عبد القادر محمود: الفكر الصوفي في السودان مصادره وتياراته وألوانه، القاهرة 1969، ص 41 محمد عوض محمد: السودان الشمالي سكانه وقبائله، القاهرة 1951 م، ص 159
(7) بجانب هذين الطريقين أو المدخلين هناك طريق ثالث دخلت منه الثقافة الإسلامية إلي السودان أيضاً ولكنه متأخر نوعاً ما هو الطريق الشمالي الغربي والذي ظهر عقب ارتداد المسلمين بعد طردهم من الأندلس في القرن الخامس عشر الميلادي.
(8) عبد الرحمن حسب الله الحاج: المرجع السابق ص 13، محمد عوض محمد: المرجع السابق ص 209.
(9) محمد فؤاد شكري: الحكم المصري في السودان، القاهرة 1947 م، ص 77
(10) انظر ملحق الخرائط خريطة مملكة تقلى، ص 661.
(11) Read, Some Notes on the Trides of the white Nile Province, S.N.R.,
1930, P. 149.
(12) أنظر ملحق الخرائط، الخريطة التي تبين القبائل وأهم المدن في الدولة المهدية، ص662
(13) حسن أحمد محمود: الإسلام والثقافة العربية في أفريقية، طبعة ثانية، القاهرة 1963، ج 1، ص 310.
(14) محمد عوض محمد: نفس المرجع السابق، ص 143.
(15) يوسف فضل حسن: مقدمة في تاريخ الممالك الإسلامية في السودان الشرقي (1450-1821) طبعة ثالثة، الخرطوم 1989، ص 1، 2
كذلك نعوم شقير: المصدر السابق ج 1 ص 60، محمد عوض محمد: نفس المرجع، ص 159.
(16) جزائر دهلك تقع تجاه الجنوب الشرقي من سودان وادي النيل وهي مجموعة أهمها
(دهل وحرات وكباري ودركة ونوره ونقره وعرات) . أنظر: إبراهيم علي طرخان: الإسلام والممالك الإسلامية الحبشية – المحلة التاريخية المصرية مجلد 8 سنة 1959 م (ص1 إلي ص68) ص 30.
(17) يقال أنه جمع العديد من قادة المعتزلة وأهل العدل والتوحيد ونفاهم إلي هناك.
انظر محمد عمارة: تيارات الفكر الإسلامي طبعة أولي، القاهرة 1983 م، ص110.
(18) انظر ملحق الخرائط خريطة قبائل البجة الرئيسية ومواطنها في السودان الشرقي.(9/55)
(19) Holt, The Mahdist State in the Sudan, Oxford 1958, P.8.
(20) يطلق عليهم في المراجع الأجنبية الأمراء.
(21) انظر جريدة القاهرة العدد 1032 الصادر في 4 يونيو 1889.
(22) G.E.R. Sanders, The Bisharin, Sudan Notes & Records (S.N.R.) , Part
II, vol.XVI, 1933.
(23) انظر ملحق خريطة الإمبراطورية المهدية، ص 664.
(24) حسب الله محمد أحمد: قصة الحضارة في السودان (الفترة التاريخية من 3400 ق. م إلي سنة 1900م) بيروت سنة 1966 ص 216.
(25) محمد صالح ضرار: تاريخ السودان – البحر الأحمر اطعنا البجه، بيروت ستة 1965م، ص108.
(26) كان السلطان العثماني بعد ضم الحجاز وتلقيبه (حامي الحرمين الشريفين) قد منح أهل الحرمين عدة امتيازات منها عدم تجنيدهم، وعدم تحصيل أي رسوم أو عوائد أو ضرائب سواء من الأهالي الحضريين أو أهل البادية، وجعل مرتبات سنوية للأشراف وزعماء العشائر 00 الخ) .
انظر. محمد صالح ضرار، المرجع السابق، ص 115 وما بعدها.
(27) محمد عوض محمد، المرجع السابق ص 156.
(28) أنظر ملحق الخرائط خريطة توزيع القبائل في سلطته دارفور شرقي السودان، ص
(29) المزيد من التفاصيل عن الممالك المسيحية في السودان قبل إعلان السيطرة الإسلامية، أنظر: مصطفي مسعد: امتداد الإسلام والعروبة إلي وادي النيل الأوسط، المجلة التاريخية المصرية، مجلد 8 سنة 1959م، ص 69 إلي ص 99.
حسن أحمد محمود: المرجع السابق ص 304 ص 328.
(30) مصطفي مسعد، المرجع السابق ص 71، حسن أحمد محمود، المرجع السابق ج1 ص310.
(31) للمزيد من التفاصيل انظر: حسن إبراهيم حسن: انتشار الإسلام والعروبة فيما يلي، الصحراء القضاة شرق القاهرة الأفريقية وغربها – جامعة الدول العربية، للقاهرة سنة 1957، (ص 80 إلي ص 90) وأيضاً حسن أحمد محمود، المرجع السابق، ص 300 – 333) ، حسب الله محمد أحمد: المرجع السابق (175 – 185) .(9/56)
(32) حسن إبراهيم حسن: المرجع السابق ص 96، يوسف فضل حسن: المرجع السابق ص 46.
(33) جلال يحي: مصر الأفريقية والأطماع الاستعمارية في القرن التاسع عشر، القاهرة 1967 م، ص 41.
(34) الشاطر بصيلي: معالم تاريخ سودان وادي النيل القاهرة 1955 م، ص 302
(35) بوركهارت: رحلات إلى النوبة والسودان،ترجمة فؤاد أندراوس، القاهرة 1959م، ص 117
(36) البوشناق من اطعنا البوسنة بيوغوسلافيا
(37) انظر:حسن أحمد محمود، المرجع السابق، ص 321، محمد سليمان: المرجع السابق ص 16.
(38) لمزيد من التفاصيل انظر: حسن إبراهيم حسن: المرجع السابق (ص 100 – 104)
(39) لازال أصل الفونج وموطنهم الأصلي يشكل تحدياً كبيراً للباحثين في تاريخ السودان الحديث، فيرجعون موطنهم وأصلهم العربي إلي واحدة من ثلاث مناطق: بلاد الحبشة، وبلاد البرنو، ومنطقة الشلك علي النيل الأبيض، أنظر في ذلك يوسف فضل حسن. المرجع السابق، الفصل الثالث " أصل الفونج وموطنهم من (ص 39 إلي ص 59) .كذلك انظر ملحق الخرائط خريطة سلطنة الفونج والممالك والمشيخات التي كانت تابعة لها ص 666.
(40) كان المسلمون في السودان قد استطاعوا تأسيس سلطنة إسلامية في غرب السودان حملت أسم " سلطنة دارفور، وقد تأسست علي يد سليمان سولون الأول (1440 – 1476) م. انظر نعوم شقير المرجع السابق، ج 2 ص 113 وما بعدها.
(41) انظر ملحق الوثائق مخطوطة الفونج للشيخ إبراهيم عبد الدافع التي تم كتابتها عام 1884م، ص 656.
(42) للمزيد من التفاصيل عن الشيخ " غلام الدين " ورواد الثقافة الإسلامي، أنظر د. يحي محمد إبراهيم: تاريخ التعليم الديني في السودان. طبعة أولي بيروت سنة 1987 ص 33.
(43) للمزيد من التفاصيل عن أولاد عون انظر: مصطفي مسعد، المرجع السابق ص 93 وما بعدها.
(44) محمد عوض محمد: المرجع السابق ص 18(9/57)
(45) الخلوة أكثر الكلمات التي تطلق في السودان علي معاهد التعليم. ولهذه الكلمة تاريخ قديم يرتبط بمعناها اللغوي. فهي في اللغة تفيد الانفراد والوحدة وقد أطلق الصوفية (الخلوة) علي محادثة السر مع الحق وعلي المكان الذي تحصل فيه المناجاة والمحادثة، وهي بهذا المعني الشائع بين طبقات الصوفية معروفة في السودان، فللرجل الصالح خلوة ينفرد فيها بنفسه لتبداته ومناجاة ربه، وإطلاقها هنا علي معاهد التعليم أنفرد بها السودان وحده. وكانت (الخلوة) في السودان تقوم مقام (الزاوية) في مصر أو المغرب ويعلل البعض أحجام السودانيين علي إطلاق لفظ الزاوية علي مكان التعبد والتعليم إلي أنه لما ظهر السودان الإسلامي في أوائل القرن السادس عشر كانت الزوايا قد ساءت سمعتها وأصبح أهلها ممن يشترون الدنيا بالدين، فأبى السوداني المتقشف البدوي المحافظ أن يطلق هذا اللفظ علي مكان تعبده وانقطاعه لله ولتعليم العباد وأثر استعمال كلمة خلوة لما تدل عليه من العزلة والانصراف عن شئون الدنيا ولذاتها. أنظر: عبد العزيز عبد المجيد: التربية السودانية. القاهرة 1947 ج1 ص 98 – 100، كذلك أنظر ملحق الوثائق اهتمام الحكام بإنشاء الزوايا والخلوات ص
(46) محمد ضيف الله محمد الجعلي الفضلي. الطبقات في خصوص الأولياء والصالحين والعلماء في السودان، القاهرة 1930 ص 142
(47) Trimingham , Islam in the Sudan, London 1949, pp. 195 – 96.(9/58)
(48) في صيف 1814 م وصل الرحالة السويسري بوركارت إلي الدامر وأعجبته نظافة البلدة التي كان يسودها جو من الصلاح والتقوى، فالسيادة فيها كانت لرجال الدين وينتمون جميعاً لأسرة سماها خطأ (المجد ولين) وصحتها (المجذوبين) نسبة إلي حمد بن المجذوب، ولهذه الجماعة فضل كبير في نشر التعاليم الإسلامي في السودان (أنظر Burckhardt, J., Travels in Nubia, London 1819, P.265. وقد فر حفيده محمد المجذوب (1796-1832) إلي مكة أمام الفتح المصري وعاد إلي سواكن 1830 ونشر تعاليمه في شرقي السودان وأصبح له نفوذ كبير لدي الجعليين والبجه علي السواء وسوف يجد عثمان دقنة قائد المهدية في شرق السودان تأييداً كبيراً من شيخ الطريقة في سواكن الطاهر الطيب المجذوب 1822 – 1890.
(49) صحيح البخاري: الجزء الرابع ص 135
(50) Trimingham, op. Cit,, pp. 132 -135
(51) أصل (الملامتيه) قوم تعودوا فعل ما يجلب عليهم من الخلق السخط والازدراء ويرسل ألسنتهم بالذم والتأنيب، أوهم قوم قاموا مع الحق تعالي علي حفظ أوقاتهم ومراعاة أسرارهم فلاموا أنفسهم علي جميع ما أظهروا من أنواع التقرب، وأظهروا للخلق قبائح ما هم فيه وكتموا محاسنهم.
وقيل أنهم سموا كذلك لأنهم لا يظهرون ما ببواطنها علي ظواهرهم، ويعمدون إلي التستر والاستغناء وراء مظاهر تستدعي أن ينعي الناس عليهم ويفضوا من شأنهم ولكنهم لا يعنيهم من ذلك شي " بل الذي يعنيهم هو الاجتهاد في تحقيق كمال الإخلاص ووضع الأمور في مواضعها، والاكتفاء بما بينهم وبين الله من حبب وتودد وما بينهم وبين أنفسهم من موافقة إرادتهم وعلمهم لإرادة الله وعلمه بحيث لا ينفون الأسباب ولا يثبتونها إلا في محل يقتضي نقبها أو ثبوتها. أنظر محمد مصطفي حلمي: الحياة الروحية في الإسلام – القاهرة 1945، ص 177.
(52) طبقات ود. ضيف الله مرجع سابق ص 142
(53) Trimingham, op. Cit., p. 138.(9/59)
(54) Wingate, R., Mahdiism and the Egyptian Sudan, London, 1899, PP.
229-33; Holt, op. Cit., p.123
(55) شقير: المرجع السابق ج 3 ص 613 – 614
(56) السنوسية طريقة تخلو من التعقيد وتؤكد الكتاب والسنة والتوحيد وهي جماعة تعليم للدين أكثر منها أي شئ آخر لذلك ابتعدت عن المدن ودخلت الفيافي واتصلت بالبدو وشيدت الزوايا وهي بمثابة مراكز دينية يتبعها أمن وانتظام في المعاملة وزراعة واستغلال لموارد الطبيعة، وقد أحرزت السنوسية نجاحاً كبيراً في الصحراء وفي دفع الأوربيين.
أنظر محمد فؤاد شكري: السنوسية دين ودولة، القاهرة 1948، ص 150، أيضاً:
Evans. Pritchard, The Sanusi of Cyrenaica, Oxford, 1949, P. 235.
(57) Trimingham, op. Cit,. P.200; Holt, op. Cit., p. 20
(58) Wingate, op. Cit,. P. 48.
(59) المقصود هنا العلماء الذين قاموا علي دراسة الدين والشريعة الإسلامية دراسة علمية في معاهد العلم. ويطلق لفظ (فقيه) علي الشخص المثقف أو الحجة في مادته. وقد حرف اللفظ في السودان إلي (فقي) دون أن يتناول معني واحداً. وجمع (فقي) ليس
(فقهاء) كما نتوقع أنما (فقراء) يقال: " فلان ودر كل ماله علي الفقراء أي اضاع ماله علي الفقهاء. كما تطلق كلمة (فقي) في السودان أيضاً علي معلم الكتاب أو الخلوة، وتطلق أيضاً علي الرجل إذا كان شديد الورع والتقوى أو علي الشخص الذي يعالج المرضي أنظر:
Triminghnm, op. Cit. , pp. 140-41
(60) انظر ملحق الخرائط مملكة الفونج، ص 667.
(61) المزيد من التفاصيل عن أثر بعض البلدان الإسلامية على الحركة العلمية الثقافية فى عهد الفونج: انظر:
عبد المجيد عابدين:المرجع السابق ص 56، 57
حسن إبراهيم حسن:المرجع السابق، ص 152، 154
يحي محمد إبراهيم:المرجع السابق، ص 42، 44
(62) انظر ملحق الخرائط خريطة الطرق التجارية، ص 668.(9/60)
(63) إحدى قرى المديرية الشمالية بالسودان (ديار الشافعية)
(64) يحي محمد إبراهيم:المرجع السابق ص 46
(65) عز الدين الأمين: قرية كترانج وأثرها العلمي فى السودان (مجلة الدراسات السودانية، مجلد 2، عدد أول مارس سنة 1970م (من ص 48 إلى ص 70)
(66) ولمزيد من التفاصيل عن الطبقات انظر: مقدمة التحقيق، وأيضاً: الذيل والتكملة: رجز إبراهيم عبد الرافع، شرح الشيخ أحمد السلاوي، تحقيق وتقديم محمد إبراهيم أبو سليم، ويوسف فضل حسن. الخرطوم فبراير سنة 1981من ص 1 إلى ص 14 وأيضاً تقييم نماذج بعض المصادر والمراجع فى نهاية البحث.
(67) هو محمد تاج الدين البهاري البغدادي: أحد خلفاء الشيخ عبد القادر الجيلاتي،حج إلى بيت الله الحرام وأثناء تواجده هناك، دعاه أحد التجار السودانيين لزيارة السودان فقدم من هناك وأقام بمنطقة الجزيرة حوالي سبع سنوات وهناك خلاف بين الباحثين فى تاريخ قدومه.
(68) Trininghan J.S: Op.Cit.P218
(69) الطبقات: نفس المرجع، ص 44، 45، الذيل والتكملة ص 52
(70) هو الشيخ عجيب بن الشيخ عبد الله جماع أحد مؤسسي دولة سنار، ويقال أن هذا الشيخ قد جلس على كرسى الحكم لمدة طويلة (970-1019هـ /1563 1610م) وكان مؤلفاً بالثقافة الإسلامية لذلك بني المساجد ودور العلم وأنشأ أروقة للسودانيين بالأزهر والحرمين وعمل خفير على طريق الحج والتجار مما ذلل من وعورته، محمد سليمان: المرجع السابق، ص 20
(71) يحي محمد إبراهيم، المرجع السابق، ص 44
(72) شقير: تاريخ السودان القديم والحديث وجغرافيته. القاهرة 1903، ج 1 ص 48- 49، محمد عوض محمد:السودان الشمالي القاهرة 1951ص 266 270 وأيضاً:
Mac Michael.H.,A History of the Arabs in the Sudan,Cambridge 1922,pp.52 ff
(73) الطبقات تحقيق يوسف فضل ص 88، الذيل والتكملة ص21
(74) نفس المرجع ص 29
(75) انظر ملحق الوثائق، ص 650.(9/61)
(76) الطبقات: نفس المرجع ص 187-188.
(77) نفس المرجع ص 259
(78) المرجع السابق ص 299
(79) نفس المرجع ص 299
(80) الطبقات: نفس المرجع ص 291
(81) انظر ملحق الوثائق وثيقة عن القمصان الحجازية لم تصلح للتعليم ص 651.
(82) الطبقات: نفس المرجع ص 259.
(83) هناك العديد من الدراسات التي تتحدث عن الاستجابة السريعة لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب فى الجناح الأفريقي منها ما يلي:-
· عبد الرحيم عبد الرحمن عبد الرحيم:تأثر الإصلاح الديني والاجتماعي فى مصر بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية فى النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي،الدارة، العدد الثاني،السنة السابعة سنة 1981
· عبد الفتاح مقلد الغنميي: أثر دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب فى غرب أفريقيا، الدارة، العدد الثالث السنة الخامسة سنة 1980من ص88 ص 103.
(84) لمعرفة ما قام به الأشراف والعثمانيون من حرب ضد لدعوة أنظر: عبد الرحيم
عبد الرحمن عبد الرحيم:المرجع السابق، ص 35 وما بعدها.
(85) أقصد بها المناطق الممتدة على سواحل البحر الأحمر من الحجاز شمالاً حتى شمال اليمن جنوباً مروراً بمناطق بيشة ورنيه والدواسر جنوب الحجاز، ومناطق المخلاف السليماني (أبو عريش، ضمد، صبياً) وقبائل جنوب المخلاف ومناطق شمال اليمن: لمعرفة سيطرة الدعوة على تلك المناطق أنظر: محمد أحمد العقيلي:تاريخ المخلاف السليماني، راجعه وأشرف على طبعه حمد الجاسر، ج 1،طبعة ثانية سنة 1984، ص 482، 484. أنظر محلق الوثائق منشور الخليفة عبد الله إلى كافة قريش ص
(86) عبد الرحيم عبد الرحمن عبد الرحيم، المرجع السابق ص 148 - 172، ولمع الشهاب المرجع السابق ص 134، 135.
(87) الدولة العثمانية جعلت كل الموانئ على البحر الأحمر سواء الشرقية أو الغربية تحت سلطة حاكم الحجاز التركي
(88) Holt, Op.Cit.,P.100
(89) Slatin,R.,Fire and Sword in The Sudan ,London 1896,P.138(9/62)
(90) محمد إبراهيم أبو سليم: مفهوم الخلافة وولاية العهد فى المهدية، الخرطوم، ص 2
(91) نفس المرجع السابق ص 7
(92) الزرقاء باللغة الدارجة السودانية معناها السوداء.
(93) دفتر رسائل النجومي ورقة 28، شقير ج 3 ص 171، أنظر أيضاً
Holt,Op.Cit.,P.104,Wingate,Op.Cit.,P.71
(94) كان لقب (مقدوم) يطلق على حكام الأقاليم تتاخم سلطنة دارفور قبل الحكم المصري كما أن لفظ (مقدم) يطلق على من يلي (الخليفة) تتاخم المرتبة تتاخم الطرق الصوفية تتاخم شمالي أفريقيا أنظر: Holt,Op.Cit.,P.105-106
(95) شقير: نفس المرجع ج 3 ص 357.
(96) Holt, Op.Cit. ,p.108
(97) دفتر رسائل النجومي: ورقة رقم 14
(98) دفتر رسائل النجومي: ورقة رقم 10
(99) دفتر رسائل النجومي: ورقة رقم 11
(100) فيصل الحاج محمد موسى:النظام المالي فى المهدية،رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة القاهرة سنة 1976م، ص 125
(101) أحمد ود جبارة: من أوائل العلماء الذين تلقوا تعليمهم تتاخم الأزهر الشريف وأتبعوا الدعوة المهدية وأنضم إلى المهدي تتاخم آبا، وهاجر معه إلى قدير، فعينه المهدي قاضياً للإسلام لشدة ورعه وتقواه واستشهد تتاخم واقعة الأبيض الأولي تتاخم 8 سبتمبر سنة 1882م. ومن أشهر من تولوا هذا المنصب هو الشيخ الحسيني زاهر.
(102) شقير، المرجع السابق، ج 3، ص 669
(103) نفس المرجع، ج 3، ص 48
(104) لمزيد من التفاصيل عن صلاحيات قضاة المهدية، انظر: إبراهيم الجاك " النظام القضائي فى الدولة المهدية فى السودان، وأثره على الحياة الأجتماعية، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة القاهرة، سنة 1975م ص 96 وما بعدها.
(105) لمزيد من التفاصيل عن مصادر وأحكام المهدية، انظر:إبراهيم الجاك: نفس المرجع، ص 55، 57
(106) لمزيد من التفاصيل عن عقوبات الجرائم والحدود، انظر: إبراهيم الجاك، نفس المرجع،
ص 147 وما بعدها.
المصادر والمراجع(9/63)
أولاً: المخطوطات:
مخطوط الفنج للشيخ إبراهيم عبد الدافع مفتي الخرطوم في ذلك الوقت حيث كتب هذا المخطوط عام 1884م وهو موجود بدار الوثائق القومية بالقلعة.
ثانيا: الوثائق الرسمية للدولة المهدية بإدارة الوثائق القومية السودانية بالخرطوم.
مهدية 3/1/3 دفتر صادر 3
مهدية 3/7/14 دفتر صادر 14
معية تركي رقم 106 دفتر رقم 9
دفتر رسائل عبد الرحمن النجومي. المهدية قسم 1 صندوق 1
ثالثاً: المراجع العربية:-
1- الشاطر بصيلي عبد الجليل: معالم تاريخ سودان وادي النيل، القاهرة 1955م.
2- جلال يحي: مصر الأفريقية والأطماع الاستعمارية في القرن التاسع عشر، القاهرة 1967م.
3- جون لويس بوركهارت: رحلات إلي النوبة والسودان، ترجمة فؤاد أندراوس، القاهرة 1959م.
4- حسب الله محمد أحمد: قصة الحضارة في السودان، بيروت 1966م
5- حسن إبراهيم حسن: انتشار الإسلام والعروبة فيما يلي الصحراء الكبرى شرق القاهرة الأفريقية وغربها، القاهرة 1957م
6- حسن أحمد محمود: الإسلام والثقافة العربية في أفريقيا، طبعة ثانية، القاهرة 1963م.
7- عبد العزيز حسين الصاوي ومحمد علي جادين: الثورة المهدية مشروع رؤية جديدة، الخرطوم.
8- عبد العزيز عبد المجيد: التربة السودانية، القاهرة 1947م.
9- عبد القادر محمود: الفكر الصوفي في السودان مصادرة وتياراته وألوانه، القاهرة 1969م.
10- عبد المجيد عابدين: تاريخ الثقافة العربية في السودان منذ نشأتها إلي مصر الحديث، القاهرة 1967م.
11- محمد إبراهيم أبو سليم: مفهوم الخلافة وولاية العهد في المهدية، الخرطوم.
12-
محمد أحمد العقيلي: تاريخ المخلاف السليماني، أشرف علي طبعة حمد الجاسر، الجزء الأول، طبعة ثانية 1984م.
13- محمد صالح ضرار: تاريخ السودان – البحر الأحمر إقليم البجة، بيروت 1965م(9/64)
14- محمد ضيف الله بن محمد الجعلي الفضلي: الطبقات في خصوص الأولياء والصالحين والعلماء في السودان، القاهرة 1930م
15- محمد عمارة: تيارات الفكر الإسلامي، طبعة أولي، القاهرة 1983م.
16- محمد عوض محمد: السودان الشمالي سكانه وقبائله، القاهرة 1951 م.
17- محمد فؤاد شكري: الحكم المصري في السودان، القاهرة 1947م.
18- محمد فؤاد شكري: السنوسية دين ودولة، القاهرة 1948م.
19- محمد محمد أمين: العلاقات العربية الأفريقية، معهد البحوث والدراسات العربية، القاهرة 1978 م.
20- محمد مصطفي حلمي: الحياة الروحية في الإسلام، القاهرة 1945م.
21- نعوم شقير: تاريخ السودان الحديث وجغرافية، طبقة أولى، القاهرة 1903م.
22- يحي محمد إبراهيم: تاريخ التعليم الديني في السودان، طبعة أولي بيروت 1987م.
23- يوسف أبو قرون: قبائل السودان الكبرى، الخرطوم، 1969م.
24- يوسف فضل حسن: مقدمة في تاريخ الممالك الإسلامية في السودان الشرقي "1450-1821" طبعة ثالثة، الخرطوم 1989 م.
رابعاً: الدوريات:
1- إبراهيم الجاك: النظام القضائي في الدولة المهدية في السودان، وأثره علي الحياة الاجتماعية رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة القاهرة سنة 1975م.
2- إبراهيم علي طرخان: الإسلام والممالك الإسلامية الحبشية، المجلة التاريخية المصرية المجلد الثامن سنة 1959م.
3- جريدة القاهرة العدد 1032 الصادر في يونيو 1889 م.
4-
عبد الرحمن حسب الله الحاج: العلاقات بين بلاد العرب، وشرق السودان منذ ظهور الإسلام حتى ظهور الفونج رسالة ماجستير غير منشورة بجامعة القاهرة سنة 1980م.
5- عبد الرحيم عبد الرحمن عبد الرحيم: تأثر الإصلاح الديني والاجتماعي في مصر بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي، الدارة، العدد الثاني، السنة السابعة، سنة 1981م.(9/65)
6- عبد الفتاح مقلد الغنيمي، أثر دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في غرب أفريقيا، الدارة، العدد الثالث، السنة الخامسة، سنة 1980م.
7- عز الدين الأمين: قرية كترانج وأثرها العلمي في السودان، مجلة الدراسات السودانية، المجلد الثاني، عدد أول مارس سنة 1970 م.
8- فيصل الحاج محمد موسى: النظام المالي في المهدية، رسالة ماجستير غير منشورة بجامعة القاهرة سنة 1976م.
9- مصطفي مسعد: امتداد الإسلام والعروبة إلي وادي النيل الأوسط، المجلة التاريخية المصرية المجلد الثامن سنة 1959م.
خامساً: المراجع الأجنبية:
1. Burckhardt, J., Travls in Nubia, London 1819.
2. Evans, Pritchard., The Sanusi of Cyrenaica, Oxford 1949.
3. Holt.:P.M., The Mahdist state in the Sudan, Oxford 1958.
4. Macmichael, H., A history of the Arabs in the Sudan, Cambridge, 1922.
5. Slatin, R., Fire and sword in the Sudan, London, 1896.
6. Trimingham, J,S., Islam in the Sudan, London 1949.
7. Wingate, R., Mahdiism and the Egyptian Sudan, London, 1899.
8. Sanders, G,E,R., The Bisharin, Sudan Notes & Records
“S.N.R.” Part II vol XVI, 1933.
الملاحق
أ - ملحق الوثائق
اهتمام الحكام بإنشاء الزوايا والخلوات وتمويل بنائها حرصاً منهم على أن يقوموا بواجبهم الأساسي.
دفتر رقم 220عابدين
ترجمة المكاتبة التركية رقم 340 بتاريخ 11 ذي القعدة سنة 1252هـ
من الجناب العالي بالفشن
إلى علي أغا مأمور دنقلة
114
19(9/66)
لقد أطلعنا على خطابكم المؤرخ فى 8 رمضان سنة1252 هـ الذي أشرتم فيه إلى أن يسن أغا (هكذا) رئيس متطوعي الدليل باشي الحاج إسماعيل أغا المقيم بدنقلة قد أنشأ جامعاً ومدرسة بدار الشايقية كما أنشأ مزرعة عبارة عن فدان وساقية للإنفاق من أثمان محصولها على الجامع والمدرسة حيث طلبتم إصدار إرادتنا بإقامة الشعائر الدينية فى الجامع وإعفاء المزرعة من التكاليف الأميرية ونحن نود أن نعرف ما إذا كان الأغا المذكور قد أقام الجامع والمدرسة حقاً وصرف على إقامتها من ماله الخاص أم أنه يريد بحجة أن يعجل له من هذه المزرعة إيراداً حسناً إذا ما أعفيت من التكاليف الأميرية فعليكم بموافاتنا بالحقيقة حاشية. إذا كان الأغا المذكور قد قام بنفقات بناء الجامع والمدرسة والمزرعة حقاً فما هو المبلغ الذي أنفقه فى هذا السبيل وكيف كان ذلك.
محفظة نمرة 19 وثيقة نمرة 114 سودان بدون تاريخ
الختم أمير المؤمنين وسلالة الأكرمين محمد الحسين المهدي أبن السلطان محمد الفضل أبن السلطان عبد الرحمن الرشيد أبن السلطان أحمد بكر أبن السلطان موسى أبن السلطان سليمان.(9/67)
من الواثق برب الثقلين المتمسك بسنه سيد الكونين أمير المؤمنين وخلافة الأكرمين مولانا السلطان محمد الحسين الملقب بالمهدي المنصور بالله تعالي أمين: إلى الرشيد الأعظم والمشير الأفخم والي مصر حالاً أمام الله عزه أمين أما بعد فإنه قد حضر لدينا الشيخ محمد على فراغي صهراً السيد محمد عثمان المرغني المذكور من خلفاء طريقة (الختمية) النقشبندية القاطنة بمكة المشرفة والآن مقيم بمديرية دنقلة بأحكام لكم وله بها بيت وعيال ويتردد فى كل زمان إلى الحرمين الشريفين ويرجع إلى أهله وهو من أهل الخير والصلاح وقدم إلى طرفنا على سبيل السياحة والزيارة ودوامنا مخاطبته فانتشرت حقه لسعادتكم لكي تحرروا له جانب معاش لمن خزينة دنقلا يستعين بها على نفقه العيال والغلمان وذكر لأجل خاطرنا وكرماً للحرمين الشريفين وحرمه للوين كما هو شأنكم ورجاء للدعوات الصالحات منه فى أوقات الذكر والإجابات وله أيضاً من سابق واحد ساقيه ورقمها باقيمه تحت يده فالمرجو منكم تحديد تلك القايمة وتحديد أرض تلك الساقية على أملها لأجل راحته بارك الله فيكم ودمتم سالمين.
دفتر رقم 9 معية تركي
ترجمة المكاتبة التركية رقم 106
بتاريخ 28 محرم سنة 1237هـ
من: إرادة سنية
إلى: محمد بك(9/68)
قد علمت مآل خطابكم الوارد المتضمن أنكم سترسلون ما يلزم للنقورات التي عين حاكم دنقلة مأموراً لإنشائها وأن القمصان الحجازية ذوات الأكمام الضيقة التي صنعت بمعرفة الكتخدا سليمان لم تصلح للتعليم وأنه لذلك قرر أن تكون على طراز أخر وأنكم جلبتم من أسيوط ألفي ثوب من القماش لتكون جاهزة فقطعتموها بمقدار ما ينتج منها ونظمتموها وقيدتم لنا عينه مسلمة إلى صالح هو أحد الأغواث علمائنا وأنكم لم تسمحوا لأي تقصير فى إنشاء الثكنات الجاري إنشاؤها وبما أن العينة المذكورة وأن كانت بقيت بمصر ولم يمكن رؤيتها إلا أن من الظاهر والواضح أن ما كان مناسباً ومستحسنا عندكم هو مناسب ومستحسن أيضاً عندنا.
فطولبنا أن تعملوا على خياطة تلك القمصان بذلك الطراز وتحضروها وتجهزوها وترسلوا منها إلى دنقلة ما سيرسل إليها وتهتموا بإتمام الثكنات تتاخم أقرب وقت اهتماماً تاماً.
(دار الوثائق القومية السودانية بالخرطوم، مهدية 3/1/3 دفتر صادر 3 منشور الخليفة عبد الله إلى كافة قريش فى 17 القعدة سنة 1305هـ)
تحرر من خليفة المهدي عليه السلام إلى كافة قريش صورته بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد له الوالي الكريم إلخ وبعد فمن العبد الواثق بربه خليفة المهدي عليه السلام الخليفة عبد الله بن محمد خليفة الصديق:-(9/69)
بعد أن نهدي لكم جزيل السلام ورحمة الله وبركاته الفخام فلا يخفى عليكم أن الله تعالي قد جعل الأمة المحمدية خير أمة أخرجت للناس ونوه بفضلها وعظيم قدرها فى غير ما أية فى كتابه العزيز بما لا إخفاء فيه ولا لباس ومعلوم أنه لا مزيد لأحد عند الله إلا بامتثال أوامره واجتناب منا كره والتماس رضاه طبق ما فى قوله تعالي " وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا " الآية، ولا شك أن ذلك لا يتحقق إلا بإقامة الأحكام الإسلامية وسلوك نهج السنة المحمدية وقد أظهر المهدي المنتظر عليه السلام خليفة خير الأنام لإحياء تلك السنة بعد الممات وجمع شملها بعد الشتات وأيده بالكرامات والخوراق العجيبة والأدلة الباهرة فأقام الدين وقصم ظهور الكافرين وأحياء الفروض والسنن وأمات البدع والمحن ونشر العدل بين الأنام ورفع منار الإسلام وسعد قوم سلكوا بإجابة دعوته وإتباع سكته طريق الإصابة وشقي آخرون أعرضوا عن ذلك جحدوا للحق فأذاقهم الله عذابه وأنكم ممن أكرمهم الله بحضور هذا الزمن الذي تنور بإحياء السنن وقد بلغتكم دعوة المهدية وقيام أنصارها بإحياء السنة المحمدية ولعلكم أن المهدي المنتظر عليه السلام هو أمام الحق الذي طال ما ترقب ظهوره السابقون وتمنى إدراكه الأولياء العارفون 000 فكيف يليق بكم وأنتم بضعة سلف طاهرين وبقية أخبار بذلوا أرواحهم فى نصرة الدين أن تتكاسلوا عن المبادرة لإجابة دعوة المهدية، بل المناسب لحالكم حيث أنكم بتلك البقاع الطاهرة والأماكن التي لا يليق بها إلا لنشر أحكام الإسلام وأتباع سكة خير الأنام أن تبادروا الإجابة لتلك الدعوة الدينية 000 وحيث أن المهدي عليه السلام قد شيد أمر الدين وبين معالمه للسالكين ثم أنتقل لدار الإكرام وصار بإشارته النبوية العبد لله قايماً من بعده بأمر الإسلام فأعلموا أني داعيكم كافة إلى الله بمقتضى خلافتي عن مهدي الله فيحق عليكم أن تبادروا دعوتي بالتلبية أو بلوغها إليكم(9/70)
وتتدرجوا فى سلك طاعة المهدية " فإن المبادرة إلى إجابة داعي المهدي وواجبة على كل الورى 000 فبادروا حكم الله للأمر بالامتثال.
[إدارة الوثائق القومية السوداني بالخرطوم مهدية 3/7/14 دفتر صادر 14 وثيقة ص 45]
" خطاب إلي الحسن سعد العبادي صورته بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الولي الكريم إلخ. وبعد فم عبد ربه خليفة المهدي عليه السلام الخليفة عبد الله بن محمد خليفة الصديق إلي المكرم حسن سعد العبادي كان الله له أمين بعد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فنعرفك أن جوابك تاريخ شهر رمضان الذاكر فيه لسوف عرضكم لنا بطلب الألفين مجاهد أو ألف وخمسمائة من عماله بربر وما أوضحته من كيفية الفكرة والعصاة والمنافقين وترغبوا استعجال إرسال الجيوش الذي صدر به الأوامر إلخ 00 ما هو موضحاً بجوابك وجوابك المؤرخ بتاريخه بالشهادة في حق بطران حمد نضراي وقيامه بكامل جهده معكم ومساعدته لكم وتعريفك لنا بحضوره لطرفنا للمقابلة والمبايعة وتجديد العهد علي يدنا وترغب عودته إليكم سريعاً إلخ. ما تدون لهذا وهذا صار معلوماً لدينا والحال أما في خصوص الحبيب فقد كان سبق التحرير لعثمان ألد كيم بإرساله لكم وقد كان 000 وكافة الأخبار التي تبلغكم من جهة الحجاز والأرياف فأرياف فارفعوها إلينا وبطران حمد نضراي ما هو متوجهاً لكم وفقكم الله وتولاكم هذا والسلام ".
4 القعدة سنة 1305هـ
The Arab Kingdoms and Mashiakhiat in to Sudan
During the 16th century (A comparative study of their political
And Economic organizations and their cultures) .
These kingdoms and Mashiakhiat had a leading role in the Nile valley in the Sudan during the 16th century.
They had a cultural role which was as important as their political one.(9/71)
This was a result of their penetration within the Sudanese society with its customs that were inherited along its history.
They could also develop these. Costumes in away that got it in cores pendence with Islam instructions.
This study contains an introduction and five chapters. The introduction dealt with the up rise of the Arab Kingdoms and Maskiakhiat in the Nile valley in the Sudan tracing the human roots and the geographical Factors surrounding them.
Chapter one dealt with the “ Fong “ and their role in the Islamic struggle (jihad) the history of their kingdom, their income, then comparative study about the cultural role. They contributed.
Chapter Two introduced the political systems in these organizations, kingdoms and Mashiakhiat and their outer and inner relations. It also had a comparative study on these regimes and relations which clarified the policy kingdoms and Maskiakhiat had taken on burden.
Chapter three is dedicated for the economic activities, and the comparative study showed the range of economic development of these kingdoms and that some of them had in a high degree in the industrial development.
As for chapter four it introduced the cultural activities and comparative study introduced cultural cities that were in great prosperity at that time, and the Sufia groups and chair role in the Sudanese society.
Chapter Five dealt with the social status in these kingdoms and through the comparative study the research has reached much of the customs that prevailed in the Nile valley society and had great effects on society.(9/72)
Last the study ended with a conclusion appendixes and research References
ب - ملحق الخرائط
---(9/73)
العلاقات العسكرية الإسرائيلية – التركية
د. هشام فوزي عبد العزيز
أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر المساعد
كلية المعلمين في حائل
ملخص البحث
تهدف الدراسة إلى معالجة طبيعة العلاقات العسكرية الإسرائيلية - التركية بين عامي 1993-1998م / 1413-1418هـ وأهدافها من وراء ذلك، ومجالات تلك العلاقات التي تمثلت في قيام إسرائيل بتحديث القوات العسكرية التركية وتزويدها بمختلف أنواع الأسلحة، وإقامة مشاريع مشتركة للصناعات العسكرية المختلفة، وإجراء مناورات عسكرية مشتركة، إضافة إلى التعاون الأمني والاستخباري بينهما. كما تطرقت الدراسة إلى أخطار تلك العلاقات على الأمن القومي العربي والإسلامي.
وتوصلت الدراسة إلى أن العلاقات العسكرية الإسرائيلية - التركية، هي علاقات تحالفيه واستراتيجية أثرت وتؤثر سلباً على الأمن القومي العربي والإسلامي.
أولا- بداية العلاقات العسكرية الإسرائيلية التركية وتطورها:
كانت العلاقات التركية مع إسرائيل والغرب في فترة أواخر الأربعينيات والخمسينيات الميلادية، قوية، ومما يدلل على ذلك أنها اعترفت بإسرائيل في آذار عام 1949م – 1369هـ، وفي العام التالي عينت ممثلاً لها في تل أبيب، وفي عام 1952م – 1372هـ تم تبادل السفراء بينهما (1) . وفي تلك الفترة وما بعدها أخذت تركيا توطد علاقاتها مع الغرب إذ انضمت في العام الأخير إلى حلف شمال الأطلسي N.A.T الأمر الذي أدى إلى زيادة التواجد العسكري الغربي في أراضيها كما أنها انضمت في عام 1955م – 1375هـ إلى حلف بغداد إلى جانب بريطانيا وإيران وباكستان والعراق، وقد أكد ذلك توجهاتها الغربية، ورغبتها في السيطرة على المنطقة ومحاولتها تطويق المد العربي فيها (2) .(9/74)
وفي مجال العلاقات العسكرية قامت إسرائيل وتركيا وإيران بتنسيق جهودهم الأمنية والاستخبارية للتصدي " للخطرالشيوعي والبعثي " الذي ظهر آنذاك في كل من العراق وسوريا. وقد استمرت تلك العلاقة إلى فترة الستينيات الميلادية (3) . وفي فترة السبعينيات الميلادية أخذت إسرائيل تزود تركيا بالأسلحة (4) . واستخدم البعض منها كالمدافع والصواريخ والرشاشات عندما استولى الأتراك على الجزء الشمالي من قبرص عام 1974م –1394هـ. وفي تلك الفترة عينت تركيا مستشاراً عسكرياً لها في إسرائيل بهدف توطيد علاقتهما العسكرية (5) .
لقد اعتمدت العلاقات بين إسرائيل وتركيا في فترة الثمانينيات الميلادية على موقف الجهاز السياسي والعسكري التركي من إسرائيل، إذ شهدت الفترة بين عامي 1980- 1984م / 1400-1404هـ فتوراً في العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية بينهما، وكان ينظر إلى إسرائيل على أنها تشكل خطراً على تركيا. لكن تلك النظرة قد تغيرت بعد عام 1985م- 1405هـ واصبح ينظر إليها إيجابيا، وتعزز ذلك بانسحاب القوات الإسرائيلية من لبنان في ذلك العام، عندها أعيدت العلاقات العسكرية بين الطرفين حيث شكلت لجان مشتركة بينهما، وذلك لبحث ومناقشة القضايا العسكرية والأمنية بينهما (6) . وفي عام 1989م - 1409هـ وقعت اتفاقية عسكرية محدودة بين سلاحي الجو التركي والإسرائيلي، بهدف التعاون في مجال التدريب وتبادل المعلومات العسكرية (7) .(9/75)
وشهدت الفترة ما بين عامي 1990م- 1992م / 1410-1412هـ، ظهور تغييرات سياسية واقتصادية وعسكرية، إقليمية في الشرق الأوسط، واسيا وعالمية تمثلت في عملية السلام بين إسرائيل وبعض الدول العربية مثل الأردن وسورية وفلسطين، وتفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991م – 1411هـ، وانتهاء حرب الخليج الثانية 1991م-1411هـ، وتقلص العلاقات الاقتصادية بين تركيا والبلدان العربية، وظهور مشكلات سياسية داخلية وخارجية في تركيا، أدت إلى تطوير علاقاتها السياسية والاقتصادية والعسكرية مع إسرائيل دون معوقات تذكر من الجانب العربي والإسلامي (8) .(9/76)
وتميزت الفترة بين عامي 1991م - 1411هـ وبداية 1996م – 1416هـ بأنها مرحلة لبناء العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية بين تركيا وإسرائيل ففي المجال الأول، رفع مستوى التمثيل السياسي بين البلدين إلى مستوى السفراء عام 1991 م –1411هـ، كما قام وزير السياحة التركي السابق عبد القادر أتش Abdul kadir Ates بزيارة إلى إسرائيل عدت الأولى من نوعها، وتمخض عنها توقيع معاهدة في حزيران 1992م-ذو الحجة، 1412هـ لتسهيل الزيارات السياحية بينهما (9) . كما قام حكمت جتين Hikmet Cetin، بأول زيارة لوزير خارجية تركي إلى إسرائيل في 12 تشرين الثاني 1993م –28جمادى الأول 1414هـ نتج عنها التوقيع على مذكرة للتفاهم والتعاون المشترك ما بين تركيا وإسرائيل، وتم فيها التأكيد على التعاون الاقتصادي والعلمي وتبادل الزيارات، والتعاون الإقليمي، وتنسيق الجهود المشتركة مع الولايات المتحدة الأمريكية (10) وفي المقابل قام عزرا وايزمن Ezra Weizman، رئيس دولة إسرائيل بزيارة إلى تركيا في25 كانون الثاني 1994م- 13شعبان1414هـ، ولمدة ثلاثة أيام، تناولت المباحثات التي اجراها مع الأتراك سبل تطوير شتى العلاقات بين البلدين (11) وللتأكيد على مستوى العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية بين البلدين، قامت تانسو جللر Tansu Ciller رئيس الوزراء التركية بزيارة إلى إسرائيل في 31آذار1994م-19شوال1414هـ، تم فيها التوقيع على العديد من الاتفاقيات السياسية والاقتصادية والأمنية (12) .(9/77)
وفي مجال العلاقات العسكرية، فقد سمحت تركيا لإسرائيل في عام 1990م- 1410هـ بإنشاء محطات للتجسس الأمني والاستخباري على الدول المجاورة وبخاصة العراق وسوريا وإيران (13) .وفي أثناء أزمة الخليج عام 1991م –1411هـ سمحت تركيا للطائرات الإسرائيلية باستخدام مطاراتها العسكرية لأغراض التجسس على العراق (14) . وضمن إطار الزيارات العسكرية، فقد زار قائد سلاح الجو الإسرائيلي هرتزل بودينغر Herzel Bodenger، تركيا في شهر آب 1993م – ربيع الأول 1414هـ، والتقى فيها وزير الدفاع، ورئيس هيئة الأركان، وقائد سلاح الجو الأتراك. وتم فيها البحث في سبل تطوير العلاقات العسكرية بين البلدين (15) . وأعقبها زيارة قام بها دافيد عفري David Evri، المدير العام لوزارة الدفاع الإسرائيلية، إلى أنقرة أواخر ذلك العام، على رأس وفد من كبار قادة الجيش الإسرائيلي. وقد اجتمع الوفد الإسرائيلي مع نظيره التركي، وكان محور المحادثات إقامة روابط عسكرية على أساس المصالح الاستراتيجية المشتركة (16) . ورغبة في توطيد العلاقات العسكرية والأمنية بين تركيا وإسرائيل، قام المفتش العام للشرطة الإسرائيلية اساف حيفتسIsaf Hevetz بزيارة تركيا في شهر تشرين الأول 1994م - جمادى الأولى 1415هـ، واجتمع مع رئيس خدمات الأمن التركي محمد آجار. وتناولت المباحثات التعاون في مجال " مكافحة الإرهاب " (17) . وفي 18أيلول1995م -23ربيع الثاني 1416هـ، اجتمع دافيد عفري مع قادة الجيش التركي في أنقرة، وبحث موضوع المشاريع الأمنية المشتركة، وتطورات الوضع في الشرق الأوسط (18) .(9/78)
وأثمرت الجهود الإسرائيلية – التركية خلال الفترة ما بين عامي1990-1995م /1410-1415هـ عن تطورات جذرية في العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية بين البلدين خلال الفترة اللاحقة التي تمتد ما بين عامي 1996-1998م / 1416-1418هـ إذ شهدت انطلاقة جديدة في حجم ونوع العلاقات العسكرية بينهما، فتجسد ذلك في عقد الاتفاقيات العسكرية والأمنية، وقيام إسرائيل بتحديث مختلف أسلحة الجيش التركي، إضافة إلى تزويده بشتى أنواع الأسلحة، وإجراء المناورات الجوية والبحرية المشتركة، فضلاً على التنسيق العسكري والاستراتيجي، وتبادل الزيارات العسكرية على مختلف المستويات والأصعدة (19) . ففي مجال عقد الاتفاقيات العسكرية بين إسرائيل وتركيا، أثمرت جهودهما عن التوقيع على اتفاقية التعاون العسكري والأمني في 24 شباط 1996م – 5 شوال 1416هـ. وتضمنت تبادل زيارات العسكريين والأسلحة والمعدات العسكرية في البلدين، وإجراء التدريبات الجوية والبحرية، بالتنسيق والتعاون المشترك مع الولايات المتحدة الأمريكية. إضافة إلى التعاون الأمني والاستخباري و " مكافحة الإرهاب ". وقد تم الإعلان عن بعض تلك البنود رسمياً مثل إجراء التدريبات المشتركة المحدودة، وسرب البعض الآخر منها في الصحف التركية والإسرائيلية. وثمة بنود أخرى، تتعلق بطبيعة العلاقات العسكرية ومجالاتها وأهدافها، بقيت سرية ولم يعلن عنها (20) .
وقد دأب المسؤولون الأتراك على التقليل من أهمية تلك الاتفاقية، وكذلك على التأكيد على أنها لا تشكل تحالفاً بين إسرائيل وتركيا، وليست موجهة ضد طرف ثالث هو الطرف العربي والإسلامي، وأنها تماثل اتفاقيات التدريب والتعاون العسكري التي وقعتها تركيا مع العديد من الدول. وهذا التفسير لا يعول عليه لأسباب وعوامل عديدة من أهمها (21) :(9/79)
1- أن الاتفاقية تسمح للطائرات الإسرائيلية بالتحليق في أجواء تركيا، وهذا الأمر غير مسموح به في الاتفاقيات التي وقعتها تركيا مع الدول الأخرى.
2- لم تعلن بنود الاتفاقية جلها رسمياً، حتى أنه لم يعلن عنها شيئاً إلا في نيسان 1996م -ذو القعدة 1416هـ، أي بعد أكثر من شهرين من إبرامها، حيث سربت بعض بنودها في الصحف التركية والإسرائيلية، وهناك بنود بقيت سرية.
3- هناك أطراف عربية وإسلامية مستهدفة في الاتفاقية العسكرية الإسرائيلية – التركية، وبخاصة سوريا، التي تعد من وجهة نظرهما " داعمة للإرهاب " وتسعى لإيجاد توازن استراتيجي معهما، إضافة إلى خلافاتهما العميقة حول الحدود والمياه، معها.
4- أثبتت مجالات التعاون العسكري الإسرائيلي – التركي، والتي تميزت بالشمول والتنوع، كما سيشار إلى ذلك بالتفصيل فيما بعد، بأن التصريحات المشتركة لهما بشأن تعاونهما العسكري غير صحيحة ومتناقضة، هدفها التضليل عن أهمية وخطورة ذلك التعاون.
ومن المؤشرات الهامة على تطور العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية، وبخاصة في المجال الأخير، الزيارات المتبادلة بين الطرفين. ففي أعقاب التوقيع على الاتفاقية العسكرية والأمنية في شباط 1996م- شوال 1416هـ قام الرئيس التركي سليمان دميرل Suleman Demirel، بأول زيارة لرئيس دولة تركي، إلى إسرائيل، وبصحبته وفد يضم 200 عضو، وذلك في 11 آذار1996 م –21 شوال1416هـ. وقد ناقش الوفد التركي مع الجانب الإسرائيلي مجالات التعاون بين البلدين، وبخاصة التعاون العسكري بينهما (22) . كما قامت تركيا بزيادة عدد الملحقين العسكريين الأتراك في سفارتها في إسرائيل من واحد إلى ثلاثة (23) .(9/80)
واستمرت العلاقات العسكرية الإسرائيلية – التركية بالتطور حتى في ظل ازدياد النفوذ الإسلامي في تركيا: اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، وبخاصة بعد تسلم نجم الدين اربكان Necmettin Erbakan، رئاسة الحكومة في الفترة من حزيران 1996م - محرم 1417هـ إلى حزيران 1997م – محرم 1418هـ وكان اربكان زعيم حزب الرفاه من المعادين لإسرائيل والغرب، ومن دعاة التقارب مع العالم الإسلامي، لكن التيارات السياسية العلمانية
بعامة، وقيادة الجيش بخاصة، قد مارست عليه شتى أنواع الضغوط السياسية والإعلامية والعسكرية، مع العلم بأن العلاقات الخارجية مع إسرائيل كانت تدار من قبل جنرالات الجيش التركي، مما أجبر اربكان على تغيير مواقفه من إسرائيل، وأخذ يبرر التعاون العسكري بين الدولتين بأنه في مصلحة تركيا (24) . ومن الأمثلة التي توضح دور الجيش في العلاقات مع إسرائيل أن إسماعيل حقي كردائي Ismael Kardai قام بزيارة إسرائيل في شهر شباط 1997م –رمضان، 1417هـ، وبرفقته 13 صحفياً، دون إبلاغ اربكان بها، وبرر ذلك بأنه ليست هناك حاجة للحصول على موافقته (25) . ومن الأمثلة التي تبين تغير موقف اربكان من إسرائيل انه اجبر على استقبال دافيد ليفي David Lavy وزير الخارجية الإسرائيلية في أنقرة خلال شهر شباط 1997م – رمضان 1417هـ وقابلة دون أن يتحدث معه عن العلاقات العسكرية بين البلدين (26) .(9/81)
لقد اعتبرت المؤسسة العسكرية، النشاطات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يقوم بها أنصار التيار الإسلامي تهديداً للعلمانية في تركيا لذلك برروا سياستهم إزاء نجم الدين اربكان بانها وفق الدستور الذي منحهم دورا سياسياً فهذا سيفيل باير Cevik Bir، نائب رئيس هيئة الاركان والمتحدث باسم الجيش التركي يقول عن ذلك الأمر " بأننا نتصرف وفق الدستور التركي بشكل صارم حيث يشير البند الثاني أننا دولة علمانية، ويشير البند الرابع أن هذا النص لا يمكن تغييره، ولقد أعطانا البرلمان مسؤولية حماية الأراضي التركية وحماية الجمهورية التركية. في الولايات المتحدة وبريطانية ليست من مهمة الجيش الدفاع عن النظام السياسي، أما في تركيا فان هذه المهمة معطاة لنا من قبل القانون ". ولذلك فأن قادة الجيش قد أرغموا اربكان على الاستقالة من منصبه في 18حزيران 1997م –12صفر 1418هـ (27) . وتجدر الإشارة إلى أن العلاقات العسكرية التركية مع إسرائيل قد منحت قادة الجيش التركي قوة دفع، ووسائل مناسبة للتصدي لمختلف النشاطات الإسلامية في تركيا، كما وفرت لهم المعلومات المناسبة عن الارتباطات الخارجية لتلك النشاطات (28) .(9/82)
واستمرت وتيرة العلاقات العسكرية الإسرائيلية – التركية بالتطور والتوسع في شتى المجالات أعقاب استقالة أربكان وحتى نهاية عام 1998م -1418هـ. فعلى صعيد الزيارات العسكرية بين البلدين قام طرخان طيان Turhan Tayan وزير الدفاع التركي بزيارة إسرائيل تعتبر الأولى من نوعها وذلك في الفترة 3/4/1997م – 26/11/1417هـ - 2/5/1997م - 25/12/1417هـ أجتمع خلالها مع الرئيس الإسرائيلي عزرا وايزمن ورئيس الحكومة الإسرائيلي آنذاك بنيامين نتنياهو Benjamin Netanyah ونظيره وزير الدفاع الإسرائيلي اسحاق مردخاي Yitzhaq Mordachai تناولت المباحثات بين الطرفين شؤون التعاون العسكري بينهما (29) . وأعقبها زيارة قام بها نائب رئيس هيئة الأركان التركي سيفيل باير إلى إسرائيل يرافقه وفد يضم 24 عسكرياً اجتمعوا مع نظرائهم الإسرائيليين قادة الجيش الإسرائيلي، إضافة إلى رئيس الوزراء نتنياهو الذي أكد على العلاقات العسكرية المتميزة بين البلدين (30) . وفي المقابل قام وزير الدفاع الإسرائيلي اسحاق مردخاي بزيارة تركيا في 9/12/1997م -9/8/1418هـ أجتمع خلالها مع رئيس الحكومة التركية مسعود يلماز Mesut Yilmaz ومع قادة الجيش التركي وتناولت المباحثات توطيد العلاقات العسكرية بين البلدين، وترافق ذلك مع قيام المدير العام لوزارة الدفاع الإسرائيلية ايلان بيران Elan Biran بالتباحث مع قادة الجيش التركي حول موضوعات التعاون العسكري والأمني بينهما (31) .
وضمن الإطار السابق، زار وزير الدفاع التركي تونشر كيللينش Tonchar kiLLinch إسرائيل في 21 كانون الأول1997م – 21 شعبان 1418هـ بهدف تعميق العلاقات العسكرية الإسرائيلية- التركية. كما قام دافيد عفري بزيارة تركيا على رأس وفد يضم أعضاء من قسم التخطيط، إضافة إلى قادة من سلاح الجو الإسرائيلي (32) .(9/83)
وبهدف توطيد العلاقات العسكرية الإسرائيلية – التركية قام المرشح لرئاسة هيئة الأركان الإسرائيلية شاؤل موفاز ShaoL Movaz بزيارة تركيا في 17/6/1998م -22/2/1419هـ فاجتمع مع كبار جنرالات الجيش. وفي 1 كانون الأول 1998م –12 شعبان1419هـ زار قائد سلاح الجو التركي الجزال ابلريين بتلتيش، إسرائيل وحل ضيفا على قائد سلاحها الجوي ايتان بن الياهو Eitan Ben Eliaho كما التقى مع اسحاق مردخاي إضافة إلى قيامه بزيارة قواعد سلاح الجو والصناعات العسكرية الجوية (33) .
ويتضح مما سبق عمق العلاقات العسكرية الإسرائيلية – التركية ومن مؤشرات ذلك مستوى التنسيق والزيارات ذات الأغراض والأهداف والمستويات المختلفة، وإن غلب عليها زيارات الشخصيات السياسية والعسكرية رفيعة المستوى كما أنها اتسمت بالتطور وبالتكرار. يضاف إلى ذلك أن البلدين وقعا العديد من الاتفاقيات العسكرية والأمنية التي من شأنها أن تؤكد عمق تلك العلاقة بينهما.
ثانياً – أهداف ومبررات العلاقات العسكرية الإسرائيلية – التركية:
لم تبرز العلاقات العسكرية الإسرائيلية – التركية فجأة ودون وجود أهداف ومبررات لها، بل كانت نتيجة للأوضاع السياسية والاقتصادية والعسكرية لكل من تركيا وإسرائيل، وعلاقاتهما مع دول جوارهما، إضافة إلى أنها جاءت تمشياً مع السياسة الخارجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط وأواسط أسيا. وعليه فإن ثمة أهداف ومبررات تسعى تلك الدول لتحقيقها، يمكن إجمالها على الشكل الآتي:
أ – الأهداف والمبررات التركية
رأت المؤسسات العلمانية في تركيا بعامة، والمؤسسة العسكرية بخاصة، أن تعاونها العسكري مع إسرائيل قد يحقق لها الأهداف الداخلية والخارجية الآتية:(9/84)
1- ممارسة الضغوط على النشاطات الإسلامية المختلفة في تركيا، والاستفادة من الخبرات الإسرائيلية في هذا المجال، وبخاصة بعد تسلم نجم الدين اربكان رئاسة الوزراء في تركيا. إذ رأت المؤسسات العلمانية في النشاطات الإسلامية تهديداً لتوجهاتها العلمانية وخطراً على علاقاتها مع إسرائيل والغرب، لذلك ارتأت أن تعاونها العسكري مع إسرائيل يمنحها قوة لممارسة الضغوطات على تلك النشاطات، إضافة إلى أنه يمكن الاستفادة من الخبرات الإسرائيلية في مقاومة الحركات الإسلامية الأصولية (34) .
2- التصدي لنشاطات حزب العمال الكردستاني Kurdish Worker,s Party.
عانت تركيا سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وبشرياً من العمليات العسكرية التي شنها حزب العمال الكردستاني على المؤسسات التركية المختلفة خلال الفترة ما بين عامي 1984-1995 م /1404هـ 1415هـ والتي ترتب عليها خسارة أكثر من 20 ألف ضحية، وتدمير أكثر 2.000 قرية، ونفقات سنوية تقدر ما بين6-8 مليار دولار أمريكي لذلك كان من جملة أهدافها الرئيسة من وراء التعاون العسكري مع إسرائيل، الإستفادة من خبراتها، الفنية والأمنية والعسكرية والمعلوماتية لتحد من نشاطات ذلك الحزب (35) .
3- ممارسة الضغوطات على الدول المجاورة لها:
عانت تركيا من مشاكل عديدة ومعقدة مع دول جوارها وبخاصة، سوريا والعراق وإيران واليونان وروسيا، جعلها في وضع صعب، وتمر في ظروف مقلقة. ويعبر حكمت جتين، وزير خارجية تركيا السابق عن ذلك الوضع بقوله: " بسبب العوامل الجيو – جغرافية والجيو – استراتيجية، وموقع تركيا المجاور لدول معظمها غير مستقر، وغير متوقع الاحتمالات، يجعلها (تركيا) في مواجهة العديد من التحديات، وهي في معظمها محتملة الأزمات والصراعات التي يمكن أن تصلها ... فلها مشاعر القلق مع أربعة دول مجاورة لها هي اليونان وإيران وروسيا وسوريا" (36) .(9/85)
وتعود أسباب الخلافات ما بين تركيا وسوريا إلى عوامل عديدة منها الاختلاف حول الحدود واستيلاء تركيا على لواء الاسكندرونه السوري عام 1939م – 1358هـ، والاختلاف حول قضية توزيع مياه الفرات، والادعاء التركي القائل بأن سوريا تدعم حزب العمال الكردستاني عسكرياً ولوجستياً، إضافة إلى المخاوف التركية من التعاون العسكري السوري مع اليونان، وبخاصة في أعقاب التوقيع على اتفاقية عسكرية بينهما1995 م -1415هـ (37) . أما خلافاتها مع إيران، فتتمثل في إدعاء تركيا بأن الأخيرة تدعم النشاطات الإسلامية في تركيا، وتوفر الدعم لحزب العمال الكردستاني. أما مع العراق فهناك خلافات حول توزيع مياه دجلة، والادعاء بأنه يدعم حزب العمال. فيما تجسد الخلاف مع روسيا حول المرور في المضائق، والتنافس على الجمهوريات الإسلامية في أسيا الوسطى. وفيما يتعلق بخلافات تركيا مع اليونان فتتمثل في الخلاف حول بحر ايجه، وقضية قبرص، والادعاء التركي بدعم اليونان لحزب العمال الكردستاني (38) .
ونظراً لتعدد مشكلات تركيا مع دول جوارها وتعقدها، فقد رأت أن تعاونها العسكري مع إسرائيل سيجعل منها قوة قادرة على مجابهة أي دولة في حالة حدوث نزاع عسكري معها، إضافة إلى اتخاذ تلك العلاقة ورقة ضغط على تلك الدول لوقف ما تسميه تركيا ب " دعم الأكراد " وعدم مطالبتها بحقوقها بشأن الأراضي والمياه، كما هو الحال بالنسبة لسوريا (39) .
4- تحديث وتطوير جيشها:(9/86)
ترى تركيا بأنها تستطيع التغلب على مشاكلها الداخلية والخارجية من خلال تطوير وتحديث جيشها ليصبح قادراً على مواجهة تلك المشاكل بفاعلية. علماً بأن تعداد الجيش التركي أوائل التسعينيات نحو نصف مليون جندي نظامي ونحو 400 ألف احتياطي،ويضم 4300 دبابة، و450 طائرة. وهذا يعد جيشاً كبيراً من ناحية العدد وفقاً للمفاهيم العسكرية، وبخاصة إذا ما قورن بالجيوش الموجودة في منطقة الشرق الأوسط (40) . ولكن تلك الأسلحة أغلبها من الأنواع القديمة وتحتاج إلى تطوير، يضاف إلى ذلك هناك ضعف في القدرات العسكرية التركية ضد أسلحة الدمار الشامل، وضعف في نظام الاتصالات ووسائل النقل الضرورية (41) .
لقد وضعت تركيا خططها العسكرية لتطوير جيشها وتحديثه ليصبح قادراً على أن يكون في طليعة الجيوش في منطقة الشرق وحتى على المستوى العالمي، وعليه فإن أهم ما جاء في تلك الخطط المستقبلية، إنفاق نحو 150 مليار دولار أمريكي لتحديث الجيش التركي خلال 25 عاماً، ينفق من بينها 65مليار دولار لتطوير سلاحها الجوي، و 60 مليار للقوات البرية، و 25 مليار للقوات البحرية (42) .(9/87)
وكان بإمكان الولايات المتحدة الأمريكية أن تقوم بتطوير وتحديث الجيش التركي لأن 80 % من أسلحته مصدرها منها (43) . وقد واجهت تركيا صعوبات في الحصول على الأسلحة الأمريكية المتطورة نظرا لاعتراضات جماعات حقوق الإنسان الأمريكية على تزويدها بالأسلحة وذلك لانتهاكها حقوق الإنسان فيها، إضافة إلى اعتراض جماعات الضغط والمجموعات المعارضة لتركيا وبخاصة اليونانية التي عارضت بشدة تزويد تركيا بالأسلحة المتطورة (44) . ولم تكن إدارة الرئيس الأمريكي بيل كلنتون BiLL Clenton راغبة في خوض صراع مع تلك المجموعات بل لجأت إلى إسرائيل، من الباب الخلفي لها، والتي تمتلك تكنولوجيا عسكرية متقدمة وبديلة عن الأسلحة والتكنولوجيا الأمريكية لتقوم بهذه المهمة من خلال تشجيعها لقيام تحالف إسرائيلي – تركي، وبذلك فان تلك المجموعات لا تستطيع الاعتراض على قيام إسرائيل بتحديث وتطوير الجيش التركي وتزويده بالأسلحة المتطورة، لاعتبارات عديدة أهمها أنها دولة حليفة للولايات المتحدة، والنفوذ اليهودي فيها كبيراً. ويضاف إلى ذلك أن الأسلحة الإسرائيلية اقل كلفة من الأسلحة الأمريكية، وإسرائيل لا تربط عملية بيع أسلحتها بقضايا حقوق الإنسان. وبذلك فان الولايات المتحدة استطاعت الخروج من الوضع السابق من خلال تشجيع التحالف العسكري الإسرائيلي – التركي،الذي يلبي للأخيرة الحصول على أسلحة متطورة، ويلبي المصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط في الوقت نفسه (45) .
5- تدعيم دورها الإقليمي:(9/88)
رأت تركيا أن مساهمة إسرائيل في تحديث قواتها العسكرية سيجعلها مؤهلة لان تساهم بفاعلية في المجال الإقليمي، أي في منطقة الشرق الأوسط واسيا الوسطى، هذا في ظل قوة اقتصادية تتمتع بها، وموقع استراتيجي مهم. ومن شأن ذلك أن يتيح لها القيام بدور إقليمي بارز في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية، بالتنسيق والتعاون مع إسرائيل والولايات المتحدة، وذلك بهدف مواجهة " الإرهاب " الذي يتمثل من وجهة نظرهم " بالإسلام الأصولي " ممثلاً ببعض المنظمات الإسلامية المتطرفه في تركيا، ومنظمة حماس الفلسطينية وحزب الله اللبناني، وحزب العمال الكردستاني. كما تسعى تلك الدول من وراء تعاونها الإقليمي نشر الاستقرار والأمن، وحفظ التوازن الإستراتيجي، ومنع انتشار الأسلحة غير التقليدية لدى الدول الأخرى غير تركيا وإسرائيل، وبالذات الدول الإسلامية (46) .
6- توطيد علاقاتها السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية مع إسرائيل:
إن من شأن توطيد تركيا لعلاقاتها العسكرية مع إسرائيل إن توطد، أيضا، العلاقات في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية. وبالتالي فان إسرائيل ستقدم لتركيا خبراتها في تلك المجالات، إضافة إلى أنها ستدعم الدخول التركي إلى المؤسسات الاقتصادية العالمية، كالسوق الأوربية المشتركة، ثم أن بإمكان مراكز الضغط اليهودية في الولايات المتحدة أن تدعم المطالب العسكرية والاقتصادية التركية في الإدارة الأمريكية (47) . ومن الأمثلة على ذلك، أن المؤسسة العسكرية التركية طلبت من دافيد ليفي وزير الخارجية الإسرائيلي، في أثناء زيارته لانقرة عام 1997م-1417هـ، أن تستخدم إسرائيل نفوذها لدى واشنطن من أجل الإفراج عن الأسلحة التركية المحتجزة (48) .
7- استعادة أهميتها ومكانتها في السياسة الأمريكية:-(9/89)
تمتعت تركيا قبيل فترة التسعينيات الميلادية بأهمية ومكانة مرموقة في السياسة الأمريكية في المنطقة لكونها خط الدفاع الأول أمام الخطر الشيوعي، ولكنه في أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991م - 1411هـ وانتهاء الحرب الباردة شعرت النخبة العسكرية التركية أن تلك الأهمية قد قلت لذلك فإنها قد رأت أن تطوير علاقاتها السياسية والعسكرية والاقتصادية مع إسرائيل سوف يعيد لها تلك الأهمية (49) .
ب- الأهداف والمبررات الإسرائيلية:
سعت إسرائيل إلى تحقيق عدة أهداف من وراء تعاونها العسكري مع تركيا منها:
1- فتح أسواق جديدة للمنتجات العسكرية الإسرائيلية في تركيا.
سعت إسرائيل إلى توطيد علاقاتها العسكرية مع تركيا بهدف فتح أسواق جديدة لمنتوجاتها العسكرية والتي من شأنها أن توفر لها دخلاً ماليا مهماً في ظل توقعات بحصولها على معظم الصفقات العسكرية التركية لتحديث جيشها. وبالتالي فان بيع الأسلحة والتكنولوجيا الإسرائيلية إلى تركيا سيؤدي إلى إنعاش الاقتصاد الإسرائيلي الذي يعتمد في بعض جوانبه الرئيسة على تلك الصادرات، إضافة إلى أن هناك توقعات إسرائيلية بقيام الولايات المتحدة الأمريكية بتخفيضها للدعم المالي المقدم لإسرائيل. وعليه فتركيا ستكون عاملاً إيجابيا للاقتصاد الإسرائيلي (50) . ويتضح ذلك جلياً من خلال التصريح الذي أدلى به اسحاق مردخاي، وزير الدفاع الإسرائيلي في أثناء زيارته لتركيا عام 1996م – 1416هـ عن تلك الصفقات العسكرية " من منظورنا فنحن نتطلع إلى منجم ذهب محتمل " (51) .
2 –الضغط على سوريا وايران:(9/90)
رأت إسرائيل في سوريا، كما هو الحال بالنسبة لتركيا، عدوتها الرئيسة، لذلك سعت من خلال تعاونها العسكري مع تركيا إلى الضغط عليها عسكرياً ووضعها بين فكي الكماشة الإسرائيلية والتركية، وبخاصة بعد أن وزعت سوريا قواتها العسكرية على تلك الجبهتين لأنهما تشكلان خطراً عليها، ولم يعد بمقدورها أن تشكل خطراً عسكرياً على إسرائيل، أو أن تفكر على أقل تقدير بإسترجاع الجولان في ظل هذه الأوضاع (52) . لقد استطاعت إسرائيل أن تمارس ضغوطاً عسكرية على سوريا، من خلال وجودها العسكري المكثف في الأراضي التركية، الأمر الذي أتاح لها جمع المعلومات الاستخبارية عن المنشآت العسكرية والاقتصادية الحساسة في سوريا، بحيث غدا أمنها القومي معرضاً للخطر من جراء ذلك، إذ أن تلك المعلومات ستستغل مستقبلاً من قبل إسرائيل نفسها أو تركيا، في حالة نشوب حرب مع سوريا (53) .
وسعت إسرائيل من وراء ضغطها على سوريا، بمباركة أمريكية، إلى إجبارها على الدخول في مفاوضات السلام العربية – الإسرائيلية وفقا للشروط الإسرائيلية والأمريكية للتسوية السلمية، بهدف التنازل عن بعض مطالبها بشأن الجولان ووقف دعمها لحزب الله اللبناني، الذي أقض مضاجع إسرائيل (54) . وتعتبر كل من إسرائيل وتركيا أن تحالفهما العسكري هو الرد المناسب على السعي السوري للحصول على أسلحة الدمار الشامل والأسلحة الكيماوية (55) .(9/91)
وفيما يتعلق بإيران، فان إسرائيل ترى فيها قوة إقليمية قد تشكل عليها وعلى تركيا نفسها خطراً، إضافة إلى أنها تسعى لمنافستهما إقليمياً، وبخاصة أنها تمتلك بنية عسكرية متقدمة وأسلحة دمار شامل وأسلحة كيماوية. كما أنها دولة مصنعة للأسلحة، وبالذات الصواريخ البالستية، يضاف إلى ذلك أن إيران هي داعم رئيس لحزب الله اللبناني. وعليه فان إسرائيل ترى في تعاونها العسكري مع تركيا ورقة ضغط على إيران، من خلال الأراضي التركية لتكون قاعدة عسكرية للتجسس عليها، وإمكانية استغلالها لضرب المنشآت العسكرية الإيرانية، وذلك لأن القواعد العسكرية التركية تتيح لإسرائيل ضرب أية أهداف عسكرية واقتصادية في إيران بسهولة ويسر لقربها من الأراضي التركية، إذ بإمكان طائرات سلاح الجو الإسرائيلي ضرب تلك الأهداف دون حاجة للتزود بالوقود في الجو (56) .
3 - الاستفادة من المميزات العسكرية والإستراتيجية إلى تتمتع بها تركيا:
تتميز الأراضي والمياه والأجواء التركية بالاتساع والتنوع، إضافة إلى أنها مشابهة وقريبة لمثيلاتها في إيران وسوريا والعراق بحيث يمكن أن تستغلها إسرائيل لتدريب ملاكاتها العسكرية، نظراً لقلة توافرها لديها، فمثلا فان الأجواء الإسرائيلية ضيقة وغير مناسبة لتدريب الطيارين الإسرائيليين في بيئات جغرافية متنوعة، فيما تتميز الأجواء التركية باتساعها، وتنوع التضاريس الجغرافية التي تجري فيها التجارب، كما أن أجوائها تماثل إلى حد كبير الأجواء في إيران وسوريا والعراق، بشكل عام كما أنها قريبة من تركيا. مما سيسهل على الطيارين الإسرائيليين ضرب أهداف عسكرية واقتصادية في تلك الدول مستقبلاً (57) .
4 - تدعيم دورها الإقليمي:(9/92)
ترى إسرائيل أن توطيد علاقاتها العسكرية مع تركيا من شأنه أن يدعم دورها الإقليمي في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية، إذ أن تلك العلاقة قد منحتها بطاقة دخول رسمية أخرى، غير معاهدات السلام العربية الإسرائيلية، إلى منطقة الشرق الأوسط واسيا الوسطى، عبر دولة إسلامية. كما أن تعاونها مع تركيا، سيمنحها القدرة على طرح المشاريع المشتركة بينهما لتكون وفقا لمصالحهما ورؤيتهما للموضوع، إضافة إلى سعيها المشترك للتصدي للقوى الإقليمية الأخرى إيران، سوريا، ومصر، والتي قد تحاول أيجاد نوع من التوازن الإستراتيجي مع تركيا وإسرائيل. وتعلق الأخيرة آمالها، من خلال توطيد علاقاتها العسكرية والاقتصادية مع تركيا، أن تكون بوابة دخول لها إلى الدول الإسلامية في آسيا الوسطى، حيث الموارد الاقتصادية الهامة هناك وبخاصة البترول وذلك لأن تركيا تربطها بتلك الدول، علاقات دينية وتاريخية وقومية وجوار جغرافي (58) .
5 - الإفادة من الامكانات الاقتصادية التركية:
توجد في تركيا إمكانات اقتصادية كبيرة تتمثل في الزراعة والمياه، وإسرائيل بأمس الحاجة للحصول على المورد الأخير، حيث جرت مفاوضات متعددة حول تزويد تركيا لإسرائيل بالمياه بطرق ووسائل متنوعة إضافة أن إسرائيل تأمل بان تصدر خبراتها الاقتصادية، وبخاصة الزراعية إلى تركيا حتى تجلب لها الفوائد المالية هذا بجانب السعي لتطوير التبادل التجاري بين البلدين (59) .
ج – الأهداف والمبررات الأمريكية:
قامت السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، مع بروز النظام العالمي الجديد، على ثلاثة مبادئ الأول سياسة الاحتواء المزدوج لإيران والعراق، والثاني عملية السلام العربية – الإسرائيلية، والثالث إنشاء التحالف الإسرائيلي – التركي (60) .(9/93)
وفيما يتعلق في المبدأ الأخير، فان الولايات المتحدة الأمريكية، قد شجعت إقامة التحالف الإسرائيلي - التركي، ويتضح ذلك من التصريحات الأمريكية الرسمية، فقد أعلن متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيقولاس بيرنNicolas Burn، أوائل عام 1997م– 1417هـ بان الإدارة الأمريكية رحبت بهذا الحلف (61) . وبين انه " من الأهداف الاستراتجية للولايات المتحدة أن تقوم تركيا وإسرائيل بتطوير تعاونهما العسكري وعلاقاتهما السياسية، وإذا لم يعجب ذلك بعض الدول العربية، فان ذلك يعود للحلف " (62) . وعندما زار مسعود يلماز، رئيس الوزراء التركي الأسبق، واشنطن في أعقاب تشكيله للحكومة التي خلفت حكومة أربكان في شهر تموز 1997م – صفر 1418هـ، التقى بالرئيس الأمريكي بيل كلينتون، الذي استقبله اسقبالاً حاراً، وأكد له أهمية تركيا كحليف يعتمد عليه (63) مع العلم بان إسرائيل حليفة طبيعية للولايات المتحدة، وبالتالي فان الدول الثلاث متحالفه مع بعضها البعض. ولقد أكد متحدث آخر باسم وزارة الخارجية الأمريكية جيمس فولي James Foloy في شهر كانون الأول 1997 م – شعبان 1418هـ. أن الولايات المتحدة الأمريكية ترحب بالحلف التركي الإسرائيلي وتدعمه لانه يمثل السياسية الأمريكية في الشرق الأوسط (64) .
ولعل من الأدلة الدامغة على الموقف الأمريكي من الحلف هو سماح الإدارة الأمريكية ببيع أسلحة أمريكية ذات فنية متطورة إلى تركيا، ودورها ومشاركتها الفاعلة في المناورة البحرية التي جرت أوائل شهر كانون الثاني 1998م – رمضان 1418هـ (65) .(9/94)
وتتمثل الأهداف الأمريكية في سعيها لإقامة الحلف الإسرائيلي – التركي في تنفيذ مبادئها السياسية العامة في منطقة الشرق الأوسط واسيا الوسطى. وبخاصة تنفيذ سياسة الإحتواء المزدوج لإيران والعراق، واستمرار عملية السلام العربية الإسرائيلية، وضمان المصالح الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة وتوفير الأمن والإستقرار والتصدي للحركات " الإرهابية " من وجهة نظرها (66) ويستخلص مما سبق، أن ثمة مصالح إسرائيلية وتركية وأمريكية في إقامة علاقات عسكرية وتحالفيه ما بين إسرائيل وتركيا، لأن من شأن تلك العلاقة تأكيد دورهما الإقليمي وسعيهما لطرح مشاريع عسكرية وأمنية واقتصادية في الشرق الأوسط، وفقا لمصالحهما، والمصالح الأمريكية. وفي المقابل أضعاف النفوذ العربي والإسلامي في المنطقة.
ثالثاً- مجالات التعاون العسكري:
اشتمل التعاون العسكري الإسرائيلي - التركي خلال الفترة بين عامي 1993- 1998م / 1413-1418هـ على مجالات عسكرية متعددة برية وبحرية وجوية، بحيث تضمن ذلك قيام إسرائيل بتزويد تركيا بمختلف أنواع الأسلحة، وتحديثها لأسلحة الجيش التركي، وإنشاء مشاريع عسكرية مشتركة، وتدريبات ومناورات مشتركة، وإقامة حوار استراتيجي بين البلدين، إضافة إلى التعاون الأمني والاستخباري بينهما.
أ - بيع الأسلحة الإسرائيلية إلى تركيا:
تنوعت مبيعات الأسلحة الإسرائيلية إلى تركيا، فمنها الأسلحة الخفيفة والثقيلة، والأسلحة التي تضم قطاعات الجيش التركي البرية والجوية والبحرية. ففي مجال الأسلحة الخفيفة فان إسرائيل زودت تركيا ببنادق من نوع " جليل " Galil (67) ، ورشاش " عوزي " Ozi، إضافة إلى الأسلحة الثقيلة، كمدافع الهاون، ومختلف أنواع العتاد والقذائف (68) .(9/95)
وفي المجال الجوي، ركزت تركيا على تزويد سلاحها الجوي بشتى أنواع الأسلحة الإسرائيلية، وبصفة خاصة طائرات إسرائيلية رادارية بلا طيار لمهمات الاستطلاع وجمع المعلومات العسكري (69) . وفي عام 1997م - 1417هـ عرضت تركيا مناقصة لتزويد قواتها الجوية ب 145 طائرة هيلوكوبتر هجومية متقدمة تقدر قيمتها بنحو 4 مليار دولار أمريكي، لتكون بذلك أعلى صفقة طائرات هيلوكوبتر في العالم. ولهذا الغرض كونت إسرائيل وروسيا شركة مشتركة بهدف الحصول على الصفقة، علماً بان التوقعات في هذا المجال تشير بان الشركة الإسرائيلية –الروسية ستفوز، في ظل غياب الشركات الأمريكية، إضافة إلى التطور الكبير في العلاقات الاقتصادية والعسكرية بين إسرائيل وتركيا (70) . كما عرضت إسرائيل على تركيا أن تبيعها طائرات إسرائيلية تستخدم للإنذار المبكر من طراز اواكس (71) . لكنه لم يبت في هذا الأمر حتى عام 1998م – 1418هـ.
وزودت إسرائيل تركيا بصواريخ من نوع بوباي 2Popey –جو – أرض، والذي يصل مداه إلى 70 كم، ويستخدم في تسليح الطائرات الأمريكية من طراز –F 16 بلغ عددها عام 1997م- 1417هـ، 40صاروخا، وعام 1998 م- 1418هـ، 60 صاروخاً. كما باعت إسرائيل لتركيا صواريخ جو- جو من طرازبايثون Python –4 الذي يتميز بفاعلية جيدة، ومخصص لضرب الطائرات في حالة حدوث تلاحم جوي على مسافات قريبة (72) . وزودت إسرائيل تركيا بصواريخ وقذائف ذكية موجهة بالليزر وتسمى ب Harc-Nap، وقنابل من طراز تال (73) .
وقدرت المصادر الإسرائيلية حجم مبيعات الصواريخ الإسرائيلية إلى تركيا بين عامي 1996-1998م/1416- 1418هـ بنحو 400 مليون دولار أمريكي (74) .
وتجدد الإشارة إلى أن عملية بيع إسرائيل لمثل تلك الأنواع من الأسلحة يتطلب موافقة أمريكية على ذلك. وتشير الدلائل في هذه الصدد أن تلك المبيعات من الأسلحة تتم بناء على موافقة أمريكية تامة وتحظى بدعمها (75) .(9/96)
وأبدت تركيا اهتمامها بالحصول على أنظمة صواريخ مضادة للصواريخ البالتسية (76) ، وبخاصة أن سوريا وإيران تمتلكان مثل تلك الصواريخ، إذا ابرمت في شهر اذار 1998م- ذو القعدة 1418هـ مذكرة للتفاهم العسكري بينهما، تضمنت حاجة تركيا من الأسلحة، حيث ورد في أحد بنودها أن تقوم إسرائيل بنصب منظومة صواريخ مضادة للصواريخ البالستية في تركيا (77) .كما وقع الطرفان على اتفاق يقضي بنصب الصاروخ الإسرائيلي آرو – حيتس Arrow في تركيا، حال الانتهاء من أجراء التجارب عليه، ودخوله الخدمة الفعلية (78) .ومما يؤكد ذلك بعض الشئ ان دافيد عفري، مستشار وزير الدفاع الإسرائيلي، قد اعلن في اجتماع خصص لبحث الجوانب العسكرية والإستراتيجية في الشرق الأوسط، عقد في لندن خلال شهر تشرين الأول 1998م–جمادى الثانية 1419هـ،أن إسرائيل ستكون مستعدة لنشر صواريخ آرو – حيتس في تركيا إذا ما دعت الضرورة لذلك (79) .
وفي المجال البري، فان إسرائيل مهتمة بتطوير سلاح المدرعات التركي، إذا أنها اقترحت على الأخيرة شراء الدبابات الإسرائيلية المتطورة من نوع ميركفاه Merkvah، لتكون الدبابة الرئيسة في سلاح المدرعات التركي. وتقتضي الخطة التركية شراء نحو 1,000 دبابة في المرحلة الأولى (80) . وتقدر تكاليف تطوير سلاح الدروع التركي بنحو 5 مليار دولار أمريكي (81) .
وفيما يتعلق بالقوات البحرية، فهناك مشروع لتزويد الأسطول التركي بأنظمة إسرائيلية للدفاع الجوي المضادة للطائرات، والصواريخ من نوع باراك Barak، ومن المحتمل أن يكون هذا المشروع من أهم مشاريع التعاون العسكري بين البلدين، إذ سيعنى اعتماد تركيا على الصاروخ المذكور، ليكون نظام الدفاع الجوي الرئيس للبحرية التركية، مما سيترتب على ذلك عقد صفقات أسلحة لصالح إسرائيل، قد تزيد قيمتها على مليار دولار (82) .(9/97)
وأولت تركيا عناية خاصة للحصول على أسلحة أمنية خاصة من إسرائيل لمنع تسلل أفراد حزب العمال الكردستاني عبر حدودها مع العراق وسوريا وإيران (83) . ففي أثناء زيارة إسماعيل كردائي إلى إسرائيل في الفترة بين 24-28 شباط 1997م/17- 21 شوال 1417هـ،عرضت عليه قائمة بالأسلحة الإسرائيلية التي قد يحتاج إليها الجيش التركي، وابدي اهتماماً بالحصول على أسلحة أمنية لحماية الحدود التركية مع الدول المجاورة (84) .وقد أثمرت تلك الزيارة، إضافة إلى جهود سابقة، في هذا المجال، عن قيام إسرائيل بتزويد تركيا بأسلحة إلكترونية وأنظمة رادارات تستطيع تحديد الألغام البلاستيكية والعادية، واسيجة رادارية، واجهزة اتصالات متطورة (85) .
ب - تحديث إسرائيل للجيش التركي:
تبنت المؤسسة العسكرية والسياسية في تركيا خططا متعددة المستويات والمراحل لتحديث وتطوير قواتها المسلحة، والتي تتمثل في إدخال تحسينات على الأسلحة المستخدمة فيها، وتزويدها بأجهزة فنية متقدمة، لتصبح قادرة على الأداء بشكل مناسب. وقد خصص لهذا المجال مبلغ 10 مليارات دولار أمريكي لتحديث مختلف الأفرع البرية والبحرية والجوية خلال الفترة بين عامين 1995-2005م / 1415-1426هـ (86) .
ففي مجال القوات الجوية،أدرك الأتراك ضرورة تحديث أسطولهم الجوي لمجاراة التطورات العسكرية الجوية التي تجري على المستويين الإقليمي والدولي،إذ ركزت جهودها على تحديث الطائرات الأمريكية التي تمتلكها وبخاصة طائرات أف– 16،التي تعتبر العمود الفقري لسلاحها الجوي، وطائرات الفانتوم phantom-F.4 (87) .(9/98)
لقد بدأت الجهود الإسرائيلية لتحديث سلاح الجو التركي في أعقاب التوقيع على اتفاقية المبادئ بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية في عام 1993م – 1413هـ، التي أفسحت لها المجال لتطوير علاقاتها العسكرية مع تركيا. ففي أثناء الزيارة التي قام بها قائد سلاح الجو الإسرائيلي هرتزل بودينغير إلى تركيا، تباحث مع قادة الجيش التركي في مواضع متعددة كان أهمها البحث في مساهمة إسرائيل في تحديث سلاح الجو التركي (88) . وفي نهاية عام 1993م-1413هـ صرح المدير للصناعات الجوية في إسرائيل، عن خطة تعدها المؤسسة العسكرية التركية للتعاون مع إسرائيل، تتمثل في إنتاج أجزاء من الطائرات التركية أف –16 وتحديث طائرات أف- 5 التابعة لأسطولها الجوي (89) . ومنذ عام 1994م– 1414هـ أخذت الصناعات العسكرية الإسرائيلية بدخول المنافسة للحصول على مناقصات لتحديث وتطوير الجيش التركي (90) . وقد جرت مفاوضات تركية إسرائيلية لتحديث سلاح الجو التركي بين عامي 1993-1995م /1413 – 1415هـ واستندت إسرائيل في مقترحاتها في ذلك المجال على ما أدخلته من تحسينات على سلاحها الجوي، حيث طورت طائرات الفانتوم إلى نوع جديد متطور أطلق عليها اسم كورنيس2000 (91) .(9/99)
لقد استطاعت إسرائيل أن تحصل على أول صفقة لتحديث الطائرات التركية من نوع سوبركوبرا وذلك أوائل عام 1995م– 1415هـ، إذ زودت تلك الطائرات بشبكة رؤيا ليلية. وبلغت قيمة الصفقة 120 مليون دولار أمريكي (92) . ثم تعاقبت تلك الصفقات، إذ حصلت إسرائيل على عقد في ذلك العام لتحديث طائرات الفانتوم التركية، بتزويدها بأجهزة لمراقبة الحرارة في محركاتها (93) . ومع تطور العلاقات الإسرائيلية التركية في شتى المجالات، وبخاصة العسكرية منها، نجحت إسرائيل في إقناع قادة الجيش التركي بقدراتها وإمكانياتها الفنية لتحديث الطائرات التركية من نوع فانتوم أف – 4. وتم التوقيع على اتفاقية بين إسرائيل وتركيا في26 آب 1996م–12 ربيع الثاني 1417هـ (94) ،نصت على أن تقوم الصناعات الجوية الإسرائيلية بتحديث 54 طائرة من ذلك النوع بقيمة 650 مليون دولار، لتصل مع الفوائد إلى 800 مليون دولار ومدة العقد تترواح ما بين 6-8 سنوات. وسوف يتم تحديث تلك الطائرات من خلال تزويدها بأجهزة رادارات وأجهزة ملاحية، وأنظمة رؤيا ليليه، وأجهزة حربية إلكترونية (95) .ومن شأن تلك التحسينات أن تطيل عمرها القتالي إلى ما بين 15-20 عاماً أخرى. وستجعلها تمتلك قوة ضاربة محسنة، وقدرة على المناورة، والقتال في الليل، ورؤية إلكترونية أفضل (96) .
ومما هو جديد بالذكر أن نجم الدين اربكان، رئيس الوزراء التركي، هو الذي وقع على الاتفاقية العسكرية مع إسرائيل لتحديث طائرات الفانتوم – 4، وقد اخذ يبرر ذلك بأنها صفقة تجارية (97) .علماً بأنه قد تم تمويل تلك الصفقة من قبل البنوك الإسرائلية بضمانه من الحكومة الإسرائيلية، ولعل الهدف من وراء ذلك تشجيع تركيا وتحفيزها لعقد الصفقة مع إسرائيل (98) .(9/100)
وفيما يتعلق بالطائرات التركية من طراز أف- 5، فقد اوضح وزير الدفاع التركي الأسبق طرخان طيان، الذي زار إسرائيل في2/5/1997م - 25/12/1417هـ،ان شركات الصناعات العسكرية الإسرائيلية ستشارك في المناقصة لتحديث 48 طائرة من ذلك النوع (99) . وقد تقدمت الشركات الإسرائيلية بعروضها للحصول على المناقصة، ونجحت في ذلك،بعد منافسة مع شركات فرنسية (100) وكان للزيارة التي قام بها وزير الدفاع الإسرائيلي اسحاق مردخاي إلى تركيا في شهر كانون الأول 1997م – شعبان 1418هـ، أثرها في الحصول على المناقصة (101) . وتضمن العقد، الذي حصلت عليه الصناعات الجوية الإسرائيلية، على تزويد 48 طائرة تركية من نوع أف- 5 برادارات متطورة، وأجهزة إلكترونية، وأنظمة رؤيا ليليه، وتحسين مهماتها القتالية، مقابل 75 مليون دولار أمريكي (102) .
وفي المجال البري، سعت إسرائيل للحصول على عقد لتحديث سلاح الدبابات من نوع باتون - pattons-M6oA3، إضافة إلى M-47-48، والتي يقدر تعدادها بنحو 4000 دبابة (103) . وقد تم الإعلان عام 1997م / 1417هـ، انه تم الاتفاق بين الدولتين، تقوم بمقتضاه اسرائيل بتحديث نحو 300 دبابة من نوع 1م-60 (104) ، بهدف إطالة عمرها القتالي الافتراضي. وتتمثل عملية التحديث، تزويد تلك الدبابات بمدافع من عيار 120 ملم، وأجهزة كومبيوتر لادارة النيران ومراقبة القذائف المطلقة والأهداف، والرؤية الليلية، وبنظام متطور للتدريع، بغية زيادة فاعليتها (105) .
ج-التصنيع العسكري المشترك:
وامتد التعاون العسكري الإسرائيلي - التركي إلى مجال آخر هام يتمثل في إنشاء صناعات عسكرية مشتركة، تبدأ من أجراء البحوث، ومشاريع التطوير الى إنتاج الأسلحة الحديثة (106) مع التركيز على الصناعات الهامة، وبخاصة الصواريخ، والطائرات، والدبابات (107) .(9/101)
ففي المجال الصاروخي، فقد جرت مداولات ومناقشات إسرائيلية- تركية في شهر آب1996م– ربيع الأول 1417هـ، حول تصنيع صواريخ بوباي- 2 (108) ، وهو صاروخ جو – أرض،يتمتع بقدرة حسنة على ضرب اهدافة (109) . فأثمرت تلك المحادثات عن التوقيع على اتفاقية للتصنيع المشترك لذلك الصاروخ في شهر أيار 1997م– ذو الحجة 1417هـ، في أثناء المحادثات المشتركة ما بين وزير الدفاع الإسرائيلي إسحاق مردخاي ونظيرة التركي طرخان طيان (110) . ومن بنود تلك الاتفاقية صناعة بضعة مئات منه بتكلفة مقدارها 500 مليون دولار أمريكي، على أن ينفذ من قبل شركات للصناعات العسكرية في الدولتين. وتم الاتفاق على أن تسلم أول دفعة من تلك الصواريخ لتركيا في بداية عام 2000 م-1420هـ (111) .
وفي مجال الصواريخ طويلة المدى، فقد بحثت إسرائيل وتركيا مشروع إنشاء مصنع مشترك لانتاج الصواريخ الإسرائيلية دليله DeLiLah، بعيدة المدى، والتي تصل إلى مابين 400-500 كم، وهي ذات محرك نفاث وذات قدرة توجيه عالية لضرب الأهداف (112) . ويظهر انه قد تم الاتفاق بينهما على التصنيع المشترك للصاروخ، وذلك في أثناء زيارة امنون شحاق Amnon Shahak، رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، إلى تركيا في شهر تشرين الأول 1997م –جمادى الاولى 1418هـ (113) .(9/102)
وسعت تركيا لإيجاد مشروع عسكري مشترك مع إسرائيل، لانتاج صواريخ مضادة للصواريخ البالستية، نظراً لتخوفها من امتلاك الدول المجاورة لمثل تلك الصواريخ وبخاصة إيران وسوريا واليونان، حيث اعتبرت ذلك تهديداً لأمنها القومي (114) . وعليه فقد بذلت تركيا جهوداً حثيثة لإقامة مثل هذا المشروع، ففي أثناء زيارة اسحاق مردخاي إلى تركيا عام 1997م – 1417هـ التقى مع نظيره التركي إسماعيل كردائي، الذي نقل إليه اهتمام تركيا بإنشاء مشروع مشترك لإنتاج صاروخ آرو- حيتسالمضاد للصواريخ (115) ،والذي تقوم كل من إسرائيل والولايات المتحدة بإجراء التجارب عليه وتطويره، وبدعم مالي من الأخيرة. وقد أشارت بعض المعلومات المتعلقة بهذا الموضوع، أنه تم الاتفاق على الإنتاج المشترك للصاروخ (116) .
وفي مجال التصنيع العسكري البري المشترك، فقد أبدت تركيا اهتمامها بتطوير قواتها المدرعة وبخاصة الدبابات، من خلال إقامة مشروع مشترك مع إسرائيل لتصنيع دبابة ميركفاه. وأجرى الجانبان محادثات بهذا الشأن (117) . وقد صرح صدقي اورون، وهو جنرال تركي يعمل مستشاراً لوزارة الدفاع التركية، بأن تركيا مهتمة بشكل رئيس بالدبابات الإسرائيلية من طراز ميركفاه كشريك محتمل لبرنامجها المتعلق بإنتاج 800 دبابة، في صفقة تقدر بحوالي 3.2 مليار دولار أمريكي (118) . ويبدو أن التعاون الإسرائيلي - التركي المشترك بإنتاج دبابة الميركفاه قد بدأ فيه عام 1997م - 1417هـ. ويعد ذلك من أهم مجالات التعاون العسكري بين البلدين (119) .(9/103)
أما في مجال الطيران، فقد تم في شهر آب 1996م- ربيع الاول 1417هـ إقامة مشروع مشترك إسرائيلي – تركي لتصنيع طائرات تدريب دون طيار وأخرى بطيار، لأغراض تجسسية واستخبارية (120) . وتوصلت الدولتان في 22/8/1997م –18/4/1418هـ، إلى تصنيع أول طائرة دون طيار بزنة 1935 كغم، ولديها قدرة على التحليق في الأجواء لمدة 8 ساعات، وعلى ارتفاع 20 ألف قدم. وبقدرة هذه الطائرة أن تحمل معدات إلكترونية للرصد والقتال (121) .
وتجدر الإشارة إلى أن عملية تعاون إسرائيل مع تركيا، لإقامة مشاريع مشتركة للصناعات العسكرية المختلفة يخضع للموافقة الأمريكية، وذلك لأن إسرائيل والأخيرة قد اتفقتا في إطار التعاون الاستراتيجي بينهما، على أن لا تزود إسرائيل دولة أخرى بالتكنولوجيا العسكرية الأمريكية (122) . ويبدو أن الإدارة الأمريكية تشجع مثل ذلك التعاون، ولكن ضمن قيود معينة لا يمكن تجاوزها، بحيث تتأكد من أن تلك التكنولوجيا العسكرية لا يمكن أن تتسرب عبر تركيا إلى دول أخرى. كما أن الإدارة الأمريكية لن تعامل تركيا كمعاملة إسرائيل، بالتالي فإنها قد لا تسمح بنقل تكنولوجية معينة، كالنووية إلى تركيا (123) . وذلك لأن هناك بعض المخاوف الأمريكية والغربية وحتى الإسرائيلية من عودة الإسلام إلى حكم تلك الدولة.
د- التدريبات والمناورات العسكرية المشتركة:
أجرت إسرائيل وتركيا تدريبات ومناورات جوية وبحرية يمكن إجمالها على الشكل التالي:
1-المناورات والتدريبات الجوية:(9/104)
بدأ التعاون الإسرائيلي – التركي في المجال الجوي،قبل التوقيع على الاتفاقية العسكرية والأمنية في شباط 1996م- 1416هـ، بعامين، ففي أثناء زيارة دافيد عفري إلى تركيا في نفس الشهر من عام 1994م- 1414هـ، أتفق مع المؤسسة العسكرية التركية على أجراء تدريبات جوية مشتركة (124) ، وقد تم تنفيذها في شهر أيار1994م- ذو الحجة 1414هـ. وكانت الأولى من نوعها، ونفذت في الأجواء التركية، وجرى خلالها تزويد الطائرات التركية المشاركة بالوقود من الجو، قامت بها طائرة تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي. وقد تم إبراز المناورة على أنها تهدف إلى تشجيع مبيعات الأسلحة الإسرائيلية إلى تركيا، واعتبرت " انطلاقة في الصلات الأمنية الإسرائيلية – التركية في الشرق الأوسط " (125) .(9/105)
ونصت الاتفاقية العسكرية والأمنية الإسرائيلية – التركية في بعض بنودها على تبادل الخبرات العسكرية في المجال الجوي، وتبادل الزيارات، وإجراء المناورات الجوية المشتركة بين البلدين (126) ، بمعدل ثمانية تدريبات مشتركة سنوياً، على أن تعقد أربعة منها في إسرائيل، والأربعة الأخرى في تركيا (127) . وعلى أثر التوقيع على تلك الاتفاقية بدأ التعاون في المجال التدريبي المنظم بينهما. ففي 15/4/1996م-27/11/1416هـ، جرت تدريبات جوية مشتركة، شاركت فيها 8 طائرات إسرائيلية من نوع أف – 16 كانت قد حطت في مطار اكناسي Akinci قرب أنقرة. واستمرت تلك التدريبات لمدة أربعة أسابيع (128) . وفي المقابل قامت 12 طائرة تركية في شهر حزيران1996م – محرم 1417هـ، بإجراء تدريبات مشتركة مع طائرات سلاح الجو الإسرائيلي، فوق الأجواء الإسرائيلية (129) . وفي شهر تشرين الأول 1996م –جمادى الثانية 1417هـ استضافت إسرائيل طاقم من سلاح الجو التركي بطائراتهم ومعداتهم، في القاعدة الجوية الإسرائيلية نباطيم Nabtem في النقب،وقاموا بإجراء سلسلة من التدريبات الجوية مع طائرات من سلاح الجو الإسرائيلي (130) .(9/106)
وفي أثناء زيارة قائد سلاح الجو الإسرائيلي ايتان بن الياهو إلى تركيا أواخر شهر تشرين الأول 1996م–جمادى الثانية 1417هـ، اجتمع مع قادة الجيش التركي وناقش معهم قضايا التعاون العسكري الجوي ين البلدين. وقد تزامن ذلك مع قيام طائرات إسرائيلية بطلعات تدريبية في الأجواء التركية (131) . وقد وصف بن الياهو التعاون التركي – الإسرائيلي في ذلك المجال بأنه " يجري بنجاح منذ أكثر من سنة "، وفي شتى المجالات العسكرية التدربيبة (132) وأشارت بعض التقارير العسكرية المتخصصة إلى أن التعاون الإسرائيلي – التركي في مجال التدريبات الجوية لعام 1997م – 1417هـ، وحده، قد مكن الطائرات الإسرائيلية من القيام ب 120 طلعة جوية فوق الأجواء التركية، وكذلك الأمر بالنسبة للطائرات التركية التي قامت بنفس العدد من الطلعات الجوية في الأجواء الإسرائيلية (133) وفي العام 1998م –1418هـ، استمر التعاون التدريبي الجوي على نفس الوتيرة السابقة، وأن أتخذ أبعاداً ومجالات جديدة، منها على سبيل المثال لا الحصر، قامت طائرات تركية في 19/4/1998م –22/12/1418هـ، بالتدريب في المطارات الإسرائيلية، ولكن هذه المرة بدون مشاركة الطائرات الإسرائيلية (134) . كما قامت ست طائرات تركية من طراز أف – 16 بالتوجه إلى إسرائيل بهدف تدريب الطيارين الأتراك على عمليات الهجوم على أهداف وهمية لبطاريات الصواريخ، بعد أن شاركت في مناورات وتدريبات جرت في قاعدة سدما في النقب (135) .(9/107)
وثمة فوائد جنتها كل من إسرائيل وتركيا من وراء إجراء التدريبات والمناورات الجوية المشتركة، فبالنسبة للأتراك فقد استفادوا من الخبرة الإسرائيلية في هذا المجال، إذ تم تدريبهم على القيام بطلعات جوية بهدف ضرب أهداف عسكرية محددة، والتدريب على التجهيزات الإلكترونية الإسرائيلية المتطورة (136) . وفيما يتعلق بالجانب الإسرائيلي، فقد أتاحت تلك المناورات المجال أمام الطيارين الإسرائيليين، استخدام مناطق وحقول تدريبية مختلفة، وواسعة لم تكن متاحة لهم في إسرائيل (137) . ومنحتهم فرصة التدريب على أهداف مستقبلية، كمهمات محتملة ضد إيران، وسوريا لتشابه أجوائهما مع الأجواء التركية (138) .
2 - المناورات والتدريبات البحرية: لقد تم التأكيد عليها في الاتفاقية العسكرية والأمنية الموقعة بين إسرائيل وتركيا، ومهد لها من خلال أجراء المناقشات حولها، ففي أثناء الزيارة التي قام بها وزير الدفاع الإسرائيلي اسحاق مردخاي إلى تركيا أواخر شهر آذار 1997م –ذو القعدة 1417هـ، اجرى محادثات مع رئيس هيئة الأركان التركي حول أجراء مناورات بحرية مشتركة، والذي أبدى موافقته على ذلك. وتم الاتفاق بينهما على أن يقوم الوزير الإسرائيلي بطرح الفكرة على وزير الدفاع الأمريكي وليم كوهين William Cohenالذي رحب بها وشجعها (139) . وبعد الزيارة التي قام بها وزير الدفاع التركي طرخان طيان إلى إسرائيل أوائل شهر نيسان 1997م –ذو الحجة 1417هـ،تمت بلورة الفكرة السابقة (140) ، وبعد زيارة طيان تلك، بدأ نائب رئيس هيئة الأركان التركي، سيفيل باير باجراء محادثات مع دافيد عفري، تركزت بالدرجة الأولى على الإجراءات التي اتخذت بشأن المناورات البحرية (141) . كما اجرى اسحاق مردخاي محادثات مع الإدارة الأمريكية بشأن المناورات البحرية والدور الأمريكي فيها،وذلك أوائل عام 1997م - 1417هـ (142) .(9/108)
وبهدف توطيد العلاقات العسكرية البحرية بين البلدين قامت خمس سفن تركية وعلى متنها نحو ألف ملاح من القوات البحرية، إضافة إلى ثلاث فرقاطات، وغواصة، وسفن إمداد، بزيارة ميناء حيفا في 17/6/1997م -11/2/1418هـ (143) . وكان من المفترض أن تجرى المناورة البحرية المشتركة الإسرائيلية – التركية- الأمريكية في شهر أيلول 1997م-جمادى الاولى 1418هـ لكنه تم تأجيلها إلى بداية عام 1998م –1418هـ. ويبدو أن ذلك يعود إلى صعود حزب الرفاة بقيادة نجم الدين اربكان، إلى الحكم، والذي أعلن بعد تسلمه منصبه انه سيؤجل المناورة البحرية المشتركة لتركيا مع إسرائيل والولايات المتحدة. وعلى الرغم انه لم يكن يمتلك القدرة على فعل ذلك، إلا انه اعتبر نوعاً من الضغط الداخلي على المؤسسة العسكرية لتأجيلها (144) . يضاف إلى ذلك ردود الفعل العربية والإسلامية السلبية ازاء التعاون التركي- الإسرائيلي في المجال العسكري، هذا إلى جانب أن بعض الدول العربية قد رفضت المشاركة في المناورة، وهي عوامل بمجملها قد أسهمت في تأجيلها (145) .(9/109)
لقد أثمرت الجهود الأمريكية والإسرائيلية والتركية عن اجراء مناورة بحرية مشتركة شاركت فيها القوات العسكرية البحرية في تلك الدول إضافة إلى الأردن بصفة مراقب بعضو واحد، وذلك في 7 كانون الثاني 1998م–9/رمضان 1418هـ، وعلى المياه الشرقية للبحر الأبيض المتوسط، والممتدة من حيفا إلى قبرص، واطلق عليها اسم ((حورية البحر)) (146) . وشاركت في المناورة خمس سفن، اثنتان من السفن الصاروخية الإسرائيلية من طراز صاعر- 5، واثنتان من تركيا من طراز يازول وزعفر، ويبلغ وزن الواحدة منها 6 آلاف طن، وسفينة من الولايات المتحدة الأمريكية إضافة إلى حوامات بحرية من تلك الدول، وقد استغرقت المناورة مدة عشر ساعات (147) . وكان الهدف المعلن هو التدرب على عمليات والإنقاذ والبحث عن ثلاث سفن تطلب الإغاثة في البحر، إلا أن هناك أهدافا أخرى غير معلنة سعت لتحقيقها من أهمها: أنها كانت بمثابة دعم أمريكي للتحالف الإسرائيلي – التركي، ومن شأنها أن تؤدي إلى تنسيق الجهود والتعاون العسكري بين تلك الدول، كما امكنها التعرف على المشاكل والمصاعب التي تواجهة العمل العسكري المشترك بينهم (148) . واعتبرت المناورة خطوة أولية لأجراء المزيد من التدريبات المشتركة، حيث سعت تلك الدول بين عامي 1998-1999م / 1418-1419هـ لإجراء مناورات بحرية أخرى، وفقا للمعايير التي تمت فيها مناورة " حورية البحرية " مع السعي لضم دول أخرى إليها كالأردن ومصر (149) .
هـ- الحوار الإستراتيجي:(9/110)
عندما بدأت العلاقات السياسية والاقتصادية تتطور، بين إسرائيل وتركيا، شكلت لجنة مشتركة بينهما في شهر تشرين الثاني 1993م –جمادى الثانية 1414هـ أطلق عليها اسم " لجنة التعاون الاستراتيجي " وعقدت اجتماعها الأول فيشباط 1994م / جمادى الاولى 1414هـ (150) وفي شهر تشرين أول 1995م / جمادى الاولى 1416هـ وقعت ثلاث اتفاقيات للتعاون العسكري وتضمنت مجالات التعاون العسكري والأمني بينهما، وكان من بين تلك المجالات انشاء ما يسمى ب " مجموعة عمل التقويم الاستراتيجي Group Strategic Assessment Working بهدف تنسيق التعاون الاستراتيجي والاستخباري والمساعدات الإسرائيلية لتنظيم وتدريب الجيش التركي (151) .
ويبدو أن صيغ التعاون الاستراتيجي بين إسرائيل وتركيا كانت في تطور، ففي أعقاب التوقيع على الاتفاقية العسكرية والأمنية في شباط 1996م – رمضان 1416هـ، تمت بلورة التعاون الاستراتيجي بين البلدين في إنشاء منتدى للحوار الاستراتيجي بينهما، وهو في واقع الأمر انبثق من مجموعة عمل التقويم الاستراتيجي، وتطويراً لها. ويهدف المنتدى إلى التعاون في مجال التخطيط الاستراتيجي، وتقديرات الوضع في المنطقة، والمخاطر المحتملة من الدول المعادية لهما (سوريا، وإيران..) ، وإيجاد الآلية المناسبة للتصدي لتلك الأخطار، وصياغة الخطط القتالية المشتركة إن لزم الأمر (152) . ناهيك عن المواضيع الإستراتيجية والعسكرية التي تهمهما، مثل شراء الأسلحة، والإنتاج المشترك للأسلحة، والتدريبات المشتركة، والتعاون الاستخباري والأمني بينهما (153) . ويجتمع المنتدى الأمني للحوار الإستراتيجي، مرة واحدة كل ستة أشهر على مستوى عال يتمثل في قادة الجيش ورؤساء هيئة الأركان ووزراء الدفاع. اما على مستوى مجموعات العمل فتعقد اجتماعات دورية تعقد على اقل تقدير مرة كل ثلاثة اشهر (154) .(9/111)
ولتبيان طبيعة الحوارات الإستراتيجية التي كانت تجري بين إسرائيل وتركيا بين عامي 1995-1998م /1415-1418هـ تذكر أمثلة على اللقاءات بين الطرفين في هذا الصدد، ففي الزيارة التي قام بها دافيد عفري، إلى تركيا 18 أيلول 1995م – 23 ربيع الثاني 1416هـ بحث مع القادة الأتراك " المشاريع الأمنية المشتركة وتقديرات الوضع في المنطقة " (155) . وفي بداية أيار 1997م - ذو الحجة 1417هـ قام سيفيل باير، نائب رئيس هيئة الأركان التركي، بزيارة إسرائيل، لأجراء محادثات استراتيجية مع الجانب الإسرائيلي، ومن جملة المواضيع التي بحثها معهم، أجراء المناورات البحرية المشتركة (156) . وبهدف أجراء الحوار الإستراتيجي النصف سنوي بين إسرائيل وتركيا، قام وفد إسرائيلي برئاسة دافيد عفري، بزيارة تركيا في 22/12/1997م - 22/8/1418هـ حيث التقى مع الجانب التركي الذي ترأسه سيفيل باير في مقر وزارة الدفاع التركية في انقرة، واستغرق الحوار عدة ايام، نوقشت فيه المواضيع الإستراتيجية والأمنية المشتركة، وبحثا موضوع إنشاء صناعات عسكرية مشتركة، وانتاج ايران لصواريخ بعيدة المدى، واعتبر ذلك من وجهه نظرهما تهديداً موجها لهما (157) .
ولعل من المؤشرات الهامه على قوة العلاقات الاستراتيجية بين اسرائيل وتركيا، تواجد مجموعات عسكرية اسرائيلية تمثل مختلف فروع الجيش، مثل شعبة العمليات وقادة الميدان وسلاح الجو، وسلاح البحرية، وتتألف من12 ضابطا من رتبة عقيد وعميد على الاراضي التركية، بهدف تنسيق التعاون الاستراتيجي بين البلدين (158) .
و التعاون الإسرائيلي - التركي في مجالات عسكرية أخرى:(9/112)
لم تقتصر مجالات التعاون العسكرية بين اسرائيل وتركيا على ما ذكر سابقا، بل امتدت إلى مجالات عسكرية أخرى هامة وخطيرة في نفس الوقت، ويتمثل ذلك بشكل واضح في التعاون النووي بين البلدين، إذا ان المؤسسة العسكرية التركية سعت في تخطيطها المستقبلي حتى عام 2020 م -1441هـ الى ان تصبح قوة نووية في ذلك العام، من خلال تعاونها الاستراتيجي والعسكري مع اسرائيل، وهذا الأمر أكده التقرير الذي اعدة مركز التقويم الاستراتيجي الامريكي الذي يعرف اختصارا ب Saic (159) . ومما يدعم ذلك، انه ثمة مؤشرات على بداية التعاون الاسرائيلي مع تركيا في المجال النووي إذ ان ادبيات معهد وايزمن الاسرائيلي للعلوم والتكنولوجيا، تشير إلى ان 30 عالما من علماء الذرة في اسرائيل قد توجهوا الى تركيا بين عامي 1996-1998م/ 1416-1418هـ لمعاونتها في ذلك المجال. كما ان هناك بعض المعلومات تشير إلى ان اسرائيل تحث تركيا على تبنى برنامج نووي من شأنه ان يكون خيارا نوويا عسكريا لتركيا في مواجهة البرنامج النووي الايراني (160) .
كما سعت تركيا إلى توثيق علاقاتها مع إسرائيل في مجال الفضاء، وذلك ضمن اطار التعاون الأمني والاستراتيجي بينهما، حيث توصلتا إلى اتفاق بهذا الشأن في اثناء زيارة اسحاق مردخاي وزير الدفاع الاسرائيلي، الى تركيا في شهر كانون الأول 1997م -شعبان 1418هـ (161) ومن بين مجالات التعاون الفضائي، التنسيق والتعاون في مجال الأبحاث الفضائية، وإقامة مشاريع مشتركة بهذا الشأن، مع التركيز على مشاريع الفضاء ذات الأهداف العسكرية (162) . وقد ابدى الاتراك اهتمامهم بالفنية الإسرائيلية المتقدمة في مجال التجسس الفضائي وبخاصة بالقمر الاسرائيلي Ofek، الذي ارسل للفضاء لاغراض عسكرية عام 1997م–1417هـ (163) .(9/113)
واشتمل التعاون العسكري الاسرائيلي – التركي، على المشاركة في المعارض العسكرية التي تقام في احدى الدولتين، ومن أمثلة ذلك، مشاركة 13 شركة اسرائيلية للصناعات العسكرية في معرض الصناعات العسكرية الذي اقيم في انقرة، وتم افتتاحه في 27/9/1995م – 3/5/1416هـ (164) .
كما شاركت طائرات اسرائيلية تابعة لسلاح الجو، من نوع يسعور في اطفاء الحريق الضخم الذي شب يوم 4/7/1997م - 28/1/1418هـ في أحد مصانع الذخيرة شمالي انقرة. وقد رأى الاسرائيليون فيه دليلا على ثبات التحالف الاستراتيجي بين البلدين (165) .
ز- التعاون الأمني والاستخباري:
اشتمل التعاون الأمني والاستخباري بين اسرائيل وتركيا على المجالات الرئيسة التالية (166) :
1- التعاون في مجال ما يسمى في المصطلحات الاسرائيلية والتركية والامريكية ب " مكافحة الارهاب "، والذي يتمثل من وجهة نظرهم ب " الاسلام الاصولي "، وما يتفرع عنه من تنظيمات واحزاب اسلامية، كحزب الرفاه في تركيا وحماس والجهاد الفلسطينيين، وحزب الله اللبناني، اضافة إلى حزب العمال الكردستاني، وبعبارة أخرى التنظيمات والاحزاب المعادية لتلك الدول.
2- متابعة التطورات العسكرية التي تحدث في منطقة الشرق الاوسط والدول العربية والاسلامية المجاورة لاسرائيل وتركيا، وبخاصة ايران وسوريا والعراق، والتركيز على الاسلحة غير التقليدية التي تمتلكها تلك الدول، وآلية التعامل معها، يضاف الى ذلك، فان إسرائيل وتركيا تسعيان لطرح مشاريع أمنية وعسكرية في المنطقة بحيث تكون لهما
الريادة.
3- التعاون الأمني والإستخباري بين إسرائيل وتركيا في شتى المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية في منطقة الشرق الأوسط.
4- التعاون في مجال تحليل البيانات والاحصاءات العسكرية والامنية التي تهمهما.(9/114)
وهناك نشاطات تكشف عن التعاون الأمني والاستخباري بين البلدين، تتمثل في التصريحات والزيارات والاتفاقيات المشتركة بهذا الشان، إضافة الى ان ثمة مظاهر لذلك التعاون تتمثل في التطبيقات العملية، للتعاون الأمني والاستخباري فبالنسبة للنشاطات، فانه في أثناء زيارة حكمت جتين وزير الخارجية التركي الأسبق إلى إسرائيل 13/11/1993م - 29/5/1414هـ أعلن ان بلاده وإسرائيل ستتعاونان ضد التوسع الإسلامي الأصولي، وستجريان مشاورات استخبارية بشأن إيران ونفوذها (167) . وصرح عزرا وايزمن في 27/1/1994م–15/8/1414هـ، بان إسرائيل وتركيا ستتعاونان في المجال الاستخباري ضد الإرهاب الانفصالي، أي ضد حزب العمال الكردستاني. وكانت الصحف الإسرائيلية، قد أشارت إلى أن التعاون في ذلك المجال قائم بين الدولتين (168) . وفي أثناء زيارة تانسو جللر، الى إسرائيل في 4تشرين الثاني 1994م –1 جمادى الثانية 1415هـ، وقعت اتفاقية مع الجانب الإسرائيلي، ورد في أحد بنودها نص لتبادل المعلومات الأمنية المتعلقة بالارهاب
أي " الاسلام الاصولي " وحزب العمال الكردستاني (169) . وقد تزامنت تلك الزيارة، مع زيارة أخرى، قام بها رئيس وكالة الاستخبارات التركية العام إلى اسرائيل، وذلك بهدف توثيق العلاقات الأمنية والاستخبارية بين
البلدين (170) .(9/115)
لقد اثمرت الجهود الاسرائيلية – التركية المشتركة في المجال الأمني والاستخباري، عن توقيع اتفاقية متعلقة بهذا الأمر في شباط 1996م – رمضان 1416هـ، ضمن ملحقات الاتفاقيات العسكرية والامنية الاسرائيلية – التركية (171) . وقد وقعت الاتفاقية الأمنية من قبل ممثلين عن الموساد الاسرائيلي، ووكالة الاستخبارات التركية العامة (172) . واستمر التعاون الأمني والاستخباري الاسرائيلي التركي في عهد حكومة نجم الدين اربكان 1996-1997م / 1416-1417هـ على النهج نفسه دون احداث تغيير فيه (173) . وفي اثناء زيارة اسماعيل كردائي، رئيس هيئة الاركان التركي، إلى اسرائيل في الفترة بين 24-28 شباط 1997م / 17-21 شوال 1417هـ، أعلن ان الدولتين اعلنتا بأنهما سوف تعملان على زيادة التعاون الاستخباري بينهما (174) . وفي نفس الاتجاه، قام امنون شاحق، رئيس هيئة الاركان الاسرائيلية، بزيارة أنقرة في شهر تشرين الأول 1997م - جمادى الثانية 1418هـ، ناقش مع نظرائه الأتراك، موضوع تقوية الجهود الثنائية في المجال الاستخباري (175) .
أما مظاهر التعاون الأمني والاستخباري الاسرائيلي - التركي، فقد تجسدت في التطبيقات العملية للتعاون المشترك في هذا المجال، الذي يمكن ايجازه على الشكل التالي:
1- التعاون الاسرائيلي - التركي في المجال الأمني والاستخباري لمكافحة الارهاب. وتمثل ذلك في النشاطات المشتركة لمقاومة التنظيمات الإسلامية الأصولية، وحزب العمال الكردستاني ويتلخص التعاون بينهما في هذا المجال بما يلي:(9/116)
أ - التعاون الاستخباري: الذي تجسد في تبادل المعلومات المتعلقة بتلك المجالات من حيث نشاطاتها الداخلية والخارجية، ومصادر تمويلها، وطرق التصدي لها (176) . ومن الأمثلة الواضحة على التعاون المشترك لمكافحة تلك النشاطات قيام 50 خبيراً من الاستخبارات الاسرائيلية، بزيارة تركيا في شهر اذار 1995م -شوال 1415هـ، حيث قدموا لتركيا " معلومات تتعلق بغزوها لمنطقة الحكم الذاتي في شمال العراق " إضافة الى تقديم المشورة للاتراك استناداً إلى خبراتهم التي اكتسبوها في محاربة التنظيمات الفلسطينية واللبنانية المختلفة في لبنان" (177) . كما ان إسرائيل اسهمت بفاعلية في إلقاء القبض على زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله اوجلان في بداية عام 1999م –1419هـ، بعد أن تابعت تحركاته ونشاطاته المختلفة قبل تلك الفترة (178) .
ب -لعب التحالف الاسرائيلي – التركي، دوراً هاماً في توفير الدعم والتأييد للمؤسسة العسكرية في تركيا، للضغط على مختلف النشاطات الاسلامية فيها، ممثلا بحزب الرفاة الاسلامي، بزعامة نجم الدين اربكان، حيث قدمت اسرائيل لتركيا معلومات امنية واستخبارية عن النشاطات الاسلامية في تركيا وارتباطاتها الخارجية. وعلى اثرها مارست المؤسسة العسكرية التركية بدعم من اسرائيل، الضغوطات على أربكان حيث اجبر على تغيير مواقفة المعارضة لاسرائيل. ولم يقتصر الأمر على ذلك بل أجبر على التسريع من وتيرة العلاقات الاسرائيلية- التركية، ووقع على اتفاقيات عسكرية واقتصادية بين البلدين (179) .
ج – قدمت اسرائيل لتركيا مساعدات أمنية،بهدف الحد من تسلل افراد حزب العمال الكردستاني على الاراضي التركية، وقد أشير إلى ذلك سابقا (180) .
2- التعاون الأمني والاستخباري الاسرائيلي – التركي في متابعة التطورات العسكرية لدول جوارهما:(9/117)
تابعت اسرائيل وتركيا، بالتعاون والتنسيق مع الولايات المتحدة الامريكية، جهودهم الحثيثة لمتابعة التطورات العسكرية التي تجري في ايران والعراق وسوريا، وذلك من خلال الزيارات على مختلف المستويات والاصعدة، وعقد الاجتماعات الدورية، وتشكيل لجان العمل المشتركة بينهما (181) . وقد سعت الدولتان للحصول على المعلومات الاستخبارية والامنية لدول جوارهما من خلال ما يلى:
أ - زرع محطات التجسس في داخل الاراضي التركية وبالقرب من الحدود مع سوريا والعراق وايران وسوريا وبهذا الصدد يقول اوري لوبراني، أحد اعمدة اجهزة المخابرات الاسرائيلية والمسؤول عن ملف جنوب لبنان منذ الثمانينيات وحتى وقت اعداد الدراسة، بان تركيا قد " سمحت لاسرائيل باستئناف نشاطاتها السرية ولتعمل بحرية مطلقة في ربوع الاراضي التركية، وخصوصا في منطقة ديار بكر جنوب تركيا، حيث انتشرت اجهزة التنصت والرصد والخدمات الاستخبارية، لتتابع عن كثب ما يجري في كل من العراق وسوريا … كما عززت اسرائيل نشاطها، فاقامت محطات استخبارية إضافية داخل الحدود التركية " (182) .(9/118)
ب -جمع المعلومات الأمنية والاستخبارية من الجو: لقد اتاحت الاتفاقية العسكرية والامنية الموقعة بين اسرائيل وتركيا في شباط 1996م –رمضان 1416هـ. لاسرائيل القيام بطلعات جوية في الاجواء التركية بالقرب من الحدود مع سوريا وإيران والعراق. وقد اشارت مصادر تركية واسرائيلية وعربية ان تلك الطائرات تحمل اجهزة الكترونية للتجسس على تلك الدول، مما شكلت مصدراً هاماً للمعلومات الاستخبارية للبلدين، وبخاصة ان تلك الطلعات كانت تجري بصورة دورية (183) . كما اشارت بعض التقارير الصحفية ان تركيا قد انشأت قاعدة جوية في شرق الاناضول، من اجل استخدامها للاغراض الامنية والاستخبارية مع اسرائيل (184) . كما زودت اسرائيل تركيا، بطائرات رادارية بلا طيار، بهدف جمع المعلومات الأمنية والاستخبارية عن الدول المجاورة لها (185) . كما زودت اقمار التجسس الاسرائيلية، تركيا بمعلومات وصور عن النشاطات العسكرية لدول جوارها (186) .
ج- تنظيم خلايا تجسس في الدول المجاورة لاسرائيل وتركيا، والاستفادة من الاقليات الموجودة في تلك الدول. فإسرائيل نجحت في تجنيد فئات من الاكراد لصالحها، كما أن تركيا استطاعت تجنيد بعض الأفراد من تركمان سوريا للعمل لصالحها (187) . وثمة نماذج للمعلومات الأمنية والاستخبارية التي قدمتها اسرائيل لتركيا عن الاسرار العسكرية لسوريا، منها ما يلي:
* قدمت اسرائيل لتركيا معلومات تقنية عن طائرات الميج Mig- 29-، الروسية الصنع والتي تعد عماد سلاح الجو السوري، والطائرات الاحدث فيه، حيث حصلت على نماذج منها، من احدى الدول الاوروبية، ويعتقد بانها المانيا. وفي ضوء ذلك اصبح جزء من اسرار سلاح الجو السوري بحوزة الاتراك واسرائيل (188) .(9/119)
* زودت إسرائيل تركيا بمعلومات وصور جوية حصل عليها الطيارون الاسرائيليون في اثناء طلعاتهم الجوية في جنوب تركيا، عن مصنع سوري للغازات الكيماوية، يمارس نشاطه بشكل سري، في موقع مخفي تحت جبل بالقرب من الحدود مع تركيا (189) .
2 - المساهمة في المشاريع الأمنية الاقليمية:
سعت إسرائيل وتركيا إلى تأكيد دورهما الإقليمي في المجال الأمني، وذلك من خلال اقتراحهما لمشاريع أمنية في الشرق الأوسط، ومن أمثلة ذلك السعي لتأسيس مؤتمر لمجلس الأمن والتعاون في الشرق الأوسطConference of Security co- Operation in the Middle East ليتولى نزع فتيل التهديدات العسكرية وبخاصة الصاروخية، والسعي لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة ولكن هذا المشروع لم يلق الاستجابة المطلوبة من قبل دول المنطقة لأنه يؤكد الهيمنة الإسرائيلية والتركية على ذلك المشروع (190) .
كما نشطت اسرائيل وتركيا في مجال قضية الأمن في الشرق الأوسط، حيث ساهمتا إلى جانب أطراف أخرى في المحادثات الثنائية المتعلقة بالسيطرة على السلاح، والأمن الإقليمي Arms Countrol and Regional Security الذي يرمز له اختصاراً ب Acrs، ويهدف الى تبادل المعلومات العسكرية المتعلقة بالأمن في منطقة الشرق الأوسط، والحؤولة دون قيام منازعات عسكرية، والعمل على بناء الثقة العسكرية بين تلك الدول. وكان ذلك في أعقاب عملية السلام العربية الإسرائيلية منذ عام 1991م –1411هـ. وضمن هذا الإطار، فان الدولتين شاركتا في محادثات متعددة الأطراف الإقليمية التي عقدت لموظفي وزارات الخارجية في المنطقة، والمتعلقة بالأمن والاستقرار في الشرق الأوسط (191) .(9/120)
ويستخلص مما سبق، ان مجالات التعاون العسكري الإسرائيلي – التركي، تتميز بالتنوع والشمول لشتى انواع العلاقات العسكرية، إضافة إلى أن الفنية العسكرية الإسرائيلية التي تقدم الى تركيا، تعتبر ارقى ما وصلت اليه الفنية العسكرية على الصعيد العالمي، ومن شأن ذلك ان يجعل من تركيا دولة متقدمة عسكريا في المنطقة. وسيجعل ذلك التعاون إسرائيل وتركيا قوة اقليمية مهيمنة على المنطقة، وفي المقابل ضعف عسكري عربي مواز له، مما سيحدث إخلالا بموازين القوى لصالح إسرائيل وتركيا.
رابعا- مخاطر العلاقات العسكرية الإسرائيلية – التركية على الأمن الإقليمي:
شكل التعاون العسكري الإسرائيلي – التركي، تهديدا عسكريا وامنياً وأستراتيجياً للامن الأقليمي بعامة وللأمن القومي العربي وأمن ايران بخاصة. وهناك اسباب تبين التهديد والخطر، هي:
أ - طبيعة العلاقات العسكرية الإسرائيلية - التركية:(9/121)
يتضح من مجالات التعاون العسكري الإسرائيلي - التركي، والتي اشير إليها سابقاً، ان طبيعة التعاون يمكن ان تكون علاقات استراتيجية متكاملة في طريقها إلى تكوين حلف عسكري بينهما، ولعل ما يكشف عن ذلك التصريحات التي صدرت عن السياسيين والعسكريين الاسرائيليين - والاتراك، إضافة الى محلليين سياسيين غربيين. فقد وصفت تانسو جللر، رئيس وزراء تركيا في اثناء زيارتها الى تل ابيب في شهر تشرين الثاني 1994م -جمادى الثانية 1415هـ العلاقات مع إسرائيل بانها " علاقة إستراتيجية " (192) . كما وصف مسؤول كبير في وزارة الدفاع الاسرائيلية العلاقات بين البلدين في عام 1994م – 1414هـ " بانها علاقة استراتيجية، وهي من أكثر المواضيع أهمية خلال العقد الحالي " (193) . وقد ابدت وزارتا الدفاع في اسرائيل وتركيا عن رغبتهما في التعاون الاستراتيجي الكامل (194) . وعندما قام رئيس الاركان التركي اسماعيل كردائي بزيارة إسرائيل أواخر شهر شباط 1997م - شوال 1417هـ علق الاسرائيليون عليها أهمية كبيرة، وقد وصفت من قبل محلليين سياسيين بانها " تتم في اطار علاقة استراتيجية بين الجانبين " (195) . ويرى ستيفن كينزر، في مقالة له في نيويورك تايمز، New York Times، بان التحرك السياسي والعسكري الرئيس الأخير في الاستراتيجية الجديدة لتركيا هو التعاون مع إسرائيل. فجيشا البلدين يعملان معا، حتى في فترة الحكومة التي قادها الاسلاميون، والآن فإن الحكومتين تربطهما علاقات مدهشة، فالجنرالات والوزراء واعضاء الهيئات التشريعية يعملون في العديد من مشروعات التنمية ويخططون لما يريدونه كحلفاء عسكريين على المدى الطويل " (196) .(9/122)
واطلق مسعود يلماز، رئيس الوزراء التركي عام 1997م - 1417هـ، على العلاقات التركية مع الولايات المتحدة وإسرائيل ما أسماه " الشراكة الاستراتيجية " (197) . كما اشار تقرير عسكري نمساوي ان إسرائيل وتركيا قد وقعتا سلسلة من المشاريع العسكرية والأمنية والاستراتيجية التي من شأنها ان ترقى إلى مستوى التحالف الإستراتيجي بينهما (198) . ويؤكد افرايم عنبر، استاذ العلوم السياسية في جامعة بارايلان في إسرائيل، ان الأخيرة قد " اعتبرت تركيا دائما هي شريكها الاستراتيجي الأول.." (199) . وقد اعتبر غيث ارمنازي، مدير مكتب جامعة الدول العربية في بريطانيا على تلك العلاقة بانها على " شفا علاقة استراتيجية كاملة، وان هناك حلف استراتيجي تجري صياغته بين إسرائيل وتركيا " (200) . ولعل التصريح الذي ادلى به دافيد عفري، المسؤول الاسرائيلي الرئيس، عن العلاقات العسكرية والأمنية مع تركيا، في ندوة كلية القيادة والاركان – الإسرائيلية في 3 ايار 1996م – 15ذو الحجة 1416هـ، يعبر عن واقع تلك العلاقة، أفضل تعبير بقوله ان علاقاتنا الراهنة مع تركيا إذا ما قيست بالعلاقة التي نشأت اواخر الخمسينيات، ضمن حلف المحيط (دول المنطقة) من حيث شموليتها وتعدد مجالاتها، تعد علاقات تحالف فعلاً …" (201) .
ومما يؤكد على عمق العلاقات العسكرية الاسرائيلية – التركية ان الدولتين قد وقعتا على 20 اتفاقا عسكريا وامنيا وإستراتيجيا بين عامي 1995-1996م / 1415-1416هـ (202) . ويتضح مما سبق بان العلاقات العسكرية الاسرائيلية -التركية، متطورة جداً يمكن ان يطلق عليها التعاون الاستراتيجي الكامل، وهي في طور التحالف الاستراتيجي ومما يدعم ذلك مجالات التعاون التي اتصفت بالشمول والتنوع لشتى اوجه العلاقات العسكرية التي يمكن ان تحدث بين بلدين، ناهيك على ان التصريحات الرسمية السياسية والعسكرية في إسرائيل وتركيا، تؤكد على هذه الحقيقة.(9/123)
ب - تغيير موازين القوى في الشرق الاوسط:
غيرت العلاقات الاستراتيجية المتكاملة او التحالفية، بين إسرائيل وتركيا من موازين القوى العسكرية في منطقة الشرق الأوسط، فاصبحت لصالحهما، وذلك لامتلاكهما أكبر قوة عسكرية من حيث العدد، إذ يصل عداد قواتهما العسكرية الى نحو مليون مقاتل، يمتلك أفضل ما توصلت إليه الفنية العسكرية على المستوى العالمي، وبخاصة لدى الجانب الاسرائيلي. وفي المقابل فان القوى العربية والاسلامية في المنطقة تعاني من الانقسام وقلة التعاون والتنسيق العسكري، مع ضعف الفنية العسكرية الموجودة لديهم، مقارنة باسرائيل وتركيا. يضاف إلى ذلك ان سوريا وايران والعراق تعاني من نقص في الحصول على المعونات العسكرية الخارجية (203) .
ولعل من الدلائل الأخرى التي تدعم تغيير موازين القوى في الشرق الاوسط لصالح إسرائيل وتركيا، التصريحات التي صدرت بهذا الشأن، فهذا موشية ارنز Moshe Arens، وزير الدفاع الاسرائيلي(9/124)
1983-1984م / 1403-1404هـ - 1990-1992م / 1410هـ 1412هـ، ووزير الخارجية 1988-1990م / 1408هـ – 1410هـ الذي صرح بان الحلف العسكري بين إسرائيل وتركيا " قد غير موازين القوى الأقليمية " (204) . وكتب المحلل السياسي التركي البارز سامي كوهين Sami Cohen عن تلك العلاقة بان " هذا التحالف الغني قد غير من ميزان القوى الاستراتيجية في الشرق الأوسط الغني بالنفط " (205) . أما صبري سياري Sabri Sayari المحلل السياسي واستاذ العلوم السياسية في جامعة جورج تاون، فقد صرح، بان العلاقة العسكرية الاسرائيلية – التركية " أهم علاقة عسكرية في الشرق الاوسط ". فيما وصفت مجلة الاخبار الدفاعية Defense News العلاقة بانها " حركة رائعة ترفع الأمن الأسرائيلي والتركي لدرجة لا يمكن عمليا التعرض لها" (206) . واعتبرت صحيفة Mideast DaiLy Digest، ان انشاء الحلف الجديد من شأنه ان يؤثر على منطقة الشرق الأوسط برمتها ويعيد رسم خريطة المنطقة من جديد (207) . كما ان تلك القوة الجديدة في المنطقة، من شأنها ان تزيد من النفوذ الامريكي في المنطقة (208) . إضافة الى انها ستؤدي الى ادخال إسرائيل، من بوابه اسلامية، كطرف رئيسي له علاقة مباشرة بما يجري في شؤون العالم العربي والاسلامي (209) .
ج – ممارسة الضغط والتهديد للبلاد العربية والاسلامية:
اولى التحالف الاسرائيلي – التركي منطقة الشرق الاوسط عناية خاصة، لانهما تعيشان فيها، ولاهميتها الاستراتيجية والعسكرية والاقتصادية. لذلك مارستا ضغوطا وتهديدات على الدول العربية والاسلامية في المنطقة، وتتضح تلك المظاهر من خلال ما يلي:(9/125)
1- اشتملت الاتفاقية العسكرية والامنية الاسرائيلية - التركية على بند ينص على ان " يشترك جيشا البلدين في المعارك التي تحدث بين احداها ودولة ثانية " (210) . وهي بذلك تسمح لاسرئيل بزيادة عمقها الاستراتيجي، وتتيح لها ولتركيا المشاركة في العمليات العسكرية، تحت شعارات واغطية مختلفة منها "محاربة الارهاب" " ونشر السلام " (211) . وبهذا الصدد يشير ميخائيل بايبس في دراسته المعنونة "محور جديد" الى ان الروابط التركية – الاسرائيلية القوية ستؤدي الى "استقرار المنطقة من خلال قيامها بردع عسكري مهول ضد أي عدو محتمل" (212) . كما يؤكد ميخائيل ايزندات MichaeL Eisens tadt، الباحث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الاوسط بان "على اعداء اسرائيل وتركيا التفكير مليا في حالة وقوع مجابهة مع إي منهما، لأنهما ستقفان إلى جانب بعضهما البعض " (213) .
2- تدعيم الدور الاقليمي لهما والعمل على أضعاف القوى الأخرى:(9/126)
دعم التحالف الاسرائيلي – التركي، بفضل الامكانيات والقدرات العسكرية الكبيرة والمتقدمة، وما يترتب على ذلك من اخلال في موازين القوى لصالحهما، الدور الاقليمي لكل من إسرائيل وتركيا والذي يتمثل في إقامة مشروع النظام الشرق أوسطي الجديد، وفقا لاهدافهما ومصالحهما المشتركة، وما يتماشى مع السياسية الامريكية في المنطقة. وذلك بهدف ان يكون دورهما الاقليمي قياديا ومتميزا في المجالات العسكرية والامنية والاقتصادية والعمل على منع ظهور أي قوة عسكرية منافسة لهما، والحؤولة دون وصول اسلحة دمار شامل إلى الدول العربية والاسلامية (214) . ويؤكد يحزقل دور، الباحث الاستراتيجي الاسرائيلي في كتابة "استراتجية عظمى لاسرائيل" بقوله ان تركيا واسرائيل " تعتبران أكبر قوتين خارج النسق العربي وان تعاونهما وتحالفهما سيمنع ظهور قوة عربية في المنطقة تمارس سياسة مهددة لأمن كل منهما، بل ان في مقدور الدولتين ان تعملا على احداث الانقسامات وتشتيت القدرات العربية خشية ان يؤدي ذلك إلى تهديد الدول غير العربية في المنطقة " (215) . وترى اسرائيل وتركيا ان سوريا وإيران والعراق، سعت بدرجات متفاوتة، الى منافستهما اقليمياً وبالتالي تسعى إلى ايجاد نوع من التوازن معهما (216) . وبهذا الشأن يقول افرايم عنبر، بان العلاقات العسكرية بين اسرائيل وتركيا " إشارة واضحة إلى الانظمة الرديكالية في المنطقة التي تسعى إلى اعادة ترتيبها، وإعادة موازين القوى فيها " (217) . واعتبرت بعض وسائل الاعلام الاسرائيلية والتركية ان المناورة البحرية الاسرائيلية – التركية – الامريكية التي جرت اوائل عام 1998م –1418هـ، كان من شأنها بناء تشكيل عسكري لمواجهة التهديدات السورية أو الايرانية، أو أي ازمة تحدث في منطقة الخليج، والتلميح لدول المنطقة بان جبهة قوية موحدة تقف أمامها (218) . وثمة اتفاق اسرائيلي وتركي وامريكي بان الجهود التي تقوم بها ايران(9/127)
وسوريا في مجال تطوير قدراتهما العسكرية في مجالي الحرب الكيمياوية والصواريخ البالستية، تشكل خطرا عسكريا عليهما وان السبيل الوحيد للتصدي لتلك الاخطار هو تقوية " الحلف الاستراتيجي بين إسرائيل وتركيا " (219) . وعليه فانهما تعاونا معا في مجال السعي لوقف الجهود الإيرانية والسورية السابقة بشتى الطرق والوسائل، وبخاصة الترويج في وسائل الاعلام المختلفة بانهما يمتلكان او يطوران اسلحة من شأنها ان تؤثر على المنطقة سلباً، واستغلال النفوذ الامريكي للضغط عليهما لمنعهما من السير في هذا الاتجاه، أو الضغط على الدول الداعمة لهما عسكريا لوقف امداداتها العسكرية لهما (220) .
3 - الضغط والتهديد التركي – الاسرائيلي لسوريا:(9/128)
مارس التحالف التركي- الاسرائيلي ضغوطا على سوريا، بهدف تحقيق مصالحهما الخاصة، فاسرائيل تريد الضغط على سوريا لاجبارها على دخول عملية السلام وفقا للشروط الاسرائيلية، أما تركيا، فترى في ذلك التحالف ورقة ضغط على سوريا من اجل ان تتنازل عن حقوقها في الاسكندرونه، ووقف دعمها للاكراد وعدم تلبية طلباتها بشأن المياه في الفرات. وقد مارست الأخيرة اشكالا عديدة للضغط على سوريا منها،التحكم بكميات المياه، ونوعيتها، الجارية من تركيا إلى الاراضي السورية، وحبسها في بعض الفترات لتملأ بعض سدودها (221) . وفي اثناء زيارة مسعود يلماز، وزير الخارجية التركي السابق، الى لواء الاسكندرونه في21 اذار 1996م–2 ذو القعدة 1416هـ، اتهم سوريا بدعم الارهاب وهددها باستخدام سلاح المياه ضدها، واتهمها بانها تريد تحطيم وحدة الاراضي التركية (222) . واستخدم لغة التهديد والمعاقبة لعدوانيتها قائلا: " نحن الأتراك شعب صبور، ولكن عندما ينفذ صبرنا سيكون ردنا قاسياً " (223) . وفي يومي 24-25 ايار 1996م –7-8 محرم 1417هـ زار السفير الاسرائيلي في تركيا زفي البيلج Zvi Albelge، يرافقه مجموعة من رجال المخابرات والعسكريين الإسرائيليين، لواء الاسكندرونه. وبعد ذلك بفترة وجيزة حدثت انفجارات في شمالي سوريا. وقد أكدت مصادر متخصصة في الشؤون التركية ان تلك التفجيرات كانت بتدبير من السلطات الأمنية والعسكرية التركية بمساعدة تلقتها من نظيرتها الاسرائيلية (224) . وعلى اثر توطيد تركيا لعلاقاتها العسكرية مع اسرائيل لجأت إلى تصعيد وتيرة تهديداتها الموجهة الى سوريا، إذ وصل الأمر بقادتها العسكريين تهديدها بالاجتياح العسكري اوائل شهر تشرين الاول 1998م –جمادى الثانية 1419هـ بحجة دعمها لحزب العمال الكردستاني وقد تدخلت مصر وايران لنزع فتيل تلك الأزمة وازالة التوتر القائم بين البلدين (225) .(9/129)
4- شكل التحالف الاسرائيلي التركي اختراقاً للامن القومي العربي والاسلامي، ويتضح ذلك من خلال ما يلي:
أ- ان اسرائيل قد استغلت الاراضي والأجواء التركية، للتجسس على ايران والعراق وسوريا، بحيث غدت نسبة لا بأس بها من اسرارها العسكرية في متناول يد اسرائيل وتركيا (226) . كما ان بامكان الطائرات الاسرائيلية المتواجدة في القواعد الجوية التركية توجيه ضربات جوية للاهداف الحيوية والهامة في تلك الدول، وحتى يمكن ان تصل الى دول الخليج (227) . وتعتبر صحيفة هاراتس - الإسرائيلية ان تحليقات سلاح الجو الاسرائيلي في المجال الخلفي لسوريا بشكل اساس ردع لايستهان به (228) . وبالنسبة لايران سوف تكون أهم الأهداف الاقتصادية والعسكرية، على بعد يتراوح ما بين 500-700 كليو متر، إذ ان الطائرات الاسرائيلية المتمركزة في الاراضي التركية بإمكانها ضرب تلك الاهداف دون الحاجة الى التزويد بالوقود في الجو. وقد ابدى مدير معهد موشى دايان للدراسات الاسيوية والافريقية، التابع لجامعة تل ابيب " إن اسرائيل وتركيا ستقوم ببناء نظام تحالف يمكنه ان يخدمهما بصورة فاعلة في حالة ظهور تهديد أو خطر من ايران وسوريا " (229) . وقد اشارات صحيفة صنداي اكسبرس البريطانية عام 1996م –1416هـ، إلى ان اسرائيل والولايات المتحدة الامريكية وتركيا قد خططت لشن هجمات من الاراضي التركية على المنشأة النووية الرئيسة في إيران، والتي يطلق عليها اسم نيكا، وهي قريبة من بحر قزوين، والتي يعتقد بانها ذات مستوى متطور، ويمكن ان تجعل من إيران دولة ذات قدرة نووية " (230) .(9/130)
ب- وضع التحالف الاسرائيلي – التركي سوريا بين فكي الكماشة الاسرائيلية التركية، واصبحت محاصرة عسكريا في ظل التنسيق العسكري التام بين الدولتين. كما يؤكد ذلك الباحث العسكري ادجار اوبالانس (231) . وكذلك يؤكد ما يكل ايزندات بانه " بامكان الجيش التركي ان يحشد قواته على الحدود مع سوريا. وهذا سيؤدي إلى تقييد الاحتياط الاستراتيجي السوري، وبامكان تركيا ان تسمح للطائرات الاسرائيلية بالهبوط في القواعد التركية لتقوم بتحرير المعلومات الواردة من الطيران الاستطلاعي. وهذا سيدفع سوريا إلى إعادة صياغة أنظمة الدفاع الجوية. وفي البحر، فان بامكان تركيا ان تسمح لاسرائيل بالعمل من خلال القاعدة البحرية في الاسكندرونة، أو في المناطق المحظورة في المياه التركية قريبا من سوريا مما يدفع سوريا لتوزيع اسطولها " (232) .
ج- استطاعت إسرائيل من خلال تحالفها مع تركيا اختراق جدار الأمن القومي العربي والإسلامي، وذلك لأن تركيا دولة ذات أغلبية سكانية مسلمة، ولو أنها موالية للغرب، قد اقامت تحالفا مع دولة معادية للعرب والمسلمين ورأس حربة للاستعمار. وقد منح ذلك اسرائيل صفة رسمية لدخول منطقة الشرق الأوسط وكما أن هناك مخاوف عربية وإسلامية، من حدوث اختراق آخر، يتمثل في انضمام دول عربية الى التحالف الاسرائيلي – التركي، وبخاصة الاردن الذي تربطة علاقات متميزة مع الدولتين، ومع الولايات المتحدة الراعية لذلك الحلف (233) .
د- يعتبر التحالف الاسرائيلي – التركي، ركيزة من ركائز السياسة الامريكية في منطقة الشرق الاوسط، وبالتالي فان الحلف يمثل امتداداً لسياسة الاحلاف الغربية في المنطقة العربية التي ظهرت في فترة الخمسينيات الميلادية. ويعد بمثابة ذراع متقدمة لتحقيق السياسة الامريكية في المنطقة، وينظر إليه على انه رأس حربة للاستعمار الامريكي في المنطقة (234) .(9/131)
ويتبين مما سبق، ان التعاون العسكري الاسرائيلي – التركي، يشكل خطراً جسيماً على الامن القومي العربي والاسلامي لانه سيحاصر بعض الدول العربية كسوريا، والاستفادة من الاراضي التركية للتجسس على ايران والعراق وسوريا، مما يعني ان بعض الاسرار العسكرية لتلك الدول قد اصبحت معروفة لدى اسرائيل وتركيا، اضافة الى انه يمكن توجيه ضربات عسكرية مؤلمة الى تلك الدول، من الاراضي التركية، وعليه فان الاوضاع العسكرية والاستراتيجية للدول العربية والاسلامية محرجة جداً في ظل غياب التنسيق والتعاون العسكري العربي والاسلامي.
خامسا- المواقف العربية والإسلامية من العلاقات العسكرية الاسرائيلية- التركية:
اتصفت المواقف العربية والاسلامية ازاء العلاقات العسكرية الاسرائيلية – التركية بشكل عام بالمعارضة والتنديد والشجب، منطلقة من كون تركيا دولة ذات أغلبية سكانية اسلامية لها ارتباط ديني وتاريخي مع العالمين العربي والاسلامي، لما يزيد عن ستمائة عام، إضافة إلى انها مجاورة لأهم البلدان العربية والاسلامية، عسكرياً واقتصاديا وبشريا وهي ايران وسوريا والعراق. كما ينظر الى تلك العلاقات بانها احياء جديد لسياسة الاحلاف، التي ظهرت في المنطقة في فترة الخمسينيات الميلادية، كحلف بغداد عام 1955م – 1375هـ (235) ولتسهيل دراسة المواقف العربية والاسلامية من العلاقات العسكرية الاسرائيلية – التركية فانه سيتم دراسة تلك المواقف من ناحيتين الأولى، مواقف والمنظمات والمؤسسات العربية والاسلامية وبخاصة جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الاسلامي، والثانية دراسة مواقف أهم ردود فعل الدول العربية. وفيما يتعلق بمواقف المؤسسات والمنظمات العربية والاسلامية فيمكن اجماله على الشكل التالي:
أ - موقف جامعة الدول العربية:(9/132)
اولت جامعة الدول العربية موضوع العلاقات العسكرية الاسرائيلية - التركية عنايتها الخاصة، منذ ان بدأت تلك العلاقة تتخذ ابعاداً جديدة، وبخاصة بعد التوقيع على الاتفاقية العسكرية والامنية الاسرائيلية – التركية في شباط 1996م - رمضان 1416هـ. وعلى أثر ذلك عقد مؤتمر القمة العربي في القاهرة في حزيران 1996م-محرم 1417هـ. وقد طالب المؤتمر تركيا باعادة النظر في تلك الاتفاقية (236) . كما ادانت الجامعة الاتفاقية باعتبارها تهديدا للدول العربية المجاورة لتركيا (237) . وبعد اجراء المناورة البحرية المشتركة اوائل عام 1998م - 1418هـ ابدت الجامعة على لسان امينها العام عصمت عبد المجيد قلقها ازاء تلك المناورة (238) .
لقد نظرت جامعة الدول العربية في الاثار المترتبة على العلاقات العسكرية الاسرائيلية – التركية على منطقة الشرق الاوسط، واعتبرتها تعرض المصالح العربية للخطر، وذلك بعودة المنطقة من جديد الى سياسة الاحلاف والمعاهدات التي ظهرت سابقا في فترة الخمسينيات (239) . وقد حاولت الجامعة من وقت الى آخر، ان تحث تركيا على ضرورة إعادة النظر في علاقاتها مع اسرائيل (240) . وذلك من خلال التأكيد على " الماضي المشرف للشعب التركي في الدفاع عن القيم الاسلامية، وعن الاماكن المقدسة من الغزو الصليبي البرتغالي في القرن العاشر الهجري / السادس عشر الميلادي، وفي المقدمة منها القدس الشريف … والرصيد التاريخي للعلاقات الثقافية والحضارية والدينية العربية- التركية " (241) .
وعلى الرغم من جهود جامعة الدول العربية تلك، فانها لم تتخذ مواقف حازمة او خطط عملية واضحة المعالم لسبل التصدي للتعاون العسكري الإسرائيلي – التركي، ولعل ذلك يعزى الى ضعف امكانيات وقدرات الجامعة في شتى النواحي، إضافة ان بعض الدول العربية مثل الأردن، كانت تعارض اتخاذ اجراءات عملية ضد تركيا (242) .
ب -موقف منظمة المؤتمر الاسلامي:(9/133)
عقد مؤتمر للقمة لمنظمة المؤتمر الاسلامي في طهران خلال شهر كانون الأول 1997م –شعبان 1418هـ وشاركت فيه معظم الدول الاسلامية، ومن بين جملة المواضيع التي تم بحثها موضوع العلاقات الاسرائيلية التركية، وتعرض الوفد التركي الذي ترأسه الرئيس سليمان دميرل إلى انتقادات شديدة حتى ان هذا الوفد لم يستطع الاستمرار في المؤتمر إلى نهايته. وقد تجسد الموقف الاسلامي في المؤتمر في البيان الختامي، إذ ورد في احد قراراته الرئيسة إدانة تركيا، وان لم تذكر بالاسم لتعاونها مع اسرائيل. وتجدر الاشارة الى ان سوريا هي التي قادت عملية ادانة تركيا في المؤتمر (243) .
وعلى صعيد مواقف أهم الدول العربية والاسلامية من العلاقات العسكرية الاسرائيلية- التركية، فيمكن اجمالها على الشكل التالي:
أ - الموقف السوري:
كانت سوريا، من الاهداف الرئيسة للعلاقات العسكرية الاسرائيلية - التركية، إذا اعتبرت ان تلك العلاقة خطراً يتهددها، لذلك قامت بالعديد من الاجراءات لتخفيف وطأة تلك العلاقة، منها تبيان اخطارها على المنطقة، وحث الدول الاسلامية على التصدي لها. كما انها سعت إلى توطيد علاقاتها مع كل من إيران والعراق واليونان إذ انها وقعت مع الأخيرة اتفاقا عسكريا عام 1995م –1415هـ، كان من بنوده السماح للطائرات العسكرية لدى الجانبين باستخدام مطارات الدولة الأخرى، في حالة وقوع اعتداء عسكري على أي منهما (244) .(9/134)
وبعد تسريب بعض المعلومات عن الاتفاقية العسكرية والامنية الاسرائيلية - التركية، في شهر نيسان 1996م –ذو القعدة 1416هـ، استدعت وزارة الخارجية السورية السفير التركي في دمشق في 8/4/1996م– 20/11/1416هـ، واعربت له عن احتجاجها على تلك الاتفاقية كما أبرزعدنان عمران، مساعد وزير الخارجية السوري لدى اجتماعه مع السفراء العرب في دمشق، خطورة الاتفاق وانعكاساته السلبية على العالم العربي، وعلى السلام في المنطقة، واعتبره عودة لسياسة الاحلاف، وتحدي صارخ لدول الجوار، وإنه اعلان للحرب. وطالب السفراء، تنسيق الجهود العربية ازاء ذلك (245) .
كما نشطت الدبلوماسية السورية في المجالين العربي والاسلامي لبناء جبهة موحدة لمواجهة التعاون العسكري الاسرائيلي - التركي، فعقدت مؤتمراً للقمة شاركت فيه اضافة الى سوريا مصر والسعودية. وعقد في العاصمة السورية دمشق في شهر حزيران 1996م– محرم 1417هـ. وصدر المؤتمر في ختام اعمالة بيانا عبر عن قلق تلك الدول من التحالف الاسرائيلي – التركي، كما طالب تركيا باعادة النظر في الاتفاق العسكري الموقع مع اسرائيل (246) .
وقد اعتبر فاروق الشرع، وزير الخارجية السوري، ان التحالف الاسرائيلي - التركي من شأنه ان يؤدي إلى مواجهة عسكرية مع سوريا، بهدف الضغط عليها وعلى الدول المجاورة لتركيا: إيران والعراق، وحتى الدول الخليجية، في ظل تعاون عسكري وأمني يهدف إلى اضعاف الأمن القومي العربي، وزيادة السيطرة الاسرائيلية والتركية على الاراضي العربية، والسعي لاحداث انقسام عربي وإسلامي (247) .(9/135)
ووصفت الخارجية السورية المناورات البحرية الإسرائيلية – التركية – الامريكية، التي جرت عام 1998م–1418هـ، بأنها " ألعاب حرب، وتتنافى مع روح السلام " (248) . كما وصفت التدريبات المشتركة لسلاحي الجو الإسرائيلي والتركي، في اراضي الأخيرة، والتي جرت بين عامي1997-1998م / 1417-1418هـ بأنها موجهة ضد سوريا (249) .
الموقف المصري:
أبدت مصر اهتماماً ونشاطاً واضحاً في مجال العلاقات العسكرية - الإسرائيلية التركية، وأثرها على العالمين العربي والإسلامي، ولعل ذلك يبرر بأهمية الدور المصري على الصعيدين العربي والإقليمي، إضافة إلى أن تلك العلاقة من شأنها أن تؤثر سلباً على المنطقة برمتها، بما في ذلك مصر نفسها (250) .
لقد تمثل الموقف المصري من الاتفاقية العسكرية والأمنية الإسرائيلية – التركية، بما يلي:
- إدانة وانتقاد الاتفاقية، وقد تجسد ذلك في التصريحات العديدة التي أدلى بها وزير الخارجية المصري، عمرو موسى، منها أنها " ظهرت في وقت غير مناسب، ولا تساعد في الجهود لتحقيق السلام في المنطقة" (251) .
وفي تصريح آخر قال عنها: " أقل ما يقال عن ذلك بأنه عمل عدواني ضد الدول العربية وتشكل خطراً على أمن الشرق الأوسط " (252) . أما الرئيس حسني مبارك فقد صرح في 29/5/1996م –12/1/1417هـ بأنه أبدى عدم تفهمه لوجهتي النظر الإسرائيلية والتركية بشأن أهداف إجراء التدريبات الجوية المشتركة بمحاذاة السواحل السورية، والتي تتمثل في محدودية مجال إسرائيل الجوي. وقد حذر الرئيس مبارك من أي اعتداء تركي على سوريا لأنه سيؤدي إلى مشكلات كبيرة في المنطقة (253) .(9/136)
- أوفد الرئيس المصري، حسني مبارك، وزير خارجيته، عمرو موسى، إلى تركيا في الفترة2-3/5/1996م –14-15 ذو الحجة1416هـ، لتقصي الحقائق فيما يتعلق بالاتفاقية العسكرية الإسرائيلية – التركية. وقد أكدت الأخيرة أن الاتفاقية تدريبية وليست استراتيجية، ولا تستهدف أي دولة في المنطقة وأن أنقرة لن تقف إلى جانب تل أبيب في الصراع العربي – الإسرائيلي (254) .
- تواصل الاهتمام المصري بالعلاقات العسكرية الإسرائيلية - التركية المتنامية، إذ قام الرئيس حسني مبارك بزيارة أنقرة في 11 تموز 1996م-25 محرم 1417هـ وليوم واحد، قدمت فيها تركيا تفسيرات لعلاقاتها العسكرية مع إسرائيل، وأنها تقوم على المنفعة المشتركة وليست موجهه ضد طرف آخر (255) .
- وتابع الرئيس حسني مبارك اهتمامه بالعلاقات العسكرية التركية مع إسرائيل، إذ اجتمع مع الرئيس سليمان دميرل في 16/9/1997م -14/5/1418هـ، لبحث قضايا مشتركة بينهما، إضافة إلى موضوع اجراء المناورات البحرية المشتركة مع إسرائيل والولايات المتحدة التي أعلن عنها في ذلك العام. وقد حصل الرئيس مبارك على تفسيرات مطمئنة من تركيا لكونها تهدف إلى التدرب على عمليات البحث والإنقاذ (256) . وبعد إجراء تلك المناورات عام 1998م –1418هـ أعلن وزير الخارجية المصري، عمرو موسى،" أن المناورات تحمل رسالة سلبية، وهي خطوة سلبية " (257) .
- ولم تقتصر الجهود المصرية ازاء تنامي العلاقات العسكرية الإسرائيلية - التركية على ما ذكر سابقاً، بل أسهمت إلى جانب دول أخرى كإيران، في تهدئة الأوضاع بين تركيا وسوريا، عندما هددت الأولى باحتلال سوريا عسكرياً (258) .
ويبدو أن الجهود المصرية السابقة، لم تعجب الجانب الإسرائيلي، مما حدا برئيس دولتها، عزرا وايزمن، أن يعرب عن أمله في " أن يواصل الرئيس المصري قيادة عملية السلام، ولكن ليس بطريقة ملتوية " (259) .
ج - الموقف الإيراني:(9/137)
اهتمت إيران بالعلاقات العسكرية الإسرائيلية - التركية، لكونها مستهدفة فيها ومن شأنها أن تشكل خطراً عليها. فقد أعلنت شجبها لتلك العلاقة (260) ، واعتبرتها في غير صالح تركيا، لأنها ستشير غضب الشعب التركي المسلم عليها (261) .
وفي أثناء اجتماع رؤساء دول " منظمة التعاون الاقتصادي الأسيوية – ايكيو " الذي عقد في شهر أيار 1996م -ذو الحجة 1416هـ، في عشق اباد عاصمة تركمنستان، التقى الرئيسان الإيراني هاشمي رافسنجاني، والتركي سليمان دميرل، وتباحثا في موضوع الاتفاقية العسكرية والأمنية الإسرائيلية – التركية، وقد نفى دميرل عقد تركيا لاتفاقيات عسكرية مع إسرائيل، وأن أنقرة تسعى لتطوير علاقاتها مع إيران فيما أكد رافسنجاني بأن الإسرائيليين سوف يستغلون تلك الاتفاقية لضرب إيران (262) .
وقد ادانت كل من تركيا والأردن لمشاركتهما إسرائيل والولايات المتحدة في المناورة البحرية المشتركة التي جرت بداية عام 1998م –1418هـ (263) . واعتبرتها تصعيداً لحدة التوتر في المنطقة، كما حثت تركيا على إجراء مراجعة شاملة لعلاقاتها مع إسرائيل، وعدت تلك المناورة تعارضاً مع القرارات التي اتخذها مؤتمر قمة منظمة المؤتمر الإسلامي عام 1997م - 1417هـ، الذي أشار إلى الخطر الإسرائيلي على المنطقة برمتها. ومن وجهة النظر الإيرانية، فإن المناورات تعتبر تهديداً للأمن في المنطقة (264) .
ولعل المخاوف الايرانية من العلاقات العسكرية الإسرائيلية – التركية، تكمن في القدرة العسكرية المتطورة التي تمتلكها إسرائيل، والتي من خلالها تستطيع تهديد مرافقها ومنشآتها العسكرية والاقتصادية، مما يشكل خطراً كبيراً على أمنها (265) .
د - مواقف الدول العربية الأخرى:(9/138)
فيما يتعلق بالموقف العراقي من العلاقات العسكرية الإسرائيلية – التركية، فقد اتصف بالتنديد والشجب من خلال التصريحات الإعلامية، ولم يكن فاعلاً في هذا المجال، وهذا مبرر بسبب المشاكل الاقتصادية والعسكرية والاجتماعية التي يعاني منها جراء الحصار المفروض عليه. فقد أكد مندوب العراق لدى الأمم المتحدة نزار حمدون في 16/4/1996م 16/11/1416هـ بأن تركيا لم تراع الرفض العربي والإسلامي لتلك الاتفاقية، ولم تراع حساسية جيرانها العرب والمسلمين (إيران، سوريا، العراق) .، وأن من شأن ذلك أن لا يساعد على استقرار منطقة الشرق الأوسط (266) . كما ادان وزير الخارجية العراقي، محمد سعيد الصحاف، المناورات العسكرية الجوية والبحرية المشتركة بين إسرائيل وتركيا، باعتبارها عمل استفزازي ضد الأمة العربية (267) .
أما الدول الخليجية بعامه، فقد أخذت بعين الاعتبار الأوضاع السياسية والاقتصادية والإستراتيجية التي حدثت في المنطقة، بعد تطور العلاقات الإسرائيلية – التركية، وأثرها في إدخال عنصر غريب في المنطقة (268)
فيما اعربت لبنان عن قلقها من التعاون التركي – الإسرائيلي في المجالات العسكرية، واعتبرته تهديداً للأمن القومي العربي والإسلامي بعامه، وسورية بخاصة (269) . وكذلك عبرت ليبيا عن قلقها إزاء الحلف العسكري الإسرائيلي – التركي المشبوه، الذي يستهدف " النفط والمصادر المائية " في المنطقة (270) . أما الموقفان الأردني والفلسطيني من العلاقات العسكرية بين إسرائيل وتركيا فلم يندد بتلك العلاقة، بل العكس من ذلك، إذ ان الأردن قد شارك في المناورات البحرية المشتركة عام 1998م - 1418هـ، ومرشح للدخول في الحلف التركي – الإسرائيلي. أما الموقف الفلسطيني، فلم يهمه هذا الموضوع كثيراً وكل ما يريده من تركيا أن تقوم بدور بارز في عملية السلام مع إسرائيل (271) .(9/139)
وعلى الرغم من الاعتراضات والتنديدات العربية والإسلامية بشكل عام، فان تركيا لم تأبه بها، حيث اعتبر سليمان دميرل" ان مصالح الأمة التركية أهم بكثير من أي اعتراضات عربية على علاقات تركيا مع إسرائيل، وأكد على أن تركيا " دولة مستقلة، ولا يحق لاي كائن من كان ان يحدد لنا ما ينبغي أن نفعله " (272) . ويبدو ان تركيا قد نجحت إلى حد ما أواخر 1998-1999م / 1418-1419هـ في التخفيف من ردود الفعل العربية والإسلامية، إذا ما قورنت بردود الفعل العربية والإسلامية بين عامي 1996-1997م (273) .
ويستخلص مما سبق تباين المواقف العربية والإسلامية من العلاقات العسكرية الإسرائيلية- التركية، فسوريا ومصر وإيران بذلت جهوداً ملحوظة لشرح خطورة تلك العلاقة وتأثيراتها السلبية على منطقة الشرق الأوسط، وحاولت توحيد الجهود العربية والإسلامية في هذا المجال. فيما لجأت بقية الدول العربية إلى الشجب والاستنكار والتنديد، أما الأردن وفلسطين، فأقل ما يقال عن موقفهما انه اتصف بالسلبية، لانطلاقه من مصلحتهما الخاصة. وتأسيساً على ما سبق فان ردود الفعل العربية والإسلامية لم تكن موحدة، وغلب عليها ردود الفعل الآنية على الأحداث الهامة، دون أن يكون لها خطط منظمة وواضحة المعالم للتصدي لتلك العلاقة، الأمر الذي سيزيد من أخطارها على المنطقة.
الخلاصة:
1- جاءت العلاقات العسكرية الإسرائيلية- التركية نتيجة لظروف وعوامل سياسية واقتصادية وعسكرية داخلية وخارجية لكل من تركيا وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، وفيها مصالح مشتركة لهم.
2- تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية الداعم الرئيس للعلاقات العسكرية الإسرائيلية – التركية، لإن مبدأ رئيس من مبادئ سياستها الشرق أوسطية، يقوم على إنشاء تحالف إسرائيلي – تركي، يخدم المصالح الأمريكية في المنطقة، ويحافظ على الأمن والاستقرار، وإحتواء الأنظمة المعارضة لها.(9/140)
3- تميزت العلاقات العسكرية الإسرائيلية - التركية بتطورها وتقدمها، حيث وصلت إلى مرحلة التكامل الإستراتيجي، وهي في طور التحالف، وهناك مؤشرات على تنامي تلك العلاقات خلال الفترات القادمة.
4- قامت إسرائيل بتزويد تركيا بأفضل ما وصلت اليه الفنية العسكرية على المستوى العالمي، ومن شأن ذلك ان يضع تركيا في مقدمة الدول المتقدمة عسكرياً في المنطقة، وحتى على المستوى العالمي، خلال الفترات القادمة. وفي المقابل، فان الأتراك سيعتمدون عسكرياً على إسرائيل، مما يجعل السياسة التركية رهينة الظروف والرغبات الإسرائيلية.
5- تميزت العلاقات العسكرية الإسرائيلية - التركية بالتنوع والشمول لشتى مجالات التعاون البري والبحري والجوي، الذي تمثل في قيام إسرائيل ببيع أسلحة إلى تركيا، وقيامها بتحديث جيشها، وإقامة مشاريع عسكرية مشتركة، واجراء مناورات وتدريبات مشتركة، واجراء حوارات إستراتيجية بصورة مستمرة، إضافة إلى التعاون في مجالات عسكرية هامة كالتعاون في المجال النووي، وفي مجال الفضاء لأغراض عسكرية.
6 – عضدت العلاقات العسكرية الإسرائيلية – التركية، دورهما الإقليمي في المجالات الاقتصادية والسياسية والعسكرية والأمنية، وزادت من نفوذهما وهيمنتهما على المنطقة، وتسعيان إلى صياغة شرق أوسط، جديد وفقا لمصالحهما ورؤيتهما للأمور. وقد يطلب منهما، مستقبلاً القيام بمهام محددة للولايات المتحدة الأمريكية.
7-حدث اختلال في توازن القوى في الشرق الأوسط لصالح إسرائيل وتركيا، لما تمتلكانه من تعداد يناهز المليون مقاتل، إضافة إلى فنية عسكرية متقدمة جداً، هذا في ظل ضعف التنسيق العسكري العربي، ووجود الخلافات بين بعض الدول العربية، ونقص في الإمدادات العسكرية لبعض الدول الأخرى.(9/141)
8-يشكل التحالف العسكري بين إسرائيل وتركيا، خطراً، وتهديداً للأمن القومي العربي والإسلامي (إيران) ، لأن إسرائيل استغلت الأراضي والاجواء التركية، للتجسس العسكري على إيران وسوريا والعراق. واتخذتها وسيلة للضغط العسكري على تلك الدول، لتحقيق أهدافها الخاصة، إضافة إلى ان تركيا ستتخذ ذلك وسيلة ضغط على الدول المجاورة لها، والتي تواجهه مشاكل معها.
9- لم تتناسب المواقف العربية الإسلامية بعامة مع حجم ونوع التحالف القائم بين إسرائيل وتركيا، وإذ غلب على المواقف العربية التنديد والشجب دون وضع الخطط المناسبة لذلك، أو اتخاذ إجراءات عملية مناسبة.
الهوامش والتعليقات
1-Ihsan Gurkan," Turkish – Israeli Relations and the Middle East Peace Process” Turkish Review of Middle east stadies ,7,1993,p.191.
2- آلون ليآل، تركيا في الشرق الأوسط: نفط وإسلام وسياسة، ترجمه عن العبرية الدار العربية للدراسات والنشر والترجمة، القاهرة، 1999م، ص 115.
3- Neill Lochery, " Israel and Turkey: Deeping Ties And Strategic Implications 1995-1998 " , Israel Affairs, vol. 5, No. 1, Autuman 1998, p. 46.م.
الوثائق السرية للمخابرات الأمريكية، المخابرات الإسرائيلية، ترجمة وإعداد مجدي نصيف، الوطن العربي، بيروت، 1984م، ص 68.
4- بشارة بحبح وليندا بتلر، إسرائيل وأمريكا اللاتينية: البعد العسكري، ترجمة أسامة البابا، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، 1987م، ص 17.
5– خليل إبراهيم الناصري، التطورات المعاصرة في العلاقات العربية التركية، د. ن، بغداد، 1992، ص 204
6 –Lochery , OP. Cit. , P. 46.
7- وصال نجيب العزاوي " أبعاد التعاون العسكري التركي – الإسرائيلي، دراسة في الدوافع والأهداف "، دراسات إستراتيجية (بغداد) ، عدد 5، 1998م، ص 259-260.(9/142)
8-هشام فوزي عبد العزيز، " التقارب التركي من إسرائيل في التسعينيات: دراسة تحليلية للأسباب والعوامل التي ساعدت تركيا على التقارب من إسرائيل "، بحث غير منشور، ص 5-8-10.
9- M. Hakan Yavuz, " Turkish – Israeli Relations Through the lens of the Turkish Identity , Journal of Palestine Studies , vol. 27, No 1, Autuman 1997 , pp. 26 – 29.
10- Ihasan Gurkan , " Turkish – Israeli Relations and the Middle East Peace " , Turkish Review of the middle East Studies (Ankra) , 1993,PP. 133 – 136.
11- George Gruen , " Dynamic Progress in Turkish – Israeli Relations " , Israel Affairs , vol. 1 No.4 , Summer 1995 , pp. 40 – 41.
12- Robert Olson, " Turkey – Syria Relations Since the Gulf War , kurds and Water " , Middle East Polisy. vol. V, No.1 , 1997 , p. 179.
13- اوري لوبراني، " العلاقات بين إسرائيل ودول الجوار المحيطة بالعالم العربي: تركيا وإيران وأثيوبيا "، في ندوة الموقف الإسرائيلي من الجماعات الأثنية والطائفية في العالم العربي، ترجمه عن العبرية الدار العربية، الدار العربية، القاهرة، 1997 م، ص 11-21.
14- العزاوي، المرجع السابق، ص 260-262.
15- جريدة معريف الإسرائيلية 12/8/1993م، ترجمة مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية، النشرة الأسبوعية للصحافة الإسرائيلية، 8/8/1993م – 12/8/1993م، عدد 32، 1998م، ص 200، " مأمون كيوان "، العلاقات الإسرائيلية- التركية "، مجلة الأرض (دمشق) ، عد10، تشرين الأول / أكتوبر 1995م، ص 69.
16- نزار آغري، " الاتفاق التركي – الإسرائيلي للتعاون العسكري والأمني "، شؤون الأوسط (بيروت) عدد 62، أيار/ مايو 1997م، ص 109.(9/143)
17- جريدة دافار الإسرائيلية 17/10/1994م- ترجمة مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية، الدورية السابقة، عدد 41، 1994م ص 593.
18- جريدة هارآتس الإسرائيلية 18/9/1995م –، ترجمة مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية، الدورية السابقة 28/9/1995م، ص 25.
19- دانيال بايبس، " محور جديد: بروز الوفاق التركي – الإسرائيلي "، البيان (لندن) ، عدد، 125، مايو1998م، ص 112-121؛ إدجار أو بالانس " الارتباط الإسرائيلي – التركي "، الحرس الوطني (الرياض) ، عدد 197، سنة 20، كانو الأول / ديسمبر 1998م، ص.60-62.
20- Jennifer Washburn “ Power Bloc: Turkey and Israel Lock Arms, “ Progressive, 29 December 1998, p. 20; Alain Gresh Turkish –Israeli – Syrian ReLations and Their Impact on the MiddLe East, MiddLe East JournaL, voL. 5, no. 2, Spring 1998 pp. 189-190; NicoLe Pope “ Expandiny Ties with Israel “. MrMiddLe East Interna tional. No.579.17 JuLy 1998. p.11.
21- فيليب روبنس، في حلقة نقاشية حول التعاون التركي – الإسرائيلي، الباحث العربي، عدد 47، أيار – حزيران 1998م، ص 60-61؛ جلال معوض، صناعة القرار في تركيا والعلاقات العربية – التركية،مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1998م، ص 221-224.
22- قيس محمد نوري، " التحديات التي يفرضها التعاون العسكري - الإسرائيلي على الأمن القومي العربي "، دراسات، عدد 122 كانون الثاني 1998م، ص 64.
23- Pope ,Turkey: Expanding Ties With IsraeL , Op.Ct. , P.11-21.
24- هشام فوزي عبد العزيز، " دور التحالف التركي – الإسرائيلي في التصدي للنفوذ الإسلامي وعمليات الأكراد المسلحة في تركيا "، مجلة البصائر – (جامعة البتراء الأردنية) ، م4،ع2 أيلول 2000،ص23-29
25- Yavuz. Op. Cit., p. 30.(9/144)
26- NicoLe Pope ,” Turkey,s GeneraLs Behind The IsraeL Axis, MiddLe East,16 No.550May. 1997 , P. 3. International ,
رضا هلال، السيف والهلال: تركيا من اتاتورك إلى اربكان،الصراع بين المؤسسة العسكرية والإسلام السياسي. دار الشروق، القاهرة، 1999م، ص 179-180.
27- بايبس، المرجع السابق، ص 114-115.
28- عبد العزيز، دور التحالف التركي – الإسرائيلي، المرجع السابق، ص 14-10.
29- Peretz Kidron “ EncircLing Syria “ , Middle East International, No.550, 16 May 1997, p. 4.
جريدة معريف الإسرائيلية 30/4/1997م، ترجمة مؤسسة الأرض للدراسات
الفلسطينية، الدورية السابقة، عدد18، 17/5/1997م، ص293.
30- Kidron. Op. Cit., P. 4.
هاراتس، 9/12/1997م ترجمة مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية، الدورية
السابقة، عدد 50، 17/12/1997م، ص766-677
31 - Lochery, O P. Cit. , P. 53.
32- جريدة هاراتس 17/6/1998م، ترجمة مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية، الدورية السابقة، عدد 43، 24/6/1998م، ص 343.
33- جريدة معريف 15/12/1998م، مجلة الأرض (دمشق) ، عدد 1، كانون الثاني 1999م، ص 102.
34- عبد العزيز، دور التحالف التركي – الإسرائيلي، المرجع السابق، ص 3-8، 11-14.
35-نفس المرجع، ص 8-9، 14-18.
36- Malik Mufti, “ Daring and Caution in Turkish Foreign Policy “ , Middle East Journal , vol. 52 , No. 1 , Winter 1998 , PP. 33-34
37 Olson , Turkey – Syria Relations , Op. Cit. , P. 170-190; Gresh , OP. Cit. , PP. 188 –202
38 - عبد العزيز، التقارب التركي من إسرائيل في التسعينيات، المرجع السابق، ص 13.
39 - Olson , Turkey – Syria ,Op.Cit., PP. 107 – 190. Gresh ; Op. Cit. , PP. 190 – 192. Kidron , Op. Cit. , P. 4 ; Mufti ,Op Cit. , P. 35.(9/145)
40- افرايم عنبر، " التعاون الاستراتيجي بين إسرائيل وتركيا " في تركيا وإسرائيل في شرق أوسط متغير، حوارات حول قضايا الأمن القومي، ترجمة الدار العربية، الدار العربية، القاهرة، 1996م، ص 62.
41- عبد العزيز، التقارب التركي من إسرائيل في التسعينيات، المرجع السابق، ص 12.
42- Amikam Nachmani, "The Remarkable Turkish – Israeli Tie " , Middle East , vol. v ,No. 2 , 1998 , P. 25.Quarterly
43washburn , Op. Cit. , P. 21.
44-Sabri Sayari, " Turkey and the Middle East in the 1990 s " , Journal of Palestine Studies , vol. xxvl, No. 3,1997,P. 49. Alan Makovsky," Israeli – Turkish Relations, A Turkish Periphery Stratege " , in Reluctant Neighbor Turkey,s Role in the Middle East , Henri T.Barkey (editor) , United State Institute of Peace Press , Washington , D.C, 1996, P. 154,.
45- Washburn , OP. Cit. , pp. 20-21 , Makovsky, Op. Cit., p. 164.
46- هشام فوزي عبد العزيز " التعاون " التركي- الإسرائيلي في مجال الإقليمي 1991-1998 "، بحث مقبول للنشر في مجلة المنارة، جامعة ال البيت (المفرق – الأردن) ، ص6 –27.
47- Washburn Op. Cit. P. 23 , Makovsky. Op.Cit. , P. 152-156
48- Yavuz , Op. Cit. , P.30.
49- ايان ليسر، تركيا والغرب بعد حرب الخليج، ترجمة ظافر قطمة، الثقافة العالمية (الكويت) ، عدد 54أيلول 1992 ص 142-144؛ بوليك باشا، المرجع السابق، ص 36-38.
50- Lochery, Op.Cit., p. 46
بحبح وبتلر، المرجع المذكور، ص 3-12، اوبالانس، المرجع المذكور، ص61.
51- راسم محمد قاسم، " العلاقات العسكرية التركية – الإسرائيلية "، تقديرات اسراتيجية (القاهرة) ، عدد 66، 15 كانون الاول 1997م، ص 48.
52-Washburn. Op. Cit. P. 19 , Lochery , OP. Cit. , P. 4 6.(9/146)
53– kidron, Op. Cit., P. 4.
54–Makovsky , OP. Cit. , P.149; Robert Olson , " The Turkey – Israel Agreement and the kurdish question " , Middle East International , No. 526 , 24 May 1996 , P. 18 ; Washburn ,
OP. Cit., P. 20, kidron, OP. Cit., P4.
55– لوبراني، المرجع السابق، ص170-18،21.
56– Olson, The Turkey – lsrael
Agreement, Op. Cit., P. 18.
كيوان، المرجع السابق، ص 56-57.
57- Lochery , OP. Cit., P. 46 , Olson , The Turkey – Israel Agreement , OP. Cit. , P. 8
هيثم الكيلاني، " الاتفاق التركي – الإسرائيلي "، الحرس الوطني (الرياض) . عدد 204،اكتوبر 1999م، ص 33.
58- عبد العزيز، التعاون التركي – الإسرائيلي في المجال الإقليمي، المرجع المذكور، ص 16-25.
59- Gurkan , Op. Cit. , P. 118 – 127.
عوني عبد الرحمن السبعاوي، إسرائيل ومشاريع المياه التركية. مستقبل الجوار المائي العربي، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، 1997م، ص 20-40.
60 – عزرا بنجو وغينجر اوزجان، " التحالف التركي – الإسرائيلي: وجهة نظر باحثين إسرائيلي وتركي في الحلف القائم بين بلديهما "، جريدة الحياة، 13/9/1997م، ص 19.
61- بايبس، المرجع السابق، ص 120.
62-Gresh , OP. Cit. , P. 199.
63- ستيفن كينزر، " تركيا تتجه نحو إقامة علاقات استراتيجية جديدة " هيرالد تربيون الدولية 29/12/1997م، الترجمة العربية في مجلة النافذة (الدمام) ، عدد 2، مارس 1998م، ص 65.
64- Arieh Osullivan, " Defens Ties With Turkey bolstered “ , The Jerusalem Post lnternational , December 9 , 1997 , P 4.(9/147)
65- Lochery , OP. Cit. , P. 32. Gresh; Op. Cit., P. 191; Pope, Turkeys Generals behind Israel Axis, Op. Cit. , p. 3. 66- Osullivan, OP. Cit., P. 4. كينزر، تركيا تتجه نحو إقامة علاقات استراتيجية جديدة، الدورية السابقة، ص 65، جنكيز تشاندار، " التقارب التركي – الإسرائيلي "، شؤون الأوسط (بيروت) ، عدد 51، نيسان – آيار، 1996م. ص 37.
67- Nachmani , OP. Cit. , P. 24 ; Yavuz, OP. Cit , P. 29.
68- لوبراني، المرجع السابق، ص 15.
69- نفس المرجع، ص 18-19
70- Washburn Op. Cit. , p. 21.
هاراتس 26/1/1998م، ترجمة مؤسسة الارض للدراسات الفلسطينية، المرجع السابق، عدد 20، 20/1/1998م، ص 33.
71- سها بوليك باشا " تطور العلاقات بين تركيا وإسرائيل والدول العربية المجاورة "، الباحث العربي (لندن) عدد 48، تموز تشرين الأول 1998م، ص 36.
