرّاراً التقى بالمسلمين في موقعة نهاوند الفاصلة سنة 21هـ, حيث انتصر المسلمون انتصاراً مبيناً, ولم تقم للساسانيين قائمة بعدها, وغنم المسلمون مغانم كثيرة مما جعلهم يسمون هذه الموقعة "فتح الفتوح".
واستغرقت سيطرة المسلمين على جميع الأراضي الإيرانية عشر سنوات بسبب اتساع البلاد ووعورتها, وليس نتيجة لوجود مقاومة من يزدجر الثالث الذي أفل نجمه بعد هزيمة جيشه في نهاوند, وظل هائماً على وجهه إلى أن قتل سنة 31هـ.
وينبه المؤلف إلى ضرورة وصف هذا الفتح بـ "الإسلامي" لأن المستشرقين وتلاميذهم يصرون على تسمية هذا الفتح بالفتح العربي, وهي تسمية تثير الإيرانيين ضد العرب, وتجعلهم كارهين للعرب الذين فتحوا بلادهم وأذلوا كبرياءهم, وحوّلوا بلادهم من قوة عظمى إلى ولاية تابعة للحكم الإسلامي, وجعلهم تابعين للعرب بعد أن كان العرب أقل شأناً منهم.
وإذا كان فتح إيران تم على أيدي المسلمين من العرب, فإن بلاداً أخرى كبلاد التركستان والهند وآسيا الصغرى تم فتحها بجنود من المسلمين الإيرانيين والأتراك.
الفصل الثاني: غلبة الصبغة السنية على إيران
أقبل الإيرانيون على الدخول في الإسلام أفواجاً, فقد أعجبوا بما فيه من عدل ورحمة ويسر يعكس ما كانوا عليه في ظل المجوسية, فحرصوا على الاهتداء بنوره ونشره.
وانتشر الإسلام هناك انتشاراً كبيراً, وخاصة في غرب إيران, إلا أن هذا التأثر كان يقل كلما اتجهنا شرقاً, فكانت منطقة خراسان وما وراء النهر أقل جهات إيران تأثراً بالصبغة الإسلامية.
هجرة العرب إلى إيران:(7/18)
ومما ساهم في انتشار الإسلام في إيران هجرة كثير من القبائل العربية إلى الأراضي الإيرانية والإقامة فيها, واختلاطهم بالإيرانيين.
وكان استقرار القبائل العربية واضحاً في القسم الجنوبي الشرقي من إيران, لأن هذه القبائل المهاجرة على ظهور الدواب لم يكن بمقدورها مواصلة السير في أراضي الهضبة الإيرانية ذات الجبال العالية والمسالك الوعرة.
لذلك ظهر التأثير الإسلامي في هذا الجزء من إيران, واستقرت القبائل العربية في منطقة الخليج حتى سميت هذه المنطقة "عربستان" أي بلاد العرب أو المنطقة التي يسكن فيها العرب, وظلت معروفة بهذا الإسم حتى وقت قريب إلى أن غيّر الإيرانيون اسمها إلى خوزستان.
وأقبل الإيرانيون على تعلم العربية لغة القرآن والحديث, فبرز النفوذ العربي في إيران وأصبح كثير من علماء العربية في اللغة والنحو والفقه والتفسير والتاريخ من أصل فارسي, وكان من نتيجة ذلك إهمال اللغة الفارسية قرنين من الزمان, وتحولت إلى لغة عامّية في القرى والأماكن النائية شرق البلاد.
وكان الإيرانيون يحبون آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم, لأن الحسين بن علي رضي الله عنهما تزوج شهربانو بنت يزدجر وانجب منها علي زين العابدين, وكان الإيرانيون يعتبرون أنفسهم أخوال زين العابدين الذي تجري في عروقه دماء عربية وإيرانية, وبالغوا في الحب لدرجة العصبية, فكان لهذا التعصب أثر واضح في تاريخهم الإسلامي قديماً وحديثاً.
وأدّى ذلك إلى كرههم للأمويين وإلى أن ينضموا إلى المختار الثقفي حين ثار في الكوفة سنة 65هـ على الأمويين مطالباً بدم الحسين.
كما انضموا إلى أعداء الأمويين, وكان لأبي مسلم الخراساني القائد الإيراني المعروف دور واضح مشهور في القضاء على الدولة الأموية ونقل الخلافة الإسلامية إلى العباسيين.(7/19)
وأدّى ظهور النفوذ الإيراني في فترات من حكم العباسيين إلى حدوث امتزاج حضاري بين المسلمين من عرب وإيرانيين, وتبادلت اللغتان كثيراً من الألفاظ والمصطلحات, لكن تأثير العربية في الفارسية كان أكثر قوة ووضوحاً.
الفصل الثالث: قيام دول شبه مستقلة في إيران السنيّة
ظلت إيران تابعة تبعية كاملة للخلافة العباسية السنيّة إلى بداية القرن الثالث الهجري، لكن النفوذ العربي في الأماكن البعيدة عن مقر الخلافة العباسية كان ضعيفاً مما جعلها مركزاً لحركات التمرد ضد النفوذ العربي والدعوة إلى الاستقلال والانفصال عن جسم الخلافة العباسية.
1- الدولة الطاهرية:
وظهرت نزعة الاستقلال عن العرب في إيران منذ أوائل القرن الثالث الهجري, في إقليم خراسان سنة 205هـ عندما أسند الخليفة المأمون أمر هذا الإقليم إلى قائده طاهر بن الحسين مكافأة له على انتصاره على أخيه المأمون فانتهز طاهر هذه الفرصة فأسس دولة سمّاها الدولة الطاهرية ظلت حاكمة أكثر من خمسين عاماً في إقليم خراسان من سنة 205هـ إلى سنة 259هـ.
وازدادت نزعة الاستقلال بعد الدولة الطاهرية, إذ شملت الدول الصفارية والسامانية والغزنوية، وظلت الصبغة السنيّة غالبة على مظاهر النشاط البشري في إيران طوال حكم العباسيين.
وكان حكام هذه الدول يدينون من الناحية الشكلية بالولاء للخليفة العباسي باعتباره أمير المؤمنين وكانوا يعتقدون أن موافقة الخليفة على توليهم السلطة يعطي حكمهم صفة شرعية أمام الناس.
2- الدولة الصفارية
وبعد الدولة الطاهرية التي سبق إليها الإشارة جاءت الدولة الصفارية التي أسسها يعقوب بن الليث الصفاري وأنهى حكم الدولة الطاهرية، وتمكن يعقوب من بسط نفوذ الصفاريين على كرمان وفارس وأصفهان, وحاول أن يغزو دار الخلافة بغداد.
3- الدولة السامانية:(7/20)
ثم هُزم الصفاريون سنة 279هـ على يد السامانيين بقيادة إسماعيل الساماني لتقوم دولة جديدة تضم خراسان وما وراء النهر، أكثر من قرن من الزمان (من سنة 279هـ إلى سنة 389هـ) وهذه الدولة الجديدة هي السامانية.
وكان السامانيون أسرة تجري في عروقهم دماء إيرانية لأنهم كانوا ينتسبون إلى بهرام جوبين قائد الجيش في عصر الملك خسرو برويز،وهو الملك الذي بعث إليه النبي محمد صلى الله عليه وسلم يدعوه فيها للدخول في الإسلام، لكنه أبى.
وكان تولي السامانيين حكم إيران فرصة لظهور بعض مظاهر الحضارة الإيرانية قبل الإسلام في نظم الحكم وترتيب الديوان واستعمال اللغة الفارسية وتحويلها من لغة عامية إلى لغة مكتوبة، فظهرت على مسرح الاستعمال وكتب بها الأدب الفارسي وألفت بها الكتب في مختلف العلوم والفنون، ولكن ظهر الأدب العربي فيها واضحاً فدخلتها كلمات واصطلاحات عربية كثيرة، فأصبح ثوبها عربياً وما زالت في هذه الصورة حتى يومنا هذا.
وسيطرت هذه الدولة على أقاليم ما وراء النهر وخراسان وسجستان وطبرستان والري وكرمان.
وبالرغم من أن السامانيين أحيوا كثيراً من مظاهر الحضارة الإيرانية القديمة إلا أنهم كانوا يتبعون المذهب السني ويعترفون بالسيادة الروحية للخليفة العباسي.
ويتعصب الإيرانيون لهذه الدولة رغم أنها وجدت أثناء غلبة الصبغة السنّية للبلاد، لأنها أحيت مظاهر الحضارة الإيرانية وقوّت الشعور الوطني.
4- الأتراك(7/21)
وأدّت الحروب التي قام بها السامانيون في بلاد التركستان إلى أسر الكثير من الأتراك, واستخدامهم في خدمة الوزراء والقواد، ولم يلبث هؤلاء الأتراك أن وصلوا إلى مرتبة الحُجاب والمربين للأمراء وقواد الجيش ومناصب الدولة العالية, فظهر نفوذهم وصارت لهم الكلمة العليا. وتمكنوا في النهاية من إسقاط الدولة السامانية، فبدأ عهد جديد هو عصر نفوذ العناصر التركية في إيران الإسلامية، وأخذ الأتراك يكوّنون دولاً قوية كان لها شأن عظيم وبلغت الصبغة السنّية في عصرهم أزهى درجاتها في إيران, كما سيبينه الفصل القادم.
الفصل الربع: وضوح الصبغة السنّية في إيران الإسلامية
كان ظهور العنصر التركي في العالم الإسلامي عاملاً مساعداً على تقوية الصبغة السنّية، لأن الأتراك كانت تغلب عليهم البداوة، فإذا آمنوا بشيء تعصبوا له تعصباً شديداً.
وكان العباسيون يستعينون بالأتراك منذ عهد المعتصم بن المأمون من 218هـ إلى 227هـ، وزادت الاستعانة بالأتراك طيلة القرن الثالث الهجري وفي القرون التالية لهذا القرن.
1- الغزنويون
وبدأت الدول التركية تظهر في إيران المسلمة السنّية منذ القرن الرابع الهجري. وكانت الدولة الغزنوية هي أول دولة تركية قوية مشهورة ظهرت في إيران.
وكان أول حكام الغزنويين وهو البتكين عبداً تركياً من مماليك السامانيين الذين التحقوا بجيشهم ثم استطاع أن يصير من قوادهم وأن يصبح حاكماً على خراسان سنة 349هـ ثم تمكن من بسط نفوذه على إقليم أفغانستان في سنة 351هـ حيث أعلن عن تأسيس دولة تركية جديدة سميت الدولة الغزنوية.(7/22)
وبلغت هذه الدولة أقصى قوتها في عهد السلطان محمود الغزنوي ثالث حكامها، إذ تمكن من بسط حكم الغزنويين على إقليم أفغانستان وما وراء النهر وخراسان وطبرستان وسجستان, فلم يعد خارج نفوذهم من أقاليم إيران الأصلية غير كرمان وفارس، واستطاع محمود الغزنوي أن يسقط الدولتين السامانية والزيارية( ) وأن يستولي على كثير من ممتلكات البويهيين( ) في الهضبة الإيرانية.
وأخذت الصبغة السنّية تظهر بوضوح في هذه الفترة، وكان الاتهام بالتشيع كافياً لإعراض السلطان عن كل من يتهم بهذه التهمة، كما حصل مع الشاعر الفارسي المعروف الفردوسي الطوسي ناظم الشاهنامة. فقد أبلغ الواشون السلطان محمود بأن الفردوسي شيعي رافضي، وبدل من أن يعطيه ستين ألف دينار مكافأة له على نظمة الشاهنامة، أعطاه ستين ألف درهم، لأن السلطان كان سنيّاً شديد التمسك بسنيته كغيره من الحكام الأتراك.
واشتهر عصر محمود الغزنوي بالغزو والجهاد, ويذكر لنا التاريخ أنه هو فاتح الهند. وهو أحد الذين خدموا اللغة الفارسية فقد ساعدت فتوحاته على نشر هذه اللغة في بلاد الهند فأصبحت هذه البلاد منذ القرن الخامس الهجري من بلاد الفارسية مما ساعد على ظهور لغة إسلامية جديدة في بلاد الهند هي اللغة الأوردية.
كما كان بلاط السلطان محمود شاهداً قوياً على ازدهار الحضارة الإسلامية ذات الصبغة السّنية لكثرة من اجتمعوا حوله من العلماء والأدباء والكتاب والشعراء.
ومن أشهر من اتصل بالسلطان من العلماء أبو الريحان البيروني ومن الشعراء الفردوسي الطوسي.
لكن السلطان لم يحظ بحب الإيرانيين كونه سنيّاً متمسكاً بسنيته، ولأنه حاول القضاء على كثير من المظاهر الإيرانية القديمة التي أحياها السامانيون، لذلك حاولوا النيل من إنجازاته وتشويه سيرته وجهاده.
2- السلاجقة(7/23)
وشهد عصر محمود الغزنوي ظهور قوة تركية جديدة هم السلاجقة، الذين ظهروا في بلاد ما وراء النهر بعد سنة 380هـ، وانتقل السلاجقة أواخر عصر السلطان محمود إلى خراسان، وتمكنوا بقيادة طغرل من هزيمة السلطان مسعود ابن السلطان محمود الغزنوي، وسيطروا على خراسان، وفي سنة 429هـ أعلن طغرل نفسه سلطاناً على نيسابور، وأعلن قيام دولة جديدة هي السلجوقية، وكان السلاجقة شديدي التمسك بمذهبهم السني ويعتبرون أنفسهم جنود الخلافة العباسية المخلصين.
وبسط السلاجقة نفوذهم على إيران والعراق وبلاد الشام وجزء كبير من آسيا الصغرى. وجعلوا لهم هدفاً بعيداً وهو توحيد الرقعة الكبيرة من بلاد الإسلام التي سيطروا عليها تحت لواء السنة والجماعة بزعامة الخليفة العباسي.
وخاض السلاجقة ضد الروم سنة 463هـ إحدى معارك الإسلام الحاسمة وهي ملاذكرد وانتزعوا أرض الأناضول من الروم، الأمر الذي أدّى لأن تنطلق الحملات الصلبية كنوعٍ من أخذ الثأر من السلاجقة.
وأصبحت للسلاجقة في عهد ملك شاه بن ألب أرسلان ووزيره نظام الملك دولة تمتد من الهند شرقاً إلى البحر الأبيض المتوسط غرباً، ومن البحر الأسود شمالاً إلى الخليج جنوباً.
وسرعان ما بدأت هذه الدولة تضعف سنة 485هـ، إذا تم في ذلك العام قتل الوزير نظام الملك المشهور بكفاءته وسياسته الحكيمة، وبعد أيام توفي السلطان ملك شاه, فإنهار ركنا دولة السلاجقة في مدة وجيزة.
ومني السلاجقة سنة 548هـ بهزيمة ساحقة على يد قبيلة تركية مغولية تدعى الغز.
3- الخوارزميون
استغلت الدولة الخوارزمية( ) ضعف السلاجقة وأخذوا يستولون على أراضيهم وتمكنت من إسقاط دولة السلاجقة في إيران والعراق سنة 590هـ (1194م).(7/24)
لقد كان عصر السلاجقة عصراً ازدهرت فيه العلوم والفنون في إيران، وعصراً علت فيه راية الجهاد والدفاع عن البلدان الإسلامية، والمحافظة على دولة الخلافة الإسلامية وبرز فيه التمسك بالمذهب السني، فقد اعتبر السلاجقةُ الشيعةَ الإسماعيلية من اتباع حسن الصباح خارجين عن الإسلام ووصفوا بأشبع الصفات.
وظلت الصبغة السّنية غالبة على المسلمين في إيران حتى بعد سقوط الخلافة العباسية في بغداد سنة 656هـ (1258م) وهو ما يتناوله الفصل الخامس.
الفصل الخامس: بقاء الصبغة السنيّة في إيران بعد سقوط الخلافة العباسية
كان سقوط دولة السلاجقة في إيران والعراق سنة 590هـ (1194م) بداية النهاية بالنسبة للخلافة العباسية في بغداد على أيدي المغول, فقد صادف سقوط السلاجقة ظهور المغول وبروز خطرهم على العالم الإسلامي.
1- المغول:
وقاد جنكيزخان المغول( ) أواخر القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي) وأسقط الدولة الخوارزمية التي أسقطت الدولة السلجوقية, وتمكن من الاستيلاء على بخارى وسمرقند وبلخ ومرو ونيسابور, وتمكن هولاكو سنة 656هـ (1258م) من القضاء على الدولة العباسية السنيّة, وأصبح المغول يسيطرون على إيران والعراق سيطرة تامة.
واستقر المغول بعد ذلك في إيران واتخذوا مدينة السلطانية عاصمة لدولتهم, واتخذ هولاكو لقب إيلخان, وتلقب خلفاؤه بهذا اللقب, فأصبحت دولة المغول تسمى دولة الإيلخانيين في إيران.
وبالرغم من وثنية المغول إلا أن الصبغة الإسلامية ظلت ظاهرة في إيران, بل إن قوة الحضارة الإسلامية في إيران أثرت في المغول فبدأوا يغيرون من عاداتهم وأخلاقهم, ويؤمنون بمعتقدات دينية تخالف ما اعتادوا عليه في حياتهم القبلية الوثنية, فالمغول وإن كانوا انتصروا عسكرياً إلا أنهم غُلبوا حضارياً.(7/25)
وفي سنة 680هـ (1181م) اعتنق أحد حكامهم وهو تكودار الإسلام وسمى نفسه أحمد, وصار حكام المغول مسلمين وأصبحوا رعاة للحضارة الإسلامية السنيّة, ونشطت في عهدهم العلوم والفنون وكثر الإنتاج الأدبي.
2- التيموريون:
خلف التيموريون المغول في السيطرة على إيران, وكانوا من الأتراك المسلمين الذين ظهروا في النصف الثاني من القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي) بقيادة تيمور وتمكنوا من الاستيلاء على أقاليم خراسان ومازندران وسجستان ثم سيطروا على جميع أنحاء إيران.
وقد اتخذ تيمور مدينة سمرقند عاصمة لدولته الفتيّة, وبعد وفاته سنة 807هـ بدأت هذه الدولة تضعف.
3- القبائل التركية:
استغلت قبائل "القرة قيونلو" ضعف الدولة التيمورية, وبدأت بالاستيلاء على أراضيها واتسع نفوذها حتى بلغ بغداد, كما تمكنت قبائل "آلاق قيونلو" من هزيمة القرة قيونلو والاستيلاء على الإقليم الغربي من إيران بينما كان أبناء تيمور يحكمون الإقليم الشرقي من إيران وظلوا يحكمون هذا الإقليم حتى سنة 911هـ (1505م).
وظلت الصبغة السنيّة ظاهرة في إيران بعد سقوط الخلافة العباسية حتى سنة 906هـ (1500م) عندما استطاع الصفويون الشيعة حكم إيران وفرض مذهبهم في العام التالي, لتبدأ صفحة جديدة من تاريخ إيران ما زالت آثارها ظاهرة إلى الآن وهو ما يناقشه القسم الثاني من الكتاب حيث بدأت إيران تصطبغ بالصبغة الشيعية.
الباب الثاني: إيران ذات الصبغة الشيعية
سبق القول أن الصبغة السنية ظلت تميز إيران تسعة عقود من تاريخها, أي منذ الفتح الإسلامي سنة 21هـ إلى قيام الدولة الصفوية الشيعية سنة 906هـ, وبرزت الصبغة السنية بوضوح خلال حكم الدول التركية التي قامت في إيران كالغزنوية والسلجوقية, إضافة إلى أن هذه الدول أعلت من شأن الجهاد في سبيل الله, وانطلقت في أنحاء المعمورة نشراً لدين الله.(7/26)
وظلت الصبغة السنيّة بارزة في إيران حتى بعد سقوط الخلافة العباسية وحكم المغول والقبائل التركية.
الفصل الأول: تحول إيران من التسنن إلى التشيع
اعتنقت بعض القبائل التركية الساكنة في منطقة أذربيجان بعد سقوط الخلافة العباسية المذهب الشيعي الأثنى عشري مثل قبائل القزلباشيه وجنحت إلى التصوف, وكانت تتبع فرقة صوفية تسمى الفرقة الصفوية نسبة إلى صفي الدين الأردبيلي( ) أحد أقطاب التصوف, وصفي الدين هو جد إسماعيل الصفوي مئسس الدولة الصفوية( ).
وقد استطاع إسماعيل بمساعدة قبائل القزلباشيه أن يقيم دولة جديدة سميت الدولة الصفوية نسبة إلى جده الأكبر صفي الدين, وأعلن تبريز عاصمة له سنة 906هـ.
ولم يلبث إسماعيل أن أعلن المذهب الشيعي الإمامي مذهباً رسمياً للدولة الصفوية في عام 907هـ (1501م), فأخذت إيران تصطبغ بالصبغة الشيعية تحت الضغط والإرهاب الذي مارسه الشاه إسماعيل وتسير باتجاه يختلف اختلافاً كبيراً عمّا كانت عليه في القرون التسعة التي سبقت حكم الصفويين.
وبدأ مسار النشاط البشري يتغير تغيراً جذرياً وشاملاً في النواحي السياسية والاجتماعية والدينية والاقتصادية والعلمية والفنية.
الفصل الثاني: أثر الصبغة الشيعية في الناحية السياسية
كانت للصبغة الشيعية على إيران منذ العصر الصفوي أثر واضح في سياسة إيران تجاه العالم الإسلامي السنّي من جهة والعالم الغربي النصراني من جهة أخرى, فقد نظر الشيعة في إيران إلى السنة –بزعامة العثمانيين- على أنهم أشد خطراً عليهم من الدول الغربية النصرانية, فجاهروا العثمانيين السنّيين بالعداء, بينما أظهروا الود للدول الأوربية النصرانية, وللنصارى من الإيرانيين, وقامت سياسة الدولة الصفوية على هذا الأساس طوال مدة حكمهم التي استمرت أكثر من قرنين من الزمان من سنة 906هـ إلى سنة 1148هـ.
سياسة الصفويون الشيعة تجاه السنة العثمانيين:(7/27)
وأدى قيام الدولة الصفوية الشيعية في إيران إلى فصل أهل السنة في وسط آسيا وأفغانستان والهند عن أهل السنة في تركيا والعراق ومصر والدول الآخرى.
وأخذ الصفويون يصطدمون بدولة الخلافة العثمانية السنيّة, الأمر الذي أدى إلى أن يسود التوتر بين الصفويين والعثمانيين, وإلى أن تنشب بينهم الحروب, وكانت البداية سنة 920هـ (1514م) حيث التقى الطرفان في معركة جالدران في ديار بكر, وانتهت بانتصار السلطان العثماني سليم الأول على الشاه إسماعيل الصفوي, وواصل السلطان سليم زحفه حتى دخل تبريز عاصمة الصفويين بينما هرب إسماعيل إلى وسط إيران.
وبالرغم من الانتصار الكبير للعثمانيين, إلا أنهم اضطروا للانسحاب بسبب انتشار الأمراض في فصل الخريف, ثم قدوم الشتاء, مما جنب الدولة الصفوية السقوط.
وظلت الحروب تتوالى بينهما خاصة بعد تمكن السلطان سليم الأول من السيطرة على العراق ثم الشام ومصر سنة 923هـ (1517م) ثم غزو شمال أفريقيا وإعادة الخلافة السنيّة بحيث صار السلطان العثماني خليفة للمسلمين وأميراً للمؤمنين.
محالفة الشيطان:
وظلت كفة العثمانيين راجحة طوال القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي) إلى تولي الشاه عباس الأول الصفوي عرش الصفويين سنة 996هـ (1587م), فانتهج سياسة محالفة الشيطان ضد العثمانيين السنّة.
واستعان عباس بأخوين انجليزيين –هما روبرت وأنتوني شيرلي- في تدريب الجيش الإيراني وتسليحه بإنشاء مصنع لإنتاج المدافع, وتمكن بذلك من الصمود بوجه العثمانيين, واتخذ أصفهان عاصمة له حتى تكون بعيدة عن متناول العثمانيين, ومع ذلك اضطر عباس إلى مهادنتهم وعقد معهم صلحاً يعترف بسيطرتهم على الأراضي التي سيطروا عليها.
لكن عباس سرعان ما نقض المعاهدة المبرمة بينه وبين العثمانيين وتمكن من احتلال إقليم أذربيجان وتقدم صوب الأراضي التركية وسيطر على إقليمي أرمينيا وجورجيا, وبذلك رجحت كفة الصفويين لأول مرة.(7/28)
وتمشياً مع سياسة التحالف مع الشيطان ضد أهل السنة اتصل عباس الصفوي بالدول الأوربية وتحالف معها ضد العثمانيين, ومنح بعضها امتيازات تجارية في منطقة الخليج, وأغراهم بالإقامة والتنقل والتجارة.
والتقت بذلك مصالح الصفويين الشيعة مع الغربيين النصارى, لأن هؤلاء كانوا يعتبرون العثمانيون أكبر عقبة في طريقهم.
وسمح عباس للنصارى من الإيرانيين بالإقامة في ضاحية مستقلة من ضواحي مدينة أصفهان, وما زالوا يقيمون بها إلى الآن واسمها حُلفا, كي يثبت للأوربيين أن النصارى أقرب إليه من المسلمين السنيّين.