Lochery , Op. Cit. P.52 ,Olson , Turkey and Syria, Op. Cit. , P 169. 180.
72 -هاراتس 14/3/1997م، ترجمة مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية، الدورية
السابقة، عدد 12، 26/3/1997م، ص 102، معريف، 21/10/1997م، نفس الدورية، عدد43، 28/10/1997م، ص 710، هاراتس 25/10/1998م عدد 43، 5/11/1998م، ص 619.
73- لوبراني، المرجع السابق، ص 15، 18-19، الكيلاني، الاتفاق التركي الإسرائيلي، المرجع السابق، ص30.
74- هاراتس 25/10/1998م، المرجع السابق، ص 619.
75- Olson, Turkey and Syria Op. Cit. P. 189-190.
76- بايبس، المرجع السابق، ص 116.
77- إذاعة إسرائيل 23/4/1998م، ورد في مجلة الأرض عدد 5، ايار 1998م، ص98.
78- خالد عبد الله " العلاقات العسكرية التركية – الإسرائيلية: تعاون تسليحي وتدريبي أم تحالف استراتجي "، تقديرات استراتيجية، عدد 74-75، نيسان- ايار 1998م، ص 33.(9/148)
79 – هاراتس 20/4/1998م، ترجمة مؤسسة الارض للدراسات الفلسطينية، الدورية السابقة، عدد 41، 27/10/1998م، ص 20.
80- هاراتس 19/9/1997م، الدورية السابقة عدد 39، 21/10/1997م، ص 50.
81- بايبس، المرجع السابق، ص 116.
82- الكيلاني، الاتفاق التركي- الإسرائيلي، المرجع السابق، ص 30.
83- عبد العزيز، دور التحالف التركي – الإسرائيلي، المرجع السابق، ص15 بايبس، المرجع السابق، ص 116.
84- Olson, Turkey and syria op. Cit. P.180
جريدة يديعوت احرونوت الإسرائيلية 21/2/1997م، ترجمة مؤسسة الارض للدراسات الفلسطينية، الدورية السابقة، عدد 9، 5/3/1997م، ص 142.
85- عبد العزيز، دور التحالف التركي – الإسرائيلي، المرجع السابق، ص 15-17، بايبس، المرجع االسابق، ص 116.
Olson , Turkey and Syria.Op. Cit. , p.180.
86- عبد الله، المرجع السابق، ص34.
87- نفس المرجع.
88- كيوان، المرجع السابق، ص 69، جريدة الرأي الأردنية " العلاقات الإسرائيلية التركية تطل من تحت الرماد " الرأي 27/1/1994م، ص 15.
89- كيوان، المرجع السابق، ص 69 - 86.
90- الرأي الاردنية، المرجع السابق، ص 15.
91- هاراتس 23/10/1994م، ترجمة مؤسسة الارض للدراسات الفلسطينية، الدورية السابقة، عدد 43، 1/11/1994م، ص 27.
92- دافار 20/2/1995م المرجع نفسه، عدد 8، 27/2/1995م، ص 140.
93- معن الحلقي، " الصادرات العسكرية الإسرائيلية في التسعينيات " مجلة الأرض، عدد 9 أيلول 1996م، ص 27.
94- Lochery , Op. Cit, Pp. 49- 50. Olson , Turkey Syria ReLations, Op. Cit. , p. 179.
95- آغري، المرجع السابق، ص 110، يديعوت احرونوت 25/3/1996م، ترجمة مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية، الدورية السابقة، عدد 13، 2/4/1996م، ص 237.
96- بايبس، المرجع السابق، ص 115، الحلقي، المرجع المذكور، ص 27.
97- Yavuz, Op. Cit., p. 29.(9/149)
98- Osullivan , Op. Cit., p. 4
معوض، صناعة القرار في تركيا، المرجع السابق، ص 223.
99- هلال، المرجع السابق، ص 191.
100- أو بالانس، المرجع السابق، ص 60.
101- Gresh Op. Cit., P. 191, Osullivan, Op. Cit. , P.4.
102- Washburn Op. Cit. , p. 21, Nachmani, Op. Cit. , P. 24.
هاراتس25/10/1998م –، ترجمة مؤسسة الارض للدراسات الفلسطينية، الدورية السابقة، عدد42، 5/11/1998م ص619.
103- Nachmani, Op. Cit.p. 24.
بايبس، المرجع السابق، ص 115.
104- بوليك باشا، المرجع السابق، ص 36.
105- عبد الله، المرجع السابق، ص 40، راسم، المرجع السابق، ص 50.
106-Lochery, OP. Cit. , P. 54.
107- هلال، المرجع السابق، ص 179.
108- Nachmani , OP. Cit. , P. 25.
109- Washburn , OP. Cit. P. 20.
110- Lochery , OP. Cit. , PP. 5O – 51.
111- Yavuz , OP. Cit. , P. 29. هاراتس 19/5/1997م -، مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية، المرجع المذكور، عدد 21، 28/5/1997م، ص 542.
112- Nachmani , OP. Cit. , P. 25.
بوليك باشا، المرجع السابق، ص 636، معوض، صناعة القرار في تركيا، المرجع السابق، ص 54.
113- Lochery , OP. Cit. , P. 52.
114- O,sullivan, OP. Cit. , P. 4.
115- Washburn , OP. Cit. , P. 21.
116- Nachmani , OP. Cit. , PP. 25 – 26 , Gresh , OP. Cit. , P. 191.
117- يديعوت أحرونوت 15/7/1997م، ترجمة مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية، الدورية السابقة، عدد 23، 27/7/1997م، ص 23، راسم، المرجع السابق،
ص 50.
118- جريدة الرأي 28/11/1997م، ص 1، جريدة الجزيرة (الرياض) السعودية 28/1/1997م. ص 1
119- Nachmani , OP. Cit. , P. 26.
120- هلال، المرجع السابق، ص 181.
121- معوض، صناعة القرار في تركيا، المرجع السابق، ص 254.(9/150)
122- جريدة الدستور الأردنية (عمان) 28/7/1998م، ص 1، 19.
123- Osullivan, OP. Cit. , P. 5.
124- محمد توفيق جراد " ملف الأرض – شهر حزيران 1994م، مجلة الأرض "، عدد 7، تموز 1994م، ص 111
125- هاراتس 17/6/1994م، ترجمة مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية، المرجع السابق، عدد 25، 28/6/1994م، ص 366.
126- آغري، المرجع السابق، ص 112-117.
127- Nachmani , OP. Cit. ,P. 2 4.
128- John king , " Turkey and Israel ", Middle East International , No. 524, 26 April 1996 , P. 1.
129- يديعوت احرونوت 11/6/1996م، ترجمة مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية، الدورية السابقة، عدد 43، 29/10/1996م، ص 792.
130 – Nachmani , Op. Cit. , P. 24
131- معريف 1/11/1996م، الدورية السابقة، عدد 45، 13/11/1996م،
ص 831.
132- يديعوت احرونوت 20/12/1996م، نفس الدورية، 2/12/1996م - 26/12/1996م، ص 966
133- راسم، المرجع السابق، ص 50.
134- هاراتس 21/4/1998م، وردت في مجلة الأرض، عدد 5، ايار 1998م، ص 98.
135- معريف 14/7/1998م، نفس الدورية، عدد 8، آب 1998م - ص 108.
136- بايبس، المرجع السابق، ص 116؛ راسم، المرجع السابق، ص 50.
137- King , OP. Cit. , P. 11 ; Nachmani , OP. Cit. , P. 24. 138- بايبس، المرجع السابق، ص 116.
139- Nachmani , OP. Cit. P. 24 ;Olson , Turkey - Syria
Relations, OP. Cit. , P. 17.
معريف 31/3/1997م، ترجمة مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية، المرجع السابق،
عدد 14، 8/4/1997م، ص 238.
140- اوبالانس، المرجع السابق، ص 60. هاراتس 9/4/1997م، مجلة الأرض. عدد
5، ايار 1997 1997م، ص 117.
141- نفس الجريدة، 2/5/1997م، ترجمة مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية، الدورية السابقة،عدد 19، 14 / 5 / 1997، ص 34.
142- نفس الدورية.(9/151)
143- نفس الدروية، 18/6/1997م، الدورية السابقة، عدد 25، 25/6/1997م، ص 410
144- بايبس، المرجع السابق، ص 116، معوض، صناعة القرار في تركيا، المرجع السابق، ص 232.
145- هاراتس، 14/5/1997م؛ في مجلة الأرض عدد 6، حزيران 1997م،
ص 87-88.
146- Lochery , OP. Cit. , P. 54.
بوليك باشا، المرجع السابق، ص 19، اوبالانس. المرجع السابق، ص 12.
147- هاراتس 17/12/1997م، ترجمة مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية، الدورية السابقة، عدد5، 24/12/1997م -، ص 780؛ الدورية السابقة 8/1/1998م، يديعوت احرونوت 7/1/1998م، الدورية السابقة، عدد 1، 14/1/1998م،
ص 16.
148- Gresh, OP. Cit., P. 18.
149- هاراتس، 14/9/1998م، ترجمة مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية، الدورية السابقة. عدد 36، 22/9/1998م، ص 538.
150- نفس الجريدة 25/1/1994م، الدورية السابقة، عدد 4، 1/2/1994م،
ص 58-59.
151- Lochery , OP. Cit. , P. 48.
152- راسم، المرجع السابق، ص 48.
153- معوض، صناعة القرار في تركيا، المرجع السابق، ص 233؛ هلال، المرجع السابق، ص 179-181؛ هاراتس 10/3/1996م، ترجمة مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية، الدورية السابقة 19/3/1996م -، ص 196.
154- Osullivan , OP. Cit. , P. 4.
اوبالانس، المرجع السابق، ص 61. بايبس، المرجع السابق، ص 115. هلال، المرجع السابق، ص179-181.
155- هاراتس 18/9/1995م، في مجلة الأرض، عدد 10، تشرين الأول 1995م،
ص 106.
156- نفس الجريدة، 1/5/1997م، في الدورية السابقة، ص 311.
157- نفس الجريدة 23/12/1997م، ترجمة مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية، الدورية السابقة، عدد 52، 31/12/1997م، ص 795.(9/152)
158- نظيره محمود خطاب، " نوع وحجم الاسناد العسكري التركي - الإسرائيلي في حالة وقوع مواجهه عسكرية مع سوريا "، تقديرات استراتيجية، عدد 54-55، حزيران 1997م، ص 18.
159- هلال، المرجع السابق، ص 183.
160- عبد الله، المرجع السابق، ص 43.
161- هاراتس 11/12/1997م، ترجمة مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية، الدورية السابقة، عدد50، 17/12/1997م، ص 767.
162- Lochery , OP. Cit., P. 52.
163- Nachmani , OP. Cit. , PP. 25- 26.
164- يديعوت احرونوت 6/7/1997م ترجمة مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية، الدورية السابقة، عدد 28، 16/7/1997م، ص 654.
165- محمد توفيق جراد، " ملف الأرض، آخر تطورات الأوضاع في الكيان الصهيوني والمناطق المحتلة. أيلول 1995م "، مجلة الأرض، عدد 10، تشرين أول 1995م،
ص 106.
166- Nachmani , OP. Cit. , P. 26.
167- هاراتس `25/11/1993م–، ترجمة مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية، الدورية السابقة عدد46، 28/11/1993م، ص 647.
168- دافار 28/1/1994م، مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية، الدورية السابقة. عدد 4، 21/2/1994م، ص 18-19.
169- عبد العزيز، دور التحالف التركي – الإسرائيلي، المرجع السابق، ص 11.
170-Makovsky , OP. Cit. , P. 150.
171- Gresh , OP. Cit. , PP. 189 - 190.
172-يديعوت احرونوت 1/3/1996م، ترجمة مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية، الدورية السابقة،14/3/1996م. ص 167.
173-هاراتس 14/8/1996م، في صورة إيران في الأعلام الإسرائيلي، ترجمة صلاح عبد الله، مركز الدراسات الاستراتيجية والبحوث، بيروت، 1997م، ص 22.
174-OLson , Israeli – Turkish Relations , OP. Cit. , P. 180.
175- Lochery , OP. Cit. , P. 51.
176-عبد العزيز، دور التحالف التركي – الإسرائيلي، المرجع السابق، ص – 12 – 13، 16- 18.(9/153)
177-معريف 23/3/1995م، ترجمة مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية، الدورية السابقة، عدد 12، 27/3/1995م، ص 20.
178-عبد العزيز، دور التحالف التركي – الإسرائيلي، المرجع السابق، ص 17.
179-نفس المرجع، ص 12-14.
180-نفس المرجع، ص 18 – 16، بايبس، المرجع السابق، ص 116.
181-لوبراني – المرجع السابق، ص 18.
182-يوسي ملمان، " خبراء اسرائيليون ساعدوا تركيا في مكافحة حركة المتمردين الأكراد "، هاراتس17/2/1999م،ترجمة عربية في مختارات إسرائيلية (القاهرة) ، عدد 51، 1999 -، ص 34.
183- Washburn , OP. Cit. , P. 212 ; Yavuz , OP. Cit. , P28 ; Olson , The Turkey Israeli Agreement , OP. Cit. , PP. 18 – 19 ; John Donnelly and Miami Herald , Israel – Turkey Ties , The Dallas Morning , August 11. 1996.
184-Pope, Turkey Expanding Ties With Israel , OP. Cit , P. 11.
185-لوبراني، المرجع السابق، ص 18.
186-Lochery , OP. Cit. , P. 51 , Nachmani , OP. Cit , P. 25.
187-لوبراني، المرجع السابق، ص 61 راسم، المرجع السابق، ص 50.
188-بايبس، المرجع السابق، ص 116.
189-آغري، المرجع السابق، ص 110.
190-عبد العزيز، التعاون التركي – الإسرائيلي في المجال الاقليمي، المرجع السابق، ص 23-24.
191-Makovsky , OP. Cit. , PP. 158 – 159.
192- Ibid., P. 154.
193-آغري، المرجع السابق، ص 109.
194-هاراتس 1/5/1997م، ترجمة مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية، الدورية السابقة، عدد 8، 7/5/1997م، ص 292-293.
195-يديعوت احرونوت 17/2/1997م، نفس الدورية، عدد 2 25/2/1997م، ص 24
196-ستيفن كينزر، " أصدقاء تركيا أصدقاء جدد "، نيويورك تايمز 28/12/1997م، ترجمة عربية في مجلة النافذة، عدد 1، فبراير 1998، ص 73.(9/154)
197-كينزر، تركيا تتجه نحو إقامة علاقات استراتيجية جديدة، المرجع السابق، ص 66.
198- راسم، المرجع السابق، ص 49-50.
199-عنبر، المرجع السابق، ص 31.
200-تعقيب غيث ارمنازي مدير مكتب جامعة الدول العربية في بريطانية على بحث بوليك باشا، " يخاطر العرب اشد مخاطرة أن تجاهلوا الرسالة التي يقدمها البحث "، الباحث العربي، عدد 48، نيسان 1998م، ص45.
201-عبد الله، المرجع السابق، ص 43.
202-هاراتس 26/2/1997م، ترجمة مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية، الدورية السابقة، عدد 9، 5/3/1997م، ص 42.
203- Washburn , OP. Cit. , PP. 20 – 21.
بايبس، المرجع السابق، ص 121. بنجو واوزجان، المرجع السابق، ص 19. معوض، صناعة القرار في تركيا، المرجع السابق، ص 255-256.
204-. Gresh, Op.Cit.,P.189
205- بايبس، المرجع السابق، ص120.
206- نفس المرجع.
207-. Dialy Digest , 13 May 1997 New Alliances that Could Reshape, The Mideast
208- Washburn , Op.Cit., P.23.
209- New Alliances that Could Reshape , OP. ,Cit.
210- نوري، المرجع السابق، ص 10-11.
211- خطاب، المرجع السابق، ص 16-24.
212- بايبس، المرجع السابق، ص 121.
213-. Washburh, OP.Cit., PP. 20-21
214- عبد العزيز، التعاون التركي الإسرائيلي في المجال الأقليمي، المرجع السابق، ص 16-25، الكيلاني، الاتفاق التركي الاسرائيلي، المرجع السابق، ص 33.
215- العزاوي، المرجع السابق، ص 358-359.
216- عبد العزيز، التعاون التركي – الاسرائيلي في المجال الاقليمي، المرجع السابق، ص25-26.
217- World News , Turkish – IsraeLi U.S Search and Rescuce
Upsets Neighbors , 7 January 1999
218- هاراتس 2/5/1997م، ترجمة مؤسسة الارض للدراسات الفلسطينية، الدورية السابقة، عدد 9، 14/5/1997م، ص 80.
219- Kidron, Op.Cit., P.4.(9/155)
220- معوض، صناعة القرار في تركيا، المرجع السابق، ص 255، ياسر خطاب، "العلاقات الايرانية التركية بين محفزات التطور ومعوقات التراجع"، تقديرات استراتيجية، عدد 43-44، كانون الثاني 1997، ص 134.
221- Olson, Turkey- Syria Relations, OP.Cit. , P. 83.
نور الدين، تركيا في الزمن المحول، المرجع السابق، ص 278.
222- Olson , Turkey – Syria Rolations, Op. Cit. , p. 183.
223– Mufti, Op. Cit. , p. 35 , Olson , Turkey – Israeli. Agreemant, p. 2 224- Robert Olson, “ An Israeli – Kurdish Conflict " Middle East International , No. 529 , 5 July 1996 , p. 17 ; Turkey – Syria Relations, Op. Cit. , p. 183 ; Gresh, Op. Cit , p. 193 ; Thomas Friedman , Israelis and Turks from Military Alliance Against the
Arabs , NewYork Times , June 16 , 1996.
225- نور الدين، تركيا الجمهورية الحائرة، المرجع المذكور، ص 210؛ جلال عبد اللة معوض، العلاقات الإقتصادية العربية – التركية، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، أبوظبي، 1999، ص 66، وإبراهيم نافع في حديث مع الرئيس سليمان ديميريل، الحياه 24/7/1999م، ص 10، عوديد جرانوت، " المسألة الكردية ضربة قاسمة للحركة السرية "، معريف، 17/2/1999م، مختارات إسرائيلية، عدد 4، ابريل 1996، ص 50.
226- Washburn , Op. Cit. , p. 21.
اوبالانس، المرجع السابق، ص 62.
227 – هيثم الكيلاني، تركيا والعرب: دراسة في العلاقات العربية – التركية، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، أبوظبي، 1996، ص 47-48.
228 – هاراتس 11/4/1996م، مجلة الأرض، عدد 5، ايار 1996م، ص 102 - 103.
229 – الكيلاني، تركيا والعرب، المرجع السابق، ص 47-48.
230 – يديعوت احرونوت 1/4/1996م، مجلة الأرض، عدد 5، ايار 1996م -، ص 103.(9/156)
231 – اوبالانس، المرجع السابق، ص 60.
232 – بايبس، المرجع السابق، ص 119.
233 – عثمان كامل، " التداعيات الإستراتيجية لإنضمام الأردن للتعاون العسكري التركي – الإسرائيلي، تقديرات إستراتيجية، عدد 66، 15 كانون الأول 1997م، ص 3 - 8؛ بايبس، المرجع السابق، ص 121، جريدة الرأي 17/7/1999م، ص 20 – 21؛ آلون ليئال، " التحالف الإسرائيلي التركي: محور اقليمي هش "، هاراتس، 6/9/1998م، مختارات إسرائيلية، عدد 46، اكتوبر 1998م، ص 24.
234- بنجو وارزجان، المرجع السابق، ص 19؛ الكيلاني، الإتفاق التركي – الإسرائيلي، المرجع السابق، ص 33؛ نوري، المرجع السابق، ص 11؛ معوض، صناعة القرار في تركيا، المرجع السابق، ص 262 - 265.
235- الكيلاني، الاتفاق التركي الإسرائيلي، المرجع السابق، ص 31.
Nachmani , Op. Cit. , pp. 27 – 28 ; Pope , Turkey,s
Generals behind the Israel Axis, Op. Cit. , p. 3
236 - Sayari , Op. Cit. , pp. 49 – 50.
معوض، صناعة القرار في تركيا، المرجع السابق، ص 242.
237 – King , Op. Cit. , p. 11.
238- بوليك باشا، المرجع المذكور، ص 37.
239- Washburn , Op. Cit. , p. 21. Sayari , Op. Cit. , pp. 49
240-سيد عبد المجيد، " تركيا – الأردن ومزيد من التعاون العسكري "، الأهرام، 25/5/1999م، ص 6
241- الكيلاني – الاتفاق التركي – الإسرائيلي، المرجع السابق، ص 31.
242 – Sayari , Op. Cit. , pp. 49 – 50.
عبد المجيد، المرجع السابق، ص 6.
243- Turkey Criticized Over Military Cooperation With Israel , Combind dispatches: http / Me. times. Com Issue 50.
اوبالانس، المرجع السابق، ص 62؛ بركات حديد، " مسألة المياه والعلاقات مع دول الجوار "، معلومات دولية (دمشق) عدد 56، ربيع 1998م، ص 128 - 129؛ قاسم، المرجع السابق، ص 45(9/157)
244- Lochery , Op. Cit. , pp. 55 – 56.
بوليك باشا، المرجع السابق، ص 31.
245- معوض، صناعة القرار في تركيا، المرجع السابق، ص 242.
246- Sayari, Op. Cit., pp. 49 – 50; Washburn, Op. Cit. , p. 21.
247- معوض، صناعة القرار في تركيا، المرجع السابق، ص 268.
248 – بوليك باشا، المرجع السابق، ص 37.
249- معوض، صناعة القرار في تركيا، المرجع السابق، ص 257-259.
250- Nachmani , Op. Cit. , pp 27 – 28 ; Pope , Turkey,s
Generals behind the Israel Axis, Op. Cit. , p. 3.
251- shburn , Op. Cit. , p. 23.
252- King , Op. Cit. , p. 23.
253- معوض، صناعة القرار في تركيا، المرجع السابق، 333-238.
254- بوليك باشا، المرجع السابق، ص 36، الكيلاني، تركيا والعرب، المرجع السابق، ص 44.
255- Olson , Turkey – Syria Ralations , Op. Cit. , p. 194.
256- معوض، صناعة القرار في تركيا، المرجع المذكور، ص269.
257- بوليك باشا، المرجع السابق، ص 37.
258– لورد، " العقدة التركية "، يديعوت احرونوت 13/11/1998م، مختارات إسرائيلية، عدد 48، ديسمبر 1998م، ص 43.
259- هاراتس 12/6/1996م، ترجمة مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية، الدورية السابقة، عدد 14، 17/6/1996م، ص 433.
260 –Olson , The Turkey – Israel Agreement , Op. Cit. , p. 180.
261- King , Op. Cit. , pp. 11 – 12.
262- Friedman , Op. Cit. , p. 6.
الكيلاني، تركيا والعرب، المرجع السابق، ص 44.
263- بوليك باشا، المرجع السابق، ص 37.
264-BBC News Online , Despatche , Iran Condemers Naval
Exercises , Januany 1998.
http. / WWW / bbc News. org. Low / end Lin / despathes News 44ooo / 4489.6 stm.
265- بايبس، المرجع السابق، ص 120.
266- معوض، المرجع السابق، ص 242-243.(9/158)
267- بوليك باشا، المرجع السابق، ص 36-37.
Pope , Turkey,s Generals behind the Israel Axis, Op. Cit. , p. 3
268- New Alliance that Could Reshape , Op. Cit. , P.4
269- بوليك باشا، المرجع السابق، ص 37، معوض، صناعة القرار في تركيا، المرجع السابق، ص 268
270- بايبس، المرجع السابق، ص 120.
271- علي عبد الهادي الدليمي، " العلاقات الاقتصادية التركية – الإسرائيلية وأثرها في الأمن الاقتصادي العربي " الحكمة (بيت الحكمة / بغداد) ، عدد 6 شباط 1999م، ص 120.
272- آغري، المرجع السابق، ص 109.
273- مجدي الحسيني، مقابلة مع اسماعيل جيم وزير خارجية تركيا، الأهرام 20/3/1999م، ص 7.(9/159)
حروف المعاني المركَّبة وأثر التركيب فيها
د. فائزة بنت عمر المؤيَّد
أستاذ النحو والصرف المشارك بقسم اللغة العربية وآدابها
في كليَّة الآداب للبنات بالدَّمام
ملخص البحث
لقد قسَّم النحاة (الحرف) تقسيماتٍ عدَّة؛ فمنهم من قسَّمه إلى: أحادي وثنائي وثلاثي ورباعي وخماسي، وذلك كما فعل " المرادي " في " الجنى "، ومنهم من قسَّمه إلى: محض وهو الذي لا يقع في الكلام إلاَّ حرفاً، ومشترَك وهو المشارك للأسماء أو الأفعال أو كليهما، وذلك كما فعل " الإربلي " في " جواهر الأدب "، ومنهم من قسَّمه إلى: عامل لاغير، وغير عامل لاغير، وعامل وغير عامل، وذلك كما فعل " المالقي " في " رصف المباني ".
أمَّا تقسيمه إلى: بسيط ومركَّب فلم يقسِّمه هذا التقسيم حسب علمي إلاَّ أبو حيَّان في " ارتشاف الضرب "، وما ذلك إلاَّ لأنَّ التركيب على خلاف الأصل، ولذا ستنقِّب هذه الدراسة عن الحروف المركَّبة والقائلين بتركيبها حتى لو كان القائل واحداً من النحاة.
الحرف في اللغة هو: الطَرَف والجانب، فحرف كلِّ شيءٍ ناحيته، كحرف الجبل والنهر والسيف، وحرفُ السفينة جانب شقِّها، وحرفا الرأس شقَّاه (1) ، ولذا سمَّى النحاة ما يأتي في طرف الكلام "حرفا " (2) .
والحروف (3) منها ما هو (بسيط) وهو الأصل، ومنها ما هو (مركَّب) وهو الفرع (4) ، يقول ابن يعيش (5) : (المركَّب فرعٌ على الواحد وثانٍ له؛ لأنَّ البسيط قبل المركَّب) (6) ، والتركيب يكون في جزأين لا أكثر (7) ، وهو عبارة عن (جمع الحروف البسيطة ونظمها لتكون كلمة) (8) .
ومن اللاَّفت للنظر أنَّ الحروف الدالة على معانٍ إذا زيد منها حرفٌ إلى حرف، وضُمَّ إليه دلَّت بالضمِّ على معنًى آخر لم يدلَّ عليه واحدٌ منهما قبل الضم (9) .(9/160)
ولتوضيح هذا سوف تتبع هذه الدراسة بتوفيق الله أشهرَ حروف المعاني التي تركَّبت مع غيرها، وأدَّت معنًى جديدا لم تكن لتؤدِّيه قبل التركيب، كما ستتناول الأمور الأخرى التي يحدثها التركيب في هذه الحروف عدا تغيير
معانيها، وستعرِّج على الخلاف الذي دار بين النحاة حول تركيب بعض هذه الحروف؛ بما يوضِّح حجة القائلين بتركيبه، ورأي المخالفين له وحجتهم ... وهذه الحروف هي:
الحرف الأول: حرف التنبيه والاستفتاح (10) (ألا)
وهو مركَّبٌ (11) من "همزة" الاستفهام الدالة على الإنكار وحرف النفي "لا "، وبما أنَّ الإنكار ما هو إلَّا نفي، ونفي النفي إثبات، لذا أفاد هذا الحرف بعد تركيبه التوكيد والتحقيق (12) ، يقول ابن هشام (13) : (وإفادتها التحقيق من جهة تركيبها من "الهمزة" و" لا "، وهمزة الاستفهام إذا دخلت على النفي أفادت التحقيق) (14) ويستدلُّ الزمخشري (15) على إفادتها التحقيق بتصدر الجملة بعدها بما تتصدر به جملة القسم؛ يقول: (ولكونها في هذا المنصب من التحقيق لا تكاد تقع الجملة بعدها إلا مُصدَّرة بنحو ما يتلقى به القسم) (16) ، أمَّا عن معنى التوكيد الذي دلَّت عليه " ألا " فيبيِّن منشأه الإسفراييني (17) بقوله: (ولعلَّ التأكيد نشأ من الاهتمام المستفاد من ذكرها بشأن الكلام؛ حيث أُزيلت غفلةُ السامع بها قبل ذكره) (18) .
و (ألا) هذه تختلف عن (ألا) التي للعرض في نحو قوله تعالى:
{أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} [النور 22]
فحرف العرض هذا لو حُذِف لتغيَّر المعنى (19) ، وهو مختصٌّ بالأفعال (20) ، أمَّا حرف التنبيه (ألا) فإنَّه يكون في الكلام كالحرف الزائد، يقول الهروي (21) : (تكون " ألا " تنبيها وافتتاحا للكلام، وتدخل على كلامٍ مكتفٍ بنفسه) (22) ، والدليل على ذلك جواز دخوله على (لا) أخرى؛ في نحو قول عمرو بن كلثوم:
ألا لا يجهلنْ أحدٌ عَلينا فنجهلُ فوقَ جهلِ الجا هِليِنا (23)(9/161)
ولذا دخلت " ألا " على الجملة خبريةً كانت أو طلبية سواء أكانت الطلبية أمراً أم نهياً أم استفهاماً أم تمنياً أم غير ذلك (24) ، فيليها الاسم؛ في نحو قوله تعالى:
{أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ} [هود 8]
ويليها الفعل؛ في نحو قول زهير:
ألا أبلغِ الأحلافَ عنِّي رِسَالةً وذُبيَانَ هَلْ أقْسَمتُم كلَّ مُقسَمِ (25)
ويليها الحرف؛ في نحو قوله تعالى:
{أَلَا إنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس 62]
ويكثر مجيء النداء بعدها (26) ؛ كقول الشمَّاخ:
ألا يا اسْقِياني قبلَ غارةِ سِنْجالِ وقبلَ منَايا قدْ حَضَرْنَ وآجالِ (27) .
الحرف الثاني: حرف الجواب (بلى)(9/162)
وهو مكوَّنٌ من حرف العطف "بل" و "الألف" الزائدة، وإنَّما تركَّب مع "الألف" لأنَّه حرف جواب، وحقُّ حروف الجواب أن يوقفَ عليها؛ لأنَّها (نائبة عن جملة) (28) ، ولمَّا لم يمكن الوقوف على "بل" لأنَّه حرف عطف، وحروف العطف لا يوقف عليها، تركَّب مع "الألف" للوقف (29) ، هذا رأي الفراء (30) ووافقه ابن فارس (31) ، ويستدلان على ذلك باستعمال العرب لهذا الحرف بعد النفي ليبطله، وكأنَّه رجوعٌ عنه كما أنَّ "بل" قد استعملته العرب "للإضراب" الذي هو: الإعراض والصرف والعدل (32) ، وكلُّها تؤدي معنى الرجوع، يقول الفراء: (أصلها كان رجوعاً محضاً عن الجحد إذا قالوا: ما قال عبد الله بل زيد، فكانت "بل" كلمة عطفٍ ورجوعٍ لا يصلح الوقوف عليها، فزادوا فيها ألفاً يصلح فيها الوقوف عليه، ويكون رجوعاً عن الجحد فقط، وإقراراً بالفعل الذي بعد الجحد، فقالوا "بلى" فدلَّت على معنى الإقرار والإنعام، ودلَّ لفظ "بل" على الرجوع عن الجحد فقط) (33) ويوضِّح ابن فارس المهمة التي قامت بها "الألف" سوى أنها زيدت لكي يوقف عليها بقوله: (تقول: بلى، والمعنى أنَّها "بل" وُصِلت بها ألفٌ تكون دليلا على كلام، يقول القائل: أما خرج زيد؟ فتقول: بلى، ف "بل" رجوعٌ عن جحد، و "الألف" دلالةُ كلام، كأنَّك قلت: بل خرج زيد) (34) ، وهذا من أثر التركيب على هذا الحرف.
الحرف الثالث: حرف التشبيه (كأنَّ)(9/163)
وقد عدَّ ابن جني (35) تركيبَ هذا الحرف من صور إصلاح اللفظ التي عقد لها بابا في كتابه " الخصائص" أسماه (بابٌ: في إصلاح اللفظ) ، يقول: (ومن إصلاح اللفظ قولهم: كأنَّ زيدا عمرو، اعلم أنَّ أصل هذا الكلام: زيد كعمرو، ثم أرادوا توكيد الخبر فزادوا فيه "إنَّ" فقالوا إنَّ زيدا كعمرو، ثم إنهم بالغوا في توكيد التشبيه فقدَّموا حرفه إلى أول الكلام عنايةً به، وإعلاماً أنَّ عقد الكلام عليه، فلمَّا تقدَّمت الكاف وهي جارة لم يجز أن تباشر "إنَّ" لأنَّها ينقطع عنها ما قبلها من العوامل، فوجب لذلك فتحها، فقالوا: كأنَّ زيدا عمرو) (36) .
وبعد أن تقدَّمت (الكاف) وتركَّبت مع (إنَّ) استغنت عمَّا كانت تتعلَّق به (37) ، فلم تعدْ تتعلَّق بشيء، وهذا أوَّل تغييرٍحصل لها بسبب "التركيب" أمَّا التغيير الآخر: فإنَّ معنى التشبيه الذي كانت تؤدِّيه اختلف! ويوضِّح هذا الاختلاف ابن يعيش بقوله: (فإن قيل: فما الفرق بين الأصل والفرع في "كأنَّ "؟ - قيل: التشبيه في الفرع أقعد منه في الأصل؛ وذلك إذا قلت: زيد كالأسد، فقد بنيت كلامك على اليقين ثم طرأ التشبيه بعدُ، فسرى من الآخِر إلى الأول، وليس كذلك في الفرع الذي هو قولك: كأنَّ زيداً أسد؛ لأنَّك بنيت كلامك من أوله على التشبيه) (38) ، ويؤكِّد ابن جني الرأيَ القائل بأنَّ هذا التغيير سببه "التركيب" بقوله: (فهذا يدلُّك على أنَّ الشيئين إذا خُلطا حدث لهما حكمٌ ومعنى لم يكن لهما قبل أن يمتزجا) (39) .
الحرف الرابع: حرف الاستدراك (لكنَّ)(9/164)
وهو حرفٌ ينصب المبتدأ ويرفع الخبر؛ لأنَّه كغيره من الحروف الناسخة قد أشبه الفعل في لفظه ومعناه (40) ، وبهذا علَّل النحاة إعمال هذا الحرف إلاَّ الفراء فقد ردَّ سببَ إعماله إلى مسألة "التركيب"؛ يقول: (وإنَّما نصبتْ العرب بها إذا شُدِّدت نونها لأنَّ أصلها: إنَّ عبدَ الله قائم، فزيدت على (إنَّ) لامٌ وكاف فصارتا جميعا حرفا واحدا، ألا ترى أنَّ الشاعر قال: ولكنَّني من حبِّها لكميد فلم تدخل اللامُ إلاَّ لأنَّ معناها "إنَّ") (41) .
ولو وافقناه على رأيه (42) ، وقلنا إنَّ أصل هذا الحرف (إن َّ) التوكيدية قد تركَّبت مع "اللام" و" الكاف" الزائدتين، فماذا أحدث هذا التركيب ل " إنَّ" من تغيير؟ لقد أزال معنى " التوكيد" عنها تماماً، وأصبحت تدلُّ على معنًى لم يكن لها أبداً، وهو معنى "الاستدراك" الذي يُعرِّفه ابن هشام بقوله:
(هو تعقيب الكلام برفع ما توهِّم ثبوته) (43) ، ويقول الإسفراييني: (لأنَّها إنَّما يؤتىبها إذا توهِّم خلاف مضمون جملتها من سابقها؛ فإن قلت: زيد قائم، وتوهِّم منه أنَّ "عمرا " أيضا قائم تستدرك ذلك، فتقول: لكنَّ عمراً لم يقم) (44) ، ولاشكّ أنَّ هذا المعنى لم تكن لتؤديه " إنَّ" لو لم تركَّب.
الحرف الخامس: حرف الجزم (لمَّا)(9/165)
وهو مركَّبٌ من (لم) الجازمة و (ما) الزائدة (45) ، وإنَّما تركَّبتا لتؤديا معاً معانيَ لا تؤدِّيها (لم) وهي مفردة بسيطة؛ وذلك لأنَّ (لم) وإن كانت تجزم الفعل المضارع وتقلب زمنه إلى الماضي وتنفي حدوثه (46) مثل (لمَّا) ، إلَّا إنَّ النفي بها يختلف (47) عن النفي ب (لمَّا) ، ويوضِّح ابن يعيش الفرق بين نفي الاثنين فيقول: ("لمَّا " نفيا لقولهم: قد فعل، وذلك أنَّك تقول "قام " فيصلح ذلك لجميع ما تقدمك من الأزمنة، ونفيه " لم يقم "، فإذا قلت " قد قام " فيكون ذلك إثباتا لقيامه في أقرب الأزمنة الماضية إلى زمن الوجود، ولذلك صلُح أن يكون حالا … ونفيُ ذلك "لمَّا يقم " زدت على النافي وهو "لم" "ما" كما زدت في الواجب حرفا وهو "قد" لأنَّهما للحال) (48) ، ولمَّا ناظرتْ (لمَّا) (قد) أُعطيت ما أعطيته (قد) من جواز حذف الفعل بعدها إذا دلَّ عليه دليل، يقول المالقي (49) : (يجوز الوقف عليها، فتقول: شارف زيدٌ المدينةَ ولمَّا، وتريد: يدخلها، فحذفتَ الفعل للدلالة عليه، وكأنَّ " ما " عوضٌ منه، وذلك لمناظرتها ل "قد" إذ يجوز الوقف عليها دون الفعل، نحو قوله: … لمَّا تزُلْ برحالنا وكأنْ قَدِ، أي: زالت) (50) وهذا لا يجوز في (لم) إلاَّ في الضرورة (51) ، ويعلِّل الفارسي (52) استحسان ذلك مع (لمَّا) دون (لم) بقوله: (وإنَّما حسُن أن تحذف الفعل بعد " لمَّا " ولم يحسن ذلك في "لم"؛ لأنَّهم لمَّا استعملوها " ظرفا " في قولهم: لمَّا جئتَ جئتُ، وقعت موقع الأسماء فأشبهتها، فلما أشبهتها حسُن أن لا يقع الفعل بعدها، ولم يحسن ذلك في " لم " وأخواتها لأنَّها لم تقع في مواقع الأسماء فلم تشبهها) (53) ، وهو بهذا يشير إلى التغيير الآخر الذي أحدثه التركيب في (لمَّا) وهو انتقالها من "الحرفية " إلى " الاسمية "؛ حيث عدَّها ظرفا بمعنى "حين " (54) وبهذا التغيير حصل لها تغيرٌ (في(9/166)
اللفظ والمعنى؛ فأمَّا التغيير في المعنى فكانت نافية فصارت موجبة، وأمَّا التغيير في اللفظ فكانت تدخل على المضارع فصارت تدخل على الماضي) (55) بل وأصبحت متضمِّنة معنى الشرط ولذا اقتضت جوابا، نحو: لمَّا جئتني أكرمتك، قال الله تعالى:
{إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ} [يونس 98]
وتفارق (لمَّا) (لم) في شيءٍ آخر، وهو أنَّها تأتي بمعنى (إلاَّ) وتقع موقعها، كما في قولهم: نشدتك الله لمَّا فعلت، أي: إلَّا فعلت (56) ، وكقوله تعالى:
{إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} [الطارق 14]
وعندها تدخل على الجملة الاسمية وعلى الفعل الماضي لفظا لا معنى، وهذا كلُّه من أثر التركيب.
الحرف السادس: حرف النصب (لن)
والذي قال بتركيبه الخليل (57) رحمه الله فقد كان يرى أنَّه مركَّب من (لا) النافية و (أن) الناصبة للفعل المستقبل؛ وذلك لأنَّه رآه ينفي كنفي (لا) وينصب الفعلَ المستقبل كنصب (أنْ) له، ثم خُفِّفت الهمزة بالحذف فصار (لانْ) فحُذفت الألف لالتقاء الساكنين (58) ، أي قد صُنِع به ما صنعه القاريء (59) عندما قرأ قولَ الله عز وجل:
{فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة 203]
حيث قرأها: {فَلَثْمَ عليه} (60) ، بحذف همزة (إثم) وألف (لا) .
أمَّا سيبويه (61) فقد ردَّ رأي الخليل هذا؛ لأنَّه قد لاحظ أنَّ معمول الفعل بعد (لن) قد يتقدم عليها في نحو: زيداً لن أضرب، وقال: (ولو كانت على ما يقول الخليل لما قلت: أمَّا زيداً فلن أضرب؛ لأنَّ هذا اسم والفعل صلة) (62) يريد أنَّه لو كانت (لن) مركَّبة من (أنْ) و (لا) لكان الفعل بعدها صلة الموصول الحرفي (63) (أنْ) ، ولمَّا جاز أن يتقدم معموله عليه؛ لأنَّ (أنْ لا يتقدم عليها ما في حيِّزها) (64) فلما جاز ذلك انتقض كون (لن) مركَّبة.(9/167)
وقد اعتذر الأنباري (65) عن الخليل بأنَّ (الحروف إذا رُكِّبت تغيَّر حكمها بعد التركيب، عمَّا كانت عليه قبل التركيب) (66) ، ويستدلُّ على ذلك بحرف الاستفهام "هل " فإنَّه لا يجوز أن يعمل ما بعدها فيما قبلها، لكنَّها إذا رُكِّبت مع (لا) ، ودخلها معنى التحضيض جاز أن يعمل ما بعدها فيما قبلها، فيقال: زيداً هلاَّ أكرمت (67) .
فإذا صحَّت دعوى تركيب (لن) من: (لا) و (أنْ) فواضحٌ جدًّا الفرقُ بين معنى (لن) ومعنى (أن) ؛ ف (أن) تدلُّ على إمكان الفعل دون الوجوب والاستحالة، و (لن) تنفي معنى الإمكان الذي دلَّت عليه (أنْ) (68) .
أمَّا عن الفرق بين النفي ب (لا) والنفي ب (لن) فخير مَن وضَّحه السُهيلي (69) حيث يقول: (ومن خواصها أنَّها تنفي ما قرب، لا يمتدُّ معنى النفي فيها كامتداد معنى النفي في حرف " لا " إذا قلت: لا يقوم زيد أبدا، وقد قدَّمنا أنَّ الألفاظ مشاكلة للمعاني التي هي أرواحها … فحرف " لا " لامٌ بعدها ألف، يمتدُّ بها الصوت ما لم يقطعه تضييق النفس، فآذن امتداد لفظها بامتداد معناها، و " لن " بعكس ذلك) (70) ، ولا شكَّ أنَّ هذا الفرق الدقيق بينهما قد أحدثه التركيب.
الحرف السابع: حروف التحضيض (ألاّ) ً و (هلا) ًّ و (لولا) و (لوما) (71) .
فهذه الحروف جميعها مركَّبة؛ ف " ألاًّ " مركَّبة من " أنْ " المصدرية أو المفسِّرة التي بمعنى: أي (72) ، في نحو قوله تعالى:
{وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنْ امْشُوا} [ص 6]
معناه: أي امشوا، و " لا " النافية، فقُلبت النون لاماً وأُدغمت.
و" هلاَّ " مركَّبة من " هل " الاستفهامية و " لا " النافية (73) .
و" لولا " مركَّبة من " لو " الامتناعية و " لا " النافية (74) .(9/168)
و " لو ما " مركَّبة من " لو " الامتناعية و " ما " المغيِّرة (75) ، أي: المغيِّرة للحرف عن معناه الذي وضِع له (76) ، ف " لو " وضِعت ليمتنع بها الشيء لامتناع غيره (77) ؛ وذلك نحو: لو جاء زيد لأكرمته، فمعناه: أنَّ الكرامة امتنعت لامتناع المجيء، فلمَّا تركَّبت مع " ما " دلَّت على معنى (التحضيض) الذي دلَّت عليه باقي أخواتها " ألاَّ " و " هلاَّ " و " لولا " بعد التركيب، وهو لم يكن لمفرداتها قبل التركيب.
والتحضيض: هو الحثُّ على الشيء (78) ، يقال حضضته على فعله إذا حثثته عليه، ولذا لا يلي هذه الحروف إلاَّ الأفعال (79) ؛ لأنَّه لمَّا (حصل فيها معنى التحضيض، وهو الحثُّ على إيجاد الفعل وطلبه، جرت مجرى حروف الشرط في اقتضائها الأفعال، فلا يقع بعدها مبتدأ ولا غيره من الأسماء) (80) ، وإنَّما يقع بعدها الفعل الماضي فتكون للوم والتأنيب على ترك الفعل (81) نحو قوله تعالى:
{لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور 13]
ويقع بعدها الفعل المضارع فتكون للحضِّ على الفعل (81) وطلبه، نحو قوله تعالى:
{لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنْ الصَّادِقِينَ} [الحجر 7]
ولا يحذف الفعل بعدها إلا إذا دلَّ عليه دليلُ حالٍ أو دليلُ لفظ (82) ؛ فدليلُ الحال نحو قولك لمن تراه يعطي: هلاَّ زيدا، أي: هلاَّ تعطي زيدا، ودليلُ اللفظ كقول جرير:
تَعُدُّونَ عَقْرَ النِّيبِ أفْضلَ مَجْدِكُم بَني ضَوْطَرَى لَولَا الكَمِيَّ المُقَنَّعَا (83)
أي: لولا عددتم.
وهذا جميعه قد اكتسبته هذه الحروف بعد التركيب.
الحرف الثامن: حرف الشرط (إذما)(9/169)
وللتركيب مع هذا الحرف صورةٌ جديدة تُظهِر قوَّته وتمكَّنه؛ وذلك لأنَّ هذا الحرف مركَّبٌ من جزأين (إذ) و (ما) ، والمتأمل في كلِّ جزءٍ منهما يلحظ التأثيرَ القوي الذي أحدثه " التركيب "؛ فالجزء الأول منه (إذ) وهي ظرفٌ للزمن الماضي (84) ، أي إنَّها " اسم " (والدليل على اسميتها الإخبار بها، وإبدالها من الاسم، وتنوينها في غير ترنم، والإضافة إليها بغير تأويل، نحو: مجيئُك إذ جاء زيد، ورأيتك أمس إذ جئت، ويومئذٍ، و " بعد إذ هديتنا ") (85) ، ولكن لمَّا كان في هذا الاسم كثيرٌ من خواص الحروف؛ فقد جاء على حرفين وهو مبنيٌّ ومبهم مفتقر إلى جملةٍ بعده توضِّحه وتبيِّنه (86) ، ولمَّا كانت (المجازاة بابها الإبهام) (87) ، سُوِّغ لهذا الاسم أن يدخل في باب " الجزاء " شريطة أن يُمنع عن الجملة الموضِّحة له، أي أن " يُكفَّ " عن الإضافة إليها، لذا جيء ب (ما) لتتركَّب معه وتكفَّه عن الإضافة كما كفَّت (إنَّ) و (كأنَّ) عن العمل (88) ، إلَّا إنَّها مع " إذ " لازمة ومع " إنَّ " و " كأنَّ " غير لازمة، وهذا هو التغيير الذي حدث ل (ما) " الكافة " بعد تركيبها مع (إذ) ، أمَّا (إذ) فإنها بعد أن تركَّبت مع (ما) تغيَّرت تغيراً تاماً، حيث إنها انتقلت من الاسمية إلى الحرفية، يقول سيبويه: (ولا يكون الجزاء في " حيث " ولا في " إذ " حتى يضمَّ إلى كل واحد منهما " ما " فتصير " إذ " مع " ما " بمنزلة: إنَّما وكأنَّما، ليست " ما " فيهما(9/170)
[أي: في إذ وحيث] بلغو، ولكن كلُّ واحدٍ منهما مع " ما " بمنزلة حرفٍ واحد) (89) ، ولم يقف التغيير الذي أحدثه التركيب في هذا الاسم عند هذا الحدِّ، وإنَّما صرفه من الدلالة على الزمن الماضي إلى المستقبل؛ لأنَّ الشرط مختصٌّ بالمستقبل، يقول الجرجاني (90) : (والتغيير في " إذ " … أنَّه يُصرف عن المضي إلى الاستقبال، ألا ترى أنَّ الجزاء لا يكون بالماضي، وقوله: إذ ما أتيتَ، بمنزلة قولك: إذ ما تأتِ، وتغيير المعنى يقتضي تغيير اللفظ، فإلزامه " ما " يدلُّ على تغيير معناه) (91) .
الحرف التاسع: حرف الردع والزجر (92) (كلاَّ)
ويُنسب (93) القول بتركيبها إلى ثعلب (94) ، فهي مركَّبة عنده من (كاف) التشبيه و (لا) النافية (وقال: إنَّما شُدِّدت لامها لتقوية المعنى، ولدفع توهم بقاء معنى الكلمتين) (95) ، والمتتبع للمعاني المختلفة التي أدَّتها (كلاَّ) في جميع استعمالاتها سيتبيَّن له أنَّها لم يبقَ فيها أثرٌ للمعنيين " النفي " و " التشبيه "، وخير دليلٍ نسوقه على ذلك ورودها في السياق القرآني العظيم … عندما وردت (في ثلاثةٍ وثلاثين موضعا في خمس عشرة سورة ليس في النصف الأوَّل من ذلك شيء) (96) ، وهي في جميع تلك المواضع قد أدَّت معانيَ مختلفة لم يكن النفي أو التشبيه أحدها؛ فقد جاءت على خمسة
معانٍ (97) :
أحدها: الردع والزجر، وذلك كقوله تعالى:
{أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ كَلَّا} [المعارج 38، 39]
الثاني: تكون بمعنى " حقًّا "؛ وذلك كقوله تعالى:
{كَلَّا إنَّ الإنَّسَانَ لَيَطْغَى} [العلق 6]
الثالث: تكون بمعنى " ألا " الاستفتاحية؛ وذلك كقوله تعالى:
{الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ} [النبأ 3، 4]
الرابع: تكون بمعنى " إي " فتكون حرفَ تصديقٍ؛ كقوله تعالى:
{كَلَّا وَالْقَمَرِ} [المدثر 32](9/171)
الخامس: تكون ردًّا لما قبلها وهذا قريب من معنى الردع؛ وشاهده قوله تعالى (98) :
{أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمْ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا كَلَّا} [مريم78، 79]
الحرف العاشر: حرف العطف (99) (إمَّا)
وهذا الحرف يُظهِر صفةً هامةً من صفات التركيب، وهي أنَّ الحرف إذا تركَّب مع حرفٍ آخر فإنَّه لا يصحُّ بحال استخدام أحدهما دون الآخر ليؤدِّي المعنى الذي كانا يؤدِّيانه معاً، وبهذا الفرق تختلف (إمَّا) العاطفة عن (إمَّا) الشرطية؛ حيث إنَّ كليهما مكوَّن من " إنْ " الشرطية و " ما " الزائدة، إلَّا إنَّ زيادة " ما " في الشرطية ليست واجبة، أمَّا زيادتها في العاطفة فواجبة (100) ، يقول المبرِّد (101) ، (إنَّ " إمَّا " هذه إنَّما هي " إنْ " ضُمَّت إليها " ما " لهذا المعنى، ولا يجوز حذف " ما " منها إلَّا أن يضطرَّ إلى ذلك شاعر … فأمَّا في المجازاة إذا قلت: إن تأتني آتك، وإن تقم أقم، فإنَّك إن شئت زدت " ما " كما تزيدها في سائر حروف الجزاء…فتقول على هذا إن شئت: إمَّا تأتني آتك، وإمَّا تقم أقم معك) (102) .
وإنَّما قالوا إنَّ أصل (إمَّا) العاطفة " إنْ " الشرطية تركَّبت مع " ما " (لأنَّ المعنى في قولك: قام إمَّا زيد وإمَّا عمرو؛ وإنْ لم يكن قام زيد فقد قام عمرو) (103) ، ولكنَّها مع هذا ابتعدت كثيراً بعد التركيب عن معنى الشرط؛ وذلك حينما أدَّت ما تؤديه (أو) العاطفة (104) من معنى " الشكِّ " في نحو: جاء إمَّا زيد وإمَّا عمرو ومعنى " الإبهام "؛ في نحو قوله عز وجل:
{وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ} [التوبة 106]
ومعنى " التخيير "؛ في نحو قوله تعالى:
{إمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا} [الكهف86]
ومعنى " الإباحة "؛ في نحو قوله تعالى:(9/172)
{فَإمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإمَّا فِدَاءً} [محمَّد 4]
ومعنى " التفصيل "؛ في نحو قوله تعالى:
{إنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إمَّا شَاكِرًا وَإمَّا كَفُورًا} [الإنَّسان 3]
وكلَّها معانٍ لا يمكن أن تؤدِّيها (إنْ) وهي مفردة بسيطة.
وبعد هذا العرض المفصَّل لتركيب هذه الحروف وموقف النحاة منه نتوقف الآن لنستخلص أهمَّ الآثار التي يحدثها التركيب في حروف المعاني بالإضافة إلى تغيير معانيها، والتي من أهمها:
-قلب معنى الحرف من النفي إلى الإيجاب؛ وذلك كما في حرف النفي (لا) عندما تركَّب مع همزة الإنكار، وأصبحا يدلاَّن على التنبيه والاستفتاح.
-قلب معنى الحرف من الإيجاب إلى النفي؛ وذلك كما في (أنْ) الناصبة للفعل المضارع الدالة على إمكان الفعل، فإنَّها بعد أن تركَّبت مع (لا) عادت تدلُّ على نفي إمكان الفعل.
-إمكانية الوقوف على الحرف بعد أن كان يمتنع الوقوف عليه بتاتاً؛ وذلك كما في حرف العطف (بل) عندما تركَّب مع (الألف) ، وأصبح حرفَ جوابٍ يوقَف عليه كباقي حروف الجواب.
-استغناءحرف الجرِّ عمَّا كان يتعلَّق به؛ وذلك كما في حرف التشبيه (الكاف) عندما تركَّب مع (إنَّ) ، فإنَّه أصبح له صدر الجملة، ولم يعدْ بحاجة لشيءٍ متقدِّم عليه يتعلَّق به.
-جواز حذف الفعل بعده إذا دلَّ عليه دليل بعد أن كان فعله لا يُحذف إلاَّ في الضرورة؛ وذلك كما في حرف الجزم (لم) عندما تركَّب مع (ما) الزائدة، فقد أصبح من الممكن أن يُقال معه: شرف زيدٌ المدينةَ ولمَّا، أي: ولمَّا يدخلها.
-انقلاب الحرف اسماً؛ وذلك كما في (لم) عندما تركَّب مع (ما) ، فقد عُدَّ ظرفاً بمعنى (حين) في نحو: لمَّا جئتَ جئتُ.
-انقلاب الاسم حرفاً؛ وذلك كما في الظرف (إذ) عندما تركَّب مع (ما) ، فإنَّه أصبح حرف شرطٍ يدلُّ على الزمن المستقبل بعد أن كان ظرفاً للزمن الماضي.(9/173)
-فَقْدُ الحرف لعمله؛ وذلك كما في حرف العطف (إمَّا) المركَّب من
(إن) الشرطيَّة و (ما) الزائدة، فإنَّ (إنْ) بعد التركيب ابتعدت كثيراً عن معنى الشرط وعمله، وأصبحت تؤدِّي معاني (أو) العاطفة من شكٍّ وإبهامٍ وتخييرٍ وإباحةٍ وتفصيل ...
-أنَّ الحرف المركَّب يختلف عن الحرف المزيد في أنَّ المركَّب لم تستعمله العرب إلاَّ بصورته المركَّبة، أمَّا المزيد فكما أنَّها استعملته مزيداً استعملته أيضاً وهو مجرَّد؛ وذلك كما في الحرف (إمَّا) فإنَّه لمَّا عُدَّ مركَّباً في باب العطف لم يُستخدم فيه إلاَّ مركَّباً، ولكن عندما عُدَّ مزيداً في باب الشرط استُخدم فيه بصورتيه المزيدة (إمَّا) والمجردة (إنْ) ... والله أعلم
الهوامش والتعليقات
(1) انظر:العين 3/211؛ تهذيب اللغة 5/12؛ المحكم 3/229؛ اللسان 9/41.
(2) أسرار العربية 12.
(3) انظر: ارتشاف الضرب 3/255.
(4) انظر: شرح المفصَّل 1/28؛ جواهر الأدب 448.
(5) هو يعيش بن علي بن يعيش، من كبار أئمة العربية، أخذ عن جلةٍ من العلماء، منهم: أبو اليمن الكندي، وأبو الفضل الطوسي، له مصنفات عدَّة منها: (شرح المفصَّل) ، (شرح الملوكي لابن جني) توفي سنة (643هـ) .
- انظر ترجمته في: إنباه الرواة 4/45؛ إشارة التعيين 388؛ البلغة 243؛ بغية الوعاة 2/351.
(6) شرح المفصَّل 1/65، وانظر: اللباب 2/33.
(7) شرح المفصَّل 8/80.
(8) التعريفات 84.
(9) انظر: الأشباه والنظائر 1/94_100.
(10) على الرغم من أنَّ ابن الحاجب قد وضَّح في أماليه 4/118 أنَّ تسمية هذا الحرف بحرف(9/174)
(التنبيه) أولى من تسميته بحرف (الاستفتاح) إلَّا إنَّ رأي الإربلي الذي ردَّ به على ابن الحاجب كان أجدر بالأخذ؛ إذ يقول: (والصحيح عندي أنَّه حرف تنبيه إذا كان الغرض من إدخاله تنبيه المخاطب لئلا يفوته المقصود بغفلته عنه، وحرف استفتاح إذا كان الغرض مجرد تأكيد مضمون الجملة وتحقيقه) . جواهر الأدب 416، وانظر: المغني 1/68.
(11) انظر: التخمير 4/91؛ شرح المفصَّل 8/115؛ جواهر الأدب 416؛ المغني 1/68؛ المنصف للشُّمنِّي 1/147، وينقل المرادي في الجنى 381 خلافا بين الزمخشري وابن مالك حول تركيب هذا الحرف مفاده: أنَّ ابن مالك يذهب إلى أنَّ (ألا) الاستفتاحيَّة بسيطة ووافقه في ذلك أبو حيَّان؛ لأنَّ الأصل عدم التركيب، ولأنَّه قد وقع بعدها " إنَّ " و " ربَّ " و " ليت " و " النداء " وهذه أشياء لايصلح (النفي) قبلها، أمَّا الزمخشري فقد ذهب إلى تركيب (ألا) وأراه الرأي الراجح، وأمَّا عن وقوع تلك الأشياء بعدها فذلك بعد أن تركبَّت وفقدت ما كان لها قبل التركيب.
(12) لقد عقد السهيلي في أماليه 47 فصلاً بعنوان " أثر الاستفهام على أسلوب النفي ".
(13) هو عبد الله بن يوسف بن أحمد بن هشام الأنصاري، أحد أئمة العربية، قال عنه ابن خلدون: مازلنا ونحن بالمغرب نسمع أنه ظهر بمصر عالم بالعربية يقال له " ابن هشام " أنحى من سيبويه، من مصنفاته: (مغني اللبيب) ، (شرح شذور الذهب) ، (شرح قطر الندى) وغيرها. توفي سنة (761هـ) .
- انظر ترجمته في: الدرر الكامنة 2/ 415؛ النجوم الزاهرة 10/ 336؛ بغية الوعاة 2/68؛ شذرات الذهب 6/ 191؛ البدر الطالع 1/ 400.
(14) المغني 1/68، وانظر: الفريد للهمذاني 1/224.(9/175)
(15) هو أبو القاسم جار الله محمود بن عمر الزمخشري، نحوي، لغوي، مفسِّر على مذهب المعتزلة، كان واسع العلم، متصفاً بالذكاء، من مصنفاته: (الكشاف) ، (الإنموذج) ، (الفائق في غريب الحديث) وغيرها، توفي سنة (538هـ) .
- انظر ترجمته في: نزهة الألباء 290؛ إنباه الرواة 3/265؛ البلغة 220؛ بغية الوعاة 2/279؛ طبقات المفسرين للسيوطي 104.
(16) الكشاف 1/118.
(17) هو عصام الدين إبراهيم بن محمد بن عرب شاه الإسفراييني، تلقَّى مباديء العلوم على يد والده، وجده لأمه، وتتلمذ على نور الدين الجامي، من مؤلفاته: (شرح الفريد) ،
(حاشية على الفوائد الضيائية) ، توفي سنة (945هـ) وقيل: (951هـ) .
- انظر ترجمته في: شذرات الذهب 8/291؛ هدية العارفين 1/26؛ الأعلام 1/66.
(18) شرح الفريد 480.
(19) انظر: التخمير 4/91.
(20) انظر: رصف المباني 165؛ الجنى 382.
(21) هو أبو الحسن علي بن محمد الهروي من العلماء بالنحو، والأدب، من أشهر مصنفاته:
(الأزهية في علم الحروف) توفي سنة (415هـ) .
- انظر ترجمته في: إنباه الرواة 2/311؛ معجم الأدباء 14/248 – 249؛ بغية الوعاة 2/205؛ هدية العارفين 5/686.
(22) الأزهية 165.
(23) من معلقته، انظر: شرح المعلقات السبع للزوزني 176.
(24) انظر: شرح الكافية للرضي 2/380.
(25) من معلقته، انظر: شرح المعلقات السبع للزوزني 146.
(26) انظر: الهمع 4/366.
(27) استشهد به سيبويه 2/307؛ وابن عصفور في المقرب 1/70؛ وابن يعيش في شرح المفصَّل 8/115؛ وابن هشام في المغني 2/373.
(28) الأمالي الشجريَّة 1/230.
(29) لأنَّ " الألف " قد يوقف به كما في نحو: رأيت زيدا، انظر: شرح اللمحة البدرية 2/376.(9/176)
(30) هو أبو زكريا يحيى بن زيادٍ بن عبد الله الفراء، إمام الكوفيين، ومن أوسعهم علما، قال عنه ثعلب: لولا الفراء ما كانت لغة، من أشهر مصنفاته: (معاني القرآن) ، وله أيضا: (المذكَّر والمؤنث) ، (المقصور والممدود) ، توفي سنة (207هـ) .
- انظر ترجمته في: طبقات النحويين 131؛ تاريخ العلماء النحويين 187؛ نزهة الألباء81؛ إنباه الرواة 4/7؛ إشارة التعيين 379؛ غاية النهاية 2/371.
(31) هو أحمد بن فارس بن زكريا اللغوي، أخذ عن أبي بكرٍ الخطيب روايةَ ثعلب، وأخذ عنه بديع الزمان الهمذاني، وغيره، من مصنفاته: (المجمل) ، (مقاييس اللغة) و (جامع التأويل في تفسير القرآن) . توفي سنة (395هـ) .
- انظر ترجمته في: نزهة الألباء 235؛ إشارة التعيين 43؛ البلغة 61؛ بغية الوعاة 1/352؛ طبقات المفسرين للسيوطي 16.
(32) انظر: لسان العرب 1/547؛ الأزهية 219.
(33) معاني الفراء 1/53، أمَّا عن النحاة الذين تكلموا عن تركيب هذا الحرف فقد رفضوا ذلك بعباراتٍ مختلفة فالرضي في شرح الكافية 4/428 يقول: (والأولى كونها حرفاً برأسها) ، والإربلي في جواهر الأدب 448 يقول: (والصحيح الإفراد؛ لأنَّه الأصل، ولا موجب للمخالفة) ، وأبوحيان في الارتشاف 3/261 يقول: (وأمَّا بلى فهو حرفٌ ثلاثي الوضع مرتجل، والألف من سنح الكلمة) ، والمرادي في الجنى 420 يقول: (حرفٌ ثلاثي الوضع، والألف من أصل الكلمة) ، وابن هشام في المغني 1/113 يقول: (حرف جوابٍ أصلي الألف) .
(34) الصاحبي 207، وانظر: أمالي السُهيلي 44.
(35) هو أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي، أخذ العربية عن أبي علي الفارسي، له تصانيف مشهورة منها: (الخصائص) ، (سر صناعة الإعراب) ، (المحتسب في شواذ القراءات) ، (المنصف) وغيرها. توفي سنة (392هـ) .(9/177)
- انظر ترجمته في: تاريخ العلماء النحويين 24؛ نزهة الألباء 244؛ إنباه الرواة 2/335؛ معجم الأدباء 12/81؛ البلغة 241؛ بغية الوعاة 2/132.
(36) الخصائص 1/317، وانظر: الكتاب 1/474؛ تأويل مشكل القرآن 528؛ الصاحبى 249؛ اللباب 1/205؛ شرح المفصَّل 8/81 82؛ شرح الكافية للرضي 4/369؛ جواهر الأدب 487؛ الجنى 568؛ المغني 1/191؛ الهمع 2/151، أمَّا المالقي في الرصف 284 285 فإنَّه رفض دعوى التركيب وساق لذلك عدَّة أدلة.
(37) سر صناعة الإعراب 1/304.
(38) شرح المفصَّل 8/82، وانظر: اللباب 1/205؛ الجنى 568.
(39) سر صناعة الإعراب 1/306.
(40) انظر: الجمل للزجاجي 51 52؛ أسرار العربية 148؛ شرح المفصَّل 8/54.
(41) معاني الفراء 1/465، وانظر: الإنَّصاف 1/208 – 218؛ المتبع 1/284؛ شرح الرضي على الكافية 4/372؛ جواهر الأدب 528؛ الجنى 617؛ المغني 1/291، وقد استحسن رأيه ابن يعيش في شرح المفصَّل 8/79.
(42) إنَّما قلنا هذا لأنَّ النحاة قد ردُّوا عليه رأيه وضعَّفوه؛ لأنَّه ليس من أقيستهم تركيب ثلاثة أشياء وجعلها حرفا واحدا، كما أنهم قد فنَّدوا حجَّته التي استدلَّ بها، وهي دخول " لام " التوكيد على خبر " لكنَّ " في بيت الشاهد كدخولها على خبر " إنَّ " بأنَّ اللام إمَّا أن تكون زائدة، وإمَّا أن يكون التقدير: ولكن إنَّني من حبها لكميد، فأدخل " اللام " في خبر " إنَّ ".
- انظر: اللامات للزجاجي 158؛ الخصائص 2/333، 3/92؛ المحتسب 2/29؛ شرح اللمع لابن برهان 1/87؛ المقتصد 1/572؛ البيان 2/107 – 108؛ اللباب 1/ 217 – 218، الأمالي النحوية لابن الحاجب 4/22؛ شرح ألفية ابن معطي 2/912؛ رصف المباني 134؛ الارتشاف 1/329؛ الجنى 402؛ المساعد 4/120، الهمع 2/116.
(43) شرح اللمحة البدرية 2/46، وانظر: الإرشاد 178؛ الفوائد الضيائية 2/351.(9/178)
(44) شرح الفريد 252، وانظر: لباب الإعراب 1/218؛ الجنى 615.
(45) انظر: اللباب 1/48؛ شرح المفصَّل 8/110؛ البسيط 1/237؛ الهمع 4/313.
(46) انظر: الصاحبي 255؛ المقتصد 2/1092؛ التبصرة 1/405؛ شرح الكافية الشافية 3/1572؛ لباب الإعراب 449؛ جواهر الأدب 522.
(47) لنفي الفعل صورٌ متعددة، تختلف باختلاف الزمن " الدقيق " له؛ لأنَّ الماضي وإن كانت له دلالةٌ واحدة إلاَّ إنَّ أزمنته مختلفة وذلك من حيث قربه من الحال وبعده عنه، وكذلك المضارع، يقول سيبويه 1/460 (إذا قال " فَعَل " فإنَّ نفيه " لم يفعل " وإذا قال " قد فعل " فإنَّ نفيه " لمَّا يفعل " وإذا قال " لقد فعل " فإنَّ نفيه " ما فعل " لأنَّه كأنَّه قال " والله لقد فعل " فقال " والله ما فعل " وإذا قال " هو يفعل " أي: هو في حال فعل، فإنَّ نفيه " ما يفعل " وإذا قال " هو يفعل " ولم يكن الفعل واقعا، فنفيه " لا يفعل " وإذا قال " ليفعلن " فنفيه " لا يفعل " كأنَّه قال " والله ليفعلن " فقلت " والله لا يفعل " وإذا قال " سوف يفعل " فإنَّ نفيه " لن يفعل ") .
(48) شرح المفصَّل 8/110، وانظر: شرح اللمع لابن برهان 2/366؛ شرح المقدمة المحسبة 1/243؛ التبصرة 1/405؛ المغني 1/278 – 279.
(49) هو أحمد بن عبد النور بن أحمد راشد المالقي النحوي، له من المصنفات: (رصف المباني في حروف المعاني) ، (شرح الجزولية) وغير ذلك، توفي سنة (702هـ) .
– انظر ترجمته في: البلغة 59؛ الدرر الكامنة 1/207؛ بغية الوعاة 1/331.
(50) رصف المباني 351، وانظر: الكتاب 2/307؛ الخصائص 2/361؛ المتبع 2/521؛ جواهر الأدب 523.
(51) انظر: رصف المباني 351؛ جواهر الأدب 523.(9/179)
(52) هو أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسي، أخذ النحو عن الزجَّاج، وابن السرَّاج، وغيرهما، وبرع من تلاميذه نخبة من العلماء منهم: ابن جني، والربعي، والعيدي، وغيرهم، له مؤلفات جليلة القدر منها: (الإيضاح) ، (التكملة) ، (الحجة في القراءات) وغيرها. توفي سنة (377هـ) .
- انظر ترجمته في: نزهة الألباء 232؛ إنباه الرواة 1/308؛ إشارة التعيين 83؛ البلغة 80؛ غاية النهاية 1/206؛ بغية الوعاة 1/496.
(53) البغداديات 316.
(54) الفارسي يتبع في هذا ابنَ السرَّاج حيث يقول: (وتقول: لمَّا جئتَ جئتُ، فيصير ظرفا) الأصول 2/157، ووافقهما الزجَّاجي في حروف المعاني 11، والعكبري في اللباب2/48، بل إنَّ الإربلي عدَّها الحرفَ الوحيد المشترك بين الأسماء والحروف، انظر: جواهر الأدب 521، أمَّا سيبويه 2/312 فقد عدَّها حرفا مثل " لو "، وانظر: رصف المباني 354.
(55) البسيط 1/238.
(56) انظر: الكتاب 1/ 455؛ حروف المعاني 11؛ الأزهية 198؛ الأمالي الشجرية 3/145؛ رصف المباني 352 – 353؛ جواهر الأدب 521 – 522؛ المغني 1/281.
(57) هو الخليل بن أحمد الفراهيدي، أستاذ سيبويه، وأوَّل من استخرج علم العروض، عمل كتاب (العين) ، وكان زاهدا في الدنيا، منقطعا إلى العلم. توفي سنة (170هـ) وقيل: (175هـ)
- انظر ترجمته في: مراتب النحويين 54؛ أخبار النحويين البصريين 54؛ تاريخ العلماء النحويين 123؛ إنباه الرواة 1/376؛ غاية النهاية 1/275.
(58) انظر: الكتاب 1/407؛ المقتضب 2/8؛ معاني القرآن للزجاج 1/161؛ علل النحو 192؛ سر الصناعة 1/305؛ شرح المقدمة المحسبة 1/231؛ أسرار العربية 329؛ نتائج الفكر 130؛ اللباب 2/32؛ شرح المفصَّل 8/112
(59) هو سالم بن عبد الله كما في المحتسب 1/120، والقرطبي 3/14.(9/180)
(60) انظر: المحتسب 1/120 – 121؛ إعراب القراءات الشواذ 1/241، 2/644، وقد عقد ابن جني في الخصائص 3/149 بابا بعنوان (باب في حذف الهمز وإبداله) ذكر فيه أمثلةً كثيرة على ذلك، ومع هذا نصَّ على أنَّه " غير مقيس"
(61) هو أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر، أخذ النحو عن الخليل ويونس وعيسى بن عمر، وأخذ اللغة عن أبي الخطاب الأخفش، وعمل كتابه الذي لم يُسبق إليه. توفي سنة (180هـ) . - انظر ترجمته في: أخبار النحويين البصريين 63؛ طبقات النحويين واللغويين 66؛ تاريخ العلماء النحويين 90؛ نزهة الألباء 54؛ إنباه الرواة 2/346؛ غاية النهاية 1/602.
(62) الكتاب 1/407، والرأي أيضا للمبرد في المقتضب 2/8، وانظر: شرح المفصَّل 8/112؛ الجنى 271 المغني 1/284.
(63) يبين الإربلي في جواهر الأدب 230 الفرق بين الموصول الحرفي والاسمي فيقول: (إنَّ الموصول الاسمي لابدَّ أن يكون في الصلة ضمير يعود إلى الموصول، والحرفي لا يحتاج إلى الضمير، فإذا قلت: أعجبني ما صنعت، إن قدَّرت ضميرا محذوفا، أي: صنعته، كانت " ما " موصولا اسميا مقدرةً بالذي، وإن لم تقدِّره، كانت حرفيا، أي: صنيعك) .
(64) اللباب 2/33.
(65) هو أبو البركات عبد الرحمن بن محمد بن أبي سعيد الأنباري، قرأ النحو على أبي السعادات ابن الشجري، واللغة على أبي منصور الجواليقي، من مصنفاته: (أسرار العربية) ،
(الإنَّصاف في مسائل الخلاف) ، (نزهة الألباء) ، توفي سنة (577 هـ) .
- انظر ترجمته في: إنباه الرواة 2/169؛ إشارة التعيين 185؛ البداية والنهاية 12/310؛ البلغة 133؛ بغية الوعاة 2/86
(66) أسرار العربية 329، وانظر: علل النحو 192؛ نتائج الفكر 130؛ سر الصناعة 1/306؛ اللباب 2/33.(9/181)
(67) انظر: المراجع السابقة، ويرى السُهيلي أنَّ تقدُّم معمول معمولها عليها لأنَّها (قد ضارعت " لم " لتقارب المعنى واللفظ، حتى قُدِّم عليها معمولُ فعلها، فقالوا: زيدا لن أضربَ، كما قالوا: زيدا لم أضربْ) .
(68) نتائج الفكر 126، 130.
(69) هو أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد السُهيلي، من أئمة النحو، واللغة، والقراءات، والتفسير، أخذ عن ابن العربي، وابن الطراوة، وغيرهما، من مصنفاته: (نتائج الفكر) ، (الروض الأنف) . توفي سنة (581هـ) .
- انظر ترجمته في: إشارة التعيين 182؛ غاية النهاية 1/371؛ بغية الوعاة 2/81؛ طبقات المفسرين للداودي 1/266.
(70) نتائج الفكر 130 – 131، وانظر: الغرَّة المخفية 1/160؛ شرح المفصَّل 8/111؛ شرح ألفية ابن معطي 1/339؛ شرح العوامل المائة 246؛ الهمع 4/94.
(71) لقد جمعها تحت عنوانٍ واحد الزمخشري في المفصَّل 315، وابن الشجري في أماليه 1/425، وابن الحاجب في الكافية 233، والإسفراييني في لباب الإعراب 467.
(72) انظر: الأمالي الشجريَّة 2/543؛ شرح المفصَّل 8/144؛ جواهر الأدب 483.
(73) انظر: الكتاب 1/407؛ علل النحو لابن الورَّاق 192؛ معاني الحروف للرماني 132؛ الأمالي الشجريَّة 2/543؛ شرح المفصَّل 8/144، وينقل الإربلي رأيا آخر يرى أنَّ "هل" من " هلاَّ " هي " هل " التي للحثِّ، ويقول: (ويضعِّفه عدم الاكتفاء بها دون " لا " مع أنَّه أولى، بل واجب؛ لأنَّ " لا " حينئذ تنفي الحثَّ، فيفوت الغرض) جواهر الأدب 483.
(74) انظر: الكتاب 2/306؛ معاني الفراء 2/377؛ الأمالي الشجريَّة 2/543؛ جواهر الأدب 483.
(75) انظر: الكتاب 2/306؛ معاني الحروف 124؛ الأمالي الشجريَّة 2/543 جواهر الأدب 483.(9/182)
(76) وقد اقتبست اسم " ما المغيِّرة " من ابن الشجري في أماليه 2/568؛ وقد سمَّاها الاسم نفسه الدكتور " محمد بن عبد الرحمن المفدى " في كتابه " حديث ما " وجعلها أحدَ أنواع " ما " الزائدة. انظر: 131.
(77) انظر:حروف المعاني 3.
(78) انظر: المحكم 2/343.
(79) انظر: معاني الحروف 124؛ الغرَّة المخفية 1/160؛ الكافية 2330؛ لباب الإعراب 467؛ شرح الكافية 4/442 – 443؛ جواهر الأدب 483؛ الجنى 509؛ المغني 1/74.
(80) شرح المفصَّل 8/144، وانظر: الأمالي الشجريَّة 1/425؛ التخمير 4/130؛ رصف المباني 365.
(81) انظر: الغرَّة المخفية 1/160؛ شرح الكافية 4/442 – 443.
(82) انظر: الأمالي الشجريَّة 1/425؛ شرح الكافية 4/443.
(83) في ديوانه 2/907، وهو من شواهد: أبي عبيدة في المجاز 1/52؛ والمبرد في الكامل 1/363؛ والفارسي في الإيضاح 29، وابن جني في الخصائص 2/45؛ والصيمري في التبصرة 1/334؛ وابن الحاجب في الإيضاح 2/235 وابن مالك في شرح الكافية الشافية 3/1654.
(84) انظر: المقتضب 2/54؛ الصاحبي 196 –197؛ شرح المفصَّل 7/46.
(85) ارتشاف الضرب 2/234.
(86) انظر: رصف المباني 148 – 149.
(87) التبصرة 408.
(88) انظر: المقتصد 2/1115؛ شرح المفصَّل 7/46 – 47؛ رصف المباني 148، ويعلِّل الجرجاني ذلك بقوله: (وليكون فعل الشرط واقعا في حكم الابتداء وصدر الكلام) .
(89) الكتاب 1/131، وانظر: التبصرة 1/408؛ المقرب 1/274؛ الجنى 508؛ المغني 1/87.
(90) هو أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني، إمام في العربية، واللغة، والبلاغة، وهو أوَّل من دوَّن علم المعاني، أخذ النحو عن أبي الحسين بن عبد الوارث الفارسي وأخذ
عنه علي الفصيحي له مصنفات كثيرة منها: (المقتصد في شرح الإيضاح) ، (دلائل الإعجاز) ، (أسرار البلاغة) . توفي سنة (471هـ) .(9/183)
- انظر ترجمته في: نزهة الألباء 264؛ إنباه الرواة 2/188؛ إشارة التعيين 188؛ البلغة134؛ بغية الوعاة 2/106
(91) المقتصد 2/1115، وانظر: المتَّبع 2/531؛ شرح المفصَّل 7/47.
(92) هكذا سمَّاها سيبويه 2/312.
(93) نسبه إليه كلٌّ من: القيسي في شرح " كلا " و " بلى " و " نعم " 22، وأبو حيان في الارتشاف 3/262، وابن هشام في المغني 1/188، والسيوطي في الهمع 4/384، أمَّا ابن فارس في الصاحبي 250 فقال: (زعم ناس) دون أن ينسبها إلى أحد، وكذلك الإربلي في جواهر الأدب 506
(94) هو أبو العباس أحمد بن يحيى بن سيار الشيباني، من أئمة الكوفيين في النحو، واللغة، وله معرفة بالقراءات، أخذ عنه جُلَّة من العلماء منهم: علي بن سليمان الأخفش، وأبو عمر الزاهد، له (كتاب في القراءات) ، (كتاب الفصيح) ، وغيرهما، توفي سنة (291هـ) . – انظر ترجمته في: مراتب النحويين 151؛ طبقات النحويين واللغويين 141-150؛ تاريخ العلماء النحويين 181؛ نزهة الألباء 173؛ إنباه الرواة 1/173-186؛ بغية الوعاة 1/396.
(95) المغني 1/188، وانظر: شرح " كلا " 22؛ الارتشاف 3/262؛ الهمع 4/384.
(96) شرح " كلا " 27، وانظر: الهمع 4/384.
(97) انظر: الكتاب 2/312؛ تأويل ابن قتيبة 558؛ معاني القرآن للزجَّاج 3/345؛ حروف المعاني 11؛ الصاحبي 250، شرح " كلا " 23 – 26؛ شرح الكافية للرضي 4/478؛ الارتشاف 3/262؛ الدرَّ المصون 7/637؛ الهمع 4/384؛ شرح الفريد 494.
(98) هذا هو الموضع الأوَّل الذي وردت فيه (كلَّا) في القرآن الكريم.(9/184)
(99) تسميتها بحرف عطف إنَّما هو من باب " التجوز " وإلَّا فإنَّ الرأي الراجح فيها عدم عدها من حروف العطف ويوضِّح ذلك ابن الشجري في أماليه 3/126 فيقول: (" إمَّا " ليست من حروف العطف، كما زعم بعض النحويين؛ لأنَّه لا يخلو أن تكون الأولى منهما عاطفة أو الثانية، فلا يجوز أن تكون الثانيةُ عاطفةً؛ لأنَّ الواو معها، والواو هي الأصل في العطف، فإن جعلت " إمَّا " عاطفة فقد جمعت بين عاطفين، ولا يجوز أن تكون الأولى عاطفة؛ لأنَّها تقع بين العامل والمعمول، كقولك: خرج إمَّا زيد وإمَّا بكر، ولقيت إمَّا زيداً وإمَّا بكرا، فهل عَطَفَتِ الفاعلَ على رافعه، أو المفعولَ على ناصبه؟ … وإنَّما ذكرها مَن ذكرها من النحويين في حروف العطف تقريبا؛ لأنَّها بمعنى " أو " ولأنَّ إعراب ما بعد الثانية كإعراب ما قبلها) .
(100) انظر: الكتاب 2/67؛ كتاب الشعر 1/89؛ الأزهية 142؛ الأمالي الشجريَّة 3/127؛ اللباب 1/426؛ التسهيل 176؛ شرح الكافية للرضي 4/402 – 403؛ شرح ألفية ابن معطي 1/782؛ الجنى 210؛ المساعد 2/463؛ المغني 1/59؛ الهمع 5/255؛ شرح الفريد 469.
(101) هو أبو العباس محمد بن يزيد الأزدي الثمالي، من أئمة النحاة البصريين، ابتدأ بقراءة كتاب سيبويه على الجرمي، وأكمله على االمازني، من أشهر مصنفاته: (الكامل) ، (المقتضب) .توفي سنة (286هـ) .
- انظر ترجمته في: مراتب النحويين 135؛ أخبار النحويين البصريين 105؛ طبقات النحويين واللغويين 101؛ تاريخ العلماء النحويين 53؛ غاية النهاية 2/280.
(102) المقتضب 3/28 – 29، وانظر: الكتاب 1/135.
(103) اللباب 1/426، وانظر: المساعد 2/463.
(104) انظر الفرق بين (إمَّا) و (أو) في شرح الكافية للرضي 4/401؛ الهمع 5/252
المصادر والمراجع
1- القرآن الكريم(9/185)
2- أخبار النحويين البصريين ومراتبهم وأخذ بعضهم عن بعض، لأبي سعيد السيرافي، تحقيق: محمد إبراهيم البنا، دار الاعتصام، الطبعة الأولى، 1405هـ 1985م.
3- ارتشاف الضرب من لسان العرب لأبي حيَّان الأندلسي، تحقيق د. مصطفى أحمد النحاس، مطبعة المدني، المؤسسة السعودية بمصر، القاهرة، الطبعة الأولى، ج1 1404هـ 1984م، ج2 1408هـ 1987م ج3 1409هـ 1989م.
4 - الإرشاد إلى علم الإعراب للكيشي، تحقيق: د. عبد الله علي الحسيني البركاتي، د. محسن سالم العميري، مركز إحياء التراث الإسلامي، مكة المكرمة، الطبعة الأولى 1410هـ 1989م.
5 - الأزهية في علم الحروف، لعلي بن محمد الهروي، تحقيق: عبد المعين الملوحي، مطبوعات مجمع اللغة العربية، دمشق، الطبعة (بدون) ، 1391هـ 1971م.
6 - أسرار العربية لأبي البركات الأنباري، تحقيق: محمد بهجة البيطار، من مطبوعات المجمع العلمي العربي، دمشق، الطبعة (بدون) 1377هـ – 1957م
7- إشارة التعيين وتراجم النحاة واللغويين لعبد الباقي بن عبد المجيد اليماني، تحقيق: عبد المجيد دياب، مركز الملك فيصل للبحوث، الرياض، الطبعة الأولى، 1406هـ
8- الأشباه والنظائر في النحو للسيوطي، تحقيق: طه عبد الرءوف سعد، مكتبة الكليَّات الأزهرية، القاهرة، الطبعة (بدون) ، 1395هـ 1975م.
9- الأصول في النحو لابن السراج، تحيقيق: د. عبد الحسين الفتلي، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى، 1405هـ 1985م.
10- إعراب القراءات الشواذ للعكبري، دراسة وتحقيق: محمد السيد أحمد عزوز، عالم الكتب، بيروت، الطبعة الأولى، 1417هـ 1996م
11- الأعلام لخير الدين الزركلي، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة التاسعة، 1990م.
12- أمالي السُهيلي في النحو واللغة والحديث والفقه، تحقيق: محمد إبراهيم البنا، مطبعة السعادة، مصر، الطبعة الأولى، 1390هـ 1970م.(9/186)
13- الأمالي النحوية لابن الحاجب، تحقيق: هادي حسن حمودي، مكتبة النهضة العربية، وعالم الكتب، بيروت، الطبعة الأولى، 1405هـ 1985م.
14- إنباه الرواة على أنباه النحاة، لأبي الحسن القفطي، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار الفكر العربي، القاهرة، ومؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، الطبعة الأولى 1406 هـ 1986م.
15- الإنَّصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين لأبي البركات الأنباري، ومعه كتاب الإنتصاف من الإنصاف لمحمد محي الدين عبد الحميد، دار الجيل، مكان النشر (بدون) ، الطبعة (بدون) ، 1982م.
16- الإيضاح العضدي لأبي علي الفارسي، تحقيق: د. حسن شاذلي فرهود، مطبعة دار التأليف، مصر، الطبعة الأولى، 1389هـ 1969م.
17- الإيضاح في شرح المفصَّل لابن الحاجب، تحقيق: د. موسى بناي العليلي، وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، مطبعة العاني، بغداد، الطبعة والتاريخ (بدون) .
18- إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون لإسماعيل باشا البغدادي، مكتبة المثنى، بغداد، الطبعة والتاريخ (بدون) .
19- البداية والنهاية لابن كثير، مكتبة المعارف، بيروت، الطبعة والتاريخ (بدون) .
20- البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع، للشوكاني، ويليه الملحق التابع للبدر الطالع للمؤرخ محمد بن محمد بن يحيى زبارة اليمني، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، الطبعة والتاريخ (بدون) .
21- البسيط في شرح جمل الزجاجي لابن أبي الربيع، تحقيق ودراسة: د. عيَّاد الثبيتي، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى، 1407هـ 1986م.
22- بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة، لجلال الدين السيوطي، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار الفكر، مكان النشر (بدون) ، الطبعة الثانية 1399هـ 1979م.(9/187)
23- البلغة في تراجم أئمة النحو واللغة لمحمد بن يعقوب الفيروز آبادي، تحقيق: محمد المصري، من منشورات مركز المخطوطات والتراث، الكويت، الطبعة الأولى، 1407هـ 1987م.
24- تاريخ العلماء النحويين من البصريين والكوفيين وغيرهم، لأبي المحاسن المعري التنوخي، تحقيق: عبد الفتاح الحلو، منشورات إدارة الثقافة والنشر بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الطبعة (بدون) 1401هـ 1981م.
25- تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة، شرحه ونشره: السيد أحمد صقر، دار التراث، القاهرة، الطبعة الثانية 1393هـ 1973م.
26- التبصرة والتذكرة للصيمري، تحقيق: د. فتحي أحمد مصطفى، مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي، مكة المكرمة، الطبعة الأولى 1402هـ 1982م.
27- تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد لابن مالك، تحقيق: د. محمد كامل بركات، دار الكتاب العربي للطباعة والنشر، مكان النشر (بدون) الطبعة (بدون) 1387هـ 1967م.
28- التعريفات للشريف الجرجاني، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، الطبعة الثالثة، 1408هـ 1988م.
29- تهذيب اللغة لأبي منصور الأزهري، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والأنَباء والنشر، الطبعة (بدون) ، 1384هـ 1964م.
30- الجمل في النحو للزجاجي، تحقيق: د. علي توفيق الحمد، مؤسسة الرسالة، بيروت، دار الأمل، الأردن، الطبعة الأولى، 1404هـ 1984م.
31- الجنى الداني في حروف المعاني للمرادي، تحقيق: د. فخر الدين قباوة، محمد نديم فاضل، دار الآفاق الجديدة، بيروت، الطبعة الثانية، 1403هـ 1983م.
32- جواهر الأدب في معرفة كلام العرب، لعلاء الدين الإربلي، شرح وتحقيق: د.حامد أحمد نيل، جامعة الأزهر، كلية اللغة العربية، توزيع: مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، الطبعة (بدون) 1403هـ 1983م.(9/188)
33- حديث (ما) أقسامها وأحكامها للدكتور محمد بن عبد الرحمن المفدى، النادي الأدبي، الرياض، الطبعة (بدون) ، 1400هـ 1980م.
34- حروف المعاني للزجاجي، تحقيق: د. علي توفيق الحمد، مؤسسة الرسالة، بيروت، دار الأمل، الأردن، الطبعة الثانية، 1406هـ 1986م.
35- الخصائص لابن جني، تحقيق: محمد علي النجار، دار الهدى، بيروت، الطبعة الثانية، التاريخ (بدون) .
36- الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة لابن حجر العسقلاني، تحقيق: محمد سيد جاد الحق، دار الكتب الحديثة، مصر، الطبعة والتاريخ (بدون) .
37- الدرّ المصون في علوم الكتاب المكنون للسمين الحلبي، تحقيق: د. أحمد محمد الخرَّاط، دار القلم، دمشق، الطبعة الأولى 1408هـ 1987م.
38- رصف المباني في شرح حروف المعاني للمالقي، تحقيق: د. أحمد محمد الخرَّاط، دار القلم، دمشق، الطبعة الثانية، 1405هـ 1985م.
39- سر صناعة الإعراب لابن جني، تحقيق: د. حسن هنداوي، دار القلم، دمشق، الطبعة الأولى، 1405هـ 1985م.
40- شذرات الذهب في أخبار من ذهب لابن العماد الحنبلي، دار المسيرة، بيروت، الطبعة الثانية، 1399هـ 1979م.
41- شرح ألفية ابن معطي لابن جمعة الموصلي، تحقيق: د. علي موسى الشوملي، مكتبة الخريجي، الرياض، الطبعة الأولى 1405هـ 1985م.
42- شرح العوامل المائة لخالد الأزهري، تحقيق وتقديم وتعليق: د. البدراوي زهران، دار المعارف، القاهرة، الطبعة الأولى، 1983م.
43- شرح الفريد لعصام الدين الإسفراييني، تحقيق: نوري ياسين حسين، المكتبة الفيصلية، مكة المكرمة، الطبعة الأولى، 1405هـ 1985م.
44- شرح الكافية في النحو للرضي الاستراباذي، صحَّحه وعلق عليه: يوسف حسن عمر، منشورات جامعة بنغازي، الطبعة والتاريخ (بدون) .(9/189)
45- شرح الكافية الشافية لابن مالك، تحقيق: د. عبد المنعم هريدي، مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي، مكة المكرمة، الطبعة الأولى، 1402هـ 1982م.
46- شرح كلاَّ وبلى ونعم، والوقف على كلِّ واحدة منهن في كتاب الله عز وجل للقيسي، تحقيق: د. أحمد حسن فرحات، دار المأمون للتراث، دمشق، بيروت، الطبعة الأولى، 1404هـ-1983م.
47- شرح اللمحة البدرية في علم العربية، لابن هشام الأنصاري، تحقيق: د.صلاح راوي، مطبعة حسان، القاهرة، الطبعة الثانية، التاريخ (بدون) .
48- شرح اللمع لابن برهان العكبري، تحقيق: د. فائز فارس، من منشورات المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، الطبعة الأولى، 1404هـ-1984م.
49- شرح المفصَّل لابن يعش، عالم الكتب، بيروت، الطبعة والتاريخ (بدون) .
50- شرح المفصَّل في صنعة الإعراب الموسوم بالتخمير للخوارزمي، تحقيق: د. عبد الرحمن العثيمين، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى، 1990م.
51- شرح المقدمة الجزولية الكبير للشلوبين، تحقيق: د. تركي بن سهو العتيبي، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الأولى، 1413هـ 1993م.
52- شرح المقدمة المحسبة لابن بابشاذ، تحقيق: خالد عبد الكريم، الناشر (بدون) ، الكويت، الطبعة الأولى، 1977م.
53- كتاب الشعر أو شرح الأبيات المشكلة الإعراب للفارسي، تحقيق وشرح: د. محمود محمد الطناحي، مكتبة الخانجي، القاهرة، الطبعة الأولى، 1408هـ 1988م.
54- الصاحبي لابن فارس، تحقيق: السيد أحمد صقر، مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه القاهرة، الطبعة والتاريخ (بدون) .
55- طبقات المفسرين للداودي، تحقيق: علي محمد عمر، مكتبة وهبة، مصر، الطبعة الأولى، 1392هـ-1972م.
56- طبقات المفسرين للسيوطي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة والتاريخ (بدون) .(9/190)
57- طبقات النحويين واللغويين للزبيدي، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف، القاهرة، الطبعة الثانية، التاريخ (بدون) .
58- علل النحو لابن الورَّاق، تحقيق ودراسة: محمود جاسم محمد الدرويش، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الأولى، 1420هـ 1999م.
59- العين، للخليل بن أحمد، تحقيق: د. مهدي المخزومي، د. إبراهيم السامرائي، دار ومكتبة الهلال، الطبعة والتاريخ (بدون) .
60- غاية النهاية في طبقات القراء لابن الجزري، عنى بنشره: ج. برجستراسر، مكتبة المتنبي، القاهرة، الطبعة والتاريخ (بدون) .
61- الغرّة المخفية لابن الخباز، تحقيق: حامد محمد العبدلي، دار الأنبار، بغداد، الرمادي، مطبعة العاني، الطبعة والتاريخ (بدون) .
62- الفريد في إعراب القرآن المجيد للهمذاني، تحقيق: د. محمد حسن النمر (الجزء الأول والثاني) د. فؤاد علي مخيمر (الجزء الثالث والرابع) ، دار الثقافة، قطر، الطبعة الأولى، 1411هـ 1991م.
63- الفوائد الضيائية (شرح كافية ابن الحاجب) للجامي، تحقيق: د. أسامة طه الرفاعي، وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، العراق، الطبعة (بدون) .
64- الكامل للمبرد، تحقيق: محمد أحمد الدالي، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثانية، 1413هـ 1993م.
65- الكتاب لسيبويه، المطبعة الأميرية ببولاق، مصر، الطبعة الأولى، 1316هـ.
66- الكشَّاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، للزمخشري، رتَّبه وضبطه وصحَّحه: مصطفى حسين أحمد، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة (بدون) 1406هـ 1986م.
67- اللامات للزجاجي، تحقيق: مازن المبارك، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق، الطبعة الثانية، 1405هـ 1975م.
68- لباب الإعراب لتاج الدين الإسفراييني، تحقيق: بهاء الدين عبد الوهاب عبد الرحمن، دار الرفاعي، الرياض، الطبعة الأولى، 1405هـ 1984م.(9/191)
69- اللباب في علل البناء والإعراب للعكبري، تحقيق: د. عبد الإله نبهان، دار الفكر المعاصر، بيروت، الطبعة الأولى، 1414هـ 1993م.
70- لسان العرب لابن منظور، دار صادر، بيروت، الطبعة والتاريخ (بدون) .
71- المتبع في شرح اللمع للعكبري، دراسة وتحقيق: د. عبد الحميد حمد الزوي، منشورات: جامعة قاريونس، بنغازي، الطبعة الأولى، 1994م.
72- مجاز القرآن لأبي عبيدة معمَّر بن المثنى، تحقيق: د. محمد فؤاد سزكين، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثانية، 1401هـ 1981م.
73- المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاحات عنها لابن جني، تحقيق: علي النجدي ناصف، د. عبد الحليم النجار، د. عبد الفتاح شلبي. المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، مصر، الطبعة (بدون) 1386هـ (الجزء الأول) 1389هـ (الجزء الثاني) .
74- مراتب النحويين لأبي الطيب اللغوي، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار نهضة مصر، القاهرة، الطبعة والتاريخ (بدون) .
75- المسائل المشكلة المعروفة بالبغداديات لأبي علي الفارسي، تحقيق: صلاح الدين السكاوي، وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، بغداد، الطبعة والتاريخ (بدون) .
76- معاني الحروف لأبي الحسن الرماني، تحقيق: د. عبد الفتاح إسماعيل شلبي، دار الشروق، جدة، الطبعة الثالثة، 1404هـ 1984م.
77- معاني القرآن للفراء، عالم الكتب، بيروت، الطبعة الثالثة، 1403هـ 1983م.
78- معاني القرآن وإعرابه للزجاج، تحقيق: د. عبد الجليل شلبي، عالم الكتب، بيروت، الطبعة الأولى، 1408هـ-1988م.
79- معجم الأدباء لياقوت الحموي، راجعته وزارة المعارف العمومية، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الأخيرة، التاريخ (بدون) .
80- مغني اللبيب عن كتب الأعاريب لابن هشام، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد، مكتبة ومطبعة: محمد علي صبيح وأولاده، الطبعة والتاريخ (بدون) .(9/192)
81- المفصَّل في علم العربية للزمخشري، وبذيله كتاب المفضَّل في شرح أبيات المفصَّل لبدر الدين النعساني الحلبي، دار الهلال، بيروت، الطبعة الأولى، 1993م.
82- المقتصد في شرح الإيضاح، لعبد القاهر الجرجاني، تحقيق: كاظم المرجان، وزارة الثقافة والإعلام، العراق، الطبعة (بدون) 1982م.
83- المقتضب لأبي العباس المبَّرد، تحقيق: محمد عبد الخالق عضيمة، عالم الكتب، بيروت، الطبعة والتاريخ (بدون) .
84- المقرب لابن عصفور الإشبيلي، تحقيق: أحمد عبد الستار الجواري، عبد الله الجبوري، رئاسة ديوان الأوقاف، إحياء التراث الإسلامي، العراق، الطبعة الأولى، 1391هـ 1971م.
85- المنصف من الكلام على مغني ابن هشام للشُّمنِّي، وبهامشه شرح الدماميني على متن المغني، المطبعة البهية، مصر، الطبعة والتاريخ (بدون) .
86- نتائج الفكر في النحو للسُهيلي، تحقيق: د. محمد إبراهيم البنا، دار الرياض للنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة الثانية، 1404هـ 1984م.
87- النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة لابن تغري بردي، طبعة مصوّرة عن طبعة دار الكتب، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، المؤسسة العامة للتأليف والترجمة والطباعة، الطبعة والتاريخ (بدون) .
88- نزهة الألباء في طبقات الأدباء لأبي البركات الأنباري، تحقيق: إبراهيم السامرائي، مكتبة المنار، الأردن، الطبعة الثالثة، 1405هـ 1985م.
89- هدية العارفين في أسماء المؤلفين وآثار المصنفين لإسماعيل باشا البغدادي، طبع بعناية وكالة المعارف، استانبول، 1951م، منشورات مكتبة المثنى، بغداد.
90- همع الهوامع للسيوطي، تحقيق: د. عبد العال سالم مكرم، دار البحوث العلمية، الكويت، الطبعة (بدون) ، ج1، 1394هـ-1975م، ج2، 1395هـ 1975م، ج3 1397هـ 1977م، ج4، ج5، 1399هـ 1979،ج6،ج7،1400هـ، 1980م.(9/193)
معالجة المادة المعجميّة
في
المعاجم اللفظيّة القديمة
د. محمد بن سعيد الثبيتي
الأستاذ المساعد بمعهد اللغة العربية بجامعة أم القرى
ملخص البحث
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، وأشهد أنّ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله، وبعد:
فقد تناول البحث بالوصف والتحليل معالجة المادة المعجميّة في المعاجم اللفظيّة القديمة، بمراحلها المختلفة، فاقتضت طبيعة هذا البحث أن يكون على النحو التالي:
التمهيد: وتحدثت فيه عن الكلمة بوصفها المادة الأساسيّة في المعجم فأشرت إلى مفهومها لدى القدماء والمحدثين وموقف المعجميين من ذلك المفهوم.
المبحث الأول:
وتحدثت فيه بإيجاز عن جمع المادة المعجميّة فبيّنت الدوافع إلى جمع المادة اللغويّة ثمّ أهم الطرق التي سلكها المعجميون في جمع مادتهم، ومصادر تلك المادة التي جمعوها.
المبحث الثانيّ:
وتحدثت فيه عن ترتيب المادة المعجميّة لدى المعجميين القدماء، سواء كان ذلك ترتيباً خارجياً للمداخل أم ترتيباً داخلياً، وكان لابد أن أعرض لأهم المدارس المعجميّة التي ظهرت كثمرة من ثمار تلك الجهود التي بلغ فيها التنافس أشدّه عند المعجميين القدماء.
المبحث الثالث:
وتحدثت فيه عن تحليل المادة المعجميّة فأشرت إلى جهود المعجميين القدماء في هذا الجانب سواء كان ذلك من ناحية اللفظ أم من ناحية المعنى، وتطرقت فيه إلى أهم الوسائل التي سلكها المعجميون القدماء في تحليل المعنى موضحاً بعض المآخذ التي تتعلق بهذا الجانب.
الخاتمة: ولخصت فيها أهم الملاحظات التي توصلت إليها.
والله أسأل أن ينفع بهذا العمل، ويجعلني ممن أخلص النيّة فَتُقُبِّل بقبول حسن في الدنيا والآخرة، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
التمهيد:(9/194)
اللغة خاصية إنسانية ينفرد بها الإنسان عن غيره من الكائنات وهي في أبسط وأوجز تعريفاتها: ((أصوات يعبر بها كلّ قوم عن أغراضهم)) (1) .
وتعدّ الكلمة هي المادة الأساسية في المعجم اللغويّ ومن هنا عُرِّف المعجم اللغويّ بأنّه ((كتاب يضم بين دفتيه أكبرعدد من مفردات اللغة مقرونة بشرحها، وتفسير معانيها،على أن تكون المواد مرتبة ترتيباً خاصاً، إما على حروف الهجاء أو الموضوع، والمعجم الكامل هو الذي يضم كل كلمة في اللغة مصحوبة بشرح معناها واشتقاقها وطريقة نطقها وشواهد تبيّن مواضع استعمالها)) (2) .
لذا كان تدوين المعجم ضرورة لغويّة لكل مجتمع متقدم، ليتمكن أفراده من معرفة الكثيرمن المعلومات التي توضح ما يحيط بالمادة الأساسية فيه ألا وهي الكلمة. (3)
أما المادة في عُرْف اللغويين فكل ما يكون مدداً لغيره ومادة الشيء أصوله وعناصره التي منها يتكون حسيّة كانت أو معنوية ومواد اللغة ألفاظها. (4)
وعلى الرّغم من وضوح الكلمة ومفهومها في الذهن إلا أن الخلاف بين علماء اللغة – قدماء ومحدثين – كبير جدّا في تحديد ماهيتها حيث إن للكلمة جوانب متعددة يمكن النظر إليها، كالجوانب الصوتيّة أو الصرفيّة أو النحويّة أو الدلاليّة ومن ثمّ تعددت التعريفات، وواجه كلّ تعريف منها نقداً من علماء اللغة على اختلاف مدارسهم. (5) .
فالكلمة عند النحاة من علماء العربية هي: ((اللفظة الدّالة على معنى مفرد بالوضع)) (6) ، وهي ((لفظ وضع لمعنى مفرد)) (7) وهي ((قول مفرد مستقل أو منوي معه)) (8) . وقد حدد ابن يعيش الشروط الواجب توافرها في مفهوم الكلمة العربيّة وهي:الصوت والمعنى أو الوضع ثمّ الاستقلال بدلالة محددة. (9)
ولكن هذه الحدود والتعريفات غير دقيقة - في نظر بعض المحدثين - لأسباب أهمها:
1-أنها لاتفرق بين الصوت والحرف.
2-أنها تخلط بين الوظيفة اللغويّة والمعاني المنطقيّة.(9/195)
3-أنها لاتفرق بين وجود الكلمة وعدمها في التعريف. (10)
أما الكلمة عند المحدثين فهي: (أصغر صيغة حرّة) (11) ، وهي: ((ربط معنى ما بمجموعة من الأصوات صالحة لاستعمال جراماطيقي ما)) (12) ، وهي: ((جزء من الحدث الكلاميّ له صلة بالواقع الخارج عن اللغة، ويمكن اعتبارها وحدة غير قابلة للتقسيم، ويتغيّر موضعها بالنسبة لبقية الحدث الكلاميّ)) (13) .
وخلاصة القول أنّ ثمّة معايير ينطلق منها المحدثون في تصورهم لماهيّة الكلمة من أهمها:
1- معيار الدلالة وهوالذي قامت على أساسه المعاجم اللغويّة والكلمة بهذا المعيار هي التي تدل على معنى ما.
2- معيار الشكل والكلمة بهذا المعيارامتداد صوتي محدد يحافظ على شكله واستقراره حيثما وقع في الجملة ويشغل فيها وظيفة نحويّة.
3- معيار ثلاثي وفحواه أنّ الكلمة تشتمل على جوانب ثلاثة هي: الصوت، الدلالة، الوظيفة النحويّة. (14)
غير أن كلّ معيار من هذه المعايير- قديمها وحديثها - لا يخلو من النقص والاضطراب عند التطبيق، ومن هنا آثر تمام حسّان تعريف الكلمة العربية بأنّها: ((صيغة ذات وظيفة لغويّة معينة في تركيب الجملة، تقوم بدور وحدة من وحدات المعجم، وتصلح لأن تُفْرَدَ، أو تُحْذَفَ، أو تُحْشَى، أو يُغَيَّرَ موضعها، أويُسْتَبْدَل بها غيرها في السياق وترجع مادتها غالبا إلىأصول ثلاثة وقد تلحق بها زوائد)) (15) .
ويرى أحد الباحثين أنّ علماء المعاجم ينطلقون من وجهة نظر تخالف غيرهم من العلماء، ولذلك لم يحاولوا البحث عن تعريف نظريّ للكلمة، وإنّما انصرفوا إلى تحديد ماهيتها من الناحية العملية؛ لأنّ مهمة المعجم اللغويّ هي بيان وشرح معاني الكلمات سواء من ناحية المبنى أم المعنى. (16)(9/196)
وهذا ما نلحظه في ضوء ترتيب المعاجم العربية القديمة؛ إذ يدل ذلك على إدراك المعجميين العرب لجانبين مهمين في طبيعة الكلمة، وهما جانب اللفظ، وجانب المعنى، وقد نتج عن ذلك ظهور نوعين من المعاجم اللغويّة هما:
أ- معاجم الألفاظ: وهي المعاجم التي تضم أكبر عدد من مفردات اللغة مقرونة بشرحها وتفسير معانيها ومرتبة ترتيبا خاصا، والمعجم الكامل هو الذي يضم كل كلمة في اللغة.
وأول هذه المعاجم معجم (العين) المنسوب إلى الخليل بن أحمد الفراهيديّ (ت170هـ) رحمه الله، ثمّ توالت بعد ذلك معاجم الألفاظ كالجيم لأبى عمرو الشيباني (ت 206هـ) ، والجمهرة لابن در يد (ت321 هـ) ، والبارع للقالي (ت 356هـ) ، وتهذيب اللغة للأزهريّ (ت370هـ) ، والمحيط للصاحب ابن عباد (ت 385هـ) ، ومقاييس اللغة والمجمل لابن فارس (ت395 هـ) ، والصحاح للجوهريّ (ت 400 هـ) ، والمحكم لابن سيّده (ت458 هـ) ، وأساس البلاغة للزمخشريّ (ت 538 هـ) ، والعباب للصاغانيّ (ت 650هـ) ، ولسان العرب لابن منظور (ت 711 هـ) ، والقاموس المحيط للفيروزآ باديّ (ت817هـ) ، وتاج العروس للزَّبيديّ (ت1205هـ)(9/197)
ب- معاجم الموضوعات: وهي التي ترتب الألفاظ اللغويّة حسب الموضوع أو المجال اللغويّ، أي أنّ المعجميّ يجمع الألفاظ المتصلة بمجال معين كخلق الإنسان مثلا للأصمعيّ، والمطر لأبي زيد الأنصاريّ، والبئر لابن الأعرابيّ، والنخل لأبي حاتم السجستانيّ، ونحوها مما نظم تحت مجال واحد، وقد لقي هذا النوع من التأليف عناية كبيرة عند القدماء بدأ بما يسمى بالرسائل اللغويّة، وانتهى بالموسوعات الموضوعيّة كا لغريب المصنف لأبى عبيد (ت223هـ) ، والمنجد لكراع النمل (ت310هـ) والمخصص لابن سيده (ت458هـ) . (17) ويلاحظ مجال التنافس بين القدماء كان واضحا بالنسبة للنوع الأول (معاجم الألفاظ) حيث ظهرت عندهم عدّة طرق للترتيب المعجميّ - كما سنبينه في موضعه - بخلاف النوع الثاني (معاجم الموضوعات) حيث لم توجد عندهم إلا طريقة واحدة وهي الترتيب حسب الموضوع أو المجال.
طرق معالجة المادة المعجميّة
المبحث الأول: جمع المادة المعجميّة
لا يمكن الحديث عن جمع المادة المعجميّة بمعزل عن جمع المادة اللغويّة حيث كانت العناية الأولى بجمع المادة اللغويّة استجابة إلى ما توجبه المحافظة على القرآن الكريم وتفهم معانيه من حفظ مادته اللغويّة وما ترمي إليه من دقيق الدلالة والمغزى وصحيح المبنى والمعنى (18)(9/198)
وعلى ضوء ذلك شمّرالأوائل من أئمة اللغة فأخذوا يجمعون اللغة وكان هدفهم الأول جمع الكلمات الغريبة وتحديد معانيها، ويعدّ (المربد) بالبصرة أول محطة رأى فيها العلماء وطلاب العربية تحقيق ذلك الهدف حيث كان (المربد) من أسواق البصرة التي يقصدها الأعراب للمتاجرة ولتبادل المنفعة، وربما حضر بعضهم وليس عنده سلعة يبيعها ولا رغبة في شراء وإنّما جاء ليشبع رغبته في القول والإنشاد واستماع الشعر والأخبار كما هي عادة العرب في أسواقها. وكان أهل البصرة يخرجون إلى هذه السوق وبينهم فئة من رواة اللغة وطلابها جاءوا ليدونوا ما يسمعون عن هؤلاء الأعراب (19) ، وكان من بين هؤلاء الفئة الأصمعيّ؛ إذ يقول:
((جئت إلى أبى عمرو بن العلاء فقال: من أين جئت يا أصمعي، قلت: من المربد. قال: هات ما معك، فقرأت عليه ما كتبت في ألواحي، ومرّت به ستة أحرف لم يعرفها فأخذ يعدو في الدّرجة قائلاً: شمّرت في الغريب ياأصمعيّ)) (20)
وعندما أحسّ الأعراب بالحاجة إليهم أخذوا يرحلون إلى الأمصار فرادى وجماعات يعرضون بضاعتهم من اللغة، ويتلقاهم العلماء للسماع عنهم ويتنافسون في الأخذ منهم حتى أصبحت اللغة سلعة غالية يبيعها الأعراب ويشتريها الرواة في (المربد) بالبصرة وفي (الكناسة) بالكوفة، بل إنّ منهم من اتّخذ التعليم مهنة له كأبي البيداء الرياحي الذي كان يعلم الصبيان بأجر. (21) ومنهم من ألّف الكتب كأبي خيرة الأعرابيّ الذي ألف كتاباً في الحشرات وآخر في الصفات. (22)
وكان أبو مهدي والمنتجع من أبرز الأعراب الذين يُتَحَاكَمُ إليهم، كلّ يمثل لهجة قومه؛ يقول الأصمعيّ:(9/199)
((جاء عيسى بن عمر الثقفيّ ونحن عند أبي عمرو بن العلاء فقال يا أباعمرو: ما شيء بلغني عنك تجيزه؟ قال: وما هو؟ قال بلغني أنك تجيز ليس الطيب إلا المسك (بالرفع) فقال أبوعمرو: نمت وأدلج الناس. ليس في الأرض حجازيّ إلا وهو ينصب، وليس في الأرض تميميّ إلا وهو يرفع. ثمّ قال أبو عمرو: قم يا يحي- يعني اليزيديّ - وأنت يا خلف- يعني خلف الأحمر- فاذهبا إلى أبي المهديّ فإنّه لا يرفع، واذهبا إلى المنتجع ولقناه النصب فإنه لا ينصب. قال: فذهبنا فأتينا أبا المهديّ ... قال اليزيديّ: ليس ملاك الأمرإلا طاعةُ الله والعملُ الصالح فقال: ليس هذا لحني ولا لحن قومي؛ فكتبنا ما سمعنا منه، ثمّ أتينا المنتجع فأتينا رجلاً يعقل، فقال له خلف: ليس الطيب إلا المسكَ (بالنصب) فلقّنّاه النصب وجهدنا فيه فلم ينصب وأبى إلا الرفع)) (23) .
ولما طال مكث الأعراب في الحضرلانت جلودهم وطاعت ألسنتهم بشوائب العجمة؛ يقول الجاحظ: ((كان بين يزيد بن كثوة يوم قدم علينا البصرة وبينه يوم مات بون بعيد على أنّه كان قد وضع منزله آخر موضع الفصاحة وأول موضع العجمة)) (24) .
فلما ضعفت ثقة العلماء بالأعراب رحل العلماء والرواة إلى البادية بمدادهم وصحفهم ليسمعوا من أولئك الذين لم تتأثر ألسنتهم بمخالطة الأعاجم، قال أبو العباس ثعلب: ((دخل أبو عمرو الشيبانيّ (إسحاق بن مرار) البادية ومعه دستيجانحبراً فما خرج حتى أفناهما بِكَتْبِ سماعه عن العرب)) (25) .
وممن خرج إلى البادية الكسائيّ، ورجع وقد أنفد خمس عشرة قنينة حبراً في الكتابة عن العرب سوى ما حفظ. (26)
وكان أبوعمرو بن العلاء من أوائل الرواة الذين رحلوا إلىالبادية وأعجب بأهل السروات وعدّهم من أفصح العرب لساناً وأعذبهم لغة. (27)(9/200)
وهكذا ظل التواصل مستمراً بين الرواة والبادية وحرص العلماء على مشافهة الأعراب حتى وجدنا في أواخر القرن الرابع من يروي عن الأعراب كالأزهريّ، (ت370هـ) ، وابن جنيّ (ت392هـ) ، والجوهريّ (ت393هـ) وابن فارس (ت395هـ) . ثمّ توقّف هذا التواصل مع نهاية هذا القرن حتى أصبحت الرواية عن الأعراب أنفسهم يشوبها شيء من الحذر، يقول ابن جنيّ: ((أنا لا نكاد نرى بدوياً فصيحاً وإن نحن آنسنا منه فصاحة في كلامه لم نكد نعدم ما يفسد ذلك ويقدح فيه وينال ويغض منه)) (28) .
ويرى أحد الباحثين أنّ الطبقة التي تلت الخليل بن أحمد، ويونس بن حبيب كانت من أغزر العلماء إنتاجاً، ومنهم ثلاثة رواة يعتبرون عصب الرواية في البصرة وهم: أبو عبيدة معمر بن المثنى، وأبو زيد الأنصاري، وعبد الملك بن قريب الأصمعيّ. (29)
وقد حدد اللغويون مادة جمعهم فيما صحّ عن العرب ضمن شروط ومعايير هي:
1- شرط المكان: وهو الفيصل الذي تم بمقتضاه تحديد مواطن الفصاحة في وسط الجزيرة العربية دون بقية أطرافها التي كانت على صلة بالأمم الأخرى، وفي بواديها دون الحواضرالتي كانت تعجّ بحركة الوافدين عليها من خارج الجزيرة أو من أطرافها بقصد التجارة ونحوها.
2- شرط الزمان: وهو الفيصل الذي تم بمقتضاه تحديد عصورالفصاحة عند منتصف القرن الثاني الهجري بالنسبة للاحتجاج باللغة الأدبية وخاصة لغة الشعر، ونهاية القرن الرابع الهجري بالنسبة للاحتجاج باللغة الشفوية المنقولة عن الأعراب.
3- شرط الفصاحة وهو الشرط الذي تم بمقتضاه الحكم على فصاحة اللفظ إذا ثبتت نسبته إلى عربيّ قحّ سواء بالمشافهة أو الرواية الصحيحة وذلك العربي القحّ هو من انطبق عليه شرط الزمان والمكان السابقين. (30)(9/201)
وعلى ضوء هذه المعاييرعُدّ كلّ ما خالف ذلك مولداً، فَقُسِّم الشعراء إلى طبقات، والقبائل إلى درجات، أعلاها قبيلة قريش؛ يقول ابن فارس: ((أجمع علماؤنا بكلام العرب والرواة لأشعارهم والعلماء بلغاتهم وأيامهم ومحالّهم: أنّ قريشاً أفصح العرب ألسنة وأصفاهم لغة ... وكانت قريش – مع فصاحتها وحسن لغاتها ورقة ألسنتها-إذا أتتهم الوفود من العرب تخيروا من كلامهم وأشعارهم أحسن لغاتهم وأصفى كلامهم فاجتمع ما تخيروا من تلك اللغات إلى نحائزهم وسلائقهم فصاروا بذلك أفصح العرب ... ألا ترى أنّك لا تجد في كلامهم عنعنة تميم ولا عجرفيّة قيس ولا كشكشة أسد ولا كسكسة ربيعة ... )) (31) .
ويقول الفارابي: ((كانت قريش أجود العرب انتقاداً للأفصح من الألفاظ وأسهلها على اللسان عند النطق وأحسنها مسموعاً وأبينها إبانة عمّا في النفس)) (32) .(9/202)
ويقول وهو يرتب درجة الفصاحة: ((والذين عنهم نقلت اللغة العربية وبهم اُقْتُدِيَ وعنهم أُخِذَ اللسانُ العربي من بين قبائل العرب هم: قيس وتميم وأسد، فإن هؤلاء هم الذين عنهم أكثر ما أخذ ومعظمه، وعليهم اتّكل في الغريب وفي الإعراب والتصريف، ثمّ هذيل وبعض كنانة وبعض الطّائيين، ولم يؤخذ عن غيرهم من سائر قبائلهم، وبالجملة فإنّه لم يؤخذ عن حضري قط، ولا عن سكان البراري ممن كان يسكن أطراف بلادهم التي تجاور سائر الأمم الذين حولهم، فإنّه لم يؤخذ لا من لخم ولا من جذام فإنهم كانوا مجاورين أهل مصر والقبط، ولا من قضاعة ولا من غسان ولا من إياد فإنهم كانوا مجاورين أهلَ الشام، وأكثرهم نصارى يقرؤون بالعبرانية، ولا من تغلب ولا النمر فإنهم كانوا بالجزيرة مجاورين لليونان، ولا من بكر لأنهم كانوا مجاورين للنبط والفرس، ولا من عبد القيس لأنهم كانوا سكان البحرين مخالطين للهند والفرس، ولا من أزد عمان لمخالطتهم للهند والحبشة، ولا من أهل اليمن أصلاً لمخالطتهم للهند والحبشة ولولادة الحبشة فيهم؛ ولامن بني حنيفة وسكان اليمامة، ولا من ثقيف وسكان الطائف؛ لمخالطتهم تجار اليمن المقيمين عندهم، ولا من حاضرة الحجاز؛ لأن الذين نقلوا اللغة صادفوهم حين ابتدأوا ينقلون لغة العرب قد خالطوا غيرهم من الأمم، وفسدت ألسنتهم …)) (33) .
ولكنّ اللغة لم تجمع دفعة واحدة، بل اتّخذ جمعها أشكالاً مختلفة قسّمها بعضهم إلي ثلاث مراحل هي:
المرحلة الأولى: جمع الكلمات كيفما اتفق فالعالم يرحل إلي البادية فَيُدَون كلّ ما سمع من غير ترتيب ولا تنظيم فيجمع كلمة في المطر وكلمة في النبات وكلمة في الخيل ونحو ذلك.
المرحلة الثانية: جمع الكلمات المتعلقة بموضوع واحد في موضع واحد، وقد توجت هذه المرحلة بظهور الرسائل اللغويّة التي عرفت بأسماءٍ من نحو: المطر، البئر، الإبل ونحو ذلك. (34)(9/203)
ويعد موضوع الحشرات أقدم الموضوعات، وأول من نسب إليه كتاب في ذلك أبو خيرة الأعرابي ثم تلاه بعد ذلك بعض اللغويين فألفوا في الموضوع نفسه ككتاب النحلة للشيبانيّ والأصمعي والذباب لابن الأعرابي ونحو ذلك. (35)
المرحلة الثالثة: وضع معجم يضم كلّ الكلمات على نمط خاص وترتيب معين، ويعد الخليل بن أحمد - رحمه الله - (ت170هـ) أول من شمّر لهذه المهمة ففتح الله على يده أعظم عمل لغويّ حيث سنّ لمن جاء بعده منهج التأليف المعجميّ فظهرت المعاجم اللغوية،التي من أبرزها: الجمهرة لابن دريد (ت321هـ) ، والبارع للقالي (ت356هـ) ، وتهذيب اللغة للأزهريّ (ت370هـ) ، والمحيط للصاحب بن عباد (ت385هـ) ، ومقاييس اللغة والمجمل لابن فارس (ت395هـ) ، والصحاح للجوهريّ (ت400هـ) ، والمحكم لابن سيده (ت458هـ) ، وأساس البلاغة للزمخشريّ (ت538هـ) ، والعباب للصاغانيّ (ت650هـ) ، ولسان العرب لابن منظور (711هـ) ، والقاموس المحيط للفيروزاباديّ (ت817هـ) ، وتاج العروس للزَبيديّ (ت1205هـ) .
طريقة جمع المادة المعجميّة:
أما عن طريقة جمع المادة المعجميّة فنلحظ أن القدماء اتبعوا طريقتين:
الأولى: طريقة الإحصاء التّام بغرض استقصاء المواد اللغويّة مستعملها ومهملها، ويعد الخليل بن أحمد - رحمه الله - أول من ابتدع هذا المنحى؛ إذ أدرك بعبقريته الفذة في علوم اللغة والحساب أنّ ثمّة نظاماً من شأنه حصر جميع المفردات اللغويّة، فكان له فضل السبق في وضع هذا النظام الذي بُني عليه كتاب العين والذي يتفق جلّ اللغويين إن لم يكن كلّهم على أنّه من ابتكار الخليل نفسه، ويختلفون فيما وراء ذلك.(9/204)
ويحكي لنا اللّيث بن المظفر (180هـ) قصة هذا النظام، فيقول: ((كنت أصير إلى الخليل بن أحمد فقال لي يوماً:لو أن إنساناً قصد وألّف حروف ألف، وباء، وتاء، وثاء على أمثلة لاستوعب في ذلك جميع كلام العرب فتهيأ له أصل لا يخرج عنه شيء منه بتة، قال: فقلت له وكيف يكون ذلك؟ قال: يؤلّفه على الثنائيّ، والثلاثيّ، والرباعيّ، والخماسيّ وأنّه ليس يُعْرَفُ للعرب كلامٌ أكثرُ منه. قال الليث: فجعلت أستفهمه ويصف لي ولا أقف على ما يصف فاختلفت إليه في هذا المعنى أياماً؛ ثم اعتلّ وحججت فما زلت مشفقاً عليه وخشيت أن يموت في علته فيبطل ما كان يشرحه لي فرجعت من الحج وصرت إليه فإذا هو قد ألّف الحروف كلّها على مافي صدر هذا الكتاب، فكان يملي علىّ ما يحفظ، وما شكّ فيه يقول لي: سل عنه فإذا صحّ فأثبته إلى أن عملت الكتاب)) (36) .
وخلاصة هذا النظام الذي توصل إليه الخليل بن أحمد - رحمه الله - في حصر المفردات، أنّه يقوم على ثلاثة أسس هي:
1-الترتيب الصوتيّ الذي يعتمد على مخارج الأصوات.
2- تقليب المادة الواحدة ليتكون منها عدّة صور.
3-اتباع نظام الأبنية من ثنائيّ وثلاثيّ ورباعيّ وخماسيّ. كما سنبينه في موضعه إن شاء الله.
الثانية: طريقة الإحصاء النّاقص بُغْيَةَ الاقتصار على بعض مفردات اللغة واختيارها دون غيرها، وأول من نهج هذا المنهج ابن در يد في كتابه (جمهرة اللغة) حيث قال في مقدمته: ((هذا كتاب جمهرة الكلام واللغة ومعرفة جمل منها تؤدي الناظر فيها إلى معظمها إن شاء الله ... وإنما أعرناه هذا الاسم؛ لأنّا اخترنا له الجمهور من كلام العرب وأرجأنا الوحشيّ المستنكر والله المرشد للصواب)) (37) .
وممن سلك هذا المسلك الجوهريّ في صحاحه؛ إذ يقول في مقدمته أيضاً: ((أما بعد فإني أودعت هذا الكتاب ما صحّ عندي من هذه اللغة، التي شرف الله منزلتها، وجعل علم الدين والدنيا منوطاً بمعرفتها)) (38)(9/205)
وخلاصة القول في ذلك أنّ من المعجميين القدماء من أخذ بمنهج الخليل بن أحمد، وطريقته في جمع مادته المعجمية، ومنهم من أخذ بمنهج ابن در يد والجوهريّ: فاقتصر على المشهور أو الصحيح، ولعلّ النّاظر في المعاجم اللغويّة القديمة يدرك من أسمائها غرض أصحابها، وطريقة جمع مادتها، فكل اسم يوحي تقريباً بذلك.
مصادر جمع المادة المعجمية:
أما مصادر جمع المادة المعجمية لدى القدماء فيمكن حصرها في مصدرين:
أحدهما: السماع والمشافهة عن العرب، وممن اعتمد هذا المصدر الخليل ابن أحمد –رحمه الله- في كتاب (العين) حيث نصّ الليث في مقدمته - كما أسلفنا- أنّ الخليل كان يملي عليه ما يحفظ وما شكّ فيه يقول له سل عنه، والخليل من أوائل العلماء الذين عاصروا جمع اللغة، وسمع عن الأعراب خاصة في الحجاز ونجد وتهامة، يضاف إلى هذا ما نجده في أثناء كتاب (العين) من روايات عن بعض من عاصر الخليل أو جاء بعده، وروى عن العرب: كالأصمعي وأبي عبيدة وسيبويه ويونس وأبي زيد وغيرهم من الأعراب الذين كان يعوّل عليهم في رواية اللغة كأبي الدقيش وعرام وزائدة وأبي ليلى.
وممن اعتمد السماع والمشافهة من المعجميين القدماء الأزهريّ في (التهذيب) فقد ذكر في مقدمته أنّ من دواعي تأليفه ((تقييد نكت حفظها ووعاها عن العرب الذين شاهدهم وأقام بين ظهرانيهم سُنيّات)) (39) .
ويقول في موضع آخر: ((ولم أُوْدِعْ كتابي هذا من كلام العرب إلا ماصحّ لي سماعاً منهم، أو رواية عن ثقة أو حكاية عن خطّ ذي معرفة ثاقبة اقترنت إليها معرفتي)) (40) .(9/206)
وممن اعتمد السماع والمشافهة الجوهريّ في (الصحاح) ؛ إذ ألزم نفسه ما صحّ عنده رواية ودراية ومشافهة للعرب في البادية وخاصة في الحجاز وربيعة ومضر إذ يقول: ((فإني قد أودعت هذا الكتاب ما صحّ عندي من هذه اللغة بعد تحصيلها بالعراق رواية وإتقانها دراية ومشافهتي بها العرب العاربة في ديارهم بالبادية. ولم آل في ذلك نصحاً ولا ادخرت وسعاً)) (41) .
الآخر: الرواية النقليّة ويعدّ هذا الأسلوب من الرواية مما يميّز المعاجم اللغويّة بصفة عامة حيث نلحظ أن اللاحق يروي عن السابق، وقد أشار ابن دريد إلى هذه التبعيّة؛ إذ يقول في مقدمة كتابه (جمهرة اللغة) عن الخليل وكتاب (العين) : ((وكل مَنْ بعده له تَبَعٌ أقرّ بذلك أم جحد ولكنه رحمه الله ألّف كتاباً مشكلاً لثقوب فهمه وذكاء فطنته وحدّة أذهان أهل عصره)) (42) .
ولعل هذا ما دفع أحد خصوم ابن دريد إلى إنكار كتاب (الجمهرة) بحجة أنّه كتاب (العين) ؛ إلا أنه قد غيّره. (43)
وأول من اعتمد الرواية عن السابقين اعتماداً كلياً- فيما نعلم - القالي (356هـ) في كتابه (البارع في اللغة) وإنّ من الطرائف التي ذكرها محققه هو أن كتاب (البارع) ما هو إلا كتاب (العين) للخليل بن أحمد؛ لشدة التشابه بينهما. (44)
وهكذا ظلّ أصحاب معاجم الألفاظ يعتمدون في جمع مادتهم المعجميّة على الرّواية النقليّة عن السابقين حتى رأينا ذلك واضحاً جلياً عند المتأخرين منهم خاصة كصاحب (المقاييس) وصاحب (اللسان) وصاحب (التّاج) فقد ذكر الأول أنّه اعتمد في جمع مادته المعجمية على خمسة كتب هي: كتاب العين للخليل، وإصلاح المنطق لابن السّكيّت، والجمهرة لابن در يد، وغريب الحديث، ومصنّف الحديث لأبى عبيد، حيث يقول في مقدمته:
((فهذه الكتب معتمدنا فيما استنبطناه من مقاييس اللغة وما بعد هذه الكتب فمحمول عليها وراجع إليها)) (45) .(9/207)
ويفصح ابن منظور في (اللسان) عَنْ أنّه نقل معجمه عن سابقيه كتهذيب اللغة للأزهري، والمحكم لابن سيده، والصحاح للجوهري، والحواشي لابن بريّ، والنهاية لابن الأثير. وفي ذلك يقول:
((وقد نقلت من كلّ أصل مضمونه ولم أبدل منه شيئاً بل أديت الأمانة وما تصرفت فيها بكلام غيرما فيها فليعتدّ من ينقل عن كتابي هذا أنّه إنمّا ينقل عن هذه الأصول الخمسة)) (46) .
ويذكر الزَّبيديّ صاحب (التاج) أنّه جمع مادته المعجميّة مما يقرب من مائة وعشرين كتاباً من بينها المعاجم السابقة: كالجمهرة والتهذيب والمحكم والصحاح والمجمل ولسان العرب والتكملة وأساس البلاغة وغيرها موضحاً في مقدمته أنّ عمله اقتصر في كتابه (تاج العروس) على جمع ما تفرّق في هذه الكتب، إذ يقول:
((وجمعت منها في هذا الشرح ما تفرّق وقرنت بين ما غرّب منها وبين ما شرّق وأنا مع ذلك لا أَدعي فيه دعوى فأقول شافهت أو سمعت أو شَدَدْت أو رحلت وليس لي في هذا الشرح فضيلةٌ سوى أنني جمعت فيه ما تفرق في تلك الكتب)) (47) .
وخلاصة القول أنّ الأخذ والاعتماد على السابقين في جمع المادة المعجمية أدى إلى وفرة المجموع وتضخمه واعتبار اللغة العربية وحدة واحدة مع اختلاف القبائل ألفاظا، وتراكيبَ ولهجةً، إذ لم تكن تلك الوفرة وذلك المجموع في درجة واحدة من الصحة فتطرق الخلل إليه أحياناً من وجوه أهمها:
1 - تعدد الأقوال في الوحدة المعجمية الواحدة.
2- فُشُوُّ ظاهرة التصحيف والتحريف نتيجة اعتماد المتأخرين على النقل عن السابقين.
3 - الخلط بين مستوى الفصحى واللهجات العربية وقد كان لذلك الأثرالأكبر في بروز ظواهرلغوية كظاهرة: المشترك والترادف والأضداد، أو تعدد صيغ الجمع الواحد، أو تعدد المصادر ونحوها.
4- وجود ثغرات في جمع المادة المعجميّة أدت إلى ضياع كثير من الثروة اللغويّة التي كان حقها أن تأخذ مكانها في المعجم اللغويّ (48) .(9/208)
المبحث الثانيّ: ترتيب المادة المعجميّة
ونعني به الطريقة التي عالج بها المعجميون القدماء تنظيم مادتهم المعجميّة، وقبل الوقوف على هذه الطريقة يجدر بنا أن نشير إلى رأي المحدثين من علماء المعاجم في هذا الجانب، حيث يرى المحدثون أنّ هناك نوعين من الترتيب يجب أن يُرَاعَيَا في وضع المعجم هما: (49)
النوع الأول الترتيب الخارجيّ للمداخل:
ويسمى بالترتيب الأكبر، ويتم ذلك باتباع طريقة من طرق الترتيب القائمة على الحروف الهجائية أو غيرها. وهذا النوع من الترتيب يعدّ شرطاً لوجود المعجم وبدونه يفقد العمل المعجمي قيمته المرجعية.
وبالوقوف على معاجم الألفاظ عند القدماء، نجد أنّ المعجميين أدركوا أهمية النوع الأول وهو الترتيب الخارجيّ للمدخل فبرعوا في ضبطه وكانت عنايتهم به تعدّ الأساس الأول في تنظيم مادتهم المعجميّة، فكان من آثار ذلك ظهور العديد من المدارس التي تسير على عدد من الأنظمة يمكن تصنيفها على النحو الأتي:
أولاً:النظام الصوتيّ أو المدرسة الصوتيّة
وأول من ابتدع هذا النظام الخليل بن أحمد - رحمه الله - في كتاب (العين) المنسوب إليه ويقوم هذا النظام على ثلاثة أسس يكمل بعضها بعضاً وهي:
ا- الترتيب الصوتي: حيث رتب مواده حسب مخارج الأصوات وفق النظام التالي:
ع ح هـ خ غ ق ك ج ش ض ص س ز ط د ت ظ ذ ث ر ل ن ف ب م وأي (50)
فبدأ كتابه بمجموعة الأصوات الحلقية وهي ع -ح - هـ –غ ثمّ اللهوية وهي ق– ك ثم الشجرية وهي ج – ش – ض ثمّ الأسلية وهي ص – ز ثمّ النطعيّة وهي ط – د – ت ثمّ اللثوية وهي ظ – ث – ذ ثم الذلقيّة وهي:
ر – ل – ن - ف – ب – م ثم الهوائية وهي و – ا – ي، وأخيراً الهمزة.(9/209)
وقد روي عن الخليل - رحمه الله - أنّه بدأ بالعين دون سواها من أصوات الحلق لأسباب تتبيّن من قوله: ((لم أبدأ بالهمزة لأنّها يلحقها النقص والتغيير والحذف، ولا بالألف لأنّها لا تكون في ابتداء كلمة ولا في اسم ولا فعل إلا زائدة أو مبدلة، ولا بالهاء لأنّها مهموسة خفية لا صوت لها، فنزلت إلى الحيز الثاني وفيه العين والحاء فوجدت العين أنصع الحرفين فابتدأت به ليكون أحسن في التأليف ... )) (51) .
ب- نظام الكميّة: حيث أخضع الخليل بن أحمد – رحمه الله – مادته المعجمية لنظام الكمية فرأى أنّ الكلمات العربية باعتبار أصولها إما أن تكون ثنائيّة أو ثلاثيّة أو رباعيّة أو خماسيّة؛ إذ يقول: ((كلام العرب مبني على أربعة أصناف: على الثنائيّ والثلاثيّ والرباعيّ والخماسيّ فالثنائيّ على حرفين نحو: قد ولم ... والثلاثيّ من الأفعال نحو قولك: ضرب........ ومن الأسماء نحو: عمر......والرباعيّ من الأفعال نحو: دحرج… ... ومن الأسماء نحو: عبقر ... والخماسيّ من الأفعال نحو اسحنكك ... ومن الأسماء نحو: سفرجل ... وليس للعرب بناء في الأسماء ولا في الأفعال أكثر من خمسة أحرف)) (52) .
وعلى ضؤ ذلك جاء ت معالجته للكلمات في حرف العين على النحو التالي:
أولاً – الثنائيّ وهو ما اجتمع فيه حرفان صحيحان ولو تكرر أحدهما نحو قَدَّ، وقَدْقَدَ، ولو، وبل.
ثانياً- الثلاثيّ الصحيح وهو ما اجتمع فيه ثلاثة أحرف صحيحة على أن تكون من أصول الكلمة.
ثالثاً: الثلاثيّ المعتل وهو ما اجتمع فيه حرفان صحيحان، وحرف واحد من حروف العلة (مثال أو أجوف أو ناقص)
رابعاً: اللفيف وهو ما اجتمع فيه حرفا علة في أي موضع (مفروق أو مقرون)
خامساً: الرباعيّ وهو ما اشتمل على أربعة أحرف.
سادساً: الخماسيّ وهو ما اشتمل على خمسة أحرف.
سابعاً: المعتل وقد أدخل فيه الهمزة بحجة أنّها قدّ تسهّل إلى أحد حروف العلة. (53)(9/210)
ج - نظام التقليبات: وقد قَصَدَ به الخليل - رحمه الله - تَنَقُّلَ الحرفِ الواحدِ في أكثر من موضع في كلّ بناء من الأبنية السابقة، فجاء الثنائيّ على وجهين، والثلاثيّ على ستة أوجه، والرباعيّ على أربعة وعشرين وجهاً، والخماسيّ على مائة وعشرين وجهاً منها المستعملُ ومنها المهلُ (54) فعالج الكلمةَ ومقلوباتها في كلّ بناء من الأبنية السابقة في موضع واحد مراعياً في ذلك الحروف الأصول وسمّى كلّ حرف من الحروف الهجائية كتاباً فبدأ معجمه بكتاب العين ومقلوباتها، فكتاب الحاء ومقلوباتها، وسمّى ما نطقت به العرب مستعملاً وما لم تنطق به مهملاً. فمثلاً نجد الكلمات: (عرب - رعب –عبر-–ربع - بعر-–برع) تحت باب العين لأنّ العين أسبق من الراء والباء.
ومن المعاجم التي سارت على نظام الخليل بن أحمد – رحمه الله- البارع للقاليّ (ت356هـ) والتهذيب للأزهريّ (ت 370هـ) والمحيط للصاحب ابن عبّاد (385هـ) والمحكم لابن سيده (ت458هـ) .
والرابطة المشتركة التي تجمع بين هذه المعاجم اتحادها في الترتيب الخارجي للمادة المعجمية على طريقة الخليل بن أحمد – رحمه الله- مع بعض الاختلاف في الترتيب أو الأبنية، فنجد على سبيل المثال أنّ القالي بدأ معجمه بالهاء، كما نجد أيضاً أن ابن سيده في (المحكم) زاد في الأبنية السداسي. (55)
وقد أُخِذَ علىهذا النظام صعوبة البحث، ومشقة الاهتداء إلى اللفظ المراد؛ بسبب قيامه على المخارج، والأبنية، والتقليبات، وهذا ما لمسه بعض المعجميين القدماء أنفسهم فهذا ابن دريد يقول في مقدمته عن الخليل وكتاب (العين) :
(( ... …قد الّف الخليل بن أحمد كتاب العين فأتعب من تصدّى لغايته وعنى من سما إلى نهايته ... )) ثمّ نراه يلتمس العذر للخليل بقوله أيضاً: (( ... ولكنه رحمه الله أَلّف كتابه مشاكلا لثقوب فهمه، وذكاء فطنته، وَحِدَّةِ أذهانِ عصرِه)) (56) .
ويقول صاحب (لسان العرب) عن هذا النظام أيضاً:(9/211)
((لم أجد في كتب اللغة أجمل من تهذيب اللغة لأبي منصور محمد بن أحمد الأزهريّ، ولا أكمل من المحكم لأبي الحسن علي بن إسماعيل بن سيده ... غير أن كلاً منهما مطلب عسر المهلك ومنهل وعر المسلك ... فأهمل الناس أمرهما وانصرفوا عنهما)) (57) .
ثانيا: نظام القافية أو مدرسة القافية:
وأول من ابتدع هذا النظام الجوهريّ - رحمه الله - (ت400هـ) في (الصحاح) إذ يقول:
((أما بعد فإنّي أودعت هذا الكتاب ما صحّ عندي من هذه اللغة التي شرّف الله تعالى منزلتها وجعل علم الدين والدنيا منوطاً بمعرفتها على ترتيب لم أسبق إليه وتهذيب لم أغلب عليه في ثمانية وعشرين باباً وكلّ باب منها ثمانية وعشرون فصلاً على عدد حروف المعجم وترتيبها إلا أن يهمل من الأبواب جنس من الفصول…)) (58) .
وكان الغرض من هذا النظام تيسير البحث عن ألفاظ اللغة بطريقة سهلة وميسرة تقوم على النظام الألفبائي بدلاً من النظام الصوتي، فابتدع الجوهري هذا النظام الذي بناه على آخر الكلمة بعد ردّها إلى أصلها وتجريدها من الزوائد، وسمّى الحرف الأخير باباً والحرف الأول من الكلمة فصلاً، ثمّ رتب المواد بين الحرفين (الأول والأخير) ترتيباً ألفبائيا، فتخلص بطريقته هذه من جميع أسس مدرسة الخليل بن أحمد، وهي النظام الصوتي، ونظام التقليبات، ونظام الكمية أوالأبنية، وأصبح معجمه في متناول الباحثين لسهولة البحث فيه عن مفردات اللغة، وذلك عكس المعاجم السابقة عليه، والقائمة على النظام الصوتيّ. ولم يخرج الجوهريّ عن نظامه هذا إلا في الباب الأخير من معجمه حيث جمع فيه الألفاظ المنتهية بالواو والياء معاً وختمه بالألفاظ المنتهية بالألف اللينة ويعني بها التي ليست منقلبة عن همزة أو حرف علّة.(9/212)
ومن المعاجم التي سارت على هذا النظام العباب للصاغانيّ (ت650هـ) الذي توفي قبل أن يتمه، ولسان العرب لابن منظور (ت711هـ) ، والقاموس المحيط للفيروزآباديّ (ت817هـ) ، وتاج العروس للزَّبيديّ (ت1205هـ) .
ثالثا: النظام الألفبائيّ أو المدرسة الهجائيّة:
وقد ابتدع هذا النظام أبو عمرو الشيبانيّ (ت206هـ) في كتاب (الجيم) وأخذ به ابن در يد (ت321هـ) في (الجمهرة) ، وابن فارس (ت395هـ) في (المقاييس) ، و (المجمل) ، والزمخشريّ (ت538هـ) في (أساس البلاغة) .
ويلاحظ على هذا النظام أن له صورتين:
إحداهما: مراعاة الحرف الأول فقط وقد أخذ بهذا أبو عمرو الشيبانيّ والزمخشريّ وانفرد الأول بعدم مراعاة الترتيب بعد الحرف الأول للكلمة وكذلك عدم مراعاة الزوائد في حين التزم الزمخشريّ بذلك.
الأخرى: مراعاة الترتيب الهجائي والأبنية معاً وقد أخذ بهذا النظام ابن دريد وابن فارس وانفرد الأول بإيراد تقلبات المادة في موضع واحد في حين لم يلتزم ابن فارس بذلك بل قَسَّم كتابه إلى حروف وسمّى كلّ حرف كتاباً وكلّ كتاب يضم الأبنية: الثنائي والثلاثي الخ.
النوع الثاني الترتيب الداخليّ للمداخل:
ويسمى بالترتيب الأصغر ويتم باتباع ترتيب خاص للمعلومات في المدخل الواحد وقدأشرنا فيما سبق إلى الترتيب الخارجي لدى المعجميين العرب ورأينا أنّه قام على عدّة أنظمة هي: النّظام الصوتيّ والتقليبات، ونظام القوافي، والنظام الألفبائيّ، وقد رأينا أنّ عناية القدماء به كانت كبيرة وتعدّ الأساس الأول الذي قامت عليه معاجمهم، أما إذا انتقلنا إلى الترتيب الداخليّ للمداخل فنلحظ أنّه أقلّ حظاً وعناية لدى القدماء؛ ولعل عذرهم في ذلك أنّ العربيّة لغة اشتقاقيّة، وهذا ما دفعهم إلى الاعتماد على المادة اللغويّة في الترتيب الداخلي، فجعلوا من أصل المادة اللغوية أساس البحث عن كل الكلمات التي تشتق من ذلك الأصل فكلمات مثل:(9/213)
عِلم وتعلم ومعلم وعلوم …إلى غير ذلك من مشتقات المادة، تورد تحت مدخل واحد دون مراعاة للترتيب الداخليّ لهذه الكلمات خاصّة عند المتقدمين منهم كالخليل والقالي وابن دريد والأزهريّ، حيث نلحظ خلط الأسماء بالأفعال والمجرد بالمزيد ونحو ذلك مما يضطر الباحث عن كلمة من الكلمات أن يقرأ كل ما يقع تحت مادتها للحصول على بغيته، ومن هنا افتقرت المعاجم القديمة إلى الدقة في الترتيب الداخليّ، فمنهم من يبدأ مادته بالفعل ومنهم من يبدأ مادته بالاسم ومنهم من يبدأ بالمجرد ومنهم من يبدأ بالمزيد بل إن منهم من يبدأ بالشاهد (النثري أو الشعري) أو الراويّ كقولهم: قال فلان، ونحو ذلك ... ولعل فيما يلي من النماذج ما يدل على ذلك وهو قليل من كثير:
قال صاحب العين: ((امرأة جعماء: أنكر عقلها هرماً، ولا يقال رجل أجعم. وناقة جعماء: مسنة. ورجل جَعِم وامرأة جَعِمة.. . وجَعِم الرجل جَعَما أي: قرِم إلى اللحم. (59)
حيث نجد أن صاحب (العين) قدّم الاسم على الفعل والمزيد على المجرد. وفي الجمهرة: ((الكَذب ضدّ الصدق – ورجل كذّاب وكذوب…وكذّبت بالحديث …وكذّب الوحشي إذا جرى شوطاً ثم وقف لينظر ما وراءه – وحمل فلان فما كذّب حتى طعن أو ضرب أي ما وقف …)) (60) .
فقدم الاسم على الفعل، والمزيد على المجرد تارة والمجرد على المزيد أخرى.
وفي تهذيب اللغة يقول الأزهريّ: ((جاء في الحديث: من روى في الإسلام هِجاءً مُقْذِعاً فهو أحد الشامتين. والهجاء المقذِع: الذي فيه فحش)) (61) .
حيث بدأ مادّته المعجمية بالحديث الشريف، ومثل ذلك يفعل مع الشواهد القرآنية وهذا كثير عنده.(9/214)
وفي الصحاح: ((وجَب الشيء، أي لزم، يجِب وجوباً. وأوجبه الله، واستوجبه، استحقه. ووجب البيع يجِب… وأوجبت البيع فوجب، والوجيبة: أن توجب البيع ثمّ تأخذه أوّلاً فأوّلاً … ووجب القلب وجيباً: اضطرب، وأوجب الرجل: إذا عمل عملاً يوجب له الجنّة أو النّار، والوجب الجبان … والوجبة: السَّقطة …ووجب الميت إذا سقط ومات …ووجبت الشمس أي غابت…)) (62) .
فنلحظ أنّ الجوهريّ قدّم وأخّر في المشتقات، مما يضطر الباحث عن كلمة (وجب) مثلاً، أن يقرأ كل ما تشتمل عليه المادّة فقد ذكرها في أول المادة وآخرها. وكان حقّ هذه المادة أن ترتب كالتالي:
وجب الشيء، والبيع، والقلب، والميت، والشّمس …
وأوجب الرجل …
واستوجب الشيء …
والوجْب…
والوجبة…
والوجيب…
والوجيبة …(9/215)
وهذا ما تنبه له بعض المتأخرين كابن سيده في (المحكم) فنهج نهجاً يعدّ أدق منهج التزمته المعاجم اللغويّة القديمة على الرغم من أنّ ابن سيده لم يف بهذا المنهج وفاءً تاماً لكنه حاول أن يرتب الكلمات ترتيباً داخلياً مقبولاً كتقديم المجرد على المزيد والفعل على الاسم ومثل ذلك فعل الفيروزآبادي في (القاموس) حيث فصل معاني كل صيغة عن الأخرى وقدّم الصيغ المجردة على المزيدة، وأخّر الأعلام، مما عده أحد الباحثين (63) ميزة تميزه عن سائر المعاجم العربية فتخلص بذلك من الاضطراب الذي كان يرغم الباحث على قراءة المادة كلِّها؛ كي يحصل على معاني الصيغة التي يريدها،ولكنه مع هذا لم يسلم من النقد فقد خصص صاحب (الجاسوس على القاموس) باباً من أبواب نقده للترتيب الداخليّ لدى صاحب (القاموس) إذ يقول فيه: ((ومن خلله أنّه لا يذكر المشتقات باطّراد وترتيب، فيخلط الأفعال بالأسماء، والأصول بالمزيدات، والأولى تميّز بعضها من بعض، وربما ذكر في أول المادة أحد معاني اللفظة ثم ذكر باقيها في آخرها ... )) (64) وهو نقد لا ينفرد به (القاموس) وحده بل تشترك فيه سائر معاجم الألفاظ الأخرى، ولعل عذر القدماء في ذلك هو أنّ اللغة العربية لغة اشتقاقية، وعلى ضوء ذلك كان همهم وتنافسهم - كما رأينا - منصباً على الترتيب الخارجيّ للمداخل، فبرعوا في التنافس فيه فتعددت طرقه ومدارسه.
وهذا ما دفع أصحاب المعاجم الحديثة إلى معالجة هذا الخلل، بوضع ضوابط للترتيب الداخليّ؛ من أبرزها المنهج الذي نهجته لجنة تأليف (المعجم الوسيط) والذي تمّ بمقتضاه ترتيب المواد المعجميّة على النحو التالي: 1- تقديم الأفعال على الأسماء.
2- تقديم المجرّد على المزيد من الأفعال، أما الأسماء فقد رتبت ترتيباً هجائياً.
3- تقديم ما يدل على المعنى الحسيّ على ما يدل على المعنى العقليّ، والحقيقيّ على المجازيّ.
4- تقديم الفعل اللازم على الفعل المتعدي. (65)(9/216)
المبحث الثالث: تحليل المادة المعجميّة
ويقصد به ما يقدمه المعجم من معلومات حول المادة المعجمية وأهم هذه المعلومات كما يرى المحدثون: (66)
أ- ما يتعلق باللفظ، كطريقة النطق، وتحديد الرسم الإملائيّ أو الهجائيّ، وبعض المعلومات الصرفية أو النحوية أو اللغويّة.
ب- ما يتعلق بالمعنى، كجلاء الشرح، ووضوحه، وعدم الخلط فيه، وهو يمثل أكبر صعوبة يواجهها صانع المعجم لأسباب من أهمها:
1- صعوبة تحديد المعنى.
2- سرعة التطور والتغير في جانب المعنى.
3- اعتماد تفسير المعنى على جملة من القضايا الدلالية التي تتعلق بمناهج دراسة المعنى وشروط التعريف وعوامل التطور الدلالي والتمييز بين المعاني المركزية وسائر المعاني الأخرى.
4- توقف فهم المعنى في بعض أجزائه على درجة اللفظ في الاستعمال وعلى مصاحبته لكلمات أخرى. (67)
وعلى ضوء ذلك تعددت وسائل تحديد المعنى في المعاجم عامّ ة وفي معاجمنا العربية خاصّة وكان من أهمها:
1 -التفسير بالمغايرة وأكثر ما يكون التعبير عنها بلفظ نقيض أوضدّ أو خلاف.
2- التفسير بالترجمة ويكون بشرح المعنى بكلمة أو كلمات من اللغة نفسها أو من لغة أخري.
3- التفسير بالمصاحبة وهو ما يصحب الكلمة من كلمات هي جزء من معناها الأساسي.
4 - التفسير بالسياق سواء كان ذلك السياق سياقاً لغوياً أم مقامياً.
5- التفسير بالصورة وهي من وسائل الإيضاح الحديثة التي تعين على تحديد المعنى ودقته. (68)
ونستطيع القول بأن تحليل المادة المعجمية في معاجم الألفاظ القديمة، شمل جانبي الكلمة وهما المبنى والمعنى وفيا يلي توضيح ذلك:
أولاً: مايتعلق بالمبنى:(9/217)
أ: ضبط الكلمة من الناحية النطقيّة: وقد اختلف المعجميون القدماء في الاهتمام بهذا الجانب، فالعين، والجمهرة، والتهذيب مثلاً، لم يعن أصحابها بضبط الكلمة،ولم يجعلوه سمة بارزة لمعاجمهم؛ ذلك أنهم لم يروا حاجة إلى ضبط الكلمة في عصرهم على حين اهتم به المتأخرون ورأوا ضرورته والحاجة إليه، وأول من اهتم به من القدماء - فيما نعلم -القالي في كتابه (البارع في اللغة) ثمّ الجوهريّ في (الصحاح) ثمّ الفيروزآباديّ في (القاموس المحيط) . وقد اعتمد القدماء في ضبط الكلمة على أمور أهمها:
1- الضبط بالنصّ أو العبارة، ومن أمثلة ذلك قولهم:
((شَمَج ثوبه يشمجه شَمْجا بفتح الميم في الماضي وضمها في المستقبل وسكونها في المصدر: إذا خاطه خياطة متباعد الكتب.. .)) (69) .
وكقولهم ((دبغ الجلد يدْبَغه ويَدْبُغه بفتح الدال والباء في الماضي، وفتح الباء وضمها في المستقبل، وسكون الباء في المصدر. والدِباغ بالكسر ما يدبغ به. والمدْبغة بفتح الميم والباء: الموضع الذي يُدْبغ فيه)) . (70)
2- الضبط بالوزن أو المثال، ومن أمثلة ذلك قولهم:
((لغب لغبا ولَغوباولُغوبا كمَنَع وسَمِع وكَرُم …أعيا أشدّ الاعياء…)) . (71)
وكقولهم ((الرّشَأ، على فَعَلٍ بالتحريك، ولد الظبية الذي قدّ تحرّك ومشى)) (72) .
3- الضبط بالإعجام، ومن أمثلة ذلك قولهم:
((َتَهّتأ الثوب: تقطّع وبَلِي، بالتاء معجمة بنقطتين من فوق وكذلك تهمّأ بالميم)) (73) .
ب: ضبط الكلمة من الناحية الصرفيّة والنحويّة واللغويّة، إِذ حاول القدماء تقديم بعض المعلومات الصرفيّة أو النحويّة أو اللغويّة التي تسهم في فهم المعنى وتوضيحه، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:(9/218)
1- تصريف الأفعال وبيان مشتقاتها ونوعها من حيث التعدي واللزوم؛ كقول الجوهريّ ((سقط الشيء من يدي سقوطاً، وأسقطته أنا. والَمسقَط، بالفتح: السُقوط … والمَسقِط، مثال المجلس: الموضع … وساقطه، أي أسقطه… وسُقط في يده، أي ندم … وقال أبو عمرو: ولا يقال أُسقِط في يده على مالم يسمّ فاعله …)) (74) .
2- بيان الصور غير المستعملة من بعض الأفعال؛ كقول الجوهريّ:
((وقولهم: دع ذا، أي اتركه. وأصله ودع يدع وقد أُمِيتَ ماضيه، لا يقال ودعه وإنما يقال تركه، ولا وادع ولكن تارك، وربما جاء في ضرورة الشعر: ودعه فهو مودع على أصله …)) (75) .
بيان ملازمة بعض الأفعال للبناء للمجهول؛ كقول ابن منظور:
((وللعرب أحرف لا يتكلمون بها إلا على سبيل المفعول به وإن كان بمعنى الفاعل مثل زُهِي الرجل وعُِني بالأمر ونُتِجَت الشاة والناقة وأشباهها)) (76) .
بيان المفرد والجمع؛ كقول صاحب (العين) :
((وجمع الشَّعر: شُعور وشَعر وأشعار. والشِّعار ما استشعرت به من اللباس تحت الثياب ... وجمعه شُعُر ... والأشعر: ما استدار بالحافر من منتهى الجلد حيث تنبت الشعيرات حوالي الحافر، ويجمع: أشاعر ... )) (77) .
5- بيان جنسه من حيث التذكير والتأنيث؛ كقول ابن سيده:
((شَجُع شَجاعة: اشتدّ بأسه. ورجل شُجاع، وشِجاع، وشَجاع، وأشجع، وشَجِع، وشَجيع، وشِجَعَة، على مثال عنبة ... وامرأة شَجِعَة، وشَجِيعة، وشُجَاعة، وشَجعاء ... )) (78)
6- بيان النسب إلى الاسم؛ كقول صاحب (العين) :
((يقال أديم عُكاظيّ، منسوب إلى عكاظ ... )) (79) وكقوله أيضاً: ((العجم: ضدّ العرب. ورجل أعجميّ: ليس بعربيّ)) (80) .
7- بيان المحذوف من الاسم؛ كقول ابن منظور:
((والأبُ: أصله أَبَوٌ، بالتحريك؛ لأن جمعه أباء مثل قفا وأقفاء، ورحى وأرحاء، فالذاهب منه واو، لأنك تقول في التثنية أبوان ... )) (81) .(9/219)
8- ببيان درجة استعمال اللفظ فأشاروا إلى المستعمل من الألفاظ والمهمل والضعيف والمنكر والرديء والمذموم، ومن أمثلة ذلك، قول الأزهريّ عند كلامه عن باب العين والقاف مع الجيم ((عقم، عمق، قمع، قعم، معق، مقع: مستعملات)) (82) وكقوله في موضع آخر من باب العين ((أهملت وجوهه)) (83) .
9- بيان اللغات الفصيحة أو المذمومة أو المنكرة، ونحو ذلك؛كقول صاحب (العين) مثلاً: ((الصّقْع: الضرب بِبُسسط الكف، صقعت رأسه بيدي، والسين لغة فيه. والديك يصقع بصوته، والسين جائز. وخطيب مصقع: بليغ، وبالسين أحسن، والصقيع: الجليد يصقع النبات، وبالسين قبيح)) (84) وكقول الأزهريّ: ((وقال ابن دريد: الذَّعْج: الدفع، وربما كني به عن النكاح. يقال: ذعجها ذعجاً. قلت: ولم أسمع بهذا المعنى لغير ابن دريد، وهو من مناكيره)) (85) .
ويتبيّن لنا مما سبق أن المعجميين القدماء أدركوا أهمية اللفظ في تفسير المعنى وتوضيحه، فدفعهم ذلك إلى الاهتمام بالمادة المعجمية من الناحية الصوتية أو الصرفيّة أو النحويّة أو اللغويّة، غير أنها تتمايز في معالجة هذا الجانب فيتميّز البارع والصحاح والقاموس مثلاً بالضبط، ويتميّز المحكم بالنواحي الصرفيّة والنحويّة، والصحاح بدرجة استعمال الألفاظ والنص على الضعيف والمنكر ونحو ذلك، والمقاييس ببيان المعنى الجامع لأصل المادة ومشتقاتها، ويتميّز اللسان، والتاج بجمع الأقوال وكثرة الشواهد.
ثانياً: ما يتعلق بالمعنى:
أما الجانب الأخر للكلمة وهو المعنى فقد اهتم به القدماء اهتماماً بالغاً تمثل في وسيلتين من وسائل الشرح والتوضيح هما: (86)
أولاً: الشرح بالتعريف، والمراد به تمثيل المعنى بواسطة ألفاظ أخرى أكثر وضوحاً وفهماً. وبالتأمل في المعاجم اللفظيّة القديمة، نستطيع أن نقسم ذلك إلى قسمين رئيسين:
أحدهما: الشرح بالتعريف بألفاظ واضحة ومحددة، ومن أمثلة ذلك:(9/220)
قولهم: ((خَبَع الصّبي خُبُوعاً: أي فُحِم من شدّة البكاء حتى انقطع نفسه)) . (87) فقد شرح المعنى بألفاظ واضحة وحدد معنى الخبوع بأنه حالة تكون من شدّة البكاء المؤدي إلى انقطاع النفس.
وقولهم: ((الهُبَع: الحوار الذي ينتج في الصيف في آخر النتاج، والأنثى هبعة وسمّي هبعاً؛ لأنه يهْبَع إذا مشى، أي: يمدّ عنقه ويتكاره ليدرك أمه)) (88) .
فقد شرح المعنى بألفاظ بينة وواضحة، وحدد معنىالهُبَع بأنه الحِوار، ثمّ خصص بزمن معين وهو الصيف، ثمّ حدد بآخر النتاج، وبيّن علة تسميته وهي كونه يمدّ عنقه متكارها ليلحق بأمه.
وقولهم: ((الغِبّ: أن ترد الإبل الماء يوماً وتدعه يوماً)) (89) .
فحدد معنى الغِبّ بأنه ورود الإبل للماء في زمن معين وهو يوم بعد يوم.
الآخر: الشرح بالتعريف بألفاظ غامضة وغير محددة، ومن أمثلة ذلك:
1- التعريف بكلمة (نقيض) كقول بعضهم: ((العَقْل نقيض الجهل ومنه عَقَل يعقل عقلاً فهو عاقل)) (90) .
2- التعريف بكلمة (ضِدّ) كقول بعضهم: ((الحقّ ضدّ الباطل)) (91) .
3- التعريف بكلمة (خِلاف) كقول بعضهم: ((والعرض: خِلاف الطول، والجمع أعراض)) (92) .
4 - التعريف بالمرادف كقول بعضهم: ((مضى هزيع من الليل: كقولك مضى جَرْس وجَرْش وهَدِيء كله بمعنى واحد)) (93) .
5- التعريف بكلمة (مثل) كقول بعضهم: ((الكُهْبَة لون مثل القُهْبَة)) (94) .
6- التعريف بكلمة (معروف) كقول بعضهم: ((الخبيص معروف، والخبيصة أخصّ منه. والمخبصة: الملعقة يعمل بها الخبيص)) (95) .(9/221)
ونحو ذلك من التعريفات العامة الغامضة التي لا تفيد شيئاً كقولهم: وادٍ لبني فلان، ومكان معروف، وماء لبني فلان، ونبات في الصحراء، ودويّبة أو طائر، أو موضع، وكقولهم: البياض لون الأبيض، والسواد لون الأسود الخ ذلك من ألفاظ مبهمة وغير محددة المعنى،مما دفع أحد المحدثين إلى اتهام المعاجم اللفظيّة القديمة بابتعادها عن صفات المعجم الجيد إذ يقول:
((وفي الحق أن كثيراً جداً من الألفاظ في المعاجم قد أهمل شرحها إهمالاً شنيعاً فجاءت دلالتها غامضة أو مبتورة وبعدت عن الدقة التي هي من أهم صفات المعجم الجيد)) (96) .
والحق أن هذا الذي أشرنا إليه، وإن عدّ عيباً من عيوب المعجم الجيد، إلا أنه لا يقلل من قيمة المعاجم اللفظيّة القديمة إذا قارنّا ذلك بتلك الجهود التي بذلت في جمع المادة وترتيبها، كما تقدم في المبحثين السابقين، بل إن اعتماد الشرح بالتعريف لم يكن هو الوسيلة الوحيدة في بيان المعنى المعجميّ، وممن اعتمد هذه الوسيلة اعتماداً كلياً – فيما أعلم – صاحب (القاموس) ، ولكنّه مع ذلك لم يسلم من النقد اللاذع من صاحب (الجاسوس على القاموس) فجلّ نقده كان منصباً على طريقته في شرح المعنى كالإبهام وقصور العبارة وتعريف اللفظ بالمعنى المجهول ونحو ذلك. (97) أما سائر المعاجم اللفظيّة الأخرى، فقد ضمت إلى جانب الشرح بالتعريف شواهد يستطيع القارئ من خلالها تحديد المعنى المراد، على ما سنبينه فيما يلي.
ثانيا: الشرح بالتعريف مقترناً بالشاهد، حيث أدرك معظم المعجميين القدماء، أهمية الشاهد في شرح المعنى فلجأوا إلى الاستشهاد بالنصوص ضمن المعايير التي وضعوها للفصاحة، وكانت نتيجة ذلك أن جاءت مصادر احتجاجهم على النحو التالي:(9/222)
أ - الاحتجاج بالقرآن الكريم: ومن أمثلة ذلك، قول صاحب (العين) : ((عددت الشيء عدّاً: حَسَبْتُهُ وأحْصيته. قال عز وجلّ: {نَعُدُّ لَهُم عَدَّا} (98) يعني أن الأنفاس تُحصى إحصاءً ولها عدد معلوم)) (99)
وقول الأزهريّ: ((قال الله عزّ وجلّ: {كَأنَهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِر} (100) معنى المنقعر المنقطع من أصله ... )) (101) .
وقول ابن سيده: ((العرش: سرير الملك. وفي التنزيل: {وَلَهَا عَرْشٌ عَظيِمٌ} (102) وقد يستعار لغيره)) (103) .
وقول الجوهريّ: ((هششت الورق أَهُشُهُ هَشَّا: خبطته بعصا لِيَتَحات، ومنه قوله تعالى: {أَهُشُّ بِها على غَنَمِي} (104) .
وقول ابن فارس: ((قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرسَلنا الشّيَاطِينَ عَلَى الكَافِرِينَ تَؤُزُهُمْ أَزَّا} (105) قال أهل التفسير: تزعجهم إزعاجاً)) (106) .
ب- الاحتجاج بالحديث الشريف: ومن أمثلة ذلك، قول صاحب (العين) : ((الخُشْعَة: قُفٌّ، غلبت عليه السهولة، قفٌّ خاشع وأَكَمَة خاشِعة أي ملتزمة لاطئة بالأرض. وفي الحديث: (كانت الكعبة خُشْعَة على الماء فَدُحِيت منها الأرض) ... )) (107) .
وقول الأزهريّ: (( ... (روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: مثل الكافر كمثل الأرزة المُجْذِيَة حتى يكون انجعافها مرّة واحدة) . قال أبو عمرو: الانجعاف: الانقلاع. ومنه قيل جَعَفْت الرّجل، إذا صرعته فضربت به الأرض ... )) (108) .
وقول ابن سيده: ((وأكل الشيء عُرْضا: أي مُعْتَرِضا. ومنه الحديث: (كُلِ الجُبن عرضاً) أي اعترضه. يعني كله ولا تسأل عنه: أمن عمل أهل الكتاب هو، أم من عمل غيرهم؟)) (109) .
وقول الجوهريّ: ((والحِبَّةُ بالكسر: بزور الصحراء مما ليس بقوت. وفي الحديث: (فَيَنْبِتُونَ كما تَنْبُتُ الحِبَّة في حَمِيل السيل) والجمع حبب)) (110) .(9/223)
وقول ابن فارس: ((قال الفرّاء: اَلأَلُّ رفع الصوت بالدعاء والبكاء، يقال منه أَلَّ يَئِلُّ أليلا. وفي الحديث (عَجِبَ ربّكم من أَلِّكم وقنوطكم وسرعة إجابته إيّاكم ... ) (111) .
والذي يبدو من تصفح المعاجم اللفظيّة القديمة هو أنّ أصحابها لم يكن بينهم خلاف في الاحتجاج بالقرآن ولا بالحديث الشريف ومن هنا رأينا المعاجم اللفظيّة تحفل بهذين المصدرين، وفي ذلك يقول السيوطيّ: ((ومن ينعم النظر في معاجم اللغة وكتب قواعدها يجد كتب اللغويين أوفر حظّاً في الاستشهاد بالشعر والنثر على السواء في إثبات معنى أو استعمال كلمة، ويجد النحاة يكادون يقتصرون على الِشعر)) (112) .
ويعدّ تهذيب اللغة من أبرز معاجم الألفاظ في هذا الجانب، فقد اعتنى بالشواهد القرآنية، والأحاديث النبوية عناية فائقة؛ ولا غرابة في ذلك فقد ربط الأزهريّ خاصّة وعلماء اللغة عامّة بين فهم اللغة ومعرفة الكتاب والسنة يقول الأزهريّ: ((نزل القرآن الكريم والمخاطبون به عرب أولو بيان فاضل وفهم بارع أنزله جل ذكره بلسانهم وصيغة كلامهم الذي نشأوا عليه وجبلوا على النطق به فتدربوا به يعرفون وجوه خطابه ويفهمون فنون نظامه ولا يحتاجون إلى تعلم مشكله وغريب ألفاظه حاجة المولدين الناشئين فيمن لا يعلم لسان العرب حتى يعلّمه ... وبيّن النبي - صلى الله عليه وسلم - للمخاطبين من أصحابه رضي الله عنهم ما عسى أن تمسّ الحاجة إليه…فاستغنوا بذلك عمّا نحن إليه محتاجون من معرفة لغات العرب والاجتهاد في تعلّم العربية الصحيحة التي بها نزل الكتاب وورد البيان)) (113) .
ومما يلاحظ على هذه الشواهد:(9/224)
1- ميل أصحاب المعاجم إلىشرح الآيات والأحاديث والتعليق عليها، بما يخرجهم عن شرح المادة المعنية، مما أدى إلى تضخم شرح المواد، وذلك نحو قول صاحب العين –تحت مادة لعق: ((وفي الحديث: ((إن للشيطان لعوقاً ونشوقاً يستميل بهما العبد إلىهواه)) فاللعوق اسم ما يلعقه، والنشوق اسم ما يستنشقه)) (114) . فشرح معنى النشوق في غير مادته.
ومثل ذلك قول الأزهر-–تحت مادة عج -: ((روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (أفضل الحج العجّ والثجّ) قال أبو عبيدة العجّ: رفع الصوت بالتلبية، والثجّ: سيلان دماء الهدي.)) (115) فنلاحظ أنه شرح كلمة (الثجّ) وهي ليست من كلمات المادة.
ومثل ذلك قول ابن سيده في مادة (عجل) : ((وقوله تعالى: {خُلِق الإنسان من عَجَلٍ} (116) قيل: إن آدم عليه السلام، حين بلغ منه الروح الرُّكبتين، هم بالنهوض قبل أن يبلغ القدمين، فقال تعالى: {خُلِقَ الإنسَانُ من عَجَلٍ} ... )) (117) فنلاحظ أنه ذكر قصّة نفخ الروح في آدم عليه السلام(9/225)
2- ذكر الوجوه والآراء المختلفة، وذلك نحو قول الأزهري في مادة (عجز) : ((قال الله عزّ وجلّ: {وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ في الأرضِ ولا في السّمَاءِ} (118) قال الفرّاء: يقول القائل كيف وصفهم الله أنهم لا يُعجِزون في الأرض ولا في السّماء وليسوا في أهل السماء؟ فالمعنى ما أنتم بمعجزين في الأرض ولا من في السّماء بمعجِز. وقال أبو إسحاق: معناه ما أنتم بمعجزِين في الأرض ولا لو كنتم في السّماء. وقال أبو العباس: قال الأخفش:ما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السّماء، أي لا تعجزوننا هرباً في الأرض ولا في السماء. قال أبو العباس: وقول الفراء أشهر في المعنى، ولو كان قال ولا أنتم لو كنتم في السّماء بمعجزين لكان جائزا)) (119) فنلاحظ أن الأزهريّ لم يكتفِ بقول الفراء ما دام أظهر في المعنى بل أردفه بغيره من الأقوال الأخرى التي لا تكاد تضيف شيئاً جديداً للمعنى المعجميّ.
ج- الاحتجاج بالشعر: ويعدّ أبكر صورالاحتجاج اللغويّ، فقد روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه تساءل عن معنى قوله تعالى: {أو يأخذهم على تخوّف} (120) فقام شيخ من هذيل فقال: هذه لغتنا يا أمير المؤمنين، التخوف التنقص …قال عمر: فهل تعرف العرب ذلك في أشعارهم؟ قال: قال شاعرنا أبو كبير الهذليّ:
تخوّف الرّحل منها تامكا قَرِدا كما تخوّف عود النبعة السّفن
فقال عمر: ((أيّها الناس عليكم بديوانكم شعر الجاهلية فإن فيه تفسير كتابكم، ومعاني كلامكم)) (121) .
ثمّ أخذ هذا الاتجاه صورته التطبيقيّة على يد حبر الأمة عبد الله بن عباس (ت68هـ) رضي الله عنهما فيما عرف بعد بمسائل نافع بن الأزرق، وأصبح حجة فيما أشكل من غريب القرآن والحديث، حيث وصفه ابن فارس بقوله:(9/226)
((والشعر ديوان العرب وبه حفظت الأنساب وعرفت المآثر ومنه تعلمت اللغة وهو حجة فيما أشكل من غريب كتاب الله وغريب حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحديث صحابته رضي الله عنهم)) (122) .
وعلى ضوء ذلك قٌسّم الشعراء إلى أربع طبقات: الجاهليون، وهم الذين عاشوا قبل الإسلام، ثمّ المخضرمون، وهم الذين أدركوا الجاهلية والإسلام، ثمّ الإسلاميون، وهم الذين كانوا في العصر الأموي كجرير والفرزدق، وقد عدّهم بعض اللغويين - كأبي عمرو- من المولدين وكان يقول: لقد حسن هذا المولد حتى لقد هممت أن آمر صبياننا برواية شعره، يعني بذلك جريراً. (123) ويقول الأصمعيّ: جلست إليه (يعني أبا عمرو) ثماني حجج فما سمعته يحتج ببيت إسلامي (124) ، وأخيراً المولدون، ويقال لهم المحدثون أيضاً، ويعدّ بشار بن برد (ت167هـ) أول شعراء طبقة المحدثين، وقيل ختم الشعر بإبراهيم بن هَرْمَة (ت176هـ) . (125) ، وعن الاحتجاح بشعر هذه الطبقات؛ يقول السيوطيّ: ((أجمعوا على أنه لا يحتج بكلام المولدين والمحدثين في اللغة والعربيّة، وفي (الكشاف) ما يقتضي تخصيص ذلك بغير أئمة اللغة
ورواتها…)) (126) .
وبالتأمل في معاجم الألفاظ نلحظ صحة ما ذكره السيوطيّ، فقد استشهد أصحاب هذه المعاجم بشعراء الطبقات الثلاث الأول، فهذا صاحب (العين) يستشهد بشعر جرير -الذي عدّه أبو عمرو مولداً - إذ يقول في مادة (عق) وقال جرير:
فهيهات هيهات العقيق وأهله وهيهات خلّ بالعقيق نواصله
أي بَعُد العقيق. (127)
كما نجد الازهريّ - في المادة نفسها - يحتج بالأخطل (ت90هـ) والفرزدق (ت110هـ) وهما من طبقة جرير (ت110هـ) . (128)
أما طبقة المولدين المحدثين فكان الاستشهاد بشعر بعضهم على استحياء، ولعل ذلك للاستئناس بعربيتهم كبشار بن برد (ت167هـ) ، الذي قال عنه الأصمعيّ: ((بشار خاتمة الشعراء، والله لولا أن أيامه تأخرت لفضلته على كثير منهم)) (129) .(9/227)
ومن هنا رأينا ابن دريد يذكره في (جمهرة اللغة) ويصرح بأنه ليس حجة؛ إذ يقول في مادة (بظبظ) : ((استعمل من معكوسه – الظَبْظَاب – وهو من قولهم ليس به ظبظاب أي ليس به داء – وسألت أبا حاتم عن الظبظاب فلم يعرف فيه حجة جاهليّة إلا أنه قال فيه بيت بشّار وليس بحجة – وأنشد: بُنيّتي ليس بها ظبظاب. ..)) (130) .
ومما يلاحظ على المعجميين في هذا الجانب استشهادهم بأبيات غير منسوبة والاكتفاء بقولهم قال الشاعر، أو أنشدنا، أو قال آخر، ونحو ذلك من العبارات التي تخل بالشاهد اللغويّ؛ ذلك أنّه لا يجوز الاحتجاج بشعر أو نثر لا يعرف قائله،خوف أن يكون لمولد، أو من لا يوثق بفصاحته، على حدّ قول السيوطيّ. (131)
الخاتمة:
وبعد هذا الوصف والتحليل لمعالجة المادة المعجمية في المعاجم اللفظيّة لدى القدماء تبرز لنا الملاحظات التالية:
- اختلاف مفهوم الكلمة بين المعجميين وغيرهم من علماء اللغة، نظراً لاختلاف طبيعة معالجتها بين النظريّة والتطبيق، لذلك آثر المعجميون في معالجتهم للكلمة المعيار الدلاليّ؛ لأنه أقرب إلى طبيعة المعجم ومن ثمّ تحرروا من كثير من الحدود التي لا تخدم هذا المعيار.
- أن عملية جمع المادة المعجميّة وقف باللغة عند عصور الاحتجاج، فاكتفى المعجميون القدماء بمادتهم اللغويّة التي ورثوها عن الأعراب في البادية، ضمن شروط الفصاحة التي حددوها بحكم الهدف الديني الذي انطلقوا منه، مما فوّت على المعاجم اللفظيّة القديمة ثروة لغويّة كان حقها أن تدرج ضمن مواده مع التنبيه إلى عصرها، أو قائلها، أو القبائل التي انفردت بها.
- أن مجال التنافس بين المعجميين القدماء وصل ذروته في صنع المعاجم اللفظيّة، وخاصة فيما يتعلق بالترتيب الخارجيّ للمداخل فظهر لديهم أكثر من نظام أو مدرسة معجمية.(9/228)
- أن معالجة المادة المعجمية في كتاب (العين) تعدّ عملاً سابقاً لعصره، حيث جاءت في صورتها الكاملة جمعاً وترتيباً وتحليلاً، مع كونه باكورة المعاجم اللفظيّة الأخرى، مما يرجح أن كتاب (العين) من صنع الخليل بن أحمد.
- اهتم المعجميون في تحليلهم للمادة المعجمية بالمبنى، ولكنه اهتمام فرضته المراحل التطوريّة للمعاجم اللفظيّة، فجاء هذا الجهد متفرقاً في تلك المعاجم، مما يفوت على الباحث الاستفادة الكاملة من تلك الملاحظات القيّمة إلا بعد مشقة البحث، والتمحيص في أكثر من معجم لفظيّ.
- اعتمد المعجميون في الجانب التحليليّ للمادة المعجميّة على الشرح بالتعريف المبهم، وعلى الشواهد غير المنسوبة إلى قائليها، وهو أمر يفقد معه العمل المعجميّ قيمته ومصداقيته العلميّة التي طالما يتحراها مستخدم المعجم أو الباحث اللغويّ،ولكنّ ذلك قليل من كثير أجادوا في ضبطه وإتقانه.
- أن مما يؤخذ على ترتيب المادة المعجميّة في المعاجم اللفظيّة القديمة، صعوبة البحث عن المادة المعجميّة، فيما يتعلق بالترتيب الخارجيّ للمداخل في بعض مدارسها، وصعوبة الوصول إلى الكلمة المراد البحث عنها فيما يتعلق بالترتيب الداخليّ للمداخل إلا بعد قراءة المادة كاملة.
- لم يكن ثمة خلاف بين المعجميين القدماء في الاستشهاد بالقرآن الكريم والحديث الشريف، بينما نجدهم قد اقتصروا في الاستشهاد بالشعر على طبقة الجاهليين، والمخضرمين، والإسلاميين.
الهوامش والتعليقات
(1) الخصائص، ابن جني 1/314
(2) مقدمة الصحاح،أحمد عبد الغفور عطار ص38
(3) اللغة معناها ومبناها، تمّام حسّان ص315
(4) ينظر: المعجم العربي التاريخي، عبد المنعم عبد الله ص 174 (مقال بمجلة المعجميّة، العددان الخامس عشر والسادس عشر 1409/1410هـ
(5) الكلمة دراسة لغويّه ومعجميّة، حلمي خليل ص14
(6) المفصل، الزمخشريّ ص6
(7) شرح الرضي على الكافية 1/9
(8) همع الهوامع، السيوطي 1/3(9/229)
(9) شرح المفصل، ابن يعيش 1/18
(10) مناهج البحث في اللغة، تمّام حسّان ص 260
(11) ينظر: المصدر السابق، ودور الكلمة في اللغة ص 45
(12) ينظر: الكلمة دراسة لغويّة ومعجميّة ص17، ومناهج البحث في اللغة ص 261
(13) ينظر: الكلمة دراسة لغويّة ومعجميّة ص 17
(14) المغني الجديد في علم الصرف، محمد حلواني ص 15
(15) مناهج البحث في اللغة، تمّام حسّان ص 262
(16) الكلمة دراسة لغويّة ومعجميّة، حلمي خليل ص 18
(17) ينظر: المعجم العربيّ،حسين نصّار 1 /123، وعلوم اللغة العربية، عمر كحاله ص 13، ومعاجم الموضوعات، محمد سليمان ص 15فما بعدها
(18) مقدمة الصحاح، أحمد عبد الغفور عطار ص35
(19) ينظر: رواية اللغة، الشلقانيّ ص 69صرف.
(20) معجم البلدان، الحمويّ 2/202، وينظر: ذيل الأمالي والنوادر ص 182
(21) البيان والتبيين، الجاحظ 1/252
(22) ينظر: الفهرست، ابن النديم ص 70
(23) الأمالي، القاليّ 3/39
(24) البيان والتبيين، الجاحظ 1/174
(25) إنباه الرواة، للقفطيّ 1/224
(26) المصدر السابق 2/258
(27) ينظر: رواية اللغة ص 81
(28) الخصائص، ابن جني 3/5، ولمعرفة المزيد عن ذلك ينظر:1/383فما بعدها
(29) ينظر: رواية اللغة، الشلقاني 104فما بعدها
(30) لمعرفة المزيد عن ذلك ينظر: الاحتجاج بالشعر في اللغة، محمد حسن جبل ص 74
(31) الصاحبي في فقه اللغة،أحمد بن فارس ص33
(32) الاقتراح ص 44،المزهر في علوم اللغة وأنواعها، السيوطي 1/211
(33) الاقتراح ص 44-45،المزهر 1/212
(34) أحمد أمين، ضحى الإسلام ص 263. وقد ردّ هذا التقسيم الشلقانيّ ينظر: رواية اللغة ص 103. وعدّه حسين نصار تقسيماً مقبولاً نظرياً لا عملياً، المعجم العربي 1/33
(35) ينظر: معاجم الموضوعات، محمود سليمان ص52
ينظر: الفهرست، ابن النديم ص 1/64
(37) جمهرة اللغة ص1/4
(38) الصحاح 1/33
(39) تهذيب اللغة 1/40
(40) المصدر السابق(9/230)
(41) مقدمة الصحاح 1/ 33
(42) مقدمة الجمهرة 1/3
(43) ينظر المزهر 1/93
(44) مقدمة محقق البارع ص64
(45) مقدمة معجم مقاييس اللغة 1/3-5
(46) مقدمة اللسان 1/ ذ
(47) مقدمة تاج العروس1/5
(48) لمعرفة المزيد عن هذه الثغرات، ينظر: الاستدراك علي المعاجم العربية، محمد حسن جبل ص 15 فما بعدها
(49) ينظر: صناعة المعجم الحديث، مختار ص98
(50) ينظر: مقدمة العين 1/48
(51) ينظر: مقدمة العين 1/45، والمزهر في علوم اللغة وأنواعها 1/90
(52) ينظر: مقدمة العين 1/48، 49، والمعاجم العربية، درويش ص80
(53) ينظر: المعاجم العربية، درويش ص20بتصرف
(54) ينظر: مقدمة العين 1/59
(55) ينظر: المعجم العربيّ،حسين نصّار 1/393، والمعاجم العربية، درويش ص34
(56) ينظر: مقدمة الجمرة 1/3
(57) ينظر: مقدمة اللسان 1/ خ
(58) ينظر: مقدمة الصحاح 1/33
(59) العين مادة (جعم) 1/239
(60) الجمهرة مادة (بذك) 1/251
(61) تهذيب اللغة مادة (فحش) 1/213
(62) الصحاح مادة (وجب) 1/231
(63) ينظر:المعجم العربي، حسين نصار 2 /589
(64) ينظر:الجاسوس على القاموس، الشدياق ص275
(65) ينظر:مقدمة المعجم الوسيط ص67 بتصرف
(66) ينظر:صناعة المعجم الحديث، مختارص115، واللغة معناها ومبناها، تمّام حسّان ص325
(67) ينظر: صناعة المعجم الحديث،مختار ص 117 بتصرف
(68) ينظر:المعاجم اللغوية، أبو الفرج ص102
(69) البارع مادة (شمج) ص620
(70) البارع مادة (دبغ) ص351
(71) القاموس مادة (لغب) 1/313
(72) الصحاح مادة (رشأ) 1/53
(73) الصحاح مادة (هتأ) 1/82
(74) الصحاح مادة (سقط) 3/1132
(75) المصدر السابق مادة (ودع) 3/296
(76) اللسان (زها) 2/59
(77) العين مادة (شعر) 1/250
(78) المحكم مادة (شجع) 1/174
(79) العين مادة (عكظ) 1/195
(80) المصدر السابق مادة (عجم) 1/237
(81) اللسان مادة (أبي) 1/12
(82) تهذيب اللغة مادة (عقم) 1/288(9/231)
(83) المصدر السابق مادة (غجظ) 1/350
(84) العين مادة (صقع) 1/129
(85) تهذيب اللغة (ذعج) 1/350
(86) لمعرفة المزيد عن هذه الوسائل ينظر: صناعة المعجم الحديث، مختار 120فما بعدها
(87) العين مادة (خبع) 1/79
(88) التهذيب مادة (هبع) 1/147
(89) الصحاح مادة (غبب) 1/190
(90) العين مادة (عقل) 1/157
(91) الجمهرة مادة (حقق) 1/62
(92) المحكم مادة (عرض) 1/242
(93) التهذيب مادة (هزع) 1/132
(94) الصحاح مادة (كهب) 1/215
(95) الصحاح (خبص) 3/1035
(96) دلالة الألفاظ، إبراهيم أنيس ص 249
(97) ينظر على سبيل المثال:النقد الثاني، الثالث، الخامس، السادس
(98) سورة مريم، الآية 84
(99) مادة (عدد) 1/79
(100) سورة القمر، الآية 20
(101) تهذيب اللغة مادة (قعر) 1/228
(102) سورة النمل، الآية 23
(103) المحكم مادة (عرش) 1/121
(104) الصحاح مادة (هشش) 3/1027
(105) سورة مريم، الآية 83
(106) مقاييس اللغة مادة (أزز) 13
(107) العين مادة (خشع) 1/112
(108) تهذيب اللغة مادة (جعف) 1/384-385
(109) المحكم مادة (عرض) 1/242
(110) الصحاح مادة (حبب) 1/105
(111) مقاييس اللغة مادة (ألل) 1/20
(112) الاقتراح ص 59
(113) مقدمة تهذيب اللغة 1/3-4
(114) العين مادة (لعق) 1/67
(115) تهذيب اللغة مادة (عجج) 1/67
(116) سورة الأنبياء، الآية 37
(117) المحكم مادة (عجل) 1/194
(118) سورة الشورى، الآية 31
(119) تهذيب اللغة مادة (عجز) 1/340
(120) سورة النحل، الآية 47
(121) ينظر: الجامع لأحكام القران، القرطبي 10/110. والكشاف، الزمخشريّ 2/205
(122) الصاحبيّ ص 467
(123) ينظر: البيان والتبيين، الجاحظ 1/321، والعمدة، ابن الرشيق 1/56.
(124) ينظر: العمدة، ابن الرشيق 1/56 فما بعدها
(125) ينظر: الاقتراح ص55
(126) المصدر السابق ص 54
(127) العين مادة (عق) 1/64(9/232)
(128) تهذيب اللغة مادة (عق) 1/56
(129) ينظر: الأغاني لأبي الفرج 3/135
(130) جمهرة اللغة 1/127
(131) ينظر: الاقتراح ص55.
المصادر والمراجع
1- الاحتجاج بالشعر في اللغة (الواقع ودلالته) ، محمد حسن حسن جبل، القاهرة، دار الفكر العربي.
2- الاستدراك على المعاجم العربية، محمد حسن حسن جبل، القاهرة، دار الفكر العربي.
3- الاستشهاد والاحتجاج باللغة (رواية اللغة والاحتجاج بها في ضوء علم اللغة الحديث) محمد عيد، القاهرة، عالم الكتب،ط3 (1988م)
4- الاقتراح في علم أصول النحو، جلال الدين السيوطي، تحقيق وتعليق: أحمد سليم الحمصي ومحمد أحمد محمد قاسم، مطبعة الفيصليّة،ط1 (1988م)
5- الأغاني لأبي الفرج الأصبهاني، طبعة دار الكتاب
6- الأمالي، أبو علي إسماعيل بن القاسم القالي، دار الكتاب (1926م)
7- إنباه الرواة على أنباه النحاة، جمال الدين القفطي، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، الهيئة المصرية العامة للكتب، دار الكتاب، القاهرة (1973م)
8- البيان والتبيين، أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ، تحقيق وشرح: عبد السلام هارون، دار الفكر. ط4 (بدون تأريخ) .
9- البارع في اللغة، أبو علي إسماعيل بن القاسم القالي، تحقيق: هاشم الطّعان، ساعدت جامعة الكويت في نشره.
10- تاج العروس من جواهر القاموس، العلامة مر تضى الزبيديّ،ط1، المطبعة الخيرية (1306هـ)
11- تاج اللغة وصحاح العربية، العلامة إسماعيل بن حماد الجوهري، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار القاهرة، دار الملايين،ط2 (1402هـ)
12- تهذيب اللغة، أبو منصور محمد بن أحمد الأزهريّ، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، الدار المصرية للتأليف والترجمة (1384هـ)
13- الجاسوس على القاموس، أحمد فارس الشدياق، القسطنطينية، مطبعة الجو ائب (1299هـ)
14- جمهرة اللغة، أبو بكر محمد بن دريد، دار صابر.(9/233)
15- الجامع لأحكام القرآن، أبو عبد الله محمد بن أحمد القرطبيّ، دار الكاتب العربيّ للطباعة والنشر، القاهرة (مصور)
16- خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب، عبد القادر البغداديّ، دار صادر، بيروت (1030-1093هـ)
17- الخصائص، صنعة أبي الفتح عثمان بن جنيّ، تحقيق: محمد على النجار، دار الكتاب العربيّ، بيروت/لبنان.
18- دلالة الألفاظ، إبراهيم أنيس، مكتبة الانجلو المصريّة، ط4 (1980م)
19- دور الكلمة في اللغة، ستيفن أولمان، ترجمة كمال بشر، مكتبة الشباب، القاهرة.
20- رواية اللغة، عبد الحميد الشلقاني، القاهرة، دار المعارف (بدون تأريخ)
21- شرح المفصل، موفق الدين علي بن يعيش، بيروت، عالم الكتب.
22- الصاحبيّ في فقه اللغة وسنن العرب في كلامها،أحمد بن فارس، تحقيق: السيد أحمد صقر، القاهرة، مطبعة عيسى البابي وشركائه.
23- ضحى الإسلام، أحمد أمين، لجنة التأليف والترجمة والنشر (1357هـ)
24- صناعة المعجم الحديث، أحمد مختار عمر، عالم الكتب، ط1 (1418هـ)
25- العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده، أبو علي الحسن بن رشيق القيروانيّ، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، بيروت /دار الجيل.
26- العين، الخليل بن أحمد، تحقيق: مهدي المخزومي وإبراهيم السامرائي، إيران، مؤسسة دارالهجرة.
27- الفهرست، ابن النديم، بيروت، دار المعرفة.
28- القاموس المحيط، الفيروزآبادي، بيروت، دار الجيل.
29- الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، أبو القاسم جار الله محمود بن عمر الزمخشريّ، مصطفى البابي الحلبي (1367هـ)
30- الكلمة دراسة لغوية ومعجمية، حلمي خليل،الهيئة المصرية العامة، فرع الإسكندرية (1980م) .
31- لسان العرب، ابن منظور، بيروت، دار الفكر (صورة) .
32- اللغة العربية معناها ومبناها، تمّام حسّان،الهيئة المصرية العامة للكتاب، ط2 (1979) .(9/234)
33- اللغة العربية وعلومها، عمر رضا كحالة، دمشق،دار المعلم العربي، المطبعة التعاونية (1391هـ) .
34- مجلة المعجمية، جمعية المعجميّة العربية، تونس، العددان الخامس والسادس 1409هـ)
35- المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها، أبو الفتح عثمان ابن جنيّ، تحقيق: علي النجدي ناصف وعبد الفتاح شلبي، الجمهورية العربية المتحدة، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية.
36- المحكم والمحيط الأعظم، علي بن إسماعيل بن سيده، تحقيق: مصطفى السقا وحسين نصار، ط1 (1377هـ) ، مطبعة البابي وأولاده بمصر.
37- المزهر في علوم اللغة وأنواعها، عبد الرحمن جلال الدين السيوطي، شرح وضبط: محمد أبو الفضل وغيره، دار الفكر.
38- معاجم الموضوعات في ضوء علم اللغة الحديث، محمود سليمان ياقوت، الإسكندرية، دارالمعرفةالجامعية (1994م)
39- المعاجم العربية، عبد الله درويش، مكة المكرمة، الفيصلية (1406هـ) .
40- المعاجم اللغوية العربية بداءتها وتطورها، إميل يعقوب،بيروت، دار العلم للملايين، ط2 (1985) .
41- المعاجم اللغوية في ضوء دراسات علم اللغة الحديث، أحمد أبو الفرج، دار النهضة العربية، ط1 (1966م) .
42- معجم البلدان، ياقوت الحمويّ، بيروت، دار صادر.
43- معجم مقاييس اللغة، أحمد بن فارس، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، مصطفى البابي الحلبي، ط2 (1389) .
44- المعجم العربي نشأته وتطوره، حسين نصار،دار مصر للطباعة.
45- المعجم العربي بين الماضي والحاضر، عدنان الخطيب، محاضرات ألقاها على طلاب قسم الدراسات الأدبية واللغويّة (1966م) .
46- المعجم الوسيط،مجمع اللغة العربية، القاهرة (بدون تأريخ)
47- المغني الجديد في علم الصرف، محمد خير حلواني، لبنان، بيروت، دار الشرق العربي
48- المفصل في علم العربية، أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري، بيروت، دارالجيل، ط2 (بدونتأريخ) .(9/235)
49- مقدمة الصحاح، أحمد عبد الغفور عطار، القاهرة، ط2 (1402هـ)
50- مناهج البحث في اللغة، الانجلو (1955م) .
51- نشأة النحو وتأريخ أشهر النحاة، محمد الطنطاوي، تعليق: عبد العظيم الشناوي ومحمد عبد الرحمن الكردي، ط2 (بدون تأريخ) .
52- همع الهوامع في شرح جمع الجوامع، جلال الدين السيوطي، تحقيق وشرح:عبد السلام هارون وعبد العال مكرم، ساعدت جامعة الكويت على نشره.(9/236)
قضية التنازع في الاستعمال اللغوي
د. أبو سعيد محمد عبد المجيد
الأستاذ المساعد في قسم اللغة العربية
بالجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا
ملخص البحث
إن هذا البحث يهدِف إلى تأصيل بعض قواعد النحو العربي من خلال أفصح الأساليب، والكشف عن تلوّن مظاهر هذه القواعد في تقديم هذا الأسلوب، والكشف عن أهمية دراسة النحو في ظلّ الأسلوب القرآني، كما أن فيها حسمًا لبعض قضايا الاختلاف حول المسائل النحوية، ودعوى إلى النظر في التأويل والتخريج النحويين.
يسعى هذا البحث إلى دراسة قضية التنازع في الاستعمال اللغوي، ويشتمل على مفهوم التنازع وتعريفه وركنَيْه مع الشروط، وأي العاملَين يعمل في حال التنازع، ويتضمن كذلك حكم الإضمار في العامل المهمل وتعدد العامل والمعمول في أسلوب التنازع، كما احتوى على آراء العلماء في التنازع وتعقيب ومزيد من المناقشة.
توصلتْ هذه الدراسة إلى نتائج أهمها: أن تسمية التنازع كانت دقيقةً وموفقةً؛ لأن كل عامل من العوامل يطلب المعمول لنفسه وكأنما يريد أن ينزعه من الآخر ليستأثر به، وأن التعريفات التي استقرّت في كتب النحو تنطلق من نقطة واحدة هي أن التنازع هو عبارة عن توجه عاملَين أو أكثر إلى معمول واحد أو أكثر.
إن التنازع قد يقع في الظرف والمفعول المطلق والمفعول معه ولا يقع في المفعول له وفي الحال والتمييز. إن مذهب البصريين أسهل وأحسن وموافق تمامًا للقرآن الكريم.
واختتم البحث بتوصيات واقتراحات من أهمها: أن باب التنازع باب أصيل، ولن يمكن إلغاؤها بناء على ما قدّم بعض المحدثين. ويلغى التنازع في الأفعال التي تتعدى إلى مفعولَين أو ثلاثة مفاعيل؛ لأنها لم ترد في القرآن الكريم ولا في أشعار الشعراء ولا في كلام العرب.
التمهيد:(9/237)
الحمد للَّهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على سيّد المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين............ أما بعد؛
فما من شكٍّ في أنَّ العربَ نسبوا إلى الأمين صلَّى اللَّه عليه وسلّم أخيلةَ الشاعر وسبحاتِ الأديب حين راعى القرآن الكريم خيالَهم بصوره الحية، ومشاهده الشاخصة، وألفاظه الموحية، وفواصله الشافية، فقالوا: شاعرٌ نتربّص به ريبَ المنون، وسحرهم أسلوبُهُ المعجزُ الذي تحدّى أساطينَ البلغاء، وأمراء البيان، ومصاقعَ العلماء، وتحدّى العربَ والعجمَ على أن يأتوا بمثله، وهو جميع كلامِ الله؛ فقال لهم {أَمْ يَقُوْلُوْنَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لاَ يُؤْمِنُوْنَ* فَلْيَأْتُوْا بِحَدِيْثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوْا صَادِقِيْنَ*} [الطور:33 34] ، ثم تنازل لهم عن التحدّي بجميع القرآن إلى التحدّي بعشر سور مثلِهِ، وكانت مفتريات لا أصلَ لها، ولا سندَ، فقال: {أَمْ يَقُوْلُوْنَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوْا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُوْنِ اللهِ إْنْ كُنْتُمْ صَادِقِيْنَ} [هود:13] ، فلما عجزوا تنازل إلى تحديهم بسورة واحدة من مثله، فقال: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِيْ رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوْا بِسُوْرَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوْا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُوْنِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِيْنَ} [البقرة:23] ، ولكنهم عجزوا فلم يستطيعوا ولم يقاربوا وهم أمة الفصاحة والبلاغة جلجل صوتُهُ في الآفاق، وتحدّى أممَ العالَم قاطبةً جنًّا وإنسًا مُعْلِنًا: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ والجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوْا بِمِثْلِ هَذَا القُرْآنِ لاَ يَأْتُوْنَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيْرًا} [الإسراء:88] ؛ فالعربُ الفصحاءُ عرفوا أسلوبَهُ الذي يَعُلُوْ ولا يُعْلَى عليه، حتى إنَّ الوليدَ(9/238)
بْنَ المغيرة وهو من أشدّ أعداء الإسلام لما سمع شيئا منه رقّ له قلبُهُ وقال:" وَاللَّهِ إِنَّ لِقَوْلِهِ لَحَلاَوَةً وإِنَّ أَصْلَهُ لَعِذْقٌ، وإِنَّ فَرْعَهُ لَجُنَاةٌ" ( [1] ) ، وذلك بسحر بيانه وروعة معانيه ودقّة ألفاظه، ومبانيه، ففكّرَ وقدَّرَ ولكنّ الحظَّ ما كان حليفَهُ، وفي ذلك قال تعالى: {إِنَّهُ فَكَّرَ وقَدَّرَ* فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ* ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ* ثُمَّ نَظَرَ* ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ* ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ* فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ* إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ البَشَرِ} [المدثر:18 25] .
لا جرمَ أنّ المؤمنين عُنُوا عنايةً كبرى شملتْ نواحيَه المختلفة، وأحاطتْ بكل ما يتصل به؛ لأنه هو البيانُ المعجزُ، وباعث نهضة علمية، ورائد فكر قويم، إذ شَمَرَ الأوائلُ منهم عن سواعدهم يتعهدّونه بقراءاته، وتفسير ألفاظه وبيان أحكامه وأعقبهم آخرون غيارى، تناولوا نصَّهُ بالضبط إعجامًا وإعرابا، أن وجدوا في ألسن المسلمين المستجدّين زيغًا عن قراءته وانحرافا عن فصاحته وقد بدأ اللحن قليلاً منذ أيام الرسول عليه السلام، فقد لَحَنَ رجلٌ بحضرته عليه السلام؛ فقال: " أَرْشِدُوْا أخاكُمْ فَإِنَّهُ قَدْ ضَلَّ" ( [2] ) ، والأنكى أن اللحنَ قد تسرَّبَ إلى قراءة الناس القرآنَ فقد قدم أعرابيٌّ في خلافة عمر رضي الله تعالى عنه فقال: " من يُقْرِئُنِي شيئا مما أُنْزِلَ على محمد؟ فأقرأه رجلٌ سورةَ البراءة بهذا اللحن {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُوْلِهِ إَلَى النَّاسِ يَوْمَ الحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِىْءٌ مِنَ المُشْرِكِيْنَ ورسوله ... } [التوبة:3] ، بكسر اللام في (رسولِهِ) ؛ فقال الأعرابي:(9/239)
" إن يكنِ الله بريئا من رسوله فأنا أبرأ منه"، فبلغ ذلك عمرَ فدعاه فقال عمرُ: ليس هكذا يا أعرابي" فقال: كيف هي يا أمير المؤمنين"؟ فقال: " ... أن اللَّهَ برىءٌ من المشركين ورسُوْلُهُ" فقال الأعرابي: وأنا أبرأ ممن بَرِئَ الله ورسولُهُ منهم"، فأمر عمرُ ألاّ يُقْرِئَ القرآنَ إلا عالمٌ باللغة" ( [3] ) . ويُنْسَبُ إلى عمر أيضا أنه قال: (تَعَلَّمُوْا العَرَبِيَّةَ فإنها تُثْبِتُ العقلَ وتزيد في المروءة) ( [4] ) ، كما تناول اللاحقون القرآن بالدرس وقراءاته بالتفسير والإعراب، وأفاد منها كلُّ مظهر من مظاهر النشاط الفكريّ والعلميّ.
إن علمَ النحو أثرٌ من آثار العقل العربي، فرغ له العباقرة من أسلافنا، فجمعوا أصوله وثبّتوا قواعده، ورفعوا بنيانَه شامخًا ركينا، ومنزلته من العلوم الإنسانية منزلةُ الدستور من القوانين الحديثة، هو أصلها الذي تستمدّ عونه، وهذه العلوم النقلية لا سبيلَ إلى استخلاص حقائقها والنفاذ إلى أسرارها بغير النحو، فهل نُدْرِكُ كلامَ الله تعالى ونفهم دقائق التفسير وغير ذلك من هذه العلوم إلا بإلهام النحو وإرشاده؟.(9/240)
لقد اعتمد النحاةُ في تقعيد النحو وتأصيله على الشعر، وجعلوه الركيزةَ الأساسيةَ لصياغة القواعد النحوية التي يقاس عليها في الاستشهاد لقضاياه الكلية والجزئية، وأغفلوا أهمّ مصدر من مصادر اللغة وهو القرآن الكريم الذي يعدّ الركنَ الركينَ والحصنَ الحصينَ للغة العربية، فلم يحتجّ النحاةُ بالقرآن الكريم في كثير من القضايا النحوية، مع أنه النص الوحيد الموثوق بصحته وأما غيره من النصوص العربية وفي ذروتها الشعر فقد تطرّقَ إليها التصحيفُ ودخلها كثيرٌ من التغيير، ورأيتُ أن مؤلفاتِ النحو قديمها وحديثها يدورُ بعضها في فلك بعض، فاللاحق يرثُ ما في السابق من مسائل نحوية بشواهدها، ولو أنهم اعتمدوا على القرآن الكريم بالدرجة الأولى لما أدّى إلى اختلاف في هذه المسألة.
أرى أن العلماءَ وضعوا (التنازعيةَ) أساسًا لهذه القضية، من هذا المنطلق اختلفوا في أصوله وأحكامه الفرعية؛ ففي جملة التَنَازُع يُوْجَدُ عاملان يحاولُ كلٌّ منهما الاستئثار بمعمول؛ فالأول يطلبُهُ باعتبار أنه أحقُّ من العامل الثاني؛ لأنه جاء أولاً. والعامل الثاني يطلبه باعتباره مجاورًا له وملاصقًا. وعندئذٍ ينشب التنازعُ بين العاملَيْنِ لمحاولة استئثار كل منهما بذلك المعمول؛ فهذا القول أدّى إلى مشكلاتٍ واضطراباتٍ في أحكامه المختلفة، ولهذا وغيره من الأسباب نادى العلماءُ بإلغاء هذا الباب من النحو العربي، ومنهم د. شوقي ضيف وعباس حسن ود. محمد صلاح الدين مصطفى بكر، وسيأتي بيانهم إن شاء الله تعالى.(9/241)
تهدف هذه الدراسة إلى تأصيل قاعدة التنازع من خلال أفصحِ الأساليب على الإطلاق والنصوص اللغوية الأخرى، والكشف عن تلوّن ظاهرة هذه القاعدة في هذا الأسلوب، وإظهار قاعدةٍ فتية قوية، وحسم اختلاف النحاة وتخليصه مما فيه من تقعيد وعسر شديدٍ، والوصول إلى نقطةٍ تكشِف عن الأسرارِ التي تَكْمُنُ فيها مشكلاتُ التقعيد وتقديم حلولٍ مناسبة لعلها تُرْضِيْ العلماءَ وتُقْنِعُ الفضلاءَ إن شاء الله تعالى.
مفهوم التنازع:(9/242)
لا جرمَ أن النحويين اختلفوا في تحديد مصطلح (التنازع) وتعريفه، كما اختلفوا في وجه تسميته وجوانِبِه المختلفةِ، ولم يكن مصطلح التنازع معروفًا لدى سيبويه (ت: 180هـ) . إن القدماءَ لم يهتمّوا به اهتمامًا وافيًا؛ لأن العلومَ كانت في عُنْفُوَانِ شبابها، وتأتي معالجتُهُم له مبعثرةً في كتب النحو. فما نجده من مصطلحاتٍ عند أحدِ النحاة، كثيرًا ما نجد ما يُخالفُهُ لفظًا عند غيره، أو نجد هذا المصطلحَ لمفهوم آخر وذلك في موضع آخر، ناهيك عن تداخل المصطلحات بين العلومِ المختلفة؛ ( [5] ) لذلك أرى أن سيبويه يذكر مسائلَ التنازع تحت عنوان: " هذا باب الفاعِلَيْنِ والمفعُوْلَيْنِ اللّذَيْنِ كلُّ واحد منهما يَفْعَلُ بفاعِلِهِ مثلَ الذي يَفْعَلُ به وما كان نحو ذلك" ( [6] ) " وإن كان رحمه الله لم يجمعْ في الترجمة مسائلَ الباب كما جرت عادته في أكثر أبواب كتابه وإنما اكتفى منها ببعض مسائل الباب اتّكالاً على فهم الباقي في نثر المسائل أو من تفهيم الموقف، ... " ( [7] ) . وتابع الزجاجي (ت: 337هـ) وغيره سيبويه في هذا المفهوم وذكر أحكامَ التنازع تحت عنوان: " باب الفاعلَين والمفعولَيْن اللَّذَيْن يفعل كل واحد منهما بصاحبه مثل ما يفعل به الآخر" ( [8] ) . ونرى المبرّد (ت: 285هـ) يعرِض مسائلَ هذا الباب تحت عنوان:" الإخبار في باب الفِعْلَيْنِ المعطوف أحدهما على الآخر" ( [9] ) . وسار مسيرَه سابق الدين محمد بن علي بن يعيش الصنعاني (ت: 680هـ) فيعرض مسائلَه تحت عنوان: " عقد في باب إعمال الفِعْلَيْنِ اللَّذَيْنِ يعطف أحدهما على الثاني" ( [10] ) . ولم يتعرض الزمخشري (ت: 538هـ) لذكر مصطلح التنازع، ولكنه يذكر مسائله تحت باب الفاعل ويقول: " ومن إضمار الفاعل قولك ضَرَبَنِي وضَرَبْتُ زيدًا ... ولما لم يكن بدّ من إعمال أحدهما فيه أعملت الذي أوليته إياه" ( [11] ) . ويذكر موفق الدين ابن يعيش (ت: 643هـ) مسائلَ هذا الباب تحت(9/243)
عنوان:" هذا الفصل من إعمال الفِعْلَيْنِ وهو باب الفاعلَيْن والمفعولَيْنِ" ( [12] ) . لقد ظهر هذا المصطلح في الوجود أول ظهوره لدى ابن هشام (ت: 671هـ) ( [13] ) . وقد تابعه النحاة الذين جاؤوا بعده، ويكاد يكون المصطلح قد ستقرّ في كتبهم، إلا أننا نجد أن بعضهم يستعمل مصطلحًا آخر أيضا معه، وهو مصطلح الإعمال بكسر الهمزة عند الكوفيين ( [14] ) .
يتضح مما سبق أن مصطلح (التنازع)) قد ظهرت باكورته في نهاية القرن السابع الهجري على الرغم من أن المفهوم كان واضحًا لدى سيبويه في النصوص لا في العنوان، ثم تطورّت واحتلّت مكانًا بارزًا في النحو العربي.
التنازع لغةً واصطلاحًا:
تعريفه لغةً:
يجدر بنا قبل أن نتحدّث عن تعريف التنازع اصطلاحًا أن نشير إلى معناه لغة: وهو مصدر على زنة (تَفَاعَلَ) والتنازع: التخاصم والتجاذب وتنازع القوم في الشيء: اختصموا، وبينهم نزاعة، أي خصومة في حق ( [15] ) .
تعريفه اصطلاحًا:
لقد عرّفه النحويون بتعريفاتٍ متعددة كلها تعطي المعنى نفسَه مع فروق بسيطة. ومرّ بنا أن سيبويه لم يقدم على عادته التي التزمها في كل موضوعاته تقريبًا أي تعريف دقيق مباشر له، ولكنه يتضح هنا من خلال العنوان حيث قال: " هذا باب الفاعلَين والمفعولَين اللَّذَيْنِ كل واحد منهما يفعل بفاعله مثل الذي يفعل به وما كان نحو ذلك.(9/244)
وهو قولك: ضَرَبْتُ وضَرَبَنِيْ زيدٌ، وضَرَبَنِيْ وضَرَبْتُ زيدًا، تحمل الاسم على الفعل الذي يليه ... " ( [16] ) . وقد عرّفه الزجاجي (ت: 337هـ) بالأسلوب نفسِهِ حيث قال:" باب الفِعْلَيْنِ والمفعولَيْنِ اللَّذَيْنِ يفعل كل واحد منهما بصاحبه مثل ما يفعل به الآخر" ( [17] ) ، وذهب المبرّد إلى أنه: " الإخبار في باب الفِعْلَين المعطوف أحدهما على الآخر وذلك قولك: ضربتُ، وضربني زيدٌ ... " ( [18] ) . وتابعه ابن يعيش الصنعاني (ت: 680هـ) وهو القائل: " عقد في باب إعمال الفِعلَيْنَ اللَّذَين يُعطف أحدهما على الثاني" ( [19] ) . ويذهب موفق الدين ابن يعيش (ت: 643هـ) إلى المعنى نفسه ويقول: " هذا الفصل من باب إعمال الفِعْلَيْن وهو باب الفاعلَيْن والمفعولَين" ( [20] ) . وعرّفه ابن المعطي (ت: 628هـ) بقوله ( [21] ) :
عوامِل تنازعُ اسمًا انْجَلَى
وَذَاكَ فِيْ عَطْفِ عَوَامِل عَلَى
ومنه آتُوْنِيْ أُفْرِغْ قِطْرًا
كَمِثْل زَارَنِي وزُرْتُ عمْرًا
وقال ابن مالك (ت: 672هـ) ( [22] ) :
قَبْلُ فَلِلْوَاحِدِ مِنْهُمَا العَمَلْ
إِنْ عَامِلاَنِ اقْتَضَيَا فِي اسمٍ عَمَلْ
وقد قدَّمَ أبو حيان الأندلسي (ت: 745هـ) تعريفًا أوضحَ، وقال:(9/245)
" أن يتقدّم عاملان فصاعدًا من فعل أو شبهه غير حرف ليس أحدهما للتأكيد مجتمعين على معمول فصاعدًا ... " ( [23] ) . وقد ارتضى ابن هشام الأنصاري (ت: 671هـ) تعريفًا لا يخرج مع طوله عن التعريفات السابقة ولكنه يزيده إيضاحًا حيث قال:" أن يتقدّم فِعْلاَنِ متصرّفان، أو اسمان يُشْبِهانهما، أو فعلٌ متصرّف واسم يُشْبِهه، ويتأخر عنهما معمول غير سببي مرفوع، وهو مطلوب لكل منهما من حيث المعنى" ( [24] ) . وقد تابعه الذين جاؤوا بعده واستقرّ في كتبهم جميعًا، ويذكر عباس حسن من المُحْدَثِين عن النحاة تعريفًا شاملا وقال: " ما يشتمل على فِعْلَيْنِ غالبًا متصرّفَيْن مذكورَين، أو على اسمين يشبهانهما في العمل، أو على فعل واسم يشبههه في العمل، وبعد الفِعْلَين وما يُشْبِههما معمول مطلوب لكل من الاثنين السابقين" ( [25] ) .
يبدو لي أن هذه التعريفات التي استقرّت في مؤلفات النحو تنطلق من نقطة واحدة هي أن التنازع هو عبارة عن توجُّّه عامِلَيْنِ أو أكثر إلى معمول واحد أو أكثر.
ركنا التنازع:
للتنازع ركنان ( [26] ) :
1 الفِعْلاَن أو ما يُشبههما يسمّيان:" عامِلَيْ التنازع".
2 والمعمول يسمّى:" المتنازع فيه".
ولكل واحد من هذين الركنَيْنِ شروطٌ عامة، وهي أربعة شروط عند الجمهور:
الشرط الأول ( [27] ) :
" أن يكون بين العاملين ارتباط فلا يجوز أن نقول: (قَامَ قَعَدَ أَخُوْكَ) إذ لا ارتباطَ بين الفِعْلَيْن، ويحصل الارتباطُ بين العاملين بواحد من ثلاثة أشياء:
الرابط الأول: عطف ثانيهما على أولهما بحرف من حروف العطف، نحو أن تقول: " قَامَ وقَعَدَ أَخُوْكَ) .(9/246)
الرابط الثاني: كون أولهما عاملا في ثانيهما، نحو قوله تعالى: {وَأَنَّهُمْ ظَنُّوْا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ أَحَدًا} [الجن:7] فالعاملان المتنازعان هما (ظنوا وظننتم) ، والمعمول المتنازع فيه هو (أن لن يبعث الله أحدا) ، و (كما ظننتم) معمول ل (ظنوا) ؛ لأن الجار والمجرور صفة لمصدر يقع مفعولا مطلقًا ناصبُهُ (ظنوا) ، والتقدير: ظنوا ظنًّا مماثلا لظنكم أن لا يبعث الله أحدا.
الرابط الثالث: أن يكونَ ثاني العامِلَيْن جوابًا للأول معنويا، نحو قوله تعالى:
{يَسْتَفْتُوْنَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيْكُمْ فِيْ الكَلاَلَةِ ... } [النساء:176] ، أو صناعيًا، نحو قوله تعالى: {قَالَ آتُوْنِيْ أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا ... } [الكهف:96] ( [28] )
الشرط الثاني: " أن يكونَ العامِلان متقدِّمَين على المعمول، فليس من التنازع عند جمهور النحاة، نحو قولك: (زيدٌ قَامَ وقَعَدَ) ولا نحو قولك: (زيدًا لَقِيْتُ وأَكْرَمْتُ) لتقدّم المعمول في هذين المثالَيْن" ( [29] ) .
وأجاز بعض المَغَارِبَة تقدُّم المعمول على العامل، " مستدلاً بقوله تعالى: {بِالْمُؤْمِنِيْنَ رَءُوْفٌ رَحِيْمٌ} [التوبة: 128] ( [30] ) ، فإن كلمة (بالمؤمنين) تتعلق ب (رءوف) وكذلك تتعلق ب (رحيم) ، فيكون من باب التنازع. وقد ردَّ الأزهري وقال: " ولا حجةَ له؛ لأن الثاني لم يجئ حتى استوفاه الأول، ومعمول الثاني محذوف لدلالة معمول الأول عليه" ( [31] ) .
" وما قاله بعض المغاربة قال به الرضي وعبارته:" وقد يتنازع العاملان ما قبلهما إذا كان منصوباً، نحو: (زيدًا ضربتُ وقتلتُ) و (بِكَ قمتُ وقعدتُ) . وتعقبه البدر الدماميني فقال: يلزم عليه إعمال الثاني تقدم ما في حيّز حرف العطف عليه وهو ممتنع" ( [32] ) .(9/247)
وليس من التنازع عندهم، نحو قولك: (قَعَدَ زيدٌ وتَكَلَّمَ بخيرٍ) ، ولا نحو قولك: (لقيتُ زيدًا وأكرمتُ) لتوسُّط المعمول بين العاملين خلافًا للفارسي: " ومال المرادي في شرح التسهيل إلى جواز التنازع في التوسط والتقدم" ( [33] ) .
الشرط الثالث: أن يكون كل واحد من العاملين موجهًا إلى المعمول من غير فساد في اللفظ أو في المعنى ( [34] ) ، فلاتنازعَ في نحو قوله تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ يَقُوْلُ سَفِيْهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا} [الجن::4] ، لاحتمال عمل (كان) في ضمير الشأن؛ فلا تكون متوجةً إلى (سفيهنا) ، ولم يشترط ذلك آخرون، فجوّزوا التنازع في المثال على تقدير عملها في ضمير الشأن، وهذا هو الأظهر ( [35] ) . ولا يقع التنازع في نحو قول جرير ( [36] ) :
فَهَيْهَاتَ هَيْهَاتَ العَقِيْقُ ومَنْ به وهَيْهَاتَ خلٌّ بالعقيقِ نُوَاصِلُه
خلافًا للفارسي والجرجاني ( [37] ) ؛ لأن الطالب بالمعمول وهو (العقيق) إنما هو (هيهات) الأول وأما (هيهات) الثاني فلم يؤت به للإسناد إلى العقيق، بل لمجرد التقوية والتوكيد لهيهات الأول، فلا فاعلَ له أصلاً ولهذا قال الشاعر:
فَأَيْنَ إِلَى أَيْنَ النَّجَاةُ بِبَغْلَتِيْ أَتَاكَ أَتَاكَ اللاَحِقُوْنَ احْبِسِ احْبِسِ
فليس كل واحد من (أتاك أتاك) موجها إلى قوله (اللاحقون) إذ لو توجه كل واحد إليه لقال: أتوك أتاك اللاحقون، أو قال: أتاك أتوك اللاحقون، بل المتوجه إليه منهما هو الأول، والثاني تأكيد له ( [38] ) .(9/248)
الشرط الرابع: أن يكونَ مذكورين ( [39] ) ؛ " فلا تنازع بين محذوفين، نحو: (زيدًا) في جواب (منْ ضربتَ وأكرمتَ؟) ووجّهَ الروداني كون (زيدا) في المثال ليس من التنازع بأن الجواب على سنن السؤال، و (ضربت وأكرمت) لم يتنازعا (من) لتقدمها، بل عمل فيها الأول، وعمل الثاني في ضميرها محذوفًا فهو مثل (ضربتُ زيدًا، وأكرمتُ زيدًا) ولا تنازع في ذلك، فحينئذ يكون الجواب كالسؤال، والتقدير: (ضربتُ زيدًا، وأكرمتُ زيدًا) فذكر مفعول أحد العاملين المقدرين، وحذف مفعول الآخر: من باب دلالة الأوائل على الأواخر أو العكس لا من التنازع.
ولا بين محذوف ومذكور، لقولك في جواب هذا السؤال: (أكرمتُ زيدًا) . ( [40] )
ثم اعلم ثانيًا أن العاملين
1 إما أن يكونا فِعْلَيْن، ( [41] ) نحو قوله تعالى:
{كُلُوْا واشْرَبُوْا مِنْ رزْقِ اللهِ ... } [البقرة:60] ، وقال أيضا: {قُلْ تَعَالَوا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ.....} [الأنعام:151] ، وقال أيضا: {آتُوْنِيْ أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} [الكهف:96] .
2 وإما أن يكونا وصفَيْن (أ) إما اسمي فاعلَين، ( [42] ) نحو قوله تعالى:
{رُسُلاً مُبَشِّرِيْنَ وَمُنْذِرِيْنَ لِئَلاَّ يَكُوْنَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ... } [النساء: 165] ، (ب) وإما اسمَيْ مفعولَيْن، نحو قول كثير عزة:
قَضَى كُلُّ ذِيْ دَيْنٍ فَوَفَّى غَرِيْمَهُ وَعَزَّةُ مَمْطُوْلٌ مُعَنَّى غَرِيْمُهَا
(ج) وإما أن يكونا اسمَي تفضيل، ( [43] ) نحو: (زيدٌ أضبطُ الناسِ وأجمعُهُمْ للعلمِ) (د) وإما أن يكونا صفتَيْن مشبهتَين، ( [44] ) نحو: (زيدٌ جميلٌ ونظيفٌ ظاهرُهُ))
وكقوله تعالى: {وَإِنْ أَدْرِيْ أَقَرِيْبٌ أَمْ بَعِيْدٌ مَّا تُوْعَدُوْنَ} [الأنبياء:109] .(9/249)
3 وإما أن يكونَ العامِلان مصدرَيْن، نحو قولك: (عَجِبْتُ من حبِّك وتقديرِكَ زيدًا) ، ( [45] ) ونحو قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِيْ الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ ومَتَاعٌ إِلَى حِيْنٍ} [البقرة:36] ، وقال أيضا: {وَعَلَى المَوْلُوْدِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوْفِ ... } [السورة نفسها: 233] ، أو يكون ثلاثة مصادر، كقوله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءِ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلمُسْلِمِيْنَ} [النحل:89] .
4 وقد يكونان مختلفَيْن ( [46] ) (أ) أحدهما فعل والآخر اسم فعلٍ، نحو قوله تعالى: {هَاؤُمُ اقْرُءُوْا كِتَابِيَهْ} [الحاقة: 19] ، (ب) أو أحدهما فعل والآخر اسم فاعلٍ، نحو قوله تعالى: {فَنَادَتْهُ المَلاَئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّيْ فِيْ المِحْرَابِ ... } [آل عمران:39] ، (ج) أو أحدهما فعل والآخر مصدر، نحو قوله تعالى: {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُوْنَ} [النحل:1] ، (د) أو المتنازع فعل ومصدران، نحو قوله تعالى: {فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ العَدَاوَةَ وَالبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ ... } [المائدة:14] .
" ويُشْتَرَطُ في الفعل زيادة على الشروط العامة التي قدّمنا ذكرها أن يكون متصرفا؛ فلا يجوز أن يكون جامدًا كعسى وليس، وفعل التعجب، ونعم وبئس، وفي هذا خلاف لبعض النحويين ...
ويُشْتَرَطُ في غير الفعل أن يكون مشابهًا للفعل في العمل، فلا يجوز أن يكون وصفًا غير عامل كاسم الفاعل واسم المفعول إذا كانا بمعنى الماضي". ( [47] )(9/250)
وعُلِمَ مما قدّمنا " أن التنازعَ لا يقع بين حرفَيْن؛ لأن الحروف لا دلالةَ لها على الحدث حتى تطلب المعمولات وأجاز ابن العلج التنازعَ بين الحرفين مستدلاً بقوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوْا ... } [البقرة: 24] ؛ فقال تنازع (إِنْ ولَمْ) في (تفعلوا) وردّ بأن (إِنْ) تطلب مثبتًا و (لَمْ) تطلب منفيًا وشرط التنازع الاتحاد في المعنى". ( [48] )
" ولا يقع التنازع بين حرف وغيره من فعل واسم ومن أجاز بين حرفين أجازه بين الحرف وغيره، كما نقل ابن عمرون عن بعضهم أنه جوّز تنازع لعلّ وعسى، نحو: (لعل وعسى زيد أن يخرجَ) على إعمال الثاني، (ولعل وعسى زيدًا خارج) على إعمال الأول، وردّ بأن منصوب عسى لا يحذف". ( [49] )
ولا يقع التنازع بين عاملَيْن (جامدين) ؛ لأن التنازع يقع فيه الفصل بين العامل ومعموله والجامد لا يفصل بينه وبين معموله. ( [50] )
" ولا يقع التنازعُ بين جامد وغيره من فعل أو اسم متصرف وعن المبرد في كتابه المدخل إجازته في فِعْلَيْ التعجب مع جمودهما سواء كانا بلفظ الماضي أو بلفظ الأمر فالأول، نحو: (مَا أَحْسَنَ وأَجْمَلَ زيدًا)) فتعمل الثاني في الاسم الظاهر وتعمل الأول في ضميره وتحذفه؛ لأنه فضلة، والثاني، نحو: (أَحْسِنْ بِهِ وأَجْمِلْ بعمرو) فتعمل الثاني في الظاهر المجرور وتعمل الأول في ضميره المجرور ولا تحذفه". ( [51] )
ولا يمتنع التنازعُ في السببي المنصوب، نحو: (زيدٌ ضرب وأكرمَ أخاه)) ؛ لأن السببي وهو (أخاه) منصوب بأحد العاملَين والربط موجود بالضمير المستتر، أو بالمضاف إليه السببي، ومنع الشاطبي ( [52] ) التنازع في السببي المنصوب وعلله بأنك إن أعملت الأول أو الثاني فلابد من ضمير يعود على السببي، وضمير السببي لا يتقدم عندهم عليه، قال ابن خروف: " لأنه لو تقدّم كان عوضا من اسمين مضاف ومضاف إليه وهذا مما لا سبيلَ إليه". فالوجه امتناع التنازع في السببي مطلقًا". ( [53] )(9/251)
وإن كان المتنازع فيه ضميرًا منفصلاً منصوبًا، نحو: (ما ضربتُ وما أكرمتُ إلا إياك) جاز أن يكون من باب التنازع، وتكون قد حذفت المفعول مع (إلا) من الأول مع إعمال الثاني، أو من الثاني من إعمال الأول، إذ المفعول يجوز حذفه بخلاف الفاعل، وكذا المجرور المنصوب المحل، نحو: (قمتُ وقعدتُ بك) فعلى هذا يجوز التنازعُ في المضمر المنفصل والمجرور ولا سيما إذا تقدّم ذلك الضمير على العاملَيْنِ، نحو: (إياك ضربتُ وأكرمتُ) . ( [54] )
أي العاملين يعمل في حال التنازع:
اتفق البصريون والكوفيون على جواز إعمال أي العاملين شئت، ثم اختلفوا في المختار، فاختار الكوفيون إعمال الأول، والبصريون إعمال المتأخر.
" واحتجّ الكوفيون بالنقل والقياس على أن إعمال الأول أولى. أما النقل فلمجيئه في كلامهم كثيرًا، قال امرؤ القيس: ( [55] )
فَلَوْ أَنَّ مَا أَسْعَى لأَدْنَى مَعِيْشَةٍ كَفَانِيْ ولَمْ أَطْلُبْ، قَلِيْلٌ مِنَ المَالِ
فأعمل الفعل الأولَ، ولو أعمل الثاني لنصب (قليلا) وذلك لم يروه أحد. وقال المرار الأسدي: ( [56] )
وسُوْئِلَ لَوْ يُبِيْنُ لنا السُؤَالاَ
فَرَدَّ عَلَى الفُؤَادِ هَوًى عَمِيْدًا
بِهَا يَقْتَدْنَنَا الخُرُدَ الخِدَالاَ
وَقَدْ نَغْنَى بِهَا ونَرَى عُصُوْرًا
فأعمل الأول ولذلك نصب (الخرد الخدالا) ولو أعمل الفعل الثاني لقال: (تقتادنا الخرد الخدال) بالرفع". ( [57] ) " وقال عمربن أبي ربيعة: ( [58] )
تُنْخل فاسْتاكتْ بِهِ عُوْدُ إِسْحَلِ
إذَا هِيَ لَمْ تَسْتَكْ بِعُوْدِ أَرَاكَةٍ
فرفع (عود إسحل) ب (تنخل) ولو أعمل الثاني لقال: فاستاكت بعود إسحل؛ لأن استاكت لا يتعدّى بنفسه". ( [59] ) " وقال ذو الرمة: ( [60] )
لئيما أن يكونَ أَفَادَ مالاَ
وَلَمْ أَمْدَحْ لأُرْضيه بشعري
ف (لئيما) منصوب بأمدح بدليل الإضمار في قوله: لأرضيه". ( [61] )(9/252)
أما القياس فلأن المتقدمَ أولى بالأعمال لاعتناء العرب به وجعله في أول الكلام. ومما يقوّي مذهبهم أن يقولوا: قد وجدنا من كلام العرب أنه متى اجتمع طالبان وتأخر عنهما مطلوب وكل واحد منهما يطلبه من جهة المعنى فإن التأثير للمتقدم منهما.
دليل ذلك القَسَم والشرط إذا اجتمعا فإن العرب تبني الجواب على الأول منهما وتحذف جواب الثاني لدلالة جواب الأول عليه تقول: (إنْ قَامَ زيدٌ واللهِ يَقُمْ عمروٌ، واللَهِ إِنْ قَامَ زيدٌ ليقُوْمَنَّ عمروُ) ، فكذلك أن يكونَ الاختيار إعمال الأول". ( [62] )
ودليل آخر أنه لا يجوز إلغاء (ظننت) إذا وقعت مبتدأة، نحو: ظننت زيدًا قائمًا، بخلاف ما إذا وقعت متوسطة أو متأخرة، نحو: (زيدٌ ظننت قائم، وزيدٌ قائمٌ ظننتُ) وكذلك لا يجوز إلغاء (كان) إذا وقعت مبتدأة، نحو: (كان زيدٌ قائما) بخلاف ما إذا كانت متوسطة، نحو: (زيدٌ كان قائمٌ) فدلّ على أن الابتداء له أثر في تقوية عمل الفعل.
واحتجّوا بأن إعمال الثاني يؤدي إلى الإضمار قبل الذكر، والإضمار قبل الذكر لا يجوز في كلامهم. ( [63] )
ودليل آخر" أنّا رأينا العربَ تراعي المتقدم في قولهم: (عندي ثلاثة ذكور من البط) ، و (عندي ثلاث من البط ذكور) ، فأتوا بالتاء مع ثلاثة لما تقدّم لفظ ذكور، وحذفوها لما تقدم لفظ البط، فدلّ ذلك على مراعاتهم المتقدم". ( [64] )
" وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا: الدليل على أنّ الاختيار إعمال الفعل الثاني النقل والقياس.
أما النقل فقد جاء كثيرًا، قال تعالى: {آتُوْنِيْ أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} [الكهف: 96] ؛ فأعمل الفعل الثاني وهو أفرغ، ولو أعمل الفعل الأول لقال أفرغه عليه، وقال أيضًا {هَاؤُمُ اقْرَءُوْا كِتَابِيَهْ} [الحاقة:19] ؛ فأعمل الثاني وهو (اقرءوا) ، ولو أعمل الأول لقال: اقرءوه، وقال الفرزدق: ( [65] )
بَنُوْ عَبْدِ شَمسٍ مِنْ مَنَافٍ وَهَاشِمِ
وَلَكِنَّ نَصْفًا لَوْ سَبَبْتُ وسَبَّنِيْ(9/253)
فأعمل الثاني، ولو أعمل الأول لقال: (سببت وسبّوني بني عبد شمس) بنصب (بني) وإظهار الضمير في (سبني) ، وقال طُفَيْل الغَنَوِي: ( [66] )
جَرَى فَوْقَهَا وَاسْتَشْعَرَتْ لَوْنَ مُذْهَبِ
وَكُمْتًا مُدَمَّاةً كَأَنَّ مُتُوْنَهَا
قد أعمل الشاعر الثاني ولو أعمل الأول لرفع (لون مذهب) . وقال رجل من باهلة: ( [67] )
تُصْبِي الحليمَ ومِثْلُهَا أَصْبَاهُ
وَلَقَدْ أَرَى تَغْنَى بِهِ سَيْفَانَةٌ
قد أعمل الشاعر الثاني في (سيفانة)) بدليل مجيئه مرفوعًا". ( [68] )
" وأما القياسُ فهو أن الفعل الثاني أقرب إلى الاسم من الفعل الأول وليس في إعماله دون الأول نقض معنى، فكان إعماله أولى، ألا ترى أنهم قالوا: (خشنت بصدرِهِ وصدرِ زيدٍ) فيختارون إعمال الباء في المعطوف، ولا يختارون إعمال الفعل فيه؛ لأنها أقرب إليه منه وليس في إعمالها نقض معنى، فكان إعمالها أولى.
والذي يدل على أن للقرب أثرًا أنه قد حملهم القرب والجوار حتى قالوا: (جُحْرُ ضبٍ خربٍ) فأجروا (خربٍ) على (ضب) وهو في الحقيقة صفة للجحر؛ لأن الضب لا يوصف بالخراب". ( [69] )
" ودليل آخر أن إعمال الأول يلزم منه الفصل بين العامل ومعموله بجملة قطعًا، والفصل بين العامل ومعموله بجملة قطعًا لا نظيرَ له إلا في الاعتراض، والاعتراض لا اعتبارَ له لقلته.
ودليل آخر وهو أن إعمال الثاني أكثر في كلام العرب بدليل قول سيبويه: " ولو لم تحمل الكلام على الآخر لقلت: ضربت وضربوني قومك، وإنما كلامهم: ضربت وضربني قومك". ( [70] )(9/254)
فهذا النص يقتضي أن العرب لا تعمل إلا الثاني لأنه ذكره بلفظ (إنما) التي للحصر، فلو اقتصر عليه لما كان عن عمل الثاني عدول، ولكنه قال بعد بأسطار " وقد يجوز: ضربت وضربني زيدًا؛ لأن بعضهم يقول: متى رأيت أو قلت زيدًا منطلقًا ... ". ( [71] ) فذكره في الأول بلفظ (إنما) كما تقدم، وقوله في الثاني لأن بعضهم يدل على أن إعمال الثاني هو الكثير، وإعمال الأول قليل، وهذا إنما قاله سيبويه نقلاً عن العرب، بدليل قوله: " وإنما كلامهم" والحملُ على ما كثر في كلام العرب أولى من الحمل على ما قلّ". ( [72] )
رد البصريين على أدلة الكوفيين:
" أما قول امرئ القيس:
كَفَانِيْ ولَمْ أَطْلُبْ قَلِيْلٌ مِنَ المَالِ
فَلَوْ أَنَّ مَا أَسْعَى لأَدْنَى مَعِيْشَةٍ
فنقول: إنما أعمل الأول منهما مراعاةً للمعنى؛ لأنه لو أعمل الثاني لكان الكلام متناقضًا، وذلك من وجهين، أحدهما: أنه لو أعمل الثاني لكان التقدير فيه: كفاني قليلٌ ولم أطلب قليلاً من المال، وهذا متناقض؛ لأنه يخبرنا تارةً بأن سعيه ليس لأدنى معيشة، وتارةً يخبرنا بأنه يطلب القليل، وذلك متناقض، والثاني أنه قال في البيت الذي بعده:
وَقَدْ يُدْرِكُ المَجْدَ المُؤَثَّلَ أَمْثَالِيْ
وَلَكِنَّمَا أَسْعَى لِمَجْدٍ مُؤَثَّلٍ
فلهذا أعمل الأول ولم يُعمِل الثاني، وأما قول الآخر:
بِهَا يَقْتَدْنَنا الخُرُدَ الخِدَلاَ
وَقَدْ نَغْنَى بِهَا ونَرَى عُصُوْرًا
فنقول إنما أعمل الأول مراعاةً لحركة الرويّ؛ فإن القصيدة منصوبة، وإعمال الأول جائز، فاستعمل الجائز ليخلص من عيب القافية، ولا خلاف في الجواز، وإنما الخلاف في الأولى". ( [73] )(9/255)
وأما قولهم: إن المتقدمَ أولى بالإعمال لاعتناء العرب به؛ " فنقول: لو أعملوا الأول لراعوه من كل وجه، وأهملوا الثاني من كل وجه، وهذا نقيض الحكمة، بل جعلوا تقدم الأول عناية به من وجه، وإعمال الثاني عناية من وجه، فأعطوا لكل منهما حصةً من العناية، على أنا نقول: إعمال الثاني لا يمنع الأول شيئًا من العناية على أن لا تصير إلى إعمال الثاني إلا بعد إعطائنا الأول ما يستحقه إما مضمرًا فيه إن طلب فاعلاً، أو محذوفًا معه إن طلب مفعولاً بخلاف إعمال الأول، فإنا نذكر العامل الثاني قبل توفية الأول ما يقتضيه، فلو قيل بما ذكرنا إن إعمال الثاني أتم في الاهتمام بالأول من إعماله لم يبعد ذلك". ( [74] )
" وأما قولهم:" لو أعملنا الثاني لأدّى إلى الإضمار قبل الذكر" فنقول: إنما جوّزنا ههنا الإضمار قبل الذكر لأن ما بعده يفسّره لأنهم قد يستغنون ببعض الألفاظ عن بعض إذا كان في الملفوظ دلالة على المحذوف لعلم المخاطب، قال تعالى: {وَالحَافِظِيْنَ فُرُوْجَهُمْ وَالحَافِظَّاتِ وَالذَّاكِرِيْنَ اللَّهَ كَثِيْرًا وَالذَّاكِرَاتِ ... } [الأحزاب:35] ، فلم يعمل الآخر فيما عمل في الأول استغناءً عنه بما ذكره قبل ولعلم المخاطب أن الثاني قد دخل في حكم الأول، وقال الله تعالى: {أَنَّ اللَّهَ بَرِىْءٌ مِنَ المُشْرِكِيْنَ وَرسُوْلُهُ ... } [التوبة:3] ، فاستغنى بذكر خبر الأول عن ذكر خبر الثاني". ( [75] )
وأما قولهم: أنا رأينا العرب تراعي المتقدم في قولهم: " عندي ثلاثة ذكور من البط ... " " فنقول: ما ذكرتم دليل لنا لا لكم؛ لأن العرب راعت فيه الأقرب إلى العدد فذكرته إذا تقدم (الذكور) أقرب إليه، وأنَّثتْه إذا تقدم (البط) لقربه منه أيضا، ثم ذكرتم معارض بقول العرب: (علمتُ لزيدٌ منطلقٌ، وعلمتُ أزيدٌ منطلقٌ، وعلمتُ ما زيدٌ منطلقٌ) ، فإنهم راعوا الثاني في اللفظ لقربه دون الأول". ( [76] )(9/256)
وأما قولهم:" القَسَم والشرط إذا اجتمعا فإن العرب تبني الجواب على الأول ... " فنقول:" إذا اجتمع طالبان فلا يخلو إما أن يكونا عاملَيْن أو ليسا كذلك، فإن لم يكونا عاملَيْن فقد يكون الأمر كما ذكرتم في اجتماع الشرط والقسم من مراعاة الأول وقد يراعي الثاني كما ذكرنا في: علمت أزيد منطلق، وأما إذا كان الاثنان عاملين فإنما تعمل العرب الثاني منهما، بدليل قولنا: إن لم يقم زيدٌ قمتُ، فإنه لما اجتمع حرف الشرط و (لم) وهما جازمان، جزمت الفعل (بلم) دون (إِنْ) بدليل وقوع جواب الشرط فعلاً ماضيًا في فصيح الكلام، ولو كان الجزم (بإن) لما وقع جواب الشرط ماضيًا وقد عمل حرف الشرط في الفعل إلا في الشعر على الأصح، فعرفنا أن العمل ل (لم) دون (إِنْ) وإذا لم يكن إعمال الثاني هنا واجبًا كما كان في اجتماع (إن ولم) فلا أقل من أن يكونَ أولى". ( [77] )
إن احتاج الأول إلى مرفوع ففي المسألة ثلاثة مذاهب:
1 مذهب سيبويه (180هـ) :الإضمار قبل الذكر. ( [78] )
2 مذهب الكسائي (ت: 189هـ) : " الكسائي وهشام الضرير والسهيلي من الكوفيين يوجبون الحذف للضمير المرفوع على الفاعلية أو شبهها هربًا من الإضمار قبل الذكر وتمسكًا بظاهر قول علقمة بن عبدة يمدح الحرث ابن جبلة الغساني:
رِجَالٌ فَبَذَّتْ نَبْلَهُمْ وَكَلِيْبُ" ( [79] )
تَعَفَّقَ بِالأَرْطَى لَهَا وَأَرَادَهَا
قد استشهد جماعة من النحاة منهم الكسائي وهشام من الكوفيين والسهيلي وابن مضاء من المغاربة على أنه إذا أعمل ثاني العاملَيْن في لفظ المعمول وأعمل الأول في ضميره، وجب حذف هذا الضمير ولو كان الضمير مرفوعًا، لئلا يلزم على ذكره عود الضمير على متأخر، وقد جرى في هذا البيت على هذا، فقوله (رجال) فاعل بقوله (أرادها) وحذف ضمير الرجال من (تعفق) ولو أظهره لقال (تعفقوا) وأرادها رجال". ( [80] ) وكذلك قال ذو الرمة: ( [81] )
ثلاثُ الأثَافِي والرسُومُ البلاقِعُ(9/257)
وَهَلْ يَرْجِعُ التسليمَ أو يَكْشِفُ العَمَى
ولو أضمر فاعل الفعل الأول لقال: أو يكشفن، إذ الفرق بين مذهب سيبويه رحمه الله تعالى ومذهب الكسائي إنما يظهر بالتثنية والجمع، فيبرز الضمير فيهما على مذهب سيبويه رحمه الله، وأما على مذهب الكسائي فالإفراد والتثنية والجمع بمنزلة واحدة لحذف الفاعل.
إن الذي يدل على صحة مذهب سيبويه أنه قد حكى من كلام العرب: ضربوني وضربت قومك وضرباني وضربت الزيدين، وهذا لا يخرج إلا على مذهب سيبويه. وأما هذان البيتان فقد يتخرجان على أن يكون الضمير فيهما عائدًا على الجمع بلفظ المفرد، فاستتر كما يستتر في حال الإفراد، والدليل من كلام العرب على جواز عود الضمير على المثنى والمجموع على حد عوده على المفرد ما حكي من كلام العرب هو أحسنُ الفتيان وأجملُهُ وأحسن بني أبيه وأنبله ( [82] ) . وقد كان ينبغي أن يقول: وأجملهم وأنبلهم، فأجري ذلك مجرى المفرد. ومنه قوله تعالى: {وَإِنَّ لَكُمْ فِىْ الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيْكُمْ مِمَّا فِيْ بُطُوْنِهِ ... } [النحل:66] ولم يقل في بطونها. ( [83] )
3 مذهب الفراء (ت:207هـ) :
" والفراء يقول إن استوى العاملان في طلب المرفوع وكان العطف بالواو فالعمل لهما؛ لأنهما لما كان مطلوبهما واحدًا كانا كالعامل الواحد، نحو: (قَامَ وقَعَدَ أَخَوَاكَ) ف (أخواك) مرفوع عنده ب (قام وقعد) فيكون الاسم الواحد فاعلاً لفِعْلَيْنِ مختلفَيْنِ لفظًا ومعنًى". ( [84] )
" وهذا فاسد لأنه قد تقرّر أن كل عامل، يحدث إعراباً، وعلى مذهب يكون العاملان لا يحدثان إلا إعرابا واحدًا. وهذا الذي قاله كسر لما اطّرد في كلام العرب من أنه لابد لكل عامل من إحداث إعراب وأيضا فالسماع يرد عليه ألا ترى قول الطُفَيْل الغَّنَوِي:
جَرَى فَوْقَهَا واسْتَشْعَرَتْ لَوْنَ مُذْهَبِ
وَكُمْتًا مُدَمَّاةً كَأَنَّ مُتُوْنَهَّا(9/258)
بنصب (لون) ، فأعمل الثاني وهو (استشعرت) مع احتياج الأول وهو (جرى) إلى مرفوع وليس العاملان متفقين في العمل فيعملها في (لون) فلم يبق إلا مذهب سيبويه رحمه الله أو مذهب الكسائي". ( [85] )
" وجاز عند الفراء وجه آخر وهو أن يأتي بفاعل الأول ضميرًا منفصلاً بعد المتنازع فيه لتعذر المتصل بلزوم الإضمار قبل الذكر هذا هو النقل الصحيح عن الفراء. وإن اختلف العاملان في طلب المعمول فإن كان أولهما يطلب مرفوعا أضمرته مؤخرا وجوبًا ك (ضرَبَنِيْ وضربتُ زيدًا هو) ف (هو) فاعل (ضربني) وإنما أخّر عن الظاهر هربًا من الإضمار قبل الذكر ولم يحذفه هربًا من حذف الفاعل، هذا كله إذا احتاج الأول لمرفوع مع إعمال الثاني". ( [86] )
حكم الإضمار في العامل المهمل:
قلنا إنك لو أعملت أحد العاملين في الظاهر أعملت الآخر (المهمل) في ضمير ذلك الاسم الظاهر. ولكن تارةً يجب الإضمار في العامل المهمل، وتارةً يمتنع، وتارةً يجب فيه الإتيان بالظاهر بدل الضمير وإليك التفصيل:
وجوب الإضمار:
ويجب الإضمار، أي: ذكر ضمير الاسم الظاهر في العامل المهمل في ثلاث حالات:
الحالة الأولى: إذا كان مطلوب العامل المهمل مرفوعًا (لا يجوز حذفه) كالفاعل ونائبه، ففي تلك الحالة: يجب الإضمار في العامل المهمل سواء كان هو العامل الأول، أم الثاني: وذلك كقولك: (يُحْسِنُ ويُسِيءُ ابناكَ)) فكل واحد من (يحسن ويسيء)) يطلب (ابناك) فاعلاً، فإذا أعملت الثاني في الاسم، وجب أن تضمر في الأول فاعله، فتقول: (يُحْسِنَانِ ويُسِيءُ ابناك) ، وإذا أعملت الأول، وجب أن تضمر في الثاني في فاعله، فتقول: (يُحْسِنُ ويُسِيْئَانِ ابناك) ، ومثاله: (بَغَى واعْتَدَيا عبداك) بإعمال الأول ووجوب الإضمار في الثاني؛ لأن ترك الإضمار يؤدي إلى حذف الفاعل، والفاعل يلتزم ذكره.(9/259)
فأنت ترى: أنه وجب الإضمار في المهمل أيا كان ولا يجوز ترك الإضمار، فلا تقول: (يُحْسِنُ ويُسِيْءُ ابناك) ولا (بغى واعتدى عبداك)) ؛ لأن ترك الإضمار يؤدي إلى حذف الفاعل، والفاعل ملتزم ذكره.
وأجاز الكسائي ترك الإضمار وحذفه، بناء على مذهبه في جواز حذف الفاعل، وأجاز الفراء على توجه العاملَين معًا إلى الاسم الظاهر كما سبق. والسبب في إجازتهما ذلك أي: ترك الإضمار، أنهما يمنعان الإضمار في الأول عند إعمال الثاني، فلا تقول عندهما: يحسنان ويسيء ابناك. ( [87] )
الحالة الثانية: إذا كان مطلوب العامل المهمل منصوبا، لكنه في الأصل عمدة، أي مرفوعا، كمفعولي (ظن وأخواتها)) فإن أصلهما المبتدأ والخبر، ففي تلك الحالة، يجب الإضمار أي، ذكر ضمير الظاهر في العامل المهمل سواء كان هو الأول أم الثاني: غاية الأمر، أن العامل المهمل لو كان هو الأول، وجب الإضمار مؤخرًا، مثل: ظنني وظننت زيدًا عالمًا، إياه. ولو كان العامل المهمل هو الثاني: أتيت بالضمير متصلا به أو منفصلا عنه فتقول: ظننت وظننته زيدًا عالمًا، أو ظننتُ وظنّني إياه زيدًا عالمًا. ( [88] )
الحالة الثالثة: إذا كان مطلوب العامل المهمل منصوبا ليس عمدة أو كان مجرورا وفي تلك الحالة لا يخلو: إما أن يكونَ العامل المهمل هو الأول أو الثاني، فإن كان المهمل هو الأول: لم يجز فيه الإضمار، بل يحذف منه الضمير فتقول: (أَكْرَمْتُ وأكَرَمَنِيْ خالد، ومررت ومرّ بي خالد) ، بحذف الضمير المنصوب والمجرور من الأول، ولا يجوز ذكره، فلا تقول: (أكرمته وأكرمني خالدٌ، ولا مررت به ومرّ بي خالد) ؛ لأنه فضلة يستغنى عنه فيحذف ولا داعي لإضماره أولا. ( [89] ) وقد جاء في الشعر ذكر الضمير المنصوب أولا، كقول الشاعر: ( [90] )
جِهَارًا فَكُنْ فِيْ الغَيْبِ أَحْفَظَ للعهدِ
إِذَا كُنْتَ تُرْضِيْهِ ويُرْضِيْكَ صاحبٌ
يُحَاوِلُ وَاشٍ غَيْرَ هِجْرَانِ ذِيْ وُدِّ(9/260)
وَأَلْغِ أَحَادِيْثَ الوُشَاةِ؛ فَقَلَّمَا
والشاهد: (ترضيه ويرضيك) ؛ فالأول يطلب (صاحب) مفعولا به والثاني يطلبه فاعله، فأعمل الثاني. ولم يحذف من الأول ضميره مع أنه فضلة، والقياس حذفه من الأول، فتقول: (ترضي ويرضيك) .
وإن كان العامل المهمل هو الثاني وجب الإضمار، أي: ذكر ضمير المنصوب أو المجرور، فتقول: (أكرمني وأكرمته خالد، ومرّ بي ومررت به خالد) ، ولا يجوز حذف الضمير في الثاني، فلا تقول: (أكرمني وأكرمت خالدٌ، ولا مرّ بي ومررت خالدٌ) . ( [91] ) وقد جاء في الشعر حذف الضمير في العامل الثاني، كقول عاتكة بنت عبد المطلب: ( [92] )
- إذا هُمُ لَمَحُوْا - شُعَاعُهْ
بِعُكَاظَ يُعْشِي النَاظِريْن
ف (يعشي) يطلب (شعاعه) فاعلاً، ولمحوا يطلبه مفعولاً به، وقد أعمل الأول ولم يذكر ضميرًا في الثاني، مع أنه حقه الذكر، والقياس: أن يقول: لمحوه لكنه ترك الإضمار شذوذا.
وجوب الإظهار في العامل المهمل بدل الإضمار:(9/261)
" يجب أن يؤتى بمفعول الفعل المهمل ظاهرًا إذا لزم من إضماره عدم مطابقته لما يفسّره، لكونه خبرًا في الأصل عما لا يطابق المفسِّر، كما إذا كان في الأصل خبرا عن مفرد ومفسِّره مثنى، نحو: " أظنّ ويظناني زيدًا وعمرا أَخَوَيْن" ف (زيدا مفعول أول لأظن و (عمرا) معطوف عليه، و (أخوين) مفعول به ثانٍ لأظن، والياء مفعول أول ليظنان، فيحتاج إلى مفعول به ثانٍ، فلو أتيت به ضميرًا فقلت: (أظن ويظناني إياه زيدًا أخوين) فكان (إياه) مطابقا للياء في أنهما مفردان، ولكن لا يطابق ما يعود عليه وهو (أخوين) ؛ لأنه مفرد، و (أخوَين) مثنى، فتفوت مطابقة المفسِّر للمفسَّر وذلك لا يجوز، وإن قلت: (أظن ويظناني إياهما زيدا وعمرا أخوين) حصلت مطابقة المفسِّر للمفسَّر، وذلك لكون (إياهما) مثنى وأخوين كذلك، ولكن تفوت مطابقة المفعول الثاني الذي هو خبر في الأصل للمفعول الأول الذي هو مبتدأ في الأصل، لكون المفعول الأول مفردا وهو الياء، والمفعول الثاني غير المفرد وهو (إياهما) ولابد من مطابقة الخبر للمبتدإ، فلما تعذرت المطابقة مع الإضمار وجب الإظهار، فتقول: (أظنّ ويظنّاني أخا زيدًا وعمراً أخوَين)
ف (زيدًا وعمرا أخوين) مفعولا أظن، والياء مفعول يظنان الأول، و (أخا) مفعوله الثاني.
وقد خرجت هذه المسألة من باب التنازع؛ لأن كلا من العاملَين عمل في ظاهر، وهذا مذهب البصريين. وأجاز الكوفيون الإضمار مراعى به جانب المخبر عنه، فتقول: (أظن ويظناني إياه زيدًا وعمرًا أخوَين) وأجاز أيضا الحذف، فتقول: (أظن ويظناني زيدًا وعمرا أخوين) ". ( [93] )
تعدد العامل والمعمول في أسلوب التنازع:(9/262)
" ليس من اللازم الاقتصار في أسلوب التنازع على عاملَين متقدمَين ولا على معمول واحد ظاهر بعدهما؛ فقد يقتضي الأمر " أن يتنازع العاملان أكثرَ من معمول، نحو (ضربتُ وأهنتُ زيدًا يومَ الخميس) . وقد تكون العوامل ثلاثة متقدمة من غير أن يتعدد المعمول، نحو: (يجلس ويسمع ويكتب المتعلم) . ( [94] ) ومنه قول الشاعر: ( [95] )
عفوًا وعافيةً في الروحِ والجسدِ
أَرْجُوْ وَأَخْشَى وَأَدْعُوْ اللَّهَ مبتغيًا
فقد تنازع ثلاثة عوامل في العمل في لفظ الجلالة (الله) ، وهي أرجو وأخشى وأدعو. ( [96] ) وفي هذه الحال، يجوز أن يكون معمولا لأي منها، إلا أن البصريين يفضّلُون أن يكونَ معمولاً للأخير منها، لقربه، والكوفيون يفضّلون الأول منها، لتقدمه، ونضمر معمولا للآخرين.
وقد تتنازع ثلاثة وقد يكون المتنازع متعددًا، ( [97] ) نحو قوله عليه السلام: ((تسبّحون وتحمدون وتكبّرون دبرَ كل صلاة ثلاثا وثلاثين)) . ( [98] ) " فدبر: ظرف وثلاثا: مفعول مطلق، وهما مطلوبان لكل من العوامل الثلاثة". ( [99] )
" يستنبط من تمثيل ابن هشام بهذا الحديث أمران:
الأول: أن المتنازع فيه قد يكون ظرفًا وقد يكون مفعولا مطلقا، وذلك لأن (دبر كل صلاة)) ظرف، و (ثلاثا وثلاثين) مفعول مطلق مبين للعدد وظاهر إطلاق المؤلف أن التنازع يكون في جميع المعمولات، لكن قال ابن الخباز ( [100] ) : إن التنازع لا يقع في المفعول له ولا في الحال ولا في التمييز ويجوز في المفعول معه، تقول: (قمت وسرت وزيدا) على أنك أعملت الثاني، فإن أعملت الأول قلت: (قمت وسرت وإياه وزيدًا) .(9/263)
الأمر الثاني: أنه إذا تنازع أكثر من عاملَين أعملت الأخير منها كما في الحديث، فقد أعمل (تحمدون) في لفظ المعمولين، وأعمل العامل الأول والعامل الثاني في ضميريهما، وحذف الضميرين لكونهما فضلتين، ولو أعمل الأول لأعمل الثاني والثالث في ضميريهما ولم يحذف الضميرين فكان يقول: (تسبحون، وتحمدون الله فيه إياه وتكبرون الله فيه إياه) ، ولو أعمل الثاني لأعمل الأول في ضميريهما ثم حذف منه الضميرين لكونهما فضلة، وكان يعمل الثالث في الضميرين ولم يحذفهما، فكان يقول: (تسبحون وتحمدون وتبكرون الله فيه إياه)) فلما لم يقل إحدى العبارتين استدللنا على أنه أعمل الثالث كما قلنا أولا.
وهل يجوز في تنازع أكثر من عاملين إعمال الأول والثاني والثالث أو يتعين إعمال الثالث؟ والجواب عن ذلك أن ابن خروف ( [101] ) زعم أنه استقرأ كلام العرب فوجدهم يعملون الأخير ويلغون ماعداه، ووافقه ابن مالك ( [102] ) على هذه الدعوى، ولكن أثبات الرواة ردوا منهم المرادي ( [103] ) ذلك وقالوا: إنهم عثروا على ما يدل على أن العرب تعمل أول العوامل وتضمر فيما عداه، من ذلك قول أبي الأسود الدؤلي: ( [104] )
أَخٌ لَكَ يُعْطِيْكَ الجَزِيْلَ ونَائِلَهْ
كَسَاكَ وَلَمْ تَسْتَكْسِهِ فَاشْكُرَنْ لَهُ
فههنا ثلاثة عوامل وهي: كساك، ولم تستكس، واشكرن، وقد أعمل أولها فرفع الأخ به، وأضمر في الثاني والثالث، وأظهر هذا الضمير؛ لأنه لا يترتب على إظهاره محظور على ما هو قاعدة الباب". ( [105] )
" والكثير في التنازع الاقتصار على عاملين ومعمول واحد، ولا يعرف في الأساليب القديمة الزيادة لى أربعة عوامل" ( [106] ) . كقول الحماسي: ( [107] )
قعدت ولم أبغِ الندى عند سائبِ
طلبتُ فلم أُدْرِكْ بوجهي وليتني(9/264)
ولا يكون التنازع في الحال والتمييز؛ لأنهما لا يضمران فإذا قلت (قمتُ وخرجتُ مسرعًا أو تصببت وامتلأتُ عرقا) كان من الحذف للدليل لا من التنازع، ( [108] ) وقال تعالى: {أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُوْنَ} [يوسف:12] ، (وإنا له لحافظون) : جملة حالية، والعامل الأمر أو الجواب، ولا يكون ذلك من باب الإعمال؛ لأن الحال لا تضمر، والإعمال لابد فيه من الإضمار إذا أعمل الأول. ( [109] )
وكذلك لا تنازع في مجرور حتى، قال تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ المُشْرِكِيْنَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللَّهِ ... } [التوبة: 6] . (حتى) يصح أن تكون غاية، أي إلى أن يسمع، ويصح أن تكون للتعليل وهي متعلقة ب (أجره) ولا يصح أن يكون من باب التنازع، لكن من ذهب من النحويين إلى أن (حتى) تجر المضمر يجوز عنده أن يكون ذلك من باب التنازع، وكون (حتى) لا تجرّ المضمر هو مذهب الجمهور. ( [110] )
يجوز أن يكون المتنازع فيه فاعلاً، كقوله تعالى: {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَّ ضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُوْنَ} [الأنعام:94] وقوله تعالى {وَإِنْ أَدْرِيْ أَقَرِيْبٌ أَمْ بَعِيْدٌ مَا تُوْعَدُوْنَ} [الأنبياء:109] .
ومفعولاً به، نحو قوله تعالى: {يُرِيْدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ اللذِّيْنَ مِنْ قَبْلِكُمْ ... } [النساء:26] ، وقوله تعالى {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى ... } [هود:102] .
وظرفا، نحو قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الذِيْنَ آمَنُوْا اذْكُرُوْا اللهَ ذِكْرًا كَثِيْرًا وَسَبِّحُوْهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} [الأحزاب:41 42] .(9/265)
ومفعولا لأجله، نحو قوله تعالى: {لاَ تَرْفَعُوْا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلاَ تَجْهَرُوْا لَهُ بِالقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ ... } [الحجرات:2] ، وقوله تعالى {عَبَسَ وَتَوَلَّى* أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى} [عبس:1 2] .
وجارا ومجرورًا، نحو قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِيْ الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِيْنٍ} [البقرة:36] وقوله تعالى {كُلُوْا وَاشْرَبُوْا مِنْ رِزْقِ اللهِ ... } [السورة نفسها: 60] .
أساليب التنازع:
ولما كان العاملان قد يتفقان أو يختلفان في طلبهما من حيث الرفع والنصب، كان للتنازع دائمًا أربع صور كلها جائز وإليك بيانها: ( [111] )
أ " إذا كان العاملان يطلبان مرفوعاً". لهذه الحالة أربعة أساليب، وهي كالآتي:
(قام، وقعد الرجالُ) : هنا نجد الاسم الظاهر (الرجال) أعطي فاعلا للفعل الثاني (قعد) ، وأما الفعل الأول فلم يُعَطَ شيئًا. هذا الأسلوب لا يقبله سيبويه، فعنده أن العامل الذي يطلب مرفوعًا لابد من إعطائه هذا المرفوع إما ظاهرًا وإما مضمرًا، فالأسلوب الصحيح عنده يقال: قاموا وقعد الرجالُ ( [112] ) . وأما الكسائي والفراء فقد أجازا هذا الأسلوب كما سبق.
(قَامَ، وقَعَدَ الرجالُ) : هنا نجد العكس: فقد أعطي الظاهر للفعل الأول، أما الثاني فلم يعط شيئا.
(قاموا، وقعد الرجالُ) : هنا نجد الفعل الثاني قد أخذ الظاهر، ولكن الأول لم يحرم حرمًا تامًا، بل أرضي بالضمير.
(قام، وقعدوا الرجالُ) : هنا نجد الظاهر قد أعطي للأول، وأما الثاني فقد أرضي بالضمير.
ب ((إذا كان العاملان يطلبان منصوبًا)) ، وصورها أربع أيضا كلها جائز:
(رأيتُ وضربتُ زيدًا) : أعطيت الثاني وحرمت الأول.
(رأيتُ وضربتُ زيدًا) : أعطيت الأول وحرمت الثاني.(9/266)
ومن النحاة من لم يجز هذا الأسلوب، كما سبق، وطالب بإرضاء الثاني بالضمير إن حرم من الظاهر، وهو مردود بقول الشاعرة عاتكة بنت عبد المطلب عمة النبي عليه السلام:
إِذَا هُمُوْ لَمَحُوْا شُعَاعُهْ
بِعُكَاظَ يُعْشِيْ النَّاظِرِيْنَ
(رأيته، وضربت زيدًا) : ومن النحاة من لم يجز هذا الأسلوب ذاهبا إلى أن الأول إذا حرم من الظاهر فلا يعطى الضمير، إذا كان يطلب منصوبا، وهو مردود بقول الشاعر:
جِهَارًا، فَكُنْ فِيْ الغَيْبِ أَحْفَظَ لِلعَهْدِ
إِذَا كُنْتَ تُرْضِيْهِ وَيُرْضِيْكَ صَاحِبٌ
(رأيتُ وضربتُهُ زيدًا) : أعطيت الظاهر للأول وأرضيت الثاني بالضمير.
ج (إذا كان الأول رافعًا والثاني ناصبًا) : والصور الأربع نفسها ستتكرر:
(رآني ورأيت الرجالَ) : أعطيت الظاهر للثا رأوني ورأيت الرجالَ ني، وأما الأول فحرمته مرفوعه لدلالة منصوب الثاني عليه.
(رآني ورأيت الرجالُ) : أعطيت الظاهر للأول مرفوعا أما الثاني فحرمته منصوبه.
(رأوني ورأيت الرجالَ) : أعطيت الظاهر للثاني منصوبا وأما الأول فأرضيته بالضمير.
(رآني ورأيتهم الرجالُ) : أعطيت الظاهر للأول وأما الثاني فأرضيته بالضمير.
د ((إذا كان الأول ناصبا والثاني رافعا)) : والصور الأربع نفسها ستتكرر:
(رأيتُ ورآني الرجال) .
(رأيت ورآني الرجال) .
(رأيتهم ورآني الرجال) .
(رأيت ورأوني الرجال) .
آراء العلماء في التنازع:
1 رأي أبي عمر الجرمي (ت: 255هـ) :(9/267)
إن أبا عمر الجرمي كان يأبى التعقيد في النحو وكثرة التقديرات، ومما يؤكد ذلك عنده أنه كان يمنع التنازع في الأفعال التي تتعدى إلى مفعوليَن أو ثلاثة، ذاهبًا إلى أنه ينبغي أن يقتصر في الباب على السماع والقياس عليه دون الإتيان بصور معقدة لم يرد لها مثيل عن العرب، فإن في ذلك تكلفًا وإيغالاً في تمرينات لا تفيد في تعلم العربية، وإن كان النحاة لم يستمعوا إلى رأيه فقد مضوا يطبقون الباب في (ظن) وأخواتها و (أعلم) وأخواتها، مما كان سببًا في أن يحملَ عليهم ابن مضاء، في كتابه الرد على النحاة، حملة شعواء. ( [113] )
2 رأي ابن مضاء القرطبي (ت592 هـ) :
يدرس ابن مضاء باب التنازع في النحو درسًا مفصلاً، وهو درس أراد به أن يصور ما تجره نظرية العامل من رفض بعض أساليب العرب، وأن يضع النحاة مكانها أساليب لا تعرفها العربية، فإنهم يرفضون في باب التنازع صورًا من التعبير دارت على ألسنة العرب، وذلك أنهم قد يعبرون بعاملَين، ثم يأتون بعدهما بمعمول واحد على نحو ما نرى في مثل (قام وقعد إخوتك) وقول علقمة:
رِجَالٌ فَبَذَّتْ نَبْلَهُمْ وكَلِيْبُ
تَعَفّقَ باِلأَرْطَى لَهَا وأَرَادَهَا
وقد رفض النحاة هذه الصورة من التعبير؛ لأنه لا يصح أن يجتمع عاملان على معمول واحد، أو كما يقولون لا يصح أن يجتمع مؤثران على أثر واحد، وإذن فإما أن نعمل الأول ونضمر في الثاني، أو نعمل الثاني ونضمر في الأول. اختار الكوفيون إعمال الأول لسبقه، واختار البصريون إعمال الثاني لقربه، فيطلبون إلى صاحب المثال الأول أن يقول (قام وقعدوا إخوتك) أو يقول: (قاموا وقعد إخوتك) ويطلبون إلى علقمة أن يقول (تعفقوا.... وأرادها رجال.... وكليب) وهي جمع كلب أو يقول (تعفق ... وأرادها رجال ... وكليب) .(9/268)
وعلى هذه الصورة يرفض النحاة أساليب العرب، ويضعون مكانها أساليب أخرى تسولها لهم فكرة العامل. وإن الاستمرار في درس هذا الباب ليطلعنا على مدى تكلفهم، فإن من يرجع إليهم فيه يجدهم يطبقون هذا المنهج تطبيقًا واسعًا، فلا يتركون فعلاً ولا ما يشبه الفعل دون أن يجروا فيه صور هذا التنازع، على طريقتهم في الإضمار. وقد استمرّ ابن مضاء يعرض هذه الصور ليدل على ما صنعوه في أساليب اللغة من تعقيد، وإنه ليعرض للدلالة على ذلك صور التنازع التي يذكرونها في باب ظن وأعلم، فظن مثلا يجري فيها التنازع على هذا الشكل: (ظننت وظناني شاخصا الزيدين شاخصين) وأما أعلم التي تتعدى إلى ثلاثة مفاعيل، فشأنها في الإضمار أعقد وأعسر، إذ يجري فيها التنازع على هذا الشكل.
(أعملت وأعلمانيهما إياهما الزيدين العمرين منطلقين) ويعقب ابن مضاء على هذه الصورة وأمثالها بأنه لا يجوز أن تجري في الكلام؛ لأن العرب لم يستخدموها، وإنما هو عقل النحاة الذي يتعبهم لما يتصور من خطر نظرية العامل ذلك الخطر الذي جعلهم ينحازون عن صور أصلية في التعبير العربي إلى صور أخرى جديدة، صور نحوية لا تيسر كلامًا ولا تسهل حديثًا، بل تصعب الكلام وتعقده، وتحيله ألغازا عسيرة الحل. ( [114] )
أي العاملين أولى بالتعليق في التنازع:
يقول ابن مضاء: " بين النحويين اختلاف في أي الفِعْلَين أولى أن تعلق به الاسم الآخر، فاختيار البصريين الثاني للجوار، واختيار الكوفيين للسبق، ومذهب البصريين أظهر؛ لأنه أسهل، فإنه ليس إلا حذف ما تكرر في الثاني، أو إضماره الأول على مذهبهم إن كان فاعلاً. والتعليق بالأول فيه إضمار كل ما تكرر من متعلقات الأول في الثاني، وتأخير المتعلقات بالأول بعد الثاني، وقد حملهم الجوار أن يقولوا (هذا جحر ضبٍّ خربٍ)) فيخفضون خرب وهو للجحر المتقدم. ( [115] )
3 رأي ابن مالك:(9/269)
إن اختيار البصريين إعمال الثاني دون الأول، لسببين هما: كثرة الضمائر إذا أعملنا الأول، ثم تأخير المتعلقات بالأول بعد الثاني، أي الفصل بين العامل وهو الفعل الأول ومعمولاته بالفعل الثاني. وقد لاحظ ابن مالك في شرحه على التسهيل أن إعمال الثاني هو الذي جاء كثيرًا في كلام العرب، ( [116] ) واستدلّ على ذلك بقول سيبويه في التنازع: " ولو لم تحمل الكلام على الآخر لقلت ضربت وضربوني قومك وإنما كلامهم: ضربت وضربني قومك". ( [117] )
4 رأي أبي حيان:
ويقول أبو حيان: " إن إعمال الأول قليل، ومع قلته لا يكاد يوجد في غير الشعر، بخلاف إعمال الثاني فإنه كثير الاستعمال في النثر والنظم. وقد تضمنه القرآن المجيد في مواضع كثيرة، منها قوله تعالى: {يَسْتَفْتُوْنَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيْكُمْ فِيْ الكَلاَلَةِ ... } [النساء: 176] ، وقوله تعالى: {آتُوْنِيْ أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} } [الكهف: 96] ، وقوله جل وعز {هَاؤُمُ اقْرَءُوْا كِتَابِيَهْ} [الحاقة:19] ، وقوله أيضا {وَأَنَّهُمْ ظَنُّوْا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ أَحَدًا} [الجن: 7] ، ولو أعمل الأول لجاءت الآيات الكريمة على هذا النسق: يفتيكم فيها الكلالة، وآتوني أفرغه قطرا، وهاؤم اقرءوه كتابيه، وأنهم ظنوا كما ظننتموه" ( [118] ) ، بالإضمار على قاعدتهم.
ويقول أبو حيان أيضا في تفسير البحر المحيط: أعمل الثاني على الأفصح، وعلى ما جاء في القرآن، وإعمال الأول لم يرد في القرآن لقلته. ( [119] )
5 رأي الرضي:
ويقول الرضي: إعمال الثاني أكثر في كلام العرب بالاستقراء. وكل ما جاء من أساليب التنازع في القرآن فإنما أعمل فيه الثاني وأهمل الأول، على ما هو المختار عند البصريين ولو أعمل الأول لأضمر في الثاني ما يطلبه عند الجميع. ( [120] )
6 رأي عباس حسن:(9/270)
يرى عباس حسن أنه يعدّ " باب (التنازع) من أكثر الأبواب النحوية اضطرابا، وتعقيدا، وخضوعا لفلسفة عقلية خيالية. ليست قوية السند بالكلام المأثور الصحيح، بل ربما كانت مناقضة له.
فأما الاضطراب فيبدو في كثرة الآراء والمذاهب المتعارضة التي لا سبيل للتوفيق بينها أو التقريب". ( [121] )
يتجلى هذا في أن بعضها يجيز حذف المرفوع كالفاعل، وبعضها لا يجيز. وفريق يجيز أن يشترك فعلان أو أكثر في فاعل واحد. وفريق يمنع.
وطائفة تبيح الاستغناء عن المعمولات المنصوبة، وعن ضمائرها. وطائفة تبيح حذف ما ليس عمدة الآن أو في الأصل وفئة تحتم تقدير ضمير المعمول متأخراً في بعض الصور وفئة لا تحتم، فليس بين أحكام التنازع حكم متفق عليه أو قريب من الاتفاق. ( [122] )
وأما التعقيد فلما أوجبوه مما ليس بواجب، ولا شبه واجب، فقد حتموا أن يكون ضمير الاسم المتنازع فيه واجب التأخير عنه حينا في رأي كثرتهم فرارا من الإضمار قبل الذكر، ومتقدمًا حينًا آخر إذا تعذر تأخيره لسبب ما تخيلوه. ( [123] )
ولقد نشأ من مراعاة أحكامهم هذه أساليب بلغت الغاية في القبح، لا ندري: ألها نظير في الكلام العربي، أم ليس لها نظير؟ كقولهم: (استعنتُ واستعان علي زيد به) و (ظننتُ مطلقة وظنتني منطلقا هند إياها)
و (أعلمني وأعلمته إياه إياه زيد عمرا قائما) و (أعلمتُ زيدًا عمرا قائما إياه إياه) وهذا قليل من الأمثلة البغيضة التي لا يطمئن المرء أن لها نظائر في الأساليب المأثورة. ( [124] )(9/271)
وأما الخضوع إلى الفلسفة العقلية الوهمية فواضح في عدد من مسائل هذا الباب، منها تحتيمهم التنازع في مثل: قام وذهب محمدٌ، حيث يوجبون أن يكون الفاعل: (محمد) لأحد الفعلين، وأما فاعل الآخر فضمير، ولا يبيحون أن يكون لفظ (محمد) فاعلا لهما، بحجة" أن العوامل كالمؤثرات فلا يجوز اجتماع عاملَيْن على معمول واحد، ولا ندري السبب في منع هذا الاجتماع مع إباحته لو قلنا: قام محمد وذهب؛ فإن فاعل الفعل (ذهب) ضمير يعود على محمد فمحمد في الحقيقة فاعل الفعلَين؛ ولا يقبل غير هذا. ( [125] )
من كل ما سبق يتبين ما اشتمل عليه هذا الباب من عيوب الاضطراب والتعقيد والتخيل الذي لا يؤيده في ظننا الفصيح المأثور.
ومن سلامة الذوق الأدبي وحسن التقدير البلاغي الفرار من محاكاة الصور البيانية وأساليب التعبير الواردة في هذا الباب ولو كان لها نظائر مسموعة؛ لقبح تركيبها، وغموض معانيها، وصعوبة الاهتداء إلى صياغتها الصحيحة. ( [126] )
7 رأي د. شوقي ضيف: ( [127] )(9/272)
لم يقف النحاة بباب التنازع عند صوره البسيطة التي عرفها سيبويه في الأبيات فقد مضوا يعرفونه في الأفعال المتعدية إلى مفعولَين فتقول في رأي الكوفيين" ظننتُ وظنوني شاخصًا الزيدين شاخصَين" أي ظننت الزيدين شاخصين وظنوني شاخصًا". وكذلك في الأفعال المتعدية إلى ثلاثة مفاعيل، فتقول في رأي الكوفيين" أعلمتُ وأعلمونيهم إياهم الزيدين العمرين منطلقين" أي أعلمت الزيدين العمرين منطلقين وأعلمونيهم إياهم. ومعروف مما سبق أن البصريين لا يضمرون المفاعيل مع الفعل الأول المتعدي إلى مفعولَين أو ثلاثة مفاعيل. وتوقف ابن مضاء بإزاء هاتين الصورتين الكوفيتين للأفعال المتعدية إلى مفعولَين وثلاثة مفاعيل، وقال: رأيي وفيما شاكلهما أن كل ذلك لا يجوز؛ لأنه ليس له نظير في كلام العرب ولا جرى في لسانهم. ومن قبله ذهب الجرمي كما ذكر ذلك السيرافي في شرحه على سيبويه والرضي في شرحه على الكافية إلى أنه لا يجوز إجراء التنازع في الأفعال التي تتعدى إلى مفعولَين أو ثلاثة؛ لأن ذلك يخرج عن القياس، وإنما يستعمل التنازع فيما استعملته العرب وتكلمت به وما لم تتكلم به فمردود.
وواضح مما سبق أن الأمثلة المستعملة في العربية من هذا الباب هي خبر فعلى الكينونة كما يرى البصريون أو الحال كما يرى الكوفيون وقد يتنازع الفعلان فاعلاً أو مفعولاً به كقوله {آتُوْنِىْ أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} [الكهف:96]
وقد يطلب أحد الفعلين الاسم على أنه فاعل ويطلبه الآخر على أنه مفعول به. وقد يطلبان جره بالحرف كما في الآية الكريمة {يَسْتَفْتُوْنَكَ قُلِ اللُّهُ يُفْتِيْكُمْ فِىْ الكَلاَلَةِ ... } [النساء:176] .
وتشهد كل هذه الأمثلة برجحان رأي سيبويه القائل بأن الثاني هو الذي يعمل في الاسم رفعًا ونصبًا وجرًا وأنه استغنى عن الاسم في الفعل الأول لعلم المخاطب به أو بعبارة أخرى حذف لدلالة السياق عليه.(9/273)
وواضح مما سبق أن باب التنازع إنما هو من افتراضات البصريين والكوفيين وأنه حري بأن يحذف من النحو إذ يعرض صورًا من التعبير لا تجري في العربية ولا نطق بها العرب لا هي ولا قواعد الإضمار التي اجتلبت الأمثلة تطبيقا عليها.
8 رأي محمد صلاح الدين مصطفى بكر:
تتلخص وجهة نظره في التنازع فيما يلي: ( [128] )
أولاً: ليس هناك تنازع بين الأفعال في هذه المعمولات (الأسماء المرفوعة أو المنصوبة) فكل الأفعال موجهة للعمل في هذه الأسماء ولا داعي للقول بتقدير معمولات لكل فعل أو تقدير ضمائر تعتمد عليها.
ثانيا: لقد قال النحاة بحذف الفاعل في أبواب معينة، والفاعل له الأهمية الأولى دون سائر الأبواب جميعها عند النحاة فلماذا القول هنا بتقدير ضمائر تعتمد عليها الأفعال التي لم نجد لها معمولات.
ثالثا: لقد حاول النحاة بيان مذهبهم في مسألة التنازع باختراع نصوص لا صلة لها باللغة العربية فصاحةً وتعاملاً مما يدل على أن المعالجة عقلية خالصة ليست على أساس لغوي بمقدار ما هي مبنية على أمثلة متخيلة لتأييد وجهة نظر عقلية خالصة تختلف من مذهب إلى مذهب نحوي آخر.(9/274)
رابعًا: ينبغي فهم الإسناد في التنازع في ضوء الأفكار اللغوية المحضة وعدم التقيد بالأفكار غير اللغوية التي فرضت على النحو أن يتجه اتجاهًا بعيدًا عن طبيعة اللغة. إن اللغة ليست كائنًا حيا يخضع لنواميس طبيعية ينبغي أن يسير عليها ولكن اللغة عرف اجتماعي بين اللغويين أي المتحدثين بلغة معينة في بيئة معينة وفي محيط اجتماعي معين إننا لا نقف لنسأل لماذا اتجهت اللغة هذا الاتجاه ولماذا سارت إلى هذه الوجهة ولماذا لم يكن في ذلك الاتجاه. إن اللغة بعيدة كل البعد عن المنطق الذي حاول النحاة مجتهدين إخضاعها له معتقدين أن في ذلك صلاحها ورسوخها. إن اللغة لا يهمها أن يكون للفعل معمولان أو أكثر ولا يهمنا أن يكون المعمول راجعا لفعل واحد يمكن أن يكون له أكثر من معمول فلا اشتغالَ والمعمولات يمكن أن ترجع إلى أكثر من فعل فلا تنازع. المهم أن يكون الإسناد صحيحًا شكلاً ومضمونًا.
تعقيب ومزيد من المناقشة:
بعد تتبعي في القرآن الكريم ومظان اللغة العربية تبين لي أن باب التنازع باب أصيل، وأن مذهب البصريين أسهل وأحسن وموافق تمامًا للقرآن الكريم حيث إن الأمثلة الواردة فيه تؤيد المذهب البصري في إعمال العامل الثاني في المعمول المتنازع فيه، وأما مذهب الكوفيين فلا يتوافق مع القرآن الكريم ألبتة وإن كان قد يوافق بعض الشواهد الشعرية ولكنها لقلتها لا تصل إلى درجة القياس.(9/275)
لقد ذهب الكسائي وأيده هشام بن معاوية الضرير (ت 205هـ) وبعض المغاربة إلى أن الفاعل قد يحذف على نحو ما يلقانا في باب التنازع في مثل (قام وقعد علي) ففي رأيهم أن لفظة (علي) فاعل للفعل الثاني وأن الفعل الأول حذف فاعله، حتى لا يكون هناك إضمار قبل ذكر الفاعل ويتضح ذلك أكثر في حالتي التثنية والجمع، فمذهب سيبويه فيهما أن يقال في التثنية (ضرباني وضربتُ الزيدين) وفي الجمع (ضربوني وضربتُ الزيدين) . أما مذهب الكسائي وهشام وبعض المغاربة فيقال في التثنية: (ضربني وضربتُ الزيدين) وفي الجمع (ضربني وضربت الزيدين) فتوحد الفعل الأول معهما لخلوه من الضمير واستشهد في ذلك ببعض الأشعار، والذي قاله الكسائي ومن تبعه غير منطقي؛ لأن الفاعل له الأهمية الأولى دون سائر الأبواب كلها عند النحويين فلا يمكن حذفه.
أنا لا أوافق على جميع ما قاله النحاة، بل أنتصر لما ذهب إليه أبو عمر الجرمي وابن مضاء القرطبي أنه يمتنع التنازع في الأفعال المتعدية إلى مفعولين أو ثلاثة مفاعيل، وأنه ينبغي أن يقتصر في الباب على السماع والقياس عليه دون الإتيان بصيغ معقدة عسرة لم ينطق بها العرب ولا وقعت في أوهامهم لما في ذلك من تكلف لصيغ لم تأت عن العرب.
أنا أؤيد ما ذهب إليه عباس حسن أن باب التنازع مضطرب مائج بسبب كثرة الآراء والمذاهب المتعارضة التي لا سبيلَ إلى التوفيق بينها ولكني لا أؤيده في بعض العلل التي قدّمها في مناقشته حيث يقول: إن النحاة لا يبيحون أن يكون لفظ (محمد) فاعلاً للعاملين كليهما في مثل قولنا: قام وذهب محمد، بحجة أن العوامل كالمؤثرات فلا يجوز اجتماع عاملَين على معمول واحد.(9/276)
وهو مذهب الفراء الذي يجيز توجه عامليَن إلى معمول واحد إذا كان موافقا، إن سلمنا بهذا وألغينا باب التنازع فما نقول في الصور الأخرى؛ لأنه قد يتنازع الفعلان فاعلاً ومفعولا به، نحو: (رآني ورأيت الرجال) وقد يطلب أحد الفعلين الاسم على أنه مفعول به والآخر على أنه فاعل، نحو: (رأيت ورآني الرجال) وقد يطلبان جره بحرف الجر، نحو قوله تعالى: {اجْتَباهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيْمٍ} [النحل: 121] .
وأما د. شوقي ضيف فقد ذكر آراء سيبويه والنحاة وما قاله أبو عمر الجرمي وابن مضاء ثم أعلن أن باب التنازع إنما هو من افتراضات البصريين والكوفيين وأنه حري بأن يحذف من النحو إذ يعرض صورا من التعبير لا تجري في العربية ولا نطق بها العرب.
هذا القول ليس مقنعًا، والأدلة التي قدّمها ليست مرضية، سبق أن ذكرت أن الصور التي لم ترد عن العرب تحذف من النحو، هذا لا يعني أننا نحذف الباب كله؛ لأن أمثلة التنازع قد وردت في التنزيل وفي كلام العرب فلا يمكن إنكارها.
وأما محمد صلاح الدين مصطفى بكر فقد ذهب إلى أنه ليس هناك تنازع بين الأفعال في المعمولات، فكل الأفعال موجهة للعمل في هذه الأسماء، وهذا القول قد يكون مستساغاً إذا كان العاملان يطلبان مرفوعا أو منصوبا وأما إذا كان الأول رافعًا والثاني ناصبًا أو إذا كان الأول ناصبًا والثاني رافعًا فلا يكون مستساغًا؛ لأن العاملَين لا يمكن أن يتوجه إلى معمول واحد في آن واحد.
الخاتمة:(9/277)
أحمد اللهَ العليم الحكيم الذي أعانني على اجتياز درب هذا البحث الوصفي التحليلي المحفوف بالصعوبات؛ لأن مسائل باب التنازع غير المجلات في مظانها المختلفة تكاد تسيطر على كثير من مسائله. ولقد مهدت لي هذا الدرب رغبة قوية دفعتني إلى اجتيازه كلما اعتراني الفتور، ويشفع لهذه الرغبة القوية أن هذا البحث يدور في فلك التنزيل. ومن المعلوم أن النص اللغوي العربي يتمثل في القرآن الكريم والحديث الشريف والشعر والنثر؛ فالقرآن الكريم هو المنبع الأصيل بحيث لو استشهد الصرفي والنحوي استشهادا شاملا بنص قرآني لكانت كافية كلمة الصرف والنحو، ولجاءت القواعد موحدة وقد توصل هذا البحث المتواضع إلى كثير من النتائج الجزئية المتناثرة في موضوعاته وسأكتفي بذكر أهم هذه النتائج وهي على النحو التالي:
1 اتضح من خلال البحث أن مصطلح (التنازع) قد ظهر في الوجود أول ظهوره في نهاية القرن السابع الهجري لدى ابن هشام الأنصاري على الرغم من أن المفهوم كان واضحًا لدى سيبويه في النصوص لا في العنوان.
2 إن تسمية التنازع كانت دقيقةً وموفقةً ومنطقيةً؛ لأن كل عامل من العوامل يطلب المعمول لنفسه وكأنما يريد أن ينزعه من الآخر ليستأثر به.
3 إن التعريفات التي استقرت في كتب النحو تنطلق من نقطة واحدة هي أن التنازع هو عبارة عن توجه عاملين أو أكثر إلى معمول واحد أو أكثر.
4 يجوز التنازع في التوسط والتقدم.
5 لا يقع التنازع بين حرفين؛ لأن الحروف لا دلالة لها على الحدث حتى تطلب المعمولات كما لا يقع بين حرف وغيره من فعل واسم. ولا يقع التنازع بين عاملين جامدين؛ لأن التنازع يقع فيه الفصل بين العامل ومعموله
والجامد لا يفصل بينه وبين معموله.
6 ولا يمتنع التنازع في السببي المنصوب، نحو: (زيدٌ ضرب وأكرم أخاه) . ولا يقع التنازع في الاسم المرفوع بعد إلا على الصحيح.(9/278)
7 إن التنازع قد يقع في الظرف والمفعول المطلق والمفعول معه ولا يقع في المفعول له وفي الحال والتمييز.
8 والكثير في التنازع الاقتصار على عاملين ومعمول واحد، ولا يعرف في الأساليب القديمة الزيادة على أربعة عوامل ولكن لا مانعَ من الزيادة عند وجود ما يقتضيها.
9 بعد تتبعي في القرآن الكريم ومظان اللغة العربية تبيّن لي أن باب التنازع باب أصيل وأن مذهب البصريين أسهل وأحسن وموافق تماما للقرآن الكريم حيث إن الأمثلة الواردة فيه تؤيد المذهب البصري في إعمال الثاني في المعمول المتنازع فيه، وأما مذهب الكوفيين فلا يتوافق مع القرآن الكريم ألبتة وإن كان قد يوافق بعض الشواهد الشعرية ولكنها لقلتها لا تصل إلى درجة القياس.
10 يمتنع التنازع في الأفعال المتعدية إلى مفعولَين أو ثلاثة مفاعيل، وينبغي أن يقتصر في الباب على السماع والقياس دون الإتيان بصيغ معقّدة عسرة لم ينطق بها العرب.
11 أظهر البحث أن دعوة بعض المحدَثِين إلى إلغاء باب التنازع لا تستند إلى أدلة مقنعة؛ لأن ظاهرة التنازع قد وردت في آيات قرآنية كثيرة وأشعار العرب وكلام الفصحاء ولن يمكن إغفالها.
الاقتراحات والتوصيات
أقدّم الاقتراحات والتوصيات التالية:
1 لقد ثبت من خلال البحث في القرآن الكريم ومظان اللغة أن باب التنازع باب أصيل، ولن يمكن إلغاؤها بناء على ما قدم بعض المحدثين.
2 إلغاء التنازع في الأفعال التي تتعدى إلى مفعولَين أو ثلاثة مفاعيل؛ لأنها لم ترد في القرآن الكريم، ولا في أشعار الشعراء ولا في كلام العرب.
3 ينبغي أن ينظر في تيسير النحو كما ذكره بعض النحاة وذلك لا يتم من خلال إلغاء الباب، لعله يتم من خلال الأمور التالية:
أتشكيل لجنة خاصة تقوم بمراجعة كتب قواعد اللغة العربية(9/279)
ودراستها دراسة علمية متعمقة شاملة وتقوم بجمع رؤوس مسائل النحو في موطن واحد حتى لا يتيه المتعلم والمتلقي في هذه الموضوعات المتفرقة في أبواب شتى ثم تصنيفها تصنيفا ميسرا.
ب تطوير الدراسات النحوية على جميع المستويات بغية تسهيل القواعد العربية وخاصة باب التنازع.
ج وضع مناهج عصرية لتدريس المواد النحوية د تبسيط أسلوب العرض ليتلاءم مع الطلبة والبعد عن التعقيدات.
هـ إنشاء مراكز خاصة لإعداد المعلِّمين وتدريبهم على ضوء ما تصل إليه لجنة التطوير.
وتكثيف التدريبات والتطبيقات والتمارين على الصعوبات التي تكشف عنها الدراسات الحديثة.
ز دراسة الأساليب النحوية من خلال القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة وكلام العرب الفصحاء.
الهوامش والتعليقات
---
( [1] ) ابن هشام: السيرة النبوية، ط2، شركة مكتبة مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، 1375هـ، 1: 270.
( [2] ) روي في إرشاد الأريب عن عبد الله بن مسعود، 1: 82.
( [3] ) ابن جني: الخصائص، مطبعة دار الكتب المصرية، القاهرة، 1374هـ، 2: 8.
( [4] ) إرشاد الأريب: 1: 77.
( [5] ) عبد المجيد عابدين: المدخل إلى دراسة النحو العربي، مطبعة الشبكسي، مصر، 1951م، ص: 103 وما بعدها.
( [6] ) سيبويه: الكتاب، ت: عبد السلام محمد هارون، ط3، الناشر مكتبة الخانجي بالقاهرة، 1408هـ 1988م، 1: 73.
( [7] ) أبو حيان الأندلسي: تذكرة النحاة، ت: د. عفيف عبد الرحمن، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1406هـ 1986م، ص: 337.
( [8] ) ابن عصفور الإشبيلي: شرح جمل الزجاجي، ت: صاحب أبو جناح، القاهرة، 1971م،
1: 613.
( [9] ) المبرد: المقتضب، ت: محمد عبد الخالق عضيمة، عالم الكتب، بيروت، (د ت) ، 3: 112.
( [10] ) سابق الدين ابن يعيش الصنعاني: كتاب التهذيب الوسيط في النحو، ت: د. فخر صالح سليمان قدارة، دار الجيل، بيروت، 1411هـ 1991م، ص: 400.(9/280)
( [11] ) الزمخشري: المفصل في صنعة الإعراب، ت: علي بو ملحم، دار ومكتبة الهلال، بيروت، ط1، 1993م، ص38.
( [12] ) موفق الدين ابن يعيش: شرح المفصل، مكتبة المتنبي، القاهرة: 1: 77.
( [13] ) ابن هشام الأنصاري: أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك، ت: محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الفكر، بيروت، لبنان، د: 186
( [14] ) المرجع نفسه: 2: 186، وانظر ابن عصفور الإشبيلي: شرح جمل الزجاجي: 1: 613، وخالد بن عبد الله الأزهري: شرح التصريح على التوضيح، دار الفكر (د ت) : 1: 315.
( [15] ) محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي: مختار الصحاح، المكتبة الأموية، بيروت، دمشق، مادة نزع، ص: 654، وانظر ابن منظور: لسان العرب، دار صادر، بيروت، مادة نزع: 8: 352، ومحمد بن علي الصبان: حاشية الصبان، ترتيب مصطفى حسين أحمد، دار الفكر، 1: 97، والخضري: حاشية الخضري على شرح ابن عقيل، دار الفكر، 1398، ص: 182.
( [16] ) سيبويه: الكتاب: 1: 73.
( [17] ) ابن عصفور الإشبيلي: شرح جمل الزجاجي: 1: 613.
( [18] ) المبرد: المقتضب، 3: 112.
( [19] ) ابن يعيش الصنعاني: كتاب التهذيب الوسيط في النحو: ص: 400.
( [20] ) ابن يعيش: شرح المفصل: 1: 77.
( [21] ) ابن المعطي: شرح ألفية ابن المعطي، ت: د. علي موسى الشوملي، مكتبة الخريجي، ط1، 14-5هـ 1985م، ص: 651.
( [22] ) ابن عقيل: شرح ابن عقيل، ت: محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الفكر، 1399هـ 1979م، 2: 157.
( [23] ) أبو حيان الأندلسي: تذكرة النحاة: ص: 337.
( [24] ) ابن هشام الأنصاري: أوضح المسالك: ص: 186.
( [25] ) عباس حسن: النحو الوافي، ط9، دار المعارف، (د ت) ، 2: 187.
( [26] ) المرجع نفسه: 2: 187.
( [27] ) محمد محيي الدين عبد الحميد: عدة السالك إلى تحقيق أوضح المسالك: 2: 186.
( [28] ) ياسين بن زين الدين الحمصي: حاشية على شرح الفاكهي لقطر الندى، ط2، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، 1390 هـ 1971م، ص: ص: 90.(9/281)
( [29] ) محمد محيي الدين عبد الحميد: عدة السالك: 2: 187.
( [30] ) الأزهري: شرح التصريح، دار الفكر، (د ت) ، 1: 318.
( [31] ) المرجع نفسه: 1: 318.
( [32] ) المرجع نفسه: 1: 318.
( [33] ) المرجع نفسه: 1: 318.
( [34] ) محمد محيي الدين عبد الحميد: عدة السالك: 2: 187.
( [35] ) الصبان: حاشية الصبان: 2: 97، 98.
( [36] ) الأزهري: شرح التصريح: 1: 318.
( [37] ) عبد القاهر الجرجاني: كتاب المقتصد في شرح الإيضاح، ت: د. كاظم بحر المرجان، منشورات وزارة الثقافة والإعلام، الجمهورية العراقية، 1982م: 1: 575.
( [38] ) محمد محيي الدين عبد الحميد: عدة السالك: 2: 187.
( [39] ) الأزهري: شرح التصريح: 2: 419.
( [40] ) الصبان: حاشية الصبان: 2: 98.
( [41] ) محمد محيي الدين عبد الحميد: عدة السالك: 2: 188.
( [42] ) المرجع نفسه: 2: 188.
( [43] ) المرجع نفسه: 2: 188.
( [44] ) المرجع نفسه: 2: 188.
( [45] ) المرجع نفسه: 2: 188.
( [46] ) الأزهري: شرح التصريح: 1: 316.
( [47] ) محمد محيي الدين عبد الحميد: عدة االسالك: 2: 189.
( [48] ) الأزهري: شرح التصريح: 1: 317.
( [49] ) المرجع نفسه: 1: 317.
( [50] ) المرجع نفسه: 1: 317.
( [51] ) المرجع نفسه: 1: 317.
( [52] ) الشاطبي: المقاصد الشافية: 1: 175.
( [53] ) الأزهري: شرح التصريح: 1: 319.
( [54] ) رضي الدين الإستراباذي: شرح كتاب الكافية، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1405هـ 1985م: 1: 78.
( [55] ) ديوان امرئ القيس، ص: 39، وانظر كتاب سيبويه: 1: 79، والخزانة: 1: 158، والإنصاف: 39، ومغني اللبيب: 417، وشرح قطر الندى: 81، والأشموني: 407، وشرح المفصل: 95.
( [56] ) من شواهد سيبويه: 1: 78، والإنصاف: 40.
( [57] ) الأنباري: الإنصاف في مسائل الخلاف، ت: محمد محيي الدين عبد الحميد، 1982م، مسالة 13، ص: 83 وما بعدها.(9/282)
( [58] ) قد اسشهد كل من سيبويه: 1: 87، وشرح المفصل: 1: 78، وشواهد العيني: 3: 22، والهمع: 1: 66، والأشموني: 2: 105، وديوانه: 37.
( [59] ) ابن المعطي: شرح ألفية ابن المعطي: 1: 655.
( [60] ) ديوانه: 441، وشرح مشكلات الحماسة: 134، وشرح جمل الزجاجي: 1: 615.
( [61] ) ابن عصفور الإشبيلي: شرح الجمل: 1: 615.
( [62] ) المصدر نفسه: 1: 613.
( [63] ) الأنباري: الإنصاف: 1: 87.
( [64] ) أبو حيان الأندلسي: تذكرة النحاة: 348.
( [65] ) ديوان الفرزدق: 844، وانظر كتاب سيبويه: 1: 77، والإنصاف: 42.
( [66] ) ديوان طفيل: 7، وانظر كتاب سيبويه: 1: 77، والإنصاف: 43.
( [67] ) الشاهد في كتاب سيبويه: 1: 77، والإنصاف: 44.
( [68] ) الأنباري: الإنصاف: 1: 87 89.
( [69] ) المصدر نفسه: 1: 92.
( [70] ) سيبويه: الكتاب: 1: 76.
( [71] ) المصدر نفسه: 1: 79.
( [72] ) أبو حيان: تذكرة النحاة: 348.
( [73] ) الأنباري: الإنصاف: 1:93.
( [74] ) أبو حيان: تذكرة النحاة: 349.
( [75] ) الأنباري: الإنصاف: 1: 94.
( [76] ) أبو حيان: تذكرة النحاة: 349.
( [77] ) المصدر السابق: 1: 350.
( [78] ) سيبويه: الكتاب: 1: 79.
( [79] ) الأزهري: شرح التصريح: 1: 321، والشاهد أيضا يوجد في أوضح المسالك: 2: 201، وحاشية الصبان: 1: 102.
( [80] ) محمد محيي الدين عبد الحميد: عدة السالك: 2: 202.
( [81] ) ديوانه: 332، وإصلاح المنطق: 303، والمقتضب: 2: 179، والمخصص: 17: 100، وشرح جمل الزجاجي: 1: 619.
( [82] ) سيبويه: الكتاب: 1: 41، الفراء: معاني القرآن: 1: 129.
( [83] ) ابن عصفور: شرح جمل الزجاجي: 1: 620.
( [84] ) الأزهري: شرح التصريح: 1: 321.
( [85] ) ابن عصفور: شرح الجمل: 1: 618.
( [86] ) الأزهري: شرح التصريح: 1: 321.
( [87] ) ابن عقيل: شرح ابن عقيل: 2: 161 وما بعدها.
( [88] ) المرجع نفسه: 2: 163، وانظر الأزهري: شرح التصريح: 1: 321، وابن هشام: أوضح المسالك: 2: 202 وما بعدها.(9/283)
( [89] ) ابن عقيل: شرح ابن عقيل: 2: 163، وانظر ابن هشام: أوضح المسالك: 2: 203.
( [90] ) البيتان من الشواهد التي لم نقف لأحد على نسبتها لقائل معين، واستشهد بهما، ابن هشام في أوضح المسالك: 2: 203، وابن عقيل: 2: 163، والأزهري في شرح التصريح: 1: 322.
( [91] ) ابن عقيل: شرح ابن عقيل: 2: 165.
( [92] ) المرجع نفسه: 2: 165.
( [93] ) ابن عقيل: شرح ابن عقيل: 2: 167 168.
( [94] ) عباس حسن: النحو الوافي: 2: 189.
( [95] ) استشهد بهذا البيت ابن هشام في شذور الذهب، ص: 541 ولم ينسب إلى قائل معين، ولم أعثر له على ذكر في المصادر التي عدت إليها.
( [96] ) هامش من شذور الذهب.
( [97] ) الأزهري: شرح التصريح: 1: 316.
( [98] ) الحديث أخرجه البخاري بلفظ:" تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة ثلاثا وثلاثين" وفي السنن الكبرى للبيهقي بهذا اللفظ، وفي صحيح مسلم جاء بلفظ: تسبحون وتكبرون وتحمدون. صحيح البخاري (ط دار الفكر) :1: 213، وسنن البيهقي (ط بيروت) : 2: 186، وصحيح مسلم (ط: البابي الحلبي) : 8: 417.
( [99] ) ابن هشام: شرح شذور الذهب: 547.
( [100] ) الأزهري: شرح التصريح: 1: 316.
( [101] ) المرجع نفسه: 1: 316.
( [102] ) ابن مالك: شرح التسهيل، ت: عبد الرحمن السيد، ط1، توزيع مكتبة الأنجلو المصرية، (د ت) ، 2: 176.
( [103] ) الأزهري: شرح التصريح: 1: 317.
( [104] ) المرجع السابق: 1: 316.
( [105] ) محمد محيي الدين عبد الحميد: عدة االسالك: 2: 191.
( [106] ) عباس حسن: النحو الوافي: 2: 1899.
( [107] ) ياسين بن زين الدين الحمصي: حاشية على شرح الفاكهي، ط2، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، 1390هـ 1971م، 2:: 90.
( [108] ) المصدر نفسه: 2: 91.
( [109] ) أبو حيان الأندلسي: تفسير البحر المحيط، ط1، دار الفكر، 1403هـ 1983م، 5: 285.
( [110] ) المصدر السابق: 5: 11.
( [111] ) الأزهري: شرح التصريح: 1: 315 وما بعدها.(9/284)
( [112] ) سيبويه: الكتاب: 12: 79.
( [113] ) د. شوقي ضيف: المدارس النحوية، ط3، دار المعارف بمصر، 1968، ص: 114.
( [114] ) ابن مضاء القرطبي: كتاب الرد على النحاة، ت: د. شوقي ضيف، ط3، دار المعارف، 1982، ص: 94 99.
( [115] ) المرجع نفسه: ص: 101 وما بعدها.
( [116] ) ابن مالك: شرح التسهيل: 2: 167 168.
( [117] ) سيبويه: الكتاب: 1: 76.
( [118] ) ابن مالك: شرح التسهيل: 2: 170.
( [119] ) أبو حيان: تفسير البحر المحيط، 3: 127، 4: 339.
( [120] ) شرح الرضي على الكافية: 1: 70 وما بعدها.
( [121] ) عباس حسن: النحو الوافي: 2: 201.
( [122] ) المرجع السابق: 2: 201.
( [123] ) المرجع السابق: 2: 201 202.
( [124] ) المرجع السابق: 2: 202.
( [125] ) المرجع السابق: 2: 202.
( [126] ) المرجع السابق: 2: 202.
( [127] ) د. شوقي ضيف: تيسير النحو التعليمي قديمًا وحديثًا مع نهج تجديده، ط2، دار المعارف، 1986م، ص: 113.
( [128] ) محمد صلاح الدين مصطفى بكر: النحو الوصفي من خلال القرآن، مؤسسة الصباح ومكتبة النهضة العربية، 1405هـ 1980م، ص: 103 وما بعدها.
المصادر والمراجع
1 القرآن الكريم مصحف المدينة المنورة، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، 1407هـ.
2 ابن جني: الخصائص، مطبعة دار الكتب المصرية، القاهرة، 1374هـ.
3 كتاب الكافية في النحو، شرح رضي الدين محمد بن الحسن الإستراباذي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1975م.
4 ابن عصفور الإشبيلي: شرح جمل الزجاجي، ت: د. صاحب أبي جناح، القاهرة، 1971م.
5 ابن عقيل: شرح ابن عقيل، ت: محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الفكر، 1399هـ 1979م.
6 ابن مالك: شرح التسهيل، ت: عبد الرحمن السيد، ط1، توزيع مكتبة الأنجلو المصرية، (د ت) .
7 ابن مضاء القرطبي: كتاب الرد على النحاة، ت: د, شوقي ضيف، ط3، دار المعارف، 1982م.
8 ابن المعطي: شرح ألفية ابن المعطي، ت: علي موسى الشوملي، الناشر مكتبة الخريجي، ط1، 1405هـ.(9/285)
9 ابن منظور: لسان العرب، دار صادر، بيروت، 1388هـ 1968م.
10 ابن هشام:
= أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك، ت: محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت، لبنان،
(د ت) .
= مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، ت: محمد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية، صيدا، بيروت، 1411هـ
1994م.
= شرح شذور الذهب، دار الفكر، بيروت، 1414هـ 1994م.
11 ابن يعيش: شرح المفصل، عالم الكتب، بيروت، (د ت) .
12 ابن يعيش الصنعاني (سابق الدين محمد بن علي بن أحمد) : كتاب التهذيب الوسيط في النحو، ت: فخر صالح قدارة، دار الجيل، بيروت، 1411هـ 1991م.
13 أبو حيان الأندلسي (محمد بن يوسف) :
= تفسير البحر المحيط، ط1، دار الفكر، 1403هـ 1983م.
= تذكرة النحاة، ت: عفيف عبد الرحمن، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1406هـ 1986م.
14 الأزهري (خالد بن عبد الله) : شرح التصريح على التوضيح، دار الفكر، (د ت) .
15 الأشموني: شرح الأشموني على ألفية ابن مالك، فيصل عيسى البابي الحلبي، دار إحياء الكتب العربية، (د ت) .
16 الأنباري (كمال الدين أبو البركات عبد الرحمن بن محمد بن أبي سعيد) : الإنصاف في مسائل الخلاف، ت: محمد محيي الدين عبد الحميد، 1982م.
17 بكر (د. محمد صلاح الدين مصطفى) : النحو الوصفي من خلال القرآن الكريم، مؤسسة الصباح ومكتبة النهضة العربية، 1405هـ 1980م.
18 حسن (عباس) : النحو الوافي، دار المعارف بمصر، القاهرة، (د ت) .
19 الحلواني (د. محمد خير) : أصول النحو العربي، الناشر الأطلسي، الرباط، 1983م.
20 الحمصي (ياسين بن زين الدين) : حاشية على شرح الفاكهي لقطر الندى، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، ط2، 1390هـ 1971م.
21 الخضري: حاشية الخضري على شرح ابن عقيل، دار الفكر، 1398هـ.
22 الرازي (الإمام محمد بن أبي بكر عبد القادر) : مختار الصحاح، المكتبة الأموية، بيروت، دمشق، (د ت) .(9/286)
23 الزمخشري (أبو القاسم محمود بن عمر) : المفصل في صنعة الإعراب، ت: علي بو ملحم، ط1، دار ومكتبة الهلال، بيروت، 1993م.
24 سيبويه (أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر) : الكتاب، ت: عبد السلام هارون، ط3، الناشر مكتبة الخانجي بالقاهرة، 1408هـ 1988م.
25 صافي (محمود) : الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه، دار الرشيد، دمشق، بيروت، ط1، 1411هـ 1990م.
26 الصبان (محمد بن علي) : حاشية الصبان على شرح علي بن محمد الأشموني لألفية ابن مالك، ترتيب مصطفى حسين أحمد، دار الفكر، (د ت) .
27 ضيف (د. شوقي) :
= المدارس النحوية، دار المعارف بمصر، ط2، 1968م.
= تيسير النحو التعليمي قديمًا وحديثًا مع نهج تجديده، ط2، دار المعارف، 1986م.
28 عابدين (عبد المجيد) : المدخل إلى دراسة النحو العربي، مطبعة الشبكسي، مصر، 1951م.
29 عبد الباقي (محمد فؤاد) : المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1407هـ 1987م.
30 عضيمة (محمد عبد الخالق) : دراسات لأسلوب القرآن الكريم، مطبعة حسّان، (د ت) .
31 الغلاييني (مصطفى) : جامع الدروس العربية، ط12، المكتبة العصرية، بيروت، 1393هـ 1973م.
32 الفراء: معاني القرآن، ت: أحمد يوسف نجاتي ومحمد علي النجار، مطبعة دار الكتب المصرية، القاهرة، 1374هـ 1955م.
33 المبرد (أبو العباس محمد بن يزيد) : المقتضب، ت: محمد عبد الخالق عضيمة، عالم الكتب، بيروت، (د ت) .
34 المرادي المعروف بابن أم قاسم: توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك، ت: عبد الرحمن علي سليمان، ط2، مكتبة الكلية الأزهرية، (د ت) .(9/287)
التدريس المصغر في ميدان تعليم اللغات الأجنبية
وتطبيقه في برامج إعداد معلمي اللغة العربية للناطقين بغيرها
د. عبد العزيز بن إبراهيم العصيلي
الأستاذ المساعد بقسم تأهيل معلمي اللغة العربية - معهد تعليم اللغة العربية
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
ملخص البحث
التدريس المصغر: أسلوب من أساليب تدريب المعلمين، يمثل صورة مصغرة للدرس أو جزءاً من أجزائه أو مهارة من مهاراته، تحت ظروف مضبوطة، ويقدم لعدد محدود من المتعلمين أو المعلمين المتدربين.
يهدف البحث إلى التعريف بالتدريس المصغر، وذكر أنواعه ومراحله ومهاراته، وبيان أهميته في برامج إعداد معلمي اللغات الأجنبية، وتقديمه حلاً لبعض المشكلات التي يواجهها القائمون على هذه البرامج، ثم تقديم نموذج تطبيقي للتدريس المصغر في برامج إعداد معلمي اللغة العربية للناطقين بلغات أخرى.
والتدريس المصغر أنواع، منها: التدريب المبكر على التدريس المصغر، والتدريب عليه أثناء الخدمة، والتدريس المصغر المستمر، والتدريس المصغر الختامي، والتدريس المصغر الموجه، والتدريس المصغر الحر، والتدريس المصغر العام، والتدريس المصغر الخاص.
يقدم التدريس المصغر على مراحل، هي: الإرشاد والتوجيه، والمشاهدة، والتحضير للدرس، والتدريس، والحوار والمناقشة، وإعادة التدريس، والتقويم، والانتقال إلى التدريس الكامل.
وللتدريس المصغر مهارات، من أهمها: مهارات التحضير، ومهارات اختيار المواد التعليمية، ومهارات التوزيع والتنظيم، ومهارات التقديم والتشويق والربط، ومهارات الشرح، ومهارات التعزيز، ومهارات الأسئلة والإجابات، ومهارات مراعاة مستوى الطلاب والفروق الفردية بينهم، ومهارات الحركة، ومهارات استخدام تقنيات التعليم، ومهارات التدريب والتقويم.(9/288)
وفي نهاية البحث قدم الباحث نموذجاً مصغراً لتدريس النحو لمعلمي اللغة العربية للناطقين بغيرها، بدأ من المرحلة الثالثة (التحضير للدرس) وانتهى بالمرحلة السابعة (التقويم) وشمل جميع المهارات في هذه المراحل.
مقدمة:
انتشرت في العقود الثلاثة الماضية معاهد لتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها في عدد من الجامعات العربية. وكان الهدف من إنشاء هذه المعاهد - في الغالب - تعليم اللغة العربية لأبناء المسلمين، وإلحاقهم بكليات الشريعة والدعوة وأصول الدين واللغة العربية ( [1] ) . وقد افتتح في بعض هذه المعاهد أقسام وبرامج لإعداد معلمي اللغة العربية وتأهيلهم تأهيلاً علمياً وتربوياً ومهنياً ( [2] ) ، يقدم للملتحقين بها عدد من المقررات في اللغويات النظرية واللغويات التطبيقية وعلم النفس والتربية وتقنيات التعليم.(9/289)
وإذا كانت المقررات النظرية مهمة لإعداد معلم اللغة العربية للناطقين بغيرها إعداداً علمياً؛ فإن التدريب العملي لا يقل أهمية عن هذه المقررات. ولا شك في أن التدريب العملي الميداني على تدريس اللغة العربية والمواد الشرعية أثناء الدراسة، في فصول حقيقية لتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها؛ أفضل وسيلة لتدريب المعلمين على هذه المهنة، والتأكد من تمكنهم من مهاراتها قبل دخولهم الميدان بعيدين عن الإشراف والتوجيه والتعزيز. بيد أن هذا النمط من التدريب لا يتوفر في بعض أقسام إعداد معلمي اللغة العربية للناطقين بغيرها؛ لأسباب كثيرة، من أهمها: ندرة الفصول الكافية للتدريب، وغياب بعض المواد المراد التدرب عليها من المنهج الذي يتدرب فيه المعلمون، وعدم ملاءمة وقت الدراسة للمعلمين المتدربين. وتلك مشكلة يعاني منها المشرفون على هذه الأقسام وأساتذة التربية العملية فيها، مما يعد نقصاً في التأهيل والتدريب. لهذا يلجأ الأساتذة إلى توجيه طلابهم المعلمين إلى وسائل وأنشطة لا تعوض هذا النقص، ولا تقدم بديلاً عملياً عن هذا الجانب المهم.
بالإضافة إلى ذلك، فإن إعداد معلمي اللغة العربية للناطقين بغيرها يتطلب التدرب على عدد من المهارات والمهمات، وممارسة بعض الإجراءات والأنشطة، ومناقشة بعض القضايا المهنية المهمة، التي يصعب تنفيذها أثناء التدريب العملي الكامل في فصول حقيقية أمام متعلمي اللغة العربية الناطقين بغيرها، كالتسجيل التلفازي، وحضور الأستاذ المشرف، وتبادل الأدوار بين المتدربين ونحو ذلك.
لذا فإن الوسيلة الممكنة التي يرى الباحث أنها مفيدة لسد النقص في هذا الجانب المهم من إعداد المعلمين، هي التدريس المصغر Microteaching، الذي سوف يقدم في هذه الدراسة؛ ليكون مكملاً للتدريب الميداني الحقيقي، لا بديلاً عنه، إلا في حالات الضرورة. وهذا النمط من التدريس له فوائد أخرى ربما لا تتوفر في التدريب على التدريس الحقيقي الكامل.(9/290)
أهداف البحث
يسعى الباحث، من خلال هذا البحث، إلى تحقيق بعض الأهداف؛ النظرية والتطبيقية، التي يمكن إيجازها في النقاط التالية:
1- التعريف بالتدريس المصغر وأنواعه ومراحله ومهاراته.
2- بيان مزاياه وأهميته في برامج إعداد معلمي اللغات الأجنبية.
3- تقديمه حلاً لعدد من المشكلات التي يواجهها القائمون على برامج تعليم اللغات الأجنبية.
4- تقديم نموذج تطبيقي للتدريس المصغر في برامج إعداد معلمي اللغة العربية للناطقين بلغات أخرى.
أهمية البحث وضرورته
هذا البحث يعالج مشكلة تتكرر كل عام، بل كل فصل دراسي من فصول برنامج إعداد معلمي اللغة العربية للناطقين بغيرها، وهي قلة الفرص المتاحة للطلاب المعلمين للتدرب على مهارات تدريس اللغة العربية في فصول حقيقية لتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، بالإضافة إلى حاجتهم إلى التدرب على مهارات والقيام بمهمات وأنشطة يصعب ممارستها أمام متعلمي اللغة العربية الناطقين بغيرها.
وكثيراً ما تقيم الجامعات العربية والمنظمات الإسلامية دورات تدريبية قصيرة لأعداد كبيرة من معلمي اللغة العربية للناطقين بغيرها في مختلف دول العالم، فلا تجد الوقت الكافي لتدريبهم على المهارات الأساسية من خلال التدريس الكامل.
بناء على التجربة الميدانية والبحث النظري، يعتقد الباحث أن التدريس المصغر أفضل وسيلة لحل هذه المشكلة، التي لا تقتصر على برامج إعداد معلمي اللغة العربية، بل هي مشكلة عامة في تعليم اللغات الأجنبية، بما فيها تعليم اللغة الإنجليزية للناطقين بغيرها ( [3] ) .(9/291)
ويرى الباحث أن هذا البحث مهم لجميع العاملين في ميدان تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها؛ أساتذة مشرفين ومعلمين متدربين؛ إذ لم يعثر على دراسة متكاملة ومفصلة في هذا الموضوع باللغة العربية، تجمع بين النظرية والتطبيق؛ بالإضافة إلى ما يقدم في هذه الدراسة من مقترحات مهمة للاستفادة من التدريس المصغر في البحث العلمي في مجال تعليم اللغات الأجنبية.
ما التدريس المصغر؟
التدريس المصغر – بوجه عام - موقف تدريسي، يتدرب فيه المعلمون على مواقف تعليمية حقيقية مصغرة تشبه غرفة الفصل العادي، غير أنها لا تشتمل على العوامل المعقدة التي تدخل عادة في عملية التدريس. ويتدرب المعلم – في الغالب – على مهارة تعليمية واحدة أو مهارتين، بقصد إتقانهما قبل الانتقال إلى مهارات جديدة ( [4] ) .
والتدريس المصغر في برامج تعليم اللغات الأجنبية: إجراء أو أسلوب منظم من أساليب تدريب المعلمين على تدريس اللغة الهدف، يمثل صورة مصغرة للدرس، أو جزءاً من أجزائه، أو مهارة من مهاراته، تحت ظروف مضبوطة؛ منظمة ومرتبة، وعادة ما يقدم لعدد محدود من المتعلمين أو الزملاء من المعلمين المتدربين ( [5] ) .(9/292)
ويتضح من هذا التعريف أن المعلم المتدرب يمكن أن يُصَغِّر درسه من خلال التركيز على مهارة واحدة من مهارات التدريس، أو خطوة واحدة من خطواته، مع الاحتفاظ بالزمن والأنشطة المطلوبة لهذه المهارة في الحالات العادية. فقد يختار المتدرب، أو يُوَجَّه، إلى التدرب على التمهيد للدرس، أو شرح قاعدة من قواعده، أو شرح عدد معين من المفردات الجديدة، أو إجراء تدريب قصير، أو تقويم أداء الطلاب في مهارة معينة. وقد يكون التدريس موجهاً إلى التدرب على مهمة محددة، كإثارة انتباه الطلاب، وأسلوب طرح الأسئلة عليهم، والإجابة عن استفساراتهم، وتصويب أخطائهم. يقوم المتدرب بهذه العملية مرة أو مرتين أو أكثر، ويحاول في كل مرة تلافي الأخطاء السابقة أو التقليل منها، حتى يتقن هذه المهارة.
فالتدرب على مهارة من هذه المهارات أو مهمة من هذه المهمات إذن لا يستغرق كل الوقت المخصص للدرس، وإنما يتطلب جزءاً يسيراً منه، يختلف حسب طبيعة المهارة المراد التدرب عليها. فالتقديم للدرس مثلاً لا يستغرق – في الغالب - أكثر من خمس دقائق، وإجراء التدريب الواحد ربما لا يحتاج إلا إلى ثلاث دقائق، وإثارة انتباه الطلاب أو طرح السؤال أو الإجابة عنه لا تحتاج إلا إلى دقيقة واحدة، أما شرح القاعدة فقد يتطلب مدة تتراوح ما بين خمس إلى عشر دقائق.(9/293)
بالإضافة إلى ذلك، فإن حجم الفصل يمكن تصغيره إلى أقل من عشرة طلاب، وهؤلاء قد يكونون طلاباً حقيقيين من متعلمي اللغة العربية الناطقين بغيرها، وقد يكونون من زملاء المعلم المتدرب، الذين يجلسون في مقاعد الدرس؛ يستمعون إليه، ويتفاعلون معه كما لو كانوا طلاباً حقيقيين من متعلمي اللغة العربية الناطقين بغيرها. والحالة الثانية هي المتبعة غالباً في التدريس المصغر في برامج تعليم اللغات الأجنبية ( [6] ) ؛ لأن عدم توفر الطلاب الحقيقيين، أو صعوبة التدرب أمامهم، من أهم أسباب اللجوء إلى التدريس المصغر، بالإضافة إلى الاستفادة من الزملاء المعلمين في التعزيز والنقد والمناقشة.
الخلفية التاريخية والنظرية للتدريس المصغر
ظهر التدريس المصغر في أوائل الستينيات من القرن العشرين، عندما كانت تطبيقات الاتجاه السلوكي في علم النفس Behavioral Psychology هي المسيطرة على مناهج التعليم، بما فيها مناهج تعليم اللغات الأجنبية. وقد بدأ تطبيق التدريس المصغر في العلوم التطبيقية في جامعة ستانفورد Stanford University على يد دوايت ألن Dwight Allen وزملائه عام 1961م ( [7] ) ، وعرف بمذهب ستانفورد Stanford Approach، ثم طبق في جامعة بركلي في كاليفورنيا University of California (Berkeley) . وقد عرف هذا النمط من التدريس آنذاك بنموذج العلم التطبيقي The Applied Science Model، ثم طبق بعد ذلك على نطاق واسع في تدريب المهندسين والعاملين في المصانع وبرامج تدريب الجيش الأمريكي ( [8] ) .(9/294)
وقد شاع استخدام هذا النمط من التدريس في برامج التربية العملية للمعلمين في التعليم العام في الجامعات الأمريكية منذ ذلك التاريخ. ثم استخدم في بعض الجامعات الأوربية، وبخاصة البريطانية منها، في بداية السبعينيات الميلادية، حيث استحدثت أنماط وأساليب جديدة، بل إن الجامعات البريطانية أقرت التدريس المصغر واعتمدته جزءاً أساسياً في عمليات إعداد المعلمين ( [9] ) . ثم انتقل هذا النمط من التدريس إلى العالم العربي في منتصف السبعينيات الميلادية، وطبق في كثير من جامعاته وكلياته، ونقلت بعض الكتب والدراسات الأجنبية إلى اللغة العربية ( [10] ) ، ثم ألفت كتب أخرى باللغة العربية نفسها ( [11] ) ، كما نشرت بعض البحوث والدراسات وعقدت ندوات في مجال تدريب المعلمين، تناول بعضها جوانب من التدريس المصغر ( [12] ) .
لقد قام هذا النموذج من التدريس المصغر على أساس من المفهوم السلوكي للتعلم من خلال تعديل السلوك، كما هو عند رائد التعليم المبرمج ف سكنر B. F. Skinner، الذي يؤكد على أهمية التغذية الراجعة Feedback والتعزيز الفوري Immediate Reinforcement في تعديل السلوك. وبناء على ذلك؛ فإن المتدرب يحتفظ بالسلوك الصحيح، عندما يلقى تعزيزاً إيجابياً من أستاذه أو من الحضور، ويبتعد عن السلوك الخاطئ بناء على التعزيز السلبي، ويحسن من أدائه تدريجياً حتى يصل إلى الأداء المطلوب. ولكي يضمن المتدرب الاستفادة من التغذية الراجعة والتعزيز لتحسين أدائه؛ ينبغي أن تكون المهمة أو المهارة التي يتدرب عليها قصيرة قدر الإمكان. من هنا جاءت فكرة تقسيم الدرس إلى أجزاء، ثم تقسيم كل جزء إلى مهارات أو مهمات قصيرة، يمكن التدرب عليها مرات عديدة حتى يتم إتقانها ( [13] ) .(9/295)
غير أن هذا النموذج العلمي التطبيقي لم يكن مقبولاً بدرجة كافية لدى المهتمين بتعليم اللغات الأجنبية؛ لأن تعليم اللغة وتعلمها عملية معقدة ومتداخلة، ينبغي أن ينظر إليها بوصفها وحدة متكاملة، لا ينفصل بعضها عن البعض الآخر. بل يرى بعض الباحثين أن هذا النموذج، كما هو لدى جامعة ستانفورد، لم يطبق في برامج تعليم اللغات الأجنبية على نطاق واسع ( [14] ) . ولعل السبب في هذا شعور اللغويين التطبيقيين بأن تعليم اللغة يختلف عن تعليم مهارة منفصلة من مهارات العلوم الطبيعية أو التصميم الهندسي أو التصنيع أو التشغيل، أو السلوك العسكري الموجه توجيهاً آلياً في كثير من الحالات.
وبناء على ذلك؛ طبق اللغويون التطبيقيون نموذجاً آخر عرف بالنموذج الانعكاسي التأملي The Reflective Model، يقوم على فكرة أن التدريس المصغر ينبغي النظر إليه بوصفه سلوكاً مهنياً معرفياً يعكس كفاية المعلم، لا سلوكاً آلياً ناتجاً عن المحاولة والخطأ وتعديل السلوك جزئياً نتيجة التغذية الراجعة والتعزيز. وقد استفاد أصحاب هذا النموذج من آراء عالم النفس الروسي فيجوتسكي Vygotsky ونظراته السلوكية الجديدة حول التدريس بوجه عام والتدريس المصغر بوجه خاص، تلك النظرات التي تربط التدريس بكل من البيئة الاجتماعية والثقافة والمعرفة. يرى فيجوتسكي أن التدريس المصغر انعكاس طبيعي للتفاعل بين العوامل التاريخية والثقافية والمعرفية لبيئة التعلم ( [15] ) . فالتدريس المصغر – في ضوء هذه النظرة - ليس سلوكاً آلياً ولا عملية إبداعية في جميع الأحوال والظروف، وإنما يعتمد على البيئة التي تلقى فيها المعلم ثقافته والأسلوب الذي نشأ عليه وتلقى فيه تدريبه.(9/296)
ومنذ نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات من القرن العشرين، بدأ التدريس المصغر يظهر من جديد، لكن بصورة غير الصورة السلوكية التقليدية التي كان عليها في الستينيات والسبعينيات. فقد بدأ اللغويون التطبيقيون يطبقونه من خلال الاتجاه المعرفي The Cognitive Approach؛ انطلاقاً من المقولة التي ترى أن تغيير سلوك الفرد يتطلب التأثير على تفكيره واتجاهه نحو هذا السلوك أولاً، ثم توجيهه إلى السلوك المطلوب ثانياً. وبناء على ذلك؛ فإن التدريس المصغر يمكن أن يكون وسيلة لتغيير الاتجاه نحو أساليب التعلم والتعليم، وبالتالي بناء اتجاه معين نحو أساليب التدريس.
وأياً كان الأمر، فقد طبق التدريس المصغر، منذ نشأته في الستينيات من القرن العشرين حتى الآن، في برامج تعليم اللغات الأجنبية في أنحاء مختلفة من العالم، وبخاصة في أمريكا وبريطانيا ( [16] ) ، كما أنه لا يزال مطبقاً في اليابان بشكل واسع ( [17] ) . بيد أن أوج انتشاره في الدول الغربية كان في السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين؛ حيث أشارت إحدى الدراسات التي أجريت في نهاية الثمانينيات إلى أن ما يربو على ثمانين بالمائة من برامج تدريب معلمي اللغات الأجنبية في الغرب في ذلك الوقت كان يعتمد على التدريس المصغر. وكان التدريس المصغر في بداية الأمر مقصوراً على تدريب الطلاب المعلمين قبل تخرجهم، أي قبل العمل في التدريس Pre-service Training، ثم طبق في برامج تطوير مهارات المعلمين الذين هم على رأس العمل In-service Training، بعد أن تبين أن له فوائد في التدريب على مهارات جديدة، وتطوير المهارات السابقة ( [18] ) .(9/297)
وقد انتُقِدت بعضُ برامج التدريس المصغر لاعتمادها على التدريب الآلي الذي يعد تطبيقاً للاتجاه السلوكي التقليدي في علم النفس عندما كان مهيمناً على برامج التعليم في الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين. ولا شك في أن التعليم بوجه عام، وتدريب المعلمين بوجه خاص، تدريباً آلياً وفقاً للنظرة السلوكية التقليدية فقط، منهج غير مقبول؛ لأن التعلم والتعليم سلوك وإبداع في آن واحد. ولعل ارتباط التدريس المصغر أثناء نشأته بالاتجاهات السلوكية التقليدية كان سبباً في النفور منه لدى بعض التربويين ومعلمي اللغات الأجنبية. وقد انتقد التدريس المصغر أيضاً لكونه عملية مصنوعة في كثير من الحالات، وبخاصة عندما يكون الحضور من زملاء المعلم المتدرب.
على الرغم من ذلك، فإن النماذج المطورة التي تلت المراحل الأولى جيدة جداً وصالحة للتطبيق، وبخاصة في برامج تعليم اللغات الأجنبية، في ضوء الاتجاه المعرفي الذي ساهم أيضاً في التقليل من الخطوات والمراحل الآلية غير الضرورية، والمرتبطة بالنظرة السلوكية التقليدية نحو التعلم. ولا شك في أن معلمي اللغة العربية للناطقين بغيرها، في ضوء الظروف التي أشرنا إليها في موضع سابق، في حاجة إلى التدريس المصغر وتطوير نماذج منه تتفق مع الاتجاهات الحديثة في تعليم اللغات الأجنبية.
الدراسات السابقة(9/298)
بدأ الاهتمام بالتدريس المصغر في ميدان تعليم اللغات الأجنبية في منتصف الستينيات من القرن العشرين، بيد أن الدراسات العلمية التي أجريت للتأكد من جدواه في إعداد معلمي اللغات الأجنبية لم تبدأ إلا في نهاية الستينيات. وكان من أقدم هذه الدراسات دراسة أجرتها ديانا بارتلي Diana Bartley عام 1969، في ضوء الاتجاه السلوكي لدى سكنر Skinnerian Concept of Behavior، التي استخلصت منها أن التغذية الراجعة Feedback والتعزيز Reinforcement من قبل الزملاء المعلمين في التدريس المصغر – تقود إلى تغيير سلوك المتدرب تدريجياً نحو الأداء السليم ( [19] ) . ثم تلت هذه الدراسة دراسات أخرى، كالدراسة التي أجراها مكليز McAleese عام 1973م ( [20] ) ، والدراسة التي قام بها جورج براون George Brown عام 1975م ( [21] ) .
ثم أجريت دراسات مسحية جمعت مادتها من خلال استبانات وزعت على المتدربين من معلمي اللغات الأجنبية والمشرفين على تدريبهم؛ لاستطلاع آرائهم حول التدريس المصغر، منها دراسة بوشان Bhushan، التي نشرها عام 1976م، والتي أظهرت نتائجها أن غالبية المعلمين المتدربين والمشرفين على التدريب، الذين أجريت عليهم الدراسة، يرون أن التدريس المصغر من أهم الوسائل المهمة والمفيدة لتدريب معلمي اللغات الأجنبية وتعديل سلوكهم نحو الأفضل.(9/299)
وفي الثمانينيات أجريت دراسات أخرى في ضوء الاتجاه المعرفي في تعليم اللغات الأجنبية. من هذه الدراسات دراسة قامت بها فلورا أورتيز Flora Ortiz عام 1985م، حول استخدام الفيديو في التدريس المصغر لتدريب معلمي اللغات الأجنبية، وقد دلت نتائج الدراسة على أهمية التدريس المصغر وفائدته إذا تم التحضير والتخطيط للدرس بشكل جيد، وساهم فيه المتدربون والحضور مساهمة حقيقية. بيد أن هذه الدراسة أظهرت نتائج أخرى مهمة، وهي أن التحضير للدرس المصغر لا يضمن النتائج المطلوبة، خلافاً لما يعتقده السلوكيون، وأن المتدربين يختلفون فيما بينهم في استراتيجيات التدريس والتعامل مع المشكلات التي تحدث في غرفة الصف.
تلت ذلك دراسات أخرى لم تقتصر على فوائد التدريس المصغر وحسب، وإنما اهتمت أيضاً بالأساليب والوسائل المتبعة في التدريس المصغر، كتبادل الأدوار Role Play in Language Teaching، واستخدام تقنيات التعليم الحديثة، وبخاصة جهاز الفيديو، وأهمية ذلك كله في تطوير برامج تدريب معلمي اللغات الأجنبية. فمن الدراسات التي اهتمت بالأساليب المفيدة في برامج التدريس المصغر الدراسة التي قدمتها الاكساندرا جولبيوسكا Aleksandra Golebiowska لاجتماع الجمعية العالمية لمعلمي اللغة الإنجليزية لغة أجنبية في أدنبرا عام 1988م، وكانت الدراسة حول تبادل الأدوار في برامج تدريب المعلمين الجدد من خلال التدريس المصغر ( [22] ) . ومن الدراسات التي اهتمت بتقنيات التعليم في التدريس المصغر دراسة فلورا أورتيز عام 1985م، حول استخدام الفيديو في التدريس المصغر، والتي أشرنا إليها قبل قليل، وهناك دراسات أخرى مماثلة لا يتسع المقام للحديث عنها في هذا الموضع.(9/300)
بالإضافة إلى هذه الدراسات، نشر عدد من التقارير حول برامج التدريس المصغر في عدد من الدول الغربية، وبخاصة في بريطانيا وأمريكا، بالإضافة إلى اليابان. من أهم هذه الدراسات وأوسعها الدراسة التي نشرها جون ستودارت John Stoddart عام 1981م، عن برامج التدريس المصغر في بريطانيا وبخاصة في برامج تعليم اللغة الإنجليزية للناطقين بغيرها. وقد شملت هذه الدراسة وصفاً موجزاً لعشرات البرامج منذ نشأة التدريس المصغر في بداية الستينيات، وانتقاله إلى بريطانيا في السبعينيات حتى الثمانينات، والدراسات التي أجريت حول هذه البرامج ( [23] ) .
وأجريت دراسات أخرى مشابهة لهذه الدراسة في الولايات المتحدة الأمريكية، من أهمها تقرير حديث نشرته تيسا وودوارد Tessa Woodward عام 1998م في عدد خاص من مجلة Teacher Trainer، حوى عدداً من البحوث والدراسات حول التدريس المصغر من وجهات نظر مختلفة، وتطبيقات متنوعة ( [24] ) . وقريب من هذه الدراسة دراسة أخرى أجراها مورقان سيمبسون Morgan Simpson، عام 1998م، حول أهمية التدريس المصغر في برامج التربية العملية في المدارس الأمريكية ( [25] ) .
وقريب من هذه الدراسات والتقارير تلك الدراسة التي نشرها أساجي يونياما Asaji Yoneyama، عام 1988م عن التدريس المصغر في برامج إعداد معلمي اللغة الإنجليزية لغة أجنبية في اليابان. وقد جمعت هذه الدراسة بين النظرية والتطبيق، كما تضمنت تقريراً شاملاً عن تدريب معلمي اللغات الأجنبية في الجامعات اليابانية، واستخدام تقنيات التعليم في الإعداد والتدريب ( [26] ) .(9/301)
وعلى الرغم من ذلك، فإن ما كتب في اللغة العربية عن التدريس المصغر كان في مجالات التعليم العام وحسب، وبخاصة تدريس العلوم الطبيعية والعلوم الاجتماعية؛ حيث نقل بعض ما كتب في اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية ( [27] ) ، وألفت بعض الكتب باللغة العربية نفسها ( [28] ) . كما نشرت بعض البحوث والدراسات الميدانية في مجالات التعليم العام باللغة العربية مع الاهتمام – بوجه خاص - بتكنولوجيا التعليم في برامج إعداد المعلمين ( [29] ) .
أما في برامج تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، فإن التدريس المصغر لم يحظ بالعناية الكافية، على الرغم من أهميته وممارسته عملياً في بعض برامج إعداد معلمي اللغة العربية للناطقين بغيرها ( [30] ) . وقد نشرت المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم (أيسيسكو) عام 1418هـ كتاباً أعده الأستاذ إسحاق محمد الأمين، تضمن منهج المنظمة لتدريب معلمي اللغة العربية للناطقين بغيرها، وأساسيات طريقة التدريس والتربية العملية لدورات تدريب المعلمين. وقد استهل المؤلف كتابه بمدخل جيد إلى التدريب والتربية العملية، أشار فيه باختصار شديد إلى التدريس المصغر في برامج تدريب معلمي اللغة العربية، غير أن هذه الإشارة غير كافية للتعريف بالتدريس المصغر وأنواعه ومراحله، فضلاً عن خلو الكتاب من نموذج تطبيقي لهذا النمط من التدريس في برامج إعداد معلمي اللغة العربية للناطقين بغيرها ( [31] ) .
ولم يعثر الباحث على دراسة علمية تفصيلية، تبين أهمية التدريس المصغر وأنواعه ومراحله، وتقدم نموذجاً عملياً لتدريب معلمي اللغة العربية للناطقين بغيرها. إن كل ما كتب عن التدريس المصغر في هذا المجال لا يعدو الإشارات العابرة ( [32] ) إلى أهمية هذا النمط من التدريس في برامج إعداد معلمي اللغة العربية للناطقين بغيرها ( [33] ) .
أنواع التدريس المصغر(9/302)
يختلف التدريس المصغر باختلاف البرنامج الذي يطبق من خلاله، والهدف من التدريب، وطبيعة المهارة أو المهمة المراد التدرب عليها، ومستوى المتدربين، ويمكن حصر هذه التقسيمات في الأنواع التالية:
1- التدريب المبكر (على التدريس المصغر) Pre-service Training in Microteaching: وهو التدريس المصغر الذي يبدأ التدرب عليه أثناء الدراسة، أي قبل تخرج الطالب وممارسته مهنة التدريس في أي مجال من المجالات. وهذا النوع يتطلب من الأستاذ المشرف اهتماماً بجميع مهارات التدريس العامة والخاصة؛ للتأكد من قدرة الطالب على التدريس.
2- التدريب أثناء الخدمة (على التدريس المصغر) In-service Training in Microteaching: وهذا النوع يشمل المعلمين الذين يمارسون التدريس ويتلقون – في الوقت نفسه – تدريباً على مهارات خاصة لم يتدربوا عليها من قبل، ومن هذا القبيل تدريب معلمي اللغة العربية الملتحقين في برامج إعداد معلمي اللغة العربية للناطقين بغيرها، الذين تخرجوا في أقسام اللغة العربية ومارسوا تدريسها للناطقين بها.(9/303)
3- التدريس المصغر المستمر Continuous Microteaching: يبدأ هذا النوع من التدريس في مراحل مبكرة من البرنامج، ويستمر مع الطالب حتى تخرجه. وهذا النوع غالباً ما يرتبط بمقررات ومواد تقدم فيها نظريات ومذاهب، يتطلب فهمها تطبيقاً عملياً وممارسة فعلية للتدريس في قاعة الدرس، تحت إشراف أستاذ المادة. من ذلك مثلاً التدرب على تدريس اللغة الثانية أو الأجنبية لأهداف خاصة Teaching Foreign/Second Language for Specific Purposes، كتدريس اللغة العربية لغة ثانية من خلال محتوى مواد العلوم الشرعية؛ تطبيقاً لمبدأ تدريس اللغة من خلال المحتوى Content-Based Instruction، أحد المداخل المقترحة لتدريس اللغة الثانية لأهداف خاصة. ومن ذلك التمثيل التطبيقي لطريقة من طرائق تدريس اللغات الأجنبية، كالطريقة الاتصالية مثلاً، أو تطبيق أنشطة من أنشطتها في موقف اتصالي معين، أثناء شرحها داخل الفصل؛ لمزيد من التوضيح.
4- التدريس المصغر الختامي Final Microteaching: وهو التدريس الذي يقوم المعلم المتدرب بأدائه في السنة النهائية أو الفصل الأخير من البرنامج، ويكون مركزاً على المقررات الأساسية، كمقرر تدريس اللغة العربية للناطقين بغيرها في برامج إعداد معلمي اللغة العربية مثلاً، ومقرر تدريس العلوم الشرعية أو السيرة النبوية للناطقين بغير العربية. وقد يدخل التدريس المصغر الاختباري ضمن هذا النوع.(9/304)
5- التدريس المصغر الموجه Directed Microteaching: هذا النوع من التدريس يشمل أنماطاً موجهة من التدريس المصغر، منها التدريس المصغر النموذجي Modeled Microteaching، وهو الذي يقدم فيه المشرف لطلابه المعلمين أنموذجاً للتدريس المصغر، ويطلب منهم أن يحذوا حذوه، وهذا النوع غالباً ما يطبق في برامج إعداد معلمي اللغات الأجنبية الذين لما يمارسوا هذه المهنة بعد Pre-Service Teachers. ومنها التدريس المعتمد على طريقة معينة من طرائق تدريس اللغات الأجنبية المعروفة؛ كالطريقة السمعية الشفهية، أو الطريقة الاتصالية..، وقد ينطلق من مذهب من مذاهب تعليم اللغات الأجنبية؛ كالمذهب السمعي الشفهي، أو المذهب الاتصالي، أو المذهب المعرفي. ومنها التدريس المصغر الذي يعتمد فيه المتدرب على كتاب مقرر في البرنامج، ككتاب القراءة أو كتاب القواعد أو كتاب التعبير مثلاً؛ حيث يختار جزءاً من درس من دروس الكتاب المقرر، ويحدد المهارة التي سوف يتدرب عليها، والإجراءات والأنشطة التي سوف يقوم بها، ثم يعد درسه ويقدمه بناء على ذلك، وفي ضوء الطريقة والإجراءات المحددة في دليل المعلم ( [34] ) .
6- التدريس المصغر الحر (غير الموجه) Undirected Microteaching: هذا النوع من التدريس غالباً ما يقابل بالنوع السابق (الموجه) ، ويهدف إلى بناء الكفاية التدريسية، أو التأكد منها لدى المعلم، في إعداد المواد التعليمية وتقديم الدروس وتقويم أداء المتعلمين، من غير ارتباط بنظرية أو مذهب أو طريقة أو أنموذج. وغالباً ما يمارس هذا النوع من التدريس المصغر في البرامج الختامية أو الاختبارية. وقد يمارس في بداية البرنامج للتأكد من قدرة المتدرب وسيطرته على المهارات الأساسية العامة في التدريس، أو يقوم به المتمرسون من المعلمين بهدف التدرب على إعداد المواد التعليمية وتقديمها من خلال التدريس المصغر، أو لأهداف المناقشة والتحليل أو البحث العلمي ( [35] ) .(9/305)
7- التدريس المصغر العام General Microteaching: يهتم هذا النوع بالمهارات الأساسية التي تتطلبها مهنة التدريس بوجه عام، بصرف النظر عن طبيعة التخصص، ومواد التدريس، ومستوى الطلاب؛ لأن الهدف منه التأكد من قدرة المتدرب على ممارسة هذه المهنة. وغالباً ما يكون هذا النوع من التدريس مقرراً أو ضمن مقرر من المقررات الإلزامية للجامعة أو الكلية، وأحد متطلبات التخرج فيها، وغالباً ما تقوم كليات التربية بتنظيم هذا النوع من التدريب، ويشرف عليه تربويون مختصون في التدريب الميداني ( [36] ) . في هذا النوع من التدريس يتدرب المعلمون على عدد من المهارات الأساسية، مثل: إثارة انتباه الطلاب للدرس الجديد، ربط معلوماتهم السابقة بالمعلومات الجديدة، تنظيم الوقت، استخدام تقنيات التعليم، إدارة الحوار بين الطلاب وتوزيع الأدوار بينهم، التحرك داخل الفصل، رفع الصوت وخفضه وتغيير النغمة حسب الحاجة، حركات اليدين وقسمات الوجه وتوزيع النظرات بين الطلاب أثناء الشرح، ملاحظة الفروق الفردية بين الطلاب ومراعاتها، أسلوب طرح السؤال على الطلاب وتوقيته، طريقة الإجابة عن أسئلة الطلاب واستفساراتهم، أساليب تصويب أخطاء الطلاب، ونحو ذلك.
8- التدريس المصغر الخاص Specific Microteaching: هذا النوع يهتم بالتدريب على المهارات الخاصة بمجال معين من مجالات التعلم والتعليم؛ كتعليم اللغات الأجنبية، والرياضيات، والعلوم الطبيعية، والعلوم الاجتماعية، لمجموعة معينة من الطلاب المعلمين المتخصصين في مجال من هذه المجالات، في كلية أو قسم أو برنامج خاص. وقد يكون التدريب موجهاً إلى فئة من الطلاب ممن لديهم ضعف أكاديمي أو نقص في التدرب على مهارات معينة.(9/306)
والواقع أن بعض الأنواع التي ذكرناها متداخلة ومتشابهة في المداخل والأهداف والإجراءات، بيد أن أهم هذه الأنواع أو التقسيمات وأشملها هو تقسيمها إلى نوعين: التدريب العام، أي التدريب على المهارات العامة في التدريس، والتدريب الخاص على مهارات خاصة بمجال معين، وبخاصة مجال تعليم اللغات الأجنبية؛ لأن كل نوع من الأنواع الستة الأولى يمكن أن يدخل ضمن أحد النوعين الأخيرين؛ السابع والثامن. ونظراً لاهتمامنا في هذا البحث بتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها؛ فإننا سوف نقتصر في الحديث على برنامج التدريس المصغر الخاص بمعلمي اللغات الأجنبية، الذي يهتم بالمهارات الخاصة بتعليم اللغة الثانية أو الأجنبية، بعد أن تتوفر في المعلم المهارات الأساسية للتدريس، وقد أشرنا إلى أن هذا النوع يمكن أن يشمل جميع الأنواع السابقة باستثناء النوع السابع، وهو التدريس المصغر العام.
مزايا التدريس المصغر وفوائده
التدريس المصغر تدريس تطبيقي حقيقي، لا يختلف كثيراً عن التدريب على التدريس الكامل؛ حيث يحتوي على جميع عناصر التدريس المعروفة؛ كالمعلم، والطلاب أو من يقوم مقامهم، والمشرف، والمهارات التعليمية، والوسائل المعينة، والتغذية والتعزيز، والتقويم. وإذا كانت بعض المواقف فيه مصنوعة، فإن فيه من المزايا ما لا يوجد في غيره من أنواع التدريس العادية الكاملة، كالتغذية الراجعة والتعزيز الفوري والنقد الذاتي وتبادل الأدوار ونحو ذلك. وللتدريس المصغر فوائد ومزايا عديدة، لا في التدريب على التدريس وحسب، بل في ميادين أخرى من ميادين التعلم والتعليم، كالتدريب على إعداد المواد التعليمية، وتقويم أداء المعلمين والطلاب، وإجراء البحوث التطبيقية ... وفيما يلي بيان بأهم مزايا التدريس المصغر وفوائده في برامج تعليم اللغات الأجنبية:(9/307)
1- حل المشكلات التي تواجه القائمين على برامج إعداد معلمي اللغات الأجنبية؛ بسبب كثرة المعلمين المتدربين أو نقص المشرفين، أو عدم توفر فصول دراسية حقيقية لتعليم اللغة الهدف، أو صعوبة التوفيق بين وقت الدراسة ووقت المتدربين، أو غياب المادة المطلوب التدرب عليها من برنامج تعليم اللغة الهدف ( [37] ) .
2- توفير الوقت والجهد؛ حيث يمكن تدريب المعلمين في التدريس المصغر على عدد كبير من المهارات الضرورية في وقت قصير، وعدم إهدار الوقت والجهد في التدريب على مهارات قد أتقنها المعلمون من قبل، كما أن التدريس المصغر يقلل من الحاجة إلى تدريس كل متدرب جميع المهارات؛ لأن المشاهدة والمناقشة تفيد المشاهد مثلما تفيد المتدرب.
3- تدريب المعلمين على عدد من مهارات التدريس المهمة، كالدقة في التحضير والتدريس، وتنظيم الوقت واستغلاله، واتباع الخطوات المرسومة في خطة التحضير، واستخدام تقنيات التعليم بطريقة مقننة ومرتبة، وبخاصة جهاز الفيديو، بالإضافة إلى استغلال حركات الجسم في التدريس.
4- تدريب المعلمين على إعداد المواد التعليمية وتنظيمها بأنفسهم؛ لأن التحضير للدرس المصغر غالباً ما يحتاج إلى مادة لغوية جديدة يعدها المتدرب بنفسه، أو يعدل من المادة التي بين يديه؛ لتناسب المهارة والوقت المخصص لها.
5- مناقشة المتدرب بعد انتهاء التدريس المصغر مباشرة، وإمكان تدخل المشرف أثناء أداء المتدرب، وإعادة التدريس، وبخاصة في حالة تدريس الزملاء المتدربين. وتلك أمور يصعب تطبيقها في التدريس الكامل، وبخاصة في الفصول الحقيقية.
6- اعتماد التدريس المصغر على تحليل مهارات التدريس إلى مهارات جزئية، مما يساعد على مراعاة الفروق الفردية بين المعلمين، من خلال تدريبهم على عدد كبير من هذه المهارات التي قد تغفلها برامج التدريب على التدريس الكامل.(9/308)
7- إتاحة الفرصة للمتدرب لمعرفة جوانب النقص والتفوق لديه في النواحي العلمية والعملية والفنية، من خلال ما يتلقاه من التغذية والتعزيز من المشرف والزملاء في مرحلة النقد، مما يتيح له تعديل سلوكه وتطويره قبل دخوله ميدان التدريس حيث لا نقد ولا تغذية ولا تعزيز، كما أنه يساعد على التقويم الذاتي من خلال مشاهدة المتدرب نفسه على شاشة الفيديو.
8- إتاحة الفرص للمتدربين لتبادل الأدوار بينهم، والتعرف على مشكلات تعليم اللغة الأجنبية وتعلمها عن قرب، وهي مشكلات المعلم والمتعلم، وذلك من خلال الجلوس على مقاعد الدراسة، وتقمص شخصية المتعلم الأجنبي، والاستماع لمعلم اللغة الأجنبية، والتفاعل معه، ثم القيام بدور المعلم وهكذا. (هذه الحالة خاصة بالتدريس للزملاء المتدربين)
9- اختبار قدرات المعلمين المتقدمين للعمل في مجال تعليم اللغة للناطقين بغيرها؛ حيث يستطيع المخْتَبِرُ اختيار المهارة أو المهارات التي يريد اختبار المعلم فيها دون غيرها، مما يوفر له مزيداً من الوقت والجهد، كما أن التدريس المصغر مهم لتقويم أداء المعلمين أثناء الخدمة، واتخاذ القرار المناسب بشأن استمرارهم في العمل أو حاجتهم إلى مزيد من التدريب والتطوير.
10- الاستفادة منه في جمع المادة العلمية في الدراسات اللغوية التطبيقية في مدة أقصر من المدة التي يستغرقها جمع المادة في التدريس الكامل. فمن خلال التدريس المصغر يستطيع الباحث رصد أثر تدريس مهارة واحدة أو عدد من المهارات على كفاية المتعلم، كما يستطيع رصد أثر التغذية الراجعة والتعزيز بأنواعه على بناء كفاية المعلم في التدريس، مع القدرة على ضبط المتغيرات الأخرى.
11- الربط بين النظرية والتطبيق؛ حيث يمكن تطبيق أي نظرية أو مذهب أو طريقة، تطبيقاً عملياً في حجرة الدرس، أثناء الشرح أو بعده لمدة قصيرة، إذا دعت الضرورة إلى ذلك.
مهارات التدريس المصغر(9/309)
مهارات التدريس المصغر لا تختلف كثيراً عن مهارات التدريس الكامل، بيد أنه ينبغي النظر إلى التدريس المصغر على أنه مهارة أو مهارات Skills محددة ومقننة، يقتنع بها المعلم، ويسعى إلى فهم أصولها وقواعدها، ثم يتدرب عليها حتى يتقنها؛ لا مهمات Tasks أو إجراءات عملية مؤقتة، يعدل فيها المتدرب حتى يرضي أستاذه أو يقنع زملاءه. وفيما يلي بيان بأهم هذه المهارات، وما يندرج تحتها من مهارات فرعية:
1- مهارات الإعداد والتحضير:
أ- مناسبة خطة التحضير للزمن المخصص للدرس، وللمهارة المطلوبة.
ب- مناسبة المادة اللغوية لمستوى الطلاب وخلفياتهم.
ج- صياغة الأهداف صياغة تربوية، تسهل عملية التدريس والتقويم.
2- مهارات الاختيار:
أ- اختيار المواد اللغوية والتدريبات المناسبة لمستوى الطلاب وللوقت المحدد للدرس.
ب- اختيار الأسئلة المفيدة والمناسبة لمستوى الطلاب، وكذلك الإجابات عن استفساراتهم.
ج- اختيار الوسائل التعليمية المحققة للأهداف، مع قلة التكاليف وسهولة الاستخدام.
د- اختيار الأنشطة المفيدة والمحببة للطلاب، كالحوار والتمثيل وتبادل الأدوار.
هـ- اختيار الواجبات المنزلية المرتبطة بمادة الدرس، والمناسبة لمستوى الطلاب.
و اختيار مظهر أو مشهد من ثقافة اللغة الهدف؛ كأسلوب البدء في الكلام وإنهائه، وآداب استخدام الهاتف، وطريقة الاستئذان لدخول المنزل أو الفصل، وتقديمها للطلاب بأسلوب واضح يمثل ثقافة اللغة الهدف.
3- مهارات التوزيع والتنظيم:
أ- توزيع الوقت بين المهارات والأنشطة بشكل جيد، وفقاً لخطة التحضير.
ب- توقيت الكلام والسكوت والاستماع إلى كلام الطلاب والإجابة عن استفساراتهم وإلقاء الأسئلة عليهم، وعدم استئثار المعلم بالكلام معظم الوقت.
ج- توزيع الأدوار على الطلاب والنظرات إليهم بشكل عادل، مع مراعاة ما بينهم من فروق فردية.
د- تنظيم الوسائل المعينة بشكل جيد، واستخدامها في الوقت المناسب فقط.(9/310)
4- مهارات التقديم والتشويق والربط:
أ- التقديم للدرس في مهارة محددة (فهم المسموع – الكلام – القراءة - الكتابة) ولمستوى معين (المبتدئ – المتوسط - المتقدم) .
ب- إثارة انتباه الطلاب وتشويقهم للدرس الجديد، وربط معلوماتهم السابقة بالمعلومات الجديدة، مع مراعاة مستوياتهم في اللغة الهدف.
ج- المحافظة على حيوية الطلاب وتفاعلهم مع الموضوع طوال الدرس.
د- ربط ما تعلمه الطلاب في الدرس بالحياة العامة، كتقديم موقف اتصالي طبيعي من خلال ما قدم للطلاب في الدرس من كلمات وعبارات وجمل.
هـ- تشويق الطلاب للدرس القادم، وتشجيعهم للتفكير فيه والاستعداد له.
5- مهارات الشرح والإلقاء:
أ- وضوح الصوت، والطلاقة في الكلام، والدقة في التعبير.
ب- رفع الصوت وخفضه، وتغيير النغمة الصوتية، والتكرار عند الحاجة.
ج- بيان معاني الكلمات والعبارات الجديدة في النص المقروء أو المسموع، عن طريق الشرح أو التمثيل أو تقديم المرادف أو المضاد.
د- التفريق بين الكلمات الحسية والمفاهيم المجردة، مع مراعاة مستوى الطلاب وخلفياتهم السابقة عن هذه الكلمات.
هـ- شرح القاعدة الجديدة، وربطها بالقواعد السابقة، وطريقة استنباطها من النص، والقدرة على تلخيصها بأسلوب مفهوم ومناسب لمستوى الطلاب.
6- مهارات التعزيز:
أ- القدرة على حفظ أسماء الطلاب، ومناداة كل طالب باسمه الذي يحب أن ينادى به.
ب- استعمال عبارات القبول والمجاملة التي تشجع المصيب، وتشعر المخطئ بخطئه بطريقة غير مباشرة.
7- مهارات الأسئلة والإجابات:
أ- اختيار السؤال والوقت المناسب لطرحه، واختيار كلماته وعباراته التي تناسب مستوى الطلاب وتفيدهم في الدخل اللغوي.
ب- صياغة السؤال صياغة سليمة وموجزة، والتأكد من فهم الطلاب له.
ج- تنويع الأسئلة من حيث الطول والعمق والابتكار.(9/311)
د- الإجابة عن سؤال الطالب؛ إجابة موجزة أو كاملة، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، من قبل المعلم أو أحد الطلاب، والوقت المناسب لذلك.
8- مراعاة مستوى الطلاب:
أ- مراعاة المعلم لمستوى الطلاب في طريقة النطق، وسرعة الحديث أثناء الشرح.
ب- استعمال الكلمات والعبارات والجمل والنصوص المناسبة لهم، والتي تقدم لهم دخلاً لغوياً مفهوماً يفيدهم في اكتساب اللغة الهدف.
ج- التفريق بين الأخطاء والمشكلات التي تتطلب معالجة في الحال والأخطاء والمشكلات التي يمكن تأجيلها إلى مراحل لاحقة.
د- التفريق بين الموضوعات النحوية والصرفية التي يجب شرحها بالتفصيل والموضوعات التي ينبغي أن تقدم على مراحل.
9- مراعاة الفروق الفردية:
أ- القدرة على ملاحظة الفروق الفردية بين الطلاب في الخلفيات اللغوية والثقافية والاجتماعية.
ب- مراعاة الفروق الفردية بين الطلاب في الاستيعاب والإنتاج وقدراتهم على التفاعل مع المعلم والزملاء، وظهور ذلك في حركات المعلم داخل الفصل، وطرح الأسئلة عليهم، وتقبل إجاباتهم، وتحمل أخطائهم.
ج- مراعاة الفروق الفردية في تصويب الأخطاء؛ تصويباً مباشراً أو غير مباشر؛ من قبل المعلم أو أحد الطلاب، والوقت المناسب لذلك.
د- الاستفادة من ذلك كله في تقسيم الفصل إلى مجموعات متعاونة، يستفيد كل عضو منها من مجموعته ويفيدها.
10- مهارات الحركة:
أ- التحرك داخل الفصل؛ أمام الطلاب، وبين الصفوف والممرات، وفي مؤخرة الفصل، بطريقة منظمة وهادئة.
ب- تغيير النشاط أثناء التدريس، أي الانتقال من مهارة إلى أخرى؛ كالانتقال من الاستماع إلى الكلام، ومن الكلام إلى القراءة، ومن القراءة إلى الكتابة.
ج- توزيع الأدوار بين الطلاب وإدارة الحوار بينهم، وبخاصة أسلوب الالتفات والانتقال من طالب إلى آخر.
د- استخدام حركات اليدين وتغيير قسمات الوجه أثناء الشرح بشكل جيد ومعتدل، وتوزيع النظرات إلى الطلاب حسب الحاجة.(9/312)
هـ- استخدام التمثيل بنوعيه؛ المسموع والصامت، وممارسة ذلك في التدريس بطريقة معتدلة؛ تناسب الموقف.
11- مهارات استخدام تقنيات التعليم:
أ- تحديد الوسيلة التعليمية المناسبة لكل مهارة، وكيفية استخدامها، والهدف منها.
ب- تحضير الوسيلة وتنظيمها بشكل جيد، ثم عرضها في الوقت المناسب.
ج- قدرة المعلم على إعداد الوسائل بنفسه، مع البساطة وقلة التكاليف.
د- الاعتدال في استخدام الوسائل التعليمية؛ بحيث لا تطغى على محتوى المادة اللغوية، أو تشغل المعلم أو الطلاب.
12- مهارات التدريب والتقويم:
أ- إجراء التدريب في مهارة أو نمط لطلاب في مستوى معين، مع القدرة على ربط ذلك باستعمال اللغة في ميادين مختلفة.
ب- تقويم الطلاب في المهارة المقدمة، وتحديد مواطن القوة ومواطن الضعف فيها لدى الطلاب.
ج- ربط التقويم بالأهداف السلوكية المرسومة في خطة التحضير.
مراحل التدريس المصغر:
المرحلة الأولى: الإرشاد والتوجيه(9/313)
مرحلة الإرشاد والتوجيه هذه مسؤولية الأستاذ المشرف على التدريب أو أستاذ المقرر الذي يطبق من خلاله التدريس المصغر ( [38] ) . يبدأ المشرف هذه المرحلة بتوجيهات عامة وشاملة تقدم لجميع المتدربين في الفصل، شفهياً أو تحريرياً، ويفضل أن يكتفي بتقديم الخطوط العامة؛ لأن إغراق المتدربين بالتفصيلات الجزئية قد تربكهم أو تقلل من إبداعهم، ويستثنى من ذلك المهارات والمهمات التي ينبغي الاهتمام بها بشكل خاص. وغالباً ما تبنى هذه التعليمات على ما قدم للمتدربين من نظريات واتجاهات ومذاهب في المواد النظرية المقررة. وقد تقدم لهم هذه التوجيهات بطريقة غير مباشرة؛ في شكل نماذج يقوم المشرف بأدائها عملياً أمام المتدربين، أو يستعين بمعلمين مهرة، أو يعرض عليهم درساً مسجلاً على شريط فيديو، ثم يناقشهم في نقاط القوة ونقاط الضعف فيما شاهدوه، ويفضل أن يقدم لهم عدداً من الدروس الحية والمسجلة بأساليب مختلفة وإجراءات متنوعة. وقد يرشد المشرف طلابه إلى قراءة ما كتب حول إعداد التدريس المصغر وتنفيذه، إن وجد شيء من ذلك في اللغة الهدف، أو كانوا قادرين على قراءته بلغة أجنبية. ويفضل أن يقدم لهم جدولاً للملاحظة يحتوي على قائمة بالمهارات والمهمات والأنشطة التي ينبغي أن يراعيها المعلم، ويطالبهم بالاحتفاظ بها أثناء المشاهدة والحوار والنقد ( [39] ) . وعلى المشرف أن يوضح لطلابه أثناء التوجيه أن الهدف من هذه النماذج هو الاستئناس بها، لا الاقتصار عليها ومحاكاتها بطريقة آلية، كما أن عليه أن يشجع طلابه على الإبداع ويدربهم عليه.(9/314)
ولا شك في أن طريقة الإرشاد والتوجيه ومدتها تختلف باختلاف مستويات المتدربين، وخبراتهم السابقة في التدريس، وخلفياتهم اللغوية والعلمية، والوقت المخصص للتدريب. فالمبتدئون الذين لم يسبق لهم ممارسة مهنة التدريس من قبل يحتاجون إلى إرشاد مكثف في المهارات العامة، بالإضافة إلى المهارات الخاصة بتعليم اللغة الثانية، كما يحتاجون إلى مشاهدة عدد من الدروس الحية أو المسجلة. والذين مارسوا مهنة التدريس للناطقين باللغة، لا يحتاجون إلا إلى التذكير بالمهارات الأساسية العامة، مع الاهتمام بالمهارات الخاصة بتعليم اللغة الثانية. أما الذين لديهم خبرة في ميدان تعليم اللغة الثانية، فلا يحتاجون إلى مزيد من التوجيه والمشاهدة، بل يكتفون بما تعلموه في الدروس النظرية. ولا شك أيضاً أن المتدربين يتفاوتون في القدرات والاستفادة من الخلفيات السابقة في التدريس ومن الدروس النظرية الأكاديمية، حتى داخل الفئة الواحدة، والمشرف وحده هو القادر على التمييز بينهم، ومعرفة من يحتاج منهم إلى مزيد من الإرشاد والتوجيه والمشاهدة، حسب ما يسمح به الزمن المخصص لهذه المرحلة.(9/315)
وعندما يبدأ التدريب العملي، يحدد المشرف لكل متدرب المهارة التي ينبغي أن يتدرب عليها، وقد يختارها المتدرب بنفسه، ثم يقدم المشرف إليه المعلومات والتعليمات اللازمة للتحضير للدرس، ويبين له الأساليب والإجراءات والأنشطة التي ينبغي أن يقوم بها. هذه المعلومات والتعليمات يمكن أن تقدم شفهياً، ويمكن أن تسلم للمتدرب مكتوبة؛ موجزة أو مفصلة. وعلى المشرف أن يكون مستعداً لمساعدة الطالب وتقديم المشورة له أثناء مرحلة الإعداد والتخطيط والتحضير، وقد يستمع إلى أدائه التجريبي على انفراد قبل تقديمه، ويقترح عليه التعديلات التي يراها. وعندما يشعر المشرف أن الطالب بحاجة إلى مزيد من الاطلاع والمشاهدة، يمكن أن يقترح عليه مزيداً من القراءة، وقد يسلمه نسخة أو نسخاً من أشرطة الفيديو لمزيد من المشاهدة.
المرحلة الثانية: المشاهدة
هذه المرحلة مكملة للمرحلة السابقة، مرحلة الإرشاد والتوجيه؛ حيث تتداخل معها في كثير من الحالات والمواقف، بل إن بعض خطوات التوجيه والإرشاد قد تكون أثناء المشاهدة أو قبلها أو بعدها بقليل. والمشاهدة غالباً ما تتم على مرحلتين: المشاهدة المبدئية التي تهدف إلى إطلاع المتدربين على ما يجري في فصول تعليم اللغة الهدف، والمشاهدة التدريبية النقدية التي يقوم بها المتدربون للنقد والحوار والتعزيز. وفي كلتا المرحلتين ينبغي أن تكون المشاهدة منظمة وموجهة إلى مهارات ومهمات وأنشطة محددة، وقد يستعين المشاهدون بنماذج مكتوبة تحتوي على المهارات والأنشطة المطلوب ملاحظتها ونقدها.(9/316)
والمشاهدة قد تكون حية في فصول دراسية حقيقية، وقد تكون مسجلة على شريط فيديو من دروس حية أو مسجله لأغراض التدريب. ولكل حالة مزايا وعيوب، ومن الأفضل الجمع بينهما؛ حيث يبدأ المتدربون في المشاهدة الحية في فصول تعليم اللغة إن أمكن ذلك، ثم ينتقلون إلى مشاهدة الدروس المسجلة. وقد أظهرت الدراسات التي أجريت في هذا الموضوع أن استخدام التسجيل أفضل من المشاهدة الحية في الفصل لمرة واحدة أو مرات محدودة، وبخاصة مع المتدربين الجدد ( [40] ) . كما أثبتت الممارسة العملية أن مشاهدة التدريس المصغر المسجل على شريط فيديو يفوق الدروس المشاهدة في الفصل فقط؛ لأسباب كثيرة، منها: توفير الوقت والجهد، وسهولة اختيار المواقف المراد مشاهدتها، وتنويع المهارات والتحكم في الأنشطة، وإمكان المناقشة أثناء المشاهدة، بالإضافة إلى مراعاة الفروق الفردية بين المتدربين؛ حيث يستطيع كل متدرب مشاهدة الدرس وحده، وفهم النقاط التي أثيرت في الحوار، وتحسين أدائه بناء على ذلك ( [41] ) .
ومن الأفضل أن يحضر المشرف المشاهدة، وبخاصة مع المتدربين الجدد، سواء أكانت المشاهدة حية أم مسجلة؛ لإرشادهم وتوجيههم نحو الاستفادة منها، والإجابة عن أسئلتهم واستفساراتهم. وإذا لم يكن لدى المشرف وقت كاف لحضور جميع الدروس، بسبب كثرة المتدربين، فمن الأفضل تقسيمهم إلى مجموعتين أو ثلاث مجموعات، يجلس مع كل مجموعة جزءاً من الوقت، وينيب عنه مساعده أو أحد النابهين من المعلمين، وقد يتعمد التغيب عن المشاهدة أحياناً، ويتركهم يديرون الدروس والحوارات بأنفسهم؛ لطمأنتهم، وزرع الثقة في نفوسهم.