وكان عباس أقوى شخصية في البيت الصفوي, لكنه ترك وراءه بعد موته تركة مثقلة بالعداوة بين الشيعة والسنة, وبالامتيازات التي منحها للمستعمرين النصارى, وكان الحكام من بعد عباس عاجزين عن تحمل العبء الذي تركه, فأخذ زمام الأمور ينتقل بمرور الزمن إلى أيدي كبار رجال الدين, وبلغ الضعف أوجه في عهد الشاه حسين الذي حكم من سنة 1106هـ إلى سنة 1135هـ (1694-1722م) فازدادت الأحوال سوءاً مما أغرى خصوم هذه الدولة بالاستيلاء على أراضيها, فتقدمت قبائل أفغانية سنيّة بقيادة محمود بن ميروس لغزو الأراضي الإيرانية واستولت على إقليم كرمان والعاصمة أصفهان وأجبرت الشاه حسين على التنازل عن العرش لمحمود بن ميروس, وبذلك تمكن الأفغان من بسط نفوذهم على إقليم فارس.
واستفادت روسيا القيصرية من هذا الضعف فاحتلت السواحل الغربية والجنوبية لبحر قزوين, وسيطر العثمانيون على بعض الأراضي المجاورة لهم.
الإفشاريون:(7/29)
غير أن رجلاً قبلياً من طائفة الأفشار الشيعية يدعى "نادر قلي" تمكن من الاستيلاء بمساعدة قبيليته على إقليم خراسان مما جعل الشاه طهماسب الثاني الصفوي ابن الشاه سلطان حسين يستعين به, فنجح في استرداد ما حصل عليه خصوم إيران, وأصبح بمكانة رفيعة هيأت له عزل طهماسب الثاني وتعيين ابنه الطفل عباس الثالث ملكاً على الصفويين, وصار نادر وصياً على العرش.
وبعد ثلاث سنوات, أي سنة 1148هـ (1735م) عزل نادر عباساً الصفوي وأعلن سقوط الدولة الصفوية, وأعلن نفسه ملكاً على إيران وقيام دولة جديدة حلت محلها هي الدولة الإفشارية.
وكان نادر شاه أقوى شخصية ظهرت في إيران بعد الشاه عباس الصفوي حيث استطاع توحيد إيران وغزو الهند وغزنة وكابل والتوغل في أفغانستان, وأن يمد نفوذه إلى بخارى وفيوه وجميع بلاد الأوزبكيين, وقام بمحاولة جادة لبناء أسطول إيراني في الخليج, وبسط سيطرته على البحرين سنة 1151هـ (1738م) وسار سنة 1156هـ (1743م) لاحتلال العراق وتمكن من الاستيلاء على الموصل والبصرة.
وحاول نادر شاه أن يخفف من حدة الخلافات المذهبية بين السنة والشيعة, ودعا إلى مؤتمر في النجف بين علماء من الطائفتين( ), وأمر بعدم سب الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان من فوق المنابر في إيران, وأخذ يفاوض العثمانيين في الاعتراف بالمذهب الشيعي الإثنى عشري مذهباً خامساً من المذاهب الإسلامية المعتبرة.
لكن سياسة نادر شاه في التقارب مع السنة وإزالة بعض المنكرات التي أدخلها وأصّلها الصفويون في إيران أغضبت قبائل القزلباشية المعروفة بتعصبها الشديد للمذهب الشيعي, فدبروا مؤامرة لاغتياله, وتم قتل نادر سنة 1160هـ (1747م).
وسادت الفوضى والاضطرابات بعد مقتله وكثرت الحروب الداخلية بين القبائل, وتمكن الأفشار من السيطرة على أصفهان وشيراز وأكثر الأجزاء الجنوبية من إيران .
وأقام كريم خان الزندي دولة خاصة له وجعل مدينة شيراز عاصمة الدولة الزندية.(7/30)
واستطاعت طائفة القاجار أن تسيطر على إقليم مازندران بعد مقتل نادر شاه وحاولت التقدم نحو الجنوب فوقف لهم كريم خان بالمرصاد, وبعد وفاته استطاع القاجاريون بقيادة زعيمهم آقا محمد أن يبسطوا نفوذهم على وسط إيران ويستولوا على مدينة طهران واتخذوها عاصمة لدولتهم القاجارية التي كان آقا محمد أول ملوكها, وهي الدولة التي اسقطها رضا بهلوي في النصف الأول من القرن العشرين.
واستطاعت الدولة القاجارية أن تسقط الدولة الزندية وأن تبسط سيطرتها على الأراضي الإيرانية دون منافس.
ورغم تغير الدول الحاكمة في إيران بعد الدولة الصفوية, إلا أن التعصب المذهبي ظل يوجه سياسة البلاد داخلياً وخارجياً, فقد أدى التعصب إلى الاشتباك الدائم مع السنة العثمانيين, وتحولت بسبب ذلك الدولة العثمانية من الدولة القوية التي تجاهد وتنشر الإسلام إلى دولة الرجل المريض الذي صار نهباً للطامعين من الأوربيين النصارى.
وأما إيران في العصر القاجاري فقد تزايد فيها النفوذ الغربي في عهد فتحعلي شقيق وخليفة آقا محمد أول ملوك القاجاريين وامتد حكم فتحعلي من 1212 إلى 1250هـ (1797-1834م) وشهد عصره ألواناً من الصراعات الاستعمارية في إيران وبخاصة إنجلترا وفرنسا وروسيا القيصرية, وبادرت هذه الدول إلى بسط نفوذها على أنحاء مختلفة من إيران.
وقد بدأ فتحعلي اتصاله بالغرب بعقد معاهدة تحالف بين إيران وفرنسا سنة 1222هـ (1807م) قبلت إيران بموجبها السماح للجيش الفرنسي بالمرور من الأراضي الإيرانية وهي في طريقها لغزو الهند في مقابل أن تتعهد فرنسا بإمداد إيران بالأسلحة الحديثة وتدريب عناصر الجيش, ثم عقد مع بريطانيا معاهدة مناقضة للأولى, يمنع بموجبها مرور القوات الفرنسية من الأراضي الإيرانية.(7/31)
وخلف فتحعلي حفيده محمد شاه بدءاً من سنة 1250هـ, وحاول الاستعانة بروسيا في إقرار الأحوال الداخلية المضطربة في إيران, واستغلت روسيا هذه الفرصة فبسطت نفوذها على بلاد القوقاز والتركستان.
وازدادت الحالة في إيران اضطراباً بعد وفاة محمد شاه واعتلاء ابنه ناصر الدين شاه العرش سنة 1848م, وهو في السادسة عشرة من عمره, وامتاز عهده الطويل بازدياد النفوذ الروسي في إيران.
وقد قتل ناصر الدين سنة 1896م فخلفه ابنه مظفر الدين شاه, فازداد الفساد وعظم النفوذ الأجنبي –وخاصة الروسي- في عصره.
وتوفي مظفر الدين سنة 1907م فخلفه ابنه محمد علي شاه, الذي حاول ضرب حركة المعارضة مستعيناً بالروس.
وعين أحمد شاه بن محمد علي شاه ملكاً على إيران, وظل النفوذ الروسي قوياً.
البهلويون:
في ذروة اضطراب الأوضاع في إيران وضعف القاجار, استطاع أحد ضباط القوات المسلحة وهو رضا خان أن يصير قائداً للقوات المسلحة ووزيراً للحربية فتمكن من الإمساك بالوضع في إيران ثم صار رئيساً للوزراء سنة 1923م, وتمكن من إقصاء أحمد شاه آخر ملوك الدولة القاجارية عن الأراضي الإيرانية ثم عن العرش, وفي سنة 1925م اعتلى رضا خان عرش إيران وسمى نفسه رضا شاه بهلوي, وأعلن قيام دولة جديدة هي الدولة البهلوية.
رجال الدين:
وكان مما قام به رضا بهلوي الحد من نفوذ رجال الدين, حتى صار الزي الديني لا يلبس إلا بتصريح خاص, وألغيت الاحتفالات الدينية ومواكب التعزية في مقتل الحسين في يوم عاشوراء.
وفي سنة 1941م, أرغم رضا بهلوي بضغط من القوات الروسية والانجليزية على التنازل عن العرش لابنه محمد رضا, ثم نفي خارج إيران, وظل في المنفى إلى أن توفي في جنوب أفريقيا سنة 1944م.
واعتلى محمد رضا شاه عرش إيران وهو في الثانية والعشرين من عمره, وقد آثر الارتماء في أحضان الغرب والدوران في فلك الدول الغربية وبخاصة الولايات المتحدة.(7/32)
وتمكنت جموع الثورة بقيادة الخميني في شهر شباط (فبراير) سنة 1979 من إسقاطه وإلغاء النظام الملكي ليحل محله نظام جمهوري ما زال قائماً حتى الآن.
الفصل الثالث: أثر الصبغة الشيعية في النواحي الدينية والاجتماعية والاقتصادية
أولاً: الناحية الدينية:
ظهر إثر قيام الدولة الصفوية تغير في معتقدات الإيرانيين وسلوكهم وفق المعتقدات الشيعية للدولة الصفوية, فقد أصبحوا يؤمنون بجملة من العقائد منها:
1-اعتقاد أن الخلافة كانت يجب أن تؤول إلى علي بن أبي طالب بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وأن الخلفاء الراشدين الثلاثة غاصبون للخلافة, وقد أباح الشيعة لأنفسهم سب هؤلاء الخلفاء وعموم صحابة النبي صلى الله عليه وسلم, وهو الأمر الذي ما يزال مستمراً إلى الآن.
2-اعتقاد أن خلفاء بني أمية وبني العباس غاصبون للخلافة من علي وبينه, انتهاءً بالمهدي المنتظر عندهم, وهو الإمام الثاني عشر, ويعتبر مرشد الثورة الإيرانية نائباً له.
3-عدم الصلاة في مساجد السنة أو خلف إمام سني وإضافة اسم علي بن أبي طالب في الأذان.
4-نفور الشيعة من أهل السنة, وهم لا يملون قتالهم وما زال هذا واضحاً في سلوك الشيعة في إيران حتى يومنا هذا.
5-صار المذهب الشيعي مرتعاً للبدع والخرافات ورواج الأباطيل, مما يسّر ظهور حركات دينية مضللة بشرت بقرب ظهور الإمام الغائب, وكان آخر هذه الحركان "البابية" التي ظهرت في عصر محمد شاه القاجاري, وقد روج لها ميرزا علي محمد الشيرازي الذي عاش في الفترة ما بين 1225هـ إلى 1266هـ (1809-1850م) واتخذ لقب "الباب" أي الباب بين دنيا المادة ودنيا الروح.(7/33)
6-اهتمام ملوك الشيعة خاصة عباس الصفوي بمزارات ومقامات الأئمة, فقد قام بطلاء قبة مقام الإمام الرضا –الإمام الثامن عند الشيعة الإثنى عشرية- في مدينة مشهد بالذهب الخالص, وحجّ إليه قادماً من أصفهان سيراً على الأقدام, ودعا الشيعة للاقتداء به, وجعل أئمة الشيعة يعلنون أن الحجّ إلى مشهد يكفي ويغني عن الحج إلى الكعبة وزيارة بيت الله الحرام.
ثانياً: الناحية الاجتماعية:
1-حدث نتيجة غلبة الصبغة الشيعية على إيران تغير في طبقات المجتمع, فأصبحت طبقة رجال الدين الشيعة طبقة متميزة متنفذة تتدخل في توجيه حياة الناس الدينية وفي الشؤون السياسية المختلفة إذا كان الملك ضعيفاً كما حدث في عهد الشاه سلطان حسين الصفوي.
وقد ساهم الشاه عباس في إعلاء طبقة رجال الدين وخصص لهم خمس أرباح التجار والزراع وأصحاب رؤوس الأموال، فأصبحت أكثر الطبقات ثراءً، وقد وضحت قوة هذه الطبقة بعد نجاح ثورة الخميني 1979.
وقد أدى تميز طبقة رجال الدين إلى كثرة المتمسحين بالدين والمتاجرين به. فانتشرت البدع والخرافات في المجتمع الإيراني وراجت الأباطبل كما سبق بيانه في ظهور فرقة البابية.
وأدى ضعف إيران السياسي في العصر القاجاري: إلى إزدياد النفوذ الأجنبي في المجتمع الإيراني مما ساهم في انتقال العادات والتقاليد الأوروبية في اللباس والطعام والحفلات.
ثالثاً: الناحية الإقتصادية
أدى عداء الصفويين الشيعة لدولة الخلافة العثمانية السنّية إلى أن يوثقوا صلاتهم الاقتصادية بالدول الأوروبية، ويسمحون للتجار الأجانب بحرية الحركة في المدن الإيرانية.
وشجع ضعف إيران في العصر القاجاري على ازدياد النفوذ الغربي في هذه البلاد، وحصل الإنجليز على حق إنشاء السكك الحديدية وطرق المواصلات بالسيارات واستغلال الثروة المعدنية والنفط لمدة سبعين سنة.
واستطاع الروس الحصول على امتيازات عسكرية، وعلى حق الصيد في بحر قزوين وفتح مصرف روسي في طران سنة 1891م.(7/34)
الفصل الرابع: أثر الصبغة الشيعية في النواحي العلمية والأدبية والفنية
أولاً: الناحية العلمية
ساهمت إيران في المدة التي غلب عليها الصبغة السنيّة في بناء صرح الحضارة الإسلامية في كافة العلوم والفنون، فلمّا غلبت الصبغة الشيعية بعد قيام الدولة الصفوية أصبح النشاط العلمي منفصلاً عن النشاط العلمي في البلاد السنيّة، وصارت موضوعات الكتب التي تؤلف ذات طابع شيعي واضح في العلوم الشرعية وغير الشرعية على السواء.
وتعصب علماء الشيعة في مؤلفاتهم للمذهب الشيعي واصطبغت مؤلفاتهم به، وظهر التعصب كذلك في المجالات غير الشرعية كالتاريخ، فقد فسر المؤرخون الشيعة منذ العصر الصفوي أحداث التاريخ الإسلامي المختلفة تفسيراً يخدم سياسة الشيعة، ونظرتهم، فقد شوّهوا تاريخ الأمويين تشويهاً عجيباً.
ثانياً: الناحية الأدبية
في ظل الصبغة الشيعية راجت المواضيع الأدبية المكتوبة –شعراً ونثراً- التي تمدح الأئمة الاثنى عشر وترثي الأئمة الذين استشهدوا.
كما أصبحت موقعة كربلاء تمثل تمثيلاً مسرحياً.
ثالثاً: الناحية الفنية
ظهرت الصبغة الشيعية في الفنون الإيرانية منذ قيام الدولة الصفوية، فأصبح اللون الأسود من الألوان التي تستعمل كثيراً بواسطة الفنانين الإيرانيين لأنه يرمز إلى الحزن والحداد حزناً على الأئمة.
وتفنن الرسامون في رسم صور لأئمة الشيعة، فظهرت صور لعلي والحسين ولسائر الأئمة.
كما غلبت نغمة الحزن على الموسيقى والغناء، والإكثار من المناسبات المذهبية المختلفة، وللدارس للفنون الإيرانية يستطيع أن يشاهد بسهولة أثر الصبغة الشيعية في سائر الفنون الإيرانية من رسم ونقش ونحت وتصوير وموسيقى وغناء وتمثيل.
الجمعيات الثقافية صلة الوصل
بين الحوزة الشيعية والجمهور
النجف (العراق) – أ.ف.ب
العرب اليوم 19/1/2004(7/35)
هذه صورة صغيرة عن النشاط الشيعي الجماعي في قطاع الجمعيات الثقافية. وذلك أن الساحة الآن متعطشة لهذا الجانب, فعلى المخلصين من أهل السنة المسارعة كذلك لملء هذا الفراغ الذي لن يبقى فارغاً.............الراصد.
تتعدد الجمعيات الثقافية التي تدور في فك الحوزة الشيعية في النجف, ومنها الغدير والبلد الأمين والمرتضى لتشكل مراكز إشعاع ونفوذ للمرجعية الدينية المركزية الشيعية.
وفي مدينة النجف الشيعية "المقدسة" في وسط العراق, ولدت هذه الجمعيات على أثر الاحتلال, وتضم هذه الجمعيات عشرات المتطوعين الذين يعملون ميدانياً على نشر دعوات آيات الله العظمى وبينهم بالخصوص المرجع علي السيستاني.
ويقول غيث شبر الذي يدير هيئة تحرير "النجف الأشرف" الدورية الشهرية لجمعية المرتضى لوكالة فرانس برس "مهمتنا تتمثل في رفع مستوى الوعي العام للشعب وخاصة الوعي الديني".
ويؤكد رجل الدين "أن جمعيتنا التي ولدت من مبادرة طلاب الحوزة تملك حضوراً في الموصل والبصرة" ما يعطي فكرة عن انتشار شبكة الجمعية السريع على التراب العراقي في غضون أشهر قليلة.
ويضيف "إن العدو الرئيسي لم يكن إطلاقاً صدام بل الجهل" متفادياً الخوض في تمويل جمعيته مكتفياً بالإشارة إلى أنها تحصل على مواردها من أنصارها.
وفي مقر جمعية "البلد الأمين" كانت اللهجة أكثر حيادية دون أن تتخلى عن النفس النضالي, ويقول ليث شبر أخو غيث وهو جامعي "أن الأهم اليوم هم أن تعاد للعراقيين هويتهم الإسلامية "الشيعية" والوطنية".
وتعتمل الأفكار في الجمعية, وهي تعمل على إيجاد موقع لها على الانترنت وإصدار دوريتين وتنظيم منتدى حوار. وسبق لها أن نظمت ملتقيين اثنين حول الدستور أتاحا الفرصة للجامعيين لكي يدعموا "بالحجة والبرهان" موقف آية الله العظمى علي السيستاني الذي يطالب بصياغة الدستور من قبل عراقيين منتخبين.(7/36)
ويقول المسؤول عن الجمعية "نحن حلقة وصل بين الحوزة والجامعة". ويضيف "اقتربت الجامعة من الحوزة, ونحن نسعى لإدخال العلوم الصحيحة إلى المدارس الدينية" مؤكداً أنه لا يتلقى أوامر من رجال الدين غير أنه يحضر بانتظام الدروس التي يقدمها السيستاني بالرغم من تقدمه في السن (73) سنة.
أما جمعية "الغدير" فإنها تنشط في الوسط المدرسي وتتوجه إلى الطلاب والمدرسين على السواء, ويقول نائب رئيس الجمعية حسين حجار "نهيء أماكن للصلاة ونعرض دروساً عبر الانترنت ونوزع منشورات توجيهية مجاناً على المدرسين".
ويقول مدرس "نحن جمعية شيعية, وندافع بكل قوتنا عن مواقف آيات الله العظمى لأنه برأينا يشكل هؤلاء المراجع كتلة موحدة".
وتعطي منشورات هذه الجمعيات مكانة مميزة لفتاوى المراجع الشيعية في النجف وتنتشر هذه الفتاوى التي عادة ما تكتب بلغة يصعب على الجمهور العريض فهمها.
ويظل بإمكان من يريد توجيه السؤال مباشرة لهؤلاء المراجع أن يفعل ذلك, ويتقاطر الأتباع من كل مكان على المراجع لتقديم أسئلتهم.
ولا توجد محرمات, ويمكن للسائل أن يطرح سؤالاً يتعلق بأبسط تفاصيل الحياة الشخصية أو أعقد القضايا السياسية".
لتبيان الحقيقة.... لا غير
مجلة النور مجلة أسبوعية عراقية صدرت بعد سقوط نظام صدام.
والمقال الذي صدر في ربيع الأول لعام 1424هـ يفند الادعاءات القائلة بأن الشيعة يمثلون 60 أو 67% من الشعب العراقي, ويعرض بالأرقام والإحصائيات حقيقة تواجد السنة والشيعة, وهناك تقارير أخرى ننشرها في العدد القادم مثل تقرير وكالة قدس برس......... ...........الراصد.(7/37)
إن السنة والشيعة يعيشون في العراق منذ مدة طويلة, فلا يستطيع السنة إلغاء الشيعة ولن يستطيع الشيعة إلغاء السنة, ولذلك وجب عليهم التعايش مع بقاء الحوار الهادف والاستعاضة عن المواجهة الدامية بالمناقشة الفكرية, والقانون الإلهي يقول: ((فأمّا الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض)) [الرعد:17] وقانون الطبيعة يقول: (البقاء للأفضل).
وفي هذه الأيام كثرت الأقاويل والتصريحات التي تتحدث عن نسبة السنة إلى الشيعة, فبوش يقول: إن الشيعة 60-67% من الشعب العراقي, وإذا ما عرفنا أن الأكراد والتركمان نسبتهم 30% وأن الأقليات الدينية 3%, فمعنى ذلك أن العرب السنة غير موجودين أصلاً ولكن لا نعرف قولهم في محافظات الأنبار وصلاح الدين وديالى والموصل وحتى بغداد وبابل والبصرة أين سكانها السنة من هذه النسبة.
لعن الله الطائفية ودعاتها, فنحن في مقالنا هذا لا نريد نشر الفرقة ولا إيقاظ الفتنة ولكن نريد تبين حقيقة يسعى الكثير لطمسها وكما يقال فإن الحقيقة بنت البحث, فنسأل الله أن يعيننا في بحثنا هذا عن الحقيقة.
وقبل أن نقوم بطرح إحصائية السنة والشيعة يجب بيان كثير من الحقائق التي أغفلها الكثير ممن تكلم في هذا الموضوع.(7/38)
إن (صداماً) هو من أهم أسباب زرع روح العداء بين السنة والشيعة في العراق كي يضمن بقاءه في السلطة بالضغط على دول الجوار –الخليج والأردن- إضافة إلى الدول الكبرى ذات المصالح الواسعة في المنطقة, فصوّر للعالم أنّ العراق عبارة عن قنبلة موقوتة وأنه يشكل صمام الأمان, هذا بالنسبة للخارج, أما بالنسبة للداخل فهو يضمن بهذه السياسة ولاء أهل السنة –وهم الأكثرية عرباً وأكراداً- فهو يربطهم معه عن طريق المصالح المشتركة, ونفذ هذه السياسة عن طريق ترك الإعلام بيد الشيعة (الصحاف وعدي ذي النفس الموالي للشيعة في كل امبراطوريته الإعلامية) إضافة إلى فتح بعض المجال لتكوين مرجعية شيعية والسماح لكثير من الشعائر الشيعية وتجمعاتهم الكبيرة, وترك قيادة السلطة (الحرس-الأمن-المخابرات- المناهج الدراسية) بيد السنة, وبهذا يحافظ على هذه الموازنة الحساسة بيده. ومن تصريحات بوش وبلير نفهم أن هذه اللعبة قد اعجبتهم وسيمارسونها أيضاً, فهم يصرحون أن الشيعة أكثرية وفي نفس الوقت يرفضون قيام دولة شيعية, وبهذه الطريقة يكسبون صوت السنة -الأكثرية الحقيقة- إلى صالح أي خيار آخر وإن كان علمانياً –لا دينياً-.
إنّ هذه النسب يستخدمها بعضهم في تقسيم العراق إلى حصص مختلفة الأحجام, ونحن لا نوافق على تقسيم العراق أيا كانت النسبة, فصاحب الدار لا يرضى بغرفة مهما كانت واسعة, ولنا في قصة نبي الله داود (عليه السلام) مع المرأتين المتخاصمتين على الولد عبرة وعظة, ولكن بعد زوال صدام رأينا الشارع لا يميل إلى التقسيم ولا إلى المواجهة –إلا حالات شاذة- ويميلون إلى الحرية الدينية, فيمارس كلّ منهم شعائره بحرية من غير قيد أو منع, وإنّ هذا الأمر لا يرفضه أهل السنة لأنهم على يقين أن الحرية أقرب الطرق للوصول إلى الحق, وأن الكبت والمنع هو حاضنة جيدة لنشوء التطرف والعصبية.(7/39)
إنّ كثرة الكلام عن أغلبية الشيعة وظهور شعائرهم في كل مكان ومبالغاتهم الواسعة أعطت انطباعاً على معظم العراقيين وعلى العالم أيضاً بالتسليم بهذه الحقيقة –المزيفة- ويمكن ضرب بعض الأمثلة:
*يقال أن سكان مدينة الثورة 3 ملايين, لكنّ إحصائيات وزارة التجارة –وهي أصح الإحصائيات- تقول إنهم دون المليون.
*يقال أن عدد زوار كربلاء هذه العام في أربعينية الحسين رضي الله عنه 6 ملايين زائر, ولو قسمنا هذا العدد على مساحة كربلاء التي تتم فيها الزيارة –بغض النظر عن المساحات المبنية- فمعناه أنّ كل زائر سيقف على أرض مساحتها 5 سم مربع, ولو قارنا كربلاء بمكة المكرمة وعرفنا أنّ مكة تكبر كربلاء بعدة مرات وأنّ زوارها من كل مكان من العالم, ومع هذا فإنها لا تستوعب أكثر من مليوني حاج, ويحدث فيها سنوياً الكثير من حالات الاختناق والموت لشدة الزحام استطعنا أن نقدر عدد زوار كربلاء بعدد يتراوح بين 300- 500 ألف.