وفي حالة استخدام الدروس المسجلة على شريط فيديو، ينبغي عرض بعض مواقف التدريس غير المرغوب فيها، على أن تكون قليلة قدر الإمكان، وألا تقدم في بداية المشاهدة، وبخاصة أمام المتدربين الجدد، مع ضرورة التنبيه عليها، وتقديم المواقف البديلة الصحيحة.(9/317)
وقد لوحظ أن التسجيل قد ينتج عنه مشكلات معينة لدى بعض المتدربين، غير أن معظم هذه المشكلات تزول بعد فترة قصيرة ( [42] ) . ولتلافي بعض هذه المشكلات؛ ينصح بالتدريب على التسجيل ومشاهدة المتدرب نفسه على الشاشة قبل التسجيل الأخير، لأن بعض المتدربين قد ينشغلون للمرة الأولى بالصورة ويهتمون بها على حساب التدريس، وبخاصة من لم يمارسوا ذلك ولم يروا أنفسهم في الشاشة من قبل.
وإذا لم تتوفر الأجهزة اللازمة، ولم تتح فرص للمشاهدة الحية؛ فإن المشرف نفسه يمكن أن يقوم بعرض نماذج حية لكل مهارة أو موقف أو مهمة، ويمكن أن يستعين ببعض المعلمين القادرين على تنويع المواقف والأنشطة حسب المهارة المطلوبة.
المرحلة الثالثة: التحضير للدرس
بعد أن يقدم الأستاذ المشرف لطلابه النموذج الذي ينبغي أن يُحتذى أو يستأنس به، ويمدهم بالمعلومات الضرورية، ويتيح لهم فرص المشاهدة؛ تبدأ مسؤولية المعلم المتدرب في التحضير لدرسه. والتحضير للدرس المصغر يختلف من حالة إلى أخرى، لكنه غالباً ما يحتوي على العناصر التالية:
1- تحديد المهارة أو المهارات المراد التدرب عليها وممارستها.
2- تحديد أهداف الدرس الخاصة والسلوكية، وكيفية التأكد من تحققها.
3- تحديد الأنشطة التي سوف يتضمنها الدرس، سواء أنشطة المعلم، كالتقديم للدرس، والشرح، وطرح الأسئلة، والتدريب والتقويم؛ أو أنشطة الطلاب، كالإجابة عن الأسئلة، وتبادل الأدوار، والكلام والقراءة والكتابة.
4- تحديد مدة التدريس، وتوزيع الوقت بين المهمات والأنشطة بدقة.
5- تحديد مستوى الطلاب، إن كانوا من الزملاء المتدربين، ومعرفة مستواهم إن كانوا من الطلاب المتعلمين.
6- إعداد المادة اللغوية المطلوبة، أو اختيارها من مواد أو كتب مقررة، مع ذكر المصدر أو المصادر التي اعتمد عليها المتدرب.
7- الإشارة إلى الطريقة التي اعتمد عليها، والمذهب الذي انطلق منه في التحضير للدرس، مع ذكر المسوغات لذلك ( [43] ) .(9/318)
7- تحديد الوسائل التعليمية التي سوف يستعين بها المتدرب، وبيان المسوغات لاستخدامها، والأهداف التي سوف تحققها.
8- تحديد أدوات التقويم وربطها بأهداف الدرس.
ومن الأفضل تحديد الزمن الذي يستغرقه التحضير للدرس المصغر، والالتزام به قدر الإمكان، وتدريب المعلمين على ذلك؛ لأن هذا مما يساعدهم في تنظيم الوقت أثناء التحضير للدرس الكامل فيما بعد؛ إذ ليس من المعقول أن يمضي المتدرب ساعات عدة لتحضير درس لا يستغرق تقديمه سوى بضع دقائق، ولو كان الأمر كذلك لاستغرق تحضير الدرس الكامل عدداً من الأيام، وهذا أمر غير ممكن. وإذا اشترك في الدرس الواحد أكثر من متدرب، فينبغي توزيع مسؤولية التحضير بينهم، كل فيما يخصه. وقد تقوم المجموعة المتدربة، المشتركة في درس واحد، بممارسة بعض الأنشطة وتجريبها وتبادل الأدوار في ذلك أثناء التحضير، أي قبل عرض الدرس في الفصل أمام الأستاذ المشرف؛ لتخفيف التوتر وإزالة الرهبة، والتأكد من توزيع المهمات حسب الوقت المحدد لها.
المرحلة الرابعة: التدريس
هذه هي المرحلة العملية التي يترجم فيها المتدرب خطته إلى واقع عملي؛ حيث يقوم بإلقاء درسه حسب الخطة التي رسمها، والزمن الذي حدده لتنفيذها. وهذه المرحلة تشمل كل ما وضع في خطة الدرس، من مهارات وأنشطة، وعلى المتدرب أن يتنبه للوقت الذي حدده لنفسه؛ بحيث لا يطغى نشاط على آخر، ولا يخرج عن الموضوع الأساس إلى موضوعات أو قضايا جانبية؛ فينتهي الوقت قبل اكتمال الأنشطة المرسومة.(9/319)
ومن المهم أن يحضر المشرف جميع وقائع التدريس، ما لم يكن مشغولاً مع مجموعات أخرى، أو يشعر بأن وجوده في الفصل يؤثر على أداء المتدرب. وإذا لم يحضر فعليه أن ينيب مساعده أو أحد النابهين من المعلمين، ويمده بالتعليمات والمعلومات الضرورية. وإذا حضر فمن الأفضل أن يجلس هو والزملاء المتدربون في الفصل على مقاعد الدراسة، يستمعون إلى الدرس ويدونون ملحوظاتهم؛ تمهيداً لتقويم الدرس، ومناقشته فيما بعد.
وإذا اشترك في الدرس الواحد أكثر من متدرب، فينبغي التزام كل واحد منهم بالوقت المحدد له، وعلى المشرف أو من يقوم مقامه أن يتنبه لذلك؛ حتى لا تتداخل المهمات، وتختل الخطة بكاملها. ومن الأفضل تحديد فترة لا تزيد عن دقيقتين، تفصل بين كل متدربين، ولا تحسب ضمن المدة المقررة للتدريس.
إن من أهم ما يميز هذه المرحلة هو تبادل الأدوار بين المتدربين، وبخاصة إذا كان التدريس المصغر يقدم للزملاء من المعلمين؛ حيث يقوم كل واحد منهم بدور معين؛ بدءاً بالتحضير والتدريس، ومساعدة زميله المتدرب في تشغيل جهاز الفيديو ومراقبته، وانتهاء بالجلوس في الفصل على مقاعد الدراسة، والتفاعل مع المعلم كما لو كان طالباً من متعلمي اللغة الأجنبية. ولا شك أن هذه الحالة، وإن غلب عليها التصنع والتكلف، مفيدة لكل من المتدرب والمشاهد، ومهمة في التغذية والتعزيز، وتطوير عملية التدريس ( [44] ) . فالمتدرب سوف يتلقى تغذية مفيدة من زملائه المشاهدين، والمشاهد سوف يقدر موقف كل من المتدرب والمتعلم الأجنبي، ويستفيد من ذلك كله عندما يقف معلماً أمام زملائه أو أمام متعلمي اللغة الأجنبية في فصول حقيقية ( [45] ) .(9/320)
وفي هذه المرحلة يتم تسجيل الدرس على شريط فيديو، وهي عملية يقوم بها مهندس التسجيل أو المسؤول عن المختبر، أو أحد الزملاء المتدربين، وقد يقوم بها الأستاذ المشرف أو يشارك فيها أحياناً؛ لإظهار الانشغال عن المتدرب، وبخاصة إذا شعر أن وجوده في الفصل يربك المتدرب أو يؤثر على أدائه.
المرحلة الخامسة: الحوار والمناقشة
تعد هذه المرحلة من أصعب المراحل وأكثرها تعقيداً وشفافية، وبخاصة فيما يتعلق بحضور الأستاذ المشرف ومشاركته فيها؛ لأنها لا تقتصر على التحليل والحوار، وإنما تشمل أيضاً النقد وإبداء الرأي في أداء المعلم المتدرب. فقد رأى كثير من الباحثين ضرورة حضور الأستاذ المشرف في هذه المرحلة؛ لإدارة الحوار وتوجيه المناقشة توجيها سليماً، وإبداء رأيه في أداء المتدرب إذا لزم الأمر، وقد أيد هذا الرأي بعض الدراسات الميدانية المقارنة ( [46] ) . بيد أن نتائج دراسات أخرى في هذا الجانب قد أشارت إلى أن حضور المشرف في هذه المرحلة قد يؤثر تأثيراً سلبياً على سير الحوار والمناقشة، ويقلل من قدرة المتدرب وزملائه على إبداء رأيهم بحرية تامة ( [47] ) ، فقد ينظر المعلم إلى رأي أستاذه نظرة أمر، ولا يتجرأ على إبداء رأيه الخاص، بينما يتحدث مع زملائه ويناقشهم بحرية تامة. وأياً كان الأمر، فإن حضور الأستاذ المشرف ضروري في معظم الحالات، بيد أن الأمر متروك له وحده؛ لأنه هو القادر على تقدير الموقف، وتقرير ما إذا كان حضوره ضرورياً في حالة من الحالات أو موقف من المواقف. ومرحلة الحوار والمناقشة هذه يمكن أن تتم بطريقتين:
الأولى: تدريس فنقد؛ حيث يبدأ الحوار والنقاش بعد التدريس مباشرة، أي قبل تدريس المعلم الآخر، وهذه هي الطريقة المثلى، غير أنها قد تسبب تخوف المتدربين من التدريس، وتقلل من مشاركتهم، لكن ذلك غالباً ما يزول بمرور الوقت والحوار الهادئ البناء.(9/321)
الثانية: تدريس فتدريس؛ وفي هذه الحالة يؤدي جميع المتدربين التدريس المصغر، ثم يبدأ الحوار والنقد واحداً تلو الآخر، وهذه الطريقة تقلل من فائدة التغذية والتعزيز، وبالتالي تقل من أهمية الحوار والنقد، وبخاصة إذا كان عدد المتدربين كثيراً. غير أن هذه الطريقة قد يُلجأ إليها عندما يشترك مجموعة من المتدربين في تقديم درس كامل لمتعلمين حقيقيين، كل واحد منهم يقدم جزءاً منه، ففي هذه الحالة يجب تأخير الحوار والنقد بعد انتهائهم من الدرس، حتى لا تنقطع السلسلة، وحتى لا يرتبك المتعلمون.(9/322)
وقبل أن تبدأ مرحلة الحوار والمناقشة، ينبغي تشغيل جهاز الفيديو ومشاهدة الدرس، الذي غالباً ما يستغرق بضع دقائق، هي مدة الدرس السابق. يوقف الجهاز بعد ذلك مدة قصيرة؛ ليتحدث المشرف خلالها عن الدرس؛ فيشيد بجهد المتدرب وقدراته، ويشير إلى نقاط القوة لديه، ويشجعه على تقبل النقد، وتوضيح موقفه بحرية تامة ( [48] ) . ثم يعطيه الفرصة لشرح طريقته في الإعداد والتقديم، وإبداء رأيه وتوضيح موقفه من بعض القضايا، في مدة لا تتجاوز ثلاث دقائق. ثم يلقي المشرف على الحضور بعض الأسئلة التي تثير الحوار، وتنبههم إلى أهم القضايا والنقاط التي ينبغي أن تناقش. وعلى المشرف ألا يفرض رأيه على الحضور، بل يتركهم يتوصلون إلى النتائج السليمة بأنفسهم، وخير ما يعين على ذلك أن يفتتح الحوار، ثم يلخص آراء المشاركين، ثم يناقشهم فيما يختلف معهم فيه، أو ينبههم إلى القضايا التي أهملوها، وقد يلجأ إلى تذكيرهم بما درسوه في المحاضرات السابقة أو شاهدوه من دروس ونماذج. ولا شك أن سيطرة المشرف على النقاش يعتمد على درجة المناقشة وأهميتها؛ فإذا كان النقد بناء والمتدرب حريصاً على التغذية والتعزيز من زملائه، فإنه يستحسن عدم تدخل المشرف، وإن لاحظ إحجام الحضور وضعف النقاش، تَدَخَّل ووجه المناقشة توجيهاً قوياً وسليماً. ويفضل أن يكون جهاز الفيديو مفتوحاً خلال النقاش؛ يُشَغَّل ويوقف عند الحاجة. وقد يتطلب الأمر تدخل الأستاذ المشرف لتنبيه المتدرب إلى بعض النقاط التي قد غفل عنها، فإن لم يستطع المتدرب توضيحها للحضور، طلب المشرف من الحضور إبداء رأيهم فيها قبل أن يوضحها بنفسه، وقد يتطلب هذا الإجراء إعادة الشريط حول هذه النقطة مرة أو مرتين أو ثلاث مرات.(9/323)
لكن ما القضايا التي ينبغي أن تناقش في هذه المرحلة؟ للإجابة عن هذا السؤال نذكر بأن التدريس المصغر غالباً ما ينطلق من نظرية أو مذهب أو طريقة قدمت للمتدربين في الدروس النظرية، وقد يعتمد على توجيه المشرف طلابه نحو استراتيجيات معينة، أو يقوم على نموذج يقدمه لهم حياً أو مسجلاً، ويرى أنه النموذج الذي ينبغي احتذاؤه. فيناقش في هذه المرحلة كل ما يتعلق بالنظرية أو المذهب أو الطريقة أو غيرها مما قدم في الدروس النظرية، كما يناقش في هذه المرحلة كل ما له علاقة بالنموذج الذي اتفق عليه. كما نذكر بقائمة التقويم التي كانت مع المشرف والزملاء؛ ليعودوا إليها ويناقشوا ما دونوه فيها من ملحوظات.
وينبغي أن يدرب المشرف طلابه المعلمين على إثارة النقاط المهمة ولو بدت صغيرة، والابتعاد قدر الإمكان عن القضايا الجزئية الجانبية. ومما يساعد المتدربين على ذلك تقديم قائمة بالمهارات والمهمات والأنشطة التي ينبغي ملاحظتها ومناقشتها والبحث فيها. وعلى المتدرب وزملائه أن يدونوا جميع النقاط التي نوقشت في هذا الحوار في مذكرات خاصة؛ للاستفادة منها في المرحلة التالية، التي هي إعادة التدريس، والتي هي موضوع الحديث في الفقرة التالية.
المرحلة السادسة: إعادة التدريس
تعد مرحلة إعادة التدريس مرحلة مهمة من مراحل التدريس المصغر إذا دعت الحاجة إليها؛ لأن نتائج الحوار وفوائده لا تظهر لدى غالبية المتدربين إلا من خلال إعادة التدريس. وقد تعاد عملية التدريس مرة أو مرات حتى يصل المتدرب إلى درجة الكفاية المطلوبة، بيد أن الحاجة إلى إعادة التدريس تعتمد على نوع الأخطاء التي يقع فيها المتدرب وكميتها، وجوانب النقص في أدائه، وأهمية ذلك كله في العملية التعليمية، بالإضافة إلى طبيعة المهارات المطلوب إتقانها، وعدد المتدربين، وتوفر الوقت. والأستاذ المشرف هو صاحب القرار في إعادة التدريس وعدد المرات، بعد أن تتوفر له المعلومات اللازمة لذلك.(9/324)
وقد دلت بعض الدراسات المسحية على أن إعادة التدريس غير مطبقة في كثير من برامج التدريب؛ إما لكثرة المتدربين وضيق الوقت، وإما لاقتناع القائمين على التدريب بعدم جدواها. وتشير نتائج بعض الدراسات الميدانية إلى أن الدرجة التي يحصل عليها المتدرب في إعادة التدريس لا تختلف كثيراً عن الدرجة التي حصل عليها في التدريس الأول، وقد تكون أقل منها ( [49] ) ، ولعل السبب في ذلك هو الطريقة التي كانت تؤدى بها إعادة التدريس، لا الإعادة بحد ذاتها. بل إن بعض المهتمين بهذا الأمر يرون أن إعادة التدريس مرحلة انتهت مع انتهاء الاتجاه السلوكي التقليدي، أما الآن، وفي ضوء الاتجاهات المعرفية، فإن التنبيه على السلوك كاف لتغييره ( [50] ) .
ولكي تكون إعادة التدريس مفيدة وفعالة؛ ينبغي ألا يفصل بين التدريس وإعادته أكثر من أسبوع؛ لأن طول الفترة بين التدريس وإعادته قد يقود إلى نسيان بعض النقاط التي أعيد التدريس من أجلها. ولا شك أن الإعداد والتحضير لإعادة التدريس لن يستغرق مدة تساوي مدة الإعداد للدرس الأول؛ لأن إعادة التدريس غالباً ما يركز فيها على الأخطاء ونقاط الضعف في الدرس السابق، مع الاحتفاظ بالخطوات والعناصر الجيدة فيه. ويرى بعض الباحثين أن يعاد الدرس بعد الحوار مباشرة في مدة لا تتعدى بضع ساعات، بل إن منهم من يرى ألا تزيد هذه المدة عن خمس عشرة دقيقة، هي مدة التحضير لإعادة التدريس ( [51] ) . غير أن الواقع أثبت أن المتدرب يحتاج إلى وقت أطول، لا للتحضير وحسب، بل للراحة والاطمئنان النفسي والمراجعة.
المرحلة السابعة: التقويم(9/325)
يقصد بالتقويم هنا تقويم أداء المتدرب، ويتم ذلك من خلال ثلاث قنوات: الأولى تقويم المتدرب نفسه ( [52] ) ، ويخصص لها ثلاثون بالمائة من الدرجة، والثانية تقويم الزملاء المعلمين، ويخصص لها أربعون بالمائة من الدرجة، والثالثة: تقويم الأستاذ المشرف، ويخصص له ثلاثون بالمائة من الدرجة. وينبغي أن يكون هذا التقويم موضوعياً؛ حيث يتكون من مجموعة من الأسئلة، تحتها خمسة خيارات، ويفضل ألا يذكر اسم المقوِّمُ، حتى لا يؤثر على التقويم ( [53] ) . وقد يكون التقويم في شكل استبانة، تحتوي على أسئلة مغلقة وأخرى مفتوحة؛ يقدم المشارك فيها آراءه واقتراحاته حول التدريس المصغر ( [54] ) .
المرحلة الثامنة: الانتقال إلى التدريس الكامل
لكي يؤدي التدريس المصغر دوره، وليستفاد منه في الميدان؛ يحتاج المتدرب إلى الانتقال من التدريس المصغر إلى التدريس الكامل، غير أن الانتقال ينبغي ألا يتم فجأة، وإنما يتم بالتدريج. والتدرج في تكبير الدرس يكون بزيادة في زمنه؛ من خمس دقائق إلى خمس وعشرين دقيقة مثلاً، وفي عدد المهارات؛ من مهارة واحدة إلى عدد من المهارات، وفي عدد الحضور؛ من خمسة طلاب إلى عشرة طلاب، وقد يكونون من المتعلمين الحقيقيين، بدلاً من الزملاء المتدربين.
في المرحلة الأولى من تكبير الدرس ينبغي أن يشترك في الدرس الواحد أكثر من متدرب، حيث يؤدي كل متدرب جزءاً كاملاً من الدرس؛ كأن يبدأ الأول بالتقديم للدرس الجديد وربطه بالدرس السابق، ثم يأتي زميله الثاني فيشرح قاعدة الدرس، يليه الثالث لتدريب الطلاب عليه وتقويم أدائهم. ثم يُبدأ في تقليل عدد المتدربين المشاركين في الدرس الواحد، من ثلاثة طلاب إلى اثنين، ثم يستقل كل متدرب بدرس خاص في نهاية التدريب. وفي هذه المرحلة ينبغي أن يستمر التسجيل بالفيديو، وكذلك الحوار والمناقشة، لكن إعادة التدريس غير مطلوبة.
درس نموذجي مصغر لتدريب معلمي اللغة العربية(9/326)
يبدأ هذا النموذج من المرحلة الثالثة من مراحل التدريس المصغر، التي هي مرحلة التحضير للدرس، وينتهي بالتقويم، متخطياً المرحلتين الأولى والثانية؛ باعتبار أن المتدربين قد أنهوا مرحلة الإرشاد والتوجيه، وشاهدوا عدداً من الدروس النموذجية؛ الحية والمسجلة، ومستغنياً عن المرحلة الثامنة، مرحلة الانتقال إلى التدريس الكامل؛ باعتبارها مرحلة انتقالية تالية للتدريس المصغر.
أولاً: التحضير للدرس
تشتمل كراسة التحضير على العناصر التالية:
المادة/المقرر: قواعد اللغة العربية.
الموضوع: الفعل المبني للمجهول ونائب الفاعل.
مستوى الطلاب: المتوسط.
عدد المتدربين: ثلاثة معلمين، يتبادلون الأدوار.
الزمن: عشرون دقيقة موزعة بين المتدربين (خمس دقائق للأول، وعشر دقائق للثاني، وخمس دقائق للثالث) .
نوع المتدربين وخلفياتهم: المتدربون من معلمي اللغة العربية للناطقين بها، الملتحقين ببرنامج إعداد معلمي اللغة العربية للناطقين بغيرها.
الحضور: ستة طلاب، جميعهم من الزملاء المتدربين.
نوع التدريس المصغر: ختامي أثناء الخدمة، وخاص بمعلمي اللغات الأجنبية، غير موجه ولا معتمد على طريقة معينة أو كتاب مقرر.
أهداف الدرس:
1- أن يعرف الطلاب الأسباب النحوية والبلاغية لبناء الفعل للمجهول في العربية، وقيام النائب عنه مقامه ( [55] ) .
2- أن يدرك الطلاب التغيرات التي تحصل في الأفعال المبنية للمعلوم عندما تبنى للمجهول.
3- أن يفرق الطلاب بين صيغ الأفعال المبنية للمعلوم وصيغ الأفعال المبنية للمجهول ( [56] ) .
4- أن يحول الطلاب الجمل المبنية للمعلوم، الواردة في التدريب الثاني، إلى جمل مبنية للمجهول، وما يتطلبه ذلك من تغيير وحذف.
5- أن يعرب الطلاب الكلمات التي تحتها خط من الجمل الواردة في التدريب الثالث إعراباً سليماً وموجزاً.
الوسائل التعليمية:
1- السبورة.
2- جهاز العارض فوق الرأس.
3- لوحات من الورق المقوى.
4- جهاز الفيديو (لتصوير الدرس) .(9/327)
محتوى الدرس:
1- أمثلة التراكيب المبنية للمعلوم (للتقديم) :
أ- أَخَذَ المعلمُ الحضورَ.
ب- صلَّى الجميعُ صلاةَ الظُهرِ.
ج- قال المُرشِدُ كلمةً قصيرةً.
د- اعْتَمَدَ المديرُ مبلغاً كبيراً للنَّفَقاتِ.
هـ- تَمْنَحُ البلديةُ الناسَ أراضيَ لبناءِ المساكنِ.
و تَبْنِي الوزارةُ المساجدَ والمدارسَ في داخلِ الأَحْياءِ.
ز- يُقِيمُ التُّجَّارُ المصانعَ في أطرافِ المدينةِ.
2- أمثلة التراكيب المبنية للمجهول (للشرح) :
كان الطلابُ مُستعدِّين لرحلةٍ داخلَ المدينة. وفي تمامِ الساعةِ الثانيةَ عشرةَ أُخِذَ الحضورُ، وصُلِّيَتْ صلاةُ الظهرِ جماعةً في المسجدِ، ثم قِيلَتْ كلمةٌ موجزةٌ. كان عددُ الطلابِ كثيراً؛ لذا اُعْتُمِدَ مبلغٌ كبيرٌ للنفقات … وعندما كانت السَّيَّارةُ تسِيرُ في شوارعِ المدينةِ، قال رائدُ النشاطِ للطلاب: في هذا الحي، يُمْنَحُ الناسُ أراضيَ لبناء المساكن، وتُبْنَي المساجدُ والمدارسُ في داخلِ الأَحْياءِ، وتُقامُ المَصانعُ في أَطْرافِ المَدينةِ …
3- القاعدة:
أ- يبنى الفعل الماضي للمجهول بضم أوله وكسر ما قبل آخره، وإذا كان ما قبل آخره ألفاً قلبت ياء، وإذا كان مبدوءاً بهمزة وصل وجب ضم ثالثه مع أوله.
ب- يبنى الفعل المضارع للمجهول بضم أوله وفتح ما قبل آخره، وإذا كان آخره أو ما قبل آخره ياء أو واواً قلبتا ألفاً.
ج- عند بناء الفعل للمجهول يحذف الفاعل، ويصبح المفعول به نائباً عنه مرفوعاً.
د- يؤنث الفعل إذا كان نائب الفاعل مؤنثاً أو جمع تكسير لغير العاقل.
4- التدريبات (للتقويم) :
التدريب الأول: عيِّن الفعل المبني للمجهول ونائب الفاعل في الجمل التالية:
أ- قال تعالى: {وإذا قُرِىءَ القرآنُ فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم تُرحمون} ( [57] )
ب- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا دَخَلَ رمضانُ فُتِحَت أبوابُ الجنة، وغُلِّقَت أبوابُ النار، وصُفِّدَت الشياطينُ) .(9/328)
ج- يُجْزَى كلُّ إنسانٍ يومَ القيامةِ بما عَمِلَ في الدنيا.
د- يُسْتَقْبَلُ الضَّيفُ عندما يَنزِلُ من الطائرة.
التدريب الثاني: حَوِّل الأفعال المبنية للمعلوم في الجمل التالية إلى أفعال مبنية للمجهول، وغير ما يلزم تغييره:
أ- عَقَدَ المديرُ اجتماعاً طارئاً.
ب- يَفْتَحُ الحارسُ البابَ في الصباحِ ويُغلقُه في المساء.
ج- يَلُومَ الناسُ المُقَصِّرَ في أداءِ واجِبِه.
د- صامَ المسلون شهرَ رمضانَ.
التدريب الثالث: أعرب ما تحته خط من الجمل التالية:
أ- منِع الخروج من الفصل.
ب- تستخدم في الحج حافلات كبيرة.
ج- يزار العلماء في بيوتهم.
د- شوهد محمد في المكتبة.
مهارات التدريس
يشترك المتدربون الثلاثة في اختيار المادة اللغوية اللازمة للتدريس، المناسبة للزمن ولمستوى الطلاب، كما يشتركون في التحضير للدرس وتوزيع الوقت وتحديد الوسائل المعينة، وتجريب جهاز الفيديو. كما أنهم يشتركون في عدد من المهارات الفرعية، منها: إلقاء السؤال - الإجابة عن السؤال - تصويب الخطأ – التعزيز - الالتزام بالوقت – مراعاة مستوى الطلاب – رفع الصوت وخفضه حسب الحاجة - استخدام اليدين وتغيير قسمات الوجه وحركات العينين – ملاحظة الفروق الفردية بين المتعلمين ومراعاتها… وينفرد كل واحد منهم في مهارة أساسية واحدة، على النحو التالي:
1- التقديم للدرس الجديد وربطه بالدرس السابق (للمتدرب الأول) .
2- شرح الأمثلة واستنباط القواعد منها (للمتدرب الثاني) .
3- إجراء التدريبات وتقويم الطلاب وتعيين الواجبات المنزلية (للمتدرب الثالث) .
الأنشطة والمهمات داخل الفصل:
أنشطة المتدرب الأول:
1- إحضار الأمثلة المبنية للمعلوم مكتوبة على ورقة تلصق على السبورة، أو ورقة شفافة توضع على جهاز العارض فوق الرأس، وتوزيع صور منها على الحضور.
2- قراءة الأمثلة المبنية للمعلوم، أو طلب قراءتها من أحد الطلاب.(9/329)
3- سؤال الطلاب عن كل من الفعل والفاعل والمفعول به في الجمل المبنية للمعلوم التي أمامهم.
4- إلقاء الأسئلة التالية: هل يمكن الاستغناء عن الفاعل في هذه الجمل؟ ماذا يحدث لو حذف الفاعل منها؟ ولماذا يحذف؟
5- ملاحظة جهاز الفيديو أثناء نشاط المتدرب الثاني، وأخذ الملاحظات أثناء المشاهدة.
أنشطة المتدرب الثاني:
1- تعليق اللوحة التي تحوي النص المشتمل على الجمل المبنية للمجهول، أو وضعها على سطح جهاز العارض فوق الرأس، بجانب الجمل المبنية للمعلوم، وتوزيع صور منها على الحضور.
2- قراءة النص أو طلب قراءته من أحد الطلاب.
3- وضع خطوط ملونة باللون الأخضر تحت الجمل المبنية للمعلوم.
4- الاستفسار عن كل من الفعل والفاعل والمفعول به في الجملة.
5- الاستفسار عما حدث لكل من الفعل والمفعول به من تغييرات في الشكل بعد أن حذف الفاعل.
6- وضع خطوط ملونة باللون الأحمر تحت الجمل المبنية للمجهول.
7- استنباط القاعدة من الأمثلة ( [58] ) ، وتلخيصها على السبورة، أو تعليق اللوحة الخاصة بها، أو عرضها على جهاز العارض، إن كانت معدة سلفاً.
8- ملاحظة جهاز الفيديو أثناء نشاط المتدرب الثالث، وأخذ الملاحظات أثناء المشاهدة.
أنشطة المتدرب الثالث (التدريب والتقويم) :
1- الإشارة إلى أحد الطلاب ليقرأ عنوان التدريب الأول، ثم الإجابة عن الفقرة الأولى منه، ثم الإشارة إلى طالب آخر ليجيب عن الفقرة الثانية، ويطبق هذا الأسلوب في التدريب الثاني.
2- سؤال الطلاب عن إعراب الجمل الواردة في التدريب الثالث إعراباً سليماً وموجزاً.
3- سؤال الطلاب عن سبب حذف الفاعل في بعض الجمل، وهل يمكن ذكر الفاعل بعد بناء الفعل للمجهول، ولماذا.
4- تكليف الطلاب بواجب منزلي هو: تحويل الأفعال التالية إلى أفعال مبنية للمجهول ووضعها في جمل مفيدة: قَرَأَ – يَمنَعُ – يَصُومُ – أَعْطَى – وَجَّهَ – يَنْشُرُ.(9/330)
5- ملاحظة جهاز الفيديو أثناء نشاط المتدرب الأول، وأخذ الملاحظات أثناء المشاهدة.
ثانياً: التدريس
المرحلة الأولى: التقديم للدرس (للمتدرب الأول) :
1- يدخل المتدربون الثلاثة الفصل، فيسلمون على الحضور، ثم يقف المتدرب الأول أمام الطلاب، ويجلس زميلاه الآخران في مقاعد الفصل مع المشرف وبقية الزملاء، بعد أن يتم تشغيل جهاز الفيديو.
2- يضع المتدرب الأول الأمثلة المبنية للمعلوم على السبورة أو يعرضها على جهاز العارض فوق الرأس، ثم يقرأ الأمثلة أو يطلب من الطلاب قراءتها واحداً بعد الآخر.
3- يسأل الطلاب عن كل من الفعل والفاعل والمفعول به في الأمثلة التي أمامهم، ويطلب منهم إعراب مثالين إعراباً موجزاً.
4- يلقي على الحضور السؤال التالي: هل يمكن الاستغناء عن الفاعل في هذه الجمل؟ ماذا يحدث لو حذف الفاعل منها؟ ولماذا يحذف؟
5- يلخص إجابات الطلاب في أن الجمل التي أمامهم قد ذكر فيها الفعل والفاعل والمفعول به، وتسمى جملاً مبنية للمعلوم. ثم يذكر أن هذه الجمل وأمثالها يمكن حذف الفاعل منها وتغيير صيغة الفعل، وأن الفاعل يحذف لأسباب منها: العلم به، أو الجهل به، أو الخوف منه، أو الخوف عليه، أو لشرفه، أو رغبة في الاختصار ...
6- يختتم كلامه قائلاً: إن هذه الأمور هي ما سوف نراه في الدرس الجديد، الذي سوف يقدمه زميلي الأستاذ (محمد) .
7- تستغرق هذه العملية خمس دقائق فقط، بما فيها الأسئلة التي يلقيها المعلم، والإجابات عنها من قبل الطلاب، والأسئلة التي قد يثيرها الطلاب والأخطاء اللغوية التي قد يقعون فيها أثناء الإجابات أو الاستفسارات، وأسلوب المتدرب في معالجتها.
المرحلة الثانية: شرح الدرس (للمتدرب الثاني) :
1- بعد أن يثير المتدرب الأول انتباه الطلاب، ويشوقهم للدرس الجديد، ويربطه بالدرس السابق؛ يجلس مع زملائه في مؤخرة الفصل، ثم يقوم المتدرب الثاني إلى مقدمة الفصل؛ لشرح الدرس الجديد.(9/331)
2- يضع النص الجديد، المحتوي على الصيغ المبنية للمجهول، على السبورة أو يعرضه على جهاز العارض فوق الرأس، ثم يقرأه أو يطلب من الطلاب قراءته.
3- يبدأ في شرح الموضوع بطريقة الحوار والاستنباط، على النحو التالي:
المعلم: إذا نظرنا إلى هذه الجمل (يشير إليها) نلاحظ أنها تشتمل على أفعال ماضية تختلف في أشكالها عن الأفعال الأولى التي رأيناها وتحدث عنها زميلي الأستاذ (أحمد) قبل قليل. فالفعل أَخَذَ في المجموعة الأولى (يشير إليه) فعل ماض جاء بعده فاعل مرفوع هو: المعلمُ، ثم مفعول به منصوب وقع عليه فعل الفاعل هو: الحضورَ، لكن هذا الفعل في المجموعة الثانية هنا (يشير إليه) قد تغيرت صورته، فمن منكم يوضح لنا ماذا تغير فيه؟
أحد الطلاب: تحولت الفتحة التي على الهمزة إلى ضمة، وتحولت الفتحة التي على الخاء إلى كسره.
المعلم: نعم، هذا جواب صحيح، بارك الله فيك. لقد ضُمَّ أولُ الفعل وكُسِرَ ما قبل آخره ( [59] ) .
المعلم: يسأل طالباً آخر عن الفعل في الجملة الثانية: صُلِّيَتْ، ثم يسأل طالباً ثالثاً عن الفعل: قِيلَ …
المعلم: إذن ما حدث في هذه الأفعال الثلاثة الماضية هو ضم أولها وكسر ما قبل آخرها، لأنها بنيت للمجهول بدلاً من المعلوم، أما الفعل اُعْتمِدَ فقد ضُمَّ ثالثه بالإضافة ضم أوله؛ لأنه ماض مبدوء بهمزة وصل.
المعلم: نعود إلى الفعلين: صُلِّيَتْ واعْتُمِدَتْ، نلاحظ أنهما أنثا لتطابق نائب الفاعل المؤنث في الأول وجمع التكسير غير العاقل في الثاني، كما يؤنث الفعل المبني للمعلوم.
المعلم: يشير إلى المثال الأول فيقول: هل لاحظتم تغيراً آخر في هذه الجملة في المجموعة الثانية عن الجملة المقابلة لها في المجموعة الأولى؟ (يشير إليها) .
يحجم الطلاب عن الإجابة، رغم إحساسهم بهذا التغير؛ لصعوبة التعبير الدقيق عن ذلك.
المعلم: أين الفاعل؟
أحد الطلاب: الحضورُ.(9/332)
المعلم: لاحظ زميلكم - بارك الله فيه - ملاحظة جيدة، وهي أن كلمة الحضور مرفوعة، وأنها يمكن أن تكون هي الفاعل، لكن هل يمكن أن يكون الحضور فاعلاً، أي يقوم بالفعل بنفسه؟
الطالب نفسه: لا يا أستاذ، الفاعل محذوف.
المعلم: أحسنت، هذا جواب صحيح.
المعلم: إذن أين المفعول به؟
طالب آخر: الحضورُ.
المعلم: لقد فهمتَ المعنى - بارك الله فيك - لكن هل يمكن أن يكون المفعول به مرفوعاً؟
الطالب نفسه: هذا هو المفعول به في المعنى، لكن قد يكون حصل فيه بعض التغيير، لا أعرف!
المعلم: نعم، كلامك صحيح، لقد حصل تغيير في تركيب الجملة مثلما حصل تغيير في شكل الفعل الماضي بعد بنائه للمجهول. فعندما بني الفعل للمجهول حذف الفاعل الذي هو المعلم، وناب عنه المفعول به؛ فرفع كما يرفع الفاعل، ويسمى هذا نائب الفاعل.
يعود المعلم إلى بقية الأمثلة، فيشرحها بهذه الطريقة ويسأل من بقي من الطلاب كالطريقة السابقة، ثم يلخص لهم قاعدة الدرس.
تستغرق هذه العمليات أربع دقائق فقط.
ينتقل المعلم إلى الأفعال المضارعة في النص، فيشير إلى الفعل يُعْطَى، ويقارنه بالفعل المضارع تُعْطِي من المجموعة الأولى (المبنية للمعلوم) ، فيوضح لهم أنه فعل مضارع جاء بعده فاعل مرفوع هو: البلدية، ثم مفعول به منصوب وقع عليه فعل الفاعل هو: الناس، ثم يقول: لكن هذا الفعل في المجموعة الثانية هنا (يشير إليه) قد تغيرت صورته، فمن منكم يوضح لنا ماذا تغير فيه؟
أحد الطلاب: ضُمَّ أوله وفتح ما قبل آخره ( [60] ) .
المعلم: أحسنت، بارك الله فيك، هذه إجابة صحيحة، وتعبير ممتاز.
المعلم: يسأل طالباً آخر عن الفعل تُبنَى في الجملة الثانية، ثم يسأل طالباً ثالثاً عن الفعل يُرْسَلُ في الجملة الثالثة، ثم يسألهم عما حدث في هذه الجمل من حذف وتغيير، مثلما سألهم عن الجمل السابقة ذوات الأفعال الماضية.(9/333)
هذه العملية تستغرق ثلاث دقائق فقط؛ لأن الطلاب قد فهموا قاعدة تركيب الجملة من حيث حذف الفاعل ونيابة المفعول به عنه، ولم يبق سوى شرح قاعدة التغيير الداخلي في الفعل المضارع.
يعود المعلم بعد ذلك ليشير إلى ما حدث من تغير آخر في الفعلين المضارعين: تُبنى وتُقام، من قلب الياء ألفاً؛ لوقوع الأولى في الآخر والثانية فيما قبل الآخر.
يلخص المعلم قاعدة الفعل المبني للمجهول ونائب الفاعل، بعرضها على جهاز العارض فوق الرأس، على النحو التالي:
أ- الفعل الماضي يبنى للمجهول بضم أوله وكسر ما قبل آخره، مثل: أُخِذَ وصُلِّيَ وقِيلَ، إلا إذا كان مبدوءاً بهمزة وصل فإنه يضم ثالثة مع أوله مثل: اُعْتُمِدَ.
ب- الفعل المضارع يبنى للمجهول بضم أوله وفتح ما قبل آخره، مثل: يُمْنَحُ، وإذا كان آخره أو ما قبل آخره ياء أو واواً قلبتا ألفاً، مثل: تُبْنَى وتُقَامُ.
ج- عندما يبنى الفعل للمجهول يحذف الفاعل ويصبح المفعول به نائباً عنه مرفوعاً.
تستغرق عملية تلخيص القاعدة دقيقة واحدة، ثم يجيب المتدرب عن أسئلة الطلاب في الدقيقتين الباقيتين.
المرحلة الثالثة: التدريب والتقويم (للمتدرب الثالث) :
يعود المعلم الثاني إلى مكانه في مؤخرة الفصل، ثم يتقدم المتدرب الثالث، فيشكر زميليه على التقديم والشرح، ويشكر الطلاب على تجاوبهم، ثم يبدأ مرحلة التدريب والتقويم.
يبدأ المتدرب الثالث هذه المرحلة بتوزيع ورقة تحوي التدريب الأول، الموضح في خطة التحضير، ويضع النسخة الأصلية على جهاز العارض فوق الرأس، ثم يطلب من كل واحد منهم قراءة فقرة من الفقرات فيه ويجيب عنها. يكرر هذه العملية في التدريبين الثاني والثالث، مع مراعاة الإيجاز في الإعراب.(9/334)
إن حل التمرينات في هذه المرحلة عملية تقويم أيضا؛ حيث يتأكد المتدرب خلالها من فهم الطلاب للدرس وقدرتهم على التطبيق، وتحقق الأهداف الموضحة في خطة التحضير. وهذه العملية تستغرق خمس دقائق بما فيها الأسئلة والإجابات.
ثالثاً: الحوار والمناقشة
بعد انتهاء التدريس، يجلس المشرف مع طلابه المتدربين في حجرة الدرس أو في مختبر اللغة، فيقدم للمناقشة بكلام موجز؛ يشيد فيه بجهود المتدربين في التحضير والأداء، ويشير إلى نقاط القوة ونقاط الضعف لديهم، ويشجع الجميع على تقبل النقد والاستفادة منه. ثم يطلب من أحد المتدربين الثلاثة توضيح طريقة التحضير في مدة لا تتجاوز دقيقتين، ويعطي كل واحد منهم دقيقة واحدة لتوضيح وجهة نظره حول بعض القضايا أو المشكلات في التحضير أو الأداء، ثم يشير المشرف نفسه إلى أهم القضايا والنقاط التي ينبغي أن تناقش، ويذكرهم بما درسوه في المحاضرات السابقة أو شاهدوه من دروس ونماذج. وينبغي ألا تتعدى هذه المقدمة خمس دقائق.
ثم يشغل جهاز الفيديو مدة خمس دقائق؛ لمشاهدة أداء المتدرب الأول في المرحلة الأولى، ويطلب من الجميع تتبع بطاقة الملاحظة أثناء المشاهدة؛ للتأكد من صحة ما دونوه فيها. ثم يوقف الجهاز إيقافاً مؤقتاً؛ ليبدأ الحوار، ويعاد تشغيله عند الحاجة لمشاهدة مقطع أو إعادة فقرة. وينبغي أن يقتصر الحوار والمناقشة على مرحلة التقديم لموضوع الدرس، وربطه بالدروس السابقة، وتشويق الطلاب إليه، وما يدخل ضمن هذه المرحلة من أنشطة وحركات جسمية، وما تتطلبه من وسائل تعليمية ومهارات فرعية، كتوزيع الوقت وطرح الأسئلة، والتعزيز ونحو ذلك. وينبغي أن يكون الحوار ضمن الإطار المتفق عليه في المحاضرات السابقة، المدون في بطاقة الملاحظة، وقد يتطرق الحضور إلى ما يرتبط بهذه المرحلة من خطوات التحضير للدرس.(9/335)
تستغرق عملية الحوار هذه مدة عشر دقائق، تضاف إليها الخمس الأولى. ثم ينتقل الحوار إلى المرحلة الثانية بطريقة لا تختلف كثيراً عن المرحلة الأولى إلا في الزمن وموضوعات المناقشة؛ حيث يشغل جهاز الفيديو في مدة لا تتجاوز عشر دقائق؛ لمشاهدة أداء المتدرب الثاني في شرح الدرس الجديد، ثم يوقف التشغيل ويبدأ الحوار، وقد يعاد تشغيل الجهاز عند الحاجة إليه أثناء الحوار. وقد تستغرق هذه المرحلة عشرين دقيقة؛ منها عشر دقائق لمشاهدة الدرس، وعشر دقائق أخرى للحوار والمناقشة. ثم ينتقل الحوار إلى المرحلة الأخيرة التي لا تختلف عن سابقتيها إلا في الزمن وموضوعات المناقشة؛ حيث تستغرق في مجموعها أقل من عشر دقائق. وهكذا يكون الزمن الذي استغرقته عملية التدريس المصغر بمراحلها الثلاث خمساً وأربعين دقيقة أو تزيد قليلاً، يضاف إليها خمس دقائق لتلخيص الحوار في المراحل الثلاث.
رابعاً: إعادة التدريس
ذكرنا في الجزء الأول من هذه الدراسة أن إعادة التدريس مرحلة مهمة من مراحل التدريس المصغر، إذا دعت الحاجة إليها، غير أن أساليب الإعادة المعمول بها في برامج تعليم اللغات الأجنبية غالباً ما تنطلق من المنهج السلوكي التقليدي. لهذا السبب، واتباعاً لمبادئ المنهج المعرفي في تعليم اللغات؛ فإننا نرى ألا يعاد الدرس نفسه ولا العناصر موضع النقد، وإنما يطلب من المتدرب التنبه إليها في الدروس القادمة، ويحاسب عليها في بطاقة الملاحظة. وقد أثبتت الممارسة العملية أن التنبيه إلى بعض الأخطاء وتلافيها في دروس لاحقة أفضل من إعادتها أو إعادة الدرس نفسه، لا سيما أن الوقت المخصص للتربية العملية في كثير من برامج تأهيل معلمي اللغة العربية محدود جداً.
خامساً: التقويم(9/336)
يُعد الأستاذ المشرف بطاقة تقويم لكل مرحلة من مراحل التدريس الثلاث؛ التقديم، والشرح، والتدريب والتقويم ( [61] ) . كل بطاقة منها تحتوي على خمس وعشرين أو ثلاثين فقرة، وكل فقرة تمثل مهارة جزئية من مهارات التدريس أو عنصر من عناصره. توضع المهارة في الجانب الأيمن من البطاقة، ويخصص لها أربع درجات تكون في الجانب الأيسر منها، مقسمة إلى خمسة مستويات حسب درجات الأداء: ممتاز له أربع نقاط، وجيد جداً له ثلاث نقاط، وجيد له نقطتان، وضعيف له نقطة واحدة، وغير موجود له صفر. فتكون الدرجة الكبرى لكل بطاقة مائة درجة إن كانت فقراتها خمساً وعشرين (25×4=100) ، ومائة وعشرين إن كانت فقراتها ثلاثين (30×4=120) . وقد يترك في نهاية البطاقة فراغ يسجل فيه المقوِّم ملحوظاته على أداء المتدرب واقتراحاته حول التدريس. ويفضل أن تقسم الفقرات أو تصنف إلى خمس أو ست مجموعات، تختلف باختلاف مرحلة التدريس؛ فمرحلة التقديم للدرس مثلاً يمكن أن تصنف فقراتها في المجموعات الست التالية:
1- مهارات الإثارة والتشويق.
2- مهارات الأسئلة والإجابات.
3- مهارات استخدام تقنيات التعليم أو الوسائل المعينة
4- مهارات الحركة، أي حركات الجسم، والتحرك داخل الفصل.
5- مهارات التعزيز، بنوعيه؛ الإيجابي والسلبي.
6- مهارات الدقة والتنظيم والتوزيع.(9/337)
يلاحظ أن بعض المهارات التي تحدثنا عنها في الجانب النظري غير موجودة في هذه المجموعات، ولم يتضمنها النموذج المقترح لهذه المرحلة، إما لأنها غير مطلوبة فيها؛ كمهارات الشرح، ومهارات التدريب والتقويم، أو لأنها أدمجت ضمن مهارات أخرى؛ كمهارات الاختيار، التي أدمجت في مهارات الأسئلة والإجابات، والمهارات المتعلقة بمراعاة مستوى الطلاب ومراعاة الفروق الفردية، التي أدمج بعضها في مهارات الأسئلة والإجابات، وأدمج بعضها الآخر في مهارات التعزيز. تسلم نسخة من بطاقة التقويم في بداية الدرس للزملاء الحضور وكل من الأستاذ المشرف والمتدرب نفسه. وفي نهاية الدرس تجمع الدرجات، ويحسب متوسط ما حصل عليه المتدرب بعد أن يخصص أربعون بالمائة منها للمشرف وستون بالمائة للحضور ( [62] ) . وليس الغرض من هذه البطاقة رصد الدرجات وحسب، بل هي أداة يستفاد منها أيضاً في مرحلة الحوار والمناقشة. وفيما يلي نموذج لهذه البطاقة:
المستويات
المهارات الفرعية
المهارات الأساسية
م
0
1
2
3
4
1. استهلال الدرس
2. إثارة انتباه الطلاب للدرس الجديد
3. تذكيرهم بمعلوماتهم السابقة المرتبطة بالموضوع
4. مراعاة مستواهم اللغوي
5. تشويقهم للدرس الجديد
مهارات
الإثارة
والتشويق
1
6. اختيار السؤال ووضوح الهدف منه
7. مناسبة كلماته وعباراته لمستوى الطلاب
8. تنويع الأسئلة وتوقيت طرح كل سؤال
9. مراعاة مستوى الطلاب والفروق بينهم في قبول الإجابة
10. أساليب الإجابة عن أسئلة الطلاب
مهارات الأسئلة والإجابات
2
11. مناسبة الوسيلة للمهارة ووضوح الهدف منها
12. بساطة الوسيلة وقلة تكاليفها
13. استخدامها في الوقت المناسب
14. نجاح الوسيلة في تحقيق الهدف
15. سلامة استخدامها من الناحية الفنية
مهارات استخدام تقنيات التعليم
3
16. التحرك داخل الفصل بطريقة منظمة وهادفة
17. تغيير النشاط والانتقال من مهارة إلى أخرى
18. توزيع الأنشطة بين الطلاب بعدل(9/338)
19. الاستعانة باليدين والعينين وحركات الجسم
20. استخدام التمثيل بنوعيه؛ المسموع والصامت
مهارات الحركة
4
21. مناداة كل طالب باسمه المحبب إليه
22. استعمال عبارات القبول والمجاملة باعتدال
23. تشجيع الطالب المصيب
24. أسلوب تصويب الأخطاء
25. مراعاة الفروق بين الطلاب في التعزيز
مهارات التعزيز
5
26. توزيع الوقت بين الأنشطة وفقاً للخطة
27. توقيت الكلام والاستماع إلى الطلاب
28. نسبة كلام المعلم إلى كلام للطلاب
29. الدقة في توزيع الأدوار بين الطلاب
30. مطابقة الأداء العملي لخطة التحضير
مهارات التنظيم والتوزيع
6
الهوامش والتعليقات
---
( [1] ) في المملكة العربية السعودية وحدها ثلاثة معاهد في كل من: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وجامعة الملك سعود في الرياض، وجامعة أم القرى في مكة المكرمة، بالإضافة إلى شعبة تعليم اللغة العربية في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة. وهناك معاهد ومراكز في كل من مصر والكويت وقطر والعراق وتونس وغيرها، بالإضافة إلى معهد الخرطوم الدولي لتعليم اللغة العربية.
( [2] ) سمي بعض هذه الأقسام بقسم تأهيل معلمي اللغة العربية للناطقين بغيرها، وسمي بعضها بقسم إعداد معلمي اللغة العربية للناطقين بغيرها، وسمي البعض الآخر بأسماء أخرى.
( [3] ) انظر مثلاً:
Cassel, Jeanne and Blake, Frances. “Microteaching with a Multicultural Focus.” The Educational Resources Information Center (ERIC) , 1988, PP. 4, 5
( [4] ) عبد الله عمر الفرا، وعبد الرحمن عبد السلام جامل. المرشد الحديث في التربية العملية والتدريس المصغر. عمان: مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع، 1999 م، ص 153.
( [5] ) Wallace, Michael. Training Foreign Language Teachers: a Reflective Approach. Cambridge: Cambridge University Press, 1991, P. 92.(9/339)
( [6] ) Cassel, Jeane and Blake, Frances. “Microteaching with a Multicultural Focus.” Op. Cit. , P. 5
( [7] ) ألف دوايت الن وكيفين ريان Kevin Ryan عام 1969م كتاباً عنوانه: Microteaching، ترجمه صادق إبراهيم عودة ومحمد الخوالدة إلى العربية عام 1975م.
(8) Vare, Jonatha. Co-construcing the Zone: a Neo-Vygostkian View of Microteaching. Paper Presented at the American Educational Research Association 1993 Annual Meeting, Atlanta, Georgia. April 12-16, 1993. P. 3
(9) Perrot, E. Microteaching in Higher Education: A Society for Research into Higher Education. 1977.
( [10] ) مما نقل إلى العربية كتاب: Microteaching: A Programm of Teaching Skills. By: George Brown, 1975.، الذي نقله محمد رضا البغدادي بعنوان: التدريس المصغر: برنامج لتعليم مهارات التدريس، ط1 عام 1979م، ط2 عام 1998م، بالإضافة إلى كتاب الن وريان الذي سبق ذكره.
( [11] ) من هذه الكتب: المرشد الحديث في التربية العملية والتدريس المصغر، تأليف عبد الله عمر الفرا وعبد الرحمن عبد السلام جامل، صدر عام 1999م، وقد أشرنا إليه قبل قليل.
( [12] ) من ذلك مثلاً البحث الذي أعده حسن حسيني جامع بعنوان: التعليم المصغر ودوره في إعداد المعلمين، ونشر في مجلة تكنولوجيا التعليم، العدد التاسع، 1982م.
( [13] ) Stoddat, John Dennis. Microteaching: Current Practice in Britain with Special Reference to ESOL. Working Documents. London: London University, Institution of Education, 1981, P. 15.
( [14] ) Ibid.
( [15] ) Vare, Jontha. Co-Constructing the Zone. Op. Cit., PP. 9, 10
( [16] ) Cassel, Jeanne: Micro-Teaching with a Multicultural Focus. Op. Cit. See also: Stoddart, John: Microteaching: Current Practice in Britain. Op. Cit.(9/340)
( [17] ) Yoneyama, Asaji. Integration of Theory and Practice in a Pre-service Teacher Training Course. ERIC, 1988, PP. 2, 3.
( [18] ) Ortiz, Flora. The Use of Video-Tape and Micro-Teaching in the Preparation of Bilingual Teachers. Paper Presented at the Annual Meeting of the American Educational Research Association, 10th. Chicago: 1985, P.5.
( [19] ) Bartley, D. E. “Microteaching: Rationale, Procedures, and Application to Foreign Language.” Audio-Visual Language Journal 7, 3 (1970) : 139-44.
( [20] ) McAleese, W. R. “Microteaching: A New Tool in the Training of Teachers”. Educational Review V. 25, No. 5, (1973) .
( [21] ) Brown, G. Microteaching: A Program of Teaching Skills. London: Methuen, 1975.
( [22] ) Golebiowska, Aleksandra. Role-Play in Pre-Service Teacher Training. Paper Presented at the Annual Meeting of the International Association for Teachers of English as a Foreign Language (22nd, Edinburgh, Scotland, April, 11-14, 1988) .
( [23] ) Stoddart, John Dennis: Microteaching: Current Practice in Britain. Op. Cit. PP. 2-6.
( [24] ) Woodward, Teassa. The Teacher Trainer: A Practical Journal Mainly for Modern Language Teacher Trainers. Teacher Trainer, V 12 n1-3, Spr-Aut, 1998.
( [25] ) Morgan, Simpson. Professor-in Residence: Redefining the Work of Teacher Educators. ERIC, 1998.
( [26] ) Yoneyama, Asaji. Integration of Theory and Practice in a Pre-service Teacher Training Courses. Op. Cit.(9/341)
( [27] ) بالإضافة إلى ترجمة محمد رضا بغدادي لكتاب جورج براون، وترجمة صادق عوده ومحمد الخوالدة لكتاب الن وريان، نشير إلى بحث ماجستير غير منشور أعده عبد القادر عباس مجاهد عام 1413هـ، في قسم المناهج وطرق التدريس في كلية التربية بجامعة أم القرى، عنوانه: فاعلية التدريس المصغر في تنمية بعض المهارات التدريسية للطلاب المعلمين بقسم الجغرافيا في جامعة أم القرى بمكة المكرمة.
( [28] ) أشرنا في هذا الصدد إلى كتاب: المرشد الحديث في التربية العملية والتدريس المصغر، تأليف: الدكتور عبد الله عمر الفرا والدكتور عبد الرحمن عبد السلام جامل، الذي صدر عام 1999م.
( [29] ) بالإضافة إلى بحث حسن حسيني جامع، الذي أشرنا إليه قبل قليل، ثمة بحوث أخرى منها: بحث قدمه عبد الرحيم صالح عنوانه: التعليم المصغر: برنامج للتدريب التربوي، نشر في مجلة تكنولوجيا التعليم، الكويت، العدد الثامن، 1981م. وهناك دراسة تحليلية أعدها الباحث علي محمد عبد المنعم، بعنوان: دراسة تحليلية للبحوث السابقة في مجال التدريس المصغر، كتاب المؤتمر العلمي الأول للجمعية المصرية لتكنولوجيا التعليم، القاهرة، أكتوبر، 1991م. ودراسة مسحية أعدها الباحث فتح الباب عبد العليم سيد، عنوانها: التعليم المصغر عبر التاريخ، مجلة تكنولوجيا التعليم، الكويت العدد التاسع، 1982.
( [30] ) نشير في هذا الصدد إلى محاضرات الدكتور رشدي أحمد طعيمة في المناهج وطرائق تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها التي ألقاها على طلاب الماجستير في قسم تأهيل معلمي اللغة العربية بمعهد تعليم اللغة العربية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض عام 1404هـ، والتي تضمنت تطبيقات عملية في استخدام التدريس المصغر في برامج تدريب معلمي اللغة العربية للناطقين بغيرها.(9/342)
( [31] ) إسحاق محمد الأمين. منهج الأيسيسكو لتدريب معلمي اللغة العربية للناطقين بغيرها: أساسيات طريقة التدريس والتربية العملية لدورات تدريب المعلمين. الرباط: منشورات المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (أيسيسكو) ، 1418هـ.
( [32] ) من ذلك إشارة الدكتور محمود أحمد السيد إلى اعتماد التدريس المصغر والتغذية الراجعة ضمن مظاهر التطور في ميدان تعليم اللغات، في بحثه المنشور في المجلة العربية للتربية م6، ع1، 1986م، ص 151.
( [33] ) نشير في هذا الصدد إلى بعض الكتب القيمة التي صدرت لعدد من الأساتذة المتخصصين في الميدان، والتي حملت عناوين، مثل: مرشد المعلم، ودليل المعلم …، منها: مرشد المعلم في تدريس اللغة العربية للناطقين بغيرها: تطبيقات عملية لتقديم الدروس وإجراء التدريبات، تأليف كل من الدكتور محمود إسماعيل صيني، والأستاذين ناصف مصطفى عبد العزيز، ومختار الطاهر حسين، ونشر مكتب التربية العربي لدول الخليج في الرياض الطبعة الأولى منه عام 1403هـ، والثانية 1406هـ. ومنها: مرشد المعلم الذي أعده الدكتور رشدي أحمد طعيمة والدكتور محمود كامل الناقة، ونشرته جامعة أم القرى عام 1405هـ. ومنها أيضاً: دليل المعلم للكتاب الأساسي في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، الذي أعده الدكتور فتحي علي يونس والدكتور السعيد محمد البدوي، ونشرته المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم في تونس عام 1983م. وقد اقتصرت هذه الأدلة على توجيه المعلمين إلى استخدام الكتب الأساسية المرتبطة بها، استخداماً تطبيقياً، باستثناء كتاب الدكتور محمود صيني ومساعديه الذي أشير فيه إلى بعض التوجيهات في تحضير الدروس في الصفحات من 265-272، غير أن هذه الأدلة جميعها لم تشر إلى التدريس المصغر.
( [34] ) Stoddart, John Dennis: Microteaching: Current Practice in Britain. Op. Cit., P. 13(9/343)
( [35] ) Brumfit, C. J. “Aseven-day Microteaching Programme for EFL Teachers.” In Microteaching and EFL Teacher Education. University of London, Institute of Education. P. 123, 1979.
( [36] ) هذا النوع من التدريب نادر في الجامعات العربية، رغم انتشاره في بعض الجامعات الغربية.
( [37] ) غالباً ما تجتمع هذه المشكلات في الدورات القصيرة التي تقام لتدريب معلمي اللغة العربية والثقافة الإسلامية خارج الوطن العربي؛ فتزداد الحاجة إلى التدريس المصغر.
( [38] ) كمقرر طرائق تدريس اللغة العربية، ومقررات العلوم الشرعية والسيرة النبوية للناطقين بغير العربية، في برامج إعداد معلمي اللغة العربية.
( [39] ) سوف نقدم أنموذجاً لهذا الجدول في الجزء التطبيقي من هذا البحث، إن شاء الله.
( [40] ) Stoddart, John Dennis. Microteaching: Current Practice in Britain. Op. Cit., P. 47
( [41] ) Ortiz, Flora. The Use of Video-Tape and Micro-Teaching in the Preparation of Bilingual Teachers. Op. Cit., P. 5, 1985
( [42] ) Ibid.
( [43] ) تحديد الطريقة أو المذهب ليس من الأمور الضرورية، كما سوف نرى في الدرس النموذجي.
( [44] ) نُذَكِّر هنا أنه لا شيء أفضل من الحالات الطبيعية، إن توفرت ولم يترتب عليها مشكلات تربوية أو فنية، كما ننبه إلى ما أشرنا إليه من قبل من أن التدريس المصغر مكمل للتدريب العملي، وليس بديلاً عنه.
( [45] ) Golebiowska, Aleksendra. Role-Plays in Pre-Service Teacher Training. Op. Cit., P. 6.
( [46] ) Mcknight, P. C. “Microteaching in Teacher Training: A Review of Research.” Research in Education 6, (1971) : 32.
( [47] ) Wallace, Michael. Training Foreign Language Teachers: a Reflective Approach. Op. Cit., P.101(9/344)
( [48] ) الإشادة بأداء المتدرب ليست ضرورية في كل مرة ومع كل طالب، وإنما يلجأ إليها عند تحليل الدرس الأول والثاني، وربما الثالث؛ تشجيعاً للمتدربين.
( [49] ) Stoddat, John Dennis. Microteaching: Current Practice in Britain. Op. Cit., P. 55
( [50] ) Ibid.
( [51] ) Ibid.
( [52] ) يلاحظ أن المتدرب لا يقوِّم نفسه في بعض أنواع التدريس المصغر، وبخاصة التدريس المصغر الختامي، كما سوف نرى فيما بعد.
( [53] ) Yoneyama, Asaji. Integration of Theory and Practice in a Pre-service Teacher Training Course. Op. Cit., PP. 8-11.
( [54] ) سوف نقدم – في الجانب التطبيقي - أنموذجاً لأداة التقويم.
( [55] ) اتباعاً لمبدأ التدرج في تقديم المواد اللغوية؛ يقتصر هنا – فيما ينوب عن الفاعل – على الشائع منها، وهو المفعول به، ثم يعرف الطلاب في مرحلة لاحقة بالمصدر واسم المصدر والظرف والجار والمجرور.
( [56] ) وذلك من خلال أمثلة النص وتطبيقه في التدريب الأول.
( [57] ) الأعراف: 204
( [58] ) بالطريقة التي سوف نبينها في مرحلة التدريس بعد قليل.
( [59] ) يلاحظ هنا أن المعلم قد أعاد صياغة القاعدة صياغة علمية من غير أن يقاطع الطالب.
(60) لاحظ أن الطلاب في هذا المثال بدأوا يستعملون أسلوب المعلم في التعبير عن التغييرات في شكل الفعل، بخلاف تعبيرهم في المثال الأول (أُخِذ) .
( [61] ) هذه البطاقة يمكن أن تكون بطاقة الملاحظة أو قريبة منها.
( [62] ) يؤخذ متوسط درجات الحضور بعد أن تجمع وتقسم على عددهم.(9/345)
ظاهرة الغموض بين عبد القاهر الجرجاني والسجلماسي
د. محمود درابسه
الأستاذ المشارك بقسم اللغة العربية - جامعة اليرموك
إربد – الأردن
ملخص البحث
يتناول هذا البحث ظاهرة الغموض بوصفه جوهر النص الابداعي وأساسه. حيث يتجسد هذا الغموض من خلال أساليب البلاغة التي تجعل من النص الابداعي نصاً إبداعياً يتميز عن غيره من الكلام.
وقد تناول البحث هذه الظاهرة الفنية من خلال ناقدين هما: عبد القاهر الجرجاني (ت471هـ) وأبو محمد القاسم السجلماسي (ت. القرن الثامن الهجري) .
وقد انقسم البحث إلى ما يلي:
أولاً – إضاءة: الغموض مفهوماً ومصطلحاً.
ثانياً – عناصر الغموض:
1. عناصر الغموض عند عبد القاهر الجرجاني.
2. عناصر الغموض عند السجلماسي.
ثالثاً – الغموض والمتلقي.
أولاً – إضاءة: الغموض مفهوماً ومصطلحاً.
أشارت المعاجم العربية القديمة إلى الغموض من خلال استخداماته اللغوية المختلفة، فالغموض في اللغة مصدر من غمض (بفتح الميم وضمها) وكل ما لم يصل إليك واضحاً فهو غامض، ولذلك فالغامض من الكلام خلاف الواضح، كما يقال للرجل الجيد الرأي: قد اغمض النظر. والمسألة الغامضة: هي المسألة التي فيها دقة ونظر. ومعنى غامض: لطيف (1) .
كما يحمل مصطلح الغموض (Ambiguty) في المعاجم الإنجليزية المعاصرة معنى اللغة المجازية (Figurative Language) أو تعدد احتمالات المعنى، تلك اللغة التي تمثل المستوى الفني والجمالي المتصل بالدلالات والرموز المرتبطة بالأعمال الابداعية كالشعر مثلاً (2) .
فالغموض الذي يعنيه البحث هنا هو "ليس ذلك الذي يصعب فتح أقفاله وتخطي أسواره ليصل إلينا، بل هو السمة الطبيعية الناجمة عن آلية عمل القصيدة العربية وعناصرها المكونة من جهة، وعن جوهر الشعر الذي هو انبثاق متداخل من تضافر قوات عدة من الشعور والروح والعقل متسترة وراء اللحظة الشعرية" (3) .(9/346)
والغموض المعني هنا هو ما شدك إلى حوار معه، واستفز مشاعرك وعقلك من خلال غموض عباراته وصوره وموسيقاه، إذ يتجسد الغموض في ثراء النص الابداعي، وتعدد دلالاته وقراءاته، مما يخلق نوعاً من اللذة الحسية والذهنية تجاه خبايا النص واللامتوقع أو اللامنتظر في صوره وجمالياته الفنية. وهذه الحال تخلق نوعاً من التواصل والألفة بين النص والقارئ الذي يتلقى النص، ويشعر أنه بحاجة إليه مهما كان غامضاً ليطفئ من خلاله لهيب مشاعره، وطموحه الذهني.
ولذا، فإن الغموض له دلالتان: دلالة جمالية يكون الغموض بموجبها فنا، ودلالة لغوية يكون فيها إبهاماً وتعمية. وبهذا المفهوم يشكل الغموض ظاهرة فنية مرتبطة بالفن الإنساني، وبالفنان المبدع، مما يجعل المتلقي لهذا العمل الفني بحاجة حسية وفكرية ماسة من أجل فك رموز العمل الفني، وتفسير دلالاته، وتحديد قراءاته، لكي يقف المتلقي على طبيعة العمل الفني وجوهره، وهذه الحال تشكل قمة اللذة الحسية والذهنية عند المتلقي، كما أنها تجسد غاية المبدع وهدفه، وهذا هو سر النص الابداعي، وجوهر وجوده.
وقد نال مصطلح الغموض من القلق والاضطراب أكثر من أي مصطلح نقدي آخر لارتباطه بجوهر العمل الابداعي من حيث المبدع والنص والمتلقي. ويعود هذا القلق والاضطراب في تحديد مصطلح الغموض إلى تعدد مستوى درجاته، وإلى الاختلاف في تحديد مفهومه، ومعرفة غايته وأهميته، كما تعود اشكالية تحديد مصطلح الغموض إلى مرادفاته اللغوية الكثيرة مثل التعمية والإبهام والاستغلاق والألغاز وغيرها من التسميات التي ربما يضلل بعضها المتلقي في تقدير أهمية المصطلح ومفهومه ووظيفته (4) .(9/347)
ولذلك، فإن حديث العلماء العرب القدماء عن "الغموض حديث مفرق متناثر في دراسات المفسرين والأصوليين واللغويين والنحاة والبلاغيين. كما كانت عناية القدماء بالتطبيق في دراستهم لهذه الظاهرة، أكثر من عنايتهم بالتنظير، كما هو شأنهم دائماً، ولكن الذي لا شك فيه أن ظاهرة الغموض بما لها من صلة ببنية الكلام قد لفتت أنظار القدماء منذ وقت مبكر، ولم يمنعهم إيمانهم العميق بإعجاز القرآن الكريم وقدسيته، من دراستها من خلال آياته، وقد استخدموا في الدلالة على ذلك مصطلحات كثيرة أشاروا بها إلى غموض المعنى ودرجات هذا الغموض مثل تعدد المعنى، وغير ذلك، سواء في القرآن الكريم أو الشعر، وتعددت هذه المصطلحات واختلفت اختلاف العلماء بين مفسرين ولغويين ونحاة وأصوليين وبلاغيين، وفي أحيان كثيرة كان المصطلح الواحد يتردد بأكثر من مفهوم في كل بيئة من هذه البيئات العلمية، ولكنها كانت تتفق جميعاً على خفاء المعنى أو عدم وضوحه أو تعدده، سواء في المفردات أو التراكيب" (5) .
وكذلك فقد تعددت عند العلماء العرب القدماء الأسباب التي عزوا إليها غموض المعنى، فكانت إما تعود الأسباب إلى البنية الصوتية للكلمة والكلام، أو تعقد التركيب النحوي، أو بعد الاستعارة والتشبيه واستغلاقهما، أو مخالفة قواعد عمود الشعر العربي (6) .
فقد استخدم سيبويه (ت 180هـ) مصطلح اللبس للدلالة على الغموض الناشئ عن وجود لفظ يحتمل أكثر من معنى أو دلالة أو تركيب يؤدي إلى الغموض. يقول سيبويه: "وينبغي لك أن تسأل عن خبر من هو معروف عنده (يقصد السامع) كما حدثته عن خبر من هو معروف عندك بالمعروف، وهو المبدوء به" (7) . ويقصد سيبويه هنا بأن الأصل في المبتدأ أن يكون معرفة لكي يصح السؤال عنه، وإذا لم يكن كذلك وقع الغموض في الكلام، وترتب عليه عدم فهم السامع.(9/348)
ولعل الآمدي (ت 370هـ) من أوائل النقاد العرب القدماء الذين استخدموا مصطلح الغموض في كتابه الموازنة بين أبي تمام والبحتري، حيث وصف شعر أبي تمام بالغموض والاستغلاق في المعاني والصور مقابل وصفه لشعر البحتري الذي يتسم بوضوح المعنى وقربه. يقول الآمدي: "فإن كنت…ممن يفضل سهل الكلام وقريبه، ويؤثر صحة السبك وحسن العبارة وحلو اللفظ وكثرة الماء والرونق فالبحتري أشعر عندك ضرورة. وإن كنت تميل إلى الصنعة، والمعاني الغامضة التي تستخرج بالغوص والفكرة، ولا تلوي على غير ذلك فأبو تمام عندك أشعر لا محالة" (8) . ويقول كذلك بهذا الخصوص ناسباً أبا تمام إلى النزعة الفلسفية والتعقيد والغموض: "وذلك كمن فضل البحتري، ونسبه إلى حلاوة اللفظ، وحسن التخلص ووضع الكلام في مواضعه، وصحة العبارة، وقرب المآتي، وانكشاف المعاني، وهم الكتاب والأعراب والشعراء المطبوعون وأهل البلاغة، ومثل من فضل أبا تمام، ونسبه إلى غموض المعاني ودقتها، وكثرة ما يورد، مما يحتاج إلى استنباط وشرح واستخراج، وهؤلاء أهل المعاني والشعراء أصحاب الصنعة ومن يميل إلى التدقيق وفلسفي الكلام" (9) .
ويكشف هذا الفهم للآمدي عن إدراكه لأهمية الغموض ووظيفته في الشعر، وذلك على الرغم من تفضيله للبحتري مقابل رفضه لشعر أبي تمام. إذ حدد الآمدي أسباب الغموض وعناصره في شعر أبي تمام، وعبر كذلك عن دهشته. إزاء الغموض ومفاجآته في شعر أبي تمام، وبذلك يكون الآمدي أول من وضع مصطلح الغموض الشعري أمام النقاد العرب القدماء.(9/349)
وقد اتضح معنى الغموض وأهميته عند أبي اسحق الصابي (ت 384هـ) ، حيث حدد الفرق بين النثر والشعر، مبيناً أن النثر مجاله الوضوح في المعاني والألفاظ، وأما الشعر فمجاله الغموض، حيث يخلق الغموض في الشعر مفاجآت من خلال تعدد المعاني، والاحتمالات المختلفة في التفسير، وبهذا التعدد تتشكل اللذة الحسية والعقلية عند قارئ الشعر ومتلقيه. يقول أبو اسحق الصابي: "إن طريق الإحسان في منثور الكلام يخالف طريق الإحسان في منظومه، لأن الترسل هو ما وضح معناه، وأعطاك سماعه في أول وهلة ما تضمنته ألفاظه. وأفخر الشعر ما غمض، فلم يعطك غرضه إلا بعد مماطلة منه" (10) .
كما كان لعمود الشعر الذي أرسى قواعده المرزوقي (ت 421هـ) في شرحه لديوان الحماسة لأبي تمام دور سلبي على الشعر العربي، ولا سيما في الحركة النقدية حول أبي تمام، الشاعر المبدع. فقد حدد المرزوقي أركان عمود الشعر التي تنفي صفة الغموض، وعمق الاستعارة عن الشعر الجيد وتحبذ وتلزم الشاعر بضرورة اتباع الوضوح، وقرب التشبيه، ومناسبة المستعار منه للمستعار له، يقول: "إنهم كانوا يحاولون شرف المعنى وصحته، وجزالة اللفظ واستقامته، والإصابة في الوصف –ومن اجتماع هذه الأسباب الثلاثة كثرت سوائر الأمثال، وشوارد الأبيات- والمقاربة في التشبيه، والتحام أجزاء النظم والتئامها على تخير من لذيذ الوزن، ومناسبة المستعار منه للمستعار له، ومشاكلة اللفظ للمعنى، وشدة اقتضائها للقافية حتى لا منافرة بينهما- فهذه سبعة أبواب هي عمود الشعر" (11) .(9/350)
ومن خلال هذا التصور عند المرزوقي، فقد لجأ إلى تفضيل النثر على الشعر، وقد عد سبب كثرة الشعراء إلى أن الشاعر يستطيع أن يؤدي شعره بكل ما فيه من غموض وخفاء وغرابة دون اهتمام بالوضوح في المعاني والألفاظ، وهذا يعد أمراً يحتاج إلى معاناة وجهد، ولذا فإن المترسلين يعانون في سبيل الوضوح في المعاني والألفاظ أكثر من الشعراء، وبهذا يكون الغموض سمة للضعف في الشعر. يقول: "وكان الشاعر يعمل قصيدته بيتاً بيتاً، وكل بيت يتقاضاه بالاتحاد، وجب أن يكون الفضل في أكثر الأحوال في المعنى، وأن يبلغ الشاعر في تلطيفه. والأخذ من حواشيه، حتى يتسع اللفظ له، فيؤديه على غموضه وخفائه" (12) .
ولعل تسمية الغموض بهذا الاسم قد ترك أثراً سلبياً عند النقاد والبلاغيين العرب القدماء، مما جعلهم يستبدلونه بمرادفات أخرى لها نفس المضمون والمعنى، حيث أصبح الغموض ومرادفاته يجسد علامة للجودة وأساساً للشعرية الحقة. ولهذا فقد استخدم عبد القاهر الجرجاني (ت 471هـ) مصطلح الغموض من خلال الإشارة إليه مباشرة أو من خلال تسميات تدل عليه مثل التوسع (13) ، والغرابة (14) ، ومعنى المعنى، حيث بين عبد القاهر الجرجاني أن الغموض يكمن في المعنى الثاني أو المستوى الفني المتمثل في العمل الأدبي سواء أكان نثراً أو شعراً. يقول: "الكلام على ضربين: ضرب أنت تصل منه إلى الغرض بدلالة اللفظ وحده وذلك إذا قصدت أن تخبر عن زيد مثلاً بالخروج على الحقيقة فقلت خرج زيد. وبالانطلاق عن عمرو فقلت: عمرو منطلق: وعلى هذا القياس. وضرب آخر أنت لا تصل منه إلى الغرض بدلالة اللفظ وحده ولكن يدلك اللفظ على معناه الذي يقتضيه موضوعه في اللغة ثم تجد لذلك المعنى دلالة ثانية تصل بها إلى الغرض ومدار هذا الأمر على الكناية والاستعارة والتمثيل" (15) .(9/351)
وفي ضوء ما سبق، فقد استقر مصطلح الغموض بتسمياته المختلفة عند عبد القاهر الجرجاني، وأصبح يجسد المستوى الفني للعمل الابداعي، بوصفه جوهر الشعر وأساسه.
كما ارتبط الغموض عند السلجماسي (ت القرن 8هـ) بتسميات مختلفة تجسد الجوانب الأسلوبية التي يستند النص الابداعي إليها، وتجعل من النص الابداعي نصاً إبداعيا، مثل: الكناية والإشارة والغرابة وغيرها (16) ، وعلاقة ذلك بالمتلقي، من حيث خلق اللذة والدهشة عنده على المستويين الحسي والعقلي.
وأما حضور مصطلح الغموض في النقد المعاصر، فيرجع الفضل فيه إلى الناقد والشاعر الإنجليزي وليام امبسون (William Empson – 1906) في كتابه المعروف سبعة أنماط من الغموض (Seven Types of Ambiguity) الذي نشره عام 1930م، حيث عرّف الغموض بقوله: كل ما يسمح لعدد من ردود الفعل الاختيارية إزاء قطعة لغوية واحدة" (17) . وبناء على ذلك، فقد حدد أنماط الغموض في سبعة أنواع هي (18) :
1. النوع الأول من الغموض يحدث عندما يتجسد في النص عدداً من التفاصيل التي تتحدث عن دلالات متعددة في الوقت نفسه، ويتمثل ذلك في الاستعارة البعيدة أو الإيقاع أو الوزن.
2. النوع الثاني يتمثل في وجود تركيب نحوي في النص يسمح بتعدد التأويلات.
3. النوع الثالث، يحدث في النص عندما يتوفر فيه عدد من المفردات أو التراكيب ذات الدلالات المشتركة.
4. النوع الرابع يتمثل في عدد من التراكيب ذات المعاني المتبادلة التي تجسد نوعاً من التعقيد في تفكير المؤلف.
5. النوع الخامس، يحدث عندما تظهر في لغة المؤلف جمل وعبارات متداخلة، تظهر عدم قدرة المؤلف على تحديد مراده.
6. النوع السادس، يحدث عندما تظهر في لغة المؤلف عدة تراكيب ذات معاني متناقضة.
7. النوع السابع، يتمثل في نوع من التعارض أو التناقض التام الذي يقع أحياناً في لغة المؤلف مما يعكس نوعاً من التشتيت الذهني.(9/352)
ولعل هذا التحديد الواضح لمصطلح الغموض وأنماطه عند امبسون قد سبقته بعض الاهتمامات عند الأوروبيين من خلال دراستهم للنصوص الأدبية، ومثال ذلك جهود الشاعر الإيطالي دانتي (Dante) الذي كان أول من نظر في تعدد مستويات المعنى في النص الأدبي، كما فتحت دراسة الناقد الإنجليزي جريرسون (Grierson) عن الشاعر جون دون (Jhon Donne) الباب في هذا المجال من أجل الكشف عن مظاهر الغموض في شعر بعض الشعراء وتعدد مستويات المعنى فيه (19) .
ثانياً – عناصر الغموض
1. عناصر الغموض عند عبد القاهر الجرجاني.
لقد بين عبد القاهر الجرجاني أهمية الغموض وعناصره، وفرق بين الغموض والتعقيد السلبي الناشئ عن الضعف والركاكة وسوء الفهم، كما أبرز الفرق بين الغموض والوضوح، إذ إن سمة الغموض ركيزة أساسية للعمل الابداعي.
ولذا فقد عد الجرجاني سوء النظم والتأليف وانغلاق الكلام سبباً من أسباب التناهي في الغموض إلى درجة التعقيد، يقول: "واعلم أن لم تضق العبارة ولم يقصر اللفظ ولم ينغلق الكلام في هذا الباب إلا لأنه قد تناهى في الغموض والخفاء إلى أقصى الغايات" (20) .(9/353)
ويكشف هذا الموقف للجرجاني عن إدراكه لأهمية الغموض في بنية النص الابداعي، فهو جوهره وأساسه. فالغموض هو الذي يثير الدهشة والاستفزاز للمتلقي، ويجعل من النص الابداعي نصاً ابداعياً. ومن هنا، فإن الجرجاني لا يعارض الوضوح والقرب في المعاني الأدبية شريطة أن لا يصل هذا الوضوح إلى حد السطحية والركاكة والضعف مما يبعد النص الابداعي عن جوهره وإثارته للمتلقي. فالنص الذي تتعدد وجوه التأويل فيه، ويستفز القارئ إلى بذل الجهد في المتابعة والتفكير هو النص الابداعي الأصيل. كما أن وضوح النص في ظاهره، وفي قراءة القارئ الأولية له لا يعني الوضوح السطحي، فقد يبدو القول التالي: (كالبدر أفرط في العلو) سهلاً وبسيطاً، بيد أن المتفحص لهذا التشبيه يخرج إلى معاني أخرى إضافية تحتاج إلى التفكير والدقة. يقول الجرجاني: "هذا- وليس إذا كان الكلام في غاية البيان وعلى أبلغ ما يكون من الوضوح أغناك ذاك عن الفكرة إذا كان المعنى لطيفاً، فإن المعاني الشريفة اللطيفة لا بد فيها من بناء ثان على أول، ورد تال إلى سابق. أفلست تحتاج في الوقوف على الغرض من قوله: "كالبدر أفرط منه ووجه المجاز في كونه دانياً شاسعاً وترقم ذلك في قلبك ثم تعود إلى ما يعرض البيت الثاني عليك من حال البدر ثم تقابل إحدى الصورتين بالأخرى وترد البصر من هذه إلى تلك وتنظر إليه كيف شرط في العلو الإفراط ليشاكل قوله "شاسع" لأن الشسوع هو الشديد من البعد ثم قابله بما لا يشاكله من مراعاة التناهي في القرب فقال "جد قريب". فهذا هو الذي أردت بالحاجة إلى الفكر، وبأن المعنى لا يحصل لك إلا بعد انبعاث منك في طلبه واجتهاد في نيله" (21) .(9/354)
فمجال الغموض إذن عند عبد القاهر الجرجاني يكمن في المستوى الفني للعمل الابداعي المتمثل في ضروب البلاغة المختلفة مثل الكناية والمجاز والاستعارة والتشبيه ثم في الصورة والصياغة. يقول "قد أجمع الجميع على أن الكناية أبلغ من الإفصاح والتعريض أوقع من التصريح. وأن للاستعارة مزية وفضلاً. وأن المجاز أبداً أبلغ من الحقيقة" (22) . وهذا الفهم هو ما عبر عنه الجرجاني في موقع آخر من كتابه دلائل الإعجاز ليسميه بمعنى المعنى وهو المستوى الفني الذي يقع فيه الغموض. يقول: "وإذ قد عرفت هذه الجملة فها هنا عبارة مختصرة وهي أن نقول المعنى ومعنى المعنى تعني بالمعنى المفهوم من ظاهر اللفظ والذي تصل إليه بغير واسطة وبمعنى المعنى أن تعقل من اللفظ معنى ثم يفضي بك ذلك المعنى إلى معنى آخر" (23) .
وقد استخدم الجرجاني ألفاظاً تعبر عن المستوى الفني للعمل الابداعي، وهي أقل سلبية في ظاهرها الخارجي من لفظة الغموض التي تعكس معنى سلبياً للوهلة الأولى. وهذا يشكل حرص عبد القادر الجرجاني، وإدراكه لأهمية الغموض بمرادفاته المختلفة في العمل الابداعي، ولا سيما في النصوص الشعرية.
ولذا فقد استعمل الجرجاني مصطلح الغرابة ليشير إلى الغموض الفني في العمل الابداعي. يقول: "والمعنى الجامع في سبب الغرابة أن يكون الشبه المقصود من الشيء مما لا ينزع إليه الخاطر، ولا يقع في الوهم عند بديهة النظر إلى نظيره الذي يشبه بل بعد تثبت وتذكر وفكر للنفس في الصور التي تعرفها وتحريك الوهم في استعراض ذلك واستحضار ما غاب منه" (24) .(9/355)
كما أشار الجرجاني إلى مرادفات أخرى للغموض مثل التعقيد غير المقصود، والتعمية، وهذا ما يكسب العمل الابداعي قوة وخصوصية فنية، وأما إذا كان التعقيد والتعمية مقصودان لذاتهما فإن ذلك يفقد العمل الفني خصوصيته، ويبعده عن جوهره. يقول: "وأشباه ذلك مما ينال بعد مكابدة الحاجة إليه، وتقدم المطالبة من النفس به، فإن قلت فيجب على هذا أن يكون التعقيد والتعمية وتعمد ما يكسب المعنى غموضاً مشرفاً له وزائداً في فضله، وهذا خلاف ما عليه الناس. ألا تراهم قالوا: إن خير الكلام ما كان معناه إلى قلبك أسبق من لفظه إلى سمعك، فالجواب إني لم أرد هذا الحد من الفكر والتعب، وإنما أردت القدر الذي يحتاج إليه في نحو قوله: فإن المسك بعض دم الغزال" (25) .(9/356)
وقد جسد الجرجاني في مواقع أخرى من كتابيه دلائل الإعجاز وأسرار البلاغة جوهر الغموض المتمثل في الإشارة والكناية والرمز والصياغة والصورة، حيث تبرز هذه الأشكال والموضوعات البلاغية أهمية الغموض المتمثل في المستوى الفني الذي يجسد جوهر العمل الابداعي وأساسه. يقول: "ثم إن التوق إلى أن تقر الأمور قرارها، وتوضع الأشياء مواضعها، والنزاع إلى بيان ما يشكل، وحل ما يتعقد، والكشف عما يخفى، وتلخيص الصفة حتى يزداد السامع ثقة بالحجة، واستظهاراً على الشبهة، واستبانة للدليل، وتبييناً للسبيل شيء في سوس العقل، وفي طباع النفس إذا كانت نفساً ولم أزل منذ خدمت العلم أنظر فيما قاله العلماء في معنى الفصاحة والبلاغة، والبيان والبراعة، وفي بيان المغزى من هذه العبارات وتفسير المراد بها، فأجد بعض ذلك كالرمز والإيماء والإشارة في خفاء، وبعضه كالتنبيه على مكان الخبيء ليطلب، وموضع الدفين ليبحث عنه فيخرج، وكما يفتح لك الطريق إلى المطلوب لتسلكه، وتوضع لك القاعدة لتبني عليها، ووجدت المعول على أن ههنا نظماً وترتيباً، وتأليفاً وتركيباً، وصياغة وتصويراً، ونسجاً وتحبيراً، وأن سبيل هذه المعاني في الكلام الذي هي مجاز فيه سبيلها في الأشياء التي هي حقيقة فيها. وأنه كما يفضل هناك النظم النظم والتأليف التأليف، والنسج النسج والصياغة الصياغة. ثم يعظم الفضل. وتكثر المزية، حتى يفوق الشيء نظيره، والمجانس له درجات كثيرة، وحتى تتفاوت القيم التفاوت الشديد، كذلك يفضل بعض الكلام بعضاً. ويتقدم منه الشيء الشيء، ثم يزداد من فضله ذلك ويترقى منزلة فوق منزلة، ويعلو مرقباً بعد مرقب، ويستأنف له غاية بعد غاية، حتى ينتهي إلى حيث تنقطع الأطماع، وتحسر الظنون، وتسقط القوى، وتستوي الأقدام في العجز" (26) .(9/357)
فمجال الغموض في النص الابداعي هو الصياغة والتأليف والإشارة والرمز، فضلاً عن الكناية والتلويح والتعريض. وهذه المصطلحات تجسد معنى الغموض، وتبتعد عن سلبية المعنى الظاهري لكلمة الغموض. كما أنها تشكل جوهر العمل الابداعي الذي يتميز بخصوصيته الفنية التي تميزه عن الكلام العادي أو الكلام غير الابداعي. ولهذا فالنص الابداعي يستمد طاقته المتجددة من ضروب البلاغة التي تجعل النص الابداعي نصاً إبداعياً يحتاج متلقيه إلى طول التدبر والتفكير لكي يصل إلى فهمه ومعرفة ظلاله وإيحاءاته. يقول: "واعلم أن ذلك الأول وهو المشترك العامي، والظاهر الجلي والذي قلت أن التفاضل لا يدخله، والتفاوت لا يصح فيه، إنما يكون كذلك منه ما كان صريحاً ظاهراً لم تلحقه صنعة وساذجاً لم يعمل فيه نقش، فأما إذا ركب عليه معنى، ووصل به لطيفة، ودخل إليه من باب الكناية، والتعريض، والرمز، والتلويح، فقد صار بما غير من طريقته، واستؤنف من صورته، واستجد له من المعرض، وكسى من ذلك التعرض، داخلاً في قبيل الخاص الذي يملك بالفكرة والتعمل، ويتوصل إليه بالتدبر والتأمل. كقوله:
إلى نداك فقاسته بما فيها" (27) .
إن السحاب لتستحيي إذا نظرت(9/358)
إضافة إلى ما جاء من عناصر الغموض عند الجرجاني، فقد تبين أن قيمة المجاز والاستعارة والتمثيل تكمن في الغموض الذي يمنح النص حياة وقوة ويجعله نصاً ابداعياً متجدداً عند متلقيه. ويكمن هذا التجدد من انزياح الكلام في النص عن ظاهر اللفظ، وهذا ما يستفز المتلقي إلى إمعان النظر في النص، وإدراك أسراره وصوره وإيحاءاته، فالانزياح في النص الابداعي هو مجال الغموض، ويتمثل هذا الغموض والانزياح في المجاز وضروبه البلاغية، يقول: "اعلم أن الكلام الفصيح ينقسم قسمين قسم تعزى المزية والحسن فيه إلى اللفظة، وقسم يعزى ذلك فيه إلى النظم. فالقسم الأول الكناية والاستعارة والتمثيل الكائن على حد الاستعارة وكل ما كان فيه على الجملة مجاز واتساع وعدول باللفظ عن الظاهر، فما من ضروب من هذه الضروب إلا وهو إذا وقع على الصواب وعلى ما ينبغي أوجب الفضل والمزية" (28) .
كما يشكل التشبيه ضرباً من الغموض عند الجرجاني، ولا يمكن للقارئ أن يتوصل إلى خبايا الصورة التشبيهية إلا من خلال التأويل والتفكير. يقول: "ومثال الثاني وهو الشبه الذي يحصل بضرب من التأويل كقولك هذه حجة كالشمس في الظهور وقد شبهت الحجة بالشمس من جهة ظهورها كما شبهت فيما مضى الشيء بالشيء، من جهة ما أردت من لون أو صورة أو غيرهما إلا أنك تعلم أن هذا التشبيه لا يتم لك إلا بتأويل. وذلك أن تقول حقيقة ظهور الشمس وغيرها من الأجسام أن لا يكون دونها حجاب ونحوه مما يحول بين العين وبين رؤيتها، ولذلك يظهر الشيء لك ولا يظهر لك إذا كنت من وراء حجاب أو لم يكن بينك وبينه ذلك الحجاب" (29) .(9/359)
كما حاول الجرجاني التركيز على مصطلح الغموض نفسه، مبيناً، أهمية العقل في إدراك الفكرة التي يعبر عنها النص الابداعي من خلال ضروب البلاغة، والصياغة والتأليف. فالجرجاني هو ذلك الناقد العقلاني الفذ الذي يرفع من قيمة الفكرة، ويرى الوصول إليها من أهم أنواع اللذة النفسية في تتبع صور الجمال، فالمجاز والاستعارة والتشبيه والتمثيل ضروب تحرك القارئ إلى معرفة الفكرة وإدراكها التي يعبر عنها النص الابداعي، وبهذا يستطيع المبدع من خلال النص الإبداع أن ينقل القارئ من منطقة العقل وتتبع الفكرة إلى منطقة الحس والشعور بالنشوة واللذة النفسية العارمة، وهذه غاية أساسية للعمل الابداعي تجاه المتلقي، يقول الجرجاني: "ومن المركوز في الطبع أن الشيء إذا نيل بعد الطلب له أو الاشتياق إليه، ومعاناة الحنين نحوه، كان نيله أحلى، وبالميزة أولى، فكان موقعه من النفس أجل وألطف، وكانت به أضن وأشغف، وكذلك ضرب المثل لكل ما لطف موقعه ببرد الماء على الظمأ كما قال:
مواقع الماء من ذي الغلة الصادي
وهنّ ينبذن من قول يصبن به
وأشباه ذلك مما ينال بعد مكابدة الحاجة إليه، وتقدم المطالبة من النفس به، فإن قلت فيجب على هذا أن يكون التعقيد والتعمية وتعمد ما يكسب المعنى غموضاً مشرفاً له وزائداً في فضله" (30) .
وعد الجرجاني التباين والتنافر في أطراف التشبيه أكثر قدرة على شد المتلقي وإثارته واستفزازه لما في هذا التنافر من غموض يحرك العقل والحس معاً. يقول: "كلما كان مكان الشبه بين الشيئين أخفى وأغمض وأبعد من العرف كان الإتيان بكلمة التشبيه أبين وأحسن وأكثر في الاستعمال" (31) .(9/360)
ولعل استخدام كلمة الغموض والإصرار عليها إلى جانب المرادفات الأخرى لها مثل التعقيد والتعمية والغرابة والإشارة والتلويح والرمز والتعريض، فضلاً عن المجاز والكناية والاستعارة والتشبيه يعود لما لهذا الموضوع من قدرة على إضفاء الخصوصية الفنية على العمل الابداعي، ذلك العمل الذي يثير القارئ عقلاً وحساً، مما يجعل النص في دائرة التأويل والتفسير وتعدد الاحتمالات، وهذا ما يجعل النص الابداعي نصاً إبداعياً. فالغموض هو الذي يمنح النص خصوصيته الجمالية والإبداعية، يقول الجرجاني: "ثم إن ما طريقه التأول يتفاوت تفاوتاً شديداً. فمنه ما يقرب مأخذه ويسهل الوصول إليه ويعطي المقادة طوعاً، حتى أنه يكاد يداخل الضرب الأول الذي ليس من التأول في شيء، وهو ما ذكرته لك. ومنه ما يحتاج في استخراجه إلى فضل رؤية ولطف وفكرة" (32) .
وبهذا يكون الجرجاني قد استطاع إبراز أهمية الغموض في بنية النص الابداعي، وأن ضروب الغموض تشتمل على الصياغة والتركيب، فضلاً عن ضروب البيان والمعاني والبديع، إضافة إلى ذلك فقد ربط عبد القاهر الجرجاني الغموض باللذة العقلية والحسية عند القارئ. ولذلك فالغموض بأشكاله المختلفة من تعمية وتعقيد وغرابة يدفع القارئ إلى دائرة التأويل وإدراك الفكرة التي تضمنها النص الابداعي، وهذا ما يثير لذة نفسية وعقلية عند القارئ.
فالجرجاني قد أدرك أهمية الغموض بأنماطه المختلفة في تشكيل بنية النص الابداعي، ومنحه الخصوصية الفنية والجمالية، حيث النص الابداعي البعيد عن الغموض الفني نصاً سطحياً لا يرقى إلى العمل الابداعي الحقيقي الذي يجعل القارئ جزءاً من العملية الإبداعية، ومشاركاً فيها من خلال وقوعه في دائرة التأويل والتفسير، وتعدد المعاني والاحتمالات.
2- عناصر الغموض عند السجلماسي:(9/361)
لقد ابتعد السجلماسي تماماً عن استخدام كلمة الغموض بصفة مباشرة بوصفها الجوهر الأساسي لبنية النص الابداعي، واكتفى باستخدام مرادفات الغموض المتمثلة في ضروب البلاغة من بيان ومعاني وبديع، فضلاً عن تركيزه على العدول الأسلوبي بوصفه سمة أساسية للانتهاك اللغوي في النص الابداعي. ومن هنا، فقد وضح بشكل مباشر أن الغموض المتمثل في ضروب البلاغة، فضلاً عن الصياغة والبناء والعدول أفضل وأجمل من التصريح، ويعني بذلك الوضوح، لأن الوضوح الذي يصل بالكلام إلى السطحية لا يشكل سمة من سمات العمل الابداعي. يقول السجلماسي: "والمماثلة هي النوع الثالث من جنس التخييل، وحقيقتها التخييل والتمثيل للشيء بشيء له إليه نسبة وفيه منه إشارة وشبهة، والعبارة عنه به، وذلك أن يقصد الدلالة على معنى فيضع ألفاظاً تدل على معنى آخر، ذلك المعنى بألفاظه مثال للمعنى الذي قصد الدلالة عليه، فمن قبل ذلك كان له في النفس حلاوة ومزيد إلذاذ، لأنه داخل بوجه ما في نوع الكناية من جنس الإشارة، والكناية أحلى موقعاً من التصريح. ويشبه أن يكون السبب في ذلك هو أن التصريح إنما هو الدلالة على الشيء باسمه الموضوع له بالتواطئ كما قد تقرر في دلالة اللفظ، والدلالة على الشيء بالكناية وطريق المثل إنما هو بطريق الشبه، والشبه –كما قد قيل مراراً- هو أن يكون في الشيء نسبة من شيء أو نسب، وبالجملة هو أن يكون الشيئان في الواحد –بالمشابهة أو المناسبة- الموضوع للصناعة الشعرية فيوضع أحدهما مكان الآخر ويدل عليه، ويكنى به عنه، وفيه –أعني في الواحد بالمشابهة أو بالمناسبة- المكنى به، ما فيه من غرابة النسبة والاشتراك وحسن التلطف لسياقة التشبيه على غير جهة التشبيه، وفي التخييل بذلك كذلك ما فيه من بسط النفس وإطرابها للإلذاذ والاستفزاز الذي في التخييل" (33) .(9/362)
وانطلاقاً من هذا الاقتباس للسجلماسي يلاحظ الدارس أن الكناية تمثل ضروباً مختلفة ومتعددة من البلاغة مثل الإشارة والرمز والتلويح وغيرها، حيث تجسد هذه الضروب البلاغية الصناعة الشعرية، وهذه الإشارة للسجلماسي تعد من أهم الإشارات التي تجسد أهمية الغموض بمرادفاته المختلفة بوصفه أساساً للصناعة الشعرية، وبهذا يكون الغموض قد ارتبط عند السجلماسي بالأسلوب الذي يجسد الصناعة الشعرية. إضافة إلى ذلك، فقد ربط هذه العناصر الأسلوبية بالمتلقي من حيث اللذة والاستفزاز الناتجان عن النص الابداعي بأسلوبه وصياغته وتركيبه.
فمجال الصناعة الشعرية وأساسها عند السجلماسي يتمثل في المجاز والاستعارة والتشبيه والمماثلة أو التمثيل. فالغموض بمرادفاته المختلفة من ضروب الأسلوب يجسد الصناعة الشعرية. يقول: "التخييل: هذا الجنس من علم البيان يشتمل على أربعة أنواع تشترك فيه ويحمل عليها من طريق ما يحمل المتواطئ على ما تحته، وهي: نوع التشبيه، ونوع الاستعارة، ونوع المماثلة –وقوم يدعونه التمثيل- ونوع المجاز، وهذا الجنس هو موضوع الصناعة الشعرية" (34) .
وقد ركز السجلماسي على موضوع الإشارة بوصفه صورة حقيقية للغموض، الذي هو نقيض الوضوح، فيقول: "والإشارة عند الجمهور مثال أول لقولهم: أشار يشير كأنه الإيماء إلى الشيء والإلماع نحوه. وهو منقول بلوازمه وعوارضه المتقدمة، أو المتأخرة، أو المساوقة، من غير أن يصرح لذلك المعنى بلفظ أو قول يخص ذاته وحقيقته في موضوع اللسان" (35) .
كما حدد السجلماسي ضروب الإشارة التي تشكل جزءاً من موضوع الكناية بالتعريض والتلويح والإبهام والتنويه والتفخيم والرمز والإيماء والتعمية واللحن والتورية (36) .(9/363)
وقد ربط صاحب المنزع البديع هذه الأنماط الأسلوبية المتجسدة في الإشارة وضروبها بالتجاوز، وهو الخروج على المألوف، وذلك من خلال تجسيد هذه الأنماط الأسلوبية في النص الابداعي، حيث يتجاوز النص من خلالها الوصف اللغوي، والحقيقة اللغوية إلى المستوى الفني الذي هو أساس الصناعة الشعرية وجوهرها. وقد عد بذلك السجلماسي "التتبيع" نمطاً من أنماط الإشارة، حيث ينطلق مفهوم التتبيع إلى ما يمكن تسميته بالمعنى الثاني أو المستوى الفني للعمل الابدعي. يقول: "والتتبيع هو المدعو الإرداف، والمدعو عند قوم التجاوز. وقول جوهره وحقيقته هو اقتضاب في الدلالة على الشيء بلازم من لوازمه في الوجود، وتابع من توابعه في الصنعة. وقال قوم: هو أن يريد الدلالة على ذات المعنى فلا يأتي باللفظ الدال على ذلك المعنى لكن بلفظ هو تابع وردف. وقال قوم: هو أن يريد ذكر الشيء فيتجاوزه ويذكر ما يتبعه في الصفة وينوب عنه في الدلالة. ومن صوره قوله:
نؤؤم الضحى لم تنطبق عن تفضل
ويضحي فتيت المسك فوق فراشها
فإنما أراد أن يصفها بالترف والنعمة وقلة الامتهان في الخدمة، وأنها شريفة مكيفة المؤونة، فجاء بما يتبع ذلك وعبر عن الشيء بلازمه" (37) .(9/364)
وقد حدد السجلماسي مفهوم التجاوز من خلال استخدامه لكلمة العدول وهي تقابل مصطلح الانحراف الأسلوبي في النقد المعاصر، والذي يقابله بالإنجليزية كلمة (Deviation) . يقول: "العدول: والموطئ من أولية مثالية الاسم والحمل والمطاوعة بين. أعدله فعدل كالذي تقدم في صدر هذا الجنس. فالعدول مثال أول مصدر عدل عدولاً، وجهة تلاقي النقل فيه أيضاً النسبة، فلنقل في الفاعل وهو: افتنان إرادة وصف المتكلم شيئين إلى القصد الأول أو الثاني. والعدول اسم محمول يشابه به شيء شيئاً في جوهره المشترك لهما، فلذلك هو جنس متوسط تحته نوعان: أحدهما: التتمة، والثاني: التوجيه. وذلك لأنه إما أن يكون الأول تأكيداً أو تلاقياً أو غير ذلك من أغراض القول" (38) .
فالعدول أو التجاوز أو الاتساع هي تسميات تؤكد اهتمام السجلماسي وإدراكه للمستوى الفني المتمثل بأنماط الغموض ومرادفاته التي تشكل جوهر الصناعة الشعرية. فالعدول أو الاتساع هو الغموض الفني أصلاً، لأنه يتجاوز من خلاله المبدع المعاني الأول إلى المعاني الثواني وهي التي تشكل بنية النص، وتمنحه خصوصيته الفنية. فالاتساع هو الذي يضع القارئ في دائرة التأويل وتعدد الاحتمالات، وبهذه الاحتمالات يتشكل النص الابداعي، حيث إن جوهر الصناعة الشعرية ينطلق من تعدد الاحتمالات، والتأويل، وبهذا يتكون الغموض الفني الذي يعطي النص الحيوية، ويخلق فيه اللذة التي تدهش القارئ وتسره. يقول السجلماسي: "والاتساع هو اسم مثال أول منقول إلى هذه الصناعة، ومقول بجهة تخصيص عموم الاسم على إمكان الاحتمالات الكثيرة في اللفظ بحيث يذهب وهم كل سامع سامع إلى احتمال احتمال من تلك الاحتمالات، ومعنى من تلك المعاني. وقول جوهره في صنعة البديع والبيان هو صلاحية اللفظ الواحد بالعدد للاحتمالات المتعددة من غير ترجيح. وقيل: هو أن يقول المتكلم قولاً يتسع فيه التأويل" (39) .(9/365)
كما عد السجلماسي الغلو والمبالغة أسلوباً بلاغياً يعطي النص الابداعي خصوصيته وجماله وحيويته، فضلاً عن أن السجلماسي قد ربط الغلو بالخروج عن الحقيقة اللغوية والوصف المباشر إلى المبالغة، وهذا ما يخلق نوعاً من الكذب الفني كما أسماه السجلماسي، ويعني هذا الغموض الفني الناشئ عن أساليب البلاغة. ولعل هذا الربط بين المبالغة أو الغلو والكذب يعد من أهم النتائج التي توصل إليها السجلماسي في إدراك أهمية الغموض بوصفه أساس الصناعة الشعرية وجوهرها. فالكذب هنا هو المستوى الفني في النص الناشئ عن أساليب البلاغة. يقول: "والغلو: وهو المدعو الافراط عند قوم في صناعة الاشتقاق، هو من قولهم: غلا في الأمر يغلو غلواً، وهو يرادف الإفراط، ثم نقل من ذلك الحد إلى علم البيان على ذلك الاستعمال والوضع، فيوضع فيه على الافراط في الاخبار عن الشيء والوصف له، ومجاوزة الحقيقة إلى المحال المحض، والكذب المخترع لغرض المبالغة، وبالجملة هو أن يكون المحمول ليس في طبيعته أن يصدق على الموضوع وليس في طبيعة الموضوع ولا في وقت ولا على جهة أن يصدق عليه المحمول، لكن إذا حمل عليه وأنزل خبراً عنه، ووضع وصفاً له لقصد المبالغة. واختيار هذا النوع من طرق البلاغة وأساليب البديع هو أمر بالإضافة والحكم غير المطلق من قبل أن لأهل هذه الصناعة فيه رأيين: فقوم –وهم الأكثرون- يرون أن الشريطة فيه وملاك أمره هو أن يتجاوز فيه حال نوعي الوجود العقلي والحسي إلى المحال والكذب والاختراع. وقوم يرون التوسط فيه آثر وأحمد وأفضل في الصناعة إحجاماً ورهبة للاختراع والكذب. ونقول: إن من أحب الوقوف على الأرجح من الرأيين، وعلى الأدخل في الأمر الصناعي، فليس به غنى عن الفحص عن موضوع الصناعة الشعرية فنقول: إن موضوع الصناعة الشعرية هو التخييل والاستفزاز والقول المخيل المستفز من قبل أن القضية الشعرية إنما تؤخذ من حيث التخييل والاستفزاز فقط. دون نظر إلى صدقها وعدم(9/366)
صدقها. وقوم يرون أن القضية الشعرية إنما تؤخذ من حيث الامتناع، فالموضوع للصناعة الشعرية عندهم الممتنعات" (40) .
فالأشياء الممتنعة هي التي لا تعطي نفسها لقارئ إلا بعد مماطلة وروية وتفكر، وهذا هو ديدن العمل الابداعي. فالأساليب البلاغية هي التي تخرج اللغة فيها من وصف الحقيقة المباشرة إلى المستوى الفني الذي يضفي على النص سمة الجمال والحيوية التي تستفز القارئ إليه، وتجعله يفكر ويطيل النظر في الاحتمالات المتعددة والتساؤلات التي يتركها النص في فكره. ولهذا فقط ربط السجلماسي أساليب البلاغة ومن ضمنها المجاز بالصناعة الشعرية، وجعلها أساس هذه الصناعة وجوهرها. كما ربط هذه الأساليب بالمتلقي بوصفه المحاور للنص الابداعي. يقول السجلماسي: "واسم المجاز مأخوذ في هذا الموضوع من علم البيان بخصوص، ففيه استعمال عرفي بحسب الصناعة، وقول جوهره هو القول المستفز للنفس المتيقن كذبه، المركب من مقدمات مخترعة كاذبة" (41) .
وربط السجلماسي أسلوب الالتفات بالغرابة والغموض، لأنه فيه يتحول من معنى لآخر في النص الابداعي، مما يجعل المتلقي إزاء دائرة واسعة من التأويل، وتعدد الاحتمالات، وهذا الأسلوب يضفي نوعاً من اللذة على نفسية المتلقي، وذلك من خلال انتهاك النسق اللغوي المألوف في الوصف المثالي. فانتقال الكلام الابداعي من صيغة إلى صيغة، ومن خطاب إلى غيبة، ومن غيبة إلى خطاب يجسد لوناً من ألوان الغموض الفني الذي يميز النص الابداعي. يقول: "الالتفات: وهو عند قوم خطاب التلون. والموطئ ها هنا أيضاً كالموطئ في جنسه. والفاعل هو: ما تقرر عند تقسيم جنسه، وهو تردد المتكلم في الوجوه… وفائدة هذا الأسلوب من النظم والفن من البلاغة استقرار السامع والأخذ بوجهه، وحمل النفس بتنويع الأسلوب وطراءة الافتنان على الإصغاء للقول والارتباط بمفهومه" (42) .(9/367)
كما ربط السجلماسي أسلوب التشكيك بالغموض الناتج عن الخفاء والشك والالتباس والاختلاط الذي يوقع المتلقي ويدهشه. يقول: "والتشكيك هو إقامة الذهن بين طرفي شك وجزئي نقيض وهو من ملح الشعر وطرف الكلام، وأحد الوجوه التي احتيل بها لإدخال الكلام في القلوب وتمكين الاستفزاز من النفوس وفائدته الدلالة على قرب الشبهين حتى لا يفرق بينهما ولا يميز أحدهما من الآخر، فلذلك كان له في النفس حلاوة وحسن موقع. بخلاف نوع الغلو والسبب في ذلك أن المتكلم موهم أن ذهنه قد قام متحيراً بين طرفي الشك وجزئي النقيض لشدة الالتباس والاختلاط بينهما، وعدم التمييز بين الأمرين لخفائه على النفس على القصد الأول في طرفي النقيض ودأبهما. فلذلك فالقول المشكك هو في النهاية من المبالغة. والغاية في التلطف للتشبيه. وتقريب الشيئين أحدهما من الآخر لتمكين عدم الفرق والفصل بينهما" (43) .
ويمكن القول أخيراً أن السجلماسي لم يستخدم كلمة الغموض مباشرة، وربما يعود السبب في ذلك لدلالتها السلبية ظاهرياً، ولذلك فقد استخدم مرادفات الغموض المتمثلة في أساليب البيان والمعاني والبديع، مركزاً على أسلوب الكناية والإشارة والرمز والتعريض والتلويح والتورية والتتبيع والتشكيك والغلو، فضلاً عن أسلوب العدول أو التجاوز أو الاتساع. فهذه الأساليب تجسد عند السجلماسي جوهر الصناعة الشعرية وأساسها، وهذا ما تميز به السجلماسي في موضوع الغموض.
فقد ربط السجلماسي أساليب البلاغة بالكذب والمبالغة لما لهذا الأسلوب من قدرة على إضفاء الخصوصية الفنية والجمالية على النص الابداعي، مما يستفز المتلقي ويجعله قريباً ومحاوراً للنص من خلال التأويل وتعدد الاحتمالات. فهذا التأويل وتعدد الاحتمالات ناشئ عن المستوى الفني المتمثل في الأساليب البلاغية.(9/368)
كما أن استخدام كلمة أسلوب، واطلاقها على الأنماط البلاغة يعد ميزة في بحث موضوع الغموض عند السجلماسي. وبهذا، فإن السجلماسي يكون قد أدرك جوهر الغموض وأهميته من خلال اعتباره أنه الأساس للصناعة الشعرية، ولبنية النص الابداعي.
ثالثاً- الغموض والمتلقي
إن إثارة مشكلة الغموض من صميم البحث في جوهر الشعر أساساً، لأن الشعر يقوم أساساً على الغموض (44) . فالغموض في النص الشعري المثقل بالدلالات والإيحاءات والصور ناتج عن الكثافة والحدة الشعرية. وهذه الحدة الشعرية نابعة من أساليب البلاغة، ولا سيما أسلوب العدول أو الاتساع وهو تجاوز اللغة الشعرية للوصف المباشر والتعبير عن الحقيقة إلى إيحاءات ودلالات إضافية تشكل مجال النص وجوهره.
كما أن الغموض المتولد عن أساليب البلاغة مثل أسلوب الالتفات والتشبيه والاستعارة والمجاز والتورية والكناية وغيرها يخلق نوعاً من تعدد احتمالات المعنى، فضلاً عن اتساع دائرة التأويل والتفسير الناجمة عن هذا الغموض. فالغموض بهذا المعنى يشكل جوهر الشعر، وهو نتيجة أساسية تميز النص الشعري عن غيره، وتمنحه الخصوصية الفنية والجمالية (45) .
فالمتلقي يحتل مساحة مهمة ومركزية في العملية الابداعية، ويعد المتلقي محاوراً رئيساً للنص الابداعي، بل ومشاركاً في إعادة انتاجه وخلقه. فالعملية الابداعية لا تتم إلا من خلال أركانها الثلاثة وهي: المبدع والنص والمتلقي (46) .(9/369)
فالمتلقي يقوم بدور هام ورئيسي في العملية الابداعية، ولعل دوره يكمن في إعادة تفكيك النص وانتاجه مرة أخرى، وذلك لأن النص الأدبي مثقل بالدلالات والإيحاءات والرموز والصور. فالطاقة الفنية تجعل النص غامضاً، بحيث يطرح النص الابداعي بسبب غموضه إمكانيات متعددة، واحتمالات مختلفة للتأويل والتفسير. فالغموض الذي يواجه المتلقي ناشئ عن اهتزاز الصورة الثابتة لعلاقة الدال بالمدلول، بحيث تصبح للكلمات والتعابير دلالات جديدة متشابكة مع غيرها في النص الابداعي، وذلك على خلاف ما كانت تعبر عنه من معاني وأسماء قبل دخولها في النص الابداعي. فلهذه المعاني والتعابير دلالات محددة في نفس القارئ، بيد أن دخول هذه الكلمات والتعابير ضمن صياغة جديدة في النص الابداعي يكسر طبيعة النمط المألوف لهذه الكلمات في نفس المتلقي، وتصبح لهذه الكلمات والتعابير ضمن جسد النص الابداعي أكثر من معنى وصورة ودلالة (47) .(9/370)
وضمن هذا الفهم لأهمية الغموض وعلاقته بالمتلقي، فقد ربط عبد القاهر الجرجاني النص الابداعي بالمتلقي، مبيناً دور النص المثقل بالدلالات المجازية، في شد المتلقي واستفزازه من خلال علاقة الحوار والمشاركة بين النص والمتلقي، فالغموض ناشئ عن الدلالات المجازية، والتجاوز للمألوف في التعبير والإيحاء والصورة، وبهذا يقع المتلقي في دائرة التأويل والتفسير، ويصبح مشاركاً فاعلاً في خلق النص وإعادة إنتاجه مما يفرض حالة من الإرهاق الفكري والنفسي على المتلقي. يقول الجرجاني بهذا الخصوص: "هذا –وإن توقفت في حاجتك أيها السامع للمعنى إلى الفكر في تحصيله فهل تشك في أن الشاعر الذي أداه إليك، ونشر بزه لديك، قد تحمل فيه المشقة الشديدة، وقطع إليه الشقة البعيدة، وأنه لم يصل إلى دره حتى غاص، وأنه لم ينل المطلوب حتى كابد منه الامتناع والاعتياص؟ ومعلوم أن الشيء إذا علم أنه لم ينل في أصله إلا بعد التعب، ولم يدرك إلا باحتمال النصب، كان للعلم بذلك من أمره من الدعاء إلى تعظيمه، وأخذ الناس بتفخيمه، ما يكون لمباشرة الجهد فيه، وملاقاة الكرب دونه، وإذا عثرت بالهوينا على كنز من الذهب لم تخرجك سهولة وجوده إلى أن تنسى جملة أنه الذي كد الطالب، وحمل المتاعب، حتى إن لم تكن فيك طبيعة من الجود تتحكم عليك…." (48) .(9/371)
ولعل هذا الاستفزاز للمتلقي لا يتم إلا من خلال غموض النص الابداعي، فالغموض هو جوهر الشعر وأساسه، كما أن الغموض ناشئ عن التنافر بين أجزاء الصور والتشبيهات والاستعارات، وهذا التنافر والتباعد يحدث اهتزازاً في مخيلة المتلقي وفكره للصورة الأولى للكلمات والتعابير قبل دخولها صناعة الشعر وابداعه، مما يدفع المتلقي إلى دائرة التأويل، وتعدد الاحتمالات. يقول الجرجاني: "وهكذا إذا استقريت التشبيهات وجدت التباعد بين الشيئين كلما كان أشد، كانت إلى النفوس أعجب، وكانت النفوس لها أطرب، وكان مكانها إلى أن تحدث الأريحية أقرب، وذلك أن موضع الاستحسان، ومكان الاستظراف، والمثير للدفين من الارتياح، والمتألف للنافر من المسرة والمؤلف لأطراف البهجة، انك ترى بها الشيئين مثلين متباينين، ومؤتلفين مختلفين، وترى الصورة الواحدة في السماء والأرض، وفي خلقة الإنسان، وخلال الروض، وهكذا طرائف تنثال عليك إذا فصلت هذه الجملة، وتتبعت هذه اللمحة، ولذلك تجد تشبيه البنفسج في قوله:
بين الرياض على حمر اليواقيت
ولا زوردية تزهو بزرقتها
أوائل النار في أطراف كبريت
كأنها فوق قامات ضعفن بها
أغرب وأعجب، وأحق بالولوع وأجذر، من تشبيه النرجس بمداهن در حشوهن عقيق، لأنه إذا ذاك مشبه لنبات غض يرف وأوراق رطبة ترى الماء منها يشف بلهب نار مستول عليه اليبس، وباد فيه الكلف، ومبنى الطباع وموضوع الجبلة على أن الشيء إذا ظهر من مكان لم يعهد ظهوره منه، وخرج من موضع ليس بمعدن له، كانت صبابة النفوس به أكثر، وكان بالشغف منها أجدر، فسواء في إثارة التعجب، وإخراجك إلى روعة المستغرب، وجودك في مكان ليس من أمكنته" (49) .(9/372)
كما وضح السجلماسي في كتابه المنزع البديع العلاقة الهامة بين الغموض الذي يشكل جهور النص الشعري وبين المتلقي الذي يقوم بدور المحاور والمشارك في العملية الإبداعية لخلق النص وإعادة إنتاجه، وذلك بعد أن يبذل جهداً فكرياً ونفسياً في فك أسرار النص، ومحاولة سبر غور احتمالاته المتعددة، ودلالاته وإيحاءاته الكثيرة. وهذه الحالة من المعاناة التي يبذلها المتلقي تجعله يشعر بنشوة غامرة من الفرح والسرور، والمتعة الفكرية، ومن هنا تقوى العلاقة بين أطراف العملية الابداعية: المبدع والنص والمتلقي. يقول: "ولا خفاء بارتباط الانفعال هنا والارتياح بما يقرع السمع ويفجأ البديهة فقط دون ما عداه. والانفعال التخييلي بالجملة هو غير فكري فكيف يعود الأمر غير الفكري فكرياً وينقلب الأمر البديهي اختيارياً" (50) .(9/373)
إن المناوشة الفكرية والنفسية ما بين المتلقي والنص المثقل بالغموض، والمبني من خلال الأساليب البلاغية تجعل المتلقي أكثر تحفزاً وقلقاً وتوتراً إزاء المفاجآت، والاحتمالات المتعددة، والدلالات المتباينة للمعاني لمعرفة التناسق بين هذه المعاني والتعابير الشعرية، وذلك للوصول إلى ادراك سر النص الابداعي وغايته، وفك ألغاز صوره ودلالاته، والوقوف على الاهتزاز الحاصل بين المعاني والتعابير قبل دخلوها النص، والبنية التي آلت إليها بعد دخولها النص. ولعل هذا التوتر والمتابعة ما بين المتلقي والنص يخلق نوعاً من الدهشة واللذة الغامرة للمتلقي، فيشعر بعد هذه المعاناة بالمتعة النفسية والفكرية. يقول السجلماسي بهذا الخصوص: "والاقتضاب هو اقتضاب الدلالة، وذلك أن يقصد الدلالة على ذات معنى فيترقى عن التعبير المعتاد، وعبارة التأخر من الجمود على مسلك وأسلوب واحد، من أساليب العبارة، ونحو واحد من أنحاء الدلالة، فيظهر المقدرة على العبارة عن المعاني، وبعد مرماه في التصرف في مجال القول، وتوسعة في نطاق الكلام فيقتضب في الدلالة على ذات المعنى، والدلالة عليه باللوازم والعوارض المتقدمة، أو المتأخرة، أو المساوقة، اعتماداً على ظهور النسبة بين اللوازم وبين الملزوم، وقوة الوصلة والاشتراك بينهما. وفي ذلك ما فيه من الإلذاذ للنفس والإطراب لها بالغرابة والطراءة التي لهذا النوع من الدلالة. والسبب في ذلك كله هو ما جبلت النفس عليه وعنيت به وجعل لها من ادراك النسب، والوصل، والاشتراكات بين الأشياء؟، وما يلحقها عند ذلك، ويعرض لها من انبساط روحاني وطرب" (51) .
الهوامش والتعليقات
(1) ابن منظور: لسان العرب: مادة غمض.
(2) انظر.
Woolf, Henry Bosley (and others) : Webster's New Collegiate Dictionary, Merriam Company, Massachusetts, 1976.
Bernet, Sylvan (and others) : Dictionary of literary Terme, Constable, London, 1976.(9/374)
سليمان، خالد: أنماط من الغموض في الشعر العربي الحر، جامعة اليرموك، اربد 1987، ص 9.
السيد، شفيع: الاتجاه الأسلوبي في النقد الأدبي، دار الفكر العربية، القاهرة 1986، ص 82.
صليبا، جميل: المعجم الفلسفي بالألفاظ العربية والفرنسية والإنجليزية واللاتينية، دار الكتاب اللبناني، بيروت 1982، ج2/119-120.
(3) الخواجة، دريد يحيى: الغموض الشعري في القصيدة العربية الحديثة، دار الذاكرة، ط1، حمص 1991، ص 107.
(4) انظر الخواجة: الغموض الشعري في القصيدة العربية الحديثة، ص 65-66.
اسماعيل، عز الدين: الشعر العربي المعاصر، دار العودة، ط3، بيروت 1983، ص 181.
طبانة، بدوي: التيارات المعاصرة في النقد الأدبي، دار الثقافة، بيروت 1985، ص439.
(5) خليل، حلمي: العربية والغموض، دار المعرفة الجامعية، ط1، الإسكندرية 1988، ص7.
(6) انظر، خليل: العربية والغموض، ص 8.
(7) سيبويه، أبو بشر عمرو بن عثمان: الكتاب، تحقيق عبد السلام هارون، القاهرة، 1966، ج1/48.
(8) الآمدي، أبو القاسم الحسن بن بشر: الموازنة بين أبي تمام والبحتري، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، دار المسيرة، بيروت (مصورة عن نسخة صادرة سنة 1944) ، ص11.
(9) المصدر نفسه، ص 10.
(10) ابن الأثير، ضياء الدين: المثل السائر، تحقيق أحمد الحوفي وبدوي طبانة، مطبعة الرسالة، بيروت 1962، ج4/6-7.
(11) المرزوقي، أبو علي: شرح ديوان الحماسة (المقدمة) ، تحقيق أحمد أمين وعبد السلام هارون، القاهرة 1951، ج1/9.
(12) المصدر نفسه، ج1/18.
(13) انظر: الجرجاني، عبد القاهر: أسرار البلاغة، تحقيق السيد محمد رشيد رضا، دار المعرفة، بيروت 1978، ص 22-23.
(14) انظر: الجرجاني، عبد القاهر: دلائل الإعجاز، تحقيق السيد محمد رشيد رضا، دار المعرفة، بيروت 1981، ص 196.
(15) المصدر نفسه، ص 202.(9/375)
(16) انظر: السجلماسي، أبو محمد القاسم: المنزع البديع في تجنيس أساليب البديع، تحقيق علال الغازي، مكتبة العارف، الرباط 1980، ص 262-266.
(17) Empson, W: Seven types of Ambiguity, London 1930. P. 19.
نقلاً عن: خليل: العربية والغموض، ص 28-29.
انظر، سليمان: أنماط من الغموض في الشعر العربي الحر، ص 17.
(18) انظر. Empson: Seven Types of Ambigity, P. 41, 80, 104, 127, 160, 173, 184, 207, 231.
خليل: العربية والغموض، ص 28-29.
(19) انظر، خليل: العربية والغموض، ص 25.
جبوري، فريال: فيض الدلالة وغموض المعنى في شعر محمد عفيفي مطر، مجلة فصول مج4، ع3، 1984، ص 176.
(20) الجرجاني: دلائل الإعجاز، ص 210.
انظر. السنجلاوي، ابراهيم: موقف النقاد العرب القدماء من الغموض. دراسة مقارنة، مجلة عالم الفكر، مج18، ع3، 1987، ص 195-196.
(21) الجرجاني: أسرار البلاغة، ص 123.
(22) الجرجاني: دلائل الإعجاز، ص 55.
انظر، عباس، إحسان: تاريخ النقد الأدبي عند العرب، دار الثقافة، بيروت، 1978، ص429.
(23) الجرجاني: دلائل الإعجاز، ص 203.
(24) الجرجاني: أسرار البلاغة، ص 135.
(25) المصدر نفسه، ص 118.
(26) الجرجاني: دلائل الإعجاز، ص 28-29.
(27) الجرجاني: أسرار البلاغة، ص 295-296.
(28) الجرجاني: دلائل الإعجاز، ص 329.
(29) الجرجاني: أسرار البلاغة، ص 72-73.
(30) المصدر نفسه، ص 118.
انظر. عباس، تاريخ النقد الأدبي عند العرب، ص 430-431.
(31) الجرجاني: أسرار البلاغة، ص 289.
(32) المصدر نفسه، ص73.
(33) السجلماسي: المنزع البديع، ص 244.
(34) المصدر نفسه، ص 218.
(35) المصدر نفسه، ص 262.
(36) انظر. المصدر نفسه، ص 265-270.
(37) المصدر نفسه، ص 263-264.
(38) المصدر نفسه، ص 448.
(39) المصدر نفسه، ص 429.
(40) المصدر نفسه، ص 273-274.
(41) المصدر نفسه، ص 252.
(42) المصدر نفسه، ص 442-443.
انظر كذلك. السجلماسي: المنزع البديع، ص 472.(9/376)
عبد المطلب، محمد: البلاغة والأسلوبية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1984، ص 205-209.
(43) السجلماسي: المنزع البديع، ص 276.
(44) انظر. الطرابلسي، محمد الهادي: من مظاهر الحداثة في الأدب. الغموض في الشعر، مجلة فصول، مج4، ع2، ج2،1984، ص 28-29.
الخواجة: الغموض الشعري في القصيدة العربية الحديثة، ص 10-11.
(45) انظر. أبو ديب، كمال: في الشعرية، مؤسسة الأبحاث العربية، ط1، بيروت، 1987، ص 132.
(46) انظر. الخواجة: الغموض الشعري في القصيدة العربية الجديدة، ص 8-9.
(47) انظر. أدونيس: الثابت والمتحول، دار العودة، ط1، بيروت 1977، ص117-118.
(48) الجرجاني: أسرار البلاغة، ص 123-124.
(49) المصدر نفسه، ص 109-110.
انظر. ناجي، مجيد عبد الحميد: الأسس النفسية لأساليب البلاغة العربية، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، ط1، بيروت 1984، ص 208.
(50) السجلماسي: المنزع البديع، ص 500-501.
(51) المصدر نفسه، ص 262-263.
المصادر والمراجع العربية
1- الآمدي، أبو القاسم الحسن بن بشر: الموازنة بين أبي تمام والبحتري، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، دار المسيرة، بيروت (مصورة عن نسخة صادرة سنة 1944) .
2- ابن الأثير، ضياء الدين: المثل السائر، تحقيق أحمد الحوفي وبدوي طبانة، مطبعة الرسالة، بيروت 1962.
3- أدونيس: الثابت والمتحول، دار العودة، ط1، بيروت 1977.
4- اسماعيل، عزالدين: الشعر العربي المعاصر، دار العودة، ط3، بيروت، 1983.
5- جبوري، فريال: فيض الدلالة وغموض المعنى من شعر محمد عفيفي مطر، مجلة فصول، مج4، ع3، 1984
6- الجرجاني، عبد القاهر:
- أسرار البلاغة، تحقيق السيد محمد رشيد رضا، دار المعرفة، بيروت 1978.
- دلائل الإعجاز، تحقيق السيد محمد رشيد رضا، دار المعرفة، بيروت 1981.
7- خليل، حلمي: العربية والغموض، دار المعرفة الجامعية، ط1، الإسكندرية 1988.(9/377)
8- الخواجة، دريد يحيى: الغموض الشعري في القصيدة العربية الحديثة، دار الذاكرة، ط1، حمص 1991.
9- أبو ديب، كمال: في الشعرية، مؤسسة الأبحاث العربية، ط1، بيروت 1987.
10- السجلماسي، أبو محمد القاسم: المنزع البديع في تجنيس أساليب البديع، تحقيق علال الغازي، دار المعرفة، الرباط 1980.
11- سليمان، خالد: أنماط من الغموض في الشعر العربي الحر، جامعة اليرموك، اربد 1987.
12- سنجلاوي، ابراهيم: موقف النقاد العرب القدماء من الغموض. دراسة مقارنة، مجلة عالم الفكر، مج18، ع3، 1987.
13- سيبويه، أبو بشر عمرو بن عثمان: الكتاب، تحقيق عبد السلام هارون، القاهرة 1966.
14- السيد، شفيع: الاتجاه الأسلوبي في النقد، دار الفكر العربي، القاهرة 1986.
15- صليبا، جميل: المعجم الفلسفي بالألفاظ العربية والفرنسية والإنجليزية واللاتينية، دار الكتاب اللبناني، بيروت 1982.
16- طبانة، بدوي: التيارات المعاصرة في النقد الأدبي، دار الثقافة، بيروت 1985.
17- الطرابلسي، محمد الهادي: من مظاهر الحداثة في الأدب…الغموض في الشعر، مجلة فصول، مج4، ع2، ج2، 1984.
18- عباس، إحسان: تاريخ النقد الأدبي عند العرب، دار الثقافة، بيروت 1978.
19- عبد المطلب، محمد: البلاغة والأسلوبية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1984.
20- المرزوقي، أبو علي: شرح ديوان الحماسة (المقدمة) ، تحقيق أحمد أمين وعبد السلام هارون، القاهرة 1951.
21- ابن منظور: لسان العرب، دار صادر، بيروت. د. ت.
22- ناجي، مجيد عبد المجيد: الأسس النفسية لأساليب البلاغة العربية، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، ط1، بيروت 1984.
المراجع الأجنبية
- Bernet, Sylvan (and others) : Dictionary of Literary Terme, Constable, London 1976.
- Empson, W: Seven Types of Ambiguity, London 1930.(9/378)
- Woolf, Henry Bosley (and others) : Webster’s New Collegiate Dictionary, Merriam Company, Massachusetts 1976.(9/379)
الشعر في كتاب الأمثال الظاهرة
المنسوب إلى الماوردي
د. مصطفى حسين عناية
الأستاذ المشارك بجامعة الملك خالد - أبها -
ملخص البحث
يتناول هذا البحث دراسة أبيات الشعر التي وردت في كتاب " الأمثال الظاهرة في القرآن " المنسوب إلى الماوردي، وهي شواهد أدبية، ولغوية، ونحوية،، ويبلغ عددها تسعة وتسعين بيتاً وشطر بيت، وقد قمت بدراسة هذا الشعر، ووضحت الشاهد في كل بيت، وأسندت كل شاهد إلى بابه، فذكرت أولاً الشواهد التي وردت في باب " أصل المثل في اللغة " ثم الشواهد التي وردت في تفسير آيات الأمثال في القرآن الكريم كما رتبها المؤلف، ثم وضحت الشاهد، وأسندته إلى قائله إن عثرت عليه.
أما آيات الأمثال التي وضحها المؤلف وأورد عليها الشواهد فهي كما يأتي:
الآيات: 17 20 من سورة البقرة.
الآية: 26 من سورة البقرة.
الآية: 71 من سورة البقرة.
الآيتان: 261 262 من سورة البقرة.
الآيتان: 264 265 من سورة البقرة.
الآية: 58 من سورة الأعراف.
الآيتان: 176 177 من سورة الأعراف
الآية: 179 من سورة الأعراف.
الآية: 24 من سورة يونس.
الآية: 17 من سورة الرعد.
الآية: 18 من سورة إبراهيم.
الآيات: 24 26 من سورة إبراهيم.
الآيتان: 75 76 من سورة النحل.
الآينان: 47 48 من سورة الإسراء.
الآيات: 42 44 من سورة الكهف.
الآيتان: 35 36 من سورة النور.
الآيات: 77 80 من سورة يس.
الآيات: 27 29 من سورة الزمر.
الآية: 29 من سورة الفتح.
الآية: 5 من سورة الجمعة.
والله من وراء القصد.
" كتاب أمثال القرآن الظاهرة " مخطوط توجد صورة منه بمعهد المخطوطات العربية بالقاهرة برقم (1008) أدب، وهو مصور عن نسخة بباريس برقم (9628) ، وقد جاء في الصفحة الأولى:
كتاب أمثال القرآن تأليف أبي القاسم الحسن بن محمد بن حبيب المفسر النيسابوري المعروف بالماوردي رحمه الله.(9/380)
وجاء في الصفحة الأخيرة: تم كتاب الأمثال الظاهرة في القرآن ولله المنة.
وتقع المخطوطة في مائة صفحة، في كل صفحة عشرون سطرا ً، وبدأ المؤلف كتابه بما يأتي:
" بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي تعالى عن الأشياء والأمثال، وارتفع عن الأندادوالأشكال الذي ليس له شريك ولا فوقه مليك ... "
وعلى الصفحة الأولى والأخيرة من الكتاب عدة تمليكات مثل: " تملكه محمد بن محمد الفوهوني سنة 965 " وعلى الصفحة الأولى والأخيرة خاتم منقوش عليه عبارة " لا إله إلا الله محمد رسول الله وقف الحاج عبد الله السيد في الروشة في الجامع الكبير سنة مائتين بعد الألف ".
وقد تحدث مؤلف الكتاب عن الأمثال الظاهرة التي وردت في السور الآتية:
البقرة، وآل عمران، والأعراف، ويونس، والرعد، وإبراهيم، والنحل، والإسراء، والكهف، والنور، ويس، والزمر، والفتح، والجمعة.
وكان يذكر أولا ً آراء المفسرين الذين سبقوه في تفسير الآيات التي وردت فيها الأمثال، ثم يناقش تلك الآراء، ويأتي بعد ذلك برأيه قائلاً: قال أبو القاسم: ...
وعلى ما يبدو فإن مؤلف الكتاب ليس الماوردي، فاسم الماوردي: أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري، وعلى ما يبدو فإن الناسخ قد اختلط عليه الأمر للتشابه الكبير بين الاسمين، فأضاف عبارة: المعروف بالماوردي.
وكنية المؤلف: أبو القاسم، ونرى هذه الكنية تتكرر أكثر من مرة في كل صفحة من صفحات الكتاب، فالكتاب على ما يبدو من تأليف أبي القاسم الحسن بن محمد بن حبيب المفسر النيسابوري المتوفى سنة 406 هـ، وكما يظهر في الصفحة الأولى من الكتاب.
وقد نسب السيوطي في كتابه " الإتقان في علوم القرآن " هذا الكتاب خطأً إلى الماوردي، وقد نقل من الكتاب بعض العبارات، يقول:(9/381)
" النوع السادس والستون في أمثال القرآن أفرده بالتصنيف الإمام أبو الحسن الماوردي من كبار أصحابنا، قال الماوردي: من أعظم* علوم القرآن علم أمثاله، والناس في غفلة عنه لاشتغالهم بالأمثال وإغفالهم الممثلات، والمثل بلا ممثل كالفرس بلا لجام، والناقة بلا زمام ... ".
وعلى ما يبدو، فإن السيوطي اعتمد على ما كتبه الناسخ في الصفحة الأولى، وهو عبارة " المعروف بالماوردي "، ولم تذكر الكتب التي ترجمت للماوردي أي كتاب باسم" أمثال القرآن ".
وعلى كل حال فأنا لست بصدد صحة نسبة الكتاب إلى الماوردي أو غيره، وقد ناقشت ذلك في مقدمة الكتاب الذي سيظهر قريباً إن شاء الله تعالى، والذي يهمني هنا هو: الشعر الذي ورد في هذا الكتاب، والشعر هو شواهد أدبية، ولغوية، ونحوية، وقد قمت في هذا البحث بدراسة هذا الشعر ووضحت الشاهد في كل بيت، وأسندت كل شاهد إلى بابه، فذكرت أولاً الشواهد التي وردت في باب أصل المثل في اللغة، ثم الشواهد التي وردت في تفسير آيات أمثال القرآن كما رتبها المؤلف ثم شرحت
*في المخطوط: من أغمض الشاهد وأسندته إلى قائله إن عثرت عليه؛ فإن كنت قد وفقت فهذا من توفيق الله سبحانه وتعالى، وإن كنت قصرت فهذا من نفسي، وقد حرمت التوفيق، وما توفيقي إلا بالله.
أنشد المؤلف في باب " أصل المثل في اللغة ":
ولم يُضِعْها بين فِرْكٍ وَعَشَق
(1) فَعَفّ عَنْ أَسْرارِها بَعْدَ الْعَسَق
الشاهد:
تقول العرب: مَثلٌ ومِثلٌ، ونظيرهما في الكلام: الشَّبَهُ والشِّبْهُ، والأتَنُ والإتْنُ، والبَدَلُ والبِدْلُ والعَشَقُ والعِشْقُ، والبيتان لرؤبة بن العجاج يذكر الحمار والأتن، وهما من أرجوزة في وصف المفازة. (1)
ويقال لصفة الشيء: مَثلٌ وَمِثلٌ قال الله تعالى " مثل الجنة التي وعد المتقون " (2) وقرأ علي بن أبي طالب " أمثال الجنة " (3)
وعَسَقَت الناقة بالفحل: أرَبَّتْ، وكذلك الحمار بالأتان. (4)(9/382)
والعشق: فرط الحب، وقيل: هو عجب المحب بالمحبوب، يكون في عفاف الحب ودعارته.
عشقه يعشقه عشقاً وعشقاً وتعشقه.
وقيل: التعشق: تكلف العشق، وقيل: العشق: الاسم، والعشق: المصدر، والدليل بيت رؤبة السابق.
والعَشَقُ والعَسَقُ (بالشين والسين) : اللزوم للشيء لا يفارقه. ولذلك قيل للكلف: عاشق للزومه هواه. (5)
والفرك: البغضة عامة، وقيل: الفرك: بغضة الرجل لامرأته، أو بغضة امرأته له، وهو أشهر. (6)
مِثْلي لا يَقْبَلُ مِنْ مِثْلِكا
(2) يا عَاذِلي دَعْنِي مِنْ عَذلِكا
الشاهد فيه: أن العرب تسمي نفس الشيء: مثله، قال الله جل ذكره
" فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به " (7) وقال ابن عباس: يعني بما آمنتم به (8) ، وقال جل ذكره: " ليس كمثله شيء" (9) يعني ليس كهو شيء لأنه لا مثل له (10) . ومعنى الشطر الثاني من البيت: أي: أنا لا أقبل منك.
ولم أتعرف قائل البيت:
ألَمَّ بِنَا مِنْ أُفْقِهِ المتباعِدِ
(3) مِثَالُكَ مِنْ طَيْفِ الخليلِ المعاودِ
الشاهد: مثالك وهو بمعنى: الشبه
والبيت للوليد بن عبيد البحتري (11) ، وهو مطلع قصيدة في مدح الفتح بن خاقان.
عَلَى الجليلِ حزين القلبِ حيرانا
(4) مِثْلُ وقوفِكَ يَوْمَ العرضِ عُرْيانا
الشاهد في هذا البيت أن مثل:معناها شبه والتمثيل: التشبيه.
ولم أعثر على قائل البيت.
إذا ما تأمَّلَهُ النَّاظِرُ
(5) فَلَو كانَ للشُّكْرِ شَخْصٌ يُرَى
فتعلمُ أَني امرؤٌ شاكِرُ
لمثلتُهُ لك حتى تَراهُ
الشاهد: لمثلته، أي لصورته، فالتمثيل معناه هنا التصوير.
والبيتان للوليد بن عبيد البحتري كما ذكر المؤلف (12) ولم أعثر بهما في ديوانه.
(6) فَمِنْها مُسْتَبِينٌ وماثِلُ
الشاهد: معنى كلمة ماثل: أي: لاطئ بالأرض ومثل: لطئ بالأرض.
ويقال رأيته ثم مثل: أي ذهب.
والشاهد جزء من بيت لزهير بن أبي سلمى (13) وتتمته:
سِنُونَ، فَمِنْها مُسْتَبينٌ وماثِلُ(9/383)
تَحَمَّلَ مِنْها أَهْلُها، وَخَلَتْ لها
فالمستبين هنا: الأطلال.
والماثل: الرسوم اللاطئة بالأرض.
يريد: من هذه المنازل منها ما يستبين، ومنها ما لا يستبين.
والماثل في غير هذا الموضع: القائم المنتصب، فهي من الأضداد، قال الشاعر: (14)
على الجِذَلِ إلآ أنَّهُ لا يُكَبرُ
يَظَلُ بها الحِرْ باءُ للشَّمْسِ ماثلاً
حَدَا بهُم إلى زَيْغٍ فزَاغُوا
(7) فكمْ متفرغين مُنُوا بجَهْلٍ
وَأَوْرَطَهُمْ مَعَ الرَجُلِ الَّرداغُ
وزيغَ بِهِمْ عَن المُثْلَى فَتَابُوا
إلى نارٍ غلى مِنْها الدِّماغُ
فزلَّت فيهِ أَقدامٌ فصارَتْ
الشاهد: كلمة (المثلى) في البيت الثاني، وهي بمعنى: الطريقة المستقيمة، ومنه قوله تعالى " ويذهبا بطريقتكم المثلى " (15)
والبيت أنشده للمؤلف والده الذي أخذه عن أبي محمد القشاني المؤدب عن أبي سعيد الضرير.
وزاغ أي: عدل عن الطريق.
والرداغ: الردغة: الماء والطين والوحل الشديد. (16)
رِقابُ وُعولٍ على مَشرَبِ
(8) كأَنَّ تَماثيلَ أرْيافِهِ
الشاهد: كلمة " تماثيل "جمع كلمة " تمثال " بمعنى الصورة.
ومثله قوله تعالى " يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل " (17)
والوعول مفردها: وعل، وهو تيس الجبل، وعادة ما يشبه العرب الأشراف والرؤوس بالأوعال التي لا ترى إلا في رؤوس الجبال.
أنشد المؤلف في توضيح المثل في قوله تعالى: " مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون * صمٌ بكمٌ عميٌ فهم لا يرجعون * أوكصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين * يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله على كل شيء قدير " [البقرة: 1720]
أرْضُ وضاءَتْ بنورِكَ الأُفقُ
(9) وأَنْتَ لَمّا ظَهَرْتَ أشْرَقَتِ ال(9/384)
الشاهد: ضاء، حكى أبو عبيدة عن الفراء: يقال: ضاء القمر يضوء ضوءاً، وأضاء يضيء إضاءة.
ويقال:ضاءت وأضاءت بمعنى: أي: استنارت،وصارت مضيئة.
وأضاءت يتعدى ولا يتعدى. (18)
ونسب المؤلف البيت إلى العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه. (19)
هُمُ القومُ كُل القومِ يا أم خالدِ
(10) إنّ الذي حانَتْ بفِلجٍ دِماؤُهم
الشاهد: الذي هنا بمعنى: الذين. قال تعالى " والذي جاء بالصدق وصدق به " (20) ثم قال سبحانه وتعالى " أولئك هم المتقون " (21) والدليل على أنه أراد به الجمع أيضاً قوله: دماؤهم. (22)
وجاء في لسان العرب (23) : " وقال الليث: الذي تعريف لذ ولذي، فلما قصرت قووا اللام بلام أخرى، ومن العرب من يحذف الياء، فيقول:هذا اللذ فعل كذا، بتسكين الذال، وأنشد:
كاللّذْ تَزَبى زُبْيَةً فاصطيدا (24)
وللاثنين: هذان اللذان، وللجمع: هؤلاء الذين، قال: ومنهم من يقول: هذان اللذا، فأما الذين أسكنوا الذال وحذفوا الياء التي بعدها، فإنهم لمّا أدخلوا في الاسم لام المعرفة طرحوا الزيادة التي بعد الذال وأُسكنت الذال، فلمّا ثنّوا حذفوا النون، فأدخلوا على الاثنين لحذف النون ما أدخلوا على الواحد بإسكان الذال، وكذلك الجمع. فإن قال قائل: ألا قالوا: اللذو في الجمع بالواو؟ فقل: الصواب في القياس ذلك، ولكن العرب اجتمعت على الذي بالياء، والجر والنصب والرفع سواء، وأنشد:
هُمُ القومُ كُلُّ القومِ يا أمّ خَالدِ
وإنَّ الّذي حَانَتْ بِفَلْج ٍدماؤُهم
وقال الأخطل: (25)
قتلا المُلوكَ وفَكّكَا الأغلالا
أبَني كُلَيْبٍ إنّ عَمَّيّ اللذا
وقال الخليل وسيبويه: " الذين" لا يظهر فيها الإعراب، تقول في الرفع والنصب والجر: أتاني الذين في الدار، ورأيت الذين في الدار، ورأيت الذين في الدار، ومررت بالذين في الدار، وكذلك الذي في الدار.(9/385)
قالا: وإنما منعا من الإعراب؛ لأن الإعراب إنما يكون في أواخر الأسماء، والذي والذين مبهمان لا يتمان إلا بصلاتهما، فلذلك منعا من الإعراب. وأصل الذي لذ على وزن عم.
قال ابن الأنباري: قال ابن قتيبة في قوله عز وجل: " مثلهم كمثل الذي استوقد نارا " معناه: كمثل الذين استوقدوا نارا، فالذي قد يأتي مؤديا عن الجمع في بعض المواضع؛ واحتج بقوله:
إنَّ الذي حانَتْ بِفَلْج ٍدماؤهم
قال أبو بكر: احتجاجه على الآية بهذا البيت غلط؛ لأن الذي في القرآن اسم واحد ربما أدى عن الجمع فلا واحد له، والذي في البيت جمع واحده: اللذ، وتثنيته اللذا، وجمعه:الذي، والعرب تقول: جاءني الذي تكلموا، وواحد الذي: اللذ، وأنشد:
يا رَبَّ عَبْس ٍلا تُبارِكْ في أحَدْ
في قائِم ٍمِنْهُمْ وَلا فِيمَنْ قَعَدْ
إلا الذيَّ قامُوا بأطْرافِ المَسَدْ
أراد الذين. قال أبو بكر: والذي في القرآن واحد ليس له واحد والذي في البيت جمع له واحد وأنشد الفراء:
كاللّذْ تَزَبّى زُبْيَةً فَاصطيدَا
فكنتُ والأمر الذي قد كيدا
وقال الأخطل:
قَتَلا الملوك وفَكَّكَا الأغلالا
أبني كُلَيْبٍ إنَّ عَمَّيّ اللذا
قال: والذي يكون مؤدياً عن الجمع، وهو واحد لا واحد له في مثل قول الناس: أوصي بمالي للذي غزا وحج، معناه للغازين والحجاج.
وقال الله تعالى: " ثم آتينا موسى الكتاب تماماً على الذي أحسن " (26)
قال الفراء: معناه: تماماً على المحسنين، أي تماماً للذين أحسنوا، يعني أنه تمّم كتبهم بكتابه، ويجوز أن يكون المعنى: تماماً على ما أحسن، أي تماماً للذي أحسنه من العلم وكتب الله القديمة.(9/386)
قال: ومعنى قوله تعالى: " كمثل الذي استوقد نارا " أي: مثل هؤلاء المنافقين كمثل رجل كان في ظلمة " لا يبصر من أجلها ما عن يمينه وشماله وورائه وبين يديه، وأوقد ناراً فأبصر بها ما حوله من قذى وأذى فبينما هو كذلك طفئت ناره فرجع إلى ظلمته الأولى، فكذلك المنافقون كانوا في ظلمة الشرك، ثم أسلموا فعرفوا الخير والشر بالإسلام، كما عرف المستوقد لما طفئت ناره ورجع إلى أمره الأول ". اهـ
والبيت للأشهب بن رميلة في مجموع شعره (27) ، وهو أول بيت من ثلاثة أبيات، وهو يرثي قوماً قتلوا بفلج، وهو موضع بعينه كانت فيه وقعة.
كِ بِالْحقِّ والنّورِ بَعْدَ الظُّلَمْ
(11) فَلَمّا أتانا رَسُولُ الملي
غَداة َأتانا من ارْضِ الحرمْ
رَكَنَّا إلَيْهِ وَلَمْ نَعْصِهِ
ك هلمّ إليْنَا وَفِينَا أَقِمْ
وَقلْنَا صَدَقْتَ رَسُولَ الملي
ك أرسلت نوراً بِدينٍ قيمْ
فَنَشْهَدُ أنكَ عِنْدَ الملي
الشاهد: والنور بعد الظلم: أراد بالنور: الإسلام، وأراد بالظلم: الجهالات والكفر، كما قال تعالى " الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور ". (28)
والأبيات لحسان بن ثابت، يقولها في شهداء بدر (29) ، ورواية الأول في الديوان: ... بالنور والحق، ورواية الأخير في الديوان: وحقاً بدين قيم.
وصارِمٌ مِنْ سُيوفِ الله مسلولُ
(12) إنّ الرسول لنورٌ يُسْتضَاءُ بهِ
الشاهد: لنور: أي: لضياء.
والبيت لكعب بن زهير (30) من قصيده يمدح بها الرسول صلى الله عليه وسلم حين أتاه تائباً مسلماً، ويستضاء به: يهتدى به إلى الحق، والصارم: السيف. ومن سيوف الله: أي من سيوف عظمها الله بنيل الظفر والانتقام. والمسلول: المخرج من غمده.
وروايته في الديوان: إن الرسول لسيف ...
يُقِيمُ بِهِ البَريَّة َأنْ تَمُوجا
(13) وَيَظْهَرُ في البلادِ ضِياءُ نُورٍ
ويَلقَى من يُسَالِمُهُ فلُوجا
فَيَلْقَى مَنْ يُحارِبُهُ خَسَاراً(9/387)
الشاهد: ضياء نور، ويعني به الرسول صلى الله عليه وسلم.
والبيتان لورقة بن نوفل (31) ضمن أبيات قالها حين أخبرته السيده خديجه زوج النبي صلى الله عليه وسلم عما كان يراه غلامها ميسرة، إذ كان يرى الملكين يظلان الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فقال ورقه بن نوفل: لئن كان هذا حقاً يا خديجة، إن محمداً لنبي هذه الأمة، وقد عرفت أنه كائن لهذه الأمة نبي ينتظر، هذا زمانه.
فجعل ورقة يستبطىء الأمر، ويقول: حتى متى؟ وقال ورقة في ذلك أبياتاً مطلعها:
لِهَمٍّ طَالَما بَعَثَ النَّشيجا
لَججْتُ وكنتُ في الذكرى لَجُوجَا
وتموج: تضطرب.
والفلوج: الظهور على الخصم والعدو.
فَلَمْ يَسْتَجِبْهُ عِنْدَ ذاكَ مُجِيبُ
(14) وداعٍ دَعَا يا مَنْ يُجيبُ إلى النّدى
الشاهد: فلم يستجبه: أي لم يجبه. قال الأخفش: استوقد: بمعنى أوقد، كما يقال: أجاب واستجاب، وأنشد البيت. (32)
والبيت من شواهد الكشاف في تفسير قوله تعالى في سورة آل عمران:
" فاستجاب لهم ربهم " (33) يقال: استجاب له ربه، واستجابه.
وجاء في معاني القرآن للزجاج (34) في تفسير قوله تعالى: " فليستجيبوا لي " (35) أي فليجيبوني، واستشهد بالبيت على قوله، ثم قال: أي فلم يجبه أحد.
والبيت من شواهد الطبري (36) في تفسير قوله تعالى: " فاستجاب لهم " بمعنى: فأجابهم، ثم ذكر البيت، وقال بعد ذلك: فلم يجبه عند ذاك مجيب.
وجاء في هامش الطبري: أورده ابن قتيبة في الأفعال التي تتعدى تارةً بنفسها، وتارةً باللام في " أدب الكاتب ". قال: يقول: استجبتك واستجبت لك، وقال شارحه ابن السيد: كذلك يعقوب، ومن كتابه نقل ابن قتيبة. وقد يمكن أن يريد: فلم يجبه، ويدل عليه أنه قال: مجيب، ولم يقل: مستجيب، فيكون الشاعر أجرى " استفعل " مجرى " أفعل " مثل: استوقد بمعنى أوقد.(9/388)
والبيت في شرح أبيات سيبويه للسيرافي (37) ، وجاء فيه: وأراد: رب داع دعا إلى أن يجاد عليه ويعطى، فلم يستجبه، يريد: لم يجبه عند ذاك: عند دعائه، فقلت: ادع أخرى، يريد دعوة أخرى، لعل ابا المغوار يسمع، وهذا يقوله القائل على طريق التلهف على فقد من فقده.
والبيت لكعب بن سعد الغنوي يرثي أخاه شبيباً واسمه هرم، وكنيته: أبو المغوار. (38)
لِستَّةِ أعْوامٍ وَذا العام سَابعُ
(15) تَوَهَّمْتُ آياتٍ لَها فَعَرَفْتُها
ونؤيٌ كجِذْمِ الحوضِ أثلمُ خَاشِعُ
رَمَادٌ كَكُحْل ِالعين ِما إنْ تُبِينَهُ
الشاهد: قوله: توهمت آيات. . . ثم انقطع النصب، فقال: رماد ككحل العين ... البيت.
ذكر المؤرج في تفسير قوله تعالى " صم بكم عمي "، قال تعالى " وتركهم في ظلمات لا يبصرون " ثم استأنف، فقال: " صم بكم عمي "، ثم أنشد للنابغة البيتين.
والبيت الأول من شواهد سيبويه (39) ، والشاهد فيه: رفع" سابع " خبراً عن " ذا " لأنّ العام من صفته، فكأنه قال: وهذا سابعٌ.
وجاء في شرح ديوان النابغة الذبياني (40) : اتفقت الروايات على رفع رماد، فوجه الرفع أنه جعل الجملة استئنافاً بيانياً جواباً لسؤال مقدر؛ لأنه لما تحدث عن هذه الآيات، وأطال، فكان ذلك مثاراً لسؤال السامع: ماذا بقي من آثار الديار بعد هذه السنين، فأجيب بأنها رماد ونؤيٌ، فرفع رماد على أنه خبر لمبتدأ محذوف وهذا من الحذف الذي جرى الاستعمال بمثله كما نبه عليه السكاكي في حذف المسند إليه.
والبيت الأول من شواهد المقتضب للمبرد (41) في أن تجعل الاسم نعتاً للمبهم، فتقول: هذا الرجل زيد، تجعل الرجل نعتاً، فيكون بمنزلة: هذا زيد، كما تقول: زيد الطويل قائم، قال الشاعر ... البيت.
وتوهمت: تعرفت وتفرست. آيات: علامات.(9/389)
لها: أي لفرتنى وهي آثار بيتها. لستة أعوام: أي بعد أن مضت هذه المدة فلم أره، فاللام في قوله: لستة أعوام: بمعنى: عند، تفيد توقيت الفعل الذي دلت عليه آيات من قوله: توهمت آيات؛ لأن آيات تدل على معنى دلائل ديار القوم التي تركوها، كما تقول: كتبت لعشر خلون، أي: بعد عشر. (42)
لأياً: (وهي رواية الديوان) أي: أبينها بياناً متعباً.
كجذم الحوض: أي: أصله. خاشع: منحط إلى الأرض منهدم.
النؤي: حفير يحيط بالخيمة ليمنع دخول مياه الأمطار إلى البيت.
وهو يصف خلاء ديار أحبته، وتنكرها عليه لتغيرها بعده، وأنه لم يعرفها إلا توهماً وتذكراً بما عاين من آياتها، وهي علاماتها كالأثافي والرماد والنؤي وغيرها.
والبيتان للنابغة الذبياني في ديوانه من قصيدة في مدح النعمان بن المنذر (43) ، ويعتذر إليه مما وشت به بنو قريع بن عوف من تميم، ويهجو مرة بن ربيعة، أو ابن قريع لما قذف عليه عند النعمان.
منّي وما سَمِعُوا مِنْ صَالح ٍدَفَنُوا
(16) إنْ يَسْمَعُوا رِيبةً طاروا بها فرحاً
وإنْ ذكِرْتُ بِسُوءٍ عِنْدَهُمْ أذِنوا
صُمّاً إذا سَمِعُوا خيراً ذُكِرْتُ بهِ
الشاهد: صماً، فنصبها على الذم نحو قوله تعالى " ملعونين أينما ثقفوا " (44) وذلك في تفسير قوله تعالى " صم بكم عمي " فتقرأ بالنصب على معنى: تركهم صماً بكماً، أو على الذم، كما في الآية السابقة. (45)
قال المبرد: ومن أهل المعاني من يريد التصام عن الحق، والتباكم والتعامي عنه، وذلك موجود في كلام العرب، ثم أورد البيتين.
والبيتان لقعنب بن أم صاحب (46) ، وقد روي البيت الثاني برفع " صم "، وليس بنصبها، وذلك في جميع المصادر التي ذكرت البيتين.
و" أذنوا " الواردة في البيت الثاني بمعنى: سمعوا.
ألا يكونُ لِبَابِهِ سِترُ
(17) ما ضَرَ لي جاراً أجاورُهُ
وإليه قَبْلِي تنزلُ القدْرُ
ناري ونار الجار واحدة
حتى يواري جارتي خِدْرُ(9/390)
أعْمَى إذا ما جَارَتي بَرَزَتْ
أذني وَما في سَمْعِها وَقْرُ
وتصمّ عمّا كان بَيْنَهُما
الشاهد: أعمى ... وتصم وذلك في سياق تفسير الآية القرآنية الكريمة: " صم بكم عمي فهم لا يرجعون " والمقصود هنا: التعامي عن جارته، والتصام عما يكون بين جاره وجارته.
والأبيات نسبها المؤلف إلى مسكين بن عارم الدارمي، وهي في ديوانه ضمن قصيدة من خمسة عشر بيتاً (47) ، وهي في ديوان حاتم الطائي (48) ، وقال محقق الديوان: نسبت هذه الأبيات لحاتم في شرح شواهد الكشاف.
كاللّذ تزبَّى زُبية فاصطيدا
(18) فظلتُ في شرّ من اللذ كيدا
الشاهد: قول الحسن بن يحيى بن نصر صاحب كتاب النظم (49) في قوله تعالى: " كمثل الذي استوقد نارا " فوحد الفعل في قوله " استوقد " وجمع في قوله: " ذهب الله بنورهم " وهما جميعاً راجعان إلى " الذي " والعلة في ذلك: أن في " الذي " لغتين: إحداهما " الذي " بياء مرسلة، و" اللذ " بحذف الياء وجزم الذال، قال الشاعر.... البيت فمن قال: " الذي " بإثبات الياء، قال في التثنيه " اللذان "، وفي الجمع " الذين " بنصب النون على هجاء واحد، ومن العرب من يقول على هجائين في الرفع: الواو، وفي النصب والخفض: الياء، وهي قليلة.
وقد سبق الحديث عن هذا البيت عند حديثنا عن الشاهد رقم " 10 "
والرواية المشهورة في هذا البيت:
فكنتُ والأمرَ الذي قد كيدا
وذكر النحاس (50) أن في " الذي " لغات، يقال: جاءني الذي كلمك، وجاءني اللذ كلمك بكسر الذال، واللذ بإسكان الذال، وأتي بالبيت شاهدا على ما يقول.
والزبية: مصيدة الأسد، ولا تتخذ إلا في قلة أو رابية أو هضبة.
ولم أعثر بقائل هذا الشعر. (51)
قَتلا الملوكَ وفكّكَا الأغلالا
(19) أبني كليب إنَّ عَمَّيَّ اللّذا
الشاهد: من قال في الذي " اللذ " بحذف الياء، ووقف الذال قال في التثنية " اللذا " كقول الأخطل ... البيت.(9/391)
والشاهد فيه عند سيبويه (52) : حذف النون من " اللذا " تخفيفاً لطول الاسم بالصلة.
واستشهد به صاحب المقتضب (53) على حذف النون مما لم يشتق من فعل، ولا تجوز فيه الإضافة، فيحذفون لطول الصلة. وقد سبق الحديث عن هذا الشاهد عند الحديث عن الشاهد رقم "10".
والبيت للأخطل (54) يفخر على جرير، وهو من بني كليب بن يربوع، بمن اشتهر من قومه بني تغلب وساد كعمرو بن كلثوم التغلبي قاتل عمرو بن هند الملك، وعصم أبي حنش قاتل شرحبيل ابن عمرو بن حجر يوم الكلاب، وغيرهم من سادات تغلب.
مِنْ رُوس ِقَوْمِكَ ضَرْباً بالمصاقيلِ
(20) قَوْمي اللّذو بِعُكَاظٍ طَيَّرُوا شرَرَاً
الشاهد قوله: اللذو: إذ ذكرها مخففة بحذف النون كما ذكرها بالرفع بالواو وهي قليلة.
والبيت في خزانة الأدب للبغدادي (55) ، ولم أعثر به في مصدر آخر، وهو الشاهد الخامس والعشرون بعد الأربعمائة، ونسبه إلى أمية بن الإسكندر الكناني. (56)
وشررا: إما جمع" شررة " وهو ما يتطاير من النار، وإما مصدر: شررت يا رجل " بفتح الراء وكسرها " شراً أو شرراً أو شرارةً من الشر نقيض الخير.
من روس قومك: " بحذف الهمزة ": من رؤوس قومك.
ضرباً: إما منصوب بنزع الخافض، أي: بضرب، وإما منصوب بعامل محذوف حال من الواو في طيروا، أي يضربون ضرباً، أو ضاربين ضراباً.
المصاقيل: جمع مصقول من الصقل، وهو جلاء الحديد وتحديده: أي جعله قاطعا، أراد كل آلة من السلاح مثل السيف والسنان.
نَكُنْ مِثلَ منْ يا ذئب يصطحبانِ
(21) تعالَ فإنْ عاهدتني لا تَخُونُني(9/392)
الشاهد: " من " قد توضع للواحد والاثنين والجميع، وهنا وضعت للاثنين، قال ابن جني في الخصائص: وذلك قليل (57) . والشاهد فيه عند سيبويه (58) " يصطحبان " لأنه ثنى على معنى " من" فوقعت " من" هنا على الاثنين، وقد أخبر عنه وعن الذئب، فجعله ونفسه بمنزلتهما في الاصطحاب. وفرق بين " من " وصلتها بقوله يا ذئب، وساغ له ذلك، لأن النداء موجود في الخطاب، وإن لم يذكره، فإن قدرت " من " نكرة، ويصطحبان: في موضع الوصف كان الوصف بينهما أسهل وأقيس (59) . والبيت للفرزدق (60) ، وقد وصف أنه أوقد نارا، وطرقه الذئب، فدعاه إلى العشاء والصحبة.
كَصيب لَيْلَةٍ هَطِلِ (61)
(22) سَيْبُكَ فِي القومِ حين تَذكُرهُ
الشاهد: الصيب: بمعنى المطر، وذلك في تفسير قوله تعالى:" أو كصيب من السماء ".
والسيب: العطاء.
ولم أعثر بصاحب هذا البيت.
وهو يشبه عطاءه في الناس بالمطر الكثير في ليلةٍ كثيرة المطر.
سقتكِ روايا المزن حين تَصُوبُ
(23) فلا تفسدي بيني وبين مُغمّرٍ
الشاهد: تصوب، وذلك في معرض تفسيره لقوله تعالى: " أو كصيب من السماء " تقول العرب: صاب السهم يصوب إذا ذهب في انحطاط، وصابت السماء تصوب إذا أمطرت.
قال ابن هشام في السيرة النبوية (62) " الصيب: المطر، وهو من صاب يصوب، مثل قولهم: "السيد " من ساد يسود، و" الميت " من: مات يموت، وجمعه صيائب، قال علقمة بن عبده، أحد بني ربيعة بن مالك بن زيد مناة بن تميم: (63)
صواعقُها لطيرهنّ ربيب
كأنهمُ صابت عليهم سحابة
وفيها:
سقتكِ روايا المزن حيث تصوبُ
فلا تَعْدلي بيني وبين مُغَمّرٍ
المغمر والغمير: الجاهل الذي لا يجرب الأمور كأن الجهل غمره واستولى عليه ".
وروايا المزن: ما حمل الماء منه.
والراوية: البعير يستقى عليه، ومعنى يصوب: يقصد وينزل.
وإن كان فيهم يفي أو يَبَرّ
(24) يُهينون من حقَّروا شيئه(9/393)
الشاهد: قال أبو عبيدة (64) : " أو كصيب " معناه: وكصيب على معنى واو النسق، وأنشد البيت ... أي: يفي ويبر ولم أعثر بقائل البيت.
لِنَفْسِي تُقَاها أوْ عليَّ فجورها
(25) وقدْ زَعَمَتْ سلمى بأني فاجِرٌ
الشاهد: أنشده الفراء (65) في معرض تفسير المؤلف للآية الكريمة " أو كصيب من السماء " معناه: وكصيب على معنى واو النسق ثم ذكر البيت. أي: وعلي فجورها.
وقد أورده الأنباري في " الأضداد " (66) مستشهداً على أن " أو " من الأضداد، ذلك أنها تكون بمعنى الشك في قولهم: يقوم هذا أو هذا، أي: أحدهما، وتكون معطوفة في الشيء المعلوم الذي لا شك فيه، ثم ذكر البيت، وعقب بعده قائلاً: أي وعليها فجورها.
والبيت شاهد نحوي في موضوع " أو " وجاءت هنا للجمع المطلق كالواو.
والبيت لتوبة بن الحمير في ديوانه من قصيدة أولها: (67)
وشَطَّتْ نواها واستمرّ مريرُها
نأتك بِلَيْلَى دارُها لا تزورُها
ورواية البيت في الديوان: وقد زعمت ليلى بأني فاجر
تَفْتَرُّ عَنْهُ الأرْضُ لَمّا أنْ سرى
(26) بصيِّبٍ راحَ يَرْوي الْغُدُرَا
الشاهد: الصيب: أي المطر الذي يصوب كما قال سيبويه، وأنشد البيت شاهداً على قوله. (68)
سماوة َالهلالِ حتى احقوقفا
(27) طيَّ اللّيالي زلفاً فزلفا
الشاهد: سماوة: مفرد سماوات، وقد استشهد بالبيت في معرض حديثه في تفسير قوله تعالى: " ... فسواهن سبع سماوات ": وذكر أن " سماء " تكون جمعاً لسماوة، ويدل على صحة هذا قوله عز وجل " ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات "، وإذا كانت السماء واحدة فتأنيثها كتأنيث عناق. (69)
واستشهد سيبويه بقول الشاعر في هذا البيت " طي الليالي " فذكر أنه نصبه على المصدر المشبه به دون الحال؛ لأنه معرفة، ولم يقصد فيه أن يجعله على إضمار فعل من غير لفظه كما تأول عليه من غلطه، ونسب إليه أنه استشهد بنصب سماوة على المصدر المشبه به. (70)(9/394)
وقال المبرد (71) : نصب طي الليالي؛ لأنه مصدر من قوله: طواه الأين وليس بهذا الفعل، ولكن تقديره طواه الأين طياً مثل طي الليالي كما تقول: زيد يشرب شرب الإبل، إنما التقدير: يشرب شرباً مثل شرب الإبل: فمثل: نعت، ولكن إذا حذفت المضاف استغنى بأن الظاهر يبينه، وقام ما أضيف إليه مقامه في الإعراب.
من ذلك قول الله تبارك وتعالى: " واسأل القرية " (72) نصب؛ لأنه كان واسأل أهل القرية، وتقول: بنو فلان يطؤهم الطريق: تريد أهل الطريق، فحذفت " أهل " فرفعت " الطريق " لأنه في موضع مرفوع. (73)
والشعر للعجاج (74) يصف بعيراً أضمره دؤوب السير حتى اعوج من الهزال كما تمحق الليالي القمر شيئاً بعد شيء حتى يعود هلالاً محقوقفاً معوجاً.
والزلف (75) : الساعات المتقاربة واحدتها زلفة، وجاء في لسان العرب: زلفاً فزلفاً: منزلة بعد منزلة، ودرجة بعد درجة. وأراد بها هنا الأوقات التي يطلع بها بعد منتصف الشهر وبعضها يتأخر عن بعض تأخراً قريباً.
وقيل: سميت مزدلفة بهذا الاسم لازدلاف آدم من عرفة إلى حواء وهي بها. (76)
وسماوة كل شيء أعلاه، ونصبها بالطي نَصْبَ المفعول به.
والمحقوقف: المعوج، والحقف ما اعوج من الرمل.
وكان ينبغي أن يقول: سماوة القمر، ولكنه سمى القمر هلالاً لما يؤول إليه. (77)
لحقنا بالسَّماءِ مع السحابِ
(28) فَلَو رَفَعَ السماء إليه قَوْماً
الشاهد: السماء، وقد وردت هنا على لغة من يذكّرها، وجاء هذا الشاهد ضمن تفسير المؤلف للآية الكريمة " ... فيه ظلمات " فذكر أن الهاء تعود على " الصيب " وتعود على السماء إذا أردت بها السحاب وتعود على الليل، وتعود على السماء نفسها على لغة من يذكّرها. (78)(9/395)
وقد ذكر الخليل بن أحمد، وغيره من النحويين سوى الفراء، أن السماء مؤنثة (79) ، وبذلك جاء القرآن الكريم " إذا السماء انشقت " (80) و " إذا السماء انفطرت " (81) ، وحكى الفراء أنها تؤنث وتذكّر، وأنشد البيت ... (82)
وذكر النحاس (83) أن هذا البيت لو كان حجة لحُمِلَ على غير هذا، وهو أن يكون يحمل على تذكير الجميع. وذكر محمد بن يزيد المبرد: أن سماء تكون جمعاً لسماوة وأنشد هو وغيره: سماوة الهلال حتى احقوقفا.
ويدل على صحة هذا قوله عز وجل " ثم استوى إلى السماء فسواهن ... " وإذاكانت السماء واحدة فتأنيثها كتأنيث عناق.
ولم أعثر بقائل هذا البيت. (84)
خفوقاً وَرَقْصَاتُ الهوى في المفاصلِ
(29) أبَتْ ذِكَرٌ عوَّدْنَ أحشاء قلبه
الشاهد: رقصات: إذ ترك القاف في الجمع على سكونها في التوحيد، وجاء بالشاهد في معرض حديثه في تفسير قوله تعالى " ... فيه ظلمات " فظلمات جمع ظلمة، وضم اللام على الإشباع لضمة الظاء، وقرأ الأعمش بسكون اللام على أصل الكلام.
واستشهد به في المقتضب (85) على ما جاء في الأسماء بالإسكان في " فعلة " وفيه " رفضات الهوى.
ورفضات الهوى: ما تفرق من هواها في قلبه.
وجاء في هامش المقتضب: الذكَر: بكسر الذال وفتح الكاف جمع: ذكر، والذكر بالكسر والضم: اسم لذكرته بقلبي وبلساني ذكرى، بالكسر والقصر، وأنكر الفراء الكسر في القلب وقال: اجعلني على ذكر منك بالضم لا غير.
وجاء في لسان العرب بأنه خفف رقصات: للضرورة. (86)
والبيت لذي الرمة من قصيدة في ديوانه. (87)
على موطن ٍلا نَخْلِطُ الجدّ بالهزْلِ
(30) فلَمّا رأوْنا بادِياً رُكَْبَاتُنا
الشاهد: فتح الكاف في " ركَباتنا " وجاء ذلك في معرض حديثه عن كلمة " ظلمات " إذ قرأ أشهب العقيلي " ظلمات " بفتح اللام، وذلك لما أراد تحريك اللام حركها إلى أخف الحركات، كقول الشاعر في " ركباتنا "، وحركت الكاف استثقالا لتوالي ضمتين.(9/396)
وجاء في المقتضب (88) : ينشدون أيضاً: رُكُباتنا، ورُكَباتنا، وهذه الآية الكريمة " في الظلُمات، والظلَمات، والظلْمات ".
والبيت من شواهد سيبويه، قال سيبويه (89) : " ومن العرب من يفتح العين إذا جمع بالتاء، فيقول: رُكَبات وغُرَفات " يريد أن جمع " ُفعلة " في السلامة يجوز في عينه أن تضم، وأن تفتح، وأن تسكن.
وجاء في تفسير الآية الكريمة " إن الذين ينادونك من وراء الحجرات " (90) في تفسير غريب القرآن (91) : الحجرات: واحدها " حُجْرة " مثل ظُلْمة وظُلُمات، ثم أورد البيت.
وزعم بعض النحويين أنه جَمَعَ رُكْبة على رُكَب، ثم جمع ُركَباً على ركَبات، فهو جمع الجمع كما قالوا: بيوتات وطرقات. (92)
وقد رد الأعلم الشنتمري (93) عليهم قائلا ً إن قول سيبويه أصح وأقيس؛ لأنهم يقولون: ثلاثُ رُكَبَات بالفتح، كما يقولون: ثلاث ركُبات بالضم، والثلاثة إلى العشرة إنما تضاف إلى أدنى العدد لا إلى كثيره.
والبيت لعمرو بن شأس الأسدي. (94)
يقول: رأونا وقد شمرنا للحرب وكشفنا عن أسؤقنا حتى بدت ركباتنا، وقوله على موطن: أي في موطن من مواطن الحرب يجد من حضره، ولا يهزل؛ لأنه موضع قتال لا موضع لعب.
(31) قَدْ كادَ مِنْ طُول ِالبِلى أنْ يَمْصَحا
الشاهد: قد كاد: فالعرب تقول: كاد يفعل كذا بغير " أن "؛ فإذا شبهوه بعسى قالوا: كاد أن يفعل، وجاء ذلك في معرض حديثه في تفسير قوله تعالى: " يكاد البرق يخطف أبصارهم ".
والبيت من شواهد سيبويه (95) والشاهد فيه: دخول " أن " على " كاد " ضرورة، والمستعمل في الكلام إسقاطها، ودخلت عليها تشبيهاً " بعسى " كما سقطت من " عسى " تشبيهاً بها لاشتراكهما في معنى المقاربة.
وجاء في تأويل مشكل القرآن (96) : كاد بمعنى هَمَّ، ولا يقال: يكاد أن يفعل، إنما يقال: كاد يفعل، وقال الله تعالى " فذبحوها وما كادوا يفعلون " (97) ، وقد جاءت في الشعر، ثم ذكر البيت.(9/397)
وذكر المبرد (98) أن كاد فعل تقول: " كاد العروس يكون أميراً "، و" تكاد النعام تطير " إلا أن يضطر شاعر، فإن اضطر جاز له فيها ما جاز في " لعل "، ثم ذكر البيت.
والأحسن عند ابن السيد البطليوسي (99) : أن يقال إن حذف " أن " من خبر " عسى " على التشبيه لها ب " لعل " وليس على التشبيه لها ب " كاد "؛ لأن " عسى " و " لعل " رجاء وطمع كما أنهم ربما أدخلوا في خبر لعل " أن " تشبيهاً ب " عسى ".
ويرى صاحب الإيضاح العضدي (100) أن الشاعر ربما اضطر فحذف " أن " من خبر " عسى " تشبيها لها ب " كاد " كما تشبه " كاد " ب " عسى ".
والبيت لرؤبة (101) ، وهو يصف منزلا بالقدم وعفو الأثر.
والبلى: القدم.
ويمصح في معنى يذهب، يقال: مصح الظل إذا انتعله الشخص عند قائم الظهيرة.
(32) تدافع السيلُ ولم يِقِتِل ِ
الشاهد: يقتل وفيه إتباع الكسرة بالكسرة فمن القراء من قرأ الآية الكريمة " يكاد البرق يِخِطِف " بكسر الياء والخاء والطاء ومثل لذلك بهذا البيت؛ ولم أعثر بقائل الشعر.
وَهوَ في المُلْكِ يَأمُلُ التَّعميرَا
(33) خَطَفَتْهُ مَنِيَة ٌفترَدَّى
الشاهد: خطفته، ومعنى الخطف في قول الأصمعي: استلاب الشيء، والبيت أنشده الأصمعي (102)
تَمُدُّها بها أيْدٍ إلَيْكَ نوازعُ
(34) خطاطيفُ حُجْنٌ في حِبَالٍ مَتِينَةٍ
الشاهد: خطاطيف: من يتخطف ومنه سمي الخطّاف. والخطّاف: حديدة معوجة من طرفها يعلق فيها الدلو عند إدلائه إلى الماء ويرفع بها.
حجن: جمع حجناء: أي معوجة. والبيت للنابغة الذبياني (103) وهو تمثيل لحاله بحال دلو تنزع من البئر، واستشهد به في سياق تفسير قوله تعالى: " يكاد البرق يخطف أبصارهم ".
فإنَّ زَمَانَكُم زَمَنٌ خَمِيصُ
(35) كلوا في نِصْفِ بَطنِكُمُ تَعِيشُوا(9/398)
الشاهد: بطنكم: والمقصود بطونكم، والعرب تقول: لهم عقل وبصر. قال تعالى: " ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم " (104) قال أبو عبيدة (105) : ولم يقل: بأسماعهم وأبصارهم، ومثله " لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء " (106) ولم يقل " طروفهم " وقوله: " فإن طبن لكم عن شىء منه نفساً " (107) ولم يقل نفوساً، وما أشبهها من القرآن الكريم.
وقد استشهد سيبويه (108) بهذا البيت على استعمال الواحد في معنى الجمع. يريد الشاعر بعض بطونكم؛ لأنه يريد بطن كل واحد منهم، وروايته فيه: بعض بدل نصف.
وقد أجاز المبرد (109) ، في الشعر، أن تفرد، وأنت تريد الجماعة إذا كان في الكلام دليل على الجمع، ثم استشهد على كلامه بهذا البيت. وقد حكى الفراء (110) في قراءة قوله تعالى " ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفاً من فضة ومعارج عليهايظهرون " (111) : أن سقفاً جمع سقيفة؛ فأما من قرأ " لبيوتهم سقفاً من فضة " فتأولها إسماعيل ابن إسحق على أن " من " لواحد، قال: والمعنى: لجعلنا لكل من كفر بالرحمن لبيوتهم سقفاً من فضة، إلا أن الفراء (112) استبعد هذه القراءة، وحكى أن هذا متناول بعيد، واستدل على أن القراءة بالجمع أولى؛ لأن بعده ومعارج وسرراً وأبواباً فكذا سقف بالجمع أولى.
وقد رد عليه أبو جعفر النحاس (113) ، ورأى أن الذي تأوله بعيد، وأولى منه أن يكون " ُسقُف " بمعنى " سَقف " " كما قال عز وجل " ... ثم نخرجكم طفلاً " (114) ، وكما قال الشاعر، ثم ذكر البيت.
ولم أعثر بقائل هذا البيت، وجاء في خزانة البغدادي (115) أن البيت من الأبيات الخمسين في كتاب سيبويه التي لا يعرف لها قائل.(9/399)
والخميص في الأصل: الجائع، والخمص: الجوع، وأراد بوصفه الزمن بخميص أنه جائع من فيه، فالصفة للزمن، والمعنى لأهله، يقول لهم: اقتصروا على بعض ما يشبعكم، ولا تملأوا بطونكم من الطعام فينفد طعامكم، فإذا نفد طعامكم احتجتم إلى أن تسألوا الناس أن يطعموكم شيئاً، وإن قدرتم لأنفسكم جزءا من الطعام ولم تكثروا من الأ كل عشتم، وفي رواية سيبويه: تعفوا بدل تعيشوا وعلى هذا يكون المعنى.. عففتم عن مسألة الناس، وتعيشوا أو تعفوا مجزوم لأنه جواب الأمر (116) .
قد عضّ أعناقَها جِلدُ الجواميس
(36) تدعوك تيمٌ وتيمٌ في قرى سبإ
الشاهد: الشاهد فيه كالشاهد الذي في قبله، فقد أراد الشاعر: جلود الجواميس، فأفرد وهو يريد الجماعة.
والبيت من شواهد الفراء في معاني القرآن (117) على أن الشاعر قال: جلد الجواميس بالإفراد ولم يقل جلود الجواميس في مقابلة أعناقهم، وروايته فيه:
قدْ عَضَّ أعناقَهم جلدُ الجواميس
الواردون وتيم في ذرا سبإ
والبيت أيضاً من شواهد الكشاف للزمخشري (118) ، وروايته فيه مثل رواية الطبري والفراء، وقد استشهد به الزمخشري على صرف كلمة سبإ، وذلك في تفسير قوله تعالى " وجئتك من سبإ بنبإ يقين " (119) عند من يصرفه حيث جعله الحي، أو الأب الأكبر، وأما من لم يصرفه فيجعله اسم القبيلة.
وقد ذكر محقق تفسير الطبري (120) أنه لم يقف على البيت في المراجع، ولا على قائله، والبيت لجرير في ديوانه، وروايته فيه: (121)
قد عض أعناقهم جلدُ الجواميس
تدعوك تيمٌ وتيمٌ في قرى سبإ
وهو من قصيدة قالها جرير في هجاء التيم. ومعناه: تيم في قرى سبإ مغلولون من جلد الجواميس بحيث يعض أعناقهم.(9/400)
وأنشد المؤلف في توضيح المثل في قوله تعالى: " إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلاً يضل به كثيراً ويهدي به كثيراً وما يضل به إلا الفاسقين " [سورة البقرة 26]
لعلاتٍ وَأمكم رَقوبُ
(37) ألا تَحْيُون مِنْ تكثير قوم
الشاهد: في قوله " تحيون "؛ فالعرب تقول: حييت أحيا حياء، واستحييت أستحيي استحياء، وأنشد البيت شاهداً على ذلك. وجاء في لسان العرب (122) : وقال أبو زيد: يقال حييت من فعل كذا، وكذا أحيا حياء:
أي: استحييت، وأنشد البيت، ثم قال: معناه: ألا تستحيون.
وعلات: يقال: بنو علات: بنو رجل واحد من أمهات شتى، سميت بذلك؛ لأن الذي تزوجها على أولى قد كانت قبلها، ثم عَلَّ من هذه.
قال ابن بري: وإنما سميت عِلّة؛ لأنها تعل بعد صاحبتها من العلل (123) .
والرَّقوب: التي لا يعيش لها ولد. والبيت في لسان العرب دون عزو (124) ونسب إلى عبيد بن الأبرص في الأمالي الشجرية (125) . والبيت ليس في ديوانه.
عَلَيَّ مِنَ الحَقِ الّذي لا يُرَى لِيا
(38) وإني لأستحيي أخي أن أرَى لهُ
الشاهد: لأستحيي: حيث خرج الاستحياء هنا في موضع الأنفة.