*إن الذين يمارسون الشعائر الشيعية هم أغلبية شيعة العراق –الملتزم وغير الملتزم- بينما يمارس الشعائر السنية (صلاة الجماعة في المساجد وصلاة الجمعة عموماً) هم الملتزمون من أهل السنة فقط وإذا كانت المقارنة بين الشيعة عموماً وبين الملتزمين فقط من أهل السنة فإنّ التفوق للشيعة قطعاً.
*إنّ أسلوب المبالغات استخدمته إيران من قبل, فبعد أن كانت نسبة السنة في إيران 35% أصبحت الآن وحسب الادعاءات الإيرانية 3% فقط!! ونخشى أن تكون هذه المبالغات ستصيب أهل العراق أيضاً.(7/40)
*لا توجد إحصائية رسمية عن عدد السنة والشيعة في العراق, ولكن هي تخمينات وتوقعات, ولا نظن أنّ أمريكا ستسمح لمثل هذه الإحصائية فهي لا تنفع سياستهم حالياً, ولكن سنعتمد في دراستنا هذه على استطلاع واسع قامت به مجموعة كبيرة من المهتمين في هذا الشأن –تفوق المئة رجل- ممن يسكنون معظم محافظات القطر, وقد اعتمدوا في دراستهم هذه على إحصائية 1997, وبما أن النسبة لا تتغير بتغير العدد فإن النتيجة ستكون واحدة, واعتبرت الأقليات الأخرى عدداً ثابتاً في المعادلة فيحذف من الطرفين, مع تصحيح عدد الأكراد الذين كان النظام البائد يقللهم دوماً لأغراض سياسية, فستصبح الدراسة منصبة على إيجاد النسبة بين السنة والشيعة في هذا البلد.
ولن يستثنى الأكراد من الدراسة فالمنهجية العلمية تلزمنا أن يكون التقسيم واضحاً, إما كونه طائفياً (سنة وشيعة) وإما كونه قومياً (عرباً وأكراد وتركمان).
ومن الجدول الملحق تجد أن عدد الشيعة في العراق هو (10.390.464) نسمة قياساً إلى السنة الذين يبغ مجموعهم (11.104.854) نسمة, كما أنّ نسبة الأقليات الدينية في العراق تبلغ 3% وبعد حذف نسبة 1.3% من مجموع الشيعة و 1.7% من مجموع السنة (لعزل نسبة الأقليات) فتكون النسبة النهائية: السنة 50% والشيعة 47% والأقليات 3%.
ومن الجدول كذلك نلاحظ أنّ هناك عشر محافظات ذات أكثرية شيعية وهناك ثمان محافظات ذات أكثرية سنية (لكن المحافظات ذات الأكثرية السنة أكبر بكثير من حيث عدد السكان, إضافة إلى أنّ الأقليات السنية في المناطق الشيعية أكثر من الأقليات الشيعية في المناطق السنية).(7/41)
وبعد هذا كله نؤكد أنّ مصلحة البلد تستوجب منا العمل كيد واحدة وأن يعاون بعضنا بعضاً ولا يستغل بعضنا بعضاً, فكل قوى الأعداء يلعبون بورقة الطائفية كل على طريقته, فقد جاء اليوم الذي يجتمع السنة والشيعة وأن يقفوا وقفة واحدة لرد كل عدوان على بلدنا, ويحلوا الاختلافات التي بينهم بالحوار العلمي الهادف المستمر تحت غطاء من الحرية في الفكر والتعبير بعيداً عن التعصب والإرهاب, وبهذا نصل جميعاً إلى خيري الدنيا والآخرة.
الجدول
المحافظة…عدد السكان…الشيعة…السنة…الملاحظات
……النسبة…العدد…النسبة…العدد…
بغداد…4380700…60%…2628420…40%…1752280…ريف بغداد وضواحيها عشائر سنية (الرضوانية-المحمودية- اللطيفية- الطارمية-الراشدية- عرب جبور-اليوسفية).
نينوى…1899500…5%…94975…95%…1804525…الموصل تكاد تخلو من الشيعة إلا بعض التركمان المتواجدين في منطقة تلعفر وبعض العوائل الشيعية.
السليمانية…1818300…5%…90915…95%…1727385…
بابل…1453000…75%…1089750…25%…363250…مناطق (الحصوة والمسيب وجرف الصخر وجبلة) وغيرها ذات عشائر سنية كبيرة.
أربيل…1413700…5%…70685…95%…1343015…
البصرة…1228900…65%…798785…35%…430115…
ذي قار…1223600…95%…1162420…5%…61180…توجد في (سوق الشيوح- الشوامرة-ناحية الفجر) عشائر سنية.
ديالي…1192700…40%…477080…60%…715620…
الأنبار…1018000…1%…10180…99%…1007820…
صلاح الدين…899000…10%…89900…90%…809100…يوجد الشيعة في قضاء بلد والدجيل وداخل المدينة أيضاً.
النجف…802000…100%…802000…-…--…
كربلاء…742300…95%…705185…5%…37115…
واسط…687600…85%…584460…15%…103140…
القادسية…666600…100%…666600…-…--…
التأميم…642400…20%…128480…80%…513920…يوجد فيها شيعة تركمان
ميسان…581900…99%…576081…1%…5819…
دهوك…430900…2%…8618…98%…422282…
المثنى…414400…98%…406112…2%…8288…
المجموع…21495500…48.3%…10390464…51.7%…11104854…(7/42)
نسبة الأقليات الدينية في العراق تبلغ 3%, فتكون النسبة النهائية:
السنة 50%, والشيعة 47%.
والأقليات 3% (بعد حذف نسبة 1.3% من مجموع الشيعة و1.7% من مجموع السنة).
الصدريون ومجاهدي خلق( )
رسول جعفريان بازتاب - الصدى 28/7/2003
هذا المقال يسلط الضوء على بداية تيار الصدريين الذي يمثله الآن مقتدى الصدر ويشير إلى الخلافات الدموية الداخلية بين الشيعة.
الكاتب إيراني يمثل وجهة النظر الرسمية الإيرانية.
ونبين أن مقتدى الصدر ليس موالٍ للأمريكان ولا للسنة بل لمصالحه الخاصة المتعارضة مع إيران وأمريكا والسنة, ننشر المقال للاطلاع على جزء من الفكر السياسي الإيراني الحالي.............الراصد.
بالرغم من التطورات والأحداث التي شهدتها الحوزة العلمية في النجف خلال الـ15 عاماً الأخيرة, لكن مع الأسف عاش المجتمع الإيراني في معزل عما يحدث داخل النجف.
وما تم نشره مؤخراً عن الجرح الغائر الذي شهدته النجف على مدى الـ15 عاماً الأخيرة يوضح أن مرجعية النجف عانت خلال هذه السنوات من قتل العلماء والوجهاء العراقيين وتدخل هذه الإجراءات التي اتخذها الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين ضمن أهداف النظام البعثي من أجل إيجاد مرجعية عربية في مواجهة نظيرتها الإيرانية.(7/43)
لقد بدأت المغامرة عندما لجأ نظام صدام إلى آية الله الخوئي من أجل تحويل مسئولية الطلاب الأجانب إلى المراجع، في البداية توجه الخوئي إلى آية الله محمد علي الحكيم صهر آية الله العظمي الحكيم لكنه لم يكن مستعداً لقبول هذه المسؤولية, وبما أن الآخرين في الحوزة العلمية لا يتبعون نظام صدام, فإنهم لم يقبلوا بتلك المسئولية ومنهم حسين بحر العلوم الذي اشترط الإفراج عن المعتقلين سياسياً من المسلمين في حالة توليه هذا المنصب, وحيث لم يتم قبول هذا الشرط, رفض هذا المنصب. في النهاية وافق آية الله سيد محمد الصدر على تولي المنصب, وبالبحث في مرجعيته نجد أن بعض أنصاره سعوا من أجل استقرار الحوزة العلمية بالنجف, وجعلوا المرجعية بشكل كامل في سلطته.
كان هدف النظام البعثي العراقي من هذا الإجراء هو قطع الاتصال الشيعي بإيران إلى أقصى درجة ومن هنا تم إعلان قيام المرجعية العربية.
في تلك الأثناء أجازوا لمحمد الصدر إقامة شعائر صلاة الجمعة, بينما لم يسمحوا لآية الله السيستاني بإقامة الصلاة في مسجد الخضراء, وبرروا ذلك على أنه بقصد إعادة إعمار المسجد في حين أدرك الجميع الكذبة وأن الهدف هو عرقلة آية الله السيستياني, كما كان ضمن أهدافهم, الهيمنة على المدارس الشيعية وتعليم الطلاب الجدد طبقاً لنفس الفكرة.
وكان معظم الطلبة الذين تم قبولهم في هذه المدارس, طلبة مبتدئين ومن الشباب غير المؤهل للعمل والتحصيل.(7/44)
ومع الإمكانيات التي وفرها النظام البعثي لمحمد الصدر, تزايدت أعداد مقلديه في العراق, خاصة وأن الصدر اتسم بالعطف ومساعدة الناس وتقديم خدمات عامة, وفي هذا الاتجاه نجح في اجتذاب أعداد كبيرة فبلغ مقلدوه 70 % من شيعة العراق. من ناحية أخرى, سعى الصدر من أجل دعم نفوذه على المدارس ومنها ما كان تابعاً للمدرسة الباكستانية, فمنذ أربعة عقود أرسل عدد من الشيعة الباكستانيين أموالاً من اجل إنشاء مدرسة للطلاب الباكستانيين إلى آية الله الحكيم, وبعد أن تم بناؤها تولى حفيده رسمياً مهمة إدارتها وهو آية الله محمد سعيد الحكيم, وعندما سعى محمد الصدر من أجل بسط نفوذه على الحوزة أقدم بعض تابعيه على احتلال هذه المدرسة.
وقد تم نشر تقارير خلال سنوات ما بعد انتفاضة الشيعة في العراق عام 1991 تفيد بأن أي شخص يتحدث عن مرجعية غير السيد محمد الصدر يكون بذلك قد حفر قبره بيديه.
لا زال بعض علماء النجف يحتفظون بهذا التقرير معتقدين أن محمد الصدر كان هو ناشره, وكان قد خيَّر الشيعة أن يظلوا تابعين له أو يصبحوا أعداءً له.
وكان هذا سبباً كافياً لأن يبادر بإصدار حكم بالفسق على أي شخص يشكك في أعلميته داخل الأوساط العامة, وقد كان الشيخ حسن الكوفي أحد هؤلاء الأشخاص وهو من مدرسي حوزة النجف, وبمجرد أن أيّد أعلمية آية الله السيستاني وشكك في أعلمية السيد محمد الصدر حكم عليه محمد الصدر بالفسق وادعى أنه من مؤيدي الصهاينة.(7/45)
من ناحية أخرى, أوصى الصدريون آية الله سيد مرتضى بروجردي, بترك إمامته لصلاة الظهر والمغرب إلى محمد الصدر, لكنه لم يوافق وبعد فترة استشهد. في تلك الأثناء طالب آية الله محمد سعيد الحكيم, مسئولَ الأمن في النجف بالحد من تلك الحوادث, وهذا يشير إلى أن الحكومة لا تتدخل مباشرة في هذه القضايا بينما تعطي الضوء الأخضر إلى محمد الصدر أو أنصاره, وبات من الواضح أنه إذا أقدمت حكومة البعث على التدخل المباشر في هذه الأحداث فإنها ستعمل على إثارة هذه الحوادث بدلاً من إخمادها.(7/46)
في تلك الآونة اندلعت المظاهرات في كربلاء واضطر نظام البعث للتدخل من أجل اعتقال مثيري الشغب وكان على رأسهم مؤيدوا الصدر, وقد اتسم محمد الصدر بالسذاجة عندما حاول جمع أنصاره من أجل التصدي للنظام البعثي حيث لم يعد النظام البعثي في حاجة إليه ومن ثم تم قتل أنصاره وتم إعدام كل من تورط في أعمال الشغب خاصة بعد استشهاد مرتضى بروجردي وميرزا على غروي. في تلك الأثناء لم يخرج مراجع النجف من بيوتهم. ولم يكن هؤلاء خائفين من الحكومة البعثية بقدر يقينهم بأن هذه الحوادث تتم من جانب جماعة من داخل الحوزة العلمية وكانوا على اقتناع بأن حكومة البعث ليس لها يد في تلك الاغتيالات بالرغم من أنها أعطت الضوء الأخضر. وثمة شواهد عديدة تثبت أن تلك الأعمال كانت ترتكب بواسطة مجموعة خاصة أعادت تنظيم صفوفها بإمكانات وقدرات كبيرة من أجل التصدي للحوزة, وقد قسم هؤلاء الحوزة إلى حوزة ناطقة وأخرى صامتة وعرفوا أنفسهم بأنهم يمثلون الحوزة الناطقة. وقد قال محمد الصدر بعد مقتل آية الله غروى, أن الحوزة الصامتة قضت نحبها بينما نجت الحوزة الناطقة. وبعد فترة تخلى محمد الصدر عن أسلوبه وبدأ باتخاذ إجراءات تثير حفيظة النظام البعثي, ومنها إعلانه أن مقلديه سينظمون مسيرة من النجف إلى كربلاء وعلى الفور منع النظام البعثي هذا الإجراء. وبعد فترة أعلن نظام صدام أن محمد الصدر أيضاً ليس موضع ثقة ولذا تم الإعداد لقتله, بينما يبدو في الظاهر أن معارضيه أقدموا على هذا الإجراء في النجف.(7/47)
بعد سقوط صدام، انتهج الصدريون أسلوباً جديداً حيث حافظوا على وحدتهم وبدأوا في السعي نحو امتلاك زمام الأمور, وكان أول إجراءاتهم, اغتيال عبد المجيد الخوئي, ولم يكن ذلك بسبب تقاربه مع الأمريكيين أو البريطانيين بل على أساس نفس القضايا سالفة الذكر حيث الخلافات الطاحنة بين بيوت النجف. نبع الخوف الصدريين في الواقع مما سيجنيه عبد المجيد الخوئي من مكانة قوية كانت ستفقدهم السيطرة على حوزة النجف العلمية, لذلك كان الاعتقاد بأن سبب مقتله هو اتهامه بالاتصال بقوى خارجية, اعتقاداً خاطئاً.
وقد أيقن مراجع النجف عند سماعهم أنباء اغتيال عبد المجيد الخوئي أن الأنصار المقربين لمقتدى الصدر لهم يد في هذا الحادث. وقد دعا بعض الإيرانيين مقتدى الصدر لزيارة إيران بشكل غير معلن وسبَّب هذا إزعاجاً لمراجع النجف وأعربوا عن ذلك للمسئولين الإيرانيين. في الوقت الراهن تبدو ساحة النجف غير مستقرة وعلى الرغم من انخفاض مستوى نفوذ الصدريين, إلا أن الأوضاع ما زالت رهن أحداث غير متوقعة, حيث انفصل الشيخ محمد يعقوبى عن مقتدى الصدر وقد كان رئيساً لمكتب محمد الصدر وأحد تلاميذه, ثم انفصل عدد ممن كانوا ضمن جماعة الصدريين عن مقتدى الصدر وانضموا إلى الشيخ يعقوبى. ويدعي الشيخ يعقوبى أحقيته في المرجعية وليس من الواضح لماذا انفصل عن مقتدى الصدر, وخلال الأيام الماضية أعلن أنصار الشيخ يعقوبى عن تنظيم مظاهرات لصالح الأخير مؤكدين على انفصاله عن مقتدى الصدر.
جدير بالذكر أن يعقوبى البالغ من العمر أربعين عاماً مولع بالمرجعية.(7/48)
سعى يعقوبى إلى المرجعية بعد حادث مقتل محمد الصدر ويقال أنه حصل على قرار يخول له إدارة النجف أمنياً, الأمر الذي سيمنحه الأموال اللازمة من أجل الترويج لمرجعيته على الرغم من أنه لم يتجاوز الخمسة عشر عاماً في الحوزة, وكان قيام الصدريين ببث بياناتهم من خلال مكبرات الصوت الخاصة بحرم الإمام علي مؤشراً خطيراً على اضطراب الوضع, فقد أعلن مقتدى الصدر في 26/7/2003 خلال حديث صحفي في النجف أنه ينبغي تشكيل مجلس شعبي في مواجهة المجلس الحكومي وأنه لن يمنح الفرصة لمن كانوا في المجلس الحكومي ليصبحوا أعضاء في هذا المجلس, وبمزيد من الجسارة أعلن أنه سيقوم بتكوين جيش المهدي من أجل التصدي لقوات بدر التي تم إعدادها داخل دولة أجنبية( ) طبقاً لادعاءاته, وبهذا لم يدع مجالاً للشك في أن حركته تمضي في اتجاه المصالح الأمريكية وضد القوى الدينية الرئيسية والمرجعية. وهكذا يكون الاعتقاد بأن مقتدى الصدر ضد الولايات المتحدة خاطئاً حيث شاهدنا مثل تلك الألاعيب في الأعوام الأولى للثورة على يد جماعة المنافقين( ).
وتهدف الجماعات التي تعمل ضد الشيعة في العراق إلى الاستفادة من هذه الأزمة, وجميع وكالات الأنباء الغربية والسعودية والإماراتية وحتى الكويتية تسعى من أجل تفخيم أعمال مقتدى الصدر حتى أن قناة العربية السعودية بثت جزءاً من خطبته لصلاة الجمعة وهذا يشير إلى رغبتهم في تشتيت أي اتحاد بين مراجع النجف والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية.
إن أهم مميزات حركة مقتدى الصدر بالنسبة للأمريكيين هي أنها متفقة مع دول حليفة للولايات المتحدة من قبيل دول الخليج وفي هذا السياق تسعى دول كالسعودية والإمارات من أجل إقرار اتحاد بين الشيخ كبيسي( ) ممثل السنة العراقيين ومقتدى الصدر وبهذا يكون الهدف الرئيسي للأمريكيين هو الإطاحة بإمكانية الاتحاد الشيعي واستبعاد جزء من قوة السنة مع الاستفادة من إمكانيات الشيعة.(7/49)
وفيما يتعلق بسياسة مقتدى الصدر يجب الوقوف على أهمية ما تمثله الفوضى بالنسبة له, وفي الواقع تشير أصابع الاتهام إلى مقتدى الصدر وأنصاره فيما يتعلق باغتيال عبد المجيد الخوئي وذلك لن يجعل مقتدى, بأي حال من الأحوال, موضع ثقة فضلاً عن أنه في الوقت الراهن يمثل منبعاً لنشر بذور النفاق في مجتمع التشيع وهذا يكفي لجر النجف في المستقبل القريب إلى دوامة من العنف والفتن.
السيستاني وخطورة توظيف الدين في السياسة!
رجا طلب (كاتب أردني)
الرأي 26/1/2004
هذه وجهة نظر ليبرالية أخرى تجاه موقف السيستاني والشيعة من خلفه في قضية الانتخابات والديمقراطية ومستقبل العراق. من أجل معرفة أشمل بأبعاد المشكلة العراقية .......................الراصد.
كانت دعوة المرجع الشيعي الأعلى آية الله العظمى السيستاني للعراقيين للهدوء والترحيب بغياب النظام العراقي السابق وعدم المواجهة مع القوات الأمريكية وعدم استعجال رحيلها موضع ارتياح العديد من الأطراف داخل العراق وخارجه, وبقي السيستاني طوال الأشهر الماضية ينأى بنفسه عن الدخول على خط اللعبة السياسية, وكان هذا السلوك لأعلى مرجعية دينية شيعية مصدر ارتياح لكافة القوى السياسية في العراق وذلك للحساسية الشديدة التي يبديها المجتمع العراقي حيال الخلط ما بين الديني والسياسي, وخاصة بعد السنوات الأخيرة من حكم النظام العراقي السابق التي غطى فيها صدام حسين كل تصرفاته الدكتاتورية بشعارات دينية ووضع "الله أكبر" فوق العلم العراقي في محاول للقول أن هذه هي راية إعلاء كلمة الله في الأرض مثلما حاول تفسير قراره.(7/50)
لقد شكلت دعوة السيستاني مجلس الحكم إلى إجراء انتخابات سريعة في العراق ورفض خطة نقل السلطة إلى العراقيين التي من المفترض أن تبدأ في حزيران المقبل, تغيراً نوعياً هاماً في دور المؤسسة الدينية الشيعية والحوزة العلمية وعلاقتها بكل ما هو سياسي, وقد جاء هذا الموقف منسجماً بصورة متطابقة مع موقف مقتدى الصدر وكذلك موقف عبد العزيز الحكيم داخل مجلس الحكم وهو الذي أعطى انطباعاً بأن القيادة الدينية للمذهب الشيعي بالعراق باتت على موقف واحد من الرغبة في الاستحواذ المبكر على السلطة السياسية في العراق وذلك عبر إجراء الانتخابات المبكرة وذلك بحكم وجود الأغلبية الديمغرافية الشيعية في النسيج الوطني العراقي.
أولاً: إن هذه الدعوة تدل على تدخل صريح ومباشر من قبل القيادات الدينية الشيعية في اللعبة السياسية العراقية وهو تدخل يأتي في ظل احتقانات تاريخية وخطيرة سببها النظام السابق بين السنة والشيعة, وبالتالي فليس من السهل النظر إلى هذا التدخل لرجال الدين الشيعي في اللعبة السياسية العراقية إلا أنه بداية لصناعة رد فعل من قبل السنة عرباً وأكراداً وهو ما عبر عنه قبل عدة أيام البيان الخطير الذي أعلنه رجال الدين "أهل السنة والجماعة" في العراق ورفضوا دعوة السيستاني واعتبروها بداية نحو مواجهة طائفية خاصة بعد المظاهرات التي خرجت في البصرة وبغداد بناء على دعوة السيستاني للمطالبة بإجراء الانتخابات.
ثانياً: إن التشخيص السياسي لتدخل رجال الدين الشيعة بالعملية السياسية في العراق هو أن الشيعة يريدون استخدام صناديق الاقتراع كوسيلة للوصول إلى السلطة وللبقاء فيها وإلى الأبد, لأنهم ومثلما يقول العلمانيون العراقيون لا يؤمنون بتداول سلمي للسلطة وأن هدفهم إقامة نظام اتوقراطي على غرار النظام الإيراني وبحيث تكون بغداد والنجف وكربلاء مدناً تابعة إلى طهران وقم.(7/51)
ثالثاً: إن إقامة نظام سياسي قائم على أساس ديني سيحيل العراق إلى ساحة أكيدة للصراع الديني والطائفي والمذهبي, على غرار لبنان أبان الحرب الأهلية 1975-1991, ويدلل المتخوفون من هذه النتيجة بما جرى ومنذ الآن للمسيحيين في بغداد والبصرة الذين اعتدى عليهم المتظاهرون الموالون لدعوة السيستاني بالإضافة إلى الممارسات الإجرامية التي مورست ضد بعض الفتيات من غير المحجبات في بعض المحافظات العراقية وبخاصة في الجنوب وضد دور السينما وهيكلها تدلل على النزعة الظلامية العدمية والعدائية للإسلام السياسي تجاه أية مظاهر علمانية أو مظاهر طبيعية للآخر من ديانات أخرى أو قوميات أخرى أو أي شيء آخر داخل النسيج الوطني العراقي.
رابعاً: لقد شكل القرار 137 الصادر عن مجلس الحكم العراقي بشأن إلغاء قانون الأحوال الشخصية العراقي العلماني الصادر في عام 1958 وإحلال بدلاً منه قانون الأحوال الشخصية على أساس ديني وفي غياب أغلبية أعضاء مجلس الحكم العلمانيين وبتأثير من المتدينين الشيعة داخل المجلس وبدون أي مقدمات ديمقراطية أو أي حوار وطني تأكيداً آخر على أن الإسلام السياسي الشيعي في العراق وأي إسلام سياسي آخر سيمضي بلا شك نحو اعتقال المجتمع العراقي باسم الدين بعد أن تحرر من اعتقاله باسم الأمة العربية وقضاياها في ظل نظام صدام حسين البائد.(7/52)
خامساً: إن التباكي المفاجئ على الديمقراطية في العراق من قبل المرجعيات الشيعية العراقية يثير الكثير من الأسئلة المشروعة حيال الموقف من الممارسات غير الديمقراطية التي يمارسها المحافظون في "ديمقراطية المذهب الديني الواحد واللون السياسي الواحد" في إيران بحق الإصلاحيين ووضع كافة العقبات في طريق ترشيحهم للانتخابات المقبلة, والسؤال المطروح بإلحاح لماذا لا يتقدم آية الله السيستاني وهو أعلى مرجعية دينية للمذهب الشيعية في طرح رأيه بالديمقراطية الناقصة في إيران طالما يقدم نفسه, بل يقدمه الشيعة عرباً وغير عرب على أنه مرجعيتهم الدينية العليا, ولماذا يقبل هو وغيره أن تكون قم هي مصدر القرار في حياة الشيعة وليس النجف". إنها تبعية سياسية خطيرة وبالتالي فالقصة سياسية وليست دينية في كل الأحوال وهي استخدام مريب للدين ولعقول الناس الأبرياء والبسطاء.
وفي مقابل كل ذلك يتجاهل دعاة الانتخابات المبكرة وجود الفوضى الأمنية ووجود القوات الأمريكية بطريقة مريبة, رغم أن الشعار المرفوع من قبلهم هو أن الانتخابات هي الوسيلة للخلاص من الاحتلال, فكيف يمكن الموازنة بين الشعار وبين الواقع وهل الاحتلال نقطة لصالح إجراء الانتخابات أم هو معضلة ضدها؟
كما يتجاهل دعاة الانتخابات المبكرة الغطاء الشرعي والقانوني بدءاً من طبيعة القانون الذي ستجري على أساسه الانتخابات مروراً بماهية الخطورة اللاحقة بها وصولاً إلى السؤال الهام وهو أين الدستور الذي ستتم على أساسه الانتخابات, وما هي الخطوات القانونية والسياسية المطلوبة بعد ذلك بالإضافة إلى شكل الحكم المطلوب في نهاية المطاف؟(7/53)
كما يتجاهل هؤلاء المصاعب اللوجستية من عدم وجود إحصاء عام للعراقيين وعدم وجود بطاقة وطنية أو بطاقة محددة لتكون وسيلة للتصويت بالإضافة إلى تجاهلهم تخيلوا حق 4 ملايين عراقي فقط مازالوا يعيشون خارج العراق يصعب بالمطلق مشاركتهم في هذه الانتخابات وذلك في ظل عدم وجود سفارات عراقية في الخارج, كما أن اعتماد البطاقة التموينية للنظام السابق والتي كان يمنحها ذلك النظام على أساس من الولاء الأمني والسياسي هي إدانة مسبقة لشرعية وقانونية مثل هذه الانتخابات.
لا نتدخل بالشأن الداخلي العراقي كما يدعي أحمد الجلبي العلماني الوحيد في مجلس الحكم الذي يؤيد هذه الانتخابات المبكرة في العراق لأسباب خاصة به, بل هو الحرص أن لا ينتقل هذا العراق العظيم من العلمانية البعثية الجاهلة والفاسدة التي حكمته أكثر من 35 عاماً إلى أصولية عدمية سوداء ترفض كل شيء آخر بما في ذلك التنوع الوطني العراقي بكل أبعاده والذي كان على مر التاريخ سر قوة أرض ما بين النهرين.
"المأزق" إذ ينتظم مختلف القوى واللاعبين في العراق
اصطراع الأجندات الداخلية والإقليمية يلقي
بظلال من الشك حول استحقاق حزيران المقبل
هذه وجهة نظر لكاتب أردني من التيار الليبرالي, يحسين الاطلاع عليها ومعرفة كيف يفكر الآخرون في الموضوع حتى تكتمل الرؤية.....................................الراصد.
عريب الرنتاوي
الدستور 18/1/2004
ثمة مأزق ينتظم مختلف أطراف المعادلة العراقية ويحيط بمشاريعها المستقبلية للعراق.
فالاحتلال الأمريكي وهو اللاعب الرئيسي على المسرح العراقي يعيش مأزقاً حاداً, حساباته لعراق ما بعد صدام حسين اصطدمت جميعها بجدار مسدود, وخسائره إلى ارتفاع مستمر فيما آفاق مشروعه لمستقبل العراق تواجه جميعها تهديدات جوهرية ومن مصادر متعددة.(7/54)
ومجلس الحكم الانتقالي في العراق يواجه مأزقاً حقيقياً, فصورته أمام الرأي العام العراقي كإفراز للاحتلال الأمريكي لا تبارحه, وتحدي سلطته و"سيادته" يأتيه من طرفين, الاحتلال من جهة, والقوى العراقية التي ما زالت خارج المجلس وأطره من جهة ثانية. ولعل في تنامي ظاهرة الصدر أولاً ومن ثم النفوذ المتزايد للحوزة والمرجعية بزعامة السيستاني ثانياً, ونمو التوجه الموحد للعرب السنة في العراق ثالثاً, ما يقوض هيبة المجلس وقدرته على الاضطلاع بأعباء المرحلة الانتقالية.
والقوى العراقية من خارج المجلس تواجه بدورها مأزقاً حقيقياً, فهي وإن كانت تتمتع بنفوذ في الشارع العراقي إلا أنها في مبناها إما طائفية (الصدر والسيستاني شيعياً, وبعض المراجع الدينية الأخرى سنياً), وإما ذات نفوذ وتأثير مبعثرين (الحركة الملكية والتيار القومي الديمقراطي اليساري العراقي).
والمقاومة العراقية المسلحة يعتصرها المأزق أيضاً, فهي متعددة المشارب والأهداف بل ومتناقضة سياسياً وأيديولوجياً وعمودها الفقري ينتمي إلى قوى مهزومة (بقايا البعث) أو قوى أصولية متطرفة لا تمتلك بديلاً للعراق غير البديل الطالباني المرفوض أصلاً في أفغانستان.
وإذا أضفنا إلى المأزق متعدد الأطراف الذي يعصف باللاعبين الرئيسيين على الساحة العراقية, تضارب الأجندات الإقليمية المحيطة بالعراق واصطدامها بعضها بالبعض الآخر وبعضها بأجندات الداخل العراقي, نخلص إلى نتيجة مؤداها أن المشهد العراقي مفتوح على ديمومة الأزمة بل وتفاقمها إلى أن تنبثق من بين العراقيين تيارات وقوى نافذة قادرة على شق طريق مستقل, يحفظ للعراق وحدته واستقلاله وسيادته وتطوره الديمقراطي اللاحق.
ولعل الفصل الأخير من الأزمة العراقية الخاص بصياغة الدستور أو القانون الأساسي المؤقت, والخلاف على مفهوم الفيدرالية ما يوفر نموذجاً "للنهايات المسدودة" التي تنتهي إليها مواقف الأطراف.(7/55)
فموقف الحركة الوطنية الكردية التاريخية الداعي لفيدرالية على أسس قومية-جغرافية يشكل تحدياً لمعظم أطراف مجلس الحكم الانتقالي التي وإن كانت توافق مبدئياً على الفيدرالية ألا أنها تريدها فيدرالية إدراية-جغرافية تتوزع بتوزيع المحافظات لا القوميات والطوائف والاثنيات العراقية.
ومطالب الحركة الكردية تصطدم بدورها بالفيتو التركي الذي يتحول شيئاً فشيئاً إلى فيتو إقليمي تشترك في أشهاره كل من سوريا وإيران, ولأسباب مختلفة, بل أن لهجة التصعيد التركية الأخيرة في مواجعة مطالب الأكراد, تنذر بتدخلات عسكرية تركية, بتصعيد للموقف الإقليمي غيرمسبوق.
ومن الممكن لخلاف من هذا النوع, أن لا يضع تجربة مجلس الحكم الانتقالي على المحك فحسب, بل وأن يشكل تهديداً فورياً للعلاقات الاستراتيجية الأميريكية التركية, فما تعتبره واشنطن تفصيلاً أو جزئية من تفاصيل وجزئيات الملف العراقي, ترى فيه أنقرة خطاً أحمر, وثابتاً قومياً لا يجوز التساهل حياله, شأنه في ذلك شأن علمانية الدولة.
ومن الأمثلة الشاهدة على عمق المأزق الذي تواجهه مختلف الأطراف, بروز ظاهرة السيستاني في الفترة الأخيرة كطرف يصعب تجاوزه أو احتواؤه, فالسيستاني –ومن قبله الصدر- بقدرتهما على تحريك الشارع الشيعي برهنا أن التمثيل الشيعي في مجلس الحكم يعاني اختلالاً جوهرياً, شأنه في ذلك شأن التمثيل السني في المجلس وفي معادلات عراق ما بعد الحرب, ما يجعل الجدل حول شرعية المراجع والمجالس كافة أطر ما بعد الاحتلال, جدلاً محتدماً, ويزداد احتداماً.(7/56)
وأيا يكن من أمر, فإن الولايات المتحدة ماضية في مشروعها نقل السلطة لحكومة عراقية مؤقتة في حزيران القادم, والأرجح أن اختلال المرجعيات واهتزاز التوازنات في عراق ما بعد الحرب, من شأنه أن يجعل الخطوة الأميركية المنتظرة, شكلية إلى أبعد حد, والأرجح كذلك أن استمرار الوضع العراقي على ما هو عليه, سوف يقلص إلى أدنى الحدود من حجم وأهمية السلطات التي سيتم نقلها للعراقيين.
والراهن أن الوضع العراقي برمته, يكاد يقترب من حكاية "الدجاجة والبيضة" وأيهما الأول.. فمن دون انتخابات عامة يسبقها تعداد شامل للسكان, يصعب الحديث عن شرعية أية مؤسسة أو حصة أو نسبة, يصعب تخيل استقرار النظام السياسي العراقي. يصعب توقع استعادة الأمن والأمان والنظام.
والانتخابات بدورها, ومن قبلها التعداد, معتذران تماماً من دون وجود سلطات عراقية معترف بها, وحالة أمنية مستقرة تسمح بإجراء هذه وتلك, ما يعني أن الجدل مفتوح على مختلف الاحتمالات, والأزمة التي تعصف بالعراق, والمأزق الذي ينتظم مكوناته المختلفة, جميعها عناوين مرشحة للبقاء في صدارة الصحف ومقدمة نشرات الأخبار حتى إشعار آخر.
الصراع على مستقبل العراق
عريب الرنتاوي
الدستور 28/1/2004
الصراع على مستقبل العراق آخذ في الاحتدام, وكل فريق من فرقائه يعتقد محقاً بأن الوقت الراهن هو الوقت الأنسب لترك بصمات لا تمحى على النظام والدستور ومعادلات القوة والسلطة والتمثيل.(7/57)
الولايات المتحدة, وهي اللاعب الرئيس على المسرح العراقي, تخشى أن يتحول وعد الديمقراطية الذي بشرت به العراقيين, إلى أداة لتبديد نفوذها وسيطرتها, ووسيلة للاطاحة بكل القوى المدنية العراقية التي تدعم هذا الخيار وتحبذه, وهي تدرك تمام الإدراك أن ترك القرار النهائي لصناديق الاقتراع في هذه المرحلة لن يأتي إلا بالحوزات والمراجع الدينية وزعماء العشائر, ولهذا تبدو متحمسة لتأجيل الانتخابات, وتقترح بديلاً عنها, برنامجاً ملتبساً لنقل السلطة للعراقيين.
والشيعة, على اختلاف مشاربهم ومرجعياتهم, هم لاعب رئيس في المعادلة العراقية الداخلية, انقساماتهم الداخلية واصطراع اجنحتهم وتعبيراتهم, لا يقلل من الجوامع والقواسم في موقفهم واتجاهاتهم, هم يستعجلون الانتخابات ويعتقدون بأن الكلمة العليا ستكون لهم إن جرت في المدى المنظور, ما يعني أن تغييراً جوهرياً في شكل الحكم ومعادلات القوة وتوازناتها, سيطرأ على المعادلة العراقية, وهذا ما يخيف عراقيين آخرين "سنة وأكراداً" ويقلق جواراً متأثراً بالبعد الشيعي في معادلاته السكانية.
والأكراد, لاعب لا يستهان به في المعادلة العراقية كذلك, يعتقدون بأن انهيار الحكومة المركزية سيجعل الفدرالية الواسعة خياراً ممكناً, وهم يوظفون في سبيل هذه الغاية كل رصيد علاقاتهم مع حلفائهم التقليديين داخل العراق وخارجه, وتحديداً الولايات المتحدة, وإلى حد ما إسرائيل, والخيار الكردي شبه الاستقلالي هذا يثير مخاوف عراقيين كثر, مثلما يثير مخاوف جوار عربي وإقليمي مهجوس بالبعد الكردي في معادلاته السكانية.(7/58)
أما السنة الذين ذهبت ريحهم بذهاب النظام, فهم الأكثر إحساساً بالتهديد والتهميش, هم مادة المقاومة وحاضنتها ووقودها, اغتصب النظام البائد تمثيلهم من قبل, وتسعى قوى أخرى تحت مسمى المقاومة إلى اغتصاب تمثيلهم من بعد, فإذا صح أن المقاومة تتوزع على مدرستين اثنتين رئيسيتين, الأولى تمثل فلول النظام, والثانية تجسد القاعدة بتنويعاتها العراقية, فإن مستقبل التمثيل السياسي للسنة في التركيبة العراقية الجديدة سيظل مهدداً ما لم يفلح العرب السنة في تطوير مرجعيات وممثليات قوية مستقلة عن النظام السابق من جهة, وعن القوى الأصولية المتشددة من جهة ثانية.
السنة والأكراد, ومعهم الأمريكان والعرب والأتراك, لا يستعجلون فتح مراكز الاقتراع لاستقبال الناخبين. وحدهم الشيعة, ومن خلفهم إيران, يجدون مصلحتهم في انتخابات فورية, وخلف الحديث عن شروط إجراء الانتخابات وإمكانية إجرائها أمنياً وفنياً, يكمن خلاف سياسي يعبر عن اختلاف المواقع والمواقف والمصالح.
وطالما ظلت الولايات المتحدة هي اللاعب الرئيس على المسرح العراقي فإن من غير المحتمل أن تتمكن إيران والشيعة من بسط نفوذهم على العراق, بيد أن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو كيف وبأية وسائل, وإلى متى يمكن تعطيل مسار الديمقراطية في العراق في الوقت الذي تغد فيه واشنطن الخطى باتجاه تعميم الديمقراطية في الشرق الأوسط!!
عن غياب شخصية عراقية بارزة
ياسر أبو هلالة
الرأي 26/2/2004
هذه الجريمة النكراء تجاه قادة السنة في العراق هي كرأس جبل الجليد الذي لا يظهر معظمه. متى يعرف الناس ما يلاقيه السنة في العراق وغيره, ومتى يعرف السنة قدر أنفسهم!.................................الراصد.(7/59)
السنة في العراق لا بواكي لهم, ليس أدل على ذلك من مرور جريمة اغتيال الشيخ ضامر الضاري بهدوء, لم نشهد إدانة بمستوى الجريمة, الأميركيون الذين يقيمون الدنيا ولا يقعدونها عند اغتيال أي شخصية في العراق لم يسمع صوتهم, أما موقف القيادات السياسية المحسوبة على الخط الأميركي فليس أحسن حالاً, كأن الشيخ ضامر مطلوب تمت تصفيته.
لمن لا يعرف, فإن الشيخ ضامر الضاري هو ابن سليمان ضاري المحمود شيخ عشيرة زوبع إحدى أبرز عشائر السنة في العراق, وهو الذي ما زال العراقيون يتغنون في أهازيجهم بما فعله والده وجده عندما قتلا الحاكم البريطاني للعراق في القرن الماضي.
وضامر هو شقيق الشيخ حارث الضاري أمين عام هيئة علماء المسلمين في العراق, أعلى هيئة مرجعية للسنة, ويعد من أبرز قيادات السنة التي تجمع بين الزعامة العشائرية والدينية في آن, وهو يحظى باحترام واسع في العراق وخارجه, خصوصاً أنه لم يتلوث بالنظام الاستبدادي السابق ولا بنظام الاحتلال اللاحق.
عملية الاغتيال بشعة تنم عن جبن من نفذوها, فقد وصل الجناة إلى بيته, وهو أعزل لا حماية له, فخرج لهم ابنه الصغير فطلبوا منه أن ينادي والده فخرج إليهم فعاجلوه بسبع رصاصات أمام أطفاله في وقت كانت لا تزال عائلته تحتفل بعودته من أداء فريضة الحج.
العراقيون يعرفون جيداً أن عائلة الشيخ معروفة بشجاعتها وكرمها وشهامتها, ولم تتورط بأدى ضد أحد لم تحسب إلا على تاريخها الذي يفخر به العراقيون في مقاومة الإنجليز, فعملية الاغتيال موجهة ضد ما تمثله من وزن وسط السنة, والمطلوب أن تكون شرارة لفتنة طائفية.(7/60)
عندما التقيت الشيخ حارث للمرة الأولى في مسجد أم القرى في بغداد في مهرجان لهيئة علماء المسلمين, سمعت منه كلاماً ما كان كثيرون يخشون قوله, فعلى رغم اختلافه مع نظام صدام إلا أنه رفض منهج التصفية والإلغاء والإقصاء تحت عنوان "اجتثاث البعث" وأعلن ذلك في خطبة الجمعة, وعندما التقيته في عمان قبل اغتيال شقيقه وبعد الاغتيال بساعات كان قلبه على العراق, فمع تأثره بفقدان الشقيق وانشغاله بحال أطفاله, إلا أنه كان يخشى أن تسهم الجريمة في أذكاء نار الفتنة الطائفية في العراق, وهو شعور يليق بقيادات تترفع عن مشاعر الثأر والحقد والضغينة.
لقد لعبت عشيرة زوبع دوراً مهماً في استقلال العراق الحديث, سواء في مؤتمر العشائر أم في مقاومة الاحتلال الانجليزي, وهي تمارس الدور ذاته في مطلع القرن الجديد, لذلك لا يستغرب أن تكون مستهدفة ممن لا يريدون استغلال العراق واستقراره.
مقاومة فهمي هويدي ... وليث شبيلات
أحمد راسم النفيس
القاهرة 13/1/2004
الكاتب هو متشيع مصري معروف بموافقه الغريبة والعجيبة, وهو هنا يهاجم فهمي هويدي وليث شبيلات (النائب الأردني السابق) المعروفين بمواقفهم المؤيدة لإيران والشيعة عموماً, لأنهم لم يستطيعوا إغماض أعينهم عن خيانة الشيعة في بغداد في القرن الرابع عشر هجري, أسوة بخيانتهم القديمة لبغداد وأيام التتار.
وهو كذلك يهاجم الشباب الذي هب للدفاع عن بغداد واعتبرهم عملاء للمخابرات العربية, وأن المخابرات العربية تريد تكرار غلطة أفغانستان.
أبقينا المقال كاملاً حتى يطلع القارئ العربي على نوعية المتشيعين العرب ويعرف مقدار عقل وذكاء من يقبل التشيع من أهل السنة...................................الراصد.(7/61)
أتحفنا الأستاذ فهمي هويدي بسلسلة من المقالات خلال شهر ديسمبر المنصرم عما أسماه بالعراك في العراق, أشاد فيها بما أسماه بالمقاومة العراقية وحمل فيها على الطائفية وعلى من أسماهم بالمتعاونين مع الاحتلال الأمريكي وعلى التحالف (الشيعي اليهودي الهادف لترويج الأكاذيب عن الاضطهاد المزعوم للشيعة) واستشهد من بين من استشهد برسالة الأستاذ ليث شبيلات للسيد حسن نصر الله باعتبارها فيما يبدو (أم الوثائق) من وجهة نظر الأستاذ طبعاً.
فالأستاذ هويدي يرى أن الطائفية قد ظهرت (للمرة الأولى) في العراق على يد (الأمريكان وحلفائهم من الشيعة واليهود) وهو كلام لا يستحق الاهتمام أو الرد بأن من حمل راية الرجوع إلى الشعب وأصر على انتخاب الهيئة المكلفة بوضع الدستور هو آية الله العظمى السيد علي السيستاني, وبالتالي فالأمر كله هو لأصحاب الشأن سواء كانت النتيجة هي إعطاء الأغلبية للشيعة أو للسنة أو إلغاء نظرية المحاصصة من أساسها وهو ما يتمناه كل العقلاء أيا كان دينهم أو مذهبهم.
إلا أن المعضلة الكبرى التي لا نرى لها حلاً وشيكاً والحالة المزمنة التي لا يرى البعض لها شفاء فهي تقسيم الناس إلى فسطاط للكفر وفسطاط للإيمان كما يرى الأخ أسامة( ) أو إلى معسكرين: معسكر المقاومة الذي يضم المقاومين للاحتلال الأمريكي, ومعسكر العملاء المتعاونين مع هذا الاحتلال من الشيعة المتعصبين كما يرى الأستاذ.(7/62)
إننا نود أن نذكر أنه وقبل أن تقع الواقعة كتبنا في مجلة الهداية بتاريخ 21 اكتوبر 2002 عن (أممية الموت والخراب والنموذج الأفغاني الذي يراد تعميمه) رداً على الأستاذ نفسه عندما رجع من أفغانستان وقد أغرورقت عيناه بالدموع حزناًَ على رحيل إخوانه من الطالبان وقلنا (إن الطريقة التي يجري بها تناول مأساة الشعب العراقي تكشف عن حالة قائمة ونموذج يراد تعميمه تقوم فيه القبيلة الأممية الإسلامية أو القومية المعاصرة باتخاذ القرار وترويجه وتنفيذه نيابة عن هذا الشعب أو ذاك فهي التي تقبض الأموال وتقوم بالإنفاق على الدعاية وهي التي تفتي وهي التي تقرر المظلوم والمكلوم أن يرضى بما هو فيه, وأن يصطف خلف المهيب الركن صدام حسين في معاركه ومهالكه, وأن يقبل بما يفتي به هؤلاء لأنهم يفضلون أن يبقى صدام حسين طاغوتاً للعراق على أن يحكمه نظام عميل) وأخيراً فهذه الأممية هي التي ترسل المقاتلين وتزودهم بالمال والسلاح ثم تمدهم بقائمة المطلوبين والأهداف التي يتوجب نسفها على أن يقوم الشيوخ المتعاونون والصحفيون المأجورون بتغطية هذا السيناريو كل في موقعه رافعين شعار (وتعاونوا على البر والتقوى)!! وقد نفذ هؤلاء ما كلفوا به على خير وجه أثناء مرحلة ما سمي بالجهاد الأفغاني وكانت النتيجة المعروفة للجميع هو أن أفغانستان قد تحولت إلى أطلال وأنقاض وذكريات.
لقد حذرنا من سعي هذا التيار لإعادة السيناريو الأفغاني سيناريو الخرائب والأطلال والذي يمثل نموذجاً ساطعاً لأطروحة أممية الموت والخراب التي أوصلتنا جميعاً بقيادة (المجاهدين) من أتباع الأخ أسامة بن لادن والأخ أيمن الظواهري إلى هذه اللحظة الكالحة السواد وما كنا نتصور أنهم سيسارعون إلى تلبية نداء خراب العراق بتلك السرعة الباهرة.(7/63)
إلا أن (أصحاب القرار) سارعوا إلى تجييش الجيوش وإرسال الكتائب –التي نفى من نفى، ومن بينهم الأستاذ فهمي هويدي عشية نسف السيد الحكيم والضريح الطاهر للإمام علي بن أبي طالب. أي دور لهؤلاء المرتزقة في تلك العملية الإجرامية, وأخيراً جاء الإعتراف منهم بدورهم الذي لا يعلم إلا الله وحدة من كلفهم به.
من بين هؤلاء كان أبو محمد المقدسي وهو من مشايخ المذهب السلفي الوهابي التكفيري من الأردن الذي كتب في مقال منشور في موقع (السقيفة) ما يلي: (لم نصدم أو نفاجأ عندما سمعنا أن كثيراً من الشباب المتحمس المتطوع لقتال الأمريكان في العراق، قد رجعوا من هناك مصدومين, بمواقف البعثيين ابتداء, من إصرار الضباط على ختم جوازات سفرهم بعبارة (متطوع لمعركة الحواسم) رغم محاولات أولئك الشباب اليائسة لإقناعهم أن ذلك يسلط عليهم مخابرات بلادهم عند عودتهم. أما عند وصولهم إلى بغداد فقد ألقوهم في العراء دون سلاح, وأشغلوهم بحفر الخنادق والهتاف لصدام وأعطوا كل واحد منهم بطانية!! وظل أكثرهم بلا سلاح حتى صار السلاح يعرض عليهم بيعاً بثمن باهظ وبالدولار.. فيالها من حواسم!!