وذكر المبرد (126) أن هذا البيت يحمله قوم على خلاف معناه، وإنما تأويله: إني لأستحي أخي أن يكون له عليّ فضل، ولا يكون لي عليه فضل، ومني إليه مكافأة؛ فأستحي أن أرى له عليّ حقاً لما فعل إليّ، ولا أفعل إليه ما يكون لي به عليه حق، وهذا من مذاهب الكرام، ومما تآخذ به أنفسها. ونسب المبرد البيت إلى جرير، ولم أعثر عليه في ديوانه، وهو غير منسوب في لسان العرب (127) وفيه: معنى: وإني لأستحيي: آنف من ذلك.
وضَرْبٌ في البلادِ بِغَيرِ زادِ
(39) لَحِفْظُ المال ِأيْسَرُ مِنْ بُغَاهُ(9/401)
الشاهد: وضرب: الضرب في اللغه على وجوه: فمنها التبيين، ومنها: النوع، تقول العرب: أخذ فلان في ضرب من الحكم، أي نوع منه، ومنها: السير، قال تعالى " وآخرون يضربون في الأرض " (128) وقال تعالى " وإذا ضربتم في الأرض " (129) والبيت شاهد على هذا المعنى.
واستشهد به المؤلف في أثناء تفسيره لقوله تعالى ". ....أن يضرب ... "
ولم أعثر بقائل البيت.
خَشاشٌ كَرَأسِ الحيّةِ المُتَوَقدِ
(40) أنا الرَّجُلُ الضَّرْبُ الذي تعْرِفونَهُ
الشاهد: قوله: الرجل الضرب: ومعناه: الرجل الخفيف الجسم، واستشهد به في تفسير قوله تعالى ".....أن يضرب ... " وذلك في معاني كلمة " ضرب ".
والبيت لطرفة بن العبد (130) وهو من معلقته المشهورة، ومعنى خشاش: رجل لطيف الرأس، ماض، سريع الدخول في الأمور. المتوقد: شديد النشاط.
وطرفة في هذا البيت يفخر بنفسه قائلا ً: أنا الرجل الخفيف اللحم، الذي ليس يرهل، السريع الحركة، الماضي الذي يحسن الدخول في الأمور والتخلص، شديد النشاط كرأس الحية الذي لا يستقر.
(41) مثلُ الفتى مثلُ الهلال ِإذا تَنَقَّصَهُ التئامُهْ
حتى إذا خَرَجَتْ جوارِحُهُ وعادَ لَهُ تَمَامُهْ
انسلّ من ُنقصانهِ عنه فَزَايَلَهُ نِظامُهْ
الشاهد: قوله: مثل الفتى مثل الهلال: الأمثال في اللغه: الأشباه والنظائر والصفات، ويحتاج كل مثل إلى ممثل حتى يتم، وذكر في هذه الأبيات المثل والممثل جميعاً.
ويشبه الشاعر حياة الإنسان بالهلال فعندما يبدأ بالاكتمال يحين وقت انتهاء حياته.
ولم أعثر بقائل الأبيات.
فما مَواعِيدُه إلا ّالأباطيلُ
(42) كانَتْ مَواعِيدُ عُرْقُوبٍ لهَا مَثلا
الشاهد: الشاهد فيه كالشاهد في الذي قبله.
والبيت لكعب بن زهير (131) ، وهو في قصيدته المشهورة التي قالها أمام الرسول صلى الله عليه وسلم حين أسلم.(9/402)
وعرقوب: هو عرقوب بن نصر، رجل من العمالقة نزل بالمدينة قبل أن ينزلها اليهود بعد عيسى بن مريم عليه السلام، وكان صاحب نخل، وإنه وعد صديقا له ثمر نخلة من نخله، فلما حملت، وصارت بلحاً أراد الرجل أن يصرمه، فقال عرقوب: دعه حتى يُشَقَّح، أي يحمر، أو يصفر، فلما شقحت أراد الرجل أن يصرمها، فقال عرقوب له: دعها حتى تصير رطباً، فلما صارت رطباً قال: دعه حتى يصير تمراً، فلماصارت تمراً انطلق إليه عرقوب فجده ليلا ً، فجاء الرجل بعد أيام فلم ير إلا عوداً قائماً، فذهب موعود عرقوب مثلا ً، وهو من أمثال العرب في خلف الوعد (132) .
وَمَا هُوَ عَنْها بالحَديثِ المُرَجَّمِ
(43) وما الحربُ إلاّ ما عَلِمْتُمْ وَذُقتُمُ
وَتضْرَ إذا أضْرَيْتُمُوها فَتَضْرَمِ
مَتَى تَبْعَثُوها تَبْعَثُوها ذمِيمةً
وَتَلْقَحْ كِشَافاً ثُمَّ تُنْتِجْ فَتُتْئمِ
فَتَعْرُكُكُمُ عَرْكَ الرَّحَى بثِفَالِها
كَأحْمَرِ عَادٍ ثُمَّ تُرْضِعْ فَتَفْطِمِ
فَتِنْتِجْ لَكُمْ غِلمَانَ أشْأمَ كُلُهُمْ
قُرًى بالعراق ِمِنْ قَفِيزٍ وَدِرْهَمِ
فَتُغْلِلْ لَكُمْ ما لا تُغِلُّ لأِهْلِها
الشاهد: هذه الأبيات من الأمثال التي خرجت على جهة الإطناب والإكثار. ومن هذا النوع في قوله تعالى " وضرب الله مثلا ًقرية كانت آمنة مطمئنة ... " (133) الآية. ومنه قوله تعالى " ضرب الله مثلا ًرجلين ... " (134) الآية، وفي البيت الأول شاهد نحوي إذ أجاز الكوفيون تعليق باء الجر بضمير المصدر، كما أجازوا تعليقها بمظهره لأنه في معناه، وأنشدوا في ذلك:
وما هو عنها بالحديث المرجم
ف" عن " على ما ذكروه متعلق ب " هو " والمجرور في موضع نصب
ب "هو "، وقال صاحب الإيضاح العضدي (135) : هذا مذهب القوم، ورأيت بعض أصحابنا البصريين لا يستبعد مذهبهم؛ بل يقويه وينصره اهـ.
والأبيات لزهير بن أبي سلمى من معلقته المشهورة. (136)(9/403)
ويعني بالبيت الأول: أي: ما علمتم من هذه الحرب، وما ذقتم منها، وما علمكم عنها بالحديث الذي يرمى فيه بالظنون، فكنى عن العلم، أي: هو حق، والمرجم: المظنون.
ومعنى تبعثوها: تثيرونها: أي لا تحمدوا أمرها.
وذميمة: مذمومة، وأكثر ما يكون " فعيل " المصروف عن " مفعول " بغير هاء، مثل: امرأة قتيل ومقتولة، وكف خضيب ومخضوبة.
وتضر: أي: تعوَّدْ. إذا أضريتموها: أي عودتموها يعني الحرب.
وتعرككم: يعني الحرب أراد: تطحنكم هذه الحرب.
بثفالها والثفال: جلدة تكون تحت الرحى يقع الدقيق عليها.
وتلقح كشافاً: أي تدارككم الحرب. ويقال: لقحت الناقة كشافاً: إذا حمل عليها في دمها.
فتتئم: أي تأتيكم باثنين اثنين بتوأمين، وإنما يقطع بهذا أمر الحرب.
تنتج لكم: أي: الحرب.
غلمان أشأم: في معنى: غلمان شؤم، فجعل أشأم مصدراً، ولم يحتج إلى " مِنْ " ولو كان " أفعل " لم يكن له بد من " مِنْ ". أي كلهم في الشؤم كأحمر عاد، وقيل: وإنما أراد " أحمر ثمود " فقال: " أحمر عاد "، والمقصود هنا عاقر الناقة، واسمه: قدار بن سالف.
ويعني أن ولادتهم ونشأتهم تكون في الحرب، فيصبحون مشائيم على آبائهم.
ويعني في البيت الأخير: هذه الحرب تغل لكم من هذه الدماء ما لا تغل قرى بالعراق، وهي تغل القفيز والدرهم، وهذا تهكم منه واستهزاء.
القفيز: نوع من المكاييل: والمقصود به ما يملأه من المحصولات. (137)
وما حِبَالُ مُحِبٍ وامقٍ تَصِلُ
(44) يا أحسن الناس ما قرنا إلى قدم
الشاهد: استشهد المؤلف بهذا البيت في تفسيره لقوله تعالى " مثلاً ما بعوضة " فالبعوضة واحدة البعوض و" ما " صلة، وهي منصوبة على البدل من المثل، قال الكسائي والفراء هي نصب بانتزاع بين كما تقول: مُطِرْنا ما زُبَالة َ والثّعلبية َ، وله عشرون ما ناقة ً وجملا ً. (138)(9/404)
والذي وجدته في معاني القرآن للفراء في الوجه الثالث في قراءة " بعوضة " وهو أحب الوجوه إليه: أن تجعل المعنى على: إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بين بعوضة إلى ما فوقها، والعرب إذا ألقت " بين " من كلام تصلح " إلى " في آخره نصبوا الحرفين المخفوضين اللذين خفض أحدهما ب " بين " والآخر ب " إلى " فيقولون: مطرنا ما زُبَالة فالثعلبية، وله عشرون ما ناقة فجملا ً، وهي أحسن الناس ما قرنا فقدما " إشارة إلى البيت السابق " يراد به: ما بين قرنها إلى قدمها، ويجوز أن تجعل القرن والقدم معرفة فتقول: هي حسنة ما قرنها فقدمها. (139)
وجاء فيه: قال الكسائي " سمعت أعرابيا ورأى الهلال فقال: الحمد لله ما إهلالَك إلى سرارِك، يريد: مابين إهلالِك إلى سرارِك، فجعلوا النصب الذي كان يكون في " بين " فيما بعده إذا سقطت؛ ليعلم أن معنى " بين " مرَاد، وحكى الكسائي عن بعض العرب: الشَّنْق ما خمساً إلى خمس وعشرين، يريد ما بين خمس إلى خمس وعشرين، والشنْق ما لم تجب فيه الفريضة من الإبل، والأوقاص في البقر. (140)
وذكر السيوطي: " أصله ما بين قرن فحذف بين وأقام قرناً مقامها ومثله " ما بعوضة فما فوقها" قال: والفاء نائبة عن إلى، وكون الفاء للغاية بمنزلة إلى، غريب " (141) . والبيت مجهول القائل.
أيام يَنْسون ما عواقبُها
(45) لم أرَ مثلَ الفِتْيان في غِيَر ال
الشاهد: ما عواقبها، أي: ما هو عواقبها.
استشهد الشاعر بهذا البيت في تفسير قوله تعالى " مثلا ًما بعوضة " وذلك على قراءة رؤبة بن العجاج للآية الكريمة، إذ قرأ " بعوضة " بالرفع وأضمر لها اسماً، يعني: الذي هو بعوضة.
وذكر الفراء أن الرفع في " بعوضة " جائز لأن الصلة ترفع واسمها منصوب ومخفوض. (142)
فَواسِقاً عن قَصْدِهَا جَوائرا
(46) يَهْوين في نَجْدٍ وغَوْراً غائرا(9/405)
الشاهد: قوله: فواسقاً، فالفاسق: الخارج عن الطاعة، واستشهد به في تفسير قوله تعالى " وما يضل به إلا الفاسقين"
واستشهد به أبو عبيدة في مجاز القرآن (143) فقال: ففسق عن أمر ربه: جار عنه، وكفر به، ثم ذكر الشعر ونسبه إلى رؤبة.
واستشهد به صاحب لسان العرب (144) ؛ فقال: وفسق عن أمر ربه، أي جار ومال عن طاعته، ثم ذكر البيت.
والعرب تقول: إذا خرجت الرطبة عن قشرها: قد فسقت الرطبة من قشرها.
والبيت من شواهد سيبويه (145) ، إذ استشهد به لنصب " غور " حملا ًعلى موضع " نجد " وما عمل فيه؛ لأن معنى يذهبن في نجد " وهي رواية سيبويه " ويسلكن نجداً واحداً، فكأنه قال: يسلكن نجداً وغوراً غائراً.
والغور: تهامة وما يليها.
ونجد:هو من نحو فيد إلى الكوفة وإلى البصرة، وما يلي ذلك.
يعني بذلك قصائد قد سادت في الغور وتهامة، أو أفعالا ًيفتخر بها، أو حروباً قد غار ذكرها وأنجد.
وقيل: وصف الراجز ظعائن منتجعات يأتين مرة نجداً، وهو ما ارتفع من بلاد العرب، ومرة الغور، وهو تهامة، وهي ما انخفض من بلادها.
ونسب البيتان إلى العجاج في الكتاب، وقد وردا في زيادات ديوان رؤبة. (146)
لسُبّ بِذلِكَ الجرو الكِلابا
(47) وَلَوْ وَلَدَتْ قَفِيرَةُ جَرْوَ كَلْبٍ
الشاهد: استشهد المؤلف بهذا البيت عند تفسيره لقوله تعالى " وما يضل به إلا الفاسقين " فروى قراءة ابن مسعود وعطاء والحسن " وما يضل به " على لفظ ما لم يسم فاعله، و " إلا الفاسقين " بالنصب، قال ابن مجاهد: أسانيد هذه القراءة منكرة جداً، فإن صحت، فطرقها من اللغة أن يضمر لها اسم، ويكون ما ظهر خبراً له، وتقديره: وما يضل به إلا أفسق الفاسقين، كقول الشاعر: ولو ولدت ... البيت. (147)(9/406)
وذكر النحاس في إعراب القرآن (148) أن النحويين " قد أجمعوا على أنه لا يجوز: ضرب الضرب زيداً، حتى إنه قال بعضهم: لا يجوز: ضرب زيدا ً سوطاً، لأن " سوطاً " مصدر، وإنما يقام المصدر مقام الفاعل على حروف الخفض إذا نعت، فإذا لم يكن منعوتاً لم يجز، وهذا أعجب أن يقام المصدر مقام الفاعل غير منعوت مع اسم غير مصدر ".
" وفيه أيضاً علة أخرى: أنه أضمر الجزاء، ولم يتقدم له ذكر على أن " يجزي " يدل عليه، وهذا وإن كان يجوز، فإنه مجاز، فأما إنشادهم: ولو ولدت ... البيت فلا حجة فيه، ورأيت أبا إسحاق يذهب إلى تقديره: ولو ولدت قفيرة الكلاب، " وجرو كلب" منصوب على النداء ". (149)
وهو من شواهد تأويل مشكل القرآن (150) ، وذلك في قراءة أبي جعفر المدني في سورة الجاثية، وهو قوله تعالى " ليجزى قوماً بما كانوا يكسبون " (151) أي: ليجزي الجزاء قوماً، واستشهد على ذلك بقول الشاعر: ولو ولدت قفيرة ... البيت.
ونسب البيت إلى جرير في خزانة الأدب للبغدادي (152) ، وهو غير موجود في ديوانه، وهو غير منسوب في إعراب القرآن للنحاس (153) ، وغير منسوب أيضاً في القرطبي. (154)
حُبُ النبيّ محمدٍ إيانا
(48) فَكَفى بنَا فضْلاً عَلى مَنْ غَيرِنا
الشاهد: على من غيرنا، فقد جعل " من" اسماً تاماً، وجعل " غيرنا " نعتاً له، وذلك في تفسير قوله تعالى " ماذا أراد الله بهذا مثلا ً" فتكون " ذا " بمنزلة " الذي" وتكون " ماذا " شيئاً واحداً، كما قال تعالى " ماذا أنزل ربكم قالوا خيراً " (155) .
وقال الفراء: " ما بعوضة " نصبت " ما " وأردت: " ما بين بعوضة " وإن شئت جعلت " ما " اسماً تاماً كما قال حسان: فكفى بنا ... البيت. (156)
والبيت من شواهد سيبويه (157) ، فقد جعل الشاعر " غيرنا " نعتاً ل " من " ولم يجعل " من " موصولة.(9/407)
وجاء في تحصيل عين الذهب (158) : الشاهد فيه حمل " غير" على " من " نعتاً لها، لأنها نكرة مبهمة، فوصفت بما بعدها وصفاً لازماً يكون لها كالصلة، والتقدير: على قوم غيرنا، ورفع" غير" جائز على أن تكون " من" موصولة، ويحذف الراجع عليها من الصلة، والتقدير: على من هو غيرنا، والحب مرتفع ب " كفى " والباء في قوله " بنا " زائدة مؤكدة.
ونسب المؤلف البيت إلى حسان بن ثابت، ولم أعثر به في ديوانه وهو منسوب في شرح أبيات سيبويه إلى كعب بن مالك، وهو في ديوانه (159) ، ونسب في الكتاب إلى الأنصاري (160) ، وفي تحصيل عين الذهب إلى الأنصاري حسان، ويقال إنه لبشر بن عبد الرحمن بن مالك الأنصاري كما في اللسان (161) ، وجاء فيه: إنه خفض " غير" على الإتباع ل " من"، ويجوز فيه الرفع على أن تجعل " من " صلة بإضمار " هو ".
ومعنى البيت: كفانا فضلا ًعلى من غيرنا حب النبي صلى الله عليه وسلم إيانا وهجرته إلينا. (162)
إلى حمامتنا أو نِصْفُه فَقدِ
(49) قالت: فيا ليتماهذا الحمامُ لنا
الشاهد: قوله: فيا ليت ما هذا الحمام لنا، ولم تعمل " ليت " هنا، واستشهد بهذا البيت على قراءة رؤبة بن العجاج لقوله تعالى " ... مثلا ًما بعوضة " فقرأ بعوضة بالرفع، واستشهد على ذلك بقول الشاعر: قالت ... البيت.
والبيت من شواهد سيبويه (163) ، والشاهد فيه: إلغاء " ليتما " ورفع ما بعدها، ويجوز أن تكون معملة في " ما " على تقدير: ليت الذي هو هذا الحمام لنا.
ويجوز نصب " الحمام" على زيادة " ما " وإلغائها.
والبيت للنابغة الذبياني من قصيدة له (164) ، وفي هذا البيت يصف ما كان من أمر " زرقاء اليمامة " حين نظرت إلى القطا طائرة فحصلت عدتها، ومعنى قدي: حسبي، يقال: قدي كذا، وقدني.(9/408)
وكانت زرقاء اليمامة، فيما زعموا، نظرت إلى قطاً يطير بين جبلين، فقالت: ليت الحمام ليه، إلى حمامتيه، ونصفه قديه، تم الحمام مائة، فاتبع القطا، إلى أن ورد الماء، فعد، فإذا هو ست وستون. (165)
وأنشد المؤلف في توضيح المثل في قوله تعالى:
" مثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاءً ونداءً صمٌ بكمٌ عميٌ فهم لا يعقلون " [البقرة: 171]
وما هِيَ وَيْبَ غَيْرِكِ بالعَناقِ
(50) حَسِبْتَ بُغَامَ راحلتي عَناقا
الشاهد: حسبت بغام راحلتي عناقا: ففي الكلام اختصار، يعني: حسبت بغام راحلتي بغام عناق واستشهد بهذا البيت في تفسير قوله تعالى " مثل الذين كفروا ... " إذ ذكر أن في الكلام اختصاراً، وتقديره: مثل وعظ الكافرين كمثل الراعي ينعق بالغنم، ولا تفهم الغنم عنه سوى الصوت.
والبيت في دلائل الإعجاز ونسبه إلى أعرابي (166) ، واستشهد به على ما حذف منه المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه مثل قوله تعالى " واسأل القرية " (167) .
وجاء في لسان العرب (168) : وقوله: حسبت بغام راحلتي عناقا: أراد بغام عناق، فحذف المضاف، وأقام المضاف إليه مقامه، وجاء فيه عن ابن بري: وفي حاشية الكتاب بيت شاهد على " ويب " بمعنى " ويل " ثم ذكر البيت، وعن ابن بري أيضاً: أن البيت لم يذكر قائله، وهو لذي الخرق الطهوي (169) يخاطب ذئباً تبعه في طريقه، وفي دلائل الإعجاز أن الأعرابي أناخ راحلته بالليل فبغمت، فجاء الذئب يظن أنها عناق، أي معزى، فيقول الشاعر:
حسبت بغامها صوت عناق، وويب: مثل " ويل " وزناً ومعنى واستعمالاً (170) .
فتيقنوا عِلْمَاً بِبَيْنِ رفيقِ
(51) نَعَقَ الغُرابُ ولاتَ حينَ نعيق
الشاهد: قوله: نعق الغراب، فالنعق والنعيق: صوت الراعي والغراب.(9/409)
وجاء في لسان العرب (171) نعق الغراب نعيقاً ونعاقاً، والغين في الغراب أحسن، قال الأزهري: نعق الغراب، ونغق بالعين والغين جميعاً، ونَعيقُ الغراب ونُعاقُهُ ونَغيقُه ونُغاقُهُ: مثل نهيق ِ الحمار ونُهاقِهِ، وشحيج ِالبغل وشُحاجه، وصهيل ِوصُهال الخيل، وزَحير وزُحار، قال: والثقات من الأئمة يقولون: كلام العرب نغق الغراب، بالغين المعجمة، ونعق الراعي بالشاء بالعين المهملة، ولا يقال في الغراب: نعق، ويجوز: نعب، قال هذا هو الصحيح.
وحكى ابن كيسان: نعق الغراب بعين مهملة، واستعار بعضهم النعيق في الأرانب.
ولم أقف على قائل هذا البيت.
مَنَّتْكَ نَفْسُكَ ضَلَّةً وَخَسارا
(52) فانْعِقْ بِضَأنك يا جَريرُ فإنّما
الشاهد: فانعق بضأنك، قال أبو عبيدة: النعيق: الصوت، وأنشد للأخطل. ويروى: منتك نفسك في الخلاء ضلالا.
وجاء في لسان العرب: النعيق: دعاء الراعي الشاء، يقال: انعق بضأنك أي: ادعها.
ونعق الراعي بالغنم ينعِقُ، بالكسر، نَعْقاً ونُعاقاً ونَعيقاً ونَعْقانا: صاح بها وزجرها يكون ذلك في الضأن والمعز.
وفي الحديث: أنه قال لنساء عثمان بن مظعون لما مات: " ابكين وإياكن ونعيق الشيطان " يعني الصياح والنوح، وأضافه إلى الشيطان لأنه الحامل عليه.
وفي حديث المدينة: آخر من يحشر راعيان من مزينة يريدان المدينة ينعقان بغنمهما أي: " يصيحان ". (172)
والبيت للأخطل في ديوانه من قصيدة (173) ، وروايته فيه:
مَنّتْكَ نفسُك في الخلاءِ ضَلالا
وجاء في الهامش: يعيره أنه راعي ضأن لا مكان له في المفاخر والأمجاد، وذكر الجاحظ أن بني يربوع كانوا يرمون بإتيان الضأن واستشهد بهذا البيت، انظرفخرالسودان ص 61.
ولم يك سَمْعُهُ إلا ندايا
(53) إذا ما الشَّيْخُ صُمّ ولم يعوج(9/410)
الشاهد: قوله " ندايا "، فأصل النداء " نداي " والياء والواو في قوله تعالى " إلا دعاء ونداء " ممدودان؛ لأن أصل الدعاء " دعاو " وأصل النداء " نداي " والياء والواو لام من هذا البناء، فقلبتا همزة لوقوعهما بعد ألف ساكنة، وكذلك كل ممدود في نفسه، فهذا علته.
وروى ابن الأنباري (174) عن ثعلب بيتا: إذا ما الشيخ....البيت.
وفي لسان العرب (175) : وفي حديث ابن عوف: وأودى سمعه إلا ندايا أراد إلا نداء، فأبدل الهمزة ياء تخفيفا وهي لغة بعض العرب.
وورد شطر البيت في لسان العرب مرة أخرى برفع " سمعه " (176) .
ولم أقف على قائل هذا البيت.
على زيد بِتَسْلِيمِ الأميرِ
(54) وَلَسْتُ مسلّماً ما دمتُ حَيّاً
الشاهد: ولست مسلماً بتسليم الأمير: يريد: كما يسلم على الأمير.
وهذا قول الفراء في تفسير المثل في الآية القرآنية " ومثل الذين كفروا......" إذ في رأيه: يضيف المثل إلى الذين كفروا وداعيهم كمثل الناعق، كما تقول: إذا لقيت فلانا، فسلم عليه تسليم الأمير، وإنما تريد به: كما تسلم على الأمير. (177)
(55) أصَمُّ عمّا ساءَه سميعُ
الشاهد: العرب تقول لمن يسمع ولا يعمل بما يسمع كأنه أصم كما قال: البيت، وذلك في تفسير قوله تعالى " صم بكم عمي فهم لا يعقلون ".
وهذا القول في لسان العرب (178) دون عزو، ونقل عن التهذيب: يقول القائل: كيف جعلهم الله صماً، وهم يسمعون، وبكماً وهم ناطقون، وعمياً وهم يبصرون؟ والجواب في ذلك أن سمعهم لما لم ينفعهم، لأنهم لم يعوا به ما سمعوا، وبصرهم لما لم يجد عليهم لأنهم لم يعتبروا بما عاينوه من قدرة الله وخلقه الدال على أنه واحد لا شريك له، ونطقهم لما لم يغن عنهم شيئا إذ لم يؤمنوا به إيماناً ينفعهم، كانوا بمنزلة من لا يسمع ولا يبصر ولا يعي، ونحو منه قول الشاعر: أصم عما ساءه سميع.(9/411)
وأنشد المؤلف في توضيح المثل في قوله تعالى " مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم * الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا مناً ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ". [البقرة: 261 262]
عمرو بن ميمون لئامَ الناتِ
(56) يا لَعَنَ اللهُ بني السَّعلاتِ
الشاهد: قوله: لئام النات، أراد لئام الناس، فحول السين تاء؛ لأن التاء والسين مهموستان؛ فهما يتعاقبان، وقد استشهد المؤلف بهذا الشعر على قراءة من أدغم في قوله تعالى: " أنبتت سبع سنابل "
وهذا الرجز أنشده أبو عمرو بن العلاء، وقيل وكان يزعم أن الرجز والرجس بمعنى واحد، وأنها مقلوبة، قلبت السين زاياً، كما قلبت شئز
وهي: شئس، بسين، وكما قالوا: قربوس وقربوز، وكما قال الشاعر: يا لعن الله ... البيت وهو يريد لئام الناس، فقلبت السين تاءً. (179)
والشعر في كثير من كتب النحو مع اختلاف في بعض الألفاظ، وورد في لسان العرب عن أبي زيد (180) ، قال: من العرب من يجعل السين تاءً، وأنشد لعلباء بن أرقم: (181)
يا قبَّحَ الله بني السّعلات
عمرو بن يربوع شرار الناتِ
ليسوا أعفّاءَ ولا أكياتِ
يريد الناس والأكياس.
ووردت الأبيات في نوادر أبي زيد الأنصاري. (182)
وإن نعموا لا كدروها ولا كدُّوا
(57) وإنْ كانَت النُّعمى عليهم جزوا بها
الشاهد: استشهد المؤلف بهذا البيت عند تفسيره لقوله تعالى: " ثم لا يتبعون ما أنفقوا مناً ولا أذىً " إذ حث الله عباده على مكارم الأخلاق، فحظر عليهم المن بالصنيعة، واختص به صفة لنفسه؛ لأنها من العباد تكدير وتعيير، ومن الله إفضال وإنعام، كقول الشاعر: وإن كانت..البيت.
وقد نسب المؤلف البيت إلى طرفة، ولم أعثر به في ديوانه.
كلفته للعُرفِ إعظامَكا
(58) ما تم معروف عند امرئ(9/412)
إكرامَ من أظهر إكرامَكا
إنْ مِنَ البِرّ فلا تَكْذِبنْ
تَسْتَفْسِدَنْ بالمنّ إنعامَكا
والمنُّ للمُنعم نقصٌ فلا
مذلة ٌأحببتُ إعْلامَكا
(م)
والعزُّ في الجود وَبُخْلُ الفتى
الشاهد: الشاهد في هذه الأبيات كالشاهد في البيت السابق.
وقد نسب المؤلف الأبيات إلى محمود الوراق، ولم أعثر بها في ديوانه.
لَيْسَ الكريمُ إذا أسدى بمنانّ
(59) أفسَدْتَ بالمَنّ ما أوْليْتَ مِنْ نِعَم
الشاهد: الشاهد فيه كالشاهد الذي في قبله.
إذا فَعَلَ المَعْرُوفَ زَادَ وَتَمَّمَا
(60) يَرُبُّ الذي يَأتِي مِنَ الخَيْرِأنَّهُ
الشاهد: الشاهد فيه كالشاهد الذي في قبله.
وقد ذكر المؤلف أن أبا نصر منصور بن عبد الله أنشده إياه بهراة.
والبيت غير منسوب في لسان العرب (183) ، وفيه قال الأنباري: الرب ينقسم على ثلاثة أقسام: يكون الرب: المالك، ويكون الرب: السيد المطاع، قال تعالى: " فيسقى ربه خمراً " (184) أي: سيده، ويكون الرب: المصلح، رب الشيء: إذا أصلحه، وأنشد البيت.
على الأعناق ِمِنْ مِنَنِ الرِّجالِ
(61) وما شيء بأثقلَ وهو خِفُّ
بِوَجْهِكَ إنَّهُ بالوَجْهِ غالِ
ولا تَفْرَحْ بمالٍ تَشْتَرِيهِ
الشاهد: الشاهد فيه كالشاهد الذي في قبله.
وقد سأل رجل ابن شبرمة أن يكتب رقعة إلى بعض الأغنياء ليعطيه شيئاً، فأعطاه مائتي درهم، وأنشأ يقول: (185) .... البيتان.
في كُلّ وَقْتٍ وَزَمنْ
(62) أحْسَنُ مِنْ كُلِّ حَسنْ
خاليةٌ مِنَ المِننْ
ضَيْعَةٌ مَرْبُوبة
الشاهد: الشاهد فيه كالشاهد الذي في قبله.
وقد نسب المؤلف البيتين إلى محمود الوراق ولم أعثر بهما في ديوانه.
وإنّما العُرْفُ بالرّباباتِ
(63) يَرُبُّ مَعْرُوفَهُ وَيُكْمِلهْ(9/413)
الشاهد: الشاهد فيه كالشاهد الذي في قبله. وذكر المؤلف أن جعفر بن محمد الصادق قال: لا يتم المعروف إلا بثلاث: تعجيله وتصغيره، وترك المن به، فإنك إذا عجلته فقد هنأته، وإذا صغرته فقد عظمته، وإذا تركت المن به، فقد أتممته، ثم أنشد (186) ... البيت.
وأنشد المؤلف في توضيح المثل في قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلداً لا يقدرون على شيء مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافرين * ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتاً من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل والله بما تعملون بصيرٌ ". [البقرة 264 265]
(64) برّاقُ أصْلادِ الجبين ِالأجْلَهِ
الشاهد: أصلاد، قال قطرب: الصلد: الصلب، وهو الأخلق الأملس وأنشد (187) ... البيت.
وفي لسان العرب عن ابن السكيت (188) : الصفا: العريض من الحجارة الأملس.
قال: والصلداء والصلداءة: الأرض الغليظة الصلبة، قال: وكل حجر صلب، فكل ناحية منه صلد، وأصلاد جمع صلد وأنشد لرؤبة: ... البيت.
وعن أبي الهيثم: أصلاد الجبين: الموضع الذي لا شعر عليه، شبه بالحجر الأملس.
وجله الرجل جلهاً: رده عن أمرٍ شديد، والجَلَهُ: أشد من الجلح، وهو ذهاب الشعر من مقدم الجبين، وقيل: النزع، ثم الجَلَحُ ثم الجَلا ثم الجَلَه، وقد جَلِهَ يَجْلَهُ جَلَهاً، وهو أجله، وقيل: الأجله: الأجلح في لغة بني
سعد. (189)
إنْ ديّموا جادَ وإنْ جادُوا وَبلْ
(65) أنا الجوادُ بنُ الجوادِ ابْنِ سبل
الشاهد: وبل: قال المؤرج: الوابل: الشديد العظام القطر، يقال: وبل، يبل، قال الشاعر: أنا الجواد ... البيت
يريد: أنه يزيد عليهم في كل حال منها.(9/414)
وهذا البيت من شواهد ابن جني في الخصائص (190) على التدريج في اللغة، فمن التدريج قولهم: ديمة وديم، واستمرار القلب في العين للكسرة قبلها، ثم تجاوزوا ذلك لما كثر وشاع إلى أن قالوا: ديمت السماء، ودومت؛ فأما دومت فعلى القياس، وأما ديمت فلاستمرار القلب في ديمة، وديم، وأنشد أبو زيد:
إنْ دوّموا جادَ وإن جادوا وبل
هو الجوادُ بن الجوادِ بنِ سَبَلْ
ورواه أيضاً " ديموا " بالياء، ثم قالوا: دامت السماء تديم،فظاهر هذا أنه أجري مجرى باع يبيع، وإن كان من الواو.
وجاء في لسان العرب (191) : سبل، اسم فرس قديمة، وعن الجوهري: سبل اسم فرس نجيب في العرب، قال الأصمعي هي أم أعوج، وكانت لغني، وأعوج لبني آكل المرار، ثم صار لبني هلال بن عامر، وقال:
هو الجواد ابنُ الجواد ابن سبل
قال ابن بري: الشعر لجهم بن سبل.
قال أبو زياد الكلابي: وهو من بني كعب بن بكر، وكان شاعراً لم يسمع في الجاهلية والإسلام من بني بكر أشعر منه؛ قال: وقد أدركته يرعد رأسه وهو يقول:
أنا الجواد ... البيت.
قال ابن بري: فثبت بهذا أن سبلا ًاسم رجل، وليس باسم فرس كما ذكر الجوهري.
وأنشد في توضيح المثل في قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه واعلموا أن الله غني حميد " [البقرة: 267]
مِنَ الأرْض ِمِنْ مَهْمَهٍ ذِي شزَن
(66) تيمّمْتُ قَيْساً وَكَمْ دُونهُ
الشاهد: تيممت: التيمم: القصد للشيء، يقال: تيممته وتأممته وأممته: إذا قصدته، قال الأعشى: تيممت ... البيت
والبيت للأعشى في ديوانه (192) من قصيدة في مدح قيس بن معدي كرب الكندي الذي ذكره في البيت.
والمهمه: الفلاة الخالية. ذي شزن: غليظ
والمعنى: يقول: إنها تقصد " قيساً " وكم دونه بيد ومسافات بعيدة.(9/415)
وأنشد في توضيح المثل في قوله تعالى: " والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكداً كذلك نصرف الآيات لقوم يشكرون " [الأعراف: 58]
لا خيرَ في المنكودِ والنّاكدِ
(67) وأعط ما أعطيتَه، طيّباً
الشاهد: المنكود والناكد: قال المبرد: النكد: الرديء، ويقال لكل ما يتشاءم به: نكد وناكد قال الشاعر: وأعط ... البيت.
والنكد: الشؤم واللؤم، وذكر ثعلب أن النَّكد والنُّكد: قلة العطاء وألاّ يهنأه من يعطاه، واستشهد على ذلك بالبيت. (193)
ولم أعثر بقائل البيت.
عدوّاً له ما من صداقته بدُّ
(68) ومن نكدِ الدنيا على الحرّ أن يرى
الشاهد: الشاهد فيه كما في قبله.
والبيت لأبي الطيب المتنبي من قصيدة في مدح محمد بن سيار بن مكرم التميمي. (194)
يقول: من نكد الدنيا وقلة خيرها أن الحر يحتاج فيها إلى إظهار صداقة عدوه ليأمن شره، وهو يعلم أنه عدوه، وهو لا يجد بداً من أن يريه الصداقة من نفسه دفعاً لغائلته، وأراد: ما من مداجاته، ولكنه سمى المداجاة صداقة لما كانت في صورة الصداقة، ولما كان الناس يحسبونها صداقة.
وقيل: لو قال: " ما من مداجاته " لكان أشبه، والذي قاله أحسن في اللفظ، وأقوى في المعنى، وحسنه أنه ذكر العدو وضده، وفي قوة المعنى: أن المداجي: المساتر للعداوة، وقد يساتر العداوة من لا يظهر الصداقة، فإذا أظهر الصداقة لم يكن له من إظهارها بد، فهو يعاني من ذلك أمراً عظيماً، ونكداً في الحياة، فهو أسوأ حالاً من المداجي. (195)
وقيل: إنما أراد بهذا السلطان الذي لا بد من صداقته بإخلاص القول والنية فبأيها أخل دخل منه الضرر. (196)(9/416)
وأنشد في توضيح المثل في قوله تعالى: " واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين * ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون* ساء مثلا ًالقوم الذين كذبوا بآياتنا وأنفسهم كانوا يظلمون " [الأعراف176177]
صَائِر مَرّة إلى أنْ يزُولا
(69) كلّ عيش ٍوإنْ تَطاول دَهراً
في قلال ِالجبالِ أرعى الوُعولا
لَيْتَني كُنْتُ قَبْلَ مَا قَد بدَا لي
شَابَ فِيهِ الصغيرُ يَوْماً ثقيلا
إنّ يومَ الحِسَابِ يومٌ عظيم
الشاهد: استشهد الشاعر بهذه الأبيات في مناسبة حديثه عن سبب نزول الآيتين الكريمتين، فمن الآراء التي قيلت في ذلك أنها نزلت في أمية بن أبي الصلت، فمن رأى هذا الرأي قال: كان ابتداء أمره قرأ الكتب، وعلم أن الله تعالى مرسل رسولاً في ذلك الوقت، وظن أنه يكون ذلك الرسول، فلما أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم حسده، وكان قصد بعض الملوك، فلما رجع مر على قتلى بدر، فسأل عنهم، فقيل: قتلهم محمد، فقال: لو كان نبياً ما قتل أقرباءه، فلما مات أمية، أتت أخته الفارعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألها عن وفاة أخيها، فقالت: بينا هو راقد أتاه اثنان، فقعد أحدهما عند رأسه، والآخر عند رجله، فقال الذي عند رجله للذي عند رأسه: ... الأبيات. (197)
ولا شيء أعلى منك جدّاً وأمجدُ
(70) لكَ الحمدُ والنّعماءُ والفضلُ ربَّنا
لعزّته تَعْنُو الوجوهُ وَتَسْجُدُ
مليك على عرش السماء مُهَيْمِنٌ
وأنهار نور حوله تتوقدُ
عليه حجابُ النور والنور حوله
ودون حجاب النور خلق مؤيدُ
فلا بصرٌ يَسْمو إليك بطرفهِ
وأعناقهم فوق السماوات صعد
ملائكة أقدامهم تحت أرضهِ
فرائصهم من شدة الخوف تصعد
قيام على الأقدام عانون تحته
مصيخون للأسماع للوحي ركد(9/417)
وسبط صفوف ينظرون وراءه
وميكال ذو الروح القوي المسدد
أميناه روح القدس جبريل فيهم
الشاهد: ذكر المؤلف أن هذه الأبيات أنشدتها الفارعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي لأخيها أمية بن أبي الصلت، وهي قصيدة طويلة جداً كما ذكر المؤلف. (198)
فشَقِيٌّ مُعذبٌ وسَعِيدُ
(71) يُوقَفُ النّاسُ لِلحِسابِ جَميعا
الشاهد: مطلع قصيده أنشدتها الفارعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي لأخيها أمية بن أبي الصلت. (199)
يعلم الجهر والسرار الخفيا
(72) عند ذي العرش يعرضون عليه
إنه كان وعده مأتيا
يوم نأتي الرحيم وهو رحيمٌ
ثم لا يذر راشداً أو غويا
يوم نأتيه مثلما قال فرداً
أو مهاناً بما اكتسبت شقيا
أسعيداً سعيداً أنا أرجو
أو تعاقبْ فلم تعاقب بريا
ربّ إنْ تعفُ فالمعافاةُ ظنّي
سوفَ ألقى من العذاب فريا
أو تؤاخذ بما اجترمت فإني
الشاهد: هذه أبيات من قصيدة أنشدتها الفارعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي لأخيها أمية ابن أبي الصلت. (200)
وبعد أن استمع الرسول صلى الله عليه وسلم لهذه الأبيات قال لها: آمن لسانه وكفر قلبه.
وقال عمرو بن الشريد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض المغازي، فقال لي: هل تروي من شعر أمية بن أبي الصلت؛ قلت: نعم، فأردفني فركبت الناقة فجعلت أنشده، وهو يقول: هيه ... حتى أنشدته أكثر من مائة بيت، فقال: آمن لسانه وكفر قلبه. (201)
(73) فَنِعْمَ الزّادُ زادُ أبيك زادا
الشاهد: الشاهد فيه اجتماع التمييز والمميز على جهة التأكيد.
واستشهد المؤلف بهذا الشعر في معرض حديثه عن الآية الكريمة " ساء مثلا ًالقوم الذين كذبوا بآياتنا " فنصب مثلا ًعلى التمييز والحال، أي ساء المثل مثلا ً، فقوله " مثلا ً" حال من المثل المضمر كما قال جرير.....فنعم.....البيت.(9/418)
هذا إذا جعلت " ساء " من فعل المثل، ورفعت القوم بدلا ًمن المضمر فيه، وإن حولت فعله إلى " القوم " ورفعت " هم " به كان انتصابه على التمييز، يريد: ساء مثل القوم، فلما حولته إليهم خرج المثل مفسرا كما تقول:
قَرَّ بِهِ عَيْنَاً، وضاق به ذرعا، ومتى ما سقط التنوين من المميز انخفض بالإضافة.
وقد أجاز المبرد والفارسي وجماعة من النحويين اجتماع التمييز والمميز على جهة التأكيد. (202)
وذكر المبرد في المقتضب (203) في قول القائل: نعم الرجل رجلا ًزيد، فقوله " رجلا ً" توكيد لأنه مستغنى عنه بذكر الرجل أولا ً، وإنما هذا بمنزلة قولك: عندي من الدراهم عشرون درهماً، إنما ذكرت الدرهم توكيداً، ولو لم تذكره لم تحتج إليه، وعلى هذا قول الشاعر: فنعم ... البيت.
والبيت لجرير وصدره:
تزوّد مثلَ زادِ أبيك زادا
من قصيدة يمدح بها عمر بن عبد العزيز.
وأنشد في توضيح المثل في قوله تعالى " ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون ". [الأعراف 179]
وَدَورُنا لِخَرابِ الدهرِ نبنيها
(74) أمْوالُنا لِذوِي الميراثِ نَجْمَعُهَا
الشاهد: اللام في خراب: لام العاقبة، وهي دليل على إثبات معنى الصيرورة، وذلك مثل قوله تعالى " فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزناً " ولام ل" جهنم " الواردة في الآية الكريمة تسمى لام العاقبة أيضاً كما يقول المؤلف، إذ أخبر الله تعالى عما خلقهم له بعدما علم مصيرهم إليه (206) .
ولستُ أرى حيّاً لحيٍّ يخلدُ
(75) ألا كلّ مولودٍ فللموت يولدُ
الشاهد: لام " فللموت " والشاهد فيه كالشاهد في البيت الذي قبله.
والبيت لأبي العتاهية في ديوانه، وهو مطلع قصيدة في الزهد. (207)(9/419)
وقد أخبر المسعودي قال: مر عابد براهب في صومعة، فقال له عظني، فقال: أعظكم وشاعركم الزاهد قريب العهد بكم، فاتعظ بقول أبي العتاهية حيث يقول: ألا كل ... البيت.
فكلكم يصيرُ إلى التراب
(76) لدوا للموتِ وَابنوا للخرابِ
الشاهد: الشاهد فيه " للموت " فاللام للعاقبة، فهو كالبيت الذي قبله.
والبيت لأبي العتاهية، وهو مطلع قصيدة في الزهد. (208)
وروايته: فكلكم يصير إلى تباب.
والتباب: الهلاك.
وأنشد المؤلف في توضيح المثل في قوله تعالى:
" إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهاراً فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون " [يونس 24]
إذا رَأيْتُ خُصْيَة ًمُعَلقهْ
(77) وَمَا أبَالي أنْ أكُونَ مُحْمِقَهْ
الشاهد: جاء المؤلف بهذا البيت في معرض حديثه عن قراءة قوله تعالى " وازينت " إذ ذكر أن قطرب قال: قرأ أبو العالية " وأزينت " فقطع الألف، أي: أتت بالزينة، كقولهم: أحمر، وأدم، وأذكرت المرأة، وأنثت، وقالت امرأة من العرب: وما أبالي ... البيت.
والخصية: البيضة، وإذا ثنيت قلت: " خصيان " بطرح التاء، وأجاز شارح كتاب الفصيح في اللغة أن يقال: " خصيتان ". (209)
والبيت لامرأة من العرب تذكر أنها تريد الولد الذكر، وإن كان أحمق، لأنه أقدر على معونتها ونفعها من البنت.
وأنشد المؤلف في توضيح المثل في قوله تعالى:
" أنزل من السماء ماءً فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبداً رابياً ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال " [الرعد: 17]
إنّما الكفرُ ضَلالٌ ينمحقْ
(78) ذهَبَ الكُفْرُ جُفاءً فَاعْلَمُوا(9/420)
الشاهد: استشهد المؤلف بهذا البيت على معنى " جفاء " أي: يذهب مرمياً مطروحاً.
ونسب المؤلف البيت إلى حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه. (210)
(79) كأنني سَيْفٌ بهِ إصْلِيتُ
الشاهد: إصليت: نقول: أصلت السيف إصليت: إذا مضى. وهو غريب في الأفعال كما يقال: أجفل الظليم في عدوه: إذا أسرع، فهو إجفيل.
والبيت لرؤبة في ديوانه (211) ، وروايته:
ينشق عني الحزن والبّريتُ
كأنني سيف بها إصليتُ
وأنشد المؤلف في توضيح المثل في قوله تعالى:
" مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء ذلك هو الضلال البعيد." [إبراهيم 18]
(80) يومين غيمين وَيَوْماً شَمْسَا
الشاهد: تقول العرب: يوم ماطر ومغيم، وليل فلان نائم، ونهاره صائم، وهذه الأفعال إنما تكون في النهار والليل، فأضيفت للمجاورة إليهما، قال الشاعر: يومين.... البيت.
يعني أن الغيم والشمس في اليوم. (212)
علمتُ بِأنَّ اليَوْمَ أحْمَسُ فاجرُ
(81) وَلَمّا رَأيْتُ القومَ تَتْرى أثابجاً
الشاهد:أحمس فاجر: فالعرب تضيف الشجاعة، والجبن، والفجور إلى اليوم مثل قول الشاعر.
والبيت من شواهد " تأويل مشكل القرآن " (213) إذ يجيء المفعول به على لفظ الفاعل، كقوله سبحانه وتعالى " لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم " (214) أي: لا معصوم من أمر الله.
والعرب تقول: ليل نائم، وسر كاتم مثل قول الشاعر: ولما رأيت......البيت.
ومعنى أثابج: جماعات. وأحمس: شديد، وفاجر: يركب فيه الفجور ولا يبق فيه محرم، أراد: مفجور فيه. (215)
ونسب البيت إلى وعلة الجرمي (216) ، أو الحارث بن وعلة الجرمي. (217)(9/421)
وأنشد المؤلف في توضيح المثل في قوله تعالى: " ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمةً طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء* تؤتي أ ُكُلها كل حين بإذن ربهاويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون * ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار" [إبراهيم 24 26]
حَيٌّ بِمُنْعَرج ِالمسيلِ مُقيمُ
(82) واجْتثَّ كَلمَاهُمْ عَشِيَّة َهَزْمِهمْ
الشاهد: واجتث: قال المؤرج: أخذت جثها، وهي نفسها، وأنشد للبيد البيت ... وذلك في تفسير قوله تعالى " اجتثت من فوق الأرض ".
والبيت للبيد بن ربيعة في ديوانه (218) ، وروايته:
فَارْتَثَّ كَلماهم عشية هزمهم
وإذا أخذنا بهذه الرواية، فلا شاهد في البيت.
وارتث: حمل إلى أهله وبه رمق.
الكلمى: الجرحى. الهزم: الهزيمة. الحي هنا: جماعة الضباع.
منعرج السيل: موضع لا يصيبه السيل.
يقول: جاءت الضباع إلى القتلى بعد الهزيمة فأكلتهم.
والبيت من قصيدة للبيد، قيل: إنها من قصائده المبكرة، ولما سمعها النابغة قال له:
أنت أشعر قيس، أو قال: هوازن كلها.
وأنشد المؤلف في توضيح المثل في قوله تعالى:
" ضرب الله مثلاً عبداً مملوكاً لا يقدر على شيءٍ ومن رزقناه منا رزقاً حسناً فهو ينفق منه سرا وجهراً هل يستوون الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون * وضرب الله مثلا ًرجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيءٍ وهو كل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم " [النحل: 75 76]
وَعَلَى الأصْحاب كَلٌّ في السَّفر
(83) أنْتَ غَاوٍ مِنْ غُواتٍ جُهَّلٍ
الشاهد: " كلّ " قال المبرد: ِثقلٌ (219) ، وأنشد ... البيت.
وأنشد المؤلف في توضيح المثل في قوله تعالى: " ونحن أعلم بما يستمعون به إذ يستمعون إليك وإذ هم نجوى إذ يقول الظالمون إن تتبعون إلا رجلاً مسحوراً * انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلاً".(9/422)
[الإسراء 47 48]
عَصَافيرُ مِنْ هذا الأنامِ المُسَحَّرِ
(84) فإنْ تَسْألِينَا فِيمَ نَحْنُ فَإنَّنا
الشاهد: المسحر. قال المبرد: يقال: رجل مسحور ومسحر: أي ذو نجوى وسحر.
والعرب تقول: هو يسحر بكلامه، ومعناه: يعلل ويخدع (220) ، وذكر يونس في قوله تعالى: " إنما أنت من المسحرين " (221) أي: المعللين.
والسحر أيضاً: الاستهواء وذهاب العقل.
والسحر: صرف الإنسان عن الشيء إلى غيره. يقال: سحرته عن كذا أي صرفته عنه، وقال الله عز وجلّ " فأنّى تسحرون " أي تصرفون.
والبيت للبيد في ديوانه من قصيدة قالها يذكر من فقد من قومه، ومن سادات العرب، ويتأمل في سطوة الموت، وضعف الإنسان إزاءه. (222)
وعصافير: ضعاف. ومسحر: معلل بالطعام والشراب.
وأنشد المؤلف في توضيح المثل في قوله تعالى: " واضرب لهم مثلاً رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعاً *كلتا الجنتين آتت أُكلها ولم تظلم منه شيئاً وفجرنا خلالهما نهراً * وكان له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالاً وأعز نفراً * ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبداً وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلباً *قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا ً*لكنا هو الله ربي ولا أشرك بربي أحداً * ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوّة إلا بالله إن ترن أنا أقل منك مالا وولداً * فعسى ربي أن يؤتين خيراً من جنتك ويرسل عليها حسباناً من السماء فتصبح صعيداً زلقاً * أو يصبح ماؤها غوراً فلن تستطيع له طلباً * وأُحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحداً * ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله وما كان منتصراً * هنالك الولاية لله الحق هو خير ثوابا وخير عقبا ". [الكهف 42 44](9/423)
حِلْمٌ وَمَنْ نَالَهُ قَدْ فَازَ بالفرجِ
(85) لاشَيْءَ أحْسَنُ مِنْ عِلْمٍ يزينهُ
الشاهد: ومن ناله: أي من نال كل واحد منهما.
واستشهد به في تفسير قوله تعالى " كلتا الجنتين آتت أُكلها " (223) فالمعنى: كلتا الجنتين آتت كل واحدة منهما أكلها، ونظيره " وجعلنا ابن مريم وأمه آية " (224) أي: وجعلنا كل واحد منهما آية.
والمسي والمصبح لا بقا معهْ
(86) لِكُلِ هَمٍّ مِنَ الهمومِ سَعَهْ
الشاهد: الشاهد فيه كالشاهد الذي في قبله أي: كل واحد منهما.
(87) كأنّهن فتياتٌ زَوْرُ
الشاهد: زور: قال تعالى: " أو يصبح ماؤها غوراً " (225) أي داخلا ًفي الأرض لا تناله الأيدي والدلاء، يقال: ماء غور، ومياه غور، ومنه قوله عز وجل: " قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غوراً " (226) أي غائر، وكذلك كل ما كان من هذه الأسماء بوصف مصدره، كما يقال: رجل زور، وفطر، وصوم، أي: زائر، ومفطر، وصائم، واستشهد على ذلك بقول الشاعر: كأنهن ... والزَّورُ: الذي يزورك، ورجل زَوْرٌ، وقوم زَوْرٌ، وامرأة زَوْرَ، ونساء زَوْرٌ، يكون للواحد والجمع والمذكر والمؤنث بلفظ واحد لأنه مصدر. (227)
فَلا عَطَسَتْ شَيْبَانُ إلاَّ بِأجْدَعا
(88) فهُمُ صَلبُوا العَبْدِيَّ فِي جذع ِنَخْلةٍ
الشاهد: في جذع نخلة، أي: على جذع نخلة، واستشهد بهذا البيت في تفسير قوله تعالى: " على ما أنفق فيها " أي: عليها، ونظيره " ولأصلبنكم في جذوع النخل " (228) أي: عليها.
واستشهد بالبيت المبرد (229) فذكر أن حروف الخفض يبدل بعضها من بعض إذا وقع الحرفان في معنى في بعض المواضع قال الله جل ذكره " ... ولأصلبنكم في جذوع النخل " أي: على، ولكن الجذوع إذا أحاطت دخلت " في " لأنها للوعاء يقال: فلان في النخل، أي قد أحاط به، قال الشاعر:هم صلبوا ... البيت(9/424)
وورد البيت في كثير من كتب النحو والتفسير، وهو في الخصائص لامرأة من العرب (230) ، وفي لسان العرب (231) لسويد بن أبي كاهل، ونسب لسويد في شرح المغني للسيوطي (232) وجاء فيه: " هذا البيت من قصيدة لسويد بن أبي كاهل اليشكري ... هذا في كتاب منتهى الطلب وعزاه صاحب الحماسة البصرية إلى قراد بن حنش الصاردي "
والبيت غير منسوب في كثير من الكتب. (233)
والعبدي: نسبة الى عبد القيس، وقوله بأجدع: أي: بأنف أجدع.
وأنشد المؤلف في توضيح المثل في قوله تعالى: " الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم * في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال * رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار "
[النور 35 37]
يغري الحَزون ويغري البيدَ والأكما
(89) فانْصَاعَ كالكوكبِ الدّرّيّ مُنْصلتاً
الشاهد: الدري: نسبه إلى الدر لبياضه، وقد استشهد المؤلف بهذا البيت في تفسير قوله تعالى: " كأنها كوكب دري "
وقد ورد صدره في تفسير الطبري (234) على هذه الصورة:
فَانْقَضَّ الكوكَبُ الدّريُّ مُنْصَلِتاً
وأتى به شاهداً على معنى انقضت الدار: إذا انهدمت وسقطت، ومنه انقضاض الكوكب، وذلك سقوطه وزواله عن مكانه.
والمنصلت: المسرع من كل شيء.
عوذاً تَأجَّلُ بالفضاء ِبِهَامُها
(90) فَالعِينُ ساكِنة ٌعلى أطلائها
الشاهد: تأجل: بمعنى: تتأجل، واستشهد به المؤلف على قراءة ابن محيص " تَوَقَّدَ " بالتاء المفتوحة مع التشديد والرفع على معنى يتوقد.
والبيت للبيد في ديوانه (235) ، ويروى: والوحش ساكنة، وهو من معلقته.(9/425)
العين: بقر الوحش، والمفرد: عيناء سميت بذلك لكبر عيونها.
ساكنة: آمنة مطمئنة لا تنفر.
الأطلاء: الأولاد والمفرد " طلا ".
العوذ: التي نتجت حديثاً، والمفرد: عائذ.
تأجل: تجتمع فتصبح " إجلا ً" أي: قطيعاً.
الفضاء: المتسع من الأرض.
البهام: جمع بهمة، وهي من أولاد الضأن خاصة واستعارها هنا لبقر الوحش.
ومعنى البيت: أنه يصف أن هذه الديار صارت مألفاً للوحوش لخلائها، يؤكد طموس الآثار بها.
في السرى بالغدوّ والآصالِ
(91) قرّبا مربط النعامة مني
الشاهد: الآصال: جمع الأصيل، وهو بعد العصر إلى جنح الليل وقد استشهد به في تفسيره لقوله تعالى " بالغدو والآصال " وقد نسب المؤلف البيت إلى أبي نعامة.
والنعامة فرس مشهورة فارسها الحارث بن عُبَاد. (236)
أهذا دِينُهُ أبداً وديني؟
(92) تَقُولُ إذا دَرَأتُ لَها وضيني
الشاهد: درأت، قال ابن دريد في كتاب الجمهرة (237) : هو من درأ يدرأ إذا بسط، ودرأت: بسطت، وجاء هذا الشاهد في تفسير قوله تعالى " كوكب دري " وذلك لمن همز في قوله " دري " فهومن درأ يدرأ.
ويقال: درأت له وسادة: إذا بسطتها، ودرأت وضين البعير: إذا بسطته على الأرض، ثم أبركته عليه، لتشده به، وقد درأت فلاناً الوضين على البعير وداريته، ومنه قول الشاعر:
تقول (238) .... البيت
والبيت من شواهد الطبري (239) في تفسيره، وذلك في معنى قوله تعالى:
" ... فادرءوا " الواردة في الآية 169 من سورة آل عمران، فذكر أنها بمعنى: فادفعوا من قول القائل: درأت عن فلان القتل. بمعنى: دفعت عنه، أدرؤه درءا.
والبيت من شواهد المبرد (240) في معنى كلمة: الدين، فذكر أن معناه: العادة، يقال: ما زال هذا ديني ودأبي وعادتي وديدني وإجرياي.(9/426)
وكذا في مجاز القرآن (241) ، فذكر أن مجاز " كدأب آل فرعون " كعادة آل فرعون وحالهم وسننهم، والدأب والديدن والدين واحد. والبيت للمثقب العبدي في الكامل للمبرد، ولسان العرب، وهو له من قصيدة في المفضليات (242) ومصادر أخرى كثيرة (243) ، ولكن صاحب الكشاف نسبها إلى سحيم بن وثيل الرياحي (244) .
والبيت قاله الشاعر حكاية عن ناقته؛ فقد رآها في حال من الجهد والكلال فقضى عليها بأنها لو كانت ممن تقول الكلام لقالت مثل الذي ذكر (245) .
وجاء في اللسان عن الجوهري (246) : الوضين للهودج بمنزلة البطان للقتب، والتصدير للرحل، والحزام للسرج، وإذا كان مضفوراً من سيور مضاعفاً عريضاً فهو وضين والجمع وضن.
(93) يا أيها الداريّ كالمنكوفِ
الشاهد: الداري، قال قطرب: هو من ظهوره، أي: هو أظهر من جميع الكواكب. تقول العرب: درأ البعير: إذا ظهرت غدته، وأنشد ... البيت وجاء ذلك في تفسير قوله تعالى:" ... كوكب دري ".
وورد هذا البيت في لسان العرب (247) ونسبه إلى رؤبة، قال ابن الأعرابي: درأ البعير يدرأ دروءاً فهو دارئٌ: أغد وورم ظهره، فهو دارئٌ، وكذلك الأنثى: دارئٌ بغير هاء. قال ابن السكيت: ناقة دارئٌ: إذا أخذتها الغدة من مِراقها، واستبان حجمها. قال: ويسمى الحجم دَرْءاً بالفتح، وحجمها: نتوؤها، والمراق: بتخفيف القاف: مجرى الماء من حلقها، واستعاره رؤبة للمنتفخ المتغضب، فقال:
يا أيها الداريّ كالمنكوفِ
والمتشكّي مَغْلة المحجوفِ
جعل حقده الذي نفخه بمنزلة الورم الذي في ظهر البعير.
والمنكوف: الذي يتشكى نَكفَتَهُ، وهي أصل اللِّهْزِمَة.
والشعر له في ديوانه ص178
مِنَ الشرّ ما فيهِ مُسْتكرَه
(94) لِبَيْتكَ إذ بَعْضُهُم بَيْته
الشاهد: لبيتك: أي: إلى بيتك، وجاء ذلك في تفسير قوله تعالى:(9/427)
" يهدي الله لنوره من يشاء " يعني: إلى نوره، ونظيره " بأن ربك أوحى لها " (248) أي: إليها، وقوله " هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان " (249) أي: إلى الكفر وإلى الإيمان.
ونسب المؤلف البيت إلى الأعشى، ولم أعثر به في ديوانه.
وأنشد المؤلف في توضيح المثل في قوله تعالى:
" أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين * وضرب لنا مثلا ًونسي خلقه قال من يحي العظام وهي رميم * قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم * الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً فإذا أنتم منه توقدون " [يس 77-80]
كِ خَالَط َمِنْهُنَّ مَرْخٌ عُفارَا
(95) زِنادُكَ خَيْرُ زِنادِ الملو
الشاهد: مرخ عفارا: وهما نوعان من الشجر النار فيهما أكثر من الأشجار الأخرى، وقد أجمع الناس على أن كل شجر فيه نار إلا العنّاب.
واستشهد بهذا البيت في تفسير قوله تعالى: " الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً " قال ابن عباس: هما شجرتان، يقال لأحدهما المرخ، وهي ذكر، والأخرى: العفار، وهي أنثى، فمن أراد منهما النار قطع منهما مثل المسواكين، وهما خضراوان، فيسحق المرخ على العفار فخرجت منهما نار بإذن الله تعالى.
والعرب تضرب بهما المثل في الشرف العالي، فتقول: في كل الشجر نار، واستمجد المرخ والعَفار، أي كثرت فيهما على ما في سائر الشجر.
واستمجد: استكثر، وذلك أن هاتين الشجرتين من أكثر الشجر ناراً وزنادهما أسرع الزناد ورياً، وفي المثل: اقدح بعَفارٍ أو مَرْخ ٍ ثم اشدد إن شئت أو أرخ. (250)
والبيت للأعشى من قصيدة في مدح قيس بن معدي كرب (251) ، وهو يخاطب ممدوحه في هذا البيت قائلا ً له: إنك لأورى الملوك زناداً تتوقد ذكاءً وتتحفز يقظة ونشاطاً كأنك الزند ينقدح في شجر " المرخ " و " العفار " السريع الاشتعال(9/428)
وأنشد المؤلف في توضيح المثل في قوله تعالى: " ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون * قرآناً عربياً غير ذي عوج لعلهم يتقون * ضرب الله مثلا ًرجلا ًفيه شركاء متشاكسون ورجلا ًسلماً لرجل ٍ هل يستويان مثلا ًالحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون " [الزمر 27-29]
تكونُ مُخَالِفاً شَكِساً أبِيا
(96) أراكَ مُوافِقاً حِيناً وَحِيناً
وأحياناً تُصادَفُ أجنبيا
فأحياناً تكونُ أخاً وخِلا
الشاهد: شكساً: يقال: رجل شكس: إذا كان يخالف الناس وينازعهم، وأصل الشكاسة: سوء الخلق.
وجاء في لسان العرب (252) : الشكس والشكس والشرس، جميعاً: السيء الخلق في المبايعة وغيرها.
وتشاكس الرجلان: تضادا.
وقد نسب المؤلف البيتين لأبي سعيد أحمد محمد. (253)
وهو يصف أحد الأشخاص بأنه يكون موافقاً وأحياناً يكون مخالفاً سيء الخلق، وأحياناً يكون صديقاً وأخاً وأحياناً يكون عدواً.
وأنشد المؤلف في توضيح المثل في قوله تعالى:
" محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلا ً من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع ٍأخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجراً عظيماً "
[الفتح: 29]
بِبُرْهَانِهِ والله أعْلا وأمْجَدُ
(97) ألمْ تَرَ أنَّ الله فَضَّلَ أحْمَداً
فَذو العرشِ مَحمودٌ وهذا محمدُ
وشق لَهُ مِنْ اسْمِه لِيُجِلهُ(9/429)
الشاهد فيه: معنى محمد: من أكثر حمده؛ لأن التفضيل تكثير الفعل نحو قوله: " وغلقت الأبواب " (254) فاسمه كرامة، واسم سائر الأنبياء علامة. قال ابن عباس: اسمه في السماء أحمد، وفي الأرض محمد. وأما أحمد، فإن الحسين ابن الفياض قال: الأنبياء كلهم حامدون، ونبينا صلى الله عليه وسلم أحمد منهم، أي: أكثر حمداً، كما تقول: رجل عالم وهذا أعلم منه.
ونسب المؤلف الشعر إلى العباس بن عبد المطلب عمّ الرسول صلى الله عليه وسلم (255)
وروي البيت الثاني لأبي طالب عم الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في ديوانه (256) .والبيت الثاني مطلع قصيدة لحسان بن ثابت في ديوانه. (257)
تُبْغِضْ أخاه أبا بكرٍ فَقَدْ نَصَرهْ
(98) يا صاحِ إنْ كُنْتَ أحْبَبْتَ النبيَّ فلا
كما بِحُبِ أبي حَفْصٍ فلنْ أذرَهْ
إني بِحُبِ أبي بكرٍ أدينُ بهِ
فرض وحبّ علي قاتل الكفرهْ
وحبّ عثمان ذي النورين يا سكني
فكلهم طائعٌ لله قدْ شَكرَهْ
أكرم بطلحة والزبير معاً
قد عظّمَ اللهُ في أصحابهِ خَطرهْ
واذكُرْ سعيداً وسعداً في فِعالهما
عبيدةٍ ذي النُّهى واعْرِفْ له أثرَهْ
واذكُرْ فعالَ ابن ِعَوْفٍ والتقيّ أبا
فبايعوهُ على نُصْح ٍلذي الشَجَرهْ
مدّوا إلى أحمدَ بالسّمْعِ أيْدِيَهُمْ
بِجَنّةٍ هُيِّئَتْ للسَّادَةِ البرَرَهْ
إنّ النبيّ رسولُ الله بَشَّرَهمْ
تسمعْ بِفَضْلِهمْ والله قد ذكرهْ
السّادة القادة الغُرّ الكرام ألمْ
صلّى الإلهُ على مَنْ يبغض العشره
صَلّى الإلهُ عَلى رُوحِ النبي ولا
الشاهد: في تفسير المؤلف لقوله تعالى " ليغيظ بهم الكفار " قال: وفي ظاهر الآية على أن من أبغض الصحابة لم يأمن من الكفر، ثم أنشد هذه الأبيات ونسبها إلى علي الخيري، وقد أنشده إياها ابنه أبو منصور مهلهل بن علي الخيري. (258)
وواضح أنه في هذه الأبيات يتحدث عن المبشرين بالجنة الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة.(9/430)
وأنشد في توضيح المثل في قوله تعالى:
" مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين "
[الجمعة: 5]
بجيّدِها إلاّ كعِلْم ِالأباعرِ
(99) زَوامِلُ للأشعَارِ لا عِلْمَ عِنْدَهُمْ
بِأسْفَارِهِ أو راحَ مَا في الغَرائرِ
لعمركَ ما يدري المطيّ إذا غدا
الشاهد: تمثل بهما المؤلف عند تفسيره لقوله تعالى " كمثل الحمار يحمل أسفاراً " تقول العرب: كتبت الكتاب، وسفرته، وخططته، ونمقته، وزبرته، وذبرته: إذا كتبته.
نسب المؤلف البيتين إلى أبي سعيد الضرير يهجو قوماً. (259)
وهما لمروان بن أبي حفصة في مجموع شعره (260) ، وهو يهجو رواة الشعر بأنهم لا يعلمون ما هو على كثرة استكثارهم من روايته، ورواية الثاني:
لعمرك ما يدري إذا غدا
الزوامل: جمع زامل وهو البعير يحمل المتاع وغيره.
الأباعد: جمع بعيد. الغرائر: جمع غرارة وهي الأوعية التي تسمى الجوالق.
الهوامش والتعليقات
(1) مجموع أشعار العرب ص 104.
ورؤبة بن العجاج البصري الشاعر، ولد حوالي سنة 65هـ، وعاش معظم أيامه في البادية، توفي عام 145هـ.
له ديوان شعر ليس فيه إلا الأراجيز، مدح الأمويين وأثبت ولاءه لهم، ثم مدح أبا جعفر المنصور وغيره من الأمراء العباسيين.
(2) سورة محمد: 15، والرعد: 35.
(3) أمثال القرآن ص: 2.
(4) لسان العرب: مادة: عسق.
(5) نفسه مادة: عشق.
(6) نفسه مادة: فرك.
(7) البقرة: 137.
(8) أمثال القرآن ص 2.
(9) الشورى: 11.
(10) أمثال القرآن ص 2.
(11) ديوانه 1 /64. والوليد بن عبيد البحتري، غلب عليه لقب البحتري نسبة إلى عشيرته الطائية بحتر، شاعر عباسي ولد سنة 204 هـ بمنبج إلى الشمال الشرقي من حلب، فتح له المتوكل أبوابه فمدحه بقصائد كثيرة، وله قصيدة مشهورة في رثائه، توفي سنة 284 هـ، وله ديوان مطبوع.
(12) أمثال القرآن ص 2.(9/431)
(13) شرح ديوان زهير بن أبي سلمى ص 13، وزهير شاعر جاهلي ولد في بلاد مزينة بنواحي المدينة، وقد عده النقاد حكيم الشعراء في الجاهلية، وهو أحد الثلاثة المقدمين على سائر الشعراء، عاش في كنف خاله بشامة بن الغدير، وزهير من أصحاب المعلقات، وقد جمعت اشعاره في ديوان شرحه ثعلب، توفي قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم.
(14) لسان العرب مادة: مثل، والبيت في اللسان ونسبه إلى زهير بن أبي سلمى، وأخل به شرح ديوان زهير. والبيت لذي الرمة في ديوانه 2/631.
(15) طه: 63.
(16) لسان العرب مادة: ردغ.
(17) سورة سبأ: 13.
(18) لسان العرب مادة: ضوء.
(19) والبيت له في لسان العرب مادة: ضوء، والبحر المحيط 1/78، وروايته فيهما: ولدت بدل ظهرت، والعباس بن عبد المطلب عم الرسول صلى الله عليه وسلم.
(20) الزمر: 33.
(21) الزمر: 33.
(22) تحصيل عين الذهب ص 151.
(23) لسان العرب مادة: تصغير ذواتا.
(24) سيأتي ذكر هذا الشاهد.
(25) سيأتي ذكر هذا الشاهد.
(26) الأنعام: 154.
(27) مجموع شعر الأشهب بن رميلة ص 191 وانظر تخريجه هناك. والأشهب بن رميلة من شعراء الدولة الأموية جعله ابن سلام من شعراء الطبقة الرابعة الإسلاميين، وهو من الشعراء المغمورين، وله خبر في يوم صفين ذكره الجاحظ في البيان والتبيين، وكان بينه وبين الفرزدق مهاجاة.
(28) البقرة: 257.
(29) ديوانه ص 223، وحسان بن ثابت شاعر الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو من المخضرمين، عاش في المدينة يدافع عن الإسلام والمسلمين، وقد اتفق الرواة والنقاد أنه أشعر أهل المدر في عصره، وقد خلف ديواناً ضخماً دخله بعض الانتحال، حقق وطبع عدة مرات.(9/432)
(30) ديوانه ص 40، وكعب بن زهير من الشعراء المخضرمين، أبوه زهير بن ابي سلمى الشاعر المعروف، وقد أسلم بعد فتح مكة، إذ قدم على الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة وبايعه على الإسلام، وأنشده قصيدته اللامية الخالدة، فكساه النبي صلى الله عليه وسلم بردته، ولقبت القصيدة من أجلها بالبردة، وله ديوان مطبوع.
(31) السيرة النبوية لابن هشام 1/191.
(32) أمثال القرآن ص 5.
(33) ص 330، والآية في آل عمران: 195.
(34) 1/242.
(35) البقرة: 186.
(36) 4/225.
(37) 2/241.
(38) البيت لكعب بن سعد الغنوي، يقال له كعب الأمثال لكثرة ما في شعره من الأمثال، عده بعض المؤلفين من الجاهليين، وعده آخرون من الإسلاميين، والبيت من مرثية له في أخيه وهي في أمالي القالي وانظر البيت في تأويل مشكل القرآن ص 230، وأمالي المرتضي 3/60، والبحر المحيط 2/47، والحماسة البصرية 1/24، والأصمعيات ص 96، وخزانة الأدب للبغدادي 4/375، ولسان العرب مادة: جوب.
(39) شرح أبيات سيبويه 1/300، وتحصيل عين الذهب ص 249.
(40) ص 162.
(41) 4/322.
(42) تحصيل عين الذهب ص 269.
(43) ديوانه ص 162، والنابغة الذبياني هو زياد بن معاوية، كنيته أبو أمامة، وابو ثمامة، وهما ابنتاه، جعله ابن سلام في الطبقة الأولى من الشراء الجاهليين، اتصل في حياته بالمناذرة والغساسنة، كان يحكم بين الشعراء في سوق عكاظ، كان عمر بن الخطاب وعبد الملك بن مروان يعجبان بشعره وله ديوان مطبوع، توفي قبل سنة 608.
(44) الأحزاب: 61.
(45) أمثال القرآن ص 5.
(46) نسب المؤلف البيتين لقعنب بن أم صاحب، وهما له في شواهد الكشاف ص547وحماسة ابي تمام مقطوعة رقم 612، ومغني اللبيب 692، وشرح الأشموني 4/17، والاقتضاب في أدب الكتاب 292، وقعنب بن أم صاحب الفزاري اشتهر بنسبته إلى أمه، وهو شاعر مجيد مقل، من الشعراء الأمويين.(9/433)
(47) ديوان مسكين بن عارم الدارمي ص 13 وانظر تخريجه هناك
(48) ديوان شعر حاتم بن عبد الله الطائي وأخباره ص 313، مقطوعة رقم 7، ومسكين بن عارم الدارمي شاعر إسلامي مشهور، واسمه ربيعة، ومسكين لقب غلب عليه، شارك بشعره في الدعوة ليزيد بن معاوية بالخلافة، له مهاجاة مع الفرزدق وله ديوان شعر مطبوع.
(49) لم أستطع تعرف المؤلف والكتاب، وقد ورد هذا القول في كتاب أمثال القرآن ص 6.
(50) إعراب القرآن 1/428.
(51) البيت غير منسوب في لسان العرب مادة: زبى وفي مادة: تصغير ذواتا، والبيت دون عزو في الكامل ص 12، وخزانة الأدب للبغدادي 2/498.
(52) تحصيل عين الذهب ص 150.
(53) المبرد 4/146.
(54) ديوان الأخطل، وانظر تخريجه هناك. والأخطل هو غياث بن غوث التغلبي، ولد حوالي سنة 20 هـ من أب وأم نصرانيين، نشأ نصرانياً وظل حياته على دينه، ولم يدخل
الإسلام، كان يكثر من الهجاء فلقبه أحد الشعراء بالأخطل ومعناه: السفيه، وهو من شعراء النقائض في العصر الأموي، اتصل بعبد الملك بن مروان، وله فيه مدائح كثيرة، توفي سنة 92 هـ.
(55) 6/14.
(56) أمية بن الإسكندر الكناني: هو أمية بن حرثان بن الإسكندر بن عبد الله بن سرابيل
الموت، شاعر فارس مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام، وكان من سادات قومه وفرسانهم، وله أيام مأثورة مذكورة.
(57) 2/422.
(58) شرح أبيات سيبويه 2/92 ز
(59) تحصسل عين الذهب ص 381.
(60) شرح ديوان الفرزدق ص 870، والفرزدق شاعر أموي من شعراء النقائض، نشأ في بيت كربم وكان لذلك أثر عميق في نفسه، مدح خلفاء بني أمية، وله ديوان شعر مطبوع، توفي شنة 114 هـ
(61) هكذا ورد البيت في الأصل وصدره من المنسرح وعجزه من الوافر وربما يكون البيت على هذه الصورة
وسيبك حين تذكره كصيب ليلة هطل
(62) 1/532.(9/434)
(63) البيت في شرح ديوان علقمة بن عبدة الفحل ص24، ولقب بالفحل لأنه خلف على امرأة امرئ القيس لما حكمت له على امرئ القيس بأنه أشعر منه في صفة فرسه، فطلقها، فخلفه عليها، وقيل غير ذلك، نشأ في بادية نجد في قومه تميم، حظيت قصائده بمكانة مرموقة بين شعراء عصره، وعلقمة من فرسان قبيلته المشهورين، توفي قبل الإ سلام بأعوام عديدة.
(64) أمثال القرآن ص 6.
(65) نفسه ص 9.
(66) ص 279.
(67) ديوانه ص 37، وتوبة بن الحمير الخفاجي، من خفاجة وهم بطن من بني عقيل بن
كعب، وقيل: كان توبة شريراً كثيرة الغارة على بني الحارث بن كعب وخثعم وهمدان، وذلك في أيام الدولة الأموية، شهر توبة بليلى وشهرت به، وخطبها إلى أبيها فأبى أن يزوجه إياها، وعلى ما يبدو أنه قتل حوالي سنة 70 هـ
(68) أمثال القرآن ص 9، والبيت في شرح شواهد الشافية ص 202، وشرح الأشموني 4/205، وشرح المرزوقي لحماسة أبي تمام 1750، ونسب إلى الشماخ ولم أعثر به ديوانه.
(69) إعراب القرآن للنحاس 3/363.
(70) تحصيل عين الذهب ص 220، وشرح أبيات سيبويه 1/209
(71) الكامل 1/88.
(72) يوسف: 82.
(73) تحصيل عين الذهب ص 220
(74) ديوانه ص 84، والعجاج هو عبد الله بن رؤبة التميمي من شعراء الرجز في العصر الأموي، سخر أراجيزه في مدح الخلفاء الأمويين، وأراجيزه مليئة بشوارد اللغة، وله أراجيز كثيرة في وصف الصحراء
(75) لسان العرب مادة: زلف.
(76) تفسير الطبري 12/129.
(77) تحصيل عين الذهب ص 220.
(78) أمثال القرآن ص 9.
(79) إعراب القرآن: 3/363.
(80) الانشقاق: 1.
(81) الانفطار: 1.
(82) معاني القرآن: 1/128.
(83) إعراب القرآن: 3/363.
(84) انظر البيت في إعراب القرآن للنحاس 3/363، ومعاني القرآن للفراء 1/128، وتفسير الطبري 29/139، ولسان العرب مادة: سما.
(85) 2/192.
(86) لسلن العرب مادة: سنب.
(87) ديوان ذي الرمة 2/1337، وانظر تخريجه هناك.
(88) 2/187.(9/435)
(89) شرح أبيات سيبويه 2/221.
(90) الحجرات: 4.
(91) ص 415.
(92) جاء في هامش تحصيل عين الذهب ص531: يعني الكسائي.
(93) تحصيل عين الذهب ص 531.
(94) شعره ص 92، وانظر تخريجه هناك، وعمرو بن شأس الأسدي شاعر مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام، وكان أكثر أهل طبقته شعراً، أسلم وشهد القادسية.
(95) تحصيل عين الذهب ص 438، والكتاب 1/478.
(96) ص 534.
(97) البقرة: 71.
(98) المقتضب 3/75.
(99) الحلل ص 521.
(100) الإيضاح العضدي 1/78.
(101) ملحق ديوانه ص 172.
(102) أمثال القرآن: ص10.
(103) ديوانه
(104) البقرة: 20.
(105) أمثال القرآن ص 10.
(106) إبراهيم: 43.
(107) النساء: 4.
(108) شرح أبيات سيبويه 1/247، والكتاب 1/108.
(109) المقتضب 2/169.
(110) إعراب القرآن للنحاس هامش 3/89.
(111) الزخرف: 33.
(112) إعراب القرآن هامش 3/89.
(113) نفسه، الجزء والصفحة.
(114) الحج: 5.
(115) طبعة بولاق 3/ 379.
(116) شرح أبيات سيبويه 1/ 247، وانظر البيت في: الكتاب 1/ 108، وتحصيل عين الذهب ص 165، ومعاني القرآن 1/ 307، والمقتضب 2/ 172، والأمالي الشجرية 1/ 311، وابن يعيش 6/ 21، وإعراب القرآن 3/ 89.
(117) معاني القرآن 1/ 307.
(118) ص 431.
(119) النمل: 22.
(120) تفسير الطبري 14/ 117.
(121) ديوان جرير ص 325.
(122) مادة: حيا.
(123) لسان العرب مادة: علل.
(124) مادة: رقب.
(125) 2/ 287.
(126) الكامل 1/ 322، 1/ 350.
(127) مادة: حيا.
(128) المزمل: 20.
(129) النساء: 101.
(130) شرح ديوانه ص 114، وطرفة بن العبد شاعر جاهلي، من أصحاب المعلقات، واسمه الحقيقي عمرو، توفي والده وهو صغير، أنفق أمواله على لهوه وملذاته، قصد عمرو بن هند وأخاه قابوسا ً ومدحهما ثمّ هجاهما، قتله عامل البحرين في قصة مشهورة بناء على طلب عمرو بن هند.
(131) ديوانه ص 29.
(132) لسان العرب: مادة: عرقب، وانظر ديوان كعب بن زهير ص 29.(9/436)
(133) النحل: 112.
(134) النحل: 76
(135) 1/201
(136) شرح ديوان زهير بن أبي سلمى ص 42 وما بعدها.
(137) نفسه 42 44.
(138) أمثال القرآن ص 12.
(139) معاني القرآن 1/22.
(140) نفسه 1/23.
(141) تهذيب شرح شواهد المغني 1/320.
(142) معاني القرآن 1/22.
(143) 1/206.
(144) مادة: فسق.
(145) الكتاب 1/49، وانظر شرح أبيات سيبويه 1/271، وتحصيل عين الذهب ص 103
(146) ملحق ديوان رؤبة ص 190
(147) أمثال القرآن ص 12.
(148) 3/129.
(149) نفسه.
(150) ص 54.
(151) الجاثية: 14.
(152) 1/163.
(153) 3/129.
(154) 11/335.
(155) النحل: 30.
(156) أمثال القرآن ص 12، وانظر معاني القرآن 1/22.
(157) شرح أبيات سيبويه 1/372، والكتاب 1/269.
(158) ص 274.
(159) ص 289.
(160) 1/269
(161) مادة: من.
(162) وانظر البيت في أمالي ابن الشجري 2/169، والمفصل 4/12.
(163) الكتاب 1/282، وشرح أبيات سيبويه 1/26، وتحصيل عين الذهب 283.
(164) ديوان النابغة الذبياني ص 162.
(165) انظر شرح أبيات سيبويه 1/26.
(166) ص 234.
(167) يوسف: 82.
(168) مادة ويب.
(169) اسمه قرط ويقال: ذو الخرق بن قرط أخو بني سعيدة بن عوف بن مالك بن حنظلة، شاعر فارس، ويقال: هو خليفة بن عامر بن حميري، ولقب بذي الخرق لأبيات قالها وذكر المرزباني أن له اشعاراً جياداً في كتاب بني طهية. انظر معجم الشعراء 109، 119.
(170) ص 234.
(171) مادة: نعق.
(172) نفسه.
(173) ديوان الأخطل 1/126.
(174) أمثال القرآن ص 13.
(175) مادة: ندى.
(176) مادة: ودى.
(177) معاني القرآن 1/100
(178) مادة: صمم.
(179) تفسير الطبري 8/222.
(180) مادة سبا
(181) هو: علباء بن أرقم اليشكري له ذكر في المؤتلف والمختلف للآمدي ص 304، وله ذكر مع النعمان بن المنذر.
(182) ص180.
(183) مادة: ربب.
(184) يوسف: 41.
(185) أمثال القرآن ص 16.
(186) نفسه.
(187) نفسه ص 17.
(188) مادة: صلد.
(189) مادة: جله.(9/437)
(190) 1/357.
(191) مادة: سبل.
(192) ديوان الأعشى ص 362، والأعشى ميمون بن قيس، ولد باليمامة في قرية تدعى " منفوحة " لقب بالأعشى لضعف بصره، كان راوية لخاله المسيب بن علس، اقترن عند القدماء بشعر الخمر، فعدوه أشهر شعرائها بين الجاهليين، رحل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ظهر الإسلام ولكنه لم يسلم، دافع في شعره عن قبيلة بكر في يوم " ذي قار " الذي انتصرت فيه " بكر " على جيوش الفرس، جعله ابن سلام في الطبقة الأولى من الشعراء الجاهليين، له ديوان طبع عدة مرات.
(193) لسان العرب: مادة: نكد.
(194) التبيان في شرح الديوان 1/375.
(195) هذا القول لابن جني، السابق.
(196) هذا القول للخطيب التبريزي، السابق.
(197) أمثال القرآن ص 26.
(198) نفسه.
(199) نفسه.
(200) نفسه.
(201) نفسه.
(202) انظر الإيضاح العضدي 1/88 وهامش الصفحة نفسها.
(203) 2/148.
(204) ديوان جرير ص 135.
(205) القصص: 8.
(206) أمثال القرآن ص 27.
(207) ديوان أبي العتاهية ص 128.
(208) نفسه ص46.
(209) شرح الفصيح في اللغة ص 295 وما بعدها، وورد البيت في إصلاح المنطق ص 168، والبيان والتبيين 1/185، والمحكم 3/17، والمخصص 16/129 وتهذيب اللغة
4/84، وشرح المفصل لابن يعيش 4/143، ولسان العرب: مادة: خصا.
(210) أمثال القرآن ص 29.
(211) ديوان رؤبة ص 25.
(212) أمثال القرآن ص 30.
(213) ص 296.
(214) هود: 43.
(215) المعاني الكبير 2/946.
(216) الأصمعيات ص 198، المعاني الكبير 2/946، العقد الفريد 5/231، الأغاني 15/77، النقائض 1/155، خزانة البغدادي 1/199.
(217) المفضليات ص 166، الأزمنة والأمكنة 2/308، ووعلة بن الحارث الجرمي، والحارث ابن وعلة الجرمي شاعران جاهليان لهما ذكر في معجم الشعراء للمرزباني ص 196.
(218) ديوان لبيد ربيعة ص192.
(219) أمثال القرآن ص 36.
(220) الفاخر ص 174.
(221) الشعراء: 153.(9/438)
(222) ديوان لبيد بن ربيعة ص 103.
(223) الكهف: 33.
(224) المؤمنون: 50.
(225) الكهف: 41.
(226) الملك: 30.
(227) لسان العرب مادة: زور.
(228) طه: 71.
(229) الكامل 2/82.
(230) الخصائص 2/213.
(231) مادة: عبد.
(232) شرح شواهد المغني 64.
(233) أدب الكاتب ص 502، والاقتضاب ص 431، والبحر المحيط 6/261، وتفسير الطبري 6/141، والصاحبي ص 128، والكامل 2/71، ومجاز القرآن 2/24.
(234) 15/228، وجاء في هامشه: " هذا صدر بيت لذي الرمة " ولم أعثر به في ديوانه.
(235) ديوانه ص 203
(236) لسان العرب مادة: ربط.
(237) 2/305.
(238) لسان العرب مادة: درأ.
(239) 4/169.
(240) الكامل 1/193.
(241) 1/247.
(242) ص 586.
(243) انظر مثلا: أمالي اليزيدي 114، والصناعتين 86، وتأويل مختلف الحديث ص 82 والمثقب العبدي اسمه: عائذ بن محصن، وقيل: شأس بن عائذ بن محصن، سمي بالمثقب ببيت قاله، وهو شاعر جاهلي من البحرين.
(244) ص 550.
(245) تأويل مشكل الحديث ص 107.
(246) لسان العرب مادة: وضن.
(247) مادة: درأ.
(248) الزلزلة: 5.
(249) آل عمران: 167.
(250) لسان العرب مادة: عفر.
(251) ديوانه ص 146.
(252) مادة: شكس.
(253) أمثال القرآن ص 445.
(254) يوسف: 23.
(255) أمثال القرآن ص 47.
(256) ص 37.
(257) ديوانه ص 92.
(258) أمثال القرآن 48.
(259) نفسه ص 49
(260) ص 58.
المصادر والمراجع
(1) إصلاح المنطق: ابن السكيت، يعقوب بن إسحاق، تحقيق، أحمد محمد شاكر وعبد السلام هارون، دار المعارف بمصر 1949م.
(2) الأصمعيات: الأصمعي، عبد الملك بن قريب، تحقيق، أحمد محمد شاكر وعبد السلام هارون، دار المعارف بمصر
(3) الاقتضاب في شرح أدب الكتاب: البطليوسي، عبد الله بن محمد بن السيد، المطبعة الأدبية، بيروت 1901 م.(9/439)
(4) إعراب القرآن: النحاس، أبو جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل ن تحقيق، د. زهير غازي زاهد، مطبعة العاني ببغداد.
(5) الأمالي الشجرية: ابن الشجري، أبو السعادات هبة الله، حيدر أباد 1349.
(6) أمالي المرتضي: المرتضين علي بن الحسين، تحقيق، محمد أبي الفضل إبراهيم، القاهرة 1954 م.
(7) الإيضاح العضدي: الفارسي، أبو علي الحسن بن أحمد، تحقيق، د. حسن الشاذلي فرهود، مطبعة دار التأليف بمصر.
(8) البحر المحيط: أبو حيان الأندلسي، محمد بن يوسف، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.
(9) البيان والتبيين: الجاحظ، أبو عثمان عمرو بن بحر، تحقيق، عبد السلام هارون، القاهرة.
(10) تأويل مشكل القرآن: ابن قتيبة، أبو محمد عبد الله بن مسلم، شرح، السيد أحمد صقر، المكتبة العلمية ببيروت 1401 1981.
(11) ديوان أبي الطيب المتنبي بشرح أبي البقاء العكبري المسمى بالتبيان في شرح الديوان، تحقيق مصطفى السقا وأصحابه، دار المعرفة ببيروت.
(12) تحصيل عين الذهب في معدن جوهر الأدب في علم مجازات العرب: الأعلم الشمنتري، أبو الحجاج يوسف بن سليمان بن عيسى، حققه وعلق عليه، د. زهير عبد المحسن سلطان، دار الشؤون الثقافية العامة ببغداد 1992م.
(13) جامع البيان في تفسير القرآن: الطبري، أبو جعفر محمد بن جرير، دار المعرفة ببيروت 1398هـ 1978م.
(14) الجامع لأحكام القرآن: القرطبي، أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري، دار الكاتب العربي للطباعة والنشر ببيروت 1387 1967 م.
(15) الحلل في شرح أبيات الجمل: البطليوسي، عبد الله بن محمد بن السيد، دراسة وتحقيق، د. مصطفى إمام، مكتبة المتنبي بالقاهرة 1979 م.
(16) الحماسة: الطائي، أبو تمام حبيب بن أوس، تحقيق >. عبد الله بن عبد الرحيم عسيلان، إدارة الثقافة والنشر بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض 1401 1981 م.(9/440)
(17) الحماسة البصرية: البصري، صدر الدين بن أبي الفرج بن الحسين، تحقيق، د. مختار الدين أحمد، حيدر أباد الهند 1383 هـ 1964 م.
(18) خزانة الأدب: البغدادي، عبد القادر بن عمر، بولاق 1299 هـ. وخزانة الأدب للبغدادي، تحقيق وشرح، عبد السلام هارون، مكتبة الخانجي بالقاهرة ودار الرفاعي بالرياض.
(19) الخصائص: ابن جني، أبو الفتح عثمان، تحقيق، محمد علي النجار، دار الهدى للطباعة والنشر ببيروت.
(20) ديوان الأعشى، دار صادر ببيروت.
(21) ديوان أمية بن الصلت الثقفي جمع وتحقيق ودراسة، صنعة، د. عبد الحفيظ السطلي 1974 م.
(22) ديوان البحتري، تحقيق، حسن كامل الصيرفي، دار المعارف بمصر.
(23) ديوان توبة بن الحميّر الخفاجي، تحقيق، خليل إبراهيم العطية، مطبعة الإرشاد ببغداد 1387 هـ 1968م
(24) ديوان حسان بن ثابت الأنصاري، دار بيروت للطباعة والنشر 1398 هـ 1978م.
(25) ديوان ذي الرمة: تحقيق، د. عبد القدوس أبو صالح، من مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق 1392هـ
(26) ديوان شعر حاتم الطائي ك دراسة وتحقيق، د. عادل سليمان جمال، مطبعة المدني بالقاهرة.
(27) ديوان أبي طالب عم النبي صلى الله غليه وسلم: تحقيق، محمد التونجي، دار الكتاب العربي ببيروت 1414هـ 1994.
(28) ديوان أبي العتاهية: دار صادر ببيروت.
(29) ديوان العجاج: تحقيق د. عزة حسن، دار الشرق ببيروت.
(30) ديوان كعب بن زهير: تحقيق، د. حنا نصر الحتي، دار الكتاب العربي ببيروت 1414هـ 1994م.
(31) ديوان لبيد بن ربيعة: تحقيق، د. حنا نصر الحتي، دار الكتاب العربي ببيروت 1414هـ 1993 م.
(32) ديوان مسكين بن عارم الدارمي: جمع وتحقيق، خليل إبراهيم العطية، وعبد الله الجبوري، مطبعة دار البصرة ببغداد 1389هـ 1970 م.
(33) ديوان النابغة الذبياني: جمع وتحقيق وشرح الشيخ محمد الطاهر بن عاشور، نشر الشركة التونسية للتوزيع 1976م.(9/441)
(34) السيرة النبوية لابن هشام: تحقيق مصطفى السقا وأصحابه، مكتبة الحلبي بالقاهرة 1375هـ 1955م.
(35) شرح أبيات سيبويه: السيرافي،أبو محمد يوسف بن ابي سعيد الحسن بن عبد الله المرزبان، تحقيق، محمد علي الريح هاشم مكتبة الكليات الأزهرية بالقاهرة 1394 هـ 1974 م.
(36) شرح الأشموني على ألفية بن مالك: الأشموني، علي بن محمد، تحقيق، محمد محيي الدين عبد الحميد، مطبعة مصطفى البابي الحلبي بمصر.
(37) شرح ديوان الأعشى الكبير ميمون بن قيس: تحقيق، جنا نصر الحتي، دار الكتاب العربي ببيروت 1414 هـ 1994 م.
(38) شرح ديوان جرير: تأليف، محمد بن إسماعيل الصافي، دار الأندلس للطباعة والنشر ببيروت.
(39) شرح ديوان زهير بن أبي سلمى: تحقيق، د. حنا نصر الحتي، دار الكتاب العربي ببيروت 1412هـ 1992 م
(40) شرح ديوان طرفة بن العبد: تحقيق د. سعدي الضناوي، دار الكتاب العربي ببيروت 1414هـ 1994 م
(41) شرح ديوان علقمة بن عبدة الفحل: تحقيق د. حنا نصر الحتي، دار الكتاب العربي ببيروت 1414هـ1993م.
(42) شرح ديوان الفرزدق: جمع وتعليق، عبد الله إسماعيل الصاوي، مطبعة الصاوي بمصر 1963 م.
(43) شرح شواهد الشافية: عبد القادر البغدادي، تحقيق، محمد نور الحسن وأصحابه، دار الكتب العلمية ببيروت 1975 م.
(44) شرح شواهد المغنش: السيوطي، الإمام جلاال الدين، تصحيح الشيخ محمد محمود الشنقيطي، المطبعة البهية بمصر 1322 هـ.
(45) شرح الفصيح في اللغة: أبو منصور بن الجبان، تحقيق، د. عبد الجبار جعفر القزاز، دار الشؤون الثقافية ببغداد.
(46) شعر الأخطل أبي مالك غياث بن غوث التغلبي، تحقيق د. فخر الدين قباوة، دار الآفاق الجديدة بيروت 1399هـ 1979 م.
(47) شعر الأشهب بن رميلة، ضمن كتاب: شعراء أمويون، تحقيق، د. نوري حمودي القيسي، مطبعة المجمع العلمي العراقي، بغداد 1402هـ 1982 م.(9/442)
(48) شعر عمرو بن شأس الأسدي: تحقيق، يحيى الجبوري، مطبعة الآداب بالنجف الأشرف 1396 هـ 1976 م
(49) العقد الفريد: ابن عبد ربه، أبو عمر أحمد بن محمد، تحقيق أحمد أمين وأصحابه، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر بالقاهرة 1381 هـ 1962 م.
(50) الفاخر: أبو طالب المفضل بن سلمة بن عاصم، تحقيق، عبد العليم الطحاوي، الهيئة المصرية العامة للكتاب بالقاهرة 1974 م.
(51) الكامل في اللغة والأدب: المبرد، أبو العباس محمد بن يزيد، مؤسسة المعارف ببيروت.
(52) الكتاب: سيبويه، أبو بشر عمرو بن عثمان، تحقيق، عبد السلام هارون، القاهرة.
(53) لسان العرب: ابن منظور، محمد بن مكرم، مطبعة دار الشعب بالقاهرة.
(54) مجاز القرآن: أبو عبيدة معمر بن المثنى التيمي ن تحقيق، د. محمد فؤاد سزكين، مؤسسة الرسالة بيروت 1401هـ 1981 م.
(55) مجموع أشعار العرب وهو مشتمل على ديوان رؤبة بن العجاج وعلى أبيات مفردات منسوبة إليه، تصحيح وترتيب وليم بن الورد البروسي، دار الآفاق الجديدة، بيروت 1979 م.
(56) معاني القرآن: الفراء، أبو زكريا يحيى بن زياد، عالم الكتب، بيروت، 1980 م.
(57) معاني القرآن وإعرابه: الزجاج، شرح د. عبد الجليل عبده شلبي، منشورات المكتبة العصرية، صيدا لبنان
(58) المخصص: ابن سيده، بولاق 1318هـ.
(59) المعاني الكبير، ابن قتيبة، حيدر أباد 1949.
(60) معجم الشعراء: المرزباني، أبو عبيد الله محمد بن عمران، مكتبة القدسي 1402هـ 1982 م.
(61) المفصل في علم العربية: الزمخشري، دار الجيل، بيروت.
(62) المقتضب: المبرد، تحقيق، محمد عبد الخالق عضيمة، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، القاهرة 1399 هـ.
(63) النقائض نقائض جرير والفرزدق: أبو عبيدة معمر بن المثنى، ليدن 1905 م.(9/443)
فن التوقيعات الأدبية في العصر
الإسلامي والأموي والعباسي
د. حمد بن ناصر الدخيل
الأستاذ المشارك في كلية اللغة العربية - جامعة الإمام
محمد بن سعود الإسلامية
ملخص البحث
تعد التوقيعات فنًا أدبيًا من فنون النثر العربي، ارتبطت نشأتها وازدهارها بتطور الكتابة. والتوقيع عبارة بليغة موجزة مقنعة، يكتبها الخليفة أو الوزير على ما يرد إليه من رسائل تتضمن قضية أو مسألة أو شكوى أو طلب. والتوقيع قد يكون آية قرآنية، أو حديثًا نبويًا، أو بيت شعر، أو حكمة، أو مثلاً، أو قولاً سائرًا. ويشترط أن يكون ملائمًا للحالة أو القضية التي وُقِّع فيها، فهو مرتبط بفن توجيه المعاملات الرسمية في الإدارة الحديثة. ورأيت أن هذا الفن الأدبي لم ينل حظه من عناية الأدباء والدارسين، على الرغم من أهميته، فأعددت هذا البحث الموجز الذي يتضمن التعريف به، والحديث عن نشأته وتطوره، وأفول نجمه، وهو توطئة لكتاب يتناول هذا الفن بشيء من التفصيل.(9/444)
عرض البحث بعد المقدمة لنشأة الكتابة عند العرب، لارتباط فن التوقيعات بها، ثم عرض لمصادرها الأدبية التي تضمنت طائفة كثيرة منها كالعقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي، وخاص الخاص للثعالبي، وعَرَّف بالتوقيع لغة واصطلاحًا، وتطور دلالة، ثم درس أنواع التوقيعات بحسب مصادرها من القرآن، والحديث، والشعر، والحكمة، والمثل، والقول السائر. وتضمن البحث تحديد الزمن الذي نشأت فيه التوقيعات، وهو خلافة أبي بكر الصديق – رضي الله عنه -، ثم إيراد طائفة منها بدءًا من العصر الإسلامي، فالأموي، فالعباسي الذي يعد العصر الذهبي لهذا الفن؛ حيث خصص له ديوان عُرف بديوان التوقيعات، يعين فيه كبار الكتاب، وخلص البحث إلى وضع مقاييس للتوقيع الأدبي، وهي الإيجاز، والبلاغة، والإقناع، ويراد بالبلاغة أن يكون التوقيع مناسبًا للحالة التي وُقِّع فيها، وخُتِمَ البحث ببيان أثر التوقيعات في السياسة والأدب، فنتائج البحث، ثم مصادره ومراجعه.
مقدمة:
تعد التوقيعات فنَّا أدبيَّاً من فنون النثر العربي، ارتبط بالكتابة منذ ازدهارها وشيوعها. وهو من الأنواع الأدبية التي لم تأخذ حظها من البحث والدراسة، على الرغم من أن كتب الأدب تحفل بفيض زاخر منها، منذ العصر الإسلامي حتى أفول نجمها في أواخر العصر العباسي.
ولذلك أقدمت على كتابة هذا البحث الموجز؛ ليكون مدخلاً إلى دراسة هذا الفن دارسة فيها شيء من التوسع والتفصيل.(9/445)
وقد عرضت الكتب التي تؤرخ للأدب العربي لهذا الفن، وتحدثت عنه في إطار عرضها للفنون الأدبية الأخرى، ولكنها تناولته تناولاً موجزًا في أسطر معدودات، لا تتجاوز التعريف به، وضرب بعض الأمثلة له، وأغفلت الحديث عن نشأته، وارتباطه بالكتابة، ومصادره، وتطوره، وأنواعه، والعوامل المؤثرة فيه، وبلاغة أدائه، واكتفت بذكر عددٍ محدود من البلغاء والكتاب ممن أجادوا هذا الفن، دون أن تقدم تفصيلات دقيقة وافية للذين أسهموا في رقيه وانتشاره من الخلفاء والوزراء والولاة والقادة والكتاب، من خلال نصوص التوقيعات الكثيرة التي أثرت عنهم.
والهدف من البحث محاولة إلقاء الضوء على ما تحفل به التوقيعات من مضامين وأفكار ومعان، مثلها مثل أي فن أدبي آخر، إذ من المعروف أن التوقيعات أسهمت في توجيه سياسة الدولة الإسلامية، وفي حل كثير من المشكلات والقضايا الاجتماعية في المجتمع العربي والمسلم، وارتبطت بالحكمة والقول المقنع الفصل في كثير من المواقف، وامتازت بأنها لون أدبي، ليس لما تحمله من أفكار وآراء سديدة تتسم في كثير من الأحيان بالإبداع فقط، بل في أدائها الأدبي الذي من خصائصه الوجازة في التعبير، واختيار الكلمات المناسبة، وملائمتها للحالة أو الموقف، والإقناع بالرأي، وهي جميعًا من خصائص الأسلوب البليغ.
ومجال البحث فيها ذو سعة واستفاضة؛ لكثرة ما أثر عن البلغاء والكتاب من توقيعات كانت قمة ازدهارها في العصر العباسي الأول (132 – 232هـ) ، والعصر العباسي الثاني (232 – 334هـ) ، يلي ذلك ازدهارها في العصر العباسي الثالث (334 – 447هـ) وفي الأندلس تأثرًا بأهل المشرق.(9/446)
غير أنني اقتصرتُ في هذا البحث على صلة التوقيعات بفن الكتابة، وجعلت ذلك تمهيدًا، ثم تحدثت عن مصادر التوقيعات، فمعنى التوقيع في اللغة والاصطلاح، ثم أشرت إلى تطور مفهومها ودلالتها، وانتقلت بعد ذلك إلى الحديث عن أنواعها، ثم ازدهارها، ثم تحدثت عن مقاييس التوقيع الأدبي البليغ المقنع المؤثر، وأثر التوقيعات في السياسة والأدب، وخلصت إلى ذكر نتائج البحث.
أما مصادر البحث فأشرت إلى بعضها في مصادر التوقيعات الرئيسة، وهي كثيرة تتنازعها كتب اللغة والأدب والتاريخ والتراث عامة.
ومما ينبغي أن يلاحظ أن التوقيعات تبدو متفرقة متناثرة في كتب الأدب والتراث عامة، وتحتاج – بادئ ذي بدء – إلى جمع وتوثيق وتحقيق وضبط وشرح، مع بيان المناسبات التي أملتها وقيلت فيها، وتأتي بعد هذه المحاولة – التي لابد أن تخضع للدقة والاستقصاء – الدراسة التي ينبغي أن تقوم على نصوصها الكثيرة، وتكون في متناول الدارس الذي يتصدى لدراستها دراسة موضوعية وفنية دقيقة.
وقد قام الأستاذ أحمد زكي صفوت – رحمه الله – الذي كان أستاذًا في كلية دار العلوم بجامعة القاهرة بمحاولة جمع كثير منها في كتابه القيم (جمهرة رسائل العرب) ، ولكن فاته كثير من المصادر التي لم تكن بين يديه في أثناء الجمع، فأخل بالكثير منها. وفي أثناء حديثي عن مصادر التوقيعات حاولت أن أشير إلى أهم المصادر التي عنيت بتدوينها، ولكن لم يكن من المتيسر في هذا البحث الموجز أن أستقصي جميع المصادر التي ألمت بها، وحسبي أني وضعت الطريقة والمنهج وحددتُ الهدف.
ولابد من الإشارة إلى أن التوقيعات ترتبط بتوجيه المعاملات الإدارية، فقد نشأت في ظل السياسة والإدارة للدولة الإسلامية، وتطورت بتطورهما، وازدهرت في أروقة الدواوين، ولا سيما ديوان التوقيعات.(9/447)
ولي أمل في ختام هذه المقدمة – وإن كنت أراه بعيد المنال في الوقت الحاضر – وهو أن يعود للتوقيعات ما كان لها من مجد وازدهار، وأن توظف في الشرح على المعاملات الرسمية في الإدارات الحكومية ما أمكن.
وأرجو بهذه الإضاءة الموجزة أن أكون قد أسهمت في بيان أهمية هذا الفن الأدبي النثري.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
تمهيد: نشأة الكتابة عند العرب
ليست التوقيعات فنًا أدبيًا يؤدى بوساطة المشافهة والارتجال، كالخطابة، والوصية، والمحاورة، والمفاخرة، والمنافرة، وغيرها من الفنون الأدبية الشفهية التي شاعت في العصر الجاهلي، بل هي فن كتابي وجد مع شيوع الكتابة وازدهارها؛ ولذلك نرى غياب هذا الفن في البيئات التي تعتمد على إيصال آثارها إلى الآخرين بوسيلة الخطاب المباشر القائم على اللسن والارتجال، وما دام الأمر كذلك، فلابد من تمهيد أتحدث فيه عن نشأة الكتابة عند العرب وتطورها حتى أصبحت فنًا أدبيًا قائمًا، له قواعده وأصوله المعروفة؛ لارتباطها بنشأة التوقيعات في الأدب العربي.
وليس من مهمة هذا التمهيد أن يستقصي نشأة الخط العربي، وعرض الآراء التي قيلت في ذلك ومناقشتها، فمكان ذلك الكتب المتخصصة في الموضوع ( [1] ) ، بل مهمته أن يعرض في إيجاز وجود الكتابة العربية في العصر الجاهلي، والإشارة إلى البيئات التي عنيت بها.
كان العرب في الجاهلية يعرفون الكتابة، ولكنها لم تكن فنًا منتشرًا في جميع بلدانهم وبيئاتهم، بل كان الذين يجيدونها عدد قليل، يقيمون في الحواضر والمدن. ومن المدن والبيئات التي عرفت الكتابة في الجاهلية، الأنبار، والحيرة، ودومة الجندل، ومكة والطائف، والمدينة، والشام ( [2] ) ، ولم يقتصر الأمر على معرفة الكتابة في المدن المذكورة وما ماثلها، بل كانت في الجاهلية مدارس وكتاتيب تتيح للفتيان والفتيات تعلمها ( [3] ) .(9/448)
وفي ديوان الشعر الجاهلي نصوص شعرية كثيرة تدل على أن عرب الجاهلية كانوا يعرفون الكتابة ويمارسونها، من ذلك قول المرِّقش الأكبر ( [4] ) :
رقَّشَ في ظهرِ الأديمِ قَلَمْ ( [5] )
الدَّارُ قَفْرٌ والرسومُ كما
وقول أميةَ بن أبي الصلتِ ( [6] ) يمدح قبيلة إياد:
سَاروا جميعًا والقِطُّ والقَلَمُ ( [7] )
قومٌ لهم سَاحةُ العراقِ إذا
وقول امرئ القيس ( [8] ) :
كخطِّ زَبُورٍ في مَصَاحفِ رُهْبَانِ ( [9] )
أنتْ حِجَجٌ بعدي عليها فأصْبَحَتْ
وقول لبيد بن ربيعة العامري ( [10] ) :
زُبَرٌ تُجِدُّ متونَها أقلامُها ( [11] )
وجلا السيولُ عن الطُّلُولِ كأنها
ويعضد النصوص الشعرية التي تثبت شيوع الكتابة في العصر الجاهلي ما ذكره أبو هلال العسكري ( [12] ) (000 – نحو 400هـ) من أن أكثم بن صيفي كان إذا كاتب ملوك الجاهلية يقول لكتابه: (فصِّلوا بين كل معنىً منقضٍ، وصلوا إذا كان الكلام معجونًا بعضُه ببعض) .
وكان الحارث بن أبي شمر الغساني ( [13] ) يقول لكاتبه المُرقَّش ( [14] ) : (إذا نزع بك الكلام إلى الابتداء بمعنىً غير ما أنتَ فيه فَفَصِّلْ بينه وبين تبيعته من الألفاظ؛ فإنك إن مذقْت ( [15] ) ألفاظَك بغير ما يحسن أن تُمْذَقَ به نفرت القلوبُ عن وعيها، وملتها الأسماعُ، واستثقلتها الرواة) ( [16] ) .
وكان بعض اليهود في المدينة يعرف الكتابة بالعربية – إلى جانب معرفته الكتاب بالعبرية – ويعلمها للصبيان، فلما جاء الإسلام كان في الأوس والخزرج عدد من الكُتّاب، وبعضهم كان يكتب بالعربية والعبرية، كزيد بن ثابت ( [17] ) .
ولم تقتصر معرفة الكتابة في العصر الجاهلي على الرجال، بل كان لبعض النساء معرفة بها، كالشِّفاء بنت عبد الله القرشية العدوية ( [18] ) من رهط عمر بن الخطاب، وكانت كاتبة في الجاهلية، وعلمت حفصة زوج الرسول –- صلى الله عليه وسلم - - الكتابةَ بأمرٍ منه، كما علمتها رقية النملة ( [19] ) ، فأصبحت حفصةُ كاتبةً ( [20] ) .(9/449)
ومن الكاتبات اللاتي ذكرهن البلاذري أم كلثوم بنت عُقْبة ( [21] ) ، وعائشة بنت سعد ( [22] ) ، وكريمة بنت المقداد ( [23] ) .
وكانت عائشة رضي الله عنها، تقرأ في المصحف ولا تكتب، وكانت أم سلمة زوج النبي الكريم تقرأ أيضًا ولا تكتب ( [24] ) .
وعقد محمد بن حبيب (000 – 245هـ) فصلاً ذكر فيه أسماء المعلمين في الجاهلية والإسلام الذين يعلمون الكتابة والقراءة ( [25] ) .
فلما أظل الإسلام برايته كان هناك عدد من الكتاب المعروفين في الحواضر والمدن، ولا سيما في مكة والمدينة، ذكر البلاذري ( [26] ) (000 – 279هـ) وابن عبد ربه ( [27] ) (246 – 327هـ) أنه كان في وقت دخول الإسلام سبعة عشر رجلاً في مكة يجيدون الكتابة، وربما يكون هذا الإحصاء غير دقيق، فيحتمل أن الذين يعرفون الكتابة أكثر من هذا العدد.
والعرب في الجاهلية كانوا – كغيرهم من الأمم – في حاجة ماسة إلى معرفة الكتابة، لتدوين كتبهم الدينية، وإثبات شروطهم وعقودهم في معاملاتهم التجارية، وتنظيم شؤون حياتهم ( [28] ) .
ويذهب بعض الباحثين إلى أن بعض شعراء الجاهلية كانوا يحرصون على تقييد أشعارهم كتابة ( [29] ) .
ونستخلص مما تقدم أن الكتابة كانت معروفة في العصر الجاهلي. أما في عصر صدر الإسلام فلا يماري أحد في معرفتها وانتشارها والحرص على تعلمها، والإقبال على حذقها. واعتمد عليها الرسول –- صلى الله عليه وسلم - - في بعث رسائله إلى الملوك والرؤساء والأباطرة التي دعاهم فيها إلى الدخول في الإسلام ( [30] ) . واعتمد عليها الخلفاء الراشدون في تبليغ أوامرهم وتوجيهاتهم إلى الولاة والقادة والقضاة، ومهدت السبيل إلى نشأة التوقيعات في وقت مبكر من نشأة الدولة الإسلامية. وكانت هذه النشأة إرهاصًا لتطورها في العصر الأموي، وازدهارها في العصر العباسي الأول، والعصر العباسي الثاني اللذين تمخضا عن إنشاء ديوان خاص بها، لا يعين فيه إلا كبار الكتاب والبلغاء.
مصادر التوقيعات(9/450)
ليس من السهل أن ألم في هذا المقام بمصادر التوقيعات في التراث العربي؛ لأنها كثيرة متفرقة، ولكن حسبي أن أشير إلى المصادر التي احتفظت بطائفة غير قليلة منها في العصور المختلفة.
لعل أهم مصدر عني بتدوين هذا الفن الأدبي كتاب العقد الفريد، لابن عبد ربه الأندلسي (246 – 327هـ) الذي أورد عددًا من النماذج للخلفاء في عصر صدر الإسلام، بدءًا من الخليفة الراشد عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – وفي العصر الأموي، والعباسي إلى عهد الخليفة المأمون. ولم يقتصر على توقيعات الخلفاء، بل أثبت نماذج كثيرة من توقيعات الأمراء والولاة والقادة والكتاب وكبار رجال الدولة، مثل الحجاج بن يوسف الثقفي، وأبي مسلم الخراساني، وجعفر بن يحيى البرمكي، والفضل بن سهل، والحسن بن سهل، وطاهر بن الحسين، وختم ذلك بإيراد طائفة من توقيعات ملوك الفرس، واستغرق ذلك من الكتاب تسع عشرة صفحة ( [31] ) .
ويعد كتاب (الوزراء والكتاب) ، للجهشياري (000 – 331هـ) من المصادر القديمة للتوقيعات وردت فيه في مواضع متفرقة ( [32] ) .
ويحفل كتاب (نثر الدر) ، للآبي (000 – 421هـ) بطائفة منها ( [33] ) .
وعني أبو منصور الثعالبي (350 – 429هـ) بتدوين قدر غير يسير منها، ولكنه لم يحصرها في كتاب واحدٍ من كتبه الكثيرة التي اتجه فيها إلى إثبات ما يختاره من عيون الشعر والحكم والأمثال والأقوال البليغة.(9/451)
ومن أهم كتبه التي اهتم فيها بتدوين التوقيعات (خاص الخاص) الذي يعد مصدرًا من مصادرها المهمة، على الرغم من صغر حجمه. عقد فصلاً أورد فيه طائفة من توقيعات الملوك المتقدمين مثل الإسكندر المقدوني (356 – 323 ق. م) وبعض ملوك الروم والفرس، وعقد فصلا ثانيًا أثبت فيه عددًا من توقيعات الخلفاء والقواد والأمراء والولاة المسلمين، وعقد فصلاً ثالثًا دون فيه أجناسًا من توقيعات الوزراء وكبار رجال الدولة العباسية، وتجاوز المدة الزمنية التي وقف عندها ابن عبد ربه الأندلسي في العقد الفريد ( [34] ) . وأورد توقيعات قليلة في كتابه (لطائف اللطف ( [35] )) ، وكُتب فصلٌ في كتاب (تحفة الوزراء) المنسوب إليه أُثبت فيه جملة من توقيعات الوزراء والكتاب ( [36] ) .
وأخلص إلى ذكر أهم مرجع حديث عني بتدوين التوقيعات في عصر الخلفاء الراشدين وفي العصر الأموي، وفي العصر العباسي الأول، وهو كتاب (جمهرة رسائل العرب) ، لأحمد زكي صفوت، الذي أشرت إليه في مقدمة البحث.
تضمن الجزء الأول قدرًا يسيرًا من توقيعات الخلفاء الراشدين ( [37] ) . واشتمل الجزء الثاني على ما دونه من توقيعات خلفاء دولة بني أمية، ومن اتصل بهم بسبب ( [38] ) .
أما الجزء الرابع فدون فيه المؤلف التوقيعات في العصر العباسي الأول (132 – 232هـ) . وما ذكر منها في هذا الجزء يفوق ما ذكر في الجزأين السابقين. وهذا دليل على ازدهار هذا الفن الأدبي في العصر العباسي ( [39] ) .
غير أنه أهمل إثبات شيء من التوقيعات في العصر العباسي الثاني (232 – 334هـ) ، والعصر العباسي الثالث (334 – 447هـ) ، ولم يذكر شيئًا من التوقيعات في المغرب العربي والأندلس. وبذلك يحتاج عمله إلى تكملة واستدراك.(9/452)
ومما ينبغي أن يشار إليه أن الكتاب اقتصر على جمع التوقيعات من مصادرها المختلفة دون أن يشفع ذلك بدراسة أدبية عنها. ولسنا نطالب المؤلف بذلك ما دام قد اقتصر في منهجه على الجمع فقط. ولكن يُعَد ما عمله رائدًا في ميدانه؛ فقد أصبح الكتاب مرجعًا مهمًا للباحثين والدارسين وأساتذة الأدب في الجامعات.
التوقيع في اللغة:
يطلق التوقيع في اللغة على عدة معان، حقيقية وأخرى مجازية، حسية ومعنوية. ذكرتها معجمات اللغة، كالصحاح، والأساس، واللسان، والقاموس، والتاج.
فالواو والقاف والعين أصل واحد يرجع إليه فروعه وما يشتق منه، ويدل في عمومه على سقوط شيء ( [40] ) على التحقيق أو التقريب.
ولكنّ المعاني التي ذكرتها كتب اللغة للفظة التوقيع لا تهمنا في هذا المجال، وإنما يهمنا المعنى اللغوي الذي نجد له ارتباطًا بالتعريف الاصطلاحي للتوقيعات، وبعبارة أخرى المعنى اللغوي الذي اشتقت منه التوقيعات بعدها فنًا أدبيًا.
التوقيعات مشتقة في اللغة من التوقيع الذي هو بمعنى التأثير، يقال: وقَّعَ الدَّبرُ ( [41] ) ظهرَ البعير إذا أثر فيه، وكذلك الموقِّع (كاتب التوقيع) يؤثر في الخطاب، أو الكتاب الذي كتب فيه حسّا أو معنى ( [42] ) .
وقيل: إن التوقيع مشتقٌ من الوقوع؛ لأنه سبب في وقوع الأمر الذي تضمنه، أو لأنه إيقاع الشيء المكتوب في الخطاب أو الطلب، فتوقيع كذا بمعنى إيقاعه ( [43] ) .
قال الخليل ( [44] ) :» التوقيع في الكتاب إلحاقٌ فيه بعد الفراغ منه. واشتقاقه من قولهم: وقّعْتُ الحديدة بالميقعة، وهي المطرقة: إذا ضربتها، وحمار موقَّع الظهر: إذا أصابته في ظهره دَبَرَةٌ. والوقيعة: نُقْرَةٌ في صخرة يجتمع فيها الماء، وجمعها: وقائع. قال ذو الرمة:
ونلْنَا سِقَاطًا من حديثٍ كأنَّهُ جَنىَ النحلِ ممزوجًا بماءِ الوقائعِ ( [45] )
فكأنه سُمِّى توقيعًا؛ لأنه تأثير في الكتاب، أو لأنه سببُ وقوع الأمر وإنفاذه، من قولهم: أوقعت الأمر فوقع ( [46] ) «.(9/453)
وأميل إلى ترجيحِ السبب الأخير؛ لأن التوقيع يتضمن إجراءًا يلزم تنفيذه.
وقال ابن الأنباري:» توقيع الكاتب في الكتاب المكتوب أن يجمل بين تضاعيف سطوره مقاصد الحاجة، ويحذف الفضول. وهو مأخوذ من توقيع الدَّبَرِ ظهر البعير؛ فكأن الموقِّع في الكتاب يؤثر في الأمر الذي كتب الكتاب فيه ما يؤكده ويوجبه « ( [47] ) .
التوقيع في الاصطلاح:
وقد اكتسبت التوقيعات في الإسلام معنىً اصطلاحيًا يرتبط بالمعنى اللغوي الذي ذكرناه، فأصبحت تستعمل لما يوقعه الكاتب على القضايا أو الطلبات المرفوعة إلى الخليفة أو السلطان أو الأمير، فكان ( [48] ) الكاتب يجلس بين يدي الخليفة في مجالس حكمه، فإذا عرضت قضية على السلطان أمر الكاتب أن يوقع بما يجب إجراؤه، وقد يكون الكاتب أحيانًا السلطان نفسه.
يقول البطليوسي (44- 521هـ) في تعريف التوقيع: (وأما التوقيع فإن العادة جرت أن يستعمل في كل كتاب يكتبه الملك، أو مَنْ له أمر ونهي في أسفل الكتاب المرفوع إليه، أو على ظهره، أو في عَرْضه، بإيجاب ما يُسْأل أو منعه، كقول الملك: ينفذ هذا إن شاء الله، أو هذا صحيح. وكما يكتب الملك على ظهر الكتاب: لِتُرَدَّ على هذا ظُلاَمته. أو لينظر في خبر هذا، أو نحو ذلك) ( [49] ) .
ويقول ابن خلدون (732 – 808هـ) ( [50] ) :
» ومن خُطط الكتابة التوقيع، وهو أن يجلس الكاتب بين يدي السلطان في مجالس حكمه وفصله، ويوقع على القصص المرفوعة إليه أحكامها والفصل فيها، متلقاة من السلطان بأوجز لفظ وأبلغه. فإما أن تصدر كذلك، وإما أن يحذو الكاتب على مثالها في سجل يكون بيد صاحب القصة، ويحتاج الموقع إلى عارضة من البلاغة يستقيم بها توقيعه «.
تطور دلالتها:(9/454)
تطوَّر مفهوم التوقيعات في العصر العباسي، واكتسب معنى أدبيًا، فأصبحت تطلقُ على تلك الأقوال البليغة الموجزة المعبرة التي يكتبها المسؤول في الدولة، أو يأمر بكتابتها على ما يرفع إليه من قضايا أو شكايات، متضمنة ما ينبغي اتخاذه من إجراء نحو كل قضية أو مشكلة، وهي بهذا المفهوم أشبه ما تكون بتوجيه المعاملات الرسمية في الوقت الحاضر.
وفي العصور الوسطى أضيف إلى التوقيعات دلالة جديدة مع بقاء دلالتها الأدبية السائدة في العصر العباسيّ، حيث أصبحت تطلق على الأوامر والمراسيم التي يصدرها السلطان أو الملك؛ لتعيين والٍ، أو أمير، أو وزير، أو قاضٍ، أو حتى مدرس، وامتازت بطولها، والإسهاب في ذكر الحيثيات والأسباب المسوغة للتعيين؛ حتى تجاوز بعضها أربع صفحات، وقد أورد القلقشندي في صبح الأعشى نماذج كثيرة منها ( [51] ) ، ولا يتسع المجال لذكر شيء منها.
والتوقيعات بهذا المفهوم لا تُعَدُّ توقيعات أدبية لافتقادها عنصري البلاغة والإيجاز، ولا تدخل ضمن هذا البحث، وعَدُّها من باب الكتابة الديوانية والنثر التاريخي أولى وأصح.
ثم تحول معناها بعد ذلك إلى علامة اسم السلطان خاصة التي تذيل بها الأوامر والمراسيم والصكوك كالإمضاء عندنا ( [52] ) ، ثم توسع في معناها فأصبحت تدل على تأشيرة الاسم، وهي كتابته بتلك الهيئة الخاصة التي تقابل في الإنجليزية لفظة (Signature) .
أنواع التوقيعات الأدبية:
بعد أن تحدثنا عن التطور الدلالي للفظة (التوقيع) ، يحسن أن نتحدث بإيجاز عن أنواع التوقيعات الأدبية، التي نلاحظ – من خلال استقرائها وتتبعها في كتب الأدب والتراث - أنها لا تخرج عن الأنواع التالية:
1 - قد يكون التوقيع آيةً قرآنيةً تناسب الموضوع الذي تضمنه الطلب، أو اشتملت عليه القضية.(9/455)
من ذلك ما ذكر ( [53] ) أن أبا محمد الحسن بن محمد المهلبي وزير معز الدولة أبي الحسين أحمد بن بويه الديلمي ( [54] ) كان قبل اتصاله بمعز الدولة وتقلده منصب الوزارة يعاني من قلة ذات اليد وشدة الفقر وضيق الحال، وكان يشكو رمدًا في عينيه لا يفارقه، وسافر في بعض الأيام مع رفيق له أديب من أهل الأسفار والتجوال ( [55] ) ، ولكنه لقي في سفره هذا مشقة ونصبا، فلا زاد معه ولا مال، ونزل مع رفيقه في بعض الأماكن واشتهى اللحم، فلم يجد ثمنه، فأنشد ارتجالاً ورفيقه يسمع:
فهذا العيشُ مالا خيرَ فيهِ
ألا مَوْتٌ يُباَعُ فأشْتَريهِ
يُخلِّصُني من العيشِ الكريهِ
ألا مَوْتٌ لذيذُ الطعمِ يأتِي
ودِدْتُ لو أنَّني مما يليهِ
إذا أبصَرْتُ قبرًا من بعيدٍ
تصدَّقَ بالوفاةِ على أخيهِ
ألا رَحِمَ المهيمنُ نَفْسَ حُرٍّ
فتأثر رفيقه بالأبيات ورثى لحاله، ورق له، فاشترى له بدرهم لحمًا، وأعده وقدمه إليه، وتفرقا.
ثم تتابعت الأيام، وتغيرت الأحوال، وحسنت حال المهلبي وتولى الوزارة ببغداد لمعز الدولة البويهي، وضاقت الحال برفيقه في السفر الذي اشترى له اللحم، وحقق له رغبته، وآل به الأمر إلى أن جلس على بساط الفقر والفاقة، وبلغه تولي المهلبي الوزارة، فشد الرحال وقصده في بغداد، فلما بلغه كتب إليه رُقْعَة تتضمن أبياتًا، منها:
مَقَالَ مُذَكِّرٍ ما قد نسيهِ
ألا قُلْ للوزير فَدتْه نَفْسِي
(ألا مَوْتٌ يباعُ فأشتريهِ)
أتذكرُ إذ تقول لضنْكِ عَيْشٍ:
فلما قرأ المهلبي الأبيات تذكر صحبة رفيقه، وفضله عليه، وهزته أريحية الكرم ورعاية حق الصحبة، وردّ الفضل لأهله والمعروف لمستحقيه.
إنّ الكرامَ إذا ما أَسهَلُوا ذَكَروا مَنْ كان يألفُهمْ في المنزلِ الخَشِنِ ( [56] )(9/456)
فأمر له بسبع مئة درهم، ووقَّع في رقعته قوله تعالى: {مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء} ( [57] ) .
ثم دعاه وأكرمه، وقَلده عملاً مناسبًا يرتزق به ( [58] ) .
والتوقيع الذي وقعه المهلبي على رقعة صاحبه (الآية القرآنية الكريمة) يبدو مطابقًا تمامًا لفحوى القصة ومضمونها، أعطاه رفيقه درهما في وقت الضيق والشدة، فأعطاه هو سبع مئة درهم في وقت السعة والرخاء تحقيقًا لما في الآية الكريمة.
ومن ذلك ( [59] ) ما كتب به عامل إرمينية إلى المهدي الخليفة العباسي يشكو إليه سوء طاعة الرعية، فوقع المهدي في خطابه قوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} ( [60] ) . والتوقيع بألفاظ القرآن حسن في الجدّ من الأمور، محظور في المُزْح والمطايبة ( [61] ) .
2- وقد يكون التوقيع بيت شعر. من ذلك ( [62] ) ما كتب به قتيبة بن مسلم الباهلي إلى سليمان بن عبد الملك بن مروان الخليفة الأموي يتهدده بالخلع، فوقع سليمان في كتابه:
زعمَ الفرزدقُ أن سَيَقْتُلُ مِرْبَعًا أبشرْ بطولِ سلامةٍ يا مِرْبَعُ ( [63] )
وكتب ( [64] ) ألفونس السادس ملك قَشْتالةَ إلى يوسُف بن تاشِفين أمير المرابطين في الأندلس يتوعده ويتهدده، فوقع يوسف في كتابه بيت أبي الطيب المتنبي:
ولا كُتْبَ إلا اَلمْشَرفِيَّةُ والَقنَا ولا رُسُلٌ إلا الخميسُ الَعْرمْرَمُ ( [65] )
3- وقد يكون مثلاً سائرًا. من ذلك ما وقع ( [66] ) به علي بن أبي طالب
– رضي الله عنه – إلى طلحة بن عبيد الله - رضي الله عنه -:» في بيته يؤتى الحكم) ( [67] ) «.(9/457)
ومن ذلك أيضًا ما وقَّع به يزيد بن الوليد بن عبد الملك بن مروان إلى مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية، وقد أُخبر يزيد أنه يتلكأ في مبايعته بالخلافة:» أراك تقدم رجلاً وتؤخر أخرى، فإذا أتاك كتابي فاعتمد على أيهما شئت « ( [68] ) .
4- وقد يكون التوقيع حكمة، من ذلك ما وقع به السفاح الخليفة العباسي الأول في رقعة قوم شكوا احتباس أرزاقهم:» من صبر في الشدة شارك في النعمة « ( [69] ) .
وكتب إبراهيم بن المهدي إلى الخليفة المأمون يعتذر إليه مما بدر منه من خروجه عليه، ومطالبته بالخلافة، فوقع المأمون في كتابه:» القدرةُ تُذْهِبُ الحفيظة، والندم جزء من التوبة، وبينهما عفو الله « ( [70] ) .
5- وقد يكون التوقيع غير ذلك، رفعت إلى يحيى بن خالد البرمكي رسالة ركيكة العبارة، كتبت بخط جميل فوقع:» الخط جسمٌ روحه البلاغة، ولا خير في جسمٍ لا روحَ فيه « ( [71] ) .
ووقع ابنه جعفر بن يحيى بن خالد البرمكي لبعض عماله:» قد كَثُرَ شاكوكَ، وقل شاكروك، فإما عَدَلْت، وإما اعتزلت « ( [72] ) .
متى وجدت التوقيعات في الأدب العربي؟:
التوقيعات فن أدبي نشأ في حضن الكتابة، وارتبط بها، ولذلك لم يعرف عربُ الجاهلية التوقيعات الأدبية ولم تكن من فنون أدبهم؛ لسبب يسير وهو أن الكتابة لم تكن شائعة بينهم، بل كان الذين يعرفون الكتابة في هذا العصر قلة نادرة، لذلك فإن الأدب الجاهلي يتضمن الفنون الأدبية القائمة على المشافهة والارتجال، كالشعر، والخطابة، والوصية، والمنافرة، وغيرها من الفنون القولية القائمة على ذلاقة اللسان، والبراعة في الإبانة والإفصاح، وإصابة وجه الحق ومفصل الصواب كالحكم والأمثال.
كذلك لم تُعْرَف التوقيعات في عهد الرسول -- صلى الله عليه وسلم --؛ لأن الكتابة أيضًا لم تكن شائعة، وقد جاء الإسلام وليس يكتب بالعربية غير سبعة عشر شخصًا ( [73] ) .(9/458)
ولعل أقدم ما أثر من توقيع في تاريخ الأدب العربي ما كتب به أبو بكر الصديق – رضي الله عنه – إلى خالد بن الوليد – رضي الله عنه – حينما بعث للصديق خطابًا من دومة الجندل يطلب أمره في أمر العدو، فوقع إليه أبو بكر:» ادن من الموت توهبْ لك الحياة « ( [74] ) .
ثم شاعت التوقيعات في عهد عمر وعثمان وعلي – رضي الله عنهم -، لشيوع الكتابة، وامتد هذا الشيوع بصورة أوسع في عصر بني أمية.
ولذلك نلحظ أن التوقيعات فن أدبي نشأ في عصر صدر الإسلام، وليس صحيحًا ما ذهب إليه بعض مؤرخي الأدب العربي من أن التوقيعات فن أدبي عباسي، أخذه العباسيون من الفرس ( [75] ) .
التوقيعات في عصر صدر الإسلام:
مرّ بنا أن التوقيعات عرفت في الأدب العربي أول ما عرفت في عهد أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -، والسبب في ذلك شيوع الكتابة بعد أن أقبل المسلمون على تعلمها، وأصبح الذين يجيدونها يمثلون شريحة كبيرة. يضاف إلى ذلك استخدام الكتابة في تحبير الرسائل، وتبليغ أوامر الخليفة وتوجيهاته إلى الولاة والقواد في مختلف أنحاء الدولة الإسلامية.
ويعد الخليفة الراشد أبو بكر الصديق أول من استعمل التوقيعات في تاريخ الأدب العربي، وفي التاريخ الإسلامي، غير أنّ التوقيعات التي أثرتْ عنه ووصلت إلينا قليلة، لا نستطيع أن نبني عليها حكمًا أدبيًا.
واستخدم الخليفة الراشد عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – هذا الفن في مكاتباته لرجال الدولة من ولاة وقواد.
ومن توقيعاته أن سعد بن أبي وقَّاص – رضي الله عنه – كتب إليه من الكوفة – وكان واليًا عليها – يستأذنه في بناء دار الإمارة، فوقّع في أسفلِ كتابه:» ابن ما يُكِنُّكَ من الهواجِرِ، وأذى المطر) ( [76] ) ، وفي روايةٍ (ابن ما يستر من الشمسِ، ويُكِنُ من المطر « ( [77] ) .
ووقع في كتاب عمرو بن العاص:» كن لرعيتك كما تحبُّ أن يكونَ لك أميرُك « ( [78] ) .(9/459)
وأثرت لعثمان بن عفان – رضي الله عنه – بعض التوقيعات، من ذلك أن نفرًا من أهل مصر كتبوا إليه يشكون مروان بن الحكم، وذكروا أنه أمر بوَجءِ ( [79] ) أعناقهم، فوقع في كتابهم: {فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ} ( [80] ) .
ووقع في قصة رجل شَكَا عَيْلةً ( [81] ) :» قد أمرنا لك بما يُقيمك، وليس في مالِ الله فَضْلٌ للمسرفِ « ( [82] ) .
وما وصل إلينا من توقيعات الخليفة علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – أكثر مما بلغنا من توقيعات أبي بكر وعمر وعثمان؛ فمن توقيعاته ما وقَّع به إلى طلحة بن عبيد الله ( [83] ) - رضي الله عنه –» في بيته يُؤْتى الحكم « ( [84] ) .
وكتب الحسن أو الحسين إليه في شيءٍ من أمر عثمان - رضي الله عنه – فوقع إليه:» رأي الشيخ خيرٌ من مَشْهدِ الغلام « ( [85] ) .
ووقع في كتاب سلمان الفارسي – وكان سأله كيف يُحاسب الناسُ يوم القيامة –» يحاسبون كما يرزقون « ( [86] ) .
ووقع في كتاب أتاه من الأشتر النخعي ( [87] ) فيه بعض ما يكره» مَنْ لك بأخيك كله ( [88] ) ؟! «.
ووقع في كتابٍ لصعصعةَ بن صُوحانَ ( [89] ) يسألُه في شيءٍ:» قيمة كل امرئٍ ما يحسن « ( [90] ) .
وكتب إليه الحُضَيْن بن المنذر ( [91] ) في صفين يذكر أن السيف قد أكثر في ربيعة، وبخاصةٍ في أسرى منهم، فوقع إليه:» بقيةُ السيفِ أنمى عددًا « ( [92] ) .
ونلحظ أن التوقيعات التي أثرت عن الخلفاء الراشدين ووصلت إلينا تمتاز ببلاغة الأداء ووجازة التعبير، وموافقتها للصواب. وقد يكون التوقيع يوقع به الخليفة آية قرآنية، أو مثلاً سائرًا أو حكمة، أو قولاً بليغًا يجري مجرى الحكمة أو المثل.
ولكن ينبغي أن نقرر حكمًا وهو أن التوقيعات في عصر صدر الإسلام تعد قليلة جدًا إذا ما قورنت بالتوقيعات في العصور التالية، وربما يعزى السبب إلى أن هذا الفن الأدبي لا يزال آنذاك في بداية نشأته.
التوقيعات في العصر الأموي:(9/460)
تعد التوقيعات في العصر الأموي امتدادًا طبعيًا لها في عصر صدر الإسلام، بعد أن عرفت واستعملت، وغدت في العصر الذي نتحدث عنه فنًا أدبيًا، حيث اعتاد كل خليفة أموي أن يوقع على الرسائل التي ترد إليه بعد أن يطلع عليها ويعرف مضمونها، ووصلت إلينا نماذج كافية لتوقيعات خلفاء بني أمية ابتداءً من معاوية بن أبي سفيان، وانتهاءً بمروان بن محمد آخر خلفاء الدولة الأموية في المشرق. ولم يقتصر فن التوقيعات على الخلفاء فقط، بل مارسه بعض الأمراء والولاة والقواد، كزياد بن أبيه، والحجاج بن يوسف الثقفي. ولا يتسع المجال لإيراد كل ما نعرفه من توقيعات الأمويين، وحسبي أن أشير إلى نموذج أو أكثر لكل خليفة وصل إلينا شيء من توقيعاته، ولكل أمير أو والٍ أثرت عنه توقيعات..
وقع معاوية بن أبي سفيان في كتاب:» نحن الزمان من رفعناه ارتفع، ومن وضعناه اتضع « ( [93] ) .
وكتب إليه الحسن بن علي – رضي الله عنهما – كتابًا أغلظ له فيه القولَ فوقع إليه:» ليت طولَ حلمنا عنك لا يدعو جهلَ غيرِنا إليك « ( [94] ) .
وكتب إليه ربيعة بن عِسْلٍ اليربوعي ( [95] ) يسأله أن يعينه في بناء داره بالبصرة باثني عشر ألف جذع، فوقع إليه:» أدارك في البصرة أم البصرةُ في دارك؟ « ( [96] ) .
وكتب عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ( [97] ) إلى يزيد بن معاوية يستميحه لرجال من خاصته، فوقع إليه:» احكم لهم بآمالهم إلى منتهى آجالهم «، فحكم عبد الله بن جعفر بتسع مئة ألف، فأجازها يزيد ( [98] ) .
وكتب إليه عبد الله بن جعفر يستوهبه جماعة من أهل المدينة، فوقع إليه:» مَنْ عرفتَ فهو آمن « ( [99] ) .
وكتب الحجاج بن يوسف الثقفي إلى عبد الملك بن مروان يخبره بسوء طاعة أهل العراق، وما يقاسي منهم، ويستأذنه في قتل أشرافهم، فوقع له:» إنّ من يُمْنِ السائسِ أن يُتَأَلَّفَ به المختلفون، ومن شؤمِه أن يختلفَ به المؤتلفون « ( [100] )
ووقع في كتاب:(9/461)
كيف يرجونَ سِقَاطي بعدما شَمِلَ الرأس مَشِيبٌ وصَلَعْ ( [101] ) ؟
وقع الوليد بن عبد الملك إلى عمر بن عبد العزيز:» قد رأب الله بك الداء، وأوذَمَ بكل السِّقَاء « ( [102] ) .
وكتب إليه الحجاج لما بلغه أنه خَرَق فيما خَلَّف له عبد الملك، ينكر ذلك عليه، ويعرِّفه أنه على غير صواب، فوقّع في كتابه،» لأجمعنَّ المال جمعَ مَنْ يعيش أبدًا، ولأفرقَنَّهُ تفريقَ من يموتُ غدا « ( [103] ) .
كتب قتيبة بن مسلم الباهلي إلى سليمان بن عبد الملك يتهدده بالخلع، فوقَّع في كتابه:
زَعَمَ الفرزدقُ أن سيقتلُ مِرْبَعًا أبشرْ بطولِ سلامةٍ يا مِرْبَعُ ( [104] )
وقع في كتابه أيضًا:» العاقبة للمتقين « ( [105] ) .
ووقع إليه أيضًا جوابَ وعيده: {وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} ( [106] ) .
كتب والي العراق إلى عمر بن عبد العزيز يخبره عن سوءِ طاعةِ أهلها فوقَّع إليه: (ارضَ لهم ما ترضى لنفسِك، وخُذْهم بجرائمهم بعد ذلك) ( [107] ) .
ووقع في قصة متظلم:» العدلُ أمامَك « ( [108] ) .
وفي رقعة محبوس:» تُبْ تُطْلَقْ « ( [109] ) .
وفي رقعة امرأة حُبِسَ زوجها:» الحقُّ حبسه « ( [110] ) .
وفي رقعة رجل تظلم من ابنه:» إنْ لم أنصفكَ منه فأنا ظلمتكَ « ( [111] ) .
ووقع يزيد بن عبد الملك في قصة متظلم شكا بعضَ أهلِ بيته::» ما كان عليك لو صفحتَ عنه واستوصلتني « ( [112] ) .
ولهشام بن عبد الملك توقيعات كثيرة منها: أنه وقع في قصة متظلم:
» أتاك الغوثُ إن كنت صادقًا، وحَلَّ بكَ النَّكالُ إنْ كُنْتَ كاذبًا، فتقدَّمْ أو تأخر « ( [113] ) .
ووقع في قصة قوم شكوا أميرهم:» إنْ صَحّ ما ادعيتمْ عليه عزلناه وعاقبناه « ( [114] ) .
وقع يزيد بن الوليد بن عبد الملك بن مروان إلى والي خراسان ( [115] ) في المُسَوِّدَة ( [116] ) : نجم أمرٌ أنت عنه نائم، وما أراكَ منه أو مني بسالم « ( [117] ) .(9/462)
ولمروان بن محمد آخرِ خلفاء الدولة الأموية توقيعات مأثورة ( [118] ) .
ولزياد بن أبيه والحجاج بن يوسف الثقفي توقيعات عدة ( [119] ) ،
فمن توقيعات زياد أن عائشة – رضي الله عنها – كتبت إليه في وُصَاةٍ برجل، فوقع في كتابها:» هو بين أبويه « ( [120] ) . ووقع في قصة سارق:» القطع جزاؤك « ( [121] ) .
ومن توقيعات الحجاج ما وقع به في قصة محبوس ذكروا أنه تاب: (ما على المحسن من سبيل) ( [122] ) .
ازدهار التوقيعات في العصر العباسي:
والحقّ أن التوقيعات الأدبية لم يكتب لها حظّ من الذيوع والانتشار إلا في العصر العباسيّ، وذلك حينما ازدهرت الكتابة الفنية، وتعددت أغراضها، وحلت محل الخطابة في كثير من شؤون الدولة وقضاياها، وأصبح الكاتب البليغ مطلبًا من مطالب الدولة تحرصُ عليه وتبحث عنه، لتسند إليه عمل تحرير المكاتبات، وتحبير الرسائل في دواوينها التي تعدّدت نتيجة لاستبحارها، واتساع نطاقها، وكثرة ما يجبى من الخراج من الولايات الإسلامية الكثيرة المتباعدة، وأصبح لا يحظى بالوزارة إلا ذوو الأقلام السيالة من الكتاب والبلغاء المترسلين كالبرامكة، والفضل بن الربيع، والفضل والحسن ابني سهل، وغيرهم من الكتاب الذين جمعوا بين الوزارة والكتابة الأدبية البليغة. وقد ألم بكثير من أخبارهم وآثارهم كتاب الوزراء والكتاب لأبي عبد الله محمد ابن عبدوس الجهشياري المتوفى سنة 331هـ، وكتاب تحفة الوزراء المنسوب لأبي منصور عبد الملك بن محمد بن إسماعيل الثعالبي المتوفى سنة 429هـ.
بل إن الخلفاء العباسيين في العصر العباسي الأول (132 – 232هـ) كانوا يطّلعون على ما يرد إليهم من كتب ورسائل فيوقعون عليها، وصدرت عنهم توقيعات بليغة وصل إلينا منها قدر لا بأس به ( [123] ) .(9/463)
وفي العصر العباسي الثاني (232 – 334هـ) والثالث (334 – 447هـ) شاعت التوقيعات على أقلام عدد من الكتاب والوزراء المشهورين من ذلك ما ذكره الثعالبي ( [124] ) أن الصاحب بن عباد (326 – 385هـ) رفع إليه بعضهم رقعة يذكر أن بعض أعدائه يدخل داره فيسترق السمع، فوقع فيها:» دارنا هذه خان، يدخلها مَنْ وفى ومن خان «. وكتب إليه إنسان رقعة أغار فيها على رسائله، وسرق جملة من ألفاظه، فوقع فيها:» هذه بضاعتنا ردت إلينا ( [125] ) «. ووقع في رقعة استحسنها {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنتُمْ لاَ تُبْصِرُونَ} ( [126] ) .
شخصية كاتب التوقيعات:
في هذه البيئة الفنية الخصبة ازدهرت التوقيعات ( [127] ) ، وأنشئ لها ديوان خاص سمي بديوان التوقيعات، وأسند العملُ فيه إلى بلغاء الأدباء والكتاب ممن استطارت شهرتهم في الآفاق، وعرفوا ببلاغة القول، وشدة العارضة، وحسن التأتي للأمور، والمعرفة بمقاصد الأحكام وتوجيه القضايا. يقول ابن خلدون (732 – 808هـ) في ذلك:
» واعلم أن صاحب هذه الخطة لابد أن يتخير من أرفع طبقات الناس، وأهل المروءة والحشمة منهم، وزيادة العلم وعارضة البلاغة، فإنه معرض للنظر في أصول العلم لما يعرضُ في مجالس الملوك، ومقاصد أحكامهم، مع ما تدعو إليه عِشْرة الملوك من القيام على الآداب، والتخلق بالفضائل مع ما يضطر إليه في الترسيل، وتطبيق مقاصد الكلام من البلاغة وأسرارها « ( [128] ) .
وكان للتوقيعات البليغة الموجزة رواج عند ناشئة الكتاب وطلاب الأدب، فأقبلوا عليها ينقلونها ويتبادلونها ويحفظونها، وينسجون على منوالها.
يقول ابن خلدون:
» كان جعفر بن يحيى البرمكي يوقع القصص بين يدي الرشيد، ويرمي بالقصة إلى صاحبها، فكانت توقيعاته يتنافس البلغاء في تحصيلها؛ للوقوف فيها على أساليب البلاغة وفنونها؛ حتى قيل: إنها كانت تباع كُلُّ قصة منها بدينار « ( [129] )(9/464)
وكان يقول لكُتّابه ( [130] ) :» إن استطعتم أن يكون كلامكم كله مثل التوقيع فافعلوا «.
وسبق أن بيّن لنا ابن خلدون في الحديث عن المعنى الاصطلاحي للتوقيع الكيفية التي تنم فيها التوقيعات في مجلس الخليفة أو السلطان.
وكما برع العباسيون في فن التوقيعات كذلك برع فيها الأندلسيون ( [131] ) ، ولا سيما بعد استقرار دولتهم، وأخذهم بأسباب المدنية والحضارة.
والتوقيعات عند الأندلسيين في حاجة إلى بحث مستقل، فعسى أن أوفق إلى ذلك.
مقاييس التوقيع الأدبي:
ليس كل توقيع يصلح أن يكون توقيعًا أدبيًا، وإنما يشترط في التوقيع لكي يكون كذلك الشروط التالية:
1- الإيجاز، وهو أن تكون ألفاظه قليلة معدودة ذات معانٍ غزيرة.
وقد بالغ بعض الكتاب والأدباء في وجازة التوقيع؛ حتى إن بعضهم اقتصر في بعض توقيعاته على حرف، أو نقطة. ذُكرَ أن الصاحب بن عباد الوزير الأديب المؤلف وقّع في رقعة بألف، وفي أخرى بنقطة، وذلك أنه التمس منه بعض السائلين شيئًا من مال، ثم كتب في آخر رقعته» فإن رأى مولانا أن يَفْعَلَ ذلك فَعَل «، فوقع الصاحبُ قبل (فَعَل) ألفًا، فصار (أفعلُ) . وأما النقطة فإنه وضعها في رقعة على لفظة (يفعل) ، فنقط الياء من فوقها فصارت نونًا ( [132] ) .
ولا شك أن ما فعله الصاحب يعد من التوقيعات المستظرفة المستملحة، وإن كان يبدو توقيعه متكلفًا لا بلاغة فيه.
1 - البلاغة، وهو أن يكون التوقيع مناسبًا للحالة، أو القضية التي قيل فيها.
2 - الإقناع: وذلك أن يتضمن التوقيع من وضوح الحجة وسلامتها ما يحمل الخصم على التسليم، ومن قوة المنطق وبراعته ما يقطع على صاحب الطلب عودة المراجعة.
ومن التوقيعات التي توافرت فيها الشروط الثلاثة ما وقع به عمر بن عبد العزيز الخليفة الأموي لعامله بحمص في الشام حينما كتب إليه أن مدينته تحتاج إلى بناء حصن لحمايتها من الأعداء:» حصنها بالعدل. والسلام « ( [133] ) .(9/465)
وكذلك ما وقع به أبو جعفر المنصور حين كتب إليه عامله بمصر يذكر نقصان النيل» طهر عسكرك من الفساد، يعطك النيل القياد « ( [134] ) .
ومن التوقيعات المستحسنة ما كتبه يحيى بن خالد البرمكي في الاستبطاء والاقتضاء:» في شكر ما تقدم من إحسانك شاغلٌ عن استبطاءِ ما تأخر منه « ( [135] ) .
أثر التوقيعات في السياسة والأدب:
أسهمت التوقيعات الأدبية منذ أبكر عصورها في توجيه السياسة العامة للدولة الإسلامية، في عصر صدر الإسلام، ودولة بني أمية، ودولة العباسيين، وكان الخلفاء في أكثر الأحايين هم الذين يتولون توجيه ما يرد إليهم من رقاع أو خطابات أو معاملات كما نسميها بلغة عصرنا، وكان التوجيه في حد ذاته توقيعًا أدبيًا موجزًا يتضمن الرأي، أو ما يجب إجراؤه، ويكلون التوجيه والتوقيع إلى بعض الكتاب البلغاء تحت إشرافهم في بعض الأحيان، وكان في ذلك كله ثروة لا تقدر بثمن في بناء الدولة وسياسة الرعية، وإغناء التاريخ بالنافع المفيد، وإثراء الأدب والفكر، فالتوقيع يحمل رأيًا صائبًا، أو فكرة جديدة، أو حكمة بالغة، أو توجيهًا سديدًا. ويحرص كاتب التوقيع أن يكون توقيعه بليغًا مؤثرًا موجزًا، يعرضه في كلمات قليلة. وهذا أتاح للأدب العربي أن يظفر بطائفة من التعبيرات الأدبية الراقية، تضم إلى ما أثر عن العرب من حكم وأمثال وأقوال بليغة.(9/466)
والذي جعل للتوقيعات هذه القيمة السياسية هو أنها ارتبطت منذ نشأتها بدواوين الخلفاء والوزراء، وكانت إحدى الوسائل المباشرة – مثلها مثل الرسائل والخطب – لتوجيه السياسة العامة للدولة، وتزويد الولاة والقواد في ولاياتهم ومواقع مواقع حروبهم بالنصائح والإجراءات المناسبة؛ فكل توقيع يوقعه الخليفة إلى والٍ أو وزير أو قائد يتضمن توجيهًا ذا علاقة بسياسة الدولة. من ذلك ما وقّع به المأمون في قصة متظلم من حميد الطوسي ( [136] ) أحد قواده:» يا أبا حامد إلا تتكل على حسن رأيي فيك؛ فإنك وأحد رعيتي عندي في الحق سواء ( [137] ) «. وما وقّع به إلى أحد عماله، وقد شكاه أهل عمله:» إن آثرتَ العدل حصلت على السلامة، فانصف رعيتك من هذه الظَّلامة ( [138] ) «. والتوقيعان يحثانِ على وجوب العدل بين الناس في الحقوق والمعاملات.
نتائج البحث:
عرفنا في الصفحات السابقة أن التوقيعات فن أدبي من فنون النثر، تتوافر فيه عناصر التعبير البليغ. وتناول البحث هذا الفن في العصر الإسلامي والأموي والعباسي، ومهد للموضوع بالحديث عن نشأة الكتابة عند العرب لارتباط التوقيعات بها ثم مصادر التوقيعات، وعرف بالتوقيع في اللغة والاصطلاح، وتطور دلالته، ودرس أنواع التوقيعات بحسب مصادرها الأدبية، وقدم لمحة عن نشأتها وتطورها عبر العصرين الإسلامي والأموي، وازدهارها وتميزها في العصر العباسي، وخلص البحث إلى تحديد مقاييس التوقيع الأدبي، ثم أثر التوقيعات في السياسة والأدب. ومن أهم النتائج التي وصل إليها البحث ما يلي:
1-أن التوقيعات فن أدبي قائم بذاته، وله خصوصيته ومقاييسه الأدبية المستقلة.
2-لم يعرف عرب الجاهلية هذا الفن من التعبير، ولم يستخدموه في مكاتباتهم، على الرغم من أنَّ الكتابة كانت معروفة لديهم.
3- التوقيعات فن أدبي نشأ في ظل الإسلام وازدهر، وليس صحيحًا ما ذهب إليه بعض الباحثين من أن العرب أخذوه من الفرس.(9/467)
4-عرفت التوقيعات منذ وقت مبكر في الإسلام، وأول ما أثر منها توقيعات أبي بكر الصديق – رضي الله عنه – في خلافته.
5- أن بعض الخلفاء كانوا يتولون كتابة التوقيعات، أو يملونها على الكاتب الذي بين يديهم، أو يعهدون إلى كتابهم البلغاء بكتابتها بعد تزويدهم بالتوجيهات اللازمة.
6-أن كبار المسؤولين من وزراء وولاة وقواد في العصر الأموي والعباسي كانوا يمارسون كتابة التوقيعات، وكانت توقيعاتهم مأثورة، لأنهم جمعوا بين السياسة والأدب.
7-لا يشترط في التوقيع البليغ أن يكون كلامًا مبتكرًا، بل قد يكون آية قرآنية، أو حديثًا نبويًا، أو بيت شعر، أو مثلاً، أو حكمة.
الهوامش والتعليقات
( [1] ) انظر في نشأة الخط العربي: فتوح البلدان: 456 – 457، والعقد الفريد، 4/156- 157، والوزراء والكتاب: 1-2، والصاحبي في فقه اللغة: 10، والفهرست، 6-7، وصبح الأعشى: 3/6-10، والقاموس المحيط (جزم) ، وزهر الأكم في الأمثال والحكم: 2/221 – 222، ومصادر الشعر الجاهلي وقيمتها التاريخية 23- 37.
(2) فتوح البلدان: 457 – 459.
(3) طبقات ابن سعد 5/15، وعيون الأخبار: 4/103، وفتوح البلدان: 459، وتاريخ الطبري (حوادث 23هـ) 4/240، ومعجم البلدان (نُقَيْرَة) 5/301. وهي قرية من قرى عين التمر في العراق.
(4) هو ربيعة بن سعد بن مالك، وقيل: هو عمرو بن سعد بن مالك بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة، شاعر جاهلي، وأحد عشاق العرب المشهورين، لقب بالمرقش بقوله هذا البيت، وهو أحد شعراء المفضليات.
الشعر والشعراء: 210 – 213، والأغاني: 6/121 – 128.
(5) الشعر والشعراء: 210، واللسان (رقش) ، ورقش: كتب، والترقيش: الكتابة، والتنقيط، والتسطير في الصحف، والرقْش: الخط الحسن. اللسان (رقش) .(9/468)
(6) أمية بن أبي الصلت بن أبي ربيعة الثقفي، شاعر جاهلي، أدرك الإسلام، وبقي على دينه لم يسلم، وكان في الجاهلية قرأ الكتب الدينية كالتوراة والإنجيل، ورغب عن عبادة الأوثان، وكان يطمع أن يكون رسولاً، فلما بعث الرسول الكريم كفر حسدًا له، توفي في السنة الثامنة، وقيل التاسعة من الهجرة.
الشعر والشعراء: 459 – 462، والأغاني: 4/123 – 136، والإصابة: 1/384 – 387.
(7) أمية بن أبي الصلت، حياته وشعره: 268، واللسان والتاج (قطط) .
القط: الكتاب، والصك بالجائزة. وقيل: هو كتاب المحاسبة، والصحيفة المكتوبة. اللسان (قطط) والمراد به هنا الكتاب.
(8) ديوانه، 89.
(9) حجج: سنوات. الزبور: اسم الكتاب الذي أنزل على داود عليه السلام. والزبور: الكتاب المزبور. وقيل الزبور: التوراة والإنجيل والقرآن. اللسان (زبر) .
(10) شرح ديوانه: 299. والبيت من معلقته.
(11) جلا: كشف. الطلول: مفردها طلل، وهو ما شخص من آثار الديار. الزُّبَر: الكتب. تجد: تجدد وتعيد. والضمير في أقلامها يعود على الزبر.
(12) الصناعتين: 460.
(13) من ملوك الغساسنة في الشام، كان معاصرًا للنعمان بن المنذر اللخمي ملك الحيرة، وكانت بينهما منافسة، له خبر مع حسان بن ثابت ذكره المسعودي، أدرك الإسلام، وبعث إليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - رسالة دعاه فيها إلى الإسلام، توفي في السنة الثامنة من الهجرة، وملك بعده جبلة بن الأيهم آخر ملوك الغساسنة.
مروج الذهب: 2/107 – 108، وعيون الأثر: 2/270- 271، ومجموعة الوثائق السياسية: 97، والأعلام: 2/155.
(14) لم أهتد إلى معرفته.
(15) المذق: الخلط.
(16) الصناعتين: 460.
(17) فتوح البلدان: 459, وصبح الأعشى: 3/11.(9/469)
(18) هي الشِّفاء بنت عبد الله بن شمس بن خلف القرشية العدوية، وقيل: اسمها ليلى. أسلمت قبل الهجرة، وكانت من عقلاء النساء وفضلياتهن، وكان عمر بن الخطاب يقدمها في الرأي، ويفضلها، ويرضاها، وربما ولاها شيئًا من أمر السوق، وأقطعها رسول الله دارًا بالمدينة، وكان يقيل عندها، واتخذت له فراشاً وإزارًا ينام فيه، توفيت نحو عام: 20هـ.
انظر: طبقات ابن سعد: 8/268، وطبقات خليفة: 334، والاستيعاب: 1868 – 1870، وأسد الغابة: 7/162 – 163، والإصابة: 8/201 – 203، وتهذيب التهذيب: 12/428، وأعلام النساء: 2/300 – 301.
(19) النملة والنمل: قروح أو بثور صغار مع ورم يسير، تخرج في الجنب وغيره، ثم تتقرح وتتسع، ويسميها الأطباء الذُّبَاب. اللسان (نمل) .
(20) فتوح البلدان: 458. ومصادر ترجمة الشفاء.
(21) أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط القرشية الأموية، أخت الوليد بن عقبة، وأخت عثمان ابن عفان لأمه. أسلمت بمكة قديمًا، وصلت القبلتين، وهاجرت إلى المدينة ماشية في هدنة الحديبية سنة سبع. تزوجها زيد بن حارثة، فقتل عنها يوم مؤتة، فتزوجها الزبير بن العوام، ثم طلقها، فتزوجها عبد الرحمن بن عوف، وتوفي عنها، فتزوجها عمرو بن العاص، فمكثت عنده شهرًا، ثم توفيت نحو عام: 32هـ.
انظر: طبقات ابن سعد: 8/230- 231، وطبقات خليفة: 332، والاستيعاب: 1953- 1954، وأسد الغابة: 7/386- 387، والإصابة: 8/462-464، وتهذيب التهذيب: 12/477- 478.
(22) هي عائشة بنت سعد بن أبي وقاص الزهرية المدنية، تابعية، ومن رواة الحديث الثقات، أدركت ستا من أمهات المؤمنين، وروت عنهن وعن أبيها، روى لها البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي. قيل: إنها كانت من أجمل نساء عصرها، توفيت عام: 117هـ، ولها من العمر أربع وثمانون سنة.(9/470)
انظر: طبقات ابن سعد: 8/467- 468، والفاخر للمفضل بن سلمة، ضمن المثل (تعست العجلة) 189، والأغاني: 17/201-202، ومجمع الأمثال: 1/243، والكامل في التاريخ، لابن الأثير: 5/195، والعبر للذهبي: 1/147، والوافي بالوفيات: 16/606-607، والإصابة: 8/235، وتهذيب التهذيب: 12/436، وشذرات الذهب: 1/154، وأعلام النساء: 3/135-136.
(23) هي كريمة بنت المقداد بن الأسود الكندية، من رواة الحديث، روت عن أمها ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب، وروى عنها زوجها عبد الله بن وهب بن زمعة، وابنتها قرببة بنت عبد الله بن وهب بن زمعة، ذكرها ابن حبان في الثقات.
انظر: تاريخ الطبري: 2/272، وتهذيب التهذيب: 12/448، وتقريب التهذيب: 2/612، وخلاصة تذهيب تهذيب الكمال: 495، وأعلام النساء: 4/244.
(24) فتوح البلدان: 458.
(25) المحبر: 475.
(26) فتوح البلدان: 457.
(27) العقد الفريد: 4/157.
(28) انظر: موضوع (موضوعات الكتابة وأدواتها في العصر الجاهلي) في كتاب: مصادر الشعر الجاهلي وقيمتها التاريخيه: 59 وما بعدها.
(29) انظر موضوع (كتابة الشعر الجاهلي) في المرجع السابق: 107 وما بعدها، ولمزيد من التوسع ينظر بحث: الكتابة عند العرب في الجاهلية والإسلام، للدكتور أحمد كوتي، مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق، الجزء الثاني، المجلد: 61، رجب: 1406هـ، إبريل: 1986م، ص348- 361.
(30) من أدق ما كتب في ذلك كتاب: مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة، للدكتور محمد حميد الله، وانظر عيون الأثر: 2/259 وما بعدها.
(31) العقد الفريد: 4/205 – 223.
(32) انظر على سبيل المثال الصفحات: 205، 306، 308.
(33) انظر: نثر الدر: 5/108 وما بعدها.
(34) خاص الخاص: 264 – 293.
(35) لطائف اللطف: 64، 68.
(36) تحفة الوزراء: 144 – 149.
(37) جمهرة رسائل العرب: 1/530 – 531.
(38) المرجع السابق: 4/367-401.
(39) المرجع نفسه.
(40) معجم مقاييس اللغة (وقع) 6/133-134.(9/471)
(41) الدَّبرُ: بفتح الدال والباء: قروح تصيب الإبل في ظهورها من جراء الحمل أو القتب.
(42) زهر الأكم في الأمثال والحكم، للحسن اليُوسي: 2/220، واللسان والتاج (وقع) ، وتاريخ اللغة العربية، لجرجي زيدان ص: 25 مطبعة الهلال بمصر، عام: 1904م.
(43) زهر الأكم في الأمثال والحكم: 2/220، والتاج (وقع) .
(44) الاقتضاب في شرح أدب الكتاب: 1/196. والقول من غير عزو في اللسان (وقع) .
(45) البيت في ديوانه: 786، والأساس (سقط) ، ووردت الكلمة بهذا المعنى في أكثر من موضع في شعره. يقال: تذاكرنا سِقَاط الحديث، وساقطهم أحسن الحديث، وهو أن يحادثهم شيئًا بعد شيء. وسقاط الحديث: أن يتحدث الواحد وينصت له الآخر، فإذا سكت تحدث الساكت. الأساس وشرح الديوان.
(46) الاقتضاب في شرح أدب الكتاب: 1/196.
(47) تهذيب اللغة (وقع) : 3/35 – 36، واللسان (وقع) .
(48) انظر: تاريخ اللغة العربية، ص: 25.
(49) الاقتضاب في شرح أدب الكتاب: 1/195.
(50) المقدمة ص:681، تحقيق: د. علي عبد الواحد وافي، دار نهضة مصر للطبع والنشر، الطبعة الثانية: 1981.
(51) انظر من صبح الأعشى: 10/292-467، 11/33-425، 12/36-482، 13/13-46. وراجع فهارس الكتاب التي أعدها وصنفها محمد قنديل البقلي ص: 12-29.
(52) تاريخ اللغة العربية، ص: 25.
(53) راجع المثال والتوقيع في: إحكام صنعة الكلام، للكلاعي: 162- 163، تحقيق: محمد رضوان الداية، بيروت 1966، والمستطرف: 2/67، وترجمة المهلبي في وفيات الأعيان: 2/124 – 127، وفوات الوفيات: 1/353-357.
(54) ترجمته في وفيات الأعيان: 1/174- 177.
(55) قيل: إنه أبو عبد الله الصوفي، وقيل: أبو الحسين العسقلاني، وفيات الأعيان: 2/124.
(56) تنازعه عدد من شعراء العصر العباسي، منهم البحتري ديوانه: 5/2684، وشرح المضنون به على غير أهله: 223، وانظر مزيد تخريج له في حاشية الديوان، وحاشية كتاب الآداب: 498.
(57) سورة البقرة، الآية: [261] .(9/472)
(58) أورد القصة موجزة القلقشندي في صبح الأعشى: 1/41.
(59) العقد الفريد، تحقيق أحمد أمين وآخرين: 4/212.
(60) سورة الأعراف، الآية: [199] .
(61) تحفة الوزراء المنسوب للثعالبي، 148، ت/ حبيب علي الراوي، ود. ابتسام مرهون الصفار، بغداد: 1977م.
(62) العقد الفريد: 4/208.
(63) البيت لجرير، ديوانه: 348، بشرح الصاوي، واللسان والتاج (ربع) . مربع: لقب لرواية جرير، واسمه وعوعة بن سعيد بن قرط بن كعب بن عبد بن أبي بكر بن كلاب، وكان الفرزدق قد حلف ليقتلنه. انظر التاج، وحاشية شرح الديوان.
(64) إحكام صنعة الكلام: 164.
(65) شرح ديوانه: 4/70، ط البرقوقي. المشرفية: السيوف. القنا: الرماح. الخميس: الجيش. العرمرم: الكثير.
(66) العقد الفريد: 4/206.
(67) مجمع الأمثال للميداني: 2/442، ط محمد أبو الفضل إبراهيم، الحلبي، القاهرة.
(68) العقد الفريد: 4/210.
(69) المصدر السابق: 4/211.
(70) المصدر نفسه: 4/216.
(71) تحفة الوزراء: 146.
(72) المصدر السابق: 147، والعقد الفريد: 4/219.
(73) العقد الفريد: 4/157.
(74) خاص الخاص، للثعالبي: 269.
(75) تاريخ الأدب العربي (العصر العباسي الأول) ، لشوقي ضيف: 489.
(76) العقد الفريد: 4/205-206.
يكنك: يقيك. الهواجر، مفردها هاجرة، وهي نصف النهار عند زوال الشمس إلى العصر، ولا تكون إلا في القيظ. اللسان (هجر) .
(77) خاص الخاص:270.
(78) العقد الفريد: 4/206.
(79) الوجأ: الضرب واللكز. اللسان (وجأ) .
(80) العقد الفريد: 4/206، وخاص الخاص: 270. والتوقيع آية قرآنية: الآية: [216 من سورة الشعراء] .
(81) العيلة: الفقر.
(82) العقد الفريد: 4/206.
(83) صحابي جليل، أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام، وأحد الستة أصحاب الشورى. توفي عام:36هـ، الإصابة: 3/430 – 432.(9/473)
(84) العقد الفريد: 4/206، وهو من أمثال العرب، انظر: أمثال أبي عبيد: 54، ومجمع الأمثال: 2/422-443، واللسان (حكم) .
(85) العقد الفريد: 4/206، وفيه كتب الحسن، وخاص الخاص: 270 وفيه كتب الحسين. ومعناه: أن رأي الشيخ وحكمته وتجربته خيرٌ مما يراه الغلام ويشهده، ثم يصدر رأيه عنه.
(86) العقد الفريد: 4/206.
(87) هو مالك بن الحارث النخعي، من التابعين، وكان رئيس قومه، شاعر، شهد اليرموك، وضربه رجل على رأسه فسالت الجراحة قيحًا إلى عينه فشترتها، أي قطعتها وذهبت بها، وكان ممن ألب على عثمان، وشهد مع علي الجمل وصفين، وكان شجاعًا جوادًا، ولاه عليُّ مصر، فلما صل إلى القُلْزم شرب شربة عسل فمات بها عام: 38هـ.
وقعة صفين في مواضع كثيرة (ينظر الفهرس) ، والمؤتلف والمختلف: 31-32، ومعجم الشعراء: 362، والإصابة: 6/212-213.
(88) العقد الفريد: 4/206، وهو من أمثال العرب: انظر أمثال أبي عبيد: 51، ومجمع الأمثال: 3/313، والفاخر: 265.
ومعناه: من لك بأخ يبذل لك جميع ما يرضيك؟
(89) أبو طلحة وأبو عمر صعصعة بن صوحان العبدي، تابعي، أسلم ولم ير النبي – عليه الصلاة والسلام – من رؤساء بني عبد القيس وكبارهم، ومن أصحاب علي بن أبي طالب، قتل أخواه زيد وسبحان يوم الجمل، فأخذ بعدهما الراية، وشهد صفين مع علي أميرًا على كردوس، وكان خطيبًا مفوهًا، وأخباره كثيرة. توفي نحو عام: 60هـ. في الكوفة، وقيل في غيرها.
المعارف: 402، 624، والشعر والشعراء: 639، وسير أعلام النبلاء: 3/528 – 529، والوافي بالوفيات: 16/309، والإصابة: 3/348، 373، وفي حاشية المصادر الثلاثة الأخيرة ذكر لمصادر كثيرة لترجمته، وانظر الأعلام: 3/205.
(90) العقد الفريد: 4/206، والقول في التمثيل والمحاضرة: 29.(9/474)
(91) هو أبو ساسان الحضين بن المنذر بن الحارث الرقاشي، أحد بني عمرو بن شيبان بن ذهل، من سادات ربيعة، شاعر فارس، كان رئيس بكر بن وائل وحامل رايتهم يوم صفين، دفعها إليه علي بن أبي طالب، وهو ابن تسع عشرة سنة، وولاه علي إصطخر، وكان باقعة داهية، توفي عام 97هـ، وكانت ولادته عام 18هـ.
وقعة صفين في مواضع كثيرة (ينظر الفهرس) ، والمؤتلف والمختلف: 120 – 121، وسمط اللآلي: 816 – 817، وتهذيب التهذيب: 2/395، وخزانة البغدادي: 4/38، وتاج العروس (حضن) .
(92) العقد الفريد: 206، وخاص الخاص: 271، وفي التمثيل والمحاضرة: 30» بقية السيف أنمى عددًا، وأكثر ولدًا «وأنمى: أكثر.
(93) خاص الخاص: 271.
(94) المصدر نفسه: 271.
(95) أحد بني عمرو بن يربوع، من كبار قومه، ومن رجالات الدولة الأموية، عينه زياد بن أبيه مع آخرين على جباية الخراج لما تولى العراق، وصحب سعيد بن عثمان لما خرج إلى خراسان عام 56هـ، خطب إلى معاوية فرده، وكان محبًا للنساء، معجبًا بهنّ.
تاريخ الطبري: 3/372، 4/327، 5/226، 305، 233، والكامل في التاريخ 3/145.
(96) العقد الفريد: 4/207، وتاريخ الطبري: 5/333.
(97) من الأجواد المشهورين، قيل: لم يكن في الإسلام أسخى منه، سكن المدينة، وتوفي سنة: 80هـ. الوافي بالوفيات: 17/107- 109، وفوات الوفيات: 2/170 – 171، ومصادر ترجمته وأخباره كثيرة.
(98) العقد الفريد: 4/207، وخاص الخاص: 272.
(99) خاص الخاص: 272.
(100) العقد الفريد: 4/207.
(101) المصدر نفسه: 4/208.
(102) المصدر نفسه. أوذم: شدّ وربط.
(103) العقد الفريد: 4/208.
(104) سبق التوقيع في هذا البحث.
(105) العقد الفريد: 4/208، وهو جزء من آية، [الأنعام: 128، وهود: 49، والقصص: 83] .
(106) العقد الفريد: 4/208، وهو جزء من آية، [آل عمران: 120] .
(107) المصدر نفسه: 4/208.
(108) المصدر نفسه: 4/209.
(109) المصدر نفسه.
(110) المصدر نفسه.
(111) المصدر نفسه.(9/475)
(112) المصدر نفسه. استوصلتني: طلبت مني أن أصلكَ بمال.
(113) العقد الفريد: 4/209، وخاص الخاص: 275.
(114) العقد الفريد: 4/209.
(115) هو نصر بن سيار بن رافع الكناني. تاريخ الطبري: 7/299، له ترجمة في خزانة الأدب: 2/223 – 224، والأعلام: 8/23.
(116) المسودة: الذين يلبسون السواد، وهو شعار العباسيين، والخضرة شعار العلويين.
(117) العقد الفريد: 4/210.
(118) انظر العقد الفريد: 4/210، وخاص الخاص: 275 –276، وجمهرة رسائل العرب: 2/498 – 500.
(119) انظر العقد الفريد: 4/217- 218، وجمهرة رسائل العرب: 2/500-503.
(120) العقد الفريد: 4/217.
(121) المصدر نفسه: 4/217.
(122) المصدر نفسه: 4/218. والتوقيع جزء من آية، [التوبة: 91] .
(123) انظر: العقد الفريد 4/211-216، وخاص الخاص: 276-282.
(124) يتيمة الدهر: 3/197، وإحكام صنعة الكلام: 160- 161.
(125) يتيمة الدهر: 3/197.
(126) المصدر نفسه. والتوقيع آية قرآنية. [الطور: 15] .
(127) الخراج وصناعة الكتابة، لقدامة بن جعفر، 53-54، تحقيق: د. محمد حسين الزبيدي – دار الرشيد للنشر، بغداد: 1981.
(128) المقدمة: 681.
(129) المصدر نفسه: 681.
(130) البيان والتبيين: 1/115، والعقد الفريد: 2/272، والصناعتين: 179.
(131) التاج (وقع) .
(132) تحفة الوزراء:144، وإحكام صنعة الكلام: 161.
(133) خاص الخاص: 274.
(134) العقد الفريد: 4/212.
(135) تحفة الوزراء: 145.
(136) هو أبو غانم حميد بن عبد الحميد الطوسي، من كبار قواد المأمون، وكان جبارًا، فيه قوة وبطش وإقدام، وكان المأمون يندبه للمهمات، مدحه بعض الشعراء. توفي عام 210هـ. وفيات الأعيان: 3/351 – 354 (ترجمة العكوك) ، والنجوم الزاهرة: 2/190.
(137) خاص الخاص: 280. وهكذا وردت كنيته في المصدر.
(138) المصدر نفسه: 281.
المصادر والمراجع(9/476)
1-إحكام صنعة الكلام، أبو القاسم محمد بن عبد الغفور الكلاعي الإشبيلي الأندلسي (القرن السادس) ، تحقيق: محمد رضوان الداية، الطبعة الأولى: 1966م، دار الثقافة، بيروت.
2-أساس البلاغة، جار الله محمود بن عمر بن محمد الخوارزمي الزمخشري (467 – 538هـ) ، دار مطابع الشعب: 1960م، القاهرة.
3-الاستيعاب في معرفة الأصحاب، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر القرطبي (368 – 463هـ) ، تحقيق: علي محمد البجاوي، مكتبة نهضة مصر ومطبعتها، القاهرة.
4-أسد الغابة في معرفة الصحابة، عز الدين الأثير أبو الحسن علي بن محمد الجزري (555- 630هـ) . تحقيق: محمد إبراهيم البنا، ومحمد أحمد عاشور، ومحمود عبد الوهاب فايد، دار الشعب، القاهرة.
5- الإصابة في تمييز الصحابة، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (773 – 852هـ) ، حققه: عادل أحمد عبد الموجود، وعلي محمد معوّض، الطبعة الأولى: 1415هـ= 1995م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.
6-الأعلام (قاموس تراجم) ، خير الدين الزركلي (1310 – 1396هـ= 1893 – 1976) ، الطبعة السابعة: 1986م، دار العلم للملايين، بيروت، لبنان.
7- أعلام النساء في عالمي العرب والإسلام، عمر رضا كحالة (1323 – 1408هـ = 1905- 1987م) ، الطبعة الرابعة: 1402 = 1982م، مؤسسة الرسالة – بيروت.
8-الأغاني، أبو الفرج الأصبهاني علي بن الحسين (284 – 356هـ) ، الطبعة الثالثة: 1381 هـ= 1962م، دار الثقافة، بيروت.
9- الاقتضاب في شرح أدب الكُتَّاب، أبو محمد عبد الله بن محمد بن السِّيد البطليوسي (444 – 521هـ) . حققه: الأستاذ مصطفى السقا، والدكتور حامد عبد المجيد، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة: 1981 - 1983م.
10-الأمثال، أبو عبيد القاسم بن سلام الهروي (151 – 224هـ) ، تحقيق: عبد المجيد قطامش (000-1414هـ = 000- 1993م) ، الطبعة الأولى: 1400هـ = 1980م، جامعة الملك عبد العزيز، مكة المكرمة، طبع: دار المأمون للتراث، دمشق.(9/477)
11-أمية بن أبي الصلت (000- 8هـ) حياته وشعره، دراسة وتحقيق: د. بهجة عبد الغفور الحديثي، الطبعة الثانية: 1991م، وزارة الثقافة والإعلام، بغداد.
12-البيان والتبيين، أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب الجاحظ (150 – 255هـ) ، حققه: عبد السلام محمد هارون (1327- 1408هـ = 1909 – 1988م) ، الطبعة الثانية: 1380هـ = 1960م، مكتبة الخانجي بمصر، ومكتبة المثنى ببغداد.
13-تاريخ الأدب العربي، العصر العباسي الأول، د. شوقي ضيف، الطبعة الثامنة، دار المعارف، القاهرة.
14-تاريخ الرسل والملوك (تاريخ الطبري) ، أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (224 – 310هـ) ، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم (1322 – 1401هـ = 1905- 1981م) ، الطبعة الأولى: 1960م، دار المعارف بمصر.
15-تاريخ اللغة العربية، جورجي زيدان (1278 – 1332هـ = 1861- 1914م) ، الطبعة الأولى: 1904م، مطبعة الهلال، مصر.
16-تاريخ اليعقوبي أحمد بن أبي يعقوب إسحاق بن جعفر بن وهب بن واضح اليعقوبي الكاتب (ت بعد 292هـ) ، دار صادر، بيروت.
17-تحفة الوزراء المنسوب إلى أبي منصور عبد الملك بن محمد بن إسماعيل الثعالبي (350 – 429هـ) ، تحقيق: حبيب علي الراوي، والدكتورة ابتسام مرهون الصفار، الطبعة الأولى: 1977م، وزارة الأوقاف، بغداد، مطبعة العاني.
18-تقريب التهذيب، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (773 – 852هـ) ، تحقيق: عبد الوهاب عبد اللطيف، مصورة عن الطبعة الثانية: 1395هـ = 1975م.
19-التمثيل والمحاضرة. أبو منصور عبد الملك بن محمد بن إسماعيل الثعالبي 3500 – 429هـ) . تحقيق: عبد الفتاح محمد الحلو (1356 – 1414هـ = 1937 – 1994م) ، الطبعة الأولى: 1381هـ = 1961م، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة.
20-تهذيب التهذيب؛ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني حجر (773 – 852هـ) ، دار صادر – بيروت. نسخة مصورة من الطبعة الأولى بمطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية – حيدر آباد الدكن، الهند: 1325هـ.(9/478)
21-تهذيب اللغة، أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (272 – 370هـ) ، تحقيق: عبد السلام محمد هارون (1327 – 1408هـ = 1909 – 1988م) ، وآخرين، الطبعة الأولى: 1384هـ = 1964م، دار القومية العربية للطباعة، القاهرة.
22-جمهرة رسائل العرب، أحمد زكي صفوت، الطبعة الثانية: 1391هـ = 1971م، مصطفى البابي الحلبي – القاهرة.
23-خاص الخاص، أبو منصور عبد الملك بن محمد بن إسماعيل الثعالبي (350 – 429هـ) . حققه وعلق عليه: د. صادق النقوي، الطبعة الأولى: 1405هـ = 1984م، مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن، الهند.
24-الخراج وصناعة الكتابة، أبو الفرج قدامة بن جعفر بن قدامة بن زياد الكاتب البغدادي (000 – 337هـ) . تحقيق: د. محمد حسين الزبيدي. دار الرشيد للنشر: 1981م، بغداد.
25-خزانة الأدب، ولب لباب لسان العرب، عبد القادر بن عمر البغدادي (1030 – 1093هـ = 1620 – 1682م) ، تحقيق وشرح: عبد السلام محمد هارون (1327 –1408هـ = 1909 – 1988م) ، الطبعة الأولى: 1979 – 1986م، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ومكتبة الخانجي، القاهرة.
26-خلاصة تذهيب تهذيب الكمال في أسماء الرجال، صفي الدين أحمد بن عبد الله الخزرجي الأنصاري (900 – بعد 923هـ) ، الطبعة الثانية: 1391هـ = 1971م، مكتبة المطبوعات الإسلامية، حلب.
27-ديوان البحتري (206- 284هـ) ، تحقيق: حسن كامل الصيرفي (1326- 1404هـ = 1908- 1984م) ، دار المعارف بمصر.
28-ديوان ذي الرمة غيلان بن عُقْبة العَدَويّ (77 – 117هـ) ، حققه: د. عبد القدوس ناجي أبو صالح، الطبعة الأولى: 1392هـ = 1972م، مجمع اللغة العربية بدمش، سورية.
29-زهر الأكم في الأمثال والحكم، أبو علي نور الدين الحسن بن مسعود بن محمد اليوسي (1040 – 1102هـ) ، حققه: د. محمد حجي، ود. محمد الأخضر، الطبعة الأولى: 1401هـ = 1981م، دار الثقافة، الدار البيضاء، المغرب.(9/479)
30-سمط ( [1] ) اللآلي في شرح أمالي القالي، أبو عبيد عبد الله بن عبد العزيز بن محمد البكري الأندلسي (432 – 487هـ = 1040 – 1094م) ، تحقيق: عبد العزيز الميمني (1306- 1398هـ = 1888- 1978م) ، الطبعة الثانية: 1404هـ = 1984م) ، دار الحديث للطباعة والنشر والتوزيع – بيروت.
31-سير أعلام النبلاء، شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (673 – 748هـ) ، تحقيق: مجموعة من المحققين، الطبعة الأولى: 1401هـ = 1981م، مؤسسة الرسالة، بيروت.
32-شذرات الذهب في أخبار من ذهب، أبو الفلاح عبد الحي بن العماد الحنبلي الدمشقي (1032 – 1089) ، الطبعة الثانية: 1399هـ = 1979م، دار المسيرة، بيروت، نسخة مصورة عن نشرة مكتبة القدسي، عام: 1350هـ.
33-شرح ديوان جرير (33- 116هـ) ، محمد إسماعيل عبد الله الصاوي، دار الأندلسي للطباعة والنشر، بيروت.
34-شرح ديوان لبيد بن ربيعة العامري (000- 41هـ) ، حققه: د. إحسان عباس، الطبعة الثانية: 1984م، وزارة الإعلام، الكويت.
35-شرح ديوان المتنبي (303 – 354هـ) ، وضعه: عبد الرحمن البرقوقي (1293 – 1363هـ = 1876 – 1944م) ، مطبعة السعادة، القاهرة.
36-شرح المضنون به على غير أهله، عبيد الله بن عبد الكافي العبدي (القرن السابع والقرن الثامن) ، مكتبة دار البيان ببغداد، ودار صعب ببيروت.
37-الشعر والشعراء، أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة (213 – 276هـ) ، تحقيق: أحمد محمد شاكر (1309 – 1377هـ = 1892 – 1958م) ، الطبعة الثانية: 1966 – 1967، دار المعارف بمصر.
38-الصاحبي، أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا (000 – 395هـ) ، تحقيق: السيد أحمد صقر: القاهرة 1977م، عيسى البابي الحلبي.
39-صبح الأعشى في صناعة الإنشا، أبو العباس أحمد بن علي القَلْقَشندي (756هـ – 821هـ) ، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر (الهيئة المصرية العامة للكتاب) ، نسخة مصورة عن الطبعة الأميرية.(9/480)
40- الطبقات، شباب العصفري: أبو عمرو خليفة بن خياط (160 – 240هـ) ، حققه: أكرم ضياء العمري، الطبعة الأولى: 1387هـ = 1967م، مطبعة العاني، بغداد.
41-الطبقات الكبرى، أبو عبد الله محمد بن سعد بن منيع الزهري (168 – 230هـ) كاتب الواقدي (130 – 207هـ) ، دار صادر ودار بيروت: 1380هـ = 1960م، بيروت.
42-العبر في خبر مَنْ غبر، شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (673 – 748هـ) ، تحقيق: صلاح الدين المنجد، وفؤاد السيد (1334 – 1387هـ = 1916 – 1967م) ، ورشاد عبد المطلب (1335 – 1394هـ = 1917 – 1975م) ، الطبعة الثانية: 1984م، وزارة الإعلام، الكويت، مطبعة حكومة الكويت.
43-العقد الفريد، أبو عمر أحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسي (246 – 327هـ) ، حققه: أحمد أمين 1295 – 1373هـ = 1878 – 1954م) ، وأحمد الزين (1318 – 1366هـ = 1900 – 1947م) ، وإبراهيم الأبياري (1320 – 1414هـ = 1902 – 1994م) ، وعبد السلام محمد هارون (1327 – 1408هـ = 1909 – 1988م) ، الطبعة الثالثة: 1384هـ = 1965م، لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة.
44-عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير، ابن سيد الناس أبو الفتح محمد ابن محمد بن محمد الأندلسي الإشبيلي المصري (671- 734هـ) ، مكتبة القدسي: 1356هـ، القاهرة.
45-عيون الأخبار، أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة (213 – 276هـ) ، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر، القاهرة، نسخة مصورة عن طبعة دار الكتب المصرية.
46-الفاخر، أبو طالب المفضل بن سلمة بن عاصم (000 – نحو 291هـ) ، تحقيق: عبد العليم الطحاوي، الطبعة الأولى: 1380هـ = 1960م، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة.
47-فتوح البلدان، أبو الحسن أحمد بن يحيى البلاذري (000 – 279هـ) ، راجعه وعلق عليه: رضوان محمد رضوان، مطبعة السعادة: 1959م، مصر.(9/481)
48-الفهرست، أبو الفرج محمد بن إسحاق بن محمد النديم البغدادي (000 – 438هـ) ، تحقيق: رضا تجدد، كراجي، باكستان.
49-فوات الوفيات والذيل عليها، محمد بن شاكر الكتبي (000- 764هـ) ، تحقيق: د. إحسان عباس، الطبعة الأولى: 1973م، دار الثقافة، بيروت.
50-الكامل في التاريخ، ابن الأثير عز الدين علي بن محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري (555 – 630هـ) ، الطبعة الأولى: 1385هـ = 1965م، دار صادر، ودار بيروت، بيروت.
51-كتاب الآداب، أبو الفضل جعفر بن محمد أبي عبد الله شمس الخلافة (543- 622هـ) ، حققه: عبد الرحمن بن ناصر السعيد، رسالة ماجستير مقدمة إلى قسم الأدب في كلية اللغة العربية بجامعة الإمام محمد ابن سعود الإسلامية عام: 1421هـ.
52-كتاب الصناعتين: الكتابة والشعر، أبو هلال الحسن بن عبد الله بن سهل العسكري (000 – نحو 400هـ) ، تحقيق: علي محمد البجاوي، ومحمد أبو الفضل إبراهيم (1322 – 1401هـ = 1905 – 1981م) ، عيسى البابي الحلبي، القاهرة.
53-لطائف اللطف، أبو منصور عبد الملك بن محمد النيسابوري الثعالبي (350 – 429هـ) ، تحقيق: د. عمر الأسعد، الطبعة الثانية: 1407هـ = 1987م، دار المسيرة، بيروت.
54-مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق، الجزء الثاني، المجلد: 61، رجب: 1406هـ، نيسان (أبريل) : 1986م.
55-مجمع الأمثال، أبو الفضل أحمد بن محمد الميداني النيسابوري (000- 518هـ) ، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم (1322 – 1401هـ = 1905 – 1981م) ، الطبعة الأولى: 1978 – 1979م، عيسى البابي الحلبي، القاهرة.
56-مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة، جمعها: الدكتور محمد حميد الله، الطبعة الثالثة: 1389هـ = 1969م، دار الإرشاد للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان.(9/482)
57-المحبر، أبو جعفر محمد بن حبيب بن أمية بن عمر الهاشمي البغدادي (000 – 245هـ) تحقيق: د. إيلزه ليحتن شتيتر. الطبعة الأولى: 1361هـ = 1942م، جمعية دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد الدكن، الهند.
58-مروج الذهب ومعادن الجوهر، أبو الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي (000 – 346هـ) ، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد (1318 – 1393هـ = 1900 – 1973م) ، الطبعة الرابعة: 1384هـ = 1964م، مطبعة السعادة بمصر.
59-المستطرف في كل فن مستظرف، شهاب الدين محمد بن أحمد الأيشيهي المحلي (790 – 850هـ) ، القاهرة: 1371هـ = 1952م، مصطفى البابي الحلبي.
60-مصادر الشعر الجاهلي وقيمتها التاريخية، الدكتور ناصر الدين الأسد، الطبعة الرابعة: 1969م، دار المعارف بمصر.
61-المعارف، أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة (213 – 276هـ) ، تحقيق: د. ثروت عكاشة، الطبعة الثانية. 1969م، دار المعارف بمصر، القاهرة.
62-معجم البلدان، شهاب الدين ياقوت بن عبد الله الحموي الرومي البغدادي (574 – 626هـ) ، الطبعة الأولى: 1376هـ = 1957م، دار صادر، ودار بيروت، بيروت.
63-معجم الشعراء، محمد بن عمران بن موسى المرزباني البغدادي (296 – 384هـ) . تحقيق: سالم الكرنكوي (فريتس كرنكو) (1872 – 1953م) . مكتبة القدسي: 1354هـ، القاهرة.
64-معجم مقاييس اللغة، أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا (000- 395هـ) ، تحقيق: عبد السلام محمد هارون (1327 – 1408هـ = 1909 – 1988م) ، الطبعة الثانية: 1389هـ = 1969م، مكتبة ومطبعة مصطفى الحلبي، القاهرة.
65-مقدمة ابن خلدون (732 – 808هـ) ، تحقيق: د. علي عبد الواحد وافي (1319 – 1412هـ = 1901 – 1992م) ، الطبعة الثانية: 1981، دار نهضة مصر، القاهرة.
66-المؤتلف والمختلف، أبو القاسم الحسن بن بشر الآمدي (000- 370هـ) ، تحقيق: أحمد عبد الستار فراج (1335 – 1401هـ = 1916 – 1981) ، الطبعة الأولى: 1381هـ = 1961م، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة.(9/483)
67-نثر الدرّ، أبو سعد منصور بن الحسين الآبي (000- 421هـ) ، تحقيق: عدد من المحققين، الطبعة الأولى: 1981 – 1990م، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة.
68-النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، أبو المحاسن يوسف بن تغري بردي (813 – 874هـ) ، نسخة مصورة عن طبعة دار الكتب المصرية، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر، القاهرة.
69-الوافي بالوفيات، صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي (696 – 764هـ) . تحقيق: مجموعة من المحققين. 1399هـ – 1408هـ = 1979 – 1988م. فيسبادن – شتوتغارت – ألمانيا.
70-الوزراء والكتاب، أبو عبد الله محمد بن عبدوس الجهشياري (000 – 331هـ) . تحقيق: عبد الله إسماعيل الصاوي، الطبعة الأولى: 1357هـ = 1938م، مطبعة أحمد حنفي بمصر.
71-الوزراء والكتاب، أبو عبد الله محمد بن عبدوس الجهشياري (000- 331هـ) ، حققه: مصطفى السقا، وإبراهيم الأبياري، وعبد الحفيظ شلبي، الطبعة الثانية: 1401هـ = 1980م، شركة مصطفى الحلبي، القاهرة.
72-وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، أبو العباس أحمد بن محمد بن خلكان (608 – 681هـ) ، تحقيق: د. إحسان عباس، الطبعة الأولى: 1397هـ = 1977م) ، دار صادر، بيروت، لبنان.
73-وقعة صفين، نصر بن مزاحم المنقري (000 – 212هـ) حققه: عبد السلام محمد هارون (1327 – 1408هـ = 1927 – 1988م) ، الطبعة الثالثة: 1401هـ = 1981م، مكتبة الخانجي، القاهرة.
74-يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر، أبو منصور عبد الملك بن محمد بن إسماعيل الثعالبي (350- 429هـ) ، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد (1318- 1393هـ = 1900- 1973م) ، الطبعة الثانية: 1392هـ= 1973م، نسخة مصورة، دار الفكر، بيروت.
---(9/484)
العقل المستعار
بحث في إشكالية المنهج
في النقد الأدبي العربي الحديث
المنهج النفسي أنموذجاً
د. صالح بن سعيد الزهراني
الأستاذ المشارك في كلية اللغة العربية - جامعة أم القرى
ملخص البحث
تهدف هذه الورقة إلى البحث في قضية المثاقفة بين الثقافة العربية والثقافة الغربيّة المعاصرة وذلك من خلال التركيز على الثاقفة النقدية، واتخاذ المنهج النفسي أنموذجاً لهذه الثقافة.
وتعرض للمهاد الفلسفي والمعرفي الذي تأسس عليه المنهج النفسي في نقد الأدب وتؤكد أنه منهج له سياقه الثقافي الخاص به، وتكشف عن محاسن هذا المنهج وعيوبه التصورية والإجرائية، كما تكشف عن أن المنهج النقدي بوصفه البستمولوجيا لا يمكن فصله عن فلسفته التي نشأ في ظلالها.
وترى أن المثاقفة الحقيقية يجب أن تكون مثاقفة راشدة تبحث عن الحكمة وتستلهمها ولا تستنسخها كيفما اتفق.
الثقافة العربية والمثاقفة
“ المثاقفة ” بين الأمم، ضرورة تفرضها الرغبة في التأثير والتأثر بحثاً عن الحكمة، واسترشاداً بالرؤى النيرة، والأفكار الخلاّقة من أجل تشييد بنية ثقافية متماسكة، وواعية بذاتها، وعارفة ما لدى الآخرين من منجزات وأفكار يمكن توظيفها، أو رفع المناعة ضدها، لما لها من أثر في سلب الهويّة، وطمس معالم الخصوصيّة.
وبمقتضى الطبيعة البشرية المبنية على النقص، وعلى حبّ البحث عن الجديد، ومعرفة الآخر قامت الثقافات البشرية على “ المثاقفة ” فأثرت وتأثرت، واختلفت درجات ذلك التأثير والتأثر باختلاف الرصيد الحضاري، والشعور بقيمة الذات والحفاظ عليها، فذابت ثقافات في نسيج ثقافات غالبة، وفقدت هويتها، كما حدث مع غالب ثقافات العالم الثالث، ونجحت ثقافات أخرى في المثاقفة، عندما قامت على أسس محكمة، كما تحقق للثقافة اليابانية، والثقافة الكونفوشوسيّة في الصين عندما تثاقفت مع “ ثقافة الغرب ”.(9/485)
وهذه الورقة معنيّة بالبحث في “ المثاقفة ” بين الثقافة العربيّة والثقافة الغربيّة مع التركيز على المثاقفة النقديّة عبر تحوّلاتها العديدة وتقديم “ المنهج النفسي ” في النقد الأدبي أنموذجاً لهذه المثاقفة.
وقد عرضت الورقة لماهية الثقافة، وأبرزت حرص ديننا الإسلامي على البحث عن الحكمة، ودعوته للمثاقفة الراشدة. وعرّفت المثاقفة، مع سرد موجز لتاريخ المثاقفة في الثقافة العربيّة، مع الثقافات الأخرى ابتداءً بحركة الترجمة على يدي خالد بن يزيد بن معاوية في القرن الهجري الأول، ومروراً بمرحلة الازدهار على يدي الخليفة العباسي المأمون بن هارون الرشيد. ثمّ بما حدّث بعد ذلك في حالات الشقاق السياسي والدويلات المتناحرة في القرن الرابع، وأوضحت طبيعة تلك المثاقفة، وما تركته من آثار في تراثنا الثقافي.
وكشفت عمّا آل إليه المشهد الثقافي في “ مثاقفتنا الجديدة ” مع الغرب عقب دخول الحملة الفرنسيّة إلى مصر عام 1798 م، وكيف انقسم الواقع الثقافي إلى فئتين متنابذتين؟ ، وكيف غذّى الوسط الاجتماعي هذا الانقسام، وساعد على نشوء كثير من تشوهاته؟ .
وحين عرضت “ للمثاقفة ” النقديّة المعاصرة مع الغرب منذ منتصف القرن العشرين الميلادي، باعتبارها شريحة تكشف طبيعة مثاقفتنا مع الغرب كشفت على وجه الإجمال عن تحوّلات المناهج النقدية ابتداءً بمناهج الحتمية العلميّة، وانتهاء بمناهج النقد النسائي والنقد الثقافي، وأبرزت تحيّز هذه المناهج إلى سياقها الفكري والتاريخي، وما حدث من اضطراب وخلط في تطبيق تلك المناهج على أدب مغاير له سياقه الفكري والتاريخي المغاير، مع الإشارة إلى ما حققته تلك المناهج من كشوفات في تفتيق النّص وإن أساءت إلى روح الثقافة العربيّة، ورصيدها الحضاري، بحسب تعبير بعض النقّاد(9/486)
وكان “ المنهج النفسي ” هو المنهج الذي استوقف هذه الورقة حتى تكون الرؤية أكثر علميّة، وإنصافاً، فوقفت على نشأة علم النفس وأوضحت تحوّلاته، ومدارسه المتعدّدة، التي كانت ثمرة من ثمار تحوّلات الحمولات الفكرية والاجتماعية في الغرب، وهي تحولات زعم كثير من النقاد العرب، أنها لا تؤثر في المناهج النقدية، فهم يتعاملون مع هذه المناهج التقديّة بوصفها أداة إبستمولوجيه، لا بوصفها مذهباً فلسفياً، وكأنه يمكن نزع المنهج من سياقه الثقافي، والتعامل مع مفاهيمه وأدواته الإجرائية بمعزلٍ عن خصوصيّة السياق وحمولات الفكر والتاريخ.
وقد أثبتت هذه الورقة أن مقولة فصل الأداة الإبستمولوجية عن سياقها الفكري والتاريخي مقولة خاطئة، فكثير من حمولات ذلك السياق كانت حاضرة في الممارسة الإجرائية، وما كان للمفاهيم أن تتجه تلك الوجهة لولا أن السياق الثقافي كان الموجه الرئيس لها.
ماهيّة الثقافة:
الثقافة في الفكر العربي ( [1] ) تعني التقويم والتهذيب، من ثقفت الرمح إذا هذّبته وقوّمته، ويراد بها الحذق والفطنة، وترد بمعنى التمكن والغلبة كما في قوله تعالى: س إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ش ( [2] ) .
أمّا في الفكر الغربي فدلالتها مرتبطة بزراعة الأرض، ثم استخدمت
مجازاً في تعريف الفلسفة حيث عرفها شيشرون بأنها زراعة العقل (Mentis Culture) وفي عصر النهضة أصبحت الكلمة تطلق على الدراسات المتعلقة بالتربية والإبداع ( [3] ) .(9/487)
وقد تعددت تعريفات الثقافة حتى أصبحت تقارب مائتي تعريف تقريباً، وقد أقرّت منظمة اليونسكو في مؤتمرها الذي عقدته للثقافة في المكسيك عام 1982 م التعريف الآتي: ((إن الثقافة بمعناها الواسع يمكن أن ينظر إليها اليوم على أنها جميع السمات الروحيّة والمادية والفكرية والعاطفية التي تميّز مجتمعاً بعينه، أو فئة اجتماعية بعينها، وهي تشمل الفنون، والآداب، وطرائق الحياة، كما تشمل الحقوق الأساسيّة للإنسان، ونظم القيم، والتقاليد، والمعتقدات)) ( [4] ) .
وكثرة تعريفات الثقافة زادت المفهوم تعقيداً، حتى اختلط بمفاهيم أخرى كالحضارة، والمدنية، والتقدّم، ومع هذا فيمكن إجمال تلك المفاهيم المتعددة للثقافة في معنيين اثنين:
1 - المعنى الأنثربولوجي الذي بمقتضاه تصبح كلُّ فعاليّة إنسانية ونشاط ذهني أو مادي “ ثقافة ” سواءً كان تراكم خبرات، أو صنع أدوات، أو ممارسة تصوّرات فهي بهذا المفهوم الإنسان فاعلاً ومنفعلاً.
2 - السمات المميزة لأمة من الأمم في المعارف والقيم وطرائق الإبداع الجمالي والتقني وطرز الحياة ونمط التفكير والسلوك والتعبير، والتطلعات للمثل العليا ( [5] ) .
وأمّا المثاقفة فيعرفها ميلقن هرسكر فيتز، ورالف لنتون، وروبرت ردفيلد بأنها: ((التغيير الثقافي في تلك الظواهر التي تنشأ حين تدخل جماعات من الأفراد الذين ينتمون إلى ثقافتين مختلفتين في اتصال مباشر، ممّا يترتب عليه حدوث تغييرات في الأنماط الثقافية الأصلية السائدة في إحدى الجماعتين أو فيهما معاً)) ( [6] ) .(9/488)
ممّا سبق يتضح لنا أن الثقافة هي السمة المميّزة لأي أمة من الأمم روحياً ومادياً، وفكراً وإبداعاً (وفي إطار من هذا التصوّر نعرض للثقافة العربيّة بوصفها سمة مميّزة للأمة الإسلامية عن غيرها من أمم الأرض في التصور والممارسة) ، ونقف على المثاقفة بوصفها رافداً ثقافياً تسعى كل أمة من خلاله لتنمية كيانها الثقافي، واستثمار ما لدى الآخرين من الحِكمَ التي كانت نِتاج عبقرية مُلهَمَة، وعملٍ دؤوب، وستكون المثاقفة النقديّة نموذجاً نكشف من خلاله عن الوعي الثقافي بالآخر تكافؤاً واختلافاً.
القرآن الكريم وهو يعرض لنا تجارب الأمم السابقة وتصوّراتها يؤسس لنا منهجاً في الوعي بالآخر، ويحدّد لنا سبيلاً إلى المثاقفة. فالبشرية واحدة، والعالم الذي تتدافع فيه عالم واحد، والربّ الذي تتجه إليه بمشاعرها وسلوكياتها واحد لا شريك له.
وهذا الانفتاح على تلك الثقافات يؤكد أن الثقافة البشريّة واحدة، وأن استيعابَ تلك الثقافات ونقدها هو أساسُ بناءِ الكيان الثقافي الخاص.
فالبنية الثقافية بنية ممتدّة في أعماق الزّمان، تضيف إليها الأمم إضافات متباينة في كمها وكيفها، ولهذا لم تدّعِ أمةٌ من الأمم أنها مكتفيةٌ ذاتياً بما لديها، وأنها طفرة عبقريّة مفاجئة، لم تقل ذلك الحضارة اليونانية والرّومانية، ولا الحضارة العربيّة الإسلاميّة، ولا الحضارة الغربيّة ( [7] ) .
من هنا كانت المثاقفة ضرورة وجود، وإمكانية تواؤم. والمثاقفة الراشدة هي التي تقوم على أسس متينة وتوظف ((جملة من النماذج المعرفية والمناهج الحكميّة والموازين الدقيقة للفصل بين المطلق والنسبي والمشترك والخاص، والمؤقت والدائم من ذلك التراث وبذلك استوعب المطلق والمشترك الإنساني والدائم المستمر، وتجاوز النسبي والخاص والمؤقت)) ( [8] ) .(9/489)
وحين نتأمل حركة التاريخ نجد أن الحضارة العربيّة الإسلاميّة بوعي من دستورها الإلهي قدرت الثقافات الأخرى. فلم تقف معزولة عنها، وإنما تثاقفت معها فتأثرت بها وأثرَّت فيها.
وتكاد تجمع المصادر العربيّة على أن خالد بن يزيد بن معاوية 85 هـ كان أول من بدأ حركة الترجمة إلى العربيّة للعلوم الهرمسيّة ( [9] ) .
ثم تعزّزت حركة الترجمة على يدي المأمون الذي شجع حركة الترجمة وأغدق عليها، إمّا لأنه كان مُحبّاً للفلسفة اليونانية، وإما لاستراتيجيّة سياسيّة يقاوم بها المأمون الغنوصَ المانوي والعرفان الشيعي المصدر المعرفي الذي تنفرد به الحركات المعارضة للعباسيين ( [10] ) .
غاية الأمر أن شيوع الفكر الهرمسي والاشتغال بالفلسفة اليونانية أحدثا هزّة للعقل العربي تمثلت في الولع بالنظر التجريدي والتأملات العقلية والقياس المنطقي وإهمال المنهج التجريبي الذي التقطه الغرب فبدأ به ثورته العلمية الحديثة ( [11] ) واتجاه كثير من المفكرين إلى الجدل العقائدي أولاً عند بني أميّة في “ الجبر ” والاختيار ثم إلى الجدل الفلسفي، وبلغ هذا الجدل في القرن الثالث الهجري على أيدي المعتزلة مرحلة النضج حيث اتسم منهجهم ((بظاهرة الإمعان في استقصاء الفكرة الواحدة، وتقليبها من جميع وجوهها والتغلغل فيها إلى أقصى إمكانياتها، وشق أبعاد جديدة لها، واكتشاف ما يمكن أن تنطوي عليه من عناصر عقلية ومواد فكرية تساعدهم على صياغة وجهة نظرهم في الله والكون والحياة والمصير …)) ( [12] ) .
ومع هذا جمع العرب بين الفلسفة والعلم، والتأمل والتجربة، وأضافوا للعلم إضافات مهمة قائمة على الاستقراء والملاحظة ونقد المنطق الصوري الأرسطي، الذي يغلب عليه التجريد ومجافاة المحسوسات، كما نجد ذلك في كشوفات الجغرافيين وعلماء الطب والطبيعة، وما نقف عليه في مباحث ابن خلدون في علم التاريخ وعلم العمران ( [13] ) .(9/490)
لقد أثرت هذه المثاقفة على الفكر العربي تأثيراً واضحاً لكنّ الغلبة كانت للثقافة العربيّة لأنها ثقافة غالبة وليست مغلوبة.
وفي أشدّ حالات الشقاق السياسي والدويلات المتناحرة في القرن الرابع الهجري، ونجاح الحملات الصليبية على الشام، ونجاح المغول في تدمير بغداد والشام بعد ذلك لم ينبهر العرب بالغزاة، لأن حضارة المغزو أعظم من حضارة الغازي، فكانت الهزيمة للجسد وليست للروح ( [14] ) وللجغرافيا وليست للتاريخ، وكانت الثقافة العربيّة تعيش ازدهاراً لا مثيل له، واستطاعت تجاوز المحنة، وكان كثيرٌ من عباقرة الثقافة العربيّة نتاجاً لتلك الحقبة وما تلاها أمثال المتنبي والمعري والفارابي وابن سينا وابن حزم وابن طفيل وابن رشد وعبد القاهر وابن جني وابن خلدون وغيرهم ( [15] ) .
لقد وُجدت آثار الثقافات الأخرى في تراثنا الفكري، ولكنها آثارٌ ذائبة في النسيج الثقافي، فهي أشبه ما تكون بالجداول الرقراقة التي تصب في نهر عظيم.
أما الذي حصل مع بداية القرن التاسع عشر الميلادي عقب دخول الحملة الفرنسية إلى مصر عام 1798 م فقد كان مختلفاً حيث حدث شرخ ثقافي هائل في الثقافة العربية وانقسم الناس إلى قسمين ((القسم الأول الذي أوجعته الهزيمة الجسدية فركز جهوده على تقوية الجسد العسكري الاقتصادي كيف؟ بالتوحد بالخصم الغالب، يأخذ سلاحه منه، بتقليده والأخذ عنه، بتحديث مجتمعنا على شاكلته ... بدأ الأخذ المنبهر بالتكنلوجيا (ق 19) وانتهى بمفاهيم العلم
(ق 20) .
أما القسم الثاني: الأخفتُ صوتاً والأبعدُ عن النفوذ فكان القسم الذي أوجعته الهزيمة الروحية. فركز جهوده على بعث الروح والإحساس بالقيمة الذاتية. انعزل عن الخصم الغالب وخاصمه، وعكف على تراث السلف الصالح يحاول العثور على منابع القوة فيه)) ( [16] ) .(9/491)
الانشقاق الثقافي وانكسار الروح والجسد ولد فئتين متصارعتين فئة منكفئة على ذاتها، وفئة مرتمية في أحضان الآخر، وكانت هذه الفئة هي الريح الهوجاء التي عصفت بالأمة وذلك من خلال المشروع الذي رسمه محمد علي باشا وذلك بإرسال البعثات العلمية إلى فرنسا عام 1826 م، وكان الشيخ حسن العطار وتلميذه رفاعة الطهطاوي من ضمن أفراد هذه البعثة، ونلحظ الانبهار بحضارة الغرب وثقافته في كتابي الطهطاوي “ تخليص الإبريز في تلخيص باريز ” و “ مناهج الألباب المصرية في مباهج الآداب العصرية ” ( [17] ) ، وتم بناء المعاهد ومصانع السلاح على النمط الغربي ( [18] ) .
فحصل الفصام الثقافي والانبهار بمنجزات الغرب في حداثته وتحديثه. وكان المبتعثون العرب كما عبّر المفكر مالك بن نبي يعيشون إمّا في “ مزابل الغرب ” وإمّا في “ مقابره ” ( [19] ) ، وهكذا عاشت الثقافة العربية بين فكرتين “ ميتة ” و “ مميتة ” ( [20] ) .
عاد المثقفون العرب يقدمون لنا الثقافة الغربية نموذجاً مثالياً يجب أن يحتذى، كما رأينا عند رفاعة الطهطاوي وأحمد لطفي السيد، وسلامة موسى، وطه حسين، ومحمود عزمي، وعلي عبد الرازق، ومنصور فهمي، وشبلي شميل، وفرح أنطون، وإلياس أبي شبكة. وقد ارتبط “ التغريب ” لدى هؤلاء المفكرين بالعداء لكل انتماء عربي وإسلامي وشرقي تاريخي أو ديني أو أدبي، والولاء للقومية المصرية أو الفرعونية أو ثقافة الأبيض المتوسط، وكان العداء للفصحى، ومعركة القديم والجديد، وفصل الدين عن الدولة بعض أقنعة التغريب المتعددة ( [21] ) .
فالتقدم عند هؤلاء على اختلاف مجالات طروحاتهم مرهون باستنساخ الثقافة الغربية والتماهي معها، وكانت النتيجة من هذه التبعية المقيتة والمثاقفة الذليلة اتساع الهوة الفاصلة بيننا وبين الغرب بدلاً من تجسير الفجوات وبناء القناطر.(9/492)
وممّا عزّز هذا الانسلاخ وهذه المثاقفة غير المتكافئة كون القرنين الرابع عشر والخامس عشر الهجريين مهادَ ركودٍ حضاري وهزائم عسكرية مما أشعل فتيل الإحساس بالدونية والغبن الحضاري، وانطفاء الإحساس بالكرامة وقيم الانتماء، فضعفت المباديء في النفوس، وتحطمت الإرادة.
هذا الفراغ الحضاري في العالم الإسلامي الذي تقابله كتلة حضارية هائلة في الغرب أحدث خللاً في التوازن الاستراتيجي بين الثقافتين العربية الإسلامية والثقافة الغربية المسيحية، فعمدت الحضارة الغربية إلى تصدير ثقافتها عبر ترسانة إعلاميّة هائلة تضخ قيماً ثقافية تكرّس الاستعلاء والغَلَبة وتمارس إرهاباً فكرياً، وغسيلاً عقلياً منظماً يزلزل القيم، ويتلاعب بالعقول ابتداءً من دعايات الكوكاكولا، وانتهاءً بأفلام سلفستر ستالون، وبطولات الهكرز، ودراسات المستقبل ( [22] ) .
هذا الركود الحضاري وتلك الهزائم المتتالية كانا مناخاً مناسباً لنشوء أورام سرطانية ثارت على نظام الجسد الاجتماعي وبدأت تفتك بخلاياه ونسيجه الداخلي، فاستحالت الثقافة العربية إلى ساحة حرب أهليّة، وسجال مغالط، عطل قدراتها، وأفقدها القدرة على الاستبصار، وجرّها إلى صناعة ثنائيات متضادّة كالأصالة والمعاصرة، والتراث والحداثة، والرجعيّة والتقدميّة، والعقلانية والعرفانية، والذكورة والأنوثة وما إلى ذلك ( [23] ) .
وتحوّل المجتمع الثقافي إلى طوائف متنافية ينكر بعضها بعضاً. واشتغل المثقفون بالتجريح والاتهامات وتصيّد العثرات، والتنابز بتهم العمالة والزندقة، والتخلف والخنوع حتى أصبحت الثقافة العربيّة ثقافة شتائمية قوامها التنافي، وليس التنامي والتكامل ( [24] ) .(9/493)
وهذا الانشقاق الثقافي الذي ولّدته المثاقفة مع الغرب لا يدّل على خطورة المثاقفة من حيث هي بحث عن المعرفة بقدر ما يدل على ضعف المؤسسات الثقافية في العالم العربي فالارتماء في أحضان الآخر، والانكفاء على الذات وجهان لقصور في الوسائل والغايات لدى أجهزة بناء المعرفة. الذين نادوا بالتغريب لم يجدوا في مناهج التعليم لديهم ما يحقق الرضا الثقافي ويبني الحصانة الذاتية ضد التلاشي والاستلاب، والذين آثروا التقوقع وغمرهم طوفان الانطفاء والتبلّد لم يجدوا في ما تلقوا من معارف منهجاً رشيداً يتجافى الرتابة والتكرار ويزرع الشغف بالمعرفة والبحث عن الحكمة الضالة، فكان القصور الذاتي سمة لكلا الفريقين. ((عجز عن اكتشاف الذات)) و ((خوف من الآخر)) .
الثقافة العربيّة المعاصرة “ ثقافة استنساخ ” للآخر أو للذات، والخروج من حال النسخ إلى حال الابتكار يحتاج إلى محاضن خاصة، ووسط اجتماعي حيّ، وهذا ما عجز عن تحقيقه العرب، ونجح في إيجاده اليابانيون لقد كانت ((الانطلاقة الحديثة للمجتمع الإسلامي معاصرة لانطلاقة أخرى في اليابان. فالمجتمعان قد تتلمذا سوية حوالي عام (1860) في مدرسة الحضارة الغربيّة.
واليوم هاهي اليابان القوة الاقتصادية الثالثة في العالم (فالأفكار المميتة) في الغرب لم تصرفها عن طريقها. فقد بقيت وفيّة لثقافتها، لتقاليدها، لماضيها ...
بينما المجتمع الإسلامي وبالرغم من الجهود الحميدة التي خصه بها التاريخ تحت اسم النهضة فإنه بعد قرن من الزمان ليس غير مجتمع ذي نموذج متخلف.
والواضح في النتيجة أن المشكلة التي تطرح نفسها لا تتعلق بطبيعة الثقافة الغربية، بل بالطبيعة الخاصة بعلاقتنا بها)) ( [25] ) .(9/494)
إن الأزمات والمحن هي “ المحفزات ” التي تنشط خلايا الثقافة، وتجدد دماءها كما حصل في تاريخ الأمة في القرن الرابع الهجري، وكما حدث بعد سقوط دولة الخلافة، وتداعي القوى الكبرى حيث هبّ دعاة الإصلاح الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الجزيرة العربيّة، والشوكاني في اليمن، والأفغاني ومحمد عبده في مصر، وعبد الحميد بن باديس في الجزائر، والكواكبي في بلاد الشام ( [26] ) .
والثقافة العربية في أزماتها الماحقة منذ 1967 م كانت حالة نشاز، كانت شذوذاً عن القانون الحضاري، حيث لم ترتفع حمى المرض في جسد الأمة، فكانت قوى المناعة تغط في سبات عميق، مع أن العالم العربي يتثاقف مع الغرب، ويستهلك كل أدوات تحديثه ( [27] ) .
بين “ الارتماء ” و “ الانكفاء ” أين تكمن المثاقفة الراشدة، وما السبيل إلى تحقيقها؟!
“ المرتمون ” و “ المنكفئون ” كُلٌّ يدعي الأصالة، والانتماء. وكُلٌّ يرى في الآخر وجهاً من وجوه التخلف والانهزاميّة، وسبباً من أسباب تعثر الأمة في شهودها الثقافي الخلاق.
“ المرتمون ” لا يُقرون باستلابهم الثقافي وغربتهم الفكرية، و“ المنكفئون ” لا يعترفون بعجزهم وخوفهم من الجهاز المعرفي عند الغرب، فالأزمة تكمن في القدرة لدى الفريقين على اكتشاف الذات ونقدها، هناك استسلام مفعم بالطمأنينة في المعتقد والمنهج والمعرفة، وليس هناك رغبة في الاعتراف بالقصور الذاتي والنقص ((هذه الغبطة هي العائق عن اكتشاف الفرد لذاته لأنه لم يدرك أنه يعيش استلاباً كاملاً، فهو يتوهم أنه تام التفرد.. لذلك يندر في الناس من يخترق هذا العائق؛ لأنه أصلاً لا يعلم بوجوده فلا يحاول اكتشافه فضلاً عن اختراقه)) ( [28] ) .(9/495)
إننا نؤمن إيماناً لا يداخله شك، أن الغرب يعلن لنا العداء، ويرى في الثقافة العربية الإسلامية خطراً ينعته الساسة والمفكرون الغربيون “ بالخطر الأخضر ” ولهذا يمارس الغرب بمراكز دراساته الاستراتيجية، وترساناته الإعلامية ضغطاً هائلاً على مراكز الحس في الثقافة العربيّة الإسلاميّة، ويسعى جاهداً لتفكيك بنيتها، والتشكيك في مرجعيتها، ويمجد هتك نسيجها الداخلي، ويلتف حول الخارجين على قيمها الثابتة. كما حدث مع طه حسين، وسلمان رشدي، ونصر أبو زيد، وفاطمة المرنيسي، ومحمد شكري، وأدونيس، ومحمد أركون، ويمارس قمعاً ثقافياً لمن يشب عن الطوق كما حدث مع محمد إقبال، وعبد الوهاب المسيري، وجارودي*.
وليست مؤسسة فرانكلين، والمنظمة العالمية لحرية الثقافة، وأندية الروتاري ورابطة مقاومة الهتلرية، ومجلة الكاتب المصري وحوار وشعر إلاّ نماذج لمسخ الثقافة العربيّة، واستقطاب مبدعيها إلى جبهاتها.
ونؤمن إيماناً تاماً أن الثقافة العربيّة تملك تصوّراً كونيّاً شاملاً للوجود من خلال مرجعيّة قطعية الثبوت هي القرآن الكريم والسنة النبوية، وأن الخيرية التي كنا بسببها أعظم الأمم، والأمانة التي حملناها، والاستخلاف الذي ينتظرنا لا ترضى جميعاً لنا هذا السبات الثقافي، وهذه الغيبوبة الفكريّة، ونؤمن كذلك أننا نعيش حالة انقراضٍ ثقافي يحتاج إلى تدخل عاجل ومراجعة دؤوبة ونقد ذاتي لا يتوقف ونؤمن أن الغرب حقق من خلال مثاقفته معنا سبقاً حضارياً وثقافياً لا مثيل له، يوجب علينا أن نفيد من تجاربه، ونتثاقف معه فنعيش العصر ونحييه ونحياه في آنٍ واحد.
المثاقفة النقدية:(9/496)
منذ منتصف القرن العشرين الميلادي والنقد العربي يعيش انفتاحاً على النقد الغربي بكافة تحولاته ابتداءً بمناهج الحتمية العلمية (المنهج التاريخي - والمنهج النفسي - والمنهج الاجتماعي) ومروراً بالأسلوبية والنقد الجديد وانتهاءً باللسانيات ونظريّة التلقي والنقد النسائي والنقد الثقافي.
وهذه المناهج تختلف في إجراءاتها وتصوّراتها وممارساتها، فإذا كانت مناهج الحتمية العلميّة تتعامل فيما بينها مع النص الأدبي على أنه وثيقة تاريخية أو نفسية أو اجتماعية وتقف عند حدود المحيط الخارجي للنص، فلا نجد في المنهج التاريخي إلاّ أسماء الناس والأماكن، ولا نلمس في المنهج النفسي إلا عقد الكاتب وحصاراته ولا نستدل من المنهج الاجتماعي إلاّ على أحوال الناس وسلوكياتهم ومستوى المعيشة في المجتمع، فإن الأسلوبيّة ركزت على النص وأولته اهتماماً خاصاً، ما لبث عند أصحاب النقد الجديد أن تحول إلى بنية مغلقة على ذاتها، فإذا كان النقد عند أصحاب الحتمية العلميّة مؤلفاً بلا نصّ، فقد أصبح عند النقد الجديد نصاً بلا مؤلف ( [29] ) .
وجاءت البنيوية لتجمع بين الطرفين وتضيف طرفاً ثالثاً هو المتلقي في البحث عن أنظمة النص ووحداته مع التركيز على النص الأدبي، وما لبثت التفكيكيّة أن أماتت المؤلف، والنص، واستبقت المتلقي لتجعله مبدعاً يكتب نصاً موازياً للنص المكتوب ( [30] ) .
وقد حاول الدكتور محمود أمين العالم أن يحصر لنا اتجاهات المثاقفة مع هذه المناهج النقدية في أربع مدارس تجمع عدداً من المناهج المختلفة في طرائق الإجراء المتفقة في جذورها الأبستمولوجية والفلسفية، هي:
1 - المدرسة الوجدانية التي تضم النظرية الرومانتيكية كما في ممارسات مدرسة الديوان، ومدرسة أبولو، وجهود جبران خليل جبران، وميخائيل نعيمة، وتطبيقات المنهج النفسي عند أحمد محمد خلف الله، والنويهي، والخولي، ومصطفى سويف، ويحيى الرخاوي.(9/497)
2 - مدرسة الذوق الفني كما تجلّت في نقد طه حسين الذي بدأه تقليدياً ثم متأثراً بمناهج الحتمية العلمية التاريخي عند هيبولت تين، ثم الجمع بين منهج البحث العلمي والتذوق الفني بعد ذلك وكما نجد لدى محمد مندور - في نظراته النقدية
3 - المدرسة النقدية الجدلية: التي تتخذ من مفهوم الانعكاس أساساً في فحص العمل الأدبي، كما في كتابات عصام حفني ناصف، وسلامة موسى، ومجلة الطليعة السورية، وعمر فاخوري، ومفيد الشوباشي، ورئيف خوري. ثم مجلة الثقافة الجديدة، وحسين مروّه، والشرقاوي، والخميسي، ولويس عوض، ومحمد دكروب، وصلاح حافظ، وعبد العظيم أنيس، ومحمود العالم، وعبد المحسن طه بدر، وغالي شكري ... الخ
ثم في أتباع البينوية التكوينية عند (غولدمان) أمثال: جابر عصفور، ومحمد بنّيس، ومحمد برادة، وأتباع باختين أمثال: يُمنى العيد، وسيد البحراوي، وأمينة رشيد.
4 - المدرسة النقديّة الوضعيّة والبنيويّة كما في كتابات أدونيس، وصلاح فضل، وفريال غزول، وسيزا قاسم، وخالدة سعيد، وكمال أبو ديب، وعبد الفتاح كليطو، والغذامي، وعبد الكريم الخطيبي ( [31] ) .
وفي نهاية عرضه يسجل ملاحظات مهمة أهمها أن: ((التصورات الأساسيّة لهذا الفكر النقدي صدى لتصورات ومفاهيم نقدية أوروبيّة، وإن كانت استجابة في أغلب الأحيان لاحتياجات اجتماعية موضوعية أسهمت في استيعابها وتشكيلها تشكيلاً خاصاً يتلاءم وهذه الاحتاجات، ويعبر عنها بمستوى آخر)) ( [32] ) .(9/498)
* هذه المناهج النقديّة التي استنسخها النقد العربي الحديث نتاج خصوصيّة ثقافية، وتحوّلات فكرية واجتماعية مغايرة، ولهذا لا يمكن تجريدها من خصوصيتها الثقافية وحمولاتها الفكريّة، فهي ((بوصفها نظريات أو مقاربات أو أدوات بحثية تحليلية للأدب تحمل مضامين ثقافية تجعلها متلائمة مع بيئتها الحضارية الغربية، وأن الناقد غير الغربي، ونقصد به هنا الناقد الذي يحمل ثقافة عربية إسلامية مضطر إن هو أراد تطبيق أيٍّ من تلك المناهج على أدب أنتجته تلك الثقافة العربية إلى سلوك أحد سبيلين:
1 - أن يطبق تلك المناهج كما هي، وبالتالي يتبنى سواءً أراد أم لم يرد المضامين والتوجهات الفكرية التي شكلت تلك المناهج، ومثل ذلك التطبيق سيؤدي في الأغلب إلى إساءة فهم المادة الأدبية موضوع التحليل النقدي.
2 - أن يُحدث تغييراً جوهرياً في المنهج الغربي الذي يطبّقه إلى حد يجعل من الصعب القول بأن المنهج المطبق هو المنهج الأصلي ذاته.
أما القول بإمكانية فصل المنهج عن سياقه دون إحداث أية تغييرات، أو بعد إدخال تعديلات طفيفة، فهو نوع من الوهم الذي سرعان ما يتكشف تحت محك التحليل التاريخي للخلفية الثقافية الفلسفية التي تحملها تلك المناهج)) ( [33] ) .
لكننا نجد عدداً من النقاد العرب يرفض هذا التصوّر، ويرى إمكانية الفصل بين المنهج النقدي ومضمونه الفلسفي، فعبد الله العروي مثلاً يقول:
((يمكن أن ترفض التاريخانية أو البنيويّة كفلسفة، وتوظف كمنهج للتحليل في حدود معيّنة)) ( [34] ) ويذهب أبو ديب إلى أن البينوية ليست فلسفة ((لكنها طريقة في الرؤية والمنهج ومعاينة الوجود)) ( [35] ) .
وهذا المنطق التبريري لا يثبت أمام البحث العلمي وقبل ذلك أمام صيرورة الأفكار، وطبيعة الأشياء، فالمناهج النقدية لا يمكن أن تنشأ من فراغ، وما تحولات الخطاب النقدي الغربي إلا نتيجة لكشوفات العلوم التجريبية، وتراكمات البنية الثقافيّة.(9/499)
فالحتمية العلمية ثمرة من ثمار “ المادية ” التي كانت تشكل عصب الفكر الغربي في القرن التاسع عشر في الفيزياء والفسيولوجيا والفلسفة الوضعيّة.
المادية هي التي تفسر لنا حتمية العلاقة بين النص ومحيطه الخارجي، وتربط بين الواقع والإبداع، فالإبداع انعكاس لعلاقات الإنتاج، ونتيجة حتمية للبيئة والمناخ والعرق ( [36] ) .
وهي التي تكشف لنا منهج السلوكية، والتحليل النفسي لدراسة النفس الإنسانية، فالحقيقة كل ما هو مادي يمكن إدراكه بإحدى الحواس، ولأن العقل لا يمكن إدراكه بإحدى الحواس قامت السلوكية بدراسة السلوك متخذة من نظرية الفعل المنعكس الشرطي سنداً لها. وذهبت مدرسة التحليل النفسي إلى أن الشعور لا أثر له في سلوك الإنسان، فاللاشعور هو الذي يحدد سلوكيات الإنسان، ويحكم حركته في الحياة. فالشخصية مثل كتلة الجليد العائمة لا يعلو منها إلا أقلها أما معظمها فهو مغمور بالماء ( [37] ) .
وجاءت فيزياء القرن العشرين لتنقض هذه المسلمات التي قامت في ظلالها تلك المناهج فتحطمت فيزياء نيوتن على يدي إنشتاين ونظريته في النسبية التي أثبتت أن علاقات المكان والزمان وقوانين الحركة لا تُعرف إلا بالمواقف الشخصية للمراقب، وليس بالحياد كما أقر نيوتن. وبناءً على هذا اكتشف الغربيون أن الميكانزم الآلي لا يطاق في فرع من فروع المعرفة مكرّس لخدمة البشر يُنظر من خلاله إلى الإنسان على أنه حيوان أو آلة صماء، فهو قوّة واعية يجرّب ويقرّر ويتصرّف ( [38] ) .
وجاءت الشكلانية والبنيويّة كنتيجة من نتائج العلم التجريبي الذي لا يرى للذات دوراً في معرفة العالم، لأنه لا يمكن إخضاعها لمبادئ القياس التجريبي فكان محتوى اللغة هو اللغة؛ لأن اللغة يمكن إخضاعها وقياسها بالمعايير التجريبية ( [39] ) . وهذا يفسر لنا الاهتمام بالنص الأدبي عند هؤلاء.(9/500)
وحين ثار الفكر الغربي على التجربة وآمن بقدرة العقل على إدراك المعرفة الكاملة جاءت التفكيكية ارتداداً إلى الذات وإيماناً بقيمة العقل في إدراك المعرفة، وهكذا ينشأ منهج نقدي في ظل التجريبية، ليقوم على أنقاضه منهج آخر في ظلال “ المثاليّة ”.
إن البحث عن العقد والحصارات في النص الأدبي لا يمكن فصلها عن “ غريزة الجنس ” التي جعلها فرويد أم الغرائز، وجعل كل نشاط إبداعي تسامياً بهذه العقدة المكبوتة، حتى الله تعالى يفسره تفسيراً جنسياً، تعالى الله عما يقول الجاهلون علواً كبيراً.
هذا التصور البهيمي لنشاط الإنسان وإبداعه لا يمكن قبوله، فلا يمكن اختصار جهاد الإنسان وكدحه في غريزة حيوانية إلاّ إذا عُدنا إلى المهاد الفلسفي الأول لهذا الفكر وآمنا به وهو نظرية النشوء والارتقاء عند داروين.
ولا يمكن أن تتحول كلمات اللغة إلى رموز جنسيّة أو أسطورية إلا من خلال تغييب العقل، واحتقار الإنسان، والجهل بماهيته وغايته في هذه الحياة.
لقد أصبحت أعين الشعراء الجاهليين عند أصحاب المنهج الأسطوري شاخصة إلى السماء ((فإذا ركبوا نياقهم فإنما هم يركبون ناقة السماء الخالدة، وإذا صوّروا الصراع بين الصياد الرامي، أو الصياد الكلاّب وبعض حيوان الصحراء فإنما هم يتحدثون عن هذه المجموعات من كواكب السماء ونجومها، وإذا صوروا ظبية أو مهاة أو نخلة فإنما هم يصورون الإلهة القديمة الشمس، وإذا ذكروا ثوراً وحشياً فإنما هو ثور السماء المعبود لدى شعوب كثيرة)) ( [40] ) .
ولا يمكن فهم مقولة البنية الفوقية والبنية التحتية عند جاكبسون بمعزل عن المقولة ذاتها عند ماركس، فالدين والسياسة والثقافة (البنية الفوقية) لا يمكن دراستها بمعزل عن (البنية التحتية) القوى الاقتصادية والاجتماعية ( [41] ) .(10/1)
وليس موت المؤلف، واللعب الحُرّ بالدوال، وانتفاء القصدية، وغياب المركز الثابت، وتعدد القراءات سوى ثمرة من ثمار الشك في اليقينيات حتى أصبح النص - كما يصوره بارت - كصفحة السماء، ناعمة منبسطة وعميقة من دون حواف أو علامات، والقارئ كالعرّاف الذي يرسم عليها بطرف عصاه مربعاً وهميّاً يستطيع أن يستقريء منه حسب قواعد معينة، حركة طيران الطيور ( [42] ) .
ولهذا ليس للنص معنى، ولا وجود لقراءة خاطئة، فكل قراءة إساءة لقراءة سابقة.
إننا لا ننكر أن هذه معرفة لا يمكن تجاهلها، لكنها “ معرفة منحازة ” للغرب؛ لأنها نتاج تصورات خاصة، ولا ننكر أن النقد العربي الحديث حقق من خلالها كشوفاً مهمة في قراءة النص النقدي والإبداعي، لم تكن لتتحقق لولا وجود هذه المثاقفة، لكن هذا النجاح كان مصحوباً بإخفاق أكبر منه فقد وُضِعت النصوص في كثير من الممارسات على أجهزة التعذيب، وأجبرتها على الإفضاء باعترافات كاذبة وهذا ما أدركه شولز ( [43] ) قبل أن ندركه نحن، والأدهى من ذلك أنها شوّهت التشكيل الحضاري للأمة برمته ( [44] ) . وقد كشف الدكتور سعد البازعي عن أربع سمات للخطاب الحداثي في النقد العربي الحديث في مثاقفته مع الغرب هي:
1 - مناهضة الفكر المحافظ في الثقافة العربيّة من خلال توظيف خطاب ذي منزع ليبرالي أو تقدمي يساري.
2 - النظر إلى الغرب بوصفه مركز القيادة الثقافية للعالم فالتحرر والتقدم والمعرفة لا تتم إلا من خلال المثاقفة معه.
3 - عزل المفاهيم والمناهج المستعارة عن سياقها المنهجي والثقافي، إما جهلاً بها، أو تهميشاً لها.
4 - الاضطراب والخلط بين المفاهيم والمناهج والسياقات في التنظير والممارسة الإجرائية ( [45] ) .(10/2)
“ المثاقفة النقدية ” تكشف لنا إشكالية الثقافة العربيّة في مثاقفتها مع الغرب في جميع المعارف، فهي إشكالية منهج هذه الإشكالية يمكن اختصارها في اتجاهين متعارضين: ((أحدهما: يدعي الأصالة ولكنه منغلق عاجز. والثاني: يزعم التفتح ولكنه واقع في براثن التبعيّة والاستلاب)) ( [46] ) .
وكثيراً ما يذهب أصحاب الاتجاه الثاني إلى الحديث عن نجاحهم في كسر شوكة الجبهة المضادة التي تراجعت إلى الصفوف الخلفية وانتقلت من مرحلة الهجوم إلى موقع الدفاع، وأعلنت إفلاسها الثقافي عندما جمدت التراث في قوالب ثابتة مقابل التألق والتجدد وتعدد الرؤى عند أصحاب الاتجاه الأول كما يعبر سامي سويدان ( [47] ) .
والانغلاق “ والانفتاح ”، أو الرفض المطلق والقبول المطلق دليل تيه منهجي ومثاقفة بلا وعي ((لا الرفض بحد ذاته قادراً على إضعاف حضور تلك المناهج في سياقات حضارية غير سياقاتها، ولا مجرد القبول ممكناً من منح تلك المناهج صفة الحياد الذي يمكنها من الانسجام الكامل داخل أطرٍ ثقافية غير أطرها الأصلية..)) ( [48] ) .
فأين يكمن “ المنهج ” وكيف تتحقق المثاقفة الراشدة؟؟
أسهل الحلول بروز نزعة توفيقية في النقد العربي الحديث تدّعي توافق كثير من المفاهيم النقدية بين خطابين نقديين مختلفين “ غربي ” و “ عربي ” بحجة أن كثيراً من المفاهيم النقدية الجديدة عن الغرب ذات أصول ضاربة في تراثنا النقدي فالبيئة بوصفها سمة مميزة للإبداع موجودة عند الجاحظ والقاضي الجرجاني وابن رشيق، والوجهة النفسية في تحليل النص الأدبي مبثوثة في تراث عبد القاهر، والتناص هو السرقات الشعرية، والبنية الفوقية والتحتية يمكن أن نجد لها أصولاً في “ المعنى ” و “ معنى المعنى ”.(10/3)
وهذا “ التلفيق ” الذي يلغي الحمولات الفكرية، وينتزع المفاهيم من سياقاتها ليس أقل ضلالاً من “ الانغلاق الفجّ ” والتشيّع الأعمى للذات أو للآخر. وخطورة هذا التوجه لا تنحصر في تخطيه للأبعاد الفلسفية للمناهج النقدية، وإغفال المرجعية الفكرية للمفاهيم والمصطلحات وطرائق الإجراء فحسب. وإنما في كون التراث النقدي العربي يصبح مرهوناً في أصالته وقدرته على الانفتاح والتجدد بتعالقه مع المقولات النقدية الغربية الحديثة، فهي التي دائماً تمنحه البقاء، وتهبه شهادة استمرار الصلاحيّة.
يذهب الدكتور عبد العالي بو طيب إلى وجوب استحضار ثلاثة مباديء أساسية للتعامل المنهجي الذي يهدف إلى استثمار إيجابيات المناهج الغربية في نقد الأدب هي:
1 - ضرورة فهم المنهج في شموليته، فهناك جانبان في كل منهج “ جانب مرئي ” يتمثل في وجود أدوات إجرائية تساعد على إدراك الحقيقة وتقديم الدليل عليها، “ وجانب لا مرئي ” يتمثل في الخلفية النظرية المؤطرة للمنهج، والمحددة لغاياته والعلاقة بين هذين الجانبين علاقة جدلية كعلاقة العلة بالمعلول، والفهم العميق لا يتحقق إلا باستحضارهما معاً.
2 - قيمة المنهج في كفايته الإجرائية، فكل المناهج صالحة بالقوة مهما اختلفت خلفياتها الايدلوجيّة مالم يثبت الفحص عكس ذلك، فالإيمان بصلاحية المنهج أو عدم صلاحيته بدون فحص لكفايته “ تشيع أعمى ” منافٍ لأبسط قواعد البحث العلمي، والاختبار يتحقق من خلال التماسك النظري للمنهج والقدرة الإجرائية أو التطبيق.
3 - قضية المنهج والإشكال الحضاري العام: فانقسامنا إلى تيارين متضادين مظهر لهذا الإشكال، ظروف تاريخية تحتم الاقتباس، وخصوصية ثقافية تفرض شروطاً موضوعية تضبط الاقتباس وترسم حدوده ( [49] ) .(10/4)
هذه المباديء الأساسية التي يطرحها الدكتور بو طيب ويطرحها غيره من النقاد العرب ( [50] ) ، يدّعي العلم بها كثير من الناس، وإن كانت الممارسات النقدية تنفي هذا العلم، أو تكشف عواره.
المثاقفة النقدية مع الغرب مرّت بمرحلتين اثنتين:
1 - مرحلة الانبهار والتقليد.
2 - مرحلة التساؤل.
في مرحلة الانبهار والتقليد كان الناقد العربي يملأ خزائنه بكل جديد أو قديم من المفاهيم والآليات، وهدفه الاستعراض الثقافي، ومجاراة الموضات النقدية، وإشعار الآخرين بالتفرد، وقد مارس كثير من النقاد العرب على قرائهم “ قمعاً ثقافياً ” حيث يحيط الناقد نفسه بهالة من المافيا اللغوية التي يتمترس خلفها موهماً القاريء بدونيته، وتخلفه، وقصور وعيه، وأصبح الاعتراض على أي ممارسة نقدية تقوم على آليات هذه المناهج سمة التخلف والانحطاط الفكري، وهذا العنف في الطرح كان له عنف مضاد استخدم لغة التشهير، والاستعداء، بدلاً من نقد الذات، والمراجعة، والاعتراف بالانطفاء والتبلد، ولم تزل هذه المرحلة تلقي بظلالها على الخطاب النقدي العربي، وتمسك بمفاصله، وتتحكم في حركته. وهذا ما نجده عند كمال أبو ديب في “ الرؤى المقنّعة ”، وسعيد بن سعيد في “ حداثة السؤال ” وجابر عصفور في كثير من دراساته المنشورة بمجلة فصول، وأدونيس في “ صدمة الحداثة ” وغيرهم.(10/5)
وفي مرحلة التساؤل بدأت تظهر نغمة جديدة من “ الشك والتساؤل ” في الظهور على السطح، عن وضع النقد العربي المعاصر الذي عجز عن صياغة نظرية نقدية عربية تنتمي إلى التراث الإسلامي، وتعي شروط العصر، وبدلاً من “ السجال المغالط ” “ وحوار العنف ” بدأنا نجد اعترافات بالتيه المنهجي، والمثاقفة غير المتكافئة كما ظهر جلياً في كتابات الدكتور شكري عياد، وعباس الجراري، وحسن المنيعي، وحسين الواد، وإدريس الزمزاني، وعبد العالي بو طيب، وعبد العزيز حمودة، ومصطفى ناصف، وعبد القادر القط، ووهب رومية وغيرهم.
وظهر ما يسمى “ بالنقد الإسلامي ” الذي يقدم نفسه بديلاً، وحلاً لإشكالية المنهج كما نجده في جهود عماد الدين خليل، ونجيب الكيلاني صاحب مفهوم “ الإسلاميّة ” وعددٍ كبير من أعضاء رابطة الأدب الإسلامي. ولكن حضور هذا المنهج ظل ضعيفاً، واصطبغت ممارسات نقاده بالسطحية والهشاشة إلى حدّ كبير.
وهذا التساؤل المطروح لم يكن مقتصراً على المثاقفة النقدية، فقد أصبح شغل كبار المفكرين العرب في الفترة الأخيرة البحث عن أسباب تعثرنا الثقافي وركودنا الحضاري الأمر الذي استدعى مراجعة الثقافة العربية ونقدها وتفكيك آلياتها، تارة بآليات غربية ورؤية انتقائية متعسفة كما نجده عند أدونيس ومحمد عابد الجابري، وفؤاد زكريا، وحسن حنفي، والطيب التيزني، وجابر عصفور، والعروي وأركون وبرهان غليون، وغيرهم، وتارة برؤية عربيّة باحثة عن منقذ يعضدها إحساس بقيمة العقل العربي وعظمة تراث الإسلام كما نجده عند محمد جابر الأنصاري، وعبد الحميد أبو سليمان، وعماد الدين خليل، وطه جابر العلواني، ومحمد قطب، وفهمي جدعان، ومحمود شاكر، وجودت سعيد، وخالص جلبي، وعبد الكريم بكّار، وجمال سلطان وغيرهم.(10/6)
الثقافة العربية تدخل ألفيتها الثانية* في غبشٍ من التصوّر أفقدها كثيراً من القيم، وأدخلتها المثاقفة غير المتكافئة نفقاً مظلماً لا يمكن الخروج منه إلا باستراتيجية* واعية تستشعر عالمية الإسلام، وخصوصية الثقافة، وكرامة الإنسان واستخلافه.
* المثاقفة غير المتكافئة سلخت من أذهان المثقفين العرب “ حقيقة الثقافة ” حيث إن الثقافة في العربية تعني مجموعة من الدلالات المهمّة.
1 - مضمون مفهوم الثقافة نابعٌ من الذات الإنسانية، لا يُغرس فيها من الخارج فكلمة ثقافة تعني تهذيب الفطرة البشرية وتقويم اعوجاجها وإطلاق طاقاتها.
2 - مفهوم الثقافة يعني التنقيب عن قيم الحق والخير والعدل، وهي قيم تهذب الوجود وتقوّم اعوجاجه، وكل قيمة تناهض هذه القيمة لا تتسق مع مقتضيات التهذيب.
3 - مفهوم الثقافة مرتبط بالفطنة والذكاء يقال: غلام لَقِنٌ ثقف أي ذو فطنة وذكاء. والمراد أنه ثابت المعرفة بما يحتاج إليه، فتكديس الأفكار الميتة أو المميتة كما يرى مالك بن نبي ليس وعياً، وإنما الوعي في إدراك ما تقتضي الحاجة إلى معرفته لصناعة الحياة، وإصلاح المجتمع.
4 - مفهوم الثقافة في أصله العربي مرتبط بالنقد الذاتي والمراجعة والتهذيب والإصلاح.
5 - مفهوم الثقافة لا يحمل أحكاماً قيمية تحدد نوعية الثقافة وحشية أو بربرية أو بدائية أو مستنيرة، فالتهذيب يجعل من الثقافات انطلاقاً من قيم المجتمعات التي تنتمي إليها، وظروفها التي تعيشها على درجة واحدة من القيمة الإنسانية ( [51] ) .
6 - مفهوم الثقافة يعني التمكن والغلبة.
وهذه الدلالات لا نجدها في المفهوم الغربي للثقافة الذي يعني زراعة الأرض، ((الكل المركب الذي يشمل المعارف والعقائد والفن والأخلاق والقانون والعرف وكل القدرات والعادات الأخرى التي يكتسبها الإنسان من حيث هو عضو في مجتمع)) ( [52] ) .(10/7)
فليس هناك بحث عن قيم الحق الخير والعدل، وليس هنا دلالة على إصلاح اجتماعي، أو نقد ومراجعة، ولهذا انطلاقاً من هذا المفهوم يمكن فهم ممارسات الغرب تجاه أبناء المجتمعات الأخرى، وتفسير ثقافة الرجل الأبيض التي يسعى لزرعها في عقول الناس بالقوة، وليست مفاهيم “ الانتشار الثقافي ” و “ اللحاق بالركب ” و “ تضييق الفجوة ” و “ الثورات الثقافية ” و “ الدور التحضيري لأوروبا ” ( [53] ) ، ونهاية التاريخ و “ صدام الحضارات ” إلاّ نتاجاً لمفهوم الثقافة في سياقها الغربي.
وفرضت المثاقفة النقدية غير الراشدة مفاهيم شديدة الخطورة على تراثنا وذوقنا الجمالي، ونظريتنا الأدبية، فالنص مثلاً في التراث العربي يعني الرفع والإسناد يقال: نصَّ الحديث ينصُّه نصاً رفعه، وكُلّ ما أظهِر فقد نُصّ، وقال عمرو بن دينار: ما رأيت رجلاً أنصَّ للحديث من الزُّهري: أي أرفع له وأسند ( [54] ) .
وفي تاج العروس: ((النصّ بمعنى الرفع والظهور. قلت: ومنه أخذ نص القرآن والحديث وهو: اللفظ الدال على معنى لا يحتمل غيره..)) ( [55] ) ((فأين هذا من المدلول اليوناني حيث تحمل الكلمة معنى “ النسيج ” و “ التداخل ” وهو المعنى الذي مهد لظهور نظرية النصوصية، أو اشتباك النصوص ببعضها بشكل نسيجي)) ( [56] ) .
وجرتنا هذه المثاقفة إلى القول بأن الشاعر صانع أشكال، لا صانع أفكار، وأصبح هوس البحث عن الأشكال الجديدة سمة للإبداع والتفرد ابتداءً بقصيدة التفعيلة، ومروراً بالقصيدة الكلية، وانتهاءً بالقصيدة التوقيعة وقصيدة النثر، والشعر في العربية يعني العلم والفطنة، وإنما سمي الشاعر شاعراً لأنه يشعر بمالا يشعر به غيره.(10/8)
وبدلاً من أن يكون النقد “ تقويماً وتأويلاً ” أصبح بحوثاً في التاريخ وأحوال النفس الإنسانية، وعلاقات المجتمع، وقراءات إسقاطية للأساطير والخرافات وترميزاً للواضح الجليّ، وتلاعباً بالدوال، ورسوماً هندسية، وإحصاءات حسابية، وقراءات شارحة ومتيالغة بحجة أن النقد فلسفة وليس لعبة يتوسط فيها الناقد بين النص والمتلقي.
المثاقفة الراشدة نقدية أو غير نقدية تحتاج أولاً إلى أسس متينة تقوم عليها، تتمثل في الإيمان اليقيني بخصوصية الثقافة العربية الإسلامية، وأنها نتاج مرجعية مميزة، فالتفريط في هذه الخصوصية، أو التهاون في ثوابت هذه المرجعية الخالدة خيانة لله وللأمة.
لكن هذا الإيمان اليقيني لا يتحقق بالوعود وكتابة الاستراتيجيات على الورق وإنما يتحقق ببناء المؤسسات الثقافية وتشييد مراكز البحث وبناء العقول الواعية، والمراجعة الدؤوبة والنقد الذاتي والتثقيف المتواصل للمناهج والمعرفة.
لقد عجزت المؤسسات الثقافية في الوطن العربي عن إيجاد “ الكتلة الحرجة ” من العقول الحية التي تؤمن بأن الثقافة والمثاقفة غربلة دائمة، وتهذيب متجدد، فنشأت أجيال من “ المثقفين الموظفين ” تتخذ مسارين متعاكسين “ هروب من الثقافة العربية ” و “ هروب إلى الثقافة العربية ” وكلا المسارين نتاج صناعة ثقافة رديئة.
المثاقفة الراشدة إيمان بأن الحكمة ضالة المؤمن، ولكن الحكمة إبرة في كومة من القش تحتاج إلى صبر ومهارة في آن واحد. وهذا هو المنهج الذي نبحث عنه منذ أن كتب شكيب أرسلان قبل مائة عام لماذا تقدم الغرب، وتخلف المسلمون، وها نحن نعيد السؤال مرة أخرى بعد قرن من الزمان، فأين المنهج، وكيف يتحقق؟ هذا هو السؤال.
ولو أني جُعلت أميرَ جيشٍ لما قاتلتُ إلاّ بالسؤالِ
فإنّ الناس ينهزمون عنه وقد ثبتوا لأطراف العوالي ( [57] )
علم النفس - السند الفلسفي(10/9)
فكر الأمة يشكل منظومة من الوعي في التصور والممارسة تنبثق من رؤية خاصة للكون والإنسان والحياة. ولهذا فإن نزع الأفكار من سياقاتها التي نبتت فيها نظر للشيء من غير جهته؛ بمقتضاه يغدو تفكيك تلك الأفكار وعرضها تحت مجهر النقد أمراً يفتقر إلى أبجديات المنهج العلمي الصحيح، ومن ثم تكون الأحكام المبنية على هذا النظر - وإن وقفت على شيء وأدركت أبعاده - مفتقرة إلى رؤية شمولية تتتبّع خيوط الأفكار كما نمت في رؤية الأمة التي نسجتها في ظلال تصور كوني خاص.
وعلم النفس بوصفه منظومة من الوعي بالسلوك، لا يصح النظر إليه ومحاكمته بمعزل عن سياقه الفكري والتاريخي والاجتماعي، الذي استمد منه رؤيته، وتحددت بموجبه أنساقه.
لقد نشأ هذا العلم في عصر التنوير في أوروبا معتمداً على ثلاثة علوم هي:
1 - الفيزياء.
2 - الفسيولوجيا.
3 - الفلسفة العقلية ( [58] ) .
وهذه العلوم الثلاثة تشكل لحمة الفكر المادي وسداه في الخطاب الغربي الحديث في القرن التاسع عشر الميلادي.
في الفيزياء ظهرت قوانين الحركة الآلية عند “ جاليلو ” و “ نيوتن ” فأكدا ما ذهب إليه “ كوبرنيقوس ” ونقضا نظرية “ بطليموس ” التي كانت تدين بها الكنيسة وتقول: إن الأرض هي مركز الكون، وإن الأجرام السماوية تدور حول هذا المركز ( [59] ) . جاء “ كوبرنيقوس ” فاكتشف في كتابه “ حركات الأجرام السماوية ” أن الأرض هي التي تدور حول الأجرام، وأيد جاليلو بتلسكوبه الذي صنعه ذلك عملياً، وعاد عن ذلك تحت تعذيب الكنسية، وجاء “ نيوتن ” بقانون الجاذبية وأيده بقانون رياضي مطرد ( [60] ) .
وجوهر ما ذهب إليه “ جاليلو ” و “ نيوتن ” ((أن الكون آلة ضخمة)) ( [61] ) وفسر “ نيوتن ” جميع ما يحدث في الكون على أساسٍ من حركة أجزاء المادة بنظريته التي تقول: ((إنه من الممكن تفسير ظواهر الطبيعة بربط بعضها ببعض دون حاجة إلى تدخل قوى خارجية عنها)) ( [62] ) أي أن الكون شبيه بالآلة في حركته.(10/10)
وعرّف الفيزيائيون المادة بأنها: ((ما شغلت حيزاً من الفراغ، وهي صلبة وبسيطة وواضحة للعيان)) ( [63] ) وأن حركتها محكومة بنظام آلي لا يختل، فتركيب المادة، وترتيب أجزائها المكونة لها هما مصدر فهم الحركة وتفسيرها
((فما نحس به، وما يفوح عن الزهر من العطر، أو ينبثق عن الشمس الغاربة من اللون، أو ما نشعر به من المخاوف والآمال.. جميع هذه الظواهر مردها تبعاً للمذهب المادي إلى حركات أجزاء صغيرة من المادة، تنطلق في الفضاء طبقاً لقوانين حتمية حاسمة، هذه الأجزاء الصغيرة هي التي يتولد عنها علمنا بها، فليس العقل بعبارة أخرى إلا شعور هذه الأجزاء الصغيرة بذاتها)) ( [64] ) وبهذا يصادر المنهج المادي في فيزياء القرن التاسع عشر قيمة الإنسان الذي كرمه الله بالقوة العاقلة يقول جود: ((لكن هذا الانتصار التجريبي للمادية، كان يعاني من نقص كبير، لقد سلب الإنسان أهميته في النظام الكوني للأشياء، وأنكر عليه حقيقة عقله، ليس في تصميم الكون ما يدعو إلى إعلاء الإنسان)) ( [65] ) .
فنتج عن هذا القصور المادي للكون المحكوم بميكانزم آلي لا يختل ((أن الأشياء الحقيقية إنما هي الأشياء المادية وحدها)) ( [66] ) لأنها هي التي يمكن أن تدركها الحاسة، وما سوى ذلك فهو الوهم، لأنه ((ما من شيء يمكن أن يكون حقيقياً إلا وهو قابل من الناحية النظرية؛ لأن يدرك بالحواس، ومن هنا فإن البحث في طبيعة الأشياء المحسوسة وتحليلها إلى عناصرها وذراتها؛ إنما هو معالجة للحقيقة بصورة مباشرة، أما تصور القيم الأخلاقية، وتأمل الخبرات الدينية والاستمتاع بها مثلاً، فليس إلا خبط عشواء وجرياً وراء السراب)) ( [67] ) .(10/11)
وفي ضوء هذا التفسير المادي لحقيقة الكون لم تفهم طائفة علماء الفسيولوجيا الحياة إلا أنها ((نتيجة عرضية لسلسلة عمليات مادية لا حياة فيها، ولم تر العقل إلا أنه نشاط متولد عن الدماغ)) ( [68] ) وظهر اليهودي الانجليزي تشارلز دارون بكتابه “ أصل الأنواع ” الذي ذهب فيه إلى أن الحياة تطورت شيئاً فشيئاً، من الكائنات العضوية إلى الإنسان، لقد كانت نطفاً هلامية في زبد البحر، فظهرت “ الأميبا ” في المياه الدافئة، قبل ستمائة مليون سنة، وخرجت إلى اليابسة حيث تناسلت في هيئة زواحف ضخمة، ثم في هيئة طيور ولبائن أنجبت قرد مدغشقر، الذي ظهرت عنه سلالتان هما الإنسان، وقرود تشبه الإنسان)) ( [69] ) .
وبحسب قانون “ الانتخاب وبقاء الأصلح ” عاشت الأنواع التي استطاعت التكيف مع الطبيعة، بفضل ما وهبتها الطبيعة من صفات نوعية ساعدتها على البقاء ( [70] ) . وكان ذلك كله يتم بدون منطق منظم ( [71] ) .
((ولم يزد علم الأحياء الحديث عن إيراد التفاصيل ووضع النقط على الحروف في ذلك الاكتشاف)) ( [72] ) .
وذهبت الفلسفة العقلية في عصر التنوير إلى الثورة على الكنيسة، ونقض مسلماتها من خلال الاعتماد على العقل، وإعلاء مكانته فجاء ديكارت بفلسفة الكوجيتو أنا أشك فأنا أفكر، وأنا أفكر: فأنا موجود ( [73] ) . أي الاستدلال على وجود النفس بالفكر ( [74] ) .(10/12)
جاء ديكارت وقد أثبت علم الآليات أن حركة المادة تخضع لقانون معلوم، لكن هذا لم يعجب الفلاسفة، ولم ينكروه في آن واحد، فسعوا إلى التوفيق بين الرؤيتين، فذهبوا إلى أن العقل والجسم يقعان في خطين متوازيين، وإذا كان وقع لأحدهما حادث، ووقع لصاحبه حادث آخر فإن هذا لا يعني أن الحادث العقلي ناتج عن حادث جسمي، لأن هذا معناه تبادل التأثير بينهما، فمرد هذا التأثير هو العناية الإلهية تلك العناية التي تجعل اليد تمتد إلى الطعام عند الإحساس بالجوع وهذه النظرية المعروفة عند تلاميذ ديكارت بنظرية الموازاة ( [75] ) .
وجاء العلم في القرن التاسع عشر فرفض هذه الفكرة التي ترد حركة الجسم والعقل إلى العناية الإلهية فهذه تعاليم الكنيسة التي لا يقوم العلم إلا على أنقاضها، فقال العلماء والفلاسفة إن العقل ((نوع مهذب راق من المادة، يمكن تصوره باعتباره هالة من الإشعاع تحيط بالدماغ، كتلك الهالة من الضياء تشع عن رؤوس القديسين، ووظيفة هذه الهالة هي أن تعكس الأحداث التي تقع في الدماغ)) ( [76] ) .
وهذا المنهج العقلي الذي دعا إليه “ ديكارت ”، لتطبيقه على مناحي الفكر والحياة ما عدا الدين، ذهب إليه “ روجر بيكون ” صاحب المنهج التجريبي - ففصل بين ما هو بشري، وما هو إلهي، لكن هذا الخوف مما هو إلهي تلاشى على يد “ سبينوزا ” واضع أسس مدرسة النقد التاريخي الداعية إلى إخضاع الكتب المقدسة للبحث العقلي، وكأنها تراث بشري ( [77] ) . وعزز هذا التوجه الجديد “ جان لوك ” القائل: ((من استبعد العقل ليفسح للوحي مجالاً فقد أطفأ نور عينيه كلتيهما وكان مثله كمثل من يقنع إنساناً بأن يفقأ عينيه، ويستعيض عنهما بنور خافت يتلقاه بواسطة المرقب من نجم سحيق)) ( [78] ) .(10/13)
لقد اتضح لنا أن العلوم الطبيعية تشكل وحدة واحدة جذرها الفيزياء والكيمياء وتتفرع منها علوم الحياة وعلم النفس. الفيزياء والكيمياء يبحثان المادة في صورتها الأولى البسيطة، وعلم الحياة وعلم النفس يتناولان المادة في صورتها المعقدة ( [79] ) .
وهذه العلوم الطبيعية تقوم على عدد من الأسس هي:
1 - وحدة الكون أو وحدة العلوم. ولهذا يقولون: ((إن الوحدة الحقيقية للعالم تنحصر في ماديته)) ( [80] ) .
2 - الميكانزم ويعني أن الكون آلة ضخمة، وأن سلوك الإنسان وظيفة من وظائف الميكانزم يمكن معرفته وتفسيره من الكائن ذاته.
3 - الإجرائية: وتعني صحة النظرية العلمية القائمة على الإجراء.
4 - الحتمية: فكل معلول ناتج عن علة ( [81] ) .
مدارس علم النفس
وفي ظل هذا التصور الكوني للعالم والحياة نشأ التصور الخاص بالإنسان في علم النفس الغربي من خلال مدرستين اثنتين هما:
1 - السلوكية.
2 - التحليل النفسي.
1 - السلوكية:
ظهرت السلوكية في علم النفس الأمريكي على يدي “ جون واطسون ”، الذي سعى إلى دراسة السلوك دراسة موضوعية ( [82] ) متأثراً في منهجه بالمنهج التجريبي للعلم في القرن التاسع عشر الذي حصر الحقيقة في كل ما هو مادي، يمكن إدراكه بإحدى الحواس، ولما كان العقل غير ذلك جعلت السلوكية دراسة السلوك مقصورة على ما يمكن إدراكه وهو الحركة متخذة من نظرية “ الفعل المنعكس الشرطي ” في تجارب “ بافلوف ” على الكلاب سنداً لها وهي نظرية تتلخص في ما يسمى “ بالمثير والاستجابة ”، فهناك مثير يثير العقل فيحدث استجابة لدى الجسم، ولهذا كان الدماغ أشبه ما يكون بمحطة الاستقبال عند “ بافلوف ”، يستقبل الدوافع سواءً كانت دوافع حث، أم دوافع كف فتؤدي إما إلى التهيج وإما إلى القمع ونتيجة لهذا القمع الذي يحدث للدوافع يحصل تعديل في الشبكة العصبيّة في الدماغ ويتم ذلك بصورة آلية لا دخل للإنسان فيها ( [83] ) .(10/14)
لقد ألغت السلوكية قيمة العقل في السلوك، فهي وإن آمنت بوجوده، فإنها لا ترى له سلطة على سلوك الكائن الحي، وهذا ما ذهب إليه أصحاب نظرية الموازاة، فالإنسان ((ما هو إلا جسم، أما الشعور فلا يعدو أن يكون حصيلة ثانوية لعمليات جسمية، يصاحبها أحياناً، وإن كان ذلك يحدث بصورة عرضية)) ( [84] ) ، وهذا ما ذهب إليه “ ماركس ” حين جعل مشاعر الإنسان تالية لوجوده. يقول: ((في الإنتاج الاجتماعي الذي يزاوله الناس تراهم يقيمون علاقات محددة لا غنى عنها، وهي مستقلة عن إرادتهم، وعلاقات الإنتاج تطابق مرحلة محدودة من تطور قواهم المادية في الإنتاج، والمجموع الكلي لهذه العلاقات يؤلف البناء الاقتصادي للمجتمع، وهو الأساس الحقيقي الذي تقوم عليه النظم القانونية والسياسية والتي تطابقها أشكال محدودة من الوعي الاجتماعي. فأسلوب الإنتاج في الحياة المادية هو الذي يعين الصفة العامة للعمليات الاجتماعية والسياسية والمعنوية في الحياة. ليس شعور الناس هو الذي يعين وجودهم، بل إن وجودهم هو الذي يعين مشاعرهم)) ( [85] ) .
لقد جاءت السلوكية لتسد ثغرة في الميكانزم المادي لحركة الكون، فكان الميكانزم العصبي كما تصوره السلوكية بحثاً عن قانون ذلك الميكانزم في جانب النفس الإنسانية يقول هاري ويلز: ((لقد ظلت المادية تعاني ضعفاً ما منذ أن كانت تفتقد هذه الحلقة أي منذ كان الميكانزم العصبي مجهولاً، واستغل المثاليون هذا الضعف واستفاد منه الرجعيون لنشر الجهل وتشويش الفكر وخلق أساطير عن الطبيعة البشرية)) ( [86] ) .(10/15)
وبهذا التصور أصبح الإنسان كالحيوان لا عقل له، فهو منقاد لدوافعه التي تدفعه وفق قانون لا يختلف، وكأنه ترس في آلة. وبهذا يفقد الإنسان في هذا التصور أغلى ما يملك وهو العقل، وليس غريباً أن تصل السلوكية إلى هذا التصور فهي تبني نظرتها على فكرة أصل الأنواع عند “ دارون ” الذي يجعل الإنسان حيواناً متطوراً، وعلى نظرية “ بافلوف ” في ردود أفعال الكلاب على عددٍ من المثيرات.
2 - التحليل النفسي:
التحليل النفسي هو المدرسة الأخرى في علم النفس، وقد ذهبت هذه المدرسة في تحليل الشخصية إلى أن الشعور لا أثر له في سلوك الإنسان، فاللاشعور هو الذي يحدد سلوكيات الإنسان، ويحكم حركته في الحياة ((فالشخصية الإنسانية مثل كتلة الجليد العائمة في البحار القريبة من القطب لا يعلو منها فوق سطح البحر إلا جزء ضئيل، ويبقى معظمها مغموراً بالماء، وكذلك الشعور يؤلف جزءاً ضئيلاً من العقل، أما الباقي وهو ما يُعرف باللاشعور أو العقل الباطن فهو الجزء الأعظم، وليس ذلك فحسب بل إنه الجزء المهم من العقل)) ( [87] ) .
ويعود الفضل في بروز هذه المدرسة إلى الطبيب النمساوي “ سيجموند فرويد ” عندما أصدر عدداً من الدراسات التي تبحث في اللاشعور أو ما يسمى بالعقل الباطن، ثم جاء بعده عدد من تلاميذه أبرزهم “ إدلر ” و “ يونج ”. وقد كان غرض هذه المدرسة الكشف عن طبيعة القوى اللاشعورية في النفس الإنسانية ( [88] ) .
1 - فرويد:
قدم فرويد نظرية مهمة، وذائعة الصيت في تحليل الشخصية، فقد كان طبيباً نفسياً يعالج العصابيين ( [89] ) فأراد فهم سلوكياتهم، وتوجيهها وجهة صحيحة ( [90] ) . فجعل “ اللاشعور الشخصي ” محور السلوك الإنساني وهو ((مجموعة العوامل النفسية والفسيولوجية غير المحسوسة التي توثر في السلوك البشري)) ( [91] ) ، ولا يمكن فهم اللاشعور الشخصي عند فرويد بمعزل عن حديثه عن قوى النفس الثلاث الهو، والأنا، والأنا الأعلى.(10/16)
أما الهو فمعناه ((كل ما هو موروث، كل ما يظهر عند الميلاد، كل ما هو مثبت في الجبلّة)) ( [92] ) .
وأما الأنا فالخصائص الرئيسة له أنه يسيطر على الحركة الإرادية، ويحفظ الذات ( [93] ) .
وأما الأنا الأعلى فهو ((راسب من رواسب فترة الطفولة الطويلة التي يعيش فيها الإنسان الناشيء معتمداً على والديه تتكون في الأنا منظمة خاصة يمتد فيها تأثير الوالدين هذا)) ( [94] ) .
إن كل ما يثبت في الجبلّة عند “ فرويد ” هو الطاقة الجنسية التي تبدأ من المرحلة الفمية عند الطفل ((فإلحاح الطفل في المص وتشبثه به في مرحلة مبكرة ينم بوضوح عن حاجة إلى الإشباع، على الرغم من أنها حاجة تنبعث عن تناول الغذاء وتتأثر به إلا أنها تسعى إلى الحصول على لذة مستقلة عن التغذية، وبالتالي يمكن ويجب أن توصف بأنها جنسية)) ( [95] ) ، وتتطور طاقة “ اللّبيدو ” مع الطفل إلى المرحلة السادية الشرجية والمرحلة القضيبية التي يتجلى فيها الشكل النهائي للحياة الجنسية ( [96] ) . ويأتي دور الأنا أو الذات الواعية التي تحاول الموازنة بين الرغبات الخاصة، والواقع الخارجي بكل ما فيه من سلطة وقيم اجتماعية، والأنا الأعلى ((ينشأ من تلبس الطفل بشخصية والده وحينئذ تنشأ “ عقدة أو ديب ” كنتيجة طبيعية لحب الولد لأمه جنسياً، يحول وجود الأب دون تحقيقه، فيتكون في نفس الطفل نحو أبيه شعور مزدوج طرفاه الحب والكراهية في آن واحد. ثم يتخلص الطفل من هذا الصراع أما البنت فإنها تتخذ المقابل، وتتخلص من العقدة [عقدة أليكترا] بزيادة تلبسها بشخصية أمها وعند ذلك ينشأ الضمير. وتكون مهمته الكبت والقمع للشهوات الجنسية غير المرغوب فيها، وذلك لحماية الذات من عسف ذوي السلطان في الخارج الأب أو المجتمع أو الدين أو التقاليد)) ( [97] ) .(10/17)
وعلى هذا فغريزة الجنس هي عاصمة الغرائز، ينشأ الإنسان حاملاً في أعماقه هذه البذرة التي تصبح المحرك الرئيس لطاقاته في الحياة، ويغدو همه الوحيد في حياته هو إفراغ هذه الطاقة، إلا أن ذلك لا يتحقق على الوجه الأكمل حفاظاً على قيم المجتمع، وخوفاً من تعاليم السلطة، وهنا يأتي الحلم الذي تتحقق فيه الرغبة حين يخلد الأنا الأعلى في سباته العميق.
((وقد يكون الحلم صريحاً وواضحاً وربما لا يكون. وإذ ذاك تصبح لصور الحلم دلالة رمزية، فالصور التي تظهر في الحلم رموز الحقائق في اللاشعور: فالطائر ليس طائراً حقيقة بل رمزاً لشيء آخر قد يكون أما أو أباً، والطيران شبق جنسي، والسير إلى الشمال رغبة في الزنا بالمحارم)) ( [98] ) .
ومن هذا المنظور ذهب فرويد إلى تفسير الدين والأخلاق والفن فليست هذه الأشياء إلا تعويضاً عن الدوافع الغريزيّة لدى الإنسان فالدين ((يستقي أصوله من رغبتنا إلى الرعاية السماوية التي نتصورها في صورة الأب الحنون الذي يحل محل الأب الحقيقي لأن هذا لا يلبث أن يخيب آمالنا كلما شببنا عن الطوق، وبلغنا مبلغ الرجولة)) ( [99] ) والأخلاق ما هي ((إلا قواعد أوجدها الإنسان لتكون كالحاجز تصد غرائزه التي لو انطلقت من زمامها لجعلت النظام الاجتماعي أمراً مستحيلاً)) ( [100] ) أما الفن فقيمته ((إنما تنبثق من حاجة الإنسان إلى أن يبتدع أنواعاً من الوهم تقيه من النظر إلى الأشياء كما هي في حقيقتها مما لا يسهل على الإنسان أن يحتمله)) ( [101] ) .
وهذا هو ما يسميه “ فرويد ” بالتسامي، فالأنا بوصفها المسيطر على الحركات الإرادية تتقبل الدافع الغريزي وتتسامى به وذلك بأن تحيله من صورته التي هو عليها أو من وضعه إلى وضع آخر ذي قيمة، وهو ما عبر عنه بقوله:(10/18)
((إن المنبهات القوية الصادرة عن المصادر الجنسية المختلفة تنصرف وتستخدم في ميادين أخرى بحيث تؤدي الميول التي كانت خطرة في البداية إلى زيادة القدرات والنشاط النفسي زيادة ملحوظة. تلك إحدى مصادر الإنتاج الفني، وإن تحليل شخصية الأفراد ذوي المواهب الفنية ليدلنا على العلاقات المتغيرة القائمة بين الخلق الفني والانحراف والعصاب، بقدر ما كان التسامي كاملاً أم ناقصاً ... وإن الجانب الأكبر لما نسميه الطبع مركب من مادة المنبهات الجنسية ومؤلف من ميول ثبتت منذ الطفولة أو اكتسبت عن طريق التسامي أبنية الغاية منها كبت الاتجاهات المنحرفة التي استحال استخدامها)) ( [102] ) .
وعلى هذا فالإبداع الفني إنما هو إعلاء لدافع غريزي أو جنسي على وجه التحديد.
وحين اتجه “ فرويد ” إلى التحليل النفسي للإبداع الفني نظر إليه في إطار من تشبيهه باللعب والتخيل والحلم وربط ذلك بالإنسان فالإنسان ((يلعب طفلاً، ويتخيل مراهقاً، ويحلم أحلام يقظة وأحلام نوم)) ( [103] ) والطفل حين يلعب، والمراهق عندما يتخيل، أو يحلم أحلام يقظة أو أحلام نوم فإنه يبني له عالمه الخاص به، والإبداع من حيث هو مشابه للحلم، لأنه هروب من سلطة الرقيب، تحت قناع مخادع هو الرمز الذي ينطوي على دلالتين ظاهرة وباطنة ( [104] ) . ((وأغلب الرموز في الحلم رموز جنسية)) ( [105] ) .
ومهمة المحلل النفسي أن يكشف دلالات هذه الرموز الجنسية التي يستحيل فيها الإبداع إلى استراتيجية من الدعارة المقنعة، والهوس الجنسي المراوغ؛ لأن ((كل قائم في صورة إنما يرمز إلى عضو الذكورة، وأن كل تجويف يعني أعضاء المرأة التناسلية، وأن العمود أو التمثال المنحوت لجسم إنسان منتصب لم يكن في الأصل غير رمز لعضو التناسل، وأن الجزء الداخلي من المبني يرمز إلى رحم المرأة)) ( [106] ) .(10/19)
واستوقفت فرويد سيكلوجية التلقي فرأى أن الفنان يقدم لمتلقيه بفنه رشوة، ينال من خلالها المتعة التي تغريه بالاندفاع نحو متعة أعمق حين يصبح حالماً مع الفنان ( [107] ) .
والمبدع الحقيقي عند فرويد هو الذي يخلع على أحلامه الخاصة طابع الفن، ولا يكون ذلك إلا بطمس النزوع الذاتي، وإضفاء صفة الإنسانية من خلال التعالي على البواعث الخاصة للأحلام ( [108] ) .
ويشعر المتلقي بلذة الإبداع حينما يشاهد نوازعه التي عجز عن تحقيقها تتحقق أمام عينيه، فيكون الفن بمثابة العزاء الذي ينتزعه من إحساسه بالحرمان من الوصول إلى غاياته التي يطمح إليها ( [109] ) .
ويكاد ينحصر جهد “ فرويد ” في التحليل النفسي للإبداع من خلال ثلاثة أعمال هي:
1 - أعمال الفنان الإيطالي الشهير ليوناردو دافنشي.
2 - رواية الإخوة كرامازوف للروائي الروسي دستوفيسكي.
3 - قصة غراديفا لفلهم ينسن. قاص ألماني مجهول.
1 - الدراسة الأولى سماها ((ليوناردو دافنشي دراسة نفسية جنسية لذكريات طفولية)) ( [110] ) . وفيها قام بتحليل شخصية دافنشي تحليلاً نفسياً متكئاً على ملاحظة وجدها في إحدى أوراق الرسام العظيم وهي رؤيا طفولية ((فقد روى أنه يذكر عندما كان في المهد أنه رأى نسراً ينزل عليه ويفتح له فمه ويضربه بذيله على شفتيه عدة مرات)) ( [111] ) ، وفي ضوء هذه الرؤيا فسر “ فرويد ” ذلك البطء الذي اشتهر به “ دافنشي ” وهو ينجز أعماله العظيمة، وتنقلاته الكثيرة وغموض ابتسامة “ الجوكندا ” ( [112] ) ، فكان عند دافنشي فيما يرى “ فرويد ” ((انحراف جنسي على مستوى اللاوعي تأثرت به حياته، وتأثر به فنه)) ( [113] ) .(10/20)
2 - ((دستوفسكي وجريمة قتل الأب)) ( [114] ) وقد اتخذ من رواية الإخوة كرامازوف مصدراً لهذه الدراسة التحليلية ((وقد وجد “ فرويد ” في شخصية هذا الكاتب الروائي فناناً وأخلاقياً وعصابياً وآثماً، وبقدر ما مجد “ فرويد ” الفنان في شخصية “ دستوفسكي ” ورآه جديراً بالخلود، قسا على الإنسان فيه، فهو عنده سجان من سجاني الإنسانية، وهو سادي يعذب نفسه، ويعذب الآخرين، ومجرم يتعاطف مع الآثمين)) ( [115] ) .
3 - ((الإيهام والحلم في غراديفا لفلهم ينسن)) ( [116] ) .
وفي هذه الدراسة يتخطى ما قرره في الدراستين السابقتين فإذا كان كتابه الأول ((في معظمه قصة مرض باثوغرافيا)) ( [117] ) وكان كتابه الثاني بحثاً عن ((الصراع الهستيري الذي كان يصيب دوستوفسكي ورغبة الأوديبية في موت أبيه، وشذوذه الجنسي الدفين)) ( [118] ) فإن كتابه هذا ((تحليل أدبي خالص)) ( [119] ) يعتمد فيه على دراسة النص الأدبي وكشف رموزه الفنية ولهذا يرفض ((أي محاولة للكشف عن عقد ينسن وأمراضه العصبية ... ويكتفي بتفسير المبنى السيكلوجي والحلمي في الكتاب محللاً تقنياته الرمزية في الخلط الكلامي، والخلط المكاني معمقاً في معناه مقوياً له بعامة، ويستنتج أن ينسن كان على وعي بحقائق التحليل النفسي، لا لأنه درس هذا العلم بل لأنه استكشف ذاته فما الفنان إلا محلل نفسي من نوع آخر)) ( [120] ) .(10/21)
والمبدع عند فرويد يشبه العصابي، فهو كثير الانطواء، على صدام دائم مع واقعه، الذي لا يسمح له بإظهار دوافعه الغريزية ((فيلجأ لإشباعها إلى عالم الوهم حيث يجد بديلاً عن الإرضاء المباشر لرغباته، ويستعين للوصول إلى تحول مطالبه اللاواقعية إلى غايات قابلة للتحقيق من الوجهة الروحية على الأقل بما يسميه فرويد بالقدرة على التسامي، وتعتبر هذه إحدى آليات الدفاع التي تعفيه من القصاص أو المرض لكنها تجعله رهين عالم وهمي حيث لن يطول الأمد به حتى يصبح مريضاً بالعصاب)) ( [121] ) .
وبهذا يختصر الإنسان بجميع مناشطه وتطلعاته وأحلامه في هذه الغريزة، ويطمس جماليات العمل الفني، ويشوه غاياته.
2 - إدلر:
إذا كان “ الجنس ” هو أم الغرائز عند فرويد، وهو الموجه للسلوك الإنساني، وكل نشاط يمكن تفسيره بهذه القوة الدافعة. فإن “ الشعور بالنقص ” هو قوة الدفع الأولى للسلوك عند “ إدلر ” يقول في كتابه “ فهم الطبيعة البشرية ”: ((إن كل طفل وهو يقف بمفرده أعزل عن معونة الآخرين لا يلبث أن يشعر إن عاجلاً، أو آجلاً بعجزه عن معالجة شؤون العالم الواقعي. وهذا الشعور بالعجز هو القوة الدافعة ونقطة الارتكاز الأولى التي يبدأ منها جهاد الإنسان، وهو يقرر الهدف الأقصى لوجوده)) ( [122] ) .
فالطفل حين يولد، يكون بحاجة إلى نوع من الرعاية والاهتمام، وهي رعاية سرعان ما تستحيل في نظر الطفل إلى نوع من التسلط على نفسيته؛ لأنها تشعره بعجزه، الأمر الذي يولِّد لديه شعوراً بالنقص، مما يفضي به إلى أن يبني لنفسه عالماً من الخيال يكون فيه سيداً مطاعاً، ويسعى إلى تقديم نفسه للآخرين على أنه مركز القوة، وسيد القرار ( [123] ) .(10/22)
و“ إدلر ” يركز في تحليله للسلوك الإنساني على سنوات الطفولة الأولى لأنها هي الموجّه للسلوك في المستقبل، مقلّداً أستاذه “ فرويد ” ((لأن الأساليب التي يتخذها الطفل للتعويض عن شعوره بالنقص تقرر طبيعة الهدف الذي يوجه نشاطه خلال حياته كلها)) ( [124] ) .
وبحسب تفسير “ إدلر ” فإن النشاط الإنساني تعبير عن هذا الشعور، لكن الناس يختلفون في طبيعة النقص، وطريقة التعبير عنه وتعويضه وهو أمر لا يتم إلا على أنقاض الآخر من خلال ((قوة الإرادة، وفرضها على الجماعة، والتسلط على المجتمع، فكأن تحقيق الهدف يأتي عن سبيل الكفاح، والاقتحام لا على سبيل الألفة، والتعاون مع المجتمع، والفرد إذ يبلغ النجاح في مساعيه، فإن نجاحه يعني الحيلولة بين الآخرين وبين تحقيق أهدافهم)) ( [125] ) .
وهذا هو الصراع الذي تنطلق منه المادية الجدلية عند لينين، والمادية التاريخية عند ماركس وهو صراع على مطالب الإنسان في هذه الحياة كما حددها ماركس ((الغذاء والكساء والإشباع الجنسي)) ( [126] ) . فحضارات الأمم، وتعاقبها، وصدامها إنما يكون حول هذه المطالب الثلاثة. وهذه المطالب الأرضية تنبثق من تصور دارون للإنسان، في أنه حيوان بوهيمي، دنيوي الآمال، فلا غرابة أن يولي هذا الحيوان غرائزه هذه العناية، كما عند فرويد، ويصبح كل توجيه لها كبتاً وقمعاً، يورث العقد، ويُشعر بالنقص يقول الفيلسوف الإنجليزي جود: ((بينما يذهب فرويد إلى الكشف عن جانب الوحش في الإنسان، فإن إدلر يذهب إلى الكشف عن جانب الشيطان المتمرد فيه)) ( [127] ) .
3 - يونج:(10/23)
إذا كان اللاشعور الشخصي هو محور نظرية “ فرويد ” في بناء الشخصية ونموها فإن اللاشعور الجمعي هو جوهرها عند “ يونج ” وهو عنده ((صور ابتدائية لا شعورية، أو رواسب نفسية لتجارب ابتدائية لا شعورية، لا تحصى، شارك فيها الأسلاف في عصور بدائية، وقد ورثت في أنسجة الدماغ، بطريقة ما، فهي - إذن - نماذج أساسية قديمة لتجربة إنسانية مركزية)) ( [128] ) .
لم يعد وعي الإنسان مقصوراً على علاقة الطفل بوالديه كما عند “ فرويد ”، فالوعي عند يونج إنما يتشكل في ظلال مخزون ثقافي موروث يمتد حتى تجربة الإنسان البدائي مع الكائنات والأشياء، وقوام هذا المخزون الذي يسميه “ يونج ” باللاشعور الجمعي “ الأنماط العُليا ” وهي تلك الأساطير والخرافات التي يحركها نداء اللاوعي ((فتبدو في أحلام الأفراد ورؤى الفنانين العرافين، كي تعيد التوازن النفسي للعصر)) ( [129] ) .
والأنماط العليا عند يونج لها مرتبتان:
1 - الأنماط العليا الشخصية، نمط الظل، والقِران المقدس والأنيما، وهذه تبرز في شكل شخصي فترى مباشرة. فالإنسان يلتقي أولاً مع ظله أو مع وجهه الذي يخفيه بواسطة الشخصية، ويلتقي بوالديه اللذين يشكلان له نمط القِران المقدس، ويواجه أحوال اللاشعور، وهي الأنيما أو النفس ( [130] ) .
2 - أنماط التحول، كنمط الأم، ونمط الطفل، ونمط البنت، فنمط الأم ((يحمل صورة الأم الطبيعية، والأم الأرض، والأم الروح، ونمط الطفل الذي يحمل صورة الطفل الإله أو الطفل البطل، ونمط البنت الذي يحمل صورة العذراء، والأنثى المجهولة، والأنثى الخرافية، والأنثى الأضحية)) ( [131] ) .(10/24)
وعلى هذا تكون هذه الأنماط الشخصية، وأنماط التحول ميراثاً إنسانياً انبثق من تصور الإنسان البدائي للكون، وهو ما يسمى بالأساطير، وليست الأساطير ((إلا تاريخ البشرية الأولى، تنوسيت ملامحه الدقيقة، وأضفى الخيال الإنساني عليه جواً فضفاضاً، وتاريخ الآلهة، ما هو إلا تاريخ لعصر الأبطال حين كان الإنسان يعجب بالقوة والجبروت، والبطولة في شتى ألوانها المادية والمعنوية، ويتطور هذا الإعجاب عند الأجيال إلى نزعة من التقديس تتلاشى معها حيناً بعد حين الحدود الفاصلة بين المحدود المطلق، وبين حقائق الواقع الإنساني، وخفايا الوجود الغيبي، فتصل إلى حد عبادة الآباء، ثم تصل إلى تناسي هذه الأبوة، ودخولها في مرحلة تالية)) ( [132] ) .
وعبقرية الإبداع الفني كامنة في هذه الصور الأسطورية التي تشكل قاسماً مشتركاً بين الناس، فهي التي تطلق قوى المخيلة للمبدع ((ومن هنا كانت الروائع في الأعمال الفنية خالدة ولا وطن لها. ذلك لأنها إنما تنبع من اللاشعور الجمعي، حيث ينبسط التاريخ وتلتقي الأجيال، فإذا غاص الفنان إلى هذه الأعماق فقد بلغ قلب الإنسانية، وإذا عرض على الناس قبساً من هذا المنبع العظيم عرفوا أنه منهم ولهم)) ( [133] ) .
والإبداع كما يعتمد على التسامي عند فرويد فإنه عند تلميذه يونج يعتمد على الإسقاط وهو ((العملية النفسية التي يحول بها الفنان تلك المشاهد الغريبة التي تطلع عليه من أعماقه اللاشعورية يحولها إلى موضوعات خارجية يمكن أن يتأملها الأغيار)) ( [134] ) .
وهذا الإسقاط يتم من خلال الرمز الناتج عن إطلاع المبدع حدسياً على اللاشعور الجمعي ولهذا كان إبداع الرمز أعظم وظائف اللاشعور ( [135] ) ؛ لأنه ((أفضل صيغة ممكنة للتعبير عن حقيقة مجهولة نسبياً)) ( [136] ) . والأسطورة هي جوهر هذا الرمز الذي عمد إليه الشاعر المعاصر ليستثمر قيم الفن والجمال فيه يقول د: أنس داود:(10/25)
((لقد أثرت آراء فرويد ويونج على الأخص في الاتجاهات الأدبية المعاصرة، واعتبرت الأسطورة عملاً فنياً رمزياً، يستطيع أن يتكيء الفنان المعاصر على دلالاتها الخصبة في التعبير عن القيم، وعن المشاعر الإنسانية الأصيلة والمتطورة على السواء. فإنه بالتوسع في الدلالات الرمزية للأساطير وبانتقاء بعض العناصر دون بعضها الآخر في تمثل فني واعٍ، يمزج بين عالم هذه الأساطير وبين الرؤية الفنية الشاملة للإنسان وللعالم، يستطيع الشاعر المعاصر أن يحيل هذه الرموز الأسطورية إلى وسائط فنية ثرية بالعطاء، لقارئه، حيث تستثير في نفسه أعمق النوازع وأصدق الأحاسيس بجانب ما تشف عنه في استخداماتها الموفقة من اتجاهات فكرية معاصرة)) ( [137] ) .
التحليل النفسي والفكر الحديث:
لقد حظيت نظرية التحليل النفسي بكثير من العناية والاهتمام، وأثرت في الفكر الحديث تأثيراً عنيفاً حتى إنه ((لا تكاد توجد نظرية واحدة قد أحدثت ما أحدثته من الانقلاب في سير المجتمعات إلا نظرية دارون من قبل، ونظرية كارل ماركس التي سبقت فرويد في الزمن ولكنها لحقته في التنفيذ ... لقد اعتنقت آراءه الجماهير، يظاهرها في ذلك كثير من العلماء. ولم يكتفوا بنصوص نظرياته، بل توسعوا في تفسيرها على هواهم، وآمنوا جميعاً بأن الأمر الطبيعي هو أن تنطلق الغرائز من معقلها، ولا تقف عند حد إلا حد الاكتفاء)) ( [138] ) .
وقد رجع المفكر الإسلامي محمد قطب هذه الهزة العنيفة التي أحدثتها هذه النظرية إلى الأسباب التالية:
1 - الثورة على تعاليم الكنيسة التي رأى فيها الناس حجراً على الحريات، وسبباً للعقد والانحرافات الخلقية.
2 - انتصار النظريات العلمية على قيم الكنيسة، وتدميرها تدميراً شاملاً.(10/26)
3 - الحرب العالمية الأولى، ونتائجها النفسية على الشباب المسجون في متاريس الحرب الذي قضى شبابه في السجون والخنادق والمعتقلات، وتعرض لحروب الميكروبات، والغازات السامة. فخرج هذا الجيل لا يفتش إلا عن إشباع غرائزه الحيوانية، فكان فرويد هو الهادي، والداعي إلى هذه السنة السيئة. فكان في نظرهم أحد صناع الحضارة الحديثة في القرن العشرين.
4 - ظهور بحوث في الفلسفة وفي علم الاجتماع تنطلق من تصورات فرويد للنفس الإنسانية فتسعى جاهدة لإثبات أن المجتمع قيد لحركة الحياة، وصيرورة الأشياء.
5 - الدعم الكبير الذي لقيته نظرية فرويد من اليهود حتى جعلوها من أهم الأسس التي تقوم عليها سياستهم وفكرهم الخاص، فقد ورد في بروتوكولات حكماء صهيون ما نصه ((يجب أن نعمل لتنهار الأخلاق في كل مكان فتسهل سيطرتنا.. إن فرويد منا وسيظل يعرض العلاقات الجنسية في ضوء الشمس لكي لا يبقى في نظر الشباب شيء مقدس، ويصبح همه الأكبر هو إرواء غرائزه الجنسية وعندئذ تنهار أخلاقه)) ( [139] ) .
أما أبرز آثارها في الفكر الحديث فهي:
1 - الشك في العقل، وقد كان ذلك نتيجة لنظرة فرويد إلى العقل، فهو خادم للغريزة، وليس هادياً إلى الحقيقة كما يُعتقد، ووظيفته ليس الحدس بالحقيقة، بل الإقناع بما نعتقده غريزياً، ولهذا فنتائجه لا يمكن الوثوق بها لأنها تبرير لمتعقداتنا فهو أداة ضعيفة في مجال المعرفة.
2 - التمرد على السلطة: فقد كشف فرويد وإدلر إلى أن نزعة التسلط على الآخرين من أهم دوافع اللاشعور، وهذه الرغبة يحدث لها نوع من التسامي في الحق الإلهي للملوك أو في سلطة رجال الدين، أو في سلطة القانون، وليست هذه الصور إلا قناعاً للرغبة في فرض السيطرة على العقول ينشأ الشك فيها والتمرد عليها.(10/27)
3 - الجبرية: فالإرادة في التحليل النفسي ليست ملكة تُمارس بحرية، إذ ليس بمقدور الإنسان أن يضبط نفسه، فأساليب الإنسان في الحياة نتاج رغبات لاشعورية في أعماق نفسه، وعلى هذا ليس هناك ما يسمى بحرية الإرادة، ونتج عن هذا التصور انزلاق في الشهوات، واستغراق في الملذات، لأن المستقبل في علم الله، وللإنسان ساعته التي يعيشها.
4 - الأبيقورية العملية: وذلك بالاستمتاع بملذات الحياة، يقيناً بزوالها، بمعزل عن التفكير فيما هو محرّم، وهذا نتاج الشك في الأخلاق عند مدرسة التحليل النفسي، وزرع التعاليم التي تقول: إن كبح الدافع الغريزي مضر بالشخصية، يورث الاضطرابات العصبية، والسخط من الحياة، فأصبح الباطل حقاً، والحرام حلالاً ( [140] ) .
التحليل النفسي والنقد الأدبي:
من المألوف الذي لا ينكره أحدٌ أن النزعة النفسية في تفسير الأدب قديمة قدم الأدب، فهي تمتد في أفق التاريخ الإنساني حتى فيلسوفي اليونان أفلاطون وأرسطو فأفلاطون يجعل الشاعر متبوعاً ينطق عن وحي سماوي وهو في حالة استحضار بين النبوة والجنون ( [141] ) .
ويربط الشعر بوظيفة خلقية لما له من تأثير على النفوس ( [142] ) ، وأرسطو ((المصدر الأول لعلم النفس والنقد النفسي للأدب)) في عدد من مؤلفاته أمثال كتاب النفس، وكتاب الطبيعيات الصغرى وغيرهما ( [143] ) .
لكن هذه النزعة لم تأخذ طابع العلم فتصبح منهجاً نقدياً ((إلا بعد أن ظهرت نتائج دراسات الفرويديين للغة والباطن، كذلك بعد أن أفاض أتباع يونج في الحديث عن الأسطورة والرمز..)) ( [144] ) .(10/28)
وقد كان غرض هذا المنهج البحث عن سيكلوجية المبدع من خلال أثره الأدبي الذي تركه عبر اتجاهات عديدة ((فهي تارة تحلل أثراً معيناً من الآثار الأدبية، لتستخرج من هذا التحليل بعض المعلومات عن سيكلوجية المؤلف. وهي تارة أخرى تتناول جملة آثار المؤلف وتستخرج منها نتائج عامة عن حالته النفسية ثم تطبق هذه النتائج العامة في توضيح آثار بعينها من آثاره. وهي تارة تتناول سيرة كاتب من الكتاب على نحو ما تظهر من أحداث حياته الخارجيّة، وفي أمور أخرى كرسائله واعترافاته أو يومياته الشخصية ثم تبني من هذا كله نظرية في شخصية الكاتب: صراعاته، حرماناته، صدماته، عصاباته، لتستعمل هذه النظرية في توضيح كل مؤلف من مؤلفاته، وهي تارة أخرى تنتقل من حياة المؤلف إلى آثاره، ومن آثاره إلى حياته، موضحة هذه بتلك، وتلك بهذه ... وهي في أكثر الأحوال تجمع بين هذه الأغراض كلها، وتستعمل هذه الأساليب جميعها)) ( [145] ) .
وقد استثمر هذا المنهج في الغرب استثماراً كبيراً فقام أيرنست بتفسير لمسرحية هاملت في ضوء عقدة أوديب، وكونراد إيكن في كتبه شكيات، وملحوظات في الشعر المعاصر، والعقلية الشعرية، وريتشاردز في مباديء النقد الأدبي، ومودبودكين في الأنماط العليا في الشعر، وشارل بودوان في التحليل النفسي للفن، وهوقمان في الفرويديّة والعقل الأدبي وكولردج في قينوس وأدونيس. وأتورانك في الفنان وأسطورة ميلاد البطل، ودكروتش في إدجار الأن بو - دراسة في العبقرية، وشارل مورون في نظريات وقضايا ( [146] ) .(10/29)
ومع الناقد الإنجليزي “ آي ا. ريتشاردز ” شهد علم النفس حضوراً واسعاً في النقد الأدبي، حيث فرّق بين اللغة العلمية لغة الحقائق، واللغة الانفعالية لغة المشاعر، وجعل “ التوازن الحسي ” عنصراً ثابتاً في الجمال الفني ومعناه ((اتزان الدوافع وانسجامها)) فالتجربة الجمالية هي التي تتوازن فيها الدوافع من خلال عنصري: الحركة والانسجام، وهذا بخلاف التردد الذي تتصارع فيه الدوافع وتتعارض مشبهاً ذلك بالحمار الموضوع بين رزمتي حشيش ( [147] ) .
واستطاع “ جاك لاكان ” أن يبتدع نظرية جديدة في النقد النفسي، من خلال صياغة جديدة لنظرية فرويد في تفسير الأحلام، حيث نقلها إلى النص، فاللاشعور يطوي المعنى في صورة رمزية تحتاج إلى فكّ لشفرة تلك الصورة، فصور الأحلام تخضع إلى “ تكثيف ” أولاً، ثم “ إحلال ” آخراً، وقد سمّى الأولى “ استعارة ” والثانية “ كناية ” ( [148] ) .
وفي العقد السابع من القرن العشرين الميلادي حدثت تحولات جديدة على يدي “ نورمان هولاند ” حين اتجه باهتماماته إلى القاريء وترك المبدع والنص، وقد نتج عن هذا التحول ما يسمى الآن بنظرية التلقي ( [149] ) .(10/30)
وأصبح هذا المنهج بكل تصوراته من أهم المناهج التي اصطبغت بها حياتنا الفكرية، في العقد الخامس من القرن العشرين، فأمين الخولي ينشر بحثاً بعنوان “ علم النفس الأدبي ” بمجلة علم النفس عام 1945 م ( [150] ) . وينشر بعده بعامين محمد خلف الله ((من الوجهة النفسية في دراسة الأدب ونقده عام 1947 م، وتتابع العطاء فكتب طه حسين كتابه عن المتنبي، ومع أبي العلاء في سجنه والعقاد ابن الرومي حياته من شعره، وشخصية أبي نواس، والعبقريات، والنويهي نفسية أبي نواس، وشخصية بشار، وثقافة الناقد الأدبي، والشعر الجاهلي منهج في دراسته وتقويمه، وحامد عبد القادر دراسات في علم النفس الأدبي، ومصطفى سويف الأسس النفسية للإبداع في الشعر خاصة، وأنور المعداوي الأداء النفسي في شعر علي محمود طه، وعز الدين إسماعيل، الأسس الجمالية للنقد العربي، والأدب وفنونه، والتفسير النفسي للأدب، وقضايا الإنسان في المسرح المعاصر، ومصطفى ناصف، قراءة ثانية لشعرنا القديم، ودراسة الأدب العربي، والصورة الأدبية، والمؤلفات في هذا الباب كثيرة تعد ولا تحصى ( [151] ) .
وبلغ من حماس بعض الباحثين أن يبحث عن أصول هذا المنهج في النقد القديم كما فعل محمد خلف الله، مع أن المنزع مختلف، والغاية مباينة، ولكنه الولع بالجديد الذي أفضى بإقحام تصورات تراث أمة على تراث أمة أخرى، وكأنه لا قيمة لتراثنا إلا بحديثه عن كل نظرية غربية.
والمتتبع لحركة هذا المنهج في عقول أبناء الأمة في هذا العصر يجد أنه يتخذ مسارين ربما يستقل أحدهما عن الآخر:
1 - المسار الأول يتخذ من منهج فرويد ونظريته في اللاوعي الشخصي سبيلاً لدراسة النص الأدبي وهو ما يعرف بالتحليل النفسي.
2 - المسار الآخر ينطلق من فكرة اللاشعور الجمعي عند يونج. وهو ما يسمى في النقد الحديث “ بالمنهج الأسطوري ”.(10/31)
وكلا الاتجاهين ينمانِ عن غيبوبة فكرية، في عصر من عصور الانحطاط والتخلف يتخذ من مقولة إنسانية الفكر وكونية العالم متكئاً لطرحه النقدي، وفي هذا الكلام حق وباطل فالإنسان لا يمكن أن يعيش بمعزل عن التأثر والتأثير، فإما أن يكون مؤثراً وفاعلاً في حركة التاريخ، وإلا سحقته العجلة، ولفظه العالم خارج السياق، وبهذا يكون ملاذاً لكل فكر تخطته صيرورة الحياة، وقام على أنقاضه فكر جديد.
إن التراث العربي في أزهى عصوره لم يقف متخاذلاً يتغنى بماضيه، بل زاحم تراث الأمم الأخرى وأثر فيها، وتأثر بها، ولكنه ظل تراثاً إسلامياً في تصوره، عربياً في محياه؛ لأن الأمة كانت غالبة، يعتد فيها المفكر والشاعر بأمته، ويفتخر بإرثها الحضاري والثقافي، أما الذي يحدث في عصرنا هذا فهو بالضد مما كان، إذ شاع لدى كثير من الباحثين الإيمان بضآلة الأمة، والتنصل من كل ما يمت لها بصلة، فكان المثقف الجديد انهزامياً في داخله، مستهلكاً لثقافة غيره، مغلوباً على أمره. يقول الدكتور عبد الحكيم حسان: ((لعل أهم ما يفرق بين اتصال العرب بالثقافات الأجنبية في القرون الوسطى وبين اتصالهم بالثقافة الأوروبية في العصر الحديث أن العرب في العصر العباسي اتصلوا بثقافات ميتة سياسياً كالثقافة الهيلينّية، أو مغلوبة كالثقافة الفارسية، أو ليست ذات تأثير من هذه الناحية كالثقافة الهندية. أما في العصر الحديث فقد اتصلوا بثقافة حية متفوقة، وذات تأثير سياسي بالغ القوة. ولهذا فإن إحساس العرب في العصر العباسي بأنهم سادة موقفهم، وأنهم أحرار في اختيار ما يروقهم ورفض مالا يرضيهم من هذه الثقافات لم يكن له وجود في العصر الحديث الذي أحس العرب فيه بالإضافة إلى الشعور بالضعف العسكري بالنسبة للغرب، ثم الخضوع لنفوذه السياسي - بالحاجة الماسة إلى الإصلاح وإلى تغذية تراثهم الثقافي بدم جديد يعينه على النهوض ومواكبة الركب الحضاري الحديث(10/32)
)) ( [152] ) .
محاسن المنهج وعيوبه:
الذي لا ينكره منصف أن المنهج النفسي في نقد الأدب فتح آفاقاً جديدة لمعرفة النفس الإنسانية أمام النقاد والأدباء، وهي آفاق كانت بعيدة عن أذهانهم، وزادهم وعياً بخصائص النفس الإنسانية في نماذجها المختلفة، ووصف لهم ما أمكن من خلجات النفس ومشاعرها ( [153] ) .
ودعا نقاد الأدب إلى تخطي الرؤية الساذجة في النظر إلى العمل الأدبي، والبحث عن دلالات أعمق ينطوي عليها النص، تتجاوز الدلالة الظاهرة التي يعرفها كل إنسان ( [154] ) .
وكشف عن علاقة متينة بين العمل ومنتجه ( [155] ) ، وأوضح العبقرية التي يتميز بها المبدعون تلك العبقريات التي كانت تنسب إلى الإلهام أو إلى الجنون، أو إلى شياطين الشعر، يقول فرويد: ((الشعراء والروائيون يعرفون بين السماء والأرض كثيراً من الأشياء ما تزال حكمتنا المدرسية غير قادرة على الحلم بها. فهم في معرفة النفس أساتذتنا نحن البشر العاديين؛ لأنهم يعّبون من ينابيع لم نجعلها بعد قابلة للإدراك علمياً)) ( [156] ) .
وقدّم لنا فهماً جديداً للنص، وفسر أفكاره الغامضة، وهي من أهم محاسن هذا المنهج ((سواءً في فهم الصور الشعرية والتركيبية أو في وعي شخصيات أبطال الآثار المسرحية والقصصية. فالصورة الأدبية كانت، في ما سبق فرويد من مدارس النقد واتجاهاته، تعد ضرباً من ضروب الزينة الأسلوبية، وتحمل على ولوع الأدباء بترصيع الكلام بالأصباغ المجازية، لذلك فإن عناية الناقد إنما تتجه إليها في حدود انطباع بسيط لا يتجاوز الوقوف على ما فيها من جودة الانفراد، أو ابتذال الاحتذاء. أما مع فرويد وبعده، فقد حملت هذه الصور دلالات بلغت من العمق شأناً بعيداً عندما عُدّت رمزاً يفصح عن خبايا نفسية مضمرة تحيل على اللاوعي وعلى ما في الشخصية المبدعة أو القارئة من عقد ومركبات وحصارات يشترك فيها الجميع ويتمايز بها الأفراد في القوة والضعف والاشتداد)) ( [157] ) .(10/33)
والمنهج النفسي عند بسلر هو الذي أخرجنا من مأزق التطرف في الحكم النقدي لصالح الجمالية أو لصالح الأخلاقية؛ لأن هذا المنهج لا يقف عند وظيفة التقويم، ولكنه يتخطاها إلى تفسير النص فاجتمع الجمالي والأخلاقي معاً في أصل واحد ((هو الأصل النفسي. فبالرجوع إلى هذا الأصل لن نرد كلامنا عن الأثر الفني إلى اعتبار جمالي أو أخلاقي، لأننا نريد لهذا الأثر تقويماً، وإنما سنرد الأثر إلى مصدره، ونحاول أن نجد له تفسيراً نفسياً. فإذا وفقنا إلى هذا التفسير أخرجنا هذا من ورطة التقويم على أساس الاعتبارات الجمالية أو الأخلاقية)) ( [158] ) .
واستطاع المنهج النفسي أن يقدم لنا شيئاً عن سيكلوجية التذوق الفني حين جعل فرويد قيمة الفن عند المتلقي في أنه يقدم له رشوة من خلال تحقيقه لرغباته المكبوتة في عمل أدبي، يصبح معه المتلقي حالماً بغد أفضل ( [159] ) .
لكن محاسن المنهج النفسي لا تكاد تذكر إذا ما قيست بعيوبه، وهي عيوب كثيرة يمكن إرجاعها إلى مستويين اثنين:
1 - عيوب تتعلق بالأساس العلمي للمنهج وتصوره للإنسان.
2 - عيوب تتعلق بالإجراء النقدي.
1 - عيوب الأساس العلمي للمنهج وهي قسمان:
أ - عيوب علمية تتعلق بالأساس العلمي للمنهج.
ب - عيوب فكرية تتعلق بتصور الإنسان.
أ - العيوب العلمية:(10/34)
أما العيوب العلمية فكما سبق أن عرفنا، انطلق علم النفس في القرن التاسع عشر من تصور مادي للإنسان كما في التحليل النفسي، أو من تصور حيواني كما في السلوكية، ومبنى هذا التصور أو ذاك على مفاهيم الفيزياء والأحياء والفلسفة العقلية التي كانت تشكل عصب الفكر المادي في أوروبا آنذاك. وقد حصل لتلك المفاهيم التي وقفنا عليها تغير جذري في القرن العشرين، وهو تغير يفضي بنا إلى القول بأن تلك المفاهيم العلمية التي اتكأ عليها علم النفس في القرن التاسع عشر مفاهيم أثبت العلم الحديث فسادها، ومن ثم فساد كل تصور أو نظرية فلسفية تجعل منها سنداً لما تقول.
ففي الفيزياء لم تعد المادة واضحة متماسكة تشكّل حيّزاً من الفراغ، كما كان يُعتقد، لقد أصبحت عالماً من الطلاسم والألغاز، وصارت ((شبكة من الشحنات الكهربائية، وسلسلة من الأحداث المحتملة ترتفع وتنخفض حتى تتلاشى في العدم)) ( [160] ) بل إنه لا يمكن مشاهدتها ( [161] ) . تلك الذرة الصغيرة أصبحت في فيزياء القرن العشرين ((كأنها نموذج مصغر لمنظومة شمسية ... في مركزها عدد من الشحنات الكهربائية الموجبة تعرف بالبروتونات، وهذه تؤلف النواة، ويدور حول النواة على مسافات مختلفة، وفي مدارات غير منتظمة عدد من الشحنات السالبة تسمى الالكترونات. والشحنة الموجبة في كل بروتون تساوي تماماً الشحنة السالبة من كل اليكترون غير أن عدد البروتونات التي تتألف منها النواة أكبر كثيراً في العادة من عدد الالكترونات. وإنما تحصل الموازنة بين الشحنات الموجبة للبروتونات، والشحنات السالبة للالكترونات(10/35)
التي تدور حول النواة، بوجود شحنات سالبة، الكترونات أخرى موجودة في النواة)) ( [162] ) والذرة التي كانت صلبة في وضع مادي ثابت أصبحت بخلاف ذلك فقد ((أخذ الفيزيائيون المحدثون يطاردونها - كما يقول أدنجتون - من السائل المتصل إلى الذرة، ومن الذرة إلى الالكترون، حتى أضاعوها في النهاية)) ( [163] ) .
والذرة التي كان يُظن أن معرفتها لا يمكن الشك فيها أصبحت تلك المعرفة خادعة، لأنه ثبت حديثاً أنه ((إنما يستنتج وجودها من أحداث تقع خارجها، يظن أنها تُسببّها وتأتي عنها)) ( [164] ) .
فالإدراك الحسي في الفيزياء الحديثة، لم يعد في الوجود العيني للمادة، وإنما في الحادث النفسي الداخلي، فحقيقة الأشياء عقلية وليست مادية، فالظاهرة المادية ليس إلاّ أثراً للكيفية التي تتجلى فيها الحقيقة الروحية ( [165] ) . لقد كانت الفيزياء القديمة تقول بالتمّاس بين ماديين عندما أضغط بأصبعي على طرف المنضدة مثلاً، أما الفيزياء الحديثة فتقول: إن الدفع ناشيء عن ذرات الأصبع وذرات المنضدة. وذلك الدفع يولد تياراً عصبياً يصل إلى الدماغ ينتج عنه شعور باللمس، فليس هناك علم بشيء يقع خارج الجسم، لأنه قد يحصل تنبيه للجهاز العصبي دون وجود منضدة ( [166] ) .
فيزياء القرن العشرين بكشوفاتها الجديدة لم تكمل ما قام به (نيوتن) بل حطمت بنيانه، حيث هدم إنشتاين بنظرية النسبية فكرتي الزمان والمكان المطلقين، وأثبت أن علاقات المكان والزمان وقوانين الحركة لا يمكن تعريفها إلا بالمواقف الشخصية للمراقب، وليس بالحياد كما ذهب إلى ذلك (نيوتن) ( [167] ) .
وجاءت ثورة فيزياء الجسيمات على يد “ إيرنست رذرفورد ” حيث أثبت أن الذرة عبارة عن نواة متناهية الصغر يحيط بها كم هائل من الإلكترونات أصبحت تفسيرات نيوتن لها تبعث على الإحباط، فانهارت إمبراطورية نيوتن وتطورت ميكانيكا الكم على يدي “ نيلزبور ” و “ فيرنرها يزنبي ” ( [168] ) .(10/36)
وانبنى على هذا التغير الفيزيائي تغيرٌّ في مفهوم علم الأحياء للحياة في القرن العشرين، فقد كانت النظرية الآلية ترى أن الحياة نتيجة عرضية لعمليات مادية، وأن العقل نشاط متولد من الدماغ. واجتمع أخيراً أدلة تقول: إن أسلوب الكائن الحي ليس آلياً ولا يمكن تفسيره آلياً، فالحياة ظاهرة من صفتها التجدد والإبداع، واستحداث صور جديدة في الكائنات، ومنها ظهرت نظريات التطور المبدع، والتطور الناشيء، ونظرية الكائن الحي، والنظرية العضوية ( [169] ) .
إن الماء يتكون من الأوكسجين والهيدروجين بنسبة معينة، لكن في الماء خصائص ليست هي خصائص كل من الأوكسجين والهيدروجين. وكذلك جسم الإنسان فهو دماغ ولحم وعظام وأعصاب، ولكل منها خاصية معينة لكن له من اجتماع هذه الأجزاء خصائص ليست موجودة في تلك الأجزاء ( [170] ) .
وبناءً على هذا فلم يعد كل مادي حقيقياً، وأصبح المعنوي كالدين، وقيم الحق والخير والجمال مما صح ثبوته، وعدّ باباً من أبواب الحقيقة، وبهذا تقوّض الأساس العلمي لعلم النفس، فالإنسان لم يعد شبيهاً بالآلة لا دخل للعقل في سلوكياته، فله عقل، وله غاية يسعى إلى تحقيقها، ومطالب يهدف إلى بلوغها هي أسمى من مطالب الجنس والغذاء والكساء. فلم يعد التفسير الآلي أو الحيواني للسلوك الإنساني واعياً بأبعاد الإنسان، إن الإنسان يستجيب للمنبه، كما تستجيب الآلة، لكنه لا يعمل كما تعمل، فاستجابتها آلية أما استجابته فهي استجابة فعالة ونشيطة. فهو يدرك الموقف الخارجي، ولذلك فاستجابته لا تعتمد على قوة ذلك المنبه بقدر ما تعتمد على الدافع النزوعي الذي لديه، وهو مؤثر بالغ في الاستجابة، وهذه الاستجابة موجهة إلى غاية يمكن استمرارها بعد زوال المثير بخلاف الآلة.(10/37)
والإنسان كل موحدٌ، أما الآلة فهي خليط مركب، ولهذا يمكن تبديد هذا الخليط وتعديله ويظل له نفس الخصائص، أما الإنسان فلا يمكن أن يُؤلف منه إنسانٌ آخر ( [171] ) .
ب - عيوب فكرية:
والإنسان لم يكن حيوانياً في مطالبه، كما صوّره فرويد، وماركس، ولا يمكن تفسير سلوكه تفسيراً حيوانياً كما فعلت السلوكية، التي طبقت سلوكيات الحيوان على الإنسان، وفسرت سلوكه بذلك المقتضى استناداً على نظرية “ الفعل المنعكس الشرطي ” عند بافلوف، وهي نظرية ثبت فشلها، فقد ذهب كوهلر في تجاربه الشهيرة على القردة والموز إلى نسبة القدرة والاستبصار للقردة، وهي قدرة مكنتها من إدراك الموقف الذي وضعت فيه من حيث هو كل منظم ( [172] ) .
ومما سبق يتضح أن علم النفس الغربي في مدرستي التحليل النفسي والسلوكية أنه علم يقوم على احتقار الإنسان، ومسخ مكانته، فهو كائن حيواني تسيّره غرائزه، كما تسيّر الحيوان غرائزه وشهواته، أو كما يحرك الآلة مفتاح التشغيل وفق قانون أوتوماتيكي مطرد.
وهذا التصور المبني على أسس فكرية خاصة، يمكن فهمه من خلال سياقه الذي نبت فيه ويمكن إيجاد مسوغات له في فكر جاهلي منحرف، رأى أن تعاليم الكنيسة تخدير للعقول وهيمنة “ للأكليروس ” على أفكار الناس وحرياتهم، فكل ما يمت إليها حقاً كان أو باطلاً لا تقوم الحياة به، ولا يتحقق الوجود الإنساني إلا على أنقاضه، فالإنسان سيد نفسه يعرف طريقه الذي يسلكه، ويملك قضاءه وقدره بيديه، ويدرك أن الحياة إنما هي أيام قليلة السعيد فيها من أشبع غرائزه، وعاش ساعته بكل ما فيها من لذة.(10/38)
إن هذا المنهج نتاج موقف من العالم وإدراك له، وهو موقف وإدراك لا يصلح لأمة أعزها الله بالإسلام، الدين الذي أقام تصوراً سوياً وشاملاً للكون والإنسان والحياة، تجلى فيه الإنسان كائناً مكرماً على جميع المخلوقات قال تعالى: س ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً ش ( [173] ) ، كرمه الله تعالى بالعقل، وأوجد لديه الغريزة، وحدد له الغاية، وأنار له السبيل، وهو قادر بعد هذا كله على أن يصعد إلى منزلة الملائكة حين يغلب عقله على نزواته، وهو قادر أيضاً على اللصوق بالأرض حين ترجح نوازعه على عقله.
إن الإسلام يؤمن بمطالب الإنسان الدنيوية، فهي مطالب لا تقوم الحياة إلا بها، ولكنها مطالب محكومة بالعقل، وبالغايات، التي تجعلها تتحقق وفق توازن نادر الوجود قال تعالى: س وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدينش ( [174] ) يقول محمد قطب: ((والإنسان يكره فقدان التوازن ولو كان إلى أعلى؛ لأنه يحرص على أهدافه العليا التي لا تتحقق بغير الاستجابة لنوازع الأرض، وكل ما يعمله ويهدف إليه هو تنظيف الوسائل التي يستجيب بها الفرد لنوازعه، حتى ترتفع الحياة كلها، وتصبح كريمة جميلة، خليقة بمعنى التكريم الذي أسبغه الله على الإنسان)) ( [175] ) .
لقد نشأ الإنسان على الفطرة السوية، لا على الشبق الجنسي، فأدرك قيمة الكون والحياة، وفسره تفسيراً إيمانياً يعيده إلى بارئه سبحانه وتعالى، فلم يكن محض الصدفة ولم يكن ذرة ضائعة، أو آلة ضخمة محكومة بنظام آلي خاص إنه صنع الله الذي أتقن كل شيء ( [176] ) .
وأدرك أن له في هذه الحياة غاية، هي عبادة الله فهو مستخلف في هذه الأرض، ووفق هذا التصور يكون نشاطه الحركي، وتكون استجاباته وانفعالاته ( [177] ) .(10/39)
وليس هناك نفس إنسانية كاملة، وخالصة من النقائص إلا نفسه صلوات الله وسلامه عليه، ولهذا أسس الإسلام منهجاً متكاملاً لفهم النفس الإنسانية وتربيتها، فهي مجموعة من الخطوط المتقابلة، الخير والشر، والحب والكراهية، والسلب والإيجاب، قد يغلب جانب على جانب فيحدث انحراف في سلوكياتها، فكان منهج التربية الإسلامية خير منهج كشف عن طبيعة النفس، وحدد لها ما يجعلها نفساً سوية يتغلب فيها جانب الخير على نوازع الشر وأدرانه ( [178] ) .
وعلى هذا فإن الفهم الصحيح لطبيعة النفس الإنسانية، وتقدير مناشطها في الحياة، إنما ينبغي أن يكون وفق هذا التصوير الرباني العظيم، فموجد النفس هو أعلم بطبيعتها، وهو الأقدر سبحانه على وضع المنهج الملائم لها قال تعالى: س ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ش ( [179] ) .
وإن النقد النفسي حين يكون محتاجاً إلى فهم طبيعة النفس الإنسانية والقوى الدافعة لسلوكها، في تفسيره للعمل الأدبي إنما يجب أن يتمثل هذه النظرة، لأنها الأقدر، والأجود، ففيها يظل للإنسان مكانته، وللعقل قيمته، وللغايات أثرها البالغ في توجيه المناشط في هذه الحياة.
ولقد اكتشف الغربيون أنفسهم - تبعاً للكشوفات العلمية الحديثة - ضلال تصورات مدرسة التحليل النفسي والمدرسة السلوكية في دراسة السلوك البشري، حيث يتم إخضاع العقل للغريزة في الأولى، وإلغاؤه في الأخرى، حيث ذهب كثير من علماء النفس في أعقاب الحرب العالمية الثانية إلى أن هذا الموقف ((لا يطاق في فرع من فروع المعرفة مكرس لخدمة الجنس البشري)) ( [180] ) مما إدى إلى نشوء حركة جديدة تنادي بأنسنة علم النفس.
ففي اجتماع وطني للرابطة الأمريكية لعلم النفس عقدت في عام 1971 م قرر أتباع هذه الحركة أن يطلقوا علها اسم “ علم النفس الإنساني ” ( [181] ) .(10/40)
وجوهر ما ترمي إليه هذه الحركة كما يعبر “ إيرفن تشايلد ” الأستاذ بجامعة ييل النظر إلى الإنسان ((بوصفه إنساناً، لا مجرد حيوان أو آلة، فالإنسان قوة واعية، وهذه هي نقطة الانطلاق، فهو يجرب، وهو يقرر، وهو يتصرف..)) ( [182] ) .
النظرة الجديدة تتجه إلى الإنسان ليس بوصفه رزمة من ردود الأفعال، ولا هو نتاج قوى خارجية، ليس آلة، وليس جرذاً كما يُعبر “ فكتور فرانكل ” ( [183] ) .
وإن الأساطير لا يمكن أن تكون ميراثاً إنسانياً. فهي رؤية وثنية للعالم، سواءٌ أكانت أساطير يونانية، أو جاهلية عربية. فالأساطير اليونانية تقوم على تقسيم الكون بين آلهة عديدة، إله للخصب، وإله للنسل، وإله للشمس، وإله للقمر ( [184] ) . والأساطير الجاهلية تقوم على عبادة الأصنام، والحيوانات، وقوى الطبيعة، اعتقاداً بوجود قوى خارجية فيها، فعبدوها إفادة منها أو دفعاً لشرورها ( [185] ) .
الأساطير اليونانية يمكن أن تكون ميراثاً فكرياً للشاعر الأوروبي الذي ورث هذا التصور حين كانت هذه الأساطير الوثنية إحدى دعائم وجوده الثقافي وتصوراته للكون والحياة.
والأساطير الجاهلية يمكن أن تكون مصدراً لتصور جاهلي جديد يؤمن بالخرافة ويقدسها، ويجعل من الحق باطلاً، والباطل حقاً.
إن هذه الأساطير يونانية أو عربية، لا يصح أن تكون مصدراً لتصور الإنسان المسلم الذي يملك أعظم تصور شامل للإنسان والكون والحياة، يقوم على منهج إلهي محكم، يجعل من الكون دليلاً من دلائل قدرة الله سبحانه وتعالى، وخادماً مطيعاً للإنسان، تدبر حركته قوة إلهية. وهو منقاد لربه، يسبح له ويخضع لنواميسه.
لا يحس الإنسان تُجاهه بالخصومة واللَّدد، فالعلاقة بينهما قوامها الحب والألفة. والخضوع كله لله سبحانه وتعالى ( [186] ) .(10/41)
قال تعالى: س ولله ملك السماوات والأرض ويوم تقوم الساعة يومئذ يخسر المبطلون، وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون، هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون ش ( [187] ) .
2 - عيوب الإجراء النقدي:
إن المنهج النقدي، إنما كان منهجاً نقدياً، لأنه يفترض فيه أن يقوم بوظيفة من وظائف النقد، التقويم، أو التفسير أو التوجيه، ومطامح أصحاب هذا المنهج - كما عند بسلر - تجعله يجمع بين التفسير والتقويم بدون انحياز لأي وظيفة من هاتين الوظيفتين. وحينما نتأمل نتائج المنهج في الكشف عن جماليات النص الأدبي التي تمثل جوهر أي نظرية نقدية لا نجد شيئاً، فالنص الأدبي في ضوء المنهج النفسي يستحيل إلى وثيقة نفسية، نعرف من خلالها عقد المؤلف وحصاراته، ولا نعرف شيئاً عن النص الأدبي، إلا فيما ندر فهو إذ يحلل النص لا يدلنا على ما ينطوي عليه النص من قيم فنية وجمالية تجعل منه أدباً له خصوصيته الفنية في الرؤيا والنسيج.
تقول إليزابيث دور: ((يبدو لي أن أي تناول للشعر عن طريق علم النفس فاشل منذ اللحظة الأولى، فعلم النفس يستطيع أن يقدم الكثير فيما يختص بالقوى اللاشعورية التي تعمل خلف مفهوم الفن، ولكن له حدوده التي تجعل منه أداة نقدية غاية في الضعف. فهو لا يستطيع أن يلمس العمل الفني ذاته، ولا يستطيع أن يميز بين الجيد والرديء)) ( [188] ) .
إن كل عمل أدبي يمكن أن نجد فيه نفسية منتجه، ولكن ما قيمة ذلك في موازين أدبية الأدب، وإذا كان هذا المنهج لا يكشف لنا الجيد من الرديء، فإنه لا يفرق بين الجيد والرديء. وهو منهج أحادي النظرة، لا يبحث في الأدب إلا عن دور اللاوعي والأدب نتاج الوعي واللاوعي معاً ( [189] ) .(10/42)
وحين يولي اللاوعي قيمة في تفسير النص الأدبي، يصبح مسرحاً للرموز الجنسية يقول إريك إندرسون: ((وفي سبر ما هو جنسي تعوّد نقاد الأدب المتخصصون في التحليل النفسي أن يغتصبوا نزاهة الأعمال الفنية)) ( [190] ) .
ويقول آرنولدهوسر: ((أما عن دراسة الآثار الفنية بوصفها مطايا للرموز الجنسية فقد كانت باديء ذي بدء، من بين الفروع المحببة لأبحاث نظرية التحليل النفسي، لقد كانت هذه مهمة مجزية حقاً، يسهل أداؤها بطريقة آلية إن في قليل أو كثير، وليس من حد - فيما يظن - لتأملاتها الجسورة، ونتائجها المذهلة،.. وألف الناس في النهاية بل ضاقوا بذاك الزعم القائل بأن أي موضوع قد يكون رمزاً لأعضاء التناسل، وأن من الممكن أن نربط بين العلاقات الإنسانية جميعها تقريباً وبين موقف أوديب. وأن الفن يكتظ بصور الأمهات. وأن الأبطال ما كانوا يخشون شيئاً خشيتهم من الخصاء)) ( [191] ) .
لقد أصبحت كل دلالة رمزية في النص تصب في بنية فكرية واحدة تحرك النص هي بنية الجنس، وهذا التفكير الأعوج، والمنطق المضلل يغفل قيماً إنسانية جليلة القدر في الأدب؛ لأن المحلل النفسي يحاكم النص بمقتضى تصور مسبق، فهو يبحث عن دليل يعزز ذلك التصور، فذهب كثير من الباحثين انطلاقاً من هذا التصور إلى إيجاد دلالات غامضة لما هو غاية في المباشرة ( [192] ) ، وحين يستعصي ربط النص على هؤلاء بمنتجه، فتنعدم أو تتلاشى صورته فيه يرمى النص بالضعف، وعدم المصداقية ( [193] ) .
لقد حلل العقاد شخصية أبي نواس على أساس من نرجسيته، ونظر إليها النويهي في ضوء شذوذه الجنسي، ولاسيما في ولعه بالخمرة، التي كانت عنده تمثل شعوراً جنسياً، ورغبة كرغبة الولد في أمه ( [194] ) ، لكن هذا التفسير مع نشازه، لا يقدم لنا قيمة فنية لهذا الشعر تجعله رؤية خاصة، وشعوراً مميزاً بالأشياء لا نجده إلا عند أبي نواس.(10/43)
وأصبحت الناقة عند الشورى ومصطفى ناصف رمزاً للأمومة ( [195] ) ، وغدا الحمار والثور في شعر الجاهليين عند علي البطل، ونصرت عبد الرحمن إلهين يُعبدان من دون الله، ولذلك فهما لا يُقتلان ( [196] ) ، وإذا ما قتلا - في غير شعر الرثاء - قال أحدهما إن الشاعر أخطأ في التصور، وأن أول شاعر قتل عنده الثور هو أبو ذؤيب الهذلي في عينيته الشهيرة، التي قالها بعدما أسلم إذ لا حرج أن يموت الإله القديم ( [197] ) .
على أن هذا ليس صحيحاً فهناك شعراء جاهليون قتل عندهم الحمار والثور في غير شعر الرثاء كامرئ القيس، وزهير، وعلقمة وغيرهم ( [198] ) .
إن هذا المنهج يجعل من الحيوانات كائنات مقدّسة، وأساطير لآلهة قديمة لم يزل صداها حياً في نفس الإنسان الحديث، ويبدو النص الشعري عالماً من الطقوس، وقطعاً من التفكير اللاهوتي المظلم. لقد ذهب “ مالكولم كادلي ” إلى تشبيه دعاة هذا المنهج بمن اكتشف فجأة نصف كرة أرضية جديدة ( [199] ) .
وهذا المنهج قد يجد في الأدب ما يحقق له مبتغاه، لكنه يقع فيما وقع فيه أتباع فرويد ومريدوه من أصحاب منهج التحليل النفسي. فلا يكشف لنا عن أدبية النص، ولا يقدم تقديراً للقيمة الجمالية فيه.
الخاتمة:
“ المثاقفة ” كما هي بحث عن الحكمة، فهي خيار لا محيد عنه، لكل أمة تولي شهودها الثقافي أهميّة كبيرة، وتطمح لحمل شعلة الحضارة، والإضافة المبدعة للبشرية، وتحقيق أمانة الاستخلاف.
والمثاقفة كما هي طموح، فهي منهج راشد، لأن المثاقفة وفق المنهج الراشد، توسيع للمدراك، وإنارة للذاكرة الجمعية، بمقتضى هذا الرشد يتحقق ترسيخ الهوية، واستيعاب منجزات العصر، والمشاركة الفاعلة في أحداثه.
والأمة العربية المسلمة أمة مثاقفة، فهي أشد الأمم حرصاً على المعرفة لأنها أمة “ اقرأ ”، وأقوم منهجاً لأنها أمة القرآن.(10/44)
وحين تثاقفت الأمة بمنهج راشد حين كانت غالبة، ذوّبت المعرفة في نسيجها الثقافي، وظلت محافظة على هويتها الخاصة. وعندما غُلبت صارت مولعة بتقليد الغالب في تحديثه وحداثته. وهنا انقسمت الثقافة العربية على نفسها بين متقوقع عاجز، منفتح مستلب، وكل حزب بما لديهم فرحون.
وليست المثاقفة النقديّة إلاّ صورة من صور المشهد الثقافي العربي في مثاقفته مع الغرب في ظل من غياب المنهج الراشد الذي أورث “ عقلاً مستعاراً ” يعيش انقطاعاً مع تراثه، ومسخاً لهويته، واستلاباً لذاته.
الهوامش والتعليقات
(1) انظر على سبيل المثال: لسان العرب لابن منظور ((ثقف)) .
(2) سورة الممتحنة، آية رقم 2.
(3) الحضارة – الثقافة – المدنية ((دراسة لمسيرة المصطلح ودلالة المفهوم، نصر محمّد عارف. منشورات المعهد العالمي للفكر الإسلامي بالولايات المتحدة الأمريكية، والدار العالمية للكتاب الإسلامي. الرياض ط 2 / 1415 هـ - 1995 م)) ص 19.
وانظر ثقافة المسلم في وجه التيارات المعاصرة. الدكتور: عبد الحليم عويس، الرياض النادي الأدبي بالرياض، 1399 هـ / 1979 م ص 15.
وانظر المنظور الإسلامي للثقافة والتربية ((دراسة في اجتماعيات التربية)) الأستاذ الدكتور محمّد عبد العليم مرسي، الرياض، مكتبة العبيكان، ط1 / 1417 هـ - 1996 م ص 27.
(4) الوثائق الرئيسيّة لإعلان مكسيكو 1982 م نقلاً عن الدكتور محمّد الرميحي في مقالة ((واقع الثقافة ومستقبلها في أقطار الخليج العربي)) ، ضمن كتاب الثقافة والمثقفون في الوطن العربي. بيروت: منشورات مركز دراسات الوحدة العربيّة، ط1 / 1992 م ص 267.
(5) الخطة الشاملة للثقافة العربيّة. منشورات المنظمة العربيّة للتربية والثقافة والعلوم تونس، الطبعة الثانية 1996 م ص 18، 19.
(6) الحضارة – الثقافة – المدنية ص 24.(10/45)
(7) إشكالية التحيّز رؤية معرفية ودعوة للاجتهاد، الجزء الأوَّل، تحرير: الأستاذ الدكتور عبد الوهاب المسيري، منشورات المعهد العالمي للفكر الإسلامي، الولايات المتحدة الأمريكيّة، ط2، 1417 هـ / 1996 م، ص 615، وانظر كذلك مقدمة الكتاب لرئيس المعهد المفكّر طه العلواني ص ((ك)) .
(8) المرجع السابق ((ك)) المقدمة.
(9) تكوين العقل العربي. الدكتور محمّد عابد الجابري، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربيّة، الطبعة الثالثة 1988 م ص 194.
(10) المرجع نفسه ص 224.
(11) انتفاضة العقل العربي. الدكتور: محمد عبد الرحمن مرحبا، بيروت: منشورات دار عويدات، الطبعة الأولى 1994 م ص 245.
(12) المرجع نفسه ص 364.
(13) نفسه ص 249.
(14) تجديد النهضة باكتشاف الذات ونقدها دعوة لتشخيص الموروث المجتمعي العربي وإعادة تأسيس الثقافة العربيّة لعصر تنوير جديد. الدكتور: محمد جابر الأنصاري. بيروت: المؤسسة العربيّة للدراسات والنشر، الطبعة الأولى، 1992 م ص 13.
(15) المرجع نفسه ص 17.
(16) إشكالية التحيّز ص 603.
(17) أسس التقدم عند مفكري الإسلام في العالم العربي الحديث. الدكتور فهمي جدعان، عمّان – دار الشروق، الطبعة الثالثة 1988 م ص 117، 118.
(18) إشكالية التحيّز ص 608.
(19) نقلاً عن مخطط الانحدار وإعادة البناء. الدكتور: خالص جلبي، الرياض: منشورات كتاب الرياض، مؤسسة اليمامة الصحفيّة، 1417 هـ / 1996 م ص 103.
(20) مشكلات الأفكار في العالم الإسلامي، مالك بن نبي، ترجمة الدكتور، بسام بركة، والدكتور: أحمد شعبو وإشراف وتقديم عمر مسقاوي، بيروت، دار الفكر المعاصر، ودمشق دار الفكر الطبعة الأولى، 1413 هـ / 1992 م ص 146.
والفكرة الميّتة: هي الفكرة المنحرفة عن مثلها الأعلى في الثقافة الأصلية.(10/46)
والفكرة المميتة: هي الفكرة المستوردة التي فقدت هويتها وجذورها في عالمها الأصلي، انظر المرجع نفسه ص 153.
(21) أسس التقدم ص 329.
(22) انظر على سبيل المثال:
- سقوط آسيا - كالوم هندرسون ترجمة: فريق بيت الأفكار الدولية عمّان، 1999 م.
- المتلاعبون بالعقول ((الإصدار الثاني)) هربرت أ. شيلر، ترجمة: عبد السلام رضوان، الكويت، عالم المعرفة، 1419 هـ / 1999 م.
- صدمة المستقبل - المتغيّرات في عالم الغد، ألفين توفلر، ترجمة: محمد ناصف، تقديم: الدكتور أحمد كمال أبو المجد، القاهرة: نهضة مصر، 1990 م.
(23) انظر الفكر العربي وصراع الأضداد، للدكتور: محمّد جابر الأنصاري، بيروت: المؤسسة العربيّة للدراسات والنشر.
(24) انظر بنية التخلّف. إبراهيم البليهي، الرياض: منشورات كتاب الرياض، مؤسسة اليمامة الصحفيّة 1415 هـ / 1995 م ص 92.
(25) مشكلات الأفكار في العالم الإسلامي ص 151.
(26) تجديد النهضة باكتشاف الذات ونقدها ص 19.
(27) المرجع نفسه ص 19 وما بعدها.
(28) بنية التخلّف ص 192.
(29) الموقف من الحداثة ومسائل أخرى. الدكتور عبد الله محمّد الغذّامي، جدة، مطابع دار البلاد، الطبعة الأولى، 1407 هـ / 1987 م ص 60.
(30) المرايا المحدّبة من البنيوية إلى التفكيك، الدكتور: عبد العزيز حمّودة، الكويت، عالم المعرفة 1418 هـ / 1998 م، ص 65 وما بعدها.
(31) الفلسفة العربيّة المعاصرة مواقف ودراسات بحوث المؤتمر الفلسفي العربي الثاني الذي نظمته الجامعة الأردنيّة، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربيّة، ط1، 1988 م، ص 77 – 99 والجدير بالذكر أنه يذكر مدارس أخرى لكن لا علاقة لها بالمثاقفة مع الغرب.
(32) المرجع نفسه ص 100.
(33) إشكاليّة التحيّز ص 267، ص 268.
(34) المرجع نفسه ص 269.
(35) المرجع نفسه ص 269.(10/47)
(36) علم اجتماع الأدب، الدكتور سيّد البحراوي. القاهرة: الشركة المصريّة العالميّة للنشر، ط1 / 1992 م، ص 13 وما بعدها.
(37) منازع الفكر الحديث، جود، نقله إلى العربيّة عباس فضلي، راجعه الدكتور: عبد العزيز البسام، بغداد، مطبعة المجمع العلمي العراقي، 1956 م، ص 249.
(38) العلم في منظوره الجديد، روبرت م. أغروس وآخرون، ترجمة الدكتور: كامل خلايلي، الكويت، عالم المعرفة 1409 هـ / 1989 م.
(39) المرايا المحدّبة ص 191.
(40) شعرنا القديم والنقد الجديد، الدكتور: وهب روميّة، الكويت، عالم المعرفة 1416 هـ / 1996 م، ص 126.
(41) المرايا المحدّبة ص 191.
(42) المرجع نفسه ص 337.
(43) نفسه ص 285.
(44) إشكاليّة التحيّز ص 272.
(45) عالم الفكر – الكويت – المجلد الثامن والعشرون – العدد الرابع إبريل – يونيو 2000 م من إشكاليات المثاقفة في النقد الأدبي العربي الحديث ص 124، ص 125.
(46) عالم الفكر، الكويت المجلد الثالث والعشرون، العددان الأول والثاني يوليو – ديسمبر 1994 م بحث إشكاليّة المنهج في الخطاب النقدي ص 462.
(47) عالم الفكر - الكويت - المجلد الثامن والعشرون، ص 125.
(48) إشكالية التحيز 272.
(49) عالم الفكر ص 469.
(50) انظر على سبيل المثال: عباس الجراري في خطاب المنهج منشورات السفير بالمغرب 1990م والمصطفى الشاذلي في ظاهرة الاغتراب في النقد العربي رسالة علمية بكلية الآداب جامعة المولى إسماعيل بالمغرب. وإدريس الزمزاني في أفق الرؤيا مقاربات في النص والإبداع منشورات بابل بالرباط 1991 م، وشكري عياد في المذاهب الأدبيّة والنقديّة عند العرب والغربيين، منشورات عالم المعرفة 1414 هـ / 1993 م. ومصطفى ناصف في دراسة الأدب العربي، منشورات الأندلس، وعبد العزيز حمّودة في المرايا المحدّبة (سبق ذكره) وغيرهم من النقاد.(10/48)
(51) الحضارة – الثقافة – المدنيّة، بتصرّف ص 31 / 32.
(52) المرجع نفسه ص 20.
(53) نفسه ص 20 وما بعدها.
(54) لسان العرب ((نصص)) .
(55) تاج العروس ((نصص)) ، وانظر إشكاليّة التحيّز ص 275.
(56) إشكالية التحيّز ص 275.
(57) الشعر، لأبي هلال العسكري.
(58) علم النفس ومشكلات الفرد، ط. عبد الرحمن عيسوي، بيروت: دار النهضة العربية، 1992 م، ص 44.
(59) العلمانية نشأتها وتطورها وآثارها في الحياة الإسلامية المعاصرة. سفر بن عبد الرحمن الحوالي، مكة المكرمة، مطابع جامعة أم القرى، ط1، 1402 هـ / 1982 م، ص 150.
(60) المرجع نفسه 150 - 156.
(61) منازع الفكر الحديث، جود، نقله إلى العربية عباس فضلي، راجع الترجمة د. عبد العزيز البسام، بغداد، مطبعة المجمع العلمي العراقي 1956 م، 1375 هـ، ص 81.
(62) العلمانية ص 155.
(63) منازع الفكر الحديث ص 5.
(64) المرجع نفسه ص 37.
(65) نفسه ص 22 – 23.
(66) نفسه ص 5.
(67) نفسه ص 5 – 6.
(68) نفسه ص 9.
(69) نفسه بتصرّف ص 24.
(70) تعالى الله عما يقول الجاهلون، إنه الهروب من كل ما يمت إلى الكنيسة بصلة.
(71) العلمانية ص 179.
(72) منازع الفكر الحديث ص 24 – 25.
(73) مدخل إلى فلسفة العلوم، دراسات ونصوص في الإيبستيمولوجيا المعاصرة ج2، المنهاج التجريبي وتطور الفكر العلمي، د. محمد عابد الجابري، المغرب، دار النشر المغربية، بدون تاريخ ص 51.
(74) المعجم الفلسفي بالألفاظ العربية والفرنسية والإنكليزية واللاتينية، د. جميل صليبا، بيروت: دار الكتاب اللبناني ط1 / 1973 م، ج2 / ص 250.
(75) منازع الفكر الحديث ص 33 – 34 بتصرف.
(76) المرجع نفسه ص 35.
(77) العلمانية ص 154.
(78) المرجع نفسه ص 154.
(79) علم النفس ومشكلات الفرد ص 45.
(80) الإنسان بين المادية والإسلام. محمد قطب. بيروت: دار الشروق، ط 8 – 1403هـ، 1983 م، ص 57.(10/49)
(81) علم النفس ومشكلات الفرد ص 45 – ص 48.
(82) المرجع نفسه ص 61.
(83) منازع الفكر الحديث 51 – 52.
(84) المرجع نفسه ص 68.
(85) نقلاً عن الإنسان بين المادية والإسلام ص 57.
(86) نقلاً عن العلمانية ص 398.
(87) منازع الفكر الحديث ص 249.
(88) علم النفس ومشكلات الفرد ص 34.
(89) في النقد الحديث دراسة في مذاهب نقدية حديثة وأصولها الفكرية، د. نصرت عبد الرحمن، عمان مكتبة الأقصى 1979 م، ص 186.
(90) علم النفس ومشكلات الفرد ص 33.
(91) المعجم الأدبي، جبّور عبد النور، بيروت، دار العلم للملايين، ط2، 1984 م، ص 224.
(92) الموجز في التحليل النفسي، سيجموند فرويد، ترجمه عن الألمانية سامي محمود علي، وعبد السلام القفاش، راجعه مصطفى زيور، القاهرة، دار المعارف ط2، 1970 م، ص 15.
(93) المرجع نفسه ص 16.
(94) المرجع نفسه ص 16.
(95) المرجع نفسه ص 24.
(96) المرجع نفسه ص 24.
(97) الإنسان بين المادية والإسلام ص 31.
(98) في النقد الحديث ص 187 – ص 188.
(99) منازع الفكر الحديث ص 252.
(100) المرجع السابق ص 252.
(101) المرجع نفسه ص 252.
(102) نقلاً عن الموجز في التحليل النفسي ص 93.
(103) في مناهج الدراسات الأدبية، حسين الواد، الدار البيضاء، منشورات عيون، 1988م، ص 8.
(104) المرجع نفسه ص 9.
(105) الصورة الشعرية في الخطاب البلاغي والنقدي، محمد الولي، نشر المركز الثقافي العربي، بيروت، ط1 / 1990 م، ص 200.
(106) فلسفة تاريخ الفن، أرنولد هوسر، ترجمة رمزي عبده جرجس، مراجعة، د. زكي نجيب محمود منشورات المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية بالقاهرة، 1968 م ص 59.
(107) الأسس النفسية للإبداع الفني في الشعر خاصة، د. مصطفى سويف، القاهرة، دار المعارف، ط4 / 1981 م، ص 74.
(108) في مناهج الدراسات الأدبية ص 9 – ص 10.(10/50)
(109) انظر النقد الأدبي والعلوم الإنسانية، جان لوي كابانس، ترجمة د. فهد عكام، دمشق، دار الفكر، ط1، 1402 هـ، 1982 م، ص 45.
وانظر أيضاً علم النفس والأدب، د. سامي الدروبي، القاهرة: دار المعارف، ط2 / 1981 م، ص 34.
وانظر أيضاً في مناهج الدراسات الأدبية ص 10.
(110) النقد الأدبي ومدارسه الحديثة ستانلي هايمن، ترجمة د. إحسان عباس، ود. محمد يوسف نجم، بيروت: دار الثقافة 1981 م، 1 / 262.
(111) في مناهج الدراسات الأدبية ص 7، والنقد الأدبي والعلوم الإنسانية ص 37.
(112) في مناهج الدراسات الأدبية ص 7.
(113) المرجع نفسه ص 8.
(114) النقد الأدبي ومدارسه الحديثة 1 / 262.
(115) في مناهج الدراسات الأدبية ص 8.
(116) النقد الأدبي ومدارسه الحديثة 1 / 262.
(117) المرجع نفسه 1 / 263.
(118) المرجع السابق 1 / 263.
(119) المرجع نفسه 1 / 264.
(120) نفسه 1 / 264.
(121) فلسفة تاريخ الفن ص 51.
(122) نقلاً عن منازع الفكر الحديث ص 254.
(123) المرجع نفسه ص 254.
(124) نفسه ص 254.
(125) نفسه ص 256.
(126) الإنسان بين المادية والإسلام ص 63.
(127) منازع الفكر الحديث ص 256.
(128) النقد الأدبي ومدارسه الحديثة 1 / 245 – 246.
(129) المنهج الأسطوري في تفسير الشعر الجاهلي دراسة نقدية، عبد الفتاح محمد أحمد، بيروت، دار المناهل، ط1، 1408 هـ، 1987 م، ص 23.
(130) المرجع نفسه 25 – 26.
(131) المرجع نفسه، ص 253.
(132) الأسطورة في الشعر العربي الحديث، د. أنس داود، القاهرة: مكتبة عين شمس، 1975 م، ص 24 – 25
(133) الأسس النفسية للإبداع الفني في الشعر خاصة ص 204.
(134) المرجع نفسه ص 203.
(135) المنهج الأسطوري في تفسير الشعر الجاهلي ص 16.
(136) الأسس النفسية للإبداع الفني في الشعر خاصة ص 206.
(137) الأسطورة في الشعر العربي الحديث 33 – 34.(10/51)
(138) الإنسان بين المادية والإسلام ص 43.
(139) نقلاً عن الإنسان بين المادية والإسلام، هامش 55. ولم أقف على النص أو على ترجمة معناه في كتاب الخطر اليهودي بروتوكولات حكماء صهيون، ترجمة التونسي. ومثل هذا الاحتفاء لقيه بافلوف من حكومة ستالين التي كانت تقيم له المهرجانات حتى وفاته، وهناك نصوص كثيرة يصرح فيها فرويد بيهوديته، وتسخير فكره لأمته، ذكرها الدكتور حمد المرزوقي في كتابه إشكاليات فكرية معاصرة، تحت عنوان ((فرويد قراءة عربية)) ص 221.
(140) منازع الفكر الحديث 277 – 284 بتصرف.
(141) مناهج النقد الأدبي بين النظرية والتطبيق، ديفد ديتشس، ترجمة د. محمد يوسف نجم، ود. إحسان عباس، بيروت: دار صادر، 1967 م، ص 23.
(142) المرجع نفسه.
(143) النقد الأدبي ومدارسه الحديثة، ستانلي هايمن 1 / 258.
(144) النقد الأدبي الحديث أصوله واتجاهاته، د. أحمد كمال زكي، بيروت: دار النهضة العربية، 1981 م، ص 247.
(145) علم النفس والأدب ص 255.
(146) الاتجاه النفسي في نقد الشعر العربي أصوله وقضاياه، د. سعد أبو الرضا، الرياض: مكتبة المعارف، ط1 / 1401 هـ / 1981 م، ص 13 – 20، والنقد الأدبي الحديث أصوله واتجاهاته ص 248.
(147) في النقد الأدبي الحديث مدارسه ومناهجه وقضاياه (ودراسات نقديّة تطبيقيّة) الدكتور: محمد صالح الشنطي، حائل: دار الأندلس ط1 / 1419 هـ / 1999م، ص 151.
(148) المرجع نفسه ص 153.
(149) نفسه ص 146.
(150) الأسس النفسية للإبداع الفني في الشعر خاصة، ص ((ج)) المقدمة.
(151) انظر النقد الأدبي الحديث أصوله واتجاهاته ص 247 – 249، والاتجاه النفسي في نقد الشعر العربي أصوله وقضاياه ص 13 – 21.
(152) أنطونيو وكليوباترا دراسة مقارنة بين شيكسبير وشوقي، د. عبد الحكيم حسان، جدة: الدار السعودية للنشر والتوزيع، ط2، 1407 هـ / 1987 م، ص 215 – 216.(10/52)
(153) النقد الأدبي أصوله ومناهجه، سيد قطب، بيروت: دار الشروق، ط3، 1400هـ - 1980 م، ص 190.
(154) دراسة الأدب العربي، د. مصطفى ناصف، بيروت: دار الأندلس، ط3، 1983 م، ص 136.
(155) في مناهج الدراسات الأدبية ص 14.
(156) النقد والعلوم الإنسانية ص 29.
(157) في مناهج الدراسات الأدبية 12 – 13.
(158) التفسير النفسي للأدب، د. عز الدين إسماعيل، بيروت: دار العودة، ط4، 1981م، ص 19.
(159) في مناهج الدراسات الأدبية 9 – 10، النقد الأدبي والعلوم الإنسانية ص 45، علم النفس والأدب ص 34
(160) منازع الفكر الحديث ص 7.
(161) المرجع نفسه ص 108.
(162) المرجع نفسه ص 102، والذرات تختلف فذرة الهيدروجين تحتوي على بروتون واحد ذي شحنة موجبة، وعلى الكترون واحد ذي شحنة سالبة وذرة الهليوم فيها أربعة بروتونات والكترونات. أما ذرة اليورانيوم ففيها 238 بروتون، 146 الكترون في النواة، و92 الكترون خارج النواة، انظر ص 102.
(163) المرجع نفسه 121 - 122.
(164) نفسه 115.
(165) نفسه 120 - 124.
(166) نفسه 120.
(167) العلم في منظوره الجديد. روبرت م. أغروس، جورج ن. ستانيو، ترجمة د. كامل خلايلي، الكويت: عالم المعرفة 1409 هـ / 1989 م، ص 21.
(168) المرجع نفسه ص 21.
(169) نفسه 9.
(170) نفسه 175 - 176.
(171) نفسه 149 - 152.
(172) نفسه 73.
(173) سورة الإسراء، آية 70.
(174) سورة القصص 77.
(175) الإنسان بين المادية والإسلام ص 70.
(176) مقومات التصور الإسلامي، سيد قطب، القاهرة: دار الشروق، ط3، 1403 هـ / 1988 م، ص 351.
(177) المرجع نفسه ص 362.
(178) انظر للاتساع دراسات في النفس الإنسانية، محمد قطب، القاهرة: دار الشروق، ط10، 1414 هـ / 1994 م.
وفي النفس والمجتمع، محمد قطب، بيروت: دار الشروق، ط7، 1403 / 1983 م.(10/53)
ومنهج التربية الإسلامية ج1، محمد قطب، بيروت: دار الشروق، ط6، 1402 هـ/ 1982 م.
(179) سورة الملك، آية 14.
(180) العلم في منظوره الجديد ص 85، ص 86.
(181) المرجع نفسه ص 86.
(182) نفسه ص 86.
(183) نفسه ص 88.
(184) مقومات التصور الإسلامي ص 352.
(185) الشعر الجاهلي تفسير أسطوري 86.
(186) مقومات التصور الإسلامي 343.
(187) سورة الجاثية، آية 27 - 29.
(188) الأسس الجمالية في النقد العربي عرض وتفسير ومقارنة د. عز الدين إسماعيل، القاهرة: دار الفكر العربي، ط3، 1974 م، ص 108.
ومثل هذا التصور انظر: النقد الأدبي أصوله ومناهجه 189. في مناهج الدراسات الأدبية 16، النقد الأدبي والعلوم الإنسانية ص 49، فلسفة تاريخ الفن ص 80.
(189) في مناهج الدراسات الأدبية 17.
والنقد الأدبي ومدارسه الحديثة 1 / 284.
(190) مناهج النقد الأدبي إنريك إندرسون إمبرت، ترجمة د: الطاهر أحمد مكي، القاهرة: دار المعارف، ط2، 1992 م، ص 138.
(191) فلسفة تاريخ الفن 58 - 59.
(192) دراسة الأدب العربي 133.
(193) المرجع نفسه ص 150 وهناك دراسة قيمة أعدها الدكتور وهب رومية بعنوان “ شعرنا القديم والنقد الجديد ” صدرت عام 1416 هـ عن عالم المعرفة بالكويت، كشفت عوار هذا المنهج.
(194) النقد الأدبي أصوله واتجاهاته 256 - 257.
(195) انظر الشعر الجاهلي تفسير أسطوري. د: مصطفى عبد الشافي الشوري، القاهرة: دار المعارف، ط1، 1986 م، ص 147.
وقراءة ثانية لشعرنا القديم، د: مصطفى ناصف، بيروت: دار الأندلس، ط2، 1401 هـ / 1981 م، ص 93 وما بعدها.
(196) الصورة في الشعر العربي حتى آخر القرن الثاني الهجري دراسة في أصولها وتطورها، د: علي البطل، بيروت: دار الأندلس، ط1، 1980 م، ص 131، 138.(10/54)
والصورة الفنية في الشعر الجاهلي في ضوء النقد الحديث، د. نصرت عبد الرحمن، عمان: مكتبة الأقصى، ط2، 1402 هـ / 1982 م، ص 81 - 83.
(197) الشعر الجاهلي تفسير أسطوري 162.
(198) على الترتيب انظر:
ديوان امريء القيس، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، القاهرة: دار المعارف، ط4، 1984 م، ص 76، 175، 268.
شرح شعر زهير بن أبي سُلمى صنعة أبي العباس ثعلب: تحقيق: د. فخر الدين قباوة، بيروت: دار الآفاق الجديدة، ط1، 1402 هـ / 1982 م، ص 108.
شرح ديوان علقمة بن عَبْدة الفحل للأعلم الشنتمري، قدم له ووضع هوامشه وفهارسه د: حنا نصر الحتي، بيروت: دار الكتاب العربي، ط1، 1414 هـ / 1993 م، ص 63.
(199) المنهج الأسطوري في تفسير الشعر الجاهلي ص 226.
المصادر والمراجع
1 - الاتجاه النفسي في نقد الشعر العربي أصوله وقضاياه، الدكتور: سعد أبو الرضا، الرياض: مكتبة المعارف، ط1، 1401 هـ / 1981 م.
2 - أسس التقدّم عند مفكري الإسلام في العالم العربي الحديث، الدكتور: فهمي جدعان، عمّان، دار الشروق، ط3، 1988 م.
3 - الأسس الجماليّة في النقد العربي عرض وتفسير ومقارنة، الدكتور: عز الدين إسماعيل، القاهرة: دار الفكر العربي، ط3، 1974 م.
4 - الأسس النفسية للإبداع الفني في الشعر خاصة، الدكتور: مصطفى سويف، القاهرة: دار المعارف، ط4، 1981 م.
5 - الأسطورة في الشعر العربي الحديث، الدكتور: أنس داود، القاهرة: مكتبة عين شمس، 1975 م.
6 - إشكالية التحيز، رؤية معرفية ودعوة للاجتهاد، ج1، تحرير: الأستاذ الدكتور: عبد الوهاب المسيري، منشورات المعهد العالمي للفكر الإسلامي، الولايات المتحدة الأمريكية، ط2، 1417 هـ / 1996 م.
7 - انتفاضة العقل العربي، الدكتور: محمد عبد الرحمن مرحبا، بيروت: منشورات دار عويدات، ط1، 1994 م(10/55)
8 - الإنسان بين المادية والإسلام، محمد قطب، بيروت: دار الشروق، ط8، 1403 هـ / 1983 م.
9 - أنطونيو وكليوباترا دراسة مقارنة بين شيكسبير وشوقي، الدكتور: عبد الحكيم حسان، جدة: الدار السعودية للنشر والتوزيع، ط2، 1407 هـ / 1987 م.
10 - بنية التخلف، إبراهيم البليهي، الرياض، منشورات كتاب الرياض، مؤسسة اليمامة الصحفية 1415 هـ / 1995 م.
11 - تجديد النهضة باكتشاف الذات ونقدها، دعوة لتشخيص الموروث المجتمعي العربي وإعادة تأسيس الثقافة العربية لعصر تنوير جديد، الدكتور: محمد جابر الأنصاري، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط1، 1992 م.
12 - التفسير النفسي للأدب، الدكتور: عز الدين إسماعيل، بيروت: دار العودة، ط4، 1981 م.
13 - تكوين العقل العربي، الدكتور: محمد عابد الجابري، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ط3، 1988 م.
14 - ثقافة المسلم في وجه التيارات المعاصرة، الدكتور: عبد الحليم عويس، الرياض: النادي الأدبي بالرياض، 1399 هـ / 1979 م.
15 - الثقافة والمثقفون في الوطن العربي، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ط1، 1992 م.
16 - الحضارة - الثقافة - المدنية - دراسة لسيرة المصطلح ودلالة المفهوم، نصر عارف، منشورات المعهد العالمي للفكر الإسلامي بواشنطن والدار العالمية بالرياض، ط2، 1415 هـ / 1995 م.
17 - الخطة الشاملة للثقافة العربية، منشورات المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، تونس، ط2، 1996 م
18 - دراسة الأدب العربي، الدكتور: مصطفى ناصف، بيروت: دار الأندلس، ط3، 1983 م.
19 - دراسات في النفس الإنسانية، محمد قطب، القاهرة: دار الشروق، ط10، 1414 هـ / 1994 م.
20 - ديوان امريء القيس، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، القاهرة: دار المعارف، ط4، 1984 م.(10/56)
21 - سقوط آسيا، كالوم هندرسون، ترجمة: فريق بيت الأفكار الدولية، عمان، 1999 م.
22 - شرح ديوان علقمة بن عبدة الفحل، الأعلم الشنتمري، قدم له ووضع هوامشه وفهارسه الدكتور: حنا نصر الحتي، بيروت: دار الكتاب العربي، ط1، 1414 هـ / 1993 م.
23 - شرح شعر زهير بن أبي سلمى، صنعة أبي العباس ثعلب، تحقيق: الدكتور فخر الدين قباوة، بيروت: دار الآفاق الجديدة، ط1، 1402 هـ / 1982 م.
24 - الشعر الجاهلي تفسير أسطوري، الدكتور: مصطفى عبد الشافي الشوري، القاهرة: دار المعارف، ط1، 1986 م.
25 - شعرنا القديم والنقد الجديد، الدكتور: وهب رومية، الكويت: عالم المعرفة، 1416هـ/ 1996 م.
26 - صدمة المستقبل - المتغيرات في عالم الغد، ألفين توفلر، ترجمة: محمد علي ناصف، تقديم: الدكتور أحمد كمال أبو المجد، القاهرة: دار نهضة مصر، 1990 م.
27 - الصورة الشعرية في الخطاب البلاغي والنقدي، محمد الولي، بيروت: المركز الثقافي العربي، ط1، 1990 م
28 - الصورة الفنية في الشعر الجاهلي في ضوء النقد الحديث، الدكتور: نصرت عبد الرحمن، عمّان: مكتبة الأقصى، ط2، 1402 هـ / 1982 م.
29 - الصورة في الشعر العربي حتى آخر القرن الثاني الهجري دراسة في أصولها وتطورها، الدكتور: علي البطل، بيروت: دار الأندلس، ط1، 1980 م.
30 - عالم الفكر، الكويت، المجلد الثالث والعشرون، العددان الأول والثاني يوليو - ديسمبر 1994 م. عالم الفكر الكويت المجلد الثامن والعشرون، العدد الرابع، إبريل - يونيو - 2000 م.
31 - علم اجتماع الأدب، الدكتور: سيد البحراوي، القاهرة: الشركة المصرية العالمية للنشر، ط1، 1992 م
32 - العلمانية نشأتها وتطورها وآثارها في الحياة الإسلامية المعاصرة، سفر الحوالي، مكة المكرمة: مطابع جامعة أم القرى، ط1، 1402 هـ / 1982 م.(10/57)
33 - علم النفس والأدب، الدكتور: سامي الدروبي، القاهرة: دار المعارف، ط2، 1981 م.
34 - علم النفس ومشكلات الفرد، الدكتور: عبد الرحمن عيسوي، بيروت: دار النهضة العربية، 1992 م.
35 - العلم في منظوره الجديد، روبرت م. أغروس، جورج ن. ستانيو، ترجمة الدكتور: كامل خلايلي، الكويت: سلسلة عالم المعرفة، 1409 هـ / 1989 م.
36 - فلسفة تاريخ الفن، آرنولد هوسر، ترجمة: رمزي عبده جرجس، مراجعة الدكتور: زكي نجيب محمود، القاهرة: منشورات المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية، 1968 م.
37 - الفكر العربي وصراع الأضداد، الدكتور: محمد جابر الأنصاري، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط1، 1996 م.
38 - الفلسفة العربية المعاصرة مواقف ودراسات، بحوث المؤتمر الفلسفي العربي الثاني الذي نظمته الجامعة الأردنية، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ط1، 1988 م.
39 - في مناهج الدراسات الأدبية، حسين الواد، الدار البيضاء: منشورات عيون، 1988 م.
40 - في النقد الأدبي الحديث مدارسه ومناهجه وقضاياه ودراسات نقدية تطبيقية، الدكتور: محمد الشنطي، حائل: دار الأندلس، ط1، 1419 هـ / 1999 م.
41 - في النفس والمجتمع، محمد قطب، بيروت: دار الشروق، ط7، 1403 هـ / 1983م.
42 - في النقد الحديث دراسة في مذاهب نقدية حديثة وأصولها الفكرية، الدكتور: نصرت عبد الرحمن، عمان: مكتبة الأقصى، 1979 م.
43 - قراءة ثانية لشعرنا القديم، الدكتور: مصطفى ناصف، بيروت: دار الأندلس، ط2، 1401 هـ / 1981 م.
44 - لسان العرب، لابن منظور، طبعة جديدة محققة ومشكولة ومذيلة بفهارس مفصلة تحقيق: عبد الله الكبير وآخرين، القاهرة: دار المعارف، بدون تاريخ.(10/58)
45 - المتلاعبون بالعقول “ الإصدار الثاني ” هربرت أ. شيلر، ترجمة: عبد السلام رضوان، الكويت: سلسلة عالم المعرفة، ط2، 1419 هـ / 1999 م.
46 - مخطط الانحدار وإعادة البناء، الدكتور: خالص حلبي، الرياض: كتاب الرياض، مؤسسة اليمامة الصحفية، 1417 هـ / 1996 م.
47 - مدخل إلى فلسفة العلوم - دراسات ونصوص في الابيستيمولوجيا المعاصرة ج2 - المنهاج التجريبي وتطور الفكر العلمي، الدكتور: محمد عابد الجابري، المغرب: دار النشر المغربية، بدون تاريخ.
48 - المرايا المحدبة من البنيويّة إلى التفكيك، الدكتور: عبد العزيز حمودة، الكويت: عالم المعرفة، 1418 هـ / 1998 م.
49 - مشكلات الأفكار في العالم الإسلامي، مالك بن نبي، ترجمة الدكتور: بسام بركة، والدكتور: أحمد شعبو، وإشراف وتقديم عمر مسقاوي، بيروت: دار الفكر المعاصر، ودمشق: دار الفكر، ط1، 1413 هـ / 1992 م.
50 - المعجم الأدبي، جبور عبد النور، بيروت، دار العلم للملايين، ط2، 1984 م.
51 - المعجم الفلسفي بالألفاظ العربية والفرنسية والإنكليزية واللاتينية، الدكتور: جميل صليبا، بيروت: دار الكتاب اللبناني، ط1، 1973 م.
52 - مقومات التصور الإسلامي، محمد قطب، القاهرة: دار الشروق، ط3، 1403 هـ / 1983 م.
53 - منازع الفكر الحديث، جود، نقله إلى العربيه: عباس فضلي، راجع الترجمة الدكتور: عبد العزيز البسام، بغداد: مطبعة المجمع العلمي العراقي 1956 م.
54 - مناهج النقد الأدبي بين النظرية والتطبيق، ديفيد ديتش، ترجمة الدكتور: محمد يوسف نجم، والدكتور: إحسان عباس، بيروت: دار صادر، 1967 م.
55 - مناهج النقد الأدبي، إنريك إندرسون إمبرت، ترجمة الدكتور: الطاهر أحمد مكي، القاهرة: دار المعارف، ط2، 1992 م.(10/59)
56 - المنظور الإسلامي للثقافة والتربية، دراسة في اجتماعيات التربية، الأستاذ الدكتور: محمد عبد العليم مرسي، الرياض: مكتبة العبيكان، ط1، 1417 هـ / 1996 م.
57 - المنهج الأسطوري في تفسير الشعر الجاهلي دراسة نقدية، عبد الفتاح محمد أحمد، بيروت: دار المناهل، ط1، 1408 هـ / 1987 م.
58 - منهج التربية الإسلامية، محمد قطب، ج1، بيروت: دار الشروق، ط6، 1402هـ/ 1982 م.
59 - الموجز في التحليل النفسي، سيجموند فرويد، ترجمه عن الألمانية: سامي محمود علي وعبد السلام القفاش، راجعه: مصطفى زيور، القاهرة: دار المعارف، ط2، 1970م.
60 - الموقف من الحداثة ومسائل أخرى، الدكتور: عبد الله الغذامي، جدة: مطابع دار البلاد، ط1، 1407 هـ / 1987 م.
61 - النقد الأدبي الحديث أصوله ومناهجه، سيد قطب، بيروت: دار الشروق، ط3، 1400 هـ / 1980 م
62 - النقد الأدبي الحديث أصوله واتجاهاته، الدكتور: أحمد كمال زكي، بيروت: دار النهضة العربية 1981 م
63 - النقد الأدبي والعلوم الإنسانية، جاي لوي كابانس، ترجمة الدكتور: فهد عكام، دمشق: دار الفكر، ط1، 1402 هـ / 1982 م.
64 - النقد الأدبي ومدارسه الحديثة، ستانلي هايمن، ترجمة الدكتور: إحسان عباس والدكتور: محمد يوسف نجم، بيروت: دار الثقافة، 1981 م.
---(10/60)
فضل أبي بكر الصِّديق رضي الله عنه
تأليف
شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية النميري
المتوفى سنة 728هـ
تحقيق
د. عبد العزيز بن محمد الفريح
الأستاذ المساعد في كلية الحديث
الجامعة الإسلامية
ملخص البحث
الحمد لله والصلاة والسلام على محمد بن عبد الله، أما بعد
فقد تحدث شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – في هذه الرسالة عن فضل أبي بكر الصديق وفضل علي رضي الله عنهما، وملخصها كما يلي:
- إن هناك فرقا بين "الخصائص" التي لم يشارك فيها أحدهما الآخر، كثبوت الخلة لأبي بكر – رضي الله عنه – لو كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - خليل، وكذلك أمره - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر – رضي الله عنه – أن يصلي بالناس مدة مرضه، من خصائصه التي لم يشركه فيها أحد.
وكذلك تأميره له من المدينة على الحج إقامة للسنة ومحواً لأثر الجاهلية هو بين المناقب والفضائل التي هي مشتركة بينه وبين غيره.
وكقوله - صلى الله عليه وسلم - في علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – ((أنت مني وأنا منك)) ، وهذه العبارة قد قالها - صلى الله عليه وسلم - أيضا لجليبيب – رضي الله عنه – الذي قتل عدة من الكفار: ((هذا مني وأنه منه)) ، وكذلك قال - صلى الله عليه وسلم - للأشعريين: ((هم مني وأنا منهم)) .
- لم يرد في حديث صحيح خصيصة لعلي بن أبي طالب – رضي الله عنه – امتاز بها على أبي بكر الصديق – رضي الله عنه – وكل ما ورد فيه إما صحيح غير صريح أو صريح غير صحيح.
- وردت أحاديث صحيحة في مناقب علي – رضي الله عنه – ومنها:-
1- ((أنت مني وأنا منك)) .
2- ((أنت مني بمنزلة هارون من موسى)) .
3- ((لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله)) .
فهذه الأحاديث صحيحة صريحة في فضله – رضي الله عنه – لكنها لا تدل على أنه أفضل الخلق؛ فإنه ثبتت مثل هذه العبارة والفضائل لغيره من الصحابة سواه – رضي الله عنهم أجمعين.(10/61)
وقد وردت أحاديث كثيرة في فضائل أبي بكر – رضي الله عنه – ومنها ما امتاز بها على غيره وهي كثيرة، مما يدل على أنه أفضل هذه الأمة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
هذا – وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ عليه وعلى صحبه الهداة المهتدين وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدِّين.
أما بعد:
فإن الله جلَّ ثناؤه وتباركت أسماؤه قد أرسل محمداً - صلى الله عليه وسلم - رحمة للعالمين ليخرجهم من الظلمات إلى النور، ومن الكفر والشرك إلى الإيمان والتوحيد فاستجاب له وآمن به قوم أشرق نور الإيمان في قلوبهم، فانجلت عنها ظلمة الشرك، فأبصروا الحق الذي دعاهم إليه.