وقد صدم بذلك كثير من الشباب ولكننا لم نصدم به بحمد الله, وكيف نصدم به وقد كنا نتحفظ من قبل على المشاركة في القتال تحت رايات وقيادات لا يصح بحال أن تقاس براية البعث أو قيادة صدام, ولم نكن لنشجع الشباب أو ندفعهم إليها كما كان يفعل الآخرون, وما ذاك إلا لغبش وتخبّط كنا نلحظه في نهج القيادات ولأننا كنا نرى الثمرة يقتطفها دوماً علمانيون أو ديمقراطيون أو منحرفون تسلقوا على جماجم الأبطال.(7/64)
فإذا كنا نتحفظ على دفع الشباب إلى مثل ذلك القتال مع كثرة العمائم فيه واللحى والتكبير, فهل ترانا ننخدع براية البعث وقيادة صدام وعفلق وطارق وعزيز, وكفرها أوضح من الشمس في رابعة النهار. لذلك لم نصدم بصدام وصدم به من قاده الحماس وساقته العاطفة إلى القتال هناك دون النظر في الراية أو القيادة أو ثمرة هذا القتال. وعجبنا من عودة كثير من المقاتلين المتطوعين بعد سقوط نظام البعث وفرار قيادته وانتكاس رايته مع أنهم يوم خرجوا كانوا يقولون إننا لا نقاتل دفاعاً عن نظام صدام ولا من أجل رايته وإنما دفاعاً للصائل عن المستضعف! ونكاية في أعداء الله الصليبيين, وهذا عمل صالح وما دام كذلك فقد صار أصلح وأنقى وأتقى بعد سقوط راية البعث واندحار قيادته, فعلام ترجعون الآن وتنسحبون؟ قالوا: بعضنا لم يعط سلاحاً, وبعضنا أمر بالهتاف لصدام, وبعضنا كان يصبح فيجد نفسه وحيداً في الخنادق لا شيء معه إلا تلك البطانية يقاسي الجوع تحت رماية الأباتشي وقذائف الدبابات دون عتاد يذكر أو سلاح, ولا يجد أثراً لجيش صدام ولا لفدائييه ولا يدري أين اختفوا أو فروا؟؟ ثم يقول لم نصدم عندما علمنا أن مخابرات بلادنا التي فتحت لأولئك الشباب مجال الخروج بادئ الأمر لقتال الأمريكان في العراق بعيداً عن حدود بلادنا تخلّصاً في تلك المحرقة من كل نشط متحمس يحب الجهاد… لم نفاجأ أو نصدم باعتقالها لهم عند عودتهم أو تحقيقها معهم وفتح الملفات وأخذ البصمات, مع أنهم كانوا قد غضّوا الطرف أولاً عن خروجهم.
لا تناقض ولا غرابة فقد حققوا بذلك وبخبثهم فائدتين, تخلصوا من طائفة أولئك الشباب المتحمس للجهاد… ومن نجا من الشباب من تلك المحرقة لم ينج عند عودته من مخابرات بلده فهل يعي شبابنا هذه الدروس, وهل يراجعون الحسابات ويضبطون عواطفهم بضوابط الشرع ويتعرّفون على واقعهم ومكايد أعدائهم, ولا يغتروا بفتاوى وتصريحات المتخبطين من المشايخ ويستبينون سبيل المجرمين…؟(7/65)
شكراً للأخ (المجاهد) أبو محمد المقدسي على مداخلته القيمة التي كشف فيها عن كثير من (أسرار) تلك (المقاومة) التي يراها الأستاذ هويدي علامة فارقة بين الحق والباطل والنور والظلام حيث كشف لنا أن هؤلاء المجاهدين قد أرسلتهم أجهزة مخابرات بلادهم إلى العراق عام 2003 في تكرار غبي وبليد لمشهد أكثر غباء وبلادة بدأ قبل أكثر من عشرين عاماً ولم يحاول أحد ممن أسهموا في صناعته أولاً أن يستفيدوا مما جلبوه لأنفسهم ولأمتهم من بلاء ودمار وهو يكشف أيضاً عن الدور المشين الذي يقوم به بعض الأخوة الصحفيين والشيوخ من الذين (يقولون لإخوانهم هلم إلينا ولا يأتون البأس إلا قليلاً) في تأجيج حماس هذا الشباب وسوقه إلى المحرقة (من دون نظر في الراية أو القيادة أو الغاية من هذا القتال) كما يقول الأخ أبو محمد ومن دون أن يعرف هل القتال من أجل إعادة حزب البعث العربي الاشتراكي إلى السلطة في العراق هو فرض عين أم فرض كفاية؟؟ وهل الواجب الشرعي الملقى على الإخوة في جهادهم من أجل إعادة البعث والبعثيين إلى السلطة قاصر على العراق أم يشمل العالم العربي كله؟؟!
هذا ما ننتظر سماعه من الأستاذ هويدي في مقالاته القادمة.
التجمعات الشيعية في العالم العربي
اليمن
مقدمة
الحديث عن التجمعات الشيعية في اليمن, وإن كان يتشابه في بعض فصوله وملامحه مع التجمعات الشيعية الأخرى في العالم العربي, إلا أن الشيعة في اليمن يتميزون بكونهم ينتمون إلى المذهب الزيدي الذي ينتشر في بلادهم منذ أواخر القرن الثالث الهجري وليس إلى المذهب الإمامي الإثني عشري الذي ينتشر في إيران والعراق ولبنان ودول الخليج العربي وغيرها.(7/66)
وقد تميزت اليمن أيضاً بأن حكامها المنتسبين إلى آل البيت قبل الثورة اليمنية سنة 1962م هم أيضاً أعلام وفقهاء المذهب الزيدي, فدولتهم التي استمرت 1100 سنة كان يحكمها فقهاء المذهب الذين كانوا في الغالب يقاومون ويحاربون الرّفض والغلو في التشيع, كما أنهم كانوا يحاربون الباطنية والاسماعيلية الذين يتواجدون في اليمن, وكان الغلو من قبل علمائهم وعوامهم يعتبر من الاستثناء.
وبالرغم من أن الزيدية كانت طيلة تلك الفترة زيدية صدفة, إلا أن الانفتاح الذي عاشه اليمن بعد تحقيق الوحدة سنة 1990, وتحسن علاقات إيران بالدول العربية, والكُره الذي يُكنه قادة الزيدية في اليمن للثورة اليمنية التي همشتهم وقللت من نفوذهم, كلّ ذلك ساهم في أن تجد الإمامية الإثني عشرية موطئاً لها في بلاد اليمن, وتستقطب الكثير من قادة العمل الزيدي وعوامهم, بحيث أن الزيدية بدأت تسير سيرة إثني عشرية, وبدأت ملامح الرفض والتشيع تظهر واضحاً في العمل الزيدي من حيث المؤلفات والمحاضرات وإقامة الأعياد والمناسبات الإمامية, وبناء العلاقات مع الآخرين بموجب التوجه الجديد.
وسنسعى في هذا البحث إلى إعطاء نبذة عن المذهب الزيدي, وجوانب الاتفاق والاختلاف مع مذهب أهل السنة ومع مذهب الشيعة الإثني عشرية, وسنعرض لبداية دخول الزيدية إلى اليمن في أواخر القرن الثالث الهجري, وكيف أن دولة الزيدية التي استمرت 11 قرناً كانت تحكم من قبل فقهاء المذهب, وقد كان زوال هذه الدولة بنجاح الثورة اليمنية سنة 1962م, وهي الثورة التي شكلت قاصمة الظهر لهذه الدولة, حيث تبنت الحكم الجمهوري الذي قام على انقاض دولة الأئمة الزيديين ونظاماً أقرب إلى العلمانية إلى القومية واليسارية, وكان التأثير المصري الناصري على الحكم الجمهوري الجديد في بدايته كبيراً.(7/67)
من ثم نعرض الدور الذي تقوم به الشيعة الإثني عشرية ودولتها إيران لاختراق المذهب الزيدي, وتحويل أنصاره نحو التشيع الإثني عشري, والظروف المحلية والخارجية التي ساعدت على ذلك.
وسنبين ملامح هذا التوجه الجديد في العديد من الأنشطة الدينية والثقافية والتربوية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية للشيعة الزيدية في اليمن, وهو الأمر الذي يوجب على دعاة أهل السنة والجماعة الحذر والمسارعة إلى مواجهة هذا المد الشيعي الإمامي الإثني عشري في اليمن.
نبذة عامة عن المذهب الزيدي:
تنتسب الزيدية إلى الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (80-122) هـ, وقد تلقى العلم عن والده زين العابدين علي بن الحسين, ثم عن أخيه الأكبر (محمد بن علي الباقر).
وتنقل في البلاد الشامية والعراقية باحثاً عن العلم أولاً وعن حق آل البيت في الإمامة ثانياً, وكان تقياً ورعاً شجاعاً, وقد اتصل برأس المعتزلة واصل بن عطاء, وتدارس معه العلوم, فتأثر به وبأفكاره التي نقل بعضها إلى الفكر الزيدي, كما أن الإمام أبا حنيفة تتلمذ على الإمام زيد وأخذ عنه العلم.
ونتيجة للأوضاع التي عاش بها, أسس مذهباً فقهياً يجمع بين فقه أهل البيت والاعتزال, وأسس قاعدة مشروعية الخروج على الحاكم الظالم, وهي القاعدة التي طبقها الزيدية جيلاً بعد جيل.
ولم يكن فقه الإمام زيد قد دوّن في حياته, ومع ذلك فإن الزيدية تنسب له كتابين يعتبران عماد الفقه الزيدي, الأول "المجموع في الحديث" والآخر "المجموع في الفقه", وهما في كتاب واحد اسمه المجموع الكبير, وراوي هذين الكتابين عن الإمام زيد تلميذه أبو خالد عمرو بن خالد الواسطي, وقد اتهمه أهل الحديث بالوضع والكذب.(7/68)
وقد قاد الإمام زيد ثورة ضد الأمويين, زمن هشام بن عبد الملك سنة 122هـ, وقد دفعه أهل الكوفة لهذا الخروج ثم ما لبثوا أن تخلوا عنه وخذلوه عندما علموا بأنه لا يتبرأ من الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ولا يلعنهما, فاضطر لمقابلة الجيش الأموي وما معه سوى 500 فارس وقيل 200 فقط, حيث أصيب بسهم قضى عليه.
الإمامة:
يجيز الزيدية أن يكون الإمام في كل أولاد فاطمة, سواءً أكانوا من نسل الإمام الحسن أم من نسل الإمام الحسين, والأمامة لديهم ليست بالنص, وهي ليست وراثية بل تقوم على البيعة, ويتم اختيار للإمام من قبل أهل الحل والعقد.
ويجيزون وجود أكثر من إمام واحد في وقت واحد في قطرين مختلفين, وتقول الزيدية بالإمام المفضول مع وجود الأفضل, إذ لا يشترط عندهم أن يكون الإمام أفضل الناس جميعاً, ومعظمهم يقرّون خلافة أبي بكر وعمر, ولا يلعنونهما كما تفعل فرق الشيعة, ويقرون بصحة خلافة عثمان مع مؤاخذته على بعض الأمور.
الاعتزال:
ويميل الزيديون إلى الاعتزال فيما يتعلق بذات الله, والجبر والاختيار, ومرتكب الكبيرة يعتبرونه في منزلة بين المنزلتين كما تقول المعتزلة, ولكنه غير مخلد في النار إذ يعذب فيها حتى يطهر من ذنبه ثم ينتقل إلى الجنة, وقالوا بوجوب الإيمان بالقضاء والقدر مع اعتبار الإنسان حرّاً مختاراً في طاعة الله أو عصيانه, ففصلوا بذلك بين الإرادة وبين المحبة أو الرضا, وهو رأي أهل البيت من الأئمة.
وخرجت عن الزيدية ثلاث فرق طعن بعضها في الشيخين, كما مال بعضها عن القول بإمامة المفضول وهذه الفرق هي:
1-الجارودية: أصحاب أبي الجارود زياد بن أبي زياد.
2-السليمانية: أصحاب سليمان بن جرير, ويقال لها أيضاً "الجريرية".
3-البترية: أصحاب النوى الأبتر والحسن بن صالح, ويقال لها "الصالحية"( ) .
التشابه مع الإثني عشرية:(7/69)
وتعتبر الزيدية إحدى فرق الشيعة, وتتشابه بعض عقائدها مع عقائد الشيعة الإثني عشرية الذين يشكلون معظم الشيعة في العالم, فهم يتفقون مع الشيعة في زكاة الخمس وفي جواز التقية إذا لزم الأمر, وأحقية أهل البيت في الخلافة وتفضيل الأحاديث الواردة عنهم على غيرها, وتقليدهم, ويقولون "حي على خير العمل" في الأذان, ويرسلون أيديهم في الصلاة, ويعدون صلاة التراويح جماعة بدعة, ويرفضون الصلاة خلف الفاجر و ... .
إذاً فالملامح الشيعية واضحة في مذهبهم, رغم اعتدالهم ومخالفتهم للإمامية في الكثير من الأصول والفروع( ) .
نظرة الإثني عشرية إلى الزيدية:
وبالرغم من أن الزيدية تشكل إحدى فرق الشيعة شأنها شأن الإمامية الإثني عشرية والإسماعيلية والشيخية, إلا أن الزيدية كان لها نصيب وافر من كره وحقد الإمامية, بل وإفتاء علماء الشيعة الإمامية بكفر الزيدية, فقد وردت في كتبهم المعتبرة روايات كثيرة في ذم الزيدية وتشبيههم بالنواصب بل وتكفيرهم ذلك أن الإمامية يقولون بكفر كل من لا يؤمن بالأئمة الإثني عشر.
فقد روى الكليني في الكافي (8/235) حديث رقم 314, عن عبد الله بن المغيرة, قال: "قلت لأبي الحسن عليه السلام: إنّ لي جارين أحدهما ناصب والآخر زيدي ولا بد من معاشرتهما, فمن أعاشر؟ فقال: هما سيّان, من كذّب بآية من كتاب الله فقد نبذ الإسلام من وراء ظهره, وهو المكذب بجميع القرآن والأنبياء والمرسلين, وقال: إن هذا نصب لك وهذا الزيدي نصب لنا".
وروى الكشي في رجال الكشي ص198, قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الصدقة على الناصب وعلى الزيدية, فقال: لا تصدق عليهم بشيء ولا تسقهم من الماء إن استطعت, وقال لي: الزيدية هم النصّاب.(7/70)
وجاء في بحار الأنوار للمجلسي (48/266) عن عمر بن يزيد قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فحدثني مليّاً عن فضائل الشيعة ثم قال: إن من الشيعة بعدنا من هم شر من النصّاب, قلت: جعلت فداك, أليس ينتحلون حبكم ويتولونكم ويتبرؤون من عدوكم؟ قال: نعم. قلت: جعلت فداك, بين لنا نعرفهم, فلسنا منهم؟ قال: كلا يا عمر, ما أنت منهم, إنما هم قوم يفتنون بزيد ويفتنون بموسى.
وورد عند بعضهم أن الزيدية ليست مذهباً شيعياً, فيقول أحد كبار علمائهم وهو محمد الموسوي الشيرازي الملقب بـ (سلطان الواعظين) في كتاب ليالي بيشاور ص129-130:
"إني لم أذكر في الليلة الماضية أن الشيعة على مذاهب, وإنما الشيعة مذهب واحد, وهم المطيعون لله وللرسول محمد صلى الله عليه وسلم والأئمة الإثني عشر (ع), ولكن ظهرت مذاهب كثيرة بدواعٍ دنيوية وسياسية زعمت أنها من الشيعة, ونشروا كتباً على هذا الأساس الباطل من غير تحقيق وتدقيق.
وأما المذاهب التي انتسبت إلى الشيعة عن جهل أو عمدٍ لأغراض سياسية ودنيوية, فهي أربعة مذاهب أولية, وقد اضمحل منها مذهبان وبقي مذهبان, تشعبت منهما مذاهب أخرى, والمذاهب الأربعة هي: الزيدية, الكيسانية, القداحية, الغلاة"( ) .
موقف الزيدية من الإثني عشرية:
وفي المقابل كان علماء الزيدية في القديم والحاضر –إلا من شذّ منهم- يعرفون ضلال الشيعة الروافض ويحذرون منهم, وينكرون ما هم عليه من الضلال والمنكر, ويتساوى في هذا الشيعة الإثنا عشرية والجارودية, وهم قسم من الزيدية عرفوا بالغلو والميل إلى الرفض والتشيع.
وجاء عن الإمام زيد بن علي رحمهما الله (رسائل العدل والتوحيد 3/76 نقلاً عن التحف شرح الزلف) ما نصّه: "اللهم اجعل لعنتك ولعنة آبائي وأجدادي ولعنتي على هؤلاء القوم الذين رفضوني وخرجوا من بيعتي كما رفض أهل حروراء علي بن أبي طالب عليه السلام حتى حاربوه".(7/71)
والسبب في هذا اللعن هو أن الشيعة في الكوفة طلبوا منه أن يتبرأ من أبي بكر وعمر, حتى ينصروه ضد الجيش الأموي, فأبى ذلك فرفضوه فقال: أنتم الرافضة, وقال أيضاً: الرافضة مرقوا علينا( ) .
وكان الإمام الهادي يحيى بن الحسين يقول (الأحكام في الحلال والحرام 1/454): "حزب الإمامية الرافضة للحق والمحقين", ويقول ".... هؤلاء الإمامية الذين عطّلوا الجهاد وأظهروا المنكر في البلاد".
وأما الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة المتوفى سنة 614هـ فقد ردّ عليهم بمئات الصفحات في كتابه العقد الثمين, وناقش كلّ أباطيلهم وترهاتهم, وفنّد أساطير أتباع عبد الله بن سبأ وربطهم به, وفنّد أدلتهم في دعوى ورود النص الجلي لتعيين الإمام علي بن أبي طالب أميراً للمؤمنين وادعاء العصمة للأئمة الإثني عشر ومعرفتهم للغيب, ودعوى وجود مهدي في السرداب, والتقية والبداء وزندقتهم في دعوى تحريف القرآن, وتحريف معانيه, وغير ذلك.
ومن المعاصرين, يقول مجد الدين المؤيدي (التحف شرح الزلف ص68) وهو يشرح خروج الإمام زيد بن علي بن الحسين على الأمويين: "ولم يفارقه إلا هذه الفرقة الرافضة التي ورد الخبرالشريف بضلالها"( ) .
بداية التشيع في اليمن:
ارتبط دخول المذهب الزيدي إلى اليمن باسم الإمام يحيى بن الحسين بن القاسم المعروف بالهادي (245-298هـ), ويعود نسب الهادي إلى الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب, وقد ولد في المدينة المنورة وهو حفيد الإمام القاسم بن إبراهيم الرّسي صاحب الطائفة "القاسمية" بالحجاز.
وقد عكف الإمام الهادي على دراسة الفقه على مذهب الإمام زيد ومذهب الإمام أبي حنيفة, ورحل إلى اليمن سنة 280هـ, فوجدها أرضاً صالحة لبذر آرائه الفقهية, وقد رافقه في هذه الرحلة علي بن العباس بن أدهم الحسني الذي كان من أعلم رجال آل البيت بعلم آل البيت, وهو الذي يروي إجماعات آل البيت التي تعد عند الزيدية المصدر الثالث بعد الكتاب والسنة.(7/72)
لكن الإمام الهادي عاد بعد ذلك إلى الحجاز, ولم يكن قد دعا إلى إمامته في هذه الرحلة ولا بايعه أحد من أهل اليمن, وبعد ذهابه إلى الحجاز, أحس أهل اليمن بالفراغ الذي تركه, وشعروا بالحاجة إليه فراسلوه ليرجع إليهم, فأجاب داعيهم ووصل إلى اليمن سنة 284هـ, واستقر في صعده (شمال اليمن) وأخذ منهم البيعة على إقامة الكتاب والسنة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والطاعة في المعروف.
وقد كانت اليمن تعاني في ذلك الوقت تغلب أهل البدع من الباطنية والقرامطة والإسماعيلية, فبدأ الإمام الهادي حركته الإصلاحية بلم الشمل والقضاء على الفرقة والاختلاف, وبدأ بمجاهدة هؤلاء الباطنية حتى استطاع أن يحكم معظم أنحاء اليمن وجزءاً من الحجاز, وسار في حكمه سيرة حسنة من توفير الأمن والعدل وتنظيم موارد ومصارف الزكوات والجزية وتطبيق الحدود.
وفي سنة 293هـ, استشعر خطر القرامطة المتزايد فخرج لجهادهم واستمر يجاهدهم حتى توفي سنة 298هـ بعد إصابته بجروح في جهاده.
وواصل ابنه أحمد بن يحيى ما بدأه والده من جهاد القرامطة, فجاهدهم حتى توفي سنة 325هـ, ودفن بجوار أبيه في مدينة صعدة.
وبهذا يتبين أن انتشار المذهب الزيدي في اليمن كان بسيطرة رجال من آل البيت على الحكم من أمثال الهادي ومن جاء بعده من أولاده وذريته, واستمر رجال آل البيت يحكمون اليمن حتى قيام الثورة اليمنية سنة 1382هـ (1962م) على أنقاض المملكة المتوكلية اليمنية, أي قبل 41 سنة فقط من الآن, وهي أطول فترة حكم في التاريخ لآل البيت, حيث دام أحد عشر قرناً: من بداية حكم الهادي 284هـ وحتى قيام الثورة وسقوط الحكم الإمامي الملكي سنة 1382هـ( ) .(7/73)
وقد شكّلت الثورة اليمنية ضربة كبيرة للزيدية في اليمن, ذلك أنها أنهت حكم الأئمة الزيدية الذي استمر حوالي 1100 سنة, وخلالها كان آل البيت "السادة" يتمتعون بنفوذ قوي وسلطة وتأثير على العوام, سرعان ما تلاشى مع قدوم الثورة وإنهائها للنظام الزيدي الذي كانت تصفه بـ "الكهنوتي".
وبالرغم من أن معظم الرؤساء الذين حكموا اليمن في العهد الجمهوري (1962م وإلى الآن) ينتمون إلى المذهب الزيدي, إلا أنهم لم يكونوا متحمسين لنشر مذهبهم, حيث أنهم كانوا يسعون إلى القضاء على جميع مخلفات النظام السابق, وحيث كان الحكام السابقون الذين ينتمون إلى آل البيت هم أعلام المذهب الزيدي, وصار الكثير من الموالين للمذهب الزيدي يخفون انتماءهم إليه خشية أن تصيبهم لعنة الثورة.
الزيدية في اليمن:
وبالرغم من عدم وجود إحصاء رسمي في اليمن يبين عدد السكان على أساس المذهب, إلا أن الرقم الذي تشير إليه بعض المصادر هو 45% من سكان اليمن الشمالي, أما اليمن الجنوبي فأهله من السنة الشوافع, ويتركز الزيديون في المحافظات الشمالية مثل ذمار وصنعاء وصعدة وحجّة, وأما السنة الشوافع فتركزهم في المحافظات الوسطى والجنوبية مثل عدن وحضرموت وتعز والحديدة وإِب ومأرب, وتتميز معظم المحافظات السنية كونها ذات كثافة سكانية كبيرة, فمحافظة تعز مثلاً, وهي إحدى المحافظات السنيّة تعتبر الأكثر سكاناً, إذ يصل عدد سكانها إلى مليوني نسمة من أصل 18 مليوناً.
وباحتساب سكان اليمن الموحّد, فإن نسبة الزيدية تنخفض إلى ما يقرب من 30-35%, حيث أن سكان اليمن الجنوبي هم من السنة الذين يتبعون المذهب الشافعي, حيث ينحصر المذهب الزيدي في المحافظات الشمالية من اليمن الشمالي.(7/74)
وما زال الكثير من الزيدية في اليمن يعتزون بانتسابهم لآل البيت, وهي تعتبر إحدى الطبقات عالية الشأن في المجتمع اليمني, وخاصة قبل الثورة, ومن عائلات آل البيت "السّادة" البارزة في اليمن: الوزير, المؤيّد, الكِبْسي, المتوكل, الشامي, الأكوع, الديلمي.
وإضافة إلى السنة الشوافع في المحافظات الجنوبية والوسطى, والشيعة الزيديين في المحافظات الشمالية, فإن هناك أعداداً أخرى من الشيعة الإسماعيلية الذين يعرفون "بالمكارمة" ويقطنون مناطق مثل حراز وصعفان وهمدان.
التقارب الزيدي الإمامي:
شكلت الثورة الإيرانية سنة 1979م بارقة أمل للمتعصبين من الزيدية, ذلك أن الفترة التي تلت الثورة اليمنية وسبقت الثورة الإيرانية شهدت انحساراً للمذهب الزيدي, ونشطت خلال تلك الفترة دعوة أهل السنة, المناطق الزيدية.
وبالرغم من حماس هؤلاء الزيدية لثورة الشيعة الإمامية في إيران, إلا أن تأثيرها عليهم في الفترة من 1979 إلى 1990 (عام الوحدة اليمنية) لم يكن كبيراً لأسباب عديدة أهمها:
توجس اليمن شأنها شأن مختلف دول العالم من الثورة الإيرانية التي رفعت شعار تصدير الثورة, وأخذت باستعمال القوة لنشر فكرها ومذهبها, فكان من الطبيعي أن تكون اليمن في عداء مع هذه الثورة.
كان اليمن خلال تلك الفترة يعيش نظام حكم شمولي, ونظام الحزب الواحد, وكان يمنع تشكيل الأحزاب أو الدعوة إلى أنظمة وتيارات وأفكار مخالفة لتوجهات الدولة والحزب, وكانت الدولة تقيّد إصدار الصحف والمطبوعات.
اندلاع الحرب العراقية الإيرانية, ووقوف اليمن في صف العراق ضد إيران, الأمر الذي لم يتح للشيعة تبني نهج دولة تعاديها بلادهم.
ومع قدوم سنة 1990 كانت الكثير من الأحداث المتسارعة في العالم, تصب في صالح الزيدية, ومن ذلك:
1-…أن الحرب العراقية الإيرانية كانت قد وضعت أوزارها قبل ذلك بحوالي عامين, الأمر الذي يعني أن أحد مسببات العداء بين اليمن وإيران قد زال.(7/75)
2-…وفاة الخميني سنة 1989, والأمل الذي عُقد على الرئيس الإيراني الجديد هاشمي رفسنجاني في أن تتبع إيران في عهده سياسة سلمية وديّة مع العالم الإسلامي, خاصة وأن إيران بدأت في عهده التقليل التدريجي لتصدير الثورة بالقوة, واتباع أسلوب الغزو الثقافي. ومع مجيء الرئيس خاتمي إلى رئاسة إيران سنة 1997, زاد اندفاع الدول العربية والإسلامية نحوها, ذلك أنهم ظنوا أن خاتمي يمثل قمة الاعتدال, وأن عهداً إيرانياً جديداً قد جاء.
3-…لكن الأهم من هذا وذاك هو تحقيق الوحدة اليمنية, الذي يعتبر أهم حدث يمني في التاريخ الحديث, ففي 22/5/1990 توحد شطرا اليمن, ورافقت الوحدة إجراءات سياسية كثيرة, تم بموجبها فتح الباب على مصراعيه لإنشاء الأحزاب والجمعيات والمطبوعات ونشر الأفكار والمذاهب, الأمر الذي جعل الزيدية يبادرون إلى الاستفادة من هذا الوضع الجديد, ويقومون بإنشاء بعض الأحزاب والهيئات والصحف, وبدأت تبرز الدعوة إلى عقائد الشيعة الإثني عشرية, والحنين إلى النظام الملكي الإمامي السابق, وبدأ بعض علمائهم ودعاتهم وطلابهم يتوجهون إلى إيران, ويعودون لينشروا سمومهم في أنحاء اليمن.
4-…السياسة الجديدة للنظام الإيراني في الانفتاح على الزيدية لاستخدامهم واعتبارهم رأس جسر يعبرون من خلاله إلى اليمن.
الأنشطة الزيدية:
سبق القول أن مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية قد أدّت إلى أن يتجه قادة العمل الزيدي في اليمن اتجاهاً إمامياً إثني عشري, وبدأ هذا الاتجاه يسري إلى عوام الزيدية, وكان للأموال الإيرانية التي تغدقها لنشر مذهبها أثر كبير في هذا الاتجاه الجديد للزيدية في اليمن.
ونستطيع أن نلمح مجموعة من الأنشطة والأعمال في مختلف المجالات التي تصطبغ بالصبغة الشيعية الإثني عشرية.
أولاً: الأنشطة الدينية والتعليمية:
1-تقريب الزيدية إلى الإمامية:(7/76)
إنّ أغلب من يدعو إلى المذهب الزيدي في اليمن ويدعو إلى إحياء تراثه الفكري هم شيعة إثني عشرية, وقد أشار القاضي إسماعيل الأكوع إلى هذا إذ يقول: "أمّا اليوم فإن أكثر العلويين ومن انعزى إليهم من أهل اليمن –وما أكثرهم- قد تحول بعد قيام الثورة الإيرانية سنة 1979 إلى إثني عشرية –رافضة- وصار هؤلاء دعاة لهذا المذهب بنشر كتبه والدعاية له, ومع أن فيهم من كان قد مال إلى السنة وعمل بها عن قناعة وإيمان وفهم وإدراك بأنها هي الحق الذي يجب أن يتبع"( ) .
وقد صار هؤلاء يدعون إلى التشيع ويرغبون الناس به, ويدافعون عنه, ويقول أحد كبار دعاتهم في اليمن اليوم وهو الدكتور المرتضى بن زيد المحطوري ما نصّه: "وما زلنا نطالع عبر الأيام حشواً من الكلام في كتب وكتيبات عن الشيعة الجعفرية فيها من الكذب والتهم على أهل البيت بدءاً بعلي عليه السلام والحسين السبط والأئمة وهلّم جرا, والتقول على الزيدية بما لا يدع شكّاً أن نوازع سياسية ومخابرات عالمية تحرك الجهلاء لكتابتها وتوزيعها مجاناً"( ) .
وقد جاء كلامه هذا في معرض رده على المحدثين لجرحهم بعض رواة الأحاديث من غلاة الشيعة. ويقول المحطوري في نفس الصفحة: "مع أنهم –أي الشيعة الإمامية- يتلمسون المودة والتقارب من إخوانهم العرب والمسلمين ولايجدون إلا الصلف والغرور".
ويروي المحطوري قصة زيارته لإيران ومدى ارتمائه في أحضان الإمامية, والاتكال على دعمها المالي والمعنوي في إنشاء طائفة شيعية تظهر مذهب الزيدية وتبطن مذهب الرافضة فيقول:(7/77)
كنت في زيارة لإيران عام 1997, وبدعوة من حجة الإسلام السيد جواد الشهرستاني, الوكيل العام للمرجع الشيعي الأعلى السيد علي السيستاني. وخلال خمسة عشر يوماً زرت خلالها عدداً من الحوزات والمنشآت العلمية والبحثية والمكتبية, فوجدت بشاشة وترحيباً وودّاً عند كل من قابلنا, وعندهم نهضة علمية ونشاط في تأليف الكتب يثير الدهشة, فالكل يؤلّف, وبعضهم له موسوعات وعشرات المجلدات.
ولكي أبرهن على تعصب العرب والمسلمين فقد أدخلت السجن السياسي فور رجوعي من إيران, فما نزلت من الطائرة إلا إلى عربة الأمن السياسي بتهمة زيارة إيران( ) .
ومن كبار دعاتهم إلى التشيع, بدر الدين الحوثي الذي ألّف كتاباً بعنوان (الزيدية في اليمن) وبيّن فيه أصل زيدية اليمن, وأصولها والتقارب بينها وبين الإمامية الجعفرية, بل الاتفاق في الأصول المهمة.
ويقول محمد بن إسماعيل الويسي في معرض ترويجه للفكر الشيعي الإمامي: "وأعظم مدرسة فلسفية توضح لنا الاقتصاد الإسلامي بطرح واضح وحقيقة لها جذور إسلامية صحيحة هي مدرسة السيد محمد باقر الصدر رحمه الله تعالى الذي أسدى للإسلام والأمة بل للبشرية حذمة قلّ نظيرها, والذي كان يمثل العلماء العاملين بحق ولم يقتصر على علم جامد يقتصر على النجاسة والطهارة".
ويقول: "فأنا أنصح كل من يريد تحرير فكره ونضوج عقله أن يطلع على مؤلفات الشهيد محمد باقر الصدر وغيره من العلماء الواعين الذين خدموا الإسلام بصدق لا بمنطق مذهبي متعصب وبمنطق التكفير والتفسيق, فللمسلمين الحق بأن يفتخروا بعظماء كهؤلاء"( ) .
2-المساجد والمراكز العلمية والمدارس:
يدير الزيدية والدّاعون إلى الإمامية مجموعة من المدارس والمساجد منها:(7/78)
-مركز بدر العلمي: وهو عبارة عن مسجد ملحق به مدرسة في حي الصافية في صنعاء, وفيه قسم داخلي للطلاب, وبجوار المركز توجد مكتبة بدر التي تبيع كتب وأشرطة علمائهم, كما أن المركز يتبع له مجموعة من المحلات المؤجرة, ويدير المركز د. المرتضى ابن زيد المحطوري.
-مركز ومسجد النهرين: الذي يقع في منطقة صنعاء القديمة, ويستمد أهميته من شخصية إمام المسجد حمود بن عباس المؤيد مفتي الجمهورية وهو رجل كبير السن يستغل الشيعة اسمه في دعوتهم بسبب قبول الناس له. ويتركز نشاط هذا المسجد في إصدار صحيفة صغيرة تدعى "النهرين", وهي غير منتظمة الصدور.
-الجامع الكبير: في صنعاء, ويتبعه مدرسة لتحفيظ القرآن وعلومه على مذهب "الزيدية الإثني عشرية", وله أوقاف تدرّ دخلاً وصندوق خيري لطلاب العلم, كما أن فيه أكثر من حلقة لتدريس الفقه وأصوله واللغة ...
-مركز الهادي: في مدينة صعدة, شمال اليمن, التي تعتبر من أهم التجمعات الشيعية النشطة في اليمن, فيه مدرسة تقع غرب المسجد (الهادي), وتتكون من طابقين, وبها مكتبة المسجد, ويدير المدرسة أحمد بن محمد حجر.
-دار العلوم العليا: وهي مدرسة كبيرة في صنعاء بنيت على نفقة إيران, وتنفق عليها الحكومة اليمنية, ومنهجها مختلف عن المدارس العامة, فالمناهج والمدرسون من الشيعة, ويصل عدد الطلاب في الفترتين الصباحية والمسائية إلى 1500, في جميع المراحل, ويديرها عبد السلام الوجيه.
-مركز الإمام القاسم بن محمد: في مدينة عمران, شمال صنعاء, وقد أقيم حديثاً, ويتكون من مسجد ومكتبة صغيرة لا يوجد فيها كتب لأهل السنة, ويوجد غرفة كبيرة يتلقى فيها الطلاب دروسهم, ويديره محمد المأخذي.
-المركز الصيفي: في مدينة ضحيان, ويقام هذا المركز في مدرسة الفلاح في ضحيان والتي يديرها يحيى حمران, وتُمارس الكثير من الأنشطة والفعاليات خلاله.(7/79)
-مركز الثقلين: في حارة الشراعي في صنعاء, ويشرف عليه شيعي عراقي إضافة إلى شيعي يمني درس في مدينة قم الإيرانية اسمه إسماعيل الشامي, ويمارس مختلف الأنشطة, ويدعو الساكنين في هذه المنطقة إلى عقائد الشيعة الإثني عشرية.
3-المطبوعات والمحاضرات والاحتفالات:
ازدادت في الآونة الأخيرة الكتب التي تدعو إلى مذهب الشيعة الإثني عشرية وعقد المحاضرات والندوات, بل وإقامة الاحتفالات وإحياء المناسبات الإثني عشرية, والتي لم تكن مألوفة بين الزيدية في اليمن:
-إحياء ذكرى مقتل الحسين –رضي الله عنه- وإقامة المجالس الحسينية في مساجدهم الخاصة لا سيّما في صنعاء القديمة, ويسبقه الإعلانات في المساجد, وتعليق اللافتات الكبيرة في الشوارع التي تدعو إلى المشاركة وتدل على زمان ومكان تلك المجالس.
-إحياء ذكرى وفاة بعض الأئمة كجعفر الصادق ومحمد الباقر وعلي زين العابدين رضي الله عنهم بطريقة استفزازية مثيرة للفتن.
-اتخاذ الروافض جبلاً في مدينة صعدة, أطلقوا عليه اسم (معاوية), يخرجون إليه يوم كربلاء (عاشوراء) بالأسلحة المتوسطة والخفيفة, ويطلقون ما لا يحصى من القذائف, رغم سقوط قتلى وجرحى, ومناشدة الدولة وبعض علمائهم لهم بوقف هذه الأعمال.
-عرض بعض المحلات التجارية والمطاعم لأشرطة (المجالس الحسينية) المسجلة في إيران, وفيها أصوات العويل والندب والقدح في الصحابة.
-إدخال أحدى قرى منطقة الحيمة الداخلية تسمى (الجلب) اسم علي بن أبي طالب في الأذان, وقولهم (أشهد أن عليّاً ولي الله).
-الاحتفال بذكرى يوم الغدير.
-إقامة المحاضرات في المساجد والمراكز مثل: علي وعلاقته بالرسول, علي ودوره في معركة بدر, علي السياسي والعسكري.
وسرعان ما تتحول مثل هذه المحاضرات إلى التشكيك بعدالة الصحابة, والنيل من أهل السنة وعلمائهم.
-طباعة الكتب والنشرات, وتوزيعها أحياناً بالمجان, مثل كتاب "الوهابية في اليمن" لبدر الدين الحوئي, و"ثم اهتديت" للتيجاني.(7/80)
4-محاولة الاستيلاء على مساجد السنة:
يحاول الزيدية السيطرة على مساجد السنة أو إدخال بعض شعائرهم في المساجد التي لا يستطيعون السيطرة عليها, ولو بالقوة, وقد راح ضحية هذه الأعمال عدد من شباب أهل السنة.
ففي سنة 1411هـ (1990م) قتل إمام وخطيب مسجد الغنيّة عبد الله الملحاني, لأنه لم يوافق هوى الشيعة في الأذان, ولم يضف عبارة (حي على خير العمل), وفي سنة 1421هـ (2000م) جاءت عصابة إلى جامع إسحاق لطرد إمام المسجد برفقة قوة عسكرية, وقاموا بسجن الإمام, واستولوا على المسجد, وفي العام نفسه حاولوا الاستيلاء بالقوة على مسجد (عثرب) بعد الانتهاء من بنائه, وحدث تبادل لإطلاق النار.
كما أن مساجد أخرى مثل (البهمة, حجر...) حاولوا الاستيلاء عليها, وكانوا أحياناً يوفقون في سعيهم هذا.
ثانياً: الأنشطة الإعلامية والثقافية:
مع أجواء الانفتاح التي عاشها اليمن بعد تحقيق الوحدة سنة 1990, سارع الشيعة إلى إصدار بعض الصحف والمطبوعات والهيئات الثقافية, ومنها:
1-صحيفة الشورى: الناطقة باسم اتحاد القوى الشعبية, ويرأس تحريرها محمد بن يحيى المداني.
2-صحيفة الأمة, الناطقة باسم حزب الحق, ويرأس تحريرها محمد بن يحيى المنصور.
3-صحيفة البلاغ, وصاحب الامتياز هو إبراهيم بن محمد الوزير, ويرأس تحريرها عبد الله إبراهيم الوزير.
وبالرغم من انتشار هذه الصحف المحدود, وقلة قرائها, إلا أنها تلعب دوراً في الترويج لعقائد الشيعة مهاجمة هيئات علماء أهل السنة على اختلاف تياراتهم كالشيخ عبد المجيد الزنداني والشيخ عبد الوهاب الديلمي, والوقوف في صف العلمانيين, والرّد على ما يكتب في صحف ومجلات التيارات السنية كالسلف والإخوان.
وإضافة إلى الصحف التي يصدرها الزيدية في اليمن, فإنهم يهتمون بنشر وتوزيع والدعوة إلى عدد من المجلات الشيعية التي تصدر خارج اليمن مثل:
1-العالم, التي تصدرها إيران.(7/81)
2-النور, التي تصدرها من لندن مؤسسة الخوئي, ويشرف عليها شيعة عراقيون.
وإضافة للصحف والمجلات, فللشيعة وجود واضح في إذاعة صنعاء, كما أنهم يدعون أنصارهم لمتابعة إذاعة طهران بحجة أنها الإذاعة الوحيدة التي لا تبث الأغاني.
ثالثاً: الأنشطة السياسية:
بادر الشيعة الزيدية إلى دخول المعترك السياسي في اليمن بشكل ملحوظ بعد سنة 1990, حيث سمح في ذلك العام بإنشاء الأحزاب وتأسيس الجمعيات وإصدار المطبوعات, فبادر الشيعة إلى إنشاء:
1-حزب الحق: الذي يرأسه أحمد محمد الشامي.
2-اتحاد القوى الشعبية: ويرأسه إبراهيم علي الوزير.
وهذان الحزبان ليس لهما وزن يذكر على الساحة السياسية, إضافة إلى أن الشيعة يتعرضون بين الحين والآخر إلى انتكاسات منها:
1-وقوف حزب الحق إلى جانب الحزب الاشتراكي اليمني في خلافه مع حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يرأسه الرئيس علي عبد الله صالح, وقد تحول هذا الخلاف إلى حرب نشبت بين الحزبين الذين كان كلّ منهما يحكم جزءاً من اليمن, صيف سنة 1994م, الأمر الذي جعل الحزب يتعرض لهزيمة سياسية ومعنوية بسبب انتصار علي عبد الله صالح على الحزب الاشتراكي الذي أيّده حزب الحق.
2-فضيحة الماسونية, وتمثلت في مشاركة وفد لحزب الحق وبعض دعاة الإمامية في الاجتماع السنوي لحركة الماسونية العالمية سنة 1416هـ, وكان على رأس الوفد أحمد محمد زبارة, مفتي الجمهورية السابق, وقد سجل شريط فيديو يظهر هذا الوفد وهو يتلقى محاضرات عن توحيد الأديان ومبادىء الماسونية, وسجلت للمفتي زبارة كلمات مصورة وهو يشيد بتعاليم الماسونية والثناء على زعيمها "مون".
رابعاً: الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية:
-معظم أفراد الطائفة "الزيدية الإثني عشرية" هم من الفئات المتوسطة التي لا تستطيع أن تنفق بسخاء على حزبها ومطبوعاتها, لذلك أنشأوا جمعية تدعى "جمعية الإيمان الخيرية" من أجل جمع الأموال وإنفاقها في نشاطاتهم.(7/82)
كما أن الجمهورية الإيرانية تقدم مساعدات مالية للشيعة في اليمن, وتقيم بعض المشاريع مثل المركز الطبي الإيراني في صنعاء, وتقدم المنح الدراسية لليمنيين لدراسة العلوم الدينية وغيرها, ويقوم السفير الإيراني في اليمن بزيارات للمناطق الزيدية.
المراجع
1-…ملوك العرب – أمين الريحاني.
2-…الفرق بين الفرق – الإمام عبد القاهر البغدادي.
3-…الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة – إعداد الندوة العالمية للشباب الإسلامي في الرّياض.
4-…نظرة الإمامية الإثني عشرية إلى الزيدية – محمد الخضر, تقديم محمد المهري.
5-…التاريخ الإسلامي – الجزء السابع – محمود شاكر.
6-…التشيع وأثره على الجرح والتعديل – المرتضى بن زيد المحطوري.
7-…الزيدية نشأتها ومعتقداتها – القاضي اسماعيل الأكوع.
دوريات ومواقع:
1-…صحيفة الشورى اليمنية.
2-…نشرة النهرين.(7/83)
العدد الثامن
غرّة صفر / 1425هـ
الموازين المائلة
1-…فرق ومذاهب (القاديانية).
2-… سطور من الذاكرة (قصة الشورى – سنة 23هـ).
3-… كتاب الشهر (ثناء ابن تيمية على أمير المؤمنين.........).
4-…قالوا.
5-…جولة الصحافة (التطورات الأخيرة تعيد السنة إلى صدارة المشروع السياسي الجديد في العراق).
6-…جولة الصحافة (التقاء مبارك وخاتمي).
7-…جولة الصحافة (العلاقات المصرية الإيرنية – فتح آفاق جديدة).
8-…جولة الصحافة (عضوية إيران في جامعة الدول العربية).
9-…دراسات (قراءة في النبوءات).
فاتحة القول
الموازين المائلة
في مقابلة لنعيم قاسم نائب أمين عام حزب الله اللبناني مع جريدة الدستور الأردنية بتاريخ 23/3/2004 صرح بما يلي:
-((التحرير (في العراق) شأن يختاره العراقيون, وهناك وجهات نظر متفاوتة, فالبعض يرى أن المقاومة المسلحة هي الحل وآخرون يرون المقاومة السياسية والتظاهرات هي الحل)).
-وعن موقف الشيعة المهادن للاحتلال قال: ((هذا أمر له علاقة بتقديرهم بحسب ما نسمع منهم)).
ونتساءل هنا ما هو الفرق بين هذه الرؤية والعبارات الدبلوماسية وبين مواقف الحكومات العربية والسلطة الفلسطينية!؟
أليست السلطة والحكومات العربية تخوض معركة السلام! كما يخوضها شيعة العراق!
لماذا لا يستطيع حزب الله وقيادته من التعامل بميزان واحد مع الأشياء, فإذا كان مراعاة (المصالح الوطنية أو المذهبية وإدراك حقيقة قوتنا) جائز لشيعة العراق فإنه يجوز لغيرهم كذلك!
وإن كان هذا إنبطاح وانهزام فإن شيعة العراق والشيعة من ورائهم أول المنبطحين والمنهزمين, وأشدهم من ينظر لهم ويدافع عن وجهة نظرهم استناداً إلى دوره (الرائد) في الصراع مع العدو الصهيوني زعموا!!!
وهنا نوجه الأنظار لمتابعة موقف حزب الله من جريمة اغتيال الشيخ أحمد ياسين لنرى كيف سيتعامل حزب الله مع هذه الجريمة.(8/1)
وذلك لنشاهد فصل جديد من التهديدات العنترية والأفعال الجوفاء على حد المثل السائر: أشبعتهم شتماً وأودوا بالإبل.
القاديانية
التعريف والتأسيس
القاديانية حركة نشأت سنة 1900 بتخطيط من الاستعمار الانجليزي في القارة الهندية بهدف إبعاد المسلمين عن دينهم وعن فريضة الجهاد بشكل خاص حتى لا يواجهوا المستعمر باسم الإسلام.
وكان ميرزا غلام أحمد القادياني (1839-1908) أداة التنفيذ الأساسية لإيجاد هذه الفرقة التي نسبت فيما بعد إليه وصارت تعرف بالقاديانية, وكان ينتمي إلى أسرة اشتهرت بخيانة الدين والوطن, وهو معروف عند أتباعه باختلال المزاج وكثرة الأمراض وإدمان المخدرات, وله أكثر من خمسين كتاباً ونشرة منها: إزالة الأوهام, إعجاز أحمدي, براهين أحمدية, أنوار الإسلام, إعجاز المسيح, التبليغ, ويطلق القاديانيون على أنفسهم اسم "الأحمديين".
أبرز شخصياتهم:
وإضافة إلى ميرزا غلام أحمد, فإن هناك عدداً من الشخصيات البارزة في هذه الفرقة نذكر منها:
-…نور الدين: الخليفة الأول للقاديانية, من مؤلفاته فصل الخطاب.
-…محمد علي: أمير القاديانية اللاهورية, وهو منظرهم, وجاسوس الاستعمار والقائم على المجلة الناطقة باسم القاديانية, قدّم ترجمة محرفة للقرآن الكريم إلى الإنجليزية, من مؤلفاته: "حقيقة الاختلاف" و "النبوة في الإسلام".
-…محمد صادق: مفتي القاديانية, من مؤلفاته "خادم خاتم النبيين".
-…محمود أحمد بن الغلام وخليفته الثاني: من مؤلفاته "أنوار الخلافة" و "تحفة الملوك" و "حقيقة النبوة".
-…رفيق أحمد حياة, وهو أمير طائفتهم الحالي في المملكة المتحدة التي صارت تشكل حالياً أحد أهم تجمعاتهم.
أهم العقائد:
1-يعتقد القاديانيون بأن ميرزا غلام نبي, حيث يقول أمير طائفتهم في المملكة المتحدة رفيق أحمد حياة: ((رسول الإسلام محمد هو آخر رسول مشرع, أي جاء بشريعة, وأما الميرزا غلام أحمد فهو نبي أوحي إليه, وإن لم يأت بشريعة)).(8/2)
2-إضافة إلى الاعتقاد بأن الميرزا غلام أحمد نبي, فهم يعتقدون بأنه هو المسيح الموعود الذي جاء لإصلاح كل الأديان.
3-يعتقدون في الله ما لا يليق به سبحانه وتعالى كالنوم والخطأ والجماع.... تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً.
4-يعتقدون بأنه لا قرآن ولا حديث إلا الذي جاء به ميرزا غلام.
5-يرون تحريم قتال الكفار, فالجهاد عندهم هو في الأساس جهاد النفس.
وقد ألّف في بيان معتقداتهم عدد من علماء القارة الهندية, حيث يتركز القاديانيون, ومنهم الشيخ إحسان إلهي ظهير, وأبو الأعلى المودودي وأبو الحسن الندوي, والقادياني السابق عتيق عبد الرحمن عتيق في كتاب أسماه "فتنة القاديانية".
مركز الفرقة:
يعيش معظم القاديانيين في الهند وباكستان, وكان مركز القاديانية في منطقة اسمها "الربوة" في باكستان, وقد ارتفع شأنها في باكستان بعد الاستقلال, وكان منهم أول وزير خارجية باكستاني هو ظفر الله خان, الذي أعطى لطائفته نفوذاً كبيراً في هذه الوزارة.
وفي عهد الرئيس ذو الفقار علي بوتو, أصدر البرلمان الباكستاني قراراً اعتبر فيه القاديانية ديناً خاصاً كالهندوسية, الأمر الذي ترتب عليه منع السلطات السعودية لهم من أداء فريضة الحج.
وبسبب الاضطهاد الذي تعرضوا له في عهد الجنرال ضياء الحق, هاجر الكثير منهم إلى لندن, حيث يعيش خليفتهم الخامس ميرزا مسرور أحمد, وهو خامس أحفاد مؤسسهم ميرزا غلام أحمد.
أنشطتهم:
1- للقاديانية نشاط لافت في العديد من دول العالم, ويحظون فيها بالدعم والرعاية, حيث كانوا ينشطون في صفوف اللاجئين البوسنويين في ألمانيا, ففي أحد أيام صيف 1995م, أقاموا احتفالاً كبيراً في وسط ألمانيا للجالية البوسنوية, حضره أكثر من ثلاثة آلاف شخص.(8/3)
2- وفي أفريقيا أصدرت الطائفة في تنزانيا نشرة ذكرت أنها تعتزم تضليل 10 ملايين شخص وإدخالهم في طائفتهم, منهم 7 ملايين في تنزانيا, و 3 ملايين في بوروندي وراوندا وموزمبيق وملاوي, وطلبوا من عناصرهم توجيه نشاطهم إلى الأرياف.