فما زال النبي - صلى الله عليه وسلم - يغذيهم بالقرآن والحكمة، ويزكيهم بالعمل حتى صار هذا الدين أعظم ما يكون في قلوبهم، وصار الرسول - صلى الله عليه وسلم - أحبّ إليهم من آبائهم وأبنائهم وأموالهم بل وأنفسهم، فناصروه في دعوته وتحملوا معه في سبيل الله أقصى ما يمكن أن يتحمله بشر - غير الأنبياء - من أجل العقيدة، ذلك الجيل الربّاني الذي آمن بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وآزره ونصره هم صحابته الكرام الذين اختصهم الله وشرفهم بصحبة نبيه وإقامة شرعه.
كان مجتمعهم طرازا فريدا، ونسيجا وحيدا، هو أفضل المجتمعات وخيرها.
شهد لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنهم خير القرون حيث قال: ((بُعثتُ من خير قُرُون بني آدم، قَرْناً فقرْناً، حتى كنت من القرن الذي كنت فيه)) ( [1] ) .
وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، ثم يجيء قوم تسبِقُ شهادةُ أحدِهِم يمينه، ويَمينُه شَهادتَه)) ( [2] ) .(10/62)
وأفضل هذا المجتمع الفريد، الذين هم أفضل أتباع الأنبياء أبو بكر الصديق - رضي الله عنه.
فقد أخرج البخاري من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: كنّا نُخيِّر بين الناس في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - فنُخَيِّر أبا بكر، ثم عُمرَ بن الخطاب، ثُمّ عُثمان ابن عفَّان - رضي الله عنهم ( [3] ) .
وأخرج البخاري من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لو كنتُ مُتّخِذاً من أُمَّتي خليلا لاتَّخذت أبا بكر، ولكن أخي وصاحبي)) ( [4] ) .
وأخرج البخاري من حديث محمد بن الحَنَفِيِّة قال: قُلتُ لأبي: أيُّ الناس خيرٌ بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: ((أبو بكر)) قلت: ((ثم من)) ؟ قال: ((ثم عمر)) وخشيت أن يقولَ عُثمان، قلت: ((ثُمَّ أنت)) ؟ قال: ((ما أنا إلا رجل من المسلمين)) ( [5] ) .
وفي هذه الرسالة أبان شيخ الإسلام بن تيمية فضل أبي بكر على من سواه، بأسلوب علمي رصين وحجج واضحة بينة، رحمه الله تعالى.
وقد سرت في تحقيق هذه الرسالة على النحو الآتي:
الفصل الأول: الدراسة، وتشمل على:
1-اسم المصنف ونسبه. 5- شيوخه وتلاميذه.
2-ولادته ونشأته وأسرته. 6- كتبه.
3-صفاته، وشجاعته وكرمه. 7- وفاته.
4- تعبّده وزهده وورعه. 8- وصف النسخة الخطية.
اسمه ونسبه:
هو شيخ الإسلام، تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن مجد الدين أبي البركات عبد السلام بن أبي محمد عبد الله بن أبي القاسم الخضر ابن محمد ابن الخضر بن علي بن عبد الله بن تيمية النميري، الحراني ( [6] ) .
فهو ينتسب إلى قبيلة عربية قيسية، من بني نُمَيْر بن عامر بن صعصعة من قيس عيلان بن مُضر ( [7] ) .
وقيل: من بني سليم بن منصور من قيس عيلان بن مضر.(10/63)
قال التجيبي في برنامجه: ((جزء لطيف منتقى من حديث أيوب.. قرأت جميعه بمدرسة القصاعين من دمشق على الإمام العالم الحافظ أعجوبة الزمان في حفظ المتون والأسانيد وأقوال العلماء وفقه السلف الماضين تقي الدين أبي العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام السُّلَمي الحراني المعروف بابن تيمية نفع الله به)) ( [8] ) .
ولادته، ونشأته وأسرته:
وُلد شيخ الإسلام يوم الاثنين العاشر من ربيع الأول، وقيل: ثاني عشر من شهر ربيع الأول سنة إحدى وستين وست مئة (661هـ) في حران ( [9] ) – وهي بلدة في الجزيرة بين العراق والشام ( [10] ) ، وهي جنوب شرق تركيا الآن.
وقد عاش الشيخ في مسقط رأسه إلى أن بلغ سبع سنين ( [11] ) ، ثم تحول مع أهله وأسرته إلى دمشق سنة سبع وستين وست مئة (667هـ) بسبب جور التتار، فساروا بالليل، ومعهم الكتب على عجلة ( [12] ) لعدم الدواب، فإن العدوّ ما تركوا في البلد دواب سوى بقر الحرث، وكلّت البقر من ثقل العجلة، فوقفت، فكاد العدو أن يلحقهم فابتهلوا إلى الله واستغاثوا به، فسارت البقر بالعجلة، فنجوا وسلموا ( [13] ) .
جده أبو البركات مجد الدين عبد السلام، كان فقيها محدثا أصوليا نحويا من العلماء الأعلام ( [14] ) .
ووالده: شهاب الدين عبد الحليم بن عبد السلام من العلماء الأفاضل، كان مفتياً، وله كرسي بجامع دمشق، وولي مشيخة دار الحديث السكريّة ( [15] ) .
وأخوه عبد الرحمن بن عبد الحليم؛ كان خيراً دينا حبس نفسه مع الشيخ في الاسكندرية، وكان معظما للشيخ، ويهابه ( [16] ) .
وله أخ آخر هو شرف الدين أبو محمد عبد الله بن عبد الحليم، كان حافظاً زاهداً مجاهداً عابداً ورعاً، بارعا في الفقه، مستحضرا لتراجم السلف ووفياتهم، كثير العبادة والتأله ( [17] ) .
صفاته، وشجاعته وكرمه(10/64)
يقول الذهبي - رحمه الله -: ((كان الشيخ أبيض، أسود الرأس واللحية، قليل الشيب، كأن عينيه لسانان ناطقان، ربعة من الرجال، بعيد ما بين المنكبين، جهوريّ الصوت، سريع القراءة، تعتريه حدة، ثم يقهرها بحلم وصفح، وإليه كان المنتهى في فرط الشجاعة، والسماحة، وقوة الذكاء، ولم أر مثله في ابتهاله، واستغاثته بالله، وكثرة توجهه ... )) ( [18] ) .
وقال البزّار:
((وكان - رضي الله عنه - من أشجع الناس، وأقواهم قلبا، ما رأيت أحدا أثبت جأشا منه، ولا أعظم غناء في جهاد العدو منه، كان يُجاهد في سبيل الله بقلبه، ولسانه ويده لا يخاف في الله لومة لائم)) ( [19] ) .
وقال: ((كان مجبولا على الكرم لا يتطبّعه ولا يتصنعه، بل هو له سجية، وكان لا يردّ من يسأله شيئا يقدر عليه من دراهم ولا دنانير، ولا ثياب ولا كتب)) ( [20] ) .
تعبده وزهده وورعه
كان شيخ الإسلام بن تيمية من أعبد الناس وأتقاهم لله، وكان ملازما لعبادته، وتلاوة كتابه الكريم، آناء الليل وأطراف النهار.
يقول البزّار: ((أما تعبده - رضي الله عنه - فإنه قلّ أن سُمع بمثله، لأنه كان قد قطع جُلّ وقته وزمانه فيه، حتى إنه لم يجعل لنفسه شاغِلة تشغله عن الله تعالى، ما يُراد له لا من أهل ولا من مال.
وكان في ليلة متفرّدا عن الناس كلهم، خاليا بربّه عزّ وجل، ضارعا مواظبا على تلاوة القرآن العظيم، مكرّرا لأنواع التعبدات الليلية والنهارية ... )) ( [21] ) .
وقال: ((أما زهده في الدنيا ومتاعها؛ فإن الله تعالى جعل ذلك له شعارا من صِغَره.
ولقد اتفق كلّ مَن رآه، خصوصا مَن أطال ملازمته، أنه ما رأى مثله في الزهد في الدنيا، حتى لقد صار ذلك مشهورا، بحيث قد استقرّ في قلب القريب والبعيد من كل من سمع بصفاته على وجهها ... )) ( [22] ) .(10/65)
وكان - رحمه الله - في الغاية التي ينتهى إليها في الورع؛ لأن الله تعالى أجراه مدة عمره كلها عليه؛ فإنه ما خالط الناس في بَيْع ولا شراء ولا معاملة، ولا تجارة، ولا مشاركة، ولا زراعة، ولا كان مُدّخِرا دينارا ولا درهما ولا متاعا، وإنما كان بضاعته مُدّة حياته وميراثه بعد وفاته، العلمُ اقتداء بسيّد المرسلين، وخاتم النبيين محمد - صلى الله عليه وسلم - ( [23] ) .
شيوخه
تلقى ابن تيمية رحمه الله العلم عن أعلام من علماء عصره، ساعده على ذلك اشتغاله بالعلم صغيرا، وحبه وشغفه فيه، ونهمه المتواصل على الاستفادة منهم؛ حتى قيل: إنه سمع من أكثر من مئتي شيخ.
ومن هؤلاء العلماء: ابن عبد الدائم، وابن أبي اليسر، والكمال ابن عبد، والمجد بن عساكر، وأصحاب الخشوعي، وأحمد بن شيبان، والقاسم الأرْبَلي، وخلق كثير ( [24] ) .
تلاميذه
كان لشغف شيخ الإسلام بالعلم ومحبته له، وهمته العالية في تتبع العلماء والأخذ عنهم أثرٌ بالغ في جعله من أوعية العلم؛ ورائدا من رواده، فاشتهر أمره وبَعُد صيته، واتصل به كثير من ذوي الهمم العالية من كل بلاد الإسلام.
ومن هؤلاء الجلة:
الإمام المحدث الفقيه أبو عبد الله محمد بن أبي بكر الزُّرعي المعروف بابن قيم الجوزية، والإمام الحافظ الناقد مؤرخ الإسلام: أبو عبد الله محمد ابن أحمد الذهبي، والإمام المفسر المؤرخ: أبو الفداء ابن كثير الدمشقي، والإمام الحافظ: أحمد بن محمد بن عبد الهادي ( [25] ) .
مؤلفاته
كان لدى شيخ الإسلام بن تيمية مثابرة عظيمة لتأليف الكتب في مختلف العلوم والفنون، وجعل الله في مؤلفاته الخير والبركة، فتلقاها الناس بالقبول، وحرصوا على اقتنائها؛ لما اشتملت عليه من فوائد عظيمة مستنبطة من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -.
وقد أوصل بعض من ترجم له مؤلفاته إلى أكثر من خمس مئة مجلّد.
قال الذهبي: وما أبعد أن تصانيفه إلى الآن تبلغ خمس مئة مجلد ( [26] ) .(10/66)
وقال: وسارت بتصانيفه الركبان، ولعلها ثلاث مئة مجلد ( [27] ) .
وقال تلميذه البزار: ((وأما مؤلفاته ومصنفاته فإنها أكثر من أن أقدر على إحصائها، أو يحضرني جملة أسمائها، بل هذا لا يقدر عليه غالبا أحد؛ لأنها كثيرة جدا، كبارا وصِغارا)) ( [28] ) .
وقد حاول بعض تلاميذه إحصاءها كالبزار في "الأعلام العلية" ( [29] ) وابن عبد الهادي في "العقود الدرية" ( [30] ) وابن القيم في رسالة خاصة ذكر فيها: واحدا وأربعين وثلاث مئة ( [31] ) من مؤلفات شيخ الإسلام.
ومن هذه المؤلفات النفيسة:
1-درء تعارض العقل والنقل.
2-اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أهل الجحيم.
3-الصارم المسلول على شاتم الرسول.
4-الجواب الصحيح لمن بدّل دين المسيح.
5-منهاج السنة النبوية في نقد كلام الشيعة والقدرية.
6-الاستقامة.
وغيرها من الكتب النافعة المباركة.
وفاته
بعد حياة حافلة بالتعلم والتعليم والتأليف وجهاد بالقلب واللسان واليد لنصرة الدين وإعلاء كلمة الله توفي رحمه الله في العشرين من ذي القعدة في بُكرة ذلك اليوم، وذلك سنة ثمانٍ وعشرين وسبع مئة ( [32] ) .
وكان مسجونا في قلعة دمشق رحمه الله تعالى رحمة واسعة ( [33] ) .
وصف النسخة الخطية
هذه النسخة محفوظة في مركز مخطوطات المكتبة المركزية في الجامعة الإسلامية تحت رقم 2385/4، وهي مصورة عن الأصل المخطوط في دار الكتب المصرية في القاهرة، وهذه الرسالة ضمن مجموع فيه مؤلفات لعدد من العلماء، وليس فيه لشيخ الإسلام إلا هذه الرسالة.
اسم الكتاب:
يوجد في فهارس المخطوطات في الجامعة الإسلامية هذا الاسم: ((الرد على سؤال عن تفضيل علي على الخلفاء الراشدين)) . وليس هذا الاسم من وضع المصنف، وإنما هو مستل من السؤال الوارد لشيخ الإسلام بن تيمية.
وقد وضعت لهذا السؤال عنوانا وهو: "فضل أبي بكر" لأن الجواب يدور حول تفضيل أبي بكر على عليّ، وليس فيه ذكر لغيره من الخلفاء.(10/67)
ويوجد في فتاوى شيخ الإسلام بن تيمية التي جمعها الشيخ عبد الرحمن بن قاسم 4/414 جواب لهذا السؤال ولكنه مختصر.
نسبة الكتاب للمؤلف:
ليس ثمة ما يوجب الشك بأن هذه النسخة من تأليف شيخ الإسلام ابن تيمية؛ لأنه يوجد في الأصل المخطوط: سئل شيخ الإسلام أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن الشيخ مجد الدين بن عبد السلام ابن تيمية.
عدد أوراقها ومسطرتها:
تقع هذه النسخة في سبع أوراق ذات وجهين، تبدأ من أول [136/أ] وتنتهي في أواخر [142/ب] .
ويحتوي كل وجه على ستة عشر سطرا، وعدد كلمات كل سطر ثلاث عشرة كلمة تقريبا، وخطها مشرقي؛ وناسخها: صالح بن أحمد بن عبد القادر.
وعلى حاشية هذه النسخة إلحاقات لما سقط أثناء النسخ بخط الناسخ، وهذا فيه دليل على عناية الناسخ بها؛ وذلك بمراجعتها وقراءتها ( [34] ) مرة ثانية. إلا أن فيها بعض الأخطاء النحوية والإملائية، وفي النسخة سقط يسير لبعض الكلمات المعلومة من السياق ( [35] ) .
وبداية هذه النسخة ونهايتها:
((بسم الله الرحمن الرحيم وما توفيقي [إلا بالله] سئل الشيخ تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن الشيخ مجد الدين عبد السلام ...
تمت وبالخير عمت على يد أفقر عباد الله وأحوجهم إليه مغفرة صالح ابن أحمد بن عبد القادر غفر الله له ولوالديه وللمؤمنين والمؤمنات)) .
منهج ابن تيمية – رحمه الله –
المنهج الذي توخى السير عليه شيخ الإسلام فهو كما يأتي:
1-أورد الخصائص والفضائل التي اختص بها أبو بكر – رضي الله عنه – مدعما بالأدلة الصحيحة الصريحة التي تبيّن أنه لم يكن في الصحابة من يساريه.
2-أورد الأحاديث التي وردت في فضل علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – وبيّن أنها مشتركة بينه وبين غيره من الصحابة.
3-تعقب – رحمه الله – بعض الأحاديث التي استدل بها أهل الأهواء وبيّن أنها ليست ناهضة للاستدلال، ثم قام بتصويباته النفسية علميا، ونقدها تأريخيا وحديثيا نقدا رصينا.
النص المحقق(10/68)
بسم الله الرحمن الرحيم وما توفيقي [إلا بالله] ( [36] )
سئل الشيخ تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن الشيخ مجد الدين عبد السلام ابن تيمية - رحمهم [الله] ( [37] ) تعالى - عن رجل شريف متمسك بالسنة لكنه يحصل له أحيانا ريبة في تفضيل أبي بكر ( [38] ) وعمر وعثمان وعلي -رضي الله عنهم- فيغلب على ظنه أن علياً - رضي الله عنه - أفضل منهم، ويستدل بقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((أنت مني وأنا منك)) ( [39] ) .
وبقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((أنت مني بمنزلة هارون من موسى)) ( [40] ) وهارون كان من موسى بمنزلة رفيعة ولم يكن عنده أعز منه.
وبقوله - صلى الله عليه وسلم - يوم خيبر ( [41] ) : ((لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله، ويُحِبُّه الله ورسوله يفتح الله على يده)) فأعطاها لعلي ( [42] ) .
وبقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((من كنت مولاه فعليٌّ مولاه، اللهم والِ من والاه ( [43] ) ، وعادِ من عاداه، وأدر الحق معه كيفما دار)) ( [44] ) .
وبقوله يوم غدير خم ( [45] ) : ((أُذكركم الله في أهل بيتي)) ( [46] ) .
وبقوله تعالى: {فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم} الآية [آل عمران 61] ، وبقوله تعالى: {هذان خصمان اختصموا في ربهم} ( [47] ) [الحج 19] وبقوله سبحانه: {هل أتى على الإنسان حينٌ من الدهر لم يكن شيئاً مذكورا} [الإنسان 1] ، ويزعم أن هذه السورة نزلت في علي - رضي الله عنه - أفتونا.
الحمد لله [1/أ] رب العالمين. يجب أن نعلم أولاً أن التفضيل إنما يكون إذا ثبت للفاضل من الخصائص ما لا يوجد للمفضول، فإذا استويا في أسباب الفضل وانفرد أحدهما بخصائص لم يشركه فيها الآخر كان أفضل منه، وأمّا ما كان مشتركا بين الرجل وغيره من المحاسن فتلك مناقب وفضائل ومآثر لكن لا توجب تفضيله على غيره، وإذا كانت مشتركة فليست من خصائصه.(10/69)
وإذا كانت كذلك ففضائل الصديق - رضي الله عنه - الذي ميّز بها خصائص لم يشركه فيها أحد، وأما فضائل علي - رضي الله عنه - فمشتركة بينه وبين الناس غيره.
وذلك أن قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لو كنت متخذاً من أهل الأرض خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلا، لا تبقين في المسجد خوخة ( [48] ) إلا سدت إلا خوخة أبي بكر، إن أمنّ الناس عليَّ في صحبته لي وذات يده أبو بكر)) ( [49] ) ، أخرجاه في الصحيحين من حديث أبي سعيد ( [50] ) ( [51] ) ، وقصة الخلة في الصحيح من وجوه متعددة ( [52] ) .
وهذا الحديث فيه ثلاث خصائص لم يشرك أبا بكر فيها غيره:
قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن أمنّ الناس علينا في صُحبته وذات يده أبو بكر)) بيّن فيه أنه ليس لأحد من الصحابة عليه من حق في صحبته وماله مثل ما لأبي بكر رضي الله عنه.
الثاني: [1/ب] قوله: ((لا تبقين في المسجد خوخة إلا سدت إلا خوخة أبي بكر)) ، وهذا تخصيصٌ له دون سائر الصحابة، وقد أراد بعض الكذابين أن يروي لعلي - رضي الله عنه - مثل ذلك، لكن الصحيح الثابت لا يعارض بالضعيف الموضوع ( [53] ) .
الثالث: قوله: ((لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا)) فإنه نص أنه لا أحد ( [54] ) من البشر يستحق الخلة لو كانت ممكنة إلا أبو بكر، ولو كان غيره أفضل منه لكان أحق بالخلة لو كانت واقعة.
وكذلك أمره لأبي بكر أن يُصَلِّي ( [55] ) بالناس ( [56] ) مدة مرضه من خصائصه التي لم يشركه فيها أحد، ولم يأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أمته أن تصلي خلف أحد في حياته بحضرته إلا خلف أبي بكر ( [57] ) .
وكذلك تأميره له من المدينة على الحج ليقيم السنة ويمحو أثر الجاهلية، فإن هذا من خصائصه ( [58] ) .(10/70)
وكذلك قوله في الحديث الصحيح: ((أُدع لي أباك أو أخاك حتى أكتب لأبي بكر كتابا لا يختلف عليه الناس من بعدي)) ثم قال عليه الصلاة والسلام: ((يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر)) ( [59] ) وأمثال هذه الأحاديث كثيرة ( [60] ) تبين أنه لم يكن في الصحابة من يساويه.
وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((أنت مني وأنا منك)) ( [61] ) فهذه العبارة قد قالها لغيره من المؤمنين، كما قالها -[عليه الصلاة و] ( [62] ) السلام - لجليبيب ( [63] ) الذي قتل عدة من الكفار: ((هذا مني وأنا منه)) ( [64] ) .
وفي الصحيحين: ((إن الأشعريين ( [65] ) إذا كانوا في السفر ونقصت نفقة [2/أ] عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان معهم في ثوب واحد ثم قسموه بينهم بالسويّة؛ هم مني وأنا منهم)) ( [66] ) ، فقد جعل الأشعريين أبا موسى ( [67] ) وأبا عامر ( [68] ) وغيرهما منه وهو منهم، كما قال لعلي: ((أنت مني وأنا منك)) ( [69] ) .
وقال تعالى: {والذين ءامنوا من بعدُ وهاجروا وجهدوا معكم فأولئك منكم} [الأنفال 75] وقال تعالى: {ألم تَرَ إلى الذين تولَّوا قوماً غضب اللهُ عليهم ما هم منكم ولا منهم} [المجادلة 14] وقال تعالى: {ويحلِفون بالله إنَّهم لمنكم وما هم منكم} [التوبة 56] .
وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((من غشنا فليس منا، ومن حمل علينا السلاح فليس منا)) ( [70] ) ونحو ذلك، وهذا يقتضي أن السليم من هذه الكبائر يكون منا، وهذه العبارة تستعمل في النوع الواحد فيقال: هذا من هذا، إذا كان من نوعه، فكل من كان من المؤمنين الكاملين الإيمان فهو من النبي - صلى الله عليه وسلم - والنبي منه.(10/71)
وقوله - صلى الله عليه وسلم - في قصة بنت حمزة: ((أنت مني وأنا منك)) ( [71] ) . وكقوله لزيد ابن حارثة ( [72] ) : ((أنت أخونا ومولانا)) ( [73] ) ، ومعلوم أن هذا ليس مختصا بزيد بل كل من كان من مواليه يطلق عليه هذا الكلام لقوله تعالى: {فإن لم تَعلموا ءاباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم} [الأحزاب 5] فكذلك قوله لعلي: ((أنت مني وأنا منك)) ( [74] ) وليس ذلك من خصائصه، بل من كان موافقاً للنبي - صلى الله عليه وسلم - في كمال الإيمان كان من النبي - صلى الله عليه وسلم - والنبي منه.
وكذلك قوله: ((لأعطين [2/ب] الراية غدا رجلا يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله)) هو من أصح الأحاديث وهو أصح حديث روي في فضائل علي - رضي الله عنه - أخرجاه في الصحيحين ( [75] ) ، وقد زاد فيه بعض الكذابين: ((إن الراية أخذها أبو بكر وعمر فهربا)) ( [76] ) .
وفي الصحيح أنه لما قال - صلى الله عليه وسلم -: ((لأعطين الراية رجلا)) قال عمر: ((ما أحببت الإمارة إلا يومئذٍ)) ( [77] ) ، واستشرف لها عمر وغيره، ولو جاء منهزماً لما استشرف لها، فهذا الحديث رد على الناصبة الواقعين في علي - رضي الله عنه - تباً لهم؛ فإنه مؤمن تقي يحب الله ورسوله، [ويحبه الله ورسوله] ( [78] ) ، ولكن ليس هذا من خصائصه، بل كل مؤمن كامل الإيمان يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، وقد قال تعالى: {فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه} [المائدة 54] وهؤلاء الذين قاتلوا أهل الردة وإمامهم أبو بكر - رضي الله عنه - وفي الصحيح أنه قال - صلى الله عليه وسلم - للأنصار: ((والله إني لأحبكم)) ( [79] ) .
وفي الصحيح أن عمرو بن العاص ( [80] ) سأله: أي الناس أحبّ إليك؟ قال: ((عائشة)) قال: فمن الرجال؟ قال: ((أبوها)) . وهذا فيه أن أبا بكر أحبّ الرجال إليه، وهذا من خصائصه رضي الله عنه ( [81] ) .(10/72)
وكان أسامة بن زيد ( [82] ) يسمى الحبّ ابن الحبّ لحبّ النبي - صلى الله عليه وسلم - له ولأبيه ( [83] ) . وأمثال هذه النصوص التي تبين أنه ليس كل شخص عرف أنه يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله يجب أن يكون أفضل الخلق؛ فإن هذا الوصف ثابت لخلائق [3/أ] كثيرين، فليس هذا من خصائص الشخص المعين.
وأما قوله: ((أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى)) ( [84] ) فحديث صحيح، وهذا قاله في غزوة تبوك ( [85] ) لما استخلفه على المدينة فطعن الناس فيه وقالوا: إنما استخلفه لأنه يبغضه ( [86] ) ، فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا خرج من المدينة استخلف عليها رجلاً من أمته، وكان يكون بها رجال من المؤمنين يستخلفه عليهم، فلما كان عام تبوك لم يأذن لأحد من المؤمنين القادرين في التخلف، فلم يتخلف أحد بلا عذرٍ إلا عاص لله ورسوله، فكان ذلك استخلافا ضعيفا، فطعن فيه المنافقون بهذا السبب، فبين النبي - صلى الله عليه وسلم - أني لم استخلفك لنقص قدرك عندي فإن موسى استخلف هارون وهو شريكه في الرسالة، أفما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى فتخلفني في أهلي كما خلف هارون أخاه موسى.(10/73)
ومعلوم أنه استخلف غيره ( [87] ) قبله، وكان أولئك منه بهذه ( [88] ) المنزلة، فلم يكن هذا من خصائصه. ولو كان هذا الاستخلاف أفضل من غيره لم يخف ذلك على علي - رضي الله عنه - ولم يخرج إليه وهو يبكي ( [89] ) ويقول: ((أتخلفني في النساء والصبيان)) . ومما بين ذلك أنه بعد هذا الاستخلاف أمّر عليه أبا بكر عام تسع، فإن هذا الاستخلاف كان في غزوة تبوك في أوائلها، فلما رجع من الغزو وأمّر [3/ب] أبا بكر ( [90] ) على الحج ثم أردفه بعلي فلما لحقه قال: ((أميرٌ أو مأمور)) قال: ((بل مأمور)) ( [91] ) ، فكان أبو بكر يصلي بعلي وغيره، ويأمر عَلَى علي وغيره من الصحابة يُطيعون أبا بكر، وعلي يتعاطى نبذ العهود التي كانت بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين المشركين، لأن العادة كانت جارية أنه لا يعقد العقود ولا يحلها إلا رجل من أهل بيته، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يبلغ عني العهد إلا رجل من أهل بيتي)) ( [92] ) للعادة الجارية.
ولم يكن هذا من خصائص علي - رضي الله عنه - بل أي رجل من عترته نبذ العهد حصل به المقصود، لكن علي أفضل بني هاشم بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكان أحق بالتقديم من سائر الأقارب، فلما أُمر أبو بكر عليه بعد قوله: ((أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى)) علمنا أنه لا دلالة في ذلك على أنه بمنزلة هارون من كل وجه؛ إذ لو كان كذلك لم يُقدَّم عليه أبو بكر لا في الحج ولا في الصلاة كما أن هارون لم يكن موسى يقدِّم عليه غيره، وإنما شبهه به في الاستخلاف خاصّة، وهذا أمر مشترك بينه وبين غيره.(10/74)
وقد شبّه النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصحيح أبا بكر بإبراهيم وعيسى، وشبّه عمر بنوح وموسى ( [93] ) ، لما أشارا عليه في أسارى بدرٍ: هذا بالفدى وهذا بالقتل. وهذا أعظم من تشبيه علي بهارون، ولم يوجب ذلك أن يكونا بمنزلة أولئك الرسل مطلقا، ولكن تشابها بالرسل: هذا في [لينه في الله وهذا] ( [94] ) [4/أ] في شدته في الله، وتشبيه الشيء بالشيء لمشابهته به من بعض الوجوه كثير في الكتاب والسنة وكلام العرب.
وأما قوله: ((من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله وأدر الحق معه كيفما دار)) ( [95] ) .
فهذا الحديث ليس في شيء من الأمهات إلا في الترمذي ( [96] ) وليس فيه إلا: ((من كنت مولاه فعلي مولاه)) ( [97] ) وأما الزيادة فليست في الحديث، وقد سئل عنها الإمام أحمد - رحمه الله - فقال: ((الزيادة كوفية)) ( [98] ) .
ولا ريب أنها كذب لوجوه:
أحدها: أن الحق لا يدور مع شخص معين بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - لا مع أبي بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي - رضي الله عنهم –؛ لأنه لو كان كذلك كان بمنزلة النبي - صلى الله عليه وسلم - يجب اتباعه في كل ما يقوله، ومعلوم أن عليا كان ينازعه أصحابه وأتباعه في مسائل كثيرة ولا يرجعون فيها إلى قوله، بل فيها مسائل وجد فيها نصوص عن النبي - صلى الله عليه وسلم - توافق قول من نازعه، كالمتوفى عنها زوجها وهي حامل، فإن عليا – رضي الله عنه – أفتى أنها تعتد أبعد الأجلين ( [99] ) ، وعمر وابن مسعود ( [100] ) – رضي الله عنهما – وغيرهما أفتوا بأنها تعتد بوضع الحمل ( [101] ) ، وبهذا جاءت السنة ( [102] ) . وسئل النبي - صلى الله عليه وسلم - - وكان أبو السنابل ( [103] ) يفتي بمثل قول علي - رضي الله عنه - فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: [4/ب] ((كذب أبو السنابل قد حللت فانكحي)) ( [104] ) قوله لسبيعة الأسلمية ( [105] ) لما سألته عن ذلك.(10/75)
وقوله: ((اللهم انصُر من نصره، واخذل من خذله)) خلاف الواقع؛ فإن الواقع ( [106] ) ليس كذلك، بل قاتل معه أقوام يوم صفين فما انتصروا ( [107] ) ، وأقوام لم يقاتلوا معه فما خذلوا كسعد ابن أبي وقاص ( [108] ) الذي فتح العراق لم يقاتل معه، وكذلك أصحاب معاوية ( [109] ) وبني أمية ( [110] ) الذين قاتلوه فتحوا ( [111] ) كثيرا من بلاد الكفار ونصرهم الله تعالى.
وكذلك قوله: ((والِ من والاه، وعادِ من عاداه)) مخالف لأصول الإسلام؛ فإن القرآن قد بين أن المؤمنين مع اقتتالهم وبغي بعضهم على بعض هم إخوة مؤمنون كما قال تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحبُّ المقسطين. إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم} [الحجرات 9، 10] فكيف يجوز أن يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - للواحد من أمته: ((اللهم وال من والاه وعادِ من عاداه)) ( [112] ) والله تعالى قد أخبر أنه ولي المؤمنين والمؤمنون أولياؤه وأن بعضهم أولياء بعض، وأنهم إخوة وإن اقتتلوا وبغى بعضهم على بعض.
وأما قوله: ((من كنت [5/أ] مولاه فعليٌّ مولاه)) ففي علماء الحديث من طعن فيه كالبخاري ( [113] ) وغيره، ومنهم من حسنه كأحمد بن حنبل والترمذي وغيرهما.(10/76)
فإن كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قال ذلك أراد به ولاية يختص بها أو لم يرد به إلا الولاية [المشتركة وهي ولاية الإيمان التي جعلها الله بين المؤمنين. وتبين] ( [114] ) بهذا أن عليا - رضي الله عنه - من المؤمنين المتقين الذين ( [115] ) يجب موالاتهم ليس كما تقول النواصب أنه لا يستحق الموالاة، والموالاة ضد المعاداة ولا ريب أنه يجب موالاة جميع المؤمنين، وعلي من سادات المؤمنين كما يجب موالاة أبي بكر وعمر وعثمان وسائر الصحابة المهاجرين والأنصار - رضي الله عنهم - ولا يجوز معاداة أحد من هؤلاء، ومن لم يوالهم فقد عصى الله ورسوله ونقص إيمانه بقدر ما ترك من موالاتهم الواجبة، وقد قال تعالى: {إنما وليكم الله ورسوله والذين ءامنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكوة وهم راكعون. ومن يتولَّ الله ورسوله والذين ءامنوا فإن حزب الله هم الغالبون} [المائدة 55، 56] وهذه موجبة لموالاة جميع المؤمنين.
وحديث التصدق بالخاتم في الصلاة كذب موضوع باتفاق أهل المعرفة، وذلك مبين من وجوه كثيرة مبسوطة في غير هذا الموضع ( [116] ) .
وأما قوله في يوم غدير خم: ((أذكركم بالله في أهل بيتي)) فهذا حديث رواه مسلم ( [117] ) ، وليس هذا من خصائص علي بل هو مساوٍ لجميع أهل البيت [5/ب] : علي وجعفر وعقيل وآل العباس، وأبعد الناس عن هذه الوصيّة الرافضة؛ فإنهم من شؤمهم يعادون العباس وذريته، بل يعادون جمهور أهل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - ويعينون الكفار عليهم، كما أعانوا التتار على الخلفاء من بني العباس، فهم يعاونون الكفار ويعادون أهل البيت، وأما أهل السنة فيعرفون حقوق أهل البيت ويحبونهم ويوالونهم ويلعنون من ينصب لهم العداوة.(10/77)
وأما آية المباهلة [عمران 61] فليست أيضاً من خصائصه - رضي الله عنه - بل قد دعا عليا وفاطمة والحسن والحسين كما رواه مسلم ( [118] ) ، ودعوتهم لم تكن لأنهم أفضل أمته بل لأنهم أخص أهل بيته. كما روى مسلم عن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أدى زكاة علي وفاطمة والحسن والحسين وقال: ((اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا)) ( [119] ) فدعا لهم دعوة خصهم بها.
ولما كانت المباهلة بالنساء والأبناء والأنفس ودعا هؤلاء، ولفظ الأنفس يعبّر بها عن النوع الواحد كما قال تعالى: {لولا إذ سمعتموه ظنّ المؤمنون والمؤمنت بأنفسهم خيرا} [النور 12] يعني عامة وقال تعالى: {فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم} [البقرة 54] أي يقتل بعضكم بعضا.
وهذا مثل قوله: ((أنت مني وأنا منك)) ليس المراد أنه من ذاته، ولا ريب أن أعظم الناس قدرا من الأقارب هو علي - رضي الله عنه - فله مزية القرابة والإيمان ما لا يوجد [6/أ] لبقيّة القرابة والصحابة فدخل بذلك في المباهلة، وذلك لا يمنع أن يكون في غير الأقارب من هو أفضل منه؛ لأن المباهلة وقعت بالأقارب، فلهذا لم يباهل بأبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم - ونحوهم.
وأما قوله تعالى: {هذان خصمانِ اختصموا في ربهم} [الحج 19] ففي الصحيح عن أبي ذر - رضي الله عنه - أنها نزلت في المختصمين يوم بدر، وأول من برز من المؤمنين علي وحمزة وعبيدة بن الحارث - رضي الله عنهم - برزوا لعتبة وشيبة والوليد بن عتبة ( [120] ) .
وهذه فضيلة مشتركة أيضاً بين علي وحمزة وعبيدة بن الحارث، بل سائر البدريين يشاركونهم في هذه الخصومة، ولو قدر أنها نزلت في الستة ( [121] ) المبارزين ( [122] ) فلا يدل على أنهم أفضل من غيرهم، بدليل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - والحسن والحسين وأبا بكر ( [123] ) وعمر وعثمان [وغيرهم] ( [124] ) ممن هو أفضل من عُبيدة ابن الحارث باتفاق أهل السنة ( [125] ) .(10/78)
فهذه منقبة لهم وفضيلة، وليست من الخصائص التي توجب كون صاحبها أفضل من غيره.
وأما سورة {هل أتى} ( [126] ) وقول من يقول: إنها نزلت لما تصدقوا على مسكين ويتيم وأسير، ويذكرون أن ذلك كان لما تصدقت فاطمة - رضي الله عنها - بقوت الحسن [6/ب] والحسين. وهذا كذب؛ لأن سورة {هل أتى} مكية بالإجماع، والحسنين إنما ولدا بالمدينة بعد غزوة بدر باتفاق أهل العلم، وبتقدير صحتها ( [127] ) فليس هذا ما يدل على أن من أطعم مسكينا ويتيما وأسيرا كان أفضل الأمة وأفضل الصحابة، بل الآية عامة مشتركة بين كل من فعل هذا الفعل، وهي تدل على استحقاقه لثواب الله تعالى على هذا العمل وغيره من الأعمال كالإيمان بالله والصلاة في مواقيتها والجهاد في سبيل الله تعالى أفضل من هذا العمل بالإجماع ( [128] ) .
وهذا جواب هذه المسائل والله تعالى أعلم.
واعلم أن كل ما يظن أن فيه دلالة على فضيلة غير أبي بكر ( [129] ) إما أن يكون كذبا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإما أن يكون لفظا محتملا لا دلالة فيه، وأما النصوص المفصلة [لأبي بكر] ( [130] ) فصريحة ( [131] ) مع دلائل أخرى من القرآن والإجماع والاعتبار والاستدلال والله أعلم.
[سبب تسمية الرافضة] ( [132] )
وإنما سموا رافضة لأنهم رفضوا أبا بكر وعمر - رضي الله عنهما - ولم يرفضهما أحد من أهل الأهواء غيرهم، والشيعة دونهم وهم الذين يفضلون عليا ( [133] ) على عثمان - رضي الله عنهما - ويتولون أبا بكر وعمر، فأما الرافضة فلها غلو شديد في علي ذهب فيه ( [134] ) بعضهم مذهب النصارى في المسيح وهم السبابة ( [135] ) أصحاب عبد الله بن سبأ ( [136] ) ، وفيهم يقول الحميري:
قوم غلو في علي [7/أ] لا أبا لهم وأجشموا أنفساً في حبه تعبا
قالوا هو الله جل الله خالقنا من أن يكون ابن شيئاً أو يكون أبا
وقد أحرقهم عليّ - رضي الله عنه - بالنار ( [137] ) .(10/79)
ومن الروافض المغيرة بن سعد مولى بجيلة ( [138] ) ، قال الأعمش ( [139] ) : دخلت على المغيرة بن سعد فسألته عن فضائل علي - رضي الله عنه – فقال لي: إنك لا تحتملها، قلت: بلى، فذكر آدم عليه السلام فقال: علي خير منه، ثم ذكر من دونه من الأنبياء عليهم السلام فقال: علي خير منهم، حتى انتهى إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - فقال: علي مثله، فقلت: كذبت عليك لعنة الله، قال: قد أعلمتك أنك لا تحتمله.
ومن الروافض من يزعم أن عليا في السحاب، فإذا أظلتهم سحابة قالوا: السلام عليك يا أبا الحسن، وقد ذكر [ذلك] ( [140] ) بعض الشعراء ( [141] ) :
من الغَزّال منهم وابنِ باب ( [142] )
برئت من الخوارج لستُ منهم
يَرُدّون السلام على السحابِ
ومن قومٍ إذا ذكروا علياً
وأعلم أن ذاكَ من الصواب
ولكنّي أحبّ بكلّ قلبي
به أرجو غدا حُسن الثواب ( [143] ) ( [144] )
رسول الله والصِّديق حقا ( [145] )
تمت وبالخير عمت على يد أفقر عباد الله وأحوجهم إليه مغفرة: صالح بن أحمد بن عبد القادر، غفر الله له ولوالديه وللمؤمنين والمؤمنات.
الخاتمة:
تكلم شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – في هذه الرسالة القيمة وبيّن فيها أن الصديق – رضي الله عنه – أفضل الصحابة، بل أفضل هذه الأمة على الإطلاق بعد نبيها، لأنه جاءت في حقه أحاديث صحيحة صريحة لم يشركه فيها غيره من الصحابة وتميز بها؛ كثبوت الخلة لأبي بكر – رضي الله عنه – لو كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - خليل، وكذلك أمره - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر أن يصلي بالناس مدة مرضه، وكذلك تأميره له على الحج سنة تسع من الهجرة.
بينما غيره من الصحابة وردت في فضله أحاديث هي مشتركة بينه وبين غيره.
فائدة:(10/80)
ويحسن بنا أن نختم هذه الرسالة القيمة بأثر جاء بسند صحيح وعلى لسان عليّ رضي الله عنه نفسه، وفيه ذكر فضائل الشيخين ومنزلتهما في الإسلام، فالمسألة قد حكم فيها صاحب الشأن، وفيه أن مسألة التفضيل لها جذور تاريخية قديمة، وأنها ليست مجرد تفضيل بل تستخدم من بعض أهل الأهواء للطعن في كبار الصحابة أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما.
فعن سويد بن غَفلة ( [146] ) قال: مررت بنفر من الشيعة وهم يتناولون أبا بكر وعمر - رضي الله عنهما - وينتقصونهما، قال: فدخلت على علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - فقلت له: يا أمير المؤمنين إني مررت آنفا بنفر من أصحابك وهم يذكرون أبا بكر وعمر بغير الذي هما له من الأمر أهل، ولولا أنهم يرون أنك تضمر لهما بمثل ما أعلنوا ما اجتروا على ذلك، فقال علي: أعوذ بالله أن أُضمِر لهما إلا الحسن الجميل، لعن الله من أضمر لهما إلا الحسن الجميل، أخوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصاحباه ووزيراه - رحمة الله عليهما - ثم نهض دامعا عيناه يبكي قابضا على يديّ حتى دخل المسجد، وصعد المنبر فجلس عليه متمكنا قابضا على لحيته ينظر فيها - وهي بيضاء - حتى اجتمع له الناس، ثم قام فتشهد بخطبة بليغة موجزة، ثم قال: ما بال أقوام يذكرون سيدي قريش، وأبوي المسلمين بما أنا عنه متنزه وعما يقولون بريء وعلى ما يقولون معاقب، أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، إنه لا يحبهما إلا مؤمن تقي، ولا يبغضهما إلا فاجر رديء؛ صحبا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الوفاء والصدق، يأمران وينهيان ويقضيان ويعاقبان، ولا يجاوزان رأي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرى مثل رأيهما رأيا، ولا يحب كحبهما أحدا، مضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عنهما راض، ومضيا والمؤمنون عنهما راضون، أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر على صلاة المؤمنين فصلى بهم تسعة أيام في حياة رسول الله -(10/81)
صلى الله عليه وسلم -، فلما قبض الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - واختار له ما عنده، ولاّه المؤمنون ذلك، ثم أعطوه البيعة طائعين غير كارهين، أنا أول من سن ذلك من بني عبد المطلب، وهو لذلك كاره، يود لو أن أحدنا كفاه ذلك، كان والله خير من بقي وأرحمه رحمة وأرأفه رأفة وأبينه ورعا وأقدمه سنا وإسلاما، شبهه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بميكائل رحمة، وبإبراهيم عفوا ووقار، فسار بنا سيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى مضى على ذلك - رحمة الله عليه -، ثم ولي الأمر بعده عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - واستأمر المسلمين في ذلك، فمنهم من رضي ومنهم من كره فكنت فيمن رضي، فلم يفارق الدنيا حتى رضي من كان كرهه وأقام الأمر على منهاج النبي - صلى الله عليه وسلم - وصاحبه، يتبع آثارهما كاتباع الفصيل أثر أمه، كان والله رفيقا رحيما بالضعفاء والمؤمنين، عونا وناصرا للمظلومين على الظالمين، لا تأخذه في الله لومة لائم، ثم ضرب الله بالحق على لسانه، وجعل الصدق من شأنه حتى إن كنا لنظن أن ملكا ينطق على لسانه، أعز الله بإسلامه الإسلام، وجعل هجرته للدين قواما، ألقى الله له في قلوب المنافقين الرهبة، وفي قلوب المؤمنين المحبة، شبهه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بجبريل: فظا غليظا على الأعداء، وبنوح حنقا مغتاظا على الكفار، الضراء في طاعة الله آثر عنده من السراء في معصية الله. من لكم بمثلهما - رحمة الله عليهما - ورزقنا المضي على سبيلهما، فإنه لا يبلغ مبلغهما إلا باتباع آثارهما، والحب لهما، فمن أحبني فليحبهما ومن لم يحبهما فقد أبغضني وأنا منه بريء، ولو كنت تقدمت إليكم في أمرهما لعاقبت على هذا أشد العقوبة، إنه لا ينبغي أن أعاقب قبل التقدم، ألا فمن أُتيت به يقول هذا بعد اليوم فإن عليه ما على المفتري، ألا وخير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر الصديق وعمر الفاروق، ثم الله أعلم بالخير أين هو، أقول قولي هذا ويغفر الله(10/82)
لي ولكم ( [147] ) .
الهوامش والتعليقات
---
( [1] ) البخاري: الصحيح، كتاب المناقب 3/1305 رقم 3364.
( [2] ) البخاري: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة 3/1335 رقم 3451.
( [3] ) البخاري: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة 3/1337 رقم 3455.
( [4] ) البخاري: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة 3/1338 رقم 3456.
( [5] ) البخاري: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة 3/1342 رقم 3468.
( [6] ) ابن تغرى بردى: النجوم الزاهرة 1/271.
( [7] ) ابن حزم: جمهرة أنساب العرب 275، وانظر: التبيان شرح بديعة البيان لابن ناصر، وكتاب الزيادات للربعي، والمدخل لبكر أبو زيد 1/532.
( [8] ) التجيبي: برنامج ص213، وص192.
( [9] (ابن عبد الهادي: العقود الدرية ص2،3، ابن رجب: ذيل طبقات الحنابلة 4/387.
( [10] ) ياقوت: معجم البلدان ص235.
( [11] ) الذهبي: معجم الشيوخ 1/56، ابن عبد الهادي: العقود ص3.
( [12] ) العَجَلة بالتحريك: الدَّوْلاب. لسان العرب 11/428.
( [13] ) ابن عبد الهادي: العقود ص2، والبزار: الأعلام العليّة ص16، ابن كثير: البداية والنهاية 14/142.
( [14] ) الذهبي: السير: 23/291، ابن رجب: ذيل طبقات الحنابلة 4/249.
( [15] ) ابن كثير: البداية والنهاية: 13/320.
( [16] ) ابن عبد الهادي: العقود ص272، والبزار: الأعلام العليّة ص56، 57.
( [17] ) ابن رجب: الذيل على طبقات الحنابلة 4/383.
( [18] ) ابن الوزير: العواصم والقواصم 5/262.
( [19] ) البزار: الأعلام العلية ص69.
( [20] ) المصدر المتقدم: ص65.
( [21] ) البزار: الأعلام العليّة ص38.
( [22] ) المصدر المتقدم: ص47، 48.
( [23] ) البزار: الأعلام العلية ص44.
( [24] ) ابن عبد الهادي: العقود ص3، الذهبي: معجم الشيوخ ص56.
( [25] ) الذهبي: معجم الشيوخ 1/56.
( [26] ) ابن عبد الهادي: العقود ص25.
( [27] ) الذهبي: تذكرة الحفاظ 4/1497.
( [28] ) البزار: الأعلام العلية ص25.
( [29] ) البزار: الأعلام العلية ص26.
( [30] ) ابن عبد الهادي: ص26.(10/83)
( [31] ) طبعت بتحقيق صلاح الدين المنجد.
( [32] ) البزار: الأعلام العلية: ص84.
( [33] ) ابن عبد الهادي: العقود ص361.
( [34] ) ق1/أ، 1/ب، 2/أ، 3/أ، 4/أ، 5/ب، 7/ب.
( [35] ) 1/أ، 2/أ، 4/أ، 6/ب، 7/أ.
( [36] ) ساقط من الأصل.
( [37] ) ساقط من الأصل.
( [38] ) في الأصل: ((أبا بكر)) .
( [39] ) البخاري: الصحيح، كتاب الصلح باب كيف يكتبُ: هذا ما صالح فلان بن فلان.. 2/960 رقم 2552 ورقم 4005.
( [40] ) البخاري: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة باب مناقب علي 3/1359 رقم 3503 بلفظ: ((أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى)) ، وباب غزوة تبوك رقم 4154 وفيه زيادة مفيدة.
مسلم: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة 4/1870 رقم 2404.
( [41] ) خيبر: لفظ خيبر بلسان اليهود الحصن، وصار يطلق هذا الاسم على الولاية وتشتمل على سبعة حصون ومزارع ونخيل كثيرة فتحها النبي - صلى الله عليه وسلم - سنة سبع من الهجرة، وتقع شمال المدينة بحوالي 164 كيلا.
انظر: معجم البلدان 2/409، مرويات غزوة خيبر ص8.
( [42] ) البخاري: الصحيح، كتاب المغازي باب غزوة خيبر /1542 رقم 3973.
وهو بلفظ المصنف غير أنه قدم قوله: ((يفتح الله على يديه)) فجعله بعد قوله ((غدا رجلا)) .
( [43] ) قوله ((اللهم وال)) تكرر في الأصل، بعد قوله: ((والاه)) .
( [44] ) قوله: ((من كنت مولاه فعلي مولاه)) أخرجه الترمذي في سننه، كتاب المناقب 5/591 رقم 3713، من طريقين عن شعبة. وقال: هذا حديث حسن صحيح، وهو كما قال، ورجال الإسناد كلهم ثقات.
وأخرجه إلى قوله: ((وعاد من عاداه، وانصر من نصره)) الإمام النسائي في خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، بتخريج أبي إسحاق الحويني ص99، 100 رقم (95) قال المحقق: إسناده صحيح، وقد نقل عن ابن كثير في البداية والنهاية (5/210) قوله: ((وهذا إسناد جيد)) . وأخرج عبد الله ابن أحمد في زوائده على المسند (1/118) إلى قوله: ((واخذل من خذله)) .(10/84)
قلت: وتمامه: ((اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله)) وفي سنده: شريك بن عبد الله النخعي، وهو سيئ الحفظ، وعمرو ذي مر وهو مجهول.
قال الحافظ ابن حجر: ((وأما حديث ((من كنت مولاه فعلي مولاه)) فقد أخرجه الترمذي والنسائي، وهو كثير الطرق جدا، وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد، وكثير من أسانيدها صحاح وحسان)) اهـ.
وقال الذهبي في السير (8/334، 335) : ((هذا حديث حسن ومتنه متواتر)) يعني به الشطر الأول منه فقط.
وقد حسّن الشيخ الألباني - رحمه الله - الشطرين الأولين: ((من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه)) ثم قال: ((وأما قوله في الطريق الخامسة من حديث علي رضي الله عنه: ((وانصر من نصره واخذل من خذله)) ففي ثبوته عندي وقفة لعدم ورود ما يجبر ضعفه، وكأنه رواية بالمعنى للشطر الآخر من الحديث: ((اللهم وال من والاه وعاد من عاداه)) الصحيحة 4/343، 344 رقم (1750) .
قلت: وقد تقدم أن الحديث بشطر ((وانصر من نصره)) أيضاً ورد بسند صحيح رجاله كلهم ثقات، أما قوله: ((واخذل من خذله)) فلم أقف عليه بسند صحيح إلا ما أخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في زوائد المسند (1/118) وفيه: شريك بن عبد الله القاضي النخعي الكوفي، وهو صدوق يخطئ كثيرا، وفيه أيضاً عمر بن ذي مر، وقد ترجمه البخاري في الكبير (3/2/329-330) وقال: ((لا يعرف)) وكذا قال العقيلي، وذكره ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، فهو مجهول، ولذا فالحديث بهذه الزيادة ضعيف.
والشطر الأخير: ((وأدر الحق معه كيفما دار)) فقد أخرجه الترمذي في جامعه (5/592) (3714) كتاب المناقب، باب مناقب علي رضي الله عنه بلفظ: ((اللهم أدر الحق معه حيث دار)) وقال: ((هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه، والمختار ابن نافع شيخ بصري كثير الغرائب)) .(10/85)
وقال الحافظ في التقريب رقم 6525: ضعيف.
قلت: فهذا الشطر ضعيف لم يثبت من وجه يصح.
فيكون الحديث صحيحا إلى قوله: ((وانصر من نصره)) أما ما عدا ذلك وهو قوله: ((واخذل من خذله، وأدر الحق معه كيفما دار)) فلم يثبت.
( [45] ) غدير خم يعرف الآن باسم (الغُرَبَة) ، وهو غدير عليه نخل قليل لأناس من حرب، ويقع شرق الجحفة على ثمانية أكيال.
معجم معالم الحجاز 3/159.
( [46] ) مسلم: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة 4/1873 رقم 2408.
( [47] ) الآية في الأصل بالهامش بخط الناسخ.
( [48] ) الخوخة - بفتح الخاءين - باب صغير كالنافذة الكبيرة، وتكون بين بيتين ينصبُ عليها باب. النهاية 2/86.
( [49] ) البخاري: الصحيح، كتاب الصلاة، باب الخوخة والممر في المسجد 1/558 مع الفتح، رقم 466 و 467.
مسلم: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل أبو بكر الصديق 4/1854 رقم 2382 بلفظ - وهو أقرب لفظ للفظ المصنف -: ((إن أمنّ الناس عليّ في ماله وصحبته أبو بكر، ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكن أخوة الإسلام، لا تبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر)) .
وفي لفظ عنده من حديث عبد الله بن مسعود: ((لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا ... )) . مسلم: الصحيح رقم 2383.
وفي رواية: ((لا تبقينّ في المسجد باب إلا سُدّ إلا باب أبي بكر)) . البخاري مع الفتح 1/558، رقم 466 كتاب الصلاة باب الخوخة والممر في المسجد.
( [50] ) سعد بن مالك أبو سعيد الخدري، الأنصاري، له ولأبيه صحبه، شهد ما بعد أحد، وتوفي بالمدينة سنة ثلاث وستين، وقيل أربع وستين. التقريب ص232.
( [51] ) البخاري: الصحيح، كتاب المساجد 1/177 رقم 454. مسلم: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة 4/1854 رقم 2382.(10/86)
( [52] ) من ذلك: ما رواه ابن عباس - رضي الله عنهما - في صحيح البخاري، كتاب المساجد باب الخوخة والممر في المسجد 1/178، وفي فضائل الصحابة، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لو كنت متخذا خليلا)) 3/1338، وعن عبد الله بن الزبير 3/1338 رقم 3458. ومسلم: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة 4/1854، 1855 رقم 2382 و 2383 عن عبد الله ابن مسعود.
( [53] ) قال ابن الجوزي: طرقه كلها باطلة، وقال: هذه الأحاديث من وضع الرافضة قابلوا به حديث أبي بكر في الصحيح. (انظر: الفوائد المجموعة للشوكاني ص316) بينما يرى الحافظ ابن حجر في القول المسدد ص16-18 أن الأحاديث في هذا الباب صحيحة بل بمجموعها يقطع بصحتها.
وقال عبد الرحمن بن يحيى المعلمي في تعليقه على الفوائد المجموعة ص317 ما نصه: ((وتصدى الحافظ ابن حجر في القول المسدد والفتح للدفاع عن بعض روايات الكوفيين، وفي كلامه تسامح، والحق أنه لا تسلم رواية منها عن وهن)) .
قلت: وأقرب هذه الروايات إلى الصحة ما رواه الإمام النسائي عن طريق شعبة عن أبي بلج عن عمرو بن ميمون عن ابن عباس قال: أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأبواب المسجد فسُدّت إلا باب علي رضي الله عنه.
وإسناده صحيح.
الخصائص ص50 (41) .
وهو مخرج في جامع الترمذي 5/641 رقم 3732 كتاب المناقب باب مناقب علي.
وينظر: مجمع الزوائد 9/114، 115، فضائل الصحابة 2/581 رقم 985.
( [54] ) في الأصل: ((أحدٌ)) وهو لحن؛ لأن (لا) نافية للجنس، وحينئذٍ يكون اسمها منصوباً، فالتنوين لعله من الناسخ. والله أعلم.
( [55] ) في الأصل ((يُصل)) وهو تحريف؛ وذلك أن الفعل منصوب فيقال ويكتب: (أن يُصَلِّيَ) ، فلعلها من الناسخ. والله أعلم.
( [56] ) في الأصل: ((في الناس)) .
( [57] ) البخاري: الصحيح، كتاب الجماعة والإمامة 1/240 رقم 646.
مسلم: الصحيح، كتاب الصلاة 1/316 رقم 420.(10/87)
( [58] ) البخاري: الصحيح، كتاب الحج 2/586 رقم 1543. مسلم: الصحيح، كتاب الحج 2/982 رقم 1447.
( [59] ) البخاري: الصحيح مع الفتح، كتاب الأحكام 13/205 رقم (7217) بلفظ: ((لقد هممت - أو: أردت - أن أرسل إلى أبي بكر وابنه فأعهد، أن يقول القائل أو يتمنى المتمنون، ثم قلت: يأبى الله ويدفع المؤمنون، أو يدفع الله ويأبى المؤمنون)) .
وهو عند مسلم بلفظ: ((ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر)) كتاب فضائل الصحابة باب فضائل أبي بكر الصديق 4/1857 رقم2387.
( [60] ) ومنها حديث: ((ما طلعت الشمس ولا غربت على أحد بعد النبيين أفضل من أبي بكر الصديق)) ذكر ذلك الناسخ في الهامش بخطه.
قلت: أخرجه بنحوه أحمد في فضائل الصحابة 1/352 رقم 508، وإسناده ضعيف لتدليس ابن جريج، وفيه أبو بكر لم أعرفه.
وأخرجه عبد بن حميد في المنتخب 1/217 رقم 212، وفي إسناده أبو سعيد البكري لم أعرفه، وابن جريج وقد دلس.
( [61] ) البخاري: الصحيح، كتاب الصلح 2/960 رقم 2552، وقد تقدم، تخريجه ص19.
( [62] ) ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل.
( [63] ) قال الحافظ: غير منسوب، (الإصابة 1/253 رقم 1175) .
( [64] ) مسلم: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة باب فضائل جلبيب رضي الله عنه 4/1918 رقم 2472 بلفظ: ((قتل سبعة ثم قتلوه، هذا مني وأنا منه، هذا مني وأنا منه..)) الحديث.
وهو مخرج في سنن النسائي الكبرى أيضاً.
( [65] ) الأشعريون هم بنو الأشعر نبت بن أُدد بن ريد بن يشحب بن عريب بن زيد ابن كهلان بن سبأ. (جمهرة أنساب العرب ص397) .
( [66] (البخاري:الصحيح، كتاب الشركة باب الشركة في الطعام والعروض 5/153 رقم 2486.
مسلم: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة باب فضائل الأشعريين رضي الله عنهم 4/1944 رقم 2500 بلفظ: ((إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أو قل طعام عيالهم جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية؛ فهم مني وأنا منهم)) .(10/88)
( [67] ) عبد الله بن قيس أبو موسى الأشعري، صحابي مشهور، أمّره عمر ثم عثمان، وهو أحد الحكمين بصفين، توفي سنة خمسين. (التقريب ص318) .
( [68] ) أبو عامر الأشعري، صحابي، اسمه عبيد، وهو عم أبي موسى الأشعري، استشهد بحنين. (التقريب ص653) .
( [69] ) البخاري: الصحيح، كتاب الصلح 2/960 رقم 2552، وقد تقدم، تخريجه ص19.
( [70] ) البخاري: الصحيح، كتاب الفتن باب من حمل علينا السلاح فليس منا، أما قوله: ((من غشنا)) الحديث فلم يخرجه في صحيحه.
مسلم: الصحيح، كتاب الإيمان 1/98 رقم 98، وفيه تقديم الشطر الثاني.
( [71] ) سبق تخريجه ص19.
( [72] (زيد بن حارثة الكلبي، شهد بدرا وما بعدها وقتل في غزوة مؤتة وهو أمير. الإصابة 3/25، 26.
( [73] ) البخاري: الصحيح، كتاب الصلح باب كيف يكتب: هذا ما صالح عليه فلان بن فلان 2/960 رقم 2552.
( [74] ) سبق تخريجه ص 1246، حاشية 39.
( [75] ) البخاري: الصحيح، كتاب الجهاد 3/1086 رقم 2812. مسلم: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة 4/1871 رقم 2407، وقد سبق تخريجه ص! خطأ الإشارة المرجعية غير معرفة..
( [76] ) قلت: وقد ذكر هذه الرواية الهيثمي في مجمع الزوائد 9/124 من رواية ابن عباس عند الطبراني، وقال: ((وفيه حكيم بن جبير، وهو متروك ليس بشيء)) . ومن رواية ابن أبي ليلى عند البزار، ثم قال: ((وفيه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وهو سيء الحفظ وبقية رجاله رجال الصحيح..)) بلفظ: ((إن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا أبا بكر فعقد له لواء ثم بعثه فسار بالناس فانهزم حتى إذا بلغ ورجع فدعا عمر فعقد له لواء فسار ثم رجع منهزما بالناس، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله وبحبه الله ورسوله يفتح الله له ليس بفرار فأرسل..)) الحديث. مسند البزار 2/135 رقم 496.
قلت: قال الحافظ: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى: صدوق سيء الحفظ جدا. فالحديث ضعيف كما ترى.(10/89)
( [77] ) مسلم: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة باب فضائل علي 4/1871 رقم 2405
( [78] ) المثبت من الهامش بخط الناسخ.
( [79] ) البخاري: الصحيح، كتاب مناقب الأنصار، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنتم أحب الناس إليّ 3/1379 رقم 3574، 3575. بلفظ: ((اللهم أنتم من أحبّ الناس إلي)) قالها ثلاث مرات، يعني الأنصار. وفي حديث آخر: ((والذي نفسي بيده إنكم أحب الناس إلي)) قالها مرتين أو ثلاث مخاطبا لامرأة من الأنصار. هذا وما وقفت على لفظ المصنف في الكتب الستة. والله أعلم.
( [80] ) السهمي، الصحابي المشهور، أسلم عام الحديبية، وولي إمرة مصر مرتين، وهو الذي فتحها، توفي بمصر سنة نيف وأربعين.
(التقريب ص423) .
( [81] ) البخاري: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة، باب فضل أبي بكر بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - 7/22 رقم 3662.
مسلم: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة باب فضائل أبي بكر الصديق 4/1856 رقم 2384.
( [82] ) ابن حارثة الكلبي، الأمير، صحابي مشهور، توفي سنة أربع وخمسين بالمدينة. (التقريب ص98) .
( [83] ) البخاري: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب زيد بن حارثة 3/1365 رقم 3524 و3526.
( [84] ) سبق تخريجه ص 1246، حاشية 40.
( [85] ) تبوك: موضع بين وادي القرى والشام، خرج إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - في سنة تسع من الهجرة، وهي آخر غزواته، وتبوك الآن مدينة كبيرة وهي قاعدة شمال غرب المملكة، وتبعد عن المدينة حوالي سبع مائة كيل.
معجم البلدان 2/14، شمال غرب المملكة 1/349.
( [86] ) وقد ورد ذلك في حديث سعد بن أبي وقاص عند النسائي في الخصائص ص51 رقم (42) قال المحقق: إسناده صحيح بما بعده، ولفظه: ((لما غزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزوة تبوك خلّف عليا في المدينة، قالوا فيه: ملّه وكره صحبته..)) الحديث.(10/90)
قلت: فيه قتادة وقد عنعن وكان مدلسا، قال إسماعيل القاضي في "أحكام القرآن": ((سمعت علي بن المديني يضعف أحاديث قتادة عن سعيد بن المسيب تضعيفا شديدا ويقول: أحسب أن أكثرها بين قتادة وسعيد رجال)) .
وأخرجه ابن أبي عاصم في السنة رقم 1343 بنفس الإسناد، وأخرجه أبو نعيم في الحلية 7/196، والخطيب في التاريخ 1/324، 325 من طرق عن قتادة به. وله متابعات صحيحة ذكرت أصل الحديث، انظر: الترمذي: السنن رقم 3731، والنسائي: الخصائص رقم 43، 44، 46.
( [87] ) انظر: ابن هشام: السيرة 2/302، 3/92، 292، 298، 306، 401، 426، 4/59.
( [88] ) في الأصل: ((بهذا)) .
( [89] ) لم أقف على رواية صحيحة فيها ذكر بكاء علي رضي الله عنه، وقد ورد ذلك في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عند النسائي في الخصائص ص63 رقم 57، وفيه: قال علي رضي الله عنه: ((يا رسول الله! زعمت قريش أنك إنما خلفتني أنك استثقلتني وكرهت صحبتي وبكى علي رضي الله عنه ... )) الحديث. قال المحقق: ((إسناده ضعيف)) .
قلت: فيه عبد الله بن شريك وهو متكلم فيه، والحارث بن مالك مجهول. (التقريب رقم 1046، 3384) .
( [90] ) في الأصل: ((أبو بكر)) .
( [91] ) النسائي: كتاب الحج، باب الخطبة قبل يوم التروية 5/247 رقم 2993 بلفظ: قال له أبو بكر: أمير أم رسول؟ قال: لا بل رسول.. قال النسائي: ((ابن خُثيم ليس بالقوي في الحديث، وإنما أخرجت هذا لئلا يجعل ابن جريج عن أبي الزبير ... )) ... الخ (المصدر نفسه) .
وذكره الألباني في ضعيف سنن النسائي وقال: ضعيف الإسناد. رقم 2993.
( [92] ) قال الحافظ في الفتح 8/320 كتاب التفسير باب {وأذان من الله ورسوله ... } : ((وأخرج أحمد بسند حسن عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث ببراءة مع أبي بكر، فلما بلغ ذا الحليفة قال: لا يُبَلِّغُها إلا أنا أو رجل من أهل بيتي، فبعث بها مع علي)) . (المسند 13/434 رقم 13214) .(10/91)
قلت: وأخرجه الترمذي في سننه 5/275 رقم 3090 والنسائي في خصائص علي (70) ولفظ الترمذي: ((لا ينبغي لأحد أن يبلغ هذا إلا رجل من أهل بيتي فدعا عليا فأعطاه إياه)) . وقال: ((حسن غريب من حديث أنس)) .
قلت: وإسناده حسن، رجاله كلهم ثقات غير سماك بن حرب، فقد قال عنه الحافظ في التقريب: صدوق، وروايته عن عكرمة خاصة مضطربة، وقد تغير بأخرة فكان ربما يلقن. (التقريب رقم 2624) .
قلت: روايته هنا عن أنس بن مالك رضي الله عنه وليست عن عكرمة.
( [93] ) أحمد: المسند 1/383، وفضائل الصحابة 1/181، والترمذي: السنن 4/213 رقم 1714 كتاب الجهاد، جميعهم عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود.
قال الترمذي: ((هذا حديث حسن، وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه، وفي الباب عن عمر وأبي أيوب وأنس وأبي هريرة)) .
وله شاهد من حديث عمر أخرجه مسلم في صحيحه 3/1383 رقم 1763. فقول الترمذي: حسن، لعله يعني لشواهده، وإلا فقد صرح هو بانقطاعه. وليس في مسلم تشبيه أبي بكر وعمر بالأنبياء.
( [94] ) في الأصل بالهامش بخط الناسخ. والعبارة حصل فيها تقديم وتأخير في الأصل.
( [95] ) ابن تيمية: منهاج السنة 1/501، تقدم تخريجه ص 1247، حاشية 44.
( [96] ) سبق تخريجه ص! خطأ الإشارة المرجعية غير معرفة.. أما قوله: ((وأما الزيادة فليست في الحديث)) قلت: بلى إن الشطر الأخير: ((وأدر الحق معه حيثما دار)) مخرج في جامع الترمذي أيضاً 5/592 رقم 3714، ص 1231.
( [97] ) الترمذي: السنن 5/633. وقد سبق تخريجه ص 1247، حاشية 44.
( [98] ) لم أجد هذا النص.
( [99] ) روي عنه بوجه منقطع. (المغني 11/227) .
وانظر أيضاً: التمهيد (فتح البر في الترتيب الفقهي لتمهيد ابن عبد البر) ترتيب المغراوي 10/591 كتاب الطلاق، باب عدة الوفاة تنتهي بوضع الحمل.(10/92)
( [100] ) عبد الله بن مسعود الهُذَلي، أبو عبد الرحمن، من السابقين الأولين، ومن كبار العلماء من الصحابة، مناقبة جمة، مات سنة اثنتين وثلاثين، أو في التي بعدها بالمدينة. (التقريب ص323) .
( [101] ) ابن قدامة: المغني 11/227، 228، والخطابي: معالم السنن بهامش سنن أبي داود 2/729 كتاب الطلاق، باب في عدة الحامل.
( [102] ) منها ما أخرجه الإمام البخاري في صحيحه 5/2037 (5012، 5013، 5014) كتاب الطلاق باب {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن} من حديث سبيعة الأسلمية. ومنها: ((أفتاني النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ وضعتُ أن أنكح)) .
مسلم:الصحيح، كتاب الرضاع، باب انقضاء عدة المتوفى عنها زوجها بوضع الحمل 2/1122 رقم 1484 القصة بطولها.
( [103] ) أبوا السنابل بن بَعْكَك بن الحارث القرشي، قيل اسمه: عمر، وقيل غير ذلك، صحابي مشهور (التقريب ص646) .
( [104] ) أخرجه باللفظ الذي ساقه المصنف أحمد في مسنده 1/447.
قال الهيثمي - بعد أن ذكر هذا الحديث -: ((ورجاله رجال الصحيح)) .
وأخرجه أيضاً الإمام البيهقي في السنن الكبرى 7/429. وانظر التعليق السابق.
( [105] ) سُبيعة بنت الحارث الأسلمية، زوج سعد بن خولة، لها صحبة. (التقريب ص748) .
( [106] ) قوله ((فإن الواقع)) في الأصل بالهامش.
( [107] ) قلت: كان علي - رضي الله عنه - قريبا من الانتصار العسكري في صفين، لكنه نزل على تحكيم كتاب الله لما دُعي إليه، وأوقف الحرب، لأنه يرى أو كما قال بعد ذلك: ((وكتاب الله كله لي)) أي يحكم لي. فيرى أنه سيحقق ما يريد عن طريق التحكيم بدلا من القتال، لكن التحكيم فشل ولم يخرجوا منه بالنتيجة التي أرادوها منه. ولم يتمكن بعد ذلك من غزو الشام وإدخالها في الجماعة والبيعة، بسبب ظهور الخوارج ودخول الوهن على بعض جيشه.(10/93)
ويبدو أن الذي يعنيه شيخ الإسلام بعدم الانتصار هو عدم تحقيق الهدف الذي أراده الخليفة علي - رضي الله عنه - من غزو الشام وهو إدخاله ضمن خلافته.
أما المعروف عن علي - رضي الله عنه - فإنه لم يَخِبْ في أي معركة دخلها، ولم يُهزم في معركة قط.
وأما الذين لم يدخلوا المعركة أصلا كسعد بن أبي وقاص فذلك بناء على اجتهاده رضي الله عنه، ولا نستطيع أن نقول إنه أراد بذلك خذل عليّ رضي الله عنه، فكيف يترتب عليه خذله رضي الله عنه.
ولا يشك أحد منا أن عليا رضي الله عنه كان أقرب إلى الحق من معاوية رضي الله عنه بدليل حديث عمار.
وهذا الذي قاله شيخ الإسلام بأن معاوية وأصحابه انتصروا وفتحوا البلاد مع أنهم خذلوا عليا يقال بأن أصحاب معاوية ما أرادوا ذلك وإنما كان همهم شيئاً آخر وهو القصاص، والذي جعلهم يقاتلونه - رضي الله عنه – أمر خارجي وليس بغضه، فهذا اجتهاد منهم، وهم على اجتهادهم مأجورون، بل كانوا يحبونه بدليل حديث صحيح مروي عن علي أنه قال: ((والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة إنه لعهد النبي إليّ أن لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق..)) صحيح مسلم 1/64 من الجزء الثاني كتاب الإيمان باب حب علي من الإيمان، وبلا شك فهم كانوا مؤمنين وقد وصفهم الله عزّ وجلّ بذلك في كتابه: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا..} . وبهذا ظهر الأمر جليا أن معاوية ومن معه رضوان الله عليهم أجمعين لم يكن قتالهم ناشئاً من العداوة، وإنما ذلك من أجل القصاص لدم عثمان رضي الله عنه، وإلا فهم كانوا يوالونه موالاة المؤمنين بعضهم لبعض ولم يكونوا يعادونه لا قبل تلك المعارك ولا بعدها.
فإذا كان الأمر كذلك فلا معارضة إذاً بين الحديث والواقع، علماً بأن الحديث لم يصح بجميع أجزائه، وإنما صح منه بعض الأطراف دون غيرها. وقد سبق بيان ذلك ص20،21.(10/94)
( [108] ) هنا تجنب المؤلف أن يقول: ((خذلوه)) وقال: ((لم يقاتلوا معه)) لأن سعداً جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من طريقه أحاديث في فضل علي في الصحيحين وغيرهما، ويعتبر مبايعا له، ولكن توقف عن نصرته لأنه لا يرى القتال بين المسلمين، وصح عنه قوله: ((ائتوني بسيف له عينان وشفتان يقول هذا مسلم وهذا كافر)) أو كما قال.
( [109] ) ابن أبي سفيان.
( [110] ) بنو أمية في دولتهم انتصروا في الجهاد في سبيل الله كمن سبقهم من الخلفاء الراشدين والنبي - صلى الله عليه وسلم -. لكنهم أيضاً لم ينتصروا في صفين وهي الحرب الوحيدة مع علي رضي الله
عنه، بل كادوا أن يُهزموا فيها لولا أن عليا أوقف القتال عندما طلبوا منه تحكيم الكتاب بينهم.
( [111] ) في الأصل ((وفتحوا)) .
( [112] ) وذلك لأنه لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق، مثل ما ورد ذلك في الأنصار: ((آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار)) وفي لفظ آخر: ((الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق ... )) البخاري: كتاب مناقب الأنصار باب حب الأنصار من الإيمان 3/1379 رقم 3572، 3573.
( [113] ) قلت: ما وقفت على طعن الإمام البخاري في هذا الحديث إلا ما جاء في تاريخه الكبير 1/1/375 (1191) في ترجمة إسماعيل بن نشيط العامري، فساق السند والمتن ثم قال: ((في إسناده نظر)) . وهذا حكم خاص بالنسبة لهذا السند الذي ساقه، وليس ذلك حكماً عاماً على الحديث. والله أعلم.
( [114] ) في الأصل بالهامش بخط الناسخ.
( [115] ) في الأصل ((الذي)) .
( [116] ) لم أجده.
( [117] ) مسلم: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة 4/1873 رقم 2408.
( [118] ) مسلم: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل علي بن أبي طالب 4/1871 رقم 2404.
( [119] ) مسلم: الصحيح، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل أهل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - علي بن أبي طالب 4/1883 رقم 2424.(10/95)
( [120] ) البخاري: الصحيح، كتاب التفسير باب {هذان خصمان} 4/1768 رقم 4466.
( [121] ) في الأصل: ((الستت)) .
( [122] ) بذلك جاء الحديث، فقد قال أبو ذر رضي الله عنه - وكان يقسم فيها قسما -: ((إن هذه الآية {هذان خصمان اختصموا في ربهم} نزلت في حمزة وصاحبيه، وعتبة وصاحبيه يوم برزوا في يوم بدر ... )) الحديث. البخاري 4/1768.
( [123] ) في الأصل ((أبو بكر)) وهو خطأ؛ لأنه معطوف على (النبي) وهو منصوب اسم (أن) .
( [124] ) في الأصل بالهامش بخط الناسخ.
( [125] ) الجملة غير تامة بسقوط خبر (أن) ، ولعل الخبر أن يقال: انهم لم يدخلوا في هذه الخصومة، أو ما شابه ذلك، مما تتم به الجملة.
( [126] ) ذكر الإمام السيوطي في الدر المنثور 6/485: ((وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {ويطعمون الطعام على حبه..} الآية قال: نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب، وفاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)) اهـ.
( [127] ) في الأصل: ((صحتهما)) .
( [128] ) ما بعد هذا لا يوجد في مجموع الفتاوى.
( [129] ) أي على أبي بكر.
( [130] ) ساقط من النص مصحح في الهامش بخط الناسخ.
( [131] ) قوله: ((صريحة)) تكرر في الأصل فحذف.
( [132] ) ما بين المعقوفتين زيادة مني.
( [133] ) في الأصل: ((علي)) وهو لحن.
( [134] ) في الأصل: ((فيهم)) .
( [135] ) في الأصل: ((السبابة)) والمراد بهم السبئية، أتباع عبد الله بن سبأ، ولعل هذا الاسم من أسمائهم.
( [136] ) انظر الطبري: التاريخ 7/181، وابن قتيبة: المعارف ص622.
( [137] ) خبر إحراقهم ورد عند البخاري: الصحيح مع الفتح 12/267 رقم 6922، وانظر الفتح 12/370.
( [138] ) انظرالطبري: التاريخ 7/128.
( [139] ) سليمان بن مهران الأسدي الكاهلي، ثقة حافظ عارف بالقراءات، ورع، لكنه يدلِّس، توفي سنة سبع وأربعين ومئة.
(التقريب رقم 254) .
( [140] ) زيادة يقتضيها السياق.
( [141] ) إسحاق بن سويد العدوي.(10/96)
( [142] ) في الأصل: ((ابن داب)) والتصويب من البيان والتبيين.
والغزال: هو واصل بن عطاء، وابن باب: عمرو بن عبيد؛ وهما من المعتزلة.
( [143] ) البيان والتبيين 1/23.
( [144] ) في الهامش: ((ومنه كلامهم: كفى في فضل مولانا عليّ وقوع الشك في أنه هو الله، ومات الشافعي وليس يدري عليٌّ ربه أم ربه الله)) .
وجاء في هامش الأصل تحت هذه الفقرة: ((فيه ما فيه)) . قلت: تعالى الله عن قولهم، وبرأ الله الشافعي من قولهم الباطل.
( [145] ) في البيان والتبيان ((حُبّاً)) .
( [146] ) الجعفي، مخضرم من كبار التابعين، توفي سنة ثمانين. (التقريب ص260) .
( [147] ) أبو إسحاق الفزاري: كتاب السير ص327 (647) ورجاله رجال الصحيح، وأورد هذا النص كاملا ابن قدامة في منهاج القاصدين في فضائل الخلفاء الراشدين ق75، 76، 77، وأورده بألفاظ مقاربة خيثمة بن سليمان، من حديث خيثمة بن سليمان ص122، 123، 124، والتيمي في سير السلف ص162، 163. وأورده مختصرا ابن الأثير في أسد الغابة 3/661، وذكره المتقي الهندي في كنز العمال 13/22،23. وانظر في ثناء علي على عمر – رضي الله عنهما – بعد موته، ابن عبد الهادي: محض الصواب 3/854.
المصادر والمراجع
- ابن الأثير: علي بن محمد الجزري (ت630هـ) .
1. أسد الغابة في معرفة الصحابة، دار الفكر، بدون تاريخ.
- ابن الأثير: المبارك بن محمد الجزري (ت606هـ) .
2. النهاية في غريب الحديث، طبع بعناية طاهر أحمد الزاوي، ومحمود محمد الطناحي، المكتبة العلمية، بيروت، بدون تاريخ.
- أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني (ت240هـ) .
3. فضائل الصحابة، تحقيق وصي الله بن محمد عباس، طبعة البحث العلمي في جامعة أم القرى، مكة، الطبعة الأولى 1403هـ – 1983م.
4. المسند، تحقيق شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة.
5. المسند، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الخامسة 1405هـ-1985م.
- الألباني: محمد ناصر الدين.(10/97)
6. سلسلة الأحاديث الصحيحة، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الرابعة 1405هـ-1985م.
7. ضعيف سنن النسائي، المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى 1411هـ-1990م.
- البخاري: أبو عبد الله محمد بن إسماعيل الجعفي (ت256هـ) .
8. التاريخ الكبير، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، بدون تاريخ.
9. الجامع الصحيح، طبع بعناية مصطفى ديب البغا، مطبعة اليمامة، دمشق، الطبعة الثالثة 1407هـ-1986م.
- البزار: عمر بن علي البزّار (ت749هـ) .
10. الأعلام العليّة في مناقب ابن تيمية، حققه زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، الطبعة الثانية 1396هـ بيروت.
- بكر بن عبد الله أبو زيد.
11. المدخل المفصل إلى فقه الإمام أحمد بن حنبل، طبع المجمع الفقهي، نشر دار العاصمة، الرياض، الطبعة الأولى 1417هـ.
- البلادي: عاتق بن غيث.
12. معجم معالم الحجاز، دار مكة، الطبعة الأولى 1400هـ-19980م.
- التجيبي: القاسم بن يوسف السبتي (ت730هـ) .
13. برنامج التجيبي، تحقيق عبد الحفيظ منصور، الدار العربية للكتاب، تونس 1981م.
- الترمذي: محمد بن عيسى بن سورة السلمي (ت279هـ) .
14. الجامع الصحيح (سنن الترمذي) ، تحقيق أحمد محمد شاكر، وإبراهيم عطوة عوض، مطبعة البابي الحلبي، مصر، الطبعة الأولى 1382هـ-1962م.
- ابن تغرى بردي: أبو المحاسن يوسف الأتابكي (ت874هـ) .
15. النجوم الزاهرة، تحقيق فهيم محمد شلتوت، نشر الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر والترجمة، مصر 1390هـ-1970م.
- ابن تيمية: أبوالعباس أحمد بن عبد الحليم النميري (ت728هـ) .
16. مجموع فتاوى ابن تيمية، جمع وترتيب عبد الرحمن بن قاسم، دار المدني، بدون تاريخ.
17. منهاج السنة النبوية، تحقيق محمد رشاد سالم، إدارة الثقافة والنشر بجامعة الإمام، الرياض، الطبعة الأولى 1406هـ-1986م.
- الجاحظ: عمرو بن بحر (250هـ) .
18. البيان والتبيين، تحقيق عبد السلام محمد هارون، دار الجيل، بيروت.
- الجاسر: حمد بن محمد (ت1421هـ) .(10/98)
19. شمال غرب المملكة، دار اليمامة للبحث والترجمة والنشر، الرياض، الطبعة الأولى 1397هـ.
- ابن أبي حاتم: أبو محمد عبد الرحمن بن محمد الرازي (ت327هـ) .
20. الجرح والتعديل، دار إحياء التراث العربي، بيروت، بدون تاريخ.
- ابن حجر: أحمد بن علي (ت852هـ) .
21. الإصابة في تمييز الصحابة، دار الكتب العلمية، بيروت، بدون تاريخ.
22. تقريب التهذيب، طبع بعناية محمد عوامة، دار البشائر الإسلامية، الطبعة الأولى 1406هـ-1986م.
23. فتح الباري شرح صحيح البخاري، بعناية الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، دار المعرفة، بيروت، بدون تاريخ.
- ابن حزم: أبو محمد علي بن أحمد (ت456هـ) .
24. جمهرة أنساب العرب، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1403هـ.
- الخطابي: حمْد بن محمد البستي (ت388هـ) .
25. معالم السنن، بهامش سنن أبي داود، تحقيق عزت الدعاس.
- خيثمة بن سليمان القرشي (ت343هـ) .
26. من حديث خيثمة، تحقيق عمر عبد السلام تدمري، دار الكتاب العربي، بيروت، بدون تاريخ.
- الذهبي: أبو عبد الله محمد بن أحمد (ت748هـ)
27. تذكرة الحفاظ، تصحيح عبد الرحمن المعلمي، دار الكتب العلمية، بيروت، بدون تاريخ.
28. سير أعلام النبلاء، تحقيق شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثالثة 1405هـ.
29. معجم الشيوخ، تحقيق الدكتور محمد الحبيب الهيلة، مكتبة الصديق، الطائف، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى سنة1408هـ.
30. ميزان الاعتدال في نقد الرجال، تحقيق علي محمد البجاوي، دار المعرفة، بيروت.
- ابن رجب: عبد الرحمن بن أحمد السلامي الحنبلي (ت759هـ) .
31. الذيل على طبقات الحنابلة، دار المعرفة، بيروت، بدون تاريخ.
- السيوطي: عبد الرحمن بن أبي بكر (911هـ) .
32. الدر المنثور، طبع دار الكتب العلمية.
- الشوكاني: محمد بن علي (ت250هـ) .
33. الفوائد المجموعة، تحقيق عبد الرحمن بن يحيى المعلمي، المكتب الإسلامي، الطبعة الثالثة 1407هـ بيروت.(10/99)
- الطبري: محمد بن جرير (ت310هـ) .
34. تاريخ الرسل والملوك، تحقيق أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف، مصر، الطبعة الثانية، بدون تاريخ.
- ابن عبد الهادي: محمد بن أحمد.
35. العقود الدرية، تحقيق محمد حامد الفقي، مكتبة المؤيد، الرياض.
- ابن عبد الهادي: يوسف بن الحسن بن عبد الهادي (ت909هـ) .
36. محض الصواب في فضائل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، تحقيق عبد العزيز ابن محمد الفريح، من مطبوعات عمادة البحث العلمي في الجامعة الإسلامية، نشر مكتبة أضواء السلف، الطبعة الأولى 1420هـ-2000م.
- العقيلي: أبو جعفر محمد بن عمرو (ت322هـ) .
37. الضعفاء الكبير، تحقيق عبد المعطي قلعجي، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1404هـ-1984م.
- الفزاري: إبراهيم بن محمد بن الحارث (ت185هـ) .
38. كتاب السير، تحقيق فاروق حمادة، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى 1408هـ-1987م.
- أبو القاسم الأصفهاني: إسماعيل بن محمد التيمي (ت535هـ) .
39. سير السلف، رسالة علمية مطبوعة على الآلة الكاتبة، قدمها عبد العزيز بن محمد الفريح، رسالة العالمية (الماجستير) .
- ابن قتيبة: أبو محمد عبد الله بن مسلم الدينوري (ت276هـ) .
40. المعارف، تحقيق د/ ثروت عكاشة، دار المعارف، مصر، الطبعة الرابعة.
- ابن قدامة: عبد الله بن أحمد المقدسي (ت620هـ) .
41. المغني، تحقيق د/ عبد الله التركي، د/ عبد الفتاح الحلو، هجر، القاهرة، الطبعة الأولى.
42. منهاج القاصدين في فضائل الخلفاء الراشدين، مصورة عن النسخة المخطوطة بدار الكتب المصرية تحت رقم (1218) تاريخ.
- ابن كثير: أبو الفداء إسماعيل بن عمر (ت774) .
43. البداية والنهاية، تصحيح د/ أحمد أبو ملحم وزملائه، دار الريان للتراث، الطبعة الأولى 1408هـ-1988م، مصر.
- مسلم بن الحجاج القشيري (361هـ) .
44. الصحيح، تحقيق فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية، مصر، بدون تاريخ.
- ابن منظور: جمال الدين محمد بن مكرم (ت711هـ) .(10/100)
45. لسان العرب، دار صادر، بيروت، بدون تاريخ.
- النسائي: أبو عبد الرحمن محمد بن شعيب (ت303هـ)
46. خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، تحقيق أبو إسحاق الحويني، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1405هـ.
47. السنن (المجتبى) ، تصحيح عبد الفتاح أبو غدة، دار البشائر الإسلامية، بيروت، الطبعة الثانية 1406هـ-1986م.
- الهندي: علاء الدين علي بن حسان (975هـ) .
48. كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، تصحيح بكري حبائي، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الخامسة 1405هـ-1985.
- الهيثمي: أبو بكر علي بن أبي بكر (ت807هـ) .
49. مجمع الزوائد، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الثالثة 1402هـ-1982م.
- ابن الوزير: محمد بن إبراهيم (ت840هـ) .
50. العواصم من القواصم في الذب عن سنة أبي القاسم لابن الوزير اليماني، تحقيق شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة 1412هـ.
- ياقوت: أبو عبد الله الحموي (ت622هـ)
51. معجم البلدان، دار إحياء التراث العربي، 1399هـ-1979م.(10/101)
ضرب من التطور في الصحافة العربية
أ. د. إبراهيم السامرائي (رحمه الله)
ملخص البحث
هذا العمل عبارة عن تتبع ألفاظ وتراكيب شاعت في لغة الصحافة المعاصرة في المشرق العربي، وفيها شيء من الخروج على المألوف من قواعد العربية، ويدعو إلى تقبل مثل هذه الألفاظ والتراكيب، وأن لا تقف رغبتنا في صحة وسلامة اللغة حائلاً دون استعمالها وإشاعتها، لأنها تمثل عربية جديدة لا تضار لغتنا لو أدخلناها فيها، وهي تمثل لغة جديدة أحدثها صحفيون ليس لديهم حسّ لغوي يميز بين الخطأ والصواب، ومثله في علوم وفنون أخرى.
تمهيد:
أقول:
هذا درس في ((العربية المعاصرة)) التي أوشكت أن تكون جديدة في ألفاظها وطرائق أدائها، وقد يكون من جديدها بعض ملامح من نحو وصرف جديدين.
ولا أرى أن صيحة القائلين بالخطأ والصواب على وجاهتها وسدادها تقف حائلاً دون شيوع هذه ((العربية الجديدة)) .
ضرب من التطور في الصحافة العربية
سأذهب إلى القول بالتطور، ولا أجنح إلى النبز فأرمي جملة ما يثبت في الصحف من وجوه القول بالخطأ، ذلك أن هذا ليشقى به العاملون في هذا الميدان عربية جديدة. وأن هذه العربية قد اكتسبت الشيوع حتى راحت تغزو مساحات واسعة في الذي يقال والذي يكتب. ولست بعيداً عن هذا الذي تقرؤه في الصحف وأنت تسمع المعربين في البيت والمدرسة والجامعة والمسجد، ومن ثم فليس لك أن ترمي جملة هذا ب ((لغة الجرائد)) .
وقد بدا لي أن أعرض لطائفة من هذه النماذج اللغوية، وما أراني مستوفياً أو قريباً من هذا وأنا أبسط بين يدي القارئ هذا الموجز، وقد جمعته من هنا وهناك من الصحف في بلدان المشرق العربي. وقد خصصت المشرق العربي لأني سأعود إلى شيء مثل هذا قد وقفت عليه في صحافة بلدان المغرب العربي.(10/102)
إن لغة الصحافة جديدة في نظم جملها وتراكيبها، وهي جديدة في انصراف الكلم فيها إلى معان جديدة تندرج في المجازات الجديدة والمصطلح الجديد. ولكن هذه الجدّة تدخل في باب الضعف وفساد التركيب وسوء الأبنية بسبب أن الذين شقوا بهذه الحرفة لم يكونوا على مقدرة من العربية. ثم إن جل هذه اللغة في مصطلحاتها ومجازاتها وطريقة نظمها منقولة من اللغات الغربية ولاسيما الانكليزية.
غير أن هذه اللغة تؤلف في عصرنا ضرباً من العربية المعاصرة بدأ يتجاوز حدّ الصحف إلى ذلك من مجال القول، فأنت تجد منها اليوم قليلاً أو كثيراً لدى أهل ما يسمَّى بالعلوم الاجتماعية عامة كالجغرافية والتاريخ والاجتماع والاقتصاد وغير هذا. ولا تعدم أن تجد لمادة هذه اللغة حضوراً في الأدب الجديد من شعر وقصة ونحو هذا.
وسيكون لي في هذا الموجز أن أعرض لما وقفت عليه في الصحف العربية في بلدان المشرق العربي متخذاً من ذلك نماذج تشير إلى خصائص هذه اللغة الجديدة. ولابد لي أن أقول: إني لا أسعى في عرضي هذا إلى ما يذهب إليه أهل التصحيح اللغوي المعنيين بالصواب والخطأ الذين أخطأوا السبيل وتعجلوا المسيرة فنسبوا إلى الخطأ ما ليس منه، وكان لهم في سردهم لهذه المواد شيء من جديد يمكن أن يحمل على الخطأ الذي باشروه. وقد عرضت لطائفة من هذه المعجمات فوقفت فيها على ما يمكن أن يكون تجاوزاً للعربية.
ومن أجل هذا كان غرضي من هذا الاستقراء أن أثبت هذا الضرب الجديد من العربية مبتعداً عن قصة التصحيح ومشيراً إلى أن هذه العربية تؤلف نمطاً جديداً لغوياً لعله ساد وغلب وشاع حتى صار في جملته عربية جديدة معاصرة.
وسأذكر ما وقفت عليه ولا أسعى فيه إلى أن يكون لي فيه ترتيب خاص، بل أقتصر على إثباته كما وقع لي شيئاً بعد شيء، وسأعلق على ما أذكره بالقدر الذي تقتضيه المناسبة فأقول:
قرأت وأنا في صنعاء صحفاً يمنية وأخرى مصرية ولبنانية وعراقية فوجدت في بعضها مَن قال:(10/103)
((....... فالدولة في تعاملها مع مواطنيها على المستوى الداخلي أولاً، وفي تعاملها مع الغير على المستوى الخارجي، تسير ... )) .
أقول: إن من خصائص هذه اللغة المتأثرة باللغات الأعجمية من إنكليزية أو غيرها، طول الجمل بحيث يأتي ما ندعوه المسند إليه في ابتداء الكلام، ولكنك لا تظفر بالمسند الذي يتم به المعنى إلا بعد كلام طويل، وقد يتجاوز هذا المعترض في طوله حداً يكاد القارئ فيه ينسى أول الجملة.
ثم إن ((التعامل)) مصدر الفعل ((تعامل)) قد استعير من حيز الاقتصاد في دلالته في البيع والشراء إلى هذا الحيز الجديد.
و ((المستوى)) ، وهو كلمة عربية قد وصلوا إليها لتؤدّي ما تؤديه كلمة أجنبية في الانكليزية أو الفرنسية بمعناها، ووصف ((المستوى)) بالداخلي أو الخارجي كله مما يصادفه الذي يقرأ الصحف الأجنبية.
ولا أشير إلى ((الغير)) واقترانها بأداة التعريف فقد تجاوز هذا المنشئون منذ زمان طويل.
ومما قرأت أيضاً قول أحدهم، والقول عام لا خاص فهو مما يتردّد في الصحف، وهو: ((وعلى ضوء هذه النظرة المنطقية....)) .
أقول: لا أتوقف في استعمال حرف الجر ((على)) فأقول كما قال المصححون: إن الصواب هو استعمال ((في)) ، ولكني أقول إن استعمال ((الضوء)) في هذا السياق أو في قولهم: ((إن إلقاء الضوء على هذه المسألة....)) جديد مستعار من اللغات الأعجمية.
وقرأت أيضاً:
((.... وكما أشار الرئيس فلان إلى هذه ((الإشكالية)) فإن أية دولة بمفردها مهما كانت لن تستطيع الوصول إلى تحقيق أهدافها الاقتصادية ... )) .(10/104)
أقول: إن ((الإشكالية)) مصدر صناعي أقيم على مصدر آخر للفعل ((أشكَلَ)) وهو ((إشكال)) ، وهذا المصدر الصناعي جديد في العربية المعاصرة، وقد شقي المعاصرون في الوصول إليه ليكون مؤدياً ما يؤديه مثله في اللغات الأعجمية، وهو غير كلمة ((مشكلة)) بل إن في ((الإشكالية)) شيئاً من ((المشكلة)) . ويراد بها ضرب من الوضع فيه إشكال وفيه ((وضع خاص)) . وإنك لا تجد هذه ((الإشكالية)) في العربية التي نعرفها قبل خمسين أو ثلاثين سنة، فهي جديدة.
أما استعمالهم ((بمفردها)) فمعناه ((وحدَها)) ، وهو من هذا الجديد الذي حفلت به العربية المعاصرة.
ثم إن ابتداء الكلام ب ((كما)) يأتي بعدها جملة طويلة معلَّقة في فهم المراد منها على كلام آخر مبدوءاً بقولهم: ((فإن أيّة دولة ... )) يُشعر القارئ إن القائل أراد ب ((كما)) ما يراد من أدوات الشرط، وان الأسلوب شرطي، ومجيء الفاء يشعر بهذا. وليس هذا مما نعرفه في العربية، ولكنه جديد حفلت به العربية المعاصرة.
ومثله قولهم: ((وعلى الرغم مما ورد ... فإن المقصود....)) .
وقرأت أيضاً:
((.... اعتقالات عشوائية بمدينة القدس عقب طعن مستوطن إسرائيلي)) .
أقول: إن الوصف ب ((عشوائي وعشوائية)) جديد، ومعناه معروف أي أن ((الاعتقالات)) جرت على غير قصد ونظام، وأن السلطات الإسرائيلية اعتقلت كل من شوهد في الحال لا يهمها أن يكون للمعتقل مشاركة فيما جَرَى.
ومثل هذا قولهم: ((لابد من العمل للحدّ من الاستهلاك العشوائي ... )) .
ويراد ب ((الاستهلاك)) الإنفاق الكثير ولاسيما ما كان من أجل الطعام والشراب وغير ذلك مما يدخل في حاجات الناس كالاستهلاك للطاقة الكهربائية ونحو ذلك.
أقول: وجعل ((الاستهلاك)) منصرفاً إلى هذا يشير إلى تخصيص الإنفاق بدلالة اقتصادية معينة، وهذا التخصيص عرفناه في العربية المعاصرة.(10/105)
ووصف ((الاستهلاك)) ب ((عشوائي)) أي أن المستهلكين ومعهم الدولة لا يذهبون إلى تنظيمه وحصره في نطاق محدود.
وهذا يعني أن الوصف ب ((عشوائي)) دلّ هذه الدلالة التي لا نعرفها إلا في هذه العربية المعاصرة.
ولابد لنا أن نبسط القول على هذا الوصف، وكيف اهتدى له المعاصرون فنقول: إن ((عشواء)) وصف مؤنث، والمذكر ((أعشى)) ودلالة ((أعشى وعشواء)) معروفة، وهو الإبصار أو ضعفه، وهو ((العشا)) بالقصر. وقد وردت الصفة ((عشواء)) في بيت زهير بن أبي سلمى:
رأيتُ المنايا خبط عشواء من تُصبْ تُمتْه ومن تُخطِئ يُعَمَّر فيَهرمِ
أقول:و ((عشواء)) هذه تشبث المعاصرون فاستعاروها وصرفوها على التوسع إلى ما أرادوا لإدراكهم أن ((العشواء)) تخبط على غير هدى.
وقرأت:
((جهود مكثّفة لتقييم نتائج الاستفتاء)) .
أقول: ((الجهود المكثّفة)) هي الجهود الحثيثة المحصورة في أمر ما، وهذه الصفة ((مكثّفة)) قد تُوسِّع في معناها، والأصل أن الشيء الكثيف هو الثخين في الجِرم والوزن ومنه جاء المصطلح العلمي ((كثافة)) وهو معروف في علوم الطبيعة وغيرها.
وهذه الاستعارة أو قل هذا التوسع في الدلالة جديد اقتضته حاجة أهل العربية إليه ثم إن ((التقييم)) معناه تعيين قيمة الشيء، وهذا المصدر للفعل ((قيَّم)) جديد، وقد أخذ الفعل والمصدر من الاسم ((قيمة)) ، وتوهّم الآخذون أن الياء في ((قيمة)) حرف أصلي فأثبتوه في الفعل والمصدر.
وحقيقة اللفظ أن ((قيمة)) وزان ((فِعلة)) من الفعل ((قام يقوم)) ، والياء فيها من الواو، ولذلك حين احتاج المعربون في القرون التي خلت إلى حساب القيمة وضبطها جعلوا الفعل مزيداً وأثبتوا الواو فقالوا: قوَّم السلعة، أي أعطاها قيمتها وسعرها.(10/106)
على أن هذا قد هجر في الاستعمال في عصرنا واستُبدل به ((التقييم)) في المعنى نفسه، وجُعل ((التقويم)) خاصاً بدلالة أخرى، وكأنه بمعنى ((التربية)) ، يقال: تقويم الأحداث. على أنك تجد ((التقويم)) مفيداً شيئاً من معناه القديم كأن يقال تقويم نتائج الامتحانات العامة.
وقرأت:
((إن المسؤولين يعملون على تقديم الخدمات الأفضل للمواطنين)) .
أقول: و ((الأفضل)) هنا ((أفعل)) للتفضيل، وهي صفة للجمع ((الخدمات)) .
ولما كانت محلاّة بالألف واللام كان لنا أن نحملها على المطابقة فنقول:
((الخدمات الفُضْلى)) . غير أن المعاصرين لايستشعرون معنى التفضيل في ((الفضلى والكبرى والعليا)) ونحو ذلك. ولم تدرك أنهم يتحرّون حدّ التفضيل.
أقول: ومن هذا قول الكثيرين: ((الدولتان الأعظم ... )) ، والصواب ((الدولتان العظميان)) ، فانظر كيف ننال من حدود العربية.
وقرأت أيضاً:
((إن العاصمة الاقتصادية تتمتع بدورها الاقتصادي كمنطقة حرّة ... )) .
أقول: إن ((الدور)) في هذه الجملة قد دخل العربية المعاصرة وصار شيئاً من مادتها. ولم نعرف هذه الكلمة في العربية التي عرفناها إلا منذ عدة عقود من السنين، وقد جئنا بها فيما نترجمه من اللغات الغربية، وأصلها شيء من لغة أهل المسرح.
وأصل ((الدور)) في العربية مصدر للفعل ((دار)) كالدوران.
ثم إن استعمال الكاف في قول القائل المحرر ((كمنطقة)) مأخوذ مما يقال ويكتب في اللغات الغربية، وهي ليست كاف التشبيه في العربية، غير أنها دخلته هذه العربية المعاصرة وشاع استعمالها.
وقرأت: ((إن وزير الخارجية يتسلم رسالة من نظيره العراقي)) .
أقول: إن استعمال المحرر ل ((نظير)) مأخوذ من اللغات الأجنبية، فالوزير العراقي لا يصح أن نطلق عليه الوصف ((نظير)) لأنه يشغل هذا المنصب كالوزير اليمني، ولكنها اللغة الجديدة التي تنقل الذي يدور ويعرف في اللغات الأجنبية.(10/107)
وقرأت أيضاً:
((.... ضمن جولته لمنطقة الشرق الأوسط، ((بيكر)) [الوزير الأمريكي] بدأ أمس زيارته للسعودية)) .
أقول: هذه لغة صحفية لا نعرفها في العربية التي لا تجيز عود الضمير على متأخر إلا في سياقات خاصة وردت في بعض الشواهد الشعرية القديمة، غير أن هذا جائز في اللغات الأعجمية، فكان علينا أن نحمله على العربية ونهيّء أذهان القراء وأذواقهم إلى تقبّل هذا الجديد المحمول إلينا.
ومثل هذا ما قرأت أيضاً:
((ناقلاً رسالة جوابية للأخ رئيس مجلس الرئاسة وزير الإسكان يعود من بغداد)) .
أقول: وهذه ((الخلبطة)) في سوء النظم وفساد التركيب أدهى وأمر مما لحن فيه من أمر عود الضمير على ما هو متأخر في البناء السليم من العربية، وأنه ((قرزحة)) صحفية بل عدوى داء حملت إلينا.
وقرأت في نظائر هذا وأشباهه الكثير من عبث الصحفيين بسماحة العربية وانتهي منه بما اجتزئ في هذا الموجز، وهو:
((مبتدئاً أعمال الفترة الثالثة من الدورة الأولى.... السبت القادم مجلس النواب يناقش تقرير لجنة الحريّات عن مشروع قانون الأحزاب ... )) .
أقول: لا أدري كيف أقول في عبارة لا أنت بالقادر على أن ترمّ بناءها فقد استهدم حتى بدا آيلاً إلى التدهور والسقوط. لقد مكر هؤلاء القائلون، فهل أتى أهل العلم بنيانهم من القواعد؟
ثم إن هذه اللغة أقرّت الكلم الجديد فكان لنا أن ندرجه في المعجم الجديد الذي لما نباشر منه شيئاً، ومنه كلمة ((مشروع)) وهو مما قوبل به المصطلح الأعجمي ((Project)) .
وقرأت قولهم:
((قافلة عسكرية أمريكية تدخل شمال العراق)) .
أقول: و ((القافلة)) هي العائدة في العربية، وقد ذهب إلى التفاؤل بالخير فوصفوا الجماعة العائدة التي لم تتعرض لأذىً في رحلتها ب ((القافلة)) .
غير أن المعاصرين جهلوا هذه الخصوصية في الدلالة فتوسعوا فيها بل قلبوا الكلمة إلى ضدها فهي لديهم الجماعة الذاهبة.
ومثل هذا قولهم:(10/108)
((أبناء الجالية اليمنية يؤكدون حرصهم في المملكة السعودية على أن يكونوا ممثلين بلدهم)) .
أقول: والجماعة اليمنية في المملكة السعودية ممن أقاموا فيها منذ سنين، فهم الجماعة المستقرة ولم ((يجلوا)) عن المملكة السعودية، فكيف يكونون جالية؟
وقرأت أيضاً:
((إعداد ورقة عمل لما سيقوله الوفد في ندوة الخبراء)) .
أقول: و ((ورقة عمل)) هذه كثيرة الورود، فاشية معروفة، وهي من الكلم الجديد الذي لابد أن يندرج في المعجم الجديد.
ومن هذه اللغة الجديدة ما نقرؤه كل يوم:
((البحث عن مصادر جديدة في إطار الخطط والبرامج التنموية من إعطاء الأولوية للمشروعات الزراعية)) .
أقول: قولهم: ((في إطار الخطط)) من التعابير الجديدة التي تومئ إلى أصلها في لغات أعجمية غربية فهي في الفرنسية ((dons le cadre)) .
إن ((الإطار)) معروف في العربية وهو ما يؤطر به أي يحيط بالشيء كإطار الغربال ونحو ذلك، ثم استعير للصورة وللجداول وللإعلانات الرسمية.
وقولهم: ((في إطار)) لا يشير إلى الظرفية المكانية، ولكنه منقول على هيئته في اللغة التي نقل عنها.
ومثل هذه التعابير التي لا تشير إلى الظرفية استعمالهم: ((من خلال)) في قولهم مثلاً: ((وسيتحقق ذلك من خلال القيام بمشروع للريّ واسع)) .
وقولهم: ((من خلال)) يعني ((بما يقام من مشروع)) فلو قالوا: ((سيتحقق ذلك بالقيام بمشروع للري)) لأوجزوا ولوصلوا إلى ما أرادوا.
و ((الباء)) هنا للاستعانة وهذا معروف.
ولكن قولهم: ((من خلال)) ترجمة لكلمة انكليزية هي ((Through)) .(10/109)
ثم إن في قولهم: ((البرامج التنموية من إعطاء الأولوية....)) مجيء ((التنموية)) و ((الأولوية)) على النسب، وقد كثر هذا النسب في هذه اللغة الجديدة فقالوا: النظم التعبوية، والحلول التصفوية، وقد قالوا قبل ذلك: البرامج التربوية، واستعملوا النسب، ولو أنهم عدلوا عن النسب إلى أسلوب الإضافة لأصابوا أكثر مما كان لهم كقولهم: برامج التنمية ونظم التعبئة وحلول التصفية.... ثم صنعوا مصدراً صناعياً من اسم التفضيل ((أولى)) لفائدة مقتضاة جديدة.
وقرأت أيضاً:
((إن استخدام هذه الندوة لتنقية المياه من قبل الأهالي على مستوى فردي منذ قرون)) .
أقول: و ((الاستخدام)) هنا بمعنى ((الاستعمال)) ، وقد ذهبوا بها هذا المذهب في هذه اللغة الجديدة. وحقيقة ((الاستخدام)) غير هذا، يقال: استخدمت فلاناً بمعنى طلبت إليه أن يخدمني.
وقد أرادوا بقولهم: ((من قِبَل)) ما يقال في العربية: ((من لدن ... )) .
وقرأت:
((السود يشكلون 6% من الأمريكيين)) .
أقول: وقولهم: ((يشكلون)) فعل جديد وهو المضاعف ((شكل)) ، وليس في مادة ((شكل)) في العربية شيء يقرب من هذا، ولكنهم أخذوه من ((شكل)) الكثيرة في استعمال المعربين في اللغة الدارجة وهي بمعنى ((هيئة)) أو ((صورة)) .
ولو أنهم قالوا: ((يؤلفون 6% من الأمريكيين)) لكانوا في ملاك العربية.
وقرأت أيضاً:
((الناس الصبورون على الغلاء....)) .
أقول: والمسموع في العربية أن الوصف على ((فَعول)) يأتي جمعه على ((فُعُل)) بضمتين، قال تعالى: {تلك الرسل فضّلنا بعضهم على بعض} ،
و ((الرسل)) جمع رسول، وليس لنا أن نقول: رسولون.
وكذلك نقول: ((صُبُر)) ولا نقول: ((صبورون)) .
وقرأت أيضاً:
((وخلت البرامج الزراعية من أي تركيز على زراعة النخيل)) .(10/110)
أقول: وقولهم: ((التركيز على)) من الكلم الجديد، وكأن ((التركيز)) قد عُدِّي إلى مدخوله ب ((على)) لأنه أخذ من الفعل المجرّد ((ركز)) وهذا محتاج إلى الحرف ((على)) .
ثم إن ((التركيز)) من مصطلح أهل الكيمياء في عصرنا، والحامض المركّز لديهم هو الشديد الحموضة، ودرجة التركيز شيء من هذا. وهذا كله جديد في الصحف والكيمياء.
وقرأت أيضاً:
((قامت المؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون بإنزال مشروع ((استبيان)) خاص بالمشاهدين بغرض تقصّي آرائهم حول البرامج)) .
أقول: و ((الاستبيان)) من الكلم الجديد، وهو مصدر الفعل ((استبيَن)) الذي تحول في العربية إلى ((استبانَ)) .
وليس لنا إذاً ((استبيان)) لعدم وجود ((استبين)) ، ولكن أهل هذه العربية صاغوه ليأتي مقابلاً ل ((questionnaire)) .
وقرأت:
((الجمعية العلمية تعرض استضافة أعضاء المؤتمر)) .
أقول: ((الاستضافة)) طلب الرجل من آخر أن ينزله لديه ضيفاً، يقال: استضفته، أي طلبت إليه أن أكون ضيفه ينزلني عنده وليس هذا حاصلاً في الاستعمال الجديد.
ثم إن ((المؤتمر)) من الكلم الجديد الذي ينبغي لنا أن ندرجه في المعجم الجديد للعربية المعاصرة. وإذا عدنا إلى الفعل ((إاْتَمَر)) في فصيح العربية فلا نجد شيئاً من دلالة ((المؤتمَر)) .
وقرأت:
((الدستور ما يزال في حظيرة الإسلام)) .
ومن دلالات ((الحظيرة)) ما يشير إلى أن من المناسب ألاّ تضاف إلى الإسلام.
وقرأت:
((انفتاح في العلاقات الموريتانية السنغالية)) .
أقول: و ((الانفتاح)) في هذه العبارة يعني ((الانفراج)) ، وهذه جديد يندرج في باب ((تطور الدلالة)) .
وقرأت أيضاً:
((البرامج الشيّقة)) .
وكأن ((الشيِّق)) هو ((المشوِّق)) ، والصواب أنه ((المشتاق)) ، قال الشاعر:
ما لاحَ برق أو ترنَّم طائر إلاّ انثنيت ولي فؤاد شيّق
وقرأت:(10/111)
((ليلة البارحة كنت وأحد أصحابي وتكلمنا في حق الرأي والرأي الآخر)) .
أقول: ((البارحة)) هي التي تصرَّمت وأعقبها الصباح ثم حلّت ليلة أخرى، جاء في المثل: ((ما أشبه الليلة بالبارحة))
وعلى هذا فعبارة الصحيفة بعيدة عن الصواب لأن ((البارحة)) فيها تعني ((أمس)) .
ثم إن في العبارة شيئاً من سوء التركيب وهو أن العطف باسم ظاهر على ضمير المتكلم المعطوف عليه لا يكون إلا بعد توكيد الضمير المتصل بآخر منفصل فيقال: ((كنت أنا وأحد أصحابي ... )) .
ثم إن عبارة ((الرأي والرأي الآخر)) من الأساليب المنقولة إلى العربية. ولم نسمع بهذه العبارة، ولم تظهر في الصحف إلا منذ برهة صغيرة لا تتجاوز عدة أشهر. تمّ
[هذا ما كتبه (رحمه الله) ، ويظهر أنّ للمقالة بقية]
هيئة التحرير(10/112)
عرض كتاب
المصنفات المغربية في السيرة النبوية ومصنفوها
تأليف الدكتور محمد يسف
د. سعد بن موسى الموسى
الأستاذ المساعد في كلية الشريعة - جامعة أم القرى
والمؤلف يعمل في دار الحديث الحسنية وكانت رسالته الماجستير بعنوان " الرؤية المغربية للسيرة النبوية طرقها وأسانيدها ورواتها" وحصل عليها من دار الحديث الحسنية.
نشر في المغرب وطبعته مطبعة المعارف الجديدة في الرباط 1412هـ والكتاب قدم لنيل درجة الدكتوراه بإشراف الدكتورة عائشة عبد الرحمن.
وهو مقسم إلى قسمين: القسم الأول السيرة في المغرب، وفيه مدخل وثلاثة أبواب المدخل كان عن تطور علم المغازي والسير من الرواية الشفوية وحتى التدوين في النصف الأول من القرن الثاني للهجرة وسبب وضعه لهذا المدخل للوصول إلى الربط بين المدونات المغربية ومنابعها المشرقية.
وأما الأبواب الثلاثة: فالباب الأول منها ويقسم إلى خمسة فصول
الفصل الأول: عن كتب السيرة والمغازي وعرض فيه لما يقارب التسع والعشرين مصنفا.
الفصل الثاني: وكان عن الأقضية والأحكام، وعرض فيه ثلاثة مصنفات في أقضية النبي - صلى الله عليه وسلم -
وبرر وجود هذه الكتب مع أنها في ظاهرها لاعلاقة لها بالسيرة فقال: وقد ترددت باديء الأمر في إدراج الأقضية مع مصنفات السيرة على اعتبار أنه يبدو من عناوينها أنها من كتب الأحكام الجامعة المستمدة من الأحاديث النبوية، ولكن الناظر في كتاب ابن الطلاع، لايسعه إلا أن يضعه في صميم السيرة بتركيزه على عصر المبعث، واستخلاص ماكان للنبي - صلى الله عليه وسلم - من مواقف وأحكام فيما واجه المسلمين من قضايا ونوازل، وما كان من أحداث المجتمع الإسلامي الأول قضى فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، مع أصحابه في بيته، وفي مغازيه.(10/113)
الفصل الثالث: المولد النبوي قدم فيه خمسة مصنفات ونبه أن التصنيف في المولد لم يتأخر إلى عصر الحافظ أبي الخطاب ابن دحية؛ وأبي العباس العزفي السبتيين في أواخر القرن السادس وأوائل السابع، ولكن بدأ قبل ذلك بكثير على يد الحافظ أبي زكريا يحيى بن مالك العائذي الطرطوشي المغربي في القرن الرابع الهجري.
الفصل الرابع: خصصه للمصنفات في المسجدين أو الحرمين الشريفين. لأنهما من أظهر معالم السيرة. وفيه عرض لكتب ثلاثة.
الفصل الخامس: السيرة الشعرية والمنظومة وقد تحدث فيه عن القصائد النبويات الكبار، والمنظومات في السيرة النبوية للشعراء المغاربة.
ومن هذه القصيدة الشقراطسية التي نظمها عبد الله بن أبي زكريا التوزري الشقراطسي نسبة إلى شقراطس: وهو قصر قديم بقرب قفصة في الجنوب التونسي.
ولم يورد القصيدة ولكن تحدث عنها وعمن نظم عليها، ومن شرحها، ومنهم الناظم نفسه، وابن الاجدابي الطرابلسي، وابن عظيمة الأشبيلي، والشريف العواني القيرواني وغيرهم.
الباب الثاني: خصصه للدلائل والأعلام والمعجزات، فجاء في ثلاثة فصول:
الفصل الأول: الدلائل والأعلام، وذكر فيه ثمانية مصنفات أقدمها يرجع إلى أواخر القرن الثالث، وهو أعلام النبوة للفراء المعتزلي القيرواني المعروف بابن أبي عصفور.
الفصل الثاني: المعجزات وعرض فيه ثمانية مصنفات، أقدمها أُلف في أواخر القرن الثالث، وأوائل القرن الرابع، وهو كتاب المعجزات لأبي جعفر القصري التونسي.
الفصل الثالث: الشمائل والخصائص، وقدم فيه ستة وأربعين مصنفاً، مابين مؤلفات أصول، ومؤلفات عليها.
الباب الثالث: الصحابة والكنى والأنساب، وفيه ثلاثة فصول.
الفصل الأول: الصحابة، وعرض فيه اثنين وعشرين مصنفا، ونبه على أن معرفة الصحابة وثيقة الصلة بالسيرة النبوية؛ حيث هم رجال عصر المبعث وشهود أحداثه، وجنوده وقادة سراياه، ومدار وقائعه، إليهم المرجع في تاريخ السيرة النبوية.(10/114)
الفصل الثاني: الكنى، عرض فيه خمسة مصنفات، وأشار إلى أن الكنى ملحق بكتب الصحابة، إذ منهم من اشتهر بكنيته يكاد لايذكر إلا بها، كأبي بكر الصديق، وأبي عبيدة بن الجراح، وأبي ذر، وأم سلمة وأم حبيبة، وأم هانيء.
الفصل الثالث: الأنساب، وجمع فيه ستة عشر مصنفا مابين مصنفات أصول، ومؤلفات عليها. وأشار إلى أن كتب الأنساب، مكملة لكتب معرفة الصحابة، أو مدخلا لها كما قال الحافظ ابن عبد البر في خطبة الاستيعاب.
واتجه قصد المؤلف في الابواب الثلاثة وفصولها إلى محاولة إستقراء ما استطاع حسب وسائله وطاقته من علماء السيرة المغاربة من طبقة الرواد الأوائل إلى نهاية القرن السادس الهجري في رؤية شاملة للربوع المغربية، توضح أبعاد علمائها، على السياق الزمني، وتبين آفاق انطلاقهم في الميدان، من حيث وصلت جهود الذين سبقوهم، وأفرد لكل كتاب، فقرة خاصة للتعريف بمؤلفه، تلميذا طالبا بذكر بعض شيوخه واستاذا مدرسا بذكر بعض تلامذته، وكاتبا مؤلفا بتسمية ماوقف عليه من تراثه. وفيهم بلا ريب من تغني شهرتهم عن التعريف بهم بمثل الفقرات التي قدمهم بها مع مصنفاتهم في السيرة.
القسم الثاني: أفرده للسيرة المغربية عند المشارقة وقصد من ذلك عرض التراث المغربي في السيرة بالمشرق، هو فقط تقديم نماذج، تُبرز عناية المشارقة بكتاب السيرة المغربي.
إذ مامن مؤلف مغربي للسيرة في المغرب إلا وتردد له صدى علمي في المشرق بل إن بعض مؤلفات المغاربة لانجد لها ذكرا إلا في مصنفات أهل الشرق.(10/115)
وقد جاء هذا القسم في تمهيد، وباب واحد من أربعة فصول، ركز في التمهيد على موضوع رحلة الكتاب المشرقي الى المغرب ثم رحلة الكتاب المغربي إلى المشرق بعد ذلك. واستخلص من ذلك حقيقة يرى أنها لاتخلوا من طرافة، وهي أن المغرب منذ فجر الإسلام حضي بشرف نقل العلم والثقافة، وتأصيل التواصل العلمي بين مشرق الإسلام ومغربه، ويرجى أن تبقى المبادرة المغربية، حفية بهذا التواصل، حريصة على امتداده، ذابة عنه بكل همة، مهما تكن الظروف والملابسات، ومهما يعترض طريقها من ذرائع التعويق وعوامل الاحباط.
الفصول الأربعة التي يتضمنها الباب قدم فيها أربعة نماذج للكتاب المغربي في السيرة النبوية بالمشرق يمثل كل واحد منها نمطا خاصا من انماط السيرة، وضربا من ضروبها، تبين من خلالها الاهتمام البالغ والعناية الفائقة للمشرق بالكتاب المغربي في السيرة النبوية.
وقد وقدم في الفصل الأول منها كتاب» الاستيعاب «للحافظ ابن عبد البر مثالا لكتاب الصحابة المغربي.
وعرض في الفصل الثاني» القصيدة الشقراطسية «مثالا للسير الشعرية التي تترجم وجدان الجماهير واحاسيسها.
وتناول في الفصل الثالث كتاب» الشفا «للقاضي عياض، نموذجا لعطاء المدرسة المغربية في الحقوق والخصائص والشمائل.
ثم أفرد الفصل الرابع لكتاب» الروض الأنف «للسهيلي، نهجا رائدا في دراسة السيرة النبوية، دراسة نقد وتفقه واستنباط.
ووضُحَ من خلال هذه النماذج العناية الفائقة التي أحاط بها المشارقة كتاب السيرة المغربي، واستخلص من ذلك شبهة التقليد والتكرار لسابق عطاء المشارقة.
وختم دراسته بخاتمة أوجز فيها ماتوصل إليه من نتائج.
ومنها:
1. كثرة الكتب المتنوعة تشهد للمغرب بأنه كان دار سيرة كما كان دار قرآن وفقه ولغة وأدب.(10/116)
2. وجود رواد بمصنفاتهم التي لم يسبقوا ببعضها حتى في المشرق مثل الفراء المعتزلي بكتابه أعلام النبوة، وأبي جعفر القصري بكتابه المعجزات. لافرادهما هذه الشعب من السيرة بالتصنيف وكان من قبلهما يدمجها ضمن المادة العامة للسيرة، ويعرضها في سياقها الموضوعي.
3. اثبات العلاقة الوثيقة بين موضوع علم السيرة وبعض الفنون التي كانت تعرض مفصولة عنه ككتب الأقضية والأحكام النبوية وكتب الصحابة والكنى والأنساب ممايعطي للسيرة تنوعا وثراء في المادة وامتدادا في الزمان.
وعلى الكتاب ملحوظات لاتقلل من أهميته والجهد الذي بذل في إعداده منها:
أورد كتب الموالد ضمن كتب السيرة ولم يعلق على بدعية هذا الأمر بل إنه ذكر (1/178) أن أبا العباس العزفي في كتابه "الدر المنظم في مولد النبي الأعظم " أنه ألف هذا الكتاب ليصرف الناس عن الاحتفال بالاعياد الجاهلية كأعياد المجوس "النيروز _ والمهرجان"، وأعياد النصارى ميلاد المسيح عليه السلام. وصار يسعى إلى تلقين الناشئة الصغار أمر الاعتناء بمولد الرسول- صلى الله عليه وسلم -. ولم يرى في هذا الأمر المبتدع بأساً مع أنه لم يكن على عهد الصحابة وأول من عمله هم زنادقة العبيدية. فكيف يرى مسألة صرف الناس من ضلال إلى ضلال آخر. إنما كان ينبغي أن يصرفهم إلى ماكان عليه السلف الصالح من الصحابة فمن بعدهم.
ذكر بعض الأبيات الشعرية التي فيها غلو في حق الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولم يعلق عليها مثل: قول أبي بكر بن حبيش (1/216) :
ترجيت فضلا منك يعفو ويغفر
ومالي سوى مدح الرسول مكفر
وأشار إلى آثار بركته على الأنبيا والرسل منذ أن كان نورا - كما يزعم أهل التصوف - حيث توسلوا بجاهه لتفريج الكرب عنهم (1/234) :
ينير به الله العصور الخواليا
ومازال ذاك النور من عهد آدم
وذكر قول الشاعر:
توسل بالمختار لله داعيا
وأدناه منه بعدما كان نائيا
فخلصه إذ كان في الموج داعيا
وآدم لما خاف يجزى بذنبه(10/117)
فتاب عليه الله لما دعا به
وأدرك نوحاً في السفينة رعيه
ذكر (1/113) أن محمد بن يوسف بن عمر المشهور بالسنوسي ت895هـ وقال: إن من مؤلفاته "العقيدة الكبرى" التي سماها "عقيدة أهل التوحيد" وهي أول ماصنفه في الفن وشرحها. ثم "الوسطى" وشرحها ثم "الصغرى" وشرحها، وهذه من أجل العقائد، لاتعادلها عقيدة. وهذه العقيدة التي يذكرها هي عقيدة الأشاعرة فكيف لاتعادلها عقيدة بل عقيدة أهل السنة والجماعة التي لم تشب بالفلسفة وعلم الكلام هي التي يجب على المسلم تعلمها واعتقادها، وهي التي لاتعادلها عقيدة.
عند حديثه عن الكتب لايورد مقاطع منها بل يهتم اهتماما كبيرا بذكر من أوردها من العلماء.
لم يتتبع الكتب التي يتحدث عنها من حيث طباعتها وخاصة الطبعات المشرقية مثل مغازي ابن حبيش الذي نشره الدكتور أحمد غنيم في القاهرة، في مطبعة حسان عام 1403هـ، والاكتفا الذي يذكر أن ماسيه نشره في الجزائر مع أن الدكتور مصطفى عبد الواحد نشره أيضا في القاهرة في مكتبة الخانجي، عام 1380هـ.(10/118)
العدد 23
شوال 1422هـ / ديسمبر (كانون الأول) 2001م
محتويات العدد
أولاً: القسم العربي:
أ - دراسات في الشريعة وأصول الدين
1- حديث " لا نكاح إلا بولي " رواية ودراية
د. صلاح الدين أحمد الإدلبي
2- حديث " احفظ الله يحفظك": دراسة عقدية
د. محمد بن عبد العزيز العلي
3- أثر الإيمان في توجيه الأخلاق
د. عبد الله بن سليمان الغفيلي
4- مرض القلوب وشفاؤها عند شيخ الإسلام بن تيمية وابن القيم: جمع ودراسة
د. سعود بن حمد الصقري
5- دعاوى النصارى في مجيئ المسيح عليه السلام: دراسة نقدية
د. سعود بن عبد العزيز الخلف
6- القياس ومكانته في المنطق اليوناني
د. ابتسام بنت أحمد جمال
7- حكم الطهارة لمس القرآن الكريم: دراسة فقهية مقارنة
د. عمر بن محمد السبيل
8- إزالة الإشكال في صلاة الركعتين إذا دخل الجمعة والإمام يخطب.
د. عبد الله بن جمعان الدادا الغامدي
9- التفريق بين الزوجين للغيبة
د. عبد العزيز بن محمد الربيش
10- اللموع فيما يختلف الرجال والنساء من أحكام البيوع
د. أحمد بن عبد الله العمري
11- الترخص بمسائل الخلاف: ضوابطه وأقوال العلماء فيه
د. خالد بن محمد العروسي
12- مصطلح رواه الجماعة: عند الحنابلة
د. عبد الرحمن بن علي الطريقي(10/119)
13- منهج مالك بن أنس في العمل السياسي
د. أحمد بن عبد الله العوضي
ب- دراسات في التاريخ والحضارة
14- توسعة المسجد النبوي الشريف في العهد السعودي الزاهر 1368 - 1413هـ
د. محمد بن هزاع الشهري
ج- دراسات في اللغة العربية وآدابها
15- أرأيت وفروعه: دراسة لغوية
د. عبد الله بن حمد الدايل
16- الخلاف بين سيبويه والخليل في الصوت والبنية
د. أحمد بن محمد القرشي
17- قضايا " لن " في النحو العربي
د. إبراهيم بن سليمان البيعمي
18- أبو الحسن بن الباذش الغرناطي وأثره النحوي
د. شريف بن عبد الكريم محمد النجار
19- التنغيم في التراث العربي
د. عليان بن محمد الحازمي
20- أثر الصحراء في نشأة الشعر العربي وتطوره حتى العصر العباسي الثاني
د. حمد بن ناصر الدخيل
21- القصة القصيرة عند شيخة الناخي رائدة القصة الإماراتية
د. زينب بن بيرة جكلي
د- الندوات
22- مؤتمر الأوقاف الأول في المملكة العربية السعودية.
23- توصيات ندوة المجتمع والأمن المنعقدة بكلية الملك فهد الأمنية
(13-15 صفر 1422هـ الموافق 7-9 مايو 2001م.)
تحت رعاية صاحب السمو الملكي
الأمير/ محمد بن نايف بن عبد العزيز مساعد وزير الداخلية للشئون الأمنية
ثانياً: القسم الإنجليزي
ملخصات الأبحاث العربية باللغةالإنجليزية(10/120)
حديث لا نكاح إلا بولي - رواية ودراية
د. صلاح الدين بن أحمد الإدلبي
المدرس بكلية الدراسات العربية والإسلامية بدبي
ملخص البحث
المرأة المسلمة الصالحة القانتة يخطبها الخاطب إلى وليها، فيستأمرها الولي أو يستأذنها في أن يعقد لها عقد زواجها، فإذا رضيت الخاطب زوّجها منه وليها، ويمنعها الحياء أن تفكر بتزويج نفسها دون أن يعقد لها الولي أو من يأذن له.
ولكن هل من حقها أن تفعل؟! وهل لها الحق في أن تزوج نفسها دون الولي كما لها الحق في أن تتصرف بأموالها؟!
جمهور العلماء من الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين على أنها لا تملك ذلك، وأنه لا بد من الولي أو من يأذن له الولي في عقد النكاح، وذهب نفر من أهل العلم إلى أنه يجوز لها ذلك إذا زوجت نفسها من كفء، لكنه لا يستحب. ولكن ألم يأت الحديث عن رسول الله (أنه قال: ((لا نكاح إلا بولي)) ؟! فهل صح سنده وثبتت نسبته؟
هذا ما دفعني إلى خوض غمار هذا البحث والكتابة في هذا الحديث: أولا من حيث الرواية بجمع طرقه وتتبع أسانيده، وثانيا: من حيث الدراية بدراسة تلك الأسانيد المتعددة الكثيرة لمعرفة ما صح سنده منها، ثم كان لا بد من استعراض مناقشة الإمام الطحاوي رحمه الله للاستدلال بهذا الحديث، وبيان رجحان ما فهمه الجمهور منه.
* * *
المقدمة:
الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على الرحمة المهداة والنعمة المُسْداة سيدنا محمد الصادق الأمين. وعلى آله الأبرار وأصحابه الأخيار والتابعين بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد، فإن من أهم المسائل الفقهية التي تمس واقع المسلمين اليوم ما يتصل منها ببناء الأسرة المسلمة، وإقامة هذه اللبنة من لبنات صرح المجتمع الإسلامي.
ولا يمكن أن تنشأ الأسرة المسلمة إلا في ظل نظام الزواج، المؤسس على ما يرضي الله تعالى ورسوله ((والله ورسوله أحق أن يرضوه ( [التوبة 6] .(10/121)
ومما اتفقت عليه الأمة -في ذلك النظام التشريعي الرباني -أن الرجل الحر البالغ العاقل يمكنه أن يعقد بنفسه عقد نكاحه لنفسه، ولكن مما اختلفت فيه الأمة أن المرأة الحرة البالغة العاقلة هل يمكنها أن تعقد بنفسها عقد نكاحها لنفسها؟ أي دون وليها؟ أو لا بد من الولي يعقد لها أو يأذن في ذلك لمن يتوخى فيه حسن النيابة عنه؟
خضت غمار هذا البحث منطلقاً من الحديث النبوي ((لا نكاح إلا بولي)) ، وقسمته حسب الخطة التالية:
المبحث الأول: حديث ((لا نكاح إلا بولي)) من حيث الرواية.
المبحث الثاني: حديث ((لا نكاح إلا بولي)) من حيث الدراية.
- أهم نتائج البحث
وأسأل الله تعالى التوفيق والتسديد بفضله ومنه وكرمه.
المبحث الأول: حديث (لا نكاح إلا بولي) - من حيث الرواية
روي هذا الحديث عن النبي (من طريق جماعة من الصحابة، منهم أبو موسى الأشعري، وعبد الله بن المسجد الحرامعود، وعمران بن الحصين، وجابر بن عبد الله، وعبد الله بن عباس، وأبو هريرة، وعائشة، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وأنس بن مالك، وأبو أمامة، وسمرة بن جندب، وضي الله عنهم.(10/122)
فأما حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: فروي من طريق إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السَبيعي (1) ويونس بن أبي إسحاق السَبيعي (2) ، وشَريك بن عبد الله النخعي (3) ، وأبي عوانة الوضاح بن عبد الله (4) وزهير بن معاوية (5) ، وقيس بن الربيع (6) ، وعبد الحميد بن الحسن الهلالي (7) ، وأبي حنيفة النعمان (8) ، ورَقَبة بن مَصْقَلة العبدي (9) ،
__________
(1) ... مسند الإمام أحمد 4 / 394، 413. مصنف ابن أبي شيبة 4 / 131، 14/168 – 169. سنن الدارمي 2/575. سنن أبي داود 2/568. سنن الترمذي 3 / 407. مسند أبي يعلى 13/195. شرح معاني الآثار للطحاوي 3/8. صحيح ابن حبان 9/ 395.سنن الدارقطني 3/219. المستدرك للحاكم 2/170. التمهيد لابن عبد البر 19/88. وله نحو عشرة طرق عن إسرائيل بن يونس
(2) ... سنن الترمذي 3/ 407. مسند البزار 8/113 - 114. المستدرك للحاكم 2/17. سنن البيهقي 7/109
(3) ... سنن الترمذي 3/407. سنن الدارمي 2/575.مسند البزار 8/112، 115. صحيح ابن حبان 9/ 391، 400. المعجم الأوسط للطبراني 1/391، 8/ 438. سنن البيهقي 7/108. تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 6/41.
(4) ... مسند أبي داود الطيالسي ص 71. سنن سعيد بن منصور 3/ 1/ 148. سنن الترمذي 3/ 407. سنن ابن ماجه 1/ 605. شرح معاني الآثار للطحاوي 3/9. المستدرك للحاكم 2 / 171. سنن البيهقي 7 / 107. التمهيد لابن عبد البر 19 / 88.
(5) ... صحيح ابن حبان 9 / 389. المنتقى لابن الجارود ص 268. المستدرك للحاكم 2 / 171. سنن البيهقي 7 / 107.
(6) ... مسند البزار 8 / 113. شرح معاني الآثار للطحاوي 3 / 9. سنن البيهقي 7/108.
(7) ... مسند البزار 8 / 114، الكامل لابن عدي 5 / 1958.
(8) ... جامع مسانيد أبي حنيفة 2 / 102. وأشار إلى روايته هذه الحاكم في المستدرك 2/ 17.
(9) ... أشار إلى روايته الحاكم في المستدرك 2 / 171، وكذا إلى متابعة غيره من الرواة.(10/123)
كلهم عن أبي إسحاق السبيعي، عن أبي بُردة بن أبي موسى الأشعري، عن أبيه أبي موسى الأشعري، عن رسول الله (أنه قال: ((لا نكاح إلا بولي)) .
وروي كذلك من طريق سفيان الثوري (1) وشعبة بن الحجاج (2) عن أبي إسحاق السبيعي به.
وروي من طريق سفيان الثوري (3) وشعبة بن الحجاج (4) وأبي الأحوص سلام بن سليم (5) ثلاثتهم عن أبي إسحاق السبيعي عن أبي بردة عن النبي (مرسلا لم يذكروا فيه عن أبي موسى الأشعري.
فتبين من هذا أنه قد اختلف في إسناد هذا الحديث على أبي إسحاق وصلا وإرسالا.
وأما من غير طريق أبي إسحاق فقد روي من طريق يونس بن أبي إسحاق (6) وأبي حَصين عثمان بن عاصم (7) كلاهما عن أبي بردة عن أبي موسى موصولا.
وأما حديث ابن مسعود رضي الله عنه: فروي من طريق بكر بن بكار عن عبد الله بن محرَّر عن قتادة عن الحسن عن عمران بن حصين عن ابن مسعود عن النبي (أنه قال: ((لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل)) (8)
__________
(1) ... مسند البزار 8 / 110. المستدرك للحاكم 2 / 169. تاريخ بغداد 2 / 214.
(2) ... مسند البزار 8 / 112. المستدرك للحاكم 2 / 169. تاريخ بغداد 2 / 214. 13 / 86.
(3) مصنف عبد الرزاق 6/196. مسند البزار 8 / 109. شرح معاني الآثار للطحاوي 3/9. التمهيد لابن عبد البر 19 / 88.
(4) ... مسند البزار 8 / 111. شرح معاني الآثار للطحاوي 3/9.
(5) ... مصنف ابن أبي شيبة 4 / 131. 14 / 168.
(6) ... مسند الإمام أحمد 4 / 413، 418. سنن أبي داود 2 / 568. المستدرك للحاكم 2/ 171.سنن البيهقي 7 / 109.
(7) ... المستدرك للحاكم 2 / 172.
(8) سنن الدارقطني 3 / 225، الكامل لابن عدي 4 / 1453.(10/124)
وأما حديث عمران بن حصين رضي الله عنه: فرواه عبد الرزاق، وروي من طريق أبي نُعيم الفضل بن دُكين، كلاهما عن عبد الله بن محرر، عن قتادة، عن الحسن، عن عمران بن الحصين عن النبي (بلفظ حديث ابن مسعود. (1)
وروي من طريق عبد الله بن عمرو الواقعي قال: حدثنا أبان بن يزيد العطار عن قتادة عن الحسن عن عمران بن الحصين عن النبي (أنه قال: ((لا نكاح إلا بولي)) . (2)
وأما حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: فروي من طريق عمرو بن عثمان الرقي قال حدثنا عيسى بن يونس عن الأعمش عن أبي سفيان (طلحة بن نافع) عن جابر عن النبي (أنه قال: ((لا نكاح إلا بولي، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له)) . (3)
وروي من طريق يحيى بن غيلان عن عبد الله بن بزيع عن هشام بن حسان القردوسي عن عطاء عن جابر عن النبي (أنه قال: ((لا نكاح إلا بولي، وأيما امرأة تزوجت بغير ولي فنكاحها باطل)) . (4)
وروي من طريق قَطَن بن نُسَير الذارِع، عن عمرو بن النعمان الباهلي قال: حدثنا محمد بن عبد الملك، عن أبي الزُبير، عن جابر، عن النبي (أنه قال: ((لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل)) (5)
وروي من طريق محمد بن عبيد الله العرزمي عن أبي الزبير به مثله (6) .
__________
(1) ... مصنف عبد الرزاق 6 / 196. سنن البيهقي 7 / 125.
(2) ... تاريخ جرجان للسهمي ص 490 - 491، ورواه ابن عدي من طريق الواقعي به، الكامل 4 / 1569.
(3) ... المعجم الأوسط للطبراني 4 / 551.
(4) ... المعجم الأوسط للطبراني 5 / 247 - 248، ورواه ابن عدي من هذا الطريق بلفظ (لا نكاح إلا بولي) الكامل 4 / 1567.
(5) ... المعجم الأوسط للطبراني 6 / 263.
(6) ... الكامل لابن عدي 6 / 2113.(10/125)
وروى ابن عدي عن أبي يعلى الموصلي عن محمد بن المنهال عن أبي بكر الحنفي [عبد الكبير بن عبد المجيد] عن ابن أبي ذئب عن عطاء عن جابر عن النبي (أنه قال: ((لا نكاح إلا بولي ولا طلاق قبل نكاح)) .
وعقب ابن عدي فقال: قال لنا أبو يعلى: وفي كتابي في موضعين، في موضع ليس فيه لا نكاح إلا بولي، وفي موضع فيه لانكاح إلا بولي.
وعلق ابن عدي على هذا بقوله: وهذا إنما هو لا طلاق قبل نكاح بهذا الإسناد (1)
وأما حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فقد روي عنه من طريق سعيد بن جبير وعكرمة وعطاء بن أبي رباح.
فأما طريق سعيد بن جبير فروي من طريق عَدي بن الفضل، عن عبد الله بن عثمان ابن خُثَيم، عن سعيد بن جيبر، عن ابن عباس، عن النبي (أنه قال: ((لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل، وأيما امرأة أنكحها ولي مسخوط عليه فنكاحها باطل)) . (2)
ورواه الطبراني في الأوسط عن أحمد بن القاسم، قال حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري، قال حدثنا عبد الله بن داود وبشر بن المفضل وعبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان الثوري عن ابن خُثيم به، ولفظه: ((لا نكاح إلا بإذن ولي مرشد أو سلطان)) . (3)
ورواه الطبراني في الكبير عن عبد الله بن أحمد ابن حنبل عن القواريري به مرفوعاً ولفظه: ((لا نكاح إلا بولي)) . (4)
__________
(1) ... الكامل لابن عدي 6 / 2043.
(2) ... سنن الداقطني 3 / 221 - 222.وقال: رفعه عدي بن الفضل ولم يرفعه غيره. سنن البيهقي 7 / 124 وقال: كذا رواه عدي بن الفضل وهو ضعيف والصحيح موقوف.
(3) ... المعجم الأوسط للطبراني 1 / 318.
(4) المعجم الكبير للطبراني 12 / 64 وسقط منه عبد الله بن داود.(10/126)
وروي من طريق معاذ بن المثنى، عن عبيد الله بن عمر القواريري به، لكن فيه (عن النبي (: إن شاء الله) . ولفظه مثل رواية أحمد بن القاسم عن القواريري. (1)
وأما طريق عكرمة عن ابن عباس فرواه مُعّمر بن سليمان الرقي ومَخشي بن معاوية عن الحجاج بن أرطاة عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي (أنه قال: ((لانكاح إلا بولي والسلطان ولي من لا ولي له)) (2) .
ورواه أبو كُرَيب عن عبد الله بن المبارك عن حجاج بن أرطاة به ولفظه ((لا نكاح إلا بولي)) (3) .
ورواه الطبراني في الكبير عن الحسين بن إسحق التُستَري عن سهل بن عثمان عن ابن المبارك به، إلا أن فيه (عن خالد الحذّاء) بدلاً من (عن حجاج بن أرطاة) (4) .
ورواه الطبراني في الأوسط بالسند السابق عينه وفيه الجمع بينهما (عن خالد الحذاء عن الحجاج بن أرطاة) ولفظه ((لا نكاح إلا بولي والسلطان ولي من لا ولي له)) (5) .
ورواه البيهقي من طريق سعيد بن عثمان الأهوازي، عن سهل بن عثمان، وفيه (عن الحجاج بن أرطاة) (6) .
__________
(1) ... سنن البيهقي 7 / 124 وجاء في سنده: بشر بن منصور بدلا من بشر بن المفضل، وكلاهما ثقة معطوف على اثنين من الثقات، وعلق علييه البيهقي قائلا: كذا قال معاذبن المثنى، ورواه غيره عن عبيد الله القواريري فقال (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) من غير استثناء، تفرد به القواريري مرفوعا، والقواريري ثقة، إلا أن المشهور بهذا الإسناد موقوف على ابن عباس.
(2) ... مسند الإمام أحمد 1 / 250. التاريخ الكبير للبخاري 8 / 71.
(3) ... سنن ابن ماجه 1 / 605. مسند أبي يعلى 4 / 386.
(4) ... المعجم الكبير للطبراني 11 / 340.
(5) ... المعجم الأوسط للطبراني 4 / 282.
(6) ... سنن البيهقي 7 / 109 – 110.(10/127)
وأما طريق عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس فقد روي من طريق النهّاس بن قَهْم عن عطاء به ولفظه ((لا نكاح إلا بولي)) (1) .
وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه فقد روي من طريق عمر بن قيس عن عطاء عن أبي هريرة عن النبي (أنه قال: ((لا نكاح إلا بولي)) (2) .
وروي من طريق سليمان بن أرقم، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، عن النبي (أنه قال: ((لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل)) (3) .
وروي من طريق المغيرة بن موسى، عن هشام بن حسَّان، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي (أنه قال: ((لا نكاح إلا بولي وخاطب وشاهدي عدل)) (4) .
وروي من طريق أبي عامر الخزّاز صالح بن رستم، عن محمد بن سيرين به، ولفظه ((لا نكاح إلا بولي)) (5) .
وروي من طريق محمد بن عبيد الله العّرْزَمي عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي (أنه قال: ((لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل، فما كان على غير ذلك فباطل مردود)) (6) .
وأما حديث عائشة رضي الله عنها فقد روي من طريق الزهري عن عروة عنها ومن طريق هشام بن عروة عن أبيه عنها.
فأما طريق الزهري فقد روي من طريق سعيد بن يحيى بن سعيد الأُموي، قال حدثنا حفص بن غياث، عن ابن جريج، عن سليمان بن موسى، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، أن رسول الله (قال: ((لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل، وما كان من نكاح على غير ذلك فهو باطل، فإن تشاجروا فالسلطان ولي من لا ولي له)) (7)
__________
(1) ... المعجم الأوسط للطبراني 7 / 97 – 98.
(2) ... المعجم الأوسط للطبراني 6 / 262.
(3) ... المعجم الأوسط للطبراني 7 / 191، الكامل لابن عدي 3 / 1101.
(4) ... الكامل لابن عدي 6 / 2356. سنن البيهقي 7 / 125. تاريخ بغداد 3/ 244.
(5) صحيح ابن حبان 9 / 387 – 388.
(6) ... الكامل لابن عدي 6 / 2113.
(7) ... صحيح ابن حبان 9 / 386.(10/128)
وروي من طريق محمد بن هارون الحضرمي قال: حدثنا سليمان بن عمر الرقي، قال حدثنا يحيى بن سعيد الأموي، قال حدثنا ابن جريج به، بلفظ ((لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل)) (1) .
وروي من طريق عيسى بن يونس، عن ابن جريج به، بلفظ ((لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل، فإن تشاجروا فالسلطان ولي من لا ولي له)) (2) .
وروي من طرق عن الحجاج بن أرطاة، عن الزهري به، بلفظ ((لا نكاح إلا بولي، والسلطان ولي من لا ولي له)) (3) .
وروي من طريق عثمان بن عبد الرحمن الوقّاصي، عن الزهري، به، بلفظ ((لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل)) (4) .
وروي من طريق عبد الله بن فَرّوخ الخراساني عن أيوب بن موسى عن الزهري (5)
وأما طريق هشام بن عروة فقد روي من طريق محمد بن يزيد بن سنان، قال حدثنا أبي، عن هشام بن عروة، عن عروة، به (6) .
وروي من طريق نوح بن دَرّاج، عن هشام بن عروة، به، بلفظ ((لانكاح إلا بولي وشاهدي عدل)) (7) .
__________
(1) ... سنن البيهقي 7 / 125.
(2) سنن الدارقطني 3 / 225 – 227. سنن البيهقي 7 / 125. وعقب الدارقطني عليه بقوله: وكذلك رواه سعيد بن خالد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان ويزيد بن سنان ونوح بن دراج وعبد الله بن حكيم أبو بكر، عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالوا فيه (شاهدي عدل) ، وكذلك رواه ابن أبي مليكة عن عائشة.
(3) مسند الإمام احمد 1 / 250. 6 /260. المصنف لابن أبي شيبة 4 / 130. سنن سعيد بن منصور 3 / 1 / 150. سنن ابن ماجه 1 / 605. مسند أبي يعلى 4 / 387. التمهيد لابن عبد البر 19 / 87.
(4) المعجم الأوسط للطبراني 10 / 135.
(5) الكامل لابن عدي 4 / 1516.
(6) سنن الدارقطني 3 / 227.
(7) تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 12 / 157.(10/129)
وروي من طريق مَنْدل بن علي العنزي عن هشام بن عروة به بلفظ: ((لا نكاح إلا بولي والسلطان ولي من لا ولي له)) (1) .
وروي من طريق علي بن جميل الرقي، قال حدثنا حسين بن عياش، عن جعفر بن بُرقان، عن هشام بن عروة، به، بلفظ: ((لا نكاح إلا بولي وشاهدين)) (2)
وروي من طريق مُطَرِّف بن مازن الصنعاني عن ابن جريج عن هشام بن عروة (3) .
وروي من طريق الحسين بن علوان الكلبي عن هشام بن عروة (4) .
وأما حديث علي رضي الله عنه فقد روي من طريق شبيب بن الفضل، قال حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن قيس بن الربيع، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي، عن النبي (أنه قال: ((لا نكاح إلا بولي)) (5) .
وروي من طريق عبّاد بن العوام، عن الحجاج (بن أرطاة) ، عن حصين (بن عبد الرحمن الحارثي) ، عن الشعبي، عن الحارث (بن عبد الله الأعور) ، عن علي، به، بلفظ: ((لا نكاح إلا بولي، ولا نكاح إلا بشهود)) (6) .
وروي من طريق حسين بن عبد الله بن ضُمَيرة، عن أبيه عن جده، عن علي، به، بلفظ: ((لا نكاح إلا بولي وشاهدين)) (7) .
وروي من طريق الإمام أبي حنيفة عن خُصَيف عن جَابِر بن عقيل عن علي رضي الله عنه عن النبي (أنه قال: ((لا نكاح إلا بولي وشاهدين، من نكح بغير ولي وشاهدين فنكاحه باطل)) (8) .
__________
(1) مسند أبي يعلى 8 / 191. وروي من طريق مندل عن ليث عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة. الكامل لابن عدي 6 / 2448.
(2) المعجم الأوسط للطبراني 7 / 469 – 470.
(3) الكامل لابن عدي 6 / 2374.
(4) المصدر السابق 2 / 770.
(5) الكامل لابن عدي 4 / 1532. تاريخ جرجان للسهمي ص 297.
(6) تاريخ بغداد 2 / 224.
(7) تاريخ بغداد 8 / 7.
(8) جامع مسانيد الإمام أبي حنيفة 2 / 102. الكامل لابن عدي 1 / 197.(10/130)
وأما حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقد روي من طريق ثابت بن زهير، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي (أنه قال: ((لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل)) (1) .
وروي من طريق أيوب بن عروة، عن أبي مالك الجَنْبي (عمرو بن هاشم) عن عبيد الله، عن نافع، به، بلفظ: ((لا نكاح إلا بولي)) (2) .
وأما حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: فرواه محمد بن عبيد الله العرزمي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي (أنه قال:
((لا نكاح إلا بولي)) (3) .
وأما حديث أنس رضي الله عنه: فرواه هشام بن سلمان المُجَاشِعي عن يزيد الرَّقَاشي عن أنس عن النبي (أنه قال: ((لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل)) (4) .
ورواه محمد بن علي بن سهل - شيخ ابن عدي - بسنده عن يزيد الرقاشي به (5) .
ورواه دينار بن عبد الله عن أنس عن رسول الله (أنه قال: ((لا نكاح إلا بولي)) (6) .
ورواه إسماعيل بن سيف البصري من حديث أنس (7) .
وأما حديث أبي أمامة رضي الله عنه: فرواه عمر بن موسى عن أبي غالب عن أبي أمامة عن النبي (أنه قال: ((لا نكاح إلا بولي)) (8) .
__________
(1) ... سنن الدارقطني 3 / 225. الكامل لابن عدي 2 / 521، 522.
(2) الكامل لابن عدي 1 / 356. ورواه العقيلي من طريق أيوب بن عروة لكن ليس فيه الجزم برفعه إذ قال الراوي (عن ابن عمر أظن رفعه) ، ولفظه: لا نكاح إلا بولي وشاهدين [الضعفاء الكبير للعقيلي 3 / 294] .
(3) ... الكامل لابن عدي 6 / 2113.
(4) ... المصدر السابق 7 / 2566. 1/ 318.
(5) ... المصدر السابق 6/2298.
(6) ... المصدر السابق 3/979.
(7) ... المصدر السابق 1 / 318.
(8) المصدر السابق 6/2298.(10/131)
وأما حديث سمرة رضي الله عنه: فرواه الفضل بن محمد بن عبد الله الباهلي-شيخ ابن عدي -بسنده عن مكحول عن سمرة عن النبي (أنه قال: ((لا نكاح إلا بولي وإذا أنكح المرأة وليان فالأول أحق بالنكاح)) (1) .
المبحث الثاني: حديث ((لا نكاح إلا بولي)) من حيث الدراية
أما حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه فقد رواه جماعة عن إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، عن جده أبي إسحاق، عن أبي بُردة بن أبي موسى الأشعري، عن أبيه أبي موسى، عن النبي (، وهذه دراسة موجزة للسند:
- إسرائيل بن يونس: وثقه أحمد والعجلي وأبو حاتم ومحمد بن عبد الله بن نُمَير وغيرهم، وقال يعقوب ابن شيبة: في حديثه لين. قال إسرائيل: كنت أحفظ حديث أبي إسحق كما أحفظ السورة من القرآن. قال بعضهم ليونس بن أبي إسحق: أمْلِ علي حديث أبيك. فقال: اكتب عن ابني إسرائيل فإن أبي أملاه عليه. ولد سنة /100/وتوفي سنة /161/تقريباً (2) .
- أبو إسحق السبيعي عمرو بن عبد الله: اتفقوا على توثيقه، وثقه ابن معين وأبو حاتم والنسائي وغيرهم، وأشار أحمد وابن معين إلى تغير حفظه في آخر عمره، ونسبه الكرابيسي وابن حبان وأبو جعفر الطبري للتدليس، ولد لسنتين بقيتا من خلافة عثمان، وتوفي سنة /127/ تقريباً (3) .
- أبو بردة بن أبي موسى الأشعري: اتفقوا على توثيقه، وثقه ابن سعد والعجلي وابن خراش وغيرهم. ولد سنة /22/، وتوفي سنة /104/ تقريباً (4) . توفي والده أبو موسى الأشعري ولأبي بردة ما بين عشرين إلى واحد وثلاثين سنة (5) .
__________
(1) المصدر السابق 6/2043 – 2044.
(2) تهذيب التهذيب 1/261 – 263. تهذيب الكمال وحاشيته 2 / 515 – 524 وخاصة ص 523.
(3) تهذيب التهذيب 8/63 – 67.
(4) تهذيب التهذيب 12/18 – 19.
(5) تهذيب التهذيب 5/362 – 363.(10/132)
قد يقال: إن إسرائيل بن يونس في حديثه لين، وإن أبا إسحاق السبيعي تغير حفظه في آخر عمره، ونسب للتدليس، ثم إن ثلاثة من الرواة عن أبي إسحاق رووا عنه هذا الحديث مرسلاً، فهذه أربعة اعتراضات على إسناد هذا الحديث.
فأما ما قيل من لين في حديث إسرئيل فإنه يزول بمتابعة جماعة من الثقات له.
وأما ما قيل من تغير حفظ أبي إسحاق في آخر عمره فهذا غير وارد هنا، لأنه قد روى عنه هذا الحديث فضلاً عن حفيده إسرائيل بن يونس ابنه يونس، وهو والد إسرائيل فروايته عنه قديمة، وكذا رواه عنه شريك بن عبد الله، وقد نص الإمام أحمد على أنه سمع منه قديماً (1) .
وأما ما نسب إلى أبي إسحاق السبيعي من التدليس فإن سفيان الثوري سأله هل سمع هذا الحديث من أبي بردة، فقال: نعم (2) .
ثم إن هذا الحديث قد روي من طريقين آخرين عن أبي بردة، من طريق يونس بن أبي إسحاق السبيعي، ومن طريق أبي حَصين عثمان بن عاصم الثقفي.
فأما طريق يونس عن أبي بردة فروي عنه من طرق (3) ، لكن روي الحديث كذلك من طرق عنه عن أبيه عن أبي بردة، كما تقدم في طرق الحديث من رواية أبيه أبي إسحاق السبيعي، ولم يقل في أي طريق من الطرق التي وقفت عليها حدثني أبو بردة، فربما كان قد سمعه من أبيه عن أبي بردة، فيكون بذلك قد رجع هذا الطريق إلى طريق أبي إسحاق.
__________
(1) تهذيب التهذيب 4/334.
(2) سنن الترمذي 3/ 409.
(3) ... مسند الإمام أحمد 4/413، 418. سنن أبي داود 2/568. المستدرك للحاكم 2/ 171 سنن البيهقي 7/ 109.(10/133)
وأما طريق أبي حصين فقد رواه الحاكم في المستدرك، قال: حدثنا أبو علي الحافظ، قال: أنبأنا أبو يوسف يعقوب بن خليفة بن حسان الأَيلي وصالح بن أحمد بن يونس وأبو العباس الأزهري، قالوا حدثنا أبو شيبة بن أبي بكر بن أبي شيبة، قال حدثنا خالد بن يزيد الطبيب، قال: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن أبي حصين، عن أبي بردة، عن أبي موسى الأشعري أنه قال: قال رسول الله (: ((لا نكاح إلا بولي)) (1) .
- أما أهم ما انتقد به سند هذا الحديث فهو أنه قد اختلف فيه على أبي إسحاق وصلاً وإرسالاً، فتطرق إليه احتمال الإعلال، فلا بد من النظر فيمن رووه مرسلاً ومن رووه موصولاً.
فأما من رووه مرسلاً فسفيان الثوري وشعبة وأبو الأحوص سلاّم بن سُليم، وسفيان وشعبة جبلان في الحفظ.
وأما من رووه موصولاً فإسرائيل بن يونس، ويونس بن أبي إسحق، وشريك بن عبد الله، وزهير بن معاوية، وقيس بن الربيع، وعبد الحميد بن الحسن الهلالي، وأبو حنيفة وغيرهم، وإسرائيل كان يحفظ حديث جده كما يحفظ السورة من القرآن، فهو وسائر من روى هذا الحديث عن أبي إسحاق السبيعي لا يمكن أن تتوارد رواياتهم كلها على الخطأ بزيادة (أبي موسى الأشعري) وتتفق عليه.
فإن قيل: أليس سفيان الثوري وشعبة جبلين في الحفظ وقد أرسلاه؟!
فالجواب: بلى، ولكن بين ذلك الإمام الترمذي إذ قال: شعبة والثوري سمعا هذا الحديث من أبي إسحاق في مجلس واحد، ومما يدل على ذلك ما حدثنا محمود بن غيلان قال: أخبرنا أبو داود قال: أنبأنا شعبة قال: سمعت سفيان الثوري يسأل أبا إسحاق: أسمعت أبا بردة يقول: قال رسول الله: (لا نكاح إلا بولي) ؟ فقال: نعم (2) . ومحمود بن غيلان متفق على توثيقه (3) ، وأبو داود هو الإمام الحافظ أبو داود الطيالسي صاحب المسند.
__________
(1) المستدرك 2 / 172.
(2) سنن الترمذي 3/ 409.
(3) تهذيب التهذيب 10 / 64 – 65.(10/134)
وتبين من هذه الرواية أن رواية شعبة والثوري ليست مأخوذة عن أبي إسحاق في مجلس واحد فحسب، بل لم تكن مأخوذة عنه في مجلس تحديث، وإنما جاءت جواباً على سؤال سفيان الذي كان يريد أن يعرف ما إذا كان أبو إسحاق قد سمع هذا الحديث من أبي بردة سماعاً.
ملحوظة: ذكر الإمام الترمذي من روى هذا الحديث عن أبي إسحاق موصولاً وهم إسرائيل وشريك بن عبد الله وأبو عوانة وزهير بن معاوية وقيس بن الربيع، وأبو عوانة هو الوضاح بن عبد الله اليشكري.
وأسقطت ذكر أبي عوانة عامداً، لأنه لم يسمع هذا الحديث من أبي إسحاق وإن كان قد رواه عنه، وإنما سمعه من إسرائيل عن أبي إسحاق، فقد رواه عنه الإمام الطحاوي بالوجهين ثم قال: فرجع حديث أبي عوانة إلى حديث إسرائيل (1) .
ومما يؤكد ذلك أن أحمد بن عبدة قال: ثم إن أبا عوانة قال يوماً: لم أسمعه إلا من إسرائيل عن أبي إسحق. فقال أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان له: سمعت أبا عونة يذكر هذا؟ . فقال: سمعت يحيى بن حماد يذكر عن أبي عوانة (2) .
وإذا انتفت الاعتراضات الأربعة على إسناد هذا الحديث تبين أن سنده صحيح من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن (.
هذا وقد صححه شيخ البخاري الإمام علي ابن المديني (3) ، وكذا عبد الرحمن بن مهدي وأبو الوليد الطيالسي (4) .
وأما حديث ابن مسعود رضي الله عنه: ففي سنده عبد الله بن مُحَرّر، قال عنه عمرو بن علي وأبو حاتم والدارقطني وغيرهم: متروك الحديث (5) .
__________
(1) شرح معاني الآثار 3 / 9.
(2) العلل لابن أبي حاتم 2 / 406 وفي المطبوع: لم أسمع من إسرائيل. وفيه تحريف، وأحمد بن عبدة ثقة ويحيى بن حماد ثقة وهو ختن أبي عوانة.
(3) قال الإمام البخاري: ما استصغرت نفسي عند أحد إلا عند علي ابن المديني [سير أعلام النبلاء للذهبي 11 / 46] .
(4) نقله عنهم الحاكم في المستدرك 2 / 170.
(5) نهذيب التهذيب 5 / 389 – 390.(10/135)
وأما حديث عمران بن حصين رضي الله عنه: ففي طريقه الأول عبد الله بن محرر، وتقدم أنه متروك الحديث.
وفي طريقه الثاني عبد الله بن عمرو (بن حسان) الواقعي، قال علي ابن المديني: كان يضع الحديث. وقال أبو زرعة: كان لا يصدق (1) .
وأما حديث جابر رضي الله عنه: ففي طريقه الأول عمرو بن عثمان بن سيار الكلابي الرقي قال عنه أبو حاتم: يحدث الناس من حفظه بأحاديث منكرة وقال النسائي والأزدي: متروك الحديث (2) .
وفي طريقه الثاني عبد الله بن بزيع قال عنه الدارقطني: ليس بمتروك. لكن قال عنه الساجي: ليس بحجة روى عنه يحيى بن غيلان مناكير. وقال ابن عدي: عامة أحاديثه ليست بمحفوظة (3) .
وفي طريقه الثالث قطن بن نُسير كان أبو زرعة يحمل عليه وقال عنه ابن عدي: يسرق الحديث (4) . وفيه محمد بن عبد الملك قال عنه الإمام احمد وأبو حاتم: كان يضع الحديث. وقال الشافعي والبخاري ومسلم والنسائي: منكر الحديث (5) .
وفي طريقه الرابع محمد بن عبيد الله بن أبي سليمان العرزمي وهو متفق على تضعيفه، وقال عنه عدد من الأئمة: متروك الحديث (6) .
وأما طريقه الخامس فظاهره الصحة، فالسند متصل ورواته كلهم ثقات لا مغمز في واحد منهم، ولكنه معلول.
وعلته أن أبا يعلى قد وجد الحديث مكتوبا عنده في موضعين، ونصه في أحدهما: لا نكاح إلا بولي ولا طلاق قبل نكاح، ونصه في الموضع الآخر لاطلاق قبل نكاح، وكأن أبا يعلى قد تردد في نص سماعه فلم يجزم بشيء، وإذا وقع التردد في إثبات لفظ ونفيه لم يجز إثباته بالشك.
__________
(1) لسان الميزان 3 / 320.
(2) تهذيب التهذيب 8 / 76 – 78.
(3) لسان الميزان 3 / 263.
(4) تهذيب التهذيب 8 / 382 – 383.
(5) الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 8 / 4. لسان الميزان 5 / 265 – 266. الكامل لابن عدي 6 / 2166 – 2170.
(6) ... تهذيب التهذيب 9/ 322 – 324.(10/136)
ومما يؤكد أن جملة لا نكاح إلا بولي ليست من أصل الحديث عدم ورودها عند الرواة الآخرين الذين رووه من هذا الطريق، فمن ذلك أن محمد بن سنان القزاز قد رواه عن أبي بكر الحنفي دون هذه الزيادة (1) ، وأن وكيع بن الجراح وأبا داود الطيالسي قد روياه عن ابن أبي ذئب كذلك دون هذه الزيادة (2) .
وهذا ما يفسر لنا تعليق ابن عدي رحمه الله بقوله: وهذا إنما هو لا طلاق قبل نكاح بهذا الإسناد.
وأما حديث ابن عباس رضي الله عنهما من طريق سعيد بن جبير عنه ففي طريقه الأول عدي بن الفضل، اتفقوا على تضعيفه وقال عنه النسائي وابن معين في رواية: ليس بثقة. وقال أبو حاتم: متروك الحديث. وقال الدارقطني: متروك (3) . وقد خالفه في رفع الحديث عن ابن خُثيم: سفيان الثوري من الطرق المحفوظة عنه وابن جريج وجعفر ابن الحارث كما سيأتي.
وأما طريقه الثاني فمعلول، رواه عبيد الله بن عمر القواريري وهو متفق على توثيقه (4) عن جماعة من الثقات عن سفيان الثوري عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعاً، هكذا رواه عنه اثنان جازمين بالرفع، ورواه عنه ثالث وفيه التردد برفع الحديث، فيبدو أنه وقع له تردد في رفعه بعد أن كان جازماً بالرفع، وقد خالفه في رفع الحديث عن سفيان الثوري وكيع وعبد الرزاق، كما سيأتي، ولهذا قال البيهقي رحمه الله: تفرد به القواريري مرفوعاً،والقواريري ثقة إلا أن المشهور بهذا الإسناد موقوف على ابن عباس (5) .
__________
(1) سنن البيهقي 7 / 319.
(2) المستدرك للحاكم 2 / 420. سنن البيهقي 7 / 319.
(3) تهذيب التهذيب 7 / 169 – 170.
(4) تهذيب التهذيب 7 / 40 – 41.
(5) سنن البيهقي 7 / 124.(10/137)
ورواية ثقتين بوقف الحديث أولى من رواية ثقة واحد برفعه، وخاصة إذا تردد في رفعه في بعض الأوقات.ثم إذا ارتقينا درجة في سلم الإسناد لوجدنا ابن جريج وجعفر بن الحارث يرويان الحديث عن ابن خثيم موقوفاً، وهذا يؤكد صحة رواية ذينِك الثقتين، وأن الثالث قد وهم.
أما طريق عكرمة عن ابن عباس ففيه الحجاج بن أرطاة، وصفه أحمد والبزار بالحفظ، وضعفه ابن سعد، ولينه سائر النقاد، ووصفوه بالتدليس، وقال أبو حاتم: يدلس عن الضعفاء.وأشار ابن المبارك إلى أنه يدلس عن المتروكين، وقال الدارقطني: كثير الوهَم (1) . وهو فضلاً عما فيه من لين فإنه لم يصرح بالسماع.
وأما الطريق الذي خلا عن (الحجاج بن أرطاة) وفيه بدلاً منه خالد الحذاء فلا يعول عليه، لأنه معلول. وعلته أن سهل بن عثمان راويَه عن ابن المبارك اختلف عليه فيه، فقال مرة (عن الحجاج بن أرطاة) وقال مرة (عن خالد الحذاء) ، وحيث إن أبا كُريب رواه عن ابن المبارك عن (ابن أرطاة) فتبين أن هذه هي الرواية المحفوظة، وأن عبد الله بن المبارك لم يرو هذا الحديث إلا عن الحجاج بن أرطاة، فالطريق التي فيها غير ذلك خطأ (2) .
وأما طريق عطاء عن ابن عباس ففيه النهاس به قهم، متفق على تضعيفه، وقال ابن معين وأبو حاتم: ليس بشيء (3) .
__________
(1) تهذيب التهذيب 2 / 196 – 198. العلل للدارقطني 6 / 123.
(2) ومما يؤكد أن بعض الرواة عن سهل بن عثمان قد أخطؤوا في نقل هذا الحديث جواب عبدان لما سئل عن هذا الحديث إذ قال: حدثنا إبراهيم بن حرب وراق سهل بن عثمان قبل أن يقدم علينا سهل قال: حدثنا سهل حدثنا ابن المبارك عن خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: لا نكاح إلا بولي، ثم قدم علينا سهل بن عثمان فسألناه عن هذا الحديث فقال: إنما حدثناه ابن المبارك عن حجاج بن أرطاة عن عكرمة عن ابن عباس [الكامل لابن عدي 3 / 1139] .
(3) تهذيب التهذيب 10 / 478.(10/138)
وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ففي طريقه الأول عمر بن قيس المكي، متفق على تضعيفه، وقال عمرو بن علي وأبو حاتم والنسائي: متروك الحديث. (1) .
وفي طريقه الثاني سليمان بن أرقم، قال عنه ابن معين: ليس بشيء، ليس يسوى فلساً. وقال أبو حاتم والترمذي وأبو أحمد الحاكم وغيرهم: متروك الحديث (2) .
وفي طريقه الثالث المغيرة بن موسى، ضعفه أكثر النقاد، وقال البخاري: منكر الحديث (3) .
وفي طريقه الرابع أبو عامر الخزاز صالح بن رستم، وثقه أبو داود الطيالسي وأبوداود السجستاني والبزار ومحمد بن وضاح، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال أحمد: صالح الحديث. وقال العجلي: جائز الحديث. وضعفه ابن معين، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به. وقال أبو أحمد الحاكم والدارقطني: ليس بالقوي. وقال ابن عدي: وهو عندي لابأس به، ولم أر له حديثا منكراً جداً (4) . فهذا الراوي من أهل الصدق والعدالة، وصاحب أوهام وأغلاط، وعلى هذين الأمرين تتنزل أقوال الموثقين والمجرحين، والذي يظهر لي أن رفعه لهذا الحديث من أغلاطه، وقد خالفه أيوب السختياني فرواه عن ابن سيرين موقوفاً، كما سيأتي.
وأما حديث عائشة رضي الله عنها: من طريق الزهري مما رواه ابن جريج عن سليمان بن موسى عنه ففي طريقه الأول حفص بن غياث عن ابن جريج، وقد كان حفص من الثقات إلا أنه ساء حفظه بعد أن ولي القضاء، ونسبه أحمد وابن سعد للتدليس (5) . ولم يصرح بسماع هذا الحديث من ابن جريج، ففي السند شبهة الانقطاع.
__________
(1) ... تهذيب التهذيب 7 / 490 – 493.
(2) تهذيب التهذيب 4 / 168 – 169.
(3) لسان الميزان 6 / 79 – 80.
(4) تهذيب التهذيب 4 / 391.
(5) ... تهذيب التهذيب 2 / 415 – 418.(10/139)
وفي طريقه الثاني خطأ في السند حيث جاء فيه من طريق أبي العباس عصم بن العباس الضبي قال: حدثنا محمد بن هارون الحضرمي، قال: حدثنا سليمان بن عمر الرقي، قال: حدثنا يحيى بن سعيد الأموي، قال: حدثنا ابن جريج. ورواه الدارقطني -كما في الطريق الذي يلي هذا -قال: حدثنا محمد بن هارون الحضرمي، به. لكن عنده (عيسى بن يونس) بدلاً من (يحيى بن سعيد الأموي) ، والدارقطني إمام ثقة حافظ مصنف، فروايته هي المحفوظة، فرجع هذا الطريق إلى الطريق الذي يليه.
وفي طريقه الثالث اختلاف في المتن، فهو هنا بهذا اللفظ، بينما رواه أبو يوسف الرقي محمد بن أحمد بن الحجاج عن عيسى بن يونس عن ابن جريج بلفظ: ((أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها وشاهدي عدل فنكاحها باطل)) (1) ، فلا بد من الترجيح بين اللفظين، ويبدو أن الراجح هو ما رواه أبو يوسف الرقي، بدليل الفقرة التالية.
ثم إن روايةً اختلف على راويها في تسمية راو في السند أو اختلف عليه في حكاية لفظ المتن أو رويت من طريق راو مدلس لم يصرح بالسماع؛ كيف تقف أمام ما رواه ثلاثة عشر راوياً -فيهم السفيانان وابن المبارك وابن وهب-كلهم عن ابن جريج بالسند ذاته بغيرهذا اللفظ؟!!! وروايتهم بلفظ ((أيما امراة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل)) ، فهذا هو اللفظ المحفوظ عن ابن جريج كما سيأتي، ولفظ ((لا نكاح إلا بولي)) بهذا الإسناد معلول.
وفي الطريق الثاني عن الزهري الحجاج بن mأرطاة عنه، وقد تقدم أنه كثير الوهَم ويدلس عن الضعفاء والمتروكين، ويضاف هنا أنه كان قد صرح بأنه لم ير الزهري، فالسند ضعيف بسبب الانقطاع فضلاً عن كثرة أوهام الراوي.
__________
(1) ... سنن البيهقي 7 / 124 – 125 وعقب البيهقي عن الإمام الحافظ أبي علي النيسابوري أن أبا يوسف الرقي من حفاظ أهل الجزيرة ومتقنيهم.(10/140)
وفي الطريق الثالث عن الزهري عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي عنه، وهو متفق على تضعيفه، وقال عنه جماعة من النقاد: متروك الحديث. ونسبه ابن معين للكذب (1) .
وأما طريق هشام بن عروة ففي طريقه الأول محمد بن يزيد بن سنان عن أبيه عنه، ومحمد بن يزيد بن سنان ذكره ابن حبان في الثقات، ووثقه الحاكم، وضعفه جمهور النقاد لغفلته وروايته المناكير، وأبوه يزيد بن سنان اتفق النقاد على تضعيفه، ووصف بأنه روى المناكير الكثيرة، وأنه منكر الحديث، وأنه متروك الحديث (2) .
وفي طريقه الثاني نوح بن دراج عنه، وقد وثقه ابن نمير، ولكن ضعفه جمهور النقاد، واتهم بالكذب ووضع الحديث وأنه حدث عن الثقات بالموضوعات (3) .
وفي طريقه الثالث مندل بن علي العنزي عنه، وقد قال عنه ابن معين في رواية: لابأس به. وكذا أبو حاتم في رواية، وضعفه جمهور النقاد، لرفع المراسيل وإسناد الموقوفات ورواية المناكير (4) .
وفي طريقه الرابع علي بن جميل الرقي، قال عنه ابن حبان: يضع الحديث وضعاً. وضعفه سائر النقاد (5) .
وفي طريقه الخامس مطرف بن مازن الصنعاني، متفق على تضعيف (6) .
وفي طريقه السادس الحسين بن علوان الكلبي، وهو متهم بالكذب ووضع الحديث (7) .
__________
(1) تهذيب التهذيب 7 / 133 – 134.
(2) تهذيب التهذيب 9 / 524 – 525. 11/ 335 – 336.
(3) ... تهذيب التهذيب 10 / 482 – 484.
(4) تهذيب التهذيب 10 / 298 – 299.
(5) ... كتاب المجروحين لابن حبان 2 / 116. لسان الميزان 4 / 209 – 210.
(6) لسان الميزان 6 / 47 – 48.
(7) المصدر السابق 2 / 299 – 300.(10/141)
وأما حديث علي رضي الله عنه: ففي طريقه الأول عبد الله بن أبي جعفر الرازي وهو مختلف فيه، وفيه قيس بن الربيع وهو مختلف فيه، أثنى عليه ووثقه جماعة من معاصريه، وضعفه آخرون لروايته المناكير، وذكر علي ابن المديني وابن نمير وأبو داود الطيالسي وابن حبان أن الآفة من ابنه حيث أدخل عليه في كتبه ما ليس من حديثه فحدث بذلك وهو لا يشعر، وفي هذا الطريق الحارث ابن عبد الله الأعور، وهو مختلف فيه وضعفه الأكثرون واتهمه جماعة بالكذب (1) .
وفي طريقه الثاني حجاج بن أرطاة وقد تقدم أن أكثر النقاد لينوه لكثرة أوهامه ثم هو مدلس ولم يصرح بالسماع، وفيه حصين [بن عبد الرحمن الحارثي] وقد نقل أبو حاتم عن الإمام أحمد ان أحاديثه مناكير فلا ينفعه ذكر ابن حبان في الثقات، وفيه الأعور وقد تقدم حاله قريبا (2) .
وفي طريقه الثالث حسين بن عبد الله بن ضميرة وقد كذبه مالك وأبو حاتم وابن الجارود وقال غيرهم: متروك الحديث (3) .
وفي طريقه الرابع خصيف [بن عبد الرحمن الجزري] وهو مختلف فيه وقال ابن حبان: تركه جماعة من أئمتنا واحتج به آخرون وكان شيخا فقيها عابدا إلا أنه كان يخطئ كثيرا فيما يروي (4) وفيه جابر بن عقيل ولم أجد له ترجمة فلعله في عداد المجهولين.
وأما حديث ابن عمر رضي الله عنهما: ففي طريقه الأول ثابت بن زهير فقد اتفق النقاد على تضعيفه وقال عنه البخاري والساجي والدارقطني: منكر الحديث، وقال عنه أبو حاتم: ضعيف الحديث لا يشتغل به (5) .
__________
(1) ... تهذيب التهذيب 5 / 176 – 177. 8 / 391 – 395. 2 / 145 –147.
(2) ... تهذيب التهذيب 2 / 383.
(3) ... ميزات الاعتدال 2 / 293. لسان الميزان 2 / 289 – 290.
(4) ... تهذيب التهذيب 3 / 143 – 144.
(5) ... لسان الميزان 2 / 76 – 77.(10/142)
وفي طريقه الثاني عمرو بن هاشم أبو مالك الجنبي وقد ضعفه جمهور النقاد وقال فيه ابن معين: لم يكن به بأس وقال فيه البخاري: فيه نظر. وضعفه مسلم وغيره وقال فيه ابن حبان: كان يقلب الأسانيد ويروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات لا يجوز الاحتجاج بخبره (1) .
وأما حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: ففيه محمد بن عبيد الله بن أبي سليمان العرزمي، وقد تقدم أنه متروك الحديث.
وأما حديث أنس رضي الله عنه ففي طريقه الأول هشام بن سلمان المجاشعي وهو ضعيف (2) ، وفيه يزيد بن أبان الرقاشي وهو ضعيف متروك الحديث (3) .
وفي طريقه الثاني محمد بن علي بن سهل الأنصاري المروزي وقد قال فيه الإسماعيلي: لم يكن بذاك.واتهمه الذهبي بإحدى الروايات المنكرة وقال: ما أرى الآفة إلا منه. وذكره سبط ابن العجمي فيمن اتهموا بوضع الحديث (4) . وفيه يزيد الرقاشي وقد تقدم قريبا أنه ضعيف متروك الحديث
وفي طريقه الثالث دينار مولى أنس وقد حدث وروى عنه بوقاحة في حدود سنة 240، وهو ممن قيل فيه: يروي الموضوعات (5) .
وفي طريقه الرابع إسماعيل بن سبف البصري وقد ذكره ابن حبان في الثقات، لكن ضعفه البزار وأبو يعلى وعبدان الأهوازي، وقال عنه ابن عدي: يسرق الحديث (6) .
__________
(1) ... تهذيب التهذيب 8 / 111 – 112.
(2) ... لسان الميزان 6 / 194 – 195. الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 9 / 62.
(3) ... تهذيب التهذيب 11 / 309 – 311.
(4) ... ميزان الاعتدال 6 / 264.لسان الميزان 5 / 295. الكشف الحثيث عمن رمي بوضع الحديث لسبط ابن العجمي ص 241.
(5) ... لسان الميزان 2 / 434 – 435. وإنما قيل فيه تلك الكلمة الجارحة لأنه حدث عن أنس رضي الله عنه بعد وفاته بمئة وخمسين عاما مدعيا لقاءه وهو لم يدركه.
(6) ... المصدر السابق 1 / 409.(10/143)
وأما حديث أبي أمامة رضي الله عنه ففيه عمر بن موسى الوجيهي وهو أحد الوضاعين (1) .
وأما حديث سمرة رضي الله عنه ففيه الفضل بن محمد بن عبد الله الأنطاكي الأحدب وهو متهم بالكذب ووضعه الحديث (2) .
مناقشة الإمام الطحاوي للاستدلال بهذا الحديث:
مال الإمام الطحاوي رحمه الله إلى أن حديث: ((لانكاح إلا بولي)) مرسل، حيث إنه رواه من طريق سفيان الثوري وشعبة بن الحجاج عن أبي إسحاق السبيعي عن أبي بُردة عن النبي (مرسلا، ليس فيه ذكر لأبي موسى الأشعري، ورواه من طريق إسرائيل بن يونس وقيس بن الربيع وأبي عوانة، كلهم عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي (موصولا، ورواه من بعض الطرق عن أبي عوانة عن إسرائيل عن أبي إسحاق، فرجع طريق أبي عوانة إلى إسرائيل، فلم يبق أمامه سوى رواية سفيان وشعبة بالإرسال، ورواية إسرائيل وقيس بن الربيع بالوصل، وسفيان وشعبة أقوى من هذين بكثير، فترجحت - بناء على ذلك - رواية الإرسال، والمرسلُ -عند المحدثين - ليس مما تقوم به حجة. (3)
وإن أهم مايزيل هذا الاعتراض هو أن الراويين اللذين رويا هذا الحديث موصولا لم ينفردا بذلك، بل تابعهم على روايته بالوصل كل من يونس بن أبي إسحاق السبيعي، وشريك بن عبد الله النخعي، وزهير بن معاوية، وعبد الحميد بن الحسن الهلالي، والإمام أبو حنيفة، مما يجعل الواقف على هذه الطرق يجزم بثبوت رواية الوصل وأنها ليست من باب الوهَم. (4)
__________
(1) ... المصدر السابق 4 / 332 - 334.
(2) ... المصدر السابق 4 / 448.
(3) ... شرح معاني الآثار للطحاوي:3/8-9.
(4) ... وقد سبق ذكر قرائن أخرى وروايات كثيرة للحديث تؤكد صحته وثبوته عند الكلام على هذا الحديث من حيث الدراية.(10/144)
من أن الإمام الطحاوي -رحمه الله -وضع احتمال ثبوت الحديث وسلامة سنده من علة الإرسال، فأورد عدة احتمالات في فهم الحديث بحيث تبعده عن مجال الاحتجاج به لقول الجمهور، وذلك إذ يقول: لو ثبت عن النبي (أنه قال: ((لا نكاح إلا بولي)) لم يكن فيه حجة لما قال الذين احتجوا به لقولهم في هذا الباب، لأنه قد يحتمل معاني: فيحتمل ما قال هذا المخالف لنا أن ذلك الولي هو أقرب العَصَبة إلى المرأة، ويحتمل أن يكون ذلك الولي من توليه المرأة من الرجال قريبا كان منها أو بعيدا، …ويحتمل أن يكون الولي هو الذي إليه ولاية البضع من والد الصغيرة أو مولى الأمة أو بالغةً حرة لنفسها، فيكون ذلك على أنه ليس لأحد أن يعقد نكاحا على بضع إلا ولي ذلك البضع، وهذا جائز في اللغة، قال الله تعالى: (فليملل وليه بالعدل ( [البقرة 282] ، فقال قوم: ولي الحق هو الذي له الحق (1) .
فكأن الإمام الطحاوي -رحمه الله - يقول لنا: ما تطرق إليه الاحتمال بطل به الاستدلال. فالجواب: أن ليس كل ما تطرق إليه الاحتمال بطل به الاستدلال، لأنه لو أُخذ بهذا القول على إطلاقه لما كاد يسلم استدلال لمستدل، إذ أين الدليل الذي لايتطرق إليه احتمال قوي ولاضعيف ولا واهن؟!! فلا بد من التفريق بين الاحتمال القوي والاحتمال الضعيف والواهن، والذي يفصل في تمييز الاحتمالات وترتيبها هو القرائن.
ولاشك أن من أقوى القرائن المعينة على فهم معنى الحديث تبادر المعنى إلى الأذهان، وخاصة أذهان الصحابة والتابعين.