3- وفي سنة 2002م, وافقت الحكومة البريطانية على إنشاء القاديانية لقناة تلفزيونية دولية تبث بأكثر من عشر لغات وعلى مدار 24 ساعة.
4- وفي منتصف عام 2003م, عقدوا مؤتمراً في سيلفر سبرينغ في ماريلاند في منطقة واشنطن, بلغ عدد الحضور فيه أكثر من خمسة آلاف شخص, ولهم مسجد هناك يتسع لـ 1500 شخص.
5- وفي بداية شهر تشرين الأول (أكتوبر) من العام 2003, أقام القاديانيون واحداً من أكبر المراكز لهم في العالم, حيث افتتحوا في ضاحية ميردن بالقرب من العاصمة البريطانية لندن أكبر مسجد في أوربا يتسع لعشرة آلاف شخص وأطلقوا عليه اسم (بيت الفتوح).
ويضم هذا المسجد –إضافة إلى المصلى- قاعة مؤتمرات ومكتبة ومدرسة وقاعة للعب الأطفال وموقفاً كبيراً للسيارات, وقد بلغت تكاليف إنشائه إضافة للأرض المقام عليها حوالي 20 مليون جنيه استرليني.
ويقول أمير طائفتهم في بريطانيا عن "بيت الفتوح" إنه مفتوح لجميع المسلمين وأصحاب الديانات الأخرى للصلاة فيه.
6- ويتواجد القاديانيون في بنغلادش في عدة مناطق من بينها ضاحية تيجاون الصناعية على بعد عشرة كيلو مترات إلى الشمال من العاصمة دكا, حيث لهم مسجد في هذه المنطقة.
للاستزادة:
1-الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة – إعداد الندوة العالمية للشباب الإسلامي في الرياض, طبعة سنة 1989.
دوريات ومواقع:
-بي بي سي أون لاين, الفرقان (الكويت), الأهرام (مصر), الدستور, السبيل, اللواء, الرأي, الشريعة (الأردن).
قصة الشورى
23هـ
قصة الشورى هي واحدة من المواقف التي جسّدت وحدة المسلمين, وتكاتفهم وحرصهم على المصلحة العامة للأمة.(8/4)
في السنة الثالثة والعشرين للهجرة طُعِن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه على يد أبي لؤلؤة المجوسي بعد خلافة عظيمة وحكم عادل شأنه شأن خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه, وعندما طُعِن الفاروق عمر جعل الخلافة في ستة من كبار صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم الذين كانوا لا يزالون على قيد الحياة من المبشرين بالجنة وهم عثمان بن عفّان وعلي بن أبي طالب وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوّام وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص.
وملخص الواقعة كما في صحيح البخاري (كتاب فضائل الصحابة – باب قصة البيعة حديث رقم 3700) أن الناس قالوا لعمر رضي الله عنه: أوص يا أمير المؤمنين, استخلف, قال: ما أجد أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر أو الرهط الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ, وسمّى هؤلاء الستة الكرام من الصحابة.
وقال عمر: يشهدكم عبد الله بن عمر وليس له من الأمر شيء, فإن أصابت الإمرة سعداً فهو ذاك وإلا فليستعن به أيكم ما أمّر فإني لم أعزله عن عجز ولا خيانة. فقد كان عمر قد عزل فيما سبق سعد بن أبي وقاص عن ولاية الكوفة.
عند ذلك اجتمع هؤلاء الستة رضي الله عنهم وقال لهم عبد الرحمن بن عوف:
اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم, أي ليتنازل ثلاثة ويبق ثلاثة:
فقال الزبير: جعلت أمري إلى علي.
وقال طلحة: جعلت أمري إلى عثمان.
وقال سعد: جعلت أمري إلى عبد الرحمن بن عوف.
وهنا يتبين أن الزبير بن العوام رضي الله عنه لم يكن من مبغضي علي بن أبي طالب, وكيف يكون من مبغضيه وهو ابن عمته, وقد رشحه للخلافة كما تبين, وهما من خيرة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد انسحب من الخلافة الزبير وطلحة وسعد, وبقي عثمان وعلي وعبد الرحمن, وقد أخرج عبد الرحمن بن عوف نفسه من "قائمة المرشحين" وحصرها في عثمان وعلي وطلب منهم أن يدير العملية هو فوافقوا.(8/5)
وهنا يقول عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: أفتجعلونه إليّ والله عليّ أن لا آلو عن أفضلكما. أي أنني لن أختار إلا الأفضل, وبعد موافقة الإثنين, قال لعلي: لك قرابة من رسول الله ? والقِدم في الإسلام ما قد علمت, فالله عليك لئن أمرتك لتعدلن ولئن أمرت عثمان لتسمعن ولتطيعن.
ثم خلا بعثمان فقال له مثل ذلك, وأخذ منهما الميثاق بأن كل واحد منهما إن أصبح أميراً فإنه سيحكم بالعدل, وإن أصبح الآخر فإنه سيسمع ويطيع لأمير المؤمنين.
وجلس عبد الرحمن ثلاثة أيام يسأل المهاجرين والأنصار حتى قال: والله ما تركت بيتاً من بيوت المهاجرين والأنصار إلا وسألتهم فما رأيتهم يعدلون بعثمان أحداً. وهذا يؤشر على اتساع دائرة الشورى التي جاءت بعثمان.
وعندها قال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: ارفع يدك يا عثمان فبايعه وبايع له علي وولج أهل الدار فبايعوه, وبايعه المسلمون بيعة عامة, فهم يعرفون مكانة عثمان وقدره وأفضليته حتى قال عبد الله بن عمر رضي الله عنه: ما كنّا نعدل بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي بكر أحداً ثم عمر ثم عثمان ثم نترك بقية أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نفاضل بينهم. (أخرجه البخاري – كتاب فضال الصحابة- باب مناقب عثمان رقم 3697).
وهكذا كانت قضية الشورى ممّا عصم المسلمين’ ورصّ صفوفهم خلف خليفة واحد, كما أنه قد تجلت فيها حكمة عمر رضي الله عنه ورحمته بالمسلمين وحرصه على اختيار الأفضل, وإبعاد ابنه عبد الله عن الخلافة رغم أنه من خيار الصحابة, فإنه لم يرغب يوماً في أن تكون خلافة المسلمين وراثة, وكان يشفق على ابنه وآله منها.
وجاء عهد عثمان رضي الله عنه, عهد مليء بالفتوحات والرخاء وانتشار الإسلام, ففي هذا العهد تم غزو قبرص وفتحت أذربيجان وأرمينية وكابل وسجستان وغيرها وفي خلافته كانت الغزوة العظيمة ذات الصواري.(8/6)
وبلغ الرخاء في عهده أوجه حتى قال الحسن البصري, وهو من كبار التّابعين: قلّما يأتي على الناس يوم إلا ويقتسمون فيه خيراً حتى أنه ينادى تعالوا عباد الله خذوا نصيبكم من العسل, تعالوا عباد الله خذوا نصيبكم من المال.
أما أعداء الإسلام فقد أغاظهم أن يجتمع المسلمون على عثمان, وهو صاحب الفضل والجود والمآثر, فصوروا قصة الشورى على أنها حلقة من حلقات اغتصاب السلطة والاستئثار بها, ووصل الحد بهؤلاء إلى أن يصفوا الصحابي الجليل عبد الرحمن بن عوف الذي رفض الخلافة وبذل جهده لاختيار من زكّاه المسلمون بأنه (زعيم لوبي)!( )
ووضع هؤلاء الروايات التي لا تصح والتي تشكك بأهمية هذا الإنجاز وحرص المسلمين على تقصير كلمتهم فقالوا بأن عمر طلب من أبي طلحة الأنصاري أن يحضر خمسين من رجاله ويقتل أصحاب الشورى الستة إن لم يتفقوا على خليفة من بينهم, وهذا أمر يدعو للاستغراب فكيف يستحل عمر رضي الله عنه رقاب أولئك الصحابة الذين مات الرسول صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ, كما أنه يوحي بأنها كانت بيعة مقلقة.
للاستزادة:
1-…العواصم من القواصم – الإمام أبو بكر بن العربي بتحقيق العلامة محب الدين الخطيب ص42.
2-…حقبة من التاريخ – الشيخ عثمان الخميس ص33.
الكتاب الأول: ثناء ابن تيمية على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأهل البيت – علي ابن محمد القضيبي.
الكتاب الثاني: الأسماء والمصاهرات بين أهل البيت والصحابة - السيد أحمد الإسماعيلي.
الكتاب الثالث: زينب ورقية وأم كلثوم بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ربائبه – السيد أحمد الإسماعيلي.(8/7)
الحديث عن علاقة الصحابة بآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم, حري بنا أن نتوقف عندها بعض الشيء لنعيد للتاريخ نقاءه, وللأحداث صفاءها, بعد أن شوه المغرضون وأصحاب النفوس المريضة من الشعوبيين والحاقدين هذه الحقيقة المشرقة. والحديث عن الصحابة وآل البيت رضي الله عنهم, هو حديث عمّا كان يجمع بين المسلمين من الرعيل الأول من محبة ووفاء وإيمان, ذلك أنهم آمنوا برب واحد ودين واحد, ونهلوا جميعاً من معين النبوة, حيث كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم معلمهم وقائدهم ومربيهم.
لذلك استحق المسلمون من سلفنا الصالح محبة الله ورضوانه وتفضيله إياهم على غيرهم بما تجسد فيهم من عظيم أخلاق وحسن فعال.
ولعلّ الأخوة التي قامت بين المهاجرين والأنصار, وما قدمه كل منهم في نصرة الدين وإعلاء شأنه دليل على الذين يريدون تشويه هذا المجتمع. فالمهاجرون تركوا أموالهم وديارهم وجاءوا إلى دار الهجرة نصرة للدين.
والأنصار قاسموا إخوانهم المهاجرين المال والتجارة, وصارت المؤاخاة بينهم مثلاً يضرب إلى قيام الساعة.
وإذا كان هذا هو حال المهاجرين والأنصار, وحال المسلمين عموماً, فكيف لنا أن نتخيل علاقة عموم المسلمين بآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم, حيث أن الصحابة هم أكثر الناس إيماناً بربهم, ومعرفة بحق نبيه صلى الله عليه وسلم وآل بيته الطاهرين رضوان الله عليهم.
نقول هذا لنعرج بشيء من التفصيل على العلاقة التي كانت تربط بين صحابة رسو الله صلى الله عليه وسلم, وآل بيته, وهي العلاقة التي كانت مثالاً لأخلاق المسلمين من سلفنا الصالح, وهي التي تتناولها كتب هذا الشهر, والكتب الثلاثة التي نحن بصدد تناولها, تكمل بعضها بعضاً, وتكاد تعطي صورة واضحة عن توقير الصحابة, وأهل السنة عموماً لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم واحترامهم ومحبتهم, وما كان يجمعهما من النسب والمصاهرة.(8/8)
الكتاب الأول: ثناء ابن تيمية رحمه الله على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأهل البيت رحمهم الله, لعلي بن محمد القضيبي وقد صدر سنة 1424ه, 2003 م عن شبكة الدفاع عن السنة. ومؤلفه شيعي هداه الله إلى الحق ومنهج أهل السنة, وأحب في هذه الرسالة أن يوضح ما كان يسمعه دائماً في مجالس الشيعة عن ظلم الصحابة لآل البيت, وبغض السنة لآل محمد صلى الله عليه وسلم.
ولعل اختياره لابن تيمية رحمه الله كنموذج لأهل السنة, لأن ابن تيمية علم كبير من أعلامهم, وأهم خصوم الشيعة ولذلك حاول الشيعة أن يصوروا ابن تيمية كعدو شرس لآل البيت والحقيقة أن مؤلفاته تزخر بحب أهل البيت ومعاداة من يعاديهم, على عكس ما يشيعه الشيعة من ثناء ابن تيمية رحمه الله على النواصب ومبغضي آل البيت, وقد جاءت أقوال ابن تيمية ومواقفه بشكل خاص في كتابه العظيم "منهاج السنة", وكذلك في مجموع الفتاوى والعقيدة الواسطية.
1-ذم شيخ الإسلام ابن تيمية للنواصب
وينقل المؤلف قول ابن تيمية رحمه الله ((وأما أهل السنة فيتولون جميع المؤمنين, ويتكلمون بعلم وعدل, ليسوا من أهل الجهل ولا من أهل الأهواء, ويتبرؤون من طريقة الروافض والنواصب جميعاً, ويتولون السابقين الأولين, ويعرفون قدر الصحابة وفضلهم ومناقبهم, ويرعون حقوق أهل البيت عليهم السلام التي شرعها الله لهم)).
[والنواصب هم الذين يسبون عليًّا أو يذمونه, وهم الآن لا وجود لهم ].
2-أقوال ابن تيمية في فضل علي رضي الله عنه:
ويذكر المؤلف بعضاً مما قاله شيخ الإٍسلام رحمه الله في حق أمير المؤمنين علي وذكر فضله ومن ذلك قوله: ((فضل علي وولايته لله وعلو منزلته عند الله معلوم لله الحمد, من طرق ثابتة أفادتنا العلم اليقيني, ولا يحتاج معها إلى كذب ولا إلى ما لا يُعلم صدقه)) منهاج السنة 8/ 165 , ويقول رحمه الله في موضع آخر من الكتاب نفسه:
وأما علي رضي الله عنه فلا ريب أنه ممن يحب الله ويحبه الله.(8/9)
وبتفصيل أكثر عن مكانة علي, يقول ابن تيمية:
((وكتب أهل السنة من جميع الطوائف مملوءة بذكر فضائله ومناقبه, وبذم الذين يظلمونه من جميع الفرق، وهم ينكرون على من سبّه, وكارهون لذلك, وما جرى من التسابّ والتلاعن بين العسكرين, من جنس ما جرى من القتال, وأهل السنة من أشد الناس بغضاً وكراهة لأن يتعرض له بقتال أو سب
بل هم كلهم متفقون على أنه أجلّ قدراً, وأحق بالإمامة, وأفضل عند الله وعند رسوله وعند المؤمنين من معاوية وأبيه وأخيه الذي كان خيراً منه, وعلي أفضل من الذين أسلموا عام الفتح, وفي هؤلاء خلق كثير أفضل من معاوية, وأهل الشجرة أفضل من هؤلاء كلهم, وعلي أفضل جمهور الذين بايعوا تحت الشجرة, بل هو أفضل منهم كلهم إلاّ ثلاثة*, فليس في أهل السنة من يقدم عليه أحداً غير الثلاثة, بل يفضلونه على جمهور أهل بدر وأهل بيعة الرضوان, وعلى السابقين الأوّلين من المهاجرين والأنصار)) منهاج السنة 4 / 396.
3-أقوال شيخ الإسلام في قتلة الحسين:
لم يكن هذا الموقف من ابن تيمية, وهو ما عليه أهل السنة محصوراً في الإمام علي, بل إن أهل السنة يحبون ويوقرون آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم من غير غلو, ويبغضون من يكرههم, كما يتضح من قول شيخ الإسلام في شأن قتلة الإمام الحسين بن علي رضي الله عنهما إذ يقول في ((مجموع الفتاوي)):
وأما من قتل الحسين أو أعان على قتله, أو رضي بذلك, فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين, لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً. ويقول أيضاً: والحسين رضي الله عنه قتل مظلوماً شهيداً, وقتلته ظالمون معتدون.
4-مكانة أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل السنة والجماعة.
ويختم المؤلف رسالته بما عليه أهل السنة وما يدينون به تجاه آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم, وينقل هنا قول ابن تيمية كما جاء في ((العقيدة الواسطية)):(8/10)
ويحبون (أي أهل السنة) أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتولونهم ويحفظون فيهم وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال يوم غدير خم: ((أذكركم الله في أهل بيتي)) رواه مسلم.
وفي مجموع الفتاوى سئل شيخ الإسلام عن محبة آل البيت فقال:
محبتهم عندنا فرض واجب, يؤجر عليه … ومن أبغضهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين, لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً.
الكتاب الثاني: الأسماء والمصاهرات بين أهل البيت والصحابة رضي الله عليهم للسيد ابن أحمد الإسماعيلي
والكتاب الثاني الذي نتناوله يعطي صورة أعم وأشمل للروابط والصلات التي كانت تجمع بين أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام, وهذه الروابط الوثيقة التي جمعت المؤمنين من آل البيت والصحابة تجلت في جوانب عديدة يركز المؤلف على جانبين هما:
1-… إطلاق آل البيت أسماء أبي بكر وعمر وعثمان وأمهات المؤمنين وكبار الصحابة على أولادهم كما سيأتي بيانه, وهو ما يدحض الافتراءات التي ظل يرددها الروافض من أن السنة, وبني أمية على وجه الخصوص كانوا في حالة من العداء الدائم مع آل البيت, حتى أن أحدهم كتب كتاباً أسماه (النزاع والتخاصم فيما بين بني أمية وبني هاشم)!.
2-… صلات المصاهرة التي كانت تجمع بينهما.
أولاً: أسماء الأعلام من أهل البيت الذين تسموا بأسماء الصحابة:
أبو بكر رضي الله عنه: أبو بكر بن علي بن أبي طالب, وأبو بكر بن الحسن بن علي بن أبي طالب, وأبو بكر عبد الله بن جعفر, وقد استشهدوا مع الحسين رضي الله عنه في كربلاء. وأبو بكر علي بن الحسين زين العابدين, وأبو بكر علي الرضا وكلاهما إمامان من الأئمة الاثنى عشر وكل منهما كانت كنيته أبا بكر.
ويعتبر ((أبو بكر)) أحد أسماء المهدي المنتظر عند الشيعة, وقد ذكر ذلك النوري الطبرسي في كتابه "النجم الثاقب في ألقاب وأسماء الحجة الغائب".(8/11)
عمر رضي الله عنه: عمر الأطرف بن علي بن أبي طالب, وأمه أم حبيب الصهباء التغلبية من سبي الردة, وعمر بن الحسن بن علي بن أبي طالب, وعمر الأشرف بن علي بن الحسين, وعمر بن يحيى بن الحسيين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب, وعمر بن موسى الكاظم.
عثمان رضي الله عنه: عثمان بن علي بن أبي طالب, وقتل مع الحسين في كربلاء, وعثمان بن عقيل بن أبي طالب.
عائشة رضي الله عنها: عائشة بنت موسى الكاظم بن جعفر الصادق, ومن دليل شدة حب الإمام الكاظم لعائشة رضي الله عنها أنّ له من الولد سبعاً وثلاثين ذكراً وأنثى واحدة سمّاها عائشة, وعائشة بنت جعفر بن موسى الكاظم, وعائشة بنت علي الهادي بن محمد الجواد.
طلحة رضي الله عنه: وممن تسموا بطلحة: طلحة بن الحسن بن علي بن أبي طالب.
معاوية رضي الله عنه: معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب.
والمؤلف بعد إيراده لآل البيت الذين سموا أولادهم بأسماء كبار الصحابة يذكرنا بأن هذه الأسماء وردت في كثير من كتب الشيعة, ومع ذلك فإنهم يتغافلون عنها, وينكرونها, ومن هذه المصادر الشيعية: بحار الأنوار للمجلسي, والإرشاد للمفيد, وتاريخ اليعقوبي, ومنتهى الآمال لعباس القمي, والنجم الثاقب للنوري الطبرسي.
ثانياً: المصاهرات بين أهل البيت والصحابة:
أ -…المصاهرات بين أهل البيت وآل الصديق من بني تيم:
-النبي محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وهو سيد بني هاشم تزوج عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما.
-موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب تزوج أم سلمة بنت محمد بن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق.
-إسحاق بن جعفر بن أبي طالب تزوج أم حكيم بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر.
-محمد الباقر بن زين العابدين تزوج أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق.
- الحسن بن علي بن أبي طالب تزوج حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر.(8/12)
ب-المصاهرات بين أهل النبي صلى الله عليه وسلم وآل الزبير:
-…صفية بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها العوام بن خويلد, وولدت له الزبير أحد العشرة المبشرين بالجنة.
-…أم الحسن بنت الحسين بن علي بن أبي طالب تزوجها عبد الله بن الزبير بن العوام.
-…رقية بنت الحسن بن علي بن أبي طالب تزوجها عمرو بن الزبير بن العوام.
-…مليكة بنت الحسن بن علي بن أبي طالب تزوجها جعفر بن مصعب بن الزبير.
-…موسى بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب تزوج عبيدة بنت الزبير بن هشام بن عروة بن الزبير بن العوام.
-…سكينة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب تزوجها مصعب بن الزبير بن العوام, وغير ذلك الكثير.
ج- المصاهرات بين أهل البيت وآل الخطاب من بني عدي:
- تزوج النبي صلى الله عليه وسلم حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنها وعن أبيها.
- الحسن الأفطس بن علي بن علي زين العابدين تزوج من بنت خالد بن أبي بكر بن عبد الله بن عمر بن الخطاب.
- الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن أبي طالب تزوج رملة بنت سعيد بن زيد بن نفيل.
د- المصاهرات بين أهل البيت وبني تيم
- الحسن بن علي بن أبي طالب تزوج أم إسحاق بن عبيد الله التيمي.
- الحسين بن علي بن أبي طالب تزوج أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله, وقد أوصاه أخوه الحسن بنكاحها قبل موته, وولدت له فاطمة بنت الحسين.
ه- المصاهرات بين أهل البيت وبني أمية
- رقية وأم كلثوم بنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجهما عثمان بن عفان رضي الله عنه وبذلك لقب بذي النورين.
-زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها أبو العاص بن الربيع, وهو ابن خالتها, فأمه هالة بنت خويلد, وولدت له زينب بنتاً هي أمامة, وقد تزوجها علي بن أبي طالب بعد وفاة فاطمة رضي الله عنها.
- خديجة بنت علي بن أبي طالب تزوجها عبد الرحمن بن عامر بن كريز الأموي.
- رملة بنت علي بن أبي طالب تزوجها معاوية بن مروان بن الحكم.(8/13)
- زينب بنت الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن أبي طالب تزوجها الوليد بن عبد الملك بن مروان.
- فاطمة بنت الحسين الشهيد بن علي بن أبي طالب تزوجها عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان, وغير ذلك الكثير.
و- المصاهرات بين أهل البيت العلويين وأبناء عمومتهم من أهل البيت العباسيين
- محمد الجواد بن علي الرضا تزوج أم حبيبة بنت المأمون العباسي.
- فاطمة بنت محمد بن علي النقي بن محمد الجواد تزوجها الخليفة هارون الرشيد.
- عبيد الله بن محمد بن عمر الأطرف بن علي بن أبي طالب تزوج عمة أبي جعفر المنصور.
والمؤلف هنا ينبهنا أيضاً إلى أن هذه المصاهرات وردت في كثير من كتب الشيعة مثل عمدة الطالب لابن عنبة والأنوار النعمانية للجزائري والإرشاد للشيخ المفيد وتراجم أعلام النساء لمحمد الحائري ومنتهى الآمال للقمي وتاريخ اليعقوبي وسر السلسلة العلوية لأبي نصر البخاري, ومع ذلك يصرفون النظر عنها, ويلفقون الأحاديث حول عداوة الصحابة وأهل السنة لآل البيت!
الكتاب الثالث: زينب ورقية وأم كلثوم بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ربائبه – للسيد أحمد الإسماعيلي
(رد على جعفر المرتضى العاملي في كتابه بنات النبي أم ربائبه)(8/14)
بالرغم من الأخوة وأخلاق الإسلام السامية التي كانت تجمع المسلمين على اختلاف أقوامهم وأصولهم ومنهم آل البيت والصحابة, وبالرغم من أن المصاهرات بينهم أكثر من أن تحصى, إلاّ أن قوماً فضلوا التعامي عن ذلك وأثروا نسج القصص التي لا تصح وإنكار ما علم من التاريخ بالضرورة, لينفوا تلك المصاهرات الكثيرة التي كانت تجمع آل البيت بغيرهم, وهو ما يتحدث عنه الكتاب الثالث (زينب ورقية وأم كلثوم بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ربائبه) وقد كتبه مؤلفه رداً على جعفر مرتضى العاملي الذي ادّعى أن هؤلاء الطاهرات لسن بنات النبي صلى الله عليه وسلم إنما ربائبه, لينفي أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد صاهر عثمان بن عفان رضي الله عنه.
وقد وردت أباطيل العاملي في كتابه (الصحيح من سيرة النبي الأعظم) وهو مطبوع حالياً في عشرة مجلدات, ادّعى فيها العاملي أنه يهدف إلى تنقية التاريخ الإسلامي من الشوائب.
وقد ردّ السيد الإسماعيلي أباطيل جعفر العاملي من وجوه عديدة:
1-…يذكر السيد الإسماعيلي في البداية إجماع أهل السنة على أن زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة رضي الله عنهن بنات النبي صلى الله عليه وسلم وكلهن من خديجة, وأما الذكور فهم إبراهيم والقاسم وعبد الله وكلهم من خديجة ما عدا إبراهيم من ماريا القبطية. وهناك اختلاف بسيط يعود إلى أن البعض ظن أن للنبي صلى الله عليه وسلم ولداً اسمه الطيب أو الطاهر, والصحيح أنها ألقاب لعبد الله.
2-…يذكر المؤلف دليلاً من القرآن الكريم على وجود بنات للنبي صلى الله عليه وسلم غير فاطمة وهو قوله تعالى: (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن..) الأحزاب 33.
والتعبير بكلمة ((بناتك)) يدل على التعدد.(8/15)
3-…يقول المؤلف: إن جعفر العاملي وهو من علماء الشيعة المعاصرين ليس أول من قال بأن زينب ورقية وأم كلثوم لسن بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم, بل إن هذا القول لفرقة النصيرية التي قالت أن الحسن والحسين أولاد سلمان الفارسي!
4-…ويذكرنا المؤلف بالسبب الحقيقي وراء هذه الدعوة وهو جعل علي بن أبي طالب الصهر الوحيد للنبي صلى الله عليه وسلم, ويتهمون أهل السنة بأنهم قالوا بأن زينب ورقية وأم كلثوم هن بنات النبي صلى الله عليه وسلم لجعل عثمان وأبي العاص بن الربيع أصهاراً للنبي صلى الله عليه وسلم.
ومعروف أن عثمان بن عفان رضي الله عنه تزوج رقية بنت النبي صلى الله عليه وسلم, وبعد موتها رضي الله عنها, زوجه النبي صلى الله عليه وسلم أم كلثوم, والغريب أن الشيعة يدّعون أن رقية ماتت من شدة ضرب عثمان لها! ويتساءل المؤلف: إذا كان ذلك صحيحاً, فلماذا زوّجه النبي صلى الله عليه وسلم أم كلثوم بعد وفاة رقية؟!
5-…وأما زينب رضي الله عنها فقد تزوجها أبو العاص بن الربيع, وهو ابن خالتها, فأمه هالة بنت خويلد أخت خديجة بنت خويلد رضي الله عنها, وقد ادّعى بعض الشيعة أن زينب هي ابنة هالة بنت خويلد, وليست ابنة خديجة, وهذا أمر لا يعقل. أن تكون زينب تزوجت أخاها, إذا صدّقنا ادعاءات الشيعة بأنها ابنة هالة وليست ابنة خديجة وابنة النبي صلى الله عليه وسلم.
6-…ثم يورد المؤلف عدداً من مراجع الشيعة التي أقرت أن زينب ورقية وأم كلثوم بنات خديجة ورسول الله صلى الله عليه وسلم ومنها:
الأنوار النعمانية الجزائري, والكافي للكليني, والمخلاة لبهاء الدين العاملي, ومنتهى الأمال لعباس القمي ومقاتل الطالبين لأبي الفرج الأصفهاني, والخصال لابن بابويه القمي.(8/16)
ومن غريب ما أورده علماء الشيعة الذين أقروا بوجود بنات للنبي صلى الله عليه وسلم غير فاطمة ما قاله شيخهم المفيد في "المسائل السروية" من أن تزويج النبي صلى الله عليه وسلم اثنتين من بناته لعثمان رضي الله عنه هو كقول لوط لقومه (هؤلاء بناتي هن أطهر لكم) أو أن عثمان كان ظاهره آنذاك الإسلام, فليس على النبي حرج إذا تغير عثمان (وارتد) بعد زواجه من بنات النبي صلى الله عليه وسلم, أو أن يكون ذلك خصوصية للنبي صلى الله عليه وسلم في تزويج من ظاهره الإسلام وباطنه النفاق!
وانظر كيف يتهم المفيد عثمان بن عفان رضي الله عنه بالكفر والنفاق والعياذ بالله.
قالوا
* وكم يعود منهم؟
قالوا: "إن ما لا يقل عن 2500 زائر إيراني يدخلون العراق يومياً, بعد التدقيق في جوازات سفرهم, ونسيطر على بوابة الدخول بكل دقة, ويدخل الزائر الإيراني العراق من دون أي فحص طبي أو دفع أي رسوم"
الرائد شاكر محمود محمد
مدير جوازات المنذرية – محافظة ديالي
الحياة 18/3/2004
قلنا: متى يتنبه العراقيون لهذا الخطر البشري الذي يريد "تفريس" بلادهم وإدخال عملاء المخابرات الإيرانية بحجة السياحة وزيارة المقامات.
* حزب الله خير من يعتمد عليه لضبط الحدود
قالوا: ".... أمريكا لا تفهم النظام السوري الباطني, ولكنه يحافظ على السلام في المنطقة ولا أحد يطلق طلقة على الجولان, ولا يسمح إلا بإطلاق النار على مزارع شبعا ولا يسمح لـ "حزب الله" بقصف إسرائيل.
ولكن هل تعرف من هم أكثر الناس الذين يمكن الاعتماد عليهم في لبنان هم "حزب الله".
روبرت بير – عميل الاستخبارات الأمريكية السابق
مجلة الوطن العربي 27/2/2004
قلنا: كان هذا العميل يتحدث من واقع عمله السابق في سوريا ولبنان, وكان يجيب عن سؤال حول رغبة الإدارة الأمريكية معاقبة سوريا وتشديد الوطأة عليها, فقال أن سوريا لا خوف منها, فهي تضبط حزب الله الذي اعتبره أكثر من يضبط الحدود مع إسرائيل ويضمن أمن إسرائيل.(8/17)
* ولماذا سكت الحزب هذه المدة؟
قالوا: "نفى الأمين العام المساعد لحزب الله الشيخ نعيم قاسم أن يكون الأردن قد طلب من حزبه عدم التدخل في الإفراج عن الأسرى الأردنيين لدى إسرائيل. وقال الشيخ قاسم لـ "الدستور" إن مسألة الإفراج خرجت من يد الحزب منذ البداية.
صحيفة الدستور الأردنية
15/3/2004
قلنا: إذا كانت المسألة خرجت من يد الحزب فأين إذاً النصر والبطولة التي حققها في عملية تبادل الأسرى؟!
وقديماً قالوا في المثل "يذوب الثلج ويظهر ما تحته"!
* هل نحن أمام إيران غيت جديدة؟
قالوا: "ذكرت صحيفة هاآرتس نقلاً عن مصادر الشرطة ووزارة الدفاع الإسرائيلية أن الشبهات تحوم حالياً حول اثنين من المواطنين الإسرائيليين بأنهما يهربان أسلحة إلى إيران وذلك للمرة الثالثة خلال العقد الأخير.
وقال التقرير أن هناك شكوكاً في أن إيلي كوهين وأفيهاي فاينستاين يهربان أجزاء من صواريخ هوك وأنظمة رادار مستخدمة في طائرات الفانتوم إلى إيران. ويقال إن هذه الأجزاء تم شراؤها في الولايات المتحدة وكان من المزمع بيعها إلى إيران عبر وسطاء".
الرأي الأردنية 22/3/2004
قلنا: يبدو أن صفقة إيران-غيت جديدة في الطريق قد يكشف عنها لاحقاً.. من يدري!
* وماذا عن مؤامرات خامنئي؟
قالوا: "خلال الصيف حاولت المخابرات الأميركية والإسرائيلية كل ما في وسعها لتشجيع حصول اضطرابات اجتماعية في إيران, لكن هذه المؤامرات فشلت بفضل الوعي لدى شعبنا ومؤسسات بلدنا".
مرشد الثورة الإيرانية
علي خامنئي
وكالة الصحافة الفرنسية 21/3/2004
قلنا: لماذا تصر إيران على إلصاق من يعارض سياستها بأمريكا وإسرائيل. وماذا عن مؤامرات المحافظين تجاه المرشحين غير الإصلاحيين في الانتخابات التشريعية الأخيرة, وماذا عن الاغتيالات والاعتقالات التي تمارس باسم الكهنوت الذي يحكم في إيران.
التطورات الأخيرة تعيد السنة إلى صدارة المشروع السياسي الجديد في العراق
محمود عبد اللطيف( )(8/18)
كانت خريطة النفوذ الطائفي التي وضعتها الولايات المتحدة في مرحلة ما قبل الحرب, قد اعتمدت في خطوطها الرئيسة على دفع الشيعة إلى صدارة الحكم للمرة الأولى في تاريخ العراق الطويل, على أن يؤدي الأكراد دور الظهير المساند في ظل دولة فيدرالية تحافظ للكرد على وضعهم المميز, الذي اكتسبوه منذ عام 1991, بمظلة دولية وحماية أمريكية.
وخلال المفاوضات التي أجرتها واشنطن مع المعارضة العراقية خلال مرحلة الإعداد للحرب, كان واضحاً الاتجاه الأمريكي لتهميش دور السنة, حيث شكل الشيعة والأكراد الغالبية الساحقة لفصائل تلك المعارضة.
فشل المعادلة الشيعية-الكردية ومع الانهيار المفاجئ وغير المفهوم للعاصمة العراقية بغداد في الرابع عشر من أبريل الماضي, جعل أمريكا تفاجئ الأمريكيين بأن كثيراً مما تخيلوه على الورق أو نقله إليهم حلفاؤهم المقربون من أمثال أحمد الجلبي وكنعان مكية لم يكن صحيحاً, فضلاً عن أن الأسباب التي أعلنتها أمريكا لتبرير الحرب سببت لها إحراجاً كبيراً, وزاد الأمر تعقيداً اشتعال المقاومة بأسرع وأشرس مما تخيل الأمريكيون.
عقب عودته من زيارة للعراق استغرقت أسبوعاً كاملاً, عقد بول وولفويتز نائب وزير الدفاع الأمريكي والمخطط الرئيس للحرب, مؤتمراً صحفياً بواشنطن في 23/7 اعترف فيه بمجموعة من "الأخطاء الغبية" التي ارتكبتها الولايات المتحدة في العراق, وأجمل الرجل هذه الأخطاء في الآتي:
*أن بعض الظروف التي تعامل معها الأمريكيون كانت أسوأ بكثير من التقديرات المسبقة, لاسيما ما تعلق منها بالنواحي الأمنية.
*كان في الحسبان أن وحدات عسكرية عراقية سوف تنشق بأعداد ضخمة بمجرد بدء الحرب, لتنضم إلى القوات الأمريكية, لكن ذلك التقدير كان غير صائب.
*أن تقدير موقف الشرطة العراقية لم يكن صحيحاً, حيث تبين أن أوضاعها تحتاج إلى إصلاح ومراجعة شاملين.(8/19)
*أن قيادة القوات الأمريكية قللت من شأن المقاومة العراقية, ومن ثم فإنها لم تعمل ما تستحقه من حساب, وكان ذلك أكثر الأخطاء سوءاً.
*أن العراقيين رفعوا سقف توقعاتهم من الأمريكيين, سواء من جراء الوعود التي تلقوها أم الأماني التي تعلقوا بها, لذلك فإنهم طالبوا الأمريكيين بالمستحيل في ظل أوضاعهم الراهنة. وحين لم تتحقق تطلعاتهم, فإنهم انتقلوا إلى مربع السخط وعدم الرضى.
ولكن أخطاء وولفويتز "الغبية" لم تتوقف عند ذلك, إذ إن الشهور الثمانية التي مضت منذ احتلال بغداد كشفت عن عدم فهم الولايات المتحدة لخلفيات التحالف الكردي-الشيعي معها, ففيما يتعلق بالحليف الشيعي, تعرضت واشنطن لانتكاسات متعددة بعضها نتج من سوء فهم لتعقيدات النسيج الشيعي في العراق, والبعض الآخر تقاسمه سوء الحظ وحسن استغلال الخصوم لأخطاء واشنطن, ويمكن استعراض هذه الانتكاسات في الآتي:
-خسرت الولايات المتحدة حليفها الشيعي الرئيس عبد المجيد الخوئي, نجل أبي القاسم الخوئي المرجعية الشيعية من 1970 إلى 1993, في الأيام الأولى للاحتلال, حيث تم اغتياله داخل ضريح الإمام علي رضي الله عنه, وفقدت واشنطن معه 13 مليون دولار كان الرجل يحملها في طيات ملابسه لشراء الولاءات والأعوان من علماء الدين وزعماء العشائر الشيعية.
-بعد مقتل الخوئي اتجهت واشنطن للاعتماد على وجه آخر أقل موثقية ولكنه أوسع نفوذاً, وهو محمد باقر الحكيم, نجل محسن الحكيم الذي شغل المرجعية منذ 1950 إلى 1970, إلا أنه اغتيل هو الآخر في المكان نفسه, إثر انفجار مروع حصد معه أرواح مئة آخرين.(8/20)
-كانت واشنطن تستهدف من تحالفها مع الشيعة, خلق نموذج لحكم شيعي علماني, كان الجلبي هو واجهته المفضلة لدى البنتاغون, ويشكل نموذجاً مغايراً لنظام الملالي في إيران, على غرار نموذج تايوان بالنسبة للصين, كما أن هذا النظام الجديد كان سيمنح واشنطن قدرة على تصدير هذا النموذج إلى الدول الخليجية المجاورة, والتي تضم طوائف شيعية مؤثرة, لكن هذا النموذج ثبت خطؤه, وعلى حد قول صحيفة الواشنطن بوست فإن إدارة بوش التي رفضت الاستماع لنصائح حلفائها المقربين في أوروبا, فوجئت بنفسها رهينة لفتاوى المرجع الشيعي علي السيستاني, وبالتالي فلا فرق بين نفوذ الملالي في إيران ونفوذ السيستاني في العراق.
-إنه حتى فيما يتعلق بنفوذ السيستاني, فإن الأمر ليس قاطعاً, فشيعة العراق تتقطعهم العديد من القوى والمرجعيات, فالعلمانيون بتياراتهم المختلفة (قومية, ليبرالية, شيوعية) يرون في الحوزة –بشكل عام- عقبة أمام تمتعهم بالنفوذ والقوة اللذين يتمتع بهما نظراؤهم السنة, وداخل الحوزة نفسها يوجد العديد من المرجعيات ذات التوجهات المتناقضة, بل إن هناك من يفرق بين حوزة ناقطة وأخرى صامتة.
-أن حلفاء واشنطن من الشيعة هم من الوافدين معها من الخارج سواء من واشنطن أم من أوروبا أو إيران. وهؤلاء بمن فيهم المجلس الأعلى للثورة الإسلامية, لا يملكون نفوذاً مؤثراً بين شيعة الداخل, ولا سيما زعماء العشائر.(8/21)
*أما فيما يتعلق بالأكراد, فإنهم رغم انقسامهم إلى فصيلين رئيسين (الحزب الديمقراطي الكردستاني, الاتحاد الوطني الكردستاني), وهو ما يسهل التعامل الأمريكي معهم, إلا أن طموحهم في وطن قومي للأكراد في إقليم كرستان طغى على التزاماتهم ضمن مظلة التحالف مع واشنطن, وقد شعر الأمريكيون بطعنة غادرة من موقف طالباني وبرزاني المعارض لنشر قوات تركية في العراق, رغم الحاجة الأمريكية الملحة لتلك القوات, حتى إن الصفقة الخاصة بتلك القوات كلفت الأمريكيين أكثر من عشرة مليارات على شكل قروض وضمانات قروض لأنقرة.
كما أن الإصرار الكردي على إقامة نظام حكم فيدرالي في العراق لا يتوافق مع المخططات الأمريكية في المنطقة, كما أنه يشعل الخطوط الحمراء لدى الحلفاء الأتراك, ويضاف إلى ذلك أن واشنطن اكتشفت ضعف الدور الذي يمكن أن يؤديه الأكراد, أولاً بسبب تمركزهم بشكل شبه حصري في الشمال, فضلاً عن أن محاولاتهم أداء أي دور في مناطق الوسط السنية قوبلت برد فعل عنيف للغاية من مواطني تلك المناطق.
*العودة للحليف السني في الوقت الذي كان تحالف أمريكا من الشيعة والأكراد تتعثر خطاه, كان السنة يبلورون موقفاً موحداً من الوضع الجديد, وقد ظهرت أولى بشائر هذا الموقف في الإعلان عن تشكيل "هيئة علماء العراق" لتكون مناظرة للحوزة العلمية لدى الشيعة, ولتشكل مرجعية موحدة لسنة العراق, كما تكون العديد من الأحزاب والهيئات للدفاع عن مصالح السنة وحقهم في مشاركة عادلة في الحكم, وتحركت تلك الأحزاب لنقل وجهة نظرها لدول الجوار, التي كانت حريصة بدورها على الاطمئنان على عدم فقدان الطابع السني التاريخي للعراق.(8/22)
*ومن ناحية ثالثة, وهي الأهم, فإن السنة شكلوا العمود الفقري للقوى المناوئة للاحتلال, وهو ما وضح من خلال تمركز المقاومة في بعقوبة والفلوجة والموصل وسامراء والأنبار وبغداد وهي مناطق ذات أغلبية سنية, وقد حظيت هذه المقاومة بحماية ومساندة زعماء العشائر في تلك المناطق, كما أن علماء الدين السنة لم يترددوا, كما هو الحال للمرجعيات الشيعية, في إصدار فتاوى الجهاد, بل وانخرط الكثير منهم في عمليات المقاومة.
نقطة تحول
*كيف تحول السنة من عدو لدود إلى حليف محتمل كما تراه واشنطن؟!.. لا توجد إجابة محددة للتساؤل السابق, ولكن أول المؤشرات الأمريكية على الاتجاه لمنح السنة دوراً أكبر في إدارة شؤون العراق, جاءت على لسان مساعد وزير الخارجية الأمريكي ريتشارد أرميتاج, الذي كشف في مقابلة مع التلفزيون المصري في 10/11/2003, "عن رغبة واشنطن في دفع السنة العراقيين المهمشين حالياً, إلى المشاركة مرة أخرى في العملية السياسية والاقتصادية في بلادهم".
واعترف المسؤول الأمريكي بأن القوة العسكرية وحدها لن تنفع في كبح جماح الهجمات مشدداً على "أهمية مشاركة السنة الفاعلة في الحياة السياسية والاقتصادية في العراق الجديد".(8/23)
ومع توالي عمليات المقاومة وارتفاع وتيرتها, والتي وصلت في شهر نوفمبر الماضي وحده إلى 80 قتيلاً أمريكياً إضافة إلى إسقاط عدة مروحيات, كان الحديث عن أي دور للسنة سيفسر على أنه تنازل للمقاومة, وهو ما دفع واشنطن لاستخدام العصا بدلاً من الجزرة, ونقلت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية في الأسبوع الأول من ديسمبر عن مسؤولين أمريكيين أن واشنطن تخطط لنشر ميليشيات مسلحة لمطاردة عناصر المقاومة, وحدد عبد العزيز الحكيم قوام تلك الميليشيات بأنها ستكون من قوى كان لها تجربة في مواجهة النظام السابق ولديها كوادر مؤهلة مثل الميليشيا الكردية "البشمركة" وقوات فيلق بدر الجناح المسلح للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية الذي يرأسه الحكيم.
*وكان من الطبيعي أن تثير تلك الخطوة قلق السنة, الذين أسرعوا للتحذير من عواقبها, عدّ بيان لهيئة علماء العراق تشكيل مثل هذه الميليشيات محاولة لـ "لبننة" العراق, وأنه "أسلوب بائس ورهان خاسر... من فعل المحتلين على قاعدة (فرّق تسد) وهو أمر مرفوض شرعياً".
وحذر البيان من "أن تجاهل فئة كبيرة من المسلمين أو دفعهم جميعاً ليكونوا في الصف المعادي كما يصفه الاحتلال له محاذيره".
ولم يقتصر الأمر عند التلويح بورقة الميليشيات, حيث تصاعدت الاعتداءات التي تعرض لها السنة على أساس طائفي, من عمليات اغتيال وإقصاء من الوظائف واعتداء على المساجد, لدرجة دفعت هيئة العلماء للتحذير من خطورة تلك الأعمال وخطورة استمرارها على الوحدة الوطنية والتعايش الأخوي السلمي بين العراقيين, وأشارت صحيفة الدستور الأردنية في 17/12/2003 إلى "أنه وفق المعلومات الواردة من العراق فإن الطائفيين اغتالوا حتى الآن نحو خمسة آلاف من رموز السنة ووجهائها بتنسيق وتواطؤ وصمت من الاحتلال الأمريكي- البريطاني وعناصر استخبارية يقال إنها تنتمي لإسرائيل وبلد أعجمي مسلم مجاور", وذلك في إشارة إلى إيران.
ماذا بعد أسر المجرم صدام؟(8/24)
في الوقت الذي كان الجدل محتدماً بين مختلف طوائف الشعب العراقي حول تشكيل الميليشيات, جاء أسر الرئيس العراقي صدام حسين ليقلب الأمور رأساً على عقب, وقد سارع رئيس الوزراء البريطاني توني بلير بحاسة سياسية عالية الذكاء للدعوة لاحتواء السنة وأعضاء حزب البعث قبل أن يفيقوا من صدمة أسر صدام, وشدد في مقابلة مع تلفزيون "بي بي سي" في 16/2/2003, على أهمية الدور الذي يمكن أن يؤديه العراقيون السنة والأعضاء السابقون في حزب البعث في حكم بلادهم, مشيراً إلى أنهم لن يهمشوا أو يستبعدوا في إطار النظام الجديد في العراق.
والاتجاه الأمريكي-البريطاني للعب على نغمة احتواء السنة, لا يعود فقط إلى رغبة الطرفين في محاصرة المقاومة التي كبدتهم أكثر من 200 قتيل منذ الأعلان عن انتهاء العمليات الرئيسية في الأول من مايو الماضي, وهو عدد يفوق من سقطوا خلال الحرب نفسها, ولكنه يرتبط أيضاً بعوامل أخرى موضوعية أبرزها:
-أن التوجه نحو السنة يقلل من هواجس الدول المحيطة بالعراق لا سيما تلك التي تضم أقليات شيعية, إذ إن دول الخليج التي تكبدت عشرات المليارات من الدولارات لمساعدة صدام في حربه مع إيران من أجل مواجهة الخطر الإيراني, لن تقبل بسهولة وجود نظام طائفي في العراق الذي يعد الأغنى بشرياً ومادياً وحضارياً بين دول المنطقة.
-التوجه نحو السنة يحفز بعض القوى الإقليمية (مصر, السعودية, سوريا) على تفاعل أكثر إيجابية من وجهة النظر الأمريكية مع النظام الجديد في العراق, إذ أنه يزيل بعض مخاوفها من مخططات واشنطن السرية, والتي تبدأ من تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات (كردية, شيعية, سنية) ولا تنتهي عند سيناريو "الأفغنة" الذي يترك العراقيين نهبا لحرب عصابات وميليشيات منهكة, بينما تحكم أمريكا قبضتها على حقول النفط.(8/25)
-ينقسم النسيج السني في العراق بين مصادر القوة الثلاثة المتمثلة في "الدين والعشيرة والثروة" فعدم وجود فكرة المرجعية الملزمة يجعل نفوذ العشيرة أقوى من نفوذ علماء الدين, بل إن الكثير من علماء الدين هم زعماء عشائر في الوقت نفسه.
-خبرة السنة في العراق في الحكم على مدار التاريخ الحديث يجعلهم الأكثر قدرة على احتواء التحولات التاريخية الخطيرة في المنطقة, كما أن هناك شكوكاً متزايدة الآن في التعداد السكاني السابق الذي ادعى أن الشيعة يشكلون غالبية في العراق, وهناك تحول كبير الآن في تقدير النسب السكانية لصالح السنة.
*وعدّ تقرير آخر نشره موقع "ستراتفور" في 16/12/2003 أنه مع عدم وجود صدام ليشكل تهديداً على الشيوخ السنة فإن لديهم فرصة أكبر للمناورة في التفاوض حول اتفاق مع الولايات المتحدة, مشيراً إلى أن وضع الشيعة أصبح أضعف مع أسر صدام, حيث لم يعودوا يشكلون الأمل الوحيد للانتصار الأمريكي على المقاومة ويمكن لواشنطن الآن أن تعرض على الشيوخ السنة القيام بدور –إن لم يكن السيطرة- على حكومة عراقية جديدة.
*وأشار التقرير إلى أنه يمكن لكل من مصر وسوريا والسعودية, القلقين من حكومة عراقية موالية لإيران تفقد العراق دوره وبعده العربي, أن يلعبوا دوراً مهماً لإقناع زعماء السنة بالتوقف عن دعم المقاومة والتعاون مع الأمريكيين من أجل المشاركة في حكم العراق الجديد.
التقاء مبارك وخاتمي
خطوة جادة لها ما بعدها( )
في الوقت الذي ارتفعت فيه الغشاوة عن أعين كثير من المسلمين السنة ممن انخدعوا بدعوة التقريب بين الشيعة والسنة, طلعت علينا مجلة الأزهر لحث الناس على السير وراء هذه الدعوة المشبوهة.(8/26)