__________
(1) ... شرح معاني الآثار للطحاوي:3/10. ...(10/145)
وأما الاحتمال الأخير الذي أورده فهو إخلاء للنص عن الفائدة، وهذا مرجوح، إذ المعنى على هذا الاحتمال: لا يصح عقد على بُضع إلا بأن يعقده ولي ذلك البضع، وهذا تحصيل حاصل، بخلاف ماإذا فُسر الحديث بالمعنى الذي فهمه جمهور الصحابة والتابعين، وهو أنه لايصح عقد نكاح المرأة إلا بأن يعقده لها وليها الذي له عليها ولاية التزويج، فهذا تأسيس لمعنى يستفاد من النص، وهو أولى من حمله على معنى لا يتجاوز ماهو مسّلم معروف ببديهة العقول قبل ورود النص، وهو أنه لايصح لأحد أن يعقد على شيء إلا من له الحق في العقد عليه.
قد يُقال: إن المراد في الحديث نفي كمال النكاح، لا نفي صحته، فالجواب أن ((لا)) في قوله (( (لانكاح إلا بولي)) نافية للجنس، واسمها نكرة، والنكرة في سياق النفي للعموم، ثم إن الأصل في النفي نفي الحقيقة، فيكون المعنى هنا نفي الجواز والصحة، وأما حمله على أن المراد به نفي الكمال فهذا خلاف الأصل، ولايصار إليه إلا بقرينة.(10/146)
هذا وإن من أهم ما يؤكد دلالة الحديث على أن المرأة لا تعقد عقد نكاحها لنفسها دون وليها: تضافر الآثار الواردة عن الصحابة وجمهور التابعين على أنه لا نكاح إلا بولي، منهم عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس وأبو هريرة رضي الله عنهم، وجابر بن زيد والحسن البصري وشريح وابن سيرين وسعيد بن المسيب وبكر بن عبد الله المزني وعمر بن عبد العزيز وإبراهيم النخعي ومكحول وغيرهم من التابعين رحمهم الله (1)
__________
(1) ... انظر: الموطأ للإمام مالك: 2 / 525. الأم للشافعي 5 / 13، 19، 22. مصنف عبد الرزاق 6 / 196 – 200، 202. مصنف ابن أبي شيبة 4 / 129 – 132، 135.سنن سعيد بن منصور 3 / 1/ 149 – 151، 154، 158. الأوسط لابن المنذر 3/ 187 ب، 190 ب. أخبار القضاة لوكيع 2 / 249، 255، 296. سنن الدارقطني 3 / 225، 227 – 229. سنن البيهقي 7 / 110 – 113، 124 – 127.معرفة السنن والآثار للبيهقي 5/ 236 – 237. شرح السنة للبغوي 9 / 45. ومعظم أسانيد هذه الآثار جيدة، انظر البحث الذي كتبته بعنوان: حديث لا نكاح إلا بولي من حيث الدلالة على المعنى المستفاد، ولعله ينشر قريبا بإذن الله.
المصادر والمراجع
الإحسان = صحيح ابن حبان.
أخبار القضاة: وكيع: عالم الكتب، بيروت، مصورة.
الأم: الإمام الشافعي، دار المعرفة، بيروت، مصورة.
الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف: ابن المنذر، مخطوطة أحمد الثالث باستانبول، رقم المخطوطة 1110.
البحر الزخار = المسند للبزار.
تاريخ بغداد: الخطيب البغدادي، دار الكتب العلمية، بيروت، مصورة.
تاريخ جرجان: السهمي، عالم الكتب، بيروت، ط 4، 1407 / 1987.
التاريخ الكبير: البخاري، دار الفكر، بيروت، مصورة.
التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد: ابن عبد البر، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، المملكة المغربية، 1387 / 1967.
تهذيب التهذيب: ابن حجر، حيدر آباد الدكن، الهند، ط 1، 1325.
تهذيب الكمال: المزي، ت د. بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط 2، 1403 / 1983.
جامع مسانيد الإمام أبي حنيفة: الخوارزمي، دار الكتب العلمية، بيروت، مصورة.
الجرح والتعديل: ابن أبي حاتم، دار إحياء التراث العربي، بيروت، مصورة.
سنن ابن ماجه، ت محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، 1372 / 1952.
سنن أبي داود، ت عزة عبيد دعاس،دار الحديث، حمص، ط 1، 1388/ 1969.
سنن البيهقي، دار المعرفة، بيروت، مصورة.
سنن الترمذي: ت الشيخ أحمد محمد شاكر وغيره، دار الكتب العلمية، بيروت، مصورة.
سنن الدارقطني: ت عبد الله هاشم يماني، دار المعرفة، بيروت، 1386 / 1966.
سنن الدارمي: ت د مصطفى البغا، دار القلم، دمشق، ط 1، 1412 / 1991.
سنن سعيد بن منصور: ت الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1405 / 1985.
سير أعلام النبلاء: الذهبي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط4، 1406 / 1986.
شرح السنة: البغوي، ت الشيخ شعيب الأرناءوط، المكتب الإسلامي، بيروت، ط2، 1403 / 1983.
شرح معاني الآثار: الطحاوي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط2، 1407 / 1988.
صحيح ابن حبان [الإحسان في ترتيب صحيح ابن حبان] : ابن بلبان، ت الشيخ شعيب الأرناءوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1408 / 1988.
الضعفاء الكبير: العقيلي، ت د عبد المعطي قلعجي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1404 / 1984.
العلل للدارقطني، ت د محفوظ الرحمن السلفي، دار طيبة، الرياض، ط1، 1405/ 1985
علل الحديث: ابن أبي حاتم، دار السلام، حلب، مصورة.
الكامل في ضعفاء الرجال: ابن عدي، دار الفكر، بيروت، ط2، 1405 / 1985.
لسان الميزان: ابن حجر، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، مصورة عن الطبعة الهندية الأولى.
المجروحين: ابن حبان، ت محمود إبراهيم زايد، دار الوعي، حلب، ط1، 1396.
المستدرك: الحاكم، دار الكتاب العربي، بيروت، مصورة.
المسند: أبو داود الطيالسي، دار المعرفة، بيروت، مصورة.
المسند: أبو يعلى، ت حسين سليم أسد، دار المأمون للتراث، دمشق، ط1، 1404 / 1984.
المسند: الإمام أحمد، دار الفكر، بيروت، مصورة.
المسند: البزار، ت د محفوظ الرحمن زين الله، مؤسسة علوم القرآن، بيروت، ط1، 1409 / 1988.
المصنف: ابن أبي شيبة، ت عامر العمري الأعظمي، الدار السلفية، بومباي.
المصنف: عبد الرزاق الصنعاني، ت الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي، المكتب الإسلامي، بيروت، ط2، 1403 / 1983.
المعجم الأوسط: الطبراني، ت د محمود أحمد الطحان، مكتبة المعارف، الرياض، ط1، 1405 / 1985.
المعجم الكبير: الطبراني، ت حمدي عبد المجيد السلفي، ط2.
معرفة السنن والآثار: البيهقي، ت د عبد المعطي قلعجي، جامعة الدراسات الإسلامية، كراتشي، ط1، 1411/ 1991.
المنتقى: ابن الجارود، دار القلم، بيروت، ط1، 1407 / 1987.
الموطأ: الإمام مالك، ت محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، مصورة.(10/147)
أهم نتائج البحث:
حديث لا نكاح إلا بولي حديث صحيح ثابت من رواية أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن رسول الله (.
لم يصح هذه الحديث من طريق أي صحابي آخر، فلم تخل أسانيد تلك الطرق من راو متهم أو شديد الضعف.
لا يجوز للمرأة أن تعقد عقد زواجها بنفسها دون ولي.
لا بد للمرأة من ولي يعقد لها عقد زواجها أو يأذن لمن يعقد لها، وهذا لا يلغي أمره باستئمارها إذا كانت ثيبا واستئذانها إذا كانت بكرا.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه والتابعين بإحسان إلى يوم الدين.
الحواشي والتعليقات(10/148)
حديث: (احفظ الله يحفظك)
دراسة عقدية
د. محمد بن عبد العزيز بن أحمد العلي
أستاذ مساعد بقسم العقيدة والمذاهب المعاصرة - بكلية أصول الدين-الرياض
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
ملخص البحث
هذا البحث هو شرح لحديث رسول الله (في وصيته لابن عباس رضي الله عنهما حينما قال له وهو رديفه: (يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، وأعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف) ، وفي رواية: (احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً) .
وهذا الحديث، وإن سبق شرحه قديماً وحديثاً، إلا أني لم أقف على من درسه دراسة عقدية تبرز ما فيه من مسائل كثيرة تتعلق بأساس الدين وأصله، إذ فيه من المسائل المتعلقة بألوهية الله وربوبيته وأسمائه وصفاته ونحو ذلك مما يؤكد الحاجة الضرورية لدراسته.
ولهذا كتبت فيه هذا البحث الذي بدأته بمقدمة ذكرت فيها أهميته وسبب اختياره، ثم كتبت تمهيداً ضمنته ذكر الحديث برواياته، ثم شرحه إجمالاً، مع بيان مكانته وما قاله العلماء فيه، ثم قسمت البحث إلى اثني عشر مبحثاً، جعلت كل فقرة من فقراته في مبحث خاص، ثم ختمته بخاتمة ذكرت فيها أهم نتائجه، ثم وضعت فهرساً لأهم المصادر والمراجع التي أفدت منها.
وإني لأنبه إلى أن هذا الحديث لا يزال بحاجة إلى عناية خاصة بالتأليف لما اشتمل عليه من مسائل عظيمة.
أسأل الله إخلاص النية، وصلاح العمل وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم.
المقدمة:(10/149)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله صحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين.
أما بعد.
فإن رسول الله (أعطي (فواتح الكلام وجوامعه وخواتمه) (1) ، ويتضح ذلك لكل من تتبع سنته واقتفى أثره، وكان (حريصاً كل الحرص على نجاة أمته، بتعليمها وتربيتها التربية النبوية العقدية القويمة، يفعل ذلك في كل أوقاته، حتى أثناء تنقله من مكان إلى آخر، كما في أحاديث، منها وصيته (لابن عباس رضي الله عنهما عندما كان رديفه على الدابة، وهو موضوع هذا البحث، وهذا الحديث العظيم وإن كان موجهاً من رسول الله (إلى ابن عباس رضي الله عنهما إلا أنه وصية عظيمة القدر للأمة جمعاء، وإرشاد نبوي لكل من أراد النجاة في الدنيا والآخرة.
هذا وقد اعتنى العلماء بهذا الحديث، قديماً وحديثاً، شرحاً وتفصيلاً، فتتبعت ما كتب فيه فرأيت أنه بحاجة إلى دراسة عقدية تظهر ما فيه من مسائل عظيمة تتعلق بأشرف العلوم وأجلها قدراً، وأوجبها مطلباً، وهو علم التوحيد، لأنه مفتاح الطريق إلى الله (وأساس الشرائع قال تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ ((2) .
فإن كثيراً مما كتب في شرح هذا الحديث اعتنى ببسط مسائله الوعظية، وفي هذا خير عظيم، والأمة بحاجة ماسة إلى من يذكرها ويعظها بما جاء في كتاب الله تعالى وثبت في سنة رسوله (، إلا أن التركيز على مسائله العقدية من أهم المهمات.
وهذا لا يعني أن من كتب في شرحه أغفل مسائل العقيدة لكنه أجمل في ذكرها مقارنة مع ما في الحديث من مسائل كبيرة.
__________
(1) ... جزء من حديث أخرجه الإمام أحمد 1/ 408، و1/ 437. وذكره الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة 3/472 ح 1483.
(2) ... سورة النحل، الآية 36.(10/150)
ومن أفضل ما قرأته المملكة العربية السعودية ما كتبه أسلافنا شرح ابن دقيق العيد (ت 702هـ) في كتابه (شرح الأربعين حديثاً النووية) ، وشرح ابن رجب (ت 795 هـ) في كتابه (جامع العلوم والحكم) و (نور الاقتباس في مشكاة وصية النبي (لابن عباس) وغيرهما، وبخاصة ممن كتب في شرح الأربعين النووية.
إلا أنه كما ذكرت آنفاً رأيت أن الحديث بحاجة إلى دراسة عقدية تبرز ما فيه من مسائل أُجمل في ذكرها، وبخاصة أنه قد تناوله بالشرح ممن هو ليس على عقيدة السلف، فظهرت آثار ذلك في شرحه.
وقد بدأت البحث بمقدمة ذكرت فيها أهمية وسبب الكتابة في هذا الموضوع، ثم تمهيداً ذكرت فيه الحديث ومكانته وشرحه إجمالاً.
بعد ذلك قسمت البحث إلى اثني عشر مبحثاً، كل فقرة في الحديث جعلتها في مبحث مستقل.
ثم ختمت هذه الدراسة بخاتمة كتبت فيها أهم ما توصلت إليه إجمالاً.
أسأل الله إخلاص النية وصلاح العمل وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
التمهيد:
متن الحديث:
عن أبي العباس عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما – قال: كنت خلفَ النبي (يوماً فقال: (يا غلامُ إني أُعَلِّمُك كلمات: احفظِ الله يحفظك، احفظِ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفّت الصحف) (1) .
__________
(1) ... رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، كتاب صفة القيامة والرقائق والورع، باب 59، ح 2516، والإمام أحمد 1/ 293، 303، وأخرجه الطبراني في الكبير ح 1298، وأبو نعيم في الحلية 1/ 314. وصححه الألباني، انظر صحيح الجامع الصغير 2/ 1318 ح 7957.(10/151)
وفي رواية: (احفظ الله تجده أمامك، تعرّف إلى الله في الرخاء يعرفْك في الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً) .
وفي رواية: (يا فتى ألا أهب لك ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أنه قد جف القلم بما هو كائن، واعلم بأن الخلائق لو أرادوك بشيء لم يردك الله به لم يقدروا عليه، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً) (1) .
مكانة الحديث:
حديث ابن عباس هذا حديث عظيم – وكل أحاديث الرسول (عظيمة وشريفة - فهو أمر نبوي كريم بحفظ الدين، وبيان لنتيجة ذلك، وهو نصر الله وتأييده وحفظه لمن حفظ دينه، وقد اشتمل هذا الحديث على مسائل عقدية تعد أصولاً عظيمة، من الإيمان بالله والإخلاص له بالعبادة والتوكل عليه والاستعانة به، والقضاء والقدر، والاتباع لما جاء به رسوله (.
__________
(1) ... الروايتان في مسند الإمام أحمد 1/ 293، و1/ 303،307 وعند أبي يعلى 2/ 665، والحاكم في مستدركه 3/ 541، والطبراني في المعجم الكبير 3/ 121. وصححه الألباني: انظر كتاب السنة لابن أبي عاصم، تخريج الألباني 1/ 138،139، ورياض الصالحين بتحقيق الألباني ص 63، وسلسلة الأحاديث الصحيحة 5/ 496، 497 ح 2382.(10/152)
ومما يدل على مكانته اختيار النووي (ت 676هـ) له أن يكون ضمن الأربعين حديثاً التي جمعها، وكان رقمه التاسع عشر، وذكر سبب اختياره لها بقوله: ((وقد استخرت الله تعالى في جمع أربعين حديثاً …، ثم من العلماء من جمع الأربعين في أصول الدين، وبعضهم في الفروع، وبعضهم في الجهاد، وبعضهم في الزهد، وبعضهم في الآداب، وبعضهم في الخطب، وكلها مقاصد صالحة، رضي الله عن قاصديها، وقد رأيت جمع أربعين أهم من هذا كله، وهي أربعون حديثاً مشتملة على جميع ذلك، وكل حديث منها قاعدة عظيمة من قواعد الدين، قد وصفه العلماء بأن مدار الإسلام عليه، أو هو نصف الإسلام، أو ثلثه، أو نحو ذلك…، وينبغي لكل راغب في الآخرة أن يعرف هذه الأحاديث لما اشتملت عليه من المهمات، واحتوت عليه من التنبيه على جميع الطاعات، وذلك ظاهر لمن تدبره)) (1) .
كما اختاره النووي أيضاً ليكون ضمن كتابه القيم (رياض الصالحين) ، ووضعه في الباب الخامس، باب المراقبة، من الكتاب الأول، فكان رقمه الثاني والستين من جملة الأحاديث التي بلغت 1896 حديثاً، وقد قال في مقدمتها: ((فرأيت أن أجمع مختصراً من الأحاديث الصحيحة، مشتملاً على ما يكون طريقاً لصاحبه إلى الآخرة، ومحصلاً لآدابه الباطنة والظاهرة، جامعاً للترغيب والترهيب، وسائر أنواع آداب السالكين، من أحاديث الزهد، ورياضات النفوس، وتهذيب الأخلاق، وطهارات القلوب وعلاجها، وصيانة الجوارح، وإزالة اعوجاجها، وغير ذلك من مقاصد العارفين)) (2) .
وقد وجد هذان الكتابان قبولاً عظيماً عند العلماء، وطلبة العلم بعد النووي، إذ كثر انتشارهما، واعتني بهما بالشرح والتعليق.
__________
(1) ... متن الأربعين النووية ص 11- 12.
(2) ... رياض الصالحين ص 28.(10/153)
وقد اعتنى العلماء بهذا الحديث خاصة، وشرحوه، وبينوا منزلته، ومن ذلك ما ذكره ابن رجب الحنبلي (ت 795هـ) حيث قال: ((هذا الحديث يتضمن وصايا عظيمة، وقواعد كلية من أهم أمور الدين، وأجلِّها، حتى قال الإمام أبو الفرج في كتابه (صيد الخاطر) : تدبرت هذا الحديث، فأدهشني، وكدت أطيش، فوا أسفي من الجهل بهذا الحديث، وقلة التفهم لمعناه)) (1) .
وقال ابن حجر الهيتمي (ت 974هـ) بأن هذا الحديث اشتمل على ((هذه الوصايا الخطيرة القدر، الجامعة من الأحكام والحكم والمعارف ما يفوق الحصر)) (2) .
وقال ابن عثيمين: ((فهذا الحديث الذي أوصى به عبد الله بن عباس ينبغي للإنسان أن يكون على ذكر له دائماً، وأن يعتمد على هذه الوصايا النافعة، التي أوصى بها النبي (ابن عمه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما)) (3) .
شرح الحديث إجمالاً:
قوله: (كنت خلف النبي () أي راكباً معه، ورديفه.
قوله: (فقال: يا غلام…) قال له: (يا غلام) ؛ لأن ابن عباس رضي الله عنهما كان صغيراً، فإن الرسول (توفي وعمر ابن عباس ثلاث عشرة سنة، وقيل: خمس عشرة سنة (4) .
قوله: (إني أعلمك كلمات) ذكر له ذلك قبل ذكر الكلمات، ليكون ذلك أوقع في نفسه، وجاء بها بصيغة القلّة؛ ليؤذنه أنها قليلة اللفظ؛ فيسهل حفظها (5) .
قوله (: (احفظ الله) أي احفظ حدوده، وحقوقه، وأوامره ونواهيه.
وحفظ ذلك يكون بالوقوف عند أوامره بالامتثال، وعند نواهيه بالاجتناب، وعند حدوده فلا يتجاوز ما أمر به، وأذن فيه إلى ما نهى عنه، فمن فعل ذلك فهو من الحافظين لحدود الله.
__________
(1) ... جامع العلوم والحكم ص 462.
(2) ... فتح المبين لشرح الأربعين ص 172.
(3) ... شرح رياض الصالحين ص 456.
(4) ... انظر مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح 10/ 53.
(5) ... انظر فتح المبين لشرح الأربعين ص 171.(10/154)
وأعظم ما يجب حفظه التوحيد، وسلامة العقيدة، فهي الأصل والأساس لبقية أركان الإيمان والإسلام، التي يجب حفظها، بالإيمان بها قولاً وعملاً واعتقاداً، إخلاصاً لله تعالى، واتباعاً لما جاء به رسول الله (.
قال ابن دقيق العيد (ت 702هـ) في معنى (احفظ الله) : ((ومعناه كن مطيعاً لربك، مؤتمراً بأوامره، منتهياً عن نواهيه)) (1) .
وكذلك من حفظ الله أن يتعلم المسلم من دينه ما يقوّم به عباداته ومعاملاته، ويدعو به إلى الله (.
وقوله: (يحفظك) يعني أن من حفظ حدود الله، وراعى حقوقه حفظه الله، في الدنيا من الآفات والمكروهات، وفي الآخرة من أنواع العقوبات، جزاء وفاقاً.
فكلما حفظ الإنسان دين الله حفظه الله.
وحفظ الله لعبده الحافظ لدينه، يكون في أمرين:
الأول: حفظ الله للعبد في دينه وإيمانه، فيحفظه في حياته من الشبهات المضلة، ومن الشهوات المحرّمة، ويحفظ عليه دينه عند موته، فيتوفّاه على الإيمان.
هذا هو الأمر الأول، وهو أعظمهما وأشرفهما، وهو أن يحفظ الله عبده من الزيغ والضلال؛ لأن الإنسان كلما اهتدى زاده الله هدى، وكلما ضل ازداد ضلالاً.
الثاني: حفظ الله للعبد في مصالح دنياه، كحفظه في بدنه وولده وأهله وماله، ومن حفظ الله في صباه وقوته حفظه الله في حال كبره وضعف قوته، ومتّعه بسمعه وبصره وحوله وقوته وعقله (2) .
إذن من حفظ حدود الله حفظه الله في دينه، وفي بدنه وولده وأهله وماله.
قوله (: (احفظ الله تجده تجاهك) أي احفظ الله أيضاً، بحفظ حدوده وحقوقه، وشريعته بالقيام بأمره واجتناب نهيه.
__________
(1) ... شرح الأربعين حديثاً النووية ص 55.
(2) ... انظر جامع العلوم والحكم ص 248، 249. وشرح رياض الصالحين 2/ 451.(10/155)
(تجده تجاهك) ، وفي رواية: (أمامك) ، ومعناهما واحد، أي من حفظ حدود الله وجد الله تجاهه وأمامه، في كل أحواله حيث توجه، يحوطه وينصره ويوفقه ويسدده، كما قال تعالى: (إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ ((1) .
نعم من حفظ الله وجد الله أمامه يدله على كل خير، ويذود عنه كل شر، ولا سيما إذا حفظ الله بالاستعانة به؛ فإن الإنسان إذا استعان بالله، وتوكل على الله كان الله حسبه وكافيه، ومن كان الله حسبه؛ فإنه لا يحتاج إلى أحد بعد الله، فلن يناله سوء. (2)
يقول ابن دقيق العيد في شرح هذه العبارة: ((أي اعمل له بالطاعة، ولا يراك في مخالفته؛ فإنك تجده تجاهك في الشدائد)) ((3) .
قوله (: (إذا سألت فاسأل الله) سؤال الله تعالى هو دعاؤه والرغبة إليه، فدل هذا التوجيه النبوي الكريم على أن يسأل الله (، ولا يسأل غيره، فسؤال الله (دون خلقه هو المتعين؛ لأن السؤال فيه إظهار الذل من السائل، وفيه الاعتراف بقدرة المسؤول على رفع هذا الضرر، وجلب المنافع، ودفع المضار، ولا يصلح الذل والافتقار إلا لله وحده.
والله سبحانه يحب أن يُسأل، ويُلَحّ في سؤاله، والمخلوق بخلاف ذلك، يكره أن يُسأل، ويحب أن لا يسأل؛ لعجزه وفقره وحاجت (4) .
قوله (: (وإذا استعنت فاستعن بالله) دل هذا الحديث على أن يستعان بالله دون غيره، وأن لا يعتمد على مخلوق، فالاستعانة هي طلب العون، ولا يطلب العون من أي إنسان ((إلا للضرورة القصوى، ومع ذلك إذا اضطررت إلى الاستعانة بالمخلوق فاجعل ذلك وسيلة وسبباً، لا ركناً تعتمد عليه …)) (5) .
__________
(1) ... سورة النحل، الآية 128.
(2) ... انظر جامع العلوم والحكم ص251، وشرح رياض الصالحين 2/ 451، 452.
(3) ... شرح الأربعين حديثاً النووية ص 55.
(4) ... انظر جامع العلوم والحكم ص 256، 257.
(5) ... انظر شرح رياض الصالحين 2/ 425، 453.(10/156)
يقول ابن رجب: ((وأما الاستعانة بالله (دون غيره من الخلق؛ فلأن العبد عاجز عن الاستقلال بجلب مصالحه، ودفع مضاره، ولا معين له على مصالح دينه ودنياه إلا لله (، فمن أعانه الله فهو المعان…، فالعبد محتاج إلى الاستعانة بالله في فعل المأمورات، وترك المحظورات)) (1) .
قوله (: (واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك) . المراد أن كل ما يصيب الإنسان في دنياه، مما يضره أو ينفعه، فهو مقدر عليه، فلا يصيب الإنسان إلا ما كتب له من ذلك في الكتاب السابق، ولو اجتهد على ذلك الخلق كلهم جميعاً.
فالرسول (يخبر في هذا الحديث أن الأمة لو اجتمعت كلها على نفع أحد لم ينفعوه إلا بشيء قد كتبه الله له، وإذا وقع منهم نفع له فهو من الله تعالى؛ لأنه هو الذي كتبه، وكذلك لو اجتمعوا على أن يضروا أحداً بشيء لم يضروه إلا بشيء قد كتبه الله عليه (2) .
ولهذا جاء في الحديث: (إن لكل شيء حقيقة، وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه) (3) .
قوله: (رفعت الأقلام وجفت الصحف) هذا إخبار من الرسول (عن تقدّم كتابة المقادير، وأن ما كتبه الله فقد انتهى ورفع، والصحف جفّت من المداد، ولم يبق مراجعة، فما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك (4) .
__________
(1) ... جامع العلوم والحكم ص 257.
(2) انظر جامع العلوم والحكم ص 258، وشرح رياض الصالحين 2/ 454.
(3) ... رواه الإمام أحمد في مسنده 6/ 441، وابن أبي عاصم في السنة ح 246. وصححه الألباني، انظر صحيح الجامع الصغير ح 2150.
(4) ... انظر شرح رياض الصالحين 2/ 455.(10/157)
قوله (: (واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً) يعني أن ما أصاب العبد من المصائب المؤلمة المكتوبة عليه، إذا صبر عليها نصره الله، وجعل في صبره خيراً كثيراً.
يقول صاحب شرح رياض الصالحين في شرح هذا الحديث: ((يعني اعلم علم اليقين أن النصر مع الصبر، فإذا صبرت، وفعلت ما أمرك الله به من وسائل النصر؛ فإن الله تعالى ينصرك.
والصبر هنا يشمل الصبر على طاعة الله، وعن معصيته، وعلى أقداره المؤلمة)) (1) .
قوله: (وأن الفرج مع الكرب) أي كلما اشتدت الأمور واكتربت وضاقت؛ فإن الفرج من الله قريب، يقول ابن حجر الهيتمي: (… (وأن الفرج) يحصل سريعاً (مع الكرب) فلا دوام للكرب، وحينئذ فيحسن لمن نزل به أن يكون صابراً، محتسباً، راجياً سرعة الفرج مما نزل به، حسن الظن بمولاه في جميع أموره، فالله (أرحم به من كل راحم، حتى أمه وأبيه، فهو (أرحم الراحمين)) (2) .
وقوله: (وأن مع العسر يسراً) أي أن كل عسر فإن بعده يسراً، بل إن العسر محفوف بيُسرَيْن، يُسر سابق، ويُسر لاحق، لقوله تعالى: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ((3) . فالعسر لا يدوم لمن احتسب وصبر، وعلم أن ما أصابه بمقدور الله تعالى، وأنه لا مفر له من ذلك، واستقام كما أمر ربه؛ إخلاصاً وحسن اتباع (4) .
المبحث الأول
في قوله (: (يا غلام: إني أعلمك كلمات)
مما يؤخذ من هذا الجزء في حديث الرسول (الأمور التالية:
وجوب تعليم الناس العقيدة الصحيحة، وتربيتهم عليها، وعل العلم النافع، ويكون ذلك بأسلوب مختصر، وكلم جامع واضح، فلو تأملت هذا الحديث لوجدته جامعاً لمسائل عقدية كثيرة بأسلوب موجز.
__________
(1) المصدر السابق 2/ 455.
(2) ... فتح المبين لشرح الأربعين ص 177.
(3) ... سورة الشرح، الآيتان 5،6.
(4) ... انظر قواعد وفوائد من الأربعين النووية ص 178.(10/158)
الحرص على تربية الناشئة على العلم النافع، ويبدأ بتربيتهم على العقيدة الصافية الخالصة؛ فإن الرسول (وجه هذه الكلمات النافعات إلى ابن عباس وهو صغير؛ إذ قال له: (يا غلام: إني أعلمك كلمات) ؛ ليتربى الشاب المسلم على معرفة الله وتوحيده، وحفظ حدوده، يلجأ إلى الله في الرخاء والشدة، ويسأله ويستعين به، ويتوكل عليه (، فيصبح شجاعاً مقداماً؛ لأنه يعلم أنه لا يملك أحد من البشر له نفعاً ولا ضراً إلا بإذن الله تعالى، ولأن الله معه ينصره ويؤيده وييسر له أموره، ما دام متمسكاً بشرع الله إخلاصاً واتباعاً.
فعلى الجميع الحرص على غرس الإيمان في نفوس الأبناء، وتربيتهم على فهم أصول الإيمان، والعمل بأحكام الإسلام، وتعويدهم على المراقبة والمحاسبة منذ الصغر، قبل أن تصلهم الفلسفات الإلحادية والشبهات البدعية والشهوات المغرضة، وغير ذلك مما تشنه تلك الحملات المسعورة من حرب ضروس ضد شباب الأمة ذكوراً وإناثاً، مرة باسم التثقيف، وباسم التسلية والترفيه مرات أخرى.
استحباب تشويق المتعلم، وتهيئته بلطف العبارة، وتنبيهه إلى أهمية ما يلقى إليه، وإشعاره بسهولة حفظه ووعيه ليسهل عليه تلقيه واستيعابه، وبالتالي حفظه ووعيه، وبخاصة المسائل العقدية التي يحتاج إلى دقة في حفظها ونقلها، ويؤخذ هذا من فعل الرسول (عندما قال لابن عباس مقدماً له هذه المسائل: (يا غلام: إني أعلمك كلمات) .(10/159)
ومما يؤخذ من هذا الحديث حرص الرسول (على توجيه الأمة، وتنشئة الجيل المسلم على العقيدة الصحيحة والشرع القويم، وقد قال الله تعالى في وصفه (: (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ((1) ، أي يعز عليه الشيء الذي يعنت أمته، ويشق عليها، حريص على هدايتكم، ووصول النفع الدنيوي والأخروي إليكم (2) ، ولهذا ورد عن أبي ذر (أنه قال: تركنا رسول الله (وما طائر يقلب جناحيه في الهواء إلا وهو يذكرنا منه علماً، قال: فقال رسول الله (: (ما بقي شيء يقرب من الجنة ويباعد من النار إلا وقد بُيِّن لكم) (3) .
المبحث الثاني
في قوله (: (احفظ الله)
ومما يؤخذ في هذا الجزء ما يلي:
1- إثبات صفة الحفظ لله تعالى، أخذاً من قوله (: (احفظ الله يحفظك) ، فهنا أثبت أن الله (متصف بأنه يحفظ عباده الذين يحفظون حدوده، فدل على إثبات صفة الحفظ لله تعالى، وأنها تتعلق بإرادته ومشيئته، وهذه الصفة ثابتة لله (في القرآن الكريم، لقوله تعالى: (فَاللهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِين () (4) (، وقوله سبحانه: (إِنَّ رَبِّي عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظ ((5) .
وقد ذكر العلماء أن من أسماء الله تعالى (الحافظ) و (الحفيظ) ؛ أخذاً من الآيتين السابقتين، ومن المعلوم أن باب الصفات أوسع من باب الأسماء؛ وذلك لأن كل اسم متضمن لصفة، وأسماء الله تعالى إن دلت على وصف فقد تضمنت ثلاثة أمور:
أحدها: ثبوت ذلك الاسم لله (.
الثاني: ثبوت الصفة التي تضمنها لله (.
__________
(1) ... سورة التوبة، الآية 128.
(2) ... انظر تفسير القرآن العظيم 2/ 385.
(3) ... رواه أحمد 5/ 153، و162، والبزار ح 147، والطيراني في المعجم الكبير ح 1647، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة 4/ 416 ح 1803.
(4) سورة يوسف، الآية 64.
(5) سورة هود، الآية 57.(10/160)
الثالث: ثبوت حكمها ومقتضاها (1) .
مثال ذلك (الحافظ) يتضمن إثبات (الحافظ) اسماً لله تعالى، وإثبات الحفظ صفة له، وإثبات حكم ذلك ومقتضاه، وهو أنه سبحانه يحفظ عباده، الذين يحفظونه.
ومن الأدلة أيضاً على تسمية الله بالحفيظ قوله تعالى: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَولِيَاء اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ ((2) ، وقوله: (وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظ ((3) .
يقول صالح البليهي (ت 1410هـ) : ((الحفيظ من أسماء الله الحسنى، واشتقاقه من الحفظ، والحفظ لغة هو الحراسة والصيانة والحياطة، والله جل وعلا سمى نفسه حفيظاً … فالله تقدّس اسمه هو الحافظ والحفيظ، هو تعالى على كل شيء حفيظ، أي شاهد وحافظ، يحفظ على عباده أقوالهم وأفعالهم، فيجازي كلاً بعمله، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر …، والله تعالى من فضله ولطفه ورحمته وإحسانه يحفظ عباده المؤمنين، وهو خير الحافظين، يحفظهم من كل شر، ومن كل محنة وبلاء، يحفظهم تعالى (وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظ (يحفظهم بشرط أن يحافظوا على ما أوجب الله عليهم في شريعة الإسلام، وبشرط أن يحفظوا جوارحهم عن كل ما حرم الله…، ودعاء الله بأسمائه مشروع، وكيفيته يا غفور اغفر لي، يا رحمن ارحمني، يا رزاق ارزقني، يا معافي عافني، ونحو ذلك، فالله تعالى هو الحافظ والحفيظ … اللهم يا حافظ ويا حفيظ احفظنا وأنت خير الحافظين)) (4) .
2 - وجوب حفظ العقيدة، والحرص على سلامتها مما قد يشوبها، وأن ذلك أعظم أسباب حفظ الله للعبد، كما يجب حفظ الشريعة، وذلك بالعمل بها، والدعوة إليها، والدفاع عنها.
__________
(1) ... انظر القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى ص 10، 15، 21.
(2) ... سورة الشورى، الآية 6.
(3) ... سورة سبأ، الآية 21.
(4) ... عقيدة المسلمين والرد على الملحدين والمبتدعين 2/ 37 – 41.(10/161)
فإذا كان قوله (: (احفظ الله) يعني حفظ حدوده، وحقوقه، وأوامره ونواهيه، فإن أعظم حقوقه توحيده في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته، واتباع كتاب الله تعالى وسنة رسوله (، المصدرين لتلقي العقيدة، والحذر من الانزلاق مع الهوى، أو تقديم العقل على النص الشرعي مما أوقع كثيراً من الفرق والنحل في الشرك والبدع والمخالفات.
وحفظ العقيدة يكون بتعلمها والإيمان بها والعمل بمقتضاها، وتعليمها والدعوة إليها.
فقوله: (احفظ الله) أمر بحفظ توحيده، وأوامره ونواهيه، وحقوقه وحدوده، كما أنه أمر بحفظ الجوارح كالسمع والبصر واللسان والبطن والفرج.
ولهذا يقول الله تعالى: (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ ((1) يقال للمتقين على وجه التهنئة: (هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أواب حفيظ) أي هذه الجنة وما فيها، هي التي وعد الله لكل أواب، أي رجاع إلى الله، في جميع الأوقات، بتوحيده وذكره، وحبه، والاستعانة به، (حفيظ) أي محافظ على ما أمر الله به، من توحيده وشرعه، على وجه الإخلاص، والإكمال له على أتم الوجوه، حفيظ لحدوده (2) .
__________
(1) ... سورة ق، الآيات 31- 33.
(2) ... انظر تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ص 1364.(10/162)
وخصت بعض الأعمال بالتنصيص على حفظها اعتناء بشأنها، ومن ذلك قوله تعالى: (حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى ((1) . وقوله تعالى: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ ((2) ، وقوله: (وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ((3) ، وقوله: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُون ((4) ، وقوله: (وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ ((5) ، إلى غير ذلك من الآيات.
وقوله (: (من حفظ ما بين لحييه ورجليه دخل الجنة) (6) ، وفي رواية: (من وقاه الله شر ما بين لحييه، وشر ما بين رجليه دخل الجنة) (7) ، وقوله (: (ولن يحافظ على الوضوء إلا مؤمن) (8) .
إذن من فعل الواجبات وترك المحرمات فقد حفظ حدود الله تعالى، ومن ثم فقد حفظ الله، وأعظم ما أوجبه الله على عباده، توحيده، وعبادته سبحانه إخلاصاً له، ومتابعة لما جاء به رسوله (، فهي الغاية التي من أجلها خلق الله الخلق، قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُون ((9) .
__________
(1) ... سورة البقرة، الآية 238.
(2) ... سورة النور، الآية 30.
(3) ... سورة الأحزاب، الآية 35.
(4) ... سورة (المؤمنون) ، الآية 5.
(5) ... سورة المائدة، الآية 89.
(6) ... رواه الحاكم في المستدرك 4/ 357، وصححه، ورواه الترمذي وحسنه ح 2409، وصححه ابن حبان ح 5703، وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة 2/ 23.
(7) ... رواه الترمذي 2/ 66، وقال: هذا حديث حسن غريب، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة 2/ 22 ح 510.
(8) ... رواه أحمد في المسند 5/ 282، والدارمي 1/ 168، وصححه ابن حبان ح 1037، وصححه الألباني، انظر صحيح الترغيب والترهيب ح 192، 1/ 86.
(9) ... سورة الذاريات، الآية 56.(10/163)
فمن آمن بذلك وعمل به فهو من الحافظين لحدود الله تعالى، الذين أثنى الله عليهم سبحانه بقوله: (وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ((1) ، وقوله سبحانه: (هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ ((2) .
ومن الأدلة على حفظ الجوارح ما جاء في حديث ابن مسعود المرفوع: (الاستحياء من الله حق الحياء: أن يحفظ الرأس وما وعى، ويحفظ البطن وما حوى) (3) .
وحفظ الرأس وما وعى: يدخل فيه حفظ اللسان من الكذب والغيبة، والنميمة، وشهادة الزور، والقول الحرام، وحفظ السمع عن الأصوات المحرمة، وحفظ البصر عن النظر إلى ما حرم الله تعالى النظر إليه، ونحو ذلك.
وحفظ البطن وما حوى: يدخل فيه حفظ القلب عن الاعتقاد الباطل، والإصرار على المحرم، وحفظ البطن من إدخال ما حرم الله من المأكولات والمشروبات الممنوعة شرعاً (4) (.
قال تعالى: (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ((5) ؛ أي ولا تتبع ما ليس لك به علم، بل تثبّت في كل ما تقوله وتفعله، فلا تظن ذلك يذهب لا لك ولا عليك، فحقيق بالعبد الذي يعرف أنه مسؤول عما قاله وفعله، وعما استعمل به جوارحه التي خلقها الله لعبادته أن يُعدّ للسؤال جواباً، وللجواب صواباً، وذلك لا يكون إلا باستعمالها بعبودية الله تعالى، وإخلاص الدين له، وكفها عما يكرهه الله جل وعلا (6) .
__________
(1) ... سورة التوبة، الآية 112.
(2) ... سورة ق~، الآية 32.
(3) ... رواه أحمد في المسند 1/ 387، والترمذي ح 2458 في كتاب صفة القيامة باب (24) ، والحاكم 4/ 323، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي ح 2000.
(4) ... انظر: نور الاقتباس ص 10.
(5) ... سورة الإسراء، الآية 36.
(6) ... انظر تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ص 409.(10/164)
((وكما هو معروف الجزاء من جنس العمل فمن حفظ الله حفظه الله، وحفظ الله لا يحصل إلا بفعل الواجبات وترك المحرمات، فمن فعل جميع ما أوجب الله عليه، وترك جميع ما حرم الله عليه حفظه الله بما يحفظ به عباده الصالحين، ومن المعروف أن هذه الحياة في غالب الأزمان تموج بالشرور والفتن، والحروب الطاحنة، ولكن من حفظ الله حفظه الله)) (1) .
ومما يلزم التنبيه عليه أن ((الله عزوجل ليس بحاجة إلى أحد حتى يحفظه، ولكن المراد حفظ دينه وشرعه، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُم ((2) ، وليس المعنى تنصرون ذات الله؛ لأن الله (غني عن كل أحد، ولهذا قال في آية أخرى: (ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لاَنتَصَرَ مِنْهُم ((3) ، ولا يعجزونه (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْض ((4)) ) (5) .
وهذا الفهم الخاطئ قد يفهمه الجهلة أو يثيره الأعداء، فإن اليهود عندما سمعوا قول الله تعالى: (مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَة ((6) ، قالوا: يا محمد: افتقر ربك فسأل عباده القرض، ما بنا إلى الله من حاجة، وإنه إلينا لفقير، وإنا عنه لأغنياء، ولو كان عنا غنياً ما استقرض منا – كما نُقل ذلك عنهم (7) – فأنزل الله (قوله: (لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا ((8) .
المبحث الثالث
__________
(1) ... عقيدة المسلمين والرد على الملحدين والمبتدعين 2/ 38.
(2) ... سورة محمد، الآية 7.
(3) ... سورة محمد، الآية 4.
(4) ... سورة فاطر، الآية 44.
(5) ... انظر شرح رياض الصالحين 2/ 450، 451.
(6) ... سورة البقرة، الآية 245.
(7) ... انظر تفسير القرآن العظيم 1/ 410، وأسباب النزول ص 98، 99.
(8) ... سورة آل عمران، الآية 181.(10/165)
في قوله ((يحفظك)
إذا حفظ العبد توحيده، وراعى حقوق ربه، فعندئذ يحفظه الله؛ في دينه، وفي بدنه وماله وأهله.
وأعظم هذه الأمور حفظ الله تعالى دين العبد، بأن يسلّمه من الزيغ والضلال، والانحراف، لأن الإنسان كلما حرص على حفظ توحيده، وسلامة عقيدته من البدع والخرافات والضلالات، حفظ الله عليه عقيدته وتوحيده، وكلما التزم الهداية زاده الله هدى، قال تعالى: (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُم ((1) ، وكلما ضل الإنسان، والعياذ بالله، فإنه يزداد ضلالاً، ولهذا قال الله تعالى عن المنافقين: (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ ((2) ، أي: ختم على قلوبهم، وسد أبواب الخير التي تصل إليه بسبب اتباعهم أهواءهم، التي لا يهوون فيها إلا الباطل (3) .
ولهذا جاء في الحديث: (إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة سوداء؛ فإذا هو نزع واستغفر وتاب سقل قلبه، وإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه، وهو الران الذي ذكر الله: (كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ () (4) .
__________
(1) ... سورة محمد، الآية 17.
(2) ... سورة محمد، الآية 16.
(3) ... انظر تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ص 731.
(4) ... رواه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح، ح 3334 في كتاب التفسير، وابن ماجه، كتاب الزهد ح 4244، وأحمد في مسنده 2/ 297.(10/166)
يحفظ الله (عبده الحافظ لدينه في حياته، وعند موته، فيتوفاه على الإيمان، إذ الجزاء من جنس العمل، ومنه قوله تعالى: (وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ ((1) ، وقوله تعالى: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ((2) ، وقوله: (إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُم ((3) ، وقوله (: (إذا قام أحدكم عن فراشه ثم رجع إليه فلينفضه بصَنِفة إزاره ثلاث مرات؛ فإنه لا يدري ما خلفه عليه بعده، وإذا اضطجع فليقل: باسمك ربي وضعت جنبي، وبك أرفعه، فإن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين) (4) .
فمن حفظ الله في حياته، بإخلاص العبادة له سبحانه، وحسن الاتباع لرسوله (حفظه الله بالإسلام ونصره وأيده؛ وقد علّم رسول الله (عمر بن الخطاب (أن يقول: (اللهم احفظني بالإسلام قائماً، واحفظني بالإسلام قاعداً، واحفظني بالإسلام راقداً، ولا تشمت بي عدواً ولا حاسداً، اللهم إني أسألك من كل خير خزائنه بيدك، وأعوذ بك من كل شر خزائنه بيدك) (5) .
وقال (: (من أراد أن يسافر فليقل لمن يخلِّف: أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه) (6) .
__________
(1) ... سورة البقرة، الآية 40.
(2) ... سورة البقرة، الآية 152.
(3) ... سورة محمد، الآية 7.
(4) ... رواه البخاري، كتاب التوحيد، باب السؤال بأسماء الله تعالى 11/ 107، ورواه مسلم، كتاب الذكر، باب ما يقول عند النوم ح 2714.
(5) ... رواه الحاكم في المستدرك 1/ 525، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة ح 1540.
(6) ... رواه أحمد 2/ 403، وابن ماجه ح 2825 في كتاب الجهاد، باب تشييع الغزاة ووداعهم، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، ح 16.(10/167)
وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول للرجل إذا أراد سفراً: ادنُ منِّي أودعك كما كان رسول الله (يودّعنا، فيقول: (أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك) (1) .
وجاء في الحديث عن رسول الله (أنه قال: (إن الله إذا اسْتُودع شيئاً حفظه) (2) .
فالله (يحفظ العبد الحافظ لدينه، المخلص في عبادته، ويحول بينه وبين ما يفسد عليه دينه من مفسدات الشبهات والشهوات، من البدع والخرافات، وأنواع المغريات، فيحفظه الله منها بأنواع الحفظ، قد يخفى بعضها عليه؛ إذ يكون في ظاهرها بلاء، وفي حقيقتها صرف السوء عنه، كما قال تعالى في قصة يوسف (: (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِين ((3) .
__________
(1) 71) ... رواه الترمذي، كتاب الدعوات، باب 45، ح 3439، وأحمد 2/7 و 25 و 38، وصححه ابن حبان، ح 2376، والألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، ح 14.
(2) رواه أحمد في المسند 2/87، وابن حبان 3376، وصححه الألباني، انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة 1/21.
(3) ... سورة يوسف، الآية 24.(10/168)
يقول السعدي (ت 1376هـ) في حديثه عن قصة يوسف (: ((فصبر عن معصية الله مع وجود الداعي القوي فيه، لأنه قد هم فيها هماً تركه لله، وقدم مراد الله على مراد النفس الأمارة بالسوء، ورأى برهان ربه - وهو ما معه من العلم والإيمان، الموجب لترك كل ما حرم الله - ما أوجب له البعد والانكفاف عن هذه المعصية الكبيرة، (قال معاذ الله) أي أعوذ بالله أن أفعل هذا الفعل القبيح؛ لأنه مما يسخط الله، ويبعد عنه …، والحاصل أنه جعل الموانع له من هذا الفعل تقوى الله، ومراعاة سيده، الذي أكرمه، وصيانة نفسه عن الظلم، الذي لا يفلح من تعاطاه، وكذلك ما من الله عليه من برهان الإيمان الذي في قلبه، يقتضي منه امتثال الأوامر، واجتناب الزواجر، والجامع لذلك كله: أن الله صرف عنه السوء والفحشاء؛ لأنه من عباده المخلصين له في عباداتهم، الذين أخلصهم الله، واختارهم واختصهم لنفسه، وأسدى عليهم من النعم، وصرف عنهم المكاره، ما كانوا به من خيار خلقه)) (1) .
وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ((2) .
روي عن ابن عباس أنه قال: ((يحول بين المؤمن وبين الكفر، وبين الكافر وبين الإيمان)) (3) .
__________
(1) ... تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ص 351، 352.
(2) ... سورة الأنفال، الآية 24.
(3) ... ذكره ابن كثير في تفسيره 2/ 285، وقال: رواه الحاكم في مستدركه موقوفاً. وانظر المستدرك 2/ 328.(10/169)
فمن حافظ على سلامة توحيده من الشبهات والانحرافات، وقام بحقوق الله عليه؛ فإن الله يحفظه بحفظ جميع مصالحه في الدنيا والآخرة، فمن أراد أن يتولى الله حفظه في أموره كلها فليراعِ حقوق الله عليه، وأعظمها حق توحيده، وإفراده بالعبادة، والعمل بشريعته، اتباعاً لرسوله (، وقد أخبر الله تعالى بأنه ولي المؤمنين وكافيهم وحسبهم، قال تعالى: (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُر ((1) ، وقال تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لاَ مَوْلَى لَهُمْ ((2) ، وقال سبحانه: (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُه ((3) ، وقال: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ((4) .
فالحافظ لدينه يحفظه الله في دينه ودنياه، ويحييه حياة طيبة في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ ((5) روى الطبري (ت 310هـ) عن ابن عباس قوله بأن المعقبات ((هم ملائكة يحفظونه بأمر الله، فإذا جاء القدر خلوا عنه)) (6) .
وروى الطبري أيضاً، عن مجاهد (ت 104هـ) قوله: ((ما من عبد إلا له ملك موكل يحفظه في نومه ويقظته من الجن والإنس والهوام، فما من شيء يأتيه يريده إلا قال: وراءك، إلا شيئاً يأذن الله فيه فيصيبه)) (7) .
__________
(1) ... سورة البقرة، الآية 257.
(2) ... سورة محمد، الآية 11.
(3) ... سورة الطلاق، الآية 3.
(4) ... سورة الزمر، الآية 36.
(5) ... سورة الرعد، الآية 11.
(6) ... انظر جامع البيان في تفسير القرآن 13/ 77.
(7) ... انظر المصدر السابق ص 78.(10/170)
وقال عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -: لم يكن النبي (يدع هؤلاء الدعوات حين يمسي وحين يصبح: (اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي، وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي، ومن خلفي، وعن يميني، وعن شمالي، ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي) (1) (.
ويقول الله (: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ((2) ، فهذه الآية ((وعد من الله تعالى لمن عمل صالحاً، وهو العمل المتابع لكتاب الله تعالى وسنة رسوله (، من ذكر أو أنثى، من بني آدم، وقلبه مؤمن بالله ورسوله، أن هذا العمل المأمور به مشروع من عند الله، بأن يحييه الله حياة طيبة في الدنيا، وأن يجزيه الله بأحسن ما عمله في الدار الآخرة، والحياة الطيبة تشمل وجوه الراحة من أي جهة كانت)) (3) ، وذلك بأن يوفق الله عبده إلى ما يرضيه، ويرزقه العافية والرزق الحلال (4) .
فلو أن الأمة رعاة ورعية حفظوا شرع الله تعالى، واحتكموا إلى كتاب الله وسنة رسوله (وحكموهما في جميع مجالات الحياة، لسلمت الأمة من كثير من الأخطار والفتن والابتلاءات كالجوع والخوف والغزو ونحو لك؛ إذ إن ما أصابها من تشتت وفرقة هو بسبب تهاونها في حفظ حدود الله تعالى والقيام بشرعه.
__________
(1) ... رواه أبو داود، في الأدب ح 5074، وابن ماجه، في الدعاء ح 3871، والحاكم في مستدركه 1/ 517، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه 2/ 332.
(2) ... سورة النحل، الآية 97.
(3) ... تفسير القرآن العظيم 2/ 566.
(4) ... انظر أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن 3/ 352- 355.(10/171)
وإن انتصار الأمة مرهون بنصرها دين الله تعالى، بالعمل به والدعوة إليه، والدفاع عنه، يقول تعالى: (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ((1) ففي هذه الآية الكريمة يبين الله تعالى ((أنه أقسم لينصرن من ينصره، ومعلوم أن نصر الله إنما هو باتباع ما شرعه بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، ونصرة رسله واتباعهم، ونصرة دينه، وجهاد أعدائه، وقهرهم، حتى تكون كلمته هي العليا، وكلمة أعدائه هي السفلى، ثم إن الله جل وعلا بيّن صفات الذين وعدهم بنصره؛ ليميزهم عن غيرهم، فقال مبيناً من أقسم أنه ينصره؛ لأنه ينصر الله جل وعلا: (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَر ((2) الآية، وفي قوله: (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ (دليل على أنه لا وعد من الله بالنصر إلا مع إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، فالذين يمكن الله لهم في الأرض، ويجعل الكلمة فيها والسلطان لهم، ومع ذلك لا يقيمون الصلاة، ولا يؤتون الزكاة، ولا يأمرون بالمعروف، ولا ينهون عن المنكر، فليس لهم وعد من الله بالنصر؛ لأنهم ليسوا من حزبه، ولا من أوليائه، الذين وعدهم بالنصر، بل هم حزب الشيطان وأولياؤه، فلو طلبوا النصر من الله بناء على أنه وعدهم إياه فمثلهم كمثل الأجير الذي يمتنع من عمل ما أجر عليه، ثم يطلب الأجرة، ومن هذا شأنه فلا عقل له)) (3) .
__________
(1) ... سورة الحج، الآية 40.
(2) ... سورة الحج، الآية 41.
(3) ... أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن 5/ 703، 704.(10/172)
وخلاف ذلك، من كفر بأنعم الله تعالى وضيّع حدوده، فقد عرّض نفسه للهلاك، يقول تعالى: (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ (112) وَلَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ ((1) . قال الشنقيطي (ت 1393هـ) بعد تفسيره هذه الآية: ((وعلى كل حال، فيجب على كل عاقل أن يعتبر بهذا المثل، وألا يقابل نعم الله بالكفر والطغيان؛ لئلا يحل به ما حل بهذه القرية المذكورة، ولكن الأمثال لا يعقلها عن الله إلا من أعطاه الله علماً؛ لقوله (: (وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُون ((2)) ) (3) .
((ومن حفظ الله في صباه وقوته حفظه لله في حال كبره، وضعف قوته، ومتعه بسمعه وبصره وحوله وقوته وعقله)) (4) .
ذكر ابن كثير (ت 774هـ) أن أبا الطيب طاهر بن عبد الله الطبري الشافعي (ت 450هـ) ، قد جاوز المائة سنة وهو ممتع بقوته وعقله، فوثب يوماً وثبة شديدة، فعوتب في ذلك فقال: ((هذه جوارح حفظناها عن المعاصي في الصغر، فحفظها الله علينا في الكبر)) (5) .
وعكس هذا أن بعض السلف رأى شيخاً يسأل الناس، فقال بأن هذا الشيخ لم يحفظ الله في صغره، فلم يحفظه الله في كبره ((6)
__________
(1) ... سورة النحل، الآيتان 112، 113.
(2) ... سورة العنكبوت، الآية 43.
(3) ... أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن 3/377.
(4) ... انظر جامع العلوم والحكم، ص 466.
(5) ... انظر البداية والنهاية 12/85، وسير أعلام النبلاء 17/668 – 671، وجامع العلوم والحكم، ص 466.
(6) ... انظر جامع العلوم والحكم، ص 466.(10/173)
وقد يحفظ الله العبد بصلاحه بعد موته، في ذريته، بدليل قوله تعالى: (وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّك ((1) .
قال ابن كثير: ((وقوله: (وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا) فيه دليل على أن الرجل الصالح يحفظ في ذريته، وتشمل بركة عبادته لهم في الدنيا، والآخرة بشفاعته فيهم، ورفع درجتهم)) (2) .
وروي عن ابن عباس أنه قال: ((حفظا بصلاح أبيهما، ولم يذكر لهما صلاحاً)) (3) .
وقال السعدي في تفسير الآية السابقة: ((أي: حالهما تقتضي الرأفة بهما ورحمتهما؛ لكونهما صغيرين عدما أباهما، وحفظهما الله أيضاً بصلاح والدهما)) (4) .
وذكر ابن رجب أن سعيد بن المسيب قال لابنه: ((لأزيدن في صلاتي من أجلك؛ رجاء أن أُحفظ فيك)) (5) ثم تلا هذه الآية (وكان أبوهما صالحاً (.
ونقل عن عمر بن عبد العزيز أنه قال: ((ما من مؤمن يموت إلا حفظه الله في عقبه وعقب عقبه)) (6) .
وقال أبو نعيم (ت430هـ) بأن ابن المنكدر (ت130هـ) قال: ((إن الله ليحفظ بالرجل الصالح ولده، وولد ولده، والدويرات التي حوله، فما يزالون في حفظ من الله وستر)) (7) .
__________
(1) ... سورة الكهف، الآية 82.
(2) ... تفسير القرآن العظيم 3/ 97.
(3) ... انظر المصدر السابق، وذكر هذا الأثر ابن المبارك في الزهد (332) ، والطبري في جامع البيان في تفسير القرآن 16/ 7، والحاكم 2/ 369
(4) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ص 432.
(5) ... جامع العلوم والحكم، ص 467.
(6) ... المصدر السابق، الصفحة نفسها.
(7) الحلية 3/ 148، ورواه ابن المبارك في الزهد (330) ، والحميدي (373) ، وانظر جامع العلوم والحكم.(10/174)
وجاء في الحديث أن النبي (قال: (كانت امرأة في بيت فخرجت في سرية من المسلمين، وتركت ثنتي عشرة عنزاً، وصيصيتها (1) كانت تنسج بها، قال: ففقدت عنزاً لها وصيصيتها، فقالت: يا رب، إنك قد ضمنت لمن خرج في سبيلك أن تحفظ عليه، وإني قد فقدت عنزاً من غنمي وصيصيتي، وإني أنشدك عنزي وصيصيتي) قال: وجعل رسول الله (يذكر شدّة مناشدتها ربها تبارك وتعالى، ثم قال رسول الله (: (فأصبحت عنزها ومثلها، وصيصيتها ومثلها) (2) .
ومن حفظ الله تعالى لعبده الحافظ لحدود الله أن يجعل الحيوانات المؤذية، حافظة له من الأذى، كما حدث لسفينة مولى النبي (، حيث كسر به المركب، وخرج إلى جزيرة، فرأى أسداً، فجعل يمشي معه حتى دله على الطريق، فلما أوقفه عليها جعل يهمهم كأنه يودعه، ثم رجع عنه (3) .
ومن ضيع حدود الله واتبع الشبهات أو غرق في الشهوات، ولم يحفظ الله، لم يحفظه الله، وكان عرضة لعقاب الله وسخطه، ودخل عليه الضرر والأذى، وربما أصابه ذلك ممن كان يرجو نفعه من أهله وماله، كما نقل عن الفضيل بن عياض (ت 187 هـ) أنه قال: ((إني لأعصي الله فأعرف ذلك في خلق خادمي ودابتي)) (4) .
المبحث الرابع
في قوله (: (احفظ الله تجده تجاهك)
وفي الرواية الأخرى: (احفظ الله تجده أمامك)
__________
(1) الصيصية: هي الصنّارة التي يغزل بها وينسج. انظر لسان العرب 2/ 501، والنهاية في غريب الحديث والأثر ص533.
(2) رواه الإمام أحمد في المسند 5/ 67، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 5/ 277 وقال: رجاله رجال الصحيح.
(3) رواه الطبراني في الكبير (6432) ، وصححه الحاكم 3/ 606، وانظر الحلية 1/ 369.
(4) حلية الأولياء 8/ 109، وجامع العلوم والحكم ص 468.(10/175)
من حفظ الله بحفظ توحيده وشريعته، وقام بأوامر الله تعالى، واجتنب نواهيه وجد الله تجاهه وأمامه، ومعناهما واحد، أي وجد الله أمامه يدله على كل خير، ويذود عنه كل شر، وبخاصة إذا حفظ الله بالاستعانة به والتوكل عليه، فإن الإنسان إذا استعان بالله، وتوكل على الله كان الله حسبه وكافيه، ومن كان الله حسبه؛ فإنه لا يحتاج إلى أحد بعد الله، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ((1) ، ((أي حسبك وحسب من اتبعك من المؤمنين هو الله، فهو كافيكم كلكم، وليس المراد أن الله والمؤمنين حسبك كما يظنه بعض المغالطين؛ إذ هو وحده كاف نبيه، وهو حسبه، ليس معه من يكون هو وإياه حسباً للرسول)) (2) .
وقال تعالى: (وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ ((3) ؛ فإذا كان الله حسب الإنسان، أي كافيه؛ فلن ينالوه بسوء، ولا يزال عليه من الله حافظ، ولهذا قال (: (احفظ الله تجده تجاهك) .
قال ابن حجر الهيتمي: ((أي تجده معك بالحفظ، والإحاطة والتأييد والإعانة، حيثما كنت، فتأنس به، وتستغني به عن خلقه …، على حد قوله تعالى: (أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ((4) ، (إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ((5) …، المعنى تجده حيثما توجهت وتيممت وقصدت من أمر الدين والدنيا)) (6) .
ومعية الله لخلقه نوعان:
__________
(1) سورة الأنفال، الآية 64.
(2) انظر الرسالة التدمرية ص 153.
(3) سورة الأنفال، الآية 62.
(4) سورة البقرة، الآية 194.
(5) سورة البقرة، الآية 153.
(6) فتح المبين لشرح الأربعين ص 172.(10/176)
الأولى: المعية الخاصة بالمؤمنين، الحافظين حدود الله، وهي تقتضي النصر والتأييد، والحفظ والإعانة، وتوجب لمن آمن بها كمال الثبات والقوة. ودليل هذه المعية الخاصة قوله تعالى: (إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ ((1) ، وقوله تعالى: (إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ((2) ، وقوله تعالى عن موسى أنه قال: (إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ((3) ، وقول النبي (لأبي بكر وهما في الغار: ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟ (لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا ((4) ، وقوله تعالى: (وَأَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ((5) .
فمن حفظ الله حفظه الله وأيده ونصره.
الثانية: المعية العامة لجميع الخلق، وهي تقتضي الإحاطة بجميع الخلق من مؤمن وكافر، وبر وفاجر، في العلم، والقدرة، والتدبير، والسلطان، وغير ذلك من معاني الربوبية.
وهي توجب لمن آمن بها كمال المراقبة لله (.
ومن أمثلة هذا النوع قوله تعالى: (وَهُوَ مَعَكُمْ أيْنَمَا كُنْتُمْ () (6) ، وقوله تعالى: (مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ((7) ، وقوله: (وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْل ((8) .
__________
(1) سورة النحل، الآية 128.
(2) سورة طه، الآية 46.
(3) سورة الشعراء، الآية 62.
(4) سورة التوبة، الآية 40، والحديث رواه البخاري، كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب المهاجرين وفضلهم، ح3653، ورواه مسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي بكر (ح 2381.
(5) سورة الأنفال، الآية 19.
(6) سورة الحديد، الآية 4.
(7) سورة المجادلة، الآية 7.
(8) سورة البقرة، الآية 108.(10/177)
والكتاب والسنة يدلان على قرب الله تعلى من عبده الحافظ لدينه، يقول الله (: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ((1) .
وقول الله تعالى في الحديث القدسي: (وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه) (2) .
والمراد أن الله (يسدد هذا الولي في سمعه وبصره وعمله، بحيث يكون إدراكه بسمعه وبصره، وعمله بيده، كله لله تعالى، إخلاصاً، وبالله تعالى استعانة، وفي الله تعالى شرعاً واتباعاً، فيتم له بذلك كمال الإخلاص والاستعانة والمتابعة، وهذا غاية التوفيق) (3) .
وقوله (فيما يرويه عن الله تعالى أنه قال: (من تقرّب مني شبراً تقربت منه ذراعاً، ومن تقرب مني ذراعاً تقربت منه باعاً، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة)) (4) .
فالله (يقرب من عبده كيف يشاء مع علوه جل وعلا، ويأتي عبده كيف يشاء بدون تكييف ولا تمثيل، قال شيخ الإسلام ابن تيمية (ت 728 هـ) : ((وأما دنوه نفسه وتقربه من بعض عباده، فهذا يثبته من يثبت قيام الأفعال الاختيارية بنفسه، ومجيئه يوم القيامة ونزوله واستواءه على العرش، وهذا مذهب أئمة السلف، وأئمة الإسلام المشهورين، وأهل الحديث، والنقل عنهم بذلك متواتر)) ) (5) .
__________
(1) سورة البقرة، الآية 186.
(2) رواه البخاري، كتاب الرقاق، باب التواضع ح 6502.
(3) انظر القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى ص 69.
(4) رواه مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل الذكر والدعاء والتقرب إلى الله تعالى ح 2687، وروى البخاري نحوه في كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ (ح 7405.
(5) مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية 5/ 466.(10/178)
وروى ابن رجب عن قتادة (ت 118 هـ) أنه قال: ((من يتق الله يكن معه، ومن يكن الله معه فمعه الفئة التي لا تغلب، والحارس الذي لا ينام، والهادي الذي لا يضل)) .
وذكر أن بعض السلف كتب إلى أخ له يقول: ((أما بعد، فإن كان الله معك فممن تخاف؟! وإن كان عليك فمن ترجو؟! والسلام)) (1) .
ولا شك أن الذي يحفظ عقيدته من الانحراف، وعمله من الشرك، ويتقي الله يكون الله معه، بنصره وتأييده، يهديه ويحفظه، ويؤمنه، ومن اتبع الشبهات، أو ضيع حدود الله فقد عرّض نفسه للهلاك.
فمن أراد أن يتولى الله حفظه ورعايته في أموره كلها، فليراعِ حقوق الله عليه، ومن أراد ألا يصيبه شيء مما يكره، فلا يأتِ شيئاً مما يكرهه الله منه، وعلى قدر اهتمام العبد بحقوق الله ومراعاة حدوده وحفظه لها، يكون حفظ الله له ونصره وتأييده، ومن كان غاية همه توحيد الله ومعرفته وطلب قربه ورضاه؛ فإن الله يكون له حسب ذلك، بل هو سبحانه أكرم الأكرمين، فهو يجازي بالحسنة عشراً ويزيد، ومن تقرّب منه شبراً تقرب منه ذراعاً، ومن تقرب منه ذراعاً تقرب منه باعاً، ومن أتاه يمشي أتاه هرولة.
المبحث الخامس
في قوله (: (وإذا سألت فاسأل الله)
قوله: (إذا سألت فاسأل الله) أي لا تعتمد على أحد من المخلوقين، وإذا احتجت فاسأل الله وحده، يأتيك رزقك من حيث لا تحتسب، أما إذا سأل الإنسان المحتاج الناس فربما أعطوه أو منعوه، ولهذا جاء في الحديث: (لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب ثم يبيعه لكان خيراً له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه) (2) .
فعلى المسلم أن يتجه بسؤاله لله وحده، ويدعوه بإلحاح، مثل أن يقول: (اللهم ارزقني) ، و (اللهم أغنني بفضلك عمَّن سواك) وما أشبه ذلك من الكلمات (3) . وفي قوله: (إذا سألت فاسأل الله) أمر بإفراد الله (بالسؤال، ونهي عن سؤال غيره.
__________
(1) انظر نور الاقتباس ص 22.
(2) رواه البخاري، كتاب الزكاة ح 1471.
(3) انظر شرح رياض الصالحين 2/ 452.(10/179)
وقال الله (: (وَاسْأَلُواْ اللهَ مِن فَضْلِهِ ((1) ، وقال جل وعلا: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِين ((2) .
((وهذا من لطفه بعباده، ونعمته العظيمة، حيث دعاهم إلى ما فيه صلاح دينهم ودنياهم، وأمرهم بدعائه، دعاء العبادة، ودعاء المسألة، ووعدهم أن يستجيب لهم، وتوعّد من استكبر عنها)) (3) .
فيجب على المسلم أن يتوجه بسؤاله لله وحده، لاسيما في الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله، فمن طلبها من غير الله فقد أشرك مع الله غيره، كمن يدعو أصحاب القبور ونحوهم، قال تعالى: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَة ((4) .
أما سؤال الناس في الأمور التي يقدرون عليها، فقد وردت نصوص كثيرة تذم طلبها منهم، وتثني على المتعففين الذين لا يسألون الناس، قال تعالى: (لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا ((5) .
وقد بايع النبي (جماعة من أصحابه عل ألا يسألوا الناس شيئاً منهم: أبو بكر الصديق، وأبو ذر، وثوبان، وكان أحدهم يسقط سوطه أو خطام ناقته فلا يسأل أحداً أن يناوله إياه ((6) .
__________
(1) سورة النساء، الآية 32.
(2) سورة غافر، الآية 60.
(3) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ص 687.
(4) سورة الأحقاف، الآية 5.
(5) سورة البقرة، الآية 273.
(6) رواه مسلم في كتاب الزكاة، باب كراهية المسألة للناس ح (1043) .(10/180)
وقد أجاد شيخ الإسلام ابن تيمية في تفصيل الحكم في هذه المسألة فقال: ((وتفصيل القول: أن مطلوب العبد إن كان في الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله تعالى، مثل أن يطلب شفاء مريضه من الآدميين والبهائم، أو وفاء دينه من غير جهة معينة، أو عافيته، أو عافية أهله، وما به من بلاء الدنيا والآخرة، وانتصاره على عدوه، وهداية قلبه، أو غفران ذنبه، أو دخول الجنة، أو نجاته من النار، أو أن يتعلم القرآن والعلم، أو أن يصلح قلبه، ويحسن خلقه، ويزكي نفسه، وأمثال ذلك، فهذه الأمور كلها لا يجوز أن تطلب إلا من الله تعالى، ولا يجوز أن يقول لا لملك ولا نبي، ولا شيخ، سواء كان حياً أو ميتاً: اغفر ذنبي، ولا انصرني على عدوي، ولااشف مريضي، ولا عافني وعافي أهلي ودوابي، وما أشبه ذلك، ومن سأل ذلك مخلوقاً – كائناً من كان - فهو مشرك بربه، من جنس المشركين، الذين يعبدون الملائكة والأنبياء والتماثيل، التي يصورونها على صورهم، ومن جنس دعاء النصارى للمسيح وأمه، وقال تعالى: (وَإِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللهِ ((1) ، وقال تعالى: (اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ((2) .
__________
(1) سورة المائدة، الآية 116.
(2) سورة التوبة، الآية 31.(10/181)
وأما ما يقدر عليه العبد، ويجوز أن يطلب منه في بعض الأحوال دون بعض؛ فإن مسألة المخلوق قد تكون جائزة، وقد تكون منهياً عنها، وقال تعالى: (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8) ((1) ، وأوصى النبي (ابن عباس: (إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله) ، وأوصى النبي (طائفة من أصحابه ألا يسألوا الناس شيئاً، فكان أحدهم يسقط السوط من يده، فلا يقول لأحد: ناولني إياه…، ومن الأمر المشروع في الدعاء دعاء غائب لغائب؛ ولهذا أمرنا النبي (بالصلاة عليه، وطلب الوسيلة له، وأخبرنا بمالنا بذلك من الأجر إذا دعونا بذلك (2) … ويشرع للمسلم أن يطلب الدعاء ممن هو فوقه، وممن هو دونه … لكن النبي (لما أمرنا بالصلاة عليه، وطلب الوسيلة له، ذكر أن من صلى عليه مرة صلى الله بها عليه عشراً، وان من سأل الله له الوسيلة حلت له شفاعته يوم القيامة، فكان طلبه منا لمنفعتنا في ذلك، وفرق بين من طلب من غيره شيئاً لمنفعة المطلوب منه، ومن يسأل غيره لحاجته إليه فقط)) (3) .
وكيف يطلب من غير الله كشف الضر أو جلب النفع، وذلك كله بيده (، قال تعالى: (وَإِن يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ ((4) ، وقال سبحانه: (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ ((5) .
__________
(1) سورة الشرح، الآيتان 7،8.
(2) يشير إلى الحديث الذي رواه مسلم، كتاب الصلاة 1/ 288، 289.
(3) اللمعة في الأجوبة السبعة ص 22- 26، ومجموع الفتاوى 27/ 67 – 69.
(4) سورة يونس، الآية 107.
(5) سورة فاطر، الآية 2.(10/182)
والله (يحب أن يُسأل ويُرغب إليه في الحوائج، ويلح في سؤاله ودعائه، ويغضب على من لا يسأله، قال (: (من لم يدْعُ الله سبحانه يغضب عليه) (1) .، ويستدعي من عباده سؤاله، وهو قادر على إعطاء خلقه كلهم سؤلهم من غير أن ينقص من ملكه شيء، والمخلوق بخلاف ذلك.
وقال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ((2) ، ويقول الرسول (: (ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، يقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له) (3) .
وعن أبي ذر (عن النبي (فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال: (يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني، فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر) (4) .
__________
(1) رواه الترمذي في كتاب الدعوات، باب رقم (3) ح 3370، وأحمد 2/ 442، وابن ماجه ح 3827، وقال الألباني عنه بأنه حديث حسن، انظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة، ح 2654، وصحيح ابن ماجه 3085.
(2) سورة البقرة، الآية 186.
(3) رواه البخاري، كتاب التهجد، باب الدعاء والصلاة من آخر الليل، ح 1145.
(4) رواه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم، ح 2577.(10/183)
يقول ابن القيم (ت 751 هـ) في شرح هذه المسألة: ((وهذا كله تحقيق للتوحيد والقدر، وأنه لا رب غيره، ولا خالق سواه، ولا يملك المخلوق لنفسه، ولا لغيره ضراً ولا نفعاً، ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً، بل الأمر كله لله، ليس لأحد سواه منه شيء، كما قال تعالى لأكرم خلقه عليه، وأحسنهم إليه: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْء ((1) وقال جواباً لمن قال: (هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ ((2) (قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ((3) ، فالملك كله له، والأمر كله له، والحمد كله له، والشفاعة كلها له، والخير كله في يديه، وهذا تحقيق تفرده بالربوبية والألوهية، فلا إله غيره، ولا رب سواه، (قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُون ((4) (وَإِن يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ ((5) ، (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ((6) فاستعذ به منه، وفرّ منه إليه، واجعل لجاك منه إليه، فالأمر كله له، لا يملك أحد معه منه شيئاً، فلا يأتي بالحسنات إلا هو، ولا يذهب بالسيئات إلا هو، ولا تتحرك ذرة فما فوقها إلا بإذنه، ولا يضرّ سم ولا سحر ولا شيطان ولا حيوان ولا غيره إلا بإذنه ومشيئته، يصيب بذلك من يشاء، ويصرفه عمن يشاء)) (7)
__________
(1) سورة آل عمران، الآية 128
(2) سورة آل عمران، الآية 154.
(3) سورة آل عمران، الآية 154.
(4) سورة الزمر، الآية 38.
(5) سورة الأنعام، الآية 17.
(6) سورة فاطر، الآية 2.
(7) شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل ص 273.(10/184)
ولذلك قال تعالى؛ مخبراً عن نوح (أنه قال لقومه: (إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللهِ فَعَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ ((1) .
فنوح (قال لقومه: إن كان عظم عليكم مقامي فيكم بين أظهركم، وتذكيري إياكم بحجج الله وبراهينه، (فَعَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ (؛ فإني لا أبالي، ولا أكف عنكم، سواء عظم عليكم، أولا، فاجتمعوا أنتم وشركاؤكم، الذين تدعون من دون الله، من صنم ووثن، (ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً (، أي ولا تجعلوا أمركم عليكم ملتبساً، بل افصلوا حالكم معي، فإن كنتم تزعمون أنكم محقون فاقضوا إليّ ولا تتأخروا ساعة واحدة، مهما قدرتم فافعلوا؛ فإني لا أباليكم، ولا أخاف منكم؛ لأنكم لستم على شيء (2) .
وقال تعالى، مخبراً عن هود (: (قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُواْ أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (54) مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ((3) .
__________
(1) سورة يونس، الآية 71.
(2) انظر تفسير القرآن العظيم 2/407.
(3) سورة هود، الآيات 54-56.(10/185)
يبين هود (أنه واثق غاية الوثوق أنه لا يصيبه منهم، ولا من آلهتهم أذى؛ ولهذا أشهد الله وأشهدهم أنه (بريء من جميع الأنداد والأصنام، ثم قال لهم: (فَكِيدُونِي جَمِيعًا (أي اطلبوا لي الضرر كلكم، أنتم وآلهتكم، إن كانت حقاً، بكل طريق تتمكنون بها مني ولا تمهلون طرفة عين، (إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ (واعتمدت عليه في أمري كله، فهو خالق الجميع، ومدبرنا وإياكم، وهو الذي ربانا، فلا تتحرك دابة ولا تسكن إلا بإذنه، فلوا اجتمعتم جميعاً على الإيقاع بي، والله لم يسلطكم علي، لم تقدروا على ذلك؛ فإن سلطكم فلحكمة أرادها، (إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (أي على عدل وقسط وحكمة، لا تخرج أفعاله عن الصراط المستقيم، التي يحمد، ويثنى عليه بها (1) .
أما سؤال الناس فيما يقدرون عليه فتركه أولى، وذلك أن في طلب الناس وسؤالهم ذلة وخضوعاً، والمسلم مطالب بإظهار كمال الذل والخضوع لله وحده لا شريك له.
يقول ابن رحب: ((واعلم أن سؤال الله تعالى، دون خلقه هو المتعين، لأن السؤال فيه إظهار الذل من السائل والمسكنة والحاجة والافتقار، وفيه الاعتراف بقدرة المسؤول على دفع هذا الضرر، ونيل المطلوب، وجلب المنافع، ودرء المضار، ولا يصلح الذل والافتقار إلا لله وحده، لأنه حقيقة العبادة)) (2) .
وقال في كتاب آخر: ((واعلم أن سؤال الله تعالى دون خلقه هو المتعين عقلاً وشرعاً، وذلك من وجوه متعددة، منها: أن السؤال فيه بذل ماء الوجه وذلة للسائل، وذلك لا يصلح إلا لله وحده، فلا يصلح الذل إلا له بالعبادة والمسألة، وذلك من علامات المحبة الصادقة.
__________
(1) انظر تفسير القرآن العظيم 2/231، وتيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ص 340.
(2) جامع العلوم والحكم ص 481.(10/186)
ومنها أن في سؤال الله عبودية عظيمة؛ لأنها إظهار للافتقار إليه، واعتراف بقدرته على قضاء الحوائج، وفي سؤال المخلوق ظلم، لأن المخلوق عاجز عن جلب النفع لنفسه، ودفع الضر عنها فكيف يقدر على ذلك لغيره؟ وسؤاله إقامة له مقام من يقدر، وليس هو بقادر.
ومنها أن الله يحب أن يسأل، ويغضب على من لا يسأله، فإنه يريد من عباده أن يرغبوا إليه ويسألوه، ويدعوه ويفتقروا إليه، ويحب الملحين في الدعاء، والمخلوق غالباً يكره أن يُسأل لفقره وعجزه، …
ومنها: أن الله تعالى يستدعي من عباده سؤاله، وينادي كل ليلة: هل من سائل فأعطيه؟ هل من داع فاستجيب له …، فأي وقت دعاه العبد وجده سميعاً قريباً مجيباً، ليس بينه وبينه حجاب ولا بواب، وأما المخلوق؛ فإنه يمتنع بالحجاب والأبواب، ويعسر الوصول إليه في أغلب الأوقات)) (1) .
ولهذا كان عقوبة من سأل الناس تكثراً أن يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم، كما ثبت عن النبي (أنه قال: (ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مزعة لحم) (2) .
وقال (: (يا قبيصة إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة، حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلّت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش، أو قال سداداً من عيش، ورجل أصابته فاقة، حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجا من قومه: لقد أصابت فلاناً فاقة، فحلت له المسألة، حتى يصيب قواماً من عيش، أو قال سداداً من عيش، فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحتاً يأكلها صاحبها سحتاً) (3) .
__________
(1) نور الاقتباس ص31؛ وانظر الوافي في شرح الأربعين النووية ص 127.
(2) رواه البخاري، كتاب الزكاة، باب من سأل الناس تكثراً، ح (1474) . ورواه مسلم، كتاب الزكاة، باب كراهة المسألة للناس، ح (1040) .
(3) رواه مسلم كتاب الزكاة، باب من تحل له المسألة، ح 1044.(10/187)
في هذا الحديث يبين الرسول (أن من يحل له المسألة من الناس ثلاثة: الأول صاحب الحمالة، وهو أن يكون بين القوم تشاحن، في دم أومال، فيسعى رجل في إصلاح ذات بينهم، ويضمن مالاً يبذل في تسكين ذلك التشاحن، فإنه يحل له السؤال، ويعطى من الصدقة قدر ما تبرأ ذمته عن الضمان، وإن كان غنياً، والثاني: أن يكون معروفاً بالمال، فيهلك ماله بسبب ظاهر كالجائحة، فهذا يحل له الصدقة، حتى يصيب ما يسد خلته به، ويعطى من غير بينة، تشهد على هلاك ماله؛ لأن سبب ذهاب ماله أمر ظاهر، والثالث: صاحب مال هلك ماله بسبب خفي من لص، أو خيانة، أو نحو ذلك، فهذا تحل له المسألة، ويعطى من الصدقة بعد أن يذكر جماعة من أهل الاختصاص به، والمعرفة بشأنه أنه قد هلك ماله)) (1) .
وقد ذكر النووي (ت 676 هـ) ، اتفاق العلماء على النهي عن السؤال إذا لم تكن ضرورة، ثم قال: ((واختلف أصحابنا في مسألة القادر على الكسب على وجهين أصحهما أنها حرام؛ لظاهر الأحاديث والثاني حلال مع الكراهية بثلاثة شروط: أن لا يذل نفسه، ولا يلح في السؤال، ولا يؤذي المسؤول؛ فإن فقد أحد هذه الشروط فهي حرام بالاتفاق)) (2) .
وإذا علم المسلم أن الغني القادر الذي بيده الخير كله هو الله (، تربى على الأنفة والاستغناء عن المخلوقين، وعلم أن السبيل الوحيد إلى ذلك هو التعلق بالله تعالى والتوكل عليه، وعبادته والالتجاء إليه، مع الأخذ بأسباب الجد والعمل، وبذلك يحفظ المسلم ماء وجهه من التذلل والسؤال، وخفض الأكف والانكسار للأشخاص مهما كانوا، فيحفظ كرامته، وتبقى له عزته ومكانته.
المبحث السادس
في قوله (: (وإذا استعنت فاستعن بالله)
__________
(1) انظر شرح السنة 6/125، 126.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 7/127.(10/188)
الاستعانة طلب العون من الله تعالى، بلسان المقال، كأن تقول، عند شروعك بالعمل: اللهم أعني، أو لا حول ولا قوة إلا بالله، أو بلسان الحال، وهي أن تشعر بقلبك أنك محتاج إلى الله تعالى أن يعينك على هذا العمل، وأنه إن وكلك إلى نفسك وكلك إلى ضعف وعجز، أو طلب العون بهما جميعاً، والغالب أن من استعان بلسان المقال فقد استعان بلسان الحال (1) .
فتجب الاستعانة بالله تعالى على تحمل الطاعات، وترك المنهيات، كما تجب الاستعانة به سبحانه على الصبر على المقدورات؛ فإن العبد عاجز عن الاستقلال بنفسه في الإتيان بهذه الأمور، ولا بد له من طلب الإعانة من ربه (، ولا معين للعبد على مصالح دينه ودنياه إلا الله (، فمن أعانه الله فهو المعان، ومن فرط في حق الله تعالى، لم يعنه الله، فهو المخذول.
يذكر ابن كثير (ت 774 هـ) أن الدين كله يرجع إلى العبادة والاستعانة، فالعبادة تبرؤ من الشرك، والاستعانة تبرؤ من الحول والقوة والتفويض إلى الله (، وهذا المعنى في غير آية من القرآن (2) ، مثال ذلك قوله تعالى: (فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ((3) ، وقوله تعالى: (قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا ((4) ، وقوله: (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً ((5) ، وقوله: (وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ((6) ، ونحو ذلك من الآيات.
ولهذا أشار الإمام محمد بن عبد الوهاب (ت 1206 هـ) ، أن معنى الاستعانة: ((سؤال الله الإعانة وهو التوكل والتبري من الحول والقوة)) (7)
__________
(1) انظر القول المفيد على كتاب التوحيد 3/130.
(2) انظر تفسير القرآن العظيم 1/24.
(3) سورة هود، الآية 123.
(4) سورة الملك، الآية 29.
(5) سورة المزمل، الآية 9.
(6) سورة هود، الآية 88.
(7) تفسير الفاتحة، ص 52.(10/189)
ويعرف أحد العلماء الاستعانة بقوله: ((والاستعانة هي الاعتماد على الله تعالى، في جلب المنافع، ودفع المضار، مع الثقة به في تحصيل ذلك)) (1)
ويؤكد هذا التعريف قوله تعالى: (إياك نعبد وإياك نستعين (2) (
هذه الآية العظيمة التي يتلوها المسلم في كل ركعة من ركعات صلواته، وهي آية من سورة الفاتحة، التي (هي أعظم السور في القرآن) (3)
ومعنى (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (: أي نخصك وحدك يا إلهنا بالعبادة والاستعانة، وذلك لأن تقديم المعمول يفيد الحصر، وهو إثبات الحكم للمذكور وفيه عما عداه، ف: انه يقول: نعبدك،ولا نعبد غيرك، ونستعين بك، ولا نستعين بغيرك، أي نوحدك ونطيعك خاضعين، ونطلب منك وحدك المعونة على عبادتك وعلى جميع أمورنا (4) .
((وللقيام بعبادة الله تعالى، والاستعانة به هما الوسيلة للسعادة الأبدية، والنجاة من جميع الشرور، فلا سبيل إلى النجاة إلا بالقيام بهما، وإنما تكون العبادة عبادة إذا كانت مأخوذة عن رسول الله (، مقصوداً بها وجه الله، فبهذين الأمرين تكون عبادة، وذكر الاستعانة بعد العبادة مع دخولها فيها، لاحتياج العبد في جميع عباداته إلى الاستعانة بالله تعالى؛ فإنه إن لم يعنه الله لم يحصل له ما يريده من فعل الأوامر واجتناب النواهي)) (5)
__________
(1) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ص 22.
(2) سورة الفاتحة، الآية 5.
(3) جزء من حديث أخرجه البخاري، كتاب التفسير، باب ما جاء في الفاتحة.
(4) انظر: معالم التنزيل 1/41، وتفسير القرآن العظيم 1/24، 25.
(5) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ص 22.(10/190)
وجاء في الحديث الصحيح قوله (: (احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولاتعجز) (1) ، أي احرص على طاعة الله تعالى، والرغبة فيما عنده، واطلب الإعانة من الله تعالى على ذلك، ولا تعجز ولا تكسل عن طلب الطاعة، ولا عن طلب الإعانة (2) .
ولهذا كان النبي (يعلم أصحابه خطبة الحاجة، وهي: (أن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره …) (3) الحديث.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وتستحب هذه الخطبة في افتتاح مجالس التعليم، والوعظ،والمجادلة، وليست خاصة بالنكاح) (4) .
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله (أخذ بيده، وقال: (يا معاذ إني والله لأحبك فلا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول: (اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك) (5) .
وكان النبي (يدعو ويقول: (رب أعني، ولا تُعن عليّ) (6) الحديث.
فالمسلم مطالب بالاستعانة بالله تعالى في فعل المأمورات، واجتناب المنهيات.
__________
(1) رواه مسلم، كتاب القدر، باب في الأمر بالقوة وترك العجز، والاستعانة بالله، ح2664.
(2) صحيح مسلم بشرح النووي 16/215.
(3) رواه أبو داود، كتاب النكاح، باب في خطبة النكاح، ح 2118، والترمذي في النكاح، ح 1105، والنسائي، في الجمعة، باب كيف الخطبة، 3/105، وابن ماجة، في النكاح، باب خطبة النكاح، ح 1892، وانظر: صحيح ابن ماجة 1/319، ح 153.
(4) مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية 18/287.
(5) رواه أبو داود، كتاب الصلاة، باب الاستغفار، ح 1522، والنسائي، في السهو، باب نوع آخر من الدعاء 3/53، واحمد في المسند 5/245، وانظر: صحيح الكلام الطيب، ح 115، وصحيح الجامع الصغير 2/1320، ح 3063.
(6) رواه أبو داود، كتاب الصلاة، باب ما يقول الرجل إذا سلم، ح 1510، والترمذي في كتاب الدعوات، باب في دعاء النبي (، ح 3546، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وانظر: صحيح سنن الترمذي 3/461، ح 3551، وصحيح سنن ابن ماجة 2/324، ح 3830.(10/191)
يقول ابن تيمية عند تفسير قوله تعالى: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (: ((وكل واحد من العبادة والاستعانة دعاء، وإذا كان قد فرض علينا أن نناجيه وندعوه بهاتين الكلمتين في صلاة، فمعلوم أن ذلك يقتضي أنه فرض علينا أن نعبده وأن نستعينه …، كما أمر بهما في قوله: (فاعبده وتوكل عليه (، والأمر له ولأمته، وأمره بذلك في أم القرآن، وفي غيرها، لأمته؛ ليكون فعلهم ذلك طاعة لله، وامتثالاً لأمره، لا تقدماً بين يدي الله ورسوله، وإلى هذين الأصلين كان النبي (يقصد في عبادته وأذكاره ومناجاته، مثل قوله في الأضحية: (اللهم هذا منك ولك وإليك) (1) ؛ فإن قوله: منك، هو معنى التوكل والاستعانة، وقوله: لك، هو معنى العبادة)) (2) .
وقال في موضع آخر: ((فإن الإخلاص والتوكل جماع صلاح الخاصة والعامة، كما أمرنا أن نقول في صلاتنا: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (، فهاتان الكلمتان قد قيل إنهما تجمعان معاني الكتب المنزلة من السماء)) (3) .
ويذكر ابن القيم أن آية (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (( (متضمنة لأجلّ الغايات وأفضل الوسائل، فأجلّ الغايات عبوديته، وأفضل الوسائل إعانته، فلا معبود يستحق العبادة إلا هو، ولا معين على عبادته غيره، فعبادته أعلى الغايات، وإعانته أجل الوسائل …، وقد اشتملت هذه الكلمة على نوعي التوحيد، وهما توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، وتضمنت التعبد باسم الرب، واسم الله، فهو يعبد بألوهيته، ويستعان بربوبيته، ويهدي إلى الصراط المستقيم برحمته …، وهو المنفرد بإعطاء ذلك كله، لا يعين على عبادته سواه، ولا يهدي سواه)) (4) .
__________
(1) رواه أبو داود، كتاب الضحايا، باب ما يستحب من الضحايا، ح 2795.
(2) دقائق التفسير 1/173، 174، وانظر منهاج السنة 4/244.
(3) دقائق التفسير، ص 212.
(4) كتاب الصلاة وحكم تاركها، ص 104.(10/192)
كما أن العبد مطالب بالصبر والاستعانة بالله تعالى عند وقوع المصائب والابتلاءات، ولهذا قال يعقوب (، عند وقوع مصيبته: (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ((1) .
ولما قال أهل الإفك ما قالوا في عائشة رضي الله عنها قالت: ((والله ما أجد لي ولكم مثلاً إلا أبا يوسف إذ قال: (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (، فبرأها الله مما قالوا)) (2) .
وعندما هدد فرعون موسى وقومه، (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ((3) ، فجاء الأمر على خلاف ما أراد فرعون؛ إذ أعزهم الله وأذله، وأرغم أنفه، وأغرقه وجنوده (4) .
وأخبر الله تعالى عن الرسول (أنه لما كذبه قومه: (قَالَ رَبِّ احْكُم بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُون ((5) ، أي والله المستعان عليكم فيما تقولون وتفترون من التكذيب والإفك (6) .
وكان عمر بن الخطاب (يدعو في قنوته بقوله: (اللهم إنا نستعينك، ونؤمن بك، ونتوكل عليك) (7) .
ولما بشَّر الرسول (عثمان بن عفان (بالجنة، مع بلوى تصيبه، قال (: ((اللهم صبراً، الله المستعان)) (8) .
__________
(1) سورة يوسف، الآية 18.
(2) أخرجه البخاري، كتاب الشهادات، باب تعديل النساء بعضهن بعضاً، ح 2661.
(3) سورة الأعراف، الآية 128.
(4) انظر تفسير القرآن العظيم 2/229.
(5) سورة الأنبياء، الآية 112.
(6) انظر تفسير القرآن العظيم 3/197.
(7) أخرجه ابن أبي شيبة 2/61/1 و 12/42/1، وصححه الألباني، انظر: إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل 2/170 ح 428.
(8) أخرجه مسلم، في كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل عثمان بن عفان (ح 2403.(10/193)
وقد قال الرسول (لأحد الصحابة: (قل لا حول ولا قوة إلا بالله؛ فإنها كنز من كنوز الجنة) (1) . يقول ابن حجر (ت 852 هـ) ، ((تسمى هذه الكلمة كنزاً؛ لأنها كالكنز في نفاسته، وصيانته عن أعين الناس …؛ لأن معنى (لا حول) لا تحويل للعبد عن معصية الله إلا بعصمة الله، ولا قوة له على طاعة الله إلا بتوفيق الله …، وحاصله أن المراد أنها من ذخائر الجنة، أو من محصلات نفائس الجنة)) (2) . ويقول النووي: ((قال العلماء: سبب ذلك أنها كلمة استسلام وتفويض إلى الله تعالى، واعتراف بالإذعان له …)) (3) . فهي كلمة عظيمة تتضمن اعتراف العبد بأنه لا تحول له من حال إلى حال، ولا قوة له على ذلك إلا بإعانة الله وحده. فالاستعانة لا تطلب من أي إنسان، إلا عند الضرورة، وفيما يقدر عليه فقط، وإذا اضطر العبد الاستعانة بالمخلوق فيما يقدر عليه، فعليه أن يجعل ذلك وسيلة وسبباً، لا ركناً يعتمد عليه، وإنما الركن الأصيل الذي يعتمد عليه في الدعاء والسؤال والاستعانة هو الله وحده لا شريك له. كما أنّ على العبد إذا احتاج إلى الاستعانة بالمخلوق، كحمل صندوق مثلاً، أن لا يشعر نفسه أن هذه استعانة كاستعانته بالخالق، وإنما عليه أن يشعر أنها كمعونة بعض أعضائه لبعض، كما لو عجز عن حمل شيء بيد واحدة، فإنه يستعين على حمله باليد الأخرى (4) . وعلى هذا فالاستعانة بالمخلوق، فيما يقدر عليه، كالاستعانة ببعض الأعضاء، فلا ينافي ذلك قوله (: (فاستعن بالله) . فإذا وقع العبد في مكروه وشدة فلا بأس أن يستعين بمن له قدرة على تخليصه، أو الإخبار بحاله بعد الاستعانة بالله تعالى، ولا يكون هذا شكوى للمخلوق؛ فإنه من الأمور
__________
(1) رواه البخاري، كتاب الدعوات، باب الدعاء إذا علا عقبة، ح 6384.
(2) انظر فتح الباري شرح صحيح البخاري 11/188، 500، 501.
(3) صحيح مسلم بشرح النووي 17/26.
(4) انظر القول المفيد على كتاب التوحيد 3/130، وشرح رياض الصالحين 2/452، 453.(10/194)
العادية، التي جرى العرف باستعانة الناس، بعضهم ببعض، ولهذا قال يوسف (للذي ظن أنه ناج من الفتيين (1) : (اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ ((2) . والمصيبة العظيمة، والخطر الجسيم فيمن يسأل أو يستعين بأصحاب القبور، أو غيرهم ممن يسمون بالأولياء والصالحين، سواء أكانوا أمواتاً أم أحياء فيسألهم ويستعين بهم فيما لا يقدرون عليه من جلب نفع أو دفع ضر، أو رزق ولد، أو دخول الجنة، أو النجاة من النار، ونحو ذلك مما هو واقع في بعض البلاد، فإن هذا شرك بالله تعالى، إذ هو وحده القادر على كل شيء، وما دونه من نبي أو ولي لا يملك لنفسه جلب الخير أو دفع الشر إلا بإذنه (، ولهذا قال الله (لنبيه محمد (: (قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوء ((3) ، فهذه الآية تبين جهل من يقصد النبي (، ويدعوه لحصول نفع، أو دفع ضر، فإنه ليس بيده شيء من الأمر، ولا ينفع من لم ينفعه الله، ولا يدفع الضر عمن لم يدفعه الله عنه، ولا له من العلم إلا ما علمه الله. ويقول (: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11) يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُ وَمَا لاَ يَنفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلاَلُ الْبَعِيدُ (12) يَدْعُو لَمَن ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ ((4) ، هذه صفة كل مدعو ومعبود من دون الله، فإنه لا يملك لنفسه، ولا لغيره، نفعاً ولا ضراً (ذَلِكَ هُوَ
__________
(1) انظر تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ص 365.
(2) سورة يوسف، الآية 42.
(3) سورة الأعراف، الآية 188.
(4) سورة الحج، الآيات 11-13.(10/195)
الضَّلاَلُ الْبَعِيدُ (الذي بلغ في البعد حد النهاية، حيث أعرض عن عبادة النافع الضار، الغني المغني، وأقبل على عبادة مخلوق مثله، أو دونه، ليس بيده من الأمر شيء، بل هو إلى حصول ضد مقصوده أقرب؛ ولهذا قال (يَدْعُو لَمَن ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ (؛ فإن ضرره في العقل والبدن، والدنيا والآخرة معلوم، (لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ (أي لبئس هذا المعبود والقرين، الملازم على صحبته، فإن المقصود من المولى والعشير حصول النفع، ودفع الضر، فإذا لم يحصل شيء من هذا، فإنه مذموم ملوم (1) . ولهذا ينبه الله تعالى على حقارة الأصنام، وسخافة عقول عابديها بقوله تعالى:: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73) مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ((2) . يقول ابن دقيق العيد في شرح هذا الجزء من توجيه رسول الله (لابن عباس: ((أرشده إلا التوكل على مولاه، وأن لا يتخذ إلهاً سواه، ولا يتعلق بغيره، في جميع أموره، ما قل منها وما كثر، وقال الله تعالى: (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُه ((3) ، فبقدر ما يركن الشخص إلى غير الله تعالى، بطلبه، أو قلبه، أو بأمله، فقد أعرض عن ربه، بمن لا يضره ولا ينفعه، وكذلك الخوف من غير الله)) (4) . ومما يدل عليه قوله (: (احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، وإذا سألت فسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله) أن الإيمان يشمل العقائد القلبية، والأقوال،
__________
(1) انظر تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ص 484.
(2) سورة الحج، الآيتان 73-74.
(3) سورة الطلاق، الآية 3.
(4) شرح الأربعين حديثاً النووية ص 55.(10/196)
والأعمال، كما هو المذهب الحق، وهو قول أهل السنة والجماعة؛ فإن (الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان) (1) ، وهذه الشعب التي ترجع إلى الأعمال الباطنة والظاهرة كلها من الإيمان. ويدل هذا الحديث العظيم على أنه من نقص التوحيد أن الإنسان يسأل غير الله، ولهذا قال العلماء بكراهية المسألة لغير الله (، في قليل أو كثير، والله (إذا أراد إعانة أحد يسر له العون، سواء أكان بأسباب معلومة أو غير معلومة، فقد يعين الله العبد بسبب غير معلوم له، فيدفع عنه من الشرّ ما لا طاقه لأحد به، وقد يعينه الله على يد أحد من الخلق يسخره له، ويذلّله له حتى يعينه، ولكن مع ذلك لا يجوز للعبد إذا أعانه الله على يد أحد أن ينسى المسبب وهو الله ((2) .
المبحث السابع
__________
(1) رواه مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان عدد شعب الإيمان وأفضلها وأدناها، ح 3.
(2) انظر شرح رياض الصالحين 2/453.(10/197)
في قوله (: (واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك) يبين الرسول (في هذا الكلمات أن الأمة لو اجتمعت واتفقت كلها على نفع إنسان بشيء لم يستطيعوا نفعه إلا بشيء قد كتبه الله وقدره له، وإن وقع منهم نفع له فإنما هو من الله تعالى؛ لأنه هو الذي كتبه وقدره. فالرسول (لم يقل لو اجتمعت الأمة على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك، وإنما قال: (لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك) ، فالناس ينفع بعضهم بعضاً، لكن كل هذا مما كتبه الله للإنسان، فالفضل فيه لله (أولاً، فهو الذي سخر لك من ينفعك، ويحسن إليك، ويزيل كربتك. وكذلك لو اجتمعت الأمة على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، ((والإيمان بهذا يستلزم أن يكون الإنسان متعلقاً بربه، ومتكلاً عليه، لا يهتم بأحد؛ لأنه يعلم أنه لو اجتمع كل الخلق على أن يضروه بشيء لم يضروه إلا بشيء قد كتبه الله عليه، وحينئذ يعلق رجاءه بالله، ويعتصم به، ولا يهمه الخلق، ولو اجتمعوا عليه، ولهذا نجد الناس في سلف هذه الأمة لما اعتمدوا على الله وتوكلوا عليه لم يضرّهم كيد الكائدين، ولا حسد الحاسدين: (وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيط ((1) …)) (2) . فالإيمان بالقضاء والقدر، والاعتماد على الله وحده، في كل الشؤون، سكينة واطمئنان للعبد، إذ لا يبالي بما يدبره الخلق أو يهددونه به، لأنه يعلم أن الخير والشر بتقدير الله تعالى، والنفع والضر بإرادته وحكمته سبحانه، فلا يستطيع أحد من الخلق أن يحقق للعبد أذى أو ابتلاء إلا بإذن الله تعالى لحكم يريدها سبحانه، بل الله يدافع عنه وينصره ويؤيده، وكذلك لا يستطيع أحد من الخلق تحقيق منفعة
__________
(1) سورة آل عمران، الآية 120
(2) انظر شرح رياض الصالحين 2/454-455(10/198)
للعبد لم يأذن بها الله تعالى. كما أن الإيمان بالقضاء والقدر، وبما جاء في هذا الجزء من الحديث، من أعظم أسباب الشجاعة والإقدام والجهاد، فلن يستطيع الأعداء أن يضروا أحداً بشيء مهما خططوا وتآمروا إلا بشيء قد كتبه الله وقدره لحكم أرادها. والشجاعة ليست هي قوة البدن، فقد يكون الرجل قوي البدن، ضعيف القلب، وإنما الشجاعة قوة القلب وثباته، فإن القتال مداره على قوة البدن، وصنعته للقتال، وعلى قوة القلب وخبرته به، والمحمود منهما ما كان بعلم ومعرفة، دون التهور الذي لا يفكر صاحبه، ولا يميز بين المحمود والمذموم (1) . فهذا الحديث العظيم يوجب الإيمان بالقضاء والقدر، وهو الركن السادس من أركان الإيمان، والإيمان به يتضمن الإيمان بمراتبه الأربع، وهي: المرتبة الأولى: الإيمان بعلم الله المحيط بكل شيء، الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض، وأنه تعالى قد علم جميع خلقه قبل أن يخلقهم، وعلم أرزاقهم وأقوالهم وأعمالهم وجميع حركاتهم وسكناتهم، وإسرارهم وعلانياتهم ومن هو منهم من أهل الجنة، ومن هو منهم من أهل النار، قال تعالى: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَة ((2) ، وقال سبحانه: (عَالِمِ الْغَيْبِ لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ وَلاَ أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْبَرُ ((3) ، وقال: (وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ((4) ، وقال (: (إن الله خلق للجنة أهلاً خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم وخلق للنار أهلاً خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم) (5) ، ولما سئل (عن أولاد المشركين قال: (الله أعلم بما كانوا عاملين) (6)
__________
(1) انظر الاستقامة 2/271.
(2) سورة الحشر، الآية 21.
(3) سورة سبأ، الآية 3.
(4) سورة الطلاق، الآية 12.
(5) أخرجه مسلم، كتاب القدر، باب كل مولود يولد على الفطرة، ح 2662.
(6) أخرجه البخاري، كتاب القدر، باب الله أعلم بما كانوا عاملين، ح 6597، ومسلم، كتاب القدر، باب معنى كل مولود يولد على الفطرة وحكم موت أطفال الكفار وأطفال المسلمين، ح 2659.(10/199)
، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا الحديث: ((أي يعلم من يؤمن منهم ومن يكفر لو بلغوا، ثم إنه جاء في حديث إسناده مقارب عن أبي هريرة (عن النبي (قال: (إذا كان يوم القيامة فإن الله يمتحنهم، ويبعث إليهم رسولاً في عرصة القيامة، فمن أجابه أدخله الجنة، ومن عصاه أدخله النار) فهنالك يظهر فيهم ما علمه الله سبحانه، ويجزيهم على ما ظهر من العلم، وهو إيمانهم وكفرهم، لا على مجرد العلم)) (1) . المرتبة الثانية: الإيمان بأن الله تعالى قد كتب جميع ما سبق به علمه أنه كائن، وفي ضمن ذلك الإيمان باللوح والقلم. قال تعالى: (وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِين ((2) ، وقال سبحانه: (إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَاب ((3) ، وقال: (وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ((4) ، وقال (: (ما من نفس منفوسة إلا وقد كتب الله مكانها من الجنة والنار وإلا وقد كتب شقية أو سعيدة) (5) . المرتبة الثالثة: الإيمان بمشيئة الله النافذة، وقدرته الشاملة، وهما متلازمتان من جهة ما كان وما سيكون، ولا ملازمة بينهما من جهة ما لم يكن ولا هو كائن، فما شاء الله تعالى فهو كائن بقدرته لا محالة، وما لم يشأ الله تعالى لم يكن لعدم مشيئة الله إياه، لا لعدم قدرة الله عليه، تعالى الله عن ذلك: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا ((6) . ومن أدلة هذه
__________
(1) مجموعة فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية 4/246.
(2) سورة يس، الآية 12.
(3) سورة الحج، الآية 70.
(4) سورة فاطر، الآية 11.
(5) رواه البخاري، كتاب التفسير، باب تفسير سورة (والليل إذا يغشى (، ح 4948، ومسلم، كتاب القدر، باب كيفية خلق الآدمي، ح 2648.
(6) سورة فاطر، الآية 44.(10/200)
المرتبة قوله: ((وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّه ((1) ، وقوله تعالى: (مَن يَشَإِ اللهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ((2) ، وقوله تعالى: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ((3) ، وقوله (: (إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء) ، ثم قال (: (اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك) (4) . المرتبة الرابعة: الإيمان بأن الله تعالى خالق كل شيء، وأنه ما من ذرة في السموات ولا في الأرض ولا فيما بينهما إلا والله خالقها وخالق حركاتها وسكناتها، (لا خالق غيره ولا رب سواه، قال تعالى: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ((5) ، وقال سبحانه: (هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْض ((6) ، وقال تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُم مِّن شَيْءٍ ((7) ، وقال تعالى: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ((8) ، وعن حذيفة (مرفوعاً: (إن الله يصنع كل صانع وصنعته) (9) . والإيمان بالقدر نظام التوحيد، كما أن الإيمان بالأسباب التي توصل إلى خيره وتحجز عن شره هي نظام الشرع، ولا ينتظم أمر الدين ويستقيم إلا لمن آمن بالقدر وامتثل
__________
(1) سورة الإنسان، الآية 30.
(2) سورة الأنعام، الآية 39.
(3) سورة يس، الآية 82.
(4) رواه مسلم، كتاب القدر، باب تصريف الله تعالى القلوب كيف شاء، ح 2654.
(5) سورة الزمر، الآية 62.
(6) سورة فاطر، الآية 3.
(7) سورة الروم، الآية 40.
(8) سورة الصافات، الآية 96.
(9) رواه البخاري في خلق أفعال العباد ص 73، وابن أبي عاصم في السنة 357، 358، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة 4/181، ح 1637.(10/201)
الشرع، فمن نفى القدر زاعماً منافاته للشرع فقد عطل الله عن علمه وقدرته، وجعل العبد مستقلاً بأفعاله خالقاً لها، فأثبت مع الله تعالى خالقاً، بل أثبت أن جميع المخلوقين خالقون، ومن أثبت القدر محتجاً به على الشرع، نافياً عن العبد قدرته واختياره فقد نسب الله تعالى إلى الظلم. وليعلم أن الله (الذي أمرنا بالإيمان بالقضاء والقدر، أمرنا بالعمل والأخذ بالأسباب، فقال تعالى: (وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ ((1) ، وقال الرسول (: (اعملوا فكل ميسر لما خلق له) (2) ، وفي هذا رد على المتخاذلين، المستسلمين لأهوائهم وشهواتهم، محتجين بتقدير الله تعالى ذلك عليهم، فعلى المسلم أن يحرص على حسن الاتباع لما جاء به الرسول (، مع إخلاص العمل لله تعالى، وسلامة العقيدة، والاجتهاد بالأخذ بالأسباب، والسعي وبذل الجهد، فمن ترك الأسباب محتجاً بالقدر فقد عصى الله تعالى وخالف شرعه. والمؤمنون حقاً يؤمنون بالقدر خيره وشره وأن الله خالق أفعال العباد، وينقادون للشرع أمره ونهيه، ويحكمونه في أنفسهم سراً وجهراً، وأن للعباد قدرة على أعمالهم، ولهم مشيئة وإرادة، وأفعالهم تضاف إليهم حقيقة، وبحسبها كلفوا، وعليها يثابون ويعاقبون، ولكنهم لا يقدرون إلا على ما أقدرهم الله عليه، ولا يشاؤون إلا أن يشاء الله (3) (. قال أبو بكر محمد بن الحسبن الآجُرِّي (ت 360هـ) : ((قد جرى القلم بأمره (في اللوح المحفوظ بما يكون، من بِرّ أو فجور، يثني على من عمل بطاعته من عبيده، ويضيف العمل إلى العباد، ويعدهم عليه الجزاء العظيم، ولولا توفيقه لهم ما عملوا ما استوجبوا به منه الجزاء (ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ((4)
__________
(1) سورة التوبة، الآية 105
(2) جزء من حديث سيأتي تخريجه.
(3) انظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية 8/ 449، 459، وأعلام السنة المنشورة ص 139، 141.
(4) سورة الحديد، الآية 21.(10/202)
، وكذا ذم قوماً عملوا بمعصيته، وتوعدهم على العمل بها وأضاف العمل إليهم بما عملوا، وذلك بمقدور جرى عليهم، يضل من يشاء، ويهدي من يشاء)) (1) .
وقوله (في الرواية الثانية: (واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك وما أصابك لم يكن ليخطئك) ، هو توجيه إلى الإيمان بالقضاء والقدر، خيره وشره، فقوله: (واعلم أن ما أخطأك) أي من المقادير فلم يصل إليك، (لم يكن) مقدراً عليك (ليصيبك) ؛ لأنه بان بكونه أخطأك أنه مقدر على غيرك، (وما أصابك) منها (لم يكن) مقدراً على غيرك (ليخطئك) ، وإنما هو مقدر عليك؛ إذ لا يصيب الإنسان إلا ما قدر عليه، ومعنى ذلك: أنه قد فرغ مما أصابك أو أخطأك من خير وشر، فما أصابك فإصابته لك محتومة لا يمكن أن يخطئك وما أخطأك فسلامتك منه محتومة، فلا يمكن أن يصيبك، قال تعالى: (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِير ((2) ، وقال تعالى: (قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا ((3) . وقال سبحانه: (قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ ((4) . وثبت في الحديث الصحيح أن رجلاً قال: يا رسول الله فيمَ العمل اليوم؟ أفيما جفت به الأقلام، وجرت به المقادير، أم فيما يستقبل؟ قال: (لا بل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير) قال: ففيم العمل؟ قال: (اعملوا فكل ميسر لما خلق له) (5) . فلابد من الإيمان بأن كل ما يصيب العبد مما يضره وينفعه في دنياه فهو مقدر عليه، وأنه لا يمكن أن يصيبه ما لم يكتب له ولم يقدر عليه ولو اجتهد على ذلك الخلق كلهم جميعاً. قال
__________
(1) الشريعة، ص152.
(2) سورة الحديد، الآية 22.
(3) سورة التوبة، الآية 51.
(4) سورة آل عمران، الآية 154.
(5) رواه مسلم، كتاب القدر، باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه، ح 2648.(10/203)
تعالى: (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ((1) . يعني أن من أصابته مصيبة فعلم أنها بقضاء الله وقدره، فصبر واحتسب، واستسلم لقضاء الله، هدى الله قلبه، وعوضه عما فاته من الدنيا هدى في قلبه ويقيناً صادقاً، وقد يخلف عليه ما كان أخذ منه، أو خيراً منه، روى ابن كثير عن ابن عباس أنه قال، في قوله تعالى: (وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ (: يعني يهد قلبه لليقين، فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه (2) . يقول ابن دقيق العيد: ((هذا هو الإيمان بالقدر، والإيمان به واجب، خيره وشره، وإذا تيقن المؤمن هذا، فما فائدة سؤال غير الله والاستعانة به)) (3) . ومما يجب أن يعلم أن القدر السابق لا يمنع العمل، ولا يوجب الاتكال عليه، بل يوجب الجد والاجتهاد، والحرص على العمل الصالح وحسن الاتباع، ولهذا لما أخبر النبي (أصحابه بسبق المقادير وجريانها وجفوف القلم بها، قال بعضهم: أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل؟ فقال ((اعملوا فكل ميسر) (4) ، ثم قرأ: (فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ((5) . ((فالله (قدر المقادير وهيأ لها أسباباً، وهو الحكيم بما نصبه من الأسباب في المعاش والمعاد، وقد يسر كلاً من خلقه لما خلقه له في الدنيا والآخرة، فهو مهيأ له ميسر له؛ فإذا علم العبد أن مصالح آخرته مرتبطة بالأسباب الموصلة إليها كان أشد اجتهاداً في فعلها والقيام بها، وأعظم منه في أسباب معاشه ومصالح دنياه، وقد فقه هذا كل الفقه من قال من الصحابة لما سمع أحاديث القدر: ما كنت أشد اجتهاداً مني الآن)) (6)
__________
(1) سورة التغابن، الآية 11.
(2) انظر تفسير القرآن العظيم 4/375.
(3) شرح الأربعين حديثاً النووية ص 55.
(4) سبق تخريجه.
(5) سورة الليل، الآيات 5-7.
(6) أعلام السنة المنشورة ص 134.(10/204)
وقد قال النبي (: (احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز) (1) ، وروى عنه (أنه لما قيل له: أرأيت دواءً نتداوى به ورقى نسترقيها هل ترد من قدر الله شيئاً؟ قال: (هي من قدر الله) (2) ، يعني إن الله (قدر الخير والشر، وأسباب كل منهما (3) . والأسباب وإن عظمت إنما تنفع إذا لم يعارضها القدر والقضاء، فإذا عارضها القدر لم تنفع شيئاً، بل لا بد أن يمضي الله ما كتب في اللوح المحفوظ من الموت والحياة، وعموم المصائب التي تصيب الخلق، من خير وشر، فكلها قد كتب في اللوح المحفوظ، صغيرها وكبيرها، ((وهذا أمر عظيم لا تحيط به العقول، بل تذهل عنه أفئدة أولي الألباب، ولكنه على الله يسير)) (4) .ولهذا جاء في الحديث عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله (: (لا يؤمن عبد حتى يؤمن بالقدر خيره وشره، حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه) (5) . يقول ابن رحب: ((واعلم أن مدار جميع هذه الوصية من النبي (لابن عباس على هذا الأصل، وما بعده وما قبله متفرع عليه وراجع إليه، فإنه إذا علم العبد أنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له، من خير أو شر، أو نفع أو ضر، وأن اجتهاد الخلق كلهم جميعاً على خلاف المقدور غير مفيد شيئاً البتة، علم حينئذ أن الله تعالى وحده هو الضار النافع، والمعطي المانع، فأوجب ذلك للعبد توحيد ربه (، وإفراده بالاستعانة والسؤال والتضرع والابتهال،
__________
(1) سيأتي تخريجه بعد قليل.
(2) رواه ابن ماجة، كتاب الطب، باب ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء، والترمذي، كتاب الطب، باب ما جاء في الأدوية، ح 2065، وقال هذا حديث حسن صحيح.
(3) انظر أعلام السنة المنشورة ص 134-135.
(4) انظر تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ص 121، 781.
(5) رواه الترمذي، كتاب القدر، باب ما جاء في الإيمان بالقدر خيره وشره، ح 2144، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي 2/446، وسلسلة الأحاديث الصحيحة ح 2439.(10/205)
وإفراده أيضاً بالعبادة والطاعة، لأن المعبود إنما يقصد بعبادته جلب المنافع ودفع المضار، ولهذا ذم الله (من يعبد ما لا ينفع ولا يضر، ولا يغني عن عابده شيئاً، وأيضاً فكثير ممن لا يحقق الإيمان وقلبه يقدّم طاعة مخلوق على طاعة الله رجاء نفعه أو دفعاً لضره، فإذا تحقق العبد تفرد الله وحده بالنفع والضر، وبالعطاء والمنع، أوجب ذلك إفراده بالطاعة والعبادة، ويقدم طاعته على طاعة الخلق كلهم جميعاً، كما يوجب ذلك أيضاً إفراده سبحانه بالاستعانة به والطلب منه)) (1) .ثم قال أيضاً شارحاً حديث ابن عباس: ((ثم عقب ذلك بذكر إفراد الله بالسؤال وإفراده بالاستعانة، وذلك يشمل حال الشدة وحال الرخاء، ثم ذكر بعد هذا كله الأصل الجامع الذي تنبني عليه هذه المطالب كلها،وهو تفرد الله (بالضر والنفع والعطاء والمنع، وإنه لا يصيب العبد في ذلك كله إلا ما سبق تقديره وقضاه له، وأن الخلق كلهم عاجزون عن إيصال نفع أو ضر غير مقدر في الكتاب السابق، وتحقيق هذا يقتضي انقطاع العبد عن التعلق بالخلق، وعن سؤالهم واستعانتهم ورجائهم بجلب نفع أو دفع ضر، وخوفهم من إيصال ضر أو منع نفع، وذلك يستلزم إفراد الله سبحانه بالطاعة والعبادة أيضاً، وأن يقدم طاعته على طاعة الخلق كلهم جميعاً، وأن يتقي سخطه، ولو كان فيه سخط الخلق جميعاً)) (2) . وفي قوله (: (وما أصابك لم يكن ليخطئك) أعظم وقاية ضد القلق النفسي، وسائر الهواجس والاضطرابات النفسية، التي يشتكي منها كثير من الناس، حتى سماها بعضهم بمرض العصر، فمن آمن بهذا الحديث اطمأن قلبه وانشرح صدره، وعلم أن كل ذلك بقضاء الله وقدره، وأنه خير له، فيبتعد عن التضجر والزفرات والحسرات، جاء في الحديث الصحيح قوله (: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو
__________
(1) نور الاقتباس ص 46 ,
(2) المصدر السابق ص 47(10/206)
أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان) (1) .
المبحث الثامن
في قوله (: (رفعت الأقلام وجفت الصحف) أي تركت الكتابة في الصحف، لفراغ الأمر وانبرامه منذ أمد بعيد، فقد تقدم كتابة المقادير كلها، فما كتبه الله فقد انتهى ورُفع، والصحف جفت من المداد، ولم يبق مراجعة. فما أخطئك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك. وهذا يدل على أن ما في علم الله تعالى، أو ما أثبته سبحانه في أم الكتاب ثابت لا يتبدل ولا يتغير ولا ينسخ، وما وقع وما سيقع كله بعلمه تعالى وتقديره (2) ، وهذه الجملة من الحديث تأكيد لما سبق من الإيمان بالقدر، والتوكل على الله وحده، وأن لا يتخذ إلهاً سواه، فإذا تيقن المؤمن هذا فما فائدة سؤال غير الله والاستعانة به، ولهذا قال: (رفعت الأقلام وجفت الصحف) : أي لا يكون خلاف ما ذكرت لك بنسخ ولا تبديل (3) .
ويشهد لهذا قوله تعالى: (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِير ((4)
وقوله ((إن أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب، قال: يارب، وما أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة) (5) .
وقوله: (كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة) (6) .
__________
(1) رواه مسلم، كتاب القدر، باب في الأمر بالقوة وترك العجز، والاستعانة بالله، وتفويض المقادير لله، ح 2664.
(2) انظر شرح رياض الصالحين 2/ 455، وبهجة الناظرين شرح رياض الصالحين 1/136.
(3) انظر شرح الأربعين حديثاً النووية ص 55.
(4) سورة الحديد، الآية 22.
(5) رواه أبو داود في كتاب السنة، باب في القدر، ح 4700، والترمذي في كتاب القدر، ح 2155، وأحمد 5/317، وانظر صحيح سنن الترمذي 2/450 ح 2155.
(6) رواه مسلم في كتاب القدر، باب احتجاج آدم وموسى عليهما السلام، ح 2653.(10/207)
وعن أبي الدرداء (عن النبي (أنه قال: (فرغ الله إلى كل عبد من خمس: من أجله، ورزقه، وأثره، ومضجعه، وشقي أو سعيد) (1) .
وعن جابر (أن رجلاً قال: يا رسول الله فيم العمل اليوم؟ أفيما جفّت به الأقلام وجرت به المقادير، أم فيما يستقبل؟ قال: (لا، بل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير) قال: ففيم العمل؟ قال: (اعملوا فكل ميسر) (2) .
وعن ابن مسعود (عن النبي (قال: (خلق الله كل نفس، وكتب حياتها، ورزقها، ومصائبها) (3) .
وفي قوله: (رفعت الأقلام) جاءت (الأقلام) في هذا الحديث وفي غيره، مجموعة، فدل ذلك على أن للمقادير أقلاماً، وقد ذكر العلماء أقساماً للأقلام، وهي (4) :
القلم الأول: العام الشامل لجميع المخلوقات، وهو القلم الذي خلقه الله وكتب به في اللوح المحفوظ مقادير الخلائق، وهذا أول الأقلام وأفضلها وأجلها، كما دل على ذلك قوله (: (أول ما خلق الله تعالى القلم، فقال له: اكتب، قال: يارب، وما أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة) .
القلم الثاني: قلم الوحي: وهو الذي يكتب به وحي الله إلى أنبيائه ورسله، وقد رفع النبي (ليلة أسري به إلى مستوى يسمع فيه صريف الأقلام (5) ، فهذه الأقلام هي التي تكتب ما يوجبه الله تبارك وتعالى من الأمور التي يدبر بها أمر العالم العلوي والسُّفلي.
القلم الثالث: حين خلق آدم (، وهو قلم عام أيضاً، لكن لبني آدم.
__________
(1) أخرجه أحمد في المسند 5/197، وابن أبي عاصم في السنة ح 304، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير 2/774 ح 4201.
(2) سبق تخريجه.
(3) رواه الترمذي، كتاب القدر، باب ما جاء لا عدوى ولا هامة ولا صفر، ورواه أحمد 1/440، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي 2/446 ح 2143.
(4) انظر شرح العقيدة الطحاوية ص 345-348 بتصرف يسير.
(5) أخرجه البخاري، كتاب الصلاة، باب كيف فرضت الصلوات في الإسراء، ح 349، ومسلم كتاب الإيمان، باب الإسراء برسول الله (، ح 263.(10/208)
القلم الرابع: حين يُرسل الملك إلى الجنين في بطن أمه، فينفخ فيه الروح، ويأمر بأربع كلمات: يكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد، كما قال (: (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح، ويأمر بأربع كلمات: يكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أم سعيد) (1) الحديث.
القلم الخامس: الموضوع على العبد، الذي بأيدي الكرام الكاتبين، الذين يكتبون ما يفعله بنو آدم، كما قال تعالى: (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ((2) .
وقوله (: (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، والمجنون حتى يعقل، وعن الصبي حتى يحتلم) (3) .
وقد اختلف العلماء هل القلم أول المخلوقات أو العرش؟
فقيل بأن العرش قبل القلم لقوله (: (كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء) ، فهذا صريح أن التقدير وقع بعد خلق العرش، والتقدير وقع عند أول خلق القلم.
وقيل بأن القلم أول المخلوقات بدليل قوله (: (أول ما خلق الله تعالى القلم فقال له: اكتب، قال: يا رب وما أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة) .
__________
(1) أخرجه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة، ح 3208، ومسلم، كتاب القدر، باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه، ح 2645.
(2) سورة الانفطار، الآيات 10-12.
(3) علقه البخاري في صحيحه، في كتاب الطلاق، باب الطلاق في الإغلاق، وأخرجه أبو داود في كتاب الحدود، باب: في المجنون يسرق، أو يصيب حداً، ح 4399، والترمذي في كتاب الحدود، باب: ما جاء فيمن لا يجب عليه الحد، ح 1423، وابن ماجة، كتاب الطلاق، باب: طلاق المعتوه والصغير، ح 2042، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي 2/117، ح 1423.(10/209)
ولعل القول الأول أصح للحديث الصريح الصحيح السابق الذي يدل على أن العرش مخلوق قبل تقدير الله مقادير الخلق، أما قوله (: (أول ما خلق الله القلم فقال له اكتب) فإن معناه: عند أول خلقه قال له اكتب، ويدل عليه لفظ: (أول ما خلق الله القلم قال له اكتب) ، بنصب (أولَ) و (القلمَ) ، وحملت رواية الرفع (أولُ) و (القلمُ) على أن القلم أول المخلوقات من هذا العالم، فيتفق الحديثان؛ إذ حديث القول الأول يدل على أن العرش سابق على التقدير، وحديث القول الثاني يدل على أن التقدير مقارن لخلق القلم (1) .
وقد رجح القول الأول ابن تيمية، وذكر أنه مذهب ((كثير في السلف والخلف)) (2) .
هذا وقد رجح بعض أهل العلم أن القلم أول مخلوق، واستدل برواية: (إن أول شيء خلقه الله تعالى القلم، وأمره أن يكتب كل شيء يكون) (3) ، قال الألباني: ((وفيه رد على من يقول بأن العرش هو أول مخلوق، ولا نص في ذلك عن رسول الله (…، فالأخذ بهذا الحديث – وفي معناه أحاديث أخرى – أولى؛ لأنه نص في المسألة، ولا اجتهاد في مورد النص، كما هو معلوم، وتأويله بأن القلم مخلوق بعد العرش باطل؛ لأنه يصح مثل هذا التأويل لو كان هناك نص قاطع على أن العرش أول المخلوقات كلها، ومنها القلم، أما ومثل هذا النص مفقود، فلا يجوز هذا التأويل)) (4) .
والإيمان باللوح والقلم هو من الإيمان بالقضاء والقدر، ولهذا يذكرهما هل العلم ضمن الإيمان بالمرتبة الثانية من مراتب الإيمان بالقدر، وهي مرتبة الإيمان بكتابة المقادير، ويدخل في هذه المرتبة خمسة من التقادير هي:
__________
(1) انظر شرح العقيدة الطحاوية ص 345.
(2) انظر مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية 2/275 و 16/139، ومنهاج السنة النبوية 1/361، 362.
(3) رواه ابن أبي عاصم في السنة، ح 108، والبيهقي في السنن الكبرى 9/3، وذكره الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة 1/257 ح 133.
(4) سلسلة الأحاديث الصحيحة 1/258.(10/210)
الأول: التقدير الأزلي: وهو كتابة المقادير قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، عندما خلق الله القلم، قال تعالى: (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِير (، وقال الرسول (: (كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، قال: وكان عرشه على الماء) (1) ، وقال (: (أول ما خلق الله القلم، فقال له: أكتب، فقال: يا رب وماذا أكتب؟ فقال: أكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة) (2) .
الثاني: التقدير العمري، حين أخذ الميثاق، قال تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِين ((3) ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي (قال: (إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم (بنعمان - يعني عرفه - فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها، فنشرها بين يديه، ثم كلمهم قبلاً، قال (: (أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا (إلى قوله تعالى: (المبطلون ((4) .
__________
(1) سبق تخريجه.
(2) سبق تخريجه.
(3) سورة الأعراف، الآية 172.
(4) الحديث رواه الإمام أحمد 1/272، وابن أبي عاصم 202، وصححه الألباني في سلة الأحاديث الصحيحة ح 1623.(10/211)
الثالث: التقدير العمري أيضاً، عند تخليق النطفة في الرحم، قال تعالى: (هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلاَ تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذا أنتم أجنة في بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى ((1) وقوله (: (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك، فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات، يكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد …) (2) الحديث.
الرابع: التقدير الحولي، في ليلة القدر، قال تعالى: (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا) (3) .
الخامس: التقدير اليومي، قال تعالى: (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ () (4) (.
((وكل هذه التقادير كالتفصيل في القدر السابق، وهو الأزلي الذي أمر الله تعالى القلم عند خلقه أن يكتبه في اللوح المحفوظ، وبذلك فسر ابن عمر وابن عباس (قوله تعالى: (إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ () (5) ، وكل ذلك صادر عن علم الله الذي هو صفته تبارك وتعالى)) (6) .
المبحث التاسع
في قوله (: (تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة)
يعني أن العبد إذا اتقى الله وحفظ حدوده وراعى حقوقه في حال رخائه، فقد تعرف بذلك إلى الله، فعرفه ربه في الشدة، ورعى له تعرفه إليه في الرخاء، فنجاه من الشدائد بهذه المعرفة.
__________
(1) رواه أبو داود في كتاب السنة، باب في القدر، ح 4700، والترمذي في كتاب القدر، ح 2155، واحمد 5/317، وانظر: صحيح سنن الترمذي 2/450، ح2155.
(2) ورواه مسلم في كتاب القدر، باب احتجاج آدم وموسى عليهما السلام، ح2653.
(3) سورة الدخان، الآيتان 4، 5.
(4) سورة الرحمن، الآية 29.
(5) سورة الجاثية، الآية 29.
(6) أعلام السنة المنشورة ص 133.(10/212)
يذكر ابن رجب أن معرفة العبد لربه نوعان: ((أحدهما – المعرفة العامة، وهي معرفة الإقرار به والإيمان، وهذه عامة للمؤمنين.
والثاني - معرفة خاصة تقتضي ميل القلب إلى الله بالكلية، والانقطاع إليه)) .
كما يذكر ابن رجب أن معرفة الله لعبده نوعان، أيضاً، هما: الأول: معرفة عامة، وهي علمه تعالى بعباده واطلاعه عليهم، قال تعالى: (هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُم (وقال تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ (.
والثاني: معرفة خاصة، وهي تقتضي المحبة وإجابة الدعاء ونحو ذلك (1) .
ويقول ابن علان (ت 1057 هـ) : ((…، (تعرّف) بتشديد الراء: أي تحب (إلى الله في الرخاء) بالدأب في الطاعات، والإنفاق في وجوه القرب والمثوبات، حتى تكون متصفاً عنده بذلك، معروفاً به، (يعرفك في الشدة) بتفريجها عنك، وجعله لك من كل ضيق فرجاً، ومن كل هم مخرجاً، بواسطة ما سلف منك من ذلك التصرف)) (2) .
والمراد بقوله ((يعرفك في الشدة) : أي المعرفة الخاصة التي تقتضي النصر والتأييد والقرب، قال (فيما يرويه عن ربه (: (وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه) (3) .
فمتى تعرّف العبد إلى الله في الرخاء المعرفة التامة الخاصة، وذلك بحرصه على إكمال إخلاص عبادته، وخضوعه لله تعالى، واتباعه لرسوله (، عرفه الله في كل وقت، وبخاصة في وقت الشدائد والكرب، فينصره الله ويؤيده، ويسدده في سمعه وبصره، ويده ورجله، ويعطيه سؤاله، ويعيذه ويحفظه.
__________
(1) انظر جامع العلوم والحكم، ص 252.
(2) دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين، 1/232.
(3) سبق تخريجه.(10/213)
يقول (: (من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد والكرب؛ فليكثر الدعاء في الرخاء) (1) .
ويونس (إنما نجاه الله بسبب ذكره الله في الرخاء، قال تعالى: (وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140) فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ (141) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142) فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ((2) .
يقول الطبري: ((يقول تعالى ذكره: (فلولا أنه) يعني يونس كان من المصلين لله، قبل البلاء، الذي ابتلي به من العقوبة بالحبس في بطن الحوت، للبث في بطنه إلى يوم يبعثون ... ، ولكنه كان من الذاكرين الله قبل البلاء، فذكره الله في حال البلاء؛ فأنقذه ونجاه)) (3) ، وأشار إلى هذا القول ابن كثير بقوله: ((قيل لولا ما تقدم له من العمل في الرخاء)) تم نسبه إلى بعض أهل العلم. (4) واستدل عليه بحديث ابن عباس (5) ، وقيل معناه لولا أنه سبح الله في بطن الحوت، وقال ما قال من التهليل والتسبيح، والتوبة إلى الله (6) .
__________
(1) رواه الترمذي في كتاب الدعوات، باب رقم (9) ، ح 3379، والحاكم 1/544، وذكره الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة 2/140 ح 593.
(2) سورة الصافات، الآيات 139 – 147.
(3) جامع البيان في تفسير القرآن 23/64.
(4) انظر تفسير القرآن العظيم 4/22.
(5) انظر البداية والنهاية 1/219.
(6) انظر المصدر السابق، الصفحة نفسها.(10/214)
وفرعون كان طاغياً باغياً، فلما أدركه الغرق (قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِين ((1) فقال الله تعالى له: (آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ((2) ، أي أهذا الوقت تقول، وقد عصيت الله قبل هذا فيما بينك وبينه، وكنت من المفسدين في الأرض الذين أضلوا الناس، فهو سبحانه يبين أن هذا الإيمان في هذه الحالة غير نافع له (3) .
ومن اتقى الله في جميتع أحواله جعل الله له مخرجاً من المضائق والمحن، يقول الله تعالى: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِب ((4) أي من يتق الله يجعل له مخرجاً ونجاه من كل كرب في الدنيا والآخرة، ومن كل شيء ضاق على الناس، ويرزقه من جهة لا تخطر بباله، ولهذا يروى عن ابن مسعود (أنه قال عن هذه الآية بأنها أكبر آية في القرآن فرجاً (5) ، ((فكل من اتقى الله ولازم مرضاته في جميع أحواله، فإن الله يثبته في الدنيا والآخرة، ومن جملة ثوابه أن يجعل له فرجاً ومخرجاً من كل شدة ومشقة، …، ويسوق الله الرزق للمتقي من وجه لا يحتسبه ولا يشعر به)) (6) .
وإذا كان من يتقي الله يجعل له فرجاً ومخرجاً، فإن من لم يتق الله يقع في الآصار والأغلال والشدائد التي لا يقدر على التخلص منها، والخروج من تبعاتها (7) ، قال تعالى: (إِن يَنصُرْكُمُ اللهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ ((8) .
__________
(1) سورة يونس، الآية 90.
(2) سورة يونس، الآية 91.
(3) انظر تفسير القرآن العظيم 2/421.
(4) سورة الطلاق، الآيتان 2، 3.
(5) انظر دقائق التفسير 5/8-10، وتفسير القرآن العظيم 4/380.
(6) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ص 806.
(7) انظر المصدر السابق، الصفحة نفسها.
(8) سورة آل عمران، الآية 159.(10/215)
وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ ((1) .
وقوله سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (13) أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ((2) .
فمن عرف الله واستقام على شرعه تنزلت عليه الملائكة بأن لا يخاف ولا يحزن، ويبشرونه بالجنة، وذلك عند موته وفي قبره وحين يبعث، وقيل بأن هذا التنزّل عند الاحتضار، والصحيح بأنه في الأحوال الثلاثة المذكورة آنفاً؛ ولهذا قال ابن كثير بعد ذكره أن البشارة من الملائكة للعبد تكون عند الموت، وفي القبر، وحين البعث: ((وهذا القول يجمع الأقوال كلها، وهو حسن جداً، وهو الواقع)) (3) .
__________
(1) سورة فصلت، الآيات 30-32.
(2) سورة الأحقاف، الآيتان 13-14.
(3) انظر تفسير القرآن العظيم 4/101.(10/216)
وإذا علم من قوله (: (تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة) أن التعرف إلى الله في الرخاء يؤدي إلى معرفة الله لعبده في الشدة، وعلم بأن شدة الموت من أعظم الشدائد التي يلقاها العبد المؤمن، فالواجب المبادرة بالاستقامة والاستعداد للموت بالأعمال الصالحة وإخلاصها لله وحده لا شريك له، فهي السبيل إلى تنزل الملائكة على العبد المؤمن عند الاحتضار بألا يخاف ولا يحزن والبشارة له بالجنة؛ كل ذلك في وقت الشدائد والكرب عند الموت، وفي القبر، وحين البعث، فلا بد من الاستعداد لتلك الأهوال العظيمة؛ فإن المرء لا يدري متى يفاجئه الموت، ويقبل على تلك الشدائد.
يقول الطبري في تفسير الآيات السابقة في سورة فصلت: ((يقول تعالى ذكره: إن الذين قالوا ربنا الله وحده لا شريك له، وبرئوا من الآلهة والأنداد، ثم استقاموا على توحيد الله، ولم يخلطوا توحيد الله بشرك غيره به، وانتهوا إلى طاعته فيما أمر ونهى …، تتهبط عليهم الملائكة عند نزول الموت بهم …، قائلة: لا تخافوا ما تقدمون عليه من بعد مماتكم، ولا تحزنوا على ما تخلفونه وراءكم …، وقيل إن ذلك في الآخرة، وقوله: (وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (يقول: وسروا بأن لكم في الآخرة الجنة التي كنتم توعدونها في الدنيا على إيمانكم بالله واستقامتكم على طاعته)) (1)
__________
(1) جامع البيان في تفسير القرآن 24/73، 74.(10/217)
ويقول في تفسير آية الأحقاف: ((يقول تعالى ذكره: إن الذين قالوا ربنا الله الذي لا إله غيره ثم استقاموا على تصديقهم بذلك فلم يخلطوه بشرك، ولم يخالفوا الله في أمره ونهيه، فلا خوف عليهم من فزع يوم القيامة وأهواله، ولا هم يحزنون على ما خلفوا وراءهم بعد مماتهم، وقوله تعالى: (أولئك أصحاب الجنة (يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين قالوا هذا القول واستقاموا أهل الجنة وسكانها (خالدين فيها (يقول: ماكثين فيها أبداً، (جزاء بما كانوا يعملون (يقول: ثواباً منا لهم، آتيناهم ذلك على أعمالهم الصالحة، التي كانوا في الدنيا يعملونها)) (1) .
فلا بد من الاستقامة على شرع الله، والحرص على سلامة التوحيد مما قد يشوبه، في حال الصحة والرخاء، وفي جميع الأحوال، والاستعداد للقاء الله، فمن عرف الله في هذه الأحوال عرفه الله عند الشدائد فكان معه بتأييده وتوفيقه، يعينه ويتولاه، ويثبته على التوحيد، في الحياة وعند الممات، ومن نسي الله في حال صحته ورخائه، ولم يستعد للقائه نسيه الله، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ((2) .
__________
(1) المصدر السابق 26/11.
(2) سورة الحشر، الآيتان 18 و 19.(10/218)
ويجب التعرف إلى الله في رخاء العيش، وتكاثر الأموال، وذلك بأن تكون مصادرها حلالاً، بعيدة عن الربا، ونحوه، وأن تؤتى زكاتها، وينفق على أوجه الخير منها، ويحذر من الطغيان والإنفاق على المحرمات والمنهيات، فمن تعرف إلى الله في أمواله، وتصرف فيها وفق الشرع الحكيم عرفه الله في الشدة، وذلك بأن يسهل له أبواب الرزق، ويسدده لاستعماله على الوجه المطلوب شرعاً، ويلهمه شكره وحمد الله تعالى عليه، قال تعالى: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِب ((1) ، وقال سبحانه: (وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا ((2) ، وقال عن أهل الكتاب: (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم ((3) ، أي لو أنهم عملوا بما في الكتب التي بأيديهم عن الأنبياء على ما هي عليه، من غير تحريف ولا تبديل، ولا تغيير، لقادهم ذلك إلى اتباع الحق، والعمل بمقتضى ما بعث الله به محمداً (؛ فإن كتبهم ناطقة بتصديقه، والأمر باتباعه، حتماً لا محالة، ومن ثم (لأكلوا …) يعني بذلك كثرة الرزق النازل عليهم من السماء، والنابت لهم من الأرض (4) .
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أقبل علينا رسول الله (فقال: (يا معشر المهاجرين، خمس إذا ابتليتم بهن، وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط، حتى يعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا.
ولم ينقصوا المكيال والميزان، إلا أخذوا بالسنين، وشدة المؤونة، وجور السلطان عليهم.
__________
(1) سورة الطلاق، الآيتان 2 و3.
(2) سورة الجن، الآية 16.
(3) سورة المائدة، الآية 66.
(4) انظر: تفسير القرآن العظيم 2/72.(10/219)
ولم يمنعوا زكاة أموالهم، إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا.
ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله، إلا سلّط الله عليهم عدواً من غيرهم، فأخذوا بعض ما في أيديهم.
وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله، ويتخيروا مما أنزل الله، إلا جعل الله بأسهم بينهم) (1)
وفي رواية: (ما نقض قوم العهد قط إلا كان القتل بينهم، وما ظهرت فاحشة في قوم قط إلا سلط الله (عليهم الموت، ولا منع قوم الزكاة، إلا حبس الله عنهم القطر) (2) .
فمن عمل لله بالطاعة في جميع أوقاته، ولا سيما في الرخاء، عرفه الله في الشّدة ووجده تجاهه ينصره ويؤيده ويفرج عنه، كما جرى للثلاثة الذين أصابهم المطر فأووا إلى غار فانحدرت صخرة فانطبقت عليهم، فقالوا: انظروا ما عملتم من الأعمال الصالحة، فاسألوا الله تعالى بها، فإنه ينجيكم، فذكر كل واحد منهم سابقة سبقت له مع ربه في الرخاء، فانحدرت عنهم الصخرة، فخرجوا يمشون (3) .
المبحث العاشر
في قوله (: (واعلم أن النصر مع الصبر)
__________
(1) رواه ابن ماجة، كتاب الفتن، باب العقوبات، ح 4019، والحاكم 4/540، وصحح الألباني، انظر: صحيح ابن ماجة 2/370، ح 3246، وسلسلة الأحاديث الصحيحة 1/216، 217، ح 106.
(2) رواه الحاكم 2/126، والبيهقي 3/346، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة 1/219، ح 107.
(3) انظر: نص الحديث في صحيح البخاري، كتاب البيوع، باب إذا اشترى شيء بغير إذنه فرضي، ح 2215، وفي صحيح مسلم، كتاب الذكر، باب قصة أصحاب الغار الثلاثة، ح 2743.(10/220)
يجب على كل مسلم أن يعلم علم اليقين أن النصر مع الصبر، فإذا صبر وفعل ما أمره الله به من وسائل النصر؛ فإن الله تعالى ينصره؛ لأن العدو يصيب الإنسان من كل جهة فقد يشعر الإنسان أنه لن يطيق عدوه فيستحسر ويدع الجهاد، وقد يشرع في الجهاد، فإذا أصابه الأذى استحسر، وتوقف، وقد يستمر، فيصيبه الألم من عدوه، فيكون عرضة لليأس والخذلان، فهذه الأمور كلها يجب الصبر عليها، والحذر من اليأس وأسبابه، وليعلم المسلم أن الصبر من أعظم أسباب النصر (1) ، قال تعالى: (وَلاَتَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (139) إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ((2) .
__________
(1) انظر: شرح رياض الصالحين 2/455.
(2) سورة آل عمران، الآيتان 139، 140.(10/221)
في هاتين الآيتين يخاطب الله تعالى عباده المؤمنين لما أصيبوا يوم أحد، وقتل منهم سبعون، مسلياً لهم قائلاً: (ولا تهنوا (أي لا تضعفوا بسبب ما جرى (ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين (أي العاقبة والنصر لكم أيها المؤمنون، (إن يمسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله (أي إن كنتم قد أصابتكم جراح، وقتل منكم طائفة فقد أصاب أعداءكم قريب من ذلك من قتل وجراح، ثم قال تعالى: (وتلك الأيام نداولها بين الناس (أي نديل عليكم الأعداء تارة، وإن كانت لكم العاقبة لما لنا في ذلك من الحكمة؛ ولهذا قال تعالى: (وليعلم الله الذين آمنوا (أي لنرى من يصبر على مناجزة الأعداء، (ويتخذ منكم شهداء (يعني يقتلون في سبيله، ويبذلون مهجهم في مرضاته، ثم قال تعالى: (وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين ((1) ، أي يكفر عنهم ذنوبهم، إن كانت لهم ذنوب، وإلا رفع لهم في درجاتهم بحسب ما أصيبوا به، أما الكافرون فإنهم إذا ظفروا وبغوا وبطروا فيكون ذلك سبب دمارهم وهلاكهم ومحقهم وفنائهم. (2)
ومن كلام السعدي في تفسير هذه الآيات قوله: ((يقول تعالى مشجعاً لعباده المؤمنين، ومقوياً لعزائمهم، ومنهضاً لهممهم، (ولا تهنوا ولا تحزنوا (أي: ولا تهنوا أو تضعفوا في أبدانكم، ولا تحزنوا في قلوبكم عندما أصابتكم المصيبة، وابتليتم بهذه البلوى؛ فإن الحزن في القلوب، والوهن على الأبدان، زيادة مصيبة عليكم، وأعون لعدوكم عليكم، بل شجعوا قلوبكم، وصبروها، وادفعوا عنها الحزن، وتصلبوا على قتال عدوكم، وذكر تعالى أنه لا يليق بهم الوهن والحزن، وهم الأعلون في الإيمان، ورجاء نصر الله وثوابه، فالمؤمن المبتغي ما وعد الله من الثواب الدنيوي والأخروي لا ينبغي له ذلك …)) (3)
__________
(1) سورة آل عمران، الآية 141.
(2) انظر: تفسير القرآن العظيم 1/385، 386.
(3) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ص 117.(10/222)
وقال تعالى: (وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ((1)
أي لا تضعفوا في طلب عدوكم، بل جدّوا فيهم، وقاتلوهم، واقعدوا لهم كل مرصد، فكما يصيبكم الجراح والقتل، كذلك يحصل لهم، وأنتم وإياهم سواء فيما يصيبكم وإياهم من الجراح والآلام، ولكن أنتم ترجون من الله المثوبة والنصر والتأييد كما وعدكم إياه في كتابه وعلى لسان رسوله (، وهم لا يرجون شيئاً من ذلك، فأنتم أولى بالجهاد منهم، وأشد رغبة فيه، وفي إقامة كلمة الله وإعلانها، وهو (أعلم وأحكم فيما يقدره ويقضيه، وينفذه ويمضيه في أحكامه الكونية والشرعية، فإذا صبر الإنسان وصابر ورابط؛ فإن الله سبحانه ينصره (2) .
فهذه النصائح والتوجيهات توجب للمؤمن المصدق زيادة القوة، وتضاعف النشاط، والشجاعة التامة؛ لأن من يقاتل ويصبر على نيل عزّه الدنيوي، إن ناله، ليس كمن يقاتل ويصبر لنيل السعادة الدنيوية والأخروية، والفوز برضوان الله وجنته (3) .
__________
(1) سورة النساء، الآية 104.
(2) انظر: تفسير القرآن العظيم 1/521.
(3) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ص 163.(10/223)
وفي قوله (: (واعلم أن النصر مع الصبر) تنبيه على أن الناس في هذه الدار معرضون للمحن والمصائب وطروق المنغصات والمتاعب، لا سيما الصالحون منهم، فينبغي للمسلم أن يصبر ويحتسب، ويرضى بالقضاء والقدر، وينتظر وعد الله تعالى له بأن عليه صلوات من ربه ورحمة وبأنه المهتدى، قال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُون ((1) ، فالنصر من الله تعالى للعبد على جميع أعداء دينه ودنياه إنما يوجد (مع الصبر) على طاعته، وعن معصيته، فهو سبب للنصر، ولهذا فإن الغالب على من انتصر لنفسه عدم النصر والظفر، وعلى من صبر ورضي بقضاء الله تعالى وحكمه تعجيلهما له كما هو المعهود من مزيد كرمه وإحسانه (2) .
ولهذا يقول الله تعالى: (وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرين ((3) ؛ لأنه سبب لنصرهم على أعدائهم وأنفسهم وإعلاء لدرجاتهم، وقال تعالى: (كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِين ((4) .
__________
(1) سورة البقرة، الآيات 155 - 157.
(2) انظر: شرح الأربعين حديثاً النووية، ص 55، 56، وفتح المبين لشرح الأربعين، ص 177.
(3) سورة النحل، الآية 126.
(4) سورة البقرة، الآية 249.(10/224)
يقول السعدي في تفسير قوله تعالى: (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع …. (الآيات: ((أخبر تعالى أنه لا بد أن يبتلي عباده بالمحن؛ ليتبين الصادق من الكاذب، والجازع من الصابر، وهذه سنته تعالى في عباده؛ لأن السراء لو استمرت لأهل الإيمان، ولم يحصل معها محنة، لحصل الاختلاط الذي هو فساد، وحكمة الله تقتضي تمييز أهل الخير من أهل الشر، هذه فائدة المحن …، فهذه الأمور لا بد أن تقع، لأن العليم الخبير أخبر بها فوقعت كما أخبر، فإذا وقعت انقسم الناس قسمين: جازعين وصابرين، فالجازع حصلت له المصيبتان، فوات المحبوب، وهو وجود هذه المصيبة، وفوات ما هو أعظم منها، وهو الأجر بامتثال أمر الله بالصبر، ففاز بالخسارة والحرمان، ونقص ما معه من الإيمان، وفاته الصبر والرضا والشكران، وحصل له السخط الدال على شدة النقصان.
وأما من وفقه الله للصبر عند وجود هذه المصائب، فحبس نفسه عن التسخط قولاً وفعلاً، واحتسب أجرها عند الله، وعلم أن ما يدركه من الأجر بصبره أعظم من المصيبة التي حصلت له، بل المصيبة تكون نعمة في حقه؛ لأنها صارت طريقاً لحصول ما هو خير له وأنفع منها؛ فقد امتثل أمر الله، وفاز بالثواب؛ فلهذا قال تعالى: (وبشر الصابرين … (أي: بشّرهم بأنهم يوفون أجرهم بغير حساب، فالصابرون هم الذين فازوا بالبشارة العظيمة، والمنحة الجسيمة …، فكون العبد لله، وراجعاً إليه، من أقوى أسباب النصر…..
ودلّت هذه الآية على أن من لم يصبر فله ضد ما لهم، فحصل له الذم من الله، والعقوبة والضلال والخسارة، فما أعظم الفرق بين الفريقين …، فقد اشتملت هاتان الآيتان على توطين النفوس على المصائب قبل وقوعها؛ لتخف وتسهل إذا وقعت، وبيان ما تقابل به إذا وقعت، وهو الصبر، وبيان ما يعين على الصبر، وما للصابرين من الأجر، ويعلم حال غير الصابر بضد حال الصابر…)) (1) .
__________
(1) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ص 58، 59.(10/225)
ويقول (: (عجباً لأمر المؤمن. إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له) (1) .
وقال (: (إن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن صبر فله الصبر، ومن جزع فله الجزع) (2) ، يدل هذا الحديث على أن صاحب البلاء يكون محبوباً عند الله تعالى إذا صبر على البلاء ورضي بقضاء الله (.
__________
(1) رواه مسلم، كتاب الزهد والرقائق، باب المؤمن أمره كله خير، ح 2999.
(2) رواه الترمذي، كتاب الزهد، باب ما جاء في الصبر على البلاء، ح 2396، وابن ماجه، كتاب الفتن، باب الصبر على البلاء، ح 4031، وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة 1/276، ح 146، وصحيح الجامع الصغير 1/351، ح 1706.(10/226)
ومن الأدلة التي تؤكد أن النصر مع الصبر كثرة الآيات والأحاديث التي تأمر بالصبر عند لقاء العدو، منها: قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُون ((1) ، وقوله: (فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ((2) ، وقوله تعالى في قصة طالوت: (فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِين ((3) ، وقوله: (بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ ((4) ، وقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون ((5) .
وقوله (: (لا تمنّوا لقاء العدو، فإذا لقيتموهم فاصبروا) (6) .
__________
(1) سورة الأنفال، الآية 45.
(2) سورة الأنفال، الآية 66.
(3) سورة البقرة، الآية 249.
(4) سورة آل عمران، الآية 125.
(5) سورة آل عمران، الآية 200.
(6) رواه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب لا تمنوا لقاء العدو، ح 3026.(10/227)
والمسلم في هذه الحياة معرض لفتن كثيرة، ومعارك متنوعة، وابتلاءات في الأموال والأنفس، وأذى من المشركين والمخالفين، وأعظم أسباب الانتصار على كل هذا العقيدة السليمة، والعمل الصالح، والصبر والاحتساب، قال تعالى: (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُور ((1) .
__________
(1) سورة آل عمران، الآية 186.(10/228)
وإذا عظمت المحنة كان الصبر للمؤمن الصالح ((سبباً لعلو الدرجة، وعظيم الأجر، كما سئل النبي (أي الناس أشد بلاء؟ قال: (الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه؛ فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه، وإن كان في دينه رقة خفف عنه، وما يزال البلاء بالمؤمن حتى يمشي على الأرض وليس عليه خطيئة) (1) ، وحينئذ يحتاج من الصبر إلى ما لا يحتاج إليه غيره، وذلك هو سبب الإمامة في الدين كما قال تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ((2) ، فلابد من الصبر على فعل الحسن المأمور، وترك السيئ المحظور، ويدخل في ذلك الصبر على الأذى، وعلى ما يُقال، والصبر على ما يصيبه من المكاره، والصبر عن البطر عند النعم، وغير ذلك من أنواع الصبر، ولا يمكن العبد أن يصبر إن لم يكن له ما يطمئن له، ويتنعم به، وهو اليقين،..؛ فالحاجة إلى السماحة والصبر عامة لجميع بني آدم، لا تقوم مصلحة دينهم ولا دنياهم إلا بهما)) (3) . فالذي يستقيم على شرع الله ويحفظ حدوده، ويصبر على العبادة، وعلى ما يصيبه من الابتلاءات، ويرضى بقضاء الله وقدره، يتولاه الله، ويوصل إليه مصالحه، وييسر له منافعه الدينية والدنيوية، وينصره على عدوه، ويدفع عنه كيد الفجار وتكالب الأشرار، قال تعالى: (فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ مَوْلاَكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ((4) ، ومن كان الله مولاه وناصره فلا خوف عليه، ومن كان الله عليه فلا عزّ له، ولا قائمة تقوم له
__________
(1) رواه الترمذي، كتاب الزهد، باب ما جاء في الصبر على البلاء، ح 2398، وقال الترمذي: " هذا حديث حسن صحيح"، ورواه ابن ماجة، كتاب الفتن، باب الصبر على البلاء، ح 3249، وانظر صحيح سنن ابن ماجة 2/371، ح 4023.
(2) سورة السجدة، الآية 24.
(3) انظر: الاستقامة 2/260 - 263.
(4) سورة الأنفال، الآية 40.(10/229)
(1) .
فالصبر أمر واجب لا بد منه؛ فإن الله تعالى أمر بالصبر ووعد عليه الأجر العظيم، قال تعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَاب ((2) ، وقال سبحانه: (وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34) الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ ((3) ، وقال: (وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ((4) ، وقال: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ((5) .
ويقول الرسول (: (من يتصبّر يصبّره الله، وما أعطى أحد عطاءً خيراً ولا أوسع من الصبر) (6) .
ولهذا قال عمر بن الخطاب: ((وجدنا خير عيشنا الصبر)) (7) .
كما يجب أن يكون الصبر عند الصدمة الأولى للمصيبة أو الحادثة، قال (: (إنما الصبر عند الصدقة الأولى) (8) .
__________
(1) انظر تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ص 282.
(2) سورة الزمر، الآية 10.
(3) سورة الحج، الآيتان 34، 35.
(4) سورة البقرة، الآية 177.
(5) سورة محمد، الآية 31.
(6) رواه البخاري، كتاب الزكاة، باب الاستعطاف في المسألة، ح 1469، وفي الرقاق، باب الصبر عن محارم الله، ح6470.
(7) رواه البخاري تعليقاً مجزوماً به في كتاب الرقاق، باب الصبر عن محارم الله، وقال ابن حجر: "وقد وصله أحمد في كتاب الزهد بسند صحيح عن مجاهد قال: قال عمر"، انظر فتح الباري 11/303، وكتاب الزهد ص 117.
(8) رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب زيارة القبور، ح 1283.(10/230)
قال ابن حجر: ((والمعنى إذا وقع الثبات أول شيء يهجم على القلب من مقتضيات الجزع فذلك هو الصبر الكامل، الذي يترتب عليه الأجر)) (1) ، ثم نقل قول الخطابي (ت388هـ) : ((المعنى أن الصبر الذي يحمد عليه صاحبه ما كان عند مفاجأة المصيبة، بخلاف ما بعد ذلك فإنه على الأيام يسلو)) (2) .
فالصبر واجب في كل الأحوال، فيجب الصبر على العبادة وإقامة شرع الله تعالى، ويجب الصبر وحبس النفس عن المحرمات والمنهيات، ويجب الصبر عند وقوع المصائب والابتلاءات، وفي ميادين القتال ومنازلة الكفار.
أما بالنسبة إلى الرضا بالقضاء، فيختلف حكمه باختلاف الأمور السابقة؛ فإن الرضا بالواجبات الشرعية واجب من حيث إنه قدر الله وقضاؤه، ومن حيث المقضي إذ الرضا بالواجبات الشرعية والعمل بهما واجب، أما بالنسبة للمعاصي والمحرمات فمن حيث القضاء الذي هو فعل الله فيجب الرضا وأن الله تعالى حكيم ولولا حكمته اقتضت وجودها ما وقعت، وأما من حيث المقضي وهو معصية الله والوقوع في المحرمات فيجب عدم الرضا بها والسعي لإزالتها، أما المصائب والابتلاءات فيجب الرضا بها من حيث إنها قضاء الله وفعله، أما الرضا من حيث وقوعها على العبد فإنه مستحب عند جمهور أهل العلم (3) .
وأما الفرق بين الصبر والرضا؛ فإن الصبر كف النفس وحبسها عن التسخط مع وجود الألم، والرضا يوجب انشراح الصدر وسعته، وإن وجد الإحساس بأصل الألم، لكن الرضا يخفف الإحساس بالألم (4) .
__________
(1) فتح الباري شرح صحيح البخاري 3/149، 150.
(2) انظر المصدر السابق ص 150.
(3) انظر فتاوى الشيخ محمد الصالح العثيمين 1/ 61.
(4) انظر المصدر السابق، ونور الاقتباس ص55.(10/231)
يقول ابن القيم: ((وأما حديث (الرضا بالقضاء) فيقال: أولاً: بأي كتاب: أم بأي سنة، أم بأي معقول علمتم وجوب الرضا بكل ما يقضيه ويقدره؟ بل بجواز ذلك، فضلاً عن وجوبه؟ هذا كتاب الله وسنة رسوله (، وأدلة العقول ليس في شيء منها الأمر بذلك، ولا إباحته، بل من المقضي ما يرضى به، ومنه ما يسخطه ويمقته، فلا نرضى بكل قضاء..، ويقال: ثانياً: هاهنا أمران (قضاء) وهو فعل قائم بذات الرب تعالى؛ و (مقضي) وهو المفعول المنفصل عنه، فالقضاء خير كله، وعدل وحكمة، فيرضى به كله، والمقضي قسمان، منه ما يرضى به، ومنه ما لا يرضى به …، ويقال: ثالثاً: القضاء له وجهان: أحدهما: تعلقه بالرب تعالى، ونسبته إليه، فمن هذا الوجه يرضى به كله، الوجه الثاني: تعلقه بالعبد، ونسبته إليه، فمن هذا الوجه ينقسم إلى ما يرضى به، وإلى ما لا يرضى به)) (1)
__________
(1) مدارج السالكين بين منازل (إياك نعبد وإياك نستعين) 1/256.(10/232)
وفي موضع آخر ذكر ابن القيم أن الناس تنازعوا في الرضا بالقضاء ((هل هو واجب أو مستحب؟ على قولين، وهما وجهان لأصحاب أحمد، فمنهم من أوجبه واحتج على وجوبه بأنه من لوازم الرضا بالله رباً، وذلك واجب …، ومنهم من قال هو مستحب غير واجب؛ فإن الإيجاب يستلزم دليلاً شرعياً، ولا دليل يدل على الوجوب، وهذا القول أرجح؛ فإن الرضا من مقامات الإحسان، التي هي من أعلى المندوبات)) (1) ، ولعل مراده هنا الرضا بالمصائب من حيث وقوعها على العبد، بدليل قوله بعد ذلك: ((الحكم والقضاء نوعان: ديني وكوني، فالديني يجب الرضا به، وهو من لوازم الإسلام، والكوني منه ما يجب الرضا به كالنعم، التي يجب شكرها، ومن تمام شكرها: الرضا بها، ومنه ما لا يجوز الرضا به كالمعايب والذنوب التي يسخطها الله، وإن كانت بقضائه وقدره، ومنه ما يستحب الرضا به كالمصائب، وفي وجوبه قولان، هذا كله في الرضاء بالقضاء الذي هو المقضي، وأما القضاء الذي هو وصفه سبحانه وفعله، كعلمه وكتابته وتقديره ومشيئته فالرضا به من تمام الرضا بالله رباً وإلهاً ومالكاً ومدبراً)) (2)
المبحث الحادي عشر
في قوله (: (واعلم أن الفرج مع الكرب)
كلما اشتدت الأمور واكتربت وضاقت؛ فإن الفرج بإذن الله تعالى قريب؛ يدل على ذلك قوله تعالى: (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ ((3) . ((فكلما اشتدت الأمور فانتظر الفرج من الله ()) (4) .
__________
(1) انظر شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل، ص 278.
(2) المصدر السابق، الصفحة نفسها.
(3) سورة النمل،آية 62.
(4) انظر شرح رياض الصالحين 2/456.(10/233)
يقول السعدي في تفسير هذه الآية: ((أي: هل يجيب المضطرب، الذي أقلقته الكروب، وتعسر عليه المطلوب، واضطر للخلاص مما هو فيه إلا الله وحده؟، ومن يكشف السوء، أي: البلاء، والشر، والنقمة إلا الله وحده؟، ومن يجعلكم خلفاء الأرض، يمكنكم منها، ويمد لكم بالرزق، ويوصل إليكم نعمه، وتكونون خلفاء من قبلكم، كما أنه سيميتكم ويأتي بقوم بعدكم، أإله مع الله، يفعل هذه الأفعال؟
لاأحد يفعل مع الله شيئاً من ذلك، حتى بإقراركم أيها المشركون؛ ولهذا كانوا إذا مسهم الضر، دعوا الله مخلصين له الدين، لعلمهم أنه وحده المقتدر على دفعه وإزالته، (قليلاَ ما تذكرون (أي: قليل تذكركم وتدبركم للأمور التي إذا تذكرتموها ادكرتم، ورجعتم إلى الهدى، ولكن الغفلة والإعراض شامل لكم، فلذلك ما ارعويتم ولا اهتديتم) (1) .
والكرب إذا اشتد وأيس العبد من جميع المخلوقين، وتعلق قلبه بالله وحده، وهذا هو حقيقة التوكل على الله، وهو من أعظم ما تطلب به الحوائج، ومن توكل على ربه كفاه (2) ، (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُه ((3) .
فالفرج يحصل سريعاً مع الكرب، فلا دوام للكرب، وحينئذ فيحسن لمن نزل به كرب أن يكون صابراً محتسباً، راجياً سرعة الفرج مما نزل به، حسن الظن بمولاه، في جميع أموره، فالله (أرحم به من كل راحم، حتى أمه وأبيه؛ إذ هو (أرحم الراحمين.
__________
(1) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ص 557.
(2) انظر فتح المبين لشرح الأربعين ص 178،وبهجة الناظرين ص 136.
(3) سورة الطلاق،الآية 3.(10/234)
ويشهد لهذا المعنى قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ ((1) ، وقوله تعالى: (اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاء كَيْفَ يَشَاء وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (48) وَإِن كَانُوا مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِم مِّن قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ ((2) ، فهؤلاء القوم الذين أصابهم هذا المطر كانوا قانطين من نزوله إليهم قبل ذلك، فلما جاءهم جاءهم على كرب وشدة وفاقة فوقع منهم موقعاً عظيماً، فكان فرجاً وتيسيراً.
وقد قصّ الله تعالى في كتابه قصصاً كثيرة تتضمن وقوع الفرج بعد الكرب والشدة، كقصة نجاة نوح عليه الصلاة والسلام، ومن معه، في الفلك من الكرب العظيم، مع إغراق سائر أهل الأرض، وقصة نجاة إبراهيم عليه الصلاة والسلام من النار التي ألقاه المشركون فيها، وأنه سبحانه جعلها عليه برداً وسلاماً، وقصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام مع ولده الذي أمر بذبحه، ثم فداه الله بذبح عظيم، وقصة موسى عليه الصلاة والسلام مع أمه لما ألقته في اليم حتى التقطه آل فرعون، وقصته مع فرعون لما نجى الله موسى في البحر وأغرق عدوه، وقصص أيوب ويونس ويعقوب ويوسف عليهم الصلاة والسلام، وقصص محمد (في نصره على أعدائه ونجاته منهم في عدة مواطن، مثل قصته في الغار، ويوم بدر، ويوم أحد، ويوم حنين، وكذا قصة عائشة في حديث الإفك، والبراءة منه، وقصة الثلاثة الذين خلفوا، وغير ذلك من قصص القرآن الكريم وأخباره (3) .
__________
(1) سورة الشورى، الآية 28.
(2) سورة الروم، الآيتان 48-49.
(3) انظر نور الاقتباس ص 65، وجامع العلوم والحكم ص 491.(10/235)
وفي السنّة أخبار كثيرة من تفريج الكرب عند اشتدادها، كقصة الثلاثة الذين دخلوا الغار فانطبقت عليهم الصخرة، فدعوا الله بأعمالهم الصالحة ففرج عنهم (1) ، وقصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام وسارة مع الجبار الذي طلبها من إبراهيم عليه الصلاة والسلام فرد الله كيد الظالم (2) ، وعندما اشتكى رجل إلى النبي (، وهو قائم يخطب يوم الجمعة، احتباس المطر وجهد الناس، فرفع رسول الله (يديه فاستسقى لهم، فنشأ السحاب ومطروا إلى الجمعة الأخرى، حتى قاموا إليه (وطلبوا منه أن يستصحي لهم، ففعل فأقلعت السماء (3) ، إلى غير ذلك من القصص والأخبار الثابتة.
والعبد معرض للمصائب والفتن، فقد تشتد عليه الأمور، وتضيق عليه الدنيا، ويتمكن منه الهم والحزن؛ فإذا صبر واحتسب، ولم ييأس من نصر الله وفرجه، والتجأ إلى مولاه بالدعاء والتضرع، في جميع أحواله، جاءه النصر والتأييد والفرج.
يروى عن الشافعي (ت 204هـ) قوله:
صبراً جميلاً ما أقرب الفرجا من راقب الله في الأمور نجا
من صدق الله لم ينله أذى ومن رجاه يكون حيث رجا (4)
المبحث الثاني عشر
في قوله (: (وإن مع العسر يسراً)
أي أن كل عسر بعده يسر، بل إن العسر محفوف بيسرين، يُسر سابق ويسر لاحق، قال تعالى: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ((5)
__________
(1) سبق تخريج حديث هذه القصة.
(2) انظر القصة بتمامها في صحيح البخاري، كتاب البيوع، باب شراء المملوك من الحربي وهبته وعتقه، ح 2217.
(3) رواه البخاري، كتاب الجمعة، باب رفع اليدين في الخطبة، ح 932.
(4) انظر مناقب الشافعي 2/362.
(5) سورة الشرح، الآيتان 4-5.(10/236)
يقول السعدي: ((وقوله: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (: بشارة عظيمة أنه كلما وجد عسر وصعوبة؛ فإن اليسر يقاربه ويصاحبه … وتعريف (العسر) في الآيتين يدل على أنه واحد، وتنكير (اليسر) يدل على تكراره، فلن يغلب عسر يسرين.
وفي تعريفه بالألف واللام، الدال على الاستغراق والعموم دلالة على أن كل عسر، وإن بلغ من الصعوبة ما بلغ، فإنه في آخره اليسر ملازم له)) (1) .
ويدل على ذلك أيضاً قوله تعالى: (سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ((2) ، ففي هذه الآية بشارة للمعسرين بأن الله تعالى سيزيل عنهم الشدة، ويرفع عنهم المشقة (3) .
والكرب والعسر والشدة أمور تصقل العبد وتصفيه من الشوائب؛ إذ تزيد من تعلقه بربه والالتجاء إليه بإخلاص وحسن اتباع، فتطهره من ذنوبه إذا صبر واحتسب، وأخلص وتابع، والعسر لا يدوم بالعبد بل معه اليسر والفرج.
وقد استدل ابن كثير (4) على هذه المسألة، بحديث عن رسول الله (، جاء في إحدى رواياته، عن أبي هريرة (قال: أصاب رجلاً حاجةٌ، فخرج إلى البرية، فقالت امرأته: اللهم ارزقنا ما نعتجن، وما نختبز، فجاء الرجل والجفنة ملأى عجيناً، وفي التنور حبوب الشواء، والرحى تطحن، فقال: من أين هذا؟ قالت: من رزق الله، فكنس ما حول الرحى، فقال رسول الله (: (لو تركها لدارت أو طحنت إلى يوم القيامة) (5) .
__________
(1) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ص 859، وانظر تفسير القرآن العظيم 4/527.
(2) سورة الطلاق، الآية 7.
(3) انظر تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ص 808.
(4) انظر تفسير القرآن العظيم 4/384.
(5) أخرجه الطبراني في الأوسط 2/41، والبيهقي في الدلائل 6/105، والبزار في مسنده 4/267، وأحمد في مسنده 2/513، 421 برواية أخرى، وانظر مجمع الزوائد 10/207، وذكره الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة 6/1051،1052، ح 2937.(10/237)
ويدل على أن العسر إذا اشتد بالعبد؛ فإن بعده اليسر بإذن الله تعالى، قوله سبحانه: (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا ((1) . وقوله: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيب ((2) ، فهنا يذكر الله تعالى أن نصره ينزل على رسله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين عند ضيق الحال وانتظار الفرج من الله، في أحرج الأوقات، وكما تكون الشدة ينزل من النصر مثلها (3) .
__________
(1) سورة يوسف، الآية 110.
(2) سورة البقرة، الآية 214.
(3) انظر تفسير القرآن العظيم 1/239، 2/478، ودقائق التفسير 3/301، 303.(10/238)
يقول السعدي عند تفسير الآية السابقة من سورة البقرة: ((يخبر تبارك وتعالى أنه لا بد أن يمتحن عباده بالسراء والضراء والمشقة، كما فعل بمن قبلهم، فهي سنته الجارية، التي لا تتغير ولا تتبدل، أن من قام بدينه وشرعه لا بد أن يبتليه؛ فإن صبر على أمر الله، ولم يبال بالمكاره الواقعة في سبيله، فهو الصادق الذي قد نال من السعادة كمالها، ومن السيادة آلتها، ومن جعل فتنة الناس كعذاب الله؛ بأن صدته المكاره عما هو بصدده، وثنته المحن عن مقصده، فهو الكاذب في دعوى الإيمان؛ فإنه ليس الإيمان بالتحلي والتمني، ومجرد الدعاوى، حتى تصدقه الأعمال أو تكذبه، فقد جرى على الأمم الأقدمين ما ذكر الله عنهم (مستهم البأساء والضراء (أي الفقر والأمراض في أبدانهم، (وزلزلوا (بأنواع المخاوف من التهديد بالقتل والنفي، وأخذ الأموال، وقتل الأحبة، وأنواع المضار، حتى وصلت بهم الحال، وآل بهم الزلزال إلى أن استبطؤوا نصر الله مع يقينهم به، ولكن لشدة الأمر وضيقه (يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله (، فلما كان الفرج عند الشدة، وكلما ضاق الأمر اتسع، قال تعالى: (ألا إن نصر الله قريب (فهكذا كل من قام بالحق فإنه يمتحن، فكلما اشتدت عليه وصعبت – إذا صابر وثابر على ما هو عليه – انقلبت المحنة في حقه منحة، والمشاق راحات، وأعقبه ذلك الانتصار على الأعداء، وشفاء ما في قلبه من الداء)) (1) .
وأخبر (عن يعقوب عليه الصلاة والسلام أنه لم ييأس من لقاء يوسف عليه الصلاة والسلام وأخيه، وقال: (عَسَى اللهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا ((2) ، وقال لبنيه: (يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُون ((3) .
__________
(1) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ص79.
(2) سورة يوسف، الآية 83.
(3) سورة يوسف، الآية 87.(10/239)
فمن فوائد هذه القصة ((أن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً؛ فإنه لما طال الحزن على يعقوب، واشتد به إلى أنهى ما يكون، ثم حصل الاضطرار لآل يعقوب، ومسهم الضر، أذن الله حينئذ بالفرج، وحصل التلاقي في أشد الأوقات إليه حاجة واضطراراً، فتم بذلك الأجر، وحصل السرور، وعلم من ذلك أن الله يبتلي أولياءه بالشدة والرخاء والعسر واليسر، ليمتحن صبرهم وشكرهم، ويزداد بذلك إيمانهم ويقينهم وعرفانهم)) (1) .
وقد ذكر بعض أهل العلم أموراً عدّوها من حكم اقتران الفرج باشتداد الكرب، واقتران اليسر بالعسر، فمن ذلك:
1-أن الكرب إذا اشتد وعظم وتناهى وجد الإياس من كشفه من جهة المخلوقين، ووقع التعلق بالله وحده، (، فحينئذ يستجيب الله له ويكشف عنه ما به، فإن التوكل هو قطع الاستشراف باليأس من المخلوقين، والاعتماد على الله وحده لا شريك له، والتوكل على الله من أعظم الأسباب التي تطلب بها الحوائج؛ فإن الله يكفي من توكل عليه، كما قال تعالى: (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ (.
2-أن العبد إذا وقع في عسر، واشتد عليه الكرب؛ فإنه يحتاج إلى مجاهدة نفسه، والشيطان، لأن الشيطان قد يأتيه فيقنطه، فيحتاج العبد إلى مجاهدته ودفعه، فيكون ثواب ذلك دفع البلاء عنه، وتيسير أمره، وتفريج كربته، ولهذا جاء في الحديث: (يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، فيقول: قد دعوت فلم يستجب لي، فيدَعُ الدعاء) (2) .
3-أن العبد إذا استبطأ الفرج، ولا سيما بعد الدعاء والتضرع، رجع باللائمة إلى نفسه، وبحث عن تقصيره، فأصلح خطأه، وعالج نقصه (3)
__________
(1) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ص 366.
(2) رواه البخاري، كتاب الدعوات، باب يستجاب للعبد ما لم يعجل، ح 6340، ومسلم، كتاب الذكر والدعاء، باب استحباب حمد الله تعالى بعد الأكل والشرب، ح 2735.
(3) انظر نور الاقتباس ص 76،77، وجامع العلوم والحكم ص 494،495.
المصادر والمراجع
إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى، 1399هـ.
أسباب النزول، أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي، عالم الكتب، بيروت.
الاستقامة، أبو العباس أحمد بن تيمية، أشرف على طباعته جامعة الإمام، الرياض، الطبعة الأولى 1404هـ.
أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، محمد الأمين الشنقيطي، المطابع الأهلية، الرياض، 1403هـ.
أعلام السنة المنشورة، حافظ بن أحمد الحكمي، مكتبة السوادي، جدة، الطبعة الثانية، 1408هـ.
الأعلام، خير الدين الزركلي، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة السابعة 1976م.
إيضاح المعاني الخفية في الأربعين النووية، محمد تاتاي، دار الوفاء المنصورة بمصر، الطبعة الأولى 1418هـ.
البداية والنهاية، أبو الفداء إسماعيل بن كثير، مطبعة كروستان، مصر، الطبعة الأولى، 1348هـ.
بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار، السعدي، مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة الثالثة 1404هـ.
بهجة الناظرين شرح رياض الصالحين، سليم بن عيد الهلالي، دار ابن الجوزي، الدمام، الطبعة الأولى 1415هـ.
تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي، محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1410هـ.
التحفة الربانية في شرح الأربعين حديثاً النووية، إسماعيل بن محمد الأنصاري، مكتبة الإمام الشافعي، الرياض، الطبعة الأولى، 1415هـ.
تفسير الفاتحة، محمد بن عبد الوهاب، مكتبة الحرمين، الرياض، الطبعة الثالثة، 1409هـ.
تفسير القرآن العظيم، أبو الفداء إسماعيل بن كثير، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، الطبعة الخامسة، 1416هـ.
تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، عبد الرحمن بن ناصر السعدي، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الرابعة، 1417هـ.
جامع البيان في تفسير القرآن، أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، دار الفكر، بيروت، 1398هـ.
جامع العلوم والحكم، ابن رجب الحنبلي، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة السابعة 1419هـ.
حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، أبو نعيم الأصبهاني، دار الكتب العلمية، بيروت.
خلق أفعال العباد، محمد بن إسماعيل البخاري، مكتبة التراث الإسلامي، القاهرة.
دقائق التفسير، أبو العباس أحمد بن تيمية، مؤسسة علوم القرآن، دمشق، الطبعة الثانية، 1404هـ.
دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين، محمد بن علان، نشر وتوزيع إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، الرياض.
ابن رجب الحنبلي وأثره في توضيح عقيدة السلف، عبد الله الغفيلي، دار المسير، الرياض، الطبعة الأولى، 1418هـ.
الرسالة التدمرية، أبو العباس أحمد بن تيمية، المكتب الإسلامي، دمشق، الطبعة الثالثة، 1400هـ.
رياض الصالحين، أبو زكريا يحيي بن شرف النووي، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى، 1417هـ.
الزهد، أحمد بن حنبل، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1403هـ.
الزهد، عبد الله بن المبارك، دار الكتب العلمية، بيروت.
سلسلة الأحاديث الصحيحة، محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، 1392هـ.
السنة، لابن أبي عاصم، تحقيق محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى، 1400هـ.
سنن الترمذي (الجامع الصحيح) ، أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي، دار الدعوة، إستانبول، 1401هـ.
سنن أبي داود، أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني، دار الدعوة، إستانبول، 1401هـ.
سنن ابن ماجة، أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجة، دار الدعوة، إستانبول، 1401هـ.
السنن الكبرى، البيهقي، دار الفكر.
سنن النسائي، أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي، دار الدعوة، إستانبول، 1401هـ.
سير أعلام النبلاء، شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثالثة 1405هـ.
شرح الأربعين حديثاً النووية، ابن دقيق العيد، مؤسسة الطباعة، جدة، 1403هـ.
شرح رياض الصالحين، محمد بن صالح العثيمين، دار الوطن، الرياض، الطبعة الأولى، 1415هـ.
شرح السنة، الحسين بن مسعود البغوي، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى، 1390هـ.
شرح العقيدة الطحاوية، ابن أبي العز الحنفي، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثانية، 1413هـ.
الشريعة، أبو بكر محمد بن الحسين الآجري، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1403 هـ.
شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل، ابن قيم الجوزية، دار المعرفة، بيروت.
صحيح البخاري، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، دار الدعوة، إستانبول، 1401هـ.
صحيح الترغيب والترهيب للمنذري، محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى، 1402هـ.
صحيح الجامع الصغير وزيادته، محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، دمشق، الطبعة الثانية، 1399هـ.
صحيح ابن حبان، تحقيق محمد حمزة، دار الكتب العلمية.
صحيح سنن الترمذي، محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف، الرياض، الطبعة الأولى، 1420هـ.
صحيح سنن ابن ماجة، محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى، 1407هـ.
صحيح الكلم الطيب لابن تيمية، محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الرابعة، 1400هـ.
صحيح مسلم، أبو الحسين مسلم بن حجاج القشيري، دار الدعوة، إستانبول، 1401هـ.
صحيح مسلم بشرح النووي، أبو زكريا يحيي بن شرف النووي، نشر وتوزيع إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، الرياض.
عقيدة المسلمين والرد على الملحدين والمبتدعين، صالح بن إبراهيم البليهي، المطابع الأهلية، الرياض، الطبعة الثانية، 1404هـ.
فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، دار المعرفة، بيروت.
فتح المبين لشرح الأربعين، أحمد بن حجر الهيتمي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1398هـ.
الفتوحات الوهبية بشرح الأربعين حديثاً النووية، إبراهيم بن مرعي الشبرخيتي، دار الفكر.
فيض القدير شرح الجامع الصغير، عبد الرؤوف المناوي، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الثانية 1391هـ.
القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى، محمد الصالح العثيمين، مطابع السلمان، بريدة، 1405هـ.
قواعد وفوائد من الأربعين النووية، ناظم محمد سلطان، دار الهجرة، المملكة العربية السعودية، الطبعة السادسة، 1419هـ.
القول المفيد على كتاب التوحيد، محمد بن صالح العثيمين، دار العاصمة، الطبعة الأولى، 1415هـ.
كتاب الصلاة وحكم تاركها، ابن قيم الجوزية، إدارة ترجمان السنة، باكستان.
الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار، ابن أبي شيبة، الدار السلفية، الهند، الطبعة الأولى، 1401هـ.
لسان العرب المحيط، ابن منظور، دار لسان العرب، بيروت.
اللمعة في الأجوبة السبعة، شيخ الإسلام ابن تيمية، دار الصميعي، الرياض، الطبعة الأولى، 1419هـ.
متن الأربعين النووية، أبو زكريا يحيى بن شرف النووي، ضبط ألفاظها وشرح غريبها محيي الدين مستو، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثالثة، 1398هـ.
المجالس السنية في الكلام على الأربعين النووية، أحمد بن حجازي الفشني، [وهو بهامش شرح الشبرخيتي] .
مجمع الزوائد، الهيثمي، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الثالثة، 1402هـ.
مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية، جمع وترتيب ابن قاسم، الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، الرياض.
مدارج السالكين بين منازل (إياك نعبد وإياك نستعين (، ابن قيم الجوزية، دار الكتاب العربي، بيروت، 1392هـ.
مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، علي بن سلطان محمد القاري، مكتبة إمدادية، باكستان.
المستدرك على الصحيحين، أبو عبد الله النيسابوري الحاكم، مكتبة النصر الحديثة، الرياض.
المسند، أحمد بن حنبل الشيباني، المكتب الإسلامي، بيروت 1978م.
المسند، الحميدي، تحقيق الأعظمي، عالم الكتب، بيروت.
مسند أبي يعلى، أبو يعلى الموصلي، تحقيق حسين سليم، دار المأمون، بيروت، الطبعة الأولى، 1404هـ.
معالم التنزيل، أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الثانية، 1407هـ.
المعجم الكبير، الحافظ أبو القاسم الطبراني، مطبعة الوطن العربي في بغداد، تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي.
مناقب الشافعي، البيهقي، تحقيق أحمد صقر، مكتبة دار التراث، القاهرة، 1391هـ.
منهاج السنة، أبو العباس أحمد بن تيمية، أشرفت على طباعته جامعة الإمام، الطبعة الأولى، 1406هـ.
نور الاقتباس، ابن رجب الحنبلي، مكتبة دار البيان، دمشق، الطبعة الأولى 1412هـ.
الوافي في شرح الأربعين النووية، مصطفى البغا ومحيي الدين مستو، دار ابن كثير، دمشق، الطبعة العاشرة، 1417هـ.(10/240)